موسوعه العذاب المجلد 7

اشارة

موسوعه العذاب

تاليف: عبود الشالجي

مشخصات: 7ج

الدارالعربيه للموسوعات

بيروت - لبنان

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الباب الخامس عشر : القتل بالجوع والعطش

اشارة

الجوع : اسم للمخمصة ، ونقيضه الشبع ، الذي هو الاكتفاء من الطعام . والعطش : الحاجة إلي الماء ، ونقيضه الري .

وربما ذكر الجوع والعطش، كناية عن الشوق ، قال الشاعر :

وإني إلي اسماء عطشان جائع

وكان من أعظم ما يعير به العربي ، أن يشبع ، وصاحبه جائع ، قال الشاعر :

وشبع الفتي لؤم إذا جاع صاحبه

وقال :

تبيتون في المشتي ملاء بطونكم****وجاراتكم غرثي يبتن خمائما

وكان، وما يزال ، إطعام الطعام ، من التقاليد العربية المتمكنة ، وفيما يتعلق بالتقاليد العربية في احكام الطعام ، راجع كتابنا « المائدة في الإسلام » وقد اثبتنا نتفا منه في بحث و المائدة ، في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، في القصة رقم 125/3 ، وفي كتاب الفرج بعد الشدة ، للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 464)

والتعذيب بالجوع والعطش ، لون قديم من ألوان العذاب ، ويكاد يكون به علي الأكثر - مقصورا علي قتل من يراد قتله مع تجنيبه الإهانة .

ص: 5

وقد قتل بهذا اللون من العذاب ، خلفاء ، وسلاطين ، وأمراء، ووزراء ، وقواد وعلماء .

فمن قتل من الخلفاء : المعتر بن المتوكل .

ومن السلاطين : السلطان غياث الدين بن السلطان حسين .

ومن الأمراء : العباس بن المأمون .

ومن الوزراء : أبو علي بن مقلة ، ومن قبله محمد بن عبد الملك الزيات .

ومن القواد : الإفشين ، وعجيف ، وإيتاخ ، ومحمد بن إبراهيم المصعبي ، وزهمان بن هندي ، وعماد الدين بن المشطوب ، والأمير سلار ، وكان من الغني علي درجة عظيمة ، وقد حبسه السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، ومنع عنه الطعام ، حتي أكل خفه من شدة جوعه .

ومن العلماء : عبد الصمد عبد الأعلي ، وأخوه عبد الرحمن ، وشهاب الدين السهروردي ، صاحب القصيدة المشهورة :

أبدأ تحن اليكم الأرواح ****ووصالكم ريحانها والراح

ويشتمل هذا الباب علي ثلاثة فصول :

الفصل الأول : القتل بالعطش ، ويكون بإطعام المعذب طعامة مالحة ، ومنع الماء عنه .

الفصل الثاني : القتل بالجوع ، يمنع الطعام وحده عن الأسير .

الفصل الثالث : القتل بالجوع والعطش معا ، وهو اللون الأكثر شيوعا .

ص: 6

الفصل الأول: التعذيب بالعطش

أول من مارس هذا اللون من العذاب ، في الإسلام ، معاوية بن أبي سفيان في حرب صفين ، فإنه نزل بجيشه منزلا احتوي فيه علي الشريعة ، وصفت عليها قواده ، وجنده ، ومنعوا أصحاب الإمام علي من الماء ، ونضحوهم بالنبل ، وطاعنوهم بالرماح ، وحالوا بينهم وبين الشريعة ، فدعا الإمام علي ، صعصعة بن صوحان ، وقال له : ائت معاوية ، وقل له انا سرنا مسيرنا هذا إليكم ، ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار اليكم ، وإنك قدمت إلينا خيلك ، ورجالك ، فقاتلتنا قبل أن نقاتلك ، وبدأتنا بالقتال ، ونحن من رأينا الكف حتي ندعوك ، ونحتج عليك ، وإنكم حلتم بين الناس وبين الماء ، فابعث إلي أصحابك ، فليخلوا بين الناس وبين الماء ، ويكفوا حتي ننظر فيما قدمنا وقدمتم له ، فقال معاوية للرسول : سيأتيك رأيي ، وبعد عودة الرسول ، أمر معاوية بمنع أصحاب علي من الوصول الي الماء ، فحاربه أصحاب علي ، وطردوا أصحاب معاوية عن الشريعة ، واستولوا عليها ، ومنعوا أصحاب معاوية من الماء ، فأمر الإمام علي أصحابه بأن يأخذوا من الماء حاجتهم ، وأن يخلوا بين الشريعة وبين من يريد أن يستقي منها ( الطبري 571/4- 572 وابن الأثير 283/3 -284).

ومارس هذا اللون من العذاب ، من بعد معاوية ، عبيد الله بن زياد أمير العراق ليزيد بن معاوية ، ففي السنة 61 لما أقبل الإمام الحسين عليه السلام

ص: 7

الي كربلا ، كتب عبيد الله بن زياد ، إلي قائد جيشه عمر بن سعد، أن يحول بين الحسين وأصحابه ، وبين الماء ، لا يذوقوا قطرة ، فبعث عمر بن سعد خمسمائة فارس نزلوا علي الشريعة ، وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ، وصاح عبدالله بن أبي حصين الأزدي ، بالإمام الحسين : يا حسين ، ألا تنظر إلي الماء كأنه كبد السماء ، والله لا تذوق منه قطرة حتي تموت عطشا ( الطبري 412/5 ، وابن الأثير 53/4).

وقتل هشام بن عبدالملك ، عبد الصمد بن عبد الأعلي ، مؤدب الوليد بن يزيد ، وأخاه عبد الرحمن بالعطش ، إذ أن عبد الصمد نظم شعرا يستعجل فيه ملك الوليد ، فغضب، وكتب الي الوليد يقول له : انك قد اتخذت عبد الصمد خدنا وأليفة ومحدثا ونديما ، وقد صح عندي أنه علي غير الإسلام ، فحقق ذلك ما يقال فيك ، فاحمل عبد الصمد مع رسولي مذمومة مدحورة ، فأشخصه الوليد الي هشام ، فأمر هشام بإنفاذه إلي يوسف بن عمر ، أمير العراق ، ومعه أخ له اسمه عبد الرحمن ، فبني لهما يوسف بيتا ، وجعلهما فيه ، وطين بابه ، وصير فيه كوة ، يرمي إليهما الطعام منها ، ثم اعطشهما حتي هلكا ( العيون والحدائق 116/3 -117).

وفي السنة 223 تأمر بعض القواد علي المعتصم ، وبايعوا العباس بن المأمون ، ولما حقق المعتصم في الأمر، اعترف له العباس بذلك ، فلما نزل المعتصم منبج ، وكان العباس جائعة ، وهو معتقل في يد الإنشين ، قدم إليه طعام كثير ، فأكل ، ثم منع عنه الماء ، وأدرج في مسح ، فمات ( الطبري 76/9 وتجارب الأمم 501/6 وابن خلدون 265/3 ).

وكان عجيف بن عنبسة ، أحد القواد المتآمرين مع العباس بن المأمون علي عمه المعتصم، حبسه المعتصم عند محمد بن إبراهيم بن مصعب، فسأله المعتصم يوما : يا محمد ، لم يمت عجيف ؟ فقال : يا سيدي ، اليوم يموت ، ثم جاء إلي مضربه ، فقال لعجيف : يا أبا صالح ،

ص: 8

أي شيء تشتهي ؟ قال : اسفيدباج وحلوي فالوذج ، فأمر بأن يعمل له من كل طعام ، فأكل ، وطلب الماء ، فمنع ، فلم يزل يطلب وهو يسوق ، حتي مات ( الطبري 77/9 ).

وفي السنة 235 قتل المتوكل القائد إيتاخ الخزري ، بأن أمر أمر بغداد اسحاق بن إبراهيم المصعبي بقتله ، وعندما مر إيتاخ بغداد ، عائدة من الحج ، في ثلثمائة من أصحابه وغلمانه ، استقبله اسحاق ، وعبر الجسر ، فوقف بإيتاخ علي باب قصر خزيمة بن خازم ، في الجانب الشرقي من بغداد علي دجلة ، وهو المنزل المعد لإيتاخ ، فنزل إيتاخ ودخل المنزل ، وقد فرشت له الدار ، ومنع غلمانه من دخولها معه ، إلا أربعة منهم ، وأخذت عليه الأبواب ، وأمر بحراسته من ناحية الشط ، وكسرت كل درجة من درجات قصر خزيمة ، ولو لم يؤخذ ببغداد ما قدروا علي أخذه ، ثم حمله اسحاق في حراقة، بعد أن أخذ سيفه ، فأدخل إلي دار اسحاق ، وقيد بقيد ثقيل ، في عنقه ورجليه، ثمانين رط ، وأخذ ابناه منصور ومظفر ، وكاتباه سليمان بن وهب وقدامة بن زياد النصراني ، فحسبوا ببغداد ، وكانت وظيفة إيتاخ في الحبس رغيفا واحدا من الخبز وكوز ماء ، أما ابناه فكانت وظيفتهما خوانأ فيه سبعة أرغفة وخمس غراف من الوان الطعام ، ومات إيتاخ في الحبس ، بأن اطعم ، فاستسقي ، فمنع الماء حتي ماء عطشة ، وبقي ابناه في السجن حتي مات المتوكل، فأخرجهما المنتصر لما آل إليه الأمر في السنة 247 فمات المظفر بعد إطلاقه بثلاثة أشهر ، أما منصور فعاش بعده ( الطبري 168/9 ۔ 170)

وفي السنة 236 كان محمد بن إبراهيم بن مصعب ، پلي فارس ، وكان متنكرة لابن أخيه محمد بن اسحاق بن إبراهيم ، فولي محمد بن اسحاق فارس ، فبعث خليفة له عليها ، الحسين بن اسماعيل ، وأمره بأن يحتال لقتل

ص: 9

عمه ، فلما صار إلي فارس ، أهدي إلي محمد بن إبراهيم هدايا في النيروز ، من جملتها حلواء ، فأكل محمد منها، ثم دخل عليه الحسين ، وقدم له حلوي ، فأكل منها أيضأ ، فعطش ، فاستسقي، فمنع الماء ، ورام أن يخرج ، فحيل بينه وبين الخروج، فعاش يومين وليلتين، فمات ( الطبري ( الطبري 183/9 - 184)

وبعث القاسم بن عبيد الله، وزير المكتفي ، بالكاتب محمد بن غالب الأصبهاني، إلي المسمعي بإصبهان ، وكتب إليه بإهلاكه، فأطعمه المسمعي ، ومنع عنه الماء ، فمات عطشا .

أقول : أبو عبدالله محمد بن غالب الأصبهاني الكاتب ، كان علي ديوان الرسائل بالحضرة، ثلاثين سنة ، واتصل بعبيد الله بن سليمان بن وهب ، وزير المعتضد، وبولده القاسم بن عبيد الله ، وزير المعتضد والمكتفي ، ثم بلغ القاسم أن الإصبهاني يرشح نفسه للوزارة ، فأوقع به وبأثنين معه من الكتاب ، هما محمد بن بشار وابن منارة الكاتب وأوثقهم بالحديد، وأحدرهم الي البصرة ، علي ما جاء في مروج الذهب 528/2 وسير الإصبهاني إلي إصبهان، علي ما جاء في الوافي بالوفيات 308/4 وكتب الي المسعي بإهلاكه ، فأحضره مائدته ، وأطعمه كوامخ وسمكا ، ثم أدخله بيتا وأغلقه ، فمات عطشا ، وذكر أحمد بن أبي طاهر ، في تاريخ بغداد ، أنه قتله بالجوع والتدخين .

وفي السنة 295 طالب الجند بمكة ، بجائزة بيعة المقتدر ، وهاجوا بمني ، فقاتلهم أمير مكة عج بن حاج ، وقتل منهم جماعة ، وهرب الناس إلي بستان ابن عامر ، وانتهب الجند مضرب أبي عدنان ربيعة بن محمد أحد أمراء القوافل، وأصاب الحاج المنصرفين من مكة ، في طريقهم، من القطع ، والعطش ، أمر غليظ ، حتي مات منهم من العطش جماعة ، وذكر

ص: 10

أن بعضهم كان يبول في كفه ويشربه ( الطبري 10/ 139 وابن الأثير 11/8 -12)

ولما توفي الصاحب بن عباد، وزير فخر الدولة البويهي ، سنة 385 وژر بعده أبو العباس الضبي ، وأبو علي بن حمولة ، فأخذا في مصادرة الناس ، وانفذا أبا بكر بن رافع إلي استراباذ ونواحيها، فجمع الوجوه ، وأرباب الأموال ، وأخر الإذن لهم حتي تعالي النهار ، واشتد الحر ، ثم اطعمهم طعاما أكثر ملحه ، ومنعهم الماء عليه وبعده ، وقدم إليهم الدواة والكاغد ، وطالبهم ، بكتب خطوطهم بما يصححونه ، ولم يزل يستام عليهم ، وهم يتلهفون عطشأ ، إلي أن التزموا له عشرة آلاف ألف درهم . ( معجم الأدباء 71/1 -72).

وفي السنة 403 ورد الخبر بأن أبا فلتيه ابن القوي ، سبق الحاج الي واقصة ، في ستمائة رجل ، فنزح الماء من مصانع البرمكي ، والريان ، وغورها، وطرح في الآبار الحنظل ، وأقام يرصد ورود الحاج ، فلما وردوا العقبة ، اعتقلهم ، ومنعهم الإجتياز ، وطالبهم بخمسين ألف دينار ، فامتنعوا، وبلغ منهم العطش كل مبلغ ، فهجم عليهم ، واحتوي علي الجمال والأموال والأعمال ، وهلك من الحاج خمسة عشر ألف إنسان ، فخرج علي بن مزيد ، أمير الكوفة في طلب المعتدين ، فلحق بهم وقد قاربوا البصرة ، فأوقع بهم ، وقتل كثيرة منهم ، وأسر أبا فليته بن القوي ، والأشتر ، وأربعة عشر رجلا من وجوه بني خفاجة ، واستعاد من الأموال ما أمكن استعادته ، وعاد إلي الكوفة ، وبعث بالأسري إلي بغداد ، فشهروا ، وأودعوا الحبس ، ثم أجيعوا ، وأطعموا المالح ، وتركوا علي دجلة ، يشاهدون الماء ، وماتوا عطشأ هناك . ( المنتظم 260/7 -261).

ص: 11

ص: 12

الفصل الثاني: التعذيب بالجوع

لما قتل محمد بن عبدالله بن الحسن العلوي بالمدينة في السنة 145 عاث فيها جند المنصور ، فوثب سودان أهل المدينة فقتلوا بعض الجند ، وطردوا باقيهم ، واجتمع سودان المدينة ، وقلدوا امرهم واحدا منهم اسمه ( أويتوا ) ومنحوه لقب أمير المؤمنين ، ثم تفرق عنه أصحابه، فحبس ، وأثقل بالحديد ، ومنع عنه الطعام ، فمات جوعا ( العيون والحدائق 250/3 ).

وكانت سياسة صاحب الزنج في البلاد التي يفتحها القتل والإستئصال ، فكان يقتل حتي النساء والأطفال والشيوخ ( مروج الذهب 2/ 470) وكان ما صنعه المهلبي ، أحد قواده بالبصرة ، مضرب المثل ، حيث اشتهر من بعد استباحة صاحب الزنج البصرة ، المثل المشهور : بعد خراب البصرة ، فإن المهلبي ، بعد أن فتح البصرة وقتل من قتل، وأحرق ما أحرق ، ونهب ما نهب ، جمع الباقين في الجامع ، ووضع فيهم السيف ، فمن ناج ، ومن قتيل، ومن غريق ، واختفي كثير من الناجين في الدور والآبار ، فكانوا يظهرون بالليل ، فيأخذون الكلاب والسنانير والفيران . فيأكلونها، فأفنوها، حتي لم يقدروا منها علي شيء ، فكانوا إذا مات الواحد منهم ، أكلوه ، ويراعي بعضهم موت بعض ، ومن قدر منهم علي صاحبه ، قتله وأكله ، وذكر أن امرأة منهم ، كانت تنازع ، وحضرتها اختها، وقد احتوشوها ينتظرون موتها ليأكلوها ، فلما ماتت عجلوا عليها فقطعوها ، وأكلوها ، ورأوا اختها تبكي

ص: 13

فسألوها عن سبب بكائها ، فقالت : إنهم تقاسموا لحم أختها ، فلم يعطوها منها شيئا ، إلا رأسها ( مروج الذهب 478/2 - 479).

وفي السنة 322 قتل الراضي ، وزيره ابن مقلة بالجوع ، بأن قطع عنه الخبز ، فمات في حبسه بدار الخلافة ، ودفن حيث مات، وكان قبل قطع الخبز عنه ، قد قطع يده ولسانه ( تجارب الأمم 389/1 - 390).

وفي السنة 364 مرض الوزير ابن بقية ، وزير بختيار البويهي ، فبادر أبو نصر بن السراج ، أحد المتصرفين، فضمن لبختيار من جهة ابن بقية أموالا ، ثم عوفي ابن بقية ، وبلغه ما حصل ، فأمر ابن الراعي ، وهو احد اتباعه ، أن يضمن ابن السراج ، فضمنه بمائة ألف دينار، وتسلمه ، وبسط عليه المكاره ، وأصناف العذاب ، وحبسه في صندوق، ومنع عنه الطعام ، فمات أقبح ميتة ( تجارب الأمم 358/3- 359).

وفي السنة 478 عشقت فتاة ببغداد ، جارة لأهلها ، وأحس بها أبوها ، فأراد قتلها ، فهربت ، ثم اخذها وحبسها في داره ، في بيت ، وسد عليها الباب ، حتي ماتت جوعا ( التنظيم 16/9 -17).

وفي السنة 480 قبض الخضر بن إبراهيم ، ملك ما وراء النهر ، علي أبي المعالي محمد بن محمد الحسيني ، الملقب بالمرتضي ، طمعا في أمواله ، ومنع عنه الطعام ، حتي مات جوعا ، ثم قتل ابنه من بعده ( المنتظم 41/9 والوافي بالوفيات 143/1 ).

أقول : جاء في المنتظم 41/9 ان ابا المعالي هذا، كان يرجع إلي عقل كامل، وفضل وافر ، ورأي صائب، حدث ، وصنف ، وكانت له دنيا وافرة ، وكان ينفذ زكاته إلي جميع البلدان ، ويصرف أمواله في البر ، بعث اليه ملك ما وراء النهر : إني أريد أن أحضر بستانك ، فقال للرسول : لا سبيل إلي ذلك ، لأني عمرته من المال الحلال ، ليجتمع فيه عندي أهل

ص: 14

الدين ، فلا أمكنه من الشرب فيه ، فغضب الأمير ، وعاود الطلب ، فأعاد الجواب ، فقبض عليه ، واستولي علي أمواله وأملاكه ، ثم منع عن الطعام حتي مات .

وفي السنة 528 خرج شمس الملوك صاحب دمشق للصيد، فحاول إيليا غلام طغتكين جد شمس الملوك ، أن يغتاله، وضربه بالسيف ضربتين، فلم تعمل فيه ، وقبض عليه شمس الملوك وقتله ، وقتل معه آخرين ، ثم اتهم أخاه سونج بأنه وراء المؤامرة، فتركه في بيت ، وسد عليه الباب فمات جوعا ( عيون التواريخ 283- 284).

وفي السنة 617 اعتقل الملك الأشرف ، الأمير عماد الدين المشطوب ، وألقاه في جب ، فمات بالقمل والجوع ( الذيل علي الروضتين ص 121).

وفي السنة 710 حبس الملك الناصر ، الأمير سلار ، ومنع عنه الطعام ، فمات جوعا ، بعد أن أكل أخفافه ( بدائع الزهور 155/1 وفوات الوفيات 87/2 )

ص: 15

ص: 16

الفصل الثالث: التعذيب بالجوع والعطش

و لما عزم الوليد علي أن يخلع أخاه سليمان من العهد، وأن يعهد إلي ولده ، أطاعه كثير من الأشراف ، طوعا وكرها ، وامتنع عمر بن عبد العزيز ، وقال له : في أعناقنا بيعة لسليمان ، وصمم ، فطين عليه الوليد ، أي أنه أدخله حجرة ، وشد جميع منافذها بالطين ، ثم شفع فيه بعد ثلاث ، فأدركوه وقد مالت عنقه . (تاريخ الخلفاء 230 ).

وذكر إدريس بن محمد بن يحيي ، أن الرشيد، قتل جده يحيي بن عبد الله ، في الحبس ، بالجوع والعطش . ( مقاتل الطالبيين 483) .

ولما اعتقل المعتصم ، الإفشين ، في السنة 225 بني له سجنا خاصا ، مقدار مجلس الرجل ، وأمر المعتصم بمنع الطعام عنه ، فكان يعطي في كل يوم رغيفة ، حتي مات ، فأخذ إلي دار إيتاخ ، وصلبوه ، ثم طرح بباب العامة ، مع خشبته ، ثم أحرق ، وطرح الرماد في دجلة ( الطبري 114/9)

وبعث المعتصم إيتاخ ، إلي الافشين ، وقال : قل له ، يا عدو الله ، فعلت ، وصنعت ، فكيف رأيت صنع الله بك ؟.

فقال الإفشين لإيتاخ : يا أبا منصور ، قد ذهبت بمثل هذه الرسالة ، إلي عجيف بن عنبسة ، فقال : يا أبا الحسن ، قد ذهبت بمثل هذه الرسالة

ص: 17

إلي علي بن هشام ، فقال لي : أنظر من يأتيك بها ، وأنا أقول لك الآن : أنظر من يأتيك بها .

فما مرت إلا أيام قلائل، حتي حبس إيتاخ ، وقتل ( لطائف المعارف 143)

أقول : الأفشين ، بفتح أوله ، وبكسره ، لقب ملوك أشروسنة ، أحد أقاليم ما وراء النهر ، كما أن كسري لقب ملوك فارس ، وقيصر لقب ملوك الروم ، وخاقان لقب ملوك الترك ، وقد لقب به الإفشين لأن آباءه كانوا ملوك أشر وسنة ، وهو أبو الحسن خيذر بن كاوس بن خانا خره بن خرابغره ، أسر هو وأبوه في أيام المأمون ، في حملة عسكرية قادها أحمد بن أبي خالد وزير المأمون ، بأمر منه علي بلاد ما وراء النهر ، وحمل خيذر وأبوه إلي المأمون ، فأسلم خيذر ، واتصل بالمعتصم لما كان أميرة في عهد أخيه المأمون ، فأختصه ، وقوده ، ولما اضطربت أحوال مصر ، وكان المعتصم يليها للمأمون ، ويبعث إليها نائبا ، سير إليها الأفشين في السنة 215 فحارب الثائرين بها ، وقهرهم ، ولما استخلف المعتصم ، عقد له في السنة 220 علي الجبال ، وولاه حرب الثائر الفارسي بابك الخرمي الذي كان قد بدأ بثورته منذ السنة 201 وكانت ثورته تقوي وتتسع سنة بعد سنة ، حتي أصبحت تهدد الدولة بأعظم الأخطار ، فجد الإفشين في محاربته ، وظفر به ، وحمله إلي سامراء أسيرة ، حيث جري أعدامه باحتفال عظيم ، ولما بلغ المعتصم ظفر الأفشين ببابك ، أخذ يبعث إليه ، من يوم فصل من برزند ، إلي أن وافي سامراء ، في كل يوم فرسا وخلعة ، ولما وافي سامراء ، ألبسه المعتصم التاج ، وقلده وشاحين من الجوهر ، ووصله بعشرين ألف ألف درهم ، وعقد له علي السند ، وأدخل إليه الشعراء فامتدحوه ، وفي ديوان أبي تمام قصيدة من ستة وثلاثين بيتا ، امتدح بها الأفشين ، وذكر أسلافه ، ووصفه بفحل المشرق ، قال :

ص: 18

بد الجلاد البفهو دفين****ما إن به إلا الوحوش قطين

قد كان عذرة مغرب فأفتضها****بالسيف فحل المشرق الأفشين

فأعادها تعوي الثعالب وسطها**** ولقد تري بالأمس وهي عرين

الاقاهم ملك حباه بالعلي**** خرا وخانا خرة الميمون

وذكره أبو تمام في قصيدة أخري ، امتدح بها أبا دلف ، فقال :

وقد علم الأفشين وهو الذي به**** يصان رداء الملك من كف جاذب

وذكره في قصيدة أخري ، تحدث فيها عن ثورة بابك ، فقال :

فرماه بالإفشين بالنجم الذي**** صدع الدجي صدع الرداء البالي

وأثني في قصيدة أخري علي شجاعته ورأيه في الحرب ، فقال :

وقد لبس الأفشين قسطلة الوغي**** محشا بفصل السيف غير مواكل

وجود من آرائه حين أضرمت**** له الحرب حد مثل حد المفاصل

وسارت به بين القنابل والقنا ****عزائم كانت كالقنا والقنابل

ورافق الأفشين المعتصم في فتح عمورية ، ولما انكشفت مؤامرة بعض القواد علي المعتصم ، من أجل خلعه واستخلاف ابن أخيه العباس بن المأمون بدلا منه ، لم يأتمن علي العباس غير الأفشين ، فإنه أسلمه إليه ، فحبسه أياما ، ثم قتله ، وبلغت منزلة الأفشين لدي المعتصم ، لما تزوج ابنه الحسن بن الأفشين ، باترنجة بنت آشناس، أن أعرس بها في قصر المعتصم ، وحضر عرسه عامة أهل سامراء ، وكان الخليفة المعتصم بنفسه يباشر تفقد من حضرها ، وهذا شيء لم يصنعه الخليفة مع أحد من الناس ، وكان الأفشين خشن المواجهة ، وإذا سكر عربد، وكانت مواقفه في نصرة الدولة العباسية ، والعناية الفائقة التي نالها من المعتصم ، والعطايا الجزيلة التي أفاضها عليه ، زادت في خشونته وكبريائه ، فأثار حفيظة جماعة من رجال الدولة ، وحاشية الخليفة ، علي رأسهم الأمير عبد الله بن طاهر ، وقاضي القضاة

ص: 19

أحمد بن أبي دؤاد ، وهما من العقل والدراية ، عناية المعتصم بهما ، بالموضع الذي لا يرقي إليه أحد، وانضاف إليهما الوزير محمد بن عبد الملك المعروف بابن الزيات ، وجماعة من القواد ، فأوهموا المعتصم إنه يريد الخروج علي الدولة ، فأمر باعتقاله ، وحبس في الجوسق ، محبس الأمراء وكبار رجال الدولة ، ثم بني له حبسا خاصا مرتفعة، أشبه شيء بالمنارة ، وجعل له في وسطها مقدار مجلسه ، وكان الرجال يدورون حولها ، يتناوبون علي حراسته ، وحوكم الأفشين محاكمة علنية ، كان قضاته فيها خصومه ، وكان المحقق الذي استجوبه هو قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد ، ورئيس المحكمة الوزير ابن الزيات ، والمستمعون جماعة من كبار القواد والكتاب ، وقد حفظ لنا التاريخ ما جريات تلك المحاكمة ، ولم يقم ضده من الأدلة ما يستوجب الحكم الذي صدر عليه بالإعدام ، ولكن لما كان خصومه هم قضاته ، فقد كان القرار معروف ، وليس عجيب أن يرد الأفشين هذا المورد ، فإن ارتفاعه إلي الدرجة التي ارتفع إليها، كانت تؤذن بهذا الإنحدار ، شأنه شأن البرامكة من قبله وغيرهم من الوزراء وكبار رجال الدولة ، وقد أثبت المؤرخون نصوص الأسئلة التي وجهت للأفشين كما حفظ لنا أجوبته عليها، وكان أول ما سئل عنه ، أنه كان قد ضرب إمام جامع في أشروسنة ومؤذن ألف سوط ، فاعترف بأنه أمر بضربهما، واحتج لنفسه بأنه كان بينه وبين ملوك السغد عهد وشرط أن يترك كل قوم علي دينهم ، وقد وثب هذان الرجلان علي بيت كان فيه أصنام أهل اشروسنة ، فأخرجاها ، واتخذا من المكان مسجد ، فضربهما لتعديهما، واتهم بأنه وجد في بيته كتاب محلي بالذهب والجوهر والديباج ، فيه ما يخالف اعتقاد المسلمين من الكفر بالله ، وكان جوابه ، إن هذا الكتاب ورثه عن آبائه ، فيه أدب من آداب العجم ، فكان يستمتع منه بالأدب ، ويترك ما سوي ذلك ، وقد وصل إليه من أسلافه ، وهو محلي ، فلم تضطره الحاجة إلي تجريده من حليه ، وهو أشبه بكتاب كليلة ودمنة ، والاحتفاظ به لا يخرج من احتفظ به من الإسلام ، وشهد

ص: 20

عليه الموبذ، بأنه يأكل المخنوقة ، وكان جوابه إن هذا الموبذ مجوسي ، فهل هو عدل مقبول الشهادة عند المسلمين ؟ فقالوا : لا، قال : فما معني قبولكم شهادة من لا تعذلونه ولا تثقون به ، وذكر عنه أن أتباعه في أشروسنة ، يكتبون ليه ما ترجمته : إلي إله الآلهة من عبده فلان ، فاعترف بذلك ، وقال : إن هؤلاء القوم جرت عادتهم أن يكتبوا بذلك إلي أبي وجدي ، وألي قبل أن أدخل في الإسلام ، فكرهت أن أضع نفسي دونهم ، فتفسد علي طاعتهم ، وادعي المازيار ، أن أخا الأفشين ، كتب ألي أخيه ( أخي المازيار ) يدعوه للمخالفة والخلع ، لكي يتوجه إليه الأفشين ، فيتفقان علي قلع الإسلام وإعادة المجوسية ، وكان جواب الأفشين : إن هذه دعوي علي أخي وعلي أخي المازيار ، فهي دعوي لا تجب علي ، وكانت آخر التهم الموجهة اليه ، للإستدلال علي كفره ، أنه لم يختن ، وكان جوابه : إنه لو فرضنا أن ذلك كان صحيحة ، فإن إغفال الختان ، لا يعني الخروج من الإسلام ، وإني خفت أن أقطع ذلك من جسدي فأموت ، فقيل له : أنت تطعن بالرمح ، وتضرب بالسيف ، وتخوض المعارك ، وتجزع من قطع قلفة ؟ فأجاب : تلك ضرورة تعنيني فأصبر عليها ، وهذا شيء أستجلبه ، فلا آمن معه خروج نفسي ، هذا وقد ظهر من بعد ذلك أنه كان مختونة ، ولكن كبرياءه ، واعتداده بنفسه ، منعه من دفع التهمة ، خشية أن يكلفه قضاته بأن يكشف عن عورته ، فيكون ذلك سبة عليه، وكان الأفشين طيلة المرافعة ، رابط الجأش ، حاضر الذهن ، رغم علمه بما ينتظره ، وأجوبته التي أجاب بها في المرافعة ، تنطق برباطة جأشه ، وحضور ذهنه ، ولما خاشنه اسحاق بن ابراهيم المصعبي ، صاحب الشرطة ، التفت إليه ، وقال له : يا أبا الحسن ، هذه تنورة قرأها عجيف علي علي بن هشام ، وانت تقرؤها علي ، فأنظر غدأ من يقرأها عليك ، أراد بأن رجال الدولة لما أرادوا قتل علي بن هشام ، بعثوا إليه بعجيف ، ثم قتلوا عجيفة ، وهم الآن يريدون قتله ( الأفشين ) فبعثوا بك إلي ، وسوف يقتلونك من بعد ذلك ، ولما زجره القاضي أحمد بن ابي دؤاد ، قال له الأفشين : أنت

ص: 21

يا أبا عبد اله ، ترفع طيلسانك بيدك ، فلا تضعه علي عاتقك ، حتي تقتل به جماعة ، وعندما أنهي القاضي استجواب الأفشين ، وأصدر حكمه بأن قال للقائد بغا : عليك به ، وضرب بغابيده علي منطقة الأفشين ، قال الأفشين : قد كنت أتوقع هذا منكم قبل اليوم ، ولما أعيد إلي محبسه ، بعث إلي المعتصم برسالة ، قال فيها: يا أمير المؤمنين ، إنك أحسنت إلي ، وشرفتني، وأوطات الرجال عقبي ، ثم قبلت في كلاما لم يتحقق عندك ، ولم تتدبره بعقلك كيف يكون ، وإنما مثلي ومثلك ، مثل رجل ربي عجله ،

حتي أسمنه وكبر ، وحسنت حاله ، وكان له أصحاب اشتهوا أن يأكلوا من لحمه ، فعرضوا له بذبح العجل ، فلم يجبهم إلي ذلك ، فاتفقوا جميعا علي أن قالوا له ذات يوم : لم تربي هذا الأسد ، هذا سبع ، وقد كبر ، والسبع إذا كبر يرجع إلي جنسه ، فقال لهم : ويحكم هذا عجل بقر ، ما هو سبع ، فقالوا : هذا سبع ، سل عنه من شئت ، وتقدموا إلي جميع من يعرفونه ، أن يقولوا : هذا سبع ، فكلما سأل الرجل إنسانة عنه ، قال له : هذا أسد، هذا سبع ، فأمر بالعجل ، فذبح ، وأنا ذلك العجل ، كيف أقدر أن أكون أسد ، الله ، الله في أمري ، وأسأل الله أن يعطف قلبك علي ، ولم تنجع الرسالة في المعتصم فإن خصوم الأفشين ، كانوا قد أفسدوا رأي المعتصم فيه ، فأمر بمنع الطعام عنه ، فمات جوعا ، وحمل ميتأ إلي بيت إيتاخ ، ثم أخرج فصلب عارية ، ثم أحرق وذري رماده في دجلة ، وكان ذلك في السنة 226 ، وكما كان للشعراء ، مواقف في مدح الأفشين ، لما كان الخليفة راضية عنه ، كانت لهم معه مواقف أخري غيرها لما غضب عليه ، وحبسه ، واستأصله ، وبعد أن كان « فحل المشرق » و « تضيء المكرمات إذا بدا » وكان « نجما يصدع الدجي ، وكان « به يصان رداء الملك من كفت جاذب ، قال فيه أبو تمام :

جالت بخيذر جولة المقدار**** فأحله الطغيان داربوار

ص: 22

كم نعمة الله كانت عنده ****فكأنها في غربة وإسار

مازال سر الكفر بين ضلوعه**** حتي أصطلي حر الزناد الواري

صلي لها حيا وكان وقودها**** ميتا ويدخلها مع الفجار

قد كان بوأه الخليفة جانبا ****من قلبه حرم علي الأقدار

فإذا ابن كافرة ير بكفره ****وجدأ كوجد فرزدق بنوار

ومن جملة ما عذب به ابن الزيات لما اعتقل في السنة 233 أنه سوهر ، ومنع من النوم ، وكان ينخس بمسلة ، ثم أدخل في تنور من خشب فيه مسامير حديد قيام ، فمكث أياما ، ثم بطح وضرب بطنه خمسين مقرعة ، ثم قلب فضرب علي استه مثلها ، ومات وهو يضرب ، وهم لا يعلمون ، ولم يأكل طول مدة حبسه سوي رغيف . ( الطبري 160/9 ).

في السنة 255 طالب الجند المعت بأرزاقهم ، فلم يجد ما يعطيهم ، فدخل عليه بعض خلفاء القواد ، وجروا برجليه إلي باب الحجرة ، وتناولوه بالضرب بالدبابيس ، فخرج وقميصه مخرق من مواضع ، وأثار الدم علي منكبيه ، وأقاموه في الشمس في وقت شديد الحر فظل يرفع قدما ويضع أخري من حرارة الموضع ، وأخذ بعضهم يلطمه وهو يتقي بيده ، ثم أدخلوه سردابا ومنع الطعام والشراب ، حتي مات وهو ابن 24 سنة ( الطبري 390/9)

وفي السنة 289 واقع أبو سعيد القرمطي ، بني ضبة ، وظفر بهم ، وأخذ منهم خلقا ، وبني لهم حبسا عظيما جمعهم فيه ، وسده عليهم ، ومنعهم الطعام والشراب ، فمكثوا شهرة ، ثم فتح عليهم ، فوجد أكثرهم موتي ، ويسيرا بحال الموتي ، قد تغذوا بلحوم الموتي ، فخصاهم ، وخلاهم ، فمات أكثرهم ( أتعاظ الحنفا 164 ).

وذكر صاحب العيون والحدائق ج 4 ق 1 ص 205 أن عمرو بن الليث

ص: 23

الصفار مات في حبسه في السنة 289 بالجوع والعطش ، فإن الناس اشتغلوا بيوم بيعة المكتفي وأهملوا أمر تقديم الغذاء لعمرو ، فمات جوعا .

وأحس القاسم بن عبيد الله بن سليمان، وزير المكتفي ، أن الحسين بن عمرو ، كاتب المكتفي قبل الخلافة ، اتفق مع فارس ، داية المكتفي ، علي استيزار إبراهيم بن حمدان الشيرازي ، وعلي أن تكون الدواوين جميعها إلي الحسين بن عمرو ، وأن يعزل القاسم من الوزارة ، فتوصل القاسم إلي المكتفي ، فأرضاه ، وتسلم الحسين بن عمرو ، وإبراهيم الشيرازي ، واستصفي أموالهما ، ثم أنفذهما إلي الأهواز ، فجعلا هناك في بيت ، وسد، ومنع من دخول الماء والطعام إليهما، حتي ماتا، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة رقم 171/3.

وبلغ الوزير علي بن عبيسي ، وزير المقتدر في السنة 315، أن في بغداد رجلا شيرازيا، علي مذهب القرامطة ، وأنه يكاتب أبا طاهر بالأخبار ، فأحضره ، وسأله ، فأعترف ، وقال : صحبت أبا طاهر بعد أن صح عندي أنه علي الحق ، وأنت وصاحبك كفار ، تأخذون ما ليس لكم ، فقال له : قد خالطت عسكرنا وعرفتهم ، فمن فيهم علي مذهبك ؟ فقال له : أنت بهذا العقل تدبر الوزارة ؟ كيف تطمع مني أن أسلم قوم مؤمنين إلي قوم كافرين يقتلونهم ، لا أفعل ذلك ، فأمر به ، فضرب ضربة شديدة ، ومنع الطعام والشراب ، فمات بعد ثلاثة أيام ( ابن الأثير 174/8).

أقول : ذكر ابن الجوزي في المنتظم 210/6 أن الشيرازي هذا ، صفع ، وضرب بالمقارع ، وقيد ، وغل ، وجعل في فمه سلسلة ، وحبس ، فلم يأكل ولم يشرب ثلاثا ، فمات .

وأمر الحاكم الفاطمي ، صاحب مصر ، فسدت حجرة من حجر

ص: 24

قصره ، علي جماعة من الجواري فيه اثنتان من محظياته ( النجوم الزاهرة 63)

وفي السنة 389 قتل زهمان بن هندي ، الذي كان صاحب خانقين ، بالجوع والعطش ، وسبب ذلك : أن أبا الفتح محمد بن عناز ، احتال علي زهمان فاعتقله هو وأولاده الثلاثة دلف ، ومقداد ، وهندي ، وسجنهم في قلعة البردان ، وبعد مدة ، ثار أولاد زهمان في القلعة ، وكسروا قيودهم ، وحاولوا الفتك بالموكلين ، فتجمع عليهم حماة القلعة ، وقتلوا الأولاد الثلاثة بحضرة أبيهم ، وأخذوا الأب زهمان إلي بيت ، وسدوا عليه بابه ، وأبقوا كوة كانوا يلقون إليه منها قرصا من الشعير ، وقليل ماء ، فبقي أيامأ ومات ( تاريخ الصابي 8/ 339 ).

وروي التنوخي في كتابه نشوار المحاضرة ج 5 ص 250 - 253 رقم القصة 131/5 قصة عن أعرابي شيخ حاول أن يقتل رفيقا له في الطريق ويستولي علي ماله ، ولكن رفيقه أحس به، وحبسه في ناووس ، وتركه ، حتي مات جوع وعطشا .

ولما استولي محمد بن سعد، المعروف بابن مردنيش ، علي مرسية وأعمالها ، بالأندلس ، تنكر له أكثر رعيته ، فقتل من قواده جماعة بأنواع القتل ، ومنهم من بني عليه في حائط وتركه حتي مات جوعا وعطشة ، إلي غير ذلك من ضروب القتل ، واستدعي النصاري الإفرنج ، وأستعان بهم في حكم رعيته المسلمين، ومات ابن مردنيش هذا ، وهو محاصر في مرسية ، حاصره الموحدون في السنة 567 . ( المعجب للمراكشي 322) .

وفي السنة 587 تضافر قوم من أهالي حلب علي الشيخ شهاب الدين السهروردي واتهموه بفساد العقيدة ، وكتبوا إلي السلطان صلاح الدين ، بأنهم يخشون أن يفسد عقيدة الملك الظاهر ولده صاحب حلب، فكتب الناصر إلي

ص: 25

ولده الظاهر ، يأمره بقتله، وشدد عليه في ذلك ، فخيره في الميتة التي يرتضيها ، فاختار أن يحبس في مكان ، ويمنع من الأكل والشرب ، إلي أن يموت ، ففعل به ذلك . ( شذرات الذهب 292/4 وعيون الأنباء 167/2 ومعجم الأدباء 270/7 ).

وكان السلطان محمد بن محمد بن محمد النصري ، سلطان غرناطة ، المخلوع سنة 708 والمقتول سنة 710 عظيم القسوة ، اعتقل طائفة من مماليك أبيه ، فسجنهم في مطبق الأري بحمراء غرناطة ، وأقفل عليهم الأبواب ، ومنعهم القوت ، فمكثوا أياما يصرخون من الجوع ، حتي خفتت أصواتهم بعد أن اقتات آخرهم موتا من لحم من سبقه، وحملت الشفقة حارس كان برأس المطبق علي أن طرح لهم خبز يسيرأ ، تنغص عليه أكله مع مباشرة بلواهم، ونمي إلي السلطان ذلك ، فأمر به ، فذبح علي حافة الجب ، فسالت عليهم دماؤه ( الاحاطة 555 و 556 ).

ولما اعتقل الملك الناصر محمد بن قلاوون ، في السنة 710 الأمير سلار ، أمر أن يبني عليه أربعة حيطان في مجلسه ، وألا يطعم ولا يسقي ، فبقي سبعة أيام لا يطعم ولا يسقي ، وهو يستغيث من الجوع ، ثم أرسل إليه السلطان ثلاثة أطباق مغطاة بسفر الطعام ، ففرح ، ولما كشفوها كان في أحد الأطباق ذهب ، وفي الثاني فضة ، وفي الثالث لؤلؤ وجواهر ، وبقي علي حالته هذه اثني عشر يوما ومات ، فجاءوا إليه فوجدوه قد أكل ساق خفه ، وقد أخذ السرموجة ( الحذاء ) وحطها في فيه ، وعض عليها بأسنانه ، وهو ميت . ( النجوم الزاهرة 18/9 ).

وفي السنة 710 مات الأمير بكتوت بدر الدين الفتاح ، من كبار الأمراء بمصر ، في سجن الإسكندرية ، وكان موته بالجوع والعطش ، وكان قد اختص بالمظفر بيبرس لما تسلطن ، وسار معه إلي الصعيد ، ولما عاد الناصر محمد بن قلاوون إلي السلطنة ، وقتل بيبرس ، قدم بكتوت علي الناصر

ص: 26

طائعة ، فأكرمه ، ثم قبض عليه وسجنه بالإسكندرية ، وترك أحد عشر يوما بلا مأكول ولا مشروب ، فمات ( الدرر الكامنة 23/2 ) .

وفي السنة 710 اعتقل السلطان الملك محمد بن قلاوون ، الأمير برلغي الاشرفي ، وضيق عليه ، ومنع من دخول الطعام والشراب إليه ، حتي يبست أعضاؤه وخرس لسانه من شدة الجوع ، ثم مات ( النجوم الزاهرة 17/9 و216).

ولما استولي تيمورلنك علي هراة، حبس سلطانها السلطان غياث الدين بن السلطان حسين ، ومنع عنه الطعام والشراب حتي مات جوعا وعطشأ ( اعلام النبلاء 489/2 ) .

ص: 27

ص: 28

الباب السادس عشر: القتل بصنوف العذاب

اشارة

يحتوي هذا الباب ، علي أخبار القتل الذي تم بألوان من العذاب ، غير ما سبق أن فضلناه من القتل بالسيف، وبأنواع السلاح الأخري، وبالنار ، وبكتم النفس.

ويشتمل هذا الباب ، علي أربعة عشر فص؟ :

الفصل الأول : القتل بالتفزيع .

الفصل الثاني : القتل بالبرد .

الفصل الثالث : القتل بالفصد .

الفصل الرابع : القتل بقصف الظهر .

الفصل الخامس : القتل بيقر البطن .

الفصل السادس : القتل بدق المسامير في الأذان .

الفصل السابع : القتل بطرح الإنسان للسباع .

الفصل الثامن : القتل بالطرح من شاهق .

الفصل التاسع : القتل بتحطيم الرأس .

الفصل العاشر : القتل بتمزيق البدن .

الفصل الحادي عشر : القتل بتقطيع الأوصال .

الفصل الثاني عشر : القتل والتعذيب بالسلخ .

الفصل الثالث عشر : القتل بالنشر بالمنشار .

الفصل الرابع عشر : القتل بألوان أخري من العذاب .

ص: 29

ص: 30

الفصل الأول: القتل بالتفزيع

ويحصل بتخويف المعذب ، والتهويل عليه ، وإحضاره في الوقت الذي يعذب فيه غيره من الناس .

ومورست هذه العقوبة ، علي فاطمة ابنة يعقوب بن الفضل الهاشمي ، وعلي خديجة زوجة يعقوب ، فإن المهدي العباسي اتهمهما بالزندقة ، وقعتا بأن ضرب علي رأسيهما بشيء يقال له : الرعبوب ، فماتتا فزعأ . ( الطبري 191/8)

ولما سيطر أحمد بن طولون علي مصر ، كان علي البريد بها شقير الخادم، فاتفق شقير مع أحمد بن المدبر، عامل الخراج بها، وسعية باحمد بن طولون إلي الخليفة ، وبلغ احمد ذلك ، فاعتقل شقيرة ، وأحضره، وأمر بأن يجلد ، فأخذه الذعر ، فمات ( المكافأة 114).

وقد مارس المحسن بن الفرات في السنة 312 ذلك علي محمد بن نصر ، وكيل أبي الحسن علي بن عيسي بن الجراح ، فإنه أدخل إلي ديوانه ، فرأي ما يلحق الناس من المكاره بحضرة المحسن، فمات من الفزع . ( تجارب الأمم 132/1 ).

ص: 31

ص: 32

الفصل الثاني: القتل بالبرد

ومن ألوان العذاب ، أن يعزي المعذب ، ويصب عليه الماء البارد ، في الشتاء ، أو أن يحرم من الدثار ، ويترك في الجو البارد حتي يموت .

وأول من مارس هذا النوع من العذاب ، علي ما بلغنا ، الوليد بن عبد الملك الأموي ، فإنه في السنة 88 أمر بهدم حجر أزواج الرسول صلوات الله عليه ، وإضافتها إلي المسجد، فلما شرع في ذلك ، غضب خبيب بن عبدالله بن الزبير ، وصاح: اليوم محيت آية من كتاب الله تعالي ، يريد بذلك الآية الكريمة : إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون (4 م الحجرات 49)، فكتب بذلك صاحب البريد إلي الوليد ، فأمر الوليد بأن يجلد خبيب مائة سوط ، وأن يصب علي رأسه قربة ماء بارد ، فضرب في يوم بارد ، وصب علي رأسه الماء ، فمات ( العيون والحدائق 4/3).

وفي السنة 236 توقي أبو سعيد محمد بن يوسف المروزي فجأة ، وكان في عسكره بالكرخ ، قد عقد له علي اذربيجان وأرمينية ، يريد السفر إليها ، فمات فجأة لبس أحد خفيه ، ومد الأخر ليلبسه، فسقط ميتا ، فوتي المتوكل ابنه يوسف بن محمد ما كان وليه أبوه من الحرب وأضاف إليه الخراج ، فشخص إلي عمله، ووجه عماله، وفي السنة 237 قبض علي أحد بطارقة أرمينية ، وقيده وبعث به إلي سامراء ، فاجتمع عليه بطارقة أرمينية ، وحصروه ، وقتلوه ومن قاتل من جنده ، أما من لم يقاتل، فقالوا لهم: ضعوا

ص: 33

ثيابكم ، وانجوا عرايا ، فطرحوا ثيابهم ، ونجوا عراة حفاة ، فمات أكثرهم من البرد ، ونجا بعضهم وقد سقطت أصابعهم . ( الطبري 187/9 ).

وفي السنة 252 خلع المعتز أخاه المؤيد من ولاية العهد، وقيده ، وضربه أربعين مقرعة ، وحبسه ، وقتله بالبرد ، بأن وضعه في ثلاجة ، حيث أجلسه في حجرة ، ونضدت عليه حجارة الثلج ، فجمد برد ، ومات ( الطبري 362/9وابن الأثير 172/7 ).

أقول : وقد عذب المعتز عند خلعه وقتله ، بعكس ما عذب به أخاه ، فإنه حقن بماء مغلي، فورم جوفه، ومات ( مروج الذهب 462/2 ). أما الشريشي شارح مقامات الحريري ، فذكر أن المعتز لما خلع أدخل حمامأ وأغلق عليه فمات من حره ( شرح المقامات الحريرية 226/1 )، أما صاحب تاريخ الخلفاء ، فذكر أن الأتراك هجموا علي المعتز ، وجروا برجله ، وضربوه بالدبابيس ، وأقاموه في الشمس في يوم صائف ، وهم يلطمون وجهه ، ويقولون له إخلع نفسك، فخلع نفسه ، وبعد خمس ليال من خلعه ، أخذه الأتراك فأدخلوه الحمام ، ومنعوه الماء ، ثم سقوه ماء بثلج ، فسقط ميتا ( تاريخ الخلفاء 360).

وذكر الشريشي في كتابه : شرح المقامات الحريرية 226/1 أن ابن المعتز ، لما قبض عليه المقتدر ، أمر به فرمي في صهريج فيه ماء، فمات من شدة البرد ، وقال : إن من العجائب أن أباه المعتز، لما خلع عن الملك ، أدخل حمامة ، وأغلق عليه ، فمات من حره .

وفي السنة 403 قتل شمس المعالي قابوس بن وشمگير بالبرد ، تآمر عليه قواده ، وذلك إنه كان عنيفأ معهم ، يقتل علي الذنب اليسير ، فتأمروا عليه واعتقلوه ونصبوا ولده مكانه ، وحملوه إلي قلعة جناشك ، وتركوه حتي إذا دخل إلي المرحاض أخذوا ثيابه ، وتركوه ، وكان الزمان شتاء ، والبرد

ص: 34

شديدا ، فجعل يستغيث ، ويصيح : أعطوني ولوجل دابة ، فلم يفعلوا ، فمات من شدة البرد . ( ابن الأثير 239/9 وفيات الأعيان 81/4 ).

وفي السنة 514 خرج جوسلين الإفرنجي صاحب الرها، فأغار علي النقرة والأحص ، وقتل ، وسبي ، وأحرق، ثم قصد تل باشر ، وصنع بها كما صنع بالنقرة والأحص ، وأخذ المشايخ والعجائز والضعفاء ، فنزع عنهم ثيابهم، وتركهم في البرد عراة ، فهلكوا بأجمعهم ( أعلام النبلاء 437/1 ).

وفي السنة 534 قبض الوزير البر وجردي ، علي ثابت بن حميد المستوفي فحبسه في سرداب بهمذان في الشتاء بطاق قميص ، فمات من البرد ، وأخذ من ماله ثلثمائة ألف دينار. ( المنتظم 87/10 ).

ص: 35

ص: 36

الفصل الثالث: القتل بالفصد

والعذاب بالفصد ، من أخف ألوان العذاب ، وأقلها أذي ، ولا يتأتي إلا بمزيد من العناية .

وممن اختار القتل بالفصد ونزف الدم ، عبد يغوث بن صلاءة بن ربيعة ، من قحطان ، قائد قومه من بني الحارث ، فإنه أسر في بعض الوقائع، وخير كيف يرغب أن يموت ، فاختار أن يشرب الخمر صرفأ، ويقطع عرقه الأكحل ، فمات نزف . ( الأعلام 337/4 ).

ولما أراد الخليفة المعتضد، أن يقتل أستاذه ونديمه ، الفيلسوف أبا العباس احمد بن الطيب السرخسي ، في السنة 286 ، بعث إليه يقول : لك سالف خدمة ، فاختر أي قتلة تحب أن أقتلك ؟ فاختار أن يفصد ، ويترك فصاده من دون شد، فقتل بتلك القتلة ( الوافي بالوفيات 6/7).

وغضب زيادة الله بن الأغلب ، صاحب إفريقية (ت 304) ، علي طبيبه إسحاق بن عمران ، الملقب بسم ساعة ، فأمر به ففصد في ذراعيه جميعا ، وسال دمه حتي مات ، ثم صلبه علي جذع ، فطال مقامه مصلوبا حتي عشش في جوفه صقر لطول مقامه ( طبقات الأطباء والحكماء لأبن جلجل 85-86).

وفي السنة 669 قتل عبد الحق بن إبراهيم الإشبيلي ، من الفلاسفة

ص: 37

القائلين بوحدة الوجود ، ونسبت إليه أقوال مخالفة للشريعة ، فصد بمكة ، وترك دمه يجري، حتي مات نزفا . ( الأعلام 51/4).

ولما اعتقل السلطان علي بن عثمان المريني ، سلطان المغرب ، أخاه عمر ، وأحضره إلي فاس في السنة 734 قتله فصدأ وخنقأ . ( الاعلام 214/5 ونفح الطيب 155/5-156).

ص: 38

الفصل الرابع: القتل بقصف الظهر

في السنة 126 تسلم يوسف بن عمر الثقفي ، أمير العراق لهشام وللوليد بن يزيد، خالد بن عبدالله القسري ، سلفه في حكم العراق ، وعذبه ، وقتله بأن وضع قدميه بين خشبتين ، وعصرهما حتي انقصفتا، ثم رفع الخشبتين إلي ساقيه ، وعصرهما حتي انقصفا، ثم إلي وركيه ، ثم إلي صلبه ، فلما انقصف صلبه مات ، وهو في كل ذلك لا يتأوه ، ولا ينطق ( وفيات الأعيان 229/2 ).

وفي السنة 283 قتل السلطان أحمد بن هولاكو، بقصف ظهره ( الحوادث الجامعة 436).

أقول : تسلطن أحمد عند وفاة أخيه أباقا بن هولاكو، في السنة 980 ، وكان اسمه تكودار ، فلما تسلطن أعلن إسلامه ، وتسمي بأحمد . فتغير عليه بعض قواده لما أسلم ، وخرج عليه أرغون بن أبانا أخيه ، وكان أرغون علي خراسان ، فانتصر أحمد ، وأسر أرغون ، ولكنه أهمل التوثق منه ، فأطلقه بعض القواد ، وقصدوا أحمد، ففر منهم ، وقبضوا عليه ، وقتلوه ، فكانت سنه لما قتل بضعة وعشرين سنة . (تاريخ أبي الفداء 16/4 -17 وشذرات .الذهب 381/5 ) .

ص: 39

ص: 40

الفصل الخامس: القتل ببقر البطن

البقر : الفتح ، والشق ، والتوسيع، ويصرف إلي شق البطن ، والبقير من النوق : التي شق بطنها عن ولدها .

وأول ما بلغنا عن هذا اللون من العذاب ، مارسه عبيدالله بن زياد ، بميثم التمار ، أحد رجال الشيعة ، إذ أمر به فعلق علي خشبة ، ثم أمر به أن يلجم ، ليحول بينه وبين الكلام ، وفي اليوم الثالث ، أمر به فبقرت بطنه بحرية ، فسال أنفه وفمه دما ، ومات . ( تاريخ الكوفة 284- 287).

وأغار الجحاف وأصحابه علي بني تغلب ، فقتل الرجال ، وبقر بطون الحوامل ، وقتل من لم تكن حاملا، راجع تفصيل ذلك في هذا الكتاب في الباب التاسع عشر « المرأة ، الفصل الخامس و الوان أخري من القتل .

ومارس هذا اللون من العذاب ، من بعده ، أسد القسري ، أمير خراسان ، فإنه بعث إلي أهالي التبوشكان جندة ، بقيادة الكرماني ، فنزلوا علي حكمه ، فحكم ببقر بطون خمسين منهم ، وألقاهم في نهر بلخ ( الطبري 337/7 ).

وفي السنة 130 تصدي ابنا جمانة المراديان باليمن ، لعبد الملك بن محمد بن عطية ، أحد قواد مروان الجعدي ، وقتلاه ، فقصدهم الوليد بن عروة ، ابن أخي عبد الملك ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وبقر بطون النساء ،

ص: 41

وقتل الصبيان ، وحرق بالنار من قدر عليه منهم ( ابن الأثير 391/5 - 392۔ 402)

وفي السنة 315 هجم قوم من جند مرداويج ، عليه ، وكان في الحمام ، فقاتلهم بكرنيب فضة كان في يده ، فشق بعض الأتراك المهاجمين بطنه ، ولما خرجت حشوته ، ظن أنه قتله ، فلما خرج إلي أصحابه ، قالوا له : اين رأسه ؟ وعادوا لح رأسه ، فوجدوه قد قام بين سريرين في الحمام ، ورد حشوة بطنه وأمسكها بيده ، وكسر جامة الحمام ، وأعانه قيم الحمام ، وهم بالخروج من ذلك الموضع إلي سطح الحمام ، فحوا رأسه ( تجارب الأمم 163/1 ).

وقتل الحاكم الفاطمي ، بمصر ، ركابية له ، بحربة في يده ، وتولي شق بطنه بيده ( النجوم الزاهرة 58).

وفي السنة 620 قتل جنديان أخوان، ببغداد طبيب الخليفة الناصر ، واسمه صاعد بن هبة الله ، فأخذا إلي موضع الجريمة وشق بطناهما ، وصلبا ( تاريخ الحكماء 213- 214).

ص: 42

الفصل السادس: القتل بدق المسامير في الآذان

ومن ألوان العذاب التي تدل علي القسوة ، دق المسامير أو الأوتاد في الأذان .

وأول من مارس هذا اللون من العذاب ، علي ما بلغنا عمرو بن الليث الصقار ، فإنه انتبه ذات ليلة ، فوجد أحد غلمانه ، من الحراس ، واقفا وقد أغفي ، فجعل مرفقه علي صماخ أذنه ، وغمز عليه حتي قتله، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للتنوخي في القصة رقم 66/3).

وعذب ابن السلار ، الموقق ، بأن دق في أذنه مسمارة ، فقتله ، وتفصيل القصة أن أبا الحسن علي بن السلار ، الملقب بالملك العادل ، وزير الظافر الفاطمي ، كان قبل الوزارة ، من آحاد الأجناد ، فدخل يوما إلي الموقق ، أبي الكرم التنيسي ، وكان يتولي الديوان ، فشكا إليه من غرامة ألزم بها ، فقال له الموفق : إن كلامك هذا ما يدخل في اذني ، فحقدها عليه ، وطلبه لما استوزر ، حتي ظفر به ، فأمر بإحضار لوح خشب ومسمار طويل ، وأمر به فألقي علي جنبه ، وطرح اللوح تحت أذنه ، ثم ضرب المسمار في الأذن الأخري ، وصار كلما صرخ يقول له : دخل كلامي في أذنك أم لا ؟ حتي مات . ( وفيات الأعيان 417/3).

وكان الأمير سيف الدين الناصري (ت 738) مشد الدواوين بمصر ، يعذب الناس بضرب الأوتاد في آذانهم . ( الوافي بالوفيات 348/9 ) .

ص: 43

ص: 44

الفصل السابع: القتل بطرح الإنسان للسباع

كان هذا اللون من العذاب ، يمارس منذ أقدم الأزمنة ، بطرح الأسير للسباع ، تفترسه ، أو للكلاب. تنهشه ، أو للفيلة ، تعذبه أو تقتله .

وأقدم ما بلغنا عن هذا اللون من العذاب ، ما كان يجري في حفلات الرومان التي يجمعون فيها بين الحيوانات المفترسة ، وبين الأسري .

أما في العهد الإسلامي ، فإن أول من مارس هذا اللون من العذاب ، الحجاج بن يوسف الثقفي ، السيء الصيت ، فإنه حبس الزاهد ، ابراهيم بن يزيد التيمي ، ومنع عنه الطعام، ثم أرسل عليه الكلاب في السجن تنهشه ، حتي مات ( اللباب 190/1 ).

ويروي أن الرشيد، قتل يحيي بن عبدالله العلوي ، بأن أجاع السباع ثم طرحه إليها ، فأكلته ( مقاتل الطالبيين 482).

وجيء للمعتصم ، برجل قد رمي ببدعة ، فأمر به فألقي للسباع ، ( مروج الذهب 445/2 ).

وأمر بحكم ، أمير الأمراء ، بأن يطرح أربعة أشخاص ، للسباع ، فطرحوا إليها في البركة التي بناها بالنجمي، ببغداد في الجانب الغربي . ( الأوراق للصولي ، اخبار الراضي والمتقي 144).

ص: 45

وغضب المعتضد علي أحد وزرائه ، لما ظهر عليه أنه تعشق فتاة ، فأغري بعض الشهود ، فشهدوا بأنه قد تزوجها، فأمر المعتضد بصلب الشهود ، وأن يوضع الوزير في جلد ثور طري السلخ ، وأن يضرب بالمزارب حتي يختلط عظمه بلحمه ، ثم مر أن يرمي للسباع ، فألقي إلي النمور ، فأكلت لحمه ، ولعقت دمه ( تحفة المجالس للسيوطي 311 - 314) .

وفي السنة 367 حمل ابن بقية ، وزير عز الدولة بختيار ، إلي عضد الدولة ، وكان ناز بالزعفرانية ، فشهر في العسكر علي جمل، ثم طرح بباب حرب إلي الفيلة ، وأضربت عليه ، فقتلته ، وصلب علي شاطيء دجلة في رأس الجسر بالجانب الشرقي ثم نقل إلي الجانب الغربي بحضرة البيمارستان العضدي ( تجارب الأمم 380/2 ووفيات الأعيان 119/5 ).

وفي السنة 369 أخذ عضد الدولة ، عبد العزيز بن محمد المعروف بالكراعي ، أسيرة ، وكان قد قصد البصرة ليستولي عليها ، فثار به أصحاب عضد الدولة ، وأسروه وشهر بالبصرة ، وعوقب ، ثم أنفذ إلي بغداد ، فشهر منصوبا علي نقنق في سفينة ، وعلي رأسه برنس ، ثم طرح الي الفيلة ، فخبطته ، وصلب إلي جانب ابن بقية . ( تجارب الأمم 414/2 ) .

وذكر التنوخي ، في نشوار المحاضرة ، في القصة المرقمة92/8 أن الفيل في الهند ، يقوم مقام الجلاد ، فإذا أرادر الملك قتل إنسان ، سلمه إلي الفيل ، فيكلمه الفيال في أن يقتله ، فيقتله بألوان من القتل ، منها : أنه ربما لف خرطومه علي رجل الرجل، ويضع إحدي يديه علي ساق الرجل الأخري ، ثم يعتمد عليه ، فإذا هو قد خرق الرجل بنصفين ، من أوله إلي آخره ، وربما ترك الرجل ، وأستعرضه بالعرض ، ثم وضع يده علي بطنه ، فيسحقه .

ووصف ابن بطوطة ، كيفية حصول ذلك ، فذكر أن ثمة فيلة تدرب علي ذلك ، وتكسي أنيابها حدائد مسنونة ، تشبه سكك الحرث ، ولها أطراف

ص: 46

كالسكاكين ، ويركب الفيال علي الفيل ، فإذا رمي بالرجل بين يديه ، لفت خرطومه عليه ، ورمي به في الهواء ، ثم يتلقفه بنابيه ، ويطرحه بعد ذلك بين يديه ، ويجعل يده علي صدره ، ويفعل به ما يأمره به الفيال ، علي حسب ما أمره به السلطان ، فإن أمره بتقطيعه ، قطعه الفيل قطعأ بتلك الحدائد ، وإن أمر بتركه ، تركه مطروحا ، فسلخ ( مهذب رحلة ابن بطوطة 101/2 ).

وفي السنة 449 توجه السلطان طغرلبك السلجوقي ، إلي نصيبين ، وبعث هزارسب في ألف من جنده ، فحارب الأعراب ، وقتل منهم ، وأسر ، وحمل الأسري إلي السلطان ، فلما أحضروا بين يديه ، قال لهم : هل وطئت لكم أرض ، أو أخذت لكم بلدأ ؟ قالوا : لا ، قال : لم أتيتم لحربي ؟ ، وأحضر لهم الفيل فقتلهم جميعا ، إلا صبيا أمرد امتنع الفيل عن قتله ، فعفا عنه السلطان . ( ابن الأثير628/9 ).

وفي السنة 488 جرح السلطان بركياروق ، جرحه سجزي كان ستريا علي بابه ، فأخذ الجارح ، وأقر علي رجلين آخرين ، فأحضرا ، وقررا ، فأعترفا ، ولم يقرا علي من أمرهما بذلك ، فترك أحدهما تحت يد الفيل ، ثم قتلوا . (التنظيم 86/9 و87 والكامل لابن الأثير 251/10 و252 ).

ولما خالف الأمير عين الملك ، علي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، وأنكسر جيشه ، ووقع أسيرة في يد السلطان ، أحضره السلطان بعد المغرب ، وجيء باثنين وستين رجلا من كبار أصحاب عين الملك ، وجيء بالفيلة ، فطرحوا بين أيديها ، فجعلت تقطعهم بالحدائد الموضوعة علي أنيابها، وترمي بعضهم إلي الهواء، ثم تتلقفه ، والأبواق ، والأنقار ( النقارات ) والطبول ، تضرب عند ذلك ، وعين الملك ، واقف يعاين مقتلهم ، ويطرح من أشلائهم عليه ، ثم أعيد إلي محبسه . (مهذب رحلة ابن بطوطة 2/ 110).

ص: 47

وحدث أن تأمر ابن أخت الوزير خواجه جهان ، مع أمراء آخرين ، علي قتل خاله ، والفرار إلي الشريف الثائر ببلاد المعبر، وانكشف أمرهم ، فبعث بهم الوزير إلي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، فأفرد السلطان ابن اخت الوزير عن رفاقه وبعث به إلي خاله ، أما الباقون فطرحوا للفيلة «المعلمة قتل الناس فقتلتهم، أما ابن أخت الوزير ، فإن خاله أمر به فطرح للفيلة ، ثم سلخ جلده ، وحشاه تبنا ( مهذب رحلة ابن بطوطة 101/2 و169).

وفي السنة 741 أفسد المعازبة ، بالتهائم ، في اليمن ، فهاجمهم السلطان المجاهد، صاحب اليمن ، وقتل منهم عدة مستكثرة ، ورمي بعضهم للفيلة ، وغرق الباقين ، في البحر ، ثم آل أمرهم ألي أن شيخ عليهم امرأة يقال لها : بنت العاطف ، وكساها ، فكانت تركب دابة من الحمر ، أو ناقة ، وتقود المعازبة بأسرهم ( الضوء اللؤلؤية 69/2 ).

وفي السنة 745 مات زين الدين البدوي ، وهو أموي النسب ، ولد سنة 685 وذكر عنه أنه كان بالمستنصرية ببغداد ، واتهمه ملك التتار بمكاتبة المصريين ، فألقاه وآخر من أصحابه إلي الكلاب ، فأكلت الكلاب رفيقه ، ولم تؤذه ، فأطلقوه ، ثم قدم دمشق ، واتفقت له كائنة ، فسجن بقلعة دمشق ، وكان الشيخ ابن تيمية قد سجن فيها، وأقام مسجونا بعده خمس سنين ثم أطلق ( الدرر الكامنة 257/3 و 258 ).

وفي السنة 803 حصر تيمورلنك دمشق ، وانتشرت عساكره في ظاهرها، تتخطف الناس ، وكان تيمور يلقي من ظفر به تحت أرجل الفيلة ( شذرات الذهب 7/ 64 ) .

وفي السنة 803 قتل تيمورلنك الأمير سودون ، قريب الظاهر برقوق ، وكان نائب السلطنة بالشام ، فلما استولي تيمورلنك علي دمشق ، أحضره ، ووبخه لأنه قتل رسول تيمورلنك إليه ، ثم أمر بتعذيبه ، وأمر بإلقائه تحت الفيلة فقتل ولم يتعد الثلاثين من عمره ( الضوء اللامع 284/3 ) .

ص: 48

ولما ثار الأمير علي قلي خان زمان ، علي السلطان أكبر ، سلطان الهند، وحاربه أكبر ، وانتصر عليه ، أمر بالاسري من جيش قلي خان ، فطرحوا للفيلة ، فمزقنهم ، وكانت هذه عادة متبعة في الهند. ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 69 ).

وذكر أن السلطان جهانكير سلطان الهند، كان يتلهي ، بأن يحضر بعض الرجال ، ثم يطلق عليهم السبع ، ولا يبرح المكان حتي يظفر برؤية الرجل مقطعة إربا . (الاسلام والدول الاسلامية في الهند 89).

وروي القبطان هوكز الانكليزي ، أن السلطان جهانكير ، سلطان الهند 1014- 1037 ( 1605 - 1627 م) كان شديد القسوة ، وكان مما يسر له أن يري الأفيال ، وهي تقطع المحكوم عليهم إربأ . ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 89).

وكان سنتاجي ، مستشار دولة الماهراتا في الهند ، قوي الشخصية شديد التمسك بالنظام ، وكان يأمر بمن ارتكب أقل هفوة ، فيلقي تحت أرجل الفيلة . ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 162).

ص: 49

ص: 50

الفصل الثامن: القتل بالطرح من شاهق

التعذيب بالطرح من شاهق ، لون من ألوان العذاب التي مارسها المتسلطون من القديم ، وأول ما بلغنا عن هذا اللون من العذاب ما صنعه النعمان ، أحد ملوك العرب ، بسنمار ، فقد بني له قصرة لا مثيل له ، وخشي النعمان أن يبني مثله لغيره ، فأمر به فألقي من أعلي القصر، فقال الناس ، في مقابلة الحسنة بالسيئة : جازاه جزاء سنمار ، وذهبت مثلا .

وقد مارس هذا اللون من العذاب ، عبيد الله بن زياد ، فإنه رمي قيس بن مسهر ، من أعلي القصر ، فتقطع ( تاريخ الكوفة 273 ) .

أقول : لما قصد الحسين العراق في السنة 60 بعث في مقدمته قيس بن مسهر الصيداوي رسولا ، فأخذ وحمل إلي ابن زياد ، فقال له عبيد الله بن زياد : إصعد إلي القصر ، وسب الكذاب بن الكذاب ، فصعد ، وقال : أيها الناس ، إن الحسين بن علي ، خير خلق الله ، ابن فاطمة بنت رسول الله ، وأنا رسوله إليكم ، فأجيبوه ، ولعن عبيد الله بن زياد وأباه ، فأمر به عبيد الله فألقي من أعلي القصر ، فتقطع ومات ، وعلم الحسين بخبره من مجمع بن عبد الله العائذي . من أهل الكوفة ، لما أخبره بحقيقة حال أهل الكوفة ، فقال : أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم ، وملئت غرائرهم ، يستمال ودهم ، وتستخلص نصيحتهم ، فهم إلب واحد عليك ، وأما سائر الناس بعد ، فإن افئدتهم تهوي إليك ، وسيوفهم غدا مشهورة عليك ، أما رسولك

ص: 51

قيس بن مسهر ، فقد أخذه الحصين بن تميم ، فبعب به إلي ابن زياد ، فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك ، فصلي عليك وعلي أبيك ، ولعن ابن زياد وأباه ، ودعا إلي نصرتك ، وأخبرهم بقدومك ، فأمر به ابن زياد، فألقي من طمار القصر ( الطبري 405/5 ).

وظفر عبيد الله بن زياد ، في السنة 60 برسول آخر بعث به الحسين إلي الكوفة ، لما قصد العراق ، وهو أخوه من الرضاعة ، عبد الله بن بقطر ، فأخذه الحصين بن تميم بالقادسية ، وبعث به إلي ابن زياد ، فقال له عبيد الله : اصعد فوق القصر ، والعن الكذاب بن الكذاب ، ثم انزل حتي أري فيك رأيي ، فصعد ، فلما أشرف علي الناس ، قال : أيها الناس ، إي رسول الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم ، لتنصروه ، وتؤازروه ، علي ابن سمية الدعي ، فأمر به عبيد الله ، فألقي من فوق القصر إلي الأرض ، فكسرت عظامه ، وبقي به رمق ، فأتاه عبد الملك بن عمير اللخمي ، فذبحه ، فلما عيب ذلك عليه ، قال : إنما أردت أن أريحه ( الطبري 398/5)

ولما أسر عبيد الله بن زياد مسلم بن عقيل ، أحضره أمامه ، وقال له : قتلني الله أن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد من الناس في الإسلام ، ثم أمر به فأصعدوه إلي أعلي القصر ، حيث رمي به من شاهق ، فقال فيه الشاعر : ( مقاتل الطالبيين 107 و108 وابن الأثير 35/4 و 36 ).

إذا كنت لا تدرين ما الموت فانظري**** إلي هانيء في السوق وابن عقيل

إلي بطل قد هشم السيف وجهه**** وآخر يهوي من طمار قتيل

وكان عبيد الله بن زياد ، إذا غضب علي رجل ، ألقاه من فوق قصر الكوفة . ( أنساب الاشراف 84/2/1 ).

وقدم ابن عائشة ( المغني ) من عند الوليد بن يزيد بالشام ، فدعا به

ص: 52

إبراهيم بن هشام المخزومي ، أمير المدينة ، وسأله المقام عنده ، فأجاب ، فلما أخذوا في شربهم ، أخرج المخزومي جواريه، فنظر إلي ابن عائشة وهو يغمز جارية منهن ، فقال لخادمه ، إذا خرج ابن عائشة يريد حاجته ، فآرم به ، فلما قام ليبول ، رمي به الخادم من فوق السطح ، فمات . ( الاغاني 236/2 ) . والوافي بالوفيات 182/3 ).

وكان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، من أقسي الناس قلبا ، غضب علي غلام له ، وهو جالس في غرفة بإصبهان ، فأمر بأن يرمي به منها إلي أسفل ، ففعل به ذلك ، فسقط ، وتعلق بداربزين كان علي الغرفة ، فأمر بقطع يده التي أمسك بها ، فقطعت ، وخر الغلام يهوي ، حتي بلغ الأرض ، فمات . ( الاغاني 232/12 ومقاتل الطالبيين 163).

وفي السنة 250 رمي أبو العبر محمد بن أحمد العباسي من فوق سطح ، فقتل ، وكان شديد الميل علي العلويين والهجاء لهم ، قتل بقصر ابن هبيرة ، وقد خرج لأخذ أرزاقه من هناك ، فسمعه قوم من الشيعة يتنقص علي عليه السلام ، فرموا به من فوق سطح فمات ( معجم الأدباء 271/6 ) .

وطولب محمد بن جعفر بن الحجاج ، ونصب علي دقل ، وجعل في رأس الدقل بكرة ، فيها حبل ، وشدت يدا ابن الحجاج في الحبل، ورفع إلي أعلي الدقل ، ثم أرسل مرة واحدة فسقط علي الشخص القائم بتعذيبه ، فقتله ( الوزراء للصابي 138).

وفي السنة 316 استولي أسفار الديلمي علي طبرستان ، ثم استولي علي قزوين وآذي أهلها ، فدعوا عليه في الصحراء ، فسمع مؤذن الجامع يؤذن ، فأمر به فألقي من المنارة إلي الأرض . ( ابن الأثير 193/8 ).

وفي السنة 342 اتهم صاحب قلعة سميرم ، طباخة خاصة بالمرزبان

ص: 53

صاحب أذربيجان ، وكان معتق عنده ، فأمر بالطباخ ، فرمي من قلة القلعة ، فهلك ( تجارب الأمم 151/2 ).

وفي السنة 382 أوجس أبو علي بن مروان ، من أهالي ميافارقين شرا ، وكانوا قد استطالوا علي أصحابه ، فأمسك عنهم إلي يوم العيد ، فخرجوا إلي الصحراء ، فلما تكاملوا خارج البلد ، أخذ أبا الصقر شيخ البلد وألقاه من أعلي السور ، وقبض علي من كان معه ، وأغلق أبواب البلد ، وأمر أهل ميا فارقين ، أن ينصرفوا حيث شاءوا ، ولم يمكنهم من العودة إلي البلدة ، فذهبوا كل مذهب ( ابن الأثير 72/9 ).

ولما حاصر أبو الفضل بن العميد، قلعة خست ، بنواحي نيسابور ، جد المحصورون في محاربته ، فأسر منهم خمسين رجلا ، وأراد أن يقتلهم قتلة يرهب بها من في القلعة ، فأمر بالأساري ، فرمي بهم من رأس الجبل الذي عليه القلعة ، فكان الواحد منهم يصل إلي القرار قطعأ ، راجع التفصيل في القصة 397 من كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، وكيف نجا من هؤلاء غلام ما بقل وجهه ، رماه من الجبل مرتين فلم يلحق به مكروه .

وفي السنة 490 فتح الصليبيون القدس ، فجمعوا اليهود في الكنيس وأحرقوهم ، أما المسلمون فقد قتلوا منهم سبعين ألفأ ، رموا قسما منهم من أعالي البروج والبيوت ، وذبحوا الباقين . ( خطط الشام 282/1 ).

وفي السنة 507 تسلطن بحلب ، ألب أرسلان بن رضوان بن تتش السلجوقي ، فاستأصل الباطنية ، واستصفي أموالهم ، ورمي قسمأ منهم من أعلي القلعة ( اعلام النبلاء 415/1 ) .

وفي السنة 529 اتهم الأمير حسن بن الحافظ الفاطمي أحد الأستاذين من خدم أبيه الحافظ ، بالتآمر عليه ، فأمر به فأصعد إلي أعلي القصر الغربي ورمي به فقتل ( خطط المقريزي 18/2 ).

ص: 54

وفي السنة 538 أخذ ببغداد رجل يقال أنه فسق بصبي ، فحبس في جب ، ثم رقي إلي رأس منارة سعادة، ثم رمي به إلي الأرض ، فهلك ( المنتظم 108/10 ).

وفي السنة 550 ثار أهالي غزنة علي سيف الدين الغوري ، رغم إحسانه إليهم ، وأسروه ، وصلبوه ، بعد أن سودوا وجهه ، وأشهر وه راكبا علي بقرة ، فتجهز علاء الدين الحسين ، ملك الغور ، أخو سيف الدين ، وقصد غزنة ، وفتحها عنوة ، وأخذ الذين أعانوا علي أخيه ، فعاقبهم بألوان من العقوبات ، وألقي بعضهم من رؤوس الجبال ( ابن الأثير 11/ 164 - 170)

وذكر ابن الأبار ، في تحفة القادم ، أن إبراهيم بن أحمد بن همشك (ت 572 ) ، كان قد ملك في الفتنة جيان ، وشقورة ، وكثيرا من أعمال غرب الأندلس ، وكان يعذب الناس بالتعليق ، والتحريق ، ولا يتناهي عن منكر فعله من رميهم بالمجانيق ، ودهنهتهم كالحجارة من أعالي النيق ، فقال فيه الشاعر : ( الوافي بالوفيات 214/1 ) .

همش ضم من حر**** فين من هم وشك

فعين الدين والدنيا ****لإمرته أسئ تبكي

وإبراهيم هذا ، هو إبراهيم بن أحمد بن مفرج ، وكان مفرج نصرانية من قشتالة ، أسلم علي يد أحد بني هود ، وكانت إحدي أذنيه مقطوعة ، فكان الأسبان ، إذا رأوه في المعركة ، عرفوه من أذنه المقطوعة ، وقالوا بالاسبانية : همشك ، أي المقطوع الأذن ، وآتصل إبراهيم بيحيي بن غانية ، وأستقل بحصن شقوش ، وتغلب علي شقورة ، وصاهر محمد بن مردنيش ، تزوج آبنته ، ثم خدم الموحدين ، وقدم مراكش في السنة 571 وأقام بمكناس حتي مات ، وكان جبارة قاسية ، عظيم العبث بالخلق ، يحرقهم بالنار ، ويطرحهم

ص: 55

من الشواهق ، لزيادة التفصيل راجع ما كتبناه عنه في الفصل العاشر من هذا الكتاب . ( الاعلام 5/10) .

ولما استولي الصليبيون علي بيت المقدس ، ارتكبوا جرائم لم يسبق لها نظير ، دفعهم إليها التعصب الأعمي ، إذ كانوا يكرهون المسلمين علي إلقاء أنفسهم من أعالي البيوت والبروج ، ويجعلونهم طعاما للنار ، ويخرجونهم من الأقبية وأعماق الأرض ، ويجرونهم في الساحات ، ثم يقتلونهم ( خطط الشام 282/1)

في السنة 642 قبض بدمشق علي قاضي القضاة أبي حامد عبد العزيز بن عبد الواحد بن اسماعيل ، الملقب برفيع الدين ، وحمل إلي بعلبك علي بغل بغير أكاف ، ثم بعث به إلي مغارة في جبل لبنان ، من ناحية الساحل ، وأرسل إليه شاهدا عدل ببيع أملاكه ، وأوقف علي رأس القلعة ، فقال : دعوني حتي أصلي ركعتين ، فأطال ، فرفسه داود سياف النقمة ، فوقع ، فما وصل إلي الماء ، إلا وقد تقطع ( شذرات الذهب 215/5 ) .

وعزم السلطان محمد بن تغلق سلطان الهند ، علي الإنتقال من دهلي ، فاشتري من أهليها جميعا دورهم ، ومنازلهم ، وأمرهم بالإنتقال عنها ، وعين لهم موعدا ثلاثة أيام ، وبعد انتهاء المهلة ، أمر بالبحث عن بقي من أهليها، فوجد عبيده في أزقتها رجلين ، أحدهما مقعد ، والأخر أعمي ، فأتوه بهما فأمر بالمقعد فرمي به في المنجنيق ، وأمر أن يجر الأعمي من دهلي إلي دولة آباد ، مسيرة أربعين يوما ، فتمزق في الطريق ، ووصل منه رجله ( رحلة ابن بطوطة طبعة صادر 479) .

وفي السنة 978 حبس الزيديون في السجن بحصن حب باليمن ، قاضي رومية ( عثمانيا ) وشفلوت حبجيا ، وكان موضع حبسهما قريبة من مخزن البارود ، فحاولا إتلاف البارود ، وعمدا إلي هرة ، فربطا في ذنبها فتيلة في

ص: 56

آخرها ( شقاقة ) وأشعلوا الشقاقة ، وألقوا بالهرة في مخزن البارود ، فأحترق ، وهد جانبا من القلعة ، وأدرك صاحب القلعة إن ذلك كان من صنعهما، فأمر بهما ، فكتفا ، ثم ألقي بهما من أعلي الحصن ، فتكسرت عظامهما، وتمزقت أشلاؤهما ( البرق اليماني 439) .

وفي عهد السلطان أكبر شاه ، سلطان الهند ( حكمه 963 - 114)، ارتكب أدهم خان ، ابن مربيته ، جريمة قتل شمس الدين ، رئيس وزراء أكبر ، أمام السلطان ، فأمر بأن يحمل وأن يرمي به من أعلي البناء ، فقتله ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 66).

ص: 57

ص: 58

الفصل التاسع: القتل بتحطيم الرأس

ويحصل بكسر عظام الرأس ، حتي ينتشر الدماغ ، إما بضرب الرأس بالأرض ، أو بتحطيمه بالحجارة ، وهذا اللون من العذاب ، يدل علي قسوة بالغة ، وهو لون قليل الممارسة .

وأول ما بلغنا عنه ، إن قوما من كرمان ، يقال لهم القفص والبلوص كانوا يمارسون تحطيم رؤوس أسراهم ، بعد الاستيلاء علي موجوداتهم ، ذكر ذلك المقدسي (ت 380 ) في أحسن التقاسيم ( ص 488 و489) فقال : إن في بلاد كرمان ، قومأ يقال لهم القفص ، لا خلاق لهم ، وجوههم وحشة ، وقلوبهم قاسية ، لا يبقون علي أحد ، ولا يقنعون بالمال حتي يقتلوا من ظفروا به بالأحجار ، كما تقتل الحيات ، تراهم يمسكون رأس الرجل علي بلاطة ، ويضربونه بالحجارة حتي ينصدع ، وقد سألتهم عن ذلك ، فقالوا : لا تفسد سيوفنا ، ولا يفلت منهم أحد، إلا ماندر ، وكان البلوص أشد منهم ، حتي أبادهم عضد الدولة ، وأنكي في هؤلاء أيضا ، وهم إذا أسروا الرجل ، أمروه بالعدو ( الركض ) معهم نحو عشرين فرسخا ، حافي القدم ، جائع الكبد ، وسمعت من جماعة من التجار : إن هؤلاء عندهم أن ما يظفرون به من أموال التجار ، حق لهم ، لأنهم لا يزكون أموالهم .

ووصف الوزير أبو شجاع الروذراوري (ت 488 ) في كتابه ذيل تجارب الأمم ( ص 58 ) كيفية تخلص عضد الدولة من القفص والبلوص ، فقال :

ص: 59

إن عضد الدولة حين أوغل في بلاد كرمان ، في السنة 364 لتنظيفها من القفص والبلوص ، انتهي إليه إن قوما منهم بيوتهم من وراء جبل ، بحيث لا يمكن الوصول إليهم ، إلا بعد سلوك مضيق إذا وقف فيه عدد قليل منهم ، منع عسكرأ كثيرة ، فلما أيس من الوصول إليها بالقوة ، أعمل الفكر في الحيلة ، وراسلهم ، بأني لا أنصرف عنكم إلا بإتاوة ، فقالوا : ما لنا مال نؤديه إليك ، فقال : أنتم أصحاب صيد، وأريد من كل بيت كلبأ ، فهان عليهم ذلك ، فأنفذ من عد بيوتهم ، فأخذ منهم كلابأ بعددها ، ومن شأن الكلب أن يلوذ بصاحبه ، ويبصبص له ، وحوله ، ويحتك به ، ويألف بيته ، حتي أنه إذا أفلت من فراسخ كثيرة ، عاد إلي مربضه ، فأمر أن يشد في أعناقها حلق النفط الأبيض ، وتجتمع عند مضيق الجبل ، ثم تضرب النار في النفط ، ويخلي سبيلها ، ويتبعها العسكر ، ففعلوا ذلك ، وأسرعت الكلاب عدوا ، وأحس القوم بركوب العسكر ، فلقوهم في المضيق ، وطلب كل كلب صاحبه ، لائذا من حرق النار ، فكلما احتك برجل سرت النار إليه ، وأفرجوا عن الطريق ، والكلاب تتبعهم ، وتعدت النار إليهم ، فاحترق عدد كثير منهم ، وهجمت الكلاب علي البيوت ، فخلا أهلها ، وأسرع العسكر وراءهم ، ووضعوا السيف فيهم ، وأستأصلوا شأفتهم.

وفي السنة 602 قتل ابن الدباغ ، ببغداد ، أمه ، وسبب ذلك أنها كتبت له دارا ، فطلب منها الكتاب ، فلم تسلمه إليه ، فظل يضرب رأسها بالأرض حتي ماتت ، فأخذ، وتسلمه الشحنة ، وحمل إلي باب الأميرية ببغداد ، وضرب رأسه بالأرض ، وهو يستغيث ، حتي مات ( الجامع المختصر 167).

وبلغ السلطان قطب الدين ، سلطان الهند (ت 607) أن بعض الأمراء ، علي الخلاف عليه ، وتولية ابن أخيه خضر ، وهو صبي له عشرة أعوام ، فأمسك قطب الدين بالصبي ، وضرب برأسه الحجارة ، حتي نثر دماغه . (مهذب رحلة ابن بطوطة 43/2 ) .

ص: 60

الفصل العاشر: القتل بتمزيق البدن

ويتم هذا اللون من العذاب ، بأن يربط البدن ، من طرفيه ، ثم يجذب كل طرف إلي جهة ، جذب عنيفة ، فتتمزق أوصال البدن تبعا لقوة الجذب .

وأول من مارس هذا اللون من العذاب ، طاهر بن الحسين ، القائد المعروف ، فإن حمزة الخارجي ، دخل في السنة 180 إلي بوشنج ، وهي بلدة طاهر بن الحسين ، فانتهي إلي مكتب فيه ثلاثون غلاما ، فقتلهم ، مع معلمهم ، فغضب طاهر ، وكان يلي بوشنج ، فأتي بلدة فيها قعدة الخوارج ، فقتلهم ، وكان يشد الرجل منهم في شجرتين يجمعهما، ثم يرسلهما ، فتذهب كل شجرة بجزء منه ( ابن الأثير 151/6 ).

وكان من جملة ألوان العذاب التي يعذب بها إبراهيم بن محمد بن همشك ، صاحب شقورة ، رعاياه ، أن يربط الواحد مهم إلي أغصان شجرتين مضموتين ، ثم يطلقهما، فتذهب أغصان كل شجرة بقسم من الاعضاء .

أقول : ذكر الوزير لسان الدين بن الخطيب ، إبراهيم هذا ، في كتابه الإحاطة في أخبار غرناطة (305-311 ) وقال عنه : إنه كان رئيسا ، جريئا ، شجاعا ، مقداما ، شديد الحزم ، سديد الرأي ، عارفأ بتدبير الحروب ، حمي الأنف ، عظيم السطوة ، مرتكب للعظائم ، وكان جبارة

ص: 61

قاسية ، فظا ، غليظ ، شديد النكال ، عظيم الجرأة ، والعبث بالخلق ، كان يعذب ، ويحرق بالنار ، ويقذف الناس من الشواهق والأبراج ، ويخرج الأعصاب والرباطات عن الظهور ، وكان يضم أغصان الشجر العادي، بعضها إلي بعض ، ويربط الإنسان بينها ، ثم يطلقها، فيذهب كل غصن بقسم من الأعضاء ، وفي السنة 556 حصر غرناطة ، وفتحها عنوة ، وأسر من جندها جماعة ، فأفحش فيهم المثلة ، بمرأي من إخوانهم المحصورين ، ثم نهد إليه جيش من مراكش، فطرده عن غرناطة، ثم حاربه صهره الأمير محمد بن مردنيش، بعد أن طلق ابنته ، فآنكسر ابراهيم ، ولاذ بالموحدين في السنة 565 وأقام بمكناسة إلي أن مات .

وأمر هولاكو المغولي ، بالملك الناصر يوسف الأيوبي ، صاحب حلب فجمعت له نخلتان ، وربط بينهما ، ثم أطلقتا ، فراحت كل نخلة بشطر منه ( الغيث المسجم في شرح لامية العجم للصفدي 136/2 ).

وكان والي القاهرة علاء الدين البرواني ، المتوفي سنة 740 ظالما عسوفأ ، وكان يعلق الرجل بيديه، ويعلق الأثقال في رجليه ، فتنخلع أعضاؤه ويموت ( النجوم الزاهرة 323/9 ).

وقد مارس هذا اللون من العذاب ، بعض الأشقياء الفجار في كركوك بالعراق ، في السنة 1379 ( 1959 م) فربطوا قوما من أهالي البلدة ، كل اسير ألي سيارتين سارتا في اتجاهين مختلفين ، فذهبت كل سيارة بشطر من البدن .

ص: 62

الفصل الحادي عشر: القتل بتقطيع الأوصال

العذاب بتقطيع الأوصال بالسكين ، من أشد أنواع العذاب ، وأقواها دلالة علي القسوة .

وقد مارس هذا اللون من العذاب ، سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب ، عامل البصرة للمنصور العباسي ، لما قتل عبد الله بن المقفع ، فإنه أمر بتنور فسجر ، ثم أمر بابن المقفع فقطعت أوصاله عضو عضوأ ، وألقاها في التنور وهو ينظر ، حتي أتي علي جميع جسده ( وفيات الأعيان 153 - 151/2)

أقول : قتل سفيان بن معاوية ، عامل البصرة للمنصور ، عبد الله بن المقفع ، أمره بذلك المنصور العباسي ، والسبب في ذلك إنه كتب كتاب الأمان لعبد الله بن علي ، عم المنصور ، لما لجأ عبد الله إلي أخويه عيسي وسليمان بالبصرة ، وكان ابن المقفع يكتب لهما ، فكان من جملة ما أثبته في الأمان : ومتي غدر أمير المؤمنين بعمه عبد الله ، أو أبطن غير ما أظهر ، أو تأول في شيء من شروط هذا الأمان ، فنساؤه طوالق ، ودوابه حبس، وعبيده وإماؤه أحرار ، والمسلمون في حل من بيعته ، فاشتد ذلك علي المنصور لما وقف عليه ، وسأل : من الذي كتب الأمان ؟ فقيل له : عبد الله بن المقفع كاتب عميك عيسي وسليمان ، فكتب المنصور الي عامله بالبصرة سفيان بن عيينة ، يأمره بقتله ، وكان سفيان واجدة علي ابن المقفع ، لأنه كان يعبث

ص: 63

به ، ويضحك منه دائما ، معتمدا علي صلته بعمي الخليفة ، وكان ابن المقفع قد عبث به مرة ، فغضب منه وافتري عليه ، فرد عليه ابن المقفع ردا فاحشأ ، وقال له : يا ابن المغتلمة ، فلم يتمكن منه سفيان ، لأنه كان ممتنعة ومعتصمة بعيسي وسليمان ولدي علي العباسيين ، عمي المنصور ، فلما كاتبه المنصور في أمره ، عزم علي قتله ، واستأذن عليه جماعة من أهل البصرة ، فأذن لابن المقفع قبلهم ، وعدل به إلي حجرة في دهليزه ، وجلس غلامه بدابته ينتظره علي باب سفيان ، فأدخل ابن المقفع الحجرة ، وسفيان ينتظره فيها ، وعنده غلمانه ، ونورنار يسجر ، فقال له سفيان : أمي مغتلمة ، إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد، ثم قطع أعضاءه عضوا عضوا ، وألقاها في النار ، وهو ينظر إليها ، حتي أتي علي جميع جسده ، وأطبق التنور عليه ، وخرج إلي الناس ، فلما فرغ مجلس سفيان ، ولم يخرج ابن المقفع ، مضي غلامه وأخبر عيسي وأخاه سليمان بحال سيده ، فخاصما سفيان ، فحجد دخوله إليه ، وشكياه إلي المنصور ، فتراخي في مساءلته ، وضاع دمه ( شرج نهج البلاغة 2698 و 270).

وكان رافع بن الليث بن نصر بن سيار ، خرج علي الرشيد ، ولبس البياض ، وتغلب علي بلاد ما وراء النهر ، وذلك في السنة 190 وحاربه عامل خراسان ، علي بن عيسي بن ماهان ، فكان الظفر لرافع ، فخرج إليه الرشيد في السنة 193، فلما بلغ طوس ، اشتد به المرض ، وأدخل عليه أخو رافع أسيرة ، ومعه آخر من قرابته ، فدعا الرشيد بقصاب ، وقال له : لا تشحذ مديتك، وفضله عضوا عضوة ، وعجل لئلا يحضرني أجلي ، وعضو من أعضائه في جسده ، ففضله ثم جعله أشلاء، فقال له : عد ما فصلت منه ، فأذا هو أربعة عشر عضو ، راجع التفصيل في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 308.

وفي السنة 282 قتل أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون ، صاحب

ص: 64

مصر والشام ، بدمشق ، تأمر عليه بعض خدمه ، وذبحوه وهو نائم ، وقبض علي جميع من ساهم في فعل القتل ، فمنهم من قتل وصلب ، ومنهم من شرحوا لحم أفخاذه وعجيزته ، وأكله السودان من مماليك أبي الجيش خمارويه ( مروج الذهب 506/2 ).

وبعث الحاكم الفاطمي في السنة 397 جيشة بقيادة قائده ينال الطويل ، القتال الثائر أبي ركوة ، فانتصر أبو ركوة ، وأسر ينال الطويل ، فأحضره ، وقال له : آلعن الحاكم، فبصق ينال في وجه أبي ركوة ، فأمر به أبو ركوة فقطع إربا إربا . ( النجوم الزاهرة 216/4 ).

وفي السنة 500 تقدم أحد الباطنية ، للوزير فخر الملك بن نظام الملك ، وناوله قصة ، ثم ضربه بسكين ، فقتله ، فأخذ الباطني ، وفصل علي قبر فخر الملك ، عضوا ، عضوة . ( النجوم الزاهرة 194/5 ).

وفي السنة 566 لما توفي المستنجد، وبويع ولده المستضيء ، استدعي وزير المستنجد أبو جعفر بن البلدي ، للمبايعة ، فلما دخل إلي دار الخلافة ، صرف إلي موضع ، وقطع قطعة ، وألقي في دجلة . ( ابن الأثير362/11)

وفي السنة 652 جرت محاربة بين أصحاب الشيخ عدي بن مسافر ( اليزيدية ) وبين أصحاب بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ، وانتصر أصحاب بدر الدين لؤلؤ ، وقتل من أصحاب الشيخ عدي جماعة ، وأسر جماعة ، فصلب بدر الدين منهم مائة ، وذبح مائة ، وأمر بتقطيع أعضاء أميرهم ، وتعليقها علي أبواب الموصل ( الحوادث الجامعة 272 ).

وفي السنة 748 جيء إلي أرنون شاه الناصري ، بدمشق، بنصراني رمي مسلما بسهم فقتله ، فأمر بتفصيل القاتل ، فقطعت يداه من كتفيه ، ورجلاه من فخذيه ، وحر رأسه ، وحملت أعضاؤه علي أعواد ، وطيف بها ، فأرتعب

ص: 65

الناس من ذلك ، وقال الصفدي : ( الوافي بالوفيات 353/8 ) .

الله أرغون شاه**** كم للمهابة حصل

وكم بسيف سطاه**** من ذي ضلال تنضل

ومجمل الرعب خلي**** بعض النصاري مفضل

وفي السنة 782 قبض علي الأمير خليل بن عرام ، نائب الإسكندرية ، وأحضر إلي القاهرة ، فسجن ، وحضر والي القاهرة ، وعاقبه طول الليل ، وعصره في كعابه ، ثم أحضر أمام الأتابكي برقوق ، فحمل علي حمار إلي القلعة ، وجرد من ثيابه ، وضرب بالمقارع، ستة وثمانين شيبة ، ثم أن الأتابكي برقوق رسم بتسميره ، عقوبة له لقتله الأمير بركة ، وهو يقول : ما قتلته إلا بأمر برقوق ، ولكن المرسوم سرق مني ، ودقت المسامير الحديد في كفوفه ، وأركبوا علي جمل ، ونزلوا به من القلعة ، وطيف به ، فلما وصل إلي باب السلسلة ، أحاط به مماليك الأمير بركة ، وأنزلوه عن الجمل ، وقطعوه بالسيوف ، فقطع بعضهم رأسه ، ومنهم من شق بطنه وأخرج قلبه ، وجعل يمضغه بأسنانه ، وبعضهم قطع أذنيه وأكلهما . ( بدائع الزهور 275/2/1)

وفي السنة 850 حاصر جهان شاه بغداد ، وفتحها ، فاستسلم له حاكم بغداد شيخوبك وأمراءه ، وكان جهان شاه يحقد عليهم لأنهم قتلوا الأمير بايزيد بسطام جاكيري وآخرين معه من أصحابه ، فأمر جهان شاه بقتلهم جميعا ، وأمر بتسليم شيخوبك ، وجلاده المعروف بابن العربية ، إلي نساء الأمير بايزيد ، فعذبنهما بأن سحبنهما علي الشوك ، وقطعن لحومهما بالسكاكين حتي ماتا ، كما تم قتل باقي الأمراء شر قتلة ( التاريخ الغياثي 286)

ص: 66

الفصل الثاني عشر: القتل والتعذيب بالسلخ

السلخ : ( بفتح السين ) كشط الجلد .

والسلخ : ( بكسر السين ) جلد المسلوخ .

والتعذيب بسلخ الجلد ، من أشد ألوان العذاب ، وقد مارسه أناس عظيم القسوة .

وأول ما بلغنا من أخبار هذا اللون من العذاب ، ما ذكره صاحب أنساب الاشراف 239/5 عما عذب به اين كامل، أحد قواد المختار الثقفي ، زياد بن رقاد الجنبي ، أحد من شارك في مقاتلة الحسين وأصابه في معركة الطفت في السنة 60، وكان زياد هذا قد رمي فتي من آل الحسين، كانت يده علي جبهته ، فأثبت يده في جبهته، ثم رماه بسهم آخر ، ففلق قلبه ، ثم عاد فنزع أسهمه منه ، وهو ميت ، فبعث إليه المختار ، قائده ابن كامل في جماعة ، فأحاطوا بداره ، فخرج إليهم مشهرة سيفه ، فقال ابن كامل : لا تضربوه ، ولا تطعنوه ، ولكن أرموه بالنبل والحجارة ، ففعلوا ذلك حتي سقط ، ودعا له ابن كامل بنار فأحرقه بها ، ويقال أنه سلخ جلده وهو حي ، حتي مات ( أنساب الاشراف 239/5 ).

وممن سلخ جلده ، أبو نخيلة الراجز ، دس إليه المنصور العباسي ، أن ينظم شعرا في تقديم المهدي لولاية عهده ، وتنحية عيسي بن موسي ، فنظم رجزا ، ودخل علي المنصور وعيسي بن موسي حاضر ، وأنشده :

ص: 67

دونك عبد الله أهل ذاكا****خلافة الله التي أعطاكا

إنا ننظرنا لها أباكا ****ثم انتظرنا بعده إياكا

أسند إلي محمد عصاكا****فابنك ما استرعيته كفاكا

ثم أنشده رجزأ آخر منه :

ليس ولي عهدها بالأسعد****عيسي فزحلقها إلي محمد

فقد رضينا بالهمام الأمرد**** فرده منك رداء يرتدي

وبادر البيعة ورد الحشد****حتي تؤدي من يد إلي يد

فلما أنشدها المنصور ، سر وفرح ، وكتب لأبي نخيلة بمائة ألف درهم علي الري ، فخرج إلي الري لأخذها ، فوجه إليه عيسي بن موسي مولي له اسمه قطري ، فظفر به بساوة ، دخل عليه وهو في بيت خمار ، وقد ثمل، وقال له ، وقد أضجعه ليذبحه : يا ابن المومسة ، هذا أوان صر الجندب ، ثم ذبحه ، وسلخ وجهه ، وهرب غلمانه بماله ودوا به ( الهفوات النادرة 85 - 89 والأوراق للصولي 314).

أقول : إن كان الذبح قبل السلخ ، فالقصة يشملها بحث المثلة ، وإن كان السلخ قبل الذبح فهي داخلة في هذا الباب .

وقد وصف لنا التنوخي في كتابه نشوار المحاضرة ، وأخبار المذاكرة ،

كيفية سلخ الجلد ، وفقا لما مارسه المعتضد في قرطاس ، أحد رماة صاحب الزنج وهو رام بالسهم ، مشتهر بإصابته ، ومن اسمه اشتقت القرطسة ، أي الإصابة الدقيقة ، يقال : رماه فقرطسه ، وقد رمي قرطاس ، الموفق، والد المعتضد بسهم فأصاب ثندوءته ، وقال له : خذها مني وأنا قرطاس ، فذهبت مثلا ، وحمل الموفق صريعا في حد التلف ، ونزع السهم مقطنة، فبقي الزج في مكانه ، وجمع ، وانتفخ ، وأمد ( جمع مدة ) وأجمع الأطباء علي بط الجرح ، والموفق لا يمكنهم ، ثم احتالوا عليه فبطوه ، ونجا الموفق ، فلم

ص: 68

يزل المعتضد، ابن الموفق يجهد نفسه ، حتي وقع قرطاس في يده ، فأخذه ، فقد من أصابعه الخمس أوتارة ، بأن قلع أظفاره ، وسلخ جلد أصابع كفه من رؤوسها ، إلي أكتافه ، وعبر بها صلبه وكتفيه ، إلي آخر أصابعه الأخري ، وجلد بني آدم غليظ ، فخرج له ذلك ، فأمر بأن تفتل أوتارا ، وصلب بها قرطاس راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة ج 1 ص 153 - 155 رقم القصة 78/1 .

وفي السنة 341 أسر معبد بن حرز الزناتي بالمغرب ، وجيء به إلي المنصورية ، وطيف به وبأبنه ، وقد أشهرا ، وقطعت يدا ولده ورجلاه وهو يري ذلك في باب أبي الربيع ، ثم صلب ، أما معبد فقد سلخ جلده وهو حي ، فلم يتحرك ، وحشي جلده تبنا ( العيون والحدائق ج 4 و 28 ص 195 ) . ( ت

ا وأحضر المعز لدين الله الفاطمي (ت365)، أبا بكر النابلسي، وقال له : بلغنا أنك قلت إذا كان مع المسلم عشرة أسهم ، وجب أن يرمي في الروم سهما واحدا ، وفينا تسعة ، فقال : لم أقل ذلك ، فظن أنه رجع عن قوله ، وقال له : كيف قلت؟ قال : قلت إذا كان معه عشرة أسهم ، وجب عليه أن يرميكم بتسعة ، ويرميكم بالعاشر أيضأ ، فأمر به ، فشهر في اليوم الأول ، وضرب بالسياط في اليوم الثاني ، وأخرج في اليوم الثالث ، فسلخ جلده ، فمات ( المنتظم 82/7 ).

وفي السنة 386 عصي أهل صور علي الحاكم الفاطمي ، وأقروا عليهم رجلا ملاحأ اسمه علاقة ، فقصده جيش من مصر ، بقيادة أبي عبدالله الحسين الحمداني ، فاستنجد علاقة بملك الروم ، فسير إليه عدة مراكب مشحونة بالرجال ، فالتقوا بمراكب المسلمين علي صور ، فانهزم الروم ، وملك المسلمون البلد ، بعد أن قتل منهم كثير ، وملك الفاطميون البلد ،

ص: 69

وأخذ علاقة أسيرة ، فحمل الي مصر ، حيث سلخ ، وصلب بها ( ابن الأثير 121-120/9)

أقول : الذي في ذيل تجارب الأمم ص 226 إن ما تقدم حدث في السنة 381.

وكان جبق التركماني ، قد استولي علي حصن زياد ، من ترجمان ملك الروم ، وكان بالقرب من حصن زياد حصن آخر صاحبه رومي اسمه فرنجي كان يقطع الطريق ، ويكثر قتل المسلمين ، فهاداه جبق وصاحبه ، حتي وثق به ، فبعث إليه جبق أن يرسل اليه اصحابه ليستعين بهم في عمل ، فلما أرسلهم إليه أوثقهم ، وحملهم إلي الحصن ، وقال لأهل الحصن : والله ، لئن لم تسلموا إلي فرنجي ، لأضربن اعناق هؤلاء جميعا ، ففتحوا له الحصن ، واسلموا إليه فرنجي ، فسلخه ( ابن الأثير 427/1 - 428).

وفي السنة 494 قتل ابو المحاسن الدهستاني ، وزير السلطان بركياروق السلجوقي ، وكان الوزير قد قتل أبا سعيد الحداد ، فوثب عليه شاب أشقر قيل إنه من غلمان أبي سعيد الحداد، فجرحه عدة جراحات ، وتركه بآخر رمق ، فأمر السلطان بركياروق ، بالغلام ، فسلخ وعلق ( النجوم الزاهرة 167/5 وابن الأثير 335/10 ).

وفي السنة 500 حصر السلطان محمد السلجوقي ، قلعة شاه دز بأصبهان ، وقتل صاحبها أحمد بن عبد الملك بن عطاش ، وولده وكان من فيها من الباطنية ، يقطعون الطريق ، ويأخذون الأموال ، ويقتلون من قدروا عليه ، وفرضوا علي جميع الناس ضرائب يؤدونها ، ومشي أمرهم للخلف الحاصل بين السلاطين ، ودام ذلك اثنتي عشرة سنة ، ثم حصرها السلطان محمد حصرة شديدة ، واقتحم أصحابه القلعة ، بعد أن ظهر من الباطنية صبر عظيم ، وشجاعة زائدة ، وأخذ ابن عطاش أسيرأ ، فترك أسبوعا ، ثم أمر به

ص: 70

فشهر في جميع البلد ، وسلخ جلده ، فتجلد حتي مات ، وحشي جلده تبنا وحمل رأساهما إلي بغداد ، وألقت زوجته نفسها من القلعة ( ابن الأثير 433/10 - 434 والمنتظم 151/9 و تاريخ الخلفاء 429).

ولما توفي بدر الدين لؤلؤ ، صاحب الموصل في السنة 656 خلفه ولده الملك الصالح اسماعيل ، وتحالف مع الملك الظاهر ضد هولاكو، فبعث اليه هولاكو في السنة 160 جيشا حاصر الموصل ، وفتحها ، وأخذ الملك الصالح إلي هولاكو ، فأمر به، فسلخ وجهه وهو حي ( الحوادث الجامعة 337-346-347)

وثار ( هار بلاديفا) في ولاية ( ديفاجيري ) علي قطب الدين مبارك شاه ( حكمه 716- 720) فحاربه قطب الدين ، وأسره ، فسلخه حيا ، ثم قتله ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 15).

وممن مارس العذاب بسلخ الجلد ، القائد عماد الملك سرتيز الهندي ، مملوك السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ( 725- 750) وكان الأمير قيصر الرومي ، قد عصي علي السلطان ، وتحضن بسيوستان ، فحصره عماد الملك ، فطلب وأصحابه الأمان ، فأمنهم، ولما نزلوا علي أمانه غدر بهم ، وأخذ قسما منهم ، فسلخ جلودهم، ثم حشاها تبنا ، وعلقها علي سور المدينة ( رحلة ابن بطوطة 6/2 و 7).

ولما ثار الأمير كشلوخان ، أمير السند ، علي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، خرج لمحاربته ، فانكسر كشلوخان ، وقتل في المعركة ، ودخل السلطان مدينة قلتان ، وقبض علي قاضيها كريم الدين ، وأمر بسلخه ، فسلخ ( مهذب رحلة ابن بطوطة 98/2 ).

ولما ثار الأمير هلاجون، بمدينة لاهور ، علي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، خرج إليه الوزير خواجه جهان ، فحاربه ، وكسره ،

ص: 71

ودخل مدينة لاهور ، فسلخ بعض اهلها ، وقتل آخرين بغير ذلك من أنواع القتل ( مهذب رحلة ابن بطوطة 102/2 ).

وخالف اهالي مدينة كمال بور ، علي سلطان الهند محمد بن تغلق ، فحاربهم وزيره خواجه جهان ، ولما دخل الي المدينة ، أحضر بين يديه القاضي بها والخطيب ، وأمر بسلخ جلديهما، فتوسلا إليه أن يقتلهما بغير هذه القتلة ، فقال لهما : بم استوجبتما القتل ؟ قالا : بمخالفتنا أمر السلطان ، فقال لهما : فكيف أخالف أنا أمره، وقد أمرني أن أقتلكما بهذه القتلة ؟ وقال للمتولين لسلخهما : أحفروا لهما حفرة تحت وجهيهما، يتنفسان فيها ، فإنه إذا سلخا ۔ والعياذ بالله - يطرحان علي وجهيهما. ( رحلة ابن بطوطة. طبع صادر بيروت ، ص 483).

وفي السنة 824 قتل الشيخ عماد الدين علي النسيمي الصوفي ، بأن سلخ جلده ، وكانت التهمة الموجهة اليه الزندقة ، هذه التهمة التي يحتج بها كل حاكم متسلط ، لقتل خصومه السياسيين ، أو من يخاف منه لسبب من الأسباب ، وكان النسيمي علي علاقة بعلي باك ذي الغادر ( ذي القدر ) وأخيه ناصر الدين ، وعثمان قرايلوك ، وكان هؤلاء خصوم الملك الظاهر ، سلطان مصر والشام ، والظاهر أن السلطان أراد أن ينتقم منهم بقتل عماد الدين ، فأوعز بأن يحاكم أمام القضاة بحلب ، وتصدي لأتهامه ابن الشنقشي الحنفي ، فادعي عليه بالزندقة ، فقال الأمير يشبك نائب السلطنة : إن أنت لم تثبت ما تقول ، فإني اقتلك ، فأحجم ونكص عند سماعه ذلك ، هذا والنسيمي يكرر التلفظ بالشهادتين ، وينفي التهمة الموجهة إليه ، فحضر شهاب الدين بن هلال وأفتي في المجلس بأن النسيمي زنديق ، وأنه يجب قتله ، وكتب بذلك فتوي ، فلم يوافقه القضاة علي ذلك ، وامتنع الأمير يشبك من تأييد الفتوي ، وكتب إلي السلطان بقصته، فكتب إليه السلطان يأمره بأن يشهره بحلب سبعة أيام ، وينادي عليه ، ثم يسلخ جلده ، وتقطع اعضاؤه ويرسل قسم منها

ص: 72

العلي بك ذي الغادر وأخيه ناصر الدين، وقسم لعثمان قرايلوك ، ففعل ذلك ( أعلام النبلاء 15/3 -16).

وفي السنة 858 أمر السلطان بفصل البدوي ، وابن عم له ، فضربا بالمقارع وسمرا ، وسلخت جلودهما ، وحشيت ( تبنا)، وكان فصل يقطع الطرق ، وكان شجاعا شديد البأس ، وأعيا الحكام أمره ، ثم قدم بنفسه تائبا ، فأمنه السلطان ، وأقام بالقاهرة مدة ، كان الناس خلالها يتجمعون للتفرج عليه ، فكان يضحك منهم ، ثم عاد إلي بلده ، فاحتال عليه الأستادار ، واستقدمه بالأمان ، وطلع به الي السلطان ومعه ابن عم له، فأمر نضربهما بالمقارع ، وتسميرهما ، وسلخهما ، وحشو جلديهما ، ففعل بهما ذلك كله، وطيف بهما الشرقية ( الضوء اللامع 171/6 ).

ومن جملة مظالم الأمير يشبك الدوادار ، في السنة 874 في صعيد مصر ، أن سلخ جلود جماعة من العربان ( بدائع الزهور 116/2 ).

وفي السنة 894 سلخت في القاهرة، جلود اثنين من أهل حلب ، أب وابنه ، وهما محمد بن الديوان ، وولده أحمد، وسبب ذلك أن أحمد الإبن كان من أعيان الناس الرؤساء بحلب ، وكان من أخصاء سلطان مصر والشام ، فقيل عنه إنه كاتب السلطان العثماني في شيء من أخبار المملكة ، وكانت الخصومة إذ ذاك علي أشدها بين السلطان العثماني وسلطان مصر والشام ، فأمر السلطان بهما فأحضرا الي القاهرة، وسلخت جلودهما ( اعلام النبلاء 100-99/3)

وفي السنة 903 قبض في القاهرة علي إنسان ينبش القبور ، ويسرق أكفان الموتي ، فأمر السلطان به ، فسلخ وجهه وهو حي ، إلي رقبته ، وأرخي علي صدره ، فصار عظم رأسه ظاهرة ، وطيف به في القاهرة ، وعلق بباب النصر حتي مات ( بدائع الزهور 341/2 ) .

ص: 73

وكان الناصر ، محمد بن قايتباي ( قتل سنة 904) ، مجنونا ، أهديت له جارية ، فسلخها بيده ، وحشي جلدها تبنأ ، لكي يظهر استاذيته في السلخ ( شذرات الذهب 23/8 ).

وفي السنة 1008 قتل إمام اليمن عامر بن علي ، بأن سلخ جلده ، إذ أسرة الأتراك ، وأشهروه في كوكبان وشبام ، وأرسله علي بن شمس الدين ، أمير كوكبان مع جماعة من الترك إلي الكتخدا سنان في حمومة ، فأمر به الكتخدا ، فسلخ جلده ، وصبر ، فلم يسمع له أنين ولا شكوي، الا قراءة قل هو الله أحد، ثم أن سنانا ملا جلده تبنأ ، وحمله علي جمل إلي الوزير حسن باشا في صنعاء ، فشهر جلده علي الدهابر ، ودفن سائر جسمه بحمومة، ثم نقل إلي خمر ( خلاصة الأثر 264/2 ).

ص: 74

الفصل الثالث عشر: القتل بالنشر بالمنشار

النشر : التفريق وهو خلاف الطي والمنشار : وجمعه مناشير ، آلة ذات اسنان ينشر بها الخشب ونحوه. والنشارة : ما يسقط من الخشب عند النشر .

ونشر الإنسان بالمنشار ، لون من ألوان العذاب ، يدل علي قسوة بالغة .

وأقدم ما بلغنا من أخبار هذا اللون من العذاب ، ما رواه المؤرخون عن مقتل النبي زكريا، فإنه عندما قتل ولده يحيي ، فر الي بستان، ولجأ إلي شجرة فيها فنشر خصومه الشجرة ، وهو فيها ، فقتل ( الطبري 601/1 وابن الأثير 306/1 ).

وفي السنة 723 بلغ السلطان غازان ، أن الشيخ محمود ديوان ، صاحب زاوية تبريز ، وكان عظيما عند المغل مسموع الكلمة ، عمل سماعة ، ورقص ، فجذب اليه شابا من أولاد الملوك ، وألبسه طاقية كانت علي رأسه، وقال له : أعطيتك السلطنة ، فأمر السلطان بذلك الشاب ، فضربت عنقه بين يديه ، وأحضر الشيخ محمود ، فلما رآه ، قال له : أهلا بالشيخ الذي يوئي المملكة بطاقية ، وأمر به فشد بين دفتين ، ونشر بالمنشار الي نصفين ( الدرر الكامنة 113/5 ).

وفي السنة 928 توفي بالقاهرة خايربك الجركسي ، كافل حلب للسلطان

ص: 75

الغوري ، ثم نصبه السلطان سليم العثماني ، كافلا بمصر لما فتحها ، ولما كان بحلب ، أحضر أمامه شخص من المفسدين ، فأمر به فنشر بدنه بالمنشار، فلقيه الحلبيون بالنشار ( اعلام النبلاء 429/5 ).

ص: 76

الفصل الرابع عشر: القتل بألوان اخري من العذاب

وقد سجل لنا التاريخ ، حوادث ، ذكر فيها قتل اشخاص بالعذاب ، ولكنه لم يذكر ألوانها وأصنافها ، وهي من الكثرة بحيث لا يتسع مؤلف الاستيعابها، ولكني أذكر في هذا البحث ، أمثلة منها .

أمر الحجاج بن يوسف الثقفي ، بأحد عماله، وهو آزاد مرد بن الفرند ، فحمل إلي معد ، صاحب عذابه ، فدق يده ، ودهقه ، ودق ساقه ، وحمل علي بغل معترضأ ، يدار به في الدروب ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ج 1 ص 136- 147 رقم القصة 69/1 ).

وفي السنة 97 قتل في العذاب ، جميع الرجال من آل الحجاج الثقفي ، آل أبي عقيل، منهم محمد بن القاسم الثقفي ، أمير السند، والحكم بن أيوب الثقفي ، وهو إبن عم الحجاج ، كان الحجاج قد زوجه أخته زينب ، وولاه البصرة ، فلما ولي سليمان بن عبد الملك الخلافة ، أمر صالح بن عبد الرحمن ، عامل واسط ، وكان الحجاج قد قتل أخاه آدم ، أن يجمع آل الحجاج جميعهم ، وأن يعرضهم علي العذاب، فجمعهم ، وبسط عليهم العذاب ، حتي قتلهم جميعا ، نالهم شؤم الحجاج ، وكان الحكم ومحمد بن القاسم ، من جملة من مات تحت العذاب . ( ابن الأثير 588/4 و 589 والاعلام 294/2- 225/7 ).

ص: 77

وأمر يزيد بن عبد الملك ، بعزل عامل المدينة عبد الرحمن بن الضحاك الفهري ، وبسط العذاب عليه ، وسبب ذلك إنه خطب فاطمة بنت الحسين الشهيد ، فردته، وقالت : لا أريد النكاح ، فألح عليها ، وحلف لئن لم تفعل سيجلدن أكبر بنيها، وهو عبدالله بن الحسن ، في الخمر ، فكتبت الي يزيد بن عبد الملك تشكو أمرها ، ولما أخذ يزيد الكتاب ، وقرأه ، جعل يضرب بخيزرانة في يده ، وهو يقول : لقد اجترأ ابن الضحاك ، هل من رجل يسمعني صوته في العذاب، وأنا علي فراشي ، ثم كتب إلي عبد الواحد بن عبدالله النضري ، وهو بالطائف ، بأنه قد ولاه المدينة ، وأمره بأن يغرم ابن الضحاك أربعين ألف دينار ، وأن يعذبه حتي يسمع صوته وهو علي فراشه ، فلما ورد بريد دمشق ، ولم يدخل علي ابن الضحاك ، أوجس خيفة ، ودفع إلي حامل البريد ألف دينار ، فأخبره بكتاب الخليفة، فخرج ابن الضحاك إلي الشام ، واستجار بمسلمة بن عبد الملك ، فأجاره ، وكلم أخاه يزيد ، فأبي أن يعفيه ، ورده إلي المدينة ، حيث ألبسه النضري جبة صوف ، وعذبه وغرمه ( الطبري 12/7 - 14).

وفي السنة 126 اعتقل يوسف بن عمر ، عامل العراق، سلفه خالدا القسري، وبسط عليه العذاب ، وكان هشام قد عزل خالدأ بيوسف بن عمر ، وأمره بأن يعذبه علي أن لا يصل به إلي حد القتل ، فحبسه في الحيرة ثمانية عشر شهرا ومعه أخوه اسماعيل ، وابنه يزيد ، وابن أخيه المنذر بن أسد الذي كان عاملا علي خراسان ، ولما قتل خالد القسري قال الشاعر ( الطبري 256 -254/7)

ألا إ بحر الجود أصبح ساجي**** أسير ثقيف موثقا في السلاسل

فإن تسجنوا القيسي لم تسجنوا اسمه**** ولم تسجنوا معروفه في القبائل

وكان هشام بن عبد الملك قد استعمل الوليد بن القعقاع علي قنسرين ، وعبد الملك أخاه علي حمص ، فضرب الوليد يزيد بن عمر بن هبيرة مائة

ص: 78

سوط ، فلما قام الوليد بن يزيد ، هرب بنو القعقاع منه ، فعادوا بقبر يزيد بن عبدالملك ، فبعث اليهم ، فدفعهم إلي يزيد بن عمر بن هبيرة ، وكان قد ولاه قنسرين، فعذبهم ، فمات الوليد وعبد الملك ورجلان معهما من آل القعقاع في العذاب ( الطبري 237/7 ).

قال يوسف بن عمر الثقفي ، لهمام بن يحيي : يا فاسق ، أخربت مهرجان قذق ، فقال : أنا لم أكن عليها ، وإنما كنت علي ماه دينار فلم يزل يوسف يعذبه، ويقول له : أخربت مهرجان قذق ، حتي قتله . ( المحاسن والمساويء 143/1 ).

وكان سهيل بن سالم من أشراف اهل البصرة ، وكان من عمال المنصور ، ثم قتله بعد ذلك بالعذاب . ( الأغاني 330/14 ).

كان المتوكل يحقد علي محمد بن عبد الملك الزيات أمورة، فلما ولي الخلافة ، قبض عليه وعذبه في تور كان ابن الزيات قد اتخذه لتعذيب من يريد تعذيبه ، وهو من خشب ، فيه مسامير من حديد ، أطرافها إلي داخل التنور ، وتمنع من في داخله من الحركة ، وكان ضيقة بحيث أن الإنسان كان يمد يديه إلي فوق رأسه ليقدر علي دخوله لضيقه ، ولا يقدر من يكون فيه أن يجلس فيه ، فبقي فيه أياما ومات ، وكان ذلك في السنة 233 ( الكامل لابن الأثير 6/ 454-525 - 29/7 - 43). راجع في نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة 2/1 المحاورة التي جرت بين ابن الزيات وهو في التنور ، وأحد أتباعه ، وراجع الطبري 145/9-160 ووفيات الأعيان 100/5 ومروج الذهب 393/2 ).

وقال الموكل بعذاب ابن الزيات : كنت اخرج وأقفل عليه الباب، فيمد يديه جميعا إلي السماء حتي يدق موضع كتفيه ، ثم يدخل التنور ويجلس ، وفي التنور مسامير حديد ، وفي وسطه خشبة معترضة يجلس المعذب عليها،

ص: 79

إذا أراد أن يستريح، قال المعذب ، فخاتلته يوما، وأريته أني قد اقفلت عليه ، ثم مكثت قليلا، ودفعت الباب ، فإذا هو قاعد ، فقلت له : أراك تفعل هذا ، فكنت إذا خرجت شددت خناقه ، فما مكث بعد ذلك إلا أيامأ حتي مات (المحاسن والمساويء 177/2 .

أقول : لئيم يفخر بلؤمه .

وكان أبو عثمان الجاحظ ملازمة لابن الزيات ، منحرفا عن ابن أبي دؤاد ، للعداوة بين الإثنين ، ولما قبض علي ابن الزيات ، وعذب في التنور، هرب الجاحظ ، فقيل له : لم هربت ؟ قال : خفت أن أكون ثاني اثنين إذ هما في التنور . (معجم الأدباء 57/6).

ولما قتل المتوكل ، وزيره محمد بن عبد الملك الزيات ، بالعذاب في التنور ، قال عبادة المخنث ، نديم المتوكل : أردت أن تخبز في هذا التنور ، فخبزت فيه ، فضحك المتوكل ( الملح والنوادر للحصري 14).

وفي السنة 236 ولي خوط واسمه عبد الواحد بن يحيي ، مصر للمنتصر، وكانت مصر للمنتصر في حياة المتوكل ، فأخذ في السنة 237 عبد الحكم من آل عبد الحكم فعذبه حتي مات في عذابه . ( الولاة للكندي 200).

واختلف المؤرخون في مقتل المعتز في السنة 255 فمنهم من ذكر أنه منع في حبسه من الطعام والشراب، فمات جوعا ، ومنهم من روي أنه حقن بالماء الحار المغلي ، والأشهر أنه أدخل حماما، كره ، وكان الحمام محمية، وترك في الحمام حتي مات ، ومنهم من ذكر أنه أخرج من الحمام بعد أن كادت نفسه تتلف ، ثم سقي شربة ماء مثلوج ، فخمد من فوره . ( مروج الذهب 461/2 - 462).

وذكر صاحب مروج الذهب، أن إسماعيل بن بلبل، وزير المعتضد عذبه المعتضد بأنواع العذاب ، وجعل في عنقه غل فيه رمانة حديد، والغل

ص: 80

والرمانة مائة وعشرون رط ، وألبس جبة صوف قد صبرت في ودرك الأكارع ، وعلق معه رأس ميت فلم يزل علي ذلك حتي مات ( مروج الذهب 496/2 ونشوار المحاضرة 76/1 ).

وقبض المعتضد علي شخص اتهمه بسرقة عشر بدر ، كانت معدة في منزل صاحب الجيش ، لتصرف في الجند ، فرفق به ، فأنكر ، فتهدده ، فأنكر، فضربه بالسوط ، والقلوس ، والمقارع، والدة ، علي ظهره وبطنه ، وقفاه ، ورأسه ، وأسفل رجليه ، وكعابه ، وعضله ، حتي لم يكن للضرب فيه موضع فلم يقر ، فأمر بترفيهه ، وأطعمه ، فلما نام ، أيقظه سريعأ ، وقرره ، فأقر ودله علي موضع المال المسروق ، فأمر به فقبض علي يديه ورجليه ، وأوثق ، ثم أمر بمنفاخ فنفخ في دبره ، وأتي بقطن فحشي في أذنيه ، وفمه ، وخيشومه ، وأقبل ينفخ ، وخلي عن يديه ورجليه من الوثاق ، وأمسك بالأيدي ، وقد صار كأعظم ما يكون من الزقاق المنفوخة ، وقد عظم جسمه ، وورمت سائر أعضائه ، وامتلأت عيناه وبرزتا ، حتي كاد أن ينشق، ثم أمر ففصد في عرقين فوق الحاجبين ، فأقبلت الريح تخرج مع الدم ولها صوت وصفير ، إلي أن خمد وتلف ( مروج الذهب 507/2 - 509).

وكان المعتضد ، يأمر بالرجل فيكتف ، ويقيد ، ويؤخذ القطن فيحشي في أذنه وخيشومه وفمه ، وتوضع المنافخ في دبره حتي ينتفخ ، ويعظم جسمه ، ثم يسد الدبر بشيء من القطن ، ثم يفصد، وقد صار كالجمل العظيم ، من العرقين الذين فوق الحاجبين ، فتخرج النفس من ذلك الموضع . ( مروج الذهب 496/2 ).

وفي السنة 282 ذبح أبو الجيش خمارويه بن احمد بن طولون ، صاحب مصر والشام . بدمشق ، قتله خدمه ، وفروا ، فقبض عليهم ، وجيء بهم ، فقتلوا ، وصلبوا، ومنهم من رمي بالنشاب ، ومنهم من شرح لحمه من

ص: 81

أفخاذه وعجيزته ، وأكله السودان من مماليك أبي الجيش . ( مروج الذهب 506/2)

وصادر المحسن بن الفرات ، أبا الحسن علي بن مأمون الإسكافي ، كاتب ابن الحواري ، علي مائة ألف دينار، وأدي بعضها، وتلف تحت العذاب ( الوزراء للصابي 50).

ولما اعتقل المحسن بن الفرات ، ضرب حتي كاد يتلف ، وأوقع به نازوك المكروه حتي تدود بدنه ، ولم يبق فيه فضل لضرب . ( وزراء 69).

وكان قتل المقتدر، سببة لسلامة أبي بكر بن قرابة من هلاك محتوم إذا أنه في السنة 319 قبض المقتدر علي أبي بكر محمد بن أحمد بن قرابة ، وعذب عذابا شديدا وجري عليه من المكروه ما أشفي به علي التلف ، فلما قتل المقتدر ، هرب من كان موكلا به وبقي معه غلامان عنيا به ، فأحضرا حداد كسر قيوده ، وأطلقاه ( تجارب الأمم 231/1 ).

وكان أول ما فعله القاهر لما استخلف في السنة 320، أن صادر آل أخيه المقتدر ، وعذبهم ، وضرب أم المقتدر ، حتي ماتت من جراء العذاب ( تاريخ الخلفاء 386).

وفي السنة 333 ورد أبو الحسين البريدي ، الحضرة ، وسعي في ضمان البصرة ، فبلغ ذلك ابن أخيه أبا القاسم ، فانفذ إلي توزون مالا ، فأقره علي عمله ، فسعي أبو الحسين في خطبة كتابة توزون ، وبلغ ذلك ابن شيرزاد، فاعتقله ، وضرب بدار صافي مولي توزون ، ضربا مبرحا ، وقرض لحم فخذيه بالمقاريض ، وانتزعت أظافره ، وعقد المستكفي مجلس، حضره الفقهاء والقضاة ، وأحضر البريدي ، وبسط النطع ، وجرد السيف ، وتليت فتوي سابقة بإباحة دمه ، وأبو الحسين يسمع، ورأسه مشدود ، ثم ضربت عنقه من غير أن يحتج لنفسه بحجة ( التكملة 145).

ص: 82

ولما ملك أبو القاسم البريدي البصرة ، صادر أبا جعفر الكرخي ، الملقب بالجرو ، وسمر يديه في حائط ، وهو قائم علي كرسي ، فلما سمرت يداه بالمسامير في الحائط ، نحي الكرسي من تحته ، وستت اظافيره ، وضرب لحمه بالقصب الفارسي ( معجم البلدان 253/4 ).

وفي السنة 363 بعث ابن بقية، وزير بختيار ، محمد بن احمد الجرجرائي ، لكي يقبض علي عامل البصرة ، ومحاسبته ، فلما وصل الجرجرائي إلي البصرة ، عقد لعاملها ضمانا جديدا ، فغضب ابن بقية ، وكتب إلي نائبه بالبصرة ، فقبض علي الجرجرائي ، وعذبه حتي مات ( تجارب 323/2 ).

وظهر في أيام بختيار الديلمي ، رجل من أهل دير قني ، ذكي ، اسمه الحسين بن محمد القنائي ويكني بأبي قرة ، تدرج في التصرف حتي استغني ، وصارت له نعمة ضخمة ، حتي احتاج إليه وزير بختيار في شراء قضيم الكراع وضمان واسط ، وتكاثر حاده ، وخاصم كثيرا من الناس ، فاشتراه سهل بن بشر ضامن الأهواز من بختيار وادي مبلغ من المال، فسلم أبو قرة إلي رسوله الذي أخذه إلي الأهواز ، فأفرغ عليه سهل بن بشر العذاب ، وأنواع المكاره ، حتي قتله في السنة 360 ( تجارب الأمم 260/2- 289).

وفي السنة 364 قبض ابن بقية الوزير ، علي سهل بن بشر ضامن الأهواز ، وجد في مطالبته بالأموال ، وبسط عليه المكاره ، واستخرج منه كل ما أمكنه ، ثم قتله بالعذاب ( تجارب الأمم 308/2 ).

وفي السنة 366 قبض مؤيد الدولة، علي وزيره أبي الفتح بن العميد ، وسمل عينه الواحدة وقطع انفه ، وجز لحيته ، وقطع يديه ، وما زال يعرضه علي أنواع العذاب ، حتي تلف . ( وفيات الأعيان 196/4 ومعجم الأدباء 350-349/5)

ص: 83

وفي السنة 366 أهلك ابن الراعي ، بأمر ابن بقية الوزير ، خلقا ممن كان يتهمهم ، منهم المعروف بابن عروة ، وهو ابن أخت أبي قرة ، وكان من وجوه العمال ، ومنهم علي بن محمد الزطي، وكان إليه شرطة بغداد ، ومنهم المعروف بابن العروقي ، وكان إليه الشرطة بواسط ، وجماعة يجرون مجراهم. ( تجارب الأمم 266/2 ).

وفي السنة 542 فتح الحسن صاحب إفريقية ، مدينة قابس ، وكانت الأمير اسمه رشيد ، توفي واستولي علي الأمر مولي من مواليه اسمه يوسف ، فظلم أهلها ، فشكوه الي الحسن صاحب افريقية ، فكاتبه ، فأرسل يوسف إلي رجار الإفرنجي صاحب صقلية ، وصار من أتباعه ، فقصد الحسن قابس ، وحصرها، فثار أهل قابس بيوسف ، وسلموا البلاد إلي الحسن ، وأخذ يوسف أسيرة ، فقطعوا ذكره ، وجعلوه في فمه ، وبسطوا عليه الوان العذاب ، حتي مات ( ابن الأثير 120/11 ).

وفي السنة 573 وثب الباطنية بحلب ، بأبي صالح بن العجمي ، فقتلوه في الجامع ، وكان مقدمأ بحلب عند نور الدين محمود ، وعند أولاده ، وله أتباع وأنصار وعصبية ، فنسب أصحابه أمر قتله إلي سعد الدين كمشتكين ، وكان المتولي الأمر دولة الملك الصالح صاحب حلب ، فمازال أصحاب ابن العجمي بالصالح ، يغرونه بكمشتكين، حتي قبض عليه واعتقله ، وطالبه بتسليم قلعة حارم ، وكانت في يده ، فامتنع من كانوا بها من تسليمها ، فأمر الملك الصالح فسيروا كمشتكين اليها معتقلا ، وعذب أمامهم ، وأصحابه يرونه ولا يرحمونه ، حتي مات في العذاب ( اعلام النبلاء 113/2)

وفي السنة 575 قبض الخليفة الناصر ببغداد ، علي صاحب المخزن ونائب الوزارة ظهير الدين منصور بن الحسين ، وعلي أصحابه وحواشيه وصادره ، وعذبه إلي أن مات . ( النجوم الزاهرة 6/ 85).

ص: 84

وفي السنة 666 اعتقل الملك الظاهر ، بولص الراهب ، الملقب بالحبيس ، وعذبه حتي مات ، وكان هذا الراهب منقطعأ في جبل حلوان ، وله مال يواسي به الفقراء من كل ملة ، وكان يدخل إلي الحبوس ، وكل من عليه دين ، أذاه عنه وأطلقه ، وكان بعض الناس يتحيل عليه ، فإذا رآه قد دخل المدينة ، أخذ معه اثنين، صورة أنهما من رسل القاضي أو المتولي ، وأخذا يضربانه ويجذبانه ، فيستغيث به : (يا أبونا، يا أبونا )، فيسأل : ما باله ؟ فيقولان : عليه دين ، أو اشتكت عليه زوجته، فيقول : علي كم ؟ فيقولان : علي ألفين ، أو أقل ، أو أكثر ، فيكتب له علي شقفة ( قصاصة ورق ) ، إلي أحد الصيارف ، فيقبض المال ، وصرف في هذا السبيل أكثر من ستمائة ألف دينار ، وكان لا يأكل من هذا المال ، ولا يشرب ، بل أن النصاري يتصدقون عليه بمؤونته ، فأفتي فقهاء الاسكندرية بقتله ، وعللوا ذلك بخوف الفتنة من ضعفاء النفوس من المسلمين ، فقتل بالعذاب ( فوات الوفيات 233/1-235 ).

وفي السنة 673 هلك الأمير شهاب الدين أحمد بن جلدك ، وكان صارمة ، قطع من الأيدي والأرجل مالا يحصي كثرة ، وشنق ، ووسط، فخافه البريء والسقيم ( النجوم الزاهرة 245/7 ).

وفي السنة 689 بعث سلطان مصر والشام ، جيشا طرد ملك النوبة ، ونصب ملكا لهم من قبله ، فلما عاد الجيش المصري ، عاد الملك المطرود ، واستولي علي الحكم ، وقبض علي الذي نصبه المصريون ، فعزاه من ثيابه ، وذبح ثورة ، وقد جلده سيورة، ولقها عليه طرية ، وأقامه مع خشبة ، فيبست عليه تلك السيور ، فمات ( تاريخ ابن الفرات 92/8).

وفي السنة 693 قتل ابن السلعوس ، الوزير الكامل ، مدبر الممالك شمس الدين محمد بن عثمان ، ولي الوزارة ، وتكبر علي الناس ، وآذاهم ، فعذبه الشجاعي، وعاقبه إلي أن مات ، ومسكوا أقاربه وذويه ، فأصابتهم

ص: 85

النقمة جميعا ، وكان قد انتن جسده من شدة الضرب ، وقلع منه اللحم الميت ( شذرات الذهب 422/5 - 424).

وفي السنة 699 لما احتل السلطان غازان المغولي ، مدينة دمشق ، ونهبها ، أصاب القاضي تقي الدين المقدسي ، أذي كبير ، إذ أخرجه الجند المغول وعلي رأسه طاقية ، وعليه فروة ما تساوي خمسة دراهم ، وفي رقبته حبل ، فغاب إلي العشاء ، ثم عاد ، فسئل كيف عاد ، فقال : لقد أوقدوا لي نارا ليعدموني فإذا بصوت وصياح ، فذهبوا، فنظرت فإذا أنا وحدي ، فرجعت إليكم ، ( الدرر الكامنة 242/2 ).

وفي السنة 704 بلغ الأمير سلار ، وكان قد حجر علي السلطان الناصر محمد بن قلاوون أن الوزير ذبيان الماوردي الشيخي ، أهدي للناصر ألفي دينار ، وكان محتاجأ إليها ، فاعتقل الوزير ذبيان ، وسجنه ، وصادره ، وعاقبه ، فمات في العذاب ( الدرر الكامنة196/2 ).

وفي السنة 740 قبض السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، علي ناظر الخاص النشو وهو عبد الوهاب بن فضل الله الملقب شرف الدين ، وعلي أخيه وأفراد عائلته ، وعرضهم علي العذاب ، فماتت أمه ، وأخوه المخلص ، في العذاب ، ثم مات النشو أيضأ ، أما أخوه الآخر فانتحر ( الدرر الكامنة 33/3 و 34 ).

وفي السنة 742 مات بالعذاب ابراهيم بن أبي بكر بن شداد ، مقدم الدولة ، وكان متمكنا في دولة الناصر محمد بن قلاوون ، بحيث إنه كان يتحدث مع السلطان من دون واسطة ، وقبض عليه بعد وفاة الناصر ، وعذب فمات تحت العقوبة ( الدر الكامنة 22/1 ) .

وفي السنة 745 قتل بالعذاب في السجن ، بالقاهرة ، مقدم الدولة ،

ص: 86

خالد بن الزراد ، قبض عليه أغرلو وعاقبه حتي هلك ، وأخرج علي لوح ( الدرر الكامنة 171/2 ).

وفي السنة 749 قتل السلطان الملك المظفر حاجي بن محمد بن قلاوون ، وقبض علي نديمه الشيخ علي الكسيح ، وضرب بالمقارع والكسارات ضربأ عظيمة ، وقلعت أسنانه وأضراسه ، ونوع له العذاب انواعا حتي هلك ( النجوم الزاهرة

191/10 ).

وفي السنة 754 قبض السلطان المجاهد، علي المشايخ بني زياد ، وكانوا ثلاثة نفر ، أحدهم مقطع لحج وأبين ، والثاني ناظر الجهات الدملئية ، والثالث ناظر الجباية والتغزية ، وكان لهم فضل ومكارم أخلاق ، وكان الناس يسمونهم برامكة الوقت ، فصادرهم السلطان مصادرة قبيحة ، حتي هلكوا في المصادرة ( يعني هلكوا في العذاب ) . ( العقود اللؤلؤية 94/2 ).

وفي السنة 782 قبض الأتابكي برقوق بالقاهرة ، علي الوزير تاج الدين الملكي وصادره ، وضربه ، ثم عاد فقبض عليه ثانيا ، وصادره، واستمر يعاقبه إلي أن مات تحت العقوبة ( بدائع الزهور 266/2/1).

وفي السنة 783 قام شخص اسمه ابن القماح ومعه ولده ، وأقفالي ، بسرقة أموال القيسارية ، فأخذوا ، وأستعيدت المسروقات منهم ، وعذبوا بأنواع العذاب الأليم ( بدائع الزهور 300/2/1 ).

وفي السنة 783 قبض علي الوزير كريم الدين بن مكانس ، وأخوته ،وأقاربه ، وحاشيته، وعذبوا بأنواع العذاب . ( بدائع الزهور 298/2/1 ).

وفي السنة 785 صادر الطواشي أمين الدين أهيف ، كاتبه عبد اللطيف بن محمد بن مؤمن ، مصادرة عنيفة ، فتوفي في المصادرة ، ( يريد أنه تلف في العذاب) . ( العقود اللؤلؤية 176/2 ).

وفي السنة 887 قتل بالعذاب أبو البركات مفتاح الحبشي الكمالي ،

ص: 87

اتهم باختلاس أموال كان مؤتمن عليها ، فتولي بدر الحبشي وزير جدة تعذيبه حتي مات ( الضوء اللامع 166/10 ).

وفي السنة 795 احتل تيمورلنك بغداد ، « ورمي علي أهلها مال الأمان »، وطالب الناس بأموال أكثر من طاقتهم ، وكان المتولي لذلك شرف الدين البلقيني ، ومات خلق بالتعذيب والعقوبة ، وذكر أنهم عذبوا رجلا ، فأشار لهم إلي موضع ، وقال لهم : احفروا ها هنا ، أراد أن يشغلهم بالحفر عن تعذيبه ، فحفروا ، فلم يجدوا شيئا فعادوا ليعذبوه ، فأشار إلي موضع آخر ، فحضروا فوجدوا ما عظيما ، فأخبروا تيمورلنك بذلك، فأحضروه ، وسأله عن أصل المال، فقال : لا أعلم له أصلا ، وإنما أردت أن أشغلهم عن تعذيبي ، فأمر تيمورلنك بالكف عن تعذيب الناس ( تاريخ الغياثي 113 و 114) .

أقول : جاء في أنباء الغمر ، وفي السلوك : إن الذين ماتوا تحت التعذيب من أهل بغداد في هذه السنة كانوا أكثر من ثلاثة آلاف ، أما ابن الفرات فذكر أنهم كانوا فوق السبعمائة .

وفي السنة 796 قبض علي رجل من أعوان تيمورلنك ، في حلب وأحضر إلي القاهرة ، فرسم لوالي القاهرة بعقوبته ، فعاقبه بأنواع العذاب ( نزهة النفوس 378 ).

وفي السنة 801 طلع إلي السلطان رجل أعجمي، وهو جالس للحكم، فجلس بجانب السلطان ، ومد يده إلي لحيته ، وسبه سبأ قبيحا ، فبادر النواب إليه و أقاموه ، وهو مستمر في السب ، فسلم لوالي القاهرة ، فعاقبه ، حتي مات تحت العقوبة . ( النجوم الزاهرة 97/12 ).

ولما فتح تيمورلنك دمشق ، في السنة 803 ، قسم البلد بين أمرائه ، فنزل كل أمير في قسمه ، وأجري علي من فيه أنواع العذاب ، في الضرب والعصر ، والإحراق بالنار ، والتعليق منكوسا ، وغم الأنف بخرقة فيها تراب

ص: 88

ناعم ، كلما تنفس دخل في أنفه ، حتي تكاد نفسه تزهق ، فكان الرجل إذا أشرف علي الهلاك يخلي عنه حتي يستريح ، ثم تعاد عليه العقوبة أنواعا حتي كان المعاقب يحسد رفيقه الذي هلك تحت العقوبة ، علي الموت . ورأي أهل دمشق ألوان من العذاب لم يسمع بمثلها ، منها إنهم كانوا يأخذون الرجل فيشد رأسه بحبل ، ويلوي الحبل حتي يغوص في رأسه ، ومنهم من كان يضع الحبل بكتفي الرجل ، ويلويه بعصاه ، حتي تنخلع الكتفان ، ومنهم من كان يربط ابهام يدي المعذب من وراء ظهره ، ثم يلقيه علي ظهره ويذر في منخرية الرماد مسحوقا ، ولا يزل يكرر عليه العذاب حتي يموت ، ويعذب وهو ميت مخافة أن يتماوت ، ومنهم من كان يعلق بابهام يديه في سقف الدار ، وتشعل النار تحته ، ويطول تعليقه ، فربما سقط فيها ، فيسحب منها ، ويترك علي الأرض حتي يفيق ، ثم يعلق ثانيا . ( النجوم الزاهرة 244/12 و 245 ).

وفي السنة 803 أخذ شمس الدين محمد بن حسن الفارقي ، وعوقب ( عذب ) حتي مات ، وسبب ذلك ، إنه لما فتح تيمورلنك دمشق ، صارت له وجاهة عنده ، فلما رحل عن دمشق أخذ وعذب ومات ( الضوء اللامع 221/7)

وفي السنة 811 قتل تحت العذاب ، فخر الدين ماجد بن عبد الرزاق القبطي الاسكندري ، الوزير ، وكان أخوه سعد الدين ابراهيم ، ناظر الخاص ، ثم عزلا وسلم فخر الدين إلي الاستادار ، فعاقبه أشد عقوبة حتي قتله ( الضوء اللامع

234/6 ).

أقول : ذكر صاحب بدائع الزهور 793/2/1 خبر مقتل هذا الرجل ، فقال : في السنة 811 « اشتري ، الأستادار جمال الدين ، من السلطان ، الصاحب فخر الدين بن غراب ، فاستصفي أمواله ، ثم قتله بالعذاب .

ص: 89

وفي السنة 833 عذب أصبهان بن قرايوسف ، لما احتل الموصل، قاضيها محمد بن طاهر الموصلي ، حتي هلك في العقوبة ( أي العذاب ) ( تاريخ العراق للعزاوي 79/3 ).

وكان محمود باشا، والي مصر ، من 968 - 975 للسلطان سليمان العثماني ، ظالما، عسوفا، أراق دماء كثيرة جدا، بحيث إذا وصل إليه الصو باشي في الديوان ، وعرض عليه من معه من «المتهومين» يشير إليه بمروحة في يده ، أما إلي الصلب، أو التوسيط، أو رمي الرقبة ، أو الخازوق ، باشارات خاصة، من غير أن يتكلم بلسانه ( البرق اليماني 152 ).

كانت وسائل التعذيب ، في عهد المماليك حكام العراق ( 1164 - 1247) (1750 - 1831 م ) وسائل متنوعة ، أيسرها الضرب بالسياط حتي تتفجر الدماء ، ورش الزيت المغلي علي وجه الأسير ، وعلي عينيه حتي يموت ، أو كي صدغيه ، وبعض المواضع الحساسة من جسده ، وقد يوضع علي وتد يدخل في أسفله ويمزق أحشاءه ، أما الخنق فهو أيسر ما يكون ، وأما الإغراق فلم يكن سرا من أسرار دجلة ( الشعر السياسي العراقي في القرن التاسع عشر ص 44 ).

وفي السنة 1194 أصدر الوزير عبدي باشا ، سر عسكر اناطولي ، ووالي حلب، أمره ، بعزل أبي بكر اغا متسلم حلب ، وطلب حضوره ، فتثاقل ، ثم توجه نحوه ، فلما وصل إليه اعتقله ، وطالبه بأموال قال إنها في ذمته للدولة ، فباع أبو بكر أمواله وأثقاله كافة ، وهو مسجون ، فلم يتخلص ، فصار أقاربه وأصدقاؤه ، ومن بلوذ به ، يعينوه ، حتي أذي ما فرضه الباشا عليه ، واستمر محبوسا نيفا وسبعين يوما ، ثم نفاه الباشا إلي قلعة أرواد من اعمال طرابلس الشام ، وعين معه بيارق دالاتيه ، فقاموا به من الأوردي ، وتوجهوا لناحية اللاذقية ، وفي ذهابهم ، كانوا كلما مروا به علي

ص: 90

قرية من قري حلب ، وضعوا له الأغلال ، وعذبوه ، وهددوه بالقتل ، وأهالي القري « تترجي فيه ، وتبذل لأشقياء الدالاتية الدراهم ليكفوا عنه ، واستمروا علي ذلك إلي أن وصلوا إلي قلعة أرواد ، بعد أن رأي الموت عيانا ، مرات عديدة ، وهو يستغيث ولا يغاث ( اعلام النبلاء 355/3 و356) .

ص: 91

ص: 92

الباب السابع عشر: الانتحار

اشارة

النحر : أعلي الصدر ، وفي الأمثال العربية : وضعته بين خري وتخري. د والسخر : الرئة . والنحر : إصابة النحر بالذبح . والإنتحار : قتل الإنسان نفسه .

والإنتحار محرم في جميع الأديان والشرائع، قال الله تعالي : و ولا تقتلوا أنفسكم ) (29 م النساء 4)، وقال النبي صلوات الله عليه : « من قتل نفسه بحديدة ، فحديدته في يده يتوج بها في بطنه ، في نار جهنم (لسان العرب : مادة وجا).

وقد انتحر رجل في أيام النبي صلوات الله عليه ، فلم يصل عليه .

وفي قوانين العقوبات ، مواد مثبتة ، يعاقب بموجبها من أقدم علي الإنتحار ، إذا سلم .

وكان العرب في الجاهلية ، يعتبرون الإنتحار خورا وجبنا ، ويعبرون قوم من انتحر ، بإقدامه علي الإنتحار .

روي أن الحكم بن الطفيل ، أخا عامر بن الطفيل، ضعف في يوم ساحوق في الجاهلية ، وخشي أن يؤسر ، فانتحر . بأن جعل في عنقه حبلا ، وصعد إلي شجرة، وشده ، ودلي نفسه ، فاختنق ، فقال عروة بن الورد ، يعير قومه بذلك : (ابن الأثير 644/1 ).

ونحن صبحنا عامرة في ديارها****علالة أرماح وضربأ مذكرا

ص: 93

بكل رقيق الشفرتين مهند**** ولدين من الخطي قد ط أسمرا

عجبت لهم إذ يخنقون نفوسهم****ومقتلهم تحت الوغي كان أجدرا

وفي السنة 3 في معركة أحد ، كان من بين من حارب في صفوف المسلمين رجل يدعي قزمان ، فقتل وحده ثمانية من المشركين أو تسعة ، وكان شهما شجاعا ذا بأس ، وجرح في المعركة ، فاحتمل إلي دار بني ظفر ، فقال له رجل من المسلمين ، لقد أبليت اليوم يا قزمان ، فأبشر ، فقال : بم أبشر ؟ فوالله إن قاتلت إلأ علي أحساب قومي ، ولولا ذلك ما قاتلت ، ولما اشتدت عليه جراحته ، أخذ سهما من كنانته ، فقطع رواهشه ، فنزفه الدم ، فمات ( الطبري 531/2 والمعارف 161).

وفي السنة 11 انتحر سلمة بن عمير الحنفي ، بأن ح حلقومه بسيف نفسه ، فقطع أوداجه ، وسبب ذلك إن بني حنيفة ، ارتدوا عن الإسلام ، بعد وفاة النبي صلوات الله عليه ، فبعث إليهم أبو بكر جيشا بقيادة خالد بن الوليد ، فانتصر عليهم ، وقتل مسيلمة ، وجماعة ممن معه ، وصالح الباقون خالدأ ، وكان سلمة بن عمير ، يعارض في مفاوضات الصلح ، ويقول : لا تقبلوا الصلح ، فإن حصونكم حصينة ، والطعام كثير ، والشتاء قد حضر ، فخالفوه وعقدوا الصلح ، فغضب واشتمل علي سيف ، وأراد أن يدخل علي خالد ، ليفتك به ، وأحس به أصحابه ، وفتشوه ، فوجدوا السيف في ثيابه ، فلعنوه، وشتموه ، وأوثقوه، وقالوا له : إنك لو قتلت خالدة لقتل أصحابه رجالنا ، وسبوا نساءنا ، إذ يحسبون أن عملك كان بممالأة منا، وطردوه عنهم ، فانسل وعمد إلي عسكر خالد ، فصاح به الحرس ، واتبعوه ، فأدركوه في بعض الحوائط ( البساتين ) فشد عليهم بالسيف ، فاكتنفوه بالحجارة ، فأجال السيف علي حلقه ، فقطع أوداجه ، وسقط في بئر، فمات ( الطبري 300-299/3)

وفي السنة 23 انتحر فيروز أبو لؤلؤة ، الفارسي النصراني ، بعد أن

ص: 94

طعن الخليفة عمر بن الخطاب ، وكان فيروز غلام المغيرة بن شعبة ، أعد الجريمته خنجر له رأسان نصابه في وسطه ، وكان عمر في صلاة الصبح ، يؤم المسلمين ، فطعنه ثلاث طعنات ، إحداها تحت سرته ، خرقت الصفاق ، وهي التي قتلته ، وطعن معه في المسجد ثلاثة عشر رجلا ، مات منهم سبعة ، وأقبل علي القاتل رجل من بني تميم ، يقال له حكان ، فألقي عليه ردائه ، ثم احتضنه ، فلما علم العلج أنه مأخوذ ، طعن نفسه بخنجره ، فانتحر ( العقد الفريد 272/4 ).

وانتحر في المدينة خمسون غلاما من أبناء الصعد، كان سعيد بن عثمان قد أخذهم من أهليهم رهنا علي صلح عقدوه معه لما كان أميرا لمعاوية علي خراسان ، فلما عزل عن خراسان ، لم يعد الغلمان الرهائن الي أهليهم ، بل أخذهم معه عبيدأ أرقاء إلي المدينة ، وخلع عنهم كسوتهم ومناطقهم ، وألبسهم جباب صوف ، وألزمهم السواني والعمل الصعب ، فدخلوا عليه وفتكوا به ، ثم قتلوا أنفسهم ( انساب الاشراف 117/5 -119).

وفي السنة 68 أغرق عبيد الله بن الحر الجعفي نفسه في الفرات، بعد أن تفرق جمعه عنه ، في معركة ضارية .

أقول : عبيد الله بن الحر الجعفي ، كان من خيار قومه صلاحا وفضلا ، واجتهادة ، فلما قتل عثمان انحاز إلي معاوية لمطالبته بدم عثمان ، ثم حضر أمام الإمام علي في مرافعة ، فلامه علي علي الإنحياز إلي خصمه ، فقال له : ايمنعني ذلك من عدلك ؟ قال : لا ، وحكم له ، فعاد إلي معاوية ، ثم اعتزل الجانبين ، ولما حكم المختار العراق طلبه ، وحبس امرأته ، فدخل بجماعة معه إلي الكوفة ، فكسر باب السجن ، وأخرج امرأته ، وجميع المحبوسات فيه ، وكان إذا وجد ما للسلطان ، أخذ منه عطاءه وعطاء أصحابه ، وكتب بما تسلم وثيقة أعطاها لحاملي المال ، وتركهم وما بقي ليوصلوه إلي السلطان، وتمكن منه مصعب بن الزبير لما حكم العراق

ص: 95

فحبسه ، وشفع فيه الأحنف وقوم من عشيرته ، فأطلقه ، فلحق بعبد الملك بن مروان ، فأكرمه ، وأعطاه ، وعاد إلي العراق لمحاربة المصعب ، فبعث إليه المصعب جيشا كثيفا أطبق عليه ، ورموه بالسهام حتي اثخنوه ، فركب سفينة توسطت به الفرات ، فوثب إليه رجل عظيم الخلق قبض علي يديه وهو جريح ، فتماسك معه ، وألقي نفسه معه في الماء فغرقا ( ابن الأثير 294/9)

ومن لطيف ما يذكر ، إن عبيدالله ، لما اطلقه المصعب ، بشفاعة الأحنف ، جاء إلي الأحنف ، وقال له : يا أبا بحر ، ما أدري كيف أكافئك ، إلا أن أقتلك ، فتدخل أنت الجنة شهيدة ، وأدخل أنا النار ، فضحك الأحنف ، وقال له : لا حاجة لي في مكافأتك يا ابن اخي ( انساب الأشراف 288/5)

وفي السنة 77 انتحر خالد بن عتاب بن ورقاء الرياحي ، بأن ألقي نفسه وفرسه في دجلة ، وكان قد حارب شبيب الخارجي ، في معركة ضارية ، وقتل مصاد، أخا شبيب ، وغزالة زوجة شبيب ، ثم انهزم أصحابه فتراجع حتي أشرف علي دجلة ، فألقي نفسه فيها ، فانتحر غرقا . ( الاعلام 339/2)

وفي السنة 85 انتحر عبد الرحمن بن محمد الأشعث ، الثائر علي الحجاج ، بأن القي نفسه من فوق قصر، فمات ، وكان عبد الرحمن قد خرج علي الحجاج في السنة 81، وأيده الناس لظلم الحجاج ، وخلعوا عبد الملك بن مروان ، فانفذ عبد الملك جيوشا من الشام ، وبعد معارك دامية ، قتل فيها عشرات الألوف ، اندحر جيش العراق ، والتجأ عبد الرحمن وقسم من أصحابه إلي رتبيل ، ملك الترك ، فكتب الحجاج إليه ، بطلب منه تسليم ابن الأشعث ، ويهدده بأن يقصده في ألف ألف رجل ، إن لم يسلمه ، وبعث إليه عهودة مختومة بختمه ، بجميع ما يطلب ، ورغبة في أن لا يغزو بلاده

ص: 96

عشر سنين ، يعفي فيها من الخراج ، فغدر رتبيل بابن الأشعث ، واعتقله ، وثلاثين من أصحابه وأهل بيته ، وألقي في اعناقهم الجوامع والقيود ، وبعث بهم إلي عمارة بن تميم ، قائد الحجاج ، فلما قرب ابن الأشعث من عمارة ، ألقي نفسه من فوق قصر ، فمات ، وكان معه في السلسلة رجل يقال له أبو العبر ، فماتا جميعا ، فاحتز عمارة رأسه ، وضرب اعناق أصحابه ، وبعث بالرؤوس إلي الحجاج ، فبعث الحجاج برأس ابن الأشعث إلي عبد الملك ، فبعث به عبد الملك إلي عبد العزيز بمصر ، فقال الشاعر :

هيهات موضع جثة من رأسها****رأس بمصر وجثة بالرخج

الزيادة التفصيل ، راجع الطبري 390/6و391 واليعقوبي 279/2 والأخبار الطوال 320.

وفي السنة 91 قصد عبد الرحمن بن مسلم ، أخو قتيبة، الصغد ، فصالحه ملكها طرخون ، ودفع اليه مالا ورهنا ، فقال الصغد لملكهم طرخون ، إنك رضيت بالذل ، واستطبت الجزية، فلا حاجة لنا بك ، وخلعوه ، ونصبوا ملكا آخر غيره ، وحبسوا طرخون ، فقال طرخون : ليس بعد سلب الملك إلا القتل ، فيكون ذلك بيدي ، أحب إلي من أن يليه مني غيري ، واتكأ علي سيفه ، حتي خرج من ظهره ( الطبري 463/6 وابن الأثير 554/4)

وفي السنة 126 انتحر عمرو بن محمد بن القاسم الثقفي ، بأن أخذ سيفا فاتكأ عليه حتي خالط جوفه ، وكان عمرو هذا عاملا علي السند للوليد بن يزيد ، فأخذ محمد بن عزان الكلبي فضربه ، وبعث به إلي يوسف بن عمر ، أمير العراق ، فضربه وألزمه مالأ عظيمة ، يؤدي منه في كل جمعة نجمة ، وإن لم يفعل ضرب خمسة وعشرين سوطأ ، فضرب حتي جفت بده وبعض أصابعه ، فلما ولي منصور بن جمهور العراق ، ليزيد بن الوليد ، ولي محمد بن عزان سجستان والسند ، فأتي سجستان ، وسار إلي السند ، فأخذ

ص: 97

عمرو بن محمد ، وأوثقه ، وجعل عليه حرسأ يحرسونه ، وقام إلي الصلاة ، فتناول عمرو ، من أحد الحراس سيفأ ، فاتكأ عليه مسلولا ، حبي خالط جوفه ، وتصايح الناس، فخرج ابن عزان ، فقال له : ما دعاك إلي ما صنعت ؟ قال : خفت العذاب ، قال : ما كنت أبلغ بك ما بلغته من نفسك ، فلبث ثلاثا ثم مات ( الطبري 272/7 ).

وكان أحد خلفاء بني أمية ، قد اشتري جارية ، كان يتعشقها شاب ، فاحتجبت عنه ، فكتب إلي الخليفة ، يتوسل أن يمكنه من رؤية الجارية ، وسماع غنائها ، ثم ليصنع به ما هو صانع ، فمنه من ذلك ، حتي إذا غنته ثلاثة أصوات ، طرح الشاب نفسه من المستشرف الذي كان فيه ، فلم يصل إلي الأرض إلا أوصا، راجع تفصيل القصة في مصارع العشاق 101/2 - 102-215-216)

وذكر ابن الكلبي أن فتي من بني حنيفة ، تعشق فتاة ، وجن بها، واحبته الفتاة كذلك ، ونذر به الحي ، فحذروه ، وانذروه بأنه إن عاد فسوف يقتلونه ، وجلس ذات ليلة ، بمعزل من الحي ، ومعه قوسه ، فخرجت إليه حبيبته لتراه ، فظنها أحد الفتيان جاء إليه ليقتله فرماها بسهم ، فقتلها ، فصاحت رفيقتها ، فركض الفتي إليها ، ورأي ما جنت يده ، فوجا نفسه بمشاقصه حتي مات ، راجع تفصيل القصة في مصارع العشاق 143/2 - 144، والعقد الفريد 470/6- 471.

ولما قتل أبو جعفر المنصور في السنة 137 أبا مسلم الخراساني ، قطع رأسه ، ورمي به إلي من بالباب من فؤاد أبي مسلم ، فهموا أن يبسطوا سيوفهم علي الناس ، ثم ردهم عن ذلك انقطاعهم وتغربهم ، فانتحر قسم منهم بسيوفهم ، اوسكت الباقون . ( الامامة والسياسة 136/2).

وفي السنة 142 انتحر اصبهبذ طبرستان ، بأن مص خاتمأ له فيه سم ، فقتل نفسه ، وكان سبب ذلك أنه نقض العهد الذي كان بينه وبين المسلمين ،

ص: 98

فحاصروه ، فقال أبو الخصيب لأصحابه : اضربوني ، واحلقوا رأسي ولحيتي ، ففعلوا ، ولجا إلي الأصبهبذ، وزعم أنه عائذ به ، حتي أمنه ، ففتح باب الحصن للمسلمين ، فانتحر الأصبهبذ ( ابن الأثير 510/5 والطبري 513/7)

وفي السنة 159 ظهر المقنع بخراسان ، واسمه حكيم ، وكان يتخذ وجها من الذهب يجعله علي وجهه ، واجتمع إليه خلق كثير ، وكانوا يسجدون له في أي ناحية كانوا ، وكان يزعم أن روح الله حلت فيه ، وحاربه الجيش العباسي ، فلما أيقن بالهزيمة ، جمع نساءه وأهله وأجج نارأ عظيمة ، وقال : من أحب أن يرتفع معي إلي السماء ، فليلق نفسه معي في هذه النار ، وألقي بنفسه مع أهله وخواصه ونسائه ، فاحترقوا ، ودخل العسكر القلعة، فوجدوها خالية خاوية . ( ابن الأثير 38/6 ۔ 39-51- 52).

أقول : الذي أورده الطبري 135/8 - 144-145 إن حكيم المقنع ، خرج بخراسان في السنة 161 وإنه استغوي بشر كثيرة ، وقوي ، وصار إلي ما وراء النهر ، وإن المهدي سير اليه جيوشأ، آخرها جيش بقيادة سعيد الحرشي ، فشدد عليه الحصار ، فلما أيس من الظفر ، انتحر بأن شرب سما ، وسقاه نساءه وأهله، فمات وماتوا ، وإن انتحاره حصل في السنة 163.

وفي السنة 223 لما تآمر العباس بن المأمون ، وبعض القواد علي قتل المعتصم ، واستخلاف العباس ، كان من جملة المتآمرين قائد تركي أثير عند اشناس ، لا يحجب عنه في ليل ولا نهار ، كان قد تعهد للمتآمرين بقتل اشناس، فلما افتضحت المؤامرة، اعتقل اشناس هذا التركي ، وحبسه في بيت ، وطين عليه الباب ، فكان يلقي إليه في كل يوم رغيفا وكوزماء ، فأتاه ولده في بعض أيامه ، فكلمه من وراء الحائط ، وقال له : يا بني لو كنت تقدر لي علي سكين كنت أقدر أن اتخلص من موضعي هذا ، فلم يزل ابنه يتلطف في ذلك حتي أوصل إليه سكينة ، فقتل به نفسه . ( الطبري 78/9).

ص: 99

وروي الجاحظ : إنه رافق محمد بن ابراهيم المصعبي ، من سامراء إلي بغداد ، في حراقته ، ونصب في الطريق ستارة ، وغنته عوادة ، ثم غنته طنبورية ، وبعد أن أنهت الصوت هتكت الستارة وألقت نفسها في الماء ، وكان علي رأس محمد غلام جميل بيده مذبة ، فألقي بنفسه في أثرها، واعتنقا، ثم غاصا فلم يريا ، راجع التفصيل في وفيات الأعيان 471/3 - 472 ومصارع العشاق 113/1 - 114 وتحفة المجالس 309 310).

وكان حنين بن اسحاق العبادي الطبيب ، طبيب المتوكل ، وإسرائيل بن زكريا الطيفوري ، طبيب الفتح بن خاقان ، فاختلفا أمام المتوكل ، في موضوع الخمار وهل يضر المصاب بالخمار أن يجلس في الشمس أم لا ، فأثني المتوكل علي حنين ، فاغتاظ الطيفوري ، ودس لحنين ، واغري الجاثليق والأساقفة ، فلعنوا حنين ، وقطعوا زناره ، وأمر المتوكل أن لا يصل إليه دواء من عند حنين ، حتي يشرف عليه الطيفوري ، ويحضر عمله ، فانصرف حنين إلي منزله ، وانتحر بأن سقي نفسه سما ( تاريخ الحكماء 172)

وفي السنة 285 أوقع صالح بن مدرك الطائي بالحاج ، بقاع الأجفر ، فقتل خلائق عظيمة من الحاج ، ومات منهم كثير بالعطش ، وسلب من الناس نحوا من ألفي ألف دينار ( مروج الذهب 516/2 )، فخرج إليه أبو الأغر خليفة بن المبارك السلمي ، وظفر بصالح في فيد ، فأسره ، فجمع الأعراب ليستنقذوه ، فواقعهم أبو الأغر وقتل منهم مقتلة عظيمة ، فأيس صالح من الخلاص ، وكان يدري ما ينتظره إذا وصل إلي بغداد ، فاستلب من أحد الغلمان سكين وقتل نفسه ، فاحضر أبو الأغر رأسه إلي مدينة السلام ، وأحضر معه رؤوس أخري ، وأربعة أساري هم بنو عم صالح بن مدرك فأدخلوا المطبق ( مروج الذهب 519/2 ).

ص: 100

ولما اعتقل صاحب الشامة ، رأس القرامطة ، في السنة 291، وحمل إلي بغداد ، كان يعرف ما ينتظره ، فحاول الإنتحار ، بأن عمد إلي سكرجة فكسرها ، وقطع بشظية منها بعض عروقه ، فخرج منه دم كثير ، فلما أطلع علي ذلك ، شد جرحه ، وترك حتي صلح وعادت إليه قوته ، ثم احتفل بقتله ، وقتل أصحابه . ( الطبري 113/10 ).

أقول : راجع كيفية قتل صاحب الشامة ورفاقه ، في هذا الكتاب ، في الباب التاسع و التعذيب بالتعرض للجوارح ، الفصل الثاني و القسم الأول قطع الأطراف ».

وفي السنة 311 لماعزل حامد بن العباس من وزارة المقتدر ، وصودر ، باع ضياعه ، وداره ، وخدمه ، وباع اخص خدمه به من نازوك ، بثلاثة آلاف دينار ، فالتفت الخادم إلي نازوك ، وقال له : إنك لا تنتفع بي ، فلا تبتعني، فلم يقبل منه ، وأبتاعه ، فلما كان في تلك الليلة ، شرب الخادم زرنيخ، فمات من ساعته ( المنتظم 183/6 - 184 وتكملة تاريخ الطبري 36)

وفي السنة 315 قبض الوزير علي بن عيسي ، وزير المقتدر ، علي رجل شيرازي ، ظهر أنه يكاتب القرامطة ، فناظره الوزير بحضرة القاضي أبي عمر والقواد ، وقال الشيرازي : أنا صاحب أبي طاهر القرمطي ، وما صحبته إلا لأنه علي حق ، وأنت وصاحبك ومن يتبعكم، كفار مبطلون ، ولا بد لله في أرضه من حجة ، وإمام عدل ، فقال له علي بن عيسي : أصدقني عمن يكاتب القرمطي من أهل بغداد والكوفة ، فقال : ولم أصدقك عن قوم مؤمنين، حتي أسلمهم إلي قوم كافرين فيقتلونهم ، لا أفعل ذلك أبدأ ، فأمر بصفعه بحضرته ، وضربه بالمقارع ، وقيده ، وغله بغل ثقيل ، وجعل في فمه سلسلة ، وأسلمه الي نازوك ( صاحب الشرطة) وحبسه في المطبق ، فمات

ص: 101

بعد ثمانية أيام ، لأنه امتنع من الطعام والشراب حتي مات ( تجارب الأمم 712/1)

وفي السنة 334 قصد أبو يزيد الخارجي مدينة تونس ، فدخلها بالسيف ، وقتل الرجال ، وسبي النساء ، ونهب الأموال ، وهدم المساجد، فانتحر الكثير من أهلها ، بأن رموا أنفسهم في البحر ( ابن الأثير 431/8 ).

وروي التنوخي ، في كتابه نشوار المحاضرة ، في القصة المرقمة 58/5 ج 5 ص 129- 134 قصة فتي تعشق أخته ، وفر بها إلي موضع لا يعرف فيه ، وماتت الأخت علي أثر الولادة، فلما وضعها في قبرها ، أخرج سيفا ، وأدخله في فؤاده فانتحر ، فمات ، ودفن معها في قبر واحد .

وفي السنة 351 استولي علي طرسوس ، ابن الزيات ، وقطع خطبة سيف الدولة ، وخرج في أربعة آلاف رجل من الطرسوسيين لحرب الروم ، فأوقع به الدمستق ، وقتل جميع من معه، وقتل أخاه أيضأ ، فلما وقف ابن الزيات علي ذلك ، لبس سلاحه ، واعتم، وخرج إلي روشن داره ، وكانت داره علي شاطيء نهر ، ثم رمي بنفسه من داره الي النهر ، فغرق . ( تجارب الأمم 191/2 ).

وفي السنة 360 قتل يوسف بن بلكين بافريقية أصحاب محمد بن الحسين الزناتي ، وجماعة من أهله وبني عمه ، وكان محمد قد عصي علي المعز الدين الله بإفريقية ، وكثر جمعه ، فأمر المعز يوسف ، بالتخلص منه ، فبادر إليه يوسف ، ولم يشعر به محمد ، إلا وهو داخل عليه ، فلما رآه محمد جرد سيفه وانتحر به ، وقتل يوسف الباقين . ( ابن الأثير 616/8 ).

وانتحر الطبيب أبو الحسن محمد بن غسان بن عبد الجبار الداري الصيدلاني البصري ، بأن أغرق نفسه في كرداب كلوادي ، ببغداد ، لاسباب اجتمعت عليه ، من صفر اليد ، وسوء الحال ، وجرب أكل بدنه ، وعشق

ص: 102

حرق قلبه ، وحيرة غرب معها عقله ، وخذل رأيه ، حتي جر إلي نفسه حينها بما أقدم عليه ، وكان ابن غسان فتي ، مليحا ، ظريف ، حسن الأدب ، محذقا فيما بين الأطباء ، وكان يعلم الطب ، ويشارك في علوم الأوائل ، وخدم بصناعته ملوك بني بويه ، علي الخصوص عضد الدولة فناخسرو راجع الرسالة البغدادية للتوحيدي 256 - 258 وتاريخ الحكماء 402).

وكان القائد تبر ، أحد أمراء الدولة في عهد كافور الإخشيدي ، فلما قدم القائد جوهر من المغرب بالعساكر ، حاربه القائد تبر ، ولكنه انهزم ، فكتب إليه جوهر ، يترضاه ، فلم يجب ، وأقام علي الخلاف ، فسير إليه عسكر، حاربه ، فانكسر تبر ، وقبض عليه ، وأدخل إلي القاهرة ، مشهرا علي فيل ، وسجن ، وفي السنة 360 ضرب بالسياط ، وحبس عدة من أصحابه بالمطبق في القيود ، فجرح نفسه ، ومات منتحرة . ( خطط المقريزي 413/2)

وانتحر بتناول السم ، أبو أحمد بن أبي بكر بن حامد، الكاتب ، الشاعر ، كان أبوه كاتب الأمير الساماني اسماعيل بن أحمد، وزير الأمير أحمد بن اسماعيل ( قتل سنة 301) ، فنشأ أبو أحمد ربيب نعمة ، وتأدب ، وتظرف ، ونظم فأجاد ، وولي ولايات ، وكان يتخرق في تبذير ماله ، فتخرق جاله ، وضاقت معيشته ، حتي قال : ( التيمية 64/4 - 69 ).

قد قلت أذ مدحوا الحياة فأسرفوا****في الموت ألف فضيلة لا تعرف

منها أمان لقائه بلقائه ****وفراق كل معاشر لا ينصف

ا ثم قتل نفسه بتناول السم ، فمات منتحرا .

وفي السنة 369 انتحر المطهر بن عبد الله ، وزير عضد الدولة ، إذ أنفذه الملك عضد الدولة إلي البطيحة لاستئصال الحسن بن عمران ، بعد أن استخلف علي الوزارة أبا الريان حمد بن محمد الأصبهاني ، فلم يتمكن من

ص: 103

صاحب البطيحة ، وباءت خططه بالفشل ، فأعتكف في خيمته ، وأخذ سكين دواته فقطع بها شرايين ذراعيه جميعا وأدخل ذراعيه إلي باطن ثيابه فنزف دمه ، وأدركه خدمه والناس وفيه رمق ثم مات . ( تجارب الأمم 409/2 - 411)

وفي السنة 369 انتحرت الأميرة جميلة بنت ناصر الدولة الحمداني ، تخلص من حياة الذل والأسر التي ابتليت بها، بأن ألقت نفسها في دجلة ، فغرقت ، راجع تفصيل ذلك في هذا الكتاب ، الباب التاسع عشر المرأة » الفصل الخامس عشر « انتحار المرأة .

وفي السنة 392 حارب يمين الدولة محمود بن سبكتكين ، جيبال ملك الهند ، فكسره ، وأسره، وأطلقه بمال قرره عليه ، فأذاه ، وكان من عادة الهنود ، أنهم أذا حصل أحد منهم في أيدي المسلمين أسيرة، لم تنعقد له بعدها رئاسة ، فلما رأي جيبال حاله بعد خلاصه ، حلق رأسه ، ثم ألقي نفسه في النار ، فأنتحر ( ابن الأثير 169/9، 170).

وفي السنة 392 توفي أبو الطيب الفرخان بن شيراز ، فأنفذ بهاء ، الدولة ، وزيره أبا غالب لحيازة ما خلفه ، وكان للفرخان ثقة مجوسي ، عالم بما خلف الفرخان ، فقبض عليه أبو غالب ، وعذبه ، فانتحر بأن ذبح نفسه في الحمام ( ذيل تجارب الأمم 414 - 417) .

وفي السنة 395 حارب يمين الدولة محمود بن سبكتكين ، ملك إسمه بحيرا ، وأسم مملكته بهاطية ، وتقع وراء المولتان ، فانكسر بحيرا ، فلما أيقن بالعطب ، أخرج خنجر معه ، فقتل به نفسه ( ابن الأثير 185/9 ).

وروي عبد الله بن عبد العزيز السامري ، إنه مر وصديق له بدير هرقل ، وهو موئل للمصابين بعقولهم ، فوجدا فيه شابا حسن الوجه ، مشدودة بسلسلة إلي جدار ، فاستنطقاه ، فتلا عليهما أبيات ، تشير إلي أنه صريع غرام ، ثم تلا عليهم أبيات أخري ، كان البيت الأخير فيها :

ص: 104

إني علي العهد لم أنقض مودتهم****فليت شعري بطول العهد ما فعلوا

فقالا له : ماتوا ، فقال : وأنا ميت في أثرهم ، ثم خنق نفسه بالسلسة ، فاندلع لسانه ، وندرت عناه ، ومات ، راجع تفصيل القصة في مصارع العشاق 19/1 و 20.

أقول : دير هتل ( حزقيل ) ما بين البصرة وعسكر مكرم ( معجم البلدان 706/2 ) كان موئلا للمصابين بعقولهم ، وقد ذكره دعبل في أبيات هجا بها أبا عباد ، وزير المأمون ، وكانت في أبي عباد حدة ، قال :

أولي الأمور بضيعة وفساد**** أمر يدبره أبو عباد

يسطو علي كتابه بدواته ****فمضمخ بدم ونضح مداد

وكأنه من دير هزقل مفلت**** رد يجر سلاسل الأقباد

وفي السنة 401 حارب محمود بن سبكتكين ، ملك الغور ، وانتصر عليه ، فشرب الملك سما كان معه فمات ( ابن الأثير 222/9 ) .

وفي السنة 407 غزا محمود بن سبكتكين الهند ، فحاصر كشمير ، فأسلم صاحبها علي يده ، ثم حاصر حصن هو دب ، فأسلم صاحبه علي يده ، ثم حاصر قلعة كلجند وفتحها فعمد كلجند إلي زوجته فقتلها ، ثم قتل نفسه بعدها ( ابن الأثير 266/9 ).

وفي السنة 411 قتل الحاكم الفاطمي ، فنصبت أخته ست الملك ولده أبا الحسن علي ، مكان أبيه ، واعتقلت ولي العهد أبا القاسم ، في القصر ، وحمل إليه يوما بطيخ ومعه سكين ، فغرز السكين في سرته ، ومات منتحرة ( النجوم الزاهرة 194/4 ).

وفي السنة 412 قبض قرواش بن المقلد صاحب الموصل، علي أبي القاسم المغربي الوزير ، وأطلقه ، وعلي أبي القاسم سليمان بن فهد ، فقتل سليمان نفسه . ( المنتظم 2/8).

ص: 105

وروي المقريزي في خططه 289/2 إنه في السنة 415 قبض علي رجل من بني حسين ثار بالصعيد الأعلي ، فأقر بأنه قتل الحاكم بأمر الله ، من جملة أربعة أنفس ، تفرقوا في البلاد ، وأظهر قطعة من جلدة رأس الحاكم ، وقطعة من الفوطة التي كانت عليه ، فقيل له : لم قتلته ؟ فقال : غيرة لله وللإسلام ، فقيل له : كيف قتلته ؟ فأخرج سكينا ، ضرب بها فؤاده ، فقتل نفسه ، وقال : هكذا قتلته ، فقطع رأسه وأنفذ به إلي الحضرة .

أقول : أورد المسبحي ، في أخبار مصر . في السنة 415 هذا الخبر بتفصيل أوفي ، فذكر في الصفحة 27 و 28 أنه : ورد الخبر إلي مصر بأن الثائر الذي حصل بالصعيد الأعلي ، حصل في يد القائد الفاطمي حيدرة بن عقبايان ، وكان الثائر رجلا شريفحسنية ، فأقر بأنه قتل الحاكم بأمر الله ، في جملة أربعة أنفس تفرقوا في البلاد ، فمنهم من مضي إلي برقة ، ومنهم من مضي إلي العراق ، وإنه أظهر له قطعة من جلد رأسه ، وقطعة من الفوطة التي كانت عليه ، فقال له حيدرة : ولم قتلته ؟ فقال : غرت لله وللإسلام ، فقال : وكيف قتلته ؟ فأخرج سكينا ، فضرب بها فؤاد نفسه ، فقتل نفسه ، وقال : هكذا قتلته ، فقطع حيدرة رأسه ، وأنفذ الرأس إلي الحضرة ، مع ما وجده معه .

وفي السنة 426 عصي أحمد پنالتكين ، نائب السلطان مسعود الغرنوي بالهند ، علي السلطان ، فسير أليه جيشأ، فانهزم ، وتحضن في جزيرة ، فهاجمه الهنود ، وأوقعوا به ، وأخذوا ولد له أسيرة ، فلما رأي أحمد ذلك ، قتل نفسه ، ومات منتحر ( ابن الأثير 441/9 و 442 ).

وفي السنة 457 انتحر أبو نصر فتوح بن هلال اليفرني ، صاحب تاكرنا ، بالأندلس، وكان قد خلف أباه المتوفي سنة 449 وملك كذلك ريا ومالقة ، وثار عليه رجل من رعيته ، يدعي ابن يعقوب ، بإغراء من المعتضد بن عباد ، فاقتحم قصر أبي نصر ، وصباح مع جماعته بخلعه ،

ص: 106

والدعوة للمعتضد ، فألقي أبو نصر نفسه من علية كان جالسا بها ، فوقع علي صخرة ، فتكسر ، ومات . ( الاعلام 335/5 ).

وفي السنة 468 كان غلام يعرف بابن الرواس ، من أهل الكرخ ببغداد ، يحب امرأة ، فماتت ، فحزن عليها ، فبقي لا يطعم الطعام ، وانتهي به الأمر الي أن خنق نفسه ( المنتظم 297/8 ).

وكان مسلم بن قريش ، صاحب الموصل وحلب ، يستوفي من صاحب أنطاكية الإفرنجي ، إتاوة سنوية ، فلما ملك سليمان بن قتلمش أنطاكية ، طالبه مسلم بالإتاوة ، فأجابه : إن سلفي كان نصرانيا يعطي الجزية ، وأنا مسلم لا جزية علي ، فحاربه مسلم بن قريش ، فانتصر سليمان ، وقتل مسلم في المعركة في السنة 478، وحصر سليمان حلب ليستولي عليها ، فأمتنعت حلب عليه ، وكتب حافظها إلي الأمير تتش السلجوقي أن يحضر لتسلمها ، فبلغ ذلك سليمان ، فقصدتتش، واشتبكا في معركة ، فلما رأي سليمان أن أصحابه قد فروا أنف من الهزيمة ، وأخرج سكينة كان معه ، فقتل به نفسه ، ومات منتحرة ( اعلام النبلاء 358/1 ) .

وفي السنة 500 انتحر الأمير قلج ارسلان ، صاحب الموصل وما حولها ، إذا أشتبك في معركة ضارية مع الأمير جاولي سقاوو ، فانهزم عسكر قلب ، وثبت هو ، وعلم إنه إن أسر فعل به فعل من لم يترك لصلح موضعا ، فأقحم فرسه الخابور ، فغرق ( ابن الأثير 429/10 و 430 ) .

وفي السنة 500 افتتح السلطان ملكشاه السلجوقي ، قلعة شاهدز ،

بالقرب من أصبهان ، وقتل صاحبها وولده ، فألقت زوجته نفسها من رأس القلعة ، فماتت منتحرة ، راجع التفصيل في كتابنا هذا ، في الباب التاسع عشر و المرأة ، الفصل الخامس عشر « انتحار المرأة .

وفي السنة 511 نزل ابن بديع ، رئيس حلب ، لمقابلة الأمير الغازي

ص: 107

بقلعة دوسر ، فهاجمه اثنان من الباطنية ، فقتلاه ، وقتلا أحد ولديه ، وقتلا من بعده ، وجرح ولده الآخر ، فحمل إلي القلعة ، فهاجمه باطني وقتله ، وقبض علي الباطني ، وحمل ليقتل ، فرمي بنفسه إلي الماء ، وانتحر غرقأ (اعلام النبلاء 427/1 ) .

وفي السنة 52 أمر الوزير المختص أبو نصر أحمد بن الفضل ، وزير السلطان سنجر ، باستئصال الباطنية ، وكانت للباطنية قرية من أعمال بيهق ، إسمها طرز ، ومقدمهم بها الحسن بن سمين ، فقصدها العسكر ، وقتلوا كل من بها ، وهرب مقدمهم الحسن ، وصعد منارة المسجد ، ثم ألقي بنفسه إلي الأرض ( ابن الأثير 631/10 و632).

وفي السنة 521 إنتحر أبو القاسم محمود بن عزيز العارضي الخوارزمي ، بمرو ، ذبح نفسه بيده ، وترك رقعة بخط يده فيها : هذا ما عملته أيدينا ، فلا يؤاخذ به غيرنا، وكان أبوالقاسم هذا يلقب شمس المشرق ، وكان الزمخشري يسميه : الجاحظ الثاني . ( معجم الأدباء ۔ 146/7)

وفي السنة 523 خنق رجل يقال له أبن ناصر نفسه ، بحبل شده في السقف . ( التنظيم 13/10 ).

وفي السنة 523 انتحر الأمير البقش السلاحي ، بأن غرق نفسه في دجلة ، وكان نائبا عن السلطان في عدة ممالك ، ثم غضب عليه السلطان ، فقبض عليه ، وحبسه بقلعة تكريت ، ثم أمر بقتله ، فانتحر . ( ابن الأثير 65/11 و النجوم الزاهرة 262/5).

وفي السنة 539 حصل عبد المؤمن ، أمير الموحدين ، بمدينة وهران ، بالمغرب ، ونزل تاشفين ، أمير المسلمين بظاهرها علي البحر ، وفي ليلة 27 رمضان ، صعد تاشفين إلي الربوة المطلة علي البحر ، بأعلاها ثنية يعمرها

ص: 108

المتعبدون ، يريد التبرك بذلك الموضع ، وبمن فيه من الصلحاء ، فحصره الموحدون في ذلك الموضع ، وأحاطوا به ، وأحرقوا عليه باب الرباط ، فلما أيس تاشفين من النجاة من أيديهم ، ركب فرسه ، وأخترق النار ، ثم أقحمه الوادي، فتردي هو وفرسه من جرف عال علي الحجارة ، فمات منتحرا ( ابن الأثير 580/10 وفيات الأعيان 126/7 والمعجب للمراكشي 271 ) .

وفي السنة 551 توفي خوارزم شاه أتسز بن محمد بن أنوشتكين ، وخلفه ولده أرسلان ، فقتل نفرا من أعمامه ، وسمل أخا له ، فقتل الأخ المسمول نفسه منتحرة . ( ابن الأثير 209/11 ).

وفي السنة 574 انتحر أحد المكارية في الحبس ببغداد ، وسبب ذلك إنه أخذ ألف دينار ، تعود لرجل اكتراه ورفاقه من الموصل إلي بغداد ، فأخذ واعترف بالمال ، وأحضر منه تسعمائة وخمسين دينارة ، وقال إن الخمسين الباقية أخذها قريب له ، فقال صاحب المخزن : خذوا هذا فأحبسوه لنصلبه غدأ ، فنهض المكاري في الليل ، وصلب نفسه . ( المنتظم 287/10 ).

وفي السنة 587 انتحر يعقوب الحلبي ربان بطسه (نوع من السفن ) ، وسبب ذلك ، إن ملك الانكتار ( پريد ريكاردوس قلب الأسد ملك إنكلترا ) وصل مع رجاله إلي عكا، وكان رجل زمانه شجاعة ، ومكرة ، وجلدأ ، وصبرة ، فعظمت به قوة الإفرنج المحاصرين لعكا ، فأمر صلاح الدين الأيوبي ، فجهزت من بيروت ، بطسة كبيرة مملوءة من الرجال والعدة والقوت ، وفيها سبعمائة مقاتل ، وسيرت الي عكا ، فلقيها ملك انكتار ، فقاتلها ، وصبر من فيها ، فلما أيسوا من الخلاص ، عمد المقدم بها ، واسمه يعقوب الحلبي ، مقدم الجندارية ، ويعرف بغلام ابن شقتين ، فنزل إلي قعرها ، وخرقها خرقا واسعأ ، وأغرقها بمن فيها وما فيها ، وانتحر هو وأصحابه غرقة لئلا يظفر الإفرنج بهم وبما معهم من الذخائر (ابن الأثير 65/12)

ص: 109

وفي السنة 598 سعي رجل يعرف بابن عطية ، بابن ثناء البراز ، بأن لديه وديعة أودعها عنده أبو بكر بن العطار ، الوزير - كان - للناصر وعزل وصودر ، فانكر ابن ثناء ، وحقق في الأمر ، فظهر كذب الساعي ، ، فأطلق ابن ثناء ، واعتقل ابن عطية ، وحبس بباب النوبي ، فألقي نفسه في بئر ، فمات ، فصلب علي باب داره . ( الجامع المختصر 82 و 83 ) .

وفي السنة 602 تجهز السلطان شهاب الدين الغوري ، لقتال بني كوكر بالهند ، وكانوا قد عصوا عليه ، وقطعوا الطريق ، وأخافوا السبيل، ووافقهم قسم من الهنود علي الخروج عن الطاعة ، فداهمهم شهاب الدين ، وكسرهم ، فقصدوا أجمة هناك ، واجتمعوا ، وأضرموا نارة ، وكان أحدهم يقول لصاحبه : لا تدع المسلمين يقتلونك ، ثم يلقي بنفسه في النار ، فيلقي صاحبه نفسه بعده ، فعمهم الفناء قتلا وحرقا . (ابن الأثير 208/12 ۔ 211)

وفي السنة 602 انتحر الفقيه تقي الدين عيسي بن يوسف العراقي الغرافي ، الضرير ، بأن شنق نفسه ، في حجرته بالمدرسة الأمينية ، وسبب ذلك ، إنه سرق له مال ، فأتهم شخصا كان يقرأ عليه ، ويقوده ، فأنكر ذلك الشخص التهمة ، وتعصب عليه أقوام ، وقالوا هو ضرير فقير من اين له المال الذي ادعي بأنه سرق منه ، فزاد عليه الهم وشنق نفسه . (نكت الهميان 223 و 224).

وفي السنة 604 صلب الرضي بن هرثمة ، نفسه ، بالمخزن المعمور ، وكان موك" به علي بقية مال قرره علي نفسه ، فأخرج لي ، فسلم إلي أهله ( الجامع المختصر 237 ).

وفي السنة 624 انتحر السلطان ناصر الدين قباجه ، مملوك علاء الدين الغوري ، صاحب السند والملتان وأوج ، قتل نفسه علي أثر انكساره في

ص: 110

معركة حصلت بينه وبين التتميش ، وكان قد حكم منذ السنة 602 ( معجم انساب الأسر الحاكمة 602).

وفي السنة 64 حصر الجنود المصريون ، الإفرنج بدمياط ، وحاول الإفرنج التخلص من الحصار بعدة حملات ، وكانت جميعها فاشلة ، فقتل جميع فرسانهم ، إلا فارسين ، فاقتحما النيل بخيلهما فغرقا . وأسر من المحاربين نيف وعشرين ألف آدمي . وقتل سبعة آلاف . ( النجوم الزاهرة 397/9)

وفي السنة 682 تضارب بالقاهرة مؤمن بن عجم العطار ، مع والدته ، وبعد العشاء الآخرة « شنق روحه » ( تاريخ ابن الفرات 261/7 ).

وفي السنة 685 توفي الفقيه أبو الحسن علي بن محمد الأزدي ، وخلف ولدين هما محمد وعبد الله ، وكان محمد مفرطة في السخاء ، لا يليق شيئا ، ولا يخيب قاصدأ ، فتضعضع حاله ، وركبه دين كثير بعد وفاة أبيه ، فراجعه أحد الدائنين ، وأغلظ له في القول ، وكان قاعدأ علي باب داره ، فدخل إلي الدار من فوره ، وعمد إلي حبل فشنق به نفسه ( العقود اللؤلؤية 244/11)

وفي السنة 686 طولب ببغداد نجم الدين كاتب الجريد بالحساب ، ودوشخ، علي بقايا وجبت عليه ، فلما عرف من نفسه العجز عما يطلب منه ، وخشي من العقاب ، قتل نفسه . ( تاريخ العراق للعزاوي 341/1 ) .

وفي السنة 689 انتحر القاضي ناصر الدين محمد بن عبد الرحمن المقدسي المعروف بابن نوح ، شنق نفسه بعمامته ، وكان وكيل بيت المال ، وناظر الأوقاف بدمشق ، فسرق وخان ، فأمر السلطان بالكشف عما أكل ، وإعادته لبيت المال ، فضرب بالمقارع، وحبس ، ثم طلب إلي مصر

ص: 111

فانتحر شنقا . (تاريخ ابن الفرات 92/8 ) و ( الوافي بالوفيات 237/3 - 238 وشذرات الذهب 410/5 و411) .

وفي السنة 703 اشتد حصار السلطان يوسف بن يعقوب المريني لمدينة تلمسان ، وكانت بحكم عثان بن يغمراسن ، من بني عبد الواد ، وضاق عثمان بالحصار ذرعا ، فأنتحر ، بأن وضع سما في قدح من اللبن ، وشربه ، فمات ، تفاديا من معرة غلبة الأعداء ( ابن خلدون 95/7 ) .

وكان قراسنقر ، من الأمراء بمصر ، وحضر قتل الاشرف وشارك فيه ، فلما تسلطن الناصر أخو الاشرف ، خشي قراسنقر علي نفسه، وفر إلي السلطان محمد خدا بنده والد ابي سعيد، سلطان العراق، فأعطاه مدينة مراغة ، وتسمي دمشق الصغيرة ، فلما مات محمد وولي ابنه أبو سعيد، فر منه الأمير الدمر طاش إلي سلطان مصر ، فوقع الإتفاق علي أن يعيد سلطان مصر الدمر طاش ، ويعيد أبو سعيد قراسنقر ، وبعث الملك الناصر برأس الدمر طاش ، فأمر أبو سعيد بحمل قراسنقر لسلطان مصر ، فمص قراسنقر خاتمأ له فيه سم ، فمات ( تاريخ العراق للعزاوي 429/1 ). وكان ذلك في السنة 728.

وفي السنة 721 قبض السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون (ت 741) علي كريم الدين عبد الكريم ، ناظر الخاص ، ووكيل السلطان ، وعظيم دولته ، وصادره ، وأبقاه في الاعتقال أربعين يوما ، ثم أطلقه ، وألزمه بأن يقيم في تربته بالقرافة ، ثم نفاه إلي الشوبك ، ثم نقله إلي القدس ، ثم أحضره إلي القاهرة ، ثم نفاه إلي أسوان ، ووجد هناك مشنوقا بعمامته . ( النجوم الزاهرة 75/9 ).

وفي السنة 731 انتحر بمدينة دمشق شنقا تقي الدين الاشقر محمد بن اسماعيل بن موسي الحسيني الشريف ، وسبب انتحاره أنه ركبته الديون ،

ص: 112

فشنق نفسه ، وعلق في عنقه ورقة بخطه ذكر فيها إلي الحامل له علي ذلك خشيته من ضرب المقارع بسبب أصحاب الديون لأنهم كانوا هددوه بذلك ( الدرر الكامنة 12/4 ).

ولما ولي السلطان محمد بن تغلق ، سلطنة الهند ، بعد موت أبيه ، امتنع الأمير بهاء الدين كشت اسب ، ابن اخت السلطان تغلق ، من بيعته ، فحاربه ، وانكسر الأمير ، والتجأ إلي ملك من ملوك الكفار ، يعرف باسم ( الراي كنبيلة )، والراي بالهندية تعني السلطان ، وهو من أكبر سلاطين الكفار ، فطلبه منه السلطان ، فأبي أن يسلمه لأنه التجأ إليه فحاربه السلطان محمد بن تغلق ، وحاصره، فلما قارب أن يؤخذ ، قال للأمير بهاء الدين : إن الحال قد بلغت ما تراه ، وأنا عازم علي إهلاك نفسي وعيالي ومن يتبعني ، فاذهب أنت إلي السلطان فلان ، وسمي له سلطانة من الكفار ، فأقم عنده ، فإنه سيمنعك ، وبعث معه من أوصله إليه ، وأمر الراي كنبيلة ، بنار فأججت ، وأحرق فيها امتعته ، وقال لنسائه وبناته : إني أريد أن أقتل نفسي ، فمن ارادت موافقتي فلتفعل ، فكانت المرأة منهن، تغتسل، وتدهن بالصندل، وتقبل الأرض بين يديه ، وترمي بنفسها في النار ، حتي هلكن جميعا ، وفعل مثل ذلك نساء امرائه ، ووزرائه، وأرباب دولته، ومن أراد من سائر النساء ، ثم اغتسل الراي ، وادهن بالصندل، ولبس السلاح ما عدا الدرع ، وفعل كفعله من أراد الموت معه من ناسه ، وخرجوا إلي عسكر السلطان، فقاتلوا ، حتي قتلوا جميعا. (مهذب رحلة ابن بطوطة 96/2-97).

ووصف لنا الرحالة ابن بطوطة ، في رحلته ، مراسيم الأحتفال بإحراق النساء الهندوسيات أنفسهن ، إذ ينتحرن لحاقا بأزواجهن ، وبين إن إحراق المرأة نفسها بعد زوجها ، أمر مندوب إليه ، غير واجب ، ولكن من أحرقت نفسها بعد زوجها ، أحرز أهل بيتها شرفا بذلك ، ونسبوا إلي الوفاء ، ومن لم تحرق نفسها ، لبست خشن الثياب ، وأقامت عند أهلها بائسة ممتهنة ، لعدم

ص: 113

وفائها ، ولكن لا تكره علي إحراق نفسها، راجع تفصيل عملية الانتحار بالاحتراق بالنار في هذا الكتاب ، في الباب التاسع عشر و المرأة ، الفصل الخامس عشر د انتحار المرأة .

وذكر ابن بطوطة في رحلته ، 22/2 ، إن الهندوس في الهند، ينتحرون غرقا ، بالقاء أنفسهم في نهر الكنك ، وهو الذي إليه يحجون ، وفيه پرمي برماد من يحرق بدنه منهم ، وهم يقولون إن هذا النهر من الجنة.، وإذا جاء أحدهم ليغرق نفسه ، يقول لمن حضره : لا تظنوا أني أغرق نفسي لأجل شيء من أمور الدنيا ، أو لقلة مال ، وإنما قصدي التقرب إلي كساي ، وكساي ، اسم الله عز وجل بلسانهم ، ثم يغرق نفسه ، فإذا مات ، أخرجوه ، وأحرقوه، ورموا بر ماده في النهر المذكور .

وفي السنة 739 أمر السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون باعتقال النشو ناظر الخاص ، وأفراد عائلته ، وكان أخوه مجد الدين رزق الله بن فضل الله ممن اعتقل، وسجن ببعض الخزائن ، وفي فجر اليوم التالي ، لما قام عنه حارسه ليصلي الصبح ، أخرج من حياصته سكينا ، ووضعها في نحره فقطع أوردته ، ومات ( النجوم الزاهرة 135/9 ) وقد أورد الخبر صاحب الدرر الكامنة 201/2 بتفصيل أوفي إلا إنه ذكر أن انتحار مجد الدين رزق الله بن فضل الله حصل في السنة 740 فذكر أن مجد الدين اعتقل لما اعتقل أخوه ، وأخذه قوصون نائب السلطان ، فأنزله عنده في القلعة ، فاغتنم غفلة من الموكل به ، وأخذ سكينا فنحر بها نفسه، فمات، وكان ذلك في السنة 740 وكان كثيرا ما يقول لأخيه النشو، إن جرت علينا نائبة ، لا يرحمنا أحد المبالغتنا في نصح الملك ، ويشمت بنا الناس ، وأنا - والله - إن وقع ذلك لا امكن أحد من عقوبتي، فكان كذلك .

وذكر ابن بطوطة ، إنه شاهد أحد أتباع سلطان مل جاوة ينتحر أمامه ، إذ رآه وبيده سكين ، قد وضعه علي رقبة نفسه ، وتكلم بكلام كثير لم يفهمه ،

ص: 114

ثم أمسك السكين بيديه معا ، وقطع عنق نفسه ، فوقع رأسه لحدة السكين ، وشدة إمساكه ، بالأرض ، قال فعجبت من شأنه ، وقال لي السلطان : أيفعل هذا أحد عندكم ؟ فقلت له : ما رأيت هذا قط ، فضحك، وقال : هؤلاء عبيدنا، يقتلون أنفسهم في محبتنا، وأمر به فرفع وأحرق . (مهذب رحلة ابن بطوطة 243/2 ).

وفي السنة 752 حاصر صاحب تلمسان، أبو ثابت ، من بني عبد الواد ، علي بن راشد ، من مغراوة ، بمدينة تنس ، ثم اقتحم جيشه المدينة ، فانتحر علي بن راشد ، بأن ذبح نفسه ( ابن خلدون 120/7 ).

وخرج القاضي جلال الدين الأفغاني ، وأتباعه من الأفغانيين ، علي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ( 725- 752)، واستولي علي مدينة كنباية ، وعظم شأنه ، فأراد ثلاثة من كبراء أهل كنباية ، الإمتناع منه ، ومحاربته ، وهم ملك الحكماء ، وشمس الدين ، والناخداه الياس ، ولكن جلال الدين، تغلب عليهم ، ودخل المدينة ، فاختفي الثلاثة في دار ، وخافوا أن يقبض عليهم ، وأن يعذبوا ، فاتفقوا علي أن يقتلوا أنفسهم، وضرب كل واحد منهم صاحبه ، بقتارة ، فمات اثنان ، ولم يمت ملك الحكماء . ( مهذب رحلة ابن بطوطة 2/ 172).

أقول : القتارة : سلاح وصفه الرحالة ابن بطوطة ، في رحلته 163/2 فذكر أنها تشبه سكة الحرث ، يدخل الرجل يده فيها فتكسو ذراعه، ويفضل منها مقدار ذراعين ، وضربتها لا تبقي .

وفي السنة 768 قتل نائب السلطنة يلبغا ، وكان قتله بأيدي مماليكه ، واتهم السلطان الأشرف شعبان، بأن قتله كان بأمره ، وأقيم أسندمر أتابك ، فاتفق معه مماليك يلبغا ، وركبوا علي الأشرف، فحاربهم الأشرف وهزمهم ، وأقيم الأمير الجاي اليوسفي أتابكأ ، وهو زوج أم الأشرف، فاتفق موت أم

ص: 115

الأشرف ، فركب ألجاي اليوسفي علي الأشرف ، فانكسر ألجاي ، فساق حتي رمي نفسه في البحر فغرق ، ومات منتحرا ( الدرر الكامنة 288/2 ).

أقول : أورد صاحب بدائع الزهور 2/1/ 119 إن الأتابكي الجاي ، تحرك في السنة 775 علي الملك الأشرف بالقاهرة، فحاربه السلطان، فانكسر الجاي ، وجاء إلي شاطيء نهر النيل، واقتحمه بفرسه ، فغرقا معأ . وأيد صاحب النجوم الزاهرة129/11 ان الحركة حصلت في السنة 775 وسمي الأتابكي الجاي : الأمير سيف الدين اليوسفي .

وفي السنة 769 انتحر الأمير سيف الدين قنق ، أحد أمراء المماليك بمصر ، إذ كان يحارب مع اليلبغاوية ، فلما انكسروا ساق قنق فرسه الي بركة الحبش ، ونزل بشاطيء البركة ، وبقي يشرب الماء ، ويستفت الرمل، حتي مات . ( النجوم الزاهرة 103/11 ).

وفي السنة 795 كان الأمير منطاش ملتجئ إلي نعير بن حيار، فكبس نائب حلب علي نعير ، وأسر أولاده ونساءه فطلب نعير من السلطان إطلاقهم ، علي أن يسلم إليه منطاشة ، فوافق السلطان ، فبعث اربعة من العبيد لاحضار منطاش ، فذهبوا إليه وأخذوا سيفه ، فاحس بالموضوع وقال : دعوني حتي أبول ، فلما وقف إلي الحائط ، أخرج من وسطه خنجرة ، وشق به بطنه . ( بدائع الزهور 459/2/1 ).

وفي السنة 801 انتحر الفقيه عبد القادر الحنبلي ، بدمشق ، وكان شيخ زاوية الحمصي ، فنسب إليه إنه خرب كثيرة من أوقافها، فطلب منه الحكام كتاب الوقف ، فطلع خلوته في الشيخونية ، ليجيء بكتاب الوقف ، فشنق نفسه في الخلوة ( الضوء اللامع 300/4 ).

وفي السنة 802، حارب محمد بن عمر بن عبد العزيز الهواري ،

ص: 116

بمصر ، الأمير يلبغا الأحمدي ، فلما انكسر يلبغا، نزل الي البحر، فغرق بفرسه . ( بدائع الزهور 589/2/1 ).

وفي السنة 805 خرج ظاهر بن السلطان أحمد بن أوس علي أبيه، وحاربه ، وكسره ، فاستعان الأب بقرا يوسف ، فاعانه ، فانكسر ظاهر ، فاقتحم بفرسه دجلة، وغرق . ( بدائع الزهور 673/2/1).

ولما قبض تيمورلنك ، علي السلطان بايزيد العثماني ، في السنة 800، صنع له قفصة من الحديد، ووضعه فيه ، وصار يدخل به المدن ، ويعجب عليه ، فما أطاق ذلك ، فابتلع فضا من حجر الماس، فمات وهو بالقفص الحديد ( بدائع الزهور 660/2/1).

وفي السنة 873 حاصر السلطان حسن بك المعروف بأوزون حسن ، السلطان حسن علي ، صاحب أذربيجان ، فلما عرف حسن علي أنه مأخوذ ، عمد إلي سكين فذبح بها نفسه ، فمات منتحرة ، وتفصيل ذلك : إن جهان شاه ، لما قتل ، وسمعت امرأته بموته ، تحصنت في قلعة النجق ، وكان فيها جملة خزائن ، فأرسلت جملة منها إلي حسن بك ، أوزون حسن واستعجلته علي القدوم إلي قلعة النجق ، فوقعت الخزائن في يد حسن علي فقتل الرسل ، واستولي عليها ، وحاصر قلعة النجق ، وأغري حراس القلعة بأن يخامروا علي المرأة ، ففتحوا له أبواب القلعة ، وقبض علي امرأة أبيه ، فأخذها حسن علي معه إلي تبريز ، حيث صلبها بثدييها ، فاستمرت في العذاب ثلاثة أيام حتي ماتت ، ولما سمع حسن بك ، بما صنعه حسن علي ، وكان محاصرة بغداد ، ترك حصار بغداد ، وتوجه إلي تبريز ، فحاصرها ، وفي اثناء الحصار فر قائدان من قواد حسن علي الي حسن بك ، والقائدان شاه علي ، وإبراهيم شاه ، فقبض حسن علي علي أولادهما ونسائهما، فقتلهم جميعا ، كما قتل كل من كانت له علاقة بالقائدين ، ثم فر حسن علي من

ص: 117

تبريز إلي همدان ، فاتبعه حسن بك، ففر منه إلي جبل الوند ، فأرسل اليه من حصره هناك ، فلما عرف حسن علي أنه مأخوذ ، أخرج سكينا وذبح نفسه ، فمات ، وكانت مدة حكمه سنة واحدة في التاريخ الغياثي 326- 331) وذكر صاحب التاريخ الغياثي ، أن حسن علي هذا ، خلف أباه جهان شاه في حكم اذربيجان ، ففتح الخزائن ، وبذر الأموال ، وكان من الحماقة بمكان ، ومن جملة حماقاته أنه أمر أن لا تلبس النساء السراويل ، وإن من كان مقرون الحاجبين ، عليه أن يحلق ما بينهما من الشعر ليظهرا مفروقين ، وكان يجمع النساء عاريات، ويجلس بينهن ، ويعمل ما تطيب له نفسه ، ويهتك ما يجب ستره ( أي إنه يمارس الجنس بمحضر منهن )، وكان يأمر البنات بالرقص عاريات ثم يختار واحدة منهن ، وكان يختار من بنات امرائه ، ويتزوج منهن عنوة ، بدون قيود ، ثم يتركهن إلي غيره .

وفي السنة 881 انتحر قانم قشير نائب السلطنة بالإسكندرية ، بأن شنق نفسه ، وذلك لما كثر التشكي منه ، وطلب دراداره للتحقيق ، فانتحر ( الضوء اللامع 200/6 ).

وفي السنة 905 إنتحر زين الدين خطاب بن محمد الكوكبي ، بأن شنق نفسه بخلوته بالضيائية ، وسبب ذلك إنه أحس بضعف، فحسب أنه سيموت ، فأوصي بمبلغ من الذهب له كمية جيدة ، فلما برأ من مرضه ندم علي تصرفه ، وانتحر بأن شنق نفسه ( شذرات الذهب 26/8 -27).

وفي السنة 922 انتحر أبو الفتح محمد بن عبد الرحيم الواعظ المصري ، وكان انتحاره بالسم ، وسبب ذلك إنه تزوج امرأة زويلية ، فافتتن بها ، حتي باع كتبه ، وصرف ثمنها عليها ، ثم خالعها، وندم ، وأراد مراجعتها، فأبت عليه إلا بخمسين دينارا ، فلم يقدر إلا علي ثلاثين ، فبعث بالثلاثين اليها ، وبعث معها سما قات ، وقال : إن لم تقبلي الثلاثين ، وإلا

ص: 118

شربت هذا السم ، فلم تقبل ، فشرب السم، ومات ( شذرات الذهب 118/8)

وفي السنة 1010 انتحر عبد الرحمن بن عتيق الحضرمي ، وزير الشريف حسن أمير مكة ، بأن طعن نفسه بجنبية (خنجر) وهو في سجنه ، وكان عبد الرحمن قد تسلط علي المملكة في عهد الشريف حسن ، وظلم ، وجار ، وصادر ، واعتدي ، فلما توفي الشريف حسن ، وخلفه ولده أبو طالب، أمر باعتقال عبد الرحمن ، فاعتقل، ومكث في حبسه يومين، ثم طعن نفسه بالجنبية ، وشق بطنه فمات ، فألقي في درب جدة في حفرة صغيرة ، بلا غسل، ولا تكفين ، ولا صلاة ، ورمت عليه العامة الحجارة فوارته ( خلاصة الأثر 361/2 - 362).

وفي السنة 1048 حاصر السلطان مراد الرابع العثماني، بغداد، وكان حاكمها الإيراني بكتاش خان ، فاستسلم ، وكتب الي اتباعه بالإستسلام وإخلاء بغداد ، ولكن المعركة استمرت ولم يبق له من جنده البالغ عددهم ثلاثين ألفا إلا ثلثمائة، فانتحر ( تاريخ العراق للعزاوي 210/4 - 232).

وفي السنة 1056 انتحر أبو السعود بن أحمد الدمشقي المعروف بابن الكاتب ، بأن أكل سبعة دراهم من الأفيون ، فمات ولم يفد فيه علاج ، وكان سبب انتحاره أنه فشل في حبه فآثر الموت علي الحياة ( خلاصة الاثر 118/1)

وفي السنة 1079 انتحر الشيخ مصطفي بن سعد الدين الجباوي الدمشقي ، بأن دخل إلي خلوته بالجامع الأموي ، وأقفل بابها ، وخلع ثيابه ، ووضع في عنقه حبلا ، وشنق نفسه ( خلاصة الأثر 375/4 ).

وفي السنة 1110( 1698 م ) هاجم الجيش الهندوسي ( الماهراتا ) في الهند ، بعض ولايات السلطان أورنك زيب عالمگير محي الدين أعظم شاه ،

ص: 119

سلطان الهند ، فحاربهم القائد قاسم خان ، فانكسر جيشه ، وانتحر قاسم خان من أجل هزيمته . ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 161 و162).

وفي السنة 1191 هجم عرب مصر علي الأمير ذي الفقاربك ، وعوه ، فهرب ، فلحقوا به وأردوا قتله ، فألقي بنفسه إلي البحر ( النيل ) بفرسه ، فغرق ، ومات منتحر ( الجبرتي 504/1 ).

وفي السنة 1191 حصلت في حلوان بالقطر المصري ، معركة بين المماليك ، وانكسر أصحاب الأمير مراد بك، ونهب وطاقهم ، فما كان من الأمير محمد بك طبل ، إلا أن أقحم فرسه النهر ( النيل) فغرق ، ومات منتحرة ( الجبرتي 1/ 505 ) .

وفي السنة 1205 (1790 م ) توفي الأمير محمد باشا المجاهد ، صاحب الجزائر ، فخلفه الخزناجي حسن ، فأصبح حسن باشا ، وبعد أن تمت بيعته ، أصدر أمره باعتقال علي أغا، الذي كان يزاحمه في طلب الولاية ، فاعتقل ، وحبس في مطهرة ( حمام أو كنيف ) ثم نقل إلي القلعة ، حيث وجد مذبوحة ، قيل إنه قتل نفسه ، وقيل إن حسن باشا أمر بقتله ( مذكرات الزهار 51 و 52 ).

وفي السنة 1293 اتفق كبار رجال الدولة العثمانية ، وخلعوا السلطان عبد العزيز وبايعوا بدلأ ولي عهده مراد ، فأستخلف باسم السلطان مراد الخامس ، وبعد خلع عبد العزيز بستة أيام ، وجد في غرفته وقد فارقته الحياة ، وإلي جانبه مقراض قرض به شرايين ذراعه ، فمات منتحرة ( اعيان القرن الثالث عشر 115 ). :

وفي السنة 1334 ه- ( 1929 م ) انتحر عبد المحسن السعدون ، رئيس الوزراء في العراق ، إثر جلسة عاصفة في مجلس النواب ، ضايقه فيها بعض النواب ، واتهموه بالإهمال في العمل لما فيه مصلحة العراق ، والتساهل

ص: 120

في حقوق العراق تجاه الحكومة البريطانية التي كانت ذات تأثير قوي في أدارة الأمور بالعراق ، فانزعج ، وارتجل خطبة ، قال فيها : إن الإستقلال يؤخذ ولا يعطي ، وهو لا يؤخذ بالكلام ، وإنما يؤخذ بالحسام ، فأعتبر السفير البريطاني هذا القول ، تحريض علي الثورة ، وأعتبر صدوره في البرلمان ، من رئيس وزراء مسؤول ، خرقا للإتفاقيات المنعقدة بين العراق وبريطانيا ، وعنفه تعنيفة قاسية ، وكان عبد المحسن مرهف الحس ، عظيم الاعتداد بكرامته ، فأنتحر، بأن أطلق الرصاص علي قلبه ، وكنت إذ ذاك كاتبا في المجلس النيابي ، وتلميذا في كلية الحقوق ، وكنت حاضر خطبته الأخيرة في المجلس ، كما كنت من جملة من حضر تشييع جنازته من داره الشاطئية إلي حيث دفن في مقبرة الكيلاني ، وحضرت من بعد ذلك ، حفلة التأبين التي أقيمت له في جامع الكيلاني ، وحضرها عشرات ألوف من الناس .

وفي السنة 1378 (1958 م) انتحر رئيس وزراء العراق ، نوري السعيد، وكان قد آستر لما حصل انقلاب الضباط بزعامة عبد الكريم قاسم ، فلما سمع بمقتل ولده الوحيد ، أراد أن يبارح بغداد ، وبارح مأواه في عباءة وحجاب ، وفي أحد الشوارع ، ظهر من تحت العباءة من ثيابه ، ما دل علي أنه رجل ، فلما حوصر، وأيس من الإفلات ، أطلق علي نفسه الرصاص ، فمات منتحرة . ( اسرار مقتل العائلة المالكة في العراق 141 ).

وآخر من بلغنا خبر انتحاره ، ممن ساهم في حركة 14 تموز 1958 في العراق ، النقيب عبد الستار سبع العبوسي ، الذي قام بمذبحة قصر رحاب ببغداد ، حيث كان أول من وجه رشاشه إلي ساكني القصر أفراد العائلة المالكة ، وكانوا قد جمعوا في زاوية من زوايا حديقة القصر وضم إليهم خدمهم ، فقتلهم بأجمعهم ، وكان فيهم نساء وعجائز وأطفال ، وكان قد نقل إلي البصرة ، وذكر عن كيفية انتحاره إنه دخل إلي داره ، وأوصي أن يعدوا له

ص: 121

الغداء . ثم صعد إلي حجرة في الطابق الثاني ، وأطلق علي نفسه الرصاص، فمات منتحرة . ( أسرار مقتل العائلة المالكة في العراق 126 - 132 و143).

ص: 122

انتحار الحيوان

الإنتحار غير مقصور علي الإنسان وحده ، وإنما شركه فيه الحيوان أيضا ، إذا طغي به الحزن علي فراق إلفه ، وما أكثر ما بلغنا من القصص عن انتحار الخيل حزنا علي فراق أصحابها .

وكان آخر هذه القصص ، ما قرأناه في صحيفة الأهرام ، في السبعينات ، عن حصان انتحر ، حزنا علي وفاة صاحبه البدوي ، وكانت أم الحصان قد ماتت بعد نتاجه بقليل ، فعني به صاحبه عناية عظيمة ، وقضي الحصان مع البدوي أربع سنوات ، ثم سقط البدوي مريضأ ، فكان الحصان يقف خارج خيمة صاحبه ، فلما مات البدوي ودفن ، تسلق الحصان ت ، وأبقي بنفسه إلي وهدة ، فمات .

وذكر محمد بن هارون ، أن أباه اشتري زوج بط ، ثم أخذ الذكر فذبحه ، فجعلت الأنثي تضطرب تحت المكتبة ، حتي كادت أن تقتل نفسها ، فرفع عنها المكبة ، فجاءت إلي حيث ذبح ذكرها ، فلم تزل تضطرب في دمائه حتي ماتت ( مصارع العشاق 291/2 ) .

وحدثني السيد عبد الكريم بن الحاج عبد الحسين الأزري ، وهو سياسي عراقي مثقف ، أنه عندما كان تلميذا يطلب العلم في إحدي جامعات لندن ، كان قد اقتني كلبة ، فألفته ، ولما أراد العودة إلي بغداد ، بعد انتهاء

ص: 123

دراسته ، بعث بالكلية إلي المستشفي لقتلها ، فتعجبت من قوله وسألته عن السبب الذي دفعه إلي إسلامها للقتل ، فقال : إن هذا الجنس من الكلاب ، بألف صاحبه إلفة شديدة ، بحيث أنه أذا فارقه انقطع عن الطعام ، حتي يموت جوعا وحزنا ، فيكون تعجيل الأطباء بقتله رحمة له .

وذكر بعض أصحاب المعرفة بطبائع احيوان ، إن أجناس من الطيور ، تموت من الحزن ، إذا فقدت إلفها .

وكان للربيع بن بدر كلب قد رباه ، فلما مات الربيع ، ودفن ، جعل الكلب يتضرب علي قبره حتي مات .

وكان لعامر بن عنترة كلاب صيد وماشية ، وكان يحسن صحبتها ، فلما مات عامر ، لزمت الكلاب قبره حتي ماتت عنده ، وتفرق عنه الأهل والأقارب ( فضل الكلاب علي من لبس الثياب 10).

وروي الراوون قصة كلب انتحر من أجل سلامة صاحبه ، فقد ذكروا أن ملك من ملوك أرمينية ، كان له كلب رباه ، وكان لا يفارقه حيث كان ، وإذا كان وقت طعامه ، أطعم الكلب مما يأكل ، وخرج يوما إلي بعض متنزهاته ، وأوصي أن يكون ضمن ما يطعمه في ذلك اليوم ثريدة لبن ، وصنع الطباخ الثريدة ، واشتغل عنها ، فجاء أفعي ، وكرع من اللبن ، ومج في الثريدة من سمه ، والكلب رابض لا يقدر علي رده ، إذ لا حيلة للكلب في الأفعي ولا في الحية ، فلما قدم الملك ، كانت الثريدة أول ما قدم إليه ، ولمامد الملك يده إليها ، نبح الكلب ، فلم يفهم الملك عنه شيئا ، ورمي إليه من الثريدة شيئا ، فلم يقربه ، وألح الكلب في نباحه ، فضجر منه الملك ، وأمر بتنحيته ، فوثب الكلب إلي وسط المائدة ، وكرع من اللبن ، فسقط ميتأ، وعندئذ أدرك الملك أن كلبه قتل نفسه ، في سبيل سلامته ( فضل الكلاب علي من لبس الثياب 16 - 18 ).

ص: 124

وسواء كانت القصة حقيقية أو مصنوعة ، فإن الكلب معروف بالوفاء والإخلاص ، ولذلك قال الشاعر البدوي ، في مدح أحد خلفاء بني العباس :

أنت كالكلب في حفاظك للود****وكالتيس في قراع الخطوب

وذكر صاحب المنتظم 280/8 أنه كانت للفقيه الإمام أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري (376-465) فرس ، ركبها عشرين سنة ، ولم يركب غيرها ، فلما توفي ، عافت العلف بعد وفاته ، وتلفت بعد أسبوع .

ص: 125

ص: 126

الباب الثامن عشر: المثلة

اشارة

المثلة : بفتح الميم وضمها وسكون الثاء ، في اللغة : التنكيل وفي الاصطلاح: التشويه، بقطع الأطراف، أو سمل العين، أو جدع الأنف، أو صلم الأذن ، أو جب الذكر ، وما أشبه ذلك ، وإنما سميت مثلة ، لأنها تنزل بالإنسان فتجعله مثالا يرتدع به غيره .

والمثلة محرمة في جميع الشرائع والقوانين ، وقد نهي النبي صلوات الله عليه ، عنها في مواطن عدة ، وكان إذا بعث سرية لقتال ، أوصاهم ، فقال : لا تمثلوا ، ولا تغدروا ، ولا تقتلوا وليدة ( العقد الفريد 128/1 ).

وكان أبو بكر الصديق ، يكرر الوصية علي أمراء جيوشه : أن لا يمثلوا ، ولا يخونوا ، ولا يغلوا ، ولا يغدروا ، ولا يقتلوا طفلا صغيرة ، ولا شيخا كبيرة ، ولا امرأة ، ولا راهب ( الطبري 227/3 ).

وجيء اليه مرة ، برأس بنان ، بطريق الشام ، فأنكر ذلك ، وقال : أيستنون بفارس والروم ، لا يحمل إلي رأس ، وإنما يكتفي بالكتاب والخبر ( تاريخ الخلفاء 99).

وبلغ أبا بكر أن عامله علي اليمامة ، عاقب مغنية غنت بهجو المسلمين ، بقطع يدها، وقلع ثنيتها ، فكتب إليه : إن كانت ممن يدعي الاسلام ، كان عليك أن تؤدبها بأدب وتعزير دون المثلة، وإن كانت ذمية ،

ص: 127

فلعمري أن ما صفحت عنه من الشرك ، أعظم ، وإياك والمثلة في الناس ، فإنها مأثم ومنفرة ، إلا في قصاص ( تاريخ الخلفاء 97 ).

ومن وصية الفاروق عمر لسلمة بن قيس الأشجعي ، لما أمره علي جيش : لا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا ( الطبري 187/4)

وكان أمير المؤمنين علي ، يأمر قواده في كل موطن يلقون فيه عدوا ، فيقول : لا تقاتلوا القوم حتي يبدءوكم ، فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرة ، ولا تجهزوا علي جريح ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل ، فإذا وصلتم إلي رحال القوم ، فلا تهتكوا سترة ، ولا تدخلوا دارة إلا بإذن ، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذي ، وإن شتمن أعراضكم، وسببن أمراءكم وصلحاءكم ( الطبري 10/5 و11 ).

ولما جرح الإمام علي ، أوصي ولده الحسن ، وقال في آخر وصيته : واما عبد الرحمن - أي الذي قتله - فإن عشت فسأري فيه رأيي ، وإن مت ، فضربة بضربة ، ولا يمثلن به أحد، فإني سمعت رسول الله ينهي عن المثلة ، ولو بالكلب العقور .

وكان النبي صلوات الله عليه ، ينهي عن التحريش بين البهائم ( البصائر والذخائر 257/1 ) وينهي عن اتخاذ شيء فيه الروح غرضا .

وكان من جملة الوصايا التي أوصي بها الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، عبد الرحمن بن نعيم ، عامله علي خراسان : لا تجر الشاة إلي مذبحها ، ولا تحد الشفرة علي رأس الذبيحة ( الطبري 572/6).

وأورد الجاحظ في كتابه « البخلاء » بحث عمن يحتال للمثلة ببدنه ، ويتخذ من المثلة ببدنه ، أو ببدن ولده الطفل، وسيلة للحصول علي المال ، قال :

ص: 128

ومنهم من يحتال للصبي حين يولد، بأن يعميه ، أو يجعله أعشم ، أو أعضد ، ليسأل الناس به أهله ، وربما جاءت به أمه وأبوه ، ليتولي ذلك منه بالغرم الثقيل ، لأنه يصير حينئذ عقدة وغلة ، فأما أن يكتسبا به ، وإما أن يكرياه بكراء معلوم ، وربما أكريا أولادهم ممن يمضي إلي إفريقية ، فيسأل بهم الطريق أجمع ، بالمال العظيم ، فإن كان ثقة مليئة ، وإلا أقام بالأولاد والأجرة كفي؟ ( البخلاء 49 و50).

وقد قرأت ، وسمعت ، أحاديث كثيرة ، عن أشخاص يحتالون ، فيزمنون أنفسهم ، بقطع أصابعهم ، أو إتلاف إحدي العينين ، بقصد التخلص من الخدمة العسكرية ، وكان ذلك يحصل في عهد حكم العثمانيين للبلدان العربية ، لأن الذي كان يجند في ذلك الحين ، مصيره - في الغالب - الموت بعد معاناة أشد ألوان العذاب من الجوع والمرض وتقلبات الطقس من حر وبرد ، وكان البعض منهم يحتال علي الهيأة الفاحصة بأدعاء الصمم ، وفطن أعضاء الهيأة لهذه الحيلة ، فإذا قدم عليهم المتصامم ، وجهوا إليه أسئلة ، فيتظاهر بأنه لا يسمع ، فيشيرون إليه بأن يخرج متظاهرين أمامه بأنهم صدقوا ادعاءه ، فإذا التفت ليخرج ، رموا علي حين فجأة ريالا مجيديا علي الأرض ، فيلتفت المتصامم بحركة عكسية ، وينكشف كذبه في ادعائه .

ويشتمل هذا الباب من المثلة ، علي ثلاثة فصول :

الفصل الأول : ألوان من المثلة .

الفصل الثاني : المثلة بسحب الجثة .

الفصل الثالث : المثلة بصلب الجثة .

ص: 129

ص: 130

الفصل الأول: ألوان من المثلة

وأول مثلة ، حصلت في الإسلام ، جرت في موقعة أحد، فإن هند، أم معاوية ، والنسوة اللواتي معها ، مثلن بالقتلي من المسلمين ، فجدعن أنوفهم ، وصلمن آذانهم ، واتخذت هند منها خدمة وقلائد ، وبقرت هند بطن حمزة ، عم النبي صلوات الله عليه ، وأخرجت كبده ، فلاكتها ، ثم لفظتها ( الاغاني 197/15 ).

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 271/4 و 12/15 : لما قتل حمزة عم النبي صلوات الله عليه ، جاءت إليه هند بنت عتبة ، أم معاوية بن أبي سفيان ، فمثلت به ، قطعت مذاكيره ، وجدعت أنفه ، وقطعت أذنيه ، ثم جعلت ذلك مسكتين ( سوارين ) ومعضدين ( دملجين ) وخدمتين ( خلخالين ) حتي قدمت بذلك مكة ، وأمرت نساء قريش ممن كن معها بالمثلة وبجدع أنوف وآذان من قتل من المسلمين في موقعة أحد ، فلم تبق آمرأة ، إلا وعليها معضدان ومسكتان وخدمتان .

أقول : وبذلك سميت هند ، آكلة الأكباد ، وكانت تعير بذلك ، ويعير به ابنها معاوية ، يقال له : ابن آكلة الأكباد ، راجع في هذا الكتاب ، الباب الأول والشتيمة ، الفصل الثالث و المعايرة » القسم الخامس «المعايرة بالأبوين» الفقرة ب « المعايرة بالام ،.

ص: 131

أقول : ولما كان الشيء بالشيء يذكر ، فقد روي ثمامة بن أشرس أنه رأي قاصا يحدث الناس بمقتل حمزة ، فقال : ولما بقرت هند عن كبد حمزة ، استخرجتها ، ولاكتها، ولم تزدردها، فقال النبي صلوات الله عليه : لو از دردتها ما مستها النار ، ثم رفع القاض يديه إلي السماء ، وقال : اللهم أطعمنا من كبد حمزة . ( العقد الفريد 156/6 ).

والظاهر إن معاوية بن أبي سفيان ، ورث عن والدته هذه الخصلة ، وهي الرغبة في المثلة ، بحيث اضطر عبد الله بن عامر بن كريز ، إلي أن يلقي عمامته علي جثة صديق له ، من أصحاب علي ، قتل في إحدي معارك صفين ، حماية له من أن يمثل به ، وذلك الصديق ، هو عبد الله بن بديل ، وكان قد هجم يضرب الناس بسيفه ، يريد معاوية ، وصمد نحوه ، فلما اقترب منه ، نادي معاوية أصحابه ، ويلكم ، الصخر والحجارة ، إذ عجزتم عن السلاح ، فرضخه الناس بالصخر والحجارة ، حتي اثخنوه ، فسقط ، فقتلوه ، فجاء معاوية وعبد الله بن عامر ، فوقفا عليه ، فألقي عبد الله بن عامر عمامته علي وجه عبد الله ، وترحم عليه ، وكان له أخأ صديقأ من قبل ، فقال معاوية : اكشفوا عن وجهه ، فقال عبد الله : لا والله ، لا يمثل به وفي روح ، فقال معاوية : اكشف عن وجهه ، فإنا لا نمثل به ، قد وهبناه لك ( شرح نهج البلاغة 196/5 و197).

ومن المثلة قطع الرأس وحمله من موضع إلي موضع ، وأول رأس حمل في الاسلام ، رأس بنان الرومي ، بطريق الشام ، كان قائد الجيش الرومي الذي حارب المسلمين ، وقتل بنان في المعركة ، فقطع رأسه ، وحمل إلي أبي بكر الصديق ، فغضب ، وقال : أيستنون بفارس والروم ؟ لا يحمل إلي رأس ، وإنما يكتفي بالكتاب والخبر .

أما أول رأس حمل في الإسلام لرجل مسلم ، فهو رأس محمد بن أبي بكر الصديق ، أمير مصر ، قتله معاوية بن حديج بالاتفاق مع عمرو بن

ص: 132

العاص ، وحمل رأسه إلي معاوية بن أبي سفيان بدمشق .

وقد وصف المؤرخون كيفية قتله قالوا : في السنة 38 قتل محمد بن أبي بكر الصديق ، عامل الإمام علي علي مصر ، قتله معاوية بن حديج ، من أصحاب معاوية بن أبي سفيان ، أسره وقد كاد يموت عطشا ، فطلب محمد أن يسقي ماء ، فأبي عليه معاوية ، وقال له : لا سقاني الله إن سقيتك قطرة أبدأ، حتي تسقي من الحميم والغساق ، أتدري ما أصنع بك ؟ أدخلك جوف حمار ثم أحرقك بالنار ، ثم قتله ، ووضعه في جيفة حمار ، ثم أحرقه ، وذكر بعض المؤرخين أن محمدا كان ما يزال حيا عندما أحرق في جوف الحمار ، وبعث معاوية بن حديج سليم مولاه ، بشيرأ بقتل محمد بن أبي بكر الي المدينة ، ومعه قميص محمد ، فدخل به دار عثمان ، فاجتمع آل عثمان من الرجال والنساء ، وأظهروا السرور بقتله ، وأمرت « أم المؤمنين » أم حبيبة بنت أبي سفيان ، بكبش فشوي ، وبعثت به إلي أم المؤمنين عائشة ، تقول لها : هكذا شوي أخوك ، فجزعت عائشة علي أخيها محمد جزعا شديدا ، وقنتت في دبر الصلاة ، تدعو علي معاوية وعمرو بن العاص ، وأخذت عيال محمد إليها ، ولم تأكل منذ ذلك الوقت شواء حتي توفيت ، ولما بلغ السيدة أسماء ، أم محمد، خبر قتل أبنها، وإنه أحرق بالنار ، قامت الي مسجدها تصلي ، وكظمت غيظها ، حتي شخب ثديها دما ، ولما بلغ معاوية خبر قتل محمد ، أظهر الفرح والسرور ، وبلغ عليا قتل محمد وسرور معاوية ، فقال : جزعنا عليه علي قدر سرورهم ، وما جزعت علي هالك منذ دخلت هذه الحروب ، جزعي عليه ، كان لي ربيبة ، وكنت أعده ولدأ ، وكان بي برأ ، وكان ابن أخي ، فعلي مثله نحزن ، وعند الله نحتسبه ، ولما وافي معاوية بن حديج المدينة ، قامت إليه نأئلة امرأة عثمان ، وقبلت رجلة ، وقالت له : بك أدركت ثاري من أبن الخثعمية ، تعني محمد بن أبي بكر ( مروج الذهب 406/1 والولاة للكندي 30 و 31 وابن الأثير 357/3)

ص: 133

ولما قتل عبيد الله بن زياد ، عامل الكوفة ليزيد بن معاوية ، مسلم بن عقيل ، في السنة 61 أمر بجثته فصلبت ، وأمر برأسه فقطع ، وبعث به إلي دمشق ، فكان أول قتيل صلبت جثته من بني هاشم ، وأول رأس حمل من رؤوسهم إلي دمشق ( مروج الذهب 46/2 ) .

ومن أشد ألوان المثلة إيلاما ، ما قام به قتله الحسين عليه السلام ، في وقعة الطف ، إذ أوطؤا الخيل صدره وظهره ، ثم قطعوا رأسه ورؤوس أصحابه ، ونصبوها علي رؤوس الرماح ، إلي الكوفة ، ثم إلي دمشق ، وحمل معها نساء الحسين وبناته وأطفاله ، وتفصيل ذلك : إن الحسين لما ورد الطف ، في أثنين وسبعين رجلا ، سير إليه عبيد الله بن زياد عمر بن سعد في أربعة آلاف ، وكتب إليه : إذا قتلت حسينا فأوطيء الخيل صدره وظهره ، فلما قتل الحسين وأصحابه ، انتدب عمر بن سعد منهم عشرة ، فداسوا بالخيل بدن الحسين ، حتي رضوا صدره وظهره ، وقطعت رؤوس القتلي ، وسلبوا ما كان عليهم من الثياب ، وتركت جثهم عارية ، ومالوا علي ثقل الحسين ، ومتاعه ، فنهبوه ، ومالوا علي النساء ، وكانت المرأة منهم تنازع ثوبها عن ظهرها ، حتي تغلب عليه ، فيذهب به منها ، وبعث عمر بن سعد برأس الحسين إلي ابن زياد من ساعته ، وأقام بعد المذبحة يومين ، ثم ارتحل إلي الكوفة ومعه رؤوس القتلي علي أطراف الرماح ، وحمل معه بنات الحسين وأخواته ، ومن كان معه من الصبيان ، فاجتازوا بهن علي الحسين وأصحابه صرعي ، فصاح النساء ، ولطمن خدودهن ، ثم أدخلوا الرؤوس ومعها النساء والأطفال علي ابن زياد ، فأبدي ابن زياد للنساء والأطفال من التشفي والشماتة ، ما لم يكن عجيبأ من أصله الدنس ، وطينته الخبيثة ، فإنه خاطب النساء والأطفال بقوله : الحمد لله الذي فضحكم ، وقتلكم ، وأكذب أحدوثتكم ، ثم وجه كلامه إلي حدي الفتيات ، فقال لها : كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ؟ قد شفي الله نفسي من طاغيتك ، والعصاة المردة من أهل بيتك ، فبكت الفتاة ،

ص: 134

وقالت له : لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبرت أهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثت أصلي ، فإن يشفك هذا فقد اشتفيت ، ونصب عبيد الله بن زياد ، رأس الحسين بالكوفة ، وداروا به فيها ، ثم سرح رأس الحسين ، ورؤوس أصحابه ، مع نساء الحسين وبناته وأطفاله ألي يزيد بن معاوية بدمشق ، للتفصيل راجع الطبري 400/5-470 وابن الأثير 46/4 - 94 واليعقوبي 243/2 - 246 الاخبار الطوال 231 - 261 ومروج الذهب 41/2 - 47.

ولما قتل الحسين عليه السلام ، صعد عبيد الله بن زياد المنبر ، وقال : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه ، وقتل الكذاب بن الكذاب ، الحسين بن علي وشيعته ، فلم يفرغ من مقاله ، حتي وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ، فقال له : يا ابن مرجانة ، إن الكذاب بن الكذاب هو أنت وأبوك ، والذي ولاك وأبوه ، فقال عبد الله بن زياد علي به ، فوثب فتية من الأزد ، فانتزعوه من الشرط ، وأخذوه إلي أهله ، فأرسل عبيد الله إليه من أتاه به ، فقتله ، وصلبه في السبخة ( الطبري 458/5 و459).

ولما هلك يزيد بن معاوية ، خاف عبيدالله بن زياد علي نفسه بالبصرة ، فاستجار بمسعود بن عمرو الأزدي ، فأجاره ، وأشخص معه من أوصله إلي مأمنه في الشام ، فلما خرج عبيدالله من البصرة ، استخلف عليها ، مسعود بن عمرو الأزدي ، فخرج إلي القصر فدخله ، فأبت عليه تميم ، فقال مسعود : استخلفني عبيد الله ولا أدع ذلك أبدأ ، وصعد المنبر ، فدخلت المسجد عصابة فقتلت مسعود حسبته عبيدالله ، ومثلت به ، فاتهمت الأزد بني تميم ، واتهمت تميم الخوارج ، وأبت الأزد إلا أن يودي مسعود عشر ديات ، فتحملت تميم منها واحدة ، وتحمل الوسطاء التسع الباقيات ، وكان إصرار الأزد علي عشر ديات ، لأنهم وجدوا في مسعود مثلة . ( أنساب الأشراب 2/4/ 98).

ص: 135

ولما قتل عبيد الله بن زياد ، إنصرف عمير بن الحباب السلمي ، وأخذ يغير علي كلب ، فأمرت كلب حميد بن حريث بن بحدل ، فلحق قوما من قيس ، كانوا مع عمير فقتلهم ، وقطع آذانهم ، ونظمها في خيط ، ومضي بها إلي الشام . ( أنساب الاشراف 308/5 و 309).

وفي السنة 66 وقعت بالبصرة معركة بين أنصار المختار الثقفي ، وأنصار ابن الزبير ، فأصيب في المعركة سويد بن رئاب ، وعقبة بن عشيرة الشي ، قتله رجل من تميم ، وقتل التميمي ، فولغ أخو عقبة في دم التميمي وقال : ثأري ( الطبري 68/6 ).

وكان خولي بن يزيد الاصبحي ، القادم برأس الحسين بعد قتله ، فبعث إليه المختار قائدين من قواده لإحضاره ، فاختبأ في مخرجه ( الكنيف )، فطلبوه ، فخرجت إليهم امرأته ، فقالوا لها : أين زوجك ؟ فقالت : لا أدري ، وأشارت بيدها إلي المخرج ، فدخلوا عليه ، فوجدوا علي رأسه قوصرة ، فأخرجوه ، وأقبل المختار حين بلغه أخذه ، فقتله إلي جانب منزله ، ثم أمر به فأحرق ، فلم يبرح حتي صار رمادا ( انساب الاشراف 238/5)

وفي السنة 67 لما انتصر مصعب بن الزبير ، بالكوفة ، وقتل المختارين أبي عبيد الثقفي ، أمر بكف المختار فقطعت ، ثم سمرت بمسمار من حديد الي جنب المسجد ، فما زالت هناك ، حتي جاء الحجاج بن يوسف الثقفي أميرة علي العراق ، ونظر إليها ، فقال : ما هذه ؟ قالوا : كفت المختار ، فأمر بنزعها ( الطبري 93/6 - 110).

وأمر مصعب ، فأحتر رأس المختار ، ووجه به إلي عبد الله بن الزبير ، فوافي حامله مكة بعد العشاء الآخرة ، فأتي المسجد ، وعبد الله يصلي ، فجلس الرسول ينتظره ، فلم يزل يصلي إلي وقت السحر، ثم انفتل من

ص: 136

صلاته ، فدنا منه ، وناوله كتاب الفتح ، فقرأه ثم نادي غلامه ، وقال له : أمسكه معك ، فقال له الرسول: يا أمير المؤمنين ، هذا الرأس معي ، قال : فما تريد ؟ قال : جائزتي ، قال : خذ الرأس الذي جئت به جائزتك ، فانصرف الرسول خائبة ( الاخبار الطوال 308) .

وفي السنة 67 في المعركة بين البصريين بقيادة المصعب ، والكوفيين بقيادة قواد المختار ، قال معاوية بن قرة ، قاضي البصرة: انتهيت إلي رجل من جند المختار ، فأدخلت سنان الرمح في عينيه ، فأخذت أخضخض عينه بسنان الرمح ، فإن هؤلاء كانوا عندنا ، أحل دماء من الترك والديلم ( الطبري 97/6)

وفي السنة 72 كتب عبد الملك بن مروان ، لعبد الله بن خازم ، أمير خراسان لابن الزبير ، وعرض عليه إمارة خراسان سبع سنين ، إن بايعه وترك ابن الزبير ، فأبي ، فكتب عبد الملك إلي بكيرين وشاح أمير مرو، يعرض عليه إمارة خراسان ، ويحرضه علي الخروج علي ابن خازم ، فخلع بكير ابن الزبير ، ودعا إلي عبد الملك ، فأقبل إليه ابن خازم ، إلي مرو، وجرت بينها معركة ، فقتل ابن خازم ، وحمل علي بغل ، وقد شدوا في مذاكيره حبلا وحجرة ، وعدلوه به علي البغل ( الطبري 176/6 و 177).

ولما قتل المصعب بن الزبير ، بعث عبد الملك برأسه إلي الكوفة ، ثم بعث به إلي عبد العزيز بن مروان بمصر ، فترحم عليه ، ورده إلي الشام ، فنصب بدمشق ، وأرادوا أن يطوفوا به في نواحي الشام ، فأخذته عاتكة بنت يزيد بن معاوية ، زوجة عبد الملك ، أم ولده يزيد، وغسلته ، وطيبته ، ودفنته ، وقالت : أما رضيتم بأن صنعتم ما صنعتم ، حتي تطوفوا به ، وتنصبوه في المدن ، هذا بغي . ( انساب الاشراف 30/5 و351) .

ولما قتل عبد الله بن الزبير ، في المعركة ، في السنة 73 ، تصرف

ص: 137

الحجاج بن يوسف الثقفي ، تصرف بادي الخزاية ، فقد جاء إلي مسجد الكعبة ، وبرك علي جثة عبد الله ، وقطع عنقه بيده ، فقد جبن عن مواجهته حيا ، فبادر باحتزاز رأسه ميتا . ( العقد الفريد 418/4 ) .

ولما قتل عبد الله بن الزبير في المعركة، وقتل معه جمع من انصاره منهم عبد الله بن صفوان ، بعث الحجاج برؤوسهم إلي المدينة ، فنصبوها للناس ، فجعلوا يقربون رأس ابن صفوان، إلي رأس ابن الزبير ، كأنه يساره ، ويلعبون بذلك . (العقد الفريد 416/4 ) .

ولما قاتل المهلب بن أبي صفرة ، الخوارج ، في يوم ستي وستبري ، وقتل رأس الخوارج عبيد الله بن بشير بن الماحوز ، أمر المهلب برأس ابن الماحوز فقطع ، ووجه بالرأس أحد الأزد إلي الحارث بن عبد الله ، عامل البصرة لابن الزبير ، فلما وصل الأزدي حامل الرأس ، إلي كربج ( موضع قرب سوق الأهواز ) لقيه أخوة عبيد الله ، وهم حبيب وعبد الملك وعلي ، بنو بشير بن الماحوز ، فقالوا له ما الخبر ؟ فقال لهم - وهو لا يعرفهم - قتل الله ابن الماحوز المارق ، وهذا رأسه معي ، فوثبوا عليه ، فقتلوه ، وأخذوا رأس أخيهم فدفنوه ( شرح نهج البلاغة 158/4 و 159 ) .

وفي السنة 96 أراد قتيبة بن مسلم ، أمير حرسان وما وراء النهر ، أن يخلع سليمان بن عبدالملك ، فلم يجبه جنده إلي ذلك ، وحاربوه ، فقتلوه ، وقتلوا معه أحد عشر رجلا من بني مسلم ، منهم سبعة لصلب مسلم ، وأربعة من بني أبنائهم ، فأخذهم وكيع بن أبي سود وصلبهم ، وقطع رؤوسهم ، وحملها إلي دمشق ، فعرضت الرؤوس علي سليمان بن عبد الملك فأمر بدفنها ( الطبري 518/6 و 519 ).

ولما حارب نصر بن سيار ، أمير خراسان ، جديع بن علي الكرماني الأزدي ، وقتل جديع في المعركة ، أخذه نصر وصلبه، وصلبه إلي جانبه سمكة ( الطبري 370/7 ) .

ص: 138

وفي السنة 121 قتل نصر بن سيار ، كور صول سلطان الترك ، جاء أتباعه بأبنيته فأحرقوها ، وقطعوا آذانهم ، وخددوا وجوههم ، وطفقوا يبكون عليه ، فلما أمسي نصر ، وأراد الرحلة ، بعث إلي جثة كوصول بقارورة نفط ، وأشعل فيها النار ، لئلا يحملوا عظامه ، وكان ذلك أشد عليهم من قتله ( الطبري 175/5 ) .

وفي السنة 121 سار نصر بن سيار ، عامل خراسان ، إلي الشاش ، فأغار عليه الأخرم ، وهو فارس الترك ، فقتله المسلمون ، وأسروا سبعة من أصحابه ، فأمر نصر بن سيار ، فرمي رأس الأخرم بالمنجنيق ، إلي معسكر الترك ، فلما رأوه ضجوا ضجة عظيمة ، ثم ارتحلوا منهزمين ( الطبري 175/7)

وفي السنة 121 قتل عبد الملك بن قطن الفهري ، زياد بن عمرو اللخمي ، ومثل به بأن صلبه وصلب معه خنزيرة ، وفي السنة 123 قتل عبد الملك بن قطن ، وصلب وصلبوا معه علي يمينه خنزير وعلي يساره كلبأ ( نفح الطيب 19/1 - 20).

أقول : ولي عبد الملك بن قطن الفهري الأندلس في السنة 114 وكان ظالمة جائرة ، وعزل في السنة 119 بعقبة بن الحجاج، ثم وثب عبد الملك بعقبة في السنة 121 فخلعه واستقر موضعه ، ولما هاج البربر بإفريقية ، وانتصروا علي الجند الأموي ، التجأ عامل إفريقية كلثوم بن عمرو القشيري ومعه جنده ، إلي مدينة سبتة ، فحصره البربر فيها حصرا شديدا ، حتي أكلوا الكلاب والجلود ، فاستغاثوا بإخوانهم من عرب الأندلس ، فتناقل عنهم عامل الأندلس عبد الملك ، لخوفه علي سلطانه منهم ، فأشفق عليهم زياد بن عمرو اللخمي وأرسل اليهم مركبين مشحونين ميرة، فأمسكت الميرة أرماقهم ، فلما بلغ عبد الملك ما صنعه زياد ، أحضره ، وضربه سبعمائة سوط ، وسمل عينيه، ثم قتله ، وصلبه ، وصلب معه كلبأ ، واتفق أن بربر الأندلس، لما

ص: 139

بلغهم انتصار بربر إفريقية ، انتفضوا علي العرب بالأندلس ، ونصبوا لهم إمامة ، وحاربوا ابن قطن ، فلما أحس ابن قطن بقوة البربر ، وخاف أن يلقي منهم ما لقي جند افريقية ، راسل الجند العرب المحصورين بسبتة ، واستعان بهم علي البربر في الأندلس ، وكان كلثوم عامل إفريقية ، قد مات ، فسارع بلج بن بشر القشيري، قائد الجند ، وسار بجنده لمعونة عبد الملك ، فلما وافوه أحسن إليهم ، وشرط عليهم أن يحاربوا البربر ، فإذا فرغوا من حربهم ، بارحوا الأندلس ، فأجابوه ، وعاهدوه علي ذلك ، وكان البربر في جموع عظيمة ، فقارعوهم ، وظفروا بالبربر ، واستأصلوهم ، وعادوا بغنائم عظيمة ، ولما طالبهم ابن قطن بالخروج من الأندلس ، تعللوا عليه ، وذكروه بما صنع بهم ، لما كانوا محصورين بسبتة ، وبما صنعه بالرجل الذي اغائهم ، وانحاز إليهم جيش عبد الملك بن قطن ، فأخرجوا عبد الملك وهو شيخ كبير في التسعين ، كأن فرخ نعامة ، فقتلوه وصلبوه في السنة 123 علي رأس القنطرة ، بقرطبة ، وصلبوا عن يمينه خنزير، وعن يساره كلبأ ( نفح الطيب 22 -19/1)

وفي السنة 122 مثل يوسف بن عمر الثقفي ، عامل العراق للأمويين، بجثة الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين ، فقطع رأسه ، وصلب بدنه بالكناسة ، بالكوفة ، وكان هشام بن عبد الملك ، بعث زيدة إلي الكوفة ، فاجتمع الشيعة اليه ، وبايعه منهم أربعون ألفا ، وقالوا له : نحن نضرب عنك بأسيافنا ، وحلفوا له الأيمان المغلظة ، وجاء إليه مسلمة بن كهيل ، فقال الزيد : أنشدك الله ، كم بايعك ؟ قال : أربعون ألفأ، قال : فكم بايع جدك ؟ قال : ثمانون ألفا ، قال : فكم بقي معه ؟ قال : ثلثمائة ، قال : نشدتك الله أنت خير أم جدك ؟ قال : جدي ، قال : فهذا القرن خير أم ذلك القرن ؟ قال : ذلك القرن، قال : أفتطمع أن يفي لك هؤلاء ، وقد غدر أولئك بجدك ؟ وكتب اليه عبدالله بن الحسن بن الحسن ، يصده عن الخروج ، فلم يصغ إليه ، وأمر أصحابه بالإستعداد ، وألح يوسف بن عمر ، عامل العراق ،

ص: 140

في البحث عنه ، فخاف أن يؤخد ، وتعجل في خروجه ، فلما خرج كان مجموع من وافاه مائتين وثمانية عشر رجلا ، واشتبك مع جند الشام في عدة معارك ، في داخل الكوفة ، كان الظفر فيها له ، وحمل نابل بن فروة العبسي ، من أهل الشام ، علي نصر بن خزيمة ، من اصحاب زيد ، فضربه بالسيف فقطع فخذه ، وضربه نصر فقتله ، ولم يلبث نصر أن مات ، وحمي الوطيس فقاتل معاوية بن إسحاق الأنصاري ، بين يدي زيد قتالا شديدا حتي قتل ، ثم رمي زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسري ، فثبت في دماغه ، فأحضروا له طبيبة ، فانتزع النصل ، فلما نزع منه النصل مات، فدفنه أصحابه في نهر يعقوب ، سكر أصحابه الماء ، ودفنوه، ثم أجروا الماء ، فدل يوسف علي قبره ، فاستخرجه ، وقطع رأسه ، وصلب بدنه بالكناسة ، هو ونصر بن خزيمة ومعاوية بن إسحاق وزياد النهدي، وبعث الرأس الي هشام ، فعلق علي باب دمشق ، ثم أرسل إلي المدينة ، وبقي البدن مصلوبة ، إلي أن مات هشام ، وولي الوليد بن يزيد ، فأمر به فانزل وأحرق ( ابن الأثير 229/5 ۔ 247)

ولما قتل الوليد بن يزيد في السنة 126 ، أقبل أبو الأسد، مولي خالد القسري ، فسلخ من جلد الوليد قدر الكف ، وأخذها إلي يزيد بن خالد القسري ، وكان يزيد محبوسا في عسكر الوليد ( الطبري 250/7 ).

ولما قتل الوليد ، احضر رأسه إلي خلفه ابن عمه ، يزيد بن الوليد ، فأمر بأن ينصب الرأس علي رمح ، وطافوا به في مدينة دمشق ، وأدخلوه في دار أبيه ، فصاح النساء وأهل البلد ، ثم ردوه إلي يزيد ( الطبري 251/7 والعيون والحدائق 144/3 ).

ونبش عبدالله بن علي العباسي ، عم السفاح والمنصور ، قبور الموتي من بني أمية ، وقد وردت أخبار نبش هذه القبور في عدة كتب ، فجمعتها، ووحدتها ، وقد نبش قبر معاوية بن أبي سفيان ، فلم يجد فيه إلا خيطة مثل

ص: 141

الهباء ، ونبش قبر يزيد بن معاوية ، فوجد فيه عظمة واحدة ، ووجد في لحده خط أسود كأنما خط بالرماد بالطول في لحده ، ونبش قبر عبد الملك بن مروان ، فلم يجد فيه إلا شؤون رأسه ، ونبش قبر الوليد بن عبد الملك ، فما وجد في قبره قليلا ولا كثيرا ، ونبش قبر سليمان بن عبد الملك ، فلم يجد فيه إلا صلبه وأضلاعه ورأسه ، فاحرقها ، وانتهي إلي قبر هشام بن عبد الملك ، فاستخرجه صحيحا ، ما فقد منه إلا خرمة أنفه ، فضرب الجثة ثمانين سوط ، ثم أحرقها ، ثم تتبع قبور بني أمية في جميع البلدان ، فأحرق ما وجد فيها ( ابن الأثير 5 / 430 والعيون والحدائق 206/3 - 207 ووفيات الأعيان 109/6 - 110 ومروج الذهب 163/2 ).

ولما فتح عبدالله بن علي العباسي ، الشام ، نبشت قبور بني أمية ، في دمشق وغيرها ، وأحرقت بالنار ، ولم يبقوا علي غير قبر عمر بن عبد العزيز ، في دير سمعان ، اعتراف بفضله وتقواه ( خطط الشام 173/1 ).

وكان التتر الذين اجتاحوا البلاد الإسلامية في القرن السابع ، لا يكتفون بقتل من قاتلهم ، وإنما كانوا ينبشون قبور من دفن من الملوك ، ويحرقون رممهم ، صنعوا ذلك برمة خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش ، نبشوها من قبره بقلعة ازدهن وأحرقوها، وكذلك صنعوا برمة السلطان محمود بن سبكتكين الغزنوي ، فإنهم نبشوا قبره ، وأخرجوا عظامه وأحرقوها ( تاريخ ابي الفدا 150/3).

ولما أراد المنصور أن يعقد لابنه المهدي احب ان تقول الشعراء في ذلك فانشده أبو نخيلة أرجوزة ، فوصله ، وهرب ابو نخيلة ، من عيسي بن موسي وخرج يريد خراسان ، فجرد عيسي خلفه ، مولي له يقال له : قطري ، ومعه عدة من مواليه ، فلحقه في طريق خراسان ، وكتفه، وأضجعه، فلما وضع السكين علي أوداجه ، قال له : يا ابن اللحناء ، ألست القائل :

علقت معالقها وصر الجندب

ص: 142

ثم ذبحه وسلخ وجهه، وألقي جسمه الي النسور . ( الأغاني 390/20 و422) .

واتهم المهدي ، صالح بن عبد القدوس ، الشاعر الحكيم ، بالزندقة، وضربه بالسيف ، بيده ، فشطره شطرين، وعلق بضعة أيام للناس ، ثم دفن ( معجم الأدباء 268/4 ).

وفي السنة 169 بلغ الخليفة العباسي ، أن واضح بن عبدالله

المنصوري الخصي ، أمير مصر، أعان إدريس العلوي علي النفوذ الي المغرب ، فأحضر واضحأ إلي بغداد، وقتل وصلب. ( النجوم الزاهرة 41/2)

ولما انتهت المعركة بين جيش الأمين بقيادة علي بن عيسي بن ماهان ، وجيش المأمون، بقيادة طاهر بن الحسين، وقتل علي بن عيسي بن ماهان ، وجيء برأسه إلي طاهر ، جاءوا من بعد ذلك بجثته ، محمولة علي خشبة علي حمار ، وقد شدت يداه إلي رجليه ، فأمر به طاهر، فلفت في لبد ، وألقي في بئر . ( الطبري 394/8 ).

وفي السنة 214 دخل أبو اسحاق بن الرشيد ( المعتصم ) مصر ، وكان يليها لأخيه المأمون ، وبعث في طلب اثنين اشعلا فيها الفتنة ، فأحضرهما ، وهما عبدالله بن حليس ، وعبد السلام بن أبي الماضي ، فقيدهما، وسجنهما، وأقامهما للناس ، ثم قتلهما، وصلبهما فقال معلي الطائي ، يصف حالهما علي المشنقة : ( الولاة للكندي 188- 189).

إن الحليسي غدا سابقا****في حلبة الجسرين قد قضبا

علي طمر ماله أرجل**** من صنعة النجار قد شبا

وليس يدري عند إلجامه**** من أثغر الطرف ومن لببا

مسمر الخلق أمون الشوي**** يأنف أن يأكل أو يشربا

ص: 143

ولو سري ليلته كلها****ما جاوز الجسر ولا قربا

لو كان من بعض نخيل القري**** كان أبو القاسم قد أرطبا

كسا أبو اسحاق أوداجه ****أبيض لا يعتب من أغضبا

وقد سقي عبد السلام الردي**** فكيف بالله إذا جربا

ولما قتل المأمون علي بن هشام في السنة 217، طيف برأس علي في العراق ، وخراسان ، والشام ، ومصر ، ثم ألقي في البحر ( ابن الأثير 421/6)

أقول : راجع في الباب الحادي عشر من هذا الكتاب ( القتل ) ، الفصل الأول ( القتل بالسيف ) ، القسم الأول ( القتل فتكأ )، قصة قتل علي بن هشام ، وقد أدرجنا ما ورد في الرقعة التي علقت عليه لما قتل ، توضح سبب قتله .

وكان العباس بن الفضل ، المعروف بابن بربر ، المقيم بصقلية ، كثير الغزو في البر والبحر ، وظفر أسطوله في إحدي المعارك البحرية مع الروم ، فاستولي علي مائة سفينة تحمل نجدات لمدينة سرقسطة ، وكان شديد الوطأة علي الروم ، وتوفي في السنة 247 في موضع قريب من مدينة سرقسطة ، فدفن حيث مات ، فنبش الروم قبره ، وأخرجوا جثته ، وأحرقوها ( الاعلام 38/4)

وفي السنة 259 دخل يعقوب بن الليث الصفار ، نيسابور ، وحبس جميع آل طاهر ، وأرسل وفدا إلي الخليفة ببغداد يطلب ضم خراسان إلي عمله ، وبعث معهم رأسا علي قناة ، علقت عليه رقعة فيها : هذا رأس عدو الله عبد الرحمن الخارجي بهراة ، ينتحل الخلافة منذ ثلاثين سنة ، قتله يعقوب بن الليث ( الطبري 507/9 ).

وكان الزنج الثائرون ، اتباع الورزنيني، بالبطائح ، في العراق ، إذا

ص: 144

انتهت المعركة تقاسموا لحوم القتلي من خصومهم ، وتهادوها بينهم ( الطبري494/9)

وفي يوم من أيام المعارك بين الجيش العباسي ، وأتباع صاحب الزنج ، أسر من الزنج بطهيئا، أحمد بن موسي بن البصري ، المعروف بالقلوص ، وكان من أجلاء قواد الزنج ، وكان مثخنأ بالجراح ، فمات ، فأمر أبو أحمد باحتزاز رأسه ، ونصبه علي جسر واسط ( شرح نهج البلاغة 176/8 - 177).

وفي إحدي المعارك بين الموقق أبي أحمد وبين صاحب الزنج ، قتل من الزنج خلق كثير ، وأسر منهم جماعة ، فأمر أبو العباس ( المعتضد فيما بعد ) فعلقت رؤوس المقتولين في الشذا ( السفن الصغيرة ) وصلب الأسري أحياء فيها ، واعترض بهم مدينتهم إرهابا لأصحابهم، واتصل بأبي أحمد أن صاحب الزنج موه علي أصحابه ، وقال لهم : إن هذه الرؤوس المعلقة في الشذا، هي مثل ( تماثيل ) وليست رؤوس قتلي ، فأمر أبو أحمد بالرؤوس فجمعت ، ورماها بالمنجنيق إلي صاحب الزنج ، فلما سقطت عندهم ، ورأي أصحابه رؤوس قتلاهم، علا بكاؤهم وصراخهم ( شرح نهج البلاغة 189/8)

وفي إحدي المعارك مع صاحب الزنج ، جاء البشير إلي أبي أحمد ، بأن صاحب الزنج قد قتل ، ووافاه بشير آخر ، ومعه كف زعم أنها كفت صاحب الزنج ، ثم جاءه غلام من غلمان لؤلؤ ، يركض ومعه رأس صاحب الزنج ، فألقاه بين يديه ، فعرضه الموفق علي من كان حاضرا عنده من قواد الزنج المستأمنين ، فعرفوه ، وشهدوا أنه رأس صاحب الزنج ، فأمر برفع الرأس علي قناة ، ونصبه بين يديه ، ثم انصرف إلي الموفقية ورأس صاحب الزنج منصوب بين يديه علي قناة في شذاة ، وسليمان بن جامع ، والهمذاني ، من كبار قواد صاحب الزنج ، مصلوبين أحياء في شذاتين عن جانبيه ، حتي وافي قصره بالموفقية ، ثم بعث بالرأس مع ولده أبي العباس

ص: 145

( المعتضد ) إلي بغداد ، فدخل المدينة ، ومعه رأس صاحب الزنج بين يديه علي قناة ( شرح نهج البلاغة 210/8 - 212).

وفي السنة 272 كانت للزنج حركة بواسط ، وصاحوا : انكلاي يا منصور، وأنكلاي هو ابن صاحب الزنج ، وكان انكلاي وآخرون من كبار قواد صاحب الزنج وهم المهلبي وسليمان بن جامع والشعراني والهمداني وآخرون معهم من قواد الزنج محتبسين في دار محمد بن عبدالله بن طاهر بمدينة السلام ، فكتب الموفق فيهم ، إلي فتح أن يوجه إليه برؤوس هؤلاء الستة ، فدخل إليهم فتح ، فجعل يخرج الأول ، فالأول منهم ، فذبحهم غلام له ، وقلع رأس بالوعة في الدار ، وطرحت أجسادهم فيها، وسد رأسها، ووجه برؤوسهم إلي الموفق ، ثم ورد كتاب من الموفق بصلب جثثهم ، فأخرجوها من البالوعة ، وقد انتفخت ، وتغيرت روائحها، وتقشر بعض جلودها، فحملوا في المحامل ، وصلب ثلاثة منهم في الجانب الشرقي، وثلاثة بالجانب الغربي ، وكان صلبهم بحضرة الأمير محمد بن طاهر وهو راكب . ( الطبري 11/10).

وأنكر المعتضد، أمرأ ، من أسود كان يعمل مع الصناع ، فأحضره ، وساءله ، فاعترف له بأنه كان يعمل في أتاتين الأجر (كور الطابوق )، واجتاز به رجل ، فوجده يحمل دنانير ، فأمسكه وكم فاه ورماه في نقرة الأتون ، وأخذ دنانيره ، فأمر به المعتضد، فضربت عنقه ، ورميت جثته في الأتون ( الأذكياء 42).

وفي السنة 287 خرج العباس بن عمرو الغنوي علي رأس جيش من البصرة لقتال القرامطة ، فلقيهم أبو سعيد القرمطي ، فاستأسر العباس ، وأسر من أصحابه سبعمائة رجل ، فلما كان من الغد أحضر الجنابي الأسري، فقتلهم جميعا ، ثم أمر بحطب فطرح عليهم وأحرقهم ، ثم من علي العباس الغنوي ، وأطلقه وحده وبعثه برسالة إلي المعتضد. ( الطبري 77/10 - 79).

ص: 146

أقول : للاطلاع علي القصة مفضلة ، وعلي الرسالة ، راجع كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ج 4 ص 130۔ 132 رقم القصة 62/4 .

وفي السنة 303 خرج الحسين بن حمدان علي المقتدر ، وقطع الحمل ، فحاربه مؤنس المظفر ، وأسره، وأدخله إلي بغداد مشهرة ، حيث أودع الحبس في دار الخلافة ، فتحرك أحد أولاد الحسين ، وجمع جمعأ ، وحاصر آمد، فأوقع به مستحفظها ، وقتله، وأنفذ رأسه إلي الحضرة ( أي بغداد ) ( ابن الأثير 92/8 - 94).

وفي السنة 304 خرج علي السلطان ، خالد بن محمد المادرائي ، وكان يتولي الخراج بكرمان ، وسار منها إلي شيراز پريد التغلب علي فارس ، فخرج إليه بدر الحمامي ، فحاربه ، وقتله ، وحمل رأسه الي بغداد، وطيف به ( ابن الأثير 106/8 ).

وفي السنة 309 لما قتل الحلاج ، ضرب ألف سوط ، ثم قطعت أطرافه ، ثم قطعت عنقه ، ثم أحرقت جثته ، وألقي رماده في دجلة ( المنتظم 163/6)

وهويت جارية للوزير علي بن عيسي ، غلاما للشاعر أبي بكر بن العلاف الضرير ، ففطن بهما، فقتلا جميعا، وسلخا ، وحشيت جلودهما تبنأ ، فرثي ابن العلاف غلامه بقصيدته المشهورة ، وكني عنه بالهر، ومطلعها : ( النجوم الزاهرة 230/3 ).

يا هر فارقتنا ولم تغير****وكنت متابمنزل الولد

وفي السنة 331 استقدم الأمير نوح الساماني ، محمد بن أحمد النسفي البردهي ، وكان قد طعن عليه عنده ، فقتله ، وصلبه ، فسرق من الجذع ، ولم يعلم من سرقه ( ابن الأثير 404/8 ).

ص: 147

وفي السنة 336 قتل أبو يزيد مخلد بن كيداد نزناتي البربري ، الثائر بإفريقية ، وكان قد عظم أمره ، واستولي علي رقادة والقيروان وسوسة ، وحصر باغاية ، ثم تراجع، وحصر في قلعة كتامة ، ثم حمل الي المنصور جريحا ، فمات من جراحه ، فأمر المنصور فصنع له قفص ، وسلخ جلده ، وحشي تبنا ، وجعلوا معه قردين يلعبان عليه ( ابن الأثير 422/8 - 441).

وفي السنة 341 دخل الأعراب إلي الجامع بالمحول ، وأخذوا ثياب الناس، ثم قصدوا الحارثية ، وقتلوا ونهبوا ، فأخذ شحنة العراق أكثرهم ، وقطع رؤوسهم، وبني بها قبة عند الجسر وجعل وجوههم ظاهرة ، ليعتبر بهم كل مفسد ( تاريخ العراق للعزاوي 1/ 341).

وفي السنة 377 سار المنصور بن يوسف صاحب إفريقية ، إلي كتامة ، لأن داعية فاطمية جاء إليهم ، ودعاهم إلي محاربة المنصور ، فقابلهم في مدينة سطيف ، فاقتتلوا اقتتالا عظيما ، فانهزمت كتامة ، وهرب أبو الفهم ، الداعية الفاطمي إلي جبل وعر ، فيه قوم يقال لهم بنو إبراهيم ، فأرسل اليهم المنصور يتهددهم إن لم يسلموه ، فقالوا : هو ضيفنا، ولا نسلمه ، ولكن أرسل أنت فخذه ، ونحن لا نمنعه ، فأرسل فأخذه ، وضربه ضرب شديدا ، ثم قتله ، وسلخه ، وأكلت صنهاجة وعبيد المنصور لحمه ، وقتل معه جماعة من الدعاة ووجوه كتامة ( ابن الأثير 53/9 - 54).

وفي السنة 380 هاجم باد الكردي ، الموصل، ونشبت معركة بينه وبين الحمدانيين ، أصحاب الموصل ، فسقط باد عن فرسه ، وانكسرت ترقوته ، وقتل، فصلب الحمدانيون بدنه علي باب دار الإمارة بالموصل، فثار العامة بالموصل ، وقالوا : هذا رجل غاز فلا تحل المثلة به ، فحط، وكفن، وصلي عليه ، ودفن ، وظهر من محبة العامة له بعد هلاكه شيء طريف ( ابن الأثير 70/9 -71 وذيل تجارب الأمم 176- 178).

ص: 148

وفي السنة 395 أمر الحاكم الفاطمي ، بالقاضي الحسين بن علي بن النعمان بن حيون وبأبي الطاهر المغازلي ، وبمؤذن القصر، فضربت أعناقهم ، وأحرقت جثهم عند باب الفتوح ، وكان سبب قتله القاضي أنه ملأ عينه ويده ، وشرط عليه أن يعفت عن أموال الناس، ثم وجد عليه خيانة ، فقتله ، ( أخبار القضاة 599-596).

وفي السنة 402 قتل حباسة بن ماكسن الصنهاجي ، وكان شجاع)، بهمة من البهم ، في موقعة خارج قرطبة، بين البربر وبين الموالي العامريين ، ولما قتل احتوا رأسه ، وعجلوا به إلي قصر السلطان ، وأسلموا جسده للعامة ، فجروه في الطرقات والأسواق ، وقطعوا بعض أعضائه ، ثم أوقدوا له نارا ، وأحرقوه ( الاحاطة 494- 495).

وفي السنة 414 في يوم النفر الأول بمكة ، وقد فرغ الإمام من الصلاة ، فنهض رجل من مصر، بأحدي يديه سيف مسلول ، وبالأخري دبوس، وقصد الحجر الأسود ، فضرب الحجر ثلاث مرات ، وهو يقول : إلي متي يعبد الحجر الأسود ؟ فثار به رجل فقتله بخنجر ، وقطعه الناس وأحرقوه ، وقتلوا ممن اتهم بمصاحبة جماعة، وأحرقوهم . ( ابن الأثير 332/9 - 333) .

وفي السنة 451 قتل القائد التركي أرسلان البساسيري ، وقطع رأسه ، وحمل إلي دار السلطان ، فأمر بحمله إلي دار الخلافة ، فنظف ، وغسل ، وجعل علي قناة ، وطيف به ، وصلب قبالة باب النوبي ، وكان البساسيري من أعظم قواد الدولة العباسية في عهد القائم ، فأفسد بينه وبين الخليفة ، المدعو رئيس الرؤساء ابن المسلمة ، فبارح البساسيري بغداد ، ثم دخلها فاتحة باسم المستنصر الخليفة الفاطمي ، ولما استولي البساسيري علي بغداد أحسن الي الناس ، وأجري الجرايات علي المتفقهة ، ولم يتعصب لمذهب ، علي خلاف رئيس الرؤساء ابن المسلمة الذي كان شديد التعصب علي الشيعة ، حتي إنه قتل بعضهم من أجل التشيع ، وأفرد البساسيري لوالدة القائم دار ،

ص: 149

وكانت قد قاربت التسعين . واعطاها جاريتين تخدمانها ، وأجري لها جراية ، فلما عاد السلطان طغرل بك الي بغداد سير جيوش لقتال البساسيري ، فقاتل حتي قتل ، وحمل رأسه إلي دار السلطان، فأمر بحمله إلي دار الخلافة ، فنظف، وغسل ، وجعل علي قناة ، وطيف به ، وصلب قبالة باب النوبي ( ابن الأثير 640/9 -649).

ولما قتل الوزير نظام الملك في السنة 485 اتهم أصحابه تاج الملك ، مستوفي السلطان ، بأنه هو المحرض علي قتله ، وبينما كان تاج الملك يستعد ليكون وزيرة للسلطان ملكشاه خلفا لنظام الملك ، هجم عليه جماعة من أتباع نظام الملك ، فقتلوه ، وفضلوه أجزاء ، وحملت إلي بغداد إحدي أصابعه ، وكان عمره حين قتل سبعة وأربعين سنة ( ابن الأثير 216/10 ).

وفي السنة 492 قتل أبو القاسم بن إمام الحرمين بنيسابور ، فاتهم العامة أبا البركات الثعلبي بأنه سعي في قتله ، فوثبوا به فقتلوه ، وأكلوا لحمه ( ابن الأثير 291/10 ).

وفي السنة 500 فتح السلطان محمد السلجوقي قلعة شاه دز ، وعذب صاحبها أحمد بن عبد الملك بن عطاش ، بسلخ جلده وهو حي ، وقتل معه ولده ، وأمر بحمل رأسي الأب والإبن إلي بغداد ( ابن الأثير 433/10 -434)

وفي السنة 529 وقعت بدايمرج ، معركة بين الخليفة المسترشد، والسلطان مسعود السلجوقي ، فأنكسر جيش المسترشد وأسر ، وأنزل في خيمة ، وغفل عنه حراسه ، فدخل عليه أربعة وعشرون رجلا ، قيل أنهم باطنية ، وقتلوه ، ووجد في جسده ما يزيد علي عشرين جرحا كما أنهم مثلوا به فجدعوا أنفه وقطعوا أذنيه ، وتركوه عريانا ، وقتلوا معه نفر من أصحابه . ( ابن الأثير 27/11 ) .

ص: 150

وفي السنة 536 توفي إبراهيم السهاوي ، مقدم الإسماعيلية ، فأحرقه ولد عباس صاحب الري ، في تابوته ( ابن الأثير 89/11 ).

وفي السنة 569 حصلت معركة بين جيش الخليفة ، وبين ابن سنكا، ابن أخي الأمير شملة ، صاحب خوزستان ، فظفر جيش الخليفة ، وأسر ابن سنكا، ثم قتل ، وحمل رأسه إلي بغداد ، فعلق بباب النوبي ( ابن الأثير 409/11)

وفي السنة 574 كبس بالكرخ علي رجل يقال له أبو السعادات ابن قرايا ، كان ينشد علي الدكاكين ، وكان من الرفض ( أي الشيعة ) فأخذ، فقطع لسانه ، بكرة يوم الجمعة ، وقطعت يده ، ثم حط إلي الشط ليحمل إلي المارستان ، فضربه العوام بالأجر في الطريق ، فهرب إلي الشط ، فجعل يسبح وهم يضربونه حتي مات ، ثم أخرجوه وأحرقوه ، ورمي باقية إلي الماء ( المنتظم 286/10 ).

وفي السنة 590 اشتبك خوارزم شاه علاء الدين تكش ، والسلطان طغرل بن أرسلان بن طغرل بن ملكشاه السلجوقي ، في معركة عنيفة ، وكان طغرل شجاعة ، فحمل بنفسه في وسط عسكر خوارزم شاه، فأحاطوا به وألقوه عن فرسه ، وقتلوه ، وحمل رأسه إلي خوارزم شاه ، فسيره الي بغداد ، حيث نصب بباب النوبي ، عدة أيام ( ابن الأثير 107/12 و108).

وفي السنة 591 كان نائب الوزارة ببغداد مؤيد الدين ابن القصاب ، قد استولي علي خوزستان ، ثم سار منها إلي ميسان ، ثم استولي علي كرمان شاهان ، ثم همدان ، فخرقان ، فمزدغان ، فساوه ، فأوه ، واستقر في الري ، ثم توفي في همدان ، واشتبك جيشه مع جيش خوارزم شاه ، فأنكسر جيش الخليفة ، وعاد خوارزم شاه فملك همذان ، ونبش الوزير من قبره ، وقطع رأسه ، وسيره إلي خوارزم ، وأدعي أنه قتله في المعركة ( ابن الأثير 112 - 108/12)

ص: 151

وفي السنة 603 اختلف شابان ببغداد ، وجري بينهما كلام بسبب امرأة مغنية ، فجرح احدهما الآخر ، وبقي المجروح ليلة ومات ، فقبض علي الجارح ، وأخذه أخو المجروح وجماعة من إنسبائه إلي قراح ابن رزين ، وقتلوه هناك ضربة بالسيوف ، ثم وطنوه بالخيل ، وبقي أربعة أيام ملقي ، لا يؤذن لأهله في دفنه ( الجامع المختصر 199 ، 200).

وفي السنة 658 استولي التتار علي ميافارقين ، وقتلوا ملكها السلطان الملك الكامل محمد بن المظفر غازي بن العادل ، وقطعوا رأسه ، وحملوه علي رمح ، وطيف به البلاد ، ومروا به علي حلب وحماة ، ووصلوا به إلي دمشق ، فطافوا به بالمغاني والطبول ، وعلق الرأس في شبكة بسور باب الفراديس ، إلي أن عادت دمشق إلي المسلمين ، فدفن بمشهد الحسين ( تاريخ ابي الفدا 203/3 ).

ورفع أحمد بن بقا الشربدار الواسطي ، علي الصاحب علاء الدين ، فحبسه ، ثم أشهره ، وفي آخر النهار قطع رأسه ، ووضع مكانه رأس معز بلحيته ، وطيف به، وأحرق العوام جنته ، ورفع رأسه علي خشبة ، وطيف به ( الحوادث الجامعة 401).

وفي السنة 662 قبض ببغداد علي نجم الدين أحمد بن عمران الباجسري ، وأخرج مكتوفة راجلا إلي ظاهر بغداد ، حيث حوكم في خيمة هناك ، وقتل ، وأخذ ابن الدواتدار مرارته ، وطيف برأسه علي خشبة ، ونهبت داره ( تاريخ العراق للعزاوي 247/1 ).

وكان مجد الملك ، قد رفع علي الصاحب علاء الدين صاحب الديوان ، ثم تغير الحال بموت السلطان ، فأعتقل مجد الملك ، وسلم إلي الصاحب علاء الدين ، فتولي ابن أخيه شرف الدين هارون قتله ، وحملت أطرافه إلي البلاد ، وسلخ رأسه وحمل إلي بغداد ، وشوي الخربندية لحمه ، وأكلوا منه ، وشربوا الخمر في قحف رأسه ( الحوادث الجامعة 419) .

ص: 152

وفي السنة 686 دخلت العرب في يوم جمعة إلي الجامع بالمحول ، فأخذوا ثياب كل من كان فيه ، ثم قصدوا ناحية الحارثية وكبسوها ليلا ، وأخذوا ما قدروا عليه ، وقتلوا جماعة من أهلها ، فلم يزل شحنة بغداد يفحص عنهم ، حتي ظفر بأكثرهم ، وضرب أعناقهم ، وبني رؤوسهم في قبة الجسر ، وجعل وجوههم ظاهرة ، ليعتبر بها كل مفسد ( الحوادث الجامعة 452)

وفي السنة 693 ، في عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون ، حصلت بالقاهرة ، فتنة بين الأمراء ، وانتهت بقتل الأمير علم الدين سنجر الشجاعي ، وطيف برأسه في القاهرة ومصر ، وكان الرأس علي رمح ، وطاف به المشاعلية ، وجبوا عليه القاهرة ، ومصر ، والشوارع ، والأزقة ، والطرقات ، ويقال أن بعض أهل مصر ، دفع إلي المشاعلية جملة فضة ، حتي أخذ منهم الرأس ، ودخل به إلي بيته ، وضربه بالمداس ، وبعض الناس صفعوا الرأس في الطرقات ، وفعل الناس به ما أرادوا من ضرب وصفع وسب ، وكان مع المشاعلية برنية لتحصيل ما يجبي من الناس علي رأس الشجاعي ، وأن البرنية ملئت ثلاث مرات ، وكان سبب كره الناس للشجاعي ، لسوء أفعاله ، وظلمه ، ومصادراته ، وعسفه ( تاريخ ابن الفرات 182/8 و 183 ).

وفي السنة 693 توجه شمس الدين محمد السكورجي ، إلي السلطان كي خاتو ، وأخبره بمظالم الأمير بايدو ، فغضب علي بايدو وأمر بحبسه ، ثم كلم فيه فأطلقه ، وفي السنة 694 قتل كيخاتو ، وتسلطن بايدو فكان أول ما فعله أن بعث أميرة إلي بغداد فقبض عي محمد السكورجي ، وأبيه ، وأخيه ، وعمه ، وجميع أهل بيته وأصحابه ، ونهب أموالهم وجميع ما في دورهم ، وحمل محمد إلي بايدو ، حيث قتل، وقطعت أعضاؤه ، وحمل رأسه ألي بغداد ، مع يديه ، وعلقت علي الجسر ( تاريخ العراق للعزاوي 357/1 ،362 ، 364 ، 365)

ص: 153

وفي السنة 694 قتل فخر الدين مظفر بن الطراح ، من رجال العصر المغولي في العراق ، كان صدر واسط والبصرة ، ثم صدر الحلة والكوفة والسيب ، ثم قبض عليه ، وحبس في بغداد ، وقتل، وطيف برأسه في شوارع واسط ، وعلق علي جسرها . ( الاعلام 163/8 ).

وفي السنة 702 كانت معركة بين جيش التاتار، وجيش السلطان محمد بن قلاوون ، صاحب مصر والشام ، وانكسر التاتار ، وقتل منهم كثير ، وجيء بالأسري إلي القاهرة ، وعددهم ألف وستمائة أسير، وقد علق في عنق كل واحد منهم ، رأس أحد القتلي من التتار ، كما حمل أمامهم ألف رأس علي ألف رمح ، وكانت طبولهم أمامهم مخرقة ( النجوم الزاهرة 167/8 ).

وفي السنة 716 اتهم الوزير رشيد الدولة فضل الله ، وزير السلطان خربندا بأنه أساء تطبيب السلطان ، فأدي ذلك إلي موته ، فقتل الوزير ، وفصلت أعضاؤه ، وبعثوا إلي كل بلد بعضو ، وأحرقوا بقية جسده ، وحمل رأسه إلي تبريز ، ونودي عليه : هذا رأس اليهودي الملحد ( الدرر الكامنة 315/3)

وولي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، غياث الدين بهادور ، علي بورة ، وشرط عليه أن يصرف إليه ولده رهينة عنده ، فلم يبعث ولده ، فبعث إليه جيشا ، فقتلوه وسلخوا جلده ، وحشوه بالتبن ، وطافوا به في البلاد . (مهذب رحلة ابن بطوطة 96/2 ).

ولما قبض السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، علي الأمير بهاء الدين كشت اسب ، وهو إبن أخت السلطان تغلق ، والد محمد ، قتله ، وأمر فحشي جلده بالتبن ، وطيف به في البلاد . (مهذب رحلة ابن بطوطة 97/2 و98).

وفي السنة 748 توفي الأمير شجاع آغرلو ، من أمراء المماليك بمصر ،

ص: 154

وكان ظالمة، حتي إنه قتل في مدة أربعين يوما ، واحدة وثلاثين أميرة ، فاعتقل ، وقتل ، وقام الحرافيش في القاهرة ومصر ، بنبش قبره ، وأخرجوا جثته ، ومثلوا بها ، ونوعوا به المثلة والنكال ، فغضب السلطان ، وأمر الأوشاقية ، فقتلوا منهم ، وقطعوا ، فكان الأمير اغرلو مشؤومة في حياته وبعد مماته ( الوافي بالوفيات 295/9 و296 ) .

وفي السنة 763 قتل السلطان أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن فرج النصري ، صاحب غرناطة ، وكان قد لجأ إلي صاحب قشتالة ، فقتله ، وقتل أصحابه الثلثمائة، وقطع رؤوسهم ، وبعث بها إلي غرناطة ، حيث نصبت علي سور قلعة الحمراء ( الاحاطة 406 - 412 و 531 - 540 ) .

وفي السنة 776 مثل بجثة الوزير الأديب الأريب الشاعر لسان الدين بن الخطيب ، إذ تآمر عليه خصومه في غرناطة ، ووافقهم صاحب المغرب ، فحبس ، وخنق في حبسه ، ثم أخذت جثته من الغد ، فأضرمت فيها النار ، فأحترق شعره وبشرته ، راجع التفصيل في هذا الكتاب في الباب الثاني عشر : القتل بكتم النفس ، الفصل الأول : القتل خنقا .

وفي السنة 861 دخل شخص إلي خيمة المولي علي المشعشع ، وحز رأسه ، وأخذت جثته، فسلخت ، وحشيت تبنا ، وأرسلت إلي بغداد ، وحمل الرأس إلي جهان شاه ( تاريخ العراق للعزاوي 150/3 ) .

وفي السنة 803 أرسل تيمورلنك إلي أمير حلب ، رسولا ، وكان الأمير ودون نائب السلطنة بدمشق ، موجودة هناك ، فعمد إلي الرسول فقتله قبل أن يدلي برسالته ، وضرب رأسه علي رؤوس الأشهاد ، فلما بلغ تيمور أن رسوله قد قتل ، هاجم حلب ، واستولي عليها، وأسرف جيشه في قتل الرجال والنساء ، ولجأ كثير إلي المساجد، فقتلوا فيها، حتي صارت المساجد كالمجازر من كثرة القتلي ، وصارت الأرض لا توطأ إلا علي جثة

ص: 155

إنسان ، وبني من رؤوس القتلي عشرة مآذن ، دور كل مأذنة عشرون ذراعا ، وصعودها في الهواء مثل ذلك ، وجعلوا الوجوه فيها بارزة ، وتركوا أشلاء القتلي تنهشها الكلاب ، وكان عدة من قتل من أهل حلب ، نحوا من عشرين ألف إنسان ، هذا فضلا عمن هلك تحت الأرجل عند آقتحام أبواب المدينة ، أو من هلك من الجوع والعطش ( اعلام النبلاء 494/2 - 498) .

وفي السنة 839 قتل الأمير عثمان بن قطلوبك التركماني ، صاحب دياربكر وآمد وماردين ، ويعرف بقرايلوك ، وكان قتله أثناء اشتباكه في معركة مع الأمير اسكندر بن قرايوسف ، وكانت المعركة خارج أرز الروم ( أرضروم ) فألقي قرايلوك بنفسه إلي الخندق ، فوقع علي حجر شدخ دماغه فمات ، فعمد إسكندر إلي رأس قرايلوك ورأسي ولديه ، ورؤوس ثلاثة من امرائه ، فقطعها ، وبعث بها إلي السلطان الأشرف ، فطيف بها في القاهرة ، وعلقت علي باب زويلة ثلاثة أيام في الضوء اللامع 136/5 ).

وفي السنة 866 عقد لحمزة بن غيث مجلس في بيت الدوادار ، حضره القضاة ونظروافي التهم الموجهة إليه وهي أخذ الأموال ، وارتكاب المحرمات وضرب الفضة الزغل ، فحكم القاضي المالكي بقتله ، وأنفذ بقية القضاة الحكم ، وأودع المقشرة ، وسلخ جلده ، وحشي تبنأ ، وطيف به من الغد علي جمل بشوارع القاهرة ، وحمل إلي بلاد الريف ، وطيف به في القري والبلاد ( الضوء اللامع 166/3 ).

وفي السنة 872 قتل جهان شاه بن قرايوسف ، وخلفه ولده حسن علي ، فظلم الناس ، وأساء التصرف ، وقبض علي زوجة أبيه فعلقها من ثدييها حتي ماتت ، فقصده حسن بيك ، واشتبك معه في معركة ، فأنفل جيش حسن علي ، وفر إلي باكو ، ثم عثر عليه في جبال الوند بهمذان ، واعتقله أصحاب حسن بيك ، وأحس بما ينتظره فأنتحر بأن ذبح نفسه بموسي ، وعندئذ« قطعوا رأسه ، وقطعوا ذكره ، وحطوه في فمه ، وجاءوا

ص: 156

برأسه إلي حسن بيك ، وقطعوا جسده أربع قطع ، وعلقوها علي ابواب همدان ، علي كل باب قطعة ( تاريخ الغياثي 380 و381) .

وفي السنة 926 عصر الأمير جان بردي الغزالي ، والي دمشق للعثمانيين ، علي السلطان ، فجهز السلطان سليمان إليه جيشأ حاربه بباب دمشق ، وانكسر جان بردي وقتل ، فجهز القائد التركي فرهاد باشا ، رأس الغزالي ، ومعه الف اذن من آذان القتلي إلي السلطان ( خطط الشام 334/2)

وفي الشدة 986 كان العثمانيون قد استولوا علي تونس ، وتوغلوا في المغرب ، فأستنجد المتوكل أبو عبد الله محمد السعدي ، صاحب المغرب ، بالبرتغال ، ونشبت معركة بين العثمانيين من جهة ، وسلطان المغرب والبرتغال من جهة ، فانتصر العثمانيون إنتصارا مؤزرا ، وغرق المتوكل صاحب المغرب ، وسباستيان عظيم البرتغال ، في نهر وادي المخازن ، فأخرج المتوكل من الماء ، وسلخ جلده وحشي تبنا ، وطيف به في بلاد المغرب ، ولهذا لقبته العامة : المسلوخ (الاعلام 117/7 ).

وفي السنة 997 قتل بخاري ، شهاب الدين عبد الله بن محمود الخراساني الفقيه الامامي وجري قتله علي التشيع ، وأحرق جسده في ميدانها ( الاعلام 4/ 279 ). .

وفي السنة 1151 وقعت معركة بين الجند العثماني بقيادة أحمد باشا، والي بغداد ، وبين عشيرة المنتفق بقيادة سعدون أمير المنتفق ، فقبض علي سعدون ، وقتل ، وقطع رأسه ، وحشي تبنا، ووضع في صندوق ، وأرسل إلي اسطنبول ( تاريخ العراق للعزاوي 258/5 ).

وفي السنة 1206 هجم أهل حلب ، علي بطال أغانوري ، ومحمد اغا، وعلي عسكره ، فانهزم إلي خارج حلب ، وحصر عينتاب خمسة

ص: 157

أشهر ، وآل أمره إلي أن قتل ، وحمل رأسه ورؤوس أربعة وعشرين من العصاة إلي اصطنبول ( خطط السام 9/3).

وفي السنة 1219 علقوا بالقاهرة ثلاثة رؤوس ، بباب زويلة ، لا يدري أحد من هم ( الجبرتي 41/3 ) .

وفي السنة 1222 لما قتل جماعة من الجيش الإنكليزي ، بمدينة رشيد في الديار المصرية ، قطعوا آذان القتلي ، ودبغوها ، وملحوها ، ووضعوها في صندوق ، وسيروها إلي اصطنبول علي طريق الشام ( الجبرتي 197/3 و198).

وفي السنة 1247 ثار أهل دمشق ، علي واليها محمد سليم باشا ، وحصروه في القلعة ، وقتلوه ، وقتلوا معه حاشيته ومنهم خاله ، وكخيته ، والسلحدار ، والقابجي ، والخزندار ، والمهردار ، وعروا جثتهم ، وحملوها إلي باب القلعة ، وألقوها علي الأرض ، ليراها الناس ، ثم قطعوا رأس الوالي ورأس خاله ، وداروا بهما ، ليعرضوهما علي الناس ويربحوا الدراهم ، فحطوا رأس الوزير علي درجة باب الكنيسة ، ولم يرفعوه حتي حضر شيخ حارة النصاري ، وأعطاهم دراهم ، فحملوه ، ووضعوه علي باب الدير الكبير ، وأخذوا منهم دراهم ، وهكذا لموا دراهم من حارات كثيرة ( مذكرات تاريخية 31 و 32).

وفي السنة 1250 انتقضت طرابلس ( الشام ) علي حكم ابراهيم باشا ، ثم أخضعها ، وأمر فقتل من أعيانها ثلاثة عشر شخصا، وتركت جثثهم في الشوارع ثلاثة أيام ( مذكرات تاريخية 14).

وفي السنة 1301 (1884 م ) قتل أبو الاحرار مدحت باشا ، من العظماء المصلحين في العالم ، قتل خنقا في سجنه بالطائف ، وقطع رأسه ، ووضع في صندوق وحمل إلي السلطان عبد الحميد الثاني ، سلطان تركيا ( مشاهير الشرق 1/ 480) .

ص: 158

الفصل الثاني: المثلة بسحب الجثث

ومن ألوان المثلة ، سحب جثث القتلي والموتي ، والبغداديون ، يسمونه : السحل .

وأول ما ظهرت هذه المثلة القبيحة بدمشق ، ثم انتقلت منها إلي بغداد .

ومما يبعث علي الأسي ، إن هذا اللون من المثلة ، مازال قسم من عامة بغداد يمارسونها .

وأول ما بلغنا عن هذا اللون من المثلة ، ما صنع بيوسف بن عمر ، الذي كان أمير العراقين للوليد بن يزيد، فلما قتل الوليد ، هرب يوسف من العراق ، وورد البلقاء فاستخفي بها ، ولبس زي النساء ، وجلس بين نسائه ، وبلغ يزيد بن الوليد خبره ، فبعث اليه من وجده بهذا الزي بين نسائه ، فأخذ، وحبس ، بدمشق ، ولما ظهر أمر مروان بن الأموي ، الملقب بمروان الحمار ، عمد يزيد بن خالد القسري إلي السجن ، فأخرج يوسف بن عمر ، وقتله إنتقاما لأبيه خالد الذي قتله يوسف ، ولما قطعت عنق يوسف ، شدوا في رجله حب طويلا ، وجعل الصبيان يجرونه في شارع دمشق، فتمر به المرأة ، فتري جسدأ صغيرة ، وكان قصير القامة جدا ، فتقول : في أي شيء قتل هذا الصبي المسكين .

وقال بعضهم : رأيت يوسف بن عمر ، وفي مذاكيره حبل ، وهو يجر

ص: 159

في دمشق ، ثم رأيت بعد ذلك ، يزيد بن خالد القسري ، قاتله ، وفي مذاكيره حبل ، وهو يجر في ذلك الموضع ( وفيات الأعيان 111/7 و112).

ولما قتل الأمين ببغداد ، في السنة 198 ، قطع رأسه ، وعلق علي حائط بستان ، وسحبت جثته ببغداد ، وهي مربوطة بحبل (تاريخ الخلفاء 300) ، فقال في ذلك ابراهيم بن المهدي : ( الطبري 498/8 ).

لم يكفه أن حر أوداجه**** ذبح الهدايا بمدي الجازر

حتي أتي بسحب أوصاله**** في شطن يفني مدي السائر

وفي السنة 201 قتل محمد بن أبي خالد، في معركة بينه وبين جيش المأمون ، وكان زهير بن المسيب ، أحد قواد المأمون ، محبوسا عند جعفر بن محمد بن أبي خالد ، فأخرج زهير من الحبس ، وذبح ، وطيف برأسه ، ثم أخذ جسده ، وربط في رجليه بحبل ، وطيف به في بغداد ، ومروا به علي دوره ودور أهل بيته عند باب الكوفة ، وطيف به في الكرخ ، ثم طرحوه ليلا في دجلة . ( الطبري 548/8 ).

ولما بويع المستضيء ، في السنة 566 ، استدعي ابن البلدي ، الذي كان وزيرا للمستنجد ، ليبايع ، فلما حضر ، عدل به إلي مكان ضربت فيه عنقه ، وأخرج ، فرمي علي مزبلة بباب المراتب ، ثم شحب وألقي في دجلة ( الفخري 318 وابن الأثير 362/11 ).

وفي السنة 576 قبض علي ظهير الدين بن العطار ، وزير الخليفة ، ووكل به في داره ، ثم نقل إلي التاج ، ووكل به ، وطولب ، ثم أخرج ميتا علي رأس حمال ، فغمز به بعض الناس ، فشار به العامة ، فألقوه عن رأس الحمال ، وكشفوا سوءته ، وشدوا فيها حب، وسحبوه في البلد ، وكانوا يضعون في يده مغرفة ، يعني أنها قلم ، وقد غمسوها في العذرة ، ويقولون :

ص: 160

وقع لنا يا مولانا ، إلي غير هذا من الأفعال الشنيعة ( ابن الأثير 459/11 و460) .

وأضاف ابن الأثير إلي ما تقدم قوله : هذا فعلهم به مع حسن سيرته فيهم ، وكفه عن أموالهم وأعراضهم.

وفي السنة 597 وثب أهل باب البصرة علي حامي محلتهم المعروف بابن الضراب ، فقتلوه ، وقتلوا معه أربعة نفر ، وسحبوهم ، ثم ألقوهم في دجلة ، فقبض حاجب باب النوبي الشريف أبو جعفر بن الناعم ، علي جماعة من أهل المحلة ، وعاقبهم، وألزمهم بمال قرره عليهم . ( الجامع المختصر46).

وفي السنة 600 هلك ببغداد ، نائب الشرطة ، بباب النوبي ، بدار الخلافة ، واسمه ابو منصور بن الطحان ، وكان ظالما ، فلما صلي عليه بالمدرسة النظامية ، اجتمع خلق كثير ، واعلنوا بلعنه ، وهموا بسحبه . ( الجامع المختصر 132).

وفي السنة 604 قتل ابو الغنائم ، نصر بن ساوا النصراني ، الناظر في أعمال دجيل ، وقطعت أطرافه ، وصلب ، ثم أنزل وسحبت جثته في محلات بغداد ، ثم أحرق . ( الجامع المختصر 219- 220).

وفي السنة 681 أحضر ببغداد ، عبد يشوع ، ويعقوب ، وكانا قد رفعا علي الصاحب علاء الدين ، صاحب الديوان ، فطيف بهما في بغداد ، عريانين، والعوام يصفعونهم ، ويضربونهم بالأجر ، ثم قتلا بقية اليوم ، وجر العوام جثتيهما ، وأحرقوهما بباب قلاية النصاري ( الحوادث الجامعة 422).

وفي السنة 690 قبض ببغداد ، علي مهذب الدولة ، أخي سعد الدولة الماشعيري ، وطولب بالأموال ، وضرب ، ثم طعن بالسكاكين والسيوف ، وكان في الديوان نجار ، فضربه بفأس ، عدة ضربات، ثم قطع إربا إربا ،

ص: 161

وتناهبه العوام ، وتعمم نقاط بمصرانه ، وطافوا به في شوارع بغداد ودروبها ، ثم أحرق بباب جامع الخليفة ( جامع سوق الغزل ، وبابه من جهة المنارة التي ما زالت قائمة الي الآن )، وسلخ رأسه ، وحشي تبنأ ، وطيف به في جانبي بغداد ، وحمل إلي واسط ، وعلق علي جسرها . (تاريخ العراق للعزاوي 35/1)

وفي السنة 690 قتل من اليهود ، شاب يعرف بابن فلالة ، وقطعت أعضاؤه ، وشد العوام في سوءته حبلا ، وطافوا به سحبا في دروب بغداد . ( الحوادث الجامعة 465).

وكان الأمير بهادر ، أحد مماليك الملك المنصور قلاوون ، واشترك في قتل ولده الملك الأشرف خليل سنة 693، فقتله مماليك الأشرف، هو والأمير جمال الدين آقوش ، ثم ربط في رجل كل واحد منهما حبل ، وجرا من دار النيابة بالقلعة الي المجارير بالكيمان . ( خطط القريزي 67/2 ).

ولما عاد السلطان أبو العباس المريني ، في السنة 789 إلي سرير ملكه ، قبض علي ابن أبي عامر ، وكان يحقد عليه تصرفات أجراها معه ، بعد خلعه ، وكلمات صدرت عنه في حقه ، فاعتقله ، وامتحنه بالضرب بالسياط ، إلي أن مات تحت الضرب ، ولما حمل إلي داره ميتأ، وأخذ أهله في تجهيزه ليدفن ، أمر السلطان بأن يسحب في نواحي البلد ، فحمل من نعشه ، وربط في رجله حبل ، وسحب في سائر المدينة، ثم ألقي علي بعض المزابل ( ابن خلدون 360/5 ).

وشكا الدمشقيون ، إلي الباب العالي في السلطان العثماني ) ، من مظالم الدفتر دار فتحي افندي ، فأمر السلطان، فأحضر إلي اصطنبول ، فأخذ يمنح المنائح ، حتي أدخلوا علي السلطان شخصا آخر بدلا منه ، فأمر السلطان بقتله ، فقتل ، أما فتحي افندي فأعادوه إلي دمشق ، فعاد إلي ظلمه ، فعاودوا

ص: 162

الشكوي ، فورد الأمر بقطع رأسه ، فقطع رأسه ، وجرت جثته في شوارع المدينة ، وترك للكلاب تنهشه ، ومثل ببعض أعوانه ، وصودرت أمواله ( خطط الشام 298/2 ).

وفي السنة 1250 هرب من سجن القلعة بدمشق ، شخص اسمه عبد المحسن ، وأخذ يقطع الطريق . فنصبوا عليه الأرصاد ، وحصروه في داره ، فراماهم، حتي أصيب، فأخرجوه جريحا من الدار ، وذبحوه، ثم ربطوا في رجله حبلا ، وسحبوه، حتي رموه أمام باب السراي ، وظل مطروحة يومين ( مذكرات تاريخية 143).

ولما قتل الأمير عبد الاله ، في بغداد ، في حادث السنة 1958م قامت فئة من العامة بتسلم جثته ، وربطوها، بالحبل، وسحبوها ، ثم علقت أمام وزارة الدفاع ، ثم احرقت . ( أسرار مقتل العائلة الحاكمة في العراق 134- 136).

وآخر ما بلغنا عن هذا اللون من المثلة ، ما صنعه بعض أفراد من العامة ، ببغداد ، بجثة نوري السعيد، رئيس الوزراء بالعراق ، فإنه لما حصل أنقلاب السنة 1958 علي يد عبد الكريم قاسم ، أحد الضباط ، استتر نوري ، وبلغه خبر مقتل ولده الوحيد وهو مستتر ، ولما أوشك أن يعتقل ، انتحر، فتصدي قوم من العامة ، وربطوا في جثته حبلا ، وسحبوها في شوارع بغداد .

ص: 163

ص: 164

الفصل الثالث: المثلة بصلب الجثة

ومن ألوان المثلة ، صلب جثة القتيل بعد قتله ، وهذا اللون من المثلة ، يكاد يكون عاما في جميع الأوقات ، وفي جميع البلدان، وكان المقصود بصلب الجثة ، أن يطلع الناس علي أن المصلوب قد مات وانتهي ، لئلا تكثر بشأنه الأقاويل ، وتختلف في مصيره الآراء ، ذلك لأن العامة ، ما دام لهم رأي في المقتول ، فهم يتصورون له مصيرا وفق أمانيهم ، كما حصل في موضوع الحلاج ، فإنه قتل ، وصلب ، وأحرق ، وذري رماده ، وحصل ذلك أمام عشرات الألوف من الناس، ولكن كثير منهم ، استقر في أذهانهم أنه لم يقتل ، وانما قتل شخص آخر غيره يشبهه ، وأعجب من ذلك ، إن عبد الكريم قاسم ، الضابط الذي قام بانقلاب السنة 1958 في العراق ، قتل في السنة 1963 رميا بالرصاص ، وعرضت جثته علي شاشة التلفزيون ، وبالرغم من ذلك ، فإن بعض العامة من الناس في بغداد ، كانوا إلي أمد قريب، علي قناعة تامة ، بأنه ما زال حيا ، وأنه شوهد في الوقت الفلاني ، في الموضع الفلاني.

وعلي أن المثلة بصلب الجثث ، أمر يدل علي لؤم قدرة ، وينبيء عن نقص في المروءة . فإن بعض المتسلطين القساة ، زادوا في الطنبور نغمة ، وبالغوا في إظهار لؤم قدرتهم ، كما صنع الحجاج ، بجثة عبدالله بن الزبير ، فإنه صلب مع جثته جيفة كلب ، وكما صنع مسلمة بن عبد الملك بيزيد بن

ص: 165

المهلب ، فإنه صلب مع جثته جيفة خنزير ، وفاق هؤلاء جميعا في التصرف المخزي ، زياد بن أبيه ، فإنه كان يقتل النساء ويصلبهن ولم يكتف بذلك ، فزاد بأن أخذ يصلبهن عاريات .

وكانت النساء تشترك في حروب الخوارج ، إلي أن قام زياد بصلب المرأة عارية بعد قتلها ، فلم تخرج النساء إلا بعد زياد ، وكن إذا طولبن بالخروج قلن : لولا التعرية لسارعنا ( العقد الفريد 1/ 221- 222).

وأسرت هذيل ، يوم الرجيع ، الأنصاريين خبيب بن عدي، وابن الدثنة ، فصلبوهما بالتنعيم .

وصلب عبيد الله بن زياد ، بسوق الكوفة ، مسلم بن عقيل ، وهاني بن عروة المرادي .

ولما استباح مسلم بن عقبة ، قائد الجيش الأموي ، المدينة ، وقتل رجالها ، خرج منها يريد مكة ، فمات في الطريق ، ودفن ، فخرجت إليه زوجة أحد قتلاه ، فنبشت قبره ، واحرقت جثته ، ومزقت أكفانه ، وعلقتها علي شجرة هناك ، فكان كل من يمر بالأكفان ، يرجمها بالحجارة . (الامامة والسياسة 9/2).

ولما قتل عبدالله بن الزبير ، بعث الحجاج برأسه إلي عبد الملك ، وصلب جثته منكوسة ، وصل معه كلبأ ميتا ( أنساب الأشراف 368/5 - 369- 374 - 370)

وصلب يوسف بن عمر ، عامل هشام بن عبد الملك علي العراق ، زيد بن علي بن الحسين ، وبقي معلقا أربعة أعوام ، ثم أنزل وأحرق .

ويحيي بن زيد بن علي ، صلب بالجوزجان ، في أيام الوليد بن يزيد ، وأنزله أبو مسلم الخراساني ، وصلي عليه ، وواراه ، وأخذ كل من خرج إلي قتاله ، فقتله .

ص: 166

وصلب مسلمة بن عبد الملك، يزيد بن المهلب بن أبي صفرة ، بجسر بابل ، وعلق معه خنزير وسمكة وزق خمر ( الغيث المسجم 182/2 ).

ولما أخرج أبو محمد بن عبدالله بن يزيد بن معاوية ، من السجن ، أمر بجثة عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك بن مروان ، فصلبت منكوسة علي باب الجابية بدمشق . ( العقد الفريد 467/4 ).

وفي السنة 123 عبر بلج بجيش أموي ، إلي الأندلس ، فقبض علي عبد الملك بن قطن الفهري ، أمير الأندلس ، وصلبه بقرطبة ، وصلب معه كلبأ وخنزيرأ ، ذلك لأنه أراد الاستقلال بالأندلس ، وصلب زياد بن عمرو اللخمي بعد أن سمله ، وصلب عن يساره كلبأ ( نفح الطيب 19/3 - 21).

ولما بويع مروان الحمار ، وقدم دمشق ، نبش قبر يزيد بن الوليد وأخرجه من قبره وصلبه ( العقد الفريد 466/4 ).

وفي السنة 129 حارب نصر بن سيار أمير خراسان ، جديع بن علي الكرماني ، فقتل جديع في المعركة ، فأخذه نصر وصلبه وصلب الي جانبه سمكة ، يعني أن جديع أزدي ، والأزد يعيرون بأنهم ملاحون . ( الطبري 370/7)

وصلب مروان الحمار الأموي ، يزيد بن خالد بن عبدالله القسري ، علي باب الفراديس ، بدمشق ( الغيث المسجم 182/2 ).

وحمل صالح بن عبد القدوس إلي المهدي ، متهما بالزندقة ، وساءله فتبرأ مما اتهم به ، فاستنشده ، فأنشده قصيدته التي يقول فيها :

والشيخ لا يترك اخلاقه**** حتي يواري في ثري رمسه

إذا ارعوي عاد إلي غيه**** كذي الضني صار إلي نكسه

فقال : نحكم فيك بحكمك علي نفسك ، فأنت لا تترك أخلاقك ، ثم

ص: 167

أمر به فقتل وصلب علي الجسر . ( وفيات الأعيان 492/2 ) .

ولما قتل الرشيد جعفر بن يحيي البرمكي ، أمر برأسه فنصب علي الجسر الأوسط ، وقطعت جثته إلي قطعتين ، صلب قطعة علي الجسر الأعلي ، وقطعة علي الجسر الأسفل . ( الطبري 296/8 ).

أقول : كان في بغداد في ذلك العهد، ثلاثة جسور ، الجسر الأعلي ، وهو جسر الشماسية ، يربط بين الشماسية ( الصليخ ) في الجانب الشرقي ، والقطيعة الزبيدية في الجانب الغربي ، والجسر الأوسط ، ويربط بين باب الطاق ( الصرافية في الجانب الشرقي وبين محلة البيمارستان العضدي ( المنطقة ) في الجانب الغربي ، وقد حل محله جسر الصرافية الحديد ، والجسر الأسفل ، وهو الجسر الذي يربط بين سوق الثلاثاء بالجانب الشرقي ( منطقة المدرسة المستنصرية ) وبين الجانب الغربي وقد حل محله الآن جسر المأمون .

وفي السنة 198 حصلت وقعة الربض بقرطبة، حيث كره القرطبيون الحكم الأموي ،، وثاروا عليه ، وحصروه في قصره ، فحاربهم ، فانهزموا ، وقتل منهم خلقا كثيرة ، وأسر منهم جماعة ، فاختار من الأسري ثلثمائة من وجوههم، فقتلهم، وصلبهم منگسين ( ابن الأثير 299/6 -300).

وفي السنة 221 أحضر امام المعتصم ، الثائر الفارسي بابك الخرمي ، فأمر به فقطعت أطرافه ، ثم قطع رأسه ، وصلبت جثته علي خشبة ، ثم أحرقت ، وسمي الموضع الذي صلبت جثته فيه « خشبة بابك » ، وأخذ عبد الله ، أخو بابك الي بغداد حيث قتل مثل قتلة أخيه ، وصلب بدنه علي الجسر ببغداد ، فقالت سكن ، جارية محمود الوراق : ( المستطرف من أخبار الجواري 33).

كبابك وأخيه إذ سمالهما ****بباتر للشوي في الجيد خلاس

فذاك بالجسر نصب للعيون وذا**** بسر مرا علي سامي الذري راسي

ص: 168

للتفصيل في مقتل بابك ، راجع نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة اللقاضي التنوخي ج 1 ص 147- 148 رقم القصة 74).

وفي السنة 224 أحضر أمام المعتصم الثائر الفارسي المازيار بن قارن ، صاحب طبرستان ، فضرب أربعمائة سوط ، فمات ، وصلب إلي جانب خشبة بابك ( الطبري 100/9 و 104 وتجارب الأمم 516/6 ).

وفي السنة 252 خرج بالإسكندرية من أرض مصر ، جابر بن الوليد المدلجي ، وجمع جمعأ ، ولحق به أبو حرملة فرج النوبي، وكان رجلا فاتكأ ، ثم أسر أبو حرملة ، وأدخل الفسطاط مع جماعة من الأسري ، وحبس ، ومات في الحبس ، وأخرج فصلب بالمصلي ( الولاة للكندي 206- 209)

وفي السنة 317 لما خلع المقتدر ، ونصب أخوه القاهر ، انتقض امر القاهر بهجوم الرجالة علي الصحن التسعيني بدار الخلافة ، فصلبوا نازوك وعجيبا خادمه علي خشب الستارة . ( التكملة 60).

وفي السنة 367 بعث عضد الدولة ، إلي بختيار ، يطالبه بتسليم ابن بقية ، فسمله بختيار ، ثم بعث به إلي عضد الدولة ، وسمل معه صاحبه المعروف بابن الراعي ( تجارب الأمم 377/2 ) وحمل ابن بقية مسمو" إلي عضد الدولة عند نزوله بالزعفرانية ، فأشهر في العسكر علي جمل ، ثم طرح إلي الفيلة ، وأضربت عليه ، فقتلته شر قتلة، وصلب علي شاطيء دجلة ، علي رأس الجسر بالجانب الشرقي ثم نقل إلي الجانب الغربي . ( ابن الأثير 689/8 وتجارب الأمم 380/2 ).

وفي السنة 368 حصر جيش عضد الدولة مدينة مبافارقين ، وفتحها بالأمان ، واستثني من الأمان قاضي البلدة وغلاما يعرف بابن الطبري ، كانا أثناء الحصار يسرفان في شتم عضد الدولة ، فلما أخذا ، ضربت رقبتاهما وصلبا علي البرج الذي كانا يظهران عليه ويشتمان ( تجارب الأمم 390/2 ).

ص: 169

وفي السنة 381 حدثت ببغداد فتنة بين أهل الكرخ ، وباب البصرة ، واستظهر أهل باب البصرة ، وخرقوا أعلام السلطان ، فقتل يومئذ جماعة اتهموا بفعل ذلك ، وصلبوا علي القنطرة . ( المنتظم 163/7 -164).

وفي السنة 420 ورد رئيس العيارين أبو يعلي بن الموصلي، وكانت داره بدرب رياح ، ومعه جماعة من العيارين ، الي الكرخ، وأظهروا أنهم جاءوا الخدمة السلطان ، فثار بهم أهل الكرخ ، فقتلوا، وصلبوا ( المنتظم 45/8).

وفي السنة 443 ظهر عيار يعرف بالطقطقي من أهل درزيجان، حضر ديوان الخلافة ، واستتيب وجري منه في معاملة أهل الكرخ ، وتتبعهم في المحال وقتلهم علي الأتصال، ما عظمت به البلوي ، فقطع رجلين وصلبهما علي حائط باب القلائين ، وقتل قبلهما ثلاثة وقطع رؤوسهم، ورمي بها إلي أهل الكرخ ، وقال : تغدوا برؤوس ( باجة) ، ومضي إلي درب الزعفراني وطالب أهله بمائة ألف دينار ( المنتظم 150/8 ). وفي السنة 444 كبس الطقطقي طاق الحراني ، وهو من محلات الكرخ ، وقتل رجلين، وقطع رأسيهما، وحملهما إلي القلائين، فنصبهما علي حائط المسجد المستجدا ( المنتظم 154/8 ).

وفي السنة 448 تقدم رئيس الرؤساء ابن المسلمة ، وكان شديدأ علي الشيعة ، إلي صاحب المعونة ببغداد ابن النسوي ، بقتل أبي عبدالله بن الجلاب ، شيخ البازين بباب الطاق ، بتهمة التظاهر بالرفض ( أي التشيع ) فقتله ، وصلبه علي باب دكانه ( المنتظم 8/ 172 - 173).

وفي السنة 521 قبض الأمر الفاطمي ، بمصر ، علي وزيره الملقب بالمأمون وقتله وصلبه بظاهر القاهرة مع خمسة من أخوته . ( وفيات الأعيان 299/5)

وفي السنة 530 قبض الراشد العباسي علي ابن الهاروني ، وتقدم إلي

ص: 170

أبي الكرم الوالي بقتله ، فقتل في الرحبة ، وصلب علي خشبة قصيرة، ومثل به العوام . ( المنتظم 56/10 ).

ولما قتل أبو الغنائم نصر بن ساوا النصراني، الناظر في اعمال دجيل ، في السنة 604 بعد أن قطعت أطرافه ، صلب أولا ، وطيف به في محال بغداد مسحوبأ، ثم أحرق . وكان سبب قتله أتهامه بأنه توصل في قتل الأمير تتامش بالسم. (الجامع المختصر 219-220).

وفي السنة 750 زور الأميران سيف الدين الجينبغا نائب السلطان في طرابلس الشام ، والأمير فخر الدين أياز ، أمرأ من سلطان مصر ، باعتقال نائب الشام أرغون شاه ، واعتقلاه بمعاونة الأمراء وقتلاه ، ثم ورد كتاب من سلطان مصر بانكار ذلك ، ومعه أمر بالقبض علي الأميرين الجينبغا وإياز وقتلهما توسيطأ ، فتجردت العساكر اليهما ، واعتقلا ، وأنزلا من القلعة ، إلي سوق الخيل ، ووشطوهما ، وعلقت أشلاؤهما علي الخشب بالحبال في البكر ، علي وادي بردا بسوق الخيل ( الوافي بالوفيات 356/9 - 357).

وفي السنة 1227 (1812م) ثار محمد باي ، بوهران ، علي الحاج علي باشا ، أمير الجزائر ، فبعث إليه الأمير جيشا بقيادة عمر اغا، فقبض علي محمد باي وعذبه وقتله ، وسلخ جلدة رأسه ، وحشاها قطن ، وبعث بالرأس إلي الأمير في الجزائر ، فأمر بأن ينصب الرأس علي عمود بركز فوق باب البلد ، وظل هناك عدة سنين ( مذكرات الزهار 107).

ولما تولي علي باشا ، إمارة الجزائر ، في السنة 1232، تحرك عليه العسكر فأخمد ثورتهم ، وقتل منهم جماعة ، ثم جعل له من بينهم جواسيس ، يتلقطون له الأخبار ، وقتل منهم خلقا كثيرا بيده ، ونفي بعضهم ، وأخرج منهم في يوم من الأيام بعثة، وجعل فيه كل من راه شيطانة ، ثم بعث في أثرهم من قام بتصفيتهم ، فمنهم من قتلوه ، ومنهم من نفوه ، ثم تحرك العسكر عليه مرة ثانية، ونادوا بخلعه ، وولوا شاوش الحملة ( القائد ) مكانه ،

ص: 171

ولكن القائد امتنع ، فأجبروه ، ونصبوا له وزراء ، فحاربهم علي باشا ، وانتصر عليهم ، فتفرقوا، وهربوا ، فمنهم من لحقه أتباع علي باشا، وقتلوه ، ومنهم من قبضوا عليه حيا ، وجاءوا به إلي علي باشا، فقتله بيده ، وكان لا يخلع سلاحه أبدأ ، ويحمل في وسطه سيف معلقا ومسدسين ، فإذا جيء له بتركي ، قتله بالمسدس ، وفي بعض الأحيان يجهز عليه بالسيف ، ثم يجره الزبانية لموضع البناء ، فيبنون عليه بالجدار ( مذكرات الزهار 136 - 137).

وفي السنة 1242 ( 1826م) ثار السيد محمد التيجني ، في ضواحي وهران ، وجمع حوله العرب ، وأراد أن ينزع الملك من الترك ، فجرد اليه والي وهران جيشا ، وقتل التيجني وأتباعه في المعركة ، وبعثوا برأسه وسيفه إلي أمير الجزائر حسين باشا ، فأمر بأن يجعل الرأس علي عمود بركز قبالة الباب الجديد ( مذكرات الزهار 159، 160).

وفي السنة 1365 (1945م) قتل في إيطاليا بنيتو موسوليني الملقب بالدوجي ، حكم ايطاليا اربعة وعشرين سنة، من 1922 إلي 1945 وعلق قتلته جئته منكسة من الرجلين ..

ص: 172

الباب التاسع عشر: المرأة

اشارة

جاء الإسلام بالعدل والرحمة ، والسلام والمودة ، وبرعاية خاصة للمرأة ، إذ منع من التعرض لها بأي لون من ألوان الأذي ، وكني النبي صلوات الله عليه ، عن النساء ، فقال : رفقا بالقوارير ، ومن أقواله : خيركم خيركم للنساء ، استوصوا بالنساء خيرة ، ما أكرم النساء إلا كريم ، وما أهانهن إلا لئيم .

وكان صلوات الله عليه ، إذا دخلت عليه ابنته فاطمة ، أخذ بيدها ورحب بها ، وأجلسها في مجلسه ، وإذا دخل عليها، قامت إليه ، ورحبت به ، وأخذت يده فقبلتها ( العقد الفريد 231/3 ) .

وكانت وصيته صلوات الله عليه ، لكل سرية يبعث بها إلي الحرب : لا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا أمرأة ولا وليدا ( العقد الفريد 128/1)

ولما جيء إلي النبي صلوات الله عليه ، بسفانة بنت حاتم الطائي ، قالت له : يا محمد ، هلك الوالد ، وغاب الرافد، فإن رأيت أن تخلي عني ، ولا تشمت بي أحياء العرب ، فإن أبي سيد قومه ، كان يفك العاني ، ويحمي الذمار ، ويفرج عن المكروب ، ويطعم الطعام ، ويفشي السلام ، ولم يطلب إليه طالب قط حاجه فرده ، أنا ابنة حاتم طيء ، فقال النبي

ص: 173

صلوات الله عليه : يا جارية ، هذه صفة المؤمن ، لو كان أبوك إسلامية الترحمنا عليه ، خلوا عنها ، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق (خزانة الأدب 494/1 ) .

وخلفه أبو بكر الصديق ، فكان يوصي أمراء جيوشه : لا تخونوا ، ولا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلا صغيرا ، ولا شيخا كبيرا ، ولا امرأة ( الطبري 227/3 ) .

وخلفه عمر الفاروق، فكان إذا عقد لأحد من قواده ، لواء ، أوصاه قائلا : لا تعتدوا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا هرمة ، ولا امرأة ، ولا وليدا . ( العقد الفريد 128/1 ).

وكان الإمام علي بن طالب يوصي قواده في كل موطن يلقون فيه عدو ، فيقول : لا تقاتلوا القوم حتي يبدأوكم ، فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرة ، ولا تجهزوا علي جريح ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل ، فإذا وصلتم ألي رحال القوم ، فلا تهتكوا سترة ، ولا تدخلوا دارة إلا بإذن ، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتموه في معسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذي ، وإن شتمن أعراضكم ، وسببن امراءكم وصلحاءكم ( اسماء المغتالين 162 والامامة والسياسة 138/1 ).

ولما انتهت وقعة الجمل ، في السنة 36 ، أنزل الإمام علي ، عائشة ، في دار عبد الله بن خلف الخزاعي ، أعظم دار بالبصرة ، ثم دخل عليها يزورها ، فرأته صفية ابنة الحارث زوجة عبد الله بن خلف ، وكان زوجها قد قتل في الوقعة مع عائشة ، وقتل أخوه عثمان مع علي ، فواجهته صفية مختمرة تبكي ، وقالت له : يا علي ، يا قاتل الأحبة ، يا مفرق الجمع ، أيتم الله بنيك منك ، فلم يرد عليها شيئا سوي أنه قال لعائشة ، لما جلس عندها : جبهتنا صفية ، أما أني لم أرها منذ كانت جارية حتي اليوم .

ص: 174

وسمع الإمام علي ، أحد أصحابه وهو يتوعد صفية ، فغضب ، وقال : صه ، لا تهتك سترة ، ولا تدخلين دارة ، ولا تهيج امرأة بأذي ، وإن شتمن أعراضكم ، وسقهن أمراءكم ، وصلحاءكم ، فإنهن ضعاف ، ولقد كنا نؤمر بالكف عنهن، وإنهن لمشركات ، فكيف إذن وهن مسلمات ، وإن الرجل اليكافيء المرأة ، ويتناولها بالضرب ، فيعير بذلك عقبه من بعده ، فلا يبلغني عن أحمد أنه عرض لامرأة ، فأنكل به ( الطبري 534/4 ، 539 ، 540 ، وابن الأثير 254/3 و 257/3 ).

وتعرض اثنان من الأزد للسيدة عائشة ، بعد انتهاء حرب الجمل ، فقال لها أحدهما : جزيت عنا أمنا عقوقأ ، وقال الثاني : يا أمنا توبي لقد أخطأت ، فبلغ ذلك الإمام علي ، فضرب كل واحد منهما مائة سوط ( الطبري 540/4 ، وابن الأثير 257/3 ).

لما قتل ابراهيم بن الاشتر، عبيدالله بن زياد، واحتوي علي ما في عسكره ، بعثت إليه هند بنت أسماء بن خارجة الفزاري ، امرأة عبيد الله بن زياد ، وشكت أليه انتهاب ما كان معها من مالها ، فقال لها : كم ذهب لك ؟ قالت : خمسون ألف درهم ، فأمر لها بمائة ألف درهم ، ووجه معها مائة فارس من عشيرتها يبذرقونها ، حتي أوصلوها إلي أبيها بالبصرة . ( الأخبار الطوال 296 ) .

ودخلت بنت أسامة بن زيد ، علي الخليفة عمر بن عبد العزيز ، فقام لها ، ومشي إليها ، ثم أجلسها في مجلسه ، وجلس بين يديها ، وما ترك لها حاجة إلا قضاها . (تاريخ الخلفاء 239 ).

ولما أسر الإفشين بابك الخرمي ، أطلق من أسره كثير من الصبيان المسلمين ، والنساء المسلمات ، ولما نزل بابك أسير ، راه هؤلاء الأسري ، فلطموا علي وجوههم ، وصاحوا ، وبكوا ، حتي ارتفعت أصواتهم ، فقال

ص: 175

الهم الإفشين : أنتم بالأمس تقولون أسرنا ، واليوم تبكون عليه ، عليكم لعنة الله ، فقالوا : إنه كان يحسن إلينا ( الطبري 50/9 ).

ولما فتح البساسيري بغداد في السنة 450 وأسر الخليفة القائم ، كتبت والدة الخليفة، إلي البساسيري من مكان كانت مستتر فيه ، رقعة تشرح فيها ما لحقها من الأذي ، والضرر ، والفقر ، حتي أن القوت يتعذر عليها، وهي جارية أرمنية ، قد ناهزت التسعين ، واحدودبت ، فأحضرها ، وأفرد لها دار في الحريم الطاهري ، وأعطاها جاريتين تخدمانها ، وأجري عليها في كل يوم أثني عشر رطلا خبزة ، وأربعة أرطال لحمة . ( المنتظم 201/8 ).

هذه صفحة رائعة ، من مكارم الأخلاق ، تقابلها صفحة مروعة مخزية من تصرفات أوذيت فيها المرأة ، قتلا ، أو تعذيبأ ، أو إهانة ، أورد منها علي سبيل المثال ، ثلاث صور ، الأولي : ما صنعه عبيد الله بن زياد ، فإنه أخذ عروة بن أدية ، أحد العباد الزهاد ، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه ، ثم صلبه ، ثم قطع رأسه وبعث به إلي ابنته ، فجاءت الفتاة وجثة أبيها مطروحة بين يدي ابن زياد ، لتأخذها فتدفنها ، فقال لها ابن زياد : أنت علي دينه ؟ فقالت له : كيف لا أكون علي دينه ، وما رأيت قط خيرا منه ، فأمر بها ابن زياد فقتلت مع أبيها ( انساب الاشراف 88/2/4 و 89 ) ، والثانية ما صنعه شمر بن الجوشن في موقعة الطفت التي قتل فيها الإمام أبو عبد الله الحسين وأنصاره ، وكان من أنصاره رجل من كلب ، خاض المعركة دفاعا عن الحسين ، فسقط قتيلا ، فخرجت امرأته تمشي ، حتي جلست عند رأسه ، تمسح عن وجهه التراب ، وتقول : هنيئا لك الجنة ، فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يسمي رستم : اضرب رأسها بالعمود ، فضربها به فماتت مكانها ( الطبري 438/5 ) والثالثة : ما صنعه المصعب بن الزبير ، لما انتصر علي المختار الثقفي وقتله ، فإنه أحضر زوجة المختار، وهي عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري ، وطالبها بأن تبرأ من زوجها ، فأبت ، وقالت متعجبة : كيف تبرأ

ص: 176

الحرة من زوجها ؟ فأمر بها فقتلت ( الاغاني 228/9 )، وأنا لا أعلق علي ما صنعه عبيد الله بن زياد وشمر بن ذي الجوشن ، فإنهما كلبان من الكلاب ، وما صنعاه غير مستغرب لما جبلت عليه طينتهما الخبيثة وأصلهما الخسيس ، ولكني أعجب لما صنعه المصعب ، وقد كان من جبلة غير جبلة ذينك اللئيمين .

ولعبيد الله بن زياد ، مع المرأة ، موقف آخر يبعث علي التقرز والغثيان ، فإنه بعد أن قتل الحسين وأولاده ، وأهل بيته ، ومن كان معه، وجيء إليه برؤوسهم ، وبنساء الحسين وبناته وأطفاله سبايا ، وأدخلن عليه ، تحركت فيه جبلته الدنسة ، وطبيعته اللئيمة ، وخاطب النساء والأطفال قائلا لهم : الحمد لله الذي فضحكم ، وقتلكم ، وأكذب أحدوثتكم ، ثم وجه كلامه إلي إحدي الفتيات الأسيرات ، فقال لها : كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك ؟ قد شفي الله نفسي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك ، فبكت ، وقالت له : لعمري ، لقد قتلت كهلي ، وأبرت أهلي ، وقطعت فرعي ، واجتشت أصلي ، فإن يشفك هذا فقد اشتفيت ( الطبري 457/5 ) .

أقول : رحم الله الرصافي حيث قال :

دع الاناسي وانسبني لغيرهم**** إن شئت للشاء أو إن شئت للبقر

فإن في البشر الزاهي بخلقته**** من قد أنفت به أني من البشر

وقد أورد لنا المؤرخون تفصيل ما صنعه مصعب بن الزبير ، بعمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري ، زوجة المختار ، فإنه بعد أن قتل زوجها ، أحضرها ، وقال لها : ما تقولين في المختار ؟.

فقالت : ما علمته إلا مسلما .

فحبسها ، وكتب إلي أخيه عبد الله ، فأمره بقتلها ، فأخرجها إلي ما بين الحيرة والكوفة ، وأمر رجلا من الشرط ، اسمه مطر ، فضربها بالسيف ،

ص: 177

ثلاث ضربات ، وهي تصيح : يا أبتاه ، يا أهلاه ، يا عشيرتاه .

فرفع رجل يده ولطم مطر ، وقال له : با اين الزانية ، عذبتها ، فقطعت نفسها. وتشحطت عمرة ، وماتت . ( أنساب الاشراف 263/5 و 264 ، والطبري 112/6 والاخبار الطوال 309 والاغاني 228/9 وتاريخ الكوفة 307 و 308 وتاريخ اليعقوبي 264/2 ).

ولما قتل مصعب بن الزبير ، عمرة بنت النعمان بن بشير الانصاري ، زوجة المختار بن أبي عبيد، أنكر الناس ذلك عليه ، وأعظموه ، لأنه أتي بماني رسول الله صلوات الله عليه عنه في نساء المشركين ، فكيف بالمسلمة ، فقال عمر بن أبي ربيعة : ( العقد الفريد 118/6 ).

إن من أعظم الكبائر عندي**** قتل حسناء غادة عطبول

قتلت باطلا علي غير ذنب**** إن لله درها من قتيل

كتب القتل والقتال علينا**** وعلي الغانيات جر الذيول

وقال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت : ( الطبري 113/6 ) .

أتي راكب بالأمر ذي النبأ العجب****بقتل ابنة النعمان ذي الدين والحسب

بقتل فتاة ذات دل ستيرة****مهذبة الأخلاق والخيم والنسب

فلا هنأت آل الزبير معيشة****وذاقوا لباس الذل والخوف والحرب

كأنهم إذ أبرزوها وقطعت ****بأسيافهم فازوا بمملكة العرب

وقد أفردت الأخبار المتعلقة بتعذيب المرأة في هذا الباب ، وقسمته إلي خمسة عشر فصلا :

الفصل الأول : أول من عذب النساء في الإسلام .

الفصل الثاني : قتل المرأة بالسيف .

ص: 178

الفصل الثالث : قتل المرأة خنقأ .

الفصل الرابع : قتل المرأة شنقا .

الفصل الخامس : ألوان أخري من القتل .

الفصل السادس : الخوارج والمرأة .

الفصل السابع : تعذيب المرأة بالنار .

الفصل الثامن : تعذيب المرأة بقطع الأطراف والتعرض للجوارح .

الفصل التاسع : ألوان أخري من العذاب .

الفصل العاشر : تعذيب المرأة بالتعرض للعورة .

الفصل الحادي عشر : تعذيب المرأة بالاسترقاق .

الفصل الثاني عشر : تعذيب المرأة بالضرب .

الفصل الثالث عشر : تعذيب المرأة بالحبس .

الفصل الرابع عشر : إشهار النساء .

الفصل الخامس عشر : انتحار المرأة .

ص: 179

ص: 180

الفصل الأول: أول من عذب النساء في الاسلام

وأول من عذب النساء في الإسلام معاوية بن أبي سفيان ، فإنه لما صالح الحسن ، اشترط علي نفسه أن لا يؤاخذ أحد من أصحاب علي ، بما كان منه قبل المصالحة ، فلما تمكن ، واستتب له الأمر ، تتبع من كان من أنصار علي ، ففر منه عمرو بن الحمق الخزاعي ، فأذكي عليه العيون والأرصاد ، واعتقل امرأته ، وحبسها في سجن بدمشق ، ثم أمسك بعمرو ، فقتله ، وقطع رأسه ، وأمر أحد أعوانه ، بأن يدخل علي المرأة في سجنها ، وأن يضع رأس زوجها في حجرها ( بلاغات النساء 64 والديارات 179 و180 ).

وكان النعمان بن بشير الأنصاري ، علي حمص ، وكان قد بايع لابن الزبير ، فلما بلغه خبر واقعة مرج راهط ، خرج من حمص مع أهله يريد المدينة ، وأصبح أهل حمص ، فطلبه أحد الكلاعيين يقال له عمرو بن الخلي ، ومعه غوغاء ، فلحقوه ، فقتلوه سنة 65 وألقوا برأسه في حجر ابنته أم أبان بنت النعمان ، فقالت نائلة زوجة النعمان : ألقوا الرأس إلي ، فأنا أحق به ، فألقي في حجرها ( انساب الاشراف 147/5 ).

وسار هشام بن عبد الملك ، علي ستة معاوية بن أبي سفيان ، في وضع الرأس المقطوعة ، في حجر المرأة المفجوعة ، أذ أمر برأس الإمام زيد بن

ص: 181

علي بن الحسين ، فوضع في حجر والدته ربطه بنت عبد الله بن محمد بن الحنفية .

فقابل عامر بن اسماعيل ، قائد الجيش العباسي ، ذلك ، بأن أمر أن يوضع رأس مروان الحمار ، آخر الحكام الأمويين ، في حجر ابنته ( بلاغات النساء 145) .

ولما قتل المستعين العباسي ، أمر المعتر فوضع رأسه ، بين يدي جاريته التي كان يتحظاهار الديارات 170).

وفي السنة 459 قتل القائد الحبشي سعيد بن نجاح الأحول ، علي بن محمد الصليحي صاحب اليمن ، وأسر زوجته السيدة أسماء بنت شهاب الصليحية ، وعذبها بأن أركبها في هودج ، وجعل أمام الهودج رأس زوجها ، ورأس أخ لزوجها قتل معه ، وبقيت الملكة أسماء في أسر الأحول سنة كاملة في زبيد ، ورأس زوجها ، ورأس أخيه ، معلقان أمام طاقة دارها ، ثم أنقذها ولدها من الأسر . ( أعلام النساء 421/1 و 422) .

وفي النساء 543 قتل الحافظ الفاطمي ، وزيره رضوان ، وبعث برأسه إلي زوجة رضوان ، فوضع في حجرها ، فقالت : هكذا يكون الرجال ( ابن الاثير 49/11 ) .

ص: 182

الفصل الثاني: قتل المرأة بالسيف

كان القتل بالسيف ، مقصورة علي الرجال ، ولذلك ، فإن مصعب بن الزبير ، لما قتل عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري ، بالسيف ، أنكر الناس ذلك وأعظموه وأعتبره عمر بن أبي ربيعة المخزومي و من أكبر الكبائر » ، ولما قتلت جارية ببغداد ، في السنة 549 سيدتها، ذكر ابن الجوزي في المنتظم 159/10 أنها أخرجت إلي الرحبة ، وقتلت « كما يقتل الرجال ،، أي أن عنقها قطع بالسيف ، مما يدل علي أن قتل المرأة بالسيف كان منكرة عند الناس.

إلا أن التاريخ سجل لنا أسماء أشخاص ، فاضت فيهم القسوة ، فمارسوا أعمال قتل النساء ، منهم زياد بن أبيه ، وابنه عبيد الله ، فحازا بذلك لعنة التاريخ علي كر الزمان .

ويروي لنا التاريخ ، أن زياد بن أبيه ، قتل عددا من النساء كالشجاء ، وحمادة الصفرية ( الحيوان للجاحظ 589/5 و590 ) أخذ الشجاء ، فقطع يديها ورجليها، ثم قتلها ( الحيوان 589/5 ) ، ولم يكتف بقطع الأطراف والقتل ، فدفعته القسوة إلي صلبهن عاريات ( العقد الفريد 221/1 و222 ) . وكان يشتمهن ، عندما يباشر قتلهن ، فكن يجنبه إجابات جارحة .

قال زياد لامرأة من الخوارج، وقد أمر بقتلها: أما والله، لأحصدنكم حصدأ ، ولأفنينكم عذأ ، فقالت له : كلا ، والله ، إن القتل ليزرعنا ، فلما

ص: 183

هم بقتلها، تسترت بثوبها ، فقال لها : أتتسترين وقد هتك الله سترك ، وأهلك قومك ؟ فقالت : إي والله ، أتستر ، ولكن الله أبدي عورة أمك علي السانك ، أذ أقررت بأن أبا سفيان زني بها ، ثم قتلت ( بلاغات النساء 143)

وولي بعد زياد ، ولده عبيد الله ، فكان مثلا لوالده ، في القسوة والفسولة والبغي ، فقد أخذ عبيد الله بن زياد ، عروة بن أدية ، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه ، ثم أمر أن يصلب علي باب داره ، فصلب ، ثم قطع رأسه ، وبعث به إلي ابنته ، فجاءت الإبنة وجثة أبيها مطر وحة بين يدي ابن زياد ، لتأخذها فتدفنها ، فقال لها ابن زياد : أنت علي دينه ؟ فقالت : كيف لا أكون علي دينه ، وما رأيت قط خيرأ منه ، فأمر بها فقتلت مع أبيها . ( انساب الاشراف 88/2/4 و89).

وكان عبيد الله بن زياد ، يتلذذ بتعذيب النساء ، وقطع أطرافهن بمحضر منه ، وقد جيء إليه بأمرأة ، فقطع رجلها ، وقال لها : كيف ترين ؟ فقالت : إن في الفكر في هول المطلع ، لشغلا عن حديدتكم هذه ، ثم أمر فقطعت رجلها الأخري ، وجذبت ، فوضعت يدها علي فرجها ، فقال : لتسترينه ، فقالت له : لكن سمية أمك ، لم تكن تستره ( بلاغات النساء 134 ).

وقتل عبيد الله بن زياد ، الدلجاء من بني حرام بن يربوع . وكانت من مجتهدات الخوارج ، فلما طلبها ليقتلها ، قيل لها : إن الله قد وسع علي المؤمنين في التقية ، فاستتري ، فأبت ، فوجه إليها عبيد الله ، فأحضرها، وقطع يديها ، ورجليها، وطرحها في وسط السوق . ( اعلام النساء 119/1).

وفي السنة 72 بعث خالد بن عبد الله بن أسيد، أمير البصرة لعبد الملك بن مروان ، أخاه عبد العزيز لقتال الخوارج ، فالتحم جنده بجند

ص: 184

الخوارج يقودهم صالح بن مخراف ، وانفل جيش البصرة ، وقتل مقاتل بن مسمع ، وسببت امرأة عبد العزيز إبنة المنذر بن الجارود ، وأقيمت عند الخوارج فيمن يزيد، وكانت جميلة ، فبلغت مائة ألف درهم ، فغار رجل من قومها ، كان من رؤوس الخوارج ، يقال له أبو الحديد الشني ، فصاح بهم : تنحوا هكذا ، ما أري هذه المشركة ، إلا قد فتنتكم ، وضربها بسيفه ، فقطع عنقها ، فقال ابن قيس الرقيات : ( الطبري 168/6 - 173).

عبد العزيز فضحت جيشك كلهم****وتركتهم صرعي بكل سبيل

من بين ذي عطش يجود بنفسه ****وملحب بين الرجال قتيل

هلا صبرت مع الشهيد مقاتل ****إذ رحت منتهك القوي بأصيل

وتركت جيشك لا أمير عليهم**** فارجع بعار في الحياة طويل

ونسيت عرسك أذ تقادسية**** تبكي العيون برنة وعويل

وفي السنة 74 سار حسان بن النعمان ، عامل إفريقية لعبد الملك بن مروان ، فقصد ملكة البربر بجبال أوراس، وتسمي الكاهنة ، فالتقي الجيشان في معركة ضارية ، وكثر القتل حتي ظن الناس إنه الفناء ، ثم انتصر المسلمون ، وأنهزم البربر ، وقتلوا قتلا ذريعا ، وانهزمت الكاهنة ، ثم أدركت فقتلت ( ابن الأثير 4/ 372).

وفي السنة 105 نشبت معركة بين مسعود بن أبي زينب العبدي ، وكان قد استولي علي البحرين واليمامة ، وبين سفيان بن عمر العقيلي أمير اليمامة ، فقتل مسعود ، وقتلت أخته زينب في المعركة . ( ابن الأثير 119/5 ).

ولما قتل الإمام زيد بن علي بن الحسين ، بالكوفة ، قتل يوسف بن عمر امرأة زيد بالحيرة . ( مروج الذهب 195/2 ) .

وفي السنة 119 وقعت معركة بين خاقان ملك الترك ، وأسد بن عبد الله القسري عامل خراسان ، في منطقة الجوزجان ، فانكسر خاقان ،

ص: 185

وفر، وأراد الخصي أن يحمل امرأة خاقان ، فأعجلوه عن ذلك ، فطعنها بخنجر ، فوجدها جند المسلمين وهي تتحرك . ( الطبري 124/7 ).

وكان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، شديد القسوة ، غضب علي أحد أقاربه ، وهو عبد الله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب ، فقتله ، ثم دعا بامرأة ابن المسور ، وكلمها بشيء ، فراجعته ، فأمر بقتلها ، فقتلت ( مقاتل الطالبيين 160).

وكانت عبدة بنت عبدالله بن يزيد بن معاوية، تحت هشام بن عبد الملك ، وأسرها عبدالله بن علي العباسي ، وكان معها من الجوهر ، ما لا يدري ما هو ، ومعها درع من اليواقيت والجوهر منسوج بالذهب ، وهو بدنة عبدة المشهورة التي وصلت إلي زبيدة ، فألبستها بوران في عرس المأمون ، وكان عبدالله بن علي قد أطلقها بعدما أخذ ما معها من الجوهر ، فقال له أصحابه : ما صنعت ؟ أدني ما يكون ، أن يبعث إليها أبو جعفر ( أي المنصور )، فتخبره بما أخذت منها ، فيأخذه منك ، اقتلها، فبعث في أثرها ، فلحقها الرسول ، فقالت له : مه ؟ فقال : أمرنا بقتلك ، قالت : هذا أهون علي ، ونزلت فشدت درعها ، من تحت قدميها ، وكميها ، وذبحت ( مصارع العشاق 151/2 - 152).

أقول : عبدة ، هذه ، زوجة هشام بن عبد الملك ، قتلها العباسيون ، لما اجتاحوا الشام ، وهي صاحبة بدنة عبدة المشهورة التي أهداها الرشيد لزوجته ابنة عمه زبيدة لما بني بها ، وأهدتها أم جعفر زبيدة ، لبوران ، لما بني بها المأمون ، والبدنة ثوب كالمعطف ، مغطي باللؤلؤ والجواهر ، علي اختلاف اشكالها ، وقد أبصرت عدة منها في طهران في معرض الجواهر ، مطرزة باللؤلؤ ، في قبو البنك المركزي الإيراني ، راجع الديارات 156 وتاريخ بغداد لابن طيفور 114.

ص: 186

وسألت أمينة بنت خضير : ما فعل محمد ؟ ( تريد محمد بن عبدالله النفس الزكية ) فقيل لها : قتل .

قالت : فما فعل ابن خضير ؟ ( تريد أخاها إبراهيم ).

فقيل لها ؛ قتل ، فخرت ساجدة .

فقال لها زوجها : أتسجدين، وقد قتل أخوك ؟

قالت : نعم ، أليس لم يفر ، ولم يؤسر ( الطبري 605/7 ).

أقول : إبراهيم بن خضير ، هو إبراهيم بن مصعب بن مصعب بن الزبير ، كان من أقوي انصار محمد بن عبدالله النفس الزكية ، لما خرج علي المنصور ، وكان ابراهيم صاحب شرطة محمد، وكان شجاعا ذا نكاية ، وقتل في المعركة ( العيون والحدائق 244/3 ).

وروي علي بن يقطين ، أن موسي الهادي، كان جالس ذات ليلة ، فجاء خادم فساره بشيء ، فنهض ، ثم جاء وهو يتنفس ، ومعه خادم يحمل طبقأ مغطي بمنديل ، فقال للخادم أرفع المنديل ، وإذا علي الطبق رأسا جاريتين لم ير أحسن منهما وجها وشعرأ فأعظم الحاضرون ذلك ، فقال : بلغني أنهما تحابا ، فوكلت بهما هذا الخادم ليرفع إلي أخبارهما ، فجاءني ، فأخبرني بأنهما قد اجتمعتا فوجدتهما كذلك ، نائمتين في لحاف واحد ، فقتلتهما ، ثم قال : يا غلام ارفع ، ورجع إلي حديثه كأن لم يصنع شيئا . ( الطبري : 221/8 - 222 تحفة المجالس 93- 94).

وقتل الشاعر ديك الجن ، عبد السلام بن رغبان (161- 235). حبيبته وردة ، لما اتهمها ، فضربها بالسيف ، فقتلها ، ثم علم من بعد ذلك أنه اتهمها ظلمة ، فقض باقي حياته يرثيها ، ومن جملة أقواله لما ندم :

يا طلعة طلع الحمام عليها****وجني لها ثمر الردي بيديها

رويت من دمها الثري ولطالما**** روي الهوي شفتي من شفتيها

قد بات سيفي في مجال وشاحها**** ومدامعي تجري علي خديها

ص: 187

فو حق نعليها ، وما وطيء الحصي**** شيء أعز علي من نعليها

ما كان قتليها لأني لم أكن**** أبكي إذا سقط الذباب عليها

لكن ضنت علي العيون بحسنها ****وأنفت من نظر الحسود اليها

راجع القصة مفصلة في الأغاني 55/14 - 56.

وفي السنة 252 أمر المعتز ، بقتل المستعين ، فقتله سعيد بن صالح ، قيل أنه شد في رجله حجرة ، وألقاه في الماء ، وقيل انهم قتلوه ، وقتلوا دايته معه ، لأنها كانت في رفقته ، فلما علوه بالسيف ، صاحت ، فقتلوها معه ( الطبري 363/9 - 364).

ودعا عبد العزيز بن أبي دلف بجارية كان يري الدنيا بعينها ، فضرب عنقها ، فقيل له : لم فعلت ذلك ؟ فقال : مخافة أن أموت في حبها فتبقي هي بعدي تحت غيري ( البصائر والذخائر 109/1 ).

وفي السنة 269 رمي أحد غلمان إبراهيم الخليجي امرأة بسهم ، فقتلها، فهاج العامة ببغداد ، ووثبوا عليه ونهبوا منزله ودوابه ، وأخذوا غلمانه ، أما هو ففر ( الطبري 613/9 ).

وفي السنة 280 استبد أمية بن عبد الغافر ، بمدينة إشبيلية ، وكان يليها للأمير عبدالله المرواني ، فثار عليه الإشبيليون ، وحاربوه، فاستمات ، وقتل حرمه ، وعقر دوابه ، وأحرق موجوده ، وقاتل حتي قتل ( ابن خلدون 381/9)

وفي السنة 283 وثب الجند البربر والمغاربة علي أمير مصر جيش بن خمارويه بن أحمد بن طولون ، وطلبوا منه أن يتنازل عن الإمارة ، لكي يتولي عمه مكانه ، فعمد جيش إلي عمه الذي أرادوا تأميره، فقتله وقتل عما له آخر معه، ورمي برأسيهما اليهم ، فهجم الجند علي جيش وقتلوه وقتلوا أمه ،

ص: 188

وانتهبوا داره ومدينة مصر وأحرقوها، وأمروا عليهم هارون بن خمارويه . ( الطبري 45/10 -46).

وقتل إبراهيم بن أحمد بن الأغلب (ت 289)، كثيرة من أصحابه ، وكتابه ، وحجابه ، واثنين من أبنائه، وثمانية من أخوته، وقتل سائر نسائه، وجميع بناته فعزله المعتضد عن إفريقية، فرحل إلي صقلية، ومات بها. ( الإعلام 22/1 ).

وفي السنة 334 قبض علي امرأة قبضت علي صبي ، وشوته في التنور ، وهو حي ، وأكلت بعضه ، وأقرت بذلك ، وذكرت أن شدة الجوع حملها علي ذلك ، فحبست، ثم أخرجت ، وضربت عنقها، ووجدت امرأة اخري قد اخذت صبية فشقتها نصفين وطبخت نصفها سكباجأ ، والنصف الآخر بماء وملح ، فدخل الديلم وذبحوها، ثم وجدت ثالثة قد شوت صبيا وأكلت بعضه ، فقتلت. ( المنتظم 344/6 ).

وكان محمد بن مسافر ، صاحب قلعة سميران ، قبيح السيرة ، شرير ، ظالما ، أوحش حتي أولاده ، ففر منه ولده وهسودان ، إلي أخيه المرزبان بقلعة الطرم ، وأراد الأب محمد أن يفرق بين الأخوين ، فلم يتمكن ، ولما استولي المرزبان علي أذربيجان استدعي في السنة 339 أباه محمد بن مسافر ، وأخاه وهسودان ، وصدرا أباهما، ووقفا بين يديه ، ثم قصد المرزبان الري ، وحارب ركن الدولة البويهي ، فانكسر جيش المرزبان وأسر ، وعاد فل عسكره إلي محمد بن مسافر ، فعقدوا له الرياسة ، فعاد إلي قبيح سيرته ، فوثب عليه الجند ، فالتجأ إلي ولده وهسودان ، فأخذ وهسوذان أباه ، واعتقله في قلعة شيسجان ، وضيق عليه حتي مات ، ثم تخلص المرزبان من الحبس ، وعاد إلي حكم اذربيجان، ومات في السنة 346 فحكم بعده ولده جستان ، فأخذ وهسودان في التضريب بين أولاد أخيه ، وتفريق كلمتهم ، وفي السنة 349 التجا جستان وناصر ، ومعهما أم جستان،

ص: 189

إلي عمهما وهسودان ، بعد أن توثقوا منه بالأيمان الغليظة والعهود ، فلما حصلوا في قبضته نكث ، وحبسهم، ثم قتلهما ، وقتل أم جستان أيضأ ، كما قتل جميع حاشيتهما ، ومن يقرب منهما ، ففر أخوهما إبراهيم بن المرزبان ، والتجأ الي ركن الدولة الذي بعث معه جيشأ أعاده إلي حكم أذربيجان ( تجارب الأمم 31/2 -32- 135- 167- 219- 220 وابن الأثير 531/8 ).

وقبض الوزير أبو الفضل الشيرازي ، وزير بختيار البويهي ، علي ابي طاهر الحسين بن الحسن ، عامل البصرة ، وسلمه إلي مستخرج كان أبو طاهر قد وتره فنالته منه مكاره عظيمة حتي قتله ، وقتل أخاه، وأقاربه، وزوجته ( تجارب الأمم 295/2).

وفي السنة 388 قتل أبو نصر بن بختيار ، صمصام الدولة بن عضد الدولة وقال : هذه سنة سنها أبوك ، يشير إلي أن أباه عضد الدولة قتل أبن عمه بختيار والد أبي نصر .

وسلمت والدة صمصام الدولة إلي قائد ديلمي اسمه لشكرستان كور فقتلها، وبني عليها دكة في داره ، فلما ملك بهاء الدولة فارس ، أخرجها ودفنها في تربة بني بويه . ( ابن الأثير 143/9 ذيل تجارب الأمم 315/3).

وفي السنة 406 تحرك علي الأمير باديس بن المنصور بن بلكين، عمه حماد بن بلكين ، فبعث اليه أخا حماد ، واسمه إبراهيم بن بلكين ، لكي يصلح امره ، فاتفق حماد وإبراهيم ، وجاهرا باديس بالخلاف ، وسفكا الدماء ، وقتلا الأطفال، وأحرقا الزروع والمساكن ، وسبيا النساء ، وحدث أن فر إلي باديس جماعة من جند قلعة حماد ، وكان فيها أخوه إبراهيم ، فأخذ إبراهيم أبناءهم ، وذبحهم علي صدور أمهاتهم ، فقيل إنه ذبح منهم بيده ستين طفلا ، فلما فرغ من الأطفال ، ذبح الأمهات ( ابن الأثير 254/9 ).

وفي السنة 407 غزا يمين الدولة محمود بن سبكتكين ، الهند ، وحصر

ص: 190

قلعة كلجند ، وكلجند من أعيان الهنود وشياطينهم ، فاقتلا ، فانفل جيش كلجند ، وقتل منهم قريبة من خمسين ألفأ ، فعمد كلجند إلي زوجته فقتلها ، ثم قتل نفسه بعدها ( ابن الأثير 266/9 ).

وفي السنة 467 قتل السلطان ملكشاه السلجوقي ، عمته كوهرخاتون ، اتهمها بالتحريض عليه. ( اعلام النساء 267/4 ).

وفي السنة 475 وجدت امرأة مقتولة ملقاة في درب الدواب ، وظهر أن قاتلها رجل أعرج ، أقر بأنه في تلك الليلة جمع بين هذه المرأة وبين رجل، وأنها أخذت من الرجل قراريط ، وأن الأعرج طالبها بأجره ، فقالت : خذ ما تريد ، فوقع عليها ، ثم قتلها ، وأخذ ما معها من الحلي والدنانير ، فحبس ثم قتل . ( المنتظم 3/9).

ولما مات السلطان ملكشاه، استفحل أمر الباطنية بأصبهان ، وفتش الناس مواضع بحثا عن أشخاص مفقودين فوجدوا امرأة في دار لا تبرح فوق حصير ، فأزالوها، فوجدوا تحت الحصير أربعين قتيلا، فقتلوا المرأة ، وأخربوا الدار والمحلة . ( المنتظم 120/9 -121).

وفي السنة 495 قتل غلام امرأة سيده لفرط هواه لها وغيرته عليها ، وأمكنه أن يهرب ، فلم يفعل ، وأخذ يصيح : يا معشر الناس ، أما فيكم من يقتلني ، فحمل إلي باب النوبي، ثم أحضر زوج المرأة معه إلي رحبة الجامع ، وأعطي سيفأ ، فضرب به رأس القاتل، وأبانه أذرعا في ضربة واحدة ( المنتظم 132/9 ).

وفي السنة 500 قتلت أميرة زوجة عيسي بن تغلب ، قتلها ابن أبي هشام ، وسبب ذلك إن قلعة تكريت كانت بيد رافع بن الحسين بن مقن العقيلي ، ولما توفي خلفه ابن أخيه خميس بن مقن، ولما توفي خميس خلفه ولده أبو غشام ، وفي السنة 444 وثب عيسي بن خميس بن مقن ، علي ابن أخيه

ص: 191

أبي غشام ، فحبسه ، وملك القلعة ، وتوفي عيسي ، فخافت زوجته أميرة أن يعود أبو غشام فيملك القلعة ، فقتلته ، واستنابت في القلعة رجلا سلمها إلي رجال السلطان ، وخرجت أميرة الي الموصل ، فقتلها ابن أبي غشام بأبيه ( ابن الأثير 419/10 - 420).

وفي السنة 504 في أيام الأمر الفاطمي ، قصد بردويل الإفرنجي ، صاحب القدس ، مصر ، فدخل الفرما وأحرقها، وأحرق جامعها ومساجدها ، وقتل بها رجلا مقعدا ، وذبح ابنته علي صدره ، ثم رحل وهو مريض ، فهلك في طريقه قبل وصوله إلي العريش ، فشق أصحابه بطنه ، ورموا حشوته هناك فهي ترجم الي اليوم ( وفيات الأعيان 3،1/5 ).

وفي السنة 509 قصد جند السلطان محمد السلجوقي مدينة كفر طاب ، وكانت في يد الفرنج ، فلما اشتد الحصار علي الفرنج ، ورأوا الهلاك ، قتلوا أولادهم ونساءهم ، وأحرقوا أموالهم ، ودخل جند السلطان البلد عنوة ، وأسروا صاحبها وقتلوه ( ابن الأثير 510/10).

وفي السنة 536 هاجم الخطا من سكان ما وراء النهر السلطان سنجر ، وسبب ذلك إن السلطان سنجر ، كان قد هاجم خوارزم ، وفتحها ، وقتل أحد أولاد خوارزم شاه اتسز بن محمد ، فأراد خوارزم شاه أن ينتقم منه ، فراسل الخطا ، وتزوج منهم ، وأغراهم بقصد مملكة السلطان سنجر ، فقصدوا السلطان ، وحصلت معركة ، فانهزم السلطان سنجر ، وقتل من جيشه مائة ألف قتيل ، منهم أحد عشر ألفا كلهم صاحب عمامة ، وأربعة الآف امرأة . ( ابن الأثير 81/11).

وفي السنة 549 قتلت جارية امرأة ، سيدتها ، فأخرجت الجارية إلي الرحبة ، وقتلها زوج المرأة بحضرة الناس ، كما يقتل الرجال ( المنتظم 159/10)

ص: 192

وفي السنة 556 أقيمت البينة علي خواجكي صاحب مدينة شارستان ، أنه قتل زوجته ظلما وعدوانأ وأخذ مالها ، فقتل بها . ( ابن الأثير 278/11 ).

وفي السنة 556 قتل الملك الصالح طلائع بن رژيك ، وزير العاضد الفاطمي ، تصدي له قوم بالسكاكين في دهليز القصر ، واتهم الصالح ، عمة العاضد ، بأنها المحرضة علي قتله ، فطلبها من العاضد ، فبعث بها إليه ، فقتلها ( ابن الأثير 274/11 ).

وفي السنة 568 توفي خوارزم شاه أرسلان ، فخلفه ولده سلطان شاه محمود ، فحاربه أخوه الأكبر علاء الدين تكش ، وانتصر عليه ، فهرب سلطان شاه ، وأخذت أمه ، فقتلها علاء الدين تكش . ( ابن الأثير 377/11 -378)

وفي السنة 656 لما فتح هولاكو بغداد ، وقبض علي الخليفة المستعصم وأولاده ، وجميع أفراد السلالة العباسية ، قرر هولاكو أن يقرض النسل العباسي ، فأمر الخليفة أن يفرز من نساء دار الخلافة ، جميع النساء اللواتي باشرهن هو وبنوه ، وأن يعزلهن عن غيرهن ، ففعل، فكن سبعمائة امرأة ، فأخرجهن ومعه ثلثمائة خادم ( خصي )، وقال الدكتور مصطفي جواد رحمه الله تعليقا علي هذا الخبر : المفهوم أن هولاكو أمر بقتل جميع الجواري اللواتي باشرهن رجال بني العباس من الأسرة المالكة ، لئلا يكن - كلا أو بعضأ - حوامل بأبناء يصلحون للخلافة ، وهو يريد قرضها بالكلية ( موسوعة العتبات المقدسة ، قسم الكاظمين ج 2 ص 342) أقول : أنا في شك من صحة عدد النسوة اللواتي قتلن ، وإن كنت علي يقين من وقوع القتل ، وكذلك جري الحال فيما يتعلق بالأمراء العباسيين ، من أعدام الخليفة وانسبائه ، وكانوا في دارين من دار الخلافة ، دار الصخر ، ودار الشجرة ، فكان اتباع هولاكو يخرجونهم واحدة واحدة ، فيخرج بأولاده وجواريه ، فيحمل إلي مقبرة الخلال ( الشيخ الخلاني ) وقتلوا جميعا عن آخرهم ( موسوعة

ص: 193

العتبات المقدسة ، قسم الكاظمين ج 2 ص 336).

وفي السنة 666 قتلت ببغداد امرأة تسمي عروس خاتون ، كانت زوجة بعض أصحاب توكال بخشي ، شحنة بغداد ، اسمه حسين آغا ، وسبب ذلك أنها هويت غلاما أمرد مليحا ، فلما عرف بذلك ، أراد قتله ، فأبي الشحنة ذلك ، وقال : يقتلان جميعا ، أو يستبقيان بعد أخذ الحد منهما ، فأخرج الغلام الي ظاهر السور ، وضرب له وتد في الأرض فأقعد عليه فمات ، ثم قدم المرأة ، وقتلها بيده ، وهو يبكي أسفا عليها ( الحوادث الجامعة 361).

ووصف ابن بطوطة في رحلته 223/2 - 224 قسوة السلطان غياث الدين الدامغاني ، سلطان بلاد المعبر ، ووحشيته ، فإنه كان يأمر بالأسري ، فيركزون علي أعواد قائمة ، فتخترق أجسادهم ، ثم يأمر بذبح نسائهم ، وتعلق رؤوسهن علي الأعواد التي تحمل أزواجهن ، ثم يأمر بذبح أولادهن في حجورهن.

وفي السنة 736 توفي السلطان أبو سعيد ، سلطان العراق، عن بضع وثلاثين سنة ، واتهمت زوجته بغداد خاتون بنت الأمير جويان ، بأنها سمته في منديل الجماع ، أي أنها اتهمت بأنها وضعت له سما في المنديل الذي تمسح به بعد الجماع ، فقتلت .

وفي السنة 781 رسم السلطان بضرب اعناق جماعة من النصاري ، رجال ونساء ، لأنهم اسلموا ثم ارتدوا ، فضربت اعناقهم تحت شباك المدرسة الصالحية بالقاهرة ، فانكر الناس ما فعلوه من ضرب اعناق النساء بين الرجال . ( بدائع الزهور 250/2/1).

وفي السنة 802 لما فتح تيمورلنك حلب ، لجأ النساء والأطفال إلي الجوامع والمساجد ، فلم يجدهم ذلك ، كما قتل كثير من الأطفال تحت حوافر الخيل ، وفي الطرقات ، ولما استولي علي دمشق، صنع بها أعظم مما صنع بحلب ( الضوء اللامع 46/3 -48) .

ص: 194

وفي السنة 803 لما فتح تيمورلنك بغداد ، فرض علي كل واحد من عسكره أن يحضر له رأسين ، فكان الواحد منهم إذا عجز عن احضار رأسين ، يقطع رأس امرأة ، ويزيل شعرها ، ويقدم الرأس (تاريخ الغياثي 125۔ 127).

وفي السنة 814 اتهم السلطان الملك الناصر بن برقوق ، زوجته خوند بنت صرق ، بأن لها علاقة بأحمد بن الطبلاوي ، فقطع عنقها ووضعه تحت طبق مغطي وأحضر ابن الطبلاوي ، وأجلسه ثم كشف له عن الرأس ، وقال له : هل تعرف هذه ؟ ثم قام إليه ، وضرب عنقه بيده ، وأمر أن يدفنا في فبر واحد . ( بدائع الزهور 815/2/1).

وفي السنة 861 قتل داروغة يزد ، واسمه قنبر الخزرجي ، من اتباع جهان شاه ، زوجته وابنته وابنه ، بأن قطع رؤوسهم ، وأخذها في مخلاة ، ووضعها أمام جهان شاه ، وقال له : هذا جزاء من يواظب في خدمتك ، وسبب ذلك أن بيربوداق بن جهان شاه ، لما دخل مدينة يزد ، عين فيها محصلا اسمه ساتلمش الشيرجي ، فعسف أهلها ، وكان قنبر داروغة يزد في خدمة جهان شاه والدبيربوداق ، ففسق الشيرجي بزوجة قنبر وبابنه وابنته ، فلما حضر قنبر الي يزد بلغه الخبر ، فعمد إلي امرأته وابنه وابنته ، فقطع رؤوسهم ، ووضعها في مخلاة ، وأخذها إلي جهان شاه ووضع الرؤوس أمامه ، وحدثه بالقصة، فغضب جهان شاه ، وطلب من ولده بيربوداق أن يبعث إليه بساتلمش، فأبي، فكان ذلك من الأسباب التي أدت بجهان شاه إلي أن حصر ولده بير بوداق ببغداد ، ثم قتله ( التاريخ الغياثي 290- 291 و 315)

وفي السنة 873 قتل حسن علي بن جهان شاه ، زوجة أبيه، في تبريز ، بأن علقها من ثدييها ، فظلت ثلاثة أيام ، ثم ماتت ، وبلغ ذلك أوزون حسن بك ، وكان يحاصر بغداد ، فترك حصارها ، وقصد حسن علي في تبريز،

ص: 195

وحصره فيها ، وفي اثناء الحصار ، فر قائدان من قواده ، إلي أوزون حسن بك ، فقبض حسن علي علي أولادهما ونسائهما وقتلهم جميعا ، كما قتل كل من له علاقة بالقائدين المذكورين ( التاريخ الغياثي 329-326).

وقتل السلطان أبو سعيد بن محمد بن ميران شاه بن تيمورلنك ، الأميرة كوهرشاد بيكم أغا، زوجة شاه رخ وجدة يادكارميرزا ( اعلام النساء 268/4)

أقول : وفي السنة 873 أسر حسن الطويل ( أوزون حسن )، السلطان أبا سعيد بن محمد بن ميران شاه بن تيمورلنك ، فأسلمه إلي يادگار ميرزا ، فقتله قصاصأ عن جدته كوهر شاد ( تاريخ العراق للعزاوي 2333).

وفي السنة 985 مات الشاه اسماعيل الثاني بن طهماسب ، فاتهمت أخته الأميرة بري جان خانم بأنها دشت له السم ، فقتلت ( تراجم الأعيان 59/2)

وفي السنة 1000 (1591 م)، طلب اكبر شاه ، سلطان الهند، من حكومات الدكن ، أن تعترف له بالسيادة ، فرفضوا طلبه ، فسير اليهم جيشا بقيادة ولده مراد وقائده خان الخانات ابن بيرام ، فحاصرا مدينة أحمد ناجور ، وقامت بأمر الدفاع عن المدينة ، الأميرة المسلمة ، شاندي بيبي ، إحدي أميرات بيجابور ، وأبدت شجاعة ومهارة عظيمة، وانتهت الحملة بالمصالحة ، وتنازلت الأميرة عن الحكم ، لأخيها الصغير ، الأمير بهادر نظام شاه ، ثم انتقض الصلح ، ونشبت في السنة 1006 (1597 م) معركة جديدة ، أسر فيها الأمير بهادر ، فعادت الأميرة المسلمة شاندي بيبي للدفاع عن أحمد ناجور ، ولكنها اتهمت بالخيانة ، فاعدمت ، وعندئذ لم تثبت المدينة علي الدفاع ، فسقط في أيدي المغول . ( الإسلام والدول اللإسلامية في الهند 84-83).

ص: 196

وذكر مندليس ، أحد السياح الأوروبيين ، عن والي أحمد آباد ، إنه كان من القسوة بحيث إنه دعا راقصتين ، لترقصان في حفلة أقامها، فتأخرتا ، فأحضرهما قسرا ، وقطع رأسيهما أمام أضيافه ، وكان هذا الوالي القاسي ، يلي ولاية احمد آباد بالهند ، للشاه جهان ، مدة حكمه 1038- 1069 ( 1628- 1658 م). ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 103- 104).

وفي السنة 1168 ( 1754م) قتل المير مهنا ، أباه الميرناصر ، حاكم بندرريق ، وهي بليدة تقع شمالي مدينة أبو شهر ، لكي يحل محله ، ولما عنفته أمه علي قتل أبيه ، أمر بقتلها ، فقتلت ( رحلة نيبور 147/2 ).

وفي السنة 1201 وقعت بالقاهرة حادثة لشخص من الأجناد اسمه اسماعيل كاشف أبو الشراميط ، وكان هذا الرجل يسيء معاملة مماليكه ، فتآمروا عليه ، وقام اثنان من مماليكه بقتله ، فصرخت زوجته، ونزلت اليهم ، فقتلاها ، وقتلا جاريتها معها ، واجتمع الناس وحضر الوالي ، فأطلقا عليه الرصاص ، ثم فرا ، فتعقبهما الوالي ، وقبض عليهما ، وقتلهما علي رأس العطفة التي تقع فيها الدار التي حصلت فيها الجريمة ( الجبرتي 11/2 ).

وفي السنة 1214 لما استعرت الحرب بين الجيش الأفرنسي ، والمماليك وأهل القاهرة ، كان رجل مغربي يلقب بالجيلاني ، له اتباع مغاربة ، فعل أفعالا قبيحة، إذ كان يكبس البيوت مع جماعة من العوام فيقتلون من يجدون فيها ، وينهبون الدار ، ويسبون النساء ويسلبونهن ما عليهن من الحلي والثياب ، ومنهم من يقطع رأس البنية الصغيرة طمعا فيما علي رأسها وشعرها من الذهب ( الجبرتي 327/2 ) .

ص: 197

ص: 198

الفصل الثالث: قتل المرأة خنقا

اتهم ابن الدمينة (ت 130 ) امرأته ، فطرح علي وجهها قطيفة ، وجلس عليها حتي قتلها ( الاغاني 96/17 ).

وذكر أبو الأزهر المهلب بن عيسي ، إنه خنق جارية عبد الله بن علي العباسي، عم المنصور ، وكان المنصور قد حبس عمه عند أبي الأزهر هذا ، ثم أمره بقتله ، فدخل عليه ومعه جارية له ، فبدأ بعبد الله فخنقه حتي مات ، ثم مده علي الفراش ، وأخذ الجارية ليخنقها ، فقالت : يا عبد الله ، قتلة غير هذه ، فكان أبو الأزهر يقول : ما رحمت أحدأ قتلته غيرها ، فصرفت وجهي عنها ، وأمرت بها فخنقت ، ووضعتها معه علي الفراش ، وأدخلت بدها تحت جنبه ، ويده تحت جنبها ، كالمتعانقين ، ثم أمرت بالبيت فهدم عليهما . ( مروج الذهب 241/2 ) .

وفي السنة 493 نشبت معركة ضارية بين السلطان بركياروق ، وأخيه السلطان محمد ، فانكسر وزيره مؤيد الملك عبيد الله بن نظام الملك وأحضر عند السلطان بركياروق ، وكان مؤيد الملك ، لما ورد صحبة السلطان محمد إلي الري، وجد فيها زبيدة خاتون ، والدة السلطان بركياروق ، قد تخلفت بعد آبنها فأخذها ، وسجنها ، ورفعها إلي القلعة ، وأمر بها فخنقت ، فلما أسرة السلطان بركياروق ، قتله بيده ، وظل ملقي علي الأرض عدة أيام ،

ص: 199

حتي أذن في دفنه ، فحمل إلي تربة أبيه بأصبهان ، فدفن معه . ( ابن الأثير 288/10 و 30) .

وفي السنة 661 أقر زوجان ، بأنهما كانا يحتالان علي النساء ويخنقانهن ، من أجل حليهن، فخنقت المرأة ، وجعلت في جوالق، وسمر زوجها في خشبة ، وفي اليوم الثاني خنق بحبل ( الذيل علي الروضتين 222)

وفي السنة 801 قصد تيمورلنك بغداد ، فتشوش السلطان أحمد بن أويس ملك العراق ، فأخذ في قتل أمرائه وقواده ورجاله ، حتي قتل أكثر الخدم ، والحرم الذين كانوا عنده ، قتلهم بيده وألقاهم في دجلة ، وكانت خالته وفا خاتون ، وهي بمثابة أمه ، لأنها هي التي ربته ، فتشوش منها أيضأ وقتلها بأن وضعها وبعض الحريم في قارب ، بحجة إرسالهم إلي واسط ، وأغرق القارب في وسط دجلة ، فغرقوا بأجمعهم ( التاريخ الغياثي 121).

وفي السنة 841 بلغ الأمير أصبهان ، سلطان العراق ، أن ميرزا علي ، ابن أخي قرايوسف ، وزاهد ، وقطلوبك ، قد تآمروا عليه ، فقبض عليهم ، وأمر بقتلهم ، وقتل ميرزا علي ، وأولاده جميعا ، حتي الأطفال الذين في المهد، وكانت بلقيس باشا ، بنت ميرزا علي ، تحت أصبهان ، فلما قتلوا بكت ، وصاحت ، فأمر بخنقها ، فخنقت ( تاريخ العراق للعزاوي 99/3 ).

وفي السنة 869 بعث جهان شاه ، إلي ولده بير بوداق صاحب بغداد ، أن يعني بزوجته ، فاستاء من هذه الوصية ، ولما تقدم جهان شاه لحصار بغدد ، أمر بير بوداق بخنق زوجته ، وكانت طول نهارها وليلها مشغولة بتلاوة القرآن والصلاة ، فخنقت ، ولما قتل بير بوداق زوجته ، قام كل امرائه والمقربين منه ، فقتل كل منهم نساءه تأسيا بسيدهم . ( التاريخ الغياثي 319، -320)

ص: 200

وفي السنة 1216 لما رحل الإفرنسيون عن مصر ، وعادت السلطة للعثمانيين، طلبت ابنة الشيخ البكري وكانت ممن تبرج مع الفرنسيس، بمعينين من طرف الوزير ، فحضروا إلي دار أمها بالجودرية بعد المغرب ، وأحضروها ووالدها ، فسألوها عما كانت تفعله ، فقالت : إني تبت من ذلك ، فقالوا الوالدها: ما تقول أنت ؟ فقال : أقول إني بريء منها ، فكسروا رقبتها، وكذلك المرأة التي تسمي «هوي » التي كانت تزوجت نقولا القبطان ، ثم أقامت بالقلعة ، وهربت بمتاعها ، وطلبها الفرنساوية ، وفتش عليها عبد العال، فلما دخل المسلمون (العثمانية) وحضر زوجها مع من حضر، وهو اسماعيل كاشف ، المعروف بالشامي ، أمنها ، وطمنها ، وأقامت معه أياما ، فأستأذن الوزير في قتلها ، فأذن له ، فخنقها في ذلك اليوم أيضا ، ومعها جاريته البيضاء أم ولده ، وقتلوا أيضا أمرأتين من أشباههن ( الجبرتي 486/2)

وفي السنة 1235 مات ابن ابراهيم باشا نجل محمد علي باشا ، صاحب الديار المصرية ، وكان الابن في سن السادسة ، ذكروا إنه كان في حجر دادته وهي جارية سوداء ، فشاجرتها جارية بيضاء ، ورفصتها برجلها ، فأصابت الغلام ، فمات ، فقبض ابراهيم باشا علي الجواري بما فيهن الدادة ، وكن ستا ، فخنقهن ، ورمي بهن في البحر ( الجبرتي 608/3 ) .

وفي السنة 1264 قتلت الداعية البهائية الشهيرة ، الملقبة بقرة العين ، وكانت قد ربط شعر رأسها بذنب بغل ، وجيء بها مسحوبة ، ثم خنقت ، وأحرقت . ( اعلام النساء 201/4 ).

ص: 201

ص: 202

الفصل الرابع: قتل المرأة شنقا

وفي السنة 694 لما قبض علي صدر واسط ابن الطراح وأصحابه ، قبض علي امرأة قيل إن أحد أصحاب ابن الطراح أودع عندها وديعة ، فصلبت بادية العورة ( الحوادث الجامعة 484 - 487) .

وفي السنة 775 رسم سلطان مصر ، بالقاهرة ، بشنق امرأة يقال لها : الخناقة ، فشنقت هي وزوجها، وكانت تسكن في تربة في الصحراء ، وتأخذ ، هي وزوجها ، أولاد الناس الصغار ، وتخنقهم ، وتأخذ ما عليهم من الثياب ، فلما أخذت ، وجد عندها أثواب الصغار الذين خنقتهم ، وشنقت هي وزوجها بباب النصر ، وكان يوما مشهودة في اجتماع الناس عليهما للفرجة ، لما شنقا ( بدائع الزهور 128/2/1 ).

وفي السنة 1178 صلبت « المرأة الفاحشة » فاطمة ، الشهيرة بعة قاش ، لأمور يطول شرحها ( إعلام النبلاء 3/ 345 ) .

أقول : ليته ذكر السبب بأختصار إذا لم يرد أن يطيل في الشرح .

وفي السنة 1213 أحضر الأغا رج؟ « رمي عنقه » عند باب زويلة ، وأحضر امرأة شنقها علي شباك السبيل تجاه الباب ، وكان الرجل خادمأ عند الضابط الفرنسي حاكم خط الخليفة ، والمرأة راقصة خليلة الرجل ، فكانا يغريان الضابط بمصادرة الناس ، وعلم كبير الفرنسيس الذي يقال له شيخ

ص: 203

البلد بذلك أحضر الضابط وحبسه ، أما خادمه وخليلته فتسلمها الأغا وقتلهما ( الجبرتي 258/2 ).

وفي السنة 1216 قبض بالقاهرة علي امرأة سرقت أمتعة من حمام ، فأعدمت شنقا عند باب زويلة ( الجبرتي 518/2 ).

ص: 204

الفصل الخامس: ألوان أخري من القتل

وفي السنة 11 قتلت في المعركة ، أم زمل سلمي بنت مالك بن حذيفة بن بدر الفزارية ، وكانت قد سبيت في صدر الإسلام ، فأعتقتها عائشة ، فعادت الي قومها ، ودعت إلي الردة عن الإسلام ، وجعمت حولها جموعة ، وعظمت شوكتها ، فقاتلها خالد بن الوليد مع جيش إسلامي ، ونشبت معركة عظيمة ، وهي علي جمل واقفة ، وقتل حول جملها نحو مائة رجل ، واجتمع علي الجمل ، جماعة ، فعقروه ، وقتلوها . ( الاعلام 174/3)

وفي معركة الطف ، في السنة 61 كان من انصار الحسين عليه السلام ، رجل من كلب ، فحمل عليه اثنان من رجال الجند الأموي ، فقتلاه ، فخرجت امرأته تمشي إلي زوجها، حتي جلست عند رأسه تمسح عنه التراب ، وتقول : هنيئا لك الجنة ، فقال شمر بن ذي الجوشن ، لغلام يسمي رستم : اضرب رأسها بالعمود ، فضربها به ، فماتت ( الطبري 438/5)

ولما استعرت الخصومة بين قيس وتغلب في السنة 70 كان المستعلي منهم لا يكتفي بقتل الرجال ، وإنما يبقر بطون النساء، ففي يوم الثرثار الأول ، وكان التغلب علي قيس ، بقرت تغلب بطون ثلاثين آمرأة ، وقابلهم القيسيون في يوم البليخ ، فبقروا بطون نساء من تغلب ، وفي معركة

ص: 205

الكحيل ، وكانت لقيس علي تغلب ، عاود القيسيون بقربطون النساء ، وهدأت الخصومة حين ، ثم عاود الجحاف بن حكيم السلمي هذا اللون من العذاب بأن أغار مع أصحاب له علي تغلب فقتلهم ، وبقر بطون الحوامل ، وقتل من لم تكن حاملا، وكان سبب ذلك أنه لما قتلت بنو تغلب ، قرب تكريت ، عمير بن الحباب واصحابه ، ثم هدأت الفتن ، وتكافت قيس وتغلب ، وتقاربوا للصلح ، أثار أحد السفهاء وهو الاخطل الشاعر نار الفتنة من جديد إذ أنشد في مجلس عبد الملك بن مروان مخاطبة الجحاف معيرأ له ، بقوله :

ألا سائل الجحاف هل هو ثائر**** بقتلي أصيبت من تميم وعامر

فوثب الجحاف يجر مطرفه وما يعقل من الغضب ، ثم افتعل عهدأ من عبد الملك علي صدقات تغلب ، وصحبه من قومه ألف فارس ، وأغاروا علي بني تغلب ليلا فقتلوهم ، وبقروا بطون الحبالي ، ومن كانت غير حامل قتلوها ، ثم لحق بالروم ، ولما سكن غضب عبد الملك كلم فيه فأمنه ، فعاد ، وأحس بمقدار جريمته، فحج فيمن شهد المذبحة معه ، وقد لبسوا الصوف وأحرموا ، وأبروا انوفهم ، أي خزموها وجعلوا فيها البري ، ومشوا إلي مكة ، وتعلق الجحاف بأستار الكعبة وهو يقول : اللهم اغفر لي وما أراك تفعل ، فقال له محمد بن الحنفية : يا عبد الله قنوطك من عفو الله أعظم من ذنبك ( الاغاني 201/12 - 204).

أقول : لما أوقع الجحاف ببني تغلب ، عاد مؤرث الفتنة الاخطل

الشاعر ، فأنشد عبد الملك قصيدة يستعديه فيه علي الجحاف ، منها :

لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة**** إلي الله منها المشتكي والمعول

فأن لم تداركها قريش بحزمها**** يكن عن قريش مستراد ومزحل

فغضب عبد الملك لقوله : يكن عن قريش مستراد ومزحل ، وقال له :

ص: 206

إلي أين يا ابن النصرانية ؟ فقال : إلي النار .

لما أوقع الجحاف بن حكيم السلمي ، بالبشر ، وقعته بتغلب ، وقتل الرجال والنساء والأطفال ، قالت أحداهن له : قوض الله عمادك ، وأطال سهادك ، وأقل رقادك، إن قتلت إلا نساء أسافله دمي، وأعاليهن ثدي، فقال الجحاف لمن حوله : لولا أني أخشي أن تلد مثلها لخليت سبيلها، ثم قتلها، وبلغ ذلك الحسن البصري ، فقال : أما الجحاف فجذوة من نار جهنم . ( الحيوان 24/1 والمحاسن والاضداد 29 ) .

وفي السنة 130 كتب مروان بن محمد ، إلي عبد الملك بن محمد بن عطية ، قائد جيشه في اليمن ، أن يبارحها ليحج بالناس ، فسار قاصدأ الحجاز في اثني عشر رجلا ، ونزل الجرف ، فأتاه آبنا جهانة المراديان في جمع كثير ، وقالوا له وأصحابه : أنتم لصوص ، فأراهم عهده ، علي الحج ، فقالوا : هذا باطل ، فقاتلوه ، وقتلوه ، وخلفه ابن اخيه الوليد بن عروة بن محمد بن عطية ، فهاجم الذين قتلوه ، وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وبقربطون نسائهم ، وقتل الصبيان ، وحرق بالنار من قدر عليهم منهم ( ابن الأثير 391/5 ، 392، 402) .

وذكر السيوطي ، في كتابه نزهة المجالس ( ص 122 و 123 ) إن الأمين أمر بجارية من جواريه ، فطرحت للسباع ، ففضلت عضوا عضوا ، وخلاصة القصة أن ابراهيم بن المهدي اشتري جارية بارعة الحسن ، كاملة الصفات ، بعشرة آلاف دينار ، وحملها إلي زبيدة ، فعوضته عنها ثلاثين ألف دينار ، وبلغ الأمين خبرها ، فأمر بإحضارها ، واختبرها ، فأعجب بها ، وبسطها ، فانبسطت ، وكايدت بحري الخادم ، وكان أثيرأ عند الأمين ، وعبثت به ، حتي بكي ، فغضب الأمين عليها ، وأمر بأن تطرح للسباع ، فطرحت للسبع ، ففضلها عضوا عضوأ .

ص: 207

أقول : أنا في شك من صحة هذه القصة ، وأحسبها من القصص التي سبكت بعد قتل الأمين ، وإلا فإن الأمين لم يكن مضيعة بالدرجة التي وصفه بها بعض المؤرخين ، ولكن الناس من يلق خير قالوا له ما يشتهي ولأم المخطيء الهبل .

وفي السنة 269 رمي أحد غلمان ابراهيم الخليجي امرأة بسهم فقتلها ، واستعدي عليه السلطان ، فامتنع من تسليم الغلام ، ورمي غلمانه الناس ، فقتلوا جماعة ، منهم اثنين من أعوان السلطان ، فهاج العامة ، ونهبوا منزله ، ودوابه ، وأخذوا غلمانه ، أما هو ففر ( الطبري 613/9)

وأغرق أحد الملاحين ببغداد ، امرأة نزلت في سفينته ، لينقلها من

مشرعة إلي أخري ، فطمع فيما عليها من حلي وثياب ، فأغرقها ، وأعترف بما صنع ، فأمر به المعتضد ، فأغرق ، راجع القصة مفضلة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ح 4 ص 125 رقم القصة 59 .

وفي السنة 333 فتح أبو يزيد الخارجي بافريقية مدينة سوسة فأحرقها أصحابه ، وقتلوا الرجال ، وسبوا النساء ، وشقوا فروج النساء ، وبقروا البطون ( ابن الأثير 426/8 ) .

وقبض الابزاعي ، صاحب الشرطة ببغداد ، في عهد معز الدولة البويهي ، ملاحة أقر بأنه راود أمرأة نزلت في سميريته ، لينقلها من مشرعة إلي أخري ، عن نفسها ، فلما امتنعت عليه ، أغرق آبتين لها ، كانتا معها ، ثم استسلمت له ، فلما قضي حاجته منها ، أغرقها، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي، تحقيق المؤلف ، ج 3 ص 214 - 220 رقم القصة 142 وقد بسط التنوخي في القصة إقرار المجرم بجريمته ، والعقاب الذي عاقبه به صاحب الشرطة ، وكيفية التحقيق الذي كان يجريه صاحب الشرطة في استجواب المتهمين .

ص: 208

وفي السنة 458 نشبت معركة بين محمد بن خزرون ، من ملوك الطوائف بالأندلس ، والمعتضد بن عباد ، صاحب إشبيلية ، فاستمات بن خزرون وأمر أحد غلمانه بقتل زوجته ، وأمر آخر بقتل أخته ، فقتلتا ، ثم استقتل ، وتقدم فقاتل حتي قتل . ( الاعلام 346/6 ) .

وفي السنة 536 انهزم السلطان سنجر ، من الترك الكفار ، وسبب ذلك أن سنجر كان قد حارب خوارزم شاه ، وأسر أحد أولاده ، فقتله ، فراسل خوارزم شاه الخطا ، وهم بما وراء النهر ، وحثهم علي قصد مملكة السلطان سنجر ، فالتقوا بما وراء النهر ، واقتتلوا أشد قتال ، وانهزم سنجر ، وقتل من أتباعه مائة ألف قتيل ، منهم أحد عشر ألف كلهم صاحب عمامة ، وأربعة آلاف امرأة ، وأسرت زوجة السلطان سنجر . ( ابن الأثير 81/11 ).

وفي السنة 555 لما توفي المقتفي ، وخلف ولده المستنجد، اتهم المستنجد أخاه أبا علي وأمه ، بالسعي في قتله ، وإنهما استعانا بالجواري ، فأمر بالجواري ، فقتل بعضهن، وغرق البعض الآخر . ( ابن الأثير 257/11)

وكان قتل النساء وسبيه ، من الأمور المتعارفة الإعتيادية في القرن السادس ، بحيث إن الأمر إذا جري علي ما يخالف ذلك ، كان يسجل ، فإن الأمير المؤيد أي أبه ، لما فتح مدينة شارستان في السنة 556 ، ذكر ابن الأثير (ج 11 ص 278 ) أن عسكره نهب المدينة ، إلا أنهم لم يقتلوا أمرأة ولا سبوها » ، ونزل أمراء المدينة بالأمان ، ولكن أحدهم واسمه خواجكي ، حوكم بتهمة قتله زوجته ظلمة ، وأخذ مالها ، فثبتت عليه التهمة ، وقتل .

وفي السنة 568 توقي خوارزم شاه ارسلان بن أنسز، وخلفه ولده سلطان شاه محمود ، فأنف أخوه الأكبر علاء الدين تكش ، من سلطنة أخيه الأصغر ، واستعان بملك الخطا ، ونشبت بين الأخوين معركة ، كان النصر فيها

ص: 209

التكش ، وفر سلطان شاه ، وظفر تكش بأم سلطان شاه فقتلها . ( ابن الأثير 377/11 و 378 ).

وفي السنة 633 اختلف أهل إصبهان ، الشافعية والحنفية ، وجرت بينهم حروب متصلة ، فخرج قوم من الشافعية ، إلي التتار ، وطلبوا منهم أن يقصدوا إصبهان لتسلمها منهم ، علي أن يعينوهم في قتل الحنفية ، فقصدوا البلد، وفتح الشافعية لهم أبوابها ، فلما دخلوها بدأوا بالشافعية فقتلوهم قتلا ذريعة ، ثم ثنوا بالحنفية ، وثلوا بسائر الناس ، وسبوا النساء ، وشقوا بطون الحبالي ، ونهبوا الأموال ، ثم أضرموا النار في إصبهان ، فأصبحت تلالا من الرماد ( شرح نهج البلاغة 237/8 و 238 ).

وفي السنة 654 هلك أتدخان ، أحد ملوك التتار ، فاتهمت امرأته بأنها سحرته ، وقتلت ( مجلة لغة العرب البغدادية ج 10 سنة 7).

وفي السنة 655 قتلت ملكة مصر، عصمة الدين ، ملكة المسلمين ، والدة الملك المنصور خليل أمير المؤمنين ، شجرة الدر ، بالقاهرة ، ضربا بالقباقيب ، لأنها اتهمت بأنها قتلت زوجها عز الدين ايبك خنقا في الحمام . ( الاعلام 3/ 231).

أقول : شجرة الدر أم خليل ، جارية الملك الصالح ، جارية تركية ، ذات شهامة ، وإقدام ، وجرأة ، وذكاء ، وعقل ، ودهاء ، بارعة الحسن ، وكان الملك الصالح مغرما بها ، فلما مات في أشد الأوقات حراجة ، وجيشه مقابل جيش الإفرنج في مصر ، أخفت شجرة الدر خبر موته ، وأخذت تعلم بخطها مثل علامته ، ونالت من السعادة أعلي الرتب ، بحيث أنها خطب لها علي المنابر ، وملكوها عليهم أياما ، ثم بلغها اعتراض الخلافة ببغداد علي تمليك امرأة ، فاختارت عز الدين أيبك ، وسلطنته ، وتزوج بها ، وكان الأمر إليها ، ثم بلغها إنه خطب ابنة صاحب الموصل ، فعظم ذلك عليها ، وعزمت

ص: 210

علي الفتك به ، وجاء أيبك تعبان من ملعب الكرة ، ودخل الحمام، فأمرت خدمها ، فاقتحموا عليه الحمام وقتلوه خنقأ وهو عريان، وتسلطن ولده علي من بعده وهو ابن 15 سنة ، وكان أول ما صنعه أن أمر خدمه بقتل شجرة الدر ، فقتلت ، وألقيت مسلوبة تحت قلعة مصر ، دفنت في تربتها ( شذرات الذهب 267/5 -268).

وفي السنة 658 حصر هولاكو قلعة حارم ، وطلب تسليمها إليه ، ولهم الأمان ، فلم يطمئن أهلها إلي أمانه ، وطلبوا رجلا مسلم" يحلف لهم بالطلاق والمصحف علي أن لا يدنو لأحد منهم بسوء ، واختاروا فخر الدين الوالي بقلعة حلب ، فأحضره ، وحلف لهم علي ما أرادوا ، ففتحوا الأبواب واستسلموا ، وعندئ أمر هولاكو بقتل الوالي فخر الدين ، ثم قتل جميع من في القلعة من الرجال والنساء حتي الأطفال الذين في المهد ( اعلام النبلاء 287/2)

وفي السنة 661 استولي علي حكم فارس سلجوق شاه بن سلفرشاه بن سعد بن زنكي ، فقتل تركان خاتون أم عمه السلطان محمد بن سعد وزوجة جده السلطان سعد بن زنكي ( معجم انساب الأسر الحاكمة 350) .

أقول : لم يمتد حكم سلجوق هذا ، إذ قتله المغول في السنة 663 .

وفي السنة 730 وقعت فتنة بين أمير مكة الشريف عطيفة وبين آيدمور أمير جدار الناصري ، أمير الحاج المصري ، وسبب ذلك إ تجارة من اليمن سرقت منهم أموال ، فشكوا ذلك إلي الأمير آيدمور ، فقال آيدمور لمبارك بن الأمير عطيفة : أحضر لي هؤلاء السراق ، فقال له : لا أعرفهم ، فكيف أتي بهم ، ثم إن أهل اليمن تحت حكمنا، ولا حكم لك عليهم ، فإن سرق لأهل الشام ومصر شيء فاطلبني به ، فشتمه آيدمور ، وضربه علي صدره ، فسقطت عمامته عن رأسه ، وغضب له عبيده، فقتلوا آيدمور وقتلوا معه ولده ، واشتبك

ص: 211

رجال أمير مكة ، مع الجند المصريين ، وقتلت ام أة بالنشاب، قالوا إنها كانت تحرض أهل مكة علي القتال ( مهذب رحلة ابن بطوطة 185/1).

ولما توقي السلطان أبو سعيد في السنة 737 اتهمت زوجته بغداد خاتون، بأنها دشت له السم في منديل ، فهجم عليها الخواجة لؤلؤ الرومي ، وهي في الحمام ، فضربها بدبوسه وقتلها، وطرحت مستورة العورة بقطعة تليس ( تاريخ العراق للعزاوي 493/1 ).

وفي السنة 845 هلك الأشرف اسماعيل بن الأفضل يحيي ملك اليمن ، وكان ظالما قتل إخوته وأقاربه ، وقتل عمته أخت أبيه ، وقتل بيده امرأة أخري لاتهامه إياها بمصاحبتها ، وقطع يد امرأة أخري تضرب بالرمل ، كل ذلك لتخوفه أنهم يسعون في تمليك غيره ( الضوء اللامع 308/2 ).

وفي السنة 873 كان حسن بيك يحاصر بغداد ، فكتبت إليه امرأة جهان شاه بيكم خاتون ، من قلعة النجق ، تحثه علي المجيء إلي تبريز لتسلمه القلعة والخزائن ، فرحل عن بغداد ، قاصد، تبريز ، وقبل وصوله ، قصد حسن علي بن جهان شاه قلعة النجق ، وحصر زوجة أبيه ، وقال للموكلين بالقلعة : أنا حسن علي بن جهان شاه ، جلست علي التخت ، وملكت الدنيا وما فيها ، وأنتم تعصون علي لأجل امرأة ، فخافوا منه ، وفتحوا له أبواب القلعة ، فاستولي عليها ، وأخذ زوجة أبيه ( أم بيربوداق ) إلي تبريز ، وصلبها من ثدييها حتي ماتت ، وقصد حسن بيك ، حسن علي بن جهان شاه ، واشتبك معه في معركة حامية ، فانفل عسكر حسن علي ، وفر هو إلي باكو ، ثم إلي جبال الوند بهمذان، حيث اعتقله هناك ثلاثة من أتباع حسن بيك ، وكان حسن علي يدرك ما له عند حسن بيك، فأزمع أن ينتحر ، وطلب منهم موسي ليحلق عانته ، فذبح بالموسي نفسه ، وعنئين قطعوا رأسه ، وقطعوا ذكره وحطوه في فمه ، وجاءوا برأسه إلي حسن بيك ، وقطعوا جسده أربع قطع ،

ص: 212

وعلقوها علي أبواب همذان علي كل باب قطعة (تاريخ الغياثي 380۔ 381)

وفي السنة 895 مات بالسم السلطان يعقوب بن السلطان حسن الطويل ، وأخوه أبو يوسف ، وأمهما سلجوق بيكم ( تاريخ العراق للعزاوي 275/3)

وفي السنة 902 قتل القاضي شمس الدين بن المزلق ، قتلته سريتاه بتحريض من الدوادار وأمير آخور ، واستادار الحاجب تمر بغأ ، فأمسكوا الجميع وخوزقوا، خلا الجارية الصغري ، فإنها غرقت ، لأنها كانت حبلي ( قضاة دمشق 182).

وفي السنة 925 اتهمت صبية مصرية ، بأنها كانت مع نصراني ، فأمر بها ملك الأمراء بمصر ، نائب السلطان العثماني ، فعريت من أثوابها، وكتفت ، وربطت من رجليها إلي ذنب إكديش ، وسحبت علي وجهها ، فماتت في الطريق . (بدائع الزهور 290/5 ).

وفي السنة 1098 كان والي حماة ، إذا غضب علي رجل أمر به فأعدم بإقعاده علي الخازوق ، وإذا غضب علي امرأة، وضعها في كيس مع شيء من الكلس ، وألقاها في نهر العاصي ( خطط الشام 277/2 ).

ومما يؤثر عن جان بولاد، أمير لواء أكراد حلب ، إنه غضب علي زوجته، أم ولده حسين باشا فقتلها ( اعلام النبلاء 88/6 ).

وفي السنة 1216 أي بعد خروج الإفرنسيين من مصر ، أحضرت إبنة الشيخ البكري ، وكانت قد خالطت الإفرنسيين ، فكسرت رقبتها. ( الجبرتي 486/2)

وممن حاز قصب السبق في هذا المورد الذميم ، مخلوق اسمه المير مهنا ، حاكم بندر ريق ، وهي بليدة تقع شمالي مدينة بوشهر ، علي الساحل

ص: 213

الشرقي لخليج البصرة ، فإن هذا المير مهنا ، بدأ جرائمه في السنة 1168 (1754 م) باعتقال أبيه المير ناصر ، حاكم البليدة، وأمر به فقتل بمحضر منه ، ثم قتل من بعد ذلك أخاه وستة عشر شخصا من أفراد عائلته ، ولما عنفته أمه علي جرائمه ، أمر بها ، فقتلت ، وأغرق أختين له ، لأن أمير من جيرانه خطب إحداهن للزواج بها، وكان يئد ( يدفن بالحياة ) كافة البنات اللاتي يولدن له ، أما ما كان يمارسه في رعيته من أساليب العذاب بجدع الأنوف وصلم الآذان ، فلا يحصي لكثرته ( رحلة نيبور 146/2 -149).

وفي السنة 1201 نودي بالقاهرة علي النساء بمنع خروجهن إلي الأسواق ، وسبب ذلك وقائعهن مع العسكر ، منها إنهم وجدوا في بيت يوسف بك سكن حمامجي اوغلي نحو سبعين امرأة مقتولة ومدفونة بالإصطبلات ( الجبرتي 20/2).

ولما اشتعلت نيران الثورة الفرنسية في السنة 4 120 ( 1789 م) وأقيمت المقصلات ، ونشطت حركة الإعدام كان الجلاد يلقي بجثث الضحايا في أوضاع يثير بها ضحك المتفرجين ، وكان ( كاريه ) يحمل ضحاياه علي أن يحفروا قبورهم بأيديهم ، ليدفنهم فيها أحياء ، أما النساء والأطفال ، فكان يأمر بإغراقهم ( قصة الأضطهاد الديني 26- 27).

وفي السنة 1213 قبض الإفرنسيون علي خمسة أنفار من اليهود وامرأتين، فألقوا الجميع في بحر النيل ( الجبرتي246/2 ).

وفي السنة 1217 مر أربعة أنفار من العسكر ، وأخذوا غلاما لرجل حلاق بخط بين السورين عند القنطرة الجديدة بالقاهرة ، فعارضهم الأسطي الحلاق في أخذ الغلام ، فضربوا الحلاق وقتلوه ، ثم ذهبوا بالغلام إلي دارهم بالخطة ، فقامت في الناس كرشة وضجة ، وحضر أغات التبديل ، فطلبهم ، فكرنكوا بالدار ، وضربوا عليه بالبنادق من الطيقان ، وقتلوا من أتباعه ثمانية

ص: 214

أنفار ، ولم يزالوا علي ذلك إلي ثاني يوم ، فركب الباشا في التبديل ، ومر من هناك ، وأمر بالقبض عليهم ، فنقضوا عليهم من خلف الدار ، وقبضوا عليهم بعدما قتلوا وجرحوا آخرين ، فشنقوهم ، ووجدوا بالدار مكانة خربا أخرجوا منه زيادة عن ستين امرأة مقتولة وفيهن من وجدوها وطفلها مذبوح معها في حضنها ( الجبرتي 2/ 555).

وفي السنة 1219 عند الاحتفال في القاهرة بكسر الخليج ، حضر الباشا ( الوالي ) والقاضي ، ومحمد علي باشا وجميع العسكر ، وضرب الجميع بنادقهم ، ومات في ذلك اليوم عدة اشخاص نساء ورجالأ ، أصيبوا من البنادق، ومما وقع إن احدهم نظر إلي أعلي بيوت الخليج ، فرأي امرأة جالسة في الطاقة ، فضربها برصاصة أصابتها في دماغها ، وماتت من ساعتها ( الجبرتي 27/3 ).

وفي السنة 1223 أحس الإنكشارية بأن السلطان محمود العثماني ، يرغب في الحد من سلطانهم يعاونه في ذلك وزيره مصطفي باشا البيرقدار ، فحصروا مصطفي باشا في قصره ، وأحرقوه هو وزوجته، وجميع من في القصر ( أعيان القرن الثالث عشر 102).

وفي السنة 1225 قتل شخص من الأجناد الألفية، قطعوا رأسه بباب الخرق ، بسبب أنه قتل زوجته من غير جرم يوجب قتلها ( الجبرتي 3/ 314).

ص: 215

ص: 216

الفصل السادس: الخوارج والمرأة

للخوارج الذين خرجوا بالعراق، تاريخ مظلم في الإعتداء علي النساء والأطفال ، فبقروا بطون النساء ، وقتلوهن بالسيوف ، وألقوا الأطفال في القدور وهي تفور .

وكان أول ما ظهر منهم ، أنهم لاقوا عبدالله بن خباب ، صاحب رسول الله صلوات الله عليه ، ومعه امرأته وهي حبلي قد أركبها علي حمار ، وهو يسوقه ، فلما عرفوه ، سألوه عن الخلفاء الراشدين فأثني عليهم جميعا ، فأضجعوه وذبحوه ، ثم أخذوا أمرأته فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة من طيء ، وقتلوا أم سنان الصيداوية، فلما بلغ الإمام علي ذلك ، سار إليهم ، وبعث إليهم برسول يطلب منهم تسليم القتلة لكي يعاقبهم علي جرائمهم فقالوا : كلنا قتلتهم ، وكلنا نستحل دماءكم ودماءهم ، ( الطبري 72/5 -92)

وفي أيام عبيدالله بن زياد ، خرج رجل وامرأة اسمها جزعة ، ومعهما سيفان فحكما في مسجد البصرة ، وأخذ الرجل نحوا رحبة بني تميم ، وأخذت المرأة نحو بني سليم ، فلما رآها قد بعدت عنه ، ناداها : يا جزعة أقربي مني ، فقالت : إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فقتلا. ( أنساب الأشراف 93/2/4 ).

ص: 217

وقاتل مع عبدالله بن الزبير ، لما عاذ بالكعبة ، أربعون امرأة ، فقتلت منهن امرأة يقال لها الشعثاء ، فقال رجل من أهل الشام : ( أنساب الاشراف 189/5)

كانت لشعثا في القتال بصيرة**** بل كان بغية أهلها بالأردن

ومن جملة النساء الخوارج ، امرأة اسمها سلمي ، كانت تقاتل مع ابن الزبير ، قال فيها أحد الشاميين : ( أنساب الأشراف 50/2/4).

إني لم أنس إلا ريث أذكره**** أيام تطردنا سلمي وتنضينا

ولما استولي أبو حمزة الخارجي ، المختار بن عوف ، علي مكة والمدينة ، حشد له الأمويون، وقاتلوه ، فقتل في معركة بأسفل مكة ، وقتلت معه امرأته، وهي تقول :

أنا ابنة الشيخ الكريم الأعلم ****من سال عن إسمي فإسمي مريم

بعت سواري بسيف مخذم

وفي السنة 68 بارح الأزارقة ، وعليهم الزبير بن الماحوز ، فارس، إلي العراق ، ودخلوا المدائن، فقتلوا أم ولد لربيعة بن ماجد ، وقتلوا بنانة ابنة أبي يزيد بن عاصم الأزدي ، وكانت من أجمل الناس ، قرأت القرآن ، فلما غشوها بالسيوف ، قالت : ويحكم ، هل سمعتم أن الرجال كانوا يقتلون النساء ؟ ويحكم تقتلون من لا يبسط إليكم يدأ، ولا يريد بكم ضرا ، أتقتلون من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ؟ فقتلوها، فصاحت ريطة بنت يزيد : سبحان الله ، تقتلون النساء والصبيان ومن لم يذنب إليكم ذنب؟ ثم انصرفت وهي تحمل طفلة في يدها ، فهجموا عليها وضربوها والطفلة بالسيف . ( الطبري 121/6 ).

وفي السنة 68 لما دخل الأزارقة المدائن ، أخذوا رجلا اسمه سماك بن يزيد واخذوا معه ابنته ، وقدموها ليقتلوها، فصاحت بهم : أهل الإسلام ، إن

ص: 218

أبي مصاب فلا تقتلوه ، وإنما أنا جارية ، والله ما أتيت فاحشة قط ولا اذيت جارة لي ، ولا تشرفت، ولا تطلعت، فلما قدمت لتقتل، أخذت تصيح : ما ذنبي ، ما ذنبي ، فقطعوها بأسيافهم . ( الطبري 6/ 124).

وسبق لنا أن أوردنا في الفصل الثاني من هذا الباب ، تحت عنوان ، قتل المرأة بالسيف » ما صنعه أحد الخوارج من عبد القيس ، وهو أبو الحديد الشني العبدي ، لما ظفر الأزارقة ، بجيش البصرة ، في معركة بدار بجرد وسبوا أم حفص بنت المنذر بن الجارود العبدي ، زوجة عبد العزيز بن عبدالله ، قائد جيش البصرة ، فإن الأزارقة أقاموا أم حفص ، في السوق ، حاسرة ، بادية المحاسن ، وكانت من اكمل الناس حسنا وكما ، فتزايد فيها الناس حتي بلغت تسعين ألفا ( علي قول صاحب العقد الفريد ، ومائة ألف علي قول الطبري وابن الأثير) فأقبل ابو الحديد أحد رؤساء الخوارج من خلفها بالسيف ، وضرب عنقها ، فرفعوه إلي رأسهم قطري بن الفجاءة ، وقالوا : يا أمير المؤمنين ، إن هذا استهلك تسعين الفا من بيت المال ، وقتل أمة من إماء المؤمنين ، فقال له : ما تقول ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، رأيتهم تنازعوا عليها، حتي ارتفعت الأصوات ، واحمرت الحدق ، ولم يبق إلا الخبط بالسيوف ، فرأيت أن تسعين ألفا هينة في جنب ما خشيت من الفتنة بين المسلمين ، فقال قطري : خلوا عنه ، عين من عيون الله أصابتها ، قالوا : فاقد منها ، قال : لا أقيد من وزعة الله ، ثم قدم هذا العبدي بعد ذلك البصرة ، واتي آل المنذر ، فقالوا له : والله ، ماندري انحمدك أم نذمك ، فقال : ما فعلته إلا غيرة وحمية ، وذكر صاحب العقد الفريد إنهم وصلوه ( الطبري 169/6 ) والعقد الفريد 3/ 414 -415).

وخرج شبيب الخارجي ، بالموصل ، فبعث إليه الحجاج خمسة قواد ، فقتلهم واحدا بعد واحد، ثم خرج من الموصل بريد الكوفة ، وتحصن الحجاج منه في دار الإمارة بالكوفة ، ودخل إليها شبيب ، ومعه أمه جهيزة ،

ص: 219

وزوجته غزالة ، وكانت غزالة من الشجاعة والفروسية ، بالموضع العظيم ، وكانت تقاتل في الحروب بنفسها، وكان الحجاج، هرب في بعض الوقائع من غزالة ، فقال فيه الشاعر :

أسد علي وفي الحروب نعامة**** فتخاء تفزع من صفير الصافر

هلا برزت إلي غزالة في الوغي**** بل كان قلبك في جناحي طائر

وكانت جهيزة أم شبيب شجاعة ، أيضا تشهد الحروب ، واستعان الحجاج بجنود الشام ، وفي إحدي المعارك قتلت غزالة ، وقتلت جهيزة ، ونجا شبيب في فوارس من أصحابه إلي الأهواز ، فغرق هناك سنة 77 ( وفيات الأعيان 455/2 ).

وذكر الطبري في أخبار السنة 77، أن غزالة زوجة شبيب ، قتلت في المعركة ، قتلها فروة بن الدفان الكلبي ، ومر برأسها إلي الحجاج ، فرآه شبيب ، فأمر علوان ، فشد علي فروة فقتله ، وجاء بالرأس، فأمر به شبيب ، فغسل، ودفن ( الطبري 271/6 ).

أقول : كانت غزالة امرأة شبيب ، قد نذرت أن تصلي في مسجد الكوفة ركعتين تقرأ فيهما سورتي البقرة وآل عمران ، فأخذها زوجها شبيب إلي الكوفة ، وكان الحجاج فيها ، فلما سمع الحجاج بقدومه ، تحصن في القصر ، وأغلق عليه الباب ، فجاء شبيب فوقف علي باب القصر ، وضرب الباب بعمود في يده ، وصاح بالحجاج : أخرج الينا يا ابن أبي رغال ، وذهبت غزالة إلي المسجد حيث وفت بنذرها .

وقول شبيب للحجاج : يا ابن أبي رغال . كلمة شتيمة ، لأن أبا رغال الثقفي جد الحجاج ، كان دليل الحبشة لما غزو الكعبة ، وهلك فيمن هلك منهم ، فدفن بين مكة والطائف ، ومر النبي صلوات الله عليه بقبره ، فأمر

ص: 220

برجمه ، فرجم ، وأصبح رجمه سنة ( الأغاني 303/4 - 116/18 واليعقوبي 4 / 274 والطبري 271/6 - 275).

وفي السنة 77 توجه قطري الخارجي ، يريد طبرستان ، فوجه له الحجاج جيشأ بقيادة سفيان بن الأبرد ، فلحقوا بقطري في طبرستان، وقتلوه ، وذكر معاوية بن محصن الكندي إنه وجد في عسكر قطري خمس عشرة امرأة عربية ، علي جانب عظيم من الجمال وحسن الهيئة ، ومعهن عجوز ، فلما دنا منهن انتحت له العجوز بسيف مسلول، فضربته به علي عنقه ، فقطعت المغفر ، وقطعت جلدة من حلقه ، فسل سيفه وضربها به فأطار قحف رأسها ، وأخذ الفتيات إلي سفيان بن الأبرد ، فقال له سفيان : ما أردت إلي قتل العجوز أخزاها الله ، فاعتذر إليه بأنها أرادت أن تقتله، فاضطر لقتلها ( الطبري 309/6 ).

وفي إحدي المعارك بين المهلب والخوارج ، قرب اصطخر ، حمل يزيد بن المهلب علي الخوارج ، وتصدي له منهم فارسان ، فقال يزيد لقيس الخشني ، وهو من كماة اصحابه : من لهذين ؟ قال : أنا ، وحمل عليهم ، فطعن أولهما فصرعه ، وحمل عليه الآخر ، فتعانقا، وسقطا جميعا إلي الأرض ، فصاح قيس الخشني : اقتلونا جميعا، فحملت خيل هؤلاء ، وخيل هؤلاء، فحجزوا بينهما ، فإذا معانق قيس امرأة ، فقام قيس مستحيي ، فقال له يزيد : يا أبا بشر ، إنك بارزتها علي أنها رجل ، فقال : أرأيت لو قتلت ، أما كان يقال : قتلته امرأة ( شرح نهج البلاغة 200/4 ).

ومن النساء المحاربات ، من نساء الخوارج ، أم حكيم ، كانت من أشجع الناس ، وأجملهم وجها ، وكانت تحارب مع قطري بن الفجاءة (ت 78)، وكانت تدخل المعارك وهي ترتجز :

أحمل رأس قد سئمت حمله****وقد مللت دهنه وغسله

ألا فتي يحمل عني ثقله

ص: 221

وخطبها جماعة من أشراف الخوارج ، فردتهم، وقالت : ( الأغاني 150/6 وشرح مقامات الحريري 91/1-92).

ألا أن وجهأحسن الله خلقه****لأجدر أن يلفي به الحسن جامعة

وأكرم هذا الجرم عن أن يناله**** تورك فحل همه أن يجامعا

أقول : لم تكن الفروسية مقصورة علي نساء الخوارج ، وإنما هي فيهن أظهر ، وقد كان في نساء الصليبيين محاربات ، وذكر ابن الأثير في تاريخه الكامل 39/12 أنه في السنة 585 وقعت معركة عظيمة بين صلاح الدين الأيوبي والصليبيين علي عكار، فانتصر صلاح الدين ، وقتل من الصليبيين نحو عشرة آلاف ، أكثرهم من فرسان الإفرنج ، وكان من جملة الأسري ثلاث نسوة إفرنجيات ، كن يقاتلن فارسات علي الخيل ، فلما أسرن ، وألقي عنهن السلاح ، تبين أنهن نساء ، وذكر أيضا أن السلطان صلاح الدين حصر قلعة برزية ، ونصب حولها المجانيق ، ونصب أهل القلعة منجنيقة أبطل مجانيق المسلمين ، وذكر ابن الأثير ( 15/12 ) إنه كان حاضرا الحصار ، وإنه أبصر بعينه امرأة من الإفرنج ترمي بمنجنيق القلعة، وهي التي أبطلت مجانيق المسلمين .

وأحضرت أمام الحجاج ، أمرأة من الخوارج ، فجعل يكلمها وهي لا تنظر إليه ، فقيل لها : الأمير يكلمك ، وأنت لا تنظرين إليه ، قالت : أني الأستحي أن أنظر إلي من لا ينظر الله إليه ، فأمر بها ، فقتلت . ( العقد الفريد 26/4)

وأتي عتاب بن ورقاء (ت 77 ) بخوارج فيهم امرأة ، فقال لها : أي عدوة الله ، ما دعاك إلي الخروج ؟ أما سمعت قول الله عز وجل :

كتب القتل والقتال علينا****وعلي الغانيات جر الذيول

ص: 222

فقالت : يا عدو الله ، إنما أخرجني حسن معرفتك بكتاب الله تعالي ( البصائر والذخائر 144/1 ).

وخرج في أيام هشام ، خوارج بناحية البصرة ، فقتلوا ، وأسرت معهم امرأة ، فأحضرت أمام عامل البصرة ، فقالت له : يا حسن الوجه أني خدعت ، فبعث بها العامل إلي يوسف بن عمر الثقفي، فقتلها . ( العيون والحدائق 109/3 ).

وفي امرة الوليد بن رفاعة ، علي مصر ، لهشام بن عبد الملك ، خرج بمصر في السنة 117 وهيب اليحصبي شارية ، فأخذ، وقتل ، فكانت امرأته تطوف بالليل علي منازل القراء تحرضهم علي الطلب بدم زوجها، وكانت امرأة جزلة محلوقة الرأس . ( الولاة للكندي 77 و 78 ) .

وكان نساء الخوارج يحاربن مع الرجال في المعارك ، ولما دخل الضحاك بن قيس الكوفة في السنة 127 ، وحاربه أميرها في أهل الشام ، أصابوا من جند الضحاك أربعة عشر فارسأ وثلاث عشرة امرأة . ( الطبري 318/7)

وفي السنة 127 وقعت معركة بين منصور بن جمهور ، أحد قواد الشام ، بالكوفة ، وبين جماعة الضحاك بن قيس الخارج بالكوفة ، فأقبلت امرأة من الخوارج ، شادة ، حتي أخذت بلجام منصور بن جمهور ، فقالت : يا فاسق ، أجب أمير المؤمنين - تريد به الضحاك - فضرب عنان دابته بالسيف فقطعه في يدها، ونجا ، ثم إن منصور الحق بالضحاك وبايعه ، وقال : من الفارس الذي أخذ بعناني يوم الزاب ؟ فنادوا : يا أم العنبر ، فخرجت إليهم ، فإذا هي أجمل الناس ، فقالت له : أنت منصور ؟ قال : نعم ، قالت : قبح الله سيفك ، أين ما تذكر منه ، فوالله ، ما صنع شيئا ولا ترك ، تعني أنه لم يقتلها يوم أخذت بعنانه فدخلت الجنة ، فقال

ص: 223

منصور للضحاك : يا أمير المؤمنين ، زوجنيها ، فقال : إن لها زوجأ ، وكانت تحت عبيدة بن سوار العنبري . ( الطبري 322/7 و 323) .

ولما خرج الوليد بن طريف الشيباني ، بالموصل، بعث إليه الرشيد جيشأ أميره يزيد بن مزيد الشيباني ، فقاتله ، فقتله يزيد ، فلبست الفارعة ، أخت الوليد ، عدة الحرب ، وحملت علي جيش يزيد ، فقال يزيد : لا يعرض لها أحد، ثم خرج إليها ، فضرب بالرمح فرسها ، وصاح بها ، أغربي ، غرب الله عينك ، فقد فضحت العشيرة ، فاستحيت وآنصرفت ، راجع تفصيل القصة في ترجمة الوليد بن طريف في وفيات الأعيان 31/6 - 34 وراجع فيها رثاء الفارعة لأخيها ، مقطوعة من عيون الشعر ، مطلعها :

بتل نهاكي رسم قبر كأنه ****علي جبل فوق الجبال منيف

تضمن مجدأ عدمليأ وسؤددة**** وهمة مقدام ورأي حصيف

فيا شجر الخابور مالك مورقأ**** كأنك لم تجزع علي ابن طريف

ص: 224

الفصل السابع: تعذيب المرأة بالنار

في السنة 405 منع الحاكم الفاطمي النساء من الخروج من دورهن ، فاتفق أن القاضي بمصر ، مر علي دار امرأة ، فبكت أمامه وذكرت له أن لها أخا في السياق ، وأنها تريد أن تراه قبل موته ، فأمر بعض رجالته أن يمضي معها إلي دار أخيها، ثم تبين أن تلك المرأة إنما ذهبت إلي دار عشيقها ، وجاء الزوج إلي القاضي ، فقال له :ما أعرف زوجتي إلا منك ، فركب القاضي إلي الحاكم ، وقص عليه القصة ، وبكي أمامه ، فأمر الحاكم بإحضار المرأة والرجل ، فمضي الأعوان إليهما بغتة ، فوجدوهما نائمين متعانقين لا يعقلان من السكر ، فحملوهما إلي الحاكم فأمر بالمرأة فلفت في بارية ، وأحرقت ، وضرب الرجل بالسياط ضربا مبرحا . ( أخبار القضاة 606 و 607).

وفي السنة 530 قبض علي ابن كسبرة اليهودي ، وكبس بيته ، ووكل به ، وأخرج ليلا وقت ضرب الطبل ( وقت الصلاة ) ونصب له خشبة في الرحبة ( رحبة جامع القصر)، وأخذت معه امرأة مسلمة كان يتهم بها، وكانت مستحسنة ، فجيء بحلة من قصب ، وجعلت المرأة فيها وضربها التفاط بالنار ، فاحترقت الحلة ، وخرجت المرأة هاربة عريانة فعفي عنها، وقد نالها بعض الحريق، وقدم هو ليقتل، فأسلم، فأمنوه . (المنتظم 58/10 ) .

ص: 225

وفي السنة 543 قصد سوري بن الحسين ، مك الغور ، مدينة غزنة ، فملكها ، وطرد ملكها بهرام شاه عنها ، ثم كر عليها بهرام شاه ، فاستعادها، وأسر سوري ، فأشهره راكبا علي بقرة ، وقد سود وجهه ، ثم صلبه .

وبلغ علاء الدين الغوري ، ما تم علي أخيه ، فهاجم غزنة في السنة 550 وملكها، ونهبها ، وأخذ من أعان علي أخيه ، فألقاهم من رؤوس الجبال ، وأخذ نساء كن تغنين بشعر فيه هجو لأخيه ، فأدخلهن حمامة ، وسده عليهن ، حتي متن فيه . ( ابن الأثير 135/11 - 165).

وفي السنة 605 هلك سنجر شاه ، صاحب جزيرة بن عمر ، علي يد ولده غازي ، وكان سنجر شاه هذا ، مخلوقة شريرة ، يؤذي الجميع حتي أولاده ، وكان قد حبس ولده غازي في دار ووكل به فيها ، فاحتال حتي تستل منها إلي دار أبيه ، وأختفي عند بعض سراريه ، ثم قتله ، فخلفه ولده محمود ، فقتل أخاه غازي ، ثم أخذ جواري أبيه ، فأحرق وجوههن ، ثم غرقهن ، قال ابن الأثير 12/ 280 حدثني صديق لنا إنه رأي بدجلة في مقدار غلوة سهم ، سبع جوار مغرقات ، منهن ثلاث قد أحرقت وجوههن بالنار ، فلم أعلم سبب ذلك ، حتي حدثتني جارية اشتريتها بالموصل من جواريه ، إن محمود كان يأخذ الجارية فيجعل وجهها في النار ، فإذا أحترقت ألقاها في دجلة .

وفي السنة 641 أنهي للخليفة ببغداد ، أن أحد زعماء إربل ، كوي امرأة في فرجها، فتقدم باعتماد الشرع في ذلك ، فسطرت فتيا، وأفتي الفقهاء بأن تقدر علي أنها أمة في حالة الصحة ، وتقوم بعد حصول العيب ، فقدر العيب بقدر الثلث ، فأخذ من الزعيم ، وأمر الخليفة بحبسه ( الحوادث الجامعة 185 ).

وفي السنة 683 انتصر السلطان أرغون التاري ، علي عمه السلطان

ص: 226

أحمد تكدار ، وقتله ، وأرسل إلي والدة السلطان أحمد ، وأسمها قتوخاتون ، فأحرق قصرها وهي فيه ( سيرة الملك المنصور 63) .

وفي السنة 832 جهز الملك الاشرف برسباي ، سلطان مصر والشام ، عسكرأ من القاهرة لاستعادة مدينة الرها من عثمان قرايلك ، فلما وصل عسكر القاهرة إلي حلب انضم إليهم نواب السلطان في الشام ، ومضوا بأجمعهم إلي الرها فحصروها ، وكان عثمان قرايلك قد غادرها بعد أن حصنها وترك فيها ولده هابيل ، فحارب هابيل حربا ضارية ، وقتل جماعة من جنود السلطان ، وعلق رؤوسهم علي قلعة الرها، ثم إن عسكر السلطان استولي علي الرها ، وافتتحها عنوة ، فما ترك العسكر قبيحة إلا أتوه ، ولا أمر مستبشعة إلا فعلوه ، وحاصروا القلعة ، فطلب من فيها الأمان ، فأنهم نائب الشام ونائب حلب ، فركنوا إلي أمانهم ، ونزل إليهم الأمير هابيل بن عثمان قرايلوك ومعه تسعة من أعيان دولته ، فغدر الأمراء بهم واعتقلوهم ، وهجم مماليك السلطان علي من في القلعة ، ونهبوا جميع ما كان فيها، وقتلوا الرجال ، وأسروا النساء والصبيان ، وألقوا فيها النار ، فأحرقوها بأجمعها ، ثم عادوا إلي المدينة ، وألقوا فيها النار ، وقتلوا من وجدوه فيها ، حتي جاوزوا الحد ، ثم أخذ المماليك النساء ، وفجروا به ، فكانت الواحدة منهن ، إذا قامت من تحت الواحد منهم ، مضت هي وطفلها إلي موضع كان فيه تبن ، فتختبيء فيه ، فأجتمع بذلك الموضع نحو الثمانين امرأة مع أطفالهن ، وقد زنوا بهن جميعا ، فأضرم المماليك النار عليهن ، فاشتعل التبن ، وأحترقن جميعا ، وأخذوا النساء الباقيات إلي حلب ، فمات في الطريق جماعات منهن عطشأ ، وبيعت منهن بجلب وغيرها عدة ، وكانت هذه الكائنة من مصيبات الدهر ( حوليات دمشقية 145 - 147 ).

وحج أحمد باشا الجزار ، أمير عكا ، في إحدي السنين ، فلما عاد بلغه أن بعض مماليكه قد اتهموا بنساء من حرمه ، فأمر بنار فأججت ، وأمر

ص: 227

الخصيان ، فأحضروا نساءه ، فكان يقبض علي الواحدة منهن ، ويطرحها في النار علي وجهها ، ويدوس علي ظهرها، ويضغط علي رأسها ، حتي يتم شيها في النار وتهلك ، فيحضر غيرها ، وهكذا قتل سبعة وثلاثين امرأة ، ولم تنج غير فتاة في الثامنة من عمرها ( خطط الشام 21/3 ).

وفي السنة 1247 عذب الملا علي الخصي ، ومحمد الليلاني ببغداد ، زوجة رضوان اغا ، بكيها بالسيخ المحمي (تاريخ العراق للعزاوي 13/7)

ص: 228

الفصل الثامن: تعذيب المرأة بقطع الأطراف والتعرض للجوارح

ويشتمل هذا الفصل علي ما يتعلق بتعذيب المرأة ، بقطع أطرافها ، وسمل عينيها وقطع لسانها وجدع أنفها .

في السنة 12 في معركة اليمامة ، التي قتل فيها مسيلمة ، في حرب الردة ، قاتلت أم عمارة نسيبة بنت كعب بن عوف الأنصارية ، قتال الأبطال ، فقطعت يدها ، وجرحت ، وكانت يوم أحد قد خاضت المعمعة ، وأبلت بلاء حسنا ، وجرحت اثني عشر جرحا ، بين طعنة رمح ، وضربة سيف ، وثبتت مع رسول الله صلوات الله عليه حين تراجع الناس، وقاتلت أشد قتال ، وكان رسول الله صلوات الله عليه إذا تحدث عن يوم أحد ، يقول : ما التفت يمينا ولا شمالا ، إلا رأيت أم عمارة تقاتل دوني . ( الاعلام 334/8 ).

ولما خلع توزون المتقي وسمله ، بايع المستكفي ، في السنة 333 ، وكان المتوسط في ذلك امرأة آسمها : حسن الشيرازية ، فلما استخلف المستكفي ، غيرت حسن إسمها ، وسمت نفسها : علم ، وأصبحت قهرمانة المستكفي ، واستولت علي أمره كله ، وأنبسطت يدها فصارت تكبس منازل الناس وتستولي علي أموالهم ، فلما خلع المستكفي من السنة 334 ، أخذت علم القهرمانة ، وسملت عيناها ، ثم قطع لسانها . ( تجارب الأمم 73/2 - 75 و 86 و100).

وفي السنة 391 كبس العيارون دار أبي الحسن علي بن طاهر الكاتب ،

ص: 229

بدرب المقير من سويقة غالب ، وعلوه بالسيوف ليقتلوه ، فقامت جارية من دونه ، للمدافعة عنه ، وضربوا يدها ضربة أبانتها ، ثم ضربوه عدة ضربات ، فاضت منها نفسه ، وأخذوا ماله ورحله . (تاريخ الصابي 398/8 ).

وفي السنة 598 صلب مملوك تركي من مماليك الخليفة علي رأس درب الباهقي ، وسبب ذلك إنه اجتمع مع مملوك آخر ، في دار يشربان خمرة ، فسكر أحدهما وعندهما مغنية ، فراودها عن نفسها ، فغار منه الآخر ، فضربه بسكين فقتله ، فتقدم بصلب القاتل، وجدع أنف المغنية . ( الجامع المختصر 82).

وفي السنة 683 وجد في رمضان ، عند كاتب نصراني بالقاهرة ، امرأة مسلمة ، وجماعة وهم يشربون الخمر ، فأمر نائب السلطنة بالنصراني فأحرق ، أما المرأة فجدع بعض أنفها ( تاريخ ابن الفرات 7/8 ).

وفي السنة 747 حدث في حلب أن بنت بكرأ من آل التيزيني ، كرهت أن تزف إلي زوج عقد قرانه عليها ، يقال له : ابن المقصوص ، فلقنت كلمة الكفر ، لينفسخ نكاحها قبل الدخول ، فقالتها وهي لا تعلم معناها ، فأحضرها نائب حلب بيدمر البدري ، بدار العدل بحلب ، وأمر بها فقطعت أذناها وشعرها وعلي ذلك في عنقها، وشق أنفها، وطيف بها علي دابة بحلب وتيزين ، وهي من أجمل البنات ، فشق ذلك علي الناس ، وعمل النساء عليها عزاء في كل ناحية بحلب، حتي نساء اليهود ، وأنكرت القلوب قبح ذلك ، وما أفلح البدري بعدها فإن السلطان عزله بعد شهرين من أجل ما صنعه « في حق البنت ، وسافر الي مصر معزولا ( تاريخ ابي الفدا 146/4 و147) ولما وصل الي غزة ، قتل هناك ( اعلام النبلاء 419/2 - 422) .

وفي السنة 1226 لما قام محمد علي باشا ، بقتل المماليك بالديار المصرية ، هجم العسكر علي بيوت الأمراء المماليك ، ونهبوا ما فيها ، وسلبوا النساء والأطفال ، حتي إن بعضهم قبض علي يد امرأة ليأخذ منها السوار ، ولم يتمكن من نزعه بسرعة ، فقطع يد المرأة ( الجبرتي 322/2 ) .

ص: 230

الفصل التاسع: ألوان أخري من العذاب

لما ولي سليمان بن عبد الملك الخلافة ، طلب آل أبي عقيل رهط الحجاج ، فأخذهم رجالا ونساء ، وأسلمهم إلي يزيد بن المهلب ، فعذبهم ، وبعث ابن المهلب إلي البلقاء ، وبها خزائن الحجاج وعياله ، فنقلهم وما معهم إليه ، وكان فيمن أتي به ، أخت لزوجة يزيد بن عبد الملك ، وهي أم الحجاج بنت محمد بن يوسف الثقفي ، فعذبها معهم ، فجاء إليه يزيد بن عبد الملك ، فشفع فيها ، فلم يشفعه ، فقال له : الذي قررتم عليها من المال أنا أحمله ، فلم يقبل منه ، فقال لابن المهلب : أما والله ، لئن وليت من الأمر شيئا ، لأقطعن منك طابقا ، فقال له يزيد : لئن كان ذلك ، لأرمينك - والله - بمائة ألف سيف ، وحمل يزيد ما ألزمت تلك المرأة بأدائه ، ومقداره مائة ألف دينار ، وقيل أكثر من ذلك ( ابن الأثير 57/4 و58 ).

وروي صاحب عذاب أبي جعفر المنصور ، إنه أحضر جارية صفراء ، ودعا لها بأنواع العذاب ، وكان يستنطقها عن أحوال النفس الزكية محمد بن عبد الله بن الحسن ، فأنكرت معرفتها بمكانه ، فدعا بالدهن ، وأمر به فوضع عليها ، فلما كادت نفسها أن تتلف ، أمر فأمسكوا عنها ، وتولي بنفسه صب الماء البارد علي وجهها حتي أفاقت ( المحاسن والمساويء 114/1 ).

وفي السنة 310 زوجت أم موسي الهاشمية، قهرمانة المقتدر ، إبنتها من أحد أحفاد المتوكل ، وأسرفت في الإحتفال بهذا الزواج ، فسعي عليها

ص: 231

أعداؤها بأنها قد صاهرت هذا الأمير لكي ترشحه للخلافة ، فقبض المقتدر عليها وعلي أختها وأخيها ، وأسلموا ألي ثمل القهرمانة ، وكان قاسية القلب ، مسرفة في إنزال العذاب بمن يقع في يدها، فاستخرجت ثمل من أم موسي وأختها وأخيها أموالا عظيمة بلغت نحو ألف ألف دينار ، حتي اضطر الوزير علي بن عيسي إلي إنشاء ديوان خاص سماه : ديوان المقبوضات عن أم موسي وأسبابها . ( تجارب الأمم 83/1 و84).

ولما استخلف القاهر ، عذب امرأة أبيه ، السيدة أم المقتدر ، وضربها بيده مائة مقرعة ، وعلقها بثدييها ، ثم علقها وهي منكسة ، فكان بولها يجري علي وجهها ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي في القصة المرقمة 33/2 ) .

وفي السنة 360 ملك أبو طاهر الحسين بن الحسن ، عامل البصرة البختبار البويهي ، حيث عذب هو وزوجته وأخوه وأقاربه ونالتهم مكاره عظيمة ، كانت عاقبتها أن تلفوا بالعذاب ، بما فيهم الزوجة ( تجارب الأمم 295 - 293/2)

وفي السنة 679 غرقت أمرأة ببغداد ، نسب إليها إنها قتلت زوجها ، وكان محبا لها ، محسنا إليها ، وقد أوصي إليها في ماله وأولاده ، فأحضرت من قتله ، فلما قررت أعترفت بذلك ، فغرقت ، وأخذ القاتل وسمر ( الحوادث الجامعة 413) .

وفي السنة 740 قبض السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، علي ناظر الخاص النشو ، وهو شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله ، وعلي أمه وأفراد عائلته ، وعرضوا علي العذاب ، فماتت أمه في العذاب ، وكذلك مات أخوه المخلص ، ومات النشو كذلك ( الدرر الكامنة 33/3 و 34 ).

وفي السنة 753 قبض الأمير صرغتمس بالقاهرة علي الوزير علم الدين ابن

ص: 232

زنبور ، وصادره ، ونهب أمواله ، وأخذ ابنه الصغير ، وضربه بمرأي من أمه ، فأسمعته الأم كلاما جافية ، فأمر بها فعريت وعصرت ( النجوم الزاهرة 284/10 وخطط المقريزي 61/2 و62).

ولما اعتقل الوزير الصاحب شمس الدين موسي (ت 771 ) ، وعذب عذبت معه زوجته وكانت ضعيفة حاملا ، فولدت وهي تعصر بالمعصرة ، وعاش ولدها حتي كبر . ( النجوم الزاهرة 110/11 - 112).

وفي السنة 781 قبض علي سر النديم ، دادة السلطان بالقاهرة ، وعذبت حتي أظهرت أشياء كثيرة من التحف ، منها قبع السلطان الذي كان قد صنعه له والده السلطان شعبان المقتول ، عند ختانه . ( بدائع الزهور 249/2/1)

وفي السنة 789 أرسل الملك الظاهر برقوق ، صاحب مصر والشام ، الأمير جمال الدين محمود ، شاد الدواوين ، إلي الشام ، حيث أوقع الحوطة علي الأمير بيدمر ملك الأمراء بدمشق ، وعلي أهله وأصحابه وحاشيته ، فقام بذلك ، واحتاط علي موجود الأمير بيدمر ، وعصر ، وعصر جواريه ، وأصحابه وحاشيته ( تاريخ ابن الفرات 3/9).

ولما عاد الأمير جمال الدين محمود ، إلي القاهرة ، استقبل استقبال الأبطال ، ثم لاقي في السنة 799 أسوأ مصير ، إذ قبض عليه الملك الظاهر ، وصادره ، واستأصله ، وأسرف في عذابه حتي مات في السجن ( نزهة النفوس 454)

وفي السنة 792 توجه والي القاهرة حسين بن الكوراني ، إلي قاعة البيسرية بالقاهرة ، وكان إخوة الملك الظاهر برقوق مقيمين بها ، فقبض علي بيبرس ابن أخت الملك الظاهر ، وصار ابن الكوراني يفحش من الذم علي الظاهر ، « ويوشي » علي حاشيته حتي أن النساء صرن يتخضعن له فلم يلتفت

ص: 233

الفعله ، وأخرجهن حاسرات ، وهن مسحوبات في قوارع الطرقات (نزهة النفوس 282).

أقول : كانت عاقبة هذا الفعل من الكوراني ، أنه لما عاد الظاهر إلي السلطنة ، اعتقله ، وقيده ، وضربه وسحبه، وعصره، ثم خنقه ( نزهة النفوس 293، 330، 339).

وفي السنة 800 عزل الأمير علاء الدين بن الطبلاوي الحاجب ، وأخوه ناصر الدين محمد متولي القاهرة ، ونقلا إلي بيت الأمير يلبغا ظهر النهار ، راكبين علي الحمير ، في الباشات والجنازير ، وسلمالمتولي القاهرة الجديد ، ثم توجهوا بابن الطبلاوي إلي بيته ، وعاقبوا أم إبنه وجواريه والخطيب ابن عمه ، وأخذوا من الذهب تسعة عشر ألف دينار ( نزهة النفوس 465)

وفي السنة 812 لما قبض السلطان الناصر علي الأمير جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن احمد الاستادار ، قبض علي امرأته سارة، وهي ابنة الأمير بجاس ، وعذبت وكانت حاملا ، فوضعت علي دست نار ، فاسقطت، ورأت من الذل ما لا يوصف ، وماتت بعد ذلك قهرا ( الضوء اللامع 297/10)

وفي السنة 824 أمر السلطان المؤيد، سلطان مصر ، فقبض علي الأمير الأستادار الحسن بن عبدالله ، البدر الطرابلسي ، فعصر، وعذب ، وعوقب أتباعه ، حتي إن زوجته الشريفة ، عذبت معه أيضأ ر (الضوء اللامع 102/3)

ولما قتل جهان شاه ، في السنة 872، حكم بعده ولده حسن علي ميرزا ، فحاصر زوجة أبيه ، في قلعة النجا، وقبض عليها ، وصلبها معلقة بثدييها ، فظلت معلقة ثلاثة أيام ، حتي ماتت ، ولما دخل تبريز أمر بالقبض

ص: 234

علي أخويها قاسم وحمزة ، وسائر اقاربها ، فقتلهم جميعا ، بعد أن عذبهم ، وصلبهم . ( تاريخ العراق للعزاوي 185/3- 187- 189).

وفي السنة 1222 (1807 م) بعد مقتل مصطفي باشا ، أمير الجزائر ، اتفق خلفه أحمد باشا ، وبقية الوزراء ، علي القائد عبدالله، باي قسنطينة ، طمعا في أمواله ، وقتلوه ، واعتقلوا امرأته الدايخة بنت كانة ، بنت شيخ العرب بقسنطينة ، وكانت من أحسن نساء زمانها، ولها شجاعة عظيمة ، فطالبوها بأن تظهر لهم أموال زوجها ، وعذبوها ، حتي ماتت تحت العذاب ( مذكرات الزهار 87).

وفي السنة 1335 (1917 م) هاجم الضابط التركي عاكف ، مدينة الحلة ، وقبض علي مائة وستة وعشرين رجلا من رؤسائها، فقتلهم شنقا ، وهدم مساكنهم ، وأمر بنسائهم وأطفالهم ، فنفاهم إلي بلاد الأناضول ( الشبيبي الكبير 38) .

ص: 235

ص: 236

الفصل العاشر: تعذيب المرأة بالتعرض للعورة

أول ما بلغنا من الأخبار عن هذا العذاب ، ما صنعه أبو جهل بسمية بنت خباط ، والدة عمار بن ياسر ، أول شهيدة في الإسلام ، إذ كان مشركو قريش ، يخرجون عمارة ، وأباه ياسر ، وأمه سمية ، إلي الأبطح ، إذا احميت الرمضاء ، يعذبونهم بحر الرمضاء ، فمات ياسر في العذاب ، أما سمية أم عمار فإن أبا جهل طعنها في قبلها بحربة ، فماتت. ( ابن الأثير 67/2 ).

وكان أبو يزيد مخلد بن كيداد البربري ، الثائر ، بإفريقية ، والمقتول في السنة 336 ، إذا فتح مدينة بإفريقية ، يقتل الرجال ، ويشق فروج النساء ، ويبقر بطونهن ، ويحرق البلد ( ابن الأثير 422- 441)

وفي السنة 641 كوي أحد زعماء إربل امرأة في فرجها ( الحوادث الجامعة 185)

وفي السنة 802 لما اقترب تيمورلنك من حلب ، أرسل قصاد إلي نائب حلب ، فأمر نائب حلب بضرب اعناق رسل تيمورلنك ، فلما بلغ تيمورلنك الخبر بقتل قصاده ، احاط بمدينة حلب ، واقتحمها بجنده ، وأسرف في القتل والسبي ، واحتمي النساء والأطفال بالمساجد، فاقتخمها التتار عليهم ، وأخذوا يفتضون الأبكار في المساجد، وصاروا يأخذون المرأة وهي تحمل ولدها الصغير ، فيلقونه من يدها ، ويفترشونها، والتجأ كثير من النساء إلي الجوامع، ولطخن وجوههن بالطين ، حتي لا تري بشرتهن ، فكان

ص: 237

التتار يأخذون المرأة فيغسلون وجهها ، ويفترشونها في الجامع ( خطط الشام 173/2-174)

وفي السنة 832 حصرت جيوش سلطان مصر ونواب الشام ، مدينة الرها ، فنزل من في القلعة علي أمانهم، فغدروا بهم ، واعتقلوهم ، وقتلوا الرجال ، ونهبوا الأموال ، واحرقوا المدينة والقلعة، وفجروا بالنساء ، فكانت الواحدة منهن ، تقوم من تحت الواحد منهم ، وتأخذ طفلها فتختبيء في تبن هناك ، فلما أتموا فجورهم ، أشعلوا النار في التبن فاحترق النسوة وأطفالهن ، راجع القصة مفصلة في الفصل السابع من هذا الباب .

وفي السنة 838 حصر اسكندر بن قرايوسف ، مدينة شماخي ، حاضرة بلاد شروان ، وقاتل صاحبها خليل بن إبراهيم شيخ الدربندي ، فلما كان في أحد الأيام، توجه اسكندر من معسكره يتصيد ، فهجم خليل في غيبته علي معسكر اسكندر ، وقتل ، وأسر ابنة اسكندر وزوجته ، فوضعهما في إحدي الخرابات ، وأمر عسكره فارتكبوا معها الفاحشة ، فلما رجع اسكندر من الصيد ، وبلغه ما حصل ، الح في القتال حتي استولي علي شماخي ، ودكها دكة ، ونهب أموال أهلها، وأفحش في قتلهم وسبيهم ، وظفر في شماخي بابنة خليل وامرأته ، فأمر بأن يزني بهما في كل يوم خمسون رجلا « نكاية في خليل » ( حوليات دمشقية 127).

وكان الملك الناصر ، محمد بن قايتباي ( قتل سنة 904) مجنونة ، وكان يعذب النساء ، بأن يقطع حاشية « أعضائهن »، وينظمها في خيط أعده لذلك ، وسلخ مرة جلد جارية من جواريه ليظهر أستاذيته في السلخ ( شذرات الذهب (23/8 ).

وفي السنة 902 قتل القاضي شمس الدين بن المزلق ، قتلته سرتاه ، بتحريض من آخرين ، فأمسك الجميع ، ومنهم السريتين، فخوزقوا ، خلا الجارية الصغري ، فإنها غرقت ، لأنها كانت حبلي ( قضاة دمشق 182).

ص: 238

وكان أحمد باشا الجزار ( 1133- 1219) (1804-1809 م)، والي ايالتي صيدا والشام وعكا، عظيم القسوة ، وكان يعذب النساء ، بوضع السنانير في سراويلاتهن . ( مجلة العرفان م 26 ج 10 ص 1997 ك1/ 194)

وفي السنة 1230 ( 1819 م) ثار الإغريق ( اليونان ) علي السلطان محمود العثماني ، في الجزر وبلاد المورة ، وقتلوا المسلمين ، ومثلوا بهم ، وسبوا النساء والذراري ، فلم يبق من المسلمين إلا القليل ، وقيل إنهم كانوا يدخلون الخنجر ، في فرج المرأة ، ويقطعونها حتي صدرها ، وهي حية تنظر ( مذكرات الزهار 147).

وجاءت امرأة ، إلي أبي العطوف القاضي ، برجل ، وقالت : هذا افتض ابنتي ، فقال للرجل : أفعلت ؟ قال : نعم ، قال : لم ؟ قال : لاعبتني آمرة مطاعة ، فقمرتني ، فأدخلت في استي مدقة الهاون ، ولاعبتها، فقمرتها ، فافتضتها، فقال أبو العطوف : يا هذه ، إن الذي ادخلت ابنتك في است هذا ، أشد مما أدخل هذا في حر ابنتك ( البصائر والذخائر 233/4 ).

ص: 239

ص: 240

الفصل الحادي عشر: تعذيب المرأة بالاسترقاق

في السنة 65 قتل عبيدالله بن بشير بن الماحوز ، أحد رؤساء الخوارج ، فوجه المهلب برأسه إلي البصرة ، فلما صار الرسول بكربج ، لقيه أخوة عبيد الله ، وهم حبيب وعبد الملك وعلي بنو بشير ، فقالوا له : ما الخبر ؟ فقال : قتل الله ابن الماحوز المارق وهذا رأسه معي ، وأراهم الرأس ، فوثبوا عليه فقتلوه ، ودفنوا رأس أخيهم ، فلما ولي الحجاج بن يوسف الثقفي ، دخل عليه علي بن بشير ، وكان وسيما جسيمة ، فقال : من هذا ؟ فأخبروه ، فقتله، ووهب ابنه الأزهر وابنته لأهل الرسول الأزدي المقتول ، وكانت زينب بنت بشير لهم مواصلة ، فوهبوهما لها ( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 158/4 - 159).

وفي السنة 102 لما خرج يزيد بن المهلب ، ومعه آل المهلب، علي يزيد بن عبد الملك ، وقتل في معركة العقر ، جمع نساء آل المهلب وصبيانهم بالحيرة ، فأعلن مسلمة بن عبد الملك إنه يريد أن يبيعهم، فقال له الجراح بن عبدالله : أنا أشتريهم منك لأبر يمينك ، واشتراهم منه بمائة ألف درهم ، فقال له مسلمة : هاتها ، فقال له : إذا شئت فخذها، فلم يأخذ منه شيئا ، وخلي سبيلهم إلا تسعة فتية أحداث من آل المهلب، بعث بهم إلي يزيد بن عبد الملك ، فضرب رقابهم ( الطبري 602/6 ).

وفي السنة 251 خرج بالكوفة علوي اسمه الحسين بن محمد الطالبي ،

ص: 241

وبعث إليه المستعين جندة قائدهم مزاحم بن خاقان أرطوج ، فانكسر جيش العلوي، وأسر ، ودخل مزاحم الكوفة ، فأحرق الف دار ، وحبس جميع من بالكوفة من العلويين ، وحبس ابناء هاشم كافة ، وأخذ جوار للعلوي ، وفيهم امرأة حرة مضمومة ، فأقامها علي باب المسجد ونادي عليها ( الطبري 329/9)

وفي السنة 297 فارق محمد بن الحارث العلمي ، أحد قواد صاحب الزنج ، صاحبه والتجأ إلي الموفق ، فاعتقل صاحب الزنج زوجة محمد، وهي ابنة عمه ، ثم أخرجها ، وباعها في السوق . ( الطبري 592/9-593)

وكان صندل الزنجي ، أحد قواد صاحب الزنج ، يكشف وجوه الحرائر المسلمات الأسيرات ورؤوسهن ، ويقلبهن تقليب الإماء ، فإن امتنعت منهن امرأة، لطم وجهها ، ودفعها إلي بعض علوج الزنج يواقعها ، ثم أخرجها إلي سوق الرقيق ، فباعها بأوكس الأثمان ، وفي إحدي الوقائع، وقع صندل الزنجي أسيرا في يدي أبي أحمد الموفق ، فأمر فشد كتافا ، ورمي بالسهام حتي هلك ( شرح نهج البلاغة 187/8 ).

وفي السنة 302 خرج أعراب علي المنصرفين من مكة ، فأخذوا ما معهم ، واسترقوا مائتين وثمانين امرأة من الحرائر ، سوي من أخذوا من المماليك والأماء ( الطبري 151/10 ).

وفي السنة 832 حصرت جيوش سلطان مصر ونواب الشام مدينة الرها ، فنزل من في القلعة علي أمانهم ، فغدروا بهم ، واعتقلوهم ، وقتلوا الرجال ، ونهبوا الأموال ، وأحرقوا المدينة والقلعة ، وفجروا بالنساء ، ثم أحرقوا قسما منهن بأن أشعلوا التبن الذي كن قد لجأن اليه ، وأخذوا النساء الباقيات الي حلب ماشيات ، فمات جماعات منهن في الطريق عطشة ،

ص: 242

وبيعت منهن بحلب وغيرها عدة ، راجع التفصيل في الفصل السابع من هذا الباب .

وفي السنة 1016 اشتبك الجيش العثماني بقيادة مراد باشا ، مع جيش الأمير علي جانبولاد ، وكان واليأ علي حلب ، وعصي علي الدولة ، فانكسر الأمير علي ، واستولي مراد باشا علي حلب ، وسحب عيال الأمير علي ، وباع نساءه بيد الدلال ، وبيعت والدة الأمير علي بثلاثين قرشا (خطط الشام ما 254/2)

وفي السنة 1201 اعتدي الأعراب علي قافلة الحاج المصري ، وقتلوا الرجال ونهبوا الأحمال وسبوا النساء واسترقوهن ، فاستغاث الحجاج بأحمد باشا الجزار أمير الحاج الشامي ، فتكلم مع العرب في أمر النساء ، فأحضروهن عرايا ليس عليهن الا القمصان ، وأجلسوهن عرايا في مكان ، وخرج الناس أفواجا ، فكل من وجد امرأته أو أخته أو أمه أو ابنته ، اشتراها ممن هي في أسره ، وكذلك حصل في السنة 1202 حيث اعتدي الأعراب علي قافلة الحاج ونهبوها ، وسلبوا الحجاج حتي ملابسهم التي علي أبدانهم ، وسبوا النساء ، وأخذوا ما عليهن، ثم باعوهن لأصحابهن عرايا ( الجبرتي 12/2 55).

ص: 243

ص: 244

الفصل الثاني عشر: تعذيب المرأة بالضرب

ضرب الزبير بن العوام، زوجته أسماء بنت أبي بكر ، ضربا مبرحا ، حتي خلصها ابنه عبدالله بن الزبير ، من يده ( المحاسن والأضواء 118).

وفي السنة 25 ضرب يزيد بن نعيم الشيباني ، جاريته جهيزة ، علي أن تسلم ، فأبت ، ثم أسلمت من بعد ذلك ، وتفصيل القصة إن يزيد بن نعيم ، وهو والد شبيب زعيم الخوارج ، حضر مبيعا لسبي الروم ، فعرضت جارية حمراء طويلة جميلة ، تأخذها العين ، فاشتراها ، وسماها جهيزة ، ولما أدخلها الكوفة ، طالبها بأن تسلم ، فأبت ، فضربها، فازدادت عصيانأ ، فأبقاها علي دينها ، وحملت منه بشبيب ، وأحبت مولاها حبا شديدا ، وقالت له : إن شئت أجبتك إلي ما سألتني من الإسلام ، فقال لها : قد شئت، فأسلمت ، وولدت شبيبة وهي مسلمة ، ولما خرج شبيب علي ظلم الأمويين ، كانت أمه جهيزة، وامرأته غزالة ، معه في معسكره ، وكانتا معروفتين بالشجاعة، وفي إحدي معارك شبيب ، مع جنود الشام الذين أحضرهم الحجاج ، قتلت جهيزة ، وقتلت غزالة ، وانحاز شبيب إلي الأهواز ، حيث مات غرقا في السنة 77 ( الطبري 282/6 ووفيات الأعيان 455/2 ).

أقول : أبو الضحاك شبيب بن يزيد بن نعيم الشيباني ، أحد دهاة العالم ، كان بطلا من الأبطال ، عاش ومات ثائرة علي بني أمية ، وكان كما قال الجاحظ يصبح في جنبات الجيش إذا واجهه ، فلا يلوي أحد علي

ص: 245

أحد، ووجه إليه الحجاج خمسة قواد ، علي خمسة جيوش ، فقتلهم واحد بعد واحد ، ومرق جمعهم ، وبايعه الخوارج بالخلافة ، وخاطبوه بإمرة المؤمنين ، ومات غرقا بالأهواز ، كان يعبر الجسر ، فنفر به فرسه ، وعليه الحديد الثقيل من درع ومغفر ، فسقط في الماء ، فغاص، ثم ظهر وكان أخر ما قاله : ذلك تقدير العزيز العليم ، ثم غاص فغرق ( الاعلام 3/ 229).

وفي السنة 557 دخل ابن فضلان الفقيه ، علي أخت له كان لها زوج فمات ، فتزوجت قبل انقضاء عدتها ، فدخل إليها ابن فضلان فضربها ، فتقدمت امرأة في الدار لتخلصها منه ، فرفسها برجله ، ولكمها بيده ، فماتت المرأة ، وشكاه أهل المرأة ، فأنكر، وحلف . ( التنظيم 203/10 ).

وفي السنة 599 توفي السلطان غياث الدين أبو الفتح محمد بن سام الغوري ، صاحب غزنة وخراسان والهند، فخلفه أخوه شهاب الدين أبو المظفر محمد بن سام الغوري ، فلم يحسن الخلافة علي أفراد عائلة أخيه ، وكانت لغياث الدين زوجة كانت مغنية ، فهويها وتزوجها ، فلما مات غياث الدين ، قبض شهاب الدين عليها وضربها ضربا مبرحا ، وضرب ولدها بن غياث الدين ، وزوج أختها ، وأخذ أموالهم وأملاكهم ، وسيرهم إلي بلاد الهند ، فكانوا في أقبح صورة ، وكانت قد بنت مدرسة ودفنت فيها أباها وأمها وأخاها ، فهدم المدرسة ، ونبش قبور الموتي ، ورمي بعظامهم منها . ( ابن الأثير 181/12 ).

وفي السنة 607 اتهم شخص اسمه علي بن السلار ، ويعرف بابن الدخينة ، بحادث سرقة أموال ، فاعتقل ، وزوجته وابنه ، وبناته ، وعذبوا، فماتت زوجته تحت الضرب. ( الذيل علي الروضتين 76).

وضرب الأمير جمال الدين أقوش الأشرفي (ت 736) جارية السلطان ، امرأة بكتمر الحاجب ، ستمائة عصا ، وسبب ذلك لأنها اختلفت مع ضرتها وهي ابنة أقوش ، من أجل الميراث ( الوافي بالوفيات 339/9 ).

ص: 246

وكان أبو جعفر محمد بن أبي العباس السفاح ، يلي البصرة ، ثم استعفي منها ، وقدم بغداد فمات بها ، فصرخت امرأته البغوم بنت علي بن الربيع : واقتيلاه، فضربها رجل من الحرس بجلويز علي عجيزتها ، فتعاوره خدم لمحمد ، فقتلوه ، فطل دمه . ( الطبري 25/8 ).

وكانت لبابة بنت جعفر بن أبي جعفر ، تحت الهادي ، فكلمته يوما

بإدلال ، فوثب عليها وضربها ضربة موجعة . ( المحاسن والأضداد 118)

وفي السنة 196 لما وثب الحسين بن علي بن عيسي بن ماهان بالأمين وحبسه في قصر أبي جعفر بالمدينة ( مدينة المنصور ) وثب العباس بن موسي بن عيسي بأم جعفر ( زبيدة أم الأمين )، وأمرها بالخروج من قصرها إلي مدينة أبي جعفر فأبت ، فدعا لها بكرسي ، وأمرها بالجلوس فيه ، وقنعها بالسوط ، فجلست فيه ، وأمر بها فأدخلت المدينة ، وضمت إلي ولدها الأمين . ( الطبري 429/8 ).

ودخل أحدهم علي عنان ، وقد تناولها سيدها بضرب شديد ، وهي تبكي ، فقال : ( المحاسن والأضداد 97).

إن عنان أرسلت دمعها****كالدر إذ ينسل من سمطه

فقالت عنان :

فليت من يضربها ظالما****تجف يمناه علي سوطه

وهربت عريب المأمونية ، من صاحبها عبدالله بن إسماعيل المراكبي ، فبت عليها العيون ، حتي إذا أمسك بها ، ضربها مائة مقرعة . (الاغاني 63/21)

وكانت شارية جارية إبراهيم بن المهدي ، إذا أضطربت في صوت ، عاقبها بأن أقامها علي رجليها عندما تغنيه ، فإن لم تبلغ الذي يريد ، ضربت جاريته الثانية ريق . ( الأغاني 10/16 ).

ص: 247

وثمة قصة بالغة الطرافة ، جلدت فيها اميرة عباسية ، الحد، وهي أم أبيها بنت هارون الرشيد ، جلدها أخوها أبو إسحاق ( المعتصم ) بأمر من أخيها ( المأمون ) لأنها قذفت أخاها أبا علي بن الرشيد ، وقالت : إنه لم يلده الرشيد ، وإنما هو ابن فلان الفراش ، وتفصيل القصة أن الرشيد اشتري في يوم واحد جاريتين هما : شكل، وشذر ، فولدت شذر أم أبيها ، وولدت شكل، أبا علي ، وتحاسدت شكل وشذر ، وبلغت بهما العداوة أمرا عظيمة ، وماتتا ، واستمرت العداوة بين أم أبيها ، وأبي علي ، وأراد المأمون أن يصلح بينهما ، فجلس يوما وعمه إبراهيم وابنه العباس وأخوه أبو إسحاق ( المعتصم ) ، ووجه فاحضر أم أبيها ، وعاتبها علي عداوتها لأبي علي ، وهي مطرقة لا ترد جواب ، ولما دخل أبو علي إلي المجلس ، تنقبت أم أبيها ، فقال لها المأمون : كنت مسفرة، فلما حضر أخوك تنقبت ؟ ، فقالت : والله يا أمير المؤمنين ما هو لي بأخ ، ولا للرشيد بابن ، وما هو إلا ابن فلان الفراش ، فأمر المأمون، أخاه أبا إسحاق، فجلدها حدأ، فقالت : سوءة يا أمير المؤمنين ، أن تحد أختك لابن الفراش ، وسننت علي بنات الخلفاء الحد ، ونهضت فقال المأمون : قاتلها الله ، لو كانت رجلا ، لكانت أقعد بالخلافة من كثير من الخلفاء . ( الديارات 35- 37).

وكانت فريدة حظية الواثق العباسي ، فلما استخلف المتوكل ، وكان عدوا لأخيه ، أحضر فريدة ، وأمرها أن تغتي ، فأبت ، وفاء للواثق ، فأقام علي رأسها خادمأ، وأمره أن يضرب رأسها أبدأ ، أو تغني ( الأغاني 115/4)

وفي السنة 227 خرج ابو حرب المبرقع بفلسطين ، وكان سبب خروجه أنه كان غائبا ، وأراد أحد الجند أن ينزل في داره ، فمانعته إحدي محارمه في ذلك، فضربها بسوط كان معه ، فاتقته بذراعها ، فأثر فيه ، فلما رجع أبو حرب ، وعلم بما حصل ، أخذ سيفه ، وذهب الي الجندي ، فقتله ، وخرج

ص: 248

علي السلطان ، وجمع مائة الف محارب . ( الطبري 116/9 -118).

وكان لابنة من بنات محمد بن راشد الخناق ، لحية وافرة ، فدخلت مع نساء متنقبات إلي بعض الأعراس ، لتري العرس، وجلوة العروس ، ففطنت لها امرأة ، فصاحت : رجل ، والله ، فأقبل الخدم والنساء عليها بالضرب ، فلم تكن لها حيلة ، إلا الكشف عن فرجها ، فنزعن عنها ، وقداكادت تموت . ( الحيوان للجاحظ 115/1 ).

أقول : كان محمد بن راشد الخناق صديقأ لإسحاق بن إبراهيم المصعبي ، أمير بغداد ، خصيصا به ، أثيرا عنده ، راجع بشأنه كتاب الديارات للشابشتي 41-42.

وذكر الجاحظ، أن إسماعيل بن غزوان البصري ، شد جارية له ، علي سلم ، وضربها مائة سوط ، فقال له أبو إسحاق إبراهيم النظام : أشهد بالله ، إنك لضبع، راجع تفصيل القصة في كتاب الحيوان للجاحظ 117/5 -118).

ولما عزل الوزير الفرات عن الوزارة ، وقبض علي ولده المحسن ، قبض علي دنانير ورهبان جاريتي زوجة المحسن ، وضربهما ابن بعد شر ضربا مبرحا ، فأقرتا علي فرش وثياب صحاح ومقطوعة، كانت مودعة عند بعض التجار بسوق العطش ( الوزراء للصابي 69).

وكان أبو العباس الخصيبي في السنة 312 لما قبض علي الوزير ابن الفرات علي ديوان ضياع السيدة أم المقتدر ( تجارب الأمم 143/1 )، وكان قد وقف علي مكان زوجة المحسن ، وهي بنت جعفر بن الفرات ، وأمها حنزابة ، فسأل أن يولي النظر في أمرها واستخراج مالها ، فاستخرج منها سبعمائة ألف دينار ، فتمهدت له بذلك حال جليلة عند المقتدر ، ورشح للوزارة ( تجارب الأمم 141/1 )، فلما وقف أمر الخاقاني الوزير، أشارت السيدة والخالة ( خالة المقتدر) باستيزار أبي العباس الخصيبي فوژر ( تجارب

ص: 249

الأمم 143/1 )، ثم وقف أمره ، فقبض عليه في السنة 314 وتقلد الوزارة علي بن عبسي ( تجارب الأمم 149/1 ) ، وظهر أن الخصيبي ضرب النساء والحرم بالمقارع ، وأسلم زوجة المحسن إلي أفلح ، وهو شاب جميل الوجه فتزوج بها وهي في الحبس ، وأنه ضرب دولة أم ولد الوزير أبي الحسن بن الفرات بحضرته، كما ضرب ولدها الحسن بن أبي الحسن بن الفرات ، وقد عاب عليه علي بن عيسي هذه التصرفات وقال له : كيف أستجزت في الدين والمروءة ضرب حرم المصادرين؟، فلم يحر جوابا ( تجارب الأمم 155/1 وابن الأثير 165/8 ).

وفي السنة 317 خلع المقتدر من الخلافة ، وبويع أخوه القاهر، وبعد يومين أعيد المقتدر إلي الخلافة ، وأحضر القاهر أمامه يبكي ويتوسل إليه أن يحفظ حياته ، فقال له المقتدر : لا يصل أحد إلي مكروهك وأنا حي ، ثم أسلمه إلي والدته ، فأحسنت إليه ، وأكرمته ووسعت عليه في النفقة ، واشترت له السراري والجواري ، وبالغت في إكرامة والإحسان إليه ( ابن الأثير 207/8 ) ،فلما قتل المقتدر في السنة 320 واستخلف القاهر ، أحضر والدة المقتدر ، وكانت مريضة ، قد أنهكها الحزن لفقد ولدها وسألها عن مالها ، فأعترفت له بما عندها من المصوغ والثياب ، فضربها أشد ما يكون من الضرب ، وعلقها برجلها وضرب المواضع الغامضة من بدنها ( ابن الأثير 245/8 ) ثم أخذها علي بن يلبق ، وهي شديدة القلة لحزنها وللضرب الذي نالها من يد القاهر ، فأكرمها علي ، وبقيت عند والدته مكرمة مرفهة ، أياما وماتت ( ابن الأثير 251/8 ).

وفي السنة 378 ضرب شكر الخادم ، جاريته الحبشية ، فغضبت وأخبرت السلطات بمكانه ، وتفصيل ذلك إن شكر الخادم ، كان أخص الناس بعضد الدولة البويهي ، وأقربهم إليه ، وكان يرجع إليه في قوله ، ويعول عليه ، وكان شكر منحرفا عن شرف الدولة في حياة أبيه ، فلما توفي عضد

ص: 250

الدولة ، قام شكر بأمر صمصام الدولة ، فازداد شرف الدولة حقد عليه ، ولما انحل أمر صمصام الدولة ، اختفي شكر عند رجل بزاز في رحبة خاقان ببغداد ، فلما مضت مدة أحضر شكر جارية له حبشية ، كان يثق بها ، وطلب منها أن تتولي خدمته ، وكانت هذه الجارية ، قد علق قلبها بهوي ، فكانت تغيب عن شكر في اكثر الأوقات الي حيث هواها ، وضجر شكر منها ، ومنعها من الخروج فلم تمتنع ، فضربها ، فأصاب وجهها، فخرجت من الدار غضبي ، ومضت إلي باب شرف الدولة ، وصاحت : نصيحة ، وأخبرتهم بموضع شكر الخادم ، فهجموا عليه وأخذوه ، وحمل الي شرف الدولة ، فاستوهبه نحرير الخادم ، وأخذه إلي داره ، وأحسن اليه ، وخرج إلي الحجاز للحج ، ثم عدل إلي مصر ، واستقر عند صاحبها ، لزيادة التفصيل راجع ذيل تجارب الأمم 145- 147 وابن الأثير 57/9 وكتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للتنوخي ج 4 ص 97 رقم القصة 4/ 45.

وفي السنة 382 قبض صمصام الدولة البويهي علي وزيره أبي القاسم العلاء بن الحسن ، وعلي كتابه ، وحواشيه ، وعلي ابنته زوجة العلوي الرازي ، وطولبوا أشد مطالبة ، وعوقبوا أشد معاقبة ، حتي تلفت أبنته ، وجماعة من أصحابه تحت الضرب ( ذيل تجارب الأمم 247).

أقول : ابو القاسم العلاء بن الحسن ، من كبار الموظفين في دولة بني بويه ، واستوزره شرف الدولة في السنة 374 ، فلم يعن العناية المطلوبة بارضاء الحاشية ، فأفسدوا رأي شرف الدولة فيه ، فاعتقله وأخاه ، ثم أطلقهما بعد أشهر . وفي السنة 375 وافي مع شرف الدولة الأهواز ، ثم امتد إلي البصرة حيث وطد أمورها لشرف الدولة ، ثم عاد إلي شيراز ، ولما اعتقل شرف الدولة أخاه صمصام الدولة ، حبسه في إحدي القلاع تحت إمرة العلاء ، ولما مرض شرف الدولة ، أنفذ من يسمل عين صمصام الدولة ، فلما بلغ الرسول القلعة ، كان شرف الدولة قد مات ، فتوقف الموكل بالقلعة عن

ص: 251

تمكين الرسول من تنفيذ الأمر ، إلي أن أمره العلاء بن الحسن بإنفاذ الأمر ، فكان صمصام الدولة يقول : ما سملني إلا العلاء ، لأنه أنفذ في أمر ملك قد مات ، ولما مات شرف الدولة تحير العلاء ، فكاتب صمصام الدولة ، وكاتب أبا علي بن شرف الدولة ، علي أن يبذل الطاعة لمن يصل أولا ، ووصل أبو علي ، ووقعت فتنة بين جنده الأتراك والديلم ، فانصرف عن شيراز ، ووافي صمصام الدولة ، ولكن القائد فولاذ غلب علي أمره ، فانحاز العلاء إلي الري ، وأخذ كل من العلاء وفولاذ يدس لصاحبه ، حتي تغلب العلاء ، وقر فولاذ ، فتبسط العلاء في الأمور ، وغلب علي أمر صمصام الدولة ووالدته ، فبالغ في إرضاء الحاشية ، ولكن فساد أمور الدولة أدي إلي نقص الأموال ، فلم يتمكن من إرضاء جميع أفراد الحاشية ، فأئتمروا به ، وأغروا به صمصام الدولة ، فقبض عليه ، وعلي كتابه ، وحواشيه ، وعلي أهله ، وابنته زوجة العلوي الرازي ، وطالبوا أشد مطالبة ، وعوقبوا أشد معاقبة ، حتي تلفت ابنته وجماعة من أصحابه تحت الضرب ، وبقي العلاء معتقلا في بعض المطامير لا يعرف له خبر ، إلي قبض صمصام الدولة علي من حل محله ، فعاد إليه ، وأمر به فأخرج من سجنه ، وقد ضعف بصره ، وصار إلي دار السيدة أم صمصام الدولة ، فعولج ، ثم خلع عليه ، ورد إلي الوزارة ، ولكن نيته لم تخلص لصمصام الدولة ، بعد ما لحق به وبابنته وأهله ، فإنه أهلك الدولة بإقطاعات وزيادات وتمزيق للأموال وتسليم للأعمال ، ومات العلاء في السنة 387 بالأهواز ، للتفصيل راجع ذيل تجارب الأمم 101، 123، 150 ، 160 ، 163 ، 173 ، 190 ، 200، 246 و 247، 249 .

وفي السنة 386 أمر الوزير عيسي بن نسطورس (ت 387) بضرب امرأة ثكلي ، فضربت حتي سقطت علي الأرض ، وسبب ذلك ، إن بعض سفن الأسطول بمصر ، احترقت ، فاتهم العامة الروم النصاري باحراقها ، وثاروا بهم ، فقتلوا منهم مائة وسبعة رجال ، ونهبوا أموالهم ، فأعلن الوزير

ص: 252

عيسي بن نسطورس أنه يجب رد ما نهب ، وتوعد من تقاعس عن ذلك بالعقوبة الشديدة ، ثم جمع من إتهم بالإشتراك في النهب ، ونثر عليهم رفاعة ، في بعضها الضرب ، وفي بعضها القتل ، وأمضي في كل واحد منهم ، العقوبة المدونة في الرقعة ، ولما أخذ الوزير في السنة 387 ليقتل حسب ما أمر به الحاكم الفاطمي ، قال : إن الله لا يظلم أحدا ، والله إني الأذكر ، وقد ألقيت في السنة 386 أوراقأ علي بعض المتهمين بالنهب ، وكان في بعضها القتل ، وفي بعضها الضرب ، فأخذ شاب ممن كان فيهم رقعة كان فيها القتل ، فأمرت بقتله ، فصاحت أمه ولطمت وجهها ، وحلفت إنها وابنها ما كانا ليلة النهب في شيء من أعمال مصر ، وإنما وردا إلي مصر بعد النهب بثلاثة أيام ، وناشدتني الله تعالي أن أجعله ممن يضرب بالسوط ، وأن يعفي من القتل ، فلم ألتفت إليها ، وأمرت بضرب عنقه ، فقالت أمه : إن كنت لا بد قاتله ، فأجعله آخر من يقتل ، لأتمتع به ساعة ، فأمرت به ، فجعل أول من ضرب عنقه ، فلطخت بدمه وجهها ، وسبقتني إلي القصر ، وهي منبوشة الشعر ، ذاهلة العقل ، فلما وافيت ، قالت لي : قتلته ، كذلك يقتلك الله ، فأمرت بها فضربت حتي سقطت إلي الأرض، ثم ترون الآن ماترون، راجع خبر مقتله في هذا الكتاب في الباب الحادي عشر (القتل) في الفصل الأول ( القتل بالسيف ) ، في القسم الأول ( القتل فتكأ ) . ( خطط المقريزي 196/2 ).

وفي السنة 415 قبض علي الشيخ العميد محسن بن بدوس ، وهو في ديوانه بالقاهرة فاعتقل، وأخرج بالعشي إلي مجاز القصر الكبير ، فضربت عنقه ، وهو يصيح ويستغيث ويقول : والله ، ما خنت ، ولا سرقت ، ولا غششت ( اخبار مصر للمسجي 59 ) ثم اشتدت المعاقبة علي جواريه ، وطولبن بأمواله ، وضربن ضربا شديدا ( اخبار مصر للمسجي 70 ).

وفي السنة 781 ظهرت في القاهرة أعجوبة ، خلاصتها أن حائطأ تكلم

ص: 253

في دار أحد الشهود واسمه أحمد الفيشي ، فقال له : اتق الله وعاشر زوجتك بالمعروف ، واشتهرت القصة عند أهالي القاهرة ، فقصدوا الدار ، وكان الحائط يكلمهم ، فأفتتن به الناس ، وكادوا أن يعبدوه، فأحضر المحتسب المرأة وزوجها ، وهذه المرأة بالضرب ، فأعترفت له أن الكلام من صنعها ، وأنها اضطرت لذلك ، لأن زوجها كان يسيء معاملتها ، وكان معها شخص من الفقراء اسمه عمر بن الركن ، فرسم الاتابكي برقوق ، بضرب الرجلين بالمقارع، وضرب المرأة بالعصي نحو ستمائة ضربة ، وأمر بهم فسمروا الثلاثة علي جمال ، وشهروا بالقاهرة فبكي الناس علي المرأة ، لأنها أركبت علي جمل ، ويداها مستمرة علي الخشب ، وهي بازارها ونقابها ، ولم يعهد قط أن امرأة سمرت علي جمل . ( بدائع الزهور 247/28 ).

وكان الملك المنصور حاجي (ت 800) من الظالمين القساة ، وكان إذا ضرب إحدي جواريه ، يتجاوز ضربه لها الخمسمائة عصا، وكان السلطان برقوق إذا سمع صياح الجارية ، بعث يتشفع لها ، فيضطر المنصور أن يتركها، ولجأ أخيرة إلي حيلة ، وهي أنه إذا باشر بضرب إحدي الجواري ، أمر فرقة الموسيقي عنده ، فعزفت ، فلا يسمع صباح الجارية ، وعلم الملك الظاهر بذلك ، فصار كلما سمع عزف الموسيقي ، أرسل يتشفع في الجارية المضروبة . ( النجوم الزاهرة 11/ 380 و 381) .

وفي السنة 836 توقي الأمير منكلي بغا الصالحي، وكان قد ولي حسبة القاهرة ، في أيام المؤيد ، فشدد علي النساء ، والظاهر إنه كان يعذب النساء بالضرب حتي قيل : ( الضوء اللامع 173/10 ).

لا تمسك طرفي****منكلي خلفي

علقتو مائتين**** قبل ما يعفي

وفي السنة 1013 لما حصل الإختلاف بين نصوح باشا ، والي حلب ، وبين حسين باشا جانبولاد الذي عين خلفا له ، أخذ نصوح باشا بنت الحسين

ص: 254

باشا ، وضربها، فلما حصل الصلح بينهما ، ألزموا نصوح باشا ، بأن يبدأ بزيارة حسين باشا ، باعتباره المعتدي لأنه ضرب إبنة حسين باشا ، فذهب إليه وصالحه ( اعلام النبلاء 228/3 و 229) .

وممن عوقب بالضرب والحبس ، من النساء ، الأميرة الهندية جهان بيكم ، إبنة الأميرة سكندر بيكم أميرة بهوبال في الهند، فإن الأميرة جهان بيكم قابلت في بيت أحد أقاربها أميرة من أمراء البيت المالك في دهلي ، أراد الإقتران بها ، وبلغ ذلك أنها الأميرة سكندر بيكم ، فأمرت بابنتها ، فضربت ضربا مبرحا وحبستها في غرفتها أشهرا ( أعلام النساء 201/2 ).

أقول : إن الأميرة جهان بيكم ، خلفت والدتها سكندر بيكم في حكم إمارة بهوبال ، علي أثر وفاة الوالدة في السنة 1285 ه- 1868 م ، وكانت أمها سكندر بيكم قد حجت ، ودونت ما جري لها في حجها ، في كتاب الفته بالانكليزية سمته : الحج إلي مكة Piligrimage to Macca ، ولم يطبع الكتاب في حياتها ، وإنما طبعته ابنتها بعد وفاتها ، وقدمت للكتاب مقدمة أهدت الكتاب بموجبها إلي الملكة فكتوريا ، ملكة بريطانيه ، وعندي ، في مكتبتي ببغداد نسخة من هذا الكتاب ، وهو كتاب ممتع جدا .

وفي السنة 1235 سافر إبراهيم باشا بن محمد علي باشا ، إلي القليوبية والمنوفية والغربية ، يطالب ببقايا الخراج ، فإذا في المطالبون ، قبض إبراهيم باشا علي من وجده من النسوة ، وضربهن ، وحبسهن ( الجبرتي 611/3 ).

وفي السنة 1247 لما عزل داود باشا، وأسر ، وحل محله ببغداد ، الوزير علي رضا باشا اللاز ، واليا علي العراق ، انتصب لظلم الناس إثنان ، الملا علي الخصي ، ومحمد الليلاني ، وكانا من أشد الناس قسوة ، وقد عذبا حتي النساء ، ومن جملة من عذباه ، زوجة رضوان اغا ، ممن قتل من أنصار داود باشا ، إذ ضربوها بالفلقة ، وكووا بدنها بالسيخ المحمي ( تاريخ العراق للعزاوي 13/7 ) .

ص: 255

ص: 256

الفصل الثالث عشر: تعذيب المرأة بالحبس

كان معاوية بن أبي سفيان ، أول من مارس في الاسلام ، تعذيب النساء البريئات بالحبس ، إنتقاما من أزواجهن ، وقد أسلفنا إنه لما صالح الحسن ، اشترط علي نفسه أن لا يؤاخذ أحدا من أصحاب علي ، بما كان منه قبل المصالحة ، فلما تمكن ، تتبع من كان من أنصار علي ، فقر منه عمرو بن الحمق الخزاعي ، فاعتقل امرأته ، وحبسها في سجنه بدمشق ( بلاغات انساء 64 والديارات 179 و 180 ).

ولما حبس عبد الله بن الزبير ، محمد بن الحنفية ، في سجن عارم ، بعث المختار الثقفي جندة من العراق ، فكسروا باب السجن ، وأطلقوه ، فلما آستولي ابن الزبير علي العراق ، أمر أخاه المصعب ، أن يعتقل نسوة أولئك الجنود ، وأن ينفيهن عن بلده ( الاغاني 150/15 ).

ولما بلغ المختار ، أمير الكوفة ، أن عبيد الله بن الحر الجعفي ، قد أغار علي الأنبار ، بعث إلي داره فهدمها ، وإلي امرأته أم سلمة بنت عبدة بن الحليق الجعفية ، فحبسها في السجن ، فجاء ابن الحر في مائة وثلاثين من أتباعه ، فدخل الكوفة ، وأخرج امرأته من السجن ، وأطلق كل من كان فيه ( انساب الأشراف 293/5 و 294 ).

وفي السنة 126 في عهد هشام بن عبد الملك ، حصلت حرائق بالشام ، فاتهم أميرها ، آل خالد القسري ، فأمره هشام أن يعتقل آل خالد ،

ص: 257

ومواليهم ، حتي النساء ، فقدم بأولاد خالد بالجوامع ( جمع جامعة ، وهو القيد الذي يجمع اليدين إلي العنق ) ، ومن كان معهم من مواليهم ، وحبس أم جرير بنت خالد ، والرائقة ، وجميع النساء والصبيان ، ثم ظهر إن الحرائق من صنع آخرين ، فأخلي سبيل آل خالد . ( الطبري 255/7 و 256 ).

ولما خالف الحارث بن سيرج ، أمراء خراسان ، اعتقلوا أهل بيته وحبسوهم ، فلما عاد إلي مرو في السنة 127 ، أطلق له نصر من كان معتقلا من أهله ، ومنهم ولده محمد ، وبنتيه الألوف ، وأم بكر ( الطبري 309/7)

وفي السنة 187 قتل الرشيد جعفر البرمكي ، وحول الفضل أخوه ليلا فحبس في ناحية من منازل الرشيد، أما أبوهما يحيي فحبس في منزله ، ثم حبس الفضل ويحي ومحمد في دير القائم ، وجعل عليهم حفظة من قبل مسرور الخادم وهرثمة بن أعين ، وصير معهم زبيدة بنت منير أم الفضل ، ودنانير جارية يحيي ( الطبري 296/8 و297 ) .

وفي السنة 203 علم ابراهيم بن المهدي ، وكان قد بويع ببغداد ، بأن قائده عيسي بن محمد بن أبي خالد يفاوض قائد جيش المأمون في الإنحياز إليه ، فقبض عليه وضربه وحبسه ، وبعث إلي منزله فأخذ أم ولده وصبيانا له صغارا فحبسهم ( الطبري 569/8 و571 ).

وكانت عريب المأمونية ، تتعشق محمد بن حامد ، وكانت تلقاه في الوقت بعد الوقت ، فلما وقف المأمون علي خبرها مع محمد بن حامد ، أمر بالباسها جبة صوف ، وختم زيقها ، وحبسها في كنيف مظلم شهرة لا تري الضوء ، يدخل إليها خبز وملح وماء من تحت الباب في كل يوم ، ثم ذكرها ، فرق لها ، وأمر باخراجها ، وظلت علي محبة محمد بن حامد ، فزوجه المأمون بها ( الاغاني 68/21 - 69 ).

ص: 258

وفي السنة 235 أطلقت من حبس سامراء ، خالة لإبن البعيث ، فلما أطلقت ، وخرجت من السجن ، ماتت فرحا من يومها ( الطبري 171/9 ).

أقول : كان البعيث بن حلبس ، صعلوكا من صعاليك الوجناء بن الرواد ، صاحب قلعة شاهين ، من كورة أذربيجان ، ولما نشأ ولده محمد تغلب علي قلعة شاهي ، وهي حصينة في وسط بحيرة أورمية ، وعلي قلعة يكدر ، وهي خارج البحيرة، والقلعتان من نواحي أذربيجان ، وكان محمد بن البعيث مسالمة لبابك في أول حركته ، ثم أنحاز إلي جانب الجيش العباسي ، فلما ظفر الجيش العباسي ببابك وتمزقت جموعه ، حمل ابن البعيث إلي سامراء ، فحبس بها ، في حبس اسحاق بن ابراهيم المصعبي ، ثم أطلق بعد أن قدم ثلاثين كفيلا، وأقام بسامراء ، ثم هرب إلي مرند ، وجمع أتباعا يزيدون عن الألف ، وحضن مرند ، فبعث إليه المتوكل جيوشأ، فقلها جميعها ، فشير إليه بغا التركي علي رأس أربعة الاف ، وطال الحصار علي ابن البعيث ، فأستسلم جل أصحابه ، ونزلوا بالأمان ، واقتحم الجيش مدينته ، وأسره، وحصل في يد السلطان من حرمه ثلاث عشرة امرأة ، وقدم بغا بابن البعيث وبقية الاسري الي سامراء ، وأمر المتوكل بقتل ابن البعيث ، ثم استبقاه وحبسه ، وصير في عنقه مائة رطل ، فلم يزل مكبوبا علي وجهه ، حتي مات بعد شهر ، فتكلم بغا في ختن ابن البعيث ، واسمه أبو الأغر ، فأطلق ، وأطلقت خالة لابن البعيث ، فلما خرجت من السجن ، ماتت فرحة من يومها ( الطبري 164/9 ، 165 ، 170 ، 171).

وفي السنة 252 أوقع مفلح بعبد العزيز بن أبي دلف ، خارج همدان ، ودخل مفلح الكرج ، فأخذ جماعة من آل أبي دلف أسراء ، وأخذ نساء من نسائهم يقال أنه كان فيهم أم عبد العزيز ، فأوثقهم . ( الطبري 373/9 ) .

وفي السنة 255 لما ظهر صاحب الزنج علي بن محمد الورزنيني بالبصرة ، في أول أمره ، ودعا لنفسه ، طلبه الجند ، ففر منهم ، فأخذ جماعة

ص: 259

من أصحابه فحبسوا ، وكان ممن حبس ، ابن صاحب الزنج ، وزوجته أم ولده ، ومعها ابنة له ، وجارية له حامل ، وظلوا محبوسين ، حتي ظهرت فتنة البلالية والسعدية ، ففتحوا السجون وأطلقوا من فيها ، فتخلص أفراد عائلة صاحب الزنج وأصحابه فيمن تخلصوا ، فعاد إلي البصرة ( الطبري 412/9)

في السنة 255 لما ظهر صاحب الزنج ، وجد سميرية ، فأخذ الملاحين ، فأخبروه بأن عقيل الأبلي ، حملهم علي أتباعه قسرة ، بأن حبس نساءهم حتي اضطروا لأتباعه ، وأنه فعل ذلك بجميع من تبعه من الملاحين ( الطبري 423/9 )

وفي إحدي المعارك بين الجيش العباسي وصاحب الزنج ، دخل الجيش العباسي قصر صاحب الزنج ، وأخذوا حرمه وأولاده الذكور والاناث ، وأحرقوا داره ، وحمل أولاده ونساؤه ألي الموفقية في التوكيل ( أي الاعتقال ) ( شرح نهج البلاغة 206/8 ).

وفي السنة 300 قبض علي دستنبويه أم ولد المعتضد ، ولم يكن في دار الخليفة أجل منها ولا أكرم نفسا ولا انصف في معاملة ، تعطي التجار الأرباح الواسعة ، وكان لها عند المقتدر محل عظيم ، وكانت تنكد علي أم المقتدر ، وتدل بمحلها ومنزلتها التي كانت عند المعتضد، ففسد أمرها عند أم المقتدر ، وتم القبض عليها . ( العيون والحدائق ج 4 ص 1 ص 249).

وفي السنة 306 لما قبض المقتدر علي الوزير ابن الفرات وعلي أولاده وكتابه ، قبض علي دولة أم ولد ابن الفرات وعلي الحسن ابنها منه واعتقلوا . ( الوزراء للصابي 39).

ومما عيب علي أبي العباس الخصيبي أنه حبس بنت جعفر بن الفرات ، أرملة المحسن ، وعين علي الحبس شاب اسمه افلح ، فتزوج بها في حبسه . ( تجارب الأمم 155/1 ).

ص: 260

وفي السنة 319 نفر مؤنس من الوزير الحسين بن القاسم بن عبيد الله وزير المقتدر ، وخرج وجنده إلي باب الشماسية ( الصليخ )، وبعث بخادمه بشري برسالة إلي المقتدر ، فلما حصل في دار السلطان، قال له الوزير : هات الرقعة التي معك ، فقال له : ليس معي رقعة ، وإنما معي رسالة ، قال : فاذكرها ، قال : قد أمرت ألا أذكرها إلا للخليفة ، فوجه المقتدر إلي بشري ، يأمره أن يؤدي الرسالة الي الوزير ، فقال بشري : حتي أمضي إلي صاحبي وأستأذنه في ذلك وأعود ، فشتمه الوزير ، وشتم صاحبه ، وأمر به ، فضرب بالمقارع ، وحبسه ، ووجه إلي داره ، وقبض علي امرأته ، وصادرها ، وحمل ما في الدار . ( تجارب الأمم 222/1 ) .

ولما قبض القاهر علي مؤنس وبقية القواد ، وقتلهم ، سأل عمن يصلح للوزارة فدل علي أبي جعفر محمد بن القاسم بن عبيدالله، فاستوزره مدة قصيرة ثم قبض عليه وعلي أولاده وعلي حرمه وعلي أخيه ، فمات في حبسه . ( ابن الأثير 262/8 ).

وفي السنة 321 قبض القاهر علي مؤنس ، ويلبق ، وولده علي ، وابن مقلة وآخرين ، ووكل بحرمهم ، وأمر بنهب دورهم . ( ابن الأثير 256/8 ).

وكان المتقي الله قد أصعد إلي بني حمدان في الموصل ، ثم عاد إلي بغداد ، في السنة 333 فتلقاه توزون ، وأنزله في خيمته ، وقبض علي أمه ، وحاشيته ، ثم سملت عينه بحضرة « علم » قهرمانة خلفه المستكفي . ( تجارب الأمم 2/ 72 ).

وفي السنة 336 كان محمد بن عبد الرزاق عاملا علي طوس وأعمالها ، فخالف علي الأمير نوح الساماني ، صاحب خراسان وما وراء النهر ، فأمر نوح قائده منصور بن قراتكين ، بأن يسير إلي محمد بن عبد الرزاق ، وأن يطرده عما بيده من الأعمال ، فسار إلي نيسابور ، ثم إلي اسقوا ، وطرد

ص: 261

محمدا منها ، ثم قصد طوس وكان بها رافع بن عبد الزراق ، ففر رافع منها ، واحتمي بقلعة درك ، فحصره منصور ، فهرب منها ، ولما احتل منصور قلعة درك ، وجد بها عيال محمد بن عبد الرزاق ووالدته ، فانفذهم الي بخاري ، فاعتقلوا بها ( ابن الأثير 470/8 - و471).

وفي السنة 352 لما توفي الوزير المهلبي ، وزير معز الدولة البويهي ، قام أبو الفضل العباس بن الحسين الشيرازي ، وأبو الفرج محمد بن العباس بن فسانجس، باعتقال السيدة تجني ، زوجة الوزير المهلبي ، وطالباها بيان ما خلفه زوجها من أموال ومدخرات ، من أجل مصادرته ، فتلت في إخبارهما ، فأمرا بضرب ولدها أبي الغنائم ابن الوزير المهلبي ، بين يديها ، فبكي من عرفها مما يتم عليها ، وقالت : إن مولاي المهلبي فعل بي هذا، حتي استدعي الات العقوبة لزوجة أبي علي الطبري ، لما قبض عليها بعد وفاته ، ثم أذعنت ، واستدعت أبا العلاء بن أبرونا ، الطبيب النصراني ، وكان كاتب سر المهلبي ، وكان قد ضرب وعذب ، وطالبوه بأن يدلهم علي مخلفات المهلبي ، فلم يقر بشيء، فأحضر أبو العلاء ، محمو" في سبنية ( شبلية ) بين أربع فراشين ، لا يستطيع الحركة ، لما ناله من شدة الضرب ، فجعلت السيدة تسأله ، وهو يجيبها ، ويخبرها بمكان المخبات ، فقال له من حضر : ويحك ، ألست من الآدميين، تقتل هذا القتل ، ويفضي حالك الي التلف ، وأنت لا تقر ؟ فقال : يا سبحان الله ، أكون ابن أبرونا الطبيب الفصاد علي الطريق بدانق ونصف ، يأخذني الوزير أبو محمد ، ويصطنعني ، ويجعلني كاتب سه ، ثم أطلع الناس علي ذخيرة ذخرها لولده ؟ ما كنت الأفعل هذا ولو هلكت ، راجع القصة في نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ج 4 ص 123- 124 رقم القصة 58.

أقول : أبو الفضل العباس بن الحسين الشيرازي ، الذي اعتقل السيدة

ص: 262

تجني ، هو صنيعة الوزير المهلبي ، وزوج ابنته زينة وأمها السيدة تجني ، فأفت وتف .

وفي السنة 360 عزل عز الدولة بختيار البويهي ، وزيره أبا الفرج محمد بن العباس بن فسانجس ، وقبض علي حرمه وأسبابه ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ج 2 ص 219 رقم القصة 113.

وفي السنة 431 أتهم باديس صاحب غرناطة ، أبا الفتوح ثابت بن محمد الجرجاني بالتآمر ضده ، ففر منه ، فقبض باديس علي زوجة أبي الفتوح ، وعلي ولديه الطفلين ، وحبسهم عند صاحب عذابه ، فاضطر أبو الفتوح إلي العودة مستسلمين إلي باديس ، ثم قتله ( الأحاطة) .

وفي السنة 440 توقي الملك أبو كاليجار ، وخلفه ولده الملك الرحيم ، واستولي أخوه أبو منصور علي شيراز ، فسير اليه الملك الرحيم جيشا ، فاستولي علي شيراز، واعتقل الأمير أبو منصور ووالدته . ( ابن الأثير 547/9 ۔ 548)

وفي السنة 451 انحدر البساسيري إلي واسط ، ومعه في أسره والذة الخليفة ووالدة الأمير أبي القاسم عدة الدين ، ووصال قهرمانة الخليفة، فلما قتل البساسيري، أنفذ السلطان من أحضرهن من واسط . ( المنتظم 211/8)

وفي السنة 459 حجت الحرة الصيلحية ، أسماء بنت شهاب اليمانية ، مع زوجها علي بن محمد الصليحي ، ملك اليمن ، فقتل زوجها في أم الدهيم ، وأسرها سعيد الأحول ، قاتل زوجها ، فأركبها في هودجها ، وجعل أمام الهودج رأس زوجها، ورأس أخ لزوجها قتل معه ، وأقامت في الأسر

ص: 263

ثمانية أشهر ، ورأس زوجها ، ورأس أخيه ، معلقان أمام طاقة دارها ، ثم علم ابنها بخبرها ، فأقبل في جيش ، وظفر بقتلة أبيه ، وأنقذ أمه من الأعتقال ( الاعلام 299/1 ) .

وفي السنة 493 وقعت معركة بين كمشتكين بن الدانشمند، صاحب ملطية وسيواس ، وبين بيمند الأفرنجي ، من مقدمي الإفرنج، وهو صاحب أنطاكية ، فانهزم بيمند، وأسر ، وفي السنة 495 أطلق الدانشمند سراح بيمند ، وأخذ منه مائة ألف دينار ، وشرط عليه إطلاق سراح ابنة باغي سيان الذي كان صاحب انطاكية ، وكانت في أسره ( ابن الأثير 435/10 ).

وفي السنة 493 وقعت حرب بين الإخوة بركياروق من جهة ، وسنجر ومحمد من جهة اخري ، وهم أولاد السلطان ملكشاه السلجوقي ، فأسر أصحاب بركياروق أم أخويه سنجر ومحمد ، فأكرمها ، وقال لها : إنما ارتبطتك ليطلق أخي من عنده من الأساري ، فانفذ سنجر من كان عنده من الأساري ، فأطلقها . ( المنتظم 113/9 ).

وفي السنة 496 توفيت بنت الخليفة القائم (توفي القائم سنة 467) وهي التي كان قد تزوجها السلطان طغرلبك ، وكان الخليفة المستظهر (470 - 487 - 512 ) قد ألزمها بيتها، لأنه أبلغ عنها أنها تسعي في إزالة دولته . ( ابن الأثير 366/12 ).

وفي السنة 555 توفي المقتفي ، وخلفه ولده المستنجد، فأمر بأخيه أبي علي ، فحبس ، وحبست معه أمه ، أتهمهما بأنهما حاولا اغتياله ، لما أشرف أبوه علي الوفاة . ( ابن الأثير 257/11 ).

وفي السنة 557 قبض علي ابن الشمحل، وحبس عند أستاذ الدار ، ونقل ما في داره ، وقبض علي زوجته بنت صاحب المخزن ابن طلحة. ( المنتظم 203/10 ).

ص: 264

ولما ثار الأمير هلاجون ، بمدينة لاهور ، علي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، وحاربه الوزير خواجه جهان، ودخل مدينة لاهور ، أخذ من نساء المخالفين نحو ثلثمائة امرأة ، وسجنه في حصن كاليور. ( مهذب رحلة ابن بطوطة 102/2 ).

وفي السنة 795 هاجم تيمورلنك بغداد ، ففر منها السلطان أحمد بن أويس وحريمه وحاشيته ، فأرسل تيمور وراءهم من يتبعهم ، ففاتهم السلطان أحمد، ووقع أسيرة في يد تيمور الأمير علاء الدولة ابن السلطان أحمد ، ونساء السلطان أحمد ، فاعتقلهم تيمور ، ونقلهم إلي سمرقند ( التاريخ الغياثي 187- 188).

وفي السنة 893 جهز السلطان يعقوب بن السلطان حسن الطويل جيشا لمحاربة الشيخ حيدر الصفوي ، فقتله ، وحبس أولاده علي وإبراهيم وإسماعيل ، وأمهم حليمة بيكم في شيراز . (تاريخ العراق للعزاوي 271 -270/3)

وكان الشيخ حيدر ابن عمة السلطان يعقوب ، لأن أم حيدر هي شقيقة السلطان حسن الطويل ( تاريخ العراق للعزاوي 272/3 ).

وغضبت الأميرة سكندربيكم ، أميرة بهوبال، بالهند (ت 1285ه- 1868 م) علي ابنتها الأميرة جهان بيكم ، لأنها قابلت في بيت أحد أقاربها ، أميرة من أمراء البيت المالك في دهلي ، جاء ليخطبها ، فحبستها في غرفتها عدة أشهر ، بعد أن ضربتها ضربا مبرحا . ( أعلام النساء 201/2 ).

وفي السنة 1327 اعتقل السلطان عبد الحفيظ، صاحب المغرب ، الفقيه أبا عبد الله محمد بن عبد الكبير الكتاني ، وحبسه وحبس معه جميع أفراد عائلته حتي النساء ، وكان سبب ذلك أن الفقيه لما بايعه اشترط عليه أن يتقيد بالشوري ، فحقدها السلطان عليه ، فعزم الفقيه علي مبارحة المغرب ،

ص: 265

ورحل بأهله جميعهم ، فأعاده السلطان بالأمان ، ثم غدر به فحبسه ، وحبس معه جميع أفراد عائلته حتي النساء ، ثم جلده، وحمل الي فاس الجديدة فمات فيها ( الأعلام 83/7 ).

وأدركت البغداديين ، وهم إذا تحدثوا عن امرأة أودعت السجن ، قالوا عنها : أخذوها لبيت كراوي ، وكان كراوي هذا مقيمة في الجانب الغربي من بغداد ، أي الكرخ ، وكانت الحكومة العثمانية في ذلك الحين ، تودع النساء المعتقلات في بيته ، وتؤدي له عن كل رأس ، عددا من القروش ، من أجل حفظ السجينة واطعامها . ( طرائف 946).

ص: 266

الفصل الرابع عشر: اشهار النساء

كان الإشهار أحد الوان العذاب التي تفرض علي النساء الماجنات ، ويكاد يكون مقصورة عليهن .

ولعل أول امرأة أشهرت في الإسلام ، علي ما ذكروا ، كانت أم أشعب الطماع ، إذ شهد عليها بالزنا ، فحلقت ، وأشهرت علي جمل، وأمرت أن تنادي علي نفسها ، فكانت تنادي : من رآني فلا يزنين ، فصاحت بها امرأة : يا فاعلة، نهانا الله عز وجل عن هذا ، فعصيناه ، فهل نطيعك أنت ، وأنت مجلودة ، محلوقة ، يطاف بك علي جمل ؟ ( الأغاني 135/19 - 137).

في السنة 467 تقدم ببغداد ، فخر الدولة، إلي المحتسب بالحريم ( حريم دار الخلافة )، بنفي المفسدات ، وبيع دورهن، فشهر جماعة منهن علي الحمير ، مناديات علي أنفسهن، وأبعدهن إلي الجانب الغربي ( المنتظم 294/8)

وفي السنة531 أشهر في أسواق بغداد أربع نسوة ، علي بقر السفائين ، مسودات الوجوه ، لأنهن شربن المسكر في الشط مع رجال ( المنتظم 69/10 ).

وفي السنة 559 شهرت امرأة ، تزوجت بزوجين ، ومعها أحدهما . ( المنتظم 208/10 ).

ص: 267

وفي السنة 781 رسم الأتابكي برقوق بالقاهرة ، فاشهرت امرأة ، أوهمت الناس بوجود أعجوبة في بيتها ، خلاصتها أن كلامأ يصدر من وراء أحد حيطانه ، فأركبت علي جمل ، ويداها مستمرة علي الخشب ، وهي بازارها ونقابها ، ولم يعهد قط أن امرأة سمرت علي جمل . ( بدائع الزهور 247/2/1)

وفي السنة 782 ظهر علي امرأة بالقاهرة ، أنها تروجت برجلين في وقت واحد، فشهرت علي جمل، وطيف بها في القاهرة ، وعلي رأسها طرطور احمر ، ونودي عليها : هذا جزاء من تتزوج رجلين في الإسلام . ( بدائع الزهور 254/2/1 ).

وأخذت امرأة أخري، في زنا ، وطيف بها مشهرة علي جمل ، ورآها بعض المجان ، فقال لها : كيف خلفت الحاج ؟ قالت : بخير ، وقد كانت أمك معنا ، فخرجت في النفر الأول. ( الملح والنوادر للحصري 93).

وفي السنة 923 بعد مبارحة السلطان سليم القاهرة ، أشهروا أربع نسوة علي حمير ، ووجوههن ملطخة بالسواد، قيل أنهن كن يجمعن عندهن جماعة من التراكمة في رمضان ، ويعرصن ، عليهم مع النساء الأجانب . ( بدائع الزهور 211/5 ).

ص: 268

الفصل الخامس عشر: انتحار المرأة

الانتحار عند العرب ، من الأمور النادرة ، وهو ما بين النساء أندر .

وأول ما ورد إلينا من أخبار انتحار المرأة ، ما تناقله الرواة عن انتحار الباء ، ملكة تدمر والجزيرة ، وقد وليت تدمر بعد مقتل أبيها ، فهزمت الرومان ، وقتلت جذيمة الأبرش ، فأحتال ابن أخته عمرو بن عدي ، حتي اقتحم عليها قصرها ، وهم بقتلها ، فامتصت سما ، فماتت ، وقالت الكلمة التي ذهبت مثلا : بيدي ، لا بيد عمرو ( الاعلام 71/3 ).

وفي السنة 89 فتح محمد بن القاسم الثقفي السند، وقتل ملكها داهر ، وكان في إحدي مدن السند امرأة لداهر ، فلما حصرها محمد ، خافت أن تؤخذ، فأحرقت نفسها، وجواريها، وجميع مالها ( ابن الأثير 538/4)

ونثبت في هذا البحث ، بإعجاب واحترام ، مصير فتاتين عربيتين عاشتا عيشة كريمة ، وماتتا ميتة نبيلة ، هما جميلة إبنة ناصر الدولة الحمداني ، وزينة ابنة الوزير أبي محمد المهلبي .

في السنة 371 انتحرت جميلة بنت ناصر الدولة الحمداني ، بأن ألقت نفسها من جسر بغداد إلي دجلة ، فغرقت نفسها ، وكانت مثلا من أمثلة الكرم والترفع وإسباغ المعروف ، وكانت شريكة أخيها أبي تغلب في الأمر والنهي ،

ص: 269

وحجت في السنة 266 فصارت حجتها تاريخأ، لأنها أقامت فيها من المروءة ، وفرقت من الأموال ، وأظهرت من المحاسن ، ونشرت من المكارم ، ما لا يوصف ، وذكر أنها وصلت إلي الحجاز ، ومعها أربعمائة عمارية لا يدري في أيتها كانت ، وأعدت معها خمسمائة راحلة للمنقطعين من رجالة الحاج ، وأستصحبت البقول مزروعة في مراكن الخزف ، فضلا عما سواها ، وسقت جميع أهل الموسم السويق بالسكر الطبرزد والثلج ، ونثرت علي الكعبة لما شاهدتها عشرة آلاف دينار، وأعتقت ثلثمائة عبد ، ومائتي جارية ، وخلعت علي الناس خمسين ألف ثوب ، وأغنت المجاورين بالصلات الجزيلة ، وكان عضد الدولة ، قد خطبها ، فترفعت عليه ، وأبت أن تتزوجه ، وضرب الدهر ضرباته ، واستولي عضد الدولة علي بلادها في الموصل ، فأفضت بها الحال إلي كل قلة وذلة ، وتكشفت عن فقر مدقع ، فلما وقعت في يد عضد الدولة ، تشفي منها ، وبالغ في إيذائها ، وطالبها بأموال ، وألزمها بأن تختلف إلي دار القحاب لتتكسب فيها ما تؤديه في مال مصادرتها ، فلما أبلغت بذلك ، انتهزت غفلة الموكلين بها ، وهم يعبرون بها الجسر ، وألقت نفسها في دجلة ، رحمها الله . ( لطائف المعارف 83).

وكانت زينة المهلبية ، قد انتقلت من عز إلي عز، من عز أبيها أبي محمد المهلبي ، وزير صاحب العراق ، إلي عز زوجها أبي الفضل العباس بن الحسين ، الذي وزر لصاحب العراق بعد أبيها المهلبي ، وكانت قد بلغ بها الحال ، أن اتخذت الجواري الأتراك حجابا لها في زي الرجال ، علي ما جري به رسم السلطان ، وكان لها كتاب من النساء ، مثل سلمي النوبختية ، وعائشة بنت نصر القشوري الذي كان حاجب المقتدر، وغيرهما من القهارمة ، ومن يتصرف في الأعمال تصرف الرجال ، وكان لها كرم وجود بالأموال ، فلما قبض علي زوجها أبي الفضل ، في وزارته الثانية لبختيار البويهي بن معير الدولة ، ووزر ابن بقية ، اختفت زينة ، وسائر أسبابها،

ص: 270

فجعلت عليها العيون في كل مكان ، وحمل زوجها الوزير إلي الكوفة ، فأقام يسيرا ومات ، ولم يزل بختيار يطلب زينة وأسبابها ، وكان سبب اختفائها منه إنه راسلها لما قبض علي زوجها ، يطلب منها أن تترك زوجها ، وأن تتزوج به ، فردت عليه أقبح رد ، وأنكرت ذلك ، فكان ذلك سببا لاختفائها ، وكان لها من الذخائر والودائع في أيدي جماعة ، مما كان يغني كثيرا من الناس ، فلما بلغ بها الأمر هذا المبلغ ، طمع كل واحد بما في يده ، وغدروا بها ، وبعد اليأس من العثور عليها ، طهر بظاهر الخلد ، بقرب محلة تعرف بالتسترين ، فرد محمل مغطي ، فيه امرأة في أخلاق ، وعند رأسها رقعة مكتوب عليها : زينة بنت الحسن بن محمد المهلبي الوزير ، فوافي القاضي أبو تمام الحسن بن محمد الهاشمي المعروف بالزينبي ، وكانت أختاها تحت ولديه أبي الحسن وأبي القاسم ، فحملها إلي داره ، وتوتي من أمرها ما يجب المثلها ، ودفنها في مقابر قريش ( الكاظمية ) (الملح والنوادر 279 ).

وفي السنة 479 حصر السلطان ملكشاه السلجوقي ، قلعة جعبر، وكان قد تحصن بها سابق بن جعبر ، ففتحها، وقتل عامة أهلها، وقبض علي سابق وأراد قتله ، فوقعت عليه زوجته ، وقالت : لا أفارقه ، أو تقتلوني معه ، فألقوه من أعلي السور ، فتكسر ، وقطع بالسيف إلي نصفين ، فألقت زوجته نفسها وراءه ، فسلمت ، فقال لها السلطان : ما حملك علي هذا ؟ فقالت : إنا قوم لم يتحدث عنا بالخنا ، فخفت أن يخلو بي الترك في القلعة ، فيقول الناس ما شاءوا ، فاستحسن ذلك منها . ( المنتظم 28/9 ).

وفي السنة 486 كان ابراهيم بن قريش بن بدران ، يملك الموصل، فحاربه تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان ، فظفر تتش، وأسر ابراهيم وجماعة من أمراء العرب ، فقتلوا صبر ، وقتل كثير من نساء العرب أنفسهن ، خوفا من الفضيحة ( ابن الأثير 221/10 ) .

ص: 271

وفي السنة 500 حصر السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي ، قلعة شاه دز ، بالقرب من أصبهان ، وكان صاحبها أحمد بن عبد الملك بن عطاش ، رأس الباطنية ، ثم فتحها ، وأخذ ابن عطاش أسيرأ ، فشهره ، وسلخ جلده ، وحشاه تبنأ ، وقتل ولده ، أما زوجته فإنها ألقت نفسها من رأس القلعة ، فماتت منتحرة ( ابن الأثير 430/10 - 434 ).

ولما توفي السلطان خليل، الذي خلف جده تيمورلنك ، بالري ، عمدت زوجته شاد ملك ، إلي خنجر فنحرت به قفاها ، فماتت ، ودفنا في قبر و احد . ( تاريخ العراق للعزاوي 283/2 )

وروي لنا الفارس أسامة بن مرشد الكناني ( 488 - 584 ) ، قصة انتحار فتاة كردية اسمها رفول ، قال : كان في جند الجسر ، رجل كردي ، يقال له أبو الجيش ، له بنت اسمها رفول ، سباها الإفرنج ، وهو قد توسوس عليها، يقول لكل من لقيه : سبيت رفول ، فخرجنا من الغد ، نسير علي النهر ، فرأينا في جانب الماء سواد ، فقلنا لبعض الغلمان : اسبح ، أبصر ما هذا السواد ، فمضي إليه ، فإذا ذلك السواد رفول ، عليها ثوب أزرق ، وقد رمت نفسها من علي فرس الافرنجي الذي أخذها فغرقت ، وعلق ثوبها في شجرة صفصاف ، فسكنت لوعة أبيها أبي الجيش . ( الاعتبار 149 و150).

وفي السنة 618 لما تصادم جيش التتار ، مع جيش خوارزم شاه ، علي نهر السند ، انكسر خوارزم شاه جلال الدين ، وولي منهزمة ، وأسر له ولد طفل ، ابن سبع أو ثمان سنين ، فقتل بين يدي جنكيز خان صبرة ، وأبصر جلال الدين ، أمه ، وأم ولده ، وجماعة من حرمه ، علي شاطيء نهر السند ، فصرخن فيه : بالله عليك ، أقتلنا، أو خلصنا من الأسر ، فأمر بهن فغرقن في النهر ، وهو ينظر ، وهذه من عجائب البلايا ، ونوادر المصائب والرزايا ( المختصر في تاريخ البشر 150/3 ) .

ص: 272

وفي السنة 684 انتحرت امرأة في بغداد غرقأ ، بأن ألقت نفسها من الجسر إلي دجلة ، وسبب ذلك إن الأسعار غلت في بغداد فبلغ الكرمن الحنطة 180 دينارة وكر الشعير 100 دينار وبيع الخبز 3 أرطال بدرهم ، وباع القوم الضعفاء أولادهم ، وألقت امرأة نفسها إلي دجلة وكانت علي الجسر تطلب ، فلم يعطها أحد ، فآثرت إتلاف نفسها ( الحوادث الجامعة 446 ) .

ومما يدخل في بحثنا هذا ، ما كانت تصنعه النساء الهنديات ، من الانتحار باحراق أنفسهن بالنار ، إما مع أزواجهن ، وإما إذا ترملن ، وقد قض علينا ابن بطوطة في رحلته 9/2 و97 قصة هنديات انتحرن مع أزواجهن ، وفي رحلته 20/2 - 22 قصة هنديات ترملن فانتحرن باحراق أنفسهن بالنار .

فالقصة الأولي : إن أميرة مسلمة ، من اقرباء السلطان محمد بن تغلق سلطان الهند ، فر منه ، والتجأ إلي ملك هندوسي ، فطلبه السلطان منه فأبي أن يسلمه ، فحاربه ، فانكسر الهندوسي ، فحرص قبل كل شيء أن يوصل الأمير الذي التجأ إليه إلي مأمنه ، ثم انتحر هو ورجال حاشيته ، ونساؤهم ، بأن أجج نارة ، وكانت المرأة منهن تغتسل ، وتدهن بالصندل ، وتقبل الأرض بين يدي الملك ، ثم ترمي بنفسها في النار ، حتي هلكن جميعا. وأما الملك ورجاله ، فإنهم اغتسلوا ، ولبسوا سلاحهم واشتبكوا مع جيش السلطان في معركة ضارية استقتلوا فيها ، فقتلوا جميعا .

والقصة الثانية ، تتعلق بالأرملة ، تحرق نفسها بعد وفاة زوجها ، وهم إذا كانوا ببلد سلطان الهند المسلم ، استأذنوه في إحراقها ، فيأذن لهم ، فيحرقونها ، ويقول ابن بطوطة ، إن المرأة ، لا تكره علي إحراق نفسها ، بعد موت زوجها ، ولكنها إذا قامت بذلك أحرز أهلها شرفا بذلك ، ونسبوا إلي الوفاء ، ومن لم تحرق نفسها لبست خشن الثياب ، وأقامت عند أهلها بائسة ، ممتهنة ، لأنها تتهم بعدم الوفاء .

ص: 273

وروي قصة ثلاث نسوة ، تعاهدن علي أن يحرقن أنفسهن ، لما توفي أزواجهن ، فأقمن قبل ذلك ثلاثة أيام ، في غناء ، وطرب ، وأكل وشرب ، كأنهن يودعن الدنيا ، وتأتي النساء إليهن من كل جهة ، وفي صبيحة اليوم الرابع ، أركبوا كل واحدة منهن فرسأ ، وهي متزينة ، متعطرة ، وفي يمناها جوزة نار جيل تلعب بها، وفي يسراها مرأة تنظر فيها إلي وجهها، والبراهمة ، يجفون بها ، وأقاربها معها، وبين يديها الأطبال ، والأبواق ، والأنقار ، وكل إنسان من الكفار يقول لها : أبلغي السلام أبي ، أو أخي، أو أمي ، أو صاحبي ، وهي تقول : نعم ، وتضحك لهم .

قال : وركبت مع أصحابي ، لأري كيفية صنعهن في الإحتراق ، فسرنا معهن نحو ثلاثة أميال ، وانتهينا إلي موضع مظلم كثير المياه والأشجار ، متكاثف الظلال ، وبين أشجاره أربع قباب ، في كل قبة صنم من الحجارة ، وبين القباب صهريج ماء قد تكاثفت عليه الظلال ، وتزاحمت الأشجار ، فلا تتخللها الشمس ، ولما وصلن إلي القباب ، نزلن الي الصهريج ، وانغمسن فيه ، وجردن مما عليهن من ثياب وحلي ، فتصدقن به ، وجيء لكل منهن بثوب قطن خشن ، غير مخيط ، فربط بعضه علي وسطها ، وبعضه علي رأسها وكتفيها ، والنيران قد أضرمت علي قرب من ذلك الصهريج ، في موضع منخفض ، وصب عليها زيت الجلجلان ، فزادها أشتعالا ، وهناك نحو خمسة عشر رجلا بأيديهم حزم من الحطب الرقيق ، ومعهم نحو عشرة بأيديهم خشب كبار ، وأهل الأطبال ، والأبواق ، وقوف ينتظرون مجيء المرأة ، وقد حجبت النار بملحفة يمسكها الرجال بأيديهم ، لئلا يدهشها النظر إليها ، فرأيت إحداهن ، لما وصلت إلي تلك الملحفة نزعتها من أيدي الرجال بعنف ، وقالت لهم ، وهي تضحك : أبالنار تخوفونني ؟ أنا أعلم أنها نار محرفة ، ثم جمعت يديها علي رأسها خدمة للنار ، وألقت بنفسها فيها ، وعند ذلك ضربت الأطبال والأنقار والأبواق ، ورمي الرجال ما بأيديهم من

ص: 274

الحطب عليها، وجعل الآخرون ، تلك الخشبات من فوقها لئلا تتحرك ، وارتفعت الأصوات ، وكثر الضجيج .

وكان جزونت سنك ، من اكبر الشخصيات الحاكمة ، في عهد السلطان أورنك زيب ، سلطان الهند (1119-1098)، وكان يقيم بكابل، ومات بقرب حصن أتوك ، فصممت زوجته أن تحرق نفسها يوم وفاته عملا بعوائد الهندوس ، فمنعت من ذلك ، لأنها كانت حاملا بسبعة أشهر ، وتقدمت زوجته الأخري ، وسبع من جواريه ، وأحرقن أنفسهن ، ولما ولدت زوجته الأولي غلاما ، لم ترد أن تبقي بعد زوجها، رغما عن وجود رضيع لديها ، فأحرقت نفسها . ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 148).

ولهذه السيدة التي أصرت علي إحراق نفسها ، موقف عجيب من مواقف البطولة ، فإن زوجها جزونت سنك ، كان قائد جيش دارا ، أخي السلطان أورنك زيب، ونشبت بين الجيشين معركة، فانكسر جيش دارا، وآنفل جمعه ولما عاد القائد جزونت سنك إلي داره ، رفضت زوجته قبوله ، ورفضت أن تصدق أنه بذل كل ما في وسعه ، وقالت له : أن الراجبوتي ، وخصوصا من كان من عائلة مثل عائلتك ، يجب أن ينتصر ، أو يموت ، ورتبت جنازة ، ودارت بها في شوارع المدينة، معتبرة أن زوجها قد مات ، وبعد مرور مدة طويلة ، رضيت أن تغفر له زلته . ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 108)

ولما تسلطن ، في الهند، السلطان جلال الدين أبو الفتح محمد أكبر شاه ، ( حكمه 963-1014 ) كان من جملة إصلاحاته أن منع إحراق الأرملة إذا توفي زوجها الهندوسي ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 65).

وفي السنة 1390 (1970 م) نشرت الجرائد خبر انتحار أم ، انتحرت

ص: 275

بإلقاء نفسها من الطابق الأعلي ، في أحد مستشفيات روما ، بايطاليا ، وسبب ذلك أنها كانت قد أحضرت ولدها الشاب الذي فقد بصره ، إلي المستشفي ، لإجراء عملية ترقيع القرنية ، لإعادة بصره إليه ، فأخبرها الأطباء ، أن إجراء العملية غير متيسر ، إذ لا توجد في المستشفي قرنية جاهزة ، فطلبت منهم أن يقتطعوا قرئية إحدي عينيها لترقيع عين ولدها، فامتنعوا ، واعتذروا لها بأنه لا يجوز لهم إتلاف بصر إنسان ، لا صلاح بصر آخر غيره ، وأن علي ولدها الشاب أن ينتظر ، حتي تتيسر للمستشفي قرنية من شخص متوفي ، فما كان من الأم ، إلا أن صعدت إلي الطابق الأعلي في المستشفي ، وألقت بنفسها إلي الأرض ، فماتت منتحرة ، لكي يتيسر لولدها الحصول علي قرية عينها ، فضربت بعملها هذا مثلا من أرقي الأمثلة في التضحية والفداء .

وتذكرني هذه الواقعة ، والشيء بالشيء يذكر، بواقعة معاكسة لها، وقعت ببغداد في الأربعينات ، خلاصتها أن شخصا معدودة من بين المثقفين ، أقدم أحد أولاده ، علي الإنتحار بفصد عروق يديه ، ونقل الي المستشفي ، وهو لما به ، واحتاج الشاب إلي نقل دم ، فطلب الطبيب مدير المستشفي من أبيه أن يتبرع له بشيء من دمه ، فامتنع ، وأصر علي الامتناع ، فاشتد غيظ الطبيب منه ، وأسعفه ، بأن نقل إليه كمية من دمه ، أي دم الطبيب ، ونجا الشاب .

ص: 276

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.