موسوعة أهل البيت عليهم السلام المجلد 1

اشارة

موسوعه اهل البيت عليهم السلام

نويسنده: السيد علي عاشور

دارالنظير عبود - بيروت - لبنان

مشخصات ظاهري: 20 ج

1427ه - 2006م

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

ص: 4

الجزء الاول

مقدمة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه ذي المنّ و الإحسان،و الطول و الامتنان،و القدرة و السلطان،مدبّر الأمور بحكمته، و منشئ الخلائق بقدرته،كرّم بني آدم و شرّفهم بخلع الإيمان و فضّلهم بالعقل و مزيد البيان.اصطفي منهم أصفياء،و جعل منهم بررة أتقياء.فهم خواص عباده،و أوتاد بلاده،خصّهم بالخيرات و العطايا،و صرف عنهم الآفات و البلايا،و حبّب إليهم المعروف،و أعانهم علي إغاثة الملهوف، ليكمل عليهم المنّة و الفضل،ليزدادوا له شكرا بالعطاء و البذل.

1-و أفضل الصلاة و السلام علي أشرف الخلق و أعز المرسلين مبدأ الأنوار الأزلية و منتهي العروج الكمالي،المكرم ليلة المعراج،روح الأرواح و نور الأشباح،سيدنا في الوجود صاحب المقام المحمود،محمد بن عبد اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

ثم الصلاة و السلام علي أشرف الموجودات،و أعزّ الكائنات و مصدر الخيرات و منبع الفضائل و الكمالات،أصل الوجود و عزّ المعبود آل النبي الأطهار و عترة المختار و ذرية محمد الرسول المقدام عليهم السّلام.

2-و الصلاة و السلام علي بسملة كتاب الموجود،حقيقة النقطة البائية،المتحقق بالمراتب الإنسانية،حيدر أجام الإبداع،الكرار في معارك الإختراع،انموذج الواقع علي بن أبي طالب عليه السّلام.

3-و علي الجوهرة القدسية،بضعة الحقيقة النبوية،مطلع الأنواع العلوية،قرة عين الرسول الزهراء البتول عليهم السّلام.

4-و علي رابع أهل العباء،عارف الأسرار العمائية،و الحجة القاطعة الربانية،جامع الكمالين أبي محمد الحسن عليه السّلام.

5-و علي شخص العرفان،المتحقق بالكمال،فاتحة مصحف الشهادة،و كهف الإمامة، الفارس الصنديد،مطلب المحبين و مقصد العاشقين،المبرأ من كل الشين أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام.

6-و علي روح جسد الإمامة،و سر اللّه في الوجود،فخر الزهاد و آمان أهل البلاد،كاشف العرفان،السر الإلهي في ستر العبادة،مجمع البحرين علي بن الحسين عليه السّلام.

7-و علي ضرغام أجام المعارف،مفتاح البركات،و مصباح الظلمات،النور المنبسط علي الدراري،المستند من كل ولي أبي جعفر محمد بن علي عليه السّلام.

ص: 5

8-و علي أستاذ العالم،معلم علوم الأسماء،دليل طرق السماء،مطلع شمس الأبد،قامع كل مارق جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام.

9-و علي برزخ البرازخ،غاية معارج اليقين،السيف الصارم،مركز الأئمة العلوية،النور الأنور أبي إبراهيم موسي بن جعفر عليه السّلام.

10-و علي السر الإلهي و الأصل الملكوتي،و العالم الناسوتي،كهف النفوس القدسية، محقق الحقائق الإمكانية،إمام الوري و بدر الدجي أبي محمد علي بن موسي الرضا عليه السّلام.

11-و علي سر الوجود،و ظل اللّه الممدود،محيط الفضل و الكرم،حامل سرّ الرسول،غاية الظهور و الإيجاد محمد بن علي الجواد عليه السّلام.

12-و علي الداعي الي الحق امين اللّه علي الخلق،مهجة الكونين و محجة الثقلين،المعصوم المجرد علي بن محمد عليه السّلام.

13-و علي البحر الزاخر وزين المآثر،و عاء الأمانة و محيط الامة،مطلع النور المصطفوي الحسن بن علي العسكري عليه السّلام.

14-و علي الخلف المفضال،أكرم الأخيار،خفي الأرواح القدسية و معراج العقول البشرية، قطب رحي الوجود،النور الأزهر و الضياء الأنور،المنصور بالرعب،و المظفر بالساعدة،غاية البشر،ربّ الوقت و الزمن،أبي القاسم(م ح م د)بن الحسن عجل اللّه فرجه.

اللهم صل عليهم ما سبح لك ملك و تحرك لك فلك،بعدد ما أحاط به علمك و أحصاه كتابك،صلاة تنمي و تزيد و لا تغني و لا تبيد.

***

ص: 6

وجوب الاعتقاد بجميع الأنبياء

قال تعالي: إِنّٰا أَرْسَلْنٰاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّٰ خَلاٰ فِيهٰا نَذِيرٌ (1).

قُولُوا آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْنٰا وَ مٰا أُنْزِلَ إِليٰ إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْمٰاعِيلَ وَ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْبٰاطِ وَ مٰا أُوتِيَ مُوسيٰ وَ عِيسيٰ وَ مٰا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاٰ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (2) .

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّٰهِ وَ رُسُلِهِ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللّٰهِ وَ رُسُلِهِ وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً* أُولٰئِكَ هُمُ الْكٰافِرُونَ حَقًّا وَ أَعْتَدْنٰا لِلْكٰافِرِينَ عَذٰاباً مُهِيناً (3) .

قال الإمام عليّ عليه السّلام:لم يخل اللّه سبحانه خلقه من نبيّ مرسل،أو كتاب منزل،أو حجّة لازمة،أو محجّة قائمة،رسل لا تقصّر بهم قلّة عددهم،و لا كثرة المكذّبين لهم؛من سابق سمّي له من بعده،أو غابر عرّفه من قبله (4).

و عنه عليه السّلام:و لم يخلهم بعد أن قبضه[يعني آدم عليه السّلام]ممّا يؤكّد عليهم حجّة ربوبيّته،و يصل بينهم و بين معرفته،بل تعاهدهم بالحجج علي ألسن الخيرة من أنبيائه و متحمّلي ودائع رسالاته قرنا فقرنا،حتّي تمّت بنبيّنا محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم حجّته.

و عنه عليه السّلام:كلّما مضي منهم سلف قام منهم بدين اللّه خلف،حتّي أفضت كرامة اللّه سبحانه و تعالي إلي محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (5).

قال الإمام الصّادق عليه السّلام:اعلموا أنّه لو أنكر رجل عيسي ابن مريم و أقرّ بمن سواه من الرّسل لم يؤمن (4).

***

أصناف الأنبياء عليهم السّلام

قال تعالي: وَ مٰا كٰانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّٰهُ إِلاّٰ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مٰا يَشٰاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (5).

قال الإمام الباقر عليه السّلام:الأنبياء علي خمسة أنواع:منهم من يسمع الصّوت مثل صوت السّلسلة

ص: 7


1- فاطر:24.
2- البقرة:136.
3- النساء:150،151. (4 و 5) نهج البلاغة:الخطبة 1 و 91 و 94.
4- الكافي:6/182/1.
5- الشوري:51.

فيعلم ما عني به،و منهم من ينبّأ في منامه مثل يوسف و إبراهيم،و منهم من يعاين،و منهم من ينكت في قلبه و يوقر في أذنه (1).

قال الإمام الصّادق عليه السّلام:الأنبياء و المرسلون علي أربع طبقات:فنبيّ منبّأ في نفسه لا يعدو غيرها.و نبيّ يري في النّوم و يسمع الصّوت و لا يعاينه في اليقظة،و لم يبعث إلي أحد و عليه إمام، مثل ما كان إبراهيم علي لوط عليه السّلام.و نبيّ يري في منامه و يسمع الصّوت و يعاين الملك،و قد ارسل إلي طائفة قلّوا أو كثروا،كيونس،قال اللّه ليونس: وَ أَرْسَلْنٰاهُ إِليٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ -قال:

يزيدون:ثلاثين ألفا-و عليه إمام.و الّذي يري في نومه و يسمع الصّوت و يعاين في اليقظة و هو إمام مثل اولي العزم.و قد كان إبراهيم عليه السّلام نبيّا و ليس بإمام حتّي قال الله: إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً... (2).

***

عدّة الأنبياء عليه السّلام

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-لمّا سأله أبو ذرّ عن عدّة الأنبياء-:مائة ألف و أربعة و عشرون ألف نبيّ.

قلت:كم المرسلون منهم؟قال:ثلاثمائة و ثلاثة عشر جمّاء غفيراء.قلت:من كان أوّل الأنبياء؟ قال:آدم (3).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:خلق اللّه عزّ و جلّ مائة ألف نبيّ و أربعة و عشرين ألف نبيّ،أنا أكرمهم علي اللّه و لا فخر.و خلق اللّه عزّ و جلّ مائة ألف وصيّ و أربعة و عشرين ألف وصيّ،فعليّ أكرمهم علي اللّه و أفضلهم (4).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:النّبيّون مائة ألف و أربعة و عشرون ألف نبيّ،و المرسلون ثلاثمائة و ثلاثة عشر،و آدم نبيّ مكلّم (5).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-لمّا سئل عن عدّة الأنبياء-:مائة ألف و أربعة و عشرون ألفا،الرّسل من ذلك ثلاثمائة و خمسة عشر جمّا غفيرا (6).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:بعثت علي أثر ثمانية آلاف من الأنبياء،منهم أربعة آلاف من بني إسرائيل (7).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:إنّي خاتم ألف نبيّ أو أكثر (8).

ص: 8


1- تفسير العيّاشيّ:3/166/2.
2- الكافي:1/174/1.
3- الخصال:13/524.
4- أمالي الصدوق:11/196. (5 و 6 و 7 و 8) كنز العمّال:32276،32277،32280،32281.

قال الإمام الصّادق عليه السّلام:بعث اللّه مائة ألف نبيّ و أربعة و أربعين ألف نبيّ (1).

***

محمّد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

اشارة

قال تعالي: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّٰهِ (2).

لَقَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مٰا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (3) .

قُلْ إِنَّمٰا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحيٰ إِلَيَّ أَنَّمٰا إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صٰالِحاً وَ لاٰ يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (4) .

يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّٰا أَرْسَلْنٰاكَ شٰاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً* وَ دٰاعِياً إِلَي اللّٰهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرٰاجاً مُنِيراً (5) .

و عن حذيفة:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يقول في سكّة من سكك المدينة:أنا محمّد،و أحمد، و الحاشر،و المقفّي،و نبيّ الرّحمة (6).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:أنا محمّد،و أنا أحمد،و أنا الماحي الّذي يمحي بي الكفر،و أنا الحاشر الّذي يحشر النّاس علي عقبي،و أنا العاقب-و العاقب الّذي ليس بعده نبيّ (7).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:أنا أشبه النّاس بآدم،و إبراهيم أشبه النّاس بي خلقه و خلقه،و سمّاني اللّه من فوق عرشه عشرة أسماء،و بيّن اللّه وصفي،و بشّرني علي لسان كلّ رسول بعثه اللّه إلي قومه،و سمّاني و نشر في التّوراة إسمي،و بثّ ذكري في أهل التّوراة و الإنجيل،و علّمني كتابه،و رفعني في سمائه، و شقّ لي إسما من أسمائه،فسمّاني محمّدا و هو محمود،و أخرجني في خير قرن من امّتي،و جعل إسمي في التّوارة احيد (8)،فبالتّوحيد حرّم أجساد امّتي علي النّار،و سمّاني في الإنجيل أحمد،فأنا محمود في أهل السّماء،و جعل امّتي الحامدين.و جعل إسمي في الزّبور ما حي،محا اللّه عزّ و جلّ بي من الأرض عبادة الأوثان.و جعل إسمي في القرآن محمّدا،فأنا محمود في جميع القيامة (9)في فصل القضاء،لا يشفع أحد غيري.و سمّاني في القيامة حاشرا،يحشر النّاس علي قدمي،و سمّاني

ص: 9


1- البحار:35/352/16.
2- الفتح:29.
3- التوبة:128.
4- الكهف:110.
5- الأحزاب:45،46.
6- الطبقات الكبري:104/1.
7- صحيح مسلم:2354.
8- قال شارح الشّفاء للقاضي عياض:أحيد بضمّ الهمزة،و فتح المهملة،و سكون التّحتيّة،فدال مهملة،و قيل: بفتح الهمزة،و سكون المهملة،و فتح التّحتيّة،قال:سمّيت احيد لأنّي أحيد بأمّتي عن نار جهنّم، أيأعدلبهم،انتهي.(البحار:27/93/16).
9- في معاني الأخبار(1/50):جميع أهل القيامة.

الموقف،اوقف النّاس بين يدي اللّه عزّ و جلّ،و سمّاني العاقب،أنا عقب النّبيّين ليس بعدي رسول، و جعلني رسول الرّحمة و رسول التّوبة و رسول الملاحم و المقتفي (1)،قفّيت النّبيّين جماعة،و أنا المقيم الكامل الجامع.و منّ عليّ ربّي و قال لي:يا محمّد صلّي اللّه عليك فقد أرسلت كلّ رسول إلي امّته بلسانها،و أرسلتك إلي كلّ أحمر و أسود من خلقي،و نصرتك بالرّعب الّذي لم أنصر به أحدا،و أحللت لك الغنيمة و لم تحلّ لأحد قبلك،و أعطيتك لك و لامّتك كنزا من كنوز عرشي:

فاتحة الكتاب،و خاتمة سورة البقرة،و جعلت لك و لامّتك الأرض كلّها مسجدا و ترابها طهورا، و أعطيت لك و لامّتك التّكبير،و قرنت ذكرك بذكري حتّي لا يذكرني أحد من امّتك إلاّ ذكرك مع ذكري،فطوبي لك يا محمّد و لامّتك (2).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-لمّا سأله يهوديّ عن وجه تسميته بمحمّد و أحمد و أبي القاسم و بشير و نذير وداع؟ -:أمّا محمّد فإنّي محمود في الأرض،و أمّا أحمد فإنّي محمود في السّماء،و أمّا أبو القاسم فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقسم يوم القيامة قسمة النّار؛فمن كفر بي من الأوّلين و الآخرين ففي النّار،و يقسم قسمة الجنّة؛فمن آمن بي و أقرّ بنبوّتي ففي الجنّة.و أمّا الدّاعي فإنّي أدعو النّاس إلي دين ربّي عزّ و جلّ، و أمّا النّذير فإنّي انذر بالنّار من عصاني،و أمّا البشير فإنّي ابشّر بالجنّة من أطاعني (3).

***

نسب النبي محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

عن أنس بن مالك و عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قالا:بلغ النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أنّ رجالا من كندة يزعمون أنّه منهم،فقال:«إنّما كان يقول ذلك:العباس،و أبو سفيان بن حرب إذا قدما المدينة ليأمنا بذلك،و أنه لن ينتفي من آبائنا،و نحن من بني كنانة» (4).

قال:و خطب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:«أنا محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.و ما افترق الناس فرقتين إلاّ جعلني اللّه تبارك و تعالي في خيرهما؛فأخرجت من بين أبوين فلم يصبني شيء من عهر الجاهلية.و أخرجت من نكاح و لم أخرج من سفاح،من لدن آدم حتي انتهيت إلي أبي و أمي،فأنا خيركم نفسا و خيركم أبا» (5).

إسماعيل بن رافع قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«انسبوني»ثم قال:«أنا محمد بن عبد اللّه بن عبد

ص: 10


1- في معاني الأخبار(1/50):المقفّي.
2- علل الشرائع:3/127.
3- معاني الأخبار:2/52.
4- الأنساب للسمعاني:25/1.
5- دلائل النبوة للبيهقي:174/1.

المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب ابن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد» (1).

و عن أم سلمة زوج النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قالت:سمعت[رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم]يقول:«معدّ بن عدنان بن أدد بن زيد بن أعراق الثري»قالت أم سلمة:فمعد:معد،و عدنان:عدنان.وادد:أدد،و زيد:هميسع و يروي:نبت،و إسماعيل بن إبراهيم:أعراق الثري (2).

قال هشام بن محمد بن سائب بن بشر الكلبي قال:علّمني أبي و أنا غلام نسب النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:

محمد الطّيّب المبارك بن عبد اللّه بن عبد المطلب و اسمه شيبة الحمد بن هاشم،و أسمه عمرو بن عبد مناف و اسمه المغيرة بن قصيّ و اسمه زيد بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر- و إلي فهر جماع قريش و ما كان فوق فهر فليس له يقال له قرشي و يقال له كناني-و هو فهر بن مالك بن النّضر،و اسمه قيس بن كنانة بن خزيمة بن مدركة،و اسمه عمرو بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان (3).

و عن ابن البرقي فرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب،و اسم عبد المطلب شيبة بن هاشم،و اسم هاشم عمرو بن عبد مناف[و اسم عبد مناف]المغيرة بن قصيّ.قال أبو بكر:

و اسم قصيّ زيد-فيما بلغني-ابن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن مالك بن خزيمة بن مدركة.و اسم مدركة عامر بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن[أد،و يقال]أدد بن مقوم بن ماخور بن يبرح بن يعرب بن يشجب بن ثابت بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن عليه السّلام بن تارح و هو آزر بن ياخور بن شاروخ بن راعو بن فالج بن عيبر بن شالح بن أرفخشد ابن سام بن نوح بن لامك ابن متوشلح بن خنوخ و هو ادريس النبي عليه السّلام فيما يزعمون،و اللّه تعالي أعلم-و كان أول نبي أعطي النبوة و خط بالقلم-ابن يرد بن مهليل ابن قينن بن يانش بن شيث بن آدم عليه السّلام (4).

***1.

ص: 11


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:313/30.
2- دلائل النبوة للبيهقي:178/1.
3- طبقات ابن سعد:55/1.
4- سيرة ابن هشام:301/1.

معرفة أسمائه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و أنه خاتم الأنبياء و الرسل

الزّهري،عن محمد عن جبير بن مطعم،عن أبيه أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:لي خمسة أسماء:

أنا محمد و أنا أحمد و أنا الماحي الذي يمحو اللّه بي الكفر،و أنا الحاشر الذي يحشر الناس علي قدميّ،و أنا العاقب (1)(2).

ابن شهاب عن محمد جبير بن مطعم،عن أبيه أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:«لي أسماء:أنا محمد و أنا أحمد و أنا الماحي الذي يمحو اللّه به الكفر،و أنا الحاشر الذي يحشر الناس علي قدميّ،و أنا العاقب الذي ليس بعده أحد» (3).

و قد سمّاه اللّه:رؤوفا رحيما (4).

و أمّا حديث شعيب:

محمد بن جبير بن مطعم،عن أبيه قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يقول:«إنّ لي أسماء:أنا محمد،و أنا أحمد،و أنا الماحي الذي يمحو اللّه بي الكفر،و أنا الحاشر الذي يحشر الناس علي قدميّ،و أنا العاقب»و العاقب الذي ليس بعده أحد (5).

محمد بن جبير بن مطعم،عن أبيه،عن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:-و في حديث ابن منده قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:-«إن لي أسماء:أنا محمد،و أنا أحمد،و أنا الماحي الذي يمحي بي الكفر،و أنا الحاشر الذي يحشر الناس علي قدميّ،و أنا العاقب العاقب الذي ليس بعده نبي» (6).

الزهري،عن محمد بن جبير،عن أبيه قال:قال النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أنا محمد،و أنا أحمد،و أنا الماحي الذي يمحي بي الكفر و أنا الحاشر الذي[يحشر]الناس علي قدميّ،و أنا العاقب الذي لا نبيّ بعدي» (7).

و عن نافع بن جبير أنه دخل[علي]عبد الملك بن مروان فقال له أتحصي أسماء النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم الذي كان جبير يعدّها؟-و قال يعقوب:أسماء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم التي كان جبير بن مطعم يعدها-قال:

ص: 12


1- قال أبو عبيد:العاقب آخر الأنبياء،و العاقب:الذي يخلف من كان قبله في الخبر.(اللسان:عقب).
2- دلائل النبوة للبيهقي:152/1.
3- دلائل النبوة للبيهقي:154/1.
4- كما في قوله تعالي في سورة التوبة الآية 128 بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ .
5- صحيح البخاري:61 كتاب المناقب(17)باب ما جاء في أسماء النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و فتح الفتح:554/6.
6- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:114/16 ح 43.
7- صحيح مسلم.كتاب الفضائل باب أسماء رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم حديث رقم 124(1828/4)،و صحيح الترمذي كتاب الأدب باب ما جاء في أسماء النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:135/5.

نعم هي ستة:أحمد،و محمد،و حاشر،و خاتم،و العاقب،و الماحي-و قال يعقوب:و عاقب- و أمّا حاشر فبعثت مع السّاعة بين يدي عذاب شديد،و العاقب عاقب الأنبياء،و ماح[محا]اللّه به سيئات من اتّبعه (1).

نافع بن جبير عن أبيه قال:سمعت النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يقول:«أنا محمد و أحمد و المقفي (2)و الحاشر و نبي الرحمن و نبي الملحمة» (3).

و عن أبي موسي،قال:سمّي لنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم نفسه أسماء منها ما حفظنا قال:«أنا محمد، و أحمد،و المقفّي،و الحاشر،و نبي التوبة،و نبي الرحمة» (4).

و عن أبي الطّفيل[قال:]قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«إن لي عند ربي عشرة أسماء».

قال أبو الطفيل:قد حفظت منها ثمانية:محمد،و أحمد،و أبو القاسم،و الفاتح،و الخاتم، و الماحي،فالعاقب،و الحاشر.

قال أبو يحيي:و زعم سيف أن أبا جعفر قال له:إنّ الإسمين الباقيين يس و طه (5).

و قال أبو زكريا و لنبينا صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و عليهم أجمعين خمسة أسماء في القرآن:أحمد،و محمد،و عبد اللّه،و طه،و يس.قال اللّه تعالي في ذكر محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّٰهِ قال: وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6)و قال اللّه تعالي في ذكر عبد اللّه: وَ أَنَّهُ لَمّٰا قٰامَ عَبْدُ اللّٰهِ (7)-يعني النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ليلة الجن- كٰادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً و إنما كانوا يقعون بعضهم علي بعض،كما أن اللبد يتخذ من الصوف فيضع بعضه علي بعض فيصير لبدا.قال اللّه تبارك و تعالي: طه مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقيٰ ،و القرآن إنما أنزل علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم دون غيره.

و قال اللّه تبارك و تعالي: يس (8)يعني يايس،و الإنسان هاهنا العاقل و هو محمد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (9).

قال البيهقي (10):و زاد غيره من أهل العلم،فقال:سمّاه اللّه تعالي في القرآن:رسولا،نبيّا، أميّا،و سمّاه:شاهدا،و مبشرا،و نذيرا،و داعيا إلي اللّه بإذنه،و سراجا منيرا.و سمّاه:رؤوفا،1.

ص: 13


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:24/3.
2- المقفي:نحو العاقب،و هو المولي الذاهب،يقال:قفا عليه أي ذهب،و كأن المعني أنه آخر الأنبياء المتبع لهم،فإذا قفي فلا نبي بعده(اللسان:قفا).
3- ميزان الحكمة للريشهري:3186/4.
4- مسند أحمد:405/5.
5- دلائل النبوة للبيهقي ط بيروت:158/1.
6- سورة الصف،الآية:6.
7- سورة الجن،الآية:19.
8- الآية الأولي من سورة ياسين.
9- سورة ياسين،الآية:3.
10- دلائل النبوة للبيهقي:160/1.

رحيما،و سمّاه نذيرا مبيّنا.و سمّاه:مذكرا،و جعله رحمة،و نعمة،و هاديا.و سماه عبدا صلي اللّه عليه و علي آله تسليما كثيرا (1).

و عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«سيّد بني دارا و اتخذ مأدبة[و بعث]،داعيا.

فالسيد[الجبار]،و المأدبة القرآن،و الدار:الجنة.فالداعي:أنا،فأنا إسمي في القرآن محمد، و في الإنجيل أحمد،و في التوراة أحيد،و إنما سميت أحيدا لأنّي أحيد عن أمتي نار جهنم،فأحبّوا العرب بكل قلوبكم» (2).

***

سبب تسمية النبي بمحمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

عن ابن عباس قال:لما ولد النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عق (3)عنه عبد المطلب بكبش و سماه محمدا،فقيل له:يا أبا الحارث ما حملك علي أن تسميه محمدا و لم تسمّه باسم آبائه؟قال:أردت أن يحمد اللّه عز و جل في السماء،و يحمده الناس في الأرض (4).

و عن علي بن زيد بن جدعان قال:تذاكروا ما قيل من الشعر.قال:فقال رجل:ما سمعنا شيئا أحسن من بيت أبي طالب:

و شق له من اسمه ليجلّه فذو العرش محمود و هذا محمد

(5)

***

خاتم النّبيّين

قال تعالي: مٰا كٰانَ مُحَمَّدٌ أَبٰا أَحَدٍ مِنْ رِجٰالِكُمْ وَ لٰكِنْ رَسُولَ اللّٰهِ وَ خٰاتَمَ النَّبِيِّينَ وَ كٰانَ اللّٰهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (6).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:أيّها النّاس،(إنّه)لا نبيّ بعدي،و لا سنّة بعد سنّتي،فمن ادّعي ذلك فدعواه و بدعته في النّار،و من ادّعي ذلك فاقتلوه (7).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:مثلي في النّبيّين كمثل رجل بني دارا فأحسنها و أكملها و أجملها و ترك فيها موضع

ص: 14


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:31/3.
2- تاريخ دمشق لابن عساكر:32/3.
3- عق ابنه:خلق عقيقته او ذبح عنه شاة(اللسان:عقق).
4- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:32/3.
5- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:120/16.
6- الأحزاب:40.
7- أمالي المفيد:15/53.

لبنة لم يضعها،فجعل النّاس يطوفون بالبنيان و يعجبون منه و يقولون:لو تمّ موضع هذه اللّبنة!فأنا في النّبيّين موضع تلك اللّبنة.

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:إنّما بعثت فاتحا و خاتما (1).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:أوّل الرّسل آدم،و آخرهم محمّد (2).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:إنّه سيكون في امّتي كذّابون ثلاثون كلّهم يزعم أنّه نبيّ،و أنا خاتم النّبيّين لا نبيّ بعدي (1).

قال الإمام الصّادق عليه السّلام:إنّ اللّه عزّ ذكره ختم بنبيّكم النّبيّين فلا نبيّ بعده أبدا،و ختم بكتابكم الكتب فلا كتاب بعده أبدا (4).

و عنه عليه السّلام:حتّي جاء محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فجاء بالقرآن و بشريعته و منهاجه،فحلاله حلال إلي يوم القيامة،و حرامه حرام إلي يوم القيامة (5).

قال الإمام عليّ عليه السّلام:إلي أن بعث اللّه سبحانه محمّدا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لإنجاز عدته،و إتمام نبوّته (6).

و عنه عليه السّلام-في صفة النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-:أمين وحيه،و خاتم رسله،و بشير رحمته،و نذير نقمته (7).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:أنا العاقب الّذي ليس بعده نبيّ (2).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:أنا خاتم النّبيّين،و عليّ خاتم الوصيّين (3).

***

شهادة اللّه علي نبوّته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

قال تعالي: لٰكِنِ اللّٰهُ يَشْهَدُ بِمٰا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَ الْمَلاٰئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَ كَفيٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً (4).

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُديٰ وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ كَفيٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً (5)

قُلْ كَفيٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ إِنَّهُ كٰانَ بِعِبٰادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (6)

ص: 15


1- كنز العمّال:31761. (4 و 5) الكافي:3/269/1 و 2/17/2. (6 و 7) نهج البلاغة:الخطبة 1 و 173.
2- الطبقات الكبري:105/1.
3- عيون أخبار الرّضا عليه السّلام:345/74/2.
4- النساء:166.
5- الفتح:28.
6- الإسراء:96.

قُلْ كَفيٰ بِاللّٰهِ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْبٰاطِلِ وَ كَفَرُوا بِاللّٰهِ أُولٰئِكَ هُمُ الْخٰاسِرُونَ (1) .

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرٰاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلاٰ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللّٰهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمٰا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفيٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (2) .

قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهٰادَةً قُلِ اللّٰهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ أَ إِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّٰهِ آلِهَةً أُخْريٰ قُلْ لاٰ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمٰا هُوَ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ وَ إِنَّنِي بَرِيءٌ مِمّٰا تُشْرِكُونَ (3) .

و عن الكلبيّ:أتي أهل مكّة النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقالوا:ما وجد اللّه رسولا غيرك؟!ما نري أحدا يصدّقك فيما تقول،و لقد سألنا عنك اليهود و النّصاري فزعموا أنّه ليس لك عندهم ذكر،فأرنا من يشهد أنّك رسول اللّه كما تزعم،فنزل: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهٰادَةً... الآية،و قالوا:العجب أنّ اللّه تعالي لم يجد رسولا يرسله إلي النّاس إلاّ يتيم أبي طالب!فنزل: الر تِلْكَ آيٰاتُ الْكِتٰابِ الْحَكِيمِ* أَ كٰانَ لِلنّٰاسِ عَجَباً... الآيات (4)(5).

قال الإمام الباقر عليه السّلام-في قوله تعالي-: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهٰادَةً... -:و ذلك أنّ مشركي أهل مكّة قالوا:يا محمّد،ما وجد اللّه رسولا يرسله غيرك؟!ما نري أحدا يصدّقك بالّذي تقول،و ذلك في أوّل ما دعاهم و هو يومئذ بمكّة،قالوا:و لقد سألنا عنك اليهود و النّصاري فزعموا أنّه ليس لك ذكر عندهم،فأتنا بمن يشهد أنّك رسول الله!قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم: اَللّٰهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ الآية (6).

***

شهادة الأنبياء بنبوة النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

قال تعالي: وَ إِذْ قٰالَ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ يٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّٰهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرٰاةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ بِالْبَيِّنٰاتِ قٰالُوا هٰذٰا سِحْرٌ مُبِينٌ* وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَريٰ عَلَي اللّٰهِ الْكَذِبَ وَ هُوَ يُدْعيٰ إِلَي الْإِسْلاٰمِ وَ اللّٰهُ لاٰ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّٰالِمِينَ (7).

اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرٰاةِ وَ الْإِنْجِيلِ (8) .

ص: 16


1- العنكبوت:52.
2- الأحقاف:8.
3- الأنعام:19.
4- يونس:1،2.
5- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:85/9.
6- البحار:78/235/18 و ص 76/234.
7- الصفّ:6،7.
8- الأعراف:157.

عن الحسن بن محمّد النوفلي-في مناظرة الرّضا عليه السّلام أصحاب الملل و المقالات-:قال رأس الجالوت:من أين تثبت نبوّة محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم؟

قال الرّضا عليه السّلام:شهد بنبوّته موسي بن عمران،و عيسي ابن مريم،و داود خليفة اللّه في الأرض عليهم السّلام.

فقال له:أثبت قول موسي بن عمران!

قال الرّضا عليه السّلام:تعلم يا يهوديّ أنّ موسي أوصي بني إسرائيل فقال لهم:إنّه سيأتيكم نبيّ من إخوانكم،فيه فصدّقوا،و منه فاسمعوا،فهل تعلم أنّ لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل،إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل و النّسب الّذي بينهما من قبل إبراهيم عليه السّلام؟

فقال رأس الجالوت:هذا قول موسي لا ندفعه.

فقال له الرّضا عليه السّلام:هل جاءكم من إخوة بني إسرائيل نبيّ غير محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم؟

قال:لا.

فقال الرّضا عليه السّلام:أ فليس قد صحّ هذا عندكم؟

قال:نعم.و لكنّي احبّ أن تصحّحه لي من التّوراة.

فقال له الرّضا عليه السّلام:هل تنكر أنّ التّوراة تقول لكم:جاء النّور من قبل طور سيناء،و أضاء للنّاس من جبل ساعير،و استعلن علينا من جبل فاران؟

قال رأس الجالوت:أعرف هذه الكلمات و ما أعرف تفسيرها.

قال الرّضا عليه السّلام:أنا اخبرك به،أمّا قوله:جاء النّور من قبل طور سيناء:فذلك وحي اللّه تبارك و تعالي الّذي أنزله علي موسي علي جبل طور سيناء،و أمّا قوله:و أضاء للنّاس في جبل ساعير:فهو الجبل الّذي أوحي اللّه عزّ و جلّ إلي عيسي ابن مريم عليه السّلام و هو عليه،و أمّا قوله:

و استعلن علينا من جبل فاران:فذاك جبل من جبال مكّة،و بينه و بينها يومان أو يوم.

قال شعيا النّبيّ-فيما تقول أنت و أصحابك في التّوراة-:رأيت راكبين أضاء لهما الأرض، أحدهما علي حمار،و الآخر علي جمل،فمن راكب الحمار و من راكب الجمل؟

قال رأس الجالوت:لا أعرفهما،فخبّرني بهما!

قال عليه السّلام:أمّا راكب الحمار فعيسي،و أمّا راكب الجمل فمحمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،أ تنكر هذا من التّوراة؟

قال:لا ما انكره.

ثمّ قال الرّضا عليه السّلام:هل تعرف حيقوق النّبيّ عليه السّلام؟

قال:نعم،إنّي به لعارف!

ص: 17

قال:فإنّه قال-و كتابكم ينطق به-:جاء اللّه تعالي بالبيان من جبل فاران،و امتلأت السّماوات من تسبيح أحمد و امّته،يحمل خيله في البحر كما يحمل في البرّ،يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس-يعني بالكتاب:القرآن-أتعرف هذا و تؤمن به؟

قال رأس الجالوت:قد قال ذلك حيقوق النّبيّ عليه السّلام و لا ننكر قوله.

قال الرّضا عليه السّلام:فقد قال داود عليه السّلام في زبوره و أنت تقرؤه:اللّهمّ ابعث مقيم السّنّة بعد الفترة،فهل تعرف نبيّا أقام السّنّة بعد الفترة غير محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم؟

قال رأس الجالوت:هذا قول داود نعرفه و لا ننكره،و لكن عني بذلك عيسي عليه السّلام،و أيّامه هي الفترة.

قال الرّضا عليه السّلام:جهلت،إنّ عيسي لم يخالف السّنّة،و كان موافقا لسنّة التّوراة حتّي رفعه اللّه إليه،و في الإنجيل مكتوب:إنّ ابن البرّة ذاهب و(الفارقليطا)جائي من بعده،و هو يخفّف الآصار، و يفسّر لكم كلّ شيء،و يشهد لي كما شهدت له،أنا جئتكم بالأمثال و هو يأتيكم بالتّأويل،أ تؤمن بهذا في الإنجيل؟

قال:نعم،لا أنكره (1).

و عن عبيد اللّه العكي عن رجل من قريش:سأل النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم اليهود فقال:أسألكم بكتابكم الّذي تقرؤون،هل تجدون به قد بشّر بي عيسي بن مريم أن يأتيكم رسول اسمه أحمد؟فقالوا:اللّهمّ وجدناك في كتابنا و لكنّا كرهناك لأنّك تستحلّ الأموال و تهرق الدّماء،فأنزل الله: مَنْ كٰانَ عَدُوًّا لِلّٰهِ وَ مَلاٰئِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ... (2).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-لمّا سئل عن بدء أمره-:دعوة إبراهيم،و بشري عيسي،ورأت امّي أنّه يخرج منها نور أضاءت له قصور الشّام (3).

قال الإمام عليّ عليه السّلام:إلي أن بعث اللّه سبحانه محمّدا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم...مأخوذا علي النّبيّين ميثاقه،مشهورة سماته (4).

و عن محمّد بن كعب القرظي:أوحي اللّه إلي يعقوب أنّي أبعث من ذرّيّتك ملوكا و أنبياء حتّي أبعث النّبيّ الحرميّ الّذي تبني امّته هيكل بيت المقدس،و هو خاتم الأنبياء،و اسمه أحمد (5).1.

ص: 18


1- الاحتجاج:307/414/2.
2- تفسير الطبري:439/1،الدرّ المنثور:225/1.
3- الدرّ المنثور:334/1.
4- نهج البلاغة:الخطبة 1.
5- الطبقات الكبري:163/1.

و عن الشّعبيّ:في مجلّة إبراهيم عليه السّلام:إنّه كائن من ولدك شعوب و شعوب؛حتّي يأتي النّبيّ الامّيّ الّذي يكون خاتم الأنبياء (1).

و عن كعب:إنّ نعت محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في التّوراة:محمّد عبدي المختار،لا فظّ و لا غليظ،و لا صخّاب في الأسواق،و لا يجزي بالسّيّئة السّيّئة،و لكن يعفو و يغفر،مولده بمكّة،و مهاجره بالمدينة،و ملكه بالشّام (2).

و عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه:كان الزّبير إبن باطا-و كان أعلم اليهود-يقول:إنّي وجدت سفرا كان أبي يختمه عليّ،فيه ذكر أحمد نبيّ يخرج بأرض القرظ صفته كذا و كذا،فتحدّث به الزّبير بعد أبيه و النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لم يبعث،فما هو إلاّ أن سمع بالنّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قد خرج بمكّة حتّي عمد إلي ذلك السّفر فمحاه و كتم شأن النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و قال:ليس به! (3)

و عن أبي نملة:كانت يهود بني قريظة يدرسون ذكر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في كتبهم،و يعلّمونه الولدان بصفته و اسمه و مهاجره إلينا،فلمّا ظهر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم حسدوا و بغوا و قالوا:ليس به! (4)

و عن محمّد بن جعفر بن الزبير و محمّد بن عمارة بن غزيّة:قدم و فد نجران و فيهم أبو الحارث بن علقمة بن ربيعة،له علم بدينهم و رئاسة،و كان أسقفهم و إمامهم و صاحب مدارسهم و له فيهم قدر- فعثرت به بغلته،فقال أخوه:تعس الأبعد!يريد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فقال أبو الحارث:بلتعست أنت، أ تشتم رجلا من المرسلين؟!إنّه الّذي بشّر به عيسي و إنّه لفي التّوراة!قال:فما يمنعك من دينه؟ قال:شرّفنا هؤلاء القوم و أكرمونا و موّلونا،و قد أبوا إلاّ خلافه (5).

***

في أن رسول اللّه دعوة إبراهيم عليهما السّلام

قال تعالي إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً قٰالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قٰالَ لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ (4).

عن عبد اللّه بن مسعود قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أنا دعوة أبي إبراهيم».

قلنا:يا رسول اللّه و كيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟قال:«أوحي اللّه عزّ و جلّ إلي إبراهيم إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً فاستخفّ إبراهيم الفرح قال:يا رب و من ذرّيتي أئمة مثلي فأوحي اللّه

ص: 19


1- الطبقات الكبري:163/1.
2- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:186/1.
3- ميزان الحكمة للريشهري:3199/4. (4 و 5) الطبقات الكبري:360/1 و ص 159 و ص 160 و ص 164.
4- سورة البقرة:124.

عز و جل إليه أن يا إبراهيم إني لأعطيك عهدا لا أفي لك به قال:يا رب ما العهد الذي لا تفي لي به؟قال:لا أعطيك لظالم من ذريتك عهدا قال إبراهيم عندها:و اجنبني و بني أن نعبد الأصنام رب إنهنّ أضللن كثيرا من الناس فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:فانتهت الدعوة إلي و إلي علي لم يسجد أحد منا لصنم قط فاتخذني اللّه نبيّا و اتخد عليّا وصيا» (1).

و عن الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام قال:سألته عن قول اللّه عز و جل: وَ إِذِ ابْتَليٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ (2)ما هذه الكلمات؟قال:هي التي تلقاها آدم من ربّه فتاب عليه و هو أنّه قال:يا رب اسألك بحق محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين إلا تبت عليّ فتاب اللّه عليه إنّه هو التواب الرحيم».

فقلت له:يا بن رسول اللّه فما يعني بقوله: فَأَتَمَّهُنَّ

قال:«يعني أتمهنّ إلي القائم عليه السّلام إثنا عشر إماما تسعة من ولد الحسين»و قول إبراهيم عليه السّلام وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي من:حرف تبعيض يعلم أنّ من الذرية من يستحق الإمامة و منهم من لا يستحقها هذا من جملة المسلمين و ذلك أنه يستحيل أن يدعو إبراهيم بالإمامة للكافر أو للمسلم الذي ليس بمعصوم،فصحّ أنّ باب التبعيض وقع علي خواص المؤمنين،و الخواص إنّما صاروا خواصا بالبعد من الكفر،ثم من اجتنب الكبائر صار من جملة الخواص أخصّ ثم المعصوم هو الخاص الأخص، و لو كان للتخصيص صورة أربي عليه لجعل ذلك من أوصاف الإمام و قد سمّي اللّه عز و جل عيسي من ذرية إبراهيم و كان ابن بنته من بعد،و لما صحّ أن ابن البنت ذرية،و دعي إبراهيم لذريته بالإمامة وجب علي محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم الإقتداء به في وضع الإمامة في المعصومين من ذريته حذو النعل بالنعل بعد ما أوحي اللّه عزّ و جلّ إليه و حكم عليه بقوله: ثُمَّ أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرٰاهِيمَ حَنِيفاً (3)الآية و لو خالف ذلك لكان داخلا في قوله: وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرٰاهِيمَ إِلاّٰ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ (4)جلّ نبي اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عن ذلك و قال اللّه عزّ و جل: إِنَّ أَوْلَي النّٰاسِ بِإِبْرٰاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هٰذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا (5)و أمير المؤمنين عليه السّلام أبو ذرية النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و وضع الإمامة فيه و وضعها في ذرية المعصومين بعد و قوله عز و جل: لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ (6)يعني بذلك أن الإمامة لا تصلح لمن قد عبد وثنا أو صنما أو أشرك باللّه طرفة عين،و إن اسلم بعد ذلك و الظلم وضع الشيء في غير موضعه،و أعظم الظلم الشرك قال عز و جل: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (7).

و كذلك لا يصلح للإمامة من قد ارتكب من المحارم شيئا صغيرا كان أو كبيرا،و إن تاب منه3.

ص: 20


1- مناقب ابن المغازلي:/177ح 322،و أمالي الطوسي:/378مجلس /13ح 62.).
2- البقرة:124.
3- النحل:123.
4- البقرة:130.
5- آل عمران:68.
6- البقرة:124.
7- لقمان:13.

بعد ذلك،و كذلك لا يقيم الحدّ من في جنبه حدّ،فإذا لا يكون الإمام إلاّ معصوما و لا تعلم عصمته إلاّ بنص اللّه عزّ و جل عليه علي لسان نبيّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لأنّ العصمة ليست في ظاهر الخلقة فتري كالسواد و البياض و ما أشبه ذلك فهي مغيبة لا تعرف إلا بتعريف علاّم الغيوب عز و جل» (1).

و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:«قد كان إبراهيم نبيّا و ليس بإمام حتي قال اللّه إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً قٰالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي فقال اللّه: لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ من عبد صنما أو وثنا لا يكون إماما» (2).

و قال عليه السلام:«إنّ اللّه تبارك و تعالي اتخذ إبراهيم عليه السّلام عبدا قبل أن يتّخذه نبيّا،و إنّ اللّه أتخذه نبيّا قبل أن يتخذه رسولا،و إنّ اللّه اتخذه رسولا قبل أن يتّخذه خليلا،و إن اللّه اتخذه خليلا قبل أن يتّخذه إماما (3)فلما جمع له الأشياء قال إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً قال:فمن عظمها في عين إبراهيم قٰالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قال: لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ قال:لا يكون السفيه إمام التقي» (4).

و عن صفوان الجمّال قال:كنّا بمكة فجري الحديث في قول اللّه: وَ إِذِ ابْتَليٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ (5)قال:أتمهنّ بمحمد و علي و الأئمة من ولد علي عليهم السّلام في قول اللّه ذُرِّيَّةً بَعْضُهٰا مِنْ بَعْضٍ وَ اللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (6)ثم قال: إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً قٰالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قٰالَ لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ قال:يا رب و يكون من ذريتي ظالم،قال:نعم فلان و فلان و فلان و من اتبعهم، قال:يا رب فعجل لمحمد و علي ما وعدتني فيهما و عجّل نصرك لهما و إليه أشار بقوله وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرٰاهِيمَ إِلاّٰ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَ لَقَدِ اصْطَفَيْنٰاهُ فِي الدُّنْيٰا،وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّٰالِحِينَ (7)فالملة الإمامة فلما أسكن ذريته بمكة قال: رَبَّنٰا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوٰادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ إلي قوله اَلثَّمَرٰاتِ مَنْ آمَنَ (8)فاستثني من آمن خوفا أن يقول له:لا كما قال له في الدعوة الأولي قال:و من ذريتي،قال:لا ينال عهدي الظالمين،فلما قال اللّه: وَ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِليٰ عَذٰابِ النّٰارِ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ قال:يا رب و من الذي متّعتهم؟قال:الذين كفروا بآياتي فلان و فلان و فلان» (9).

***8.

ص: 21


1- معاني الأخبار:/126ح 1 و اختصر المصنف.
2- الكافي:175/1-176 ح 1 باب طبقات الأنبياء و الحديث طويل.
3- في المصدر:يجعله.
4- الكافي:175/1 ح 2.
5- البقرة:124.
6- آل عمران:34.
7- سورة البقرة:130.
8- البقرة:126.
9- المصدر السابق:/58ح 88.

شهادة علماء أهل الكتاب بنبوة النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و آله و سلّم

قال تعالي: أَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمٰاءُ بَنِي إِسْرٰائِيلَ (1).

وَ إِذٰا سَمِعُوا مٰا أُنْزِلَ إِلَي الرَّسُولِ تَريٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمّٰا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنٰا آمَنّٰا فَاكْتُبْنٰا مَعَ الشّٰاهِدِينَ* وَ مٰا لَنٰا لاٰ نُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ مٰا جٰاءَنٰا مِنَ الْحَقِّ وَ نَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنٰا رَبُّنٰا مَعَ الْقَوْمِ الصّٰالِحِينَ (2) .

قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كٰانَ مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ وَ كَفَرْتُمْ بِهِ وَ شَهِدَ شٰاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ عَليٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَ اسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّٰالِمِينَ (3) .

قال عمر بن الخطّاب لعبد الله بن سلام،لمّا نزل قوله تعالي: اَلَّذِينَ آتَيْنٰاهُمُ الْكِتٰابَ يَعْرِفُونَهُ كَمٰا يَعْرِفُونَ أَبْنٰاءَهُمْ... -:هل تعرفون محمّدا في كتابكم؟قال:نعم و الله نعرفه بالنّعت الّذي نعته اللّه لنا إذ رأيناه فيكم،كما يعرف أحدنا ابنه إذا رآه مع الغلمان،و الّذي يحلف به ابن سلام لانا بمحمّد هذا أشدّ معرفة منّي بابني (4).

و عن ابن عبّاس:بعثت قريش النّضر بن الحارث بن علقمة و عقبة بن أبي معيط و غيرهما إلي يهود يثرب و قالوا لهم:سلوهم عن محمّد،فقدموا المدينة فقالوا:أتيناكم لأمر حدث فينا؛منّا غلام يتيم حقير يقول قولا عظيما يزعم أنّه رسول الرّحمن،و لا نعرف الرّحمن إلاّ رحمان اليمامة!

قالوا:صفوا لنا صفته،فوصفوا لهم،قالوا:فمن تبعه منكم؟قالوا:سفلتنا،فضحك حبر منهم و قال:هذا النّبيّ الّذي نجد نعته و نجد قومه أشدّ النّاس له عداوة (5).

قوله تعالي: أَ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمٰاءُ بَنِي إِسْرٰائِيلَ ضمير«أن يعلمه»لخبر القرآن أو خبر نزوله علي النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،أي أولم يكن علم علماء بني إسرائيل بخبر القرآن أو نزوله عليك علي سبيل البشارة في كتب الأنبياء الماضين آية للمشركين علي صحّة نبوّتك؟!و كانت اليهود تبشّر بذلك و تستفتح علي العرب به،كما مرّ في قوله تعالي: وَ كٰانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَي الَّذِينَ كَفَرُوا (6).

و قد أسلم عدّة من علماء اليهود في عهد النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و اعترفوا بأنّه مبشّر به في كتبهم.و السورة من أوائل السور المكّيّة النازلة قبل الهجرة و لم تبلغ عداوة اليهود للنبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مبلغها بعد الهجرة، و كان من المرجوّ أن ينطقوا ببعض ما عندهم من الحقّ و لو بوجه كلّيّ (7).

ص: 22


1- الشعراء:197.
2- المائدة:83،84.
3- الأحقاف:10.
4- البحار:2/180/15.
5- الطبقات الكبري:165/1.
6- البقرة:89.
7- تفسير الميزان:320/15.

قوله تعالي: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كٰانَ مِنْ عِنْدِ اللّٰهِ وَ كَفَرْتُمْ بِهِ وَ شَهِدَ شٰاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ عَليٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَ اسْتَكْبَرْتُمْ... إلخ،ضمائر«كان»و«به»و«مثله»-علي ما يعطيه السّياق-للقرآن،و قوله:

وَ شَهِدَ شٰاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرٰائِيلَ... إلخ،معطوف علي الشّرط و يشاركه في الجزاء.و المراد بمثل القرآن مثله من حيث مضمونه في المعارف الإلهيّة،و هو كتاب التوراة الأصليّة التي نزلت علي موسي عليه السّلام.و قوله: فَآمَنَ وَ اسْتَكْبَرْتُمْ أي فآمن الشاهد الإسرائيليّ المذكور بعد شهادته.

و قوله: إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّٰالِمِينَ تعليل للجزاء المحذوف دالّ عليه،و الظاهر أنّه «ألستم ضالّين»لا ما قيل:إنّه«ألستم ظلمتم»؛لأنّ التعليل بعدم هداية اللّه الظالمين إنّما يلائم ضلالهم لا ظلمهم،و إن كانوا متّصفين بالوصفين جميعا.

و المعني:قل للمشركين:أخبروني إن كان هذا القرآن من عند اللّه-و الحال أنّكم كفرتم به- و شهد شاهد من بني إسرائيل علي مثل ما في القرآن من المعارف،فآمن هو و استكبرتم أنتم ألستم في ضلال؟فإنّ اللّه لا يهدي القوم الظالمين (1).

***

نبوة النبي محمّد من نفسه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا أديب اللّه و عليّ أديبي (2).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا رحمة مهداة (3).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أيّها النّاس،إنّما أنا رحمة مهداة (4).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا دعوة إبراهيم،قال و هو يرفع القواعد من البيت: رَبَّنٰا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ... (5).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا دعوة إبراهيم،و كان آخر من بشّر بي عيسي بن مريم (6).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا فئة المسلمين (7).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا سيّد ولد آدم و لا فخر (8).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة و لا فخر (9).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض (10).

ص: 23


1- تفسير الميزان:194/18.
2- مكارم الأخلاق:19/51/1.
3- كنز العمّال:31995.
4- الطبقات الكبري:192/1. (5 و 6 و 7) كنز العمّال:31833،31889،31887. (8 و 9 و 10) كنز العمّال:31833،31889،31887.

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا أوّل النّاس خروجا إذا بعثوا،و أنا خطيبهم إذ وفدوا،و أنا مبشّرهم إذا أيسوا (1).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة (2).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا قائد المرسلين و لا فخر،و أنا خاتم النّبيّين و لا فخر،و أنا أوّل شافع و أوّل مشفّع و لا فخر (3).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا أوّل من يدقّ باب الجنّة (4).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا أوّل وافد علي العزيز الجبّار يوم القيامة و كتابه و أهل بيتي ثمّ امّتي،ثمّ أسألهم:ما فعلتم بكتاب اللّه و بأهل بيتي؟ (3)

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا أولي النّاس بابن مريم،الأنبياء أولاد علاّت (4)،و ليس بيني و بينه نبيّ (5).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا أولي النّاس بعيسي بن مريم في الدّنيا و الآخرة ليس بيني و بينه نبيّ،و الأنبياء أولاد علاّت؛امّهاتهم شتّي و دينهم واحد (6).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا محمّد،و أحمد،أنا رسول الرّحمة،أنا رسول الملحمة،أنا المقفّي و الحاشر، بعثت بالجهاد و لم ابعث بالزّرّاع (9).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا أعربكم،أنا من قريش و لساني لسان بني سعد بن بكر (10).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا أتقاكم لله،و أعلمكم لحدود اللّه (11).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ أتقاكم و أعلمكم باللّه أنا (12).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:فضّلت بأربع...و نصرت بالرّعب مسيرة شهر،يسير بين يديّ (7).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:فضّلت علي الأنبياء بأربع:ارسلت إلي النّاس كافّة،و جعلت لي الأرض كلّها1.

ص: 24


1- البحار:51/48/8.
2- كنز العمّال:31882. (3 و 4) كنز العمّال:31879،31878،31877،31883،31886.
3- الكافي:4/600/2.
4- أولاد علاّت...هم الاخوة لأب من امّهات شتّي،و أمّا الإخوة من الأبوين فيقال لهم:أولاد الأعيان.قال جمهور العلماء:معني الحديث:أصل إيمانهم واحد،و شرائعهم مختلفة،فإنّهم متّفقون في اصول التوحيد. (كما في هامش المصدر).
5- صحيح مسلم:2365.
6- كنز العمّال:32346. (9 و 10) الطبقات الكبري:105/1 و ص 113. (11 و 12) كنز العمّال:31964،31991.
7- الخصال:14/201.

و لامّتي مسجدا و طهورا...و نصرت بالرّعب مسيرة شهر يقذفه في قلوب أعدائي،و احلّ لنا الغنائم (1).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:قال لي اللّه جلّ جلاله:و نصرتك بالرّعب الّذي لم أنصر به أحدا قبلك (2).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:اعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي:جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا،و احلّ لي المغنم،و نصرت بالرّعب،و اعطيت جوامع الكلام،و اعطيت الشّفاعة (3).

قال الإمام الرّضا عليه السّلام-لمّا سئل عن معني قول النّبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنا ابن الذّبيحين-:يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه السّلام و عبد اللّه بن عبد المطّلب (4).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم-في بيان فضله علي إبراهيم عليه السّلام-:إن كان إبراهيم عليه السّلام خليله فأنا محمّد حبيبه (5).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أما و الله،إنّي لامين في السّماء و أمين في الأرض (6).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:ما خلق اللّه خلقا أفضل منّي،و لا أكرم عليه منّي (7).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إنّي كنت أوّل من آمن بربّي،و أوّل من أجاب حيث أخذ اللّه ميثاق النّبيّين و أشهدهم علي أنفسهم:ألست بربّكم؟فكنت أنا أوّل نبيّ قال:بلي (8).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:كنت أوّل النّاس في الخلق،و آخرهم في البعث (9).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:اعطيت خمسا لم يعطهنّ نبيّ كان قبلي:ارسلت إلي الأبيض و الأسود و الأحمر، و جعلت لي الأرض طهورا و مسجدا،و نصرت بالرّعب،و احلّت لي الغنائم و لم تحلّ لأحد-أو قال:لنبيّ-قبلي،و اعطيت جوامع الكلم (10).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:اعطيت جوامع الكلم،و اختصر لي الكلام اختصارا (11).

قال الإمام عليّ عليه السّلام:قيل للنّبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:هل عبدت و ثنا قطّ؟قال:لا،قالوا:فهل شربت خمرا قطّ؟قال:لا،و مازلت أعرف أنّ الّذي هم عليه كفر و ما كنت أدري ما الكتاب و لا الإيمان (12).0.

ص: 25


1- الدرّ المنثور:343/2.
2- نور الثقلين:397/402/1.
3- البحار:1/313/16 و ص 12/322 نحوه.
4- عيون أخبار الرّضا عليه السّلام:1/210/1.
5- الاحتجاج:29/110/1.
6- كنز العمّال:32147.
7- عيون أخبار الرّضا عليه السّلام:22/262/1.
8- الكافي:1/10/2.
9- الطبقات الكبري:149/1.
10- أمالي الطوسيّ:1059/484.
11- ميزان الحكمة للريشهري:3203/4.
12- كنز العمّال:44087،35439،32181،32180.

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إنّي فيما لم يوح إليّ كأحدكم (1).

و عنه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إنّما أنا بشر مثلكم،و إنّ الظّنّ يخطئ و يصيب،و لكن ما قلت لكم:قال اللّه،فلن أكذب علي اللّه (2).

***

وصف النبي الأعظم علي لسان عليّ عليهما السّلام

قال الإمام عليّ عليه السّلام-لمّا سئل عن صفة النّبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و هو محتب بحمائل سيفه في مسجد الكوفة -:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أبيض اللّون مشربا حمرة،أدعج العين،سبط الشّعر،كثّ اللّحية،سهل الخدّ،ذا وفرة،دقيق المسربة،كأنّ عنقه إبريق فضّة،له شعر من لبّته إلي سرّته يجري كالقضيب، ليس في بطنه و لا صدره شعر غيره،شثن الكفّ و القدم،إذا مشي كأنّما ينحدر من صبب،و إذا قام كأنّما ينقلع من صخر،إذا التفت التفت جميعا،كأنّ عرقه في وجهه اللّؤلؤ،و لريح عرقه أطيب من المسك الأذفر،ليس بالقصير و لا بالطّويل،و لا بالعاجز و لا اللّئيم،لم أر قبله و لا بعده مثله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (1).

و عنه عليه السّلام:و لقد قرن اللّه به صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته،يسلك به طريق المكارم،و محاسن أخلاق العالم،ليله و نهاره...

و لقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء(حرّاء)،فأراه،و لا يراه غيري.

و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و خديجة و أنا ثالثهما،أري نور الوحي و الرّسالة،و أشمّ ريح النّبوّة.

و لقد سمعت رنّة(رنة)الشّيطان حين نزل الوحي عليه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،فقلت:يا رسول اللّه،ما هذه الرّنّة؟فقال:هذا الشّيطان قد أيس من عبادته،إنّك تسمع ما أسمع و تري ما أري،إلاّ أنّك لست بنبيّ،و لكنّك لوزير،و إنّك لعلي خير.

و لقد كنت معه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لمّا أتاه الملأ من قريش فقالوا له:يا محمّد،إنّك قد ادّعيت عظيما لم يدّعه آباؤك و لا أحد من بيتك،و نحن نسألك أمرا إن أنت أجبتنا إليه و أريتناه علمنا أنّك نبيّ و رسول،و إن لم تفعل علمنا أنّك ساحر كذّاب.فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:و ما تسألون؟قالوا:تدعو لنا هذه الشّجرة حتّي تنقلع بعروقها و تقف بين يديك،فقال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ اللّه علي كلّ شيء قدير،فإن فعل اللّه لكم ذلك أ تؤمنون و تشهدون بالحقّ؟قالوا:نعم.قال:فإنّي ساريكم ما تطلبون،و إنّي لاعلم أنّكم

ص: 26


1- الطبقات الكبري:410/1.

لا تفيئون إلي خير،و إنّ فيكم من يطرح في القليب،و من يحزّب الأحزاب.ثمّ قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:يا أيّتها الشّجرة إن كنت تؤمنين باللّه و اليوم الآخر،و تعلمين أنّي رسول اللّه،فانقلعي بعروقك حتّي تقفي بين يديّ بإذن اللّه.فو الّذي بعثه بالحقّ لانقلعت بعروقها،و جاءت و لها دويّ شديد،و قصف كقصف أجنحة الطّير،حتّي وقفت بين يدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم مرفرفة،و ألقت بغصنها الأعلي علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و ببعض أغصانها علي منكبي،و كنت عن يمينه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.فلمّا نظر القوم إلي ذلك قالوا-علوّا و استكبارا:فمرها فليأتك نصفها و يبقي نصفها،فأمرها بذلك،فأقبل إليه نصفها كأعجب إقبال و أشدّه دويّا،فكادت تلتفّ برسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فقالوا-كفرا و عتوّا:فمر هذا النّصف فليرجع إلي نصفه كما كان،فأمره صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فرجع،فقلت أنا:لا إله إلاّ اللّه،إنّي أوّل مؤمن بك يا رسول اللّه،و أوّل من أقرّ بأنّ الشّجرة فعلت ما فعلت بأمر اللّه تعالي تصديقا بنبوّتك،و إجلالا لكلمتك،فقال القوم كلّهم:

بل ساحر كذّاب،عجيب السّحر خفيف فيه،و هل يصدّقك في أمرك إلاّ مثل هذا؟!(يعنونني)و إنّي لمن قوم لا تأخذهم في اللّه لومة لائم،سيماهم سيما الصّدّيقين،و كلامهم كلام الأبرار،عمّار اللّيل و منار النّهار.متمسّكون بحبل القرآن،يحيون سنن اللّه و سنن رسوله؛لا يستكبرون و لا يعلون،و لا يغلون و لا يفسدون.قلوبهم في الجنان،و أجسادهم في العمل (1).

و عنه عليه السّلام:كنت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم صبيحة اللّيلة الّتي اسري به فيها و هو بالحجر يصلّي،فلمّا قضي صلاته و قضيت صلاتي سمعت رنّة شديدة،فقلت:يا رسول اللّه،ما هذه الرّنّة؟قال:ألا تعلم؟!هذا رنّة الشّيطان،علم أنّي اسري بي اللّيلة إلي السّماء،فأيس من أن يعبد في هذه الأرض (2).

قال إبن أبي الحديد في ذيل الحديث:و قد روي عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ما يشابه هذا،لمّا بايعه الأنصار السبعون ليلة العقبة؛سمع من العقبة صوت عال في جوف الليل:يا أهل مكة،هذا مذمّم و الصّباة معه قد أجمعوا علي حربكم!فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم للأنصار:ألا تسمعون ما يقول؟!هذا أزبّ العقبة-يعني شيطانها- (3).

قال:و أمّا أمر الشجرة التي دعاها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فالحديث الوارد فيها كثير مستفيض،قد ذكره المحدّثون في كتبهم،و ذكره المتكلّمون في معجزات الرسول صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.و الأكثرون رووا الخبر فيها علي الوضع الذي جاء في خطبة أمير المؤمنين،و منهم من يروي ذلك مختصرا أنّه دعا شجرة فأقبلت تخدّ إليه الأرض (4).3.

ص: 27


1- نهج البلاغة:الخطبة 192.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:209/13.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:209/13.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:214/13.

و عنه عليه السّلام:كنت مع النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بمكّة فخرجنا في بعض نواحيها،فما استقبله جبل و لا مدر و لا شجر إلاّ و هو يقول:السّلام عليك يا رسول اللّه (1).

و عنه عليه السّلام:لقد رأيتني أدخل مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم الوادي فلا يمرّ بحجر و لا شجر إلاّ قال:

السّلام عليك يا رسول اللّه،و أنا أسمعه (2).

و عنه عليه السّلام:حتّي بعث اللّه محمّدا صلّي اللّه عليه و اله و سلّم شهيدا و بشيرا و نذيرا،خير البريّة طفلا،و أنجبها كهلا، و أطهر المطهّرين شيمة،و أجود المستمطرين ديمة (3).

و عنه عليه السّلام:اختاره من شجرة الأنبياء،و مشكاة الضّياء،و ذؤابة العلياء،و سرّة البطحاء، و مصابيح الظّلمة،و ينابيع الحكمة (4).

و عنه عليه السّلام-في ذكر النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-:حتّي أوري قبسا لقابس،و أنار علما لحابس،فهو أمينك المأمون،و شهيدك يوم الدّين،و بعيثك نعمة،و رسولك بالحقّ رحمة (5).

و عنه عليه السّلام-أيضا-:حتّي أوري قبس القابس،و أضاء الطّريق للخابط،و هديت به القلوب بعد خوضات الفتن و الآثام،و أقام بموضحات الأعلام،و نيّرات الأحكام (6).

و عنه عليه السّلام-أيضا-:فلقد صدع بما امر به،و بلّغ رسالات ربّه،فأصلح اللّه به ذات البين، و آمن به السّبل،و حقن به الدّماء،و ألّف به بين ذوي الضّغائن الواغرة في الصّدور،حتّي أتاه اليقين (7).

و عنه عليه السّلام:لا عرض له أمران إلاّ أخذ بأشدّهما (8).

و عنه عليه السّلام:ما برأ اللّه نسمة خيرا من محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (9).

و عنه عليه السّلام:ابتعثه بالنّور المضيء،و البرهان الجليّ،و المنهاج البادي،و الكتاب الهادي.

اسرته خير اسرة،و شجرته خير شجرة،أغصانها معتدلة،و ثمارها متهدّلة،مولده بمكّة،و هجرته بطيبة (10).

و عنه عليه السّلام:حتّي أفضت كرامة اللّه سبحانه و تعالي إلي محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فأخرجه من أفضل المعادن منبتا،و أعزّ الأرومات مغرسا؛من الشّجرة الّتي صدع منها أنبياءه،و انتجب(انتخب)منها امناءه...1.

ص: 28


1- كنز العمّال:35370.
2- كنز العمّال:35436.
3- نهج البلاغة:الخطبة:105،شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:117/7.
4- نهج البلاغة:الخطبة 108،شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:182/7.
5- نهج البلاغة:الخطبة 106،شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:173/7.
6- نهج البلاغة:الخطبة 72.
7- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:309/1.
8- مكارم الأخلاق:55/61/1.
9- الكافي:2/440/1.
10- نهج البلاغة:الخطبة 161.

سيرته القصد،و سنّته الرّشد،و كلامه الفصل،و حكمه العدل (1).

و عنه عليه السّلام:طبيب دوّار بطبّه،قد أحكم مراهمه،و أحمي(أمضي)مواسمه،يضع ذلك حيث الحاجة إليه،من قلوب عمي،و آذان صمّ،و ألسنة بكم،متتبّع بدوائه مواضع الغفلة و مواطن الحيرة، لم يستضيئوا بأضواء الحكمة،و لم يقدحوا بزناد العلوم الثّاقبة،فهم في ذلك كالأنعام السّائمة، و الصّخور القاسية (2).

و عنه عليه السّلام:و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله،دعا إلي طاعته،و قاهر أعداءه جهادا عن دينه، لا يثنيه عن ذلك اجتماع علي تكذيبه،و التماس لإطفاء نوره (3).

و عنه عليه السّلام:إنّ اللّه سبحانه بعث محمّدا صلّي اللّه عليه و اله و سلّم نذيرا للعالمين،و مهيمنا علي المرسلين (4).

و عنه عليه السّلام:أرسله داعيا إلي الحقّ و شاهدا علي الخلق،فبلّغ رسالات ربّه غير و ان و لا مقصّر،و جاهد في اللّه أعداءه غير واهن و لا معذّر،إمام من اتّقي،و بصر(بصيرة)من اهتدي (5).

و عنه عليه السّلام:أرسله بوجوب الحجج،و ظهور الفلج،و إيضاح المنهج،فبلّغ الرّسالة صادعا بها،و حمل علي المحجّة دالاّ عليها (6).

و عنه عليه السّلام:أرسله بحجّة كافية،و موعظة شافية،و دعوة متلافية (7).

و عنه عليه السّلام:أرسله بالضّياء،و قدّمه في الاصطفاء،فرتق به المفاتق،و ساور به المغالب،و ذلّل به الصّعوبة،و سهّل به الحزونة،حتّي سرّح الضّلال عن يمين و شمال (8).

و عنه عليه السّلام:أرسله بأمره صادعا(ناطقا)،و بذكره ناطقا(قاطعا)،فأدّي أمينا،و مضي رشيدا،و خلّف فينا راية الحقّ (9).

و عنه عليه السّلام:أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله،أرسله بالدّين المشهور،و العلم المأثور،و الكتاب المسطور،و النّور السّاطع،و الضّياء اللاّمع،و الأمر الصّادع،إزاحة للشّبهات،و احتجاجا بالبيّنات، و تحذيرا بالآيات،و تخويفا بالمثلات،و النّاس في فتن انجذم(انحذم)فيها حبل الدّين (10).

و عنه عليه السّلام-و هو يلي غسل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و تجهيزه-:بأبي أنت و امّي يا رسول اللّه!لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النّبوّة و الإنباء و أخبار السّماء.

خصّصت حتّي صرت مسلّيا عمّن سواك،و عمّمت حتّي صار النّاس فيك سواء...

بأبي أنت و امّي!اذكرنا عند ربّك،و اجعلنا من بالك (1).2.

ص: 29


1- نهج البلاغة:الخطبة 2 و 235 و 72.

و عنه عليه السّلام:اللّهمّ...اجعل شرائف صلواتك،و نوامي بركاتك،علي محمّد عبدك و رسولك، الخاتم لما سبق،و الفاتح لما انغلق،و المعلن الحقّ بالحقّ...

اللّهمّ افسح له مفسحا في ظلّك،و اجزه مضاعفات الخير من فضلك،اللّهمّ و أعل علي بناء البانين بناءه،و أكرم لديك منزلته،و أتمم له نوره،و اجزه من ابتعاثك له مقبول الشّهادة،مرضيّ المقالة،ذا منطق عدل،و خطبة فصل (1).

و عنه عليه السّلام:إنّما أنا عبد من عبيد محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (2).

***

شمولية رسالة النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

قال تعالي: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهٰادَةً قُلِ اللّٰهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ أَ إِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّٰهِ آلِهَةً أُخْريٰ قُلْ لاٰ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمٰا هُوَ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ وَ إِنَّنِي بَرِيءٌ مِمّٰا تُشْرِكُونَ (3).

وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ كَافَّةً لِلنّٰاسِ بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ (4) .

قُلْ يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّٰهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ يُحيِي وَ يُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ كَلِمٰاتِهِ وَ اتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (5) .

وَ مٰا أَرْسَلْنٰاكَ إِلاّٰ رَحْمَةً لِلْعٰالَمِينَ (6) .

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُديٰ وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (7) .

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:من بلغه القرآن فكأنّما شافهته به،ثمّ قرأ وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ (8).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:أنا رسول من أدركت حيّا و من يولد بعدي (9).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:ارسلت إلي النّاس كافّة،و بي ختم النّبيّون (10).

ص: 30


1- نهج البلاغة:الخطبة 2 و 235 و 72.
2- التوحيد:3/174.
3- الأنعام:19.
4- سبأ:28.
5- الأعراف:158.
6- الأنبياء:107.
7- التوبة:33.
8- الدرّ المنثور:257/3. (9 و 10) الطبقات الكبري:191/1 و ص 192.

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:بعث كلّ نبيّ كان قبلي إلي امّته بلسان قومه،و بعثني إلي كلّ أسود و أحمر بالعربيّة (1).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:اعطيت خمسا لم يعطهنّ نبيّ كان قبلي:ارسلت إلي الأبيض و الأسود و الأحمر (2).

قال الإمام الصّادق عليه السّلام:إنّ اللّه تبارك و تعالي أعطي محمّدا صلّي اللّه عليه و اله و سلّم شرائع نوح و إبراهيم و موسي و عيسي...و أرسله كافّة إلي الأبيض و الأسود،و الجنّ و الإنس (3).

***

رسائل النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إلي الملوك

و عن محمّد بن عمر الأسلمي:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لمّا رجع من الحديبية في ذي الحجّة سنة ستّ أرسل الرّسل إلي الملوك يدعوهم إلي الإسلام و كتب إليهم كتبا،فقيل:يا رسول اللّه،إنّ الملوك لا يقرؤون كتابا إلاّ مختوما،فاتّخذ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يومئذ خاتما من فضّة فصّه منه،نقشه ثلاثة أسطر:محمّد رسول اللّه،و ختم به الكتب،فخرج ستّة نفر منهم في يوم واحد،و ذلك في المحرّم سنة سبع،و أصبح كلّ رجل منهم يتكلّم بلسان القوم الّذين بعثه إليهم،فكان أوّل رسول بعثه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عمرو بن اميّة الضّمريّ إلي النّجاشيّ،و كتب إليه كتابين يدعوه في أحدهما إلي الإسلام و يتلو عليه القرآن،فأخذ كتاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فوضعه علي عينيه،و نزل من سريره فجلس علي الأرض تواضعا،ثمّ أسلم و شهد شهادة الحقّ و قال:لو كنت أستطيع أن آتيه لاتيته،و كتب إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بإجابته و تصديقه و إسلامه-علي يدي جعفر بن أبي طالب-لله ربّ العالمين.و في الكتاب الآخر يأمره أن يزوّجه امّ حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب،و كانت قد هاجرت إلي أرض الحبشة مع زوجها عبيد اللّه بن جحش الأسديّ فتنصّر هناك و مات.و أمره رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في الكتاب أن يبعث إليه بمن قبله من أصحابه و يحملهم،ففعل،فزوّجه امّحبيبة بنت أبي سفيان و أصدق عنه أربعمائة دينار،و أمر بجهاز المسلمين و ما يصلحهم،و حملهم في سفينتين مع عمرو بن اميّة الضّمريّ،و دعا بحقّ من عاج فجعل فيه كتابي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و قال:لن تزال الحبشة بخير ما كان هذان الكتابان بين أظهرها (4).

و عن محمّد بن عمر الأسلمي:بعث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم دحية بن خليفة الكلبيّ و هو أحد السّتّة-

ص: 31


1- البحار:6/316/16.
2- أمالي الطوسيّ:1059/484.
3- المحاسن:1035/448/1.
4- الطبقات الكبري:258/1.

إلي قيصر يدعوه إلي الإسلام،و كتب معه كتابا و أمره أن يدفعه إلي عظيم بصري ليدفعه إلي قيصر، فدفعه عظيم بصري إليه و هو يومئذ بحمص،و قيصر يومئذ ماش في نذر كان عليه:إن ظهرت الرّوم علي فارس أن يمشي حافيا من قسطنطينيّة إلي إيلياء،فقرأ الكتاب و أذّن لعظماء الرّوم في دسكرة له بحمص فقال:يا معشر الرّوم،هل لكم في الفلاح و الرّشد،و أن يثبت لكم ملككم و تتّبعون ما قال عيسي بن مريم؟قالت الرّوم:و ما ذاك أيّها الملك؟قال:تتّبعون هذا النّبيّ العربيّ.قال:فحاصوا حيصة حمر الوحش و تناحزوا و رفعوا الصّليب،فلمّا رأي هرقل ذلك منهم يئس من إسلامهم و خافهم علي نفسه و ملكه،فسكّنهم ثمّ قال:إنّما قلت لكم ما قلت أختبركم لأنظر كيف صلابتكم في دينكم، فقد رأيت منكم الّذي احبّ،فسجدوا له (1).

و عن محمّد بن عمر الأسلمي:بعث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عبد اللّه بن حذافة السّهميّ-و هو أحد السّتّة-إلي كسري يدعوه إلي الإسلام و كتب معه كتابا،قال عبد اللّه:فدفعت إليه كتاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقرئ عليه،ثمّ أخذه فمزّقه،فلمّا بلغ ذلك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:اللّهمّ مزّق ملكه!و كتب كسري إلي باذان عامله علي اليمن أن ابعث من عندك رجلين جلدين إلي هذا الرّجل الّذي بالحجاز فليأتياني بخبره،فبعث باذان قهرمانه و رجلا آخر و كتب معهما كتابا،فقدما المدينة فدفعا كتاب باذان إلي النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فتبسّم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و دعاهما إلي الإسلام و فرائصهما ترعد،و قال:ارجعا عنّي يومكما هذا حتّي تأتياني الغد فاخبركما بما اريد،فجاءاه من الغد،فقال لهما:أبلغا صاحبكما أنّ ربّي قد قتل ربّه كسري في هذه اللّيلة لسبع ساعات مضت منها؛و هي ليلة الثّلاثاء لعشر ليال مضين من جمادي الاولي سنة سبع؛و أنّ اللّه تبارك و تعالي سلّط عليه ابنه شيرويه فقتله؛فرجعا إلي باذان بذلك فأسلم هو و الأبناء الّذين باليمن (2).

و عن محمّد بن عمر الأسلمي:بعث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم حاطب بن أبي بلتعة اللّخميّ-و هو أحد السّتّة-إلي المقوقس صاحب الإسكندريّة عظيم القبط يدعوه إلي الإسلام،و كتب معه كتابا،فأوصل إليه كتاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فقرأه و قال له خيرا،و أخذ الكتاب فجعله في حقّ من عاج و ختم عليه و دفعه إلي جاريته،و كتب إلي النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:قد علمت أنّ نبيّا قد بقي و كنت أظنّ أنّه يخرج بالشّام، و قد أكرمت رسولك،و بعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم،و قد أهديت لك كسوة و بغلة تركبها،و لم يزد علي هذا و لم يسلم،فقبل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم هديّته،و أخذ الجاريتين مارية امّ إبراهيم إبن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و اختها سيرين،و بغلة بيضاء لم يكن في العرب يومئذ غيرها و هي دلدل،و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:ضنّ الخبيث بملكه و لا بقاء لملكه.قال حاطب:كان لي مكرما في الضّيافة و قلّة اللّبث ببابه،ما أقمت عنده إلاّ خمسة أيّام (3).1.

ص: 32


1- الطبقات الكبري:259/1.
2- الطبقات الكبري:259/1.
3- الطبقات الكبري:260/1.

و عن محمّد بن عمر الأسلمي:بعث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم شجاع بن وهب الأسديّ و هو أحد السّتّة- إلي الحارث بن أبي شمر الغسّانيّ يدعوه إلي الإسلام و كتب معه كتابا،قال شجاع:فأتيت إليه و هو بغوطة دمشق،و هو مشغول بتهيئة الإنزال و الألطاف لقيصر،و هو جاء من حمص إلي إيلياء،فأقمت علي بابه يومين أو ثلاثة،فقلت لحاجبه:إنّي رسول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إليه،فقال:لا تصل إليه حتّي يخرج يوم كذا و كذا،و جعل حاجبه-و كان روميّا اسمه مري-يسألني عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فكنت احدّثه عن صفة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و ما يدعو إليه،فيرقّ حتّي يغلبه البكاء و يقول:إنّي قد قرأت الإنجيل فأجد صفة هذا النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بعينه،فأنا اؤمن به و اصدّقه و أخاف من الحارث أن يقتلني.و كان يكرمني و يحسن ضيافتي.و خرج الحارث يوما فجلس و وضع التّاج علي رأسه،فأذن لي عليه،فدفعت إليه كتاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فقرأه ثمّ رمي به و قال:من ينتزع منّي ملكي؟!أنا سائر إليه و لو كان باليمن جئته،عليّ بالنّاس!فلم يزل يفرض حتّي قام،و أمر بالخيول تنعل،ثمّ قال:أخبر صاحبك ما تري، و كتب إلي قيصر يخبره خبري و ما عزم عليه،فكتب إليه قيصر ألاّ تسير إليه و اله عنه و وافني بإيلياء، فلمّا جاءه جواب كتابه دعاني فقال:متي تريد أن تخرج إلي صاحبك؟فقلت:غدا،فأمر لي بمائة مثقال ذهب،و وصلني مري،و أمر لي بنفقة و كسوة،و قال:أقرئ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم منّي السّلام، فقدمت علي النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فأخبرته،فقال:باد ملكه!و أقرأته من مري السّلام و أخبرته بما قال،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:صدق؛و مات الحارث بن أبي شمر عام الفتح (1).

و عن محمّد بن عمر الأسلمي:كان فروة بن عمرو الجذاميّ عاملا لقيصر علي عمّان من أرض البلقاء،فلم يكتب إليه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فأسلم فروة و كتب إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بإسلامه و أهدي له، و بعث من عنده رسولا من قومه يقال له:مسعود بن سعد،فقرأ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كتابه و قبل هديّته، و كتب إليه جواب كتابه،و أجاز مسعودا باثنتي عشرة اوقيّة و نشّ،و ذلك خمسمائة درهم (2).

و عن محمّد بن عمر الأسلمي:بعث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم سليط بن عمرو العامريّ و هو أحد السّتّة- إلي هوذة بن عليّ الحنفيّ يدعوه إلي الإسلام و كتب معه كتابا،فقدم عليه و أنزله و حباه،و قرأ كتاب النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:وردّ ردّا دون ردّ،و كتب إلي النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:ما أحسن ما تدعو إليه و أجمله!و أنا شاعر قومي و خطيبهم،و العرب تهاب مكاني،فاجعل لي بعض الأمر أتّبعك.و أجاز سليط بن عمرو بجائزة و كساه أثوابا من نسج هجر،فقدم بذلك كلّه علي النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و أخبره عنه بما قال،و قرأ كتابه و قال:لو سألني سيابة من الأرض ما فعلت،باد و باد ما في يديه!فلمّا انصرف من عام الفتح جاءه جبرئيل فأخبره أنّه قد مات (3).1.

ص: 33


1- الطبقات الكبري لابن سعد:261/1.
2- الطبقات الكبري:261/1 و ص 262.
3- الطبقات الكبري:262/1.

و عن أبي سفيان:...بينا أنا بالشّام إذ جيء بكتاب من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إلي هرقل...فقال هرقل:هل هاهنا أحد من قوم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيّ؟

قالوا:نعم.

قال:فدعيت في نفر من قريش،فدخلنا علي هرقل فأجلسنا بين يديه...و أجلسوا أصحابي خلفي...

ثمّ قال لترجمانه:سله،كيف حسبه فيكم؟قال:قلت:هو فينا ذو حسب.قال:فهل كان من آبائه ملك؟قلت:لا.قال:فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟قلت:لا.قال:و من يتّبعه؛أشراف النّاس أم ضعفاؤهم؟قال:قلت:بل ضعفاؤهم.قال:أيزيدون أم ينقصون؟قال:

قلت:لا،بل يزيدون،قال:هل يرتدّ أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟قال:قلت:

لا.قال:فهل قاتلتموه؟قلت:نعم.قال:فكيف كان قتالكم إيّاه؟قال:قلت:تكون الحرب بيننا و بينه سجالا،يصيب منّا و نصيب منه.قال:فهل يغدر؟قلت:لا،و نحن منه في مدّة لا ندري ما هو صانع فيها...قال:فهل قال هذا القول أحد قبله؟قال:قلت:لا...

قال:إن يكن ما تقول فيه حقا فإنّه نبيّ،و قد كنت أعلم أنّه خارج،و لم أكن أظنّه منكم،و لو أنّي أعلم أخلص إليه لأحببت لقاءه،و لو كنت عنده لغسلت عن قدميه،و ليبلغنّ ملكه ما تحت قدميّ.

قال:ثمّ دعا بكتاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقرأه،فإذا فيه:بسم اللّه الرّحمن الرّحيم،من محمّد رسول اللّه إلي هرقل عظيم الرّوم،سلام علي من اتّبع الهدي،أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم،و أسلم يؤتك اللّه أجرك مرّتين،و إن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين يٰا أَهْلَ الْكِتٰابِ تَعٰالَوْا إِليٰ كَلِمَةٍ سَوٰاءٍ بَيْنَنٰا وَ بَيْنَكُمْ أَلاّٰ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّٰهَ وَ لاٰ نُشْرِكَ بِهِ... (1).

فلمّا فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده و كثر اللّغط،و أمر بنا فاخرجنا.قال:

فقلت لأصحابي حين خرجنا:لقد أمر أمر ابن أبي كبشة! (2)

و عن دحية الكلبيّ:بعثني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بكتاب إلي قيصر،فأرسل إلي الأسقف فأخبره بمحمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و كتابه،فقال:هذا النّبيّ الّذي كنّا ننتظره بشّرنا به عيسي بن مريم،فقال الاسقف:أمّا أنا فمصدّقه و متّبعه،فقال قيصر:أمّا أنا إن فعلت ذلك ذهب ملكي.ثمّ قال قيصر:التمسوا لي من قومه هاهنا أحدا أسأله عنه.و كان أبو سفيان و جماعة من قريش دخلوا الشّام تجّارا فأحضرهم، قال:ليدن منّي أقربكم نسبا به،فأتاه أبو سفيان،فقال:أنا سائل عن هذا الرّجل الّذي يقول:إنّه نبيّ.ثمّ قال لأصحابه:إن كذب فكذّبوه.قال أبو سفيان:لو لا الحياء أن يأثر أصحابي عنّي الكذب3.

ص: 34


1- آل عمران:64.
2- صحيح مسلم:1773.

لأخبرته بخلاف ما هو عليه،فقال:كيف نسبه فيكم؟قلت:ذو نسب،قال:فهل قال هذا القول منكم أحد؟قلت:لا،قال:فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل؟قلت:لا،قال:فأشراف النّاس اتّبعوه أو ضعفاؤهم؟قلت:ضعفاؤهم،قال:[فهل]يزيدون أو ينقصون؟قلت:يزيدون،قال:يرتدّ أحد منهم سخطا لدينه؟قلت:لا.قال:فهل يغدر؟قلت:لا،قال:فهل قاتلكم؟قلت:نعم،قال:

فكيف حربكم و حربه؟قلت:ذو سجال:مرّة له و مرّة عليه.قال:هذه آية النّبوّة.قال:فما يأمركم؟ قلت:يأمرنا أن نعبد اللّه وحده و لا نشرك به شيئا،و ينهانا عمّا كان يعبد آباؤنا،و يأمرنا بالصّلاة و الصّوم و العفاف و الصّدق و أداء الأمانة و الوفاء بالعهد.قال:هذه صفة نبيّ،و قد كنت أعلم أنّه يخرج و لم أظنّ أنّه منكم،فإنّه يوشك أن يملك ما تحت قدميّ هاتين،و لو أرجو أن أخلص إليه لتجشّمت لقياه،و لو كنت عنده لغسلت قدميه.و إنّ النّصاري اجتمعوا علي الاسقف ليقتلوه،فقال:

اذهب إلي صاحبك فاقرأ عليه سلامي و أخبره أنّي أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّ محمّدا رسول اللّه، و أنّ النّصاري أنكروا ذلك عليّ،ثمّ خرج إليهم فقتلوه (1).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-فيما كتب إلي ملك الرّوم-:بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من محمّد رسول اللّه عبده و رسوله إلي هرقل عظيم الرّوم و سلام علي من اتّبع الهدي،أمّا بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام،أسلم تسلم،أسلم يؤتك اللّه أجرك مرّتين،فإن تولّيت فإنّ عليك إثم اليريسين (الأريسيّين) (2).و يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيننا و بينكم ألاّ نعبد إلاّ اللّه و لا نشرك به شيئا،و لا يتّخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللّه،فإن تولّوا فقولوا:اشهدوا بأنّا مسلمون (3).

و عن ابن مهديّ المطاميريّ في مجالسه:إنّ النّبيّ كتب إلي كسري:من محمّد رسول اللّه إلي كسري بن هرمزد،أمّا بعد فأسلم تسلم،و إلاّ فأذن بحرب من اللّه و رسوله،و السّلام علي من اتّبع الهدي.

فلمّا وصل إليه الكتاب مزّقه و استخفّ به،و قال:من هذا الّذي يدعوني إلي دينه،و يبدأ باسمه قبل اسمي؟!و بعث إليه بتراب،فقال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:مزّق اللّه ملكه كما مزّق كتابي،أما إنّه(إنّكم)ستمزّقون ملكه،و بعث إليّ بتراب أما إنّكم ستملكون أرضه (4).

و عن محمّد بن إسحاق:بعث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عبد اللّه بن حذافة بن قيس إلي كسري بن هرمز ملك فارس،و كتب:بسم اللّه الرّحمن الرّحيم،من محمّد رسول اللّه إلي كسري عظيم فارس،سلام علي من اتّبع الهدي و آمن باللّه و رسوله...و أدعوك بداعية اللّه عزّ و جلّ،فإنّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إلي1.

ص: 35


1- الخرائج و الجرائح:217/131/1.
2- قال المجلسيّ:قوله:(إثم الأريسيّين)هكذا أورده جلّ الرواة،و روي(اليريسين)و روي(الأريسين)... معناه:أنّ عليك إثمر عاياك ممّن صددته عن الإسلام.(كما في المصدر). (3 و 4) البحار:8/386/20 و ص 7/381.

النّاس كافّة،لانذر من كان حيّا و يحقّ القول علي الكافرين،فأسلم تسلم،فإن أبيت فإنّ إثم المجوس عليك (1).

و قيل:إنّ كسري كتب إلي فيروز الدّيلميّ-و هو من بقيّة أصحاب سيف بن ذي يزن-:أن احمل إليّ هذا العبد الّذي يبدأ باسمه قبل اسمي،فاجترأ عليّ و دعاني إلي غير ديني،فأتاه فيروز و قال له:إنّ ربّي أمرني أن آتيه بك،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ ربّي أخبرني أنّ ربّك قتل البارحة، فجاء الخبر أنّ ابنه شيرويه[و ثب عليه]فقتله في تلك اللّيلة،فأسلم فيروز و من معه،فلمّا خرج الكذّاب العبسيّ أنفذه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ليقتله،فتسلّق سطحا فلوي عنقه فقتله (2).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-فيما كتبه لجمّاع كانوا في جبل تهامة قد غصبوا المارّة من كنانة و مزينة و الحكم و القارة و من اتّبعهم من العبيد،فلما ظهر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم وفد منهم وفد علي النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم، فكتب لهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-:بسم اللّه الرّحمن الرّحيم،هذا كتاب من محمّد النّبيّ رسول اللّه لعباد اللّه العتقاء،إنّهم إن آمنوا و أقاموا الصّلاة و آتوا الزّكاة فعبدهم حرّ و مولاهم محمّد،و من كان منهم من قبيلة لم يردّ إليها،و ما كان فيهم من دم أصابوه أو مال أخذوه فهو لهم،و ما كان لهم من دين في النّاس ردّ إليهم و لا ظلم عليهم و لا عدوان،و إنّ لهم علي ذلك ذمّة اللّه و ذمّة محمّد،و السّلام عليكم (3).

و عن أنس:إنّ نبيّ اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كتب إلي كسري،و إلي قيصر،و إلي النّجاشيّ،و إلي كلّ جبّار، يدعوهم إلي اللّه تعالي،و ليس بالنّجاشيّ الّذي صلّي عليه النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (4).

و عن ابن عبّاس:إنّ كتاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إلي الكفّار: تَعٰالَوْا إِليٰ كَلِمَةٍ سَوٰاءٍ بَيْنَنٰا وَ بَيْنَكُمْ... الآية (5).

***

معرفة كنيته و نهيه أن يجمع بينها و بين أسمه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

محمد بن سيرين قال:سمعت أبا هريرة يقول:قال أبو القاسم[صلّي اللّه عليه و اله و سلّم]:«تسمّوا باسمي و لا تكنّوا بكنيتي» (6).

و عن جابر بن عبد اللّه قال:ولد لرجل[منا]غلام فسمّاه القاسم فقلنا:لا نكنّيك به حتي نسأل

ص: 36


1- البحار:8/389/20.
2- الخرائج و الجرائح:111/64/1.
3- الطبقات الكبري:278/1.
4- صحيح مسلم:1774.
5- الدرّ المنثور:234/2.
6- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:401/16.

النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و ذكرنا له فقال:«تسمّوا باسمي و لا تكنّوا بكنيتي فإنما بعثت[قاسما بينكم]» (1).

و في رواية عن جابر قال:[ولد لرجل]منا غلام فسمّاه محمدا فقال[له]قومه:لا ندعك تسميه باسم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فانطلق بابنه حامله علي ظهره،فأتي به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا رسول اللّه ولد لي غلام فسمّيته محمدا فقال لي قومي:لا ندعك تسمي باسم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:«سمّ باسمي و لا تكنّ بكنيتي فإنما أنا قاسم أقسم بينكم» (2).

و عن أبي هريرة،عن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قالا:«لا تجمعوا بين اسمي و كنيتي،اللّه المعطي و أنا أقسم» (3).

عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«من تسمّي باسمي فلا يكنّي بكنيتي» (4).

و عن جابر قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:[«من تسمّي باسمي فلا يتكنّي بكنيتي،و من تكنّي بكنيتي فلا يتسمّي باسمي»] (5).

***

تسمية النبي بأبي إبراهيم عليهما السّلام

أنس بن مالك:أنّه لما ولد إبراهيم ابن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من مارية جاريته،كان يقع في نفس النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم منه حتي أتاه جبريل عليه السّلام فقال:السلام عليك يا أبا إبراهيم (6).

و عن عبد اللّه بن عمرو،قال:كنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فهبط عليه جبريل فقال:يا أبا إبراهيم، اللّه يقرئك السلام فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«نعم أنا أبو إبراهيم،و إبراهيم جدنا و به عرفنا و قد قال اللّه تعالي في محكم كتابه: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰاهِيمَ هُوَ سَمّٰاكُمُ الْمُسْلِمِينَ » (7).

ترخيص النبي بالتسمية لعلي بن أبي طالب عليهما السّلام

قال ابن الحنفية:أنّ عليا قال:يا رسول اللّه إن ولد لي بعدك ولد أسمّيه باسمك و أكنّيه بكنيتك؟

ص: 37


1- المسند:303/3.
2- الجامع الصغير للسيوطي رقم:4716.
3- مسند أحمد:433/2.
4- مختصر ابن منظور:14/2 يكتني،و مسند أحمد:350/3.
5- مسند أحمد:313/3.
6- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:131/16.
7- الكامل في الضعفاء لابن عدي:92/4 ترجمة صخر بن عبد الله.

فقال:«نعم»و كانت رخصة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لعلي (1).

و في رواية قال:قال علي:يا رسول اللّه إن ولد لي بعدك أسميه باسمك و أكنيه بكنيتك؟قال:

«نعم»،فسماني محمدا و كنّاني بأبي القاسم،و كانت رخصة من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لعلي ابن أبي طالب (2).

أقول:ليس هذا هو الإختصاص الأول من قبل النبي لعلي عليه السلام،فهناك أحداث جمّة تكشف عن تساويه معه في المناقب و الفضائل و سنذكر بعضها في العنوان التالي.

***

تساوي النبي و علي عليهما السّلام

اشارة

قال محمود بن الحسن الحمصي بعد ذكر آية المباهلة أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ :فالمراد أن هذه النفس مثل تلك النفس و ذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه،ترك العمل بهذا العموم في حق النبوة و في حق الفضل لقيام الدلائل؛علي أن محمدا صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كان نبيا و ما كان علي عليه السّلام كذلك (3).

و عن عمرو عن رسول اللّه عندما سئل عن أحب الناس إليه بعد أبو بكر و عمر فقيل له فعلي؟!

فقال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«إن هذا يسألني عن النفس» (4).

و يأتي أن هذه المقولة صدرت أيضا من ابن مسعود و ابن عمر و ابن عائشة.

و قال ابن أبي الحديد:أمّا علي فإنه عندنا بمنزلة الرسول في تصويب قوله و الإحتجاج بفعله و وجوب طاعته (5).

و قال الفخر الرازي:و أما سائر الشيعة فقد كانوا قديما و حديثا يستدلون بهذه الآية وَ أَنْفُسَنٰا وَ أَنْفُسَكُمْ علي أن عليا مثل نفس النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إلاّ فيما خصه بالدليل،و كان نفس محمد أفضل من الصحابة،فوجب أن يكون نفس علي أفضل أيضا من سائر الصحابة» (6).

و للديلمي كلام في التساوي يشابه ما مرّ و يحتمل أن بعضهم أخذ عن بعض (7).

ص: 38


1- الطبقات الكبري لابن سعد:91/5.
2- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:41/3.
3- تفسير الرازي:8/8 مورد آية المباهلة.
4- كنز العمال:142/13 ح 36446.
5- شرح النهج:34/20-35 حكمة رقم 409-كلام ابن المعالي في الصحابة.
6- تفسير الرازي:81/8 مورد آية المباهلة.
7- إرشاد القلوب:121/2 فضائل علي حين الولادة.

و قال أبو جعفر الحسني ما ملخصه:و من العجب أن أول حروب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كانت بدرا و كان هو المنصور فيها،و أول حروب علي عليه السّلام الجمل و كان هو المنصور فيها.

ثم كان من صحيفة الصلح يوم صفين نظير ما كان يوم الحديبية.

ثم دعا معاوية في آخر أيام علي عليه السّلام إلي نفسه و تسمي بالخلافة كما أن مسيلمة و الأسود العنسيّ دعوا إلي أنفسهما في آخر أيام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و تسميا بالنبوة.

و أبطل اللّه أمرهم بعد وفاة الرسول و علي عليه السّلام.

و لم يحارب رسول اللّه من العرب إلاّ قريش ما عدا يوم صفّين،و لم يحارب عليا من العرب أحد إلاّ قريش ما عدا يوم النهروان.

و لم يتزوج الرسول علي خديجة و لم يتزوج علي علي فاطمة و توفي الرسول عن ثلاث و ستين سنة و توفي علي عن مثلها.

و هذا شجاع و هذا شجاع،و هذا فصيح و هذا فصيح،و هذا سخي جواد و هذا سخي جواد، و هذا عالم بالشرائع و هذا عالم بالشرائع،و هذا زاهد و هذا زاهد-إلي أن قال-:

فوجب أن يكون الكل شيمة واحدة وسوسا واحدا وطينة مشتركة و نفسا غير منقسمة و ألاّ يكون بينهما فرق و فضل إلاّ النبوة فامتاز رسول اللّه بذلك عمن سواه و بقي ما عدا الرسالة علي أمر الإتحاد،ثم ذكر حديث المنزلة.

و قال:فأبان نفسه منه بالنبوة و اثبت له ما عداها من جميع الفضائل و الخصائص مشتركا بينهما (1).

و قالت فرقة الهاشمية أصحاب أبي هاشم(99 ه)أن الإمام عالم يعلم كل شيء،و هو بمنزلة النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في جميع اموره (2).

و قال الرازي:إنّ أهل بيته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ساووه في خمسة أشياء:في الصلاة عليه و عليهم و في التشهد و في السلام و الطهارة و في تحريم الصدقة و في المحبة (3).

***ن.

ص: 39


1- شرح النهج:221/20-222 كلام 193.سياسة علي.
2- فرق الشيعة:51-52.
3- نور الابصار:231 باب 2 مناقب الحسن و الحسين.

و في الروايات ما يوجب التساوي بين النبي و علي عليهما السّلام منها

ما روي عن أنس قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«ما من نبي إلاّ و له نظير في أمته و علي نظيري».

أخرجه القلعي،و أبو الحسن الخلعي،و صاحب الفردوس (1).

و قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:(يا علي)«و أنت الصاحب بعدي و الوزير و ما لك في أمّتي من نظير،يا علي أنت قسيم الجنة و النار بمحبتك يعرف الأبرار من الفجار» (2).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«علي عديل نفسي» (3).

و قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أنا و علي في السلام سواء» (4).

و قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«علي فصاحته كفصاحتي» (5).

و قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«علي صبره كصبري» (6).

و عن ابن عباس عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«علي في الدنيا اذا مت عوض مني» (7).

و قال أبو بكر:قال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في الغار:«يا أبا بكر كفي و كف[يدي و يد]علي في العدل سواء» (8).

و في لفظ:«كفي و كف علي في العدّ سواء».خرجه ابن السمان في الموافقات (9).

و في رواية:«علي أصلي» (10).

و عن ابن عمر:«علي مع الرسول في درجته» (11).

ص: 40


1- مناقب الخوارزمي:141 ح 161 فصل 14،و كنز العمال:757/11 ح 33687،و ذخائر العقبي:64 ذكر أنه من النبي،و ينابيع المودة:279/1.المناقب السبعون.ح 31،و الرياض النضرة:164/2 ط.مصر الاولي،و جواهر المطالب:61/1 باب 9،و الرياض النضرة:50/1 و 120/3.
2- روضة الواعظين:101-102 مجلس في أمامة علي عليه السّلام.
3- شرح النهج:294/1 الخطبة 19.
4- مسند البزار:54/3 ح 808،و مجمع الزوائد:308 و البغية:65 ح.12735.
5- فرائد السمطين:68/2.
6- الرياض النضرة:172/3.
7- مائة منقبة:132 المنقبة 72.
8- كنز العمال:604/11 ح 32921 فضائله،و ترجمة علي من تاريخ دمشق:439/2 ح 953 و مناقب ابن المغازلي:129 ح 170،كفاية الطالب:256 باب 62،و ترجمة علي من تاريخ دمشق:438/2 ح 952، و تاريخ بغداد:240/5.
9- جواهر المطالب:61/1 باب 9.
10- كنز العمال:602/11 ح 32908،و كنوز الحقائق:443.
11- الرياض النضرة:180/3.

و في رواية عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«ليس أحد من الامة يعدلك عندي» (1).

و قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أنا و أنت حجة اللّه علي خلقه» (2).

و عن أنس بن مالك عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أنا و علي حجة اللّه علي عباده» (3).

و عن محمد بن ثابت قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لعلي عليه السّلام:«و أنا رسول اللّه و المبلغ عنه و أنت وجه اللّه و المؤتم به فلا نظير لي إلاّ أنت و لا مثلك إلاّ أنا» (4).

و روي عن محمد بن صدقة عن أبي ذر عن أمير المؤمنين قال:«يا سلمان و يا جندب أنا محمد و محمد أنا و أنا من محمد و محمد مني» (5).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام في وصف الامام قال:«و أدني معرفة الإمام أنه عدل النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إلاّ درجة النبوة،و وارثه» (6).

و قال صادق أهل البيت جعفر بن محمد عليه السّلام:ما جاء عن علي بن أبي طالب يؤخذ به و ما نهي عنه ينتهي عنه،جري له من الفضائل ما جري لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و لرسول اللّه الفضل علي جميع ما خلق اللّه.

العائب علي أمير المؤمنين في شيء كالعائب علي اللّه و علي رسوله و الرد عليه في صغير و كبير علي حد الشرك باللّه.

كان أمير المؤمنين باب اللّه الذي لا يؤتي إلاّ منه و سبيله الذي من تمسك بغيره هلك و كذلك جري حكم الائمة بعده واحدا بعد واحد.

أما علمت أن أمير المؤمنين كان يقول:لقد أقر لي جميع الملائكة و الروح مثل ما أقر لمحمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و لقد حمّلت مثل حمولة محمد و هي حمولة الرب سبحانه و أن محمدا يدعي فيكسا و يستنطق فينطق و أدعي فأكسا و أستنطق فأنطق» (7).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أوتيت ثلاثا لم يؤتهن أحد:أوتيت صهرا مثلي».رواه أبو سعيد في شرف النبوة (8).3.

ص: 41


1- كنز الفوائد:281 الاستدلال بصحة النص بالامامة.
2- ذيل تاريخ بغداد:66/19.
3- كنز العمال:151/13 ح 3647474،كتاب الاربعين للحافظ الخزاعي:62 ح 20،و كشف الغمة:/1 161 بيان أنه أفضل الأصحاب.
4- إرشاد القلوب:404/2.
5- إلزام الناصب:34/1 الثمرة الخامسة.
6- كفاية الأثر:259.
7- إرشاد القلوب:255/2-256 فضائله من طريق أهل البيت:عليهم السّلام.
8- جواهر المطالب:109/1 باب 33.

و قال ابن عمر:سألت النبي عن علي،فغضب و قال:«ما بال أقوام يذكرون من له منزلة كمنزلتي» (1).

و روي الباهلي و غيره قوله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«يا علي فانك ستكسي إذا كسيت و تدعي إذا دعيت و تحيي إذا حييت و تشفع إذا شفعت» (2).

و ورد عن واثلة و علي عليه السّلام:عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:«[يا علي]ما سألت ربي شيئا[في صلاتي]إلاّ أعطاني و ما سألت اللّه شيئا إلاّ سألت لك مثله» (3).

و قريب منه عن عبد اللّه بن الحرث[الحارث]و أبي ذر (4).

و في رواية عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«أنا إمام لمن بعدي و المؤدي عمن كان قبلي ما يتقدمني إلاّ أحمد و أنّ جميع الرسل و الملائكة و الروح خلفنا و أن رسول اللّه يدعي فينطق و أدعي فأنطق علي حد منطقه» (5).

و عن عمر بن ميثم قال:قال رسول اللّه لعلي عليه السّلام:«لا أدعي لخير إلاّ دعيت إليه» (6).

و روي عن الحسن العسكري عليه السّلام في بعض محاورات أمير المؤمنين مع اليهود جاء فيها:

«نشهد أن محمدا رسول اللّه حقا و أنك يا علي وصيه حقا لم يثبت محمد قدما في مكرمة إلاّ وطأت علي موضع قدمه بمثل مكرمته و أنتما شقيقان من أشرق[اشرف]أنوار اللّه فميزتما[تميزتما]و أنتما في الفضائل شريكان إلاّ أنه لا نبي بعد محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم» (7).

و ورد عن أبي بكر عندما أرسل أبا عبيدة لأخذ البيعة من علي عليه السّلام قال:«يا أبا عبيدة أنت أمين هذه الامة أبعثك إلي من هو في مرتبة من فقدناه بالأمس ينبغي أن نتكلم عنده بحسن الأدب» (8).

قال الأربلي بعد الحديث:أن هذا يدل علي أن كلما كان للنبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فلعلي مثله،لاشتراكهماي.

ص: 42


1- كتاب الأربعين للحافظ الخزاعي:30 ح 1.
2- تذكرة الخواص:29-30 باب 4،و كنز العمال:155/13 ح 36482 بتفاوت.
3- منتخب كنز العمال:43/5،و مناقب ابن المغازلي:118 ح 155،و 135 ح 178،و مناقب الخوارزمي: 110 ح 117 فصل 9،و 143 ح 164 فصل 14،و كنز العمال:625/11 ح 33048 و 113/13،و 170 ح 36368،و 36513،و خصائص النسائي:127 ح 143.
4- خصائص النسائي:127 ح 144،و ذخائر العقبي:61،و ينابيع المودة:240/1 باب 56،و إرشاد القلوب:261/1 إحتجاجه يوم الشوري.
5- بحار الأنوار:317/26 باب تفضيلهم علي الأنبياء ح 85.
6- كنز العمال:155/13 ح 36481.
7- معاني الأخبار:27 باب معني الحروف المقطعة.
8- الغدير:396/1 نقلا عن العروة الوثقي للسمناني البياضي.

في أنهما حجة اللّه علي عباده،فأما النبوة فإنها خرجت بديل آخر فبقي ما عداها من الولاية عليهم (1).

و كان المغيرة يساوي بين علي و رسول اللّه (2).

و عن الامام الحسن عليه السّلام في أول خطبة له:«و اللّه لقد قبض فيكم الليلة رجل ما سبقه الأولون إلاّ بفضل النبوة و لا يدركه الآخرون» (3).

و عن عمار و سلمان و المقداد و عامر بن أبي ذر و حذيفة عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال بعد حديث توسل آدم بأصحاب الكساء:«و افتخر علي الملائكة أنه لم يعط نبيا شيئا في الفضل إلاّ أعطاه لنا» (4).

و ورد في حق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قوله:«رأيتني دخلت الجنة فاوتيت بكفة ميزان فوضعت فيها و جيء بأمتي فوضعت بكفته الأخري فرجحت بأمتي» (5).

و ورد في حق أمير المؤمنين عليه السّلام عن ابن عمر:«لو أن السموات و الأرض موضوعتان في كفة و إيمان علي في كفة لرجح إيمان علي» (6).

و قريب منه عن حذيفة و عمر و علي (7).

و ورد أنّ روحيهما من بين الخلق يقبضهما اللّه عز و جل (8).

***

مولد النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

ذهب الشيخ و الشهيد في الدروس إلي أنه ولد يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول عند طلوع الفجر من يوم الجمعة (9).

ص: 43


1- كنز العمال:151/13 ح 74 36474،و كشف الغمة:161/1 بيان أنه أفضل الاصحاب.
2- العقد الفريد:230/2.
3- مروج الذهب:414/2 ذكر قتل علي.،وصيته..
4- الفضائل لابن شاذان:128.
5- الشريعة للآجري:387 ذيل كتاب الإيمان بالميزان.
6- كنز العمال:156/6 ط.دكن،و 617/11 ح 32993 ط بيروت من كتاب الفضائل فضائل علي.
7- شواهد التنزيل:12/2 ح 634،و مائة منقبة:106 المنقبة 47،و مناقب الخوارزمي:131 ح 135 فصل 12.
8- جواهر المطالب:62/1 باب 9.
9- شرح أصول الكافي:139/7.

و قيل:ولد النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأوّل في عام الفيل يوم الجمعة مع الزوال.

و كان مولده قبل أن يبعث بأربعين سنة.و حملت به أمّه في أيّام التشريق عند الجمرة الوسطي و كانت في منزل عبد اللّه بن عبد المطّلب و ولدته في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف في الزاوية القصوي عن يسارك و أنت داخل الدّار،و قد أخرجت الخيزران ذلك البيت فصيّرته مسجدا، يصلّي الناس فيه.و بقي بمكّة بعد مبعثه ثلاثة عشر سنة،ثمّ هاجر إلي المدينة و مكث بها عشر سنين، ثمّ قبض صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأوّل يوم الإثنين و هو إبن ثلاث و ستّين سنة،و توفّي أبوه عبد اللّه بن عبد المطّلب بالمدينة عند أخواله و هو ابن شهرين،و ماتت أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب و هو صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ابن أربع سنين،و مات عبد المطّلب و للنبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم نحو ثمان سنين،و تزوّج خديجة و هو ابن بضع و عشرين سنة،فولد له منها قبل مبعثه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم القاسم و رقيّة و زينب و أمّ كلثوم و ولد له بعد المبعث الطيّب و الطاهر و فاطمة عليهما السّلام، و روي أيضا أنّه لم يولد بعد المبعث إلاّ فاطمة عليها السّلام و أنّ الطيّب و الطاهر ولدا قبل مبعثه،و ماتت خديجة عليها السّلام حين خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من الشعب و كان ذلك قبل الهجرة بسنة،و مات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة،فلمّا فقدهما رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم شنأ المقام بمكّة و دخله حزن شديد و شكا ذلك إلي جبرئيل عليه السّلام فأوحي اللّه تعالي إليه:اخرج من القرية الظالم أهلها،فليس لك بمكّة ناصر بعد أبي طالب و أمره بالهجرة (1).

و عن أبي قتادة قال:قال عمر:يا رسول اللّه إني رأيت رجلا يصوم يوم الأثنين قال:

«يوم (2)ولدت فيه،يوم أنزل عليّ»في حديث (3).

و عنه أن رجلا سأل النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عن صوم يوم الاثنين قال:«فيه ولدت و فيه أوحي اليّ» (4).

و عن ابن عباس قال:ولد النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يوم الإثنين،و استنبيء يوم الإثنين،و خرج[مهاجرا]من مكة يوم الإثنين،و قدم المدينة يوم الإثنين و توفي يوم الإثنين و رفع الحجر[الأسود]يوم الإثنين (5).

و عنه قال:ولد النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يوم الإثنين في ربيع الأول،و أنزلت عليه النبوة يوم الإثنين[في أول شهر ربيع الأول]و أنزلت عليه البقرة يوم الإثنين في ربيع الأول،و هاجر إلي المدينة في ربيع الأول، و توفي يوم الإثنين في ربيع الأول (6).

و عن مكحول:أنه كان يصوم يوم الإثنين،و توفي يوم الإثنين،و رفع يوم الإثنين،و كان يصوم2.

ص: 44


1- انظر الكافي:139/7-140.
2- في مختصر ابن منظور:33/2:ذاك يوم.
3- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:66/3.
4- سنن أبي داود:542/1 رقم:2426.
5- مسند أحمد:277/1.
6- مختصر ابن منظور:33/2.

يوم الخميس،و كان يقول:ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يوم الإثنين،و بعث يوم الإثنين،و توفي يوم الإثنين، و ترفع أعمال بني آدم يوم الخميس (1).

و قيل ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عام الفيل و سمّيت قريش آل اللّه و عظمت في العرب،ولد لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول،و يقال:ولد في رمضان في اثنتي عشرة منه يوم الإثنين حين طلع الفجر.

و كان إبليس يخترق السموات السبع فلما ولد عيسي حجب من ثلاث سموات فكان يصل إلي أربع سموات،فلما ولد النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم حجب من السموات،و رميت الشياطين من النجوم،فقالت قريش:هذا قيام الساعة،فقال رجل من قريش يقال له عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف:

انظروا انظروا إلي العيّوق فإن كان قد رمي به فهو قيام الساعة (2).

و عن ابن عباس قال:ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يوم الفيل (3).

و قال المطلب بن عبد اللّه بن قيس،عن أبيه،عن جده قال:ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عام الفيل، و بين الفجّار و الفيل عشرون سنة.

و قال ابن إسحاق:ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عام الفيل، و بين الفجّار و الفيل عشرون سنة.

و قال ابن إسحاق:ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عام الفيل،يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر بيع الأول (4).

و قال قيس بن مخرمة:ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عام الفيل،و بين الفجّار و بين الفيل عشرون سنة (5).

قال:سمّوا فجار لأنهم فجروا و أحلّوا أشياء كانوا يحرمونها.و كان بين الفجار و بين بناء الكعبة خمس عشرة سنة و بين بناء الكعبة و بين مبعث النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم خمس سنين.قال:فبعث نبينا عليه الصّلاة و السّلام و هو ابن أربعين سنة.

و قال محمد بن جبير بن مطعم ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عام الفيل،و كانت عكاظ بعد الفيل بخمس عشرة سنة و بني البيت علي[رأس]خمس و عشرين من الفيل،و تنبّيء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم[علي]رأس أربعين من الفيل (6).

و عن[ابن]أبزي قال:كان بين الفيل و بين مولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عشر سنين (7).

و عن عن ابن عباس قال:ولد النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم[يوم الإثنين]قبل الفيل بخمس عشرة سنة (8).3.

ص: 45


1- المعجم الكبير للطبراني:61/3.
2- مختصر ابن منظور:34/2.
3- دلائل البيهقي:75/1.
4- سيرة ابن هشام:167/1 و فيه:خلت بدل مضت.
5- المعجم الكبير للطبراني:342/18.
6- دلائل النبوة للبيهقي:78/1،و طبقات ابن سعد:100/1.101.
7- دلائل النبوة للبيهقي:79/1.
8- تاريخ خليفة:53.

قال خليفة:و قال علي بن محمد،عن موسي بن عقبة قال:ولد بعد الفيل بثلاثين عاما.

و قال أبو زكريا العجلاني:بعد الفيل بأربعين عاما (1).

***

فضل زيارة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

الكليني،عن عدة من أصحابنا،عن أحمد بن محمّد بن عيسي،عن ابن أبي نجران قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:جعلت فداك ما لمن زار رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم متعمّدا؟

فقال:له الجنّة (2).

الكليني،عن العدة،عن أحمد بن محمّد،عن ابن محبوب،عن أبان،عن السدّوسي،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:من أتاني زائرا كنت شفيعه يوم القيامة (3).

الكليني،عن علي بن محمّد بن بندار،عن إبراهيم بن اسحاق،عن محمّد بن سليمان الديلمي،عن ابن حجر الأسلمي،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:من أتي مكة حاجّا و لم يزرني إلي المدينة جفوته يوم القيامة،و من أتاني زائرا وجبت له شفاعتي و من وجبت له شفاعتي وجبت له الجنّة و من مات في أحد الحرمين مكة و المدينة لم يعرض و لم يحاسب و من مات مهاجرا إلي اللّه حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر (4).

الكليني،عن العدة،عن سهل بن زياد،عن أحمد بن محمّد،عن حماد بن عثمان،عن إسحاق بن عمار أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام قال لهم:مرّوا بالمدينة فسلّموا علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من قريب و إن كانت الصلاة تبلغه من بعيد (5).

إبن قولويه بإسناده إلي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:من زارني في حياتي أو بعد موتي كان في جواري يوم القيامة (6).

ابن قولويه بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:من زارني بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي و كنت له شهيدا و شافعا يوم القيامة (7).

ابن قولويه بإسناده عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم انّه قال:من أتاني زائرا في المدينة محتسبا كنت له شفيعا يوم القيامة (8).

ص: 46


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:248/15.
2- الكافي:548/4 ح 1.
3- الكافي:548/4 ح 3 و 5.
4- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:140/97.
5- الكافي:552/4 ح 5.
6- كامل الزيارات:13 ح 11.
7- كامل الزيارات:13 ح 12.
8- كامل الزيارات:14 ح 14.

ابن قولويه،عن أبيه،عن سعد بن عبد اللّه،عن أحمد بن محمّد بن عيسي،عن الحسين بن سعيد،عن عثمان بن عيسي،عن المعلي بن أبي شهاب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال الحسين بن علي عليهما السّلام لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:يا أبتاه ما جزاء من زارك؟فقال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:يا بنيّ من زارني حيّا أو ميّتا كان حقّا عليّ أن أزوره يوم القيامة و اخلصه من ذنوبه (1).

ابن قولويه،عن محمّد بن جعفر الرزاز،عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب،عن الحسن بن محبوب،عن جميل بن صالح،عن الفضيل بن يسار،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:إنّ زيارة قبر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم تعدل حجة مع رسول اللّه مبرورة (2).

إبن قولويه،عن الرزاز،عن محمّد بن الحسن،عن محمّد بن إسماعيل،عن صالح بن عقبة، عن زيد الشحام قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ما لمن زار قبر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم؟

قال:كمن زار اللّه في عرشه (3).

***

اسرة النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

قال الإمام عليّ عليه السّلام-في صفة الأنبياء-:فاستودعهم في أفضل مستودع،و أقرّهم في خير مستقرّ...حتّي أفضت كرامة اللّه سبحانه و تعالي إلي محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فأخرجه من أفضل المعادن منبتا، و أعزّ الأرومات مغرسا،من الشّجرة الّتي صدع منها أنبياءه،و انتجب(انتخب)منها امناءه.عترته خير العتر،و اسرته خير الاسر،و شجرته خير الشّجر،نبتت في حرم،و بسقت في كرم،لها فروع طوال،و ثمر لا ينال (4).

و عنه عليه السّلام:اسرته خير اسرة،و شجرته خير شجرة،أغصانها معتدلة،و ثمارها متهدّلة،مولده بمكّة،و هجرته بطيبة،علا بها ذكره،و امتدّ منها صوته (5).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:أنا محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب،إنّ اللّه تعالي خلق الخلق فجعلني في خيرهم،ثمّ جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة،ثمّ جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثمّ جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا،فأنا خيركم بيتا و خيركم نفسا (6).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ اللّه تعالي خلق خلقه فجعلهم فريقين فجعلني في خير الفريقين،ثمّ جعلهم قبائل فجعلني في خير قبيلة،ثمّ جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا،فأنا خيركم قبيلة و خيركم بيتا (7).

ص: 47


1- كامل الزيارات:14 ح 18.
2- كامل الزيارات:14 ح 19.
3- كامل الزيارات:15 ح 20. (4 و 5) نهج البلاغة:الخطبة 94 و 161. (6 و 7) كنز العمّال:31950،31949.

قال الإمام عليّ عليه السّلام:أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله،و سيّد عباده،كلّما نسخ اللّه الخلق فرقتين جعله في خيرهما (1).

***

ذكر كافل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:نزل جبرئيل عليه السّلام علي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا محمد إنّ ربّك يقرئك السّلام و يقول:إنّي قد حرّمت النار علي صلب أنزلك،و بطن حملك،و حجر كفلك،فالصلب صلب أبيك عبد اللّه بن عبد المطّلب و البطن الّذي حملك فآمنة بنت وهب و أما حجر كفلك فحجر أبي طالب-و في رواية ابن فضّال-و فاطمة بنت أسد (2).

و عنه عليه السّلام قال:يبعث عبد المطّلب أمّة وحده،عليه بهاء الملوك و سيماء الأنبياء و ذلك أنّه أوّل من قال بالبداء.

قال:و كان عبد المطّلب أرسل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إلي رعاته في إبل قد ندّت له،فجمعها فأبطأ عليه فأخذ بحلقة باب الكعبة و جعل يقول:«يا ربّ أتهلك؟ألك إن تفعل فأمر ما بدا لك»فجاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بالإبل و قد وجّه عبد المطّلب في كلّ طريق و في كلّ شعب في طلبه و جعل يصيح:«يا ربّ أتهلك ألك إن تفعل فأمر ما بدا لك»و لمّا رأي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أخذه فقبّله و قال:يا بنيّ لا وجّهتك بعد هذا في شيء فإنّي أخاف أن تغتال فتقتل (3).

و عنه عليه السّلام قال:إنّ مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف،أسرّوا الإيمان و أظهروا الشرك فآتاهم اللّه أجرهم مرّتين (4).

و عنه عليه السّلام قال:بينا النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في المسجد الحرام و عليه ثياب له جدد فألقي المشركون عليه سلي ناقة فملأوا ثيابه بها،فدخله من ذلك ما شاء اللّه فذهب إلي أبي طالب فقال له:يا عمّ كيف تري حسبي فيكم؟فقال له:و ما ذاك يا ابن أخي؟فأخبره الخبر،فدعا أبو طالب حمزة و أخذ السيف و قال لحمزة:خذ السلي،ثمّ توجّه إلي القوم و النبيّ معه فأتي قريشا و هم حول الكعبة،فلمّا رأوه عرفوا الشرّ في وجهه،ثمّ قال لحمزة:أمرّ السلي علي سبالهم ففعل ذلك حتّي أتي علي آخرهم،ثمّ التفت أبو طالب إلي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا ابن أخي هذا حسبك فينا (5).

و عنه عليه السّلام قال:لمّا توفّي أبو طالب نزل جبرئيل علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا محمد أخرج من

ص: 48


1- نهج البلاغة:الخطبة 214.
2- الكافي:446/1 ح 22.
3- الكافي:447/1 ح 25.
4- الكافي:448/1 ح 29.
5- الكافي:449/1 ح 30.

مكة،فليس لك فيها ناصر،و ثارت قريش بالنبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فخرج هاربا حتي جاء إلي جبل بمكّة يقال له:الحجون فصار إليه (1).

و عن أيّوب بن عبد الرّحمن بن أبي صعصعة،قال:خرج عبد اللّه بن عبد المطلب إلي الشام إلي غزّة في عير من عيرات قريش يحملون تجارات،ففرغوا من تجاراتهم ثم انصرفوا.فمروا بالمدينة و عبد اللّه بن[عبد]المطلب يومئذ مريض فقال:أتخلف عند أخوالي بني عدي بن النجار.

فأقام عندهم مريضا شهرا،و مضي أصحابه فقدموا مكة،فسألهم عبد المطلب عن عبد اللّه.فقالوا:

خلّفناه عند أخواله بني عدي بن النجار و هو مريض.فبعث إليه عبد المطلب أكبر ولده الحارث فوجده قد توفي و دفن في دار النابغة،و هو رجل من بني عدي بن النجار،في الدار التي إذا دخلتها فالدويرة عن يسارك،و أخبره أخواله بمرضه،و بقيامهم عليه،و ما ولوا من أمره،و أنهم قبروه.فرجع إلي أبيه فأخبره،فوجد عليه عبد المطلب و إخوته و أخواته وجدا شديدا؛و رسوله اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يومئذ حمل،و لعبد اللّه يوم توفي خمس و عشرون سنة (2).

و عن ابن خرّبوذ قال:توفي عبد اللّه بن عبد المطلب بالمدينة و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من شهر.

و ماتت أمه و هو إبن أربع سنين،و مات جده عبد المطلب و هو ابن ثمان سنين فأوصي به إلي أبي طالب (3).

و عن عثمان بن[أبي]العاص،قال:[أخبرني أبي إنها شهدت ولادة آمنة بنت وهب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ليلة ولدته:قالت فما شيء أنظر إليه في البيت إلاّ نور.و إني لأنظر إلي النجوم تدنو حتي إني لأقول ليقعن علي.

و عن ابن عباس:أنّ[آمنة]إبنة وهب قالت:لقد علقت به،يعني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فما وجدت له مشقّة حتي وضعته،فلما فصل مني خرج معه نور أضاء له ما بين المشرق إلي المغرب،ثم وقع إلي الأرض جاثيا علي ركبتيه،و خرج معه نور أضاءت له قصور الشام و أسواقها،حتي رأيت أعناق الإبل ببصري،رافعا رأسه إلي السّماء (4).

و عنه عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال:ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم مختوما مسرورا.

قال فأعجب جده عبد المطلب و حظي عنده،و قال:ليكونن لابني هذا شأن،فكان له شأن (5).

و عن أبي الحكم التوخي،قال:كان المولود إذا ولد في قريش دفعوه إلي نسوة من قريش إلي1.

ص: 49


1- الكافي:449/1 ح 30.
2- طبقات ابن سعد:99/1.
3- تاريخ مدينة دمشق:78/3.
4- طبقات ابن سعد:101/1.
5- دلائل النبوة:114/1.

الصّبح فيكفئان عليه برمة.فلما ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فدفعه عبد المطلب إلي نسوة يكفئان عليه برمة، فلما أصبحن أتين،فوجدن البرمة قد انفلقت عنه باثنتين،فوجدنه مفتوح العينين،شاخصا ببصره إلي السّماء،فأتاهن عبد المطلب فقلن له ما رأينا مولودا مثله:وجدناه قد انفلقت عنه البرمة،و وجدناه مفتوحا عينيه،شاخصا ببصره إلي السماء فقال:إحفظنه.فإني أرجو أن يصيب خيرا.فلما كان يوم السابع ذبح عنه،و دعا له قريشا،فلما أكلوا قالوا:يا عبد المطلب رأيت إبنك هذا الذي أكرمتنا علي وجهه،ما سميته؟

قال:سميته محمدا.قالوا:فلما رغبت به عن أسماء أهل بيته؟قال:أردت أن يحمده اللّه تعالي في السّماء و خلقه في الأرض.

و أبي عن إبن إسحاق قال:كان النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم مع جده،فهلكت أمه و هو ابن ست سنين بعد الفيل بثمان سنين قال:و كان مع جده عبد المطلب بن هاشم،ثم توفي عبد المطلب بن هاشم،بعد الفيل بثمان سنين و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إبن ثمان سنين،فكان يوصي به فيما يزعمون أبا طالب يعني أن أبا طالب هو الذي يلي أمر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بعد جده عبد المطلب فكان اللّه معه.

قال ابن إسحاق:و هلك عبد اللّه بن عبد المطلب و أم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم آمنة بنت وهب حامل (1).

قال[ابن]إسحاق:فحدثني عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم:أن أمّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم آمنة بنت وهب قدمت برسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم المدينة علي أخواله من بني عامر النجار.ثم صدرت به راجعة إلي مكة.فتوفيت بالأبواء بين مكة و المدينة.و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ابن ست سنين.

قال ابن إسحاق:فحدثني العبّاس بن عبد اللّه بن معبد بن العباس عن ثقة من أهله:أن عبد المطلب بن هاشم جد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم توفي و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ابن ثمان سنين (2).

محمد ابن إسحاق،قال:قلت:فكانت آمنة بنت وهب أم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم تحدّث أنها أتيت حين حملت محمدا صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-و قال البيهقي:بمحمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-قيل لها:إنك قد حملت بسيّد هذه الأمة، فإذا وقع إلي الأرض فقولي:

أعيذه بالواحد من شر كل حاسد

في كل بر عامد و كل عبد رائد

نزول غير زائد فإنّه عبد المجيد الحامد

حتي أراه قد أتي المشاهد

قال:آية ذلك أن يخرج معه نورا يملأ قصور كسري من أرض الشام،إذا وقع فسميه محمدا،1.

ص: 50


1- سيرة ابن هشام:177/1.
2- سيرة ابن هشام:177/1.

فإنّ اسمه في التوراة أحمد،يحمده أهل السماء و الارض،و إسمه في الإنجيل أحمد يحمده أهل السماء و أهل الارض،و اسمه في الفرقان محمد فسميته بذلك-زيد في بعض الروايات:فلما وضعته بعثت إلي عبد المطلب جاريتها و قد توفي أبوه عبد اللّه و هي حبلي،و قيل:إنّ عبد اللّه توفي و النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ابن ثمانية و عشرين شهرا و اللّه تعالي أعلم أي ذلك كان (1).

فقالت:قد ولد الليلة[لك]غلام فانظر إليه.فلما جاءها أخبرته و حدّثته بما رأت حين حملت به و ما قيل لها فيه و ما أمرت أن تسميه.فأخذه عبد المطلب فأدخله علي هبل في جوف الكعبة فقام عبد المطلب يدعو اللّه تعالي و يشكر اللّه عز و جل الذي أعطاه إياه فقال:

الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام الطّيّب الأردان

قد ساد في المهد علي الغلمان أعيذه باللّه ذي الأركان

حتي يكون بلغة الفتان حتي أراه بالغ في البنيان

أعيذه من كل ذي شنآن من حاسد مضطرب العنان

ذي همة ليس له عينان حتي أراه رافع البنيان

أنت الذي سميت في القرآن في كتب ثابتة المثان

أحمد مكتوب علي اللسان أحمد مكتوب علي اللسان

و قال ابن عباس:كان بنو أبي طالب يصبحون غمصا رمصا،و يصبح رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم صقيلا دهينا.

قال:كان أبو طالب يقرب إلي الصبيان بصفحتهم (2)أول البكرة.فيجلسون و ينتهبون و يكف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يده لا ينتهب معهم.فلما رأي ذلك عمه عزل له طعامه علي حدة.

و قال نافع بن جبير:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يكون مع أمه آمنة بنت وهب،فلما توفيت قبضه إليه جده عبد المطلب و ضمّه ورقّ عليه أرقة لم يرقها علي ولده،و كان يقرّبه منه و يدنيه،و يدخل عليه إذا خلا و إذا نام.كان يجلس علي فراشه فيقول عبد المطلب إذا رأي ذلك:دعوا إبني[إنه]ليؤنس ملكا،و قال قوم من بني مدلج لعبد المطلب:احتفظ به،فإنّا لم نر قدما أشبه بالقدم التي في المقام منه،فقال عبد المطلب لأبي طالب:إسمع ما يقول هؤلاء فكان أبو طالب يحتفظ به.فقال عبد المطلب لأم أيمن،و كانت تحضن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يا بركة لا تغفلي عن ابني،فإنني وجدته مع غلمان قريبا من السّدرة،و إن أهل الكتاب يزعمون أن ابني هذا نبي هذه الأمة،و كان عبد المطلب لا يأكلة.

ص: 51


1- دلائل البيهقي:82/1 و سيرة ابن إسحاق:22.
2- في مختصر ابن منظور:38/2(بصحيفتهم)و الصواب:(بصحفتهم)،في اللسان:الصحفة:كالقصعة مفلطحة عريضة و هي تشبع الخمسة.

طعاما إلاّ قال:[عليّ]بابني فيؤتي به إليه،فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصي أبا طالب بحفظ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و حياطته،و لمّا نزل بعبد المطلب الوفاة قال لبناته:أبكينني و أنا أسمع،فبكته كل واحدة منهن بشعر،فلما سمع قول أميمة،و قد أمسك لسانه،جعل يحرّك رأسه أي قد صدقت و قد كنت كذلك و هو قولها:

أعينيّ جودي بدمع درر علي ماجد الخيم و المعتصر

علي ماجد الجدّ واري الزّناد جميل المحيا عظيم الخطر

علي شيبة الحمد ذي المكرمات و ذي المجد و العزّ و المفتخر

و ذي الحلم و الفضل في النائبات كثير المفاخر (1)جمّ الفخر

له فضل مجد علي قومه مبين يلوح كضوء القمر

أتته المنايا فلم تشوه لصرف (2)الليالي و ريب القدر

قال:و مات عبد المطلب فدفن بالحجون (3)(4).

و عن عبد اللّه بن جعفر لما توفي عبد المطلب قبض أبو طالب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فكان يكون معه، و كان أبو طالب لا مال له،و كان يحبه حبا شديدا لا يحبه ولده[و كان لا ينام حتي ينام]و كان لا ينام إلاّ إلي جنبه،و يخرج فيخرج معه،و صبّ به أبو طالب صبابة و لم يصبّ مثلها شيء قط،و كان يخصّه بالطعام،و كان إذا أكل عيال أبي طالب جميعا أو فرادي لم يشبعوا،و إذا أكل معهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم شبعوا.

فكان إذا أراد أن يغذيهم قال:كما أنتم حتي يحضر ابني،فيأتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فيأكل معهم فكانوا يفضلون من طعامهم،و إن لم يكن معهم لم يشبعوا،فيقول أبو طالب:إنك المبارك،و كان الصبيان يصبحون رمصا شعثا،و يصبح رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم دهينا كحيلا (5).

و قيل:قدم مكة عشرة نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن الرضاع،فأصبن الرضاع كلّهنّ إلاّ حليمة بنت عبد اللّه بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فيضة بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة[بن خصفة]بن قيس بن عيلان بن مضر و كان معها زوجها الحارث بن عبد العزّي بن رفاعة بن ملاّن بن ناصرة بن فضيّة بن سعد بن بكر بن هوازن،و يكني أبا ذؤيب و ولدها منه عبد اللّه بن الحارث،فكانت ترضعه،و أنيسة بنت الحارث و جذامة بنت الحارث و هي1.

ص: 52


1- في ابن سعد:كثير المكارم.
2- في الطبقات:بصرف.
3- الحجون جبل بأعلي مكة عنده مدافن أهلها(ياقوت).
4- طبقات ابن سعد:118/1.
5- الطبقات الكبري لابن سعد:19/1.

الشّيماء،كانت هي التي تحضن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم مع أمها و توركه،فعرض عليها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فجعلت تقول:يتيم لا مال له،و ما عست أمه أن تفعل فخرج النسوة و خّلفتها،فقالت حليمة لزوجها:ما تري؟قد خرج صواحبي و ليس بمكة غلام يسترضع إلاّ هذا الغلام اليتيم،فلو أنّا أخذناه فإني أكره أن نرجع إلي بلادنا و لم نأخذ شيئا.فقال لها زوجها:خذيه عسي اللّه أن يجعل لنا فيه خيرا،فجاءت إلي أمه فأخذته منها،فوضعته في حجرها،فأقبل عليه ثديها حتي انقطر لبنا فشرب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم حتي روي،و شرب أخوه،و لقد كان أخوه[لا ينام]من الغرث،و قالت له أمه:ظئر سلي عن ابنك فإنه سيكون له شأن،و أخبرتها بما رأت،و ما قيل لها فيه حين ولدته،و قالت:قيل لي ثلاث ليال:استرضعي ابنك في بني سعد بن بكر في آل أبي ذؤيب،قالت حليمة:،فإن أبا هذا الغلام الذي في حجري أبو ذؤيب،و هو زوجي،فطابت نفس حليمة و سرّت بكل ما سمعت،ثم خرجت به إلي منزلها،فحدجوا أتانهم،فركبتها حليمة و حملت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بين يديها و ركب الحارث شارفهم فطلعا علي صواحبهما بوادي السرر،و هن مرتعات و هما يتواهقان فقلن:يا حليمة ما صنعت؟فقالت:أخذت و اللّه خير مولود رأيته قط،و أعظمهم بركة.قال النسوة:أهو ابن عبد المطلب؟قالت:نعم.قالت:قلت:فما روحنا منزلنا حتي رأيت الحسن من بعد نسائنا (1).

و عن عبد اللّه بن جعفر،عن حليمة بنت الحارث أم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم السعدية التي أرضعته قالت:خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر نلتمس الرضعاء بمكة علي أتان لي قمراء،قد أذنت بالركب فخرجت فرحنا في سنة شهباء لم تبق شيئا و معي زوجي الحارث ابن عبد العزّي قالت:

و معنا شارف لنا،و اللّه إن تبضّ (2)علينا فقطرة من لبن،و معي صبي لا ينام ليلنا مع بكائه ما في ثديه ما يغنيه،و ما[في]شارفنا من لبن يغذو،إلاّ أنّا نرجو.فلما قدمنا مكة لم يبق منا إمرأة إلاّ عرض عليها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فتأباه،و إنما كنا نرجو كرامة رضاعه من والد المولود و كان يتيما فكنّا نقول:

يتيم ما عسي أن تصنع أمه؟حتي لم يبق من صواحبي إمرأة إلاّ أخذت صبيا غيري فكرهت أن أرجع لم آخذ شيئا و قد أخذ صواحبي.فقلت لزوجي:و اللّه لأرجعن إلي ذلك اليتيم فلآخذنّه.

قلت:فأتيته فأخذته فرجعت إلي رحلي،فقال زوجي:قد أخذته؟فقلت:نعم،و اللّه ذاك،إنّي لم أجد غيره فقال:قد أصبت،فعسي اللّه أن يجعل فيه خيرا.قالت:فو اللّه ما هو إلاّ أن جعلته في حجري،فأقبل عليه ثديي بما شاء اللّه من اللبن،قالت:فشرب حتي روي،و شرب أخوه،يعني ابنها،حتي روي.و قام زوجي إلي شارفنا من الليل فإذا فيه حافلا فحلب لنا ما شئنا فشرب حتي روي،قالت:و شربت حتي رويت،فبتنا ليلتنا تلك بخير شباعا رواء و قد نام صبياننا.قالت:يقول أبوه يعني زوجها:و اللّه يا حليمة ما أراك[إلاّ]قد أصبت نسمة مباركة،قد نام صبيّنا و روي.قالت:).

ص: 53


1- الطبقات:110/1.
2- تبض:ترشح،تقصر(لسان).

ثم خرجنا فو اللّه لو خرجت حتي أتي أمام الركب قد قطعتهن حتي ما يتعلق بأحد،حتي أنهم ليقولون:ويحك يا بنت الحارث كفا علينا أ ليست هذه أتانك التي خرجت عليها؟فأقول بلي و اللّه قد قدمنا و هي قدامنا حتي قدمنا منازلنا من حاضر بني سعد بن بكر،فقدمنا علي أجدب أرض اللّه، فو الذي نفس حليمة بيده إن كانوا يسرحون أغنامهم إذا أصبحوا[و يسرح]راعي غنمي فتروح غنمي بطانا لبّنا حفلا و تروح أغنامهم جياعا هالكة مالها من لبن.

قالت:فنشرب ما شئنا من اللبن ما من الحاضر أحد يطلب قطرة و لا يجدها،فيقولون لرعاتهم:و يلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي حليمة.

فيسرحون في الشعب الذي يسرح فيه راعينا،فتروح أغنامهم جياعا ما لها من لبن،و تروح غنمي لبّنا حفلا.قالت:و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يشب في اليوم شباب الصبي في شهر،و يشب في شهر شباب الصبي في سنة.فبلغ سنة و هو غلام جفر.قالت:فقدمنا علي أمه فقلنا لها،و قال لها أبوه:ردّي (1)علينا ابني فلنرجع به،فإنا نخشي عليه أوباء مكة.قالت:و نحن أضن شيء به،فما رأينا من بركته، قالت:فلم يزل بها،حتي قالت:ارجعا به.فرجعنا به فمكث عندنا شهرين،قال:فبينما هو يلعب و أخوه يوما خلف البيوت يرعيان (2)بهما لنا.اذ جاءنا أخوه يشتد فقال لي و لأبيه:أدركا أخي القرشي قد جاءه رجلان فأضجعاه فشقا بطنه،فخرجنا نحوه نشتد،فانتهينا إليه و هو قائم،و هو منتقع لونه،فاعتنقه أبوه و اعتنقته.ثم قال:ما لك؟أي بني،قال:أتاني رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاني ثم شقا بطني فو اللّه ما أدري ما صنعا.قالت:فاحتملناه فرجعنا به،قالت:يقول أبوه:

و اللّه يا حليمة ما أري هذا الغلام إلاّ قد أصيب،فانطلقي،فلنردّه إلي أهله قبل أن يظهر ما نتخوف عليه.قالت:فرجعنا به إليها.

قالت:ما ردّ كما،و قد كنتما حريصين عليه؟

قال:فقلت:لا و اللّه إلاّ أن كفلناه و أدّينا الحقّ الذي يجب علينا فيه،ثم تخوّفنا الأحداث عليه،فقلنا:يكون في أهله.

فقالت آمنة:و اللّه ما ذاك بكما،فأخبراني خبركما و خبره،فو اللّه ما زالت بنا حتي أخبرنا خبره.قالت:فتخوفتما عليه؟كلا و اللّه إنّ لابني هذا شأنا ألا أخبركما عنه:إني حملت به فلم أحمل حملا قط كان أخف و لا أعظم بركة منه.ثم رأيت نورا كأنه شهاب خرج مني حين وضعته أضاءت لي أعناق الإبل ببصري،ثم وضعته فما وقع كما يقع الصبيان،وقع واضعا يده بالأرض، رافعا رأسه إلي السّماء،دعاه و الحقا بآلكما (3).4.

ص: 54


1- في مسند أبي يعلي:ردوا 96/13.
2- البهم:واحدتها بهمة،الصغار من الغنم.
3- سيرة بن إسحاق:26 و دلائل البيهقي:132/1 و صحيح ابن حبان:246/14.

ذكر امّه و جدّاته و عمومته و عماته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

قال ابن عباس في قوله تعالي:

لَقَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مٰا عَنِتُّمْ،حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ،بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (1) .

قال:ليس في العرب قبيلة إلاّ و قد ولدت النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:مضريّها و ربعيّها و يمانيّها.

قال زيد بن أرقم:كان اسم أم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة.

قال الزهري:أمّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم التي ولدته آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة،بن كلاب، و أمّها برة بنت عبد العزي بن عثمان بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة[و أمّها أم سفيان بنت أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب بن مرة]،و أمّها برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر،و أمّها قلابة بنت الحارث بن صعصعة من بني عائذة بن لحيان ابن هذيل،و أمّها بنت مالك بن غنم من بني لحيان (2).

و أمّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم التي أرضعته حتي شبّ:حليمة بنت الحارث بن شجنة السعدية من بني سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان بن مضر،و زوج حليمة الحارث بن عبد العزي ففي هؤلاء شب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و قد أرضعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أيضا ثويبة مولاة أبي لهب،و اسم أبي لهب عبد العزي (3).

و جده رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أم أبيه عبد اللّه بن عبد المطلب فاطمة بنت عمرو بن[عائذ بن عمران]

ص: 55


1- سورة التوبة،الآية:128.
2- الدلائل للبيهقي:183/1.
3- فيمن أرضعنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و عددهن و أسمائهن أقوال،قيل هن عشر نسوة و قيل غير ذلك،و أما اللواتي ذكر أنهن أرضعنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فهن: أ-أمه آمنة رضي الله عنها أرضعته سبعة أيام. ب-ثويبة مولاة أبي لهب،بلبن ابن لها يقال له مسروح(انظر ابن سعد:109/1)أرضعته أياما قبل قدوم حليمة. ث-أم حمزة أرضعت رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يوما و هو عند أمه حليمة في بني سعد،و كان حمزة مسترضعا له عند قوم من بني سعد(انظر ابن سعد:109/1). ج-خولة بنت المنذر،أم بردة الأنصارية و قيل أنها أرضعت ابنه إبراهيم صلّي اللّه عليه و اله و سلّم. ح-أم أيمن بركة،المشهور أنها حاضنة له و ليس بمرضع. خ-قال القرطبي أنه مرّ به علي ثلاث نسوة من بني سليم فرضع منهن.(دلائل البيهقي:131/1 الحاشية). د-أم فروة،امرأة ذكرها المستغفري أنها أرضعته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم. ذ-الأخيرة حليمة السعدية.

ابن مخزوم،و أمها صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم،و أمّها تخمر بنت عبد بن قصي بن كلاب بن مرة،و أمها سلمي بنت عامر بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر،و أمها أخت بني واثلة بن عدوان بن قيس.

قال محمد بن سعد (1):أمّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة،و أمها برة بنت عبد العزي[بن عثمان بن عبد الدار]بن قصي بن كلاب،[و أمّها أم حبيب بنت أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب]،و أمّها برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عديّ بن كعب بن لؤي،و أمها قلابة بنت الحارث بن مالك بن حباشة بن غنم بن لحيان بن عادية بن صعصعة بن كعب بن هند بن طابخة بن لحيان بن هذيل بن مدركة[بن إلياس بن مضر،و أمها أميمة بنت مالك بن غنم بن لحيان بن عادية بن صعصعة،و أمّها دبّ بنت ثعلبة بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة]و أمّها عاتكة بنت غاضرة بن حطيط بن جشم بن ثقيف و هو قسيّ بن منبّه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان و اسمه إلياس بن مضر،و أمها ليلي بنت عوف بن قسيّ و هو ثقيف،و أمّ وهب بن عبد مناف بن زهرة-جد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-قيلة و يقال:

هند بنت أبي قيلة،و هو وجز بن غالب بن الحارث بن عمرو بن ملكان بن أفصي بن حارثة من خزاعة،و أمّها سلمي بنت لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة،و أمّها ماويّة بنت كعب بن القين من قضاعة،و أمّ وجز بن غالب:السّلافة بنت واهب بن البكير بن مجدعة بن عمرو، من بني عمرو بن عوف من الأوس،و أمّها إبنة قيس بن ربيعة من بني مازن بن بوي بن ملكان بن أفصي أخي أسلم بن أفصي،و أمها النجعة بنت عبيد بن الحارث من بني الحارث ابن الخزرج،و أمّ عبد مناف بن زهرة جمل بنت مالك بن فصية بن سعد ابن مليح بن عمرو من خزاعة،و أم زهرة بن كلاب أمّ قصيّ و هي فاطمة بنت سعد بن سيل و هو خير بن حمالة بن عوف بن عامر بن الجادر من الأزد،و أمّ عبد العزي بن عثمان بن عبد الدار بن قصي.

و قد ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم هضيبة بنت عمرو بن عتواره بن عائش بن طرب بن الحارث بن فهر، و أمّها ليلي بنت هلال بن وهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر،و أمها سلمي بنت محارب بن فهر، و أمها عاتكة بنت يخلد بن النضر بن كنانة،و أمّ عمرو بن عتوارة بن عائش بن ظرب بن الحارث بن فهر:عاتكة بنت عمرو بن سعيد بن عوف بن قسيّ،و أمها فاطمة بنت بلال بن عمرو بن ثمالة من الأزد،و أمّ أسد بن عبد العزي بن قصي.

و قد ولد النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم الحظيّا و هي ريطة بنت[كعب]بن سعد بن تيم بن مرة،و أمّ كعب بن سعد بن تيم:نعم بنت ثعلبة بن وائلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر،و أمّها ناهية بنت1.

ص: 56


1- طبقات ابن سعد:59/1.

الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي،[و أمها سلمي بنت ربيعة بن وهيب بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي]،و أمّها خديجة بنت سعد بن سهم،و أمّها عاتكة[بنت عبدة بن ذكوان بن غاضرة بن صعصعة،و أمّ ضباب بن حجير بن عبد بن معيص:فاطمة بنت عوف بن الحارث بن عبد مناة بن كنانة و أم عبيد بن عويج بن عدي بن كعب،و قد ولد الرسول صلّي اللّه عليه و اله و سلّم مخشيّة]بنت عمرو بن سلول بن كعب بن عمرو من خزاعة،و أمّها الرّبعة بنت حبشيّة بن كعب بن عمرو،و أمّها عاتكة بنت مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة،فهولاء من قبل أمه.

و أمّ عبد اللّه بن[عبد]المطلب بن هاشم فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، و هي أقرب الفواطم إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و أمّها صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم،و أمّها تخمر بنت عبد بن قصي،و أمّها سلمي بنت عامرة بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر،و أمّها عاتكة بنت عبد اللّه بن وائلة بن ظرب[بن عياذة بن عمرو بن بكر بن يشكر بن الحارث و هو عدوان بن عمرو بن قيس،و يقال:عبد اللّه بن حرب بن وائلة،و أمّ عبد اللّه بن وائلة بن ظرب]:فاطمة بنت عامر بن ظرب بن عياذة،و أم عمران بن مخزوم:سعدي بنت وهب بن تيم بن غالب،و أمّها عاتكة بنت هلال بن وهيب بن ضبّة،و أمّ هاشم بن عبد مناف بن قصي:عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان،و هي أقرب العواتك إلي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.و أمّ هلال بن فالج بن ذكوان:فاطمة بنت بجيد بن رؤاس بن كلاب بن ربيعة،[و أمّ كلاب بن ربيعة:مجد بنت تيم الأدرم بن غالب،و أمّها فاطمة بنت معاوية بن بكر بن هوازن،و أمّ مرة بنت هلال بن فالج:عاتكة بنت عدي بن سهم من أسلم و هم إخوة خزاعة،و أمّ وهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر:عاتكة بنت غالب بن فهر،و أمّ عمرو بن عائذ ابن عمران بن مخزوم:فاطمة بنت ربيعة بن عبد العزي بن زرام بن جحوش بن معاوية بن بكر بن هوازن.و أمّ معاوية بن بكر بن هوازن:عاتكة بنت سعد بن هذيل بن مدركة.و أمّ قصي بن كلاب:فاطمة بنت سعد بن سيل،من الجدرة من الأزد.و أمّ عبد مناف بن قصي:حبّي بنت حليل بن حبشيّة الخزاعي.

و أمّها فاطمة بنت نصر بن عوف بن عمرو بن لحي من خزاعة،و أمّ كعب بن لؤي:ماويّة بنت كعب بن القين،و هو النعمان بن جسر بن شيع اللّه بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.و أمّها عاتكة بنت كاهل بنت عذرة.و أمّ لؤي بن غالب:عاتكة بنت يخلد بن النضر بن كنانة،و أمّ غالب بن فهر بن مالك:ليلي بنت سعد بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، و أمّها سلمي بنت طابخة بن إلياسبن مضر،و أمّها عاتكة بنت الأسد بن الغوث.

قال:و أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن غير أبيه (1):4.

ص: 57


1- طبقات ابن سعد:63/1-64.

أنّ عاتكة بنت عامر بن الظرب من أمهات النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:أمّ برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب:أميمة بنت مالك بن غنم بن سويد بن حبشي بن عادية بن صعصعة بن كعب بن طابخة بن لحيان.و أمّها قلابة بنت الحارث بن صعصعة بن كعب بن طابخة بن لحيان، و أمّها دبّ بنت الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل.و أمّها لبني بنت الحارث بن نمير بن أسيّد بن عمرو بن تميم.و أمّها فاطمة بنت عبد اللّه بن حرب بن وائلة.و أمّها زينب بنت مالك بن ناضرة بن غاضرة بن حطيط بن جشم بن ثقيف،و أمّها عاتكة بنت عامر بن ظرب.و أمّها شقيقة بنت معن بن مالك من باهلة،و أمّها سودة بنت أسيد بن عمرو بن تميم.

فهؤلاء العواتك و هن ثلاث عشرة،و الفواطم و هن عشر.

قال ابن سعد:

و العاتكة في كلام العرب:الطاهرة (1).

هذا و روي عن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أنه قال يوم أحد:«أنا ابن الفواطم» (2).

و هم:فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم-قال أبو بكر:و هي أمّ عبد اللّه بن عبد المطلب بن هاشم فيما أخبرنا إبن هشام (3).

قال الطالبي:و الثانية:فاطمة بنت عبد اللّه بن رزام بن جحوش من بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن،و هي أمّ عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم.

و الثالثة:فاطمة بنت عبد اللّه بن الحارث بن وائلة بن عمرو بن عائذ بن يشكر بن عبد القيس بن عدوان و هي أمّ سلمي[بنت عامر]بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر،و سلمي:أمّ عمر بن عبد بن قصي،و تخمر:أمّ صخرة بنت عائذ بن عمران بن مخزوم،-قال أحمد بن عبد اللّه:ابن عبد المطلب فيما أخبرنا ابن هشام-.

قال:الرابعة:فاطمة بنت عوف بن عدي بن حارثة البارقي،بارق الأزد،و هي أم مخزومين يقظة بن مرة بن كعب.

و الخامسة:فاطمة بنت سعد بن سيل أحمد[بني]الجدرة من جعثمة الأسد حلفات في بني الدّئل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة.-قال أحمد بن عبد اللّه:و هي أم قصيّ بن كلاب و زهرة بن كلاب فيما أخبرنا إبن هشام-.

قال الطالبي:و السادسة:فاطمة بنت عامر بن نصر بن عوف بن عمرو بن ربيعة بن حارثةت.

ص: 58


1- العاتكة:المرأة المحمرة من الطيب(القاموس،و فيه:العواتك في جدات النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم تسع).
2- مختصر ابن منظور:21/2.
3- سيرة ابن هشام:115/1 بتفاوت.

الخزاعي و هي أم حبّي بنت حليل بن سلول الخزاعي.قال أحمد:قال ابن هشام:حبي بنت حليل أمّ عبد مناف،و عبد الدار،و عبد العزّي و عبد[قصي][و تخمر بنت قصي و برّة بنت قصي بن كلاب].

قال أحمد:و الذي ثبت لنا خمس من الفواطم.

و روي عن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أنه قال يوم حنين:أنا النّبيّ لا كذب،أنا ابن عبد المطّلب،أنا ابن العواتك.

و ذكر ابن عساكر في التاريخ عن بعض أهل العلم أنه قال:«العواتك من سليم»فأولاهن عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان،و هي أمّ هاشم بن عبد مناف،و عبد شمس بن عبد مناف و المطلب بن عبد مناف فيما حدثنا ابن هشام.

قال الطالبي:و الثانية:عاتكة بنت جابر بن قنفذ بن مالك بن عوف بن امريء القيس بن بهثة بن سليم بن منصور،و هي أم هلال بن فالج بن ذكوان.

و الثالثة:عاتكة بنت الحارث بن بهثة بن سليم بن منصور و هي أم فالج بن ذكون بن ثعلبة بن بهثة ابن سليم بن منصور.

و الرابعة:عاتكة بنت الأوقص بن هلال بن فالج بن ذكوان بن ثعلبة،و هي أم وهب بن عبد مناف بن زهرة جد النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أبي أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة.

قال الطالبي:قال أبو عبد اللّه العدوي:

العواتك أربع عشرة:ثلاث قرشيات و أربع سلميات و عدوانيتان و هذلية و قحطانية و قضاعية و ثقفية و أسدية،أسد خزيمة.

فالقرشيات من قبل أمه آمنة بنت وهب،و أمّها:ريطة بنت عبد العزّي بن عثمان بن عبد الدار بن قصي،و أمّها:أم حبيب،و هي عاتكة بنت أسد بن عبد العزّي بن قصي،و أمّها:ريطة بنت كعب[بن سعد]بن تيم بن مرة[بن كعب]،[و كانت ريطة]أول امرأة من قريش ضربت قباب الأدم بذي المجاز،و أمها قلابة بنت حذافة بن جمح الخطيا و يقال الحظيّا.و كان داود بن مسور المخزومي يقول:الخطبا من طريق الكلام و غيره يقول:الحظيا من طريق الحظوة،و أمها آمنة بنت عامر الجان بن ملكان بن أفصي بن حارثة من خزاعة،و يقال لعامر الجان هو عامر بن غبشان من خزاعة،و أمه:عاتكة بنت هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر،و أم أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر:مخشية بنت الحارث بن فهر،و أمّها:عاتكة بنت يخلد بن النضر بن كنانة،و هي:

الثالثة.

و أما السلميات فولدته من قبل هاشم بن عبد مناف بن قصي،و من قبل وهب بن عبد مناف بن

ص: 59

زهرة،أمّ هاشم بن عبد مناف:عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان،و أمّ مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان:[عاتكة بنت مرة بن عدي بن أسلم]بن أفصي.من خزاعة.و يقال:إن أم مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان هي:عاتكة بنت جابر بن قنفذ بن مالك بن عوف بن أمريء القيس من سليم و هي الثانية،و أم هلال بن فالج بن ذكوان (1):عاتكة بنت الحارث بن بهثة بن سليم بن منصور،و أمّ وهب بن عبد مناف بن زهرة:عاتكة بنت الأوقص بن هلال بن فالج بن ذكوان.فهؤلاء العواتك السلميات.

و أمّا العدوانيتان فولدتاه من قبل أبيه و من قبل مالك بن النضر،فأمّا التي ولدته من قبل أبيه عبد اللّه بن عبد المطلب و هي السابعة من أمهاته و يقال:إنها الخامسة:فهي عاتكة بنت عبد اللّه بن ظرب بن الحارث بن وائلة العدواني.و من قال:إنها السابعة فهي عاتكة بنت عامر بن ظرب بن عمرو بن عائذ بن يشكر العدواني،و هي أمّ هند بنت مالك بن كنانة الفهمي من قيس عيلان،و هند بنت مالك و هي أمّ فاطمة بنت عبد اللّه بن ظرب بن الحارثبن وائلة العدواني،و فاطمة أم سلمي بنت عامرة بنت عميرة،و سلمي أمّ تخمر بنت عبد بن قصي،و تخمر أمّ صخرة بنت عبد اللّه بن عمران، و صخرة أمّ فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم،و فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم:أمّ عبد اللّه بن عبد المطلب،و من قبل مالك بن النضر بن كنانة و أم مالك بن النضر:عاتكة بنت عمرو بن عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان.

و اما الهذلية فولدته من قبل هاشم بن عبد مناف،أم هاشم عاتكة بنت مرّة بنت هلال بن فالج، و أمها ماويّة بنت حوزة بن عمرو بن صعصعة[بن معاوية]بن بكر بن هوازن،و أمّ معاوية بن بكر بن هوازن:عاتكة بنت سعد بن هذيل بن فهر الهذلية.

و أمّا الأسدية فولدته من قبل كلاب بن مرة و هي الثالثة من أمهاته،و هي عاتكة بنت دودان بن أسد بن خزيمة.

و أمّا الثقفية و هي عاتكة بنت عمرو بن سعد بن أسلم بن عوف الثقفي،و هي أمّ عبد العزّي بن عثمان بن عبد الدار بن قصي.

و أمّا القحطانية فولدته من قبل غالب بن فهر،و أمّ غالب بن فهر،ليلي بنت سعد بن هذيل، و أمّها سلمي بنت طابخة،و أمّ سلمي عاتكة بنت الأزد بن الغوث،و عاتكة أيضا هي الثالثة من أمهات النضر.

و أمّا القضاعية فولدته من قبل كعب بن لؤي و هي الثالثة من أمهاته،و هي عاتكة بنت راشد بن قيس به جهينة بن زيد بن[سود]بن أسلم بن إلحاف بن قضاعةة.

ص: 60


1- في طبقات ابن سعد:62/1 فاطمة بنت بجيد بن رؤاس بن كلاب بن ربيعة.

ذكر أبناء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

اشارة

و روي الحسين بن حمدان الخصيبي عن عبد اللّه بن محمد الأهوازي قال:حدثني محمد بن سنان الزاهري عن أبي بصير،و هو القاسم الاسدي-لا الثقفي-عن أبي عبد اللّه جعفر الصادق عليه السلام قال:قال ولد لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من خديجة ابنة خويلد عليها السّلام القاسم،و به يكني،و عبد اللّه، و الطاهر،و زينب،و رقية،و أم كلثوم،و كان اسمها آمنة،و سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السّلام، و إبراهيم من مارية القبطية،و كانت أمة أهداها المقوقس ملك الإسكندرية.

فأما رقية:فزوجت من عتبة بن أبي لهب،فمات عنها،فزوجت لعثمان بن عفان.و كان السبب في ذلك أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم نادي في أصحابه بالمدينة:من جهز جيش العسرة،و حفر بئر رومة،و أنفق عليها من ماله ضمنت له بيتا في الجنة عند اللّه،فقال عثمان بن عفان:أنا أنفق عليها يا رسول اللّه من مالي،فتضمن لي البيت في الجنة؟

فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:أنفق عليها يا عثمان،و أنا الضامن لك علي اللّه بيتا في الجنة.

فانفق عثمان علي الجيش و البئر من ماله طمعا في ضمان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و ألقي في قلب عثمان أن يخطب رقية من رسول اللّه فعرض ذلك علي رسول اللّه،فقال رسول اللّه:إن رقية تقول لك لا تزوجك نفسها إلا بتسليم البيت الذي ضمنته لك عند اللّه عز و جل في الجنة تدفعه إليها بصداقها، فإني أبرأ من ضماني لك البيت بتسليمه إليها إن ماتت رقية أو عاشت.

فقال عثمان:أفعل يا رسول اللّه،فزوجها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و أشهد علي عثمان في الوقت أنه قد برئ من ضمانة البيت له،و أن البيت لرقية دونه،لا رجعة لعثمان علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فيه،إن عاشت رقية أو ماتت.

ثم إن رقية توفيت قبل أن تجتمع بعثمان،و لهذا السبب زوجت رقية نفسها.

و أما زينب:فزوجت من أبي العاص بن الربيع،فولدت منه بنتا سماها امامة،فتزوج بها أمير المؤمنين بعد وفاة فاطمة عليها السّلام.

و أما ام كلثوم:فانها لم تتزوج بزوج،و ماتت قبل وفاة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (1).

و روي أن زينب كانت ربيبة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من جحش بعد خديجة قبل النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و لم يصح هذا الخبر،و لا ملك خديجة أحد غير رسول اللّه و لا ملك زوجة غيرها حتي توفيت (2).

و نقل المجلسي في البحار عن الأنوار و الكشف و اللمع و كتاب البلاذري أن زينب و أم كلثوم كانتا رببتا النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

ص: 61


1- الهداية الكبري،الحسين بن حمدان الخصيبي:39.
2- الهداية الكبري،الحسين بن حمدان الخصيبي:40.

و ذكر العلامة السيد جعفر مرتضي أنهما أولاد أخت خديجة،و استدل لذلك من المصادر المختلفة في كتاب خاص سمّاه ربائب النبي أم بناته فليراجع.

و عن ابن عباس:كان أكبر ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:القاسم،ثم زينب ثم عبد اللّه،ثم أم كلثوم، ثم فاطمة،ثم رقية،فمات القاسم و هو أول ميت من ولده بمكة،ثم مات عبد اللّه فقال العاص بن وائل السهمي:قد انقطع نسله فهو أبتر،فأنزل اللّه عز و جل: إِنَّ شٰانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (1).

ثم ولدت له مارية بالمدينة إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة فمات ابن ثمانية عشر شهرا.

و قال هشام بن الكلبي:فتزوج زينب بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أبو العاص بن الربيع بن الربيع بن عبد العزي بن عبد شمس بن عبد مناف،فولدت له عليا و أمامة،و كان يقال لأبي العاص جرو البطحاء يعني أنه كان متلدا بها.و خرج أبو العاص بن الربيع[في بعض أسفاره]إلي الشام فقال فيما أنشده هشام بن الكلبي عن معروف بن الخرّبوذ المكّي:

ذكرت زينب لما ورّكت إرما فقلت:سقيا لشخص يسكن الحرما

بنت الأمين-جزاها اللّه-صالحة و كل بعل سيثني بالذي علما

و توفيت زينب بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فيما أخبرني به محمد بن عمر عن يحيي بن عبد اللّه بن أبي قتادة،عن عبد اللّه بن أبي بن حزم سنة ثمان من الهجرة.

و تزوج رقية بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عتبة بن أبي لهب (2).

و تزوج أم كلثوم بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عتيبة بن أبي لهب فلم ينئيا بهما حتي بعث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فلما نزّل اللّه تبارك و تعالي تَبَّتْ يَدٰا أَبِي لَهَبٍ (3)قال لهما أبوهما رأسي من رأسكما حرام أن تطلقا ابنتيه ففارقهما و لم يكونا دخلا بهما فتزوج عثمان بن عفان رقية بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فولدت له عبد اللّه بن عثمان الذي تكنّي به.و بلغ ست سنين فنقره ديك علي عينه فمات.و توفيت رقية بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ببدر،فقدم زيد بن حارثة المدينة بشيرا بما فتح اللّه تعالي علي نبيه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ببدر فجاء حين سوي التراب علي رقية بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

و كانت بدر صبيحة يوم الجمعة لسبع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان من السنة الثانية من الهجرة فيما أخبرني به محمد بن عمر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه.

و زوّج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عثمان أيضا ابنته أم كلثوم فماتت عنده في شعبان سنة تسع من الهجرة و لم تلد له شيئا.ي.

ص: 62


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:126/3.
2- طبقات ابن سعد:36/8.
3- سورة المسد،الآية الأولي.

و تزوج علي بن أبي طالب عليه السّلام فاطمة بنت رسول اللّه عليها السّلام لثلاث بقين من شهر صفر في السنة الثانية من الهجرة فيما أخبرني به محمد بن عمر عن أبي بكر بن أبي سبرة،عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي فروة.فولدت له الحسن و الحسين و المحسن و أم كلثوم و زينب.

و توفيت فاطمة بعد النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بستة أشهر.

و عن أنس قال كان للنبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من ذكورة الولد:طاهر،و مطهر،و القاسم،و إبراهيم.

و قيل:ولدت خديجة بنت خويلد للنبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:الطاهر و القاسم و كان يقال له الطّيّب،ولد الطاهر بعد النبوة و مات صغيرا و اسمه عبد اللّه،و فاطمة و زينب و رقية و أم كلثوم (1).

***

ذكر إبراهيم عليه السّلام

قال ابن عباس:لما ولدت مارية القبطية لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إبراهيم قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:

«إنّ له مرضعا في الجنّة و لو بقي لكان صدّيقا» (2).

قال عمرو:و لما توفي إبراهيم قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«إن إبراهيم ابني،و إنه مات في الثدي، و إن له ظئرين-و قال ابن حمدان:لظئرين-تكملان رضاعه في الجنة» (3).

و توفي إبراهيم بن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لستة أشهر فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«ادفنوه في البقيع فإن له مرضعا في الجنة» (4).

و قيل ستة عشر شهرا.

و عن جابر بن عبد اللّه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«لو عاش إبراهيم لكان نبيا» (5).

و عن أنس بن مالك قال:لما مات إبراهيم بن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال لهم النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«لا تدرجوه في أكفانه حتي أنظر إليه»فجاء و انكبّ عليه و بكي حتي اضطرب (6).

و عن أسماء بنت يزيد أنها حدّثت:أنّه لما توفي إبراهيم بن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بكي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال أبو بكر و عمر:أنت أحقّ من علّم اللّه حقّه فقال:«تدمع العين و يحزن القلب و لا[نقول ما يسخط الرب،و لو لا أنّه وعد صادق،و موعود جامع لوجدنا عليك يا إبراهيم و جدا أشدّ مما وجدنا، و إنّا بك يا إبراهيم لمحزونون».

ص: 63


1- نسب قريش:231.
2- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:136/3.
3- مسند أحمد:283/4.
4- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:135/3.
5- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:139/3.
6- سنن ابن ماجه:473/1 رقم:1475.

و قيل لما توفي جاء علي بن أبي طالب عليه السّلام إلي أمه مارية القبطية و هي بالمشربة فحمله علي في سفط و جعله بين يديه علي الفرس قال:ثم جاء به إلي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فغسله،و كفّنه و خرج به،و خرج الناس معه فدفنه في الزقاق الذي يلي دار محمد بن زيد؛فدخل علي بن أبي طالب في قبره حتي سوّي عليه التراب و دفنه،ثم خرج ورشّ علي قبره،و أدخل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يده في قبره،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أما و اللّه إنّه لنبيّ ابن نبيّ»و بكي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و اشتدّ البكاء،و بكي المسلمون حتي ارتفع الصوت،ثم قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«تدمع العين و يحزن القلب،و لا نقول ما يغضب الرب،و إنّا عليك يا إبراهيم لمحزونون» (1).

***

ذكر زينب بنت رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

تزوجها أبو العاص بن الربيع بن عبد قيس بن عبد مناف في الجاهلية فولدت لأبي العاص جارية اسمها أمامة فتزوجها علي بن أبي طالب بعد ما توفيت بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقتل علي و عنده أمامة فخلف علي أمامة بعد عليّ المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم فتوفيت عنده،و أم[أبي]العاص بن الربيع هالة بنت خويلد بن أسد و خديجة خالته أخت أمه.

و عن عائشة زوج النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:[أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم] (2)لما قدم المدينة خرجت ابنته زينب من مكة معهم كنانة أو ابن كنانة فراحوا في إثرها،فأدركها هبّار بن الأسود فلم يزل يطعن بعيرها برمحه حتي صرعها،و ألقت ما في بطنها و أهريقت دما.فحملت فاشتجر فيها بنو هاشم و بنو أمية.فقالت بنو أمية نحن أحق بها و كانت تحت ابن عمهم أبي العاص،فكانت عند عند بنت ربيعة و كانت تقول لها هند:هذا في سبب أبيك.فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لزيد بن حارثة:«ألا تنطلق فتجيء بزينب؟»قال:

بلي يا رسول اللّه قال:«خذ خاتمي فأعطها إياه»فانطلق مرة،فبرك بعيره فلم يزل يتلطف حتي لقي راعيا يرعي غنما.فقال:لمن ترعي؟

قال لأبي العاص،قال:فلمن هذا الغنم؟قال لزينب بنت محمد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فسار معه شيئا،ثم قال له:هل لك أن أعطيك شيئا تعطيها إياه و لا تذكره لأحد؟قال:نعم فأعطاه الخاتم، فانطلق الراعي و أدخل غنمه و أعطاها الخاتم فعرفته فقالت من أعطاك هذ؟قال رجل (3).

قالت:و أنّي تركته؟قال:بمكان كذا و كذا،قال:فسكت حتي إذا كان الليل خرجت إليه فلما جاءته قال لها اركبي بين يديه علي بعيره،قالت:لا و لكن اركب أنت بين يدي فركب و ركبت وراءه

ص: 64


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:145/3.
2- دلائل البيهقي:156/3.
3- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:148/3.

حتي أتت،فكان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يقول:«هي أفضل بناتي أصيبت فيّ»فبلغ ذلك علي بن الحسين، فانطلق إلي عروة فقال ما حديث بلغني عنك تحدث به تنتقض فيه حق فاطمة؟و قال مرة:تنتقص فيه فاطمة.قال:فقال عروة:و اللّه إني لأحب أنّ لي ما بين المشرق و المغرب و أنّي انتقص فاطمة حقا لها،و أمّا بعد ذلك فلك أن لا أحدّث به أبدا (1).

و عن عروة:أن رجلا أقبل بزينب بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فلحقه رجلان من قريش فقاتلاه حتي غلباه عليها،فدفعاها فوقعت علي صخرة فأسقطت و أهريقت دما،فذهبوا بها إلي أبي سفيان، فجاءته نساء بني هاشم فدفعها اليهم،ثم جاءت بعد ذلك مهاجرة،فلم تزل وجعه حتي ماتت من ذلك الوجع فكانوا يرون أنها شهيدة (2).

عن ابن جريج قال:قال لي غير واحد:كانت زينب أكبر بنات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و كانت فاطمة أصغرهن و أحبهم إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (3).

و توفيت زينب بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في أول سنة ثمان من الهجرة (4).

***

ذكر رقية بنت رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

تزوجها عثمان بن عفان في الجاهلية فولدت له عبد اللّه بن عثمان و[به]كان يكنّي عثمان أول مرة،حتي كنّي بعد ذلك بعمرو بن عثمان،و بكلّ قد كان يكنّي.ثم توفيت رقية زمن بدر فتخلّف عثمان علي دفنها فذلك منعه أن يشهد بدرا،و قد كان عثمان هاجر إلي أرض الحبشة و هاجر معه برقية بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

و توفيت رقية بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يوم[قدم زيد بن]حارثة مولي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بشيرا بفتح بدر.

و أبي عن ابن إسحاق قال:ولدت خديجة لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم زينب و رقية و فاطمة و أم كلثوم و القاسم و عبد اللّه،قال:و كان يكنّي أبا الطاهر،و الطيب.فأما القاسم و الطيب فهلكوا في الجاهلية.أمّا بناته فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن و هاجرن مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم[إلي المدينة حين هاجر] (5).

ص: 65


1- المعجم الكبير للطبراني:432/22.
2- المعجم الكبير للطبراني:433/22.
3- المعجم الكبير للطبراني:397/22.
4- طبقات ابن سعد:34/8،و تاريخ خليفة:92.
5- تاريخ مدينة دمشق:142/3.

ذكر أزواجه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

اشارة

قال الخصيبي:و كانت أول أزواجه خديجة ثم كانت من أزواجه بعدها أم أيمن،و ام سلمة، و ميمونة بنت الحارث الهلالية،و مارية القبطية-و كانت أمة-افضل أزواج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و بعدهن صفية،و زينب زوجة زيد بن حارثة.و المذمومات عائشة و حفصة،و أم حبيبة بنت أبي سفيان،و هن ممن قال اللّه فيهن عَسيٰ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوٰاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمٰاتٍ مُؤْمِنٰاتٍ قٰانِتٰاتٍ تٰائِبٰاتٍ عٰابِدٰاتٍ سٰائِحٰاتٍ ثَيِّبٰاتٍ وَ أَبْكٰاراً (1).

و هذا أوضح دليل أنه لم يكن فيهن من هذا الوصف شيء.

و قال اللّه تعالي: يٰا نِسٰاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضٰاعَفْ لَهَا الْعَذٰابُ ضِعْفَيْنِ (2)و قوله: وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لاٰ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجٰاهِلِيَّةِ الْأُوليٰ (3)و قد عرف من خرج و تبرج و شهد علي أولاد الأنبياء عليهم السّلام أنهن إذا عصين عذبن بالنار.

و قال اللّه سبحانه و تعالي: ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كٰانَتٰا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبٰادِنٰا صٰالِحَيْنِ فَخٰانَتٰاهُمٰا فَلَمْ يُغْنِيٰا عَنْهُمٰا مِنَ اللّٰهِ شَيْئاً وَ قِيلَ ادْخُلاَ النّٰارَ مَعَ الدّٰاخِلِينَ (4).

و جمع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بين ثلاث عشر امرأة و توفي عن تسع أزواج (5).

***

في تعداد أزواج النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

قال العلاّمة الطباطبائيّ في الميزان:

و ممّا اعترضوا عليه تعدّد زوجات النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،قالوا:إنّ تعدّد الزوجات لا يخلو في نفسه عن الشره و الانقياد لداعي الشهوة،و هو صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لم يقنع بما شرعه لامّته من الأربع حتّي تعدّي إلي التّسع من النسوة.

و المسألة ترتبط بآيات متفرّقة كثيرة في القرآن،و البحث من كلّ جهة من جهاتها يجب أن يستوفي عند الكلام علي الآية المربوطة بها؛و لذلك أخّرنا تفصيل القول إلي محالّه المناسبة له، و إنّما نشير ههنا إلي ذلك إشارة إجماليّة،فنقول:

من الواجب أن يلفت نظر هذا المعترض المستشكل إلي أنّ قصّة تعدّد زوجات النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

ص: 66


1- سورة التحريم:5.
2- سورة الأحزاب:30.
3- سورة الأحزاب:33.
4- سورة التحريم:10.
5- الهداية الكبري،الحسين بن حمدان الخصيبي:41.

ليست علي هذه السذاجة(أنّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بالغ في حبّ النساء حتّي أنهي عدّة أزواجه إلي تسع نسوة)بل كان اختياره لمن اختارها منهنّ علي نهج خاصّ في مدي حياته؛فهو صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كان تزوّج-أوّل ما تزوّج- بخديجة رضي اللّه عنها،و عاش معها مقتصرا عليها نيّفا و عشرين سنة و هي ثلثا عمره الشريف بعد الازدواج،منها ثلاث عشرة سنة بعد نبوّته قبل الهجرة من مكّة.ثمّ هاجر إلي المدينة و شرع في نشر الدعوة و إعلاء كلمة الدين،و تزوّج بعدها من النساء منهنّ البكر و منهنّ الثيّب،و منهنّ الشابّة و منهنّ العجوز و المكتهلة،و كان علي ذلك ما يقرب من عشرة سنين،ثمّ حرّم عليه النساء بعد ذلك إلاّ من هي في حبالة نكاحه.و من المعلوم أنّ هذا الفعال علي هذه الخصوصيّات لا يقبل التوجيه بمجرّد حبّ النساء و الولوع بهنّ و الوله بالقرب منهنّ؛فأوّل هذه السيرة و آخرها يناقضان ذلك.

علي أنّا لا نشكّ-بحسب ما نشاهده من العادة الجارية-أنّ المتولّع بالنساء المغرم بحبّهنّ و الخلاء بهنّ و الصبوة إليهنّ مجذوب إلي الزينة،عشيق للجمال،مفتون بالغنج و الدلال،حنين إلي الشباب و نضارة السنّ و طراوة الخلقة،و هذه الخواصّ أيضا لا تنطبق علي سيرته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم؛فإنّه بني بالثيّب بعد البكر و بالعجوز بعد الفتاة الشابّة،فقد بني بامّ سلمة و هي مسنّة،و بني بزينب بنت جحش و سنّها يومئذ يربو علي خمسين بعد ما تزوّج بمثل عائشة و امّ حبيبة...و هكذا.

و قد خيّر صلّي اللّه عليه و اله و سلّم نساءه بين التمتيع و السّراح الجميل-و هو الطلاق-إن كنّ يردن الدنيا و زينتها، و بين الزهد في الدنيا و ترك التزيين و التجمّل إن كنّ يردن اللّه و رسوله و الدار الآخرة،علي ما يشهد به قوله تعالي في القصّة: يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيٰاةَ الدُّنْيٰا وَ زِينَتَهٰا فَتَعٰالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَرٰاحاً جَمِيلاً* وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدّٰارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللّٰهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنٰاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (1).

و هذا المعني أيضا-كما تري-لا ينطبق علي حال رجل مغرم بجمال النّساء صاب إلي و صالهنّ.

فلا يبقي حينئذ للباحث المتعمّق-إذا أنصف-إلاّ أن يوجّه كثرة ازدواجه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فيما بين أوّل أمره و آخر أمره بعوامل اخر غير عامل الشره و الشبق و التلهّي.

فقد تزوّج صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ببعض هؤلاء الأزواج اكتسابا للقوّة و ازديادا للعضد و العشيرة،و ببعض هؤلاء استمالة للقلوب و توقّيا من بعض الشرور،و ببعض هؤلاء ليقوم علي أمرها بالإنفاق و إدارة المعاش، و ليكون سنّة جارية بين المؤمنين في حفظ الأرامل و العجائز من المسكنة و الضيعة.

و ببعضها لتثبيت حكم مشروع و إجرائه عملا لكسر السنن المنحطّة و البدع الباطلة الجارية بين الناس،كما في تزوّجه بزينب بنت جحش و قد كانت زوجة لزيد بن حارثة ثمّ طلّقها زيد،و قد كان9.

ص: 67


1- الأحزاب:28،29.

زيد هذا يدعي ابن رسول اللّه علي نحو التبنّي،و كانت زوجة المدعوّ ابنا عندهم كزوجة الابن الصّلبيّ لا يتزوّج بها الأب،فتزوّج بها النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و نزل فيها الآيات.

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم تزوّج لأوّل مرّة بعد وفاة خديجة بسودة بنت زمعة و قد توفّي عنها زوجها بعد الرجوع من هجرة الحبشة الثانية،و كانت سودة هذه مؤمنة مهاجرة،و لو رجعت إلي أهلها و هم يومئذ كفّار لفتنوها كما فتنوا غيرها من المؤمنين و المؤمنات بالزجر و القتل و الإكراه علي الكفر.

و تزوّج بزينب بنت خزيمة بعد قتل زوجها عبد اللّه بن جحش في احد،و كانت من السيّدات الفضليات في الجاهليّة تدعي امّ المساكين؛لكثرة برّها للفقراء و المساكين و عطوفتها بهم،فصان بازدواجها ماء وجهها.

و تزوّج بامّ سلمة و إسمها هند،و كانت من قبل زوجة عبد اللّه أبي سلمة إبن عمّة النبيّ و أخيه من الرّضاعة أوّل من هاجر إلي الحبشة،و كانت زاهدة فاضلة ذات دين و رأي،فلمّا توفّي عنها زوجها كانت مسنّة ذات أيتام فتزوّج بها النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

و تزوّج بصفيّة بنت حييّ بن أخطب سيّد بني النّظير،قتل زوجها يوم خيبر و قتل أبوها مع بني القريظة،و كانت في سبي خيبر فاصطفاها و أعتقها و تزوّج بها،فوقاها بذلك من الذلّ و وصل سببه ببني إسرائيل.

و تزوّج بجويرية و إسمها برّة بنت الحارث سيّد بني المصطلق،بعد وقعة بني المصطلق و قد كان المسلمون أسروا منهم مائتي بيت بالنساء و الذراري،فتزوّج صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بها،فقال المسلمون:هؤلاء أصهار رسول اللّه لا ينبغي أسرهم،و أعتقوهم جميعا،فأسلم بنو المصطلق بذلك،و لحقوا عن آخرهم بالمسلمين و كانوا جمّا غفيرا،و أثّر ذلك أثرا حسنا في سائر العرب.

و تزوّج بميمونة و إسمها برّة بنت الحارث الهلاليّة،و هي التي وهبت نفسها للنبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بعد وفاة زوجها الثاني أبي رهم بن عبد العزّي،فاستنكحها النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و تزوّج بها و قد نزل فيها القرآن.

و تزوّج بامّ حبيبة و اسمها رملة بنت أبي سفيان،و كانت زوجة عبيد اللّه بن جحش و هاجر معها إلي الحبشة الهجرة الثانية فتنصّر عبيد اللّه هناك و ثبتت هي علي الإسلام،و أبوها أبو سفيان يجمع الجموع علي الإسلام يومئذ،فتزوّج بها النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و أحصنها.

و تزوّج بحفصة بنت عمر و قد قتل زوجها خنيس بن حذاقة ببدر و بقيت أرملة.

و تزوّج بعائشة بنت أبي بكر و هي بكر.

فالتأمّل في هذه الخصوصيّات-مع ما تقدّم في صدر الكلام من جمل سيرته في أوّل أمره و آخره و ما سار به من الزهد و ترك الزينة و ندبه نساءه إلي ذلك-لا يبقي للمتأمّل موضع شكّ في أنّ ازدواجه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بمن تزوّج بها من النساء لم يكن علي حدّ غيره من عامّة الناس.

ص: 68

أضف إلي ذلك جمل صنائعه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في النساء،و إحياء ما كانت قرون الجاهليّة و أعصار الهمجيّة أماتت من حقوقهنّ في الحياة،و أخسرته من وزنهنّ في المجتمع الإنسانيّ؛حتّي روي أنّ آخر ما تكلّم به صلّي اللّه عليه و اله و سلّم هو توصيتهنّ لجامعة الرجال،قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:الصّلاة الصّلاة،و ما ملكت أيمانكم لا تكلّفوهم ما لا يطيقون،اللّه اللّه في النّساء فإنّهنّ عوان في أيديكم...الحديث.

و كانت سيرته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في العدل بين نسائه و حسن معاشرتهنّ و رعاية جانبهنّ ممّا يختصّ به صلّي اللّه عليه و اله و سلّم علي ما سيأتي شذرة منه في الكلام علي سيرته في مستقبل المباحث إن شاء اللّه-و كان حكم الزيادة علي الأربع كصوم الوصال من مختصّاته التي منعت عنها الامّة،و هذه الخصال و ظهورها علي الناس هي التي منعت أعداءه من الاعتراض عليه بذلك مع تربّصهم الدوائر به (1).

***

ذكر خديجة بنت خويلد عليها السّلام

قال عمّار بن ياسر:أنا أعلم الناس بتزويجه إياها،أنا كنت له إلفا و إنّي خرجت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ذات يوم حتي إذا كنا بالحزورة (2)أجزنا علي أخت خديجة،و هي جالسة علي أدم تبيعها، فنادتني فانصرفت إليها،و وقف لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فقالت:أما لصاحبك هذا من حاجة في تزويج خديجة؟

قال عمّار:فرجعت إليه فأخبرته،فقال:بلي،لعمري،فذكرت لها قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم، فقالت:اغدوا علينا إذا أصبحنا،فغدونا عليهم.قال:فوجدناهم قد ذبحوا بقرة،و ألبسوا أبا خديجة حلة،و صفّرت لحيته،و كلمت أخاها[فكلّم أباه]و قد سقي خمرا،فذكر له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم[و مكانه] و سأله أن يزوّجه،فزوّجه خديجة،و صنعوا من البقرة طعاما فأكلنا منه،و نام أبوها ثم استيقظ صاحيا،فقال:ما هذه الحلة،و هذه النقيعة و هذا الطعام؟فقالت له ابنته التي كانت كلمت عمّارا:

هذه حلة كساكها محمد بن عبد اللّه[ختنك]و بقرة أهداها لك-زاد البيهقي فذبحناها-و قالوا:حين زوجه خديجة فأنكر أن يكون زوّجه و خرج يصيح حتي جاؤوه-و قال البيهقي فجاؤوه-فكلّموه، فقال:أين صاحبكم الذي تزعمون أنّي زوّجته فبرز له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فلما نظر إليه قال:إن كنت زوّجته فسبيل ذلك،و إن لم أكن فعلت فقد زوّجته-قال الموصلي:و المجتمع أن عمها عمرو بن أسد الذي زوّجها (3).

ص: 69


1- تفسير الميزان:195/4.
2- الحزورة:كانت سوق مكة،و دخلت في المسجد لما زيد،و العامة تقول:باب عزورة بالعين،و هو باب الحزورة،أحد أبواب المسجد الحرام.
3- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:188/3.

قال البيهقي و فيما أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ:أن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم تزوج بها و هو ابن خمس و عشرين سنة (1).

و عن عائشة قال:لم يتزوج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم علي خديجة حتي ماتت.

و عن ابن شهاب قال:كانت خديجة بنت خويلد عند النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قبل أن ينزل عليه القرآن،ثم نزل عليه القرآن و هي عنده،و هي أول من صدّق النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و آمن به،ثم توفيت بمكة قبل أن يخرج النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بثلاث سنين (2).

و عن أبي بكر بن عثمان و غيره من أهل العلم:أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم تزوج خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّي بن قصيّ و هي أول امرأة تزوّجها و هي يومئذ ابنة ثلاثين سنة.

و ولدت لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:القاسم و الطاهر و الطّيّب و زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة (3).

و أمّا الذكور فماتوا بمكة،و أمّا البنات فتزوجن كلهن و ولدن،فكانت زينب بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عند أبي العاص[بن الربيع بن عبد العزّي بن عبد شمس فولدت له عليا و أمامة رضي اللّه تعالي عنهم أجمعين.

و أوصي أبو العاص بن الربيع]إلي أبي الزبير بن العوام فتزوج علي بن أبي طالب أمامة بنت أبي العاص بعد فاطمة بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم زوّجه إياها الزبير بن العوام.

قال ابن عباس:هي خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّي بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك[بن النّضر بن كنانة،و أمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر ابن مالك،و أمها هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي،و أمها العرقة و هي قلابة بنت سعيد بن سهم بن عمر بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب،و أمها عاتكة ابنة عبد العزي بن قصيّ بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي،و أمها الحظية و هي ريطة بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرّة بن كعب بن لؤي،و أمها نائلة بنت حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لوي بن [غالب بن فهر بن مالك].

قال:و كانت خديجة بنت[خويلد بن]أسد قبل أن يتزوّجها أحد قد ذكرت لورقة بن نفيلبن نوفل بن أسد بن عبد العزّي بن قصيّ فلم يقض بينهما نكاح فقيل أنه تزوجها أبو هالة،و اسمه هند بن النبّاش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن غوي بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم و كان0.

ص: 70


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:189/3.
2- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:191/3.
3- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:200/22 ح 20.

أبو هالة ذا شرف في قومه،و نزل مكة فحالف بها بني عبد الدار بن قصيّ.و كانت قريش تزوج حليفهم،فولدت خديجة لأبي هالة رجلا يقال له هند و هالة رجلا أيضا.

ثم خلف عليها أبي هالة عتيق بن عابد بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم فولدت له جارية يقال لها هند فتزوجها صيفي بن أمية ابن عابد بن عبد اللّه بن[عمر بن]مخزوم[و هو ابن عمها]فولدت له محمدا و يقال لبني محمد هذا بنو الطاهرة لمكان خديجة.و كانت له بقية بالمدينة و عقب فانقرضوا، و كانت خديجة تدعي أم هند (1).

و عن ابن عباس قال:كانت خديجة يوم تزوّجها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ابنة ثمان و عشرين سنة و مهرها اثنتي عشرة أوقية و كذلك كانت مهور نسائه.

و توفيت خديجة بنت خويلد رضوان اللّه عليها في شهر رمضان سنة عشر من النبوة و هي يومئذ ابنة خمس و ستين سنة فخرجنا بها من منزلها حتي دفناها بالحجون،و نزل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في حفرتها،و لم تكن يومئذ سنّة الجنازة الصّلاة عليها،قيل:و متي ذلك يا أبا خالد؟قال:قبل الهجرة بسنوات ثلاث أو نحوها و بعد خروج بني هاشم من الشعب بسنتين (2).

قال:و كانت أول امرأة تزوّجها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و أولاده كلهم منها غير إبراهيم بن مارية، و كانت تكني أم هند بولدها من زوجها أبي هالة التميمي.

و قيل و توفيت خديجة لعشر خلون من شهر رمضان و ذلك قبل الهجرة بثلاث سنين،و هي يومئذ بنت خمس و ستين سنة.قالت عائشة:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من الثناء عليها و الإستغفار لها،فذكرها ذات يوم فاحتملتني الغيرة فقلت:لقد عوضك اللّه من كبيرة السن قالت:فرأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم غضب غضبا أسقطت في خلدي و قلت في نفسي:اللّهم إنك إن أذهبت غضب رسولك عني لم أعد أذكرها بسوء ما بقيت.فلما رأي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ما لقيت قال:«كيف قلت؟و اللّه لقد آمنت بي إذ كفر بي الناس،و آوتني إذ رفضني الناس،و صدقتني إذ كذبني الناس، و رزقت مني الولد إذ حرمتموه منّي».قالت:فغدا وراح علي بها شهرا (3).

***6.

ص: 71


1- طبقات ابن سعد:14/8.
2- في مختصر ابن منظور:275/2 بيسير.
3- مسند أحمد:210/6.

خصائص النبي الأعظم محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

اشارة

عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كان في رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ثلاثة لم تكن في أحد غيره:لم يكن له فييء و كان لا يمرّ في طريق فيمرّ فيه بعد يومين أو ثلاثة إلاّ عرف أنّه قد مرّ فيه لطيب عرفه،و كان لا يمرّ بحجر و لا بشجر إلاّ سجد له (1).

الصلاة علي محمد آل محمد عليهم السّلام

في الحديث القدسي:أما يرضيك يا محمد انّه لا يصلّي عليك أحد إلاّ صلّيت عليه عشرا أو يسلم (2).

و في الحديث:إنّ لله ملائكة سياحين يبلغوني عن امّتي السلام (3).

و في الحديث:من صلي عليك 100 صليت عليه 1000 (4).

و في الحديث:من صلي عليك صليت عليه عشرا (5).

و في الحديث:خرج رسول اللّه و هو مسرور-أما ترضي أن لا يصلي عليك عبد من عبادي صلاة إلا صليت عليه عشرا و لا يسلم عليك تسليمة إلا سلمت عليه بها عشرا؟قلت:بلي أي رب (6).

و عن أبي مسعود البدري قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:من صلي علي صلاة لم يصل فيها[عليّ و]علي أهل بيتي لم تقبل منه».أخرجه الدار قطني و البيهقي (7).

و عن جابر بن عبد اللّه أنه كان يقول:لو صليت صلاة لم أصل فيها علي محمد و علي آل محمد ما رأيت أنها تقبل (8).

و قال الإمام أبو جعفر محمد الباقر بن علي بن الحسين عليه السّلام:لو صليت صلاة لم أصل فيها

ص: 72


1- الكافي:442/1 ح 12.
2- مسند ابن المبارك:30 ح 50.
3- مسند ابن المبارك:30 ح 51.
4- تاريخ بغداد:247/2.
5- مسند أحمد:611/4-612،و 313/1-191.
6- صحيح ابن حبان:134/2 ح 911 باب الادعية.
7- سنن الدار قطني:281/1 ح 1328 و ح 1329،و سنن البيهقي:379/2 كتاب الصلاة-باب وجوب الصلاة علي النبي و لكنه بلفظ:لو صليت صلاة لا أصلي فيها علي آل محمد لرأيت أنها لا تتم،و المواهب اللدنية:510/2 الفصل الثاني من المقصد السابع،و الشفا:64/2 أول الباب الرابع،و جواهر العقدين: 225،و مشارق الانوار:112،و ضوء الشمس:111/1،و جلاء الافهام:194 الباب الرابع،و الصواعق المحرقة:234 ط.مصر و 349 ط.بيروت.
8- رشفة الصادي:69 الباب الثاني،و جواهر العقدين:225.

علي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و لا علي أهل بيته لرأيت أنها لا تتم (1).

و قد أخرج الديلمي أنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:الدعاء محجوب حتي يصلي علي محمد و علي أهل بيته.

اللهم صل علي محمد و علي آله (2)

و روي بلفظ:كل دعاء محجوب حتي يصلي علي محمد و آل محمد (3).

بلفظ:الدعاء معلق حتي يصلي علي محمد و آل محمد» (4).

و عن كعب بن عجرة رضي اللّه عنه قال:خرج علينا النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقلنا:يا رسول اللّه كيف نسلّم عليك و كيف نصلّي عليك علّمنا؟

قال:«فقولوا اللهمّ صلّ علي محمّد و علي آل محمّد كما صلّيت علي إبراهيم إنّك حميد مجيد،اللّهمّ بارك علي محمّد و علي آل محمّد كما باركت علي آل إبراهيم إنّك حميد مجيد» (5).

و عن أبي حميد الساعدي رضي اللّه عنه قال:قالوا:يا رسول اللّه كيف نصلّي عليك؟

قال:قولوا:اللهمّ صلّ علي محمّد و علي أزواجه و ذريّته كما صلّيت علي إبراهيم،و بارك علي محمّد و أزواجه و ذريّته كما باركت علي إبراهيم إنّك حميد مجيد (6)؛بحذف آل في الموضعين متّفق عليه.

و عن أبي مسعود البدري رضي اللّه عنه قال:أتانا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و نحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد:أمرنا اللّه أن نصلّي عليك يا رسول اللّه فكيف نصلّي عليك؟

فسكت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم حتّي تمنينا أنّه لم يسأله ثمّ قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«فقولوا:اللهمّ صلّ علي محمّد و علي آل محمّد كما صلّيت علي إبراهيم،و بارك علي محمّد و علي آل محمّد كما باركت علي آل2.

ص: 73


1- سنن الدار قطني:281/1 ح 1330،و المواهب اللدنية:510/2 الفصل الثاني من المقصد السابع،و تفسير القرطبي:152/14 مورد آية 56 من الاحزاب،و الشفا:64/2 أول الباب الرابع.
2- مجمع الزوائد:160/10 ط.مصر و 247 ح 17278 من البغية و قال الهيتمي:رجاله ثقات،و الجامع الكبير للسيوطي:412/1 و عزاه لابي الشيخ في الثواب و للبيهقي في الشعب عن علي،و تحفة الذاكرين للشوكاني:50 ط.القاهرة مكتبة المتنبي-بلفظ:كل دعاء/و قال:قال المنذري:رواته ثقات،و شعب الايمان 216/2،و جواهر العقدين:223 و نسبه للديلمي،و الصواعق المحرقة:148 ط.مصر و 227 ط. بيروت عن الديلمي. نعم في فردوس الديلمي المطبوع خذف:آل محمد،فدوّن الحديث عن علي بلفظ:كل دعاء محجوب حتي يصلي علي النبي/.الفردوس:255/3 ح 4754 ط.دار الكتب العلمية،و بالهامش:فيض القدير ح 6303 عن أنس.
3- المعجم الأوسط للطبراني:408/1 ح 725.
4- الشفا للقاضي:65/2 فصل في مواطن الصلاة عن علي.
5- مسند أحمد:241/4.
6- صحيح مسلم:17/2.

إبراهيم إنّك حميد مجيد» (1).

و روي عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أنّه قال:«من صلّي عليّ من أمّتي صلاة مخلص يأتيها من نفسه صلّي اللّه بها عليه عشر صلوات و رفعه بها عشر درجات و محا عنه عشر سيّئات» (2).

و روي الحاكم أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه بن محمد بن حمدويه بن نعيم الحديث المسلسل المشهور من رواية أهل البيت عليهم السّلام بقوله:وعدهن في يدي بسنده إلي زيد بن علي ابن الحسين قال:

عدّهن في يدي قال:عدّهن في يدي علي بن الحسين،و قال:عدّهن في يدي أبي الحسين بن علي، و قال لي:عدّهن في يدي علي بن أبي طالب عليه السّلام و قال لي:عدهن في يدي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«عدهن في يدي جبرئيل عليه السّلام و قال جبرئيل:هكذا نزلت بهنّ من عند ربّ العزّة اللهمّ صلّ علي محمّد و آل محمّد كما صلّيت علي إبراهيم و علي آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.اللهمّ و بارك علي محمّد و علي آل محمّد كما باركت علي إبراهيم و علي آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.اللهمّ و ترحّم علي محمّد و علي آل محمّد كما ترحّمت علي إبراهيم و علي آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.اللهمّ و تحنّن علي محمّد و علي آل محمّد كما تحننت علي إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.اللهمّ و سلّم علي محمّد و علي آل محمّد كما سلّمت علي إبراهيم و علي آل إبراهيم إنّك حميد مجيد» (3).

و روي عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أنه قال:فيما رواه عن أنس رضي اللّه عنه:«إنّ أقربكم منّي يوم القيامة مجلسا أكثركم عليّ صلاة في الدنيا،من صلّي عليّ يوم الجمعة و ليلة الجمعة قضي اللّه له باب حاجة من حوائج الآخرة و ثلاثين من حوائج الدنيا يوكل بذلك ملكا يدخل علي قبري كما يدخل عليكم الهدايا و يخبرني بمن صلّي عليّ باسمه و نسبه و إلي عشيرته فأثبته عندي في صحيفة» (4).

و روي الترمذي بسنده إلي ابن مسعود أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:«إنّ أولي الناس لي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة» (5).

و روي:«إنّ أنجاكم من أهوالها و مواطنها أكثركم عليّ صلاة» (6)،و في تلخيص الآثار:ليردنّ عليّ أقواما ما أعرفهم إلاّ بكثرة صلاتهم عليّ (7).

و قد ورد الوعيد الشديد لمن يذكر عنده صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و لا يصلّي عليه.

و روي أنس رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ فقد شقي» (8).7.

ص: 74


1- سنن الترمذي:/38/5ح 3173.
2- فتح الباري:143/11 و فيه:صلاة مخلصا من قلبه(صلي الله عليه و سلم).
3- كنز العمال:/273/2ح 3998.
4- مسند أبي يعلي:/13/9ح 5080،و فضائل الأوقات للبيهقي:499.
5- فتح الباري:143/11.
6- كنز العمال:/504/1ح 2228.
7- شفاء الغليل:176/2.
8- كنز العمال:/491/1ح 2157.

و في حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:«إنّ جبرئيل أتاه فقال له:من ذكرت عنده فلم يصلّ عليك فمات أبعده اللّه قل:آمين،فقلت:آمين» (1).

و روي عن أبي قتادة رضي اللّه عنه عن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أنّه قال:«من الجفاء من اذكر عنده فلا يصلّي عليّ» (2).

و عن أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه قال:قلنا:يا رسول اللّه هذا السلام عليك فكيف نصلّي عليك، و في رواية في غير الصحيح:أمّا السلام عليك فقد عرفناه فكيف نصلّي عليك؟

قال:قولوا:«اللهمّ صلّ علي محمّد عبدك و رسولك كما صلّيت علي إبراهيم و آل إبراهيم و بارك علي محمّد و آل محمّد كما باركت علي إبراهيم و آل إبراهيم» (3).

و روي مسلم بسنده إلي عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«من صلّي عليّ صلاة صلّي اللّه عليه بها عشرا» (4).

و عن أنس رضي اللّه عنه قال:قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«من صلّي عليّ صلاة واحدة صلّي اللّه عليه عشر صلوات و حطّ عنه عشر خطيئات و رفع له عشر درجات» (5).

و روي النسائي بسنده إلي أبي طلحة رضي اللّه عنه أنّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم جاء ذات يوم و البشر في وجهه فقلنا:إنّا لنري البشر في وجهك؟

قال:«فإنّه أتاني الملك فقال يا محمّد أما يرضيك أن لا يصلّي عليك أحد إلاّ صلّيت عليه عشرا و لا يسلّم عليك أحد إلاّ سلّمت عليه عشرا» (6).

و روي عن أنس رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:«ما من أحد يصلّي عليّ صلاة تعظيما لحقّي إلاّ خلق اللّه من ذلك القول ملكا له جناح بالمشرق و جناح بالمغرب و يقول اللّه له صلّ علي عبدي كما صلّي علي نبييّ فهو يصلّي عليه إلي يوم القيامة» (7).

و روي أبو داود بسنده إلي أبي هريرة قال:قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«من يسرّه أن يكتال بالمكيال الأوفي إذا صلّي علينا أهل البيت فليقل:اللهمّ صلّ علي محمّد النبيّ الأمّي و أزواجه أمّهات المؤمنين و ذريّته و أهل بيته كما صلّيت علي إبراهيم إنّك حميد مجيد».

و عن ابن مسعود رضي اللّه عنه أنّه كان يقول:إذا صلّيتم علي النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فاحسنوا الصلاة عليه فإنّكم لا2.

ص: 75


1- المعجم الكبير:68/11.
2- فتح الباري:144/11.
3- صحيح البخاري:27/6،و سنن النسائي:49/3.
4- صحيح مسلم:17/2.
5- مسند أحمد:261/3.
6- سنن النسائي:44/3.
7- سنن أبي داود:222/1 باب /183ح 982.

تدرون لعلّ ذلك يعرض عليه و قولوا:اللهمّ اجعل صلاتك و رأفتك و رحمتك و تحيّتك علي محمّد عبدك و رسولك إمام الخير و رسول الرحمة،اللهمّ ابعثه مقاما محمودا يغبطه فيه الأوّلون و الآخرون، اللهمّ صلّ علي محمّد و علي آل محمّد كما صلّيت علي إبراهيم إنّك حميد مجيد،اللهمّ بارك علي محمّد و علي آل محمّد كما باركت علي إبراهيم إنّك حميد مجيد (1).

قال الإمام المدني رضي اللّه عنه:رأيت الإمام الشافعي في المنام بعد موته فقلت له:ما فعل اللّه بك يا سيدي؟

قال:غفر لي و نعمني و زففت إلي الجنّة كما تزفّ العروس،و نثر عليّ كما ينثر علي العروس بصلاة صلّيتها علي محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في كتاب الرسالة و هي:اللهمّ صلّ علي محمد و علي آل محمد كلمّا ذكره الذاكرون و كلمّا غفل عن ذكره الغافلون (2).

و روي الترمذي عن أبيّ بن كعب رضي اللّه عنه أنّه قال:قلت:يا رسول اللّه إنّي أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟

قال:ما شئت فإن زدت فهو خير لك،قلت:الثلاثين؟قال:ما شئت،فإن زدت فهو خير لك،قلت:أجعل لك صلاتي كلّها؟

قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:إذن تكفي همّك و يغفر لك ذنبك (3).

و روي عامر بن ربيعة رضي اللّه عنه قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يقول:«من صلّي عليّ صلاة صلّت عليه الملائكة ما صلّي عليّ فليقلل من ذلك أو لتكثر» (4).

و روي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه عليهم السّلام عن النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أنّه قال:«إذا هالك أمر فقل:

اللهمّ صلّ علي محمّد و آل محمّد اللهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد و آل محمد أن تكفيني شرّ ما أخاف و أحذر فإنّك تكفي ذلك الأمر» (5).

و نقل الشيخ تاج الدين عمر بن علي اللخمي الاسكندري في كتاب-الفجر المنير-عن الشيخ صالح موسي الضرير أنّه أخبره أنّه ركب مركبا في البحر الملح قال:و قامت علينا ريح تسمّي الاقلاثبة قلّ من ينجو منها من الغرق و أصبح الناس في خوف من الغرق قال:فغلبتني عيناي فنمت2.

ص: 76


1- سنن ابن ماجة:/293/1ح 906.
2- إعانة الطالبين للباري:391/4 ط.دار الفكر.
3- صحيح الترمذي:/53/4ح 2574.
4- مسند ابن المبارك:29،و مسند أحمد:446/3 بتفاوت بسيط.
5- فرائد السمطين:/39/1ح 2.

فرأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو يقول:«قلّ لأهل المركب يقولون ألف مرّة:اللهمّ صلّ علي سيّدنا محمد و علي آل محمد صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال و الآفات،و تقضي لنا بها جميع الحاجات، و تطهرنا بها من جميع السيئات،و ترفعنا بها عندك أعلي الدرجات و تبلغنا به-و في رواية بأقصي الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات».

قال:فاستيقظت و أعلمت أهل المركب بالرؤيا فصلّينا نحو ثلاث مائة مرّة ففرّج عنّا (1).

***

وجوب الصلاة علي الآل عليهم السّلام

ذهب الشافعي و أتباعه و الكوفيون و الشعبي و إسحاق بن راهويه و أحمد و ما لك من التابعين و ابن مسعود و ابن عمر و جابر و أبي سعيد من الصحابة (2).

*قال ابن أبي الحديد المعتزلي:أكثر أصحاب الشافعي علي وجوب الصلاة علي الآل في الصلاة (3).

و ممن جري علي الوجوب ابن كثير و الشعبي و الباقر و مقاتل و الإمام أحمد كما حكاه أبو زرعة و اسحاق بن راهويه و الفقيه محمد بن المواز المالكي،قال:و بعض أصحابنا أوجب الصلاة علي آله فيما حكاه البندنيجي و سليم الرازي و صاحبه نصر بن إبراهيم المقدسي و نقله إمام الحرمين و صاحبه الغزالي قولا عن الشافعي (4).

و ممن انتصر للشافعي الفيروزآبادي و أبي أمامة بن النقاش و السمهودي و ابن القيم (5).

و روايات الصلاة عن النبي المتضمنة للصلاة علي الآل مستفيضة تصل إلي حدّ التواتر علي بعض المباني،رويت عن كل من:أبي مسعود و الحديث صحيح رواه أحمد و مسلم و النسائي و الترمذي و صححه،و كعب بن عجرة و هو لا مغمز فيه،و أبي سعيد الخدري رواه البخاري في الصحيح،و أبي هريرة في حديث صحيح علي شرط الشيخين،و بريدة بن الحصيب،و ابن مسعود

ص: 77


1- مسند زيد بن علي:156.دار الإحياء بيروت.
2- راجع الصواعق المحرقة 147 ط.مصر و ط.بيروت:226-227 الباب 11 الآيات النازلة فيهم الآية الثانية،و جلاء الافهام:276-277 الباب السادس.
3- شرح النهج لابن أبي الحديد:144/6 الخطبة 71.
4- تفسير ابن كثير:558/3-559 مورد اية 56 من الاحزاب.
5- راجع الصلات و البشر:110-111،و المواهب اللدنية:509/2 الفصل الثاني من المقصد السابع، و جواهر العقدين:222،و أحكام القرآن لابن العربي:1584/3،و الشفا:62/2 الباب الرابع،و تفسير آية المودة:136.

صححه الحاكم،و عبد الرحمن بن بشر بن مسعود،و عبد اللّه بن عمر،و أبي معشر عن إبراهيم، و موسي بن طلحة عن أبيه (1).

*قال ابن القيم:أكثر الأحاديث الصحاح و الحسان بل كلها صريح بذكر النبي و بذكر آله و قال:آل النبي يصلي عليهم بلا خلاف بين الامة (2).

*و قال الفيروزآبادي:المسألة العاشرة:هل يدخل في مثل هذا الخطاب النساء؟ذهب جمهور الأصوليين أنهنّ لا يدخلن،و نصّ عليه الشافعي،و انتقد عليه و خطيء المنتقد (3).

*و قال السخاوي في القول البديع في بيان صيغة الصلاة في التشهد:فالمرجع أنهم من حرّمت عليهم الصدقة،و ذكر أنه اختيار الجمهور و نصّ الشافعي،و أنّ مذهب أحمد أنهم أهل البيت،و قيل المراد أزواجه و ذريته (4).

*و قال العلامة ابن حجر الهيتمي رضي اللّه عنه و غيره:و كان قضية الأحاديث السابقة وجوب الصلاة علي الآل في التشهد الأخير،كما هو قول للشافعي خلافا لما يوهمه كلام الروضة و أصلها،و رجحه بعض أصحابه و مال إليه البيهقي،و من ادعي الإجماع علي عدم الوجوب فقد سها،لكن بقية الأصحاب ردّوا إلي اختلاف تلك الروايات من أجل أنّها وقائع متعددة،فلم يوجبوا إلاّ ما اتفقت الطرق عليه،و هو أصل الصلاة عليه،و ما زاد فهو من قبيل الأكمل،و كذا استدلوا علي عدم وجوب قوله:كما صليت علي إبراهيم»بسقوطه في بعض الطرق (5).

و قد أنكر أيضا ابن كثير في تفسيره هذا الإجماع و عزاه للبعض (6).

*و قال القسطلاني:بل قال بعض أصحابنا بوجوب الصلاة علي الآل كما حكاه البندنيجي و الدارمي و نقله إمام الحرمين و الغزالي قولا عن الشافعي (7).ي.

ص: 78


1- يراجع جلاء الأفهام:172 الباب الثالث-الفصل السابع،و 224-238 الباب الرابع الموطن السادس، و 276 الباب السادس.
2- جلاء الأفهام:172 الباب الثالث-الفصل السابع،و 224-238 الباب الرابع الموطن السادس،و 276 الباب السادس.
3- الصلات و البشر في الصلاة علي خير البشر:32 الباب الأول-المسألة العاشرة.
4- عن هامش الصواعق المحرقة لعبد الوهاب عبد اللطيف:146 ط.مصر 1385.
5- الصواعق المحرقة:147-148 ط.مصر و 228 ط.بيروت الآية الثانية من الباب 11،و رشفة الصادي: 69 الباب الثاني.
6- تفسير ابن كثير:559/3 مورد آية 56 من الاحزاب.
7- المواهب اللدنية:511/2 الفصل الثاني من المقصد السابع،و ذكر القرطبي في تفسيره من انتصر للشافعي: 152/14 مورد الاية،و كذلك السمهودي استدل للوجوب ورد علي من أنكره:جواهر العقدين:215 إلي 227 الباب الثاني.

و للشافعي رضي اللّه عنه:

يا أهل بيت رسول اللّه حبكم فرض من اللّه في القرآن أنزله

يكفيكم من عظيم القدر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له (1)

*و قال البيهقي في شعب الإيمان:سمعت أبا بكر الطرسوسي يقول:سمعت أبا اسحاق المروزي يقول:أنا أعتقد أن الصلاة علي آل النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و سلم واجبة في التشهد الأخير من الصلاة.

قال:و في الأحاديث التي وردت في كيفية الصلاة دلالة علي ما قاله أبو اسحاق.انتهي (2).

و ممن جري علي الوجوب من الشافعية العلاّمة الترنجي و السيد السمهودي لظاهر الأمر في قوله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قولوا:اللّهم صل علي محمد و علي آل محمد،و قال شارح العمريطية:ذكرهم في الجواب الواقع بيانا للآية يدل علي وجوبها عليهم أيضا،و لا سيما حيث اقترن الجواب أيضا بالأمر الموضوع للوجوب.انتهي (3).

و اختلف العلماء أيضا في ندبها عليهم في التشهد الأول،و علل من قال بعدم الندب:إن التشهد الأول مبني علي التخفيف،و جري عليه الشيخان و غيرهما.

لكن نظر فيه الإمام النووي في التنقيح و قال:ينبغي ان يسنّا معا أو لا يسنا معا،لصحة الأحاديث بذلك،و اختار الأذرعي الندب و جزم به السمهودي و الشيخ سراج الدين القصيعي اليمني و اختاره في العجالة لصحة الحديث به،و هذا القول هو الأقوي مدركا.

و الأول أقوي نقلا،و كم في المنقول من مشكل.و اللّه أعلم (4).

و أخرج الحافظ بن الأخضر بسنده إلي جعفر بن محمد قال:من صلي علي محمد و علي أهل بيته مائة مرة قضي اللّه له مائة حاجة (5).

***ر.

ص: 79


1- رشفة الصادي:69 الباب الثاني،وضوء الشمس:102/1 و جواهر العقدين:226.
2- رشفة الصادي:69 الباب الثاني،و جواهر العقدين:224،و المشرع الروي:7/1 عن البيهقي،و نقل في الشعب الوجوب عن أبي الحسن الماسرجي:224/2.
3- يراجع رشفة الصادي:69 الباب الثاني،و جواهر العقدين:222 فقد نقل كلامه عن التنقح الوسيط، و المشرع الروي:7/1).
4- يراجع رشفة الصادي:69 الباب الثاني،و جواهر العقدين:222 فقد نقل كلامه عن التنقح الوسيط، و المشرع الروي:7/1.
5- رشفة الصادي:69 الباب الثاني،و مشارق الانوار:112 عن المعالم و أبي نعيم،و جواهر العقدين:226 عن الديلمي و المعالم،و الجامع الكبير للسيوطي:796/1 عن جابر و عزاه لابن النجار.

حضور محمد و آل محمد عند كل ميت

يمكن أن يستدل علي ذلك بأمور:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:«إذا بلغت نفس أحدكم هذه قيل له:أمّا ما كنت تحزن من هم الدنيا و حزنها فقد أمنت منه و يقال له:أمامك رسول اللّه و علي و فاطمة عليهم السّلام» (1).

و عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:و الذي نفسي بيده لا تفارق روح جسد صاحبها حتي يأكل من ثمر الجنة أو من شجر الزقوم،و حتي يري ملك الموت ويراني و يري عليا و فاطمة و الحسن و الحسين» (2).

و في قصة السيد الحميري و رؤيته لأمير المؤمنين عليه السّلام عند موته ما يؤيد ذلك و انشد في ذلك شعرا:

كذب الزاعمون أنّ عليا لن ينجي محبه من هنات

قد و ربي دخلت جنّة عدن و عفا لي الاله عن سيئاتي

فابشروا اليوم أولياء علي و تولوا علي حتي الممات

ثم من بعده تولّوا بنيه واحدا بعد واحد بالصفات (3)

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«و يمثل له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ذريتهم عليهم السّلام» (4).

و روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه لا يموت ميت حتي يشاهده عليه السّلام حاضرا عنده و أنشد للحارث الهمداني:

يا حار همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه و أعرفه بعينه و إسمه و ما فعلا

أقول للنار و هي توقد لل عرض ذريه لا تقربي الرّجلا

ذريه لا تقربيه إنّ له حبلا بحبل الوصي متصلا

و أنت يا حار إن تمت ترني فلا تخف عثرة و لا زللا

ص: 80


1- بحار الأنوار:184/6 ح 17 باب ما يعاين المؤمن و الكافر عند الموت،و الكافي:134/3 ح 10.
2- أهل البيت لتوفيق أبو علم:68-69 الباب الثاني،و بشارة المصطفي:6 ح 7 مع تفاوت بسيط.
3- كشف الغمة:39/2-40 مناقب أمير المؤمنين 7،و البحار:192/6 ح 42 باب ما يعاني المؤمن و الكافر عند الموت.
4- بحار الأنوار:196/6 ح 49.

أسقيك من بارد علي ظمأ تخاله في الحلاوة العسلا (1)

و الروايات في ذلك كثيرة.و هي تثبت حضور أصحاب الكساء عند كل ميت في آن واحد و في أكثر من مكان،و أيضا في إمكان رؤيتهم بروحهم و جسدهم و بمثالهم.

و قد جوّز ابن العربي رؤية النبي محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بجسمه و روحه و بمثاله الآن (2).

و قال تاج الدين السبكي لمن سأله عن رؤية القطب في أكثر من مكان:الرجل الكبير(القطب) يملأ الكون و أنشد بعضهم:

كالشمس في كبد السماء وضوؤها يغشي البلاد مشارقا و مغاربا (3)

و صرح السيوطي بإمكان رؤية الأنبياء يقظة (4).

و قال في الذخائر المحمدية:إنّ رؤيا النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ممكن لعامة أهل الأرض في ليلة واحدة (5)

و أجاب الشيخ بدر الدين الزركشي عن سؤال له في آن واحد من أقطار متباعدة مع أنّ رؤيته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم حق:بأنّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم سراج و نور الشمس في هذا العالم،مثال نوره في العوالم كلها،و كما أنّ الشمس يراها من في المشرق و المغرب في ساعة واحدة و بصفات مختلفة،فكذلك النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.و للّه در القائل:

كالبدر من أي النواحي جئته يهدي إلي عينيك نورا ثاقبا (6)

و استدل عليه الحافظ البرسي في مشارقه ببعض الآيات القرآنية فلتراجع (7).

هذا،و تواتر حديث:«من رآني فقد رآني فإنّ الشيطان لا يتمثل مكاني-لا يستطيع أن يتمثل بي-لا يتكون في صورتي-لا يتشبه بي» (8).

و قال العلماء في معناه:هو في الدنيا قطعا و لو عند الموت لمن وفق لذلك (9).

و روي الإمام الرضا عليه السّلام عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«من رآني في منامه فقد رآني فإنّ الشيطان لا يتمثل في صورتي و لا في صورة أحد من أوصيائي» (10).4.

ص: 81


1- شرح النهج لابن أبي الحديد:299/1 الخطبة 20،و رسائل الشريف المرتضي:133/3.
2- الحاوي للفتاوي:450/2.
3- الحاوي للفتاوي:454/2.
4- الرسائل العشرة:18،و شرح الشمائل المحمدية:246/2.
5- الذخائر المحمدية:146.
6- المواهب اللدنية:297/2 خصائص رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.
7- مشارق أنوار اليقين:142.
8- المواهب اللدنية:293/2 إلي 301 ذكر خصائصه و ذكر جملة من المصادر،و كشف الغمة:269/2.
9- الذخائر المحمدية:147.
10- كشف الغمة:120/3 فضائل الرضا،و الأنوار النعمانية:54/4.

و قال القاضي أبو بكر بن العربي:رؤيته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بصفته المعلومة إدراك علي الحقيقة،و رؤيته علي غير صفته إدراك للمثال،فإنّ الصواب أنّ الأنبياء لا تغيرهم الأرض،و يكون إدراك الذات الكريمة حقيقة،و إدراك الصفات إدراك المثال (1)

و قال القسطلاني:فإن قلت:كثيرا يري علي خلاف صورته المعروفة و يراه شخصان في حالة واحدة في مكانين و الجسم الواحد لا يكون إلاّ في مكان واحد.

أجيب:بأنّه في صفاته لا في ذاته،فتكون ذاته عليه الصلاة و السلام مرئية،و صفاته متخيلة غير مرئية،فالإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار و لا قرب المسافة،فلا يكون المرئي مدفونا في الأرض و لا ظاهرا عليها،و إنما يشترط كونه موجودا (2)

و من حال كثير من العلماء و قصصهم يعلم إمكان رؤية النبي و أهل بيته عليهم السّلام،و كما ذكر ذلك في محله (3).

قال الشيخ المرسي:لو حجب عني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين (4).

و يؤيد ذلك قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«إنّ للشمس وجهين وجه يلي أهل السماء و وجه يلي أهل الأرض،فالإمام مع الخلق كلهم لا يغيب عنهم و لا يحجبون عنه» (5).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«الحجّة قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق» (6).

و عن علي بن موسي الرضا عليه السّلام قال لمن سأله أن يدعو له:«أو لست أفعل؟و اللّه إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم و ليلة» (7).

***4.

ص: 82


1- المواهب اللدنية:294/2 خصائص النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و ارشاد الساري:502/14.
2- ارشاد الساري:503/14.
3- راجع المواهب اللدنية:297/2-301،و ينابيع المودة:551/2-554،و كشف الغمة:239/1- 383،و الزام الناصب:340/ إلي 427،و دلائل الامامة:273 إلي 288 و 294 إلي 320.
4- المواهب اللدنية:300/2 خصائص النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.
5- مشارق انوار اليقين:139.
6- كمال الدين:221/1 باب 22 ح 5،و الانسان الكامل:87.
7- أصول الكافي:219/1 عرض الاعمال علي النبي ح 4.

لولاك ما خلقت الأفلاك

عن سليمان بن عساكر في حديث قدسي:«لقد خلقت الدنيا و أهلها لأعرّفهم كرامتك و منزلتك عندي،و لولاك ما خلقت الدنيا» (1).

و عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في حديث:«أنا و أنت من شجرة واحدة و لولانا لم يخلق اللّه الجنة و لا النار و لا الأنبياء و لا الملائكة» (2).

*أقول:أحاديث«لولاك ما خلقت الافلاك-فلو لا محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ما خلقت آدم و لا الجنة و لا النار»و نحوهما،مروي عند الخاصة و العامة بطرق متكثرة (3).

لو لاكم ما استدارت الأكر و لا استنارت شمس و لا قمر

و لا تدلي غصن و لا ثمر و لا تندي ورق و لا خضر

و لا سري بارق و لا مطر (4)

***

لو لا محمد و آله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ما خلق اللّه تعالي الخلق

عن علي بن أبي طالب عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«ما خلق اللّه خلقا أفضل مني و لا أكرم عليه منيّ.قال علي عليه السّلام:فقلت:يا رسول اللّه فأنت أفضل أم جبرائيل؟فقال:يا علي انّ اللّه تبارك و تعالي فضل أنبياءه المرسلين علي ملائكته المقربين،و فضّلني علي جميع النبيين و المرسلين، و الفضل بعدي لك يا علي،و للأئمة من بعدك فإن الملائكة من خدّامنا (5)و خدّام محبينا،يا عليّ اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا (6)بولايتنا،يا عليّ لو لا نحن ما خلق اللّه آدم و لا حواء،و لا الجنة و لا النار،و لا السماء و لا الأرض فكيف لا تكون

ص: 83


1- لوامع أنوار الكوكب الدري:15/1.
2- بحار الأنوار:349/26 ح 23،و الهداية الكبري:101.
3- الخصائص الكبري:7/1 باب خصوصيته بكتب اسمه علي العرش،و إلزام الناصب:40/1 الثمرة الخامسة،و عيون أخبار الرضا:205/1 باب 26 ح 22،و لوامع أنوار الكوكب الدري:15/1،و الفتاوي الحديثية:134،و مناقب الخوارزمي:318،و مقتل الخوارزمي:15/1،و الفردوس بمأثور الخطاب:/1 77 ح 8031.
4- مشارق أنوار اليقين:246-247.
5- في النسخة المخطوط:لخدامنا.
6- سورة غافر:40.

أفضل من الملائكة و قد سبقناهم إلي معرفة ربّنا (1)،و تسبيحه و تهليله و تقديسه،لأن أوّل ما خلق اللّه عز و جل أرواحنا فانطقنا بتوحيده و تحميده (2)ثم خلق الملائكة فلمّا شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا فسبّحنا لتعلم الملائكة أنّا خلق مخلوقون و أنه منزّه عن صفاتنا فسبحت الملائكة لتسبيحنا،و نزهته عن صفاتنا،فلما شاهدوا عظم شأننا هلّلنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا اللّه و أنا عبيد و لسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه،فقالوا:لا إله إلاّ اللّه،فلما شاهدوا كبر محلنا كبرنا (3)لتعلم الملائكة أن اللّه أكبر من أن ينال و أنّه عظيم المحل،فلما شاهدوا ما جعل اللّه لنا من العزة و القوة قلنا:لا حول و لا قوة إلاّ باللّه[العلي العظيم]لتعلم الملائكة أن لا حول و لا قوة إلا باللّه (4)فلمّا شاهدوا ما أنعم اللّه به علينا و أوجبه لنا من فرض الطاعة،قلنا الحمد للّه لتعلم الملائكة ما يحق لله تعالي ذكره علينا من الحمد علي نعمه،فقالت الملائكة:الحمد لله،فبنا اهتدوا إلي معرفة توحيد اللّه تعالي و تسبيحه و تهليله و تحميده و تمجيده،ثم إن اللّه تبارك و تعالي خلق آدم و أودعنا صلبه و أمر الملائكة بالسجود له تعظيما و إكراما،و كان سجودهم لله عز و جل عبودية و لآدم إكراما و طاعة لكوننا في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سجدوا لآدم كلهم أجمعون،و أنه لمّا عرج بي إلي السماء أذّن جبرائيل مثني مثني،و أقام مثني مثني،ثم قال تقدم يا محمد فقلت له يا جبرائيل أتقدم عليك؟

فقال:نعم لأنّ اللّه تبارك و تعالي فضّل أنبياءه علي ملائكته أجمعين،و فضلك خاصة فتقدمت و صليت بهم و لا فخر،فلما انتهينا إلي حجب النور قال لي جبرائيل:تقدم يا محمد و تخلّف هو عني فقلت:يا جبرائيل في مثل هذا الموضع تفارقني؟فقال:يا محمد إن هذا انتهاء حدّي الذي وضعه اللّه عز و جل لي في هذا المكان فإن تجاوزته احترقت اجنحتي لتعدي حدود ربي جلّ جلاله فزج بي في النور زجة (5)حتي انتهيت إلي حيث ما شاء اللّه من علو ملكه (6)فنوديت يا محمد أنت عبدي (7)و أنا ربك فإياي فاعبد،و عليّ فتوكل فإنك نوري في عبادي و رسولي إلي خلقي و حجتي علي بريتي، لك و لمن تبعك خلقت جنتي،و لمن خالفك خلقت ناري،و لأوصيائك أوجبت كرامتي، و لشيعتهم (8)أوجبت ثوابي،فقلت يا رب و من أوصيائي؟فنوديت يا محمد[ان]أوصياءك المكتوبونك.

ص: 84


1- في نسخة:الي التوحيد و معرفة ربنا عز و جل.
2- في كمال الدين:بتوحيده و تمجيده.
3- في كمال الدين:كبرنا الله.
4- في كمال الدين:فقالت الملائكة:لا حول و لا قوة إلا بالله.
5- في كمال الدين:فزخ بي زخة في النور.
6- في كمال الدين:من ملكوته.
7- في كمال الدين:فنوديت يا محمد؟فقلت:لبيك ربي و سعديك،تباركت و تعاليت،فنوديت يا محمد أنت عبدي.
8- في كمال الدين:و لشيعتك.

علي ساق العرش،فنظرت-و أنا بين يدي ربي جل جلاله-إلي ساق العرش فرأيت اثني عشر نورا في كل نور سطر أخضر عليه (1)إسم وصي من أوصيائي،أوّلهم علي بن أبي طالب و آخرهم مهدي أمتي،فقلت:يا رب أ هؤلاء أوصيائي من بعدي؟فنوديت يا محمّد هؤلاء أوليائي و أحبائي و أصفيائي و حجتي بعدك (2)علي بريتي،و هم أوصياؤك و خلفاؤك و خير خلقي بعدك،و عزتي و جلالي لأظهرنّ بهم ديني،و لأعلينّ بهم كلمتي،و لأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي،و لأملّكنه مشارق الأرض و مغاربها،و لأسخرنّ له الرياح،و لأذللن له السحاب (3)الصعاب،و لأرقينّه في الأسباب و لأنصرنه بجندي و لأمدنه بملائكتي حتي تعلوا دعوتي (4)و يجمع الخلق علي توحيدي ثم لأديمنّملكه، و لأداولّن الأيام بين أوليائي إلي يوم القيامة» (5).

عبد الجبار بن كثير التميمي اليمانيّ،قال:سمعت محمد بن حرب أمير المؤمنين يقول:

سألت جعفر بن محمد عليه السّلام فقلت له:يابن رسول اللّه في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها،فقال:

«إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني،و إن شئت فسل».

قال:قلت له:يابن رسول اللّه و بأي شيء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي عنه؟فقال:

«بالتوسم و التفرس،أما سمعت قول اللّه عز و جل: إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (6)و قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:اتّقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه عز و جل»قال:فقلت له:يا بن رسول اللّه فأخبرني بمسألتي،قال:«أردت أن تسألني عن رسول اللّه لم لم يطق حمله عليّ عليه السّلام عند حطّه الأصنام من سطح الكعبة مع قوته و شدته و ما ظهر منه في قلع باب القموص بخيبر و الرمي به وراءه أربعين ذراعا و كان لا يطيق حمله أربعون رجلا و قد كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يركب الناقة و الفرس و البغلة و الحمار و ركب البراق ليلة المعراج و كل ذلك دون علي في القوّة و الشدّة؟

قال:فقلت له:عن هذا و اللّه أردت أن أسألك يابن رسول اللّه فأخبرني،فقال:إنّ عليا برسول اللّه شرّف،و به ارتفع،و به وصل إلي إطفاء نار الشرك،و إبطال كل معبود من دون اللّه عز و جل،و لو علاه النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لحطّ الأصنام لكان بعليّ مرتفعا و شريفا و واصلا إلي حطّ الأصنام،فلو كان ذلك لكان أفضل منه،ألا تري أنّ عليا قال:لما علوت ظهر رسول اللّه شرفت و ارتفعت حتي لو شئت أن أنال السماء لنلتها،أما علمت أنّ المصباح هو الذي يهتدي به في الظلمة و انبعاث فرعه من أصله و قد قال علي عليه السّلام:أنا من أحمد كالضوء من الضوء!أما علمت أنّ محمدا و عليا-صلوات اللّه عليهما-كانا نورا بين يدي اللّه عز و جل قبل خلق الخلق بألفي عام،و أن الملائكة لما رأت ذلك5.

ص: 85


1- في كمال الدين:مكتوب عليه.
2- في كمال الدين:و حججي بعدك.
3- في كمال الدين:الرقاب.
4- في كمال الدين:حتي يعلن دعوتي.
5- كمال الدين:254،بحار الأنوار 335/26،عن:عيون الاخبار و علل الشرائع.
6- سورة الحجر:75.

النور رأت له أصلا قد تشعب منه شعاع لا مع فقالت:إلهنا و سيدنا ما هذا النور؟فأوحي اللّه عز و جل إليهم:هذا نور من نوري أصله نبوة و فرعه إمامة،أما النبوة فلمحمد عبدي و رسولي،و أما الإمامة فلعلي حجتي و وليي،و لولاهما ما خلقت خلقي،أما علمت أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم رفع يدي علي عليه السّلام بغدير خم حتي نظر الناس إلي بياض إبطيهما فجعله مولي المسلمين و إمامهم؟و قد احتمل الحسن و الحسين عليهما السّلام يوم حظيرة بني النجار فلما قال له بعض أصحابه:ناولني أحدهما يا رسول اللّه قال:نعم الحاملان و نعم الراكبان و أبوهما خير منهما.

و روي في خبر آخر أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم حمل الحسن و حمل جبرائيل الحسين و لهذا قال نعم الحاملان،و أنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كان يصلّي بأصحابه فأطال سجدة من سجداته فلما سلم قيل له:يا رسول اللّه لقد أطلت هذه السجدة فقال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتي ينزل،و إنما أراد بذلك رفعهم و تشريفهم فالنبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إمام نبيّ و علي إمام ليس بنبي و لا رسول،فهو غير مطيق لحمل أثقال النبوة» (1).

و عن سلمان الفارسي،و ابن عباس قالا:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«دنوت من ربّي قاب قوسين (2)أو أدني و كلّمني ربي،و كان من جبلي عقيق ثم قال:يا أحمد:إني خلقتك و عليّا من نوري،و خلقت هذين الجبلين من نور وجه علي بن أبي طالب،فوعزتي و جلالي لقد خلقتهما علامة بين خلقي يعرف بها المؤمنون،و لقد أقسمت بعزتي علي نفسي أن احرم علي جسم لابسه (3)النار إذا تولي علي بن أبي طالب» (4).

يزيد القاضي،حدّثنا الليث بن سعد (5)عن العلاء بن عبد الرّحمن عن أبيه،عن أبي هريرة، عن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أنّه قال:«لما خلق اللّه تعالي آدم أبو البشر،و نفخ فيه من روحه،التفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح سجّدا و ركّعا قال آدم:يا رب هل خلقت أحدا من طين قبلي؟ قال:لا يا آدم،قال:فمن هؤلاء الخمسة الذين أراهم في هيئتي و صورتي؟قال:هؤلاء خمسة من ولدك،لولاهم ما خلقتك،هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي،لولاهم ما خلقت الجنة،و لا النار،و لا العرش،و لا الكرسي،و لا السماء و لا الأرض،و لا الملائكة،و لا الإنس، و لا الجن،فأنا المحمود و هذا محمد،و أنا العالي و هذا عليّ،و أنا الفاطر و هذه فاطمة،و أنا الإحسان و هذا الحسن،و أنا المحسن و هذا الحسين،آليت بعزتي أنه لا يأتني أحد بمثقال حبة منل.

ص: 86


1- بحار الأنوار 79/38-82.عن(معاني الاخبار)و(علل الشرائع).
2- في المخطوطة:دنوت من ربي فكنت منه قاب قوسين.
3- في المصدر:«حرمت النار علي المتختم بالعقيق إذا»و ما في المتن من غاية المرام.
4- مائة منقبة:/168ح 93.
5- في النسخة المخطوطة و الفرائد:(حدّثنا قتيبة،ثنا الليث بن سعد)..وقتيبة هو:قتيبة بن سعيد بن جميل.

خردل من بغض أحدهم إلا أدخلته ناري و لا أبالي،يا آدم هؤلاء صفوتي بهم أنجيهم (1)و بهم أهلكهم،فإذا كان لك إليّ حاجة فبهؤلاء توسل.فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:نحن سفينة النجاة من تعلق بها نجا و من حاد عنها هلك،فمن كان له إلي اللّه حاجة فليسأل بنا أهل البيت» (2).

***

أنه و أهل بيته أول الخلق

اشارة

و أول من أجاب و أقر لله عزّ و جلّ بالربوبية

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ بعض قريش قال لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:بأيّ شيء سبقت الأنبياء و أنت بعثت آخرهم و خاتمهم؟فقال:إنّي كنت أوّل من آمن بربّي و أوّل من أجاب حيث أخذ اللّه ميثاق النبييّن و أشهدهم علي أنفسهم ألست بربّكم،فكنت أنا أوّل نبيّ قال:بلي،فسبقتهم بالإقرار باللّه عزّ و جلّ (3).

عن عبد اللّه بن سنان قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك إنّي لأري بعض أصحابنا يعتريه النزق و الحدّة و الطيش فأغتمّ لذلك غمّا شديدا و أري من خالفنا فأراه حسن السمت،قال:لا تقل حسن السمت فإنّ السمت سمت الطريق و لكن قل حسن السيماء،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: سِيمٰاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ قال:قلت:فأراه حسن السيماء و له وقار فأغتمّ لذلك،قال:لا تغتمّ لم رأيت من نزق أصحابك و لما رأيت من حسن سيماء من خالفك،إنّ اللّه تبارك و تعالي لمّا أردا أن يخلق آدم خلق تلك الطينتين،ثمّ فرّقهما فرقتين،فقال لأصحاب اليمين:كونوا خلقا بإذني،فكانوا خلقا بمنزلة الذرّ يسعي،و قال لأهل الشمال:كونوا خلقا بإذني،فكانوا خلقا بمنزلة الذرّ يدرج،ثمّ رفع لهم نارا:فقال:أدخلوها بإذني،فكان أوّل من دخلها صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ثمّ أتبعه أولو العزم من الرّسل و أوصياؤهم و أتباعهم؟

ثمّ قال لأصحاب الشمال:أدخلوها بإذني،فقالوا:ربّنا خلقتنا لتحرقنا؟فعصوا،فقال لأصحاب اليمين:أخرجوا بإذني من النار،لم تكلم النار منهم كلما،و لم تؤثّر فيهم أثرا؟فلمّا رآهم أصحاب الشمال،قالوا:ربّنا نري أصحابنا قد سلموا فأقلنا و مرنا بالدّخول،قال:قد أقلتكم فادخلوها،فلمّا دنوا و أصابهم الوهج،رجعوا فقالوا:يا ربّنا لا صبر لنا علي الاحتراق فعصوا، فأمرهم بالدّخول ثلاثا،كلّ ذلك يعصون و يرجعون و أمر اولئك ثلاثا،كلّ ذلك يطيعون و يخرجون، فقال لهم:كونوا طينا بإذني فخلق منه آدم:قال فمن كان من هؤلاء لا يكون من هؤلاء و من كان من

ص: 87


1- في الفرائد:(هؤلاء صفوتي من خلقي بهم انجيهم).
2- فرائد السمطين 1:/36ح 1.
3- الكافي للكليني:441/1 ح:6.

هؤلاء لا يكون من هؤلاء،و ما رأيت من نزق أصحابك و خلقهم فممّا أصابهم من لطخ أصحاب الشّمال و ما رأيت من حسن سيماء من خالفكم و وقارهم فممّا أصابهم من لطخ أصحاب اليمين.

قال المازندراني في الشرح:قوله(يعتريه النزق و الحدّة و الطيش)الإعتراء رسيد و فراگرفتن، النزق و النزوق بر جهيدن و جستي نمودن و شتاب كردن و پيشي گرفتن.و الحدة بتشديد الدال تيز شدن و تندي نمودن و الطيش تيز شدن و تندي نمودن و منحرف شدن تير از شانه.و هذه المعاني متقاربة كلها من جهة الفساد في القوة الشهوية و الغضبية.

قوله(قال لا تقل حسن السمت فأن حسن السمت سمت الطريق)في الفائق:السمت أخذ النهج و لزوم المحجة،و سمت فلان طريق يسمت و يسمت يعني من باب نصر و ضرب ثم قالوا ما أحسن سمته أي طريقه التي ينتهجها في تحرّي الحير و التزيّي بزي الطالحين،و في المصباح السمت و الطريق و القصد و السكنة و الوقار و الهيئة،و لما جاء السمت بمعني الطريق كان كلام السائل يوهم أنّ من خالفنا حسن مستقيم و ذلك خطأ فلذلك نهاه عن ذلك القول و أمره بما هو أحسن منه لأن السيماء صفة لرجل يفرح بها من ينظر إليه سواء كان من أهل الحق أو الباطل.قوله(له وقار)أي سكينة نفسانية طمنية جسمانية.

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سئل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بأيّ شيء سبقت ولد آدم،قال:إنّي أوّل من أقرّ بربّي،إنّ اللّه أخذ ميثاق النبيّين و أشهدهم علي أنفسهم ألست بربّكم قالوا:بلي،فكنت أوّل من أجاب.

عن أبي بصير قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:كيف أجابوا و هم ذرّ؟قال:جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه،يعني في الميثاق (1).

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«يا عمر بن الخطاب أ تدري من أنا؟!أنا الذي خلق اللّه أول كل شيء نوري،فسجد له فبقي في سجوده سبعمائة عام،فأول كل شيء سجد له نوري و لا فخر.يا عمر أ تدري من أنا؟أنا الذي خلق اللّه العرش من نوري و الكرسي من نوري و اللوح و القلم من نوري، و الشمس و القمر من نوري،و نور الأبصار من نوري و العقل الذي في رؤوس الخلائق من نوري، و نور المعرفة في قلوب المؤمنين من نوري و لا فخر» (2)

و في حديث مستفيض:«كنت أول الأنبياء[الناس]في الخلق و آخرهم في البعث» (3).ل.

ص: 88


1- أصول الكافي:10/2-13 ح 1-3.
2- شرح الشمائل المحمدية:49/1،و لوامع أنوار الكوكب الدري:13/1.
3- كنز العمال:452/11 ح 32126،و الجامع الصغير:162/2،و الطبقات الكبري:119/1،و الفردوس بمأثور الخطاب:282/3 ح 4850،و الوفا بأحوال المصطفي:361،و ينابيع المودة:220/1 و 18، و الخصائص الكبري:3/1 الباب الأول.

و قال أمير المؤمنين علي عليه السّلام:«كنت وليّا و آدم بين الماء و الطين» (1).

و أخرج المسعودي و سبط ابن الجوزي بسنده إلي أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال بعد حمد اللّه:

«لما أراد اللّه أن ينشيء المخلوقات و يبدع الموجودات أقام الخلائق في صورة قبل دحو الأرض و رفع السّموات،ثم أفاض نورا من نور عزه فلمع قبسا من ضيائه و سطع.ثم اجتمع في تلك الصورة و فيها هيئة نبينا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال له تعالي:أنت المختار و عندك مستودع الأنوار و أنت المصطفي المنتخب الرضا المنتجب المرتضي،من أجلك أضع البطحاء و أرفع السماء و أجري الماء و أجعل الثواب و العقاب و الجنة و النار،و أنصب أهل بيتك علما للهداية،و أودع أسرارهم من سرّي بحيث لا يشكل عليهم دقيق،و لا يغيب عنهم خفي،و أجعلهم حجتي علي بريتي و المنبّهين علي قدري و المطّلعين علي أسرار خزائني»..

ثم بيّن لآدم حقيقة ذلك النور و مكنون ذلك السر،فلما حانت أيامه أودعه شيئا،و لم يزل ينتقل من الأصلاب الناضرة إلي الأرحام الطاهرة إلي أن وصل إلي عبد المطلب ثم إلي عبد اللّه،ثم إلي نبيه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فدعا الناس ظاهرا و باطنا و ندبهم سرا و علانية و استدعي الفهوم إلي القيام بحقوق ذلك السر اللطيف و ندب العقول إلي الإجابة لذلك المعني المودع في الذر قبل النسل،فمن وافقه قبس من لمحات ذلك النور و اهتدي إلي السر و انتهي إلي العهد المودع في باطن الأمر و غامض العلم،و من غمرته الغفلة و شغلته المحنة استحق البعد.

ثم لم يزل ذلك النور ينتقل فينا و يتشعشع في غرائزنا،فنحن أنوار السّموات و الأرض و سفن النجاة،و فينا مكنون العلم و إلينا مصير الأمور و بمهدينا تقطع الحجج،فهو خاتم الأئمّة و منقذ الأمة و منتهي النور و غامض السر،فليهن من استمسك بعروتنا و حشر علي محبتنا (2).

و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إن اللّه خلقني و خلق عليا و فاطمة و الحسن و الحسين قبل أن يخلق آدم عليه السّلام حين لا سماء مبنية،و لا أرض مدحية،و لا ظلمة و لا نور،و لا شمس و لا قمر و لا جنة و لا نار».

فقال العباس:كيف كان بدء خلقكم يا رسول الله؟

فقال:«يا عم لما أراد اللّه أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا،ثم تكلم بكلمة أخري فخلق منها روحا،ثم مزج النور بالروح،فخلقني و خلق عليا و فاطمة و الحسن و الحسين،فكنّا نسبحه حين لا تسبيح،و نقدّسه حين لا تقديس،فلما أراد اللّه تعالي أن ينشيء خلقه فتق نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري،و نوري من نور اللّه،و نوري أفضل من العرش.ا.

ص: 89


1- جامع الأسرار:382-460 ح 763-927،و الإنسان الكامل:77،و المراقبات:259.
2- تذكرة الخواص:121-122 الباب السادس-المختار من كلام علي-خطبة في مدح النبي و الائمة، و مروج الذهب:17/1 ذكر المبدأ و شأن الخليقة،و نزهة المجالس:96/2 مولد النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم مختصرا.

ثم فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة،فالملائكة من نور علي و نور علي من نور اللّه و علي أفضل من الملائكة.ثم فتق نور ابنتي فخلق منه السّموات و الأرض،فالسّموات و الأرض من نور ابنتي فاطمة،و نور ابنتي فاطمة من نور اللّه،و ابنتي فاطمة أفضل من السّموات و الأرض.

ثم فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس و القمر فالشمس و القمر من نور ولدي الحسن و نور الحسن من نور اللّه،و الحسن أفضل من الشمس و القمر.

ثم فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة و الحور العين،فالجنة و الحور العين من نور ولدي الحسين،و نور ولدي الحسين من نور اللّه،و ولدي الحسين أفضل من الجنة و الحور العين» (1).

و في رواية:«فتكلم اللّه بكلمة فخلق منها روحا...ثم نورا فأزهرت المشارق و المغارب فهي فاطمة» (2).

و عن الإمام علي عليه السّلام:«ألا إني عبد اللّه و أخو رسوله و صدّيقه الأول قد صدّقته و آدم بين الروح و الجسد،ثم إنّي صدّيقه الأول في أمتكم حقا،فنحن الأولون و نحن الآخرون» (3).

و عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«يا جابر كان اللّه و لا شيء غيره،لا معلوم و لا مجهول،فأوّل ما ابتدأ من خلقه أن خلق محمدا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و خلقنا أهل البيت معه من نور عظمته،فأوقفنا أظلة خضراء بين يديه حيث لا سماء و لا أرض و لا مكان و لا ليل و لا نهار و لا شمس و لا قمر» (4).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«كان اللّه و لا شيء معه،فأول ما خلق نور حبيبه محمد صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قبل خلق الماء و العرش و الكرسي و السّموات و الأرض و اللوح و القلم و الجنّة و النار و الملائكة و آدم و حواء» (5).

*أقول:ذكر المجلسي في بحاره و الجزائري في الأنوار و غيرهما عدة روايات أخري في أنّهم أول الخلق اقتصرنا علي ما يكفي لإقناع الناصبي فضلا عن غيره (6).

***2.

ص: 90


1- بحار الأنوار:10/15-11 باب بدء خلق النبي ح 11.
2- الأنوار النعمانية:17/1-18 مع تفاوت عما في بحار الأنوار ليس بيسير رواه عن ابن مسعود.
3- بحار الأنوار:15/15 ح 19.
4- بحار الأنوار:23/15 ح 41.
5- بحار الأنوار:27/15-28 ح 48.
6- بحار الأنوار:2/15 إلي 50 ح 2 إلي 48 باب بدء خلق النبي من كتاب تاريخ نبينا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم،و إرشاد القلوب: 404/2-405 و 415-416-421،و الأنوار النعمانية:14-15-17-18-22.
تحقيق في أول الخلق

في الروايات خلاف في أول ما خلق اللّه تعالي و إليك هي:

1-أول ما خلق العقل (1).

2-أول ما خلق اللّه آل محمد أو أرواحهم (2).

3-أول ما خلق اللّه محمدا،أو نور محمد،أو عقله،أو روحه (3).

4-أول ما خلق اللّه العرش (4).

5-أول ما خلق اللّه القلم (5).

6-أول ما خلق اللّه الماء (6).

7-أول ما خلق اللّه الملائكة (7).

8-أول ما خلق اللّه النور و الظلمة (8).

9-أول ما خلق اللّه العلم (9).

10-أول ما خلق اللّه الحجب (10).

ص: 91


1- كشف الخفاء:263/1 ح 823،و عوالم العلوم و المعارف:40 ح 302،و بحار الأنوار:109/1-96 إلي 99،و شرف العقل للغزالي:53،و الكافي:21/1 و 10.
2- تأتي المصادر في طي الأحاديث و راجع ينابيع المودة:582/2،و عيون اخبار الرضا:205/1 باب 26 ح 22،و كمال الدين:255/1 باب 23.
3- يراجع شرح دعاء الجوشن:548،و عوالم العلوم:40 ح 1 و جامع الاسرار:59-144-380347- 450 ح 563-619-705،و الأنوار النعمانية:13/1،و رسالة المشاعر:317،و ينابيع المودة:/1 10،و نظم المتناثر:185 ح 194،و اسرار الشريعة:6.
4- تاريخ ابن كثير:40/1،و كنز العمال:236/2 ح 15119،و عيون الأخبار:110/1 باب 11 ح 33، و جامع الاسرار:557.
5- تاريخ ابن كثير:40/1-39،و كنز العمال:126/1 ح 597،و الشريعة للآجري:73 ح 168 و 150 ح 316 و 267 ح 693.
6- تاريخ ابن كثير:40/1،و عيون اخبار الرضا:110/1 ح 33 باب 11،و بحار الأنوار:375/24، المواهب اللدنية:37/1-38 المقصد الأول.
7- عيون اخبار الرضا:110/1 باب 11 ح 33.
8- بحار الأنوار:375/24 ح 103،و تاريخ ابن كثير:39/1 القول في ابتداء الخلق،و عيون اخبار الرضا: 189/1 باب 24 ح 1،و عوالم العلوم:40 ح 4،و الأنوار النعمانية:155/1 و 13.
9- بحار الأنوار:375/24 ح 103.
10- بحار الأنوار:343/36 باب نصوص الرسول علي الائمة ح 209.

11-أول ما خلق اللّه جوهرة (1).

12-أول ما خلق اللّه الروح (2).

13-أول ما خلق اللّه الهواء (3).

14-أول ما خلق اللّه القدر (4).

يشاهد في عدن ضياء مشعشعا يزيد علي الأنوار في الضوء و الهدي

فقال إلهي ما الضياء الذي أري جنود السما تعشو إليه ترددا

فقال نبي خير من وطيء الثري و أفضل من في الخير راح أو اغتدي

تخيرته من قبل خلقك سيداو ألبسته قبل النبيين سؤددا (5)

سكن الفؤاد فعش هنيئا يا جسد هذا النعيم هو المقيم إلي الأبد

روح الوجود حياة من هو واجد لولاه ماتم الوجود لمن وجد

عيسي و آدم و الصدور جميعهم هم أعين هو نورها لما ورد

لو أبصر الشيطان طلعة نوره في وجه آدم كان أول من سجد

أو لو رأي النمرود نور جماله عبد الجليل مع الخليل و لا عند

لكن جمال اللّه جلّ فلا يري إلا بتخصيص من اللّه الصمد (6)

طأطأ كل الأنبياء لطاها ذلك عزّ عزّ أن يضاهي

تقبلت تربة آدم الصفي بيمنه اكرم به من خلف

و سجدة الأملاك لا لغرته بل نور ياسين بدا في غرته

به نجي نوح من الطوفان بمرسلات اللطف و الإحسان (7)

و الصحيح أنّ أول ما خلق اللّه محمدا فآل بيته الأطهار.0.

ص: 92


1- تفسير صدر المتألهين:81/6،و أسرار الشريعة:131-236،و الأنوار النعمانية:155/1.
2- شرح الكافي:216/1،و تفسير صدر المتألهين:134/4،و اسرار الشريعة:124،و جامع الاسرار:144 -380 ح 757،و الأنوار النعمانية:13/1.
3- بحار الأنوار:175/24،و الأنوار النعمانية:155/1 و 13.
4- الأنوار النعمانية:13/1.
5- المواهب اللدنية بالمنح المحمدية:36/1 تشريف الله للنبي من المقصد الأول.
6- المواهب اللدنية بالمنح المحمدية:44/1.
7- الأنوار القدسية:20.

و الدليل الروايات المستفيضة و الأقوال:

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في الحديث المتقدم:

يا عمر بن الخطاب أتدري من أنا؟!أنا الذي خلق اللّه أول كل شيء نوري،فسجد له فبقي في سجوده سبعمائة عام،فأول كل شيء سجد له نوري و لا فخر.يا عمر أتدري من أنا؟أنا الذي خلق اللّه العرش من نوري و الكرسي من نوري و اللوح و القلم من نوري،و الشمس و القمر من نوري،و نور الأبصار من نوري و العقل الذي في رؤوس الخلائق من نوري،و نور المعرفة في قلوب المؤمنين من نوري و لا فخر» (1).

و في حديث مستفيض:كنت أول الأنبياء[الناس]في الخلق و آخرهم في البعث» (2).

و حديث:«كنت أو جعلت نبيا و آدم بين الروح و الجسد» (3).

و حديث:«إنّي عبد اللّه و خاتم النبيين و آدم لمنجدل في طينته» (4).

و قال أمير المؤمنين علي عليه السّلام:«كنت وليا و آدم بين الماء و الطين» (5).

و قال عليه السّلام:«أنا الأول أنا الآخر» (6).

و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أول ما خلق اللّه نوري» (7).

و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«أول ما خلق اللّه نوري،ثم عصره فخلق منه أرواح الأنبياء،ثم عصره عصرة أخري فخلق منه الشمس و القمر و سائر النجوم» (8).7.

ص: 93


1- شرح الشمائل المحمدية:49/1،و لوامع أنوار الكوكب الدري:13/1.
2- كنز العمال:452/11 ح 32126،و الجامع الصغير:162/2،و الطبقات الكبري:119/1،و الفردوس بمأثور الخطاب:282/3 ح 4850،و الوفا بأحوال المصطفي:361،و ينابيع المودة:220/1 و 18، و الخصائص الكبري:3/1 الباب الأول.
3- مجمع الزوائد:409/8 ح 13845 و ما بعده باب قدم نبوته،و مسند أحمد:127/4-66 و 59/5-379، و الفردوس بمأثور الخطاب:284/3 ح 4854،و الأجوبة الغزالية:127،و الشريعة:416،و المعجم الكبير للطبراني:252/18 و 353/20،و الوفا:29 ح 11،و الشفا:171/1 باب 3،و الطبقات:/1 118 و 42/7،و الإستيعاب:518/3.
4- تاريخ الذهبي:42/1،و كنز العمال:418/11 ح 41960،و المعجم الكبير:252/18،و شعب الإيمان: 134/2.
5- جامع الأسرار:382-460 ح 763-927،و الإنسان الكامل:77،و المراقبات:259.
6- جامع الاسرار:205 ح 394.
7- نظم المتناثر:185 ح 194،و أخبار الدول:4،و رسالة المشاعر:317،و ينابيع المودة:10/1 الباب الأول،و بحار الأنوار:24/15 و 22/25 و 97/1،و غوالي اللآلي للإحسائي:99/4 ح 140،و شرح دعاء الجوشن:548،و عوالم العلوم:40 ح 1.
8- مشارق انوار اليقين:217.

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«جل مقام آل محمد عن وصف الواصفين و نعت الناعتين،و أني يقاس بهم أحد من العالمين و كيف و هم النور الأول...» (1).

و أخرج سبط ابن الجوزي بسنده إلي أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال بعد حمد اللّه:«لمّا أراد اللّه أن ينشيء المخلوقات و يبدع الموجودات أقام الخلائق في صورة قبل دحو الأرض و رفع السموات،ثم أفاض نورا من نور عزه فلمع قبسا من ضيائه و سطع.

ثم اجتمع في تلك الصورة و فيها هيئة نبينا صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال له تعالي:أنت المختار و عندك مستودع الأنوار و أنت المصطفي المنتخب الرضاء المنتجب المرتضي،من أجلك أضع البطحاء و أرفع السماء و أجري الماء و أجعل الثواب و العقاب و الجنة و النار،و أنصّب أهل بيتك علما للهداية،و أودع أسرارهم من سريّ بحيث لا يشكل عليهم دقيق،و لا يغيب عنهم خفي،و أجعلهم حجتي علي بريتي و المنبهين علي قدري و المطّلعين علي أسرار خزائني.

ثم أخذ الحق سبحانه عليهم الشهادة بالربوبية و الإقرار بالوحدانية و أن الإمامة فيهم و النور معهم،ثم إن اللّه أخفي الخليفة في غيبه و غيبها في مكنون علمه و نصب العوالم و موج الماء و أثار الزبد و أهاج الدخان فطفا عرشه علي الماء،ثم انشأ الملائكة من انوار ابتدعها و أنواع اخترعها،ثم خلق اللّه الأرض و ما فيها.

ثم قرن بتوحيده نبوة نبيه محمد و صفيّه،فشهدت السموات و الأرض و الملائكة و العرش و الكرسي و الشمس و القمر و النجوم و ما في الأرض له بالنبوة،فلما خلق آدم أبان للملائكة فضله و أراهم ما خصّه به من سابق العلم،فجعله محرابا و قبلة لهم فسجدوا له و عرفوا حقه.

ثم بين لآدم حقيقة ذلك النور و مكنون ذلك السر،فلما حانت أيامه أودعه شيئا،و لم يزل ينتقل من الأصلاب الناظرة إلي الأرحام الطاهرة إلي أن وصل إلي عبد المطلب ثم إلي عبد اللّه،ثم إلي نبيه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فدعا الناس ظاهرا و باطنا و ندبهم سرا و علانية و استدعي الفهوم إلي القيام بحقوق ذلك السر اللطيف و ندب العقول إلي الإجابة لذلك المعني المودع في الذر قبل النسل،فمن وافقه قبس من لمحات ذلك النور و اهتدي إلي السر و انتهي إلي العهد المودع في باطن الأمر و غامض العلم،و من غمرته الغفله و شغلته المحنة استحق البعد.

ثم لم يزل ذلك النور ينتقل فينا و يتشعشع في غرائزنا،فنحن أنوار السموات و الأرض و سفن النجاة،و فينا مكنون العلم و إلينا مصير الأمور و بمهدينا تقطع الحجج،فهو خاتم الأئمة و منقذ الأمة و منتهي النور و غامض السر،فليهن من استمسك بعروتنا و حشر علي محبتنا» (2).ة.

ص: 94


1- مشارق انوار اليقين:116.
2- تذكرة الخواص:121-122 الباب السادس-المختار من كلام علي-خطبة في مدح النبي و الائمة.

أقول:أخرجه الصفوري مختصرا (1).

و عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«ما خلق اللّه خلقا أفضل مني و لا أكرم عليه مني...و الفضل بعدي لك يا علي و للأئمة من بعدك...يا علي لو لا نحن ما خلق اللّه آدم و لا حواء،و لا الجنة و لا النار،و لا السماء و لا الأرض،و كيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سبقناهم إلي التوحيد و معرفة ربنا عز و جل،و تسبيحه و تقديسه و تهليله،لأن أول ما خلق اللّه عز و جل أرواحنا فأنطقنا بتوحيده و تمجيده،ثم خلق الملائكة،فلما شهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمورنا،فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون،و أنّه منزّه عن صفاتنا فسبحت الملائكة لتسبيحنا» (2).

و عن جابر قال:قلت لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:أول شيء خلق اللّه تعالي ما هو؟

فقال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«نور نبيك يا جابر،فخلقه اللّه،ثم خلق منه كل خير» (3).

*أقول:هذا ما رواه المجلسي في بحاره مختصرا،و رواه القسطلاني مفصلا عن عبد الرزاق مع تفاوت عمّا يأتي في الينابيع (4).

و رواه النبهاني عنه في الأنوار المحمدية (5).

و وجدت الحديث بطوله في كتاب ينابيع المودة ينقله عن كتابي:أبكار الأفكار لابن الصلاح، و شرح الكبريت الأحمر للشيخ عبد القادر عن الشيخ علاء الدولة السمناني و الحديث هو:قال جابر الأنصاري:سألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عن أول شيء خلقه اللّه تعالي.

قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«هو نور نبيك يا جابر،خلقه اللّه ثم خلق فيه كل خير و خلق بعده كل شيء،و حين خلقه أقامه في مقامه في مقام القرب اثني عشر الف سنة،ثم جعله أربعة أقسام،فخلق العرش من قسم و الكرسي من قسم و حملة العرش من قسم و خزنة الكرسي من قسم.

و أقام القسم الرابع في مقام الحب اثني عشر ألف سنة،ثم جعله أربعة أقسام فخلق القلم من قسم و اللوح من قسم و الجنة من قسم و أقام الرابع في مقام الخوف اثني عشر ألف سنة،ثم جعله أربعة أجزاء فخلق الملائكة من جزء و الشمس من جزء و القمر و الكواكب من جزء؛و أقام الجزء الرابع في مقام الرجاء اثني عشر ألف سنة،ثم جعله أربعة أجزاء،فخلق العقل من جزء و العلم3.

ص: 95


1- نزهة المجالس:96/2 مولد النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.
2- كمال الدين:254/1-255 باب نص الله علي القائم ح 4،و ينابيع المودة:582/2 الباب 93 ط. النجف و 485 ط.اسلامبول،و عيون أخبار الرضا:205/1 باب 26 ح 22.
3- بحار الأنوار:24/15 ح 43.
4- المواهب اللدنية:36/1-المقصد الأول في تشريف الله له عليه السّلام سبق نبوته في سابق أزليته.
5- الأنوار المحمدية:13.

و الحلم من جزء و العصمة و التوفيق من جزء،و أقام الجزء الرابع في مقام الحياء اثني عشر ألف سنة.

ثم نظر اللّه إليه فترشح ذلك النور عرقا قطرت منه مائة الف و عشرون الفا و اربعة آلاف قطرة من النور،فخلق اللّه سبحانه من كل قطرة روح نبي و رسول،ثم تنفست أرواح الأنبياء،فخلق اللّه من أنفاسهم أرواح الأولياء و الشهداء و السعداء و المطيعين إلي يوم القيامة.

فالعرش و الكرسي و حملة العرش و خزنة الكرسي من نوري.و القلم و الكروبيون و الروحانيون من الملائكة،و الجنة و ما فيها من النعيم من نوري.و ملائكة السموات السبع و الشمس و القمر و الكواكب من نوري.و العقل و العلم و الحلم و العصمة و التوفيق من نوري،و أرواح الأنبياء و الرسل من نوري،و أرواح الأولياء و الشهداء و السعداء و الصالحين من نتائج نوري» (1).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«إنّ اللّه كان إذ لا كان،فخلق الكان و المكان و خلق نور الأنوار الذي نوّرت منه الأنوار،و أجري فيه من نوره الذي نوّرت منه الأنوار،و هو النور الذي خلق منه محمدا و عليا،فلم يزالا نورين أولين إذ لا شيء كوّن قبلهما» (2).

و روي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أنه أصل المخلوقات كلها و أبو الروحانية،و آدم أبو الجسمانيات (3).

و اخرج الإمام أحمد في الفضائل:«كنت أنا و علي نورا بين يدي اللّه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر الف عام» (4).

و قال سالم:شهدت علي بن الحسين عليه السّلام يقول:«أنا أول ما خلق اللّه و آخر من يهلكها» (5).

*أقول:ذكر المجلسي في بحاره و الجزائري في الأنوار و غيرهما عدة روايات أخري في أنهم أول الخلق اقتصرنا علي ما يكفي لإقناع الناصبي فضلا عن غيره (6).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أنا من اللّه و الكل مني» (7).

قال الحافظ البرسي:و إلي هذا المعني أشار بقوله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أول ما خلق اللّه نوري،ثم فتق منه نور علي،فلم نزل نتردد في النور حتي وصلنا إلي حجب العظمة في ثمانين الف سنة،ثم خلق9.

ص: 96


1- ينابيع المودة:15/1-16 ط.النجف و 14 ط.اسلامبول الباب الثاني في شرف أباء النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.
2- بحار الأنوار:24/15 ح 46.
3- الروض الفائق:170 مجلس 43،و اليواقيت و الجواهر:18/2 مبحث 32،و ينابيع المودة:10/1.
4- فضائل الصحابة:663/2 ح 1130.
5- دلائل الإمامة:85 ترجمة علي بن الحسين و امامته.
6- بحار الأنوار:2/15 إلي 50 ح 2 إلي 48 باب بدء خلق النبي من كتاب تاريخ نبينا صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و ارشاد القلوب:404/2-405 و 415-416-421،و الأنوار النعمانية:14-15-17-18-22.
7- مشارق أنوار اليقين:29.

الخلائق من نورنا،فنحن صنائع اللّه و الخلق من بعد صنائع لنا،أي مصنوعين لأجلنا».

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أول ما خلق اللّه نوري ابتدعه من نوره و اشتقّه من جلال عظمته فأقبل يطوف بالقدرة حتي وصل إلي جلال العظمة في ثمانين الف سنة،ثم سجد لله تعظيما فتفتق منه نور علي،فكان نوري محيطا بالعظمة،و نور علي محيطا بالقدرة.

ثم خلق العرش،و اللوح،و الشمس،و القمر،و النجوم،و ضوء النهار،و ضوء الأبصار، و العقل و المعرفة،و أبصار العباد،و أسماعهم و قلوبهم من نوري،و نوري مشتق من نوره،فنحن الأولون و نحن الآخرون،و نحن السابقون و نحن الشافعون،و نحن كلمة اللّه و نحن خاصة اللّه،و نحن أحباء اللّه و نحن وجه اللّه،و نحن أمناء اللّه و نحن خزنة وحي اللّه و سدنة غيب اللّه،و نحن معدن التنزيل و عندنا معني التأويل،و في آبياتنا هبط جبرائيل.

و نحن مختلف أمر اللّه،و نحن منتهي غيب اللّه،و نحن محال قدس اللّه،و نحن مصابيح الحكمة و مفاتيح الرحمة و ينابيع النعمة،و نحن شرف الامة و سادة الأئمة،و نحن الولاة و الهداة و الدعاة و السقاة و الحماة،و حبنا طريق النجاة و عين الحياة،و نحن السبيل و السلسبيل و المنهج القويم و الصراط المستقيم،من آمن بنا آمن باللّه،و من رد علينا رد علي اللّه،و من شكّ فينا شكّ في اللّه، و من عرفنا عرف اللّه،و من تولي عنا تولي عن اللّه،و من تبعنا أطاع اللّه.

و نحن الوسيلة إلي اللّه،و الوصلة إلي رضوان اللّه،و لنا العصمة و الخلافة و الهداية،و فينا النبوة و الإمامة و الولاية،و نحن معدن الحكمة و باب الرحمة،و نحن كلمة التقوي و المثل الأعلي و الحجة العظمي و العروة الوثقي،التي من تمسك بها نجا» (1).

و عن محمد بن سنان عن ابن عباس قال:كنا عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فأقبل علي بن أبي طالب عليه السّلام فقال له النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«مرحبا بمن خلقه اللّه قبل أبيه آدم بأربعين ألف سنة».

قال:فقلنا يا رسول اللّه أ كان الإبن قبل الأب؟

فقال:«نعم إن اللّه خلقني و عليا من نور واحد قبل خلق آدم بهذه المدة،ثم قسمه نصفين،ثم خلق الأشياء من نوري و نور علي،ثم جعلنا عن يمين العرش فسبحنا فسبحت الملائكة،و هللنا فهللوا و كبرنا فكبروا،فكل من سبح اللّه و كبره فإن ذلك من تعليمي و تعليم علي» (2).

و من ذلك ما رواه محمد بن علي بن بابويه مرفوعا إلي عبد اللّه بن المبارك عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أمير المؤمنين عليهم السّلام أنه قال:«إن اللّه خلق نور محمد قبل خلق المخلوقات كلها بأربعمائة ألف سنة و أربعة و عشرين ألف سنة،خلق منه اثني عشر حجابا» (3).0.

ص: 97


1- مشارق أنوار اليقين:39-40.
2- مشارق أنوار اليقين:39.
3- مشارق أنوار اليقين:39-40.

قال الحافظ:و المراد بالحجب الأئمة،فهم الكلمة التي تكلّم اللّه بها،ثم أبدي منها سائر الكلم،و النعمة التي أفاضها و أفاض منها سائر النعم،و الامة التي أخرجها و أخرج منها سائر الأمم، و لسانه المعبر عنه و يده المبسوطة بالفضل و الكرم و قوامه علي عباده بالحكم و الحكم (1).

و عن أبي حمزة الثمالي قال:دخلت حبابة الوالبية علي أبي جعفر عليه السّلام فقالت:أخبرني أي شيء كنتم في الأظلة؟

قال عليه السّلام:«كنا نورا بين يدي اللّه قبل خلقه الخلق،فلما خلق الخلق سبحنا فسبحوا،و هلّلنا فهلّلوا و كبّرنا فكبّروا» (2).

و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كما أخرجه الخوارزمي و أحمد بسند صحيح:«خلق اللّه تعالي روحي و روح علي بن أبي طالب قبل ان يخلق آدم بألفي ألف عام» (3).

و عن سلمان الفارسي:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«يا سلمان خلقني اللّه من صفوة نوره و دعاني فأطعته،و خلق من نوري نور علي عليه السّلام فدعاه إلي طاعته فأطاعه،و خلق من نوري و نور علي فاطمة عليه السّلام فدعاها فأطاعته،و خلق مني و من علي و فاطمة الحسن و الحسين فدعاهما فأطاعاه، فسمانا اللّه بخمسة أسماء من أسمائه.

فاللّه المحمود و أنا محمد،و اللّه العلي و هذا علي،و اللّه فاطر و هذه فاطمة،و اللّه الإحسان و هذا الحسن،و اللّه المحسن و هذا الحسين،ثم خلق منا و من نور الحسين عليه السّلام تسعة أئمة فدعاهم فأطاعوا قبل أن يخلق اللّه سماء مبنية أو أرضا مدحية أو هواء أو ماء أو ملكا أو بشرا،و كنا بعلمه أنوارا نسبحه و نسمع له و نطيع» (4).

***

عرض الأعمال علي محمد و آل محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

و يشهد بما ذكرنا روايات عرض الأعمال علي محمد و آل محمد:

فعن علي بن موسي الرضا عليه السّلام قال لمن سأله أن يدعو له:«أو لست أفعل؟و اللّه إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم و ليلة» (5).

ص: 98


1- مشارق انوار اليقين:39-40.
2- مشارق أنوار اليقين:39-40.
3- أسرار الشريعة:101.
4- إلزام الناصب:332/2-33 الفرع الثاني الآيات المشعرة بالرجعة عن المقتضب و تفسير البرهان.
5- أصول الكافي:219/1 عرض الاعمال علي النبي ح 4.

و عن أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام«تعرض الأعمال علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كل صباح».

و في رواية: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللّٰهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ قال عليه السّلام:هم الأئمة» (1).

و أخرج عبد الرزاق عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أنتم تعرضون علي بأسمائكم و سيمائكم» (2).

و أخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي ذر أنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:

«عرضت علي أعمال أمتي-حسنها و سيئها-فوجدت محاسن أعمالهم» (3).

و أخرج الحارث و البزار عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«حياتي خير لكم تحدثون و نحدث لكم و موتي خير لكم تعرض علي أعمالكم» (4).

*أقول:الروايات في عرض الأعمال كثيرة و في مصادرها مستفيضة (5).

و يؤيد ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام عند ما قال:«سلوني قبل أن تفقدوني،اسألوني عن طرق السموات،فإني أعرف بها مني بطرق الأرض».

فقام رجل من القوم فقال:يا أمير المؤمنين أين جبرائيل هذا الوقت؟

فقال:«دعني أنظر»،فنظر إلي فوق و الي الأرض يمنة و يسرة،فقال عليه السّلام:«أنت جبرائيل».

فطار من بين القوم شق سقف المسجد بجناحه،فكبر الناس و قالوا:اللّه أكبر يا أمير المؤمنين من أين علمت أن هذا جبرائيل.

فقال:«إني لما نظرت إلي السماء بلغ نظري ما فوق العرش و الحجب،و لما نظرت إلي الأرض خرق بصري طبقات الأرض إلي الثري،و لما نظرت يمنة و يسرة رأيت ما خلق و لم أر جبرائيل في هذه المخلوقات،فعلمت أنه هو» (6).

و هذا يدل علي إمكان إحاطة الأمير بالكون بأجمعه في لحظة واحدة،و تقدم عدة روايات مشابهة في كشفه لحجب السموات و هو في الأرض (7).2.

ص: 99


1- أصول الكافي:219/1 عرض الاعمال علي النبي ح 2-1.
2- المصنف:214/2 ح 3111 عن مجاهد.
3- الأدب المفرد:80 ح 231 باب إماطة الاذي(116).
4- المطالب العالية:22/4 ح 3853.
5- راجع جامع الاصول:648/6 ح 4936،و الرسائل العشرة للسيوطي:198،و السنن الكبري:249/3، و الفردوس بمأثور الخطاب:138/2 ح 2701،و صلح الإخوان:75.
6- الأنوار النعمانية:32/1.
7- في الطائفة السابقة:12.

و قال الإمام الصادق في حق الإمام الكاظم عليه السّلام:«بلغ ما بلغه ذو القرنين و جازه بأضعاف مضاعفه،فشاهد كل مؤمن و مؤمنة» (1).

***

خصائص النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

1-اليتم:قال تعالي: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآويٰ (2).

قال الطبرسي:مات أبوه[صلّي اللّه عليه و اله و سلّم]و هو في بطن امّه،و قيل:إنّه مات بعد ولادته بمدّة قليلة.

و ماتت امّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو ابن سنتين،و مات جدّه و هو ابن ثماني سنين (3).

و عن ابن عبّاس-لمّا سئل عن قول اللّه-: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآويٰ -:إنّما سمّي يتيما لأنّه لم يكن له نظير علي وجه الأرض من الأوّلين و الآخرين،فقال عزّ و جلّ ممتنّا عليه نعمه: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً أي وحيدا لا نظير لك، فَآويٰ إليك النّاس،و عرّفهم فضلك حتّي عرفوك (4).

قال الإمام الباقر أو الإمام الصّادق عليهما السّلام-في قوله تعالي: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآويٰ -:اليتيم الّذي لا مثل له؛و لذلك سمّيت الدّرّة:اليتيمة؛لأنّه لا مثل لها (5).

قال الإمام الرّضا عليه السّلام:قال اللّه عزّ و جلّ لنبيّه محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآويٰ يقول:

ألم يجدك وحيدا فآوي إليك النّاس؟! (6).

قال الإمام الباقر و الإمام الصّادق عليهما السّلام-في قول اللّه تعالي: أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآويٰ -:أي فآوي إليك النّاس (7).

2-الفقر:قال تعالي: وَ وَجَدَكَ عٰائِلاً فَأَغْنيٰ (6).

قال الإمام عليّ عليه السّلام-في صفة الأنبياء-:كانوا قوما مستضعفين،قد اختبرهم اللّه بالمخمصة، و ابتلاهم بالمجهدة...و لكنّ اللّه سبحانه جعل رسله اولي قوّة في عزائمهم،و ضعفة فيما تري الأعين من حالاتهم،مع قناعة تملأ القلوب و العيون غني،و خصاصة تملأ الأبصار و الأسماع أذيّ (7).

و قيل:كان فيه خصال الضّعفاء،و من كان فيه بعضها لا ينظم أمره.كان يتيما فقيرا ضعيفا

ص: 100


1- الهداية الكبري:270 باب 9.
2- الضحي:6.
3- مجمع البيان:765/10.
4- علل الشرائع:1/130.
5- تفسير القمّي:427/2. (6 و 7) البحار:5/142/16 و ح 6.
6- الضحي:8.
7- نهج البلاغة:الخطبة 192.

وحيدا غريبا،بلا حصار و لا شوكة،كثير الأعداء،و مع جميع ذلك تعالي مكانه و ارتفع شأنه،فدلّ علي نبوّته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و كان الجلف (1)البدويّ يري وجهه الكريم فقال:و اللّه،ما هذا وجه كذّاب.

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ثابتا في الشّدائد و هو مطلوب،و صابرا علي البأساء و الضّرّاء و هو مكروب محروب، و كان زاهدا في الدّنيا راغبا في الآخرة،فثبت له الملك (2).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:الفقر فخري (3).

3-الأمّيّ:قال تعالي: وَ مٰا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتٰابٍ وَ لاٰ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتٰابَ الْمُبْطِلُونَ (4).

وَ كَذٰلِكَ أَوْحَيْنٰا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنٰا مٰا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتٰابُ وَ لاَ الْإِيمٰانُ وَ لٰكِنْ جَعَلْنٰاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِنٰا وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِليٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ (5) .

قال الإمام الرّضا عليه السّلام-من محاوراته مع أهل الأديان،في إثبات نبوّة محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-:و من آياته أنّه كان يتيما فقيرا راعيا أجيرا،لم يتعلّم كتابا و لم يختلف إلي معلّم،ثمّ جاء بالقرآن الّذي فيه قصص الأنبياء عليهم السّلام و أخبارهم حرفا حرفا،و أخبار من مضي و من بقي إلي يوم القيامة (6).

4-صاحب الخلق العظيم:قال تعالي: وَ إِنَّكَ لَعَليٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ (7).

قال ابن شهر آشوب:كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قبل المبعث موصوفا بعشرين خصلة من خصال الأنبياء، لو انفرد واحد بأحدها لدلّ علي جلاله،فكيف من اجتمعت فيه؟!كان نبيّا أمينا،صادقا،حاذقا، أصيلا،نبيلا،مكينا،فصيحا،نصيحا،عاقلا،فاضلا،عابدا،زاهدا،سخيّا،كميّا،قانعا، متواضعا،حليما،رحيما،غيورا،صبورا،موافقا،مرافقا،لم يخالط منجّما و لا كاهنا و لا عيّافا (8).

و عن أنس:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أحسن النّاس خلقا (9).

و عن عائشة-لمّا سئلت عن خلق النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في بيته-:كان أحسن النّاس خلقا،لم يكن فاحشا و لا متفحّشا،و لا صخّابا في الأسواق،و لا يجزي بالسّيّئة مثلها،و لكن يعفو و يصفح (10).

و عن كعبا لأحبار-لمّا سئل عن نعت النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في التّوراة-:نجده محمّد بن عبد الله...5.

ص: 101


1- الجلف:الغليظ الجافي.(القاموس المحيط:124/3).
2- المناقب لابن شهر اشوب:123/1.
3- جامع الأخبار:828/302.
4- العنكبوت:48.
5- الشوري:52.
6- عيون أخبار الرّضا عليه السّلام:167/1.
7- القلم:4.
8- المناقب لابن شهر اشوب:123/1. (9 و 10) الطبقات الكبري:364/1 و ص 365.

ليس بفحّاش و لا بصخّاب في الأسواق،و لا يكافئ بالسّيّئة،و لكن يعفو و يغفر (1).

و عنه:إنّا نجد في التّوراة:محمّد النّبيّ المختار لا فظّ و لا غليظ،و لا صخّاب في الأسواق، و لا يجزي السّيّئة السّيّئة،و لكن يعفو و يغفر (2).

و عن الحسن:إنّ رهطا من أصحاب النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم اجتمعوا فقالوا:لو أرسلنا إلي امّهات المؤمنين فسألناهنّ عمّا نحلوا عليه-يعني النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-من العمل لعلّنا أن نقتدي به،فأرسلوا إلي هذه ثمّ هذه،فجاء الرّسول بأمر واحد:إنّكم تسألون عن خلق نبيّكم صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و خلقه القرآن،و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يبيت يصلّي و ينام،و يصوم و يفطر،و يأتي أهله (1).

و عن إبراهيم بن محمّد-من ولد عليّ عليه السّلام-:كان عليّ عليه السّلام إذا نعت النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:هو خاتم النّبيّين،أجود النّاس كفّا،و أجرأ النّاس صدرا،و أصدق النّاس لهجة و أوفي النّاس ذمّة، و ألينهم عريكة،و أكرمهم عشرة.(من رآه بديهة هابه،و من خالطه معرفة أحبّه،يقول ناعته:لم أر قبله و لا بعده مثله) (2).

و عن عائشة:ما خيّر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في أمرين إلاّ أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما،فإن كان إثما كان أبعد النّاس منه (3).

قال الإمام عليّ عليه السّلام:...و لا عرض له أمران إلاّ أخذ بأشدّهما (4).

و عن محمّد بن الحنفيّة:كان رسولا للّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لا يكاد يقول لشيء:لا،فإذا هو سئل فأراد أن يفعل،قال:نعم،و إذا لم يرد أن يفعل سكت،فكان قد عرف ذلك منه (7).

و عن عائشة:كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ألين النّاس،و أكرم النّاس،و كان رجلا من رجالكم إلاّ أنّه كان ضحّاكا بسّاما (8).

قال ابن شهر اشوب:كان[صلّي اللّه عليه و اله و سلّم]لا يقوم و لا يجلس إلاّ علي ذكر اللّه (5).

عن عبد اللّه بن الحارث:ما رأيت أحدا أكثر تبسّما من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (10).

و عن سعيد المقبريّ:كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا عمل عملا أثبته و لم يكوّنه،يعمل به مرّة و يدعه مرّة (11).

قال الإمام الصّادق عليه السّلام:ما أكل نبيّ اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو متّكئ منذ بعثه اللّه عزّ و جلّ،و كان يكره أن يتشبّه بالملوك،و نحن لا نستطيع أن نفعل (12).6.

ص: 102


1- الطبقات الكبري:364/1.
2- الغارات:167/1.
3- الطبقات الكبري:366/1.
4- مكارم الأخلاق:55/61/1. (7 و 8) الطبقات الكبري:368/1 و ص 365.
5- المناقب لابن شهر آشوب:147/1. (10 و 11 و 12) الكافي:8/272/6.

قال الإمام عليّ عليه السّلام-في صفة النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-:كان أجود النّاس كفّا،و أجرأ النّاس صدرا، و أصدق النّاس لهجة،و أوفاهم ذمّة،و ألينهم عريكة،و أكرمهم عشرة،و من رآه بديهة هابه،و من خالطه فعرفه أحبّه،لم أر قبله و لا بعده مثله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (1).

قال الإمام الصّادق عليه السّلام:جاء رجل إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و قد بلي ثوبه،فحمل إليه اثني عشر درهما،فقال:يا عليّ،خذ هذه الدّراهم فاشتر لي بها ثوبا ألبسه.قال عليّ عليه السّلام:فجئت إلي السّوق فاشتريت له قميصا باثني عشر درهما،و جئت به إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فنظر إليه فقال:يا عليّ،غير هذا أحبّ إليّ،أ تري صاحبه يقيلنا؟فقلت:لا أدري،فقال:أنظر،فجئت إلي صاحبه فقلت:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قد كره هذا يريد غيره (2)فأقلنا فيه،فردّ عليّ الدّراهم،و جئت بها إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فمشي معه إلي السّوق ليبتاع قميصا،فنظر إلي جارية قاعدة علي الطّريق تبكي،فقال لها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:ما شأنك؟قالت:يا رسول اللّه،إنّ أهلي أعطوني أربعة دراهم لأشتري لهم حاجة فضاعت فلا أجسر أن أرجع إليهم،فأعطاها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أربعة دراهم،و قال:ارجعي إلي أهلك.و مضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إلي السّوق فاشتري قميصا بأربعة دراهم،و لبسه و حمد اللّه عزّ و جلّ و خرج،فرأي رجلا عريانا يقول:من كساني كساه اللّه من ثياب الجنّة،فخلع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قميصه الّذي اشتراه و كساه السّائل،ثمّ رجع إلي السّوق فاشتري بالأربعة الّتي بقيت قميصا آخر،فلبسه و حمد اللّه عزّ و جلّ و رجع إلي منزله،فإذا الجارية قاعدة علي الطّريق تبكي،فقال لها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:ما لك لا تأتين أهلك؟قالت:يا رسول اللّه،إنّي قد أبطأت عليهم أخاف أن يضربوني، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:مرّي بين يديّ و دلّيني علي أهلك،فجاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم حتّي وقف علي باب دارهم،ثمّ قال:السّلام عليكم يا أهل الدّار،فلم يجيبوه،فأعاد السّلام فلم يجيبوه،فأعاد السّلام فقالوا:و عليك السّلام يا رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته،فقال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:ما لكم تركتم إجابتي في أوّل السّلام و الثّاني؟قالوا:يا رسول اللّه،سمعنا سلامك فأحببنا أن تستكثر منه،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:

إنّ هذه الجارية أبطأت عليكم فلا تؤذوها،فقالوا:يا رسول اللّه،هي حرّة لممشاك،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:الحمد لله،ما رأيت اثني عشر درهما أعظم بركة من هذه:كسا اللّه بها عاريين،و أعتق بها نسمة (3).

5-الأمين:قال تعالي: مُطٰاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (4).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:أما و اللّه إنّي لامين في السّماء و أمين في الأرض (5).

و قال الإربلي:من أسمائه[صلّي اللّه عليه و اله و سلّم]:الأمين،و هو مأخوذ من الأمانة و أدائها و صدق الوعد،7.

ص: 103


1- مكارم الأخلاق:20/51/1.
2- في البحار:1/214/16(يريد ثوبا دونه).
3- الخصال:69/490.
4- التكوير:21.
5- كنز العمّال:32147.

و كانت العرب تسمّيه بذلك قبل مبعثه،لما شاهدوه من أمانته،و كلّ من أمنت منه الخلف و الكذب فهو أمين،و لهذا وصف به جبرئيل عليه السّلام فقال: مُطٰاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (1).

و عن ابن إسحاق:كانت قريش تسمّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قبل أنينزل عليه الوحي:الأمين (2).

و قال:-في بناء الكعبة قبل البعثة-:ثمّ إنّ القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها،كلّ قبيلة تجمع علي حدة،ثمّ بنوها،حتّي بلغ البنيان موضع الرّكن-يعني الحجر الأسود-فاختصموا فيه،كلّ قبيلة تريد أن ترفعه إلي موضعه دون الاخري...

ثمّ إنّهم اجتمعوا فيالمسجد و تشاوروا و تناصفوا،فزعم بعض أهلا لرّواية:أنّ أبا اميّة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزومو كان عامئذ أسنّ قريش كلّها-قال:يا معشر قريش،اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أوّل من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه،ففعلوا.فكان أوّل داخل عليهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فلمّا رأوه قالوا:هذا الأمين،رضينا،هذا محمّد.

فلمّا انتهي إليهم و أخبروه الخبر،قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:هلمّ إليّ ثوبا،فاتي به،فأخذ الرّكن فوضعه فيه بيده،ثمّ قال:لتأخذ كلّ قبيلة بناحية من الثّوب،ثمّ ارفعوه جميعا،ففعلوا،حتّي إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده،ثمّ بني عليه (3).

و عن ابن عبّاس أو محمّد بن جبير بن مطعم-في بناء الكعبة-:فلمّا انتهوا إلي حيث يوضع الرّكن من البيت قالت كلّ قبيلة:نحن أحقّ بوضعه،و اختلفوا حتّي خافوا القتال،ثمّ جعلوا بينهم أوّل من يدخل من باب بني شيبة فيكون هو الّذي يضعه،و قالوا:رضينا و سلّمنا،فكان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أوّل من دخل من باب بني شيبة،فلمّا رأوه قالوا:هذا الأمين،قد رضينا بما قضي بيننا (2).

و عن داود بن الحصين-في صفة النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-:كان رجلا أفضل قومه مروءة،و أحسنهم خلقا، و أكرمهم مخالطة،و أحسنهم جوارا،و أعظمهم حلما و أمانة،و أصدقهم حديثا،و أبعدهم من الفحش و الأذي،و ما رثي ملاحيا و لا مماريا أحدا،حتّي سمّاه قومه الأمين،لما جمع اللّه له من الامور الصّالحة فيه،فلقد كان الغالب عليه بمكّة الأمين (3).

و عن ابن إسحاق:كانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف و مال،تستأجر الرّجال في مالها و تضاربهم إيّاه بشيء تجعله لهم،و كانت قريش قوما تجّارا،فلمّا بلغها عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ما بلغها من صدق حديثه،و عظم أمانته،و كرم أخلاقه،بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلي الشّام تاجرا (4).1.

ص: 104


1- كشف الغمّة:11/1. (2 و 3) سيرة ابن هشام:210/1 و ص 209.
2- الطبقات الكبري:146/1.
3- الطبقات الكبري:121/1.
4- سيرة ابن هشام:199/1.

6-الصادق:و عن ابن عبّاس:لمّا انزلت: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم علي الصّفا فقال:يا معشر قريش،فقالت قريش:محمّد علي الصّفا يهتف!فأقبلوا و اجتمعوا فقالوا:

ما لك يا محمّد؟قال:أ رأيتكم لو أخبرتكم أنّ خيلا بسفح هذا الجبل أ كنتم تصدّقونني؟قالوا:نعم، أنت عندنا غير متّهم و ما جرّبنا عليك كذبا قطّ،قال:فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد.يا بني عبد المطّلب يا بني عبد مناف يا بني زهرة حتّي عدّد الأفخاذ من قريش-إنّ اللّه أمرني أن انذر عشيرتي الأقربين،و إنّي لا أملك لكم من الدّنيا منفعة و لا من الآخرة نصيبا إلاّ أن تقولوا:لا إله إلاّ اللّه.قال:يقول أبو لهب:تبّا لك سائر اليوم!أ لهذا جمعتنا؟!فأنزل اللّه تبارك و تعالي: تَبَّتْ يَدٰا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ... السّورة كلّها (1).

قال ابن شهر آشوب:روي أنّه لمّا نزل قوله: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد رسول اللّه ذات يوم الصّفا فقال:يا صباحاه!فاجتمعت إليه قريش فقالوا:ما لك؟قال:أ رأيتكم إن أخبرتكم أنّ العدوّ مصبّحكم أو ممسّيكم ما كنتم تصدّقونني؟قالوا:بلي،قال:فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد،فقال أبو لهب:تبّا لك!أ لهذا دعوتنا؟!فنزلت سورة«تبّت» (2).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:أيّها النّاس،إنّ الرائد لا يكذب أهله،و لو كنت كاذبا لما كذبتكم،و اللّه الّذي لا إله إلاّ هو إنّي رسول اللّه إليكم حقّا خاصّة،و إلي النّاس عامّة.و اللّه لتموتون كما تنامون، و لتبعثون كما تستيقظون،و لتحاسبون كما تعملون،و لتجزون بالإحسان إحسانا و بالسّوء سوءا،و إنّها الجنّة أبدا و النّار أبدا (3).

و عن ابن جرير:لمّا كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يعرض نفسه علي القبائل جاء إلي بني كلاب فقالوا:

نبايعك علي أن يكون لنا الأمر بعدك،فقال:الأمر للّه فإن شاء كان فيكم أو في غيركم،فمضوا و لم يبايعوه و قالوا:لا نضرب لحربك بأسيافنا ثمّ تحكّم علينا غيرنا! (4)

و عن عامر بن الطّفيل-للنّبيّ و قد أراد به غيلة-:يا محمّد،ما لي إن أسلمت؟

فقال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:لك ما للإسلام،و عليك ما علي الإسلام،فقال:ألا تجعلني الوالي من بعدك؟ قال:ليس لك ذلك و لا لقومك،و لكن لك أعنّة الخيل تغزو في سبيل اللّه (5).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ أحسن الحديث أصدقه (4).1.

ص: 105


1- الطبقات الكبري:200/1.
2- البحار:30/197/18،راجع الدرّ المنثور:326/6.
3- البحار:30/197/18. (4 و 5) المناقب لابن شهر آشوب:257/1 و ص 257.
4- الطبقات الكبري:115/1.

7-مبغض الكذب:عن عائشة:كان أبغض الخلق إليه الكذب (1).

و عنها:كان إذا اطّلع علي أحد من أهل بيته كذب كذبة لم يزل معرضا عنه حتّي يحدث توبة (2).

و عن عائشة:ما كان من خلق أبغض إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من الكذب،ما اطّلع علي أحد من ذاك بشيء فيخرج من قلبه حتّي يعلم أنّه قد أحدث توبة.رواه أحمد و البزّار و اللّفظ له،و ابن حبّان في صحيحه،و لفظه قالت:

ما كان من خلق أبغض إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من الكذب،و لقد كان الرّجل يكذب عنده الكذبة، فما يزال في نفسه حتّي يعلم أنّه قد أحدث فيها توبة.و رواه الحاكم و قال:صحيح الإسناد،و لفظه قالت:

ما كان شيء أبغض إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من الكذب،و ما جرّبه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من أحد و إن قلّ، فيخرج له من نفسه حتّي يجدّد له توبة (1).

و عن عائشة:ما كان خلق أبغض إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من الكذب،و ما اطّلع منه علي شيء عند أحد من أصحابه فيبخل له من نفسه حتّي يعلم أنه أحدث توبة (4).

و عن عبد اللّه بن سلام:لمّا قدم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم المدينة انجفل النّاس إليه،و قيل:قدم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.قال:فجئت في النّاس لأنظر إليه،قال:فلمّا رأيت وجه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا وجهه ليسبوجه كذّاب.قال:فكان أوّل شيء سمعته يتكلّم به أن قال:يا أيّها الناس أفشوا السّلام،و أطعموا الطّعام،و صلوا الأرحام،و صلّوا و النّاس نيام،و ادخلوا الجنّة بسلام (5).

9-العادل:قال تعالي: فَلِذٰلِكَ فَادْعُ وَ اسْتَقِمْ كَمٰا أُمِرْتَ وَ لاٰ تَتَّبِعْ أَهْوٰاءَهُمْ وَ قُلْ آمَنْتُ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ مِنْ كِتٰابٍ وَ أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللّٰهُ رَبُّنٰا وَ رَبُّكُمْ لَنٰا أَعْمٰالُنٰا وَ لَكُمْ أَعْمٰالُكُمْ لاٰ حُجَّةَ بَيْنَنٰا وَ بَيْنَكُمُ اللّٰهُ يَجْمَعُ بَيْنَنٰا وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (2).

قال الإمام الصّادق عليه السّلام:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يقسّم لحظاته بين أصحابه،ينظر إلي ذا و ينظر إلي ذا بالسّويّة (3).

قال الإمام عليّ عليه السّلام-من كتابه إلي بعض عمّاله-:و آس (4)بينهم في اللّحظة و النّظرة، و الإشارة و التّحيّة،حتّي لا يطمع العظماء في حيفك،و لا ييأس الضّعفاء من عدلك،و السّلام.).

ص: 106


1- الترغيب و الترهيب:31/597/3. (4 و 5) الطبقات الكبري:378/1 و ص 235.
2- الشوري:15.
3- الكافي:393/268/8.
4- أي شارك بينهم و اجعلهم سواء.(كما في نهج البلاغة،ضبطا لدكتور صبحي الصالح).

و عنه عليه السّلام-من كتابه إلي محمّد بن أبي بكر-:واس بينهم في اللّحظة و النّظرة،حتّي لا يطمع العظماء في حيفك لهم،و لا ييأس الضّعفاء من عدلك عليهم (1).

و عنه عليه السّلام:إنّ يهوديّا كان له علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم دنانير فتقاضاه،فقال له:يا يهوديّ،ما عندي ما اعطيك،فقال:فإنّي لا افارقك يا محمّد حتّي تقضيني،فقال:إذن أجلس معك،فجلس معه حتّي صلّي في ذلك الموضع الظّهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الغداة،و كان أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يتهدّدونه و يتواعدونه،فنظر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إليهم فقال:ما الّذي تصنعون به؟!فقالوا:

يا رسول اللّه،يهوديّ يحبسك؟!فقال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:لم يبعثني ربّي عزّ و جلّ بأن أظلم معاهدا و لا غيره، فلمّا علا النّهار قال اليهوديّ:أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله،و شطر مالي في سبيل اللّه.أما و اللّه ما فعلت بك الّذي فعلت إلاّ لأنظر إلي نعتك في التّوراة،فإنّي قرأت نعتك في التّوراة:محمّد بن عبد اللّه مولده بمكّة و مهاجره بطيبة،و ليس بفظّ و لا غليظ و لا سخّاب، و لامتزيّن(و لا صخّاب،و لا متريّن)بالفحش و لا قول الخناء،و أنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و هذا مالي،فاحكم فيه بما أنزل الله.و كان اليهوديّ كثير المال،ثمّ قال (2)عليه السّلام:

كان فراش رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عباءة،و كانت مرفقته أدم حشوها ليف،فثنيت له ذات ليلة،فلمّا أصبح قال:لقد منعني الفراش اللّيلة الصّلاة،فأمر عليه السّلام أن يجعل بطاق واحد (3).

10-الرحيم:قال تعالي: لَقَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مٰا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (4).

فَبِمٰا رَحْمَةٍ مِنَ اللّٰهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شٰاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذٰا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَي اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (5) .

و عن أنس:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذ فقد الرّجل من إخوانه ثلاثة أيّام سأل عنه؛فإن كان غائبا دعا له،و إن كان شاهدا زاره،و إن كان مريضا عاده (6).

11-الحليم:و عن أنس:كنت أمشي مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و عليه برد نجرانيّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيّ فجذبه بردائه جذبة شديدة،فنظرت إلي صفحة عنق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و قد أثّر بها حاشية الرّداء من شدّة جذبته.ثمّ قال:يا محمّد،مر لي من مال اللّه الّذي عندك،فالتفت إليه فضحك ثمّ أمر له بعطاء (7).3.

ص: 107


1- نهج البلاغة:27/3 العهد 27.
2- في المصدر:ثمّ قال عليّ عليه السّلام.(كما في هامش البحار).
3- البحار:5/216/16.
4- التوبة:128.
5- آل عمران:159.
6- مكارم الأخلاق:34/55/1.
7- الترغيب و الترهيب:20/418/3.

12-الحييّ:و عن أبي سعيد الخدريّ:كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أشدّ حياء من العذراء في خدرها (1).

و عنه:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أشدّ حياء من العذراء في خدرها،و كان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه (2).

و عنه:كان رسول اللّه حييّا لا يسأل شيئا إلاّ أعطاه (3).

13-المتواضع:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ اللّه تعالي أوحي إليّ أن تواضعوا؛حتّي لا يفخر أحد علي أحد،و لا يبغي أحد علي أحد (4).

قال الإمام الصّادق عليه السّلام:إنّ جبرئيل عليه السّلام أتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فخيّره،و أشار عليه بالتّواضع، و كان له ناصحا،فكان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يأكل إكلة العبد؛و يجلس جلسة العبد تواضعا لله تبارك و تعالي (5).

قال الإمام الباقر عليه السّلام:و لقد أتاه جبرئيل عليه السّلام بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرّات يخيّره من غير أن ينقصه اللّه تبارك و تعالي ممّا أعدّ اللّه له يوم القيامة شيئا،فيختار التّواضع لربّه جلّ و عزّ (6).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:لقد هبط عليّ ملك من السّماء ما هبط علي نبيّ قبلي و لا يهبط علي أحد بعدي و هو إسرافيل و عندي جبريل،فقال:السّلام عليك يا محمّد.ثمّ قال:أنا رسول ربّك إليك أمرني أن اخيّرك إن شئت نبيّا عبدا،و إن شئت نبيّا ملكا.فنظرت إلي جبريل فأومي جبريل إليّ أن تواضع،فقلت:نبيّا عبدا (7).

و عن أنس بن مالك:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يقعد علي الأرض،و يأكل علي الأرض،و يجيب دعوة المملوك،و يقول:لو دعيت إلي ذراع لاجبت،و لو اهدي إليّ كراع لقبلت،و كان يعقل شاته (8).

و عن حمزة بن عبد اللّه بن عتبة:كانت في النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم خصال ليست في الجبّارين،كان لا يدعوه أحمر و لا أسود من النّاس إلاّ أجابه،و كان ربّما وجد تمرة ملقاة فيأخذها فيهوي بها إلي فيه و إنّه ليخشي أن تكون من الصّدقة،و كان يركب الحمار عريا ليس عليه شيء (9).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:آكل كما يأكل العبد،و أجلس كما يجلس العبد؛فإنّما أنا عبد.و كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يجلس محتفزا (10).1.

ص: 108


1- كنز العمّال:17817.
2- الطبقات الكبري:368/1.
3- مكارم الأخلاق:15/50/1.
4- كنز العمّال:5722.
5- الكافي:101/131/8 و ص 100/130.
6- الكافي:101/131/8 و ص 100/130.
7- كنز العمّال:32027.
8- الطبقات الكبري:371/1.
9- الطبقات الكبري لابن سعد:370/1.
10- الطبقات الكبري:370/1 و ص 371.

قال الإمام الباقر عليه السّلام:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يأكل أكل العبد،و يجلس جلسة العبد،و كان يأكل علي الحضيض،و ينام علي الحضيض (1).

قال الإمام الصّادق عليه السّلام:مرّت امرأة بذيّة برسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو يأكل و هو جالس علي الحضيض،فقالت:يا محمّد،و اللّه إنّك لتأكل أكل العبد،و تجلس جلوسه!فقال لها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:ويحك!و أيّ عبد أعبد منّي؟!قالت:فناولني لقمة من طعامك،فناولها،فقالت:لا و اللّه إلاّ الّتي في فيك!فأخرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم اللّقمة من فمه فناولها فأكلتها (2).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:خمس لا أدعهنّ حتّي الممات:الأكل علي الحضيض مع العبيد، و ركوبي الحمار مؤكفا،و حلبي العنز بيدي،و لبس الصّوف،و التّسليم علي الصّبيان؛لتكون سنّة من بعدي (1).

قال ابن شهر اشوب:كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم...يجالس الفقراء،و يؤاكل المساكين (2).

قال الإمام الباقر عليه السّلام:إنّ المساكين كانوا يبيتون في المسجد علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فأفطر النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم مع المساكين الّذين في المسجد ذات ليلة عند المنبر في برمة فأكل منها ثلاثون رجلا،ثمّ ردّت إلي أزواجه شبعهنّ (3).

و عن يزيد بن عبد الله بن قسيط:كان أهل الصّفّة ناسا من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لا منازل لهم،فكانوا ينامون علي عهد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في المسجد و يظلّون فيه ما لهم مأوي غيره،فكان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يدعوهم إليه باللّيل إذا تعشّي فيفرّقهم علي أصحابه،و تتعشّي طائفة منهم مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،حتّي جاء اللّه تعالي بالغني (4).

و عن أبي ذرّ:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يجلس بين ظهراني أصحابه،فيجيء الغريب فلا يدري أيّهم هو حتّي يسأل،فطلبنا إلي النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أن يجعل مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه،فبنينا له دكّانا من طين،و كان يجلس عليه و نجلس بجانبيه (7).

و عن ابن مسعود:أتي النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم رجل يكلّمه فأرعد،فقال:هوّن عليك فلست بملك! (8)

و عن أبي مسعود:أتي النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم رجل فكلّمه،فجعل ترعد فرائصه،فقال له:هوّن عليك فإنّي لست بملك،إنّما أنا ابن امرأة تأكل القديد (5).2.

ص: 109


1- أمالي الصدوق:2/68.
2- المناقب لابن شهر اشوب:145/1 و 46.
3- قرب الإسناد:536/148.
4- الطبقات الكبري:255/1. (7 و 8) مكارم الأخلاق:8/48/1 و ح 7.
5- سنن ابن ماجة:3312.

و عن أنس بن مالك:كانت لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم شربة يفطر عليها و شربة للسّحر،و ربّما كانت واحدة...فهيّأتها له صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ذات ليلة فاحتبس النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فظننت أنّ بعض أصحابه دعاه،فشربتها حين احتبس،فجاء صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بعد العشاء بساعة فسألت بعض من كان معه:هل كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أفطر في مكان أو دعاه أحد؟فقال:لا،فبتّ بليلة لا يعلمها إلاّ اللّه غمّ أن يطلبها منّي النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و لا يجدها فيبيت جائعا،فأصبح صائما و ما سألني عنها و لا ذكرها حتّي السّاعة (1).

و عن أنس بن مالك:خدمت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عشر سنين،و الله،ما قال لي افّا قطّ،و لا قال لي لشيء:لم فعلت كذا؟!و هلاّ فعلت كذا؟! (2)

و عنه:لمّا قدم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم المدينة أخذ أبو طلحة بيدي،فانطلق بي إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا رسول اللّه،إنّ أنسا غلام كيّس فليخدمك.قال:فخدمته في السّفر و الحضر،و الله ما قال لي لشيء صنعته:لم صنعت هذا هكذا؟!و لا لشيء لم أصنعه:لم لم تصنع هذا هكذا؟! (3)

14-المتوكّل:و عن جابر بن عبد اللّه:غزونا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم غزوة قبل نجد،فأدركنا رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في واد كثير العضاه (4)،فنزل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم تحت شجرة فعلّق سيفه بغصن من أغصانها.قال:و تفرّق النّاس في الوادي يستظلّون بالشّجر.قال:فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ رجلا أتاني و أنا نائم،فأخذ السّيف فاستيقظت و هو قائم علي رأسي،فلم أشعر إلاّ و السّيف صلتا في يده، فقال لي:من يمنعك منّي؟!

قال:قلت:الله.ثمّ قال في الثّانية:من يمنعك منّي؟!

قال:قلت:اللّه،فشام السّيف فها هو ذا جالس.ثمّ لم يعرض له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (5).

قال الإمام الصّادق عليه السّلام:نزل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في غزوة ذات الرّقاع تحت شجرة علي شفير واد،فأقبل سيل فحال بينه و بين أصحابه فرآه رجل من المشركين و المسلمون قيام علي شفير الوادي ينتظرون متي ينقطع السّيل،فقال رجل من المشركين لقومه:أنا أقتل محمّدا،فجاء و شدّ علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بالسّيف.

ثمّ قال:من ينجيك منّي يا محمّد؟!فقال:ربّي و ربّك،فنسفه جبرئيل عليه السّلام عن فرسه فسقط علي ظهره،فقام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و أخذ السّيف و جلس علي صدره و قال:من ينجيك منّي يا غورث؟!4.

ص: 110


1- مكارم الأخلاق:122/78/1.
2- صحيح مسلم:2309.
3- صحيح مسلم:2309.
4- العضاه:هي كلّ شجرة ذات شوك.(كما في هامش المصدر).
5- صحيح مسلم:843/1786/4.

فقال:جودك و كرمك يا محمّد،فتركه فقام و هو يقول:و الله،لانت خير منّي و أكرم (1).

15-الصابر:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:ما اوذي أحد مثل ما اوذيت في الله (2).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:ما اوذي أحد ما اوذيت (3).

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:لقد اوذيت في اللّه و ما يؤذي أحد،و اخفت[في]اللّه و ما يخاف أحد،و لقد أتت عليّ ثلاثون من يوم و ليلة و ما لي و لبلال طعام يأكله ذو كبد إلاّ شيء يواريه إبط بلال (4).

و عن إسماعيل بن عيّاش:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أصبر النّاس علي أوزار النّاس (2).

و عن طارق المحاربيّ:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بسوق ذي المجاز،فمرّ و عليه جبّة له حمراء و هو ينادي بأعلي صوته:يا أيّها النّاس،قولوا:لا إله إلاّ اللّه تفلحوا،و رجل يتبعه بالحجارة و قد أدمي كعبيه و عرقوبيه (3)و هو يقول:يا أيّها النّاس،لا تطيعوه فإنّه كذّاب!

قلت:من هذا؟قالوا:غلام من بني عبد المطّلب،قلت:فمن هذا يتبعه يرميه؟قالوا:هذا عمّه عبد العزّي و هو أبو لهب- (4).

و عن منيب:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في الجاهليّة و هو يقول:يا أيّها النّاس،قولوا:لا إله إلاّ اللّه تفلحوا،فمنهم.....من حثا عليه التّراب،و منهم من سبّه،فأقبلت جارية بعسّ من ماء فغسل وجهه و يديه و قال:يا بنيّة،اصبري و لا تحزني علي أبيك غلبة و لا ذلاّ.

فقلت:من هذه؟فقالوا:زينب بنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هي جارية و صيفة (5).

و عن ابن مسعود:كأنّي أنظر إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يحكي نبيّا منالأنبياء ضربه قومه فأدموه،و هو يمسح الدّم عن وجهه و يقول:اللّهمّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون (6).

رويت هذه القصة عن فاطمة كما يأتي في تاريخها من جملة أدعيتها.

16-صاحب البلاء:قال الإمام عليّ عليه السّلام-من كتابه إلي معاوية-:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا احمرّ البأس و أحجم النّاس قدّم أهل بيته،فوقي بهم أصحابه حرّ السّيوف و الأسنّة،فقتل عبيدة بن الحارث يوم بدر،و قتل حمزة يوم احد،و قتل جعفر يوم مؤتة (7).3.

ص: 111


1- الكافي:97/127/8. (2 و 3 و 4) كنز العمّال:5818،5817،16678.
2- الطبقات الكبري:378/1.
3- العرقوب:عصب موثق خلفا لكعبين.(كما في هامشا لمصدر).
4- كنز العمّال:35538.
5- كنز العمّال:35541.
6- الترغيب و الترهيب:21/419/3.
7- الترغيب و الترهيب:21/419/3.

17-المؤثر:و عن عائشة:ما شبع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ثلاثة متوالية،و لو شئنا لشبعنا،و لكنّه كان يؤثر علي نفسه (1).

و عن عائشة:ما شبع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ثلاثة أيّام متوالية حتّي فارق الدّنيا،و لو شئنا لشبعنا، و لكنّا كنّا نؤثر علي أنفسنا (2).

و عن ابن عبّاس:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يبيت اللّيالي المتتابعة و أهله طاويا لا يجدون عشاء، و إنّما كان أكثر خبزهم الشّعير (3).

و عن عائشة:ما شبع آل محمّد من خبز الشّعير يومين متتابعين حتّي قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (4).

و عن أنس بن مالك:إنّ فاطمة عليها السّلام ناولت النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كسرة من خبز شعير،فقال لها:هذا أوّل طعام أكله أبوك منذ ثلاثة أيّام (5).

و عن الحسن:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يواسي النّاس بنفسه حتّي جعل يرقّع إزاره بالأدم،و ما جمع بين غداء و عشاء ثلاثة أيّام ولاء حتّي لحق باللّه عزّ و جلّ (6).

و عن عائشة:ما شبع آل محمّد غداء و عشاء من خبز الشّعير ثلاثة أيّام متتابعات حتّي لحق باللّه (7).

و قال ابن عبّاس:و الله لقد كان يأتي علي آل محمّد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم اللّيالي ما يجدون فيها عشاء (8).

قال الإمام الباقر عليه السّلام-لمحمّد بن مسلم-:يا محمّد،لعلّك تري أنّه[يعني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم] شبع من خبز البرّ ثلاثة أيّام متوالية من أن بعثه اللّه إلي أن قبضه؟!ثمّ ردّ علي نفسه،ثمّ قال:لا و الله،ما شبع من خبز البرّ ثلاثة أيّام متوالية منذ بعثه اللّه إلي أن قبضه.

أما إنّي لا أقول:إنّه كان لا يجد،لقد كان يجيز الرّجل الواحد بالمائة من الإبل،فلو أراد أن يأكل لاكل (3).

18-الذي لا يغضب لنفسه:قال الإمام عليّ عليه السّلام-في وصف النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-:ما انتصر لنفسه من مظلمة حتّي تنتهك محارم اللّه،فيكون حينئذ غضبه لله تبارك و تعالي (4).

و قال ابن شهر اشوب:كان النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم...يغضب لربّه،و لا يغضب لنفسه (5).6.

ص: 112


1- الترغيب و الترهيب:86/188/4.
2- المحجّة البيضاء:79/6. (3 و 4 و 5 و 6) الترغيب و الترهيب:82/187/4 و ح 83 و ص 87/188 و ص 100/192. (7 و 8) الطبقات الكبري:401/1 و ص 402.
3- الكافي:100/130/8.
4- مكارم الأخلاق:55/61/1.
5- المناقب لابن شهر اشوب:145/1 و 146.

و عن عائشة:ما ضرب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم شيئا قطّ بيده،و لا امرأة و لا خادما إلاّ أن يجاهد في سبيل اللّه،و ما نيل منه شيء قطّ فينتقم من صاحبه،إلاّ أن ينتهك شيء من محارم اللّه فينتقم للّه عزّ و جلّ (1).

و عن عائشة:ما انتقم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لنفسه إلاّ أن تنتهك حرمة اللّه فينتقم لله (2).

قال الإمام الحسن عليه السّلام:سألت خالي هند بن أبي هالة (3)الّتميميّ-و كان وصّافا-عن حلية رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم...فقال:...لا تغضبه الدّنيا و ما كان لها،فإذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد،و لم يقم لغضبه شيء حتّي ينتصر له،لا يغضب لنفسه و لا ينتصر لها (4).

قال الإمام الصّادق عليه السّلام:انهزم النّاس يوم احد عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فغضب غضبا شديدا، قال:و كان إذا غضب انحدر عن جبينيه مثل اللّؤلؤ من العرق (5).

و عن عائشة:كان رسول اللّه إذا ذكر خديجة لم يسأم من ثناء عليها و استغفار لها،فذكرها ذات يوم فحملتني الغيرة فقلت:لقد عوّضك اللّه من كبيرة السّنّ!فرأيت رسول اللّه غضب غضبا شديدا، فسقطت في يدي (6)،فقلت:اللّهمّ إنّك إن أذهبت بغضب رسولك صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لم أعد بذكرها بسوء ما بقيت.

فلمّا رأي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ما لقيت قال:كيف قلت؟!و اللّه لقد آمنت بي إذ كفر النّاس،و آوتني إذ رفضني النّاس،و صدّقتني إذ كذّبني النّاس،و رزقت منّي (7)حيث حرمتموه.

فغدا وراح عليّ بها شهرا (8).

19-العابد:قال تعالي: طه* مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقيٰ (9).

قال الإمام عليّ عليه السّلام:لمّا نزل علي النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يٰا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاّٰ قَلِيلاً قام اللّيل كلّه حتّي تورّمت قدماه،فجعل يرفع رجلا و يضع رجلا،فهبط عليه جبريل فقال: طه يعني الأرض بقدميك يا محمّد مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقيٰ ،و أنزل فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ (10).4.

ص: 113


1- صحيح مسلم:2328.
2- الطبقات الكبري:366/1.
3- هو هند بن أبي هالة التميميّ،ربيب رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،امّه خديجة امّ المؤمنين رضي الله عنها،شهد بدرا، و قيل:بل شهد احدا،و كان وصّافا لحلية رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و شمائله و أوصافه.(كما في هامش البحار:/16 148).
4- الطبقات الكبري:422/1،423.
5- الكافي:90/110/8.
6- أي ندمت علي ذلك.(كما في هامش البحار).
7- في المصدر:ورزقت منّي الولد.(كما في هامش البحار).
8- البحار:12/12/16.
9- طه:1،2.
10- تفسير الميزان:126/14.

قال الإمام الصّادق عليه السّلام:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في بيت أمّ سلمة في ليلتها،ففقدته من الفراش، فدخلها في ذلك ما يدخل النّساء،فقامت تطلبه في جوانب البيت حتّي انتهت إليه و هو في جانب من البيت قائم رافع يديه يبكي و هو يقول:«اللّهمّ لا تنزع منّي صالح ما أعطيتني أبدا...اللّهمّ و لا تكلني إلي نفسي طرفة عين أبدا».

قال:فانصرفت امّ سلمة تبكي حتّي انصرف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لبكائها،فقال لها:ما يبكيك يا امّ سلمة؟فقالت:بأبي أنت و امّي يا رسول اللّه،و لم لا أبكي و أنت بالمكان الّذي أنت به من اللّه،قد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر...؟!فقال:يا امّ سلمة،و ما يؤمنني؟و إنّما و كل اللّه يونس بن متّي إلي نفسه طرفة عين و كان منه ما كان (1).

قال الإمام الباقر عليه السّلام:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عند عائشة ليلتها،فقالت:يا رسول اللّه،لم تتعب نفسك و قد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر؟فقال:يا عائشة،ألا أكون عبدا شكورا؟! (2)

و عن بكر بن عبد اللّه:إنّ عمر بن الخطّاب دخل علي النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو موقوذ-أو قال:محموم -فقال له عمر:يا رسولا لله،ما أشدّ و عكك؟فقال:ما منعني ذلك أن قرأت اللّيلة ثلاثين سورة فيهنّ السّبع الطّوال،فقال عمر:يا رسول اللّه،غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر و أنت تجهد هذا الاجتهاد؟فقال:يا عمر،أفلا أكون عبدا شكورا؟! (3)

و عن طاووس الفقيه:رأيت في الحجر زين العابدين عليه السّلام يصلّي و يدعو:عبيدك ببابك،أسيرك بفنائك،مسكينك بفنائك،سائلك بفنائك،يشكو إليك ما لا يخفي عليك.و في خبر:لا تردّني عن بابك (4).

و أتت فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب إلي جابر بن عبد اللّه فقالت له:يا صاحب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،إنّ لنا عليكم حقوقا،و من حقّنا عليكم أنإذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا أن تذكّروه الله،و تدعوه إلي البقيا علي نفسه،و هذا عليّ بن الحسين بقيّة أبيه الحسين قد انخرم أنفه،و نقبت جبهته و ركبتاه و راحتاه،أذاب نفسه في العبادة!

فأتي جابر إلي بابه و استأذن،فلمّا دخل عليه وجده في محرابه قد أنضته (5)العبادة،فنهض عليّ فسأله عن حاله سؤالا حفيّا،ثمّ أجلسه بجنبه،ثمّ أقبل جابر يقول:يابن رسول اللّه،أما علمت).

ص: 114


1- البحار:6/217/16،و راجع:384/14-387.
2- الكافي:6/95/2.
3- أمالي الطوسيّ:903/403.
4- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:196/96 ح 10.
5- الإنضاء:الإبلاء،و رجل أنضته العبادة أبلته و أهزلته.(كما فيهامش المصدر).

أنّ اللّه إنّما خلق الجنّة لكم و لمن أحبّكم،و خلق النّار لمن أبغضكم و عاداكم،فما هذا الجهد الّذي كلّفته نفسك؟!فقال له عليّ بن الحسين:يا صاحب رسول اللّه،أما علمت أنّ جدّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قد غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر،فلم يدع الإجتهاد له،و تعبّد-بأبي هو و امّي-حتّي انتفخ السّاق و ورم القدم،و قيل له:أتفعل هذا و قد غفر اللّه لك ما تقدّم من ذنبك و ما تأخّر؟!قال:أفلا أكون عبدا شكورا؟!

فلمّا نظر إليه جابر و ليس يغني فيه قول،قال:يابن رسول اللّه،البقيا علي نفسك؛فإنّك من اسرة بهم يستدفع البلاء،و بهم تستكشف اللاّواء،و بهم تستمسك السّماء،فقال:يا جابر،لا أزال علي منهاج أبويّ مؤتسيا بهما حتّي ألقاهما.فأقبل جابر علي من حضر فقال لهم:ما رئي من أولاد الأنبياء مثل عليّ بن الحسين،إلاّ يوسف بن يعقوب،و اللّه لذرّيّة عليّبن الحسين أفضل من ذرّيّة يوسف (1).

20-الصابر:قال تعالي: وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمٰا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسٰانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هٰذٰا لِسٰانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ* إِنَّ الَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِآيٰاتِ اللّٰهِ لاٰ يَهْدِيهِمُ اللّٰهُ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ (2).

ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قٰالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (3) .

فَذَكِّرْ فَمٰا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكٰاهِنٍ وَ لاٰ مَجْنُونٍ* أَمْ يَقُولُونَ شٰاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ* قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ* أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاٰمُهُمْ بِهٰذٰا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طٰاغُونَ* أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لاٰ يُؤْمِنُونَ* فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كٰانُوا صٰادِقِينَ (4) .

إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* وَ مٰا هُوَ بِقَوْلِ شٰاعِرٍ قَلِيلاً مٰا تُؤْمِنُونَ* وَ لاٰ بِقَوْلِ كٰاهِنٍ قَلِيلاً مٰا تَذَكَّرُونَ* تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعٰالَمِينَ* وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنٰا بَعْضَ الْأَقٰاوِيلِ* لَأَخَذْنٰا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنٰا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَمٰا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حٰاجِزِينَ (5) .

وَ قٰالُوا يٰا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ* لَوْ مٰا تَأْتِينٰا بِالْمَلاٰئِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّٰادِقِينَ* مٰا نُنَزِّلُ الْمَلاٰئِكَةَ إِلاّٰ بِالْحَقِّ وَ مٰا كٰانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (6) .

وَ يَقُولُونَ أَ إِنّٰا لَتٰارِكُوا آلِهَتِنٰا لِشٰاعِرٍ مَجْنُونٍ* بَلْ جٰاءَ بِالْحَقِّ وَ صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (7) .

وَ إِذْ قٰالَ عِيسَي ابْنُ مَرْيَمَ يٰا بَنِي إِسْرٰائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللّٰهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرٰاةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ بِالْبَيِّنٰاتِ قٰالُوا هٰذٰا سِحْرٌ مُبِينٌ (8) .6.

ص: 115


1- البحار:75/78/46.
2- النحل:103،104.
3- الدخان:14.
4- الطور:29-34.
5- الحاقّة:40-47.
6- الحجر:6.8.
7- الصافّات:36،37.
8- الصفّ:6.

اِقْتَرَبَتِ السّٰاعَةُ وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ* وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَ يَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (1) .

ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَكْبَرَ* فَقٰالَ إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (2) .

كَذٰلِكَ مٰا أَتَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّٰ قٰالُوا سٰاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (3) .

قال ابن عبّاس:قالت قريش:إنّ القرآن ليس من عند اللّه و إنّما يعلّمه بلعام،و كان قينا بمكّة روميّا نصرانيّا،و قال الضحّاك:أرادوا به سلمان،و قال مجاهد:عبدا لبني الحضرميّ يقال له:

يعيش،فنزل: وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمٰا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ... (4).

و قال العلاّمة الطباطبائيّ في تفسير الآية ما نصّه:

قوله تعالي: وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمٰا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ افتراء آخر منهم علي النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو قولهم: إِنَّمٰا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ و هو كما يلوّح إليه سياق اعتراضهم و ما ورد في الجواب عنه أنّه كان هناك رجل أعجميّ غير فصيح في منطقه عنده شيء من معارف الأديان و أحاديث النبوّة ربّما لاقاه النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فاتّهموه بأنّه يأخذ ما يدّعيه وحيا منه و الرجل هو الذي يعلّمه،و هو الذي حكاه اللّه تعالي من قولهم: إِنَّمٰا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ و في القول إيجاز،و تقديره:إنّما يعلّمه بشر و ينسب ما تعلّمه منه إلي اللّه افتراء عليه،و هو ظاهر.

و من المعلوم أنّ الجواب عنه بمجرّد أنّ لسان الرجل أعجميّ و القرآن عربيّ مبين لا يحسم مادّة الشبهة من أصلها،لجواز أن يلقي إليه المطالب بلسانه الأعجميّ ثمّ يسبكها هو صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ببلاغة منطقه في قالب العربيّة الفصيحة،بل هذا هو الأسبق إلي الذهن من قولهم: إِنَّمٰا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ حيث عبّروا عن ذلك بالتعليم دون التلقين و الإملاء،و التعليم أقرب إلي المعاني منه إلي الألفاظ.

و بذلك يظهر أنّ قوله: لِسٰانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ -إلي قوله- مُبِينٌ ليس وحده جوابا عن شبهتهم،بل ما يتلوه من الكلام إلي تمام آيتين من تمام الجواب.

و ملخّص الجواب مأخوذ من جميع الآيات الثلاث أنّ ما اتّهمتموه به أنّ بشرا يعلّمه ثمّ هو ينسبه إلي اللّه افتراء إن أردتم أنّه يعلّمه القرآن بلفظه بالتلقين عليه و أنّ القرآن كلامه لا كلام اللّه، فجوابه أنّ هذا الرجل لسانه أعجميّ و هذا القرآن عربيّ مبين.

و إن أردتم أنّ الرجل يعلّمه معاني القرآن و اللفظ لا محالة للنبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-و هو ينسبه إلي اللّه افتراء عليه،فالجواب عنه أنّ الذي يتضمّنه القرآن معارف حقّة لا يرتاب ذو لبّ فيها و تضطرّ العقول إلي قبولها قد هدي اللّه النبيّ إليها،فهو مؤمن بآيات الله؛إذ لو لم يكن مؤمنا لم يهده اللّه و اللّه لا يهدي8.

ص: 116


1- القمر:1،2.
2- المدّثّر:23،24.
3- الذاريات:52.
4- البحار:31/199/18.

من لا يؤمن بآياته،و إذ كان مؤمنا بآيات اللّه فهو لا يفتري علي اللّه الكذب؛فإنّه لا يفتري عليه إلاّ من لا يؤمن بآياته،فليس هذا القرآن بمفتري،و لا مأخوذا من بشر و منسوبا إلي اللّه سبحانه كذبا.

فقوله: لِسٰانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هٰذٰا لِسٰانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ جواب عن أوّل شقّي الشبهة؛و هو أن يكون القرآن بلفظه مأخوذا من بشر علي نحو التلقين.و المعني:أنّ لسان الرجل الذي يلحدون-أي يميلون-إليه و ينوونه بقولهم: إِنَّمٰا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ أعجميّ أي غير فصيح بيّن، و هذا القرآن المتلوّ عليكم لسان عربيّ مبين،و كيف يتصوّر صدور بيان عربيّ بليغ من رجل أعجميّ اللسان؟

و قوله: إِنَّ الَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ... إلي آخر الآيتين جواب عن ثاني شقّي الشبهة؛و هو أن يتعلّم منه المعاني ثمّ ينسبها إلي اللّه افتراء.

و المعني:أنّ الذين لا يؤمنون بآيات اللّه و يكفرون بها لا يهديهم اللّه إليه و إلي معارفه الحقّة الظاهرة و لهم عذاب أليم،و النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم مؤمن بآيات اللّه لأنّه مهديّ بهداية اللّه،و إنّما يفتري الكذب و ينسبه إلي اللّه الذين لا يؤمنون بآيات اللّه و اولئك هم الكاذبون المستمرّون علي الكذب،و أمّا مثل النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم المؤمن بآيات اللّه فإنّه لا يفتري الكذب و لا يكذب،فالآيتان كنايتان عن أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم مهديّ بهداية اللّه مؤمن بآياته،و مثله لا يفتري و لا يكذب.

و المفسّرون قطعوا الآيتين عن الآية الاولي،و جعلوا الآية الاولي هي الجواب الكامل عن الشبهة،و قد عرفت أنّها لا تفي بتمام الجواب.

ثمّ حملوا قوله: وَ هٰذٰا لِسٰانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ علي التحدّي بإعجاز القرآن في بلاغته.و أنت تعلم أن لا خبر في لفظ الآية عن أنّ القرآن معجز في بلاغته و لا أثر عن التحدّي،و نهاية ما فيه أنّه عربيّ مبين لا وجه لأن يفصح عنه و يلفظه أعجميّ.

ثمّ حملوا الآيتين التاليتين علي تهديد اولئك الكفرة بآيات اللّه الرامين لرسوله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بالإفتراء، و وعيدهم بالعذاب الأليم،و قلب الإفتراء و الكذب إليهم بأنّهم أولي بالإفتراء و الكذب بما أنّهم لا يؤمنون بآيات اللّه فإنّ اللّه لم يهدهم.

ثمّ تكلّموا بالبناء عليه في مفردات الآيتين بما يزيد في الإبتعاد عن حقّ المعني.

و قد عرفت أنّ ذلك يؤدّي إلي عدم كفاية الجواب في حسم الإشكال من أصله (1).

و قال في مبحث إعجاز القرآن في تحدّيه بمن انزل عليه ما نصّه:و قد تحدّي بالنبيّ الامّي الذي جاء بالقرآن المعجز في لفظه و معناه،و لم يتعلّم عند معلّم و لم يتربّ عند مربّ،بقوله تعالي: قُلْ2.

ص: 117


1- تفسير الميزان:347/12.

لَوْ شٰاءَ اللّٰهُ مٰا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لاٰ أَدْرٰاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَ فَلاٰ تَعْقِلُونَ (1) ،فقد كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بينهم و هو أحدهم لا يتسامي في فضل و لا ينطق بعلم حتّي لم يأت بشيء من شعر أو نثر نحوا من أربعين سنة و هو ثلثا عمره لا يحوز تقدّما و لا يرد عظيمة من عظائم المعالي ثمّ أتي بما أتي به دفعة، فأتي بما عجزت عنه فحولهم و كلّت دونه ألسنة بلغائهم،ثمّ بثّه في أقطار الأرض فلم يجترئ علي معارضته معارض من عالم أو فاضل أو ذي لبّ و فطانة.

و غاية ما أخذوه عليه:أنّه سافر إلي الشام للتجارة فتعلّم هذه القصص ممّن هناك من الرهبان.

و لم تكن أسفاره إلي الشام إلاّ مع عمّه أبي طالب قبل بلوغه،و إلاّ مع ميسرة مولي خديجة و سنّه يومئذ خمسة و عشرون،و هو مع من يلازمه في ليله و نهاره.و لو فرض محالا ذلك فما هذه المعارف و العلوم؟و من أين هذه الحكم و الحقائق؟و ممّن هذه البلاغة في البيان الذي خضعت له الرقاب و كلّت دونه الألسن الفصاح؟

و ما أخذوه عليه أنّه كان يقف علي قين بمكّة من أهل الروم كان يعمل السيوف و يبيعها،فأنزل اللّه سبحانه: وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمٰا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسٰانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هٰذٰا لِسٰانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (2).

و ما قالوا عليه أنّه يتعلّم بعض ما يتعلّم من سلمان الفارسيّ و هو من علماء الفرس عالم بالمذاهب و الأديان،مع أنّ سلمان إنّما آمن به في المدينة،و قد نزل أكثر القرآن بمكّة و فيها من جميع المعارف الكلّيّة و القصص ما نزلت منها بمدينة بل أزيد،فما الذي زاده إيمان سلمان و صحابته؟

علي أنّ من قرأ العهدين و تأمّل ما فيهما ثمّ رجع إلي ما قصّه القرآن من تواريخ الأنبياء السالفين و اممهم رأي أنّ التاريخ غير التاريخ و القصّة غير القصّة،ففيهما عثرات و خطايا لأنبياء اللّه الصالحين تنبو الفطرة و تتنفّر من أن تنسبها إلي المتعارف من صلحاء الناس و عقلائهم،و القرآن يبرّئهم منها،و فيها امور أخري لا يتعلّق بها معرفة حقيقيّة و لا فضيلة خلقيّة،و لم يذكر القرآن منها إلاّ ما ينفع الناس في معارفهم و أخلاقهم و ترك الباقي و هو الأكثر (3).

و قال الإمام الباقر عليه السّلام:أقبل أبو جهل بن هشام و معه قوم من قريش فدخلوا علي أبي طالب فقالوا:إنّ ابن أخيك قد آذانا و آذي آلهتنا،فادعه و مره فليكفّ عن آلهتنا و نكفّ عن إلهه.قال:

فبعث أبو طالب إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فدعاه،فلمّا دخل النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لم ير في البيت إلاّ مشركا،فقال:

السّلام علي من اتّبع الهدي،ثمّ جلس،فخبّره أبو طالب بما جاؤوا له،فقال:أوهل لهم في كلمة1.

ص: 118


1- يونس:16.
2- النحل:103.
3- انظر تفسير الميزان:63/1.

خير لهم من هذا يسودون بها العرب و يطؤون أعناقهم؟فقال أبو جهل:نعم،و ما هذه الكلمة؟فقال:

تقولون:لا إله إلاّ اللّه،قال:فوضعوا أصابعهم في آذانهم،و خرجوا هرابا و هم يقولون:ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاق،فأنزل اللّه في قولهم: ص*وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ -إلي قوله - إِلاَّ اخْتِلاٰقٌ (1).

قال القمّيّ: وَ عَجِبُوا أَنْ جٰاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ قال:نزلت بمكّة،لمّا أظهر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم الدّعوة بمكّة اجتمعت قريش إلي أبي طالب فقالوا:يا أبا طالب،إنّ ابن أخيك قد سفّه أحلامنا، و سبّ آلهتنا و أفسد شبابنا،و فرّق جماعتنا،فإن كان الّذي يحمله علي ذلك العدم جمعنا له مالا حتّي يكون أغني رجل في قريش و نملّكه علينا.فأخبر أبو طالب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بذلك،فقال:لو وضعوا الشّمس في يميني و القمر في يساري ما أردته،و لكن يعطوني كلمة يملكون بها العرب،و يدين لهم بها العجم،و يكونون ملوكا في الجنّة،فقال لهم أبو طالب ذلك،فقالوا:نعم و عشر كلمات،فقال لهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّي رسول اللّه،فقالوا:ندع ثلاث مائة و ستّين إلها و نعبد إلها واحدا؟!

فأنزل اللّه سبحانه: وَ عَجِبُوا أَنْ جٰاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَ قٰالَ الْكٰافِرُونَ هٰذٰا سٰاحِرٌ كَذّٰابٌ -إلي قوله - إِلاَّ اخْتِلاٰقٌ أي تخليط (2).

جاء في قصص الأنبياء:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لا يكفّ عن عيب آلهة المشركين،و يقرأ عليهم القرآن،و كان الوليد بن المغيرة من حكّام العرب يتحاكمون إليه في الامور،و كان له عبيد عشرة عند كلّ عبد ألف دينار يتّجر بها،و ملك القنطار،و كان عمّ أبي جهل،فقالوا له:يا عبد شمس،ما هذا الّذي يقول محمّد؟أ سحر،أم كهانة،أم خطب؟فقال:دعوني أسمع كلامه،فدنا من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو جالس في الحجر فقال:يا محمّد،أنشدني شعرك،فقال:ما هو بشعر و لكنّه كلام اللّه الّذي بعث أنبياءه و رسله،فقال:اتل،فقرأ:بسم اللّه الرّحمن الرّحيم،فلمّا سمع الرّحمن استهزأ منه و قال:تدعو إلي رجل باليمامة باسم الرّحمن؟!قال:لا و لكنّي أدعو إلي اللّه و هو الرّحمن الرّحيم، ثمّ افتتح«حم السّجدة»،فلمّا بلغ إلي قوله: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صٰاعِقَةً مِثْلَ صٰاعِقَةِ عٰادٍ وَ ثَمُودَ (3)و سمعه،اقشعرّ جلده و قامت كلّ شعرة في بدنه،و قام و مشي إلي بيته و لم يرجع إلي قريش،فقالوا:صبأ أبو عبد شمس إلي دين محمّد!فاغتمّت قريش و غدا عليه أبو جهل فقال:

فضحتنا يا عمّ!قال:يابن أخي،ما ذاك و إنّي علي دين قومي،و لكنّي سمعت كلاما صعبا تقشعرّ منه الجلود،قال أ فشعر هو؟قال:ما هو بشعر.قال:فخطب؟قال:لا،إنّ الخطب كلام متّصل،3.

ص: 119


1- الكافي:5/649/2.
2- البحار:12/182/18.
3- فصّلت:13.

و هذا كلام منثور لا يشبه بعضه بعضا،له طلاوة.قال:فكهانة هو؟قال:لا،قال:فما هو؟

قال:دعني افكّر فيه.فلمّا كان من الغد قالوا:يا عبد شمس،ما تقول؟قال:قولوا:هو سحر؛فإنّه آخذ بقلوب النّاس!فأنزل اللّه تعالي فيه: ذَرْنِي وَ مَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً* وَ جَعَلْتُ لَهُ مٰالاً مَمْدُوداً* وَ بَنِينَ شُهُوداً -إلي قوله- عَلَيْهٰا تِسْعَةَ عَشَرَ (1).

و في حديث حمّاد بن زيد عن أيّوب عن عكرمة قال:جاء الوليد بن المغيرة إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:اقرأ عليّ،فقال: إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسٰانِ وَ إِيتٰاءِ ذِي الْقُرْبيٰ وَ يَنْهيٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (2)،فقال:أعد،فأعاد،فقال:و الله،إنّ له لحلاوة و طلاوة (3)،و إنّ أعلاه لمثمر،و إنّ أسفله لمغدق،و ما هذا بقول بشر (4).

و عن ابن عبّاس:إنّ الوليد بنالمغيرة أتي قريشا فقال:إنّ النّاس يجتمعون غدا بالموسم و قد فشا أمر هذا الرّجل في النّاس و هم يسألونكم عنه،فما تقولون؟فقال أبو جهل:أقول:إنّه مجنون، و قال أبو لهب:أقول:إنّه شاعر،و قال عقبة بن أبي معيط:أقول:إنّه كاهن،فقال الوليد:بل أقول:

هو ساحر،يفرّق بين الرّجل و المرأة و بين الرّجل و أخيه و أبيه!فأنزل اللّه تعالي: ن*وَ الْقَلَمِ...

الآية،و قوله: وَ مٰا هُوَ بِقَوْلِ شٰاعِرٍ... الآية (5).

و في البحار عن مناقب ابن شهر آشوب:لمّا قالت قريش:إنّه ساحر علمنا أنّه قد أراهم ما لم يقدروا علي مثله،و قالوا:هذا مجنون؛لما هجم منه علي شيء لم يفكّر في عاقبته منهم،و قالوا:

هو كاهن؛لأنّه أنبأ بالغائبات،و قالوا:معلّم؛لأنّه قد أنبأهم بما يكتمونه من أسرارهم،فثبت صدقه من حيث قصدوا تكذيبه (6).

***

ذكر صفة خلقه و خلقه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في خطبة له خاصّة يذكر فيها حال النبيّ و الأئمّة عليهم السّلام و صفاتهم:فلم يمنع ربّنا لحلمه و أناته و عطفه ما كان من عظيم جرمهم و قبيح أفعالهم،أن انتجب لهم أحبّ أنبيائه إليه و أكرمهم عليه محمد بن عبد اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في حومة العزّ مولده،و في دومة الكرم محتده،غير مشوب حسبه،و لا ممزوج نسبه و لا مجهول عند أهل العلم صفته،بشّرت به الأنبياء في كتبها،و نطقت به

ص: 120


1- المدّثّر:11-30.
2- النحل:90.
3- الطلاوة-مثلّثة:الحسن و البهجة و القبول.(القاموس المحيط:357/4).
4- قصص الأنبياء:397/319 و ح 398. (5 و 6) البحار:31/198/18 و 19/175/16.

العلماء بنعتها و تأمّله الحكماء بوصفها،مهذّب لا يداني،هاشميّ لا يوازي،أبطحيّ لا يسامي شيمته الحياء و طبيعته السخاء،مجبول علي أوقار النبوّة و أخلاقها،مطبوع علي أوصاف الرّسالة و أحلامها.

إلي أن انتهت به أسباب مقادير اللّه إلي أوقاتها،و جري بأمر اللّه القضاء فيه إلي نهاياتها،أدّاه محتوم قضاء اللّه إلي غاياتها،تبشّر به كلّ أمّة من بعدها،و يدفعه كلّ أب إلي أب من ظهر إلي ظهر، لم يخلطه في عنصره سفاح،و لم ينجّسه في ولادته نكاح،من لدن آدم إلي أبيه عبد اللّه،في خير فرقة و أكرم سبط و أمنع رهط و أكلا حمل و أودع حجر،اصطفاه اللّه و ارتضاه و اجتباه و آتاه من العلم مفاتيحه و من الحكم ينابيعه،ابتعثه رحمة للعباد و ربيعا للبلاد و أنزل اللّه إليه الكتاب فيه البيان و التبيان قرآنا عربيّا غير ذي عوج لعلّهم يتّقون،قد بينّه للنّاس و نهجه بعلم قد فصّله و دين قد أوضحه و فرائض قد أوجبها و حدود حدّها للنّاس و بيّنها و أمور قد كشفها لخلقه و أعلنها،فيها دلالة إلي النجاة و معالم تدعو إلي هداه،فبلّغ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ما أرسل به و صدع بما أمر و أدّي ما حمّل من أثقال النبوّة و صبر لربّه و جاهد في سبيله و نصح لأمّته و دعاهم إلي النجاة و حثّهم علي الذّكر و دلّهم علي سبيل الهدي، بمناهج و دواع،أسّس للعباد أساسها و منار رفع لهم أعلامها كيلا يضلّوا من بعده و كان بهم رؤوفا رحيما (1).

و قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ضخم الرأس عظيم العنق مشرب العينين من حمرة،هدب الأشفار كثّ اللحيّة،شثن الكفّين و القدمين،أزهر (2)اللون إذا مشي (3)تكفّأ كأنّما يمشي في صعد،و إذا التفت التفت جميعا (4).

و عنه عليه السّلام قال:قال بعثني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إلي اليمن،فإني لأخطب يوما علي الناس،و حبر من أحبار اليهود واقف في يده سفر ينظر فيه[فنادي إلي]فقال:صف لنا أبا القاسم فقال[عليّ:] رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ليس بالقصير و لا بالطويل البائن،و ليس بالجعد القطط و لا بالسّبط هو رجل الشعر أسوده (5)ضخم الرأس،مشرب لونه حمرة،عظيم العينين،شثن الكفين و القدمين،طويل المسربة- و هو الشعر الذي يكون في النحر إلي السرة-أهدب الأشفار،مقرون الحاجبين،صلت الجبين بعيد ما بين المنكبين،إذا مشي يتكفّأ كأنما ينزل من صبب،لم أر قبله مثله و لم أر بعده مثله (6).1.

ص: 121


1- الكافي:433/1-444 ح 17.
2- الأزهر:الأبيض النيّر البياض،الذي لا يخالط بياضه حمرة(البيهقي الدلائل:272/1).
3- تكفّأ يعني تمايل إلي قدام(اللسان).
4- دلائل النبوة للبيهقي:212/1 و مختصر ابن منظور:65/2.
5- القطط:الشديد الجعودة مثل أشعار الحبش،و السبط:الذي ليس فيه تكسر.يقول:فهو جعد رجل. و الرجل:الذي في شعره حجونة أي تثن قليلا.
6- مسند أحمد:116/1.

قال علي:ثم سكت،فقال لي الحبر:و ماذا؟قال عليّ:هذا ما يحضرني.قال الحبر:في عينيه حمرة،حسن اللحية،حسن الفم،تام الأذنين،يقبل جميعا و يدبر جميعا.فقال علي:هذه و اللّه صفته.قال الحبر:و شيء آخر،قال علي:و ما هو؟قال الحبر:و فيه جنأ (1).

قال علي:هو الذي قلت لك كأنما ينزل من صبب،قال الحبر:فإني أجد هذه الصفة في سفر آبائي،و نجده يبعث من حرم اللّه و أمنه و موضع بيته ثم يهاجر إلي حرم يحرمه هو و يكون له حرمة كحرمة الحرم الذي حرّم اللّه،و نجد أنصاره الذي هاجر إليهم قوما من ولد عمرو بن عامر أهل نجد، و أهل الأرض قبلهم يهود.

قال:قال علي:هو هو،و هو رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فقال الحبر:فإنّي أشهد أنه نبي،و أنه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و أنه أرسل إلي الناس كافة،فعلي ذلك أحيا،و عليه أموت،و عليه أبعث إن شاء الله.

فقال:كان يأتي عليا فيعلّمه القرآن و يخبره بشرائع الإسلام.ثم خرج علي و الحبر هناك حتي مات في خلافة أبي بكر و هو مؤمن برسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم مصدّق به (2).

و عنه عليه السّلام قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم شثن الكفين،ضخم الكراديس.

و قال عليه السّلام:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أبيض اللون،مشربا حمرة،أدعج (3)العينين،سبط (4)الشعر، رقيق المسربة،سهل (5)الخدّ،كثّ اللحية،ذا وفرة (6)،كأن عنقه إبريق فضة،له شعر يجري من لبّته إلي سرّته كالقضيب،ليس في بطنه و لا صدره شعر غيره،شثن الكفين و القدمين،إذا مشي كأنما يتحدر (7)من صبب،و إذا مشي كأنما ينقلع (8)من صخر،و إذا التفت التفت جميعا ليس بالطويل و لا بالقصير،و لا الفاجر و لا اللئيم،كأن عرقه في وجهه اللؤلؤ،و لريح عرقه أطيب من المسك الأذفر (9)لم أر مثله قبله و لا بعده (10).

عبد اللّه بن مسعود قال:كنت إذا رأيت وجه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قلت كأنه دينار هرقلي (11).

و كان أبو هريرة يقول:ما رأيت شيئا أحسن من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،كأنّ الشمس تجري في3.

ص: 122


1- الجنأ:ميل في الظهر،و قيل في العنق(اللسان).
2- الطبقات:412/1.
3- أدعج العينين:أي شديد سواد العين.
4- السبط الذي ليس فيه تكسر.
5- أي سائل الخد،غير مرتفع الوجنتين(اللسان:سهل).
6- الوفرة:شعر الرأس إلي وصل شحمة الأذن.(اللسان:وفر).
7- في مختصر ابن منظور:66/2 ينحدر.
8- التقلع الذي يمشي بقوة(دلائل البيهقي:272/1).
9- المسك الأذفر:الذكي الريح.
10- مختصر ابن منظور:68/2.
11- تاريخ مدينة دمشق:266/3.

وجهه،و ما رأيت أحدا أسرع في مشيته من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،كأن الأرض تطوي له،و إنّا لنجتهد، و إنّه لغير مكترث (1).

و كان ينعت لنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:فيقول:كان شبح (2)الذراعين،بعيد ما بين المنكبين،أهدب أشفار العينين،يقبل جميعا و يدبر جميعا بأبي و أمي،لم يكن فاحشا و لا متفحشا و لا صخابا بالأسواق-و قال ابن البغدادي:في الأسواق- (3).

و عن أنس بن مالك قال:ما شممت رائحة قط مسك و لا عنبر أطيب من رائحة رسول اللّه«و لا مسست شيئا قط خزّة و لا حريرة ألين و لا أحسن من كفّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم» (4).

و عن البراء قال:ما رأيت أحدا في حلة حمراء مترّجلا أجمل من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و كان له شعر قريب من منكبيه (5).

و عن جابر بن سمرة قال:رأيت النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-و في حديث ابن الحنّائي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-في ليلة إضحيان و عليه حلّة حمراء-و في حديث سفيان بن وكيع:رأيت علي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم حلّة حمراء[في]ليلة إضحيان-فجعلت أنظر إليه و إلي القمر،فهو كان في عيني أحسن من القمر (6).

و عن أبي معبد الخزاعي:أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم خرج ليلة هاجر من مكة إلي المدينة:هو،و أبو بكر،و عامر بن فهيرة مولي أبي بكر،و دليلهم عبد اللّه بن أريقط الليثي،فمروا بخيمة أم معبد الخزاعيّة،و كانت إمرأة برزة جلدة تحتبي و تجلس بفناء الخيمة و تطعم و تسقي.فسألوها لحما،أو تمرا فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك،و إنّ القوم مرملون (7)فقالت:لو كان عندنا شيء ما أعوزكم القري.فنظر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إلي شاة في كسر خيمتها فقال:«ما هذه الشاة يا أم معبد؟»قالت:شاة خلفها الجهد عن الغنم،فقال:«هل لها من لبن؟»قالت:هي أجهد من ذلك،قال:«أتأذنين أن أحلبها؟»قالت:نعم بأبي أنت و أمي،و إن رأيت لها حلبا احلبها،فدعا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بالشاة فجاءت فمسح علي ظهرها و ضرعها و ذكر اسم اللّه تعالي فقال:«اللّهم بارك في شاتها»فتفاجّت (8)و درّت و اجترت،فدعا بإناء لها يربض الرهط،فحلب فيها ثجّا (9)حتي علاه البهاء (10)فسقاهاا.

ص: 123


1- الطبقات الكبري:380/1.
2- أي طويلهما و قيل عريضهما(اللسان).
3- مسند أحمد:328/2.
4- مختصر ابن منظور:70/2.
5- تاريخ مدينة دمشق:279/3.
6- دلائل البيهقي:196/1 و صحيح الترمذي في كتاب الأدب ح 2811 ج 118/5.
7- مرملون أي نفد زادهم.
8- التفاجّ المبالغة في تفريج ما بين الرجلين،و هو من الفج:الطريق.
9- الثج:السيلان.و في النهاية:فحلب فيه ثجا أي لبنا سائلا كثيرا.
10- البهاء:يريد علا الإناء بهاء اللبن،و هو و بيص رغوته.يريد أنه ملأها.

فشربت حتي رويت،ثم حلب و سقي أصحابه فشربوا حتي رووا،و شرب آخرهم[و قال:«ساقي القوم آخرهم»]فشربوا جميعا عللا بعد نهل حتي أرضوا ثم حلب فيها ثانيا عودا علي بدء فغادره عندها ثم ارتحلوا عنها،فقلّ ما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق غنمه أعنزا عجافا،هزلا، مخّهنّ قليل لا نقي بهن،فلما رأي اللبن قال:من أين لكم اللبن هذا و الشاء عازبة؟

قالت:لا و اللّه إلاّ أنه مرّ بنا رجل مبارك.كان من حديثه كيت و كيت.قال:و اللّه إني لأراه صاحب قريش الذي يطلب،صفيه لي يا أم معبد.قالت:رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلّج الوجه، حسن الخلق،لم تعبه ثجلة،و لم تزر به صقلة (1)،و سيم قسيم،في عينيه دعج،و في أشفاره وطف، و في صوته ضحكة،أحور أكحل،أزج أقرن،رجل في عنقه سطع (2)،و في لحيته كثافة،إذا صمت فعليه الوقار،و إذا تكلم سما (3)و علاه البهاء كأنّ منطقه خرزان نظم ينحدرن،فصل لا نزر (4)و لا هذر،أزهر اللون،يعني أجهر الناس،و أجمل الناس من بعيد،و أحلاه و أحسنه من قريب،ربعة لا تشنؤه من طول،و لا تقتحمه عين من قصر،غصن بين غصنين فهو أبيض الثلاثة منظرا،و أحسنهم قدرا له رفقاء يحفّون به.إن قال استمعوا لقوله و إن أمر تبادروا إلي أمره محفود محشود (5)،و لا عابس (6)و لا قابح و لا متنح (7).

قال:هذا و اللّه صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر،و لو كنت وافقته لالتمست أن أصحبه و لأفعلنّه إن وجدت إلي ذلك سبيلا.

و أصبح صوت بمكة بين السّماء و الأرض يسمعونه و لا يدرون من يقوله و هو يقول:

جزا اللّه رب الناس خير جزائه رفيقين حلاّ خيمتي أم معبد

هما نزلا بالبر و ارتحلا به فأفلح من أمسي رفيق محمّد

فيا لقصي مازوي اللّه عنكم به من فعال لا يجاري و سؤدد

سلوا أختكم عن شاتها و إنائها فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد

دعاها بشاة حايل فتحلّبت له بصريح (8)ضرّه الشاة مزبد

فغادرها رهنا لديها لحالب بدرّتها في مصدر ثم مورده.

ص: 124


1- و الثجلة:عظم البطن و استرخاء أسفله.
2- سطع:أي طول.
3- تريد علا برأسه أو بيده.
4- تريد أنه وسط ليس بكثير و لا بقليل.
5- محفود أي مخدوم.محشود هو من قولك حشدت لفلان في كذا إذا أردت أنك أعددت له و جمعت. و قال غيره:المحشود:المحفوف.و حشده أصحابه:أطافوا به.
6- تريد لا عابس الوجه.
7- مختصر ابن منظور:75/2.
8- الضرة أصل الضرع الذي لا يخلو من اللبن،و قيل هو الضرع كله.

فأصبح الناس قد فقدوا نبيّهم صلّي اللّه عليه و اله و سلّم[فأخذوا]علي خيمة أم معبد حتي لحق النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فأجابه حسّان فقال:

لقد خاب قوم زال عنهم نبيّهم و قدّس من يسري إليهم و يغتدي

ترحّل عن قوم فزالت عقولهم و حلّ علي قوم بنور مجدّد

و هل يستوي ضلاّل قوم تسفّهوا عمّي و هداة يهتدون بمهتدي

نبيّ يري ما لا يري الناس حوله و يتلو كتاب اللّه في كلّ مشهد

و إن قال في يوم مقالة غائب فتصديقها في ضحوة اليوم أو غد

ليهن أبا بكر سعادة جدّه بصحبته من يسعد اللّه يسعد

ليهن بني كعب مكان فتاتهم و مقعدها للمؤمنين بمرصد

قال عبد الملك بلغني أنّ أم معبد أسلمت و هاجرت (1).

و عن الحسن بن علي عليه السّلام قال:سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي (2)و كان وصّافا عن حلية النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و أنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به فقال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر،أطول من المربوع و أقصر من المشذّب (3)،عظيم الهامة،رجل الشعر (4)،إذا انفرقت عقيصته (5)قرن و إلاّ فلا يجاوز شعره شحمة اذنيه ذا وفرة،أزهر اللون واسع الجبين،أزج الحواجب سوابع (6)في غير قرن،بينهما عرق يدرّه الغضب،أقني العرنين (7)،له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم (8)،كثّ اللحية (9)،سهل الخدين،أدعج،ضليع الفم (10)،أشنب مفلج الأسنان (11)،دقيق المسربة كأن عنقه جيد دمية (12)في صفاء الفضة،معتدل الخلق بادنام.

ص: 125


1- دلائل البنوة:278/1.
2- هو أخو فاطمة عليها السّلام من قبل امه،و كان رجلا فصيحا،قتل مع علي عليه السّلام يوم الجمل.
3- المشذّب كمعظّم:الطويل.
4- أي ليس كثير الجعودة و لا شديد السبوطة،بين الجعودة و الاسترسال.
5- العقيصة:الفتيلة من الشعر و في الشعر كثرته.
6- وفرة كدفعة.أزج الحواجب:أي الدقيق الطويل.السوابع:الاتصال بين الحاجبين.
7- العرنين:الأنف.أقني العرنين أي محدب الأنف.
8- الشمم:ارتفاع في قصبة الأنف مع استواء أعلاه.
9- يعني كثيف الشعر في لحيته.رجل سهل الوجه:قليل لحمه.
10- الدعج:سواد العين.و ضليع الفم:واسعه و عظيمه.
11- شنب الرجل فهو أشنب:كان أبيض الأسنان،و المفلجة من الأسنان:المنفرجة.
12- المسربة:الشعر وسط الصدر إلي البطن.و الدمية بالضم:الصورة المزينة فيها حمرة كالدم.

متماسكا،سواء البطن و الصدر،عريض الصدر،بعيد ما بين المنكبين،ضخم الكراديس (1)،أنور المتجرد،موصول ما بين اللبة (2)و السرة بشعر يجري كالخط،عاري الثديين و البطن مما سوي ذلك، أشعر الذراعين و المنكبين،أعلي الصدر،طويل الزندين،رحب الراحة،سبط القصب،شثن الكفّين و القدمين (3)،سائل الأطراف،خمصان الأخمصين (4)،مسيح القدمين (5)،ينبو عنهما الماء،إذا زال زال قلعا،يخطو تكفئا و يمشي هونا،سريع المشية،إذا مشي كأنما ينحط من صبب،و إذا إلتفت التفت جميعا،خافض الطرف،نظره إلي الأرض أطول من نظره إلي السماء،جلّ نظره الملاحظة، يسوق أصحابه و يبدر من لقي بالسلام.

قال:قلت له:صف لي منطقه؟

قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم متواصل الأحزان،دائم الفكرة،ليست له راحة،و لا يتكلم في غير حاجة،طويل السكوت،يفتتح الكلام و يختمه بأشداقه (6)،و يتكلم بجوامع الكلم،فصلا لا فضولا و لا قصيرا فيه،دمثا (7)ليس بالجافي و لا بالمهين،يعظّم النعمة و إن دقّت و لا يذمّ منها شيئا،و لا يذمّ ذواقا و لا يمدحه،و لا تغضبه الدنيا و ما كان لها إذا تعوطي الحقّ لم يعرفه أحد،و لم يقم لغضبه شيء حتي ينتصر له،و لا يغضب لنفسه و لا ينتصر لها،إذا أشار أشار بكفه كلها،و إذا تعجب قلّبها، و إذا تحدّث أشار بها،فضرب براحته اليمني باطن إبهامه اليسري،و إذا غضب أعرض و أشاح (8)، و إذا فرح غضّ من طرفه،جلّ ضحكه التبسم،و يفتر عن مثل حب الغمام (9).

قال الحسن عليه السّلام:فكتمتها الحسين زمانا ثمّ حدّثته فوجدته قد سبقني إليه،فسألته عمن سألته فوجدته قد سأل أباه عن مدخله و مخرجه و شكله فلم يدع منها شيئا.

قال الحسين بن علي:سألت أبي عن دخول النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك و كان إذا أوي إلي منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء،جزءا لله،و جزءا لأهله،و جزءا لنفسه،ثمّ جزّأ جزءه بينه و بين الناس،فيردّ ذلك علي العامة و الخاصة و لا يدّخر-أو قال:لا يدّخر-عنهم شيئا.ة.

ص: 126


1- الكردس:الوثاق المفصل.
2- اللبة:موضع القلادة من الصدر.
3- رحب الراحة:وسيع الكف كناية عن الرجل الكثير العطاء.القصب:كلّ عظم ذي مخ أي ممتد القصب. شثن الأصابع:غليضها.
4- لم يصب باطن قدمه الأرض.
5- مقدم قدمه و مؤخره مساو.
6- الأشداق:جوانب الفم،و المراد أنه لا يفتح فاه كله،و في بعض النسخ(بابتدائه).
7- الدماثة:سهولة الخلق.
8- أشاح:أظهر الغيرة،و الشائح الغيور.
9- الغمام:السحاب،و المراد أنّه تبسم و يكثر حتي تبدو أسنانه من غير قهقهة.

فكان من سيرته في جزء الامة إيثار أهل الفضل بإذنه و قسمه علي قدر فضلهم في الدين،فمنهم ذو الحاجة،و منهم ذو الحاجتين،و منهم ذو الحوائج،فيتشاغل بهم و يشغلهم فيما أصلحهم و أصلح الأمة من مسألته عنهم،و إخبارهم بالذي ينبغي لهم،و يقول:ليبلّغ الشاهد الغائب و أبلغوني في حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته،فإنّه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إيّاه ثبّت اللّه قدميه يوم القيامة،لا يذكر عنده إلاّ ذلك و لا يقبل من أحد غيره،يدخلون زوارا،و لا يفرقون إلاّ عن ذواق،و يخرجون أدلّة فقهاء.

قال:فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟

قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يخزن لسانه إلاّ فيما يعنيه،و يؤلفهم و لا يفرّقهم-أو قال:و لا ينفّرهم-و يكرم كريم كلّ قوم و يولّيه عليهم،و يحذّر الناس الفتن،و يحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره و لا خلقه،و يتفقّد أصحابه،و يسأل الناس عما في الناس فيحسّن الحسن و يقوّيه و يقبّح القبيح و يوهنه،معتدل الأمر غير مختلف،لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا،لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق و لا يجوزه،الذين يلونه من الناس خيارهم،أفضلهم عنده أعمّهم نصيحة، و أعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة و مؤازرة.

قال:فسألته عن مجلسه؟

فقال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لا يجلس و لا يقوم إلاّ علي ذكر اللّه جلّ اسمه،و لا يوطن الأماكن و ينهي عن إبطانها (1)،و إذا انتهي إلي قوم جلس حيث ينتهي به المجلس و يأمر بذلك،يعطي كلا من جلسائه نصيبه،حتي لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه،من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتي يكون هو المنصرف عنه،و من سأله حاجة لم يردّه إلاّ بها أو بميسور من القول،قد وسع الناس منه بسطه و خلقه فكان لهم أبا و صاروا عنده في الحق سواء،مجلسه مجلس حلم و حياء و صبر و أمانة،لا ترفع فيه الأصوات و لا يوهن فيه الحرم و لا تنثي فلتاته (2)،متعادلون متفاضلون فيه بالتقوي،متواضعون،يوقّرون فيه الكبير و يرحمون فيه الصغير،و يؤثرون ذا الحاجة،و يحفظون-أو قال:يحوطون الغريب.

قال:قلت:كيف كانت سيرته مع جلسائه؟

قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم دائم البشر،سهل الخلق،ليّن الجانب،ليس بفظّ و لا غليظ،و لا صخّاب (3)و لا فحّاش،و لا عيّاب و لا مدّاح،يتغافل عمّا لا يشتهي،فلا يؤيس منه و لا يخيّب فيهت.

ص: 127


1- يعني لا يتخذ لنفسه مجلسا يعرف به.
2- نثوته نثوا من باب قتل:أظهرته.و الفلتات:الهفوات أو الأمر فجأة.
3- الصخاب من الصخب و هو شدة الصوت.

مؤمّليه،قد ترك نفسه من ثلاث (1):المراء و الإكثار و مما لا يعنيه،و ترك الناس من ثلاث:كان لا يذمّ أحدا و لا يعيّره،و لا يطلب عورته،و لا يتكلم إلاّ فيما يرجو ثوابه،إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنّما علي رؤوسهم الطير،فإذا سكت تكلموا،و لا يتنازعون عنده الحديث،من تكلم أنصتوا له حتي يفرغ،حديثهم عنده حديث أوليهم (2)،يضحك مما يضحكون منه و يتعجب مما يتعجبون منه، و يصبر للغريب علي الجفوة في منطقه و مسألته،حتي ان كان أصحابه ليستجلبونهم (3)،و يقول:إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه (4)و لا يقبل الثناء إلاّ عن مكافئ،و لا يقطع علي أحد حديثه حتي يجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام.

قال:قلت:كيف كان سكوته؟

قال:كان سكوت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم علي أربعة:علي الحلم و الحذر و التقدير و التفكر.فأما تقديره ففي تسوية النظر و الاستماع بين الناس.و أما تفكّره ففيما يبقي و يفني.و جمع له الحلم و الصبر،فكان لا يغضبه شيء و لا يستنفره.و جمع له الحذر في أربعة:أخذه بالحسن ليقتدي به، و تركه القبيح لينتهي عنه،و اجتهاده فيما أصلح امته،و القيام فيما جمع لهم خير الدنيا و الآخرة (5).

***

طهارة مولده و طيب أصله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«خرجت من لدن آدم من نكاح غير سفاح» (6).

و عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«ما ولدني من سفاح أهل الجاهلية ما ولدني إلاّ نكاح كنكاح الإسلام» (7).

و عن أبي هريرة رضي اللّه تعالي عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«ما ولدتني بغيّ قطّ مذ خرجت من صلب أبي آدم،و لم تزل تنازعني الأمم كابرا عن كابر حتي خرجت من أفضل حييّن من العرب:

هاشم و زهرة» (8).

ص: 128


1- في دلائل البيهقي:291/1 بعدها:المرء،و الإكثار،و ما لا يعنيه؛و ترك الناس من ثلاث:كان لا يذم.
2- في هامش البحار نسخة:أولهم.
3- يعني أنهم يستجلبوا الفقير لئلا يؤذي النبي.
4- الرفادة.الضيافة و ورود المدعو علي الداعي.و الرفد بكسر الراء:الهبة و العطية.
5- الحديث بطوله أخرجه البيهقي في الدلائل:287/1 مع تفاوت و العلامة المجلسي في البحار:153/16.
6- طبقات ابن سعد:61/1.
7- تاريخ مدينة دمشق:400/3.
8- كنز العمال للمتقي الهندي:430/11 ح 32019.

عن ابن عباس: وَ تَقَلُّبَكَ فِي السّٰاجِدِينَ (1)قال:من نبيّ إلي نبيّ حتي أخرجت نبيّا (2).

عن عطاء بن أبي رباح في قوله تعالي: وَ تَقَلُّبَكَ فِي السّٰاجِدِينَ قال:مازال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يتقلب في أصلاب الأنبياء حتي ولدته أمه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (3).

و عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السّلام في قوله تعالي و تبارك: لَقَدْ جٰاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ (4)قال:لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية (5).

و عن عائشة قالت:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«خرجت من نكاح غير سفاح» (6).

و عن محمد بن جعفر،قال:أشهد علي أبي يحدّثني عن أبيه عن جده عليهم السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«خرجت من نكاح و لم أخرج من سفاح،من لدن آدم إلي أن ولدني أبي و أمي[ما أصابني] من سفاح الجاهلية»العدني الكحي (7).

و عن ابن عباس قال:كانت امرأة من خثعم تعرض نفسها في مواسم الحج،و كانت ذات جمال،و كان معها أدم تطوف بها كأنها تبيعها فأتت بها علي عبد اللّه بن عبد المطلب فأظن أنه أعجبها،قالت:إني و اللّه ما أطوف بهذا الأدم و ما لي بها و إلي ثمنها حاجة،و إنما أتوسم الرجل هل أجد كفؤا فإن كانت لك إلي حاجة فقم.فقال لها:مكانك[حتي]أرجع إليك.فانطلق إلي رحله فبدأ فواقع أهله،فحملت النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فلما رجع إليها قال:ألا أراك ها هنا قالت:و من أنت؟قال:

الذي واعدتك،قالت:لا ما أنت هو،و إن كنت هو لقد رأيت بين عينيك نورا ما أراه الآن (8).

و عن ابن عباس قال:لما انطلق عبد المطلب بابنه عبد اللّه ليزوجه مرّ به علي كاهنة من أهل تبالة متهودة قد قرأت الكتب يقال لها:فاطمة إبنة مرّ الخثعمية،فرأت نور النبوة في وجه عبد اللّه فقالت:يافتي هل لك أن تقع عليّ الآن،و أعطيك مائة من الإبل،فقال عبد اللّه:

أمّا الحرام فالممات دونه

و الحلّ لا حلّ فأستبينه

فكيف بالأمر الذي تبغينه

ثم مضي مع أبيه فزوجه آمنة إبنة وهب بن عبد مناف بن زهرة،فأقام عندها ثلاثا ثم إن نفسه دعته إلي ما دعته إليه الكاهنة فأتاها،فقالت:يافتي ما صنعت بعدي؟فأخبرها،فقالت:و اللّه ما أنا0.

ص: 129


1- سورة الشعراء،الآية:219.
2- بحار الأنوار:3/15 ح 2.
3- الدر المنثور للسيوطي:98/5.
4- سورة التوبة:128.
5- بحار الأنوار:261/29.
6- نصب الراية للزيعلي:403/3.
7- مختصر ابن منظور:27/2.
8- انظر الخصائص الكبري للسيوطي:41/1 و دلائل النبوة لأبي نعيم:90.

بصاحبة ريبة،و لكني رأيت في وجهك نورا فأردت أن يكون فيّ و أبي اللّه أن يصيره إلاّ من حيث أراد.و قال ابن المسلم و التنوخي:إلاّ أن يجعله-ثم أنشأت فاطمة تقول:

إنّي رأيت مخيلة لمعت ثم تلألأت بحناتم القطر

فأصابها نورا يضيء به ما حوله فأضاءت البدر

فرجوتها فخرا أبوء به ما كلّ قادح زنده يوري

لله مازهرية سلبت ثوبيك ما سلبت و ما تدري (1)

و قالت فاطمة أيضا (2):

بني هاشم قد غادرت من أخيكم أمينة إذ للباه يعتلجان

كما غادر المصباح عند خموده فتائل قد ميثت بغير دهان

و ما كلّ ما يحوي الفتي من تلاده بحرص و لا ما فاته لتوان

فأجمل إذا طالبت أمرأ فإنه سيكفيكه جدّان يعتلجان

ستكفيكه إمّا يد مقفعلّة (3) و إمّا يد مبسوطة ببيان

و لما حوت منه أمينة ما حوت حوت منه فخرا ماله من ثان (4)

عن ابن عباس قال:سألت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قلت:فداك أبي و أمي،أين كنت و آدم في الجنة؟ قال:فتبسم حتي بدت ثناياه (5)ثم قال:«كنت في صلبه و ركب بي السفينة في صلب أبي:نوح، و قذف[بي]في صلب إبراهيم،لم يلتق أبواي قط علي سفاح،لم يزل اللّه تعالي ينقلني من الأصلاب الحسنة إلي الأرحام الطاهرة.صفتي مهدي لا يتشعب شعبان إلاّم كنت في خيرهما قد أخذ اللّه تبارك و تعالي بالنبوة ميثاقي،و بالإسلام عهدي.و بشّر في التوراة و الإنجيل ذكري.و بيّن كلّ نبي صفتي.تشرق الأرض بنوري.و الغمام لوجهي.و علّمني كتابه[و روي]بي سحابه،و شق لي إسما من أسمائه:فذو العرش محمود و أنا محمد،و وعدني يحبوني بالحوض و الكوثر،و أن يجعلني أول شافع،و أول مشفع،ثم أخرجني من خير قرن لأمتي.و هم الحمّادون يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر».

قال ابن عباس:فقال لي حسّان بن ثابت (6)في النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:2.

ص: 130


1- مختصر ابن منظور:28/2 و الطبقات:95/1.
2- انظر بلاغات النساء:222.
3- المقفعلة:المتشنجة و المنقبضة.
4- طبقات ابن سعد:96/1-97.
5- في مختصر ابن منظور:29/2 نواجذه.
6- مجمع الزوائد:217/8 و مختصر ابن منظور:30/2.

من قبلها طبت في الظلال و في مستودع يوم يخصف الورق

ثم سكنت البلاد لا بشر أنت و لا نطفة و لا علق

مطهّر تركب السفين و قد ألجم أهل الضلالة الغرق

تنقّل من أصلب (1)إلي رحم إذا مضي عالم بدا طبق

فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«يرحم اللّه حسان».

فقال علي بن أبي طالب عليه السّلام وجبت الجنة لحسان و ربّ الكعبة.

و تنسب الابيات للعباس (2):

[من]قبلها طبت في الظلال و في مستودع حيث يخصف الورق

ثم هبطت البلاد لا بشر أنت و لا مضغة و لا علق

بل نطفة تركب السفين و قد ألجم نسرا و أهله الغرق

تنقّل من أصلب إلي رحم إذا مضي عالم بدا طبق

حتي احتوي بيتك المهيمن من خندق عليا يحسّها النطق

و أنت لما ولدت أشرقت الأرض وصاءت بنورك الأفق

فنحن في ذلك الضياء و في النور و سبل الرشاد تخترق

و عن ابن عباس قال:«ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم مسرورا مختونا».

و عن أنس بن مالك قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«من كرامتي علي اللّه تبارك و تعالي أني ولدت مختونا و لم ير سوأتي أحد» (3).

***

ذكر الإسراء و المعراج

عن أنس بن مالك،عن مالك بن صعصعة:أنّ نبيّ اللّه عليه الصلاة و السلام قال:«بينا أنا عند البيت بين النائم و اليقظان أتيت بطشت من ذهب ممتليء إيمانا و حكمة فشق من النحر إلي مراق البطن،و أخرج القلب فغسل بماء زمزم ثم مليء إيمانا و حكمة و أتيت-و قال المغربي:فأوتيت-

ص: 131


1- في خع:(صلب)و في مجمع الزوائد:217/8:صالب.
2- مجمع الزوائد:217/8-218.
3- تاريخ بغدادي:329/1 في ترجمة محمد بن أحمد بن الفرج.

بدابة أبيض دون البغل و فوق الحمار يقال له البراق فانطلقت أنا و جبريل حتي أتينا السّماء الدنيا قيل من هذا؟قال:جبريل قيل:و من معك؟قال:محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قيل:و قد أرسل إليه؟قال:نعم،قالوا:

مرحبا به و نعم المجيء جاء،فأتيت علي آدم فسلّمت عليه فقال:مرحبا بك من ابن و نبيّ.

فأتينا السّماء الثانية قيل:من هذا؟قال:جبريل،قيل:و من معك؟قيل:و قال المغربي:قال:

محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قيل:-و قال المغربي:فقال:-و قد أرسل إليه؟[قال:نعم]قالوا:مرحبا به و نعم المجيء جاء،فأتيت علي يحيي و عيسي عليهما السلام فسلّمت عليهما،فقالا:مرحبا بك من أخ و نبي.

فأتينا السماء الثالثة:قيل من هذا؟قال:جبريل،قيل:و من معك؟قال:محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قيل:

و قد أرسل إليه؟قال:[نعم،قالوا]مرحبا به نعم المجيء جاء-زاد المغربي فأتيت علي يوسف فسلّمت عليه فقال:مرحبا بك من أخ و نبي-.

فأتينا السماء الرابعة:قيل:من هذا؟قال:جبريل،قيل:و من معك؟قيل:محمدا.قيل:

أو قد أرسل إليه؟[قال:نعم قالوا:]مرحبا به و نعم المجيء جاء.فأتيت علي إدريس عليه السلام فسلّمت عليه فقال:مرحبا[بك]من أخ و نبي.

فأتينا السّماء الخامسة قيل:من هذا؟قيل:جبريل،قيل:و من معك؟قال:محمد،قيل:

أوقد أرسل إليه؟[قال:نعم قالوا:]مرحبا به نعم المجيء جاء،فأتيت علي هارون فسلّمت عليه، فقال:مرحبا[بك]من أخ و نبي.

فأتينا السماء السّادسة قيل:من هذا؟قيل:جبريل.قيل:و من معك؟قال:محمد.قيل:

أو قد أرسل إليه؟[قال:نعم،قالوا:]مرحبا به نعم المجيء جاء،فأتيت علي موسي فسلّمت عليه فقال:مرحبا بك من أخ و نبيّ،فلما جاوزت بكي،قيل:و ما أبكاك قال:رأيت هذا الغلام الذي بعثته بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتي.

فأتيت-و قال المغربي فأتينا-السّماء السّابعة قيل:من هذا؟قال:جبريل،قيل:و من معك؟

قيل:محمد،قيل:أوقد أرسل إليه؟[قال:نعم،قالوا:]مرحبا به و نعم المجيء جاء،فأتيت علي إبراهيم-عليه السلام-فسلّمت عليه فقال:مرحبا بك من ابن و نبيّ.فرفع إليّ البيت المعمور، فسألت جبريل،فقال:هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه آخر ما عليهم،و رفعت لي سدرة المنتهي،فرأيت نبقها (1)كأنه قلال (2)هجر،و ورقها كأنه آذان الفيلة،ة.

ص: 132


1- النبق جمع نبقة و هو حمل السدر.
2- القلال:الجرار،يريد أنها كبيرة. و هجر:بلد قرب المدينة.

و رأيت في أصلها أربعة أنهار نهران ظاهران و نهران باطنان،فسألت جبريل فقال:أمّا هذان الباطنان فمن الجنة،و أما هذان الظاهران فالنيل و الفرات.و فرضت عليّ خمسون صلاة،فأقبلت حتي أتيت علي موسي فقال:ما صنعت قلت:فرضت عليّ خمسون صلاة،قال:إنّي أعلم بالناس منك و قد عالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة،و إنّ أمتك لن يطيقوا ذلك.فارجع إلي ربّك فاسأله التخفيف عنك.فرجعت إلي ربي فسألته التخفيف-و قال المغربي:تخففها-عني فجعلتها أربعين صلاة، فأقبلت حتي أتيت علي موسي فقال:ما صنعت؟قلت:جعلها أربعين صلاة،قال:إني أعلم بالناس منك،و قد عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة،و إن أمتك لن يطيقوا ذلك فارجع إلي ربّك فكلّمه أن يخفف عنك فرجعت عليه فسألته أن يخفف عني،فجعلها ثلاثين صلاة.

فأقبلت حتي أتيت علي موسي قال:ما صنعت؟قلت:جعلها ثلاثين صلاة،قال:إنّي أعلم بالناس منك،قد عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة و إنّ أمتك لن يطيقوا ذلك،فارجع إلي ربّك فاسأله أن يخفف عنك،فرجعت إلي ربي فسألته التخفيف عني فجعلها عشرين صلاة-إلي هاهنا حدّثنا معاذ بن هشام إملاء من حفظه و قطع الحديث من-و لم يقل المغربي:من،و قالا:-هاهنا حدثنا عبيد اللّه بن سعيد قال:فحدثنا يحيي بن سعيد القطان،عن هشام بن أبي عبد اللّه،أنبأنا قتادة،عن أنس بن مالك،عن مالك بن صعصعة،عن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم نحو من هذا،غير أن يحيي لم يقل أبيض و ربما اختصر بعض الكلام من هاهنا ما زاد يحيي و لم اسمعه من معاذ قال:و سألته أن يخفف عني ثم عشرين،ثم عشرا،ثم خمسا،فأتيت علي موسي فأخبرته فقال لي مثل مقالته الأولي فقلت:

إني أستحيي من ربي من كم أرجع،فنودي أن قد أمضيت فريضتي،و خففت عن عبادي.و أجزيء بالحسنة عشر أمثالها.سقط من رواية المخلدي:ذكر يوسف-و ذكر المغربي في السّماء الثالثة- و كذلك سقط من رواية المخلدي ذكر السّماء الرابعة،و فيه مواضع ملحوقة ذكرناها علي ما في رواية المغربي (1).

و عن أبي سعيد الخدري،عن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أنه قال له أصحابه:يا رسول اللّه،أخبرنا عن ليلة أسري بك فيها.قال:«قال اللّه تبارك و تعالي سُبْحٰانَ الَّذِي أَسْريٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ إِلَي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَي الَّذِي بٰارَكْنٰا حَوْلَهُ (2)الآية قال:فأخبرهم قال:بينما أنا نائم عشاء في المسجد الحرام إذ أتاني آت فأيقظني فاستيقظت فلم أر شيئا ثم عدت في النوم،فأيقظني فاستيقظت فلم أر شيئا ثم عدت في النوم ثم أيقظني فاستيقظت فلم أر شيئا فإذا أنا بكهيئة خيال فاتّبعته ببصري حتي خرجت من المسجد فإذا أنا بدابة أدني،شبيهة بدوابكم هذه،بغلكم هذه،مضطرب الأذنين يقال له البراق،و كانت الأنبياء صلوات اللّه و سلامه عليهم تركبه قبلي،يقع حافره مدّ بصره،فركبتهء.

ص: 133


1- دلائل البيهقي:377/2 و مسلم في الصحيح كتاب الأيمان ح 265.
2- أول سورة الإسراء.

فبينا أنا أسير عليه إذ دعاني داع عن يميني:يا محمد انظر إليّ أسألك فلم أجبه،و لم أقم عليه.

فبينما أنا أسير عليه إذ دعاني داع عن يساري يا محمد أنظر إليّ أسألك فلم أجبه و لم أقم عليه فبينا أنا أسير عليه إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها و عليها من كل زينة خلقها اللّه فقالت:يا محمد أنظر إلي أسألك فلم التفت إليها و لم أقم عليها حتي أتيت بيت المقدس،فأوقفت دابتي بالحلقة التي كانت الأنبياء توقفها به،فأتاني جبريل عليه السّلام بإنائين أحدهما خمر و الآخر لبن.فشربت اللبن و تركت الخمر،فقال جبريل:أصبت الفطرة.

فقلت:اللّه أكبر اللّه أكبر فقال جبريل:ما رأيت في وجهك هذا؟فقلت:بينما أنا أسير إذ دعاني داع عن يميني يا محمد أنظر لي أسألك فلم أجبه،و لم أقم عليه.قال:ذاك داعي اليهود أما إنّك لو أجبته لتهودت أمتك.قال:و بينما أسير إذ دعاني داعي عن يساري فقال:يا محمد أنظر لي أسألك فلم ألتفت إليه،و لم أقم عليه قال:ذاك داعي النصاري،أمّا إنك لو أجبته لتنصرت أمتك [قال]فبينما أنا أسير إذا أنا بامرأة حاسرة عن ذراعيها عليها من كل زينة خلقها اللّه تعالي تقول:يا محمد أنظرني أسألك فلم أجبها و لم أقم عليها.قال:تلك الدنيا أما إنك لو أجبتها أو أقمت عليها لاختارت أمتك الدنيا علي الآخرة.

قال:ثم دخلت أنا و جبريل عليه السّلام بيت المقدس فصلّي كلّ واحد منا ركعتين ثم أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح[بني آدم]فلم تر الخلائق أحسن من المعراج ما رأيتم الميت حين يشق بصره طامحا إلي السماء فإنّما يشق بصره طامحا إلي السّماء عجبة بالمعراج قال:فصعدت أنا و جبريل عليه السّلام فإذا بملك يقال له إسماعيل و هو صاحب سماء الدنيا و بين يديه سبعون ألف ملك مع كلّ جنده مائة ألف ملك قال:و قال اللّه تبارك و تعالي وَ مٰا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّٰ هُوَ (1)

فاستفتح جبريل باب السّماء:قيل:من هذا؟قال:جبريل،قيل:و من معك؟قال:محمد، قيل:أو قد بعث إليه؟قال:نعم،فإذا أنا بآدم كهيئته يوم خلقه اللّه تعالي و تبارك علي صورته تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول:روح طيبة و نفس طيبة اجعلوها في عليين،ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجّار،فيقول روح خبيثة و نفس خبيثة اجعلوها في سجين،ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بأخونة- يعني الخوان المائدة الذي يؤكل عليها[عليها]لحم مشرّح،ليس يقربها أحد،و إذا أنا بأخونة عليها لحم قد أروح و نتن عندها ناس يأكلون منها،قلت:يا جبريل من هؤلاء؟

قال:هؤلاء من أمتك يتركون الحلال و يأتون الحرام،قال:ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بأقوام بطونهم أمثال البيوت كلما نهض أحدهم خّر يقول اللّهم لا تقم السّاعة،قال:و هم علي سابلة آل فرعون قال:فتجيء السابلة فتطأهم قال:فسمعتهم يضجّون إلي اللّه تبارك و تعالي،قلت:يا جبريل1.

ص: 134


1- سورة المدثر،الآية 31.

من هؤلاء؟قال:هؤلاء من أمتك الذين يأكلون الرّبا لاٰ يَقُومُونَ إِلاّٰ كَمٰا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطٰانُ مِنَ الْمَسِّ (1)قال:مضت هنيهة فإذا أنا بأقوام مشافرهم كمشافر الإبل،قال:فيفتح علي أفواهم و يلقون ذلك الخمر (2)،ثم يخرج من أسافلهم،فسمعتهم يضجّون إلي اللّه عز و جل فقلت:يا جبريل من هؤلاء؟قال:هؤلاء من أمّتك اَلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰالَ الْيَتٰاميٰ ظُلْماً إِنَّمٰا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نٰاراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (3)قال:ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بنساء يعلقن بثديهن فسمعتهم يضجّون إلي اللّه عزّ و جلّ قلت:يا جبريل من هؤلاء النساء؟قال:هؤلاء الزناة من أمتك.قال:ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم،فيلقمون فيقال له:كل كما كنت تأكل من لحم أخيك.قلت:يا جبريل من هؤلاء؟قال:هؤلاء الهمّازون من أمّتك اللمّازون.

ثم صعدنا إلي السّماء الثانية فإذا أنا برجل أحسن ما خلق اللّه تعالي قد فضّل علي الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر علي سائر الكواكب قلت:يا جبريل من هذا؟قال:هذا أخوك يوسف و معه نفر من قومه فسلّمت عليه و سلّم عليّ.

ثم صعدت إلي السماء الثالثة فإذا أنا بيحيي و عيسي عليهما السلام و معهما نفر من قومهما فسلّمت عليما و سلّما علي.ثم صعدت إلي السماء الرابعة فإذا أنا بإدريس قد رفعه اللّه مكانا عليا، فسلّمت عليه و سلّم علي.

قال:ثم صعدت إلي السماء الخامسة فإذا أنا بهارون عليه السّلام،و نصف لحيته بيضاء و نصفها سوداء تكاد لحيته تصيب سرته من طولها قلت:يا جبريل من هذا؟قال:هذا المحبب في قومه، هارون بن عمران و معه نفر من قومه فسلّمت عليه و سلّم علي.

ثم صعدت إلي السماء السادسة فإذا أنا بموسي بن عمران-رجل آدم كثير الشعر لو كان عليه قميصان لنفذ شعره دون القميص-و إذا هو يقول:يزعم الناس أنّي أكرم علي اللّه من هذا،بل هو أكرم علي اللّه منّي،قال:قلت:يا جبريل من هذا؟قال:هذا أخوك موسي بن عمران،قال:و معه نفر من قومه.قال:فسلّمت عليه فرد علي السلام.

ثم صعدت إلي السّماء السابعة فإذا أنا بأبينا إبراهيم خليل الرحمن ساند ظهره إلي البيت المعمور كأحسن الرجال.قلت:يا جبريل من هذا؟قال:هذا أبوك إبراهيم خليل الرحمن،و معه نفر من قومه قال:فسلّمت عليه و سلّم علي.و إذا أنا بأمتي شطرين:شطر عليهم ثياب بيض كأنّها القراطيس،و شطر عليهم ثياب رمد.0.

ص: 135


1- سورة البقرة،الآية:275.
2- في الدلائل و المختصر:الحجر.
3- سورة النساء،الآية:10.

قال:فدخلت البيت المعمور و دخل معي الذين عليهم الثياب البيض و حجب الآخرون الذين عليهم ثياب رمد و هم علي خير،فصلّيت أنا و من معي في البيت المعمور،ثم خرجت أنا و من معي،قال:و البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه إلي يوم القيامة.

قال:ثم رفعت إلي السدرة المنتهي فإذا كل ورقة منها تكاد[أن تغطي]هذه الأمة،فإذا فيها عين تجري يقال لها سلسبيل،فينشق منها نهران أحدهما الكوثر[و الآخر]يقال له نهر حمة.

فاغتسلت فيه،فغفر لي ما تقدم من ذنبي و ما تأخر.

ثم إني رفعت إلي الجنة فاستقبلتني جارية فقلت:لمن أنت[يا جارية]؟قالت لزيد بن حارثة، و إذا أنا بأنهار من ماء غير آسن،و أنهار من لبن لم يتغير طعمه،و أنهار من خمر لذة للشاربين، و أنهار من عسل مصفّي،و إذا رمانها كأنه الدلاء عظما،و إذا أنا بطيرها كأنها بختكم هذه.

فقال عندها صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إن اللّه تعالي قد أعدّ لعباده الصالحين ما لا عين رأته و لا أذن سمعته و لا خطر علي قلب بشر.قال[و عرضت]عليّ النار فإذا فيها غضب اللّه تعالي و زجره و نقمته لو طرح فيها الحجارة و الحديد لأكلتها ثم أغلقت دوني،ثم إني رفعت إلي السدرة المنتهي إِذْ يَغْشَي السِّدْرَةَ مٰا يَغْشيٰ و كان بيني و بينه قاب قوسين أو أدني،قال:و نزل علي كل ورقة ملك من الملائكة.قال:

و قال:فرضت عليّ خمسون[صلاة]و قال:لك بكل حسنة عشرا،إذا هممت بالحسنة فلم تعملها كتبت لك حسنة،و إذا عملتها كتبت لك عشرا،و إذا هممت بالسيئة فلم تعملها فلم يكتب عليك شيء،فإن عملتها كتبت عليك سيئة واحدة.

ثم رفعت إلي موسي عليه السّلام فقال:ما أمرك ربك؟قلت:بخمسين صلاة،قال:ارجع إلي ربك فاسأله التخفيف لأمتك،فإنّ أمتك لا تطيق ذلك و متي لا تطيقه تكفر،فرجعت إلي ربي،فقلت:

يا ربّ خفف عن أمّتي،فإنها أضعف الأمم فوضع عني عشرا و جعلها أربعين،فمازلت أختلف بين موسي و ربي كلما أتيت عليه،قال لي مثل ذلك.حتي رجعت إليه فقال لي:بم أمرت.

فقلت:أمرت بعشر صلوات:قال ارجع إلي ربك فاسأله التخفيف عن أمتك فرجعت إلي ربي فقلت:أي ربّ خفف عن أمتي فإنها أضعف الأمم،فوضع عني خمسا،و جعلها خمسا،فناداني ملك عندها:تمت فريضتي،و خففت عن عبادي،و أعطيتهم بكل حسنة عشر أمثالها،ثم رجعت إلي موسي عليه السّلام فقال:بم أتيت؟قلت:بخمس صلوت،قال:ارجع إلي ربك فاسأله التخفيف فإنه لا يوده شيء،فسله التخفيف لأمتك،فقلت:رجعت إلي ربي حتي استحييته.

ثم أصبح بمكة يخبرهم بالعجائب:إني أتيت البارحة بيت المقدس و عرّج بي إلي السماء، و رأيت كذا و رأيت كذا،فقال أبو جهل بن هشام:ألا تعجبون مما يقول محمد،يزعمون أنه أتي البارحة بيت المقدس ثم أصبح فينا،و أخذنا بضرب مطيته مصعدة شهرا،و منقلبه شهرا فهذا مسيرة شهرين في ليلة واحدة.قال:فأخبرهم بعير لقريش لما كان[في]مصعدي رأيتها في مكان كذا

ص: 136

و كذا،و إنها نفرت فلما رجعت رأيتها عند العقبة.فأخبرهم بكل رجل و بعيره كذا و كذا،و متاعه كذا و كذا.فقال أبو جهل:يخبرنا بأشياء،فقال رجل من المشركين:أنا أعلم الناس ببيت المقدس، و كيف ماؤه و كيف هيئته،و كيف قربه من الجبل؟فإن يكن محمد صادقا فسأخبركم،و إن يك كاذبا فسأخبركم.فجاءه ذلك المشرك فقال:يا محمد أنا أعلم الناس ببيت المقدس،فأخبرني كيف بناؤه؟ و كيف هيئته؟و كيف قربه من الجبل؟قال:فرفع لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بيت المقدس من مقعده فنظر إليه كنظر أحدنا إلي بيته:بناؤه كذا و كذا،و قربه من الجبل كذا و كذا،فقال الآخر:صدقت.فرجع إلي أصحابه فقال:صدق محمد فيما قال و نحو من هذا الكلام (1).

و عن أنس بن مالك قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«لما أسري بي إلي السماء قرّبني ربّي عزّ و جلّ حتي كان بيني و بينه كقاب قوسين أو أدني،لا بل أدني،و علّمني السمات،قال:يا حبيبي،يا محمد،قلت:لبّيك يا رب،قال:هل غمّك أن جعلتك آخر النبيين،قلت:يا رب لا،قال:يا حبيبي فهل غمّ أمّتك أن جعلتهم آخر الأمم،قلت:يا رب لا،قال:أبلغ أمّتك عنّي السلام و أخبرهم إن جعلتهم آخر الأمم لأفضح عندهم و لا أفضحهم عند الأمم».

و في حديث:«في قاب قوسين علّمني اللّه القرآن و علّمني اللّه علم الأولين» (2).

***

ما روي في فصاحة لسانه و حسن منطقه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

عن عمر بن الخطّاب أنه قال:يا رسول اللّه،مالك أفصحنا و لم تخرج من بين أظهرنا؟قال:

«كانت لغة إسماعيل عليه السّلام قد درست فجاء بها جبريل عليه السّلام فحفظتها» (3).

و عن الحارث،قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في يوم ذي دجن:«كيف ترون بواسقها،»قالوا:ما أحسنها و أشدّ تراكمها،قال:«كيف ترون قواعدها؟»قالوا:ما أحسنها و أشدّ تمكّنها،قال:«كيف ترون جونها؟»قالوا:ما أحسنها و أشدّ سواده،قال:«كيف ترون رحاها استدارت؟»قالوا:نعم،ما أحسنها و أشد استدارتها،قال:«كيف ترونها أخفيا أو و ميضا،أم يشق شقا؟»قالوا:بلي يشق شقا، قال:فقال رجل:يا رسول اللّه،ما أفصحك،ما رأينا الذي هو أعرب منك؟قال:«حق لي،فإنّما أنزل القرآن عليّ بلسان عربي مبين» (4).

ص: 137


1- دلائل البيهقي:390/2 و ما بعدها.
2- لوامع أنوار الكوكب الدريّ:117/1-118 و تاريخ بغداد للخطيب البغدادي:337/5 ح 2873.
3- الخصائص الكبري:108/1)
4- الخصائص الكبري:108/1)

و عنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:«أعطيت جوامع الكلم،و اختصر لي الحديث اختصارا» (1).

و عن ابن عبّاس قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أفلج الثّنيتين،إذا تكلّم رئي كالنّور يخرج من بين ثناياه (2).

و قال جابر بن عبد اللّه:كان في كلام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ترتيب أو ترسيل (3).

***

ذكر شجاعته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

قال الإمام عليّ عليه السّلام:لقد رأيتني يوم بدر و نحن نلوذ بالنّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو أقربنا إلي العدوّ،و كان من أشدّ النّاس يومئذ بأسا (4).

و عنه عليه السّلام:كنّا إذا احمرّ البأس و لقي القوم القوم اتّقينا برسول اللّه،فما يكون أحد أقرب إلي العدوّ منه (5).

و عن البراء بن عازب:كنّا إذا احمرّ البأس نتّقي برسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و إنّ الشّجاع للّذي يحاذي به (6).

و قال عليه السّلام:لما حضر البأس يوم بدر اتّقينا برسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و كان من أشدّ الناس ما كان أحد،أو قال:لم يكن أحد،و قال بن المقريء:ما كان أو لا كان أحد أقرب إلي المشركين منه (5).

أخبرنا أبو القاسمبن السّمرقندي،و أبو عبد اللّه محمد بن طلحة بن علي الرازي،قالا:أنا أبو محمد الصّريفيني،أنا أبو القاسمبن حبابة،أنا أبو القاسم البغوي،أنا عليبن الجعد-قراءة من حفظه -أنا زهير عن أبي إسحاق قال:قال رجل للبراء:أي أبا عمارة،أ كنتم يوم حنين وليتم؟قال:لا و اللّه،ما ولّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و لكنّا لقينا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم.جمع هوازن،فرشقونا رشقا ما يكادون يخطئون،قال:فأقبلوا هناك إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم علي بغلته البيضاء،و أبو سفيانبن الحارثبن عبد المطلب يقود به،قال:فنزل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و استنصر ثم قال:

ص: 138


1- صحيح مسلم:كتاب المساجد و مواضع الصلاة ح 523 بتفاوت.و سنن الترمذي:كتاب السير ح 1553)
2- دلائل النبوة للبيهقي:215/1،مجمع الزوائد:279/8.
3- طبقات ابن سعد:375/1.
4- مكارم الأخلاق:25/53/1 و ح 26. (5 و 6) كنز العمّال:35463،35347.
5- مسند أحمد:86/1.

أنا النبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطّلب

قال:ثم صفّهم،أو قال:صفّنا (1).

و عن البراء أنّ النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لما لقي المشركين يوم حنين نزل عن بغلته فترجّل (2).

و عن جابر أن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال يوم حنين:«الآن حمي الوطيس»ثم انحي في ركابه ثم قال:

«انهزموا،و ربّ الكعبة»-مرّتين- (3).

و قال عباس بن عبد المطلب:شهدت النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يوم حنين،فلزمت أنا و أبو سفيانبن الحارثبن عبد المطلب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فلم نفارقه،و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم علي بغلة له شهباء-و قال أبو عوانة:بيضاء -أهداها إليه-و قال أبو عوانة:له-فروة بن ثعلبة-و قال[أبو]عوانة بن نفاثة-و هو الصواب الجذاميّ،فلما التقي المسلمون و الكفّار،ولي المسلمون منهزمين-و قال أبو عوانة:مدبرين (4)- فطفق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يركض بغلته نحو الكفّار،قال عباس:و أنا آخذ بلجامه و علي بين يديه مصلّت سيفه (5)-و قال أبو عوانة:بخطام بغلة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:-أكفها ارادة أن لا يسرع،و أبو سفيان آخذ بركاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أي عباس ناد»-زاد أبو طاهر:في و قالا:-أصحاب السمرة (6)قال عباس:و كنت رجلاّ صيّتا،فقلت بأعلي صوتي:أين أصحاب الشجرة؟-و قال أبو عوانة:السّمرة-و قال:فو اللّه لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر علي أولادها،فقالوا:

ألا يا لبيك يا لبيك،فاقتتلوا هم و الكفّار و الدّعوة في الأنصار:يا معشر الأنصار بم قصرت الدعوة علي بني الحارثبن الخزرج فقالوا:يا بني الحارثبن الخزرج،فنظر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو علي بغلته كالمتطاول عليها إلي قتالهم فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«هذا حين حمي الوطيس».

قال:ثم أخذ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم حصيّات فرمي بهن وجوه الكفّار،ثم قال:«انهزموا،و رب محمد»،قال:فذهبت أنظر،فإذا القتال علي هيئته علي ما أراه فو اللّه ما هو إلاّ أن رماهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بحصياته فما رأيت أري أحدهم ذليلا و أمرهم مدبرا.

قال:و كان عبد الرّحمنبن أزهر يحدّث أن خالد بن الوليد يومئذ خرج و هو علي الخيل،و هو خيل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،قال ابن أزهر:فلقد رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بعد ما هزم اللّه الكفّار و رجع المسلمون الي رحالهم يمشي في الناس و يقول:«من يدل علي رحل خالد بن الوليد»حتي دللناه علين.

ص: 139


1- صحيح البخاري في كتاب الجهاد:ح:2930 و مسلم في كتاب الجهاد و السير:1400/3.
2- صحيح ابن حبان:97/11 ح 4775.
3- صحيح مسلم:الجهاد و السير ح 1775)
4- ذكر المحدثون أنه لم يبق سوي علي و العباس و عبد الله بن الزبير و عقيل و نفر من أهل بيته(ص).
5- زيادة عن الغدير:208/7.
6- و هي الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان.

رحله،فإذا خالد مستندا الي مؤخرة رحله،فأتاه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فنظر الي جرحه-و قال الزهري:

و حسبت أنه قال:و تفل فيه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (1).

و عن أنس قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«فضّلت علي الناس بأربع:بالسماحة،و الشجاعة، و كثرة الجماع،و شدّة البطش» (2).

و عن أنس بن مالك قال:كان في المدينة فزع فركب النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فرسا لأبي طلحة فقال:ما رأينا من شيء و إن وجدناه لبحرا.

و برواية اخري عن أنس قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أشجع الناس و أحس الناس و أجود الناس، قال:لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق الناس قبل الصوت.قال:فتلقّاهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و قد سبقهم و هو يقول:لم تراعوا؟و هو علي فرس لأبي طلحة و في عنقه السيف قال:فجعل يقول للناس:لم تراعوا وجدناه بحرا أو إنّه لبحر (3).

قال الإمام الصّادق عليه السّلام:لمّا نزلت: لاٰ تُكَلَّفُ إِلاّٰ نَفْسَكَ كان أشجع النّاس من لاذ برسول اللّه عليه و آله السّلام (4).

و عن أنس:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أحسن النّاس،و كان أجود النّاس،و كان أشجع النّاس،و لقد فزع أهلا لمدينة ذات ليلة،فانطلق ناس قبل الصّوت،فتلقّاهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم راجعا-و قد سبقهم إلي الصّوت-و هو علي فرس لأبي طلحة عري،في عنقه السّيف و هو يقول:لم تراعوا،لم تراعوا (5).

***

ذكر جوده و سخائه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

عن ابن عبّاس قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أجود الناس بالخير،و كان أجود ما يكون في شهر رمضان،إنّ جبريل عليه السّلام كان يلقاه في كل سنة في رمضان-و قال الشّحّامي:في كل ليلة من رمضان -حتي ينسلخ،فيعرض عليه القرآن،فإذا لقيه جبريل عليه السّلام كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أجود بالخير من الريح المرسلة (6).

ص: 140


1- مسند الإمام أحمد:207/1.
2- الجامع الصغير للسيوطي:217/2 ح 5884.
3- بحار الأنوار:232/16.
4- البحار:31/340/16.
5- صحيح مسلم:2307.
6- فتح الباري:30/1 كتاب بدء الوحي،و:116/4 كتاب الصوم. و أخرجه مسلم في كتاب الفضائل(1803)و النسائي:125/4.

و عن أنس أن رجلا أتي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-زاد ابن حمدان:فأسلم و قالا:-فسأله فاعطاه غنما بين جبلين،فأتي الرجل قومه،فقال:أسلموا،فو اللّه إن محمدا يعطي عطاء رجل ما يخاف فاقة،و إن كان الرجل ليأتي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ما يريد إلي دنيا يصيبها فما يمسي حتي يكون دينه أحب إليه من الدنيا و ما فيها.

و عنه أن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عام حنين حين سأله الناس فأعطاهم من البقر و الغنم و الإبل حتي لم يبق من ذلك شيء،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«قد أعطيتكم من البقر و الغنم و الإبل حتي لم يبق معي من ذلك،فماذا تريدون،أتريدون أن تبخّلوني،فو اللّه ما أنا ببخيل و لا جبان و لا كذوب»،فجذبوا ثوبه حتي بدت رقبته،فكأنما أنظر حين بدا منكبه مثل شقة القمر من بياضه (1).

و من كتاب النبوة عن ابن عباس عن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:أنا أديب اللّه و عليّ أديبي،أمرني ربي بالسخاء و البر و نهاني عن البخل و الجفاء،و ما شيء أبغض إلي اللّه من البخل و سوء الخلق،و إنه ليفسد العمل كما يفسد الخلّ العسل (2).

و عن ابن عمر قال:ما رأيت أحدا أجود و لا أنجد و لا أشجع و لا أوضأ من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (3).

و عن جابر بن عبد اللّه قال:لم يكن يسأل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم شيئا قط فيقول:لا (4).

و عن ابن عباس قال:كان المسلمون لا ينظرون إلي أبي سفيان و لا يقاعدونه فقال:يا رسول اللّه ثلاث أعطنيهن،قال:نعم،قال:عندي أحسن العرب و أجملهم امّ حبيبة أزوّجكها،قال:نعم، قال:و معاوية تجعله كاتبا بين يديك،قال:نعم،قال:و تؤمرني حتي أقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين،قال:نعم.

قال ابن زميل:و لو لا أنه طلب ذلك من النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ما أعطاه إياه لأنّه لم يكن يسأل شيئا قط إلاّ قال:نعم (5).

و عن عمر قال:إن رجلا أتي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فسأله فقال:ما عندي شيء و لكن ابتغ عليّ فإذا جاءنا شيء قضيناه.

قال عمر:فقلت:يا رسول اللّه ما كلفك اللّه ما لا تقدر عليه.قال:فكره النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قوله (ذلك)فقال الرجل:أنفق و لا تخف من ذي العرش إقلالا.قال فتبسم النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و عرف السرور في وجهه.3.

ص: 141


1- مسند أحمد/مسند العشرة المبشرين بالجنة ح 128 بتفاوت.
2- بحار الأنوار:231/16.
3- بحار الأنوار:231/16.
4- بحار الأنوار:231/16.
5- تاريخ مدينة دمشق:460/23.

ذكر مزاحه وسعة صدره صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

عن أبي عباس قال:قيل:يا رسول اللّه،أنت تمزح؟قال:«نعم،و لكن لا أقول إلاّ حقّا» (1).

و عن عائشة:أن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كان مزّاحا،و كان يقول:«إنّ اللّه لا يؤاخذ المزّاح الصادق في مزاحه» (2).

و عن أنسبن مالك:أنّ رجلا أتي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يستحمله،فقال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«إنّا حاملوك علي ولد الناقة»فقال:يا رسول اللّه،و ما أصنع بولد الناقة؟قال:فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم له:«و هل تلد الإبل إلاّ النوق»؟ (3).

و عن ابن عباس أن رجلا سأله:أ كان النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يمزح؟فقال:كان النبي يمزح (4).

و عن الحسن بن علي عليه السّلام قال:سألت خالي هندا عن صفة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:كان إذا غضب أعرض و أشاح،و إذا فرح غضّ طرفه،جلّ ضحكه التبسّم،يفترّ عن مثل حبة الغمام (5).

و عن أنس بن مالك قال:رأيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم تبسّم حتي بدت نواجذه (6).

و عن أبي الدرداء قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا حدّث بحديث تبسّم في حديثه (7).

و عن يونس الشيباني قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:كيف مداعبة بعضكم بعضا قلت:قليلا، قال:هلاّ تفعلوا فإن المداعبة من حسن الخلق،و إنّك لتدخل بها السرور علي أخيك (8).

و لقد كان النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يداعب الرجل يريد به أن يسرّه.

***

علامة رضاه و غضبه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

عن ابن عمر قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يعرف رضاه و غضبه في وجهه،كان إذا رضي فكأنّما يلاحك الجدر وجهه (9)و إذا غضب خسف لونه و اسودّ (10).

عن كعب بن مالك قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا سرّه الأمر استنار وجهه كأنه دارة القمر (11).

ص: 142


1- مسند احمد 340/2-360)
2- تاريخ مدينة دمشق:37/4.
3- سنن أبو داود في كتاب الأدب،باب ما جاء في المزاح(ح 4998)النبوية:484)و قال:صحيح غريب.
4- مكارم الأخلاق للطبرسي:21.
5- مكارم الأخلاق للطبرسي:13.
6- بحار الأنوار:286/7.
7- مكارم الأخلاق للطبرسي:21.
8- الكافي للكليني:663/2.
9- لحك بالشيء:شدّ التيامه و ألزقه به،و سيجيء توضيحها في آخر الحديث الخامس.
10- مكارم الأخلاق للطبرسي:19.
11- مكارم الأخلاق للطبرسي:19.

عن عبد اللّه بن مسعود يقول:شهدت من المقداد مشهدا لأن أكون أنا صاحبه أحبّ إليّ مما في الأرض من شيء.

قال:كان النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا غضب احمرّ وجهه (1).

عن ابن عمر قال:كان النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يعرف رضاه و غضبه في وجهه،كان إذا رضي فكأنما يلاحك الجدر ضوء وجهه و إذا غضب خسف لونه و اسود (2).

قال أبو البدر:سمعت أبا الحكم الليثي يقول:هي المرآة توضع في الشمس فيري ضوؤها علي الجدار يعني قوله:يلاحك الجدر (3).

***

الرفق بامته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

عن أنس قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه فإن كان غائبا دعا له،و إن كان شاهدا زاره،و إن كان مريضا عاده (4).

و عن جابر بن عبد اللّه قال:غزا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إحدي و عشرين غزوة بنفسه شاهدت منها تسع عشر غزوة و غبت عن اثنتين،فبينا أنا معه في بعض غزواته إذ أعيا ناضحي تحت الليل فبرك،و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في أخريات الناس يزجي الضعيف،و يردفه و يدعو لهم،فانتهي إليّ و أنا أقول:يا لهف اماه ما زال لنا ناضح سوء (5)،فقال:من هذا؟فقلت:أنا جابر بأبي و امي يا رسول اللّه،قال:

و ما شأنك؟قلت:أعيا ناضحي،فقال:أمعك عصا؟فقلت:نعم،فضربه،ثمّ بعثه،ثمّ أناخه و وطئ علي ذراعه و قال:اركب،فركبت و سايرته فجعل جملي يسبقه فاستغفر لي تلك الليلة خمسة و عشرين مرة.

فقال لي:ما ترك عبد اللّه من الولد؟-يعني أباه-قلت:سبع نسوة،قال:أبوك عليه دين؟ قلت:نعم،قال:فإذا قدمت المدينة فقاطعهم فإن أبوا فإذا حضر جداد نخلكم (6)فآذنّي،فقال:هل تزوجت؟قلت:نعم،قال:بمن؟

ص: 143


1- مكارم الأخلاق للطبرسي:19.
2- مكارم الأخلاق للطبرسي:19.
3- مكارم الأخلاق للطبرسي:19.
4- مكارم الأخلاق للطبرسي:19.
5- نضح الماء:حمله من البئر أو النهر.هذا أصله ثمّ استعمل في كلّ بعير و إن لم يحمل الماء.
6- أجد النخل:حان وقت جداده،أعني قطعه.

قلت:بفلانة بنت فلان بأيّم (1)كانت بالمدينة،قال:فهلاّ فتاة تلاعبها و تلاعبك؟قلت:يا رسول اللّه،كنّ عندي نسوة خرق-يعني أخواته-فكرهت أن آتيهن بامرأة خرقاء،فقلت هذه أجمع لأمري،قال:أصبت و رشدت،فقال:بكم اشتريت جملك؟فقلت:بخمس أواق من ذهب،قال:

بعنيه و لك ظهره إلي المدينة.

فلما قدم المدينة أتيته بالجمل،فقال:يا بلال،أعطه خمس أواق من ذهب يستعين بها في دين عبد اللّه،و زده ثلاثا،و ردّ عليه جمله،قال:هل قاطعت غرماء عبد اللّه؟قلت:لا يا رسول اللّه، قال:أترك وفاء؟قلت:لا،قال:[لا عليك]فإذا حضر جداد نخلكم فآذنّي،فآذنته فجاء فدعا لنا فجدّدنا و استوفي كلّ غريم ما كان يطلب تمرا وفاء و بقي لنا ما كنا نجدّ (2)و أكثر،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:ارفعوا و لا تكيلوا،فرفعناه و أكلنا منه زمانا.

و عن ابن عباس قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا حدّث الحديث أو سئل عن الأمر كرّره ثلاثا ليفهم و يفهم عنه.

و عن ابن عمر قال:قال رجل:يا رسول اللّه،فقال:لبّيك.

و روي عن زيد بن ثابت قال:كنا إذا جلسنا إليه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إن أخذنا في حديث في ذكر الآخرة أخذ معنا،و إن أخذنا في ذكر الدنيا أخذ معنا،و إن أخذنا في ذكر الطعام و الشراب أخذ معنا،فكل هذا أحدّثكم عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

و عن أبي الحميساء قال:تابعت النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قبل أن يبعث فواعدته مكانا فنسيته يومي و الغد فأتيته اليوم الثالث،فقال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:يا فتي لقد شققت عليّ،أنا هاهنا منذ ثلاثة أيام.

و عن جرير بن عبد اللّه أنّ النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم دخل بعض بيوته فامتلأ البيت،و دخل جرير فقعد خارج البيت،فأبصره النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فأخذ ثوبه فلفّه و رمي به إليه و قال:اجلس علي هذا،فأخذه جرير فوضعه علي وجهه و قبّله.

و عن سلمان الفارسي قال:دخلت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو متكئ علي و سادة فألقاها إليّ،ثمّ قال:يا سلمان ما من مسلم دخل علي أخيه المسلم فيلقي له الوسادة إكراما له إلاّ غفر اللّه له.

***0.

ص: 144


1- أيّم وزان كيّس:المرأة التي لا زوج لها و هي مع ذلك لا يرغب أحد في تزويجها.
2- مكارم الأخلاق للطبرسي:20.

ذكر حيائه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

عن أبي سعيد الخدري قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أشد حياء من العذراء في خدرها،و كان إذا رأي شيئا يكرهه عرفنا ذلك في وجهه (1).

و عنه قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أشد حياء من العذراء في خدرها،و كان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه.

عن عائشة قالت:جاءت عجوز الي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو عندي فقال لها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«من أنت»؟قالت:أنا حنانة المزنية،قال:«بل أنت حسّانة المزنية،كيف أنتم؟كيف حالكم؟كيف كنتم بعدنا؟»قالت:بخير بأبي أنت و أمّي يا رسول اللّه،فلمّا خرجت قلت:يا رسول اللّه تقبل علي هذه العجوز هذا الإقبال،فقال:«إنها كانت تأتينا زمن خديجة و إن حسن العهد من الإيمان» (2).

و عن عليبن أبي طالب عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«ثلاث ليس لأحد من الناس فيهن رخصة:برّ الوالدين مسلما كان أو كافرا،و الوفاء بالعهد لمسلم كان أو كافر،و أداء الأمانة الي مسلم كان أو كافر» (3).

***

تواضعه و حسن حاله و رحمته لأمته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

عن أنس بن مالك قال:كان النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينتزع يده من يده حتي يكون الرجل هو الذي ينزع،و لا يصرف وجهه حتي يكون الرجل هو الذي يصرفه،و لم ير مقدما ركبتيه بين يدي جليس له (4).

و عن ابن أبي أوفي قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لا يأنف و لا يستكبر أن يمشي مع الأرملة و المسكين فيقضي له حاجته.

و عنه:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يكثر الذكر،و يقلّ اللغو،و يطيل الصّلاة،و يقصر الخطبة،و كان لا يأنف و لا يستكبر أن يمشي مع الأرملة و المسكين حتي يقضي له حاجته (5).

قال أبو امامة:كان حديث رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم القرآن،يكثر الذكر،و يقلّ اللغو،و يطيل الصّلاة

ص: 145


1- صحيح البخاري في 61 المناقب(ح 3562)،و في كتاب الأدب(الفتح 513/10)91،92 و البيهقي في الدلائل:316/1 و الترمذي في الشمائل رقم 351 و الذهبي في التاريخ(السيرة النبوية:455).
2- الإستيعاب 279/4.
3- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:70/71.
4- دلائل النبوة للبيهقي 320/1.
5- المستدرك 614/2 و دلائل النبوة 329/1.

و يقصّر الخطبة،و لا يأنف و لا يستكبر أن يمشي مع الضعيف و المسكين حتي يقضي حاجته (1).

و عن عائشة قالت:سئلت:فما كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يعمل في بيته؟قالت:كان بشرا من البشر،يفلّي ثوبه،و يحلب شاته،و يخدم (2).

عنها قالت:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في بيته مثل أحدكم في بيته،يخيط ثوبه،و يعمل ما يعمل أحدكم.و قالت:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يحب التيامن ما استطاع،في طهوره،و نعله و ترجّله و في شأنه كلّه (3).

و عن ابن عباس قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا نظر في المرآة قال:«الحمد لله الذي حسّن خلقي و خلقي وزان بيني ما شان من غيري»،و اذا اكتحل جعل في[كل]عين اثنين و واحدا بينهما- زاد ابن حمدان:و كان إذا لبس نعليه بدأ باليمين،و إذا خلع باليسري،و قال السدي:و إذا خلع خلع اليسري و كان إذا دخل المسجد أدخل رجله اليمني ثم اتفقا و قالا:-و كان يحب التيمن في كل شيء أخذ و أعطي (4).

و عن أبي هريرة قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا عطس خمّر وجهه و غض-أي خفض بها صوته - (5).

و عن ابن عباس قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يمشي مشيا يعرف فيه أنه ليس بعاجز و لا كسلان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (6).

عن سماكبن حرب قال:قلت لجابر بن سمرة:أ كنت تجالس النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم؟قال:نعم،و كان أصحابه يجلسون،فيتناشدون الشعر و يذكرون شيئا من أمر الجاهلية فيضحكون،و يتبسم معهم إذا ضحكوا-يعني النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (7)-.

و عن أبي هريرة قال:ما عاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم طعاما قط إن اشتهاه أكله،و إلاّ تركه (8).

و قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه يقول:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«لا تطروني كما أطرت النصاري ابن مريم،فإنّي أنا عبد،فقولوا:عبده و رسوله» (9).6.

ص: 146


1- تاريخ مدينة دمشق:57/4.
2- دلائل البيهقي 328/1.
3- طبقات ابن سعد:386/1.
4- مختصر ابن منظور 222/2.
5- المعجم الصغير للطبراني:42/1.
6- الجامع الصغير للسيوطي:395/2 ح 7177.
7- أخرجه مسلم في الفضائل(ح 2322)و في كتاب المساجد(ح 670)المسند:86/5 و 88.
8- المناقب فتح الباري 566/6،و مسلم في الأشربة(1632).
9- فتح الباري:476/6.

و عن ابن عبّاس أن اللّه عزّ و جلّ أرسل إلي نبيّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ملكا من الملائكة معه جبريل فقال الملك:يا رسول اللّه،إنّ اللّه يخيّرك بين أن تكون عبدا نبيا،و بين أن تكون ملكا نبيا،فالتفت النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم الي جبريل كالمستشير له،فأشار جبريل الي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أن تواضع،فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:

«لا،بل أكون عبدا نبيا»،فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متّكئا حتي لقي ربّه عزّ و جلّ (1).

و عنه قال:خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ذات يوم و جبريل عليه السّلام معه علي الصفا،فقال له محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:

«و الذي بعثك بالحق ما أمسي لآل محمد كفّ سويق و لا سفّة دقي فما أنهي كلامه بأسرع من أن سمع هدّة من السماء أقطعته فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«كادت...القيامة أن تقوم»؟فقال:لا،و لكن هذا إسرافيل عليه السّلام نزل إليك حين سمع اللّه كلامك،فأتاه إسرافيل فقال:إن اللّه سمع ما ذكرت فبعثني اليك بمفاتيح الأرض و أمرني أن أعرض عليك إن أحببت أن أسّير معك جبال تهامة زمردا و ياقوتا و ذهبا،و فضة،فعلت،فإن شئت نبيا ملكا،و إن شئت نبيا عبدا،فأومأ إليه جبريل عليهم السّلام:أن تواضع لله،فقال:«بل عبدا نبيا» (2).

و عن عائشة:أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:«أتاني ملك جرمه يساوي الكعبة فقال:إختر أن تكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا،فأومأ إليه جبريل عليه السّلام:أن تواضع لله فقال:بل أحب أن أكون عبدا نبيا، فشكر ربّي عزّ و جلّ ذلك فقال:أنت أوّل من تنشق عنه الأرض،و أول شافع» (3).

و عن جرير:أن رجلا أتي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقام بين يديه،فاستقبلته رعدة،فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«هوّن عليك،فإني لست بملك،إنّما أنا ابن امرأة كانت من قريش،تأكل القديد» (4).

و عن أبي سعيد الخدري قال:افتخر أهل الإبل و أهل الغنم عند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«السكينة و الوقار في أهل الغنم،و الفخر و الخيلاء في أهل الإبل»،و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:

«بعث موسي و هو يرعي غنما لأهله،قال:و بعثت أنا و أنا أرعي غنما لأهلي بأجياد» (5).

و عن أنس بن مالك قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يعود المريض،و يتبع الجنازة،و يجيب دعوة المملوك،و يركب الحمار،و كان يوم خيبر و يوم قريضة و النضير علي حمار مخطوم بحبل من ليف تحته إكاف من ليف (6).ه.

ص: 147


1- البداية و النهاية:48/6.
2- فتح الباري/الأطعمة ح 5398 سنن أبي داود/الأطعمة ح 3770 بتفاوت.
3- الطبقات الكبري لابن سعد:380/1.
4- دلائل النبوة للبيهقي:69/5.
5- طبقات ابن سعد:126/1.و أجياد موضع بمكة يلي الصفا(ياقوت).
6- المخطوم:من خطم الحمار بحبل أي جعله علي أنفه.و الإكاف:برذعة الحمار و جلّه.

و عن أنس بن مالك قال:لم يكن شخص أحبّ إليهم من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و كانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه لما يعرفون من كراهيته لذلك (1).

و عن ابن عباس قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يجلس علي الأرض و يأكل علي الأرض و يعتقل الشاة و يجيب دعوة المملوك (2).

و عن أنس بن مالك قال:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم مرّ علي صبيان فسلّم عليهم و هو مغذ (3).

و عن أسماء بنت يزيد قالت:إنّ النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم مرّ بنسوة فسلّم عليهن (4).

و عن ابن مسعود قال:أتي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم رجل يكلمه فأرعد،فقال:هوّن عليك فلست بملك، إنّما أنا ابن امرأة كانت تأكلّ القد (5).

و عن أبي ذر قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يجلس بين ظهراني أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيّهم هو حتي يسأل،فطلبنا إلي النبي أن يجعل مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه فبنينا له دكانا من طين فكان يجلس عليها و نجلس بجانبه (6).

و سئلت عائشة:ما كان النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يصنع إذا خلا؟قالت:يخيط ثوبه و يخصف نعله و يصنع ما يصنع الرجل في أهله.

و عنها:أحبّ العمل إلي رسول اللّه الخياطة (7).

و من كتاب النبوة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام يقول:مرّت برسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم امرأة بذيّة و هو جالس يأكل،فقالت:يا محمّد إنك لتأكل أكل العبد و تجلس جلوسه،فقال لها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:ويحك! و أيّ عبد أعبد مني،فقالت:أما لي فناولني لقمة من طعامك،فناولها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لقمة من طعامه،فقالت:لا و اللّه إلاّ التي في فيك،قال:فأخرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لقمة من فيه فناولها فأكلتها.

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:فما اصيبت بداء حتي فارقت الدنيا (8).

و عن أنس بن مالك قال:صحبت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عشر سنين و شممت العطر كله فلم أشم نكهة أطيب من نكهته،و كان إذا لقيه أحد من أصحابه قام معه فلم ينصرف حتي يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه،و إذا لقيه أحد من أصحابه فتناول بيده ناولها إياه فلم ينزع عنه حتي يكون الرجل هو6.

ص: 148


1- مكارم الأخلاق للطبرسي:16.
2- ميزان الحكمة للريشهري:3225/4.
3- مكارم الأخلاق للطبرسي:16.
4- مكارم الأخلاق للطبرسي:16.
5- القد بالكسر:الشيء المقدود،و بالفتح جلد السخلة،و بالضم:سمك بحري-بحار الأنوار:229/16.
6- مكارم الأخلاق:16.
7- الكافي للكليني:271/6 ح 2.
8- بحار الأنوار:230/16.

الذي ينزع عنه،و ما أخرج ركبتيه بين يدي جليس له قط،و ما قعد إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم رجل قط فقام حتي يقوم (1).

و عن أنس بن مالك قال:إنّ النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أدركه أعرابي فأخذ بردائه فجبذه جبذة شديدة حتي نظرت إلي صفحة عنق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و قد أثّرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته،ثمّ قال له:

يا محمّد مر لي من مال اللّه الذي عندك،فالتفت إليه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فضحك و أمر له بعطاء (2).

و عن أبي سعيد الخدري يقول:كان رسول اللّه حييّا،لا يسأل شيئا إلاّ أعطاه.

و عنه قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أشدّ حياءا من العذراء في خدرها،و كان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه (3).

و عن ابن مسعود قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:لا يبلغني أحد منكم عن أصحابي شيئا،فإنّي احب أن أخرج إليكم و أنا سليم الصدر (4).

***

ذكر زهده و عبادته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

عن عائشة:أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لم يشبع شبعتين في يوم حتي مات.

و عنها قالت:ان كان ليمرّ بنالشهر و نصف الشهر ما يوقد في بيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم نار لمصباح و لا غيره،قال:قلت:فما كانت عيشكم؟قالت:التمر و الماء.

و قالت:ما شبع آل محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من عشاء واحد حتي مضي،كأنها تقول:قبض النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

و قالت:ما شبع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ثلاثة أيام تباعا حتي مضي لسبيله.

و قالت عائشة:لقد توفي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و ما في بيتي شيء يأكله ذو كبد،غير شطرين من شعير في رف لي (5).

و عن أبي سلمة قال:قلت لعائشة:حدّثيني حديث الدنانير التي وضعها عندك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم، فقالت:غمي عليه كلّ ذلك يسألني عنها،قالت:ثم أفاق فأخذها و هي سبع دنانير فقال:«ما ظن محمد بربّه لو لقي اللّه عزّ و جلّ و هذه الدنانير عنده»قالت:فأخذها فبددها (6).

ص: 149


1- بحار الأنوار:230/16.
2- بحار الأنوار:230/16.
3- مكارم الأخلاق:17.
4- بحار الأنوار:220/16.
5- تاريخ مدينة دمشق:111/4.
6- البخاري في الرقاق،17 باب فتح الباري:283/11.

و عن أبي هريرة ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:«اللهمّ اجعل رزق آل محمد في الدنيا قوتا» (1).

و عن أنس بن مالك أن فاطمة جاءت بكسرة خبز الي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:«ما هذه الكسرة يا فاطمة؟»قالت:قرص خبزته،فلم تطب نفسي حتي أتيتك بهذه الكسرة،فقال:«أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام» (2).

و عن أبي البجير قال:أصاب النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم الجوع،فوضع علي بطنه حجرا،ثم قال:«ألا ربّ نفس طاعمة ناعمة في الدنيا،جائعة عارية يوم القيامة،ألا يا ربّ نفس جائعة عارية في الدنيا طاعمة ناعمة يوم القيامة،ألا يا ربّ مكرم لنفسه فهو لها مهين،ألا يا ربّ مهين لنفسه و هو لها مكرم،ألا يا ربّ منحوض و متنعم فيما أفاء اللّه علي رسوله،ما له عند اللّه من خلاق،ألا و إن عمل النار سهل بشهوة،ألا يا ربّ شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا» (3).

عن أبي عسيب قال:خرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ليلا،فدعاني،فخرجت إليه،ثم مرّ بأبي بكر فدعاه،فخرج إليه،ثم مرّ بعمر،فدعاه،فخرج إليه،فانطلق يمشي و نحن معه حتي دخل بعض حوائط الأنصار،فقال:«أطعمنا بسرا»فجاء بعذق فأكلوا،و جاء بماء فشربوا،فقال عمر:يا رسول اللّه،إنا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة؟قال:«نعم،إلاّ من ثلاث:إلاّ من كسرة يسد بها الرجل جوعه،و خرقة يواري بها عورته،و جحر يتدخل فيه من الحرّ و القرّ» (4).

و عن أبي ذرّ قال:قلت لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:إني أريد أن أبيت عندك الليلة فأصلّي بصلاتك، قال:«لا تستطيع صلاتي»،فقام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يغتسل فستر بثوب و أنا محوّل عنه،فاغتسل،ثم فعلت مثل ذلك،ثم قام يصلّي و قمت معه حتي جعلت أضرب برأسي الجدار من طول صلاته،ثم أتاه بلال الصلاة،قال:«أفعلت»؟قال:نعم،قال:«إنك يا بلال لتؤذن إذا كان الصبح ساطعا في السّماء،و ليس ذلك الصبح،إنما الصبح هكذا معترضا»،ثم دعا بسحور فتسحّر (5).

و عن أبي أيوب الأنصاري،قال:نزل عليّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم شهرا فبقيت في عمله كله فرأيته إذا زالت الشمس أو زاغت أو كما قال إن كان في يده عمل الدنيا رفضه،و إن كان نائما كأنما يوقظ له، فيقوم،فيغتسل أو يتوضأ،ثم يركع ركعات يتمّهن و يحسنهن،و يتمكث فيهن،فلما أراد أن ينطلق قلت:يا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم مكثت عندي شهرا و لوددت أنك مكثت عندي أكثر من ذلك،فبقيت فية.

ص: 150


1- و البيهقي في الدلائل:339/1 و الذهبي في السيرة النبوية:467.
2- طبقات ابن سعد:400/1،و مسند الإمام أحمد:213/3.
3- مسند أحمد/مسند بني هاشم ح 3008 بتفاوت.
4- أسد الغابة:214/5.
5- مسند أحمد:171/5 ط.الميمنية.

عملك كله،فرأيتك إذا زالت الشمس أو زاغت فإن كان في يدك عمل من الدنيا رفضته،و إن كنت نائما فكأنما توقظ له،فتغتسل،أو توضّأ،ثم تركع أربع ركعات تتمّهن و تحسّنهن،و تمكث فيهنّ، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«إن أبواب السماوات و أبواب الجنّة تفتح في تلك الساعة،فما ترتجّ أبواب السموات و أبواب الجنّة حتي نصلي هذه الصلاة،فأحببت أن يصعد لي تلك الساعة خير» (1).

قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-و قد قيلله-:لو اتّخذت فراشا،و هو علي حصير قد أثّر في جنبيه-:ما لي و للدّنيا؟!ما مثلي و مثل الدّنيا إلاّ كراكب سار في يوم صائف فاستظلّ تحت شجرة ساعة من نهار ثمّ راح و تركها (2).

و:و في خبر آخر:فلمّا جلس النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قد أثّر الحصير في جنبه فقال عمر:أمّا أنا فأشهد أنّك رسول اللّه و لانت أكرم علي اللّه من قيصر و كسري،و هما فيما هما فيه من الدّنيا و أنت علي الحصير قد أثّر في جنبك،فقال النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:أما ترضي أن يكون لهم الدّنيا و لنا الآخرة؟! (3)

و عن عمر:دخلت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو علي حصير،قال:فجلست،فإذا عليه إزاره، و ليس عليه غيره،و إذا الحصير قد أثّر في جنبه،و إذا أنا بقبضة من شعير نحو الصّاع،و قرظ في ناحية في الغرفة،و إذا إهاب معلّق،فابتدرت عيناي،فقال:ما يبكيك يابن الخطّاب؟فقال:يا نبيّ اللّه،و ما لي لا أبكي و هذا الحصير قد أثّر في جنبك و هذه خزانتك لا أري فيها إلاّ ما أري،و ذاك كسري و قيصر في الّثمار و الأنهار،و أنت نبيّ اللّه و صفوته،و هذه خزانتك؟!قال:يابن الخطّاب، أما ترضي أن تكون لنا الآخرة و لهم الدّنيا؟! (4)

و عنه:استأذنت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فدخلت عليه في مشربة (5)و إنّه لمضطجع علي خصفة إنّ بعضه لعلي التّراب،و تحت رأسه و سادة محشوّة ليفا،و إنّ فوق رأسه لاهابا عطنا،و في ناحية المشربة قرظ،فسلّمت عليه فجلست،فقلت:أنت نبيّ اللّه و صفوته و كسري و قيصر علي سرر الذّهب و فرش الدّيباج و الحرير؟!فقال:اولئك عجّلت لهم طيّباتهم و هي و شيكة الانقطاع،و إنّا قوم اخّرت لنا طيّباتنا في آخرتنا (6).

و عن عائشة:دخل أبو بكر و عمر عليه...فقال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:لا تقولا هذا،فإنّ فراش كسري و قيصر في النّار،و إنّ فراشي و سريري هذا عاقبته إلي الجنّة (7).

و عن جندب بن سفيان:أصابت النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أشاءة نخلة فأدمت إصبعه فقال:ما هي إلاّ إصبع1.

ص: 151


1- مجمع الزوائد:220/2.
2- مكارم الأخلاق:65/64/1.
3- البحار:37/257/16.
4- الترغيب و الترهيب:120/199/4.
5- المشربة-بالضم و الفتح:الغرفة.(النهاية:455/2). (6 و 7) الترغيب و الترهيب:120/200/4 و ص 121/201.

دميت و في سبيل اللّه ما لقيت.قال:فحمل فوضع علي سرير له مرمول بشرط،و وضع تحت رأسه مرفقة من أدم محشوّة بليف،فدخل عليه عمر و قد أثّر الشّريط بجنبه فبكي عمر،فقال:ما يبكيك؟ قال:يا رسول اللّه،ذكرت كسري و قيصر يجلسون علي سرر الذّهب و يلبسون السّندس و الإستبرق، أو قال:الحرير و الإستبرق،فقال:أما ترضون أن تكون لكم الآخرة و لهم الدّنيا؟!قال:و في البيت اهب لها ريح،فقال:لو أمرت بهذه فاخرجت!فقال:لا،متاع الحيّ،يعني الأهل (1).

و في مكارم الأخلاق:جاءه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ابن خولي بإناء فيه عسل و لبن،فأبي أن يشربه،فقال:

شربتان في شربة،و إناءان في إناء واحد؟!فأبي أن يشربه،ثمّ قال:ما احرّمه،و لكنّي أكره الفخر و الحساب بفضول الدّنيا غدا،و احبّ التّواضع،فإنّ من تواضع لله رفعه اللّه (2).

و عن يزيد بن قسيط:إنّ النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم اتي بسويق من سويق اللّوز،فلمّا خيف له قال:ماذا؟ قالوا:سويق اللّوز،قال:أخّروه عنّي،هذا شراب المترفين (3).

و عن أبي صخر:اتي النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بسويق لوز،فقال لهم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:أخّروه،هذا شراب المترفين (4).

قال الإمام الصّادق عليه السّلام:ما كان شيء أحبّ إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:من أن يظلّ(يصل)جائعا خائفا في اللّه (3).

و عنه عليه السّلام:ما أعجب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم شيء من الدّنيا إلاّ أن يكون فيها جائعا خائفا (4).

قال الإمام الباقر عليه السّلام:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لم يورّث دينارا و لا درهما و لا عبدا و لا وليدة و لا شاة و لا بعيرا،و لقد قبض صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و إنّ درعه مرهونة عند يهوديّ من يهود المدينة بعشرين صاعا من شعير استسلفها نفقة لأهله (5).

و عن ابن عبّاس:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم توفّي و درعه مرهونة عند رجل من اليهود علي ثلاثين صاعا من شعير،أخذها رزقا لعياله (6).

و عن عمرو بن الحارث:ما ترك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عند موته درهما و لا دينارا و لا عبدا و لا أمة و لا شيئا،إلاّ بغلته البيضاء الّتي كان يركبها و سلاحه،و أرضا جعلها لابن السّبيل صدقة (7).

قال الإمام الصّادق عليه السّلام:مات رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و عليه دين (8).5.

ص: 152


1- الطبقات الكبري:466/1.
2- مكارم الأخلاق:124/79/1. (3 و 4) الطبقات الكبري:395/1.
3- الكافي:99/129/8 و 7/129/2.
4- الكافي:99/129/8 و 7/129/2.
5- قرب الإسناد:304/91.
6- مكارم الأخلاق:66/65/1.
7- الترغيب و الترهيب:132/204/4.
8- الكافي:2/93/5.

بكاؤه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

و عن أنس بن مالك قال:رأيت إبراهيم بن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو يجود بنفسه،فدمعت عينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:تدمع العين و يحزن القلب و لا نقول إلاّ ما يرضي ربنا،و إنا بك يا إبراهيم لمحزونون (1).

و عن خالد بن سلمة المخزومي قال:لما اصيب زيد بن حارثة انطلق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إلي منزله،فلما رأته ابنته جهشت (2)فانتحب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و قال له بعض أصحابه:ما هذا يا رسول اللّه؟.

قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:هذا شوق الحبيب إلي الحبيب (3).

***

مشيه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

و عن جابر قال:كان رسول اللّه إذا خرج مشي أصحابه أمامه و تركوا ظهره للملائكة (4).

و عن ابن عباس قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا مشي مشي مشيا يعرف أنه ليس بمشي عاجز و لا بكسلان (5).

و عن أنس قال:كنا إذا أتينا النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم جلسنا حلقة (6).

و روي أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لا يدع أحدا يمشي معه إذا كان راكبا حتي يحمله معه فإن أبي قال:

تقدّم أمامي و أدركني في المكان الذي تريد،و دعاه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قوم من أهل المدينة إلي طعام صنعوه له، و لأصحاب له خمسة فأجاب دعوتهم،فلما كان في بعض الطريق أدركهم سادس،فماشاهم،فلما دنوا من بيت القوم قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم للرجل السادس:إنّ القوم لم يدعوك فاجلس حتي نذكر لهم مكانك و نستأذنهم لك (7).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا رئي في الليلة الظلماء رئي له نور كأنه شقّة قمر (8).

ص: 153


1- الذكري للشهيد الأول:70.
2- جهش إليه:فزع إليه باكيا.
3- مكارم الأخلاق للطبرسي:22،و البحار:236/16.
4- مكارم الأخلاق للطبرسي:22.
5- مكارم الأخلاق للطبرسي:22.
6- مكارم الأخلاق للطبرسي:22.
7- مكارم الأخلاق للطبرسي:22.
8- الكافي للكليني:446/1 ح 20.

و عنه عليه السّلام قال:نزل جبرئيل علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:إنّ اللّه جلّ جلاله يقرئك السلام و يقول لك:هذه بطحاء مكة إن شئت أن تكون لك ذهبا،قال:فنظر النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إلي السماء ثلاثا،ثمّ قال:

لا يا رب،و لكن أشبع يوما فأحمدك،و أجوع يوما فأسألك (1).

و و عنه عليه السّلام قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يحلب عنز أهله (2).

و عنه عليه السّلام قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:لست أدع ركوب الحمار مؤكفا (3)و الأكلّ علي الحصير مع العبيد و مناولة السائل بيدي (4).

و عن جابر بن عبد اللّه قال:كان في رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم خصال:لم يكن في طريق فيتبعه أحد إلاّ عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه و ريح عرقه،و لم يكن يمرّ بحجر و لا شجر إلاّ سجد له (5).

و عن ثابت بن أنس بن مالك قال:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كان أزهر اللون،كأنّ لونه اللؤلؤ،و إذا مشي تكفّأ،و ما شممت رائحة مسك و لا عنبر أطيب من رائحته،و لا مسست ديباجا و لا حريرا ألين من كفّ رسول اللّه،كان أخفّ الناس صلاة في تمام (6).

و عن جرير بن عبد اللّه قال:لما بعث النبي أتيته لابايعه،فقال لي:يا جرير لأي شيء جئت؟ قال:قلت:لأسلم علي يديك يا رسول اللّه،فألقي لي كساءه،ثمّ أقبل علي أصحابه فقال:إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه (7).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم واعد رجلا إلي الصخرة فقال:أنا لك هنا حتي تأتي،قال:فاشتدّت الشمس عليه،فقال له أصحابه:يا رسول اللّه لو أنك تحوّلت إلي الظل، قال:وعدته هاهنا و إن لم يجئ كان منه الجشر (8).

و عن عائشة قالت:قلت:يا رسول اللّه إنّك إذا دخلت الخلاء فخرجت دخلت في أثرك فلم أر شيئا خرج منك غير أني أجد رائحة المسك،قال:يا عائشة إنّا معشر الأنبياء بنيت أجسادنا علي أرواح أهل الجنة،فما خرج منّا من شيء ابتلعته الأرض (9).

و عن ابن عباس قال:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم دخل عليه عمر و هو علي حصير قد أثّر في جنبيه،6.

ص: 154


1- بحار الأنوار:238/16.
2- الكافي للكليني:86/5.
3- مؤكفا من اكف الحمار:شد عليه الاكف أي البرذعة و هي جلته.
4- بحار الأنوار:238/16.
5- الكافي للكليني:442/1.
6- مكارم الأخلاق للطبرسي:24.
7- مكارم الأخلاق للطبرسي:24.
8- الجشر:الترك.و بالتحريك المال الذي يرعي في مكانه و لا يرجع إلي أهله في الليل مكارم الأخلاق للطبرسي:24.
9- بحار الأنوار:239/16.

فقال:يا نبيّ اللّه لو اتخذت فراشا،فقال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:ما لي و للدنيا و ما مثلي و مثل الدنيا إلاّ كراكب سار في يوم صائف (1)فاستظلّ تحت شجرة ساعة من نهار ثمّ راح و تركها (2).

و عن ابن عباس قال:إنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم توفي و درعه مرهونة عند رجل من اليهود علي ثلاثين صاعا من شعير أخذها رزقا لعياله (3).

و عن أبي رافع قال:سمعت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يقول:إذا سمّيتم محمدا فلا تقبحوه و لا تجبهوه (4)و لا تضربوه،بورك لبيت فيه محمّد،و مجلس فيه محمّد،و رفقة فيها محمّد (5).

***

جلوسه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و تعليمه أصحابه آداب الجلوس

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يؤتي بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة،أو يسمّيه فيأخذه فيضعه في حجره تكرمة لأهله،فربما بال الصبي عليه فيصيح بعض من رآه حين يبول فيقول صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لا تزرموا بالصبي (6)، فيدعه حتي يقضي بوله،ثمّ يفرغ له من دعائه أو تسميته و يبلغ سرور أهله فيه،و لا يرون أنه يتأذي ببول صبيهم،فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعده (7).

و دخل عليه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم رجل المسجد و هو جالس وحده فتزحزح له صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال الرجل:في المكان سعة يا رسول اللّه:فقال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ حقّ المسلم علي المسلم إذا رآه يريد الجلوس إليه أن يتزحزح له (8).

و روي أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:من أحب أن يمثل له الرجال فليتبوأ مقعده من النار.

و قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:لا تقوموا كما يقوم الأعاجم بعضهم لبعض،و لا بأس بأن يتخلّل عن مكانه (9).

و روي عن أبي عبد اللّه من كتاب المحاسن قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا دخل منزلا قعد في أدني المجلس حين يدخل (10).

ص: 155


1- الصائف:الحار،و يقال:(صيف صائف)كما يقال:(ليل لائل).
2- مكارم الأخلاق للطبرسي:25.
3- بحار الأنوار:239/16.
4- جبهه الرجل:رده عن حاجته.ضربه علي جبهته.
5- بحار الأنوار:239/16.
6- زرم البول:انقطع.و لا تزرموا:يعني لا تقطعوا بوله.
7- مكارم الأخلاق للطبرسي:25.
8- مكارم الأخلاق للطبرسي:25.
9- مكارم الأخلاق للطبرسي:25.
10- الكافي للكليني:662/2 ح 6.

و روي عنه عليه السّلام قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أكثر ما يجلس تجاه القبلة (1).

و روي عنه عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:إذا أتي أحدكم مجلسا فليجلس حيث ما انتهي مجلسه (2).

و روي أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:إذا قام أحدكم من مجلسه منصرفا فليسلّم فليست الاولي بأولي من الاخري (3).

و روي عنه عليه السّلام أنّه قال:إذا قام أحدكم من مجلسه ثمّ رجع فهو أولي بمكانه (4).

و روي عن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أنه قال:أعطوا المجالس حقها،قيل:و ما حقها؟قال:غضّوا أبصاركم و ردّوا السلام و أرشدوا الأعمي و أمروا بالمعروف و انهوا عن المنكر (5).

و عن أبي أمامة قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا جلس جلس القرفصاء (6).

من كتاب المحاسن كان النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يجلس ثلاثا:يجلس القرفصاء و هو أن يقيم ساقيه و يستقلّهما بيديه فيشدّ يده في ذراعيه،و كان يجثو علي ركبتيه و كان يثني رجلا واحدا و يبسط عليها الاخري؛و لم ير متربعا قط،و كان يجثو علي ركبتيه و لا يتّكئ (7).

***

صفة أخلاقه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في مطعمه

و من كتاب مواليد الصادقين كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يأكل كلّ الأصناف من الطعام،و كان يأكل ما أحل اللّه له مع أهله و خدمه إذا أكلوا،و مع من يدعوه من المسلمين علي الأرض،و علي ما أكلوا عليه،و مما أكلوا،إلاّ أن ينزل بهم ضيف فيأكل مع ضيفه،و كان أحبّ الطعام اليه ما كان علي ضفف (8)،و لقد قال ذات يوم و عنده أصحابه:اللّهمّ إنّا نسألك من فضلك و رحمتك اللذين لا يملكهما غيرك،فبينما هم كذلك إذ اهدي إلي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم شاة مشوية فقال:خذوا هذا من فضل اللّه

ص: 156


1- الكافي للكليني:661/2 ح 4.
2- مكارم الأخلاق:26.
3- مكارم الأخلاق:26.
4- مكارم الأخلاق:26.
5- مكارم الأخلاق:26.
6- القرفصاء ممدودا،و مثلثة القاف و الفاء:أن يجلس الرجل علي أليته،و يلصق فخذين ببطنه:و يحتبي بيديه، و يضعهما علي ساقيه،أو يجلس علي ركبتيه منكبا،و يلصق بطنه بفخذيه،و يتأبط كفيه،في مكارم الأخلاق: 26.
7- جثا فلان كرمي و دعا:جلس علي ركبتيه،أو قام علي أطراف الأصابع،الكافي للكليني:661/2 ح 1.
8- الضفف:التناول مع الناس،أو كثرة الأيدي،و معناه:أنّه لم يأكل خبزا و لا لحما وحده.

و نحن ننتظر رحمته،و كان النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا وضعت المائدة بين يديه قال:بسم اللّه اللّهمّ اجعلها نعمة مشكورة نصل بها نعمة الجنة.و كان كثيرا إذا جلس ليأكل يأكل ما بين يديه و يجمع ركبتيه و قدميه كما يجلس المصلّي في اثنتين إلاّ أن الركبة فوق الركبة و القدم علي القدم و يقول صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:أنا عبد آكل كما يأكل العبد،و أجلس كما يجلس العبد (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ما أكل رسول اللّه متكئا منذ بعثه اللّه نبيا حتي قبضه اللّه اليه متواضعا لله،و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا وضع يده في الطعام قال:بسم اللّه اللّهمّ بارك لنا فيما رزقتنا و عليك خلفه (2).

و قال عليه السّلام:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا أكل عند قوم قال:أفطر عندكم الصائمون و أكل طعامكم الأبرار (3).

و قال:دعوة الصائم تستجاب عند إفطاره.

و قد جاءت الرواية:أنّ النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كان يفطر علي التمر،و كان إذا وجد السكّر أفطر عليه (4).

و عن الصادق عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كان يفطر علي الحلو فإذا لم يجده يفطر علي الماء الفاتر،و كان يقول:إنّه ينقي الكبد و المعدة و يطيّب النكهة و الفم و يقوي الأضراس و الحدق و يحدّ الناظر و يغسل الذنوب غسلا و يسكن العروق الهائجة و المرّة (5)الغالبة و يقطع البلغم و يطفي الحرارة عن المعدة و يذهب بالصداع (6).

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لا يأكل الحارّ حتّي يبرد و يقول:إنّ اللّه لا يطعمنا نارا،إنّ الطعام الحارّ غير ذي بركة فأبردوه.

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا أكل سمّي و يأكل بثلاث أصابع و مما يليه و لا يتناول من بين يدي غيره،و يؤتي بالطعام فيشرع قبل القوم ثمّ يشرعون.و كان يأكل بأصابعه الثلاث الإبهام و التي تليها و الوسطي و ربما استعان بالرابعة،و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يأكل بكفه كلها و لم يأكل بإصبعين و يقول:إنّ الأكل بإصبعين هو أكلة الشيطان.

و لقد جاءه بعض أصحابه يوما بالفالوذج فأكل فأكل منه و قال:ممّ هذا يا أبا عبد اللّه؟فقال:بأبي6.

ص: 157


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:241/16.
2- مكارم الأخلاق للطبرسي:27.
3- مكارم الأخلاق لطبرسي:27.
4- بحار الأنوار:242/16.
5- فتر الماء:سكن حره.النكهة:ريح الفم.الأضراس جمع ضرس:الأسنان و السن.النقاء:النظافة.و أحداق و حداق جمع حدقة محرّكة:سواد العين.المرة:خلط من أخلاط البدن غير الدم و الجمع مرار.
6- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:242/16.

أنت و امي نجعل السمن و العسل في البرمة (1)و نضعها علي النار ثمّ نقليه ثمّ نأخذ مخّ الحنطة إذا طحنت فنلقيه علي السمن و العسل ثمّ نسوطه حتي ينضج (2)فيأتي كما تري،فقال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:إنّ هذا الطعام طيّب (3).

و لقد كان يأكل الشعير غير منخول خبزا أو عصيدة في حالة كلّ ذلك كان أكله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

و من كتاب روضة الواعظين قال العيص بن القاسم:قلت للصادق عليه السّلام:حديث يروي عن أبيك أنّه قال:ما شبع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من خبز برّ قط،أ هو صحيح؟فقال:لا،ما أكل رسول اللّه خبز برّ قط و لا شبع من خبز شعير قط (4).

و قالت عائشة:ما شبع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم من خبز الشعير يومين حتي مات (5).

و روي أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لم يأكل علي خوان قط حتي مات و لا أكل خبزا مرققا (6)حتي مات (7).

و قالت عائشة:ما زالت الدننا عسرة كدرة حتي قبض رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فلما قبض صبّت الدننا صبّا (8).

و من كتاب النبوة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ما زال طعام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم الشعير حتي قبضه اللّه إليه (9).

عن أنس قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يجيب دعوة المملوك و يردفه خلفه و يضع طعامه علي الأرض،و كان يأكل القثاء بالرطب و القثاء بالملح،و كان يأكل الفاكهة الرطبة،و كان أحبها إليه البطيخ و العنب،و كان يأكل البطيخ بالخبز و ربما أكل بالسكّر.و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ربما أكل البطيخ بالرطب، و يستعين باليدين جميعا (10).

و لقد جلس يوما يأكل رطبا فأكل بيمينه و أمسك النوي بيساره و لم يلقه في الأرض،فمرّت به شاة قريبة منه فأشار إليها بالنوي الذي في كفه فدنت إليه و جعلت تأكل من كفه اليسري و يأكل هو بيمينه و يلقي إليها النوي حتي فرغ و انصرفت الشاة حينئذ.8.

ص: 158


1- البرمة كغرفة:قدر من الحجر.
2- السوط:الخلط.و نضج اللحم:استوي و طاب أكله.
3- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:242/16.
4- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:242/16.
5- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:242/16.
6- يقال:خبز رقاق بالضم:أي رقيق خلاف الغليظ.
7- مكارم الأخلاق:28.
8- مكارم الأخلاق:28.
9- مكارم الأخلاق:28.
10- مكارم الأخلاق:28.

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا كان صائما يفطر علي الرطب في زمانه و كان ربما أكل العنب حبة حبة، و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ربما أكل خرطا حتي يري رواله علي لحيته كتحدّر اللؤلؤ (1).و الروال الماء الذي يخرج من تحت القشر (2).

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يأكل الحيس (3)،و كان يأكل التمر و يشرب عليه الماء،و كان التمر و الماء أكثر طعامه.

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يتمجع (4)باللبن و التمر و يسميهما الأطيبين،و كان يأكل العصيدة من الشعير باهالة الشحم (5)و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يأكل الهريسة أكثر ما يأكل و يتسحّر بها،و كان جبرئيل قد جاءه بها من الجنة فتسحّر بها،و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يأكل في بيته مما يأكل الناس (6).

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يأكل اللحم طبيخا بالخبز و يأكله مشويا بالخبز،و كان يأكل القديد وحده و ربما أكله بالخبز،و كان أحب الطعام إليه اللحم و يقول:هو يزيد في السمع و البصر.

و كان يقول صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:اللحم سيد الطعام في الدنيا و الآخرة،و لو سألت ربي أن يطعمنيه كلّ يوم لفعل.و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يأكل الثريد باللحم و القرع (7)و يقول:إنّها شجرة أخي يونس.

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يعجبه الدباء و يلتقطه من الصحفة (8)(9).

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يأكل الدجاج و لحم الوحش و لحم الطير الذي يصاد،و كان لا يبتاعه و لا يصيده، و يحب أن يصاد له و يؤتي به مصنوعا فيأكله أو غير مصنوع فيصنع له فيأكله.

و كان إذا أكل اللحم لم يطأطئ رأسه إليه و يرفعه إلي فيه ثمّ ينتهشه انتهاشا (10).و كان يأكل الخبز و السمن.و كان يحب من الشاة الذراع و الكتف،و من الصباغ (11)الخل و من البقول الهندباء و الباذروج (12)و بقلة الأنصار و يقال إنّها الكرنب (13).و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لا يأكل الثوم و لا البصل و لاط.

ص: 159


1- خرط العنقود:وضعه في فمه و أخرج عمشوشه عاريا.
2- مكارم الأخلاق:28.
3- الحيس:طعام مركب من تمر و سمن و أقط،و ربما جعل معه سويق.
4- التمجع.أكل التمر اليابس باللبن معا أو أكل التمر و شرب عليه اللبن.
5- العصيدة:طعام من الشعير باهالة الشحم.و الاهالة:شحم المذاب أو دهن يؤتدم به.
6- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:244/16.
7- القرع:نوع من اليقطين و يقال أيضا:الدباء،و القديد:اللحم المقدد.
8- الصحفة:قصعة كبيرة منبسطة تشبع الخمسة،أو مناقع صغيرة للماء.
9- مكارم الأخلاق:29.
10- ينتهشه انتهاشا:الأخذ بمقدم الأسنان للأكل.و قيل:النهس بالمهملة.
11- الصبغ بالكسر:ما يصطبغ به من الادام و الزيت لأنّ الخبز يغمس فيه.
12- باذروج:نبات يؤكل،و هو نوع من الريحان الجبلي.
13- نبات بستاني أحلي و أغض من القنبيط.

الكراث و لا العسل الذي فيه المغافير و هو ما يبقي من الشجر في بطون النحل فيلقيه في العسل فيبقي ريح في الفم (1).

و ما ذمّ رسول اللّه طعاما قط،كان إذا أعجبه أكله و إذا كرهه تركه.و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا عاف شيئا فانّه لا يحرّمه علي غيره و لا يبغضه إليه.و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يلحس الصحفة و يقول:آخر الصحفة أعظم الطعام بركة،و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا فرغ من طعامه لعق أصابعه الثلاث التي أكل بها فإن بقي فيها شيء عاوده فلعقها حتي تتنظف،و لا يمسح يده بالمنديل حتي يلعق أصابعه واحدة واحدة و يقول:إنّه لا يدري في أي الأصابع البركة (2).

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يأكل البرد و يتفقد ذلك أصحابه فيلتقطونه له فيأكله و يقول إنّه يذهب بأكلة الأسنان (3).و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يغسل يديه من الطعام حتي ينقيهما فلا يوجد لما أكل ريح (4).

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا أكل الخبز و اللحم خاصة غسل يديه غسلا جيدا،ثمّ مسح بفضل الماء الذي في يده وجهه.و كان لا يأكل وحده ما يمكنه و قال:ألا انبئكم بشراركم؟قالوا:بلي،قال:من أكل وحده و ضرب عبده و منع رفده (5).

***

صفة أخلاقه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في مشربه

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا شرب بدأ فسمّي و حسا حسوة و حسوتين (6)ثمّ يقطع فيحمد اللّه ثمّ يعود فيسمّي، ثمّ يزيد في الثالثة،ثمّ يقطع فيحمد اللّه،فكان له في شربه ثلاث تسميات و ثلاث تحميدات،و يمصّ الماء مصّا و لا يعبّه عبّا،و يقول صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:إن الكباد من العب (7).

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لا يتنفس في الإناء إذا شرب،فإن أراد أن يتنفس أبعد الإناء عن فيه حتّي يتنفّس.

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ربما شرب بنفس واحد حتي يفرغ.و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يشرب في أقداح القوارير التي يؤتي بها من الشام،و يشرب في الأقداح التي يتخذ من الخشب،و في الجلود،و يشرب في الخزف،و يشرب

ص: 160


1- مكارم الأخلاق:29.
2- مكارم الأخلاق:30.
3- أكل و تأكل السن،صار منخورا و سقط.
4- مكارم الأخلاق للطبرسي:30.
5- الرفد:الضيف،مكارم الأخلاق:30.
6- الحسوة بالضم و الفتح:الجرعة،و حسا حسوا:شرب منه شيئا بعد شيء.
7- الكباد بالضم:وجع الكبد.

بكفيه،يصب فيهما الماء و يشرب و يقول:ليس إناء أطيب من الكف و يشرب من أفواه القرب و الأداوي (1)و لا يختنثها اختناثا و يقول:إنّ اختناثها (2)ينتنها.و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يشرب قائما و ربما يشرب راكبا و ربما قام فشرب من القربة أو الجرّة (3)أو الاداوة و في كلّ إناء يجده،و في يديه.و كان يشرب الماء الذي حلب عليه اللبن و يشرب السويق (4).

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أحبّ الأشربة إليه الحلو،و في رواية:أحبّ الشراب إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم الحلو البارد.و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يشرب الماء علي العسل.و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يماث له الخبز فيشربه أيضا.و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يقول:سيد الأشربة في الدنيا و الآخرة الماء (5).

و قال أنس بن مالك:كانت لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم شربة يفطر عليها و شربة للسحر و ربما كانت واحدة و ربما كانت لبنا و ربما كانت الشربة خبزا يماث،فهيّأتها له صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ذات ليلة فاحتبس النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فظننت أنّ بعض أصحابه دعاه فشربتها حين احتبس،فجاء صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بعد العشاء بساعة،فسألت بعض من كان معه:هل كان النبي أفطر في مكان أو دعاه أحد؟فقال:لا،فبتّ بليلة لا يعلمها إلاّ اللّه خوف أن يطلبها مني النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و لا يجدها،فيبيت جائعا فأصبح صائما و ما سألني عنها و لا ذكرها حتي الساعة (6).

و لقد قرّب إليه إناء فيه لبن و ابن عباس عن يمينه و خالد بن الوليد عن يساره،فشرب ثمّ قال لعبد اللّه بن عباس:إن الشربة لك أفتأذن أن اعطي خالد بن الوليد-يريد الأسنّ-؟فقال ابن عباس:

لا و اللّه لا اوثر بفضل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أحدا،فتناول ابن عباس القدح فشربه (7).

و لقد جاءه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ابن خولي بإناء فيه عسل و لبن فأبي أن يشربه فقال:شربتان في شربة و إناءان في إناء واحد،فأبي أن يشربه.ثمّ قال:ما احرّمه و لكني أكره الفخر و الحساب بفضول الدنيا غدا و احب التواضع،فإن من تواضع لله رفعه اللّه (8).2.

ص: 161


1- أداوي جمع أدواة:المطهرة،و هي إناء صغير من جلد يتطهر و يشرب.
2- الاختناث من خنث السقاء:كسر فمه و ثناه إلي الخارج.
3- الجرّة،المرة من الجر:إناء من خزف له بطن كبير و عروتان وفم واسع.
4- مكارم الأخلاق للطبرسي:31.
5- مستدرك الوسائل:29/17.
6- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:246/16.
7- مكارم الأخلاق للطبرسي:32.
8- مكارم الأخلاق للطبرسي:32.

دهنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يحب الدهن و يكره الشعث (1)و يقول:إنّ الدهن يذهب بالبؤس.و كان يدّهن بأصناف من الدهن.و كان إذا ادّهن بدأ برأسه و لحيته و يقول:إنّ الرأس قبل اللحية.و كان يدّهن بالبنفسج و يقول:هو أفضل الأدهان.و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا ادّهن بدأ بحاجبيه ثمّ بشاربيه ثمّ يدخله في أنفه و يشمّه ثمّ يدّهن رأسه.و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يدّهن حاجبيه من الصداع و يدّهن شاربيه بدهن سوي دهن لحيته.

تسريحه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يتمشط و يرجّل رأسه بالمدري (2)و ترجّله نساؤه و تتفقد نساؤه تسريحه إذا سرّح رأسه و لحيته فيأخذن المشاطة،فيقال:إنّ الشعر الذي في أيدي الناس من تلك المشاطات،فأمّا ما حلق في عمرته و حجّته فإنّ جبريل عليه السّلام كان ينزل فيأخذه فيعرج به إلي السماء.و لربما سرّح لحيته في اليوم مرتين.و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يضع المشط تحت و سادته إذا تمشط به و يقول:إنّ المشط يذهب بالوباء.

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يسرّح تحت لحيته أربعين مرة و من فوقها سبع مرات و يقول:إنّه يزيد في الذهن و يقطع البلغم.

و في رواية عن النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أنّه قال:من أمرّ المشط علي رأسه و لحيته و صدره سبع مرات لم يقاربه داء أبدا.

طيبه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يتطيّب بالمسك حتي يري و بيصه في مفرقه (3).و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يتطيب بذكور الطيب (4)و هو المسك و العنبر.و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يطيّب بالغالية تطيّبه بها نساؤه بأيديهن.و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يستجمر بالعود القماري (5)و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يعرف في الليلة المظلمة قبل أن يري بالطيب.فيقال:هذا النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

عن الصادق عليه السّلام قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ينفق علي الطيب أكثر ما ينفق علي الطعام (6).

و قال الباقر عليه السّلام:كان في رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ثلاث خصال لم تكن في أحد غيره:لم يكن له فيء.و كان لا يمرّ في طريق فيمرّ فيه أحد بعد يومين أو ثلاثة إلاّ عرف أنّه قد مرّ فيه لطيب عرفه.

و كان صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لا يمرّ بحجر و لا بشجر إلاّ سجد له (7).

ص: 162


1- الشعث:تلبّد الشعر،و منه رجل أشعث و امرأة شعثاء،و أصله الانتشار و التفرق.
2- المدري:نوع من المشط،يقال دري الرأس:حكّه بالمدري.
3- وبيصه:من وبص وبصا:لمع و برق.و المفرق:موضع افتراق الشعر كالفرق.
4- الذكارة و الذكورة:ما يصلح للرجل.و هو ما لا لون له كالمسك و العنبر و العود.
5- القماري بالفتح:نوع من عود منسوب إلي القمار،و هو موضع.
6- مكارم الأخلاق للطبرسي:34.
7- مكارم الأخلاق للطبرسي:34.

و كان لا يعرض عليه طيب إلاّ تطيّب به و يقول:هو طيّب ريحه خفيف حمله،و إن لم يتطيّب وضع إصبعه في ذلك الطيب ثمّ لعق منه (1).

و كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يقول:جعل اللّه لذّتي في النساء و الطيب،و جعل قرّة عيني في الصلاة و الصوم (2).

تكحّله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم

و كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يكتحل في عينه اليمني ثلاثا و في اليسري اثنتين.و قال:من شاء اكتحل ثلاثا و كلّ حين،و من فعل دون ذلك أو فوقه فلا حرج.و ربما اكتحل و هو صائم.و كانت له مكحلة يكتحل بها بالليل.و كان كحله الإثمد.

نظره صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في المرآة

و كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ينظر في المرآة و يرجّل جمّته (3)و يتمشط.و ربما نظر في الماء و سوّي جمّته فيه.

و لقد كان يتجمّل لأصحابه فضلا عن تجمّله لأهله.

و قال ذلك لعائشة حين رأته ينظر في ركوة (4)فيها ماء في حجرتها و يسوّي فيها جمّته و هو يخرج إلي أصحابه،فقالت:بأبي أنت و امي تتمرّأ (5)في الركوة و تسوّي جمّتك و أنت النبي و خير خلقه؟!فقال:إنّ اللّه يحب من عبده إذا خرج إلي إخوانه أن يتهيّأ لهم و يتجمّل.

إطلاؤه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم

و كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يطلي فيطليه من يطليه حتي إذا بلغ ما تحت الإزار تولاّه بنفسه.كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لا يفارقه في أسفاره قارورة الدهن و المكحلة و المقراض و المسواك و المشط.و في رواية:يكون معه الخيوط و الإبرة و المخصف و السيور فيخيط ثيابه و يخصف نعله.و كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذا استاك استاك عرضا (6).

لباسه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم

و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يلبس الشملة و يأتزر بها و يلبس النمرة و يأتزر بها أيضا (7)فتحسن عليه النمرة لسوادها علي بياض ما يبدو من ساقيه و قدميه.

ص: 163


1- مكارم الأخلاق للطبرسي:34.
2- مكارم الأخلاق للطبرسي:34.
3- الجمّة بالضم:مجتمع شعر الرأس.
4- الركوة:إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء.
5- من الرؤية و الميم زائدة،أي تنظر.
6- استاك استياكا:أي تدلك بالمسواك.
7- الشملة:كساء دون القطيفة يشتمل به.و النمرة بالفتح و الكسر:شملة أو بردة من صوف فيها خطوط بيض و سود.

و قيل:لقد قبضه اللّه جلّ و علا و أن له لنمرة تنسج في بني عبد الأشهل يلبسها صلّي اللّه عليه و آله و سلّم.

و ربما كان يصلّي بالناس و هو لابس الشملة.

و قال أنس:ربما رأيته صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يصلّي بنا الظهر في شملة عاقدا طرفيها بين كتفيه (1).

عمامته و قلنسوته صلّي اللّه عليه و آله و سلّم

و كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يلبس القلانس تحت العمائم و يلبس القلانس بغير العمائم،و العمائم بغير القلانس.

و كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يلبس البرطلة (2)و كان يلبس من القلانس اليمنية و من البيض (3)المصرية و يلبس القلانس ذوات الآذان في الحرب و منها ما يكون من السيجان (4)الخضر.و كان ربما نزع قلنسوته فجعلها ستره بين يديه يصلّي اليها.

و كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كثيرا ما يتعمم بعمائم الخزّ السود في أسفاره و غيرها و يعتجر اعتجارا (5)،و ربما لم تكن له العمامة فيشدّ العصابة علي رأسه أو علي جبهته و كان شدّ العصابة من فعاله كثيرا ما يري عليه.

و كانت له صلّي اللّه عليه و آله و سلّم عمامة يعتم بها يقال لها:السحاب،فكساها عليا عليه السّلام و كان ربما طلع علي فيها فيقول:أتاكم علي تحت السحاب يعني عمامته التي وهبها له.

و قالت عائشة:و لقد لبس رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم جبّة صوف و عمامة صوف ثمّ خرج فخطب الناس علي المنبر،فما رأيت شيئا مما خلق اللّه تعالي أحسن منه فيها (6).

كيفية لبسه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم

و كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذا لبس ثوبا جديدا قال:«الحمد لله الذي كساني ما يواري عورتي و أتجمّل به في الناس».و كان إذا نزعه نزع من مياسره أوّلا.

و كان من أفعاله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذا لبس الثوب الجديد حمد اللّه ثمّ يدعو مسكينا فيعطيه القديم ثمّ يقول:

ما من مسلم يكسو مسلما من شمل ثيابه إلاّ يكسوه اللّه إلاّ كان في ضمان اللّه و حرزه و خيره و أمانه، حيا و ميتا.

ص: 164


1- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:250/16.
2- البرطلة:قلنسوة طويلة.و في بعض النسخ(البرطل).
3- البيض:الخوذة،و هو من آلات الحرب لوقاية الرأس.
4- السيجان جمع الساج:الطيلسان الواسع المدور.
5- اعتجر:لفّ عمامته.و الاعتجار:لبس العمامة دون التلحي و هو أن يلفّها علي رأسه و يرد طرفها علي وجهه، و لا يعمل منها شيئا تحت ذقنه.
6- مكارم الأخلاق للطبرسي:36.

و كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذا لبس ثيابه و استوي قائما قبل أن يخرج قال:«اللّهمّ بك استترت و إليك توجّهت و بك اعتصمت و عليك توكلت،اللّهمّ أنت ثقتي و أنت رجائي،اللّهمّ اكفني ما أهمّني و ما لا أهمّني و ما لا أهتمّ به و ما أنت أعلم به مني عزّ جارك و جلّ ثناؤك و لا آله غيرك،اللّهمّ زوّدني التقوي و اغفر لي ذنبي و وجّهني للخير حيثما توجّهت»ثمّ يندفع لحاجته.

و كان له صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ثوبان للجمعة خاصّة سوي ثيابه في غير الجمعة.

و كانت له صلّي اللّه عليه و آله و سلّم خرقة و منديل يمسح به وجهه من الوضوء،و ربما لم يكن معه المنديل فيمسح وجهه بطرف الرداء الذي يكون عليه.

خاتمه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم

و كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لبس خاتما من فضة و كان فصّه حبشيّا فجعل الفصّ مما يلي بطن الكف.و لبس خاتما من حديد ملو فضة أهداها له معاذ بن جبل فيه:محمّد رسول اللّه،و لبس خاتمه في يده اليمني ثمّ نقله إلي شماله،و كان خاتمه الآخر الذي قبض و هو في يده خاتم فضة فصّه فضة ظاهرا كما يلبس الناس خواتيمهم و فيه:محمّد رسول الله.

و كان يستنجئ بيساره و هو فيها.

و يروي أنّه لم يزل كان في يمينه إلي أن قبض.و كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم ربما جعل خاتمه في إصبعه الوسطي في المفصل الثاني منها.

و ربما لبسه كذلك في الإصبع التي تلي الإبهام.و كان ربما خرج علي أصحابه و في خاتمه خيط مربوط ليستذكر به الشيء.

و كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يختم بخواتيمه علي الكتب و يقول:الخاتم علي الكتاب حرز من التهمة.

نعله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم

و كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يلبس النعلين بقبالين (1)و كانت مخصرة معقّبة حسنة التخصير مما يلي مقدم العقب مستوية ليست بملسّنة (2)و كان منها ما يكون في موضع الشيء الخارج قليلا.و كان كثيرا ما يلبس السبتية (3)التي ليس لها شعر.و كان إذا لبس بدأ باليمني و إذا خلع بدأ باليسري.و كان يأمر بلبس النعلين جميعا و تركها جميعا كراهة أن يلبس واحدة دون الاخري.و كان يلبس من الخفاف من كلّ ضرب.

ص: 165


1- القبال بالكسر:زمام النعل.
2- مخصرة:أي مستدقة الوسط،و كانت نعله مخصرة أي لها دقة في الوسط.و كانت معقبة:أي جعل لها العقب.غير ملسنة:أي ما جعلت شبيهة باللسان في دقة مقدمه.
3- السبت:الجلد المدبوغ.

ما يقول عند استيقاظه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم

عن أبي جعفر عليه السّلام قال:ما استيقظ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من نوم إلاّ خرّ للّه ساجدا.

و روي أنّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان لا ينام إلاّ و السواك عند رأسه،فإذا نهض بدأ بالسواك.

و قال صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:لقد امرت بالسواك حتي خشيت أن يكتب عليّ.

و كان مما يقول:«اللّهمّ إني أسألك خير هذا اليوم و نوره و هداه و بركته و طهوره و معافاته، اللّهمّ إنّي أسألك خيره و خير ما فيه و أعوذ بك من شرّه و شرّ ما بعده».

غسل رأسه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم

و كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إذا غسل رأسه و لحيته غسلهما بالسدر.

سواكه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم

و كان صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يستاك كلّ ليلة ثلاث مرات:مرة قبل نومه و مرة إذا قام من نومه إلي ورده،و مرة قبل خروجه إلي صلاة الصبح.و كان يستاك بالأراك،أمره بذلك جبرئيل عليه السّلام.

عن الصادق عليه السّلام قال:إني لأكره للرجل أن يموت و قد بقيت عليه خلّة من خلال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لم يأت بها (1).

***

ذكر معاجزه و دلائل نبوته صلّي اللّه عليه و آله و سلّم

اشارة

عن علي عليه السّلام قال:كنّا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بمكة فرحنا في نواحيها (2)خارجا منها فلم نمرّ بشجرة و لا جبل إلاّ قال:السلام عليك يا رسول اللّه (3).

و روي جابر بن سمرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إنّي لأعرف حجرا بمكّة كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث و إنّي لأعرفه الآن» (4).

و قال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه:كنّا نعدّ الآيات بركة و أنتم تعدّونها تخويفا،كنّا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في سفر فقل الماء فقال:«اطلبوا فضلا من ماء»فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في

ص: 166


1- الحدائق الناضرة للبحراني:119/24.
2- في المصدر:فخرجنا معه في بعض نواحيها.
3- سنن الدارمي:12/1.
4- صحيح ابن حبان:402/14 باب 5 المعجزات،و دلائل النبوة:49.

الاناء ثمّ قال:«حي علي الطهور المبارك»و لقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و لقد كنّا نسمع نسج الطعام و هو يؤكل (1).

و عن أنس رضي اللّه عنه أنّ أهل مكّة سألوا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أن يريهم آية؛فأراهم القمر شقّتين حتّي رأوا حراء بينهما (2).

و عن أنس أيضا أنّ النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم أتي بإناء و هو في الزوراء فوضع يده في الاناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضّأ القوم،قال قتادة:قلت لأنس:كم كنتم؟قال:ثلاثمائة أو زهاء ثلاثمائة (3).

و روي جابر رضي اللّه عنه قال:عطش الناس يوم الحديبية و رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بين يديه ركوة يتوضّأ منها فأقبل الناس نحوه فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم«ما لكم؟»فقالوا:يا رسول اللّه ليس عندنا ما نتوضّأ به و لا نشرب إلاّ ما في ركوتك،قال:فوضع النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون قال:فشربنا و توضّأنا،فقلت لجابر:كم كنتم يومئذ؟

قال:لو كنّا مائة ألف لكفانا،كنّا خمس عشرة مائة (4).

و عن عمران بن حصين قال:سري رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم في سفر هو و أصحابه فأصابهم عطش شديد فأرسل النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم رجلين من أصحابه قال:أحسبه عليا و الزبير أو غيرهما فقال:«إنّكما ستجدان امرأة بمكان كذا و كذا معها بعير عليه برادتان فأتياني بها» (5)قال:فأتيا المرأة فوجداها قد ركبت بين برادتين (6)علي البعير فقالا لها:أجيبي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقالت:و من رسول اللّه هذا الصابئي؟

قالا:هو الذي تعنين و هو رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم حقّا،فجاءا بها فأمر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فجعل في إناء من برادتيها ثمّ قال فيه ما شاء اللّه أن يقول،ثمّ أعاد الماء في البرادتين ثمّ أمر بعزلاء البرادتين (7)ففتحت ثمّ أمر الناس فملأوا آنيتهم و أسقيتهم فلم يدعوا يومئذ إناء و لا سقاء إلاّ ملأوه.

قال عمران:حتّي كان يخيّل إليّ أنّها لم تزدد إلاّ امتلاء قال:فأمر النبيّ صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بثوبها فبسط ثمّ أمر أصحابه فجاؤوا من زادهم حتّي ملأ لها ثوبها ثمّ قال لها:«اذهبي فإنّا لم نأخذ من مائك شيئا و لكن اللّه سقانا»فجاءت أهلها فأخبرتهم فقالت:حسبكم من عند السحر الناس (8)أو إنّه لرسول اللّهس.

ص: 167


1- صحيح البخاري:171/4.
2- تحفة الأحوذي:341/6 باب 20.
3- صحيح البخاري:169/4.
4- مسند أحمد:329/3،و دلائل النبوة:120.
5- في المصدر:مزادتان.
6- في المصدر:مزادتين.
7- في المصدر:أمر بعرا المزادتين،و في صحيح البخاري:العزالي و هو جمع عزلاء و هو مصب الماء من الراوية.
8- في المصدر:جئتكم من عند أسحر الناس.

حقّا قال:فجاء أهل ذلك الحواء (1)حتّي أسلموا كلّهم (2).

و في هذا الحديث دليل علي أن أواني المشركين علي الطهارة ما لم يعلم النجاسة فيها،و دليل علي أنّ أخذ ماء الغير يجوز عند ضرورة العطش بالعوض،و قد أعطاها النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم من الزاد ما كان عوضا عن مائها و المزادة هي التي يسمّيها الناس راوية،و إنّما الراوية البعير الذي يسقي عليه و السطيحة نحو المزادة غير أنّها أصغر من البرادة تصنع من جلد واحد،و المزادة أكثر من ذلك، و العزلاء فم المزادة الأسفل،و الصابي عند العرب الذي خرج من دين إلي دين و كان المشركون يقولون لمن أسلم قد صبا.

و روي أبو قتادة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم خرج في جيش فلما كان في بعض الطريق تخلّف لبعض حاجته و تخلّفت معه ميضئته و هي الادواة فقضي حاجته ثمّ جاءني فسكبت عليه من الميضأة فتوضّأ قال لي:احفظها فلعلّه أن يكون لبقيتها شأن قال:و سار الجيش فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«إن يطيعوا أبا بكر و عمر يرفقوا بأنفسهم و إن يعصوهما يشقوا علي أنفسهم».

قال:و كان أبو بكر و عمر قد أشارا عليهم أن ينزلوا حتّي يبلغوا الماء.

و قال بقيّة الناس:بل ننزل حتّي يأتي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم قال:فنزلوا فجئناهم في نحر الظهيرة و قد هلكوا من العطش فدعا النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بالميضأة فأتيته بها فاستأبّطها (3)ثمّ جعل يصبّ لهم فشربوا و توضّأوا حتّي رووا و ملأوا كلّ إناء كان معهم حتّي جعل يقول:هل من عال؟

قال:خيّل إليّ أنّها كما أخذها و كانوا يومئذ اثنين و سبعين رجلا (4).

و عن يعلي بن مرّة الثقفي قال:ثلاثة أشياء رأيتها من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:بينما نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يثني (5)عليه قال:فلمّا رآه البعير جرجر فوضع جرانه بالأرض فوقف عليه النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم و قال:«أين صاحب هذا البعير»؟

فجاءه فقال النبي صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:«بعنيه»قال:بل نهبه لك يا رسول اللّه قال:«بل بعنيه»قال:بل نهبه لك يا رسول اللّه قال:«بل بعنيه»قال:بل نهبه لك و إنّه لأهل بيت ما لهم معيشة غيره قال:أمّا إذ ذكرت هذا من أمره فإنّه شكي (6)كثرة العمل و قلّة العلف فأحسنوا إليه قال:ثمّ سرنا حتي نزلنا منزلاا.

ص: 168


1- الحواء بيوت مجتمعة علي الماء و الجمع أحوية،و في المصدر:الجو:و في صحيح البخاري:الصرم و هو البيوت المجتمعة.
2- مصنف عبد الرزاق:/277/11ح 20573،و صحيح البخاري:169/4 بتفاوت.
3- أخذها تحت إبطه.
4- مصنف عبد الرزاق:/279/11ح 20538 و فيه زيادة.
5- في المصدر:يسني عليه.
6- في المصدر:شكا.

فنام النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فجاءت شجرة تشق الأرض حتي غشيته ثم رجعت إلي مكانها،فلما استيقظ النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ذكرت له ذلك فقال:«هي شجرة استأذنت ربها في أن تسلم علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فأذن لها»،قال:

فمررنا بماء فأتته امرأة بابن لها به جنّة فأخذ النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بمنخره ثمّ قال:«اخرج إنّي محمد رسول اللّه» قال:ثمّ سرنا فلمّا رجعنا من مسيرنا مررنا بذلك الماء فأتته المرأة بجزر و لبن فأمرها أن تردّ الجزر و أمر أصحابه أن يشربوا اللبن فسألها عن الصبي فقالت:و الذي بعثك بالحقّ ما رأينا منه ريبا بعدك (1).قوله:جرجر أي صوت،و الجران باطن عنق البعير.

و عن مسلمة بن الأكوع رضي اللّه عنه قال:خفت أزواد القوم و أملقوا فأتوا النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ليستأذنوه في نحر إبلهم،فأذن لهم فلقيهم عمر فأخبروه فقال:ما بقاؤكم بعد إبلكم؟

فدخل علي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا رسول اللّه ما بقاؤهم بعد إبلهم؟

فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«ناد في الناس يأتون بفضل أزوادهم»فبسط لذلك نطعا و جعلوه علي النطع فقام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فدعا و برك عليه ثمّ دعاهم بأوعيتهم فاحتثي الناس حتّي فرغوا ثمّ قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و إنّي رسول اللّه» (2).

و في رواية عن أبي هريرة أو أبي سعيد رضي اللّه عنه في غزوة تبوك قال:اجتمع علي النطع سني يسير فدعا النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بالبركة ثمّ قال:خذوا في أوعيتكم،فأخذوا حتّي ما تركوا في العسكر وعاء إلاّ ملأوه قال:و أكلوا حتّي شبعوا و فضلت فضلة فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و إنّي رسول اللّه،لا يلقي اللّه بهما عبد غير شاكّ فيحجب عن الجنّة» (3).

و روي أنس أنّ أبا طلحة قال لأمّ سليم:لقد سمعت صوت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء؟

فقالت:فأخرجت أقراصا من شعير ثمّ أخذت خمارا لها فلففت الخبز ببعضه ثمّ دسته تحت يدي وردتني ببعضه ثمّ أرسلتني إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:فذهبت به فوجدت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم جالسا في المسجد و معه الناس فقمت عليهم فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم«أرسلك أبو طلحة؟»قال قلت:نعم، فقال:«بطعام»؟

قلت:نعم فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم لمن معه:«قوموا»قال:فانطلق فانطلقت بين أيديهم حتّي جئت أبا طلحة فأخبرته،قال أبو طلحة:يا أمّ سليم قد جاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بالناس و ليس عندنا ما نطعمهم،قالت:اللّه و رسوله أعلم.1.

ص: 169


1- مسند أحمد:173/4 و فيه تفصيل أكثر حذفها المصنف،و المنتحب من مسند عبد بن حميد:154.
2- صحيح البخاري:109/3.
3- صحيح مسلم:42/1.

قال:فانطلق أبو طلحة حتّي لقي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فأقبل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم معه حتّي دخلا فقال رسول اللّه:«هلّمي ما عندك يا أمّ سليم»فأتت بذلك الخبز فأمر به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ففت و عصرت أمّ سليم عكة لها فأدمته ثمّ قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فيه ما شاء اللّه أن يقول ثمّ قال:«إئذن لعشرة»فأذن لهم فأكلوا حتّي شبعوا ثمّ خرجوا ثمّ قال:«إئذن لعشرة»فأكلوا حتّي شبعوا ثمّ خرجوا ثمّ قال:«إئذن لعشرة»حتّي أكل القوم كلّهم و شبعوا و القوم سبعون أو ثمانون رجلا (1).

و روي جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنه أيضا قال:كان النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إذا خطب استند إلي جذع نخلة من سواري المسجد فلما صنع له المنبر و استوي عليه اضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتّي سمعها أهل المسجد حتّي نزل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فاعتنقها فسكتت (2).

و روي أبو هريرة أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:«يهلك كسري ثمّ لا يكون كسري بعده،و قيصر ليهلكنّ ثمّ لا يكون قيصر بعده و لتنفق كنوزهما في سبيله» (3).

فأظهر اللّه صدق رسوله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كما أخبر،و لا يعارضه الحديث الآخر فإنّه لمّا كتب إلي كسري يدعوه إلي الإسلام مزّق كتابه فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«تمزّق ملكه و كتب إلي قيصر فأكرم كتابه و وضعه في مسك»فقال النبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«ثبت ملكه» (4).فوجه الجمع بين الحديثين أنّ كسري تمزّق ملكه فلم يبق لهم ملك و أنفقت كنوزه في سبيل اللّه و أورث اللّه المسلمين أرضهم،و قيصر ثبت ملكه بالروم و انقطع من الشام و استفتحت خزائنه التي بالشام و أنفقت في سبيل اللّه فمعني لا قيصر بعده يعني بالشام و اللّه أعلم.

و روي أبو هريرة رضي اللّه عنه:أنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:«هل ترون قبلتي هاهنا فو اللّه ما يخفي عليّ خشوعكم و لا ركوعكم،إنّي لأراكم من وراء ظهري» (5).

و عن جابر رضي اللّه عنه قال:استشهد أبي يوم أحد و ترك عليه دينا و ترك ست بنات،فلمّا حضر جداد النخل أتيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقلت:قد علمت أنّ والدي استشهد يوم أحد و ترك دينا كثيرا و إنّي أحبّ أن يراك الغرماء فقال:«اذهب فبيدر كلّ تمر علي ناحية»ففعلت ثمّ دعوته فلمّا نظروا إليه فكأنّما أغروا بي تلك الساعة،فلمّا رأي ما يصنعون طاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرّات ثمّ جلس عليه ثمّ قال:«ادع أصحابك»فما زال يكيل لهم حتّي أدّي اللّه عن والدي أمانته و أنا أرضي (6)أن يؤدّي اللّهض.

ص: 170


1- صحيح البخاري:171/4.
2- مسند أحمد:295/3.
3- صحيفة همام بن منبه:/25ح 30،و المعجم الأوسط:85/8 بتفاوت.
4- السنن الكبري للبيهقي:177/9.
5- مسند أبي يعلي:/220/11ح 6335.
6- في المصدر:راض.

أمانة والدي و لا أرجع إلي أخواتي بتمرة فسلّم اللّه البيادر كلّها،و حتّي أنّي أنظر إلي البيدر الذي كان عليه النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كأنّما لم تنقص (1)تمرة واحدة (2).

و عن العباس بن عبد المطلب قال:قلت:يا رسول اللّه دعاني إلي الدخول في دينك أمارة لنبوتك؛رأيتك في المهد تناغي القمر و تشير بإصبعك،فحيث أشرت إليه مال،قال:«إني كنت أحدّثه و يحدّثني و يلهيني عن البكاء و أسمع و جنته تسجد تحت العرش» (3).

و عن عليبن أبي طالب قال:كنت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بمكة في بعض نواحيها خارجا من مكة بين الجبال و الشجر،فلم يمر بشجرة و لا جبل إلاّ قال:السلام عليك يا رسول اللّه (4).

و عن ابن سمرة-قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«إن بمكة حجرا كان يسلّم عليّ ليالي بعثت إنّي لأعرفه إذا مررت عليه» (5).

و عن عائشة،قالت:قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:لما استعلن لي جبريل جعلت لا أمرّ بحجر و لا شجر إلاّ قال لي:السلام عليك يا رسول اللّه» (6).

عن ابن عباس قال:جاء رجل من بني عامر إلي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كان يداوي و يعالج فقال له:أي محمد،إنك تقول أشياء،فهل لك أن أداويك،قال:«إيه».قال:و عنده نخل و شجر،قال:فدعا رسول اللّه عذقا منها فأقبل إليه و هو يسجد،و يرفع رأسه و يسجد و يرفع حتي انتهي اليه فقام بين يديه، ثم قال له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«ارجع إلي مكانك»فرجع إلي مكانه.فقال العامري:و اللّه لا أكذبه بشيء يقوله بعدها أبدا (7).

و عنه قال:جاء رجل من بني عامر إلي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا رسول اللّه أرني الخاتم الذي بين كتفيك،فإني من أطبّ الناس،قال:«ألا أريك آية»قال:بلي،قال:فنظر إلي نخلة فقال:ادع لي ذاك العذق،فجعل ينقز حتي قام بين يديه،فقال له:«ارجع»،فرجع،و قال العامري:يا آل بني عامر،يا آل بني عامر،ما رأيت رجلا أسحر (8).

و عن عمر ابن الخطّاب:أن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كان بالحجون و هو كئيب حزين،فقال:«اللهم1.

ص: 171


1- في المصدر:كانه لم ينقص.
2- صحيح البخاري:199/3.
3- كنز العمال:ح 31828.
4- دلائل النبوة لأبي نعيم رقم 289.
5- صحيح مسلم في كتاب الفضائل:(1782).
6- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر:362/4.
7- المعجم الكبير للطبراني:79/12.
8- مسند أحمد:223/1.

أرني آية،و لا أبالي من كذّبني بعدها من قومي»فنادي شجرة من قبل عقبة أهل المدينة فناداها فجاءت تشق الأرض حتي انتهت إليه،فسلّمت عليه،ثم أمرها فرجعت فقال:«ما أبالي من كذّبني بعدها من قومي» (1).

و عن ابن عمر قال:كنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في سفر،فدنا منه أعرابي فقال:يا أعرابي أين تريد؟قال:إلي أهلي،قال:«هل لك إلي خير؟»[قال:ما هو؟]قال:«تشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله»قال:من يشهد علي ما تقول؟

قال:«هذه الشجرة السّدر»[فدعاها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم]و هي في شاطيء الوادي،فأقبلت تخدّ الأرض حتي قامت بين يديه،و استشهدها ثلاثا فشهدت ثلاثا أنه كما قال صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،قال:ثم رجعت إلي مكانها،فقال الأعرابي،أرجع إلي قومي فإن اتّبعوني و إلاّ رجعت فكنت معك (2).

عن ابن بريدة،عن أبيه قال:جاء أعرابي إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قد أسلمت فأرني شيئا أزدد به يقينا،قال:«ما الذي تريد؟»قال:ادع تلك الشجرة فلتأتك قال:«إذهب فادعها»،قال:فأتاها الأعرابي،فقال:أجيبي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:فمالت علي جانب من جوانبها فقطعت عروقها،ثم مالت علي الجانب الآخر فقطعت عروقها،ثم أدبرت فقطعت عروقها،ثم أقبلت عن عروقها و فروعها مغبرة فقال:عليك السلام يا رسول اللّه،قال:فقال الأعرابي:حسبي حسبي يا رسول اللّه،فقال لها:«ارجعي»فرجعت،فجلست علي عروقها و فروعها كما كانت،فقال الأعرابي:

يا رسول اللّه،ائذن لي أن أقبّل رأسك و رجليك،فأذن له،ثم قال:يا رسول اللّه ائذن لي أن أسجد لك،فقال:«لا يسجد أحد لأحد،و لو أمرت أن يسجد أحد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقّه عليها» (3).

و عن ابن مرة قال:سافرت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فرأيت منه شيئا عجبا،نزلنا منزلا فقال:«انطلق إلي هاتين الأشاءتين فقل:إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يقول لكما أن تجتمعا»،فانطلقت فقلت لهما ذلك، فنزت كل واحدة من أصلها إلي صاحبتها فالتقتا جميعا،فقضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم حاجته من ورائهما ثم قال:«انطلق فقل لهما لتعد كل واحدة إلي مكانها»،فأتيتهما فقلت ذلك لهما،فنزت (4)كل واحدة حتي عادت إلي مكانها.

و أتت امرأة فقالت:إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين يأخذه في كل يوم مرتين،فقال رسولت.

ص: 172


1- مجمع الزوائد:10/9 و الدلائل:13/6 و البداية و النهاية:124/6.
2- البداية و النهاية:125/6.
3- مجمع الزوائد:10/9.
4- في البيهقي:فنزلت.

اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«ادنيه»،فأدنيته (1)منه فتفل في فيه و قال:«اخرج عدو اللّه،أنا رسول اللّه»،ثم قال لها:

«إذا رجعنا فاعلمينا ما صنع»،فلما رجع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم استقبلته و معها كبشان و أقط و سمن،فقال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«خذ هذا الكبش»فأخذ منها ما أراد،فقالت:و الذي أكرمك ما رأينا به شيئا مذ فارقتنا.

ثم أتاه بعير فقام بين يديه،فرأي عينيه تدمعان،فبعث إلي أصحابه فقال:«ما لبعيركم هذا يشكوكم؟»فقالوا:كنا نعمل عليه،فلما كبر و ذهب عمله تواعدنا لننحره غدا،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:

«فلا تنحروه،و اجعلوه في الإبل فيها» (2).

و عن أسامة بن زيد بن حارثة قال:خرجنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في حجته التي حجها،فلما هبطنا بطن الرّوحاء (3)عارضت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم امرأة معها صبي لها،فسلّمت عليه،فوقف لها فقالت:يا رسول اللّه،هذا ابني فلان،و الذي بعثك بالحق مازال في خنق واحد أو كلمة يشبهها منذ ولدته إلي الساعة،فادع له يا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فبسط يده فجعله بينه و بين الرّحل ثم تفل في فيه،ثم قال:«اخرج عدو اللّه[فإني رسول اللّه»،قال:ثم ناولها إياه،و قال:«خذيه،فلا بأس عليه]فلن تري منه شيئا يريبك بعد اليوم إن شاء اللّه».

قال أسامة:[فقضينا حجّنا]ثم انصرفنا فلما نزلنا الرّوحاء فإذا تلك المرأة أم الصبيّ قد جاءت و معها شاة مصلية،فقالت:يا رسول اللّه أنا أم الصبيّ الذي أتيتك به،قالت:لا و الذي بعثك بالحق ما رأيت منه شيئا يريبني إلي هذه الساعة،قال أسامة:فقال لي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«يا أسيم قال الزهري:و هكذا كان يدعو يحمشه-ناولني ذراعها»،فأصلحت الذراع فناولتها إياه فأكلها ثم قال:

«يا أسيم ناولني الذراع»،فقلت:يا رسول اللّه قد قلت لي ناولني فناولتكها فأكلتها.

ثم قلت:ناولني فناولتكها فأكلتها ثم قلت:ناولني الذراع،و إنما للشاة ذراعان،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أما إنك لو أهويت إليها ما زلت تجد فيها ذراعا ما قلت لك قال:يا أشيم،قم فاخرج فانظر هل تري حجرا لمخرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم»،فخرجت فمشيت حتي حسرت،فما قطعت الناس و ما رأيت شيئا أري أنه يواري أحدا،و قد ملأ الناس ما بين السّدّين قال:«فهل رأيت شجرا أو رجما»؟

قلت:بلي قد رأيت نخلات صغارا إلي جانبهن رجم من حجارة فقال:«يا أسيم اذهب الي النخلات فقل لهن:يأمركنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أن يلحق بعضكن ببعض حتي تكنّ سترة لمخرج رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و قل ذلك للرّجم»فأتيت النخلات فقلت لهن الذي أمرني به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فو الذي بعثهة.

ص: 173


1- في البيهقي:فأدنته.
2- مجمع الزوائد:6/9.
3- الروحاء:مكان بين مكة و المدينة و هو يبعد قرابة ثلاثين ميلا عن المدينة.

بالحق لكأني أنظر إلي تقافزهن بعروقهن،و ترابهن حتي لصق بعضهن ببعض،فكنّ كأنهن نخلة واحدة،و قلت ذلك للحجارة،فو الذي بعثه بالحق كأني أنظر إلي تقافزهن حجرا حجرا حتي علا بعضهم بعضا،فكنّ كأنهم جدار،فأتيته فأخبرته فقال:«خذ الإداوة»فأخذتها ثم انطلقنا نمشي،فلما دنونا منهن سبقته فوضعت الإداوة ثم انصرفت إليه،فانطلق يقضي حاجته،ثم أقبل و هو يحمل الإداوة،فأخذتها منه،ثم رجعنا،فلما دخل الخباء قال لي:«يا أسيم انطلق إلي النخلات فقل لهن:يأمركن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم أن ترجع كل نخلة منكن إلي مكانها،و قل ذلك للحجارة»،فأتيت النخلات،فقلت لهن الذي قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فو الذي بعثه بالحق لكأني أنظر إلي تقافزهن بعروقهنّ و ترابهنّ حتي رجعت كلّ نخلة منهن إلي مكانها،و قلت ذلك للحجارة،فو الذي بعثه بالحق لكأني أنظر إلي تقافزهن حجرا حجرا حتي عاد كل حجر إلي مكانه،فأتيته فأخبرته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم (1).

و عن أبي سعيد الخدري قال:بينما أعرابي في بعض نواحي المدينة في غنم له عدا الذئب فأخذ شاة من غنمه،فأدركه الأعرابي،فأنقذها و هجهجه-يعني تكلم،قال و الذئب يمشي ثم قام مستقرا بذنبه مستقبل الأعرابي،فقال:ويلك،أما تتق اللّه حيث أخذت مني رزقا رزقنيه اللّه،فصفق الأعرابي بيده ثم قال:و اللّه ما رأيت كاليوم قط قال الذئب:فما ذاك يعجبك.

قال الأعرابي:و اللّه ما يزيدني إلاّ عجبا ألا أعجب من ذئب مقعي (2)علي استه مستذفر بذنبه يخاطبني،قال:فو اللّه إنه(لتترك)ما هو أعجب من ذلك،قال:و ما هو أعجب من ذلك؟قال:

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في النخلات بين الحرتين يحدّث الناس عن أنباء ما قد سبق،و ما يكون بعد،قال:

فنعق الأعرابي بغنمه إلي بعض نواحي المدينة ثم مشي إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فضرب عليه بابه،فأذن له رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فخبره الأعرابي،فصدّقه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ثم قال:«إذا صلّيت الظهر فاحضرني»،فلما صلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم الظهر قال:«أين الأعرابي،حدّث الناس بما سمعت و رأيت»فحدّث الأعرابي الناس بما رأي من الذئب و سمع،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم عند ذلك«صدق في آيات تكون قبل الساعة، و الذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتي يخرج أحدكم من أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده» (3).

و عن المقداد بن عمرو الكندي قال:قدمت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و معي رجلان من أصحابي، فطلبنا هل يضيفنا أحد-زاد ابن حمدان:فأتينا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقلنا:يا رسول اللّه،أصابنا جوع و جهد،و إنا تعرّضنا هل يضيفنا أحد،فلم يضفنا أحد،ثم أتينا و قالا:-فدفع الينا أربعة أعنز،6.

ص: 174


1- دلائل النبوة للبيهقي:25/6-26.
2- تاريخ مدينة دمشق:376/4،و كذا في المصدر،و في مسند أحمد:89/3:مقع.
3- البداية و النهاية:144/6.

فقال:«يا مقداد خذ هذه فاحتلبها فجزّها أربعة أجزاء،جزءا إليّ و جزءا لك،و جزأين لصاحبيك»، فكنت أفعل ذلك،فلما كان ذات ليلة شربت جزئي،و شرب صاحباي جزئيهما و جعلت جزء النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في القعب،و أطبقت عليه،فاحتبس النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقالت لي نفسي:إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قد دعاه أهل بيت من المدينة فتعشي معهم و رسول اللّه-و قال ابن المقريء:رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم-لا يحتاج إلي هذا اللبن،فلم تزل نفسي تديرني حتي قمت إلي القعب فشربت ما فيه،فما تقار في بطني أخذني ما ندمت،و ما حدث،فقالت لي نفسي:يجيء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو جائع ظمآن فيرفع القعب فلا يجد فيه شيئا،فيدعو عليك،فتسجّيت كأني نائم و ما بي نوم،فجاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فسلّم تسليمة أسمع اليقظان،و لم يوقظ النائم،فلما لم ير في القعب شيئا،رفع رأسه إلي السماء فقال:«اللهم أطعم من أطعمنا واسق من سقانا»فاغتنمت دعوة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فأخذت الشفرة و أنا أريد أن أذبح بعض تلك الأعنز فأطعمه فضربت بيدي فوقعت علي ضرعها،فإذا هي حافل،ثم نظرت اليهن جميعا،فإذا هنّ حفّل،فحلبت في القعب حتي امتلأ ثم أتيته-زاد ابن المقريء:به-و قالا:و أنا أتبسم،فقال:«هيه بعض سوآتك يا مقداد»فقلت:-و قال ابن حمدان:قلت:يا رسول اللّه اشرب، ثم الخبر-و قال ابن حمدان:ثم أخبر-فشرب ثم شربت ما بقي-و زاد ابن المقريء:منه-ثم أخبرته فقال:يا مقداد هذه بركة كان ينبغي بك أن تعلمني حتي توقظ صاحبينا نسقيهما من هذه البركة،قال:فقلت:-و قال ابن حمدان:قلت:-يا رسول اللّه إذا شربت أنت البركة و أنا،فما أبالي من أخطأت (1).

و عن زيد بن أرقم قال:كنت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في بعض سكك المدينة،قال:فمررنا بخباء أعرابي،و اذا ظبية مشدودة إلي الخباء،فقالت الظبية،يا رسول اللّه إنّ هذا الأعرابي قد اصطادني و لي خشفان في البرية،و قد تعقّد اللبن في أخلافي،لا هو يذبحني فأستريح،و لا يدعني فأرجع إلي خشفيّ في البرية،فقال لها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«إن تركتك ترجعين؟»قالت:نعم،و إلاّ عذّبني اللّه عذاب العشّار (2)،قال:فأطلقها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،فلم تلبث أن جاءت تلمّظ فشدّها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إلي الخباء،و أقبل الأعرابي معه قربة،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أتبيعنيها؟»قال:هي لك يا رسول اللّه،فأطلقها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

قال زيد بن أرقم:فأنا و اللّه رأيتها تسيح في البرية و هي تقول:لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه (3).5.

ص: 175


1- صحيح مسلم في الأشربة(36)،باب إكرام الضيف(32)،:1625.
2- العشار:صاحب المكس،الذي يقف في مداخل المدن فلا يدع أحدا يدخلها من تاجر أو غيره إلاّ أخذ منه شيئا بدون وجه حق.
3- البداية و النهاية:148/6،و دلائل النبوة للبيهقي:34/6-35.

و عن عليبن أبي طالب عليه السّلام قال:بينما النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في مجلسه يحدث الناس بالثواب و العقاب، و الجنّة و النار،و البعث و النشور،اذ أقبل أعرابي من بني سليم بيده اليمني عظام نخرة،و في يده اليسري ضبّ،فأقبل بالعظام يضعها بين يدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ثم عركها برجله ثم قال:يا محمد تري ربك يعيدها خلقا جديدا،فأراد النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم جوابه ثم انتظر الإجابة من السماء،فنزل جبريل علي النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم: وَ ضَرَبَ لَنٰا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قٰالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظٰامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ، قُلْ:يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهٰا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (1)فقرأها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم علي الأعرابي فقال:و اللات و العزّي ما اشتملت أرحام النساء و أصلاب الرجال علي ذي لهجة أكذب منك و لا أبغض إليّ منك، و لو لا أن قومي يدعونني عجولا لقتلتك و أفسدت بقتلك الأسود و الأبيض من بني هاشم،فهمّ به عليبن أبي طالب،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«يا علي،أما علمت أن الحليم كاد أن يكون نبيا»فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«يا أعرابي بئس ما جئتنا به،و سوء ما تستقبلني به،و اللّه إني لمحمود في الأرض،أمين في السماء عند اللّه».

فقال الأعرابي ورمي الضبّ في حجر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و قال:و اللّه لا أومن بك حتي يؤمن بك هذا الضبّ،فأخذ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم بذنبه ثم قال:«يا ضبّ»،قال:لبيك يا زين من وافي يوم القيامة، قال:«من تعبد؟»قال:أعبد اللّه الذي في السماء عرشه،و في الأرض سلطانه،و في البحر سبيله، و في الجنّة ثوابه،و في النار عذابه،قال:«من أنا؟»قال:أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد منافبن قصيبن كلاّب حتي نسبه إلي إبراهيم الخليل عليه السّلام،أنت رسول اللّه لا يحرم من صدّقك،و خاب من كذّبك،فولي الأعرابي و هو يضحك،فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«أبا لله و آياته تستهزيء» (2)،فرجع إليه فقال:بأبي و أمي ليس الخبر كالمعاينة،أنا أشهد بلحمي و دمي و عظامي أن لا إله إلاّ اللّه،و أنك رسول اللّه،فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«جئتنا كافرا و ترجع مؤمنا،هل لك من مال؟» قال:و الذي بعثك بالحق رسولا ما في بني سليم أفقر منّي،و لا أقلّ شيئا منّي،فقام رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فقال:«من عنده راحلة يحمّل أخاه عليها»فقام عديبن حاتم الطائي فقال:يا رسول اللّه عندي ناقة و براء حمراء عشراء إذا أقبلت دقّت،و اذا أدبرت زفت،أهداها اليّ أشعثبن وائل غداة قدمت معك من غزوة تبوك،فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«لك عندي ناقة من درّة بيضاء» (3).

و عن معيقيب قال:حججت حجّة الوداع فدخلت دارا بمكة فرأيت فيها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم كأنّ وجهه دارة القمر،و سمعت منه عجبا،جاءه رجل من أهل اليمامة بصبيّ يوم ولد قد لفّه في خرقة،6.

ص: 176


1- سورة يس،الآيتان 78-79.
2- في مختصر ابن منظور:145/2:فقال رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:انا لله و إنا به نستهدي.
3- دلائل البيهقي:36/6.

فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«يا غلام،من أنا»قال:أنت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،قال:«صدقت،بارك اللّه فيك»،قال:ثم إنّ الغلام لم يتكلم بعدها حتي شبّ.

قال:قال أبي:فسمّيته مبارك اليمامة (1).

***

في إسلام الجنّ

عن ابن عباس قال:ما قرأ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم علي الجنّ و ما رآهم،انطلق رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في طائفة من أصحابه عائدين إلي سوق عكاظ و قد حيل بين الشياطين و بين خبر السماء و أرسلت علينا الشهب،قالوا (2):و في حديث الباغندي:مروا الجن-زاد الباغندي و هم عامدين و قالا:إلي سوق عكاظ و هو يصلي بأصحابه صلاة الفجر،و قال الباغندي الصحيح و زاد قال:ثم قالا:فلما سمعوا القرآن استمعوا له،قال و قال الباغندي،و قالوا:هذا الذي حال بيننا و بين خبر السماء،فرجعوا إلي قومهم،فقالوا:يا قومنا إِنّٰا سَمِعْنٰا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَي الرُّشْدِ فَآمَنّٰا بِهِ وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنٰا أَحَداً (3)فأوحي اللّه عزّ و جل إلي نبيه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم.

و في حديث الباغندي:فأنزل اللّه علي نبيه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ (4)(5).

***

ما جاء في حنين الجذع

عبد اللهبن عمر قال:كان جذع نخلة في المسجد يسند رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ظهره إليه إذا كان يوم الجمعة أو حدث أمر يريد أن يكلم الناس،فقالوا:ألا نجعل لك يا رسول اللّه شيئا كقدر قيامك قال:«لا عليكم أن تفعلوا»فصنعوا له منبرا ثلاث مراقي،قال:فجلس عليه،قال:فخار الجذع

ص: 177


1- البداية و النهاية:159/6.
2- ثمة اضطراب في العبارة بين الرقمين،و تمامها في السيرة النبوية للذهبي:198:قالوا:ما لكم؟فقالوا: حيل بيننا و بين خبر السماء و أرسلت علينا الشهب،قالوا:ما حال بينكم و بين خبر السماء إلاّ شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض و مغاربها.قال:فانصرف أولئك النفر الذين توجهوا نحو تهامة الي رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و هو بنخلة عامدا إلي سوق عكاظ،و هو يصلي بأصحابه صلاة الفجر.
3- سورة الجن،الآيتان:1 و 2.
4- سورة الجن،الآية:1.
5- بحار الأنوار للعلامة المجلسي:80/18.

كما تخور البقرة جزعا علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم فالتزمه و مسحه حتي سكن (1).

و عن أبي بن كعب،قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يصلي إلي جذع و كان المسجد عريشا و كان يخطب إلي ذلك الجذع فقال رجال من أصحابه:يا رسول اللّه نجعل لك شيئا تقوم عليه يوم الجمعة حتي يراك الناس و يسمع الناس خطبتك؟فقال:«نعم»،فصنع له ثلاث درجات،فقام عليها كما كان يقوم،فأصغي إليه الجذع فقال له:«اسكن»ثم التفت فقال:«إن تشأ أن أغرسك في الجنّة فيأكل منك الصالحون،و إن تشأ أن أعيدك رطبا كما كنت»،فاختار الآخرة علي الدنيا،فلما قبض النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم دفع إلي أبيّ فلم يزل عنده حتي أكلته الأرضة.

ابن أبي هذا الذي لم يسمّ في هذه الرواية هو الطفيلبن أبي (2).

و عن جابر قال:كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم يخطب إلي جذع نخلة قال:فقالت امرأة من الأنصار:يا رسول اللّه إنّ لي غلاما نجّارا أفلا آمره ان يتخذ لك منبرا،قال:و كان يوم الجمعة يخطب علي المنبر و أنّ الجذع الذي كان يقوم عليه كان يئنّ كما يئنّ الصبي،فقال النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:«إن هذا يبكي لما فقه من الذكر» (3).

***

ص: 178


1- مسند الامام أحمد:109/2.
2- دلائل النبوة لابي نعيم ح 306.
3- فتح الباري 22/5.

المحتويات

مقدمة 5

وجوب الاعتقاد بجميع الأنبياء 7

أصناف الأنبياء عليهم السّلام 7

عدّة الأنبياء عليهم السّلام 8

محمّد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 9

نسب النبي محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 10

معرفة أسمائه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و أنه خاتم الأنبياء و الرسل 12

سبب تسمية النبي بمحمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 14

خاتم النّبيّين 14

شهادة اللّه علي نبوّته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 15

شهادة الأنبياء بنبوة النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 16

في أن رسول اللّه دعوة إبراهيم عليهما السّلام 19

شهادة علماء أهل الكتاب بنبوة النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 22

نبوة النبي محمّد من نفسه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 23

وصف النبي الأعظم علي لسان عليّ عليهما السّلام 26

شمولية رسالة النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 30

رسائل النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و اله و سلّم إلي الملوك 31

معرفة كنيته و نهيه أن يجمع بينها و بين أسمه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 36

تسمية النبي بأبي إبراهيم عليهما السّلام 37

ترخيص النبي بالتسمية لعلي بن أبي طالب عليهما السّلام 37

تساوي النبي و علي عليهما السّلام 38

ص: 179

و في الروايات ما يوجب التساوي بين النبي و علي عليهما السّلام منها 40

مولد النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 43

فضل زيارة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 46

أسرة النبي الأعظم صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 47

ذكر كافل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 48

ذكر أمّه و جدّاته و عمومته و عماته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 55

ذكر أبناء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 61

ذكر إبراهيم عليه السّلام 63

ذكر زينب بنت رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 64

ذكر رقية بنت رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 65

ذكر أزواجه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 66

في تعداد أزواج النّبيّ صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 66

ذكر خديجة بنت خويلد عليها السّلام 69

خصائص النبي الأعظم محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 72

الصلاة علي محمد آل محمد عليهم السّلام 72

وجوب الصلاة علي الآل عليهم السّلام 77

حضور محمد و آل محمد عند كل ميت 80

لولاك ما خلقت الأفلاك 83

لو لا محمد و اله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ما خلق اللّه تعالي الخلق 83

أنه و أهل بيته أول الخلق و أول من أجاب و أقر لله عزّ و جلّ بالربوبية 87

تحقيق في أول الخلق 91

عرض الأعمال علي محمد و آل محمد صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 98

خصائص النبي صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 100

ذكر صفة خلقه و خلقه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 120

طهارة مولده و طيب أصله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 128

ص: 180

ذكر الإسراء و المعراج 131

ما روي في فصاحة لسانه و حسن منطقه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 137

ذكر شجاعته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 138

ذكر جوده و سخائه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 140

ذكر مزاحه وسعة صدره صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 142

علامة رضاه و غضبه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 142

الرفق بأمته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 143

ذكر حيائه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 145

تواضعه و حسن حاله و رحمته لأمته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 145

ذكر زهده و عبادته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 149

بكاؤه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 153

مشيه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 153

جلوسه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم و تعليمه أصحابه آداب الجلوس 155

صفة أخلاقه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في مطعمه 156

صفة أخلاقه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في مشربه 160

دهنه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 162

تسريحه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 162

طيبه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 162

تكحّله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 163

نظره صلّي اللّه عليه و اله و سلّم في المرآة 163

إطلاؤه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 163

لباسه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 163

عمامته و قلنسوته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 164

كيفية لبسه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 164

خاتمه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 165

ص: 181

نعله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 165

ما يقول عند استيقاظه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 166

غسل رأسه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 166

سواكه صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 166

ذكر معاجزه و دلائل نبوته صلّي اللّه عليه و اله و سلّم 166

في إسلام الجنّ 177

ما جاء في حنين الجذع 177

ص: 182

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.