موسوعة أهل البيت عليهم السلام المجلد 3

اشارة

موسوعه اهل البيت عليهم السلام

نويسنده: السيد علي عاشور

دارالنظير عبود - بيروت - لبنان

مشخصات ظاهري: 20 ج

1427ه - 2006م

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

ص: 4

الجزء الثالث

مقدمة

هو علي بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي.و أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم و هي أول هاشمية ولدت هاشميا و هو أصغر ولد أبي طالب جعفر و عقيل و طالب و علي.

زوّجه النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلم ابنته فاطمة رضي اللّه عنها سيدة نساء أهل الجنة و له من الشجاعة و العلم و الحلم و الورع و كرم الأخلاق ما لا يسعه كتاب.

بويع بالخلافة يوم قتل عثمان و اجتمع علي بيعته أهل الحل و العقد من المهاجرين و الأنصار إلاّ نفر يسير.

تخلّف عن بيعته معاوية في أهل الشام و التحمت بينهم حروب و لم يزل فيها الظفر علي الفئة الباغية إلي أن وقع التحكيم و خدع فيه،و حينئذ خرجت الخوارج فكفّروه و كفّروا من معه و قالوا حكمت الرجال في دين اللّه و اللّه تعالي يقول: إِنِ الْحُكْمُ إِلاّٰ لِلّٰهِ ثم اجتمعوا و شقّوا عصا المسلمين و نصبوا راية الخلاف و سفكوا الدماء فخرج إليهم بمن معه و طلبهم إلي الرجوع فأبوا إلاّ القتال فقاتلهم بالنهروان فقتلهم و لم ينج منهم إلاّ اليسير فانتدب إليه رجل من بقية الخوارج يقال له عبد الرحمن بن ملجم،فدخل عليه فقتله.

آخي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بين المهاجرين و الأنصار يتوارثون،فآخي عليا يوارثه حتي نزلت:

وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ فرجعت الوراثة إلي الأرحام.

و شهد مع النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بدرا و المشاهد كلها،و هو أحد أصحاب الشوري الستة الذين شهد لهم عمر بن الخطاب أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم توفي و هو عنهم راض.

و له يقول أسيد بن أبي إياس بن زنيم بن مجينة بن عبد بن عدي بن الديل،و هو يحرض مشركي قريش علي قتله و يعيرهم (1)(2)

في كلّ مجمع غاية أخزاكم جذع أبرّ علي المذاكي القرّح (3)

ص: 5


1- في نسخة:و يغريهم.
2- أسد الغابة 595/3.
3- الغاية:المدي،و الراية.و الجذع بفتحتين الشاب الحدث،و المذاكي:الخيل التي أتي عليها بعد قروحها سنة أو سنتان.

لله درّكم ألما تنكروا قد ينكر الحيّ الكريم و يستحي

هذا ابن فاطمة الذي أفناكم ذبحا و قتلة قعصة لم يذبح

أفناهم قعصا و ضربا يقتري بالسيف يعمل حدّه لم يصفح (1)

أعطوه خرجا و اتّقوا بمصيبة فعل الذّليل و بيعة لم تربح (2)

يدعي أبا الحسن،و كان يدعي أبا تراب،و يقال:إنّه كان ربعة آدم،و قد قيل:أحمر ضخم المنكبين،طويل اللحية،أصلع،عظيم البطن،أبيض الرأس و اللحية.

***

نسب أمير المؤمنين عليه السّلام

عليّ بن أبي طالب و اسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلّب،و اسم عبد المطّلب شيبة بن هاشم،و اسم هاشم عمرو بن عبد مناف،و اسم عبد مناف المغيرة بن قصي و اسم قصي زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر.

محمد العالي سرادق مجده علي قمّة العرش المجيد تعاليا

علي علا فوق السماوات قدره و من فضله نال المعالي الأمانيا (3)

فأسّس بنيان الولاية متقنا و حاز ذوو التحقيق منه الأمانيا (4)

***

أسماء أمير المؤمنين عليه السّلام

قال:ابن قتيبة:معني قوله:«أنا الذي سمّتني أمي حيدره»:ذكروا أنّ عليّ بن أبي طالب ولد و أبو طالب غائب،و سمّته أمه فاطمة بنت أسد،و هي أم عليّ عليه السّلام،أسدا باسم أبيها،فلما قدم أبو طالب كره هذا الإسم الذي سمّته به أمّه،[و سمّاه عليا،فلما رجز عليّ يوم خيبر،ذكر الإسم الذي سمّته به أمه]و حيدرة اسم من أسماء الأسد،و هي أشجعها،كأنه قال:أنا الأسد.(و السندرة شجر يعمل منها القسي و النبل،قال الهذلي:

ص: 6


1- أصفحه بالسيف:ضربة بعرضه.
2- الإصابة 37/1 ترجمة اسيد و أسد الغابة:21/4.
3- في الصراط المستقيم:226/1:...و سار مع الركبان في الأرض أمره.
4- فرائد السمطين:14/1.

إذا أدركت أولاهم أخرياتهم حنوت لهم بالسّندري الموتر (1)

و عن سهل بن سعد قال:استعمل علي المدينة رجل من آل مروان قال:فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم عليا-زاد ابن خلف:فأبي سهل،فقال له:و قالا-أما إذا أبيت فقل:لعن اللّه أبا تراب.

فقال سهل:ما كان لعلي اسم أحبّ إليه من أبي تراب،و إن كان ليفرح إذا دعي به،فقال له:

أخبرنا عن قصته لم سمّي أبا تراب؟

قال:جاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت،فقال:«أين ابن عمّك؟».

فقالت:كان بيني و بينه شيء،فغاظني-و قال ابن نعيم:فغاضبني-فخرج و لم يقل عندي، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لإنسان:«أنظر أين هو؟»فجاء.

فقال:يا رسول اللّه،هو في المسجد راقد،فجاءه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه،فأصابه تراب،فجعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يمسحه عنه و يقول:«قم أبا تراب،قم أبا تراب».رواه مسلم عن قتيبة (2).

و عن أبي الطفيل قال:جاء النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و عليّ-عليه السّلام-نائم في التراب،فقال:«أحقّ أسمائك أبو تراب،أنت أبو تراب» (3).

و مما ذكر له عليه السّلام من أسماء و ألقاب:

الليث المعاهر،و العقاب الكاسر،و السيف البتور،و البطل المنصور،و الضيغم المهصور، و السيّد الوقور،و البحر المسجور،و العلم المنشور،و العباب الزاخر الخضم،و الطود الشاهق الأشمّ،و ساقي المؤمنين من الحوض بالأوفي و الأتمّ،أسد اللّه الكرّار أبي الأئمّة الأطهار المشرّف بمزيّة من كنت مولاه فعليّ مولاه،و المؤيّد بدعوة اللهمّ و ال من والاه و عاد من عاداه،كاسر الأنصاب،و هازم الأحزاب،المتصدّق بخاتمه في المحراب،فارس ميدان الطعان و الضراب،هزبر كلّ عرين،و ضرغام كلّ غاب،الذي كلّ لسان كلّ معتاب و مغتاب،و بيان كلّ ذام و مرتاب عن قدح في قدح معاليه لنقا حبابه عن كلّ ذم و عاب،المخصوص من الحضرة النبوية بكرامة الاخوّة و الإنتخاب،المنصوص عليه بأنّه لدار الحكمة و مدينة العلم باب،و بفضله و اصطفائه نزل الوحي و نطق الكتاب،المكنّي بأبي الريحانتين و أبي الحسن و أبي التراب،هو النبأ العظيم،و فلك نوح، و باب اللّه و انقطع الخطاب،ذو البراهين القاطعة و الآيات الدامغة،و صاحب الكرامات الظاهرة2.

ص: 7


1- لسان العرب:382/4،و تاج العروس:281/3،و السندري اسم القوس.
2- صحيح مسلم:(44)كتاب الفضائل،(4)باب،الحديث رقم 2409(1874/4)
3- الغدير:334/6،و تاريخ مدينة دمشق:18/42.

و الحجج البالغة،ينبوع الخير و معدن البركات،و منجي غرقي بحار المعاصي من المخازي و المهاوي و الدركات،الإمام الذي هو من ظلم الجهالة و الضلالة نبراس،و في قحم المبارزة و الطعان هرماس حياس (1)و لمدائن العلوم و الحكم اليقينيّة فضائله أساس،و ما في قربه من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و مفاخره التي لا يحيط بها و هم و حدّ و مقياس عند ذي رأي و دين شبهة و ريبة و التباس:

أخو خاتم الرسل الكرام محمد رسول إله العالمين مطهر

علي نجي المصطفي و وزيره أبو السادة الغرّ البهاليل حيدر

أبو السبطين الحسن و الحسين،وارث الرسل و مولي الثقلين،مبدع جسيمات المكارم و مفيض عمومات المنن الذي حبّه و حبّ أولاده من أوفي العدد و أوقي الجنن.

أخو أحمد المختار صفوة هاشم أبو السادة الغرّ الميامين مؤتمن

و صهر إمام المرسلين محمد علي أمير المؤمنين أبو الحسن

هما ظهرا شخصين و النور واحد بنصّ حديث النفس و النور فاعلمن (2)

هو الوزر المأمول في كل خطة و إن لا ينجينا ولايته فمن

عليهم صلاة اللّه ما لاح كوكب و ما هبّ ممراض النسيم علي قنن (3)

***

مولد أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه

ولد أمير المؤمنين عليه السّلام بعد عام الفيل بثلاثين سنة و قتل عليه السّلام في شهر رمضان لتسع بقين منه ليلة الأحد سنة أربعين من الهجرة و هو ابن ثلاث و ستّين سنة،بقي بعد قبض النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثلاثين سنة و أمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف و هو أوّل هاشميّ ولده هاشم مرّتين.

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنّ فاطمة بنت أسد جاءت إلي أبي طالب لتبشّره بمولد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال أبو طالب:إصبري سبتا أبشّرك بمثله إلاّ النبوّة،و قال:السبت ثلاثون سنة و كان بين رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليه السّلام ثلاثون سنة (4).

***

ص: 8


1- الهرماس:ولد النمر.الحواس:الشجاع الجريء.
2- فوائد السمطين:15/1 ط.بيروت.
3- نفحات الأزهار:250/8.
4- الكافي:18452/1،و البحار:586/35.

فضائل علي عليه السّلام

اشارة

قال أحمد بن حنبل:ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب رضي اللّه عنه (1).

قد اتفق عليه العامة و الخاصة و لا ينكره عدوه قال الآبي:ذكر ابن عبد البر باسناده إلي ضرار و قال له معاوية صف لي عليا فقال:أعفني يا أمير المؤمنين،فقال:لا بد،فقال:أما إذ و لا بد من وصفه فكان و اللّه شديد القوي،بعيد المدي،يقول فصلا،و يحكم عدلا،ينفجر العلم من جوانبه، و تنطق الحكمة من نواحيه،يستوحش من الدنيا و زهرتها،و يأنس بالليل و وحشته.

و قد ذكر مناقب كثيرة جليلة تركنا تفصيلها للإطناب-إلي أن قال-فبكي معاوية و قال:رحم اللّه أبا الحسن كان و اللّه كذلك،كيف حزنك عليه يا ضرار؟

قال:حزن من ذبح ولدها في حجرها.ثم قال الآبي:و هذا من معاوية يدل علي معرفته بفضل علي رضي اللّه عنه و عظيم حقه و منزلته،و قال أيضا:قال صعصعة بن صوحان يوم بايع عليا رضي اللّه عنه فقال:يا أمير المؤمنين لقد زيّنت الخلافة و ما زانتك،و رفعتها و ما رفعتك،و هي إليك أحوج منك إليها،و قام ثابت بن قيس خطيب الأنصار فقال:و اللّه يا أمير المؤمنين لئن سبقوك في الولاية فما يقدمونك في الدين و قد كانوا و كنت لا يخفي موضعك و لا يجهل مكانك يحتاجون إليك فيما لا يعلمون،و ما احتجت إلي أحد مع علمك.و قام خزيمة الأنصاري ذو الشهادتين فقال:يا أمير المؤمنين ما وجدنا لأمرنا هذا غيرك أنت أقدم الناس إيمانا و أعلمهم باللّه و أولي المؤمنين برسول اللّه (2).

و قال عياض:لعلي رضي اللّه عنه من الشجاعة و العلم و الحلم و الزهد و الورع و كرم الاخلاق و غير ذلك من المناقب ما لا يسعه كتاب.و قال الآمدي:لا يخفي أنّ عليا رضي اللّه عنه كان مستجمعا لخلال شريفة و مناقب منيفة كان بعضها كافيا في استحقاق الإمامة و قد اجتمع فيه من حميد الصفات و أنواع الكمالات ما تفرق في غيره من الصحابة حتي إنه من أشجع الصحابة و أعلمهم و أزهدهم و أفصحهم و أسبقهم إيمانا و أكثرهم جهادا بين يدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أقربهم نسبا و صهرا منه كان معدودا في أول الجريدة و سابقا إلي كمال كل فضيلة و قد قال فيه رباني هذه الأمة ابن عباس رضي اللّه عنه (3):

قال ابن عبّاس قال:ستكون فتنة،فمن أدركها منكم فعليه بخصلتين:كتاب اللّه،و عليّ بن أبي طالب،فإني سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول و هو آخذ بيد عليّ:«هذا أوّل من آمن بي،و أوّل من

ص: 9


1- تاريخ الإسلام(الخلفاء الراشدون):638 و المستدرك 107/3.
2- شرح أصول الكافي:203/7.
3- و كثرت روايات ابن عباس في فضله.

يصافحني،و هو فاروق هذه الأمة،يفرق بين الحق و الباطل،و هو يعسوب المؤمنين،و المال يعسوب الظلمة،و هو الصدّيق الأكبر،و هو بابي الذي أوتي منه،و هو خليفتي من بعدي» (1).

و قال:عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال لأمّ سلمة:«يا أمّ سلمة،إن عليا لحمه من لحمي،و دمه من دمي، و هو منّي بمنزلة هارون من موسي غير أنه لا نبيّ بعدي» (2).

و قال عليّ بن أبي طالب،فإني سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول و هو آخذ بيد عليّ:«هذا أوّل من آمن بي،و أوّل من يصافحني يوم القيامة،و هو فاروق هذه الأمة،يفرق بين الحقّ و الباطل،و هو يعسوب المؤمنين،و المال يعسوب الظالمين،و هو الصّدّيق الأكبر،و هو بابي الذي أوتي منه،و هو خليفتي من بعدي» (3).

و عن أبي ليلي قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«الصدّيقون ثلاثة:حبيب النجار مؤمن آل ياسين الذي قال: يٰا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ و حز قيل مؤمن آل فرعون الذي قال: أَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللّٰهُ (4)«و عليّ بن أبي طالب و هو أفضلهم» (5).

و عن عليّ بن أبي طالب أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم جمع قريشا ثم قال:«لا يؤدّي أحد عني ديني إلا عليّ».

عن عليّ بن أبي طالب قال:لما نزلت: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (6)دعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم رجالا من أهل بيته إن كان الرهط منهم لآكلا الجذعة،و إن كان لشاربا فرقا،فقدّم إليهم رجل شاة، فأكلوا حتي شبعوا،ثم قال:«عليّ يقضي ديني،و ينجز موعدي» (7).

عن زيد بن أبي أوفي قال:دخلت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مسجده فقال:«أين فلان ابن فلان؟» فجعل ينظر في وجوه أصحابه،فذكر الحديث في المؤاخاة و فيه:فقال عليّ:لقد ذهبت روحي و انقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري،فإن كان هذا من سخط عليّ فلك العتبي و الكرامة؟فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«و الذي بعثني بالحقّ،ما أخّرتك إلاّ لنفسي،و أنت مني بمنزلة هارون من موسي غير أنّه لا نبي بعدي،و أنت أخي و وارثي»،قال:و ما أرث منك يا رسول اللّه؟ قال:«ما ورّثت الأنبياء من قبلي»قال:و ما ورّثت الأنبياء من قبلك؟قال:«كتاب ربّهم،و سنّة نبيّهم6.

ص: 10


1- فرائد السمطين:39/1.
2- التدوين للقزويني:89/1.
3- الكامل لابن عدي:237/4،رقم:1064.
4- سورة المؤمن،الآية:28.
5- الجامع الصغير:81/2،و تاريخ الخميس:275/2،و فضائل الصحابة لأحمد:628/2.
6- سورة الشعراء،الآية:214.
7- كنز العمال:150/13،ح:36466.

و أنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي،و أنت أخي،و رفيقي»،ثم تلا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:

إِخْوٰاناً عَليٰ سُرُرٍ مُتَقٰابِلِينَ (1) المتحابين في اللّه ينظر بعضهم إلي بعض» (2).

عن محدوج بن زيد الذهلي أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لما آخي بين المسلمين أخذ بيد عليّ فوضعها علي صدره ثم قال:«يا عليّ أنت أخي،و أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنه لا نبيّ بعدي، أما تعلم أنّ أوّل من يدعي به يوم القيامة يدعي بي،فأقام عن يمين العرش في ظله،فأكسي حلّة خضراء من حلل الجنة،ثم يدعي بأبيك إبراهيم عليه السّلام فيقام عن يمين العرش،فيكسي حلّة خضراء من حلل الجنة،ثم يدعي بالنبيين و المرسلين بعضهم علي إثر بعض،فيقومون سماطين،فيكسون حللا خضرا من حلل الجنة،و أنا أخبرك يا عليّ أنه أوّل من يدعي بي من أمّتي يدعي بك لقرابتك مني، و منزلتك عندي،فيدفع إليك لوائي،و هو لواء الحمد،يستبشر به آدم و جميع من خلق اللّه عزّ و جلّ من الأنبياء و المرسلين،فيستظلّون بظلّ لوائي،فتسير باللواء بين السماطين،الحسن بن عليّ عن يمينك،و الحسين عن يسارك حتي تقف بيني و بين إبراهيم في ظل العرش،فتكسي حلّة خضراء من حلل الجنة،فينادي مناد من عند العرش:يا محمّد،نعم الأب أبوك إبراهيم،و نعم الأخ أخوك و هو عليّ،يا عليّ إنك تدعي إذا دعيت و تحيّي إذا حيّيت،و تكسي إذا كسيت» (3).

الحسين،عن أبيه عليّ بن أبي طالب قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إذا كان يوم القيامة نوديت من بطنان العرش:نعم الأب أبوك إبراهيم الخليل،و نعم الأخ أخوك عليّ بن أبي طالب» (4).

أخبرنا أبو عليّ الحداد[الحسن]بن أحمد،عن أبو نعيم أحمد بن عبد الله (5)،عن إبراهيم بن أحمد ابن أبي حصين،عن محمّد بن عبد اللّه الحضرمي،عن خلف بن خالد العبدي،عن بشر بن إبراهيم الأنصاري عن ثور بن يزيد،عن خالد بن معدان،عن معاذ،بن جبل قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يا عليّ أخصمك بالنبوة،و لا نبوة بعدي،و تخصم الناس بسبع و لا يحاجّك فيها أحد من قريش،اللّهم أنت أوّلهم إيمانا باللّه،و أوفاهم بعهد اللّه،و أقومهم بأمر اللّه،و أقسمهم بالسوية، و أعدلهم في الرعية،و أبصرهم بالقضية،و أعظمهم عند اللّه مزيّة» (6).

و عن ابن عبّاس قال:قال عمر بن الخطاب:كفّوا عن عليّ،فإني سمعت[من] (7)رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيه خصالا لو أن خصلة منها في جميع آل الخطّاب كان أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس،ح.

ص: 11


1- سورة الحجر،الآية:47.
2- كنز العمال:167،ح 2555.
3- كنز العمال:156/13،ح 36482،و ينابيع المودة:487/2.
4- كنز العمال:723/5،ح 14242 و 32297.
5- حلية الاولياء 65/1-66 ضمن أخبار عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
6- كنز العمال:617/11،ح 32994.
7- زيادة لازمة للإيضاح.

إني كنت ذات يوم و أبو بكر و عبد الرّحمن،و عثمان بن عفّان،و أبو عبيدة بن الجراح في نفر من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فانتهينا إلي باب أمّ سلمة،إذا نحن بعلي متكيء علي نجف (1)الباب، فقلنا:أردنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فقال:هو في البيت يخرج عليكم الآن،قال:فخرج علينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فثرنا حوله،فاتكأ علي عليّ،ثم ضرب يده علي منكبه و قال:«اكس (2)ابن أبي طالب، فإنّك مخاصم بسبع خصال ليس لأحد بعدهن إلاّ فضلك،إنّك أوّل المؤمنين معي إيمانا،و أعلمهم بأيام اللّه،و أوفاهم بعهده و أرأفهم بالرعية،و أقسمهم بالسوية،و أعظمهم عند اللّه مزية» (3).

عن جابر قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«مكتوب علي باب الجنّة:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه،عليّ أخو رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قبل أن يخلق السّموات و الأرض بألفيّ عام» (4).

و عن جابر قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«رأيت علي باب الجنة مكتوبا:لا إله إلا اللّه،محمّد رسول اللّه،عليّ أخو رسول اللّه» (5).

عن جابر أن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان بعرفة و عليّ تجاهه فقال:«يا عليّ ادن منّي،ضع خمسك في خمسي،يا عليّ خلقت أنا و أنت من شجرة أنا أصلها و أنت فرعها،و الحسن و الحسين أغصانها، من تعّلق بغصن منها أدخله اللّه الجنّة».

زاد ابن زاطيا:«يا عليّ لو أن أمتي صاموا حتي يكونوا كالحنايا،و صلّوا حتي يكونوا كالأوتار ثم أبغضوك لأكبّهم اللّه علي وجوههم في النار» (6).

و عن جعفر بن محمّد عن أبيهما،عن جدهما قالا:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إن في الفردوس لعينا أحلي من الشهد،و ألين من الزبد،و أبرد من الثلج،و أطيب من المسك،فيها طينة خلقنا اللّه منها،و خلق منها شيعتنا،فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منّا و لا من شيعتنا،و هي الميثاق الذي أخذ اللّه عزّ و جلّ عليه ولاية عليّ بن أبي طالب» (7).

أبو أمامة الباهلي قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«خلق الأنبياء من أشجار شتي،و خلقني و عليا من شجرة واحدة،فأنا أصلها و عليّ فرعها،و فاطمة لقاحها،و الحسن و الحسين ثمرها،فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا،و من زاغ هوي،و لو أنّ عبدا عبد اللّه بين الصّفا و المروة ألف عام ثم ألف1.

ص: 12


1- نجف الباب:عتبته(القاموس المحيط).
2- أي افخر،و الكساء:الرفعة.
3- كنز العمال:117/13،ح 36378.
4- المعجم الأوسط:343/5،و سنن العمال:138/13،ح 36435.
5- كنز العمّال:138/13،ح 36435،عنه.
6- المستدرك:160/3.
7- ميزان الاعتدال:23/3،رقم 5441.

عام ثم ألف عام ثم لم يدرك محبتنا إلاّ أكبّه اللّه علي منخريه في النار»،ثم تلا: قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبيٰ (1).

جابر بن عبد اللّه قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بعرفات و عليّ تجاهه،فأومأ إليّ و إلي علي،فأتينا النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو يقول:«أدن يا عليّ»،فدنا منه عليّ،فقال:«ضع خمسك في خمسي-يعني كفّك في كفّي-يا عليّ خلقت أنا و أنت من شجرة أنا أصلها و أنت فرعها،و الحسن و الحسين أغصانها،فمن تعلّق بغصن منها دخل الجنّة،يا عليّ لو أن أمتي صاموا حتي يكونوا كالحنايا،و صلّوا حتي يكونوا كالأوتار،ثم أبغضوك لأكبّهم اللّه في النار» (2).

و عن عبد اللّه بن عبّاس أنه سمعه يقول:أنام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عليا علي فراشه ليلة انطلق إلي الغار،فجاء أبو بكر يطلب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فأخبره عليّ أنه قد انطلق،فاتّبعه أبو بكر،و باتت قريش تنظر عليا،و جعلوا يرمونه،فلمّا أصبحوا إذا هم بعلي،فقالوا:أين محمّد؟قال:لا علم لي به، فقالوا:قد أنكرنا تضررك،كنا نرمي محمّدا فلا يتضرر و أنت تضرر،و فيه نزلت هذه الآية: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ (3)(4).

عن أبي رافع أن عليا كان يجهّز النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حين كان بالغار و يأتيه بالطعام،و استأجر له ثلاث رواحل،للنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لأبي بكر و دليلهم ابن أريقط،و خلّفه النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فخرج إليه أهله،فخرج، و أمره أن يؤدي عنه أمانته و وصايا من كان يوصي إليه،و ما كان يؤتمن عليه من مال،فأدي أمانته كلها،و أمره أن يضطجع علي فراشه ليلة خرج،و قال:«إن قريشا لن يفقدوني ما رأوك»،فاضطجع [عليّ]علي فراشه،فكانت قريش تنظر إلي فراش النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيرون عليه رجلا يظنونه النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم، حتي إذا أصبحوا رأوا عليه عليا،فقالوا:لو خرج محمّد خرج بعلي معه،فحبسهم اللّه عزّ و جلّ بذلك عن طلب النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حين رأوا عليا و لم يفقدوا النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

و أمر النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عليا أن يلحقه بالمدينة،فخرج عليّ في طلبه بعد ما أخرج إليه[أهله يمشي]في الليل و يكمن في النهار حتي قدم المدينة،فلما بلغ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قدومه قال:«أدعوا لي عليا»[قيل:يا رسول الله]لا يقدر أن يمشي،فأتاه النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلما رآه النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم اعتنقه و بكي[رحمة]لما بقدميه من الورم،و كانتا تقطران دما،فتفل النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في يديه ثم مسح بهما رجليه،و دعا له بالعافية،فلم يشتكهما عليّ حتي استشهد (5).

عن جابر بن سمرة،قال:قالوا:يا رسول اللّه،من يحمل رايتك يوم القيامة؟قال:«و من2.

ص: 13


1- المستدرك للحاكم:160/3.
2- ينابيع المودّة:271/1.
3- سورة البقرة،الآية:207.
4- ينابيع المودّة:274/1.
5- تاريخ دمشق:68/42.

عسي أن يحملها يوم القيامة إلا من كان يحملها في الدنيا،عليّ بن أبي طالب»؟ (1).

عن معمر بن المثني قال:كان لواء المشركين يوم بدر مع طلحة بن أبي طلحة،فقتله عليّ ابن أبي طالب،و في ذلك يقول الحجّاج بن علاط السلمي (2):

لله أي مذبّب عن حرمة أعني ابن فاطمة المعمّ المخولا

جادت يداك له بعاجل طعنة تركت طليحة للجبين مجدّلا

و شددت شدّة باسل فكشفتهم بالجر إذ يهوين أخول أخولا

و عللت سيفك بالدماء و لم تكن لتردّه حرّان حتي ينهلا

عن أبي رافع قال:لما كان يوم أحد نظر النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي نفر من قريش فقال لعلي:«احمل عليهم»،فحمل عليهم،فقتل هاشم بن أمية المخزومي،و فرّق جماعتهم،ثم نظر النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي جماعة من قريش فقال لعلي:«إحمل عليهم»،فحمل عليهم ففرق جماعتهم،فقتل فلانا الجمحي، ثم نظر إلي نفر من قريش فقال لعلي:«احمل عليهم»،فحمل عليهم،ففرق جماعتهم،و قتل أحد بني عامر بن لؤي،فقال له جبريل عليه السّلام:إن هذه المؤاساة،فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنه منّي و أنا منه»،فقال جبريل:و أنا منكم يا رسول اللّه (3).

و عن ابن عمر قال:كنا نقول علي عهد-و في حديث ابن إبراهيم:في زمان-رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم خير الناس،ثم أبو بكر،ثم عمر،و لقد أعطي عليّ ثلاثا لئن أكون أعطيتهن أحبّ إليّ من حمر النعم،زوّجه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فاطمة فولدت له،و أعطي الراية يوم خيبر،و سدّت أبواب الناس إلاّ بابه-و في حديث عبد اللّه بن محمّد:إلا باب عليّ رضي اللّه عنه،و فيه:و لقد أعطي عليّ بن أبي طالب،و فيه:خير الناس:رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و الباقي مثله (4).

و عن عليّ الهلالي قال:دخلت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في شكاته التي قبض فيها،فإذا فاطمة عند رأسه قال:فبكت حتي ارتفع صوتها،فرفع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم طرفه إليها فقال:«حبيبتي فاطمة،ما الذي يبكيك؟».

قالت:أخشي الضيعة من بعدك،فقال:«أما علمت أنّ اللّه اطّلع علي الأرض اطّلاعة فاختار منها أباك يبعثه برسالته،ثم اطّلع اطلاعة فاختار منها بعلك و أوحي إليّ أن أنكحك إياه يا فاطمة، و نحن أهل بيت قد أعطانا اللّه سبع خصال لم يعط أحد قبلنا و لا يعطي أحد بعدنا:أنا خاتم النبيين، و أكرم النبيين علي اللّه،و أحبّ المخلوفين إلي اللّه،و أنا أبوك،و وصيّي خير الأوصياء،و أحبّهم إلي7.

ص: 14


1- مناقب ابن الدمشقي:182.
2- سيرة ابن هشام 159/3.
3- تاريخ مدينة دمشق:76/42.
4- أخبار أصبهان 276/1 ضمن ترجمة الحسين بن حفص،و انظر البداية و النهاية 341/7.

اللّه و هو بعلك،و شهيدنا خير الشهداء،و أحبّهم إلي اللّه و هو حمزة بن عبد المطلب،و هو عمّ أبيك، و عمّ بعلك،و منّا من له جناحان أخضران يطير في الجنة مع الملائكة حيث شاء،و هو ابن عمّ أبيك،و أخو بعلك،و منّا سبطا هذه الأمة،و هما ابناك الحسن و الحسين،و هما سيّدا شباب أهل الجنّة،و أبوهما و الذي بعثني بالحق خير منهما.

يا فاطمة و الذي بعثني بالحقّ إنّ منهما مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجا مرجا، و تظاهرت الفتن،و تقطّعت السبل،و أغار بعضهم علي بعض،فلا كبير يرحم صغيرا،و لا صغير يوقر كبيرا،فيبعث اللّه عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة،و قلوبا غلفا.يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في أوّل الزمان،و يملأ الدنيا عدلا كما ملئت جورا.

يا فاطمة لا تحزني و لا تبكي،فإنّ اللّه أرحم بك و أرأف عليك مني،و ذلك لمكانك مني، و موضعك من قلبي،و زوّجك اللّه زوجك و هو أشرف أهل بيتي حسبا و أكرمهم منصبا،و أرحمهم بالرعية،و أعدلهم بالسّوية،و أبصرهم بالقضية،و قد سألت ربي عزّ و جلّ أن تكوني أوّل من يلحقني من أهل بيتي» (1).

عن زيد بن أرقم قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«من أراد أن يتمسّك بالقضيب الياقوت الأحمر الذي غرسه اللّه لنبيّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بيمينه في جنة الخلد،فليتمسك بحبّ عليّ بن أبي طالب» (2).

و عن عليّ قال:أهدي لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم طير يقال له الحباري،فوضع بين يديه،و كان أنس بن مالك يحجبه،فرفع النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يده إلي اللّه ثم قال:«اللّهم اثتني بأحبّ خلقك اليك يأكل معي من هذا الطير»،قال:فجاء عليّ،فاستأذن،فقال له أنس:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي حاجة،فرجع،ثم دعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فرجع،ثم دعا الثالثة فجاء عليّ فأدخله،فلما رآه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«اللّهم و إليّ»،فأكل معه،فلما كان خرج عليّ قال أنس:اتّبعت عليا فقلت:يا أبا حسن إستغفر لي،فإنّ لي إليك ذنبا،و إنّ عندي بشارة،فأخبرته بما كان من النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فحمد اللّه،و استغفر لي،و رضي عنّي، أذهب ذنبي عنده بشارتي إياه (3).

و عن جميع بن عمير،قال:دخلت مع عمّتي علي عائشة،فقالت عمتي لعائشة:من كان أحبّ الناس إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟قالت:فاطمة،قالت:من الرجال؟قالت:زوجها.7.

ص: 15


1- مناقب الكوفي 1:255 و 2:695/231،شرح الأخبار 1:43/118،ذخائر العقبي:136،المعجم الكبير للطبراني 3:2675/57،و رواه في الأوسط،المغني للذهبي 2:716،مجمع الزوائد 9:166 و 8:253.
2- المناقب:274/2،و البحار:111/23 ج 18.
3- البداية و النهاية 390/7.

حدثني أبو القاسم محمود بن عبد الرّحمن البستي،عن بكر بن خلف،عن أبي الحاكم أبو عبد اللّه،عن أبي بكر بن أبي دارم الحافظ-بالكوفة-عن المنذر بن محمد بن المنذر،عن أبي، حدثني عمي الحسين،عن سعيد بن أبي الجهم،عن أبيه،عن أبان بن تغلب،عن جميع بن عمير قال:دخلت مع عمتي علي عائشة فسألتها:من كان أحبّ الناس إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟فقالت:

فاطمة،فقلت:من الرجال؟قالت:زوجها (1).

عن معاوية بن ثعلبة قال:قال رجل[لأبي ذرّ و هو جالس في مسجد النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا أبا ذرّ] أخبرني بأحبّهم إليك،قال:أحبّهم إليّ أحبهم إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،ثم قال:أي و ربّ الكعبة إن أحبّهم إليّ أحبّهم إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و أشار بيده إلي عليّ بن أبي طالب (2).

و عن عبد الرّحمن ابن أخي زيد بن أرقم قال:دخلت علي أم سلمة أم المؤمنين،فقالت:من أين أنتم؟فقلت:من أهل الكوفة،فقالت:أنتم الذين تشتمون النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقلت:ما علمنا أحدا يشتم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،قالت:بلي،أليس يلعنون عليا،و يلعنون من يحبّه؟و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يحبّه (3).

و عن سلمان الفارسي قال:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ضرب فخذ عليّ بن أبي طالب و صدره و سمعته يقول:«محبّك محبّي،و محبّي محبّ اللّه،و مبغضك مبغضي،و مبغضي مبغض اللّه» (4).

قال ابن عدي:و هذا الحديث بهذا الإسناد باطل،و كنّا نتهم جعفر بن أحمد بن بيان بهذا.

عن يعلي بن مرة الثقفي قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«من أطاع عليا فقد أطاعني،و من عصي عليا فقد عصاني،و من عصاني فقد عصي اللّه،و من أحبّ عليا فقد أحبّني،و من أحبّني فقد أحبّ اللّه،و من أبغض عليا فقد أبغضني و من أبغضني فقد أبغض اللّه،لا يحبّك إلاّ مؤمنّ،و لا يبغضك،إلاّ كافر أو منافق» (5).

عن أبي الطفيل،عن أبي ذرّ قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول لعلي:«إنّ اللّه أخذ ميثاق المؤمنين علي حبّك،و أخذ ميثاق المنافقين علي بغضك،و لو ضربت خيشوم المؤمن ما أبغضك، و لو نثرت الدنانير علي المنافق ما أحبّك،يا عليّ لا يحبّك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق» (6).

و عن ابن عبّاس أن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«إنما رفع اللّه القطر عن بني إسرائيل بسوء رأيهم فير.

ص: 16


1- المستدرل:120/3.
2- مناقب الخوارزمي:69.
3- مسند أحمد 6:323،المستدرك 3:121،مجمع الزوائد 9:130.
4- المعجم الكبير 6:6097/239،كنز العمال 11:33023/622،مجمع الزوائد 9:132.
5- المستدرك 3:121،الكامل لابن عدي 4:1654،كنز العمال 11:33024/622.
6- ربيع الأبرار:488/1،امتاع الأسماع:391/1 ط.مصر.

أنبيائهم،و أنّ اللّه عزّ و جلّ يرفع القطر عن هذه الأمة ببغضهم عليّ بن أبي طالب» (1).

و عن أبي سعيد الخدري قال:ما كنّا نعرف المنافقين علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ ببغض عليّ (2).

و عن عبادة بن الصامت،قال:كنا ننور أولادنا بحبّ عليّ بن أبي طالب،فإذا رأينا أحدا لا يحبّ عليّ بن أبي طالب علمنا أنه ليس منا،و أنه لغير رشده (3)

عن محبوب بن أبي الزناد قال:قالت الأنصار:إن كنا لنعرف الرجل إلي غير أبيه ببغضه عليّ بن أبي طالب (4).

و عن أنس قال:كان النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذا أراد أن يشهد عليا في موطن أو مشهد علا علي راحلته و أمر الناس أن ينخفضوا دونه،و أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم شهر عليا يوم خيبر فقال:«يا أيها الناس من أحبّ أن ينظر إلي آدم في خلقه-و أنا في خلقي-و إلي إبراهيم في خلّته،و إلي موسي في مناجاته، و إلي يحيي في زهده،و إلي عيسي في سنّته فلينظر إلي عليّ بن أبي طالب إذا خطر بين الصفين كأنما يتقلّع من صخر أو يتحدّر من دهر (5)،يا أيها الناس امتحنوا أولادكم بحبه فإنّ عليا لا يدعو إلي ضلالة و لا يبعد عن هدي،فمن أحبّه فهو منكم،و من أبغضه فليس منكم (6).

قال أنس بن مالك:و كان الرجل من بعد يوم خيبر يحمل ولده علي عاتقه،ثم يقف علي طريق عليّ،و إذا نظر إليه يوجهه بوجهه تلقّاه و أومأ بإصبعه:أي بني تحبّ هذا الرجل المقبل؟فإن قال الغلام:نعم قبله،و إن قال لا،خرق به الأرض،و قال له:إلحق بأمك و لا تلحق أباك بأهلها،فلا حاجة لي فيمن لا يحبّ عليّ بن أبي طالب.

عن جابر قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لعلي:«يا عليّ لو أنّ أمّتي أبغضوك لأكبّهم اللّه علي مناخرهم في النار» (7)قال:و قال عليّ:يهلك فيّ]رجلان:محب مفرط،و مبغض مفتر (8).2.

ص: 17


1- حلية الأولياء 71/1،مطالب السؤول 1:147،و الفردوس:/344/1ح 1374.
2- المستدرك:129/3،و المعجم الأوسط:76/3،و جامع الأصول:656/8.
3- فرائد السمطين 1:293/365.
4- الإمام علي:160 ح 15،و مودة أهل البيت:58 ح 7.
5- في المختصر:صبب.
6- أمالي الشجري:133/1 بتفاوت،و الرياض النضرة:196/3.
7- العلل المتناهية 1:240،لسان الميزان 4:332،الكامل لابن عدي 5:1824،الفردوس 321/5 ح 8316.
8- تاريخ مدينة دمشق:298/42.

عن عباية بن ربيع قال:سمعت عليا رضي اللّه عنه يقول:أنا قسيم النار يوم القيامة،أقول هذا لي،و هذا لك (1).

عن جابر قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«حق عليّ بن أبي طالب علي هذه الأمّة كحقّ الوالد علي ولده» (2).

و عن أنس بن مالك قال:كنت عند النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فرأي عليا مقبلا فقال:«أنا و هذا حجة علي أمّتي يوم القيامة» (3).

عن ابن عبّاس،قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يأتي علي الناس يوم القيامة وقت ما فيه راكب إلاّ نحن أربعة»،فقال له العبّاس بن عبد المطلب عمه:فداك أبي و أمّي،و من هؤلاء الأربعة؟

قال:«أنا علي البراق،و أخي صالح علي ناقة اللّه التي عقرها قومه،و عمّي حمزة أسد اللّه و أسد رسوله علي ناقتي العضباء،و أخي عليّ بن أبي طالب علي ناقة من نوق الجنة مدبّجة الحسن عليه حلّتان خضراوان من كسوة الرّحمن،علي رأسه تاج من نور،لذلك التاج سبعون ركنا،علي كلّ ركن ياقوتة حمراء تضيء للراكب مسيرة ثلاثة أيام،و بيده لواء الحمد،ينادي:لا إله إلا اللّه محمّد رسول اللّه،فيقول الخلائق:من هذا؟ملك مقرّب؟نبي مرسل؟حامل عرش؟فينادي مناد من بطن العرش:لا ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل،و لا حامل عرش،هذا عليّ بن أبي طالب،وصي رسول المسلمين،و أمير المؤمنين،و قائد الغرّ المحجّلين،في جنّات النعيم» (4).

و عن عبد اللّه بن الحارث بن نوفل أنه سمع عليّ بن أبي طالب يقول:قال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:

«ألا ترضي يا عليّ إذا جمع اللّه الناس في صعيد واحد عراة حفاة مشاة قد قطع أعناقهم العطش، فكان أوّل من يدعي إبراهيم و يكسي ثوبين أبيضين،ثم يقوم عن يمين العرش،ثم يفجر مثعب من الجنة إلي الحوض،حوض أقرب مما بين بصري و صنعاء،فيه آنية مثل عدد نجوم السماء،و قدحان من فضة،فأشرب و أتوضّأ،ثم أكسي ثوبين أبيضين،[ثم أقوم عن يمين العرش،ثم تدعي:يا عليّ، فتشرب،ثم تتوضأ ثم تكسي ثوبين أبيضين]فتقوم عن يميني معي،فلا أدعي لخير إلاّ دعيت» (5).

و عن ابن عباس أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«لا يؤدّي عني إلاّ أنا أو علي بن أبي طالب» (6).

عن ابن عبّاس قال:رجع عثمان إلي عليّ فسأله المصير إليه فصار إليه،فجعل يحدّ النظر إليه،1.

ص: 18


1- المعرفة و التاريخ 2:764 و 3:192.
2- بحار الأنوار:5/36 ح 3،و روضة الواعظين:128.
3- الفوائد المجموعة:273،و مسند شمس الأخبار:99/1.
4- تاريخ بغداد 11:112،ميزان الاعتدال 2:313.
5- المعجم الأوسط للطبراني 4:532،مجمع الزوائد 9:135.
6- كشف الغطاء:10/1،و بحار الأنوار:376/31.

فقال له عليّ:ما لك يا عثمان؟ما لك تحدّ النظر إلّي؟قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«النظر إلي عليّ عبادة» (1).

و عن أبي ذرّ قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«مثل عليّ فيكم-أو قال:في هذه الأمة-كمثل الكعبة المستورة،النظر إليها عبادة،و الحج إليها فريضة» (2).

عن ابن عبّاس قال:ما نزل[في]القرآن يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلاّ عليّ سيدها و شريفها و أميرها،و ما أحد من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ قد عاتبه اللّه في القرآن ما خلا عليّ بن أبي طالب،فإنّه لم يعاتبه في شيء منه (3).

عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّ اللّه طهّر قوما من الذنوب بالصّلعة في رؤوسهم و إنّ عليّا لأوّلهم» (4).

و عن عمرو بن واثلة قال:قال عليّ بن أبي طالب يوم الشوري:و اللّه لأحتجنّ عليهم بما لا يستطيع قرشيّهم،و لا عربيهم،و لا عجميهم ردّه،و لا يقول خلافه.ثم قال لعثمان بن عفان و لعبد الرّحمن بن عوف،و الزبير،و لطلحة،و سعد،و هم أصحاب الشوري و كلهم من قريش و قد كان قدم طلحة:أنشدكم باللّه الذي لا إله إلاّ هو أفيكم أحد وحّد اللّه قبلي؟قالوا:اللّهمّ لا.قال أنشدكم اللّه هل فيكم أحد صلّي للّه قبلي و صلّي القبلتين.قالوا اللّهمّ لا.

قال:أنشدكم باللّه أفيكم أحد أخو رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم غيري؟إذ آخي بين المؤمنين،فآخي بيني و بين نفسه و جعلني منه بمنزلة هارون من موسي إلاّ أني لست بنبيّ.قالوا:لا.

قال:أنشدكم باللّه أفيكم مطهر غيري إذ سدّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أبوابكم و فتح بابي و كنت معه في مساكنه و مسجده؟فقام إليه عمّه فقال:يا رسول اللّه غلّقت أبوابنا و فتحت باب علي؟قال:نعم،اللّه أمر بفتح بابه و سدّ أبوابكم!!!قالوا:اللّهمّ لا.

قال:نشدتكم[بالله]أفيكم أحد أحب إلي اللّه و إلي رسوله منّي؟إذ دفع الراية إليّ يوم خيبر فقال:[لأعطين الراية]غدا إلي من يحبّ اللّه و رسوله و يحبه اللّه و رسوله.و يوم الطائر إذ يقول:

[اللّهمّ]اثتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي.فجئت فقال:اللّهمّ و إلي رسولك،اللّهمّ و إلي رسولك،غيري؟قالوا:اللّهمّ لا.

قال:نشدتكم باللّه أفيكم أحد قدّم بين يدي نجواه صدقة غيري حتي[رفع اللّه ذلك الحكم؟] قالوا:اللّهمّ لا.3.

ص: 19


1- المستدرك علي الصحيحين 3:141.142،حلية الأولياء 5:58،ذخائر العقبي:95،مجمع الزوائد 9: 119.
2- مناقب ابن المغازلي 106:149.
3- كفاية الطالب:140،ميزان الاعتدال 3:311.
4- تاريخ جرجان:86،اللئالي المصنوعة 1:63.

قال:نشدتكم باللّه أفيكم من قتل مشركي قريش و العرب في اللّه و في رسوله غيري؟قالوا:

اللّهمّ لا.

قال:نشدتكم باللّه أفيكم أحد دعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم له في العلم و أن يكون أذنه الواعية مثل ما دعا لي؟قالوا:اللّهمّ لا.

قال:نشدتكم باللّه هل فيكم أحد أقرب إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في الرحم،و من جعله رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم نفسه،و ابناه أبناءه،و نساءه نساءه غيري؟قالوا:اللّهمّ لا.

قال:نشدتكم باللّه أفيكم أحد كان يأخذ الخمس مع النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قبل أن يؤمن أحد من قرابته غيري و غير فاطمة؟قالوا:اللّهمّ لا.

قال:نشدتكم باللّه أفيكم اليوم أحد له زوجة مثل زوجتي فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم سيدة نساء عالمها؟قالوا:اللّهمّ لا.

قال:نشدتكم باللّه هل فيكم أحد له إبنان مثل ابنيّ الحسن و الحسين سيّدي شباب أهل الجنة ما خلا النبيين غيري؟قالوا:اللّهمّ لا.

قال:نشدتكم باللّه أفيكم أحد له أخ كأخي جعفر الطيار في الجنة،المزين بالجناحين مع الملائكة غيري؟قالوا:اللّهمّ لا.

قال:نشدتكم باللّه أفيكم أحد له عمّ مثل عمّي أسد اللّه و أسد رسوله سيّد الشهداء حمزة غيري؟قالوا:اللّهمّ لا.

قال:نشدتكم باللّه[أفيكم]أحد ولي غمض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مع الملائكة غيري؟قالوا:اللّهمّ لا.

قال:نشدتكم باللّه أفيكم أحد ولي غسل النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مع الملائكة يقلّبونه لي كيف أشاء غيري؟ قالوا:اللّهمّ لا.

قال:نشدتكم باللّه أفيكم أحد كان آخر عهده برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حتي وضعه في حفرته غيري؟ قالوا:اللّهمّ لا.

قال:نشدتكم باللّه أفيكم أحد قضي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بعده ديونه و مواعيده غيري؟قالوا:

اللّهمّ لا.

قال:و قد قال اللّه عز و جل وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَ مَتٰاعٌ إِليٰ حِينٍ (1)(2).ا.

ص: 20


1- سورة الأنبياء،الآية:111.
2- هذا ما يسمي بإحتجاج علي عليه السّلام يوم الشوري و أكثر فقراته تقدمت في الأحاديث و يأتي بعضها.

عن أبي ليلي الغفاري قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«ستكون من بعدي فتنة،فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب فإنه أوّل من يراني،و أوّل من يصافحني يوم القيامة،و هو معي في السماء الأعلي و هو الفاروق بين الحق و الباطل (1).

***

ذكر جامع مناقبه عليه السّلام

روي أنس رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«الجنّة تشتاق إلي ثلاثة:علي و عمّار و سلمان» (2).

و روي البزار بسنده إلي مصعب بن سعد عن أبيه أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«سدّوا كل خوخة في المسجد إلاّ خوخة علي»،قال البزار:تفرّد به معلّي بن شعبة،و هذه فضيلة ثناؤها علي منابر الألسنة تتلي،و منقبة علي مرور الأزمنة لا تبلي (3).

ص: 21


1- كنز العمال 32964/612/11.
2- مسند أبي يعلي:/166/5ح 3780.
3- أجمع الحفاظ علي صحة حديث سد الأبواب في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.و قد روي عن أكثر من بضع و عشرين طريقا عن أجلاّء الصحابة،أكثرها حسان و بعضها صحاح،و جلّ رواتها ثقاة،كما ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني(القول المسدد:17-20،و فتح الباري:12/7-11 ط.مصر و 18/7 ح 3654 ط.دار الكتب العلميّة). *و قد صرّح السيوطي و غيره بتواتره(اتحاف ذوي الفضائل:167 ح 213،و نظم المتناثر:203 ح 229). *و قال في القول المسدّد:هو حديث مشهور له طرق متعدّدة،كل طريق منها علي انفراده لا تقصر عن رتبه الحسن،و مجموعها مما يقطع بصحته. و قال:فهذه الطرق المتظاهرة من روايات الثقات تدلّ علي أن الحديث صحيح دلالة قوية(القول المسدد: 17-18-21 ط.حيدرآباد سنة 1319 ه الطبعة الأولي،و 1400 ه الطبعة الثالثة،و فتح الملك العلي:61). و قال:هذه الأحاديث تقوي بعضها بعضا،و كل طريق منها صالحة للاحتجاج فضلا عن مجموعها...و قد أخطأ[ابن الجوزي]في ذلك خطأ شنيعا،فإنه سلك ردّ الأحاديث الصحيحة بتوهمه المعارضة،مع أنّ الجمع بين القصتين ممكن(وفاء الوفاء:476/2 الباب الرابع الفصل 12،و فتح الباري:12/7 ط.مصر و 18/7 ح 3654 ط.دار الكتب العلميّة). و قال في أجوبته علي المصابيح:و قد ورد من طرق كثيرة صحيحة أن النبي لما أمر بسد الأبواب الشارعة في المسجد إلا باب علي،فشق علي بعض الصحابة،فأجابهم بعذره في ذلك(أجوبة الحافظ ابن حجر العسقلاني عن أحاديث المصابيح المطبوع بذيل مشكاة المصابيح:1790/3). *و قال الجويني:و حديث سدّ الأبواب رواه نحو من ثلاثين رجلا من الصحابة(فرائد السمطين:208/1 ح 163 باب 41 من السمط الأوّل). *و قال سبط ابن الجوزي:حديث سد الأبواب إلا باب علي أخرجه أحمد و الترمذي،و رجاله ثقاة،-

و روي الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي رحمه اللّه بسنده إلي البراء بن عازب رضي اللّه عنه قال:أقبلنا مع النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في حجّة الوداع حتّي إذا كنّا(بغدير خم)يوم الخميس ثامن عشر من ذي الحجّة فنودي فينا الصلاة جامعة و كسح للنبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم تحت شجرتين فأخذ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بيد علي ثم قال:

«ألست أولي بالمؤمنين من أنفسهم؟»قالوا:بلي،قال:«ألست أولي بكلّ مؤمن من نفسه؟».

قالوا:بلي،قال:«أليس أزواجي أمّهاتكم؟»فقالوا:بلي،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه»،فلقيه عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه بعد ذلك فقال له:هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت و أمسيت مولي كلّ مؤمن و مؤمنة (1).

هذه إحدي رواياته و في رواية،له قال:«من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ أعنه و أعن به، و ارحمه و ارحم به،و انصره و انتصر به،اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه» (2).

قال الإمام أبو الحسن الواحدي رحمه اللّه:هذه الولاية التي أثبتها النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ رضي اللّه عنه مسؤول عنها يوم القيامة.

و روي في قوله تعالي: وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (3)أي عن ولاية علي رضي اللّه عنه،و المعني أنّهم يسألون هل والوه حقّ الموالاة كما أوصاهم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أم أضاعوها و أهملوها (4).

و لم يكن لأحد من العلماء المجتهدين و الأئمة المحدّثين إلاّ و له في ولاية أهل البيت عليهم السّلام الحظّ الوافر و الفخر الزاهر،كما أمر اللّه عزّ و جلّ بذلك في قوله: قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبيٰ (5)و تجده في التدين معوّلا عليهم متمسّكا بولايتهم منتميا إليهم،فقد كان الإمام الأعظم أبو حنيفة رحمه اللّه (6)من المتمسّكين بولايتهم و المتنسكين بودادهم،و كان يتقرّب بالإنفاق علي المستورين منهم و الظاهرين،حتّي نقل أنّه بعث إلي المستتر منهم في زمانه اثني عشر ألف درهم دفعة0.

ص: 22


1- تفسير الثعلبي(مخطوط)،و مسند أحمد:281/4،و ذخائر العقبي:67.
2- كنز العمال:/610/11ح 32954.
3- -و يؤيّده قوله عليه الصلاة و السلام:لا يحلّ لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري و غيرك،كما في رواية أبي سعيد الموثّقة(تذكرة الخواص:46 الباب الثاني). و إليك تفصيل هذا الإجمال مع دلالة الحديث و معناه:
4- رشفة الصادي:57 بتحقيقنا،و الصواعق المحرقة:89،و فرائد السمطين:/300/2ح 556،و ينابيع المودة:436/2.
5- سورة الشوري:23،و قد مرّ الإيعاز إليه.
6- النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه إمام المذهب الحنفي الكوفي،مولي تيم الله بن ثعلبة،ولد في الكوفة سنة ثمانين للهجرة و قيل:سنة إحدي و ستّين،و تفقّه و تعلّم بالكوفة و بها أسّس مذهبه،و مهر في الفقه و اشتهر في العراق،و قد نقله أبو جعفر المنصور إلي بغداد فمكث بها إلي أن توفي عام 150.

واحدة لإكرامه،و كان يأمر أصحابه برعاية أحوالهم و تحقيق آمالهم و الاقتفاء لآثارهم و الاهتداء بنورهم (1).

و الإمام المعظم القرشي المكرّم أبو عبد اللّه محمد بن إدريس الشافعي المطلبي رحمه اللّه (2)صرّح بأنّه من شيعة أهل البيت حتّي قيل فيه:كيت و كيت،فقال مجيبا عن ذلك:

إذا نحن فضّلنا عليّا فإننا روافض بالتفضيل عند ذوي الجهل

و فضل أبي بكر إذا ما ذكرته رميت بنصب عند ذكري للفضل

فلا زلت ذا رفض و نصب كلاهما بحبّهما حتّي أوسد في الرمل (3)

و قال أيضا:

قال لي ترفضت قلت:كلاّ ما الرفض ديني و لا اعتقادي

لكن تولّيت غير شك خير إمام و خير هادي

إن كان حبّ الولي رفضا فإنني أرفض العباد (4)

و نقل الربيع بن سليمان رحمه اللّه أنّ الشافعي رضي اللّه عنه قيل له:إنّ ناسا لا يصبرون علي سماع منقبة أو فضيلة لأهل البيت،فإذا رأوا واحدا منّا يذكرها يقولون:هذا رافضي و يأخذون في كلام آخر فأنشأ الشافعي رضي اللّه عنه يقول:

إذا في مجلس ذكروا عليّا و سبطيه و فاطمة الزكية

فأجري بعضهم ذكري سواهم فأيقن أنه لسلقلقية (5)

إذا ذكروا عليّا أو بنيه تشاغل بالروايات العليّة

و قال تجاوزا:يا قوم هذا فهذا من حديث الرافضيّة

برئت إلي المهيّمن من أناس يرون الرفض حبّ الفاطميّة

علي آل الرسول صلاة ربّي و لعنته لتلك الجاهليّة (6)2.

ص: 23


1- رشفة الصادي بتحقيقنا:162،و جواهر العقدين:390/2 الباب 13،و المشرع الروي:22/1.
2- هو إمام المذهب الشافعي ولد بغزة سنة 150 و توفي بمصر عام 204 درس و تعلّم القرآن و اللغة و الشعر و فنون الأدب و الحديث و الفقه بمكّة ثمّ سافر إلي بلاد فارس و العراق و كثير من البلاد،ثمّ عاد إلي مصر و توفي بها.
3- النصائح الكافية:225،و الفصول المهمة:21.
4- المصدر السابق،و ينابيع المودة:/373/2ح 55،و رشفة الصادي:164.
5- السلقلق:هي التي تحيض من دبرها.
6- ينابيع المودة:373/2.

و قال أيضا:

يا راكبا قف بالمحصب من مني و اهتف بساكن خيفها و الناهض

سحرا إذا فاض الحجيج إلي مني فيضا كملتطم الفرات الفائض

إن كان رفضا حبّ آل محمّد فليشهد الثقلان أنّي رافضي (1)

و عن يزيد بن عمرو بن مورق قال:كنت بالشام و عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه يعطي الناس العطايا،فتقدّمت إليه فقال:ممّن أنت؟قلت:من قريش،قال:من أيّ قريش؟قلت:من بني هاشم،فقال:من أي بني هاشم؟قلت:مولي علي،قال:من علي؟فسكتّ،فوضع يده علي صدره و قال:أنا و اللّه مولي علي بن أبي طالب ثمّ قال:حدّثني عدّة أنّهم سمعوا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«من كنت مولاه فعلي مولاه»ثمّ قال:يا مزاحم كم تعطي أمثاله؟قال:مائة و ما بقي درهم قال:أعطه خمسين دينارا لولاية علي بن أبي طالب،ثمّ قال لي:إلحق ببلدك فيأتيك مثل ما يأتي نظراءك (2).

و عن علي رضي اللّه عنه قال:عمّمني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يوم(غدير خم)بعمامة فسدل نمرقها علي منكبي و قال:«إنّ اللّه أمدّني يوم بدر و حنين بملائكة معتمّين هذه العمامة» (3).

و عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عمّم علي بن أبي طالب عمامته السحاب و أرخاها من بين يديه و من خلفه،ثمّ قال:أقبل فأقبل ثمّ قال:أدبر فأدبر فقال:«هكذا جاءتني الملائكة» (4).

ثمّ قال:«من كنت مولاه فعلي مولاه اللّهمّ و ال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله» (5).

قال حسّان بن ثابت:يا رسول اللّه ائذن لي أن أقول أبياتا تسمعها فقال:«قل علي بركة اللّه».

فقال حسّان فقال:يا معشر قريش،اسمعوا قولي بشهادة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ أنشأ يقول:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم بخمّ و أسمع بالرسول مناديا

فقال:فمن مولاكم و نبيّكم فقالوا و لم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا و أنت ولينا و لن تجد منا لك اليوم عاصيا5.

ص: 24


1- النصائح الكافية:225،و تفسير الرازي:166/28.
2- بشارة المصطفي:246،و تذكرة الحفاظ:298/4 ترجمة عمر بن عبد العزيز.
3- الفصول المهمة:27.
4- و جاء في الحديث بأسانيد عدّة رجالها من الحفّاظ الأثبات تجده في الغدير تحت عنوان(التتويج يوم الغدير):290/1.
5- بحار الأنوار:142/38 ح 105.

فقال:قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماما و هاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له أنصارا صدق مواليا

هناك دعا اللّهمّ و ال وليّه و كن للذي عادي عليا معاديا (1)

عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد بابها فليأت عليّا» (2).

و عن علي رضي اللّه عنه قال:علّمني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ألف باب،كل باب يفتح لي ألف باب (3).

و عن حذيفة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إن اللّه اتّخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، فقصري و قصر إبراهيم في الجنّة متقابلين،و قصر علي بن أبي طالب بين قصري و قصر إبراهيم،فياله من حبيب بين خليلين» (4).

و روي أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال لعلي رضي الله عنه:«يا علي أعطيت ثلاثا لم أعطهنّ»فقال:يا رسول اللّه و ما أعطيت؟قال:«أعطيت صهرا مثلي،و أعطيت مثل زوجتك فاطمة و لم أعطها،و أعطيت مثل الحسن و الحسين» (5).

و في رواية:«أوتيت ثلاثا لم يؤتهن أحد و لا أنا:أوتيت صهرا مثلي،و لم أوت أنا مثلي، و أوتيت صدّيقة مثل بنتي و لم أوت مثلها زوجة،و أوتيت الحسن و الحسين من صلبك،و لم أوت من صلبي مثلهما،و لكنّكم منّي و أنا منكم» (6).

و روي الإمام أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني رحمه اللّه بسنده إلي عبد اللّه بن حكيم الجهني قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّ اللّه تبارك و تعالي أوحي إليّ في علي ثلاثة أشياء ليلة أسري بي:إنّه سيّد المؤمنين،و إمام المتّقين،و قائد الغرّ المحجّلين» (7).

قال الطبري:لم يروه عن هلال إلاّ عيسي بن سوادة،تفرّد به مجاشع بن عمرو (8).

و روي الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصفهاني بسنده إلي أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال:بعث0.

ص: 25


1- فرائد السمطين:76/1.
2- فتح الملك العلي:22،و فرائد السمطين:98/1.
3- فرائد السمطين:/101/1ح 70.
4- مناقب الإمام علي لابن الدمشقي:231/1 عن الأربعين،المنتقي لأبي الخير في باب 30.
5- ينابيع المودة:304/2،و مناقب آل أبي طالب:55/3.
6- مناقب الإمام علي لابن الدمشقي:209/1،و مناقب الخوارزمي:209 فصل 19.
7- حلية الأولياء لأبي نعيم الاصبهاني:67/1.
8- ذخائر العقبي:70،و المستدرك:138/3،و مجمع الزوائد:78/1 و 121/9،و كنز العمّال:/619/11 ح 33010.

النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي أبي برزة الأسلمي قال له و أنا أسمع:«يا أبا برزة،إنّ ربّ العالمين عهد إليّ عهدا في علي بن أبي طالب،فقال:إنّه راية الهدي،و منار الإيمان،و إمام أوليائي،و نور جميع من أطاعني، يا أبا برزة علي بن أبي طالب أمين غدا في القيامة علي مفاتيح خزائن ربي،و صاحب رايتي في القيامة» (1).

و عن أبي برزة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّ اللّه عهد إليّ عهدا في علي بن أبي طالب فقلت:ربّ بيّنه لي؛فقال:اسمع،فقلت:سمعت قال:إنّ عليّا راية الهدي و إمام أوليائي،و نور من أطاعني،و هو الكلمة التي ألزمتها المتّقين،من أحبّه أحبّني،و من أبغضه أبغضني،فبشّره بذلك فجاء عليّ و بشّرته»،فقال:يا رسول اللّه أنا عبد اللّه و في قبضته،فإن يعذّبني فبذنبي،و إن يتمّ الذي بشرتني به فاللّه أولي به،قال:قلت:«اللّهمّ أجل قلبه،و اجعل ربيعه الإيمان،قال اللّه عزّ و جلّ:قد فعلت به ذلك،ثمّ إنّه دفع إلي إنّه سيخصّه من البلاء بشيء لم يخصّ به أحدا من أصحابي فقلت:يا ربّ أخي و صاحبي قال:إنّ هذا شيء قد سبق أنّه مبتلي و مبتلي به» (2).

و روي الحافظ أبو نعيم الأصفهاني بسنده إلي الشعبي قال:قال علي رضي اللّه عنه:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«مرحبا بسيّد المسلمين و إمام المتّقين»فقيل لعلي:فأيّ شيء كان من شكرك؟

قال:حمدت اللّه عزّ و جلّ ما أتاني و سألته الشكر علي ما أولاني و أن يزيدني ممّا أعطاني (3).

و روي الحاكم أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن البيع النيسابوري رحمه اللّه بسنده إلي أبي سعيد قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«إنّ منكم من يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله» قال أبو بكر:أنا هو يا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«لا»قال عمر:هو أنا يا رسول اللّه،قال:«لا و لكن خاصف النعل» (4).

قال:و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أعطي عليا نعله يخصفها،قال الحاكم:هذا إسناد صحيح قد احتج بمثله البخاري و مسلم(رحمهما الله)في الصحيح (5).

و في رواية قال أبو سعيد:كنّا نمشي مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فانقطع شسع نعله فتناولها علي يصلحها ثمّ مشي فقال:«يا أيّها الناس إنّ منكم من يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله».4.

ص: 26


1- حلية الأولياء:66/1،و تاريخ بغداد:98/14،و ينابيع المودة:485/2.
2- الرياض النضرة لمحب الدين الطبري:177/2،و حلية الأولياء:67/1،و الإصابة لابن حجر:274/2.
3- كنز العمال:/177/13ح 36527،و شرح النهج:170/9.
4- خصائص النسائي:40،و حلية الأولياء لأبي نعيم:67/1.
5- مجمع الزوائد:186/5 و قال:رجاله رجال الصحيح،و مسند أبي يعلي:/341/2ح 5024، و المستدرك:138/2،و 123/3،و 298/4.

قال أبو بكر:أنا هو يا رسول اللّه؟قال:لا،قال أبو سعيد:فخرجت فبشّرته بما قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلم يكترث به فرحا كأنّه سمعه (1).و قد صدق اللّه تعالي رسوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيما أخبر به (2).

روي عبد اللّه بن أبي رافع مولي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:كنت مع علي بن أبي طالب حين خرجت عليه الحرورية و كفّروه،إذ رضي بالتحكيم بينه و بين أهل الشام و قالوا:لا حكم إلاّ لله،فقال علي رضي اللّه عنه:كلمة حقّ أريد بها الباطل،و قال:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم وصف ناسا إنّي لأعرف صفتهم من هؤلاء،يقولون الحقّ بألسنتهم لا يتجاوز هذا منهم-و أشار إلي حلقه-من أبغض خلق اللّه إليه، فيهم أسود إحدي يديه حلمة ثدي،فقاتلهم حين أبوا أن يرجعوا عن قولهم فلمّا قتلهم قال:انظروا فنظروا فلم يجدوا شيئا،قال:ارجعوا فو الله ما كذبت و لا كذبت مرّتين أو ثلاثا،ثمّ وجدوه في خربة فأتوا به حتّي وضعوه بين يديه قال عبد اللّه:و أنا حاضر ذلك في أمرهم و قول علي فيهم.

قال الحاكم أبو عبد اللّه:رواه مسلم في الصحيح بمعناه (3).

و عن زيد بن وهب الجهني رضي اللّه عنه أنّه كان في الجيش الذي كان مع علي بن أبي طالب حين سار إلي الخوارج فقال علي:يا أيّها الناس سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«يخرج قوم من أمّتي يقرأون القرآن ليس قرآنكم إلي قرآنهم بشيء،و لا صلاتكم إلي صلاتهم بشيء،و لا صيامكم إلي صيامهم بشيء،يقرأون القرآن يحسبون أنّه لهم و هو عليهم،لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية،لو يعلم الجيش الذي يصيبونهم ما قضي اللّه لهم علي لسان نبيّهم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لنكلوا عن العمل،و آية ذلك أنّ فيهم رجلا له عضد و ليس له ذراع علي رأس عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض»،تذهبون إلي معاوية و أهل الشام و تتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم و أموالكم، و اللّه إنّي لأرجو أن يكون هؤلاء القوم،فإنهم سفكوا الدم الحرام و أغاروا علي سرح أناس،فسيروا علي اسم اللّه.

قال سلمة بن كهيل:فنزلت أنا و زيد بن وهب منزلا حتّي قال:

مرّ الناس علي قنطرة ثمّ رحنا معهم،فلمّا التقينا مع الخوارج و كان عليهم يومئذ عبد اللّه بن وهب الراسي،فقال لنا علي:القوا الرماح و سلوا سيوفكم من جفوتها،فإنّي أخاف عليكم أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حرورا فترجعوا،فوحشوا برماحهم و سلّوا السيوف و حملوا عليهم فقتل بعضهم علي بعض و شجرهم الناس برماحهم و ما أصيب من الناس يومئذ إلاّ رجلان،فقال علي رضي اللّه عنه:التمسوا فيهم المخدج،فالتمسوه فلم يجدوه،فقام علي بنفسه يطلبه حتّي أتي أناسا قد9.

ص: 27


1- فضائل الصحابة لأحمد:/627/2ح 1071،و مناقب آل أبي طالب:244/2.
2- نظم درر السمطين:115.
3- المستدرك:532/4،و 154/2،و صحيح مسلم:116/3،و خصائص النسائي:139.

قتل بعضهم علي بعض فقال:أخروهم فأخروهم فوجدوه ممّا يلي الأرض فكبّر علي رضي اللّه عنه و قال:

صدق اللّه و بلغ رسوله،فقام إليه عبيدة السلماني فقال:يا أمير المؤمنين،اللّه الذي لا إله إلاّ هو لسمعت هذا الحديث من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:أي و اللّه الذي لا إله إلاّ هو،حتّي استحلفه ثلاثا و هو يحلف له (1).

قال الحاكم أبو عبد اللّه:رواه مسلم في الصحيح عن عبد اللّه بن حميد عن عبد الرزاق (2)قال:و قد خطب رضي اللّه عنه بخطب ذوات عدد و ذكر أمر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إيّاه بقتالهم.

و قال:اعتقاد المسلم فيما بينه و بين اللّه تعالي أنّ أمير المؤمنين عليا عليه السّلام كان محقّا مصيبا في قتال المنافقين و القاسطين و المارقين بأمر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم خلاف قول الخوارج (3).

و قال علي عليه السّلام:ما وجدت من قتال القوم بدا أو الكفر بما أنزل علي محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (4).

و روي محمد بن سوقة عن عبد الواحد القرشي قال:نادي حوشب الحميري عليا عليه السّلام يوم صفين فقال:انصرف عنّا يا ابن أبي طالب فإنّا ننشدك اللّه في دمائنا و دمك و تخلّي بيننا و بين شامنا، و نخلّي بينك و بين عراقك،و تحقن دماء المسلمين فقال علي:هيهات يا ابن أمّ طليهم (5)،و اللّه لو علمت أنّ المداهنة تتبعني في دين اللّه لفعلت،و لكانت أهون عليّ في الهدنة (6)،و لكن اللّه عزّ و جلّ لم يرض من أهل القرآن الادهان و بالسكوت و اللّه يقضي بالحق (7).

و روي ابن عيينه رضي اللّه عنه قال:قال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ عليه السّلام:«أما أنّك ستلقي بعدي جهدا»قال:في سلامة من ديني؟قال:في سلامة من دينك (8).

و قد سبق قوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّ منكم من يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله»و أشار إلي عليّ عليه السّلام (9).

و يروي أنّ رجلا جاء إلي الحسن البصري رحمه اللّه فقال له:يا أبا سعيد بلغنا أنّك تقول:لو كان عليّ يأكل من حشف المدينة لكان خيرا ممّا صنع فقال:يا ابن أخي باطل؛إنّما حقنت بها دما، و اللّه لقد فقدوه و كان سهما من مرامي اللّه،و اللّه لا يلونه شيء عن أمر اللّه أعطي القرآن عزائمه،ق.

ص: 28


1- السنن الكبري للبيهقي:171/8،و كشف الغمة:127/1،و ارواء الغليل:118/8 باختصار.
2- صحيح مسلم:115/3.
3- شرح النووي علي مسلم:40/18 ط.دار الإحياء.
4- مناقب الخوارزمي:173،و تاريخ دمشق:457/42 ترجمة أمير المؤمنين عليه السّلام.
5- في المصدر:ظليم.
6- في المصدر:المؤونة.
7- كنز العمال:449/5 ط.الهند،و /345/11ح 31699.
8- مستدرك الصحيحين:140/3.
9- كنز العمال:/613/11ح 32967،و مجمع الزوائد:133/9 من طرق.

أحلّ حلاله و حرّم حرامه،حتّي أورده ذلك علي حياض غدقة،و رياض مونقة (1).

و في رواية أنّه قال له:ما تقول في علي؟فقال له:أعن رباني هذه الأمّة تسأل؟لا أبا لك و اللّه ما كان بالسروقة حقوق اللّه،أعطي القرآن عزائمه فيما عليه حتّي أورده علي رياض مونقة و جنان غدقة (2).

و روي الإمام أحمد بن حنبل رحمه اللّه بسنده إلي سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة عن عمّته زينب بنت كعب،و كانت عند أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال:شكي الناس عليّا،فقام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم خطيبا فسمعته يقول:«يا أيّها الناس لا تشكوا عليّا فو الله إنّه لأخشن في ذات اللّه و في سبيل اللّه» (3).

روي الإمام عبد اللّه بن الحارث قلت لعلي عليه السّلام:أخبرني بأفضل منزلتك من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:نعم بينا أنا نائم عنده و هو يصلّي فلمّا فرغ من صلاته قال:«يا علي ما سألت اللّه من الخير إلاّ سألت لك مثله،و ما استعذت من الشرّ إلاّ استعذت لك مثله» (4).

و في رواية قال:وجعت وجعا فأتيت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فأقامنّي مقامه قام يصلّي و ألقي عليّ طرف ثوبه فلمّا فرغ قال:«برئت يا ابن أبي طالب لا بأس عليك،ما سألت اللّه شيئا إلاّ سألت لك مثله،و لا سألت اللّه شيئا إلاّ أعطانيه،إلاّ أنّه قيل لي لا نبيّ بعدك» (5).

و عن علي عليه السّلام قال:قال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«سألت فيك خمسا،فمنعني واحدة و أعطاني فيك أربعة،سألته أن تجمع عليك أمّتي فأبي عليّ،و أعطاني أنك أوّل من تنشق عنه الأرض،و أنت معي لواء الحمد تحمله تسبق الأوّلين و الآخرين،و أعطاني بأنك أخي في الدنيا و الآخرة،و أعطاني أنّ بيتك مقابل بيتي في الجنّة و أنت وليّ المؤمنين بعدي» (6).

و يروي أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«لمّا أسري بي رأيت في ساق العرش مكتوبا:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه صفوتي من خلقي أيّدته بعلي و نصرته به» (7).1.

ص: 29


1- ذخائر العقبي:79،و شرح النهج:95/4 بتفاوت.
2- شرح النهج:191/7 بتفاوت.
3- مسند أحمد بن حنبل:86/3،و مجمع الزوائد:129/9،و تاريخ الخلفاء للسيوطي:118،و تاريخ ابن كثير:345/7،مستدرك الحاكم:134/3 بلفظ:فو اللّه انّه لأخشي في ذات اللّه أو في سبيل اللّه.
4- مناقب ابن الدمشقي:239/1،و ذخائر العقبي:61،و أمالي المحاملي:367.
5- مجمع الزوائد:110/9،و كتاب السنة لأبي عاصم:582.
6- كنز العمال:/625/11ح 33047،و لوامع العقول:329/3،و في تاريخ الخطيب البغدادي:339/4 بلفظ:سألت اللّه فيك خمسا فأعطاني أربعا و منعني واحدة.سألته فأعطاني فيك؛أنّك أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة،و أنت معي و معك لواء الحمد،و أنت تحمله و أعطاني أنت ولي المؤمنين من بعدي.
7- مجمع الزوائد:121/9،و المعجم الكبير:200/22،و كنز العمال:/624/11ح 33041.

و في رواية:رأيت علي ساق العرش الأيمن مكتوبا:أنا اللّه وحدي لا إله غيري غرست جنّة عدن بيدي محمد صفوتي أيّدته بعلي (1).

و عن محمد بن عبد اللّه بن أبي رافع عن أبيه عن جدّه قال:لمّا قتل علي عليه السّلام أصحاب الألوية يوم أحد أبصر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم جماعة من مشركي قريش فقال لعلي:«إحمل عليهم»فحمل عليهم و فرّق جماعتهم و قتل هشام بن أميّة المخزومي،ثمّ أبصر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم جماعة من مشركي قريش فقال لعلي:«إحمل عليهم»فحمل عليهم و فرّق جماعتهم و قتل عمرو بن عبد اللّه الجمحي،ثمّ أبصر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم جماعة أو جمعا من مشركي قريش فقال لعلي:«إحمل عليهم»فحمل عليهم و فرّق جماعتهم،و قتل بشكر بن مالك أخا عامر بن لؤي فأتي جبرئيل عليه السّلام النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:إنّ هذه لهي المواساة.

فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّه منّي و أنا منه»،فقال جبرئيل:و أنا منكما (2)،فسمعوا صوتا ينادي:«لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتي إلاّ علي» (3).

و روي محمّد بن إسحاق بن بشار:أنّ عليّا عليه السّلام لمّا ناول فاطمة عليها السّلام سيفه حين فرغ من القتال أنشد:

أفاطم هاك السيف غير ذميم فلست برعديد و لا بذميم

لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد و مرضاة ربّ بالعباد رحيم (4)

قال ابن إسحاق:و هاجت في ذلك اليوم فسمعوا هاتفا يقول:لا سيف إلاّ ذو الفقار.

و لا فتي إلاّ علي (5)فإذا ندبتم هالكا.

فابكوا الوفي و أخا الوفي (6).

و أنشد الخطيب ضياء الدين أخطب خوارزم (7)الموفق بن أحمد المكّي رحمه اللّه المتوفّي سنة (567):7.

ص: 30


1- مناقب ابن المغازلي:39،و مناقب الخوارزمي:321،و حلية الأولياء:27/3.
2- المعجم الكبير:318/1،و فضائل الصحابة لأحد:/657/2ح 1119.
3- تاريخ الطبري:17/3 نقلا عن أبي كريب قال:حدّثنا عثمان بن سعيد قال:حدّثنا حبان بن علي عن محمد بن عبد اللّه بن أبي رافع(الخ)و جاء بعدّة طرق أخري كما في ذخائر العقبي:68،الرياض النضرة:172/2.
4- مجمع الزوائد:122/6،و أوردهما المرزباني في معجم الشعراء في رواية سعيد بن المسيب:ص 280 مع زيادة بيت و هو:أريد ثواب اللّه لا شيء غيره و رضوانه في جنة و نعيم
5- ينابيع المودة:291/2،و ذخائر العقبي:74،و كنز العمال:/723/5ح 14242.
6- الغدير:59/2،و مناقب الخوارزمي:104.
7- ولد سنة 484 كما في بغية الوعاة،طبقات الحنفية،الوافي بالوفيات،الفوائد البهية،كشف الظنون، الغدير:397/4-407.

أسد الإله و سيفه و قناته كالظفر يوم صياله و الناب

جاء النداء من السماء و سيفه بدم الكماة يلح (1)في التسكاب

لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتي إلاّ علي هازم الأحزاب (2)

فكان هذا السيف لمنبه بن الحجّاج السهمي كان مع ابنه العاص بن منبه يوم بدر،فقتله عليّ عليه السّلام و أتي به إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فأعطاه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عليّا بعد ذلك،فقاتل به دونه يوم أحد (3).

و يروي أنّ بلقيس أهدت لسليمان عليه السّلام سبعة أسياف كان ذو الفقار منها،و قد جاء من رواية عيسي بن عبد اللّه بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جدّه علي عليهم السّلام أنّ جبرئيل أتي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و قال له:إنّ صنما باليمن معفر في الحديد فابعث إليه فأدققه و خذ الحديد قال:

فدعاني و بعثني إليه فذهبت إليه فدققت الصنم و أخذت الحديد فجئت به إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فاستصوب منه سيفين فسمّي أحدهما ذا الفقار،و الآخر مخذما (4)،فتقلّد رسول اللّه ذا الفقار و أعطاني مخذما ثمّ أعطاني بعد ذا الفقار فرآني و أنا أقاتل به دونه يوم أحد فقال:لا سيف إلاّ ذو الفقار و لا فتي إلاّ علي (5).

قال الإمام أحمد البيهقي رحمه اللّه:كذا ورد في هذه الرواية أنّه أمر بصنعه،و روينا باسناد صحيح عن ابن عباس رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم تقلّد سيفه ذا الفقار يوم بدر،و هو الذي رأي فيه الرؤيا يوم أحد و اللّه أعلم (6).

و نقل الشيخ الإمام العالم صدر الدين إبراهيم بن محمد المؤيد الحموي رحمه اللّه في كتابه،فضل أهل البيت عليهم السّلام:بسنده إلي عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لمّا أسري بي إلي السماء أمر بعرض الجنّة و النار عليّ فرأيتها جميعا،و رأيت الجنّة و ألوان نعيمها و رأيت النار و أنواع عذابها فلمّا رجعت قال لي جبرئيل عليه السّلام:قرأت يا رسول اللّه ما كان مكتوبا علي أبواب الجنّة و ما كان مكتوبا علي أبواب النار؟فقلت:لا يا جبريل فقال:إنّ للجنّة ثمانية أبواب،علي كلّ باب منها أربع كلمات،كلّ كلمة خير من الدنيا و ما فيها لمن تعلّمها و استعملها،و إنّ للنار سبعة أبواب،علي كلّ باب منها ثلاث كلمات،كلّ كلمة خير من الدنيا و ما فيها لمن تعلّمها و عرفها.7.

ص: 31


1- في المصدر:يلج.
2- مناقب الخوارزمي:/38ح 5،و فرائد السمطين:258/1.
3- راجع الفائق للزمخشري:43/3.
4- في المصدر:مجذما.
5- الغدير:60/2،عن فرائد السمطين:الباب 49.
6- مسند أحمد:271/1،و السنن الكبري:304/6،و 41/7.

فقلت:يا جبريل إرجع معي لأقرأها،فرجع معي جبريل عليه السّلام فبدأ بأبواب الجنّة،فإذا علي الباب الأوّل مكتوب:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه،لكلّ شيء حيلة،و حيلة طيب المعيش في الدنيا أربع خصال:القناعة،و نبذ الحقد،و ترك الحسد،و مجالسة أهل الخير،و علي الباب الثاني مكتوب:لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه علي ولي اللّه،لكلّ شيء حيلة،و حيلة السرور في الآخرة أربع خصال:مسح رأس اليتامي،و التعطّف علي الأرامل،و السعي في حوائج المسلمين،و تفقّد الفقراء و المساكين،و علي الباب الثالث مكتوب:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه عليّ ولي اللّه،لكلّ شيء حيلة،و حيلة الصحّة في الدنيا أربع خصال:قلّة الطعام،و قلّة الكلام، و قلّة المنام،و قلّة المشي،و علي الباب الرابع مكتوب:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه علي وليّ اللّه،من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليكرم جاره،و من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليبر والديه، و من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت.

و علي الباب الخامس مكتوب:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه،من أراد أن لا يذل فلا يذل،و من أراد أن لا يشتم فلا يشتم ؤ و من أراد أن لا يظلم فلا يظلم،و من أراد أن يستمسك بالعروة الوثقي فليستمسك بقول:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه.

و علي الباب السادس منها مكتوب:لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه علي ولي اللّه.

و من أحبّ أن يكون قبره واسعا فسيحا فلينق المساجد،من أحبّ أن لا تأكله الديدان تحت الأرض فليكنس المساجد،و من أحبّ أن لا يظلمّ لحده فلينور المساجد،و من أحبّ أن يبقي طريا تحت الأرض يبسط المساجد.

و علي الباب السابع مكتوب:لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه علي ولي اللّه بياض القلب أربع خصال،في عيادة المريض،و اتباع الجنائز،و شراء أكفان الموتي،و دفع القرض.

و علي الباب الثامن مكتوب:لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه علي وليّ اللّه،من أراد الدخول من هذه الثمانية فليستمسك بأربع خصال:بالصدقة،و السخاء،و حسن الخلق،و كفّ الأذي عن عباد اللّه عزّ و جلّ.

ثمّ جئنا إلي النار فإذا علي الباب الأوّل ثلاث كليمات منها:لعن اللّه الكاذبين،لعن اللّه الباخلين،لعن اللّه الظالمين.

و علي الباب الثاني منها مكتوب:من رجي اللّه سعد،و من خاف اللّه أمن،و الهالك المغرور من رجي سوي اللّه و خاف غيره.

و علي الباب الثالث منها مكتوب:من أراد أن لا يكون عريانا في القيامة فليكس الجلود العارية،و من أراد أن لا يكون جائعا في القيامة فليطعم الجائع في الدنيا،و من أراد أن لا يكون

ص: 32

عطشانا في يوم القيامة فليسق العطشان في الدنيا.

و علي الباب الرابع منها مكتوب:أذلّ اللّه من أهان الإسلام،أذلّ اللّه من أهان أهل البيت، بيت نبي اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،أذلّ اللّه من أعان الظالمين علي ظلم المخلوقين.

و علي الباب الخامس منها مكتوب:لا تتبع الهوي فإنّ الهوي يجانب الإيمان،و لا تكثر منطقك فيما لا يعنيك فتسقط من عين ربّك،و لا تكن عونا للظالمين فإنّ الجنّة لم تخلق للظالمين.

و علي الباب السادس منها مكتوب:أنا حرام علي المجتهدين،أنا حرام علي المتصدّقين،أنا حرام علي الصائمين.

و علي الباب السابع منها مكتوب:حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا،و بخوا أنفسكم قبل أن توبّخوا،و ادعوا اللّه عزّ و جلّ قبل أن تردوا عليه فلا تقدروا علي ذلك» (1).

و نقل أيضا بسنده إلي بشر بن أبي عمرو بن العلاء النحوي قال:حدّثني أبي عمرو بن العلاء المقري عن أبي الزبير عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:كنت مع النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يوما في بعض حيطان المدينة و يد علي في يده قال:فمررنا بنخل فصاح النخل:هذا محمّد سيّد الأنبياء،و هذا علي سيّد الأولياء أبو الأئمّة الطاهرين،ثمّ مررنا بنخل فصاح النخل:هذا محمّد رسول اللّه،هذا علي سيف اللّه،فالتفت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي علي فقال له:«يا علي سمّه الصيحاني»،فسمّي من ذلك اليوم الصيحاني (2).

***

حديث يوم الدار

و عن عليّ بن أبي طالب قال:لما نزلت وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يا علي اصنع لي رجل شاة بصاع من طعام،و أعدّ قعبا من لبن»-و كان القعب:قدر ريّ رجل-قال:

ففعلت،فقال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يا عليّ إجمع بني هاشم»و هم يومئذ أربعون رجلا-أو أربعون غير رجل-فدعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالطعام،فوضعه بينهم،فأكلوا حتي شبعوا،و إن منهم لمن يأكل الجذعة بإدامها،ثم تناولوا القدح فشربوا حتي رووا،و بقي فيه عامته،فقال بعضهم:ما رأينا كاليوم في السحر-يرون أنه أبو لهب-.

ثم قال«يا عليّ إصنع رجل شاة بصاع من طعام،و أعدّ بقعب من لبن»قال:ففعلت،

ص: 33


1- فرائد السمطين:239/1-241،و كتاب الأربعين للماحوزي:360 باختصار،و نفحات الأزهار:/5 241.
2- فرائد السمطين:/137/1ح 101،و مناقب الخوارزمي:/312ح 313،و ينابيع المودة:409/1.

فجمعهم،فأكلوا مثل ما أكلوا بالمرة الأولي،و شربوا مثل المرة الأولي،و فضل منه ما فضل المرّة الأولي،فقال بعضهم:ما رأينا كاليوم في السحر.

فقال الثالثة:«اصنع رجل شاة بصاع من طعام،و أعدّ بقعب من لبن»،ففعلت،فقال:«اجمع بني هاشم»،فجمعتهم،فأكلوا و شربوا،فنذرهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالكلام فقال:«أيكم يقضي ديني و يكون خليفتي و وصيّي من بعدي؟»قال:فسكت العبّاس مخافة أن يحيط ذلك بماله،فأعاد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم[الكلام،فسكت]القوم و سكت العبّاس مخافة أن يحيط ذلك بماله،فأعاد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الكلام الثالثة،قال:و إني يومئذ لأسوأهم هيئة،إني يومئذ لأحمش الساقين،أعمش العينين،ضخم البطن،فقلت:أنا يا رسول اللّه،قال:«أنت يا عليّ،أنت يا عليّ» (1).

أخبرنا أبو الحسن عليّ بن المسلم الفقيه[عن]عبد اللّه بن أحمد،عن أبو الحسن عليّ ابن موسي بن السمسار،عن محمّد بن يوسف،عن أحمد بن الفضل الطبري،عن أحمد بن حسين،عن عبد العزيز بن أحمد بن يحيي الجلودي البصري،عن محمّد بن زكريا الغلابي،عن محمّد بن عبّاد بن أدم،عن نصر بن سليمان،عن محمّد بن إسحاق،عن عبد الغفار بن القاسم،عن المنهال بن عمرو،عن عبد اللّه بن الحارث بن عبد المطلب،عن عبد اللّه بن عبّاس عن عليّ بن أبي طالب، قال:لما نزلت هذه الآية: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فضقت بذلك ذرعا، و عرفت أني متي أناديهم بهذا الأمر أري منهم ما أكره،فصمتّ عليها حتي جاءني جبريل،فقال:يا محمّد إنك إن لم تفعل ما تؤمر به سيعذبك ربك،فقال لي:اصنع لنا صاعا من طعام،و اجعل عليه رجل شاة،و أملأ لنا عسّا من لبن،و اجمع لي بني عبد المطلب حتي أبلّغهم»،فصنع لهم الطعام، و حضروا فأكلوا و شبعوا،و بقي الطعام،قال:ثم تكلم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:«يا بني عبد المطلب، أي و اللّه ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به،إني قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة،و إن ربي أمرني أن أدعوكم،فأيكم يؤازرني علي هذا الأمر علي أن يكون أخي و وصيّي و خليفتي فيكم؟»فأحجم القوم عنها جميعا-و إني لأحدثهم سنا-فقلت:أنا يا نبي اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،أكون وزيرك عليه،فأخذ برقبتي ثم قال:«هذا أخي و وصيّي،و خليفتي فيكم فاسمعوا له و أطيعوا» (2).

فقام القوم يضحكون و يقولون لأبي طالب:قد أمرك أن تسمع لعلي،و تطيع.

قال:و عن محمّد بن يوسف،عن أبو الحسن محمّد بن أحمد بن عبد اللّه بن علي بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب،عن أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني،عن أبو الحسن أحمد بن يعقوب الجعفي،عن عليّ بن3.

ص: 34


1- مجمع البيان:302/8.
2- كنز العمال:133/13،ح 36419،و شرح النهج لابن أبي الحديد:211/13.

الحسن بن عليّ بن الحسين بن علي بن الحسين،عن إسماعيل بن محمّد بن عبد اللّه بن عليّ بن الحسين بن عليّ،حدّثني إسماعيل بن الحكم الرافعي عن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن أبي رافع عن أبيه قال:قال أبو رافع:جمع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ولد بني عبد المطلب و هم يومئذ أربعون رجلا،و إن كان منهم لمن يأكل الجذعة،و يشرب الفرق من اللبن،فقال لهم:«يا بني عبد المطلب إن اللّه لم يبعث رسولا إلا جعل له من أهله أخا و وزيرا و وارثا و وصيا[و منجزا لعداته،و قاضيا لدينه،فمن منكم يتابعني علي أن يكون أخي و وزيري و وصيي]و ينجز عداتي يقضي ديني»؟فقام إليه عليّ بن أبي طالب،و هو يومئذ أصغرهم،فقال له:«إجلس»،و قدّم إليهم الجذعة و الفرق[من]اللبن فصدروا عنه حتي أنهلهم و فضل منه فضلة.

فلما كان في اليوم الثاني أعاد عليهم القول،ثم قال:«يا بني عبد المطلب كونوا في الإسلام رؤوسا،و لا تكونوا أذنابا،فمن منكم يبايعني علي أن يكون أخي و وزيري و وصيي،و قاضي ديني، و منجز عداتي؟»فقام إليه علي بن أبي طالب فقال:«اجلس».

فلما كان اليوم الثالث أعاد عليهم القول،فقام علي بن أبي طالب،فبايعه بينهم،فتفل في فيه، فقال أبو لهب:بئس ما جبرت به ابن عمك،إذا أجابك إلي ما دعوته إليه،ملأت فاه بصاقا (1).

***

كرامات علي عليه السّلام

عن عيسي شلقان قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام له خؤولة في بني مخزوم و إنّ شابّا منهم أتاه فقال:يا خالي إنّ أخي مات و قد حزنت عليه حزنا شديدا،قال:فقال له:تشتهي أن تراه؟

قال:بلي،قال:فأرني قبره،قال:فخرج و معه بردة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم متّزرا بها،فلمّا انتهي إلي القبر تلملمت شفتاه ثمّ ركضه برجله فخرج من قبره و هو يقول بلسان الفرس،فقال أمير المؤمنين عليه السّلام،ألم تمت و أنت رجل من العرب؟!!

قال:بلي و لكنّا متنا علي سنّة فلان و فلان فانقلبت ألسنتنا (2).

***

ص: 35


1- تاريخ مدينة دمشق:50/42.
2- الكافي:457/1 ح 7،و بحار الأنوار:230/6 ح 39.

عظمة و بركة علي عليه السّلام

و في بحار الأنوار نقلا عن بعض مؤلّفات أصحابنا أنّه روي مرسلا عن جماعة من الصحابة قالوا؛دخل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم دار فاطمة فقال:إنّ أباك اليوم ضيفك فقالت:إنّ الحسن و الحسين يطالباني بشيء من الزاد فلم أجد لهما شيئا فجلس و فاطمة متحيّرة فنظر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي السماء فنزل جبرئيل و قال:يا محمد العلي الأعلي يقرئك السلام و يقول:قل لعليّ و فاطمة و الحسن و الحسين أيّ شيء يشتهون من فواكه الجنّة؟فلم يردّوا فقال الحسين عليه السّلام:عن إذنكم أختار لكم شيئا من فواكه الجنّة، فقالوا جميعا:قل يا حسين فقد رضينا بما تختار،فقال:انّنا نشتهي رطبا جنيا فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا فاطمة قومي و احضري لنا ما في البيت،فدخلت فرأت طبقا من البلور مغطّي بمنديل من السندس الأخضر و فيه رطب جني في غير أوانه فقال:يا فاطمة أنّي لك هذا؟

قالت:هو من عند اللّه إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب كما قالت مريم بنت عمران.

فقام النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و قدّمه بين أيديهم ثمّ قال:بسم اللّه الرحمن الرحيم،فأخذ رطبة فوضعها في فم الحسين فقال:هنيئا مريئا يا حسين،ثمّ أخذ رطبة فوضعها في فم الحسن و قال هنيئا مريئا يا حسن ثمّ أخذ رطبة فوضعها في فم الزهراء و قال:هنيئا مريئا لك يا فاطمة،ثمّ أخذ رطبة فوضعها في فمّ عليّ و قال:هنيئا مريئا لك يا عليّ،ثمّ ناول عليّا أخري و أخري و هو يقول هنيئا مريئا لك يا عليّ ثمّ وثب النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قائما ثمّ جلس ثمّ أكلوا جميعا من ذلك الرطب،فلمّا أكلوا ارتفعت المائدة إلي السماء فقالت فاطمة:يا أبت لقد رأيت اليوم منك عجبا.

فقال:يا فاطمة أمّا الرطبة الأولي التي وضعتها في فم الحسين فإنّي سمعت ميكائيل و إسرافيل يقولان:هنيئا مريئا يا حسين،فقلت موافقا لهما بالقول:هنيئا مريئا لك يا حسين،ثمّ أخذت الثانية فوضعتها في فم الحسن فسمعت جبرئيل و ميكائيل يقولان:هنيئا لك يا حسن فقلت موافقا لهما في القول.

ثمّ أخذت الثالثة فوضعتها في فمك يا فاطمة فسمعت الحور العين مسرورين مشرفين علينا من الجنان و هن يقلن:هنيئا لك يا فاطمة فقلت موافقا لهنّ بالقول،و لمّا أخذت الرابعة فوضعها في فم علي سمعت النداء من الحقّ سبحانه و تعالي يقول:هنيئا مريئا لك يا عليّ،فقلت موافقا لقول اللّه عزّ و جلّ،ثمّ ناولت عليّا رطبة أخري ثمّ أخري و أنا أسمع صوت الحقّ سبحانه و تعالي يقول:هنيئا مريئا لك يا عليّ ثمّ قمت إجلالا لربّ العزّة جلّ جلاله فسمعته يقول:يا محمّد و عزّتي و جلالي لو ناولت عليّا من هذه الساعة إلي يوم القيامة رطبة رطبة لقلت له:هنيئا مريئا بغير انقطاع (1).

ص: 36


1- البحار:312/43 ح 73.

وصف أمير المؤمنين عليه السّلام

قال زهير بن معاوية:كان عليّ يكني أبا قاسم،و كان رجلا آدم،شديد الأدمة،ثقيل العينين، عظيمهما،ذا بطن،أصلع،و هو إلي القصر أقرب،و كان أبيض الرأس و اللحية.

رجاء العطاردي قال (1):رأيت عليّ بن أبي طالب شيخا أصلعا،كثير الشعر،كأنّما اجتاب (2)إهاب شاة (3).

و قال الشعبي:رأيت عليّ بن أبي طالب يخطب علي المنبر،شيخا مربوعا،أسمر،أبلج (4)، أصلع له ضفيرتان،أبيض الرأس و اللحية،له لحية قد ملأت ما بين منكبيه (5).

و عن مهران بن عبد اللّه قال:لقيت عليّ بن أبي طالب و هو مقبل من قصر المدائن،و حوله المهاجرون حتي بلغ قنطرة بردان (6)فتوزّر علي صدره من عظم بطنه،و قد رفع يديه علي إزاره، ضخم البطن،ذو عضلات و مناكب،أصلع،أجلح،قد خرج الشعر من أذنيه،و أنا أمشي بجنباته، و هو يريد أسبانبر فجاء غلام فلطم وجهي،فالتفت عليّ،فلما التفت رفعت يدي فالطم وجه الغلام، فقال:حر انتصر،فكأنّما صوت عليّ في أذني السّاعة (7).

و قال سعد الضّبّي:سمعت أبي ينعت عليا،قال:كان رجلا فوق الربعة،ضخم المنكبين، طويل اللحية،و إن شئت قلت:إذا نظرت إليه قلت:آدم،و إن تبينته من قريب قلت:أن يكون أسمر أدني من أن يكون آدم (8).

و قال أبو جعفر محمّد بن عليّ عليهما السّلام:كم كان سنّ عليّ يوم قتل؟قال:ثلاث و ستون،قلت:

ما كانت صفته؟فقال:كان آدم،شديد الأدمة،عظيم البطن و العينين،أصلع،إلي القصر[أقرب]ما هو،دقيق الذراعين،لم يصارع أحدا قطّ إلاّ صرعه (9).

و عن هشام بن حسّان قال:بينا نحن عند الحسن إذ أقبل رجل من الأزارقة،فقال له:يا أبا سعيد ما تقول في عليّ بن أبي طالب؟قال:فاحمرّت وجنتا الحسن و قال:رحم اللّه عليا،إنّ عليا كان سهما للّه صائبا في أعدائه،و كان في محلة العلم أشرفها و أقربها من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و كان

ص: 37


1- تاريخ الإسلام(عهد الخلفاء الراشدين):623.
2- اجتاب القميص:لبسه(القاموس المحيط)و الإهاب:الجلد.
3- تاريخ مدينة دمشق:20/42.
4- الأبلج البيّن البلج،و هو النقي ما بين الحاجبين و كل متّضح أبلج(انظر القاموس المحيط).
5- تاريخ مدينة دمشق:20/42.
6- موضع ببغداد.
7- تاريخ مدينة دمشق:22/42.
8- طبقات ابن سعد 26/3.
9- بتفاوت في المعارف لابن قتيبة:90.

رهباني هذه الأمة،لم يكن لمال اللّه بالسروقة،و لا في أمر اللّه بالنؤومة،أعطي القرآن عزيمة علمه، فكان منه في رياض مونقة و أعلام بيّنة،ذاك عليّ بن أبي طالب يا لكع (1).

***

شجاعة أمير المؤمنين عليه السّلام

و عن عثمان بن كعب بن بهود-أحد بني عمرو بن قريظة-عن رجال من قومه (2)أن فوارس من قريش فيهم عمرو بن عبد ودّ،و عكرمة بن أبي جهل،و ضرار بن الخطاب،و هبيرة بن أبي وهب تلبسوا للقتال و خرجوا علي خيولهم حتي مروا بمنازل بني كنانة،فقالوا:تهيأوا للحرب يا بني كنانة، فستعلمون من الفرسان اليوم،ثم أقبلوا تعنق بهم خيلهم حتي وقفوا علي الخندق،فقالوا:و اللّه إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها.

ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيولهم،فاقتحمت فجالت في سبخة بين الخندق و سلع،و خرج عليّ في نفر من المسلمين حتي أخذ عليهم الثغرة التي منها اقتحموا،فأقبلت الفوارس تعنق نحوهم،و كان عمرو بن عبد ودّ فارس قريش،و كان قد قاتل يوم بدر حتي ارتثّ و أثبتته الجراحة فلم يشهد أحدا،فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليري مشهده،فلما وقف هو و خيله،قال له عليّ:يا عمرو قد كنت تعاهد اللّه لقريش،ألاّ يدعوك رجل إلي خلّتين إلاّ قبلت منه إحداهما:فقال عمرو:أجل فقال له عليّ:فإني أدعوك إلي اللّه و إلي رسوله و إلي الإسلام،قال:لا حاجة لي في ذلك،فقال:فإني أدعوك إلي النزال،فقال له:يابن أخي لم؟،فو الله ما أحب أن أقتلك،فقال عليّ:لكني و اللّه أحب أن أقتلك،فحمي عمرو فاقتحم عن فرسه فعقره،ثم أقبل فجاء إلي عليّ فتنازلا،و تجاولا فقتله عليّ،و خرجت خيلهم منهزمة هاربة حتي اقتحمت من الخندق.

و كان ممن خرج يوم الخندق:هبيرة بن أبي وهب المخزومي،و اسم أبي وهب جعدة،و خرج نوفل بن عبد اللّه بن المغيرة المخزومي،فسأل المبارزة،فخرج إليه الزبير بن العوام،فضربه فشقه باثنتين حتي فلّ في سيفه فلاّ،فانصرف و هو يقول:

إني امرؤ أحمي و أحتمي عن النبي المصطفي الأميّ (3)

و خرج عمرو بن عبد ود فنادي:من يبارز؟فقام عليّ و هو مقنّع في الحديد،فقال:أنا له يا نبي اللّه،فقال:«إنه عمرو إجلس»،و نادي عمرو:ألا رجل؟و هو يؤنبهم،و يقول:أين جنتكم التي

ص: 38


1- البداية و النهاية:6/8،حلية الأولياء:84/1.
2- سيرة ابن هشام 235/3،و البداية و النهاية 120/4-121 و دلائل النبوة للبيهقي 436/3.
3- دلائل النبوة للبيهقي 437/3.

تزعمون أنه من قتل منكم دخلها؟أفلا تبرزون إليّ رجلا؟فقام عليّ فقال:[أنا]يا رسول اللّه،فقال:

«اجلس»،ثم نادي الثالثة،و قال:

و لقد بححت من النداء بجمعكم:هل من مبارز؟

و وقفت إذ جبن المشجّع موقف القرن المناجز

و كذاك إني لم أزل متسرعا قبل الهزاهز

إن الشجاعة في الفتي و الجود من خير الغرائز

فقام عليّ،فقال:يا رسول اللّه أنا له،فقال:«إنه عمرو».

فقال:[و] (1)إن كان عمرا،فأذن له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فمشي إليه عليّ حتي أتاه و هو يقول:

لا تعجلنّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز

ذو نية و بصيرة و الصدق منجي كل فائز

إني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقي ذكرها عند الهزاهز

فقال له عمرو:من أنت؟قال:أنا عليّ بن أبي طالب،و قال:أنا ابن عبد مناف،فقال:

غيرك يابن أخي من أعمامك من هو أسنّ منك،فإني أكره أن أهرق دمك،فقال عليّ:لكني و اللّه ما أكره أن أهرق دمك،فغضب،فنزل و سلّ سيفه كأنه شعلة نار،ثم أقبل نحو عليّ مغضبا و استقبله عليّ بدرقته فضربه فضربه عمرو في الدرقة فقدها و أثبت فيها السيف و أصاب رأسه فشجه،و ضربه عليّ علي حبل العاتق فسقط،و ثار العجاج،و سمع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم التكبير،فعرف أن عليا قد قتله، فثم يقول عليّ (2):

أعليّ تقتحم الفوارس هكذا عني و عنهم أخبروا أصحابي

اليوم يمنعني الفرار حفيظي و مصمم في الرأس ليس بنابي

أدي عمير حين أخلص صقله صافي الحديدة يستفيض ثوابي

و غدوت ألتمس القراع بمرهف عضب مع البتراء في أقرابي

آلي ابن عبد حين شدّ أليّة و حلفت فاستمعوا من الكذاب

ألاّ أصدّ و لا يهلل فالتقي رجلان يضطربان كل ضراب3.

ص: 39


1- زيادة لازمة للإيضاح.
2- ديوان عليّ ط بيروت:18-19 و البداية و النهاية 122/4 و دلائل النبوة للبيهقي 440/3.

فصددت حين تركته متجدّلا كالجذع بين دكادك و روابي

و عففت عن أثوابه و لو انني كنت المقطّر بزّني أثوابي

عبد الحجارة من سفاهة عقله و عبدت رب محمّد بصواب

ثم أقبل عليّ نحو رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و وجهه يتهلل،فقال عمر بن الخطّاب:هلاّ سلبته درعه، فإنه ليس للعرب درع خير منها،فقال:ضربته فاتقاني بسوأته،فاستحييت ابن عمي أن أسلبه، و خرجت خيله منهزمة حتي اقتحمت من الخندق.

و عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال يوم خيبر:«لأعطين هذه الراية رجلا يحب اللّه و رسوله ثم يفتح اللّه عليه»،قال عمر بن الخطاب:فما أحببت الإمارة إلا يومئذ،قال:فتشارفت لها رجاء أن أدعي لها،قال:فدعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عليّ بن أبي طالب فأعطاها إياه،قال:«امش و لا تلتفت حتي يفتح اللّه عليك»،قال:فسار عليّ شيئا ثم وقف و لم يلتفت،فصرخ:يا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي ماذا أقاتل؟قال:«قاتلهم حتي يشهدوا أن لا إله إلاّ اللّه،و أن محمّدا رسول اللّه،فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم و أموالهم إلا بحقها و حسابهم علي اللّه عزّ و جلّ». (1)مناقب أمير المؤمنين:500/2 ح 1002.(2).

إياس بن سلمة،قال:قال سلمة:ثم إن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أرسلني إلي عليّ فقال:«لأعطين الراية اليوم رجلا يحب اللّه و رسوله،أو يحبّه اللّه و رسوله»،قال:فجئت به أقوده،أرمد،فبصق نبي اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في عينيه ثم أعطاه الراية،فخرج مرحب يخطر (3)بسيفه فقال:

قد علمت خيبر أنّي مرحب شاكي (4)السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهّب

فقال عليّ بن أبي طالب:

أنا الذي سمّتني أمي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة

أوفيهم بالصاع كيل السّندرة

ففلق رأس مرحب بالسيف،و كان الفتح علي يديه (4).

قال أبو بريدة:حاصرنا خيبر،فأخذ اللواء أبو بكر،فانصرف و لم يفتح،ثم أخذه من الغد عمر،فانصرف و لم يفتح له،و لقي الناس يومئذ شدة و جهد،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إني دافع اللواء2.

ص: 40


1- صحيح مسلم(44)كتاب الفضائل
2- باب من فضائل عليّ بن أبي طالب.الحديث(34):1872، و النسائي ح 16 من كتاب الخصائص:55.
3- يخطر بسيفه أي يرفعه مرة و يضعه أخري.
4- شاكي السلاح أي تام السلاح،من الشوكة و هي القوة،و الشوكة أيضا السلاح.

غدا إلي رجل يحب اللّه و رسوله،و يحبه اللّه و رسوله،لن يرجع حتي يفتح له»،و بتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غدا،فلما أصبح رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم صلّي بنا الغداة ثم قام قائما،و دعا باللواء و الناس علي مصافهم،فقلّما من أحد كانت له منزلة عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و هو يرجو أن يكون صاحب اللواء، قال:و قال بريدة:و أنا ممن تطاول لها،قال:فدعا عليّ بن أبي طالب و هو أرمد،فتفل في عينيه، و فتح عنهما،فدفع إليه اللواء،و فتح (1).

***

علم علي عليه السّلام

و عن ابن عبّاس قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أنا مدينة العلم و عليّ بابها،فمن أراد الباب فليأت عليا» (2).

عن عبد اللّه بن مسعود قال:كنت عند النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فسئل عن عليّ،فقال:«قسّمت الحكمة عشرة أجزاء،فأعطي عليّ تسعة أجزاء،و الناس جزءا واحدا».

عن عبد اللّه بن عمرو أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال في مرضه:«أدعوا لي أخي»،فدعي له عثمان، فأعرض عنه ثم قال:«ادعوا لي أخي»،فدعي له عليّ بن أبي طالب فستره بثوب و انكبّ عليه فلما خرج من عنده قيل له:ما قال؟قال:علّمني ألف باب،يفتح كلّ باب ألف باب (3).

و عن عبد اللّه بن مسعود قال:إن القرآن أنزل علي سبعة أحرف،ما منها حرف إلاّ له ظهر و بطن،و انّ عليّ بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر و الباطن (4).

و عن أبي عبد الرّحمن السلمي قال:ما رأيت أحدا أقرأ لكتاب اللّه من عليّ بن أبي طالب (5).

و عن أنس بن مالك أن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال لعلي:«أنت تبيّن لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي» (6).

أبو الطفيل عامر بن واثلة قال:خطب عليّ بن أبي طالب في عامة،فقال:يا أيها الناس إنّ العلم يقبض قبضا سريعا،و إنّي أوشك أن تفقدوني فسلوني،فلن تسألوني عن آية من كتاب اللّه إلاّ نبّأتكم بها،و فيما أنزلت،و إنكم لن تجدوا أحدا من بعدي يحدّثكم (7).

ص: 41


1- الكافي:351/8،و البحار:5/21.
2- مناقب آل أبي طالب:314/1،و البحار:199/28.
3- مناقب الكوفي 1:263/336،العلل المتناهية 1:218.
4- حلية الأولياء 1:65،فرائد السمطين 1:291/355.
5- الإستيعاب 2:334،غاية النهاية للجزري 1:546،أرجح المطالب:47،شواهد التنزيل 1:19/24)
6- مناقب آل أبي طالب:312/1،و البحار:/14940.
7- البحار:15/40 ح 30.

و عن محمّد بن فضيل يقول:سمعت ابن شبرمة يقول:ما كان أحد علي المنبر يقول:سلوني عن ما بين اللوحين إلاّ عليّ بن أبي طالب (1).

و عن ابن عبّاس قال:قال عمر بن الخطّاب:عليّ أقضانا،و أبيّ أقرأنا،و إنّا لندع كثيرا من لحن أبيّ،و أبيّ يقول:سمعت من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لا أدعه لشيء،و اللّه يقول: مٰا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهٰا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهٰا أَوْ مِثْلِهٰا (2)(3).

و عن عبد اللّه قال:كنا نتحدث أن أقضي أهل المدينة عليّ بن أبي طالب (4).

و عن الشعبي قال:ليس منهم أحد أقوي قولا في الفرائض من عليّ بن أبي طالب (5).

و عن ابن عبّاس قال:قسم علم الناس خمسة أجزاء،فكان لعليّ منها أربعة أجزاء،و لسائر الناس جزء،و شاركهم عليّ في الجزء،فكان أعلم به منهم (6).

و عن عائشة قالت:عليّ بن أبي طالب أعلمكم بالسنّة (7).

و عن عبيدة قال:صحبت عبد اللّه سنة ثم صحبت عليا،فكان فضل ما بينهما في العلم كفضل المهاجر علي الأعرابي (8).

و قال مسروق:ساممت (9)أصحاب محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فوجدت علمهم انتهي إلي ستة نفر منهم:

عمر،و عليّ،و عبد اللّه،و أبي الدرداء،و أبيّ بن كعب،و زيد بن ثابت،ثم ساممت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهي إلي رجلين:إلي عليّ و عبد اللّه. (10)

و عن عبد الملك بن أبي سليمان قال:قلت لعطاء بن أبي رباح:أكان في أصحاب محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أعلم من عليّ بن أبي طالب؟قال:لا و اللّه ما أعلمه (11).

و عن أبي الطفيل قال:شهدت عليّا عليه السّلام و هو يخطب و يقول:سلوني سلوني فو الله لا تسألوني5.

ص: 42


1- فضائل الصحابة لابن حنبل 2:1098/646،الإستيعاب 3:40،معجم الشيوخ 2:111،ذخائر العقبي:83،الرياض النضرة 3:212.
2- سورة البقرة،الآية:106.
3- تاريخ مدينة دمشق:402/42.
4- الإستيعاب:39/3(هامش الإصابة)و تاريخ الإسلام(الخلفاء الراشدون):638 و المستدرك للحاكم:/3 135 و نهاية الأرب:6/20.
5- فتح الملك العلي:79،و الرياض النضرة:160/3 بتفاوت.
6- حلية الأولياء 1:65،مطالب السؤول 1:142،مناقب آل أبي طالب 2:38.
7- ذخائر العقبي:78،و تاريخ البخاري:255/2 و /228ح 767.
8- تاريخ مدينة دمشق:408/42.
9- في المختصر:شاممت.
10- الطبقات المالكية 2:71،نظم درر السمطين للزرندي:128.
11- مصنف بن أبي شيبة 6:158،باب فضائل علي،مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا:95.

عن شيء يكون إلي يوم القيامة إلاّ حدّثتكم به،فإنّ تحت الجوانح منّي لعلما جمّا،سلوني عن كتاب اللّه عزّ و جلّ،ما منه آية إلاّ و أنا أعلم بليل أو نهار أم سهل نزلت أم بجبل (1).

و في رواية قال:ما نزلت آية إلاّ علمت فيما نزلت و أين نزلت،و علي من نزلت،إنّ ربّي عزّ و جلّ وهب لي قلبا عقولا و لسانا ناطقا،فقام:ابن الكوا فقال يا أمير المؤمنين أخبرنا عن قوله تعالي: وَ الذّٰارِيٰاتِ ذَرْواً؟

قال:الرياح،قال:فما فَالْحٰامِلاٰتِ وِقْراً؟ قال:ثكلتك أمّك أو قال:ويلك سل تفقّها أو تعلّما و لا تسأل تعنّتا،سل ما يعنيك ودع ما لا يعنيك.

قال:لا و اللّه ما سألت إلاّ و هو يعنيني،قال:هنّ السحاب،قال:فما فَالْجٰارِيٰاتِ يُسْراً؟ قال:السفن،قال:فما فَالْمُقَسِّمٰاتِ أَمْراً؟ (2)قال:الملائكة،قال:فأخبرنا عن قوله تعالي:

وَ السَّمٰاءِ ذٰاتِ الْحُبُكِ؟ (3) .

قال:ويحك ذات الخلق الحسن،قال:فأخبرنا عن قوله تعالي: وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دٰارَ الْبَوٰارِ؟ (4)قال:أولئك قريش كفيتموهم (5)،قال:فأخبرنا عن هذه المجرّة التي في السماء؟قال:

هي أبواب السماء التي صبّ اللّه تعالي منها الماء المنهمر علي قوم نوح،قال:فأخبرنا عن قوس قزح قال:ثكلتك أمّك لا تقل:قوس قزح،قزح هو الشيطان و لكنّها قوس اللّه،هي علامة كانت بين نوح النبي و بين ربّه عزّ و جلّ،و هي أمان لأهل الأرض من الغرق.

قال:فأخبرنا عن هذا السواد الذي في القمر؟قال:سأل أعمي عن عمياء ما سمعت اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهٰارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنٰا آيَةَ اللَّيْلِ (6)،فذلك محوه و السواد الذي فيه من المحو،قال:فأخبرنا كم بين المشرق و المغرب؟.

قال:مسيرة يوم للشمس،فمن قال غير ذلك فقد كذب،قال:فكم بين السماء و الأرض؟ قال:دعوة مستجابة فمن قال غيرها فقد كذب.

قال:أفرأيت ذا القرنين أنبيّا كان أم ملكا؟قال:لا واحد منهما،و لكنّه كان عبدا صالحا أحبّ اللّه فأحبّه اللّه و ناصح اللّه فناصحه اللّه،دعي قومه إلي الهدي فضربوه علي قرنه،فمكث ما شاء اللّه ثمّ دعاهم إلي الهدي فضربوه علي قرنه الآخر،و لم يكن له قرن كقرن الثور،قال:فالبيت المعمور ما هو؟2.

ص: 43


1- ذخائر العقبي:83 قال:أخرجه أبو عمر،و الغارات:736/2،و طبقات ابن سعد:101/2.
2- سورة الذاريات:1-4.
3- سورة الذاريات:7.
4- سورة إبراهيم:28.
5- في المصدر:هم الأفجران من قريش قد.)
6- سورة الإسراء:12.

قال:ذلك الضراح فوق سبع سماوات تحت العرش،يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك،ثم لا يعودون إليه إلي يوم القيامة،قال:أخبرنا عن قوله تعالي: هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمٰالاً (1)؟

قال:أولئك القسّيسين و الرهبان و مدّ عليّ صوته و قال:ما أهل النهر غدا منهم ببعيد،قال:

و ما خرج أهل النهر بعد و قيل:إنّه قال:كان أهل حرورا منهم و قال:و اللّه يا أمير المؤمنين لا أسأل أحدا سواك،و لا إنّي أجد غيرك،قال:إن كان الأمر إليك فافعل فلمّا خرج أهل النهر خرج معهم ثمّ رجع تائبا (2).

و قال:ذكرت الحديث من عليّ عليه السّلام قال:بعثني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي اليمن فقلت:يا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إنّي شاب حديث السنّ،و لا علم لي بالقضاء،فضرب في صدري بيده و قال:«اللهمّ اهد قلبه و ثبّت لسانه»قال:فو الله ما شككت في قضاء بين اثنين حتّي الساعة (3).

و في رواية أنّه قال:إنّك تبعثني إلي قوم أسنّ منّي لأقضي بينهم؟فقال:إذهب فإنّ اللّه سيهدي قلبك و يثبّت لسانك.

و في رواية،تبعثني إلي قوم لست بأسنّهم،و ليس لي علم بالقضاء؟فقال:إذا اختصم إليك خصمان فلا تقضي للأوّل حتّي تسمع ما يقول الآخر،قال:فما زلت قاضيا أو قال:ما شككت في قضاء بين اثنين (4).

و قال ابن عبّاس:العلم ستّة أسداس و لعلي من ذلك خمسة أسداس و للناس سدس،و لقد شاركنا في سدسنا حتي لهو أعلم به منّا (5)،فقال ابن عبّاس:بينما أنا في الحجر جالس،إذ أتي رجل يسأل عن العاديات ضبحا،فقلت:الخيل حين تغير في سبيل اللّه،ثمّ تأوي إلي الليل فيصنعون طعامهم و يورون نارهم،فانتقل عنّي فذهب إلي علي بن أبي طالب و هو جالس تحت ساقية زمزم فسأله عنها،فقال له:سألت عنها أحدا قبلي؟قال:نعم سألت عنها ابن عبّاس فقال:هي الخيل حين تغير في سبيل اللّه قال:إذهب فادعه لي،فلمّا وقفت عليه قال (6):و اللّه إن كانت لأوّل غزوة في الإسلام لبدر،و ما كان معنا إلاّ فرسان،فرس للزبير و فرس للمقداد،فكيف تكون العاديات ضبحاك.

ص: 44


1- سورة الكهف:103.
2- كنز العمال:/565/2ح 4740،عن المصاحف لابن الأنباري،و كتاب العلم لابن عبد البر،و مناقب ابن الدمشقي:300/1،و الغارات:179/1،و الاحتجاج:387/1 بتفاوت.
3- سيرة الخلفاء للسيوطي:5 و قال:أخرجه الحاكم و صحّحه،و نصب الراية:36/5،و سنن ابن ماجه:/2 /774ح 2310.
4- مسند أحمد:156/1،و مسند أبي يعلي:/323/1ح 401،و الرياض النضرة:263/2.
5- مناقب الخوارزمي:92.
6- و في رواية:تفتي الناس بما لا علم لك.

الخيل؟إنّما العاديات ضبحا من عرفة إلي المزدلفة،فإذا آووا إلي المزدلفة أوقدوا النيران، و المغيرات صبحا من المزدلفة إلي مني فذلك جمع،و أمّا قوله: فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (1)فهي نقع الأرض حين تطؤه بأخفافها و حوافرها،قال ابن عبّاس:فرجعت عن قولي إلي قول علي عليه السّلام (2).

و عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال:قالت فاطمة عليها السّلام لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:زوجّتني عليا أحمش الساقين عظيم (3)البطن قليل السن؟فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«زوّجتك يا بنيّة أعظم الناس حلما و أقدمهم سلما و أكثرهم علما» (4).

و قال الشعبي:من كان أحد من هذه الأمّة أعلم بما بين اللوحين و بما أنزل علي محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من علي (5).

و قال مسروق رحمه اللّه:وجدت العلم عند ستّة من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:عمر بن الخطاب، و علي بن أبي طالب،و ابن مسعود،و معاذ بن جبل،و زيد بن ثابت،و أبيّ بن كعب،ثمّ انتهي علمهم إلي علي و ابن مسعود رضي اللّه عنه (6).

***

علم علي عليه السّلام للغيب

منها:أنّ اللّه عزّ و علا أطلعه في قتال الخوارج المارقين علي مستقبل أمرهم فاخبر به قبل وقوعه فخرق به العادة و كانت كرامة له،و ذلك أنّ الخوارج لمّا اجتمعوا و أجمعوا علي قتاله و كانوا أربعة آلاف علي ما سبق بيانه،فبينا علي عليه السّلام جالس إذ رأي فارسا مقبلا من ناحية النهروان يركض علي فرس فصاح به علي عليه السّلام:(إليّ إليّ)فجاء إليه فقال له علي عليه السّلام:(ما وراءك)؟

فقال:إنّ القوم لما علموا أنّك قربت منهم عبروا النهر هاربين.

فقال له علي عليه السّلام:(أنت رأيتهم حين عبروا؟).

قال:نعم.

فقال له علي عليه السّلام:(و الذي بعث محمّدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لا يعبرون و لا يبلغون قصر بوران بنت كسري

ص: 45


1- سورة العاديات:4.
2- فتح القدير:471/5،و مستدرك الصحيحين و صححه،و كنز العمال:/554/2ح 4713.
3- في المصدر:خميص البطن.
4- تاريخ دمشق:/132/42ح 8505،و الرياض النضرة:183/2.
5- شواهد التنزيل:/48/1ح 42.
6- الطبقات الكبري:367/2 باب أهل العلم و الفتوي،و المعجم الكبير:/94/9ح 8513.

حتي يقتل اللّه مقاتلتهم علي يديّ فلا يبقي منهم إلاّ أقل من عشرة و لا يقتل من أصحابي إلاّ أقل من عشرة)ثم نهض عليه السّلام فركب فرسه حتي وافي القوم متأهبين للقتال فواقعهم علي ما سبق حتي قتلوا عن آخرهم سوي تسعة و لم يقتل من أصحابه سوي ما تقدم ذكره قيل:تسعة و قيل:إثنان،و لم يعبروا النهر و لا بلغوا قصر بوران بنت كسري،فوقع الأمر علي ما أخبر به عليه السّلام) (1)فكانت تلك معدودة من كراماته و هذه الوقائع(علي هذا الشرح فيما أخبر به عنهم عليه السّلام نقلها صاحب تاريخ فتوح الشام رحمه اللّه) (2).

و منها:ما رواه ابن شهر آشوب في كتابه،أنّ عليّا عليه السّلام لما قدم الكوفة وفد عليه طوائف من الناس و كان فيهم فتي فصار من شيعته يقاتل بين يديه في مواقفه فخطب إمرأة من قوم عرب استوطنوا الكوفة فأجابوه فتزوجها،فلمّا صلي علي عليه السّلام يوما صلاة الصبح قال لبعض من عنده:(إذهب إلي محلة بني فلان تجد فيها مسجدا إلي جانبه بيتا تسمع فيه صوت رجل و امرأة يتشاجران بأصوات مرتفعة فأحضرهما الساعة،و قل لهما أمير المؤمنين يطلبكما).

فمضي ذلك الإنسان فما كان إلاّ هنيئة حتي عاد و معه ذلك الفتي و إمرأته فقال لهما علي عليه السّلام:

(فيم طال تشجاركما الليلة؟)

فقال الفتي:يا أمير المؤمنين إنّ هذه المرأة خطبتها و تزوجتها،فلمّا خلوت بها هذه الليلة وجدت في نفسي منها نفرة منعتي أن ألم بها،و لو إستطعت إخراجها ليلا لأخرجتها عني قبل ظهور النهار فنقمت علي ذلك و نحن في التشاجر إلي أن جاء أمرك فحضرنا بين يديك.

فقال علي عليه السّلام:لمن حضره:(رب حديث لا يؤثر من يخاطب به أن يسمعه غيره)فقام من كان حاضرا و لم يبق عند علي عليه السّلام غير الفتي و المرأة.

فقال لها علي عليه السّلام:(أتعرفين هذا الفتي؟)

فقالت:لا.

فقال:(إذا أنا أخبرتك بحالة تعرفينها فلا تنكريها).

قالت:بلي يا أمير المؤمنين.

قال عليه السّلام:(ألست فلانة بنت فلان؟).

قالت:بلي.

قال عليه السّلام:(أليس كان لك ابن عم و كل واحد منكما راغب في صاحبه؟).7.

ص: 46


1- أثبتناه من نسخة(م).
2- فتوح ابن أعثم 4:862 و كذا:مناقب ابن شهر آشوب 2:303،الهداية الكبري:ص 137.

قالت:بلي.

قال عليه السّلام:(أليس إنّ أباك منعك منه و منعه عنك و لم يزوجه بك و أخرجه من جواره لذلك؟).

قالت:بلي.

قال عليه السّلام:(أليس خرجت ليلة لقضاء الحاجة فاغتالك و أكرهك و وطئك فحملت فكتمت أمرك عن أبيك و أعلمت أمّك فلما آن الوضع أخرجتك ليلا فوضعت ولدا فلفته في خرقة و ألقته من خارج الجدران حيث قضاء الحوائج فجاء كلب فشمه فخشيت أن يأكله فرمته بحجر فوقعت في رأسه فشجّته فعدت إليه أنت و أمك فشدّت أمك رأسه بخرقة من جانب مرطها ثم تركتماه و مضيتما و لم تعلما حاله؟).

فسكتت.

فقال لها عليه السّلام(تكلمي بحق).

فقالت:بلي و اللّه يا أمير المؤمنين إنّ هذا الأمر ما علمه مني غير أمي.

فقال عليه السّلام:(فقد أطلعني اللّه عليه،فأصبح و أخذه بنو فلان فربي فيهم إلي أن كبر،و قدم معهم الكوفة و خطبك و هو إبنك).

ثم قال للفتي:(إكشف عن رأسك)فكشف رأسه فوجدت أثر الشجّة فيه.

فقال عليه السّلام:(هذا إبنك قد عصمه اللّه مما حرّمه عليه فخذي ولدك و انصر في فلا نكاح بينكما) (1).

و منها:ما رواه الحسين بن ركدان الفارسي قال:كنت مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام و قد شكي إليه الناس أمر الفرات و أنه قد زاد الماء ما لا نحتمله و نخاف أن تهلك مزارعنا،و نحب أن تسأل اللّه تعالي أن ينقصه عنا.

فقام و دخل بيته و الناس مجتمعون ينتظرونه فخرج و قد لبس جبة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و عمامته و برده و في يده قضيبه فدعا بفرسه فركبه و مشي الناس معه و أولاده و أنا معهم رجّالة حتي وقف علي الفرات فنزل علي فرسه،و صلي ركعتين خفيفتين ثم قام و أخذ القضيب بيده و مشي علي الجسر و ليس معه غير ولديه الحسن و الحسين و أنا،فأهوي إلي الماء بالقضيب فنقص ذراعا فقال عليه السّلام:(أيكفيكم؟).

فقالوا:لا يا أمير المؤمنين.

فقام و أومي بالقضيب و أهوي به في الماء فنقصت الفرات ذراعا آخر و هكذا إلي أن نقصت ثلاثة أذرع فقالوا:حسبنا يا أمير المؤمنين فعاد و ركب فرسه و رجع إلي منزله (2).6.

ص: 47


1- مناقب ابن شهر آشوب 2:300.
2- مناقب ابن شهر آشوب 2:368،الخصائص للرضي:26،روضة الواعظين 1:119،الفضائل لابن شاذان:106.

و منها:ما صدر في قضية مقتله عليه السّلام و تلخيص ذلك أنّه عليه السّلام لما فرغ من قتل الخوارج المارقين عاد إلي الكوفة في شهر رمضان،قام في المسجد فصلي ركعتين ثم صعد المنبر فخطب خطبة حسناء ثم التفت إلي ابنه الحسن فقال:(يا أبا محمّد كم مضي من شهرنا هذا؟).

قال عليه السّلام:(ثلاث عشرة يا أمير المؤمنين).

ثم التفت إلي الحسين فقال:(يا أبا عبد اللّه كم بقي من شهرنا هذا؟)-يعني رمضان الذي هم فيه-فقال الحسين عليه السّلام:(سبع عشرة يا أمير المؤمنين).

فضرب بيده إلي لحيته-و هي يومئذ بيضاء-فقال:(اللّه أكبر،و اللّه ليخضبنها بدمها إذ انبعث أشقاها)ثم جعل يقول:

أريد حياته و يريد قتلي خليلي من عذيري من مرادي

و عبد الرحمن بن ملجم المرادي يسمع،فوقع في قلبه من ذلك شيء فجاء حتي وقف بين يديّ علي عليه السّلام و قال:أعيذك باللّه يا أمير المؤمنين هذه يميني و شمالي بين يديك فاقطعهما أو أقتلني.

فقال علي عليه السّلام:(و كيف أقتلك و لا ذنب لك اليّ!!و لو أعلم أنّك قاتلي لم أقتلك،و لكن هل كانت لك حاضنة يهودية قالت لك يوما من الأيام:يا شقيق عاقر ناقة صالح؟).

قال:قد كان ذلك يا أمير المؤمنين.

فسكت عليه السّلام و ركب،فلما كانت ليلة ثلاث و عشرين من الشهر قام ليخرج من داره إلي المسجد لصلاة الصبح و قال:(إنّ قلبي ليشهد أنّي لمقتول في هذا الشهر)و فتح الباب فتعلق الباب بمئزره، فجعل ينشد:

اشدد حيازيمك للموت فإنّ الموت لاقيك

و لا تجزع من الموت إذا حلّ بواديك

فخرج و قتل (1)

و روي الحسن بن محبوب،عن ثابت الثّمالي،عن سويد بن غفلة أنّ عليّا خطب ذات يوم فقام رجل من تحت منبره فقال:يا أمير المؤمنين إنّي مررت بواد القري فوجدت خالد ابن عرفطة قد مات،فاستغفر له فقال:ما مات و لا يموت حتّي يقود جيش ضلالة صاحب لوائه حبيب بن حمّاد.

فقام رجل آخر من تحت المنبر فقال:يا أمير المؤمنين أنا حبيب بن حمّاد و أنّي لك شيعة و محب،فقال:و أنت حبيب بن حمّاد؟5.

ص: 48


1- الفتوح لابن أعثم 3:277-278،الكامل في التاريخ 3:388-389،مناقب ابن شهر آشوب 3:355.

قال:نعم فقال له ثانية:و اللّه إنّك لحبيب بن حمّاد؟فقال أي و اللّه قال:أما و اللّه إنّك لحاملها و لتحملنّها و لتدخلنّ بها من هذا الباب،و أشار إلي باب الفيل بمسجد الكوفة،قال ثابت فو الله ما متّ حتّي رأيت ابن زياد،و قد بعث عمر بن سعد إلي الحسين بن علي و جعل خالد بن عرفطة علي مقدمته،و حبيب بن حمّاد صاحب رايته،و دخل بها من باب الفيل (1).

و روي عثمان بن سعيد،عن يحيي التّميمي عن الأعمش،عن إسماعيل بن رجا قال:قام أعشي بأهله و هو غلام يومئذ حدث إلي عليّ و هو يخطب و يذكر الملاحم،فقال:يا أمير المؤمنين ما أشبه هذا الحديث بحديث الخرافة،فقال:إن كنت آثما فيما قلت يا غلام فرماك اللّه بغلام ثقيف، ثمّ سكت.

فقال رجال:و من غلام ثقيف يا أمير المؤمنين؟

قال:غلام يملك بلدتكم هذه لا يترك للّه حرمة إلاّ انتهكها يضرب عنق هذا الغلام بسيفه.

فقالوا:كم يملك يا أمير المؤمنين؟قال:عشرين إن بلغها،قالوا:فيقتل قتلا أم يموت موتا.

قال:بل يموت حتف أنفه بداء البطن يثقب مريره لكثرة ما يخرج،قال إسماعيل بن رجا:

فو الله لقد رأيت بعيني أعشي بأهله و قد أحضر في جملة الأسري الذين أسروا من جيش عبد الرّحمن بن محمّد بن الأشعث بين يدي الحجاج،فقرعه و ذبحه و استنشده شعره الذي يحرض فيه عبد الرّحمن علي الحرب،ثمّ ضرب عنقه في ذلك المجلس (2).

و روي إبراهيم بن ميمون الأزدي عن حبّة العرني قال:كان جويرية بن مسهر العبدي صالحا، و كان لعليّ بن أبي طالب صديقا،و كان عليّ يحبّه؛و كان له شدّة اختصاص به حتّي دخل علي عليّ يوما و هو مضطجع و عنده قوم من أصحابه،فناداه جويرية أيّها النّائم استيقظ فلتضربن علي رأسك ضربة تخضب منها لحيتك.

قال:فتبسّم أمير المؤمنين قال:و أحدّثك يا جويرية بأمرك،أما و الذي نفسي بيديه لتعتلنّ إلي العتلّ الزّنيم فليقطعن يدك و رجلك و ليصلّبنك تحت جذع كافر.

قال:فو الله ما مضت الأيام علي ذلك حتّي أخذ زياد جويرية،فقطع يده و رجله و صلبه إلي جانب جذع ابن مكعبر،و كان جذعا طويلا فصلبه علي جذع قصير إلي جانبه (3).

و عن كتاب الغارات عن أحمد بن الحسن الميثمي قال:كان ميثم التّمار مولي عليّ بن أبي طالب عبدا لامرأة من بني أسد،فاشتراه علّي منها و أعتقه،و قال له ما اسمك؟1.

ص: 49


1- خصائص الرضي:53.
2- البحار:341/41.
3- البحار:343/41.

فقال:سالم.

فقال:إنّ رسول الله:أخبرني أنّ اسمك الذي سماك به أبوك في العجم ميثم،فقال:صدق اللّه و صدق رسوله و صدقت يا أمير المؤمنين فهو و اللّه اسمي قال:فارجع إلي اسمك ودع سالما فنحن نكنّيك به فكنّاه أبا سالم.

قال:و قد كان قد أطلعه عليّ علي علم كثير و أسرار خفيّة من أسرار الوصيّة،فكان ميثم يحدث ببعض ذلك فيشك فيه قوم من أهل الكوفة و ينسبون عليا في ذلك إلي المخرفة و الإيهام و التّدليس.

حتّي قال له يوما بمحضر من خلق كثير من أصحابه و فيهم الشّاك و المخلص:يا ميثم إنّك تؤخذ بعدي و تصلب،فإذا كان اليوم الثّاني ابتدر منخراك و فمك دما حتّي يخضب لحيتك،فإذا كان اليوم الثّالث طعنت بحربة يقضي عليك،فانتظر ذلك،و الموضع الذي تصلب فيه نخلة علي باب دار عمرو بن حريث،إنّك لعاشر عشرة أنت أقصرهم خشبة و أقربهم من المطهرة يعني الأرض،و لأرينّك النّخلة التي تصلب علي جذعها،ثمّ أراه إياها بعد ذلك بيومين.

و كان ميثم يأتيها فيصلي عندها و يقول:بوركت من نخلة،لك خلقت،و لي نبت،فلم يزل يتعاهدها بعد قتل علي حتّي قطعت،فكان يرصد جذعها و يتعاهده و يتردّد إليه و يبصره،و كان يلقي عمرو بن حريث فيقول له:إنّي مجاورك فأحسن جواري،فلا يعلم ما يريد فيقول له:أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أم دار ابن حكيم؟

قال:و حجّ في السّنة التي قتل فيها،فدخل علي أمّ سلمة رضي اللّه عنها،فقالت له:من أنت؟

قال:عراقي فاستنسبته فذكر لها أنّه مولي علي بن أبي طالب.

فقالت:و أنت ميثم؟

قال:أنا ميثم.

فقالت:سبحان اللّه و اللّه لربما سمعت رسول اللّه يوصي بك عليّا في جوف الليل،فسألها عن الحسين بن علي.

فقالت:هو في حائط له.

قال:أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه و نحن ملتقون عند رب العالمين إن شاء اللّه و لا أقدر اليوم علي لقائه و أريد الرّجوع.

فدعت بطيب فطيب لحيته فقال لها:أما أنها ستخضب بدم،فقالت:من أنبأك هذا؟

قال:أنبأني سيدي،فبكت أمّ سلمة و قالت له:إنّه ليس بسيدك وحدك و هو سيدي و سيّد المسلمين،ثمّ ودعته.

ص: 50

فقدم الكوفة فأخذ و أدخل علي عبيد اللّه بن زياد،و قيل له:هذا كان من آثر النّاس عند أبي تراب.

قال:و يحكم هذا الأعجمي؟

قالوا:نعم،فقال له عبيد الله:أين ربك؟قال:بالمرصاد.

قال:قد بلغني اختصاص أبي تراب لك،قال:قد كان بعض ذلك فما تريد؟قال:و إنّه ليقال إنّه قد أخبرك بما سيلقاك،قال نعم:أخبرني.

قال:ما الذي أخبرك أنّي صانع بك؟

قال:أخبرني أنك تصلبني عاشر عشرة و أنا أقصرهم خشبة و أقربهم من المطهرة،قال:

لأخالفنّه،قال:ويحك كيف تخالفه؟إنّما أخبر عن رسول اللّه،و أخبر رسول اللّه عن جبريل،و أخبر جبريل عن الله؛فكيف تخالف هؤلاء،أما و اللّه لقد عرفت الموضع الذي أصلب فيه أين هو من الكوفة،و إنّي لأوّل خلق اللّه ألجم في الإسلام بلجام كما يلجم الخيل،فحبسه و حبس معه المختار بن أبي عبيدة الثقفي.

فقال ميثم للمختار و هما في حبس ابن زياد:إنّك تفلت و تخرج ثائرا بدم الحسين،فتقتل هذا الجبار الذي نحن في حبسه و تطأ بقدمك هذا علي جبهته و خديه،فلما دعا عبيد اللّه بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلي عبيد اللّه بن زياد يأمره بتخلية سبيله و ذاك أنّ أخته كانت تحت عبد اللّه بن عمر بن الخطاب،فسألت بعلها أن يشفع فيه إلي يزيد فشفع فأمضي شفاعته و كتب بتخلية سبيل المختار علي البريد،فوافي البريد و قد أخرج ليضرب عنقه فأطلق.

و أما ميثم فأخرج بعده ليصلب،و قال عبيد الله:لأمضين حكم أبي تراب فيك فلقاه رجل فقال له:ما كان أغناك عن هذا يا ميثم؟فتبسّم فقال و هو يؤمي إلي النخلة لها خلقت ولي غذيت،فلما رفع علي الخشبة اجتمع النّاس حوله علي باب عمرو بن حريث.

فقال عمرو:و لقد كان يقول لي إنّي مجاورك فكان يأمر جاريته كلّ عشيّة أن تكنس تحت خشبته و ترشه و تجمر بالمجمر تحته.

فجعل ميثم يحدث بفضائل بني هاشم و مخازي بني أميّة و هو مصلوب علي الخشبة،فقيل لابن زياد:قد فضحكم هذا العبد.

فقال:ألجموه،فألجم،فكان أوّل خلق اللّه ألجم في الإسلام،فلما كان اليوم الثاني فاضت منخراه و فمه دما،فلما كان اليوم الثالث طعن بحربة فمات،و كان قتله قبل قدوم الحسين العراق بعشرة أيام (1).1.

ص: 51


1- البحار:345/41.

زهد علي بن أبي طالب عليه السّلام

عن هارون بن عنترة،عن أبيه قال:دخلت علي عليّ بن أبي طالب بالخورنق و عليه قطيفة و هو يرعد من البرد،فقلت:يا أمير المؤمنين إنّ اللّه قد جعل لك و لأهل بيتك في هذا المال نصيبا، و أنت تفعل بنفسك هذا؟فقال:أي و اللّه لا أرزأ من أموالكم شيئا،و هذه القطيفة التي أخرجتها من بيتي-أو قال:من المدينة-.

و عن سفيان قال:إذا جاءك عن عليّ بشيء أثبت لك فخذ به،ما بني عليّ لبنة علي لبنة،و لا قصبة علي قصبة،و لقد كان يجاء بجبوبه (1)في جراب من المدينة (2).

عن مجمّع التيمي قال:خرج عليّ بن أبي طالب بسيفه إلي السوق،فقال:من يشتري مني سيفي هذا،فلو كان عندي أربعة دراهم إشتري بها إزارا ما بعته (3).

و عن سفيان قال:إنّ عليا كان إذا لبس قميصا مدّ يده في كمّه فما خرج من الكمّ عن الأصابع قطعه قال:ليس لكمّ فضل عن الأصابع (4).

و عن ابن عبّاس قال:اشتري عليّ بن أبي طالب قميصا بثلاثة دراهم-و هو خليفة-و قطع كمّيه من موضع الرسغين (5)و قال:الحمد للّه الذي هذا من رياشه (6).

و عن فرّوخ مولي لبني الأشتر قال:رأيت عليا في بني ديوار و أنا غلام فقال:أتعرفني؟فقلت:

نعم،أنت أمير المؤمنين،ثم أتي آخر فقال:أتعرفني؟فقال:لا،فاشتري منه قميصا زابيا فلبسه فمدّ كمّ القميص فإذا هو مع أصابعه فقال له:كّفّه،فلمّا كفّه قال:الحمد للّه الذي كسا عليّ بن أبي طالب (7).

و عن زيد بن وهب الجهني قال:خرج علينا عليّ بن أبي طالب ذات يوم و عليه بردان،متزر بأحدهما،مرتد بالآخر قد أرخي جانب إزاره و رفع جانبا،قد رفع إزاره بخرقة،فمرّ به أعرابي فقال:أيها الإنسان،إلبس من هذه الثياب فإنّك ميت،أو مقتول،فقال:أيها الأعرابي إنّما ألبس

ص: 52


1- الجبوب:الحجارة.
2- تاريخ الإسلام(الخلفاء الراشدون):644،و البداية و النهاية:4/8.
3- المعرفة و التاريخ:682/2-683،و البداية و النهاية:4/8.
4- البداية و النهاية:4/8.
5- الرسغ:المفصل ما بين الساعد و الكف،أو الساق و القدم.
6- مسند أحمد 1:157،و فضائل الصحابة لابن حنبل 2:1214/711،غريب الحديث لابن قتيبة 2:18، مجمع الزوائد 5:119.
7- الطبقات الكبري:28/3.

هذين الثوبين ليكونا أبعد لي من الزهو،و خيرا لي في صلاتي،و سنّة للمؤمن (1).

و عن أبي مطر قال:خرجت في المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي:إرفع إزارك فإنه أنقي لثوبك،و أنقي لك،و خذ من رأسك إن كنت مسلما،فمشيت خلفه و هو بين يدي مؤتزر بإزار،مرتد برداء،و معه الدرّة كأنه أعرابي بدوي،فقلت:من هذا؟

فقال لي رجل:أراك غريبا بهذا البلد؟فقلت:أجل،رجل من أهل البصرة،فقال:هذا عليّ أمير المؤمنين حتي انتهي إلي دار بني أبي معيط و هو يسوق الإبل،فقال:بيعوا و لا تحلفوا فإنّ اليمين تنفق السّلعة و تمحق البركة،ثم أتي أصحاب التمر،فإذا خادم تبكي،فقال:ما يبكيك؟ فقالت:باعني هذا الرجل تمرا بدرهم فرده مولاي فأبي أن يقبله،فقال له عليّ:خذ تمرك و أعطها درهمها فإنها ليس لها أمر،فدفعه،فقلت:أتدري من هذا؟فقال:لا،فقلت:هذا عليّ أمير المؤمنين فصبّ تمره و أعطاها درهمها،قال:أحب أن ترضي عني يا أمير المؤمنين،قال:ما أرضاني عنك إذا أوفيتهم حقوقهم.

ثم مرّ مجتازا بأصحاب التمر فقال:يا أصحاب التمر أطعموا المساكين يربّ كسبكم.

ثمّ مرّ مجتازا و معه المسلمون حتي انتهي إلي أصحاب السمك،فقال:لا يباع في سوقنا طاف.

ثم أتي دار فرات-و هي سوق الكرابيس-فأتي شيخا،فقال:يا شيخ أحسن بيعي في قميصي (2)بثلاثة دراهم،فلما عرفه لم يشتر منه شيئا،ثم أتي آخر فلما عرفه لم يشتر منه شيئا،فأتي غلاما حدثا فاشتري منه قميصا بثلاثة دراهم و لبسه ما بين الرسغين إلي الكعبين يقول في لبسه:

الحمد للّه الذي رزقني من الرياش ما أتجمّل به في الناس،و أواري به عورتي،فقيل له:يا أمير المؤمنين هذا شيء ترويه عن نفسك أو شيء سمعته من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

قال:لا،بل شيء سمعته من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقوله عن الكسوة،فجاء أبو الغلام صاحب الثوب فقيل له:يا فلان قد باع ابنك اليوم من أمير المؤمنين و هو جالس مع المسلمين علي باب الرحبة،فقال:أمسك هذا الدرهم،فقال:ما شأن هذا الدرهم فقال:كان قميصا ثمن درهمين قال:

باعني رضاي و أخذ رضاه (3).

عن حسن بن صالح قال:تذاكروا الزهاد عند عمر بن عبد العزيز فقال قائلون:فلان،و قال قائلون:فلان،فقال عمر بن عبد العزيز:أزهد الناس في الدنيا:عليّ بن أبي طالب (4).

***8.

ص: 53


1- البداية و النهاية:4/8.
2- في المختصر:في قميص.
3- البداية و النهاية:4/8-5.
4- البداية و النهاية:6/8.

عدل علي بن أبي طالب عليه السّلام

جابر،عن الشعبي قال:وجد عليّ بن أبي طالب درعه عند رجل نصراني،فأقبل به إلي شريح يخاصمه،قال:فجاء عليّ حتي جلس إلي جنب شريح،فقال له عليّ:يا شريح لو كان خصمي مسلما ما جلست إلاّ معه،و لكنه نصراني،قد قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم«إذا كنتم و إياهم في طريق فاضطروهم إلي مضايقه،و صغّروا بهم كما صغّر اللّه تعالي بهم من غير أن تطغوا»ثم قال عليّ:هذا الدرع درعي،لم أبع و لم أهب،فقال شريح للنصراني:ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟فقال النصراني:ما الدرع إلاّ درعي،ما أمير المؤمنين عندي بكاذب،فالتفت شريح إلي عليّ فقال:يا أمير المؤمنين هل من بيّنة،قال:فضحك عليّ و قال:أصاب شريح ما لي بيّنة فقضي بها للنصراني، قال:فمشي خطي ثم رجع فقال:أما أنا فأشهد أنّ هذه أحكام الأنبياء،أمير المؤمنين قدّمني إلي قاضيه،و قاضيه يقضي عليه،أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أشهد أنّ محمدّا عبده و رسوله،الدرع و اللّه درعك يا أمير المؤمنين،اتّبعت الجيش و أنت منطلق إلي صفين،فخرجت من بعيرك الأورق،فقال:

أما إذا أسلمت فهي لك،و حمله علي فرس.

فقال الشعبي:فأخبرني من رآه يقاتل الخوارج مع عليّ يوم النهروان (1).

***

تواضع علي بن أبي طالب عليه السّلام

عن صالح بياع الأكسية،عن جدّته قالت:رأيت عليا اشتري ثمرا بدرهم فحمله في ملحفته فقال:يا أمير المؤمنين ألا نحمله عنك؟فقال:أبو العيال أحق بحمله (2).

***

الآيات النازلة في علي عليه السّلام

اشارة

قال تعالي: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللّٰهُ عَليٰ قُلُوبِهِمْ وَ عَليٰ سَمْعِهِمْ وَ عَليٰ أَبْصٰارِهِمْ غِشٰاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ (3).

ص: 54


1- البداية و النهاية 8:4،حلية العلماء 8:258،مطالب السؤول 1:140،الكامل في التاريخ 3:201، أخبار القضاء 2:200،تاريخ الخلفاء:71.
2- البداية و النهاية:6/8.
3- سورة البقرة:7.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني بولاية عليّ عليه السّلام سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ (1)بولايته (2).

و قال علي بن إبراهيم في قوله تعالي:(و سواء عليهم...في إمام مبين)أي في كتاب مبين و هو محكم،و ذكر ابن عباس عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال:«أنا و اللّه الإمام المبين أبيّن الحق من الباطل و ورثته من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو محكم» (3).

ثمّ جعل المعرضين عن حبّه لا سمع لهم و لا بصر فقال: خَتَمَ اللّٰهُ عَليٰ قُلُوبِهِمْ أن يدخلها حبّ عليّ عليه السّلام أو يشرق فيها نور ولايته وَ عَليٰ سَمْعِهِمْ أن يصغوا إلي من يحدّث عن فضائله وَ عَليٰ أَبْصٰارِهِمْ أن ينظروا إلي ما نطق عن فضله أو ينظروا إلي كتاب يحتوي علي مناقبه وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ بتركهم ولاية عليّ عليه السّلام.

قال الإمام الحسن العسكري عليه السّلام في تفسيره لهذه الآية:«...ثم قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أيكم وقي بنفسه نفس رجل مؤمن البارحة؟

فقال علي عليه السّلام:أنا يا رسول اللّه وقيت بنفسي نفس ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري.

فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:حدّث بالقصّة إخوانك المؤمنين و لا تكشف عن إسم المنافق المكايد لنا،فقد كفاكما اللّه شرّه و أخّره للتوبة لعله يتذكر أو يخشي.

فقال علي عليه السّلام:بينا أنا أسير في بني فلان بظاهر المدينة،و بين يدي-بعيدا مني-ثابت بن قيس،إذ بلغ بئرا عادية عميقة بعيدة القعر،و هناك رجل من المنافقين فدفعه ليرميه في البئر،فتماسك ثابت،ثم عاد فدفعه،و الرجل لا يشعر بي حتي وصلت إليه،و قد اندفع ثابت في البئر،فكرهت أن أشتغل بطلب المنافق خوفا علي ثابت،فوقعت في البئر لعلّي آخذه،فنظرت فإذا أنا قد سبقته إلي قرار البئر.

فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:و كيف لا تسبقه و أنت أرزن منه؟و لو لم يكن من رزانتك إلا ما في4.

ص: 55


1- سورة البقرة:6.
2- تفسير الإمام العسكري عليه السّلام:51/91. و قال ابن أبي الحديد:أحجم المنافقون بالمدينة عن أذي رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم خوفا من سيفه،و لأنه صاحب الدار و الجيش و أمره مطاع و قوله نافذ،فخافوا علي دمائهم فاتقوه،و أمسكوا عن إظهار بغضه،و أظهروا بغض علي عليه السّلام و شنآنه،فقال رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في حقه في الخبر الذي روي في جميع الصحاح:(لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق)و قال كثير من أعلام الصحابة كما روي في الخبر المشهور بين المحدثين (ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب). شرح نهج البلاغة:251/13.
3- انظر:تفسير القمي:212/2.تفسير كنز الدقائق:101/1،تأويل الآيات:34/1 ح 6،شرح الأخبار: 24/1 ح 254 و 161/2 ح 494.

جوفك من علم الأولين و الآخرين الذي أودعه اللّه رسوله و أودعك لكان من حقك أن تكون أرزن من كل شيء،فكيف كان حالك و حال ثابت؟

قال:يا رسول اللّه صرت إلي قرار البئر،و استقررت قائما و كان ذلك أسهل علي و أخف علي رجليّ من خطاي التي أخطوها رويدا رويدا،ثم جاء ثابت فانحدر فوقع علي يديّ و قد بسطتهما له، فخشيت أن يضرني سقوطه عليّ أو يضره،فما كان إلا كباقة ريحان تناولتها بيدي،ثم نظرت فإذا ذلك المنافق و معه آخران علي شفير البئر و هو يقول لهما:أردنا واحدا فصارا اثنين.فجاءوا بصخرة فيها مقدار مائتي منّ فأرسلوها علينا فخشيت أن تصيب ثابتا،فاحتضنته و جعلت رأسي إلي صدري و انحنيت عليه،فوقعت الصخرة علي مؤخر رأسي،فما كانت إلا كترويحة بمروحة روحت بها في حمارة القيظ،ثم جاءوا بصخرة أخري فيها قدر ثلاثمائة منّ فأرسلوها علينا،فانحنيت علي ثابت فأصابت مؤخر رأسي،فكانت كماء صببته علي رأسي و بدني في يوم شديد الحر.

ثم جاؤوا بصخرة ثالثة فيها قدر خمسمائة منّ يديرونها علي الأرض لا يمكنهم أن يقلبوها، فأرسلوها علينا فانحنيت علي ثابت فأصابت مؤخر رأسي و ظهري،فكانت كثوب ناعم صببته علي بدني و لبسته فتنعمت به،ثم سمعتهم يقولون:لو أن لابن أبي طالب و ابن قيس مائة ألف روح ما نجت واحدة منها من بلاء هذه الصخور.

ثم انصرفوا و قد دفع اللّه عنّا شرهم،فأذن اللّه عز و جل لشفير البئر فانحط،و لقرار البئر فارتفع،فاستوي القرار و الشفير بعد الأرض،فخطونا و خرجنا.

فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا أبا الحسن إن اللّه عز و جل قد أوجب لك بذلك من الفضائل و الثواب ما لا يعرفه غيره،و ينادي مناد يوم القيامة:أين محبوا علي بن أبي طالب؟فيقوم قوم من الصالحين فيقال لهم:خذوا بأيدي من شئتم من عرصات القيامة فأدخلوهم الجنّة،فأقل رجل منهم ينجو بشفاعته من أهل تلك العرصات ألف ألف رجل.

ثم ينادي مناد:أين البقية من محبي علي بن أبي طالب عليه السّلام؟فيقوم قوم مقتصدون فيقال لهم:

تمنّوا علي اللّه عز و جل ما شئتم،فيتمنون فيفعل بكل واحد منهم ما تمني،ثم يضاعف له مائة ألف ضعف،ثم ينادي مناد:أين البقية من محبي علي بن أبي طالب عليه السّلام؟فيقوم قوم ظالمون لأنفسهم معتدون عليها.

فيقال:أين المبغضون لعلي بن أبي طالب عليه السّلام؟فيؤتي بهم جم غفير و عدد كثير عظيم فيقال:

ألا نجعل كل ألف من هؤلاء فداء لواحد من محبي علي بن أبي طالب عليه السّلام ليدخلوا الجنّة.فينجي اللّه عز و جل محبيك،و يجعل أعداءك فداءهم.

ثم قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:هذا الأفضل الأكرم،محبه محب اللّه و محب رسوله،و مبغضه مبغض اللّه و مبغض رسوله،هم خيار خلق اللّه من أمة محمد.

ص: 56

ثم قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لعلي عليه السّلام:أنظر.فنظر إلي عبد اللّه بن أبي و إلي سبعة نفر من اليهود، فقال:قد شاهدت ختم اللّه علي قلوبهم و علي سمعهم و علي أبصارهم.

فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنت يا علي أفضل شهداء اللّه في الأرض بعد محمد رسول اللّه.

قال:فذلك قوله تعالي(ختم اللّه علي قلوبهم و علي سمعهم و علي أبصارهم غشاوة)تبصرها الملائكة فيعرفونهم بها،و يبصرها رسول اللّه محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و يبصرها خير خلق اللّه بعده علي بن أبي طالب عليه السّلام (1).

ثمّ قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لأصحابه:«لا تعجبوا لحفظه السماء أن تقع علي الأرض فإنّ اللّه يحفظ ما هو أعظم من ذلك»

قالوا:و ما هو؟

قال:«أعظم من ذلك هو ثواب طاعات المحبّين لمحمّد و آله» (2).

قال تعالي: اَلَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّٰهِ مِنْ بَعْدِ مِيثٰاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ مٰا أَمَرَ اللّٰهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ (3)و هو عهد يوم الغدير يعني يقطعون فاطمة عن إرثها و قد أمر اللّه أن يصلوها (4).

و قال الإمام العسكري عليه السّلام:«و يقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل من الأرحام و القرابات أن يتعاهدوهم و يقضوا حقوقهم و أفضل رحم و أوجبه حقا رحم محمد صلّي اللّه عليه و آله فإن حقهم بمحمد كما أن حق قرابات الإنسان بأبيه و أمه و محمد أعظم حقا من أبويه كذلك حق رحمه أعظم و قطيعته أفظع و أفضح» (5).

ثمّ بني علي قلوب أعدائه فقال: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ببغضهم عليا عليه السّلام.

فَزٰادَهُمُ اللّٰهُ مَرَضاً ببغضه عليه السّلام،لأنّ القلب لا يضيء إلاّ بنور الإيمان و لا إيمان لهم فليس لهم نور (6).

قال الإمام الكاظم عليه السّلام في حديث النبي لعلي عليهما السلام:«يا علي إنّ الذي أمهلهم مع كفرهم و فسقهم في تمردهم عن طاعتك هو الذي أمهل فرعون ذا الأوتاد و نمرود بن كنعان،و من ادّعي الإلهية من ذوي الطغيان،و أطغي الطغاة إبليس رأس أهل الضلالات ما خلقت أنت و لا هم لدار الفناء بل خلقتم لدار البقاء و لكنكم تنتقلون من دار إلي دار،و لا حاجة بربك إلي من يسوسهمط.

ص: 57


1- تفسير الإمام العسكري عليه السّلام:108-57/111،تفسير الصافي:94/1،تفسير كنز الدقائق:109/1.
2- تفسير الإمام العسكري عليه السلام:150،تأويل الآيات:41/1،بحار الأنوار:99/27.
3- سورة البقرة:27.
4- انظر الدر الثمين،مخطوط.
5- تفسير الإمام العسكري:207،و تأويل الآيات:232/1.
6- انظر الدر الثمين،مخطوط.

و يرعاهم،و لكنه أراد تشريفك عليهم و إبانتك بالفضل فيهم،و لو شاء لهداهم.

قال:فمرضت قلوب القوم لمّا شاهدوا ذلك مضافا إلي ما كان من مرض أجسامهم له و لعلي بن أبي طالب عليه السّلام فقال اللّه عند ذلك(في قلوبهم مرض)أي في قلوب هؤلاء المتمردين الشّاكين الناكثين لما أخذت عليهم من بيعة علي عليه السّلام» (1).

وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ يوم القيامة بما كانوا يكذّبون بولاية عليّ عليه السّلام.

قال الإمام العسكري عليه السّلام:«بما كانوا يكذّبون محمدا و يكذبون في قولهم:إنّا علي البيعة و العهد» (2).

*** قوله تعالي: وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاٰةِ

و روي أن الصبر محمّد و الصلاة عليّ عليه السّلام (3).

قوله تعالي: وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمٰانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوٰاءَ السَّبِيلِ (4)قال ابن عبّاس و عكرمة:

الإيمان حبّ عليّ عليه السّلام و اتّباعه و الكفر اتّباع غيره (5).

ثمّ جعله الكتاب و عبّر عن عارفيه بحسن التلاوة له فقال: اَلَّذِينَ آتَيْنٰاهُمُ الْكِتٰابَ يعني معرفة عليّ عليه السّلام لأنّه هو الكتاب.

قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«أنا الكتاب المبين» (6).

قال رجب البرسي:المصنف:ثم أنزل بعد الحمد(ألم)،فجعل سرّ الأولين و الآخرين بتضمّنه في هذه الأحرف الثلاثة،و في كل حرف منها الإسم الأعظم،و فيها معاني الإسم الأعظم ثم قال:

ذٰلِكَ الْكِتٰابُ لاٰ رَيْبَ فِيهِ يعني علي لا شك فيه،لأن القرآن هو الكتاب الصامت،و الولي هو الكتاب الناطق،فأينما كان الكتاب الناطق كان الكتاب الصامت!!فالولي هو الكتاب،و علي هو الولي،فعلي هو الكتاب المبين،و الصراط المستقيم،فهو الكتاب و أمّ الكتاب،و فصل الخطاب و عنده علم الكتاب،و ويل للمنكر و المرتاب (7).

و قال:فهم اللوح الحاوي لكل شيء،و الكتاب المبين الجامع لكل شيء،لأن كل ما سطر في اللوح صار إليهم،دليله قوله: وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ (8)و الإمام المبين هو اللوح2.

ص: 58


1- تأويل الآيات:39/1،و البحار:146/37.
2- تفسير الإمام:188.
3- انظر شواهد التنزيل:115/1 ح 126.
4- سورة البقرة:108.
5- انظر شرح أصول الكافي:350/8،و مكاتيب الرسول:580/1.
6- مشارق أنوار اليقين:25.
7- المشارق:188.
8- يس:12.

المحفوظ المتقدّم في الوجود علي سائر الموجودات،و سمّاه الإمام لأنه فوق الكل و إمام الكل، دليله قوله:«أوّل ما خلق اللّه اللوح المحفوظ»و نور محمد متقدّم في علم الغيب علي الكل و عدل علي الكل،و عنه بدأ الكل و لأجله خلق الكل،فاللوح المحفوظ هو الإمام،و إليه الإشارة بقوله:

وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ فالكتاب المبين هو الإمام،و إمام الحق علي،فعلي هو الكتاب المبين،و إليه الإشارة بما روي عن محمد الباقر عليه السّلام أنّه لما نزلت هذه الآية قام رجلان فقالا:يا رسول اللّه من الكتاب المبين أهو التوراة؟

قال:لا.قالا:فهو الإنجيل؟قال:لا.قالا:فهو القرآن؟

قال:لا.فأقبل أمير المؤمنين عليه السّلام فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:هذا هو الإمام المبين الذي أحصي اللّه فيه علم كلّ شيء.

و إن كبر عليك انّه هو الكتاب المبين،فعنده علم الكتاب و إليه الإشارة بقوله: وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتٰابِ (1)فعلي الوجهين عنده علم الغيب من غير ريب (2).

قوله تعالي: وَ اللّٰهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشٰاءُ (3)

قال ابن عبّاس:المخصوصون بالرحمة يوم القيامة شيعة عليّ عليه السّلام (4).

قوله تعالي: وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوٰابِهٰا (5)

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«الأوصياء أبواب الهدي و لولاهم لما عرف اللّه،و نحن باب اللّه و بيوته التي يؤتي منها،فمن اتّبعنا و أقرّ بولايتنا فقد أتي البيوت من أبوابها و من صدّ عنها هلك،و نحن أبواب اللّه و صراطه و سبيله فمن عدل عنّا و فضّل علينا غيرنا فإنّهم علي الصراط لناكبون» (6).

يؤيّد هذا ما رواه محمّد بن مسلم قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّي أري الرجل من المخالفين عليكم في عبادة و خشوع فهل ينتفع بذلك؟

فقال:«لا،لأنّ مثل هؤلاء كمثل بيت من بيوت بني إسرائيل كانوا إذا اجتهد منهم رجلا أربعين ليلة دعا اللّه أجابه،و إنّ رجلا منهم اجتهد و دعا إلي اللّه فأوحي اللّه إليه:إنّ هذا أتاني من غير الباب الذي أوتي منه ثمّ دعاني و في قلبه شكّ منك فلو دعاني حتّي تنقطع عنقه ما استجبت له،ت.

ص: 59


1- الرعد:43.
2- مشارق أنوار اليقين:159.
3- سورة البقرة:105.
4- تأويل الآيات:77/1 ح 55،تفسير الإمام العسكري:489.
5- سورة البقرة:189.
6- تفسير الصافي:228/11،تفسير الأصفي:827/2،تفسير نور الثقلين:177/1 بتفاوت.

كذلك نحن أهل بيت لا يقبل اللّه عمل عبد و هو يشكّ فينا» (1).

قوله تعالي: اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهٰارِ سِرًّا وَ عَلاٰنِيَةً (2)عن مجاهد،عن ابن عبّاس قال:كان عند أمير المؤمنين عليه السّلام أربعة دراهم فأنفق درهما ليلا و درهما نهارا و درهما سرّا و درهما علانية (3).

قوله تعالي: إِلاّٰ بِحَبْلٍ مِنَ اللّٰهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النّٰاسِ (4)قال ابن عبّاس:حبل من اللّه القرآن و حبل من الناس عليّ عليه السّلام (5).

*** قوله تعالي: وَ مَنْ يُطِعِ اللّٰهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّٰهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدٰاءِ وَ الصّٰالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولٰئِكَ رَفِيقاً

ابن شهر آشوب عن مالك بن أنس عن سميّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس في قوله تعالي:

وَ مَنْ يُطِعِ اللّٰهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّٰهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ يعني محمّدا وَ الصِّدِّيقِينَ يعني عليّا و كان أوّل من صدّقه وَ الشُّهَدٰاءِ يعني عليّا و جعفرا و حمزة و الحسن و الحسين عليهم السّلام (6).

و عن أبي الصباح الكناني عن أبي جعفر عليه السّلام قال:أعينونا بالورع فإنّه من لقي اللّه عزّ و جلّ منكم بالورع كان له عند اللّه فرجا و إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: مَنْ يُطِعِ اللّٰهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّٰهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدٰاءِ وَ الصّٰالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولٰئِكَ رَفِيقاً فمنّا النبيّ و منّا الصدّيق و منّا الشهداء و منّا الصالحون (7).

و عن أنس بن مالك قال:صلّي بنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في بعض الأيّام صلاة الفجر،ثمّ أقبل علينا بوجهه الكريم فقلت:يا رسول اللّه إن رأيت أن تفسّر لنا قول اللّه عزّ و جلّ: فَأُولٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّٰهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَدٰاءِ وَ الصّٰالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولٰئِكَ رَفِيقاً فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أمّا النبيّون فأنا،و أمّا الصدّيقون فأخي عليّ بن أبي طالب،و أمّا الشهداء فعمّي حمزة،و أمّا الصالحون فابنتي فاطمة و أولادها الحسن و الحسين،قال:و كان العبّاس حاضرا فوثب و جلس بين يدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم2.

ص: 60


1- أصول الكافي:400/2،أمالي المفيد:2،تأويل الآيات:87/1،تفسير كنز الدقائق:451/1، الجواهر السنية لحر العاملي:111.
2- سورة البقرة:274.
3- تفسير ابن كثير:333/1،بشارة المصطفي:416.
4- سورة آل عمران:112.
5- الصراط المستقيم:286/1،تفسير فرات الكوفي:92،تفسير العياشي:196/1.
6- مناقب آل أبي طالب:243/1.
7- الكافي:78/2 ح 12.

و قال:ألسنا أنا و أنت و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين من نبعة واحدة؟قال:و كيف ذلك يا عمّ؟

قال العبّاس:لأنّك تعرف بعليّ و فاطمة و الحسن و الحسين دوننا قال:فتبسّم النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و قال:

أمّا قولك يا عمّ ألسنا من نبعة واحدة فصدقت،و لكن يا عمّ إنّ اللّه خلقني و عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين قبل أن يخلق اللّه آدم حين لا سماء مبنيّة و لا أرض مدحيّة و لا ظلمة و لا نور و لا جنّة و لا نار و لا شمس و لا قمر،قال العبّاس:و كيف كان بدؤ خلقكم يا رسول الله؟

قال:يا عمّ لمّا أراد اللّه أن يخلقنا تكلّم بكلمة خلق منها نورا،ثمّ تكلّم بكلمة فخلق منها روحا،فمزج النور بالروح فخلقني و أخي عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين فكنّا نسبّحه حين لا تسبيح و نقدّسه حين لا تقديس،فلمّا أراد اللّه أن ينشي الصنعة،فتق نوري فخلق منه العرش فالعرش من نوري و نوري من نور اللّه و نوري أفضل من العرش،ثمّ فتق نور أخي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فخلق منه الملائكة فالملائكة من نور أخي عليّ و نور عليّ من نور اللّه و عليّ أفضل من الملائكة،ثمّ فتق نور ابنتي فاطمة عليها السّلام فخلق منه السماوات و الأرض فالسماوات و الأرض من نور ابنتي فاطمة و نور ابنتي فاطمة من نور اللّه عزّ و جلّ و ابنتي فاطمة أفضل من السماوات و الأرض،ثمّ فتق نور ولدي الحسن و خلق منه الشمس و القمر فالشمس و القمر من نور ولدي الحسن و نور ولدي الحسن من نور اللّه و الحسن أفضل من الشمس و القمر،ثمّ فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنّة و الحور العين فالجنّة و الحور العين من نور ولدي الحسين و نور ولدي من نور اللّه فولدي الحسين أفضل من الجنّة و الحور العين،ثمّ أمر اللّه الظلمات أن تمرّ بسحائب الظلم فأظلمت السماوات علي الملائكة، فضجّت الملائكة بالتسبيح و التقديس و قالت:إلهنا و سيّدنا منذ خلقتنا و عرّفتنا هذه الأشباح لم نر بأسا فبحقّ هذه الأشباح إلاّ ما كشفت عنّا هذه الظلمة فأخرج اللّه من نور ابنتي فاطمة قناديل فعلّقها في بطنان العرش فازهرت السماوات و الأرض ثمّ أشرقت بنورها فلأجل ذلك سمّيت الزهراء.فقالت الملائكة:إلهنا و سيّدنا لمن هذا النور الزاهر الذي أشرقت به السماوات و الأرض،فأوحي اللّه إليها هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة بنت حبيبي و زوجة وليّي و أخ نبيّي و أب حججي علي عبادي أشهدكم يا ملائكتي إنّي قد جعلت ثواب تسبيحكم و تقديسكم لهذه المرأة و شيعتها و محبّيها إلي يوم القيامة قال:فلمّا سمع العبّاس من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم وثب قائما و قبّل ما بين عينيّ عليّ عليه السّلام و قال:و اللّه يا عليّ أنت الحجّة البالغة لمن آمن باللّه و اليوم الآخر (1).

و روي بلفظ أخر عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«النبيّون أنا و الصدّيقين عليّ و الشهداء حمزة و الصالحون فاطمة،و ذلك أنّ اللّه خلقني و خلق عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين قبل أن يخلق آدم حين لا سماء1.

ص: 61


1- بحار الأنوار:82/33-84 ح 51.

مبنيّة و لا أرض مدحية و لا ظلمة و لا نور،و ذلك أنّ اللّه تكلّم بكلمة فخلق منها نورا ثمّ تكلّم بكلمة فخلق منها روحا ثمّ مزج النور بالروح فخلقني و خلق عليّا فكنّا نسبّح حين لا مسبّح،فلمّا أراد أن ينشئ الخلق فتق نوري فخلق منه العرش فالعرش من نوري و أنا أشرف منه،ثمّ فتق نور أخي فخلق منه الملائكة من نور أخي عليّ فأخي عليّ أفضل من الملائكة،ثمّ خلق السماوات و الأرض من نور فاطمة فهي أفضل من السماوات و الأرض،ثمّ فتق نور الحسن فخلق منه الشمس و القمر و الحسن أفضل من الشمس و القمر،ثمّ فتق نور الحسين فخلق منه الجنّة و الحور العين و الحسين أفضل من الجنّة و الحور العين،ثمّ سكنت الملائكة الظلمة فخلق لهم من نور الزهراء نورا أزهرت منه السماوات و الأرض فقالوا:ربّنا ما هذا النور؟

فقال:هذا نور حبيبتي و زوجة حبيبي و أمّ أوليائي،أشهدكم يا ملائكتي أنّ ثواب تسبيحكم و تقديسكم لها و شيعتها إلي يوم القيامة» (1).

*** قوله تعالي: وَ عَلَي الْأَعْرٰافِ رِجٰالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمٰاهُمْ (2)

روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال:«جاء ابن الكوّاء الي أمير المؤمنين عليه السّلام فقال:يا أمير المؤمنين«و علي الأعراف رجال يعرفون كلاّ بسيماهم»؟

فقال:نحن علي الأعراف نعرف أنصارنا بسيماهم،و نحن الأعراف الّذي لا يعرف اللّه عزّ و جلّ إلاّ بسبيل معرفتنا،و نحن الأعراف يعرّفنا اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة علي الصراط،فلا يدخل الجنّة إلاّ من عرفنا و عرفناه و لا يدخل النار إلاّ من أنكرنا و أنكرناه،إنّ اللّه تبارك و تعالي لو شاء لعرّف العباد نفسه و لكن جعلنا أبوابه و صراطه و سبيله و الوجه الّذي يؤتي منه،فمن عدل عن ولايتنا أو فضّل علينا غيرنا،فإنّهم عن الصراط لناكبون،فلا سواء من اعتصم الناس به و لا سواء حيث ذهب الناس إلي عيون كدرة يفرغ بعضها في بعض و ذهب من ذهب إلينا إلي عيون صافية تجري بأمر ربّها؛لا نفاد لها و لا انقطاع (3).

*** قوله تعالي: وَ لِلّٰهِ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنيٰ فَادْعُوهُ بِهٰا

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«ألا إنّ عليا و الطيبين من عترته كلمة اللّه العليا و عروته الوثقي و أسماؤه الحسني مثلهم في أمّتي كسفينة نوح من ركبها نجا (4).1.

ص: 62


1- نوادر المعجزات:83،تأويل الآيات:139/1.
2- سورة الأعراف:46.
3- شرح أصول الكافي:144/5.
4- مشارق أنوار اليقين:91.

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«أنا الأسماء الحسني التي أمر أن يدعي بها» (1).

و قال أبو عبد اللّه الصادق عليه السّلام:«نحن و اللّه الأسماء الحسني التي لا يقبل اللّه من العباد عملا إلاّ بمعرفتنا».

رواه الكليني بسند حسن (2).

و قريب منه عن الإمام الباقر عليه السّلام (3)

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«إني لأعرف بطرق السماوات من طرق الأرض،نحن الإسم المخزون المكنون و نحن الأسماء الحسني التي إذا سئل اللّه عزّ و جلّ بها أجاب،نحن الأسماء المكتوبة علي العرش و لأجلنا خلق اللّه عزّ و جلّ السماء و الأرض و العرش و الكرسي،و الجنّة و النار، و منّا تعلّمت الملائكة التسبيح و التقديس و التوحيد و التهليل و التكبير» (4).

و أخرج المفيد عن الإمام الرضا عليه السّلام قوله:«إذا نزلت بكم شديدة فاستعينوا بنا علي اللّه عزّ و جلّ و هو قوله وَ لِلّٰهِ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنيٰ فَادْعُوهُ بِهٰا » (5).

-و في عيون الأخبار إن أمير المؤمنين عليه السّلام مر في طريق فسايره خيبري فمرّا بواد قد سال، فركب الخيبري مرطه و عبر علي الماء،ثم نادي أمير المؤمنين عليه السّلام:يا هذا لو عرفت كما عرفت لجريت كما جريت.

فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام:«مكانك»،ثم أومأ الي الماء فجمد و مر عليه.

فلما رأي الخيبري ذلك أكب علي قدميه و قال:يا فتي ما قلت حتي حولت الماء حجرا.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:«فما قلت أنت حتي عبرت علي الماء؟».

فقال الخيبري:أنا دعوت اللّه باسمه الأعظم.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:«و ما هو؟».

قال:سألته باسم وصي محمد.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:«أنا وصي محمد».

فقال الخيبري:أنه الحق.ثم أسلم (6).3.

ص: 63


1- المشارق:268،و شرح دعاء الجوشن:576،و الأنوار النعمانية:100/2 باختصار.
2- اصول الكافي:143/1 باب النوادر من كتاب التوحيد ح 4،و تفسير العياشي:42/2 ح 119،و البرهان: 52/2.
3- البحار:4/25 ح 7.
4- البحار:38/27 ح 5.
5- الاختصاص:252.
6- مشارق أنوار اليقين:172-173.

و قريب منه قصة جرت مع أمير المؤمنين عليه السّلام و عمّار في تحويل الحجر الي ذهب حتي قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«أدع اللّه بي حتي تلين،فإنه إسمي ألان اللّه الحديد لداود» (1).

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«و باسمي تكوّنت الأشياء» (2).

*** قوله تعالي: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظٰاهِرَةً وَ بٰاطِنَةً (3)

قال الصادق عليه السّلام:«و النعمة الظاهرة محمّد و الباطنة عليّ،لأنّ أمره باطن لا يظهر إلاّ لذوي الألباب» (4).

و قال عليه السّلام:«..و أما النّعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت و عقد مودتنا» (5).

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم«يا علي إنّ اللّه تعالي قال لي:يا محمد بعثت عليا مع الأنبياء باطنا و معك ظاهرا».

ثم قال صاحب كتاب القدسيات:و صرح بهذا المعني في قوله:أنت مني بمنزلة هارون من موسي و لكن لا نبي بعدي؛ليعلموا أنّ باب النبوة قد ختم و باب الولاية قد فتح (6).

*** قوله تعالي: وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (7)

عن الحسين بن علي عليهم السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ أبا بكر منّي لبمنزلة السمع،و إن عمر منّي لبمنزلة البصر،و إنّ عثمان منّي لبمنزلة الفؤاد.

فقال فلما كان من الغد دخلت عليه و عنده أمير المؤمنين و أبو بكر و عمر و عثمان فقلت له:يا أبت سمعتك تقول في أصحابك هولاء قولا فما هو فقال عليه السّلام:نعم و أشار إليهم فقال هم السمع و البصر و الفؤاد و سيسألون عن ولاية وصيّي هذا و أشار إلي علي بن أبي طالب عليه السّلام.

ثم قال:إنّ اللّه عزّ و جل يقول: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤٰادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كٰانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً (8)ثم قال عليه السّلام:و عزّة ربّي إنّ جميع أمتي لموقوفون يوم القيامة و مسؤولون عن ولايته و ذلك قول الله:

وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (9) .6.

ص: 64


1- مشارق أنوار اليقين:173.
2- مشارق أنوار:159.
3- سورة لقمان:20.
4- انظر الدر الثمين،مخطوط.
5- تفسير القمي:166/2،و تفسير الأصفي:148/4.
6- الأنوار النعمانية:30/1.
7- الصافات:24.
8- الإسراء:36.
9- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:/280/2ح 86.

عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم« وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (1)عن ولاية علي بن أبي طالب» (2).

و عنه عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في قوله عزّ و جل: وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ قال:«عن ولاية علي بن أبي طالب و المعني أنهم يسألون هل والوه حق الموالاة كما أوصاهم به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم».

و روي عن علي صلوات اللّه عليه«جعلت الموالاة أصلا من أصول الدين» (3).

و عن عبد اللّه بن عباس قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إذا كان يوم القيامة اقف أنا و علي علي الصراط بيد كل واحد منّا سيف،فلا يمر أحد من خلق اللّه إلاّ سألناه عن ولاية علي عليه السّلام فمن معه شيء منها نجا و إلاّ ضربنا عنقه و ألقيناه في النار ثم تلا: وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ مٰا لَكُمْ لاٰ تَنٰاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (4).

*** قوله تعالي: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (5)

قال عبد اللّه بن أبي الهذيل:سألت جعفر بن محمد عليه السّلام عن الإمامة فيمن تجب؟و ما علامات من تجب له الإمامة؟فقال لي:إنّ الدليل علي ذلك،و الحجّة علي المؤمنين،و القائم في أمور المسلمين،و الناطق بالقرآن،و العالم بالأحكام،أخو نبي اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و خليفته علي أمّته،و وصيه عليهم،و وليه الذي كان منه بمنزلة هارون من موسي،المفروض الطاعة بقول اللّه عزّ و جلّ: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (6).

و قال جل ذكره: إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ (7).

المدعو إليه بالولاية،المثبت له بالإمامة يوم غدير خم بقول الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عن اللّه عزّ و جلّ:

«ألست أولي بكم من أنفسكم؟قالوا:بلي قال:فمن كنت مولاه فعلي مولاه،اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه،و انصر من نصره،و اخذل من خذله،و اعن من أعانه؛ذاك علي بن أبي طالب أمير المؤمنين،و إمام المتقين،و قائد الغر المحجلين،و أفضل الوصيين،و خير الخلق أجمعين بعد رسول رب العالمين،و بعده الحسن،ثم الحسين سبطا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إبنا خيرة النسوان،ثم علي بن الحسين،ثم محمد بن علي،ثم جعفر بن محمد،ثم موسي بن جعفر،ثم علي بن موسي،ثم5.

ص: 65


1- الصافات:24.
2- المناقب:/275ح 256.
3- فرائد السمطين:/78/1ب /14ح 47-48-49-46.
4- الصافات:24.
5- النساء:59.
6- النساء:59.
7- المائدة:55.

محمد بن علي،ثم علي بن محمد،ثم الحسن بن علي،ثم محمد بن الحسن صلوات اللّه عليهم، إلي يومنا هذا واحدا بعد واحد،إنهم عترة الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم معروفون بالوصية و الإمامة في كل عصر و زمان،و كل وقت و أوان،و إنهم العروة الوثقي و أئمة الهدي،و الحجة علي أهل الدنيا إلي أن يرث اللّه الأرض و من عليها،و إنّ كل من خالفهم ضال مضل تارك للحق و الهدي،و إنهم المعبّرون عن القرآن،و الناطقون عن الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالبيان،و إنّ من مات و لا يعرفهم مات ميتة جاهلية،و إنّ فيهم الورع و العفّة و الصدق و الصلاح و الإجتهاد،و أداء الأمانة إلي البر و الفاجر،و طول السجود و قيام الليل،و اجتناب المحارم،و انتظار الفرج بالصبر و حسن الصحبة،و حسن الجواب (1)(2).

و قال جابر بن يزيد الجعفي:سمعت جابر بن عبد اللّه الأنصاري يقول:لما أنزل اللّه تبارك و تعالي علي نبيه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قلت:يا رسول اللّه قد عرفنا اللّه و رسوله،فمن أولوا[أولي]الأمر منكم الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟

فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«خلفائي و أئمة المسلمين بعدي،أولهم علي بن أبي طالب،ثم الحسن،ثم الحسين،ثم علي بن الحسين،ثم محمد بن علي المعروف بالتوراة بالباقر،و ستدركه يا جابر،فاذا لقيته فأقرئه منّي السلام،ثم الصادق جعفر بن محمد،ثم موسي بن جعفر،ثم علي بن موسي ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميّ و كنيّ حجة اللّه في ارضه و نفسه [و بقيته]في عباده إبن الحسن بن علي،ذلك الذي يفتح اللّه تعالي ذكره علي يده مشارق الأرض و مغاربها،ذلك الذي يغيب عن شيعته و أوليائه غيبة لا يثبت فيها علي القول بإمامته إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان».

قال جابر:فقلت يا رسول اللّه فهل لشيعته الانتفاع به؟

فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«و الذي بعثني بالنبوة[بالحق نبيا]إنهم يستضيؤون بنوره و ينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس إن سترها السحاب،يا جابر هذا من مكنون سر اللّه و مخزون علم اللّه فاكتمه إلاّ عن أهله» (3).

و عن تفسير مجاهد أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين عليه السّلام حين خلّفه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:

«يا رسول اللّه تخلّفني علي النساء و الصبيان؟فقال:يا أمير المؤمنين (4)أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي حين قال له:«أخلّفني في قومي و.صلح»فقال:بلي و الله. وَ أُولِي الْأَمْرِي.

ص: 66


1- في كمال الدين:و حسن الجوار.
2- كمال الدين:336/2-337،عيون أخبار الرضا:44/1.
3- كفاية الأثر:53،و أعلام الوري:375،و كمال الدين:253/1،و كشف الغمة:299/3،و مناقب آل أبي طالب:282/1.
4- في المصدر:يا علي.

مِنْكُمْ قال:علي بن أبي طالب«ولاه اللّه أمر الأمة بعد محمد»و حين خلّفه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالمدينة فأمر اللّه العباد بطاعته و ترك خلافه (1).

عن أبي بصير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فقال:«نزلت في علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين عليهما السّلام»فقلت له:إن الناس يقولون فما له لم يسمّ عليا و أهل بيته في كتاب اللّه عزّ و جل؟

قال:فقال:«قولوا لهم إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم نزلت عليه الصلاة و لم يسم اللّه لهم ثلاثا و لا أربعا حتي كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هو الذي فسّر ذلك لهم،و نزلت عليه الزكاة و لم يسم لهم من كل أربعين درهما درهم حتي كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هو الذي فسّر ذلك لهم،و نزل الحج فلم يقل لهم:طوفوا سبعا حتي كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هو الذي فسّر ذلك لهم،و نزلت أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ نزلت في علي و الحسن و الحسين فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:من كنت مولاه فعلي مولاه، و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أوصيكم بكتاب اللّه و أهل بيتي فإنّي سألت اللّه عزّ و جلّ أن لا يفرّق بينهما حتي يوردهما علي الحوض فأعطاني ذلك،و قال:لا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم،و قال:إنهم لن يخرجوكم من باب هدي و لن يدخلوكم في باب ضلالة،فلو سكت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلم يبين من أهل بيته لادّعاها آل فلان و آل فلان،لكن اللّه عزّ و جلّ أنزل في كتابه تصديقا لنبيّه إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (2)فكان علي و الحسن و الحسين و فاطمة عليهم السّلام فأدخلهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم تحت الكساء في بيت أم سلمة و قال:اللّهمّ إنّ لكلّ نبي أهلا و ثقلا و هؤلاء أهل بيتي و ثقلي فقالت أم سلمة:ألست من أهلك؟فقال لها:إنك علي خير و لكن هؤلاء أهلي و ثقلي،فلما قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان علي أولي الناس بالناس لكثرة ما بلّغ فيه رسول اللّه و اقامته للناس و أخذه بيده، فلما مضي علي فلم يكن علي يستطيع و لم يكن ليفعل أن يدخل محمد بن علي و لا العباس بن علي و لا واحد من ولده إذ لقال الحسن و الحسين:إن اللّه تبارك و تعالي أنزل فينا كما أنزل فيك و أمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك،و بلغ فينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كما بلّغ فيك،و أذهب عنا الرجس كما أذهب عنك،فلما مضي علي عليه السّلام كان الحسن أولي به لكبره،فلمّا توفي لم يستطع أن يدخل ولده و لم يكن ليفعل ذلك و اللّه عزّ و جل يقول: أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ (3)فيجعلها في ولده إذ لقال الحسين عليه السّلام:أمر اللّه تبارك و تعالي بطاعتي كما أمر بطاعتك و طاعة أبيك،و بلّغ فيّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كما بلّغ فيك و في أبيك،و أذهب عني الرجس كما أذهب عنك و عن أبيك،فلما صارت إلي الحسين لم يكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدّعي عليه كما كان هو يدّعي علي أخيه و علي أبيه لو أرادا أن يصرفا الأمر عنه،و لم يكونا ليفعلا،ثم صارت حين أفضت إلي الحسين6.

ص: 67


1- مناقب آل أبي طالب:219/2،و البحار:298/23 ح 41-42.
2- الأحزاب:33.
3- الأحزاب:6.

فجري تأويل هذه الآية وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْليٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ ثم صارت من بعد الحسين لعلي بن الحسين ثم صارت من بعد علي بن الحسين إلي محمد بن علي.و قال عليه السّلام:

اَلرِّجْسَ: هو الشك و اللّه لا نشك في ربّنا أبدا» (1).

*** قوله تعالي: إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ (2)

عن الحسن بن علي عليهما السّلام قال:«خطب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يوما فقال بعد ما حمد اللّه و أثني عليه:

معاشر الناس كأني أدعي فأجيب،و إني تارك فيكم الثقلين:كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي،ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا،فتعلّموا منهم و لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم،لا تخلوا الأرض منهم،و لو خلت إذن لا نساخت بأهلها،ثم قال:اللّهم إني أعلم أنّ العلم لا يبيد و لا ينقطع،و أنك لا تخلي الأرض من حجّة لك علي خلقك،ظاهر ليس بالمطاع،أو خائف مغمور،لئلا تبطل حجتك،و لا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم،أولئك الأقلّون عددا الأعظمون قدرا عند اللّه.

فلما نزل عن منبره قلت له:يا رسول اللّه،أما أنت الحجّة علي الخلق كلهم؟قال:يا حسن إن اللّه يقول: إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ فأنا المنذر و علي الهادي قلت:يا رسول اللّه فقولك:

إنّ الأرض لا تخلو من حجة؟قال:نعم علي هو الإمام و الحجّة بعدي،و أنت الإمام و الحجة بعده، و الحسين الإمام و الحجة و الخليفة من بعدك،و لقد نبّأني اللطيف الخبير أنه يخرج من صلب الحسين ولد يقال له علي،سمي جده فإذا مضي الحسين قام بعده علي ابنه و هو الإمام و الحجة و يخرج اللّه من صلب علي ولدا سميي و أشبه الناس بي،علمه علمي و حكمه حكمي،و هو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه تعالي من صلب محمد مولودا يقال له جعفر أصدق الناس قولا و فعلا،و هو الإمام و الحجة بعد أبيه و يخرج اللّه تعالي من صلب جعفر مولودا يقال له موسي سمي موسي بن عمران أشد الناس تعبدا،فهو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه من صلب موسي ولدا يقال له علي،معدن علم اللّه و موضع حكمه،فهو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه من صلب علي مولودا يقال له محمد،فهو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه من صلب محمد ولدا يقال له علي،فهو الإمام و الحجة بعد أبيه،و يخرج اللّه من صلب علي مولودا يقال له الحسن،فهو الإمام و الحجة بعد أبيه، و يخرج اللّه من صلب الحسن الحجة القائم إمام شيعته (3)و منقذ أوليائه يغيب حتي لا يري،و يرجع عن أمره قوم و يثبت عليه آخرون وَ يَقُولُونَ مَتيٰ هٰذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ (4)و لو لم يكن (5)من الدنياق.

ص: 68


1- اصول الكافي:288/1 ح 1.
2- الرعد:7.
3- في البحار:إمام زمانه.
4- يونس:48.
5- في البحار:و لو لم يبق.

إلا يوم واحد لطول اللّه عزّ و جلّ ذلك اليوم حتي يخرج قائمنا،فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا،فلا يخلو الأرض منكم،أعطاكم اللّه علمي و فهمي،و لقد دعوت اللّه تبارك و تعالي أن يجعل العلم و الفقه في عقبي و عقب عقبي و من زرعي و زرع زرعي» (1).

*** قوله تعالي: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّٰهِ جَمِيعاً وَ لاٰ تَفَرَّقُوا (2)

وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظّٰالِمُ عَليٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (3)

فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّٰاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ (4)

عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:وفد علي رسول اللّه أهل اليمن فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«جاءكم أهل اليمن يبسون بسيسا».

فلما دخلوا علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«قوم رقيقة قلوبهم راسخ إيمانهم،منهم المنصور يخرج في سبعين الفا ينصر خلفي و خلف وصيي،حمائل سيوفهم المسك».

فقالوا:يا رسول اللّه و من وصيك؟

فقال:«هو الذي أمركم اللّه بالإعتصام به فقال عزّ و جل وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّٰهِ جَمِيعاً وَ لاٰ تَفَرَّقُوا (5).

فقالوا:يا رسول اللّه بيّن لنا ما هذا الحبل؟فقال:«هو قول اللّه(إلا بحبل من اللّه و حبل من الناس)،فالحبل من اللّه كتابه،و الحبل من الناس وصيي».

فقالوا:يا رسول اللّه و من وصيك؟

فقال:«هو الذي أنزل اللّه فيه أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يٰا حَسْرَتيٰ عَليٰ مٰا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّٰهِ ».

فقالوا:يا رسول اللّه و ما جنب اللّه هذا؟

فقال:«هو الذي يقول اللّه فيه وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظّٰالِمُ عَليٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (6)هو وصيي و السبيل إليّ من بعدي».

فقالوا:يا رسول اللّه بالذي بعثك بالحق نبيا أرناه فقد اشتقنا إليه.

فقال:«هو الذي جعله اللّه آية المتوسمين،فإن نظرتم إليه نظر من كان له قلب أو القي السمع7.

ص: 69


1- رواه المجلسي في البحار:338/36-340 عن كفاية الاثر باختلاف يسير.
2- آل عمران:103.
3- الفرقان:27.
4- إبراهيم:37.
5- آل عمران:103.
6- الفرقان:27.

و هو شهيد عرفتم أنه وصيي كما عرفتم إني نبيكم،فتخللوا الصفوف و تصفّحوا الوجوه فمن أهوت إليه قلوبكم فإنه هو،إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول في كتابه: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّٰاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ (1)أي إليه و إلي ذريته عليهم السّلام»

ثم قال:فقام أبو عامر الأشعري في الأشعريين و أبو عزة الخولاني في الخولانيين و ظبيان و عثمان بن قيس و عرفة الدوسي في الدوسيين و لا حق بن علاقة فتخلّلوا الصفوف و تصفّحوا الوجوه و اخذوا بيد الأنزع البطين و قالوا:إلي هذا أهوت أفئدتنا يا رسول اللّه،فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أنتم نخبة اللّه حين عرفتم وصي رسول اللّه قبل أن تعرفوه،فبم عرفتم أنه هو؟»فرفعوا أصواتهم يبكون و قالوا:

يا رسول اللّه نظرنا إلي القوم فلم تحن لهم قلوبنا و لمّا رأيناه و جفت قلوبنا ثم اطمأنّت نفوسنا و انجاشت أكبادنا و هملت أعيننا و انثلجت صدورنا حتي كأنه لنا أب و نحن عنده بنون،فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«و ما يعلم تاويله إلا اللّه و الراسخون في العلم،أنتم منه بالمنزلة التي سبقت لكم بها الحسني و أنتم عن النار مبعدون»فقال:فبقي هؤلاء القوم المسمّون حتي شهدوا مع أمير المؤمنين عليه السّلام الجمل و صفّين فقتلوا بصفين رحمهم اللّه،و كان النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يبشّرهم بالجنّة و أخبرهم أنهم يستشهدون مع علي بن أبي طالب عليه السّلام (2).

*** قوله تعالي: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ

وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّٰهِ جَمِيعاً وَ لاٰ تَفَرَّقُوا

عن جعفر بن محمد عليهما السّلام في قوله: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ قال:«نحن من النعيم و في قوله: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّٰهِ جَمِيعاً وَ لاٰ تَفَرَّقُوا قال علي بن أبي طالب:«حبل اللّه المتين» (3).

أبو نعيم الحافظ أحمد بن عبد اللّه بإسناده يرفعه إلي جعفر بن محمد في قوله تعالي: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ النعيم ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام (4).

ابن شهر اشوب عن التنوير في معاني التفسير عن الباقر و الصادق عليهما السّلام: اَلنَّعِيمِ ولاية أمير المؤمنين (5).

و عن علي بن موسي الرضا عليه السّلام قال:«ليس في الدنيا نعيم حقيقي،فقال له بعض الفقهاء ممن بحضرته قول اللّه عزّ و جلّ: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ أمّا هذا النعيم في الدنيا و هو الماء البارد2.

ص: 70


1- إبراهيم:37.
2- غيبة النعماني:/41ب /2ح 1.
3- أمالي الطوسي:/272مجلس /10ح 48.
4- ينابيع المودة:332/1 ح 5 عن أبي نعيم،و شواهد التنزيل،477/2.
5- مناقب آل أبي طالب:4/2.

فقال له الرضا عليه السّلام و علا صوته:كذا فسّرتموه أنتم و جعلتموه علي ضروب،فقالت طائفة:هو البارد من الماء و قال غيرهم:هو الطعام الطيّب،و قال آخرون:هو النوم الطيب و لقد حدّثني أبي عن أبيه أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ أقوالكم هذه ذكرت عنده في قوله تعالي: لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ فغضب و قال:إنّ اللّه تعالي لا يسأل عباده عمّا تفضّل عليهم به و لا يمنن بذلك عليهم و الإمتنان مستقبح من المخلوقين فكيف يضاف إلي الخالق عزّ و جلّ ما لا يرضي به للمخلوقين؟!و لكن النعيم حبّنا أهل البيت و موالاتنا يسأل اللّه عنه بعد التوحيد و النبوة لأنّ العبد إذا وفّي بذلك أدّاه إلي نعيم الجنة الذي لا يزول و لقد حدثني بذلك أبي عن محمد بن علي عن أبيه عن الحسين بن علي عن أبيه عليه السّلام أنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يا علي إنّ أول ما يسأل عنه العبد بعد موته شهادة أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه و أنك ولي المؤمنين بما جعله اللّه و جعلته لك فمن أقرّ بذلك و كان معتقده صار إلي النعيم الذي لا زوال له» (1).

*** قوله تعالي: وَ أَنَّ هٰذٰا صِرٰاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ

و قوله: وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِليٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ

عن حماد عن أبي عبد اللّه صلوات اللّه عليه في قوله: صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ قال:«هو أمير المؤمنين-صلوات اللّه عليه-و معرفته و الدليل علي أنه أمير المؤمنين من قوله: وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتٰابِ لَدَيْنٰا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ » (2).

عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال.سألته عن قول اللّه تبارك و تعالي: وَ أَنَّ هٰذٰا صِرٰاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ: قال:«هو و اللّه علي هو و اللّه الميزان و الصراط» (3).

و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«أوحي اللّه إلي نبيّه فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَليٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ إنك علي ولاية علي و علي هو الصراط» (4).

عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله عزّ و جل لنبيّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِليٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني«إنك لتأمر بولاية علي أمير المؤمنين و تدعو لها،و علي هو الصراط المستقيم(صراط اللّه الذي له ما في السماوات و ما في الأرض)يعني عليا أنه جعله خازنا علي ما في السماوات و ما في الأرض من شيء و أئتمنه عليه(ألا إلي اللّه تصير الأمور) (5).2.

ص: 71


1- عيون أخبار الرضا عليه السّلام:/136/1ح 8.
2- تفسير القمي:28/1.
3- البصائر:99 ح 9 باب النوادر.
4- الكافي:417/1 ح 24.
5- تفسير القمي:280/2.

و عن بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: وَ أَنَّ هٰذٰا صِرٰاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لاٰ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ قال:تدري ما يعني ب صِرٰاطِي مُسْتَقِيماً قلت:لا،قال:«ولاية علي و الأوصياء»قال:«و تدري ما يعني فَاتَّبِعُوهُ؟ قلت:لا،قال:«يعني عليّ بن أبي طالب عليه السّلام -قال-و تدري ما يعني وَ لاٰ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ؟

قلت:لا،قال:«ولاية فلان و فلان و اللّه»قال:و تدري ما يعني فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ؟

قلت:لا.

قال:«يعني سبيل علي عليه السّلام» (1).

العياشي بإسناده عن سعد عن أبي جعفر عليه السّلام وَ أَنَّ هٰذٰا صِرٰاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ قال:«آل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الصراط الذي دلّ عليه» (2).

ابن الفارسي في(الروضة)قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: أَنَّ هٰذٰا صِرٰاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لاٰ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ قال:«سألت اللّه أن يجعلها لعلي ففعل» (3).

و ذكر علي بن يوسف بن جبير في كتاب نهج الإيمان قال:الصراط المستقيم هو عليّ بن أبي طالب عليه السّلام في هذه الآية لما رواه إبراهيم الثقفي في كتابه بإسناده إلي أبي بريدة و عن الأسلمي قال:

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: وَ أَنَّ هٰذٰا صِرٰاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لاٰ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ قال:سألت اللّه أن يجعلها لعليّ ففعل (4).

و أسند الشيرازي-من أعيان العامّة-إلي قتادة عن الحسن البصري في قوله: هٰذٰا صِرٰاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ قال:يقول:هذا طريق عليّ بن أبي طالب و دينه طريق مستقيم فاتّبعوه و تمسّكوا به فإنّه واضح لا عوج فيه (5).

و عن محمّد بن الحسن الصفّار في كتاب بصائر الدرجات عن عمران بن موسي عن موسي بن جعفر عن عليّ بن اسباط عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سألته عن قول اللّه تبارك و تعالي: أَنَّ هٰذٰا صِرٰاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ قال:هو و اللّه عليّ هو و اللّه الصراط و الميزان (6).

محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره بإسناده عن يزيد العجلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:9.

ص: 72


1- تفسير العياشي:384/1 ح 125.
2- المصدر السابق:ح 126.
3- روضة الواعظين:106.
4- مناقب آل أبي طالب:559/1،بحار الأنوار:363/31 ح 4،و 17/24 ح 26.
5- بحار الأنوار:23/24 ح 50،عن الطرائف عن الشيرازي.
6- بصائر الدرجات:79 ح 9.

هٰذٰا صِرٰاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لاٰ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ قال:أتدري ما يعني بصراطي مستقيما؟

قلت:لا.

قال:ولاية عليّ و الأوصياء،قال:و تدري ما يعني فاتّبعوه؟قال:قلت:لا،قال:يعني عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه،قال:و تدري ما يعني و لا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله؟

قلت:لا.

قال:ولاية فلان و فلان و الله،قال:و تدري ما يعني فتفرّق بكم عن سبيله.قلت:لا،قال:

يعني سبيل عليّ عليه السّلام (1).

ابن شهر آشوب عن ابن عبّاس:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يحكم و عليّ بين يديه مقابله،و رجل عن يمينه و رجل عن شماله،فقال عليه السّلام:اليمين و الشمال مضلّة و الطريق السويّ الجادّة،ثمّ أشار بيده إنّ هذا صراط عليّ مستقيم فاتّبعوه.الآية (2).

و عن جابر بن عبد اللّه أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بينما أصحابه عنده إذ قال و أشار بيده إلي عليّ هذا صراط مستقيم فاتّبعوه الآية (3).

*** قوله تعالي: أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَليٰ وَجْهِهِ أَهْديٰ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَليٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)

و عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام قال:قلت: أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَليٰ وَجْهِهِ أَهْديٰ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَليٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ قال:«إن اللّه ضرب مثلا من حاد عن ولاية علي كمن يمشي علي وجهه لا يهتدي لأمره و جعل من تبعه سويا علي صراط مستقيم،و الصراط المستقيم أمير المؤمنين» (5).

و عبد اللّه بن عمر أنّه قال لي:إنّي اتّبع هذا الأصلع فإنّه أوّل الناس إسلاما و الحقّ معه فإنّي سمعت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول في قوله تعالي: أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَليٰ وَجْهِهِ أَهْديٰ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَليٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ عليّ صراط مستقيم فالناس مكبّون علي الوجه غيره (6).

و عن حريز بن عبد اللّه عن الفضيل قال:دخلت مع أبي جعفر عليه السّلام المسجد الحرام و هو متّكي عليّ فنظر إلي الناس و نحن علي باب بني شيبة فقال:يا فضيل هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية لا1.

ص: 73


1- تفسير العياشي:384/1 ح 125.
2- بحار الأنوار:365/31 ح 6،عن المناقب.
3- بحار الأنوار:365/31 ح 6.
4- سورة المنافقون:3.
5- الكافي:433/1 ح 91.
6- الصراط المستقيم:285/1.

يعرفون حقّا و لا يدينون دينا يا فضيل انظر إليهم منكبّين علي وجوههم لعنهم اللّه من خلق مسخور بهم منكبّين علي وجوههم،ثمّ تلا هذه أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَليٰ وَجْهِهِ أَهْديٰ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَليٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني و اللّه عليّا عليه السّلام و الأوصياء عليهم السّلام (1).

و عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام قال:تلا هذه و هو ينظر إلي الناس أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَليٰ وَجْهِهِ أَهْديٰ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَليٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ و اللّه عليّا و الأئمّة عليهم السّلام و في نسخة الأوصياء عليهم السّلام (2).

*** قوله تعالي: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ كُونُوا مَعَ الصّٰادِقِينَ (3)

روي عبد اللّه بن عمر عن السّدي عن ابن عبّاس قال:الصادقين علي بن أبي طالب و عترته عليهم السّلام (4).

و قال الكليني:نزلت في عليّ عليه السّلام خاصّة (5).

و عن ابن عبّاس في قوله تعالي: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ كُونُوا مَعَ الصّٰادِقِينَ (6)مع علي بن أبي طالب و أصحابه (7).

و عن ابن عباس في قوله تعالي: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ كُونُوا مَعَ الصّٰادِقِينَ قال:هو علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه (8).

و عن جعفر بن محمد عليهما السّلام في قوله عزّ و جل: اِتَّقُوا اللّٰهَ وَ كُونُوا مَعَ الصّٰادِقِينَ قال:«محمد و علي عليهما السّلام» (9).

و عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ كُونُوا مَعَ الصّٰادِقِينَ قال:«مع علي بن أبي طالب عليه السّلام» (10).

***3.

ص: 74


1- الكافي:288/8 ح 434.
2- بحار الأنوار:22/24 ح 45،عن كنز الفوائد.
3- سورة التوبة:119.
4- و روي ذلك عن الإمامين الباقر و الرضا عليهما السلام،انظر الكافي 208/1 ح 1-2،تفسير القمي:/1 307.
5- أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق:361/42،الدر المنثور:290/3.
6- سورة التوبة:119.
7- الدرّ المنثور:291/3.تفسير الشوكاني:395/2.
8- المناقب:/280ح 273.
9- كشف الغمة:375/2،و ما نزل في القرآن في علي لابي نعيم:104.
10- أمالي الطوسي:/255ح /461مجلس /9ح 53.

قوله تعالي وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنٰا

عن عبد اللّه بن مسعود قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أتاني ملك فقال:يا محمد وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنٰا قال:قلت علي ما بعثوا قال:علي ولايتك و ولاية علي بن أبي طالب» (1).

و عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لما عرج بي إلي السماء انتهي بي المسير مع جبرائيل إلي السماء الرابعة فرأيت بيتا من ياقوت أحمر،فقال لي جبرائيل:يا محمد هذا البيت المعمور خلقه اللّه قبل خلق السماوات و الأرض بخمسين ألف عام فصل فيه الصلاة،و جمع إليه النبيين و المرسلين فصفّهم جبرائيل صفا فصلّيت بهم،فلمّا سلّمت أتاني آت من عند ربي فقال:يا محمد ربّك يقرئك السلام،و يقول لك إسأل الرسل علي ماذا أرسلتم من قبلي،فقلت:معاشر الأنبياء و الرسل علي ماذا بعثكم ربي قبلي؟قالوا:علي ولايتك و ولاية علي بن أبي طالب عليه السّلام و ذلك قوله: وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنٰا » (2).

*** قوله تعالي يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ

عن ابن عباس في قوله تعالي: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ قال:إذا كان يوم القيامة دعا اللّه عزّ و جل أئمة الهدي و مصابيح الدّجي و أعلام التقي أمير المؤمنين و الحسن و الحسين ثم يقال لهم:جوزوا[علي]الصراط أنتم و شيعتكم و ادخلوا الجنة بغير حساب،ثم يدعو أئمة الفسق،و إنّ و اللّه يزيد منهم فيقال له:خذ بيد شيعتك و امضوا إلي النار بغير حساب (3).

عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالي: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ قال:«يجيء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في فرقة و علي عليه السّلام في فرقة و الحسن في فرقة و الحسين في فرقة و كل من مات في ظهراني قوم جاؤا معه» (4).

عن يعقوب بن شعيب قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنٰاسٍ بِإِمٰامِهِمْ فقال:

ندعو كل قرن من هذه الأمة بإمامهم،قلت:فيجيء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في قرنه و علي عليه السّلام في قرنه و الحسن عليه السّلام في قرنه و الحسين عليه السّلام في قرنه،و كلّ إمام في قرنه الذي هلك بين أظهرهم؟قال:

«نعم» (5).

***3.

ص: 75


1- فرائد السمطين:/81/1ب /15ح 62.
2- البحار:307/26 و 155/36.
3- مناقب آل أبي طالب:263/2.
4- تفسير القمي:22/2.
5- المحاسن:/144ح 43.

قوله تعالي أَمْ يَحْسُدُونَ النّٰاسَ عَليٰ مٰا آتٰاهُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ (1)

عن ابن عباس في قوله تعالي أَمْ يَحْسُدُونَ النّٰاسَ عَليٰ مٰا آتٰاهُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ نزلت في رسول اللّه و في علي عليه السّلام.

أبو علي الطبرسي في مجمع البيان المراد بالناس النبي و آله،و قال أبو جعفر عليه السّلام:«المراد بالفضل فيه النبوّة و في علي الإمامة» (2).

قوله تعالي قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبيٰ (3)

عن ابن عباس رضي اللّه عنه قال:لما نزلت قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبيٰ قالوا:

يا رسول اللّه من قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم قال:«علي و فاطمة و ابناهما» (4).

و عن إسماعيل بن عبد الخالق قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي جعفر الأحول و أنا أسمع فقال:«أتيت البصرة»قال:نعم فقال:«كيف رأيت مسارعة الناس إلي هذا الأمر و دخولهم فيه»فقال:و اللّه إنهم لقليل و قد فعلوا و أنّ ذلك لقليل فقال:«عليك بالأحداث فإنهم اسرع إلي كل خير».

ثم قال:«ما يقول أهل البصرة في هذه الآية قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبيٰ؟ قلت:جعلت فداك إنهم يقولون:إنهم لأقارب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:«كذبوا إنما نزلت فينا خاصة في أهل البيت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين أصحاب الكساء عليهم السّلام» (5).

*** قوله تعالي اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ... الآية

عن صالح بن سهل الهمداني قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكٰاةٍ فاطمة عليها السّلام فِيهٰا مِصْبٰاحٌ الحسن اَلْمِصْبٰاحُ فِي زُجٰاجَةٍ الحسين اَلزُّجٰاجَةُ كَأَنَّهٰا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ فاطمة كوكب درّي بين نساء أهل الدنيا يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ إبراهيم عليه السّلام زَيْتُونَةٍ لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ لا يهودية و لا نصرانية يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ يعني يكاد العلم ينفجر بها وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ نُورٌ عَليٰ نُورٍ إمام منها بعد إمام يَهْدِي اللّٰهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشٰاءُ يهدي اللّه للأئمة عليهم السّلام من يشاء وَ يَضْرِبُ اللّٰهُ الْأَمْثٰالَ لِلنّٰاسِ قلت أَوْ كَظُلُمٰاتٍ قال الأول و صاحبه يَغْشٰاهُ مَوْجٌ الثالث مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ ظلمات الثاني بَعْضُهٰا فَوْقَ بَعْضٍ معاوية6.

ص: 76


1- النساء:54.
2- مناقب آل أبي طالب:15/3،و راجع مجمع البيان:109/3.
3- الشوري:23.
4- فضائل الصحابة لابن حنبل:669/2 ح 1141.
5- الكافي:93/8 ح 66.

لعنه اللّه و فتن بني أمية إِذٰا أَخْرَجَ يَدَهُ المؤمن في ظلمة فتنتهم لَمْ يَكَدْ يَرٰاهٰا وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللّٰهُ لَهُ نُوراً إماما من ولد فاطمة عليها السّلام فَمٰا لَهُ مِنْ نُورٍ يوم القيامة (1).

و عن الفضل ابن يسار قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام الصادق عليه السّلام: اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ قال:كذلك اللّه عز و جل قال:قلت مَثَلُ نُورِهِ قال:«محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم»قلت: كَمِشْكٰاةٍ قال«صدر محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم»قلت: فِيهٰا مِصْبٰاحٌ قال:«فيه نور العلم يعني النبوّة»قلت اَلْمِصْبٰاحُ فِي زُجٰاجَةٍ قال:«علم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم صدر إلي قلب علي عليه السّلام»قلت: كَأَنَّهٰا قال:«لأي شيء تقرأ كَأَنَّهٰا فقلت:فكيف إقرأ جعلت فداك؟قال: كَأَنَّهٰا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ قلت يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ قال:«ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام لا يهودي و لا نصراني»قلت: يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ قال:«يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من قبل أن ينطق به»قلت: نُورٌ عَليٰ نُورٍ قال:«الإمام في أثر الإمام» (2).

عن محمد بن علي بن الحسين في قول اللّه عز و جل: كَمِشْكٰاةٍ فِيهٰا مِصْبٰاحٌ قال:

« كَمِشْكٰاةٍ نور العلم في صدر محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم اَلْمِصْبٰاحُ فِي زُجٰاجَةٍ الزجاجة صدر علي عليه السّلام صار علم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الي صدر علي عليه السّلام اَلزُّجٰاجَةُ كَأَنَّهٰا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبٰارَكَةٍ قال نور العلم لاٰ شَرْقِيَّةٍ وَ لاٰ غَرْبِيَّةٍ قال:لا يهودية و لا نصرانية يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ قال:يكاد العالم من آل محمد عليهم السّلام يتكلم بالعلم قبل أن يسأل نُورٌ عَليٰ نُورٍ يعني إماما مؤيدا بنور العلم و الحكمة في أثر إمام من آل محمد عليهم السّلام و ذلك من لدن آدم إلي أن تقوم الساعة» (3).

*** قوله تعالي فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهٰا بِالْغُدُوِّ وَ الْآصٰالِ رِجٰالٌ... (4)

عن أنس و بريدة قالا:قرأ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ إلي قوله اَلْقُلُوبُ وَ الْأَبْصٰارُ فقام رجل قال:أي بيوت هذه يا رسول اللّه؟

قال:«بيوت الأنبياء».

فقال:يا رسول اللّه هذا البيت منها بيت علي و فاطمة.

قال:«نعم من أفاضلها» (5).

عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ قال:5.

ص: 77


1- الكافي:195/1 ح 5.
2- معاني الأخبار:7/15.
3- التوحيد:5/159.
4- النور:36.
5- الدر المنثور:50/5.

«هي بيوت الأنبياء و بيت علي منها» (1).

عن محمد بن الفضيل قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّٰهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ قال:«بيوت محمد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثم بيوت علي عليه السّلام منها» (2).

*** قوله تعالي وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (3)

عن عبّاد بن عبد اللّه الأسدي عن علي عليه السّلام قال:«لما نزلت هذه الآية وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ جمع النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من أهل بيته فاجتمع ثلاثون فأكلوا و شربوا»قال:فقال لهم:«من يضمن عني ديني و مواعيدي و يكون معي في الجنّة و يكون خليفتي في أهلي،فقال رجل لم يسمه شريك:يا رسول اللّه أنت كنت تجد من يقوم بهذا؟قال ثم قال لآخر:قال فعرض ذلك علي أهل بيته،فقال علي:عليه السّلام أنا» (4).

و عن البراء قال:لما نزلت وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ جمع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بني عبد المطلب، و هم يؤمئذ أربعون رجلا الرجل منهم يأكل المسنة و يشرب العس،فأمر عليا أن يدخل شاة فأدمها ثم قال:«أدنوابسم اللّه»فدنا القوم عشرة عشرة فأكلوا حتي صدروا،ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعة»ثم قال لهم:«إشربوابسم اللّه»فشربوا حتي رووا،فبدرهم أبو لهب فقال:هذا ما سحركم به الرجل،فسكت النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يومئذ فلم يتكلم ثم دعاهم من الغد علي مثل ذلك الطعام و الشراب ثم أنذرهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:«يا بني عبد المطلب إني أنا النذير إليكم من اللّه عز و جل و البشير لما لم يجيء به أحد جئتكم بالدنيا و الآخرة فأسلموا و أطيعوني تهتدوا و من يواخيني و يوازرني و يكون ولييّ و وصييّ بعدي و خليفتي في أهلي و يقضي ديني؟»فسكت القوم و أعاد ذلك ثلاثا كل ذلك يسكت القوم و يقول عليّ:«أنا»،فقال:أنت.

فقام القوم و هم يقولون لأبي طالب:أطع ابنك فقد أمّر عليك (5).

و روي ذلك من طريق الثعلبي في تفسيره بالسند و المتن بتغيير يسير لا يضر بالمعني (6).

و عن عبد اللّه بن عباس عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:«لمّا نزلت هذه الآية وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم دعاني فقال:يا علي إنّ اللّه أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعا و علمت أنه متي ما أبادرهم بهذا الأمر أر منهم ما أكره فصمت حتي جاءنيي.

ص: 78


1- تفسير القمي:104/2.
2- بحار الأنوار:326/23 ح 2.
3- الشعراء:214.
4- مسند أحمد:111/1.
5- مناقب آل أبي طالب:306/1،و البحار:163/18.
6- العمدة:38 عن الثعلبي.

جبرئيل فقال يا محمد إنك إن لم تفعل ما أمرت به يعذبك ربك،فاصنع لنا صاعا من طعام و اجعل عليه رجل شاة و املأ لنا عسا من لبن ثم اجمع بني عبد المطلب حتي أكلّمهم و أبلّغهم ما أمرت به ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم و هم يؤمئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا،فيهم أعمامه أبو طالب و حمزة و العباس و أبو لهب،فلمّا اجتمعوا إليه دعي بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به.

فلمّا وضعته تناول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بضعة من اللحم فشقها بأسنانه ثم القاها في نواحي الصحفة ثم قال:كلوابسم اللّه،فأكلوا حتي ما لهم إلي شيء من حاجة،و أيم اللّه الذي نفس علي بيده إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمته لجميعهم،ثم قال:اسق القوم يا علي فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتي رووا جميعا،و أيم اللّه إن كان الرجل منهم ليشرب مثله.

فلما أراد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أن يكلمهم بدره أبو لهب إلي الكلام فقال:لشد ما سحركم صاحبكم فتفرّق القوم و لم يتكلم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال من الغد يا علي إنّ هذا الرجل قد سبقني إلي ما سمعت من القول فتفرّق القوم قبل أن أكلمهم فعد لنا اليوم إلي مثل ما صنعت بالأمس ثم اجمعهم لي، ففعلت ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقرّبته لهم ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا حتي ما لهم بشيء حاجة ثم قال:اسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا منه جميعا حتي رووا ثم تكلم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثم قال:يا بني عبد المطلب إني و اللّه ما أعلم أن شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به،إني قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة و قد أمرني اللّه أن أدعوكم إليه فأيكم يوازرني علي هذا الأمر علي أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم،فأحجم القوم عنها جميعا و قلت:أنا،و إني لأحدثهم سنا و أرمصهم عينا و أعظمهم بطنا و احمشهم ساقا قال:قلت:أنا يا رسول اللّه اكون وزيرك عليه فأعاد القول فأمسكوا،و أعدت ما قلت فأخذ برقبتي ثم قال لهم:هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم فاسمعوا له و أطيعوا فقام القوم يضحكون و يقولون لأبي طالب:قد أمرك أن تسمع لابنك و تطيع» (1).

و عن إبراهيم الأوسي من كتابه عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«لما نزلت سورة الشعراء في أخرها آية الانذار وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ أمرني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و قال:«يا علي أطبخ و لو كراع شاة و لو صاع من طعام و قعب من لبن و اعمد إلي قريش»قال:فدعوتهم و اجتمعوا أربعين بطلا بزيادة،و كان فيهم أبو طالب و حمزة و العباس فحضّرت ما أمرني به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم معمولا فوضعته بين أيديهم فضحكوا استهزاءا،فأدخل إصبعه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بأربعة جوانب الجفنة.

فقال:كلوا أو قولوا:بسم اللّه الرّحمن الرحيم،قال أبو جهل:يا محمد ما نأكل.فهل أحد منا ما يآكل الشاة مع أربعة أصواع من الطعام،قال:كل و أرني في أكلك،فاكلوا حتي تملّوا،و أيم3.

ص: 79


1- شرح نهج البلاغة:210/13.

اللّه ما نري أثر أكل أحدهم و لا نقص الزاد،فصاح بهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كلوا،فقالوا:أو من يقدر علي أكثر من هذا،فقال:إرفعه يا علي،فرفعته،فدنا منهم محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و قال:يا قوم إعلموا أنّ اللّه ربي و ربكم،فصاح أبو لهب و قال:قوموا إنّ محمدا سحركم،فقاموا و مضوا فاستبقهم علي بن أبي طالب عليه السّلام و أراد أن يبطش بهم،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:لا يا علي أدن مني،فتركهم و دنا منه فقال له:أمرنا بالأنذار لا بذا الفقار لأنّ له وقتا،و لكن اعمل لنا من الطعام ما عملت،و ادع لي من دعيت،فلما أتي غدا فعلت بالأمس ما فعلت،فلمّا اجتمعوا و أكلوا كما أكلوا،قال لهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:ما أعلم شابا من العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به من أمر الدنيا و الآخرة،قيل:فقال أبو جهل:قد شغلنا أمر محمد فلو قابلتموه برجل مثله يعرف السحر و الكهانة لكان أشرحنا،فعاد كلامه عتبة بن ربيعة،و قال:و اللّه إني بصير بما ذكرته و قال:و اللّه لم لا تباحثه،قال:حاشا إن كان به ما ذكرت،فقال له:يا محمد أنت خير أم هاشم،أنت خير أم عبد المطلب؟أنت خير أم عبد اللّه؟ أنت خير أم علي بن أبي طالب؟دامغ الجبابرة قاصم أصلاب أكبرهم،فلم تضل آباءنا و تشتم آلهتنا، فإن كنت تريد الرئاسة عقدنا لك ألويتها و كن رئيسا لنا ما بطنت،و إن كان بك الباه زوّجناك عشرة نسوة من أكابرنا،و إن كنت تريد المال جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك أنت و عقبك من بعدك،فما تقول؟فقال: بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ كِتٰابٌ فُصِّلَتْ آيٰاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا... إلي آية فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صٰاعِقَةً مِثْلَ صٰاعِقَةِ عٰادٍ وَ ثَمُودَ فأمسك عتبة علي فيه و رجع ناشده باللّه أسكت،فسكت و قام و مضي،فقام من كان حاضرا خلفه فلم يلحقوه،فدخل و لم يخرج أبدا،و عادوه قريش.

فقال أبو جهل:قوموا بنا إليه،فدخلوا و جلسوا،قال أبو جهل:يا عتبة محمد سحرك،فقام قائما علي قدميه،و قال:يالكع الرجال،و اللّه لو لم تكن ببيتي لقتلتك شر قتلة،يا ويلك قلت:محمد ساحر كاهن شاعر،سرنا إليه سمعناه تكلم بكلام من رب السماء فحلّفته و امسك،و قد سمّيتموه الصادق الأمين هل رأيتم منه كذبة؟و لكني لو تركته يتمم ما قرأ لحل بكم الذهاب و العذاب» (1).

*** قوله تعالي: فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَ مٰا أَدْرٰاكَ مَا الْعَقَبَةُ

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَ مٰا أَدْرٰاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ يعني بقوله فَكُّ رَقَبَةٍ «ولاية أمير المؤمنين فإنّ ذلك فك رقبة» (2).

عن أبان قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هذه الآية فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ قال:«يا أبان هل9.

ص: 80


1- غاية المرام:285/3 باب 16 ح 8.
2- الكافي:422/1 ح 49.

بلغك من أحد فيها شيء؟»فقلت لا فقال:«نحن العقبة فلا يصعد إلينا إلاّ من كان منّا»ثم قال:«يا أبان ألا أزيدك فيها حرفا خيرا لك من الدنيا و ما فيها»؟قلت:بلي قال:«فك رقبة الناس مماليك النار كلهم غيرك و غير أصحابك ففكّهم اللّه منها»قلت:بما فكّنا منها؟قال:«بولايتكم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام» (1).

و عن أبي جعفر عليه السّلام:« أَ يَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يعني يقتل في قتله بنت النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يَقُولُ أَهْلَكْتُ مٰالاً لُبَداً يعني الذي جهّز به النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في جيش العسرة أَ يَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قال:فساد كان في نفسه أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ يعني رسول اللّه وَ لِسٰاناً يعني أمير المؤمنين وَ شَفَتَيْنِ يعني الحسن و الحسين وَ هَدَيْنٰاهُ النَّجْدَيْنِ إلي ولايتهما فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَ مٰا أَدْرٰاكَ مَا الْعَقَبَةُ يقول:ما أعلمك و كل شيء في القرآن و ما أدراك فهو ما أعلمك يَتِيماً ذٰا مَقْرَبَةٍ يعني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و المقربة قرباه أَوْ مِسْكِيناً ذٰا مَتْرَبَةٍ يعني أمير المؤمنين متربا بالعلم» (2).

*** قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ أُولٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (3)

عن الشعبي أنّ رجلا أتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:يا رسول اللّه علّمني شيئا ينفعني اللّه به قال:

«عليك بالمعروف فإنه ينفعك في عاجل دنياك و آخرتك»إذ أقبل علي عليه السّلام فقال:يا رسول اللّه فاطمة تدعوك قال:«نعم»فقال الرجل من هذا يا رسول اللّه قال:«هذا من الذين أنزل اللّه فيهم إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ أُولٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ » (4).

أبو بكر الشيرازي في كتاب(نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين عليه السّلام)في حديث مالك ابن أنس عن حميد عن أنس بن مالك قال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ نزلت في علي صدّق أول الناس برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ تمسّكوا بأداء الفرائض أُولٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ يعني عليا أفضل الخليقة بعد النبي إلي آخر السورة (5).

عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في مرضه الذي قبض فيه لفاطمة عليها السّلام:«يا بنية بأبي أنت و أمي أرسلي إلي بعلك فادعيه لي»فقالت فاطمة للحسن عليه السّلام:«إنطلق إلي أبيك فقل له:إنّ جدي يدعوك»فانطلق إليه الحسن فدعاه فأقبل أمير المؤمنين عليه السّلام حتي دخل علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و فاطمة عنده و هي تقول:«و اكرباه لكربك يا أبتاه»فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم«لا كرب علي أبيك بعد هذا اليوم يا فاطمة إنّ النبي لا يشق عليه الجيب و لا يخمش2.

ص: 81


1- بحار الأنوار:281/24 ح 2.
2- تفسير القمي:423/2.
3- البينة:7.
4- مناقب آل أبي طالب:266/2.
5- مناقب آل أبي طالب:267/2.

عليه الوجه و لا يدعي عليه بالويل و لكن قولي كما قال أبوك علي إبراهيم:تدمع العين و قد يوجع القلب و لا نقول ما يسخط الرب و إنّا عليك يا إبراهيم لمحزونون و لو عاش إبراهيم لكان نبيا-ثم قال-:يا علي أدن منّي فدنا منه فقال أدخل أذنك في فمي».

ففعل فقال:«يا أخي ألم تسمع قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ أُولٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ

قال:«بلي يا رسول اللّه»قال:«هم أنت و شيعتك تجيؤون غرا محجّلين شباعا مرويين،ألم تسمع قول اللّه عزّ و جلّ في كتابه: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ وَ الْمُشْرِكِينَ فِي نٰارِ جَهَنَّمَ خٰالِدِينَ فِيهٰا أُولٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ قال:«بلي يا رسول اللّه».

قال:«هم أعداؤك و شيعتهم يجيؤون يوم القيامة مسودة وجوههم ظماء مظمئين أشقياء معذبين كفارا منافقين ذلك لك و لشيعتك و هذا لعدوك و شيعتهم» (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:دخل علي علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو في بيت أم سلمة فلما رآه قال:«كيف أنت يا علي إذا جمعت الأمم و وضعت الموازين و برز لعرض خلقه و دعي الناس إلي ما لا بدّ منه؟قال فدمعت عين أمير المؤمنين عليه السّلام فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«ما يبكيك يا علي؟تدعي و اللّه أنت و شيعتك غرا محجلين رواء مرويين مبيضّة وجوهكم و يدعي بعدوك مسودة وجوههم أشقياء معذبين أما سمعت إلي قول الله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ أُولٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ أنت و شيعتك و الذين كفروا بآياتنا أولئك هم شر البرية عدوك يا علي» (2).

*** قوله تعالي: لاٰ يَسْتَوِي أَصْحٰابُ النّٰارِ وَ أَصْحٰابُ الْجَنَّةِ أَصْحٰابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفٰائِزُونَ

أبو المؤيد موفق بن أحمد من أعيان علماء العامة قال:أنبأني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيروية بن شهردار الديلمي فيما كتب إلي من همدان قال:أخبرنا عبدوس بن عبد اللّه بن عبدوس الهمداني من كتابه،حدّثنا أبو الحسين أحمد بن محمد البزاز ببغداد،حدّثنا القاضي أبو عبد اللّه الحسين بن هارون بن محمد الضبي،حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الحافظ أنّ محمد بن أحمد القطواني حدثهم قال:حدّثنا إبراهيم بن أنس الأنصاري حدّثنا إبراهيم بن جعفر بن عبد اللّه بن محمد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر قال:كنا عند النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فأقبل علي أبي طالب رضي اللّه عنه فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:فقد أتاكم أخي،ثم التفت الي الكعبة فضربها بيده ثم قال:

«و الذي نفسي بيده إنّ هذا و شيعته هم الفائزون يوم القيامة». (3)0.

ص: 82


1- بحار الأنوار:263/24-264 ح 22.
2- أمالي الطوسي:/671مجلس /36ح 21.
3- البحار:345/35 ح 20.

و عن علي بن أبي طالب قال:«إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم تلا هذه الآية لاٰ يَسْتَوِي أَصْحٰابُ النّٰارِ وَ أَصْحٰابُ الْجَنَّةِ أَصْحٰابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفٰائِزُونَ فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أصحاب الجنة من أطاعني و سلّم لعلي بن أبي طالب بعدي و أقرّ بولايته و أصحاب النار من سخط الولاية و نقض العهد و قاتله بعدي» (1).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم تلا هذه الآية لاٰ يَسْتَوِي أَصْحٰابُ النّٰارِ وَ أَصْحٰابُ الْجَنَّةِ أَصْحٰابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفٰائِزُونَ فقال:«أصحاب الجنة من اطاعني و سلم لعلي بن أبي طالب بعدي،و أقر بولايته»فقيل:و أصحاب النار قال:«من سخط الولاية و نقض العهد و قاتله بعدي» (2).

*** قوله تعالي وَ إِنِّي لَغَفّٰارٌ لِمَنْ تٰابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً ثُمَّ اهْتَديٰ (3)

عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن أبيه عن جده عليه السّلام قال:«خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوم و هو راكب،و خرج علي عليه السّلام و هو يمشي،فقال له:يا أبا الحسن إمّا أن تركب و إمّا أن تنصرف»و ذكر الحديث إلي أن قال فيه:«و الله يا علي ما خلقت إلا لتعبد ربك و ليشرف بك معالم الدين و يصلح بك دارس السبيل و لقد ضلّ من ضلّ عنك و لن يهتدي الي اللّه عزّ و جل من لم يهتد إليك و إلي ولايتك و هو قول ربي عز و جل: وَ إِنِّي لَغَفّٰارٌ لِمَنْ تٰابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً ثُمَّ اهْتَديٰ يعني إلي ولايتك» (4).

عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: وَ إِنِّي لَغَفّٰارٌ لِمَنْ تٰابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً ثُمَّ اهْتَديٰ قال:«إلي ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام» (5).

*** قوله تعالي يٰا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ وَ اللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّٰاسِ (6)

قال أبو جعفر محمد بن علي عليه السّلام:«معناه بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ في فضل علي بن أبي طالب عليه السّلام»و في نسخة أخري أنه عليه السّلام قال:« يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك في علي و قال:هكذا نزلت»رواه جعفر بن محمد:«فلما نزلت هذه الآية أخذ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بيد علي و قال:

من كنت مولاه فعلي مولاه» (7).ي.

ص: 83


1- عيون أخبار الرضا:253/2 ح 22 باب 27.
2- أمالي الطوسي:/363مجلس /13ح 13.
3- طه:82.
4- أمالي الصدوق:803/583.
5- بحار الأنوار:148/24 ح 27.
6- المائدة:67.
7- العمدة:132/99 عن الثعلبي.

عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«فرض اللّه عز و جل علي العباد خمسا أخذوا أربعا و تركوا واحدة»قلت:أتسميهن لي جعلت فداك؟فقال:«الصلاة و كان الناس لا يدرون كيف يصلّون فنزل جبرائيل عليه السّلام فقال:يا محمد أخبرهم بمواقيت صلاتهم، ثم نزلت الزكاة فقال:يا محمد أخبرهم عن زكاتهم ما أخبرتهم عن صلاتهم،ثم نزل الصوم فكان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذا كان يوم عاشوراء بعث إلي ما حوله من القري فصاموا ذلك اليوم فنزل شهر رمضان بين شعبان و شوال ثم نزل الحج فنزل جبرائيل عليه السّلام فقال:أخبرهم عن حجّهم ما أخبرتهم من صلاتهم و زكاتهم و صومهم ثم نزلت الولاية و إنما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي و كان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب عليه السّلام فقال عند ذلك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ أمتي حديثوا عهد بالجاهلية و متي أخبرتهم بهذا في ابن عمي يقول قائل،فقلت في نفسي من غير أن ينطق به لساني فأتتني عزيمة من اللّه عز و جل بتلة (1)أوعدني إن لم أبلّغ أن يعذبني فنزلت يٰا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ وَ اللّٰهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّٰاسِ إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكٰافِرِينَ فأخذ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بيد علي عليه السّلام فقال:يا أيها الناس إنه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان قبلي إلاّ و قد عمره اللّه تعالي ثم دعاه فأجابه فأوشك أن أدعي فأجيب،و أنا مسؤول و أنتم مسؤولون،فماذا أنتم قائلون فقالوا:نشهد إنك قد بلغت و نصحت و أديت ما عليك فجزاك اللّه أفضل جزاء المرسلين»

فقال:«اللهم اشهد»ثلاث مرات.

ثم قال:«يا معشر المسلمين هذا وليكم بعدي فليبلّغ الشاهد منكم الغائب»

قال أبو جعفر:«كان و اللّه أمين اللّه علي خلقه و عيبة علمه و دينه الذي ارتضاه لنفسه،ثم أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حضره الذي حضره فدعا عليا فقال:يا علي إني أريد أن أئتمنك علي ما ائتمني اللّه عليه من غيبه و علمه و من خلقه و من دينه الذي ارتضاه لنفسه فلم يشرك و اللّه فيها يا زياد أحدا من الخلق و إنّ عليا حضر الذي حضره فدعا ولده فكانوا إثني عشر ذكرا.

فقال لهم:يا بني إنّ اللّه عزّ و جلّ قد أبي إلا أن يجعل في سنة من يعقوب و إن يعقوب دعا ولده و كانوا إثني عشر ولدا ذكرا،فأخبرهم بصاحبهم ألا و إني أخبركم بصاحبكم،ألا إن هذين ابنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الحسن و الحسين عليهما السّلام فاسمعوا لهما و أطيعوا و وازروهما،فإني قد أتمنتهما علي ما أئتمنني عليه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مما ائتمنه اللّه عليه من خلقه و من غيبه و من دينه الذي ارتضاه لنفسه، فأوجب لهما من علي عليه السّلام ما أوجب لعلي عليه السّلام من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلم يكن لأحد منهما فضل علي صاحبه إلا بكبره و إنّ الحسين كان إذا حضر الحسن عليه السّلام لم ينطق في ذلك المجلس حتي يقوم،ثمع.

ص: 84


1- البتل:القطع.

إن الحسن عليه السّلام حضره من حضره فسلم ذلك إلي الحسين عليه السّلام ثم إنّ الحسين حضره الذي حضره فدعا ابنته الكبري فاطمة بنت الحسين عليه السّلام فدفع إليها كتابا ملفوفا و وصية ظاهرة،و كان عليّ بن الحسين مبطونا لا يرون إلا أنه لما به،فدفعت فاطمة الكتاب إلي علي بن الحسين ثم صار و اللّه ذلك الكتاب إلينا» (1).

*** قوله تعالي اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاٰمَ دِيناً.

فكان تمام الدّين و كمال النعمة بحبّ عليّ عليه السّلام و ولائه كما روي:

فعن أبي سعيد الخدري قال:لمّا دعي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي بيعة علي عليه السّلام يوم غدير خمّ و كان يوم الخميس نزلت هذه الآية: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي يعني بولاية عليّ عليه السّلام وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاٰمَ دِيناً (2)فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«الحمد للّه علي كمال الدين و تمام النعمة و رضي اللّه برسالتي و ولاية علي من بعدي[كبيرا من كبير] (3)(4).

و عن أبي سعيد الخدري أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يوم دعا الناس إلي غدير خم أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقم،و ذلك يوم الخميس يوم دعا الناس إلي علي و أخذ بضبعه ثم رفعها حتي نظر الناس إلي بياض إبطيه عليه السّلام،ثم لم يفترقا حتي نزلت هذه الآية اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاٰمَ دِيناً فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«الله أكبر علي إكمال الدين و تمام النعمة و رضا الرب برسالتي و الولاية لعلي»ثم قال:«اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله»و قال حسان بن ثابت:اتأذن لي يا رسول اللّه أن أقول أبياتا قال:«قل ببركة اللّه تعالي»فقال حسان بن ثابت:

يناديهم يوم الغدير نبيهم بخم و أسمع بالنبي مناديا

باني مولاكم نعم و نبيكم فقالوا و لم يبدوا هناك التعاميا

الهك مولانا و أنت ولينا و لا تجدن في الخلق للأمر عاصيا

فقال له قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماما و هاديا (5)

و عن محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه أبي عبد اللّه عليه السّلام قال المجاشعي:و حدّثنا الرضي علي بن موسي عن أبيه موسي عليهم السّلام عن أبيه جعفر بن محمد و قالا جميعا عن آبائهما عن علي أمير2.

ص: 85


1- الكافي:290/1-291 ح 6.
2- سورة المائدة:3.
3- لم ترد في المصادر المتوفرة.
4- إعلام الوري بأعلام الهدي:263/1،قصص الأنبياء للراوندي:355.
5- المناقب:/135ح 152.

المؤمنين عليه السّلام قال:«سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:بني الإسلام علي خمس خصال:علي الشهادتين و القرينتين قيل له:أما الشهادتان فقد عرفناهما فما القرينتان؟قال:الصلاة و الزكاة فإنه لا يقبل أحدهما إلاّ بالأخري،و الصيام و حج بيت اللّه من استطاع إليه سبيلا و ختم ذلك بالولاية فأنزل اللّه عزّ و جلّ اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاٰمَ دِيناً » (1).

و عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام قال:حدّثنا الحسن بن علي عليه السّلام:

«إن اللّه عزّ و جلّ بمنه و رحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه بل رحمة منه لا إله إلا هو يميز الخبيث من الطيب و ليبتلي ما في صدوركم و ليمحّص ما في قلوبكم و لتتسابقوا إلي رحمته و لتتفاضل منازلكم في جنّته،ففرض عليكم الحج و العمرة و إقام الصلاة و ايتاء الزكاة و الصوم و الولاية و جعل لكم بابا لتفتحوا به أبواب الفرائض،و مفتاحا إلي سبيله.

و لو لا محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و الأوصياء من ولده عليهم السّلام كنتم حياري كالبهائم لا تعرفون فرضا من الفرائض،و هل تدخلون قرية إلاّ من بابها فلما منّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاٰمَ دِيناً ففرض عليكم لأوليائه حقوقا و أمركم بأدائها إليهم ليحل لكم ماوراء ظهوركم من أزواجكم و أموالكم و مآكلكم و مشاربكم و يعرفكم بذلك البركة و النماء و الثروة ليعلم من يطيعه منكم بالغيب ثم قال عز و جل: قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبيٰ فاعلموا أنّ من يبخل فإنما يبخل عن نفسه إنّ اللّه هو الغني و أنتم الفقراء إليه فاعملوا من بعد ما شئتم فسيري اللّه عملكم و رسوله و المؤمنون ثم تردّون إلي عالم الغيب و الشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون و العاقبة للمتقين و لا عدوان إلا علي الظالمين سمعت جدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«خلقت من نور اللّه عز و جل،و خلق أهل بيتي من نوري،و خلق محبيهم من نورهم،و سائر الناس في النار» (2).

محمد بن مسعود العياشي في تفسيره بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:«آخر فريضة أنزلها اللّه الولاية اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاٰمَ دِيناً فلم ينزل من الفرائض شيء بعدها حتي قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم» (3).

*** قوله تعالي وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّٰاكِعِينَ (4)

عن ابن عباس في قوله تعالي وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّٰاكِعِينَ أنها نزلت في رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سلّم،3.

ص: 86


1- أمالي الطوسي:/518مجلس /18ح 41.
2- أمالي الطوسي:/654مجلس /34ح 5.
3- البحار:112/37 ح 5.
4- البقرة:43.

و في علي بن أبي طالب خاصة،و هما أول من صلي و ركع (1).

عن الباقر عليه السّلام في قوله تعالي وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّٰاكِعِينَ نزلت في رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و علي بن أبي طالب،و هما أول من صلي و ركع (2).

الإمام أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليه السّلام في تفسيره في معني الآية قال عليه السّلام: وَ أَقِيمُوا الصَّلاٰةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّٰاكِعِينَ قال:أقيموا الصلوات المكتوبات التي جاء بها محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و أقيموا أيضا الصلاة علي محمد و آله الطاهرين الذين عليّ سيّدهم و فاضلهم،و آتوا الزكاة من أموالكم إذا وجبت،و من أبدانكم إذا لزمت،و من معونتهم إذا التمست وَ ارْكَعُوا مَعَ الرّٰاكِعِينَ تواضعوا مع المتواضعين لعظمة اللّه،عز و جل و الانقياد لأولياء اللّه،لمحمد نبي اللّه، و لعلي ولي اللّه و للأئمة بعدهما سادة أصفياء اللّه (3).

*** قوله تعالي أَلْقِيٰا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّٰارٍ عَنِيدٍ (4)

عن شريك قال:كنت عند سليمان الأعمش في مرضته التي قبض فيها إذ دخل علينا ابن أبي ليلي و ابن شبرمة و أبو حنيفة،فأقبل أبو حنيفة علي سليمان الأعمش فقال:يا سليمان إتّق اللّه وحده لا شريك له،و اعلم أنك في أول يوم من أيام الآخرة و آخر يوم من أيام الدّنيا،و قد كنت تروي في علي بن أبي طالب أحاديث لو سكتّ عنها لكان أفضل.

فقال سليمان الأعمش:لمثلي يقال هذا؟أقعدوني،أسندوني،ثم أقبل علي أبي حنيفة فقال:

يا أبا حنيفة حدّثني أبو المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم«إذا كان يوم القيامة يقول اللّه عز و جل لي و لعلي بن أبي طالب:أدخلا الجنة من أحبكما،و النار من أبغضكما، و هو قول اللّه عز و جل أَلْقِيٰا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّٰارٍ عَنِيدٍ.

قال أبو حنيفة:قوموا بنا لا يأتي بشيء هو أعظم من هذا،قال الفضل:سألت الحسن بن علي عليه السّلام فقلت:من الكفّار؟فقال:الكافر بجدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،قلت:و من العنيد؟قال:

الجاحد حق علي ابن أبي طالب (5).

و عن علي بن أبي طالب عليه السّلام في قوله تعالي أَلْقِيٰا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّٰارٍ عَنِيدٍ قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إذا جمع الناس في صعيد واحد كنت أنا و أنت يومئذ عن يمين العرش،ثم يقول تبارك و تعالي لي و لك:قوما و ألقيا في جهنم من أبغضكما و كذّبكما في النار (6).2.

ص: 87


1- المناقب /280ح 274.
2- مناقب آل أبي طالب 296/1.
3- تفسير الإمام العسكري /231ح 110.
4- سورة ق:24.
5- بحار الأنوار 358/43 ح 66.
6- تفسير القمي:324/2.

قوله تعالي وَ السّٰابِقُونَ السّٰابِقُونَ أُولٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (1).

عن ابن عباس قال:سألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عن قول اللّه عزّ و جلّ وَ السّٰابِقُونَ السّٰابِقُونَ أُولٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنّٰاتِ النَّعِيمِ فقال:قال لي جبرائيل عليه السّلام ذلك علي و شيعته هم السابقون إلي الجنة المقربون من اللّه بكرامته لهم (2).

عن الامام الحسن عليه السّلام في قوله عزّ و جلّ وَ السّٰابِقُونَ السّٰابِقُونَ أُولٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ قال:أبي سبق السابقين إلي اللّه عز و جل و إلي رسوله،و أقرب المقرّبين إلي اللّه و إلي رسوله (3).

عن أبي جعفر عليه السّلام قال:السابقون أربعة:إبن آدم المقتول،و السابق في أمّة موسي و هو مؤمن آل فرعون،و السابق في أمة عيسي و هو حبيب النجار،و السابق في أمة محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو علي بن أبي طالب عليه السّلام (4).

*** قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمٰنُ وُدًّا (5)

عن ابن عباس في قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمٰنُ وُدًّا قال:نزلت في علي بن أبي طالب،ما من مسلم إلاّ و لعلي عليه السّلام في قلبه محبته (6).

ابن عباس قال:أخذ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بيدي و أخذ بيد علي فصلي أربع ركعات ثم رفع يده إلي السماء فقال:«اللهم سألك موسي بن عمران،و أنا محمد اسألك أن تشرح لي صدري و تيسر لي أمري و تحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي،و اجعل لي وزيرا من أهلي عليا أشدد به أزري و أشركه في أمري».

قال ابن عباس فسمعت مناديا ينادي:«يا أحمد قد أعطيت ما سألت»فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«يا أبا الحسن إرفع يدك إلي السماء و ادع ربك و اسأله يعطيك فرفع علي يده إلي السماء و هو يقول اللّهم اجعل لي عندك عهدا و اجعل لي عندك ودّا»فأنزل اللّه تعالي علي نبيه إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمٰنُ وُدًّا فتلاها النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي أصحابه فتعجّبوا من ذلك عجبا شديدا فقال النبي:«مم تعجبون إن القرآن أربعة أرباع فربع فينا أهل البيت خاصة،و ربع في أعدائنا،و ربع حلال و حرام،و ربع فضائل و أحكام،و اللّه أنزل في علي كرائم القرآن» (7).

عن أبي بصير قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ سَيَجْعَلُ5.

ص: 88


1- الواقعة:10،11،12.
2- أمالي الطوسي /72مجلس 13/3 ح.
3- بحار الأنوار 8/24 ح 22.
4- مجمع البيان 9:215.
5- مريم:97.
6- فرائد السمطين:/79/1ب /14ح 50.
7- مناقب ابن المغازلي:/202ح 375.

لَهُمُ الرَّحْمٰنُ وُدًّا قال:«ولاية أمير المؤمنين هي الود الذي قال اللّه» (1).

*** قوله تعالي: فَإِنَّ اللّٰهَ هُوَ مَوْلاٰهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صٰالِحُ الْمُؤْمِنِينَ (2)

عن أبي صالح في قوله عز و جل: فَإِنَّ اللّٰهَ هُوَ مَوْلاٰهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صٰالِحُ الْمُؤْمِنِينَ قال:نزلت في علي عليه السّلام خاصة (3).

و عن أسماء بنت عميس عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قالوا:« وَ صٰالِحُ الْمُؤْمِنِينَ علي بن أبي طالب» (4).

و عن أبي بصير قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:«أن تتوبا إلي اللّه فقد صغت قلوبكما وَ إِنْ تَظٰاهَرٰا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّٰهَ هُوَ مَوْلاٰهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صٰالِحُ الْمُؤْمِنِينَ قال:صالح المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام» (5).

و في رواية وَ إِنْ تَظٰاهَرٰا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّٰهَ هُوَ مَوْلاٰهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صٰالِحُ الْمُؤْمِنِينَ و إمام المتّقين (6).

*** قوله تعالي: وَ تَعِيَهٰا أُذُنٌ وٰاعِيَةٌ (7)

عن زر بن جيش عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال:«ضمّني رسول اللّه و قال ليّ:أمرني ربي أن أدنيك و لا أقصيك و أن تسمع و تعي،و حق علي اللّه أن تسمع و تعي فنزلت هذه الآية وَ تَعِيَهٰا أُذُنٌ وٰاعِيَةٌ» (8).

و عن الأصبغ بن نباته قال لما قدم علي الكوفة صلي بهم أربعين صباحا يقرأ بهم سبّح اسم ربك الأعلي فقال المنافقون:و اللّه ما يحسن أن يقرأ علي بن أبي طالب القرآن و لو أحسن أن يقرأ لقرأنا غير هذه السورة و لفعل قال:فبلغه ذلك فقال:«ويلهم إني لأعرف ناسخه و منسوخه و محكمه و متشابهه و فصله من وصله و حروفه من معانيه،و اللّه ما حرف نزل علي محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ و أنا أعرف فيمن أنزل و في أي يوم نزل و في أي موضع نزل،ويلهم أما يقرأون إِنَّ هٰذٰا لَفِي الصُّحُفِ الْأُوليٰ صُحُفِ إِبْرٰاهِيمَ وَ مُوسيٰ و اللّه هي عندي ورثتها من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و ورثها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من6.

ص: 89


1- الكافي:431/1 ح 90.
2- التحريم:4.
3- تأويل الآيات:699/2 ح 4.
4- مناقب آل أبي طالب:274/2.
5- تفسير القمي:377/2.
6- انظر روضة الواعظين:104،و الغدير:394/1،و تاريخ دمشق:362/42.
7- الحاقة:12.
8- المناقب:/282ح 276.

إبراهيم و موسي،ويلهم و اللّه إني أنا الذي أنزل اللّه فيّ وَ تَعِيَهٰا أُذُنٌ وٰاعِيَةٌ فإنّا كنا عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيخبرنا بالوحي فأعيه و يفوتهم فإذا خرجنا قالوا:ماذا قال آنفا؟» (1).

***

قوله تعالي عَمَّ يَتَسٰاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ اَلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (2)

عن السدي قال:أقبل صخر بن حرب حتي جلس إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:يا محمد هذا الأمر من بعدك لنا أم لمن؟فقال:«يا صخر الأمر من بعدي لمن هو منّي بمنزلة هارون من موسي» فأنزل اللّه تعالي عَمَّ يَتَسٰاءَلُونَ يعني يسألك أهل مكة عن خلافة علي بن أبي طالب عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ اَلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ منهم المصدّق بولايته و خلافته،و منهم المكذّب بها ثم قال:« كَلاّٰ و هو رد عليهم سَيَعْلَمُونَ سيعرفون خلافته بعدك إنها حق تكون ثُمَّ كَلاّٰ سَيَعْلَمُونَ سيعرفون خلافته و ولايته إذا يسألون عنها في قبورهم،فلا يبقي ميت في شرق الأرض و لا غربها و لا في بر و لا في بحر إلاّ و منكر و نكير يسألانه عن ولاية أمير المؤمنين و خلافته بعد الموت،يقولان للميت:من ربك و ما دينك و من نبيك و من إمامك؟» (2).

عن ابن أبي عمير أو غيره عن محمد بن الفضيل عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:قلت له:جعلت فداك إنّ الشيعة يسألونك عن تفسير هذه الآية عَمَّ يَتَسٰاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ قال:

«ذلك إلي إن شئت أخبرتهم و إن شئت لم أخبرهم»ثم قال:«لكني أخبرك بتفسيرها»قلت: عَمَّ يَتَسٰاءَلُونَ قال:فقال:«هي في أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه كان أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه يقول:ما للّه عزّ و جلّ آية هي أكبر منّي،و لا للّه نبأ أعظم منّي» (3).

عن أباب بن تغلب قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل: عَمَّ يَتَسٰاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ اَلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ قال:«هو علي بن أبي طالب عليه السّلام؛لأنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ليس فيه خلاف» (4).

*** قوله تعالي وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ (5)

في تفسير الثعلبي في الجزء الأول في تفسير سورة البقرة قوله تعالي: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لمّا أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب صلوات اللّه

ص: 90


1- بصائر الدرجات:3/135.
2- بحار الأنوار:216/6 ح 6.
3- الكافي:207/1 ح 3.
4- بحار الأنوار:2/32 ح 4.
5- البقرة:207.

عليه بمكة؛لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده،و أمره ليلة الخروج إلي الغار و قد أحاط المشركون بالدار أن ينام علي فراشه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال له:«يا علي اتّشح ببردي الحضرمي ثم نم علي فراشي فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه ان شاء اللّه عز و جل»ففعل ذلك عليه السّلام فأوحي اللّه عزّ و جلّ إلي جبرائيل و ميكائيل عليهما السّلام:إني قد آخيت بينكما و جعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟فاختارا كلاهما الحياة فأوحي اللّه عز و جل إليهما ألاّ كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه و بين محمد فنام علي فراشه يفديه بنفسه و يؤثره بالحياة اهبطا إلي الأرض فاحفظاه من عدوه فنزلا فكان جبرائيل عليه السّلام عند رأسه و ميكائيل عليه السّلام عند رجله فقال جبرائيل:بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب يباهي اللّه بك الملائكة،فأنزل اللّه تعالي علي رسوله و هو متوجه إلي المدينة في شأن علي بن أبي طالب وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ » (1).

و عن علي بن الحسين عليه السّلام في قوله عز و جل: وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ (2)قال:نزلت في علي عليه السّلام حين بات علي فراش رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (3).

الشيخ في مجالسه قال:أخبرنا جماعة عن أبي المفضّل قال:حدّثنا الحسن بن علي بن زكريا العاصمي قال:حدّثنا أحمد بن عبيد اللّه الفداني قال:حدّثنا الربيع بن سيار قال:حدّثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد يرفعه إلي أبي ذر رضي اللّه عنه أنّ عليا و عثمان و طلحة و الزبير و عبد الرّحمن بن عوف و سعد بن أبي و قاص أمرهم عمر بن الخطاب أن يدخلوا بيتا و يغلق عليهم بابه و يتشاوروا في أمرهم،و أجلّهم ثلاثة أيام،فإن توافق خمسة علي قول واحد و أبي رجل منهم قتل ذلك الرجل،و إن توافقوا أربعة و أبي إثنان قتل الإثنان،فلما توافقوا جميعا علي رأي واحد،قال لهم علي بن أبي طالب:«إني أحب أن تسمعوا منّي ما أقول لكم،فإن يكن حقا فاقبلوه و إن يكن باطلا فانكروه»

قالوا:قل.

و ذكر فضائله عليه السّلام و يقولون بالموافقة و ذكر عليه السّلام في ذلك:«فهل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ لمّا وقيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ليلة الفراش غيري»؟

قالوا:لا (4).

*** قوله تعالي: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا نٰاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوٰاكُمْ صَدَقَةً

عن علي بن علقمة عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:لما نزلت يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا نٰاجَيْتُمُ4.

ص: 91


1- العمدة:367/239 عن الثعلبي.
2- البقرة:207.
3- أمالي الطوسي:446 ح 996 مجلس 16 ح 2.
4- أمالي الطوسي:545-515 ح 1168 مجلس 19 ح 4.

اَلرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوٰاكُمْ صَدَقَةً قال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«كم تري دينارا؟

قلت:«لا يطيقون»

قال:«فكم تري؟»قال:«شعيرة».

قال:«إنك لزهيد».

قال فنزلت: أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوٰاكُمْ صَدَقٰاتٍ الآية قال:«فبي خفّف اللّه عن الأمة» (1).

عن مكحول قال:قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام:«لقد علم المستحفظون من أصحاب النبي محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إنه ليس فيهم رجل له منقبة إلاّ و قد شركته فيها و فضلته و لي سبعون منقبة لم يشركني فيها أحد منهم»

قلت:يا أمير المؤمنين فأخبرني بهن؟

فقال عليه السّلام:«إنّ أول منقبة...»و ذكر السبعين و قال عليه السّلام في ذلك:«و أمّا الرابعة و العشرون فإنّ اللّه عز و جل أنزل علي رسوله يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا نٰاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوٰاكُمْ صَدَقَةً فكان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكنت إذا ناجيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أتصدق قبل ذلك بدرهم فو اللّه ما فعل هذا أحد غيري من الصحابة قبلي و لا بعدي فأنزل اللّه عز و جل أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوٰاكُمْ صَدَقٰاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تٰابَ اللّٰهُ عَلَيْكُمْ الآية فهل تكون التوبة إلا من ذنب كان؟» (2).

*** قوله تعالي: قُلْ كَفيٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتٰابِ (3)

و عن محمد بن الحنيفة و عن سلمان الفارسي و عن أبي سعيد الخدري و إسماعيل السدّي أنّهم قالوا:في قوله تعالي: قُلْ كَفيٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتٰابِ هو علي بن أبي طالب عليه السّلام و الثعلبي في تفسيره عن معاوية عن الأعمش عن أبي صالح و روي عن عبد اللّه بن عطاء و عن أبي جعفر أنه قيل لهما زعموا أنّ الذي عنده علم الكتاب عبد اللّه بن سلام،قال:ذاك علي بن أبي طالب،و روي أنه سئل سعيد بن جبير وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتٰابِ عبد اللّه بن سلام قال:لا فكيف و هذه السورة مكية،و قد روي عن ابن عباس لا و اللّه ما هو إلا علي بن أبي طالب عليه السّلام لقد كان عالما بالتفسير و التأويل و الناسخ و المنسوخ و الحلال و الحرام،و روي عن ابن الحنيفة:علي بن3.

ص: 92


1- المناقب لإبن المغازلي:/200ح 372.
2- الخصال:1/574.
3- الرعد:43.

أبي طالب عنده علم الكتاب الأول و الآخر رواه النطنزي في الخصائص من طريق المخالفين و رواه الثعلبي بطريقين في معني و من عنده علم الكتاب» (1).

عن بريد بن معاوية قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام: قُلْ كَفيٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتٰابِ قال:«إيانا عني و علي عليه السّلام أولنا و أفضلنا و خيرنا بعد النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم» (2).

أبي سعيد الخدري:قال سألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عن قول اللّه جل ثناؤه: قٰالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتٰابِ قال:«ذاك وصي أخي سليمان بن داود»فقلت له:يا رسول اللّه فقول اللّه: قُلْ كَفيٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتٰابِ قال:«ذاك أخي علي بن أبي طالب» (3).

*** قوله تعالي: أَ فَمَنْ كٰانَ عَليٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شٰاهِدٌ مِنْهُ (4)

عن ابن عباس في قوله تعالي: أَ فَمَنْ كٰانَ عَليٰ بَيِّنَةٍ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يَتْلُوهُ شٰاهِدٌ مِنْهُ علي عليه السّلام خاصة (5).

عن زادان قال:سمعت عليا عليه السّلام يقول:«و الذي فلق الحبة و برأ النّسمة لو كسرت ليّ و سادة يقول:ثنيت فأجلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم و بين أهل الزبور بزبورهم و بين أهل الفرقان بفرقانهم،و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلا و أنا أعرف آية تسوقه إلي جنة أو تسوقه إلي نار»

فقام رجل فقال:فأنت أي شيء نزل فيك.

فقال علي صلوات اللّه عليه و آله:« أَ فَمَنْ كٰانَ عَليٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شٰاهِدٌ مِنْهُ فرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي بيّنة من ربه و يتلوه أنا شاهد منه» (6).

عن أحمد بن عمر الحلاّل قال:سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل: أَ فَمَنْ كٰانَ عَليٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شٰاهِدٌ مِنْهُ فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:«الشاهد علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي بيّنة من ربه» (7).

و عن سليم بن قيس الهلالي من كتابه نسخت عن قيس بن سعد بن عبادة في حديث له مع معاوية قال قيس:لقد قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فاجتمعت الأنصار إلي أبي بكر فقالوا:نبايع سعدا،3.

ص: 93


1- مناقب آل أبي طالب:309/1.
2- الكافي:229/1 ح 6.
3- أمالي الصدوق:892/659.
4- هود:17.
5- فرائد السمطين:/338/1ب /63ح 260.
6- فرائد السمطين:/338/1ب /63ح 261.)
7- الكافي:190/1 ح 3.

فجاءت قريش فخاصموا[الأنصار فخصموهم]بحجة علي و أهل بيته و خاصمونا بحقّه و قرابته من رسول اللّه،فما يعدد قريش أن يكونوا ظلموا الأنصار و آل محمد،و لعمري ما لأحد من الأنصار و لا من قريش و لا من العرب و لا من العجم في الخلافة حق و لا نصيب مع علي بن أبي طالب و ولده من بعده عليهم السّلام.

فغضب معاوية و قال:يا بن سعد عن من أخذت هذا و عن من ترويه و ممن سمعته؟أبوك حدّثك بهذا و عنه أخذته؟.

فقال له قيس بن سعد:أخذته عمن هو خير من أبي و أعظم حقا من أبي،قال:من هو؟قال:

علي ابن أبي طالب،أخذته من عالم هذه الأمة و ربانها و صدّيقها و فاروقها الذي أنزل اللّه فيه و ما أنزل قُلْ كَفيٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتٰابِ فلم يدع قيس آية نزلت فيه إلا ذكرها،فقال معاوية:إن صدّيقها أبو بكر و فاروقها عمر و الذي عنده علم الكتاب عبد اللّه بن سلام.

قال قيس:أحق بهذه الأسماء و أولي بها الذي أنزل اللّه فيه أَ فَمَنْ كٰانَ عَليٰ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شٰاهِدٌ مِنْهُ الذي أنزل اللّه فيه إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ [و الله لقد نزلت(و علي لكل قوم هاد)فأسقطتم ذلك،]و الذي نصّبه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يوم غدير خم:من كنت أولي به من نفسه فعلي أولي به من نفسه،و قال في غزوة تبوك:أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي (1).

*** قوله تعالي: سَأَلَ سٰائِلٌ بِعَذٰابٍ وٰاقِعٍ (2)

و نقل الإمام أبو إسحاق الثعلي رحمه اللّه في تفسيره (3):أنّ سفيان بن عيينة رحمه اللّه سأل عن قول الله: سَأَلَ سٰائِلٌ بِعَذٰابٍ وٰاقِعٍ (4)فيمن نزلت؟

فقال للسائل:سألتني عن مسألة ما سألني عنها أحد قبلك،حدّثني أبي عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السّلام:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لمّا كان بغدير خم نادي الناس فاجتمعوا فأخذ بيد عليّ و قال:

«من كنت مولاه فعليّ مولاه»فشاع ذلك و طار في البلاد،فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي ناقة له فنزل بالأبطح عن ناقته و أناخها فقال:يا محمّد أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّك رسول اللّه فقبلناه منك،و أمرتنا أن نصلّي خمسا فقبلنا منك،و أمرتنا بالزكاة فقبلنا منك،و أمرتنا أن نصوم شهرا فقبلنا منك،و أمرتنا بالحجّ فقبلنا منك،ثمّ لم ترض بهذا1.

ص: 94


1- كتاب سليم بن قيس:313.
2- سورة المعارج:1.
3- أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري صاحب التفسير الكبير،و له كتاب العرائس في قصص الأنبياء،و هو من الثقات الذين ينقل عنهم،توفي عام 427 و قيل:437.
4- سورة المعارج:1.

حتّي رفعت بضبعيّ ابن عمّك تفضّله علينا و قلت:من كنت مولاه فعليّ مولاه،فهذا منك أم من الله؟

فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«و الذي لا إله إلاّ هو إنّ هذا من اللّه»،فولّي الحارث بن النعمان و هو يريد راحلته و يقول:اللّهمّ إن كان ما يقوله محمّد حقّ فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فما وصل إلي راحلته حتّي رماه اللّه تعالي بحجر،فسقط علي هامته و خرج من دبره و أنزل اللّه سَأَلَ سٰائِلٌ بِعَذٰابٍ وٰاقِعٍ* لِلْكٰافِرينَ لَيْسَ لَهُ دٰافِعٌ (1).

*** قوله تعالي: أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ (2)

و روي عكرمة عن ابن عباس رضي اللّه عنه قال:نزلت هذه الآية: أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ (3)في علي بن أبي طالب و الوليد بن عقبة (4).

و قال ابن عبّاس رضي اللّه عنه:قال الوليد بن عقبة لعلي:أنا أحدّ منك سنانا،و أبسط منك لسانا، و أملأ حسرا للكتيبة منك،فقال له عليّ رضي اللّه عنه:إنّما أنت فاسق فنزلت: أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ، يعني بالمؤمن علي بن أبي طالب و بالفاسق الوليد بن عقبة (5).

قوله تعالي: أَ جَعَلْتُمْ سِقٰايَةَ الْحٰاجِّ وَ عِمٰارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جٰاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ لاٰ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّٰهِ (6)

و عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال:قعد العبّاس بن عبد المطلب رضي اللّه عنه و شيبة صاحب البيت يفتخران،فقال العبّاس:أنا أشرف منك أنا عمّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و وصي أبيه (7)و سقاية الحجيج لي فقال له شيبة:بل أنا أشرف منك أنا أمين اللّه علي بيته و خازنه أفلا أئتمنك كما ائتمنني؟

و هما في ذلك متشاجران حتّي أشرف عليهما علي بن أبي طالب عليه السّلام فقال له العبّاس رضي اللّه عنه:

أفترضي بحكمه؟قال:نعم قد رضيت،فلمّا جاءهم قال له العبّاس:إنّ شيبة فاخرني و زعم أنّه أشرف منّي،قال:فماذا قلت له يا عمّاه؟.ه.

ص: 95


1- سورة المعارج:1-2.
2- سورة السجدة:18.
3- سورة السجدة:18.
4- شواهد التنزيل:445/1،و أسباب النزول:200،و تفسير الطبري:68/21،و تفسير الكشاف:525/2، و فضائل الصحابة لابن حنبل:/610/2ح 1043.)
5- تفسير الوسيط:454/3،و أسباب النزول:200،و تفسير الطبري:68/21،و تفسير الكشاف:525/2، و فضائل الصحابة لابن حنبل:/610/2ح 1043.
6- سورة التوبة:19.)
7- لعلّه كما في بعض الروايات:صنو أبيه.

قال:قلت أنا عمّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و وصي أبيه و ساقي الحجيج أنا أشرف فقال لشيبة:ما قلت يا شيبة؟.

قال:قلت:بل أنا أشرف منك أنا أمين اللّه و خازنه أفلا أيتمنك كما أيتمني؟فقال لهما:

أجعل لي معكما فخرا؟

قالا:نعم،قال:فأنا أشرف منكما أنا أوّل من آمن بالوعد من ذكور هذه الأمّة و هاجر و جاهد فانطلقوا ثلاثتهم إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فجلسوا بين يديه و أخبره كلّ واحد منهم بفخره فما أجابهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بشيء فنزل الوحي بعد أيّام فأرسل النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إليهم فأتوه فقرأ عليهم النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:

أَ جَعَلْتُمْ سِقٰايَةَ الْحٰاجِّ وَ عِمٰارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جٰاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ لاٰ يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّٰهِ (1) إلي آخر العشر (2).

***

قوله تعالي: سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُمٰا سُلْطٰاناً فَلاٰ يَصِلُونَ إِلَيْكُمٰا بِآيٰاتِنٰا (3)

عن الأعمش عن عبابة الربعي قال:بينما ابن عباس جالس علي شفير زمزم يحدّث عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فجعل لا يقول:قال:رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ قال رجل ملتثم قريب منه:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:

فقال ابن عبّاس:سألتك باللّه من أنت؟

فكشف العمامة عن وجهه و قال:يا أيّها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة البدري،أبو ذرّ الغفاري سمعت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بهاتين و إلاّ فصمّتا و رأيته بهاتين و إلاّ فعميتا يقول:«عليّ قائد البررة و قاتل الكفرة،منصور من نصره مخذول من خذله»أما إنّي صلّيت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يوما من الأيّام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا و عليّ كان راكعا فأومأ بخنصره اليمني و كان يتختّم فيها فأقبل السائل حتّي أخذ الخاتم من خنصره و ذلك بعين النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فرفع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم رأسه عند ذلك إلي السماء و قال:«اللّهمّ إنّ أخي موسي سأل فقال: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسٰانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي* وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هٰارُونَ أَخِي* اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (3)فأنزلت عليه قرآنا ناطقا سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُمٰا سُلْطٰاناً فَلاٰ يَصِلُونَ إِلَيْكُمٰا بِآيٰاتِنٰا (4)،اللهمّ و أنا محمّد نبيّك و صفيّك اللهمّ اشرح لي صدري و يسّر لي أمري و اجعل لي وزيرا من أهلي عليّا أشدد به ظهري».

ص: 96


1- سورة التوبة:19.
2- الدرّ المنثور:218/3،تفسير الشوكاني:330/2.
3- سورة طه:25-32.
4- سورة القصص:35.

قال أبو ذر:فو الله ما استتمّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الكلمة حتّي نزل عليه جبرئيل عليه السّلام من عند اللّه فقال يا محمد:اقرأ،قال:أقرأ،قال اقرأ: إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ (1).

*** قوله تعالي: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

هٰذٰانِ خَصْمٰانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمٰنُ وُدًّا (2)

قال مجاهد رضي اللّه عنه:ما كان في القرآن يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا (3)فانّ لعلي رضي اللّه عنه سابقة ذلك لأنّه سبقهم إلي الإسلام (4).

و قال ابن عبّاس رضي اللّه عنه:ما نزل يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلاّ علي رأسها و أميرها و لقد عاتب اللّه أصحاب محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في غير آي من القرآن و ما ذكر عليا إلاّ بخير (5).

و قال عليّ رضي اللّه عنه:فينا نزلت هذه الآية و في مبارزتنا يوم بدر: هٰذٰانِ خَصْمٰانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ إلي قوله اَلْحَرِيقِ (6).

عن البراء رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لعلي:«يا علي قلّ:اللهمّ اجعل لي عندك عهدا و اجعل لي في صدور المؤمنين مودّة»فأنزل اللّه إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمٰنُ وُدًّا (7).

و روي الواحدي في تفسيره عن عطاء عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه أنّها نزلت في علي،ما من مسلم إلاّ و لعليّ في قلبه محبّة (8).

***2.

ص: 97


1- كشف الغمة:166/1،و العمدة:/120ح 158 عن الثعلبي.
2- سورة مريم:96.
3- سورة البقرة:104.
4- شواهد التنزيل:71/1 ح 84،و نهج الإيمان:463.
5- حلية الأولياء:64/1،و المعجم الكبير للطبراني:/264/11ح 11687،و شواهد التنزيل:51/1، و مناقب الخوارزمي:249/266.
6- سورة الحج:19-22.
7- سورة مريم:96.
8- مناقب آل أبي طالب:289/2،و جواهر العقدين:327/2.

جملة من الآيات

قال أمير المؤمنين في يوم الشوري:«ما من الحيين إلا و قد ذكر و قال حقا (1)،فأنا أسألكم يا معشر قريش و الأنصار بمن أعطاكم اللّه هذا الفضل؟أبأنفسكم،و عشائركم،و أهل بيوتاتكم أم بغيركم؟».

قالوا:بل أعطانا اللّه و منّ به علينا بمحمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لا بأنفسنا و عشائرنا،و لا بأهل بيوتاتنا.

قال:«صدقتم يا معشر قريش و الأنصار.ألستم تعلمون أنّ الذي نلتم من خير الدنيا و الآخرة منّا أهل البيت خاصة دون غيرهم؟و أنّ ابن عمي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:إني و أهل بيتي كنا نورا يسعي بين يدي اللّه تعالي قبل أن يخلق اللّه عزّ و جلّ آدم عليه السّلام بأربعة عشر ألف سنة فلما خلق آدم وضع ذلك النور في صلبه و أهبطه إلي الأرض،ثم حمله في السفينة في صلب نوح عليه السّلام،ثم قذف به في النار في صلب إبراهيم عليه السّلام ثم لم يزل اللّه عزّ و جلّ ينقلنا من الأصلاب الكريمة إلي الأرحام الطاهرة، و من الأرحام الطاهرة إلي الأصلاب الكريمة من الآباء و الأمهات،لم يكن منهم علي (2)سفاح قط».

فقال أهل السابقة و القدمة،و أهل بدر،و أهل أحد:نعم،قد سمعنا من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

ثم قال:«أنشدكم اللّه أتعلمون أن اللّه عزّ و جلّ فضل في كتابه السابق علي المسبوق في غير آية،و إني لم يسبقني إلي اللّه عزّ و جلّ و إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أحد من هذه الأمة؟»قالوا:اللّهم نعم.

قال:«فأنشدكم اللّه أتعلمون حيث نزلت: وَ السّٰابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهٰاجِرِينَ وَ الْأَنْصٰارِ (3)و السابقون السابقون أولئك المقربون» (4)سئل عنها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال أنزلها اللّه تعالي ذكره في الأنبياء و أوصيائهم.فأنا أفضل أنبياء اللّه و رسله،و علي بن أبي طالب وصيي أفضل الأوصياء؟»

قالوا:الّلهم نعم.

قال:«فأنشدكم اللّه أتعلمون حيث نزلت يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (5)و حيث نزلت إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ (6)و حيث نزلت وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَ لاٰ رَسُولِهِ وَ لاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً (7)قال الناس يا رسول اللّه أخاصة في بعض المؤمنين أم عامة في جميعهم فأمر اللّه عزّ و جلّ نبيه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أن يعلمهم ولاة أمرهم،و أن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم و زكاتهم، و حجّهم،و نصبني للناس بغدير خم».

ص: 98


1- في المصدر:الا قد ذكر فصلا و قال حقا.
2- في المصدر:لم يلق واحد منهم.
3- التوبة:100.
4- الواقعة:10.
5- النساء:59.
6- المائدة:55.
7- التوبة:16.

ثم خطب فقال:«أيها الناس إنّ اللّه أرسلني برسالة ضاق بها صدري،و ظننت أنّ الناس مكذّبي فأوعدني لأبلّغها أو ليعذبني،ثم أمر فنودي بالصلاة جامعة،ثم خطب فقال:أيها الناس أتعلمون أنّ اللّه عزّ و جلّ مولاي و أنا مولي المؤمنين و أنا أولي بهم من أنفسهم قالوا بلي يا رسول اللّه.

قال:قم يا علي فقمت فقال:من كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهم وال من والاه و عاد من عاداه.

فقام سلمان فقال:يا رسول اللّه ولاية ماذا؟فقال:ولاء كولائي من كنت أولي به من نفسه فعلي أولي به من نفسه.فأنزل اللّه تعالي ذكره: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلاٰمَ دِيناً (1)فكبّر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:اللّه أكبر علي تمام نبوتي،و تمام دين اللّه ولاية علي بعدي».

فقام أبو بكر و عمر فقالا:يا رسول اللّه هؤلاء الآيات خاصة في علي؟

قال:«بلي فيه و في أوصيائي إلي يوم القيامة».

قالا:يا رسول اللّه بيّنهم لنا.

قال:«علي أخي،و وزيري،و وارثي،و وصيي،و خليفتي في أمتي،و ولي كل مؤمن بعدي، ثم ابني الحسن،ثم الحسين ثم تسعة من ولد ابني الحسين واحد بعد واحد القرآن معهم و هم مع القرآن،لا يفارقونه و لا يفارقهم حتي يردوا عليّ الحوض».فقالوا كلهم،اللّهم نعم قد سمعنا ذلك و شهدنا كما قلت سواء.

و قال بعضهم:قد حفظنا جلّ ما قلت و لم نحفظ كله و هؤلاء الذين حفظوا أخيارنا و أفاضلنا، فقال علي عليه السّلام:«صدقتم ليس كل الناس يستوون في الحفظ.أنشد اللّه عزّ و جلّ من حفظ ذلك من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لمّا قام و أخبر به»فقال زيد بن ارقم،و البراء بن عازب،و سلمان،و أبو ذر، و المقداد،و عمار فقالوا نشهد لقد حفظنا قول رسول اللّه و هو قائم علي المنبر و أنت إلي جانبه و هو يقول:«أيها الناس إن اللّه عزّ و جلّ أمرني أن أنصّب لكم إمامكم و القائم فيكم بعدي،و وصيّي، و خليفتي و الذي فرض اللّه عزّ و جلّ علي المؤمنين في كتابه طاعته،فقرنه بطاعته و طاعتي،و أمركم بولايته،و إني راجعت ربي خشية طعن أهل النفاق و تكذيبهم فأوعدني لتبلغنّها أو ليعذبني.

أيها الناس إنّ اللّه أمركم في كتابه بالصلاة فقد بيّنتها لكم،و الزكاة،و الصوم و الحج فبينتها لكم و فسرتها،و أمركم بالولاية و إني اشهدكم أنها لهذا خاصة و وضع يده علي عليّ بن أبي طالب، ثم قال لإبنيه بعده،ثم للأوصياء من بعدهم،و من ولدهم لا يفارقون القرآن و لا يفارقهم القرآن،حتي يردوا عليّ حوضي.3.

ص: 99


1- المائدة:3.

أيها الناس:قد بيّنت لكم مفزعكم بعدي و إمامكم،و دليلكم،و هاديكم،و هو أخي علي بن أبي طالب و هو فيكم بمنزلتي فيكم فقلّدوه دينكم،و أطيعوه في جميع أموركم فإن عنده جميع ما علمني اللّه من علمه و حكمته فسلوه و تعلّموا منه و من أوصيائه بعده و لا تعلموهم،و لا تتقدموهم و لا تخلّفوا عنهم،فإنّهم مع الحق و الحق معهم لا يزايلوه و لا يزايلهم،ثم جلسوا».

قال سليم ثم قال علي عليه السّلام:«أيها الناس أتعلمون أن اللّه أنزل في كتابه: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1)فجمعني و فاطمة و إبني حسنا و حسينا ثم ألقي علينا كساء و قال:اللّهم هؤلاء أهل بيتي و لحمي يؤلمني ما يؤلمهم (2)و يجرحني ما يجرحهم فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا».فقالت أم سلمة:و أنا يا رسول الله؟

فقال:«أنت إلي خير،إنما نزلت فيّ،و في أخي علي بن أبي طالب،و في إبني (3)و في تسعة من ولد ابني الحسين خاصة،و ليس معنا فيها أحد غيرنا»؟

فقالوا كلهم:نشهد أنّ أم سلمة حدثتنا بذلك فسألنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فحدّثنا كما حدّثتنا أم سلمة.

ثم قال علي عليه السّلام:«أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ اللّه أنزل: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ كُونُوا مَعَ الصّٰادِقِينَ (4).

فقال سلمان يا رسول اللّه عامة هذا أم خاصّة؟قال:«أمّا المأمورون فعامّة المؤمنين أمروا بذلك،و أما الصادقون فخاصة لأخي علي و أوصيائي من بعده إلي يوم القيامة»قالوا:اللّهم نعم.

قال:«أنشدكم اللّه تعالي أتعلمون أني قلت لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في غزوة تبوك لم خلفتني؟فقال:

إنّ المدينة لا تصلح إلا بي أو بك،و أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلا أنّه لا نبي بعدي؟»قالوا:

اللهم نعم.

فقال:«أنشدكم اللّه أتعلمون أنّ اللّه أنزل في سورة الحج يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ (5)إلي آخر السورة فقام سلمان فقال:يا رسول اللّه من هؤلاء الذين أنت عليهم شهيد و هم شهداء علي الناس،الذين اجتباهم اللّه،و لم يجعل عليهم في الدين من حرج ملة إبراهيم؟قال:عني بذلك ثلاثة عشر رجلا خاصة دون هذه الأمّة قال:سلمان بيّنهم لنا يا رسول اللّه؟قال:أنا،و أخي علي،و أحد عشر من ولدي».

قالوا:اللهم نعم.7.

ص: 100


1- الأحزاب:33.
2- في المصدر:يؤذيني ما يؤذيهم.
3- في الاحتجاج للطبرسي:و في ابنتي فاطمة،و في ابني.
4- التوبة:119.
5- الحج:77.

قال:«أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قام خطيبا لم يخطب بعد ذلك فقال:يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي فتمسكوا بهما لن تضلوا فإنّ اللطيف أخبرني و عهد إلي أنّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض فقام عمر بن الخطاب شبه المغضب فقال:

يا رسول اللّه أكل أهل بيتك؟فقال:لا و لكن أوصيائي منهم،أولهم أخي،و وزيري،و وارثي، و خليفتي في أمّتي و ولي كل مؤمن بعدي،هو أولهم.ثم إبني الحسن،ثم إبني الحسين،ثم تسعة من ولد الحسين واحد بعد واحد حتي يردوا علي الحوض شهداء للّه في أرضه،و حجّته علي خلقه، و خزّان علمه،و معادن حكمته،من أطاعهم فقد أطاع اللّه و من عصاهم فقد عصي الله؟»

فقالوا كلهم:نشهد أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال ذلك،ثم تمادي بعلي السؤال فما ترك شيئا إلا ناشدهم اللّه فيه و سألهم عنه حتي أتي علي آخر مناقبه و ما قال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كثيرا،كل ذلك يصدّقونه و يشهدون أنه حقّ (1).

*** قوله تعالي: وَ لَمّٰا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذٰا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ

عن سهل بن زياد عن محمّد بن سليمان عن أبيه عن أبي بصير قال:بينما رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ذات يوم جالسا إذ أقبل أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ فيك شبها من عيسي بن مريم و لو لا أن يقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النصاري في عيسي بن مريم لقلت فيك قولا لا تمرّ بملأ من الناس إلاّ أخذوا التراب من تحت قدميك يلتمسون بذلك البركة قال:فغضب الأعرابيّان و المغيرة بن شعبة و عدّة من قريش معهم،فقالوا:ما رضي أن يضرب لابن عمّه مثلا إلاّ عيسي بن مريم؛فأنزل اللّه علي نبيّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال: وَ لَمّٰا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذٰا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ* وَ قٰالُوا أَ آلِهَتُنٰا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مٰا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّٰ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ* إِنْ هُوَ إِلاّٰ عَبْدٌ أَنْعَمْنٰا عَلَيْهِ وَ جَعَلْنٰاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرٰائِيلَ* وَ لَوْ نَشٰاءُ لَجَعَلْنٰا مِنْكُمْ -يعني من بني هاشم- مَلاٰئِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ

قال:فغضب الحارث بن عمرو الفهري فقال:اللّهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك إنّ بني هاشم يتوارثون هرقلا بعد هرقل،فامطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم،فأنزل اللّه عليه مقالة الحارث و نزلت عليه هذه الآية: وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ

ثمّ قال له:يا بن عمرو امّا تبت و امّا رحلت فقال:يا محمّد تجعل لسائر قريش ممّا في يدك، فقد ذهبت بنو هاشم بمكرمة العرب و العجم،فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:ليس ذلك إلي ذلك إلي اللّه تبارك0.

ص: 101


1- فرائد السمطين 1:/312ح 250.

و تعالي،فقال:يا محمّد قلبي ما يتابعني علي التوبة و لكن أرحل عنك،فدعا براحلته فركبها فلمّا صار بظهر المدينة أتته جندلة فرضخت هامته،ثمّ أتي الوحي إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال: سَأَلَ سٰائِلٌ بِعَذٰابٍ وٰاقِعٍ لِلْكٰافِرينَ لَيْسَ لَهُ دٰافِعٌ مِنَ اللّٰهِ ذِي الْمَعٰارِجِ

قال:قلت:جعلت فداك إنّا لا نقرأها هكذا.

فقال:هكذا و اللّه نزل بها جبرئيل علي محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هكذا هو و اللّه مثبت في مصحف فاطمة عليها السّلام فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لمن حوله من المنافقين:انطلقوا إلي صاحبكم فقد أتاه ما استفتح به،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خٰابَ كُلُّ جَبّٰارٍ عَنِيدٍ (1).

و عن عليّ بن إبراهيم قال:حدّثني أبي عن وكيع عن الأخمش عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن أبي الأعز عن سلمان الفارسي قال:بينما رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم جالس في أصحابه إذ قال إنّه يدخل عليكم الساعة شبيه عيسي بن مريم فخرج بعض من كان جالسا مع رسول اللّه عليه السّلام ليكون هو الداخل فدخل عليّ بن أبي طالب،فقال الرجل لبعض أصحابه:أما يرضي محمّد أن فضّل عليّا علينا حتّي يشبّهه بعيسي بن مريم و اللّه لآلهتنا التي كنّا نعبدها في الجاهلية أفضل منه،فأنزل اللّه في ذلك المجلس: و لمّا ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يضجون فحرّفوها يَصِدُّونَ وَ قٰالُوا أَ آلِهَتُنٰا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مٰا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّٰ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ إنّ عليّا إلاّ عبد أنعمنا عليه و جعلناه مثلا لبني إسرائيل فمحي اسمه من هذا الموضع (2).

و عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال:قال لي عليّ عليه السّلام:مثلي في هذه الأمّة مثل عيسي ابن مريم أحبّه قوم فغالوا في حبّه فهلكوا[فيه]،و أبغضه قوم فأفرطوا في بغضه فهلكوا فيه،و اقتصد فيه قوم فنجوا (3).

و عن الحسن بن علي بن محمّد بن جعفر عليه السّلام عن أبيه،عن آبائه عليهم السّلام:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم نظر إلي عليّ عليه السّلام و أصحابه حوله و هو مقبل فقال:أمّا إنّ فيك لشبها من عيسي عليه السّلام و لو لا مخافة أن تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النصاري في عيسي بن مريم عليه السّلام،لقلت فيك اليوم مقالا لا تمرّ بملأ من الناس إلاّ أخذوا من تحت قدميك التراب يبغون فيه البركة.فغضب من كان حوله و تشاوروا فيما بينهم و قالوا:لم يرض محمّدا إلاّ أن يجعل ابن عمّه مثلا لبني إسرائيل فأنزل اللّه عزّ و جلّ:

وَ لَمّٰا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذٰا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ* وَ قٰالُوا أَ آلِهَتُنٰا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مٰا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّٰ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ* إِنْ هُوَ إِلاّٰ عَبْدٌ أَنْعَمْنٰا عَلَيْهِ وَ جَعَلْنٰاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرٰائِيلَ* وَ لَوْ نَشٰاءُ4.

ص: 102


1- الكافي:58/8 ح 18.
2- أمالي الطوسي:345،ح 709،المجلس 11 ح 49،و تفسير القمي:290/2،ضمن تفسير الآية 58 من سورة الزخرف.
3- بحار الأنوار:314/31 ح 4.

لَجَعَلْنٰا من بني هاشم مَلاٰئِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ليس في القرآن بنو هاشم؟

قال عليه السّلام:محيت و اللّه فيما محي و لقد قال عمرو بن العاص علي منبر مصر محي من كتاب اللّه ألف حرف و حرّف منه ألف حرف و أعطيت مائتي ألف درهم علي أن أمحي إنّ شانئك هو الأبتر فقالوا:لا يجوز ذلك،فكيف جاز ذلك لهم و لم يجز لي،فبلغ ذلك معاوية فكتب إليه قد بلغني ما قلت علي منبر مصر و لست هناك (1).

*** قوله تعالي: وَ مِمَّنْ خَلَقْنٰا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ

عن زاذان عن عليّ عليه السّلام قال:تفترق هذه الأمّة علي ثلاث و سبعين فرقة،اثنتان و سبعون في النار و واحدة في الجنّة،و هم الذين قال اللّه عزّ و جلّ في حقّهم: وَ مِمَّنْ خَلَقْنٰا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ هم أنا و شيعتي (2).

و عن ابن عبّاس في قوله تعالي: وَ مِمَّنْ خَلَقْنٰا أُمَّةٌ يعني من أمّة محمّد يعني عليّ بن أبي طالب يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ يعني يدعون بعدك يا محمّد إلي الحقّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ في الخلافة بعدك و معني الأمة العلم في الخير لقوله تعالي: إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ كٰانَ أُمَّةً قٰانِتاً يعني علما في الخير (3).

و عن العيّاشي بإسناده عن أبي الصهبان البكري قال:سمعت حدّثني أمير المؤمنين يقول:

و الذي نفسي بيده لتفترقنّ هذه الأمّة علي ثلاث و سبعين فرقة كلّها في النار إلاّ فرقة وَ مِمَّنْ خَلَقْنٰا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ فهذه التي تنجو من هذه الأمّة (4).

و في كشف الغمّة عن عليّ عليه السّلام قال:قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ فيك مثلا من عيسي أحبّه قوم فهلكوا فيه و أبغضه قوم فأهلكوا فيه؛فقال المنافقون أما رضي له مثلا إلاّ عيسي فنزلت قوله تعالي: وَ مِمَّنْ خَلَقْنٰا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ (5).

*** قوله تعالي: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذٰا دَعٰاكُمْ لِمٰا يُحْيِيكُمْ

ابن مردويه عن رجاله مرفوعا إلي الإمام محمّد بن علي الباقر عليهما السّلام أنّه قال:قوله تعالي:1.

ص: 103


1- بحار الأنوار:314/31 ح 3.
2- مناقب الخوارزمي:331 ح 351.
3- مناقب آل أبي طالب:567/1،بحار الأنوار:399/31 ح 8.
4- تفسير العياشي:43/2 ح 122.
5- كشف الغمة:95/1.

اِسْتَجِيبُوا لِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذٰا دَعٰاكُمْ لِمٰا يُحْيِيكُمْ: نزلت في ولاية عليّ بن أبي طالب (1).

و عن أبي الربيع الشامي قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذٰا دَعٰاكُمْ لِمٰا يُحْيِيكُمْ قال:نزلت في ولاية عليّ عليه السّلام (2).

و عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره قال:حدّثنا أحمد بن محمّد عن جعفر بن عبد اللّه عن كثير بن عيّاش عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّٰهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذٰا دَعٰاكُمْ لِمٰا يُحْيِيكُمْ يقول:ولاية عليّ بن أبي طالب فإنّ اتباعكم إيّاه و ولايته أجمع لأمركم و أبقي للعدل فيكم.و امّا قوله: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ يقول:يحول بين المرء و معصيته أن تقوده إلي النار،و يحول بين الكافر و طاعته أن يستكمل بها الإيمان؛و اعلموا أنّ الأعمال بخواتمها (3).

*** قوله تعالي: وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّٰهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ

عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:مكتوب علي العرش:أنا اللّه لا إله إلاّ أنا وحدي لا شريك لي و محمّد عبدي و رسولي أيّدته بعليّ،فأنزل اللّه عزّ و جلّ: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ فكان النصر عليّا عليه السّلام و دخل مع المؤمنين فدخل في الوجهين جميعا (4).

و عن أبي نعيم في كتاب حلية الأبرار بإسناده عن أبي صالح و أبي هريرة قال:مكتوب علي العرش:أنا اللّه لا إله إلاّ أنا وحدي لا شريك لي و محمّد عبدي و رسولي أيّدته بعليّ؛فأنزل اللّه عزّ و جلّ: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ فكان النصر عليّا عليه السّلام و دخل مع المؤمنين فدخل في الوجهين جميعا (5).

قال ابن شهر آشوب:قال في تاريخ بغداد:روي عيسي بن محمّد البغدادي عن الحسين بن إبراهيم عن حميد الطويل عن أنس قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:لمّا عرج بي رأيت علي ساق العرش مكتوبا لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه أيّدته بعليّ و نصرته بعليّ و ذلك قوله تعالي: هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ يعني عليّ بن أبي طالب عليه السّلام (6).1.

ص: 104


1- بحار الأنوار:123/32 ح 66،عن كنز العمال.
2- الكافي:248/8 ح 349.
3- تفسير القمي:271/1.
4- أمالي الصدوق:284 ح 312،بحار الأنوار:2/27 ح 3.
5- بحار الأنوار:53/32 ح 8.
6- مناقب آل أبي طالب:254/1.

و عن أبي هريرة قال:نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب و هو المعني بقوله المؤمنين (1).

*** قوله تعالي: حَسْبُكَ اللّٰهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

روي أبو نعيم الأصفهاني في كتابه الموسوم بنزول القرآن في عليّ عليه السّلام في قوله تعالي: يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّٰهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بإسناده عن جعفر بن محمّد عن أبيه قال:نزلت في عليّ بن أبي طالب (2).

*** قوله تعالي: أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْميٰ إِنَّمٰا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبٰابِ

محمّد بن مروان عن السّدي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس في قوله تعالي: أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْميٰ قال:قال عليّ عليه السّلام(كمن هو أعمي)قال:

الأوّل (3).

ابن شهر آشوب عن أبي الورد عن أبي جعفر عليه السّلام أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ قال:عليّ بن أبي طالب (4).

*** قوله تعالي: وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ

أبو نعيم الأصفهاني قال في قوله تعالي: وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ إلي قوله تعالي: وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ قال:عليّ و سلمان.

و عن عيسي بن داود قال:قال موسي بن جعفر عليه السّلام:سألت أبي عن قول اللّه وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الآية قال:نزلت فينا خاصّة (5).

*** قوله تعالي: وَ قُلْ جٰاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْبٰاطِلُ إِنَّ الْبٰاطِلَ كٰانَ زَهُوقاًد.

ص: 105


1- بحار الأنوار:289/19.
2- بحار الأنوار:52/32 ح 7،عن كنز الفوائد،و:54/32 ح 9.
3- بحار الأنوار:26/34 ح 1،عن المناقب.
4- مناقب آل أبي طالب:259/2.
5- بحار الأنوار:402/24 ح 131،عن كنز الفوائد.

أبو بكر الشيرازي في نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين عليه السّلام عن قتادة عن ابن المسيّب عن أبي هريرة قال:قال لي جابر بن عبد اللّه:دخلنا مع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في البيت و حوله ثلاثمائة و ستّون صنما،فأمر بها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فألقيت كلّها لوجوهها،و كان علي البيت صنم طويل يقال له هبل، فنظر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي عليّ عليه السّلام فقال:يا عليّ تركب عليّ أو أركب عليك لألقي هبلا عن ظهر الكعبة، قلت:يا رسول اللّه بل تركبني،فلمّا جلس علي ظهري لم أستطع حمله لثقل الرسالة فقلت:يا رسول اللّه أركبك فضحك و نزل و طأطأ لي ظهره و استويت عليه-فو الذي فلق الحبّة و برء النسمة لو أردت أن أمسك السماء لمسكتها بيدي-فألقيت هبلا عن ظهر الكعبة فأنزل اللّه وَ قُلْ جٰاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْبٰاطِلُ الآية (1).

أبو مريم عن عليّ بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه قال:انطلق بي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حتّي أتي بي إلي الكعبة فقال لي:اجلس فجلست إلي جنب الكعبة فصعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي منكبي،ثمّ قال لي:

انهض فنهضت فلمّا رأي ضعفي تحته قال لي:اجلس فنزل و جلس و قال لي:يا عليّ اصعد علي منكبي،فصعدت علي منكبيه ثمّ نهض بي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلمّا نهض بي خيّل لي أن لو شئت نلت أفق السماء،فصعدت فوق الكعبة و تنحّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:إلق صنمهم الأكبر صنم قريش، و كان من نحاس موتّد بأوتاد من حديد إلي الأرض فقال لي رسول اللّه:عالجه و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول ايه ايه جاء الحقّ و زهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا فلم أزل أعالجه حتّي استمكنت منه فقال لي:

اقذفه فقذفته فتكسّر فنزلت من فوق الكعبة فانطلقت أنا و النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم نسعي و خشينا أن يرانا أحد من قريش أو غيرهم قال علي فما صعدته حتّي الساعة (2).

و قال محمّد بن حرب الهلالي أمير المدينة:سألت جعفر بن محمّد عليه السّلام فقلت له:يابن رسول اللّه في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها فقال:إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني و إن شئت فسل،قال:فقلت له:يابن رسول اللّه و بأيّ شيء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي عنه؟

قال:بالتوسّم و التفرّس أما سمعت قول اللّه عزّ و جلّ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ و قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه عزّ و جلّ،قال:فقلت له:يابن رسول اللّه فاخبرني بمسألتي قال:أردت أن تسألني عن رسول اللّه لم يطق حمله عليّ بن أبي طالب عليه السّلام عند حطّه الأصنام من سطح الكعبة مع قوّته و شدّته و ما ظهر منه في قلع باب القموص بخيبر و الرّمي به إلي ورائه أربعين ذراعا و كان لا يطيق حمله أربعون رجلا،و قد كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يركب الناقة و الفرس و البغلة و الحمار و ركب البراق ليلة المعراج و كلّ ذلك دون عليّ عليه السّلام في القوّة و الشدّة.9.

ص: 106


1- بحار الأنوار:76/34.
2- مناقب الخوارزمي:124 ح 139.

قال:فقلت له:عن هذا و اللّه أردت أن أسألك يابن رسول اللّه فاخبرني،فقال:إنّ عليّا عليه السّلام برسول اللّه تشرّف و به ارتفع و به وصل إلي إطفاء نار الشرك و إبطال كلّ معبود دون اللّه عزّ و جلّ و لو علاه النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لحطّ الأصنام لكان بعليّ مرتفعا و تشريفا و واصلا إلي حطّ الأصنام،فلو كان ذلك كذلك لكان أفضل منه ألا تري أنّ عليّا قال:لمّا علوت ظهر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم شرفت و ارتفعت حتّي لو شئت أنال السماء لنلتها،أما علمت أنّ المصباح هو الذي يهتدي به في الظلمة و انبعاث فرعه من أصله و قد قال عليّ عليه السّلام أنا من أحمد كالضوء من الضوء،أما علمت أنّ محمّدا و عليّا صلوات اللّه عليهما كانا نورا بين يدي اللّه عزّ و جلّ قبل خلق الخلق بألفيّ عام و أنّ الملائكة لمّا رأت ذلك النور رأت له أصلا قد تشعّب منه شعاع لامع فقالوا:إلهنا و سيّدنا ما هذا النور؟

فأوحي اللّه عزّ و جلّ إليهم هذا نور من نوري أصله نبوّة و فرعه إمامة،أمّا النبوّة فلمحمّد عبدي و رسولي،و امّا الإمامة لعليّ حجّتي و وليّي و لولاهما ما خلقت خلقي،أما علمت أنّ رسول اللّه رفع يدي عليّ عليه السّلام بغدير خمّ حتّي نظر الناس إلي بياض إبطيهما فجعله مولي المسلمين و إمامهم و قد احتمل الحسن و الحسين عليهما السّلام يوم حضيرة بني النجّار فلمّا قال له بعض أصحابه:ناولني أحدهما يا رسول اللّه.

قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:نعم الحاملان و نعم الراكبان و أبوهما خير منهما-و روي خبر آخر أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حمل الحسن و حمل جبرائيل الحسين و لهذا قال:نعم الحاملان-و كان عليّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يصلّي بأصحابه فأطال سجدة من سجداته فلمّا سلّم قيل له يا رسول اللّه لقد أطلت هذه السجدة فقال عليه السّلام إنّ ابني ارتحلني فكرهت أن أعجّله حتّي ينزل و انّما أراد عليه السّلام بذلك رفعهم و تشريفهم فالنبيّ إمام و نبيّ و عليّ عليه السّلام إمام ليس بنبيّ و لا رسول فهو غير مطيق لحمل أثقال النبوّة؛قال محمّد بن حرب الهلالي:فقلت له:زدني يابن رسول اللّه،فقال:إنّك لأهل للزيادة إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حمل عليّا علي ظهره بذلك أنّه أبو ولده و إمام الأئمّة من صلبه و كما حوّل رداءه في صلاة الإستسقاء و أراد أن يعلم أصحابه بذلك أنّه قد حوّل الجدب خصبا،قال:فقلت له:زدني يابن رسول اللّه،فقال:

احتمل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السّلام يريد بذلك أن يعلم قومه أنّه هو الذي يخفف عن ظهر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ما عليه من الدّين و العدات و الأداء عنه من بعده،فقلت:يابن رسول اللّه زدني،فقال:إنّه قد احتمله ليعلم ذلك أنّه قد احتمله و ما حمله إلاّ لأنّه معصوم لا يحمل أوزارا فتكون أفعاله عند الناس حكما و صوابا و قد قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لعليّ:يا عليّ إنّ اللّه تبارك و تعالي حمّلني ذنوب شيعتك ثمّ غفرها لي و ذلك قوله تعالي: لِيَغْفِرَ لَكَ اللّٰهُ مٰا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ مٰا تَأَخَّرَ و لمّا أنزل اللّه تبارك و تعالي عليه:

يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاٰ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ قال النبيّ:يا أيّها الناس عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتم و علي نفسي و أخي أطيعوا عليّا فإنّه مطهّر معصوم لا يضلّ و لا يشقي ثمّ تلا هذه الآية: قُلْ أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمٰا عَلَيْهِ مٰا حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ

ص: 107

مٰا حُمِّلْتُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَ مٰا عَلَي الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاٰغُ الْمُبِينُ قال محمّد بن حرب الهلالي:ثمّ قال لي جعفر بن محمّد عليه السّلام:أيّها الأمير لو أخبرتك بما في حمل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عليّا عليه السّلام عند حطّ الأصنام من سطح الكعبة في المعاني التي أرادها به لقلت أنّ جعفر بن محمّد لمجنون فحسبك من ذلك ما قد سمعت؛فقمت و قبّلت رأسه و قلت اللّه أعلم حيث يجعل رسالته (1).

*** في قوله تعالي: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجٰالٌ صَدَقُوا مٰا عٰاهَدُوا اللّٰهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضيٰ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ مٰا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً

عليّ بن يونس النباطي العاملي في كتاب«صراط المستقيم»من طريق الخاصّة و العامّة قال:

قوله تعالي: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجٰالٌ صَدَقُوا مٰا عٰاهَدُوا اللّٰهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضيٰ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ مٰا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً قال:روي المفسّرون أنّها نزلت في عليّ و حمزة و لا ريب أنّه لمّا قتل حمزة اختصّت بعليّ فامن منه التبديل بحكم التنزيل قال:و روي اختصاصها بعليّ ابن عبّاس و الصادق و أبو نعيم،قلت:أبو نعيم هذا عامّي المذهب (2).

صاحب«صراط المستقيم»هذا من طريق العامّة قال في شرف النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عن الحركوشي و الكشف و البيان عن الثعلبي قال:قال أبو جعفر عليه السّلام: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجٰالٌ صَدَقُوا مٰا عٰاهَدُوا اللّٰهَ عَلَيْهِ حمزة و عليّ و جعفر،قال:و نحوه أسند الشيرازي و زاد أنّ عليّا هو الصدّيق الأكبر (3).

و عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:أتي رأس اليهود إلي عليّ بن أبي طالب عليه السّلام عند منصرفه من وقعة النهروان و هو جالس في مسجد الكوفة فقال:يا أمير المؤمنين انّي أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلاّ نبيّ أو وصيّ نبي فإن شئت سألتك و إن شئت أعفيك،قال:سل ما بدا لك يا أخا اليهود،فقال:إنّا نجد في الكتاب إنّ اللّه عزّ و جلّ إذا بعث نبيّا أوحي إليه أن يتّخذ من أهل بيته من يقوم بأمر أمّته من بعده،و أن يعهد إليهم فيه عهدا يحتذي عليه و يعمل به في أمّته من بعده،و إنّ اللّه عزّ و جلّ يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء و يمتحنهم بعد وفاتهم،فأخبرني كم يمتحن اللّه الأوصياء في حياة الأنبياء و كم يمتحنهم بعد وفاتهم من مرّة؟و إلي ما يصير آخر أمر الأوصياء إذا رضي محنتهم؟

فقال له عليّ عليه السّلام:و اللّه الذي لا إله غيره الذي فلق البحر لبني إسرائيل و أنزل التوراة علي موسي لئن أخبرتك بحقّ عمّا تسأل عنه لتقرّن به؟1.

ص: 108


1- علل الشرائع:174/1-175 ح 1،معاني الأخبار:349-352 ح 1.
2- الصراط المستقيم:256/1.
3- الصراط المستقيم:281/1.

قال:نعم.

قال:و الذي فلق البحر لبني إسرائيل و أنزل التوراة علي موسي عليه السّلام لئن أجبتك لتسلمنّ، فقال:نعم،فقال عليّ عليه السّلام:إنّ اللّه عزّ و جلّ يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ليبتلي طاعتهم،فإذا رضي طاعتهم و محنتهم أمر الأنبياء أن يتّخذوهم أولياء في حياتهم و أوصياء بعد وفاتهم،و تصير طاعة الأوصياء في أعناق الأمم ممّن يقول بطاعة الأنبياء،ثمّ يمتحن الأوصياء بعد وفاة الأنبياء عليهم السّلام في سبعة مواطن ليبلو صبرهم،فإذا رضي محنتهم ختم له بالسعادة ليلحقهم بالأنبياء و قد أكمل لهم السعادة.قال له رأس اليهود:صدقت يا أمير المؤمنين فأخبرني كم امتحنك اللّه في حياة محمّد من مرّة و كم امتحنك بعد وفاته من مرّة و إلي ما يصير آخر أمرك؟فأخذ عليّ عليه السّلام بيده و قال:انهض بنا أنبئك بذلك يا أخا اليهود،فقام إليه جماعة من أصحابه فقالوا:يا أمير المؤمنين أنبئنا بذلك معه.فقال:إنّي أخاف أن لا تحتمله قلوبكم؟قالوا:و لم ذاك يا أمير المؤمنين؟

قال:لأمور بدت لي من كثير منكم.فقام إليه الأشتر فقال:يا أمير المؤمنين أنبأنا بذلك فو الله إنّا لنعلم أنّه ما علي ظهر الأرض وصيّ نبيّ سواك و إنّا لنعلم أنّ اللّه لا يبعث بعد نبيّنا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم نبيّا سواه،و إنّ طاعتك لفي أعناقنا موصولة بطاعة نبيّنا.

فجلس عليّ عليه السّلام و أقبل علي اليهودي فقال:يا أخا اليهود إنّ اللّه امتحنني في حياة نبيّنا محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في سبعة مواطن فوجدني فيهنّ من غير تزكية لنفسي بنعمة اللّه له مطيعا.قال:فيم و فيم يا أمير المؤمنين؟قال:امّا أوّلهنّ و ساق الحديث ذكر الأدلّة و الثانية و الثالثة و الرابعة إلي أن قال:و امّا الخامسة يا أخا اليهود فإنّ قريشا و العرب تجمّعت و عقدت بينها عقدا و ميثاقا لا ترجع من وجهها حتّي تقتل رسول اللّه و تقتلنا معه معاشر بني عبد المطّلب،ثمّ أقبلت بحدّها و حديدها حتّي أناخت علينا بالمدينة واثقة بأنفسها فيما توجّهت له،و هبط جبرائيل عليه السّلام علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فأنبأه بذلك فخندق علي نفسه و من معه من المهاجرين و الأنصار فقدمت قريش فأقامت علي الخندق محاصرة لنا تري في أنفسها القوّة و فينا الضعف ترعد و تبرق و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يدعوها إلي اللّه و يناشدها بالقرابة و الرحم فتأبي عليه و لا يزيدها ذلك إلاّ عتوّا،و فارسها فارس العرب يومئذ عمرو ابن عبد ود يهدر كالبعير المغتلم يدعو إلي البراز و يرتجز و يخطر برمحه مرّة و بسيفه مرّة و لا يقدم عليه مقدم و لا يطمع فيه طامع،و لا حميّة تهيجه و لا بصيرة تشجعه،فأنهضني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و عمّمني بيده و أعطاني سيفه هذا و ضرب بيده إلي ذي الفقار،و خرجت إليه و نساء أهل المدينة بواكي إشفاقا عليّ من ابن عبد ود،فقتله اللّه عزّ و جلّ بيدي و العرب لا تعدّ لها فارسا غيره فضربني هذه الضربة-و أومي بيده إلي هامته-فهزم اللّه قريشا و العرب بذلك و ما كان منّي فيهم من النكاية ثمّ التفت عليه السّلام إلي أصحابه فقال:أليس كذلك؟

فقالوا:بلي يا أمير المؤمنين ثمّ ذكر السادسة و السابعة ثمّ ذكر أوّل السبع بعد وفاة رسول

ص: 109

اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ الثانية ثمّ الثالثة ثمّ الرابعة و قال عليه السّلام فيها:و امّا نفسي فقد علم من حضر ممّن تري و ممّن غاب من أصحاب محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنّ الموت عندي بمنزلة الشربة الباردة في اليوم الشديد الحرّ من ذي العطش الصّدي و لقد كنت عاهدت اللّه عزّ و جلّ و رسوله عليه السّلام أنا و عمّي حمزة و أخي جعفر و ابن عمّي عبيدة علي أمر وفينا به للّه عزّ و جلّ فأنزل اللّه فينا: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجٰالٌ صَدَقُوا مٰا عٰاهَدُوا اللّٰهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضيٰ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ مٰا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً حمزة و جعفر و عبيدة و أنا و اللّه المنتظر (1).

*** قوله تعالي: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَ إِليٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ

الشعبي عن ابن عبّاس في تفسير مجاهد:أنّ الآية نزلت في عليّ حين استخلفه في مدينة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و في ابانة الفلكي أنّها نزلت حين شكي أبو بردة من عليّ (2).

عليّ بن إبراهيم في تفسيره و هو منسوب إلي الصادق عليه السّلام يعني أمير المؤمنين لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ (3).

و عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال اللّه عزّ و جلّ: أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و قال عزّ و جلّ: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَ إِليٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ فردّ الأمر-أمر الناس-إلي أولي الأمر منهم الّذين أمر بطاعتهم و الردّ إليهم (4).

العيّاشي بإسناده عن عبد اللّه بن محمّد قال:كتب إليّ أبو الحسن الرضا عليه السّلام:ذكرت رحمك اللّه هؤلاء القوم الذين وصفت أنّهم كانوا بالأمس لكم إخوانا و الذي صاروا إليه من الخلاف لكم و العداوة لكم و البراءة منكم و الذين تأفكوا به من حياة أبي عبد اللّه صلوات اللّه عليه و رحمته؛و ذكر في آخر الكتاب إنّ هؤلاء سنح لهم شيطان اغترّهم بالشبهة و لبس عليهم أمر دينهم و ذلك لمّا ظهرت فريتهم و اتّفقت كلمتهم و كذبوا علي عالمهم و أرادوا الهدي من تلقاء أنفسهم و قالوا لم و من و كيف فأتاهم الهلك من مأمن احتياطهم و ذلك بما كسبت أيديهم و ما ربّك بظلاّم للعبيد و لم يكن ذلك لهم و لا عليهم،بل كان الفرض عليهم و الواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحيّر و ردّ ما جهلوه من ذلك إلي عالمه و مستنبطه؛لأنّ اللّه يقول في محكم كتابه: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَ إِليٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ3.

ص: 110


1- الخصال:376 ح 58.
2- بحار الأنوار:297/23 ح 40.
3- تفسير القمي:145/1.
4- الكافي:295/1 ح 3.

لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ يعني آل محمّد و هم الذين يستنبطون من القرآن و يعرفون الحلال و الحرام و هم الحجّة للّه علي خلقه (1).

و عن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انّما مثل علي بن أبي طالب عليه السّلام و مثلنا من بعده في مثل هذه الأمّة كمثل موسي النبيّ و العالم عليهما السّلام حيث لقيه و استنطقه و سأله الصحبة فكان من أمرهما ما اقتصّه اللّه لنبيّه في كتابه،و ذلك أنّ اللّه قال لموسي عليه السّلام إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَي النّٰاسِ بِرِسٰالاٰتِي وَ بِكَلاٰمِي فَخُذْ مٰا آتَيْتُكَ وَ كُنْ مِنَ الشّٰاكِرِينَ ثمّ قال: وَ كَتَبْنٰا لَهُ فِي الْأَلْوٰاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ و قد كان عند العالم علم لم يكتبه لموسي في الألواح،و كان موسي عليه السّلام يظنّ أنّ جميع الأشياء التي يحتاج إليها في نبوّته و جميع العلم قد كتب له في الألواح كما يظنّ هؤلاء الذين يدّعون أنّهم علماء فقهاء و أنّهم قد أوتوا جميع العلم و الفقه في الدين ممّا تحتاج هذه الأمّة إليه فصحّ لهم ذلك عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و علموه و حفظوه و ليس كلّ علم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علموه و لا صار إليهم عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لا عرفوه،و ذلك أنّ الشيء من الحلال و الحرام و الأحكام قد يردّ عليهم فيسألون عنه فلا يكون عندهم فيه أثر عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيستحون أن ينسبهم الناس إلي الجهل، و يكرهون أن يسألوا فلا يجيبون،فطلب الناس العلم من معدنه فلذلك استعملوا الرأي و القياس في دين اللّه و تركوا الآثار و دانوا اللّه بالبدع و قد قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:كلّ بدعة ضلالة،فلو أنّهم إذا سئلوا عن شيء من دين اللّه فلم يكن عندهم فيه أثر عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ردّوه إلي اللّه و إلي الرسول و إلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطون منهم من آل محمّد و الذي يمنعهم من طلب العلم منّا العداوة و الحسد،و اللّه ما حسد موسي العالم و موسي نبيّ يوحي اللّه إليه حيث لقنه و استنطقه و عرفه بالعلم،بل أقرّ له بعلمه و لم يحسده كما حسدتنا هذه الأمّة بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،علمنا ما ورثنا عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لم يرغبوا إلينا في علمنا كما رغب موسي إلي العالم و سأله الصحبة فيتعلّم منه العلم و يرشده،فلمّا إن سئل العالم ذلك علم العالم أنّ موسي لا يستطيع صحبته و لا يحتمل علمه و لا يصبر معه،فعند ذلك قال له العالم:إنّك لن تستطيع معي صبرا.

فقال له موسي عليه السّلام:و لم لا أصبر.

فقال له العالم:و كيف تصبر علي ما لم تحط به خبرا،قال موسي و هو خاضع له بتعظيمه علي نفسه كي يقبله:ستجدني إن شاء اللّه صابرا و لا أعصي لك أمرا،و قد كان العالم يعلم أنّ موسي لا يصبر علي علمه و كذلك و اللّه يا إسحاق حال قضاة هؤلاء و فقهائهم و جماعتهم لا يحتملون و اللّه علمنا و لا يقبلونه و لا يطيقونه و لا يأخذون به و لا يصبرون عليه كما لم يصبر موسي عليه السّلام علي علم العالم حين صحبه و رأي ما رأي من علمه،و كان ذلك عند موسي مكروها و كان عند اللّه رضي و هو1.

ص: 111


1- تفسير العياشي:260/1.

الحقّ،و كذلك علمنا عند الجهلة مكروها لا يؤخذ به و هو عند اللّه الحقّ (1).

*** قوله تعالي: وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَي اللّٰهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقيٰ

ابن شهر آشوب من طريق العامّة عن سفيان بن عيينه عن الزهري عن أنس بن مالك في قوله تعالي: وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَي اللّٰهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ نزلت في عليّ كان أوّل من أخلص وجهه للّه و هو محسن،أي مؤمن مطيع فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقيٰ قول لا إله إلاّ اللّه و إلي اللّه عاقبة الأمور، و اللّه ما قتل عليّ بن أبي طالب إلاّ عليها (2).

*** قوله تعالي: وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَي اللّٰهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقيٰ

عليّ بن إبراهيم في تفسيره المنسوب إلي الصادق عليه السّلام قال:قال:الولاية (3).

محمّد بن العبّاس قال:حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن أبيه عن حصين بن مخارق عن أبي الحسن موسي بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام فقد اِسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقيٰ قال:مودّتنا أهل البيت (4).

محمّد بن العبّاس-أيضا-قال:حدّثنا أحمد بن محمّد عن أبيه عن حصين بن مخارق عن هارون بن سعيد عن زيد بن عليّ عليه السّلام قال:العروة الوثقي المودّة لآل محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (5).

*** قوله تعالي: أَ فَمَنْ وَعَدْنٰاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاٰقِيهِ (6)

عن مجاهد رحمه اللّه في قوله تعالي: أَ فَمَنْ وَعَدْنٰاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاٰقِيهِ (7)قال:نزلت في عليّ و حمزة كَمَنْ مَتَّعْنٰاهُ مَتٰاعَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا (8)أبو جهل (9).

و عن الحسن بن أبي الحسن الديلمي بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله عزّ و جلّ: أَ فَمَنْد.

ص: 112


1- الإختصاص:258.
2- مناقب آل أبي طالب:561/1 و 562،بحار الأنوار:16/32 ح 5.
3- تفسير القمي:84/1.
4- بحار الأنوار:85/24 ح 7،عن كنز الفوائد.
5- بحار الأنوار:85/24 ح 8،عن كنز الفوائد.
6- سورة القصص:61.
7- سورة القصص:61.
8- سورة القصص:61.
9- ذخائر العقبي:88،و بحار الأنوار:/163/24ح 1،عن كنز الفوائد.

وَعَدْنٰاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاٰقِيهِ قال:الموعود عليّ بن أبي طالب وعده اللّه أن ينتقم له من أعدائه في الدّنيا و وعده الجنّة له و لأوليائه في الآخرة (1).

***

ذكر إخاء النبيّ عليّا عليهما السّلام

روي ابن عمر رضي اللّه عنه:أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم آخا بين أصحابه و فضائلهم،و لم يواخ بين علي و بين أحد، فجاء علي تدمع عيناه فقال:يا نبيّ اللّه ما لك لم تواخ بيني و بين أحد؟فقال:«أنت أخي في الدنيا و الآخرة» (2).

و في رواية قال له:يا رسول اللّه ذهب روحي و انقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري،فإن كان من سخطك عليّ فلك العتبي و الكرامة،فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«و الذي بعثني بالحقّ نبيّا ما اخترتك إلاّ لنفسي،أنت عندي بمنزلة هارون من موسي غير أنّه لا نبيّ بعدي و أنت أخي و وارثي».

فقال:يا رسول اللّه ما أرث منك؟

قال:«ما ورّث الأنبياء قبلي».

قال:و ما ورث الأنبياء قبلك؟

قال:«كتاب ربّهم و سنّة نبيّهم،و أنت معي في قصري في الجنّة مع ابنتي فاطمة و أنت أخي و رفيقي»،ثمّ تلا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم هذه الآية: إِخْوٰاناً عَليٰ سُرُرٍ مُتَقٰابِلِينَ (3)الأخلاء في اللّه ينظر بعضهم إلي بعض (4).

و قال أبو هريرة رضي اللّه عنه:آخا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بين المسلمين و قال:«علي أخي و أنا أخوه» و حسبت أنّه قال:«اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاداه» (5).

و عن عمر بن عبد اللّه بن يعلي بن مرّة عن أبيه عن جدّه قال:آخا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بين المسلمين و جعل يخلف عليا حتّي بقي في آخرهم و ليس معه أخ له،فقال له علي:آخيت بين المسلمين و تركتني؟

ص: 113


1- تأويل الآيات:422/1 ح 18.
2- سنن الترمذي:2804/300/5 باب 85،و المستدرك:14/3.
3- سورة الحجر:47.
4- المعجم الكبير للطبراني:222/5،و كنز العمال:/105/13ح 36345.
5- تاريخ دمشق:62/42 ط،دار الفكر،و فيه:أحسبه قال:اللّهمّ وال من والاه.

فقال:«إنّما تركتك لنفسي أنت أخي و أنا أخوك»،ثمّ قال له النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إن ذاكرك أحد فقل:

أنا عبد اللّه و أخو رسوله»و لا يدّعيها بعدي إلاّ كاذب مفتر (1)،و قد قال بعض الشعراء في هذا المعني أبياتا في وصف أمير المؤمنين علي عليه السّلام،الذي هو بالامتداح حريّ و اختصاصه بكلّ فضيلة حليّ:

ما بعد قول نبي اللّه أنت أخي من مطلب دونه مطل و لا علّل

أثني عليك لدن شافهت حضرته و بانت الكتب لمّا بانت الرسل

مجدّدا فيك أمرا لا يخصّ به سواك كلّ حديث عنده سمل

لقد أحلّك إذ آخاك منزلة لا المشتري طامع فيها و لا زحل

جلّت صفاتك عن قول يحيط بها حتّي استوي ساعي فيها و منتحل

مناقب في أقاصي الأرض قد شهرت فما اعتوي بطنا في وصفها خجل

و روي أنّ عليا رضي اللّه عنه قال يوما:أنا عبد اللّه و أخو رسوله،لا يقولها بعدي إلاّ مفتر علي اللّه أو كاذب (2).

و في رواية:لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب أو مجنون فقالها رجل فجنّ،و قال رجل آخر مثلها فسلّط اللّه عليه الشيطان فخنقه،فكان يضرب برأسه الجدار حتّي مات.قال سعد:فرأيت دماغه في الجدار (3).

و يروي أنّ رجلا آخر لما سمع عليّا رضي اللّه عنه يقول ذلك فقام فقال:أنا أقول كما قال هذا،قال زيد بن وهب:فضرب به الأرض،فجاء قومه فغشّوه ثوبا فقيل لهم:هل كان هذا فيه قبل اليوم؟

قالوا:لا (4).

و عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري رضي اللّه عنه قال:سمعت علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ينشد و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يسمع:

أنا أخو المصطفي لا شكّ في نسبي معه ربّيت و سبطاه هما ولدي

جدّي و جدّ رسول اللّه منفرد و فاطم زوجتي لا قول ذي فند (5)ب.

ص: 114


1- كنز العمال:/140/13ح 36440،و مناقب الكوفي:334/1،و فضائل الصحابة لأحمد:638/2.
2- كنز العمال:/122/13ح 36389،و سنن ابن ماجه:/44/1ح 120،و المستدرك:112/3.
3- مناقب أمير المؤمنين للكوفي:/311/1ح 231،و كنز العمال باختصار:/129/13ح 36410.
4- فرائد السمطين:/227/1ح 177.
5- الفند:الكذب.

صدّقته و جميع الناس في بهم من الضلالة و الإشراك و النكد

فالحمد للّه شكرا لا شريك له البرّ بالعبد و الباقي بلا أمد (1)

فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«صدقت يا علي» (2).

و عن ابن عباس رضي اللّه عنه:أنّ عليّا كان يقول في حياة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ اللّه تعالي يقول: أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَليٰ أَعْقٰابِكُمْ (3)و اللّه لا ننقلب علي أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه،و اللّه لئن مات أو قتل لأقاتلنّ علي ما قاتل عليه حتّي أموت،و اللّه إنّي لأخوه و وليّه و ابن عمّه و وارث علمه و من أحقّ به منّي (4).

و يروي أنّ معاوية كتب إلي عليّ رضي اللّه عنه يفتخر عليه؛أما بعد فإنّ أبي كان سيّدا في الجاهليّة، و صرت ملكا في الإسلام،و أنا خال المؤمنين و كاتب الوحي و صهر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فقال عليّ رضي اللّه عنه:

أيفتخر عليّ ابن أمّ آكلة الأكباد،أكتب إليه يا قنبر:إنّ لي سيوفا بدرية و سهاما هاشميّة قد عرفت مواقع نصالها في أقاربك و عشائرك يوم بدر،ما هي من الظالمين ببعيد ثمّ أنشد:

محمد النبي أخي و صهري و حمزة سيّد الشهداء عمّي

و جعفر الذي يضحي و يمسي يطير مع الملائكة ابن أمّي

و بنت محمد سكني و عرسي منوط لحمها بدمي و لحمي

و سبطا أحمد ولداي منها فهل منه لكم سهم كسهمي

سبقتكم إلي الإسلام طرّا غلاما ما بلغت أوان حلمي (5)

و أوجب لي ولايته عليكم رسول اللّه يوم غدير خم (6)

و عن عمران بن حصين رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«علي منّي و أنا منه و هو ولي كلّ مؤمن بعدي» (7).

و عن عليّ رضي اللّه عنه قال:أتينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أنا و جعفر و زيد فقلنا:ألا تحدّثنا عنّا فنعلم،فقال7.

ص: 115


1- مستدرك الحاكم:112/3.خصائص النسائي:18.ذخائر العقبي:60.
2- كنز العمال:/137/13ح 36434.
3- سورة آل عمران:144.
4- مجمع الزوائد:134/9،و قال:رجاله رجال الصحيح،و خصائص النسائي:86،و المعجم الكبير:/1 /107ح 176.
5- في رواية ابن أبي الحديد و ابن حجر و ابن شهر آشوب:غلاما ما بلغت أوان حلمي.و في رواية ابن الشيخ و بعض آخر؛صغيرا ما بلغت أوان حلمي.
6- كنز العمال:/112/13ح 36366.
7- كنز العمال:/608/11ح 32941 و صححه،و منصف ابن أبي شيبة:504/7.

لزيد:أنت أخونا و مولانا،فخجل ثمّ قال لجعفر:أشبهت خلقي و خلقي فخجل و رأي خجل زيد، ثمّ قال لي:أنت منّي و أنا منك فخجلت و رأي خجل زيد و جعفر (1).

و روي ابن ماجة القزويني رحمه اللّه في سننه عن ابن جنادة قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لا يقضي ديني إلاّ أنا و علي» (2).

و عن الأعمش عن المنهال،عن عيابة،عن عليّ قال:قال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«علي يقضي ديني، و ينجز موعدي،و خير من أخلف بعدي من أهلي» (3).

و عن جابر رضي اللّه عنه قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول لعلي بن أبي طالب قبل موته بثلاثة أيّام:

«سلام عليك أبا الريحانتين،أوصيك بريحانتي من الدنيا فعن قليل ينهدّ ركناك و اللّه خليفتي عليك» فلمّا قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال علي:هذا أحد ركني الذي قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فلمّا ماتت فاطمة قال علي:هذا ركني الثاني الذي قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (4).

***

ذكر محبّة اللّه و رسوله لعليّ و محبته لهما

روي البخاري رحمه اللّه بسنده إلي سهل بن سعد رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال يوم خيبر:«لأعطينّ الراية غدا رجلا يفتح اللّه علي يديه يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله»قال:فبات الناس يدوكون (5)ليلتهم أيّهم يعطاها،فلمّا أصبح الناس غدوا علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كلّهم يرجو أن يعطاها فقال:أين علي بن أبي طالب؟

قالوا:هو يا رسول اللّه يشكو عينه قال:فأرسلوا إليه فأتي به فبصق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في عينه و دعا له،فبرأ حتّي كأن لم يكن به وجع،فأعطاه الراية فقال علي:يا رسول اللّه أقاتلهم حتّي يكونوا مثلنا فقال:انفذ علي رسلك حتّي تنزل بساحتهم ثمّ ادعهم إلي الإسلام و أخبرهم بما يجب عليهم من حق اللّه،فو الله لأن يهدي اللّه بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم.

قال الإمام محيي السنّة البغوي رحمه اللّه:هذا حديث صحيح متّفق علي صحّته أخرجه مسلم (6).

ص: 116


1- مسند أحمد:98/1،و السنن الكبري للنسائي:127/5.
2- المعجم الكبير:16/4،و فضائل الصحابة لأحمد:15.
3- مجمع الزوائد:113/9،و كنز العمال:/150/13ح 36466.
4- كنز العمال:/664/13ح 37688 عن الديلمي و ابن النجار.
5- في المصدر:يرجون،و في بعضها يدوكون.
6- صحيح البخاري:5/4،و صحيح مسلم:122/7،و صحيح ابن حبان:278/15.

أيضا عن قتيبة بن سعيد قوله:يدوكون أي يخوضون (1)،يقال:الناس في دوكة أي في اختلاط و خوض،و أصله من الدوك و هو السحق،و يسمّي صلابة الطيب مداكا يسمّيها،للأمر فيه ممّن دقّ شيئا ليستخرج لبّه و يعلم باطنه،و أراد بحمر النعم حمر الإبل،و هي أعزّها و أنفسها،يريد لأن يهدي اللّه بك رجلا واحدا خير لك أجرا و ثوابا من حمر النعم فتتصدّق بها و اللّه أعلم.

و عن ابن عمر رضي اللّه عنه قال:أتي رجل من الأنصار إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:إنّ اليهود قتلوا أخي فقال:لأدفعن الراية غدا إلي رجل يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله يفتح اللّه علي يديه فيمكّنك من قاتل أخيك،فاستشرف لها أبو بكر و عمر و أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فبعث إلي عليّ رضي اللّه عنه فعقد له اللواء فقال:يا رسول اللّه إنّي أرمد،فتفل في عينيه،قال علي:فما رمدت بعد يومئذ (2).

قال العوّام:فحدّثني خيلة بن سحيم أو حبيب بن ثابت عن ابن عمر قال:فمضي علي لذلك الوجه،فما تتامّ آخرنا حتّي فتح علي أوّلنا قال:فأخذ علي قاتل الأنصاري فدفعه إلي أخيه فقتله (3).

و عن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه قال:قيل له:من أحبّ الناس إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:عليّ بن أبي طالب.

و عن سويد بن غفلة قال:لقينا علي بن أبي طالب و هو في ثوبين في شدّة البرد فقلنا له:لا تغتر بأرضنا فانّها أرض مقرة و ليست مثل أرضك،قال:أما إنّي قد كنت[مقرورا]فلمّا بعثني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلي خيبر قلت له:إنّي كما تري لا دفء لي و إنّي لأرمد،فتفل في عيني و دعا لي فما وجدت بردا و لا رمدت عيناي (4).

و عن عبد الرّحمن بن أبي ليلي عن أبيه قال:كان علي يلبس ثياب الشتاء في الصيف و ثياب الصيف في الشتاء،فقيل لأبي ليلي:لو سألته عن هذا؟فسأله فقال:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بعث إليّ و كنت أرمدا يوم خيبر،فقلت:يا رسول اللّه،إنّي أرمد العين و لا دفء لي فتفل في عيني و قال:

«اللّهمّ أذهب عنه الحرّ و البرد»فما وجدت حرّا و لا بردا من يومئذ (5).

و عن علي رضي اللّه عنه أنّه هو و فاطمة و حسن و حسين قال:كلّ إنسان منهم أحبّ إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فأتوا نبي اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي ذلك،فسمع ما يقولون،فأخذ فاطمة فاحتضنها إليه و أخذ حسنا و حسينا فجعل أحدهما عن يمينه و الآخر عن شماله و أخذ عليّا،ثمّ ضمّهم إليه و قال:«إنّهم منّي و أنا منهم» (6).2.

ص: 117


1- راجع النهاية:140/2،و الفايق للزمخشري:384/1.
2- مجمع الزوائد:123/9.
3- شرح الأخبار:/179/2ح 518.
4- المعجم الأوسط:132/4،و مجمع الزوائد:122/9.
5- مسند أحمد:99/1.
6- مناقب الخوارزمي:63،و ينابيع المودة:443/2.

و عن أمّ عطية أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بعث عليّا في سرية،فسمعته يقول:«اللّهمّ لا تمتني حتّي تريني عليّا» (1).

و عن أنس رضي اللّه عنه قال:أهدي إلي النبيّ طير يسمّي الحجل،و في رواية ما أراه إلاّ حبارا فقال:

«اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك،يأكل معي»فجاء علي فحجبته رجاء أن تكون الدعوة لرجل من قومي.

و في رواية قال:قلت:إن شئت يا ربّ جعلته رجلا من الأنصار،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:

«لست بأوّل من أحبّ قومه»،ثمّ جاء علي الثانية فحجبته و جاء علي الثالثة فحجبته،ثمّ جاء علي الرابعة فأذنت له فدخل،فلمّا رآه النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:«اللهمّ إنّي أحبّه فأحبّه»،فأكل معه من ذلك الطير، و في رواية أنّه قال:«ما حبسك رحمك اللّه»؟

قال:هذه آخر ثلاث مرّات كلّ ذلك يقول أنس:إنّك مشغول علي حاجة فقال:يا أنس ما حملك علي ذلك؟

قال:سمعت دعوتك فأحببت أن تكون لرجل من قومي،فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لا يلام الرجل علي حبّ قومه» (2).

و روي أنس أيضا قال:أهدي لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم طير فقال:«اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك» و في رواية:«برجل يحبّه اللّه و رسوله»،قال أنس:فجاء علي فقرع الباب فقلت:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مشغول،و كنت أحبّ أن يكون لرجل من الأنصار،ثمّ أتي علي فقرع الباب فقلت:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مشغول،ثمّ أتي الثالثة فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أدخله فقد عنيته»فلمّا أقبل قال:«اللّهمّ و إلي» (3).

و عنه أيضا قال:أهدي لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم طير نضيج (4)فأعجبه فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«اللّهمّ ائتني بأحبّ الخلق إليك و إليّ يأكل معي من هذا الطير»،فجاء علي فأكل معه (5).

و عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه قال:إنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم نظر إلي عليّ بن أبي طالب فقال:«أنت سيّد في الدنيا و سيّد في الآخرة،من أحبّك فقد أحبّني،و حبيبك حبيب اللّه،و من أبغضك فقد أبغضني، و بغيضك بغيض اللّه و رسوله،و الويل لمن أبغضك» (6).3.

ص: 118


1- الخصائص الكبري:106/2،و مناقب ابن الدمشقي:241/1،و المعجم الكبير:68/25.
2- مجمع الزوائد:125/9،و المستدرك 131/3.
3- مناقب ابن المغازلي:164،و تاريخ دمشق:249/42-252 و ما بعدها بعدة طرق.
4- النضيج:الطري.
5- خصائص النسائي:5،و مصابيح السنّة للبغوي:275/2،و صحيح الترمذي:170/13.
6- فضائل الصحابة لأحمد:/643/2ح 1092 بتفاوت،و الرياض النضرة:156/3.

و روي عمّار بن ياسر رضي اللّه عنه أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال لعليّ:«يا عليّ طوبي لمن أحبّك و صدقّ فيك، و ويل لمن أبغضك و كذب فيك» (1).

و روي مسلم في الصحيح أنّ عليّا رضي اللّه عنه قال:و الذي فلق الحبّة و برأ النسمة إنّه لعهد النبيّ الأمّي إليّ أنّه لا يحبّني إلاّ مؤمن و لا يبغضني إلاّ منافق (2).

و عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال:ما كنّا نعرف المنافقين علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،إلاّ ببغضهم عليّا (3).

و عن الحارث الهمداني قال:جاء علي رضي اللّه عنه حتّي صعد المنبر فحمد اللّه و أثني عليه،ثمّ قال:

قضاء قضاه اللّه علي لسان نبيّكم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم النبيّ الأمّي،لا يحبّني إلاّ مؤمن و لا يبغضني إلاّ منافق،و قد خاب من افتري (4).

و يروي أنّ امرأة من الأنصار قالت لعائشة رضي اللّه عنه:أيّ أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أحبّ إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

قالت:عليّ بن أبي طالب.

و عن جميع بن عمير قال:دخلت علي عائشة فسألتها:من كان أحبّ الناس إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

قالت:فاطمة.

قلت:أسألك عن الرجال فقالت:زوجها (5).

و قال عمّار بن ياسر رضي اللّه عنه يوم صفّين:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول لعلي:«إنّ اللّه قد زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة هي أحبّ إليه،منها الزهد في الدنيا و حبّك للمساكين،فجعلك ترضي بهم اتباعا و يرضون بك إماما (6)،فطوبي لمن أحبّك و صدّق فيك،و ويل لمن أبغضك و كذب عليك،فأمّا من أحبّك و صدق فيك فهم رفقاؤك في الجنّة و مجاوروك في دارك،و أمّا من أبغضك و كذب عليك0.

ص: 119


1- ذخائر العقبي:92،و تاريخ الخطيب البغدادي:72/9 عن ابن عرفة،و تاريخ ابن كثير:355/7،و مجمع الزوائد:132/9.
2- مصنف ابن أبي شيبة:494/7،و أسد الغابة:30/4،و تاريخ الخلفاء للسيوطي:115،و الدرّ المنثور:/6 66 عن ابن مردويه.
3- تاريخ الخلفاء للسيوطي:115،و المستدرك:129/3،و المعجم الأوسط:328/2.
4- مسند أبي يعلي:/347/1ح 445.
5- سنن الترمذي:362/4،و كنز العمال:/334/11ح 31670.
6- حلية الأولياء:71/1،و ذخائر العقبي:100.

فإنّه حقّ علي اللّه أن يوقفه يوم القيامة موقف الكذّابين» (1).

و يروي أنّ علي بن الحسين رضي اللّه عنه جاءه قوم من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يعودونه في علّته فقالوا:كيف أصبحت يابن رسول اللّه فدتك أنفسنا؟

قال:في عافية و اللّه محمود،كيف أصبحتم جميعا؟

قالوا:أصبحنا و اللّه لك يابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم محبّين و ادّين،فقال لهم:من أحبّنا للّه أسكنه اللّه في ظلّ ظليل يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه،و من أحبّنا يريد مكافأتنا كافأه اللّه عنّا بالجنّة،و من أحبّنا لعوض دنيانا أتاه اللّه رزقه من حيث لا يحتسب (2).

و يروي أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال لعلي بن أبي طالب:يا علي كذب من زعم أنّه يحبّني و يبغضك،يا علي من أحبّك فقد أحبّني،و من أحبّني أحبّه اللّه[و من أحبه الله]أدخله الجنّة،و من أبغضك فقد أبغضني،و من أبغضني أبغضه اللّه و من أبغضه اللّه أدخله النار (3).

و روي أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال له:«الويل لمن أبغضك بعدي» (4).

و سأل رجل ابن عمر رضي اللّه عنه فقال له:أخبرني عن علي بن أبي طالب؟

فقال له:إذا أردت أن تسأل عن علي بن أبي طالب فانظر إلي منزله من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،هذا منزله و هذا منزل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و إنّما المنزل بصاحبه-يعني أنّ منزلته من رسول اللّه كمنزلة بيته من بيته في القرب-قال:فإنّي أبغضه قال:أبغضك اللّه (5).

و روي الإمام الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي بسنده إلي علي رضي اللّه عنه أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال له:

«فيك مثل من مثل عيسي،أبغضته اليهود حتي اتهموا أمّه،و أحبّته النصاري حتّي أنزلوه بالمنزلة التي ليست له» (6).

[و من]ثمّ قال عليّ رضي اللّه عنه:يهلك فيّ رجلان محبّ مفرط يقرظني بما ليس فيّ و مبغض،و زاد في رواية:ألا و إنّي لست بنبي يوحي إليّ،و لكنّي أعمل بكتاب اللّه عزّ و جلّ و سنّة نبيّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيما استطعت،فما آمركم من طاعة اللّه فحقّ عليكم طاعتي فيما أحببتم أو كرهتم،و ما أمرتكم بمعصية3.

ص: 120


1- مجمع الزوائد:132/9،و أسد الغابة:23/4،و الرياض النضرة:229/2،و المعجم الأوسط:/2 337.
2- ينابيع المودة:/375/2ح 62.
3- بحار الأنوار:/109/38ح 38،و مجمع الزوائد:133/9 باختصار.
4- مناقب علي لابن الدمشقي:64/1،و شرح النهج لابن أبي الحديد:171/9،و المستدرك:128/3.
5- خصائص النسائي:107،و السنن الكبري:/139/5ح 8492،و مصنف ابن أبي شيبة:495/7.
6- خصائص النسائي:27،و مستدرك الحاكم:123/3،و أسني المطالب:13.

اللّه أنا أو غيري فلا طاعة لأحد في معصية اللّه،إنّما الطاعة في المعروف (1).

و عن عثمان بن المغيرة قال:كنت جالسا عند علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه فجاءه قوم فقالوا:أنت هو؟

قال:و من أنا؟

فقالوا:أنت هو؟

قال:و من أنا؟

قالوا:أنت ربّنا،فاستتابهم فأبوا،فضرب أعناقهم و دعا بحطب و نار فأحرقهم و جعل يرتجز:

إنّي إذا رأيت (2)أمرا منكرا أوقدت ناري و دعوت قنبرا (3)

***

ذكر ما لمنتقصه و مبغضه و سابّه

من الوعيد و الخزي و النكال الشديد

روي أرطأة بن حبيب قال:حدّثني أبو خالد الواسطي،و هو آخذ بشعره قال:حدّثني زيد ابن خالد،و هو آخذ بشعره قال:حدّثني الحسين بن عليّ،و هو آخذ بشعره قال:حدّثني علي بن أبي طالب،و هو آخذه بشعره قال:حدثني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو آخذ بشعره قال:«من آذي شعرة منك فقد آذاني،و من آذاني فقد آذي اللّه،و من آذي اللّه فعليه لعنة اللّه،قال الله: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّٰهُ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً مُهِيناً » (4).

و روي عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه أنّه مرّ علي مجلس من مجالس قريش بعد ما كفّ بصره،و بعض أولاده يقوده،فسمعهم يسبّون عليّا رضي اللّه عنه قال:«ردّني إليهم فردّه فلمّا وقف به عليهم قال:أيّكم السابّ للّه عزّ و جلّ؟

قالوا:سبحان اللّه!من سبّ اللّه فقد كفر،قال:فأيّكم السابّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم؟

قالوا:سبحان اللّه و من سبّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقد كفر،قال:فأيّكم السابّ عليّ بن أبي طالب؟

ص: 121


1- مسند أحمد:160/1،و النصائح الكافية:94،و مجمع الزوائد:133/9.عن الحاكم و البزار و أبي يعلي، و تاريخ السيوطي:116،و تاريخ ابن كثير:355/7،و ذخائر العقبي:92،و الإستيعاب:461/2.
2- في بعض المصادر:لما رأيت.
3- فتح الباري في شرح البخاري:238/12،و كنز العمال:/303/11ح 31579،و ذخائر العقبي لمحبّ الدين الطبري:93 نقلا عن الذهبي.
4- سورة الأحزاب:57.

قالوا:أمّا هذا فقد كان،قال:فأنا أشهد باللّه أنّي سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«من سبّ عليّا فقد سبّني،و من سبّني فقد سبّ اللّه عزّ و جلّ،و من سبّ اللّه أكبّه اللّه علي منخريه في النار»،ثمّ ولّي عنهم فقال لولده:ما سمعتهم يقولون؟

فقال:ما قالوا شيئا؛قال:فكيف رأيت وجوهم حين قلت لهم ما قلت؟

قال:

نظروا إليك بأعين محمرّة نظر التيوس إلي شفار الجازر

فقال له:زدني فداك أبوك فقال:

خزر العيون نواكس أبصارهم نظر الذليل إلي العزيز القاهر

قال:زدني فداك أبوك قال:ما عندي مزيد فقال لكن عندي:

أحياؤهم عار علي أمواتهم و الميّتون فضيحة للغابر (1)

و روي أبو سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«و الذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلاّ أدخله اللّه النار» (2).

و عن صدي قال:بينا أنا ألعب و أنا غلام بالمدينة عند أحجار الزيت (3)،إذ أقبل رجل راكب علي بعير فوقف يسبّ عليّا رضي اللّه عنه فحفّ به الناس ينظرون إليه،فبيّنا هو كذلك إذ طلع سعد بن مالك فقال:ما هذا؟

قالوا:يشتم عليّا فقال:اللهمّ إن كان كاذبا فخذه،و في رواية:اللّهمّ إن كان يسبّ عبدا صالحا فأر المسلمين خزيه،فما لبث أن تعثّر به بعيره فسقط و اندقّت عنقه و خبطه بعيره فكسره و قتله (4).

و عن عبد العزيز بن أبي حامد عن أبيه أن رجلا جاء إلي سهل بن سعد رضي اللّه عنه فقال له:هذا فلان أمير من أمراء المدينة (5)يدعوك غدا لسبّ علي علي المنبر قال:ماذا أقول؟و.

ص: 122


1- النصائح الكافية لابن عقيل:102،و مناقب الخوارزمي:137،و مناقب الإمام علي لابن الدمشقي:65، و مروج الذهب:48/2،و كفاية الطالب:27 مع اختلاف يسير في عبارات الحديث و الأبيات،و في نور الأبصار:110.
2- كنز العمال:/104/12ح 34204،و صحيح ابن حبان:435/15،و مستدرك الحاكم:15/3،و ج 4: 352 بلفظ:إلاّ أكبّه الله في النار.
3- أحجار الزيت:موضع بالمدينة قريب من الزوراء...و هو موضع صلاة الاستسقاء...و قال العمراني: أحجار الزيت موضع بالمدينة داخلها.
4- مناقب الخوارزمي:379 بتفاوت،و المستدرك:499/3 بتفاوت،و نفحات الأزهار:92/5 عن المصنف.
5- في صحيح البخاري:هذا فلان لأمير المدينة يدعو.

قال:تقول له أبو تراب،قال:فضحك سهل و قال:و اللّه ما سمّاه إلاّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و اللّه ما كان له اسم أحبّ إليه منه.

قال أبو حازم:فاستطعمت الحديث سهلا،فقلت:يا أبا العباس كيف كان ذلك؟

قال:دخل علي علي فاطمة عليهما السّلام ثمّ خرج فاضطجع في المسجد فخرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فوجد رداءه قد سقط عن ظهره فجعل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يمسح التراب عن ظهره و يقول:«إجلس يا أبا تراب إجلس يا أبا تراب»،قال عمّار رضي اللّه عنه:فكان ذلك أحبّ كناه إليه (1).

و روي الترمذي بسنده إلي عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد أنّ بعض الامراء (2)قال له:ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟

قال:أما ما ذكرت ثلاثة قالهنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلن أسبّه،لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم،سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول لعليّ و خلّفه في بعض مغازيه فقال:يا رسول اللّه تخلّفني مع النساء و الصبيان؟

فقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلاّ أنه لا نبيّ (3)بعدي».

و سمعته يقول يوم خيبر:«لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله» فتطاولنا لها فقال:أدعوا لي عليّا فأتاه و هو أرمد فبصق في عينيه و دفع الراية إليه ففتح اللّه علي يديه و أنزلت هذه الآية: فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللّٰهِ عَلَي الْكٰاذِبِينَ (4)فدعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين رضي اللّه عنهم و قال:«اللّهمّ هؤلاء أهلي» (5).

و روي علي بن طلحة مولي بني أميّة قال:حجّ معاوية و معه معاوية بن خديج،و كان من أسبّ الناس لعليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه،فمرّ بالمدينة و الحسن بن علي عليهما السّلام جالس فقيل له:هذا معاوية بن خديج السابّ لعلي فقال:عليّ بالرجل فأتاه.

فقال له الحسن:أنت معاوية بن خديج؟قال:نعم،قال:أنت السابّ لعليّ[عند ابن آكلة الأكباد]؟فكأنه استحيا.7.

ص: 123


1- صحيح البخاري:208/4،و صحيح ابن حبان:368/15،و صحيح مسلم:124/7،و تاريخ ابن كثير: 339/7،عن أحمد و مسلم و الترمذي،و الإصابة:509/2 قال:أخرجه الترمذي بسند قوي،و صحيح الترمذي:171/13،و نور الأبصار:57.
2- في سنن الترمذي و صحيح مسلم:أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا....
3- في المصدر:لا نبوة.
4- سورة آل عمران:61.
5- سنن الترمذي:302/5 باب /87ح 3808،و قال:حسن غريب صحيح،و صحيح مسلم:120/7.

فقال له الحسن:أما و اللّه لئن وردت عليه الحوض-و ما أراك ترده-لتجدنّه مشمّر الأزار علي ساق يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل،قول الصادق المصدوق و قد خاب من افتري (1).

***

ذكر إرتقاء علي علي منكب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم

عن علي رضي اللّه عنه قال:إنطلق بي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حتّي أتي الكعبة فقال لي:«إجلس»فجلست إلي جنب الكعبة فصعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم علي منكبي.

ثمّ قال لي:«إنهض»فنهضت فلمّا رأي ضعفي تحته قال:«إجلس»فجلست فنزل عن منكبي فقال:«يا علي إصعد منكبي»فصعدت علي منكبيه فنهض بي إلي أن وصلت إلي صنم قريش الأكبر الذي علي رأس الكعبة فعلوتها،فكان يخيّل إليّ أنّي لو شئت أن أنال السماء لنلتها،فقال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«عالجه»فجعلت أعالجه لأقلعه،و كان صنما من نحاس موتد بأوتاد من حديد إلي الأرض،و جعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«إيه إيه جاء الحقّ و زهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقا».

فاستمسكت منه و قلعته فقال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إقذفه»فقذفته فتكسّر و نزلت من فوق الكعبة فانطلقت أنا و النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و خشينا أن يرانا أحد من قريش أو غيرهم.

قال عليه السّلام:فما صعدته بعد حتّي الساعة (2).

***

علي علي لسان الصحابة

في حقّه تؤثر و تروي ممّا دونها من صحف المحامد كلّها تهجر و تطوي،فما يؤثر عن أبي بكر رضي اللّه عنه أنّه رأي عليّا عليه السّلام يوما فقال:من سرّه أن ينظر إلي أفضل الناس منزلة،و أقربهم قرابة و أعظمهم غنا (3)من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلينظر إلي هذا (4).

ص: 124


1- مسند أبي يعلي:/140/12ح 6771،و المعجم الكبير:82/3،و مجمع الزوائد:131/9 بتفاوت،و ما بين المعقوفين منه.
2- صفوة الصفوة:119/1،و ذخائر العقبي:85،و الرياض النضرة:265/2،و مستدرك الحاكم:5/3 و قال:حديث صحيح الإسناد،و تاريخ الخطيب البغدادي:302/13 بلفظ آخر مشابه،و مصنف ابن شيبة:535/8.
3- في المصدر:غناء،و هو النفع.
4- كنز العمال:/115/13ح 36375.

و يروي عن عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه أنّه قال:كانت لأصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثماني عشر سابقة،فخص عليّا ثلاث عشرة و أشركنا في الخمس (1).

و قال:لقد أعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال،لأن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من أن أعطي حمر النعم،فقيل له:و ما هن يا أمير المؤمنين؟

قال:تزوّجه فاطمة،و سكناه في المسجد مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يحلّ له فيه ما يحلّه له،و الراية يوم خيبر (2).

روي أنّ رجلا أتي به إلي عمر كان قال في جوابهم لمّا سألوه:كيف أصبحت؟قال:أصبحت أحبّ الفتنة،و أكره الحقّ،و أصدّق اليهود و النصاري،و آمن بما لم أره،و أقرّ بما لم يخلق،فأرسل عمر إلي عليّ عليه السّلام فلمّا جاء أخبره بما قال الرجل فقال:صدق،قال اللّه تعالي: إِنَّمٰا أَمْوٰالُكُمْ وَ أَوْلاٰدُكُمْ فِتْنَةٌ (3).

و يكره الحقّ يعني الموت،قال اللّه تعالي: وَ جٰاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ (4).

و صدّق اليهود و النصاري قال اللّه تعالي: وَ قٰالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصٰاريٰ عَليٰ شَيْءٍ وَ قٰالَتِ النَّصٰاريٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَليٰ شَيْءٍ (5).

و يؤمن بما لم يره يعني اللّه،و يقرّ بما لم يخلق يعني الساعة،فقال عمر:لو لا علي لهلك عمر (6).

و عن محمد بن الزبير قال:دخلت مسجد قريش،فإذا أنا بشيخ قد التفّت (7)ترقوتاه من الكبر فقلت له:يا شيخ من أدركت؟قال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قلت؛فما غزوت؟

قال:اليرموك،قلت له:حدّثني بشيء سمعته قال:خرجت مع فتية من عك و الأشعريين حجّاجا،فأصبنا بيض نعام و قد أحرمنا،فلمّا قضينا نسكنا وقع في أنفسنا منه شيء،فذكرنا ذلك لعمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه فأدبر و قال:إتبعوني حتّي انتهي إلي حجر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال:أين أبو الحسن،فأجابته امرأة فقالت:لا،فمر[في المقتاة فأدبر] (8).س.

ص: 125


1- مناقب آل أبي طالب:287/1،و مناقب الخوارزمي:52-238.
2- مجمع الزوائد:120/9،و مسند أحمد:26/2.
3- سورة التغابن:15.
4- سورة ق:19.
5- البقرة:113.
6- الرياض النضرة:163/2 عن ابن السمان و فيه:و أشار إلي علي بن أبي طالب،و نور الأبصار:79.
7- في المصدر:التوت.
8- ما بين المعقوفين من ذخائر العقبي،و في كنز العمال:فقالت لا هو في المقتاة،فأدبر و قال...و المقتاة: موضع لا تطلع عليه الشمس.

قال:إتبعوني حتّي انتهي إليه،فإذا معه غلامان أسودان و هو يسوي التراب بيده فقال:مرحبا يا أمير المؤمنين،فقال له عمر:هؤلاء فتيه من عك و الأشعريين أصابوا بيض نعام و هم يحرمون، قال:ألا أرسلت إليّ؟

قال:أنا أحقّ بإتيانك قال:يضربون الفحل قلايص (1)أبكارا بعدد البيض فما نتج منها أهدوه، قال عمر:فإنّ الإبل تخدج قال علي:و البيض يمرض،فلمّا انصرف عمر عنه قال:«اللهمّ لا تريني (2)شدّة إلاّ و أبو الحسن إلي جنبي» (3).

و عن أبي حرب بن الأسود أن عمر رضي اللّه عنه أتي بامرأة وضعت لستّة أشهر،فهمّ برجمها فبلغ ذلك عليا فقال:ليس عليها رجم،فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه يسأله فقال علي:قال اللّه عزّ و جلّ:

وَ الْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضٰاعَةَ (4) ،و قال اللّه تعالي:

وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلاٰثُونَ شَهْراً (5) فستّة أشهر حمله،و حولان تمام الرضاعة،لا حدّ عليها قال:

فخلّي عنها،ثمّ إنّها ولدت بعد ذلك لستّة أشهر أيضا (6).

و عن مسروق قال:أتي بامرأة و قد أنكحت في عدّتها إلي عمر،فضرب بينهما و جعل صداقها في بيت المال و قال:لا أجيز مهرا أرد نكاحه و قال:لا يجتمعان أبدا فبلغ ذلك عليّا فقال:السّنة أن لها المهر بما استحلّ من فرجها و يفرّق بينهما،فإذا انقضت عدّتها فهو خاطب من الخطّاب[فخطب عمر و قال:ردّوا الجهالات إلي السنّة]فرجع إلي قول علي (7).

و عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه قال:كنّا في جنازة غلام فقال علي لزوج أمّ الغلام:أمسك عن امرأتك.

فقال عمر:و لم يمسك عن امرأته،أخرج ممّا جئت به؟

فقال:نعم يا أمير المؤمنين يريد يستبرأ (8)رحمها لا يلقي فيه شيئا،فيستوجب به الميراث من أخيه و لا ميراث له،فقال عمر:نعوذ باللّه من معضلة لا علي لها (9).9.

ص: 126


1- فحل قلايص:الناقة الشابة.
2- في المصدر:تنزل.
3- الرياض النضرة:50/2،194،ذخائر العقبي:82 كفاية الشنقيطي:57،و كنز العمال:/257/5 ح 12805.
4- سورة البقرة:233.
5- سورة الأحقاف:15.
6- كنز العمال:/457/5ح 13598،و السنن الكبري للبيهقي:442/7.
7- ذخائر العقبي:81 و ما بين المعقوفين منه،و إرواء الغليل:203/7 باختصار.
8- في المصدر:أن تستبريء،و في لفظ:أن يستبريء.
9- مناقب آل أبي طالب:191/2،و مناقب الخوارزمي:96،و يراجع لحل المسألة ما ذكره ابن قدامة في المغني:129/9.

و قال سعيد بن المسيب:و كان عمر يقول:اللهمّ لا تبقني لمعضلة ليس لها أبو الحسن (1)، و قال:لو لا عليّ لهلك عمر (2).

و عن نبيط بن شريط قال:خرجت مع علي بن أبي طالب و معنا عبد اللّه بن عباس،فلمّا صرنا إلي بعض حيطان الأنصار وجدنا عمر بن الخطاب جالسا وحده ينكت في الأرض،فقال له علي بن أبي طالب:ما أجلسك يا أمير المؤمنين هاهنا وحدك؟

قال:لأمر همّني،فقال له علي:أفتريد أحدنا؟فقال عمر:إن كان فعبد اللّه،قال:فتخلّي معه عبد اللّه،و مضيت مع علي و أبطأ علينا ابن عبّاس ثمّ لحق بنا،فقال له علي:ما وراءك؟فقال:يا أبا الحسن أعجوبة من عجائب أمير المؤمنين،أخبرك بها و أكتم عليّ قال:فهلّم،قال:لمّا إن ولّيت رأيت عمرا ينظر إليك و إلي أثرك و يقول:آه آه.فقلت:مم تأوه يا أمير المؤمنين؟

قال:من أجل صاحبك يا ابن عبّاس،و قد أعطي ما لم يعطه أحد من آل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لو لا ثلاث هنّ فيه ما كان لهذا الأمر-يعني الخلافة-أحد سواه.قلت:يا أمير المؤمنين و ما هنّ؟قال:

كثرة دعابته،و بغض قريش له،و صغر سنه،فقال له علي:فما رددت عليه.

قال:داخلني ما يدخل ابن العم لابن عمه،فقلت له:يا أمير المؤمنين:أما كثرة دعابته فقد كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يداعب و لا يقول إلاّ حقّا،و يقول للصبي ما يعلم أنّه يستميل به قلبه أو يسهل علي قلبه،و أمّا بغض قريش له فو الله ما يبالي ببغضهم بعد أن جاهدهم في اللّه حتّي أظهر اللّه دينه؟ فقصم أقرانها و كسر آلهتها و أثكل نساءها لا تأخذه في اللّه لائمة،و أمّا صغر سنّه فلقد علمت أنّ اللّه تعالي حيث أنزل علي رسوله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم: بَرٰاءَةٌ مِنَ اللّٰهِ وَ رَسُولِهِ (3)وجّه بها صاحبه ليبلّغ عنه فأمره اللّه تعالي أن لا يبلّغ عنه إلاّ رجل من آله،فوجّهه في أثره و أمره أن يؤذّن ببراءة فهل استصغر اللّه تعالي سنّه؟

فقال عمر:أمسك عليّ و اكتم فإن سمعتها من غيرك لم أنم بين لابتيها (4).

قول عائشة فيه عن حسرة قالت عائشة:من أفتاكم بصوم يوم عاشوراء؟قلنا:علي ابن أبي طالب،فقالت:هو أعلم الناس بالسنّة (5).

عن قيس بن أبي حازم قال (6):جاء رجل إلي معاوية فسأله عن مسألة فقال:سل عنها علي بن2.

ص: 127


1- ينابيع المودة:227/1،و مناقب الخوارزمي:97.
2- ذخائر العقبي:82،و فيض الغدير:470/4.
3- سورة التوبة:1.
4- فرائد السمطين:334/1-336،و شرح النهج لابن أبي الحديد:326/6.
5- ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق:/48/2ح 1078،و أنساب الأشراف:320/1.
6- فرائد السمطين:/371/1ح 302.

أبي طالب فهو أعلم،فقال الرجل:أريد جوابك،فقال:ويحك كرهت رجلا كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يغرّه بالعلم غرّا،و لقد قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أنت منّي بمنزلة هارون من موسي» (1).

و لقد كان عمر بن الخطّاب يسأله و يأخذ عنه،و تنقّصه رجل يوما عند عمر فقال له عمر:لا أقام اللّه رجليك و محي اسمه من الديوان (2).

و يروي أنّه لمّا جاء نعي علي عليه السّلام إلي معاوية استرجع،و كان قابلا مع امرأته فاختة بنت قرطة نصف النهار في يوم صائف،فقعد باكيا و هو يقول:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون،ماذا فقدوا من العلم؟! فقالت له امرأته:تسترجع عليه اليوم و تبكي و أنت تطعن عليه بالأمس!فقال:ويحك لا تدرين ما ذهب من علمه و فضله و سوابقه،و ما فقد الناس من حلمه و علمه (3).

***

التفاضل بين علي و فاطمة عليهما السّلام

قال ابن أبي الحديد:قلت:جري في مجلس بعض الأكابر و أنا حاضر القول في أنّ عليا عليه السّلام شرف بفاطمة عليها السّلام فقال إنسان كان حاضر المجلس:بل فاطمة عليها السّلام شرفت به و خاض الحاضرون في ذلك بعد إنكارهم تلك اللفظة،و سألني صاحب المجلس أن أذكر ما عندي في المعني و أن أوضّح:

أيّهما أفضل:عليّ أم فاطمة؟فقلت:أمّا أيّهما أفضل؛فإن أريد بالأفضل الأجمع للمناقب الّتي تتفاضل بها الناس،نحو العلم و الشجاعة و نحو ذلك،فعليّ أفضل،و إن أريد بالألفضل الأرفع منزلة عند اللّه،فالذي استقرّ عليه رأي المتأخرين من أصحابنا،أنّ عليّا أرفع المسلمين كافة عند اللّه تعالي بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من الذكور و الإناث؛و فاطمة امرأة من المسلمين،و إن كانت سيّدة نساء

ص: 128


1- هذا ما يسمي بحديث المنزلة،و له معان كبيرة جليلة،و هو من الأحاديث المتفق علي صحتها و المتواترة في حق علي عليه السّلام،و قد قيل بدلالته علي الخلافة و خصصه البعض باستخلافه في غزوة تبوك،و هو ترجيح بلا مرجّح و قول بلا دليل،و يتوقّف ذلك علي تفصيل الكلام فيه: و هنا أبحاث: 1-مكان صدور حديث المنزلة و مواطنه. 2-رواة حديث المنزلة و مصادره. 3-صحة المنزلة و تواتره. 4-الاحتجاجات بحديث المنزلة. 5-دلالة حديث المنزلة علي الخلافة. 6-تحريفات في حديث المنزلة.
2- البحار:267/37 ح 40.
3- تاريخ دمشق:583/42 ط.دار الفكر،و مروج الذهب:18/3.

العالمين؛و يدلّ علي ذلك أنّه قد ثبت أنّه أحبّ الخلق إلي اللّه تعالي بحديث الطائر،و فاطمة من الخلق،و أحبّ الخلق اليه سبحانه أعظمهم ثوابا يوم القيامة،علي ما فسر المحققون من أهل الكلام،و إن أريد بالأفضل الأشرف نسبا،ففاطمة أفضل لأنّ أباها سيّد ولد آدم من الأولين و الآخرين،فليس في آباء عليّ عليه السّلام مثله و لا مقارنه،و إن أريد بالأفضل،من كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أشدّ عليه حنوّا و أمسّ به رحما،ففاطمة أفضل،لأنها ابنته؛و كان شديد الحبّ لها و الحنوّ عليها جدّا، و هي أقرب إليه نسبا من ابن العمّ،لا شبهة في ذلك.

فأمّا القول في أنّ عليا شرف بها أو شرفت به،فإنّ عليا عليه السّلام كانت أسباب شرفه و تميّزه علي الناس متنوعة،فمنها ما هو متعلق بفاطمة عليها السّلام،و منها ما هو متعلّق بأبيها صلوات اللّه عليه،و منها ما هو مستقلّ بنفسه.

فأمّا الذي مستقلّ بنفسه،فنحو شجاعته و عفّته و حلمه و قناعته و سجاحة أخلاقه و سماحة نفسه.

و أمّا الذي هو متعلّق برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فنحو علمه و دينه و زهده و عبادته،و سبقه إلي الإسلام و إخباره بالغيوب.

و أما الذي يتعلق بفاطمة عليها السّلام فنكاحه لها؛حتي صار بينه و بين رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الصّهر المضاف إلي النسب و السبب؛و حتي إنّ ذرّيته منها صارت ذرّية لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و أجزاء من ذاته عليه السّلام؛و ذلك لأنّ الولد إنما يكون من منيّ الرجل و دم المرأة،و هم جزآن من ذاتي الأب و الأم،ثم هكذا أبدا في ولد الولد و من بعده من البطون دائما.فهذا هو القول في شرف عليّ عليه السّلام بفاطمة.

فأمّا شرفها به فإنها و إن كانت إبنة سيد العالمين،إلاّ أنّ كونها زوجة عليّ أفادها نوعا من شرف آخر زائدا علي ذلك الشرف الأوّل؛ألا تري أن أباها لو زوّجها أبا هريرة أو أنس بن مالك لم يكن حالها في العظمة و الجلالة كحالها الآن،و كذلك لو كان بنوها و ذرّيتها من أبي هريرة و أنس بن مالك لم يكن حالهم في أنفسهم كحالهم الآن.

انتهي كلامه.

أقول:سيأتي حديث النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«لو لا علي ما كان لفاطمة كفؤ»الدال علي مساواتهما في الفضل (1).

***5.

ص: 129


1- الصحيح من السيرة:272/5.

ما نسب من شعر لأمير المؤمنين عليه السّلام

قد تقدّم في الفصل الأول شيء من شعره و نظمه إقتضي ميمون (1)ذلك الفصل إيراده فيه فما حاجة إلي إعادته في هذا الفصل،فإنّ إعادة الشيء ركاكة و تكراره لغير مزيد مقصد سماجة (2)فنورد ما عداه،فمن ذلك قوله:

دليلك أنّ الفقر خير من الغني و أنّ قليل المال خير من المثري

لقاؤك مخلوقا عصي اللّه بالغني و لم تر مخلوقا عصي اللّه بالفقر (3)

و قوله عليه السّلام:

لكلّ إجتماع من خليلين فرقة و كلّ الذي دون الوفاة (4)قليل

و أنّ إفتقادي واحدا بعد واحد دليل علي أن لا يدوم خليل (5)

و قوله عليه السّلام:

علل النفس بالكفاف و إلاّ طلبت منك فوق ما يكفيها

ما لما قد مضي و لا الذي لم يأت من لذة لمستحليها (6)

إنّما أنت طول مدة ما عمرت كالساعة التي أنت فيها (7)

و قوله عليه السّلام يرثي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:

أمن بعد تكفين النبي و دفنه بأثوابه أسي علي ميت ثوي

رزينا رسول اللّه فينا فلن نري بذلك عدلا ما حيينا من الرزي

و كان لنا كالحصن من دون أهله لهم معقل فيه حصين من العدي

و كنا برؤياه نري الفوز و الهدي صباح مساء راح فينا و اعتدي (8)

و قد غشيتنا ظلمة بعد موته نهارا و قد زادت عليّ ظلمة الدجي

ص: 130


1- في نسخة:مضمون.
2- في نسخة زيادة:إلي إعادته إلي.
3- ديوان الإمام علي عليه السّلام:77:140،اعلام الدين:160.
4- في المصادر:الممات.
5- قالها علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه عند وقوفه علي قبر فاطمة بنت النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،إنظر:ديوان الإمام علي عليه السّلام 113:344،ترجمة الإمام علي عليه السّلام من تاريخ دمشق 3:1320/250،دستور معالم الحكم: 156،فرائد السمطين 2:404/87،زهر الأدب 1:45.
6- في نسخة(ع):مستحيلها.
7- ديوان الإمام علي عليه السّلام 147:334.
8- في نسخة(م):أو أغتدي.

فيا خير من ضمّ الجوانح و الحشا و يا خير ميت ضمّه التّرب و الثري

كأنّ أمور الناس بعدك ضمنت سفينة موج البحر و البحر قد طمي

و ضاق فضاء الأرض عنهم برحبه لفقد رسول اللّه إذ قيل قد قضي

فقد نزلت بالمسلمين مصيبة كصدع الصفا لا شعب للصدع في الصفا

فلن يستقلّ الناس تلك مصيبة و لن يجبر العظم الذي منهم و هي

و في كلّ وقت للصلاة بهيجة بلال و يدعو باسمه كل من دعا

و لله ميراث النبوة و الهدي (1)

و قد نقلت هذه المرثيّة زيادة أخري فما رأيت إسقاطها فأثبتها علي صورتها و هي هذه:

أمن بعد تكفين النبي و دفعه بأثوابه آسي علي هالك ثوي

لقد غاب في وقت الظلام لدفنه عن الناس من هو خير من وطيء الحصا

رزينا رسول اللّه فينا فلن نري لذلك عدلا ما حيينا من الرزي

رزينا رسول اللّه فينا و وحيه فخير خيار ما رزينا و لا سوي

(فمثل رسول اللّه إذا حان يومه لفقدانه فليبك يا عيش من بكي

و كنّا به شمّ الأنوف بنجوة علي موضع لا يستطاع و لا يري

و هم كالسكاري من توقع هجمة من الشر يرجو من رجالها علي شفا

لفقد رسول اللّه إذ قيل قد قضي)

و قوله أيضا يرثيه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:

ألا طرق الناعي بليل فراعني و أرقني لمّا استقلّ مناديا

فقلت له لمّا رأيت الذي أتي أغير رسول اللّه إن كنت ناعيا

فحقّق ما أشفقت عنه و لم يبل و كان خليلي عزّنا و جماليا

فوالله ما أنساك أحمد ما مشت بي العيس في أرض يجاوزن واديا

و كنت متي أهبط من الأرض تلعة أري أثرا منه جديدا و عافيا

شديد حري الصدر نهد مصدّر هو الموت معدوا عليه و عاديا (2)ه.

ص: 131


1- ديوان الإمام علي عليه السّلام 28:8،مناقب ابن شهر آشوب 1:298.
2- ديوان الإمام علي عليه السّلام 153:348،دستور معالم الحكم:154،مناقب ابن شهر آشوب 1:299،تذكرة الخواص:153 بنحوه.

و مما نقل عنه عليه السّلام قوله و قيل هما لغيره:

زعم المنجّم و الطبيب كلاهما أن لا معاد،فقلت:ذاك إليكما

إن صح قولكما فلست بخاسر أو صحّ قولي فالوبال عليكما (1)

و ممّا نقل عنه عليه السّلام قوله:

ولي فرس للخير بالخير ملجم ولي فرس للشر بالشر مسرج

فمن رام تقويمي فإني مقوم و من رام تعويجي فإني معوج (2)

و مما نقل عنه عليه السّلام:

و لو أنّي أطعت حملت قومي علي ركن اليمامة و الشام

و لكن متي أبرمت أمرا تنازعني أقاويل العظام (3)

و قوله يرثي عمه حمزة لمّا قتل بأحد عليه السّلام:

أتاني أنّ هندا أخت (4)صخر دعت دركا و بشرت الهنودا

فإن تفخر بحمزة يوم ولي مع الشهداء محتسبا شهيدا

فإنّا قد قتلنا يوم بدر أبا جهل و عتبة و الوليدا

و شيبة قد تركنا يوم أحد علي أثوابه علقا جسيدا

فبوّء في جهنم شرّ دار عليه لم يجد عنها محيدا

فما سيّان من هو في جحيم يكون شرابه فيها صديدا

و من هو في الجنان يذر (5)فيها عليه الرزق مغتبطا حميدا (6)

و قوله أيضا فيه يرثيه عليه السّلام:

رأيت المشركين بغوا علينا و لجوا في الرزاية و الضلال4.

ص: 132


1- قد نسبت إلي أبي العلاء المعري،انظر:لزوم ما لا يلزم للمعري:3:1447 حيث وردت هكذا: قال المنجّم و الطّبيب كلاهما لا تحشر الأجساد؛قلت:إليكماز إن صحّ قولكما،فلست بخاسر أو صحّ قولي،فالخسار عليكما طهّرت ثوبي للصلاة،و قبله طهر فأين الطهر من جسديكما؟)
2- روضة الواعظين:378،ترجمة الإمام علي عليه السّلام من تاريخ دمشق 3:1325/252.
3- ديوان الإمام علي عليه السّلام 131:285،مناقب ابن شهر آشوب 3:196،وقعة صفين:191،شرح نهج البلاغة 4:19.
4- في نسخة(ع):هذا خل،و ما أثبتناه من نسخة(ط).
5- في نسخة(ط):يدرّ.
6- ديوان الإمام علي عليه السّلام 64:104.

و قالوا نحن أكثر إذ نفرنا غداة الروع بالأسل النهال

فان تبغوا و تفتخروا علينا بحمزة فهو في الغرف العوالي

فقد أودي بعروة يوم بدر و قد أبلي و جاهد غير آل

و قد غادرت كبشهم جهارا بحمد اللّه طلحة في المجال

فخرّ لوجهه و رفعت عنه رقيق الحد حورب (1)بالصقّال (2)

و قوله عليه السّلام:

ألا أيها الموت الذي ليس تاركي أرحني فقد أفنيت كلّ خليل

أراك بصيرا بالذين أحبهم كأنّك تسعي نحوهم بدليل (3)

و حضر لديه إنسان فقال:يا أمير المؤمنين أسألك أن تخبرني عن واجب و أوجب،و عجيب و أعجب،و صعب و أصعب،و قريب و أقرب.فما إنحبس بيانه بكلماته،و لا خنس لسانه في لهواته، حتي أجابه عليه السّلام بأبياته،فقال:

توب الوري واجب عليهم و تركهم للذنوب أوجب

و الدهر في صرفه عجيب و غفلة الناس عنه أعجب

و الصبر في النائبات صعب لكن فوت الثواب أصعب

و كلما يرتجي قريب و الموت من كل ذلك أقرب (4)

فياما أوضح لذوي الهداية لفظ جوابه المبين،و ياما أفصح عند ذوي الدراية نظم خطابه المستبين،فلقد عبّر أسلوبا من علم البيان مستوعرا عند المتأدبين،و مهّد مطلوبا من حقيقة الإيمان، مستعذبا عند المقرّبين.

و قال عليه السّلام:إذا أقبلت الدنيا فأنفق منها فإنها لا تفني و إذا أدبرت فأنفق منها فإنّها لا تبقي و أنشد:

لا تبخلن بدنيا و هي مقبلة فليس ينقصها التبذير و السرف

و إن تولت فأحري أن تجود بها فالحمد منها إذا ما أدبرت خلف (5)6.

ص: 133


1- في(ط):حودث.
2- ديوان الإمام علي عليه السّلام:116:202،مناقب ابن شهر آشوب 1:245،دستور معالم الحكم:150.
3- قالها بعد شهادة عمار بن ياسر رضي اللّه عنه،انظر:ديوان الإمام علي عليه السّلام 125:273،كفاية الأثر:123.
4- ديوان الإمام علي عليه السّلام 33:22،الفصول المهمّة:121.
5- ديوان الإمام الإمام عليه السّلام 103:214،روضة الواعظين:386.

و قوله عليه السّلام:

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها علي الخلق طرا إنّها تتقلب

فلا الجود يفنيها إذا هي أقبلت و لا البخل يبقيها إذا هي تذهب (1)عليه السّلام:

أصم عن الكلم المحفظات و احلم الحلم بي أشبه

و إنّي لأكره بعض الكلام لئلا أجاب بما أكره

إذا ما إجتررت سفاه السفيه عليّ فإنّي إذا أسفه

كم من فتي يعجب الناظرين له ألسن و له أوجه (2)

و قوله عليه السّلام:

أتم الناس أعلمهم بنقصه و أقمعهم لشهوته و حرصه

فلا تستغل عافية بشيء و لا تستر خصنّ داء لرخصه (3)

و قوله عليه السّلام و قد دخل عليه الأشعث بن قيس فوجده قد أثر فيه صبره علي العبادة الشديدة ليلا و نهارا فقال:يا أمير المؤمنين إلي كم تصبر علي مكابدة هذه الشدة؟

فقال الأشعث:فما زادني علي أن قال لي:

أصبر علي مضض الأدلاج في السحر و في الغدو إلي الطاعات في البكر

إنّي رأيت في الأيام تجربة للصبر عاقبة محمودة الأثر

و قل من جد في شيء يؤمله فاستشعر الصبر إلاّ فاز بالظفر (4)

و قوله عليه السّلام:

فلا تصحب أخا الجهل و إيّاك و إيّاه فكم من جاهل أردي حليما حين آخاه

يقاس المرء بالمرء إذا ما هو ما شاه و للشيء من الشيء مقاييس و أشباه

و للقلب علي القلب دليل حين يلقاه (5)

***7.

ص: 134


1- ديوان الإمام علي عليه السّلام 46:57.
2- ديوان الإمام علي عليه السّلام 147:335،دستور معالم الحكم:159.
3- ديوان الإمام علي عليه السّلام 89:180.
4- ديوان الإمام علي عليه السّلام 70:117،مناقب الكوفي 2:1086/577،ترجمة الإمام عليه السّلام من تاريخ دمشق 3:1326/253،دستور معالم الحكم:158.
5- ديوان الإمام علي عليه السّلام 147:333،دستور معالم الحكم:157.

ذكر أخبار النبيّ بقتله

و أنّ لحيته تخضب من دم رأسه

عن أبي الأسود الدؤلي قال:لمّا أراد علي عليه السّلام العراق وضع رجله في الغرز أتاه عبد اللّه ابن سلام قال له:لا تأت العراق فإنّك إذا أتيت العراق أصابك بها دباب السيف،فقال له علي:و أيم اللّه لقد قالها لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قبلك،فقلت في نفسي:و اللّه ما رأيت كاليوم رجل محارب يحدّث الناس بمثل هذا (1).

و عن زيد بن أسلم أنّ أبا سنان الدؤلي حدّثه أنّه عاد عليّا عليه السّلام في شكوي اشتكاها قال:فقلت له:قد تخوّفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه،فقال:لكنّي و اللّه ما تخوّفت علي نفسي؛ لأنّي سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الصادق المصدوق يقول:«إنّك ستضرب ضربة هاهنا،ضربة هاهنا» و أشار إليه بصدغيه«فيسيل دمهما حتّي يخضب لحيتك و يكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقي ثمود» (2).

و في رواية عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري قال:خرجت مع أبي إلي ينبع عائدا لعليّ ابن أبي طالب،و كان بها مريضا قد ثقل فقال له أبي:ما يقيمك في هذا المنزل لو هلكت به لم يدفنك إلاّ أعراب جهينة،و كان أبو فضالة من أهل بدر فقال:إنّي لست ميّتا من وجعي هذا إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عهد إليّ أن لا أموت حتّي أؤمر و تخضب هذه من هذه-يعني لحيته من دم هامته-حكما مقضيّا و عهدا معهودا إليّ،و قد خاب من افتري يا أبا فضالة (3).

و عن علي بن أبي طالب عليه السّلام أنّه كان يقول:ممّا أسرّ إليّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:لتخضبن هذه من هذا،و أشار إلي لحيته و رأسه (4).

و عن عثمان بن المغيرة قال:لمّا دخل شهر رمضان كان علي في تلك الليالي ليلة عند الحسن و ليلة عند الحسين عليهما السّلام و ليلة عند ابن عبّاس (5)لا يزيد علي ثلاث لقم،فقيل له في ذلك فقال:

يأتيني أمر اللّه و أنا أخمص إنّما هي ليلة أو ليلتان،فأصيب رضي اللّه عنه في تلك الليالي من الليل (6)و في

ص: 135


1- تاريخ دمشق:546/42 ط.دار الفكر،و المستدرك:140/3،و مجمع الزوائد:138/9.
2- المستدرك:113/3،و مقتل الحسين للخوارزمي:274،و فرائد السمطين:/387/1ح 320.
3- ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق:/283/3ح 1372،و فضائل الصحابة لابن حنبل:/694/2ح 1187.
4- كنز العمال:/194/13ح 36580،و مناقب آل أبي طالب:93/3.
5- الصحيح:عبد الله بن جعفر.
6- ابن الأثير في الكامل:195/3.

سحر ذلك اليوم الذي أصيب فيه تمثّل رضي اللّه عنه بهذين البيتين:

أشدد حيازيمك للموت فإنّ الموت لاقيكا

و لا تجزع من القتل إذا و إن حلّ بواديكا (1)

ثمّ خرج فضربه ابن ملجم صبيحة إحدي و عشرين من رمضان يوم الجمعة،و مات يوم الأحد لثلاث و عشرين منه سنة أربعين،و دفن بالكوفة،قاله حريث بن المحسن (2).

و قال محمد بن الحنفية:و اللّه إنّي لأصلّي تلك الليلة التي ضرب بها علي عليه السّلام في المسجد في رجال كثير يصلّون قريبا من السجدة،إذ خرج علي لصلاة الغداة،و هو ينادي للصلاة الصلاة،إذ نظرت إلي بريق السيوف و سمعت:الحكم للّه يا علي لا لك و لا لأصحابك،و سمعت عليا يقول:لا يفوتنّكم الرجل،فشدّ الناس عليه من كلّ جانب و دفع علي في ظهر جعدة ابن هبيرة بن أبي وهب المخزومي (3)و صلّي الناس الغداة،و دخل علي عليه السّلام إلي منزله فلم أبرح حتّي جيء بابن ملجم لعنه اللّه فأدخل علي علي فدخلت فيمن دخل فسمعت عليّا يقول:النفس بالنفس فإن هلكت فاقتلوه كما قتلني،و إن بقيت رأيت فيه رأيي (4).

***

سبب قتل علي عليه السّلام

و لقد كان السبب في قتل ابن ملجم لعليّ عليه السّلام أنّ ابن ملجم المرادي و أصحابه البرك بن عبد اللّه الصريمي و عمرو بن بكر التميمي (5)اجتمعوا بمكّة و ذكروا أهل النهروان و ترحّموا عليهم و قالوا:

و اللّه ما نصنع بالحياة دونهم شيئا،كانوا دعاة الناس إلي عبادة ربّهم،و كانوا لا يخافون في اللّه لومة

ص: 136


1- ذكرهما أكثر المؤرّخين غير أنّ سبط ابن الجوزي زاد عليهما بيتا آخر و هو:فإنّ الدرع و البيضة يوم الروع تكفينا و الأبيات لأحيحة الأنصاري كما ذهب إليه المبرّد في كامله،و سبط ابن الجوزي في تذكرته،و لم يكن هناك من نسبها إلي الإمام عليه السّلام غير السيّد الأمين في أعيان الشيعة:642/1 و زاد عليها أربعة أبيات، و نسبها إلي الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و هي:و لا تغتر بالدهر و إن كان يواتيكا كما أضحكك الدهر كذلك الدهر يبكيا فقد اعرف أقواما و إن كانوا صعاليكا مساريع إلي النجدة للغي متاريكا
2- فضائل الصحابة لابن حنبل:/557/2ح 939،و مناقب الخوارزمي:411/492.
3- جعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم،و أمّه أمّ هانئ بنت أبي طالب،ولد بالمدينة و سكن الكوفة و نشأ بها و وليّ خراسان،و كان فقيها ذكره الحفّاظ في عداد الصحابة،غير أنّه ولد علي عهد النبيّ و ليست له صحبة،و قال الحاكم:إنّه رأي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و وثقوه و ذكره فيمن روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مرسلا و لم يلقه.تهذيب التهذيب:81/2.
4- الإرشاد:20/1،و مناقب آل أبي طالب:95/3.
5- في مروج الذهب:40/2:و زادويه مولي بني العنبر.

لائم،فلو شرينا أنفسنا و أتينا أئمّة الضلالة فأرحنا منهم الناس و البلاد و ثارينا بهم إخواننا.

فقال ابن ملجم:أنا أكفيكم علي بن أبي طالب،و كان من أهل مصر.

و قال البرك:أنا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان.

و قال عمرو بن بكر:أنا أكفيكم عمرو بن العاص،فتعاهدوا و تواثقوا باللّه لا ينكص الرجل منهم عن صاحبه الذي وجّه إليه حتّي يقتله أو يموت دونه،فأخذوا سيوفهم فسمّوها و اعتدوا أن يكون ذلك في ليلة التسع عشرة من رمضان يثب كلّ واحد منهم علي صاحبه الذي وجّه إليه،فسار كلّ واحد منهم إلي المصر الذي فيه صاحبه الذي طلب،فلمّا وصل ابن ملجم الكوفة لقي أصحابه بالكوفة فكاتمهم أمره كراهية أن يظهروا شيئا من أمره،فرأي ذات يوم أصحابا من تيم الرباب، و كان علي عليه السّلام قد قتل منهم يوم النهروان عددا،فذكروا قتلاهم و لقي من يومه ذلك امرأة من تيم الرباب يقال لها قطام(بنت عمّه)و كان علي قتل أباها و أخاها و كانت من أجمل النساء،فلمّا رآها التبست بعقله فخطبها فقالت:لا أتزوّجك حتّي تشتفي لي قال:و ما تريدين؟

قالت:قتل علي و ثلاثة آلاف و عبد و قينة،قال:ما سألت هو لك مهر،فخرج من عندها و هو يقول:

فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة كمهر قطم بينا غير معجم

ثلاثة آلاف و عبد وقينة و قتل علي بالحسام المصمم

فلا مهر أغلي من علي و إن غلا و لا فتك إلاّ دون فتك ابن ملجم (1)

فتزوّجته علي ذلك ثمّ قالت له:أمّا قتل علي فلا أراك تدركه قال:بلي،فقالت:فالتمس غرّته فإن صحبته انتفعت بنفسك و نفسي و نفعك العيش معي،و إن هلكت فما عند اللّه خير لك و أبقي من الدنيا و زبرجها،فقال:و اللّه ما جاء بي إلي هذا المصر إلاّ قتل علي بن أبي طالب فقالت:فأنا أطلب لك من يشدّ ظهرك و يساعدك علي أمرك،فبعثت إلي رجل من قومها يقال له وردان فكلّمته فأجابها و لقي ابن ملجم رجل من أشجع يقال له شبيب بن بحيرة،فقال له:هل لك في شرف الدنيا و الآخرة،فقال:و ما ذاك؟

قال:تساعدني علي قتل علي بن أبي طالب قال:ثكلتك أمّك لقد جئت شيئا إدّا،كيف تقدر علي ذلك؟ّم

ص: 137


1- ذكر المسعودي في المروج البيتين الآخرين و حذف البيت الأوّل،قد قيل:إنّها لابن مايس المرادي الشاعر، و قال ابن جرير:إنّها لابن شاس المرادي،و قال الطبري:انّها لابن أبي مايس المرادي،و ذكر الأبيات الثلاثة،و قد ذكر ابن قتيبة في الإمامة و السياسة:170/1 بدلا عن البيت الأوّل قول الشاعر:تضمن للأنام لا در درّه و لاقي عقابا غير ما متصرّم

قال:نكمن له في المسجد فإذا خرج للصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه،فإن نجونا شفينا أنفسنا و أدركنا ثأرنا،و إن قتلنا فما عند اللّه خير من الدنيا،قال:ويحك لو كان غير علي كان أهون عليّ، فقد عرفت الذي أبلاه في الإسلام و سابقته مع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و ما أجدني أنشرح لقتله،قال:أما تعلم أنّه قتل أهل النهروان العبّاد المصلّين؟

قال:بلي.

قال:نقتله بمن قتل من إخواننا،فأجابه إلي ذلك و جاؤوا إلي قطام و هي معتكفة في المسجد الأعظم،فأعلموها بذلك فقالت:إذا أردتم ذلك فأتوني فعادوا إليها ليلة الجمعة التي قتل علي عليه السّلام صبيحتها فقالت:هذه الليلة التي وعدت فيها صاحبي أن يقتل صاحبه،فدعت لهما بحرير و عصّبتهما و أخذوا أسيافهم و جلسوا مقابل السدّة التي يخرج منها علي عليه السّلام للمسجد،فلمّا خرج علي شدّ عليه الرجلان،فأمّا شبيب فوقع سيفه بعضادة الباب أو بالطاق،و ضربه ابن ملجم علي قرنه فشجّه و وصلت ضربته إلي أمّ دماغه،و هرب وردان حتّي دخل منزله،فدخل عليه رجل (1)من بني أميّة و هو ينزع الحرير عن صدره فقال:ما هذا السيف و الحرير؟

فأخبره بما كان فانصرف فجاء بسيفه فخلا به وردان حتّي قتله،و خرج شبيب نحو أبواب كندة في الغلس،و صاح الناس فلقيه رجل من حضر موت يقال له:عوض و في يد شبيب السيف،فهجم عليه الحضرمي و أخذ سيفه،فلمّا رأي الناس قد أقبلوا في طلبه و السيف في يده خاف علي نفسه فتركه و نجي بنفسه،و نجا شبيب في غمار الناس،و أخذوا ابن ملجم فأتوا به عليّا فقال له:أيّ عدوّ اللّه ألم أحسن إليك؟

قال:بلي،قال:فما حملك علي هذا؟

قال:شحذته أربعين صباحا و سألت اللّه أن يصل به شرّ خلقه،فقال علي عليه السّلام:فلا أراك إلاّ مقتولا به و لا أراك إلاّ من شرّ خلق اللّه.

و أمّا البرك و عمرو بن بكر في تلك الليلة التي ضرب فيها علي عليه السّلام فقعد كلّ منهما لصاحبه، فقد قعد عمرو بن بكر لعمرو بن العاص،فلم يخرج اتّفاقا تلك الليلة و أرسل عوضه خارجة يصلّي بالناس فقتله و هو يظنّ أنّه عمرو،فقيل في ذلك:أراد عمروا و أراد اللّه خارجة و قيل:إنّه لما عرف أنّه ليس هو كفّ عنه و قال:إنّما أريد قتل عمرو و لا فائدة لي من قتل هذا فتركه.

و قعد البرك لمعاوية فلمّا خرج لصلاة الصبح شدّ عليه فأدبر معاوية هاربا فوقع السيف في عجزه و أخذ البرك فقال:إنّ معي خبرا أسرّك به فهل ذلك نافعي عندك؟قال:نعم،قال:إنّ أخاك3.

ص: 138


1- هو عبد اللّه بن بحرة.مروج الذهب:289/2،طبقات ابن سعد:23/3.

عليّا قتل في هذه الليلة،قال:فلعلّ قاتله لم يقدر علي ذلك،قال:بلي،إنّ عليّا يخرج و ليس معه أحد يحرسه فأمر به معاوية فقتل،و بعث إلي الساعدي و كان طبيبا فلمّا نظر إليه قال:إختر إحدي خصلتين،إمّا أحمي حديدة و أضعها موضع السيف،و إمّا أن أسقيك شربة تقطع منك الولد و تبرأ منها،فإنّ ضربتك مسمومة فقال معاوية:أمّا النار فلا صبر لي عليها،و امّا انقطاع الولد فإنّ في يزيد و عبد اللّه و أولادهما ما تقرّ به عيني فسقاه تلك الشربة فبرأ و لم يولد له (1).

و أمّا علي عليه السّلام فلم يعالج ضربته و كانت قد بلغت إلي أمّ رأسه فمات منها عليه السّلام.

***

وصية علي عليه السّلام قبل الشهادة

و لمّا حضره الموت دعا بدواة و صحيفة و قال للكاتب أكتب:

بسم اللّه الرّحمن الرحيم:هذا ما أوصي به علي بن أبي طالب،أنّه يشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و أنّ محمّدا عبده و رسوله،أرسله بالهدي و دين الحقّ ليظهره علي الدين كلّه و لو كره المشركون،ثمّ إنّ صلاتي و نسكي و محياي و مماتي للّه ربّ العالمين،لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أوّل المسلمين،أوصيك يا حسن و ولدي و جميع أهل بيتي و من بلغه كتابي هذا من المؤمنين بتقوي اللّه و لا تموتنّ إلاّ و أنتم مسلمون،و اعتصموا بحبل اللّه جميعا و لا تفرّقوا،فإنّي سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«صلاح ذات البين خير من عامّة الصلاة و الصوم».

أنظروا إلي ذوي أرحامكم فصلوهم يهوّن اللّه عليكم الحساب،اللّه الله في الأيتام لا يغيروا أفواهم و لا يضيعوا بحضرتكم،و اللّه و اللّه في جيرانكم فإنّهم وصيّة نبيّكم ما زال يوصي بهم حتّي ظننا أنّه سيورّثهم.

و الله و اللّه في القرآن فلا يسبقنّكم إلي العمل به غيركم،و اللّه و اللّه في الصلاة فإنّها عماد دينكم،و اللّه و اللّه في صيام شهر رمضان فإنّ صيامه جنّة من النار،و اللّه و اللّه في الجهاد في سبيل اللّه بأموالكم و أنفسكم و ألسنتكم،و اللّه و اللّه في الزكاة فإنّها تكفّ غضب الربّ،و اللّه و اللّه في ذمّة نبيّكم لا تظلمنّ بين ظهرانيكم.

و الله و اللّه في أصحاب نبيّكم فإنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أوصانا بهم،و اللّه و اللّه في الفقراء و المساكين فشاركوهم في معاشكم،و اللّه و اللّه فيما ملكت أيمانكم فإنّ آخر ما أوصانا به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أن قال:أوصيكم بالضعيفين نسائكم و ما ملكت أيمانكم.

ص: 139


1- تاريخ الطبري:115/4،و الإمامة و السياسة:169/1.

الصلاة الصلاة لا تخافوا في اللّه لومة لائم يكفكم من أرادكم و بغي عليكم،و قولوا للناس حسنا كما أمركم اللّه،و لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،فيولّي الأمر شراركم ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم،و عليكم بالتواصل و التباذل و الثبات،و إيّاكم و التدابر و التقاطع و التفرّق و الحسد،و تعاونوا علي البرّ و التقوي و لا تعاونوا علي الإثم و العدوان،و اتقوا اللّه إنّ اللّه شديد العقاب.

حفظكم اللّه من أهل بيت و حفظ فيكم نبيّكم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،أستودعكم اللّه و أقرأ عليكم السلام و رحمة اللّه و بركاته (1).

ثمّ لم يتكلّم بشيء بعد ذلك إلاّ بلا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حتّي قبض رحمة اللّه و رضوانه عليه.

***

شهادة علي بن أبي طالب عليه السّلام

اشارة

قتل عليه السّلام بالكوفة صبيحة ليلة الجمعة لسبع عشرة (2)ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربعين، و هو ابن ثلاث و ستين،و يقال:بضع و خمسين،و دفن بظهر الكوفة(بالنجف)عند مسجد الجماعة في قصر الإمارة،و الذي ولي قتله عبد الرّحمن بن ملجم المرادي،و قد روي عن أبي بكر الصّدّيق.

و قيل:قتل بالكوفة لسبع عشر ليلة مضت من رمضان يوم الجمعة سنة أربعين و هو يومئذ ابن ثلاث و ستين،و يقال:ابن ثمان و خمسين،و كانت خلافته أربع سنين و ثمانية أشهر،و ثلاثة عشر يوما،و دفن بالكوفة ليلا،و غمّط قبره (3)،و يقال:دفن عند المسجد الجامع في قصر الإمارة (4).

و قال الواقدي:قتل في شهر رمضان سنة أربعين و هو ابن ثلاث و ستين سنة،و يقال:ابن سبع و خمسين سنة.

و قال الواقدي في التاريخ:قتل ليلة الجمعة لسبع عشرة خلت من شهر رمضان سنة أربعين، فكانت إمرة عليّ أربع سنين،و ثمانية أشهر،و تسعة و عشرين يوما.

و ذكر ابن أبي شيبة أن النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قبض و عليّ بن أبي طالب ابن سبع و عشرين سنة.

ص: 140


1- نقل الوصيّة هذه بحذافيرها جلّ المؤرّخين قديما و حديثا باختلاف يسير في ألفاظها،و إنّها عين الوصيّة التي أوصي بها الإمام عليه السّلام و هو في آخر نفساته الشريفة كما ذكرها الطبري في تاريخه:113/4،و ابن كثير في البداية و النهاية:327/7.
2- سيأتي أنه لتسع عشرة.
3- أي غطي.
4- تاريخ مدينة دمشق:13/42.

قال أبو بكر الخطيب (1):أمير المؤمنين،و ابن عم خاتم النبيين عليّ بن أبي طالب،و اسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان،يكنّي أبا الحسن،و أبا تراب.

و أمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف،و هي أوّل هاشمية ولدت لهاشمي.

و عليّ أوّل من صدق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من بني هاشم،و شهد المشاهد معه،و جاهد معه،و مناقبه أشهر من أن تذكر،و فضائله أكثر من أن تحصي.

قال الزبير بن عدي،عن أبيه عن عليّ قال:عهد إليّ النبيّ الأميّ أن تخضّب هذه من دم هذا.

يعني لحيته.

و عن زيد بن أسلم أنّ أبا سنان الدؤلي حدّثه أنه عاد عليا في شكوي اشتكاها،قال:فقلت له:لقد تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه،فقال:لكني و اللّه ما تخوّفت علي نفسي منه لأنّي سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم الصادق المصدوق صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:«إنك ستضرب ضربة ها هنا-و أشار إلي صدغه-فيسيل دمها حتي تخضّب لحيتك،و يكون صاحبها أشقاها،كما كان عاقر النّاقة أشقي ثمود» (2).

و عن عمّار بن ياسر قال:كنت أنا و عليّ بن أبي طالب رفيقين في غزوة العسيرة من بطن ينبع فلما نزلها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أقام بها شهرا،فصالح بها بني مدلج[و حلفاءهم من بني ضمرة، فوادعهم،فقال له عليّ بن أبي طالب:هل لك يا أبا اليقظان أن تأتي هؤلاء-نفر من بني مدلج] يعملون في عين لهم،ننظر كيف يعملون؟فأتيناهم،فنظرنا إليهم ساعة ثم غشينا النوم،فعمدنا إلي صور (3)من النخل في دقعاء (4)من الأرض فنمنا فيه،فو الله ما أهبّنا إلاّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بقدمه، فجلسنا و قد تترّبنا من تلك الدقعاء فيومئذ قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لعلي:«يا أبا تراب»لما عليه من التراب،فأخبرناه بما كان من أمرنا فقال:«ألا أخبركما بأشقي الناس،رجلين»قلنا:بلي يا رسول اللّه،فقال:«أحيمر ثمود الذي عقر الناقة،و الذي يضربك يا عليّ علي هذه-فوضع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يده علي رأسه-حتي يبلّ منها هذه»و وضع يده علي لحيته.).

ص: 141


1- تاريخ بغداد 133/1.
2- المستدرك 3:113،مناقب الخوارزمي:274،شواهد التنزيل 2:1099/338،فرائد السمطين 1: 320/387،مجمع الزوائد 9:137 عن الطبراني.
3- الصور:النخل الصغار،و قيل:هو المجتمع(اللسان:صور).
4- الدقعاء:عامة التراب(اللسان:دقع).

و عن أبي الطفيل أنّ عليا جمع الناس للبيعة،جاء عبد الرّحمن بن ملجم فردّه مرتين ثم قال عليّ:ما يحبس أشقاها،فو الله لتخضبنّ هذه من هذا،ثم تمثّل:

أشدد حيازيمك للموت فإنّ الموت لاقيك

و لا تجزع من القتل إذا حل بواديك (1)

عن عائشة قالت:رأيت النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إلتزم عليا و قبّله و[هو] (2)يقول:«بأبي الوحيد الشهيد، بأبي الوحيد الشهيد» (3).

و عن أسيد بن صفوان صاحب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:لمّا كان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين عليه السّلام ارتجّ الموضع بالبكاء و دهش الناس كيوم قبض النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و جاء رجل باكيا و هو مسرع مسترجع و هو يقول:اليوم انقطعت خلافة النبوّة حتّي وقف علي باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين عليه السّلام فقال:رحمك اللّه يا أبا الحسن كنت أوّل القوم إسلاما و أخلصهم إيمانا و أشدّهم يقينا و أخوفهم للّه و أعظمهم عناء و أحوطهم علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و آمنهم علي أصحابه و أفضلهم مناقب و أكرمهم سوابق و أرفعهم درجة و أقربهم من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أشبههم به هديا و خلقا و سمتا و فعلا و أشرفهم منزلة و أكرمهم عليه فجزاك اللّه عن الإسلام و عن رسوله و عن المسلمين خيرا،قويت حين ضعف أصحابه و برزت حين استكانوا و نهضت حين وهنوا و لزمت منهاج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذ همّ أصحابه،[و]كنت خليفته حقّا،لم تنازع و لم تضرع برغم المنافقين و غيظ الكافرين و كره الحاسدين و صغر الفاسقين،فقمت بالأمر حين فشلوا و نطقت حين تتعتعوا و مضيت بنور اللّه إذ وقفوا،فاتّبعوك فهدوا،و كنت أخفضهم صوتا و أعلاهم قنوتا و أقلّهم كلاما و أصوبهم نطقا و أكبرهم رأيا و أشجعهم قلبا و أشدّهم يقينا و أحسنهم عملا،و أعرفهم بالأمور.

كنت و اللّه يعسوبا للدّين أولا و آخرا الأوّل حين تفرّق الناس و الآخر حين فشلوا،كنت للمؤمنين أبا رحيما إذ صاروا عليك عيالا،فحملت أثقال ما عنه ضعفوا و حفظت ما أضاعوا و رعيت ما أهملوا و شمّرت إذ اجتمعوا و علوت إذ هلعوا و صبرت إذ أسرعوا و أدركت أوتار ما طلبوا و نالوا بك ما لم يحتسبوا،كنت علي الكافرين عذابا صبّا و نهبا و للمؤمنين عمدا و حصنا،فطرت و اللّه بنعمائها و فزت بحبائها و أحرزت سوابقها و ذهبت بفضائلها،لم تفلل حجتّك و لم يزغ قلبك و لم تضعف بصيرتك و لم تجبن نفسك و لم تخرّ،كنت كالجبل لا تحرّكه العواصف،و كنت كما قال:

أمن النّاس في صحبتك،و ذات يدك،و كنت كما قال:ضعيفا في بدنك،قويا في أمر اللّه،متواضعا8.

ص: 142


1- الفتوح لابن أعثم 3:277.278،الكامل في التاريخ 3:388،مطالب السؤول 1:203،مجمع الزوائد:138/9.
2- زيادة لازمة للإيضاح.
3- فرائد السمطين 1:315/383،مجمع الزوائد 9:138.

في نفسك عظيما عند اللّه،كبيرا في الأرض،جليلا عند المؤمنين.

لم يكن لأحد فيك مهمز،و لا لقائل فيك مغمز[و لا لأحد فيك مطمع]و لا لأحد عندك هوادة الضعيف الذليل عندك قويّ عزيز حتّي تأخذ له بحقّه،و القويّ العزيز عندك ضعيف ذليل حتّي تأخذ منه الحقّ،و القريب و البعيد عندك في ذلك سواء،شأنك الحقّ و الصدق و الرّفق و قولك حكم و حتم و أمرك حلم و حزم و رأيك علم و عزم فيما فعلت،و قد نهج السبيل و سهل العسير و أطفئت النيران و اعتدل بك الدّين و قوي بك الإسلام،فظهر أمر اللّه و لو كره الكافرون و ثبت بك الإسلام و المؤمنون و سبقت سبقا بعيدا و أتعبت من بعدك تعبا شديدا،فجللت عن البكاء و عظمت رزيّتك في السّماء و هدّت مصيبتك الأنام،فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون،رضينا عن اللّه قضاءه و سلّمنا للّه أمره،فو الله لن يصاب المسلمون بمثلك أبدا،كنت للمؤمنين كهفا و حصنا و قنّة راسيا و علي الكافرين غلظة و غيظا، فألحقك اللّه بنبيّه و لا أحرمنا أجرك و لا أضلّنا بعدك.و سكت القوم حتي انقضي كلامه و بكي و بكي أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ طلبوه فلم يصادفوه (1).

و عن صفوان الجمّال قال:كنت أنا و عامر و عبد اللّه بن جذاعة الأزدي عند أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:فقال له عامر:جعلت فداك إنّ الناس يزعمون أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام دفن بالرحبة؟قال:لا، قال:فأين دفن؟قال:إنّه لمّا مات احتمله الحسن عليه السّلام فأتي به ظهر الكوفة قريبا من النجف يسرة عن الغريّ يمنة عن الحيرة،فدفنه بين ذكوات بيض،قال:فلمّا كان بعد ذهبت إلي الموضع فتوهّمت موضعا منه،ثمّ أتيته فأخبرته فقال لي:أصبت رحمك اللّه-ثلاث مرّات- (2).

و عن عبد اللّه بن سنان قال:أتاني عمر بن يزيد فقال لي:إركب،فركبت معه،فمضينا حتّي أتينا منزل حفص الكناسي فاستخرجته فركب معنا،ثمّ مضينا حتّي أتينا الغريّ فانتهينا إلي قبر، فقال:إنزلوا هذا قبر أمير المؤمنين عليه السّلام،فقلنا:من أين علمت؟فقال:أتيته مع أبي عبد اللّه عليه السّلام حيث كان بالحيرة غير مرّة و خبّرني أنّه قبره.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سمعه يقول:لمّا قبض أمير المؤمنين عليه السّلام أخرجه الحسن و الحسين و رجلان آخران حتّي إذا خرجوا من الكوفة تركوها عن أيمانهم،ثمّ أخذوا في الجبّانة حتّي مروا به إلي الغريّ فدفنوه و سوّوا قبره فإنصرفوا (3).

***9.

ص: 143


1- الكافي:456/1 ح 4،و البحار:305/42.
2- الكافي:456/1 ح 5.
3- الكافي:458/1 ح 11،و البحار:222/42 ح 29.

الآيات بعد قتل علي عليه السّلام

و روي عن ابن شهاب الزهري رحمه اللّه قال:دخلت الشام و أنا أريد الغزو،فأتيت عبد الملك ابن مروان لأسلّم عليه قال:فوجدته في قبّة علي فرش تقرب من القائم أو تفوق القائم و الناس تحته سماطان فسلّمت ثمّ جلست،فقال لي:يا ابن شهاب أتعلم ما كان في البيت المقدّس صباح قتل علي بن أبي طالب؟

قلت:نعم،قال:هلم فقمت من وراء الناس حتّي أتيت خلف القبّة فحوّل إليّ وجهه و انحني عليّ فقال:ما كان؟قلت:لم يرفع حجر من بيت المقدس إلاّ وجد تحته دم فقال:لم يبق أحد يعلم بهذا غيري و غيرك،فلا يسمعنّ هذا منك أحد قال:فما حدّثت به حتّي توفي (1).

و عن الزهري:أنّ أسماء الأنصارية قالت:ما رفع حجر بإيليا،يعني حين قتل علي بن أبي طالب إلاّ وجد تحته دم عبيط (2).

قال الحافظ أبو بكر بن الحسين البيهقي رحمه اللّه قلت:كذا روي في هاتين الروايتين،و قد روي بإسناد صحيح عن الزهري أنّ ذلك كان حين قتل الحسين بن علي عليهما السّلام و لعلّه وجد عند قتلهما جميعا و اللّه أعلم (3).

و روي عن لمح خال المتوكّل قال:سمعت سليم بن منصور بن عمّار عن أبيه قال:سحت علي شط البحر فأتيت علي دير،و في الدير صومعة فيها راهب فناديته فأشرف عليّ فقلت:من أين يأتيك طعامك؟

قال:من مسيرة شهر.

قلت:حدّثني بأعجب ما رأيت من هذا البحر قال:أنظر تلك الصخرة و أومأ بيده إلي صخرة علي شط البحر فقلت:نعم،فقال:يخرج كلّ يوم من هذا البحر طائر مثل النعامة فيقع عليها فإذا استوي واقفا تقيّأ رأسا ثمّ تقيّأ يدا ثمّ تقيأ رجلا ثمّ تقيّأ يدا رجلا ثمّ تلتئم الأعضاء بعضها إلي بعض فيستوي إنسانا قاعدا فيهمّ بالقيام فينقره الطائر نقرة فيأخذ رأسه ثمّ يأخذ عضوا عضوا كما قاه،فلمّا طال ذلك عليّ ناديته يوما و قد استوي جالسا ألا من أنت؟

فالتفت إليّ و قال:هو عبد الرّحمن بن ملجم قاتل عليّ بن أبي طالب،وكّل اللّه بي هذا الطائر فهو يعذّبني إلي يوم القيامة (4).

ص: 144


1- تاريخ دمشق:568/42 ط.دار الفكر،و المستدرك:113/3،و رواه ابن أبي الدنيا في مقتله.
2- مناقب آل أبي طالب:170/2،و المستدرك:144/3.
3- ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق:/317/3ح 1424.
4- مناقب الخوارزمي:405/388،و مناقب آل أبي طالب:347/2،و الفصول المهمة:141.

خطبة الحسن بعد وفاة أبيه عليهما السّلام

عن أبي جعفر عليه السّلام قال:لمّا قبض أمير المؤمنين عليه السّلام قام الحسن بن عليّ عليه السّلام في مسجد الكوفة فحمد اللّه و أثني عليه و صلّي علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،ثمّ قال:أيّها الناس إنّه قد قبض في هذه اللّيلة رجل ما سبقه الأوّلون و لا يدركه الآخرون،إنّه كان لصاحب راية رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عن يمينه جبرئيل و عن يساره ميكائيل،لا ينثني حتّي يفتح اللّه له،و اللّه ما ترك بيضاء و لا حمراء إلاّ سبعمائة درهم فضلت عن عطائه،أراد أن يشتري بها خادما لأهله و اللّه لقد قبض في اللّيلة التي فيها قبض وصيّ موسي يوشع بن نون و اللّيلة التي عرج فيها بعيسي ابن مريم و اللّيلة التي نزل فيها القرآن (1).

***

فضل زيارة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام

الكليني،عن محمّد بن يحيي،عن حمدان بن سليمان،عن عبد اللّه بن محمّد اليماني،عن منيع بن الحجاج،عن يونس،عن أبي وهب القصري قال:دخلت المدينة فأتيت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقلت:جعلت فداك أتيتك و لم أزر أمير المؤمنين عليه السّلام،قال:بئس ما صنعت لو لا أنّك من شيعتنا ما نظرت اليك،ألا تزور من يزوره اللّه مع الملائكة و يزوره الأنبياء و يزوره المؤمنون؟قلت:جعلت فداك ما علمت ذلك،قال:إعلم أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام أفضل عند اللّه من الأئمة كلّهم و له ثواب أعمالهم و علي قدر أعمالهم فضّلوا (2).

أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه،عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري،عن أبيه، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب،عن محمّد بن سنان،عن المفضل بن عمر الجعفي قال:

دخلت علي أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت له:إني أشتاق إلي الغري فقال:فما شوقك إليه؟فقلت له:إني أحب أن أزور أمير المؤمنين عليه السّلام،فقال:هل تعرف فضل زيارته؟فقلت:لا يا ابن رسول اللّه إلاّ أن تعرّفني ذلك،قال:إذا زرت أمير المؤمنين عليه السّلام فاعلم انّك زائر عظام آدم و بدن نوح و جسم علي بن أبي طالب عليه السّلام،فقلت:إنّ آدم عليه السّلام هبط بسرانديب في مطلع الشمس و زعموا أنّ عظامه في بيت اللّه الحرام فكيف صارت عظامه بالكوفة؟فقال:إنّ اللّه أوحي إلي نوح عليه السّلام و هو في السفينة أن يطوف بالبيت سبعا فطاف بالبيت كما أوحي اللّه تعالي إليه ثمّ نزل في الماء إلي ركبتيه فاستخرج تابوتا فيه عظام آدم عليه السّلام فحمله في جوف السفينة حتي طاف ما شاء اللّه أن يطوف ثمّ ورد إلي باب الكوفة في وسط مسجدها ففيها قال اللّه تعالي للأرض اِبْلَعِي مٰاءَكِ فبلعت ماءها في مسجد الكوفة كما بدأ

ص: 145


1- الكافي:457/1 ح 8،و البحار:16/78 ح 23.
2- الكافي:579/4 ح 3.

الماء منه و تفرق الجمع الذي كان مع نوح عليه السّلام في السفينة فأخذ نوح عليه السّلام التابوت فدفنه في الغري، و هو قطعة من الجبل الذي كلّم اللّه عليه موسي تكليما و قدّس عليه عيسي تقديسا و اتخذ عليه إبراهيم خليلا و اتخذ محمّدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حبيبا و جعله للنبيين مسكنا فو الله ما سكن فيه بعد أبويه الطيبين آدم و نوح أكرم من أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه فإذا زرت جانب النجف فزر عظام آدم و بدن نوح و جسم علي بن أبي طالب عليه السّلام فإنّك زائر الآباء الأولين و محمّدا خاتم النبيين و عليّا سيّد الوصيين و أنّ زائره تفتح له أبواب السماء عند دعوته فلا تكن عن الخير نوّاما (1).

الشيخ باسناده عن محمّد بن أحمد بن داود،عن محمّد بن همام،قال وجدت في كتاب كتبه ببغداد جعفر بن محمّد قال حدثنا محمّد بن الحسن الرازي،عن الحسين بن اسماعيل الصيمري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من زار أمير المؤمنين عليه السّلام ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة حجة و عمرة فإن رجع ماشيا كتب اللّه له بكل خطوة حجّتين و عمرتين (2).

الشيخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن داود،عن أبي الحسين أحمد بن محمّد بن المجاور، قال حدثنا أبو محمّد بن المغيرة الكوفي،قال حدثنا الحسين بن محمّد بن مالك،عن أخيه جعفر، عن رجاله يرفعه قال:كنت عند جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام و قد ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام فقال ابن مارد لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما لمن زار جدك أمير المؤمنين عليه السّلام؟

فقال:يا ابن مارد من زار جدي عارفا بحقّه كتب اللّه له بكل خطوة حجّة مقبولة و عمرة مبرورة،و اللّه يا ابن مارد ما يطعم اللّه النار قدما أغبرت في زيارة أمير المؤمنين عليه السّلام ماشيا كان أو راكبا،يا ابن مارد أكتب هذا الحديث بماء الذهب (3).

الشيخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن داود،عن محمّد بن علي بن الفضل قال أخبرني الحسين بن محمّد بن الفرزدق،قال حدثنا علي بن موسي بن الأحول قال حدثنا محمّد بن أبي السري إملاءا،قال حدّثني عبد اللّه بن محمّد البلوي،قال حدثنا عمارة بن زيد،عن أبي عامر الساجي واعظ أهل الحجاز قال أتيت أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السّلام فقلت له:يا ابن رسول اللّه ما لمن زار قبره يعني أمير المؤمنين و عمّر تربته؟قال:يا أبا عامر حدّثني أبي عن أبيه،عن جده الحسين بن علي،عن علي عليه السّلام أنّ النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال له:و اللّه لتقتلنّ بأرض العراق و تدفن بها،قلت:

يا رسول اللّه ما لمن زار قبورنا و عمّرها و تعاهدها؟فقال لي:يا أبا الحسن انّ اللّه جعل قبرك و قبر ولدك بقاعا من بقاع الجنّة و عرصة من عرصاتها و إنّ اللّه جعل قلوب نجباء من خلقه و صفوته من عباده تحنّ إليكم و تحتمل المذلّة و الأذي فيكم فيعمرون قبوركم و يكثرون زيارتها تقربا منهم إلي اللّه6.

ص: 146


1- كامل الزيارات:38 ح 2.
2- التهذيب:20/6 ح 3.
3- التهذيب:21/6 ح 6.

مودّة منهم لرسوله أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي و الواردون حوضي و هم زواري غدا في الجنة،يا علي من عمّر قبوركم و تعاهدها فكأنّما أعان سليمان بن داود علي بناء بيت المقدس،و من زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجّة بعد حجّة الإسلام و خرج من ذنوبه حتي يرجع من زيارتكم كيوم ولدته امه،فأبشر و بشّر أولياءك و محبيك من النعيم و قرّة العين بما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر علي قلب بشر و لكن حثالة من الناس يعيّرون زوار قبوركم بزيارتكم كما تعير الزانية بزناها أولئك شرار أمّتي لا نالتهم شفاعتي و لا يردون حوضي (1).

***

ذكر أمه فاطمة بنت أسد عليها السّلام

اشارة

هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي،زوجة الصدّيق أبو طالب وصيّ الأنبياء و حامل وصاياهم،كافلة النبيّ الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أمّه المدافعة عنه و المؤثرة له علي أولادها،أمّ أمير المؤمنين عليه السّلام وصيّ ربّ العالمين،و أمّ طالب و جعفر و عقيل.

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنّ فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين كانت أوّل امرأة هاجرت إلي رسول اللّه من مكّة إلي المدينة علي قدميها و كانت من أبرّ النّاس برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فسمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو يقول:إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما ولدوا،فقالت:و اسوأتاه،فقال لها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:فإنّي أسأل اللّه أن يبعثك كاسية،و سمعته يذكر ضغطة القبر،فقالت:و اضعفاه، فقال لها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:فإنّي أسأل اللّه أن يكفيك ذلك.

و قالت لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يوما:إنّي أريد أن أعتق جاريتي هذه،فقال لها:إن فعلت أعتق اللّه بكلّ عضو منها عضوا منك من النّار،فلمّا مرضت أوصت إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و أمرت أن يعتق خادمها،و اعتقل لسانها فجعلت تومي إلي رسول اللّه إيماء فقبل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم وصيّتها.فبينما هو ذات يوم قاعد إذ أتاه أمير المؤمنين عليه السّلام و هو يبكي فقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:ما يبكيك؟فقال:ماتت أمّي فاطمة،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:و أمّي و الله،و قام مسرعا حتّي دخل فنظر إليها و بكي؟ثمّ أمر النساء أن يغسّلنها و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إذا فرغتنّ فلا تحدثن شيئا حتّي تعلمنني،فلمّا فرغن أعلمنه بذلك، فأعطاهنّ أحد قميصيه الّذي يلي جسده و أمرهنّ أن يكفّنّها فيه.

و قال للمسلمين:إذا رأيتموني قد فعلت شيئا لم أفعله قبل ذلك فسلوني لم فعلته،فلمّا فرغن من غسلها و كفنها دخل صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فحمل جنازتها علي عاتقه،فلم يزل تحت جنازتها حتّي أوردها قبرها، ثمّ وضعها و دخل القبر فاضطجع فيه،ثمّ قام فأخذها علي يديه حتّي وضعها في القبر،ثمّ انكبّ

ص: 147


1- التهذيب:22/6 ح 7.

عليها طويلا يناجيها و يقول لها:إبنك،إبنك[إبنك]ثمّ خرج و سوّي عليها،ثمّ انكبّ علي قبرها فسمعوه يقول:لا إله إلاّ اللّه،اللّهمّ إنّي أستودعها إيّاك،ثمّ انصرف،فقال له المسلمون:إنّا رأيناك فعلت أشياء لم تفعلها قبل اليوم،فقال:اليوم فقدت برّ أبي طالب،إن كانت ليكون عندها الشيء فتؤثرني به علي نفسها و ولدها،و إنّي ذكرت القيامة و أنّ الناس يحشرون عراة،فقالت:واسوأتاه، فضمنت لها أن يبعثها اللّه كاسية،و ذكرت ضغطة القبر فقالت:و اضعفاه،فضمنت لها أن يكفيها اللّه ذلك،فكفنّتها بقميصي و اضطجعت في قبرها لذلك و انكببت عليها،فلقّنتها ما تسأل عنه،فإنّها سئلت عن ربّها فقالت،و سئلت عن رسولها فأجابت و سئلت عن وليّها و إمامها فارتج عليها،فقلت:

إبنك إبنك[إبنك (1)].

و عن المفضّل بن عمر قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:لمّا ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فتح لآمنة بياض فارس و قصور الشام،فجاءت فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين إلي أبي طالب ضاحكة مستبشرة،فأعلمته ما قالت آمنة،فقال لها أبو طالب:و تتعجّبين من هذا،إنّك تحبلين و تلدين بوصيّه و وزيره (2).

***

إسلام السيّدة فاطمة عليه السّلام

بعد أن كانت علي دين إبراهيم

كانت الصدّيقة فاطمة بنت أسد ثاني امرأة مسلمة بعد خديجة،و أوّل امرأة بايعت النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من النساء و أسلمت بعد عشرة من المسلمين فكانت الحادي عشر (3).

و كانت قبل ذلك هي و أبو طالب عليه السّلام علي دين النبي إبراهيم كما صرّحت بذلك عند ولادة الأمير،قالت:أيّ ربّ إنّي مؤمنة بك و بما جاء به من عندك الرسول و بكلّ نبيّ من أنبيائك و بكلّ كتاب أنزلته و إنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل و أنّه بني بيتك العتيق... (4).

***

ص: 148


1- الكافي:454/1 ح 2،و البحار:280/6.
2- البحار:273/15 ح 18،و مناقب آل أبي طالب:31/1.
3- البحار:182/35،و تذكرة الخواص:200،و ينابيع المودّة:179/1.
4- البحار:36/35 ح 37.

عناية فاطمة بالنبيّ عليهما السّلام

بعد وفاة آمنة بنت وهب أمّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم انتقل إلي بيت أبي طالب عمّه فربّته فاطمة بنت أسد و كفلته و كانت تعتني فيه و تحبّه حبّا شديدا.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:..فلقد كانت تجوّع أولادها و تشبعني و تشعث أولادها و تدهنني،و اللّه لقد كان في دار أبي طالب نخلة فكانت تسابق إليها من الغداة لتلتقط ثمّ تجنيه رضي اللّه عنها فإذا خرجوا بنو عمّي تناولني ذلك (1).

و زاد في حديث:و تكسوني و تعريهم (2).

و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ أبي هلك و أنا صغير فأخذتني هي و زوجها فكانا يوسعان عليّ و يؤثراني علي أولادهما...» (3).

و استمرّت فاطمة عليها السّلام بالتلطّف علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و العناية به حتّي توفّيت صلوات اللّه عليها، و من مكافأة النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لها-كما يأتي-يتبيّن مدي اعتناء الصدّيقة الطاهرة فاطمة بنت أسد بالنبيّ و تربيته و العطف عليه.

نستفيد من عناية فاطمة بنت أسد بالنبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أن تفكّر المرأة في حضانة الأيتام و الإهتمام بهم أكثر من الإهتمام بأولادها،سواء جاءت باليتيم إلي بيتها أم لا،علي حسب ظروف كلّ بيت،لأنّ اليتيم الذي فقد أبويه أو أحدهما يبقي بحاجة إلي العناية و العطف و الحنان،يبقي بحاجة إلي من ينظّف ثيابه و بدنه،إلي من يأتيه بهديّة العيد أو لباس جديد في بعض المناسبات،يحتاج إلي من يرفّه له عن نفسه كبقيّة الأولاد،فلا يجوز أن يحسّ بنقص في هذه الأمور إضافة إلي فقد أبويه.

و باعتقادي أنّ فاطمة بنت أسد كانت سوف تتصرّف كذلك حتّي لو لم يكن اليتيم هو رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،لأنّ أخلاق فاطمة و عطفها يقتضي ذلك.

و لا بدّ من الإشارة إلي أمر مهمّ في المجتمع و هو أنّ اليتيم هو من فقد أباه أو أمّه فيحتاج إلي من يعوّضه عنهما أو عن الأشياء التي لو كانا حيّين لجلباها إليه.

و لكن في المجتمعات تفاوت في الوعي و الإدراك أو في العطف و الحنان،أو في القدرة المادّية علي تأمين الطعام و اللباس و بعض الحاجيات،فقد يوجد طفل أو ولد له أمّ و أب و لكن لا يستطيعان أن يعطيانه الحنان و العطف الكافي أو تأمين حاجاته المادّية و المعنوية،إمّا لسفر أبيه أو

ص: 149


1- البحار:241/6 ح 60،و الفضائل لشاذان:102.
2- البحار:71/35 ح 4.
3- علل الشرائع:469/2 ح 31.

أمّه أو لمرضهما أو لعدم توفّر الوعي الكامل لهذا الأمر أو لأيّ سبب،فإنّ إعطاء هذا الطفل أو الولد ما يحتاجه من الحنان و العطف و سدّ ما يحتاجه فيه من الأجر و الثواب ما لا يحصيه إلاّ اللّه، بل في بعض الأحيان قد يكون أهمّ من العناية بالأيتام،خاصّة في هذه الأزمنة من وجود مؤسّسات إنسانية ترعي الأيتام،لأنّ الإهتمام باليتيم-في غالب الظنّ-إنّما كان من أجل ما يلحق به من نقص و أذي فإذا وجد ذلك في غير اليتيم أو كان في غير اليتيم أشدّ أذي فإنّ إكرامه من أجل ذلك أمر مهمّ و خدمة إنسانية عالية.

نعم،هذا ليس معناه عدم التبرّع للأيتام و الإهتمام بهم إنّما المقصود إلفات النظر إلي هذه المشكلة الإجتماعية الكبيرة.

ثمّ إنّه يتأكّد هذا الأمر علي المعلّمين و المعلّمات سواء في المدارس العصرية أو المعاهد أو غيرهما،فلا بدّ من العناية بهؤلاء الأطفال و الأولاد الذين فقدوا حنان و عطف الأب و الأمّ و رعايتهما نتيجة الفقر أو المسكنة أو قلّة العلم و الحنان.

نسأل اللّه تعالي أن يتحنّن علينا و أن يحنّن قلوب الناس علي أيتام آل محمّد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و شيعتهم خصوصا المستضعفين منهم و الحمد للّه ربّ العالمين.

***

عناية النبي بفاطمة بنت أسد عليها السّلام

إعتني النبي الأكرم محمّد بن عبد اللّه بفاطمة لخصال منها أنّها أمّ علي بن أبي طالب أخوه و صهره و أوّل مؤمن به،و منها أنّها زوجة حاميه و كافله و مربّيه،و منها أنّها أمّه التي خصّته و ربّته و اعتنت به في طفولته الشريفة كما تقدّم.

و تلخّصت هذه العناية بعد وفاة فاطمة عليها السّلام حيث ترحّم عليها و بكي و دعا لها و كفّنها بقميصه كما يأتي في الروايات.

و اختصّ فاطمة بنت أسد بفضل عناية النبي بها بعدم ضغطة القبر.قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«ما عفي أحد من ضغطة القبر إلاّ فاطمة بنت أسد» (1).

و في رواية:لا ينجو من ضمّة القبر أحد إلاّ فاطمة بنت أسد و فاطمة بنت محمّد (2).

و أمّا عناية النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بفاطمة في كفنها و الصلاة عليها فجاء مفصّلا في روايات متعدّدة منها:

ص: 150


1- الإصابة:390/5،و تاريخ المدينة:124/1،و وفاء الوفا:898/3.
2- مشارق الأنوار للحمزاوي:48(39).

عن عبد اللّه بن عبّاس قال:أقبل علي بن أبي طالب عليه السّلام ذات يوم إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم باكيا و هو يقول:(إنّا للّه و إنّا إليه راجعون)فقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:مه يا علي؟

فقال علي عليه السّلام:يا رسول اللّه ماتت أمّي فاطمة بنت أسد،قال:فبكي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ قال:

رحم اللّه أمّك يا علي،أما إنّها كانت لك أمّا فقد كانت لي أمّا،خذ عمامتي هذه و خذ ثوبيّ هذين فكّفنها فيهما،و مر النساء فليحسن غسلها،و لا تخرجها حتّي أجيء فألي أمرها.

قال:و أقبل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بعد ساعة و أخرجت فاطمة أمّ علي عليه السّلام فصلّي عليها النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم صلاة لم يصلّ علي أحد قبلها مثل تلك الصلاة،ثمّ كبّر عليها أربعين تكبيرة ثمّ دخل إلي القبر فتمدّد فيه، فلم يسمع له أنين و لا حركة،ثمّ قال:يا علي أدخل يا حسن أدخل،فدخلا القبر،فلمّا فرغ ممّا احتاج إليه قال له:يا علي أخرج يا حسن أخرج،فخرجا ثمّ زحف النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حتّي صار عند رأسها.

ثمّ قال:يا فاطمة أنا محمّد سيّد ولد آدم و لا فخر،فإن أتاك منكر و نكير فسألاك من ربّك؟ فقولي:اللّه ربّي،و محمّد نبيّي،و الإسلام ديني،و القرآن كتابي،و إبني إمامي و وليّي،ثمّ قال:اللّهم ثبت فاطمة بالقول الثابت،ثمّ خرج من قبرها و حثا عليها حثيات،ثمّ ضرب بيده اليمني علي اليسري فنفضهما،ثمّ قال:و الذي نفس محمّد بيده لقد سمعت فاطمة تصفيق يميني علي شمالي.

فقام إليه عمّار بن ياسر فقال:فداك أبي و أمّي يا رسول اللّه صلّيت عليها صلاة لم تصلّ علي أحد قبلها مثل تلك الصلاة.فقال:يا أبا اليقظان و أهل ذلك هي منّي،لقد كان لها من أبي طالب ولد كثير و لقد كان خيرهم كثيرا و كان خيرنا قليلا فكانت تشبعني و تجيعهم،و تكسوني و تعريهم، و تدهنني و تشعثهم.قال:فلم كبّرت عليها أربعين تكبيرة يا رسول الله؟

قال:نعم يا عمّار التفتّ عن يميني فنظرت إلي أربعين صفّا من الملائكة فكبّرت لكلّ صفّ تكبيرة.

قال:فتمدّدك في القبر و لم يسمع لك أنين و لا حركة؟

قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ الناس يحشرون يوم القيامة عراة و لم أزل أطلب إلي ربّي عزّ و جلّ أن يبعثها ستيرة،و الذي نفس محمّد بيده ما خرجت من قبرها حتّي رأيت مصباحين من نور عند رأسها و مصباحين من نور عند يديها و مصباحين من نور عند رجليها،و ملكيها الموكّلين بقبرها،يستغفران لها إلي أن تقوم الساعة (1).

و عن ابن عبّاس مثله،قال:و روي في خبر آخر طويل أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:يا عمّار إنّ الملائكة4.

ص: 151


1- البحار:71/35 ح 4،و الأمالي:392 ح 14.

قد ملأت الأفق،و فتح لها باب من الجنّة،و مهّد لها مهاد من مهاد الجنّة،و بعث إليها بريحان من رياحين الجنّة،فهي في روح و ريحان و جنّة نعيم،و قبرها روضة من رياض الجنّة (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لمّا ماتت فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين،جاء علي إلي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:يا أبا الحسن ما لك؟قال:أمّي ماتت،قال:فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:

و أمّي و اللّه،ثمّ بكي،و قال:و أمّاه،ثمّ قال لعليّ عليه السّلام:هذا قميصي فكفّنها فيه،و هذا ردائي فكفّنها فيه،فإذا فرغتم فآذنوني،فلمّا أخرجت صلّي عليها النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم صلاة لم يصلّ قبلها و لا بعدها علي أحد مثلها،ثمّ نزل في قبرها فاضطجع فيه،ثمّ قال لها:يا فاطمة!

قالت:لبّيك يا رسول اللّه.

فقال:فهل وجدت ما عد ربّك حقّا؟قالت:نعم فجزاك اللّه خير جزاء،و طالت مناجاته في القبر،فلمّا خرج قيل:يا رسول اللّه لقد صنعت بها شيئا في تكفينك إيّاها ثيابك،و دخولك في قبرها،و طول مناجاتك،و طول صلاتك،ما رأيناك صنعته بأحد قبلها.

قال:أمّا تكفيني إيّاها فإنّي لمّا قلت لها:يعرض الناس يوم يحشرون من قبورهم عراة، فصاحت و قالت:و اسوأتاه!فألبستها ثيابي و سألت اللّه في صلاتي عليها أن لا يبلي أكفانها حتّي تدخل الجنّة فأجابني إلي ذلك،و أمّا دخولي في قبرها فإنّي قلت لها يوما:إنّ الميّت إذا أدخل قبره و انصرف الناس عنه دخل عليه ملكان:منكر و نكير فيسألانه،فقالت:و اغوثاه باللّه،فما زلت أسأل ربّي في قبرها حتّي فتح لها باب من قبرها إلي الجنّة فصار روضة من رياض الجنّة (2).

و قيل:لمّا ماتت فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين عليه السّلام أقبل علي بن أبي طالب عليه السّلام باكيا فقال له النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:ما يبكيك،لا أبكي اللّه عينك؟قال:توفّيت والدتي يا رسول اللّه،قال له النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:

بل و والدتي يا علي فلقد كانت تجوّع أولادها و تشبعني،و تشعث أولاها و تدهنني،و اللّه لقد كان في دار أبي طالب نخلة فكانت تسابق إليها من الغداة لتلتقط،ثمّ تجنيه-رضي اللّه عنها-فإذا خرجوا بنو عمّي تناولني ذلك،ثمّ نهض عليه السّلام فأخذ في جهازها و كفّنها بقميصه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و كان في حال تشييع جنازتها يرفع قدما و يتأنّي في رفع الآخر،و هو حافي القدم،فلمّا صلّي عليها كبّر سبعين تكبيرة،ثمّ لحدها في قبرها بيده الكريمة بعد أن نام في قبرها،و لقّنها الشهادة،فلمّا أهيل عليها التراب و أراد الناس الإنصراف،جعل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول لها:إبنك،إبنك،إبنك،لا جعفر،و لا عقيل،إبنك، إبنك:علي بن أبي طالب.

قالوا:يا رسول اللّه فعلت فعلا ما رأينا مثله قط:مشيك حافي القدم،و كبّرت سبعين تكبيرة،3.

ص: 152


1- بحار الأنوار:70/35-71 ح 4.
2- البحار:232/6 ح 44 و:81/35 ح 23.

و نومك في لحدها،و قميصك عليها،و قولك لها:إبنك،إبنك،لا جعفر،و لا عقيل.

فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أمّا التأنّي في وضع أقدامي و رفعها في حال التشييع للجنازة فلكثرة ازدحام الملائكة،و أمّا تكبيري سبعين تكبيرة فإنّها صلّي عليها سبعون صفّا من الملائكة،و أمّا نومي في لحدها فإنّي ذكرت في حال حياتها ضغطة القبر فقالت:واضعفاه،فنمت في لحدها لأجل ذلك حتّي كفيتها ذلك،و أمّا تكفيني لها بقميصي فأنّي ذكرت لها في حياتها القيامة و حشر الناس عراة،فقالت:

و اسوأتاه،فكفّنتها به،لتقوم يوم القيامة مستورة،و أمّا قولي لها:إبنك،إبنك،لا جعفر،و لا عقيل فإنّها لمّا نزل عليها الملكان و سألاها عن ربّها فقالت:اللّه ربّي،و قالا:من نبيّك؟قالت:محمّد نبيّي،فقالا:من وليّك و إمامك؟فاستحيت أن تقول:ولدي،فقلت لها:قولي:إبنك علي بن أبي طالب عليه السّلام،فأقرّ اللّه بذلك عينها (1).

***

عناية اللّه بفاطمة بنت أسد عليها السّلام

و اعتني اللّه تعالي بفاطمة بنت أسد فأرسل عند وفاتها سبعين ألفا من الملائكة يصلّون عليها علي ما روي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (2).

و من عنايته بها أنّه استجاب دعاءها في ولادتها حيث قالت:..فأسألك بحقّ هذا البيت و من بناه و بهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني و يؤنسني بحديثه و أنا موقنة أنّه إحدي آياتك و دلائلك؛لما يسّرت عليّ ولادتي،قال العبّاس:فلمّا تكلّمت فاطمة ودعت بهذا الدعاء رأينا البيت قد انفتح من ظهره و دخلت فاطمة فيه... (3).

و من عنايته بها إطعامها من ثمار الجنّة عند دخولها بيت اللّه الحرام مدّة ثلاثة أيّام (4).

و في رواية أنّها رأت النبي يأكل تمرا له رائحة تزداد علي كلّ الأطائب من المسك و العنبر من نخلة لا شماريخ لها (5)،فقالت:ناولني أنل منها،قال:لا تصلح إلاّ أن تشهدي معي أن لا إله إلاّ اللّه و أنّي محمّد رسول اللّه،فشهدت الشهادتين فناولها فأكلت فازدادت رغبتها و طلبت أخري لأبي طالب فعاهدها أن لا تعطيه إلاّ بعد الشهادتين،فلمّا جنّ عليه الليل اشتم أبو طالب نسيما ما اشتم

ص: 153


1- البحار:241/6 ح 60.
2- مستدرك الصحيحين:108/3.
3- البحار:36/35 ح 37.
4- المصدر السابق.
5- الشماريخ:رؤوس الجبال و هي الشناخيب،و شمرخ النخلة:خرط بسرها.لسان العرب:31/3.

مثله قط فأظهرت ما معها فالتمسه فيها فأبت عليه إلاّ أن يشهد الشهادتين فلم يملك نفسه أن شهد الشهادتين،غير أنّه سألها أن تكتم عليه لئلاّ تعيّره قريش،فعاهدته علي ذلك فأعطته ما معها و آوي إلي زوجته فعلقت بعليّ عليه السّلام في تلك الليلة (1).

أقول:هذا الخبر يحتاج إلي تأويل لأنّ ظاهره أنّ عليّا ولد بعد البعثة النبويّة و هو خلاف المشهور،لذا يحمل هذا الخبر أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قبل البعثة النبوية كان يأكل من ثمار الجنّة فأحبّ أن يطعمها أمّه فاطمة بنت أسد و عمّه أبو طالب و أن يعرّفهم بالإسلام قبل البعثة و شرط عليهم التشهّد بالشهادتين ليكونا علي دينه قبل كلّ البشر،فتأمّل.

و من عناية اللّه تعالي بها طهارتها عند الولادة إذ كانت في بيت اللّه الحرام و مسجده المبارك و قد جاء في خبر تفصيل ذلك لا بأس بذكره.عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد،عن آبائه عليهم السّلام قال:

كان العبّاس بن عبد المطّلب و يزيد بن قعنب جالسين ما بين فريق بني هاشم إلي فريق عبد العزّي بإزاء بيت اللّه الحرام إذ أتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أمّ أمير المؤمنين عليه السّلام و كانت حاملة بأمير المؤمنين تسعة أشهر و كان يوم التمام،قال:فوقفت بإزاء البيت الحرام و قد أخذها الطلق فرمت بطرفها نحو السماء،و قالت:أيّ ربّ إنّي مؤمنة بك و بما جاء به من عندك الرسول،و بكلّ نبي من أنبيائك و بكلّ كتاب أنزلته،و إنّي مصدّقة بكلام جدّي إبراهيم الخليل،و أنّه بني بيتك العتيق، فأسألك بحقّ هذا البيت و من بناه،و بهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلّمني و يؤنسني بحديثه، و أنا موقنة أنّه إحدي آياتك و دلائلك،لما يسّرت عليّ ولادتي.

قال العبّاس بن عبد المطّلب و يزيد بن قعنب:فلمّا تكلّمت فاطمة بنت أسد ودعت بهذا الدعاء،رأينا البيت قد انفتح من ظهره،و دخلت فاطمة فيه،و غابت عن أبصارنا،ثمّ عادت الفتحة و التزقت بإذن اللّه،فرمنا أن نفتح الباب لتصل إليها بعض نسائنا فلم ينفتح الباب،فعلمنا أنّ ذلك أمر من أمر اللّه تعالي،و بقيت فاطمة في البيت ثلاثة أيّام،قال:و أهل مكّة يتحدّثون بذلك في أفواه السكك،و تتحدّث المخدّرات في خدورهن.

قال:فلمّا كان بعد ثلاثة أيّام إنفتح البيت من الموضع الذي كانت دخلت فيه،فخرجت فاطمة و علي عليه السّلام علي يديها،ثمّ قالت:معاشر الناس إنّ اللّه عزّ و جلّ اختارني من خلقه و فضّلني علي المختارات ممّن كنّ قبلي،و قد اختار اللّه آسية بنت مزاحم،و إنّها عبدت اللّه سرّا في موضع لا يحب أن يعبد اللّه فيه إلاّ اضطرارا،و أنّ مريم بنت عمران اختارها اللّه حيث يسّر عليها ولادة عيسي، فهزّت الجذع اليابس من النخلة في فلاة من الأرض حتّي تساقط عليها رطبا جنيّا،و إنّ اللّه تعالي اختارني و فضّلني عليهما و علي كلّ من مضي قبلي من نساء العالمين،لأنّي ولدت في بيته العتيق،4.

ص: 154


1- البحار:17/35 ح 14.

و بقيت فيه ثلاثة أيّام،آكل من ثمار الجنّة و أوراقها،فلمّا أردت أن أخرج و ولدي علي يدي هتف بي هاتف،و قال:يا فاطمة سمّيه عليّا فأنا العلي الأعلي،و إنّي خلقته من قدرتي و عزّ جلالي و قسط عدلي،و اشتققت اسمه من إسمي،و أدّبته بأدبي و فوّضت إليه أمري،و وقفته علي غامض علمي، و ولد في بيتي و هو أوّل من يؤذّن فوق بيتي،و يكسّر الأصنام و يرميها علي وجهها،و يعظّمني و يمجّدني و يهلّلني،و هو الإمام بعد حبيبي و نبيّي و خيرتي من خلقي محمّد رسولي،و وصيّه،فطوبي لمن أحبّه و نصره،و الويل لمن عصاه و خذله و جحد حقّه.قال:فلمّا رآه أبو طالب سرّ و قال علي عليه السّلام:السلام عليك يا أبه و رحمة اللّه و بركاته،ثمّ قال:دخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلمّا دخل اهتزّ له أمير المؤمنين عليه السّلام و ضحك في وجهه و قال:السلام عليك يا رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته.

قال:ثمّ تنحنح بإذن اللّه تعالي و قال: بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاٰتِهِمْ خٰاشِعُونَ (1)إلي آخر الآيات،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:قد أفلحوا بك،و قرأ تمام الآيات إلي قوله: أُولٰئِكَ هُمُ الْوٰارِثُونَ* اَلَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ (2)فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنت و اللّه أميرهم[أمير المؤمنين]تميرهم من علومهم فيمتارون،و أنت و اللّه دليلهم و بك يهتدون.

ثمّ قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لفاطمة:إذهبي إلي عمّه حمزة فبشّريه به،فقالت:و إذا خرجت أنا فمن يرويه؟قال:أنا أرويه،فقالت فاطمة:أنت ترويه؟قال:نعم،فوضع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لسانه في فيه فانفجرت منها اثنتا عشرة عينا،قال:فسمّي ذلك اليوم يوم التروية.

فلمّا أن رجعت فاطمة بنت أسد رأت نورا قد ارتفع من علي إلي أعنان السماء،قال:ثمّ شدّته و قمّطته بقماط،فبتر القماط،قال:فأخذت فاطمة قماطا جيّدا فشدّته به،فبتر القماط،ثمّ جعلته في قماطين فبترهما،فجعلته ثلاثة فبترها،فجعلته أربعة أقمطة من رق مصر لصلابته،فبترها،فجعلته خمسة أقمطة ديباج لصلابته فبترها كلّها،فجعلته ستّة من ديباج و واحد من الأدم،فتمطّي فيها فقطعها كلّها بإذن اللّه،ثمّ قال بعد ذلك:يا أماه لا تشدّي يدي فإنّي أحتاج أن أبصبص لربّي بإصبعي،قال:

فقال أبو طالب عند ذلك:إنّه سيكون له شأن و نبأ.

قال:فلمّا كان من غد دخل رسول اللّه علي فاطمة،فلمّا بصر علي برسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم سلّم عليه و ضحك في وجهه،و أشار إليه أن خذني إليك،و اسقني بما سقيتني بالأمس،قال:فأخذه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقالت فاطمة:عرفه و ربّ الكعبة،قال:فلكلام فاطمة سمّي ذلك اليوم يوم عرفة،يعني أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام عرف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

فلمّا كان اليوم الثالث-و كان العاشر من ذي الحجّة-أذّن أبو طالب في الناس أذانا جامعا1.

ص: 155


1- سورة المؤمنون:1 و 2.
2- سورة المؤمنون:10 و 11.

و قال:هلمّوا إلي وليمة إبني علي،قال:و نحر ثلاثمائة من الإبل و ألف رأس من البقر و الغنم، و اتّخذ وليمة عظيمة و قال:معاشر الناس ألا من أراد طعام علي ولدي فهلمّوا و طوفوا بالبيت سبعا سبعا،و ادخلوا و سلّموا علي ولدي عليّ،فإنّ اللّه شرّفه،و لفعل أبي طالب شرف يوم النحر (1).

***

أولاد علي عليه السّلام

أقوال الناس إختلفت في عدد أولاده عليه السّلام ذكورا و إناثا،فمنهم من أكثر فعدّ فيهم السقط و لم يسقط ذكر نسبه،و منهم من أسقطه و لم ير أن يحتسب في العدّة،فجاء قول كلّ واحد بمقتضي ما إعتمده في ذلك و يحسبه،و الذي نقل في كتاب صفوة الصفوة و غيره من تأليف الإئمة المعتبرين أنّ أولاده عليه السّلام الذكور أربعة عشر ذكرا،و الإناث تسع عشرة أنثي،و هذا تفصيل أسمائهم:الذكور:

الحسن،و الحسين،محمّد الأكبر،عبيد اللّه،أبو بكر،العباس،عثمان،جعفر،عبد اللّه،محمّد الأصغر،يحيي،عون،عمر،محمّد الأوسط.

أمّا الإناث:زينب الكبري،أم كلثوم الكبري،أم الحسن،رمله الكبري،أم هانيء،ميمونة، زينب الصغري،رمله الصغري،أم كلثوم الصغري،رقيّة،فاطمة،أمامة،خديجة،أم الكرام،أم سلمة،أم جعفر،جمانة،نفيسة،و بنت أخري لم نذكر إسمها ماتت صغيرة.

فهذا عدد أولاده ذكورا و إناثا (2)و ذكر قوم آخرون زيادة علي ذلك و ذكورا فيهم محسنا شقيقا للحسن و الحسين عليهم السّلام كان سقطا (3)،فالحسن و الحسين و زينب الكبري و أم كلثوم الكبري هؤلاء الأربعة من الطهر البتول فاطمة بنت الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

و محمّد الأكبر هو إبن الحنفيّة،و إسمها خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية،و قيل:غير ذلك (4).

و عبيد اللّه و أبو بكر،أمهما ليلي بنت مسعود.

و العباس و عثمان و جعفر و عبد اللّه،أمهم أم البنين بنت حزام ابن خالد،و يحيي و عون،أمهما بنت عميس،و محمّد الأوسط أمّه أمامة بنت أبي العاص؛و هذه أمامة هي بنت زينب بنت رسول

ص: 156


1- بحار الأنوار:36/35-39 ح 37،و أمالي الطوسي:708 ح 1511 مجلس 24 ح 1.
2- الطبقات الكبري 2:20،صفة الصفوة 1:309،المنتظم 5:69.
3- تاريخ الطبري 5:153،الكافي 6:2/18،الإصابة 3:471،الكامل في التاريخ 3:397،مناقب ابن شهر آشوب 3:213،المعارف:122،أنساب الأشراف 2:189،تاريخ اليعقوبي 2:213.
4- المعارف لابن قتيبة:122.

اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم المحمولة في الصلاة،و أمّ الحسن و رملة الكبري،أمهما أم سعيد بنت عروة (1)،فهؤلاء من المعقود عليهن نكاحه،و بقيّة الأولاد من أمهات شتي أمهات أولاد،و كان يوم قتله عليه السّلام عنده أربع حرائر في نكاحه و هن:أمامه بنت أبي العاص بنت زينب بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم تزوجها بعد موت خالتها البتول فاطمة عليها السّلام،و ليلي بنت مسعود التميميّة،و أسماء بنت عميس الخثعميّة،و أم البنين الكلابيّة،و أمهات أولاد ثماني عشرة أم ولد (2)و السلام.

قال في كشف الغمة:ذكر أولاده الذكور و الإناث عليه و عليهم السلام قال المفيد رحمه اللّه:

أولاد أمير المؤمنين عليه السّلام سبعة و عشرون ولدا ذكرا و أنثي الحسن و الحسين و زينب الكبري و زينب الصغري المكناة أم كلثوم أمهم فاطمة البتول سيدة نساء العالمين بنت سيد المرسلين محمد خاتم النبيين صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و عليهم أجمعين و محمد المكنّي أبا القاسم أمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية و عمر و رقية كانا توأمين و أمهما أم حبيبة بنت ربيعة و العباس و جعفر و عثمان و عبد اللّه الشهداء مع أخيهم الحسين صلوات اللّه عليه و عليهم السلام بطف كربلا أمهم أم البنين بنت حزام بن خالد بن دارم و محمد الأصغر المكنّي أبا بكر،و عبيد اللّه الشهيدان مع أخيهما الحسين عليه السّلام بالطف أمهما ليلي بنت مسعود الدارمية و يحيي و عون أمهما أسماء بنت عميس الخثعمية رضي اللّه عنها،و أم الحسن و رملة أمهما أم مسعود بن عروة بن مسعود الثقفي و نفيسة و زينب الصغري و رقية الصغري و أم هاني و أم الكرام و جمانة المكنّاة بأم جعفر و أمامة و أم سلمة و ميمونة و خديجة و فاطمة رحمة اللّه عليهن لأمهات أولاد شتي (3).

و قال كمال الدين بن طلحة رحمه اللّه(الفصل الحادي عشر)في ذكر أولاده عليه السّلام إعلم أيّدك اللّه بروح منه أنّ أقوال الناس اختلفت في عدد أولاده عليه السّلام ذكورا و اناثا فمنهم من أكثر فعدّ منهم السقط و لم يسقط ذكر نسبه و منهم من أسقطه و لم ير أن يحتسب في العدّة به فجاء قول كل واحد بمقتضي ما اعتمده في ذلك و يحسبه و الذي نقل من كتاب صفوة الصفوة و غيره من تأليف الأئمة المعتبرين أن أولاده الذكور أربعة عشر ذكرا و أولاده الاناث تسعة عشر انثي و هذا تفصيل أسمائهم.

الذكور:الحسن و الحسين و محمد الأكبر و عبيد اللّه و أبو بكر و العباس و عثمان و جعفر و عبد اللّه و محمد الأصغر و يحيي و عون و عمر و محمد الأوسط عليه السّلام.

الاناث:زينب الكبري و أم كلثوم الكبري و أم الحسن و رملة الكبري أم هاني و ميمونة و زينب الصغري و رملة الصغري و أم كلثوم الصغري و رقية و فاطمة و أمامة و خديجة و أم الكرام و أم سلمة و أم2.

ص: 157


1- انظر:تاريخ الطبري 5:153-154،معرفة الصحابة لابي نعيم 1:309-311،صفة الصفوة 1:309.
2- تاريخ ابن الخشاب:172،مناقب ابن شهر آشوب 3:351.
3- كشف الغمة،ابن أبي الفتح الإربلي:67/2.

جعفر و جمانة و تقية بنت أخري لم يذكر اسمها ماتت صغيرة (1).

و ذكر قوم آخرون زيادة علي ذلك و ذكروا فيهم محسنا شقيقا للحسن و الحسين عليهما السلام كان سقطا فالحسن و الحسين و زينب الكبري و أم كلثوم هؤلاء الأربعة رضي اللّه عنهم من الطهر البتول فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سلم و محمد الأكبر هو ابن الحنفية و إسمها خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية و قيل غير ذلك و عبيد اللّه و أبو بكر أمهما ليلي بنت مسعود و العباس و عثمان و جعفر و عبد اللّه و أمهم أم البنين بنت حزام بن خالد و يحيي و عون أمهما أسماء بنت عميس و محمد الأوسط أمه امامة بنت أبي العاص و هذه امامة هي بنت زينب بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سلم و أم الحسن و رملة الكبري أمهما أم سعيد بنت عروة فهؤلاء من المعقود عليهن نكاحا و بقية الأولاد من أمهات شتي أمهات أولاد.

و كان يوم قتله عليه السّلام عنده أربع حرائر في نكاح و هن أمامة بنت أبي العاص و هي بنت زينب بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و سلم تزوجها بعد موت خالتها البتول فاطمة عليها السلام و ليلي بنت مسعود التميمية و أسماء بنت عميس الخثعمية و أم البنين الكلابية و أمهات أولاد ثمانية عشر أم ولد (2).

أمّا أم كلثوم:تزوّجها عمر بن الخطاب فولدت له زيد بن عمر ضرب ليالي قتال بن مطيع ضربا لم يزل ينهمّ منه-و قال الشحامي:له-حتي توفي،ثم خلف علي أم كلثوم بعد عمر عون بن جعفر،فلم تلد له شيئا حتي مات،ثم خلف علي أم كلثوم بعد عون بن جعفر محمد فولدت له جارية يقال لها[بثنية]و قال هؤلاء:نعشت من مكة إلي المدينة علي سرير فلما قدمت-و قال ابن منده:أنت قدمت-المدينة توفيت ثم خلف علي أم كلثوم بعد عمر بن الخطاب و عون بن جعفر و محمد بن جعفر عبد اللّه بن جعفر فلم تلد له شيئا حتي ماتت عنده (3).

*أما زينب فسوف يأتي الحديث عنها في تاريخ أمها فاطمة عليهما السّلام.

و الحمد للّه رب العالمين

***3.

ص: 158


1- كشف الغمة،ابن أبي الفتح الإربلي:68/2.
2- كشف الغمة،ابن أبي الفتح الإربلي:69/2.
3- تاريخ مدينة دمشق:179/3.

المحتويات

هو علي 5

نسب أمير المؤمنين عليه السّلام 6

أسماء أمير المؤمنين عليه السّلام 6

مولد أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه 8

فضائل علي عليه السّلام 9

ذكر جامع مناقبه عليه السّلام 21

حديث يوم الدار 33

كرامات علي عليه السّلام 35

عظمة و بركة علي عليه السّلام 36

وصف أمير المؤمنين عليه السّلام 37

شجاعة أمير المؤمنين عليه السّلام 38

علم علي عليه السّلام 41

علم علي عليه السّلام للغيب 45

زهد علي بن أبي طالب عليه السّلام 52

عدل علي بن أبي طالب عليه السّلام 54

تواضع علي بن أبي طالب عليه السّلام 54

الآيات النازلة في علي عليه السّلام 54

جملة من الآيات 97

ذكر إخاء النبيّ عليّا عليهما السّلام 113

ذكر محبّة اللّه و رسوله لعليّ و محبته لهما 116

ذكر ما لمنتقصه و مبغضه و سابّه من الوعيد و الخزي و النكال الشديد 121

ذكر إرتقاء علي علي منكب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم 124

علي علي لسان الصحابة 124

التفاضل بين علي و فاطمة عليهما السّلام 128

ص: 159

ما نسب من شعر لأمير المؤمنين عليه السّلام 130

ذكر أخبار النبيّ بقتله و أنّ لحيته تخضب من دم رأسه 135

سبب قتل علي عليه السّلام 136

وصية علي عليه السّلام قبل الشهادة 139

شهادة علي بن أبي طالب عليه السّلام 140

الآيات بعد قتل علي عليه السّلام 144

خطبة الحسن بعد وفاة أبيه عليهما السّلام 145

فضل زيارة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام 145

ذكر أمه فاطمة بنت أسد عليها السّلام 147

إسلام السيّدة فاطمة عليه السّلام بعد أن كانت علي دين إبراهيم 148

عناية فاطمة بالنبيّ عليهما السّلام 149

عناية النبي بفاطمة بنت أسد عليهم السّلام 150

عناية اللّه بفاطمة بنت أسد عليهم السّلام 153

أولاد علي عليه السّلام 156

ص: 160

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.