موسوعه العذاب المجلد 3

اشارة

موسوعه العذاب

تاليف: عبود الشالجي

مشخصات: 7ج

الدارالعربيه للموسوعات

بيروت - لبنان

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

الباب الرابع : الحبس والقيد والغل والمسوح

اشارة

ص: 6

مقدمة

الحبس ، في اللغة : الضبط والتقييد ، ومنه سمي وقف الملك حبسا ، لأنه يعني ضبط الغلة ، وقيدها ، بأن تصرف علي جهة معينة .

والحبس الشرعي : تعويق الشخص ، ومنعه من التصرف بنفسه ، سواء حبس في بيت ، أو في مسجد ، أو لازمه خصمه .

والقيد ، في اللغة : الحبس والمنع ، ومنه قيد الكلمات ، عند إثباتها في الصحف ، يعني حبسها كي لا تضيع .

والقيد في الإصطلاح : كل ما يمسك عن الحركة .

والغل : طوق من حديد يجعل في اليد ، أو في العنق .

والجامعة : القيد إذا ربط اليدين بالعنق ، فجمعهما معا .

وقد رأيت أن أجمع ما يتعلق بالحبس وبالقيد في باب واحد، لأن العقوبة بهما ، تكاد تكون متلازمة ، حتي لكأن القيد والحبس متلازمان .

وقد جعلت هذا الباب مشتملا علي فصول ثلاثة :

الفصل الأول : الحبس ، ويشتمل علي ثلاثة أقسام :

القسم الأول : السجون الاعتيادية :

1- سجون الدولة

ص: 7

2 - سجون الأمراء والأميرات .

3- حبس الانسان في داره .

4 - الحبس عند أحد رجال الدولة .

5 - سجن الأمراء في الجوسق بسامراء .

6- الحبس في دار الخلافة ببغداد .

7 - الحبس في القلاع والحصون .

القسم الثاني : السجون غير الاعتيادية :

1 - الحبس في الحبوس الضيقة .

2 - الحبس في المطبق .

3- الحبس في المطامير .

4 - الحبس في السرداب .

5 - الحبس في الجب .

6-الحبس في زورق مطبق .

القسم الثالث : الحبس بقصد الإهانة وتكون في المواضع التالية :

1- الحبس في الكنيف .

2 - الحبس في الإصطبل .

3- الحبس مع المجانين في المارستان .

4 - الحبس في قفص .

ص: 8

الفصل الثاني : الغل والقيد والمسوح وجباب الصوف ، ويشتمل علي قسمين :

القسم الأول : الغل والقيد .

القسم الثاني : المسوح وجباب الصوف .

الفصل الثالث : طرائف عن الحبوس .

ص: 9

ص: 10

الفصل الأول : الحبس

اشارة

الحبس : يعني الضبط والإمساك .

والحبس : المصدر والإسم .

والمحبس ( بفتح الباء ) المصدر . ( وبكسر الباء ) الموضع الذي يحبس فيه .

والسجن : ( بفتح السين ) المصدر . ( وبكسر السين ) الإسم ، وهو المحبس .

وروي أن النبي صلوات الله عليه ، حبس يوم وليلة .

ولم يكن للنبي صلوات الله عليه ، ولا لأبي بكر محبس معذ، ولما انتشرت الرعية ، في أيام الخليفة عمر ، أعد حبسة في مكة ، في دار اشتراها من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم ( خطط المقريزي 187/2 ).

أقول : الظاهر إن الحطيئة ، الشاعر الهجاء ، كان من جملة من حبس في هذا المحبس ، لما هجا الزبرقان بن بدر ، فحبسه الفاروق عمر ، فكتب إليه من الحبس ، أبيات منها ( الملح والنوادر 228 ).

ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ**** زغب الحواصل لا ماء ولا شجر

ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة**** فاغفر عليك سلام الله يا عمر

ص: 11

وذكر صاحب شفاء الغليل ( ص 109 ) إنه لم يكن في زمن النبي صلوات الله عليه ، ولا في زمن الخلفاء أبي بكر ، وعمر، وعثمان ، سجن ، وكان يتم الحبس في المسجد ، أو في الدهليز حيث أمكن ، فلما كان زمن الإمام علي ، أحدث السجن ، وهو أول من أحدثه في الإسلام .

وكان الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، إذا أراد أن يعاقب رجلا ، حبسه ثلاثة أيام ، ثم عاقبه ، كراهة أن يعجل في أول غضبه ( تاريخ الخلفاء 236)

وبحث المقريزي في خططه بحثا مفصلا عن السجون عامة ، وعن السجون بمصر خاصة ، ومما قاله : إن الحبس الموجود الأن ، لا يجوز عند أحد من المسلمين ، وذلك إنه يجمع الكثير في موضع يضيق عنهم ، لا يتمكنون فيه من الوضوء ، والصلاة ، ويؤذيهم الحر في الصيف ، والبرد في الشتاء ، واما سجون الولاة ، فلا يوصف ما يحل بأهلها من البلاء ، وأشتهر أمرهم بأنهم يخرجون مع الأعوان في الحديد ، يستجدون ، وهم يصرخون في الطرقات من الجوع، فإذا تصدق عليهم أحد، لا ينالهم إلا ما يدخل بطونهم ، وجميع ما يجتمع لهم من صدقات الناس ، يأخذه السجان ، وأعوان الوالي ، ومن لم يرضهم بالغوا في عقوبته ، وهم مع ذلك يستعملون في الحفر ، وفي العمائر ، ونحو ذلك من الأعمال الشاقة ، فإذا انقضي عملهم ، ردوا إلي السجن في حديدهم ، من غير أن يطعموا شيئا ( خطط المقريزي 187/2 ).

ووصف المقريزي ، في خططه ( 188/2 ) سجون مصر ، وعدها، فذكر خزانة البنود : وقال إن هذا السجن يحبس فيه الأمراء والأعيان ، أما حبس المعونة : فيحبس فيه أرباب الجرائم من السراق وقطاع الطريق ، وكان حبسأ ، حرجأ ضيقا ، شنيعأ ، يشم من اقترب منه رائحة كريهة ، أما الحبس المعروف بخزانة شمائل ، فكان من أشنع السجون ، وأقبحها منظر ، بحبس

ص: 12

فيه من وجب عليه القتل ، أو القطع ، من السراق وقطاع الطريق ، ومن يريد السلطان إهلاكه من المماليك ، وأصحاب الجرائم العظيمة ، ومما يلفت النظر ، قول المقريزي : إن السجان به ، يوظف عليه والي القاهرة شيئا يحمله إليه من المال في كل يوم ، يعني إن الموظف يظلم المساجين ، ويعذبهم ، ليدفعوا له ، لكي يدفع جزءا منه للوالي ، وهذا مما يبعث علي العجب ، أن يكون الموظف هو الذي يدفع ، ولا يأخذ راتبأ ، وذكر المقريزي سجن المقشرة ، وذكر إنه صار سجنا لأرباب الجرائم ، بعد هدم خزانة شمائل سنة 818، وإنه من أشنع السجون ، وأضيقها، يقاسي فيه المسجونون من الغم والكرب ما لا يوصف ، وذكر المقريزي الجب ، الذي بقلعة الجبل ، وقال إنه أنشي ء سنة 681 في أيام المنصور قلاوون وفي السنة 729 « نزل إليه » يشاد العمائر ، ليصلح عمارته ، فشاهد أمرا مهولا من الظلام وكثرة الوطاويط ، والروائح الكريهة ، فتحدث إلي الأمراء في أمره ، وكلموا السلطان ، فأمر بردمه .

أقول : لاحظ قول المقريزي ، إن شاد العمارات «نزل » إلي السجن ، يعني إنه كان جبا ، لا باب له ، وإنما ينزل إليه من أعلاه ، وهذا أسوء أنواع السجون .

ووصف المقريزي (ت 845) حبس المعونة ، بالقاهرة ، الذي كان سجنا لأرباب الجرائم ، فقال : إنه كان شنيع المنظر ، ضيقأ ، لا يزال من يجتاز عليه يشم منه رائحة منكرة ، وكان قلاوون ، وهو أمير ، يمر به ، فيشم منه رائحة رديئة ،ويسمع منه صراخ المسجونين ، وشكواهم الجوع والعري والقمل ، فلما تسلطن هدمه . ( خطط المقريزي 102/2 ).

وفي السنة 818 هدم بالقاهرة السجن الذي كان يسمي : خزانة شمائل ، فوجد فيه من رمم القتلي ، ورؤوسهم شيء كثير ، وأفرد لنقل ما

ص: 13

خرج من التراب عدة من الجمال والحمير ، بلغت علائقهم في كل يوم خمسمائة عليقة . ( خطط المقريزي 328/2 ).

وكان سنجر الحلبي ، أحد المماليك الصالحية ، ولاه المظفر قطز ، سلطان مصر نيابة دمشق ، فلما قتل قطز علي عين جالوت ، وتسلطن من بعده الظاهر بيبرس ، ثار سنجر بدمشق ، ودعا إلي نفسه في السنة 658 وتلقب بالملك المجاهد ، ثم خامر عليه أمراؤه بدمشق ، وقبضوا عليه ، وبعثوا به إلي مصر ، فاعتقله الظاهر ، وظل محبوسا من السنة 659 إلي السنة 689 مدة تنيف علي ثلاثين سنة ، فلما ولي الملك الأشرف خليل بن قلاوون أخرجه وأعاده من الأمراء الأكابر ، وتوفي سنة 962 وقد جاوز تسعين سنة ، وانحني ظهره وتقوس . ( خطط المقريزي 46/2 ) .

وكان الأمير شمس الدين الشمسي الصالحي ، من كبار المماليك بالقاهرة ، اعتقله الملك المنصور قلاوون ، في السنة 680 ، وظل معتقلا اثنتي عشرة سنة ، فأفرج عنه الأشرف خليل في السنة 692 وأعاده إلي الإمارة ، ولما تسلطن المنصور لاجين ، اعتقله في السنة 698 ، ومات في الاعتقال سنة 699 ( خطط المقريزي 69/2 و 70 ).

وأغفل المقريزي لونا عجيبا من ألوان الحبس ، وهو « الترسيم في المسجد ، فقد نقل صاحب سيرة الملك المنصور ( ص 54 ) أنه في السنة 678 أفرج عن الصاحب فتح الدين ابن القيسراني ، وزير الشام ، ونزل إلي بيته بعد أن أقام « في الترسيم في المسجد بالقلعة المنصورة » نيفا وثلاثين يوما .

وفي السنة 698 توفي في القاهرة ، الأمير بدر الدين بيسري ، سجينا في قلعة الجبل ، حبسه المنصور قلاوون تسع سنين ، وأطلقه ولده الملك الأشرف خليل ، ثم حبسه الملك المنصور لاجين ، واستمر محبوسا ، حتي

ص: 14

مات في هذه السنة ، في عهد الملك الناصر محمد بن قلاوون . ( النجوم الزاهرة 185/8 ).

وفي السنة 735 أفرج السلطان الملك الناصر عن الأمير بيبرس الحاجب ، وكان في السجن منذ السنة 725 ، وأفرج أيضا عن الأمير طغلق التازي ، أحد الأمراء الأشرفية ، وكان له في السجن ثلاث وعشرون سنة ، ومات بعد أسبوع من إطلاقه ، وأفرج كذلك عن الأمير غانم بن أطلس خان ، وكان له في السجن خمس وعشرون سنة ، وأفرج عن الأمير برلغي الصغير وله في السجن ثلاث وعشرون سنة ، كما أفرج عن سبعة أمراء آخرين كانوا قد سجنوا منذ السنة 710 ( النجوم الزاهرة 109/9 و110).

وفي السنة 737 أفرج السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، سلطان مصر والشام (ت 791) عن الأمير طرنطاي المحمدي ، بعدما أقام في السجين سبعة وعشرين سنة ( النجوم الزاهرة 116/9).

وفي السنة 1229 قتل باي تونس الأمير عثمان بن علي التركي ، قتله ابن عمه محمود بن محمد ، واستقر في موضعه ، وولد للأمير عثمان في سنة قتله غلام أسموه محمدأ فسجنه محمود ، وظل مسجونا طول مدة حكم محمود بن محمد ، ومدة حكم ولديه حسين ومصطفي ، ومدة حكم أحمد بن مصطفي كذلك ، ولما ولي تونس محمد بن حسين بن محمود ، أطلق محمد بن الأمير عثمان في السنة 1271 ، وتوفي بعد إطلاقه من السجن في السنة 1285( معجم أنساب الأسر الحاكمة 131 ) أقول : يعني أن مدة حبسه أنافت علي اربعين سنة .

ومن أعجب الحبوس ، الحبس الذي كان يلقي فيه المغاربة في الحجاز ، ذكره صاحب المستبصر (ت 690 ) ، قال : في أيام الأمير عيسي بن فليتة ، أمير الحجاز (ت 570 ) كان يؤخذ من كل مغربي ، قدم للحج ،

ص: 15

سبعة يوسفية ضريبة ، ومن لم يؤد ، كان يؤخذ ويدلي في صهريج من صهاريج جدة ، وهو صهريج مسجد الأبنوس ، ويعلقونه بحقوه ، وقد عرش بها أخشاب لهذا الفن ، فإذا حج الناس ، وقضوا مناسكهم ، وأفاض كل راجعة إلي مقصده ، فحينئذ يخرجون المغاربة من الصهاريج ، ويقطون علي المراكب الراجعة إلي مصر ، وعيذاب ، والقلزم ( المستبصر 48 ).

وكان يحشر في الحبوس ، حتي من لا ذنب له ، كما صنع الملك المنصور قلاوون ، إذ بعث إلي الصعيد، بمصر ، الأمير حسام الدين طرنطاي ، في السنة 179 فأخذ خلقأ عظيمة من أعيانهم رهائن ، وأحضرهم إلي القاهرة فأودعهم السلطان الحبوس . ( النجوم الزاهرة 324/7 ) .

وكانت الحبوس الاعتيادية ، متعددة الاسماء والأوصاف ، فقد كان لأهل الجرائم سجن ، وللظلمة حبس ، ولصاحب الشرطة في الجانب الشرقي ببغداد مجلس وحبس ، ولصاحب الشرطة في الجانب الغربي ببغداد ، مجلس وحبس ، وكان هذان المجلسان، علي طرفي الجسر ببغداد ، وهو الجسر الذي حل محله الآن جسر الصرافية الحديد ، وكان للنساء سجن ، بل كان للطرارات من النساء سجن ، وكان للقاهر سجون ، يسميها: الحبوس الغامضة ، وفي أيام المكتفي ، كان أسري القرامطة ، يحبسون في الحبس الجديد ، وكان قصر الذهب في مدينة المنصور ، في عهد المعتز العباسي ، سجنا ، يأمر الخليفة بأن يحبس فيه من يريد حبسه ، وكان الخليفة الناصر إذا غضب علي أحد المقدمين من رعيته، أصدر أمره بأن يوجه به إلي حبس المدائن ، فيضيف إلي الحبس النفي .

وكان للأمراء ، والأميرات ، والوزراء ، والقواد ، سجون ، ولست أريد أن لكل واحد من هؤلاء سجنأ بالمعني الذي نعرفه الآن ، ولكن كان لكل واحد من هؤلاء ، الحق في أن يحبس من يريد حبسه ، وستجد في هذا البحث أن أحد المتعاملين مع السيدة زبيدة أم جعفر ، أخل بأداء دين ترتب

ص: 16

بذمته لها، فحبسته ، وأن علية بنت المهدي أتهمت وكيلا لها بخيانة في مال ، فحبسته ، وأن القاسم بن الرشيد غضب علي أبي العتاهية فحبسه في داره ، أي في دار القاسم ، فاستغاث أبو العتاهية بالسيدة زبيدة أم جعفر ، فكلمت الرشيد ، فأمر بإطلاقه ، وأن السيدة فاطمة زوجة ناصر الدولة الحمداني ، اتهمت وكيلا لها بخيانة في أموالها ، فحبسته ، كما أن الوزير كان يحبس من يريد حبسه في دار الوزارة ، كما يحبس الخليفة في دار الخلافة ، وأورد صاحب الوافي بالوفيات 480/9 في ترجمة الأمير عز الدين أيبك المعظمي ، إنه لما تم الصلح ، بين السلطان الكامل والسلطان الناصر داود ، كان الأمير عز الدين الوسيط في الصلح ، فأشترط لنفسه بلادا ، وأملاكا ، ومسامحات ، وإفساحأ في « الممنوعات » ، وكان من جملة ما اشترط أن يكون له بدمشق حبس يحبش فيه نوابه ».

وكان للمقتدر قهرمانة اسمها زيدان ، يحبس عندها من يريد حبسه من الوزراء والأمراء والقواد ، كما كان لأبي أحمد الموقق ، المهيمن علي الدولة في عهد أخيه المعتمد ، سجن خاص به ، وممن دخل هذا السجن ولده أبو العباس أحمد ، الذي أصبح بعد أن بويع بالخلافة ، المعتضد بالله.

وكان السجن يختلف باختلاف ظروف المحبوس فيه ، ومقامه ، فإن كان محترما ، مرعي الجانب ، ولا خشية من انتفاضه علي الدولة ، فيحبس في داره ، ويمنع من مبارحتها ، وإن كان ثائرة أعتقل ، أو أميرة ، أو قائدة ، أو رجل دولة ، ممن يخشي أنقاضه ، حبس في دار أحد الحاشية ، أو في دار الخلافة ؛ أو دار الوزارة ، بحيث يكون تحت المراقبة اليقظة ، فإن أريد إضافة إلي حبسه ، إبعاده عن الناس ، حبس في إحدي القلاع أو الحصون ، تحت مراقبة تامة ، وفي يد ثقة يطمئن إلي اخلاصه وأمانته .

وقد روي لنا التنوخي ، في كتابه الفرج بعد الشدة في القصة المرقمة 196 قصة طريفة عن أبي تغلب الحمداني ، صاحب الموصل، فإنه اعتقل

:

ص: 17

أخاه محمد في قلعة أردمشت ، من أعمال الموصل ، وحبسه في مطمورة بها ، ووكل بحفظه عجوزة يثق بها جلدة ، ضابطة ، اسمها : نازبانو ( فارسية : سيدة النساء ) ، وأمرها أن لا توصل إليه أحد ، ولا تعرفه خبرة ، وأن تخفي موضعه عن جميع شحنة القلعة وحفظتها ، وأقام محمد في مطمورته هذه ثماني سنين ، ثم كتب أبو تغلب إلي متسلم القلعة، أن يقتل أخاه محمدا ، فلما أراد أن يدخل إليه ليقتله ، حالت نازبانو دون ذلك ، وأبت أن تمكن منه ، إلا بكتاب يرد عليها من أبي تغلب ، فإلي أن كتب إليها ، كان قد آنكسر في حربه مع عضد الدولة ، وأنصرف إلي بلاد الشام ، وأحتل عضد الدولة الموصل ، فأطلق محمد ، وأمره علي شمال العراق ، بدلا من أخيه .

وكان الخلفاء العباسيون ، في صدر ايامهم ، يحبسون من يخافون غائلته في دار أحد رجال الدولة ، أو كبار الخدم ، ولما انتقلوا إلي سامراء ، كان الأمراء من أفراد العائلة المالكة ، يحبسون في الجوسق ، وكان كل من أراد الأتراك مبايعته بالخلافة ، من بعد المنتصر ، أخرجوه من السجن في الجوسق ، وأحضروه إلي قصر الخلافة ، حيث يبايع ، ويقضي في سدة الحكم أمدة قصيرة ، ثم يخلع ، ويقتل، ويعود الأتراك إلي الجوسق ، لاستخراج غيره من الأمراء ، إلي حيث يبايع، ويقضي في الحكم أمد قصيرة ، ليلاقي نفس المصير الذي لاقاه من تقدمه ، ولما عادوا إلي بغداد ، كان الأمراء العباسيون يحجزون في الحريم الطاهري ( الأن بستان العطيفية ) وكانت محلة ذات بيوت عامرة ، تشتمل علي مسنات علي نهر دجلة ، وكان الأمراء يقيمون فيها مع عوائلهم ، وكان عليها سور ، وعلي أبواب السور حراس ، يرأسهم خادم من ثقات الخليفة ، لا يمكن أحدا ممن يقيم فيها ، من مبارحة الدار ، إلا بإذن من الخليفة ، ثم تحول الحال ، من بعد ذلك ، إذ أصبح الخلفاء أكثر حيطة تجاه إخوانهم وأبنائهم وأعمامهم ، وأفراد العائلة

ص: 18

كافة ، ممن يخافون انتفاضه ، أو ممن يرونه لائقأ للحلول محلهم ، فنقلوهم إلي دور داخل دار الخلافة ، لتكون الرقابة عليهم أيسر ، وفي هذه الدور وجدهم هولاكو ، لما فتح بغداد ، حيث قتلهم بأجمعهم .

قال صاحب الوافي بالوفيات 294/2 : إن الأمير الموقق أبا أحمد لما غلب علي الأمور « حظر علي أخيه الخليفة المعتمد، واحتاط عليه ، وعلي ولده ، وجمعهم في موضع واحد ، ووكل بهم » .

وقال صاحب الوافي بالوفيات ، في موضع آخر 276/2 : إن السلطان علاء الدين محمد بن تكش خوارزم شاه ، طلب من الخليفة العباسي أن يخطب له علي منابر بغداد ، كما خطب لسلاطين بني سلجوق ، فأجابه ديوان الخليفة بأن ظروفا أوجبت الخطبة للسلجوقيين ، بالنظر لتغلب الخارجي علي بغداد ، ونزوح الخليفة القائم إلي حديثة وعانة ، حتي نصره السلطان طغرل بك بن ميكائيل السلجوقي ، فاقتضي ذلك إقامة الخطبة ، ولا يلزم أن يكون لك تحكم مثل أولئك ، ومتي إحتجنا اليك في مثل ذلك - والعياذ بالله - أجبنا سؤالك ، وأنت ممالكك متسعة ، فلا تضايق أمير المؤمنين في داره ، وأعيد رسوله ومعه الشيخ شهاب الدين عمر السهروردي ، فلما دخل علي السلطان ، روي في مجلسه حديثا معناه التحذير من أذية آل العباس ، فلما فرغ من رواية الحديث ، قال السلطان : إني ما اذيت أحدا من أولاد العباس ، ولا قصدتهم بسوء ، وبلغني أن في محابس أمير المؤمنين منهم خلقا كثيرا مخلدون ، يتوالدون ويتناسلون ، فلو أعاد الشيخ هذا الحديث علي مسامع أمير المؤمنين ، كان أولي وأجدي .

أما إذا كان الحبس يقصد به إهانة المحبوس ، إضافة إلي أذي الحبس ، فيحبس في الكنيف ، أو في الأصطبل، أو في المارستان مع المجانين ، وقد يحبس في قفص من حديد ، وهذا اللون الأخير من الحبس ، هو بالإشهار أشبه منه بالحبس .

ص: 19

وكانت الحبوس ، علي اختلاف أنواعها ، ينطبق عليها الوصف الذي وصفها به بلال بن أبي بردة ، لما أخذ خالد بن صفوان ، فضربه مائة سوط ، ثم أمر به إلي الحبس ، فقال له خالد : علام تفعل بي هذا ؟ فقال بلال : يخبرك بذلك باب مصمت وقيود ثقال ، وقيم يقال له حفص ، راجع تفصيل القصة في نكت الهميان للصفدي 148 .

ومهما كان شكل الحبس ، وموضعه ، فإنه لون من ألوان العذاب ، ولذلك ، كانت الشكوي منه عامة ، ومن أظهر من المحبوسين تجلدة ، فإن ذلك لا يعني أنه لم يتألم من الحبس ، ولكنه تظاهر بخلاف ما يعاني ، وقد حبس المتوكل علي بن الجهم، فقال من قصيدة :( المحاسن والاضداد 28).

قالوا: حبست فقلت: ليس بضائري ****حبسي وأي مهند لا يغمد

أو ما رأيت الليث يألف غيله ****كبر وأوباش السباع تردد

والحبس ما لم تغشه لدنية**** شنعاء تيم المنزل المتورد

بيت يجدد للكريم كرامة ****ويزار فيه ولا يزور ويحمد

وقد نقض علي ابن الجهم قصيدته هذه ، عاصم بن محمد الكاتب ، لما حبسه أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف ، إذ قال من قصيدة ، ( المحاسن والاضداد 29 ).

قالوا حبست فقلت : خطب أنكد**** أنحي علي به الزمان المرصد

من قال إن الحبس بيت كرامة**** فمكاشر في قوله متجلد

ما الحبس الا بيت كل مهانة**** ومذلة ومكاره لا تنفد

يكفيك أن الحبس بيت لا يري**** أحد عليه من الخلائق يحسد

في مطبق فيه النهار مشاكل**** الليل والظلمات فيه سرمد

وما أحسن قول عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، لما حبس : ( المحاسن والاضداد 30).

ص: 20

خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها****فلسنا من الأموات فيها ولا الأحيا

إذا دخل السجان يوما لحاجة**** عجبنا وقلنا : جاء هذا من الدنيا

ونفرح بالرؤيا ، فجل حديثنا***** إذا نحن أصبحنا الحديث عن الرؤيا

فإن حسنت كانت بطيئة مجيئها ****وإن قبحت لم تنتظر وأتت سعيا

وقال أبو محجن الثقفي ، لما حبس ، من قصيدة : ( الاغاني 5/19)

وقد شفت جسمي أني كل شارق**** أعالج كب مصمتة قد برانيا

إذا قمت عناني الحديد وغلقت **** مصاريع من دوني تصم المناديا

وقال عبيد الله بن الحر ، لما حبسه مصعب بن الزبير ، في السنة 68 : ( الطبري 131/6 ).

فمن مبلغ الفتيان ان أخاهم**** أتي دونه باب شديد وحاجبه

بمنزلة ما كان يرضي بمثلها ****إذا قام عنته كبول تجاذبه

علي الساق فوق الكعب أسودصامت**** شديد بداني خطوة ويقاربه

وقال محمد بن صالح العلوي ، لما حبسه المتوكل بسر من رأي : ( الأغاني 371/16 ) .

ألم يحزنك يا ذلفاء أني**** سكنت مساكن الأموات حيا

وممن أبدع في وصف سجنه الوزير أبو مروان عبد الملك بن إدريس الجزيري ، لما سجنه المظفر العامري في أحد أبراج طرطوشة ، فقال من قصيدة :

يأوي إليه كل أعور ناعب**** وتهب فيه كل ريح صرصر

ويكاد من يرقي إليه مرة ****من عمره يشكو آنقطاع الأبهر

ص: 21

وقال يصف حاله في حبسه ، وهو من بديع الشعر : ( نفح الطيب 587/1 و 588 )

شحط المزار فلا مزار ونافرت**** عيني الهجوع فلا خيال يعتري

أرزي بصبري وهو مشدود العري**** وألان عودي وهو صلب المكسر

وطوي سروري كله وتلذذي**** بالعيش طي صحيفة لم تنشر

ها أنني ألقي الحبيب توهمأ ****بضمير تذكاري وعين تذكري

عجبا لقلبي يوم راعتني النوي**** ودنا وداعي كيف لم يتفطر

ومن لطيف الشعر ، قول القائل : ( شرح نهج البلاغة 51/5)

وما وجد صعلوك بصنعاء موثق ****بساقيه من سمر القيود كبول

قليل الموالي ملم بجريرة**** له بعد نومات العيون غليل

يقول له السجان أنت معذب ****غداة غير أو رائح فقتيل

بأكثر من وجدي بكم يوم راعني**** فراق حبيب ما إليه سبيل

وحبس خالد بن عبد الله القسري ، أمير العراقيين ، الكميت بن زيد الشاعر ، فكانت امرأته تختلف إليه في ثياب وهيأة ، حتي عرفها البوابوان ، فلبس يوما ثيابها وخرج ، فقال : ( الحيان 365/2 )

خرجت خروج القدح قدح ابن مقبل**** علي الرغم من تلك النوابح والمشلي

علي ثياب الغانيات وتحتها**** صريمة عزم أشبهت سلة النصل

وقال أبو إسحاق الصابي ، لما حبس : ( التيمية 244/2 ).

يا أيها الرؤساء دعوة خادم ****أوفت رسائله علي التعديد

أيجوز في حكم المروءة عندكم ****حبسي وطول تهددي ووعيدي

أنا بين إخوان لناقد أوثقوا ****بسلاسل وجوامع وقيود

وموكلين بنانذل لعهم ****فكاننا لهم عبيد عبيد

ص: 22

من كل حر ماجد صنديد**** في كل وغد عاجز رعديد

قصرت خطاه خلاخل من قيده ****فتراه يمشي كالفتاة الرود

ولما اعتقل المأمون بن ذي النون ، صاحب طليطلة ، أبا مروان عبد الملك بن غصن الحجاري (ت 454 ) ، حبسه في حصن وبذة ، من أعمال طليطلة ، قال يصف سجنه : ( اعتاب الكتاب 220 ).

نحن في حالة الأيسر منها ****يتلظي الردي وتبكي الخطوب

مالنا في وطء البسيطة حظ****لا ولا في نشق الهواء نصيب

في محل كأنه ظلف شاة**** ليس فيه لذي دبيب دبيب

وكأن الكبل الثقيل إذا ما ****رن في الساق للخطوب خطيب

وكان الحاجري الشاعر (ت 632) محبوسا في قلعة خفتيدكان ، ثم نقل إلي الاعتقال بإربل ، ومن شعره لما كان محبوسا في قلعة خفتيدكان : ( وفيات الأعيان 504/3 )

قيد أكابده وسجن ضيق**** يارب شاب من الهموم المفرق

كيف السبيل إلي اللقاء ودونه**** شماء شاهقة وباب مغلق

وقال الشاعر الكبير معروف الرصافي (ت 1364 ) ( 1945 م)، يصف حالة السجن ببغداد ، في العهد التركي الذي انتهي في السنة 1339 (1917 م)، من قصيدة عنوانها : السجن في بغداد ، قال في مطلعها :

سكنا ولم يسكن حراك التبدد ****مواطن فيها اليوم أيمن من غد

منها :

زر السجن في بغداد ، زورة راحم ****التشهد الأنكاد ، أفجع مشهد

محل به تهفوا القلوب من الأسي ****فإن زرته فأشدد علي القلب باليد

مقابر بالأحياء غضت لحودها**** بخمس بمئتين أنفس أو بأزيد

ص: 23

وقد عمهم قيد التعاسة موثقا ****فلم يتميز مطل عن مقيد

تواصلت الأحزان في جنباتها**** بحيث متي يبل الأسي يتجدد

وقد عميت منها النوافذ والكوي**** فلم تكتحل من ضوء شمس بمرود

تصعد من جوف المراحيض فوقها**** بخار إذا تمرر به الريح تفسد

تدور رؤوس القوم من شم نتنها ****فمن يك منهم عادم الشم يحسد

يزور هبوب الريح إلا فناءها ****فلم تحظ من وصل النسيم بموعد

تظن إذا صدر النهار دخلتها ****كأنك في قطع من الليل أسود

فلو كان للعباد فيها إقامة**** الصلوا بها ظهرأ صلاة التهجد

ومما كان يزيد في عذاب المحبوس ، أنه لم يكن له أمد معين يقضيه في الحبس ثم يخلي ، وإنما يحبس ، ثم يهمل ويترك ، وقد ينسي ، اللهم إلا إذا تذكره المسلط ، أو توسل بوسيلة يتذكره بها ، فإما أن يشتد في أمره ، فيقضي عليه ، وإما أن يخفف ويخلي عنه .

ومن الأمثلة علي التشدد ، ما صنعه المنصور بعبد الله بن الحسن العلوي ، فإنه كان قد حبسه وأهل بيته ، وبالغ في أذاهم.

ولما أراد المنصور الخروج للحج ، جلست له ابنة لعبد الله بن الحسن ، يقال لها : فاطمة ، فلما أن مر بها ، أنشأت تقول :

إرحم كبيرة سنه متهدم ****في السجن بين سلاسل وقيود

أرجوك بالرحم القريبة بيننا ****ما جدنا من جدكم ببعيد

فقال أبو جعفر : أذكرتنيه ، ثم أمر به فحدر إلي المطبق ، وكان آخر العهد به .( تاريخ بغداد للخطيب 432/9 ) .

ومن الأمثلة علي التخفيف والتخلية ، ما صنعه أبو العباس بن الموصول . البزاز الحلبي ، لما اعتقله الأمير سيف الدولة الحمداني ، فإنه كتب رقعة إلي الأمير يسأله فيها أن يحضره مجلسه ، فأمر بإحضاره ، وسأله عن سبب طلبه

ص: 24

الحضور ، فقال : لعلمي أن الأمير سوف يطلقني من الاعتقال في هذا اليوم ، قال : ومن أين علمت ذلك ؟ فقال : رأيث البارحة في منامي ، آخر الليل ، رجلا قد سلم إلي مشطأ ، وقال لي : سرح لحيتك ، ففعلت ذلك ، وتأولت التسريح ،سراح من شدة واعتقال ، ولكون المنام في آخر الليل ، حكمت أن تأويله يصح سريعة ، فجعلت الطريق إليه ، مسألة الحضور ، لأستعطف الأمير ، فقال له : أحسنت التأويل ، وقد أطلقتك ، وسوغتك خراجك في هذه السنة ( كتاب الفرج بعد الشدة ، للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 202)

وحبس الربيع بن أنس ، ثلاثين سنة ، فمات في الحبس ( البصائر والذخائر 304/1/3 ).

وحبس الحجاج إبراهيم بن الربيع التيمي ، وهو أحد الزهاد الأخيار ، في سجن واسط ، فمات ، فرمي به في الخندق ، ولم يجرأ أحد أن يدفنه ، فمزقته الكلاب ( البصائر والذخائر 304/1/3 ) .

وكان الوليد بن عبد الملك ، أراد أن يخلع أخاه سليمان من العهد، ويعهد إلي ولده عبد العزيز ، فأجابه إلي ذلك الحجاج ، وقتيبة بن مسلم ، وقال الوليد لعمر بن عبد العزيز : بايع لابن أختك عبد العزيز ، وكان عبد العزيز ابن الوليد من أم البنين أخت عمر ، فقال له عمر : إنما بايعناك وسليمان في عقد واحد ، فكيف نخلعه ونتركك ؟ فأخذ الوليد مندي ، وجعله في عنق عمر بن عبد العزيز ، ولواه حتي كاد أن يموت ، فصاحت أخته أم البنين ، زوجة الوليد ، حتي أطلقه ، وحبسه في بيت ثلاثة أيام ( وطين عليه ) حتي كلمته أم البنين ، فأخرجه وقد التوت عنقه ( النجوم الزاهرة 233/1 ).

وفي السنة 132 وثب أبو مسلم الخراساني ، علي علي بن جديع الكرماني ، أحد كبار القواد ، بنيسابور ، فقيده ، وحبسه ، وقتله ( وفيات الأعيان 150/3 ) .

ص: 25

وغضب الرشيد علي إبراهيم الموصلي ، فحبسه بالرقة ( الاغاني 205/6)

ووجد الرشيد علي منصور زلزل ، فحبسه عشر سنين ، أو نحوها ، ثم تذكره ، فأحضره وقد أبيض شعر رأسه ولحيته . ( الاغاني 201/5).

ومن طريف الأخبار ، أن محمد بن أبي المضاء حضر أمام القاضي عيسي بن المنكدر ، قاضي مصر (212-214)، في خصومة ، فحكم عليه ، فتعرض له بكلام قبيح ، فأمر به فحبس ، وكان ابن المنكدر ينفق علي عيال ابن أبي المضاء طول حبسه . ( القضاء للكندي 439) .

وأمتحن المعتصم ، أبا عبد الله نعيم بن حماد الخزاعي ، في أمر خلق القرآن ، فأبي أن يجيب بخلقه ، فحبسه ، حتي مات في السنة 228 ( الاعلام 14/9)

وفي السنة 225 لما تغير المعتصم علي الافشين ، أمر عبد الله بن طاهر أن يحتال لولده الحسن بن الافشين فيعتقله ، فاعتقله ، وحمله إلي سامراء ، فحبس ، وظل محبوسا خمسة وعشرين سنة ، حتي أطلقه المستعين في السنة 200 . ( الطبري 106/9 و 107 و 110 و 276).

وفي السنة 233 أمر المتوكل بابراهيم بن الجنيد النصراني ، فضرب بالاعمدة ، حتي أدي سبعين ألف دينار ، ثم حبسه ( الطبري162/9 ).

وسجن المتوكل محمد بن صالح العلوي ، من أولاد الحسن ، ثم خلي عنه ، في قصة عاطفية ، من أبلغ ما سمع من القصص من هذا اللون ، فيها شهامة ، وفيها وفاء ، وفيها أريحية وفتوة ، وخلاصتها : إن محمد بن صالح ، كان قد خرج علي المتوكل ، مع من بيض ، وأخاف الطريق في بلده الحجاز ، وتسلط في أحد الأيام علي قافلة ، فملكها ، وبينما كان أصحابه يحوزونها ، وينيخون الجمال ، أطلت عليه امرأة جميلة الوجه ، حسنة المنطق ، من

ص: 26

العمارية ( الكجاوة ) وقالت له : يا فتي ، إن رأيت أن تدعو لي بالشريف المتولي أمر هذا الجيش ، فقال لها : أنا هو، فقالت : أنا حمدونة بنت عيسي بن موسي بن أبي خالد الحربي ، ولأبي سلطان ولنا نعمة ، وأنا أسألك أن تصونني وتسترني ، وهذه ألف دينار معي لنفقتي ، فخذها حلا ، وهذا حلي علي ، ثمنه خمسمائة دينار ، فخذه وضمني ما شئت بعده ، آخذه لك من تجار المدينة ، وأريد منك أن تدفع عني ، وأن تحميني من عاړ يلحقني ، فوقع كلامها في قلبه ، وقال لها : قد وهب الله لك مالك ، وحالك ، وجاهك ، ووهب لك القافلة بجميع ما فيها ، ثم نادي أصحابه ، وقال لهم : إني أجرت هذه القافلة ، وخفرتها ، وحميتها ، فمن أخذ منها خيطأ أو عقالا ، فقد آذنته بحرب ، وأنصرف عنها بأصحابه ، ثم ان محمد بن القاسم أسلمه قومه إلي القائد العباسي أبي الساج ، فاعتقل في سامراء ، ودخل عليه السجان يوما ، فقال له : إن بالباب أمرأتين ، تزعمان أنهما من أهلك . وقد حظر علي أن يدخل عليك أحد ، ولكنهما أعطتاني دملج ذهب علي أن أوصلهما إليك ، وقد أذنت لهما ، وهما في الدهليز .

فلما خرج إليهما : إذا بصاحبته حمدونة ، فلما رأت ثقل حديده ، وما هو عليه من الضر ، بكت ، وأقبلت عليه ، فقالت له : فداك أبي وأمي ، والله ، لو استطعت أن أقيك بنفسي وأهلي مما أنت فيه ، لفعلت ، وكنت بذلك مني حقيقة ، وسوف لا أترك السعي في خلاصك ، وهذه دنانير وثياب وطيب ، فاستعن بها علي موضعك ، ورسولي يأتيك في كل يوم بما يصلحك ، حتي يفرج الله عنك ، وما زال رسولها يأتيه في كل يوم ، وتواصل برها بالسجان ، حتي أطلق من السجن ، فسأل صاحبه إبراهيم بن المدبر ، وكان إبراهيم فتي أريحيأ ، كريمأ ، أديبأ ، شاعرأ ، أن يكلم عيسي بن موسي في تزويجه بالفتاة ، فكلمه ، فأبي ، وقال : والله ، أنا لا أعرف أشرف منه ، ولكني أخاف المتوكل ، وولده بعده ، علي نعمتي ونفسي ، فلم يزل به ، حتي زوجه ،

ص: 27

وساق عنه الصداق ، ولكن محمد بن صالح ، لم يهنأ بعيشه ، إذ مات شابأ بالجدري ، وكان شاعرأ عذب الشعر ، وهو الذي قال في الحبس ، هذه الأبيات الرائقة :

وبدا له من بعد ما أندمل الهوي**** برق تألق موهنأ لمعانه

يبدو كحاشية الرداء ودونه**** صعب الذري متمنع أركانه

فدنا لينظر كيف لاح فلم يطق ****نظر إليه ورده سجانه

فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه**** والماء ما سخت به أجفانه

راجع أخبار محمد بن صالح العلوي ، في الأغاني 360/16 - 372.

وذكر البحتري ، إنه زار المعت، في حبسه ، في عهد خلافة المستعين ، وإنه مدحه بأبيات نال جزاءه عليها لما خلع المستعين ، واستخلف المعتر ، راجع تفصيل ذلك في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 153.

ولما قتل المهتدي محمد بن هارون الواثق ، في السنة 256 ، حمل إخوته من أولاد الواثق ، ومنهم صبي صغير اسمه محمد بن هارون ، سماه المعتصم جده بأسمه ، وكناه بكنيته ، إلي بغداد ، فحبسوا بها ( الوافي بالوفيات 147/5 ).

وفي السنة 302 قبض علي الحسين بن عبد الله المعروف بابن الجصاص ، وحبس ، وقيد واستصفي كل شيء له ( الطبري 149/10 )، أقول : هذا استصفاء ثان ، لأن استصفاءه الأول ، تم لما التجأ إليه ابن المعتز في السنة 296 إذ إعتقل في تلك السنة ، وبلغ مقدار ما صودر عليه ستة آلاف ألف دينار ، علي قول ( نشوار المحاضرة للتنوخي رقم القصة 7/1 ) وعشرة آلاف ألف دينار علي قول أخر ( الوزراء 245).

أقول : كان ابن الجصاص جوهرية بمصر، وأتصل بخمارويه بن

ص: 28

أحمد بن طولون أمير مصر ، ثم أقام ببغداد ، وتوفي بها سنة 315 ، وكان عظيم الغني واسع الثراء ، والرجل تاجر لا دخل له في السياسة ، وكان ذنبه أن خصما للخليفة التجا إليه فآواه ( تجارب الأمم 7/1 والتكملة 5 ).

وكان حامد بن العباس ، من كبار العمال في الدولة العباسية ، حبسه الوزير اسماعيل بن بلبل ، وزير المعتمد ، من أجل بقايا كانت عليه ، راجع في القصة 172 من كتاب الفرج بعد الشدة ، كيف تخلص من حبسه .

ولما توفي لؤلؤ غلام سيف الدولة ، خلفه في حكم حلب ولده منصور ، وحضر عنده سبعمائة رجل من بني كلاب ، فقبض عليهم ، وقتل بعضهم ، وحبس الباقين ، ومن جملتهم صالح بن مرداس ، وأحتال صالح حتي فر من السجن وهاجم منصور ومعه ألفا رجل من قومه ، فأسره وقيده بالقيد الذي كان منصور قيده به ، وفيه لبنة من الحديد . ( خطط الشام 248/1 ).

وكان الأحوص الغلابي ، قاضي البصرة ، حريصا علي حرمة القضاء واستقلاله ، وكان يسنده الوزير ابن الفرات ، فلما عزل ابن الفرات ، ركب عامل البصرة ، ابن كنداج ، بنفسه ، وقبض علي القاضي ، ومشاه بين يديه ، طول الطريق ، إلي داره ببني نمير ، حتي أدخله السجن من تحت الخشبة ، فأقام فيه مدة ثم مات ، ولم يسمع بقاض أدخل السجن من تحت الخشبة غيره ، ولا بقاض مات في السجن سواه ( نشوار المحاضرة ، رقم القصة 124/1)

أقول : كنت قد سجلت في تعليقي علي قوله : أدخل السجن من تحت خشبة أني لم أفهم معني ذلك ، وإن كان المقتضي من العبارة ، إن دخول السجن من تحت الخشبة، أشد وأمعن في الأذي ، راجع كتاب نشوار المحاضرة ( ج 1 ص 226 الحاشية رقم 1).

ص: 29

وفي السنة 363 اتهم الوزير ابن بقية ، محمد بن أحمد الجرجرائي بأنه يسعي في طلب الوزارة ، فصعب عليه ذلك لأن الجرجرائي كان قد تعاقد مع تحفة قهرمانة بختيار علي أن تدفع عنه ، فاحتال بأن أرسله إلي البصرة ، وكتب إلي صاحب له بالبصرة اسمه عبد العزيز بن الكراعي فاعتقله ، وعمد ابن بقية إلي تحفة القهرمانة فاشتري سكوتها عن الجرجرائي بخمسين ألف درهم دفعها إليها ، وأصعده الكراعي إلي واسط ، حيث تسلمه أبو غالب عامل واسط ، فمات في حبسه ( تجارب الأمم 321/2 - 323 ).

وفي السنة 374 خطب أبو الحسين بن عضد الدولة ، بالأهواز ، لفخر الدولة ، ثم قصده أخوه شرف الدولة ، ففر إلي عمه فخر الدولة ، وأقام بأصبهان ينتظر العون من عمه فخر الدولة في استعادة الأهواز له ، فلما طال عليه الأمر قصد التغلب علي أصبهان ، ونادي بشعار أخيه شرف الدولة ، فاعتقله جند فخر الدولة بأصبهان ، وسيروه إلي الري فحبسه عمه ، وبقي محبوسا إلي أن مرض عمه فخر الدولة مرض الموت ، فأرسل إليه من قتله في السجن ، وكان يقول شعرأ حسنا ، منه : ( ابن الأثير 45/9 ) .

هب الدهر أرضاني وأعتب صرفه ****وأعقب بالحسني وفك من الأسر

فمن لي بأيام الشباب التي مضت ****ومن لي بما قد فات في الحبس من عمري

وكان المستنصر الفاطمي قد حبس حازم وحميد ولدي جراح ، من أمراء عرب الشام ، وبقيا في حبسه نيفا وعشرين سنة حتي أخرجهما ناصر الدولة بن حمدان ( النجوم الزاهرة 15/5 ).

وفي السنة 399 مات في حبس السلطان يمين الدولة محمود بن سبكتكين الغزنوي ، بالهند ، خلف بن أحمد، الذي كان صاحب سجستان ، وكان معتقلا بالجوزجان ثم بلغه أنه يزمع الفرار ، فضيق عليه ، وأخذه معه في حملته علي الهند فمات هناك في حبسه .

ص: 30

أقول : من النادر أن يعثر الإنسان ، في صفحات التاريخ ، علي شرير مثل خلف بن أحمد هذا ، وهو يعرف بابن بانويه ، لأن جده لأمه عمر و بن الليث الصفار ، وكان خلف قدم بغداد في أيام المطيع العباسي ، فخلع عليه ، وولاه سجستان ، وكان خلف يتظاهر بالتقوي ، ويمشي إلي الجامع في كل جمعة بالطيلسان ، وربما خطب ، وصلي بالناس ، وأملي الحديث ، وكان علما مفردة في المكر والغدر ، وبلغ من غدره وقسوته إنه قتل ولدين من أولاده بيده ، قتل الأول منهما لأنه بعث به علي رأس عسكر ، فعاد مفلولا ، أما الثاني فقد خدعه وأستماله وأوهمه أنه يريد أن يسلم إليه الأمر ، فانخدع ولده ، واجتمع به ، وقبل يده ، فعانقه الأب ، ورفع صوته بالبكاء ، وكان رفع صوته بالبكاء علامة منه لأفراد كمين كان قد أعذهم لأخذ ولده ، فخرج الكمين ، وأسر الولد ، وأصعده إلي القلعة ، فقتله أبوه بيده ، ثم غسله ، وصلي عليه ، ودفنه ، راجع ترجمة أحمد بن خلف هذا في هذا الكتاب ، في الفصل الحادي عشر و القتل بالة من الات القتل ، الفصل الأول : « القتل بالسيف » القسم الثالث « القتل غدرا ».

وفي السنة 400 توفي الأمير الأموي الأندلسي الشاعر مروان بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الرحمن الناصر ، وكان في بني أمية كابن المعتز في بني العباس ملاحة شعر وحسن تشبيه ، قتل هذا الأمير أباه ، لأنه كان قد ربي معه جارية ، فألفها وعشقها ، ثم استأثر بها أبوه ، فثارت غيرته ، وقتله ، فحبس في أيام المنصور بن أبي عامر ست عشرة سنة ، ثم أطلق ، فعاش بعد إطلاقه ست عشرة سنة ، وهذا من نادر الأتفاق . ( الاعلام 96/8 ).

وفي السنة 493 عزل الخليفة وزيره عميد الدولة بن جهير ، وأخذ من ماله خمسة وعشرين ألف دينار ، وقبض عليه وعلي إخوته ، ومات في حبسه بدار الخلافة ، وكان عزله بناء علي طلب من مؤيد الملك وزير السلطان محمد السلجوقي ( ابن الأثير 299/10 ).

ص: 31

وفي السنة 515 حصر بلك بن بهرام ، ابن أخي ايلغازي ، مدينة الرها ، وصاحبها جوسلين الافرنجي ، فوقع جوسلين أسيرة ، وجعل في جلد جمل ، وخيط عليه ، وحبس ( ابن الأثير 593/10).

وفي السنة 546 وقعت حرب بين نور الدين محمود زنكي ، وبين جوسلين الافرنجي وكان فارس الإفرنج غير مدافع ، فانهزم المسلمون ، وأسر منهم جملة ، وكان من جملة من أسر سلاح دار نور الدين ، ومعه سلاح سيده نور الدين ، فسيره جوسلين مع السلاح إلي الملك مسعود بن قليج أرسلان ، صاحب قونية ، وقال له : هذا سلاح زوج إبنتك ، يعيره بذلك ، وعلم نور الدين بالحال ، فعظم عليه ، وأعمل الحيلة علي جوسلين حتي أسره ، وحبسه . ( ابن الأثير

154/11 و155).

ولما ألف ابو المعالي ابن حمدون (ت 562 ) كتابه التذكرة ، ووقف المستنجد العباسي ، علي أخبار وحكايات فيه توهم في الدولة غضاضة ، عزله عن ديوان الزمام وحبسه ، وظل في حبسه حتي مات . ( وفيات الأعيان 380/4)

واتهم الشيخ عبد السلام بن الشيخ عبد القادر الكيلاني ، بالفلسفة ، فاعتقل وأخذت كتبه في الفلسفة وعلم الهيأة ، فأحرقت ، وظل عبد السلام في السجن حتي أطلق سنة 589 ( تاريخ الحكماء 229) .

وكبس في السنة 617 علي الطبيب النصراني ، أبي علي بن أبي الخير ، فوجد عنده آمرأة مسلمة من الخواطيء ، تعرف بست شرف ، وقرر ، فأقر علي جماعة من الخواطيء المسلمات ، كن يأتينه لأجل دنياه ، من جملتهن أمرأة تعرف ببنت الحنش الركابدار ، اسمها آشتياق ، وكانت زوجة ابن البخاري صاحب المخزن ، أم أولاده ، فقبض علي النسوة ، وأودعن سجن الطرارات ، ورسم بقتل الطبيب أبي علي ، ففدي نفسه بستة آلاف دينار .. ( تاريخ الحكماء 812 و413).

ص: 32

وفي السنة 838 اعتقل الأشرف برسباي ، سلطان مهر، جماعة من حجاج الفرنج الذين قدموا لزيادة كنيسة قمامة في القدس ، وحبسهم بالقاهرة ، والظاهر إن حبسهم كانت ترافقه ألوان من العذاب ، بحيث أنه لم يطل الا أيام ، ولكن عدة منهم ماتوا ، خلال تلك الأيام القليلة ، وتفصيل ذلك : إن الملك الاشرف سيف الدين أبا النصر برسباي سلطان مصر والشام والحجاز ، كان قد أحتكر - فيما أحتكر - مادة الفلفل ، ففرض أن لا يتعامل به أحد إلا السلطان ، بحيث لا يباع إلا له ، ولا يشتري إلا منه ، وأصبح تبعا لذلك ، يفرض الثمن الذي يرتأيه ، ويلزم التجار بشرائه، بأن « يلقيه » عليهم ، ويتقاضي ثمنه منهم ، وكان التجار الفرنج ممن أبتلي بذلك ، فشكوا أمرهم إلي أولياء أمورهم في كتالونيا ، فعمد الكتالونيون ، في رمضان سنة 838 إلي مهاجمة ساحل بيروت ، واستولوا علي خمس مراكب فيها بضائع كثيرة ، ورجال عديدون ، وبعث ملكهم إلي والي دمياط كتابة ليوصله إلي السلطان ، يتضمن « جفاء ومخاشنة» بسبب « إلزام الفرنج أن يشتروا الفلفل المعد للمتجر السلطاني » فغضب السلطان لما قريء عليه ومزقه ، وأضمرها للكتالونيين ، حتي قدم إلي بيت المقدس في أول السنة 839 جماعة من الفرنج لزيارة كنيسة قمامة ، علي عادتهم ، أمر السلطان باعتقالهم ، وحملوا إلي القاهرة ، بحجة أن فيهم كتالونيون ، وسجنهم مهانين ، ثم أفرج عنهم بعد أيام ، وقد مات منهم عدة ( حوليات دمشقية 108 ، 117 ، 118 ، 156).

وأورد صاحب حوليات دمشقية ( ص 160 و161) خبرة طريفة عن إلغاء السجون في القاهرة في السنة 839 في عهد سلطان مصر الملك الأشرف سيف الدين أبي النصر برسباي ، وإطلاق جميع المسجونين ، قال : في السنة 839 اشتد الغلاء بالقاهرة ، فعرض أرباب السجون في ثالث جمادي الآخرة ، ورسم الأرباب الديون ( الدائنين ) أن يقوموا بمؤونة مسجونيهم ، حتي تنقضي أيام الغلاء ، هذا إن كان مبلغ الدين كبيرة ، فإن كان يسيرة ألزم رب الدين بتقسيطه

ص: 33

علي المدين ، أو الإفراج عنه ، وأصبح القاضي يكتب علي أمر حبس المدين : يعتقل ، بشرط أن يفرض له رب الدين ما يكفيه من المؤونة ، وبعد عشرة أيام من عرض المسجونين أمر السلطان في ثالث عشر جمادي الآخرة فأفرج عن جميع من في السجون حتي أرباب الجرائم وقطاع الطريق ، ورسم السلطان بأن لا يسجن القضاة والولاة أحدأ ، وإن من قبض عليه من السراق يقتل ولا تقطع يده ، فغلقت السجون ولم يبق مسجون ، وبعد خمسة أيام ، أي في ثامن عشر جمادي الآخرة ، أعيد فتح السجون ، ووضع فيها مسجونون ( حوليات دمشقية 161 ، 160)

ص: 34

الفصل الأول

القسم الأول السجون الاعتيادية

اشارة

1- سجون الدولة التي يحبس فيها القاضي وصاحب الشرطة

2- سجون الأمراء والاميرات والوزراء والقواد .

3- حبس الانسان في داره .

4 - الحبس عند احد رجال الدولة .

5- سجن الأمراء بالجوسق في سامراء .

6 - الحبس في دار الخلافة ببغداد .

7 - الحبس في القلاع والحصون .

ص: 35

ص: 36

1- سجون الدولة

في معركة القادسية ، في السنة 14 ، كان القائد سعد بن أبي وقاص ، قد حبس أبا محجن الثقفي ، واسمه عمرو بن حبيب ، وقيده ، وكان حبسه في حجرة من حجر القصر ، ولما التحم المسلمون والفرس في المعركة يوم أغواث ، صعد أبو محجن إلي سعد بن أبي وقاص قائد جند المسلمين ، وتوسل إليه أن يطلقه ليحارب ، فزبره سعد، ورده ، فنزل ، وكلم سلمي ، زوجة سعد ، وقال لها : يا سلمي ، أريد أن تخلي عني ، وتعيريني البلقاء ( فرس سعد ) فلله علي ، إن سلمني الله ، أن أرجع إليك ، حتي أضع رجلي في قيدي ، فقالت : وما أنا وذاك ، فرجع پرسف في قيوده ، وهو يقول :

كفي حزن أن تعثر الخيل بالقنا**** وأترك مشدودأ علي وثاقيا

إذا قمت عناني الحديد وأغلقت**** مصاريع دوني قد تصم المناديا

وقد كنت ذا مال كثير وإخوة ****فقد تركوني واحدة لا أخا ليا

والله عهد لا أخيس بعهده ****لئن فرجت ألا أزور الحوانيا

فأطلقته سلمي ، فأخذ أبو محجن الفرس ، وخاض المعركة ، وأخذ يقصف الفرس قصف منكرة ، وتعجب منه الناس ، ولم يعرفه أحد منهم ، وجعل سعد يقول وهو مشرف علي الناس ، والله لولا محبس أبي محجن القلت هذا أبو محجن ، وهذه البلقاء ، ولما انتصف الليل ، تحاجز الناس ، فأعاد أبو محجن الفرس إلي مكانها ، ووضع رجله في القيد من جديد ، فذهبت سلمي إلي زوجها سعد ، وأخبرته بخبر أبي محجن ، فدعا به سعد ، وأطلقه ( الطبري 548/3 - 550).

ص: 37

وقال بعض جلساء يزيد بن المهلب له : لم لا تتخذ لك دارا ؟ فقال : وما أصنع بها؟ ولي دار حاصلة مجهزة علي الدوام ، فقال له : وأين هي ؟ قال : إن كنت متولية فدار الإمارة ، وإن كنت معزولا فالسجن ( وفيات الأعيان 294/6)

أقول : حبس يزيد بن المهلب مرتين ، حبسه الحجاج في الأولي ، وقد ذكرنا ذلك في موضع آخر من هذا الكتاب ، وحبسه عمر بن عبد العزيز في الثانية ، وذلك إن سليمان بن عبد الملك كان قد ولي يزيد بن المهلب علي العراق وخراسان ، فأعد يزيد حملة فتح بها جرجان وطبرستان فأصاب غنائم كثيرة ، فكتب إلي سليمان بن عبد الملك : إني قد فتحت طبرستان وجرجان ، وإني باعث إليك بقطران عليها الأموال ، يكون أولها عندك وآخرها عندي ، فلما مات سليمان وخلفه عمر بن عبد العزيز ، أخذه بهذا الكتاب وطالبه بالأموال ، فقال يزيد : إني كنت من سليمان بالمكان الذي قد رأيت ، وإنما كتبت إلي سليمان لأسمع الناس به ، وقد علمت أن سليمان لم يكن اليأخذني بشيء مما سمعت ، ولا بأمر أكرهه ، فقال عمر : ما أجد في أمرك إلا حبسك . فاتق الله وأن ما قبلك ، فإنها حقوق المسلمين ، ولا يسعني تركها ، وحبسه ، وظل في محبسه حتي بلغه مرض عمر ، وخشي أن يموت عمر ، ويخلفه يزيد بن عبد الملك ، وكان عدوا له ، ففر من السجن ، وكتب إلي عمر : إني - والله - لو علمت أنك تبقي ما خرجت من محبسي ، ولكني الا آمن يزيد بن عبد الملك ، وكان سبب عداوة يزيد بن عبد الملك له ، إن يزيد بن المهلب لما ولي العراق ، اعتقل بأمر من سليمان ، جميع آل أبي عقيل رهط الحجاج ، وعذبهم ، وكانت أم الحجاج بنت محمد بن يوسف الثقفي ، وهي ابنة أخي الحجاج ، تحت يزيد بن عبد الملك ، وهي أم ولده الوليد ، فكتب يزيد بن عبد الملك إلي يزيد بن المهلب في التخفيف عن آل أبي عقيل ، فرد عليه يزيد ردا عنيفا ، فحلف يزيد بأنه إذا تمكن من يزيد بن

ص: 38

المهلب أن يقطع منه طابقا ، فكان يزيد بن المهلب يخشي ذلك . راجع التفصيل في ترجمة يزيد بن المهلب في وفيات الأعيان ( 278/9 - 309)

وحبس عمر بن عبد العزيز ، مخنثأ مدنيا ، ووكل به معلم يعلمه القرآن ، وما يجب عليه من حدود الطهارة والصلاة .

أقول : قيل لعمر بن عبد العزيز إن بالمدينة مختثا قد أفسد نساءها ، فكتب إلي عامله بالمدينة أن يحمله ، فأدخل عليه ، فإذا شيخ خضيب اللحية والأطراف ، معتجر بسبنية ، قد حمل دفا في خريطته ، فلما وقف بين يدي عمر ، صعد بصره فيه وصوبه وقال : سوءة لهذه الشيبة ، وهذه القامة ، أتحفظ القرآن ؟ قال : لا والله يا أبانا ، قال : قبحك الله ، وأشار إليه من حضره ، فقالوا : أسكت ، فسكت ، فقال له عمر : أتقرأ من المفضل شيئا ؟ قال : وما المفضل ؟ قال : ويلك ، أتقرأ من القرآن شيئا ؟ قال : نعم ، اقرأ « الحمد لله ، وأخطيء فيها في موضعين أو ثلاثة ، وأقرأ (قل أعوذ برب الناس ، وأخطيء فيها ، واقرأ « قل هو الله أحد ، مثل الماء الجاري ، قال : ضعوه في الحبس ، ووكلوا به معلما يعلمه القرآن ، وما يجب عليه من حدود الطهارة والصلاة ، وأجروا عليه في كل يوم ثلاثة دراهم ، وعلي معلمه ثلاثة دراهم أخر ، ولا يخرج من الحبس حتي يحفظ القرآن أجمع ، فكان كلما علم سورة نسي التي قبلها ، فبعث رسولا إلي عمر : يا أمير المؤمنين وجه إلي من يحمل إليك ما أتعلمه أو فأولا ، فإني لا أقدر علي حمله جملة واحدة ، فيئس عمر من فلاحه ، وقال : ما أري هذه الدراهم إلا ضائعة ، ولو أطعمناها جائعة ، أو أعطيناها محتاجة ، أو كسرناها عريانأ ، لكان أصلح ، ثم نفاه ، راجع القصة بتفاصيلها في الأغاني 337/6 و 338.

وكان بلال بن أبي بردة ، قد اتخذ دارة بالكوفة ، فما نزلها في السنة 120 إلا مقيدة ، ثم اتخذت من بعد ذلك سجنا ( الطبري 153/7 ).

ص: 39

وفي السنة 125 أراد الوليد بن يزيد أن يبايع بولاية العهد لولديه الحكم وعثمان ، فشاور سعيد بن بيهس ، فنهاه ، وقال : لا تفعل فإنهما غلامان لم يحتلما ، فغضب ، وحبسه ، حتي مات في الحبس ( الطبري 232/7 ) .

وفي السنة 125 أمر الوليد بن يزيد بابن عمه سليمان بن هشام ، فضربه مائة سوط ، وحلق راسه ولحيته ، ونفاه إلي معان من أرض الشام ، فلم يزل محبوسة هناك ، إلي أن قتل الوليد ( الطبري 231/7 ).

ولما قدم يوسف بن عمر الثقفي العراق ، عام لهشام ، اعتقل سلفه في الإمارة ، خالد بن عبد الله القسري ، وأخذ يزيد بن خالد ، فضربه ثلاثين سوط ( وفيات الأعيان 105/7 ).

وغضب المهدي العباسي ، علي أبي العتاهية ، لأنه ترك قول الشعر ، فأمر بأن يحبس في حبس الجرائم ، فلما وضع في الحبس دهش ، وذهل عقله ، ورأي منظرأ هاله ، ثم أبصر كهلا حسن المنظر ، تبين عليه سيماء الخير ، فقصده ، وجلس إليه ، فأنشد الرجل :

تعودت مس الضر حتي ألقته ****وأسلمني حسن العزاء إلي الصبر

وصرني يأسي من الناس واثقأ ****بحسن صنيع الله من حيث لا أدري

وتبين أن الرجل اسمه حاضر ، صاحب عيسي بن زيد العلوي ، وقد حبسه المهدي ، لأنه أبي أن يرشده إلي موضع عيسي .

راجع القصة بتفصيلها في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، رقم القصة 173 ج 2 ص 116 - 119 .

ولما قتل مروان الجعدي بمصر ، كان معه ولداه عبد الله وعبيد الله ، ففرا عنه ، إلي أسوان من صعيد مصر ، ثم صارا إلي بلاد النوبة ، ونالهم وأصحابهما جهد شديد ، وضر عظيم ، فهلك عبيد الله بن مروان في جماعة ممن كان معه ، قتلا ، وعطشا ، وضرا ، وشاهد من بقي منهم أنواع الشدائد

ص: 40

وضروب المكاره ، ووقع عبد الله في عدة ممن نجا معه في أرض البجة ثم عبروا إلي ساحل الحجاز ، وتنقل هو ومن معه من أهله ومواليه ، في البلاد متخفين ، ثم ظفر به السفاح ، فحبسه ، وظل محبوسأ بقية أيام السفاح ، والمنصور ، والمهدي ، والهادي ، وبعض أيام الرشيد ، وأخرجه الرشيد وهو شيخ ضرير ، فسأله ، فقال : يا أمير المؤمنين ، حبست غلاما بصيرة ، وأخرجت شيخ ضريرة ( شرح نهج البلاغة 121/7 و 122).

وذكر السندي بن شاهك ، وكانت إليه الشرطة في مدينة السلام ، قال : كنت نائما ذات ليلة في غرفة الشرطة ، بالجانب الغربي من مدينة السلام ، كما جري به رسم ولاة الشرطة من المبيت في أعمالهم ، إلا في ليال معلومة ، فسمعت قعقعة لجم البريد ، ودق باب الغرفة ، فأمرت بفتحها ، فدخل علي سلام الأبرش الخادم ، وكان الرشيد بوجهه في مهماته ، وأعطاني كتاب ، ففتحته واذابه من الرشيد وفيه : يا سندي ، هذا كتابنا بخطنا ، مختوم بالخاتم الذي في يدنا ، وموصله سلام الأبرش ، فإذا قرأته فقبل أن تضعه من يدك ، إمض إلي دار يحيي بن خالد ، للإحاطة عليه ، وسلام معك ، حتي تقبض عليه وتوقره حديدة ، وتحمله إلي الحبس في مدينة أمير المؤمنين المنصور ، المعروف بحبس الزنادقة ، وتتقدم إلي باذام بن عبد الله خليفتك، بالمصير إلي الفضل ابنه ، عند ركوبك إلي دار يحيي ، وقبل انتشار الخبر ، وتقدم إليه بأن يفعل بالفضل، ما تقدمت به إليك في يحيي ، وأن يحمله إلي حبس الزنادقة ، فإذا فرغت منهما ، فمر أصحابك بالقبض علي أولاد يحيي ، وأولاد إخوته ، وقراباته ( الهفوات النادرة 192 و 193).

وفي السنة 175 حبس هشام بن عبد الرحمان الداخل ، صاحب الاندلس ، ابنه عبد الملك ، لشيء بلغه عنه ، فبقي مسجونا حياة أبيه ، وبعض ولاية أخيه ، وتوفي محبوسا في السنة 198 ( ابن الأثير 124/6 ).

ص: 41

وفي السنة 198 ثار أهل الربض بقرطبة علي أمرهم الحكم المرواني ، وهاجموه وحصروه في قصره ، وكان بزيع مولي أمية بن عبد الرحمن الداخل ، محبوسا في حبس الدم بقرطبة ، وفي رجليه قيد ثقيل ، فلما رأي أهل قرطبة قد غلبوا الجند ، سأل الحرس أن يفرجوا له ، فأخذوا عليه العهود إن سلم ، أن يعود إليهم ، وأطلقوه فخرج ، فقاتل قتالا شديدأ ، فلما انهزم أهل الربض ، عاد إلي السجن ، فانتهي خبره إلي الحكم ، فأطلقه ، وأحسن إليه ( ابن الأثير 300/6 ) .

وفي السنة 202 قبض ابراهيم بن المهدي ، إبان حكمه القصير الأمد ، علي رجل من أصحاب سهل بن سلامة الأنصاري ، من دعاة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، يدعي محمد الرواعي ، فضربه ابراهيم ، ونتف لحيته ، وقيده ، وحبسه ( الطبري 563/8 ) .

وفي السنة 230 زاد شر بنو سليم حول المدينة بالحجاز ، وحاربهم أمير المدينة ، فكسروه ، وقتلوا جماعة من قريش والأنصار ، فوجه إليهم الواثق بغا الكبير ، فحاربهم ، وكسرهم ، ونزلوا علي حكم الواثق ، فحبس بغا منهم من عرف بالشر والفساد ، مقدارهم ألف رجل، في دار يزيد بن معاوية بالمدينة ، وبعد انقضاء موسم الحج ، توجه إلي بني هلال ، وأخذ من مردتهم وعتائهم نحوا من ثلثمائة ، حبسهم مع من حبس من بني سليم ، فأصبح مجموعهم ألف وثلثمائة فنقبوا الدار ليخرجوا ، ورأي أهل المدينة النقب ، فجاءوا ، فوجدوهم قد وثبوا علي الموكلين بهم ، وقتلوا بعضهم ، وأخذوا سلاحهم ، فاجتمع عليهم أهل المدينة ، أحرارهم وعبيدهم ، وحاربوهم ، فقتلوهم أجمعين ، وكان رئيسهم يرتجز : ( الطبري 129/9 - 133)

لا بد من زحم وان ضاق الباب ****الموت خير للفتي من ألعاب

ص: 42

وفي السنة 254 قتل القائد التركي بغا الشرابي ، فأمر المعتر باعتقال أولاده ، وكانوا قد فروا إلي بغداد ، فاعتقل منهم بقصر الذهب خمسة عشر ، وأودع عشرة منهم في المطبق ( الطبري 381/9 ) .

ولما قتل الواثق ، في السنة 231 أحمد بن نصر الخزاعي ، تتبع مشايعيه فوضعوا في الحبوس ، وأخذ منهم اثنان وعشرون ، حبسوا في حبس الظلمة ، ومنع عنهم الزوار ، ومنع عنهم الصدقة التي يعطاها أهل السجون ، وثقلوا بالحديد (الطبري 139/9 ).

وفي السنة 272 كانت للزنج حركة بواسط ، وصاحوا : أنكلاي يا منصور ، وكان أنكلاي ( ابن صاحب الزنج ) والمهلبي وسليمان بن جامع ، والشعراني والهمداني ، وآخر معهم من قواد الزنج ، محبسين في دار محمد بن عبد الله بن طاهر ، بمدينة السلام وفي دار البطيخ في يد غلام من غلمان الموقق ، يقال له فتح السعدي فكتب الموفق إلي فتح يأمره بأن يوجه إليه برؤوس هؤلاء الستة ، فضرب أعناقهم ، ووجه برؤوسهم إلي الموفق ( الطبري 11/10 ).

وفي السنة 275 أمر أبو أحمد ( الأمير الموفق ) بتقييد الطائي ( أحد كبار العمال ) وحبسه ، وكان يلي الكوفة وسوادها ، وطريق خراسان ، وسامراء والشرطة ببغداد ، اوخراج بادوريا ، وقطربل ، ومسكن ، وشيئا من ضياع الخاصة ، كما أمر بحبس ولده أبي العباس أحمد ( المعتضد فيما بعد) فشغب أصحابه ، وحملوا السلاح ، وركب غلمانه، واضطربت بغداد لذلك ، فركب أبو أحمد الموقق ، حتي بلغ باب الرصافة ، وقال لأصحاب أبي العباس : ما شأنكم ؟ أترونكم أشفق علي إبني مني ؟ هو ولدي ، واحتجت إلي تقويمه ، فانصرف الناس ( الطبري 15/10)

وحبس أحمد بن طولون ، كاتبه أحمد بن أيمن ، وصادر أمواله ، فلم

ص: 43

يخرج من الحبس إلا بعد وفاة أحمد، وسبب ذلك إن أحمد رقص في مجلس خاص حضره أحمد بن طولون وحاشيته ، فغمزه ابن طولون أن يسقط علي أبي ذؤيب ، وكان أبو ذؤيب يعمل غمازا لأحمد، يسعي إليه بالكتاب والمعاملين ، فتزالق أحمد بن أيمن ، وسقط علي أبي ذؤيب ، فأخذ أبو نؤيب يبكي ، فصاح عليه ابن طولون ، فقال له : لم يوجعني ما سقط علي من بدنه ، إنما المني ثقله لما علي ظهره من بدر الأموال التي أختانها وحازها من أموال الأمير ، فاضطعنها ابن طولون ، واعتقل ابن أيمن بعد مديدة ، وصادر أمواله ، وأودعه السجن ( المكافأة 91 ).

وفي السنة 280 وجه يوسف بن أبي الساج 32 نفسا من الخوارج ، من طريق الموصل، فضربت أعناق 25 منهم ، وصلبوا ، وحبس سبعة منهم في الحبس الجديد . ( الطبري 34/10 ).

وفي السنة 281 بعث عامل ديار مضر ، إلي بغداد نيفا وأربعين نفسا من أصحاب أبي الأغر، علي جمال ، عليهم برانس ، ودراريع حرير ، فحبسوا في الحبس الجديد . ( الطبري 36/10 ).

وفي السنة 282 قبض علي بكتمر بن طاشتمر ، وقيد، وحبس ، وصودرت أمواله وضياعه ودوره ، وكان من كبار القواد في الدولة ، وكان في السنة 290 واليا علي حمص ، وقاد في السنة 299 حملة لقتال أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف ، فظفر به وعاد إلي بغداد ، فولي الدينور ، وشارك في محاربة صاحب الزنج ( الطبري 510/9 ، 552 ، 554 ، 584 و 21/10 و40) .

وفي السنة 289 بعد قتل بدر المعتضدي ، قبض علي ستة عشر قائدا من أصحاب بدر ، وحدروا في سفينة مطبقة عليهم مقيدين ، إلي البصرة ، فحبسوا في سجنها ( الطبري 93/10 ) .

ص: 44

وفي السنة 290 خرج إبراهيم الخليجي بمصر ، فحاربه الجيش العباسي ، وأسره وآخرين من أتباعه ، وأدخل إلي دار السلام ، ومعه 21 من أتباعه ، مشهرين علي جمال ، وعليهم برانس ودراريع حرير ، فأمر المكتفي بحبس ابن الخليجي في الدار ( دار الخلافة ) وبحبس الباقين في الحبس الجديد . ( الطبري 129/10 ).

وفي السنة 292 وجه عامل البصرة ، إلي السلطان ببغداد ، رجلا ذكر إنه أراد الخروج علي السلطان ، وصار إلي واسط ، فقبض عليه ، وعلي جماعة من أصحابه ، فحمل علي الفالج وبين يديه ابن له صبي علي جمل، ومعه تسعة وثلاثون إنسانا علي جمال ، وعلي جماعتهم برانس الحرير ودراريع الحرير ، وأكثرهم يستغيث ويبكي ، ويحلف إنه بريء ، وجازوا بهم في التمارين وباب الكرخ والخلد ، حتي وصلوا إلي دار المكتفي ، فأمر بردهم ، وحبسهم في الحبس الجديد ( الطبري 118/10 ).

وفي السنة 296 صادر الوزير ابن الفرات ، أبا عمر القاضي علي مائة ألف دينار، واعتقله في ديوان بيت المال ، فأدي أكثر المال ، فأطلقه ابن الفرات إلي منزله ( تجارب الأمم 14/1 ).

وفي السنة 306 وقعت فتنة ببغداد ، بين العامة والحنابلة ، فأخذ الخليفة جماعة منهم ، وسيرهم إلي البصرة ، فحبسوا بها ( ابن الأثير 115/8)

وفي السنة 316 وقع شر بين سواس هارون بن غريب الخال ، وسواس نازوك ، فأخذ نازوك ( وكان صاحب الشرطة ) ، سواس هارون ، وضربهم ، وأودعهم سجن الجرائم . ( تجارب الأمم 187/1 ).

وفي السنة 318 عظم الأمر في تسحب الرجالة المصافية ، وكثرت مطالباتهم ، فركب محمد بن ياقوت ، صاحب الشرطة ، في الفرسان ، وطرد

ص: 45

المصافية من دار السلطان ، ونادي أن لا يقيم أحد منهم ببغداد ، وأخذ من بقي منهم بعد النداء ، فأودعهم سجن الجرائم ( تجارب الأمم 203/1 ).

وفي السنة 321 وجه القاهر إلي إسحق بن علي القنائي ، وعبد الوهاب بن عبد الله الخاقاني ، علي أن يقلد أحدهما الوزارة ، والأخر الدواوين ، فلما حضرا ، قبل القواد أيديهما، وجلس بين أيديهما سلامة الحاجب ، فلم يلبث أن خرجت رسالة القاهر بالقبض عليهما ، وإدخالهما الحبوس الغامضة ، ثم وجه القاهر إلي سليمان بن الحسن ، واستحضره للوزارة ، وحضر في طياره ، وتلقاه الناس والقواد ، وقبلوا يده ، وجلس الاستاذون بين يديه في دار السلطان ، ووجه القاهر من قبض عليه وأدخله الحبوس الغامضة ، ووجه إلي الفضل بن جعفر للوزارة ، فاستتر الفضل . ( تجارب الأمم 272/1 ).

وفي السنة 327 خالف القائد التركي بالبا ، علي الراضي ، وكان بالبا من قواد بجكم ، فقلده أعمال طريق الفرات بأسرها، ليكون في وجه ابن رائق ، وكان ابن رائق بالشام ، فاتفق بالبا مع ابن رائق ، وخلع الراضي ، فسير إليه بجكم طائفة من عسكره ، فكبسوه بالرحبة ، فاستتر منهم ، فظفروا به ، وأخذوه ، وأدخلوه إلي بغداد علي جمل ، ثم حبس ، فكان آخر العهد به ( ابن الأثير 355/8 ) .

وروي لنا القاضي التنوخي ، في كتابه نشوار المحاضرة ج 2 ص 208 رقم القصة 108 إن أمير البصرة ، حبس معتزليا ، لأنه قال : إن القرآن مخلوق ، فطاف إسماعيل الصفار ، شيخ المعتزلة بالبصرة ، علي أصحابه ، وحضر مع ألف منهم ، ودخل إلي الأمير ، وقال له : أعز الله الأمير ، بلغنا أنك حبست رجلا منا لأنه قال إن القرآن مخلوق ، وها هنا ألف ، كل واحد منهم يقول إن القرآن مخلوق ، فإما حبستنا جميعا ، أو أطلقته لنا ، فاضطر الأمير إلي إطلاقه .

ص: 46

وفي السنة 334 كان الخليفة المستكفي جالسا علي سريره ، ومجلسه غاص بالناس ، وحضر مع الدولة البويهي ، ورسول صاحب خراسان ، فحضر رجلان من نقباء الديلم ، يصيحان ، وتناولا يد المستكفي ، فظن أنهما يريدان تقبيل يده ، فمدها إليهما ، فجذباه عن سريره ، وجعلا عمامته في حلقه ، وساق الديلمان الخليفة ماشية إلي دار معز الدولة ( هي دار مؤنس المجاورة لدار الخلافة ) فاعتقل بها ، ثم سمل ، ونهبت دار الخلافة حتي لم يبق بها شيء ، وقبض علي كاتب الخليفة ، وأخذت علم ، قهرمانة الخليفة ، فقطع لسانها ( ابن الأثير 450/8 و451) .

أقول : دار مؤنس ، كانت علي شاطيء دجلة ، مجاورة لدار الخلافة ( رسوم دار الخلافة 136 ) وكان الجسر بحضرتها ( المنتظم 171/7 ) وكانت بسوق الثلاثاء ( المنتظم 206/6 والتكملة 110) وهو سوق البزازين ( معجم البلدان 193/3 ) ومن دار مؤنس اقتطعت المدرسة النظامية ( التكملة 148 ) وكانت في وسط سوق الثلاثاء ( ابن بطوطة 175/1 ) واقتطعت منها كذلك المدرسة المستنصرية وكانت في آخر سوق الثلاثاء ( ابن بطوطة 175/1 )، ويبدو من هذه الدلالات إن دار مؤنس كانت واقعة علي دجلة شمالي دار الخلافة ، يفصلها عنها السوق الذي ينزل من دجلة من قهوة الشط ، مارا بخان دلة ، والممتد إلي الشورجه، أما طرفها الثاني فقد كان مطلا علي الجسر ، وقد كان في موضعه الذي هو فيه الآن ، ولا يستغرب أن تكون دار مؤنس بهذه السعة ، فقد كان القائد العام للجيش ، وكانت سلطته تزيد علي سلطة الخليفة ، وكانت داره تشتمل علي مواضع لكتابه ، وعماله ، وحرسه ، وغلمانه ، مع دوابهم وأتباعهم ، وما يقتضي إعداده لإيوائهم وإطعامهم ، وأصبحت هذه الدار بعد مقتل مؤنس ، مقرا للحكام الذين تسلطوا علي بغداد ، فنزلها ابن رائق لما أصبح أميرة للأمراء في السنة 324 ، ونزلها من بعده بجكم في السنة 326 ( التكملة 110) ونزلها من بعدهما أبو الحسين

ص: 47

البريدي لما استولي علي بغداد في السنة 330 في عهد المتقي ( التكملة 127 ) كما نزلها توزون لما نصب أميرة للأمراء في السنة 331 ( التكملة 134 ) وأقام فيها من بعده سيف الدولة الحمداني في السنة 331 ( التكملة 134 ) وأقام بها كذلك معز الدولة البويهي ، لما استولي علي بغداد في السنة 334 ( التكملة 148 ) إلي أن بني داره بالشماسية ( الصليخ ) فانتقل إليها في السنة 350 قبل أن يتم بناؤها ( تجارب الأمم 183/2 والتكملة 179)، وبعد أن تركها معز الدولة أصبحت مقرا للأمراء من أولاده ( التكملة 214)، إن المدرسة المستنصرية ما تزال ماثلة تحدد لنا الجانب الشمالي من دار مؤنس ، أما المدرسة النظامية ، وسوقها الملاصق لها ، فيبدو أنها كانت علي قطعة الأرض المستطيلة التي يحدها من الشرق سوق الجوخجية (باعة الجوخ ) ومن الغرب سوق المصبغة ، ومن الشمال سوق اليمنجية ، وهم صناع الأحذية الحمراء الصرارة المسماة باليمنيات ، مفردها اليمني ، ومن الجنوب السوق النازل من دجلة ، من قهوة الشط ، مارأ بخان دلة ، والممتد إلي سوق العطارين ، وعلي هذا فإن المدرسة النظامية ، التي كانت الامثال تضرب بحسنها ( ابن بطوطة 175/1 ) لم يبق منها الآن إلا قطعة صغيرة من الأرض ، بين الدكاكين ، لعلها لا تزيد في المساحة علي حجرة واحدة من حجراتها الماضية ، اتخذت كتابا للصبيان ، كان فيه مؤدب يعلمهم الكتابة وقراءة القرآن ، اسمه الملا أحمد ، لم أدركه ، وأدركت ولده الملا إبراهيم ، توفي ، وخلفه أخوه الملا مسلم ، ولما مات أغلق بابها ، وظلت سنين مهجورة ، ثم أقدم بعض البرازين من أصحاب الدكاكين المحيطة بهذه القطعة ، ففتحوا بابها ، ورمو شعتها ، وفرشوها بالحصر والبواري ، وجهزوها بالماء والنور ، وأتخذوها مصلي لأهل سوقهم .

وفي السنة 336 كان محمد بن عبد الرزاق بطوس وأعمالها ، فخالف علي الأمير نوح الساماني ، صاحب خراسان وما وراء النهر ، فأمر نوح قائده

ص: 48

منصور بن قراتكين بأن يسير إلي محمد وأن يطرده عما في يده من الأعمال ، فسار إلي نيسابور ، ثم اسقوا ، وطرد محمدأ منها، ثم قصد طوس ، وكان بها رافع بن عبد الرزاق ، ففر رافع منها ، واحتمي بقلعة درك ، فحصره منصور ، فهرب منها ، ولما احتل منصور قلعة درك ، وجد بها عيال محمد بن عبد الرزاق ووالدته ، فأنفذهم إلي بخاري فاعتقلهم بها ( ابن الأثير 470/8 و471) .

وفي السنة 353 قبض بمصر علي رجل يعرف بابن أبي الليث الواسطي ، ينسب إلي التشيع ، فضرب مائتي سوط ، ثم ضرب خمسمائة سوط ، وجعل في عنقه غل ، وحبس ، وكان يتفقد في كل يوم لئلا يخقف عنه ، ويبصق في وجهه ، فمات في محبسه ، وحمل ليلا، ودفن ( خطط المقريزي 340/2 ).

وفي السنة 379 قبض بهاء الدولة البويهي ، علي تحرير الخادم ، واعتقله في الخزانة ( أي في دار الإمارة ) ، ثم خير فاختار أن يعتقل في دار أبي جعفر الحجاج ، ثم ألح الحسين الفراش ، فأذن له بهاء الدولة أن ينقله إلي داره ( دار الحسين )، ويعتقله فيها. ( ذيل تجارب الأمم 154 - 157)

وفي السنة 380 قبض علي أبي الفرج محمد بن أحمد ، المعروف بابن الزي ، صاحب المعونة بغداد ، واعتقل بالخزانة ( ذيل تجارب الأمم 179 - 181)

وأمر الصاحب بن عباد ، بحبس مكي المنشد، فحبس في دار الضرب ، فاتفق أن الصاحب صعد إلي سطح داره ، وأشرف علي دار الضرب ، فناداه مكي : فاطلع فرآه في سواء الجحيم ، فضحك الصاحب ، وقال : اخسئوا فيها ولا تعلمون وأمر بإطلاقه ( معجم الأدباء 281/2 ) .

ص: 49

وفي السنة 381 أرسل بهاء الدولة البويهي بن عضد الدولة ، إلي الخليفة الطائع ، يسأله أن يأذن له بالحضور لخدمته ، ليجدد العهد به ، فأذن له في ذلك ، وجلس له كما جرت العادة ، فدخل بهاء الدولة ، وقبل الأرض ، وأجلس علي كرسي ، فدخل بعض الديلم ، ومد يده كأنه يريد أن يقبل يد الخليفة ، ثم جذب يد الخليفة ، فأنزله عن سريره ، والخليفة يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وهو يستغيث ولا يلتفت إليه ، وحمل في الحال إلي دار بهاء الدولة ( دار مؤنس ) حيث حبس هناك ، وأشهد عليه بالخلع ، وكان من جملة الحاضرين في المجلس الشريف الرضي ، فقال في ذلك أبياتا منها : ( شرح نهج البلاغة 79/9 و 80).

من بعد ما كان رب الملك مبتسمأ**** إلي أدنيه في النجوي ويدنيني

أمسيت أرحم من قد كنت أغبطه ****لقد تقارب بين العز والهون

ومنظر كان بالسراء يضحكني**** يا قرب ما عاد بالضراء يبكيني

هيهات أغتر بالسلطان ثانية ****قد ضل ولاج أبواب السلاطين

وفي السنة 383 كان أبو القاسم علي بن أحمد الأبرقوهي ، أحد الوزراء السابقين ، معتقلا عند الوزير أبي نصر سابور ، فاختفي أبو نصر ، واستر ، وطولب بأن يسلم أبا القاسم ، فأسلمه ، وحمل إلي الخزانة في دار المملكة ، وعاد إلي الوزارة ، ثم خاف فاستتر . ( ذيل تجارب الأمم 251 و252).

وفي السنة 414 كان القاسم بن حمود علي قرطبة يسنده البربر ، فحاربه أهل قرطبة ، وهزموا البربر هزيمة منكرة ، فسار القاسم عنها إلي إشبيلية ، فمنعه أهل إشبيلية من دخولها ، فنزل بشريش ، فزحف إليه يحيي ابن أخيه علي بن حمود ، فأخذه أسيرة وحبسه يحيي ، فبقي في حبسه إلي أن توفي يحيي ، وملك أخوه إدريس ، فقتله في الحبس في السنة 431 بعد أن ظل محبوس ست عشرة سنة ( ابن الأثير 273/9 - 276 ) .

ص: 50

وفي السنة 415 قبض بالقاهرة علي رجل تاجر ، كان جالسا في قيسارية البر بمصر ، وهو سكران ، في هذا الشهر العظيم ( رمضان ) فاعتقل في حبس الشرطة السفلي ( أخبار مصر للمسبحي 63 ).

وفي السنة 420 احتل يمين الدولة محمود بن سبكتكين الري ، واعتقل صاحبها مجد الدولة بن فخر الدولة بن بويه ، وكانت أم مجد الدولة تدبر أمره ، فلما ماتت في السنة 419 اختلت أحواله ، فكاتب محمود بن سبكتكين ، فبعث إليه قائد أمره أن يقبض علي مجد الدولة ، فاحتل القائد الري ، وقبض علي مجد الدولة ، وعلي ولده أبي دلف ، ولما علم يمين الدولة ، باعتقال مجد الدولة ، سار إلي الري ، وأحضر مجد الدولة ، وقال له : أما قرأت الشاهنامه تاريخ الفرس ، وتاريخ الطبري تاريخ المسلمين ؟ قال : بلي ، قال : ما حالك حال من قرأها ، أما لعبت الشطرنج ؟ قال : بلي ، قال : فهل رأيت شاهأ يدخل علي شاه ؟ قال : لا ، قال : فما حملك علي أن أسلمت نفسك إلي من هو أقوي منك ؟ ثم سيره إلي خرسان مقبوضأ ، ثم ملك قزوين وقلاعها ، وقبض علي صاحبها ولكين بن وندرين ، وسيره إلي خراسان ( ابن الأثير 371/9 و 372).

وفي السنة 421 توفي يمين الدولة محمود بن سبكتكين ، وأوصي بأن يخلفه ولده محمد، فعارضه أخوه مسعود ، وأغري الحاجب علي خويشاوند، وعمه يوسف بن سبكتكين ، فقبضا علي محمد ، وحبساه في قلعة تكناباد ، وناديا بشعار مسعود ، فلما تسلطن مسعود ، كان أول ما صنعه أن قتل الحاجب عليا ، وحبس عمه يوسف ( ابن الأثير 389/9 - 400) .

وفي السنة 430 توفي الوزير أبو القاسم بن ماكولا ، محبوسا بهيت ، وكان مقامه في الحبس سنتين وخمسة أشهر ، وكان جلال الدولة أسلمه إلي قرواش ، فحبسه بهيت حتي مات ( ابن الأثير 466/9 ) .

ص: 51

وفي السنة 439 قبض الملك أبو كاليجار فناخسرو بن مجد الدولة بن بويه ، علي وزيره محمد بن جعفر بن أبي الفرج ، الملقب بذي السعادات بن فسانجس ، وسجنه ، وهرب ولده أبو الغنائم ، وبقي الوزير مسجونة حتي مات في رمضان من السنة 440 ، وقيل أرسل إليه أبو كاليجار من قتله في السجن ( ابن الأثير 542/9 ).

وكان شرف الدولة مسلم بن قريش ، قد ملك من السندية علي نهر عيسي ببغداد ، إلي منبج بالشام ، وما والاها من البلاد ، وكان في يده ديار ربيعة ومضر من أرض الجزيرة ، والموصل ، وحلب ، وما كان لأبيه وعمه قرواش ، ولما قتل في السنة 477 قصد بنو عقيل أخاه إبراهيم بن قريش ، وكان أخوه قد حبسه ، فأخرجوه من الحبس ، وملكوه أمرهم ، وكان قد مكث في الحبس سنين كثيرة ، بحيث انه لم يمكنه امشي والحركة لما أخرج ( ابن الأثير 141/10 ).

وفي السنة 483 غضب الأمير عبد الله بن بلكين ، علي وزيره أبي جعفر أحمد بن خلف القليعي ، وحبسه في قصره ، ثم أطلقه ، ففر إلي أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ، وأغراه بفتح غرناطة ، فقصدها، وفتحها ( الاحاطة 154 -156).

وفي السنة 484 هاجم جيش أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين ، صاحب بلاد المغرب ، إشبيلية، وفيها المعتمد بن عباد اللخمي ، الأمير ، الأديب ، الشاعر ، الكثير المحاسن ، فأشتبك الجيشان في معركة ضارية ، وكان الظفر فيها لجيش أمير المسلمين ، فأسر المعتمد ، وأسرت معه زوجته وأولاده الذكور والإناث ، وحملوا إلي مدينة أغمات ، فحبسوا فيها ، « وفعل أمير المسلمين بهم أفعالا لم يسلكها أحد ممن قبله ، ولا يفعلها أحد ممن يأتي بعده ، إلا من رضي بهذه الرذيلة ، وذلك إنه سجنهم ، ولم يجر عليهم ما يقوم بهم ، حتي كانت بنات المعتمد يغزلن

ص: 52

للناس بأجرة ، ينفقونها علي أنفسهم » ، فأبان أمير المسلمين بذلك الفعل ، عن صغر نفس ولؤم قدرة ( ابن الأثير 187/10 - 190).

وفي السنة 539 قبض السلطان مسعود، علي وزيره البروجردي، ووزرله بعده المرزبان بن عبيد الله الأصبهاني ، وسلم إليه البروجردي ، فاستخرج أمواله ، ومات في الحبس ( ابن الأثير 102/11 ).

وفي السنة 540 اتصل بالخليفة المقتفي عن أخيه أبي طالب ما كرهه ، فضيق عليه ، وأحتاط علي غيره من أقاربه ( يعني إنه حبسهم ) ( ابن الأثير 106/11)

وفي السنة 543 أرسل رجار صاحب صقلية ، أسطو" بقيادة قائده جرجي ، فقصد المهدية ، وكان فيها الحسن صاحب إفريقية ، فخرج عنها مع أولاده وثقله ، واستولي جرجي علي المدينة ، وأراد الحسن أن يصل إلي عبد المؤمن الموحدي ، صاحب المغرب ، فاستأذن من صاحب بجاية يحيي بن عبد العزيز بن حماد ، وهو من أبناء عمه، أن يسمح له بزيارته ليمر منه إلي عبد المؤمن ، فأذن له ، فلما مر به ، غدر به ، وأخذه وأولاده ، وسيرهم إلي جزيرة بني مزغناي ، ووكل بهم من يمنعهم من التصرف ، وبقوا هناك محبوسين إلي السنة 547 فلما ملك عبد المؤمن بجاية ، أحسن إلي الحسن ، وأعلي مرتبته ولما فتح عبد المؤمن المهدية ، أمر واليها بأن يقتدي برأي الحسن ، ويرجع إلي قوله ( ابن الأثير 125/11, 128 ، 158).

وفي السنة 547 اعتقل أبو النجيب مدرس النظامية ، وأخذ إلي باب النوبي ، حيث در ( أي ضرب بالدرة وهي العصا)، ثم أعيد إلي حبس الجرائم ، لأنه عاد إلي تدريس النظامية ، دون إذن من الخليفة ( المنتظم 147/10)

وفي السنة 547 أمر المقتفي بتأديب جماعة ممن كانوا يتعصبون

ص: 53

للسلطان مسعود السلجوقي ، فقبض علي الحيص بيص الشاعر ، وأخذ من بيته حافيا ، مهانة ، وحمل إلي حبس اللصوص ( المنتظم 197/10 ). وفي السنة 00ه لما استخلف المستنجد، قبض علي القاضي ابن المرخم ، وكان من أهل الرشا، واستصفيت أمواله ، وأعيد منها إلي الناس ما ادعوا عليه ، وكان قد ضرب فلم يقر ، فضرب ابنه ، فأقر بأموال كثيرة ، وأحرقت كتبه في الرحبة ، وحبس، فمات في الحبس ( المنتظم 147/10 ).

وكذلك حبس المستنجد في السنة 555 القاضي المأموني أحمد بن علي النحوي ، وكان قد ولي القضاء في السنة 534 ، فلما ولي المستنجد ، حبس القضاة ، والمأموني فيهم ، وصادر جميع ما يملكه ، وبقي في الحبس إحدي عشرة سنة ، ولما ولي المستضيء في السنة 566 أفرج عن المحبوسين ، والمأموني فيهم ، وأعاد عليهم ما صدر منهم ( الوافي بالوفيات 213/7)

وفي السنة 602 توفي الفرضي البغدادي ، محمد بن محمد ، وكان في أول أمره، مع الفتاك الشطار ، وحبس مدة سبع عشرة سنة ( الوافي بالوفيات 144/1 ).

وفي السنة 626 أحضر أبو القاسم علي بن البوري ، إلي باب النوبي وضرب مائة عصا ، وقطع لسانه ، وحمل إلي حبس المدائن ( الحوادث الجامعة 453) .

وفي السنة 627 توفي أبو الفتوح عبد الرحمن بن عرند الدنيسري الشاعر ، وكان محتسبأ بمدينة دنيسر ، بلدة قرب ماردين ، حبسه صاحب ماردين ، فمات في حبسه ( شذرات الذهب 125/5 ).

وفي السنة 710 سجن الملك الناصر محمد بن قلاوون ، الأمير غانم بن أطلس ، ثم أطلقه في السنة 735 بعد أن ظل في السجن خمسا وعشرين سنة ، وكان غانم من أتباع المظفر بيبرس ، فخامر عليه إلي الناصر بالكرك ، فما أفاده ذلك ، وحبسه الناصر ( الدرر الكامنة 297/3 ) .

ص: 54

وفي السنة 711 مات الأمير برلغي في الحبس ، وكان قد ظاهر السلطان الظاهر بيبرس الجاشنكير ، وتزوج ابنته ، فلما تحرك الملك الناصر من الكرك ، خرج برلغي بالعسكر ليصده ، فغدر بيبرس ، ولحق بالناصر ، ولكن الناصر لم يثق به ، فاعتقله ، في السنة 709 وحبسه ، وأجري عليه راتبا ، وشفع فيه مهنا أمير فضل ، فوعده السلطان بإطلاقه ، ولم يطلقه حتي مات في حبسه ( الدرر الكامنة 9/2 و10).

وفي السنة 711 مات في السجن الأميران بتخاص المنصوري ، وأسندمر نائب طرابلس وكان سبب سجن الأمير بتخاص أنه أعان السلطان بيبرس الجاشنكير لما تسلطن وولي له أمره أول سلطنته ، فلما قدم الناصر محمد بن قلاوون من الكرك في السنة 709 أراد بتخاص أن يتحرك عليه ، واتفق مع بكتمر الجوكندار ، نائب السلطنة ، علي أن يسلطنا موسي بن الصالح علي بن المنصور ، وبلغ السلطان ذلك ، فأرسل من يحضره ، فامتنع في داره ، فأمر بإحراقها عليه ، ثم قبض عليه ، وسجن بالكرك ، ومات بها في السجن في السنة 711 ( الدرر الكامنة 5/2 ).

وفي السنة 712 اتهم السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، الأمير بانيجار المنصوري ، بأنه يريد الفتك به ، فقبض عليه ، وسجنه ، وظل مسجونة إلي أن مات في السنة 716 ( الدرر الكامنة 4/2 ) .

وفي السنة 715 قبض الناصر محمد بن قلاوون ، علي الأمير بهادر بن عبد الله التركماني ، وحبسه خمس عشرة سنة ، ثم أطلقه ، وقربه ، وتوفي في السنة 739 ( الدرر الكامنة 29/2 ) .

وغضب السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، علي الأمير تمر الساقي المنصوري ، في السنة 715 فاعتقله ، وبقي معتقلا عشرين سنة ،

ص: 55

وأفرج عنه في السنة 735 وأعطي إمرة طبلخاناه بدمشق ، وتوفي في السنة 743( الدرر الكامنة 54/2 ).

وفي السنة نيف وعشرين وسبعمائة مات في سجن الكرك ، الأمير طوغان المنصوري ، اعتقله السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وأبقاه في الاعتقال حتي مات ( الدرر الكامنة 329/2 ) .

وفي السنة 731 مات الأمير لاجين المنصوري ، وكان السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، سجنه في السنة 710 فأقام في السجن سبعة عشر عاما ، وكان يعمل في اعتقاله كوفيات من الصوف المرعز، فتباع لحسنها بأغلي الأثمان ، وكان يتصدق بأثمانها ( الدرر الكامنة 357/3 و 358) .

وفي السنة 732 مات محترق شرف الدين الناسخ ، عيسي بن محب النابلسي ، وكان قد اتخذ التزوير صناعة ، فكان يكتب علي هوامش القصص ما يريد، ويحاكي خط كاتب السر إذ ذاك علاء الدين بن الأثير ، فيتوجه صاحب القصة إلي الدوادار ، فيدخل بها العلامة ، فمشت بذلك حاله ، إلي أن عثر عليه ابن الأثير ، فرفعه للسلطان فأمر بحبسه ، فحبس سبع سنين ، إلي أن انفصل ابن الأثير ، فأفرج عنه ، فلم يلبث أن بات ليلة وفي يده طوافة ( وهي الفتيلة الموقدة يطاف بها لي ) فنعس ، فاحترق ، وأصبح ميتأ ( الدرر الكامنة 287/3 - و288 ).

وفي السنة 741 مات الأمير تنكز نائب الشام ، وهو معتقل بمصر ، اذ بلغ السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، أنه علي وشك الخروج عليه ، فاعتقله في السنة 740 وحمل إلي مصر ، فبعث إليه السلطان يسأله : أبصر من يكون وصيك ، فرد عليه : إن خدمتك ونصيحتك لم تترك لي صديقأ ، فأمر بحمله إلي سجن الإسكندرية ، وأستمر في الإعتقال دون الشهر ، ومات في حبسه ( الدرر الكامنة 55/2 - 62).

ص: 56

وفي السنة 74 توفي الأمير بلبان المحمدي ، وكان السلطان الناصر محمد بن قلاوون لما عاد من الكرك ، اعتقله ، وسجنه ، فأقام في السجن سبعة وعشرين سنة ، ثم أطلقه وولاه أمرة بطرابلس ، ثم نقل إلي إمرة بدمشق ، فمات في يوم وصوله إليها ( الدرر الكامنة 28/2 ).

وفي السنة 749 مات الأمير برلغي الصغير ، وكان قريب السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون لأمه ، وكان قدم مصر في السنة 704 وترقي إلي أن صار من جملة الأمراء ، ثم تنكر له الناصر فحبسه ، وأبقاه محبوسا ثلاث عشرة سنة ، ثم أفرج عنه ، ولم يتركه مرتاحا ، فإما أن يبعثه في تجريده ، وإما أن يعتقله ، ولما توفي السلطان في السنة 741 أمر من بعده ، ومات بالطاعون ( الدرر الكامنة 2/ 10).

وفي السنة 752 مات في السجن بالقاهرة ، الأمير طفيل بن منصور ، أمير المدينة ، قبض عليه في موسم السنة 701 وحمل إلي مصر، حيث حبس ومات في الحبس ، وسبب حبسه إنه عزله السلطان في السنة 750 عن المدينة ، وولي ابن عمه سعد بن ثابت ، فهجم طفيل علي المدينة ، ونهب ما كان بها للحاج ، فاعتقل في الموسم التالي ، وحبس ومات ( الدرر الكامنة 325/2)

وفي السنة 761 أحضر شمس الدين الباجريقي الفقيه ، أمام القاضي تاج الدين السبكي بالقاهرة ، وادعي عليه أنه قال : ليس كل الحق مع أهل السنة ، بل إن بعض أقوال المعتزلة قد تكون حقا ، فعزره القاضي علي هذا القول ، بأن أمر به فكشف رأسه ، ونودي عليه من العادلية إلي الشامية البرانية ، ثم سجن ( الدرر الكامنة 414/3 ) .

وفي السنة 769 مات في سجن الاسكندرية ، الأمير بكتمر المحمدي ، وكان أميرا كبيرا فبلغ الأشرف شعبان ، إنه يتآمر عليه ليعزله ويوتي ابن

ص: 57

زوجته ، اسماعيل بن الناصر حسن ، فقبض عليه ، وعلي غيره ممن اتهمهم معه، وأرسلهم إلي الاسكندرية ، فمات الأمير بكتمر في السجن ( الدرر الكامنة 21/2 ).

ومما يؤثر عن ناظر الجيش عبد الله بن مشكور الحلبي ، المتوفي سنة 778 إنه وقف علي المحبوسين من الشرع بحلب ، وكانوا قبل في حبس أهل الجرائم ( الدرر الكامنة 412/2 ) .

وفي السنة 800 أراد السلطان الظاهر برقوق بالقاهرة ، القبض علي الأمير نوروز ، فأظهر السلطان أنه تعب من المشي ، واتكأ علي الأمير نوروز ، ولما وصل إلي الباب الذي يطلع منه إلي القصر ، أدار السلطان يده علي عنق نوروز ، فبادره الخاصكية باللكم وأسقطوه الأرض ، وقيدوه وحملوه إلي السجن .

وفي السنة 817 مات في السجن بالقاهرة ، الشريف سليمان بن وهبة بن جماز ، أمير المدينة ، وليها مدة ، ثم عزل ، وقبض عليه المؤيد شيخ ، وسجنه ، حتي مات في سجنه بالقاهرة ، وهو في عشر الأربعين ( الضوء اللامع 270/3 ).

وفي السنة 825 مات في سجنه بقلعة القاهرة ، الشريف غرير بن هيازع ، أمير المدينة وينبع، وكان قد حصل خلاف بينه وبين ابن عمه عجلان ، فهجم غرير علي حاصل المسجد ، وأخذ منه مالا ، فأمر السلطان باعتقاله ، فاعتقل، وحمل إلي القاهرة في السنة 824 ومات في سجنه في السنة 825 ( الضوء اللامع161/5 ).

وفي السنة 833 توفي السلطان شهاب الدين أبو السعادات أحمد بن شيخ المحمودي ، مسجونا في سجن الاسكندرية ، ولم تزد سنه عن احدي عشرة سنة ، وكان قد ولي السلطنة خلفا لأبيه شيخ ، ثم خلع وحبس ومات ،

ص: 58

وكان فيه حول فاحش في عينيه حصل عند سلطنته من دق الكوسات علي حين غفلة ( الضوء اللامع 313/1 ) .

وفي السنة 845 ولي علي بن حسن بن عجلان ، إمارة مكة ، ونقل عنه إلي السلطان بالقاهرة ، ما أوغر صدره عليه ، فقبض عليه وعلي أخيه إبراهيم ، وحبسا في برج القلعة ، ثم نقله هو وجماعة إلي الإسكندرية ، ثم إلي دمياط ، حتي توفي في السنة 803 وهو في سجنه ( الضوء اللامع 211/5)

وفي السنة 855 توفي الشريف إبراهيم بن حسن بن عجلان الحسني المكي ، وكانت وفاته بثغر دمياط ، وكان السلطان حبسه أو بالبرج ، ثم نقله إلي الإسكندرية ثم إلي دمياط ، حيث توفي بها ( الضوء اللامع 41/1 ) .

وفي السنة 862 توفي في سجن الإسكندرية ، القائم بأمر الله أبو البقاء حمزة بن الخليفة المتوكل علي الله محمد ، بويع له بالخلافة بالقاهرة في السنة 855 ، وخلع منها في السنة 809 وسجن بالاسكندرية ، وظل فيها سجينا حتي مات في السنة 862 ( نظم العقيان 107 و108).

وحبس السلطان قانصوه الغوري ، سلطان مصر ، الشيخ أمين الدين محمد بن النجار الدمياطي (ت 928 ) ، وسبب ذلك : إن بعض التجار أودع عنده مالأ له صورة ، وقال له : إذا بلغ ولدي بعد موتي فدفعه إليه ، فجاء الولد إليه ، وهو دون البلوغ ، يطلب منه المال ، فقال له : حتي تبلغ ، فشكاه إلي السلطان ، فطلبه السلطان ، وطالبه بالوديعة ، فأنكرها، وحلف علي إنكاره ، ثم لما بلغ الولد ، دفع الوديعة إليه ، وبلغ السلطان ذلك ، فأحضره ، وقال له : كيف تحلف علي إنكار الوديعة ، ثم تقر بها ؟ فقال له : إن فقهاء الشافعية ، رخصوا للوديع ، أن ينكر الوديعة ، إذا طلبها السلطان الظالم وخاف منه عليها ، ورخصوا له أن يحلف علي إنكاره ، وأنت ظالم ،

ص: 59

فرسم عليه السلطان ، أي أمر بحبسه ( الكواكب السائرة 33/1 و 34 ).

وفي السنة 977 توفي مسجونة السلطان بدر بن عبد الله الكثيري ، سلطان حضرموت ، وكان قد قبض عليه ولده عبد الله ، وسجنه ، وتسلطن من بعده ، ومات بدر في السجن ( شذرات الذهب 383/8 ).

وفي السنة 1213 (1798 م ) لما استولي الفرنسيون علي مصر ، وبلغ الخبر إلي مصطفي باشا ، حاكم الجزائر (1212 - 1222) استدعي القنصل الفرنسي ، وسأله عن ذلك ، فأخبره باستيلاء الجيش الفرنسي علي مصر ، فاغتاظ الباشا ، وأمر بالقنصل ، فقد وحبس ، وأمر بجميع قناصل فرنسا في بلاد الجزائر ، فأحضرهم وحبسهم وقيدهم ، فكتبت حكومة فرنسا إلي السلطان العثماني ، فكتب السلطان إلي أمير الجزائر بإطلاقهم ، فأطلقهم ، وعادوا إلي بلادهم ( مذكرات الزهار 76).

ص: 60

2- سجون الأمراء والأميرات والوزراء والعمال

لما اعتقل الحجاج يزيد بن المهلب ، اعتقل معه أخويه المفضل وعبد الملك ، وكان إذا خرج أخرجهم معه ، وجعل عليهم في العسكر كھيأة الخندق ، وجعلهم في فسطاط قريبا منه ، وجعل عليهم حرسا من أهل الشام ( وفيات الأعيان 291/6 ).

أقول : في السنة 85 عزل الحجاج يزيد بن المهلب عن خراسان ، وأحضره ، وحاسبه ، وحبسه ، وحبس معه أخويه المفضل وعبد الملك ، وطالبهم بستة آلاف ألف ، وأخذ يعذبهم ، وكان يزيد يصبر علي العذاب ، وكان الحجاج يغيظه ذلك ، فقيل له : إنه رمي بنشابة ، فثبت نصلها في ساقه ، فلا يمسها شيء إلا صاح ، فأمر بأن يعذب بدهق ساقه ، فلما فعل به ذلك ، صاح ، وأخته هند بنت المهلب عند الحجاج ، فلما سمعت صياح يزيد صاحت ، وناحت ، فطلقها ، ولما خرج الحجاج إلي رستقباد في السنة 90 أخرج يزيد وأخويه معه ، وجعلهم في عسكره ، وجعل عليهم كهيأة الخندق ، وجعلهم في فسطاط قريبة من حجرته ، وجعل عليهم حرسا من أهل الشام ، واعتقل الحجاج أخاهم حبيب بن المهلب ، وحبسه بالبصرة ، وبسط عليه العذاب ، فدبروا أمرهم ، وفروا من سجن الحجاج ، والتجأوا إلي سليمان بن عبد الملك ، فأجارهم ، فغضب الوليد ، وأمر بإحضار يزيد، فبعث به سليمان إلي الوليد ، وجعل معه ولده أيوب بن سليمان في سلسلة

ص: 61

واحدة ، فرق له الوليد ، وأن يزيد ، وكتب إلي الحجاج أن يكف عن آل المهلب ( الطبري 393/6 , 448 ، 452 - 458) .

وفي السنة 90 نقض نيزك طرخان ، الصلح الذي كان بينه وبين المسلمين ، فقصده قتيبة بن مسلم في السنة 91، واحتال عليه حتي جاء إليه بغير أما ، فدفع نيزك إلي بسام الليثي ، فجعل نيزك في قبة ، وحفر حول القبة خندقأ ، ووضع عليه حرسأ ، ثم دعا به قتيبة ، ودعا بسيف حنفي ، فأنتضاه ، وطول كميه ، ثم ضرب عنقه بيده ، وأمر عبدالرحمن فضرب عنق صول ، وأمر صالحة فقتل شقران ابن أخي نيزك ، وقتل مع نيزك سبعمائة من أصحابه ( الطبري 445/6 ) .

ويروي لنا القاضي التنوخي في القصة 174 من كتاب الفرج بعد الشدة ، خبرا عن الفيض بن أبي صالح ، يدل علي ما يتحلي به هذا الرجل ، من نبل وشهامة ، وخلاصة الخبر : إن السيدة أم جعفر ( زبيدة )، حبست وكيلا لها ، وجب عليه أداء مائتي ألف درهم ، فكتب المحبوس إلي صديقين له ، يستغيث بهما ، فركب هذان إلي داود كاتب السيدة ليكلماه في أمر صديقهما المحبوس ، ولقيا في طريقهما الفيض بن أبي صالح ، وأخذاه معهما ، ليكتم كاتب السيدة ، ولما صار الثلاثة إلي كاتب السيدة ، وكلموه في إطلاق الرجل ، قال : أكتب إلي أم جعفر ، فعادت الرقعة منها بأنه لا سبيل إلي إطلاقه إلا بعد أداء ما بذمته من مال ، فلما قرأ الأولان التوقيع ، قالا : قد قضينا حق الرجل ، فقوموا ننصرف ، فقال لهما الفيض : كأننا إنما جئنا لنؤكد حبس الرجل ؟ فقالا له : ماذا نصنع ؟ فقال : نؤدي المال عنه ، ثم أخذ الدواة ، وكتب إلي وكيله كتابا يطلب فيه منه أن يحمل مائتي ألف درهم إلي كاتب السيدة ، ودفع الفيض الكتاب إلي داود كاتب السيدة ، وقال له : قد أزحنا علتك في المال فأدفع إلينا صاحبنا ، هذا والفيض لا يعرف الرجل ، وإنما جاء معينة لصديقيه الأخرين .

ص: 62

وكان لعلية بنت المهدي ، وكيل إسمه سباع ، فوقفت علي خيانة منه لها ، فضربته ، وحبسته .

وغضب القاسم بن الرشيد، علي أبي العتاهية ، فأحضره ، وشتمه ، وضربه ، وحبسه في داره ، أي في دار القاسم ، فاستغاث أبو العتاهية ، بأم جعفر ، فكلمت الرشيد ، فأمر بإطلاقه . ( الأغاني 66/4 ).

وروي سليمان بن وهب ، إنه كان مع أحمد بن الخصيب ، وخلق من العمال والكتاب ، معتقلين في حبس الوزير محمد بن عبد الملك الزيات في آخر وزارته للواثق ، مطالبين بما صودروا عليه ، فسعي قاضي القضاة أحمد بن أبي دؤاد في إطلاقهم ، فأطلقوا ، وأطلق لهم ضياعهم ، راجع تفصيل ذلك في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 164 ب.

وذكر علي بن الحسين بن عبد الأعلي الاسكافي ، إنه كان يكتب لبغا الكبير ، وإنه صرفه ، ونكبه ، وصادره ، وحبسه ، وقصده بكل مكروه ، ثم أحضره أمامه ، فحمل إليه في قيوده ، وعليه ثياب في نهاية الوسخ ، فأطلقه ، راجع سبب إطلاقه في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 190.

وفي السنة 272 كانت للزنج بواسط ، حركة ، وصاحوا : انكلاي ، يا منصور ، وأنكلاي هو ابن صاحب الزنج ، وكان انكلاي وآخرون من قواد صاحب الزنج ، محبوسين في دار أمير بغداد محمد بن عبد الله بن طاهر ، وفي دار البطيخ في يد غلام من غلمان الموقق ، فأمر الموفق بقتلهم ، فدخل الغلام ، واسمه فتح عليهم وجعل يخرجهم واحدة واحدة ، فيذبحهم غلام له ، وطرح أجسادهم في بالوعة ، وبعث برؤوسهم إلي الموفق ( الطبري 11/10)

ص: 63

وفي السنة 272 توفي أبو أيوب سليمان بن وهب ، وهو في حبس الموفق . ( الطبري 9/10).

ولما احتضر الموقق ، كان ولده أبو العباس أحمد ( المعتضد ) في حبس أبيه ، فكسر غلمان أبي العباس الأقفال ، وأحضروه لمواجهة أبيه ( الطبري 20/10 ).

أقول : كان سبب حبس الموقق ، ولده أبا العباس أحمد ( المعتضد فيما بعد ) أنه أمره أن يسير علي رأس جيش إلي بعض الوجوه ، فأبي ، وقال : لا أخرج إلا إلي الشام ، لأنها الولاية التي ولانيها أمير المؤمنيني ( أي المعتمد ) ، فاغتاظ منه أبوه ، وأمر بإحضاره ، فأحضر ، فأمر بعض خدمه أن يحبسه في حجرة من حجر داره ، فلما حبس ثار القواد من أصحابه ومن تبعهم ، وركبوا ، واضطربت بغداد ، فركب الموفق إلي الميدان ، وقال لهم : ما شأنكم ، أترون أنكم أشفق مني علي ولدي ، وقد احتجت إلي تقويمه ، فانصرفوا ، للتفصيل راجع كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ج 1 ص 182 - 185رقم القصة 65.

وفي السنة 287 قبض المعتمد علي محمد بن شيخ ، وجماعة من أهله ، وحبسهم في دار ابن طاهر ( الطبري 74/10 ).

وكان القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب ، معروفة بالقسوة ، وكان يحضر عذاب من أراد تعذيبه ، وكان آل عبيد الله بن سليمان ، يحقدون علي أحمد بن محمد بن بسطام ، سوالف منكرة ، فلما حبس القاسم ، ابن بسطام ، قبض علي جميع خلفائه في الأعمال ، وأمر بهم فحملوا إلي داره ، وأحضرهم وأحضر لهم الجلادين والسياط ، راجع تفصيل القصة في كتاب المكافأة ص 176 و177 وراجع كذلك كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي تحقيق المؤلف رقم القصة 193 .

ص: 64

وفي السنة 311 اعتقل الوزير ابن الفرات ، وزير الما در ، سلفه في الوزارة حامد بن العباس ، في دار الوزارة ، وأمر أن يفرش له موضعه فرش حسنا ، وأن يتفقد في طعامه وشرابه وطيبه ، حتي يخدم بمثل ما كان يخدم به وهو وزير ، وأن تقطع له كسوة فاخرة ، ويجعل معه لخدمته من الخدم والفراشين من يوثق به . ( تجارب الأمم 98/1 ).

وفي السنة 314 عزل المقتدر وزيره أبا العباس الخصيبي ، وقبض عليه وعلي ولده وكتابه ، وحملوا إلي دار السلطان ، وحبسوا عند زيدان القهرمانة ، وحمل باقي المعتقلين إلي دار الوزارة بالمخرم ( تجارب الأمم 149/1 ).

وطالب أبو جعفر بن شيرزاد، وزير امير الأمراء توزون ، أبا عبد الله العلوي ، ببغداد ، وأعتقله في دار الوزارة ، مطالبا إياه ببقايا من الأموال الأميرية ، وكان أبو جعفر سمحا علي الطعام ، يحب أن يأكل الناس علي مائدته ، فانتظر العلوي ، حتي نصبت مائدة أبي جعفر ، وجلس ليأكل ، وكان يأكل في كل يوم مرة ، بعد المغرب ، فتقدم أبو عبد الله العلوي ، وجلس علي المائدة ، فتهلل وجه أبي جعفر ، وصاح به : إلي عندي يا سيدي ، إلي عندي ، وأجلسه إلي جانبه ، فلما انتهي الطعام ، قال له أبو جعفر : لقد آذيتك يا سيدي أبا عبد الله بتأخيرك عن منزلك ، ثم أخرج أوراق المطالبة ، وسلمها إليه ، وأطلقه ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ج 2 ص 336 - 338 رقم القصة 177.

وفي السنة 445 اعتقل المعتضد بن عباد ، صاحب إشبيلية (ت 464 ) عز الدولة محمد بن نوح الزناتي ، صاحب مدينة مورور بالأندلس ، وحبسه في حمام بإشبيلية ، وكبله بالحديد ، ثم قتله ( الاعلام 349/7 ) .

واعتقل السلطان علي بن عثمان المريني ، سلطان المغرب ، في السنة 734 أخاه عمر ، وأحضره إلي فاس ، وحبسه في حجرة من حجرات قصره ( الاعلام 314/5) .

ص: 65

وفي السنة 637 ببغداد ، تحيل قوم غرباء كانوا في « حبس الوزير » في داره بدرب البطيخ ، ونقبوه وخرجوا ليلا، ومضوا لا يعلمون أين يقصدون ، فساقهم القضاء إلي دار حاجب باب النوبي تاج الدين ابن الدوامي ، فأنكرهم الغلمان ، وسألوهم عن حالهم ، فاستجاروا بهم ، وقالوا : قد هربنا من حبس الوزير ، فقبضوا عليهم ، وعرفوا حاجب الباب ، فحبسهم ، وأنهي حالهم ، فتقدم بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ر الحوادث الجامعة 127 ).

ص: 66

3- حبس الانسان في داره

في السنة 126 خاف نصر بن سيار أمير خراسان ، من جديع بن علي بن شبيب الأزدي ، الملقب بالكرماني ، لأنه ولد في كرمان، أن يحدث فتنة ، فحبسه ، فكلمه فيه قومه ، فقال نصر : إني حلفت أن أحبسه ، ولا يبدؤه متي سوء ، فإن خفتم عليه ، فاختاروا رج يكون معه ، فأختاروا يزيد النحوي ، فكان معه في القهندز ، فلبث في الحبس تسعة وعشرين يوما ، ثم تسلل من سرب في موضع مجري الماء ، فخرج ، وكان قد التفت علي بطنه ، وهو في المجري حية ، فلم تضره ، فقال أصحابه من الأزد : كانت الحية أزدية ، فلم تضره ، ولما خرج الكرماني ، جمع ليحارب نصرة ، ثم سفر بينهما الناس ، فوضع الكرماني يده في يد نصر ، فألزمه أن يلزم بيته ( الطبري 288/7 و 289).

ولما قتل الرشيد ، جعفر البرمكي في السنة 187 ، حول أخوه الفضل ليلا فحبس في ناحية من منازل الرشيد ، أما أبوهما يحيي فحبس في منزله ، ثم حبس الفضل ويحيي ومحمد في دير القائم ، وجعل عليهم حفظة من قبل مسرور الخادم وهرثمة بن أعين ، وصير معهم زبيدة بنت منير ، أم الفضل ، ودنانير جارية يحيي ( الطبري 296/7 و297 ).

ولما عزل الرشيد ، علي بن عيسي بن ماهان ، عن ولاية خراسان ،

ص: 67

وحمل إلي بغداد في السنة 192 ، أمر الرشيد به ، فحبس في بيته ( الطبري340/8)

ووجد الأمين ، علي العباس بن عبد الله بن جعفر بن المنصور ، فأراد قتله ، ثم أمر أن يحبس في حجرة من حجر داره ( دار العباس ) ، ويدخل عليه ثلاثة رجال من مواليه ، من مشايخهم يخدمونه ، ويجعل له وظيفة في كل يوم ثلاثة ألوان ( الطبري511/8)

ولما دخل المأمون بغداد ، أمر في السنة 205 بحبس الطبيب جبرئيل بن بختيشوع في منزله ( تاريخ الحكماء 141 ).

أقول : الظاهر إن سبب حبس المأمون بختيشوع، لأن بختيشوع كان عينة للأمين علي أبيه الرشيد ، وكان مسرور الخادم رقيب المأمون ، وكان الرشيد عالما بذلك ، راجع التفاصيل في تاريخ الطبري 338/8 و 339.

وفي السنة 219 غضب المعتصم علي الفضل بن مروان ، وأخذه برفع حسابه ، فلما أنجزه ، لم يناظره فيه ، وأمر بحبسه في منزله ببغداد ، في شارع الميدان ( الطبري 20/9 ).

وحبس الواثق ، الإمام أحمد بن حنبل ، علي القول بخلق القرآن ، حبسه في داره ، أي في دار أحمد بن حنبل ، ومنعه من الخروج منها . ( وفيات الأعيان 1/ 64 ) .

وذكر أحمد بن يوسف الكاتب ، في كتابه المكافأة ( ص50-48):إن حبس الإنسان في داره ، في أيام أحمد بن طولون ، يؤيس من خلاصه .

ولما اختلف أحمد بن طولون ، صاحب مصر والشام . مع الأمير الموفق ، الحاكم في دولة أخيه المعتمد ، طلب أحمد من قاضي مصر ، بكار بن قتيبة ، أن يعلن خلع الموقق من ولاية العهد ، فأبي ، فحبسه في دار ،

ص: 68

وظل مسجونأ عدة سنين ، حتي توفي في السنة 270 ، وكان يجلس في السجن لأصحاب الحديث ، ويحدثهم فيه ، ولما مات أحمد بن طولون ، قيل البكار : انصرف إلي منزلك ، فقال : الدار بأجرة ، وقد صلحت لي ، واستقر فيها ، وأخذ يدفع أجرها ( وفيات الأعيان 279/1 و281 ).

وفي السنة 512 توفي الخليفة المستظهر بالله ، فخلفه ولده المسترشد بالله ، وهرب منه أخوه الأمير أبو الحسن بن المستظهر ، والتجأ إلي الأمير دبيس ، صاحب الحلة ، ثم فارقه وجمع جمعا ، وتفرق جمعه وحمل إلي أخيه المسترشد ، فأنزله دارا حسنة ، كان هو يسكنها قبل أن يلي الخلافة ( يعني إنه اعتقله فيها اعتقا جميلا ) ( ابن الأثير 538/10 ).

وفي السنة 456 عزل السلطان ألب أرسلان، عميد الملك الكندري ، من الوزارة ، وحبسه بنيسابور في دار عميد خراسان ، ثم نقله إلي مرو الروذ ، وحبسه في داره ، ثم بعث إليه من قتله . ( وفيات الأعيان 142/5)

وفي السنة 542 قبض صاحب الموصل ، سيف الدين غازي ، علي الفقيهين كمال الدين الشهرزوري ، وأخيه تاج الدين ، واعتقلهما بقلعة الموصل ، فشفع لهما الخليفة ، فأخرجا من الاعتقال ، وقعدا في بيوتهما ، وعليهما الترسيم ، أي أنهما حبسا في بيوتهما .( وفيات الأعيان 241/4 و242 ).

وفي السنة 547 قبض علي البديع المتصوف الواعظ ، ووجدت عنده ألواح طين فيها قبل ( جمع قبلة بكسر القاف ) وعليها مكتوب أسماء الأئمة الإثني عشر ، فاتهم بالرفض ( التشيع ) وشهر بباب النوبي ، وكشف رأسه ، وأدب ( أي ضرب ) وألزم بيته ( أي حبس في داره ) (المنتظم 148/10 )

وفي السنة 606 عزل الخليفة الناصر فخر الدين بن امسينا عن نيابة

ص: 69

الوزارة ، وألزم بيته ، ثم نقل إلي المخزن علي سبيل الاستظهار عليه ( ابن الأثير 287/12 ).

وفي السنة 610 توفي الوزير معز الدين أبو المعالي سعد بن علي ، المعروف بابن حديدة ، وزير الخليفة الناصر ، وكان الخليفة قد عزله ، وألزمه بيته ( ابن الأثير 302/12 ) .

ص: 70

4 - الحبس :عند احد رجال الدولة

استأمن عمير بن الحباب السلمي ، إلي عبد الملك بن مروان ، فأمنه ، ثم غدر به ، فحبسه عند مولاه الريان ( ابن الأثير 309/4 ) .

ولما استخلف المهدي العباسي في السنة 159 أخرج الحسن بن إبراهيم بن عبد الله العلوي ، من المطبق ، وحوله إلي نصير الوصيف ، فحبسه عنده ( الطبري 117/8 ) .

وفي السنة 164 عزل المهدي عبد الله بن سليمان ، عامله علي اليمن ، ووجه من يستقبله ، ويفتش متاعه ، ثم أمر بحبسه عند الربيع حين قدم ( الطبري 151/8 ).

وكان الإمام موسي بن جعفر ، في عهد المهدي العباسي ، محبوسا عند الربيع الحاجب ( الطبري 177/8 ).

ولما استخلف الرشيد ، أمر بحبس إبراهيم الحراني ، الذي كان وزير للهادي ، عند يحيي بن خالد البرمكي في داره ، ثم كلمه فيه محمد بن سليمان ، فأطلقه ( الطبري 233/8 ).

ولما تواترت الأخبار علي الرشيد ، بميل الناس إلي أحمد بن عيسي بن زيد العلوي ، أمر بحمله ، فحمل إلي بغداد ، فحبسه عند الفضل بن الربيع ، في داره الشارعة ، علي دجلة ، قرب رأس الجسر ، بمشرعة

ص: 71

الصخر ، راجع التفصيل في القصة 195 من كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق مؤلف هذا الكتاب .

وكان الرشيد، قد أعطي أمانأ ليحيي بن عبد الله العلوي ، فحضر بساطه ، ثم بدا له ، فأعاد اعتقاله ، وحبسه عند مسرور الكبير ، في سرداب ( مقاتل الطالبيين 472) .

وفي السنة 187 سعي بعبد الملك بن صالح العباسي ، ولده عبد الرحمن وكاتبه قمامة ، إلي الرشيد ، واتهماه بأنه يسعي لنفسه في الخلافة ، فاعتقله الرشيد وحبسه عند الفضل بن الربيع ( اعلام النبلاء 171/1 والطبري 302/8 ).

ولما اعتقل الرشيد ، الإمام موسي بن جعفر ، بالمدينة ، أخذه معه إلي العراق ، وحبسه عند الفضل بن يحيي البرمكي ، ثم بلغه أنه عنده في رفاهية وسعة ودعة ، فأمر بتسليم موسي إلي السندي بن شاهك ( مقاتل الطالبيين 503)

ولما اعتقل الإمام موسي الكاظم ، في دار السندي بن شاهك ، تولت أخت السندي ، حبسه ، فكانت تقول : خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل الصالح . ( ابن الأثير 164/6 ).

ولما قبض علي إبراهيم بن المهدي ، أمر المأمون بحبسه في دار أحمد بن أبي خالد الأحول الوزير ، للتفصيل راجع كتاب الفرج بعد الشدة ، القصة 349.

وحبس المأمون ، يحيي بن خاقان ، أخا الفتح بن خاقان ، وطالبه بخمسة آلاف ألف درهم ، وجعل محبسه عند أحمد بن هشام ، فقال أحمد للموكلين بيحي : إحفظوه ، وأحذروا أن يسم نفسه ، فبلغ ذلك المأمون ، وكان يعلم بأن بين يحيي وأحمد عداوة وشر، فقال لأحمد : لا يأكل يحيي

ص: 72

بن خاقان إلا ما يؤتي به من منزله ، راجع في القصة 177 من كتاب الفرج بعد الشدة ، كيف تخلص يحيي من سجنه .

ولما تأمر العباس بن المأمون ، علي عمه المعتصم ، في السنة 223 ، اعتقل المعتصم العباس ، ومنع عنه الماء ، فمات بمنبج ، ودفن هناك ، ولما ورد المعتصم سامراء ، أمر بأولاد سندس ( أشقاء العباس ) من ولد المأمون ، فسلموا إلي إيتاخ ، فحبسوا في سرداب من داره ، ثم ماتوا بعد ( الطبري 79/9 ).

وسخط الواثق علي إبراهيم بن رياح ، صاحب ديوان الضياع، فدفعه إلي عمر بن فرج الرخجي ، فحبسه . ( اعتاب الكتاب 145).

واعتقل المتوكل ، أبا سعيد الثغري ، القائد الشهير ، صاحب النكاية في حرب بابك ، وحروب الثغور، وأسلمه إلي أبي الحسين النصراني الجهبذ ، فأخذ يعذبه ، فشق ذلك علي المسلمين ، راجع كيفية إطلاقه ، وسببه ، في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 154.

ولما أراد المتوكل قتل إيتاخ ، أمر إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، بأن يعتقله إذا عاد من الحج إلي بغداد ، فاعتقله ، وحبسه في بيته بالجانب الشرقي من بغداد ، وقيده بقيد ثقيل ، وصير في عنقه ثمانين رطلا ( الطبري 169/9)

ولما غضب المتوكل في السنة 237 علي القاضي النبيل أحمد بن أبي دؤاد ، وكان مشلولا طريح الفراش ، قبض ضياعه ، وحبس ولده محمد في ديوان الخراج ، وحبس إخوته عند خليفة صاحب الشرطة . ( الطبري 189/9)

ولما ضرب أبو نوح ، بأمر من صالح بن وصيف ، في سامراء ، في

ص: 73

السنة 255 ضرب التلف ، مات في يومه في حبس السرخسي خليفة طلمجور علي شرط الخاصة ( الطبري 9/ 398 ).

وكان الحسن بن مخلد الكاتب ، محبوسا في دار القائد صالح بن وصيف ، فلما آستر صالح في السنة 209 خوفا من موسي بن بغا الذي قدم سامراء ، ذهب يا جور صاحب موسي فأخرج الحسن من حبسه . ( الطبري 440/9 )

ولما أعاد محمد بن سليمان ، فتح مصر ، جمع جميع آل طولون ، وهم بضعة عشر رجلا، فحبسهم وقيدهم ، واستصفي أموالهم ، وبعث بهم الي بغداد فحبسوا في دار صاعد . ( النجوم الزاهرة 111/3 ).

وفي السنة 301 عزل المقتدر وزيره أبا علي الخاقاني ، وقبض عليه ، وعلي ولديه عبد الله وعبد الواحد، وعلي أسبابه وكتابه ، واعتقلوا في يد نذير الحرمي ( تجارب الأمم 26/1 ).

وفي السنة 311 لما ناظر الوزير ابن الفرات ، أبا الحسن علي بن عيسي، أمر أن يعتقل في بيت شفيع اللؤلؤي ، فنهض علي بن عيسي مع شفيع ، فأجلسه شفيع في صدر طياره وحمله الي داره ( تجارب الأمم 111/1 و112).

كما إنه لما عزل ابن الفرات في السنة 311 اعتقل في بيت شفيع اللؤلؤي أيضأ ، ثم طلب الوزير الخاقاني أن يعتقل ابن الفرات عنده ، فأسلم إليه ، فناظره ابن بعد شر ، وأوقع به مكروهأ، فطلب ابن الفرات أن ينقل اعتقاله الي دار شفيع اللؤلؤي ، أو غيره من ثقات السلطان ( تجارب الأمم 131 - 127/1)

ومما يذكر أن علي بن عيسي لما صعد درجة شفيع إلي داره مد شفيع إليه يده ، فأتكأ عليها ، ولما صعد ابن الفرات درجة شفيع، جعل يزحف علي

ص: 74

الدرج ، فلم يعنه شفيع ، فعاتبه ابن الفرات ، وقال له : لم لم تعطني يدك ، كما أعطيتها عليا ؟ فقال له : لأن عليا أتقي الله منك ( التكملة 41) .

وفي السنة 312 لما عزل المقتدر الوزير ابن الفرات ، عن وزارته الثالثة ، بعث إليه القائدين نازوك ويلبق ، فدخلوا عليه في دار حرمه ، وأخرجوه حافية ، مكشوف الرأس ، وأخذ الي دجلة ، فألقي عليه القائد يلبق طيلسانا غطي به رأسه ، وحمل إلي طيار فيه مؤنس المظفر ، ومعه هلال بن بدر ، ثم سلم إلي شفيع اللؤلؤي ، فحبس عنده ، ثم قبض علي ولده المحسن ، فرد إلي دار الوزير ، فعذب بأنواع العذاب فلم يجب إلي أداء دينار واحد ، وقال : لا أجمع لكم بين نفسي ومالي ، وأراد المقتدر نقل الوزير وولده المحسن إلي دار الخلافة ، فاحتج القواد ورجال الدولة علي ذلك ، وطالبوا بقتلهما ، فأصدر المقتدر أمره الي نازوك بقتلهما، فقتل المحسن أولا ، وحمل رأسه إلي أبيه ، فارتاع إرتياعا شديدأ ، ثم عرض علي السيف ، فقتل وهو ابن إحدي وسبعين سنة ، وحمل رأساهما إلي المقتدر ، فأمر بتغريقهما ( ابن الأثير 149/8 - 153).

وفي السنة 318 وردت علي أحمد بن نصر القشوري ، وكان علي المعاون بالأهواز ، رقعة من المقتدر بخطه ، يطلب فيها اعتقال البريديين الإخوة الثلاثة ( أبو عبد الله وأبو يوسف وأبو الحسين ) ، وتحصيلهم في داره ، حتي يرد عليه توقيع آخر بخطه ، فقبض عليهم ، واعتقلهم في داره الشاطئية ، حتي ورد عليه كتاب المقتدر بحملهم الي الحضرة ( تجارب الأمم 206/1 و207).

وفي السنة 318 عزل المقتدر ، وزيره ابن مقلة ، وصادره ، فشفع فيه مؤنس ، أن يعفي من المصادرة ، وأن يعتقل عند مرشد الخادم ، فأجيب الي ذلك . ( تجارب الأمم 209/1 ).

ص: 75

وفي السنة 319 اعتقل القائد هارون بن غريب ( ابن خال المقتدر ) أبا بكر محمد بن أحمد بن قرابة وحبسه عنده ، ووكل به حاجبه ، وعده من غلمانه ، وكان ابن قرابة شريرة ، توصل إلي المقتدر ، وأخذ يسعي إليه برجال الدولة ، فيصادرهم ، ويقرض الدولة كل دينار بربح درهم ، وكان آخر من سعي به للمقتدر ، القائد هارون بن غريب ، وذكر للمقتدر أن عند هارون آزاجأ مملوءة ما ، فذكر المقتدر ذلك لهارون ، فضمن له أن يستخرج من ابن قرابة ، إن أسلم إليه ، خمسمائة ألف دينار ، فأمره المقتدر باعتقاله ومطالبته ، فأعتقله ، وأنزل به من المكروه ، ما أشفي به علي التلف ، ثم حصلت واقعة قتل المقتدر ، ففر من كان موكلا به ، وبقي معه غلامان أعطاهما خمسمائة دينار ، فصارا معه إلي فرضة جعفر ( بالجانب الغربي ) ، وأدخلاه إلي مسجد ، وأحضرا حدادة ، وحلا قيوده ، وأطلقاه ( تجارب الأمم 1/ 230 و 231 ).

ولما قتل المقتدر في السنة 320 طلب محمد بن المعتضد لمبايعته ، وكان هو ومحمد بن المكتفي ، معتقلين في يد فائق الحرمي وجه القصعة ، أحد خدم المقتدر . ( تجارب الأمم 242/1 ).

وفي السنة 321 قبض الوزير ابن مقلة ، وزير القاهر ، علي سلفه الوزير الكلوذاني ، وعلي أسبابه ، وكاتبه ، واعتقلهم ، وحبسهم عند أبي بكر بن قرابة ( تجارب الأمم 246/1 ).

وفي السنة 321 قبض الوزير ابن مقلة ، وزير القاهر، علي الإخوة الثلاثة بني البريدي ، وأسلمهم إلي محمد بن خلف النيرماني ، فاعتقلهم محمد بن خلف في داره ، وفرق بينهم ، ورفه عن أكبرهم أبي عبد الله ، وأوقع بأخويه ، وعلق عليهما الجرار المملوءة ، ودهقهما ، وأوقع بهما مكاره عظيمة . ( تجارب الأمم 246/1 و 247).

وفي السنة 350 احتاج معز الدولة الي مال للنفقة علي بناء داره فاعتقل

ص: 76

الوزير المهلبي ، حاشية الأمير مع الدولة ، وألزمهم بأداء مبالغ ألتزموا بها ، فلم يلتزم أبو علي الخازن بشيء، وادعي الفقر ، فاعتقله الوزير في حجرة من حجر داره . ( تجارب الأمم 186/2 ).

وفي السنة 359 عزل بختيار البويهي ، وزيره أبا الفضل العباس بن الحسين الشيرازي ، واستوزر أبا الفرج محمد بن العباس بن فسانجس ، فتسلم أبو الفرج ، أبا الفضل ، وحبسه في داره ، وضيق عليه ( تجارب الأمم 263/2 ) .

وكان القائد الديلمي أسفار بن كردويه ، ببغداد في السنة 372 وكان ذا سلطان ، يحبس في داره ، ويقيد ، وكان من الظلم علي حال معروفة ، وهو أحد اثنين رفع عضد الدولة العدوي عنهما ، أي إنه أن لا تسمع بحقهما دعوي في المحكمة ، راجع في ذيل تجارب الأمم 47 قضة التانيء الذي حبسه أسفار وكيف خرج يحجل في قيوده حتي شكا حاله لعضد الدولة .

وفي السنة 387 قبض المقلد بن المسيب العقيلي ، بالموصل ، علي أخيه علي بن المسيب ، بأن نقب علي بيته ليلا، ودخل عليه ، فأخذه وحصله في خزانته ، أي في حبسه بداره ، فأستنفر أخوهما الحسن بن المسيب حلل العرب ، فنفر منهم عشرة آلاف رجل ، وحشد المقلد جيشأ ، وقبل أن تنشب المعركة بين الأخوين ، قدمت رهيلة بنت المسيب ، أخت المقلد ونادت أخاها ، وهي في هودج ، وقالت له : يا مقلد ، قد ركبت مركبا وضيعة ، وقطعت رحمك ، وعققت آبن أبيك ، فراجع الأولي بك ، وخل عن الرجل ، وأكفف هذه الفتنة ، ولا تكن سببا لهلاك العشيرة ، فلان المقلد في يدها ، وأمر بفك قيد أخيه ، وأطلقه ، ورد عليه جميع ما أخذ منه ( تاريخ الصابي 300/8 - 302).

وفي السنة 560 لما توفي الوزير ابن هبيرة ، أخذ حاجبه ابن تركان ،

ص: 77

وحبس في دار أستاذ الدار ( المنتظم 211/10 ) .

وفي السنة 573 بعث صاحب المخزن ( وزير الداخلية ) ببغداد ، إلي تتامش ليحضر عنده ، وكانت له عادة بزيارته في الليل يخلوان للحديث ، فحضر عنده ، فوكل به في حجرة من دار صاحب المخزن ، وأنفذ إلي داره ، فأخذ الخيل والكوسات ، وكل ما في الدار ، وبقي موكبه في دار صاحب المخزن ( المنتظم 274/10 ) .

ص: 78

5-حبس الامراء العباسيين بالجوسق في سامراء

في السنة 251 لما انحدر المستعين إلي بغداد ، وعجز أتراك سامراء عن إغرائه بالعودة ، عمدوا إلي المعتز ، وكان هو والمؤيد محبوسين في حجرة صغيرة في الجوسق ، فأخرجوه من الحبس ، وأخذوا من شعره ، وبايعوه بالخلافة ، وبايعوا لأخيه ابراهيم المؤيد ، بولاية العهد . ( ابن الأثير 139/7 - 142 والطبري 284/9 و285 ).

وفي السنة 252 غضب المعتز علي أخويه أبي أحمد ، والمؤيد ، وهما شقيقان ، فحبسهما في الجوسق ، وقيد المؤيد، وصيره في حجرة ضيقة ، وضربه خمسين مقرعة وحبس كنجور حاجب المؤيد، وضربه خمسين مقرعة ، وضرب خليفته أبا الهول خمسمائة سوط ، وطوف به علي جمل ( الطبري 361/9 و 362 ).

ولما قتل المهتدي ، وأرادوا مبايعة المعتمد ، أخرجوه من محبسه في الجوسق بسامراء ، وبايعوه ( الطبري 467/9 وابن الأثير 235/7 ) .

وفي السنة 252 سخط علي كنجور ، من أعاظم القواد ، وكان قائم بحماية الثغور ، فأمر بحبسه في الجوسق ، ثم حمل إلي بغداد مقيد ، ثم وجه به إلي اليمامة ، فحبس هناك ( الطبري 372/9 ).

ص: 79

6- الحبس في دار الخلافة ببغداد

في السنة 139 اعتقل أبو جعفر المنصور عمه عبد الله بن علي ، وحبسه في قصره ، في محبس خاص ، كان قد هيأه له من قبل ( الطبري 501/7 و 502).

أقول : لما بويع المنصور بالخلافة ، بعد وفاة أخيه السفاح ، خرج عليه عمه عبد الله بن علي وادعي أن أبا العباس السفاح ، طلب منه أن ينتدب القتال مروان ، علي أن يكون ولي عهده ، وشهد له بذلك عدد من القواد ، فوجه إليه المنصور أبا مسلم الخراساني ، فاشتبك معه في معركة ضارية ، فأنفل جيش عبد الله ، وفر عبد الله وقواده إلي البصرة ، حيث لجأ إلي أخيه سليمان بن علي ، فكتب أبو جعفر إلي سليمان وأخيه عيسي ، يطلب منهما إشخاص عبد الله إليه ، وأعطاهما من الأمان ما وثقا به ، فقدما علي المنصور ، ومعهما أخوهما عبد الله ، وعامة قواده ، وخواص أصحابه ومواليه ، فلما دخلا علي أبي جعفر وأعلماء بحضور عبد الله ، وسألاه أن يأذن له بالدخول ، أنعم لهما بذلك ، وشغلهما بالحديث ، وكان قد هيأ العبد الله محبسا في قصره ، وأمر أن يصرف إليه ساعة وصوله ، ففعل به ذلك ، ونهض أبو جعفر من مجلسه ، وقال لعيسي وعلي : سارعا بعبد الله ، فلما خرجا لم يجداه ، فعلما أنه قد حبس ، فعادا إلي أبي جعفر ، فحيل بينهما وبين الوصول إليه ، وأخذت سيوف من حضر من أصحاب عبد الله وحبسوا ، وكان أحدهم خفاف بن منصور ، حذرهم غدر المنصور ، فلم

ص: 80

يسمعوا ، فلما رأي دلائل الغدر ، قال لهم : إن أطعتموني شددنا شدة واحدة علي أبي جعفر ، فلا يحول بيننا وبينه حائل ، حتي تأتي علي نفسه وننجو بأنفسنا ، فعصوه ، فلما أخذت سيوفهم ، جعل خفاف يضرط في لحيته ( يعفط ) ويتفل في وجوه أصحابه ، ثم أمر أبو جعفر فقتل بعضهم في حضرته ، وبعث بالبقية إلي أبي داود خالد بن إبراهيم بخراسان فقتلهم هناك ، أما فيما يتعلق بمصير عبد الله بن علي ، فإن المنصور قتله في السنة 147 وان كان المؤرخون قد اختلفوا في كيفية القتل ، فمن قائل ان المحبس الذي كان المنصور قد هيأه له ، كان قد بناه علي أساس من الملح ، وانه أجري إليه الماء ليلا فأنهدم علي عبد الله وقتله ، والي ذلك ذهب أكثر المؤرخين ، ومن قائل أنه قتله خنقأ ، وإليه ذهب صاحب مروج الذهب 241/2 ولعله جمع بين القتلتين بأن خنقه ثم هدم عليه البيت ، وكان عبد الله سقاكا للدماء ، غدار ، راجع نتفأ من أخبار غدره وسفكه للدماء ، في هذا الكتاب ، في الباب الحادي عشر « القتل بالة من الات القتل » الفصل الأول « القتل بالسيف » القسم الثالث « القتل غدرة » .

في السنة 196 وثب الحسين بن علي بن عيسي بن ماهان ، أحد قواد الأمين ، بالأمين ، فأخرجه من قصر الخلد ، وحبسه في قصر أبي جعفر بالمدينة . ( الطبري 429/8 ) .

وفي السنة 293 أخرج المكتفي مضاربه إلي الشماسية ( الصليخ ) علي أن يخرج إلي الشام بسبب الخليجي ، ثم وردت الكتب بأن القواد في مصر حاربوا ابن الخليجي ، وهزموه ، وأسروه ، ووجهوا به إلي الحضرة ، فأدخل إلي مدينة السلام من باب الشماسية ، وقدم بين يديه واحد وعشرون رجلا علي جمال ، وعليهم برانس ودراريع حرير ، فلما وصل الخليجي إلي المكتفي ، نظر إليه ، وأمر بحبسه في الدار ( دار الخلافة ) ، وأمر بحبس الآخرين في الحبس الجديد ( الطبري 128/10 و 129 ).

ص: 81

وذكر قاضي القضاة أبو عمر ، أنه لما بويع ابن المعتز، ثم انتقضت بيعته ، أخذ مع أبي المثني القاضي ، ومحمد بن داود الجراح ، وحبسوا في دار الخلافة ، في ثلاثة أبيات متلاصقة ، وأن محمد بن داود الجراح ، وأبا المثني القاضي ، ذبحا أمامه في صحن الدار واحدة بعد الآخر ، فلما أصبح تخلص من الموت ، ولكنه أبصر مقدم لحيته وقد ابيضت فيه طاقات شعر مما الاقي في ليلته تلك ، راجع تفصيل القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، في القصة رقم 179 .

وفي السنة 296 لما فسد أمر ابن المعتز ، إستتر علي بن عيسي ومحمد بن عبدون ، فكبس عليهما ، وأخرجا ، ووكل بهما في دار الخلافة ( تجارب الأمم 7/1).

وفي السنة 297 أدخل إلي بغداد طاهر ويعقوب، ابنا محمد بن عمرو بن الليث الصفار ، أسيرين ، في قبة علي بغل ، وقد كشف جلالها ، وحبسا في دار السلطان ( دار الخلافة ) . ( تجارب الأمم 16/1 ).

وفي السنة 301 قبض علي الحلاج بالسوس ، وأدخل بغداد ، مشهرة علي جمل فصلب وهو حي ، وصاحبه خال ولده ، في الجانبين جميعا ، وحبس الحلاج وحده في دار السلطان . ( تجارب الأمم 32/1 ).

وفي السنة 303 حمل الحسين بن حمدان ، من باب الشماسية إلي دار السلطان مصلوبة علي نقنق ، منصوبا بأعلي ظهر فالج ، وابنه مشهور علي جمل آخر ، والبرانس علي رؤوسهما ، وسار بين يديه الأمير أبو العباس ( الراضي ) والوزير علي بن عيسي ، والقواد ، والجيش والفيلة ، فلما وصلوا إلي دار السلطان ، وقف الحسين بين يدي المقتدر ، ثم أمر بتسليمه إلي زيدان القهرمانة ، فحبس عندها في دار السلطان . ( تجارب الأمم 37/1 و38) .

ص: 82

وفي السنة 311 أخرج ابن الفرات من حجرته التي كان معتقلا فيها بدار السلطان ، عند زيدان القهرمانة ، ووضع مكانه علي بن عيسي حيث عزل واعتقل ، ووزر ابن الفرات وزارته الثالثة . ( تجارب الأمم 88/1 ).

ولما خاف حامد بن العباس ، سطوة غريمه ابن الفرات وزير المقتدر ، جاء إلي دار الخلافة ، وكلم مفلح ، أحد خدم المقتدر ، بأن يكلم الخليفة في أن يعتقل حامد في دار الخلافة كما اعتقل فيها علي بن عيسي ، وأن لا يسلم إلي الوزير ابن الفرات . ( تجارب الأمم 97/1 ) .

وكان في دار الخلافة ، في عهد المقتدر ، دار خاصة ، تشرف عليها زيدان القهرمانة ، يحبس فيها الوزراء ، والقواد ، وكبار رجال الدولة ، وقد حبس فيها في السنة 304 القائد الحسين بن حمدان التغلبي وولده ، والوزير أبو الحسن علي بن عيسي ، والأمير يوسف بن أبي الساج ، كما اعتقل فيها في السنة 306 الوزير أبو الحسن بن الفرات ، وظل معتقلا فيها خمس سنين ، واعتقل فيها في السنة 314 الوزير الخصيبي ، وفي السنة 316 الوزير علي بن عيسي ، ولما عزل المقتدر ، وأعيد إلي الخلافة ، حمل من دار مؤنس إلي دار زيدان القهرمانة ( تجارب الأمم 38/1 ، 40، 50، 66، 68 ، 149 ،184 ، 198)

وفي السنة 312 لما اعتقل الوزير أبو الحسن بن الفرات ، أحدر إلي دار السلطان ( دار الخلافة ) ، أما أولاده وكتابه ، فاعتقلوا في دار نصر الحاجب ( تجارب الأمم 126/1 ). ثم احتج القواد علي بقائه في دار الخلافة ، فحبس في دار شفيع اللؤلؤي ( تجارب الأمم 127/1 ). وكان المحسن ، ابن الوزير ، قد استتر ، ثم قبض عليه ، فحبس في دار الوزراة بالمخرم ( العلوانية ) ( تجارب الأمم 132/1 ).

ص: 83

ولما عزل أبو العباس الخصيبي في السنة 314 حبس في دار الخلافة عند زيدان ، ثم حمل إلي ثمل القهرمانة ، فاعتقل عندها. ( تجارب الأمم 157/1)

وفي السنة 316 عزل الوزير علي بن عيسي ، وصار إليه القائد هارون بن غريب ، فاعتقله وأخاه عبد الرحمن بن عيسي ، وحملا إلي دار السلطان ، فسلم علي بن عيسي إلي زيدان القهرمانة ، واعتقل عبد الرحمن عند نصر . ( تجارب الأمم 185/1 ).

وفي السنة 317 خلع المقتدر ، ونصب أخوه القاهر خليفة بدلا منه ، وأخرج مؤنس علي بن عيسي من الحبس من دار السلطان ( أي دار الخلافة ) ومن المحبوسين الذين أخرجهم من دار الخلافة ، أبو القاسم الحسين بن روح ، وكان في الحبس منذ خمس سنين ( تجارب الأمم 193/1 و195 ) ثم انقلب الحال وعاد المقتدر إلي الخلافة ، فأخذ القاهر يبكي ويقول : يا أمير المؤمنين ، نفسي ، نفسي ، فطمأنه المقتدر ، وقال له : أنا أعلم أنه لا ذنب لك ، وأنك قهرت ، ولو لقبوك المقهور ، لكان أولي من تلقيبك بالقاهر ، ثم ان المقتدر حبس القاهر عند والدته ( والد المقتدر ) فأحسنت إليه ، وأكرمته ، ووعت عليه في النفقة ، وأشترت له السراري والجواري للخدمة ، وبالغت في إكرامه والإحسان إليه بكل طريق ( ابن الأثير 207/8 ).

أقول : راجع في هذا الكتاب ، في الباب الخامس ، في القسم الثاني من الفصل الثاني ( التعليق ) ما جازي به هذا العاق اللئيم ، أم المقتدر .

وفي السنة 319 عزل المقتدر وزيره سليمان بن الحسن بن مخلد ، وقبض عليه وعلي أبي القاسم عبيد الله بن محمد الكلوذاني ، وحملا إلي دار السلطان ( دار الخلافة ) فاعتقلا فيها ( تجارب الأمم 211/1 ) .

ومما يشبه الحبس ، ما عاناه أحد عرفاء الفراشين في دار المقتدر ،

ص: 84

وكان مكلفا برش الخيش في مجلس أعد للمقتدر ، فلما رش الخيش ، أغفي في إحدي زوايا المكان ، ولم ينتبه إلا والمقتدر في مجلسه ، وحوله الجواري ، وهو يشرب ويستمع للغناء ، وعلم العريف أنه إن ظهر قتل ، فصعد إلي باطن بادهنج ( بادگير ) في الموضع ، وظل فيه إلي أن انتهي المجلس ، راجع التفصيل في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 180 .

وفي السنة 321 ضيق القواد علي القاهر، ونقل علي بن يلبق ، المحبوسين في دار السلطان ( دار الخلافة ) ، إلي داره ، ومنهم السيدة أم المقتدر ( تجارب الأمم 290/1 ) .

ولما قتل القاهر إسحاق بن إسماعيل، وضع في محبسه بدار السلطان ، الفضل بن جعفر ، الذي كان وزيرا للمقتدر . (( تجارب الأمم 287/1)

وفي السنة 321 بعث القاهر خادمه سابور ، فقبض علي وزيره محمد بن القاسم ، وأخذه وأخذ المحبوسين في داره ، فنقلهم إلي دار السلطان ( دار الخلافة ) . ( تجارب الأمم 272/1 ).

ولما قتل القاهر في السنة 321 القائد مؤنس ، أرسل رأسه إلي أبي العباس بن المقتدر ( الراضي ) ، وكان في حبس القاهر . ( تجارب الأمم 268/1)

وفي السنة 322 تحرك الغلمان الساجية والحجرية لخلع القاهر ، لأنهم بلغهم إنه قد بني لهم المطامير ليحبسهم فيها ، فحلف لهم القاهر ، أن ما يبنيه ، ليس بمطامير وإنما هي حمامات رومية للحرم . ( تجارب الأمم 286/1)

وكان القاهر قد اعتقل طريف السبكري ، وحبسه في دار السلطان ( دار

ص: 85

الخلافة ) ، فلما تحرك الغلمان علي القاهر، واعتقلوه ، فتحوا محبس طريف السبكري ، وكسروا قيده ، وأطلقوه ، وأدخلوا القاهر إلي موضعه ، وحبسوه فيه ، ووكلوا بالباب جماعة من الساجية والحجرية ( تجارب الأمم 289/1)

ولما خلع القاهر في السنة 322 ، سألوا عن المكان الذي كان فيه أبو العباس بن المقتدر ، وكان هو ووالدته محبوسين ، فأخرجوه من السجن ، وأجلسوه ، وبايعوه بالخلافة ، ولقب بالراضي بالله . ( ابن الأثير 282/8 ) .

ولما بويع الراضي في السنة 322، استوزر ابن مقلة، فأطلق كل من كان في حبس القاهر من كاتب وجندي ( يريد المدنيين والعسكريين ) (تجارب الأمم 295/1 ) .

وفي السنة 324 لما عزل الراضي ، عبد الرحمن بن عيسي وزيره ، اعتقله وأخاه أبا الحسن علي بن عيسي ، وحبسه في دار الخلافة ، فتوسط الأمر أبو محمد الصلحي وكلم الراضي ، فأمر بنقله إلي دار الوزير . ( الوزراء 360 ).

أقول : ذكر صاحب رسوم دار الخلافة ( ص 60 و61) انه لما عزل الراضي وزيره عبد الرحمن بن عيسي عن وزارته ، اعتقل أخاه علي بن عيسي في دار الخلافة ، فتوشط أبو محمد الحسن بن عمر الصلحي ، في أمره ، وكلم الراضي فوجده مغتاظأ من علي بن عيسي ، وقال له : إنه ما خاطبني إلا قال لي : واك ( أصلها ويلك ، خففت إلي والك ، ثم خففت إلي واك ) فهل يتلقي الخلفاء بمثل هذا ؟ فما زال الصلحي به حتي أمر بنقله إلي الاعتقال ، في دار الوزارة ، حيث صحح ( أي أذي ) ما أخذ به خطه ( أي ما صودر عليه ) وصرف إلي منزله .

ص: 86

وفي السنة 329 دخل الأمير ابن رائق بغداد ، وظفر بكورتكين ، فحبسه بدار الخليفة . ( ابن الأثير 377/8 ) .

وفي السنة 330 اعتقل كورنكيج ، رئيس الجند الديلم ، وحمل إلي دار السلطان ( دار الخلافة ) ، ولما أحتل أبو الحسين البريدي بغداد ، أخذ كورنكيج وقيده ، وأصدره إلي أخيه أبي عبد الله ، فكان آخر العهد به . ( تجارب الأمم 2/ 22 و25).

وفي السنة 381 تقدم الي الخليفة الطائع ، وهو في مجلسه ، أصحاب بهاء الدولة البويهي ، وأنزلوه من سريره ، ولفوه في كساء ، وحملوه في زبزب ، حيث اعتقل في دار المملكة ( المخرم ) ولما استقر القادر في الخلافة ، سلم إليه الطائع ، فأنزله حجرة من خاص حجره ، ووكل به من يخدمه ( ويحفظه ) من خواص خدمه ، وأحسن ضيافته ، وكان يطلب الزيادة في الخدمة ، كما كان أيام الخلافة ، فيأمر له القادر بذلك ، وحكي عنه إن القادر أرسل إليه طيبا ، فقال : من هذا يتطيب أبو العباس ؟ يعني القادر ، قالوا : نعم ، فقال : قولوا له عني ، في الموضع الفلاني كندوج فيه طيب كنت أستعمله ، فليرسل إلي بعضه ، ويأخذ الباقي لنفسه ، ففعل ذلك ، وأرسل إليه القادر يومأ عدسية ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : عدسية ، فقال : عدس وسلق ، أو قد أكل أبو العباس منها ؟ قالوا : نعم ، قال : قولوا له عني ، لما أردت أن تأكل عدسية لم اختفيت ؟ فما كانت العدسية تعوزك ، ولم تقلدت هذا الأمر ؟ فأمر القادر أن تفرد له جارية من طباخاته تطبخ له ما يلتمسه كل يوم ( ذيل تجارب الأمم 203 و 245 وابن الأثير 93/9 ) .

وفي السنة 496 قبض علي وزير الخليفة ، سديد الملك أبي المعالي ، وحبس في دار بدار الخلافة ، وكان أهله قد وردوا عليه من إصبهان ، فنقلوا إليه ، وكان محبسه جميلا ، وسبب عزله جهله بقواعد ديوان الخلافة ، وأطلق في السنة 497 من الحبس ( ابن الأثير 362/10 و 377) .

ص: 87

وفي السنة 531 استوزر الحافظ العلوي ، صاحب مصر ، رضوان بن الولخشي ، ولقبه الملك الأفضل، وعزله في السنة 33ه ففر إلي الشام ، وعاد في السنة 534 مع عسكر ، فقاتل ، وانكسر ، فأخذه الحافظ ، وحبسه في قصره ، وجمع بينه وبين عياله في القصر ، فبقي محبوسا في القصر إلي السنة 543 ، فنقب الحبس وخرج ، وجمع جمعا ، وحارب ، فانكسر ، وعمد أحد أصحابه إليه ، فضرب رأسه بالسيف ، فقتله ، وحمل رأسه إلي الحافظ ( ابن الأثير 49/11 ) .

ولما مات المستنجد في السنة 566، كان ولده أبو محمد الحسن ، محبوسا ، علي سنة بني العباس ، في حبس الأولاد والأقارب ، فعمد أستاذ الدار عضد الدين ، واستخرج أبا محمد الحسن من حبسه ، وشرط عليه شروطة ، منها أن يكون هو الوزير ، وأن يكون ولده أستاذ الدار ، وفلان أمير العسكر ، وفلان كذا وكذا ، فالتزم له بجميع ما طلب ، وحلف له علي ذلك أيمانا مغلظة ، فبايعه أستاذ الدار ، وبايعه الآخرون من الحاشية في داخل الدار البيعة الخاصة ، ولقب بالمستضيء ( الفخري 318 و 319) .

وفي السنة 575 توفي الخليفة المستضيء، ونلفه ولده الناصر ، فقبض علي ظهير الدين بن العطار ، وكان متمكنة في دولة المستضيء ، ووكل به في داره ، ثم نقل إلي التاج ، وقيد، ووكل به . ( ابن الأثير ا 459/11)

وفي السنة 601 سخط الخليفة الناصر العباسي علي ولده محمد ( الظاهر فيما بعد ) وعزله عن ولاية العهد ، وألزمه أن يخلع نفسه ، فخلعها وأشهد علي نفسه ، وحبسه في دار من دور الخلافة مبيضة الأرجاء ، حتي ضعف بصره ، وكان حراسه يفتشون ما يرد إليه حتي اللحم والطعام ، وكان أبوه لما عزله عهد بولاية العهد إلي ولده الثاني أبي الحسن علي ، وحدث أن توفي أبو الحسن علي في السنة 118 فأعيد الظاهر إلي ولاية العهد، ولما

ص: 88

توفي الناصر في السنة 622 خلفه ولده الظاهر ، وهو ابن 52 سنة ( الوافي بالوفيات 96/2 و 97 ).

وفي السنة 604 قبض الناصر العباسي ، علي وزيره نصير الدين الرازي ، وحبسه في دار بدار الخلافة ، تحت الاستظهار ، حتي مات في الحبس في السنة 617 ( الفخري 326).

وفي السنة 606 عزل نائب الوزارة فخر الدين أبو البدر محمد بن أحمد بن امسينا الواسطي ، وأغلق بابه ، ونقل من دار الوزارة إلي دار الخلافة العزيزة ، ليلا ، وحبس في باطنها ، وكان آخر العهد به . ( الجامع المختصر 285)

وفي السنة 629 توفي مؤيد الدين القمي ، وزر للناصر العباسي ، ثم الولده الظاهر ، ثم لولده المستنصر ، وقبض عليه المستنصر ، وحبسه في باطن دار الخلافة مدة ، فمرض ، فأخرج فمات ( الفخري 328).

وكان الخلفاء العباسيون ، يحبسون إخوانهم ، وأعمامهم ، وأقرباءهم ، علي تكرمة ، في دور يحفظون فيها مع أفراد عائلتهم ، من زوجات وسر اري ، وبنين وبنات ، وكان مقر هؤلاء الأمراء أول الأمر ، دورا في الحريم الطاهري ، بالجانب الغربي ، وكان الحريم الطاهري ، محاطة بسور يحرسه قوم فرضت عليهم أوامر مشددة بأن لا يدعو أحدا من الأمراء يبارحه إلا بأمر من الخليفة أو من الأمير النافذ الحكم في الدولة ( القصة 163 و166 من كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، وتجارب الأمم 3/1، 193 ، ومعجم البلدان 255/2 والتكملة 59 والفخري 333 ).

ثم نقل مقر هؤلاء الأمراء ، إلي دور في داخل دار الخلافة ، لتكون مراقبتهم أسهل ، والسيطرة علي تصرفاتهم أقوي ، ونورد علي سبيل المثال : أن الخليفة المستظهر لما توفي ، واستخلف ولده المسترشد ، فر أخوه الأمير

ص: 89

أبو الحسن إلي الحلة في السنة 512 ، واستقر ضيفا عند أميرها دبيس ، فحاول المسترشدر بمختلف الطرق أن يستعيد أخاه ، ولما استعاده حبسه ، وقتل من أعانه علي الهرب ، وشدد في التضييق عليه ، حتي إنه سد عليه باب حبسه ، وأبقي منه موضعا يكفي لإيصال الحوائج إليه ، وفي السنة 514 طالب السلطان محمود السلجوقي ، الخليفة المسترشد بأن يفرج عن الأمير أبي الحسن ، فبذل له المسترشد ثلثمائة ألف دينار ، ليسكت عن هذه المطالبة ( المنتظم 198/9 ، 205، 207، 218) .

ولما فتح التر بقيادة هولاكو بغداد ، أخرجوا الأمراء العباسيين من دار الخلافة ، من الدور التي كانوا معتقلين فيها ، وهم إخوة الخليفة وأعمامه وأقاربه ، وقتلوهم جميعا .

ص: 90

7 - الحبس في القلاع والحصون

أراد المتوكل ، أن يختبر الطبيب حنين بن اسحاق ، فأحضره ، ووصله ، واكرمه ، وأمره أن يركب دواء ساما ليقتل به عدوا له، فاعتذر حنين بأنه لم يتعلم صنع السموم فتهدده ، فأصر علي قوله ، فحبسه في إحدي القلاع، وأحضره بعد سنة ، وراوضه من جديد في صنع الدواء السام ، فأصر علي الاعتذار ، فاقتنع المتوكل بشرف حنين وذمته ، وخلع عليه وأكرمه . تاريخ الحكماء 175 - 177).

واتهمت فاطمة بنت أحمد بن علي الهزارمردي الكردي ، زوجة ناصر الدولة ، أحد عمالها بخيانة في مالها ، فاعتقلته في إحدي القلاع ، ثم كتبت تأمر بقتله ، ولم يكن أحد في القلعة يحسن القراءة والكتابة غيره ، فلما قرأ في الكتاب الأمر بقتله ، أغفل قراءته ، ثم احتال في الهرب ، راجع تفصيل ذلك في القصة 170 من كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف .

وفي السنة 356 قبض أبو تغلب الحمداني ، علي أبيه ناصر الدولة ، باتفاق مع أمه فاطمة بنت أحمد الكردية ، وأخيه أبي البركات ، وأخته جميلة ، وحبسه ، فلما فعل ذلك اختلف الإخوة فيما بينهم ، وتفرقت كلمتهم وانتشر أمرهم ، ثم عثروا علي مكاتبة من أبيهم لأولاده الآخرين ، فتحرزوا منه ، ونقلوه إلي قلعة كواشي ( أرد مشت ) ( ابن الأثير 631/8 - 634 ) ، وسير أبا تغلب أخاه محمدا لمحاربة أخيهما حمدان ، ثم بلغه أن محمدا قد

ص: 91

خامر عليه مع حمدان ، فأحضره ، واستصفي أمواله ، واعتقله في قلعة أرد مشت ، ثم كتب يأمر بقتله ، فتأخر تنفذ ذلك حتي تخلص محمد ، وحل محل أخيه أبي تغلب في الإمارة والحكم ، في قصة طريفة ، راجع كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف رقم القصة 196 .

وفي السنة 336 خالف كوركير القائد الديلمي ، علي معز الدولة بن بويه ، فسار إليه الصيمري ، وزير معز الدولة ، وقاتله ، وأسره ، فحبسه معز الدولة ، بقلعة رامهرمز ( ابن الأثير 469/8 ) .

وفي السنة 337 سار السلار المرزبان بن محمد ، الي الري ، ليطرد ركن الدولة عنها، فحاربه ركن الدولة ، وأسره ، مع ثلاثة عشر قائد من قواده ، وحمله إلي القلعة بسميرم ، وحبسه فيها ( تجارب الأمم 115/2 ).

وفي السنة 342 تخلص المرزبان ، من حبس ركن الدولة ، وكان ركن الدولة قد حبسه في قلعة سميرم ، فسعت أم المرزبان ، وهي بنت جستان بن وهسوزان الملك ، ووضعت جماعة للسعي في تخليص ابنها، فقصدوا قلعة سميرم ، وأظهروا أنهم تجار ، وإن المرزبان قد أخذ منهم أمتعة نفيسة ولم يؤد إليهم ثمنها، واجتمعوا بمتولي قلعة سميرم ، واسمه شير أسفار، وعرفوه قصتهم ، وسألوه أن يجمع بينهم وبين المرزبان ، ليحاسبوه ، ويأخذوا خطه إلي والدته ، لتؤدي إليهم حقهم ، فرق لهم أسفار ، وجمعهم بالمرزبان ، فطالبوه ، فأنكر ، فغمزه بعضهم ، ففطن ، وأعترف لهم ، وأستمهلهم حتي يتذكر ، فأقاموا في القلعة ، وبذلوا الأموال لشير أسفار والأجناد ، وضمنوا لهم الأموال الجليلة، إذا حصلوا علي مالهم بذمة المرزبان فصاروا يدخلون الحصن بغير إذن ، وكان لشير أسفار غلام أمرد جميل الوجه يحمل ترسه وزوبينه ، فتظاهر المرزبان ، بأنه قد عشق ذلك الغلام ، وأعطاه مالا كثيرة ، فواطأه علي ما يريد، وأوصل إليه مبارد ، فبرد قيده ، وأصبح يتمكن من إخراجه من ساقه متي شاء واتفق المرزبان وأصحابه والغلام علي

ص: 92

قتل شير أسفار في يوم عينوه ، وكان شير أسفار يقصد المرزبان كل أسبوع ذلك اليوم يتفقده وقيوده ، فلما كان يوم الموعد دخل أحد أولئك التجار فقعد عند المرزبان ، وجلس آخر عند الباب ، وأقام الباقون بباب الحصن ينتظرون الصوت ، ودخل أسفار إلي المرزبان ، فأخرج ساقه من القيد ثم أخذ الترس والزوبين من الغلام ، وقتل شير أسفار ، وثار التاجر الذي عند البواب فقتله ، ودخل الذين كانوا بباب الحصن إلي المرزبان، وأمن المرزبان الباقين من جند القلعة وأخرجهم ، ثم لحق بأمه وأخيه ( ابن الأثير 502/8 و503).

وفي السنة 344 هجم ابن ماكان علي إصبهان ، واستولي عليها، فحاربه ابن العميد وزير ركن الدولة ، وأسره، وجميع قواده ، وحملهم إلي القلعة بخان لنجان ، واعتقلهم بها ( تجارب الأمم 159/2 و 160).

وفي السنة 364 خالف أهل كرمان علي عضد الدولة ، وأمروا قائد تركيا ، اسمه يوزتمر ، وكانت الفتنة بتحريض من طاهر بن الصمة ، من الجرومية ، فأصبح طاهر وزيرا ليوز تمر، فكتب عضد الدولة إلي قائده المطهر بن عبد الله بقصد كرمان ، فحصر يوزتمر في حصن في وسط مدينة بم ، فطلب يوزتمر الأمان ، فأمنه ، فخرج ومعه طاهر ، فأمر المطهر بطاهر فأشهر ثم ضرب عنقه ، أما يوزتمر ، فرفعه إلي بعض القلاع، فكان اخر العهد به ( ابن الأثير 655/8 و656).

وفي السنة 383 تخلص أولاد بختيار البويهي من محبسهم في قلعة خرشنة ، وكان عضد الدولة قد حبسهم فيها بعد أن قتل أباهم ، فلما ولي شرف الدولة بن عضد الدولة ، أحسن إليهم وأطلقهم ، وأنزلهم بشيراز ، وأقطعهم ، فلما مات شرف الدولة ، حبسوا في قلعة ببلاد فارس ، فاستمالوا مستحفظها ومن معه من الديلم ، فأفرجوا عنهم ، واجتمع عليهم جمع ، فسير إليهم صمصام الدولة جند ، فتحصن بنو بختيار وكانوا ستة ، ومن معهم من الديلم ، بالقلعة ، فاحتال قائد الجيش فملك القلعة ، وأسر أولاد بختيار ،

ص: 93

فأمر صمصام الدولة ، فقتل اثنان منهم ، وأعيد الأربعة الباقون إلي الحبس في قلعة الجنيد ( ابن الأثير 96/9 ذيل تجارب الأمم 248 و249).

وكان الوزير أبو مروان عبد الملك الخولاني ، أثيرة عند المنصور ابن أبي عامر ، ولكن المظفر بن المنصور اتهمه ، فاعتقله في برج من ابراج قلعة طرطوشة ، حتي مات في الاعتقال ( نفح الطيب 586/1 و 587 ).

وقبض عضد الدولة علي أبي الوفا طاهر بن محمد ، واعتقله بقلعة الماهكي ، فلما توفي عضد الدولة ، كتب الوزير ابن سعدان ، الي الموكل بالقلعة ، فقتله، وأنفذ رأسه في مخلاة ، إلي ابن سعدان ، فشاهده ، وتقدم بدفنه ، فدفن تحت مسناة داره علي دجلة ، بالجانب الشرقي ، في مشرعة باب الطاق ( الصرافية الأن ) فلما قتل ابن سعدان ، رمي برأسه وبدنه في دجلة ، فانحدر الرأس إلي مشرعة المخرم ( العلوانية الآن ) ودفن تحت مسناة دار أبي الوفاء طاهر بن محمد ( الهفوات النادرة 217 ).

وفي السنة 390 انقرضت الدولة السامانية ، وكان آخر أمرائها عبد الملك بن نوح ، تولي الإمارة في السنة 389 فقصده الملك خان التركي وأسمه أبو نصر أحمد بن علي ، ولقبه شمس الدولة ، فاقتحم عليه مدينة بخاري ، فاستتر عبد الملك ، وبث عليه الطلب ، حتي ظفر به فحبسه ببافكند حتي مات ، وحبس معه أخاه أبا الحارث منصور بن نوح الذي كان في الملك قبله ، وأخويه أبا إبراهيم إسماعيل وأبا يعقوب إسحاق ، وعميه أبا زكريا وأبا سليمان ، وغيرهم من آل سامان ، وأفرد كل واحد منهم بحجرة ، وآخر ملوكهم هو عبد الملك بن نوح بن نصر بن أحمد بن إسماعيل ، كلهم ملكوا ( ابن الأثير 129/9 ).

وفي السنة 391 أعلن القادر العباسي البيعة بولاية العهد لولده أبي الفضل ، ولقبه الغالب بالله ، وسبب ذلك إن أبا عبد الله الواثقي ، من أولاد

ص: 94

الواثق ، وكان من أهل نصيبين ، جاء إلي بغداد ، ثم قصد خراسان ، وعبر إلي ما وراء النهر ، وقصد هارون بن ايلك بغراخان ، ملك الترك ، وصحبه أبو الفضل الفقيه ، وادعي الفقيه إنه رسول الخليفة ، وانه يأمر بمايعة هذا الواثقي بولاية العهد ، فأجابه هارون خان ، وبايعه ، وخطب له ببلاده ، ونفق عليه ، فبلغ القادر ذلك ، فعظم عليه ، وراسل هارون خان في أمره ، فلم يصغ إلي مراسلته ، ولما توفي هارون ، وخلفه أحمد قراخان ، كاتبه الخليفة في معناه ، فأمر بإبعاده ، وحينئذ بايع الخليفة لولي عهده ، وأما الواثقي ، فإنه قصد بغداد ، فطلب ، وفر إلي البصرة ، ثم إلي فارس ، فكرمان ، ثم إلي بلاد الترك ، وراسل الخليفة الملوك في طلبه ، فسار إلي خوارزم ، ثم فارقها ، فأخذه يمين الدولة ، فحبسه في قلعة ، إلي أن توفي بها ( ابن الأثير 165/9 و166).

وفي السنة 441 اختلف قرواش بن المقلد ، الملقب معتمد الدولة ، مع أخيه زعيم الدولة بركة أبي كامل ، واقتلا، ثم فارق قرواش أصحابه ، فضعف أمره ، فجاء إليه أخوه بركة ، واجتمع به ، ونقله إلي حلته ، وأحسن عشرته ، وأنفذه إلي الموصل محجورة عليه ، وجعل معه بعض زوجاته في دار ، ثم جاء إليه ، وقبل يده ، وصالحه ، وأعاده إلي التصرف ، ثم عاد أخوه فمنعه من التصرف ، وفي السنة 443 توفي بركة ، وتأمر خلفا له قريش بن بدران بن المقلد ، فنقل عمه قرواش إلي قلعة الجراحية من اعمال الموصل ، فاعتقل بها، وتوفي السنة 444 ( ابن الأثير 554/9 ، 564، 579 ، - 587)

وفي السنة 444 قبض عيسي بن خميس بن مقن، علي أخيه أبي غشام صاحب تكريت ، وسجنه في سرداب بالقلعة ، واستولي علي تكريت ، وفي السنة 448 مات عيسي ، وكانت زوجته أميرة بنت غريب بن مقن ، فخافت أن يملك أبو غشام البلد ، فقتلته ( ابن الأثير 591/9 ، 627).

ص: 95

ولما قتل طغرل في السنة 444 تذاكر قواد الدولة الغزنوية ، ميمن يولوه للسلطنة ، فأشاروا بولاية فرخ زاد بن مسعود بن محمود ، وكان محبوسا في إحدي القلاع، وأحضر ، وسلطن . ( ابن الأثير 9/ 584 ).

وفي السنة 447 دخل السلطان طغرلبك بغداد ، فوثب العامة بأتباعه ، فأتهم الملك الرحيم البويهي ، وطلب حضوره ، وبعث له أمانة ، فقصده الملك الرحيم ، ومعه رسل من الخليفة ببراءته مما حصل ، فلما وصلوا إلي خيامه ، نهبهم الغير ، ونهبوا رسل الخليفة ، وأخذوا دوابهم وثيابهم ، ولما دخل الملك الرحيم ، خيمة السلطان ، قبض عليه ، وحبسه بقلعة السير وان ، ثم نقله إلي قلعة الري ، حيث مات سنة 450 ( ابن الأثير 612/9 و 650).

وكانت أرملة فخر الدولة البويهي ، هي الحاكمة صاحبة الأمر والنهي في جميع بلاد الري والجبل ، والإسم لولدها مجد الدولة ، وأراد مجد الدولة أن يسير أمور الدولة بنفسه ، فضايق والدته وحجر عليها ، فهربت منه إلي بدر بن حسنويه ، واستعانت به فأعانها بجيش طرد مجد الدولة ، فنصبت بدلا منه أخاه شمس الدولة ، وعادت هي إلي إدارة الحكم في البلاد ، وقيدت مجد الدولة ، وسجنته في القلعة ، ثم رأت تغير من شمس الدولة ، ورغبة منه في تسيير الأمور بنفسه ، فعزلته ، وأعادت ولدها مجد الدولة إلي الملك ، وصارت هي تدبر الأمر ، وتسمع رسائل الملوك ، وتجيب عليها ، فاستنجد شمس الدولة ببدر بن حسنويه ، فأنجده بجيش لم يصنع شيئا ( ابن الأثير 203/9 و 204).

وكان شرف الدولة مسلم بن قريش ، أمير بني عقيل (ت 478 ) قد قبض علي أخيه إبراهيم ، واعتقله في إحدي القلاع، فلما أراد المضي إلي خراسان ، إلي السلطان ألب أرسلان ، استدعي مستحفظ القلعة ، وقال له : أنا ماض إلي هذا السلطان ، ولست أعلم ما يكون متي هناك ، فإن أنا

ص: 96

هلكت ، أو قبض علي ، فأطلق أخي إبراهيم ، ليقوم مقامي في إمارة العشيرة ( الهفوات النادرة 247 ) .

وأمر السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه ، باعتقال عزيز الدين المستوفي ، متولي الخزانة ، فاعتقل بقلعة تكريت ، وحبسه فيها حتي قتله سنة 525 ( وفيات الأعيان 189/1 ).

وفي السنة 515 مات الشاعر مسعود بن سعد اللاهوري ، نديم السلطان سيف الدين محمد بن ابراهيم الغزنوي ، وكان موته في قلعة نايء ، سجينا ، طال سجنه عشرين سنة حتي مات ( الاعلام 111/8 ).

وفي السنة 515 وقعت معركة بين بلك بن بهرام ، ابن أخي ايلغازي صاحب حلب ، وبين جوسلين الافرنجي ، صاحب الرها ، فظفر بلك ، وأسر جوسلين ، وابن خالته كليام ، وجماعة من فرسانه المشهورين ، فحبس جوسلين في جلد جمل ، وخيط عليه ، وبذل في فداء نفسه ما جزيلا ، فلم يجب إلي ذلك ، وحبسوا جميعا في قلعة خرتبرت وفي السنة 517 حارب بلك ، ملك الفرنج بغدوين ، فأسره ، وأضافه إلي المحبوسين بقلعة خرتبرت ( ابن الأثير

593/10 و 613).

وفي السنة 516 حارب دبيس بن صدقة ، عسكر السلطان محمود السلجوقي ، وظفر بهم ، فلما سمع السلطان محمود بخبر الوقعة ، قبض علي منصور أخي دبيس ، وكحله ( سمل عينيه ) ، وقبض علي ولده ، وحبسهما في قلعة برحين ، وهي مجاورة لكرج ، ولما بلغ دبيسأ أن السلطان كحل أخاه ، جز شعره ، ولبس السواد ( ابن الأثير 599/10 ، 600، 607) .

وفي المنة 534 وقعت معركة بين الأمير بوزابه ، والملك سلجوق شاه بن السلطان محمود السلجوقي ، فوقع سلجوق شاه أسيرا في يد بوزابه ، فسجنه في قلعة بفارس ( ابن الأثير 70/11 ).

ص: 97

وفي السنة 541 حبس السلطان مسعود ، أخاه سليمان شاه ، بقلعة تكريت ( ابن الأثير 118/11 ).

وفي السنة 542 قبض صاحب الموصل ، سيف الدين غازي ، ابن عماد الدين زنكي ، علي الفقيهين كمال الدين الشهرزوري وأخيه تاج الدين ، واعتقلهما بقلعة الموصل ، فشفع لهما الخليفة ، فأخرجا من الاعتقال ، وقعدا في بيوتهما وعليهما الترسيم ، ولما مات سيف الدين ، رفع الترسيم عنهما . ( ( وفيات الأعيان 241/4 و242).

وفي السنة 559 حاصر شهاب الدين الغوري ، لهاوور ، واستنزل ملكها خسروشاه ، أخر الملوك الغورية من أولاد سبكتكين ، بالأمان علي نفسه ، وأهله ، وماله ، وله من الاقطاع ما أراد ، فنزل علي ذلك ، ثم ورد رسول من غياث الدين الغوري ، أخي شهاب الدين ، يطلب إنفاذ خسرو شاه ، فأنفذ إليه مع ولده ، ورفعا في الطريق إلي بعض القلاع، فكان آخر العهد بهما . ( ابن الأثير 168/11 و 169).

وفي السنة 617 اعتقل الملك الأشرف ، بقلعة حران ، الأمير عماد الدين بن المشطوب ، وضيق عليه تضييقة شديدة ، من الحديد الثقيل في رجليه ، والخشب في يديه ، وحصل في رأسه ولحيته وثيابه من القمل شيء كثير ، ومكث علي تلك الحال في الاعتقال ، حتي توفي في السنة 619 ( وفيات الأعيان 181/1 ).

أقول : كان ابن المشطوب هذا مغرق في الخيانة والغدر والبغي ، وقد أدرجنا في هذا الكتاب ، نتفا من غدراته في الباب الحادي عشر : القتل ، الفصل الأول : القتل بالسيف ، القسم الثالث : القتل غدرا .

وفي السنة 637 لما استولي الملك الصالح نجم الدين أيوب علي مصر ، قبض علي أخيه العادل ، وحبسه في القلعة سنين ( النجوم الزاهرة

ص: 98

312/6) حتي توفي في الحبس في السنة 645 ، وكان للعادل ولد صغير ، يقال له الملك المغيث ، اعتقل في السنة 661 بقلعة الجبل بمصر ، وكان للمغيث ولد ينعت بالملك العزيز ، اعتقل كذلك في السنة 666 بقلعة الجبل ( وفيات الأعيان 86/5 و 87 ) .

وتامر الملك الجواد مظفر الدين يونس بن مودود ، والأمير ناصر الدين ابن يغمور ، علي الملك الصالح إسماعيل صاحب دمشق ، فاطلع الصالح علي ما أضمراه ، واعتقلهما ، فسجن الملك الجواد بقلعة غزتا حيث مات في السنة 641 ، وسجن ابن يغمور بقلعة دمشق ( فوات الوفيات 397/4 ).

وتوجس الملك الصالح نجم الدين ايوب (ت 647 ) بن السلطان الملك الكامل الأيوبي ، من المماليك الاشرفية ، فاعتقلهم جميعا وسجنهم ، ثم قبض علي شمس الدين الخاص وجوهر النوبي وعلي جماعة من الأمراء الكاملية ، وسجنهم بقلعة صدر بالقرب من أيلة . ( النجوم الزاهرة 320/6 )

وفي السنة 694 بلغ السلطان ايرنجين بن أبانا التتاري ( كيخاتو) (690 - 694 ) أن قسما من الأمراء قد تآمروا عليه ، وأرادوا أن ينصبوا بايدوخان ، فاعتقلهم ، وأنفذهم إلي قلعة تبريز فحبسوا فيها (تاريخ الغيائي 49 ، 48)

وفي السنة 711 فرض الأمير كراي المنصوري ، نائب السلطنة بدمشق ، علي أهل دمشق ضرائب ثقيلة علي الأملاك ، فاجتمع القضاة والخطيب والعامة ، وحملوا المصحف ، ووقفوا له بسوق الخيل ، فغضب ، وأمر بالشيخ نجم التونسي ، فضرب ضربا شديدا ، ثم أمر بمد الخطيب جلال الدين القزويني ليضرب ، فشفع فيه ، ولما بلغ السلطان الملك الناصر ذلك ، أنكره أشد الانكار ، وبعث إلي الأمير كراي من أحضره معتقلا، فحبسه في

ص: 99

الكرك من السنة 711 إلي السنة 717 فأطلق وحضر إلي القاهرة ، فاعتقله السلطان بقلعة الجبل ، حتي مات في الحبس في السنة 719 ( الدرر الكامنة 352/3 و 353) .

وفي السنة 728 مات في حبس القلعة تقي الدين بن تيمية ، وكان بعض الفقهاء والقضاة في دمشق والقاهرة ، خاصموه ، وتألبوا عليه ، وتعصب له منهم جماعة ، فحبس بأحد أبراج القلعة بالقاهرة ، ثم نقل إلي الجب ، ثم أطلق بشفاعة الأمير مهنا أمير آل فضل ، ثم سجن بحارة الديلم بالقاهرة ، ثم نقل إلي الاسكندرية ، فحبس هناك ببرج شرقي ، ثم أطلقه السلطان الناصر ، ثم حبس بقلعة دمشق ، ثم أطلق ، ثم حبس ثانية بقلعة دمشق ، ومات وهو في حبس القلعة ( الدرر الكامنة 154 - 170) .

أقول : الشيخ أبو العباس أحمد بن عبد الحليم الحراني ، المعروف بابن تيمية ، وهو لقب جده الأعلي ( 661 - 728) فقيه ، محدث ، حافظ ، مفسر ، ذا سطوة وإقدام ، وعدم مداراة ، وكان مغري بست ابن عربي ، والعفيف التلمساني ، وابن سبعين ، وكان يقول عن الغزالي هو قاووز الفلاسفة ، يسخر به ، وكان كثير الحط علي الإمام فخر الدين الرازي ، اما ابن المطهر الحلي ، رأس الشيعة في زمانه ، فكان يسميه ابن المنجس ، عقد له مجلس بمصر في مقالة قالها ، فحكم بحبسه فحبس بالاسكندرية ، ثم أطلق ، وكان العوام بمصر يعظمونه ، ثم تكلم علي السيدة نفيسة ، فأعرضوا عنه ، ثم حوكم بدمشق ، وأعيد إلي القاهرة ، وحبس بالقلعة ، ومات وهو معتقل ، راجع ترجمته في الوافي بالوفيات 15/7 - 33.

وفي السنة 728 مات بسجن القلعة بالقاهرة الأمير بكتمر المنصوري ، وكان من أكابر الأمراء ، غضب عليه السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، فاعتقله وحبسه بالاسكندرية ، ثم أفرج عنه ، ثم أعتقله وسجنه بالقلعة ،

ص: 100

فمكث مسجونأ ست سنوات ، ومات في سجنه ( الدرر الكامنة 15/2 و16 ).

وفي السنة 736 مات المستمسك بالله محمد بن أحمد الحاكم العباسي ، في حياة أبيه مسجون بالبرج في القلعة ، وكان أكبر من أخيه المستكفي ، وقد ولي الخلافة ولده بعد المستكفي ( الدرر الكامنة 465/3)

وفي السنة 753 توفي عضد الدين عبد الرحمن ، قاضي قضاة المشرق ، وشيخ العلماء ، مات مسجونا بقلعة بقرب إيج ، غضب عليه صاحب كرمان ، فحبسه بها ، واستمر محبوسا إلي أن مات ( شذرات الذهب 175/6)

وفي السنة 760 اعتقل شاه شجاع ، أباه الأمير محمد بن مظفر ، وكحله ( أي سمل عينيه ) وسجنه بقلعة سرمق ( الغياثي 147 - 150).

وفي السنة 769 قبض السلطان الاشرف بالقاهرة علي جماعة من المماليك اليلبغاوية ، ووجه بهم إلي قلعة الكرك ، حيث سجنوا في القلعة هناك بجب مظلم ، وأقاموا به مدة سنين . ( بدائع الزهور 71/2/1 ).

وفي السنة 789 اعتقل صدر الدين سليمان بن يوسف الياسوفي ، وحبس في سجن القلعة بالشام ، فحصل له فزع شديد أورثه الإسهال ، فمات في حبس القلعة مبطونا ، وسبب اعتقاله إنه قام مع الشيخ شهاب بن البرهان بالشام في الدعوة إلي القيام علي الملك الظاهر ، فلما عاد الملك الظاهر إلي السلطان ، جري اعتقاله ، وموته في السجن ( الدرر الكامنة 261/2 ۔ 264)

وفي السنة 805 مات في سجنه بقلعة القاهرة الشريف عنان بن مغامس أمير مكة ، وكان السلطان بالقاهرة ، قد حبسه بقلعة القاهرة في السنة 795 ثم

ص: 101

نقله في السنة 799 إلي السجن باسكندرية ، ثم أعيد إلي قلعة القاهرة في السنة 804 وتوفي في السنة 805 في سجنه بقلعة القاهرة ( الضوء اللامع148/5)

وفي السنة 833 مات في حبسه ببرج في قلعة القاهرة ، الأمير هابيل بن عثمان بن قرايلك ، صاحب الرها، وكانت جيوش سلطان مصر قد حصرته ، فنزل بالأمان ، فحمل وتسعة من أعوانه إلي مصر مقيدين ، فرسم السلطان الأشرف بحبسه في برج القلعة في السنة 832 ومات في حبسه بعد سنة واحدة ( الضوء اللامع 206/10 ).

وفي السنة 847 مات في سجنه بقلعة صفد، الأمير أزبك السيفي . الملقب جحا ، اعتقله الملك الظاهر جقمق لما خرج عليه ( الضوء اللامع 270/2)

وفي السنة 870 قبض السلطان الظاهر خشقدم علي الأمير جانبك الأشرفي ، وحبسه بالاسكندرية ، ثم حمل فحبس بقلعة صفد ، حتي مات وهو في الحبس ( الضوء اللامع 53/3 ) .

ولما قتل جهان شاه في السنة 872 كان ولده حسن علي معتقلا بقلعة يقال لها : قهقهة ، من أعمال أذربيجان ، فحضر أصحاب والده جهان شاه ، وأخرجوه ، وسلطنوه بأذربيجان ( تاريخ الغياثي 326) .

أقول : في السنة 872 لما قتل جهان شاه بن قرا يوسف ، خلفه في حكم اذربيجان ولده حسن علي ، وكان مخبولا ، فإنه لما تسلطن أمر بقص أذناب الخيل ومعارفها وأن لا يتركوا شعرها يظهر بحيث كلما ظهر حلقوه بالموسي ، كما أمر النساء أن لا يلبسن السراويل ، وأمر كل من كان مقرون الحاجبين أن يحلق ما بينهما من الشعر ليظهرا مفترقين ، وكان يجمع النساء حوله عاريات ، ويجلس وسطهن ، ويعمل ما تطيب له نفسه . ويهتك ما

ص: 102

يجب ستره ، وكان يأمر البنات بالرقص عاريات ، ثم يخبار واحدة منهن فيجامعها ، وكان يختار بنات أمرائه ، ويتزوج منهن عنوة ، ثم يتركهن إلي غيرهن ( تاريخ الغياثي 327 و 328) .

وفي السنة 874 توفي زين الدين يحيي بن عبد الرزاق الأستادار بالقاهرة ، وكان قد نكب بعد وفاة الملك الظاهر مرارة ، وصودر ، وضرب ، وقاسي أهوالأ ، وذ؟ ، ونفية، وصودر نحوا من عشرين مرة ، ثم صادره الاشرف قايتباي مرة بعد أخري ، وحبسه بالبرج من القلعة ، وأعاد ضربه إلي أن أشرف علي الموت ، وحمل إلي البرج ( يعني البرج الذي سجن فيه ) ، حتي مات في السنة 874 ( الضوء اللامع 234/10 ).

وفي السنة 789 مات الحافظ صدر الدين سليمان بن يوسف بن مفلح الياسوفي محبوسا في قلعة دمشق ، وسبب حبسه إنه صدر أمر بالقبض علي أحمد الظاهري ومن ينسب إليه فاتفق أن عثر علي أحد المنسوبين إلي أحمد الظاهري ، ومعه اثنان من طلبة الياسوفي ، فقبض عليهما أيضا ، وعلي الياسوفي ، وحبس في قلعة دمشق حتي مات ( شذرات الذهب 307/6 و 308) .

وفي السنة 926 انتزع السلطان بدر بن عبد الله ، من السلطان محمد بن بدر الكثيري مدينة شبام ، وسجنه في حصن قرية مريحة ، وظل محبوسة عشرين سنة ، ومات سنة 946 ( الاعلام 275/6 ) .

وفي السنة 937 توقي قاضي القضاة ولي الدين محمد المعروف بابن الفرفور ، محبوسا في حبس القلعة بدمشق ( شذرات الذهب 225/8 ) .

وفي السنة 963 تسلطن جهانگير بن كيكاوس بن أشرف علي مدينة نور ، ثم أسره طهماسب سلطان العجم ، وحبسه بألموت ( قلعة ) حتي مات في حبسه ( معجم أنساب الأسر الحاكمة 292 ) .

ص: 103

ووجدت في صدر مخطوطة الجزء الأول من كتاب الفرج بعد الشدة اللقاضي التنوخي « نسخة الظاهرية بدمشق » شرحا من محمد رفيع الشافعي « المحبوس في سجن القلعة بدمشق ، إن هذه المخطوطة أعارها إياه الشيخ عبد الرحمن الكزبري ، ولم يذكر المستعير التاريخ ، والذي نعرفه أن الشيخ عبد الرحمن الكزبري الدمشقي المحدث ، توفي في السنة 1252 حاجأ بمكة ، عن ثمانية وسبعين عاما ، في عهد السلطان عبد المجيد العثماني ، الذي حكم ( 1255 -1277 ).

ص: 104

القسم الثاني : السجون غير الاعتيادية

اشارة

1- الحبس في الحبوس الضيقة

2 - الحبس في المطبق .

3 - الحبس في المطمورة .

4 - الحبس في الجب.

5 - الحبس في السرداب .

6 - الحبس في زورق مطبق .

ص: 105

ص: 106

1- الحبوس الضيقة

أما بشأن الحبوس الخاصة التي تمتاز بضيق مساحتها ، من أجل تعذيب المحبوس ، فإن أول ما بلغنا خبره منها ، سجن عبد الله بن الزبير ، المعروف بسجن عارم حيث بني عبد الله بن الزبير بمكة ، بناء ضيقا في السجن ، ذراعين في ذراعين ، وسجن فيه عارم ، غلام مصعب بن عبد الرحمن بن عوف ، وعدة معه ، وأطبق عليهم حتي ماتوا ، فسمي السجن ، سجن عارم ، وفيه حبس ابن الزبير محمد بن الحنفية وقوما من بني هاشم ، حتي بعث إليهم المختار من الكوفة ، جندأ دخلوا مكة، وكسروا باب السجن ، وأخرجوهم ، قال كثير عزة يخاطب عبد الله بن الزبير : ( انساب الأشراف 27/2/4 ) .

تحدث من لاقيت أنك عائذ**** بل العائد المحبوس في سجن عارم

فما ورق الدنيا بباق لأهلها**** ولا شدة البلوي بضربة لازم

وحبس عبد الله بن الزبير ، في سجن عارم ، الحسن بن محمد بن الحنفية ، وأراد قتله ، فأعمل الحيلة حتي تخلص من السجن ، وتعسف الطريق علي الجبال ، حتي أتي مني ، وبها أبوه محمد بن الحنفية ( شرح نهج البلاغة 146/20 ).

وكان للحجاج بن يوسف الثقفي ، سجنان ، أحدهما واسع الرقعة ،

ص: 107

ليس فيه ستر ستر الناس من الشمس في الصيف ، ولا من المطر والبرد في الشتاء ، وربما كان المسجون يستتر بيده من الشمس ، فيرميه الحرس بالحجارة ، وكان أكثر المحبوسين فيه مقرنين بالسلاسل ، وكانوا يسقون الزعاف ، ويطعمون الشعر المخلوط بالرماد ، وخلف الحجاج فيه ، لما هلك ، ثمانين ألفا ، حبسوا بغير جرم ، منهم خمسون ألف رجل ، وثلاثون ألف امرأة ، وكان يحبس النساء والرجال في موضع واحد ( مروج الذهب 128/2 والعيون والحدائق 3/ 10 ومحاضرات الأدباء 195/3 ).

وكان للحجاج سجن ثان يسمي الديماس ، والديماس الحفيرة في باطن الأرض ، وكان الديماس من الضيق ، بحيث لا يجد المسجون فيه إلا موضع مجلسه ، وكان كل جماعة من المسجونين يقرنون في سلسلة واحدة ، فإذا قاموا ، قاموا معا ، واذا قعدوا قعدوا معا ( الفرج بعد الشدة ، لابن ابي الدنيا ، مخطوط ص 11)، ولا يجد المسجون المقيد منهم إلا موضع مجلسه ، فيه يأكلون ، وفيه يتغوطون ، وفيه يصلون وقد وصف إبراهيم بن يزيد التيمي ، الرجل الزاهد ، هذا الديماس لما حبسه الحجاج ، وأثبت ذلك القاضي التنوخي في كتابه الفرج بعد الشدة ، تحقيق المؤلف ، في القصة 87 و 88 ، ومما يجدر ذكره ، أن هذا الرجل الزاهد ، كانت خاتمة حياته في ديماس الحجاج هذا ، فإن الحجاج منع عنه الطعام ، وأرسل عليه الكلاب تنهشه حتي مات ( اللباب 190/1 )، ولما مات رمي بجثته في الخندق ، ولم يجرأ أحد أن يدفنه حتي مزقته الكلاب ( البصائر والذخائر م 3 ق 1 ص 304).

و لما ولي سليمان بن عبد الملك ، يزيد بن المهلب العراق ، نظر في أمر نفسه ، فقال : إن العراق قد أخربها الحجاج ، وأنا اليوم رجاء أهل العراق ، ومتي قدمتها وأخذت الناس بالخراج وعذبتهم عليه ، صرت مثل

ص: 108

الحجاج أدخل علي الناس الخراب ، وأعيد عليهم تلك السجون التي قد عافاهم الله منها . ( الطبري 523/6 ).

وحبس المهدي ، إبراهيم الموصلي ، فحذق في الحبس القراءة والكتابة ، وكان قد منعه من الدخول علي ولديه موسي وهارون ، ثم بلغه أنه دخل عليهما ، وشرب معهما ، وكان مستهترين بالنبيذ ، فأحضره ، وأمر به فجرد ، وضرب ثلثمائة وستين سوطأ ، ثم ضربه بيده بالسيف في جفنه ، فشجه ، ثم أمر به فأعيد ضربه ، ثم أمر عبد الله بن مالك ، بأن يصيره في حبس شبيه بالقبر ، فأخذه عبد الله ، وأمر بكبش فذبح وسلخ ، وألبس جلده ، ليسكن ألم الضرب ، ثم دفعه إلي خادم له فصيره في ذلك القبر ، ووكل به جارية يقال لها : جة ، فتدي بن كان في ذلك القبر وبالبق ، فدخن عليه بالفحم والكندر ، فكاد أن يموت اختناقا ، وكان معه في القبر حيتان تخرجان ثم تعودان إلي جحريهما ، ومكث في ذلك القبر حين ، ثم أخرج ( الاغاني 161/4 و162).

وحبس الرشيد ، أبا العتاهية ، في بيت ، خمسة أشبار في مثلها ، فصاح : الموت ، أخرجوني ، وأقول كلما شئتم ( الاغاني 4 / 64 ) .

وبني المعتصم ، في بستان موسي ، سجنا كان القيم به مسرور مولي الرشيد ، وكا كالبئر العظيمة ، حفرت إلي الماء ، وهو علي هيأة المنارة ، مجوف ، مدرج من داخله ، قد حفرت فيه في مواضع من التدريج مستراحات ، في كل مستراح بيت ، يجلس فيه رجل واحد، علي مقداره ، يكون فيه مكبوبا علي وجهه ، لا يمكنه أن يجلس فيه ، ولا أن يمد رجليه ، وحبس فيه محمد بن القاسم العلوي ، المعروف بالصوفي ، فلما استقر به ، أصابه من الجهد لضيق الموضع ، وظلمته ، ورطوبته ، ومن البرد والرطوبة ما كاد يتلفه من ساعته ، راجع تفصيل القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي تحقيق المؤلف ، رقم القصة 194 .

ص: 109

ولما اعتقل المعتصم ، الإفشين ، بني له حبسا مرتفعة ، وسماه : اللؤلؤة ، أشبه شيء بالمنارة ، وجعل في وسطها مقدار مجلسه فقط ، وكان الرجال يدورون تحته حولها ( الطبري 106/9 و 107 وتجارب الأمم 519/6 والعيون والحدائق 405/3 ) .

وكان أحد الأتراك ، ضمن لأعداء القائد أشناس ، أن يقتله ، فأمر أشناس بحبسه ، فحبس في بيت مظلم ، وسد عليه الباب ، وكان يلقي إليه في كل يوم رغيف وكوز ماء ( تجارب الأمم 501/6 ).

وفي السنة 233 حبس المتوكل وزيره محمد بن عبد الملك الزيات ، في تنور ، وكان يحقد عليه تصرفات عامله بها قبل الخلافة ، فلما استخلف ، أقره علي الوزارة حينأ ، ثم أصدر أمره باعتقاله سرا إلي إيتاخ ، فلما بعث إليه ايتاخ ، ظن أن الخليفة دعا به ، فركب بعد غدائه مبادرأ ، فلما حاذي منزل إيتاخ ، قيل له : اعدل إلي منزل أبي منصور ، فعدل ، وأوجس في نفسه خيفة ، فلما جاء إلي الموضع الذي ينزل منه إلي إيتاخ، عدل به يمنة، فأحس بالشر ، ثم أدخل حجرة ، وأخذ سيفه ومنطقته ، وقلنسوته ودراعته ، فدفعت إلي غلمانه ، وقيل لهم انصرفوا ، فانصرفوا ، لا يشكون أنه مقيم عند إيتاخ ليشرب النبيذ ، وفي ذلك اليوم صودر ما في بيته ، وضبطت أمواله وأملاكه ، ثم أمر إيتاخ بتقييده ، فقيد ، وامتنع من الطعام ، وكان لا يذوق شيئا ، وكان شديد الجزع في حبسه ، كثير البكاء ، قليل الكلام ، كثير التفكر ، فمكث أياما ، ثم سوهر ، ومنع من النوم ، ثم ترك يوم وليلة ، فنام وانتبه ، فاشتهي فاكهة وعنبا ، فأكل ، ثم أعيد إلي المساهرة ، ثم أمر بتنور من خشب ، فيه مسامير من حديد قيام ، كان هو قد أمر بعمله ، وعذب به أبن أسباط المصري ، فابتلي هو وعذب به ، وذكر الموكل بعذابه ، قال : كنت أخرج وأقفل الباب عليه ، فيمد يديه إلي السماء جميعة . حتي يدق موضع كتفه ،

ص: 110

ثم يدخل التنور فيجلس ، والتنور فيه مسامير حديد، وفي وسطه خشبة معترضة ، يجلس عليها المعذب إذا أراد أن يستريح ، فيجلس علي الخشبة ساعة ، ثم يجيء الموكل به ، فإذا هو سمع صوت الباب يفتح ، قام قائما كما كان ، قال المعذب : ثم خاتلته يوما ، وأريته أني أقفلت الباب ، ولم أقفله ، إنما أغلقته بالغلق ، ثم مكثت قلي ، ودفعت الباب علي غفلة ، فإذا هو قاعد في التنور علي الخشبة ، فقلت له : أراك تعمل هذا العمل كلما خرجت ، فكنت إذا خرجت بعد ذلك، شددت خناقه ، فكان لا يقدر علي القعود ، واستللت الخشبة حتي كانت تكون بين رجليه ، فما مكث بعد ذلك إلا أياما ثم مات ( الطبري 156/9 - 159 ) .

وقبض أحمد بن طولون ، علي أحمد بن محمد بن المدبر ، عامل الخراج بالشام ، وحبسه في حبس ضيق ، حتي ذهب بصره ، ومات ، راجع تفصيل ذلك في كتاب المكافأة ص 131 - 138 .

وقال أحمد بن المدبر : حبست في حبس لابن طولون ، ضيق ، وكان فيه خلق ، وبعضنا علي بعض ، فحبس معنا أعرابي ، فلم يجد مكانا يقعد فيه ، فقال : يا قوم ، لقد خفت من كل شيء ، إلا اني ما خفت قط ، ألا يكون لي موضع من الأرض في الحبس ، أقعد فيه ، ولا خطر ذلك بالي ، فاستعيذوا بالله من حالنا . ( الوافي بالوفيات 39/8 ).

وقد فاق الجميع ، في اختيار أضيق الحبوس . الوزير ابن بقية ، وزير بختيار البويهي ، فإنه في السنة 364 اعتقل أبا نصر بن السراج ، وبعد أن عذبه أضاف العذاب ، وبسط عليه ألوان المكاره ، حبسه في صندوق ، ومنع عنه الطعام ، حتي مات ( تجارب الأمم 359/2 ).

وفي السنة 431؛ اتهم باديس صاحب غرناطة ، أبا الفتوح ثابت بن محمد الجرجاني بالتآمر ضده ، ففر منه إلي إشبيلية ، ثم أستسلم إليه ، فبعث

ص: 111

به إلي غرناطة ، حيث أشهر ، ثم أودع حبسا ضيقا، ولما عاد باديس إلي غرناطة قتله ( الاحاطة 462 - 466) .

ومن الحبوس الضيقة ، الحبس الذي اعتقل فيه جوسلين صاحب الرها ، ففي السنة 516 ظفر بلك بن بهرام ، ابن أخي ايلغازي صاحب حلب ، بجوسلين الافرنجي صاحب الرها وابن خالته قلران ، بالقرب من سروج فأسرهما ، فجعل جوسلين في جلد جمل ، وخاطه عليه ، ثم حمله الي قلعة خرتبرت ، فحبسه بها في جب فيها ، فأغري جوسلين ، وآخرون معه من الافرنج ، جماعة من أهل الحصن ، فأطلقوهم ، ووثبوا علي الحصن ، فامتلكوه ، وملكوا ما فيه من الخزائن ، فقصد بلك خرتبرت ، واستولي عليها ، وقتل أصحابه الذين أطلقوا الإفرنج ، كما قتل من فيه من الإفرنج، وأبقي علي الملك بغدوين ، وقلران ، وابن أخت بغدوين ، وسيرهم إلي حران فحبسهم بها، ثم عاد فنقلهم إلي حبس حلب ( اعلام النبلاء 442/1 و 449 و 450 و452 وابن الأثير 593/10 ).

وكان مروان بن عبد الله ، أحد أمراء بني أمية ، قد تأمر علي بلنسية في السنة 540 ، واستولي علي لقنت وشاطبة ، ثم خلعه جنده ، ودفع إلي عدوه عبد الله بن محمد صاحب بلنسبة قبله ، فأشخصه إلي ميورقة ، وحبسه عشر سنين في بيت مظلم . ( الاعلام 96/8 ).

وغضب السلطان محمد بن محمد بن محمد النصري (ت 710) علي طائفة من مماليك أبيه ، فسجنهم في مطبق الأري بحمراء غرناطة ( الاحاطة 555 و556 ) .

أقول : الأري ، محبس الدواب .

وفي السنة 1170 (1756 م ) اعتقل حسن ، باي قسطنطينة ، الأمير يونس بن علي باشا حاكم تونس وحبسه في حجرة ضيقة ، طين عليه بابها ،

ص: 112

وتفصيل ذلك : إنه في عهد حاكم الجزائر ، علي باشا بوصباع ، الملقب علي نكسيس ، أو بابا علي ( 1168- 1179) (1754 - 1765 ) ثار الأمير يونس علي أبيه علي باشا حاكم تونس ، فتدخل حاكم الجزائر وقصد تونس في السنة 1170 ، وقتل الأمير علي باشا ، ونصب بدلا منه الأمير محمد بن حاكم تونس السابق الحسين بن علي ، وأسر الأمير يونس ، وحبسه عند داي قسنطينة حسن باي أزرق عينه ، وهو ابن أخت علي باشا، أمير الجزائر ، فاستأصل الباي حسن جميع ما كان يملكه يونس من أموال وذخائر ، وأمتعة و جواهر ، وطرد من كان معه من غلمانه وأتباعه ، ولم يترك معه إلا كاتبه ورجلين يخدمانه ، وبني عليه باب المحبس ، وترك فيه منفذا يدخل إليه ما يحتاج منه ، ثم شرع في بناء محبس جديد في سقيفة داره ، وجصص جدرانه ، وجعله ضيقة جدا ، ونقله إليه وحده ، وطين عليه بابه ، وجعل فيه منفذة يدخل إليه منه طعامه وشرابه ( مذكرات الزهار ص 17).

وفي السنة 1170 (1756 م) كان حاكم البنغال سراج الدولة ، من نسل مرشد قلي خان ، فاختلف مع الإنكليز ، وحاربهم ، ودحرهم ، وأسر من بقي في كلكوتا من الإنكليز ، وكان عددهم مائة وستة وأربعون شخصا ، فوضعهم في سجن كلكوتا الأسود ، وكانت مساحته 18 قدما في 16 قدما ، فحشرهم فيه حشرة ، وكان الوقت صيفا ، فاختنقوا فيه ، وفي ثاني يوم لم يبق منهم سوي ثلاثة وعشرين فقط ، أطلق سراحهم ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 209).

أقول : رأيت في لندن ، في متحف مدام توسو ، في القاعة المسماة : قاعة الرعب ، مثالا لسجن من السجون الضيقة ، وهو عبارة عن حجرة طولها متران ونصف متر، وعرضها متر وربع متر ، ليس لها منفذ ولا شباك ولا كوة ، غير الباب ، وفي زاوية من الحجرة ، كومة من القش لنوم المحبوس ، وذكروا أن المحبوس قضي في هذه الحجرة سنين طوالا .

ص: 113

وقرأت في كتاب كتبه بالانكليزية طبيب ألماني ، ساقته ظروفه إلي الخدمة في مدينة الهفوف هيأت له فيه الصدفة ، أن يطلع علي السجن الذي يعتقل فيه الأشخاص الذين يكونون خطرا علي الحكم القائم ، فذكر إنه دخل إلي بناء يشتمل علي عدد من الحجر ليس لها كوي ولا شبابيك ، ولا منفذ لها إلا الباب ، وكانت جميع الحجر ، والممرات المؤدية إليها مظلمة ، تنار بمصابيح نفطية ، وأبصر المساجين كل مسجون مربوط إلي زاوية في الحجرة ، وقد ربطته سلسلة ، أحد طرفيها في ساقه ، والطرف الثاني مثبت بالحائط ، كي لا يتمكن من مبارحة موضعه .

ص: 114

2 - الحبس في المطبق

المطبق : السجن تحت الأرض ، سمي بذلك لأنه يطبق علي المسجون ، فيحول بينه وبين رؤية النور ، ويتركه في ظلام دامس ، وعزلة موحشة ، ويعد به علي الأكثر - للمساجين السياسيين ، ويكون شديد الظلمة ، سييء التهوية ، ومن مكث فيه زمانأ انطفأ بصره .

وأول من اتخذ المطبق من العباسيين المنصور ، بناه ببغداد ، وقبل أن يبني مطبقه ، كان يحبس خصومه السياسيين في سراديب تحت الأرض ، كالسرداب الذي حبس فيه آل الحسن العلويين ، وسيأتي وصفه .

ولما خلف المهدي العباسي ، أباه المنصور ، أمر في السنة 159 باطلاق من كان في سجن المنصور ، إلا من كان قبله تباعة دم أو قتل ، أو كان معروفة بالسعي بالفساد ، فأطلقوا ، وكان ممن أطلق يعقوب بن داود ، وكان الحسن بن إبراهيم بن عبد الله العلوي ، محبوسا مع يعقوب في مطبق واحد، فلما أطلق يعقوب ، ساء ظن الحسن ، فأرسل بعض من يثق به ، فباشر بحفر سرب إلي الموضع الذي هو فيه ، لينسل منه ويتواري ، وبلغ المهدي ذلك ، فأنفذ من أبصر السرب ، فحول الحسن من محبسه إلي نصير الوصيف فحبسه عنده ، فعاود أصحاب الحسن المحاولة ، وأخرجوه ، وطلب فلم يقع أحد له علي أثر ، وكلم المهدي يعقوب بن داود في أمره ، فقال :

ص: 115

إن أعطيته الأمان ، أحضرته ، فأعطاه الأمان ، فأحضره ( الطبري 117/8 وابن الأثير 37/6 ) .

وفي السنة 161 ظفر المهدي العباسي ، بعبد الله بن مروان الحمار ، فحبسه في المطبق ، ومات في السنة 170 في عهد الهادي ( الطبري 205 ، 135/8)

أقول : ورد في موضع آخر من هذا الكتاب ، إن عبد الله هذا ظفر به السفاح ، وإنه حبسه ، وظل محبوسة حتي أخرجه الرشيد وقد عمي ، وقال له : يا أمير المؤمنين ، دخلت السجن شابا بصيرا ، وتركته شيخا ضريرة .

وأغزي المهدي العباسي ، في السنة 164 عبد الكبير بن عبد الحميد ، الروم ، فلم يقاتل ، وعاد فاش ، فأراد المهدي ضرب عنقه ، فكلم فيه ، فحبسه في المطبق . ( الطبري 150/8 ).

وكتب محمد بن الليث ، أحد النساك ، رسالة إلي هارون الرشيد ، يعظه فيها ، فغضب عليه ، وأغراه به يحيي البرمكي ، فأمر بحبسه في المطبق ، فلما أصطلم البرامكة ، أحضره ، وقال له : يا محمد ، أتحبني ؟ قال : لا والله ، يا أمير المؤمنين ، وضعت في رجلي الأكبال ، وحلت بيني وبين العيال ، بلا ذنب ، فكيف أحبك ؟ قال : صدقت ، وأمر بإطلاقه ، ثم قال له : يا محمد ، أتحبني ؟ قال : لا والله يا أمير المؤمنين ، ولكن قد ذهب ما في قلبي ، فأمر بأن يعطي مائة ألف درهم ، وقال له : يا محمد ، أتحبني ؟ قال : أما الآن فنعم ( الطبري 288/8 ) .

وحبس الرشيد يحيي بن عبد الله في المطبق ، وكان في أضيق البيوت وأظلمها ، ودخل عليه وقد مضي من الليل هجعة ، فكلمه ، ثم أمر به ، فضرب مائة عصا . ( مقاتل الطالبيين 481) .

وأخذ الرشيد ، قوما من أصحاب يحيي بن عبد الله العلوي ، فحبسهم

ص: 116

جميعا في المطبق ، فمكثوا فيه اثنتي عشرة سنة . ( مقاتل الطالبيين 485 ).

وغضب الرشيد علي إبراهيم الموصلي ، فحبسه في المطبق ، فقال أبو العتاهية : ( وفيات الأعيان 41/1 ) .

سلم يا سلم ليس دونك سر**** حبس الموصلي فالعيش مر

ماستطاب اللذات منذغاب في المطا ****بق راس اللذات في الناس حر

حبس اللهو والسرور فما في**** الأرض شيء يلهي به ويسر

وأنشد الرشيد، أبياتا نسبت إلي أبي نواس ، فيها ما يخالف أحكام الدين ، فقال : علي بابن الفاعلة ، وطرحه في المطبق .

ذكر المرزباني ، في الموشح 426 - 428 إن الرشيد جلس مجلسا ، ذكر فيه الشعراء ، فغمز سليمان بن أبي جعفر من أبي نواس ، وقال : يا أمير المؤمنين ، هو كافر بالله ، لا يرعوي من سكرة ، ولا يأنف من فاحشة ، وهو القائل :

يا ناظرة في الدين ما الأمر**** لاقدر صح ولا جبر

ما صح عندي من جميع الذي**** تذكر إلا الموت والقبر

وهو القائل :

باح لساني بمضمر السر ****وذاك إني أقول بالجبر

وليس بعد الممات مرتجع ****وإنما الموت بيضة العقر

فقال أحد الجلساء ، وقد قال في غلام نصراني :

تمر فاستحييك أن أتكلما ****ويثنيك زهو الحسن عن أن تسلما

أليس عظيم عند كل موحد ****غزال مسيحي يعذب مسلما

فلولا دخول النار بعد بصيرة ****عبدت مكان الله عيسي بن مريما

ص: 117

وقال في نصراني آخر :

وملحة بالعذل ذات نصيحة ****ترجو أنابية ذي مجون سارق

بكرت تخوفني المعاد وشيمتي ****غير المعاد ومذهبي وخلائقي

فأجبتها كفي ملامك إنني ****مختار دين أقسة وجثالق

والله لولا أنني متخوف**** أن أبتلي بإمام جور فاسق

التبعتهم في دينهم ودخلته**** ببصيرة مني دخول الوامق

إني لأعلم أن ربي لم يكن**** ليخصهم إلا بدين صادق

فقال الرشيد للفضل : برئت من المنصور ، إن لم يبت هذا الكلب في المطبق ، لتنكرني فعلا وقوڈ ، فوجه الفضل من ساعته من أخذ بأفواه السكك ، فوجد ، فأودع المطبق .

وفي السنة 210 اطلع المأمون علي أن ابراهيم بن عائشة ، وهو عباسي من أولاد ابراهيم الامام ، ومحمد بن إبراهيم الإفريقي ، ومالك بن شاهي ، وفرج البغدادي ، بصدد إحداث فتنة في بغداد لخلع المأمون ، ونصب إبراهيم بن المهدي خليفة ، فأمر المأمون بابراهيم بن عائشة أن يقام ثلاثة أيام في الشمس ، علي باب دار المأمون ، ثم ضربه يوم الثلاثاء بالسياط ، ثم حبسه في المطبق ، ثم ضرب مالك بن شاهي وأصحابه ، ثم بلغ المأمون آنهم بصدد إحداث فتنة في المطبق ، فركب إليهم من ساعته بنفسه ، وكانوا قد سدوا باب السجن من داخل ، فلم يدعوا أحد يدخل عليهم ، فلما وافي المطبق ، دعا بهؤلاء الأربعة ، فضرب أعناقهم صبرة ، وصلبهم علي الجسر الأسفل ببغداد ( الطبري 602/8 و604).

وكان المطبق في أيام المأمون ، بباب الشام ، بمدينة المنصور ( الاغاني 179/20 ).

وفي السنة 227 خرج أبو حرب المبرقع اليماني بفلسطين ، وكان سبب

ص: 118

خروجه علي السلطان ، إن أحد الجنود أراد أن ينزل في دار أبي حرب ، وهو غائب عنها ، فمنعته احدي حرم أبي حرب ، إما زوجته أو أخته ، فضربها بسوط كان معه ، فاتقته بذراعها ، فأصاب السوط ذراعها ، فأثر فيها ، فلما رجع أبو حرب إلي منزله ، بكت ، وشكت إليه ما فعل بها ، وأرته الأثر الذي بذراعها من ضربه ، فأخذ أبو حرب سيفه ، ومشي إلي الجندي ، فضربه به فقتله ، ثم خرج علي السلطان ، وألبس وجهه برقعأ كي لا يعرف ، وصار إلي جبل من جبال الأردن ، وأخذ يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، فأستجاب له جماعة ، وصار في زهاء مائة ألف ، فبعث إليه المعتصم رجاء بن أيوب الحضاري ، وبعد وقائع ، أسر أبو حرب ، وأسر معه أحد قواده ابن بيهس من رؤساء اليمانية ، فحملا إلي سامراء ، وجعلا في المطبق ( الطبري 117/9 و118).

وفي السنة 235 اعتقل المتوكل يحيي بن عمر العلوي ، وكان إلي عمر بن فرج الرخجي أمر العلويين ، فضربه عمر ثمان عشرة مقرعة ، وحبسه ببغداد بالمطبق ( الطبري 182/9 ، 266 ).

أقول : هذه المعاملة هي التي أخرجت يحيي وأدي خروجه إلي قتله .

وفي السنة 245 أمر المتوكل ، فضرب بختيشوع المتطبب مائة وخمسين مقرعة ، وأثقل بالحديد ، وحبس في المطبق . ( الطبري 218/9 ) .

وسعي إلي المتوكل ، بذي النون المصري ، فأمر بإحضاره من مصر ، فراه إسحاق بن إبراهيم السرخسي بمكة ، وفي يده الغل ، وفي رجليه القيد ، وهو يساق إلي المطبق ، والناس يبكون حوله . ( وفيات الأعيان 316/1 ).

ولما قتل بغا الشرابي ، أمر المعتز باعتقال أولاده ، وكانوا قد فروا إلي بغداد ، فاعتقل خمسة عشر منهم بقصر الذهب ( بمدينة المنصور ) ، وأودع عشرة منهم في المطبق . ( الطبري 381/9 ) .

ص: 119

ولما قدم سليمان بن عبد الله بن طاهر ، إلي بغداد ، واليا عليها ، في السنة 255 كان قد حقد علي الحسين بن اسماعيل المصعبي ، لنصرته لأخيه عبيد الله بن عبد الله بن طاهر ، فأخذ كاتب الحسين فحبسه في المطبق ، وأخذ حاجبه فحبسه في سجن باب الشام ( الطبري 400/9 ) .

أقول : سجن باب الشام هو مطبق ايضا راجع الاغاني 179/20 .

وفي السنة 272 ثقب المطبق من داخله ، وأخرج الذوائبي العلوي ، ونفسان معه ، فغلقت أبواب مدينة أبي جعفر ، وأعيد الفارون إلي الاعتقال ، فأمر الموفق بأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، فقطعت في مجلس الجسر بالجانب الغربي ، وبمحضر من أمير بغداد محمد بن طاهر . ( الطبري 9/10)

وغضب أحمد بن طولون (ت 270 ) علي أحمد بن إسماعيل بن عمار ، أحد أتباعه ، فحبسه في المطبق ، حتي مات ، وسبب ذلك أن أحمد بن إسماعيل كان عظيم الإخلاص لأحمد، وأشار عليه مشورة ، فلم يعمل بها ، فبسط لسانه بانتقاده علي جهة الإشفاق عليه ، فقال عنه : أنه لم يتمرن في الرئاسة ، وفيه لجاج لا يؤمن عليه منه ، فبلغ ذلك أحمد بن طولون فحبسه في المطبق حتي مات ( المكافأة 115 ).

وكان أحمد بن طولون ، قد غضب علي مهندس نصراني ، بني له العين ، ورماه في المطبق ، ثم احتاج إليه ، فأحضره ، وقد طال شعره حتي نزل علي وجهه . ( خطط المقريزي 265/2 ).

وفي السنة 278 لما توفي الموفق ، كسرت أبواب السجون ، ونقبت حيطانها ، وخرج كل من كان فيها ، وخرج كل من كان في المطبق . ( الطبري 22/10 ) .

وفي السنة 285 أوقع صالح بن مدرك الطائي ، بالحاج ، وقتل منهم

ص: 120

خلقا ، ومات منهم بالعطش أيضا خلائق ، وأخذ من الناس نحوا من ألفي ألف دينار ، فظفر أبو الأغر، خليفة المبارك السلمي ، بصالح بن مدرك ، وعلم صالح بسوء المنقلب ، فاستلب سكينا وقتل نفسه ، وكان معه من الأسري أربعة من أولاد عم صالح بن مدرك ، أدخلوا المطبق . ( مروج الذهب 519/2 ).

وشهد رجل ، بمحضر المقتدر ، علي الوزير المعزول ، ابن الفرات ، شهادة زور ، فأمر المقتدر بأن يضرب مائة سوط ، ويثقل بالحديد، ويحبس في المطبق ، للتفصيل راجع كتاب نشوار المحاضرة ، في القصة المرقمة 12/4.

وذكر النوري الصوفي ، أنه اعتقل وجماعة من الصوفية ، في المطبق ببغداد ، ثم أخرجهم الوالي ليعذبهم ، فتخلصوا بأسر سبب ، راجع تفصيل ذلك في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 186.

وذكر أبو منصور أحمد بن محمد بن مطر ، إنه كان محبوسا مع الحلاج في المطبق ( تاريخ بغداد للخطيب 116/8 ).

وروي أبو علي الناقد، إنه أبصر في المطبق ببغداد ، في أيام المقتدر ، رجلا مغلو" ، علي ظهره لبنة حديد ، فيها ستون رطلا ، وكان الرجل مظلومة ، راجع القصة مفضلة في كتاب الفرج بعد الشدة ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 183 .

وحبس المنصور بن أبي عامر ، مروان بن عبد الرحمن الأموي ، في المطبق ، فأقام في الحبس سنين ، وكتب يوما قصة يشكو فيها أمره ، فرفعت للمنصور ، فأخذها في جملة رقاع، ودخل إلي داره ، فجاءت نعامة كانت هناك ، فجعل يلقي إليها الرقاع، فتبتلعها ، ولما ألقي إليها رقعة الأموي ،

ص: 121

أخذتها ودارت ثم عادت فألقتها ، في حجره ، صنعت ذلك ثلاث مرات ، فتعجب المنصور ، وقرأ الرقعة ، وأمر بإطلاقه ، فسمي ؛ طليق النعامة ( المعجب للمراكشي 286).

وغضب المنصور ابن أبي عامر ، علي كاتبه ابي مروان عبد الملك الجزيري ، فسجنه في مطبق الزاهرة مدة . ( اعتاب الكتاب 196).

وفي السنة 477 حاصر شرف الدولة مسلم بن قريش ، صاحب الموصل ، أنطاكية ، وجرت حرب ، سقط فيها شرف الدولة قتيلا ، فأخرج أخوه إبراهيم بن قريش ، من السجن ، وكان أخوه قد سجنه ، وملكوه أمرهم ، وكان قد مكث في الحبس سنين كثيرة ، يحث أنه لم يمكنه المشي والحركة لما أخرج . ( ابن الأثير 10/ 139 - 141).

وهجا المؤيد الشاعر ، أبو سعيد عطاف بن محمد الألوسي ، المقتفي العباسي ، فحبسه، وظل في السجن عشر سنين ، وخرج من السجن أعمي ، فسافر إلي الموصل وتوفي بها سنة 557 . ( الاعلام 31/5 ) .

وفي السنة 570 اختلت الأحوال بحلب ، علي أثر وفاة السلطان الملك العادل نور الدين محمود ، وكان خلفه الملك الصالح إسماعيل في دمشق ، فحضر إلي حلب ، وكان المسيطرون في حلب ثلاثة أخوة ، مجد الدين ابن الداية ، وإليه قلعة حلب ، وأخوه شمس الدين علي وإليه أمور الجيش والديوان ، وبدر الدين حسن وإليه الشحنكية ، فلما وصل الملك الصالح إلي حلب ، خرج الناس الي لقائه ، وفي مقدمتهم بدر الدين حسن الذي يلي الشحنكية، فلما وقعت عليه عين السلطان ترجل ليخدم هو وأصحابه ، فتقدم عز الدين جرديك ، أحد القواد ، وأخذ بيده ، وشتمه ، وجذبه ، ثم أركبه خلفه رديفة وقبض سابق الدين أخوه في الحال ، وتخطف أصحابه بأجمعهم ، وأحتيط عليهم ، واصعدوا إلي القلعة ، فقبضوا علي مجد الدين ، وهو

ص: 122

مريض طريح الفراش ، فحمل إلي حيث الملك الصالح فاستقبله أحد مماليك نور الدين ، وركله برجله ركلة دحاه بها علي وجهه ، فانشقت جبهته ، وصدوا جميعا بالحديد ، وحبسوا في جب القلعة ، كما قتل أبو الفضل بن الخشاب رأس الشيعة في حلب ، وكان المتجرد في كل ما تقدم عز الدين جرديك الذي ولي من بعد ذلك مدينة حماة ، ثم أن الأمير جرديك قدم حلب يقترح علي الملك الصالح أن يتصالح مع صلاح الدين الأيوبي ، فغضب عليه الملك الصالح ، وأمر بحبسه ، فقبض عليه ، وثقل بالحديد ، وأخذ بالعذاب الشديد ، وحمل إلي الجب ، الذي فيه أولاد الداية ، فلما قدم جرديك ، وشد في وسطه الحبل ، ودلي إلي الجب ، وأحس به أولاد انداية ، قام إليه منهم حسن ، وشتمه أقبح شتم ، وسبه الأم سب ، وحلف بالله إن أنزل إليهم ليقتله ، فامتنعوا من تدليته ، فحضر الأمير سعد الدين إلي الجب ، وصاح علي حسن ، وشتمه ، وتوعده ، فسكن حسن ، وأمسك ، وأنزل جرديك إلي الجب ، فكان عند اولاد الداية ، وأسمعه حسن كل مكروه ( اعلام النبلاء 94-90/2)

وفي السنة 910 توفي عبد الرحمن بن عبد اللطيف الحلبي الجلومي المشهور بابن الفلكي ، ولي الحجوبية بطرابلس ، وعزل فعاد إلي حلب ، فد عليه بعض أعدائه عند السلطان الغوري ، انه ظلم الناس ، وانه كان يضرب الفلاح فيستجير بمحمد و ، فيقول له : أضربك إلي أن يخلصك مني محمد، فطلبه السلطان ، وحبسه بالعرقانة ، وهي سجن مظلم جدأ بالقاهرة ، فتركه في هذا السجن تسع سنين ، لم يحلق له فيها شعر ، ولم يقلم له ظفر ، فاختل بصره ، وطال شعره وأظفاره ، ثم أن أخته توسلت إلي زوجة السلطان ، فكلمت السلطان فأطلقه ( اعلام النبلاء 364/5 و365).

وكان قراجا باشا ، أول باشا في حلب عينته الدولة العثمانية لما استولت علي ديار الشام ، وكان الأمير عز الدين بن الشيخ مند اليزيدي ، أمير لواء

ص: 123

أكراد حلب ، فدس لدي قراجا باشا علي الأمير قاسم الكردي القصيري ، وقال لقراجا باشا : إن له تسع زوجات جمع بينهن ، فكتب بأمره إلي السلطان ، فطلب إلي الباب العالي السليمي ، فقتل هناك عند وصوله ، ثم أمر بولده جان بلاط فأبقاه بالسراي نحو ثمان سنين ، فلما تسلطن السلطان سليمان ، رافقه في فتح رودس ، ثم رقاه حتي باشر سنجق المعرة ، فقطع دابر المفسدين وقطاع الطرق ، وكان قد أعد لهم سجنا هو بئر عميقة ، وأشبعهم بلاء ( عذابا ) حتي حسم مادتهم ( اعلام النبلاء 87/6 و 88 ).

وفي السنة 1238 (1822 م ) قدم إلي الجزائر ، من تونس ، رجل من أولاد يونس ( بن علي باي ) والتجأ الي حاكم الجزائر ، فوهب له دارا في قسنطينة ، وأجري له جاريا بجميع ما يحتاج إليه ، وفي أحد الأيام ، هجم علي مجلس الباي رجل هائل القامة ، عاري البدن ، أظافره مثل أظافر النسر ، وكان يصيح بأنه يريد حكم الشرع، فأحضره الباي ، واستنطقه ، فأخبره بأنه منذ سنوات مسجون في سجن تحت الأرض ، لا يري فيه النور ، وسأله الباي عمن سجنه ، فقال : ابن يونس ، فأحضر الباي ابن يونس ، وسأله عن جلية الأمر ، فخرس لسانه ولجلج ، فانتهره الباي ، وقال له : لو لم تكن غريب الدار لفعلت بك مثلما فعلت به ، ولكن إذهب إلي دارك وحسبك الله ، فعاد ابن يونس إلي داره وهو مرعوب ، وهرب ليلا من قسنطينة ولجأ إلي الجبال ( مذكرات الزهار 150 ) .

ص: 124

3. المطمورة

المطمورة : حفيرة تتخذ في باطن الأرض ، ضيقة الفوهة ، كانت تتخذ لحفظ الحبوب ، ثم اتخذ ما يشبهها علي شكل حجر مظلمة تحت الأرض ، يوصل إليها دهليز مظلم ضيق لا ينفذ إليه النور ، قال خالد الكاتب يرثي متاعه :

لا جزاك الله خيرا عن فتي**** أيها العضو العديم المنفعة

طالما طوفت ساحات الوغي**** وفتحت القلعة الممتنعة

وتقحمت مطامير الهوي ****، فعرفت الضيق فيها والسعة

واتخذ المعتضد المطامير ، وجعل فيها صنوف العذاب ، وجعل عليها نجاح الحرمي ، المتولي لعذاب الناس ، فلما ولي المكتفي ، أمر بهدمها، وإطلاق من كان محبوسا فيها ( مروج الذهب 496/2 و 527).

وقبض المعتضد علي نديمه واستاذه أحمد بن الطيب الفيلسوف ، وحبسه في المطامير ، ثم قتله ، لأنه أفضي بسر من أسرار المعتضد، وصل إليه بحكم مجالسته إياه ، وذلك إن المعتضد أخبر غلامه بدرة بأنه علي أن يعزل عبيد الله بن سليمان وزيره ، عن الوزارة ، فدافعه بدر عن ذلك ، وكان أحمد الطيب حاضرة المجلس ، فأخبر عبيد الله بما دار من الكلام ، بعد أن أحلفه أن يستره ، فقلق عبيد الله ، وصار من غير إلي المعتضد، ومعه ثبت

ص: 125

بجميع ما يملك ، وتضرع إليه كي لا يعزله ، فأنكر المعتضد انه ارتأي ذلك ، وعنف بدرة علي إفشاء السر ، فحلف له أيمانا مغلظة علي براءته ، ثم اعترف عبيد الله بأن الذي أخبره هو أحمد بن الطيب ، فأمر به المعتضد إلي الحبس ، هذا ما ورد في كتاب إعتاب الكتاب ( ص 177 و 178 ) وقد ذكر صاحب تاريخ الحكماء ( ص 77 و 78 ) ان الذي حصلت معه القصة هو القاسم بن عبيد الله بن سليمان ، لما صار وزيرا للمعتضد .

وفي السنة 284 اتهم أبو هاشم بن صدقة الكاتب ، بمكاتبة القرامطة ، فاعتقل ، وقيد ، وحبس في المطامير . ( الطبري 64/10 ).

وفي السنة 285 قطع صالح بن مدرك الطائي علي الحاج بالأجفر ، واستباح القافلة وأخذ جماعة من النساء الحرائر والمماليك ، وقيل إنه أخذ من القافلة بقيمة ألفي ألف دينار ( الطبري 67/10 )وفي السنة 287 واقع الجند العباسي طيئا ، ووافي أبو الأغر ، مدينة السلام ومعه راس صالح بن مدرك هذا، وراس غلام له أسود ، وأربعة أساري من بني عم صالح ، فنصبت الرؤوس علي رأس الجسر الأعلي بالجانب الشرقي ، وأدخل الأسري المطامير ( الطبري 74/10 و75 ).

أقول : ورد هذا الخبر ، في بحث المطبق ، منقولا عن مروج الذهب ، وقد أثبتناه في هذا البحث لاشتماله علي تفصيل أكثر .

وفي السنة 287 التقي جيش عمرو بن الليث الصفار ، وجيش اسماعيل بن احمد الساماني ، فأسر عمرو ، وبعث به الساماني إلي بغداد ، فحبسه المعتضد في مطمورة ( النجوم الزاهرة 3/ 119) .

أقول : اقرأ في بحث الإشهار في القسم الأول من الفصل الثاني من الباب الخامس من هذا الكتاب ، كيفية دخول عمرو بن الليث مشهرا إلي بغداد ، حيث عرض علي المعتضد، ثم حبس .

ص: 126

وكان من جملة الأسباب التي دعت الغلمان الحجرية والساجية ، إلي الأتفاق علي خلع القاهر العباسي ، إنه حفر في دار الخلافة نحو خمسين مطمورة تحت الأرض ، وأحكم أبوابها ، فقيل لهم إنه لمقدمي الساجية والحجرية ، فاتفقوا علي خلعه ، وخلعوه ، وساروا به إلي الحبس الذي كان قد حبس فيه قائدهم طريف السبكري ، فأخرجوا طريفة من الحبس ، ووضعوا القاهر فيه ( ابن الأثير 281/8 ).

وكان أبو العشائر محمد بن علي المعروف بابن البلالي ، غاليا في التسنن ، وكان يقول : إن بلالأ خير من موسي بن جعفر ومن أبيه ، فنفاه الوزير القمي الشيعي الي واسط ، وكان ناظرها غالية في التشيع ، فطرحه في مطمورة ، فمات فيها وانقطع خبره ( شذرات الذهب 43/5 ) .

وكان المؤيد الألوسي الشاعر ( 494 - 557 ) ، لجأ إلي خدمة السلطان مسعود السلجوقي ، وتعرض لذكر المقتفي العباسي بالسوء ، فقبض عليه المقتفي وحبسه في مطمورة أكثر من عشر سنين ، ولما مات المقتفي أخرجه المستنجد، وقد غشي بصره من ظلمة المطمورة . ( وفيات الأعيان 346/5 و347 ).

ولما توفي الوزير بن هبيرة في السنة 560 قبض علي ولديه ، فهرب أحدهما من السجن في السنة 561 ثم أعيد إلي الحبس فرمي به في مطمورة ، ولما أرادوا قتله أدلوا إليه حبلا ، فتعلق به وصعد. ( المنتظم 218/10)

وفي السنة 610 غضب الخليفة الناصر علي فخر الدين إسماعيل بن علي الرفاء ، المعروف بغلام ابن المني ، فقطع لسانه ، وألقاه في مطمورة ، فمات فيها ( الوافي بالوفيات 159/9 ).

وكان أبو إبراهيم اسماعيل بن حجاتن الرجراجي المغربي ، من

ص: 127

الأوتاد ، وغلبت عليه أحوال المشاهدة ، وكان لا يتكلم إلا بالعربي الفصيح ، وتكلم ذات يوم في الجامع ، فتكلم في حق العامل بكلام خاف منه الناس علي أنفسهم ، وخرجوا من المسجد كلهم ، وخرج العامل ، فقيل له : هذا هو الذي تكلم في المسجد بما سمعته ، فقال : احملوه إلي السجن ، وقيدوه ، وأجعلوه في مطمورة عميقة ، ففعلوا ما أمرهم به العامل ، وبعد ساعة أبصره ماشية ، فغضب ، وقام بنفسه ، وحمله إلي السجن ، وجعل علي رجليه كبلين ، وده بالحبل في حفرة ، وجعل عليها لوحا، وأمر رجالا يجلسون عليه ( التشوف إلي رجال التصوف لابن الزيات ص 359) .

ص: 128

4 - الحبس في الجب

الجب : البئر العميقة ، والجب والمطبق متقاربان ، بل متماثلان ، في الضيق ، والظلمة ، والوحشة ، إلا أني أفردته بالبحث لاختلاف الاسم ، وإلا فإنهما واحد .

وقد روي لنا المؤرخون أن المهدي حبس يعقوب بن داود في بئر بنيت عليها قبة ، فمكث في حبسه خمس عشرة سنة ، يدلي له في كل يوم رغيف وكوز ماء ، ويؤذن بأوقات الصلاة ، إذ أن نور النهار لا ينفذ إلي موضعه ، فلم يكن يفرق بين الليل والنهار ، وإن هارون الرشيد لما أطلقه ، أمر من دلي إليه حبلا ، وطلب منه أن يشد به وسطه ، ففعل ، فأخرجوه ، فلما تأمل الضوء غشي علي بصره ( وفيات الأعيان 25/7 والطبري 159/8 والعيون والحدائق 278/3 والفرج بعد الشدة القصة رقم 183 ).

وفي السنة 223 تأمر بعض القواد علي المعتصم ، ومنهم أحمد بن الخليل ، فأمر المعتصم به أن يحمل علي بغل ، بإكاف بلا وطاء ، وأن يطرح في الشمس إذا نزل ، ويطعم في كل يوم رغيفا واحدة ، ثم أمر أشناس فدفعه إلي محمد بن سعيد السعدي ، فحفر له بئرا في الجزيرة بسامراء ، وأنزله فيها ، وأطبقها عليه ، وفتح له كوة يرمي إليه منها بالخبز والماء ، فسأل عنه المعتصم ، فأخبر بالمكان الذي هو فيه ، فقال : أحسب إنه قد سمن علي هذه الحال ، فأخبر أشناس محمد بن سعيد بذلك ، فصب عليه ماء في البئر

ص: 129

ليمتليء ويغرق ، فلم يمتليء البئر ، فسلمه أشناس الي غطريف الجندي ، فمكث عنده أيامأ ومات ( الطبري 87/9 ).

وفي السنة 500 أقطع السلطان محمد السلجوقي ، الأمير جاولي سقاوو ، الموصل ، وكان من قبل ذلك في خوزستان وفارس ، وأساء السيرة في أهلها ، فقطع أيديهم ، وجدع أنوفهم ، وسمل أعينهم ، فلما سار إلي الموصل ، تصدي له صاحبها جكرمش ، وقاتله ، وفر أصحاب جكرمش، وبقي هو لا يقدر علي الفرار لأنه كان مصابة بالفالج ، يحمل في محقة ، فأسره جاولي ، وسجنه في جب، ووكل به حراسا لئلا يسرق ، وتوفي في سجنه ( ابن الأثير 424/10 و425) .

وكان الملك الكامل صاحب مصر ، حصر آمد، وفتحها، وأخذ صاحبها محمود بن محمد بن قرا أرسلان إلي مصر ، وأكرمه ، فكاتب محمود الروم ، وسعي في هلاك الكامل، فحبسه في الجب مدة ، ثم أطلقه ، فذهب إلي التار، فقتلوه في السنة 617 ( النجوم الزاهرة 250/6 ).

وغضب الملك الكامل ، صاحب مصر ، علي صلاح الدين الإربلي ، فحبسه في الجب سنتين ، ثم أخرجه ، وتوفي الصلاح سنة 631 . ( النجوم الزاهرة 286/6 ).

وفي السنة 655 قبض بالقاهرة علي الأتابك سنجر الحلبي ، وأنزلوه إلي الجب بالقلعة . ( النجوم الزاهرة 42/7 ) .

وفي السنة 710 اعتقل السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، نائب حلب الأمير أسندمر كرجي ، وحمل إلي القاهرة ، وأعتقل بالقلعة ، وبعث يسأل السلطان عن ذنبه ، فأعاد جوابه : مالك ذنب إلا أنك قلت لي لما ودعتك عند سفرك : يا خوند ، لا تبق في دولتك كبشأ كبيرة ، ولم يبق عندي كبش كبير غيرك . ( النجوم الزاهرة 27/9 ).

ص: 130

وكانت بالهند قلعة اسمها : الدويفير ، فيها سجن أهل الجرائم العظيمة ، في جباب بها ( جمع جب ، وهو البئر العميقة ) ، وبها فيران كبار الحجم ، أعظم من القطط ، بحيث أن القطط تهرب منها ، قال الرحالة ابن بطوطة ، إنه رآها هناك ، وإن الملك خطاب الافغاني ، أخبره إنه كان مسجون هناك ، في جب بهذه القلعة ، يسمي : جب الفيران ، فكانت تجتمع عليه ليلا ، وتهاجمه ، فيقاتلها ، ويلقي من ذلك جهدأ ، وكان سبب خروجه من هذا الجب ، إن الملك ( مل ) كان مسجون في جب يجاوره، فمرض ، وأكلت الفيران أصابعه وعينيه ، فمات ، وبلغ السلطان ذلك ، فأمر بإخراجه ، وكان السلطان في ذلك الحين ، السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند [ 725 - 752 ] مهذب رحلة ابن بطوطة 169/2 و 170 .

وفي السنة 769 قبض السلطان الأشرف ، علي جماعة من المماليك ، ووجه بهم إلي قلعة الكرك ، حيث سجنوا في جب مظلم ( بدائع الزهور 71/2/1)

وفي السنة 788 مات أمير المدينة هيازع بن هبة الحسني ، في سجن سلطان مصر ، وكان قد غضب عليه، وأعتقله بمصر، ثم أرسله إلي الإسكندرية فأبقاه محبوسة في الجب ، إلي أن مات . ( الاعلام 113/9)

وفي السنة 791 أمر الأمير الكبير منطاش بالقاهرة ، بأن تخلي خزانة الخاص ، مما فيها من الصناديق ، وأن تسد شبابيكها ، وبابها ، وأن يفتح لها من سقفها طاق ، لتتخذ جبا يحبس بها من يراد حبسه. (تاريخ ابن الفرات 161/9)

وفي السنة 975 كان الإمام الزيدي ، المطهر ، يحاصر صنعاء اليمن ، وكان أمير صنعاء العثماني محمد بك قزل باش ، فأستسلم للإمام ، ونزل هو

ص: 131

وقواده علي أمان المطهر ، فأعتقلهم ، وجعل كل أمير من الأمراء في بئر ، علي فوهته عدد من الرقباء والحراس ، يدلي إليه في كل يوم قليل من الماء والطعام ( البرق اليماني 183 ).

وفي السنة 976 فر الأمير عبد الله الداعي الهمداني ، من حبس الإمام المطهر الزيدي ، فندم لأنه لم يقيده ، وكان عنده عدة أمراء عثمانيين من كبار القواد قد سجنهم في آبار محفورة ، فأمر فقيد كل أمير منهم بنصف قنطار من الحديد الموزون ( البرق اليماني 228 و 229) .

ص: 132

5-الحبس في السرداب

السرداب : فارسية ، معناها : الماء البارد ( شفاء الغليل 105)، وهو حجرة في باطن الأرض ، تتخذ تحت مستوي أرض الدار ، وقد اتخذ السرداب في الأصل ، ليستكن فيه من يريد الاحتماء من وقدة الشمس إبان القيظ ، فإن كانت الحجرة للعقوبة ، تركت من دون كوة ، ولا نافذة ، ولا منفذ لها إلا الباب ، فساءت تهويتها ، وشاعت الظلمة فيها ، وأصبحت مماثلة للمطبق من جميع الجهات .

أما إذا أريد بها التنعم في الصيف ، فيتخذ للسرداب ، كوي لجلب الضوء ، ومنافذ لجر الهواء تسمي : البادكير أو البادهنج ، راجع وصف ذلك في حاشية القصة 180 من كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف .

حبس المنصور ، عبد الله بن الحسن ، وأقاربه من بني الحسن ، في سرداب تحت الأرض ، لا يعرفون ليلا ولا نهارا ، والسرداب عند قنطرة الكوفة ، ولم يكن عندهم بئر للماء ، ولا سقاية ، فكانوا يبولون ويتغوطون في موضعهم ، وإذا مات منهم ميت ، لم يدفن ، بل يبلي وهم ينظرون إليه ، فاشتدت عليهم رائحة البول والغائط ، فكان الورم يبدو في أقدامهم ، ثم يترقي إلي قلوبهم ، فيموتون ، ويقال : إن أبا جعفر ، ردم عليهم السرداب فماتوا . وكان يسمع أنينهم أيام (النجوم الزاهرة 4/2) .

ص: 133

ومات إسماعيل بن الحسن ، فترك عندهم ، حتي جيف ، فصعق أخوه داود ، ومات ( مروج الذهب 236/2 ) وقيل إن بعضهم وجدوا مسمرين في الحيطان ( اليعقوبي 370/2 ).

وغضب الأمين علي عمه إبراهيم المهدي ، فأمر به ، فحبس في سرداب في داره ، راجع القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 185 .

ولما اعتقل المعتصم ، ابن اخيه العباس بن المأمون ، وقتله ، لاتهامه إياه بالتآمر عليه ، اعتقل أشقاءه ، أولاد سندس من المأمون ، ودفعهم إلي القائد إيتاخ ، فحبسهم في سرداب من داره ، حيث ماتوا .

وكان من أراد المعتصم أو الواثق ، قتله ، فعند إيناخ يقتل ، وبيده يحبس ، منهم محمد بن عبد الملك الزيات ، وأولاد المأمون من سندس ، وصالح بن عجيف وغيرهم ( الطبري 79/9 و 167).

وفي السنة 444 قبض عيسي بن خميس بن مقن ، علي أخيه أبي غشام صاحب تكريت ، بها، وسجنه في سرداب بالقلعة ، واستولي علي تكريت . ( ابن الأثير 591/9 ).

وفي السنة 528 قبض الخليفة المسترشد العباسي ، علي نظر الخادم ( الخصي ) ببغداد ، وحبسه في سرداب ، واستصفي أمواله فلما انكسر عسكر المسترشد في السنة 529 وأسره السلطان مسعود ، طلب مسعود من المسترشد أن يطلقه ، فأطلقه ( المنتظم 46/10 ) .

ص: 134

6- الحبس في زورق مطبق

والزوارق المطبقة ، تحاط من جهاتها بحواجز من الخشب أو الحديد ، تحول دون رؤية ما في داخلها ، كما تحول بين من في داخلها ورؤية ما في الخارج ، وهي - في العادة - تتخذ واسطة لنفي من يراد نفيه ، أو نقله إلي موضع من المواضع البعيدة ، بحيث يكون في داخل الزورق ، وكأنه في حبس منفرد .

وقد يتخذ الزورق نفسه ، موضعا لسجن من يراد سجنه ، كما صنع الطيب بن يحيي ، صاحب حرس الحسن بن سهل ، قائد المأمون ، فإن الحسن لما قبض علي زيد بن موسي بن جعفر العلوي ، الذي خرج بالبصرة ، وأحمد بن محمد بن عيسي الجعفري ، أسلمها إلي صاحب حرسه ، الطيب بن يحيي ، فضيق عليهما ، بأن حبسهما في سفينة ، وأطبق عليها ألواحأ ، وجعل لها فتحأ يدخل منه الطعام والشراب ، وعندهما دث مقطوع الرأس ، يحدثان فيه ، فإذا كاد أن يمتليء ، أخرج ، فرمي ما فيه ، ثم رد ، راجع التفصيل في القصة رقم 403 من كتاب الفرج بعد الشدة اللقاضي التنوخي ، تحقيق مؤلف هذا الكتاب .

أما فيما يتعلق باللون الأول ، وهو نفي المطلوب نفيه في الزوارق المطبقة ، فقد مارسه الوزير أبو الحسن بن الفرات ، مع سليمان بن الحسن بن مخلد وكان الوزير ابن الفرات قد أحسن إلي سليمان بن الحسن

ص: 135

بن مخلد ، وقلده ديوان الخاصة ، ولكن سليمان سعي عليه لدي الخليفة ، فقبض ابن الفرات عليه ، وأنفذه إلي واسط ، في زورق مطبق ، وصودر ، وعذب بواسط : راجع كتاب نشوار المحاضرة 191/8 رقم القصة 82.

وفي السنة 321 أمر علي بن يلبق بالقبض علي البربهاري ، رئيس الحنابلة ، فاستتر ، وقبض علي جماعة من كبار أصحابه ، وجعلوا في زورق مطبق ، وأحدروا إلي البصرة . ( تجارب الأمم 260/1 و 261 ).

وفي السنة 350 ثارت فتنة في بغداد ، بين العلويين والعباسيين ، وكان الوزير أبو محمد المهلبي ، وزير معز الدولة ، قد غضب علي محمد بن الحسن بن عبد العزيز العباسي ( الهاشمي ) ، فقال : طبقوا عليه زورقا و آنفوه إلي عمان ، فراسله الخليفة المطيع ، فعفا عنه ، وتلقط خلقا من أحداث الهاشميين ، فجعلهم في زواريق ، وطبقها عليهم ، وسمرها ، وأنفذها إلي بصني وبيرون فحبسهم في حبوس ضيقة هناك ، ودور تجري مجري القلاع، راجع القصة علي تفصيلها في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للتنوخي ، رقم القصة 37/1 .

ص: 136

القسم الثالث : الحبس بقصد الاهانة

اشارة

1 - الحبس في الكنيف

2 - الحبس في الاصطبل

3 - الحبس في دار المجانين

4 - الحبس في قفص

ص: 137

ص: 138

1- الحبس في الكنيف

الحبس في الكنيف ، جرت ممارسته بقصد الإذلال .

وأول من مارس هذا اللون من العذاب ، علي ما بلغنا ، المأمون ، وهذا أمر مستغرب من صدوره من مثله ، مع ما عرف من فضله وكريم خلقه ، مارسه مع جاريته غريب ، لما وقف علي أنها تتعشق أحد الفتيان ، فقد كانت عريب المأمونية ، تعشق محمد بن حامد، وكانت تلقاه في الوقت بعد الوقت ، فلما وقف المأمون علي خبرها مع محمد بن حامد ، أمر بإلباسها جنية صوف ، وختم زيقها ، وحبسها في كنيف مظلم شهرة لا تري الضوء ، يدخل إليها خبز وملح وماء ، من تحت الباب في كل يوم ، ثم ذكرها ، فرق لها ، وأمر بإخراجها ، وظلت علي محبة محمد بن حامد ، فزوجه المأمون بها ( الاغاني 68/21 و 69 ).

وعذب بهذا اللون من العذاب ، أبو ايوب سليمان بن وهب ، وكان يكتب لإيتاخ الخزري ، القائد ، وكان إيناخ عظيمة في دولة المعتصم والواثق ، فلما قبض المتوكل علي إيتاخ قبض علي كاتبه سليمان بن وهب ، وسلمه إلي إسحاق بن إبراهيم المصعبي وقال له : هذا عدوي ، ففضل لحمه عن عظمه ، وإن إسحاق أخذه فقيده بقيد ثقيل ، وألبسه جبة صوف ، وحبسه في كنيف ، وأغلق عليه خمسة أبواب ، فكان لا يعرف الليل من النهار ، وأقام علي ذلك عشرين يوما ، لا يفتح عليه الباب إلا دفعة واحدة في كل يوم

ص: 139

وليلة ، يدفع إليه فيها خبز وملح جريش ، وماء حار ، فكان يأنس بالخنافس وبنات وردان ، ويتمني الموت من شدة ما هو فيه للتفصيل راجع كتاب الفرج بعد الشدة تحقيق المؤلف القصة رقم 73.

وأحضر الوزير حامد بن العباس ، المحسن بن الفرات ، فصفعه صفعأ عظيمة ، ثم ردوه إلي الحجرة التي كان فيها ، وحبسوه في الكنيف ، ودلوا رأسه في بئره ( الوزراء للصابي 264).

والظاهر أن الحبس في الكنيف ، كان في تلك الأيام متعارف ، إلي درجة أن معز الدولة البويهي ، كان أول تهدي هدد به وزيره الصيمري ، أن يحبسه في الكنيف ، راجع القصة 47/1 من كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي، وروي السيوطي ، في كتاب تحفة المجالس ، ونزهة المجالس ، ص 331 قصة غلام يروي لسيده ، إنه في سبيل تعديل آعوجاجه ، حبس ، وضرب ، وقيد ، وعوقب ، وألبس الصوف ، وببيت في الكنيف ، ولم يرعو .

وفي السنة 1205 (1790 م ) توقي الأمير محمد باشا المجاهد ، صاحب الجزائر ، فخلفه الخزناجي حسن ، فأصبح حسن باشا ، وبعد أن تمت بيعته ، أصدر أمره باعتقال علي أغا ، الذي كان يزاحمه في طلب الولاية ، فاعتقل ، وحبس

في مطهرة ( حمام أو كنيف ) ( مذكرات الزهار 51و52)

ص: 140

2 - الحبس في الاصطبل

والحبس في الإصطبل ، يراد به الإذلال كذلك ، وإن كان أقل أذي من الحبس في الكنيف .

وقد مارس هذا اللون من العذاب ، الأمير منطاش بالقاهرة ، فإنه في السنة 791 طلب من العلامة شمس الدين الركراكي ، أن يكتب بتأييد الفتوي الصادرة ضد الملك الظاهر ، فأبي ، فأمر به فضرب مائة ضربة ، وسجن بالاصطبل . (بدائع الزهور 418/2/1 والنجوم الزاهرة 362/11 وتاريخ ابن الفرات 162/9 ).

وفي السنة 1246 اتهم عامل حمص الشاعر أمين الجندي بأنه قد هجاه فحبسه في الإصطبل فاتفق بعد أربعة أيام أن هجم جماعة علي العامل وقتلوه ، وأطلقوا الشاعر الجندي من سجنه ( أعيان القرن الثالث عشر 40 ) .

ص: 141

3- الحبس في دار المجانين

تناول القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي (ت 447 ) الكافي أبا عبد الله القنائي ، بكلام قبيح ، وبلغ ذلك الكافي ، فلام التنوخي ، وقال له : يا قاضي ، ما فعلت معك قبيحا يقتضي طعنك علي ، فقال له : با مولانا ، أنا مجنون ، فقال : إذا كنت مجنونة ، فالمارستان لمثلك عمل ، وفي حملك إليه ومداواتك فيه ، ثواب ومصلحة ، وكف لك عن الناس ، ونادي العريف الذي علي بابه ، وقال له : احمله الي المارستان ، وأحبسه مع إخوانه المجانين ، فأخذ، وحمل إلي المارستان ، وحبس فيه ، فركب المرتضي والرؤساء إلي الكافي ، وكلموه فيه ، حتي أطلق ( معجم الأدباء 307/5 و 308) .

وفي السنة 626 نقل عن عبد الله بن إسماعيل ببغداد ، ما اقتضي إحضاره إلي دار الوزارة ، فضرب مائة عصا ، وقطع لسانه ، وحمل إلي المارستان العضدي ، وحبس في حجرة المجانين ( الحوادث الجامعة 4 ).

وفي السنة 626 ظهرت خيانة علي عبد العزيز القبيطي ، المكلف بحفظ الحوائج في مخزن المارستان العضدي ، حيث جري جرد ما هو موجود في المخزن ، وسئل صاحب المخزن وخازن المارستان ، والطبيب ، والقوام ، فاتفقوا علي أن الموجود من الحوائج في المخزن تكفي مرضي المارستان سنة كاملة ، وكان ابن القبيطي قد أنهي أن المارستان خال من

ص: 142

الحوائج ، وأنه يشتري ما يحتاج إليه المرضي ، فأمر به فصفع إلي أن وقع علي الأرض ، وتقدم بحمله إلي حجرة المجانين ، فحبس بها مسلسلا ( الحوادث الجامعة ص 1).

وفي السنة 628 جيء بإنسان من همذان ادعي ان له اتصالا بالخليفة المستنصر ، فقطع لسانه ، وحبس بالمارستان ( الحوادث الجامعة 24) .

وفي السنة 699 ادعي أبو العباس الملثم أحمد بن عبد الله بن هاشم ( 658 - 740 ) إنه المهدي فحبسوه عند المجانين ، ثم أراد الفقهاء أن بشنقوه ، فأرسل إليه القاضي تقي الدين بن دقيق العيد أن يظهر التجانن ، نكسر الكوز الذي عنده فيه الماء ، وكسر الزبدية التي فيها الطعام ، وشطح في الناس ، فحكم القاضي بأنه مجنون ، وأطلقه ( الدرر الكامنة 197/1 -200)

وفي السنة 781 قبض بالقاهرة علي رجل ادعي النبوة ، وأنه من مضر ، وأن الوحي يجيئه تارة بواسطة جبرائيل ، وتارة بواسطة ميكائيل ، وأنه أنزل عليه قرآن خاص به ، فضرب بالمقارع، وسجن مع المجانين بالمارستان ، ثم رجع عن قوله فأفرج عنه . ( بدائع الزهور 249/2/1 ).

وأمر أحد القضاة بالفقيه الشيخ محمد بن محمد الزغبي الدمشقي (ت 978) فحبس بالبيمارستان ( دار المجانين ) ( الكواكب السائرة 3/ 34).

ص: 143

4 - الحبس في قفص

وفي السنة 347 فتح القائد جوهر ، مدينة سجلماسة ، واعتقل صاحبها الشاكر لله محمد بن الفتح بن ميمون من آل مدرار ، وساقه أسيرة إلي المهدية ، ومعه أحمد بن أبي بكر اليفرني ، أمير فارس ، وخمسة عشر رجلا من أشياخها ، ودخل بهم إلي المعر ، وهم بين يديه في أقفاص من خشب ، علي ظهور الجمال ، وعلي رؤوسهم قلانس من لبد، مستطيلة ، مثبتة بالقرون ( الاعلام 78/8 ).

وفي السنة 548 حارب السلطان سنجر شاه السلجوقي ، الترك ، فكسروه ، وأسر وه ، ووضعوه في قفص من حديد ، فبقي فيه مدة ، وهو يخدم نفسه ، وليس معه أحد . ( عيون التواريخ 465 و466 والنجوم الزاهرة د/ 309) .

وفي السنة 550 قتل نصر بن عباس ، الخليفة الظافر الفاطمي ، بأمر من أبيه عباس ، وزير الظافر ، فقصدهما الملك الصالح طلائع بن رژيك ، قفا إلي الشام ، وقتل عباس ، وقبض علي نصر فأعيد إلي القاهرة ، في قفص من حديد . (النجوم الزاهرة 310/5 ) .

وفي السنة 635 حصر بدر الدين لؤلؤ ، الملك الصالح أيوب بن الكامل ، بسنجار ، فأرسل إليه الصالح يطلب الصلح ، فقال : لا بد من حمله في قفص . ( النجوم الزاهرة 299/6 ) .

ص: 144

ويروي أن تيمور كوركان ، المعروف بتيمورلنك ، وكان أعرج ، لما انتصر علي السلطان بايزيد العثماني ، وأسره ، وكان أعور ، حبسه في قفص ، وكان يحمله معه أينما رحل ، ويحضره في أوقات فراغه ، فيحادثه ، وراه في أحد الأيام ، كئيبأ منكسرة ، فقال له : أحسبك تذكرت ضياع ملكك فأكتأبت ؟ إن هذه الدنيا لو كانت تساوي في نظر الخالق شيئا ، لما تركها مقسومة بين أعرج وأعور .

ولما فتح الشاه عباس الصفوي بغداد ، في السنة 1032 وأسر بكر الصوباشي ، وضعه وأخاه عمر ، في قفص من حديد . ( تاريخ العراق للعزاوي 165/4- 181 ).

وفي السنة 1185 تولي سليمان شاه بن أحمد شاه ، الإمارة في قندهار ، فخرج عليه أخوه تيمورشاه في هراة ، وحارب أخاه سليمان ، فظفر به ، وحبسه في قفص ، وظل في حبسه في القفص حتي مات ( أعيان القرن الثالث عشر 277) .

واشتبك الأخوان محمود شاه (1207- 1247) وشاه شجاع ، ولدا تيمورشاه ملك الأفغان ، في تنازعهما علي السلطان ، فأنفل جيش شاه شجاع ، فاستنجد بعطا محمد والي كشمير ، فنهد إليه علي رأس خمسة آلاف من الجنود ، ولكنه لما وافي ، قبض علي شاه شجاع، وحبسه في قفص ، وحمله معه إلي كشمير ( اعيان القرن الثالث عشر 284 ) .

وآخر من عوقب بالحبس في قفص ، علي ما بلغنا ، أمير هندي ، من أمراء البيت المالك في دهلي ، فإنه قابل الأميرة جهان بيكم ، ابنة الأميرة سكندر بيكم ، أميرة بهوبال (ت 1285 ه 1868 م ) وطلب الاقتران بها ، وكانت المقابلة في بيت أحد أقاربها، وبلغ الأميرة سكندر بيكم ذلك .

ص: 145

فأمرت بابنتها ، فضربت ضربا مبرحا ، وحبستها في غرفتها أشهرا ، وأمرت بالأمر ، فوضع في قفص ، وعلق القفص علي باب القلعة في بهوبال ، وظل الأمير معلقا شهورا ، حتي توسط الإنكليز في إطلاق سراحه ، فعفت عنه ، وأطلقت سراحه ( اعلام النساء 201/2 ).

ص: 146

الفصل الثاني : القيد والغل والمسوح وجباب الصوف

اشارة

ص: 147

ص: 148

القسم الأول : القيد والغل

أسلفنا ان القيد في اللغة كل ما يمنع من التصرف ، جمعه قيود وأقياد ، ومنه أخذ القيد الذي هو التسجيل في الدفاتر لكي تضبط الكلمة فلا تضيع ، قال النبي صلوات الله عليه : قيد الإيمان الفتك ، ومعناه : إن الإيمان يمنع من الفتك ، كما يمنع القيد صاحبه عن التصرف ، وقال امرؤ القيس ، يصف فرسه :

وقد أعتدي والطير في وكناتها ****بمنجرد قيد الأوابد هيكل

أراد إنه لسرعته كأنه يقيد الأوابد، التي هي الحمر الوحشية ، فكأنه يقيدها فيلحقها .

والغل : طوق حديد يوضع في اليد أو العنق ، وقال صاحب لسان العرب : الغل ، وجمعه أغلال ، هو الجامعة التي توضع في العنق أو اليد ، واستدل علي ذلك بقوله تعالي : ولا تجعل يدك مغلولة إلي عنقك ، يعني ممسوكة عن الإنفاق ، وقال : إن الغل يكون من القد أو الحديد .

والجامعة : القيد إذا ربط اليدين بالعنق ، فجمعها معأ ، والجمع في اللغة الضم والتأليف ، ومنه يوم الجمعة ، والمسجد الجامع ، لأن الناس يجتمعون فيه ، وتسمي المزدلفة جمعة ، لأن الناس يجتمعون فيها .

وممارسة العذاب بالقيد والغل ، قديمة ، قدم الحبس ، وكان أكثر

ص: 149

المحبوسين يقيدون ويكتلون ، حتي أن هدبة بن الخشرم الشاعر ، وكان قد حبس ليقتل قودا ، لارتكابه جريمة قتل ، فإنه لما حبس ، أثقل بالقيود ، ولما دخلت عليه امرأته السجن ، دخلت إلي رجل قد طال حبسه ، وأنتنت في الحديد رائحته ( الاغاني 266/21 ).

وكتب معاوية بن أبي سفيان ، إلي زياد بن أبيه ، أن يطلب عبد الله بن هاشم المرقال ، أشد الطلب ، فإذا عثر عليه فأحلق رأسه ، وألبسه جبة شعر ، وقيده ، وغل يده إلي عنقه ، وأحمله إلي علي قتب بغير وطاء ولا غطاء ، ( شرح نهج البلاغة 30/8 و31) .

أقول : كان هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، الملقب بالمرقال ، من أصحاب علي ، وكان شديد الوطأة علي معاوية وأصحابه في معارك صفين ، وكان ولده عبد الله مثله في شجاعته وشدة وطأته علي أهل الشام ، وقتل هاشم في إحدي معارك صفين ، فلما انقضي أمر صفين ، وصالح الحسن معاوية ، اشترط معاوية علي نفسه أن لا بطلب أحدا من أصحاب علي بما كان منهم قبل المصالحة ، فلما تم الصلح ، حنث بما تعهد به ، وطلب أصحاب علي ، فمنهم من قتله مثل عمرو بن الحمق الخزاعي ، وحجر بن عدي وأصحابه ، ومنهم من حبسه مثل عبد الله بن هاشم المرقال ، راجع تفصيل القصة في كتاب شرح نهج البلاغة 30/8 - 33.

ولما قتل الحسين عليه السلام ، وأصحابه ، في موقعة الطف ، أرسل عبيد الله بن زياد رأس الحسين ورؤوس أصحابه ، إلي دمشق ، وحمل مع الرؤوس نساء الحسين وبناته وصبيانه ، وفيهم علي بن الحسين ( زين العابدين ) وكان صبيا مريضة ، فوضع ابن زياد الغل في يديه وفي عنقه ، وحمل الجميع علي الأقتاب ( ابن الأثير 83/4 والطبري 460/5 ) .

ص: 150

ولما قتل الحسن عليه السلام بالعراق في السنة 61 ، أخذ عبد الله بن الزبير يدعو إلي نفسه ، ويبايع الناس بمكة ، فبلغ ذلك يزيد ، فحلف ليوثقنه في سلسلة ، وبعث إلي الحجاز بسلسلة من فضة ، ليوثق بها ، وبرنس ختر ، فبلغ ذلك ابن الزبير ، فقال : ( الطبري 475/5 و476) .

إني لمن نبعة صم مكاسرها ****إذا تناوحت القصباء والعشر

فلا ألين لغير الحق أسأله ****حتي يلين لضرس الماضع الحجر

وقال عبيد الله بن الحر ، لما حبسه مصعب بن الزبير ، يصف أقياده ( الطبري 131/6 ).

فمن مبلغ الفتيان أن أخاهم ****أتي دونه باب شديد وحاجبه

بمنزلة ما كان يرضي بمثلها ****إذا قام عته كبول تجاذبه

علي الساق، فوق الكعب، أسود صامت****شديد بداني خطوه ويقاربه

وقال أبو محجن الثقفي ، لما حبس من قصيدة : ( الاغاني 5/19) .

إذا قمت عناني الحديد وغلقت**** مصاريع من دوني تصم المناديا

وقد شفت جسمي أنني كل شارق ****أعالج كب مصمتا قد برانيا

وللبغداديين ، اصطلاح عامي بغدادي ، يطلق علي الموغل في الشر ، فهم يسمونه : سيبندي ، فارسية وتعني المربوط من ثلاث ، إذ كان الشرير يحبس ، فإن زاد شره حبس مقيدة ، فإن أوغل في الشر، قد ساقاه ، وربطت إحدي يديه معهما ، وتركت له يد واحدة يقضي بها حاجاته ، راجع موسوعة الكنايات العامية البغدادية للمؤلف ج 2 ص 180 .

من طريف مايذكر أن المسجونين في سجن بغداد يكنون عن

ص: 151

المسجونين الذين لم تقيد أرجلهم بالسلاسل والقيود ، بأنهم حفاة ، ويكنون عن الردهة التي تضم المسجونين الذين لم تقيد ارجلهم بالسلاسل «قاووش الحقاي ».

أقول : القاووش ، تركية ، معناها الردهة ، اي الحجرة الواسعة ، والحفاي : جمع عامي بغدادي مفرده : الحافي ، والجمع الفصيح : الحفاة ، راجع موسوعة الكنايات العامية البغدادية للمؤلف ج 2 ص 298 .

ومن طريف ما يذكر في أخبار القيد ، إن الفرزدق الشاعر ، قيد رجله بالحديد ، والي علي نفسه ألا يحل قيده حتي يحفظ القرآن ، وسبب ذلك : إن غالب بن صعصعة ، وفد علي الإمام علي ، ومعه ابنه الفرزدق ، فقال له : من أنت ؟ قال : غالب بن صعصعة ، قال : ذو الإبل الكثيرة ، قال : نعم ، قال : ما فعلت إبلك ؟ قال : أذهبتها النوائب ، وزعزعتها الحقوق ، قال : ذاك خير سبلها ، ومن هذا الغلام معك ؟ قال : ابني ، وهو شاعر ، فقال له : علمه القرآن فهو خير له من الشعر ، فكان ذلك في نفس الفرزدق ، حتي قيد نفسه ، والي ألا يحل قيده حتي يحفظ القرآن ، فما حله ، حتي حفظه ، وذلك حيث قال : ( شرح نهج البلاغة 21/10 و 22 ).

وما صب رجلي في حديد مجاشع ****مع القد إلا حاجة لي أريدها

أقول : لقول الإمام علي ، في غالب ، إنه صاحب الإبل الكثيرة ، قصة يقتضي إيرادها هنا ، وهي إن غالب كان رئيسا لقومه ، وله مناقب ومحامد ، منها إنه أصاب أهل الكوفة مجاعة ، وهو بها ، فخرج أكثر الناس إلي البوادي ، فكان هو رئيس قومه ، وكان سحيم بن وثيل الرياحي رئيس قومه ، واجتمعوا بمكان يقال له صوار ، في أطراف السماوة من بلاد كلب ، علي مسيرة يوم من الكوفة ، فعقر غالب لأهله ناقة ، وصنع منها طعاما ،

ص: 152

وأهدي إلي قوم من تميم لهم جلالة ، جفانا من ثريد، ووجه إلي سحيم جفنة ، فكفاها ، وضرب الذي أتاه بها ، وقال : أنا مفتقر إلي طعام غالب ؟ إذا نحر ناقة ، نحرت أنا أخري ، فوقعت المنافرة بينهما ، وعقر سحيم لأهله ناقة ، فلما كان من الغد ، نحر غالب ناقتين ، فعقر سحيم ناقتين ، فلما كان اليوم الثالث ، عقر غالب ثلاثا ، فعقر سحيم ثلاثا ، فلما كان اليوم الرابع عقر غالب مائة ناقة ، ولم يكن عند سحيم هذا القدر ، فلم يعقر شيئا ، وأسرها في نفسه ، فلما انقضت المجاعة ، ودخل الناس الكوفة ، قال بنو رياح السحيم : جررت علينا عار الدهر ، هلا نحرت مثل ما نحر ، وكنا نعطيك مكان كل ناقة ناقتين ، فاعتذر بأن إبله كانت غائبة ، وعقر بالكوفة ثلثمائة ناقة ، وقال للناس : شأنكم والأكل ، وكان ذلك في خلافة الإمام علي بن أبي طالب ، فأستفتي في حل الأكل منها، فأفتي بحرمتها ، وقال : هذه ذبحت لغير مأكلة ، ولم يكن المقصود منها إلا المفاخرة والمباهاة ، فألقيت الحومها علي كناسة الكوفة ، فأكلتها الكلاب والرخم والعقبان ( وفيات الأعيان 86/6 و87).

ولما أراد عبد الملك ، أن يقتل عمرو بن سعيد الأشدق ، جمعه في جامعة ، أي أنه قيد يديه إلي طوق في عنقه ، وقال له : ما كنت لأخرجها منك إلا صدأ ، يعني أن يقطع رأسه فيخرج الطوق من عنقه ممدأ راجع الطبري 143/6

و144 .

ولما هلك الحجاج ، استخلف مكانه يزيد بن أبي مسلم ، فكان مثله في الظلم والجور ، فأقره الوليد بن عبد الملك علي العراق ، ولما مات الوليد ، واستخلف سليمان بن عبد الملك ، ولي يزيد بن المهلب علي العراق ، وأحضر إليه يزيد بن أبي مسلم في جامعة ، وكان يزيد هذا ، قصيرة دميمة ، قبيح الوجه ، عظيم البطن ، تحتقره العين ، فلما نظر إليه سليمان ، قال له : أنت يزيد بن أبي مسلم ؟ قال : نعم ، قال : لعن الله من أشركك

ص: 153

في أمانته وحتمك في دينه ، قال : يا أمير المؤمنين إنك رأيتني والأمور عني مدبرة ، ولو رأتني وهي علي مقبلة ، لاستعظمت مني ما استصغرت ، ولاستجللت ما احتقرت ، قال : أتري صاحبك الحجاج يهوي بعد في نار جهنم ، أم قد استقر في قعرها ؟ فقال يزيد : لا تقل ذلك يا أمير المؤمنين ، فإن الحجاج يأتي يوم القيامة عن يمين أبيك وعن شمال أخيك ، فضعه حيث شئت . ( وفيات الأعيان 309/6 و 310) .

وفي السنة 90 نقض نيزك طرخان التركي ، عهده مع قتيبة بن مسلم ، وغدر به ، واتفق مع ملوك الترك في بلخ ومرو والطالقان والفارياب والجوزجان علي حرب قتيبة ، ثم قدم علي طخارستان ، فأخذ ملكها وقيده بقيد من ذهب ، ووضع عليه الرقباء ، وأستعد للحرب . ( الطبري 446/6 ) .

وفي السنة 90 لما فر يزيد بن المهلب ، من سجن الحجاج ، التجأ إلي سليمان بن عبد الملك ، فأبي الوليد أن يؤمنه ، وأمره أن يبعث به إليه في وثاق ، فبعث سليمان إلي الوليد بيزيد وقد قرن به ولده أيوب بن سليمان ، في سلسلة واحدة ، فلما دخلا علي الوليد، ورأي السلسلة في يد ابن أخيه ، قال : لقد بلغنا من سليمان ، وأمن يزيد وكف عنه ، وكتب الي الحجاج بأن يكف عن آل المهلب . ( الطبري 451 و452) .

وكان عمر بن هبيرة ، أميرا علي العراقيين ، فلما ولي هشام ، عزله بخالد القسري ، فأخذه خالد ، فقيده ، وألبسه مدرعة صوف ، وحبسه ، فاحتال حتي فر من السجن ، ولحق بالشام ، راجع تفصيل ذلك في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 191 .

ولما قتل الإمام زيد بن علي بن الحسين ، صار ولده يحيي إلي الري ، ونزل علي الحريش بن عبد الرحمن الشيباني ، فاعتقله عقيل بن معقل الليثي

ص: 154

عامل بلخ لنصر بن سيار ، وبعث به عقيل إلي نصر ، فحبسه ، وقيده ، وجعله في سلسلة ( مقاتل الطالبيين 154).

: أقول : إن يحيي أطلق من الحبس ، وفك حديده ، فصار جماعة من مياسير الشيعة إلي الحداد الذي فك حديده من رجله ، وسألوه أن يبيعهم إياه ، وتنافسوا فيه ، وتزايدوا ، حتي بلغ عشرين ألف درهم ، فخاف أن يشيع خبره ، فقال لهم : اجمعوا ثمنه بينكم ، فرضوا بذلك ، وأعطوه المال فقطعه قطعة قطعة ، وقسمه بينهم ، فاتخذوا منه فصوصا للخواتيم ( مقاتل الطالبين 155)

وكان زياد بن عبيد الله الحارثي ، بلي المدينة المنصور ، فاتهمه بالتراخي في البحث عن محمد ( النفس الزكية ) وابراهيم ولدي عبد الله بن الحسن ، فعزله ، وأمر به فحبس ، وكبل بأربعة كبول ، ثم حمل إلي العراق ( الطبري 530/7 ).

وخرج رياح عامل المنصور علي المدينة ، ببني حسن ، ومحمد عبد الله بن عمرو بن عثمان ، إلي الربذة ، فلما صاروا بقصر نفيس ، علي ثلاثة أميال من المدينة ، دعا بالحدادين والقيود والأغلال ، فألقي كل رجل منهم في كبل وغل ، فضاقت حلقتا قيد عبدالله بن الحسن ، فعضناه ، فتأوه منها ، فأقسم عليه أخوه علي ليحولن إليه حلقتيه إذا كانت أوسع ، فحولها ( مقاتل الطالبيين 196).

ودخلت أم يحيي بن عبد الله بن الحسن ، زوجة عبد الله ، علي زوجها السجن ، فإذا هو متكيء علي برذعة ، في رجله سلسلة . ( مقاتل الطالبيين 216)).

ولما ثار السودان بالمدينة ، وطردوا عبد الله بن الربيع ، عامل

ص: 155

المنصور ، ومن معه من الجند ، أخرجوا أبا بكر بن أبي سبرة من الحبس ، فقدم المسجد ، وارتقي المنبر ، وإن حديده لفي ساقه ، فخطب الناس ، ودعاهم إلي طاعة المنصور ، وصلي بالناس ، حتي عاد ابن الربيع إلي المدينة ( الطبري 611/7 - 614).

وفي السنة 147 بعث عبد الرحمان الداخل ، مولاه بدرة ، وتمام بن علقمة ، الي طليطلة ، وبها هشام بن عذرة ، فحصراه ، وضيقا عليه ، فوقع في الأسر ، هو وحياة بن الوليد اليحصبي ، وعثمان بن حمزة بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، وجيء بهم إلي عبد الرحمان ، في جباب صوف ، وقد حلقت رؤوسهم ولحاهم ، وأركبوا الحمير ، وهم في السلاسل ، وصلبوا بقرطبة ( ابن الأثير 583/5 ).

وفي السنة 155 انكرت الخوارج الصفرية ، بمدينة سجلماسة ، بالمغرب ، علي أميرهم عيسي بن جرير أشياء ، فشدوه وثاقة ، وجعلوه علي رأس الجبل ، فلم يزل كذلك حتي مات ( ابن الأثير 8/6).

وقال نصيب الأصغر ، مولي المهدي ، يصف قيوده في السجن : ( الأغاني وبولاق 28/20 ) .

أتمام إنك قد فككت تماما**** حلقة برين من النصيب عظاما

حلقة توشطها العمود فلزها ****لولا ثمامة والإله لداما

ولما بعث الرشيد، القائد هرثمة ، الي خراسان ، في السنة 191 ، بعث معه بوقر من القيود والأغلال ، لتقييد أمير خراسان ، علي بن عيسي بن ماهان ، وأتباعه ، وبعث معه إلي علي ، كتاب بعزله ، أوله : بسم الله الرحمن الرحيم ، يا ابن الزانية ... الخ.

فأخذه هرثمة ، واعتقله ، وقيده ، وصادره ، وأخذ جميع ما لديه ، حتي حلي نسائه ، ثم وجهه إلي بغداد علي بعير ، بلا وطاء تحته ، وفي عنقه

ص: 156

سلسلة ، وفي رجليه قيود ثقال ، ما يقدر معها علي نهوض أو اعتماد .

راجع تفصيل القصة في الطبري 327/8 - 337.

ولما أمر الرشيد ، مسرورا بقتل جعفر ، ذهب إليه ، فأخذه ، وحبسه ، وقيده بقيد حمار ، وأخبر الرشيد بإحضاره ، فأمره بقتله ( الطبري 295/8 ) .

وبلغ الرشيد ، قصيدة أبي نواس ، في هجاء مضر ، التي يقول فيها :

أما قريش فلا افتخار لها**** إلا التجارات من مكاسبها

فأمر بحبسه ، فلم يزل محبوسا حتي ولي محمد الأمين ، فقال أبو نواس فيه :

تذكر أمين الله ، والعهد يذكر ****مقامي وإنشاديك والناس حضر

ونثري عليك الدر يادر هاشم ****فيا من رأي درا علي الدر ينثر

وغنت بالشعر جارية أمام الأمين ، فسأل عن قائل الأبيات ، فقالوا : إنها لأبي نواس ، فقال : وما فعل ؟ قالوا : محبوس ، فقال : ليس عليه باس ، فأخبروه بقول الأمين ، فكتب إليه أبياتا آخرها :

أمين الله إن السجن باس ****وقد أرسلت : ليس عليك باس

فأرسل إليه الأمين ، فكسرت قيوده ، وأخرج من السجن . وأدخل عليه فمدحه بأبيات ، فخلع عليه ، وصيره في ندمائه ( الطبري 514/8 - 516 )

وكان يحيي بن عبد الله العلوي ، في حبس الرشيد ، مكبلا بالحديد ، فإذا أحضره الرشيد أمامه ، أحضر في حديده ( الطبري 244).

ولما صار الرشيد إلي طوس ، وقدم بكر بن المعتمد من بغداد ، ومعه كتب ظاهرة ، فطالبه بأن يحضر ما معه من الكتب السرية ، فأنكرها بكر ،

ص: 157

وقال : ما معي إلا الكتب التي أوصلتها، فتوعده الرشيد، فأصر علي الانكار ، فقال الرشيد : قنبوه ، فجيء بالقنب ، وقنب من فرقه إلي قدمه ، راجع التفصيل في القصة 358 من كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف .

أقول : القنب ، بكسر القاف وضمها ، نبات هندي ينتج ليفة متينة تصنع منه الحبال ، والبغداديون ، بلفظون الكلمة بابدال القاف جيمة مكسورة ، فيقولون : جنب وبعضهم يلفظها بابدال القاف ، بالجيم المصرية .

ولما بعث الأمين ، قائده علي بن عيسي بن ماهان ، لحرب المأمون ، زار السيدة زبيدة مودعة ، فقالت له : يا علي ، إن أمير المؤمنين ، وان كان ولدي ، وإليه تناهت شفقتي ، وعليه تكامل حذري ، فإني علي عبد الله ( تعني المأمون ) منعطفة مشفقة ، لما يحدث عليه من مكروه وأذي ، وإنما آبني ملك نافس أخاه سلطانه ، والكريم بأكل لحمه ويمنعه ، فأعرف لعبد الله حق والده وأخوته ، ولا تجبهه بالكلام ، فإنك لست نظيره ، ولا تقتسره اقتسار العبيد ، ولا ترهقه بقيد ولا غل ، ولا تمنع منه جارية ولا خادما ، ولا تعنف عليه في السير ، ولا نساوه في المسير ، ولا تركب قبله ، ولا تستقل علي دابتك حتي تأخذ بركابه ، وإن شتمك فأحتمل منه ، وإن سفه عليك فلا ترانه ، ثم دفعت إليه قيدا من فضة ، وقالت : إن صار في يدك ، فقيده بهذا القيد . ( الطبري 405/8 و 406) .

وروي عن القاضي أحمد بن أبي دؤاد ، إن ابراهيم بن المهدي ، أحضر أمام المأمون وفي رجله قيدان ، للتفصيل راجع كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، رقم القصة 348.

وفي السنة 218 دعا المأمون إلي القول بخلق القرآن ، فامتنع الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح ، عن القول بخلق القرآن ، وقالا : هو كلام

ص: 158

الله ، فأمر بهما إسحاق بن إبراهيم صاحب الشرطة ببغداد ، فشدا بالحديد ، ووجه بهما إلي طرطوس ، حيث المأمون ، فبلغهم وهم في الطريق خبر وفاة المأمون ، فأعادوهما ( الطبري 645/8 ).

وبعث عبد الله بن طاهر ، بأحد أتباعه ، فاعتقل محمد بن القاسم العلوي الصوفي ، فلما أوصله إلي عبد الله ، ونظر إلي محمد ، وثقل الحديد عليه ، قال التابعه : أما خفت الله في فعلك ، أتقيد هذا الرجل الصالح، بمثل هذا القيد الثقيل ؟

فقال له : أيها الأمير ، خوفك أنساني خوف الله .

فقال : خفف هذا الحديد كله عنه ، وقيده بقيد خفيف ، في حلقته رطل بالنيسابوري (200 درهم ) ، وليكن عموده طويلا، وحلقتاه واسعتين ، ليخطو فيه ، ومضي ، فتركه ( مقاتل الطالبين 583 و 584 ).

وفي السنة 223 عند عودة المعتصم من فتح عمورية ، اطلع علي مؤامرة من بعض قواده ، لخلعه واستخلاف العباس بن المأمون ، وأقر له العباس بذلك ، وسمي له من دخل في المؤامرة ، فأمر المعتصم بالعباس ، وبالقواد المتآمرين ، فأثقلوا بالحديد ، وأمر أن يحملوا علي بغال بأكف بلا وطاء ، وأن يطرحوا في الشمس إذا نزل الجيش ، وأن يطعم كل واحد منهم في اليوم رغيفا واحدا ، وظهر أن هرثمة بن النضر الختلي ، والي مراغة ، شريكهم في المؤامرة ، فكتب المعتصم بحمله في الحديد، فتكلم فيه الافشين ، فوهبه المعتصم له ، فكتب الافشين إلي هرثمة ، يعلمه أن أمير المؤمنين قد وهبه له ، وإنه قد ولاه البلد الذي يصل إليه الكتاب فيه ، فوردوا به الدينور بعد العشاء ، مقيدة ، فطرحوه في الخان ، وهو موثق في الحديد ، فوافاه الكتاب في جنح الليل ، فأصبح وهو والي الدينور ( الطبري 78/9 ) .

وفي السنة 224 لما أزمع مازيار بن قارن الخلاف علي المعتصم ، أمر

ص: 159

الأبناء والعرب في سارية وآمل ، فاجتمعوا ، وكان وعدهم أن يرد عليهم ضياعهم وأموالهم ، فلما اجتمعوا أمر بهم فكتفوا ، وساقهم إلي جبل علي ثمانية فراسخ من سارية وأمل ، وكبلهم بالحديد ، وحبسهم ، وكانت عدتهم قد بلغت عشرين ألفا ( الطبري 9/ 84).

وفي أيام الواثق ، امتحن أبو يعقوب البويطي ، صاحب الشافعي ، بخلق القرآن ، وحمل من مصر إلي بغداد ، علي بغل ، وفي عنقه غل ، وفي رجليه قيد ، وبين الغل والقيد سلسلة من حديد فيها طوبة وزنها أربعون رطة، ووضع في الحبس ، مقيدة إلي أنصاف ساقيه ، مغلولة يداه إلي عنقه ، ومات في حبسه في السنة 231 ( وفيات الأعيان 61/7 - 64).

وفي السنة 231 قتل الخليفة الوائق ، أحمد بن نصر الخزاعي ، ضربه بالسيف بيده ، وسبب ذلك إنه أراد أن يخرج علي السلطان ، وعين وأصحابه يوما لذلك ، واتفقوا علي أن تكون الإشارة بينهم للخروج أن يضرب الطبل في موضع معين ، وحدث أن الموكل بالطبل سكر قبل الموعد بليلة ، فقام إلي الطبل وضربه ، فلم يجتمع عليه أحد ، وسمع صاحب الشرطة ببغداد ، ضرب الطبل ، فبعث من يتحقق له السبب ، وأخذ رجلا في الحمامات اسمه عيسي الأعور ، فأقر له بالقصة ، وسمي من دخل مع أحمد بن نصر في المؤامرة ، فأخذ منهم أبا هارون ، وداره بالجانب الشرقي ، وطالب و داره بالجانب الغربي ، وقيدهما بسبعين رطلا من الحديد ، ثم أخذ خصي لاحمد بن نصر ، فاعترف علي سيده ، فأخذ أحمد وأبنان له ، وخصيان ، ورجل كان يغشاه ، فحملوا علي بغال بأكف ، ليس تحتهم وطاء ، وقيد أحمد بزوج قيود ، ولما قتله الواثق ، صلب في الموضع الذي صلب فيه بابك ، وفي رجله زوج القيود التي كانت فيها لما حمل من بغداد ( الطبري 135/9 - 139)

وفي السنة 233 قبض المتوكل علي عمر بن فرج الرخجي ، وهو من

ص: 160

شرار الخلق ، فدفعه إلي إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، فحبس ، وألبس جبة صوف ، وقيد بقيد ثلاثين رطلا ، وقبضت ضياعه وأمواله، ووجد في منزله خمسة عشر ألف درهم ، وحمل مولاه نصر ثلاثين ألف دينار ، وحمل نصر من مال نفسه أربعة عشر ألف دينار ، وأصيب له بالأهواز أربعون ألف دينار ، ولأخيه محمد بن فرج مائة وخمسون ألف دينار، وحمل من داره من الجوهر قيمة أربعين ألف دينار ، ومن المتاع ستة عشر بعيرة فرشأ ، وحمل من متاعه علي خمسين جملا ، كرت مرارة ، وأخذ عياله ففتشوا ، وكن ملئة جارية ، ثم صولح علي أن يؤدي عشرة آلاف ألف درهم ، علي أن يرد عليه ما حيز من ضياعه بالأهواز فقط ( الطبري 161/9 ).

أقول : قال علي بن الجهم يحرض نجاح بن سلمة الكاتب علي عمر بن فرج الرخجي ، وكان إلي نجاح التبع علي العمال :

أبلغ نجاحا فتي الكتاب مالكة ****تمضي بها الريح إصدار، وإيرادا

لا يخرج المال عفوأ من يدي عمر**** أو يغمد السيف في فوديه إغمادا

الرخجيون لا يوفون ما وعدوا ****والرخجيات لا يخلفن ميعادا

ووصف سليمان بن وهب ، حاله لما أمر المتوكل باعتقاله ، وأسلمه إلي إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، فقيده بقيد ثقيل ، وألبسه جبة صوف ، وحبسه في كنيف ، وأغلق عليه خمسة أبواب ، فكان لا يعرف الليل من النهار ، راجع التفصيل في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، رقم القصة 73 .

وكان الجاحظ ، منقطعة إلي الوزير محمد بن عبد الملك الزيات ، فلما نكب المتوكل محمد بن عبد الملك ، اعتقل الجاحظ، وأحضر أمام القاضي أحمد بن أبي دؤاد ، مقيدة في جبة صوف ، راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، في القصة رقم 127 .

ولما اعتقل إيتاخ ببغداد ، بأمر من المتوكل ، قيد ، وثقل بالحديد ، في

ص: 161

عنقه ، ورجليه ، وجعلوا في عنقه غلا بثمانين رط ، وكانت وظيفته في كل يوم رغيفأ وكوز من ماء ( ابن الأثير 46/5 و47 وتجارب الأمم 544/6 ).

ولما اعتقل محمد بن البعث ، الخارج بأذربيجان في السنة 239 ، جيء إلي سامراء به وبأخويه وابنه وخليفته ، فلما قربوا من سامراء ، حملوا علي الجمال يستشرفهم الناس ، وأمر المتوكل بحبسه وحبسهم ، وأثقله حديدا ، وكان الحديد في عنقه مائة رطل ، فلم يزل مكبوبا علي وجهه حتي مات ( الطبري 171/9 ).

وزارت فتاة من سامراء محمد بن صالح العلوي ، في سجنه بسامراء ، فلما رأت ثقل حديده ، بكت ، راجع القصة في الفصل الأول من هذا الباب .

وفي السنة 255 طالب الاتراك بأرزاقهم ، فقال أبو نوح لصالح بن وصيف في مجلس المعتز : يا عاصي يا ابن العاصي ، هذا تدبيرك علي الخليفة ، فغضب صالح وغشي عليه ، فلما أفاق جري بينه وبين المعت كلام كثير ، وخلا صالح بالمعتر ، ثم دعي بابي نوح والحسن بن مخلد فأخذت سيوفهما وقلانسهما ، ومؤقت ثيابهما ، ولحقهما أحمد بن إسرائيل ، فألقي نفسه عليهما ، فثلث به ، ثم أخرجوا إلي الدهليز ، وحملوا علي الدواب والبغال ، وارتدف خلف كل واحد منهم تركي، وأخذوا إلي دار صالح بن وصيف ، وجعل في عنق كل واحد منهم عشرون رطلا من حديد ، وقبضت أموالهم ودورهم ، وسموا : الكتاب الخونة . ( الطبري 388/9 ) .

وفي السنة 255 كتب يعقوب بن الليث الصفار ، وعلي بن الحسين بن قريش ، إلي السلطان ، أي الخليفة ، كل منهما يطلب ولاية كرمان ، فكتب السلطان لكل واحد منهما بالولاية ، إغراء لكل واحد منهما بالأخر ، لأن كليهما لم يكن في طاعته ، فزحف يعقوب علي كرمان . كما أن علي بن

ص: 162

الحسين وجه قائده طوق بن المغلس إليها ، وجرت بينهما حرب انتصر فيها يعقوب ، وأسر طوقا ، ووجد من جملة ما غنم من طوق صناديق فيها قيود وأغلال ، كان أعدها لقيد من يأسره ، فأمر يعقوب بإخراج أكبر القيود وأثقلها ، فقيد به طوقا ، وغله بغل . ( الطبري 384/9 و385) .

وفي السنة 269 خرج الخليفة المعتمد يريد اللحاق بمصر ، وسبب ذلك إن المعتمد كان محجور عليه في خلافته ، والحكم كله لأخيه الموفق أبي أحمد ، حتي إنه طلب يوم ثلثمائة دينار يجيز بها شاعرة فلم يصل إليها ، فقال :

أليس من العجائب أن مثلي ****يري ما قل ممتنعأ عليه

وتؤخذ باسمه الدنيا جميعا وما من ذاك شيء في يديه

فلما اشتغل أبو أحمد بحرب الزنج ، فارق المعتمد دار ملكه ، ومعه حاشيته ، قاصدأ مصر ، بعد أن كاتب أحمد بن طولون ، واتصل بأبي أحمد خبر مفارقة المعتمد ، فكتب إلي إسحاق بن كنداجيق ، وكان يلي الموصل والجزيرة ، أن يعترض المعتمد ومن معه ، وأن يعيدهم إلي سامراء ، فاعترضهم إسحاق ، وقد قربوا من الرقة ، فأخذهم ، وقبض عليهم ، وقيدهم ، بالقيود الثقيلة ، ودخل علي المعتمد فعنفه ، وعذله في شخوصه عن دار ملكه وملك آبائه ، ومفارقته أخاه علي الحال التي هو فيها ، ثم حمل المعتمد، ومن معه في قيودهم ، حتي وافي بهم سامراء ، فأمر أبو أحمد فخلع علي إسحاق خلعة جليلة ، وقلد سيفين ، وتوج بتاج من الذهب مرصع بالجوهر ، وألبس وشاحين مرضعين بالجوهر الثمين ( الطبري 620/9 - 622 وشرح نهج البلاغة 200/8 و201).

وذكر المبرد ، إنه زار دارا للمجانين ، وكلم أحدهم ، فلما وثب إليه ،

ص: 163

رأي القيد في رجله ، قد شد إلي خشبة في الأرض ، فأمن من عائلته . ( وفيات الأعيان 317/4 ).

وفي السنة 271 وثب يوسف بن أبي الساج ، عامل مكة ، علي غلام للطائي ، اسمه بدر ، خرج واليا علي الحاج ( أميرة للموسم) ، فهاجم الجند أصحاب بدر ، يوسفة ، وأعانهم الحاج ، فاستنقذوا الوالي بدرة ، وأسروا بن أبي الساج ، فقيدوه ، وحملوه إلي مدينة السلام ، وكانت الحرب بينهم علي أبواب المسجد الحرام ( الطبري 8/10).

واعتقل المعتضد، وزيره اسماعيل بن بلبل ، وجعل في عنقه غلا فيه رمانة حديد ، والغل والرمانة مائة وعشرون رطة. ( مروج الذهب 493/2)

وفي السنة 299 لماعزل الوزير بن الفرات ، وزير المقتدر ، عن وزارته الأولي ، اعتقل ولده المحن ، وضرب علي رأسه وسائر جسده بالطبرزينات ، وقيد وغل ، وألبس جبة صوف ، وجبة شعر ، وعذب بكل شيء ( الوزراء للصابي 65).

وفي السنة 4 30 تغلب كثير بن أحمد، علي أعمال سجستان ، فجهز إليه السلطان جيشا بقيادة القائد بدر بن عبد الله الحمامي ( بتخفيف الميم ، نسبة إلي الطير الحمام ) متقلد أعمال فارس ، فقصده بدر ، ومعه زيد بن إبراهيم المنصوب عاملا علي الخراج بسجستان ، فلما وصلوا ، اشترك أهل البلد في قتال عسكر الخليفة ، إذ بلغهم أن زيد، عامل الخراج ، قد أحضر قيودا وأغلالا يقيدهم بها ، فانكسر جيش الخليفة ، وأسر زيد بن ابراهيم ، فوجدت القيود والأغلال معه ، فجعلوها في رجليه وعنقه ( ابن الأثير 104/8)

وفي السنة 306 لما عزل الوزير ابن الفرات عن وزارته الثانية ، وخلفه

ص: 164

حامد بن العباس ، اعتقل المحسن ابن الوزير ابن الفرات ، وأحضر أمام حامد ، فصفعه ، وشتمه ، ثم أعيد الي محبسه ، وكان مقيدة بقيد ثقيل ، وعليه جبة صوف قد غمست في النفط مزرورة إلي عنقه ( الوزراء 264 ).

وفي السنة 315 تحقق القائد يوسف بن أبي الساج ، أن كاتبه محمد بن خلف النيرماني ، يسعي عليه ، فاعتقله ، وقيده بخمسين رطة ، وألبسه قميص بايباف ( تجارب الأمم 172/1 ). أقول : لم أفهم معني كلمة ( بايباف ) ولم يفهمها قبلي الأستاذ مرجليوث محقق كتاب تجارب الأمم ، وأحسبها مصحفة ، ولم أستطع ردها إلي أصلها .

وذكر أبو علي الناقد ، الوكيل علي أبواب القضاة ببغداد ، وكان إليه خبر المسجونين ببغداد ، إنه أبصر في المطبق بمدينة السلام ، في أيام المقتدر بالله ، رجلا مغلو" ، علي ظهره لبنة من حديد، فيها ستون رطلا ، راجع التفصيل في كتاب الفرج بعد الشدة ، رقم القصة 183 .

ولما اعتقل الوزير أبو الحسن بن الفرات ، بعد عزله عن وزارته الأولي ، ناظره أبو العباس بن ثوابه ، فأمر بعرك أذنه ، وقيده ، وأخلي الحجرة التي حبس فيها حتي من الحصير ، حتي اضطر إلي أن يحدث في مكانه ، وغلبت رائحة القذر علي البيت ثم أحضر له بعد يومين جبة صوف أخري ، وغلا برمانة ، يمنع المغلول من أن يرد رأسه إلي خلف ، وغلا بغير رمانة ، وألسه الجبتين واحدة فوق الأخري ( تجارب الأمم 89/1 ).

ولما اعتقل الوزير حامد بن العباس ، المحسن بن الفرات ، بعد عزل أبيه عن وزارته الثانية ، أحضره أمامه، وأمر به فصفع ، وشتمه ، وكان المحسن مقيدا بقيد ثقيل ، وعليه جبة صوف قد غمست في النفط ، مزرورة

ص: 165

إلي عنقه ، وردوه إلي الحجرة التي كان فيها ، وحبسوه في الكنيف ، ودلوا رأسه في بئره ( الوزراء للصابي 264 ).

ولما اعتقل الوزير ابن الفرات ، بعد عزله عن وزارته الثانية ، ألبس جبة صوف قد نقعت في ماء الأكارع ، وقيد بقيد ثقيل ، وغل بغل ، وكان الحر شديدة ، فأشرف علي التلف ( كتاب الوزراء للصابي 119).

ولما عزل الوزير ابن الفرات ، في السنة 312 عن وزارته الثالثة ، اعتقل ولده المحن ، وأخذه القائد هارون بن غريب الخال ( غريب خال المقتدر ) فضربه علي رأسه بالدبابيس ، وقيده ، وغله ( تجارب الأمم 135/1 والوزراء 65 ).

ولما قتل الوزير ابن الفرات ، في السنة 312 ، تسلم خلفه الخاقاني ، أولاد ابن الفرات ، وكتابه ، فأسلمهم إلي أبي العباس بن بعدشر ، فقيدهم ، وأجلسهم علي الأرض ، في الحر الشديد ( تجارب الأمم 128/1 ).

وفي السنة 322 اشتبك عماد الدولة البويهي ، مع القائد ياقوت علي رأس جيش عباسي ، بقرب شيراز ، وكان من سعادة عماد الدولة ، أن جماعة من أصحابه استأمنوا إلي ياقوت ، فحين رآهم ياقوت أمر بضرب رقابهم ، فأيقن أصحاب ابن بويه ، إنه لا أمان لهم عند ياقوت ، فاستقتلوا ، وكسب عماد الدولة المعركة ، وانفل الجيش العباسي ، وانهزم ياقوت، ووجدوا في مخلفات ياقوت برانس ثبود عليها أذناب الثعالب ، وقيود، وأغلالا ، فسألوا عنها أصحاب ياقوت ، فقالوا : إن هذه أعدت لكم لتجعل عليكم ، ويطاف بكم في البلاد ، فأشار أصحاب ابن بويه أن يفعل بهم مثل ذلك ، فأمتنع ، وقال : إنه بغي ولؤم ظفر ، ثم أحسن إلي الأساري ، وأطلقهم ، وخيرهم بين المقام عنده ، أو اللحاق بياقوت ، فاختاروا المقام عنده ، فخلع عليهم ، وأحسن إليهم، واستولي علي شيراز ( ابن الأثير 275/8 و276).

ص: 166

وكان بالبصرة لص فاره مقدام ، يقال له : عباس ويعرف بابن الخياطة ، غلب الأمراء ، وأشجي أهل البلد ، فاعتقله صاحب الشرطة ، وألقاه في الحبس ، وكبله بمائة رطل جديد ، فلما كان بعد سنة من حبسه ، سرق من أحد التجار جوهر بعشرات ألوف دنانير ، واتفق الجميع علي أن هذه العملة من عملات ابن الخياطة ، فأحضر صاحب الشرطة ابن الخياطة من الحبس ، وأمر بإزالة قيوده ، وإدخاله الحمام ، وخلع عليه ، وواكله ، وسأله عن القصة ، فاعترف له بأنه هو السارق ، وأعاد المسروق ، في قصة طريفة ، راجعها مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ج 7 ص 97 - 100 رقم القصة 58/7.

وفي السنة 402 كانت وقعة بين أبي نصر بن لؤلؤ ، صاحب حلب ، وهو من موالي سعد الدولة بن سيف الدولة الحمداني ، وبين صالح بن مرداس ، فأسر صالحا وحبسه ، وقيده بقيد لبنة حديد في رجليه ، وفر صالح من القلعة بأن رمي بنفسه من أعلاها إلي تلها ، واختفي في سيل ماء ، ثم حارب ابن لؤلؤ ، فأسره ، وجعل في رجله القيد الذي كان ابن لؤلؤ قد جعله في رجليه وفيه اللبنة الحديد . ( ابن الأثير 229/9 ).

ولما اعتقل المأمون بن ذي النون ، صاحب طليطلة ، أبا مروان عبد الملك بن غصن الحجاري (ت 454 ) حبسه في حصن وبذة ، من اعمال طليطلة ، فقال في وصف حبسه وأقياده : ( اعتاب الكتاب 220) .

نحن في حالة الأيسر منها****يتلظي الردي وتبكي الخطوب

مالنا في وطء البسيطة حظ ****لا ولا في نشق الهواء نصيب

في محل كأنه ظلف شاة**** ليس فيه لذي دبيب دبيب

وكأن الكبل الثقيل اذا ما**** رت في الساق للخطوب خطيب

ولما حاصر المرابطون ، المعتمد بن عباد ، واستولوا علي إشبيلية ،

ص: 167

أخذوا المعتمد ، وقيدوه من ساعته ، وحملوه إلي مراكش ، فاعتقل بأغمات ، وكانت قيوده في السجن تمنعه من الحركة ( وفيات الأعيان 30/5 و 32 و36).

وقال المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية ، يصف قيده الذي قيد به في محبسه بإفريقية ؛ ( ابن الأثير 249/10 ).

تعطف في ساقي تعطف أرقم ****يساورها عضأ بأنياب ضيغم

وفي السنة 547 وقعت حرب بين السلطان سنجر والغورية ، فانهزم الغورية ، وأسر ملكهم علاء الدين حسين ، فأحضره سنجر أمامه ، وسأله : يا حسين ، لو ظفرت بي ما كنت تفعل بي ؟ فأخرج له قيد فضة ، وقال : كنت أقيدك بهذا ، وأحملك إلي فيروزكوه ، فخلع عليه سنجر ، ورده الي فيروزكوه . ( ابن الأثير 164/11 ).

وفي السنة 584 فتح جيش السلطان ص لاح الدين الأيوبي ، قلعة برزية ، وأطلق من فيها من أسري المسلمين ، وكانت أرجلهم في القيود والخشب المثقوب ( ابن الأثير 16/12 ).

وفي السنة 588 حارب شهاب الدين الغوري ، أحد ملوك الهنود ، وأسره ، فلما أحضر بين يديه ، لم يخدمه ( أي لم ينحن له للسلام عليه ) ، فأخذ بعض الحجاب بلحيته ، وجذبه إلي الأرض ، حتي مست جبينه ، فقال له شهاب الدين : لو أسرتني ما كنت تفعل بي ؟ فقال : كنت أعددت لك قيدأ من ذهب ، أقدك به ( ابن الأثير 93/12 ) .

وفي السنة 617 قبض الملك الأشرف مظفر الدين بن العادل الأيوبي علي الأمير عماد الدين المشطوب ، واعتقله في قلعة حران ، وضيق عليه تضييقة شديدة ، من الحديد الثقيل في رجليه ، والخشب في يديه ، وحصل في

ص: 168

رأسه ولحيته وثيابه من القمل شيء كثير ، ومكث علي هذه الحال حتي توقي سنة 619 ( وفيات الأعيان 181/1 ).

وفي السنة 727 كانت الكائنة باسكندرية مصر ، وتوجه الجمالي إليها ، وصادر الكارم والحاكة وغيرهم ، وضرب القاضي ، ووضع الزنجير في رقبته ، وكان ذلك أمرأ فظيعة ( الوافي بالوفيات 369/2 ) .

وفي السنة 742 غضب نائب السلطان بالقاهرة ، علي جماعة من الأمراء ، فأمر بهم فأنزلوا عن خيولهم إنزالا قبيحة ، وقيدوا ، وعملت الزناجير في رقابهم ، والخشب في أيديهم وسجنوا بخزانة شمائل ( النجوم الزاهرة 15/10)

وفي السنة 791 رسم الأمير منطاش ، بالقاهرة ، بتخشيب المماليك الظاهرية ، المسجونين بقلعة الجبل ، في أيديهم وأرجلهم . ( النجوم الزاهرة 360/11)

وفي السنة 785 اتهم السلطان بمصر الخليفة المتوكل العباسي . بالتآمر عليه ، فأمر بتقييده وسجنه في البرج الذي بالقلعة ، ثم تشفع له الأمراء ، في فك القيد عنه فأبي ، فتقدم إليه الأمير سودون النائب ، وباس رجله ، فوافق . ( بدائع الزهور 333/28 - 336 ).

وفي السنة 791 قبض بالقاهرة ، علي الأمير محمود الأستادار ، وولده محمد ، وصفد كل منهما بقيد زنته أربعون رطلا ، خارجة عن قوائمه فإنها عشرة أرطال ، وجعل في عنق محمود ثلاث باشات . (تاريخ ابن الفرات 102/9 ونزهة النفوس 231 ).

وفي السنة 791 لما قبض علي السلطان الظاهر برقوق ، صفد بقيد ثقيل ( نزهة النفوس 223) .

ص: 169

وفي السنة 793 قبض بالقاهرة علي والي القاهرة ، حسام الدين بن الكوراني ، وعصر ، وضرب ، وقيد بقيد ثقيل زنته خمسون رطلا . ( نزهة النفوس 293 ) .

ولما عصي الأمير عين الملك ، علي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، وأسر ، أحضر بين يديه مشهرة ، فأمر السلطان بأن يقيد بأربعة كبول ، وأن تغل يداه إلي عنقه . (مهذب رحلة ابن بطوطة 2/ 109 و 110 ).

وفي السنة 976 فر الأمير عبد الله الداعي الهمداني ، من حبس الإمام مطهر الزيدي ، فندم لأنه لم يقيده ، وكان عنده عدة أمراء عثمانيين من كبار القواد ، قد سجنهم في آبار محفورة ، فأمر فقيد كل أمير بنصف قنطار من الحديدالموزون ( البرق اليماني 228 و 229) .

وكان جلال الدين والي حلب في السنة 1227 يحضر من الأهالي من يريد مصادرته ، ويضعه في السجن في القلعة ، ويوضع في رقبته زنجير له شوك ويطالب ، فإن اذي أطلق ، وإلا خنق ورميت جثته في الخندق ( اعلام النبلاء375/3 - 377 ).

وفي السنة 800 قدم إلي مصر ، رسول الظاهر مجد الدين عيسي ، متملك ماردين ، وذكر إنه ظل مسجونأ مدة سنتين عند تيمورلنك ، في قيد زنته 20 رطلا من الحديد . ( بدائع الزهور 499/2/1 ) .

وفي السنة 808 توفي الخليفة المتوكل علي الله ، أبو عبد الله محمد بن المعتضد بالله العباسي ، وكان الظاهر برقوق قد قيده وسجنه بالبرج فأقام فيه سبع سنين ، وهو بالقيد، حتي ذاب لحم ساقيه . ( بدائع الزهور 745/2/1)

وواجه الشيخ شهاب الدين الخراساني ، سلطان الهند محمد بن تغلق ، بما أرتكبه من مظالم ، وعددها له واحدة واحدة ، فأخذ السلطان سيفه

ص: 170

وسلمه لوزيره صدر الجهان ، وقال له : يثبت هذا أني ظالم ، وأقطع عنقي بهذا السيف ، فقال الشيخ : ومن يقدر أن يشهد بذلك فيقتل ، ولكنك أنت تعرف ظلم نفسك ، فأمر السلطان بأن يسلم الشيخ لرئيس الدويدارية ، فقيده بأربعة قيود ، وغل يديه ، فأمتنع الشيخ طيلة مدة اعتقاله عن الطعام والشراب أكثر من خمسة عشر يوما ، ثم قتل في سجنه ( مهذب رحلة ابن بطوطة 87/2 و 88 ) .

أما السلطان سليم شاه ، سلطان الهند، فإنه لما سير جيشا لاعتقال أخيه الأكبر عادل ، بعث مع قائده سلسلة من الذهب ، ليقيد أخاه بها ، وتفصيل ذلك ، إنه لما قتل شير شاہ فريد، سلطان الهند ( حكمه 947۔ 952) وهو يحاصر حصن كالينجار ، خلفه علي العرش ولده سليم شاه ( إسلام شاه ) فارتاب بنية أخيه الأكبر عادل ، ثم اصطلح معه ، وولاه إحدي الولايات وبعد شهرين ، عاوده آرتيابه منه ، فبعث إليه أحد كبار قواده ، ومعه سلسلة من الذهب ، وأمره أن يقيده بها . ( الاسلام والدول الاسلامية في الهند 60).

وفي السنة 1247 (1897 م ) ثار الشاميون علي واليهم محمد سليم باشا ، وحصروه في القلعة ، وكتب أهالي دمشق عريضة للسلطان محمود في اصطنبول ، يعلنون فيها خضوعهم للدولة ، ويذكرون بأن الوزير محمد سليم باشا ، بادأهم بالإعتداء ، وضرب محلات دمشق من القلعة بالقنابر ، وكلفوا سليم أغا ابن السقا أميني ، وهو دمشقي يتاجر مع إصطنبول ، أن يحمل العريضة الي إصطنبول ، وأعطوه خمسة عشر كيسا أجرأ ، فلما وصل إلي اصطنبول واطلع السلطان علي العريضة ، أمر بالرسول فحبس في سراية الوزير الأعظم ، ولما بلغ السلطان من بعد ذلك ما فعله الشاميون من قتل واليهم وحاشيته ، اشتد غضب السلطان ، وأمر بالرسول فنقل إلي سجن مظلم ، وہ جنزروه » من رقبته ، ومن رجليه ويديه ، ورتبوا له رغيف خبز كل

ص: 171

يوم ، وفنجانين ماء ( مذكرات تاريخية 18 - 20 و40 و41) .

وفي السنة 1257 بدمشق ارتفع ضرب العصي واللومان ( الحبس ) والقتل ، وصار كل من أذنب ، « يوضعوا له ، جنزير ، ويدور يكنس في السراي وفي البلد ( مذكرات تاريخية 247 ).

وفي السنة 1219 فرض الباشا ( الوالي ) بمصر ، توزيع فردة ( مطالبة بمال ) علي أهل مصر لغلاق جامكية العسكر ( لسداد الرواتب المتأخرة اللجنود ) وقسموا المطلوب علي تجار البن وخان الخليلي والمغاربة وأهل الغورية ، وكل من تراخي في الدفع ( الأداء ) قبضوا عليه وأودعوه في أضيق الحبوس ، ووضعوا الحديد في يديه ورجليه ورقبته ، ومنهم من يوقفونه علي قدميه والجنزير مربوط في السقف ( الجبرتي 28/3 ) .

وفي السنة 1229 ( 1814 م ) حبس متسلم البصرة ، مصطفي أغا بن صاري محمد أغا ، في سراي الحكومة بالبصرة ، وسبب ذلك إنه اختلف مع بيبي خدوج ( خديجة بنت الشيخ درويش رأس عائلة آل باش أعيان ، فشكت بيبي خدوج أمرها إلي سعيد باشا بن سليمان باشا، والي العراق ، وكان ابن خالها ، فغضب لها ، وأصدر أمره بعزل المتسلم ، وكتب بذلك سرا إلي صالح أفندي كاتب الخزينة ، فاتفق صالح أفندي ، مع قبطان باشا ، وأعتقلا المتسلم ، وحبساه في غرفة بالسراي ، ووضعا الحديد في ساقيه ، وصبا فيه الرصاص ، كيلا يمكن فكه بسهولة ( مجلة لغة العرب البغدادية ج 12 سنة 3 سنة 1332).

ص: 172

القسم الثاني : المسوح وباب الصوف

الجبة ، والجمع جبب وجباب : ضرب من مقطعات الثياب ، والجبة المعروفة الآن عندنا ببغداد ، رداء فضفاض يرتديه الفقهاء المعممون ، يقوم مقام العباءة عند طبقة التجار ، ومقام المعطف لأصحاب البنطلون ، للتفصيل راجع معجم دوزي لألبسة العرب ص 107 - 117.

والمسح ، والجمع مسوح وأمساح : ما يلبس من نسيج الشعر علي البدن ، إما إظهارا للحزن ، وإما أن يضطر إلي لبسه للإهانة أو الإيذاء ، راجع معجم دوزي لألبسة العرب 405 - 407، قال أبو العتاهية ، في جواري المهدي ، لما ارتدين المسوح حزنا علي وفاته :

رحن في الوشي وأق****بلن عليهن المسوح

كل نطاح من ال****دهر له يوم نطوح

نح علي نفسك يا ****مسكين إن كنت تنوح

التموت ولو عمر**** ت ما عمر نوح

وقد كان من ألوان العذاب التي تمارس ، إضافة إلي عذاب الحبس ، والقيد ، والغل ، إلباس المحبوس المسوح ، أو چباب الصوف ، فإن أريد الزيادة في العذاب ، نقعت الجباب في النفط ، أو في ماء الأكارع.

وكان عبد الله بن هاشم المرقال ، من أصحاب علي ، شديد الوطأة في

ص: 173

حرب صفين ، علي أهل الشام ، فلما وقع الصلح بين الحسن ومعاوية ، استتر عبد الله بالبصرة ، فكتب معاوية إلي زياد بن أبيه ، أن يطلب عبد الله أشد الطلب ، فإذا ظفر به فأحلق رأسه ، وقيده ، وألبسه جبة شعر ، وغل يده إلي عنقه ، وأحمله علي قتب بغير وطاء ولا غطاء ، وأنفذه إلي ، ففعل زياد ذلك ( شرح نهج البلاغة 30/8 - 33).

واتهم الوليد بن عبد الملك ، علي بن عبد الله بن العباس ، بأنه قتل سليطأ ، وسليط ابن أمة لعبد الله بن عباس ، ثم ادعي انه ولده ، فلما قتل ، اتهم علي بقتله ، فأخذه الوليد ، وضربه واحدة وستين سوطأ ، وألبسه جبة شعر ، وأقامه في الشمس ، وصب علي رأسه الماء ( الديارات 215 و216) .

وأمر يزيد بن عبد الملك ، بعزل عامل المدينة عبد الرحمن بن الضحاك الفهري ، وبسط العذاب عليه ، فأخذه عبد الواحد بن عبد الله النضري ، عامل الطائف ، وعذبه وألبسه جبة صوف ، وسبب ذلك إن عبد الرحمن بن الضحاك ، خطب فاطمة بنت الحسين الشهيد ، فردته ، فألح عليها ، وحلف لئن لم تفعل سيجلدن أكبر بنيها ، عبد الله بن الحسن ، في الخمر ، فكتبت إلي يزيد بن عبد الملك تشكو أمرها ، فلما أخذ يزيد الكتاب ، وقرأه ، اشتد به الغضب ، وجعل يضرب بخيزرانة في يده ، وهو يقول : لقد اجترأ الضحاك ، هل من رجل يسمعني صوته في العذاب وأنا علي فراشي ، ثم كتب إلي عبد الواحد بن عبد الله النضري وهو بالطائف ، بأنه قد ولاه المدينة ، وأمره أن يغرم ابن الضحاك أربعين ألف دينار ، وأن يعذبه حتي يسمع صوته وهو علي فراشه ، ولما ورد بريد دمشق ، لم يدخل علي ابن الضحاك ، فأوجس خيفة من ذلك ، ودفع الي حامل البريد ألف دينار ، فأخبره بكتاب الخليفة ، فخرج ابن الضحاك إلي الشام ، وأستجار بمسلمة بن عبد الملك ، فأجاره ، وكتم أخاه يزيد ، فأبي أن يعفيه ، ورده إلي المدينة ،

ص: 174

حيث ألبسه النضري جبة صوف ، وعذبه ، وغرمه ( الطبري 12/7 - 14) .

وكان عمر بن هبيرة ، أميرا علي العراقين ، فلما ولي هشام بن عبد الملك ، عزله بخالد القسري ، فأخذه خالد ، فقيده ، وألبسه مدرعة صوف ، وحبسه ، فاحتال حتي فر من السجن ، ولحق بالشام ( كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، رقم القصة 191 ) .

وفي السنة 85 ضرب هشام بن إسماعيل المخزومي ، عامل عبد الملك علي المدينة ، سعيد بن المسيب ، ستين سوطأ، ضربا مبرحا ، وألبسه المسوح ، وتبان الشعر ( التبان سراويل قصيرة لسترة العورة يلبسها الملاحون والمصارعون والسباحون والرياضيون ) وسرحه إلي ذباب ، وهي ثنية بالمدينة ، كانوا يقتلون عندها ويصلبون ، فظن انهم يريدون قتله ، فلما انتهوا به إلي ذلك الموضع ، ردوه ، فقال : لو ظننت أنهم لا يصلبونني ما لبست التبان المسوح ، فإني حسبت أنهم سوف يصلبونني ، فقلت : سراويلي تسترني ، وكان سبب ضربه ، أنه طولب بأن يبايع للوليد بن عبد الملك ، فأبي ، وقال لا أبايع أحد، وعبد الملك الذي باعته ما يزال حيا ( الطبري 415/6 و416) .

وأراد هشام بن عبد الملك ، أن يحول ولاية عهده ، عن الوليد بن يزيد ، إلي ولده مسلمة أبي شاكر ، فأبي الوليد ، فقال له هشام : اجعلها له من بعدك ، فأبي ، فتنكر هشام ، وأخذ ابن سهيل ، وهو من خاصة الوليد، فضربه ، وسيره ( نفاه ) ثم أخذ عياض بن مسلم ، كاتب الوليد، فضربه ضربا مبرحا وألبسه المسوح ، فكتب الوليد إلي هشام ( الطبري 211/7 و212 و215) .

رأيتك تبني جاهدأ في قطيعتي**** ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني

تثير علي الباقين مجني ضغينة**** فويل لهم إن مت من شر ما تجني

ص: 175

كأني بهم والليت أفضل قولهم ****ألا ليتنا، والليت إذ ذاك لا يغني

كفرت بدأ من منعم لو شكرتها ****جزاك بها الرحمان ذو الفضل والمن

وفي السنة 106 وقعت الفتنة بين مصر واليمن بخراسان ، وكان سبب ذلك : إن مسلم بن سعيد غزا ، فتباطأ الناس عنه ، وكان ممن تباطأ البختري بن أبي درهم ، فرد مسلم نصر بن سيار وجماعة معه الي بلخ ، لكي يخرج الناس فيلتحقوا بجيش مسلم ، فأحرق نصر باب البختري بن أبي درهم ، وباب زياد بن طريف الباهلي ، فغضب عمرو بن مسلم ، أخو قتيبة ، واجتمعت مضر علي نصر بن سيار ، وربيعة والأزد علي عمرو بن مسلم ، وحمل أصحاب عمرو علي نصر وأصحابه ، فاشتبكوا ، فكان أول قتيل من باهلة ، من أصحاب عمرو بن مسلم ، وقتل معه ثمانية عشر رجلا، وأنهزم عمرو ، وأرسل يطلب الأمان من نصر ، فأمنه ، وضربه مائة ، وضرب البختري ، وزياد بن طريف مائة مائة ، وحلق رؤوسهم ولحاهم ، وألبسهم المسوح ( ابن الأثير 127/5 و128 ).

وفي السنة 141 خلع عبد الجبار بن عبد الرحمن ، عامل خراسان للمنصور ، فوجه إليه المنصور جيشأ بقيادة ولده المهدي ، فأقام بالري ، ووجه خازم بن خزيمة ، لحرب عبد الجبار ، وبعد معركة ضارية ، انكسر جيش عبد الجبار ، وأخذ هو أسيرة ، فألبس جبة صوف ، وحمل علي بعير ، ووجهه إلي ذنب البعير ، وحمل إلي المنصور ، ومعه ولده وأصحابه ، فبسط المنصور عليهم العذاب ، ثم أمر به فقطعت يدا عبد الجبار ، ورجلاه ، وضربت عنقه ، وأمر بتسيير ولده إلي دهلك ( ابن الأثير 505/5 و506)

وفي السنة 147 بعث عبد الرحمن الداخل مولاه بدرة ، وتمام بن علفة إلي طليطلة ، وبها هشام بن عذرة ، فحصراه ، وضيقا عليه فوقع في الأسر ، هو وحياة بن الوليد اليحصبي ، وعثمان بن حمزة بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، وجيء بهم إلي عبد الرحمن في جباب صوف ، وقد حلقت

ص: 176

رؤوسهم ولحاهم ، وأركبوا الحمير ، وهم في السلاسل، وصلبوا بقرطبة ( ابن الأثير 583/5 ).

وحبس المهدي العباسي ، إبراهيم الموصلي ، وأمر أن يلبس جبة صوف ، وكان يخرج علي تلك الحال ، فيطرح علي الجواري ، فكتب ذات يوم إلي أصحابه ، وهم مصطبحون :

ألا من مبلغ قومأ**** من أخواني وجيراني

هنيئا لكم الشرب**** علي ورد وتهتان

واني مفرد وحدي**** بأشجاني وأحزاني

فمن جف له جفن**** فجفناي يسيلان

فوقف المهدي علي رقعته ، فرق له وأطلقه ( الأغاني 189/5 ) .

وكان الجاحظ ، منقطعة إلي الوزير محمد بن عبد الملك الزيات ، فلما نكب المتوكل محمد بن عبد الملك ، اعتقل الجاحظ، وأحضر أمام القاضي أحمد بن أبي دؤاد مقيدا في جبة صوف ، راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، في القصة رقم 127 .

وتقلد محمد بن هلال ، الخراج بمصر ، عزل به أحمد بن محمد بن المدبر ، فحبسه أبن هلال ، وطالبه ، وألبسه جبة صوف كانت علي بعض الساسة ، وأقيم في الطريق علي كناسة ، وختمت الجبة في عنقه .

قال أحمد بن يوسف في كتاب المكافأة ( ص 139 و 140)، إن أحمد بن محمد بن المدير ، عامل الخراج بمصر ، رجع يومأ إلي داره ، فاستقبلته امرأة ، فقالت له : أيها السيد ، نحن مائة عيل علي فلان المتقبل ، وقد ضاع شملنا لحبسه ، فاتق دعوة تعرج منا إلي الله فيك ، فقال يهزأ بها : إذا عزمتم علي هذا ، فليكن الدعاء في السحر ، فإنه أنجع ، فما مضي شهر حتي عزل

ص: 177

بمحمد بن هلال الذي تقلد خراج مصر ، الذي حاسبه ، واعتقله ، وألبسه جبة صوف كانت علي بعض الساسة ، وختم الجبة في عنقه، وأقامه في الطريق علي كناسة ، فكان أول من وافاه الإمرأة التي استغاثت به فهزأ بها ، فقال له : جزاك الله يا أبا الحسن خيرة ، فقد نفعتنا بأكثر مما ضررتنا، لأننا جربنا ما أشرت به ، فوجدناه أنجع شيء يلتمس .

واعتقل المعتضد العباسي ( قبل أن يستخلف ) أبا الصقر اسماعيل بن بلبل الشيباني ، وزير ابيه الموفق ، علي أثر وفاة أبيه ، وكبله بالحديد ، وجعل في عنقه غلا فيه رمانة حديد ، والغل والرمانة مائة وعشرون رطلا ، وألبس جبة صوف قد غمست في الدبس وودك الأكارع ، وتركه في الشمس ، وعلق معه رأس ميت ، وعذبه أنواع العذاب ، ولم يزل علي ذلك حتي مات ، ودفن بغله وقيوده ، وكان ذلك في السنة 278 ( مروج الذهب 493/2 والوافي بالوفيات 96/9).

ولما عزل الوزير ابن الفرات ، وزير المقتدر ، عن وزارته الأولي في السنة 299 تسلمه أبو الهيثم العباس بن محمد بن ثوابة الأنباري ، وكان من شرار الخلق ، فعذبه وقيده بقيد ثقيل ، وألبسه جبة صوف قد نقعت في ماء الأكارع ، وغله بغل ، وأجلسه في الشمس ، راجع التفصيل في نشوار المحاضرة للتنوخي ج 5 رقم القصة 27 .

ولما قبض علي المحسن بن الفرات ، بعد عزل والده عن وزارته الأولي ، ضرب علي رأسه ، وسائر جسده ، بالطبرزينات ، وقيد ، وغل، وألبس جبة صوف ، وجبة شعر ، وعذب بكل شيء ( الوزراء للصابي 65 ).

وذكر أبو القاسم زنجي ، أن حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، لما خلف أبا الحسن بن الفرات ، بعد وزارته الثانية ، أمر بالمحسن فقيد بقيد ثقيل ، وألبس جبة صوف قد غمست في النفط ، مزرورة في عنقه ( الوزراء للصابي 264).

ص: 178

الفصل الثالث : طرائف عن الحبوس

وقيل ليزيد بن المهلب : لم لا تتخذ لك دارا ؟ فقال : وما أصنع بها ، ولي دار حاصلة مجهزة علي الدوام ؟ فقيل له : وأين هي ؟ قال : إن كنت متولية فدار الإمارة ، وإن كنت معزولا فالسجن . ( وفيات الأعيان 294/6 ) .

وحبس المصعب بن الزبير، عبيد الله بن الحر الجعفي ، فكلم الأحنف ، مصعبأ ، فأطلقه ، فقال عبيد الله للأحنف : يا أبا بحر ، جعلني الله فداك ، ما أدري ما أكافئك به ، إلا أن أقتلك ، فتدخل الجنة شهيد ، وأدخل أنا النار ، فضحك الأحنف ، وقال : لا حاجة لي في مكافأتك يا ابن أخي . ( أنساب الأشراف 288/5 ) .

وقرأ الحجاج في سورة هود : يا نوح إنه ليس من أهلك ، إنه عمل غير صالح ، فلم يدر كيف يقرأ : عمل ، بالضم أو بالفتح : فقال لحرسي : ائتني بقاريء ، فأتي به ، وقد ارتفع من مجلسه ، فحبس ، واعترض الحجاج أهل الحبس بعد ستة أشهر ، فلما انتهي إليه ، قال له : فيم حبست ؟ قال : في ابن نوح ، أصلح الله الأمير ، فأمر باطلاقه . ( العقد الفريد 36/5 ) .

ولما كان الشيء بالشيء يذكر ، فإن البغداديين ، يتندرون بقصة يروونها عن الحاكم العسكري ، الذي كان ببغداد في عهد عبد الكريم قاسم ، فقد ذكروا أن أحد أولاد الحاكم احتاج إلي أستاذ يلقي عليه درسا إضافية في أحد

ص: 179

المواضيع المدرسية ، وذكر له اسم الاستاذ ، فدونه علي ورقة ، وسلمها لأحد أتباعه ، وكلفه بإحضاره ، وبعد مرور أسبوع، تذكر أن المدرس لم يحضر ، فسأل تابعه : أين فلان ، أما أحضرتموه ؟ فقال له: لقد أحضرناه يا سيدي ، وأشبعناه ضربأ طيلة الأسبوع. ولكنه إلي الآن لم يعترف بشيء.

أقول : الحاكم العسكري الذي كان ببغداد علي عهد عبد الكريم قاسم ، رجل من كبار الضباط ، اسمه أحمد صالح العبدي ، وأنا لم ألقه ، ولم أره ، ولكني سمعت عنه إنه كان رضي الأخلاق ، بحيث استبعد ان تصدر عنه هذه النادرة ، ولكن البغداديين معروفون بسبك النوادر علي حكامهم ، وهذا من ذاك .

وروي القاضي حيان بن بشر ، وكان قد تولي قضاء بغداد وأصبهان : إن عرفجة قطع أنفه يوم الكلام (بالميم ) ، وكان مستمليه رجلا من أهل كجة ، فقال له : أيها القاضي ، إنما هو يوم الكلاب ( بالباء ) ، فأمر القاضي بحبسه ، فدخل الناس إليه ، وقالوا : ما دهاك ؟ فقال : قطع أنف عرفجة في الجاهلية ، وأبتليت أنا به في الإسلام . ( اخبار الحمقي 83 ).

وغضب الرشيد علي ثمامة بن أشرس ، فدفعه إلي سلام الأبرش ، وأمره أن يضيق عليه ، وأن يدخله بيتأ ، ويطين عليه ، ويترك فيه ثقبأ، ففعل ذلك ، وكان يدس إليه الطعام من الثقب ، وجلس سلام عشية يقرأ في المصحف، فقرأ: و ويل يومئذ للمكذبين 4 (بفتح الذال)، فقال له ثمامة : اقرأ ( المكذبين ) - بكسر الذال - وجعل يشرح له ، ويقول : المكبون ، بالفتح ، هم الأنبياء ، والمكبون ، بالكسر هم الكفار ، فقال له سلام : قد قيل لي أنك زنديق ولم أقبل ، وضيق عليه أشد التضييق ، ثم رضي الرشيد عن ثمامة ، وأطلقه ، فكان يحضر مجلسه ، فسأل الرشيد جلساءه يوما ، فقال : أخبروني عن أسوء الناس حالا ؟ فقال كل واحد شيئا ، فلما بلغ القول إلي

ص: 180

ثمامة ، قال : أسوء الناس حالا ، عاقل يجري عليه حكم جاهل ، فتبين الغضب في وجه الرشيد ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما أحسبني وقعت بحيث أردت ، قال : لا والله ، فحدثه بحديث سلام الأبرش ، فضحك ، وقال : صدقت ، ولقد كنت أسوء الناس حالا . ( أخبار الحمقي 151 ) .

وتذكرني هذه القصة ، بقصة يتناقلها البغداديون ، عن فقيه حبس ظلمة ، فكان يعظ المسجونين ، ويحضهم علي التمسك بالدين والأخلاق ، فلا يري تجاوبا من أحد منهم ، إلا من شخص واحد، كان يقبل علي الواعظ ، وينصت إليه باهتمام عظيم ، ويبكي بكاء شديدا ، فأعجب به الواعظ ، وقال له مرة : بارك الله فيك يا ولدي ، فإن وعظي - علي ما يظهر الي - عظيم الأثر فيك ، ولا بد أنك قد انتفعت به ، فقال له : إني ، با سيدي ، لم أفهم شيئا من وعظك ، أما سبب بكائي ، فلأنني لما حبست ، فارقت تيسأ ، قد ربيته ، وأحببته حبي لولدي ، وكلما رأيتك تحرك لحيتك ، وأنت تعظ ، تذكرت لحية تيسي الذي فارقته ، فبكيت حزنا علي فراقه .

وروي أن أفلح بن أفلح ، ناظر قوسان ، المتوفي سنة 595 خرج مع هيأة لتخمين المزروعات ، فضايق المعاملين والتناء ، واستوفي منهم عشرة آلاف دينار ، لنفسه ، فسأله أحد أعضاء الهيأة عن المال الذي جمعه ، فقال له : هذا المال جمعته لي ولاعضاء الهيأة وللكاتب والبراطيل ونفقة الحبس ، ولما سأله إيضاحأ ، قال له : هذه عشرة آلاف دينار ، أعطيك منها ألفا ، وللكاتب الفأ ، وللمشرف الفأ ، وأبرطل بألف ، وأنفق علي نفسي في الحبس ألفا ، وأبقي لعيالي منها خمسة آلاف ، فإن خسرت في آخر السنة ، أكون قد رتبت لنفسي ما يكفيني . ( الجامع المختصر 16 و 17 ).

وكان أبو الينبغي ، ضعيف الشعر ، قلما يصح له الوزن ، إلا إنه كان ظريفة طيبة ، وتكلم بكلام ، فحبس ، فقيل له : ما كان خبرك ؟ فقال : أبو

ص: 181

النيبغي ، قال ما لا ينبغي ، ففعل به ما ينبغي ( الملح والنوادر 258 ).

ومن أصناف المتدين ، الشجولي ، الذي كان يؤثر في يده اليمني ورجليه حتي يري الناس أنه كان مقيدا مغلو" ، ويأخذ بيده تكة فينسجها ، يوهمك أنه من الخلدية ، وقد حبس في المطبق خمسين سنة ( المحاسن والمساويء 218/2) .

وقال المعتمد اللخمي ، صاحب إشبيلية ، لما حبس بالمغرب العربي :

تعلمت في السجن نسج التكك**** وكنت امرأ قبل حبسي ملك

ص: 182

الباب الخامس : النفي والاشهار

اشارة

جمعت في هذا الباب بين النفي والإشهار ، لأنهما كثيرا ما يجتمعان في العقوبة ، وقلما تم نفي من دون إشهار .

ولما كان الإشهار يتم في أغلب الأحيان ، مع عقوبة إضافية ، وهي التعليق ، أو التسمير ، فقد أفردت للإشهار بحثا ، وللتعليق بحثا آخر ، وكذلك للتسمير .

وبذلك تم تصنيف هذا الباب الي فصلين ، كما يلي :

الفصل الأول : النفي

الفصل الثاني : الاشهار ، وينقسم الي ثلاثة أقسام

القسم الأول : الاشهار .

القسم الثاني : التعليق ، وهو علي ألوان سبعة :

اللون الأول : التعليق من اليدين

الون الثاني : التعليق من يد واحدة .

اللون الثالث : التعليق من الساق .

اللون الرابع : التعليق من الإبط .

اللون الخامس : التعليق من الثدي .

ص: 183

اللون السادس : التعليق بالقارة .

اللون السابع : التعليق منكسا .

القسم الثالث : التسمير .

ص: 184

الفصل الأول : النفي

النفي ، في اللغة : التنحية ، ومنه قولهم : انتفي منه ، أي تبرأ منه .

ونظر محمد بن كعب القرظي ، إلي الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، فأطال النظر ، فقال له عمر : مالك نديم النظر إلي ، قال : أنظر إلي ما نفي من شعرك ، وحال من لونك ، ذلك ، إن عمر قبل أن يستخلف كان أنيقأ ، مترفة ، منعم ، فلما استخلف ، تقشف وتشعث ، جريأ علي سنة الخلفاء الراشدين ، رضي الله عنهم ، بأن يعيش أحدهم عيشة أدني فرد في الرعية « لئلا يبخع الفقير بفقره » .

والنفي في الإصطلاح : طرد الإنسان من الموضع الذي هو فيه إلي موضع آخر غيره .

وإن كان النفي لمدة معينة ، سمي تغريبة .

وكان النفي ، في صدر الإسلام ، عقوبة قائمة بذاتها ، غير مضافة إلي عقوبة أخري غيرها ، ولكنها في العهد الأموي ، وما بعده من العهود ، أصبحت - علي الأكثر - عقوبة تبعية ، تضاف إلي الضرب والمصادرة .

وكان الأمويون يمارسون هذا اللون من العذاب ، بنفي من يريدون نفيه إلي عمان ، أو دهلك ، وهي جزيرة جرداء في البحر الأحمر .

ص: 185

أما العباسيون ، فقد توسعوا في تعيين أماكن النفي ، فنفوا إلي إقريطش (كريت ) ، وإلي طنجة ، وإلي عمان ، وإلي الأهواز .

وكان المحتسب في مدن الأندلس ، في عهد المسلمين ، يمر بالأسواق راكبا وأعوانه معه ، وميزانه الذي يزن به في يد أحد الأعوان ، ولا يجسر أحد أن يبيع بأكثر مما حد له المحتسب ، فإن ظفر بأحد باع بأكثر مما حد له ، ضرب ، وجرس ( أشهر) ، فإن عاود نفي من البلد ( نفح الطيب 218/1 و 219).

وأول من نفي في الإسلام ، الحكم بن أبي العاص ، أبو مروان ، وكان من أشد الناس أذي للنبي صلوات الله عليه ، وقدم المدينة بعد فتح مكة ، فكان يمر خلف النبي فيغمز به ويحكيه ، وإذا صلي قام خلفه فأشار بأصابعه ، وأطلع علي النبي ذات يوم وهو في بعض حجر نسائه ، فنفاه هو وولده إلي الطائف ، فلما قبض النبي ، سئل أبو بكر في رده ، فأبي ، وسئل عمر في رده فأبي ورده عثمان ، فكان رده من جملة الأعمال التي أنكرها عليه المسلمون ( أنساب الأشراف 27/5 ).

ونفي النبي صلوات الله عليه ، عن المدينة، مختثين : هما هنب وماتع . ( لسان العرب ماده : هنب ).

ونفي الخليفة عمر بن الخطاب ، نصر بن حجاج عن المدينة ، إلي البصرة ، ثم رده، وسبب ذلك، أن الخليفة طاف ليلة بالمدينة ، فسمع امرأة تنشد في خدرها :

هل من سبيل إلي خمر فأشربها ****أم من سبيل إلي نصر بن حجاج

إلي فتي ماجد الأخلاق ذي كرم ****سهل المحيا كريم غير ملجاج

وكانت المرأة هي الفارعة ، أم الحجاج بن يوسف الثقفي ، كانت تحت

ص: 186

المغيرة بن شعبة ، فولدت منه ابنة ، ثم طلقها، فتزوجها يوسف ، فولدت الحجاج .

فلما أصبح عمر ، قال : علي بنصر بن حجاج ، فجيء به ، فإذا هو

أحسن الناس وجها ، فأمر بقص شعره ، فبدا أجمل مما كان ، فنفاه إلي البصرة ، ثم رده ، عندما وصفت له عفته . راجع القصة في وفيات الأعيان 31/2 و 32 والمحاسن والاضداد 141 و142 والاغاني 191/6 و192 .

وفي السنة 31 نفي عثمان بن عفان ، أبا ذر الصحابي إلي الربذة ، فمات هناك في السنة 32.

أقول : أبو ذر من المسلمين الأولين ، ولما أسلم بمكة، كان المسلمون يكتمون إسلامهم ، فخرج أبو ذر إلي الكعبة ، وصاح بأعلي صوته : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فقام إليه مشركو قريش فضربوه حتي أضجعوه ، وعاود الإعلان بالشهادة في اليوم الثاني ، فعادوا إلي ضربه ، وهاجر أبو ذر مع النبي ، وجاهد معه في غزواته ، وكان معه في غزوة تبوك ، فتأخر بعيره عن مسايرة المسلمين ، فلما أبطأ به ، أخذ متاعه ، وحمله علي ظهره ، وخرج يتبع الرسول ماشية ، ونظر المسلمون إليه من بعيد وهو يقصدهم ، فقال النبي : يرحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده ، فلما دعا أبو ذر إلي العدل الإجتماعي في عهد عثمان نفاه إلي الشام ، وكان عليها معاوية ، فتبرم به ، فأعاده عثمان ، ونفاه إلي الربذة ، فمات بها ، ولم يكن معه لما مات غير آمرأته وغلامه ، فغسلاه ، وكفناه ، ووضعاه علي قارعة الطريق ، فأقبل من العراق ركب فيهم عبد الله بن مسعود ورهط من أهل العراق عمار ، فقام إليهم الغلام ، وقال لهم : هذا أبو ذر ، صاحب رسول الله ، فأعينونا علي دفنه ، فاستهل عبد الله بن مسعود يبكي ، ويقول : صدق رسول الله ، تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك ، ثم نزل هو وأصحابه فواروه ( نور اليقين 31 والطبري 107/3 ) وكان سبب

ص: 187

تبرم معاوية بأبي ذر ، إن أبا ذر سمع معاوية يقول عن الفيء إنه مال الله ، يريد بذلك أن يحجبه عن أصحاب الحق من المسلمين ، فدخل عليه وقال اله: ما يدعوك إلي أن تسمي مال المسلمين، مال الله؟ قال: ألسنا عباد الله والمال ماله، والخلق خلقه، والأمر أمره؟ قال: لا تقله، فإنه مال المسلمين ، وقام أبو ذر بالشام وجعل يقول : يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء ، بشر الذين يكنزون الذهب والفضة ، ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاو من نار تكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، فنفي معاوية أبا ذر عن الشام ، وأعاده إلي المدينة ومعه حارس ، سماه دليلا ، ولما عاد أبو ذر إلي المدينة من الشام ، أخرجه عثمان إلي الربذة ( الطبري 283/4 ) .

ونفي عثمان عامر بن عبد قيس ، من البصرة إلي الشام ، سعي به حمدان بن أبان مولي عثمان ، وكان حمدان قد تزوج امرأة في عدتها ، فنكل به عثمان ، ونفاه إلي البصرة ، فلزم ابن عامر أمير البصرة ، وكان من دسائسه أن دس علي عامر بن عبد قيس ، بأنه لا يري التزويج ، ولا يأكل اللحم ، ولا يشهد الجمعة ، فنفاه عثمان إلي الشام ، فلما قدم علي معاوية بالشام ، وافقه وعنده ثريدة، فأكل منها، فقال له معاوية : يا هذا تدري فيم أخرجت؟ قال: لا، قال: أبلغ الخليفة أنك لا تأكل اللحم، وأنك لا تري التزويج ولا تشهد الجمعة ، وقد رأيتك تأكل اللحم وعرفت أن قد كذب عليك ، فقال : أما الجمعة فإني أشهدها في مؤخر المسجد ، وأرجع في أوائل الناس ، وأما التزويج فإني خرجت وأنا يخطب علي ، وأما اللحم ، فقد كنت لا آكل ذبائح القصابين منذ أن رأيت قصابأ يجر شاة إلي مذبحها ، وذبحها فلم يذكها ، فقال له معاوية : فارجع ، فقال : لا أرجع إلي بلد استحل أهله مني ما استحلوا ( الطبري 4 /327 و 328 ).

ونفي عثمان من الكوفة إلي الشام رهطأ من أشراف أهل العراق ، وهم مالك الأشتر ، وزيد بن صوحان ، وصعصعة بن صوحان ، وكميل بن زياد ،

ص: 188

وعمير بن ضائي ، وجندب بن زهير الغامدي ، وثابت بن قيس النخعي ، وجندب بن كعب الأزدي ، وعروة بن الجعد، وعمرو بن الحمق الخزاعي ، فتبرم منهم معاوية بالشام ، فأعادهم إلي سعيد بن العاص بالكوفة ، وعاد سعيد فنفاهم بأمر عثمان إلي حمص ، وعليها عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، فأنزلهم بالساحل ، وأجري عليهم رزقا ( الطبري 318/4 ، 323 ، 325 ، 326 )

وغضب المصعب بن الزبير ، أمير العراق ، علي إبراهيم بن حيان ، مولي بني عجل ، فقطع يده ، ونفاه ، فصار إلي الروم ، وسبب ذلك ، إن المصعب كان أميرا علي العراق لأخيه عبد الله بن الزبير ، فشخص ابراهيم بن حيان من العراق إلي عبد الله بن الزبير بمكة ، وأخبره بأنه أهل العراق يحبون ولاية ابنه حمزة بن عبد الله ، فولي عبد الله ولده حمزة علي البصرة ، وعزل عنها المصعب ، وكتب إلي المصعب أن يضم من قبله من رجال البصرة إلي حمزة ، فغضب المصعب ، ورحل إلي الحجاز ، وقال الأخيه عبد الله : ما رأيت في حمزة ابنك ، حتي عزلتني ووليته ، فقال له : لم أعزلك تفضيله عليك ، ورده أميرة علي المصرين جميعا في الكوفة والبصرة ) فلما عاد المصعب إلي العراق ، قبض علي ابراهيم بن حيان ، وقطع يده ، ونفاه ، فصار إلي الروم ، فجني جناية هناك ، فقطعوا رجله ( انساب الاشراف 256/5 و336 ).

وكان عبيد الله بن زياد بالكوفة يهدد الناس بالنفي إلي عمان الزارة ( الطبري 359/5 ).

أقول : في معجم البلدان 907/2 ان الزارة : قرية بالبحرين .

وفي السنة 93 توفي جابر بن زيد الأزدي البصري ، تابعي ، من الأئمة ، من أصحاب ابن عباس ، نفاه الحجاج إلي عمان ، ومات هناك ( الاعلام 91/2 ).

ص: 189

وكان يزيد بن المهلب ، لما ولي خراسان ، كتب إلي سليمان بن عبد الملك ، إن معه خمسة وعشرين ألف ألف درهم ، ومات سليمان ، وخلفه عمر بن عبد العزيز ، فطالبه بما أقر به في كتابه ، وأمر عامله علي العراق عدي بن أرطأة الفزاري ، فأوثق يزيد ، وبعث به إلي دمشق ، فطالبه بالأداء ، فلم يؤد ، فحبسه عمر ، وألبسه جبة صوف ، وحمله علي جمل ، وأمر بنفيه إلي دهلك ، فغضب له قومه ، وأرادوا إطلاقه ، فرده إلي محبسه . ( وفيات الأعيان 299/6

و300) .

وقد نفي الخليفة عمر بن عبد العزيز ، عمر بن أبي ربيعة ، إلي دهلك ، لما بلغه عنه من تعرضه للنساء ، وتشبيبه به ( الاعلام 211/5 ) .

وبلغ عمر بن عبد العزيز ، أن مختثا بالمدينة ، قد أفسد الناس ، فأحضره ، وأمر بحبسه ، ووكل به من يعلمه القرآن ، فلم يتعلم شيئأ ، فدعا به ، وأمر به فوجئت عنقه ، ونفاه من المدينة ( الاغاني 337/6 و 338 ).

ولما خرج يزيد بن المهلب بالبصرة ، بلغه أن قتادة الفقيه يتنقصه ، فأحضره ، وشتمه ، فأغلظ له قتادة ، فأمر به فوجيء عنقه ، ووضع فيها حبل ، ونفاه إلي الأهواز . ( العيون والحدائق 66/3 ).

وغضب هشام بن عبد الملك ، علي الشاعر اسماعيل بن يسار ، فأمر بأن يغط في بركة أمامه فغط حتي كادت نفسه أن تخرج ، ثم أمر بإخراجه وهو يشر ، ونفاه من وقته ، وسبب ذلك إنه أنشد هشامأ قصيدة يفخر فيها بالفرس .

وكان إسماعيل شعوبيا شديد التعصب للعجم ، وأنشد يوما في مجلس فيه أشعب قصيدة يفخر بها علي العرب ، منها :

إذ نربي بناتنا وتدشون ****سفاها بناتكم في التراب

فقال له أشعب : صدقت والله يا أبا فائد، أراد القوم بناتهم لغير ما

ص: 190

أردتموهن له ، دفن الفوم بناتهم خوفا من العار ، وربيتموهن لتنكحوهن .

فضحك القوم حتي استغربوا ، وخجل إسماعيل حتي لو قدر أن يسيخ في الأرض لفعل ( الاغاني412/4و423 و424).

وغضب المنصور العباسي ، علي الطبيب عيسي الجنديسابوري ، فصادره ، وأمر بنفيه ، فنفي أقبح نفي ( تاريخ الحكماء 248).

وفي السنة 141 خلع عبد الجبار بن عبد الرحمن ، عامل خراسان للمنصور ، فقصده خازم بن خزيمة ، وأسره، وأدخله بغداد مشهرة ومعه أولاده ، فقتله المنصور ، وأمر بأولاده فنفوا إلي دهلك ، وهي جزيرة في بحر اليمن ، فلم يزالوا بها ، حتي أغار عليهم الهنود ، فسبوهم فيمن سبوا ( ابن الأثير 506/5)

وفي السنة 165 فتح عبد الرحمن الداخل مدينة سرقسطة بالأندلس ، وقتل الحسين بن يحيي الذي عصي عليه فيها ، وكان قد أقسم أن ينفي أهل سرقسطة عنها ، فنفاهم بأجمعهم لليمين التي تقدمت منه ، ثم ردهم إليها ( ابن الأثير 68/6 ).

وغضب المهدي العباسي ، علي القائد هرثمة بن أعين ، فأمر بنفيه إلي المغرب الأقصي ، راجع تفصيل القصة في كتاب المكافأة لأحمد بن يوسف ص 96 – 98 .

وفي السنة 175 نفي هشام بن عبد الرحمن ، صاحب الاندلس ، اخويه سليمان وعبد الله ، وأجلاهما عن الأندلس . ( ابن الأثير 123/6 ).

ونفي المأمون ، الشاعر أحمد بن أبي نعيم إلي السند ، وسبب ذلك : إن المأمون مازح القاضي يحيي بن أكثم ، فسأله من الذي يقول :

قاض يري الحد في الزناء ولا**** يري علي من يلوط من باس

ص: 191

فقال له : يقوله - يا أمير المؤمنين - الفاجر أحمد بن أبي نعيم ، الذي يقول :

ما أحسب الجورينقضي وعلي الأم****ة وال من آل عباس

فأفحم المأمون ، وقال : ينفي أحمد بن أبي نعيم إلي السند ، فنفي ، والمقطوعة التي قالها أحمد بن أبي نعيم ، منها : ( وفيات الأعيان 153/6 و 154 ).

أنطقني الدهر بعد إخراس****النائبات أطلن وسواسي

با بؤس للدهر لا يزال كما**** يرفع ناسا يحط من ناس

لا أفلحت أمة وحق لها**** بطول نكس وطول إنعاس

ترضي بيحيي يكون سائسها**** وليس يحيي لها بسواس

قاض يري الحد من الزناء ولا**** يري علي من يلوط من باس

أميرنا يرتشي وحاكمنا ****بلوط والراس شر ما راس

لا أحسب الجورينقضي وعلي الأم****ة وال من آل عباس

وفي السنة 220 غضب المعتصم علي الفضل بن مروان ، وكان يقوم بجميع أمره من وزارة وكتابة ، فأمر بحبسه ، فحبس في داره ( دار الفضل ) ببغداد ، في شارع الميدان ، واستوزر محمد بن عبد الملك الزيات ، فأمر بنفي الفضل إلي قرية في طريق الموصل ، يقال لها السن، وصار محمد بن عبد الملك الزيات وزير وكاتبا للمعتصم ( الطبري 20/9 ).

وغضب الواثق العباسي ، علي المسدود المغني ، فقال : خذوا برجل العاض ببظر أمه ، فسحب من بين يديه ، وقال : ينفي إلي عمان الساعة ، فأحدر من وقته .

وقد ذكرنا في موضع آخر من هذا الكتاب ، تفصيل القصة ، راجع الباب الأول ، الفصل الخامس ، وراجع الاغاني 289/20 .

ص: 192

وغضب الواثق علي إسحاق الموصلي ، كاده عنده مخارق ، فأمر به فسحب من المجلس ، ونفي إلي بغداد ، ثم تدخلت فريدة محظية الواثق في الأمر ، فأصلحت له قلب الواثق ، وعاد إلي منادته ، راجع الاغاني 361/5)

وكان عبادة المخنث ، المجاهر بالبغاء ، من ندماء المتوكل ، وغضب عليه المتوكل ، فنفاه إلي الموصل . (وفيات الأعيان 355/1 ) .

ونفي المتوكل ، علي بن الجهم إلي خراسان ، وكتب إلي عامله عليها طاهر بن عبد الله بن طاهر ، أنه أذا ورد عليه أن يصلبه نهارا كاملا ، مجردة ، ففعل ذلك . ( وفيات الأعيان 355/3) .

وغضب المتوكل علي نديمه إبراهيم بن حمدون ، إذا اتهمه بأنه حزين الموت الواثق ، فنفاه إلي السند ، وضربه ( معجم الأدباء 368/1 ) .

وغضب المتوكل علي نديمه أحمد بن إبراهيم بن حمدون ، فنفاه إلي تكريت ثم قطع أذنيه . ( معجم الأدباء 365/1 ).

وقال ابن حمدون النديم ، لعبادة المخنث نديم المتوكل، لو حججت ، لاكتسبت أجرأ ، فقال : اسمعوا إلي هذا العيار ، يريد أن ينفيني من سامراء علي جمل ( الديارات 187 ).

وفي السنة 244 غضب المتوكل، علي بختيشوع الطبيب ، وقبض ماله ، ونفاه إلي البحرين . ( الطبري 210/9 ).

ولما بويع المنتصر بالخلافة في السنة 247 أمر بعمه علي بن المعتصم ، فنفي إلي بغداد ، ووكل به هناك ، وفي السنة 253 أمر المعتز بنفيه من بغداد إلي واسط ، فنفي إليها ، ثم رد إلي بغداد ( الطبري 239/9 و377 ).

ص: 193

وفي السنة 248 غضب الموالي ( الاتراك ) ، علي أحمد بن الخصيب ، فاستصفي ماله ، ومال ولده ، ونفي إلي إقريطش (كريت ) ( الطبري 259/9 ).

وأمر الخليفة المنتصر ، بنفي عمر بن فرج الرخجي إلي بلاد الترك ( اي ما وراء النهر)، راجع القصة في كتاب المكافأة لأحمد بن يوسف الكاتب ص 43 - 47.

أقول : عمر بن فرج الرخجي هذا ، من سفلة الناس وشرارهم ، راجع ترجمته في هذا الكتاب في الباب الثالث ، الفصل الثاني : الصفع .

وفي السنة 248 خرج عبيد الله بن يحيي بن خاقان ، إلي الحج ، فوجه خلفه رسول اسمه شعيب ، بنفيه إلي برقة ، ومنعه من الحج . ( الطبري 258/9)

وفي السنة 250 غضب المستعين علي جعفر بن عبد الواحد، واتهمه بأنه بعث إلي الشاكرية من أفسدهم ، فنفاه إلي البصرة ( ابن الأثير 174/7)

وفي السنة 252 سخط المعتز علي دنجور ، وأمر بحبسه في الجوسق ، ثم أمر بنفيه إلي بغداد مقيدة ، ثم وجه به إلي اليمامة ، فحبس هناك ( الطبري 372/9)

وفي السنة 252 حصلت فتن بين الأتراك والمغاربة ، في سامراء ، فعمد بايكباك رأس الأتراك إلي محمد بن راشد ونصر بن سعيد رئيسي المغاربة فقتلهما ، وكان الذي دس عليهما محمد بن عزون ، فغضب المعتز علي محمد بن عزون وأراد قتله ، فكلم فيه ، فنفاه إلي بغداد ( الطبري 369/9)

وفي السنة 252 كلف المعتز العباسي ، مؤدبه محمد بن عمران

ص: 194

الضبي ، أن يسمي له رجالا للقضاء ، فسمي للمعتز ثمانية رجال ، منهم الخصافي والخلنجي ، فأمر بنصبهم قضاة ، فاعترض علي ذلك شفيع الخادم ، ومحمد بن إبراهيم ، المعروف بابن الكردية ، وعبد السميع بن هارون ، وقالوا : هؤلاء من أصحاب ابن أبي دؤاد ، وأنهم « رافضية ، قدرية ، زيدية ، جهمية ، فأمر المعتز بطردهم ، ونفاهم إلي بغداد ( الطبري 371/9)

وفي السنة253 غضب المعتر ، علي أخيه أبي أحمد الموقق ، ابن المتوكل ، فنفاه إلي واسط ، ثم إلي البصرة ، ثم رد إلي بغداد ، وأنزل في الجانب الشرقي ، في قصر دينار بن عبد الله ( الطبري 377/9 ).

أقول : قصر دينار بن عبد الله بالمخرم ( العلوازية ) ، وقد ذكره الشاعر ، حين قال :

ومن يشتري مني ملوك المخرم**** أبغ حسنا وابني هشام بدرهم

وأعطي رجاء فوق ذاك زيادة**** وأمنح دينارة بغير تندم

فإن طلبوا مني الزيادة زدتهم ****أبا دلف والمستطيل بن أكثم

ويتضح من الشعر ، أن هؤلاء الذين ذكرهم ، جميعهم دورهم في المخرم ، ويريد بالحسن : الحسن بن سهل ، وبأبني هشام ، علي بن هشام ، وأخيه أحمد بن هشام، وبرجاء ، رجاء ابن أبي الضحاك الجرجرائي ، والد الحسن بن رجاء ، وبدينار ، دينار بن عبد الله ، من موالي الرشيد ، وبأبي دلف ، القاسم بن عيسي ، وبأبن أكثم ، القاضي يحيي بن أكثم ، وهؤلاء الذين ذكرهم ، أركان دولة المأمون .

ولما قتل صالح بن وصيف ، القائد التركي ، المعتر ، استترت أمه قبيحة ، وأرضت صالح بالمال ، فأخذ منها مالا وجواهر ، ونفاها إلي مكة ، وبقيت هناك إلي أن ولي المعتمد ، فردها . (تاريخ الخلفاء 360 ).

ص: 195

ونفي المعتمد، الحسن بن مخلد الوزير ، الي مصر ، فكان مضيه إليها سبب تلفه ، إذ حبسه أحمد بن طولون ، حتي مات في حبسه ، وسبب نفي الحسن ، إنه كان متعط ، وحضر مجلسا غنت فيه إحدي جواري بدعة الكبري ، أبيات طرب لها الحسن ، وكان آخر تلك الأبيات :

لا تهلكي جزعة فإني واثق**** برماحنا وعواقب الأيام

فقيل للمعتمد : إن هذا يتربص بك الدوائر ، فنفاه إلي مصر ، للتفصيل راجع كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي تحقيق المؤلف ج 8 ص 30 رقم القصة 9.

وتهدد الوزير إسماعيل بن بلبل ، عبيد الله بن سليمان ، بالنفي إلي طنجة ، راجع القصة مفضلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ج 8 ص 164 - 169 رقم القصة 71.

وفي السنة 290 قبض القاسم بن عبيد الله ، وزير المكتفي ، علي الحسين بن عمرو النصراني ، ونفاه إلي واسط ( علي قول الطبري 103/10 ) وإلي الأهواز ( علي قول التنوخي في نشوار المحاضرة 268/3 ) وسبب ذلك : إن الحسين بن عمرو النصراني كان يكتب للمكتفي ، قبل الخلافة ، وكان قوي الصلة به ، فلما استخلف ، رغب الحسين في الوزارة ، وأحكمت له الأمر ، فارس داية المكتفي ، ولما كانت نصرانيته تحول دون استيزاره ، فقد اقترح علي أن تكون الوزارة ، باسم إبراهيم بن حمدان الشيرازي ، كاتب الحسين ، وأن تكون الدواوين ، وأمور الدولة بأجمعها، في يد الحسين ، وتم الإتفاق مع المكتفي علي يوم معين ، يعزل فيه القاسم ، وينصب إبراهيم بدلا منه ، راجع في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 3 ص 268 - 272 رقم القصة 171 الطرق التي توصل بها القاسم المعرفة الخبر ، وكيف تم له تدارك أمره ، بحيث مكنه الخليفة من الحسين بن عمرو ، وكاتبه إبراهيم ، حتي نفاهما ، ثم قتلهما .

ص: 196

وفي السنة 306 وقعت فتنة ببغداد بين العامة والحنابلة ، فأخذ الخليفة جماعة منهم ، وسيرهم إلي البصرة ، فحبسوا هناك ( ابن الأثير 115/8 ).

ولما وزر ابن الفرات ، وزارته الثانية ، رفع ابن مقلة ، وقدمه ، وزاد في رزقه ، فلما عزل ابن الفرات ، كان ابن مقلة من أشد الناس عليه ، فلما وزر ابن الفرات وزارته الثالثة ، نكب أبا علي بن مقلة ، وحبسه ، وأسلمه إلي ولده المحن ، وكان المحسن قاسية ، وإسلام المحبوس إليه ، يعني قتله ، فكتب ابن مقلة إلي الوزير ، وكلمه بعض أصحابه ، فأخذه من يد ولده المحسن ، ونفاه ، وسليمان بن الحسن إلي فارس ، راجع تفصيل القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، رقم القصة 117 .

وسعي أبو الحسن بن أبي البغل ، لأخيه أبي الحسين ، في الوزارة ، وشعر الخاقاني الوزير بالأمر ، فاعتقل الأخوين ، وأنزلهما في زورق مطبق ، وحدرهما إلي واسط ، لينفيهما منها إلي حيث يتقرر رأيه عليه . ( الوزراء للصابي 296 ) .

وعثر الوزير ابو الحسن بن الفرات علي ورقة سقطت من سليمان بن الحسن ، فيها سعاية به ، فقبض عليه للوقت ، وأنفذه إلي واسط ، في زورق مطبق ، وصودر ، وعذب ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، ج 8 ص 191 رقم القصة 82.

وفي السنة 311 لما استوزر المقتدر ، أبا الحسن بن الفرات ، وزارته الثالثة ، عمل المحسن ، ابن الوزير، علي قتل علي بن عيسي ، فلم يدعه أبوه ، واستقر الأمر علي نفيه وإبعاده عن الحضرة ، فنفاه إلي مكة ، وضم إليه المحسن موكلين ، وأوصاهم بسمه في الطريق إن تمكنوا ، أو قتله بمكة ، فتحرز علي بن عيسي في مأكله ومشربه ، حتي وصل إلي مكة ، فاستعان بقاضيها ، وهو من أنصاره ، فطرد الموكلين به ، وسلم ، راجع كتاب نشوار

ص: 197

المحاضرة للقاضي التنوخي، تحقيق المؤلف ج 4 ص 70 - 73 رقم القصة 37 .

وفي السنة 318 عزل المقتدر وزيره ابن مقلة ، وقبض عليه ، وصادره ، ونفاه إلي بلاد فارس ( وفيات الأعيان 114/5 ).

واستوحش مؤنس من الحسين بن القاسم بن عبيد الله ، وزير المقتدر ، فطلب منه أن يعزله ، فعزله ، فطلب منه أن ينفيه إلي عمان ، فأبي ( النجوم الزاهرة 229/3 ).

وفي السنة 319 هم المقتدر باستيزار أبي علي بن مقلة ، فكره ذلك القائد هارون بن غريب ، واتفق مع الوزير ابن الفرات ، فنفي ابن مقلة إلي شيراز . ( تجارب الأمم 229/1 ) .

وكان الوزير أبو علي بن مقلة ، نفي أبا العباس الخصيبي ، وسليمان بن الحسن بن مخلد إلي عمان ، وكاتب صاحب عمان بحبسهما ، والتضييق عليهما ( تجارب الأمم 323/1 ) .

أقول : كان الوزير آبن مقلة قد أحدر الخصيبي وسليمان بن الحسن إلي البصرة ، وأمر البريدي بنفيهما في البحر ، فجن عليهما الليل ، وكادا يغرقان ، وأيسا من الحياة ، فقال الخصيبي : اللهم إني أستغفرك من كل ذنب وخطيئة ، وأتوب إليك من معاودة معاصيك ، إلا من مكروه أبي علي بن مقلة ، فإني إن قدرت عليه جازيته عن ليلتي هذه ، وما حل بي منه فيها ، وتناهيت في الإساءة إليه ، فقال له سليمان : أفي هذا الموضع ، وأنت معاين الهلاك ، تقول هذا ؟ فقال : ما كنت لأخدع ربي ، ولما صارا إلي عمان ، عدل بالخصيبي إلي سرنديب، فعرف سليمان بن الحسن، ابن وجيه صاحب عمان خبره ، فأمر برده إلي عمان ، ثم ان الراضي عزل ابن مقلة ، وولي عبد الرحمن بن عيسي فضمن الخصيبي ابن مقلة ، وتسلمه ، وعذبه ، وعامله بصنوف المكاره ، راجع كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 2 ص 124 و125.

ص: 198

رقم القصة 63/2 وكتاب تجارب الأمم 323/1 .

ولما استوزر المقتدر الحسين بن القاسم بن عبيد الله ، في السنة 319 ، تجرد لنفي علي بن عيسي وأخيه عبد الرحمن ، إلي مصر والشام ، فدافع مؤنس عنهما ، فتقرر نفي علي بن عيسي إلي الصافية ، ( وهي بليدة قرب دير قني ، مقابل النعمانية ، في وسط العراق ) . ( تجارب الأمم 220/1 و221) .

وفي السنة 319 عزل الحسين بن القاسم عن وزارة المقتدر ، واعتقل عند الوزير الخلف ، أبي الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات ، ثم نفي إلي البصرة ، وأقيم له في كل شهر خمسة آلاف درهم ( تجارب الأمم 228/1)

وفي السنة 321 بلغ مؤنسا الخادم ( المظفر ) أن محمد بن ياقوت يسعي عليه عند القاهر ، وأن الواسطة بينهما الطبيب عيسي ، طبيب القاهر ، فوجه علي بن يلبق ، فقبض علي عيسي في حضرة القاهر، ونفاه إلي الموصل ( الطبري 250/8 وتجارب الأمم 259/1 ).

وفي السنة 321 أراد القائد علي بن يلبق أن يقبض علي البربهاري ، لأنه يثير الفتن هو وأصحابه ، فاستتر البربهاري ، وأخذ جماعة من اعيان أصحابه ، وحبسوا ، وجعلوا في زورق ، وأحدروا إلي عمان ( ابن الأثير 273/8)

وجاء في تجارب الأمم 260/1 والنجوم الزاهرة 238/3 أن أصحاب البربهاري أحدروا إلي البصرة .

أقول : البربهاري ، نسبته إلي البربهار ، وهي أدوية تجلب من الهند ( اللباب 107/1 ) ولعلها التي تسمي الآن بالبهارات ( الاعلام 217/2 )، أبو محمد الحسن بن علي بن خلف الحنبلي ، شيخ الحنابلة في وقته ، ولد

ص: 199

سنة 233 ، وكان عنيفا في تصرفاته ، حتي طلبه القاهر في السنة 321 ليعتقله ، فاستتر ، ثم ظهر ، وعاد إلي العنف ، فأراد الراضي أن يعتقله في السنة 323 فاستتر ، ومات في استشاره في السنة 329، ولم أقرأ عن رجل اختلف فيه المؤرخون ، اختلافهم في البربهاري ، فإن المؤرخين الحنابلة ، جعلوا منه قديسأ، بل نبيا مرسلا ، أما المؤرخون الآخرون ، فجعلوا منه وحش كاسر ، وممن أعلن بذمه أبو بكر الصولي ، في كتابه الأوراق ، وقال عنه صاحب التكملة ( ص 91) إن أصحاب البربهاري يذكرون عنه صلاحأ كثيرة ، وأضداده يذكرون خلاف ذلك ، والظاهر أن صاحب التكملة من مرجحي « خلاف ذلك ، لأنه روي عنه في كتابه ، إنه وضع بعرة جمل في درج مقفل له منظر ، وجاء به إلي بزاز في الكرخ ( يعني انه شيعي ) وقال له : هذه بعرة جمل أم المؤمنين عائشة ، وأريد أن أرهنها عندك علي ألف دينار ، كما روي عنه القاضي التنوخي في كتابه نشوار المحاضرة ج 2 ص 233 ان البربهاري بلغه أن نائحة اسمها خلب ، تنوح علي الحسين وأهل البيت ، فأمر أصحابه أن يطلبوها ويقتلوها ، كما روي عنه في موضع آخر ج2 ص 295 أقوالأ تدل علي إنه لا يحسن التعبير الفصيح ، ويخطيء في تهجي الألفاظ ، وكان البربهاري ، قد جمع حوله عصبة من الحنابلة ، قال عنهم ابن الأثير في الكامل 307/8 و 308 إنهم أخذوا يكبسون دور العامة والقواد ، وإن وجدوا نبيذا أراقوه ، وكسروا آلة الغناء ، واعترضوا في البيع والشراء ، ومشي الرجال مع النساء والصبيان ، فإذا رأوا ذلك سألوا الرجل عن الذي معه ، من هو ؟ فإن أخبرهم ، وإلا ضربوه ، وحملوه إلي صاحب الشرطة ، وشهدوا عليه بالفاحشة ، فأرهجوا بغداد ، واستظهروا بالعميان الذين كانوا يأوون إلي المساجد ، فكان إذا مر بهم شافعي المذهب ، آغروا به العميان ، فيضربونه بعصيهم حتي يكاد يموت ، وذكر صاحب معجم الأدباء 436/6 إنهم هاجموا الإمام الطبري ، صاحب التفسير والتاريخ ، فرموه بالمحابر ، وهو علي المنبر ، فقام ودخل إلي داره ، فرموا داره بالحجارة ،

ص: 200

حتي صار علي بابه كالتل العظيم ، ولما توفي الإمام الطبري ، دفن لي؟ ، لأنهم منعوا من دفنه، وادعوا عليه الرفض ( أي التشيع ) ثم ادعوا عليه الالحاد، وقد أوضح أبو الفرج بن الجوزي ، وهو حنبلي ، سبب غضبهم عليه ، ومنعهم من دفنه ، في كتابه المنتظم 172/6 إن الإمام الطبري كان يري جواز المسح علي القدمين ، ولا يوجب غسلهما ، فلهدا نسب إلي الرفض ، وقال ابن الأثير 308/8 و 309 : ولما زاد شرهم وفتنتهم ، خرج توقيع الخليفة الراضي ببيان هاجم فيه البربهاري وعصابته ، وأنكر عليهم فعلهم ، ووبخهم وأمر أن لا يجتمع منهم اثنان، وأن لا يتناظروا في مذهبهم ، وتهددهم « بالضرب والتشريد، والقتل والتبديد » ، وذكر صاحب تجارب الأمم 322/1 إن بدر الخرشني ، ركب في السنة 323 وحبس جماعة من أصحاب البربهاري ، فاستتر البربهاري ، وكان سبب ذلك « تشترطهم علي الناس، وإيقاعهم الفتن المتصلة» وظل البربهاري مستترة في دار أخت توزون، ومات في استتاره ، ودفن في تلك الدار ، أما ما أثبته المؤرخون الحنابلة عنه ، ومنهم أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ، صاحب المنتظم ، وعبد الحي بن العماد صاحب شذرات الذهب ، فإن أولهما وصفه في المنتظم 323/6 بأنه « جمع العلم والزهد، وإنه « تنزه عن ميراث أبيه ، وإنه «كان شديدة علي أهل البدع ، فما زالوا يثقلون عليه قلب السلطان ، حتي استتر عند أخت توزون « نحوا من شهر ، ثم مات ، فحضر للصلاة عليه « رجال بثياب بيض وخضر ملأوا الدار فصلوا عليه ، وزاد علي ذلك بأنه « كشف عن قبره بعد سنين ، فوجدوه صحيحا لم يرم ، وظهرت من قبره روائح الطيب ، حتي ملأت مدينة السلام ، ونقل ابن العماد في شذرات الذهب 319/2 - 322 ما كتبه ابن الجوزي ، ووصف البربهاري بأنه « الفقيه القدوة ، شيخ الحنابلة بالعراق حالا وقالا ، وانه آستتر في السنة إحدي وعشرين ( وثلثمائة ) ثم تغيرت الدولة فزادت حرمته ، ثم سعت المبتدعة به ، فنودي بأن لا يجتمع في بغداد اثنان من أصحاب البربهاري فاختفي إلي أن مات في رجب ،

ص: 201

والذي يؤخذ علي ابن الجوزي أنه بلغ من تعصبه للبربهاري أن نسب إليه ، ما لم ينسب إلي الأنبياء والصديقين ، فزعم إنه صلت عليه الملائكة ، وهذا ما لم يدعه أحد حتي للأنبياء ، كما نسب إليه أنه كشف عن قبره بعد سنين ، فوجد بدنه صحيح لم يرم ، وإن روائح الطيب فاحت من قبره حتي عمت وملأت مدينة السلام ، وكان الأنسب لفقيه مثل ابن الجوزي ، أن لا يتورط في نسبة جميع هذه المعاجز الي البربهاري ، يضاف إلي ذلك إنه أثبتت في تاريخه : إن البربهاري تنزه عن ميراثه من أبيه ، وغفل عن الوجه السيء في القضية ، وهو إن تنزه البربهاري عن ميراثه من والده ، يعني أن ذلك المال فيه شبهة الحرام ، كما ذكر إن مدة اختفاء البربهاري في دار أخت توزون « شهر واحد ، مع أن بقية المؤرخين اجمعوا علي أن البربهاري استتر في السنة 323 ومات وهو مستتر في السنة 329.

ونفي محمد بن القاسم بن عبيد الله ، وزير القاهر ، أخاه الحسين ، إلي الرقة ، في قصة من أقبح القصص ، دلت علي ما اشتمل عليه محمد بن القاسم ، هذا ، من خة ونذالة ، فإن محمد بن القاسم ، استوزره القاهر ، في السنة 321 وكان أخوه الحسين مستترأ ، فراسله أخوه الوزير محمد ، وسأله أن يظهر لكي يقلده ثلاثة دواوين ، ديوان السواد ، وديوان الجيش ، وديوان النفقات ، وحلف له بالله العظيم ، وبسائر أيمان البيعة ، وبعتق مماليكه ، وطلاق نسائه ، علي صحة ضميره له ، وبأن باطنه مثل ظاهره ، وكتب له بذلك رقعة أشهد الله فيها علي نفسه ، فاطمأن أخوه إلي تلك الأيمان ، وصار إلي أخيه ، وإذا بأخيه الوزير قد أعد له زورقأ مطبقأ ، فلما حصل عنده أمر بتحصيله في الزورق ، ووقفت أمه علي الخبر ، وهما شقيقان ، فجاءت حتي وقفت لمحمد علي شاطيء دجلة ، في الموضع الذي ينزل منه إلي طياره ، وهناك خلق من الناس ، فاستغاثت إليه ، وكشفت شعرها بين يديه ، وأظهرت ثديها، وحلفته بكل حق لها عليه ، أن يطلق

ص: 202

آبنها ، فلم يلتفت إليها ، وجلس في طياره ، وانحدر إلي دار السلطان ، وأمر بأخيه ، فنفي إلي الرقة ( تجارب الأمم 266/1 و267 ) ،ولأجل معرفة مصير محمد بن القاسم هذا ، راجع القصة 100 من كتاب الفرج بعد الشدة اللقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف .

وكان ابن سليمان الكاتب ، قد تعهد له المستكفي ، بأن يستكتبه ، لما سعي له في الخلافة ، فلما بويع بالخلافة استكتبه ، ثم أخذ هو وعلم قهرمانة المستكفي ، يغصبون أموال التجار علنا ، فبعث توزون إلي المستكفي يلومه علي ذلك ، وطلب من المستكفي أن يصرف أبا عبد الله بن سليمان عن كتابته فصرفه ، فأخذه توزون ، وأخذ أخاه وابنه ، ونفاهم إلي الشام ، وكان ذلك في السنة 333 . ( تجارب الأمم 76/2 ) .

وفي السنة 337 نفي معز الدولة ، أصفهدوست ، خال أولاده ، ومن أكابر قواده ، إلي رامهرمز ، وسجنه بها . ( ابن الأثير 480/8 ) .

وفي السنة 358 استولي شيرزاد كاتب الفارسية في دولة بني بويه ، علي بختيار استيلاء عظيما . وحلف بختيار أنه لا يقرر أمرأ إلا بعد مشاورته ورضاه ، فناصبه الكتاب والجند العداء ، وتوافقوا علي الفتك به ، فخشي شيرزاد من القتل ، ونفاه بختيار إلي الأهواز . ( تجارب الأمم 257/2 - 259)

ولما استوزر بختيار ابن بقية ، نفي أبا محمد الخازن بن فسانجس إلي واسط ، وأجري عليه رزقأ ، ثم إن أبا محمد أصعد إلي بغداد بغير أمره ، فاغتاظ ، وقبض عليه ، ونفاه إلي البطيحة ، ثم أصعد سر واستر ببغداد ، فقبض ابن بقية عليه وعلي أخيه الوزير أبي الفرج ونفاهما إلي سرمن رأي ، واعتقله بها سنة 360 . ( تجارب الأمم 287/2 ).

ص: 203

وفي السنة 369 قبض عضد الدولة علي نقيب الطالبيين أبي أحمد الموسوي ، وعلي أخيه أبي عبد الله ، وعلي قاضي القضاة أبي محمد عبيد الله بن أحمد بن معروف ، ومحمد بن عمر العلوي ، ونفاهم إلي فارس ( تجارب الأمم 399/2 ).

وغضب المنصور بن أبي عامر الأندلسي ، علي عبد الملك بن إدريس الجزيري فنفاه من قرطبة. ( إعتاب الكتاب 193).

وفي السنة 404 أمر الحاكم الفاطمي ، بنفي المنجمين من بلاده . (وفيات الأعيان 295/5 ).

وفي السنة 446 بويع محمد بن إدريس من آل حمود بالخلافة ، فنفي أخاه الحسن الملقب بالسامي إلي العدوة . ( المعجب للمراكشي 120 ).

واتصل ابن عمار الأندلسي ، بالمعتمد اللخمي ، في حياة أبيه المعتضد ، فاشتدت الإلفة بينهما ، حتي لم يستطع المعتمد أن يفارقه ، ولما ولي المعتمد مدينة شلب لأبيه ، أخذ معه ابن عمار وزيرا ، فأمر المعتضد بنفي ابن عمار من بلاده ، فنفي إلي أقاصي بلاد الأندلس ( المعجب للمراكشي 176).

وفي السنة 497 ورد للسلطان سنجر ، ملطف ( كتاب في قصاصة ) : لا يتم لك أمر مع هذا الأمير برغش ، وورد ملطف للأمير برغش : لا يتم لك أمر مع هذا السلطان ، فجرت مضاهاة الخط ، وثبت إنه بخط كاتب الطغرائي وزير سنجر ، فأخذ الكاتب وقتل ، وعزل الطغرائي ، ونفي إلي غزنة ( ابن الأثير 378/10 ).

وكان ابن عنين الأنصاري الدمشقي الشاعر، نظم قصيدة في ثلب

ص: 204

أهالي دمشق ، سماها: مقراض الأعراض ، فنفاه السلطان صلاح الدين الأيوبي من دمشق ، فكتب إليه لما خرج : ( وفيات الأعيان 14/5)

فعلام أبعدتم أخا ثقة ****لم يقترف ذنبأ ولا سرقا

أنفوا المؤذن من بلادكم ****إن كان ينفي كل من صدقا

وقبض صاحب دمشق ، بوري بن طغتكين ، علي الشاعر ابن منير الطرابلسي (ت 548 ) لهجائه الناس ، وحبسه ، وعزم علي قطع لسانه ، ثم شفع فيه ، فنفاه عن دمشق . ( وفيات الأعيان 156/1 ).

وفي السنة 082 عاد عبد الله بن غانية ، إلي ميورقة ، فوجد أخاه محمد ، قد انتقض عليه وأخذ يدعو للموحدين ، فاستعاد عبد الله الحكم ، واعتقل أخاه محمد ، ونفاه إلي الأندلس ، حيث أكرمه الموحدون إكرامة عظيمة ، وولوه علي مدينة دانية . ( المعجب للمراكشي 352).

وفي السنة 629 نقل عن عبد الله بن ذبابة ، ما اقتضي ضربه علي باب النوبي ، وقطع لسانه ، وإحداره إلي البصرة ، وإلزامه المقام بها . ( الحوادث الجامعة 31) .

وفي السنة 690 أمر السلطان الملك الأشرف خليل ، ملك مصر والشام ، بإخراج ولدي الملك الظاهر بيبرس ، وهما الملك المسعود خضر صاحب الكرك ، والملك العادل سلامش ملك مصر المخلوع، ونفاهما مع أنهما إلي بلاد الأشكري ملك الفرنج ، فلما استقرا بالقسطنطينية ، أحسن إليهم الأشكري وأجري عليهم مايقوم بهم ومن معهم ، ومات سلامش هناك ، فصبرته والدته بالصبر ، وجعلته في تابوت ، ولم تدفنه ، إلي أن عادت به إلي الديار المصرية ( تاريخ ابن الفرات 130/8 ).

وفي السنة 737 أخذ بمصر شمس الدين بن اللبان الشافعي ، وشهد

ص: 205

عليه عند الحاكم بعظائم تبيح الدم ، فرسم بنفيه ( شذرات الذهب 114/6 )

وفي السنة 769 توقي قطب الدين القدسي ، المعروف بالهرماس ، وكان قد صحب الناصر حسن ، وحظي عنده ، ثم غضب عليه الناصر ، وطرده ، بعد أن ضربه بالمقارع، ونفاه إلي مصياف . ( الدرر الكامنة 33/4)

وفي السنة 786 قبض علي الأمير يلبغا ومعه سبعة أنفار من المماليك وضربهم سلطان مصر، ورسم بنفيهم إلي الشام ( بدائع الزهور 344/2/1)

وفي السنة 787 أمر سلطان مصر ، بنفي الأمير علي خان ، والي البهنسا من مصر ، بعد أن ضرب ، وغرم عشرة الاف دينار . ( بدائع الزهور59/2/1 )

وفي السنة 788 أنكر قاضي دمنهور ، علي ضامن المكوس ، ما بستأديه من المسلمين ، فأمر السلطان بضرب القاضي ونفيه . ( نزهة النفوس 140)

وفي السنة 790 أمر السلطان الملك الظاهر برقوق ، بنفي الطواشي بهادر ، مقدم المماليك السلطانية ، فنفي من القاهرة إلي صفد، قيل لأنه وجده سكرانا ( تاريخ ابن الفرات 33/9 ).

وفي السنة 801 تنگر سلطان مصر ، علي الأمير سودون الحمزاوي ، فضربه ، ونفاه إلي بلاد الشام . ( بدائع الزهور 511/2/1).

في السنة 811 نفي سلطان مصر ، الأمير يلبغا السالمي ، من القاهرة إلي الاسكندرية . ( الاعلام 276/9 ) .

ص: 206

وغضب ملك الأمراء ، نائب السلطان العثماني بمصر ، علي أحد الرعية ، فجدع أنفه ، وصلم أذنيه ، ونفاه إلي مكة ( بدائع الزهور 394/5)

وفي السنة 969 توفي الشيخ ابو محمد معروف بن عبد الله اليمني بدوعان منفية ، وهو من أهل شبام ، فخشيه السلطان بدر الكثيري لاعتقاد الناس فيه ، فأمر بإشهاره ونفيه ، فربط في عنقه حبل ، وطيف به ينادي عليه : هذا معبودكم يا أهل شبام ، ثم نفي عن شبام ، فاستقر بدوعان وبها مات ( شذرات الذهب 357/8 ).

وفي السنة 1032 نفي السلطان جاني بك كراي بن مبارك ، خان القرم ، إلي جزيرة رودس ، ومات هناك منفية في السنة 1036 ( معجم انساب الاسرات الحاكمة367 و 368 ).

وفي السنة 1054 عزل السلطان محمد كراي الرابع بن سلامت ، خان القرم ، من السلطنة ، ونفي إلي رودس ، وكان قد ولي السلطنة في السنة 1051 ( معجم انساب الاسرات الحاكمة 368) .

وفي السنة 1094 عزل السلطان مراد كراي بن مبارك ، خان القرم ، من السلطنة ونفي إلي يمبلوي ، حيث توفي هناك في السنة 1107 ( معجم انساب الاسرات الحاكمة 368) .

وفي السنة 1103 عزل السلطان سعادة كراي بن قريم ، خان القرم ، من السلطنة ، ونفي إلي رودس ، حيث توفي منفية في السنة 1116 ( معجم انساب الاسرات الحاكمة 368 ).

وفي السنة 1108 أحضر الباشا بمصر ، الشيخ محمد الزرقاني ، أحد شهود المحكمة ، بسبب انه كتب حجة وقف تتعلق بمنزل آل إلي بيت المال ، فأمر به فحلقت لحيته ، وأشهر في الأسواق علي جمل ، والمنادي

ص: 207

ينادي عليه : هذا جزاء من يكتب الحجج الزور ، ثم أمر بنفيه إلي جزيرة الطينة ( تاريخ الجبرتي 49/1 و50 ) .

وفي السنة 1125 عزل السلطان دولت كراي بن سليم ، خان القرم ، من السلطنة ، ونفي إلي رودس ، بعد أن حكم القرم من السنة 1121 ( معجم انساب الاسرات الحاكمة 368 ).

وفي السنة 1122 عزل الداماد علي باشا الجورليلي ، الصدر الأعظم ، وهو زوج بنت السلطان مصطفي خان ، ونفي الي جزيرة مدللي، وقتل هناك ( اعلام النبلاء 308/3 ).

وفي السنة 1144 قام نادر شاه بعزل الشاه طهماسب الثاني ونفاه ( معجم أنساب الاسرات الحاكمة 388 ).

وفي السنة 1169 عزل السلطان أرسلان كراي بن دولت ، خان القرم ، من السلطنة ، ونفي إلي خيوس ، بعد أن حكم من السنة 1161 ( معجم انساب الاسرات الحاكمة 368) .

وفي السنة 1171 وصل الأمر العالي السلطاني ، علي يد محمد أغا الأورفه لي ، رئيس البوابين بالباب العالي ، بالقبض علي أسعد باشا العظم ، والي حلب ، ونفيه إلي جزيرة كريت ، ثم قتل بداخل حمام ، بمدينة أنقره ( اعلام النبلاء 335/3 ).

وفي السنة 1178 عزل الصدر الأعظم مصطفي باشا ، ونفي إلي جزيرة مدللي ، وهناك أعدم ، وقطع رأسه ، وأحضر للأستانة ( اعلام النبلاء 339/3 )

وفي السنة 1178 نفي السيد محمد افندي نقيب الطالبيين بحلب ، الشهير بحلبي افندي ، ابن المولي السيد احمد افندي طه زاده ، إلي بروسه ، بشكاية أحد أهالي حلب ( اعلام النبلاء 3/ 345 ) .

ص: 208

وفي السنة 1185 نفي حسين باشا الداماد ابن العمادي ، والي حلب ، إلي قلعة البيرة ، وبعد أيام أرسل إليه من قتله ، وأرسل رأسه إلي الدولة ( اعلام النبلاء 348/3 ) .

وفي السنة 1194 في عهد الوزير عبدي باشا، سر عسكر أناطولي ، والي حلب ، توجه كاتب الديوان ، وابن جيان ، الي دار أحمد افندي الخنكارلي ، وابنه محمد أغا إذذاك متسلم حلب ، فطلبوا أحمد افندي من الحرم ، بعدما أحاط التفنكجية بداره بالسلاح الكامل ، فخرج إليهم ، وتلقاهم أحسن ملتقي ، وجلس لمؤانستهم ، فلم يشعر الا وقد أحاطوا به ، وقبضوا عليه ، وذبحوه ، وحروا رأسه ، ورجعوا به إلي السرايا ، ثم أخذوا ولده المتسلم محمد أغا ، والسيد أحمد افندي الكواكبي ، وعينوا معهما بيارق ، وأخذوهما مع الرأس ، إلي ناحية اعزاز ، فحبسوهما في جادر ( خيمة ) وركزوا الرأس حذاء ابنه ، ثم نفي الكواكبي إلي قلعة البيرة ، وعين معه بيارق ، وأرسل الرأس للدولة العلية ( اعلام النبلاء 356/3 ) .

وفي السنة 1200 توفي عبد الغني بن محمد الحنفي الدمشقي ، ومما يؤثر عنه انه نفي مرتين ، الأولي نفاه الصدر الوزير محمد باشا السلحدار إلي جزيرة لمني ، والثانية نفاه والي دمشق الوزير درويش باشا بن عثمان باشا إلي جزيرة عورت تجاه بلدة طرابلس الشام (سلك الدرر 39/3 ).

وفي السنة 1200 حصل قحط ببغداد ، فهاج لفيف من الناس ، وحملوا علم الشيخ عبد القادر الكيلاني ، وخرجوا في مظاهرة يصيحون : إن عباد الله ماتوا جوعا ، فأمر الوزير ، والي بغداد بتفريقهم ، فهاجمهم الجنود ، وقتلوا بعضهم ، وأسروا آخرين فصلبهم في الحال وقبض علي آخرين فجلدهم بالعصي ، ثم نفاهم إلي البصرة ( تاريخ العراق للعزاوي 98/6 ).

وفي السنة 1286 (1791م) أصدر وكيل الحرج في الجزائر ، علي

ص: 209

برغل ، للقبطان الحاج محمد ، قائد أسطول الجزائر ، أمرا بالإعتداء علي مراكب الأميركان ، خلافا لأمر الأمير حسن باشا، أمير الجزائر ، وأطاع القبطان ، أمر وكيل الحرج ، ظنا من إنه صادر عن الأمير ، ولما بلغ الأمير تصرف القبطان ، غضب منه ، وأمر بقتله ، فتقدم علي برغل إلي الأمير ، وأخبره بأن الذنب ذنبه ، لا ذنب القبطان ، لأن القبطان اتبع أمره ، حاسبة إنه أمر صادر عن الأمير ، فسكن غضب الأمير ، وأمر بعلي برغل ، فنفي إلي اصطنبول ( مذكرات الزهار 61 و62).

وفي السنة 1217 (1802 م ) ظهر الدرقاوي في ناحية وهران ، وهو شريف عربي ، وكاتب العرب في أمر القيام علي الترك ، وادعي إنه صاحب الوقت ( صاحب الزمان ) ، فالتفت عليه العرب والبربر ، وحاربه مصطفي باي صاحب وهران ، فانهزم الباي ، وانكسر عسكره كسرة شنيعة ، فبعث الأمير مصطفي حاكم الجزائر جندة ، بقيادة الحاج علي أغا، لمعونة صاحب وهران ، فلم يتمكنوا من شيء ، وحصرهم جند الشريف ، فاحتالوا حتي تخلصوا من الحصار وعادوا إلي الجزائر ، فاغتاظ الأمير مصطفي باشا ، وأمرهم بالعودة للحرب ، فانتقض عليه جنده ، وجاهروا بخلعه ، وأمروا عليهم الحاج علي أغا قائدهم ، ولكن الأغا امتنع عن قبول الإمارة ، فأجبروه علي ذلك ، ثم انحل أمرهم ، واستسلموا للباشا مصطفي ، فأمر بالحاج علي أغا، فنفي إلي اصطنبول ( مذكرات الزهار 84 و85). :

وفي السنة 1229 رسم كتخدا الوالي بالقاهرة ، بنفي طائفة من الفقهاء من ناحية طندتا إلي أبي قير ، بسبب فتيا أفتوها في حادثة ببلدهم ، وقضي بها قاضيهم ، وأنهيت الدعوي إلي ديوان مصر، فطلبوا إلي إعادة الدعوي ، فحضروا ، وترافعوا إلي قاضي العسكر ، وأثبتوا عليهم الخطأ ، فرسم بنفي الشاكي والمفتين والقاضي ( الجبرتي 463/3 ) .

وفي السنة 1232 (1816 م ) لما قتل الأمير عمر باشا، والي

ص: 210

الجزائر ، ونصب علي باشا خلفا له ، جاء بمائتي رجل من العسكر ، فأبقاهم معه ، ثم عزل الوزراء ، فمنهم من أبقاه ، ومنهم من قتله ، ونفي الخزناجي إلي تلمسان ، ونفي خوجة الخيل إلي مستغانم ( مذكرات الزهار 131 و132).

وفي السنة 1232 تحرك العسكر علي علي باشا، أمير الجزائر ، وخلعوه ، ونصبوا شاوش الحملة ، أي قائد البعث ، أميرا عليهم ، ولكن الشاوش رفض الإمارة ، فأجبروه، ونصبوا له وزراء ، ثم أن الأمير علي باشا ، انتصر عليهم ، وقتل منهم ، وعذب ، ونفي ، ولما قبض علي شاوش الحملة ، قال له : لقد علمت أنك كنت مجبرا علي التأمير ، ولذلك فإني اكتفي بنفيك ، ونفاه إلي البر التركي ( اصطنبول ) ( مذكرات الزهار 136 و137).

السنة 1244 قتل أحمد بك بن ابراهيم باشا بحلب ، وكان قد صدر له أمر بأن يتوجه إلي أرضروم بمائة وخمسين عسكرية فخرج من حلب ، ولكنه مرض فعاد إلي حلب ، فصدر أمر سلطاني إلي علي باشا ، بقتل أحمد بك ، فتوجه علي باشا لزيارة أحمد بك ، فتلقاه وأحسن استقباله ، وتحادثا مدة ، ثم نهض علي باشا وخرج من باب القصر ، فشيعه أحمد بك ، وكان علي باشا قد أوعز لثلاثة من أتباعه ، أن يطلقوا النار علي أحمد بك إذا خرج لتوديعه ، فلما خرج أطلقوا عليه النار ، وقتلوه ، ثم قطعوا رأسه ، وأدخلوا الجثة إلي الحريم ، وأرسل الوالي الرأس إلي الأستانة ، فأحضر السلطان مصطفي بك ميرآخور ، أخا أحمد بك ، وعرض عليه اليه الرأس ، وقال له : هل هذا رأس أخيك ؟ فلما أجاب بالايجاب أمر بقتله ، فقتل ، وأصدر السلطان أمره بمصادرة أملاكهما ، ونفي أولادهما ، وكافة من يلوذ بهما، البعض منهم إلي سيواس ، والبعض الي عينتاب والبعض الي أمكنة أخري ( اعلام النبلاء 414-412/3 )

ص: 211

ولما استولي الفرنسيون علي الجزائر في السنة 1245 (1830م) طالبوا المفتي الشيخ مصطفي بن الكبابطي ، بتسليم سجل الأوقاف ، فأبي ، وامتنع من تسليمه ، فاعتقله القائد الفرنسي ، ونفاه إلي خارج الجزائر ، فقصد مدينة الاسكندرية ، فتلقاه أهلها ، ورحبوا به ، وتوفي هناك ( مذكرات الزهار 183)

ص: 212

الفصل الثاني

القسم الأول : الاشهار

الشهرة : وضوح الأمر في شنعة حتي يشهره الناس ، وفي الحديث : من لبس ثوب شهرة ، ألبسه الله ثوب مذلة ( لسان العرب ).

والاشهار ، في الاصطلاح : عرض الإنسان في وضع مزر ، إذلا له ، وتشنيعا عليه .

والناس في كثير من المواضع ، يسمون الإشهار تجريسا ، فإذا أشهر شخص ، قالوا : جرسوه ، والسبب في ذلك ، أن أكثر الذين يشهرون يصحبهم شخص يحمل جرسأ يدقه لتنبيه الناس إليه ، ليكون ذلك أبلغ في إهانته ، وقد يحمل علي الدابة مقلوبة وجهه إلي الذنب ، ولذلك قال القيراطي الشاعر ، يهجو شاعرة ، ويتهمه بأنه يسرق معاني شعره ، ولكنه لا يضعها في مواضعها ، قال : ( شفاء الغليل 67).

وشاعر بالمعاني لا شعور له ****مركب الجهل يبدي سوء تركيب

موكل بمعانيه يجرسها ****فما يركب معني غير مقلوب

وكان الإشهار يتم علي ألوان تختلف باختلاف المطلوب إشهاره ، فإن كان المطلوب إشهاره قائدأ ، أو ثائرا عظيم النكاية ، أركب في ( تاريخ ابن خلدون 262/3 ) ، أو جم (تجارب الأمم 49/1 )، وإلا أركب حمارأ ( نفح الطيب 136/3 )، وفي مصر قد يشهر علي ثور ( شذرات الذهب 41/8 )،

ص: 213

ويطاف به في البلد ( شذرات الذهب 55/8 ، وإعلام النبلاء 520/4 و521 ) ، وقد يطاف به وهو مقيد ( تاريخ ابن خلدون 228/3 ) ، وقد يوضع في لحيته ريش ، وبيده قصبة ( إتعاظ الحنفا 126 ) ، أو يطاف به وهو في قفص ( إتعاظ الحنفا 131)، وقد يضاف إلي إشهاره أن يوكل به من يصفعه ( إعلام النبلاء 520/4 و521) ، أو من يلقي عليه الروث ( ابن خلدون 326/7 ) وقد يردف وراءه قرد يصفعه ( إعاظ الحنفا 270 ) ، أو أن يلبس برنسأ كبيرة ، بثوب مشهر ، مكتوب علي ظهره اسمه ، وما فعل ( إتعاظ الحنفا 209)، أو أن يطاف به وهو خلال ذلك يضرب بالمقارع ( شذرات الذهب 55/8 ) ، أو أن يسود وجهه ( بدائع الزهور 211/5 ) من بوتقة معدة لذلك ، وتسمي ببغداد « بوتقة السواد » ( المنتظم 237/10 ) ، وقد يركب ووجهه إلي جهة الذنب ( البصائر والذخائر م 3 ق 1 ص 161)، وقد يحصل بإلباس الرجل ثياب النساء ، وإشهاره بتلك الثياب ( انساب الاشراف 304/5 ووفيات الأعيان 410/6 ؛ والعيون والحدائق 365/3 وتجارب الأمم 456/6)

وركوب الحمير ، عند أهل الهند، عيب كبير ، وحميرهم صغار الاجسام ، وإذا أرادوا تشهير أحد بعد ضربه أركبوه الحمار ( مهذب رحلة ابن بطوطة 147/2 ).

وكان من جملة ما يصنع بمن يراد إدخاله إلي مصر مشهرة ، أن يربط عنقه بحبل ، ويحمل إلي البلد والحبل في عنقه ( المكافأة 60 - 64).

وفي بغداد ، كان من يراد اشهاره ، يلطخ وجهه باللبن الرائب ، ثم يشهر ، ويتضح ذلك من رباعية من نظم الملا عبود الكرخي ، قال : ( موسوعة الكتابات العامية البغدادية ).

بجدر عقلك يطبخوه ****وجلدك . اعلم - يصلخوه

بلبن وجهك يلطخوه ****وبالشوارع يشهروك

ص: 214

وكان العصاة ، في أيام الخلفاء الراشدين ، يشهرون ، بأن تنزع عمائمهم ، ويقامون للناس ، حتي جاء زياد بن أبيه ، فأضاف إليها الضرب بالسياط ، وجاء المصعب بن الزبير ، فحلق مع الضرب ، وجاء بشر بن مروان ، فكان يصلب تحت الإبطين ، ويدق المسامير في الأكف ، فلما جاء الحجاج ، قال : كل هذا لعب ، فكان يجازي بالقتل ( شرح نهج البلاغة45/12)

وأشهر الإمام علي ، النجاشي الشاعر ، إذ شرب الخمر في رمضان ، فضربه بالكوفة ، ثمانين للسكر ، ومائة لحرمة شهر رمضان ، وحمله علي جمل ، وطاف به في الكوفة ( البصائر والذخائر 468/2/2 ) .

وشهر عبيد الله بن زياد ، شاعرة هجاه ، بأن سقاه مسهلا، وقرن به هرة وخنزيرة ، وطيف به وبطنه تسيل ( الوافي بالوفيات 248/5 وابن الأثير 523/3 ووفيات الأعيان 349 و 350 ).

أقول : كان الذي شهره عبيد الله بن زياد ، هو الشاعر يزيد بن مفرغ الحميري ، وكان سبب هجائه له ، إنه صحب عباد بن زياد ، أخا عبيد الله ، لما ولي سجستان ، وانشغل عباد بحروبه عن ابن مفرغ ، فبسط لسانه فيه ، فبلغه ذلك ، فحبسه ، وصادره ، ثم أطلقه ، ففر إلي الشام ، ولج في هجاء بني زياد ، فطلبه عبيد الله طلبا شديدا ، وكتب في أمره إلي يزيد بن معاوية ، فأمر يزيد بطلبه ، ففر من الشام إلي البصرة ، فظفر به عبيد الله ، فحبسه ، واستأذن يزيد في قتله ، فلم يأذن له ، وإنما مكنه أن ينكل به علي أن لا يبلغ به القتل ، فأمر عبيد الله بابن مفرغ فسقي نبيذا حلوة ، قد خلط معه الشبرم ، فأسهل بطنه ، وطيف به وهو علي تلك الحال ، وقرن بهرة وخنزيرة ، فجعل يسلح والصبيان يتبعونه ويصيحون ، ثم رده إلي الحبس ، راجع التفصيل في وفيات الأعيان 342/6- 354.

ص: 215

ولما قدم سلم بن زياد ، أميرا علي خراسان ليزيد بن معاوية ، أخذ سلفه الحارث بن قيس بن الهيثم السلمي ، فحبسه ، وأقامه في سراويل ، وضرب ابنه شبيب ( الطبري 472/5 ) .

وكان في جند عبد الملك الذي حاصر زفر في قرقيسيا ، رجل من كلب يقال له الذيال ، كان يخرج فيشتم زفر ، فأمر زفر بعض من معه ، أن يحضروه إليه ، فأحضروه إليه بحيلة ، وأخبره الذي أحضره إنه قد أمنه ، فوهب له زفر دنانير ، وحمله علي راحلة ، وألبسه ثياب النساء ، وبعث معه رجالا أوصلوه إلي عسكر عبد الملك ، ونادوا : هذه جارية بعث بها زفر إلي عبد الملك ( انساب الأشراف 304/5 ) .

وفي السنة 69 شهر مصعب بن الزبير جماعة من وجوه أهل البصرة ، وطيف بهم في أقطار البصرة ، بعد أن ضربهم مائة مائة ، وسبهم ، وحلق رؤوسهم ولحاهم ، وهدم دورهم ، وصهرهم في الشمس ثلاثا ، وحملهم علي طلاق نسائهم ، و حجر أولادهم في البعوث ، وأحلفهم أن لا ينكحوا الحرائر ، وسبب ذلك إنهم ناصروا عبد الملك بن مروان ، لما بعث إلي البصرة خالد بن عبد الله يهيج أهلها علي ابن الزبير ، ولكن خالد لم يوفق ، إذ أشعل حربأ دامت أربعة وعشرين يوما ، ثم استجار بمالك بن مسمع فأخرجه من البصرة ، ولما عاد المصعب إلي البصرة ، صنع بمن ناصر خالد بن عبد الله ، ما ذكرناه آنفا ( الطبري 151/6 - 155 ) .

ولما فتح يزيد بن المهلب جرجان في السنة 98 كتب إلي سليمان بن عبد الملك أن قد صار إليه ، مما هو حق بيت المال من خمس ما أفاء الله علي المسلمين من الفيء والغنيمة ، ستة آلاف ألف درهم ، وإنه سوف يحمل ذلك إلي أمير المؤنين ، فقال له كاتبه المغيرة بن أبي قرة : لا تكتب بتسمية مال ، فإنك من ذلك بين أمرين : إما استكثره فأمرك بحمله ، وإما سخت نفسه به لك فسوغكه ، فتكلفت الهدية ، فلا يأتيه من قبلك شيء إلا أستقله ،

ص: 216

ولم يقع منه موقعأ ، ويبقي المال الذي سميت مخلدا عليك في دواوينهم ، فإن ولي وال بعده أخذك به ، فلا تمض كتابك ، ولكن أكتب بالفتح فقط ، فأبي يزيد ، فلما توفي سليمان وولي الأمر عمر بن عبد العزيز طالبه بالمال ، وأمر به فحمل إليه مقيدة ، وقال يزيد : إني كتبت إلي سليمان لأسمع الناس به فقال له عمر : ما أجد في أمرك إلا حبسك ، فاتق الله ، وأما قبلك ، فإنها حقوق المسلمين ولا يسعني تركها ، فأبي يزيد أن يؤدي شيئا ، فألبسه عمر جبة من صوف وحمله علي جمل ، وأمر أن ينفي إلي دهلك ، ثم خشي أن ينتزعه قومه ، فرده إلي محبسه ، فلم يزل في محبسه حتي بلغه مرض عمر ، ففر من السجن ( الطبري 6/ 544 و557 ).

وتنازع الفرزدق والنوار ، إلي عبد الله بن الزبير ، فالتجا الفرزدق إلي حمزة بن عبد الله بن الزبير ، والتجأت النوار إلي بنت منظور بن زبان ، زوجة عبد الله ، فتوجه القضاء علي الفرزدق، فقال يهجو ابن الزبير :

أما بنوه فلم تقبل شفاعتهم ****وشفعت بنت منظور بن زبانا

ليس الشفيع الذي يأتيك متزرة ****مثل الشفيع الذي يأتيك عربانا

فغضب ابن الزبير : وقال له : يا ألأم الناس ، وأمر به فأقيم ( أي شهر ) . ( الاغاني 326/9 ).

وذكر أن أم أشعب الطماع، شهد عليها بالزنا ، فحلقت ، وأشهرت علي جمل ، وأمرت أن تنادي علي نفسها : من رآني فلا يزنين ، فصاحت بها امرأة : يا فاعلة ، نهانا الله عز وجل عن هذا ، فعصيناه ، فهل نطيعك أنت ، وأنت مجلودة محلوقة ، يطاف بك علي جمل؟ ( الاغاني 135/19 و137).

وأمر عمر بن عبد العزيز، أمير المدينة ، بجرير وعمر بن لجا ، لما

ص: 217

تهاجيا وتقاذفا ، فقرنا وأقيما موقوفين للناس بسوق المدينة ، قرنهما في حبل واحد . ( الاغاني 82/8 ).

وكان عبد الرحمن بن الضحاك الفهري ، أميرة علي المدينة في السنة 106 فخطب فاطمة بنت الحسين ، فأبت أن تتزوجه ، فهددها بأن يتهم ولدها عبد الله بن الحسن بشرب الخمر ، ويضربه الحد، فشكته إلي يزيد بن عبد الملك ، فغضب ، ونزل عن فراشه وجعل يضرب الأرض بخيزرانة في يده ، وهو يقول : هل من رجل يسمعني صوته في العذاب وأنا علي فراشي ، ثم كتب بتولية عبد الواحد النضري المدينة ، وأمره بأن يغرم ابن الضحاك أربعين ألف دينار ، وأن يعذبه حتي يسمعه صوته وهو علي فراشه بدمشق ، وأحس ابن الضحاك بالأمر ، عرفه من صاحب البريد بعد أن وصله بألف دينار ، ثم التجأ ابن الضحاك إلي مسلمة بن عبد الملك بالشام ، فأبي يزيد أن يجيره ، ورده إلي النضري بالمدينة ، فألبسه جبة صوف ، وأقامه ( أشهره ) يسأل الناس ، وعذبه ( الطبري 14/7 و 13 ).

وفي السنة 110 قدم عبيدة بن عبد الرحمن السلمي ، إفريقية ، أميرة عليها لهشام بن عبد الملك ، فرأي المستنير بن الحارث الحريثي ، غزا صقلية ، وقفل بأصحابه عند حلول الشتاء ، فغرق من معه ، ونجا هو ، فاعتقله عبيدة ، وعاقبه علي تفريطه في أرواح جنده ، فحبسه ، وجلده ، وشهره بالقيروان ( ابن الأثير 174/5 ).

في السنة 110 ألح عامل الخراج بسمرقند علي أخذ الجزية حتي ممن أسلم ، واستخف بعظماء الرعية ، وأمر بالدهاقين فأقيموا ، وخرقت ثيابهم ، وألقيت مناطقهم في أعناقهم ، وأخذوا الجزية ممن أسلم من الضعفاء ( الطبري 56/7)

وفي السنة 141 خلع عبد الجبار بن عبد الرحمن ، عامل المنصور علي

ص: 218

خراسان ، فقاتله خزيمة بن خازم وأسره ، وأشهره بأن ألبسه مدرعة صوف ، وحمله علي بعير ، وجعل وجهه من قبل عجز البعير ( العيون والحدائق 228/3 ) .

وفي السنة 147 خرج هشام بن عذرة ، علي عبد الرحمن الداخل بالأندلس ، وتحضن بطليطلة ، فسير إليه عبد الرحمن مولاه بدرة علي رأس جيش ، فحصره ، وضيق عليه وأسره هو وحياة بن الوليد اليحصبي وعثمان بن حمزة بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، فجيء بهم إلي عبد الرحمن ، مشهرين علي حمير ، وقد حلقت رؤوسهم ولحاهم ، وألبسوا جباب صوف ، وقيدوا بالسلاسل ( ابن الأثير 583/5 ).

وفي السنة 160 خرج بخراسان ، يوسف بن إبراهيم ، المعروف بيوسف البرم ، فوجه إليه المهدي العباسي ، يزيد بن مزيد، فأسره ، وبعث به إلي المهدي، وبعث معه جماعة من وجوه أصحابه ، فلما انتهي بهم إلي النهروان حمل يوسف علي بعير وقد حول وجهه الي ذنب البعير ، وأصحابه كل واحد علي بعير ، فأدخلوا الرصافة وأدخلوه إلي المهدي ، فأمر هرثمة بن أعين فقطع يدي يوسف ورجليه وضرب عنقه وأعناق أصحابه ، وصلبهم علي جسر دجلة الأعلي ( الطبري 124/8 ).

وأخذ عمر بن عبد العزيز بن عبد الله العمري ، من أولاد عمر بن الخطاب ، في السنة 169 أبا الزفت الحسن بن محمد ، ومسلم بن جندب ، وعمر بن سلام ، علي شراب ، فأمر بهم فضربوا ، ثم أمر بهم فجعلت في أعناقهم حبال ، وطيف بهم في المدينة ، ثم حبسهم يومأ وليلة ( الطبري 192/8)

وغضب المهاجر بن عبد الله الكلابي، أمير اليمامة، علي جماعة من قومه ، فأمر بإخراجهم مشهرين ، وسبب ذلك : إن المهاجر ، كان أشرف عربي في زمانه ، وكان عاملا علي اليمامة لبني أمية وبني العباس ، أربعين

ص: 219

سنة، وكان كريمة ، سخيا ، يؤتي في الدية والحمالة ، فلا يرد أحدأ ، وكانت أمه جارية ، فبينما هو جالس يوما في منظرة له ، إذ رأي خمسين راكبا من قومه ، قد طلعوا عليه في زي جميل، ومراكب ، ورواحل ، فسره ذلك منهم ، وأمر لهم بدار كبيرة ، وطعام كثير ، ثم دخل عليهم ، وحياهم ، وأقبل عليهم فرحة ، وواكلهم ، وحادثهم ، وآنسهم ، وبسطهم ، وهو لا يشك أنهم جاءوه في دية ، أو حمالة ، أو مغرم ثقيل ، فقال لهم : حياكم الله ، وأنعم بكم عينا يا بني عمي ، ما حاجتكم ؟ فقد قضاها الله تعالي ، قالوا : إن ابن عم لك ، أصاب رجلا من طائفة العشيرة ، وهو ابن أم ولد ، ( أي ابن جارية ) ، وقد خشينا أن يؤخذ بدله منا ابن صريحة ( أي عربية النسب ) ، فيكون لهم الفضل علينا، وليس فينا ابن أم ولد ، غيرك ، فنحن نحب أن تنقاد معنا ، ندفعك إلي القوم فيقتلوك ، ويصلح الله تعالي بك هذا الأمر ، ولا يكون لهم علي عشيرتك فضل ، فلما سمع ذلك ، قام عنهم ، ودعا صاحب شرطته ، فأمره أن يخرجهم ، فيحملهم علي رواحلهم محولة وجوههم إلي أذنابها ، وأن يجلس لهم الصبيان في السكك معهم البعر ، يرجموهم به ، وينشروه عليهم ، حتي يخرجهم من البلد ، ففعل . ( الهفوات النادرة 371 و372) .

وولي عبد الرحمن العمري ، قضاء مصر ، للرشيد ، من سنة 185 إلي سنة 194 فجعل أموال الأيتام إلي يحيي بن عبد الله بكير ، فاشتري بها الرباع والنخيل، وأقبل يستغلها ، ويدفع إلي الأيتام من تلك الغلة ، ما يستنفقونه ، وبحسب ما يدفعه إليهم من أصل المال ، فلما صارت إليهم رؤوس أموالهم ، ادعي يحيي أن الأصول له ، فلما قدم مصر القاضي هاشم بن أبي بكر البكري ( 194 - 196 )، شكوه إليه ، فأمر به فربط علي العمود المقابل الباب اسرائيل بالقاهرة ، ونودي ، عليه : هذا جزاء كل خائن ، وأقام أياما يحل رباطه وقت كل صلاة . ( القضاة للكندي 404) .

ص: 220

وفي السنة 190 أشهر رافع بن الليث بن نصر بن سيار ، بمدينة سمرقند ، مقيدأ علي حمار ( الطبري 319/8 والعيون والحدائق 311/3 وابن خلدون 228/3 ).

أقول : تزوج رافع بن الليث بابنة لأبي النعمان الطائي ، وكانت ذات يسار ، فادعي ابن عمها يحيي ، إنها ما زالت في عصمته ، وشكا أمره إلي الرشيد ، فأمر الرشيد عامله علي بن عيسي بأن يفرق بينهما ، وأن يجلد رافع الحد ( حد الزنا ) وأن يقيده ويطوف به في مدينة سمرقند مقيدة علي حمار ، فدرأ عنه سليمان بن حميد ، عامل سمرقند ، وحمله مقيدة علي حمار ، حتي طلقها ، ثم حبسه في سجن سمرقند ، ففر من السجن ، والتجأ إلي علي بن عيسي بلخ ، فأراد علي أن يقتله ، فعاد إلي سمرقند، ووثب بعاملها سليمان بن حميد فقتله ، واتفق عليه أهل سمرقند فراسوه ، وبعث إليه علي بن عيسي ولده عيسي علي رأس جيش ، فقتله رافع ( الطبري 319/8 - 323)

وفي السنة 191 عزل علي بن عيسي بن ماهان عن خراسان ، وأشهر علي جمل ، وفي رجليه قيد ( العيون والحدائق 315/3 ).

أقول : كتاب الرشيد بعزل علي بن عيسي بن ماهان من الكتب الطريفة ، فإنه كتبه بخطه ، وأعطاه لهرثمة ، فسلمه بيده إلي علي ، وهذا نصه : بسم الله الرحمن الرحيم يا ابن الزانية ، رفعت من قدرك ، ونوهت باسمك ، وأوطات سادة العرب عقبك ، وجعلت أبناء ملوك العجم خولك وأتباعك ، فكان جزائي أن خالفت عهدي ، ونبذت وراء ظهرك أمري ، حتي عثت في الأرض ، وظلمت الرعية ، وأسخطت الله وخليفته بسوء سيرتك ، ورداءة طعمتك ، وظاهر خيانتك ، وقد وتيت هرثمة بن أعين مولاي ثغر خراسان ، وأمرته أن يشد وطأته عليك ، وعلي ولدك ، وكتابك ، وعمالك ، ولا يترك وراء ظهوركم درهما ، ولا حقا لمسلم ولا معاهد إلا أخذكم به ،

ص: 221

حتي ترده إلي أهله ، فإن أبيت ذلك ، وأباه ولدك وعمالك، فله أن يبسط عليكم العذاب ، ويصب عليكم السياط ، ويحل بكم ما حل بمن نكث وغير ، وبذل وخالف ، وظلم وتعدي وغشم ، انتقاما لله عز وجل بادئأ ، ولخليفته ثانيأ ، وللمسلمين والمعاهدين ثالثأ ، فلا تعرض نفسك للتي لا شوي لها ، وأخرج مما يلزمك طائعا أو مكرها ( الطبري 327/8 ) .

وبلغ الأمين ، أن عمه يعقوب بن المهدي (ت 207) ، لا يقيم نسبه ، فدعاه ، وقال له : أنتسب ، فقال : أنا يعقوب بن المهدي ، فقال : ابن من ؟ فلم يعلم ، فأمر به ، فحمل علي الفيل ، وحلف لا ينزله حتي يحفظ نسبه . ( الهفوات النادرة 372 و 373).

أقول : كان يعقوب بن المهدي هذا ، آية في التخلف ، ويكفي لبيان تخلفه أنه لا يقيم نسبه ، وبلغ من حمقه ، إنه صنع سجلا يثبت فيه ما يملكه ، فأثبت فيه ما يشتهي تملكه ، حتي ولو لم يملكه ، وكان لا يمسك الفساء ، فاتخذت له دايته مثلثة ، وهي عطر يها بأن تخلط ثلاثة أجزاء من الطيب كالمسك والند والعنبر ، فلما وضعتها تحته لتبخره ، فسا، وقال الدايته : هذه المثلثة ، ما هي طيبة ، فقالت له : لما كانت مثلثة ، كانت طيبة ، فلما ربعتها ، فسدت ، وذكروا أن المأمون ، كان يوما علي المنبر ، يوم الجمعة ، وأمامه أخوه أبو عيسي ، بين الحشد، فدخل يعقوب بن المهدي ، فأمسك أبو عيسي أنفه ، وسده بأصابعه ، يشير إلي فساء يعقوب ، ولحظ المأمون ذلك ، فكاد أن ينفجر ، ثم تماسك ، وأتم خطبته ، فلما تنزل ، عنف أبا عيسي تعنيفا شديدا ، وقال له : لقد هممت أن آمر بضربك مائة عصا ، فإياك أن تعاود مثل ذلك ( الهفوات النادرة 380 و381 الاغاني 189/10)

وفي السنة 210 اعتقل إبراهيم بن المهدي ، وأشهر في رحبة الجسر ، بالملابس التي كان يرتديها لما قبض عليه ، وهي ملابس النساء ، وصيرت

ص: 222

المقنعة التي كان متنقية بها في عنقه ، والملحفة في صدره . ( الطبري 603/8 ومروج الذهب 348/2 وتجارب الأمم 456/6 والعيون والحدائق 365/3)

أقول : كان إبراهيم بن المهدي ، قد أعلن خلافته ببغداد ، بعد قتل الأمين ، ولما قصد المأمون بغداد ، استتر في السنة 203 وظل علي استتاره ،

حتي أخذ في السنة 210 ، أمسك وهو متنقب في زي امرأة ، وكان يمشي بين امرأتين أخذه حارس أسود ليلا ، ولما أبصر النسوة الثلاث ، سألهن : من آنتن ، وأين تردن في هذا الوقت ؟ وآرتاب بإبراهيم من بينهن ، وأراد أن يأخذه إلي صاحب المسلحة ، فأعطاه إبراهيم خاتم من الياقوت كان في بده ، ليخليهن ، فأبي ، ورفعه إلي صاحب المسلحة ، فجبذه ، فبدت الحيته ، فرفعه إلي صاحب الجسر ( صاحب الشرطة ) فعرفه ، وذهب به إلي دار المأمون ، واحتفظ به في الدار ، فلما كان غداة الأحد، أقعد في دار المأمون ، لينظر إليه الناس ، وصيروا المقنعة التي كان متنقبأ بها في عنقه ، والملحفة التي كان ملتحفة بها في صدره ، ليراه الناس ويعلموا كيف أخذ، فلما كان الخميس ، حوله المأمون إلي منزل أحمد بن أبي خالد الأحول ، فحبسه عنده ، ثم أخرجه المأمون معه لما خرج إلي الحسن بن سهل بواسط ، وكلمه فيه الحسن ، بناء علي رغبة ابنته بوران التي تزوجها المأمون ، فرضي عنه ، وخلي سبيله ، وجعل معه اثنين يحفظانه ، إلا أنه موسع عليه ، عنده أمه وعياله، ويركب إلي دار المأمون ، ومعه هؤلاء يحفظونه ( الطبري 603/8 و607).

وهجا أبو جعفر محمد بن عبد العزيز ، فتي عباسيا من أولاد العباس بن محمد ، فشكاه إلي المأمون ، فأشهر بأن صلب علي خشبة ، عند الجسر ، يوما كاملا إلي الليل ، ثم أنزل ، فلما أنزلوه دعا بحمال وأمره بأن يحمل الخشبة معه ، فقيل له : ما هذا ؟ ، فقال : أول حملان حملني عليه أمير

ص: 223

المؤمنين ، لا أضيعه ، وباع الخشبة بثلاثة دراهم ، اشتري بها تينا وعنبأ الصبيانه ، فرفع خبره إلي المأمون ، فضحك ، وأمر له بخمسة آلاف درهم ( الوافي بالوفيات 260/3 ) .

وفي السنة 214 أقبل أبو إسحاق بن الرشيد ( المعتصم فيما بعد ) ، إلي مصر، فحارب ثائرين فيها ، فهزمهم ، وبعث في طلب عبد الله بن حليس وعبد السلام بن أبي الماضي ، فقيدهما، وسجنهما، ثم أقامهما للناس ، ثم دعا بهما فضرب أعناقهما وصلبهما . ( الولاة للكندي 188 ).

ولما أدخل محمد بن القاسم العلوي الصوفي إلي بغداد ، نزع عنه جلال القبة عند النهروان ، ولما صار بالنهرين ، قالوا له : يا أبا جعفر ، انزع عمامتك ، فإن أمير المؤمنين المعتصم ، أمر أن تدخل حاسرة ، فطرحها ، ودخل الشماسية في يوم النيروز ، في السنة 219 وهو في القبة ، وهي مكشوفة ، وهو حاسر ، وعديله شيخ من أصحاب عبد الله بن طاهر ، وأصحاب السماجة بين يديه يلعبون ، والفراغنة يرقصون ( مقاتل الطالبيين 585)

ولما أدخل بابك الخرمي ، إلي سامراء ، في السنة 223 ، ألبس قباء ديباج ، وقلنسوة سمور مدورة ، وأدخل راكبا علي فيل قد خضب ، فقال محمد بن عبد الملك الزيات ( الطبري 52/9 و53 ) .

قد خضب الفيل كعاداته**** يحمل شيطان خراسان

والفيل لا تخضب أعضاؤه**** إلا لذي شأن من الشان

وذكر صاحب مروج الذهب : إن بابك أنزل بالقاطول ، علي خمسة فراسخ من سامراء ، وبعث إليه بالفيل الأشهب ، وكان قد حمله بعض ملوك الهند إلي المأمون ، وكان في عظيم قد جلل بالديباج الأحمر والأخضر ، وأنواع الحرير الملون ، ومعه ناقة عظيمة بختية قد جتلت بما وصفنا ، وحمل

ص: 224

إلي الافشين دراعة من الديباج الأحمر ، منسوجة بالذهب ، قد رضع صدرها أنواع الياقوت والجوهر ، ودراعة دونها ، وقلنسوة عظيمة كالبرنس ، ذات سفاسك ، بألوان مختلفة ، وقد نظم علي القلنسوة كثير من اللؤلؤ والجوهر ، وألبس بابك الدراعة الجليلة ، وألبس أخوه الأخري ، وجعلت القلنسوة علي رأس بابك ، وعلي رأس أخيه نحوها ، وقدم إليه الفيل ، وإلي أخيه الناقة ، فلما رأي الفيل استعظمه ، وقال : ما هذه الدابة العظيمة ؟ واستحسن الدراعة ، وضرب له المصاف ، صفين من الخيل والرجال في السلاح والحديد والرايات والبنود ، من القاطول إلي سامراء ، مدد واحد ، متصل غير منفصل ، وبابك علي الفيل ، وأخوه وراءه علي الناقة ، والفيل يخطر بين الصفين به ، وبابك ينظر إلي ذات اليمين ، وذات الشمال ، وأتي ببابك ، فطوف بين يدي المعتصم ، فقال له : أنت بابك ؟ فلم يجب ، وكررها عليه مرارة ، وبابك ساكت ، فقال له الأفشين : الويل لك ، أمير المؤمنين يخاطبك وأنت ساكت ؟ ، فقال : نعم ، أنا بابك ، فأمر المعتصم بقطع يديه ورجليه ، فجد ، وقطعت يمناه ، وضرب بها وجهه ، وفعل مثل ذلك بيساره ، وثلث برجليه ، وهو يتمرغ في النطع ، في دمه ، ويضرب بما بقي من زنديه وجهه ، ثم أدخل السيف بين ضلعين من أضلاعه ، ثم جز لسانه ، ثم قطع رأسه ، وحمل أخوه عبد الله ، مع رأس بابك ، إلي مدينة السلام ، حيث صنع به أميرها إسحاق بن إبراهيم ، ما صنع بأخيه بابك ( مروج الذهب 368/2 و 369 ).

أقول : قوله عن بابك ، إنه كان يضرب بما بقي من زنديه وجهه ، في حاجة إلي إيضاح ، وقد أوضح ذلك ، القاضي التنوخي ، في كتابه نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة ، في القصة المرقمة 74/1 حيث ذكر أن بابك ، لما قطعت يمناه ، وجري دمها ، مسح به وجهه كله ، حتي لم يبق من حلية وجهه ، وصورة سحنته شيء ، فقال المعتصم : سلوه لم فعل هذا ؟ فسئل ،

ص: 225

فقال : قولوا للخليفة ، إنك أمرت بقطع أربعتي ، وفي نفسك قتلي ، فلا شك إنك لا تكويها ، وسوف تدع دمي ينزف ، فخشيت أن يخرج الدم متي ، فتبين في وجهي صفرة ، يقدر لأجلها من حضر ، أني قد فزعت من الموت ، وإنها لذلك ، لا من خروج الدم ، فغطيت وجهي بما مسحته عليه من الدم ، حتي لا تبين الصفرة .

فقال المعتصم : لولا أن أفعاله لا توجب العفو عنه ، لكان حقيقأ بالإستبقاء لهذا الفضل ، وأمر بامضاء أمره فيه ( نشوار المحاضرة ، ج 1 ص 147 و148 رقم القصة 74 ).

وذكر نصر بن مرزوق ، قال : كنت جالسا في المسجد بمصر أيام المحنة سنة 227 ، فسمعت ضوضاء ، ورأيت الناس قد جفلوا ، وإذا هرون بن سعيد الابلي ، وطيلسانه تحت عضده ، وعمامته في رقبته ، ومطر غلام ابن أبي الليث القاضي بمصر يسوقه بعمامته ، ثم أخرجه من المسجد يطاف به في الطرق . ( اخبار القضاة 452).

وقال الغزي : أنشدني من أساري بني نمير ، أيام الواثق ، وهو مشهور علي بعير ، مع جماعة : ( البصائر والذخائر 361/2/2 ).

للبسي برنسونقاء عرضي**** أحب إلي من جدد الثياب

يروح المرء مختالا فخورة ****نقي الثوب مطبوع الإهاب

وغضب المتوكل ، علي قاضي القضاة ، بمصر ، فأمر بأن تحلق الحيته ، وأن يطاف به علي حمار ، وأن يضرب في كل يوم عشرين سوطة ( تاريخ الخلفاء للسيوطي 347) .

وغضب المتوكل علي علي بن الجهم ، فأمر بنفيه إلي خراسان ، وحمله إليها مشهرة ( البصائر والذخائر 597/2/2 و598 ) .

ص: 226

وفي السنة 235 جيء إلي سامراء ، بابن البعيث ، وأخويه ، وابنه ، وخليفته ، أسري ، فلما قربوا من سامراء ، حملوا علي الجمال يستشرفهم الناس ، وأمر المتوكل بحبسه وحبسهم ، وأثقله حديدا ، وكان الحديد في عنقه مائة رطل ، فلم يزل مكبوبة علي وجهه حتي مات ( 171/9 ).

ولما ولي المنتصر ، مصر ، لأبيه المتوكل، استخلف يزيد بن عبد الله ، فوردها في السنة 240 ، فأمر باخراج المؤنثين ، وضربهم ، ونفيهم ، وأن يطاف بهم ( الولاة للكندي 203).

وفي السنة 251 كان أتراك سامراء ، يحاصرون بغداد ، وفيها المستعين ، فأسروا جماعة من جند بغداد ، وبعثوهم إلي سامراء في جوالق ، قد أخرجوا منها رؤوسهم . ( الطبري 320/9 ).

وفي السنة 252 غضب المعتز علي أخويه أبي أحمد والمؤيد، وهما شقيقان ، فحبسهما في الجوسق ، وقيد المؤيد، وصيره في حجرة ضيقة ، وضربه خمسين مقرعة ، وحبس كنجور حاجب المؤيد، وضربه خمسين مقرعة ، وضرب خليفته أبا الهول خمسمائة سوط ، وأشهره بأن طوف به علي جمل ( الطبري 361/9 و 362 ).

وفي السنة 256 قبض علي صالح بن وصيف وهو مستتر ، وحمل علي برذون ، والعامة تعدو خلفه ، وضربه أحد الأتراك بالسيف من وراء عاتقه ، ثم احترزوا رأسه ( الطبري 454/9 ) .

وفي السنة 258 أسر يحيي بن محمد البحراني ، من كبار قواد الزنج ، رشق بالسهام ، فأصابه منها ثلاثة في عضديه وساقه اليسري ، وتسلمه أصحاب السلطان ، فحمل إلي أبي أحمد، فحمله أبو أحمد إلي سامراء ، فأدخل علي جمل ، وبنيت له دكة في الحير ، ثم رفع للناس حتي أبصروه ، ثم ضرب مائتا سوط بثمارها ، ثم قطعت أطرافه ، وخبط بالسيوف ، ثم ذبح وأحرق ( الطبري 491/9 ، 492 ، 529 ).

ص: 227

وفي السنة 268 أسر العلوي المعروف بالحرون بمكة ، وأدخل إلي عسكر أبي أحمد في أول السنة 268 علي جمل ، وعليه قباء ديباج وقلنسوة طويلة ( الطبري 612/9 و 613) .

ولما اختلف أحمد بن طولون ، مع أبي أحمد الموفق العباسي ، أعلن ابن طولون لعن الموفق ، وخلعه من ولاية عهد المعتمد ، وأمتنع بكار ( القاضي ) من لعنه ، وأصر علي الإمتناع ، فغضب عليه ابن طولون ، وأمر بتمزيق ثيابه ، وجروه برجله ، وليس عليه إلا سراويل وخفان وقلنسوة ، مسلوب الثياب ، وأقامه للناس لمطالبته بما يدعونه عليه من مظالم ، وسجنه ، ثم نقله إلي دار آكتريت له ، فاستقر فيها حتي مات سنة 270 وقد قارب التسعين ، وكانت مدة ولايته 24 سنة ( القضاة 512 - 514 ) .

وفي السنة 274 دخل صديق الفرغاني ، دور سامراء ، فأغار علي أموال التجار ، وأكثر العبث في الناس ، وكان صديق هذا يخفر الطريق ، ثم تحول فصار لضأ خاربة يقطع الطريق ، وكان الطائي الموكل بحفظ الطريق ، فراسله في السنة 275 ووعده ، ومناه ، وأمنه ، فعزم صديق علي الدخول في طاعته في الأمان ، فحذره من ذلك غلام له يقال له هاشم ، وكان شجاعأ، فلم يقبل صديق منه ، ودخل سامراء مع أصحابه ، وصار إلي الطائي ، فأخذه الطائي ، ومن دخل معه منهم ، فقطع يد صديق ورجله ، ويد هاشم ورجله ، وأيدي جماعة من أصحابه وأرجلهم ، وحبسهم ، ثم حملهم في محامل إلي مدينة السلام ، وقد أبرزت أيديهم وأرجلهم المقطعة ، ليراها الناس ثم حبسوا ( الطبري 13/10 و14 ).

ولما فتح يعقوب بن الليث الصفار شيراز ، قبض علي علي بن الحسين بن قريش ، وعذبه بأنواع العذاب ، وعصر أنثييه ، وشد الجوزتين

ص: 228

علي صدغيه ، وقيده بأربعين رط ، حتي خلط ووسوس من شدة العذاب ، ثم سلمه إلي الحسن بن درهم ، فضربه ، وعذبه ، ثم ارتحل من شيراز إلي كرمان ، وأخذه معه ، فلما أتي كرمان ألبسه الثياب المصبغة ، وقنعه بمقنعة ، ونادي عليه ، وحبسه . ( وفيات الأعيان 410/6 ) .

وفي السنة 281 وافي ترك بن العباس ، عامل السلطان علي ديار مضر ، مدينة السلام ، بنيف وأربعين نفسا من أصحاب أبي الأغر صاحب سميساط ، علي جمال ، عليهم برانس ودراريع حرير ، فمضي بهم إلي دار المعتضد ، ثم حبسوا . ( الطبري 36/10 ).

ولما أسر هارون الشاري ، في السنة 283 ، أدخل إلي بغداد علي فيل مجلل بالديباج ، وأرادوا أن يلبسوه داعة ديباج ، فأبي ، وقال : هذا لا يحل ، فأكره علي ذلك ، وجعل علي رأسه برنس حرير ، ولما قدم ليصلب ، نادي بأعلي صوته : لا حكم إلا الله ، ولو كره المشركون ( الطبري 44/10 وابن الأثير 477/7 ومروج الذهب 512/2)

ولما أسر عمرو بن الليث الصقار ، في السنة 287 ، جيء به إلي بغداد في قبة قد أرخي جلالها عليه ، فلما بلغ باب السلامة ، أنزل عمرو من القبة ، وألبس دراعة ديباج ، وبرنس السخط ، وحمل علي جمل له سنامان ، يقال له إذا كان ضخما علي هذه الصورة : الفالج ، وقد ألبس الجمل الديباج ، وحتي بذوائب وأرسان مفضضة ، وأدخل بغداد ، فأشتقها في الشارع الأعظم إلي دار الخليفة بالقصر الحسني ( وفيات الأعيان 428/6 ) وكان خلفه في الموكب بدر ( المعتضدي ) والوزير القاسم بن عبيد الله في الحبيش ، فأتوا به الثريا ، فرآه المعتضد ، ثم ادخل المطامير ( مروج الذهب 521/2 ) ، وهذا الجمل الذي حمل عليه عمرو ، وهو المسمي الفالج ، كان قد اهداه عمرو للخليفة منذ ثلاث سنين ، فلما جيء به أسيرة أشهر عليه ، قال الشاعر : ( وفيات الأعيان 429/6 ) .

ص: 229

وحسبك بالصقار نبلا وعزة ****يروح ويغدو في الجيوش أميرا

حباهم بأجمال ولم يدر أنه**** علي جمل منها يقاد أسيرا

أقول : كان عمرو بن الليث الصفار ، يلي خراسان إلي شط جيحون ، و فارس ، والري ، وكرمان ، وقم ، وأصبهان ، ثم سأل السلطان أن يوليه ما وراء النهر ، فولاه ، وكان علي ما وراء النهر ، إسماعيل بن أحمد الساماني ، فاسرع عمرو بجيشه للاستيلاء علي ما وراء النهر، فكتب إليه إسماعيل : إنك قد وليت دنيا عريضة ، وأنا في يدي ما وراء النهر ، وهي ثغر ، فاقنع بما في يدك ، ودعني مقيمة في هذا الثغر ، فلم يجبه إلي ذلك ، وسار لحربه ، فاشتبكا في معركة أنجلت عن ظفر إسماعيل ، وسقط عمرو أسيرا في يده ، فحمله إلي بغداد مقيدة ، ولما بلغ النهروان حل قيده ، وحمل في قبة قد أرخي جلالها عليه ، فلما بلغ باب السلامة ، أدخل مشهرا ، وأدخل علي الخليفة ، وأوقف علي بعد خمسين ذراعأ منه ، فقال له : هذا يبغيك يا عمرو ، ثم أخرج من بين يديه إلي حجرة قد اعدت له ( وفيات الأعيان 429 - 419/6)

وفي السنة 288 أسر المعتضد ، بالثغر الشامي ، وصيفة الخادم ، ونفر ممن أعانوه علي العصيان ، ودخل بغداد ، وأمامه وصيف الخادم علي جمل فالج وعليه دراعة ديباج وبرنس ، وخلفه علي جمل آخر البغيل ، وخلف البغيل ابنه علي جمل آخر ، وخلف ابن البغيل علي جمل آخر ، رجل من أهل الشام يعرف بابن المهندس ، وقد لبسوا الدراريع من الحرير الأحمر والأصفر ، وعلي رؤوسهم البرانس . ( مروج الذهب 521/2 ).

ولما أسر الحسين بن زكرويه المعروف بصاجب الشامة ، رئيس القرامطة ، في السنة 291 أشهر عند دخوله بغداد علي فيل ، وأركب علي كرسي ارتفاعه ذراعان ونصف ذراع علي ظهر الفيل ، وجعل في فيه خشبة مخروطة شدت إلي قفاه علي هيأة اللجام ( المنتظم 43/6 ) .

ص: 230

أقول : في السنة 291 خرج محمد بن سليمان ، وقو . السلطان علي رأس جيش يريدون القرمطي ، فلاقوه في موضع يقرب من حماة ، واشتبكوا معه في معركة دامية ، فانهزم القرامطة ، وقتل منهم عدد عظيم ، وركب رئيسهم ابن زكرويه ، ومعه ابن عمه المسمي المدثر ، والمطوق ، وغلام لهم رومي ، يريدون الكوفة ، فأخذوا في الطريق ، وحملوا إلي بغداد ، وأدخل صاحب الشامة إلي الرقة ، ظاهرة للناس علي فالج ( الجمل ذي السنامين ) عليه برنس حرير ، ودراعة ديباج ، وبين يديه المدثر والمطوق علي جملين ، فلما أوصلوهم إلي بغداد ، عملوا لصاحب الشامة كرسيا ارتفاعه ذراعين ونصف ذراع ، يركب علي ظهر الفيل ، فحمل علي الفيل، والأسري بين يديه ، علي جمال ، مقيدين ، عليهم دراريع حرير ، وبرانس حرير ، والمطوق في وسطهم ، غلام ما خرجت لحيته ، وقد جعل في فيه خشبة مخروطة ، شدت إلي قفاه ، بهيأة اللجام ، وذلك أنه لما أدخل الرقة ، كان يشتم الناس إذا دعوا عليه ، ويبزق عليهم ، ففعل به ذلك لئلا يشتم إنسانا ( الطبري 108/10 - 112).

وفي السنة 292 قبض عامل البصرة ، علي رجل أراد الخروج بواسط ، فأحدر إلي البصرة ، ثم أصعد إلي بغداد ، فأشهر علي الفالج ، وبين يديه ابن له صبي علي جمل ومعه تسعة وثلاثون إنسان علي جمال ، وعلي جماعتهم برانس الحرير والدراريع الحرير ، فحبسوا في السجن المعروف بالجديد . ( الطبري 118/10 ) .

وفي السنة 293 أدخل إلي بغداد الخليجي المتغلب علي مصر ، وكان قد أسر بعد معركة مع قواد المكتفي ، فأشهر من باب الشماسية ( الصليخ )، علي جمل وقدم بين يديه واحد وعشرون رجلا علي جمال ، وعليهم برانس ودراريع حرير ، فلما وصل الخليجي إلي المكتفي ، أمر بحبسه في الدار ، وأمر بحبس الأخرين في الحبس الجديد . ( الطبري 121/9 و129).

ص: 231

وفي السنة 297 أدخل إلي بغداد طاهر ويعقوب ابنا محمد عمرو بن الليث أسيرين في قبة علي بغل، وقد كشف جلالها، وحبسا في دار السلطان . ( تجارب الأمم 16/1 ).

وفي السنة 297 ورد الخبر من مؤنس بأنه ظفر بالليث بن علي ، ودخل إلي بغداد بالليث ومن أسر معه ، وتأهب السلطان لدخولهم ، وصفت الفيلة وكانت ثلاثة ، وسويت الطرق والشوارع، وأدخل الليث علي فيل ، وبين يديه رأس إسماعيل بن الليث علي رمح ، وثلاثة من كبار الأسري علي جمال ، وكان الليث علي فيل ، وعليه دراعة ديباج وبرنس طويل ومؤنس خلفه في الجيش ، وكان قد أعد له مع البرنس مصفعة (أي أداة يصفع بها) ، فسأل مؤنس في إعفائه منها ، لأنها كانت أعدت للقرمطي ، وسأل مؤنس أيضا في ابنه أن لا يشهر لأنه صبي ، فأجيب ذلك . ( العيون والحدائق ج 4 ق 1 ص 225) .

وفي السنة 298 قدم القاسم بن سيما من غزوة الصائفة في أرض الروم ، ومعه خلق كثير من الأساري وخمسون علجأ قد أشهروا علي الجمال ، بأيدي بعضهم أعلام الروم ، وعليها صلبان ذهب وفضة . ( المنتظم 97/6 ) .

وفي السنة 299 حارب الأمير أحمد الساماني بكري ، ومحمد بن علي بن الليث ، فأسرهما، وبعث بهما إلي بغداد ، فأدخلا مشهرين علي فيلين . ( تجارب الأمم 20/1 وابن الأثير 91/8 ) .

وفي السنة 299 وصل وصيف كامه ، القائد إلي بغداد ومعه القتال أسيرة وثلاثة عشر رجلا من الأسري ، فأدخلوا من باب الشماسية ، وأركب القتال الفيل ، وعليه ديباجة وبرنس ، وأركب بقية الأسري الجمال مشهرين بالبرانس والديباج . ( العيون والحدائق ج 4 ق 1 ص 241 و242) .

ص: 232

وفي السنة 301 قبض الراسبي بالسوس علي الحسين بن منصور الحلاج ، فحمل إلي مدينة السلام مشهرة علي جمل، وأمر الوزير علي بن عيسي به ، فصلب حيا في الجانب الشرقي في مجلس الشرطة ، ثم في الجانب الغربي ، ثم حبس ( المنتظم 123/6 ).

وفي السنة 302 ادعي رجل أنه ابن الرضا العلوي ، وكشف عن حاله ، فظهر أنه كذاب ، فشهر في الجانبين ، وحبس . ( المنتظم 127/6 و 128 ).

وفي السنة 4 30 أدخل الحسين بن حمدان ، إلي بغداد ، من باب الشماسية ( الصليخ ) إلي دار السلطان ( دار الخلافة ) مصلوبا علي نقنق ، منصوبا علي ظهر فالج ، وابنه مشهور علي جمل آخر ، والبرانس علي رؤوسهما ، وأوقف الحسين بين يدي المقتدر ثم أسلم إلي زيدان القهرمانة ، وحبس عندها بدار السلطان ( تجارب الأمم 37/1 و 38 ).

أقول ؛ خالف الحسين بن حمدان في السنة 303 وخرج عن الطاعة ، فتشاغل الجيش بمحاربته ، وأدي ذلك إلي خلل عظيم لأن انشغال الجيش، دفع الروم الي قصد حصن منصور ، فأفتتحوه ، وسبوا جميع أهله ، إذ تشاغل الجيش عن الصائفة ثم ان مؤنس الخادم ( المظفر ) قصد الحسين وحاربه ، فانفل جمعه ، وسقط أسيرة في يد مؤنس مع جميع أهله وكثير من أصحابه ، ودخل مؤنس إلي بغداد ومعه الحسين وولده مشهرين ، وقد حمل الحسين مصلوبة علي نقنق ، منصوب علي ظهر فالج ، وابنه مشهورة علي جمل آخر والبرانس علي رؤوسهما، وسار بين يديه الأمير أبو العباس بن المقتدر ( الراضي أخيرا ) والوزير أبو الحسن علي بن عيسي ، والأستاذ مؤنس الخادم ( المظفر ) وأبو الهيجاء عبد الله بن حمدان ( أخو الحسين ) وإبراهيم بن حمدان ، وسائر القواد والجيش والفيلة ، فلما وصلوا إلي دار السلطان ، أوقف الحسين بين يدي المقتدر، ثم أمر بتسليمه إلي زيدان القهرمانة ، وحبس

ص: 233

عندها في دار السلطان ( تجارب الأمم 37/1 و 38 ) راجع التكملة 16 وابن الأثير 93/8 .

وفي السنة 304 ادخل إلي بغداد القائد يوسف بن أبي الساج مشهرة علي جمل ، وعليه برنس بأذناب الثعالب ( ابن الأثير 99/8 - 102).

أقول : في السنة 304 عصي الأمير يوسف بن أبي الساج علي السلطان ، وقطع الحمل إلي الحضرة ، وكان يلي ارمينية وأذربيجان ، وأظهر أن الوزير علي بن عيسي أنفذ إليه لواء وعهدأ بالري وقزوين وأبهر وزنجان ، فاغتاظ المقتدر من هذا التصرف ، وأمر فكتب له كتاب غليظ ، وسير إليه جيشأ ، فظفر به ابن أبي الساج ، وأسر جماعة من قواده أدخلهم إلي الري مشهرين ، فسير إليه المقتدر مؤنس الخادم ( المظفر) ، فظفر ابن ابي الساج ، وأسر جماعة من القواد أدخلهم إلي أردبيل مشهرين ، ثم اشتبكا في معركة أخري علي باب اردبيل ، فانكسر يوسف وأسر ، وحمله مؤنس معه إلي بغداد ، وكانوا في بغداد قد أعدوا ليوسف ما يشهر به عجلة واسعة المقعد توضع علي ظهر الفيل وأن يلبس المصبغات والبرانس ، ويوضع في العجلة ، ويعلق في عنقه طبل ، ويجلس معه المخنثون في العجل يطبلون ويزمرون ، وبلغ ذلك مؤنس فأنكره ، وكتب إلي المقتدر ، يسأله أن لا يشهر بركوب الفيل والعجل ، ودخل مؤنس بغداد وبين يديه يوسف علي جمل ، وعليه الدراعة التي كانت علي عمرو بن الليث الصفار ، وقد ألبس البرنس ، وفي رجله خف أسود ، راجع تجارب الأمم 44/1 - 50 ومروج الذهب 551/2 .

وفي السنة 304 أشهر ببغداد ، حيوان يسمي الزبزب ، نصب برحبة الجسر معلقأ ليراه الناس ، وسبب ذلك إن العامة في الصيف ، تفرعت من حيوان سموه الزبزب ، ذكروا إنهم يرونه في الليل علي سطوحهم ، وإنه يأكل أطفالهم ، قالوا : وربما قطع يد الإنسان وهو نائم ، أو ثدي المرأة فيأكله ، فكانوا يتحارسون طول الليل ، ريتزاعقون ولا ينامون ، ويضربون الطسوت

ص: 234

والصواني والهواوين ليفزعوه ، وأرتجت بغداد لذلك ، حتي أخذ السلطان حيوانأ غريبأ أبلق كأنه من كلاب الماء ، وقال : هو الزبزب ، وإنه اصطيد ، فصلب علي نقنق ، عند الجسر الأعلي ، وبقي مصلوب حتي مات ( تجارب الأمم 39/1 ).

وفي السنة 304 تحرك الجند علي قرهب ، صاحب صقلية ، واعتقلوه ، وولده ، وبعثوا بهما إلي القيروان ، حيث شهرا ، ثم قتلا ( العيون والحدائق ج 4 ق 1 ص 269 ).

وكان قاضي البصرة ، الأحوص الغلابي ، عفيفة عن الأموال ، وكان يستمع الشكاوي ضد أمير البصرة ابن كنداج ، وكان الوزير ابن الفرات وزير المقتدر ، يسند القاضي ، فلا يستطيع أمير البصرة أن يعرض له بسوء ، فلما عزل ابن الفرات ، ذهب ابن كنداج بنفسه إلي القاضي ، وأعتقله ، وجره ماشية إلي السجن بالبصرة ، وحبسه هناك حتي مات ، راجع تفصيل ذلك في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 1 ص 236 رقم القصة 124/1 .

وفي السنة 313 كبست دار رجل يعرف بالكعكي ، رئيس الرافضة ، اتهم بأنه داعية للقرامطة ، فعثروا علي خليفته ، فضرب ثلثمائة سوط ، وأشهر علي جمل ( المنتظم 195/6) .

وفي السنة 316 واقع الجند العباسي القرامطة ، فقتلوا منهم ، وأسروا ، وأدخل الأسري إلي بغداد مشهرين ، معهم أعلام بيض منكسة ، وعليها مكتوب : ( ونريد أن نمن علي الذين استضعفوا في الأرض ) ، فقتل الأسري ، واستقام أمر السواد ( المنتظم 216/6 ).

وفي السنة 318 خرج بسنجار خارجي اسمه صالح بن محمود ، من بجيلة ، وكان يعشر القوافل ، ويطالب المسلمين بزكاة أموالهم ، والنصاري بجزية رؤوسهم ، فقصده نصر بن حمدان ، أمير الموصل ، والتحم معه في

ص: 235

معركة قتل فيها من رجال صالح نحو مائة ، وقتل من أصحاب نصر جماعة ، ثم أسر صالح ومعه ابنان له ، وأدخلوا إلي الموصل ، ثم حملوا إلي بغداد ، فأدخلوا مشهورين ( ابن الأثير 8 / 220 و221) .

وفي السنة 322 اشتبك عماد الدولة بن بويه ، مع القائد ياقوت علي رأس جيش عباسي بقرب شيراز ، وكان من سعادة عماد الدولة أن جماعة من أصحابه استأمنوا إلي ياقوت ، فحين رآهم ياقوت أمر بضرب رقابهم ، فأيقن أصحاب ابن بويه أنه لا أمان لهم عند ياقوت ، فاستقتلوا ، وكسب ابن بويه المعركة ، وانفل الجيش العباسي ، وانهزم ياقوت ، ووجدوا في مخلفات ياقوت برانس لبود عليها أذناب الثعالب ، وقيودا وأغلا ، فسألوا عنها أصحاب ياقوت، فقالوا : إن هذه أعدت لكم لتجعل عليكم ، ويطاف بكم في البلاد ، فأشار أصحاب ابن بويه أن يفعل بهم مثل ذلك ، فامتنع ، وقال : إنه بغي ولؤم ظفر ، ثم أحسن إلي الأساري وأطلقهم ، وخيرهم بين المقام عنده ، أو اللحاق بياقوت ، فاختاروا المقام عنده ، فخلع عليهم ، وأحسن إليهم ، واستولي علي شيراز ( ابن الأثير 275/8 و 276 ) .

وفي السنة 322 صار أصحاب أبي طاهر القرمطي إلي نواحي توج في مراكب ، فأوقع بهم عامل البلد، وأسر منهم ثمانين رجلا ، فيهم رجل يعرف بابن الغمر ، فأدخل الأساري إلي بغداد مشهرين ، ووضع علي رأس ابن الغمر قرون ، وكانوا ، علي جمال بدراريع ديباج وبرانس ، واعتقلوا بدار السلطان ( تجارب الأمم 284/1 ).

وكان بجكم قلد بالبا التركي ، أعمال المعاون بالأنبار ، ثم قلده أعمال طريق الفرات ، ولكن بالبا غدر بيجكم ، وكاتب ابن رائق ، وأقام له الدعوة ، فأنفذ إليه بجكم عسكرة ، فأسروه في السنة 328، وأدخل الي بغداد مشهر علي جمل عليه نقنق ، وهو مصلوب ( ابن الأثير 355/8 وتجارب الأمم 410/1 )

ص: 236

أقول : سماه صاحب لسان العرب «نقنيق ، وقال : إنه الخشبة التي يعلق عليها المصلوب ، ولكني وجدت جميع كتب التاريخ تسميها نقنق ، بلا ياء .

وفي السنة 330 خلع المتقي العباسي علي ناصر الدولة الحمداني ، ونصبه أميرة للأمراء ، وأنحدر معه من الموصل إلي بغداد ، فأصعد أبو الحسين البريدي من واسط لحرب ناصر الدولة ، والتقوا خارج المدائن ( سلمان باك ) فكان الظفر للبريدي أولا ، ثم استعلي ناصر الدولة ، فانهزم البريدي ، وقتل جماعة من أصحابه ، وأسر جماعة ، ودخل ناصر الدولة بغداد وبين يديه يأنس غلام البريدي ، وأبو الفتح بن أبي طاهر ، والمذكر البريدي ، مشهرين علي جمال ، وعلي رؤوسهم برانس ( تجارب الأمم 30/2 والتكملة 129 وابن الأثير 384/8 و385) .

وفي السنة 331 خرج عدل البجكمي ، علي ناصر الدولة ، وكان ناصر الدولة قد قلده الرحبة ، فحاربه ناصر الدولة ، وأسره وابنه ، وشهرهما علي جملين ( التكملة 132).

أقول : كان عدل من أصحاب بجكم ، فلما قتل بجكم صار إلي ابن رائق ، وسار معه إلي بغداد ، وأصعد معه إلي الموصل ، فلما غدر ناصر الدولة بابن رائق ، وقتله وهو في ضيافته ، صار عدل في جملة ناصر الدولة ، فسيره مع علي بن خلف بن طناب ، إلي ديار مضر والشام ، فأرسله ابن طناب مع جيش ليطرد عامل ابن رائق عن قرقيسيا ، فطرده وحازها لنفسه ، وغزا قري الخابور ، وعسف أهلها ، وجمع مالا جما ، وجمع الجنود والعساكر من كل مكان ، وسار يريد نصيبين ، فلاقاه الحسين بن حمدان في جيش ، فاستأمن أكثر أصحاب عدل إلي ابن حمدان ، فأسره ابن حمدان ، وأسر معه ابنه ، فسمل عدلا ، وسيرهما إلي بغداد ، فشهرا بها معا ( ابن الأثير396 - 394/8)

ص: 237

وفي السنة 334 حاصر ناصر الدولة ، ومعه أبو جعفر ابن شيرزاد ، بغداد ، وفيها مع الدولة ، فظفر ابن شيرزاد بكافور خادم معز الدولة ، فشهره ، فظفر معز الدولة بأبي الحسن بن شيرزاد ، فصلبه حيا ، فأطلق أبو جعفر الخادم ، فحط معز الدولة أبا الحسن بن شيرزاد أخاه ( التكملة 151)

وفي السنة 336 أسر أبو زيد الخارجي ، وأحضر جريحة إلي المنصور الفاطمي فمات من جراحه ، قأمر بادخاله في قفص قد عمل له ، وجعل معه قردين يعلبان عليه ، وأمر بسلخ جسده وحشاه تبنا ( ابن الأثير 441/8 ) .

وفي السنة 345 عصي روزبهان ، القائد الديلمي ، علي معز الدولة ، فحاربه ، وأسره، وأدخله إلي بغداد ، في زبزب ، مكشوفأ ، ليراه الناس ، فأخذ الناس يدعون علي روزبهان . ( تجارب الأمم 162/2 - 165 ).

وفي السنة 347 فتح القائد جوهر مدنية سجلماسة ، واعتقل صاحبها الشاكر لله محمد بن الفتح بن ميمون ، من آل مدرار ، وساقه أسيرا إلي المهدية ، ومعه أحمد بن بكر اليفرني ، أمير فاس ، وخمسة عشر رجلا من اشياخها ، ودخل بهم إلي المعتر الفاطمي ، وهم بين يديه ، في أقفاص من خشب ، علي ظهور الجمال ، وعلي رؤوسهم قلانس من لبد مستطيلة ، مثبتة بالقرون ، وطيف بهم في بلاد إفريقية ، وأسواق القيروان ، ثم ردوا إلي المهدية ، وحبسوا بها ، حتي ماتوا في سجنها ( الاعلام 78/8 ).

وفي السنة 358 تحرك الشريف أبو القاسم إسماعيل بن أبي يعلي العباسي بدمشق ، علي الفاطميين ، وقام معه بعض العوام ، ودعا للمطيع العباسي ، فحاربه القائد الفاطمي جعفر بن فلاح، فهرب الشريف أبو القاسم ، ثم قبض عليه جعفر ، فشهره علي جمل، وعلي رأسه قلنسوة من البود ، وفي لحيته ريش مغروز ، ومن ورائه رجل من المغاربة يوقع به ( يصفعه ) ثم حبسه ( النجوم الزاهرة 33/4 ).

ص: 238

أقول : ذكر صاحب اتعاظ الحنفا ص 126 هذا الخبر في أخبار السنة 359 وزاد فيه أن الشريف أبا القاسم العباسي لما أشهر وضعوا في يده قصبة .

وفي السنة 361 خرج عبد العزيز بن إبراهيم الكلابي بالصعيد، وسود ( أي إنه لبس السواد شعار العباسيين ) ودعا لبني العباس ، فأخذ، وأدخل في قفص ، مغلوة ، وطيف به ( اتعاظ الحنفا 131).

وفي السنة 361 نشبت معركة عظيمة بين الدمستق الرومي ، وبين هبة الله بن ناصر الدولة الحمداني ، فانكسر الروم ، وكثر القتلي منهم ، وأنفذ إلي بغداد الرؤوس والأيدي ، وكانت كثيرة ، فشهرت ببغداد ( تجارب الأمم 312/2)

وفي السنة 364 قبض المطهر بن عبد الله ، وزير عضد الدولة ، علي طاهر بن الصمة وكان قد خالف علي عضد الدولة ، فشهره ، ثم ضرب عنقه . ( ابن الأثير 656/8 ).

وفي السنة 369 أخذ عبد العزيز بن محمد المعروف بالكراعي ، وشهر بالبصرة ، وبمدينة السلام منصوبا علي نقنق في سفينة ، وعلي رأسه برنس ، ثم طرح إلي الفيلة ، فخبطته ، وصلب إلي جانب ابن بقية ( تجارب الأمم 414/2)

وفي السنة 369 قدم أولاد حسنويه علي عضد الدولة ، فقلد بدرة زعامة الأكراد البرزيكاني ، فأحفظ ذلك عاصمة ، فنبذ طاعة بدر ، وحاربه ، ووقع في يده أسيرة ، فأدخله إلي همذان ، مشهرة علي جمل ، وألبس دراعة ديباج ، ( ابن الأثير 6/9 وذيل تجارب الأمم 9 و12).

وفي السنة 369 بعث عضد الدولة ، أبا العلاء عبيد الله بن الفضل بن نصر النصراني ، الملقب بالمظفر ، لمحاربة بني شيبان ، وكانوا قد أفسدوا ،

ص: 239

وقطعوا الطرق ، فأقام بدقوقا ، وأسري إليهم ، فأوقع بهم وقعة عظيمة ، ودخل إلي بغداد ، ومعه ثمانمائة أسير منهم ، مشهرين علي الجمال ، بالبرانس الطوال ، والثياب الملونة ، فأودعوا الحبوس والمطابق . ( تجارب الأمم 399/2 ).

وفي السنة 373 احتل باد الكردي الموصل، فسير إليه صمصام الدولة البويهي في السنة 374 عسكر واقتلوا ، فانكسر باد ، وأسر كثير من عسكره ، وحملوا إلي بغداد ، فأشهروا بها ( ابن الأثير 38/9 ) .

وفي السنة 382 شغب بعض الفقهاء في مصر، علي القاضي عبد العزيز خليفة أبيه محمد بن النعمان ، بالقاهرة ، فقبض علي بعضهم ، وطوف بثلاثة منهم علي الجمال . ( اخبار القضاة 594 ).

وفي السنة 383 أسر جند فارس ، أبا العلاء عبيد الله بن الفضل قائد جيش بهاء الدولة ، فحملوه إلي شيراز ، وأدخل إلي المعسكر علي جمل وقد ألبس ثياب مصبغة وطيف به ، وأبصرته السيدة والدة صمصام الدولة ، فأمرت قهرمانتها ، فحطته عن الجمل ، وخلعت عنه الثياب المصبغة ، وأمرت باعتقاله في القلعة . ( ذيل تجارب الأمم 253 و 254 وابن الأثير 97/9 ) .

وفي السنة 386 توفي المنصور بن يوسف بلكين ، صاحب إفريقية ، وولي بعده ولده باديس ، فثار عليه رجل صنهاجي ، اسمه خليفة بن مبارك ، فأخذ ، وحمل إلي باديس ، فأركب حمارة ، وجعل خلفه رجل أسود يصفعه ، وطيف به ، ولم يقتل ، إحتقارا له ، وسجن . ( ابن الأثير 127/9 ).

وفي السنة 395 قبض بالقاهرة ، في أيام الحاكم الفاطمي ، علي جماعة ، وجدوا في الحمام بغير مازر ، فضربوا ، وشهروا . ( خطط المقريزي 341/2 ) .

ص: 240

وفي السنة 397 ظفر الحاكم الفاطمي بأبي ركوة ، واسمه الوليد ، وانما كني بأبي ركوة ، لركوة كان يحملها في أسفاره ، علي ستة الصوفية ، وهو أموي من أولاد هشام بن عبد الملك ، نزح من الأندلس ، وقد أناف علي العشرين ، ودرس بمصر ، ثم قصد مكة واليمن، وعاد إلي مصر، ودعا بها إلي القائم ، فأجابه كثيرون من بني قرة وزناته ، وتظاهر بالنسك والدين ، وأمهم في الصلوات ، وعلم صبيانهم الخط ، فبايعوه بالإمامة ، فسار بهم إلي برقة ، واستولي عليها ، وأظهر العدل ، فسير إليه الحاكم جيشا ، ففله أبو ركوة ، وأخذ يبعث السرايا إلي مصر ، ثم قصد الصعيد، فسير إليه الحاكم جيشأ من اثني عشر ألفأ، سوي العرب ، ثم أضاف إليهم أربعة آلاف فارس ، فأسري أبو ركوة وكبس عسكر الحاكم بالجيزة ، وقتل منهم ألف فارس ، ونزل أبو ركوة عند الهرمين ، ثم اشتبك مع عسكر الحاكم ، فانهزم أبو ركوة ، وقتل من عسكره ألوف كثيرة ، فسار إلي بلد النوبة ، ولحق به رسول الحاكم ، فتسلمه ، وحمله إلي مصر، فأشهر بها ، وطيف به ليقتل، ويصلب ، فمات قبل وصوله ، فقطع رأسه ، وصلب ( ابن الأثير 197/9 - 203 والمنتظم 374/7 و203/9 والنجوم الزاهرة 216/4 و217) .

وشهر بالقاهرة في أيام الحاكم الفاطمي (ت 411) جماعة ، وضربوا لأنهم وجد عندهم فقاع وملوخية ، والسمك الذي لا قشر له ، وذلك لأن الحاكم منع أكلها ( خطط المقريزي 287/2 ) .

وقتل الحاكم الفاطمي ، قاضيه حسين بن علي بن النعمان ، وكان قد ملا عينه ويده ، وشرط عليه أن يتعفف عن أموال الناس ، ثم ظهرت عليه خيانة ، فأمر به فأشهر محمولا علي حمار نهارا ، ثم ضرب عنقه ، وأحرق ( النجوم الزاهرة 71 ).

وفي السنة 404 أفسدت خفاجة في سواد الكوفة ، فسير فخر الملك

ص: 241

إليهم عسكرأ ، فأسر كبيرهم محمود بن ثمال ، وجماعة معه ، وأدخلوا إلي بغداد مشهرين ، وحبسوا ( ابن الأثير 245/9 ).

وفي السنة 415 ضرب إنسان بالسياط ، بالقاهرة ، وحمل علي جمل ، وطيف به في البلد، وفي يده جرسان، يجرس علي نفسه، ويصيح بملء صوته : هذا جزاء من يسرق في اليوم دفعتين ، وذكر أنه كان مجرسأ يجرس علي المحبسين بحبس بنان ( اخبار مصر للمسبحي 62).

و في السنة 415 علق رجل لص ، بالقاهرة ، وجد قد فتح دكانأ ، فضرب ، وشهر في البلد علي جمل، ثم أعيد إلي المطبق ( أخبار مصر اللمسبحي 19 ).

وفي السنة 415 قبض علي الرجل الذي سرق مال القرافية بمصر ، فقطعت يمينه ، وطيف به علي جمل ، فلما أعيد إلي السجن مات ( اخبار مصر للمسبحي 71 و 107).

وفي السنة 431 اتهم باديس صاحب غرناطة ، أبا الفتوح ثابت بن محمد الجرجاني بالتآمر ضده ، ففر منه إلي إشبيلية ، ثم استسلم إليه ، فبعث به إلي غرناطة ، فتسلمه قداح صاحب عذابه ، فحلق رأسه ، وأدخله إلي غرناطة مشهرة علي بعير ، وخلفه أسود فظ ضخم ، يوالي صفعه ، وأودع حبس ضيق ، ثم عاد باديس الي غرناطة فقتله ( الاحاطة 462 - 466) .

وفي السنة 446 قصد بنو خفاجة ، الجامعين ، وأعمال نور الدولة دبيس ، ونهبوا ، وفتحوا ، فأستنجد نور الدولة بالبساسيري ، فسار إليه ، وقاتل خفاجة ، فانهزموا ، ودخلوا البر ، فلم يتبعهم ، فعادوا إلي الفساد ، فعاد إليهم ، وسلك البر وراءهم ، ولحقهم بخفان ، وهو حصن بالبر ، فأوقع بهم ، وقتلهم ، ونهب أموالهم وجمالهم ، وخرب حصن خفان ، وأراد تخريب القائم به ، وهو بناء من آجر وكلس ، قيل إنه كان علم تهتدي به

ص: 242

السفن ، لما كان البحر يجيء إلي النجف ، ودخل بغداد ومعه خمسة وعشرون رجلا من خفاجة ، عليهم البرانس ، وقد شدهم بالحبال إلي الجمال ( ابن الأثير 600/9 ) .

أقول : تحدث القاضي التنوخي في كتابه الفرج بعد الشدة عن البناء الذي أراد البساسيري تخريبه ، وسماه القاضي : إصبع خقان ، وذكر إن شخصا سقط من أعلاه ، وبينه وبين الأرض ألف ذراع ، فدخلت الريح في ثيابه ، وتخللتها ، فنزل إلي الأرض سالمة ، راجع القصة 398 من كتاب الفرج بعد الشدة ، تحقيق المؤلف .

وذكر ناصر خسرو ، في رحلته إن تجار مصر يصدقون في كل ما يبيعون ، وإذا كذب أحدهم علي مشتر ، فإنه يوضع علي جمل، ويعطي جرسأ بيده ، ويطاف به في المدينة ، وهو يدق الجرس ، وينادي : لقد كذبت ، وها أنا أعاقب ، وكل من يقول الكذب ، فجزاؤه العقاب . ( رحلة ناصر خسرو 105 ) .

وفي السنة 446 بدأت الوحشة بين القائد البساسيري ، والخليفة القائم ، وكان الذي أنيث الفتنة رئيس الرؤساء ابن المسلمة ، الذي كان يساند أعداء البساسيري ، فسار البساسيري إلي الأنبار ، وحصرها، وأسر أبا الغنائم بن المحلبان أحد أصحاب ابن المسلمة ، وكان قد ألقي بنفسه في الفرات ، فأخرج ، وأدخل إلي بغداد علي جمل وعليه قميص أحمر ، وعلي رأسه برنس ، وفي رجليه قيد ، وأراد صلبه ، وصلب من معه من الاسري ، فسأله نور الدولة دبيس ، أن يؤخر ذلك حتي يحضر ، فلم يصلب ابن المحلبان ، وصلب جماعة من الأسري ( ابن الأثير 69/9 و602).

وفي السنة 448 دخل ابن فسا نجس واسط ، وخطب فيها للمصريين ، فحاربه الجند العباسي ، وأسروه ، وأدخل إلي بغداد في السنة 449 مشهر

ص: 243

علي جمل ، وعليه قميص أحمر ، وعلي رأسه طرطور بودع ، وصلب ( ابن الأثير 625/9 ).

وكان رئيس الرؤساء ابن المسلمة ، صاحب الدولة ، في أيام الخليفة القائم ، وكان شديدة علي أهل الكرخ ، مجتهدة في أذاهم ، وفي السنة 448 تقدم إلي صاحب المعونة بقتل شيخ البرازين بباب الطاق « لما كان يتظاهر به من الغلو في الرفض » ، فقتل ، وصلب علي باب دكانه ، وطلب أبا جعفر الطوسي ، الفقيه الإمامي ، فهرب منه ، فنهبت داره ، وفي السنة 449 كبست دار أبي جعفر الطوسي مجددا ، وكان متكلم الشيعة بالكرخ ، فأخذ ما وجد في داره من دفاتر ، مع كرسي كان يجلس عليه للكلام ، فأحرقت ، وفي السنة 450 دخل البساسيري بغداد ، وخطب المستنصر الفاطمي ، وأسر الخليفة القائم ، وقبض علي ابن المسلمة ، فلما رآه قال له : مرحبا بمهلك الأمم ، ومخرب البلاد ، ومبيد العباد ، فقال له : العفو عند المقدرة ، فقال له : قد قدرت أنت فما عفوت ، وأنت تاجر ، صاحب طيلسان ، ولم تستبق من الحرم والأطفال ، فكيف أعفو عنك ، وأنا صاحب سيف ، وقد أخذت أموالي ، وعاقبت حرمي ، ونفيتهم في البلاد ، وشتتني ، ودرست دوري .

واجتمع العامة ، فسبوا ابن المسلمة ، وهموا به ، فأخذه البساسيري إلي جنبه ، خوفا عليه من العامة ، وحل الركابية حزام البرذون الذي كان تحته ، ليسقط ، فيتمكن العامة من قتله ، فسقط ، فوقف البساسيري ، يذب عنه ، إلي أن أركبه ، ومضي به إلي الخيمة ، فقيده ، ووكل به ، وضرب ضربا كثيرة .

ثم أخرج من محبسه بالحريم الطاهري ، وعليه جبة صوف ، وطنطور من لبد أحمر ، وفي رقبته مخنقة من جلود كالتعاويذ، وأركب جملا ، وطيف به في محال الجانب الغربي ، ومن ورائه من يصفعه بقطعة جلد ، وشهر في البلد ، ونثر عليه أهل الكرخ ، لما اجتاز بهم ، خلقان المداسات ، وبصقوا

ص: 244

في وجهه. ولعن وسب في جميع المحال ، ونصبت له خشبة بباب خراسان ، فحط عن الجمل ، وخيط عليه جلد ثور قد سلخ في الحال ، وجعلت قرونه علي رأسه ، وعلق بكلابين من حديد في دقته ، واستبقي في الخشبة حيا ، فلبث إلي آخر النهار يضطرب ، ثم مات ( المنتظم 171/8 - 197)

وفي السنة 460 كانت حرب بين شرف الدولة مسلم بن قريش صاحب الموصل ، وبين بني كلاب بالرحبة ، وهم في طاعة العلوي المصري ، فكسرهم شرف الدولة ، وغنم منهم أسلاب وأعلاما عليها سمات المصري ، فبعث بها إلي بغداد ، فكسرت ، وطيف بها في البلد . ( ابن الأثير 57/10)

وفي السنة 467 تقدم ببغداد ، فخر الدولة ، إلي المحتسب بالحريم ، بنفي المفسدات ، وبيع دورهن ، فشهر جماعة منهن علي الحمير ، مناديات علي أنفسه وأبعدهن إلي الجانب الغربي ( المنتظم 294/8 ) .

أقول : كأن الجانب الغربي ليس من بغداد .

وفي السنة 473 ولي ابن الخرقي الحسبة ببغداد ، فمنع قوام الحمامات أن يمكنوا أحدأ يدخل بغير مئزر ، وتهددهم بالإشهار (المنتظم 129/9 ).

وبعث المعتمد اللخمي ، صاحب قرطبة واشبيلية ، وزيره ونديمه ابن عمار ، علي جيش لفتح مرسية ، ففتحها وحازها لنفسه ، وتنكر للمعتمد ، وهجاه ، ثم ثار عليه أهل مرسية ، وأخرجوه ، فالتجأ إلي حصن شقورة ، فاعتقله صاحب الحصن ، وسلمه للمعتمد ، لقاء مال ، فأمر به المعتمد ، فأدخل إلي قرطبة ، ثم إلي إشبيلية ، مشهرة ، علي بغل ، بين عدلي تبن ، وقيوده ظاهرة للناس . ( المعجب للمراكشي 180 - 189).

وفي السنة 484 أشهر بغداد رجل إسمه تليا ، وعلي رأسه طرطور ،

ص: 245

وهو يصفع بالدرة ، والناس يشتمونه وهو يسبهم ، ثم صلب ، وسبب ذلك إنه كان يشتغل بالتنجيم ، وادعي أنه المهدي ، واستغوي جماعة ، واتفق مع أحد رؤساء الأعراب وحسن له نهب البصرة ، فنهبها وأحرق مواضع فيها ، منها دارين للكتب ، وأخذ تليا بالبحرين ، وحمل إلي بغداد حيث أشهر وصلب ( ابن الأثير 183/10 و 184 والمنتظم 55/9 و58 ) .

وفي السنة 494 أشهر في دامغان رجل وفي عنقه يد صبي قد ذبحه وأكله ( المنتظم 123/9 ).

وفي السنة 513 مات في السجن أبو الدلف محمد بن هبة الله الكاتب المعروف بابن زهمونة وكان فاضله شعر وبلاغة، وكان كاتبأ للأمير أبي الحسن بن المستظهر ، فلما خرج الحسن علي أخيه المسترشد ، كان أبو الدلف معه ، فلما أعيد أبو الحسن ، وأبو الدلف معه ، أركب علي جمل بسرج ، وألبس قميصأ أحمر ، وجعل في عنقه مخانق من برم وعظام ، وبعر ، وجعل علي رأسه برنس أحمر بودع وخرز ، وشهر من باب النوبي الشريف إلي باب الأزج ، وخلفه غلام يعلوه بالدرة ، وينادي عليه ، ثم سجن ، ومات في السجن ( عيون التواريخ 92 والمنتظم 198/9 و 205 والوافي بالوفيات 153/5 ) .

أما الأمير أبو الحسن ، فقد حبس في حجرة ، وسد عليه الباب ، وأبقي منه موضع تصل منه الحوائج ، ثم أحضر في السنة 513 وقيل له : قد وجد في قبة دارك تشعيث ولعله منك ، ولعلك عزمت علي الهرب مرة أخري ، فحلف أنه لم يفعل ، وتنصل، ثم أعيد إلي موضعه علي التضييق . ( المنتظم 207/9 ).

وفي السنة 514 دخل السلطان محمود بن محمد السلجوقي إلي بغداد، وطالب بالافراج عن الأمير أبي الحسن ، فبذل له الخليفة ثلثمائة ألف دينار اليسكت عن هذا ( المنتظم 218/9 ) .

ص: 246

وفي السنة 522 ظهر ببغداد ، عند وراق ، كراسة اشتراها في جملة كاغد ، مكتوب فيها القرآن ، وقد كتب ما بين كل سطرين من القرآن سطر من الشعر علي وزن آخر الآيات ، ففتش عن كاتبها ، فظهر إنه معلم ، فكبس بيته ، فوجدوا له كراريس علي هذا المعني ، وسئل فأقر، فحمل علي حمار ، وأشهر في البلد ، وأراد العامة إحراقه ( المنتظم 6/10 و7).

وفي السنة 525 أحضر ثلاثة من الشهود ، شهدوا شهادة زور اعتمدوها ، وأخذوا عليها رشوة كبيرة ، في دار مرهونة بكتاب دين ، فأخرجوا إلي باب النوبي ، ودرروا بمحضر من الناس ( المنتظم 21/10 ).

وفي السنة 529 حصلت معركة في مصر بين جنود الاستاذ ابن اسعاف القادم من بلاد الصعيد، وجنود الوزير حسن بن الحافظ الفاطمي ، فأسر الأستاذ ابن اسعاف ، وحمل إلي القاهرة علي جمل ، وعلي رأسه طرطور لبد أحمر ( خطط المقريزي 18/2 ).

وفي السنة 531 أشهر ببغداد أربع نسوة في الأسواق علي بقر التقائين مسودات الوجوه ، لأنهن شربن المسكر في الشط مع رجال ( المنتظم 69/10)

وفي السنة 533 طلب رجلان من وزير السلطان مسعود ، أن يضمنهما المكوس التي أزيلت ، وبذلا مائة ألف دينار، فرفع أمرهما إلي السلطان ، فشهرا في البلد مسودي الوجوه . ( المنتظم 79/10 ).

وفي السنة 535 أشهر في بغداد أحد المحتالين ، بأن أركب حمارا وطيف به ، وسبب ذلك ، إنه قدم بغداد ، وأظهر النسك والزهد، وأقام في قرية السلطان بباب بغداد ، فقصده الناس من كل جانب ، واتفق أن بعض أهل السواد دفن ولدا له قريبا من قبر السبتي ، فمضي هذا الرجل نبشه ، ودفنه في موضع ، ثم قال للناس إنه رأي عمر بن الخطاب في المنام ومعه

ص: 247

علي ابن أبي طالب ، وإنهما سلما عليه ، وقالا له : إن في هذا الموضع صبي من أولاد أمير المؤمنين علي ، وخطابه المكان ، فحفروه ، فرأوا الصبي ، وهو أمرد ، فمن وصل إلي قطعة من كفنه فكأنه قد ملك الملك ، وخرج أرباب الدولة وأهل بغداد لرؤيته ، وانقلب البلد ، وطرح في الموضع دساتيج ماء الورد ، والبخور ، وأخذ التراب للتبرك ، وأزدحم الناس علي القبر ، حتي لم يصل أحد من كثرة الزحام ، وجعل الناس يقبلون يد المتزاهد ، وهو يظهر التمنع والبكاء والخشوع، والناس يزدحمون عليه تارة ، وعلي الميت تارة ، وظل الحال أيامة ، وجاء السوادي ، فأبصره ، وقال : هذا والله ولدي ، وكنت دفنته عند السبتي ، فهرب المتزاهد لما أحست بافتضاح حيلته ، فطلبوه ، فأخذ ، وأركب حمار وأشهر . ( المنتظم 88/10 و 89 ) .

وفي السنة 542 اجتمع عند رجار الصقلي ، صاحب صقلية ، رسول يوسف صاحب قابس ، ورسول الحسن صاحب إفريقية ، وجرت بين الرسولين مناظرة ، فذكر رسول يوسف ، الحسن ، ونال منه ، وذمه ، فأرسل رسول الحسن إليه رقعة علي جناح طائر قض عليه فيها القصة ، فسير الحسن جماعة من أصحابه في البحر فأخذوا رسول يوسف ، وأحضروه أمامه ، نسبه ، وقال له : ملكت الافرنج بلاد المسلمين ، وطولت لسانك بذمي ، ثم أركبه جملا ، وعلي رأسه طرطور بجلاجل، وطيف به في البلد ، ونودي عليه : هذا جزاء من سعي في تمليك الإفرنج بلاد المسلمين ، فلما توسط المهدية ثار به العامة فقتلوه . ( ابن الأثير 121/11 ).

وفي السنة 543 هاجم سيف الدين سوري بن الحسين ، ملك الغور ، غزنة ، فملكها ، ثم انكسر ، وأسره بهرام شاه الغرنوي ، فأمر به فسود وجهه ، وأركب بقرة ، وطيف به في البلد ، ثم صلب . ( ابن الأثير 135/11)

وفي السنة 550 استولي علاء الدين ، أخو سيف الدين سوري ، علي

ص: 248

غزنة ، وأمر بمن أشهر أخاه سيف الدين ، فرماهم من شاهق، وبالنساء اللواتي غنين بشتمه فحبسه في حمام حتي هلكن ، وأخذ خلقأ كثيرا من أهل غزنة ، وحملهم مخالي مملوءة ترابا إلي فيروزكوه ، فبني بالتراب قلعة ( ابن الأثير 165/11 و166).

وفي السنة 547 أخذ أبو النجيب مدرس النظامية ، إلي باب النوبي ، فأقيم علي الدكة الظاهرة بين اثنين ، وكشف رأسه ، وضرب بالدرة خمس مرات ، وأعيد إلي حبس الجرائم ، وسبب ذلك لأنه عاد إلي تدريس النظامية ، دون إذن من الخليفة . ( المنتظم 147/10 ).

وفي السنة 547 قبض علي البديع المتصوف الواعظ ، ووجدت عنده ألواح من طين فيها قبل ( جمع قبلة ) وعليها مكتوب أسماء الأئمة الاثنا عشر فاتهم بالرفض ( التشيع ) ، فشهر بباب النوبي ، وكشف رأسه ، وأدب أي ضرب وألزم بيته ( أي حبس في بيته ) . ( المنتظم 148/10 ).

وفي السنة 557 اذعت امرأة أن الفقيه ابن النظام مدرس النظامية ، قد تزوجها فجحد، وحلف ، ثم أقر ، فافتضح ، فعزل عن التدريس ، وأخذ فصفع علي باب النوبي . ( المنتظم 203/10 ).

وفي السنة 559 شهرت امرأة تزوجت بزوجين ، ومعها أحدهما ( المنتظم 208/10 ).

وفي السنة 562 لما قتل شاور ، الوزير الفاطمي ، القاضي الرشيد بن الزبير ، بمصر ، أركبه علي جمل ، وعلي رأسه طرطور ، ووراءه جلو از پنال منه ، ثم شنقه ( الوافي بالوفيات 224/7 ).

وفي السنة567افتتح أبو الفتح التدريس في مدرسة السلطان ببغداد ، بقوله : زعمت طائفة من الأصوليين ، أن الله ليس بموجود ، وبلغ الوزير ذلك فأحضره ، وقال له : ما وجدت في العلوم إلا هذا؟ وأمر بأن يحضر بوتقة السواد وحمار ليشهر في البلد . ( المنتظم 236/10 و237 ) .

ص: 249

وفي السنة 572 اتهم طحان من أهل الكرخ بأنه قال قولا مخالفأ للشريعة فضرب مائة سوط ، وسود وجهه ، وشهر في الغد ، وخلفه من يضربه بالخشب والعامة يرجمونه ، ثم حبس . ( المنتظم 267/10 ).

ولما زار الرحالة ابن جبير الاسكندرية ، في السنة 578شاهد موكبا الأسري من الروم ، أشهروا في شوارع البلدة ، راكبين علي الجمال ، ووجوههم إلي أذنابها ، وحولهم الطبول والأبواق . ( رحلة ابن جبير 31) .

وفي السنة 584 بعث الخليفة الناصر ، جيشا مقدمه الوزير جلال الدين عبيد الله بن يونس ، لمحاربة السلطان طغرل شاه السلجوقي ، فكسره طغرل ، وأسر ابن يونس ، فحلق رأسه ، وألبسه طرطورة أحمر فيه جلاجل . ( ابن الأثير 24/12 و25 والذيل علي الروضتين 6).

وفي السنة 607 خرج قطب الدين سنجر ، مملوك الخليفة الناصر ، وكان صاحب خوزستان ، عن طاعة الخليفة ، فبعث الخليفة إليه جندأ ، ففر إلي شيراز ، فطالبوا صاحبها بتسليمه ، فسلمه إليهم بأمان علي حفظ حياته ، فحمل إلي بغداد ، وهو علي بغل بأكاف ، وفي رجله سلسلتان ، في يد كل جندي سلسلة ، وحبس مدة ، ثم عفا عنه الخليفة ، وأطلقه . ( ابن الأثير 289/12 و 290 ).

وفي السنة 615 توفي الشاهد أبو غالب محمد بن محمد ، المعروف بابن الصباغ ، وكان قد شهد في كتاب ، شهادة لم يتثبت منها ، فلما ظهرت الحال ، عزل القاضي ، وأشهر ابن الصباغ ، ومعه شاهد آخر، علي جملين بحريم دار الخلافة ، مكشوفي الرأس ( الوافي بالوفيات 167/1 ).

وفي السنة 653 قبض علي نباش ، وجدت في داره عدة أكفان ،

ص: 250

فقطعت يداه ، وعلقتا في حلقه ، وأشهر ببغداد ( الحوادث الجامعة 306 و307) .

وفي السنة 654 زادت دجلة زيادة عظيمة ، وغرقت بغداد ، وعمل اليهود سكرة في رأس بين الدربين ودرب القيار ، فنازعهم فيه من يتعدي ضرره إلي ملكه ، وجرت خصومات ، وشهروا السلاح ، ونادوا يا آل خيبر ، فقبض الشحنة علي جماعة منهم ، وضربهم ، وشوه خلقهم ، وشهرهم ، ونودي عليهم : هذا جزاء من شهر السلاح علي المسلمين ، وقال : يا آل خيبر ( الحوادث الجامعة 318 ).

وفي السنة 677 قبض علي أحمد بن بقا الشربدار ، لرفعه علي الصاحب علاء الدين الجويني صاحب ديوان العراق ، فحبس ، ثم عمل له حجلة ، وسمر عليها ، وجعل علي رأسه مسخرة كان ببغداد يعرف بالموصلي ، يصفعه بنعل ، ويروحه به ، ثم يبول عليه ، والناس يمدون الحجلة بالحبال في الأسواق والدروب في جانبي بغداد ، فأخذ في سب الصاحب ، فوضعوا في فمه مسلة منعته من الكلام ، ودام تعذيبه بالحجلة ، إلي آخر النهار ، ثم قطع رأسه ، ووضع مكانه رأس تيس بلحيته ، وطيف به ، وأحرق العوام جثته ، ورفع رأسه علي خشبة وطيف به . ( الحوادث الجامعة 401 و تاريخ العراق للعزاوي 291/1 ) .

وفي السنة 680 توفي مجد الدين صالح بن الهذيل بواسط. وكان من أكابر المتصرفين بواسط وغيرها ، تولي صدرية واسط ، ولقب بالملك ، ثم أخذ ودوشخ وطولب بأموال واسط ، ثم رتب صدر في طريق خراسان ، ثم أخذ وخزم أنفه ، وطيف به ببغداد ، ثم عزل ، ورتب ناظرة بقوسان ( الحوادث الجامعة 418 ).

وفي السنة 681 أحضر إلي بغداد عبد يشوع، ويعقوب ، وكانا قد رفعا

ص: 251

علي الصاحب علاء الدين صاحب الديوان ، فطيف بهما في بغداد عريانين ، والعوام يصفعونهما ويضربونهما بالآجر ، ثم قتلا بقية اليوم ، وجر العوام جثتيهما ، وأحرقوهما بباب قلاية النصاري . ( الحوادث الجامعة 422) .

وكان تغير السلطان في السنة 683 سببا في تغير جميع الحكام في العراق ، فقبض علي خواجه هارون صاحب الديوان ، وشمس الدين زرديان نائبه ، ونظام الدين عبد الله بن قاضي البندنيجين ، وأخرج هذا الأخير من الغد في دوشاخة ، وقد سود وجهه ، وأركب علي بهيم ، وشهر في بغداد ، والعوام يطرقون بين يديه استهزاء به ، ثم قصفت رقبته بدوشاخة فمات . ( الحوادث الجامعة 437 ، 438 ) .

وفي السنة 702 وقعت معركة عنيفة بين جيش التتار ، وجيش السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وقبض الناصر علي رجل من أمراء حلب ، كان قد انتمي إلي التتار ، وأخذ يدلهم علي الطرقات ، فأمر به فسمر علي جمل ، وشهر بدمشق وضواحيها . ( النجوم الزاهرة 164/8 ).

وفي السنة 716 توفي نجم الدين سليمان الصرصري ، البغدادي ، الحنبلي ، وكان قد اتهم بالتشيع لآل البيت ، فرفع إلي القاضي الحنبلي بالقاهرة ، فأمر بضربه ، وتعزيره ، وأشهره ، وطيف به ، ونودي عليه ، وطرد من جميع ما بيده من المدارس، وحبس أيام ، ثم أطلق ، فهاجر إلي مكة ، ثم عاد إلي فلسطين ، فمات في الخليل ( شذرات الذهب 39/6 و40) .

وفي السنة 719 عصي القائدان ايرنجين وقورشي علي السلطان أبي سعيد ملك العراق وأذربيجان ، فحاربهما السلطان وأسرهما ، وأمر بهما فسمرا ، وقتلا شر قتلة ( التاريخ الغياثي 58 )، وفي تاريخ العراق للعزاوي 462/1 إن السلطان أبو سعيد أمر بالأمير قورشي فألبس طرطورة أحمر ، وحلقت لحيته ، وسمر ، وطيف به ، ثم قتل بعد ذلك .

ص: 252

وخالف الأمير عين الملك ، علي السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، فحاربه السلطان وكسره ، وأخذه أسيرة ، وأحضر إليه راكبا علي ثور ، وهو عريان ، مستور العورة بخرقة مربوطة بحبل ، بواقي الحبل في عنقه ، وأمر السلطان بأن يكسي ثوبا من ثياب الزمالة ، وأن يقيد بأربعة كبول ، وأن تغل يداه إلي عنقه ، وسلم إلي الوزير . (مهذب رحلة ابن بطوطة 2/ 109 و110).

وفي السنة 742 عبر متولي الحسبة بالقاهرة ، علي رجل في سوق باب الزهومة ، اسمه محمد بن خلف ، عنده مخزن فيه حمام وزرازير ، متغيرة الرائحة ، لها نحو خمسين يوما ، فكشف عنها ، فبلغت عدتها أربعة وثلاثين ألفا ومائة وستة وتسعين طائرة ، من ذلك حمام ألف مائة وستة وتسعون ، وزرازير ثلاثة وثلاثون ألفأ ، كلها متغيرة اللون والريح ، فأذبه ( أي ضربه )، وشهره ( خطط المقريزي 97/2 ).

وفي السنة 742 أشهر بمصر والقاهرة ، علي جمل ، أبو الفرج ابن حظير ، ففرح أهل مصر والقاهرة بذلك ، وأشعلوا الشموع، بالحوانيت والشوارع، ودقوا الطبول ، ( النجوم الزاهرة 23/10 ).

وفي السنة 753 نشبت معركة بين بني عبد الواد برئاسة أبي ثابت ، وبين السلطان أبي عنان المريني ، فأسر أبو ثابت ووزيره يحيي بن داود ، فأمر أبو عنان بهما ، فأشهرا بتلمسان علي جملين ، ثم قتلا في ظاهر البلد ، قعصة بالرماح ( ابن خلدون 121/7 ).

وفي السنة 753 ظهر بصفد شخص ادعي أنه هو الملك المنصور أبو بكر بن الناصر محمد وزعم أن والي قوص لما صدر إليه الأمر بقتله ، لم يقتله ، وإنما قتل شخصا آخر بدلا منه ، فأحضره نائب صفد ، وحقق معه ، فأصر علي آدعائه ، فحمل إلي مصر ، فأمر نائب السلطنة بمصر ، بضربه ،

ص: 253

وتسميره ، فضرب ، وسمر ، وهو يقول : لي أسوة بإخوتي الناصر والكامل والمظفر ، فأمر بقطع لسانه ، فقطع ، ثم قتل بعد ذلك ( الدرر الكامنة 495/1 و496) .

وفي السنة 762 أشهر الأمير أسد بن أميري الكردي ، من أمراء الشام ، وسمر علي جمل ، وطيف به ، ثم سجن ، وسبب ذلك ، إن الأمير بيدرا نائب دمشق لما خرج علي السلطان المنصور ، الذي خلف أخاه الناصر حسن ، خامر الأمير أسد معه ، فلما تغلب السلطان المنصور ، وفتح دمشق ، اعتقل الأمير أسد، وأشهر ، وسمر ، ثم أودع الحبس ( الدرر الكامنة 382/1)

وفي السنة 779 أخرج والي القاهرة ، الأمير حسين بن الكوراني ، جماعة من العامة من الحبس ، وسمرهم ، وطاف بهم في القاهرة ، ثم وسطهم في الرميلة ، ثم أخذ ثلاثة مماليك صغار واتهموا بأنهم نهبوا من خيول نائب السلطان ، فطيف بهم ، ثم وسطوا تحت القلعة ( بدائع الزهور 203/2/1)

وفي السنة 770 ثار عامر بن محمد بالمغرب علي السلطان عبد العزيز المريني ، وبايع أميرة من بني عبد الحق ، من أولاد أبي ثابت ، اسمه تاشفين ، فجرد السلطان عبد العزيز جيشأ لمحاربته ، وأسر عامر وسلطانه تاشفين ، فأمر السلطان بهما فأشهرا علي جملين ، وأفرغ عليهما الروث ( سرجين الدواب ) وعبثت بهما أيدي الاهانة ، ثم قتلا ( ابن خلدون 326/7)

وفي السنة 780 اتهم نائب الإسكندرية الأمير خليل بن عرام ، بأنه قتل الأمير بركة ، في سجنه بالإسكندرية ، فحمل إلي القاهرة ، وعري ، وضرب بالمقارع، وسمر علي جمل بلعبة ، تسمير عطب ، وطيف به في البلد ،

ص: 254

فهجم عليه جماعة من مماليك بركة وهبروه بالسيوف (النجوم الزاهرة 184/11 و185).

وفي السنة 792 قبض السلطان برقوق علي مملوك اتهمه باثارة الفتنة بين المماليك ، فضرب ضربا مبرحا ، وسمر علي جمل، وشهر ، ثم سجن بخزانة شمائل ، فلم يعرف له خبر بعد ذلك ( النجوم الزاهرة 14/12 ).

وفي السنة 788 رسم السلطان بالقاهرة ، بالقبض علي جماعة من المماليك ، ومعهم الأمير تمر بغا الحاجب ، وسمروا ، وأركب كل مملوكين علي جمل، وظهر أحدهما لظهر الآخر، وتمر بغا علي جمل وحده ، وأشهروا بالقاهرة ، وحريمهم نائحات ، حاسرات عن وجوههن ، يلطمن خدودهن ، ثم وسطوا ( نزهة النفوس 128 ).

وفي السنة 857 رسم السلطان الملك الأشرف ، بتوسيط ثلاثة من أهل القاهرة ، ثبت أنهم كانوا يحضرون عندهم بنات الخطا ، فإذا بتن عندهم ، قتلوه ، وأخذوا ما عليه من القماش ، وفعلوا ذلك غير مرة ، حتي غمز عليهم ، فأشهر وهم في القاهرة ، وقدامهم أقفاص حمالين فيها عظام الأموات و التي كانوا يقتلونها من النساء » . وكان لهم يوم مشهود ( بدائع الزهور 41/2)

وفي السنة 864 توفي زين الدين أبو الخير محمد بن أحمد المعروف بابن الفقيه ، وكان قد خاصم ناظر الخاص بالقاهرة ، فسعي به إلي السلطان ، فأمر في السنة 854 بعزله عما كان يليه من وكالة بيت المال والبيمارستان وغيرها ، ووثب به طائفة من المماليك فضربوه ، ونهبوا بيته ، وأحرقوا بابه ، وجاء نقيب الجيش فأخذه ماشية ، وأمر السلطان بمحاكمته أمام القاضي المالكي ، فأمر بسجنه في سجن الديلم ، فأخذوه علي حمار وفي عنقه جنزير ، ثم نفاه السلطان إلي طرطوس ، فأخرج مع الضرب والتنكيل ،

ص: 255

وعاد إلي مصر في السنة 864 وهو متوعك ، فمات في السنة 864 ( الضوء اللامع 63/7 - 65).

وفي السنة 877 أسر شاه سوار ، الذي كان قد خرج علي سلطان مصر ، وحمل إلي القاهرة فأدخل إليها مشهرا علي فرس ، وعليه « خلعة تماسيح علي أسود » ، وعلي رأسه عمامة كبيرة ، وفي عنقه زنجير ( سلسلة ) كبير طويل ، وقد ركب إلي جانبه أحد الأمراء ،وقد قرن مع سوار في السلسلة ( اعلام النبلاء 71/3 - 74).

وقد روي صاحب الضوء اللامع خبر إشهار الأمير سوار بصورة أكثر تفصيلا ، قال :

وفي السنة 877 قتل الأمير شاه سوار بن ناصر الدين بك بن دلغادر التركماني ، وكان قد خرج عن طاعة سلطان مصر ، وقصد بعض البلاد الحلبية ، مدعيا أن حلب ملك آبائه ، فرد عليه الظاهر خشقدم عدة عساكر ، باءت كلها بالفشل ، ولكن التجريدة الثالثة ، وقائدها الدويدار الكبير يشبك ، كانت من القوة والكثرة ، بحيث رأي شاه سوار أنه ليس بإمكانه مقاومتها ، فأستسلم ، وحمل إلي مصر ، فأمر السلطان والي القاهرة ، سر ، بإتلافه ، فتسلمه ، وأركبه وهو مطوق بحديد به قصبة في رأسها جرس كبير من نحاس ، علي هجين ، وذلك بقصد الإزدراء به ، إلي أن جيء به لباب زويلة ، فعلق بكلاليب شكت في كتفه ، فلم يلبث أن مات في يومه ( الضوء اللامع 274/3 و275 ).

وفي السنة 891 اشتبك الجيش المصري ، والجيش العثماني ، في معركة عنيفة ، فانتصر الجيش المصري ، وقتل كثير من جند السلطان العثماني ، وأسر قائد الجيش العثماني ، وكثير من كبار قواده ، ووصل رسول من صاحب حلب ، ومعه عدة وافرة من الرؤوس التي قطعت من عسكر ابن

ص: 256

عثمان ، وزينت له القاهرة ، وخرج الناس للفرجة، ودخل القاصد والرؤوس أمامه محمولة علي الرماح ، ثم دخل الجيش الظافر ، ومعه رؤساء العساكر العثمانية ، وهم «مزنجرون » بزناجير ، والصناجق منكسة ، وكان قسم من الأمراء العثمانيين علي خيولهم ، وهم بزناجير ، يقدمهم قائد الجيش المأسور أحمد بن هرسك ، وهو علي فرس ، وفي عنقه زنجير ، فوزع السلطان الأسري علي أمرائه لحبسهم عندهم ، حتي إنه أودع قسما منهم لدي القضاة ( اعلام النبلاء 91/3 - 95) .

وفي السنة 911 مات الشيخ العارف بالله الصوفي محمد بن سلامة الهمذاني ، من جراء الضرب بالمقارع، ضربه الأمير طرباي راس نوبة بالقاهرة ، وسبب ذلك إنه تزوج بامرأة خنثي ، وكان لها ابن عم مغربي أراد الزواج بها ، ولم ترده ، فذهب إلي الأمير ، وشكاها وزوجها ، فأحضرهما الأمير وضربهما بالمقارع، وجرسهما علي ثورين ، وأشهرهما في القاهرة ، فما وصل إلي باب المقشرة حتي مات ( شذرات الذهب 55/8 ).

وعاقب ملك الأمراء بمصر ، فتي سرق ثورة ، بأن أشهره علي الثور المسروق ، ثم قتله . ( بدائع الزهور 358/5) .

وفي السنة 923 تبين لقاضي العثمانية بالقاهرة ، إن فقيها من نواب الشافعية ، زوج امرأة لم تكمل انقضاء عدتها ، فأحضر الفقيه ، وضربه ضربة مبرحا ، ثم كشف رأسه ، وألبسه عليه كرشأ من كروش البقر بروثه ، وأركبه علي حمار بالمقلوب وأشهره في القاهرة ( بدائع الزهور 5 / 184 ).

وفي السنة 932 بعث السلطان العثماني ، جيشأ لغزو اليمن ، فمر الجيش بمكة ، وكان فيه جماعة من اللاوند ، أكثروا التعديات بمكة ، فغضب الشيخ محمد بن عراق وأحضر رئيسهم الأمير خير الدين ، وأغلظ له القول ، فأخذ الأمير خير الدين يقبل أقدام الشيخ ، ويعتذر إليه ، ثم أمر فأمسك

ص: 257

جماعة من مفسدي اللاوند، وربطوهم ، وخرقوا لهم ( جروحا ) في سواعدهم وأعضاءهم بالسكاكين ، وأركبوهم الجمال ، وطافوا بهم في مكة . ( الفتح اليماني 44 ).

وفي السنة 975 استولي ابن الشويع ، من أتباع الإمام الزيدي باليمن ، علي مدينة تعز ، وأسر أميرها الأمير قاسم الهلالي العثماني ، وفائق بك ، أحد القواد العثمانيين ، وبعث بهما إلي الإمام الزيدي ، مشهرين علي جمل واحد ، والقيود في أرجلهما ، فمات قاسم الهلالي في الطريق ( البرق اليماني 187)

وكان تاج الدين عبد الوهاب بن رجب النحوي ، المتوفي سنة 1015 ممتحنة بأمرين غريبين ، الأول ، إنه إذا أتلف الحكام من المجرمين أحدأ ، وأشهر وه ، فإنه يتبع ذلك الرجل ، ولا يزال تابعة له إلي المكان الذي يقتل فيه ، فيقف في أقرب مكان منه ، إلي أن يشاهد صورة قتله ، ويستمر واقفا الي انتهاء الأمر ، وهذه عادته دائما ، والثاني : إنه كان متهالكأ علي لعب الشطرنج في دكاكمن باب الجابية ، يجلس في بعض الدكاكين ، ويلعب مع من أراد ، ويكشف رأسه ، ويضع العمامة إلي جانبه ، ولا يزال يلعب إلي أن تغرب الشمس ( خلاصة الأثر 102/3 ).

وثار السيك ، في البنجاب بالهند، علي السلطان فروخ سير (1124 - 1131 ) فجرد عليهم جيشأ أوقع فيهم مذبحة عظيمة ، قتل فيها الآلاف ، حتي إنه بعث إلي دلهي ألفي رأس ، وألف أسير ، من بينهم بندا زعيم السيك ، وابنه الصبي البالغ من العمر ثماني سنوات ، فأدخل الأسري مشهرين علي الجمال ، وقتل الأسري ، ومن أفظع ما حصل إن بندا زعيم السيك ، أمر بأن يقتل ولده بيده ، وعفا السلطان عن أحد الأسري ، ولكن الأسير رفض العفو ، وأصر علي أن يشارك رفاقه في مصيرهم ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 186 و 187 ).

ص: 258

وفي السنة 1184 أظهر الشيخ عبد اللطيف كبير ختام المشهد النفيسي بالقاهرة ، عنزة ، وأدعي لها كرامات ، وإنها كانت تتكلم ، وإنها أصبحت في المقام ، أو فوق المنارة ، وإن السيدة نفيسة تكلمت وأوصت عليها ، وإن الشيخ سمع كلامها من داخل القبر ، وتسامع الناس بذلك فأقبلوا لزيارتها من كل فج ، وعرفهم الشيخ إنها لا تأكل إلا قلب اللوز والفستق ، ولا تشرب إلا ماء الورد والسكر ، فأتوه بأصناف ذلك بالقناطير ، وعمل النساء للعنز القلائد الذهب والأطواق والحلي ، فبعث الأمير كتخدا إلي الشيخ عبد اللطيف وطلب منه الحضور مع العنز ليتبرك بها هو وحريمه ، فركب بغلته والعنز في حجره ومعه طبول وزمور و بيارق ومشايخ وجم غفير من الناس ، وبعد أن تترك الأمير بها ، أمر بإرسالها إلي الحرم ، وأشار إلي الكلارجي فذبحها ، وطبخها، وقدمها علي مائدة الغداء ، وأكل منها الشيخ عبد اللطيف ، ولما فرغوا من الطعام ، عرفه الأمير إنهم أكلوا العنز ، ثم وبخ الشيخ عبد اللطيف ، وأمر أن يوضع جلد العنز علي عمامته ، ويعود به كما جاء ، بجمعيته وبين يديه الطبول ، ووكل به من أوصله إلي محله علي هذه الصورة ( تاريخ الجبرتي 403 - 401/1 )

وفي السنة 1189 تحرك أهالي حلب علي واليهم الحاج علي باشا جه طلجلي ، وكان ظالما من أهل الرشي، وحصروه في سراي حلب، ثم أخرجوه مع جماعته ، من باب الفرج ، وشبكوا التفنك علي رأسه مثل الجملون ، من دار العدل إلي باب الفرج ، والنساء خلفه بالزغاريد ، والأولاد بالشتم الشنيع ( اعلام النبلاء 349/3 ).

وفي السنة 1199 قتل أحد أتباع سردار الإسكندرية ، رجلا، فثار العامة وقبضوا علي السردار ، وأهانوه ، وجرسوه علي حمار ، وحلقوا نصف الحيته ، وطافوا به في البلد وهو مكشوف الرأس، وهم يضربونه ، ويصفعونه بالنعال . (تاريخ الجبرتي 594/1 ) .

ص: 259

وغضب علي أغا، أحد مماليك مصر، علي أحد الشيوخ ، واسمه الشيخ أحمد ، فشهره ، وعلقه علي شباك السبيل بباب الخرق بقاووقه وهيأته ( الجبرتي 157/2 ).

وفي السنة 1213 قبض الفرنساويون بمصر ، علي السيد محمد كريم ، الذي قاوم احتلالهم مصر ، فحمل إلي القاهرة ، حيث أشهر علي حمار ، وطيف به وحوله جمع من العساكر ، يتقدمهم طبل يضرب ، ثم قتل بالرميلة ، وقطعوا رأسه ، ووضعوه علي نبوت ، وطافوا به ( الاعلام 237/7 ).

وفي السنة 1214 قبض الإفرنسيون بمصر ، علي شخص اسمه عثمان خجا، كان متوليا علي رشيد، ثم ظاهر الأتراك ، وحارب الجنود الافرنسيين ، فنقلوه من الإسكندرية إلي رشيد، ودخلوا به البلد مكشوف الرأس ، حافي القدمين ، وطافوا به البلد يزفونه بطبولهم ، حتي وصلوا به إلي داره ، فقطعوا رأسه ، وعلقوها في شباك الدار ( تاريخ الجبرتي 301/2 ).

وفي السنة 1215 أشهر بالقاهرة امرأتان ، طيف بهما في الشوارع بين يدي الحاكم ، ينادي عليهما : هذا جزاء من يبيع الأحرار ، ذلك لأنهما باعتا امرأة لبعض النصاري الأروام بتسعة ريالات ( الجبرتي 401/2 ).

وفي السنة 1217أرسي بالاسكندرية ، قليون ، وطلع منه للبلدة القبطان وبعض التجار ، ثم اطلع الإنكليز علي وجود طاعون في القليون ، فأحرقوه ، وأخذوا اليازجي ، فأشهر وه ، وعروه من ثيابه ، وسحبوه في الأسواق ، وكلما مروا به علي جماعة من العثمانية مجتمعين علي مصاطب القهاوي ، بطحوه بين أيديهم ، وضربوه ضربا شديدا ، حتي قتلوه . (تاريخ الجبرتي 533/2)

وفي السنة 1228 قبض عساكر الشريف غالب شريف مكة ، علي الأمير عثمان المضايفي وهو زوج أخت الشريف ، ولكنه انحاز إلي الوهابيين ،

ص: 260

وحارب في صفهم ، وافتتح لهم الطائف ، وقتل الرجال ، وسبي النساء ، وهدم قبة ابن عباس الغريبة الشكل ، فلما قبض عليه أحضر أمام الشريف غالب وفي رقبته الجنزير ، وأخذوه إلي جدة ، واستمر في الترسيم ( الجبرتي 409/3 ) ثم حمل إلي القاهرة ، فخرج صالح بك السلحدار لملاقاته ، فلما واجهه نزع الجنزير من عنقه ، وأخذه إلي مجلس كتخدا فأعجب الحاضرين بحديثه ، ثم أخذه كتخدا إلي منزله ، وأقام عنده مكرما ثلاثة أيام ثم حمل إلي اصطنبول ( الجبرتي 410/3 ) .

وفي السنة 1229 جرسوا شخصا بأن أركبوه علي حمار بالمقلوب ، وهو قابض بيده علي ذنب الحمار ، وعمموه بمصارين ذبيحة ، وعلي كتفه كرش ، بعد أن حلقوا نصف لحيته وشواربه ، قيل إن سبب ذلك إنه زور حجة تقرير علي أماكن تتعلق بامرأة أجنبية ، وباع بعض الأماكن ، وكانت تلك المرأة غائبة عن مصر ، فلما حضرت وجدت مكانها مسكونة بالذي اشتراه ، فرفعت قصتها إلي كتخدا بك ، ففعل به ذلك ، بعد وضوح القضية ( الجبرتي 469/3)

وفي السنة 1230 أحضر إلي القاهرة ، الشخص المدعو طامي ، وكان شديد الوطأة علي العسكر المصري في حربه مع الوهابيين ، وقتل كثيرا من العساكر المصرية في معركتهم في قنفذة ، وقد أسر بطريقة الغدر فإنه جاء مدعوا عند ابن أخيه ، فلما أتاه آمنا قبض عليه بناء علي مؤامرة سابقة بينه وبين الشريف راجح شريف مكة ، بناء علي اتفاق سابق مع الباشا قائد الجيش المصري ، ولما وصل طامي إلي القاهرة أدخلوه علي هجين وفي رقبته الحديد والجنزير مربوط في عنق الهجين ، وصورة طامي رجل شهم عظيم اللحية وهو لابس عباءة عبدانية ، ويقرأ وهو راكب ( الجبرتي 477/3)

ص: 261

وفي السنة 1234 أحضر إلي الاستانة الأمير عبد الله بن سعود ، ورفيقان له ، هما سري وعبد العزيز بن سلمان ، وكان سعود قد حاربه إبراهيم باشا بن محمد علي باشا صاحب مصر ، وطلب سعود الصلح ، وأخذه إبراهيم إلي مصر، وطلبه السلطان العثماني ، وأحضر إلي الأستانة ( اصطنبول ) ، وطيف به وبرفيقيه في شوارعها، ثم أعدم الثلاثة في ميدان مسجد أيا صوفيا ( الاعلام 222/4 ) .

ولما أنشأ محمد علي الشيرازي ، الديانة البابية في السنة 1260 (1844م)، واعتنق ديانته في إيران جماعة من الناس ، أعدمت الحكومة الإيرانية زعيمهم ، واعتقلت أتباعه من رجال ونساء وأطفال ، فعرتهم من ثيابهم ، وكبلتهم بالحبال ، وأحدثت في بدن كل واحد منهم جرحا وضع فيه الجلاد فتيط ملتهبة ، وأشهرتهم في شوارع طهران ، وهم يصرخون في حماس : إنا لله وإنا إليه راجعون . ( قصة الاضطهاد الديني ) .

ص: 262

القسم الثاني : التعليق

اشارة

العلق في اللغة : النشوب أي الإلتصاق والملازمة ، ومنه العلق الذي هو المحبة والهوي ، قال الشاعر :

علقتها عرضأ، وعلقت رجلا**** غيري وعلق أخري ذلك الرجل

والعلاقة ، بكسر العين : علاقة السيف والسوط ، وها هنا فائدة ، وهي : إن العربي يعلق سيفه بنجاد إلي عنقه وهو العلاقة ، أما الإفرنجي ، فيربط سيفه إلي حزامه ، وقد وجدت مصارعي الثيران في اسبانيا ، يضعون علي صدورهم ضمة من شرائط الحرير المونة ، سألت عنها ، فقالوا إنها للزينة ، وإن أسمها عندهم : ألإلكه ، فعرفت إنها بقية علاقة السيف العربي .

والتعليق ، من ألوان العذاب التي تمت ممارستها في جميع العهود ، ويكون إما بتعليق الأسير من يديه ، أو من يد واحدة ، أو من أحد ساقيه ، وقد يكون التعليق من تحت الإبط ، ويكون ذلك لإشهار المعلق ، وقد أغرق بعض المتسلطين في القسوة ، فعلي النساء من أثدائهن ، وزاد نائب دمشق فعلق اللصوص بكلاليب في أفواههم .

وقد أجملت جميع هذه الألوان من العذاب في هذا البحث .

وما أحسن ، ما قال ابن المعتز، في أرجوزته ، يصف التعليق والصفع في الحبس ، وصب الزيت : ( ديوان ابن المعتز ص 137).

ص: 263

فكم ، وكم ، من رجل نبيل**** ذي هيبة ، ومركب جليل

رأيته بتل بالأعوان ****إلي الحبوس ، وإلي الديوان

حتي أقيم في جحيم الهاجرة**** ورأسه كمثل قذر فائرة

وجعلوا في يده حبالا****من قتب ، يقطع الأوصالا

وعلقوه في عري الجدار ****كأنه برادة في الدار

وصفقوا قفاه صفق الطبل ****نصبأ لعين شامت وخل

وحمروا نقرته بين النقر**** كأنها قد خجلت مما نظر

إذا استغاث من سعير الشمس**** أجابه مستخرج برفس

وصب سجان عليه الزيتا**** فصار بعد بة كميتا

حتي إذا طال عليه الجهد**** ولم يكن مما أرادوا بد

قال أئذنوا لي أسأل التجارا ****قرضأ وإلا بعتهم عقارا

وأجلوني خمسة أياما ****وطوقوني منكم إنعاما

فضايقوا وجعلوها أربعة**** ولم يؤمل في الكلام منفعة

وجاءه المعيون الفجرة ****وأقرضوه واحدة بعشرة

وكتبوا صكا ببيع الضيعة و****حلفوه بيمين البيعة

ثم تأتي ما عليه وخرج ****ولم يكن يطمع في قرب الفرج

وجاءه الأعوان يسألونه**** كأنهم كانوا يدللونه

وإن تلكا أخذوا عمامته ****وجمشوا أخدعه وهامته

ص: 264

الصنف الأول : التعليق من اليدين

في إحدي المعارك بين الجيش العباسي وصاحب الزنج ، قتل صاحب الزنج علي بن محمد الورزنيني فأمر أبو أحمد الموفق برفع راس صاحب الزنج علي قناة ، وانصرف إلي الموفقية ، ورأس صاحب الزنج منصوب بين يديه علي قناة في شذاة ، وسليمان بن جامع والهمذاني ، من كبار قواد صاحب الزنج مصلوبين أحياء في شذاتين عن جانبيه حتي وافي قصره بالموفقية ( شرح نهج البلاغة 210/8 و211) .

وممن عذب بالتعليق ، أبو العباس أحمد بن محمد بن الفرات ، لما اعتقل في أيام المعتمد ، إذ علق بحبال في يديه ، بقيت آثارها فيها مدة حياته ( كتاب الوزراء للصابي 12 ).

وفي السنة 300 علق الحسين بن منصور الحلاج ، صلب وهو حي ، في الجانب الشرقي يومين اثنين وفي الجانب الغربي يومين اثنين ( المنتظم 115/6)

وعذب بهذا اللون كذلك ، الوزير أبو علي بن مقلة ، استوزره الراضي في السنة 322 ثم عزله في السنة 324 بعبد الرحمن بن عيسي ، وسلم ابن مقلة إليه ، فضربه بالمقارع، وعلقه ، وجري عليه من المكاره بالتعليق وغيره من العقوبة شيء كثير . ( وفيات الأعيان 114/5 ).

ص: 265

وعذب بهذا اللون كذلك ، أبو جعفر الكرخي ، المعروف بالجرو ، عذبه أبو القاسم البريدي ، بألوان من العذاب ، منها أنه سمر يديه في حائط وهو قائم علي كرسي ، ثم نخي الكرسي من تحته ، فبقي معلقا من يديه ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي رقم القصة 124/4 .

وفي السنة 329 ظهر ابن سنجلا وسلفه علي بن يعقوب من استتارهما ، وصارا إلي دار الوزير القراريطي ، ليسلما عليه ، فقبض عليهما ، وحملهما إلي دار السلطان ( دار الخلافة ) ، وأمر بحبسهما ، ونالهما مكروه غليظ ، بالضرب والتعليق ، وصودرا علي مائة وخمسين ألف دينار . ( تجارب الأمم 19/2 ).

وكان الوزير صفي الدين بن شكر (ت 622 ) يحقد علي الكاتب الأسعد بن مماتي (ت 606 ) فاستكتبه سنة ، ثم عمل عليه المؤامرات ، ووضع عليه المحالات ، وأحال عليه الأجناد في المطالبة ، حتي ذكر أنه علق علي باب داره بمصر علي ظهر الطريق ، في يوم واحد، أحد عشرة مرة ( اعلام الناس 325/4) .

وغضب السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند، علي ابن ملك التجار ، وعلي صهره ابن قطب الملك ، فأمر بهما فعلقا من أيديهما في خشب ، ثم رميا بالنشاب حتي ماتا ( مهذب رحلة ابن بطوطة 94/2 ).

ولما فتح تيمورلنك دمشق ، في السنة 803 كان من جملة ما عذب به الدمشقيون التعليق من إبهام اليدين بحبل مشدود إلي السقف ، فإذا رفع المعذب عن الأرض ، أشعلت النار تحته ، فإذا سقط في النار ، نحي عنها ، وترك علي الأرض حتي يفيق ، ليعاود تعذيبه ( النجوم الزاهرة 244/12 و245 ).

ص: 266

وفي السنة 837 ولي الأمير قرقماس ، نيابة السلطنة بحلب ، فقطع دابر قطاع الطرق الحرامية ، وكان اذا وقع في قبضته أحد منهم ، علقه بكلاليب تحت ألواحه ( أي دفة ظهره ) ( اعلام النبلاء 31/3 ) .

وفي السنة 877 جيء بالأمير شاه سوار من آل دلغادر ، إلي القاهرة ، وأشهر ، ثم أخذ إلي باب زويلة ، وعلق بكلاليب شكت في كتفه ، فلم يلبث أن مات ( الضوء اللامع 374/3 و375 )

وفي السنة 883 أحضر الدوادار الكبير جماعة من عرب هوارة ، فيهم الأمير أحمد بن إسماعيل الهواري ، فعلقوا باب زويلة وهم أحياء ، إلي أن ماتوا ( الضوء اللامع 244/1 ).

ص: 267

الصنف الثاني : التعليق من يد واحدة

مارس هذا اللون من العذاب ، الوزير أبو الحسن بن الفرات ، بأن أمر أبا منصور بأن يتولي مطالبة محمد بن جعفر بن الحجاج ، فأخذه ، وشديده إلي حبل مد إلي بكرة علي رأس دقل ، وجذب الحبل ، فارتفع الأسير إلي أعلي الدقل ، معلقا بيد واحدة ، وهو يستغيث ، راجع تفصيل القصة في كتاب الوزراء للصابي ص 138 .

ولما عزل ابن الفرات عن وزارة المقتدر ، وخلفه حامد بن العباس ، في السنة 306 نصب أبا أحمد بن حماد ، لمناظرة الوزير المعزول وحاشيته ، فناظر ولده المحسن ، وعلقه في حبل الستارة، بفرد يد ( تجارب الأمم 65/1)

وفي السنة 390 خرج الموفق وزير بهاء الدولة ، في طلب ابن بختيار ، وبادر أبو عبد الله الحسين بن محمد بن يوسف ، عامل در ابجرد لاستقباله ، فشاهد الموفق من كثرة حواشيه ، وسعة كراعه ، ما عظم في نفسه ، وحمله حسده عليه أن قبض عليه ، وعلي أصحابه ، وأخذه معه محمولا علي جمل ، بعد أن احتوي علي جميع ماله ، وكان إذا نزل في منزل ، أحضره ، وطالبه ، وضربه ، وعذبه ، حتي أنه في أحد الأيام علقه باحدي يديه في بعض أعمدة الخيم ، وأمر كذلك أن يحمل علي الجمل معلقأ ، واشتد غيظ الموقق من صبره وتحمله ، فقال : ما رأيت أشد نفسة من هذا الرجل ، فقد عذب اليوم

ص: 268

بكل نوع من العذاب، وحل الساعة عن الشد والتعليق ، وها هو جالس يسرح الحيته بيده ، وما عنده فكر في كل ما لحقه . (تاريخ الصابي 350/8 ) .

ومن الطريف أن نورد في هذا البحث ، أن صالح بن عبد القدوس ، قال : ليس شيء ، إلا وفيه منفعة ، فقال له رجل : وأي منفعة في أن يعلق رجل من أحدي يديه ؟ فقال : سبحان الله ! لا يعرق إبطه . ( البصائر والذخائر 558/2)

ص: 269

الثالث : التعليق من الساق

قال جعفر بن حنظلة البحراني : وعظت المنصور ، حتي حسبت أن عظتي قد نجعت ، فأطرق ساعة ، ثم قال : يا غلام ، آدع سليمان بن مجالد ، فدعاه ، فقال له : يا سليمان ، علق أصحاب قيليا بأرجلهم ، حتي يؤدوا ما عليهم ، وكان المنصور قد جعل قيليا لصالح ابنه ، قال جعفر : فعلمت أن عظتي لم تنفع قليلا ولا كثيرة ( المحاسن والمساويء 29/2 ).

وقبض الحاكم الفاطمي بمصر ، علي صاحب دكان في القاهرة ، خان من ائتمنه ، فقتله ، وعلقه برجله علي باب دكانه ( النجوم الزاهرة 75 ).

وفي السنة 794 غضب السلطان بمصر ، علي الصاحب فخر الدين بن مكانس ، فضربه علقة قوية ، وعلقه من رجليه بسرياق ، وهو منكس علي وأسه ، ثم شفع فيه بعض الأمراء ، فأنزلوه .

ص: 270

الصنف الرابع : التعليق من الابط

في السنة 232 غضب المتوكل علي علي بن الجهم الشاعر : فنفاه إلي خراسان ، وأمر أميرها هناك بأن يصلبه ، فلما وصل ، حبسه طاهر بن عبد الله بن طاهر ، ثم أخرجه فصل به مجردأ نهارا كاملا ( الاغاني 208/10 ووفيات الأعيان 355/3) .

وفي السنة 301 حمل الحسين بن منصور الحلاج إلي بغداد ، وأدخل مدينة السلام علي جمل ، ومعه غلام له علي جمل آخر ، مشهرين ، ونودي عليه : هذا أحد دعاة القرامطة ، وحبس ، ثم أمر به الوزير فصلب حيا في الجانب الشرقي ، في مجلس الشرطة علي رأس الجسر بباب الطاق (أي الصرافية ) ثم في الجانب الغربي ، ثم حمل إلي دار السلطان فحبس بها . ( تجارب الأمم 32/1 والتكملة 13 والمنتظم 123/6 ).

وفي السنة 401 منع الحاكم الفاطمي ، القاهريين ، من الركوب إلي القاهرة في القوارب ، في الخليج ، وفي السنة 594 تجدد هذا المنع ، ونهي عن ركوب المتفرجين في المراكب في الخليج وعن ركوب النساء مع الرجال ، وعلق جماعة من رؤساء المراكب بأيديهم . ( خطط المقريزي 143/2)

ومن طريف ما يذكر في هذا الباب ، أنه كان في زمن المعتمد بن

ص: 271

عباد ، صاحب إشبيلية ( حكمها من 461 - 484 ) سارق داهية يلقب بالباز الأشهب ، وكان له في السرقة كل عجيبة ، وكان مسلطا علي أهل البادية ، وبلغ من حيلته أنه سرق وهو مصلوب ، فإن المعتمد أمر به أن يصلب علي ممر أهل البادية ، لينظروا إليه ، وليحترزوا منه ، فبينما هو علي خشبته ، علي تلك الحال ، إذ جاءت إليه زوجته وبناته ، وجعلن يبكين حوله ، ويقلن : لمن تتركنا نضيع بعدك ، وإذا ببدوي علي بغل ، وتحته حمل ثياب وأسباب ، فصاح عليه : يا سيدي ، أنظر في أي حالة أنا ، ولي عندك حاجة ، فيها فائدة لي ولك ، قال : وما هي ؟ قال : أنظر إلي تلك البئر ، فإني لما أرهقني الشرط ، رميت فيها صرة فيها مائة دينار ، فعسي أن تحتال في إخراجها ، ولك نصفها ، وهذه زوجتي وبناتي يمسكن بغلك خلال ما تخرجها ، فطمع البدوي في الدنانير ، وخلع ثيابه وعمد إلي حبل ، وتدلي في البئر ، فلما حصل في البئر ، أمر الباز الأشهب زوجته فقطعت الحبل ، وأخذت البغل وما عليه ، وثياب البدوي التي كانت علي جسده ، وذهبت به ، وظل البدوي يصيح في البئر ، حتي تسني له الخلاص ، ورفعت القصة إلي المعتمد ، فأحضره ، وسأله : كيف صنع ذلك ؟ ، فقال : يا سيدي لو علمت قدر لذتي في السرقة ، لخليت ملكك واشتغلت بها ، فلعنه ، وضحك منه ، واستتابه ، ونصبه حارسأ في حوز من أحواز المدينة ( نفح الطيب 128/4 ).

ص: 272

الصنف الخامس : التعليق من الثدي

لما استخلف القاهر ، عذب امرأة أبيه ، السيدة أم المقتدر ، وضربها

بيده مائة مقرعة ، وعلقها بثديها ، ثم علقها وهي منكسة ، فكان بولها يجري علي وجهها، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة ، في القصة رقم 33/2)

ولما قتل جهان شاه ، خلفه ولده حسن علي ميرزا ، في السنة 872 فحاصر زوجة أبيه ، وقبض عليها ، وصلبها معلقة بثدييها ، فظلت ثلاثة أيام حتي ماتت . (تاريخ العراق للعزاوي 185/3 ، 187 ، 189 ).

ص: 273

الصنف السادس : التعذيب بالقارة

أما اللون السادس : وهو تعليق الانسان بكلاليب في بدنه ، فيسمي التعذيب بالقارة ، والبغداديون يلفظونها : كنارة ، جريا علي طريقتهم في لفظ القاف كافة فارسية ، كالجيم المصرية .

والقتارة : خشبة قد ثبتت فيها كلاليب من الحديد ، يعلق فيها القصاب اللحم .

وأول من مات بالقارة ، الجندي الذي قتل المقتدر ، وتفصيل القصة إنه في السنة 320 خرج المقتدر إلي شمالي بغداد لمحاربة مؤنس ، فانكسر جيش المقتدر ، وأحاط به رجال مؤنس ، وضربه رجل من خلفه ضربة سقط منها علي الأرض ، ثم ذبح ، وسلبت ثيابه حتي السراويل ، ورفع رأسه علي سيف ثم علي خشبة، وساق قاتله نحو دار الخلافة ليخرج القاهر ليبايع ، فصادفه حمل شوك فزحمه حتي ألجأه إلي قنارة لحام فعلقه كلاب ، وخرج الفرس من تحته ، فمات ، وحطه الناس وأحرقوه بحمل الشوك الذي زحمه . (تجارب الأمم 237/1 ).

وقد استعمل القائد البساسيري ، القنارة ، في تعذيب رئيس الرؤساء ، ابن المسلمة ، وكان ابن المسلمة ، نافذ الكلمة في دولة الخليفة القائم ، وكان شديد علي الشيعة ، حتي إنه في السنة 448 أمر بقتل أبي عبد الله بن

ص: 274

الجلاب ، شيخ البازين بباب الطاق ، ولما كان يتظاهر به من الغلو في الرفض » ، فقتل ، وصلب علي باب دكانه في المنتظم 172/8 و 173 ) فلما احتل البساسيري بغداد في السنة 450 اعتقل ابن المسلمة ، ثم أخرجه من محبسه بالحريم الطاهري ، وعليه جبة صوف ، وطرطور من لبد أحمر ، وفي رقبته مخنقة من جلود كالتعاويذ ، وأركب جملا ، وطيف به في محال الجانب الغربي ، ووراءه من يصفعه بقطعة جلد ، وشهر في البلد ، وسب ولعن في جميع المحال ، ثم نصبت له خشبة بباب خراسان ، فحط من الجمل ، وخيط عليه جلد ثور قد سلخ في الحال وجعلت قرونه علي رأسه ، وعلق بكلابين من حديد في كتفيه ، واستبقي في الخشبة حيا ، ولبث يضطرب إلي آخر النهار ، ثم مات ( المنتظم 196/8 و197 ) .

ونسي الناس ، العذاب بالقنارة ، حتي أعادها بهاء الدين محمد بن الصاحب شمس الدين الجويني ملك اصبهان ( الحوادث الجامعة 410) .

ثم استعمل القارة ، الأمير قرقماس ، أمير حلب ، فكان يعذب بكلاليب ، تشك في لوح الكتف ( اعلام النبلاء 31/3 ) .

وكان نور الدين عبد الرحمن ، نائب الدستجراني ، صاحب الديوان ببغداد ، ظالمة ، سلك مسلك بهاء الدين بن شمس الدين الجوني في التمثيل والشناعة في القتل ، وأحدث القتارة بواسط ، كما أحدثها بهاء الدين في إصبهان ، وكانت قد نسيت من عهد البساسيري (تاريخ العراق بين احتلالين للعزاوي 370/1 ).

وفي السنة 804 مارس هذا اللون من العذاب ، نائب الشام ، لما كثر المناسر ( عصابات اللصوص ) بدمشق ، فقبض علي قوم منهم ، وكبس بيوتهم ، فوجد فيها أشياء كثيرة من المسروقات ، فعلق هؤلاء بكلاليب من أفواههم . ( بدائع الزهور 646/2/1 ).

ص: 275

الصنف السابع : التعليق منسية

أول من مارس هذا اللون من العذاب عبد الله بن علي العباسي ، مارسه مع من قبض عليه من بني أمية ، إذ كان يصلبهم منگسين ، ويقطع الأيدي والأرجل ، ويسقيهم النورة والصبر ، والرماد والخل ( شرح نهج البلاغة 156/7 ).

ومارس هذا العذاب من بعده الخليفة القاهر العباسي ، لما خلف أخاه المقتدر بالله ، فإنه عذب امرأة أبيه ، السيدة أم المقتدر ، بأن علقها وهي منكسة ، فكان بولها يجري علي وجهها ، راجع نشوار المحاضرة للتنوخي في القصة المرقمة 33/2 .

وفي السنة 573 عذب الملك الصالح اسماعيل بن نور الدين زنكي ، الخادم كمشتكين ، بأن علقه منتسا ، ودخن تحت أنفه حتي مات . ( النجوم الزاهرة 81/6 ).

وفي السنة 622 اتهم الملك المعظم ، اثنين من الدماشقة ، بالتآمر عليه ، فصلبهما منكسين علي رؤوسهما ، حتي ماتا ( الذيل علي الروضتين 144)

وفي السنة 801 توفي الوزير ابن مكانس ، وكان الظاهر برقوق قد

ص: 276

صادره ، واعتقله وعذبه ، وعلقه في السجن منكسا علي رأسه ، فقال : ( النجوم الزاهرة 131/12 ).

وما تعلقت بالسرياق منتكسأ ****لحرمة أوجبت تعذيب ناسوتي

لكنني مذ نفثت السحر من أدبي**** علقت تعليق هاروت وماروت

ولما فتح تيمورلنك دمشق في السنة 803 كان من جملة ما عذب به الدمشقيون أن يعلقوا منكوسين ( النجوم الزاهرة 244/12 و245 ).

وكان إبراهيم لوري ، سلطان الهند (915 - 932 ) ، يعذب الناس في سجونه، بأن يعلقهم منكوسين ، أرجلهم إلي الأعلي ورؤوسهم نحو الأرض . ( الإسلام والدول الإسلامية في الهند 35 ).

ص: 277

القسم الثالث : التسمير

السمر في اللغة : الشد ، ومنه المسمار لأنه يشد بين اللوحين .

والتسمير في الاصطلاح : تعذيب الإنسان بدق المسامير في كفيه ، أو قدميه ، أو أي عضو من أعضائه .

ويحصل التسمير بدق مسامير في المعذبين ، تسمرهم إلي ألواح قائمة ، أو حيطان .

وكان المستمرون ، في بغداد ، يستمرون إلي حائط أو لوح ثابت ، ويمكثون في موضعهم الذي سمروا فيه ، مشهرين في إحدي الرحبات ، يراهم الناس ( الحوادث الجامعة 488 و489 ) ، أما في مصر ، فكانوا يستمرون إلي خشب كالصليب ، ثم يدار بهم مشهرين ، ثم تنصب خشبتهم ، وهم عليها ، علي باب زويلة ، أو إحدي الرحبات ، ويظل أحدهم مسمرة حتي يموت ، ويكون موته - في الأكثر - بالقتل توسيطأ ، إلا إذا ناله عفو من السلطان ( نزهة النفوس 90، 130 ، 167 ، 474، 490) .

أول من مارس هذا اللون من العذاب ، بشر بن مروان ، عامل العراق العبد الملك بن مروان ، فيمن تخلف عن البعث ، فقد كان سلفه المصعب بن الزبير ، يعاقب من تخلف عن البعث ، بأن يحلق رأسه ولحيته ، ويخلع عمامته ، ويقيمه للناس مشهرة . فلما ولي بشر ، أضاف إليه تعليق الرجل

ص: 278

بمسمارين بدقهما في يديه إلي حائط . (تاريخ ابن خلدون 39/3 ، 88).

وذكر الوطواط في الغرر : إن بشر بن مروان ، كان شديدة علي الجناة ، وكان إذا ظفر بجان ، أقامه علي كرسي ، وسمر كفيه في الحائط ، ثم نزع الكرسي من تحت رجليه فلا يزال يضطرب حتي يموت .

ومارس هذا اللون من العذاب ، المنصور العباسي ، مع قسم ممن سجنهم من آل الحسن ، فقد وجدوا موتي مسمرين في الحيطان ( تاريخ اليعقوبي 2/ 370) .

وعذب أبو القاسم البريدي ، أبا جعفر الكرخي ، المعروف بالجرو ، بأن سمر يديه في حائط ، راجع تفصيل ذلك في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي تحقيق المؤلف في القصة المرقمة 124/4 .

وكان من جملة القصر الكبير ، في العهد الفاطمي بالقاهرة ، موضع يعرف بالسقيفة ، يقف عنده المتظلمون ، ويصيحون : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله ، فيسمعه الخليفة ، ويأمر بإحضاره ، أو يفوض أمره إلي الوزير أو القاضي ، وحدث أن وقف تحت السقيفة ، صاحب معدية ، في إحدي النواحي وشكا إلي الخليفة من أحد الكتاب ، زور عليه خراج ، لعداوة بينهما ، وتأيدت شكوي المتظلم ، فأمر الخليفة الحافظ الفاطمي (ت 544 ) ، بالكاتب ، فسمر في مركب ، وأقام له من يطعمه ويسقيه ، وأن يطاف به سائر الأعمال ، وينادي عليه ، ففعل به ذلك ( خطط المقريزي 405/1 و 406) .

وفي السنة 646 قتل مملوك تركي ، سيده ، بدمشق ، فسمرت بده ، وعضداه ، ورجلاه ، في يوم الجمعة ، ومات يوم الاحد ( الذيل علي الروضتين 180 ).

وفي السنة 662 ظهر بالقاهرة أن امرأة عجوزة من الحسينية ، عندها

ص: 279

امپراتان « تجيب لهم شباب»، فيثور عليهم رجال عندها ، فيقتلونهم ، ويعطونهم لوقاد الحمام يحرقهم ، وإذا كثر القتلي ، يعطوهم لملاح يغرقهم ، وكان والي الحسينية شريكهم ، فحسب الذين قتلوا ، فكانوا خمسمائة نسمة ، فأمر السلطان بأن يستمروا جميعا في الحسينية ( شذرات الذهب 307/5 ).

وفي السنة 665 ادعي أقوش القبجاقي ، الصالحي ، النجمي ، أحد كبار المماليك بالقاهرة ، النبوة ، وذلك في شهر رمضان ، فلما سمع السلطان ذلك ، أمر بستميره ، وسمر معه جماعة ( الوافي بالوفيات 322/9 ) .

وفي السنة 679 اعتقل في القاهرة ، شخصان ، أحدهما يلقب بالجاموس ، والآخر بالمحوجب ، تشطرا ، وقطعا الطريق علي السابلة ، فأمر السلطان بإحضارهما ، ولما أحضرا ، أمر بستميرهما علي باب زويلة ، فسمرا ، وماتا ، بعد أيام ( تاريخ ابن الفرات 192/7 ).

وورد الخبر في كتاب سيرة الملك المنصور ، بالشكل الآتي : وفي السنة 679 ظهر بالقاهرة شخص يعرف بالجاموس ، ادعي الشطارة والدعارة ، وصار منفردا يحمل سيفا سمنطارة ( أي قصير معقوف ) وينفرد بمن يصادفه بظاهر القاهرة ، فيسلبه ما يحمله ، ونزل علي جماعة من الناس في بيوتهم ، فهابوه ، وأعطوه ما أراد ، وقتل جماعة وظهر معه شخص آخر يعرف بالمحوجب ، وأقاما مدة ، فأحضر الملك المنصور والي مصر ووالي القاهرة ، وتهددهما أن يحضرا الجاموس والمحوجب ، فقبضا عليهما ، فأمر السلطان بتسميرهما ، فسمرا علي باب زويلة أحد أبواب القاهرة ، فأقاما أياما وماتا ( سيرة الملك المنصور 79 ).

وفي السنة 679 ضرب المملوك سنقر الغشمي ، بالقاهرة ، الأمير علاء الدين الحبيشي بسكين ، فشق بطنه ، وقتله ، فرسم المنصور ، ملك مصر ،

ص: 280

أن يسمر الغشمي ، فسمر يوم الخميس ، ومات يوم السبت (تاريخ ابن الفرات 169/7 ).

وفي السنة 679 وجد العدل ابن مزروع النيلي الدباس ، مقتولا في بيته ، ففحص النائب ع-ن حاله ، فإذا مملوكه قد استعان بصديق له ، واجتمعا علي قتله ، فسمر المملوك ، وصلب رفيقه ( الحوادث الجامعة 413) .

وفي السنة 679 غرقت ببغداد امرأة نسب إليها أنها قتلت زوجها ، وكان محبا لها ، محسن إليها ، وقد أوصي إليها في ماله وأولاده ، فأحضرت من قتله ، فلما قررت اعترفت بذلك ، فأخذ القاتل وسمر ( الحوادث الجامعة 413)

وفي السنة 680 قبض علي شخص يلقب : بالكريدي ، بالقاهرة ، اتهم بقطع الطريق ، والسلب ، فأمر بتسميره ، فسمر علي جمل ، وأقام أياما يطاف به بمصر والقاهرة ، وقطع عنه الموكل به الأكل والشرب ، ليقصر أجله ، كي لا يطول عذابه ، فقال له الكريدي : لا تفعل ، فإن شر الحياة خير من الموت ، فعاد الموكل إلي إطعامه ، ثم وقعت فيه شفاعة ، فعفي عنه ، وأخلي سبيله . ( تاريخ ابن الفرات 212/7 ) .

وفي السنة 691 تسور عبد أسود ، إلي أسطحة أدر الحرم السلطانية بقلعة دمشق ، فقبض عليه ، وقرر ، فذكر أن أحد المؤذنين بجامع القلعة نصب له سلمة ، وأصعده إلي هناك ، فطولع السلطان بذلك ، فورد المرسوم بقطع أطرافهما ، وتسميرهما ، ففعل ذلك بهما (تاريخ ابن الفرات 136/8)

وفي السنة 693 تأمر قسم من الأمراء علي الملك الأشرف خليل ، ملك مصر ، وقتلوه ، فعوقبوا بأن قطعت أيديهم وأرجلهم ، وسمروا علي الجمال ، وطيف بهم ، ثم وسطوا ( بدائع الزهور 130/1 ).

ص: 281

وفي السنة 694 قتل ببغداد رجل أعجمي ، يعرف بتاج الدين ابن الدامغاني ، بدرب حبيب ، وآتهم بقتله جماعة من مجاوريه، فأخذوا وحبسوا ، فحصل الحماة قاتله ، وهو صبي أمرد من الدرب ، فاعترف بقتله من غير أن يضرب ، وقال : إن ابن اخي المقتول أعطاه ، وآخر معه ، مائة دينار ، علي أن يقتلا عمه، وأدخلهما دارا كان يخلو فيها عمه ، فلما دخل وسط النهار ، علي عادته ، نزلا إليه وقتلاه ، فأحضر ابن أخيه ، فاعترف بذلك ، فصلب ، وأما القاتل ، فضرب في يديه مسامير إلي لوح وراء ظهره ، وطيف به بجانبي بغداد ، ثم سمر بباب السور ، وعمل عليه ما يقيه الشمس ، ليطول عذابه ، فبقي أياما لا يظهر عليه جزع، بل يطلب من النظارة أنواع المأكل والفواكه وغيرها ، ويحادثهم ويطارف عليهم ، ويطلب من الناس شيئا لأجل من يرش الماء حول خشبته ، ويقول : في عزمنا أن نقيم هذه السنة هنا ، ثم قتل بعد ذلك علي خششبته ، وهو قوي الجنان ، قال للذي يريد أن يقتله : إضرب ضربة جيدة في مكان كذا ، ففعل ( الحوادث الجامعة 488 و 489) .

وفي السنة 709 لما قدم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، من الكرك إلي القاهرة ، قدمته الثالثة ، قبض علي النجم الحطيني ، وأمر به فسمر ، وحمل علي جمل إلي دمشق ، وسبب ذلك إن النجم هذا ، كان شيطانا جريئا ، ولعب بعقل جولجين جمدار السلطان الناصر ، وأراه ملحمة عتقها، وفيها ذكر لاسم أبيه وأمه ، وذكر علامات وآثار في جسده ، وإنه سوف يتسلطن ، وأطلع الناصر علي ذلك فقتل جولجين ، وأمر بالنجم ، فأخذ من قريته حطين ، وسمر ، وشهر بدمشق ( الوافي بالوفيات 164/3 ). هذا ما ورد في الوافي بالوفيات ، اما ما ورد في كتاب الدرر الكامنة ، فهو : وفي السنة 715 اعتقل السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، الأمراء بهادر المعزي ، وايد غدي شقير ، وبكتمر الحاجب ، وجاولجين

ص: 282

الخازن ، رفع إليه إنهم اتفقوا علي الخروج عليه ، وذكر أن نجم بن أحمد الحطيني هو الذي حسن لهم ذلك ، وذكر أن النجم كان قد داخل أحدهم ، وعمل ملحمة ، وعتقها ، وذكر فيها حلية الخاصكي ، وذكر فيها علائم في جسده ، كان أطلع عليها ممن رآها ، ولعب بعقله ، يريد إنه ذكر في تلك الملحمة ، إن من كانت هذه العلائم في بدنه ، فإنه سوف يكون سلطان ، فاعتقل النجم الحطيني ، وسمر بالقاهرة ، وأرسل إلي دمشق فدخلها مسمرة ، مغطي الوجه ، علي جمل ، ونودي عليه : هذا جزاء من يتكلم فيما لا يعنيه ، واستمروا يطوفون به بلاد الشام إلي أن وصلوا الفرات فألقوه في الماء ( الدرر الكامنة 161/5 ).

وفي السنة 716 تسلطن السلطان أبو سعيد بن محمد خربنده ، خلفأ لوالده ، وكان مدبر دولته جوبان ، فأثار غيرة الحاشية ، وتحرك ضده الأمير أرتخين والأمير قورمشي في السنة 719 ، وهاجماه مع عدد من الأمراء ، بقصد قتله ، ففر منهم والتجأ إلي السلطان ، فخرج السلطان مع جوبان المحاربة الأمراء المخالفين ، فلما رأي الأمراء الذين مع قورمشي وأرتخين ، أن السلطان مع جوبان ، وكانوا قد أفهموهم غير ذلك ، انحازوا بأجمعهم إلي جهة السلطان ، وانهزم عسكر أورتخين وقورمشي ، وأمسك هذان الأميران ، وسمرا ، وقتلا شر قتلة ( تاريخ الغياثي 59 - 58 تاريخ العراق للعزاوي 460/1)

وفي السنة 724 ولي الأمير قدادار ، ولاية القاهرة ، فأحضر الخبازين وبطش بهم ، وسمر عدة منهم في دراريب حوانيتهم . ( خطط المقريزي 149/2)

وفي السنة 724 عثر والي القاهرة ، الأمير قدادار ، علي إنسان سرق شيئا من بيت في الليل بالقاهرة ، وتزيا بزي النساء ، فسمره علي باب زويلة . ( خطط المقريزي 150/2).

ص: 283

وفي السنة 731 مات يوسف بن سليمان الكركي ، مسمرة ، مشهرأ علي جمل ، وكان قد خدع السلطان الناصر محمد بن قلاوون بأنه يحسن صناعة الكيمياء ، ورتب في محضره حيلة ، أدخل بموجبها بوتقة في النار ، وأخرجها سبيكة ذهب ، فخلع عليه الناصر ، وبذل له ماله ، فاستأذن أن يسافر إلي الكرك لكي يحضر الأعشاب التي هي أصل الصناعة ، فأذن له ، فخادع من كان معه وهرب ، فبحثوا عنه حتي قبضوا عليه في إخميم ، وكان آخر أمره أن مات مستمرة مشهرة علي جمل ( الدرر الكامنة 5/ 231 ).

وفي السنة 742 قتل عبد المؤمن بن عبد الوهاب البغدادي ، بعد أن سمر علي جمل وطيف به ، وكان واليأ علي قوص ، ولما خلع قوصون السلطان المنصور أبا بكر بن الناصر أرسله إلي قوص ، وراسل عبد المؤمن ، فقتله وبعث إليه برأسه ، فلما تسلطن الناصر أحمد، أخو المنصور، أحضر عبد المؤمن من قوص ، وسمره علي جمل ، وطيف به ، ثم قتل ( الدرر الكامنة 33/3 و 34 ).

وفي السنة 742 أمر الأمير قوصون بالقاهرة ، بتسمير جماعة من العامة ، فسمر تسعة منهم علي باب زويلة ، ثم سمر ثلاثة من الطواشية ، فمات أحدهم ، وأطلق الآخران . ( النجوم الزاهرة 29/10 ).

وفي السنة 754 اعتقل الأمير أرغون ، قراجا بن ذي الغادر ، وبعث به إلي السلطان الملك الصالح بالقاهرة ، فأمر بتسميره ، فسمروه ، وطافوا به علي جمل ، في مصر والقاهرة ، قبل توسيطه . ( اعلام النبلاء 435/2 ) .

ولما ولي الأمير بيبغا أرس القاسمي (ت 754 ) نيابة حلب ، شدد علي من يشرب الخمر ، وكان إذا جيء إليه بسكران أمر بأن يسمر وأن يطاف به بشوارع حلب . ( النجوم الزاهرة 293/10 ) .

ص: 284

وفي السنة 754 سمر عيسي بن حسن العائذي ، أمين الهجن السلطانية بالقطر المصري ، ولم ير اجلد منه في حال تسميره ، حتي إنه لم تسمع منه كلمة واحدة ، ثم سلم لأهله ( الدرر الكامنة 281/3 ).

وفي السنة 758 مات الأمير سيف الدين شيخو، وكان عظيم الثراء ، فإن وارده من اقطاعه ، وأملاكه، ومستأجراته ، بالشام ، ومصر، في كل يوم ، مائتا ألف درهم ، سوي الإنعام والتقادم ، «وما كان يأخذه من البراطيل علي ولاية الأعمال »، هاجمه أحد المماليك ، وضربه بالسيف علي وجهه ويده ، فأخذ الضارب وسجن ، وسمر ، وطيف به ، ومات الأمير شيخو من الضربة ( خطط المقريزي 314/2 ) .

وقص صاحب الدرر الكامنة ، قصة مقتل الأمير شيخو، بتبسط أكثر ، فقال : في السنة 758 هجم مملوك اسمه أي قجا ، علي نائب السلطنة الأمير شيخو الناصري ، فضربه بالسيف ، فجرحه في وجهه وفي يده ، وكان ذلك في دار العدل بحضرة السلطان وكانت ساعة صعبة ، مات فيها من الزحام كثير ، وركب عشرة من مقدمي الألوف وأمسك آي قجا وقرر فقال : ما أمرني أحد ، وانما قدمت له قصة ، فما قضي لي حاجتي ، فسمر أي قجا، وطيف به ، ومات الأمير شيخو بعد أشهر ( الدرر الكامنة 294/2 ) .

وفي السنة 760 توفي الأمير جانبك القرماني ، وكان قد لاقي محنة ، فسمر في بعضها ، ورسم الناصر بتوسيطه ، ثم شفع فيه فأفرج عنه ( الضوء اللامع 59/3 ).

وفي السنة 764 سمر الأتابك يلبغا، بالقاهرة ، خادمين من خدام السلطان ، لكلام بلغه إنهما تكلما به . ( النجوم الزاهرة 25/11 ).

وفي السنة 767 تسلم الأمير حسام الدين المعروف بالدم الأسود ، أولاد الكنز ، وكانوا في سجن القاهرة ، فأخذهم إلي قوص علي جمال ، وقد

ص: 285

سمروا في أيديهم بمسامير حديد، علي لعب من خشب ، وشق بهم من قوص إلي أسوان ، ثم وطهم بها ( بدائع الزهور 40/2/1 ) .

وفي السنة 772 قبض ابن السنبلي ، بأمر من السلطان الأفضل ، صاحب اليمن ، علي مشايخ القرشيين ، وأمر السلطان بتلفهم ( يريد بقتلهم ) ، فوسط منهم خمسة نفر ، وسمر ثلاثة ، وشنق الباقين . ( العقود اللؤلؤية 148/2 ).

وفي السنة 779 سمر أحد مماليك السلطان بالقاهرة ، اسمه تكا، وطيف به علي جمل ، ونودي عليه : هذا جزاء من يرمي الفتن بين الأمراء ، ويتكلم فيما لا يعنيه . ( بدائع الزهور 217/2/1 ) .

وفي السنة 780 أشيع أن جماعة من المماليك ، مقدارهم ثمانمائة مملوك ، اتفقوا علي إثارة فتنة ، فقبض عليهم ، ووضعوا في الزناجير ، وعمل أيدي كل اثنين منهم في خشبة ، وسجنوا ، ووسط منهم جماعة ، بعدما سمروا ، وطيف بهم ، وغرق جماعة ، ( بدائع الزهور 224/2/1 ، 225)

وفي السنة 780 سمر برقوق بالقاهرة اثني عشر مملوكة من المماليك السلطانية ، وعشرين من مماليك طشتمر ، لكلام صدر منهم بحقه ( النجوم الزاهرة 166/11 ).

وفي السنة 780 أعلن موت الأمير بركة ، في سجنه بالاسكندرية ، وبعثوا من القاهرة من حقق في أمر موته ، فظهر أنه قد قتل ، وأن قاتله الأمير خليل بن عرام نائب الاسكندرية ، فاعتقل ابن عرام ، وحمل إلي القاهرة ، حيث عري من ثيابه ، وضرب بالمقارع ستة وثمانين شيبة ، ثم سمر علي جمل بلعبة « تسمير عطب ، وطيف به في البلد، فهجم عليه جماعة من مماليك بركة ، وهبروه بالسيوف ( النجوم الزاهرة 184/11 و185).

ص: 286

أقول : يلاحظ من قوله « تسمير عطب » ، إن هناك تسمير سلامة ، بحيث يسمر المعذب تسميرة يتفادي فيه إصابة المقاتل ، أما تسمير العطب ، فهو التسمير الذي يراد به التعجيل بموت المعذب .

وفي السنة 780 ظهرت في مصر عجيبة ، فإن حائطأ في المدينة أخذ يتكلم وصار كل من يحضر يسأل الحائط ، ويتلقي منه الجواب ، فأزدحم الناس عليه ، وافتتنوا به ، وحضر المحتسب ، وأخرب بعض الحائط ، وشدد في البحث ، فلم يصل إلي نتيجة ، ثم اشتبه بأن المتكلم زوجة صاحب المنزل ، فأحضر الأتابك برقوق ، صاحب المنزل وامرأته ، وسأل المرأة فأنكرت ، فضربها ، فأقرت ، فأمر بتسميرها ، وتسمير شخص آخر اسمه عمر كان يتحدث ويطنب في ذكر هذه المعجزة ، كما إنه ضرب زوج المرأة ، وضرب معه عمر ، بالمقارع، وطيف بهما في شوارع القاهرة ، وحبس الثلاثة ، ثم أفرج عنهم ( النجوم الزاهرة 173/11 ).

وفي السنة 783 جاء شخص اعجمي إلي الأتابكي برقوق ، وقال له : إن النيل لا يزيد في هذه السنة ، فاتفق أن النيل زاد زيادة عظيمة ، فقبض برقوق علي الاعجمي وضربه بالمقارع، وشهره بالقاهرة علي جمل ( بدائع الزهور 287/2/1 ).

وفي السنة 783 تعرض شخص يقال له ابن نهار ، بالقاضي الشافعي ابن جماعة وقال له : قد حكمت علي بحكم لا يجوز شرعا ، فأمر به الأتابكي برقوق ، فضرب بالمقارع، وأشهر بالقاهرة علي جمل . ( بدائع الزهور 294/2/1)

وفي السنة 785 اتهم السلطان برقوق ، سلطان مصر ، الخليفة المتوكل علي الله ، بأنه اتفق مع جماعة من الأفراد ، علي قتله ، فسجن الخليفة ، وأمر بالأميرين قرط وإبراهيم أن يشهرا ويوطا ، فسمرا ، وأشهرا ، ووسط

ص: 287

أحدهما الأمير قرط ، وشفع في الأمير إبراهيم ، فنجا في آخر لحظة . ( نزهة النفوس والابدان 69 - 71) .

وفي السنة 788 تجمع في القاهرة منسر ( عصابة ) نحو ستين رجلا ، وكمنوا فيها فحاربهم والي القاهرة ، وحصل منهم نحو ثمانية عشر نفرة ، فسمروا علي الجمال في أيديهم بالخشب ، وألبسوا في أرجلهم قباقيب الخشب ، ووسطوا ، إلا واحدة منهم ، أخروه ليدل علي باقيهم ( بدائع الزهور 370/2/1 ونزهة النفوس 130).

وفي السنة 788 رسم السلطان بمصر ، بإشهار جماعة من المماليك اتهمهم بالتآمر علي حياته ، فسمروا ، وأركب كل مملوكين علي جمل ، وظهر أحدهما لظهر الآخر ، وأشهروا بالقاهرة ، وحريمهم نائحات ، صائحات ، حاسرات عن وجهه ، يلطمن خدودهن ، ثم وسطوا ( نزهة النفوس 128 وبدائع الزهور 368/2/1 ) .

وفي السنة 790 سمر بالقاهرة ، علي بن نجم ، أمير عربان الفيوم ، ومعه عشرون رجلا، وذلك بسبب قتلهم محمد وعمرة ابني شادي ( نزهة النفوس 167).

وفي السنة 791 حضر من الكرك مملوك ، وبدوي ، وصحبتهما مطالعة الحسام الدين الكوراني ، والي القاهرة ، بتجهيز الإقامات للملك الظاهر ، فحبسا ، ثم سمرا ، وأشهرا ، بالقاهرة ومصر ( نزهة النفوس 253 ).

وفي السنة 791 أمر الأمير الكبير يلبغا الناصري ، الأمير حسام الدين الكوراني ، والي القاهرة ، أن يسمر جماعة من العربان الذين أحضروا إلي القاهرة ، فسمر منهم نحو ثمانين نفر ، بعضهم علي جمال ، وبعضهم مشاة ، وكان ذلك تسمير سلامة ، لتخويفهم ، وتخويف غيرهم ، فسمرهم الوالي بقبة النصر ، ظاهر القاهرة ، وطاف بهم داخل القاهرة وظاهرها، وفي بقية

ص: 288

النهار ، أمر الأمير الكبير بالإفراج عنهم ، ( تاريخ ابن الفرات 114/9 ) .

وفي السنة 792 أحضر بالقاهرة أمام السلطان ، مملوك ، أتهم باثارة الفتن ، فضرب ، وسمر علي جمل ، وشهر بالقاهرة ، وأودع بخزانة شمائل ، ولم يعرف له خبر بعد ذلك ( نزهة النفوس 309) .

وفي السنة 792 اتهم بالقاهرة، أحد مماليك الأمير بركة ، باحداث فتن بين الأمراء ، فأمر السلطان ، فأحضر بين يديه ، وضرب مقترحا ، ثم أمر بتسميره ، فسمر تسمير سلامة ، وطيف به القاهرة ، ثم سجن بخزانة شمائل ، وكان آخر العهد به تاريخ ابن الفرات 216/9 ).

وفي السنة 792 قبض علي الأمير يلبغا، وآتهم بإثارة الفتن ، فرسم بتسميره وإشهاره ، والنداء عليه ، ففعلوا ذلك ( نزهة النفوس 309).

وفي السنة 793 خرج السلطان برقوق من حلب ، ولما وصل إلي دمشق ، قتل بها الأمير الابغا العثماني ، والأمير سودون باق ، وسمر بها ثلاثة عشر أميرة . ( نزهة النفوس 338 والنجوم الزاهرة 34/12 ).

وفي السنة 797 تولي الأمير يلبغا السالمي ، النظر في الخانكاه الصلاحية ، بمصر ، واقتضي الأمر أن يقتصر في صرف الجرايات علي ما دونه الواقف من شروط ، فقطع جراية نحو ستين رجلا من الصوفية ، منهم صوفي اسمه شهاب الدين أحمد العبادي ، فغضب العبادي ، وبسط لسانه بتكفير السالمي ، فقبض عليه السالمي ، وخلصه منه بعض الأعيان ، وسمع السلطان بذلك ، فغضب وأحضر العبادي ، ونصب له مجلسأ حضره الفقهاء والقضاة ، فاقتضي الحال تعزيره ، فعزر، وكشف رأسه ، وأخرج من القلعة ماشية ، وحبس بحبس الديلم ، ثم نقل إلي حبس الرحبة ، ثم استدعي إلي دار قاضي القضاة وضرب بحضرة والي القاهرة نحو الأربعين عصا تحت

ص: 289

رجليه ، ثم أعيد إلي الحبس ، وأفرج عنه بشفاعة شيخ الإسلام . (خطط المقريزي 416/2 ) .

وفي السنة 800 سمر من بني وائل ، مائة وثلاثة رجال ، بالقاهرة . ( بدائع الزهور 509/2/1 ).

وفي السنة 800 سمر أربعة نفر من مماليك علي باي ، وأشهروا ( نزهة النفوس 474 ).

وفي السنة 800 رسم السلطان بمصر، بتوسيط شاهين ، دوادار الأتابكي كمشبغا ، فسمر ، وأشهر علي جمل ، وطيف به ، ثم وسط ( بدائع الزهور 493/2/1 ) .

وفي السنة 800 كذلك ، قبض علي سبعة أنفس ، من حاشية علي باي ، فرسم السلطان بمصر ، بتسميرهم ، وتوسيطهم ، فسمروا ، وأشهروا علي جمال ، ثم وسطوا عند بركة الكلاب . ( بدائع الزهور 508/2/1)

وفي السنة 800 عزل الأمير علاء الدين بن الطبلاوي الحاجب ، وأخوه ناصر الدين محمد متولي القاهرة ، ونقلا إلي بيت الأمير يلبغا ظهر النهار راكبين علي الحمير ، في الباشات والجنازير وسلما لمتولي القاهرة الجديد ، ثم توجهوا بابن الطبلاوي إلي بيته وعاقبوا أم ابنه وجواريه والخطيب ابن عمه ، وأخذوا من الذهب تسعة عشر ألف دينار . ( نزهة النفوس 465) .

وفي السنة 801 سمر سبعة نفر، أحدهم والد علي باي ، والثاني أخوه ( نزهة النفوس 490).

وفي السنة 842 عصي الأمير تغري ويرمش السيفي ، كافل حلب ، علي السلطان الظاهر جقمق ، صاحب مصر والشام ، فجد عليه عسكر من مصر ، وأسر ، وأدخل إلي حلب مشهرة علي بغلة ، وخلفه شخص بيده

ص: 290

خنجر ، وفي يده صولجان يلعب به ، فأسمعه الناس ما يكره ، وأصعد إلي القلعة ، حيث أودع السجن بقيد ثقيل ، ثم قتل ( اعلام النبلاء 38/3 ) .

وفي السنة 858 سمر السلطان بالقاهرة شخصا من العربان يسمي الفضل ، اشتهر بالشجاعة وقتل الأنفس ، ثم أشهر وسلخ ( بدائع الزهور - صفحات لم تنشر - ص 21).

وفي السنة 1206 تم تسعير القمح بالقاهرة ، بأربعة ريالات الأردب ، ومن يخالف التسعيرة ، يأخذه الأغا في القاهرة ، ويسمره من أذنه . ( تاريخ الجبرتي 134/2 ) .

ص: 291

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.