موسوعه العذاب المجلد 2

اشارة

موسوعه العذاب

تاليف: عبود الشالجي

مشخصات: 7ج

الدارالعربيه للموسوعات

بيروت - لبنان

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الباب الثالث : الضرب

اشارة

الضرب من أقدم ألوان العذاب التي مارسها الإنسان ، ويتعذر علي المؤرخ إحصاء ما ورد عن هذا اللون من العذاب ، وكان الضرب يمارس من أجل الإهانة والإيلام ، كما كان يمارس من أجل القتل ، وكان يمارس عذاب أصلية ، كما كان يمارس عقابا إضافية ، يقرن إلي الحبس ، أو قطع الأطراف ، أو غير ذلك من ألوان العذاب . ويمكن تقسيم الضرب إلي ثلاثة ألوان ، أدرجناها في ثلاثة فصول :

الفصل الأول : الضرب بالات الضرب كالدرة ، والعصا، والسوط ، والمقرعة ، وغيرها .

الفصل الثاني : الصفع ، وهو ضرب القفا باليد مبسوطة ، وقد يحصل بالنعل أو بالجراب أو باوراق السلق أو بالمخاد والوسائد ، وغيرها .

الفصل الثالث : ما يشبه الضرب ، كاللطم ، والركل ، والنطح ، والرجم ، ووجء العنق ، والوطء بالاقدام .

ص: 5

ص: 6

الفصل الأول : الضرب بآلة الضرب

اشارة

آلات الضرب كثيرة ، أشهرها السوط ، والدرة ، والعصا ، والمقرعة ، وقد يمارس الضرب بالحبال ، أو بالسلاسل ، أو باغصان الأشجار الخضراء .

وإنما سميت العصا ، لأن الأصابع تعصو عليها ، أي تجتمع .

أما الدرة ، وجمعها : ډرر ، فهي عصا فيها طول ، تحمل باليد، وقد اشتهرت درة الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب ، وكان يؤدب بها من إحتاج إلي الأدب .

أما السوط ، فهو ما يضرب به من جلد مضفور أو نحوه ، وسمي بذلك ، لأنه يسوط اللحم بالدم ، أي يخلطهما ، والضرب السياط ، هو الجلد ، والذي يضرب بها هو الجلاد، علي وزن فعال ، ثم شرف الإسم إلي السياف الذي يقطع العنق ، ثم شمل كل من يقوم بالإعدام بجميع أنواعه .

والمقرعة ، أعم من السوط ، لأنها تجمع كل ما يقرع به حتي العصا .

وقال أبو مجلز : العصا للأنعام والبهائم ، والسوط للحدود والتعزير ، والدرة للأدب ، والسيف لقتل العدو والقود ( البيان والتبيين 60/3 و61) .

ص: 7

وقال الشعبي ، في وصف السوط : ما أحوجك إلي محدرج ، شديد الفتل ، لين المهرة ، أطلع الرأس ، يأخذ من عجب الذنب إلي مغرز العنق ، فتكثر له رقصاتك من غير جذل ( البصائر والذخائر 19/1/3 ).

وغضب إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، علي طفيلي ، فصاح : يا غلمان ، السياط ، والعقابين ، والمقارع والجلادين ( الملح والنوادر للحصري 19)

وكان المتهمون ، عند التحقيق معهم ، يضربون بالمقارع، وتستدعي لهم آلات العقوبة ، راجع التفصيل في القضية رقم 7/ 43 و7 / 44 من كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ، تحقيق مؤلف الكتاب .

وفي القرن الرابع الهجري ، كان من طرق التحقيق مع المتهمين في بغداد أن يضربوا بالسياط ( نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 63/5 )

وكان قطاع الطريق ، يضربون الناس ، لإخراج ما كتموه من أموالهم راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 39/4.

وكان أمر تحصيل الضرائب ، يعهد إلي مستخرجين ، ويخرج المستخرج ، فيبث الفرسان ، والرجالة ، والرسل ، والمستحثين ، ويضرب ، ويصفع ، ويقيد ، ( نشوار المحاضرة ، القصة رقم 1/ 120 ).

وكان الخليفة عمر بن الخطاب ، يضرب أولاده علي اللحن ، ولا يضربهم علي الخطأ ، ووجد في كتاب عامل له لحنأ ، فأحضره ، وضربه درة واحدة . ( معجم الأدباء 20/1 ).

ص: 8

وكان عبد الله بن عمر ، يضرب ولده علي اللحن ، كما يضربهم علي تعلم القرآن . ( معجم الأدباء 1 / 26 ).

وكتب أمير خراسان ، إلي الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، يستأذنه في استعمال السيف والسوط ، فكتب إليه : بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم ، وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط ، فقد كذبت ، بل يصلحهم العدل والحق ، فأبسط ذلك فيهم والسلام ( تاريخ الخلفاء 242 ).

والمراد بالضرب هنا ، هو الضرب الذي لا يمارس تطبيقا لحد من الحدود ، فإن ذلك لا يعتبر عذابا ، وإنما هو عقوبة المخالفة أمر أو نهي شرعي .

والحد: في اللغة : المنع أو القيد ، وفي الاصطلاح القرآني : الحدود ، هي القيود التي فرضها الله ، من الأوامر والنواهي الشرعية الواردة في الآيات ، وقد سميت حدودة لأنها فصلت بين الحلال والحرام ، ولأن العقوبات المفروضة بشأنها ، تحد، أي تمنع من اتيانها ، للتفصيل راجع دائرة المعارف الاسلامية 325/7 ولسان العرب مادة : حد.

وقد مارس القرامطة لونا من ألوان العذاب سموه : المحنة ، وقد بحثنا عنه في هذا الكتاب .

والمحنة : ما يمتحن به الإنسان من بلية ، يقال : محنه عشرين سوطأ ، أي ضربه ، ولا وجود للمحنة في الشريعة الإسلامية ، وإنما يوجد التعزير ، وهو في اللغة : اللوم ، وفي الاصطلاح : ضرب من العقوبة ، يقصد به تأديب الجاني ، لمنعه من معاودة فعله ، ويرد التعزير في التصرفات المخلة التي لم يرد لها حد في الشرع، ويشترط أن لا يبلغ التأديب فيه ، الحد الشرعي ، ويعود للقاضي أمر تقرير إيقاع التعزير ، أو الإعفاء منه ، كما

ص: 9

يعود له تعيين نوع التعزير ومقداره ، للتفصيل راجع دائرة المعارف الإسلامية 310/5 - 312.

والتعزيز عند المالكية ، لا نهاية له ، حتي لو قتل في التعزير ، حسبما يراه الحاكم ، حتي أنه بلغني من بعض الفضلاء ، أن بعضهم أحضروه مع جماعة يشربون الخمر ، ولم يشربها ، فما وسعه إلا أن أعترف بشربها ، لكي يحد ولا يعزر ( نزهة النفوس 409 و 401) .

وجيء إلي أحد الولاة برجلين ، اتهم أحدهما بالزندقة ، وأهم الآخر بما أوجب عليه الحد، فسلم الوالي الرجلين إلي أحد أتباعه ، وقال له : إضرب عنق هذا ، - وأومأ إلي المتهم بالزندقة - وأجلد هذا ، فتسلمهما وخرج ، فوقف المحدود ، وقال : أيها الأمير سلمني إلي غيره ، فإن هذ الأمر لا أمن فيه من الغلط ، والغلط فيه لا يتلافي . ( نشوار المحاضرة 226/8 رقم القصة 115)

والزندقة : تهمة غير واضحة المعالم ، اتخذت في أيام العباسيين سبأ القتل أو تشريد من يراد قتله أو تشريده ، لسبب من أسباب السياسة، فقد اتهم بالزندقة كل من أول نضا من نصوص القرآن أو الحديث تأوية منافية للأصول الاعتقادية ، كما أعتبر زنديقة كل من اتهم بأنه من أتباع ماني ، أو من أصحاب مزدك ، أو من أتهم بالثنويه ، أو بأنه يقول بقدم العالم ، أو بانكار وجود الله ، أو إنكار الحكمة الإلهية ، أو اتهم بعدم التدين بدين ، أو أنكر الحياة الآخرة ، أو اتهم بالقول بالدهر ، أو بإنكار النبوات والكتب المنزلة ، للتفصيل راجع دائرة المعارف الإسلامية 10 / 440 - 446 ، ثم شمل الإتهام بالزندقة ، كل عدو سياسي للدولة ، وكل من كان من أنصار حرية الرأي ، وكان المعتزلة أكثر الناس معاناة من هذه التهمة ، لأنهم كانوا من أنصار حرية الرأي ، فكانوا يتندرون علي الإتهام بالزندقة ، وعلي إبهام معالمه ، وقد أورد الجاحظ، أحد المعتزلة ، في مورد الفكاهة ، إنه سمع رجلا يقول : ضربنا

ص: 10

الساعة زنديقة ، فسألوه : وأي شيء الزنديق ؟ قال : الذي يقطع المزيقة ، فقيل له : وكيف علمت إنه يقطع المزيقة ؟ فقال : رأيته يأكل التين بالخل ( الملح والنوادر 157 )، ومن أعجب ما ابتدع الحاكمون في ذلك الحين ، إنهم وجدوا من يفتيهم بأن التوبة من الزندقة لا تجدي نفعا ، ولا تعفي المتهم بالزندقة من العقوبة الواجب فرضها علي الزنديق ، وهي القتل ، فحالت فتواهم هذه دون خلاص من أتهم بالزندقة ، حتي لو اضطره العذاب إلي الإقرار بالتهمة ، وإلي الادعاء بأنه « تاب وأناب، وعاد إلي الصواب .

وأول من ضرب « في الله » بالسياط ، أبو ذر الغفاري ، فإنه أسلم بمكة ، كان المسلمون يكتمون إسلامهم ، فخرج أبو ذر إلي الكعبة، وصاح بأعلي صوته : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فقام إليه مشركو قريش ، فضربوه ، حتي أضجعوه ، وفي اليوم الثاني، عاود الاعلان بالشهادة ، فعادوا إلي ضربه ( نور اليقين 31) .

وضرب « في الله » بالسياط : عبد الله بن ذكوان (ت 131 )، وربيعة بن أبي عبد الرحمن (ت 130 ) ، ومالك بن أنس ، ضربه جعفر بن سليمان العباسي سبعين سوطأ ، ومدت يده حتي انخلعت كتفه ، وأبو عمرو بن العلاء (ت 154 ) وسعيد بن المسيب (ت 94)، وعطية العوفي (ت 111)، وثابت البناني (ت 127)، وعبد الله بن عون (ت 151 )، وزييد الضبي ، وعبد الرحمن بن أبي ليلي (ت 83 ) ( البصائر 302/1/3 ۔ 304)، وإبراهيم الصائغ (ت 131 ) ، ضرب حتي مات ، قتله أبو مسلم الخراساني ( مشاهير علماء الأمصار 195).

وضرب بالسياط ، ثلاثة من الأئمة الأربعة ، فقد ضرب الإمام مالك بن أنس ( البصائر والذخائر م 3 ق 1 ص 303)، وضرب الإمام أبو حنيفة ( وفيات الأعيان 407/5 ) ، وضرب الإمام أحمد بن حنبل ( وفيات الأعيان 407/5 والبصائر والذخائر م 3 ق 1 ص 304) .

ص: 11

وضرب سعيد بن المسيب ، مرتين ، المرة الأولي لما امتنع عن بيعة عبد الله بن الزبير ، فضربه عامل ابن الزبير علي المدينة ، والمرة الثانية لما امتنع عن مبايعة الوليد بن عبد الملك بولاية العهد ، فضربه عامل عبد الملك علي المدينة ضربا مبرحا ، وطاف به ، وحبسه (تاريخ ابن خلدون 57/3 )

وفي السنة ؟ علي أثر معركة بدر ، أبصرت أم الفضل ، زوجة العباس عم النبي صلوات الله عليه ، أبا لهب ، في حجرة زمزم بمكة ، يضرب أبا رافع ، مولي رسول الله ، فضربت أبا لهب بعمود ، فشجته ، فمات بعد الضربة بسبع ليال ( الاعلام 102/6 ).

ولما أسلم خالد بن سعيد بن العاص بن أمية ، وكان خامس من أسلم ، بعث إليه أبوه أبو أحيحة سعيد بن العاص ، فأنبه ، وبكته ، وضربه بعصا كانت معه حتي كسرها ( أنساب الأشراف 125/4/2 و126).

وضرب الخليفة عمر بن الخطاب ، عمرو بن معدي كرب الزبيدي ، بالدرة ، وسبب ذلك ، إنه سأله عن رأيه في السلاح ، فأجاب حتي إذا سأله عن السيف ، قال : عنه قارعتك ، لأمك الهبل ، فقال له : لا ، بل لأمك ، ورفع الدرة فضربه بها ( الاغاني 71/16 و 72 ).

وضرب الخليفة عمر بن الخطاب ، أبا شجرة بن عبد العزي بالدرة علي رأسه ، وسبب ذلك إن أبا شجرة ، بعد إسلامه ، أرتد مع أهل الردة في أيام أبي بكر ، وقال أبيات منها :

فرويت رمحي من كتيبة خالد وإني لأرجو بعدها أن أعمرا

ثم إن شجرة أسلم من بعد ذلك ، وقدم المدينة في أيام الفاروق عمر ، وجاء إلي عمر وهو يقسم الصدقة بين فقراء المدينة ، فقال : يا أمير

ص: 12

المؤمنين ، أعطني فائي ذو حاجة ، قال : ومن أنت ؟ قال : أبو شجرة بن عبد العزي السلمي ، فقال : أي عدو الله ، ألست الذي تقول :

فرويت رمحي من كتيبة خالد

ثم جعل عمر يعلوه بالليرة في رأسه ، حتي فانه عدوا ( الطبري 267/3 )

ومر رجل من مزينة علي باب رجل من الأنصار ، وكان يتهم بامرأته ، فلما حاذي بابه تنفس ، ثم تمثل :

هل ما علمت وما أستودعت مكتوم***أم حبلها إذ نأتك اليوم مصروم

فتعلق به الرجل ، فرفعه إلي عمر ، فقال المزني : وما علي إن أنشدت بيت شعر ، فقال له عمر : مالك لم تنشده قبل أن تبلغ بابه ؟ ثم أمر به فضرب عشرين سوطا ( الاغاني 203/21 ).

وضرب عمر رج بالليرة ، فنادي بال قصي، فقال أبو سفيان : يا آبن أخي لو قبل اليوم تنادي قصيأ ، لأتتك منها الغطاريف ، فصاح به عمر : اسكت لا أبا لك ، وقال أبو سفيان : ها ، ووضع شبابته علي فيه . ( العقد الفريد 50/1)

وضرب الفاروق عمر ، أبا هريرة الدوسي ، حتي أدمي ظهره ، وسبب ذلك : إن عمر استعمل أبا هريرة علي البحرين ، ثم أحضره ، وقال له : إني استعملتك علي البحرين ، وأنت حافي لا نعل لك في رجلك ، وقد بلغني أنك بعت أفراس بألف وستمائة دينار ، فقال أبو هريرة : كانت لنا أفراس فتناتجت ، فقال له عمر : قد أحتسبت لك رزقك ومؤونتك ، وهذا فضل فأعده إلي بيت المال ، فقال له أبو هريرة : ليس لك ذلك ، فقال : بلي ، والله ، وأوجع ظهرك ، ثم قام إليه بالدرة ، فضرب ظهره حتي أدماه ، وقال

ص: 13

الله : أنت بها ، فأحضرها، وسلمها إلي عمر ، وقال : سوف احتسبها عند الله ، فقال له : ذاك لو أخذتها من حل ، وأديتها طائعا ( شرح نهج البلاغة 42/12 )

وجاء رجل من مصر ، إلي الفاروق عمر ، متظلمة ، وقال : يا أمير المؤمنين ، إني سابقت ولدأ لعمرو بن العاص ، أمير مصر ، فسبقته ، فأخذ يقنعني بسوطه ، ويقول : أنا ابن الأكرمين ، فكتب إلي عمرو : إذا اتاك كتابي هذا ، فأشهد الموسم أنت وابنك ، فلما قدما علي عمر ، دفع البيرة ( العصا ) إلي المصري ، وقال له : اضربه كما ضرب ، فجعل يضربه ، وعمر يقول : اضرب ابن الأكرمين - يرددها ، حتي قال المصري : يا أمير المؤمنين ، لقد استفدت منه ، فالتفت عمر إلي ابن العاص ، وقال له : يا ابن العاص ، متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ( شرح نهج البلاغة 11 / 98 ).

وكان الفاروق عمر ، أول من حمل الدرة من ولاة الإسلام ، وأدب بها ، وقيل بعده : كانت درة عمر ، أهيب من سيف الحجاج ( شرح نهج البلاغة 75/12 ).

وتصارخ آل عامر ، بالبصرة : يا آل عامر ، فخرج النابغة الجعدي ، ومعه عصية له ، فجيء به إلي عامل البصرة ، أبي موسي الأشعري ، فضربه أسواطأ ( الاغاني 4 / 30).

وولي عثمان ، عبد الله بن أبي سرح علي مصر ، فجاءه أهل مصر يشكونه ، فكتب إليه ، فضرب ابن أبي سرح من جاءه بكتاب عثمان ، فقتله . ( الإمامة والسياسة 1/ 39 وتاريخ الخلفاء 157 ) .

وولي عثمان بن عفان ، أخاه لأمه ، الوليد بن عقبة ، علي الكوفة ، فشهد عليه الشهود ، أنه صلي بهم وهو سكران ، فزبر عثمان قوم من

ص: 14

الشهود ، وضربهم ، فأغلظت عائشة لعثمان ، فأغلظ لها ، وقال لها : ما أنت وهذا ؟ إنما أمرت أن تقري في بيتك . ( انساب الاشراف34/5).

وكان في بيت المال بالمدينة ، سفط فيه حلي وجوهر ، فأخذ منه عثمان ما حتي به بعض أهله ، فطعن الناس عليه في ذلك ، وكلموه بكلام شديد حتي أغضبوه .

فخطب ، فقال : لتأخذ من هذا الفيء حاجتنا، وإن رغمت أنوف أقوام .

فقال عمار بن ياسر : أشهد الله ، أن أنفي أول راغم من ذلك .

فقال عثمان : أعلي يا ابن المتكاء تجتريء ، خذوه ، فأخذ .

ودخل عثمان ، فدعابه ، فضربه حتي غشي عليه ، ثم أخرج ، فحمل حتي أدخل دار أم سلمة ، زوج الرسول صلوات الله عليه ، فلم يصل الظهر والعصر والمغرب . ( انساب الاشراف 5 / 48 ).

وجري في مجلس سعيد بن العاص ، أمير الكوفة لعثمان ، حديث التفاضل بين السواد والجبل ، ففضل قوم من جلساء سعيد ، السهل ، لأنه ينبت ما ينبت الجبل ، ويزيد عليه وجود النخل فيه ، فقال عبد الرحمن بن خنيس الأسدي ، صاحب شرطة سعيد : وددت أنه ( أي السواد ) للأمير ، فقال له الاشتر : تمن للأمير أفضل منه ، ولا تتمن له أموالنا ، فغضب صاحب الشرطة ، وقال للأشتر : وما يضرك من التمني ؟ لو شاء الأمير لكان له ، فقال الأشتر 4 لو رام الأمير ذلك ، ما قدر عليه ، فغضب سعيد ، وقال : السواد بستان قريش ، فقال له الاشتر : أتجعل مراكز رماحنا، وما أفاء الله علينا ، بستانا لك ولقومك ؟ والله لو رأمه أحد، لقرع قرعأ يتصاصأ منه ، ثم وثب وأصحابه علي ابن خنيس صاحب الشرطة ، فأخذته الأيدي . ( پريد أنهم ضربوه بأيديهم ) . ( الاغاني 141/12 وانساب الاشراف 5 / 40) .

ص: 15

أقول : روي الطبري 4 / 318 هذه القصة ، رواية فيها بعض الاختلاف عن الرواية السالفة ، قال : تذاكر جلساء سعيد بن العاص ، بالكوفة ، جود طلحة بن عبيد الله ، فقال سعيد : إن من له مثل النشاستج ( ضيعة لطلحة ) لحقيق أن يكون جوادا ، ووالله ، لو أن لي مثله ، لأعاشكم الله عيشة رغيدة ، فقال عبد الرحمن بن خنيس ، وهو حدث : والله ، وددت لو أن هذا الملطاط لك ، والملطاط أراضي كانت لأل كسري علي جانب الفرات الذي يلي الكوفة ، فقالوا له : فض الله فاك ، تتمني له سوادنا؟ وثاروا الله وإلي أبيه خنيس ، فضربوهما حتي غشي عليهما .

وفي السنة 36 لما قدم طلحة والزبير البصرة ، محاربين للإمام علي بن أبي طالب ، بعد أن بايعاه ، دخل بعض أتباعهما علي عثمان بن حنيف ، أمير البصرة لعلي ، فتوطؤ وه وضربوه أربعين سوطأ ، ونتفوا شعر لحيته ، ورأسه ، وحاجبيه ، وأشفار عينيه ، واحتلوا دار الإمارة ، واعتقلوا عثمان أولا ، ثم طردوه ، فخرج يريد عليا ، فلاقاه بالربذة ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، بعثتني ذا لحية ، وجئتك أمرد ، فقال له : أصبت خير وأجرأ . ( الطبري 480,469,468/4 )

وكتب قوم من أهل الكوفة - يشكون من سعيد بن العاص ، إنه نفي جماعة من أصحابهم إلي الشام ، ولم يذكروا أسماءهم في الكتاب ، وكتب معهم كعب بن عبدة ، كتابة باسمه ، وبعثه مع كتابهم إلي عثمان بن عفان ، فأمر عثمان بكعب بن عبدة ، فضرب عشرين سوطا ، وحول ديوانه إلي الري ، ثم ندم علي ذلك ، فأحضره ، ونزع ثيابه ، وقال له : يا كعب أقتص مني ، فقال له : قد عفوت يا أمير المؤمنين . ( انساب الاشراف 42/5و43).

وفي السنة 36 بعد انتهاء وقعة الجمل ، بلغ الإمام علي ، أن رجلين

ص: 16

وقفا بباب الدار التي استقرت فيها عائشة بالبصرة، واتهماها بالعقوق ، فأحضرهما ، وضرب كل واحد منهما مائة سوط . ( الطبري 4/ 540 ) .

أقول : لما انتهت معركة الجمل بظفر علي ، وانكسار أصحاب الجمل ، أمر علي ، محمد بن أبي بكر ، أخا عائشة ، فضرب عليها قبة ، ثم أدخلها البصرة ، فأنزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي ، وكانت أعظم دار بالبصرة ، وكان عبد الله قد قتل في وقعة الجمل مع عائشة ، وأخوه عثمان قتل مع علي ، ولجأ عبد الله بن الزبير ، ابن اخت عائشة ، جريحة إلي دار رجل من الأزد ، فبعث رسولا إلي عمته يعلمها مكانه ، وقال له : إحذر أن يطلع علي مكاني محمد بن أبي بكر ، فأتي عائشة ، فأخبرها بمكان عبد الله ، فقالت : علي بمحمد ، فقال : يا أم المؤمنين ، إنه نهاني أن يعلم محمد بمكانه ، فأعادت طلب محمد ، ولما حضر ، قالت له : اذهب مع هذا الرجل حتي تجيئني بابن أختك ، فانطلق مع الأزدي ، وأخذ عبد الله ، وحمله إلي بيت عائشة ، وكانا طول الطريق يتشاتمان ، وجاء علي ، فزار عائشة ، وسلم عليها، ولما خرج أخبروه بأن اثنين من الأزد ، وقفا بباب عائشة ، فقال أحدهما .

جزيت عنا أمنا عقوقا

وقال الآخر : يا أمنا توبي لقد أخطيت

فبعث القعقاع بن عمرو إلي الباب ، فأحضر من كان هناك ، فأحالوا علي رجلين ، فقال : لأنهكنهما عقوبة ، ثم ضربهما مائة مائة ، وأخرجهما من ثيابهما . ( الطبري 4 /519 ، 534 ، 536 ، 537 ، 540 ).

وشتم بسر بن أرطاة ، الإمام علي ، في مجلس معاوية ، وزيد بن

ص: 17

عمر بن الخطاب جالس ، فقام إليه زيد بعصا فشجه ، فأقبل معاوية علي بسر ، وقال له : تشتم عليا وهو جده ، وهو ابن الفاروق ، وعلي رؤوس الناس ، أو كنت تري أنه يصبر علي ذلك ؟ ( الطبري 335/5 ) .

أقول : زيد بن عمر بن الخطاب ، أمه أم كلثوم بنت الإمام علي بن أبي طالب . ( العقد الفريد 4 / 365 ).

وتذاكر رجال من قريش ، أن معاوية بن أبي سفيان ، إذا ذكرت أمه غضب ، فقال مالك بن أسماء المني القرشي : أنا أذكر أمه ، ولا يغضب ، فجعلوا له جعلا ، وذهب إليه في الموسم ، وذكر له أمه فلم يغضب ، فعاد وأخذ الجعل ، ثم جعلوا له مثله ، إذا كلم عمرو بن الزبير ، وقال له مثلما قال لمعاوية ، فأتاه ، فقال له ذلك ، فأمر بضربه حتي مات ، فبلغ ذلك معاوية ، فقال : أنا - والله - قتلته ( المحاسن والمساويء 166/2).

وفي السنة 51 أحضر زياد بن أبيه ، رجلا من الشيعة ، اسمه صيفي بن فسيل ، وقال له : يا عدو الله ، ما تقول في أبي تراب ؟

قال : ما أعرف أبا تراب .

قال : ما أعرفك به .

قال : ما أعرفه .

قال : أما تعرف علي بن أبي طالب ؟

قال : بلي .

قال : فذاك أبو تراب .

قال : كلا ، ذاك أبو الحسن والحسين .

فقال له صاحب الشرطة : يقول لك الأمير هو أبو تراب ، وتقول أنت

ص: 18

قال : وإن كذب الأمير ، أتريد أن أكذب ، وأشهد له علي باطل كما شهد ؟

فقال له زياد : وهذا أيضأ مع ذنبك ؟ علي بالعصا ، فأتي بها .

فقال له : ما قولك في علي ؟

قال : أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد الله المؤمنين .

قال : اضربوا عاتقه بالعصا، حتي يلصق بالأرض ، فضرب حتي لزم الأرض .

ثم قال : أقلعوا عنه ، إيه ، ما قولك في علي ؟

قال : والله ، لو شرحتني بالمواسي والمدي ، ما قل إلا ما سمعت مني .

قال : لتلعنته ، أو لأضرب عنقك .

قال : إذن تضربها والله قبل ذلك .

قال : إدفعوا في رقبته ، وأوقره حديدة ، وألقاه في السجن .

ثم بعث به إلي معاوية ، فقتله . ( الاغاني 17 / 144 و145 الطبري 206/5 و267).

وتهاجي عبد الرحمن بن حسان بن ثابت ، وعبد الرحمن بن الحكم الأموي ، فأفحشا، فكتب معاوية ، إلي عامله علي المدنية ، سعيد بن العاص ، أن أجلد كلا منهما مائة سوط ، فأمسك عنهما ، فلما خلفه مروان ، ضرب عبد الرحمن بن حسان مائة سوط ، وترك أخاه عبد الرحمن فلم يضربه ، فشدد عليه معاوية ، فضربه خمسين سوطة ، فقال ابن حسان : إنما ضربه خمسين ، لأنه عبد ، فضرب نصف ما يضرب الحر ، فبلغ ذلك ابن

ص: 19

الحكم ، فشق عليه ، وجاء إلي أخيه مروان ، وطلب منه أن يتم ضربه مائة ، فضربه خمسين أخري . ( الاغاني 115/15,116).

وسلب عبد الله بن الحجاج رجلا من الديلم ، فاغتاظ منه كثير بن شهاب ، أمير الري للمغيرة بن شعبة ، عامل معاوية علي الكوفة ، وانتزع منه السلب ، وضربه مائة سوط وحبسه . ( الاغاني 165/13).

وكان عمر بن سعد بن أبي وقاص ، له جعبة فيها سياط ، قد كتب علي سوط منها عشرة ، وعلي آخر عشرين ، إلي خمسمائة ، فغضب علي غلام له ، فضرب بيده إلي الجعبة ، فخرج سوط المائة ، فجلده مائة ، فأتي الغلام سعدا أبا عمر ، وهو يبكي ، وقد سال دمه علي عقبيه ، فشكا إليه عمر ، فدعا سعد عليه ، وكان مستجاب الدعوة ، فقتل المختار الثقفي عمر بن سعد، في جملة من قتل ممن حضر قتل الحسين عليه السلام . ( انساب الأشراف 237/5) .

وكان المسور بن مخرمة جليلا نبيلا، وذكر عن يزيد بن معاوية : إنه يشرب الخمر ، فبلغه ذلك ، فكتب إلي عامله بالمدينة ، أن يجلده الحد، ففعل ، فقال المسور : ( العقد الفريد 35/4 ) .

أيشربها صرفأ يفض ختامها أبو خال ويجلد الحد مسور

وضرب عبيد الله بن زياد ، المختار بن أبي عبيد الثقفي ، فشتر عينه ، فانتقم المختار من عبيد الله ، فقتله . ( البصائر 4 / 48 ).

أقول : كان المختار ممن بايع مسلم بن عقيل لما وافي الكوفة يدعو إلي الحسين ، ولما ظهر مسلم بالكوفة ، كان المختار في ضيعة له خارج الكوفة ، ذلك لأن مسلما لم يخرج عن مواعدة ، وإنما خرج بداهة لما كان من أمر هانيء بن عروة المرادي ، حين أخذه ابن زياد ، فلما بلغ المختار

ص: 20

ظهور مسلم ، قدم الكوفة مسرعا ، فوجد أمر مسلم قد انتكت ، وبلغ ابن زياد بعض من خبره ، فأحضره ، وقال له : أنت المقبل لنصرا ابن عقيل ، ثم رفع قضيبا كان في يده ، فاعترض به وجه المختار ، فشتر عينه ، وأمر به فحبس ، فلم يزل محبوسا ، حتي قتل الحسين ، فأرسل المختار بخبره إلي عبد الله بن عمر ، وكانت أخت المختار تحته ، فكتب عبد الله بن عمر إلي يزيد بن معاوية ، يشفع فيه ، فشفعه، وكتب إلي ابن زياد بتخلية المختار ، فأطلقه ، وأجله ثلاثا لمبارحة الكوفة ، فخرج يريد الحجاز ، فلاقاه أحد أصحابه ، ولما رأي شتر عينه ، سأله عمن صنع به ذلك ، فقال المختار : شتر عيني ابن الزانية بالقضيب ، قتلني الله إن لم أقطع أنامله وأباجله ، وأعضاءه ، إربا إربا ، فأحفظ هذا الكلام عني . ( أنساب الاشراف 214/5 و215) .

ولما التجأ مسلم بن عقيل ، إلي بيت هاني بن عروة المرادي ، أحضر عبيد الله بن زياد هانئ، وطالبه بإحضار مسلم ، فأبي ، وقال : أجيئك بضيفي تقتله ، لا والله ، فأمر به فأمسك ، وجذبه من ضفيرتيه ، حتي أقنع بوجهه ، ثم أخذ قضيبا فضرب به وجه هانيء، وندر الزج فارتز بالجدار ، فلم يزل يضرب أنفه وخذه وجبينه حتي كسر أنفه، وسالت الدماء علي ثيابه ، ونثر لحم خذيه وجبينه علي لحيته ، حتي كسر القضيب ، ثم أمر به فأخرجوه إلي السوق ، فضربت عنقه هناك ، فقال فيه ، وفي مسلم بن عقيل ، عبد الله بن الزبير الأسدي : ( الطبري 361 و 367 و 369 ومقاتل الطالبيين 108).

إذا كنت لا تدرين ما الموت فأنظري***إلي هانيء في السوق وابن عقيل

إلي بطل قد هشم السيف وجهه*** وآخر يهوي من طمار قتيل

وكانت الفارعة أم الحجاج بن يوسف الثقفي ، تحت المغيرة بن شعبة ، فولدت له بنتة ، ثم طلقها ، وماتت البنت ، فنازع الحجاج ، عروة بن

ص: 21

المغيرة ، إلي عبيد الله بن زياد ، في ميراثها ، وأغلظ الحجاج لعروة ، فأمر به ابن زياد ، فضرب أسواطأ علي رأسه ، فكان الحجاج حاقدا علي آل زياد ، ينفيهم من آل أبي سفيان . ( الاغاني 191/6 و192).

ولما أعلن ابن الزبير خلافته بمكة ، ولي الحارث بن الحصين الجعفي وادي القري ، وبها تمر كثير من تمر الصدقة ، ففرقه في جنده ، وكان أمره أن يحتفظ به ، فلما قدم عليه ، جعل يضربه بالبيرة ، ويقول : أكلت تمري ، وعصيت أمري . ( أنساب الاشراف 2/4 / 29 ) .

ولما ولي يزيد بن معاوية ، عمرو بن سعيد الأشدق ، المدينة ، أحضر البهي بن رافع ، وضربه خمسمائة سوط ، وسبب ذلك إن رافعا كان لأبي أحيحة سعيد بن العاص الأكبر ، فورثه بنوه ، وأعتق ثلاثة منهم أنصباءهم منه ، وقتلوا يوم بدر جميعا ، ووهب خالد بن سعيد نصيبه منه لرسول الله صلوات الله عليه ، فأعتقه ، فانتسب رافع ، وولده البهي ، إلي رسول الله ، فلما ولي عمرو بن سعيد المدينة ، أحضر البهي ، وقال له : من مولاك ؟ فقال : رسول الله ، فأمر به فضرب مائة سوط ، ثم سأله : مولي من أنت ؟ فقال : مولي رسول الله ، فضربه مائة سوط أخري ، فلم يزل يفعل ذلك ، كلما سأله مولي من أنت ، وقال : مولي رسول الله ، ضربه مائة سوط ، حتي ضربه خمسمائة ، ثم سأله : مولي من أنت ؟ قال : مولاكم ، فسكت عنه . ( الطبري 3/ 170) .

وفي السنة 60 ولي يزيد بن معاوية ، عمرو بن سعيد الأشدق ، المدينة ، وكان عبد الله بن الزبير قد امتنع بمكة ، وأبي أن يبايع يزيد ، فلما قدم عمرو المدينة ، ولي شرطته عمرو بن الزبير ، أخا عبد الله ، لما كان يعلم ما بينه وبين أخيه عبد الله من البغضاء ، فلما ولي شرطة المدينة ، هدم دور بني هاشم ، ودور آل الزبير ، وبلغ منهم كل مبلغ ، وبعث إلي المنذر بن الزبير ، وابنه محمد بن المنذر ، وعبد الرحمن بن الأسود ، وعثمان بن

ص: 22

عبد الله، وخبيب بن عبد الله بن الزبير، ومحمد بن عمار بن ياسر، فضربهم الأربعين، إلي الخمسين إلي الستين، وضرب محمد بن المنذر بن الزبير مائة سوط ، ثم دعا بعروة بن الزبير ليضربه ، فقال له محمد : أتضرب عروة ؟ فقال : نعم يا سبلان ، إلا أن تحتمل ذلك عنه ، فقال : أنا أحتمله ، فضربه مائة سوط أخري ولحق عروة بأخيه ، وضرب عمرو الناس ضربا شديدا ، وأراد الاشدق أن يوجه جندة إلي عبد الله بن الزبير ، فتقدم اليه عمرو ، وقال له : إنك لا توجه إليه رجلا أنكأ له مني ، فأخرجه إلي مكة ، علي رأس جيش ، فلما وصل إلي مكة ، بعت إلي أخيه عبد الله يقول : إن الخليفة قد حلف أن تأتيه في جامعة ، فبر يمين الخليفة ، ثم تفرق جمع عمرو ، وظفر به أخوه عبد الله ، فحبسه ، وأقاد الناس منه ، ولما أقامه ليقتص منه ، تدس فيه كل من يتقرب لأخيه ، وبالغ كل ذي حقد عليه في ذلك ، وكان أخوه لا يسأل من أدعي عليه شيئأ البينة ، وإنما يقبل قوله ، ثم يدخله إليه السجن ليقتص منه ، فكانوا يضربونه والقيح ينتضح من ظهره وأكتافه علي الأرض ، الشدة ما يمر به ، ثم يضرب وهو علي تلك الحال ، ثم أمر بأن يرسل عليه الجعلان ، فكانت تدت عليه ، فتثقب لحمه ، وهو مقيد مغلول ، يستغيث فلا يغاث ، حتي مات علي تلك الحال ، فدخل الموكل به علي أخيه عبد الله ، وفي يده قدح لبن ، يريد أن يتسكر به ، وهو يبكي ، فقال له : مالك أمات عمرو ؟ قال : نعم ، قال : أبعده الله ، وشرب اللبن ، ثم قال : لا تغسلوه ، ولا تكفنوه ، وادفنوه في مقابر المشركين ، فدفن فيها . ( الطبري 344/5 و345 والاغاني 74/5 و75 و14 / 237 وأنساب الاشراف 23/2/4 - 25 و 28 والغرر للوطواط 399 ).

ومر أبو حمزة الخارجي ، بمعدن بني سليم ، فسمع العامل كثير بن عبد الله بعض كلامه ، فأمر به فجلد أربعين سوطأ ، فلما ظهر أبو حمزة بالحجاز واستولي علي مكة والمدينة ، تغيب كثير . ( الاغاني ط بولاق 99/20 ) .

ص: 23

وكان مروان بن الحكم ، وجه جيشأ لقتال ابن الزبير ، فلما انتهي إلي الربذة ، لاقي جندة بعثهم ابن الزبير ، فانهزم الجند الشامي ، وقتل منهم جمع كثير ، وأسر منهم خمسمائة أو أكثر ، وهرب الباقون ، ومن الهاربين الحجاج بن يوسف الثقفي ، وأبوه يوسف بن الحكم ، وجيء بأساري الجند الشامي إلي المدينة ، فبعث عبد الله بن الزبير ، أخاه المصعب إلي المدينة فقتلهم بأجمعهم بالحرة ، انتقاما منهم لقتلي الحرة في عهد يزيد بن معاوية ، ولما أحضر أمامه ذكوان مولي مروان بن الحكم ، وكعب مولي سعيد بن العاص ، وابن أبي فاطمة ، قال مصعب : السيف أروح لهم ، ثم ضربهم بالسياط ضربا شديدا حتي قتلهم . ( انساب الأشراف 150/5 و154).

وكان عبد الله بن الزبير قد هجا عبد الرحمان بن أم الحكم ، فلما تأمر ، حبس عبد الله وضربه ضربا مبرحا (الاغاني 225/14 ) .

وبعث عبد الملك بن مروان، طارق بن عمرو ، علي المدينة ، فطرد عامل ابن الزبير عنها ، ثم أمره عبد الملك ، باللحاق بالحجاج وهو يحاصر مكة ، فولي علي المدينة ، رجلا من أهل الشام يقال له ثعلبة ، فكان ثعلبة يأكل التمر ، وينكت المخ ، وهو علي منبر رسول الله صلوات الله عليه ، يريد بذلك اغاظة أهل المدينة ، ولكنه كان شديدا علي أهل الريبة ، وكان أصحابه يتعبثون ، فيضربهم بالسياط ، وأخذ قومأ تناولوا من شعير لرجل قد دق شعيره ، فضرب كل واحد منهم خمسمائة سوط ، وجيء إليه برجل أغتصب أمرأة نفسها ، فضربه بالسياط حتي مات ، ثم صلبه علي باب المرأة . ( انساب الأشراف 359/5) .

وفي السنة 69 بعث عبد الملك بن مروان ، خالد بن عبد الله إلي البصرة ، يهيجهم علي مصعب بن الزبير ، فناصره قوم منهم ، وحاربه الأخرون ، فاستجار بمالك بن مسمع ، فأخرجه من البصرة ، وسكن الفتنة ،

ص: 24

بعد أن اقتتلوا أربعة وعشرين يوما ، فلما عاد المصعب إلي البصرة ، جمع من ناصر خالدأ ، وسبهم ، ثم ضربهم مائة مائة ، وحلق رؤوسهم ولحاهم ، وهدم دورهم ، وصهرهم في الشمس ثلاثا ، وحملهم علي طلاق نسائهم ، وحجر أولادهم في البعوث ، وطاف بهم في أقطار البصرة، وأحلفهم أن لا ينكحوا الحرائر. ( الطبري 151/6 -155).

وغضب المصعب بن الزبير ، بالبصرة ، علي صعصعة بن معاوية ، فأمر به فضرب محمولا علي استه . ( انساب الاشراف 279/5 ) .

وفي أحد الأيام شكا الذين يطعمون علي مائدة الحجاج ، قلة المرق ، فدعا الحجاج بصاحب الطعام ، وضربه مائتي سوط ، وقال له : يشكون قلة المرقة وأنت علي دجلة ؟ ( البصائر والذخائر 623/2/2 ).

وفي السنة 82 ضرب المهلب بن أبي صفرة ، حريث بن قطبة ، مولي خزاعة ، ثلاثين سوطأ ، وسبب ذلك إن المهلب كان يحاصر مدينة كس ، وهي بقرب سمرقند، فصالحهم علي فدية، ورحل عنها پريد مرو، وخلف حريث بن قطبة ، وقال له : إذا استوفيت الفدية ، فرد عليهم الرهن ، وقطع النهر ، فلما صار ببلخ ، أقام بها، وكتب إلي حريث : إني لست آمن إن رددت عليهم الرهن ، أن يغيروا عليك ، فإذا قبضت الفدية ، فلا تخلي الرهن ، فقال حريث لملك كس : إن المهلب قد كتب إلي أن أحبس الرهن ، فان عجلت لي ما عليك ، سلمت إليك رهائنك ، وسرت فأخبرته إن كتابه ورد وقد استوفيت ما عليكم ، ورددت عليكم الرهن ، فعجلوا له صلحهم ، ورد عليهم من كان في يده منهم، فلما قدم علي المهلب قال له : أين الرهن ؟ قال : قبضت ما عليهم وخليتهم ، قال : ألم أكتب اليك ألا تخليهم ؟ ، قال : أتاني كتابك وقد خليتهم ، وقد كفيت ما خفت ، فقال له : كذبت ، ولكنك تقربت إليهم وإلي ملكهم ، وأمر بتجريده ، فجزع من التجريد حتي ظن المهلب أن به برصأ ، فجده ، وضربه ثلاثين سوطأ ، فقال

ص: 25

حريث : وددت أنه ضربني ثلثمائة سوط ولم يجردني ، أنفة وإستحياء من التجريد ( الطبري 352/6 و353 ):

وفي السنة 83 ضرب عبد الرحمن بن محمد الأشعث ، القائد العراقي ، عامله علي بست ، وسبب ذلك إن عبد الرحمن بن الأشعث ، لما ثار علي الحجاج ، نصب من قبله عمالا علي المناطق التي سيطر عليها ، ومن جملتها مدينة بست ، فانه نصب عليها عاملا من بكر بن وائل اسمه عياض بن هميان ، فلما أنكسر عبد الرحمن ، وتمزق جيشه ، مر بمدينة بست ، في طريقه للإلتجاء إلي رتبيل ملك الترك ، فاستقبله عياض ، وأنزله ، وانتهز منه غفلة ، فوثب عليه ، وأوثقه ، وأراد أن يحظي بذلك عند الحجاج ، وكان رتبيل قد بلغته عودة عبد الرحمن ، وعرف أنه ببست ، فجاء في عسكره وأحاط ببست ، وبعث إلي البكري يقول : والله ، لئن آذيته بما يقذي عينه ، أو رزأته حب من شعر ، لا أبرح حتي أستنزلك ، وأقتلك ، وجميع من معك ، ثم أسبي ذراريكم ، وأقسم بين الجند أموالكم ، فطلب البكري منه الأمان، فأمنه ، وتسلم ابن الأشعث ، وما كان معه من مال موقرأ ، فقال عبد الرحمن الرتبيل : إن هذا كان عاملي علي هذه المدينة ، وجئت مطمئنا إليه ، واثقة به ، فغدر بي ، وركب مني ما رأيت ، فأذن لي في قتله ، فقال : قد أمنته ، فلا أغدر به ، قال : فأذن لي في رفعه ولهزه ( أي ضربه ) فأذن له في ذلك ، فضربه . ( الطبري 269/6 ).

وفي السنة 85 ضرب هشام بن إسماعيل المخزومي ، عامل المدينة ، سعيد بن المسيب ، ستين سوطا ، ضربا مبرحا ، وألبسه المسوح ، وتبان شعر ، وسرحه إلي ذباب ( ثنية بالمدينة ) ، كانوا يقتلون عندها ويصلبون ، فظن أنهم يريدون قتله ، فلما انتهوا به إلي ذلك الموضع ردوه ، فقال : لو ظننت انهم لا يصلبونني ما لبست سراويل مسوح ، قد حسبت أنهم يصلبونني ، فقلت سراويلي تسترني ، وكان سبب ضربه ، إنه طولب بأن يبايع

ص: 26

الوليد بن عبد الملك فأبي ، وقال : لا أبايع أحد، وعبد الملك الذي بايعته حي ( الطبري 6 / 415 و416) .

أقول : هذه المرة الثانية التي يضرب فيها سعيد بن المسيب ، إذ ضربه قبلها جابر بن هبار الأسود ، عامل المدينة لابن الزبير ، طالبه بأن يبايع لابن الزبير ، فقال له : حتي يجتمع الناس ، فضربه ستين سوطأ ، فبلغ ذلك ابن الزبير ، فكتب إلي عامله يلومه، وقال له: ما لنا ولسعيد ، دعه . ( الطبري 416/6 ).

وفي السنة 88 أمر الوليد بن عبد الملك ، بتوسيع مسجد رسول الله صلي الله عليه وسلم وإدخال حجر أزواجه ، فلما شرع في هدمها، صاح خبيب بن عبد الله بن الزبير ، اليوم محيت آية من كتاب الله تعالي : و إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون 4 (4 م الحجرات 49 ) . فكتب بذلك صاحب البريد إلي الوليد ، فكتب الوليد إلي عامله يأمره بجلد خبيب مائة سوط ، وأن يصب علي رأسه قربة من ماء بارد ، فضربه في يوم بارد ، وصب عليه الماء ، فمات . ( العيون والحدائق 4/3 ) .

وكان سليط ، ابن أمة بربرية لعبد الله بن العباس ، ثم أدعي أنه ولد عبد الله ، ونازع علي بن عبد الله ، وقيل سليط ، فاتهم علي بقتله ، فأخذه الوليد بن عبد الملك ، وضربة واحدة وستين سوطأ ، وألبسه جبة شعر ، وطاف به ، وأقامه في الشمس ، وصب علي رأسه ماء . ( الديارات215 و 216) .

وجلد طويس المغني (ت 92) في الشراب ، فقيل له : كيف كان جلدك علي وقع السياط ؟ فقال : بلغني أني كنت صبورة ( البصائر والذخائر 598/2/2)

وفي السنة 93 بلغ قتيبة أن عامله علي خوارزم، إياس بن عبد الله قد

ص: 27

ضعف ، فبعث أخاه عبد الله إلي خوارزم عاملا عليها ، وأمره أن يضرب إياسا وحيان النبطي مائة مائة . فلما قارب عبد الله خوارزم ، دس إلي إياس من أنذره فتنحي، وقدم فأخذ حيان ، فضربه مائة وحلقه. ( الطبري 480/6 ) .

أقول : كان حيان هذا يكني أبا الهياج ، ويعرف بحيان النبطي ، وهو مولي مصقلة بن هبيرة الشبياني ، وكان من المحاربين الأشداء في جيش المسلمين بخراسان ، وكان قتيبة قد اتهمه وضربه مائة ، فحقدها عليه ، واشترك في الانتقاض عليه وقتله ، فلما ولي سعيد خدينة خراسان ، خوفوه منه ، فقيل إنه سمه في لبن شربه عنده ، فمات في السنة 102 ، ( راجع الطبري 6/ 445 ، 512 ، 614).

وتخاصم رجل وامرأة إلي الشعبي ، فقضي الشعبي للمرأة ، فقال أحد الشعر ، وهو هذيل الأشجعي :

فتن الشعبي لما ****رفع الطرف إليها

فتنته بثنايا ****ها وقوسي حاجبيها

ومشت مشيا رويدا****ثم هزت منكبيها

قال للجلواز قرب ****ها وقرب شاهديها

وقضي جورة علي الخصم ****ولم يقض عليها

فقبض الشعبي عليه ، وضربه ثلاثين سوطأ . (شرح نهج البلاغة 17 / 66 والعقد الفريد 91/1 ، 92) .

أقول : انصرف الشعبي يوما من مجلس القضاء ، وقد شاءت الأبيات ، وناشدها الناس ، فمر بخادم تغسل الثياب ، وتقول :

فتن الشعبي لما

ص: 28

ولا تحفظ تتمة البيت ، فوقف عليها ولقنها ، وقال :

رفع الطرف إليها

ثم ضحك وقال : أبعده الله ، ما قضيت لها إلا بالحق .

ويشبه ما تقدم ، إن كلثم بنت سريع ، خاصمت أخاها الوليد إلي عبد الملك بن عمير قاضي الكوفة ، فقضي لها علي أخيها ، فقال هذيل الأشجعي :

أتاه وليد بالشهود يسوقهم**** علي ما ادعي من صامت المال والخول

وجاءت إليه كلثم وكلامها ****شفاء من الدار المخامر والخبل

فأدلي وليد عند ذاك بحقه**** وكان وليدذامراء وذاجدل

فدلهت القبطي حتي قضي لها ****بغير قضاء الله في محكم الطول

له حين يقضي للنساء تخاوص**** وكان وما فيه التخارص والحول

إذا ذات دل كلمته لحاجة ****وهم بأن يقضي تنحنح أو سعل

فكان عبد الملك يقول : لعن الله الأشجعي ، والله لربما جاءتني السعلة والنحنحة ، وأنا في المتوضأ، فأردها . (شرح نهج البلاغة 66/17 و62 و 63 ).

أقول : لقب عبد الملك بن عمبير ، قاضي الكوفة بعد الشعبي ، بالقبطي ، ولقبه المختلون بالكوفة : منقر الغيلان ، لأنه كان قبيح الصورة جدا وله شعر ، توفي سنة 136 عن مائة سنة وثلاث سنين . ( المعارف 473) .

ا وغضب الحجاج بن يوسف الثقفي ، علي حجام جيء به ليحجمه ، فأمر به ، فضرب خمسمائة سوط، فكاد يتلف . ( الوزراء للصابي 121 و 122 ).

وخلاصة القصة : إن الحجاج احتجم ذات يوم ، فلما ركب الحجام

ص: 29

المحاجم علي رقبته ، قال له : أحب أيها الأمير أن تخبرني بخبرك مع ابن الأشعث ، وكيف عصا عليك ، فقال له : لهذا الحديث وقت آخر ، وإذا فرغت من شأنك حدثتك ، فأعاد مسألته ، وكررها ، والحجاج يدفعه ، ويعده ، ويحلف له علي الوفاء بما وعد ، فلما فرغ ، ونزع المحاجم ، وغسل الدم ، أحضر الحجام ، وقال له : إنا وعدناك بأن نحدثك حديث ابن الأشعث معنا ، ونحن محدثوك ، يا غلام : السياط ، فأتي بها ، فأمر به ، فجرد ، وعلته السياط ، وأقبل الحجاج ، يقص عليه قصة ابن الأشعث بأطول حديث ، فلما فرغ استوفي الحجام خمسمائة سوط ، فكاد يتلف .

وخطب بشر بن مروان ، أمير الكوفة ، فقام عبد الرحمان بن أرطاة بن شراحيل الجعفي ، فقال له : اتق الله ، فإنك ميت ومحاسب ، فأمر به فضرب أسواطأ ، فمات منها . ( أنساب الأشراف 169/5)

وضرب الحجاج بن يوسف الثقفي ، عبد الرحمن بن أبي ليلي ، وأوقفه علي باب المسجد ، وشدد عليه في أن يشتم علي بن أبي طالب . ( العقد الفريد 32/5).

وكتب الحجاج ، إلي محمد بن القاسم الثقفي ، أن أدع عطية بن سعد العوفي ، فإن سب علي بن أبي طالب ، وإلا فاضربه أربعمائة سوط ، وأحلق رأسه ولحيته ، فأحضره ، فأبي أن يفعل ، فضربه أربعمائة سوط ، وحلق رأسه ولحيته . ( اعلام 32/5 ) .

وعزل الوليد بن عبد الملك ، عبيدة بن عبد الله ، عامله علي الأردن ، وضربه ، وحلقه ، وأقامه للناس ( الفرج بعد الشدة ، رقم القصة 290 ).

وكانت لبابة بنت عبد الله بن جعفر، تحت عبد الملك بن

ص: 30

مروان ، وطلقها وتزوجها علي بن عبد الله بن العباس ، فضربه الوليد أسواطأ وقال له : إنما أردت أن تتزوج من أمهات أولاد الخلفاء ، لتضع منهم ( اعلام النساء 273/4 ، والعقد الفريد 103/5 ) .

وضرب الوليد بن عبد الملك ، علي بن عبد الله بن العباس ، مرتين ، الأولي : لأنه تزوج من لبابة بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وكانت عند عبد الملك ، فعض تفاحة ثم رمي بها إليها ، وكان عبد الملك أبخر ، فدعت بسكين ، فقال لها عبد الملك : ما تصنعين بها ؟ قالت : أميط الأذي عنها ، فطلقها ، فتزوجها علي بن عبد الله ، فأمر به الوليد فضرب ، وقال له : إنما تتزوج بأمهات أولاد الخلفاء لتضع منهم ، أشار بذلك إلي أن مروان بن الحكم تزوج بأم خالد بن يزيد بن معاوية ليضع منه ، فقال له علي : إنما أرادت الخروج من دمشق ، وأنا ابن عمها ، فتزوجتها لأكون لها محرما .

وفي الثانية ضربه الوليد بالسياط ، وأمر به فأشهر علي بعير ووجهه مما يلي الذنب ، وصائح يصيح عليه : هذا علي بن عبد الله الكذاب ، وسبب ذلك لأنه بلغه عن علي إنه كان يقول : إن الخلافة ستؤول إلي ولدي ( وفيات الأعيان 275/3 و 276) .

أقول : ذكر صاحب الديارات 215 و216 إن الوليد بن عبد الملك ضرب عليا مرة ثالثة ، اتهمه بقتل سليط بن أمتي لعبد الله بن عباس ، ثم ادعي إنه ولده ، راجع تفصيل ذلك في القسم الثاني من الفصل الثاني من الباب الرابع من هذا الكتاب : المسوح وجباب الصوف .

وتزوج موسي بن الوجيه الحميري ، أخت أم الفضل زوجة يزيد بن المهلب ، فأخذ يزيد موسي بتطليق امرأته ، وقال له : لا أرضي بمسالفتك ، وضربه ، حتي طلقها تحت السياط . ( العيون والحدائق 3/ 49) .

ص: 31

وكان عقيل بن علفة ، قد اطرد بنيه، فتفرقوا في البلاد ، وبقي شيخة وحيدة ، ثم أن رجلا من بني صرمة اسمه بجيل حطم بيوت عقيل بماشيته ، فنهد إليه عقيل ، وقد هرم ، وكبرت سنه ، فضربه بجيل بعصاه ، فصاح ينادي أولاده ، وليس منهم بجواره أحد ، وبلغ الخبر ولده عملس وهو بالشام ، فأقبل حتي نزل علي بجيل فضربه ضربا مبرحا ، وأوثقه بحبل وقاده حتي ألقاه بين يدي أبيه ، ثم ركب راحلته وعاد إلي الشام . ( الاغاني 269/12 ).

أقول : أبو الجرباء عقيل بن علفة المري ، شاعر مجيد مقل ، وكان أعرج جافيا شديد الهوج والاعتداد بنفسه وبنسبه في بني مرة ، وقد أوردت في موضع آخر من هذا الكتاب ما صنعه مع أعرابي خطب منه إحدي بناته ، إذ كتفه ، ودهن استه بشحم وألقاه في قرية النمل ، فأكلن خصيبه حتي ورم جسمه ، وبلغه أن عمر بن عبد العزيز ، وكان أميرا علي الحجاز ، عاتب رجلا من قريش ، كانت أمه أخت عقيل ، فقال له : قبحك الله ، أشبهت خالك في الجفاء ، فغضب عقيل ، وجاء حتي دخل علي عمر ، وقال له : ما وجدت لابن عمك ما تعيره به إلا خؤولتي ، فقبح الله شركما خا ، فاغتاظ منه عمر ، وقال له : إنك أعرابي جاف . ( راجع ترجمة عقيل في الاغاني 270 -254/12 )

وذكر رجل يزيد بن معاوية ، عند عمر بن عبد العزيز ، فقال : قال أمير المؤمنين يزيد بن معاوية ، فقال : تقول أمير المؤمنين ؟ وأمر به ، فضرب عشرين سوطأ . (تاريخ الخلفاء 209).

أقول : قدم أبو الخير القزويني (ت 50 ) إلي بغداد ، وجلس يوم عاشوراء ، في المدرسة النظامية ، فقيل له : إلعن يزيد بن معاوية ، فقال : ذاك إمام مجاهد ، فجاءه الرجم ، حتي كاد يقتل ، وسقط عن المنبر ، فأدخل إلي بيت في النظامية ، وأخذت فتاوي الفقهاء بتعزيره ، فقال بعضهم : يضرب عشرين سوطأ ، فقيل له : من أين لك هذا ؟ فقال : ان عمر بن عبد

ص: 32

العزيز سمع قائلا يقول : أمير المؤمنين يزيد بن معاوية ، فضربه عشرين سوط . ( النجوم الزاهرة 134/6).

وأراد هشام ، الوليد بن يزيد، أن يخلع نفسه ، ليبايع لمسلمة بن هشام ، فأبي ، فضرب نديمه ابن سهيل ، ونفاه ، ثم أخذ عياض بن مسلم ، كاتب الوليد، فضرب ضربا مبرحا ، وألبسه المسوح ، وقيده ، وحبسه . ( الطبري 7 / 212 والاغاني 9/7 والعيون والحدائق 3/ 117) .

وفي السنة 102 قبض سعيد خدينة ، أمير خراسان ، علي جهم بن زحر الجعفي وآخرين معه ، واتهمهم بأن في ذمتهم أموالا اختانوها، من أموال المسلمين ، وكان جهم قدولي جرجان ليزيد بن المهلب ، فحبسهم سعيد في قهندز مرو ، ثم أرسل لاحضار جهم بن زحر ، فحمل إليه علي حمار ، فمروا به علي الفيض بن عمران ، فقام إلي جهم ، فوجأ أنفه ، فقال له جهم : يا فاسق ، هلا فعلت هذا حين أتوني بك سكران ، قد شربت الخمر ، فضربتك حد ، فغضب سعيد ، وضرب جهما مائتي سوط ، فكبر أهل السوق لذلك ( استعظامأ ) وأمر سعيد بجهم وثمانية معه ، فبسط عليهم العذاب في السجن ، فقتل جهم ، وعبد العزيز بن عمر والمنتجع ، وكانوا من عمال يزيد بن المهلب . ( الطبري 6/ 606).

وكان هشام بن عبد الملك ، خطب إلي يزيد بن عمر بن هبيرة إبنته ، علي ابنه معاوية ، فأبي أن يزوجه ، فحقدها عليه هشام ، وجري بعد ذلك كلام وتساب بين يزيد وبين الوليد بن القعقاع ، وكان الوليد علي قنسرين وأخوه عبد الملك علي حمص ، فبعث هشام يزيد إلي الوليد ، فضربه مائة سوط ، وحبسه ، فلما مات هشام ، كان يزيد البشير للوليد بن يزيد بالخلافة ، فقال له : احتكم ، فقال : ولاية قنسرين والتخلية بيني وبين الوليد بن القعقاع وأخيه عبد الملك ، فولاه جند قنسرين ، وفر الوليد بن القعقاع وأخوه ، فاستجارا بقبر مروان ، فلم يجرهما الوليد ، وقبض عليهما ، وبعث بهما إلي

ص: 33

يزيد ، فدفعهما إلي صاحب حبسه ، فماتا في الحبس من العذاب . ( راجع القصة مفصلة في العيون والحدائق 3/ 122 و123 والطبري 457/7 ) .

وفي السنة 121 ضرب عبد الملك بن قطن الفهري ، المتغلب علي الأندلس ، زياد بن عمرو اللخمي سبعمائة سوط ، ثم قتله ، والسبب في ذلك إن البربر هاجوا بإفريقية ، وحصروا عامل إفريقية وجنده بمدينة سبته ، فاستغاثوا بعرب الأندلس ، فمنع عبد الملك من معونتهم ، وأشفق عليهم زياد ، فأرسل إليهم مركبين مملوءين ميرة ، فأمسكت الميرة أرماقهم ، وبلغ عبد الملك ما صنع زياد ، فأحضره وضربه سبعمائة سوط ، ثم سمل عينيه ، ثم قتله ، وصلبه ، وصلب معه خنزيرة . ( نفح الطيب 20/1 ).

وكان زياد الأعجم ، يخرج وعليه قباء ديباج تشبها بالأعاجم، فراه يزيد بن المهلب ، فأمر به فقنع أسواطأ ، ومزقت ثيابه ، وقال له : أبأهل الكفر والشرك تتشبه ، لا أم لك ؟ فقال زياد : ( الاغاني 384/15) .

العمرك ما الديباج خرقت وحده ****ولكنما خرقت جلد المهلب

واتهم عمر بن هبيرة ، أمير العراق ، أبا عمر عيسي بن عمر الثقفي (ت 149 ) بوديعة لبعض العمال ، فضربه مقطعأ نحوا من ألف سوط ، وهو يصيح : ما كانت إلا أثيابأ في أسيفاط ، قبضها عشاروك . ( معجم الأدباء 101/6 )

وخطب يزيد بن عبد الملك بن مروان ، إلي خالد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، أخته ، فتلكأ ، فحقدها عليه يزيد، وكتب إلي عامله بالمدينة ، فأمر بعض من معه أن يبطش به ، فضربوه ، فمرض ومات . ( انساب الاشراف 109/5).

وبعث عمر بن هبيرة ، أمير العراق ، معقل بن عروة إلي هراة، في أمر

ص: 34

من أموره ، فلم يمر بالحرشي ، أمير خراسان ، فكتب الحرشي إلي عامله علي هراة ، أن ابعث إلي معقلا ، فبعث به إليه ، فقال له : ما منعك من إتياني قبل أن تأتي هراة ؟ فقال له : أنا عامل لابن هبيرة ، ولاني كما ولاك ، فضربه الحرشي مائتي سوط وحلقه . ( الطبري 16/7 ).

وفي السنة 106 وقعت فتنة بين اليمانية والمصرية في بلخ ، فاقتتلوا ، فأخذ نصر بن سيار ، جماعة ممن أعان في الفتنة ، فضربهم مائة سوط ، وحلق لحاهم ورؤ وسهم وألبسهم المسوح ( الطبري 7/ 31)، وتفصيل القصة إن مسلم بن سعيد غزا ، فتباطأ الناس عنه ، وكان ممن تباطأ عنه البختري بن أبي درهم ، فرد مسلم ، نصر بن سيار ، وجماعته معه إلي بلخ لكي يخرج الناس ، ليلتحقوا بجيش مسلم ، فأحرق نصر باب البختري بن درهم وباب زياد بن طريق الباهلي ، فغضب عمرو بن مسلم ، أخو قتيبة ، فاجتمعت مضر علي نصر بن سيار ، وربيعة والأزد علي عمرو بن مسلم ، وحمل أصحاب عمرو ، علي نصر وأصحابه ، فاشتبكوا ، فكان أول قتيل من باهلة ، أصحاب عمرو بن مسلم ، وقتل معه ثمانية عشر رجلا ، وانهزم عمرو ، وأرسل يطلب الأمان من نصر ، فأمنه ، وضربه مائة ، وضرب البختري ، وزياد بن طريف ، مائة مائة ، وحلق رؤوسهم ولحاهم ، وألبسهم المسوح . ( ابن الأثير 127/5 و128).

وفي السنة 114 نظم يحيي بن عروة بن الزبير ، شعرة عرض فيه بابراهيم بن هشام ، أمير المدينة لهشام بن عبد الملك ، فضربه إبراهيم بالسياط حتي مات . ( الاعلام 195/9 ).

وكان خالد بن صفوان ، يغشي بلالا في ولايته البصرة ، ويغتابه إذا غاب عنه ، وكان يقول : ما في قلب بلال من الإيمان ، إلا بمقدار ما في بيت

ص: 35

أبي الزرد الحنفي من الجواهر ، وأبو الزرد هذا رجل مفلس ، ولما ولي بلال البصرة ، قال خالد بن صفوان :

سحابة صيف عن قليل تقشع

فبلغ ذلك بلا ، فدعا به ، وقال له : أما والله لا تقع حتي يصيبك

منها شؤبوب ، وضربه مائة سوط . ( البصائر والذخائر 111/1 و112 والعقد الفريد 4 / 36).

وفي السنة 109 ضرب أسد بن عبد الله القسري ، جماعة من المضرية بالسياط ، منهم نصر بن سيار ، وعبد الرحمن بن نعيم العامري ، وسورة بن الحر الاباني ، والبختري بن أبي درهم ، وعامر بن ملك ، وحلقهم بعد الضرب ، ووجه بهم إلي أخيه خالد ، وكتب إليه إنهم أرادوا الوثوب عليه ، فكان الموكل بهم ، كلما نبت شعر أحدهم ، حلقه . ( الطبري 7 / 48).

وفي السنة 117 أخذ أسد القسري ، أمير خراسان ، جماعة من دعاة العباسيين ، ودعا بلاهز بن قريظ ، فضربه ثلثمائة سوط ، ودعا بموسي بن كعب منهم ، وأمر به فألجم بلجام حمار ، وأمر باللجام أن يجذب فجذب حتي تحطمت أسنانه ، ثم قال : اكسروا وجهه ، فدق أنفه ، ووجأ لحياه ، فندر ضرس من أضراسه . ( الطبري 107/7 و108).

وكان العرجي الأموي الشاعر ، يشبب بجيداء ، أم محمد بن هشام المخزومي ، فلما ولي محمد، مكة ، قبض علي العرجي ، وضربه بالسياط ، وشهره في الأسواق ، وحبسه حتي مات ، وقال في سجنه :

أضاعوني وأي فتي أضاعوا ****ليوم كريهة وسداد ثغر

وصبر عندك معترك المنايا ****وقد شرعت أشتها لنحري

أجرر في الجوامع كل يوم ***فيالله مظلمتي وصبري

فلما ولي الوليد بن يزيد الخلافة ، قبض علي محمد بن هشام ، وعلي

ص: 36

أخيه إبراهيم ، وأشخصهما إليه إلي الشام ، فضربهما ضربا مبرحا، وأثقلهما بالحديد ، وووجههما إلي يوسف بن عمر الثقفي ، عامله علي العراق ، وأمره باستقصائهما ، وتعذيبهما حتي يتلفا ، فعذبهما عذابا شديدا ، حتي لم يبق فيهما موضع للضرب ، وكان محمد بن هشام مطروحا ، فإذا أرادوا أن يقيموه ، أخذوا بلحيته فجذبوه بها ، ولما اشتدت الحال بهما ، تحامل إبراهيم لينظر في وجه أخيه محمد ، فوقع عليه ، فماتا جميعا ، ومات خالد القسري ، وكان محبوسا معهما ، في يوم واحد . ( وفيات الأعيان 401/5 و402 الاغاني 416/1 ) .

وكان العرجي ، يشبب بأم الأوقص ، وهو محمد بن عبد الرحمن المخزومي القاضي ، فحكم الأوقص علي رجل من بني جمح في قضية ، فقال الجمحي : والله ، لو كنت أنا عبد الله بن عمر العرجي ، لكنت قد أسرفت علي ، فضربه الأوقص سبعين سوطأ . ( الاغاني 397/1 ).

وبينما كان سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (ت 126)، يقضي بين الناس بالمدينة ، إد دخل زيد بن إسماعيل العلوي ، ومعه داود بن سلم مولي التيميين ، وعليهما ثياب ملونة بجرانها ، فأومأ أن يؤتي بهما ، ثم قال لعون من أعوانه : أدع لي نوح بن إبراهيم التيمي ، فحضر ، وكان أحسن الناس سمتأ ، وتشميرة ، ونقاء ثياب ، فجلس ، فالتفت سعد إلي زيد ، وقال له : يا ابن أخي ، تشبه بشيخك هذا في سمته وتشميره ، ونقاء ثوبه ، ولا تعد إلي هذا اللبس ، قم فانصرف ، ثم أقبل علي ابن سلم ، وكان قبيح ، فقال له : هذا ابن جعفر ، أحتمل له هذا ، وأنت لأي شيء أحتمل هذا الك؟ أللؤم أصلك ، أم لسماجة وجهك ؟ جد يا غلام ، فجرد ، فضربه أسواطأ ، فقال الشاعر : ( الاغاني 10/6 و14).

ضرب العادل سعد**** إبن سلم في السماجه

فقضي الله لسعد ****من أمير كل حاجه

ص: 37

وفي السنة 125 مات مزاحم بن عمرو السلولي ، من شعراء العصر الأموي ، ضربأ ، وكان قد تعرض لامرأة ابن الدمينة ، فأخبرت زوجها ، فطلب منها أن تتعد معه علي اللقاء ، وكمن له ، فلما قدم ، وثب عليه مع صاحب له ، وأوثقاه ، وقتلاه بالضرب . ( الاعلام 101/8 ).

وكان خالد القسري ، أميرة علي مكة ، فأمر رأس الحجبة أن يفتح له باب الكعبة ، فأبي ، فضربه مائة سوط ، فخرج الشيبي إلي سليمان بن عبد الملك ، وشكا إليه خالدة ، فحمي سليمان ، وأمر بقطع يد خالد ، وكان يزيد بن المهلب عنده ، فما زال يقبل يده ، حتي أمر بضربه مائة سوط ، فضرب ، فقال الفرزدق : ( الاغاني 19/2 ، 20).

العمري لقد صبت علي ظهر خالد****شآبيب ما استهللن من سبل القطر

ولولا يزيد بن المهلب حلقت ****بكفك فتخاء إلي الفرخ في الوكر

وأوعز خالد بن عبد الله القسري ، أمير العراق ، إلي صاحب شرطته مالك بن المنذر ، فضرب عمر بن يزيد الأسيدي بالسياط ، حتي قتله ، وسبب ذلك إن خالد القسري قدم علي هشام بن عبد الملك ، وأخذ يصف له طاعة أهل اليمن، ونصيحتهم، وموالاتهم، فصفق عمر بن يزيد إحدي يديه علي الأخري ، وقال لهشام : كذب - والله - يا أمير المؤمنين ، ما أطاعت اليمانية ، ولا نصحت قط ، أليسوا هم أعداءك أصحاب يزيد بن المهلب ، وأصحاب ابن الأشعث ؟ والله لا ينعق ناعق ، إلا أسرعوا الوثبة إليه ، فأحذرهم يا أمير المؤمنين ، فاضطغنها عليه خالد ، فلما ولي العراق ، كان أول همه أن يقتل عمر ، فأمر صاحب شرطته بأن يتجني عليه ، فجري ذات يوم ذكر عبد الأعلي بن عبد الله بن عامر ، فافتري عليه مالك صاحب الشرطة ، فقال له عمر : تفتري علي مثل عبد الأعلي ؟ فأغلظ له مالك ، وضربه بالسياط حتي قتله ( الهفوات النادرة 386 والطبري 46/ش7 وابن الأثير 5، 124، 145 )

ص: 38

وجاء المغيرة بن سعيد البجلي، إلي الإمام محمد الباقر ، وقال له : أخبر الناس بأني أعلم الغيب ، وأنا أطعمك العراق ، فزجره الإمام زجرأ شديدا ، وطرده ، فقصد أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ، فقال له مثل ذلك ، وكان أبو هاشم أبدأ ، فوثب عليه فضربه ضربا شديدا أشفي به علي الموت ( شرح نهج البلاغة 8/ 121 ).

أقول : المغيرة بن سعيد البجلي الكوفي ، أحد الدجالين ، كانت له آراء عجيبة ، وكان يقول : إن الله علي صورة رجل ، علي رأسه تاج ، وأعضاؤه علي عدد حروف الهجاء ، وإن الله لما أراد أن يخلق الخلق ، تعلم بالإسم الأعظم، فطار ، فوقع علي تاجه ، ثم كتب باصبعه علي كفه أعمال عباده من المعاصي والطاعات، فلما رأي المعاصي ارفض عرق، فاجتمع من عرقه بحران، أحدهما ملح والآخر عذب، ثم نظر إلي البحر فرأي ظله، فذهب ليأخذه فطار ، فأدركه ، فقلع عيني ذلك الظل ومحقه ، فخلق من عينيه الشمس وسماء أخري ، وخلق من البحر الملح الكفار ، ومن العذب المؤمنين ، راجع الخبر عن مصير المغيرة بن سعيد البجلي ، في هذا الكتاب ، في الباب الرابع عشر و الإحراق والتعذيب بالنار والماء المغلي » الفصل الأول و التعذيب بالنار ، القسم الأول و الاحراق بالنار .

وكتب هشام الاموي ، إلي عامله علي اليمن يوسف بن عمر الثقفي ، في السنة 120 بأنه ولاه العراق ، فترك اليمن ، واستخلف عليها ولده الصلت ، فخرج ولده يشيعه فلما أراد أن ينصرف ، سأله : أين تريد ؟ فضربه مائة سوط ، وقال له : يا ابن اللخناء أيخفي عليك إذا استقر بي منزل ؟ ( الطبري 150/7 ).

ولما قدم يوسف بن عمر الثقفي العراق ، عاملا لهشام ، اعتقل سلفه في إمارة العراق ، خالد القسري ، وحبسه ، وأخذ يزيد بن خالد القسري ، فضربه ثلاثين سوطأ ( وفيات الأعيان 105/7 ).

ص: 39

وكان يوسف بن عمر ، لما ولي العراق ، يسعي في عزل نصر بن سيار عامل خراسان ونصب غيره مكانه ليكون أمره بيده ، وبعث نصر في السنة 123 وفدا للخليفة هشام وعلي رأس الوفد مغراء بن أحمد بن ملك بن سارية النمري ، فلما قدم الوفد علي أمير العراق ، أغري يوسف مغراء ، بأن يقدح في نصر أمام هشام ، فتنقص مغراء نصرأ ، فكذبه أعضاء الوفد وامتدحوا نصرة، وبلغ نصرة حديث هذا المجلس ، فبعث إلي الحكم بن نميله بن مالك ، من ابناء عم مغراء ، وكان في السراجين يعرض الجند ، من أخذ برجله وسحبه عن طنفسة له ، وكسر لواءه علي رأسه ، وضرب بطنفسته وجهه ، وقال : كذلك يفعل الله بأصحاب الغدر ، أما مغراء فبقي بالعراق عند يوسف بن عمر . ( الطبري 195/7 ).

ولما عزل خالد بن عبد الله القسري عن العراق ، أخذ خلفه يوسف بن عمر ، جميع عماله ، وهم ثلثمائة وخمسون ، وعذبهم ، وقتل مولي لخالد ، اسمه داود ، ضربه حتي مات . ( العيون والحدائق 103/3 ) .

ولما ورد يوسف بن عمر الثقفي (ت 127)، العراق في السنة 126 ، قبض علي طارق ، صاحب خالد القسري ، وضربه خمسمائة سوط ( الطبري 150/7 و151 ) .

وفي السنة 126 اشتري يوسف بن عمر ، عامل العراق ، من الوليد بن يزيد ، خالد القسري بخمسين ألف ألف درهم ، فدفعه اليه ، فأخذ يوسف يعذب خالدا وهو في طريقه إلي العراق ، فلما كان ببعض الطريق ، أرسل زيد بن تميم القيني ، إلي خالد ، شربة سويق حب رمان ، مع مولي له يقال له سالم النقاط ، فبلغ يوسف الخبر ، فضرب زيدا خمسمائة سوط ، وضرب سالما ألف سوط .

وعرض يوسف بن عمر ، خالد القسري علي العذاب حتي قتله ، ودفنه

ص: 40

في عباءته التي كان يعذب فيها ، فأقبل عامر بن سهلة الأشعري ، فعقر فرسه علي قبر خالد بالحيرة ، فبلغ يوسف بن عمر ذلك ، فضرب عامر سبعمائة سوط . ( الطبري 260/7 ).

ووزن يوسف بن عمر ، درهم ، فنقص حبة ، فكتب إلي دور الضرب بالعراق ، فضرب كل واحد من أهلها مائة سوط . ( المحاسن والمساويء 143/1)

وضرب يوسف بن عمر الثقفي ، أمير العراقين ، حائكة ، لأنه عد أبيات الثوب فوجدها في أحد جانبيه تنقص عن الجانب الأخر بيتا . ( ابن الأثير 225/5)

أقول : سبق أن أوردنا سبب ضرب الحائك في هذا الكتاب ، في الباب الأول : الشتيمة ، في الفصل الخامس : الرفث في الشتيمة ، في بحث : ابن اللحناء .

وضرب يوسف بن عمر ، عددأ من جواريه ، وخصيأ له اسود ، اسمه حديج ، وقد سبق أن أوردنا الحكاية في باب الشتيمة ، راجع الباب الأول ، الفصل الثالث ، القسم الثاني ب « المعايرة بالصفات السيئة العارضة » .

وضرب الوليد بن يزيد ، الأفقم يزيد بن هشام بن عبد الملك ، وحلقه ، فلما قتل الوليد ، وحبس ولداه عثمان والحكم ، دخل الأفقم عليهما في السجن ، وأخذ يشتم أباهما، فبكي الحكم ، فقال عثمان لأخيه : اسكت يا أخي ، ثم أقبل علي يزيد ، فقال له : أتشتم أبي ، أما أنا فلا أشتم عمي هشامأ . ( الاغاني 82/7 ).

وفي السنة 126 أحضر الوليد بن يزيد خالد بن عبد الله القسري ، وطالبه باحضار ولده يزيد بن خالد ، فانكر معرفته بمكانه ، فأمر الوليد غيلان صاحب حرسه بتعذيبه ، وقال له : أسمعني صوته ، فأخذه غيلان ، وعذبه

ص: 41

بالسلاسل ( بالضرب بالسلاسل ) فلم يتكلم ، فرجع غيلان إلي الوليد ، وقال له : والله ، ما أعذب إنسان، إنه لا يتكلم ولا يتأوه . ( الطبري 259/7)

وفي السنة 125 أمر الوليد بن يزيد بابن عمه سليمان بن هشام بن عبد الملك ، فضرب مائة سوط ، وحلق رأسه ولحيته ، وألبسه الصوف ، وأثقله بالحديد ، ونفاه إلي عمان ، فلم يزل حتي قتل الوليد ، وكان سليمان يساعد أباه في ذم الوليد ، ويشير عليه بخلعه من ولاية العهد وقتله . ( الطبري 7/ 231 والعيون والحدائق 3/ 130).

ولما خرج يزيد بن الوليد ، الملقب بالناقص ، علي ابن عمه الوليد بن يزيد ، خرج مولي للوليد علي فرس له ، فأتي الوليد من يومه ، فنفق فرسه لما بلغه ، وأخبر الوليد بالخبر ، فضربه مائة سوط ، وحبسه ( الطبري 243/7)

وفي يوم النشاش ، جمع عبيد الله بن مسلم الحنفي جمعأ ، وأغار علي ماء لقشير ، وأغار علي عكل، فقتل منهم عشرين ألفا، ثم قدم المثني بن يزيد بن عمر بن هبيرة ، واليا علي اليمامة من قبل أبيه يزيد الذي ولي العراق لمروان الجعدي ، فتعصب المثني لبني عامر علي بني حنيفة ، اللقيسية التي فيه ، فضرب عدة من بني حنيفة ، وحلقهم ، فقال شاعرهم :

فان تضربونا بالسياط فاننا****ضربناكم بالمرهفات الصوارم

وان تحلقوا منا الرؤوس فاننا****قطعنا رؤ وسأ منكم بالغلاصم

ولم يزل عبيد الله بن مسلم الحنفي مستخفيا ، حتي قدم السري بن عبد الله الهاشمي واليا علي اليمامة لبني العباس ، فدل عليه ، فقتله ( ابن الأثير 300/5 و1 30) .

واختصم إلي أبي الخطار الحسام بن ضرار ، أمير الأندلس ، رجلان ،

ص: 42

واحد من كنانة ، والآخر من غسان ، فاستعان الكناني بالصميل بن حاتم الضبابي ، فكلم فيه أبا الخطار ، فأغلظ أبو الخطار له ، فأجابه الصميل ، فأمر به ، فأقيم ، وضرب قفاه ، فمالت عمامته ، فلما خرج قيل له : نري عمامتك مالت ، فقال : إن كان لي قوم فسيقيمونها . ( ابن الأثير 337/5 و 338) .

وفي السنة 125 كتب يوسف بن عمر ، عامل العراق ، إلي نصر بن سيار عامل خراسان ، بموضع يحيي بن زيد بن علي ، وإنه عند الحريش بن عمرو ببلخ ، فأمر عقيل بن معقل العجلي ، فأحضر الحريش ، وسأله عن يحيي ، فقال : لا علم لي به ، فضربه ستمائة سوط ، فقال له الحريش : والله ، لو أنه كان تحت قدمي ما رفعتهما لك عنه ، فلما رأي قريش بن الحريش ذلك ، جاء عقيلا ، ودله علي موضع يحيي ، وكان في بيت في جوف بيت ، فأخذوه ، وبلغ ذلك الوليد بن يزيد فأمر باطلاقه ، فأطلق ، ثم بدا لنصر بن سيار فبعث اليه عمرو بن زرارة في عشرة آلاف ، فلاقاه يحيي بن زيد في جمع قليل ، فقتل عمرة وهزم أصحابه ، فبعث إليه نصر بن سيار بعثا آخر ، فقتل يحيي وأنفل أصحابه ، أصابت يحيي نشابة في جبهته ، فقتلته . ( الطبري 7/ 228 - 230 ومقاتل الطالبيين 154 ).

وفي السنة 126 ولي يزيد بن الوليد، منصور بن جمهور علي العراق ، وجمع له معها خراسان ، وكان عليها نصر بن سيار ، فولي منصور أخاه منظور علي خراسان ، ووجه رجلا من بلقين إلي خراسان ، فأخذه أحد موالي نصر ، واسمه حميد ، وكان علي سكك نيسابور ، فضربه وكسر أنفه ، فترضاه نصر ، ووصله بعشرين ألف درهم ، وكساه ، ورده إلي منصور . ( الطبري 7 / 280 ) .

وبعث يزيد بن عمر بن هبيرة (ت132 ) ، أمير العراق في العهد

ص: 43

الأموي ، فأحضر أبا حنيفة، وأراده علي بيت المال ، فأبي ، فضربه أسواطأ ( تاريخ بغداد للخطيب 13 / 327).

ولما سار مروان الحمار (ت 132 ) ، إلي الشام ، حاربه جيش إبراهيم بن الوليد ، فظفر بهم ، وأطلق من أسره من جنده ، إلا اثنين من كلب هما يزيد بن العقار والوليد بن مصاد وكان أحدهما علي حرس يزيد بن خالد القسري والآخر علي شرطه ، فإنه اعتقلهما وضربهما بالسياط ، وحبسهما ، فهلكا في حبسه . ( الطبري 301/7 ).

وفي السنة 128 لاقي أبو حمزة الخارجي ، عبد الله بن يحيي طالب الحق ، فبايعه بحضرموت ، وكان أبو حمزة واسمه المختار بن عوف الأزدي السليمي من البصرة ، وكان يوافي كل سنة مكة فيدعو الناس إلي خلاف مروان الحمار وآل مروان ، فلم يزل يختلف كل سنة حتي لقي عبد الله بن يحيي فبايعه ، وكان أبو حمزة قد مر بمعدن بني سليم ، وكان العامل علي المعدن كثير بن عبد الله ، فسمع بعض كلامه فأمر به فجلد سبعين سوطأ . ( الطبري 348/7) .

وفي السنة 128 غضب نصر بن سيار ، من كلام كلمه به عبد الجبار الأحول العدوي ، فلما رجع إلي مرو، أمر به فضرب أربعمائة سوط . ( الطبري 7/ 338 ).

وكان المنصور (ت 158)، في أيام الأمويين ، علي عمالة بعض الكور بفارس ، وكان أمير فارس سليمان بن حبيب بن المهلب ، فاتهم المنصور بالاختلاس ، فضربه بالسياط ضربا شديدا ، وأغرمه المال ، فلما ولي المنصور الخلافة ، اعتقل سليمان بن حبيب وضرب عنقه . ( وفيات الاعيان 410/2).

وقال ابن شيابة : حضرت جنازة بمصر ، فقال لي بعض القبط : من

ص: 44

المتوفي ؟ فقلت: الله عز وجل ، فضربت حتي مت . ( البصائر والذخائر 183/1/1)

أقول : أراد القبطي أن يسأل عن الميت ، أي المتوفي ، بالقاء المفتوحة والمقصورة ، ولكنه قال : المتوفي ، بالفاء المكسورة والياء ، والله هو الذي يتوفي الأنفس حين موتها، ولكن هذا الخطأ في التعبير ما زال موجودا في كل البلاد العربية إلي الآن ، فهم إذا ذكروا الميت قالوا : المتوفي ، بالفاء المكسورة ، مع أن المتوفي هو الله .

وكان عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، من أقسي خلق الله قلب ، وكان يغضب علي الرجل ، فيأمر بضربه بالسياط ، وهو يتحدث ، ويتغافل عنه حتي يموت تحت السياط ، وفعل ذلك برجل ، فجعل يستغيث فلا يلتفت إليه ، فناداه : يا زنديق ، أنت الذي تزعم أنه يوحي إليك ، فلم يلتفت إليه ، وضربه حتي مات . ( الاغاني 12 / 232 ).

أقول : عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب ، سمي أبوه معاوية ، لأن عبد الله بن جعفر كان في مجلس معاوية ، لما بشر بولادته ، فسأله معاوية أن يسميه باسمه ، فسماه ، فوصله معاوية بمائة ألف درهم ، فوهبها عبد الله لمن بشره بولادته ، وقدم عبد الله الكوفة في السنة 127 وتحرك بها علي بني أمية ، فلم يوفق ، فخرج إلي الجبال ، واستولي علي حلوان والجبال وهمذان وأصبهان والري ، وقصده بنو هاشم ، وبعض بني أمية ، فوصلهم ، ثم وجه إليه مروان الجعدي ، آخر الحكام الأمويين جيشا ، فانفل جيش عبد الله فقصد أبا مسلم الخراساني يستعين به ، وكان أبو مسلم في ابتداء أمره ، فحبس عبد الله ، ثم قتله في السجن في السنة 131 ، وكان عبد الله شاعرأ ، وهو صاحب البيت الذي أصبح مثلا سائرأ : ( الاعلام 4 / 282).

وعين الرضا عن كل عيب كليلة ****كما ان عين السخط تبدي المساويا

ص: 45

وذكر صاحب مقاتل الطالبيين ( ص 160 ) أن عبد الله بن معاوية ، بلغه أن عبد الله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب ، وكان معه ، يقول : أنا ابن عون بن جعفر ، فضربه بالسياط حتي قتله .

وفي السنة 133 أخذ بمصر حسان بن عتاهية الكندي ، من كبار رجال الدولة الأموية ، فضربه صالح بن علي ، أمير مصر للسفاح ، بالسياط ، ثم قال له : استبقيك ؟ فقال له : ما في البقاء خير بعد هذا ، فضرب عنقه . ( الولاة للكندي 98 ).

وأخذ عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، أبا الزفت الحسن بن محمد ، ومسلم بن جندب ، وعمر بن سلام ، علي شراب ، فأمر بهم فضربوا جميعا ، ثم جعل في أعناقهم حبالا ، وطيف بهم في المدينة ، ثم حبسهم يوما وليلة . ( الطبري 8/ 192).

وفي السنة 132 جاء إلي عامل الكوفة لمروان ، عبد الرحمن بن بشير العجلي ، رجل من بني ضبة ، فقال له : إن الحسن بن قحطبة ، القائد العباسي ، داخل اليوم أو غدا ، فقال له : كأنك جئت لترهبني ، وضربه ثلثمائة سوط . ( الطبري 7/ 418) .

وفي السنة 135 خرج زياد بن صالح، وراء نهر بلخ ، فقصده أبو مسلم الخراساني ، وبلغه أن سباع بن النعمان هو الذي أفسد زياد بن صالح ، فكتب إلي عامله علي أمل ، أن يضرب سباع مائة سوط ثم يضرب عنقه ، ففعل . ( الطبري 466/7 ) .

وفي السنة 135 بلغ أبا داود ، القائد العباسي ، أن أحد قواده عيسي بن ماهان قد عابه في رسائل عدة كتبها إلي قوم ، فأحضره ، وحبسه ، ثم دعا به ، وذكره صنائعه إليه ، وإنه كان يؤثره علي أولاده ، فأقر بذلك ، فقال أبو

ص: 46

داود : فكان جزاء ما صنعته بك ، أن سعيت بي ، وأردت قتلي ، فأنكر ذلك ، فأخرج رسائله بخطه ، فضربه أبو داود حدين ، ثم قال له : أما إني تركت ذنبك لك ، ولكن الجند أعلم ، فأخرج في القيود ، فلما أخرج من السرادق ، وثب عليه حرب بن زياد ، وحفص بن دينار ، فضرباه بعمود وبطبرزين ، فوقع إلي الأرض ، وعدا عليه الآخرون ، فأدخلوه في جوالق ، وضربوه بالأعمدة ، حتي مات . ( الطبري 467/7 ) .

وكان جعفر بن علبه الحارثي ، يزور نساء من عقيل بن كعب ، فأخذته عقيل ، فكشفوا دبر قميصه ، وربطوه إلي جمته ، وضربوه بالسياط ، وكتفوه ، ثم أقبلوا به وأدبروا علي النسوة اللاتي كان يتحدث إليهن ، وجعلوا يكشفون عورته بين أيدي النساء ، ويضربونه . ( الاغاني 52/13 ).

وفي السنة 140 أخذ عبد الجبار بن عبد الرحمن ، عامل خراسان للمنصور ، قومأ من القواد ، اتهمهم بالدعوة لآل أبي طالب ، فقتلهم ، وحبس عدة منهم ، وضرب اثنين منهم ضربا مبرحا ، وهما الجنيد بن خالد التغلبي ومعيد بن الخليل المزني . ( الطبري 503/7 ).

وغضب المنصور ، علي محمد بن جميل الكاتب ، فأمر ببطحه ، فقام بحجته ، فأمر بإقامته ، ونظر إلي سراويله ، فإذا هو كتان ، فأمر ببطحه ، وضربه خمس عشرة درة ، وقال له : لا تلبس سراويل كتان ، فانه من السرف . ( الطبري 95/8 ).

وضرب المنصور قهرمانه سبع درر ، وسبب ذلك ، إنه دخل من باب الذهب في قصره ، فوجد ثلاثة قناديل مشعلة ، فقال : ما هذا ، أليس في واحد منها كفاية ، وأمر أن يقتصر علي إشعال قنديل واحد ، فلما أصبح ، أشرف علي الناس وهم يتغذون ، فرأي الطعام قد خفت من بين أيديهم ، قبل أن يشبعوا ، فدعا بقهرمانه ، وسأله عن سبب قلة الطعام ، فقال له : يا أمير

ص: 47

المؤمنين ، رأيتك قد قدرت الزيت ، فقدرت الطعام ، فغضب المنصور ، وقال له : أراك لا تفرق بين زيت يحترق بلا نفع وبين طعام إذا فضل وجد له آكلا ، ثم أمر به فبطح وضرب سبع درر . (تاريخ بغداد للخطيب 56/10 )

ولما جيء ببني الحسن ، مقيدين ، إلي الربذة ، طلب المنصور ، واحدة منهم ، فبعث إليه عبد الله بن الحسن ، ولده موسي وكان حدث السن ، فلما نظر إليه المنصور ، قال : لا أنعم الله بك عينة ، السياط يا غلام ، فضرب حتي غشي عليه ، ولم يعد يحس بالضرب . ( الطبري 7/ 543 و544 ومقاتل الطالبيين 223 و291 ).

وأمر المنصور العباسي ، بعبد الرحمن بن أبي الموالي ، فضرب أربعمائة سوط ، حتي غشي عليه ، وسبب ذلك أن عبد الرحمن كان قوي الصلة ببني الحسن ، فأخذه المنصور فيمن أخذ من بني الحسن ، قال عبد الرحمن : فأدخلت علي المنصور ، وسلمت عليه ، فقال : لا سلم الله عليك ، اين الفاسقان ابنا الفاسق ، الكذابان ابنا الكذاب ( يريد محمد وإبراهيم ولدي عبد الله بن الحسن بن الحسن ) ، فقلت له : يا أمير المؤمنين أينفعني الصدق عندك ؟ قال : وما ذاك ؟ قلت : امرأتي طالق إن كنت أعرف مكانهما ، فلم يقبل ذلك مني ، وقال : السياط ، فأتي بالسياط ، وأقمت بين العقابين، فضربني أربعمائة سوط، فما عقلت بها، حتي رفع عني . ( مقاتل الطالبيين 288 ).

وكان الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، ممن خرج مع محمد بن عبد الله بن الحسن النفس الزكية ، فلما ظهر بعد قتله ، أحضره جعفر بن سليمان ، وكان علي المدينة ، وسأله عن المال ، فقال : أنفقناه فيما كنا فيه ، فضربه أربعمائة سوط ، وحبسه ، فلم يزل محبوسأ حتي مات أبو جعفر . ( مقاتل الطالبيين 302).

ص: 48

وأحضر المنصور بالمدينة ، قوما اتهمهم بممالأة محمد بن عبد الله النفس الزكية ، فأمر بعلي بن المطلب وعبد العزيز بن إبراهيم ، فضرب كل واحد منهما خمسمائة سوط ، ثم أعاد عبد العزيز ليضربه ، فقال له : الله الله فينا، فوالله إني لمكب علي وجهي منذ أربعين ليلة ، ما صليت الله صلاة . ( الطبري 609/7 ).

وبعث أبو جعفر المنصور ، عينا له ، إلي المدينة ، فأتصل بمحمد بن عبد الله النفس الزكية ، واطلع علي بعض أسراره ، ثم فر منه إلي أبي جعفر ، فأخبره بجميع أخباره ، وعمي عن اسم أحد أصحاب محمد ، وهو أبو هبار ، فسماه : وبرأ ، فكتب أبو جعفر في طلب : وبر المزني ، فحمل إليهم رجل من مزينة ، يسمي وبرة ، فسأله عن محمد، فحلف له إنه لا يعرف من أمر محمد شيئا ، فأمر به فضرب سبعمائة سوط ، وحبس حتي مات المنصور . ( الطبري 528/7 ).

وكان أبو بكر بن أبي سبرة علي صدقات طيء وأسد ، فلما ظهر محمد النفس الزكية ، أقبل إليه أبو بكر وسلم إليه ما جباه ، فلما استخلف عيسي ابن حصين علي المدينة ، أخذ أبا بكر فضربه سبعين سوطا ، وحدده ، وحبسه . ( الطبري 609/7 و 610).

ولما خرج محمد بن عبد الله ، النفس الزكية بالمدينة ، كتب أبو جعفر إلي رجال في المدينة رسائل ، فاطلع عليها محمد ، فبعث إليهم وضرب كل واحد منهم ثلثمائة سوط ، وحبسهم وقيدهم بكبول وسلاسل تبلغ ثمانين رطلا . ( الطبري 580/7 ).

وبعث عبد الله بن الحسن ، رجلا من مزينة ، إلي ولده محمد، النفس الزكية ، يحذره من جواسيس المنصور ، وقبض المنصور علي المزني ، فضربه تسعمائة سوط . ( العيون والحدائق 3/ 234 و235 ) .

ص: 49

وكان المنصور قد ولي زياد بن عبيد الله الحارثي علي المدينة ، ثم اتهمه بالتراخي في البحث عن محمد وإبراهيم ولدي عبد الله بن الحسن ، فعزله وولي محمد بن خالد القسري ، ثم اتهمه بالتراخي في البحث عنهما ، فعزله وولي رياح بن عثمان بن حيان ، فلما قدم رياح المدينة ، دعا بالقسري ، فسأله عن الأموال ، فقال له : هذا كاتبي هو أعلم مني بذلك ، فقال له : أسألك ، وتحبلني علي كاتبك ؟ وأمر به فوجئت عنقه ، وقنع أسواطأ ، ثم أخذ رزامأ ، كاتب محمد ، وبسط عليه العذاب ، وكان يضربه في كل غب خمسة عشر سوط ، مغلولة يداه إلي عنقه من بكرة إلي الليل ، يتبع به أفناء المسجد والرحبة ود إليه أن يرفع علي محمد بن خالد، فأبي ، فأخرجه صاحب شرطة رياح ، يوما ، وهو يريد ضربه ، وقد أصبح ما بين قرنيه إلي قدمه قرحة ، فقال له : هذا يوم غبك ، فأين تريد أن نجلدك ؟ قال : والله ما في بدني موضع لضرب ، فان شئت فبطن كفي ، فأخرج كفيه ، فضربه في بطنهما خمسة عشر سوطأ ، ثم كلمة في الرفع علي محمد بن خالد، فأبي ، وصاح في الناس ، بأن الأمير أمره أن يرفع علي محمد ، فضرب مائة سوط ورد إلي السجن . ( الطبري 533/7 و534 ) .

وفي السنة 158 ضرب المسيب بن زهير ، صاحب شرطة المنصور ، أبان بن بشير الكاتب بالسياط حتي قتله . ( ابن الأثير 6/ 34).

وأمر المنصور ، بتجريد محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، وأمه فاطمة بنت الحسين الشهيد ، فضرب ألف سوط ( مروج الذهب 236/2 ) وأمر أن يدق وجهه بالجرز ، وهو العمود من الحديد ( الطبري 7 / 543 ) وبلغ من شدة الضرب أنه أخرج وكأنه زنجي ( مقاتل الطالبيين 220 وابن الأثير 525/5 ) وجاءت إحدي الضربات علي عينه ، فسالت ( مقاتل الطالبيين 220 والطبري 542/7 ) ثم قتله ، وقطع عنقه . ( مقاتل الطالبيين 226) .

ص: 50

واشتري جعفر بن سليمان العباسي ، أمير البصرة ، الزرقاء ، جارية ابن رامين ، فقال لها : هل قبلك أحد قط ؟ قالت : نعم ، يزيد بن عون ، قبلني ، ومج في فمي درة بعتها بثلاثين ألف درهم ، فطلبه ، حتي ظفر به ، فضربه بالسياط حتي قتله . ( البصائر والذخائر 473/2/3 ) .

أقول : وابن رامين هذا ، الذي يقول فيه بشارة :

قالوا بشارة عين فقلت لهم : ****الله يشهد أني غير عنين

فإن ظننتم بي الظن الذي كذبوا**** فقربوني من بيت ابن رامين

ولما خرج محمد بن عبد الله ، النفس الزكية بالمدينة ، علي المنصور ، في السنة 145 بعث أخاه موسي إلي الشام ، فلم يجد معينأ ، فأتي البصرة ، فكبس عليه ، وأخذه أميرها محمد بن سليمان العباسي ، فبعث به إلي المنصور ، فأمر المنصور بموسي وابنه ، فضرب كل واحد منهما خمسمائة سوط ، ثم أمر بهم إلي السجن . ( ابن الأثير 5 / 543 ).

وضرب عبد الله بن معن بن زائدة الشيباني ، أبا العتاهية ، مائة سوط . وتفصيل القصة : إن أبا العتاهية ، وهو من موالي بني شيبان ، كان يتعشق جارية ، وكان يتعشقها كذلك عبد الله بن معن بن زائدة ، فنهي أبا العتاهية عن التشبيب بها ، وتهدده بالقتل ، فقال فيه أبو العتاهية :

لقد بلغت ماقال ****فما باليت ما قالا

فصغ ما كنت حليت ****به سيفك خلخالا

وما تصنع بالسيف ****إذا لم تك قتالا

فغضب عبد الله ، وأحضر أبا العتاهية ، وضربه مائة سوط ، فقال يهجوه : [ الاغاني 277/15 و 278 ].

ضربتني بكفها ****بنت معن بن زائدة

جلدتني وبالغت**** مائة غير واحدة

ص: 51

واتهم المهدي العباسي ، رجلا بالزندقة ، فقال له : أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا و رسوله ، وأن الإسلام ديني عليه أحياء وعليه أموت ، وعليه أبعث ، فقال له المهدي : يا عدو الله ، إنما تقول هذا مدافعة عن نفسك ، هاتم السياط ، فأحضرت ، وأمر بضربه ، فضرب ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي، تحقيق المؤلف ح8 ص 267 رقم القصة 116 .

وبلغ المهدي أن ابن جامع ، وإبراهيم الموصلي ، يأتيان ولده موسي الهادي ، فبعث إليهما ، فجيء بهما ، فضرب الموصلي ضربا مبرحا ، وقال له ابن جامع : ارحم أمي ، فرق له ، وقال له : قبحك الله ، رجل من قريش يغني ، وطرده . ( الاغاني 303/6) . واتهم المهدي ، آدم بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، بالزندقة ، فضربه ثلثمائة سوط . ( الاغاني 287/15) .

وغضب المهدي مرة علي يعقوب بن داود ، فأخرجه من حبسه ، وناظره ، ثم قال له : اتكذبني ، وضربه اثني عشر سوطأ ضربا مبرحا ، ثم رده إلي الحبس . ( الطبري 162/8).

وضرب المهدي (ت 169 ) أبا العتاهية بسبب عشقه عتبة ، فقال أبو دهمان الغلابي : [ الاغاني 257/22 ].

لولا الذي أحدث الخليفة في ال ****عشاق من ضربهم إذا عشقوا

بحث باسم الذي أحب ولا**** كني أمرؤ قد ثناني الفرق

وغضب بشار بن برد علي تلميذه سلم الخاسر ، فضربه ثلاثة أسواط ، وسبب ذلك إن بشارة كان قد نظم قصيدة ، قال فيها :

قالوا حرام تلاقينا، فقلت لهم ****ما في التلاقي ولا في غيره حرج

من راقب الناس لم يظفر بحاجته ****وفاز بالطيبات الفانك اللهج

ص: 52

فعمد سلم إلي البيت الثاني ، فسلخ معناه ، وقال :

من راقب الناس مات همأ**** وفاز باللذة الجسور

فراج بيت سلم ، واندثر بيت بشار ، فغضب بشار ، وأحضر سلمة ، وقنعه ثلاثا بمخصرة في يده ، وقال له : يا فاسق ، تجيء إلي معني سهرت له عيني ، وتعب فيه فكري ، وسبقت الناس اليه ، فتسرقه ، وتختصر لفظه ، فيذهب بيتي ، وظل سلم يترضاه ، ويحلف له ألا يعود ، حتي رضي عنه . ( الاغاني 264/19) .

وبلغ موسي الهادي (ت 170 ) وهو أمير ، حال بنت جميلة لعمارة بن حمزة ، فراسلها ، فقالت لأبيها ذلك ، فقال : ابعثي إليه في المصير إليك ، فأرسلت إليه بذلك ، وحمل موسي نفسه علي المصير إليها ، فأدخلته حجرة قد فرشت ، وأعدت له ، فلما حصل فيها دخل عليه عمارة ، فقال له : السلام عليك أيها الأمير ، ماذا تصنع هاهنا ، اتخذناك ولي عهد فينا ، أو فحلا لنسائنا ، ثم أمر به فبطح في موضعه ، وضربه عشرين درة خفيفة ورده إلي منزله ، فحقدها موسي علي عمارة ، وأراد أن ينتقم منه لما استخلف فلم يتمكن ، راجع القصة بتمامها في معجم الأدباء 6 / 5 و6 .

وبلغ الحسين بن عبد الله العباسي ، أن ابني هشام الكرنباني ، ينسبان إليه فعل القبيح ، فلقيهما في سكة المربد بالبصرة ، فشد عليهما بسوطه وهو راكب ، فضربهما ضربا مبرحا . ( الاغاني 241/13).

واتهم المهدي العباسي ، بشار الشاعر ، بالزندقة ، فأمر به فضرب سبعين سوطا ، فكان كلما أوجعته الضربة ، صاح : حس ، حس ( بالحاء والسين ، وقد حرفها البغداديون فهم يلفظونها الآن خس ، بالخاء المكسورة ) ، فقال أحدهم : انظروا إلي زندقته ، يقول حس ، ولا يقول بسم الله ، أو الحمد لله ، فقال له : ويحك ، أهو طعام فأسمي عليه ، أو نعمة

ص: 53

أحمد الله عليها ، ومات بعد الضرب . ( الاغاني 244/3 ووفيات الأعيان 426/1 )

وأمر الهادي ، بعلي بن الحسين بن علي بن الحسين ، الملقب بالجزري ، فضرب خمسمائة سوط ، وسبب ذلك ، إن عليا تزوج رقية بنت عمرو العثمانية ، وكانت تحت المهدي ، فبلغ ذلك موسي الهادي ، فأرسل إليه ، فأحضره ، وقال له : أعياك النساء إلا امرأة أمير المؤمنين ؟ فقال : ما حرم الله علي خلقه إلا نساء جدي ، فأما غيرهن فلا ، ولا كرامة ، فغضب موسي ، وشجه بمخصرة كانت في يده، وأمر بضربه خمسمائة سوط ، فضرب ، وأراده أن يطلقها ، فلم يفعل ، فحمل من بين يديه في نطع ، فألقي ناحية ، وكان في يده خاتم سري ، فرآه بعض الخدم ، وقد غشي عليه من الضرب ، فأهوي إلي الخاتم ، فقبض الجزري علي يد الخادم ودقها ، فصاح الخادم ، وجاء إلي موسي فأراه يده ، فاستشاط موسي ، وقال له : ما حملك علي ما فعلت ؟ قال : سله ، ومره أن يضع يده علي رأسك وليصدقك ، ففعل موسي ذلك ، فصدقه الخادم ، فقال : أحسن والله ، أنا أشهد أنه أبن عمي ، وأمر بإطلاقه . ( الطبري 8/ 219 والمحاسن والمساوي 2/ 139).

وذكر أن بعض المغنين ، غني عند الرشيد ، بشعر مدح به أخوه علي بن المهدي ، المعروف بابن ريطة ، وهي بنت السفاح ، وغناه المغني وهو لا يعرف قائله ، ولا من قيل فيه ، وهو :

قل لعلي أيا فتي العرب ****وخبر نام وخير منتسب

أعلاك جذاك باعلي إذا ****قصرجد في ذروة النسب

يريد الشاعر بقوله : إن علي بن المهدي أعلاه جداه أي المنصور من جهة أبيه والسفاح من جهة أمه ، وفيه تعريض بالرشيد ، لأن أمه الخيزران

ص: 54

كانت أمة ، فتغير الرشيد تغير شديدا ، واستفهم من المغني عن الشعر ، وقائله ، ومن قيل فيه ، فوجده لا يعلم شيئا من ذلك ، فبحث عن أول من غني فيه ، فكان عبد الرحيم الدفاف ، فأمر به ، فضرب أربعمائة سوط . ( الاغاني 267/3 والهفوات النادرة 45).

وحبس الرشيد ، محمد بن زياد ، المعروف بابن أبي عمر ، الفقيه الأمامي ، وضربه ، ليدل علي مواضع الشيعة ، وأصحاب الإمام موسي بن جعفر . ( الاعلام 365/6).

وغضب الرشيد علي مروان بن أبي حفصة ، لما سمع رثاءه لمعن بن زائدة ، بالأبيات :

أقمنا باليمامة بعد معن**** مقام لانريد به زيا؟

وكان الناس كلهم لمعن ****إلي أن زار حفرته عيالا

وقلنا أين نذهب بعد معي**** وقد ذهب النوال فلانوالا

فأمر به فأحضر ، وأمر الخدم بضربه بالسياط ، فضرب أكثر من مائة سوط . راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، رقم القصة 297 .

وكان أبو صدقة المغني ، عبدا لبعض آل الزبير ، وكان خياط ، وكان يؤدي ضريبته إلي سيده در همين في كل يوم ، فسمع جارية تغني صوتا ، فأعجبه ، فطلب منها أن تعيده ، فطلبت ثمنا لإعادته در همين ، فأعطاها الدرهمين ، وكان لا يملك غيرهما ، فلما عاد إلي سيده وهو لا يملك الضريبة ، بطحه ، وضربه مائة مقرعة ، وحلق رأسه ولحيته ، ومنعه قوته وكان أربعة أرغفة ، راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 252 .

وكان لعلية بنت المهدي ، وكيل اسمه سباع ، فوقفت علي خيانة منه لها ، فضربته وحبسته . ( الاغاني 10 / 183 ).

ص: 55

وضرب الأشك ، أمير المغنين ، مغنية مائة مقرعة ، وسبب ذلك : إن الأشك وهو من أهل حان ، وكان قد أمره الرشيد علي المغنين ، وكان منقطعة إلي الفضل بن الربيع ، فأقعده مع مطارحي الجواري الغناء، فغمز بعضهم جارية ، فنظر إليه الأشك ، فقال له : ما تنظر ، إنما غمزتها بصوت ، فقال الأشك : واحرباه ، أنا أمير المغنين ، ولا أعرف غمز الغناء ، من غمز الزناء ، ثم أمر به فضرب مائة مقرعة . ( الوافي بالوفيات 277/9 ) .

وحبس الرشيد يحيي بن عبد الله العلوي ، في المطبق ، وكان في أضيق البيوت وأظلمها ، ودخل عليه وقد مضي من الليل هجعة ، فكلمه ، ثم أمر به فضرب مائة عصا ( مقاتل الطالبيين 481) .

وغني علويه الرشيد ، بيتا من الشعر :

وأري الغواني لا يواصلن آمرء ****فقد الشباب وقد يصلن الأمردا

فغضب الرشيد ، وقال له : يا عاض بظر أمه ، تغني في مدح المرد ، وذم الشيب ، وستارت منصوبة ، وقد شبت ، كأنك إنما عرضت بي ، ثم دعا بمسرور ، وأمره أن يأخذ بيده فيخرجه ، ويضربه ثلاثين درة ، وأن لا يرده إلي مجلسه ، ففعل ذلك . ( الاغاني 252/5 و 360/11 ).

وضرب بكار الزبيري ، أمير المدينة، الحسين بن عبد الله بن إسماعيل ، بالسوط ، ضربا مبرحا ، فمات من ذلك الضرب . ( مقاتل الطالبيين 497) .

وقال الحسين بن الضحاك : ضربني الرشيد في خلافته لصحبتي ولده ، ثم ضربني الأمين لممايلة ابنه عبد الله لي ، ثم ضربني المأمون لميلي إلي محمد ( الأمين ) ، ثم ضربني المعتصم لموده كانت بيني وبين العباس بن المأمون ، ثم ضربني الواثق لشيء بلغه من ذهابي إلي المتوكل ، وتغاضب

ص: 56

المتوكل علي مرة ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، إن كنت تريد أن تضربني كما ضربني آباؤك ، فأعلم أن آخر ضرب ضربته كان بسببك . ( الاغاني 165/7 و 226 ووفيات الأعيان 353/1 و 354 ).

وفي السنة 183 قتل بالضرب أبو عمرو البهلول بن راشد الحجري ، من العلماء الزهاد ، رأي من أمير إفريقية محمد بن مقاتل العكي ، تصرف لا يتفق والدين ، فشدد في منعه، فبعت إليه العكي من قيده ، وجرده ، وضربه عشرين سوطأ ، وحبسه ، فكان موته من الضرب . ( الاعلام 55/2 و56 ) .

وضرب السندي بن شاهك ، حجاما فضوليا ، سبعين سوطأ . ( العقد الفريد 6 / 445 و446) .

وسب ذلك : إن المأمون ، أرسل إليه ، وكان بخراسان ، فطوي المراحل ، وقدم بغداد ، وانصرف إلي منزله ، فطلب حجامه ، فقيل : هو محموم ، وجاءوه بغيره ، فلما باشر بالعمل ، قال له : من أنت ؟ فأخبره باسمه ، فقال له : إني أري أثر السفر عليك ، فمن أين قدمت ؟ فأخبره ، فقال له : وفي أي شيء قدمت ؟ فقال له : إذا فرغت من عملك ، سوف أخبرك بالقصة علي وجهها ، فلما فرغ من الحجامة ، أمر بتعليق الحجام في العقابين ( خشبتان يشبح الرجل بينهما فيجلد ) ثم أخذ يقص عليه مراحل سفره ، والحجام يجلد بالسياط ، حتي إذا جلده سبعين سوطا ، استعفاه الحجام ، وحلف أنه لا يعود إلي الفضول ، فتركه . ( العقد الفريد 6/ 445 و446).

أقول : هكذا ورد الخبر في العقد الفريد ، وفيه نظر، لأن السندي بن شاهك ، لم يستخدمه المأمون ، بالنظر لمواقفه في أيام الفتنة بين الأخوين ، وكان السندي أحد أثنين قاما ببيعة إبراهيم بن المهدي ، مراغمة للمأمون ( الطبري 557/8 ) . ولما دخل طاهر بن الحسين ، قائد المأمون ،

ص: 57

بغداد ، كتب إليه السندي يسأله الأمان ، فوقع في كتابه : عش ما لم أرك ( تاريخ بغداد لابن طيفور 70) وصرح المأمون مرة ، بأن دم أخيه الأمين في عنق ثلاثة ، أحدهم السندي بن شاهك ، أما الآخران فهما الفضل بن الربيع ، وبكر بن المعتمر ( تاريخ بغداد 15)، وقد توفي السندي في السنة 204 ، أي سنة دخول المأمون بغداد ( تاريخ بغداد 191 ) فلا مجال للإدعاء بأنه عمل في خدمة المأمون ، وإذا صحت القصة ، فيقتضي أن تنسب إلي إبراهيم بن السندي بن شاهك ، الذي نصبه المأمون ، لما دخل إلي بغداد ، صاحب خبر علي ما وراء بابه . (تاريخ بغداد 35 و 37 ).

وجني دعبل الخزاعي الشاعر ، جناية بالكوفة ، فأخذه العلاء بن منظور الأسدي صاحب شرطة الكوفة وحبسه ، ثم ضربه ثلثمائة سوط . ( الاغاني 136 ، 135/20)

ولما حج الرشيد ، اعتقل الإمام موسي بن جعفر ، وأخذه معه لما عاد إلي العراق ، فحبسه عند الفضل بن يحيي البرمكي ، ثم بلغه إنه عنده في رفاهية ، وسعة ، ودعة ، فبعث من يتحقق له ذلك ، ولما تأيد له ، أمر بالفضل فضرب مائة سوط . ( مقاتل الطالبيين 503 ).

وقام رجل إلي هارون الرشيد ، وهو يخطب بمكة ، فقال له : كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ، فأمر به فضرب مائة سوط . ( العقد الفريد 53/1)

ورفع صاحب بريد أصبهان ، عيسي الرواوزدي ، إلي الرشيد ، أن أحمد بن عيسي العلوي ، وصاحبه حاضر ، بالبصرة والأهواز يترددان ، فكتب الرشيد إليه بأمره بطلبهما، وكتب إلي أبي الساج ، وهو علي البحرين ، وخالد بن الأزهر ، وهو علي الأهواز ، وخالد طرشت ، وهو علي بريد طريق السند ، بأن يسمعا ويطيعا لصاحب بريد أصبهان ، فتوصل صاحب

ص: 58

بريد أصبهان إليهما ، وأغراهما بالمسير إلي الكوفة ، وجعلهما في سفينة ، ثم أحشا بالأمر ، فتسللا وهربا ، فقدم عيسي علي الرشيد، وأخبره بتفريط الملاحين في السفينة ، فضربهم الرشيد ضربا مبرحا ، وحبسهم في المطبق . ( مقاتل الطالبيين 627).

وتلاحي إبراهيم الموصلي، وابن زيدان صاحب البرامكة ، وهما يلعبان الشطرنج ، فأخذ ابن زيدان الشاه ، وضرب به رأس إبراهيم ، وقال له : يا زنديق ، تكفر بحضرتي ، فأمر إبراهيم غلمانه ، فضربوا ابن زيدان ضربا شديدأ . ( الاغاني 350/16) .

وسعي بمالك (ت 179 ) إلي جعفر بن سليمان ، أمير المدينة العباسي ، وقالوا : إنه لا يري أيمان بيعتكم هذه بشيء، فدعاه وجده ، وضرب بالسياط ، ومدت يده حتي انخلع كتفه . ( وفيات الأعيان 4 / 137 والعيون والحدائق 298 ).

وفي السنة 184 خاصم وكيل السيدة أم جعفر زبيدة ، إلي محمد بن مسروق قاضي مصر ، فجلس مع خصمه متربعا ، إدلالا بموضعه من السيدة ، فأمر به محمد بن مسروق نبطح ، وضرب عشرة ، فبغاه إلي زبيدة ، فعزله أبو البختري قاضي القضاة . ( القضاة 392 ).

وغمز المأمون ، جارية مغنية ، لحنت وهي تغني ، في مجلس أبيه الرشيد ، فأحس به الرشيد ، فكتب إليه رقعة طلب فيها منه أن يأمر من يضر به عشرين مقرعة جيادة ، فدعا المأمون البوابين ، وأمرهم ببطحه وضربه ، طاعة الأبيه ، فامتنعوا ، فأقسم عليهم ، فامتثلوا أمره . ( العقد الفريد 5/ 120 ).

وكان أبو محمد اليزيدي ، يؤدب المأمون ، فأبطأ عليه المأمون يوما ، ثم أبطأ عليه يوما آخر ، فلما خرج ، أمر بحمله وضربه تسع درر ، راجع القصة في كتاب المحاسن والمساوي 215/2.

ص: 59

وكان هارون بن سليم بن عياش القرشي ، يتكلم في مصر بالعصبية ، فأرسل إليه القاضي ابن مسروق ، قاضي مصر (177 - 184)، وقال له : ما يؤمنك أن أكتب فيك إلي أمير المؤمنين بما تضرب به بين الناس ، وأخذ جمعة من جلسائه فضربهم ، وطاف بهم . ( القضاة للكندي 391 ).

وكان أبو مالك النضر التميمي مع الرشيد ، وكان أبوه مقيم بالبادية ، فأصاب قوم من عشيرته الطريق ، فخرج عامل ديار مضر ، وقصد بني تميم ، فأخذ منهم جماعة فيهم أبو النضر والدأبي مالك ، وضربه حتي مات . ( الاغاني 253/22 ). .

وضرب مسرور الخادم ، الفضل بن يحيي البرمكي ، مائتي سوط ، بأمر الرشيد ، فكاد أن يموت ، وتفصيل ذلك : إن الرشيد سير مسرورا الخادم إلي السجن ، وأخرج له الفضل ، فقال له : إن أمير المؤمنين يقول لك : اصدقني عن أموالك ، وإن لم تصدقني ، أن أضربك مائتي سوط ، وأري لك أن لا تؤثر مالك علي نفسك ، فرفع الفضل رأسه ، وقال : والله ، ما كذبت فيما أخبرت به ، ولو خيرت بين الخروج من الدنيا ، وبين أن أضرب سوطأ واحدا ، لاخترت الخروج ، وأمير المؤمنين يعلم ذلك ، وأنت تعلم ، إنا كنا نصون أعراضنا بأموالنا ، فكيف صرنا نصون أموالنا بأنفسنا، فإن كنت قد أمرت بشيء فامض له ، فأخرج مسرور أسواطأ كانت معه في منديل ، وأمر الخدم فضربوه مائتي سوط أشد الضرب ، فكاد أن يتلف ، وتركوه ، وكان هناك رجل بصير بالعلاج ، فطلبوه لمعالجته ، فلما رآه ، قال : يكون قد ضربوه خمسين سوطأ ، فقيل : بل مائتي سوط ، فقال : ما هذا إلا أثر خمسين سوط لا غير ، ولكن يحتاج أن ينام علي ظهره ، علي بارية ، وأدوس صدره ، فجزع الفضل من ذلك ، ثم أجاب إليه ، فألقاه علي ظهره ، وداسه ، ثم أخذ بيده ، وجذبه عن البارية ، فتعلق بها من لحم ظهره شيء كثير ، ثم أقبل يعالجه ، إلي أن نظر يوما إلي ظهره ، فخر المعالج ساجدأ ،

ص: 60

وقال : الحمد لله ، إنه قد بريء ، وقد نبت في ظهره لحم حي ، ثم قال : : هذا ضرب خمسين سوطأ ، أما والله لو ضرب ألف سوط ما كان أثرها باشد من هذا الأثر ، وإنما قلت ذلك حتي تقوي نفسه ، فيعينني ذلك علي علاجه ، ثم إن الفضل آقترض من بعض أصحابه عشرة آلاف درهم ، وبعث بها إلي الفتي الذي عالجه ، فأبي أخذها، وردها عليه ، فاعتقد إنه قد استقلها ، فاقترض عشرة آلاف أخري ، وبعث بالعشرين ألف إليه ، فردها ، وقال : أنا أعالج فتي من الأبناء بكراء ؟ ما كنت لأخذ كراء علي معالجة فتي من الكرام ، لا أقبلها ولو كانت عشرة آلاف دينارة ، وسألوا عن الفتي ، وإذا به صاحب طيور يعيش من بيع أفراخها . ( وفيات الأعيان 4 / 33 و34 والمحاسن والمساوي 2/ 173 و174).

أقول : تكتب هذه القصة في باب مكارم الأخلاق .

وتزوج الهيثم بن عدي الطائي الراوية ، (ت 209 ) من بني الحارث بن كعب ، فلم يرتضوه ، وأذاعوا عنه إنه ذكر العباس بن عبد المطلب بشيء ، فحبس ، وطولب بتطليق زوجته ، محتجين عليه بأنه دعي في العرب ، وجاءوا بشعر لأبي نواس ، قال فيه :

يا هيثم بن عدي لست للعرب ****ولست من طيء إلا علي شغب

إذا نسبت عدية في بني ثعل**** فقدم الدال قبل العين في النسب

فأمر الرشيد بالتفريق بين الهيثم وبين زوجته ، فأدخلوه دار ، وضربوه بالعصي حتي طلقها . ( معجم الأدباء 262/7 ).

وغني علويه ، الأمين ، صوتة بشعر فيه هجاء لجونقا ، وكان الفضل بن الربيع حاضرا ، فغضب ، وقال : يا أمير المؤمنين إن جونقا كاتبي ، وإذا استخف به فإنما استخف بي ، فقال الأمين : خذوه ، فأخذوا علويه وضرب ثلاثين درة ، وأمر باخراجه . ( الاغاني 11 / 344 و345).

ص: 61

وغني علويه ، بين يدي الأمين :

اليت هندأ أنجزتنا ما تعد ****وشفت أنفسنا مما تجد

واستبدت مرة واحدة ****إنما العاجز من لا يستبد

فقال الفضل بن الربيع، للأمين ، إن علويه قد عرض بأخيك المأمون ، وقصده لك ، ومحاربته إياك ، فتقدم بأن يجر من بين يديه ، وأن يضرب خمسين سوطا . ( الهفوات النادرة 383 و384) .

وتزوج بكار بن عبد الله الزبيري (ت 195 )، امرأة من ولد عبد الرحمن بن عوف ، واتخذ عليها جارية ، وأغارها ، فتآمرت علي قتله مع غلامين له زنجيين ، ودخلا عليه وهو نائم ، فقعدا علي وجهه حتي مات ، فاجتمع أهله ، وأخذ الغلامان فضربا ضربا مبرحا، فأقرا بقتله ، وبأنها أمرتهما بذلك ، فأخرجت من الدار ولم تورث . ( الطبري 246/8 و247).

ولما تواقف علي بن عيسي ، قائد جيش الأمين ، وطاهر بن الحسين قائد جيش المأمون ، في السنة 195 بالري ، خرج من عسكر طاهر ثلاثة أنفس إلي علي بن عيسي ، يتقربون إليه بذلك ، وتبين أن أحدهم كان من جند ولده عيسي ، فأمر به فضرب مائتي سوط ، واستخف بالرجلين الآخرين ، وانتهي الخبر إلي اصحاب طاهر ، فأزدادوا جدا في محاربته ونفورة منه . ( الطبري 391/8 ).

وفي السنة 199 وجه إبراهيم بن موسي بن جعفر ، الذي استولي علي اليمن ، رجلا عقيليا ( من أولاد عقيل ) يحج بالناس ، فبلغه أن المعتصم بمكة ومعه جند ، فأقام خارج مكة ، ومرت به قافلة من الحاج والتجار تحمل كسوة وطيبة للكعبة ، فأخذ أموال التجار وكسوة الكعبة ، فقدم التجار إلي مكة عراة مسلوبين ، فبعث المعتصم إلي العقيلي جيشا قدره مائة جندي ، ففر

ص: 62

منهم من فر ، وأسر الباقين ، فلما أحضرهم ، قال لهم : أغربوا با كلاب النار ، وأمر بهم فضرب كل واحد منهم عشرة أسواط وخلي سبيلهم ، فرجعوا إلي اليمن ، ومات أكثرهم في الطريق جوعا وعرية . ( الطبري541/8 ).

ولما ظهر أبو السرايا بالكوفة ، جهز إليه الحسن بن سهل ، جيش بقيادة زهير بن المسيب ، فانكسر زهير ، وفر من المعركة ، فلما عاد إلي الحسن بن سهل ، أحضره ، فلما رآه رماه بعمود حديد كان في يده فشتر إحدي عينيه . ( مقاتل الطالبيين 529).

وفي السنة 204 ناظر أحد أصحاب مالك بن أنس ، واسمه فتيان الإمام الشافعي ، فاستظهر الشافعي ، فضاق فتيان ذرعا ، وشتم الشافعي شتم قبيحأ ، فلم يرد عليه الشافعي حرفأ ، فرفع الأمر إلي السري ، الوالي بمصر ، فأمر بفتيان فضرب بالسياط ، وطيف به علي جمل ( معجم الأدباء 395/6)

لما خرج طاهر بن الحسين ، لحرب علي بن عيسي بن ماهان ، كان صاحب علم ابن ماهان ، حاتم الطائي ، وكان قد ضرب ثمانمائة سوط حتي ذهب لحم أليته ، وكان له أربعة غلمان يحملونه حتي يقعد في سرجه . ( الديارات 143).

وكان علي بن عيسي بن ماهان (ت 195 ) قد ضرب أحمد بن هشام ، أربعمائة سوط ، لما كان عامل خراسان للرشيد ، فلما قدم علي بن عيسي علي رأس جيش الأمين ، لحرب المأمون ، خرج من عسكر المأمون أحمد بن هشام ، وصاح بعلي : أليست هذه بيعتك للمأمون ، ألا تتقي الله ؟ فقال علي : من جاء به فله ألف درهم . ( الطبري 393/8 ).

وفي السنة 202 قبض ابراهيم بن المهدي ، لما استخلف ببغداد ، علي رجل من أصحاب سهل بن سلامة الأنصاري ، الذي قام يدعو للأمر

ص: 63

بالمعروف والنهي عن المنكر ، فضربه إبراهيم ، ونتف لحيته ، وقيده ، وحبسه ، وكان يدعي محمد الرواعي . ( الطبري 563/8 ).

وفي السنة 210 اكتشف المأمون مؤامرة لاستخلاف إبراهيم بن المهدي ، اشترك فيها إبراهيم بن محمد بن عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام ، المعروف بابن عائشة ، ومحمد بن إبراهيم الأفريقي ، ومالك بن شاهي ، وفرج البغواري ، فأمر المأمون بابن عائشة ، فأقيم ثلاثة أيام في الشمس علي باب المأمون ، ثم ضرب بالسياط ، ثم حبس في المطبق ، وضرب الآخرون كذلك ، ثم بلغ المأمون أنهم يريدون أن يشغبوا ، وينقبوا السجن ، فدعا بابن عائشة وبالإفريقي ، والبغواري ، وبشاطر اسمه أبو مسمار ، فضرب أعناقهم ، وصلبهم علي الجسر الأسفل . ( الطبري 602/8 - 604).

وبلغ أبا جعفر مضرطان ، أن عبد الصمد بن المعدل ، هجاه ، فقال اله : بلغني أنك هجوتني ، فقال له : ومن أنت حتي أهجوك ؟ فقال : هذا شر من الهجاء ، ووثب إلي عبد الصمد يضر به، فقال الحمدوي : [ الاغاني 236/13}

ألذ من صحبة القناني**** أو اقتراح علي قيان

لكز فتي من بني لكيز ****يهدي له أهون الهوان

أهوي له بازل خدب ****يطحن قرنيه بالجران

فنال منه ثؤور قوم ****باليد طور؛ وباللسان

وكان يفسوفصار حق ****يضرط من خوف مضرطان

وقتل إسحاق بن موسي الهادي العباسي ، قتله ولده وخادم له ، فأقاد المأمون من الولد ، وقتل الخادم ضربا بالسياط . ( اسماء المغتالين 199).

وخرج إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، يوما من عند المأمون ، فوجد خليفة صاحب البريد في الدار يقهقه ، وخليفة صاحب الدار جالس لا ينكر

ص: 64

عليه ذلك ، فضرب كل واحد منهما مائة مقرعة ، وحبسهما، ودعا بصاحب البريد وصاحب الدار ، وقال لهما : كنتما أنتما أحق بهذا الأدب ، إذ تقلدان خلافتكما في الدار من يضيع الأمور ، ويهملها . ( الديارات 39 ).

وفي السنة 217 ولي المأمون ، مصر ، كيدر ، واسمه نصر بن عبد الله ، وولي الشرطة رجلا من العجم اسمه ابن بسطام ، فعزله كيدر الرشوة أرتشاها ، وأمر بضربه بالسوط في صحن المسجد الجامع . ( الولاة للكندي 193 ) .

وبلغ القاضي محمد بن أبي الليث، قاضي مصر (226 - 230 ) ، أن يحيي بن زكريا ، يشيع عنه إنه معزول ، ويشنع عليه ، فأحضره ، ونهاه فلم ينته ، فضربه ، وحبسه . ( القضاة للكندي 459) .

وتقدمت شكوي إلي قاضي مصر ، عيسي بن المنكدر (212 - 214)، علي ابن عبد ربه ، فأبلغه بلزوم حضوره في مجلس الحكم ، فلم يحضر ، فأمر باحضاره ، وضربه في المسجد عشرين سوطا . ( القضاة للكندي 439).

وشكا مؤدب الواثق ، إلي المعصتم ، أن الواثق لا يتعلم ، فإذا طالبه بذلك شتمه ، ووثب عليه ، فأمر المعتصم ، محمد بن عبد الملك الزيات ، بأن يضرب الواثق أربع مقارع، فخرج محمد ، واستدعي الواثق ، وضربه ثلاث عشرة مقرعة ، فحقدها عليه . ( نشوار المحاضرة للتنوخي ج8 ص 17 - 19 رقم القصة 4/8 ) .

ولما اطلع المعتصم في السنة 222 علي مؤامرة قسم من قواده عليه ، ومحاولتهم نصب العباس بن أخيه المأمون خليفة ، بدلا منه ، قتل العباس بأن منع عنه الماء ، فأماته عطشا ، ثم قتل المتآمرين ، كل واحد بفن من القتل ،

ص: 65

الواحد بضرب العنق ، والآخر بالخنق ، والآخر بالضرب بالخشب حتي يموت . ( العيون 3/ 398 ).

ولما نزل ياطس ، قائد جيش عمورية ، فلاقي المعتصم ، وهو محاصر عمورية ، خلع سيفه من عنقه ، ودفعه إلي الحسن ، ثم وقف بين يدي المعتصم ، فقنعه المعتصم سوطة . ( العيون والحدائق 395/3 والطبري 68/9)

وكان إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، في قصره يشرب ، ومعه محمد بن راشد الخناق ، وكان خصيصا به أثيرا عنده ، فورد علي إسحاق كتاب من المعتصم ، فلما فرغ من قراءته ، قال : سياط وعقابين وجلادين ، فأحضر ذلك ، فأمر بمحمد بن راشد فأقيم من مجلسه ، وشق عنه ، ونصب في العقابين ، وهو يقول : أيها الأمير ، ما حالي ، وما قصتي ؟ فقال : الحق الجوهر الذي كان لفلان ، من صفته كيت وكيت ، تحضرنيه الساعة ، فتلكا ، فضرب ، فلما أحس بالضرب ، قال : أنا أحضره ، وأحضره لوقته ، فأنفذه إسحاق إلي المعتصم ، وعاد إلي محمد بن راشد فخلع عليه ، ورده إلي موضعه . ( الديارات 41 و42) .

أقول : العقابان : خشبتان يشبح عليهما من يراد جلده (لسان العرب ).

وضرب صاحب مسلحة الناحية بدير الجاثليق، الطبيب يوحنا بن ماسويه (ت 243) عشرين مقرعة ضربة موجعة ، وسبب ذلك إن الطبيب سهل بن سابور ، خرج في يوم الشعانين يريد دير الجاثليق ، فرأي زميله يوحنا بن ماسويه في هيأة أحسن من هيأته ، ودابة أفره من دابته ، فحسده علي نعمته الظاهرة ، فصار إلي صاحب مسلحة الناحية ، وقال له : إن ابني يعقني ، وقد أعجبته نفسه ، وقد أخرجه العجب إلي أن يحجد أبوتي له ،

ص: 66

وأريد منك أن تبطحه وأن تضربه عشرين ډرة موجعة ، وأعطيك عشرين دينارا ، ثم انتظر حتي وصل يوحنا ، فأشار له إليه ، فأخذه صاحب المسلحة ، وناظره ، فانكر إنه ابن سهل ، فبطحه صاحب المسلحة ، وضربه عشرين مقرعة . (تاريخ الحكماء 197).

وكان أبو علي بن الرشيد ، مستهترة بالشراب والقيان ، فوجه إليه إسحاق بن إبراهيم المعصبي ، ينهاه ، فلم ينته ، فركب إليه وهو في دير مديان علي نهر كرخايا بالجانب الغربي من بغداد ، وأخرجه وهو سكران في ثياب مصبغة ، وقد تضمخ بالخلوق ، وقال له : سوءة لك ، رجل من ولد الخلافة علي مثل هذه الحال ، ثم أمر به فبطح علي بساط بباب الدير ، وضربه عشرين درة . ( الديارات 34 و35) .

وكان مازيار بن قارن بن وندا هرمز ، صاحب طبرستان ، وكان المأمون يكتب إليه : من عبد الله المأمون إلي جيل جيلان ، أصبهبذ أصبهبذان ، بشوار حر شاه ، محمد بن قارن مولي أمير المؤمنين ، وخالف مازيار علي المعتصم في السنة 225 ، وأسر ، وأحضر إلي سامراء ، فأمر المعتصم بضرب مازيار ، فضرب أربعمائة وخمسين سوطا ، وطلب ماء فسقي ، فمات من ساعته ، وصلب إلي جانب بابك . ( تجارب الأمم 516/6 والطبري 104 - 100/9 )

: وكان الشاعر الأندلسي أحمد بن نعيم السلمي ، يكتب لأحد الحكام في الأندلس ، فاتهمه بالتحريض عليه ، فأمر بتجريده ، فجرد، وضرب خمسمائة سوط ، ثم أمر فجر برجله إلي بعض المزابل ، وهم يظنونه ميتا ، فأفاق ، وسار إلي بعض الملوك ، واستجار به ، ثم أخذ في هجاء الذي ضربه ، وبلغ المهجو ذلك ، فكتب بحمله إليه ، فدخل قاصده البلد ، والناس قد انصرفوا من جنازته . ( الوافي بالوفيات 220/8 ) .

ص: 67

وروي لنا صاحب مصارع العشاق 148/2 - 151 ، قصة شاب من بني هلال ، اسمه نمير بن نحيف ، ضرب ثلاثين سوطأ ، فلم ينبس ببنت شفة ، تسترأ منه علي متعاشقين ، وتفصيل ذلك : إن فتي صديقا لنمير ، من بني هلال ، اسمه بشر ، ويعرف بالأشتر ، كان ينعشق جارية من قومه ، اسمها جيداء ، فاشتهر أمرهما، ووقع الشر بين أهليهما، حتي كثرت بينهم الجراحات ، وتباعد منزلاهما ، فلما طال البلاء علي الأشتر ، جاء إلي صاحبه نمير ، وطلب منه أن يسعده علي زيارة جيداء ، وركبا معا ، وتوصل نمير إلي جارية لجيداء ، فواعدته علي اللقاء عند شجرات في أعقاب البيوت ليلا ، واجتمع الحبيبان ، وجلسا يتشاكيان ، ثم أرادت الانصراف ، فقال الأشتر : أما فيك يا جيداء حيلة ، فنتحدث ليلتنا ، فقالت : لا سبيل إلي ذلك ، إلا إذا حل صاحبك محلي ، فرضي نمير أن يعود إلي الخباء حالا محلها ، فألسبته ثوبها ، ولبست ثوبه ، وأوصته أن يدخل إلي خبائها، حتي إذا جاء زوجها، طلب منه القدح ليحتلب ، فلا يعطيه القدح ، إلا بعد أن يطيل نكده ، فإن احتلب في القدح ، فلا يأخذه منه حتي يطيل نكده ، فإذا أخذه منه ، فإن الزوج ينصرف ، لينام وحده ، وصنع نمير ما أوصته به جيداء ، ولكنه لما أهوي بيده ليأخذ القدح ، اختلفت يده ويد الزوج ، فانكفأ القدح ، وأندلق ما فيه ، فغضب الزوج ، وقال : هذا طماح مفرط ، وعمد الي سوط مفتول ، كمتن الثعبان المطوق ، فضرب به نميرة ثلاثين ، حتي جاءت أمه واخوته ، وأخت له ، فحالوا بينه وبين استمرار الضرب ، وكان نمير لا يستطيع أن يتكلم ولا أن يكشف وجهه ، فأصاب الضرب من ظهره موضعة أثر فيه أثرأ موجعة ، فلما خرج الزوج وأهله عنه ، جاءت أم جيداء ، تكلمه ، وتحسبه أنه أبنتها ، فتغطي بثوبه ، وسكت لا يكلم أحدأ ، وقالت أم جيداء : يا جيداء ، اتقي الله ربك ، ولا تعرضي لمكروه زوجك ، وأما الأشتر ، فلا أشتر لك أخر الدهر ، ثم خرجت ، وقالت : سأرسل إليك أختك توانسك وتبيت الليلة عندك ، فلبث غير ما كثير ، وجاءت الجارية ، أخت جيداء ، تبكي ، وتدعو علي من

ص: 68

ضرب اختها ، وسكت نمير لا يكلمها ، حتي إذا اضطجعت إلي جانبه ، وتمكن منها ، ست فاها بيده ، وقال لها : يا هذه ، أختك تلك مع الأشتر ، وقد قطع ظهري الليلة بسببها ، وأنت أولي بالستر عليها ، فاهتزت الجارية من الروع، كما تهتر القصبة ، ثم بات مع نمير منها أملح رفيق ، وظلا يتحدثان وتضحك منه ، ومما بلي به من الضرب، حتي برق النور ، وإذا جيداء قد دخلت من آخر البيت ، فلما رأتهما ارتاعت وفزعت ، وقالت : من هذه عندك ؟ قال : أختك ، وحدثاها بما حصل ، وأخذ نمير ثيابه ، وعاد إلي صاحبه .

وفي السنة 223 تأمر بعض القواد علي المعتصم ، وبايعوا العباس بن المأمون ، وكان منهم عمرو الفرغاني ، فلما نزل المعتصم بنصيبين في بستان ، دعا صاحب البستان ، وأمره فحفر بئرا بقدر قامة ، ثم دعا بعمرو الفرغاني ، وقال : جردوه ، فجرد ، وضربوه بالسياط ، والبئر تحفر ، حتي إذا فرغ من حفرها ، أمر المعتصم فضرب وجه عمرو وجسده بالخشب ، فلم يزل يضرب حتي سقط ، ثم قال : جوه الي البئر فأطرحوه فيها ، فطرح في البئر ، وطمت عليه ( الطبري 77/9 وابن خلدون 265/3 وتجارب الأمم 501/6)

وكان هارون بن عبد الله قاضي مصر (217 - 226) يتفقد أحوال الأيتام الذين لهم اموال في صندوقه ، أو أودعها لدي أولياء اختارهم ، ووجد مرة في أمر يتيم ، بعض الخلل ، فأحضر الولي الذي كان اليتيم في حجره ، وضربه ، وطاف به ، أي أشهر ( القضاة للكندي 444) .

وفي السنة 227 ضرب أحد الجند بفلسطين أخت أبي حرب اليماني ، بسوط ، وكان غائبا ، فلما عاد إلي منزله شكت إليه حالها ، وأرته الأثر الذي بذراعها من الضربة ، فأخذ أبو حرب سيفه وقتل الجندي ، وصار إلي جبل

ص: 69

من جبال الأردن ، وخرج علي السلطان ، وصار في نحو مائة ألف ( تجارب الأمم 526/6 ).

وفي السنة 229 اعتقل الواثق أحمد بن إسرائيل الكاتب ، وأمر بضربه في كل يوم عشرة أسواط ، فضرب نحو ألف سوط ، وأخذ منه ثمانين ألف دينار ( تجارب الأمم 527/6 ).

وأمر الواثق ، بأن يضرب اسحاق الموصلي ، فضرب ثلاثين مقرعة ، وسبب ذلك ، إن المعتصم لما خرج الي عموريه ، استخلف الواثق ، فجلس الواثق مجلسا جمع فيه الندماء والمغنين ، وبدأ هو فغني ، وغني الباقون ، وامتنع اسحاق عن الغناء ، فغضب الواثق ، وقال له : يا خوزي يا كلب ، أتنزل لك ، وأغني ، وتترفع علي ، ابطحوه ، فبطح ، وضرب ثلاثين مقرعة ( الاغاني 298/9 ).

واجتمع عند مخارق (ت 231 ) اصحابه ، فطبخ لهم ، وجلسوا يأكلون ويشربون ، وإذا بامرأة تصيح من الشط : يا أبا المهنا، الله ، الله ، في ، حلف زوجي بالطلاق أن يسمع غناءك ويشرب عليه ، فأحضره وغناه ، وكانت زوجته داية هارون بن مخارق ، ولما انصرف عادت المرأة إلي مخارق ، وقالت إن زوجها حلف بالطلاق مرة أخري أن يسمع غناءه ، فعاود إحضاره ، وغناه ، ثم جاءت المرأة مرة ثالثة ، فأحضر الزوج ، وبعد أن غناه ، أمر غلمانه فبطحوه وضربه خمسين مقرعة ، وأحلفه بالطلاق أن لا يذكره أبدا ( الاغاني 355/18 - 357).

وكان من جملة ألوان العذاب الذي صبه المتوكل علي وزيره محمد بن عبد الملك الزيات ، أن أمر به فبطح ، فضرب علي بطنه خمسين مقرعة ، ثم قلب ، فضرب علي ظهره مثلها، فمات وهو يضرب ، وهم لا يعلمون ، فأصبح ميتا قد ألتوت عنقه ، ونتقت لحيته ( الطبري 159/9 و 160).

ص: 70

وفي السنة 232 سار بغا الكبير علي رأس جيش لقتال بني نمير ، فقتل منهم وأسر ، وقيد الأسري وحملهم معه ، فشغبوا في الطريق ، فأحضرهم ، وضرب كل واحد منهم ما بين الخمسمائة سوط والأربعمائة ، وأقل وأكثر . ( تجارب الأمم 535/6 والطبري 149/9 ).

وكان أبو جعفر النحوي ، المعروف بابي عصيدة ، يؤدب المعتز ، فلما بلغه أن أباه المتوكل أراد أن يعقد له ولاية العهد ، أخر غداءه ، وضربه بلا ذنب ، فدعاه المتوكل ، وسأله عن سبب ذلك ، فقال : أخرت غداءه ، ليعرف أثر الجوع، وضربته من دون ذنب ، ليعرف أثر الظلم في نفس المظلوم ، فأمر له المتوكل بعشرة آلاف درهم . ( معجم الأدباء 222/1 و223) .

واتهم المتوكل نديمه ابراهيم بن حمدون ، بأنه حزين لموت الواثق ، وكان يبغض كل من أظهر ميلا للوائق ، فأمر بنفيه إلي السند ، وأن يضرب ثلثمائة سوط ( معجم الأدباء 368/1 ) .

وفي السنة 233 ، أمر المتوكل بابراهيم بن الجنيد النصراني ، فضرب بالأعمدة وحبس ، فأدي سبعين ألف دينار ( الطبري 162/9 ).

وفي السنة 235 جيء بيحيي بن عمر العلوي ، الي عمر بن فرج الرخجي ، وكان إليه أمر العلويين ، ناط به المتوكل ذلك لعلمه بعداوته لهم ، فأمر عمر بيحيي فضرب ثماني عشرة مقرعة ، وحبسه ببغداد بالمطبق ، فكان ذلك سبب خروجه علي العباسيين ( الطبري 182/9 و 299 ومقاتل الطالبيين 639)

ولما عزل ابن أبي الليث ، قاضي مصر ، طالبه خلفه برفع حسابه ، فكان يوقف كل يوم بين يدي القاضي الخلف ، فيضرب عشرين سوطا . ( الولاة للكندي 469) .

ص: 71

وفي السنة 235 ظهر بسامراء ، رجل من نيسابور اسمه محمود بن الفرج ، زعم إنه ذو القرنين ، ومعه سبعة وعشرون رجلا من أتباعه يشهدون له بالنبوة ، وأن جبريل يأتيه بالوحي ، فأحضره المتوكل وأحضر أتباعه ، فأصر محمود علي ادعاء النبوة ، وعاد أتباعه عن تأييد قوله ، فأمروا بأن يصفعوه فصفعه كل واحد منهم عشر صفعات ، ثم ضرب محمود بالسياط حتي مات ( الطبري 175/9 ).

وكان عبيد الله بن يحيي بن خاقان ، قبل أن يستوزره المتوكل ، يلزم مجلس المتوكل من السحر إلي أن ينام المتوكل ليلا ، وأمره المتوكل في بعض الأيام ، أن يكتب كتابا ، فلم تكن معه دواة ، فلما خرج عبيد الله من مجلس المتوكل ، بادر إليه إيتاخ حاجب المتوكل ، وقال له : إنما طلبك أمير المؤمنين لتكتب بين يديه فإذا حضرت بلا دواة ، فلأي شيء تجييء ، فقال له عبيد الله : أي مدخل لك أنت في هذا ؟ أنت حاجب أو وزير ؟ فاغتاظ منه إيتاخ ، وأمر به فبطح ، وضربه علي رجليه عشرين مقرعة ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي (ج 8/ ص 12 - 16 رقم القصة 3)

وخاصم ابن أبي الجهم ، قوما من العمريين والعثمانيين ، فذكر سلفهم بسوء ، فكلمه أحد الهاشميين ، فذكر جده العباس بسوء ، فبلغ ذلك المتوكل ، فأمر بضربه مائة سوط ، تولي ضربه إياها إبراهيم بن اسحاق بن إبراهيم المصعبي ، فقال يتهم المتوكل بالسوأة : ( معجم الأدباء 30/2 ) .

تبرا الكلوم وينبت الشعر ****ولكل مورد غلة صدر

واللؤم في أثواب منبطح ****لعبيده ما أورق الشجر

وأمر عامل مصر للمتوكل ، بضرب رجل من الجند، فضرب عشرة أسواط، فاستحلف العامل بحق الحسن والحسين إلا عفا عنه ، فزاده ثلاثين

ص: 72

درة ، ورفع ذلك صاحب البريد الي المتوكل، فورد كتاب المتوكل علي العامل بضرب ذلك الجندي مائة سوط ، فضربها ، وحمل الي العراق ( الولاة للكندي 203).

وبلغ المتوكل ، أن محدثا روي حديثة في مناقب علي وفاطمة والحسن والحسين ، فأمر بأن يضرب ألف سوط ( تاريخ بغداد للخطيب 287/13 ).

وغضب المتوكل في السنة 230 علي قاضي مصر ، فأمر بحبسه ، ومصادرة أمواله ، وأموال أصحابه ، ثم أمر بلعنه علي المنابر ، وظل في السجن سنتين ، ثم أمر باعادته إلي القضاء ، فأعيد، ثم أمر برده إلي السجن ، هو وأصحابه ، فردوا ، ثم أمر بحلق لحيته ، وضربه بالسياط ، وأن يحمل علي حمار ، ويطاف به في الفسطاط . ( أخبار القضاة 462 - 465)

وأحدث شخص اسمه عبدان بن الموفق ، بسامراء ، فتنة ، فقبض عليه سعيد الحاجب ، وضربه خمسمائة سوط ، وحبسه ثم أطلقه ، فقدم بغداد وأحدث فتنة أخري ، فضرب ، وصلب ( الطبري 357/9 - 361) .

وفي السنة 241 وثب أهل حمص بعامل المتوكل ، فأمره المتوكل أن يأخذ من رؤسائهم ثلاثة نفر ، فيضربهم ضرب التلف ، فإذا ماتوا صلبهم علي أبوابهم ، وأن يأخذ بعد ذلك من وجوههم عشرين إنسانا فيضرب كل واحد منهم ثلثمائة سوط ، وأن يحملهم في الحديد إلي باب أمير المؤمنين ، وأن يخرب ما بها من الكنائس والبيع ، وألا يترك في المدينة نصرانية ، ثم وجه المتوكل رجلا من اصحاب الفتح بن خاقان ، فأخذ اثنين من أهل حمص هما محمد بن عبد الحميد، والقاسم بن موسي ، فضربهما ضرب التلف حتي ماتا ، وصلبهما علي أبواب حمص ، وقدم سامراء بثمانية ، فمات أحدهم في الطريق ، ثم أخذ عامل حمص عشرة نفر آخرين ، وضربهم

ص: 73

بالسياط ، فمات منهم خمسة ، ثم ظفر بعبد الملك بن اسحاق ، أحد رؤوس الفتنة ، فضربه بالسياط ، حتي مات ( الطبري 199/9 و200).

وفي السنة 241 أمر المتوكل ، فضرب عيسي بن جعفر بن محمد بن عاصم ، صاحب خان عاصم ببغداد ، ألف سوط ، فمات ، ورمي به في دجلة ( الطبري 201/9 ).

وكان نجاح بن سلمة الكاتب ، علي ديوان التوقيع والتتبع علي العمال ، للمتوكل ، ورفع في السنة 245 علي الحسن بن مخلد صاحب ديوان الضياع، وموسي بن عبد الملك صاحب ديوان الخراج ، أنه إن سلما إليه ، استخرج منها أربعين ألف ألف درهم ، وكان هذان منقطعين إلي الوزير عبيد الله بن يحيي بن خاقان ، فخدع الوزير نجاحا ، فكتب نجاح إنه لما ضمنهما كان شاربا ( سكرانا ) ، فأخذ الوزير الرقعة الي المتوكل ، ورفع الحسن وموسي رقعة للمتوكل ضمنا فيها نجاحا بالفي ألف دينار ، فأسلمه المتوكل إليهما ، فأخذا قلنسوته عن رأسه ، وضرب مرارا بالمقارع في غير مواضع الضرب ، وغمز وخنق ، فأصبح ميتا . ( الطبري214/9 - 217) .

وقدم طباخ المتوكل ، إلي أحد المغنين طبقأ وعليه رغيفان ، ثم قال له : أيش تشتهي حتي أجيئك به ؟ قال : خبزة ، وبلغ المتوكل ذلك ، فأمر بالطباخ فضرب مائتي مقرعة . ( الاغاني 292/20 ).

وفي السنة 245 ضرب المتوكل بختيشوع الطبيب ، مائة وخمسين مقرعة ، وأثقله بالحديد ، وحبسه في المطبق ( الطبري 218/9 ).

ولما تحرك الأتراك بسامراء في السنة 251 انحدر المستعين ووصيف وبغا إلي بغداد ، فمنع أتراك سامراء الناس من الانحدار في أثرهم ، ووجدوا ملاحا قد أكري سفينته إلي بغداد ، فضربوه مائتي سوط ، وصلبوه علي دقل

ص: 74

سفينته ، فامتنع أهل السفن من الانحدار إلا سرا ، أو بمؤونة ثقيلة ( الطبري 282/9)

وفي السنة 251 خرج بالكوفة علوي اسمه الحسين بن محمد الطالبي ، وبعث إليه المستعين جندا ، فأسروه ، وأسروا معه جماعة من أتباعه ، فلما أحضروا إلي بغداد ، تبين أن قسما من الاسري ، كانوا قد خرجوا مع يحيي بن عمر ، وأسروا ثم أطلقوا ، فأمر محمد بن عبد الله بن طاهر ، أن يضرب كل واحد ممن أطلق فعاد ، خمسمائة سوط ، فضربها ، أما بقية الأسري فقد أطلقوا ( الطبري 330/9 ).

وفي السنة 252 وثبت الأتراك علي عيسي بن فرخان شاه ، وتناولوه بالضرب ، وأخذوا دوابه ، فهاج المغاربة ، راجع تفصيل ذلك في الطبري 369/9)

وفي السنة 252 غضب المعتر علي أخويه أبي أحمد ، والمؤيد ، وهما شقيقان ، فحبسهما في الجوسق ، وقيد المؤيد، وصيره في حجرة ضيقة ، وضربه أربعين مقرعة ، وحبس كنجور حاجب المؤيد، وضربه خمسين مقرعة ، وضرب خليفته أبا الهول خمسمائة سوط ، وطوف به علي جمل ( الطبري 361/9 و 362 ).

وفي السنة 252 وقعت ببغداد فتنة ، بين جند بغداد ، وأصحاب أمير بغداد محمد بن عبد الله بن طاهر ، وكان علي رأس الفتنة اثنان أحمد بن الخليل ، وعبدان بن الموفق ، وكان عبدان هذا ديوانه في ديوان وصيف في سامراء ، فقدم بغداد ، وباع دارة له بمائة ألف دينار ، وشخص إلي سامراء ، فلما وثب الشاكرية فيها، وثب معهم ، فضربه سعيد الحاجب خمسمائة سوط ، وحبسه طويلا ، ثم أطلق ، فلما كانت فتنة المستعين ، صار إلي بغداد ، وانضم إلي أصحاب الفتنة ، وحرضهم ، ورأسهم ، وأخذ ينفق

ص: 75

عليهم ، ثم التك، وفلوهم فأمر بصه عليهم ، ثم اقتتلوا مع أصحاب الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر ، فاستعلي عليهم أصحاب الأمير ، وفلوهم ، وقتل ابن الخليل وصلب ، أما عبدان فاستر ، فدل عليه ، وحمل الي ابن طاهر ، فأمر بصفعه ، فصفع ، وضرب مائة سوط بثمارها، وسحب بقيوده الي أن أخرج الي خارج الدار ، وحمل علي بغل إلي الجسر حيث صلب ، وربط بالحبال ، فاستسقي وهو مصلوب ، فمنعه الموكلون به الماء ، فقيل لهم : إن شرب الماء مات ، قال : فاسقوه إذن ، واستمر يومين ، ومات في الثالث ( الطبري 357/9 -361 ).

وفي السنة 252 بعد أن قتل المعتز سلفه المستعين ، وأخاه المؤيد استأثر القواد الأتراك بالسلطان ، وحرموا منه المغاربة ، فاجتمع المغاربة مع محمد بن راشد، ونصر بن سعيد، وغلبوا الأتراك علي الجوسق ، وأخرجوهم منه ، وقالوا لهم : في كل يوم تقتلون خليفة وتخلعون آخر، وتقتلون وزيرا ، وكانوا قد وثبوا علي عيسي بن فرخان شاه فتناولوه بالضرب ، وأخذوا دوابه ، ولما طرد المغاربة الأتراك من الجوسق ، غلبوهم علي بيت المال ، وأخذوا خمسين دابة من دوابهم ، فاجتمع الأتراك وأرادوا حرب المغاربة ثم اصطلحوا ، وعلم الأتراك أن رئيس المغاربة محمد بن راشد ونصر بن سعيد ، هما في منزل محمد بن عزون ، فأخذوهما وقتلوهما ، ولما بلغ المعتز ذلك أراد قتل محمد بن عزون ، فكلم فيه فنفاه إلي بغداد ( الطبري 369/9 ).

وفي السنة 255 جاء القائد التركي صالح بن وصيف ، يطالب بأرزاق جنده ، فراجعه أحمد بن اسرائيل ، وقال له : يا عاصي بن العاصي ، فغضب صالح حتي سقط مغشيا عليه ، فثار حرسه بالباب ، ودخلوا علي الخليفة ، وأخذوا أحمد بن اسرائيل ، والحسن بن مخلد وأبا نوح عيسي بن ابراهيم ، وضرب أحمد بن اسرائيل حتي كسرت أسنانه ، وضرب الحسن بن مخلد مائة عصا ، وصفع أبو نوح حتي جرت الدماء من أخادعه ، وحبسوا ، ثم أن

ص: 76

صالحة أخرج أحمد بن اسرائيل ، وأبا نوح ، من الحبس ، وضربا بحضرته خمسمائة سوط ، حتي ماتا ( الطبري 397/9 و 398 ).

أقول : ذكر الطبري في تاريخه 398/9 ، إن المهتدي ، انزعج لما بلغه موت أحمد بن اسرائيل وأبي نوح ، واسترجع مرارا ، أما البيهقي ، فقد أورد خبرا غير هذا ، قال : إن المهتدي هو الذي أمر باعتقال أحمد بن اسرائيل ورفيقيه ، وإنه رسم أن يضرب أحمد بن اسرائيل ، بباب العامة ، ألف سوط ، فإن مات ، وإلا زيد ضربا حتي يتلف ، وإن سبب ذلك ، إن المهتدي ، قبل أن يستخلف ، كان كثير الزيارة للمعت لما كان خليفة ، وكان يشير علي المعتز ، فيعمل بإشارته ، وكان كثير المعارضة الأم المعتز، فلم تزل بولدها ، حتي أمر وزيره أحمد بن اسرائيل، بإحدار المهتدي وأهله إلي بغداد ، علي كره منه ، وكان احمد بن اسرائيل يكره المهتدي ، فأمر بأن ينحدر هو وحرمه نهارا ، ليسوءه بذلك ، ويضع منه ، فسأله المهتدي ، أن يجعل الإنحدار ليلا ، وكان أحمد متهورة ، لا يحفظ لسانه ، فأطلق لسانه ، بكلام بشع قبيح في المهتدي وحرمه ، فحقدها المهتدي علي أحمد ، ولما استخلف أمر باعتقاله وضربه ، راجع التفصيل في المحاسن والمساويء (182/2 و 183).

وفي السنة 255 شد محمد بن أوس ، القائد ، بغداد ، علي رجل من المراوزة ، فضربه في دار سليمان ثلثمائة سوط ، ضربا مبرحا ( الطبري 400/9 وا40) .

وضرب المستعين أبا معشر البلخي المنجم ، أسواطأ ، لأنه أصاب في شيء خبر به قبل وقته ، فكان يقول : أصبت ، فعوقبت . (تاريخ الحكماء 153)

وفي السنة 255 ظهر صاحب الزنج في جنوب العراق ، وادعي إنه علوي ، وأخذ يغري الزنج العبيد بالفرار من سادتهم واللجوء إليه ، فاجتمع

ص: 77

إليه بشر كثير من غلمان الشورجيين ، وكان يخطب فيهم ، ويمنيهم ، ويعدهم أن يقودهم ، ويملكهم الأموال ، ثم دعا مواليهم ، فقال : قد أردت ضرب أعناقكم لما كنتم تأتون إلي هؤلاء الغلمان الذين استضعفتموهم وقهرتموهم ، وفعلتم بهم ما حرم الله عليكم أن تفعلوه بهم ، وحملتم عليهم ما لا يطيقون ، ولكن أصحابي كلموني فيكم ، فرأيت إطلاقكم ، فقالوا له : إن هؤلاء الغلمان أباق ، وهم يهربون منك كما هربوا منا ، فخذ منا مالا ، وأعدهم إلينا ، فأمر الغلمان فأحضروا شطبأ ، ثم أمر فبطح كل قوم مولاهم ووكيلهم ، فضرب كل رجل منهم خمسمائة شطبة ، ثم أطلقهم ( الطبري 414/9 ) .

وغضب المهتدي العباسي (ت 256)، علي حماد بن إسحاق القاضي ، فضربه بالسياط ، وأشهره مطافأ به علي بغل بسر من رأي ، وصرف أخاه إسماعيل بن إسحاق عن القضاء بعسكر المهدي ( الرصافة ) ، فلما ولي المعتمد أعاد إسماعيل إلي القضاء ( تاريخ بغداد للخطيب 287/6 ).

وفي السنة 257 ظهر في بغداد ، بموضع يقال له بركة زلزل ، علي خناق قد قتل خلقا كثيرا من النساء ، ودفنه في دار كان فيها سابقا ، فحمل الي المعتمد، فأمر به فضرب ألفي سوط وأربعمائة أرزن ، فلم يمت ، حتي ضرب الجلادون أنثييه بخشب العقابين ، فمات ، فرد إلي بغداد ، فصلب بها ، ثم أحرقت جثته ( الطبري 479/9 ) .

وفي السنة 258 جيء إلي بغداد بسعيد بن أحمد الباهلي ، مقدم الباهليين ، وكانوا قد أظهروا الفساد ، وطمعوا في البطائح بعد إخراج الزنج منها ، فأمر به المعتمد ، فضرب سبعمائة سوط ، وصلب ، فمات ( الطبري 490/9 وابن الأثير 248/7 والمنتظم 8/5 ).

وفي السنة 258 أسر يحيي بن محمد البحراني من كبار قواد الزنج ، رشق بالسهام ، فأصابه منها ثلاثة ، في عضديه وساقه اليسري ، وتسلمه

ص: 78

أصحاب السلطان ، فحمل إلي أبي أحمد، فحمله أبو أحمد إلي سامراء ، فادخل علي جمل ، وبنيت له دكة في الحير ، ثم رفع للناس حتي أبصروه ، ثم ضرب بالسياط ، ضرب مائتي سوط بثمارها ، ثم قطعت يداه ورجلاه من خلاف ، ثم خبط بالسيوف ، ثم ذبح ، ثم أحرق ، وعظم قتل يحيي علي صاحب الزنج ( الطبري 497/9 - 499 ).

وفي السنة258 ضرب بباب العامة بسامراء ، رجل يعرف بأبي فقعس ، قامت عليه البنية بأنه يشتم السلف ، فضرب ألف سوط وعشرين سوطا ، فمات ( المنتظم 8/5 الطبري 500/9)

وفي السنة 259 انصرف كنجور والي الكوفة يريد سامراء بغير إذن ، فتوجه إليه من سامراء ، عدة من القواد ، فلاقوه في عكبرا ، فذبحوه ذبحا، وأخذ كاتب له نصراني ، فصودر ، ثم ضرب بباب العامة ، ألف سوط ، فمات ( الطبري 502/9 ).

وفي السنة 260 قتل أبو جعفر محمد بن الدقيقي ، قتله مفلح غلام موسي بن بغا ، شهد عليه قوم بالرفض ، أي التشيع للامام علي ، فضربه بالسياط حتي مات . ( الاعلام 357/6 ) .

وكان العباس بن أحمد بن طولون ، قد خرج علي أبيه ، وانصرف إلي برقة ، عند غيبة أبيه أحمد في الشام ، فأسره أحمد ، وأدخل إلي الفسطاط علي قتب علي بغل مقيدا في السنة 267 ونصب لكتاب العباس ، ومن خرج معه ، دكة عظيمة عالية ، وجلس أحمد في علو يوازيها ، وكان العباس قائمة بين يديه في خفتان ( قفطان ) ملحم ، وعمامة ، وخف ، وبيده سيف مشهور ، فضرب وزير لعباس ، وأسمه جعفر بن محمد بن جدار ، ثلثمائة سوط ، وتقدم إليه العباس ، بأمر من أبيه ، فقطع يديه ورجليه من خلاف ، وفعل مثل ذلك ، بالمنتوف ، وبأبي معشر ، واقتصر بغيرهم علي ضرب

ص: 79

السوط ، فلم تمض أيام حتي ماتوا . ( الولاة للكندي 224 ومعجم الأدباء 417 - 415/2)

وقبض ابن أبي عون ، صاحب الشرطة ببغداد ، في عهد المعتمد العباسي ، (256 - 279 ) علي عيار قتل رجلا، فضربه بالسياط حتي تلف ، ثم صلبه في موضع جنايته ، راجع تفصيل ذلك في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، في القصة رقم 221 .

ورأي أحمد بن طولون (ت 270 ) ذات يوم ، حمالا يحمل صا ، وهو يضطرب تحته ، فقال : لو كان هذا الاضطراب من ثقل المحمول ، لغاصت عنق الحمال ، وأنا أري عنقه بارزة ، وما هذا إلا من خوف ما يحمل ، فأمر ، نحط الصن ، فوجد فيه أعضاء جارية قد قتلت ، فقال للحمال : أصدقني عن حالها ؟ فقال : أربعة نفر في الدار الفلانية ، أعطوني دنانير وأمروني بحملها فضرب الحمال مائتي سوط ، وأمر بقتل الأربعة ( نحفة المجالس ونزهة المجالس للسيوطي / 323) .

وأحضر الأمير الموفق (ت 278 ) ، سليمان بن وهب ، وابنه عبيد الله بن سليمان ، فأمر بالأب أولا فضرب نيفا وعشرين مقرعة ، ثم أحضر عبيد الله ، وأمر بضربه ، فراجعه سليمان وكلمه ، فكفت عن ضربه ، ولم يحدث عليهما من بعد ذلك منه مكروه ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ( ج 8 ص 106 و 107 رقم القصة 48/8 ) .

ولما اعتقل الموفق ، وزيره سليمان بن وهب ، وولده عبيد الله ، اعتقل جهبذهما ليث ، وطالبه بمال ، فأنكر أن عنده شيئا ، فأحضر غلامه جيش ، وضربه مقارع يسيرة ، فدلهم علي بئر أخرجوا منها ثمانين ألف دينار، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 44/8 .

وروي حامد بن العباس ، لأصحابه ، إنه شاهد في أحد الأيام ، في دار الأمير الموفق ، عبيد الله بن سليمان ، وأباه سليمان بن وهب ، وقد أخرجا

ص: 80

من الحبس ، وضرب عبيد الله بالمقارع، بأمر من الوزير صاعد، وكان سليمان يستعطفه ، ليكف عن ضرب ولده ، فلا يكف ، فلما زاد الضرب ، قال سليمان الصاعد : يا كافر ، با فاجر ، أما تستحي ؟ إنا آصطنعناك ، وأقعدناك هذا المقعد، تضربه بين يدي ، ستة عليك ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ( ج 8 ص 104 رقم القصة 47)

وغضب الوزير إسماعيل بن بلبل، علي عبيد الله بن سليمان ، وعلي وكيله ، وعلي حاجبه ، فأمر بالوكيل والحاجب ، فأقيما علي باب دار عبيد الله بن سليمان ، وضرب كل واحد منهما عشرين مقرعة ، وصفع الوكيل بعد الضرب ، خمسين صفعة ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي تحقيق المؤلف ( ج 8 ص 176 رقم القصة 71).

وضرب عيار بغدادي خمسمائة سوط ، في وقت واحد، فلم يتأوه ، ولم ينطق ، فلما كان بعد أيام ، حم حمي صعبة ، وضرب عليه رأسه ، فأقبل يصيح كما يصيح البعير ، فاجتمع عليه قوم من أهل الحبس ، وقالوا : فضحتنا ، أنت ضربت بالأمس خمسمائة سوط فلم تصح ، تحم ساعة من ليلة فتصبح ، فقال : ما كنت لأتجلد علي عذاب الله ، راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي، تحقيق المؤلف ( ج 8 ص 265 رقم القصة 114)

وذكر هارون بن ملول المصري ، أنه تصرف في أمواله تصرفة لم يرض عنه أصحاب أبيه من التجار ، فضربوه ضربا مبرحا ، حتي عاد الي ما يرتضون من تصرف .

روي ذلك أحمد بن يوسف الكاتب ، في كتابه المكافأة ( ص 34 - 36) قال : حدثني هارون بن ملول ، قال : لما مات أبي ورثت منه مالا

ص: 81

جما ، وكان يقصرني علي زي التجار ، ويمنعني من التخرق ، والسرف في الهيأة ، فعمدت إلي ثياب وشي سعيدي ، كانت في المتاجر التي خلفها والدي ، فقطعتها ( يعني خاطها لنفسه ) وقطعت لخدم أرتبطتهم للتجارة ، من الملحم والديباج ما لا يتسمح به أحد من أبناء الترفه ، وجلست في الوشي ، وقام الغلمان بين يدي فيما قطعته لهم ، ووافاني إسحاق بن إبراهيم ( پريد به شيخ السوق ) مفتقدة ، ثم وافاني جماعة من إخوان أبي وأصفيائه ، فلما كان في عشي ذلك اليوم وافاني رسول إسحاق بن إبراهيم بن تميم يقول : عندي من لا تحتشمه ، فتؤنس جماعتنا بحضورك ، فقد أعجبني اليوم حسن زيك ، فزدت في الخلعة ، وركبت ، فلما دخلت إليه ، لم أفقد عنده أحدا من إخوان والدي ، فلما توسطت الصحن ابتدرني الغلمان ، وصاح بي إسحاق : تتوهم با جاهل ، أن أباك مضي واسترحت ؟ ولا تعلم أن أباك خلف لك هؤلاء الآباء بأسرهم يردونك عن الخطأ بأليم العقوبة ، ولا يشفعون في مصلحتك من عظيم ما كان أبوك يرق عنه فيك ، ثم بطحت في وسط الدار ، وضربت ضربا مبرحا ، ولم ترفع المقرعة عني حتي حلفت لهم أن لا أزيد علي معرض والدي وأقتصاده .

وضرب أحمد بن طولون ، أحد أتباعه واسمه الحسن بن سليمان بن ثابت ، مرتين ، فمات في الثانية .

حدث نسيم ، خادم أحمد بن طولون ، قال : صار الي ابن سليمان بن ثابت ، وكان سليمان يعمل لأحمد بن طولون علي أملاكه ، ورفع رقعة قال فيها : إن شقيرة الخادم أودع أباه أربعمائة ألف دينار ، فلما قرأها الأمير أحمد ، قال لابن سليمان : أمسك عن هذا واطو مجيئك إلي عن كل أحد، ولم يمض عام حتي مات سليمان ، فرد الأمير أحمد ما كان بيده إلي ولده الحسن بن سليمان ، وضم إليه من الرجال من تقوي به يده ، وبعد شهور ، دعا به وقال له : كيف حالك مع مخلفي أبيك ، وهل أنكرت منهم شيئأ ؟

ص: 82

فقال : قد أعز الله جانبي بالأمير ، ومنع مني ، فقال له : إحمل إلي الأربعمائة ألف دينار التي عندكم لشقير الخادم ، فلجلج ، فصرفه بأحمد بن إسماعيل بن عمار ، وأسلمه إليه ، وأمره بمطالبته بالسوط ، فضربه خمسين سوطأ ، واصطفي ما كان له ، فلم يجد عنده بعض ما تقوله علي أبيه ، وعاود مطالبته ، فضربه مرة أخري ، فمات ، فعجبت من هلاكه بهذا المقدار من الضرب ، فأخبرت أن هذا المضروب ، كان يستزير الفواسد من النساء في وفور حاله ، فزارته امرأة كانت ربيطة لجلاد بالسوط ، وعلم الجلاد بذلك ، فبكر إليه ، ووقف له ، حتي إذا خرج انكب علي فخذه وقبلها ، ثم قال : يا سيدي ، قد أغناك الله عن مساءتي بما بسطه من الرزق عليك ، وظاهره من الإحسان لديك ، وكانت مهجتي عندك البارحة ، فإن رأيت أن تهبها لي ، فلك منها عوض ، وليس لي عنها معدل ، فصاح في وجهه ، وأمر بإبعاده ، فلما شد بالعقابين ، تقدم الجلاد فضربه ضرب القتل ، فأتي علي نفسه .

وضرب أحمد بن طولون ، الحسين الملقب شعرة ، ثلثمائة سوط ، وطاف به .

وسبب ذلك : إن الحسين الملقب شعرة ، أحد ندماء المتوكل، رحل الي مصر بعد مقتل المتوكل ، وانضوي إلي أحمد بن المدبر ، عامل الخراج بمصر ، وكان عامل الصلاة بها أحمد بن طولون ، وكان شعرة هذا يقلد أحمد بن طولون في تزمته وكلامه ، لكي يضحك ابن المدبر ، فاتصل ذلك بابن طولون ، فأحضره وقال له : بلغني أنك تتنادر بي ، ولك في غيري من الناس مندوحة ، فأحذرني ، فإنك إن وقعت لم ينفعك ابن المدبر ولا غيره ، فجحد ذلك ، وانصرف إلي ابن المدبر ، وحدثه بحديث ابن طولون ، وقال له : يا سيدي ، لو شاهدت أحمد بن طولون يؤنبني ، وأخذ يحكيه في حديثه وهيأته ، فضحك ابن المدبر ، واتصل ذلك بأحمد بن طولون فأمسك عنه وتربص به ، وحصل أن اضطربت الرعية لارتفاع السعر ، فركب ابن طولون ،

ص: 83

وتقدم بعقوبة القماحين ، وازدحمت النظارة من السطوح عليه ، فوقع مركن فيه ريحان علي الأرض بمزاحمة من تشوف من النساء ، فمسح كفل دابة ابن طولون ، فسأل عن الدار لمن هي ؟ فقالوا : لحسين شعرة ، فأحضره ، وضربه ثلثمائة سوط ، وطاف به ، ولم يفلح حسين شعرة بعدها ( المكافأة الأحمد بن يوسف الكاتب 132 - 134).

أقول : ورد اسم هذا المضحك في الكتاب : الحسين بن شعرة ، والصحيح أن شعرة لقب له ، وقد ورد في البصائر والذخائر 25/1 أنه كان للمتوكل مضحكان ، يقال لأحدهما شعرة وللآخر بعرة ، وكان المتوكل يستطيب معاشرة المخنثين ومجالستهم ( الملح والنوادر 282 ) وكان قد بسط نديمه عبادة المخنث ، الذي كان مجاهرة بالعهر والبغاء ( البصائر والذخائر م 4 ص 65 ) بحيث أباح له أن يدخل عليه وهو نائم مع نسائه ( الملح والنوادر 148) وكان أول خليفة ظهر في مجلسه اللعب والمضاحبك ( مروج الذهب 391/2 ) وكان أبو الشبل البرجمي قد نفق عليه بإيثاره العبث ( الاغاني 193/14 ) وكان أصحابه يسخفون ويسفون بحضرته ، وكان بهاتر الجلساء ، ويفاخر الرؤساء ( زهر الآداب 252/1 ) ولم يعد المتوكل في نشأته إعدادا يؤهله للموضع الذي وضعته الظروف فيه ، وعندما توفي أخوه الواثق ، واجتمع رجال الدولة يتذاكرون فيمن يرشح للخلافة ، كان المتوكل - إذ ذاك - في قميص وسراويل ، قاعدة مع أبناء الأتراك ، يتساءل ما الخبر ؟ ( الطبري 154/9 ) وكان وهو شاب له شعر قفا ، في زي المخنثين ( الطبري 157/9) غير أن وفاة الواثق ، وعدم وجود خلف له في سن تؤهله للحكم ، اضطر رجال الدولة إلي اختيار المتوكل خلفا لأخيه ، وأصر القاضي النبيل أبو عبد الله أحمد بن أبي دؤاد علي مبايعته ، وألبسه الطويلة ، وعممه بيده ( الطبري 9/ 154 ) وكان جزاؤه منه علي ذلك ، أن قبض ضياعه ، وضياع أولاده ، وأجبرهم علي الإقرار والإشهاد ببيعها ، وحبس أولاده ، ثم نفاهم عن

ص: 84

سامراء ، ولم يحبس القاضي ، لأنه كان مشلولا طريح الفراش ( الطبري 189/9 ) ولما تولي الحكم ساس المملكة سياسة صبيانية خرقاء ، قوامها التعصب والنزق ، وهو أول من أظهر من بني العباس الإنهماك علي الشهوات ، وغضب علي نديمه أحمد بن إبراهيم بن حمدون ، فنفاه الي تكريت ، ثم بعث إليه من قطع أذنيه ( معجم الأدباء 365/1 ) وكان قد غضب علي إبراهيم بن حمدون ، والد أحمد ، إذ اتهمه بأنه حزين لموت الواثق ، فأمر بنفيه إلي السند، وأن يضرب ثلثمائة سوط ، ( معجم الأدباء 368/1 ) ولاطف أحد ندمائه ، فأمر بأن تدخل في أسته فجلة ( الهفوات النادرة رقم 218 ص 230 ) ، وكان يرسل الحيات والعقارب والأسد علي ندمائه ليفرعهم ، ويضحك منهم ( العيون والحدائق 556/1 وتجارب الأمم 556/6)

وكان المتوكل شديد البغض للامام علي وأهل بيته ، وكان يقصد من يتولي عليا وأهله ، بالقتل والمصادرة ، بحيث كان اتهام الإنسان بالتشيع لآل علي في أيامه ، كافية لقتله ( وفيات الأعيان 340/5 ) ، وكرب قبر الحسين الشهيد ، وعفي آثاره ، ووضع علي سائر الطريق مسالح ، لا يجدون أحدا زاره إلا أتوه به ، فقتله ، أو أنهكه عقوبة ( مقاتل الطالبيين 597 و تاريخ الخلفاء 347 والطبري 185/9 ) ولما كرب قبر الحسين ، وعفي آثاره ، وهدم ما حوله من الدور ، كتب أهل بغداد شتمه علي الحيطان ، فقال ابن بام : ( فوات الوفيات 203/1 ).

تا الله إن كانت أمية قد أتت ****قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثله ****هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا ****في قتله فتبعوه رميما

وكان المتوكل يكره من تقدمه من الخلفاء : المأمون ، والمعتصم ، والواثق ، لمحبتهم عليا وأهل بيته ( ابن الأثير 56/7 ) وكان يظهر من سب

ص: 85

الإمام علي ، والاستهزاء بذكره كثيرا ( خلاصة الذهب المسبوك 226) وكان نديمه عبادة المخنث ، يرقص بين يديه ، والمغنون يغنون : أقبل الأصلع البطين ، خليفة المسلمين ، ( ابن الأثير 55/7 ) وبلغه أن أمير مصر ، ضرب رجلا عشر درر ، فاستحلفه بحق الحسن والحسين أن يكف عنه ، فكتب إلي الأمير أن يجلده مائة جلدة ( الولاة والقضاة للكندي 203) وبلغه أن أبا عمر الجهضمي ، روي حديثا عن النبي صلوات الله عليه ، أثني فيه علي الحسن والحسين وأبيهما وأمهما ، فأمر بضربه ألف سوط ( تاريخ بغداد للخطيب 287/13 و 288 ) وغضب ولده المنتصر ، يوما ، من استهزاء عبادة المخنث بعلي ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، إن الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس ، هو ابن عمك ، وشيخ أهل بيتك ، وبه فخرك ، فكل أنت لحمه ، ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه ، فقال المتوكل للمغنين : غنوا جميعا ( ابن الأثير 55/7 )

غار الفتي لابن عمه**** رأس الفتي في حرامه

وقتل المتوكل ، ابن السكيت ، إمام اللغة والأدب ، لأنه أثني علي الحسن والحسين ( ابن الأثير 91/7 ) وغضب علي قاضي القضاة بمصر ، فأمر بأن تحلق لحيته ، وأن يطاف به علي حمار ، وأن يضرب في كل يوم عشرين سوطا ( تاريخ الخلفاء 347) واستعمل علي المدينة ومكة ، عمر بن فرج الرخجي ، لمعرفته بنصبه ، وبغضه عليا وأهل بيته ( ابن الأثير 56/7 ) فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس ، ومنع الناس من البر بهم ، وكان لا يبلغه أن أحدا بر أحدا منهم بشيء. وإن قل - إلا أنهكه عقوبة ، وأثقله غرمة ، حتي كان القميص يكون بين جماعة من العلويات ، يصلين فيه ، واحدة بعد واحدة ، ثم يرفعنه ، ويجلسن إلي مغازلهن ، عواري ، حواسر ، إلي أن قتل المتوكل ، فعطف عليهم المنتصر ، وأحسن اليهم ( مقاتل الطالبيين 599 ) وكان المتوكل يسمع ، قبل الخلافة ، غناء نخلة

ص: 86

جارية حسين الخلال ، فلما ولي الخلافة طرق دار الحسين ليه ، وقال له : اشتهيت أن أسمع غناء نخلة ، فأخرجها إليه مطمومة الشعر ، فقال له : يا خلال ، أليس قد ولدت منك إبنأ ؟ قال : بلي ، قال : فإني أحب أن تعتقها ، قال : هي حرة ، فقال المتوكل : فأشهد أني قد تزوجتها ، قومي يا نخلة ، وأخذها وخرج ، ووصف للمتوكل عائشة بنت عمر بن فرج الرخجي ، فوجه في جوف الليل ، والسماء تهطل ، الي عمر : أن أحمل الي عائشة ، فسأله أن يصفح عنها ، فأبي ، وحملها إليه في الليل ، فوطئها ، ثم ردها إلي منزل أبيها ( المحاسن والاضداد 118)، وأنفق المتوكل علي بناء قصوره في سامراء ، أربعة وعشرين ألف ألف دينار ( الديارات 364-371 ) وكان المصروف علي ثلاثة منها مائة ألف ألف درهم ( مروج الذهب، 418/2 ) وصرف في حفلة ختان ولده المعتز ستة وثمانين ألف ألف درهم ( الديارات 150 - 157) وبلغ ما نثره في تلك الحفلة علي المغنين والمغنيات عشرين ألف ألف درهم ، وحصل في ذلك اليوم للمزين الذي ختن المعتز ، نيف وثمانون ألف دينار سوي المصاغ والخواتم ، والجواهر ، والعدات ( الديارات 155 و156) ورغب يوما أن يعمل الشاذكلاه ، بأن يشرب علي الورد ، ولم يكن موسم ورد ، فأمر فست له خمسة آلاف ألف درهم ، وأن تلون ، وتنشر مكان الورد ، لكي يشرب عليها ، وكان قد بايع لولده المنتصر ، ثم المعتر ثم المؤيد (ابن الأثير 49/7 ) ثم رغب في تقديم المعتز لمحبته لأمه، فسأل المنتصر أن ينزل عن ولاية العهد، فأبي ، فكان يحضره مجلس العامة ، ويحط منزلته ، ويتهدده ، ويشتمه ( تاريخ الخلفاء 350 ) ويطلب من الفتح أن يلطمه ( الطبري 225/9 وتجارب الأمم 555/6 وابن الأثير 97/7 ) وأمر المتوكل بقبض ضياع وصيف ، واقطاعها الفتح بن خاقان ( الطبري 222/9 وتجارب الأمم 554/6 ) كما أنه وافق الفتح بن خاقان ، علي الفتك بوصيف ، وبغا ، وابنه المنتصر ( تجارب الأمم 554/6 ) واشتد عبثه ، قبل قتله بيومين ، بابنه المنتصر ، مرة يشتمه ، ومرة يسقيه فوق طاقته ، ومرة يأمر بصفعه ، ومرة

ص: 87

يتهدده بالقتل ( الطبري 225/9 ) فاضطر المنتصر أن يشاور بعض الفقهاء ، وأن يعلمهم بمذاهب أبيه ، وحكي عنه أمور قبيحة ، فأفتوه بقتله ، فاتفق مع الأتراك ، وقتلوه ( تاريخ الخلفاء 350 ) . وقد كان تصرف المتوكل ، مع أولاده ، ومع قواده ، ومع حاشيته ، ومع رعيته ، لا بد أن يؤدي به إلي النهاية التي انتهي إليها، ففتح بذلك علي من خلفه من الخلفاء ، وعلي من يلوذ بهم من رجال الدولة ، بابا استحال سده ، وكان فاتحة لما أصيب به الخلفاء من بعده، والوزراء وسائر رجال الدولة، من قتل وسمل، وتشريد ، وأمتهان .

وروي لنا التنوخي ، في نشوار المحاضرة ج 1 ص 312 - 318 قصة طريفة عن قائد من القواد الأتراك في دولة المعتضد ، أمر المعتضد بضربه بمداق الجص حتي مات ، رواهاله القاضي محمد بن عبد الواحد الهاشمي ، عن شيخ من التجار كان له علي أحد قواد المعتضد مال جليل ، وكان يماطله به ، وكان إذا طالبه ، حجبه ، واستخف به ، وتظلم الي الوزير ، فلم يجده التظلم نفعا، وشكا أمره إلي أحد إخوانه ، فأخذه إلي شيخ خياط في سوق الثلاثاء، وشكا إليه أمره، فقام الخياط معه وجاء إلي دار القائد ، وكان غائب، فلما رأي غلمان القائد الخياط أعظموه، وأهووا ليقبلوا يده ، فمنعهم ، وأحاطوه بإكرام عظيم حتي جاء القائد ، ولما علم بوجود الخياط في داره ، أقبل عليه ، قبل أن يغير ثيابه ، وقال له : لست أنزع ثيابي ، أو تأمر بأمرك ، فخاطبه في أمر دين الرجل التاجر ، فسارع إلي سداد قسم منه ، وإعطائه بالباقي رهنا فوضه في بيعه إلي أجل واستيفاء باقي في دينه منه ، ولما خرجوا من عند القائد أعظم التاجر أمر هذا الخياط الشيخ، الذي استخلص له دينا ، عجز الوزير عن استخلاصه ، ولما بلغوا إلي دكان الخياط ، طرح التاجر المال بين يديه ، وقال له : يا شيخ، إن الله قد رد علي هذا بك ، فأحب أن تأخذ نصفه ، أو ثلثه ، أو ربعه ، بطيب من قلبي ، فقال اله الخياط : انصرف بمالك ، بارك الله لك فيه ، فقال له التاجر : بقيت لي

ص: 88

حاجة ، وهي أن تخبرني عن سبب طاعة هذا القائد لك ، مع تهاونه بأكابر أهل الدولة ، فأراد الخياط التخلص من الإجابة ، وأصر عليه التاجر ، فقال الخياط : أنا رجل أوم ، وأقريء في هذا المسجد ، منذ أربعين سنة ، ومعاشي من هذه الخياطة ، وفي أحد الأيام صليت المغرب ، وخرجت أريد منزلي ، فاجتزت بتركي كان في هذه الدار ، وقد مرت به آمرأة جميلة ، فتعلق بها. وهو سكران - ليدخلها داره ، وهي تستغيث ، فلا يغيثها أحد ، وتقول : إن زوجي حلف بطلاقي أن لا أبيت خارج منزله ، فإن بيتني هذا ، أخرب بيتي ، مع ما يرتكبه مني من المعصية ، وما يلحقه بي من العار ، فجئت الي التركي ، ورفقت به ، وسألته أن يتركها، فضرب رأسي بالدبوس ، فشجني ، وأدخل المرأة ، وصرت الي منزلي ، فغسلت الدم ، وشددت الشجة ، واسترحت ، وخرجت فصليت العشاء بالمسجد ، ولما فرغنا من الصلاة ، قلت لمن حضر : قوموا معي إلي عدو الله هذا التركي ، ننكر عليه ، ليطلق المرأة ، فقاموا معي ، واجتمعنا علي بابه ، وضججنا ، فخرج الينا في عدة من غلمانه ، وضربونا ، وقصدني من بين الجماعة ، فضربوني ضربا عظيما، حتي كدت أن أتلف ، وحملني الجيران الي منزلي وأنا كالتالف ، فعالجني أهلي ، ونمت قليلا ، ونبهني الوجع في نصف الليل ، فقلت في نفسي ، إن هذا قد سكر طول ليله ، فلو أذنت الآن ، فقد يقع له أن الفجر قد طلع ، فيطلق المرأة لتلحق ببيتها ، فتسلم من الطلاق ، وخرجت الي المسجد متحاملا، فأذنت ، وجلست أتطلع إلي الطريق أترقب خروج المرأة ، فإن خرجت ، وإلا أقمت الصلاة ، حتي لا يشك في الصباح ، فيخرجها ، فما مضي علي أذاني غير قليل ، إلا وقد امتلأ الشارع خي ورجالا ومشاعل ، يسألون عن أذن في هذه الساعة من الليل ، ففزع ، وسكث ، ثم قلت : أخاطبهم ، لعلي أستعين بهم في إخراج هذه المرأة ، وصحت بهم من المنارة : أنا أذنت ، فصاحوا بي : إنزل ، فنزلت ، وأخذوني معهم ، وإذا بهم غلمان القائد بدر ، فحملني بدر إلي أمير المؤمنين المعتضد ، فلما رأيته

ص: 89

هبته ، وأرتعدت ، فسكن مني ، وقال لي : ما حملك علي أن تؤذن في غير وقت الأذان ؟ فحدثته بالقصة ، وأريته آثار الضرب الذي بي ، فأمر بإحضار القائد التركي ، والمرأة ، وأمر بدرا بأن يحمل المرأة إلي زوجها مع وصية منه بالعناية بها والرعاية لها ، ثم خاطب الغلام وأنا قائم أسمع ، سأله عن رزقه ، وعن عطائه ، وعن وظائفه ، وعن جواريه ، وهو يذكر أشياء عظيمة جليلة ، فقال له : أما كان لك في هذه النعمة ، ما يكقك عن ارتكاب المعاصي حتي تخرق هيبة السلطان وتتجاوز ذلك إلي الوثوب بمن أمرك بالمعروف ، ونهاك عن المنكر ؟ ثم قال : هاتم جوالق ، ومداق الجص ، وقيودا ، وغلا ، ثم أمر به فقيد ، وغل ، وأدخل الجوالق ، وأمر الفراشين فدقوه بمداق الجص ، وهو يصيح حتي انقطع صوته ، ثم أمر بطرحه في دجلة ، وقال لي : يا شيخ ، إذا رأيت منكرة ، صغيرة أو كبيرة ، فأنكره ، فإن لم يقبل منك ، فالعلامة بيننا أن تؤذن في غير وقت الأذان .

وذكر الأمير جعفر بن ورقاء الشيباني ، إنه كان في أيام المتعضد شابأ ، وكان مع نظرائه من أولاد الأمراء والقواد ، مرسومين بالمقام في الدار ، علي رسم الخدمة ، بنوائب (جمع نوبة ) كانت لهم ، وكانوا يجتمعون في حجرة يستريحون فيها بعد انقضاء الخدمة وانصراف الموكب ، فيخلعون عمائمهم ، وينزعون خفافهم ، ويلعبون الشطرنج والنرد ، فاطلع عليهم أحد أصحاب الأخبار في الدار ، فكتب بخبرهم إلي المعتضد ، فأمر من كان في النوبة ، فضرب كل واحد منهم عدة مقارع. ( رسوم دار الخلافة 72).

وأمر المعتضد بأحد غلمانه ، فمد أمامه ، وضرب مائة مقرعة ، وذلك إن أحد غلمان المعتضد أخذ ثلاث بطيخات من سوادي ، فأخذ السوادي يبكي ، ومر به المعتضد ، فسأله عن سبب بكائه ، فأخبره ، فأحضر الغلام ، وأمر به فمد أمامه ، وضرب مائة مقرعة ، وهو يقول له : يا كلب ، يا كذا وكذا ، ما كان معك ثمن هذا البطيخ ؟ راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار

ص: 90

المحاضرة للتنوخي (ج 1 ص 330 رقم القصة 176 ) .

وبلغ أماجور التركي ، أمير دمشق للمعتمد ، أن أعرابيا أهان جنديا من جنوده ، بأن نتف شعرتين من شاربه ، فأمر بالاعرابي ، فنتف شعر بدنه كله ، من أجفانه ورأسه ولحيته ، وما ترك علي جسمه شعرة ، ثم ضربه ألف سوط ، وقطع يديه ورجليه وصلبه ( الوافي بالوفيات 376/9 ).

واجتاز عامل الأهواز بالقاضي وهو في مجلس حكمه ، فتكلم بكلمة عدها القاضي إستهانة به ، فشكاه إلي الخليفة ، فأمر بأن يضرب العامل علي باب المسجد بالأهواز الف سوط ( نشوار المحاضرة ج 2 ص 23 رقم القصة6)

وذكر صاحب مروج الذهب 509-507/2 ألوانا من الضرب مارسها المعتضد علي أحد اللصوص ، فقال : إن المعتضد أحضر اللص أمامه ، ورفق به ، فأنكر ، فتهدده ، فأنكر ، فضربه بالسوط ، والقلوس ، والمقارع، والدرة ، علي ظهره ، وبطنه ، وقفاه ، ورأسه ، وأسفل رجليه وكعابه ، وعضله ، حتي لم يكن للضرب فيه موضع .

وذكر التنوخي ، أن عامل الزاب ونهر سابس ، عملت له مؤامرة في أيام الوزير عبيد الله بن سليمان ، وزير المعتضد ، بخمسة وعشرين ألف درهم ، فلم يؤد ، وألط بالمال ، فضرب سبع مقارع، وكان إذا خرج بإنسان من العمال إلي هذا القدر من المكروه ، فعندهم أنه النهاية ( نشوار المحاضرة القصة 7/8 ) .

وفي السنة 285 ادعي ابن قريش في القاهرة أنه ينكر أن يكون أحد من الناس ، خيرا من أهل رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فضرب بالسياط ، ومات بعد يومين ( كتاب الولاة والقضاة للكندي 243) .

ووجد ابن أبي عوف ، رجلا مع ابنته ، ولم يكن لها بمحرم ،

ص: 91

فاستدعي صاحب الشرطة فضرب الرجل بالسياط علي باب داره ، فصاح الرجل : يا قوم ، أيح أحد الزانيين دون الآخر ، راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة المرقمة 58/2 ).

وفي السنة 287 وفد علي الحضرة رسل ثلاثة وجههم وصيف خادم ابن أبي الساج ، ليسأل من الخليفة ولاية الثغور ، وأن يوجه إليه بالخلع ، فأمر المعتضد أن يقرر الرسل بالسبب الذي من أجله فارق وصيف صاحبه ابن أبي الساج ، فقرروا بالضرب ، فذكروا بأنه فارقه علي موطأة بينهما علي أنه متي صار إلي الموضع الذي هو به ، لحق به صاحبه فتغلبا علي ديار مضر ( الطبري 77/10 ) .

وكان الفيلسوف أحمد بن الطيب السرخسي ، نديم المعتضد، وغضب عليه في السنة 283 فضربه مائة سوط ، وحوله الي المطبق ( معجم الأدباء 158/1)

وفي السنة 284 أولع العامة بالخدم السود ، الذين يخدمون السلطان ، وكانوا يلبسون البياض ، فكانوا يصيحون بهم يا عقعق ، لأن العقعق فيه سواد وبياض ، ووجه المعتضد مرة خادمة أسود برسالة ، فصاحوا به : يا عقعق ، فغضب وقنع الصائح بسوطه ، فاجتمع عليه العامة ، ونكسوه ، وضربوه ، فأمر المعتضد بتأديبهم ، وتأديب من يصيح علي الخدم عقعق ، فركب طريف المخلدي الخادم في جماعة من الفرسان والرجالة ، إلي رأس الجسر من الجانب الشرقي بباب الطاق ( الصرافية الآن ) وقبض علي سبعة أنفس ، فضربوا بالسياط في مجلس الشرطة بالجانب الشرقي ، ثم عبر طريف إلي الكرخ ، ففعل مثل ذلك ، وأخذ خمسة أنفس ، فضربهم في مجلس الشرطة بالشرقية ( الشرقية في الجانب الغربي من بغداد ، وانما سميت الشرقية لأنها شرقي مدينة المنصور ، وجامع المنطقة الموجود الآن جزء من الشرقية ) وحمل الجميع علي جمال ، وأشهروا ، ونودي عليهم : هذا جزاء من أولع

ص: 92

بخدم السلطان ، وصاح بهم : يا عقعق ( الطبري 53/10و54 ) .

ولما انتصر هارون بن خمارويه ، علي عمه ربيعة بن أحمد بن طولون في السنة 284 أخرجه إلي دار الإمارة القديمة ، وضربه ألفا ومائتي سوط ، فمات ( الولاة والقضاة للكندي 242 و243) .

وبلغ المكتفي (ت 295 ) أن عام له بكورة أرجان ، طالب أحد الرعايا بالخراج ، فتغيب عليه ، فأحرق بابه ، فأنفذ من قبض علي العامل ، وضربه علي باب المسجد بأرجان ألف سوط ( نشوار المحاضرة ج 2 رقم الصفحة 7).

وفي السنة 291 قتل أبو علاثة محمد بن أحمد بن عياض ، وكان رجلا ذا لسان وعارضة ، فكان ممقوتا عند كثير من الناس ، فزلت به القدم ، وشهد عليه قوم من سفل الناس ووضعائهم ، فقبل السلطان شهاداتهم ، وأيدهم عامة أهل المسجد فضرب مرارا بقصد إذلاله ، ثم قتل ( الولاة للكندي 243 و244).

وفي السنة 296 حصر أبو عبد الله الشيعي ، داعية الفاطميين ، الماسة ، وبعث إلي واليها رسولا ، فقتله ، ثم بعث آخر فقتله ، فلما فتح أبو عبد الله سجلماسة ، قبض علي الوالي ، وضربه بالسياط حتي قتله ( ابن الأثير 48/8 ) .

وفي السنة 296 لما فشلت حركة ابن المعتز ، وثبت المقتدر ، ونصب ابن الفرات وزيرا، استتر محمد بن داود الجراح ، فسعي به رجل إلي ابن الفرات ، وقال إنه يعرف موضع محمد بن داود ، والتمس أن ينفذ معه من يدله عليه ويسلمه إليه ، وكان ابن الفرات يكره السعاية ، فأجلس الساعي في موضع ، وبعث إلي محمد بن داود من أوصاه بالانتقال في موضعه ، ثم بعث رجالة مع الساعي ، فلم يعثروا علي أحد ، فأخذ ابن الفرات الساعي وضربه

ص: 93

مائتي سوط علي باب العامة ، وشهره علي جمل ، ونادي عليه ، ثم حدره إلي البصرة . ( تجارب الأمم 11/1 والتكملة 6 والوزراء للصابي 31) .

وفي السنة 299 لما عزل الوزير ابن الفرات ، وزير المقتدر ، عن وزارته الأولي ، اعتقل ولده المحسن ، وضرب علي رأسه ، وسائر جسده بالطبرزينات ، وقيد ، وغل ، وألبس جبة صوف ، وجبة شعر ، وعذب بكل شيء ( الوزراء للصابي 65).

وفي السنة 303 أوقع ورقاء بن محمد ، بالأعراب، بناحية الأجفر ، فقتل جماعة ، واستأسر جماعة ، وقدم بهم ، فوثبت العامة علي الأساري ، فقتلتهم ، وضرب رجل منهم بالسياط في باب العامة ، ذكر أنه صاحب حصن الحاجر ، وأن الحاج أستجاروا به ، فوصل إليه من أمتعتهم شيء كثير ( المنتظم 130/6 ).

وادعي رجل في السنة 306 علي علي بن عيسي الوزير ، ادعاء كاذبة ، فأمر به المقتدر فضرب مائة سوط ، وحبس في المطبق ، ثم نفي إلي مصر ( تجارب الأمم 61/1 ).

وادعي أحد الناس علي الوزير ابن الفرات بأنه بعث به إلي أبي الساج يطالبه بأن يعصي الخليفة ، وحقق معه ، فظهر كذبه ، فأمر المقتدر بأن يضرب أمامه مائة مقرعة أشد الضرب ، راجع تفصيل القصة في نشوار المحاضرة للتنوخي (ج 4 ص 33 رقم القصة 12 ).

وكان موسي بن خلف ينظر في نفقات دار ابن الفرات ، فلما عزل ابن الفرات عن وزارته الثانية ، أحضر حامد بن العباس موسي بن خلف وسأله عن أموال ابن الفرات ، فقال إنه لا يعرف عنها شيئأ ، فأمر الغلمان بصفعه فصفع ، وكان شيخا كبيرا قد أتت عليه تسعون سنة ، فلما عاوده بالمكروه والعذاب ، مات تحت الضرب ، وضربه بعد موته سبعة عشر سوطا ، فلما

ص: 94

علم بموته أمر بجر رجله ، فجرت ، وتعلقت أذنه في رژة عتبة الباب ، فانقلعت ، ( تجارب الأمم 65/1 ).

وفي السنة 309 جرت محاكمة الحلاج ، بمحضر من الوزير حامد بن العباس ، والقضاة ، وكان حامد شديد التعصب عليه ، فألزم القضاة بأن يصدروا فتوي بإحلال دمه ، وكتب إلي المقتدر كتابا يطلب فيه الإذن بنفاذ الفتوي ، فأمر المقتدر بإحضار الحلاج إلي مجلس الشرطة ببغداد ، وأن يضرب ألف سوط ، فإن لم يمت ، فتقطع يداه ورجلاه ، ثم عنقه ، وينصب رأسه ، وتحرق جثته ، فأحضر الوزير حامد، صاحب الشرطة ، وأقرأه التوقيع ، وتقدم اليه بتسلم الحلاج ، وإمضاء الأمر فيه ، فامتنع من ذلك ، وذكر إنه يتخوف أن ينتزع من يده ، فوقع الاتفاق علي أن يحضر بعد العتمة ومعه جماعة من غلمانه ، وقوم علي بغال يجرون مجري الساسة ، ليجعل علي بغل منها ، ويدخل في غمار القوم ، ففعل ذلك ، وحمله تلك الليلة علي الصورة التي ذكرت حتي أوصلوه إلي الجسر ( كان محل صاحب الشرطة علي رأس الجسر) وبات محمد بن عبد الصمد ورجاله حول المجلس ، فلما أصبح يوم الثلاثاء أخرج الحلاج إلي رحبة المجلس ، واجتمع من العامة خلق عظيم لا يحصي عددهم ، وأمر الجلاد بضربه ، فضرب ألف سوط ، ثم قطعت يده ، ثم رجله ، ثم ضرب عنقه ، وأحرقت جثته ونصب رأسه علي الجسر ، ثم حمل إلي خراسان ( تجارب الأمم 81/1)

أقول : راجع محاكمة الحلاج في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ج 6 ص 79 - 92 رقم القصة 51 ، وكنت قد علقت علي محاكمة الحلاج ، بأن الذي ظهر لي منها إنه لم يرتكب ذنبأ يستوجب العقوبة ، فضلا عن القتل

وفي السنة 311 تسلم المحسن بن الفرات ، أبا القاسم بن الحواري ،

ص: 95

فصفعه صفعا عظيما في دفعات ، وضربه بالمقارع، ثم أخرجه إلي الأهواز ، مع مستخرج له ، فلما وصل اليها ، قتله المستخرج ( تجارب الأمم 113/1)

ودخل أحد الشعراء علي الداعي العلوي ، الحسن بن القاسم (ت 316) في يوم مهرجان ، فأنشده :

لا تقل بشري ولكن بشريان**** غرة الداعي ويوم المهرجان

فتشاءم من قوله : لا تقل بشري ، وبطحه فضربه خمسين عصا ( رسوم دار الخلافة 64).

وفي السنة 312 ظهر في دار للسيدة ( أم المقتدر ) ، كان المقتدر يكثر من الجلوس فيها رجل أعجمي ، فسئل، فلم يجب ، ورفق به فلم يغن الرفق ، وكان جوابه بالفارسية : نميدانم ، أي لا أدري ، فعوقب بالضرب حتي تلف ، ثم صلب ، ولفت عليه حبل من قنب ، ومشاقة ، ولطخ بالنفط ، وضرب بالنار ( المنتظم 187/6 و188 وتجارب الأمم 118/1 ).

ولما نوظر ابن الفرات بعد عزله من وزارته الثالثة ، أمر المقتدر ، هارون بن غريب أن يضربه بالسوط ، فأقامه بين الهنبازين ، وضربه خمس درر ، ثم ضرب ثلاث دفعات بالفلوس ( الحبال الغليظة ) . ( تجارب الأمم 135/1 والوزراء للصابي 68 ، 69 ).

أقول : الهنباز ، بالفارسية : المشابه ، والمماثل، والظاهر أن الهنبازين ، عمودان متقابلان ، فيهما حلقتان تشد إليهما يد المراد ضربه ثم يضرب .

وفي السنة 312 أخرج المحسن من محبسه فضرب ضرب التلف ، وأوقع به نازوك حتي تدود بدنه ، ولم يبق فيه فضل لمكروه ، وصبر بعد ذلك

ص: 96

علي مكاره عظيمة لم يسمع بمثلها ، ومضت له أيام لم يطعم طعاما ، وإنما يشرب الماء شربا يسير ، وهو في أكثر أوقاته مغشي عليه ( تجارب الأمم 136/1)

وفي السنة 313 بحث أبو القاسم الخاقاني ، في أيام وزارته ، عمن يدعي عليه من أهل بغداد ، أنه يكاتب القرمطي ، ويتدين بدين الإسماعيلية ، إلي أن تظاهرت عنده الأخبار بأن رجلا يعرف بالكعكي ، ينزل بالجانب الغربي ، رئيس للرافضة ( يريد الشيعة ) وإنه من الدعاة إلي مذهب القرامطة ، فتقدم إلي نازوك بالقبض عليه ، فمضي ليقبض عليه ، فتسلق من الحيطان وهرب ، ووقع برجل في داره ، كان خليفته ، ووجد في الدار رجالا يجرون مجري المتعلمين ، فضرب الرجل ثلثمائة سوط ، وشهره علي جمل ، وحبس المقتدر الباقين ( المنتظم 195/6 ).

وكان محمد بن خلف ، كاتب ابن أبي الساج ، قد طمع في وزارة المقتدر ، وأتخذ من الدس علي ابن أبي الساج وسيلة لمكاتبة الخضرة ، وأحس ابن أبي الساج بذلك ، فقبض عليه واعتقله وقيده بخمسين رطلا ، وأسلمه إلي الحسن بن هارون فأهانه ، وصفعه ، وضربه بالمقارع، وكان ذلك في السنة 315 ( تجارب الأمم 172/1 ).

وقبض الوزير علي بن عيسي ، في السنة 315، علي رجل شيرازي ، واتهمه بمكاتبة القرمطي ، فأمر بصفعه بحضرته ، وضربه بالمقارع، وقيده ، وغله بغل ثقيل ، وجعل في فمه سلسلة ، وأسلمه إلي نازوك ، وحبسه في المطبق ، فمات بعد ثمانية أيام ، لأنه امتنع من أن يأكل ويشرب حتي مات ( تجارب الأمم 182/1 ).

وزور نصر الحاجب ، وكان عدوا لأبي الحسن علي بن عيسي ، رج؟ يعرف بالجوهري ، زعم إنه رسول للقرامطة ، وإنه سفر بينهم وبين علي بن

ص: 97

عيسي ، وعاون ابن مقلة نصرة الحاجب ، فهم المقتدر أن يضرب أبا الحسن علي بن عيسي بالسوط علي باب العامة ، بحضرة الفقهاء والقضاة وأرباب الدواوين ، ثم ظهر بطلان الإدعاء ( الوزراء 342 - 343) .

وفي السنة 315 أخذ خناق ينزل درب الأقفاص من باب الشام ، خنق جماعة ، ودفنهم في عدة دور سكنها ، وكان يحتال علي النساء ، يكتب لهن كتب العطف ، ويدعي عنده علم النجوم والعزائم ، فيقصدنه ، فإذا حصلت المرأة عنده سلبها ، ووضع وترا له في عنقها ، ورفس ظهرها، وأعانته أمرأته ، وأبنه ، فإذا ماتت حفر لها، ودفنها ، فعلم بذلك ، فكبست الدار ، فأخرج منها بضع عشرة امرأة مقتولة ، ثم ظهر عليه عدة ادر ، كان يسكنها ، مملوءة بالقتلي من النساء خاصة ، فطلب ، فهرب إلي الأنبار ، فأخذ ، وحمل إلي بغداد ، فضرب ألف سوط ، وصلب وهو حي ، حتي مات . ( المنتظم 207/6 ).

وفي السنة 319 ضرب الوزير الحسين بن القاسم ، بين المقتدر وبين مؤنس ، فأصعد مؤنس من بغداد ، وبعث خادمه بشري رسولا الي المقتدر ، فتناوله الحسين بن القاسم بالشتم ، وضربه بالمقارع، وصادره ، ثم أنفذ إلي داره فحمل ما فيها ، وقبض علي امرأته وصادرها ( ابن الأثير 237/8 تجارب الأمم 222/1 ) . .

وضرب مرداويج (ت 323 ) وزيره أبا سهل ، ضربا أحاله لا يتمكن من المشي ، ولا من الجلوس ثم أعاده للوزارة فكان يصل إليه في عمارية . ( تجارب الأمم 146/2 ).

وفي السنة 321 قبض ابن مقلة ، وزير القاهر ، علي أبي الخطاب بن أبي العباس بن الفرات ، وطالبه بمال ، فقال له : أنا لم أتصرف منذ أكثر من عشرين سنة ، ولما تصرفت كنت عفيفة، ما آذيت أحدا ، فأسلمه إلي أبي

ص: 98

العباس الخصيبي ، فأحضر له صاحب الشرطة ، فجرده ، وضربه عشر درر ، وخلع تخليعا يسيرا ، ثم ضربه بالمقارع، فلم يؤد شيئا ، فرده إلي ابن مقلة ، فأوهمه أنه يقتله ، وأخذه السياف ، وشد رأسه وعينيه ، ووجهه إلي القبلة ، فتشاهد أبو الخطاب ، وأدرك ابن مقلة أنه لا أمل له في الحصول علي شيء منه ، فأطلقه إلي منزله ، بعد أن توسط له أبو يوسف البريدي بأن يؤدي عشرة الاف دينار ( تجارب الأمم 250/1 - 253).

وفي السنة 321 كبس علي القائد علي بن يلبق ، وأخذ، وأحضر أمام القاهر ، فضرب بحضرته ضربا مبرحا ، فصحح عشرة آلاف دينار ( تجارب الأمم 266/1 ) .

وفي السنة 321 أحضر القاهر رجلا قطع الطريق في دجلة ، فضرب بحضرته ألف سوط ، ثم ضربت عنقه ، وضرب جماعة من أصحابه ، وقطعت أيديهم وأرجلهم . ( المنتظم 249/6 ) .

وغضب أبو الهيجاء الحمداني ، علي ولده حسن (ناصر الدولة الحمداني فيما بعد ) فضربه علي وجهه بالسوط ، فأثر فيه أثرا قبيحا ، وقال له : با كلب ، سمت بك نفسك إلي أن تمتلك النهروان ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف (ج 2 ص 148 رقم القصة 77) .

وأبصر أحد خلفاء الحجاب ، في قصر الخلافة ، في عهد القاهر ، أحد كتاب دلويه ، كاتب الحاجب سلامة ، قد جلس في دهليز باب الخاصة ، ووضع رجلا علي رجل ، فضرب رجله ضربة مؤلمة بعصا كانت في يده . ( رسوم دار الخلافة 76).

وقبض محمد بن القاسم بن عبيد الله ، وزير القاهر ، علي أبي الطاهر محمد بن الحسن الكاتب ، صاحب الجيش ، وعلي ولده أبي الحسن ،

ص: 99

وحبسهما في حجرة ضيقة ، وأجلسهما علي التراب ، وشدد عليهما، وصادرهما علي مبلغ معين ، فكان يخرجهما في كل يوم ، فيطالبان بمال المصادرة ، ويضرب الإبن بحضرة أبيه ، راجع في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 99 كيفية تخلصهما من الحبس .

وفي السنة 322 ظهر ببغداد رجل يعرف بأبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني ، ويعرف بابن أبي العزاقر وكان قد ظهر وحامد بن العباس في الوزارة ، وذكر عنه إنه يقول بتناسخ اللاهوت ، وإن اللاهوت قد حل فيه ، فاستتر ، ثم ظهر في زمان الراضي ، وقيل إنه أدعي الألوهية ، فأحضره الراضي ، فأنكر ما آتهم به ، وقال : أنا أباهل من يدعي علي هذه المقالة ، فإن لم تنزل العقوبة علي من باهلني بعد ثلاثة أيام ، وأقصاه سبعة أيام ، فدمي لكم حلال ، فأنكر هذا القول عليه ، وقيل يدعي علم الغيب ، وأفتي قوم بأن دمه حلال إلا أن يتوب من هذه المقالة ، فضرب ثمانين سوطة ، ثم قتل وصلب ( المنتظم 271/6 ).

وفي السنة 323 ، اشتهر ببغداد في عهد الوزير ابن مقلة ، رجل من القراء ، يعرف بابن شنبوذ ، يقريء الناس ، ويقرأ في المحراب ، بحروف يخالف فيها المصحف ، فيما يروي عن ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، مما كان يقرأ به قبل المصحف الذي جمعه عثمان ، ويتبع الشواذ ، فيقرأ بها، ويجادل ، حتي عظم أمره ، وفحش ، وأنكره الناس ، فناظره الوزير ، وأستنزله ، فأبي أن ينزل ، فأمر الوزير بتجريده ، وإقامته بين الهنبازين ، وأمر بضربه بالدرة علي قفاه ، فضرب نحو العشرة ضربة شديدة ، فلم يصبر ، وإستغاث ، وأذعن بالرجوع، فخلي عنه ، واستتيب ، وأطلق ، ويقول أصحابه أنه دعي علي ابن مقلة بقطع اليد، فإستجيب له ، وهذا من عجيب الإتفاق إن صح ( معجم الأدباء 301/6 والمنتظم 275/6 ووفيات الأعيان 299/4)

ص: 100

وفي السنة 324 قبض الراضي علي وزيره أبي علي بن مقلة ، واستوزر عبد الرحمن بن عيسي ، أخا الوزير علي بن عيسي ، ولم أبو علي بن مقلة اللوزير عبد الرحمن ، فضربه بالمقارع، وأخذ خطه بألف ألف دينار ، ثم سلمه إلي أبي العباس الخصيبي ، فجري عليه من المكاره ، والضرب ، والدهن ، أمر عظيم ، ودخل عليه الطبيب ثابت بن سنان فوجده مطروحا علي حصير خلق ، علي بارية ، وهو عريان بسراويل ، ومن رأسه إلي أطراف أصابعه بلون الباذنجان ( تجارب الأمم 337/1 والتكملة 94).

وفي السنة 328 انهزم أبو نصر محمد بن ينال الترجمان ، من الديلم ، في الجبل ، وأتصل خبر هزيمته ببجكم ، وهو بواسط ، فوجه بمن ضربه في منزله بالمقارع، وقيده ، وحبسه مدة ( تجارب الأمم 415/1 ).

وفي السنة 328 قبض ببغداد علي جاسوس الديلمي المقيم بالأهواز ، اي معز الدولة البويهي ، فضرب ضرب التلف ، وقطع ثلاث قطع ، وصلب بين الأتونات ( العيون والحدائق ج 4 ق 2 ص 82).

وفي السنة 329 لما انحدر البريديون عن بغداد إلي البصرة ، ظهر ابن سنجلا وسلفه علي بن يعقوب ، وصارا إلي دار الوزير القراريطي ليسلما عليه فقبض عليهما ، ونالهما مكروه غليظ بالضرب والتعليق ، وصودرا علي مائة وخمسين ألف دينار . ( تجارب الأمم 19/2 ).

وفي السنة 330 خرج الأخشيد أبو بكر محمد بن طغج ، من القاهرة ، يريد الشام ، فلاقاه ، وهو راكب للمسير ، شيخ يعرف بابن الصابوني ، يتظلم فتطير منه ، وأمر به فضرب خمس عشرة مقرعة ، وهو ساكت ، فقال الأخشيد : هوذا يتشاطر ، فقال له كافور : قد مات ، فأنزعج الأخشيد ، وكان يكره سفك الدماء ، واستقال سفرته ، وعاد الي بستانه في القاهرة ، وأحضر أهل الرجل ، فأطلق لهم ثلثمائة دينار . ( خطط المقريزي 25/2 ).

ص: 101

وكان لسيف الدولة الحمداني ، صاحب حلب ، مجلس يحضره العلماء في كل ليلة ، فيتكلمون بحضرته ، فوقع بين المتنبي وبين ابن خالويه النحوي كلام ، فوثب ابن خالويه علي المتنبي ، فضرب وجهه بمفتاح كان معه ، فشجه ، وخرج ، ودمه يسيل علي ثيابه ، فغضب ، وخرج الي مصر ، وامتدح كافورة ( وفيات الأعيان 122/1 و 123).

وأملق بغدادي ، فرأي في منامه أن غناه بمصر ، فسافر إليها ، وبات في مسجد ، فأبصره الطائف ، واشتبه به ، فأنكر حاله ، وبطحه فضربه ، ثم كان ذلك سبب غناه ، راجع القصة في كتاب الفرج بعد الشدة ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 212.

وفي السنة 331 ضرب ناصر الدولة ، أبا علي هارون بن عبد العزيز الأوارجي ، علي ضعف جسمه ، سبعمائة مقرعة ( التكملة 130).

وفي السنة 333 وصل إلي بغداد أبو الحسين البريدي ، وسعي في تولي البصرة ، فلم يتمكن المكان ابن أخيه أبي القاسم ، فلما يئس من تولي البصرة ، سعي في عزل أبي جعفر بن شيرزاد ، عن كتابة توزون ، وأن يتولاها هو بدلا منه ، وأحس ابن شيرزاد بذلك ، فغضب ، وانقطع في داره فترضاه توزون ، وقبض علي أبي الحسين البريدي ، وضرب ضربة عنيفة ، وقد ، وأحدر إلي دار السلطان ، ونصب له مجلس حضره الفقهاء والقضاة ، وأحضر له السيف والنطع ، وتليت عليه فتوي سابقة بإباحة دمه ، وأبو الحسين يسمع ورأسه مشدود ، والسيف مسلول بازائه في يد السياف ، ثم ضربت عنقه ، وصلب ، ثم أحرق ( تجارب الأمم 79/2 و80).

أقول : وفي السنة 333 لما قتل أبو الحسين البريدي ببغداد ، وأحرق ، سجل في الحساب تسعة دراهم ثمن بواري ونفط لإحراق جثته ( تجارب الأمم 80/2)

ص: 102

وفي السنة 335 ضرب أبو جعفر الصيمري ابن شيرزاد بحضرته بالمقارع ، وطالبه بمال المصادرة ( تجارب الأمم 111/2 ).

وفي السنة 340 رفع الي المهلبي وزير معز الدولة البويهي ، إن رجلا يعرف بالبصري ، مات ببغداد ، وهو مقدم العزاقرية ، أتباع ابن أبي العزاقر ، وهو يدعي أن روح ابن أبي العزاقر قد حلت فيه ، وإن له أصحابا يعتقدون ربوبيته ، ويدعون أن أرواح النبيين والصديقين قد حلت فيهم ، وكان فيهم غلام شاب يدعي أن روح علي بن أبي طالب قد حلت فيه ، وامرأة تدعي أن روح فاطمة الزهراء حلت فيها ، وخادم لبني بسطام يدعي أنه ميكائيل فأمر بهم المهلبي فضربوا ونالهم بمكروه ، فتوصلوا إلي من ألقي إلي معز الدولة أنهم من شيعة علي ، فأمر بإطلاقهم ، وخاف المهلبي أن يتشدد معهم لئلا ينسب إلي عداوة الشيعة فسكت عنهم ( ابن الأثير 495/8 ) .

وفي السنة 341 غضب مع الدولة البويهي ، علي وزيره المهلبي ، فبطش به ، وضربه مائة وخمسين مقرعة ، حتي كاد أن يتلف ، ثم أعاده إلي الوزارة ، ( ابن الأثير 499/8 وتجارب الأمم 145/2)للتفصيل راجع كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي (ج 1 ص 140 رقم القصة 70) .

وضرب معز الدولة ، وزيره المهلبي ، مرة أخري ، لما رأي تتماعسأ منه في أمر بناء داره الشاطئية بباب الشماسية ، فإنه أمر بوزيره فبطح ، وضرب مقارع كثيرة ، ثم قال : أخنقره ، فجعل في عنقه حبل ، وأمسكه ركابيون الخنقه ، فسكن منه القواد ، حتي تركه ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 70/1 .

ولما توفي القاضي أبو السائب ، في السنة 350 ، صودر غلامه محمد الحاجب ، وضربه الوزير المهلبي ، ضرب التلف ، لما كان يبلغه عنه من

ص: 103

التخرم والتهتك ، فتثر كعابه ضربة ، وكان الرجل عاهرة يتعرض لحرم الناس ( تجارب الأمم 184/2 ).

ولما توفي الوزير المهلبي ، في السنة 352 ختم أبو الفضل الشيرازي علي داره ، وأبو الفضل زوج ابنة المهلبي ، وأحضر أبا العلاء بن أبرونا وكان كاتب المهلبي ، فعوقب أشد عقوبة ، وضرب أبرح ضرب ، فلم يقر بشيء، فعدل أبو الفضل إلي تجني ، زوجة المهلبي ، وأمر بضرب ابنها أبي الغنائم بين يديها ، فأمرت باحضار أبي العلاء ، فأحضر في سبنية ، فجعلت تسأله عن شيء شيء، وهو يخبرها بمكانه ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، في القصة المرقمة ( 54/8)

وفي السنة 353 قبض بمصر، علي رجل يعرف بابن أبي الليث الملطي ، ينسب إلي التشيع ، فضرب مائتي سوط ، ثم ضرب خمسمائة سوط ، وجعل في عنقه غل ، وحبس ، وكان يتفقد في كل يوم ، لئلا يخفف عنه ، ويبصق في وجهه ، فمات في محبسه ، وحمل ليلا ، ودفن ( خطط المقريزي 340/2 ) .

وضرب الوزير ابن بقية (ت 367) وزير بختيار ، القاضي أبا محمد بن معروف ، بالسياط ، وضرب أخاه أبا القاسم أيضا ، وشهره علي جمل في الجانب الشرقي . ( الامتاع والمؤانسة 217/3 )،

واتهم عضد الدولة ، أحد ندمائه الملقب بالهائم ، بأنه أطلع علي حديث جري بين القاضي التنوخي ، وأبي بكر بن شاهويه ، وكتمه عنه ، فأمر به فمد وضرب مائة مقرعة ، ثم أقيم فنفض ثيابه ، وقال : أكثر الله خيركم ، وأتصل ذلك بعضد الدولة ، فأمر بضربه مائة أخري ، راجع تفصيل ذلك في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة المرقمة 45/4) .

وأمر عضد الدولة مرة أخري ، بضرب نديمه الهائم ، فضرب مائتي

ص: 104

سوط ، وسبب ذلك : إن عضد الدولة ، كان ينظم الأبيات ، وكان نظمه بالعربية لا يرتقي الي مرتبة الشعر ، وفي أحد الأيام ، كان اثنان من ندمائه ، وهما النابغ والهائم ، يلعبان الشطرنج، بحضرة عضد الدولة ، فغاصا في الفكر لدستهما ، وأنشد أحدهما :

وأبو القاسم يروي شعرنا ****حسن ذاك ، ويأتي بالخبر

والشعر لعضد الدولة ، فقال له الآخر : أف منك ، ومن هذا الشعر ، فأعاد ذاك إنشاد البيت ، علي مذهب الشطرنجيين في مغايظة ملاعبيهم ، وتكرار ما يثقل عليهم ، فقال له : هذه شعرة ، لا شعر ، فردده ، وكرر ذاك ، السب للشعر وقائله ، وعضد الدولة يسمعهما ، إلي أن فرغا من دستهما ، فنهض عضد الدولة ، واستدعي أبا علي بن محمد ، استاذ الدار ، وتقدم إليه بضربهما مائتي سوط ، وأن يأمرهما بأن لا يتكلما بعد يومهما علي الشطرنج بشيء ، ففعل ذلك ، وعرفا ما كان منهما ، راجع في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي في القصة 9/3 بعض ما أورده التنوخي من شعر عضد الدولة .

أقول : ذكر أبو الحسن علي بن عيسي الربعي ، أن عضد الدولة أخرج إليه مجلدأ بأدم مبطنة بديباج أخضر ، مذهب، بخط حسن ، فيه شعر مدبر وحش ، ليس له معني ، فقال له : كيف تري هذا الشعر ؟ فقال له : هذا شعر مدبر ، والذي قاله خرب البيت مسود الوجه ، ومضي علي ذلك زمان ، ثم دخل عليه ، فأومأ إلي خادم ، وقال له : إمضي إلي مرقدنا، وجئنا بشعرنا ، فمضي وجاء بالمجلد بعينه ، فعرضه عليه ، وقال له : كيف تراه ؟ قال علي بن عيسي فتلجلج لساني ، وربا في فمي ، وقلت : حسنأ جدأ . ( معجم الأدباء 286/5 و287).

وضرب رجل من أهل العصبية خمسمائة سوط ، في وقت واحد ، فلم

ص: 105

يتأوه ، ولم ينطق ، فلما كان بعد أيام ، حم حمي صعبة ، فأقبل يصيح كما يصيح البعير ، فقالوا له : أنت تضرب بالأمس خمسمائة سوط فلا تصيح ، تحم ساعة فتصيح ؟ فقال : عذاب الله عز وجل أشد من عذاب المخلوقين . ( نشوار المحاضرة 265/8 رقم القصة 114).

وفي السنة 375 قتل المنصور محمد بن أبي عامر الأندلسي ، ابن عمه عمروا ، المعروف بعسكلاجة ، بالضرب بالسياط ، وسبب ذلك إن المنصور كان قد سعي في تقديمه ، حتي ولي بلاد المغرب ، فأخذ يتنقص المنصور ، وحجز عنه الأموال ، فاستقدمه ، وجلده جلدا مبرحا ، كانت فيه منيته . ( الاعلام 250/5 ).

ويسمي التيس ذو الحلمتين في عنقه ، علوية ، تشبيها لحلمتيه بشعرتي العلوي المسبلتين علي رقبته ، ومر أبو الفرج العلوي ، بموضع بيع الغنم ، فسمع من يقول : نبيع هذا التيس العلوي الأحول الأعرج ، وكان أبو الفرج العلوي ، أحول أعرج ، فلم يشك أنه يقصده بذلك ، فراغ عليه ضربا ، إلي أن تبين أن التيس حقيقة أحول أعرج ، فتخلص من يده ( اخبار الحمقي 71)

وكان العلاء بن الحسن غالبا علي أمر صمصام الدولة ، ثم سعي به ، فقبض عليه ، وعلي كتابه وحواشيه ، وعلي أبنته زوجة العلوي الرازي ، وعوقبوا أشد معاقبة ، وطالبوا أشد مطالبة ، حتي تلفت ابنته ، وجماعة من أصحابه تحت الضرب وظل العلاء معتقلا في إحدي المطامير ، ثم أخرج من محبسه وقد ضعف بصره ، فعولج ورد إلي الوزارة ( ذيل تجارب الأمم 247/3)

وفي السنة 389 عصي الشاه صاحب غرشستان ، علي السلطان محمود ابن سبكتكين، فحاربه، وأسره، فأمر بضربه، فضرب تأديبا له، ثم أودعه السجن ، فمات في السجن ( ابن الأثير 148/9 )

ص: 106

وتقدم الحسن المغربي ، إلي قاضي مصر الحسين بن علي ، المعروف بابن حيون ، في خصومة في السنة 389 ، فزل لسانه بشيء خاطب به القاضي ، فأغضبه ، فأمر والي الشرطة بضربه ، فضربه ألفا وثمانمائة درة بحضرة صاحب القاضي ، وطيف به ، فمات من يومه . ( اخبار القضاة 597)

وفي السنة 390 قبض أبو الفضل محمد بن القاسم بن سودمنذ العارض في دولة بهاء الدولة البويهي ، علي أبي القاسم الطويل الحاجب ، وضربه ألف عصا . ( تاريخ الصابي 383/8 ) .

وغضب بهاء الدولة البويهي (ت 403 ) علي أبي القاسم الأبرقوهي ، فأمر به ، فبطح، وضرب عشرين عصا جيادا ( الهفوات النادرة 341) .

وفي السنة 403 ضرب الحاكم الفاطمي ، بالقاهرة ، جماعة بسبب اللعب بالشطرنج ( خطط المقريزي 288/2 ) .

وكان الحاكم الفاطمي ، أمر في السنة 405 أن لا تغادر المرأة بيتها إلا بإذن ، فاحتالت إحدي النساء علي قاضي القضاة ، فأوصلها إلي دار عشيقها ، وجاء الزوج إلي القاضي ولامه علي ما صنع ، فركب القاضي إلي الحاكم وأخبره بالقصة ، فأمر الحاكم بحمل المرأة والرجل إليه ، وأستجوبهما ثم أمر بأن تلفت المرأة في بارية وتحرق ، وأن يضرب الرجل ألف سوط ( المنتظم 269/7 و 270).

وفي السنة 408 توفي مهذب الدولة أبو الحسن علي بن نصر ، صاحب البطيحة ، وهو الذي نزل عليه القادر بالله ، فتامر عبد الله بن بني ، ابن أخت مهذب الدولة ، مع بعض القواد ، فاعتقلوا أبا الحسين بن مهذب الدولة ، ونصبوا عبد الله بن بني فلما استولي علي الحكم ، أحضر أبا الحسين بن مهذب الدولة ، وضربه ضربا شديدا توفي منه بعد ثلاثة أيام من موت أبيه ،

ص: 107

ولقي عبد الله عاقبة غدره ، فمات بعد ثلاثة أشهر ( ابن الأثير 302/9 و303).

وفي السنة 414 قبض متولي الشرطة بالقاهرة ، علي رجل وامرأته ، وضربهما ، وشهرهما ، ونودي عليهما : هذا جزاء من تقود علي عياله مع اليهود والنصاري ( اخبار مصر للمسبحي 12 ).

وفي السنة 415 ضرب بالقاهرة بدر الدولة نافذ الخادم ، غلامه حل ، وهو متولي أمره ، ثلثمائة عصا ، لأنه خانه في أمواله ، وسرق منه تسعة آلاف دينار ( اخبار مصر للمسبحي 20).

وفي السنة 415 أمر الخليفة الظاهر الفاطمي ، بالقاهرة ، بأن يضرب ابن دايته ، ثلاثين عصا، لأن الظاهر أبصره وقد أشهر سكينأ علي رجل من الرعية سكر وعربد ( أخبار مصر للمسبحي 20 و21).

وفي السنة 415 أخد رجل يتصدق ، وقد قطع طرف سرج فضة لأحد الأتراك بمصر ، فضرب بالسياط ، وشهر علي جمل ( أخبار مصر للمسبحي 30)

وفي السنة 415 ضرب بالقاهرة رجل آدعي الشرف ( يعني إنه آنتسب إلي العلويين ) وطيف به علي جمل ( اخبار مصر للمسبحي 34).

وفي السنة 415 ضرب الشريف أبو طالب العجمي ، صاحب الصناعة ، ابن أبي الرداد ، قياس الماء ، بالعصي ، وأمر به فلطم حتي سقط ، وحمل الي داره بعد أن أعتقله في مقياس الماء بالجزيرة ( اخبار مصر للمسبحي 37 ).

وفي السنة 415 وجد بمصر نصرانيان مع مسلمتين ، فضرب جميعهم ، وشهروا ( اخبار مصر للمسبحي 50 ) .

ص: 108

أقول : أورد المسبحي هذا الخبر في الصحيفة 98 وفيه أن النصرانيين قتلا ، وضربت المسلمتان وشهرتا .

وفي السنة 415 ضرب إنسان سرق حاملين نحاس، وشهر والحاملان بين يديه علي الجمل بعد أن ضرب ضربا مبرحا ، وطيف به علي جمل ، ثم أعيد إلي السجن ( اخبار مصر للمسبحي 61).

وفي السنة 415 ضزب ابن كافي الكتامي ، متولي الشرطة السفلي بمصر ، مختثا زعم إنه يقود علي خمسة من النساء في منزله ، وشهره ( اخبار مصر للمسبحي 68 ).

وفي السنة 415 ضرب المحتسب جماعة من الخبازين ضربأ وجيعة ، وذلك لأنه وجد موازينهم للأرطال باخسة ( اخبار مصر للمسبحي 72).

وفي السنة 416 زاد أمر العيارين، وكبسوا دور الناس نهارا ، وفي الليل بالمشاعل والموكبيات ، وكانوا يدخلون علي الرجل فيطالبونه بذخائره ، ويستخرجونها منه بالضرب ، كما يفعل المصادر ون ( المنتظم 22/8 ).

وكان أبو الفوارس بن بهاء الدولة البويهي (ت19) ظالما، وكان إذا شرب ضرب أصحابه ، وضرب وزيره في بعض الأيام مائتي مقرعة ، وأحلفه بالطلاق أن لا يتأوه ( المنتظم 37/8 ).

وفي السنة 422 حصلت فتنة ببغداد بين الشيعة والسنة، فركب الوزير ، فرجم باجرة ، فوقعت في صدره ، فسقطت عمامته ، وقتل من أهل الكرخ جماعة ، ووقع القتال في أصقاع في جانبيها ، ودخل العيارون البلد ، وكثر الإستقفاء والعملات ليلا ونهارا ، وعدم المال عند جلال الدولة البويهي ، فأمر وزيره أبا إسحاق إبراهيم بن أبي الحسين ، أن يقبض علي أبي المعمر إبراهيم بن الحسامي البسامي ،طعما في ماله ، فقبض الوزير عليه ، وجعله في داره ، فثار الأتراك ، وقصدوا دار الوزير ، وأخذوه وضربوه ،

ص: 109

وأخرجوه من داره حافيا ، ومزقوا ثيابه ، وأخذوا عمامته فقطعوها ، وأخذوا خواتيمه من يده ، فدميت أصابعه ، وكان جلال الدولة في الحمام ، فخرج مرتاعا ، فركب ، وظهر لينتظر ما الخبر ، فأكب الوزير يقبل الأرض ، ويذكر ما فعل به ، فقال له جلال الدولة : أنا ابن بهاء الدولة ، وقد صنع بي أكثر من هذا ، ثم أخذ من البسامي ألف دينار وأطلقه واختفي الوزير ( ابن الأثير 424،423،419/9)

وفي السنة 431 وقعت معركة بين أبي الفتح بن أبي الشوك ، وبين عمه مهلهل ، علي قلعة بواز ، فظفر مهلهل ، ووئي ابن أخيه منهزمة ، فقتل كثير من عسكر ابن أبي الشوك ، وأسر ابن أبي الشوك وأحضر عند عمه مهلهل ، فضربه عدة مقارع، وحبسه عنده ، وعاد ( ابن الأثير 470/9 ) .

وفي السنة 441 غضب إبراهيم ينال ، أخو السلطان طغرل بك لأمه ، علي وزيره أبي علي ، فضربه ، وسمله ، وقطع شفتيه ( ابن الأثير 556/9)

وفي السنة 456 جمع أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الحسن ، المعروف بابن جردة ، من مياسير أهل بغداد ، جمعا كثيرا من الضعفاء ، ليتصدق عليهم ، فكثروا ، فمنعهم بواب باب المراتب ، فأثخنوه ضربة ، وفرق ابن جردة علي مائتي نفس ، قميصا قميصا ودرهمين در همين ثم كثر الجمع ، وجاء النفاطون والركابية ، فخافهم علي نفسه ، فرمي الثياب والدراهم عليهم ، ومضي ، فأزدحموا ، فمات خمسة رجال وأربع نسوة ، وصار الرجل يلقي الرجل ، فيقول : كنت في وقعة ابن جردة ؟ فيقول : نعم ، فيقول : الحمد لله علي سلامتك ( المنتظم 236/8 ) .

وفي السنة 463 وقعت حرب عظيمة بين السلطان ألب ارسلان وملك الروم ، فانكسر ملك الروم ، وأسر ، فأحضر بين يدي ألب أرسلان ، فضربه

ص: 110

بيده ثلاث مقارع أو أربعة ، ورفسه مثلها ، ثم أطلقه علي أن يؤدي ألف ألف وخمسمائة ألف دينار، وفي كل سنة ثلثمائة وستين ألف دينار ، ويطلق كل أسير في الروم ( ابن الأثير 65/10 و66 والمنتظم 263/8 ).

أقول : كان ملك الروم ، قد جمع في السنة 463 جموعأ كثيرة ، وقصد الديار الإسلامية ، وكان جيشه يشتمل علي 35 ألفا من الإفرنج، و30 ألفا من الروم ، ومعه مائتا بطريق ومتقدم ، مع كل واحد منهم ما بين ألفي فارس إلي خمسمائة ، ومن خمسة عشر ألف جندي من الغين الذين من وراء القسطنطينية ، ومائة ألف نقاب ، ومائة ألف روزجاري ، وأربعمائة عجلة عليها السلاح والسروج والعرادات ، والمجانيق ، منها منجنيق يمده ألف ومائتا رجل ، وكان مقابله السلطان ألب أرسلان السلجوقي ، في عشرين ألفا ، وراسل السلطان ملك الروم ، بالمصالحة وعقد الهدنة بينهما، فأجابه ملك الروم يقول : إني أنفقت الأموال الكثيرة ، وجمعت العساكر العظيمة ، فكيف أتركها ؟ وأما بشأن الهدنة ، فلا هدنة إلا بالري ، يعني إنه يريد أن يفتح البلاد الإسلامية ، حتي يصل إلي الري ( طهران ) وهناك يعقد الهدنة ، فلما وصل هذا الجواب إلي السلطان ألب أرسلان ، استقتل ، ولما صلي الجمعة ، صلي معه عسكره جميعا ، وبكي وتضرع لله، وسأله النصر ، وقال العسكره : إني أريد أن أصدم الروم في هذا الوقت الذي ترتفع فيه أكفت المسلمين ، في جميع أنحاء العالم بالدعاء للإسلام بالنصر ، فإما أن أنال النصر ، وأما أن أمضي شهيدا إلي الجنة ، فمن أحب منكم أن يتبعني ، فليتبعني ، ومن أحب أن ينصرف فليمض مصاحبة ، فما ها هنا الآن سلطان يأمر ، وإنما أنا اليوم واحد منكم ، وغاز معكم ، فاشتد هياج أفراد العسكر ، وصاحوا بالسلطان : نحن معك ، فأفعل ماتريد، فرمي السلطان القوس والنشاب ، ولبس السلاح ، وأخذ الدبوس ، وعقد ذنب فرسه بيده ، وركبها، ففعلوا مثله ، وزحفوا جميعا كتلة واحدة ، وصاح وصاحوا ، وحملوا علي الروم حملة

ص: 111

واحدة ، وثار الغبار ، ودامت المعركة ساعة واحدة ، وانجلت عن هزيمة الروم ، وأسر ملكهم .

وفي السنة 464 كان ابن محسن الوكيل ( المحامي ) قد توكل في دعوي ضد أحد أصحاب الأمير ظفر الخادم ، في موضوع يتعلق بدار ، وحضر الأمير ظفر عند الوزير ، ورأي ابن محسن ( المحامي ) ، فشتمه ، وقال : هذا بأخذ أموال الناس ويبيع الشريعة بالثمن الخسيس ، فمنعه الوزير من الاستمرار في الشتم ، فنهض غاضبا وقال لأتباعه : إن رأيتم ابن محسن ، فاقتلوه ، وركب قاضي القضاة للقاء صافي الخادم ، وخرج ابن محسن معه ، فضربه أصحاب ظفر ، فوقعت مقرعة في قاضي القضاة ، فامتعض ، ونزل عن بغلته، وعبر الي داره ماشيا ، وكان ذلك بمرأي من الخليفة ، فأمر الخليفة بطرد ظفر من دار الخلافة ، وختم علي داره وعلي إصطبلاته ، ونقض الدار موضوع الدعوي ، وأن يضرب الغلام الذي ضرب ( المحامي ) ابن محسن ، علي باب النوبي مائة سوط ، وأن يوفد أحد الغلمان الخواص الي قاضي القضاة فيعتذر إليه مما جري . ( المنتظم 273/8 ).

وفي السنة 478 تكلم بهراة متكلم فلسفي ، فأنكر عليه عبد الله الأنصاري ، وأثخن أصحابه المتكلم الفلسفي ضربة ، وأحرقوا داره ، فالتجأ الي دار القاضي أبي سعد ، مدرس فوسنج ، فهاجمه أصحاب الأنصاري هناك ، ونشأت عن ذلك خصومات ومعارك وجراحات ، فأمر نظام الملك بنفي الأنصاري ، فنفي ، وهدأت الحال ، ثم أعيد بعد أن خبت الفتنة ( المنتظم 15/9 و16).

وفي السنة 488 ورد بغداد الأمير يوسف بن ابق ، موفدا من الملك تتش السلجوقي ، ليفاوض الخليفة في إقامة الدعوة له ، فخرج لاستقباله حاجب من حجاب ديوان الخلافة ، فغضب الأمير يوسف ، وضرب الحاجب ، وطلب أن يستقبله الوزير ( المنتظم 9/ 84).

ص: 112

وفي السنة 497 قتل الشاعر أبو الحسن أحمد بن الحسين بن حيدرة ، المعروف بابن خراسان ، ضربة بالسياط ، لأنه كان هجاء ، هجا فخر الملك ابن عمار صاحب طرابلس وأخاه ، فأمر به فضرب حتي مات ( النجوم الزاهرة 188/5)

في السنة 502 أطلق القمص بروديل، صاحب الرها وسروج وغيرهما، من السجن في الموصل، بعد أن مضي عليه خمس سنين سجينا ، علي أن يفدي نفسه بمال ، وأن يطلق أسري المسلمين الذين في سجنه ، وسار القمص الي الرها ومعه أصحاب جاولي الذي أطلقه من السجن ، فلما وصلوا سروج ، عمر أصحاب جاولي المسجد وكان رئيس سروج مسلما قد ارتد فسمعه أصحاب جاولي ، يقول في الإسلام قولا شنيعة ، فضربوه، فغضب الافرنج ، وشكوهم للقمص ، فقال : هذا لا يصلح لنا ولا للمسلمين ، وقتله . ( ابن الأثير 462/10 ) .

وفي السنة 526 ثبت علي شهود ثلاثة ، أنهم شهدوا شهادة زور أخذوا عليها أجرأ ، فأخرجوا إلي باب النوبي مع حاجب الباب والمحتسب ، وأقيموا علي الدكة ، ودرروا ( ضربوا بالدرة ) وحضر ذلك الخاص والعام ( المنتظم 21/10)

وفي السنة 529 قتل الحافظ الفاطمي ، الشاعر علي بن عياد الإسكندري ، المعروف بابن القيم ، وكان شاعر الوزير أحمد بن الأفضل الجمالي ، ولما قتل الحافظ وزيره ، أمر باحضار ابن القيم ، وطلب منه أن ينشده قصيدة كان قد نظمها في ذم الخلفاء المصريين الفاطميين ، وتقبيح معتقداتهم ، وأمر غلمانه ، فانهالوا عليه ضربة ، حتي مات ( الاعلام 133/5)

وفي السنة 542 ضرب الموحدون بمراكش ، الأمير المرابطي سير بن

ص: 113

الحاج بالخشب ، حتي قتلوه ، وسبب ذلك : إن عبد المؤمن الموحدي ، لما ملك مدينة مراكش، أحضر أمامه الأمير إسحاق ، وجميع من معه من أمراء المرابطين ، فقتلوا ، وجعل إسحاق يرتعد ، رغبة في الحياة ، ويدعو لعبد المؤمن ، ويبكي ، فقام اليه الأمير سير بن الحاج ، وهو من الشجعان المعروفين ، وكان إلي جانبه مكتوفة ، وبزق في وجهه ، وقال له : تبكي علي أبيك وأمك ؟ إصبر صبر الرجال ، فهذا رجل لا يخاف الله ، ولا يدين بدين ، فقام إليه الموحدون بالخشب ، فضربوه حتي قتلوه ( ابن الأثير 584/10)

وفي السنة 547 أخذ أبو النجيب ، مدرس النظامية ، الي باب النوبي ، فأقيم علي الدكة الظاهرة بين اثنين ، وكشف رأسه ، وضرب بالدرة خمس مرات ، وأعيد الي حبس الجرائم ، وسبب ذلك لأنه عاد إلي تدريس النظامية دون إذن من الخليفة ( المنتظم 147/10 ).

وفي السنة 547 قبض علي البديع المتصوف الواعظ ، ووجدت عنده ألواح من طين فيها قبل ( جمع قبلة بكسر القاف ) وعليها مكتوب أسماء الأئمة الإثني عشر ، فاتهم بالرفض ( أي التشيع ) فشهر بباب النوبي ، وكشف رأسه ، وأدب ( أي ضرب ) وألزم بيته ( أي حبس في داره ) ( المنتظم 148/10)

وفي السنة 555 توفي المقتفي ، وبوي المستنجد، فقبض علي القاضي ابن المرخم وكان شريرة مرتشية ، واستصفي أمواله ، وكان قد ضرب فلم يقر ، فضرب ابنه فأقر بأموال كثيرة ، وأحرقت كتبه في الرحبة، وحبس ، فمات في الحبس ( المنتظم 194/10 ).

وفي السنة 555 أخذ معلم أولاد ، كان قد أصبح مخبرا للخليفة المقتفي ، فلما مات المقتفي ، كتب الي خلفه ولده المستنجد، يريد أن يكون مخبرا له كما كان لأبيه ، فأمر بالقبض عليه ، وضرب وعوقب الي أن سال دمه ، وأعيد إلي الحبس ( المنتظم 195/10 ).

ص: 114

وثمة قصة تجمع بين الغدر والضرب ، قام بها الملك الظاهر غازي بن السلطان صلاح الدين الأيوبي ، فإنه في السنة 597 حصر مدينة منبج، واستنزل صاحبها شمس الدين عبد الملك بن محمد المقدم بالأمان ، ثم غدر به فاعتقله ، وقصد فامية ، وبها قراقوش نائب ابن المقدم ، فطالبه بتسليم المدينة ، فأبي ، فأحضر عبد الملك بن المقدم ، وأحضر معه أصحابه الذين استأمنوا معه ، وضربهم أمام قراقوش ليضطره إلي تسليم القلعة ، وبقي قراقوش ممتنعا ، وعبد الملك يستغيث من الضرب فأمر قراقوش فضربت النقارات علي قلعة فامية ، لئلا يسمع أهل البلد صراخه ، ولم يسلم القلعة ( أعلام النبلاء 201/2 و202).

وفي السنة 556 خرج الوزير من داره ليمضي الي الديوان ، فأراد الغلمان رد باب المدرسة التي بناها ابن طلحة ، وهي في طريق موكب الوزير ، ليمر ، فمنعهم الفقهاء ، وضربوهم بالأجر ، وصدر الأمر بضرب الفقهاء وتأديبهم ، ونفيهم من الدار ، فمضي أصحاب استاذ الدار إلي المدرسة فعاقبوهم هناك ( المنتظم 199/10 ).

وفي السنة 565 خطب ابن مخلد النصراني ، الي ابن التلميذ، الطبيب النصراني ، ابنته ، فامتنع ، فلجأ إلي استاذ الدار الذي أحضر الجاثليق ، وأحضروا البنت فأذنت ، فعقدوا عقدها، وحملوها الي ابن مخلد ، فشكا ابن التلميذ الي الخليفة ، فأخذ ابن مخلد وضربه مائة خشبة ، وفرق بينه وبين الزوجة ، ووكل بالجاثليق ، وطرد كاتب الحكم من الديوان ، وضرب صاحب الخبر في الباب ضربا عنيفا لأنه قصر في الإخبار ، وحط مرتبة حاجب الباب ، فأصبح نائبا ( المنتظم 230/10 ).

وحج الأمير ألب قرا بن عبد الله التركي ، مملوك طاشتكين ، أحد الأمراء في عهد الناصر العباسي ، في سنة من السنين نيابة عن طاشتكين ، فعسف الحجاج وأذاهم ، فأمر الخليفة بحبسه، وتقييده بالحديد، وضربه

ص: 115

الضرب المبرح ، فواصلوا الضرب عليه أيامأ ، فلم يمت ، وبقي مدة ثم أطلق ، فمات سنة 600 ( الجامع المختصر 129).

وأخذ الأمير آي أيه التركي ، المعروف بالشاهين ، أحد الأمراء الناصرية ، المتوفي سنة 600 شيخا من اقطاعه بواسط ، فضربه الف خشبة . ( الجامع المختصر 129).

وأمر المستنصر يوسف بن الناصر محمد ، سلطان الموحدين (594 . 620) بضرب ابن غالب الداني ألف سوط ، وصلبه ، فضرب بإشبيلية خمسمائة سوط ، فمات ، وضرب بقية الألف حتي تناثر لحمه ، ثم صلب ( نفح الطيب 310/3 )

وكان أبو إسحاق السنهوري ، يعادي ابن دحية الكلبي (ت 133) ، فكتب السنهوري محضرة بأن دحية الكلبي ، لم يعقب ، تكذيبة للشيخ ابن دحية في أذعائه النسب اليه ، فغضب السلطان الملك الكامل بن العادل الأيوبي ، وأمر بالسنهوري فضرب بالسياط ، وأشهر علي حمار ، ونفي من مصر ، ( نفح الطيب 136/3 ).

وفي السنة 662 سعي خادم أسود ، لدي الملك الظاهر بيبرس ، سلطان مصر ، بمولاه الشيخ شمس الدين ، شيخ الحنابلة ، وكانت سعايته في ورقة مختومة ، فبعث السلطان الورقة الي الشيخ فحضر الشيخ اليه ، وحلف علي كذب السعاية ، وإن هذا الخادم ، طردته ، فأختلق علي ، فأمر السلطان ، بالخادم ، فضرب مائة عصا . ( خطط المقريزي205/2)

ولما هاجم التتر بلاد المسلمين ، كانوا يأخذون الناس ، فيضربوهم لاستخراج ما أخفوه من أموال ، فكان منهم من يموت تحت الضرب ( ابن الأثير 392/12 ).

وفي السنة 607 اتهم ابن الدخينة، بحادثة سرقة ، فاعتقل وزوجته ،

ص: 116

وابنه وبناته ، وعذبوا ، فمانت الزوجة تحت الضرب ( الذيل علي الروضتين 76 )

وفي السنة 608 أخذ حاجب الباب كمال الدين محمد بن الناعم ، وكان حسن الصورة ، قبيح الفعال ، صادر جماعة ، وماتوا تحت الضرب ، فلما قبض عليه ضرب ضربا مبرحا ، فلم يقر بشيء ، فمات تحت الضرب ، ورمي به في دجلة كما كان يفعل بالناس ، وظهر له بعد ذلك أموال عظيمة ، ودفائن كثيرة ( الذيل علي الروضتين 79 و 80).

وفي السنة 611 أمر الخليفة بابن بكروس الحنبلي ، وكان يلي نيابة باب النوبي ، فضرب بالخشب حتي مات ( شذات الذهب 40/5 والذيل علي الروضتين 88 ) .

وبعث الخليفة الناصر العباسي (ت 622) عسكرأ الي ششتر ( تستر ) ، في قوة الأمطار ، وشدة البرد ، فقال أحد المتفرجين : أريد من الله ، من يخبرني إلي أين يمضي هؤلاء المدابير ، ولو ضربت مائة خشبة ، وبلغ الخبر الناصر ، فأمر الوزير فأحضره ، وضربه مائة خشبة ، وقال له : هؤلاء العسكر ذاهبون إلي ششتر ، فقال : لا كتب الله لهم السلامة ، فضحك الحاضرون ، وبلغ الخبر الناصر ، فأمر أن يدفع إليه عن كل عصا دينار ، فدفع إليه مائة دينار ( نكت الهميان 94 و95).

وفي السنة نيف بعد الستين وستمائة ، مات شمس الدين محمد بن عبد الله الجزري ، بعدن من جراء العذاب والضرب والحبس ، وكان الملك المظفر الرسولي بتعز ، ولاه ديوان النظر بعدن ، ثم اتهمه ، فصادره وضربه ، وحبسه ، ثم أطلقه ولكنه مات من أثر العذاب ( الاعلام 111/7 ).

وفي السنة 682 توفي الوزير نجم الدين حمزة بن محمد الأصفوني ، وزير المنصور قلاوون ، واتهم عبد له اسمه فرج ، بأنه دس له السم ، فأخذ

ص: 117

الشجاعي فرجا هذا ، وضربه بالمقارع إلي أن مات ( تاريخ ابن الفرات 284/7)

وفي السنة 683 ظفر المؤيد عمر بن يحيي ، بأحمد بن مرزوق المغربي ، وكان قد غلب علي إفريقية ، وتسمي بأمير المؤمنين ، ثم دالت دولته ، فعذبه المؤيد ، ومات تحت السياط ( الوافي بالوفيات 175/8 ) .

وفي السنة 678 ضرب سعد الدولة اليهودي ، المستوفي ، ببغداد ، عز الدين الإربلي ، ناظر الكوفة ، فمات من تواتر الضرب ( تاريخ الكوفة 235 و 236 )،

وفي السنة 690 كان السلطان الملك الأشرف خليل ، ملك مصر والشام ، في قلعة دمشق ، والأمير عم الد بن سنجر ، نائب السلطان في القلعة ، واقفا في مجلسه ، فتكلم أحد الأمراء بكلام مضحك تناول فيه الأمير علم الدين سنجر ، يريد أن يشرح خاطر السلطان ، فضحك السلطان ، وغضب الأمير علم الدين ، وقال : هذه صبيانية ، فغضب السلطان ، وأمر بالأمير علم الدين فضرب بين يديه ضربأ كثيرة مؤلمة ، ثم أمر به فقيد، وألبس عباءة ، وأستعمل مع الأسري ، وأهين إهانة شديدة ، وأحتيط علي أمواله ، وحبس بالقلعة ( تاريخ ابن الفرات 120/8 ).

وفي السنة 693 لما قتل الأشرف خليل ، ملك مصر والشام ، قبض علي وزيره الصاحب بن السلعوس ، وأحتيط علي موجوداته ، وتسلمه الأمير بهاء الدين قراقوش الظاهري ، وكان عدوا له ، فأول ما تسلمه ضربه ألفا ومائة مقرعة ، ثم تسلمه الأمير بدر الدين لؤلؤ المسعودي ، فعاقبه أنواع العقوبات ، وعذبه أشد العذاب ، وأخذ يضربه بالمقارع في المدينة ، ويطلع به راكبا حمارة الي القلعة ، فيقف له الحرافيش في الطريق ، ومعهم المداسات المقطعة ، ويقولون له : يا صاحب ، علم لنا علي هذا ، ثم

ص: 118

أحضروا جميع أقاربه وأصحابه في مصر والشام ، فأذيقوا النكال ، ومات الصاحب تحت الضرب ، قيل إنه ضرب وهو ميت ثلاث عشرة مقرعة (تاريخ ابن الفرات 176/8 - 178).

وذكر الملثم أبو العباس أحمد ( 658 - 740) في كتابه : إن الأمير السلار (ت 709) جاء إليه طواشي حبشي ، وشكا إليه من سيده ، وقال له : إنه رام مني ألفاحشة ، فامتنعت ، وقلت هذا حرام ، فبطحني وضربني مائة دبوس ، ثم رمي إليه سراويله ملطخة بدمه ، فغضب سلار ، وقال له : يا عبد السوء ، جيد عمل معك ، أحد يشتكي من أستاذه ، فقال له : ما بقيت أقيم عنده ، وأريد السوق ( يعني يريد أن يبيعه ) ، فأمر سلار به ، فضرب مائتي عصا ، وأرسله الي استاذه ( الدرر الكامنة 199/1 ) .

وفي السنة 707 لما بويع السلطان أبو ثابت عامر بن عبد الله بن يوسف المريني ، خلفا لجده السلطان أبي يعقوب المريني ، عقد أبو ثابت لابن عمه يوسف بن محمد ، علي بلاد مراكش ونواحيها ، فحدثته نفسه بالانتزاء ، فقتل الوالي بمراكش ضربا بالسياط ، فقصده أبو ثابت ، ففر الي جبال هكورة ونزل علي مخلوف بن هنوا ، وتذمم بجواره ، فلم يجره ، واقتاده الي مراكش ، مع ثمانية من أصحابه ، فقتلوا في مصرع واحد، بعد أن مثل بهم السلطان بالضرب بالسياط ( ابن خلدون 235/7 و236 ).

وكان الأمير آقوش الأشرفي جمال الدين البرناق ، الذي ولي نيابة دمشق في السنة 711 قاسي القلب ، يعاقب علي الذنب الصغير بالعقاب الشديد ، حتي إنه مات تحت الضرب جماعة ممن أمر بضربهم ( الدرر الكامنة 424/1)

وفي السنة 718 توفي الشيخ مجد الدين محمد بن القاسم المرسي المغربي ، بدمشق ، امتحن علي يد الأمير سيف الدين كراي ، النائب

ص: 119

بدمشق ، فضربه بباب القصر الأبلق ، بالعصي ، ضربا كثيرة ، فقتله ( الوافي بالوفيات 352/4 ).

وفي السنة 721 أحضر أحد المماليك وقد شرب الخمر هو وغلامه ، فأمر الملك الناصر محمد بن قلاوون ، بأن يضربا بالسياط ، فضربا ضربا مبرحة مات منه المملوك بعد يومين . ( النجوم الزاهرة 73/9 ).

وفي السنة 724 ، نصب السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، الأمير سيف الدين قدادار ، واليا علي القاهرة ، الاضطراب الأحوال فيها ، وتسلط الحرافيش ، فأول ما بدأ به أن أحضر الخبازين ، وضرب كثيرا منهم بالمقارع، ضربا مبرحا ، وسمر عدة منهم في دراريب حوانيتهم ، ثم عرض أهل السجن ، ووسط جماعة من المفسدين عند باب زويلة . ( خطط المقريزي 149/2).

وفي السنة 725 توقي الشيخ شمس الدين محمد بن أبي طالب الأنصاري ، وكان شيخ خانقاه حطين من بلاد صفد، فورد عليه إنسان أضافه في الخانقاه ، وأراد السفر في الليل، وعلم النجم ، تلميذ الشيخ شمس الدين ، أن مع ذلك الإنسان ذهب ، فتبعه ، وقتله ، فبلغت القصة الأمير سيف الدين كراي ، نائب صفد، فأحضر الشيخ شمس الدين ، وضربه ألف مقرعة ، وعاقبه ( عذبه ) ، ثم أفرج عنه ( الوافي بالوفيات 164/3 ).

وفي السنة 733 غضب الأمير تنكز، نائب السلطنة في الشام ، علي ناصر الدين محمد بن كوندك ، دواداره ، بعد أن خدمه اثنين وعشرين عاما . فأهانه ، وضربه بالمقارع، ونفاه الي القدس ( الدرر الكامنة 269/4 ).

وكان بهاء الدين محمود بن محمد السلمي ، يكتب خطا في غاية الجودة ، فوصف للأمير تنكز ، نائب السلطنة بالشام ، حسن خطه ، فأحضره ، وسأله أن ينسخ له صحيح البخاري ، فاعتذر اليه بأنه مشغول بتعليم أولاد

ص: 120

الناس ، فقال له : أنا أصبر عليك ، وأعطاه الورق والأجرة ، وأغفله سنة ، ثم طلبه ، فأحضر له مجلد واحدا منه ، فغضب ، وأمر به ، فمد علي الأرض ، وضربه ضربا مبرحا ، فمات بدمشق في السنة 735 ( الدرر الكامنة 104/5)

وفي السنة 739 مات الأمير جمال الدين آقوش الاشرفي ، في سجنه بالاسكندرية ، وكان عسوقة جبارة في بطشه ، مات عدة من الناس تحت الضرب قدامه ( خطط المقريزي 55/2 ) وكان يضرب الألف عصا وأكثر ، ومات تحت ضربه جماعة ، منهم بازدار من بازدارية السلطان ، كان يسير برا باب اللوق ، وشتم سقاء كان عنده ( أي عند الأمير اقوش ) وشتم أستاذه ، فأمسكه ، وضربه أكثر من ألف عصا، وقال له : والك ، أنت واياه تخاصمتما ، أنا أيش كنت ؟ ومات البازدار من الضرب بعد يومين ( الوافي بالوفيات 338/9 ) ، وعمر هذا الأمر جامعة ظاهر الحسينية بالقاهرة ، فوجد ذات يوم فيه كرديا قد بسط سفرته وهو يأكل ، فرماه وضربه ستمائة عصا ( الوافي بالوفيات 336/9 ) .

وخلع السلطان الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاوون ، علي ناصر الدين ، بغير علم الأمير طشتمر نائب السلطنة بمصر ، فغضب النائب وأحضر ناصر الدين ، وعراه من الخلعة ، وضربه ضربا مبرحا، وغرمه اربعين ألف درهم ، ( النجوم الزاهرة 64 و63/10)

وفي السنة 738 تغير الأمير تنكز نائب السلطنة في الشام ، علي كاتب السر بدمشق علم الدين محمد بن أحمد بن فضل الله المصري الكاتب ، فضربه بالعصي ضربة مؤلمة ، واحتاط علي موجوده ، واعتقله مدة ، ثم أفرج عنه ( الدرر الكامنة 3/ 459 ).

وذكر ابن بطوطة إنه وجد أهل خوارزم علي عادة جميلة ، وهي إن من

ص: 121

لم يحضر الصلاة مع الجماعة ، يضربه الإمام بمحضر من الجماعة ، وفي كل مسجد درة معلقة لذلك ، ويغرم خمسة دنانير تنفق في مصالح المسجد، أو الإطعام الفقراء والمساكين ، ويذكرون إن هذه العادة عندهم مستمرة علي قدم

الزمان . (مهذب رحلة ابن بطوطة 298/1 ).

وغضب السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، علي أمير بخت ، الملقب : شرف الملك ، فأمر السلطان بأن يضرب مائة مقرعة في كل يوم وبقي علي ذلك مدة . (مهذب رحلة ابن بطوطة 112/2 ).

وكان السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند، ولي خطيب الخطباء بدهلي ، النظر في خزانة الجواهر في السفر ، فاتفق أن سراق الكفار ضربوا علي الخزانة ليلا ، وذهبوا بشيء منها ، فأمر بالخطيب ، فضرب حتي مات . ( مهذب رحلة ابن بطوطة 94/2 ).

وكان السلطان محمد بن تغلق ، سلطان الهند ، أمر بقتل شاب صغير الانبات بعارضيه ، فقتل ، فقال الحاجب خواجه أمير علي التبريزي ، لقاضي القضاة كمال الدين : هذا الشاب لم يجب عليه القتل ، فبلغ ذلك السلطان ، فقال : هلا قلت هذا قبل موته ؟ وأمر به فضرب مائتي مقرعة ، وسجن ، وصادر جميع أمواله ( مهذب رحلة ابن بطوطة 94/2 ).

وفي السنة 740 توفي الخليفة العباسي أبو الربيع المستكفي سليمان بن أحمد ، منتفيا بقوص من مصر ، هو وأفراد عائلته ، وكان قد ولد في السنة 183 وخلف والده في الخلافة في السنة 701، وقويت العلاقة بينه وبين السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، فأصبحا كالأخوين ، ولما خرج بيبرس الجاشنكير علي الناصر محمد، قلده المستكفي السلطنة ، فحقدها الناصر عليه ، ولما عاد الي السلطنة في السنة 709 اعتقله ببرج القلعة ، وسمي البرج الذي اعتقل فيه ، برج الخليفة ، ثم أفرج عنه بعد خمسة أشهر ، وفي

ص: 122

السنة 738 غضب عليه ثانيا ، لما بلغه إنه يراسل بعض الأمراء ، بواسطة أحد الفقهاء ، فقبض علي الفقيه ، وضرب حتي مات تحت الضرب ، وأمر السلطان بنفي الخليفة وجميع أهل بيته ، فنفي إلي قوص ومعه جميع أفراد عائلته ، وأمر بأن يصرف له راتبه هناك ومقداره خمسة آلاف درهم في الشهر ، ثم زاد راتبه الي ثمانية آلاف درهم ، وظل بقوص حتي مات في السنة 740 ( الدرر الكامنة 336/2 - 338 ).

وكان أبو خرشة محمد بن علي بن المؤذن ، النجار بغرناطة ، حاذق في تعبير الرؤيا ، وأتفق أن صاحب غرناطة رأي رؤيا ، فطلب من يعبرها ، فدلوه عليه ، فأحضره ، وقصها عليه ، ولم يعلمه إنه الرائي ، فعبرها له بمكروه يحصل للرائي ، فأمر به فضرب بالسياط ، ونفاه الي مراكش ( الدرر الكامنة 219/4)

أقول : لما كانت وفاة ابن المؤذن في سنة بضع وأربعين وسبعمائة ، فيلوح لي أن صاحب غرناطة كان أبا الحجاج يوسف النيار بن اسماعيل ، الذي ولي غرناطة في السنة 733 إلي السنة 755.

وغضب السلطان الناصر محمد بن قلاوون (ت 741) علي الأسعد غبريال النصراني ، فأسلمه للعلم سنجر الخازن ، فضربه بالمقارع، وصادره ، ومات بعد أسبوع من العقوبة ( الدرر الكامنة 3/ 297 ).

وفي السنة 742 قتل ضربأ بالمقارع، في حلب ، الأمير لؤلؤ الفندشي . وكان قد تولي شد الدواوين بحلب ، ثم بالقاهرة ، وكان ظالما جائرأ ، ما حل في مكان إلا وضج الناس من ظلمه ، وكان آخر أمره في حلب ، فلما حضر طشتمر حمص أخضر نائبا للسلطان في حلب ، اعتقله ، وأمر به فضرب بالمقارع حتي مات ( الدرر الكامنة 359/3 و 360 ).

وفي السنة 768 غضب الأمير يلبغا مدبر المملكة المصرية في دولة

ص: 123

الأشرف شعبان ، علي الأمير الطواشي سابق الدين مثقال بن عبد الله الحبشي الأنوكي ، مقدم المماليك عند الأشرف ، فأمر به فضرب ستمائة عصا ونفي الي أسوان ( الدرر الكامنة 363/3 وبدائع الزهور 43/2/1 ).

وفي السنة 748 أمر السلطان ، فضرب عبد العزيز الجوهري ، وعبد المؤمن استاداره ، بالمقارع ( النجوم الزاهرة 120/10 ).

وفي السنة 749 لما قتل السلطان الملك المظفر حاجي بن محمد بن فلاوون ، قبض علي نديمه الشيخ علي الكسيح، وضرب بالمقارع والكسارات ضربأ عظيم ، ونوع له العذاب أنواعة ، حتي هلك ( النجوم الزاهرة 191/10 ).

وفي السنة 751 توفي الفقيه محمد بن أبي بكر الزرعي ، المعروف بابن قيم الجوزية ، وكان عالما جريئة شديد التعصب لابن تيمية ، وهو الذي هذب كتبه ، ونشر علمه ، واعتقل مرة مع ابن تيمية في القلعة ، بعد أن أهين ، وطيف به علي جمل ، مضروبة بالدرة ( الدرر الكامنة 21/4) .

وفي السنة 762 وقف الناس لسلطان مصر ، وشكوا من الفار الضامن ، فقبض عليه ، وضربه الوزير بالمقارع ضربا مبرحا ، وصادره . ( النجوم الزاهرة 262/10 ).

وفي السنة 765 قتل جمال الدين عمر بن عبد المحسن الأنباري ببغداد ، ضرب بين يدي الوزير ضربا مبرحا ، حتي مات ( تاريخ العراق للعزاوي 113/2 ) .

أقول : روي صاحب الدرر الكامنة 249/3 خبر موت جمال الدين الحنبلي في السنة 766 قال : في السنة 766 مات من جراء الضرب جمال الدين الحنبلي ، عمر بن عبد المحسن ، محتسب بغداد وقاضي الحنابلة

ص: 124

بها ، تعصب عليه و الروافض ، ونسبوه إلي ما لا يصح عنه ، فضرب بين يدي الوزير ضربا مبرحا ، فمات .

وفي السنة بضع وستين وسبعمائة ، توقي أبو جعفر الغرناطي أحمد بن محمد الأنصاري ، وكانت قد أصابته محنة من صاحب غرناطة، اتهمه بأنه اختار للثائر عليه وقتا للقيام حسب أحكام النجوم ، فقبض عليه ، وضربه بالسياط ، ونفاه الي تونس ( الدرر الكامنة 327/1 ).

وكان قطب الدين محمد بن محمود المقدسي ، الملقب بالهرماس ، أثيرا عند السلطان حسن بن السلطان الناصر محمد بن قلاوون ، حتي أنه كان يدخل عليه بلا إذن ، ثم إنه سافر للحج ، فارغروا عليه في غيابه صدر السلطان ، فلما عاد منع من الدخول الي السلطان ، وهدمت داره التي هي بجوار جامع الحاكم ، وقبض شرف الدين الزركشي عليه وعلي ولده ، وضربه بالمقارع عشرة ، ونفاه إلي مصياف حيث توفي في السنة 769 ( الدرر الكامنة22/5)

وفي السنة 770 ثار عامر بن محمد بالمغرب علي السلطان عبد العزيز المريني ، وبايع أميرا من بني عبد الحق ، من أولاد أبي ثابت ، اسمه تاشفين ، فجرد السلطان عبد العزيز جيشا لمحاربته ، واستمر الحصار سنة ، ثم أسر عامر وسلطانه تاشفين ، فأشهرا علي جملين ، وأفرغ عليهما الروث ، ثم أمر السلطان ، فضرب عامر حتي أنتن لحمه، وورمت أعضاؤه، وهلك بين أيدي الوزعة ( ابن خلدون 326/7 ) .

ومما عذب به الوزير الصاحب شمس الدين موسي (ت 771) إنه ضرب بالسياط مرارة ، حتي قيل أنه أحصي مجموع ما ضرب فبلغ ستة عشر ألف و شيب ، وكان يضرب بمقرعة معقدة ، فإذا نزلت علي جنبيه ، أحدثت فيه ثقوبة ، وكان يرمي بعد الضرب عريانة في الشتاء علي البلاط ، فيتمرغ

ص: 125

عليه وهو لا يعي ، وضرب مرة فسقط من ظهره قطعة لحم بقدر الرغيف ( النجوم الزاهرة 110/11 - 112).

وفي السنة 775 كان يقعد في وسط الرملة بالقاهرة ، إنسان مغربي ويرفع صوته قائلا : اقتلوا سلطانكم ، ترخص أسعاركم ، ويجري ماؤ كم ، فلما تزايد هذا منه ، قبض عليه والي القاهرة ، وضربه بالمقارع، وطرده من المدينة ( بدائع الزهور 125/1/2 ).

وفي السنة 776 ضرب الصاحب كريم الدين بن الغنام ، ضربا مبرحا ، وأنزل من حبسه في القلعة بالقاهرة ، لكي يبيع قماشه وحلي نسائه ، سدادا اللمبلغ الذي صدر عليه ( بدائع الزهور 147/2/1 ).

وفي السنة 781 قبض علي الخواجا كمال الدين علي الخروبي ، بالقاهرة ، وضرب بالمقارع، وأشهر علي جمل ، ونودي عليه : هذا جزاء من يتكلم فيما لا يعنيه ( بدائع الزهور 248/2/1 ).

وفي السنة 781 قبض علي الطواشي مثقال الجمالي ، الزمام ، وضرب ضربا مبرحا ، وطولب بالكشف عن ذخائر السلطان المقتول شعبان ( بدائع الزهور 291/2/1 ).

وفي السنة 782 قبض الأمير بركة الجوباني ، بالقاهرة ، علي الوزير تاج الدين بن الملكي ، وضربه نحو سبعين عصا ، ورسم عليه ، فلما أرضاه بالمال ، خلع عليه وأعاده إلي الوزارة ( بدائع الزهور 253/2/1).

وفي السنة 782 قدم القاهرة شيوخ من عربان البحيرة ، فضربوا بالمقارع، وسجنوا ( بدائع الزهور 280/2/1 ).

وفي السنة 783 جاء شخص أعجمي ، إلي الأتابكي برقوق ، وقال له : إن النيل لا يزيد في هذه السنة ، فأتفق أن النيل زاد زيادة عظيمة ،

ص: 126

فقبض برقوق علي الأعجمي ، وضربه بالمقارع، وشهره بالقاهرة علي جمل ( بدائع الزهور 287/2/1 ).

وفي السنة 783 تعرض شخص يقال له : ابن نهار ، بالقاضي الشافعي ابن جماعة ، وقال له : قد حكمت علي بحكم لا يجوز شرعا ، فأمر به الأتابكي برقوق ، فضرب بالمقارع، وأشهر بالقاهرة علي جمل ( بدائع الزهور 294/2/1)

وفي السنة 784 قبض علي علي خان بن قرمان ، كاشف الوجه البحري ، وضرب ضربا مبرحا بين يدي الأتابكي برقوق بالقاهرة ( بدائع الزهور 307/2/1 ) .

وفي السنة 784 تغير خاطر السلطان علي الصاحب علم الدين الطنساوي فضربه ضربا مبرحا ، ورم عليه ( بدائع الزهور 323/2/1 ).

وفي السنة 785 زادت العقوبة علي سعد الدين بن البقري ، فضرب بالمقارع، وألزم بحمل خمسمائة ألف درهم ، بعد أن أخذ منه ما يقرب من ثلثمائة ألف دينار ، ثم أعيد ضربه ضربا مبرحا ( نزهة النفوس والأبدان 78 و81).

وفي السنة 786 غضب السلطان برقوق ، علي ناظر الجيوش تقي الدين عبد الرحمان الشافعي ، فضربه بالدواة في رأسه ، ثم أمر به ، فضرب بين يديه بالعصي ، نحوا من ثلثمائة ضربة ، فحمل إلي داره في محفة ، ومات ( نزهة النفوس 96 وبدائع الزهور 347/2/1 )

وفي السنة 786 قبض علي الأمير يلبغا الصغير الخازندار ، وسبعة أنفار من المماليك ، بلغ السلطان أنهم يريدون الفتك به ، فضربوا ، ورسم بنفيهم إلي الشام ( نزهة النفوس 92) .

ص: 127

وفي السنة 786 غضب الملك الظاهر برقوق ، سلطان مصر ، علي بهادر كاشف الوجه البحري ، وضرب بين يديه بالمقارع نحوا من ستين شيبا ( نزهة النفوس 101).

أقول : الشيب ( بالكسر ) : السوط ، قال ابن الوردي : ( شفاء الغليل 120)

من كان مردودا بعيب فقد**** ردتني العيد بعيبين

الرأس واللحية شابا معا**** عاقبني الدهر بشيبين

وفي السنة 787 حضر والي البهنسا، الأمير علي خان ، أمام السلطان ، فشكوه إليه ، فرسم بضربه ، فضرب ضربا مبرحا ، وأخرج من القاهرة منفيا ، وغرم عشرة آلاف دينار (نزهة النفوس 114 وبدائع الزهور 359/2/1)

وفي السنة 788 قبض بمصر علي عثمان بن قراجا ، وعلي ابن أخيه ناظر الجيش ، وضرب بالعصي ضربا مبرحا ، نحو المائة وأربعين ضربة ( نزهة النفوس 131).

وفي السنة 788 أنكر قاضي دمنهور بالبحيرة ، علي ضامن المكوس ، ما يستأديه من المسلمين ، فأمر السلطان بضرب القاضي ، ونفيه من دمنهور . ( نزهة النفوس 140).

وفي السنة 788 قبض السلطان الملك الظاهر علي الفقيه أحمد بن محمد التيمي المعروف بابن البرهان ، لاتهامه بأنه يحرض علي خلع السلطان ونصب آخر بدله من قريش ، ولما أحضره واستنطقه ، أعلمه أنه يرغب في أن يقوم رجل من قريش يحكم بالعدل ، فإن هذا هو الدين الذي لا يجوز غيره ، فأمر السلطان بضربه ، فضرب هو وأصحابه ، وحبسوا في الخزانة حبس أهل الجرائم ، وأفرج عنهم في السنة 791 ( الضوء اللامع 96/2 و 97 ).

ص: 128

ولما عاد السلطان أبو العباس المريني ، في السنة 789 الي سرير ملكه ، قبض علي ابن أبي عامر ، وكان يحقد عليه تصرفات أجراها معه ، بعد خلعه ، وكلمات صدرت عنه في حقه ، فاعتقله ، وأمتحنه بالضرب بالسياط ، إلي أن مات تحت الضرب ، ولما حمل الي داره ميتا ، وأخذ أهله في تجهيزه ليدفن أمر السلطان بأن يسحب في نواحي البلد، فحمل من نعشه ، وربط في رجله حبل، وسحب في سائر المدينة ، ثم ألقي علي بعض المزابل ( ابن خلدون 360/9 ).

وفي السنة 788 رأي السلطان ، وهو في القصر المطل علي الرملة ، بالقاهرة ، خيمة بيضاء ، فبعث من يري من فيها ، فقيل له : إن فيها الصاحب كريم الدين بن مكانس ، ورفاق له ، وهم يشربون الخمر ، فأمر السلطان باحضارهم ، وضربهم بالمقارع، وغرم ابن مكانس مائة ألف درهم ( بدائع الزهور 380/2/1 ونزهة النفوس 151) وورد الخبر في تاريخ ابن الفرات 5/9 كما يلي : في السنة 789 بلغ السلطان الملك الظاهر برقوق ، بأن الصاحب كريم الدين بن مكانس ، ناظر الدولة ، وأبا البركات بن الرويهب ، ضربا خيمة علي جانب البحر ، يتفرجان فيها ، وعندهما مغاني ، فقبض عليهما، وسلما إلي الأمير حسام الدين حسين بن الكوراني ، والي القاهرة ، فضربهما بالمقارع، فكتب ابن مكانس خطه بمائة ألف درهم ، وأبو البركات بخمسين ألف درهم .

وفي السنة 788 غضب السلطان برقوق بالقاهرة ، علي ناظر الجيش موفق الدين ، فضربه نحو مائة وأربعين عصا ، وحبسه . ( النجوم الزاهرة 243/11)

وفي السنة 789 أمر سلطان مصر ، الأمير حسام الدين ، والي القاهرة ، أن يضرب الفقهاء الشاميين ، فضربهم بالمقارع، وقيدهم . (تاريخ ابن الفرات 7/9) .

ص: 129

وفي السنة 790 تمارض الأمير منطاش ، بالقاهرة فعاده الأمير الطنبغا، ولما أراد أن يخرج ، قبض منطاش عليه ، وعلي عشرين من مماليكه ، وضرب أحدهم ضربا مبرحا ، مات منه بعد أيام . ( النجوم الزاهرة 332/11)

وفي السنة 791 أمر الأمير منطاش ، فضرب العلامة شمس الدين الركراكي مائة ضربة ، وسجن بالاصطبل، لأنه طلب منه أن يكتب بتأييد الفتوي الصادرة ضد الملك الظاهر ، فأبي ( بدائع الزهور 418/2/1 ونزهة النفوس 268 والنجوم الزاهرة 362/11 ).

وفي السنة 791 رسم بتخشيب أيدي المماليك الظاهرية وأرجلهم ( نزهة النفوس 266 ).

وفي السنة 791 قبض الأمير منطاش ، بالقاهرة ، علي الأمير ناصر الدين محمد بن الحسام ، شاد الدواوين ، وضرب ضربا مبرحا . (نزهة النفوس 252).

وفي السنة 791 رسم ، بالقاهرة ، بضرب الأمير أقبغا المارداني ، ويضرب عبد الرحمن بن الصاحب كريم الدين بن مكانس ، فضربا ضربا مبرحا ( نزهة النفوس 244) .

وفي السنة 791 خلع الملك المنصور ، سلطان مصر والشام ، علي خياط بقيصرية أمير علي بالقاهرة ، واستقر معلم الخياطين السلطانية ، فبلغ ذلك الأمير الكبير يلبغا الناصري ، نائب السلطنة ، فأرسل اليه من أحضره ، ونزع عنه الخلعة ، وضربه ضربا مبرحا ، فحصل للملك المنصور بذلك شدة عظيمة ، وقال : مرسومي في خياط ما يمتثل ، فكيف هذه السلطنة ؟ ( تاريخ ابن الفرات 113/9 ونزهة النفوس 231 والنجوم الزاهرة 331/11 ).

وفي السنة 792 أمر الظاهر برقوق ، سلطان مصر والشام ، بإحضار

ص: 130

الصاحب كريم الدين ابن الغنام وولده ، والقاضي فخر الدين بن مكانس ، فضرب ابن الغنام سبع ضربات بالمقارع، وعري ولده ولم يضرب ، وضرب ابن مكانس ثلاث مرات ، في كل مرة ثلاثة عشر شيبا ( تاريخ ابن الفرات 205/9 )

وفي السنة 792 أمر الملك الظاهر برقوق ، بإحضار الأمير الطنبغا الجربغاوي وضربه مائة شيب مقارع، ثم زاده سبعة شيوب (تاريخ ابن الفرات 234/9 ).

وفي السنة 792 سلم الوزير الصاحب كريم الدين بن مكانس ، للأمير بكلمش ، أمير آخور ، فضرب بين يديه بالمقارع ( نزهة النفوس 299 ).

وفي السنة 792 ضرب الصاحب موفق الدين أبو الفرج ضربا مبرحا ( نزهة النفوس 301).

وفي السنة 792 قبض علي جماعة من اتباع الأمير الطنبغا الجوباني ، وضربوا بالمقارع، وأعيدوا بعد الضرب الي السجن ببرج القلعة . ( نزهة النفوس 314) .

وفي السنة 792 اتجه السلطان الظاهر نحو الديار المصرية ، واستولي اعوانه علي غزة ، وضربوا نائبها حسن بن باكيش ضربا مبرحا يوم دخول السلطان إليها ( نزهة النفوس 286).

وفي السنة 792 أحضر أمام السلطان مملوك ، اتهم بإثارته الفتن وإشاعتها فضرب بين يدي السلطان ضربا شديدا مبرحا ، وسمر علي جمل ، وشهر بالقاهرة ، وأودع بخزانة شمائل ، ولم يعرف له خبر بعد ذلك ( نزهة النفوس 309).

وفي السنة 793 طلب حسن بن باكيش ، الذي كان نائب غزة ، من الحبس ، وضرب بين يدي السلطان بالمقارع ضربا مبرحا ، وطلب أقبغا

ص: 131

المارداني ، بعده ، فضرب علي أكتافه مقترحة . ( بدائع الزهور 443/2/1 ونزهة النفوس 323) .

وفي السنة 792 وصل من طرابلس القاضي شهاب الدين الحنبلي في حالة فظيعة ، فلما مثل أمام السلطان ، جرد من ثيابه ، وضرب بالمقارع، وسبب ذلك إنتصاره للأمير منطاش لما استولي علي طرابلس ( نزهة النفوس 323)

وفي السنة 793 أمر الملك الظاهر باحضار القاضي ابن الحبال الحنفي ، قاضي طرابلس ، فأحضر ، وضرب بالعصي « مقترح » بسبب فتيا أفتي بها في حقه ، لخصمه منطاش ( تاريخ ابن الفرات 248/9 ).

أقول : المقترح ، اسم للون من ألوان الضرب ، وهو أن يضرب الإنسان علي لوح كتفه وهو واقف ، فإذا مال الي الأمام ضرب علي صدره ( الوافي بالوفيات 346/9 ) .

وفي السنة 793 أمر الملك الظاهر باحضار ابن فضالة شيخ الزهور ، الي الإصطبل السلطاني ، فأحضر ، وضرب بالمقارع، كما ضرب خالد بن بغداد بالعصي ( تاريخ ابن الفرات 9 ق 245/2 ).

وفي السنة 793 وقف شخص من التجار للسلطان برقوق ، بالقاهرة ، وادعي علي القاضي شهاب الدين القرشي ، قاضي قضاة الشام ، فأحضر القاضي من السجن وجد من ثيابه ، وضرب بالمقارع ضربا مبرحا ، ثم سلم الوالي القاهرة ، فضربه ، وعصره مرارة ، وسجنه بخزانة شمائل ( نزهة النفوس 326) ثم أعاد ضربه بالمقارع نمو مائتي شيبا حتي كاد أن يموت (نزهة النفوس 328) ثم أعيد ضربه ضربا شديدا حتي مات ( نزهة النفوس 329)، وكان سبب ذلك إنه كان قد أفحش في خصومته للسلطان برقوق لما كان القاضي بدمشق ، فكان يقف علي سور دمشق ، وينادي : إن قتال برقوف

ص: 132

أوجب من صلاة الجمعة ، راجع النجوم الزاهرة 21/12 و22 و25 .

وفي السنة 793 تقدمت للسلطان ، بالقاهرة ، شكوي ضد أمير ملك ابن اخت جتمر ، فأحضر أمير ملك وضرب بالمقارع ضربا مبرحا ، وتسلمه الوالي فمات بعد ثلاثة أيام . ( نزهة النفوس 327) .

وفي السنة 794 طلب السلطان الظاهر ، الولاة المعزولين ، وأحضرهم أمامه ، وأمر بايدمر الشمسي أبي زلطة ، فضرب أمامه بالمقارع، خمسة وثمانين شيبة ، ثم سلم الجميع إلي متولي القاهرة ، فضرب أبا زلطة علي أكتافه بالعصي مقترحا ( تاريخ ابن الفرات 296/9 ).

وفي السنة 794 وقف للسلطان الظاهر برقوق جماعة من الفلاحين بالجيزة وشكوا إليه من الكاشف ناصر الدين محمد شاه ، وأنه أخذ أموالهم ، وهتك حريمهم ، وفسق بأولادهم ، فأحضره ، وعزاه ، وضربه بالمقارع، ثم عزله ، وسلمه إلي والي القاهرة ، ليستخلص منه أموال الفلاحين ، فأخذه الوالي ، وعرضه ، وضربه بالمقارع ثانية ( تاريخ ابن الفرات 335/9 ).

أقول : ذكر صاحب نزهة النفوس 359 وصاحب بدائع الزهور 458/2/1 قصة ضرب هذا الرجل ، في أخبار السنة 795 فذكر أنه في هذه السنة قبض السلطان علي الأمير ناصر الدين محمد بن اقبغا ، لظلمه الفلاحين فضربه بالمقارع بين يديه ، ثم سلمه إلي ابن الطبلاوي ، فضربه ضربا مبرحة ، ثم سلم إلي الوالي ، فكرر ضربه مرارة ، بمحضر من خصومه .

ولما قصد تيمورلنك بغداد في السنة 795 ، جهز السلطان أحمد الجلايري ، سلطان العراق ، جيشأ ، وعين لقيادته الأمير ستائي ، فانكسر ستائي ، وعاد إلي بغداد ، فغضب عليه السلطان ، وأمر به فضرب ضربا وجيعا ( تاريخ العراق للعزاوي 2/ 200 و201).

وفي السنة 795 سلم الصاحب تاج الدين إلي الوالي ، فبالغ في ضربه

ص: 133

بالمقارع حتي صار دمه كالمياه في ثوبه ، متلطخا به ، وأهانه إهانة زائدة ، حتي إنه صار راكب حمارة ، وفي رقبته الحديد ، وأثوابه ملطخة بالدم ، وهو مرمي علي قوارع الطريق . ( نزهة النفوس 365 ).

وفي السنة 799 ورد من السلطان ، « مثال شريف » بالقبض علي القاضي نصر الله بن شطية ، وتسليمه للأمير علاء الدين بن الطبلاوي ، والي القاهرة ، فتسلمه ، وضربه بالمقارع، وحبسه بخزانة شمائل (تاريخ ابن الفرات 385/9 ) .

وفي السنة796 مات أبو الفرج المصري ، الذي جمع بين نظر الخاص الشريف والوزارة ، وكان ظالمأ، فاعتقله السلطان ، وصادره ، ومات تحت الضرب والعقوبة ( تاريخ ابن الفرات 390/9 ).

وفي السنة 797 قدمت للسلطان الظاهر برقوق ، شكاوي علي الأمير يلبغا الزيني والي الأشمونين ، فأحضره السلطان ، وعزله ، وضربه بالمقارع واحدا وخمسين شيبا ، ( تاريخ ابن الفرات 402/9 ).

وفي السنة 797 قدمت للسلطان الظاهر برقوق ، شكوي ، قدمها نصراني ، علي القاضي شمس الدين محمد الدفري نائب قاضي القضاة ، فأحضره السلطان ، وبطحه، وضربه قدامه ، ورسم عليه حتي يعطي النصراني ما شكاه عليه ( تاريخ ابن الفرات 402/9 ) .

وفي السنة 797 حكم بتعزير شهاب الدين أحمد العبادي ، أحد نواب الحنفية ، ففوض تعزيره إلي قاضي القضاة الحنفي ، فأمر بكشف رأسه ، ومشيه بين يدي البغال التي ركبها القضاة والنواب ، ثم سجنه في حبس الديلم ، ثم طلب الي بيت قاضي القضاة ، فضرب علي قدميه نحوا من أربعين ضربة وأعيد إلي السجن ، ثم أطلق ( نزهة النفوس 410) .

وفي السنة 797 أمر الشيخ اسماعيل بن ابراهيم الجبرتي ، برجل من

ص: 134

فقرائه ، فضرب بالسياط ، وأخرج من مدينة زبيد ، وفي اليوم التالي له ، أمر بضرب الشيخ صالح المكي ، فضرب بالسياط ضربا مبرحا ، ثم استأذن السلطان في إخراجه من اليمن ، فأجاب إلي ذلك . ( العقود اللؤلؤية 272/2 و273).

وفي السنة 799 ضرب محمد بن محمود الأستادار ، فوق أربعمائة عصاة ، وسط ، بسبب دواة ذكر أنها عنده بألقاب بأسمه مثل ألقاب السلطنة الشريفة ، وأحضرت الدواة ولم يثبت ما ذكر . ( نزهة النفوس 447).

وفي السنة 800 ضرب الأمير بكلمش ، موقعه صفي الدين الدميري ، بالمقارع حتي مات ، وسبب ذلك ، أن الأمير بكلمش ضرب صفي الدين وصادره ، فشكاه إلي السلطان بقصيدة ، قال فيها: أتأكلني الذئاب وأنت ليث ؟ فسمع الأمير بكلمش بذلك فطلبه وضربه بالمقارع، وكانوا كلما ضربوه، رشوا عليه الملح ، وكلما استغاث أجابه بكلمش : قل لليث يخلصك من الذيب ، فلم يزل يضربه حتي مات ( نزهة النفوس 459).

وفي السنة 801 سعي أحد المماليك ، بالقاهرة ، بجماعة في الأمراء ، واتهمهم بأنهم يريدون قتل السلطان ، وظهر كذبه ، وقرر فأقر ، بعد أن ضرب ألف عصا . ( النجوم الزاهرة 95/12 )

وفي السنة 801 لما احتضر السلطان الظاهر بمصر ، تحرك الزعر بالقاهرة ، فركب والي المدينة فمسك جماعة ، وضربهم بالمقارع (نزهة النفوس 494) .

وفي السنة 801 تنكر السلطان بمصر ، علي الأمير سودون الحمزاوي ، فضربه بين يديه ، وسجنه ، ثم نفاه إلي بلاد الشام . ( بدائع الزهور 511/2/1)

وفي السنة 801 طلع رجل عجمي ، إلي السلطان ، وهو جالس للحكم

ص: 135

بين الناس ، ومد يده إلي لحيته ، فقبض عليها ، وسبه سبا قبيحا ، فبادر إليه رؤوس النوب ، وأقاموه ، ومروا به ، وهو مستمر في السب ، فسلم إلي الوالي ، فضربه أياما حتي مات ( بدائع الزهور 516/2/1).

وفي السنة 802 أحضر السلطان أرناط اليوسفي كاشف الوجه البحري ، وضربه عريانا بالمقارع والعصي معين ، وعزله . ( بدائع الزهور 552/2/1 ) .

ولما فتح تيمورلنك دمشق في السنة 803 كان من جملة ما عذب به الدمشقيون الضرب بالسياط ، وكانوا اذا أشرف المعذب علي الهلاك ، خلوا عنه حتي يستريح، ثم عادوا الي ضربه ، حتي كان المعذب يحسد رفيقه الذي هلك تحت العقوبة ( النجوم الزاهرة 244/12 و245).

وفي السنة 803 قبض الأمير شهاب الدين أحمد ، شاد الدواوين ، علي يلبغا السالمي ، وضربه ضربا مبرحا ، وبالغ في عصره وتعذيبه . ( بدائع الزهور 630/2/1 )

وفي السنة 803 قدح شمس الدين البرقي ، أحد موقعي قضاة الحنفية، في يلبغا السالمي ، فأخذ البرقي ، وضرب عريانا ، ضربا مبرحا ، كما ضرب جماعة من اليهود والنصاري ، وضرب كذلك دوادار والي القاهرة . (بدائع الزهور 608/2/1).

وفي السنة 804 توفي برهان الدين إبراهيم بن محمد الدمشقي ، وكان قد قرأ علي الجمال بن الشرائحي الرد علي الجهمية ، لعثمان الدارمي ، فأخذ أحد الفقهاء الكتاب وذهب به إلي القاضي المالكي ، فطلب القاضي إحضار الشيخ برهان الدين ، وأغلظ له ، ثم طلبه ثانيا ، وسأله عن عقيدته فقال : الإيمان بما جاء عن رسول الله ، فانزعج القاضي وأمر بتعزيره ، فعزر، وضرب ، وطيف به ، ثم طلبه بعد جمعة ، لكونه بلغه عنه كلام

ص: 136

أغضبه ، فضربه ثانية ، ونادي عليه ، وحكم بسجنه شهرة ( الضوء اللامع 146/1)

وفي السنة 804 قبض الأمير سودون الحمزاوي ، نائب السلطنة بصفد ، علي الحاجب بصفد علي بن بهادر ، وضربه ضربا مبرحا ، مات من جرائه ( الضوء اللامع 208/5 و279/3 ).

وفي السنة 805 ضرب والي القاهرة ، بأمر من الأمير يشبك ، محتسب القاهرة محمد بن شعبان ، زيادة علي أربعين عصا ، لسوء سيرته ، وكان ضربه أمام الناس ، بمحضر الأمير . ( بدائع الزهور 669/2/1 ).

وفي السنة 810 أحضر الأمير سودون الحمزاوي ، امام القضاة وبمحضر من السلطان ، وثبت عليه انه قتل علي بن بهادر ظلما ، فحكموا بقتله فقتل ، وكان الذي ادي الي محاكمته ، انه كان خصيصا عند الظاهر برقوق، ثم تنكر عليه، فضربه ضربا مبرحا، وحبسه، وأخرجه إلي البلاد الشامية ، ثم حبس باسكندرية ، ثم أطلق ، ثم توجه الي الشام مجردة ، فلما صار بدمشق ، عصي ، وقصد صفد فملكها، ثم قبض عليه شيخ ، وجهزه الي الناصر ، فحبسه ، ثم عقد له مجلس القضاء الذي حاكمه وحكم عليه بالقتل ( الضوء اللامع 279/3 ).

وفي السنة 818 عزل الكاشف لولو الرومي ، وصودر ، وعوقب أشد عقاب ، وذكر أن فخر الدين لما رام عقابه ، أمر أن يفرش تحته بساط ، فقال له لولو : تعلم الرياسة ، افرش لي البساط لما أجلس بجانبك ، أما الأن فالأرض أليق ، وتوفي في السنة 821 ( الضوء اللامع 234/6 ).

وفي السنة 821 ضرب السلطان ، والي القاهرة ، ابن الطبلاوي بالمقارع، وسبب ذلك ، أن صبيا غرق ، فلم يمكن الوالي من دفنه، إلا إذا أعطي خمسة دنانير ، وكان الأب فقيرا ، فترك ولده ملقي علي شط الخليج ،

ص: 137

حتي أكلت الكلاب رجليه ، فبلغ السلطان ذلك ، فضرب الوالي ( بدائع الزهور 40/2 ) .

وفي السنة 824 ادعي رجل من اهالي الصعيد بمصر ، اسمه عرام ، النبوة ، وزعم إنه رأي فاطمة الزهراء عليها السلام ابنة النبي صلوات الله عليه ، وإنها أخبرته عن أبيها بأنه - أي عرام - سيبعث بعده ، وتبعه جماعة ، فأحضره القاضي عبد الرحمن بن عبد الوارث ، وضربه تعزيرا ، وحبسه وأهانه ، فرجع عن دعواه ، وتاب ( الضوء اللامع 91/4 ) .

وفي السنة 835 أحضر أمام قاضي مدينة دمشق ، شخص من قرية يلدار شهدوا عليه أنه قال : لا تجوز زيارة النبي صلوات الله عليه ، فأمر به فضرب ، ونودي عليه ( أشهر ) وحبس ، ثم أطلق ( حوليات دمشقية 21).

وفي السنة 835 قصد الحنابلة بدمشق ، رجلا شافعية ، فضربوه ، فقام جماعة من الشافعية ، وقصدوا الحنابلة ، وضربوهم ، وضربوا شيخهم عبد الرحمن المعروف بأبي شعر ، بحيث ألقوه علي الأرض ، فشكوا إلي النائب ، فنودي : أن الشافعية لا يتعرضون إلي الحنابلة ، ولا الحنابلة إلي الشافعية ( حوليات دمشقية 22 ) .

وفي شهر محرم من السنة 836 ضرب السلطان الأشرف برسباي ، سلطان مصر ، الأمير اقبغا الجمالي الاستادار عدة مقارع، ونحو ثلثمائة عصا، وجعل «الزنجير ، والحديد في رقبته ، وأنزله علي حمار الي بيت الأمير التاج ( تاج الدين ) والي القاهرة ، ليعاقبه ( يعذبه ) علي المال ( حوليات دمشقية 40 و41).

وفي السنة 838 ضرب الوزير الصاحب الأستادار كريم الدين ، بالمقارع، وقد عري من ثيابه ، زيادة علي مائة شيب ، ثم ضرب علي أكتافه بالعصي ، ضربا مبرحا ، وعصرت رجلاه بالمعاصير ، ثم أنزل من سجنه

ص: 138

بالقلعة ، وأركب بغلا ، ومضي به الأعوان الموكلون به إلي بيت والي القاهرة ، ليؤدي ما صودر عليه ، فشرع في بيع موجوده ، وأفرج عنه بعد أن حمل عشرين ألف دينار للسلطان ، وضمنه جماعة من الأعيان في سداد الباقي ( حوليات دمشقية 122 و 124).

وفي السنة 838 تغير السلطان علي سعد الدين ابراهيم ناظر الخاص وأمر به فبطح علي الأرض ، وضرب ضربا مبرحا ، وسبب ذلك إن السلطان ألزمه بأن يلي الوزارة فامتنع ( حوليات دمشقية 121 و122).

وفي السنة 839 حضر رسول شاه رخ بن تيمورلنك إلي القاهرة ، ومعه كتاب من شاه رخ إلي السلطان الأشرف برسباي ، يطالبه بأن تضرب السكة باسم شاه رخ ، وأن يخطب له علي المنبر ، وأحضر الرسول خلعة ليلبسها السلطان علي اعتبار كونه نائبا لشاه رخ ، فغضب السلطان ، وأمر برسول شاه رخ فضرب ضربا مبرحا ، وألقي في بركة ماء ، وكان يوما شديد البرد ، ثم أنزل هو وأصحابه ، ورسم بنفيهم ، فساروا في البحر الي مكة ، وحجوا ( حوليات دمشقية 163).

وكان القاضي عبد المعطي بن محمد الريشي ، نائب القاضي الحنفي بالقاهرة (ت 833 ) يصفع من يتحاكم إليه ، ويرسل لمن يريد إهانته من بياض الناس ، من يقوم بصفعه ، ورفع إليه بالقاهرة ، شاب اتهم بأنه فسق بصبي ، فأمر من بحضرته من الفعلة ، أن يفسقوا به قصاصا بزعمه لما صنع ، فلما بلغ نائب الاستادار ذلك ، أحضره ، وضربه ، واجتمع عليه العوام فصفعوه ، فلما حضر الاستادار ، وعلم بالقصة ، أحضره أمام القضاة الأربعة ، وطرحه وضربه سبعمائة عصا ، وحصل له من الناس صفع عظيم ، ثم بلغ خبره إلي السلطان فأحضره ، وضربه بالمقارع، وحبسه مدة طويلة ( الضوء اللامع 82/5).

وفي السنة 842 في أيام الظاهر جقمق ، امتحن القاضي أبو البقاء

ص: 139

محمد بن عبد العزيز بسيب جارية أفسدها عبده ، فجر ذلك إلي إهانته، وضربه ، واشهاره علي حمار ، وفي عنقه باشه ( الضوء اللامع 63/8 ).

وفي السنة 843 انعقد مجلس شرعي ، للقضاة والعلماء ، للنظر في التهم الموجهة إلي الفقيه بدر الدين الحسن بن الحسين الحسيني ، وهي الزندقة والاستهزاء بالشريعة ، وارتكاب الكبائر ، وأمر القاضي الحنفي بحبسه ليبين أسباب طعنه في الشهود ، فقاسي في توجهه إلي الحبس من الإهانة والصفع ، وفي الجلسة الثانية ، أهين نفس الإهانة ، وضرب في المجلس أربعين سوطا، وأعيد إلي الحبس ، ثم سكنت القضية ( الضوء اللامع 99/3 ) .

وفي السنة 844 جرت مناظرة بين شهاب الدين الشهرزوري ، وبين حميد النعماني ، من ذرية الإمام أبي حنيفة ، فاعتدي شهاب الدين علي النعماني ، وذكر جده بسوء ، وبلغ السلطان ذلك ، فأمر به فاعتقل ، وسجن بالبرج ، ثم أحضر أمام السلطان ، وضرب ثمانين مقرعة ، ثم أمر بنفيه ( الضوء اللامع 242/1 ).

وفي السنة 851 توفي السلطان شاہ رخ بين تيمورلنك ، وكان قد تسلطن بعد وفاة ابن أخيه ، الذي خلف جده تيمورلنك ، وهو خليل بن أميران شاه ، وكان شاه رخ، قد نذر أن يكسو الكعبة ، فلما تسلطن كتب إلي سلطان مصر الأشرف برسباي ، يستأذن منه في أن يكسو الكعبة ، فأبي الأشرف ، وترددت الرسل بينهما، ثم أرسل إليه جماعة ذكر أنهم أشراف وعلي يدهم خلعة له، فاشتد غضبه من ذلك، وجلس بالاسطبل السلطاني ، واستدعي بهم، ثم أمر بالخلعة فمزقت ، وضربهم ضربا شديدا ، حتي أشرف عظيمهم علي الهلاك ، ثم أمر بهم فألقوا مندسين في فسقية ماء بالاسطبل ، والأوجاقية ممسكين بارجلهم يغمسونهم في الماء ، حتي أشرفوا علي الهلاك ، والسلطان يسب مرسلهم جهارة ، ويحط من قدره ، مع مزيد تغير لونه ، لشدة حنقه ، ثم قال لهم ، وقد أحضروا بين يديه : قولوا لشاه رخ ،

ص: 140

إن الكلام الكثير لا يصلح إلا من النساء ، وكلام الرجال ، لا سيما الملوك ، إنما هو فعل ، وها أنا قد أبدعت فيكم كسرا لحرمته ، فإن كانت له مادة وقوة ، فليتقدم ( الضوء اللامع 297/3 ).

وفي السنة 866 تولي مجد الدين يعقوب بن منقورة ، نظر الدولة ، فلم يلبث سوي ثلاثة أيام ، وضربه السلطان ضربا مبرحا كاد يموت منه ، ووضعه في الحديد ، وسلمه للوالي علي أن يؤدي مالا عظيمة ، آل أمره فيه إلي ثلاثة آلاف دينار باع فيها تعلقاته وأثاثه وأقترض وصار مثلة ( الضوء اللامع 287/10)

وفي السنة 871 قتل الأمير تمراز الجركسي ، بناء علي حكم صدر عليه من القاضي بالقتل قصاصأ لأنه ضرب شخصا فمات ، فقتل بالمرقب ( الضوء اللامع 36/2 ).

وفي السنة 873 مات شمس الدين محمد بن أبي الأهناسي الوزير ، وكان في أول ولاية الظاهر جقمق قد ضرب كاتبا من الكتاب ، فأصبح بعد الضرب ميتا ، فأحضره السلطان ، وضربه بحضرته بالمقارع، وأشهره ، ثم أرسل به إلي القاضي المالكي ، فعفا عنه بعض مستحقي الدم ، فحبس بسبب حق الباقين ، ثم أطلق ( الضوء اللامع 193/7 ).

وفي السنة 877 ضرب الشيخ بقر بن راشد ، شيخ عرب الشرقية ، ضربا مبرحا مرة بعد أخري ، فمات ( الضوء اللامع 17/3 ).

وفي السنة 880 غضب السلطان برقوق علي الوزير كريم الدين أبي الفضائل عبد الكريم وعلي أخيه فخر الدين عبد الرحمن ، فأمر بهما ، فألقيا علي الأرض ، وضربا ( الضوء اللامع 312/4 ).

وفي السنة 882 قبض سلطان مصر ، علي برهان الدين النابلسي ، وكيل بيت المال ، وأمر به فضرب أكثر من ألفين وستمائة عصا، وزاد في

ص: 141

العقوبة أن قلع أضراسه ، ودقها في رأسه ( بدائع الزهور 172/2 ) .

وفي السنة 882 أمر السلطان بابراهيم بن أحمد بن ثابت النابلسي ، الذي نصبه وكيلا له ، فأحضر وضرب بين يديه بالمقارع، ثم حمل الي الدوادار الكبير فضرب بين يديه كذلك ، حتي أشرف علي التلف ، ثم حمل من بيت الدوادار في قفص الي الجمالية ، فمات ( الضوء اللامع 11/1 ).

وفي السنة 896 مات عمر بن عبد العزيز الفيومي ، نصب نفسه وكيلا في الخصومات ( اسمه الآن المحامي ) فمنعه السلطان في السنة 889 بعد أن ضربه الضرب المبرح ، فامتنع ، ثم عاد ، فأعيد عليه الضرب المبرح بالمقارع في السنة 890 حتي كاد أن يموت ، وأمر بنفيه ، ومات في السنة 899 ( الضوء اللامع 93/6 ) .

وفي السنة 910 جري تعذيب القاضي بدر الدين ، كاتب الاسرار بالقاهرة ، وكان من جملة ماعذب به ، أن ضرب أولا أمام السلطان الغوري ، ثم عصر ، وأستمر في العذاب الشديد حتي مات ( الكواكب السائرة 176/1 ).

وفي السنة 911 أمر القاضي عبد البر الشحنة ، بتعزير الشاعر يوسف السلموني ، فضرب ، وأشهر علي حمار وهو مكشوف الرأس ، وسبب ذلك إن يوسف السلموني هجا القاضي معين الدين بن شمس وكيل بيت المال ، فشكاه إلي السلطان الغوري ، فقال له : إن وجب عليه في الشرع شيء فأبوه ، فقدمه إلي القاضي فعزره ( الكواكب السائرة 318/1 ).

وفي السنة 911 مات الشيخ العارف بالله الصوفي محمد بن سلامة الهمذاني ، من الضرب بالمقارع، ضربه الأمير طرباي راس نوبة ، وسبب ذلك انه تزوج بامرأة ، وكان لها ابن عم مغربي أراد الزواج امنها ولم ترده ، فذهب إلي الأمير ، وشكاها وزوجها، فأحضرهما الأمير وضربهما ،

ص: 142

بالمقارع، وجرسهما علي ثورين وأشهرهما في القاهرة ، فما وصل إلي باب المقشرة حتي مات ( شذرات الذهب 55/8 ).

وفي السنة 916 مات القاضي بدر الدين حسن ، كاتب أسرار القاهرة ، بعد أن صودر ، وحبس ، وضرب بحضرة السلطان الغوري ، وعذب بألوان أخري من العذاب إلي أن مات بقلعة مصر ( شذرات الذهب 74/8) .

وفي السنة 923 تبين لقاضي العثمانية ، بالقاهرة ، أن فقيها من نواب الشافعية ، زوج آمرأة لم تكمل انقضاء عدتها ، فأحضر الفقيه ، وضربه ضربا مبرحا ، ثم كشف رأسه ، وألبسه عليه كرشأ من كروش البقر بروثه ، وأركبه علي حمار بالمقلوب ، وأشهره في القاهرة ( بدائع الزهور 184/5 ).

وفي السنة 925 أمر ملك الأمراء بمصر ، نائب السلطان العثماني علي يونس الحلبي الأستادار ، « فبطح في الحوش ، وضرب ضربا مبرحا ، نحو ستمائة عصا ، فنزل إلي بيته وهو مبطوح علي حمار ، فأقام أياما ، ومات وقد نال منه الضرب ( بدائع الزهور 298/5 ).

وفي السنة 916 مات من الضرب محمد المغربي الديرني أمين المصبغة بحلب ، وكان بعض تجار الصابون اتهمه بخيانة ، فاستعان عليه بابرك الجركسي نائب القلعة ، فضربه ضربا مبرحا ، فمات تحت الضرب ، واضطرب المغاربة لأجل ذلك ، حتي كادوا لا يدفنونه حتي يأخذوا بثأره ( اعلام النبلاء 375/5 ).

وفي السنة 919 اتهم رجل بالقاهرة أنه زني بامرأة ، فأحضر أمام حاجب الحجاب ، فضربهما ، فأقرا بالزنا، ولما أحضرا أمام السلطان الغوري ، رجعا عن اقرارهما ، فعقد السلطان مجلسا جمع فيه العلماء ، فأفتي القاضي شمس الدين الزنكلوني ، وولده ، بصحة الرجوع عن الإقرار ، فغضب السلطان وأمر بالقاضي الزنكلوني وولده ، فضربا في المجلس حتي

ص: 143

ماتا تحت الضرب ، وأمر بالمتهمين بالزنا ، فشنقا بالقاهرة ( شذرات الذهب 119/8)

وفي السنة 930 أحضر أحمد باشا ، والي مصر الخارج علي الدولة ، جماعة من الأكابر والتجار ، وصادرهم ، وأمر بضربهم بالمقارع والكسارات ( الكواكب السائرة 157/1 ).

وفي السنة 930 أحضر أحمد باشا ، والي مصر الخارج علي الدولة العثمانية ، جماعة من أعيان اليهود ، وأمر بتعذيبهم بأنواع العذاب حتي مات بعضهم ، فقال له القاضي بدر الدين : هذا لا يحل ، فغضب ، وقال له : هذا منك توجع لليهود ، وأمر بضربه ( الكواكب السائرة 157/1 ).

وكان حسين بك ، كافل حلب للسلطنة العثمانية ، للمدة من 941 - 949 ظالم ، جائرة ، سفاحا للدماء ، وكان يكسر الأطراف ، ويحرق بالنار ، وبالمواد المحرقة ، ومن جملة ما صنع أنه أمر شخصا في حلب أن يزوج أخته من شخص لم يرضه ، فزوجها من غيره ، فغضب حسين بك ، وأمر باعتقال أخي البنت وأبيها، فاسترا، فأحضر عم البنت ، وأغلظ عليه بالكلام ، وضربه ضربا مبرحا ( اعلام النبلاء 199/3 ).

وفي السنة 967 عزل القاضي أحمد بن حامد ، عن قضاء حلب ، وكان عفيفة ، إلا أن فيه حدة ، مر فقير علي سجادته ، يوم الجمعة ، فأوجعه ضربة ، وغضب علي نائبه فضربه ، وغضب علي كاتبه فعض أذنه ( الكواكب السائرة 124/3).

وخرج القاضي محمد افندي بن العلامة المفتي أبي السعود ، وكان قاضي القضاة بدمشق ، في يوم عيد علي فرس ، فلما مر علي باب دار الإمارة ، كان طبل الوالي يضرب ، فنفرت فرس القاضي ، فأمر القاضي بتخريق الطبل ، وبلغ الخبر الوالي أمير الأمراء أحمد باشا ، فأمر بقطع ذنب

ص: 144

فرس القاضي ، وأن يضرب أصحابه ، فضربوا ضربا مبرحا ، وقدم الوالي إلي السلطان العثماني شكوي علي القاضي ، وقدم القاضي شكوي علي الوالي ، فنقل الوالي من دمشق إلي سيواس ، ونقل القاضي إلي حلب ، وذلك في زمن السلطان سليمان ( 926 - 976) ( تراجم الأعيان 189/1 ).

ولما عاد سليمان باشا الخادم ، من حملته ضد البرتغال خائبا ، مر بمكة ، وظلم الناس فيها ، حتي إنه جلس بالمسجد الحرام ، وأحضر رجلا من الروم صوفيأ ، يقال له موسي ، وينبز : قزل آشك ، وأمر بأن يضرب بالعصا ، فقال له : هذا بيت الله الحرام ، لا يضرب فيه أحد ، فأمر بإخراجه خارج المسجد الحرام ، حيث ضرب هناك ( البرق اليماني 89).

وفي السنة 1019 قتل السيد نور الله التستري الحسيني ، بمدينة لاهور ، ولاه السلطان أكبر شاه قضاء القضاة بلاهور ، واشترط عليه أن لا يخرج في أحكامه عن المذاهب الأربعة ، وكان القاضي من علماء الإمامية ، والظاهر أنه حكم وفق مذهبه ، فأمر به السلطان أكبر شاه، فقتل ضربا بالسياط . ( الاعلام 30/9 ) .

وفي السنة 1021 ضرب الشيخ محمد بن البيطار ، إمام جامع منجك بدمشق ، ضربا مات من بعده ، وسبب ذلك إن محمد باشا بن سنان باشا ، نائب السلطان بدمشق ، جاء في بعض الليالي الي جامع منجك ، ليزور الشهداء داخل الجامع ، فطرق له باب الجامع ، فأجاب الشيخ بعد حين بعنف ، وصاح : من الطارق في هذا الوقت ؟ فقيل له : الوزير ، وكان محمد باشا جبارة ، فلما فتح الباب أمر به فضرب ضربا مبرحا ، فمات من الضرب ، وكانت سنه 84 سنة ( خلاصة الأثر 294/4 ).

وفي السنة 1114 نصب بالقاهرة الأمير علي أغا في «أغاوية مستحفظان ، فقام بتسعير المواد الغذائية ، وأخذ يشق الأسواق وأمامه القابجية

ص: 145

والملازمون والوالي وأمين الإحتساب والجاويشية ونائب القاضي ومعه كيس جوخ مملوء عكاكيز شوم علي كتف قواس ، وفي أول يوم ضرب اثنين قبانية ، وثلاثة زيانين ، وجزارين لحم خشن ، ومات الستة من الضرب ، وكان لا يقبل رشوة ، وكل من وجده عاملا علي خلاف الشرط ، يبطحه ، ويضربه بالمساوق الشوم ، حتي يتلف أو يموت ، وغالب من ضربه لم يعش ( تاريخ الجبرتي 163/1- 165).

وفي السنة 1181 اتفق علي بك بلوط قبان ، شيخ البلد بالديار المصرية ، مع أتباعه محمد بك أبو الذهب وأيوب بك علي قتل الأمير حسن بك جوجو ، وحضر حسن بك عند علي بك ومعه علي بك جن علي ، فجلسا عنده حصة من الليل ، وقاما ليذهبا ، فركبا وركب معهما محمد بك أبو الذهب وأيوب بك ، فلما صاروا في الطريق خلف جامع قوصون ، سحب محمد بك وأيوب بك سيفيهما ، وقتلا حسن بك وعلي بك ، وعادا إلي سيدهما ( الجبرتي 322/1 ).

وفي السنة 1182 قبض الأمير علي بك بالقاهرة علي المعلم إسحاق اليهودي ، معلم الديوان ، وأخذ منه أربعين ألف محبوب ذهب ، وضربه حتي مات ( الجبرتي 363/1 ).

وفي السنة 1182 قبض الأمير علي بك بالقاهرة علي الشيخ أحمد الكتبي ، المعروف بالسقط ، « وضربه علقة قوية ، وأمر بنفيه إلي قبرص ، فلما نزل إلي البحر الرومي ذهب إلي إسطنبول ، وكان الشيخ أحمد من دهاة العالم يسعي في القضايا والدعاوي ، ويحيي الباطل ويبطل الحق بحسن سبكه وتداخله ( الجبرتي 363/1 ).

وفي السنة 1187 اشتد ظلم الوزير عمر باشا والي بغداد، حتي إنه قبض علي جماعة من أهل الكاظمية ، وعذبهم بالضرب بالعصي ، حتي مات واحد

ص: 146

منهم ، وكانت العاقبة ، أن عزل عمر باشا ، ثم قتل ( تاريخ العراق للعزاوي 52/6)

وفي السنة 1190 هجم الإنكشارية بحلب ، علي السيد حسين أغا صاري كوله اوغلي ، سردار حلب سابقا ، وضربوه ، وضربوا جماعته ، وخربوا بيته ، وأحرقوه ، فمات السيد حسين بعد ثلاثة أيام ( اعلام النبلاء 350/2)

وفي السنة 1191 قبض الأغا بالقاهرة علي إنسان شريف ، من أولاد البلد ، يسمي حسن المدابغي ، وضربه حتي مات ( الجبرتي 498/1 ) .

وفي السنة 1191 أحضر الأمير مراد بك بالقاهرة ، شخصا من أتباع الأمير يوسف بك ، اسمه سليمان كاشف ، « وضربه علقة بالنبابيت » ( الجبرتي 498/1 ) .

وفي السنة 1190 قبض إبراهيم بك شيخ البلد بالديار المصرية ، علي إبراهيم أغا بيت المال ، المعروف بالمسلماني ، وضربه بالنبابيت حتي مات ، وأمر بالقائمة في بحر النيل ( الجبرتي 551/1 ).

وفي السنة 1214 لما استعرت الحرب بين الجيش الافرنسي ، وبين المماليك وأهل القاهرة ، وظهر استعلاء الفرنسيس ، تدخل جملة من المشايخ ، وسعوا في المصالحة ، وراجعوا القائد الافرنسي ، ثم عادوا إلي أصحابهم ، وحدثوهم في أمر الصلح ، فقام الانكشارية والعامة علي المشايخ ، وسبوهم ، وشتموهم ، وضربوا الشيخ الشرقاوي والسرسي ، ورموا عمائمهم ، وأسمعوهم قبيح الكلام ، وصاروا يقولون : هؤلاء المشايخ ارتدوا ، وعملوا فرنسيس ، ومرادهم خذلان المسلمين ، وإنهم أخذوا دراهم من الفرنسيس ( الجبرتي 335/2 )،

وفي السنة 1214 لما استعرت الحرب بين الجيش الافرنسي ، وبين

ص: 147

المماليك وأهل القاهرة ، حصر الجيش الافرني بولاق ، وقبض علي البشتيلي ، الذي كان يحرض علي الحرب ويحول دون الصلح ، وعثر القائد الافرنسي علي رسالة من البشتيلي إلي عثمان كنخدا ، قال فيها: إن الكلب دعانا إلي الصلح ، فأبينا ، فلما قبض عليه القائد الافرنسي ، أسلمه إلي العصبة التي كانت تحت إمرته من العامة ، وكانوا قد اعترفوا بأنه هو الذي كان يحرضهم علي الإستمرار في الحرب ، فأمرهم بأن يباشروا قتله بأيديهم ، فطافوا به البلد ، ثم قتلوه ضربا بالنبابيت ( الجبرتي 339/2 ).

وفي السنة 1215 لما سكنت الحرب بين الجيش الأفرنسي ، وأهالي القاهرة ، قبض الفرنسيس علي الشيخ السادات وألزموه بأداء غرامة ثقيلة ، واعتقلوه ، وأعتقلوا معه زوجته ، وكانوا يضربونه في كل يوم، بمحضر من زوجته، خمس عشرة عصا في الصباح ، ومثلها في الليل ، وكلما ضربوه كانت زوجته تبكي وتصيح ، ثم شفع فيها المشايخ ، فنقلت إلي بيت الشيخ الفيومي ، وأستمر زوجها في الإعتقال والمطالبة ( الجبرتي 348/2 ) .

وفي السنة 1215 هاج بعض أهالي طنتدا علي الفرنسيس ، وصاحوا بهم : نصر الله دين الإسلام ، وهاجوا ، وماجوا ، ولقلقت النساء بألسنتهن ( زغردن ) ، وضربوا الفرنسيس وجرحوهم ، وطردوهم ، فذهبوا ، وعادوا بجميع عسكرهم ، واعتقلوا آل الخادم ، وقرروا عليهم غرامة ، وأطلقوهم الجمعها ، وحجزوا كبيرهم مصطفي الخادم ، وفي كل وقت كانوا ينوعون عليه العذاب ، والضرب حتي علي كفوف يديه ورجليه ( الجبرتي 353/2 ).

وفي السنة 1216 قبض الأمير محمد باشا أبو مرق علي مقدمه مصطفي الطاراتي، «وضربه علقة ، وحبسه ، وأخذ منه خمسة عشر ألف ريال ، مع بقائه معتقلا ، وكان مصطفي الطاراتي هذا ، قد تقدم عند بونابارته (نابليون بونابرت ) ثم عند كلهبر (كليبر) ثم تعلق بخدمة يعقوب القبطي ، وتولي أمر اعتقال المسلمين وحبسهم وعقوبتهم وضربهم ، فكان يجلس علي الكرسي ،

ص: 148

وقت القائلة ، ويأمر أعوانه بإحضار أفراد المحبوسين من التجار وأولاد الناس ويسبهم ويأمر بهم فيبطحونهم ويضربونهم بين يديه ( الجبرتي 490/2 ، 491 ) ثم إنه فر من الإعتقال ، ولما أعيد اعتقاله قتل ، وترك مرميا تحت الأرجل ثلاث ليال ( الجبرتي 500/2)

وفي السنة 1216 قبض الفرنسيون بالقاهرة علي رجل ظنوه جاسوسة ، فأحضروه عند قائمقام ، فسألوه ، فلم يقر بشيء ، فضربوه عدة مرار ، حتي ذهل عقله ، وصار كالمختل ، وكرروا عليه الضرب والعقاب ، وضربوه بالكرابيج علي كفوفه ووجهه ورأسه ، حتي قيل إنهم ضربوه نحو ستة آلاف كرباج ، ثم أودعوه الحبس ( الجبرتي 469/2 ) .

وفي السنة 1216 (1801 م ) خرجت من الجزائر ، فركاطة ( سفينة حربية ) بقصد الغزو ، ورئيسها الحاج علي ططار ، فرأي يوما من الأيام مركبة ، فجعل له إشارة ليأتيه ، فلما رأي الإشارة هرب ، فزاد إشارة أخري ، فزاد في الهرب ، فضربه بكورة مدفع ، فرقد المركب ، وجاء رئيسه في زورق ، فلما طلع سأله عن جنسه ، فقال له : فرنسيس ، فقال له : لماذا هربت ؟ فاعتذر له ، فأمر به ، فربطوه الي مدفع ، وضربه مائتي سوط ، ثم أطلقه ، فمات من الضرب ( مذكرات الزهار 68 ).

وفي السنة 1217 فرض خورشيد باشا ، حاكم الإسكندرية ، بالقطر المصري ، ضرائب جديدة علي الباعة والمحترفين ، فلما علم بها الإنكليز الذين في الاسكندرية ، أحضروا مناديا وأمروه بأن ينادي بإبطال تلك الضرائب ، فخرج المنادي ، ونادي بإبطال تلك الضرائب ( حسبما رسم الوزير محمد باشا والحاكم خورشيد أغا، فسمعوا ما قاله ، وأحضروه ، وضربوه ضربة شديدة ، وأمروه أن ينادي بأن هذا الإلغاء « حسبما رسم ساري عسكر الإنكليز » ( الجبرتي

534/2 ) .

ص: 149

وفي السنة 1217 مر الأمراء المماليك بمنية بن خصيب ، وطلبوا من حاكمها سليم كاشف أن ينتقل منها ، وأن يتركها لهم ليقيمون فيها أياما ويقضون أشغالهم ، فأمتنع ، فحصروه فيها ، فقاومهم أربعة أيام ، ثم اقتحموا عليه البلدة ، وقتلوا أهلها ، ومن كان بها من العسكر ، وأسروا حاكمها سليم كاشف ، فأحضروه أمام إبراهيم بك رأس المماليك ، فوبخه ، وأمر بضربه ، فضربوه « علقة بالنبابيت » ( الجبرتي 556/2)

وفي السنة 1217 حضر إلي الإسكندرية قليون ، وفيه تجار وبزرجانية ، يقال له : قليون مهردار الدولة ، فأرسي بالمينة الغربية ، وطلع منه قبطان وبعض التجار إلي البلدة ، وأقام نحو يومين أو ثلاثة ، فطلع رجل نصراني وأخبر الانكليز أنه مات به رجل بالطاعون ، ومات قبله ثلاثة أيضا، فطلبوا القبطان فهرب ، فأرسلوا إلي المركب وأحضروا اليازجي ، وتحققوا القضية ، وأحرقوا المركب بما فيها، وأشهروا اليازجي ، وعوه من ثيابه ، وسحبوه بينهم في الأسواق ، وكلما مروا به علي جماعة من العثمانية مجتمعين علي مصاطب القهاوي ، بطحوه بين أيديهم ، وضربوه ضربا شديدا ، ولم يزالوا يفعلون به ذلك ، حتي قتلوه ( الجبرتي 533/2 ).

وفي السنة 1218 كان للجرار عصبة من الأكراد بدمشق ، يرأسهم الشيخ طه الكردي ، يعذبون الخلق أنواع العذاب ، ويسلبونهم أموالهم ، ولم يكن يمر يوم دون أن يقبض علي أربعة أو خمسة ، من أرباب الوجاهة والثروة ، يسجنون في سجن القلعة ، ويعذبهم الأكراد الموفدون من قبل الجزار ، بالكماشات والحديد والعصي ، إلي أن يشرفون علي الموت ( خطط الشام 19/3 ).

وفي السنة 1219 حضر إلي القلعة بالقاهرة ، يوسف أفندي ، الذي عزل عن نقابة الأشراف ، وتكلم كلاما ( سيئا ) في حق الباشا ، فقبض عليه صالح أغا قوش ، وضربه ضربا مبرحا ، وأهانه إهانة زائدة ، وأنزلوه آخر

ص: 150

النهار ، وحبسوه ببيت عمر افندي النقيب ( الجبرتي 3/ 44) . :

وفي السنة 1219 ركب والي القاهرة العثماني ، وشق من وسط المدينة فمر علي سوق الغورية ، وأنزل شخصا من أبناء التجار ، وكان يتلو القرآن ، فأمر الأعوان ، فسحبوه من دكانه ، وبطحوه علي الأرض ، وضربوه عدة عصي من غير جرم ولا ذنب ، ثم تركه وسار إلي الأشرفية ، فأنزل شخصا من حانوته ، وفعل به مثل ذلك ( الجبرتي 648/2 ).

وفي السنة 1221 توفي الأمير محمد بك الألفي المرادي ، بالديار المصرية ، ومما يؤثر عنه إنه دخل مرة في أول أمره علي الأمير علي أغا التوكلي ، وتشفع عنده في أمر، فقبل رجاءه ، ثم نكث ، فحنق منه ، واحتد ، ودخل عليه في داره يعاتبه ، فرد عليه الأمير علي أغا بغلظة ، فأمر الألفي الخدم بضربه ، فبطحوه ، وضربوه بالنبابيت ، ضربا مات منه بعد يومين ( الجبرتي 148/3 ).

وفي السنة 1223 قبض محو بك ، كاشف البحيرة ، بالديار المصرية ، علي السيد حسين نقيب الأشراف بدمنهور ، وأهانه ، وضربه ، وصادره ، وأخذ منه ألفي ريال ، بعد أن حلف إنه إن لم يأت بها في مدة أربع وعشرين ساعة فسوف يقتله ، فوقع في عرض النصاري المباشرين ، فدفعوها عنه حتي تخلص ، وكذلك قبض علي رجل من التجار ، وقرر عليه جملة كثيرة من المال ، فدفع الذي حصلته بده ، وبقي عليه ما قرره عليه ، فلم يزل في حبسه حتي مات تحت العقوبة ، فطلب أهله رمته ، فحلف لا يعطيها لهم حتي يكون ابنه في الحبس مكانه ( الجبرتي 243/3 ) ولم يلبث الباشا ( محمد علي ) أن غضب علي محو بك ، ونفاه إلي أبي قير وصادر أمواله ( الجبرتي 3/ 245 ).

وفي السنة 1228 فرض محمد علي باشا، علي حسين افندي الروزنامجي ، مصادرة قدرها2500 كيس ، فباع حصصه وأملاكه وادر

ص: 151

مسكنه ، ولم يوف إلا خمسمائة كيس ، فطالب الباشا بالباقي ، فقال : لم يبق عندي شيء، وقد بعت التزامي وأملاكي وبيتي وتداينت من الربويين حتي وفيت خمسمائة كيس ، فحنق منه ، وسبه ، وقبض علي لحيته ، ولطمه علي وجهه ، وجرد السيف ليضربه ، فترجي فيه الكتخدا والحاضرون ، فأمر به فبطحوه ، وأمر القواسة الأتراك بضربه ، فضربوه بالعصي المفضضة التي بأيديهم ، بعد أن ضربه هو بيده عدة عصي ، وشج جبهته ، ثم أقاموه ، وألبسوه فروته ، وحملوه وهو مغشي عليه ، وأركبوه حمارة ، وأحاط به خدمه وأتباعه حتي أوصلوه الي منزله ، وأرسل معه جماعة يلازمونه ، ولا يدعونه يدخل إلي حريمه ولا يصل إليه أحد، ثم حمل إلي القلعة وسجن وأخوه عثمان افندي ( الجبرتي 401/3 ) .

وفي السنة 1228 قبض إبراهيم بك بن محمد علي باشا ، بالصعيد من مصر ، علي قاسم افندي بن أمين الدولة ، كاتب الشهر ، وضربه «علقة قوية » ، وكان قاسم افندي خصيصا به مثل الوزير والصاحب ، والنديم (الجبرتي 392/3 ).

وفي السنة 1231 قبض كتخدا بك بالقاهرة ، علي المعلم غالي رئيس الكتاب وأمر بحبسه ، وحبس معه أخوه فرنسيس وخازنداره المعلم سمعان ، وطولب المعلم غالي بستة الاف كيس ، ثم أحضرهم وضرب فرنسيس ، ثم أمر الكتخدا بضرب المعلم غالي ، فقال : وأنا أضرب أيضا ؟ فقال له الكتخدا : نعم ، وضربوه علي رجليه بالكرابيج ، وكرروا عليه الضرب ، وضرب المعلم سمعان ألف كرباج حتي أشرف علي الهلاك ، ثم أفرج عن فرنسيس وعن سمعان ليتداركا المبالغ المطلوبة من المعلم غالي ، فهلك سمعان ، ورفع الضرب عن المعلم غالي وأخيه كي لا يموتا ( الجبرتي 502/3)

وفي السنة 1231 حصل في الناس لغط وانزعاج ، ونقل أصحاب

ص: 152

الحوانيت بضائعهم منها فحضر كتخدا بك إلي سوق الغورية ، وجلس بالمدفن ، وأمر بضرب شيخ الغورية ، فبطحوه علي الأرض في وسط السوق ، وهو مرشوش بالماء ، وضربه الأتراك بعصيهم ، ثم ركب ومر في طريقه علي خان الحمزاوي ، وطلب البواب ، فلما مثل بين يديه ، أمر بضربه كذلك ، وضرب أيضا شيخ مرجوش ( الجبرتي 5ظ515/3)

ولما توفي علي باشا ، أمير الجزائر ، في السنة 1233 ( 1817 م) تسلل صهره السيد الحاج مصطفي بن الشيخ مالك ، الي الوزير الثالث حسين خوجة الخيل ، وأخبره بموت الباشا، وأخذه إلي دار الملك ، وأجلسه علي السرير ، ووقف علي رأسه بسيفه ، وقال للحاشية ورجال الدولة : إن علي باشا ، قد أوصي بالإمارة لحسين باشا، فبايعوه جميعا، ولما تم أمر حسين باشا ، اعتقل الحاج مصطفي ، وابن أخيه ، وطالبهما بأموال علي باشا ، وبسط عليهما العذاب بالسياط ، حتي أصبحا في آخر رمق ، فأطلقهما ، وأمر بحملهما إلي داريهما ، فماتا في الطريق ( مذكرات الزهار 142).

وفي السنة 1261 أمر المهدي صاحب اليمن ، بضرب الحكيم اليماني محمد بن صالح الصنعاني ، من مجتهدي الزيدية ، فضرب بالجريد ، ونفي إلي كمران ( الاعلام 33/7 ).

وفي السنة 1247 لما عزل داود باشا، وولي بغداد علي باشا اللاز ، انتصب لظلم الناس إثنان : الملا علي الخصي ، ومحمد الليلاني ، وبلغ من قسوتهما أنهما عذبا النساء ، حتي أنهما ضربا زوجة رضوان أغا ، وقد قتل ، بالفلقة ( تاريخ بغداد للعزاوي 13/7 ).

وفي السنة 1267 أخذ ظاهر المحمود شيخ عشيرة زوبع ، وكريدي شيخ الخزاعل، وآخرون رؤساء معهما ، وسفروا إلي اسطنبول ، فأراد ظاهر أن يهرب في الطريق ، وأحس به الموكلون به ، فضربوه ضربة موجعا ( تاريخ العراق للعزاوي 90/7 ) .

ص: 153

وفي السنة 1268 كان الوزير نامق باشا، والي العراق ، في موكبه في السوق ، ذاهبة لصلاة الجمعة ، فصادف وجود صيرفي شامي من تبعة فرنسا في الطريق راكبا ، فلم يترجل للوالي ، فأمر الوالي الجندرمه ، فأنزلوه من حصانه ، وضربوه ضربة موجعة ، بكعوب بنادقهم حتي أسالوا منه الدماء ( تاريخ العراق للعزاوي 99/7 ) .

وفي السنة 1327 اعتقل السلطان عبد الحفيظ ، صاحب المغرب ، الفقيه أبا عبد الله محمد بن عبد الكبير الكتاني ، وحبسه ، لأنه لما بايعه اشترط عليه أن يتقيد بالشوري ، ولما حبسه حبس معه جميع أفراد عائلته حتي النساء والصبيان ، ثم أمر بجلد الفقيه ، فجلد ، وحمل إلي فاس الجديدة ، فمات فيها ( الاعلام 83/7 ) .

وفي السنة 1340 توفي الشيخ علي المقداد ، من خصوم الترك في اليمن ، قبض عليه الأتراك ، وربطوه بعجلة مدفع ، وأهانوه ، وكسروا يده ، فخاصم الترك ثلاثين عاما يقاتل جيوشهم ، ويغزو مراكزهم حتي مات ( الاعلام 175/5 ) .

ص: 154

طرائف عن الضرب

كان نعيمان الصحابي مزاحا ، ومر ذات يوم بمخرمة بن نوفل الزهري ، وهو ضرير ، في المسجد ، فقال مخرمة : خذ بيدي حتي أبول ، فأخذ بيده ، حتي إذا كان في أقصي المسجد، قال له : اجلس ، فجلس يبول ، فصاح به الناس : يا أبا المسور ، إنك في المسجد ، فقال : من قادني ؟ قالوا : نعيمان ، فقال : الله علي ، لأضر بنه بعصاي هذه ، فجاء إليه نعيمان ، وقال له : يا أبا المسور هل لك في نعيمان ؟ قال : نعم ، فأخذ بيده حتي أوقفه علي عثمان بن عفان ، وهو خليفة ، وتنحي عنه ، فرفع مخرمة عصاه وأهوي بها علي عثمان ، فصاح به الناس : ضربت أمير المؤمنين ، فقال : من قادني ؟ قالوا : نعيمان ، فقال : لا جرم ، لا تعرضت له أبدا ( المحاسن والمساويء 223/2 ) .

وجاء رجل إلي الإمام علي ، فقال : إن هذا زعم أنه أحتلم علي أمي ، فقال : أقمه في الشمس ، وأضرب ظله ( البصائر والذخائر 89/1/3)

وجلد صهيب المدني في الشراب ، وكان جسيما ، وكان الجلاد قصيرة قميئا ، فقال له : تقاصر لينالك السوط ، فقال له : ويلك ، إلي أكل الفالوذج تدعوني ؟ وددت أني أطول من عوج ، وأنت أقصر من يأجوج ومأجوج ( البصائر والذخائر598/2/2 ).

ص: 155

كان نعيمان الصحابي مزاحا ، ومر ذات يوم بمخرمة بن نوفل الزهري ، وهو ضرير ، في المسجد ، فقال مخرمة : خذ بيدي حتي أبول ، فأخذ بيده ، حتي إذا كان في أقصي المسجد، قال له : اجلس ، فجلس يبول ، فصاح به الناس : يا أبا المسور ، إنك في المسجد ، فقال : من قادني ؟ قالوا : نعيمان ، فقال : الله علي ، لأضر بنه بعصاي هذه ، فجاء إليه نعيمان ، وقال له : يا أبا المسور هل لك في نعيمان ؟ قال : نعم ، فأخذ بيده حتي أوقفه علي عثمان بن عفان ، وهو خليفة ، وتنحي عنه ، فرفع مخرمة عصاه وأهوي بها علي عثمان ، فصاح به الناس : ضربت أمير المؤمنين ، فقال : من قادني ؟ قالوا : نعيمان ، فقال : لا جرم ، لا تعرضت له أبدا ( المحاسن والمساويء 223/2 ) .

وجاء رجل إلي الإمام علي ، فقال : إن هذا زعم أنه أحتلم علي أمي ، فقال : أقمه في الشمس ، وأضرب ظله ( البصائر والذخائر 89/1/3)

وجلد صهيب المدني في الشراب ، وكان جسيما ، وكان الجلاد قصيرة قميئا ، فقال له : تقاصر لينالك السوط ، فقال له : ويلك ، إلي أكل الفالوذج تدعوني ؟ وددت أني أطول من عوج ، وأنت أقصر من يأجوج ومأجوج ( البصائر والذخائر598/2/2 ).

ص: 156

وأتي عبد الصمد بن علي ، بأناس من الشطار ، فأمر بضربهم وحلق رؤوسهم ولحاهم ، ففعل ذلك بهم ، وكان فيهم رجل سناط ، فقيل له : إن هذا ليست له لحية ، فهل نزيده في الضرب ؟ قال : لا ، ولكن أحلقوا لحية هذا الشرطي مكانه ( المحاسن والمساويء 154/2 ).

ودخل ابن هرمة علي المنصور العباسي ، فامتدحه ، وقال : حاجتي أن تكتب إلي عاملك بالمدينة ، أن لا يحدني متي وجدني سكرانة ، فقال : هذا حد ولا سبيل إلي إبطاله ، قال : مالي حاجة غير ذلك ، فأمر المنصور بأن يكتب إلي عامل المدينة ، من أتاك بابن هرمة وهو سكران ، فاجلده ثمانين ، وآجلد الذي جاء به مائة ، قال : وكان الشرطة يمرون به وهو سكران ، فيقولون : من يشتري ثمانين بمائة ، فيمرون ويتركونه ( تحفة المجالس للسيوطي 81) .

وكان زياد بن عبيد الله الحارثي ، واليا علي المدينة ، وكان فيه بخل وجفاء ، فاهدي إليه كاتب له سلالأ فيها أطعمة ، وقد تنوق فيها ، فوافته وقد تغذي ، فقال : ماهذه ؟ قالوا : غداء بعث به فلان الكاتب ، فغضب ، وقال : يبعث أحدهم الشيء في غير وقته ، يا خيثم ( بريد صاحب شرطته ) ، أدع لي أهل الصفة ، يأكلون هذا ، فبعث خيثم الحرس يدعونهم ، فقال الرسول الذي جاء بالسلال : أصلح الله الأمير ، لو أمرت بهذه السلال أن تفتح ، وتنظر ما فيها ، قال : أكشفوها ، فإذا طعام حسن من دجاج ، وفراخ ، وجداء ، وسمك ، وأخبصة ، وحلواء فقال : ارفعوا هذه السلال ، وجاء أهل الصفة ، فأخبر بهم ، فأمر باحضارهم ، وقال : يا خيثم ، إضرب كل واحد منهم عشرة أسواط ، فقد بلغني أنهم يفسون في مسجد رسول الله ، ويؤذون المصلين ( الاغاني 170/19 ونهاية الأرب 35/3 ) .

وروي الإمام الشافعي ، أنه كان بالمدينة وال ، وكان صالحا ، فقال : ما للناس لا يجتمعون علي بابي ، كما يجتمعون علي أبواب الولاة ، فقالوا :

ص: 157

لأنك لا تضرب أحدا ، ولا تؤذي الناس ، فصاح : علي بالإمام ، فنصب بين العقابين ، وأمر بضربه فضرب ، وأخذ يصيح : أيش ذنبي أعز الله الأمير ، والأمير يقول : جملنا بنفسك ، حتي اجتمع الناس علي بابه . ( معجم الأدباء 392/6)

وقصد رجل ، الخصيب بن عبد الحميد، عامل مصر ، مستميحا ، فلم يعطه شيئا ، فانصرف ، فأخذه أبو الندي اللص ، وكان يقطع الطريق ، فقال : هات ما أعطاك الخصيب ، قال : لم يعطني شيئا، فضربه مائتي مقرعة ، يقرره علي ما ظن أنه ستره عنه ، ثم قدم علي الخصيب بعد ذلك زائرة ، فلم يعطه شيئا ، فقال له : جعلت فداك ، تكتب إلي أبي الندي أنك لم تعطني شيئا لئلا يضربني . ( الملح والنوادر 201).

أقول : أبو الندي ، مولي بلي ، مصري ، خرج يقطع الطريق ، في السنة 191 في عهد ولاية الحسين بن جميل مصر (190 - 192) وكان أتباعه يبلغ عددهم الألف رجل ، وكان يقطع طريق الشام ، فوجه الرشيد يحيي بن معاذ في طلبه وعقد له علي الشام ، فأسره يحيي ، وقدم به الرقة علي الرشيد في السنة 192 ، فقتله الرشيد ( الطبري 323/8 و 339 والولاة للكندي 144,143).

قال أبو الحسن الهمداني : كان والدي إذا أراد أن يؤدبني ، بأخذ العصا بيده ، ويقول : نويت أن أضرب ابني تأديبا كما أمر الله ، وإلي أن ينوي ويتم النية ، كنت أهرب . ( المنتظم 100/9 ).

وكان صاحب ربع يتشيع ، فارتفع اليه خصمان اسم أحدهما علي ، واسم الآخر معاوية فأنحي علي معاوية ، فضربه مائة سوط من دون أن تتجه عليه حجة ، ففطن من أين أتي ، وقال : أصلحك الله ، سل خصمي عن كنيته ، فإذا هو أبو عبد الرحمن ، وهي كنية معاوية بن أبي سفيان ، فضربه

ص: 158

فقال لصاحبه ، ما أخذته مني بالإسم ، استرجعته منك بالكنية ( شرح نهج البلاغة 371/19 ) .

واختصم اثنان إلي أحد الولاة ، فلم يحسن أن يقضي بينهما، فضربهما معا ، وقال : الحمد لله ، إذ لم يفتني الظالم منها . ( أخبار الحمقي 93)

وعرض أبو خندف دوابه، فأصاب فيها واحدة عجفاء مهزولة ، فقال : هاتوا الطباخ ، فبطحه ، وضربه خمسين مقرعة ، ثم سأله : ما لهذه الدابة علي هذه الحال ؟ فقال له : يا سيدي ، أنا طباخ ، ماعلمي بأمر الدواب ؟ قال : بالله ، أنت طباخ ، فلم لم تقل لي ، إذهب الآن ، فإذا كان غدا ، إضرب السائس ستين مقرعة ، يفضل لك عشرون فطب نفسا ( اخبار الحمقي 97)

ومن طريف ما يذكر أن أبا العباس الحويزي ، رتب ناظرة في بعض الأعمال ، فظلم الناس ، وتعدي ، وكان كثير التهجد والصلاة ، وربما أتاه الأعوان ، فقالوا : لقد ضربنا فلان ضربأ عظيما ، ولم يؤد شيئا ، فيبكي ، ويقول : قطعتم علي وردي ، يا سبحان الله ، واصلوا عليه الضرب ، ثم يعود إلي ورده . ( الوافي بالوفيات 120/8 ).

و أقول : أبو العباس هذا ، أحمد بن محمد الحويزي ، عامل نهر ملك ، وثب عليه في السنة 550 ثلاثة نفر ، فقتلوه ، وكان ظالما ، يضرب الناس ، ويعلقهم ، وكان مع ظلمه كثير التلاوة للقرآن ، مع الظلم الخارج عن الحد ، فلما قتل ، جيء به إلي بغداد ، ودفن ، وحفظ قبره حتي لا تنبشه العوام ، فظهر بعده من سبه ولعنه أمر عظيم ( المنتظم 161/10 و162).

ص: 159

الفصل الثاني : الصفع

الصفع : ضرب القفا بالكف مبسوطة . والعامة البغداديون يسمونها : كفخة ، فصيحة ، وفي لبنان تسمي الصفعة : كفا .

والأصل في الصفع ، أن يكون للتأديب ، كأن يصفع القاضي من يخل بالاحترام الواجب نحو مجلس الحكم ( القصص 10/2 و 178/6 من كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ) ، وقد يرد لإجبار المكلف علي أداء الضريبة المتحققة عليه ( راجع القصة 4 30 من كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ) وقد يرد لإلزام العمال المصروفين بسداد ما بذمتهم من الأموال الأميرية ( راجع القصة 21/8 من كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ) ، وقد يرد لإجبار من صودر علي أداء المبلغ الذي صودر عليه ( القصص 35/1 و 3/ 122 من كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي )،وقد يرد من أجل استخراج الودائع ( تجارب الأمم 65/1 ) أو لتقرير مبلغ المصادرة ( تجارب الأمم 65/1) أو للإهانة والإيذاء ( تجارب الأمم 103/1 والمستظرف من أخبار الجواري للسيوطي ص 29 والقصة 250 من كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ) .

وقد يرد عقابا للمدعي الذي عجز عن القيام بما ادعي ( مروج الذهب 510/2 و511 ) وقد يرد كذلك لإجبار المصفوع علي ترك عناده ( القصة 291 من كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ) ، وقد يصفع

ص: 160

المتشدق المتقعر في كلامه ( الامتاع والمؤانسة 52/2 ) ، وكان الصفع أول ما يعاقب به العامل عند صرفه ومحاسبته ( نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 68/1و 21/8 ) كما كان متعارفة أنه إذا عزل الوزير ، اعتقل هو وأصحابه ، وضربوا ، وصفعوا ، وطالبوا بالأموال ( نشوار المحاضرة للتنوخي رقم القصة 35/1 و 133/1 ) ، ومما يبعث علي العجب ، أن المصانعة ، كانت في بعض الأوقات تتخذ سبأ من أسباب المداعبة بين الأخوان والخلان ، فقد ذكر التنوخي في القصة 304 من كتاب الفرج بعد الشدة ، إن جماعة من قواد المعتضد ، وأمرائه ، كانوا مشتهرين المصانعة ، مكاشفين بها ، وذكر أبو حيان التوحيدي ، في البصائر والذخائر 307/1 إنه سمع القاضي ابن سيار يقول : الصفع علي الريق ، أصلح من شربة سويق ، وسئل القاضي أبو بكر بن قريعة ، عن حد القفا، فقال لسائله : هو ما اشتمل عليه جربانك ، وشرطك فيه حجامك ، وداعبك فيه أخوانك ، وباسطك فيه غلمانك ، وأدبك فيه سلطانك (اليتيمة 238/2 وتاريخ بغداد للخطيب 320/2 ) ، ودخل أبو العيناء علي ابن منارة الكاتب ، وعنده أبو عبيد الله بن المرزبان ، فقال لابن منارة ، أحب أن أعبث بأبي العيناء ، فقال له : لا تفعل ، فأبي ، فلما جلس أبو العيناء ، قال له : يا أبا عبد الله ، لم لبست جباعة ؟ قال : وما الجباعة ؟ قال : التي بين الجبة والدراعة ، فقال له أبو العيناء : لأنك صفديم ، قال : وما الصفديم ؟ قال : الذي ما بين الصفعان والنديم ، فوجم ابن المرزبان ( الملح والنوادر للحصري 183 ، والبصائر والذخائر م 3 ق 1 ص 326) .

وروي التنوخي ، في القصة 98/2 من نشوار المحاضرة ، إنه كان بباب الطاق ، حذاء ماجن ، يسمي النعال بأسماء من جنس الصفعة ، علي سبيل الهزل ، فيقول : هذه صلعكية ، وهذه راسكية ، وهذه قفوية ،.

وجاء في القصة 119/8 من كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، إن

ص: 161

راوي القصة ، ذكر إنه تطايب للقائد التركي ، وتصفع له ، وإن القائد دعا جماعة من أصحابه القواد ، فخرج عليهم في زي الصفاعنة ، وهي قصة بالغة الطرافة، راجعها في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ( ج 8 ص 273 و 274 ).

وقد أدرجنا في هذا البحث ، ما ورد في كتاب الهفوات النادرة ، القصة رقم 219 ص 231 ، قصة أمير البصرة إسحاق بن العباس بن محمد ، لما قمر عشر صفعات ، فأحالها علي صاحب شرطته الذي طلب أن يكون صفع المداعبة والاخوان ، لا صفع العقوبة والسلطان .

ويتضح مما تقدم أن المصانعة ، في بعض الأوقات ، كان لها سوق رائجة ، وأن الصفع كان يقع علي سبيل المباسطة، ( معجم دوزي للألبسة ص 271 ، والقصة 166/1 من كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ) .

ولما استوزر علي بن عيسي للمقتدر ، في السنة 314، كان من جملة ما صنعه أن أسقط أرزاق الصفاعنة ( ابن الأثير 165/8).

وذكر التوحيدي ، في كتاب البصائر والذخائر 168/4 يقال : اذا رأيت رجلا خرج من عند الوالي ، وهو يقول : بيد الله فوق أيديهم ، فاعلم أنه قد صفع .

وكان صاحب القيروان ، زيادة الله بن عبد الله بن ابراهيم ، المعروف بابن الأغلب ، يكثر من شرب الخمر والمجون والفساد ، واتخذندامي يتصافعون أمامه ( فوات الوفيات 34/2 ).

واثبت ابن النديم في الفهرست ( ص 157 ) بحثا يتعلق بالفن الثالث من المقالة الثالثة ، اشتمل علي ما صنف من الكتب في أخبار الندماء والجلساء والادباء والمغنين والصفادمة والصفاعنة ، وكلمة الصفادمة ، استعملها أبو العيناء فيمن كان بين الصفعان والنديم ، فسماه صفديما، وقد أثبتنا قصة أبي

ص: 162

العيناء في موضعها، كما ذكر ابن النديم في الفهرست ( ص 170 ) ان الكتنجي ألف كتابا في الصفاعنة .

وذكر دوزي في معجم الألبسة العربية ( ص 271) انه اذا كان النوروز في مصر ، اجتمع العامة وتراشوا بالماء والخمر ، وتراشقوا بالبيض ، وتصافعوا بالخفاف ، قال الشاعر :

بداري رجال للجنون ترجلت**** عمائهم عن هامهم والطيالس

مساحب من جر الزقاق علي القفا**** وصفع بأنطاع جني ويابس

ونقل عن تاريخ مصر لابن اياس : إن السلطان برقوق رسم في السنة 787 بإبطال ما كان يعمل يوم النوروز بالديار المصرية ، وهو أول اليوم من السنة القبطية ، حيث كان العامة يجتمعون ، ويركبون شخصا منهم علي حمار ، وهو عريان ، وعلي رأسه طرطور خوص ، ويسمونه : أمير النوروز ، ويدورون علي بيوت الناس من الأكابر والأعيان ويطالبونهم بالأموال ، وكل من امتنع « بهدلوه ، وسبوه ، وكانوا يقفون بالطرقات ، ويتراشون بالماء والخمر ، ويتراشقون بالبيض ويتصافعون ( معجم دوزي 271 و 272 ).

وكان من جملة ما يمتحن به المتهم باتباع إعتقاډ حادث ، أن يؤمر بأن يصفع من اتهم باعتقاد عصمته ، فإن فعل نجا، وإن نكص ثبتت عليه التهمة ، وعلي هذا المثال جري التحقيق في قضية أبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف ، بابن أبي العزاقر ، الذي قتل في السنة 322 فإنه اتهم بأنه قد أحدث مذهبا في التناسخ ، وادعي حلول روح الإله فيه ، وأحضر ، وأحضر معه بعض من اتهم بأنه من أتباعه ، وأمروا بصفعه ، فصفعه بعضهم ، فأطلق ، ومد أحدهم يده إليه ، فارتعد، ثم أهوي علي الشلمغاني ، فقبل الحيته ، ورأسه ، وكانت عاقبة ذلك ، أن صلبا معا ، ثم أحرقا بالنار . ( اين الأثير 290/8 و291).

ص: 163

كما كانت كلمة «واحدة» ، من دون إيضاح ، تدل علي الصفعة ، وذكر الخالدي إنه مدح سيف الدولة الحمداني بقصيدة ، كان فيها هذا البيت :

وأنكرت شيبة في الرأس ****واحدة فعاد يسخطها ما كان يرضيها

فأنكر أحد السامعين كلمة : واحدة ، حتي مع تعيين الموصوف ، وقال ينبغي أن يقول : بدل واحدة ، طالعة ، أو لائحة . ( الأذكياء 142).

وقال أبو بكر بن زهر ، عن ابن جهور : إن أعطي ، بلغة المشرق ، بمعني صفع وضرب ، وقد حدثت أنا عنهم ، أن الرجل اذا كلم الأخر بما لا يرضيه ، ثم انصرف عنه ، صاح الأخر في أثره ، أعطه ، بمعني إصفعه ( شرح المقامات الحريرية للشريشي 302/2 ).

أقول : الكلمة الآن عند البغداديين ، التي تؤدي معني الصفع ، في مثل هذا الموقف قوله : سوگه ، أي سقه .

وقال الأعمش : إذا رأيتم الشيخ لا يحسن شيئا فاصنعوه ( البصائروالذخائر م 2 ق 2 ص 443) .

وكان فرهاد باشا، الملقب ( صولي فرهاد ، أي الأعسر ، الذي ولي اليمن للعثمانيين في السنة 954 رجلا فاض ، أديبا ، يحسن إيراد النكتة ، ومما يؤثر عنه . إن أحد الظرفاء أنشد في مجلسه قول الشاعر :

وقالوا : المشيب وقار الفتي ****فقلت : أصفعوني وردواشبابي

فضحك فرهاد باشا ، وقال له : أما الأولي فنقدر عليها الأن ( يعني الصفع)، وأما الثانية فلا يقدر عليها الا الله تعالي ( البرق اليماني 102 و103).

وكان الأطباء البغداديون ، يستعملون الصفع ، لعلاج اللقوة ، بأن يصفع المصاب باللقوة ، صفعة شديدة ، علي غفلة ، من ضد الجانب

ص: 164

الملقي ، ليدخل قلب المصفوع ما يحميه ، فيحول وجهه ضرورة بالطبع إلي حيث صفع ، فترجع لقوته ( كتاب الأذكياء لابن الجوزي 176).

أقول : اللقوة ، تسمي الأن ببغداد : الشرجي ، يراد به الهواء الشرقي ، والمصاب باللقوة ، يقولون عنه : ضربه الشرجي ، وقد أدركت بعض العامة ببغداد ، وهم يعالجون من يصاب باللقوة ، بأن يبصق علي النعل ، ثم يصفع به وجه المصاب باللقوة ، وأحسب أن المقصود بذلك تحريك حرارة المصفوع وحدته ، لتعود عنه اللقوة ، علي غرار علاج من سبقهم من أطباء القرون الوسطي البغداديين .

وسبب تسمية البغداديين ، من أصيب باللقوة ، أنه : ضربه الشرجي ، لأنهم يحسبون أن اللقوة ، أي الاسترخاء ، في أحد شقي الوجه ، يحصل من الهواء الشرقي ، لأن الهواء الشرقي في العراق ، حار ، خانق ، مصدر لأنواع الأذي ، وما تزال إحدي الشتائم في العراق شائعة ، وهي قولهم : سليمه گرفته ، أو سليمه أخذته ، وكلمة : سليمه محرفة عن السلامي ، وهي ريح الجنوب ، أي الريح الشرقية ، قلبوا الألف ياء ، بالإمالة المعروفة عند البغداديين ( راجع كتابنا موسوعة الكنايات العامية البغدادية ج 2 ص 171 ).

والهواء الشرقي ( الجنوبي ) في البصرة والخليج أشد إزعاجا وأذي منه في بغداد ، وقد ذكر صاحب احسن التقاسيم ص (125) وصاحب معجم البلدان 647/1 أبياتا في هذا الموضوع ، لأحد الشعراء ، قال :

نحن في البصرة في لو****ن من العيش طريف

فإذا هبت شمال**** بين جنات وريف

وإذا هبت جنوب**** فكأنا في كنيف

وقدم أبو إسحاق الصابي البصرة ، وأقام بها أياما ، فضاق بالعيش فيها ذرعا ، وكتب إلي أصحابه ببغداد يقول : ( معجم البلدان 648/1 ).

ص: 165

لهف نفسي علي المقام ببغدا**** د وشربي من ماء كوز بثلج

نحن بالبصرة الذميمة نسقي**** شر سقيا من مائها الأترجي

أصفر منكر ثقيل غليظ**** خائر مثل حقنة القولنج

كيف نرضي بشر به وبخير**** منه في كنف أرضنا نستنجي

وكتب ابن الجباب إلي الرشيد بن الزبير ، يطلب منه أن يرعي خاله ابن الخلال في نكبة أصابته : ( وفيات الأعيان 223/7 ).

تسمع مقالي يا ابن الزبير**** فأنت خليق بأن تسمعه

بلينا بذي نسب شابك**** قليل الجدي في زمان الدعه

إذا ناله الخير لم نرجه ****وإن يصفعوه صفعنا معه

وشتم أعرابي ، عاملا علي بلد ، فقال له : صب الله عليك الصادرات ، يريد الصرف ، والصفع ، والصلب ، ( الأذكياء 93) .

وكان إبراهيم بن أبي بكر الجزري ، المعروف بالفاشوشة ، تاجرا بسوق الكتب بدمشق ، له فيها دكان كبير ، جاء إليه إنسان في أحد الأيام ، وقال له : هل عندك كتاب فضائل يزيد ؟ فقال له : نعم ، ودخل إلي الدكان ، وخرج وفي يده جراب عتيق ، وجعل يصفعه به علي رأسه ( الوافي بالوفيات 339/5)

أقول : قال صالح بن الإمام أحمد بن حنبل : قلت لأبي ، إن قوما يقولون إنهم يحبون يزيد ، فقال : يا بني ، وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟

ولد يزيد بالشام ، ونشأ بها في ظل والده الذي حكم الشام حكمة مستمرأ دام ما يزيد علي أربعين سنة ، فنشأ نشأة الأمراء الأرستقراطيين ، يشرب الخمر ، ويسمع الغناء ، ويمارس الصيد ، ويتخذ القيان ، ويتفكه بما يلهو به المترفون من اللعب بالقرود ، والمعافرة بالكلاب والديكة ( الاغاني

ص: 166

300/17 و 301 والبصائر والذخائر 266/4 وأنساب الأشراف ج 4 ق 2 ص 1 و 3) حتي وصفه أبو حمزة الخارجي ، بأنه : يزيد الخمور ، ويزيد الصقور ، ويزيد الفهود ، ويزيد الصيود ، ويزيد القرود ( السيادة العربية 143)، وكان تصرفه وهو ولي عهد ، يستره لين أبيه مع الناس ، فلما مات ، انكشفت أعماله للناس ، فلم يحتملها أحد منهم ، لقرب عهدهم بأيام الخلفاء الراشدين (11- 40) ، فاضطروا إلي قتاله ، وكانت أيام حكمه ( 64-62 ) ثلاث سنوات لم تخل واحدة منها من عظيمة من العظائم ، ففي السنة الأولي قتل الحسين عليه السلام وأهل بيت رسول الله صلوات الله عليه ، فضحي بالدين يوم الطف ( الاغاني 22/9 ) وفي السنة استباح مدينة رسول الله صلوات الله عليه ، وانتهك حرمات أهلها ، ذبحا ، ونهبا ، وانتهاك حرمات ( اليعقوبي 253/2 ) فشفي بذلك غيظه من الأنصار الذين قاموا بنصرة الدين ، وعاونوا في انتصار المسلمين في موقعة بدر حيث قتل في مبارزة واحدة ، أبو جدته هند ، وعمها ، وأخوها ( الاغاني 189/4 ) ذلك الغيظ الذي لم يطق كتمانه وهو أمير ، فطلب من كعب بن جعيل أن يهجو الأنصار ، فأبي ، وأشار عليه بالأخطل ( العقد الفريد 321/5 ) فهجاهم ، ووصفهم باللؤم ، وعيرهم بأنهم يهود ، فلما ذبح أهل المدينة ، كان جند يزيد يقاتلونهم ، ويقولون لهم : يا يهود ( أنساب الأشراف 37/2/4 )، وعلي أثر مذبحة المدينة ، عرضت علي يزيد جريدة بأسماء القتلي ، فتمثل بقول ابن الزبعري : ( رسائل الجاحظ 19 - 20).

ليت أشياخي ببدر شهدوا ****جزع الخزرج من وقع الأسل

الاستطالوا وأستهلوا فرحا ****ثم قالوا : يا يزيد لا تشل

قد قتلنا الغر من ساداتهم**** وعدلناه ببدر فانعدل

وفي السنة الثالثة ، استباح الكعبة ، حرم الله سبحانه وتعالي ، وسفك فيها الدماء، وأحرقها ( اليعقوبي 253/2 وأنساب الأشراف ج 4 ق 2)

ص: 167

ص 1 والفخري 123) وقضي في سنة حكمه الثالثة ، فختم بهلاكه صحيفة سوداء ملوثة ، حتي أن رجلا ذكره في مجلس الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، فقال : أمير المؤمنين يزيد ، فقال له عمر : تقول أمير المؤمنين ، وأمر به فضرب عشرين سوطأ ( تاريخ الخلفاء 209).

وصفع عبد الملك بن مروان ، وجه أم البنين ، ابنة أخيه عبد العزيز، وزوجة ولده الوليد .

وسبب ذلك : إن أم البنين ، دخلت علي عمها عبد الملك ، فقال لها : هل من حاجة ؟ قالت : نعم . فقال : قد قضيت كل حاجة لك ، إلا ابن قيس الرقيات ( وهو شاعر كان يمدح المصعب بن الزبير خصم عبد الملك ) ، فقالت له : لا تستثنين علي ، فنفح عبد الملك بيده ، فأصاب حر وجهها ، فوضعت يدها علي خدها ، فقال لها : ارفعي يدك ، فقد قضيت كل حاجة لك ، وإن كانت ابن قيس الرقيات ، فقالت : حاجتي أن تؤمنه ، قال : هو آمن ، راجع تفصيل القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي (ج 4 ص 281 - 286 رقم القصة 462) . ومن الكنايات البغدادية القديمة عن المصافعة ، قولهم : نخلوه ، أي صفعوه ، أحسب أنهم استعاروا ذلك من الشيء اذا وضع في المنخل ونخل ، قلبوه وحركوه ، قال الصفدي :

ورب صديق غاظه حين جاءه**** من القوم صفع دائم الهطل بالنعل

فقلت له : تأبي المروءة أننا ****نخليك يا بستان فينا بلا نخل

أقول : في البيت الأخير تورية مع الكناية ، فإن ذكر النخل مع البستان يعني النخل الذي هو الشجر ، ويعني أيضا النخل الذي هو مصدر نخل ينخل ، والمراد به الصفع ، وقال ابن الحجاج : ( شفاء الغليل 101).

ص: 168

مرني بصفع الأعدا إذا اضطربوا**** من حسد اليوم بالزرابيل

الزربول : ما يلبس بالرجل ، عامية ، وقد يسميها العامة البغداديون : الزربون .

وقال : سليمان بن نوبخت ، يهجو ابا نؤاس : ( أخبار أبي نؤاس لابن منظور 200).

ولما تطرق أعراضنا ****ولم يك في عرضه منتقم

كتبت الهجاء علي أخدعيه**** بمزدوج من أكف الخدم

وقال أبو الرقعمق في المصانعة : ( اليتيمة 340/1 ).

إن الذين تصافعوا ****بالقرع في زمن القشور

الو كنت ثم ، تقول : هل**** من أخذ بيد الضرير

ولقد دخلت علي الصدي ****ق البيت في اليوم المطير

متشمرأ متبخترة**** للصفع بالدلو الكبير

فأدرت حين تبادروا**** دلوي فكان عمي المدير

با للرجال تصافعوا ****فالصفع مفتاح السرور

لا تغفلوه فإنه ****يستل أحقاد الصدور

هو في المجالس كالبخو**** رفلاتملوا من بخور

وقال :

وكنا من الظرف لو أننا ****أقمنانصافع شهرة ولا

نعيب الوفاء ولهفي علي ****أخادع من لا يعيب الوفا

وقد كنت تبث ولكنني**** إذا الصفع دار أتاني الجشا

فلا تترك الصفع جهلا به**** فما أطيب الصفع لولا العمي

ص: 169

وقال أيضا : ( اليتيمة 334/1 ) .

ذهب الناس فما أحد ****يشتهي أن تنفخ القرب

ولكم بتنا علي طرب ****ورؤوس القوم تستلب

وكؤوس الصفع دائرة ****ملؤها اللذات والطرب

وكأن الصفع بينهم ****شعل النيران تلتهب

سوف يدرون آيما رجل**** ضيعوا مني اذا طربوا

بسيوف شراكها أدم**** مرهفات للعمي سبب

وقال حسنون المجنون بالكوفة : لذات الدنيا ، الأمن ، والعافية ، وصفع الصلع الزرق ، وحك الجرب ( الامتاع والمؤانسة 50/2 ) .

وقال بشربن هارون : ( الامتاع والمؤانسة 56/2 ).

إن أبا موسي له لحية ****تدخل في الجحر بلا إذن

وصورة في العين مثل القذي ****ونغمة كالوقرفي الأذن

كم صفعة صاحت إلي صانع ****بالنعل من أخدعه خذني

وقال اللحام الحراني الشاعر : ( اليتيمة 113/4 ).

عبدان هامته للصفع معتادة**** لا سيما من أكف السادة القادة

كأن أيدي الندامي في تناولها ****أيدي صيام إلي كيزان براده

وقال ابن عنين ، يهجو الرشيد النابلسي الشاعر : ( ديوان ابن عنين 185 ) .

تعجب قوم لصفع الرشيد ****وذلك ما زال من دابه

رحمت آنكسار قلوب النعال ****وقد دنسوها بأثوابه

فوالله ما صنعوه**** بها ولكنهم صنعوها به

ولابن الحجاج شعر كثير في المصانعة ، أورد صاحب اليتيمة ، قسما منه ، راجع كتاب اليتيمة ( 86/3 - 88 ) .

ص: 170

وقال الأحنف العكبري : ( اليتيمة 124/3 ).

لقد بت بماخور ****علي دف وطنبور

وصوت الطبل كردم طع ****وصوت الناي طلير

فصرنا من حمي البيت**** كانا وسط تتور

وصرنا من أذي الصفع**** كمثل العمي والعور

وما أحسن إشارة ابن الحلاوي الموصلي (ت 656) إلي المصانعة ، في قوله من قصيدة : ( الوافي بالوفيات 108/8 ).

فطب طرطب فوق رأسي**** وطاق طرطاق ، في قذالي

ومن قصيدة للشاعر الاندلسي أبي عبد الله بن الأزرق : ( نفح الطيب 229/3)

أفدي صديقأ كان لي**** بنفسه يسعدني

فربما أصفعه ****وربما يصفعني

طقطق طق طقطق طق**** أصخ بسمع الأذن

وقال الحمدوني : ( العقد الفريد 76/6 ).

بينما نحن سالمون جميعا ****إذ أتانا ابن سالم مختالا

فتغني صوتا فكان خطاء**** ثم ثني صوتا فكان محالا

سالنا خلعة علي ما تغني**** فخلعنا علي قفاه النعالا

وكتب أبو الحسن الجزار إلي السراج الوراق من قصيدة : ( فوات الوفيات 283/4 ).

إستعمل العفص بعد الدبغ مقلوبا ****لتغتدي طالبة طورا ومطلوبا

وأسكر من الراح وأفهم ما أشرت له**** فليس يحتاج لا كأسا ولا كوبا

والق الأيادي وأقبل من هديتها ****ما كان من قوص أو إخميم مجلوبا

ص: 171

فاستوف غير ضجور بالامارة ما**** علي جبينك ما قد كان مكتوبا

أقول : يريد بالعفص مقلوبة : الصفع ، وقوله: إسكر من الراح ، أي من ضرب الراحات أي الأكف ، والذي يجلب من قوص وإخميم هي النعال ، وكانت الكناية عن الصفعة بكلمة ، مكتوبة ، راجع القصة 304 من كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي تحقيق مؤلف هذا الكتاب .

وقال أبو روح الهروي : ( اليتيمة 348/4 ) .

حقيق بك أن تطعم ****عفصأ وهو معكوس

وأن يلبس جنباك ****الذي مقلوبه طوس

فهذا لك مطعوم**** وهذا لك ملبوس

اقول : مقلوب العفص : الصفع ، ومقلوب طوس : السوط .

وقال الشريف بن الهبارية الشاعر (ت 509 ) : ( فوات الوفيات 131/1)

رأيت في النوم عرسي وهي ممسكة**** أذني وفي كفها شيء من الأدم

موج الراس مسو به نقط**** لكن أسفله في هيأة القدم

ولم يزل بيديها وهي تنطلني**** به وتلتذ بالإيقاع والنغم

حتي تنبهت محمر القذال ولو ****طال المنام علي الشيخ الأديب عمي

والأصل في الصفع ، أن يحصل باليد مبسوطة علي القفا ، كما أسلفنا ، ولكنه قد يحصل بأشياء أخري ، وستجد في الفقرات التي اشتمل عليها هذا البحث أن الصفع حصل في بعض القصص بالنعل أو الخف أو اللالكة ، أو بالقباقيب أو الزرابيل (نوع من أحذية النساء ) ، أو بالشمشك ( نوع من الأحذية ) ، أو بالجراب الخالي ، أو بالجراب المحشو بالحصا ، أو بالقربة ، أو بالكرش ، وقد صفع شيخ أهوازي ، بدجاجة مشوية ، وصفع

ص: 172

الشاعر محمد بن وهيب ، علي حد قوله « بالنعال المخصوفة، والخشب الدقاق ، والأيدي الثقال ،، وصفع أبو الهيثم في دار عضد الدولة بعمامته ، ضرب بها رأسه حتي تقطعت ، أما المصافة بالمخاد والوسائد والمنادر ، فأحسب أنها ما زالت موجودة في بغداد ، ويسمونها الأن «ضرب مخاديد ،، وهي قديمة العهد فيها ، وقد روي الحصري في ملحه ( ص 256 ) قال : حضر علي بن بسام، مع جحظة البرمكي، دعوة ، فتفرق الجماعة المخاد ، وبقي جحظة بلا مخدة ، فقال : ما لكم لم تدفعوا إلي مخدة ؟ فقال له ابن بسام : عن قليل تصير إليك كلها ، يريد إنه سوف يصفع بها جميعا ، فتجتمع عنده .

والمصانعة بالمنادر ، كانت في أيام صبانا ، متعارفة في بغداد ، والمنادر مفردها « مندر » وهو وسادة قليلة الحشو ، مربعة ، يضعها الجالس لحته ، أحسب أن أصلها و مندل ، من الندل ، وهو نقل الشيء من موضع إلي آخر، لأن هذه الوسادة لخقتها ، يتمكن صاحبها من نقلها معه أينما ذهب ، وكان التلامذة في المدارس يتخذون لأنفسهم و منادر » يقعدون عليها ، ويترامون بها إذا أمنوا أن يطلع عليهم أجد ، وكنا في المدرسة الثانوية ، نمازح بالمنادر ، أحد زملائنا رحمه الله ، لأنه كان يتوافر ويتعالي علينا ، فكنا نشفي منه غيظنا بذلك ، وكان الجبوري رحمه الله أحد أصحابنا في كلية الحقوق ، مولعة بالتحدث بالفصحي ، وكان يختار حوشي الألفاظ في كلامه ، فكان أصحابه وزملاؤه في الصف يرمونه بالمنادر ، كلما تشدق وتقعر في كلامه ، وكان من زملائه في الصف صديقنا الأستاذ عبد الرزاق الظاهر ، فنصحه أن يكف عن التشدق بالفصحي ، ليرتاح مما يلاقي من التلامذة ، فالتفت إليه ، وقال له بالفصحي : وما العمل ، وقد أصبحت سليقة ، فاغتاظ منه عبد الرزاق وقال له : إذن ، داوم علي تلقي المنادر .

وكان العامة ببغداد منذ أكثر من ألف سنة ، ينصافون بورق السلق

ص: 173

والقرع، ولكنهم من بعد أن اكتشفوا الرقي المق ، أصبحوا يتصافعون به ، وقد أدركت بعض صبيان البقالين يتصافعون في موسم الرقي ، بالرقي المق ،

والرقي ، هو البطيخ الأحمر ، يسمي ببغداد ، بالرقي ، نسبة إلي الرقة ، وهي كل لسان رملي يغمره الماء ثم ينحسر عنه ، فينتج أجود أنواع البطيخ ، والمق من الرقي ، ما كان لبه رخوة ، فصيحة، وتكون الرقية المقة ، مملوءة بعصير حلو أحمر .

وبشأن المصانعة بأوراق السلق ، جاء في المنتظم 277/6 و 278 إن نفطويه تقدم إلي بقال ، وسأله : كيف الطريق إلي درب الرء اسين ؟ فالتفت البقلي إلي جاره ، وقال : يا فلان ألا تري إلي هذا الغلام ، فعل الله به وصنع ، فقد احتبس علي ، فقال : وما الذي تريد منه ؟ قال : لم يبادر فيجيئني بالسلق ، فبأي شيء أصفع هذا الماص بظر أمه - وأشار إلي نفطويه - لا يكني ، فتركه ، وانصرف .

أقول : اعتبر البقال البغدادي ، نفطويه ، متقرأ ، متشدقأ ، لأنه خالف البغداديين في التلفظ بالهمزة في قوله : الرء اسين ، لأن البغداديين يلفظونها : الرواسين ، وهم اذا وردت الهمزة في آخر الكلمة حذفوها ، وإذا وردت في أول الكلمة أو في وسطها أبدلوها بالواو أو الياء ، والمثل علي حذفها في آخر الكلمة ، أن البغداديين ، لا يقولون سماء ، قباء ، عباء ، هواء ، دواء ، وإنما يقولون : سما ، قبا ، عبا ، هوا ، دوا ، واذا كانت الهمزة في أول الكلمة : مثل أرخ ، أكد، أدب ، أشر ، أبدلوها فقالوا : ورخ ، وكد، يدب ، يسر ، وإذا كانت الهمزة في وسط الكلمة مثل بئر ، لفظوها : بير ، وفي فأر ، ثأر ، لفظوها ، فار ، ثار ، وفي حاثم ، قائم ، صائم ، نائم ، دائم ، لفظوها ، حايم ، قايم ، صايم ، نايم ، دايم ، وفي جنائن ، مدائن ، مكائن ، لفظوها : جناين ، مداين ، مكاين .

ص: 174

والتبرم من المتشدقين ، لا تختص به بغداد دون غيرها من المدن ، ولا يختص به زمان من الأزمنة ، وكتب الأدب تزخر بالعديد من النوادر المتعلقة بهذا الموضوع، وقد أدرجت قسم منها في هذا البحث ، والبغداديون الآن يكنون عن المتشدق ، بقولهم : يتنحور ، مسخوا بها كلمة : يتنحي من النحو ، والعامة النجفيون ، ويسمونهم في النجف : العمايدية ، إذا تشتق أحد طلبة العلم في كلامه ، قالوا له : إعلان الخرا بالمدرسة ، وذكر ابن الجوزي في أخبار الحمقي ص 162 نوادر للمتشدقين فيها ذكر للصفع ، فذكر أن نحوية وقف علي صاحب بطيخ ، فقال له : بكم تلك وذانك الفاردة ؟ فنظر البقال يمينا وشمالا ، ثم قال : أعذرني ، فما عندي شيء يصلح للصفع ، وإن نحوية وقف علي قصاب ، وقد أخرج بطنين سمينين ، فقال له : بكم البطنان ؟ فقال : بمصفعان يا مضرطان ، وقال نحوي آخر لبقال : عندك بسر فرسا ؟ فقال له : عندي قرعة ، يعني أن جوابه الصفع ، لأن القرع كان مما يتصافع به في ذلك الزمن .

: ومن أعجب ألوان الصفع ، الصفع بدجاجة مشوية ، وقد روي الجاحظ في كتابه البخلاء ( ص 148)، إن رمضان البصري ، كان مع شيخ أهوازي ، في جعفرية (نوع من السفن ) ، وكان رمضان في ذنبها، والأهوازي في صدرها ، فلما جاء وقت الغداء ، أخرج الأهوازي من سلة له دجاجة ، وفرخا واحدا مبردا ، وأقبل يأكل ويتحدث ، ولا يعرض عليه الطعام ، وليس في السفينة غيرهما ، فأخذ رمضان ينظر إلي طعام الأهوازي ، فقال له : يا هناه ، لا تنظر إلي طعامي ، فإني أخاف أن تكون عينك مالحة ، فتصيبني بالعين ، وتؤذيني ، فغضب رمضان ، ووثب عليه ، وقبض علي الحية الأهوازي بيده اليسري ، وتناول الدجاجة بيمناه ، وما زال يضرب بها رأس الأهوازي ، حتي تقطعت ، ثم عاد إلي مكانه ، فمسح الأهوازي وجهه ولحيته ، ثم أقبل علي رمضان ، وقال له : قد أخبرتك إن عينك مالحة ،

ص: 175

وإنك ستصيبني بعين ، فقال له رمضان : وما علاقة هذا بالعين ؟ فقال له الأهوازي : إن العين مكروه يحدث . وها قد أنزلت بنا عينك أعظم المكروه .

وأول ما بلغنا من أخبار الصفع في العهد الأموي ، كان في عهد هشام بن عبد الملك ، فقد جيء إلي هشام بن عبد الملك ، برجل عنده قيان وخمر وبربط ، فقال هشام : اكسروا الطنبور علي رأسه ، فبكي الشيخ لما ضربوه ، فقالوا : عليك بالصبر ، فقال : أترونني أبكي للضرب ؟ إنما أبكي لاحتقاره البربط ، إذ سماه طنبورة . ( الطبري 203/7 و 204 والعقد الفريد 262/5 ) .

وسمع المنصور العباسي ، وهو في قصره ، صوت طنبور ، فنظر ، فإذا أحد خدمه يلعب بالطنبور ، وحوله جماعة من الجواري يضحكن منه ، فتنمر ، وأمر فضرب رأس الخادم بالطنبور ، حتي تكشر ( الفخري 159 والطبري63/8 ).

وذكر أن المنصور العباسي لدغ، فدعا مولي له اسمه أسلم ، فرقاه ، فأمر له برغيف ، فأخذ الرغيف ، وثقبه ، وصيره في عنقه ، وأخذ يقول لمن يلاقيه : رقيت أمير المؤمنين ، فبريء ، فأمر لي بهذا الرغيف ، فبلغ ذلك المنصور ، فقال له : أردت أن تشنع علي ، قال : إني ذكرت ما وقع ، فأمر المنصور بأن يصفع ثلاثة أيام ، في كل يوم ثلاث صفعات ( المحاسن والمساويء 198/1 ).

وقال الزبير بن بكار : تقدم وكيل مؤنسة ، قهرمانة الخيزران ، إلي شريك القاضي مع خصم له ، فجعل يستطيل عليه إدلالا بموضعه من مؤنسة ، فقال له شريك ، كف لا أم لك ، فقال : تقول لي هذا وأنا وكيل مؤنسة ، فقال شريك : با غلام اصفعه ، فصفعه عشر صفعات ، فانصرف

ص: 176

إلي صاحبته ، وعرفها ما ناله ، فشكت شريكا إلي المهدي ، فعزله ( البصائر والذخائر 214/1/3 ) .

وأمر جعفر بن المنصور العباسي ، المعروف بابن الكردية ، بحماد الراوية ، فصفع ، ثم جر برجله ، حتي أخرج من بين يديه ، وخرق سواده ، وآنكسر جفن سيفه ، وسبب ذلك إن مطيع بن إياس كان منقطعة إلي جعفر ، فذكر له حماد الراوية ، وكان مطرح مجفوا في أيام بني العباس ، فطلب منه أن يحضره ، فاستعار حماد سيفا وسوادا ، ودخل علي جعفر ، فأستنشده الجرير ، فأنشده قصيدته التي مطلعها :

بان الخليط برامتين فودعوا

واندفع ينشد ، حتي بلغ قوله :

وتقول بوزع قد دبت علي العصا**** هلا هزئت بغيرنا بابوزع

فأستعاد جعفر البيت ، وقال له : ما هو بوزع ؟ قال : إسم امرأة ، فقال جعفر : امرأة اسمها بوزع؟ أنا بريء من الله ورسوله ، ومن العباس بن عبد المطلب ، إن كانت بوزع إلا غولة من الغيلان ، تركتني - والله - يا هذا ، لا أنام الليلة من الفزع بيوزع ، يا غلمان قفاه ، فصفع صفعة عظيمة ، وجروا برجله حتي أخرج من بين يديه ، وتخترق سواده وآنكسر جفن سيفه ( الهفوات النادرة 393 - 390 والاغاني 81/6 و 253/8 ).

وسمع ماني الموسوس مؤنأ يؤذن أذانا ضعيفة ، وكان شيخأ ضعيف الصوت والجسم ، فصعد إليه ، وصفعه صفعة منكرة علي صلعته ، وقال له : إذا أذنت فعطعط ولا تمطمط ( الاغاني ط بولاق 85/20 ).

أقول : العطعطة : تتابع الاصوات واختلاطها ، والمطمطة : التواني في الكلام .

ص: 177

وعرض للرشيد رجل متنصح ، فأخبره بأن جعفر بن يحيي ، قد أطلق يحيي بن عبد الله من الحبس ، فأعطاه ألفي دينار ، وقال له : خذ هذه وأريد أن تحتمل مكروها تمتحن به في طاعتي ، ثم صاح : يا غلام ، فأجابه خاقان وحسين ، فقال : إصفعا ابن اللحناء ، فصفعاه نحوا من مائة صفعة ، ثم أخرجاه إلي الدار وعمامته في عنقه ، وقالا : هذا جزاء من يسعي بباطنة أمير المؤمنين ( مقتل الطالبيين 467 والطبري 290/8 ).

وكان الرشيد مشغوفة بدنانير جارية البرامكة ، يكثر مصيره إلي مولاها يحيي بن خالد ، ويقيم عندها ، ويبرها ، ويفرط ، فلما قتل البرامكة ، دعا دنانير ، وأمرها أن تغني ، فقالت : يا أمير المؤمنين ، إني آليت ألا أغني بعد سيدي أبدا ، فغضب ، وأمر بصفعها ، فصفعت ، وأقيمت علي رجليها. ( الاغاني 68/18 ).

وغني زرياب ، زيادة الله بن الأغلب بشعر لعنترة فيه فخر بسواده ، فغضب زيادة الله ، وأمر به فصفع قفاه وأخرج من مجلسه ، وقال له : إن وجدتك في بلدي بعد ثلاثة أيام ضربت عنقك ، فجاز البحر إلي الأندلس ، واستقر وثبت أمره هناك . ( العقد الفريد 6/ 34).

وصفع يحيي بن زياد الحارثي ، صديقه مطيع بن إياس ، بوسادة ، وسبب ذلك إن يحيي قال لمطيع ، انطلق بنا إلي فلانة صاحبتي ، وبيننا مغاضبة ، فأصلح بيننا ، فدخلا إليها ، وأخذ يحيي يعاتب صاحبته ، ومطيع ساكت ، فصاح به يحيي : ما يسكتك ، أسكت الله نأمتك ؟ فقال مطيع :

أنت معتلة عليه ، وما زا ****ل مهينأ لنفسه في رضا

فأعجب يحيي بما سمع وهش له ، فقال مطيع :

فدعيه وواصلي ابن إياس**** جعلت نفسه الغداة فدا

ص: 178

فقام إليه يحيي بوسادة في البيت ، فما زال يجلد بها رأسه ، ويقول : إلهذا جئت بك يا ابن الزانية ( الاغاني 284/13).

وتساب دعبل الخزاعي ، ومسلم بن الوليد ، وحكما فتاة كانت معهما ، فحكمت علي دعبل ، بأن تعرك أذنه ، ويصفع قفاه ، ففعل به مسلم ذلك .

وسبب ذلك : إن دعبلا، عثر علي فتاة جميلة ، وأعوزه المكان ، فأخذها إلي دار صديقه مسلم بن الوليد ، وكان الإثنان في ضيق ، فأخذ دعبل من مسلم منديلا باعه في السوق بدينار ، واشتري بالثمن لحما وخبزة ونبيذة ، وجاء بما اشتري ، ثم عاد إلي السوق فاشتري ريحانة وطيبة ونقلا ، ولما عاد ، وجد أنهما قد أختليا في سرداب في الدار ، وأقفلا عليهما الباب ، فناداهما ، فلم يجيباه ، وتركاه يبيت في الدار وحده ، وهو يشتعل غيظا ، ولما أصبحوا ، أنشد مسلم

بت في درعها، وبات رفيقي**** جنب القلب طاهر الأطراف

ثم خرجا من السرداب ، فأخذ دعبل يشتم مسلما ، فقال له مسلم : يا صفيق الوجه ، منزلي ، ومنديلي ، وطعامي ، وشرابي ، فما شأنك في الوسط ؟ فقال له دعبل : حق القيادة ، فقالت الفتاة : حق قيادته ، أن تعرك أذنه ، وأن يصفع قفاه ، ففعل به مسلم ذلك ( العقد الفريد 397/6 - 400)

وروي أبو جعفر محمد بن وهيب الحميري الشاعر ، مؤدب الفتح بن خاقان (ت 225 ) ، لإسحاق الموصلي ، قصة من أعجب القصص ، حصلت له بمكة ، حيث أغراه جمال فتاة علي اتباعها ، فاحتالت عليه حتي وجد نفسه في السوق ، مجردة من ثيابه ، ووثب الناس عليه ، فصفعوه « بالنعال المخصوفة ، والخشب الدقاق ، والأيدي الثقال » .

قال حماد بن إسحاق الموصلي ، سمعت محمد بن وهيب الشاعر ،

ص: 179

يحدث أبي ، قال : حججت ، فبينا أنا في سوق الليل ، بمكة ، بعد أيام الموسم ، إذا أنا بامرأة من نساء مكة ، معها صبي ، وهي تسكته ، وهو يأبي أن يسكت ، فأسفرت ، فإذا في فيها كسر درهم ، دفعته إلي الصبي ، فسكت ، فإذا وجه رقيق ، وإذا شكل ودل ، ولسان ذلق ، ونغمة رخيمة ، فلما رأتني أحد النظر إليها ، قالت : أمغن أنت ؟ قلت : لا ، قالت : فماذا ؟ قلت : شاعر ، قالت : اتبعني ، قلت : إن شرطي الحلال من كل شيء ، فقالت : إرجع في حرامك ، ومن أرادك علي حرام ؟ فخجلت ، وغلبتني نفسي علي رأيي ، فتبعتها، ودخلت زقاق العطارين ، ثم صعدت درجة ، وقالت : أصعد ، فصعدت ، فقالت : إني مشغولة ، وزوجي رجل من بني مخزوم ، وأنا امرأة من زهرة ، وعندي حر ضيق ، يعلوه وجه أحسن من العافية ، بحلق ابن سريج ، وترنم معبد ، وتيه ابن عائشة ، وخنث طويس ، اجتمع كله لك بأصفر سليم ، قلت : وما أصفر سليم ؟ قالت : دينار ، اليومك وليلتك ، فإذا أقمت جعلت الدينار وظيفة ومهرة . وتزوجت تزويجا صحيحة ، قلت : فداك أبي ، إن اجتمع لي ما ذكرت ، فليس في الدنيا أنعم عيشأ مني ، إلا من في الجنة ، قالت : هذه شريطنك ، قلت : وأين هذه الصفة ، فدعت جارية لها ، وقالت لها : قولي لفلانة ، ضعي ثيابك عليك ، وعجلي ، وبحياتي عليك ، لا تمسي عطرة ، ولا طيبا ، فتحبسينا بدلالك وعطرك ، قال : فإذا جارية قد أقبلت ، بوجه ما أحسب الشمس قد طلعت علي مثله قط ، كأنها صورة ، فسلمت ، وقعدت كالخجلة ، فقالت لها المرأة : إن هذا الذي ذكرتك له ، وهو في هذه الهيأة التي ترين ، قالت : حياه الله وقرب داره ، قالت : قد بذل لك من الصداق دينارة ، قالت : أي أم ، أخبرته بشريطتي ؟ قالت : لا والله يا بنية ، أنسيتها ، ثم نظرت إلي ، وغمزتني ، وقالت : تدري ما شريطتها؟ قلت : لا ، قالت : أقول لك بحضرتها ما إخالها تكرهه ، إنها أفتك من عمرو بن معدي كرب ، وأمنع من ربيعة بن مكدم ، ولست تصل إليها حتي تسكر ، وتغلب علي عقلها فإذا

ص: 180

بلغت تلك الحال ، ففيها مطمع ، قلت : ما أهون هذا وأسهله ، فقالت لها الجارية : وتركت شيئأ أيضا ، فقالت الأم : نعم ، والله ، إنك لن تنالها ، إلا مجردأ ، مقب؟ ، ومدبرة ، قلت : وهذا أيضا أفعله ، قالت : هلم دينارك ، فأخرجت دينارة ، فنبذته إليها ، فصفقت ، فأجابتها امرأة ، فقالت : قولي لأبي الحسن وأبي الحسين هلا الساعة ، فقلت في نفسي : أبو الحسن وأبو الحسين علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : فإذا شيخان خاضبان ، نبيلان ، قد أقبلا، فصعدا ، فقضت المرأة عليهما القصة ، فخطب أحدهما ، وأجاب الأخر ، وأقررت بالتزويج ، وأقرت المرأة ، ودعوا لنا بالبركة ، ثم نهضا ، قال : أستحييت أن أحمل الجارية مؤونة من الدينار ، ودفعت إليها آخر ، وقلت لها ، هذا لطيبك ، قالت : بأبي أنت ، إني لست ممن يمس طيبة لرجل ، إنما أتطيب لنفسي إذا خلوت ، قلت : فأجعلي هذا الغذائنا اليوم ، قالت : أما هذا فنعم ، فنهضت الجارية ، وأمرت باصلاح ما نحتاج إليه ، ثم عادت ، وتغدينا، وجاءت بأداة وقضيب وقعدت تجاهي ، ودعت بنبيذ قد أعدته ، ثم أندفعت تغني بصوت لم أسمع قط مثله ، فإني الف بيوت القيان وغيرها ، منذ ثلاثين سنة ، وقد سمعت مهدية ، جارية ابن الساحر ، وغيرها من المجيدات ، فما سمعت بمثل ترنمها ، فكدت أن أطير ، سرور وطربا ، وجعلت أريغ أن تدنو مني ، فتأبي ، إلي أن تغنت ، بشعر لم أعرفه ، وهو :

راحوا يصيدون الظبا، وإنني**** لأري تصيدها علي حراما

أعزز علي بأن أروع شبيهها**** أو أن يذقن علي يدي حماما

فلما قوي علي النبيذ، وجاءت المغرب ، تغنت ببيت ، لم أعرف معناه ، للشقاء الذي كنت فيه ، ولما كتب علي رأسي ، والهوان الذي أعد لي ، إذ تغنت :

كأني بالمجرد قد علته ****نعال القوم أو خشب السواري

ص: 181

فقلت لها : جعلت فداك ، لم أفهم هذا البيت ، ولا أحسبه مما يتغني به ، قالت : أنا أول من تغني به ، وهو بيت عائر ، لا يدري قائله ، ومعه بيت آخر ، قلت : سريني بأن تغنيه ، لعلي أفهم معناه ، قالت : ليس هذا وقته ، وهو آخر ما أتغني به ، قال : وجعلت لا أنازعها في شيء، إجلالا لها وإعظامأ ، فلما أمسينا ، وصلينا المغرب وجاءت العشاء الأخيرة ، وضعت القضيب ، فقم ، وصليت العشاء ، وما أدري كم صليت ، عجلة ، وتشوقا ، فلما سلمت ، قلت : تأذنين ، جعلت فداك ، في الدنو منك ؟ فقالت : تجرد ، وذهبت كأنها تريد أن تخلع ثيابها ، فكدت أن أشق ثيابي من العجلة للخروج منها ، فتجردت ، وقمت بين يديها مكفرة لها، أي خاضعا مطأطئأ ، فقالت : إنته إلي زاوية البيت ، وأقبل إلي ، حتي أراك مقبلا ومدبرة ، قال : وإذا حصير في الغرفة عليه طريقي إلي الزاوية ، فلما صرت فوقه ، خسف بي ، واذا تحته خرق إلي السوق ، فإذا أنا في السوق ، مجردة ، وإذا الشيخان الشاهدان ، قد كمنا ناحية ، وأعذا نعالهما ، فلما هبطت عليهما ، بادراني ، فقطعا نعالهما علي قفاي ، وتبعهما أهل السوق ، وضربت ، والله - يا أبا محمد ، حتي أنسيت اسمي ، فبينا أنا أخبط بنعال مخصوفة ، وأيد ثقال، وخشب دقاق ، وإذا بصوت من فوق البيت يغني به :

كأني بالمجرد قد علته**** نعال القوم أو خشب السواري

ولو علم المجرد ما أردنا ****لبادرنا المجرد للصحاري

فقلت : هذا هو ، - والله - وقت غناء البيت ، وهو آخر بيت قالت إنها تغنيه ، فلما كادت نفسي تطفأ ، جاءني واحد بخلق إزار ، فألقاه علي ، وقال لي : بادر ، ثكلتك أمك ، رحلك ، قبل أن يدركك السلطان فتفتضح ، فانصرفت إلي رحلي ، مطحونة ، مرضوضا . ( بلاغات النساء 156-159)

ودخل رجل علي المأمون ، فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ،

ص: 182

( بضم الراء من أمير ) ، فقال : يا غلام ، اصفع ( المحاسن والمساويء 94/2)

وسأل المعتصم ، كاتبه أحمد بن عمار ، عن معني الكلأ ، فلم يعرف ، فأمر بصفعه ثلاث صفعات ( الهفوات النادرة 259).

ولاعب إسحاق بن العباس بن محمد ، والي البصرة ، الصباح بن عبد العزيز الأشعري ، بالنرد ، وقمره ، فصفعه عشرة جيادة ، ثم لاعبه فقمره الصباح ، وأراد صفعه ، فأحاله علي صاحب الشرطة خليفته عبد السميع ، وتفصيل القصة ، إن إسحاق بن العباس بن محمد كان واليا علي البصرة ، وكان مزاحا عبيثا، فلاعب الصباح بن عبد العزيز الأشعري ، بالنرد ، في أمره ورضاه ، فقمره إسحاق ، فقال له الأسباح : احتكم أيها الأمير وأجمل ، فقال : أصفعك عشرأ جيادة ، قال : أر الفداء ، أعزك الله ، قال : والله ، لو أعطيتني جميع ما تملك ما قبلته ، ثم التفت إلي غلام أسود ، كأنه شيطان ، فقال له : اصفع ، وجود ، فصفعه عشرا ، كاد أن يعميه ، ثم لاعبه وغلبه ، وفعل به مثل فعله الأول ، ثم عاود اللعب ، فغلبه الصباح ، وقال له : قمرتني ، أيها الأمير ، نويتين ، فلم تحسن الصنيع ، ولم تجمل الفعل ، ولم ترجع عن الصفع الوجيع ، قال : فما تريد ؟ قال : أصفعك كما صفعت ، وأقابلك بمثل ما فعلت ، قال : ويلك ، تفضحني ، ويبلغ أمير المؤمنين خبرنا ، فيكون سبب عزلي ، ونكبتي ، وزوال نعمتي ، قال : إذن لا أبالي والله ، قال : أو أدفع إليك خليفتي عبد السميع ، فتصفعه عشرا ، قال : لا أفعل ، قال : أعطيك فاضل الصرف فيما بين الصفع مائة دينار ، قال : هات علي بركة إليه ، فأحضر عبد السميع ، فجاء كالفيل ، فقال له : إجلس ، فجلس ، فقال له : ما أشك في مودتك إياي ، وموالاتك لي ، قال : أنا عبد الأمير وخادمه ، قال : ما أعرفني بذاك منك وفيك ، إعلم أن هذا الفاسق ، الأحمق ، الجاهل ، لاعبني بالنرد ، وقص عليه القصة إلي ما

ص: 183

انتهي الأمر بينهما إليه ، ووقف الحكم عليه ، فقال عبد السميع ، أعيد الأمير بالله ، ما ظننت أنه ينزلني هذه المنزلة ، ويحتني في هذه المرتبة ، قال : صدقت والله ، ولا ظننت أنا أن مثل هذا يتفق ويكون ، ولا خطر لي ببال ، لكنها بلية أوقعت نفسي فيها ، وزلة ما كان لي مثلها قبلها ، وأحب أن تنقذني منها، وتحتمل المكروه عني فيها ، فأقلني ، وأنقذني منها، فأقبل عبد السميع علي الصباح ، وقال له : تأمر - أعزك الله - أن ألطم عشرا عوض الصفع ؟ فقال له : أنت - والله - أحمق ، إما أن تمكنني من قفاك ، وإلا قم إلي قفا الأمير أعزه الله ، فقال إسحاق بن العباس ، لعبد السميع : دع هذا وأمثاله عنك ، فهو أنكد، وألج ، وأشأم ، من أن يرجع ، أو يحسن ، أو يجمل ، فقال الصباح : الأمير بذاك بدأ ، وأمر به وبمثله ، فقال عبد السميع : إصفع ، لا بارك الله لك وفيك ، فالتفت الصباح إلي عبير له أسود كأنه الجمل الهائج ، فقال : إصفع ، وجود ، وبالغ ، وخذ بثأر مولاك ، ولا تراقب ، فصفع عبد السميع عشر صفعات كاد رأسه أن يقع منها ، وقال له الأمير بعد ذلك : يعز علي والله ما نالك ولحقك ، إرجع إلي عملك ، وكان يخلفه علي الشرطة وجميع أموره ، ولا ينفذ لإسحاق أمر إلا علي يده ، فقام بجر رجليه ، وعاودا اللعب ، فقمره الصباح ثانيا، واتفقا علي ما اتفقا عليه واستدعي عبد السميع ، فتغافل وأحتج ، فلم ينفعه ، وجاء مكرها وهو وجل خائف ، فقال له إسحاق : إعلم أن هذا الأحمق قد قمرني ثانيا ، واحتكم مثل حكمه الأول ، فقال عبد السميع : أعزلني أيها الأمير ، فلا رأي لي في خدمتك ، فقال له : أعني هذه المرة ، وخلصني من هذا الجاهل ، القليل العقل والمروءة ، العادم المعرفة والدراية ، فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فقال الصباح لعبده : إصفع ، وجود ، صفعة ينشر الشعر من اللحية ، ويحلق الشعر من القفا ، فقال : لا كرامة ولا عزازة ، اصفع با هذا صفع المداعبة والإخوان ، لا صفع العقوبة والسلطان ، وأجمل فيما تفعل ، فعسي أن تقع لك حاجة فأجازيك بالحسني ، فقال له مولاه : إصفع الرقيع ،

ص: 184

الصفع الوجيع ، ولا تصغ إلي ما لم يصغ إليه من قبل مولاك ، فقال إسحاق : إستعن بالله ، وأجر علي عادتك في طاعتك ، فقال لا حول ولا قوة إلا بالله ، وجثا علي ركبتيه وصفعه العبد صفعة زعزع به أركان رأسه ، فبكي وانتحب مما لحقه ، فقال له إسحاق : بعز والله علي ، إرجع إلي عملك أعزك الله ، فقال : لعن الله هذا العمل ، ولعن يوما توليته فيه ، لي إليك حاجة ، قال : كل حوائجك عندي مقضية ، قال : لا تلاعب هذا المشؤوم دفعة أخري ، فإنه ألعب منك ، فقال : اسكت ، فوالله إني لأرجو أن تتولي منه ما تولي منك ، وأن تشتفي منه ، كما اشتفي منك ، قال : ما أريد ذاك أيها الأمير ، قال : فما ألاعبه ، كما تشتهي ، ونهض يجر رجليه خزيان حيران ، وتقدم إلي صاحبه بأن يقف هناك ، وينظر ما يكون من الأمير والصباح ، ويعلمه ، وتقدم بأن يسرج له فرس ، وقعد ينتظر الغلام ، فجاءه ، وأعلمه بأنهما لعبا ، وأن الصباح قمر إسحاق ، وإن إسحاق تقدم باستدعائه ، فركب الفرس ، وهرب علي وجهه ، وهو يقول : لا والله ، لا أطيع ، ولا أجيب ، ولا أعمل له عملا أبدأ، وعرف إسحاق بذلك ، فابتاع القمرة من الصباح بخمسة آلاف درهم ، ولم يلعب معه بعدها ( الهفوات النادرة 231 - 234)

أقول : ورد في القصة إن الملاعبة بالنرد كانت ( علي الأمر والرضا) اي ان للغالب أن يحتكم ، وهذا الطراز من الملاعبة ، يسمي الأن في بغداد ( دلخاه ) والكلمة فارسية ( دلخواه ) بمعني ( المرغوب أو المطلوب ) يعني أن للغالب أن يطلب ويحتكم .

وذكر أحد أصدقاء الفقيه أبي قديسة ، أنه وجد في وجهه آثار منكرة ، فسأله عنها ، فقال : دخلت البارحة إلي القاضي محمد بن أبي الليث ، قاضي مصر ، وعنده إخوانه ، فلما رآني ، قال لهم : أطفئوا السراج ، فقطفي ، وقاموا إلي يضربونني في وجهي ورأسي ، ومع ذلك ، فإني لم أقصر

ص: 185

فيهم ، فوالله لقد صفعت القاضي من بينهم ( القضاة للكندي 467) .

وغضب المتوكل علي عمر بن فرج الرخجي ، فأمر بأن يصفع في كل يوم ، فأحصي ما صفع ، فكان ستة آلاف صفعة ( مروج الذهب 403/2 ).

أقول : عمر بن فرج بن زياد الرخجي : ذكرنا أصله ونسبته في ترجمة أبيه ، في موضع آخر من هذا الكتاب ، وكان عمر ، وأبوه فرج ، من شرار الخلق ، تقلد عمر الأهواز للمأمون ، فسرق ، وخان ( القصة 341 من كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ) ، ثم تقلد الديوان في أيام المعتصم ، وعزل ( القصة 379 في كتاب الفرج بعد الشدة ، والبصائر والذخائر م ا ص 54 ) ثم تقلد الأهواز للمتوكل ( القصة 2/2 من نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ) ، وكان من اهل الرشا ( القصة 3/2 من نشوار المحاضرة ) فاعتقله المتوكل وقبض ضياعه ، وأمواله ، وجواريه ، وكن مائة ، ثم صولح علي أن يؤدي عشرة آلاف ألف درهم ، علي أن يرد عليه ما حيز عنه من ضياع الأهواز فقط ( الطبري 161/9 والكامل لابن الأثير 39/7 ) ثم غضب عليه ثانية ، فأمر بأن يصفع في كل يوم ، فأحصي ما صفع ، فكان ستة آلاف صفعة ، وألبس جبة صوف ، ثم سخط عليه آخر مرة ، فأحدره إلي بغداد ، فأقام بها إلي أن مات ( مروج الذهب 403/2 ) ، وكان عمر من المعروفين ببغض الإمام علي وأهل بيته ، ( ابن الأثير 56/7 ) ، وكان يتبرع بالتجسس علي العلويين ( البصائر والذخائر م 3 ق 1 ص 319 والقصة 374 من كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ) وعرف المتوكل فيه ذلك ، فولاه أمر الطالبيين ، فعسفهم ، وأخد يحيي بن عمر ، فضربه ثماني عشرة مقرعة ، وحبسه في المطبق ، فاضطره بذلك إلي الخروج فخرج بالكوفة ، وقتل ، بعد معارك عنيفة ( الطبري 182/9 و 266 - 271 والكامل لابن الأثير 126/7 - 130 ) ، ثم استعمله المتوكل علي مكة والمدينة ، فمنع آل أبي طالب أرزاقهم وعطاءهم ، ومنعهم من التعرض

ص: 186

المسألة الناس ، ومنع الناس من البر بهم ، وكان لا يبلغه أن أحدأ بر أحدأ منهم بشيء إلا أنهكه عقوبة ، وأثقله غرمأ ، حتي كان القميص يكون بين جماعة من العلويات ، يصلين فيه واحدة بعد واحدة ، ثم يرفعنه ، ويجلسن إلي مغازلهن، عواري ، حواسر ، إلي أن قتل المتوكل ، فعطف المنتصر عليهم ، وأحسن إليهم ( مقاتل الطالبيين 599 ) .

وفي السنة 230 قبض بسامراء علي رجل اسمه محمود بن الفرج النيسابوري ، كان يزعم أنه نبي يوحي إليه ، وأنه ذو القرنين ، وله مصحف ادعي أنه قرآنه ، وقبض علي سبعة وعشرين من أتباعه ، يدعون إليه في سامراء وبغداد ، فأحضروا أمام المتوكل ، فأمر أصحاب محمود بصفعه ، فصفعه كل واحد منهم عشر صفعات ، ثم أمر بمحمود فضرب مائة سوط ، فمات ( الطبري 175/9 ).

وكانت فريدة ، حظية الواثق ، فلما توفي وخلفه المتوكل ، أرادها علي الغناء ، فأبت وفاء للواثق ، فأقام علي رأسها خادمة ، وأمره أن يضرب رأسها أبدأ أو تغني ( الأغاني 115/4 ). وكلم المتوكل جاريته قبيحة أم المعتز ، فأجابته بشيء أغضبه ، فرماها بمخدة ، فأصابت عينها ، فأثرت فيها ، فبكت ، وبكي ولدها المعتر لبكائها ( الأغاني 214/10 ) .

وغضب المتوكل علي ولده المنتصر ، فأمر الفتح بن خاقان بأن يصفعه ، فأمر الفتح يده علي قفا المنتصر ( الطبري 225/9 والعيون والحدائق 554/3 و555 هه وابن الأثير 97/7 ).

أقول : كان المتوكل قد بايع لولده المنتصر بولاية عهده ، ثم للمعتر ، ثم للمؤيد ، ثم إن قبيحة أم المعتز ، وكانت أثيرة عند المتوكل، أرادت أن يقدم المعتز ، فطلب المتوكل من ولده المنتصر أن يقدم أخاه المعتز علي

ص: 187

نفسه ، فأبي ، فاغتاظ منه المتوكل ، وأخذ يعبث به في مجالسه ، مرة يشتمه ، ومرة يسقيه فوق طاقته ، ومرة يأمر بصفعه ، ومرة يتهدده بالقتل ، وأمر الفتح مرة أن يصفعه ، فأمر الفتح يده علي قفا المنتصر .

وكان محمد بن الحسن الجرجاني متقرأ في كلامه ، فدخل الحمام يوما ، فقال للقيم : أين الجليدة التي تسلخ بها الضويطة من الأخقيق ؟ فصفع القيم قفاه بجلدة النورة ، وفر هاربا ، فلما خرج من الحمام وجه إلي صاحب الشرطة ، فأخذ القيم فحبسه ، فلما كان عشاء ذلك اليوم كتب إليه القيم رقعة ، يقول فيها : قد أبرمني المحبوسون بالمسألة عن السبب الذي حبست له ، فأما خليتني ، وأما عرفتهم ، فوجه من أطلقه ، وأتصل الخبر بالفتح ، فحدث به المتوكل ، فقال : ينبغي أن يغني هذا القيم عن الخدمة في الحمام ، وأمر له بمائتي دينار ( الامتاع والمؤانسة 52/2)

وفي السنة 252 قبض محمد بن عبد الله بن طاهر ، أمير بغداد ، علي عبدان بن الموفق ، أحد أصحاب الفتن ، فأمر به الأمير محمد فصفع ، ثم أمر به فسحب بقيوده ، ثم أمر به فجرد ، وضرب مائة سوط بثمارها ، ثم صلب فمات ( الطبري 361/9 ).

وفي السنة 255 حصلت منافرة بين صالح بن وصيف، وأحمد بن إسرائيل ، بحضور المعتر ، فقال له أحمد : يا عاصي يا ابن العاصي ، فهجم أصحاب صالح علي المجلس ، فانسحب الخليفة ، وقبض أصحاب صالح علي أحمد بن إسرائيل ، والحسن بن مخلد ، وأبي نوح عيسي بن إبراهيم ، فضرب أحمد بن إسرائيل حتي تكشرت أسنانه ، وبطح ابن مخلد فضرب مائة سوط ، وصفع أبو نوح حتي جرت الدماء من محاجمه ، ثم أخذت رقاعهم بمال جليل قط عليهم ، وتركوا . ( الطبري 387/9 ) .

ولما قبض الجند الأتراك في السنة 256 علي المهتدي ، كان من جملة

ص: 188

ما عذبوه به ، أنهم صفعوه ، وبزقوا في وجهه ، ثم دفعوه إلي من عصر خصيتيه فمات ( الطبري 458/9 ).

وروي بنان ، رأس الطفيليين في بغداد ، أن طفيلي البصرة ، صفعوه وطردوه ، وذلك إنه دخل البصرة ، فقيل له : إن ههنا عريفا للطفيلية ، يبرهم ، ويكسوهم ، ويرشدهم إلي الأعراس ، ويقاسمهم ، فصار بنان إليه ، فبره ، وكساه ، وأقام عنده ثلاثة أيام ، وله خلق يصيرون إليه بالزلات ، فيعطيهم النصف ، ويأخذ النصف ، قال بنان : ووجهني معهم في اليوم الرابع ، فحصلت في موضع وليمة ، فأكلت ، وأزللت معي شيئا كثيرة ، فجئته به ، فأخذ النصف ، وأعطاني النصف ، فبعت ما دفع لي بدراهم ، فلم أزل علي هذا أياما ، فدخلت يوما إلي عرس جليل ، وأكلت ، وخرجت بزلة حسنة ، فلقيني إنسان ، فاشتراها مني بدينار ، فأخذته ، وكتمته أمرها، فدعا جماعته من الطفيلية ، وقال لهم : إن هذا البغدادي قد خان ، وظن أني لا أعلم كل شيء يفعله ، فأصفعوه ، وعرفوه ما كتمنا ، فأجلسوني ، وما زالوا يصفعونني ، واحدا ، واحدة ، ويقول الأول منهم : قد أكل مضيرة ، ويصفعه الآخر ، ويشم يده ، ويقول : وأكل بقيلة ، ويقول الآخر : وأكل سميذا ، حتي أتوا علي كل شيء أكلته ، ما غلطوا بزيادة ولا نقصان ، ثم صفعه شيخ منهم صفعة عظيمة ، وقال : باع الزلة بدينار، فأخذوا مني الدينار ، وثيابي التي أعطونيها ، وطردوني ( التطفيل للخطيب البغدادي 81 - 82).

وكان بويه ، والد عماد الدولة ، وركن الدولة ، ومعز الدولة ، سماكا فقيرا في بلد الديلم ، ورأي مناما ، فقضه علي منجم ، فقال له : لا أفسره إلا بألف درهم ، فقال له : أنا فقير ، صياد سمك ، وما رأيت هذا المبلغ ، ولا عشره ، ولكن أعطيك سمكة ، فرضي ، وفر له المنام ، بأن أولاده ، وما زالوا صبيانا ، سوف يملكون العالم ، فقام إلي المنجم ، وصفعه ، وقال له : أخذت السمكة حراما ، وسخرت مني ، أنا صياد فقير ، وأولادي

ص: 189

صغار ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، برقم 89/4 .

وحدث أحمد بن عبيد الله بن عمار ، قال : كنا نختلف إلي أبي العباس بن المبرد ، ونحن أحداث ، نكتب عن الرواة ما يروونه من الأداب والأخبار ، وكان يصحبنا فتي من أحسن الناس وجها ، وأنظفهم ثوبا ، وأجملهم زيا ، ولا نعرف باطن أمره ، فانصرفنا يوما من مجلس أبي العباس بن المبرد ، وجلسنا في مجلس نتقابل بما كتبناه ، ونصحح المجلس الذي شهدناه ، فإذا بجارية قد اطلعت فطرحت في حجر الفتي رقعة ما رأيت أحسن من شكلها ، مختومة بعنبر ، فقرأها منفردأ بها ، ثم أجاب عنها ، ورمي بها إلي الجارية ، فلم نلبث أن خرج خادم من الدار في يده كرش ، فدخل إلينا ، فصفع الفتي به حتي رحمناه ، وخلصناه من يده، وقمنا أسوء الناس حالا ، فلما تباعدنا ، سألناه عن الرقعة ، فإذا فيها مكتوب :

كفي حزن أنا جميعأ ببلدة**** كلانا بهاثاو ولا نتكلم

فقلنا له : هذا ابتداء طريف ، فبأي شيء أجبت أنت ؟ قال : هذا

صوت سمعته يغني فيه ، فلما قرأته في الرقعة ، أجبت عنه بصوت مثله ، فسألناه ما هو ؟ فقال : كتبت في الجواب :

أراعك بالخابور نوق وأجمال

فقلنا له : ما وفاك القوم حقك قط ، وقد كان ينبغي أن يدخلونا معك في القصة ، لدخولك في جملتنا، ولكنا نحن نوفيك حقك ، ثم تناولناه فصفعناه ، حتي لم يدر أي طريق يأخذ ، وكان آخر عهده بالإجتماع معنا . ( الاغاني 120/7 و121).

وغضب الوزير إسماعيل بن بلبل، علي بواب عبيد الله بن سليمان ، وعلي وكيله ، فأمر فأخذا إلي باب عبيد الله ، وضرب كل واحد منهما عشرين

ص: 190

مقرعة ، وصفع الوكيل بعد الضرب خمسين صفعة ، راجع القصة مفضلة في كتاب نشوار المحاضرة164/8 - 169 رقم القصة 71.

وأمر المعتضد بابن المغازلي المضحك ، فصفع عشر صفعات بجراب مملوء بالحصي المدور ، فكادت رقبته أن تنفصل ، وطنت أذناه .

وسبب ذلك : إن ابن المغازلي ، كان معروفة في بغداد بأنه في نهاية الحذق في إضحاك الناس ، لا يستطيع من يراه ، أو يسمع كلامه ، إلا أن يضحك ، وكان لا يدع حكاية أعرابي ، وتركي ، ومكي ، ونجدي ، ونبطي ، وزنجي ، وسندي ، وخادم ، إلأ حكاها ، ويخلط ذلك بنوادر تضحك الثكلي ، ووقف يومأ بباب الخاصة ، يضحك ويتندر ، فقط أحد الخدم قصته علي المعتضد ، فأمره بإحضاره ، فذهب إليه الخادم ، واشترط عليه أن له نصف الجائزة التي يأمر له الخليفة بها، وأدخله علي الخليفة ، فساءله ، ثم قال له : إن أضحكتني فلك خمسمائة درهم ، وإن لم أضحك صفعتك بهذا الجراب عشر صفعات ، فوافق ابن المغازلي ، ولم يدع حكاية أعرابي ، ولا نحوي ، ولا مخنث ، ولا قاض ، ولا زطي ، ولا نبطي ، ولا سندي ، ولا زنجي ، ولا خادم ، ولا ترك ، ولا شطارة ، ولا عيارة ، ولا نادرة ، إلا قصها ونفذ ما عنده ، وتصدع رأسه ، والمعتضد عابس الوجه ، لا يضحك ، ولا يبتسم ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، قد نفد والله ما معي ، وتصدع رأسي ، وما رأيت مثلك ، وما بقيت لي إلا نادرة واحدة ، فقال : هاتها ، قال : يا أمير المؤمنين ، وعدتني أن تصفعني عشرا ، وجعلتها مكان الجائزة ، فأسألك أن تضعف الجائزة وأن تضيف إليها عشرة أخري ، فأراد أن يضحك ، ثم أستمسسك ، وقال : نفعل ، يا غلام خذ بيده ، فأخذه بيده ، ومد قفاه ، وصفع أول صفعة بالجراب ، فكأنما سقطت علي قفاه قلعة ، وإذا بالجراب مملوء بحص مدور ، فلما أتم الصفعات العشر ، كادت رقبته أن تنفصل ، وعنقه أن يتكسر ، وطنت أذناه ، وقدح الشرر من عينه ، ولما تمت

ص: 191

العشر صاح : نصيحة ، وقص علي الخليفة اتفاقه مع الخادم ، علي أن له نصف الجائزة ، وطلب من الخليفة ، أن يصفع الخادم العشر الأخري ، فضحك المعتضد ، ضحكة مفرطأ، وأحضر الخادم ، وأمر بصفعه ، ثم أعطي ابن المغازلي خمسمائة درهم ( مروج الذهب 511-509/2)

وارتفع إلي أبي خازم القاضي ، وكان قاضي الشرقية ، خصمان ، فأجترأ أحدهما بحضرته إلي ما يوجب التأديب ، فأمر بصفعه ، فمات ، فكتب الي الخليفة المعتضد، يطلب أن تؤدي ديته من بيت مال المسلمين ، لأن المراد بتأديبه كان مصلحة المسلمين ، فوداه ( نشوار المحاضرة ، رقم القصة 66/4)

وروي القاضي أبو عمر ، أن خادما من خدم المعتضد، تقدم إلي أبيه القاضي يوسف ، في حكم ( دعوي ) ، فأمره القاضي أن يوازي خصمه في المجلس ، فأبي ، إدلالا بمحله من المعتضد ، فصاح القاضي : قفاه ( يعني إنه أمر بصفعه ) وقال : أتؤمر بموازاة خصمك فتمتنع ، يا غلام هات النحاس الأمره ببيع هذا العبد وحمل ثمنه إلي أمير المؤمنين ، راجع القصة بكاملها في المنتظم 97/6.

وذكر التنوخي ، في نشوار المحاضرة ، أن ابن قديدة ، ضامن ضياع السيدة أم المقتدر ، قبض علي أكار من أكرة ضيعة مجاورة ، وصفعه صفعة عظيمة ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 119/1 .

وذكر جعفر بن محمد بن الفرات ، أخو الوزير أبي الحسن بن الفرات ، قال : صرفت محمد بن سيف العامل عن باروديا ، وتقلدتها ، وأستدركت عليه أشياء ، طالبته بها ، فلم يرد ، وناظرته فأقام علي أمر واحد، فأمرت بصفعه ، فلم يتأوه ، وإنما صاح : واحدة ، وصفع أخري فصاح : ثانية ، إلي

ص: 192

أن صفع ثلاث عشرة صفعة ، وهو يعدها، فتعجبت منه ، وقلت له : يا هذا، ويحك ، أي فائدة لك في العد ؟ قال : أنا أعد الصفعات ، الأصفعك بعددها ، إذا صرفتك وتقلدت مكانك ، فلا أظلمك بالزيادة ، ولا تفوز بالنقصان ، فأخجلني ، وقلت له : قم إلي منزلك في غير حفظ الله ، وأطلقته ، وذهب المال ( نشوار المحاضرة ج 8 ص 90 رقم القصة 21/8 ) .

وكان أبو خليفة القاضي بالبصرة ، كثير الاستعمال للسجع في ألفاظه ، حتي صار ذلك عنده طبعا ، وكان بالبصرة رجل يتحامق ، ويتشبه بأبي خليفة في السجع ، ويعرف بأبي الرطل ، وقدمت هذا الرجل امرأته إلي القاضي أبي خليفة بالبصرة ، وادعت عليه الزوجية والصداق ، فأقر لها بهما ، فقال له أبو خليفة : أعطها مهرها، فقال أبو الرطل : كيف أعطيها مهرها ولم تفلع مسحاتي نهرها ، فقال له أبو خليفة : فأعطها نصف صداقها ، فقال : لا ، أو أرفع بساقها ، وأضعه في طاقها ، فأمر به أبو خليفة فصفع ، راجع القصة مفضلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 2 ص 28 رقم القصة 10/2 .

وذكر صاحب مروج الذهب ( ج 2 ص 501 ) إن أبا خليفة الفضل بن الحباب الجمحي قاضي البصرة ، خرج يوما مع أصحابه إلي بعض البساتين ، وجلسوا تحت النخل علي شط النهر ، وعمد أحد أصحابه، فسأله، عن الآية : و يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) ، ما هو موقع الواو في قوا من الإعراب ؟ فقال : موقعها الرفع ، وقوله : قوا ، أمر للجماعة من الرجال ، فسأله : كيف يقال للواحد والإثنين من الرجال ؟ قال : يقال : ي قيا، وللجماعة قوا ، فسأله : وكيف يقال للنساء ؟ فقال : للواحدة في ، وللاثنتين قيا ، وللجماعة قين ، قال : فكيف يقال للرجال والنساء جميعا ، فقال : قي، فيا ، قوا ، قي ، قيا ، قين ، قالها بعجلة أستلفتت نظرة الأكرة الذين كانوا يعملون بقربهم في البستان ، فهجموا علي أبي خليفة وصحبه ، وصاحوا بهم : يا زنادقة ، تقرءون القرآن بحروف الدجاج ، وصفعوهم .

ص: 193

أقول : كان أبو خليفة لا يتكلف الإعراب ، بل صار له ذلك طبعأ ، الدوام استعماله إياه من عنفوان حداثته ، وكان قد وفد علي المعتضد ببغداد ، علي رأس وفد من أهل البصرة ، يشكون ما نزل بهم من محن الزمان ، وجور العمال ، فجلس لهم المعتضد من وراء حجاب ، وأمر الوزير القاسم بن عبيد الله ، بالجلوس لهم ، من حيث يسمع المعتضد خطابهم ، وكان المبتديء بالنطق أبو خليفة ، فقال : غمر العامر ، ودثر الظاهر ، واختلفت العواء ، وخسفت الجوزاء ، وأناخت علينا المصائب ، واعتورتنا المحن ، وقام كل رجل منا في ظلمة واصطلمت الضياع ، وإنخفضت القلاع، فأنظر إلينا بعين الإمام ، تستقم لك الأيام ، وتنقاد لك الأنام ، فنحن البصريون لا ندفع عن فضيلة ، ولا ننافس عن جليلة ، وسجع في كلامه ، وأغرق في خطابه ، فقال له الوزير : أحسبك مؤديا أيها الشيخ ، فقال له : أيها الوزير ، المؤدبون أجلسوك هذا المجلس ، فأعجب المعتضد بما سمع وأكثر من الضحك ، وبعث إلي الوزير ، فقال له : أكتب لهم بما يريدون وأجبهم إلي ما سألوه ( مروج الذهب 2/ 500 ).

ولما أراد المكتفي أن يخرج لقتال القرامطة ، اتفق المنجمون ببغداد ، ورأسهم أبو الحسن العاصمي ، علي أن المكتفي إذا خرج لقتال القرامطة ، لم يرجع لبغداد ، وتزول دولته ، وأن طالع مولده يقتضي ذلك ، وخوفوا وزيره القاسم بن عبيد الله من الخروج معه ، فخرج المكتفي ، وحارب القرامطة ، وظفر بهم ظفر، مؤژرة ، ولما عاد وزيره القاسم ، أمر بإحضار العاصمي رئيس المنجمين ، وصفعه صفعة عظيمة ( الفلاكة والمفلوكون 26 ) .

ومن أطرف القصص المتعلقة بالمصانعة ، قصة الرجل الذي أحاله العباس بن عمرو الغنوي ، أمير ديار ربيعة ، علي صاحب له من أمراء النواحي ، بثلاث مكتوبات ، أي ثلاث صفعات ، وقد حدثنا الرجل عن نفسه ، فقال إنه كان مبدنا وكان قد حلق رأسه ، وعليه منديل خفيف ،

ص: 194

أطارته الريح ، فبدا رأسه الحليق وقفاه العريض ، يغريان بالصفع ، ورآه العباس بن عمرو فصفعه ثلاث صفعات ، فتعلق الرجل به ، فأحاله بالمكتوبات الثلاث علي صاحبه أمير الناحية ، اقرأ القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي رقم القصة 304 ج 3 ص 185 - 192 .

ويروي البغداديون نادرة تتعلق بالصفع ، خلاصتها إن بغدادية أبصر شخصا مبدنا ، عريض القفا ، فقال لأصحابه : من منكم يصفع هذا القفا العريض ، وله ريال مجيدي ، فعمد إليه أحدهم ، وصفعه علي قفاه صفعة رنانة ، ولما التفت المصفوع، تظاهر الصافع بالخجل ، وأعتذر إليه بأنه حسبه فلانة صديقه ، وعاد فأخذ الريال المجيدي ، فقال له البغدادي : ما قولك في أن تصفعه ثانيا ولك ريالان مجيديان ، فركض إلي الرجل وصفعه صفعة ثانية ، ولما التفت إليه عاود الاعتذار والتظاهر بالخجل ، وعاد فأخذ الريالين ، وقال له الفتي : ما قولك في أن تصفعه ثالثا ولك خمسة ريالات مجيدية ، فعاود الإقتراب من الرجل ، وعاود صفعه ، ولما التفت اليه المصفوع ، قال له : يا سيدي لا أدري بماذا أعتذر إليك هذه المرة ، ولكني أرجو أن تكون علي يقين ، أنه ما دام قفاك عريضأ ، وما دام صاحبنا عنده ريالات مجيدية ، فإن الصفع سوف يلاحقك أينما توجهت .

وكان محمد بن نصر بن بسام ، من أسري الناس منزلا وطعاما وعبيدة ، وكان جاهلا، وينادمه جاهل مثله ، وهو عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، ولكن أولادهما تأدبوا ، وفهموا ، فظرفوا ، وعرفوا ، وكان الفضل بن محمد اليزيدي النحوي ، العالم الأديب ، يختلف الي الأولاد يطارحهم الشعر ، واجتمعوا يوما في مجلس ، فغني بقول جرير :

ألا حي الديار بسعد إني ****أحب لحب فاطمة الديارا

فقال عبد الله بن إسحاق ، لمحمد بن نصر : لولا جهل العرب ، ما

ص: 195

كان معني لذكر السعد هنا ، فقال له محمد : لا تفعل يا أخي ، فإنه يقوي معدهم ، ويصلح أسنانهم ، فالتفت علي بن محمد ( وهو الشاعر المعروف بابن بسام ) إلي الفضل اليزيدي ، وقال له : يا أستاذ ، بالله آصفعهما ، وأبدأ بأبي ( الهفوات النادرة 313 و 314).

وشكا رجل ، إلي صاحبه ، إن له علي بعض القواد دينا ، ولا يتمكن من مقاضاته ، فأخذه إلي شيخ خياط في سوق الثلاثاء ، وطلب عونه في استخلاص الدين ، فنهض معهما ، فقال الرجل لصاحبه : لقد عرضت هذا الشيخ وإيانا لمكروه عظيم ، هذا إذا حصل علي باب القائد، صفع ، وصفعنا معه ، راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 250 .

وكان الوزير ابن الفرات ، يداعب أحد أصحابه ، ويمد يده إليه ( يعني يصفعه ) ، فلما ولاه القضاء ، وقره عن ذلك ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ( ج 1 ص 233 رقم القصة 123/1 ).

ورفع صاحب الخبر ، إلي الوزير ابن الفرات ، أن عامة صفع واحدا من التناء لتقاعده عن أداء الخراج ، فوقع إليه : في الحبس للتناء مأدبة ، فلا تعامل بعدها أحدأ بهذه المعاملة ، فأمكنه من الإقتصاص منك ( الوزراء للصابي 281 ) .

وفي السنة 302 جلس الوزير علي بن عيسي للمظالم ، في كل يوم ثلاثاء ، فجيء برجل يزعم أنه نبي ، فناظره ، فقال : أنا أحمد النبي ، وعلامتي أن خاتم النبوة في ظهري ، ثم كشف عن ظهره ، فإذا سلعة صغيرة ، فقال له : هذه سلعة الحماقة ، وليست بخاتم النبوة ، ثم أمر بصفعه ، وتقييده ، وحبسه في المطبق ( صلة الطبري ص 26 ).

وفي السنة 306 لما ولي حامد بن العباس الوزارة للمقتدر ، ولي اين

ص: 196

حماد الموصلي ، مناظرة ابن الفرات ، فأحضر المحسن ، وموسي بن خلف ، فطالبهما بالمال ، وأسرف في صفعهما ، وضربهما ( صلة الطبري ص 39 ).

وأحضر حامد بن العباس في السنة 306 المحسن بن الفرات ، وأمر بصفعه ، فصفع ، ورأي علي رأسه شعرا كثيرة ، فقال : هذا لا يتألم بالصفع ، هاتوا من يحلق شعره ، فحلق شعره ، وأعيد، فصفعه حتي كاد يتلف ( تجارب الأمم 65/1)، وكان هذا الصفع سبب قتل المحسن له ، نما تولي أبوه الوزارة الثالثة ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ، في القصة المرقمة 3/ 122 .

وروي لنا أبو القاسم بن زنجي ، إنه كان في دار حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، إذ أدخل اليه الفراشون ، رجلا مكورا في كساء أسود ، عرف من بعد ذلك إنه المحسن بن الفرات ، ثم سمع صوت صراخ ، ووقع الصفع ، وحامد يقول للصانع : جود ، والرجل المصفوع يقول : الله ، الله ، قد ذهبت . والله - عيني ، وهو يقول له : إلي لعنة الله ، يا ابن كذا ، ويا زوج كذا ، ويسرف في الشتم ويبالغ ، ويقول له الرجل : لا تسن أيها الوزير ، هذه السنة ، علي أولاد الوزراء ، ويقول له : وأنت من أولاد الوزراء ، ثم يزيده صفعة وشتمة ، فلما لم يبق فيه بقية ، أمر برده إلي حيث كان فيه ، فأخذه الفراشون ، وحملوه ، وجاء أحدهم إلي الموضع الذي كنت فيه ، فأخبرنا إن الرجل هو المحسن بن أبي الحسن بن الفرات ، وإنه مقيد بقيد ثقيل ، وعليه جبة صوف قد غمست في النفط مزرورة إلي عنقه ، وإنهم ردوه إلي الحجرة التي كان فيها وحبسوه في الكنيف منها ، ودلوا رأسه في بئره . ( الوزراء للصابي 264).

وذكر القاضي التنوخي في نشوار المحاضرة ج 3 ص 186- 184 إن المحسن بن الفرات ، كتب إلي ابن الشلمغاني ، وكان في نهاية الإختصاص

ص: 197

بحامد بن العباس ، يسأله ، مسألة حامد الرفق به ، والتقدم إلي المستخرج بالتوقف عن ضربه وإذلاله ، ليؤدي علي مهل ، فتكفل ابن الشلمغاني في أمره ، وخاطب حامد بن العباس في ذلك ، فرده ، فعاود في مجلس حافل ، ولج حامد ، فصاح : هاتم المحسن ، ابن كذا وكذا ، وها تم الغلمان والمقارع، فقبل ابن الشلمغاني يده ، فلم يقنع حامد، وحلف أنه لا بد أن يضربه وأن يصفعه في ذلك المجلس، فلما أحضر المحسن، قام ابن الشلمغاني ، وترك المجلس ، وانصرف ، فاستشاط حامد، وجن ، وأخرج غيظه علي المحسن ، وصفعه الصفع المشهور، الذي كان سبب قتل المحن له ، لما ولي أبوه الوزارة الثالثة ، ولما ترك ابن الشلمغاني المجلس ، دخل إلي حاجب حامد ، وأخذ يشكو ما يجده إلي الحاجب ، ويقول : هذا الرجل يريد أن يقتلنا كلنا من بعده ، ولما انتهي حامد من صفع المحسن ، نادي علي ابن الشلمغاني ، وقال له : يا أبا جعفر ، من حق مودتي لك ، أن تتوافي لأعدائي ، وتقوم من مجلسي اذا رأيتني أوقع بهم ، فقال له : نصف ، أو نقول : صدق الأمير ؟ قال : أسمع وأنصف ، قال : أيها الوزير ، هذا رجل سألتك فيه ، فأعمل إنه كان بقا" لابن وزير أنت تعلم حالته وقديم رياسته، فما كان يحسن أن تردني فيه ، ولا إن رددتني ، أن تسومني الجلوس ، وحضور عذاب من شفعت فيه ، وأنت تعلم أن الأيام دول ، وأن لهذا الفعل عاقبة ، يكفيك الله إياها ، فأي شيء يضرك من سلامة مهجتي في حال العافية ، وإفلات نعمتي من شر هؤلاء ، وأن يقولوا غدا داهننا ، ولم يشفع لنا ، ولو كان نصحنا ما خالفه الوزير ، مع ما بينهما ، وما قعد ليشاهد صفعنا، إلا تشفيا منا، وأي شيء أحسن بك من أن تنسب حاشيتك ، ومن أخترته لمودتك وأنسك إلي الخير ، وبعدهم من الشر ، فيقال أنه لو لم يكن خيرا ، لما استصحب الأخيار، وإنما يحمله علي ما فعله ، الغضب ، والحاجة إلي المال ، والا فالخير طبعه والغالب عليه ، ولا يقال إنه شرير جمع الأشرار حواليه ، قال : فخجل حامد ، واعتذر إليه ، وقال :

ص: 198

اخرج الآن ، وخذ بيد المحسن وتوسط أمره ، وخقف محنته .

وأحضر حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، موسي بن خلف ، وكان ينظر في نفقات دار ابن الفرات ، وهو شيخ في التسعين ، فسأله عن ودائع ابن الفرات ، فأنكر معرفته بها ، فأمر بصفعه ، فصفع ، إلي أن أشار علي بن عيسي إلي الغلمان بالكف عنه ، ثم عاوده حامد بالمكروه مات ، حتي أحضره ليلة بين يديه ، وضربه ، حتي مات تحت الضرب ، فقيل له : إنه قد مات ، فقال : اضربوه ، فضرب بعد موته سبعة عشر سوطأ ، ولما علم بموته ، أمر بجر رجله ، فجرت ، وتعلقت أذنه في رژة عتبة الباب فانقلعت ، وحمل إلي بيته ميتا ( تجارب الأمم 65/1 ).

وفي السنة 309 تسلم الوزير حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، الحلاج ، فكان يخرجه الي من حضره ، فيصفع ، وتنتف لحيته . ( صلة الطبري ص 52)

أقول : راجع خبر مقتله في موضعه من هذا الكتاب .

وفي السنة 309 أجري الوزير حامد بن العباس وزير المقتدر ، محاكمة الحلاج ، وكان خلال المحاكمة متحاملا عليه ، متعصبا ضده ، وحضر أبو العباس بن عطاء ، أحد الفقهاء ببغداد ، فشهد في صالح الحلاج ، فراجعه حامد ، فجبهه ابن عطاء ، فأمر به فصفع بخفه صفعة مات منه بعد أسبوع، وتفصيل ذلك ، إن الحلاج لما أحضر للمحاكمة ، عرض دليلا ضده ، كتاب كتبه إلي أحد أصحابه ، عنوانه : من الرحمن الرحيم إلي فلان ، فاتهموه بادعاء الربوبية ، فقال : أنا لا أدعي الربوبية ، ولكن هذا عين الجمع عندنا ، فإن الكاتب هو الله ، وأنا واليد آلة فيه ، وسئل أبو العباس بن عطاء ، عن رأيه في قول الحلاج ، فصوبه أبو العباس ، وقال : أنا أقول بقوله ، وهذا هو الإعتقاد الصحيح ، فاغتاظ منه حامد واستنكر منه أن يصوب هذا الاعتقاد ،

ص: 199

فصاح به ابن عطاء : مالك ولهذا ، عليك بما نصبت ل، من أخذ أموال الناس ، وظلمهم ، وقتلهم ، فصاح الوزير : فكه، فوجيء فكاه، ثم أمر فنزع خفه ، وضرب به دماغه ، فما زال يصفع حتي سال الدم من منخريه ، ثم حمل إلي داره فمات بعد أسبوع ( تاريخ بغداد 128/8 ).

وفي السنة 311 لما عزل حامد بن العباس عن وزارة المقتدر ، وخلفه في الوزارة ابن الفرات ، اعتقل حامد ، وأحضر أمام المحسن ، وطالبه ، وأمر بصفعه ، فصفع خمسين صفعة ، حي سقط مغشيا عليه ، وما زال يصفع حتي أعطي توكي" ببيع ضيعنه ، ثم عامله المحسن من بعد ذلك ، معاملة تجري مجري السخف من إذلاله والوضع منه ( تجارب الأمم 103/1 ).

أقول : المعاملة المشار إليها آنفا ذكرها صاحب الصلة ، إذ قال : في السنة 311 تسلم المحسن بن الفرات ، الوزير حامد بن العباس بعد عزله ، فأخذ يصفعه، ويضربه ، ويخرجه إذا شرب ، فيلبسه جلد قرد له ذنب ، ويقيم من يرقصه ويصفعه ، ويشرب علي ذلك ( صلة الطبري 58 ).

وفي السنة 311 لما وزر أبو الحسن بن الفرات ، وزارته الثالثة ، وسلط ولده المحن علي الناس ، أخذ المحسن الوزير علي بن عيسي ، وتقدم بإحضار قيد فيه عشرون رطلا ، وجبة صوف مدهونة بماء الأكارع ، فأحضرت ، وجيء بحداد وأمر بتقييده ، فقيد، وألبس الجبة ، ثم دعا المحسن بعشرة غلمان ، كان قد واقفهم علي أن يشددوا المكروه به ، وأمرهم بصفعه ، فصفعه كل واحد منهم صفعة عظيمة ، فصاح في ثلاثة : أوه ، وقال في الباقي : أستغفر الله من ذنب مكن مثلك من مثلي . ( تجارب الأمم 110/1 والتكملة 41، وابن الأثير142/8 والوزراء 323 و324) .

وكتب المحسن بن الفرات إلي محمد بن نصر ، بالقبض علي أبن حماد الموصلي ، فأخذ ابن حماد ، وضربه ضربا أثخنه ، لعداوة كانت

ص: 200

بينهما ، ثم أنفذه ، فتسلمه المحسن، وأمر بصفعه ، فصفع صفعة شديدة ، فلم يرض بذلك ، وأحضره بين يديه ، وصفعه علي رأسه ، إلي أن خرج الدم من فيه ، ومات من ليلته . ( تجارب الأمم 93/1 والوزراء للصابي 47)

وشكا خازن ابن أبي الساج ، في السنة 315 من المال الذي يحمله محمد بن خلف النيرماني ، للإنفاق في الرجال والغلمان ، فإن أكثر ذلك المالك غلة ودراهم بهرجة وخراسانية ، فغضب محمد بن خلف ، وقال لابن أبي الساج : ما جرا هذا الكلب علي خطابي بحضرتك ، إلا لأنه وقف علي فساد رأيك في ، والآن فوالله لانظرت في شيء من أمرك ، ونفض يده في وجهه ، وخرج من مجلسه ، فغضب ابن أبي الساج ، وقال لغلمانه : ضعوا أيديكم في قفا الكلب اللاحد الخنزير ، وأسمعوني صوته بالصفع ، فصفعوه نحوا من مائة صفعة ، وأخذ سيفه ومنطقته ، واعتقل في حجرة ، وقيد بخمسين رطلا . ( تجارب الأمم 171/1 و172).

ولما وزر أبو الحسن بن الفرات وزارته الثالثة ، وأطلق يد ولده المحسن في الإيذاء كان ممن أخذه المحسن أبو بكر الشافعي ، صاحب الوزير علي بن عيسي ، وأوقع به مكروها ، وصادره وعذبه ، فلما عاد أبو الحسن علي بن عيسي للوزارة ، عرض عليه أبو بكر رقاعة يطلب فيها أصحابها قضاء مصالح لهم ، فضجر الوزير من كثرتها ، فقال له : أيها الوزير ، إذا كان حظنا من أعدائك ، في أيام نكبتك الصفع ، ومنك ، في أيام ولايتك المنع ، فمتي ۔ ليت شعري - وقت النفع ؟ فضحك ، ووقع له في جميع الرقاع ( نشوار المحاضرة للتنوخي ج 1/ص 84 رقم القصة 35/1 ).

وكان أبو محمد بن أبي أيوب الواسطي ، من تجار واسط الموسرين ، وكان يصانع أصدقائه بالمخاد ( جمع مخدة وهي الوسادة ) فدخلت عليه ذات

ص: 201

يوم مغنية كان يهواها ، فوجدته بصانع أصدقائه بالمخاد ، فلما جلسوا علي الشراب ، اقترح عليها صوتا ، وهو :

أبيني س لاحي لا أبالك إنني ****أري الحرب لا تزداد إلا تماديا

فأعطته مخدة ( نشوار المحاضرة للتنوخي ج 1 ص 102 رقم القصة 51/1)

وكان محمد بن عبد الله المعروف بابن الخصيب ، قاضي مصر (300 - 248) يمازح بعض أصحابه في المصانعة ، فعمل فيه بعض الشعراء : ( القضاة للكندي 579)

إني إلي القاضي أتت بحرمة ****هي بيننا حق كفرض لازم

سر لطيف في قفاه وفي يدي**** هي آية بهرت عقول العالم

وفي السنة 322 أفتي الفقهاء بإباحة دم ابن الشلمغاني ، وابن أبي عون ، فصلبا وأحرقا بالنار ، وسبب ذلك أن أبا جعفر محمد بن علي الشلمغاني ، المعروف بابن أبي العزاقر ، أحدث مذهبا غالية في التناسخ ، وادعي حلول الألوهية فيه ، واتبعه جماعة من وجوه الكتاب ببغداد ، فقبض عليه الوزير ابن مقلة ، وسجنه ، وكبس داره ، فوجد فيها رقاعا ممن علي مذهبه ، يخاطبونه فيها بما لا يخاطب به البشر بعضهم بعضا، ولما سئل الشلمغاني عن أمره ، أنكر ما اتهم به ، وأظهر الإسلام ، وتبرأ مما يقال فيه ، وأخذ ابن أبي عون ( أحد الأدباء الكبار ، وصاحب كتاب التشبيهات ) وابن عبدوس ( المؤرخ المشهور ، صاحب كتاب الوزراء والكتاب ) ، وأحضرا مع ابن الشلمغاني عند الخليفة ، وأمرا بصفع ابن الشلمغاني ، فمد ابن عبدوس يده ، وصفعه ، أما ابن أبي عون فإنه مد يده إلي لحيته ورأسه ، فارتعدت بده ، وقبل لحية الشلمغاني ورأسه ، وقال : إلهي ، وسيدي ، ورازقي ، فقال الراضي لابن الشلمغاني : زعمت أنك لا تدعي الألوهية ، فما هذا ؟

ص: 202

فقال : وما علي من قول ابن أبي عون ، والله يعلم ، انني ما قلت له انني اله قط ، فقال ابن عبدوس : أنه لم يدع الألوهية ، وإنما ادعي انه الباب إلي الإمام المنتظر، فحوكم ، فأفتي الفقهاء بإباحة دمه ، فصلب ابن الشلمغاني وابن أبي عون ، وأحرقا بالنار ( ابن الأثير 290/8 - 294 ).

وفي السنة 325 وقعت بالسوس معركة بين عسكر البريدي بقيادة أبي جعفر محمد المعروف بالجمال ، وعدته عشرة آلاف بأتم آلة وأكمل سلاح ، وبين عسكر ابن رائق بقيادة بجكم ، وعددهم ثلثمائة ، فانكسر عسكر البريدي ، ولما عاد قائده أبو جعفر محمد المعروف بالجمال ، الي البريدي ، صفعه بخفه ، وقال : انهزمت مع عشرة آلاف من بين يدي ثلثمائة غلام ( تجارب الأمم 371/1 وابن الأثير 335/8 ).

وجاء في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، إن رجلين اختصما إلي أحد القضاة ، وادعي أحدهما علي الأخر شيئا ، فقال للمدعي عليه : ما تقول ؟ ، فضرط بفمه ( عفط ) فقال المدعي : يسخر بك أيها القاضي ، فقال القاضي : اصفع يا غلام ، فقال الغلام : من أصنع؟ الذي سخر منك ، أم الذي ضرط عليك ؟ فقال : بل دعهما وأصفع نفسك ( كتاب نشوار المحاضرة واخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ج 6 ص 263 رقم القصة 178/6 ).

وجاء إلي القاضي أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي ، وهو علي حماره في الطريق ، رجل ، فأعطاه رقعة ومضي ، ففتحها واذا فيها :

إن التنوخي به أبن**** لأنه يسجد للفيش

له غلامان ينيكانه**** بعلة الترويح في الخيش

فلما قرأها ، قال لغلمانه : ردوا ذاك زوج القحبة ، فأحضروه ، فقال له : من أعطاك هذه الرقعة ؟ فقال : أعطانيها أحد الناس وطلب مني أن أوصلها إليك ، فقال : قل له ، يا كشخان ، يا قرنان ، يا زوج ألف قحبة ،

ص: 203

ثم صاح بغلمانه : قفاه ، قفاه ، فصفعوه ( الهفوات النادرة 243) .

وكان أبو محمد المافروخي ، عامل البصرة ، في العهد البويهي ، فأفاء ، وحدث أن أحد خلفائه ، ترك بحضرته ولد له فأفاءأ ، فلما كلمه أبو محمد ، فأفأ ، فأجابه الولد ، وفافا ، فقال أبو محمد : يا غلمان قفاه ، كأنه يحكيني ، فصفع صفعة محكم ، ثم حضره أقوام وحلفوا له انه فأفاء ، فقال : الذنب ذنب أبيه لأنه ترك في حضرتي مثله ، راجع القصة مفصلة في كتاب ( نشوار الحاضرة ج 4 / ص 14 رقم القصة 7).

وسقط غراب علي حائط صحن دار دار سهل بن بشر ، عامل الأهواز ، فنعب ، فتطير من صياحه ، وأمر بصفع البواب ، لأنه من الغراب من دخول الدار ( الهفوات النادرة 318) .

وكان أبو العباس سهل بن بشر ، ضامن الأهواز ، حديدا ، وشتم مرة أحد الفراشين ، وألح عليه ، فحمي الفراش وأخذ قربة ، وصفعه بها إلي أن قطع القرية علي قفاه ، راجع التفصيل في القصة المرقمة 107/7 من كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 7 ص 181 .

وتناظر أبو الحسين الناشيء، ومتكلم من الأشعرية ، فرفع الناشيء بده ، وصفع الأشعري ، فغضب ، وقال له : هذا سوء أدب ، وخارج عن المناظرة ، فقال له : إن نسبت العمل إلي ، فقد ناقضت مذهبك الذي يقول إن كل الأفعال من الله تعالي ، وإن انتقلت من مذهبك ، واعتبرت الضربة مني ، فخذ العوض . ( معجم الأدباء 237/5 ) .

وذكر القاضي التنوخي في نشوار المحاضرة ج 2 ص 124 و125 رقم بن مخلد ، أسلم ابن مقلة إلي أبي العباس الخصيبي ، فبسط عليه العذاب ، وضربه ، وأقامه بين غلامين ، وأقام خلفه أخر يصفعه .

ص: 204

أقول : كان ابن مقلة قد نفي سليمان بن الحسن ، وأبا العباس الخصيبي ، وتقدم بإنفاذهما في البحر إلي عمان فخب بهما البحر ، ويئسا من الحياة ، فقال الخصيبي : اللهم إني أستغفرك من كل ذنب وخطيئة ، وأتوب إليك من معاودة معاصيك ، إلا من مكروه أبي علي بن مقلة ، فإنني إن قدرت عليه جازيته عن ليلتي هذه ، وما حل بي منه فيها ، وتناهيت في الإساءة إليه ، فقال سليمان : ويحك ، في مثل هذا الموضع ، وأنت معاين للهلاك تقول هذا ؟ فقال : لا أخاد ع ربي ، وأعيدا من عمان ، فلما عزل ابن مقلة في خلافة الراضي ، ضمنه الخصيبي بألفي ألف دينار ، وتسلمه وأوقع به كثيرا من المكاره .

وغضب الصاحب أبو محمد بن مكرم ، علي صاحب دواته أبي الحسن سعيد بن نصر ، فتقدم بصفعه علي باب داره بالشمشكات .

قال أبو القاسم سعدان العطار : اجتاز بي أبو الحسن سعيد بن نصر ، دواتي الصاحب أبي محمد بن مكرم ، فسلم علي وسلمت عليه ، ولما مضي ، سألني بعض الحاضرين عنه ، فقلت له : أذكر هذا ، وقد أنكر عليه ابن مكرم فعلا فعله ، فتقدم بصفعه علي باب داره بالشمشكات ، واتفق أن أبا الحسن لم يكن بعد عني كثيرا ، فسمع قولي ، فالتفت إلي ، وقال : ما وجدت ما تعرفني به ، غير هذا الحديث ( الهفوات النادرة 204 ص 214) .

وروي القاضي التنوخي في كتاب الفرج بعد الشدة ، إن صوفيا أقسم لا يذوق شيئا ، أو يبعث إليه جام فالوذج حار ، ولا يأكله إلا بعد أن يحلف عليه ، فلما كاد أن يموت من الجوع، أوي وصاحبه ، وقد انتصف الليل ، إلي جامع ، فأنطرحا هناك ، وإذا بجارية سوداء أقبلت ومعها طبق مغطي ، وكشفت الغطاء عن جام فالوذج حار ، ووضعته بين أيديهما ، فامتنع الصوفي عن الطعام ، فشالت الجارية يدها، وصفعته صفعة عظيمة ، وقالت له : والله ، لئن لم تأكل لأصفعنك هكذا ، إلي أن تأكل ، فأكل وأكل رفيقه معه ،

ص: 205

ثم سألا الجارية عن قصة هذا الجام من الفالوذج ، فقالت : أنا جارية في بيت رئيس هذه القرية ، وهو رجل أحمق حديد ، طلب منا منذ ساعة فالوذجا ، فقمنا لنصلحه ، والدنيا شتاء وبرد ، فإلي أن باشرنا العمل ، تأخر عنه ، فطلبه مرتين ، وفي الثالثة حرد ، وحلف بالطلاق ، لا يأكله هو، ولا أحد من داره ، ولا أحد من أهل القرية ، ولا يأكله إلا رجل غريب ، فخرجت في منتصف الليل ، أطلب في المسجد غريبا ليأكله ، فوجدنا كما ، ولو لم يأكل هذا الشيخ لقتلته صفعة إلي أن يأكل ، لئلا تطلق ستي ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي (ج 3 ص 76 و 77 رقم 54/3 وفي كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي رقم القصة 261).

وقد أشرنا في مقدمة هذا البحث ، الي قصة طريفة عن محتال من العيارين البغداديين ، كان يحسن السريانية ، فكان يلبس زي الرهبان ، ويدخل إلي أحد القواد الأتراك ، ويخبره بأنه كان في الدير الفلاني ، وأنه رأي في منامه النبي صلوات الله عليه ، وأراد أن يسلم علي يده ، فقال له : إذهب إلي القائد فلان ، وأسلم علي يده ، فإنه من أهل الجنة ، ثم يقطع الزنار بحضرته ، ويتلفظ بالشهادتين ، فيجود عليه القائد بمال وثياب ، وجري علي طريقته هذه في الحيلة علي القواد ، واحدة بعد الأخر ، وفي أحد الأيام ، جاء إلي أحد القواد ، بزي الرهبان ، وقص عليه قصة المنام والدير ، وإذا بالمجلس أحد الذين سبق أن أحتال عليهم وأسلم علي يده ، فقامت عليه القيامة ، ولكنه تجلد ، وأتم مراسيم قطع الزنار ، والتلفظ بالشهادتين ، وتناول جائزة القائد ، وبارح المكان ، فلحق به القائد الذي عرفه ، وحمله إلي داره ، ففزع الرجل ، وقال له : يا سيدي أنا صفعان فقير ، فقال له التركي : إني لم أرد أن أفضحك ، وتركتك لتجوز حيلتك علي الباقين كما جازت علي، قال العيار : فتصفعت له ، وطايبته ثم دعا أصحابه من القواد الأتراك ، وأخرجه عليهم في «زي الصفاعنة ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار

ص: 206

المحاضرة ج 8 ص 272 - 274 رقم القصة 119/8 .

وكان بمصر في أيام المادرائيين ، شريف من ولد العباس ، يعرف بأبي جعفر الشق ، شبيه بابن الجصاص في الغفلة والجد والنعمة ، ذكر عنه أنه قدم علي مائدته يوما حصرمية غير محكمة الصنع، فغضب ونادي الطباخ فلامه علي ذلك ، فاعتذر بأنه سأل المنفق أن يشتري ما يحتاج إليه ، فلم يلب طلبه ، فأحضر المنفق ، فاعتذر بأنه سأل الجهبذ ، فتأخر في أداء ما طالبه بأدائه ليشتري ما طلب منه ، فأحضر الجهبذ ، فاعتذر بأنه طالب الكاتب بأن يوقع له ، فتأخر عن ذلك ، فأحضر الكاتب ، وسأله ، فلم يكن عنده جواب ، فأوقف الكاتب ، وأوقف خلفه الجهبذ ، وخلف الجهبذ المنفق ، وخلف المنفق الطباخ ، وقال : نفيت من العباس ، إن لم يصفع كل واحد منكم من يليه بأشد ما يقدر عليه ، فتصانعوا ، راجع القصة في نشوار المحاضرة للتنوخي (ج 6 ص 206 - 208 رقم القصة 132/6 ).

وحضر أبو الهيثم ، في دار عضد الدولة ببغداد ، وجلس وأخذ عمامته عن رأسه ، ووضعها بين يديه ، فكتب بذلك صاحب الخبر ، فخرج إليه أستاذ الدار وخرق به ، وشتمه وأخذ عمامته فضرب بها رأسه حتي تقطعت قطعة ، ثم اعتقل . ( رسوم دار الخلافة 77) .

وكان من الآيين في دار الخلافة ، أن اللون الأحمر ، ينفرد به الخليفة ، واتفق أن دخل دار الخلافة ، ابن أبي الشوارب الأموي القاضي ، لابسأ خفا أحمر ، فرآه أبو الحسن الشرابي الحاجب ، وكان من أعدائه ، فأمر أحد الغلمان فنزع خف القاضي ، وضرب به رأسه . ( رسوم دار الخلافة 75 ).

وغضب الوزير أبو القاسم المغربي علي بعض العمال ، واحتد عليه ، فقال له : لأتقدم بصفعك ، فقال له العامل : بل نترك العمالة ، ولا تصفعنا ولا نصفعك ( الهفوات النادرة 182).

ص: 207

وحضر إلي أبي الغنائم القنائي ، أحد أتباعه ، وشكا إليه من بعض الناس ، فقال له مستهزئا : لم صبرت علي هذا الفعل منه ، كان يجب عليك أن تشيل قفاك فتصفع يده ، لا تفكر فيه ولا تحتشمه ، فقال له : هذا يفعله سيد مثلك ، أما أنا فلا أقدم علي مثله ، فخجل أبو الغنائم وامتقع لونه ( الهفوات النادرة 65 ).

وفي السنة 344 تحارب ابن ماكان ، بأصبهان ، وابن العميد وزير ركن الدولة ، فأسر ابن ماكان ، وأحضر امام ابن العميد، فخرج من بين الجمع ركابي أو مكاري فصفع آبن ماكان صفعة طن بها الموضع ، فلحق ابن العميد غيظ عظيم ، وأمر بطلبه ليقطع يده ، إذ اعتبر العمل إهانة لأسير لا يملك الدفاع عن نفسه ، فهو عمل مخالف للمروءة ، ( تجارب الأمم 161/2 ).

وكان من رسم الأبزاعجي ، صاحب الشرطة في بغداد ، في عهد معتر الدولة ، أنه إذا أراد أن يقرر إنسانا ، قرره وهو قائم بين نفسين ، ووراءه جماعة بمقارع، فإذا حك رأسه ، ضرب المقرر صفعة واحدة عظيمة بالمقرعة ، فيقول للذي ضربه : قطع الله يديك ورجليك ، يا فاعل ، يا صانع ، من أمرك بضربه ؟ ولم ضربته ؟ تقدم يا هذا لا بأس عليك ، أصدق ، فقد نجوت ، فإن أقر ، وإلا حك رأسه ثانية وثالثة أبدا ، وكذلك كانت عادته في جميع الجناة ، وهو رسم له معروف عند المتصرفين بحضرته ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة ( ج 3 ص 217 رقم القصة 141/3 ).

وكان أبو طاهر ، علي مطبخ أبي محمد بن مكرم ، فقدم علي الطبق خبز رديء ، فأمر أبو طاهر ، باحضار الخباز وصفعه عشرين صفعة ( الهفوات النادرة 307) .

وكان أبو القاسم الحسن بن أميرويه الديلمي ، يكتب لأبي القاسم

ص: 208

علي بن الحسين ، ابن اخت الوزير أبي الفرج بن فسانجس ، فجري علي ابن أميرويه ، من الجند الأتراك ، استخفاف وصفعوه ، فجاء إلي صاحبه علي بن الحسين ، غاضبا ، وقال له : يا سيدنا أنا أخدم بين يديك ، وليس لي بعد الله غيرك ، والجاري خمسمائة درهم ليس تكفيني لنفقتي ، فلم الأتراك في كل وقت يصفعونك ، ويجرون برجليك ويستخفون بك ، فضحك منه ، وقال : لسوء أدبهم ، وأدب من يجرون برجله ، وأعرض عنه ، وصار بعدها لا يكلمه إلا بالفارسية ( الهفوات النادرة 338 ).

أقول : هذا الكاتب الديلمي ، ابن أميرويه ، كان يكتب لموسي بن فياذة ، القائد الديلمي ، وقد حفظ عنه ، انه كتب رقعة مع جارية له إلي البقلي : يدفع البقلي - أعزه الله - في الجارية ، عشرين قاعة كبارا ، فقال لها البقلي : دعيني أدفع فيك قثاءة واحدة بكل ما في الصين من القثاء ( الهفوات النادرة 337).

وكتب صاحب حلب إلي عامله علي انطاكية ، أن يصفع كاتبه ، وسبب ذلك : إن عامل انطاكية ، كان له كاتب أحمق ، وغرق في البحر شلنديان من مراكب المسلمين التي يقصدون فيها الروم ، فكتب الكاتب عن صاحبه العامل ، إلي الأمير بحلب : بسم الله الرحمن الرحيم ، أعلم الأمير - أعزه الله - إن شلنديين ، أعني مركبين ، صفقا، أي غرقا، من خب البحر ، أي من شدة موجه ، فهلك من فيهما ، أي تلفوا ، فأجابه صاحب حلب : ورد كتابك ، أي وصل ، وفهمناه ، أي قرأناه ، فأدب كاتبك، أي اصفعه ، واستبدل به ، أي أصرفه ، فإنه مائق ، أي أحمق ، والسلام ، أي قد انقضي الكتاب ( الهفوات النادرة 305 و306) .

وفي السنة 431 اتهم باديس صاحب غرناطة ، أبا الفتوح ثابت بن محمد الجرجاني ، بالتآمر ضده ، ففر منه إلي إشبيلية ، ثم عاد إليه مستسلمة ، فحلق رأسه ، وأدخله إلي غرناطة مشهرا علي بعير ، ومن خلفه

ص: 209

أسود فظ ضخم يوالي صفعه ( الاحاطة 462 - 466) .

وفي السنة 478 غضب المعتمد بن عباد اللخمي ، صاحب إشبيلية وقرطبة ، علي رسول الاذفنش ، فأمر بصفعه ، فصفع حتي ندرت عيناه ، وسبب ذلك ، إن المعتمد كان يؤدي الضريبة في كل عام إلي الاذفونش ، فلما ملك الأذفونش طليطلة، أرسل إليه الضريبة ، علي عادته ، فردها، وطمع في تملك قسم مما يملكه المعتمد ، وبعث إليه رسولا يطالبه بتسليم جميع الحصون التي في الجبل ، فغضب المعتمد ، وأمر بالرسول فصفع صفعة عظيمة ، حتي ندرت عيناه ( ابن الأثير 143/10 ).

ومر المعتمد بن عباد اللخمي ، صاحب قرطبة وإشبيلية ، ذات ليلة ، ومعه وزيره ابن عمار ، باب شيخ كثير التهكم ، فضربا عليه الباب .

فقال : من هذا ؟ والله لو ضرب آبن عباد بابي ما فتحت له .

فقال المعتمد : فإني أبن عباد .

فحسب الرجل أن أحد أصدقائه يمازحه ، فقال : مصفوع ألف صفعة . فضحك المعتمد ، حتي سقط إلي الأرض ( نفح الطيب 127/4 ).

وفي السنة 484 صفع إنسان يبيع الحصر ، أبا سعد بن سمحة اليهودي وكيل السلطان ونظام الملك ، واتهم بأن الوزير أبا شجاع وضعه علي ذلك ، فأرسل السلطان إلي الخليفة في عزله ، فعزله ، فلما بلغه الأمر بعزله قال : ( ابن الأثير 186/10 و187).

تولاها وليس له عدو**** وفارقها وليس له صديق

ولما حبس المستظهر العباسي (ت 512)، وزيره أبا منصور عميد الدولة بن جهير ، واستصفي أمواله ، أدخله حمامة ، وسمر عليه الباب ، حتي مات ، ثم عرضه علي الشهود ، ليروا أنه مات حتف أنفه ، فدخل أخوه مع

ص: 210

الشهود ، ولما راه ميتا ، صاح : يا أخي قتلوك ، فهجم عليه خدم الخليفة ، ضربا وصفعة بالنعال ، حتي قتلوه ( الوافي بالوفيات 272/1 و273 ) .

وغضب الأمر الفاطمي (ت 524 ) علي المستوفي الراهب ، ابن أبي نجاح ، لتفاقم ظلمه ، فأمر به ، فقتل ضربأ بالنعال ، في مجلس الشرطة ، بالقاهرة ، وجر الي كرسي الجسر ، وسمر علي لوح ، وطرح في النيل، وجذف ، حتي خرج إلي البحر الملح . ( خطط المقريزي 291/2 ).

وفي السنة 501 توفي تميم بن المعز بن باديس ، صاحب إفريقية ، وكان له في البلاد أصحاب أخبار يجري عليهم أرزاق سنية ليطالعوه بأحوال أصحابه لئلا يظلموا الناس ، وكان بالقيروان رجل تاجر ، له مال وثروة ، فذكر التجار في بعض الأيام تميمة ، فامتدحوه ، وذلك التاجر حاضر فترحم علي أبيه المعز ولم يذكر تميم بخير، فرفع ذلك إلي تميم ، فأحضره إلي قصره ، وسأله: هل ظلمتك ؟ قال : لا ، قال : فهل ظلمك بعض أصحابي ؟ قال : لا ، قال : فلم أطلقت لسانك أمس بذمي ؟ فسكت ، فقال له : لولا أن يقال عني أنني شرهت إلي مالك لقتلتك ، ثم أمر به فصفع في حضرته قليلا ، ثم أطلقه فخرج وأصحابه ينتظرونه ، فسألوه عن خبره ، فقال : أسرار الملوك لا تذاع ، فصارت بإفريقية مثلا . ( ابن الأثير 451/10 ).

وفي السنة 526 أحضر نازح خادم خاتون زوجة المستظهر ، إلي دار الخلافة ، وقيل له : أنت حافظ خاتون المستظهرية ، وقد قذفت بابن المهير ، فصفع ، وأخذت خيله وقريته ، وقتل ابن المهير ، وحل المسترشد إقطاعها ، وأقام معها في دارها من يحفظها . ( المنتظم 27/10 ) .

وكان من جملة العذاب الذي عذب به نصر بن عباس ، الذي قتل الظافر الفاطمي ، أن أدخل إلي نساء الظافر ، فأقمن يضربنه بالقباقيب والزرابيل ( أخفاف النساء) (النجوم الزاهرة 311/5 ) .

ص: 211

وفي السنة 557 ادعت امرأة علي ابن النظام فقيه النظامية ، أنه تزوجها ، فجحد ، وحلف ، ثم قرر ، فأقر ، فعزل من التدريس ، ووكل به ، وأخذ الفقيه الذي عقد لهما العقد ، فصفع علي باب النوبي . ( المنتظم 203/10)

وفي السنة 578 حصر صلاح الدين الأيوبي ، بلدة الموصل، فدافع عنها أصحابها دفاعا مجيدا ، ونصب صلاح الدين منجنيقا ، فنصب عليه أهل البلد ، تسعة مجانيق ، وخرج جماعة من العامة ، فأخذوه ، وجري عنده قتال كثير ، فأخذ بعض العامة لالكة (نوع من الأحذية ) من رجليه ، فيها مسامير كثيرة ، ورمي بها أميرة يقال له جاولي الأسدي ، مقدم الأسدية وكبيرهم ، فأصاب صدره ، فوجد لذلك ألما شديدا ، وأخذ اللالكة وعاد عن القتال الي صلاح الدين ، وقال : إن أهل الموصل يقاتلوننا بحماقات ، ما رأيت مثلها ، وألقي اللالكة ، وحلف أنه لا يعود يقاتل ، أنفة ، حيث ضرب بهذه ( ابن الأثير 85/11 و486) .

وهجا الشاعر أبو المكارم هبة الله بن وزير ، القاضي السعيد أبا القاسم هبة الله بن جعفر السعدي (ت 108)، فأحضره السعيد ، وصفعه وشتمه ، فكتب إليه أبو الحسن ابن المنجم الشاعر : ( مرآة الجنان لليافعي 18/4 ).

قل للسعيد أدام الله نعمته ****صديقنا ابن وزير كيف تظلمه

صفعته إذ غدا يهجوك منتقما ****فكيف من بعد هذا ظلت تشتمه

هجو بهجو وهذا الصفع فيه ربا ****والشرع لا يقتضيه بل يحرمه

فإن تقل ما بهجو عنده ألم ****فالصفع والله أيضا ليس يؤلمه

وفي السنة 802 عاقب الأمير تنم ، كاغل حلب ، شخصأ من أكابر أهل عين تاب بالصفع ، فأدخله السجن ، فمات بالسجن من الصفع ، وكان الأمير تنم كثير الطمع في أموال الرعية ، وصادر كثيرة منهم ، وانحلت الأمور في

ص: 212

أيامه وكثر قطاع الطريق ، فلم تطل أيامه بحلب ، وعزله السلطان ( اعلام النبلاء 47/3 ) .

وهجا الشاعر ابن القطان البغدادي (ت 558 ) قاضي القضاة جلال الدين الزينبي ، بقصيدة ، فسير إليه أحد غلمانه ، فأحضره ، وصفعه ، وحبسه ، فلما طال حبسه ، كتب إلي مجد الدين أستاذ دار الخليفة :

إليك أظل مجد الدين أشكو**** بلاء حل لست له مطيقا

وقوما بلغوا عني محا ****إلي قاضي القضاة الندب سيقا

فأخفق نعله بالصفع رأسي**** إلي أن أوجس القلب الخفوقا

علي الخصم الأداء ، وقد صفعنا**** إلي أن ما تهدينا الطريقا

فيامولاي هب ذا الإفك حقا ****أيحبس بعدما استوفي الحقوق

فأخرجه مجد الدين من الحبس ، فقال : ( وفيات الأعيان 484/3 و58/6 ).

عند الذي طرف بي إنه**** قد غض من قدري وآذاني

فالحبس ما غير لي خاطرة ****والصفع مالين آذاني

وفي السنة 199 قبض الظاهر بيبرس ، سلطان مصر، علي الملك المغيث فتح الدين عمر الأيوبي ، صاحب الكرك ، وبعث به معتقلا إلي مصر ، فحمل إلي امرأة الظاهر بيبرس ، بقلعة الجبل ، فأمرت جواريها ، فقتلنه ضربا بالقباقيب ، وكانت تنقم عليه إنه أساء معاملتها لما كانت بالكرك ، لما هرب زوجها الظاهر بيبرس من خصومه ( المختصر في تاريخ البشر 216/3 و217) .

وفي السنة 681 أحضر إلي بغداد عبد يشوع ويعقوب ، وكانا قد رفعا علي الصاحب علاء الدين صاحب الديوان ، فطيف بهما في بغداد عريانين ، والعوام يصفعونهما ويضربونهما بالأجر ، ثم قتلا بقية اليوم ، وجر العوام

ص: 213

جثتيهما ، وأحرقوهما بباب قلاية النصاري ( الحوادث الجامعة 422) .

وفي السنة 732 توفي فخر الدين محمد بن فضل الله القبطي ، ناظر الجيش بالقاهرة ، وكان هو المدبر لمملكة الناصر محمد بن قلاوون ، وكان كثيرا ما يعارض السلطان ، فيغضب السلطان منه ثم يعود فيرضي عنه ، وكان لا يتناول راتبا من السلطان ، وإنما يأخذ في كل يوم ( كماجة ) واحدة ، يقول إنه يأخذها تبركا ، وكان يمازحه ويطلعه علي أسراره ، وغضب عليه السلطان الناصر مرة لكثرة معارضته له ، فصاح عليه : اخرج من وجهي ، ولا أري وجهك من بعدها ، فخرج وهو يقول : لقد أراحني الله ، فغضب منه ، ونزع خفيه ، وضربه بهما ، ثم رضي عنه وأعاده ( الدرر الكامنة 255/4 و 256).

وفي السنة 742 كان القاضي حسام الدين حسن بن محمد البغدادي الغوري ، بالجامع ، فهجم عليه جماعة من « زفورية المطبخ ، فضربوه ، ومزقوا ثيابه ، وخرقوا عمامته ، وتناولوه بنعالهم يضربونه حتي أدركه بعض الأمراء وهو يستغيث ، فخلصه منهم ، وحمل الغوري إلي بيته بالصالحية ، فاقتحم عليه العوام منزله ، ونهبوا جميع ما فيه ، وشرعوا في كتابه محضر لإثبات فسقه ، فتعصب له بعض الأمراء ، وخلصه وأخرج من الديار المصرية ( الدرر الكامنة 127/2 و129).

وأورد صاحب النجوم الزاهرة 60/10 و61 خبر الاعتداء علي القاضي الغوري بالشكل الآتي : قال : في السنة 742 لما جلس الناصر أحمد بن الناصر محمد بن قلاوون علي العرش بالقاهرة ، جاء القاضي حسام الدين الغوري ، لتقديم التهاني ، وكان طباخ السلطان يحقد علي القاضي أنه أهانه في أحد الأيام في مجلس الحكم ، فأغري به صبيان المطبخ وجمع من الأوباش ، فأقاموه ، وأنزلوا عمامته في حلقه ، وقطعوا ثيابه ، وضربوه بالنعال ضربا مبرحا ، وهو يستغيث ، وهجم العامة علي داره فنهبوها .

ص: 214

أقول : حسام الدين الغوري ، نشأ ببغداد ، وتولي الحسبة بها ، ثم تولي القضاء ، وقدم إلي مصر صحبة وزير بغداد نجم الدين محمود في السنة 738 لما وقعت الفتنة ببغداد ، وأستقر بالقاهرة في قضاء الحنفية ، وكان سليط اللسان فاحش الألفاظ ، أغضب جميع رجال الدولة حتي السلطان ، وكان يستطيل بكلامه مع السلطان بالتركية ، ويبالغ في الغض من رفقته ، والظاهر أن ما ناله من الضرب والإهانة ، كان بتحريض من بعض رجال الدولة .

وفي السنة 755 عزل تاج الدين ابن الغنام ، ناظر الجيش وناظر الخاص بمصر ، وكشف رأسه ، وضرب بالنعال ، ومات تحت العقوبة ( الدرر الكامنة 201/1 ).

وكان القاضي عبد المعطي بن محمد الريشي ، نائب القاضي الحنفي بالقاهرة (ت 833 ) يصفع من يتحاكم إليه ، ويرسل لمن يريد إهانته من بياض الناس ، من يقوم بصفعه ( الضوء اللامع 82/5 ).

وفي السنة 892 توفي أبو المعالي علي بن عبد المحسن القطيعي ، وكان مقيمة بدمشق ، وأفتي في مسألة الطلاق برأي ابن تيمية ، فامتحن بسببها علي يد القاضي الباعوني ، قاضي الشافعية بدمشق ، فأمر به فصفع ، وأركب علي حمار، وطيف به في شوارع دمشق ، وسجن ( الضوء اللامع 256/5)

وفي السنة 886 نصب قاضيأ للمالكية بالقاهرة ، الفقيه عبد الرحمن بن خلدون الحضرمي ، من أهل تونس ، وكان قد تنقل بين المغرب والأندلس ، ثم حج ، فلما عاد إلي القاهرة ، نصبه السلطان قاضيأ للمالكية ، ففتك بكثير من أعيان الموقعين والشهود ، وصار يعزر بالصفع ، ويسميه : الزج ، فإذا غضب علي إنسان ، قال : زجوه ، فيصفع حتي تحمر رقبته ( الضوء اللامع 145/4 و146).

ص: 215

وفي السنة 922 غضب الشيخ سعود بالقاهرة ، علي الزيني بركات بن موسي ، صاحب الحسبة ، فأمر بكشف رأسه ، وضربه بالنعال ، فصفعوه بالنعال علي رأسه حتي كاد يهلك ( بدائع الزهور 112/5 و 113 ).

وفي السنة 998 توقي الشيخ زين الدين عمر الرسام الدمشقي ، وكان سبب موته أنه طالب أحمد الخليلي الجابي بعلوفته في وقف الحرمين ، فأجابه أحمد بمجون وسخرية ، فصفعه الشيخ زين الدين ، فشكاه إلي القاضي ، فأعترف بصفعه وأستطال عليه في المجلس ، فعزره القاضي ، فعاد إلي بيته محموما ومات ( الكواكب السائرة 198/3 ).

وفي السنة 1192 أمر مراد بك ، بمصر ، بقطع يدي عبد الرحمن أغا، وسلمه السواس الخيل ، فصفعوه ، ثم قطعت يده ، ثم قتل ( تاريخ الجبرتي 532/1 ) .

وفي السنة 1192 حصلت معركة بين الأمراء المحمديين ( أصحاب محمد بك أبي الذهب والعلويين ( أصحاب علي بك بلوط قبان ) فانكسر العلويون ، وهرب حسن بك الجداوي ، فهاجمه العرب ، وحصره رتيمة شيخ عرب بلي ، وقبض عليه ، وأخذ سلاحه ، وعزاه ، وكتفه ، وصفعه رتيمة علي قفاه ووجهه ، وسحبه ماشي حافيا ، وبلغ ذلك الشيخ إبراهيم شيخ بلقيس ، فركب إليه وخلصه ، وفك كتافه ، وألبسه ثيابا ، وأعطاه دراهم ودنانير ( الجبرتي 520/1 ).

وفي السنة 1199 حصلت فتنة بالإسكندرية ، بين أهل البلد ، وأغات القلعة والسردار ، بسبب قتيل من أهل البلد ، قتله بعض أتباع السردار ، فثار العامة ، وقبضوا علي السردار ، وأهانوه ، وجرسوه علي حمار ، وحلقوا نصف الحينه ، وطافوا به البلد وهو مكشوف الرأس، وهم يضربونه ، ويصفعونه بالنعالات ( الجبرتي 594/1 ) .

ص: 216

وفي السنة 1213 قتل الشيخ سليمان الجوسقي ، شيخ طائفة العميان بالقاهرة ، إتهمة الإفرنسيون ، بإثارة الفتنة عليهم ، وكان قد غضب عليه الشيخ الحفني ، في أمر من الأمور ، فأرسل إليه من أحضره موثوقة ، مكشوف الرأس ، مضروبا بالنعالات علي دماغه وقفاه ، من بيته إلي بيت الشيخ بالموسكي ، بين ملا العالم ( الجبرتي 2/ 279 ) .

ص: 217

الفصل الثالث :

أ- الركل

الركل : الضرب برجل واحدة ، والبغداديون يسمون الركلة : جلاقة ، والفعل : جلق ، يجلق ، تجليقا ( بالجيم المثلثة ) ، وتسمي في لبنان : البطة ، وفي مصر : شلوت .

أقول : لم أعثر علي أصل كلمة الجلافة ، ووجدت في المعجم الذهبي : إن كلمة شلاق الفارسية تعني السوط ، وأن كلمة جالاك الفارسية ، تعني السريع ، ووجدت في النجوم الزاهرة 297/7 أن كلمة جالق التركية يراد بها الفرد الحاد السريع الإندفاع، ولبط : فصيحة وتعني الإلقاء علي الأرض ، أما الشلوت ، فلم أعثر علي أصل لها ، ولعل الكلمة محرفة عن الجلاق .

وهذا اللون من العذاب ، أي الركل ، يقصد به الإهانة .

وأقدم ما بلغنا عن هذا اللون من العذاب ، ما أصاب عمار بن ياسر ، من الركل ، لما كتب عدة من أصحاب رسول الله صلوات الله عليه ، كتابا إلي عثمان ، عددوا فيه ما نسبوا إليه من أحداث ، وخوفوه ربه ، وأعلموه أنهم مواثبوه إن لم يقلع ، وأخذ الكتاب إليه عمار بن ياسر ، فقرأ عثمان صدرا منه ، ثم قال لعمار : أعلي تقدم من بينهم ؟ فقال عمار : لأني أنصحهم لك ، فقال : كذبت ، وأمر غلمانه فمذوا بيديه ورجليه ، ثم ضربه عثمان

ص: 218

برجليه وهي في الخقين علي مذاكيره ، فأصابه الفتق ، وكان ضعيفا كبيرة ، فغشي عليه ( أنساب الأشراف 49/5) .

والخبر الذي يليه عن هذا اللون من العذاب ، مارسه عبد الله بن الزبير ، فإنه لما أيس من الظفر جمع أصحابه ، وأستشارهم فيما يصنع ، فقال له أخوه عروة ، وكان جالسا معه علي السرير ، يا أمير المؤمنين ، قد جعل الله لك أسوة ، فقال عبد الله : من هو أسوتي ؟ قال : الحسن بن علي ، خلع نفسه وبايع معاوية ، فرفع عبد الله رجله ، وركل عروة ، حتي ألقاه ، ثم قال له : ياعروة ، قلبي إذن مثل قلبك ( الإمامة والسياسة 24/2)

ولما فرغ مسلم بن عقبة من قتل أهل المدينة ، في وقعة الحرة ، جلس علي سرير ، وأمر أهل المدينة أن يبايعوه علي أنهم عبيد ليزيد بن معاوية ، وخول له ، إن شاء وهب ، وإن شاء أعتق ، وإن شاء أسترق ، فمن أبي ذلك قتله ، وجاء عمرو بن عثمان بن عفان إليه ، فأجلسه معه علي السرير ، ولما حاول أن يخلص مدنيا من القتل ، ركله برجله ، فرماه من فوق السرير ( الامامة والسياسة 8/2 ).

وكان زفر بن الحارث الكلابي ، حارب عبد الملك بن مروان ، ثم نزل اليه بالأمان ، فأمنه ، وأجلسه معه علي السرير ، فدخل عليه الأخطل ، وقال العبد الملك : تجلس عدو الله هذا معك علي السرير ، وهو القائل بالأمس :

وقد ينبت المرعي علي دمن الثري**** وتبقي حزازات النفوس كما هيا

فقبض عبد الملك رجله ، وركل بها صدر زفر ، فقلبه عن السرير ، وقال : أذهب الله حزازات تلك الصدور ، فقال زفر : أنشدك الله يا أمير المؤمنين ، والعهد الذي أعطيتني ، راجع التفصيل في الأغاني 296/8 و297).

ص: 219

وغضب أبو نعيم المحدث ، من يحيي بن معين ، فرفع رجله وركل بها يحيي ، فرمي به عن الدكة ، وسبب ذلك ، إن يحي أراد أن يختبر أبا نعيم ، وأبو نعيم من ثقات المحدثين ، فكتب ثلاثين حديثا فيها سند لأبي نعيم ، وأدخل فيها ثلاثة أحاديث ، لا سند له فيها ، وجاء إليه ، فلما قرأ عليه ما كتب ، كان إذا وصل إلي حديث ليس فيه سند ، قال له : هذا ليس من حديثي فأضرب عليه ، فلما أتم قراءته ، أحس إنه إنما جاء ليختبره ، فغضب ، وركله برجله ، فرماه عن الدكة ، راجع القصة مفصلة في كتاب تاريخ بغداد للخطيب 353/12 .

ولعاتكة بنت الفرات بن معاوية البكائي ، زوجة يزيد بن المهلب ، قصة طريفة مع بدوي ، إذ أمرت جواريها ، فركلنه في أسته ، قصها علينا أبو الفرج الأصبهاني في الأغاني 271/13 قال : خرجت عاتكة إلي بعض بوادي البصرة ، فلقيت بدوا معه سمن ، فقالت له : أتبيع هذا السمن ؟ فقال : نعم ، قالت : أرنا إياه ، ففتح نحيا ، فنظرت إلي ما فيه ، ثم ناولته إياه ، وقالت : إفتح آخر، ففتح آخر ، فنظرت إلي ما فيه ثم ناولته إياه ، فلما شغلت يديه ، أمرت جواريها فجعلت بركلن في استه، وجعلت تنادي : با ثارات ذات النحيين ، تعني ما صنع بذات النحيين في الجاهلية ، فإن رجلا يقال له : خوات بن جبير رأي امرأة معها نحيا سمن ، فقال : أريني هذا ، ففتحت له أحد النحيين ، فنظر إليه ، ثم قال : أريني الأخر ، ففتحته ، ثم دفعه إليها ، فلما شغل يديها ، وقع عليها ، فلم تقدر علي الإمتناع خوفا من أن يذهب السمن ، فضربت العرب المثل بها، وقالت : أشغل من ذات النحيين ، فأرادت عاتكة أن تثأر للنساء بما فعلته .

وكان أحمد بن الخصيب ، وزير المنتصر العباسي ، يركل المتظلمين ، وكانت فيه مروءة وحدة وطيش ، فعرض له رجل، فألح عليه ، فاحتد،

ص: 220

وأخرج رجله من الركاب ، وركله بها في صدره ، فقال فيه الشاعر : ( وفيات الأعيان 187/1 ).

قل للخليفة يا أبن عم محمد ****أشكل وزيرك إنه رگال

قد نال من أعراضنا بلسانه ****ولرجله عند الصدور مجال

وكانت في أبي العباس بن الفرات ، حدة ، وسفه لسان ، وحدث أن ألح عليه أحد المتظلمين من أهالي سميا ، قرية من نواحي الكوفة ، فرفسه برجله في الركاب ، وقتعه بالمقرعة ، وبصق عليه ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي في القصة رقم 35/8 .

وفي السنة 1023 غضب والي الشام أحمد باشا الحافظ ، علي حمزة الرومي ، صاحب صنجق الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ، فأمر بحبسه في قلعة دمشق ، فراجعه في ذلك أكبر الجاويشة واسمه محمد الشهير بابن الدزدار ، فرفسه الوزير برجله في صدره ، وشتمه . (تراجم الأعيان 213/1 و214).

وفي السنة 1248 وقعت معركة ، بالقرب من حمص ، بين الجيش المصري بقيادة ابراهيم باشا بن محمد علي باشا ، وبين الجيش العثماني بقيادة محمد باشا البيرقدار ، والي حلب ، فانكسر الجيش العثماني ، وعاد محمد باشا البيرقدار إلي السردار حسين باشا، القائد العام للجيش العثماني ، فوبخه السردار ، ورفسه برجله ، ونزع عنه سيفه وطرده من أمامه ، ووكل به بعض الخدم ( اعلام النبلاء 417/3 - 419 )

ص: 221

ب - اللطم

اللطم : ضرب الخد أو الجسد بالكف أو بباطن الكف .

ثم صرفت الكلمة إلي ضرب الخد بالكف المبسوطة ، وقد ورد في كتاب البصائر والذخائر 174/4 ان احد الشطار البغداديين قال يفخر بنفسه : لو كلمني رجل من نحاس ، ورجلاه من رصاص ، اصفعه صفعتين ، فأصير انفه في قفاه .

والبغداديون يسمون الضربة بالكف علي الخد : عجل ، بكسر العين والجيم وأحسبها جاءت من المعاجلة ، كما أنهم يسمون هذه الضربة : راشدي ، وبعضهم يسميها : محمودي ، ويقال أن راشدي ، نسبة إلي راشد باشا ، عسكري تركي ، كان معروفا بشدة الضربة ، بحيث إنه ضرب شخصا بكفه علي خده ، فأغمي عليه ، وأن محمودي ، نسبة إلي محمود بك ، عسكري تركي آخر ، كان إذا ضرب بكفه شخصا علي خده ، لوي عنقه .

كان عمر بن الخطاب يطوف بالبيت ، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين ، إن عليا لطمني ، فوقف عمر إلي أن وافي علي ، فقال له عمر: يا أبا الحسن ألطمت هذا ؟ قال : نعم ، قال : ولم ؟ قال : لأنني رأيته ينظر إلي حرم المسلمين في الطواف ، فقال : أحسنت ( البصائر والذخائر510/2/3)

ص: 221

ولما أسلم جبلة بن الأيهم الغاني أمير الشام ، حج ، فبينا هو يطوف بالبيت محرمة ، وعليه إزاران، ارتدي بواح، وأتزر بالآخر ، إذ وطيء رجل طرف إزاره ، فأنحل عنه حتي بدت عورته ، فغضب ، ولطم الرجل ، فشكاه الملطوم إلي عمر ، فقال له عمر : أقد الرجل أو استوهب منه ، فقال له جبلة : كيف وأنا ملك وهو سوقة ، فقال له عمر : إن الناس في الحق سواء ، فلما جن الليل علي جبلة ، ترك مكة ، ولحق بأرض الشام ، ثم بأرض الروم ( الاغاني 162/15 و 163 والمحاسن والمساويء 54/1 ).

أقول : كان جبلة بن الأيهم ، آخر ملوك الغساسنة بالشام ، أسلم في أيام الخليفة عمر ، وقدم الحجاز ، وحج ، فداس رجل علي ردائه وهو يطوف البيت ، فلطمه ، فشكاه الملطوم إلي عمر ، فقال له عمر : أرضه أو أقده ، فقال له : أنا ملك ، وهو سوقة ، فقال له عمر : إن الإسلام ساوي بينكما ، فاستمهله إلي غد ، فلما جن الليل ، خرج في حشمه وعبيده ، ومن أطاعه من قومه ، ولحق بالروم ، وتنضر ، ثم ندم علي ما كان منه ، وروي عنه إنه قال : ( العقود اللؤلؤية 35/1 و36).

تنصرت الأشراف من أجل لطمة**** وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

تكنفني فيها لجاج ونخوة****فكنت كمن باع الصحيحة بالعور

فياليت أمي لم تلدني ، وليتني****رجعت إلي القول الذي قاله عمر

ويا ليت لي بالشام أدني معيشة**** أجاور قومي ذاهب السمع والبصر

وفي أيام معاوية ، لطم بالقسطنطينية ، أحد بطارقة الروم ، أسيرا مسلما ، فالمه ، فصاح ، وبلغ ذلك معاوية ، ففادي بالاسري ، والرجل من بينهم ، فأطلقهم ، ثم أحتال حتي وقع البطريق في قبضته ، فجلس له مجلسا عاما ، وأحضره ، ثم أحضر الأسير ، وأمره أن يقتص من البطريق ، فقام إليه ولطمه في مجلس معاوية ، ثم أطلق البطريق ، وأعاده إلي بلاد الروم ، راجع

ص: 222

تفاصيل القصة في ( مروج الذهب 483/2 - 487 وخطط الشام 163/1)

ولطم رجل ، الأحنف بن قيس ، فسأله عن السبب ، فقال : جعل لي جعل ، علي أن ألطم سيد بني تميم ، فقال له الأحنف : ما صنعت شيئا ، عليك بحارثة بن قدامة ، فإنه سيد بني تميم ، وكان حارثة حديدا ، فانطلق ، فلطمه ، فقطع يده . ( الاذكياء 105).

ا ولطم يحيي بن عروة بن الزبير ، وجه حاجب عبد الملك بن مروان ، فأدمي أنفه ، وسبب ذلك ، إن يحيي وفد علي عبد الملك بن مروان ، فجلس يوما علي بابه ، فجري ذكر عبد الله بن الزبير ، فنال منه حاجب عبد الملك ، فرفع يحيي يده ولطم وجه الحاجب ، حتي أدمي أنفه ، فدخل الحاجب علي عبد الملك ودمه يجري من أنفه ، وأخبره بأن يحيي قد ضربه ، فأمر بإدخاله ، فأدخل ، وقال له : ما حملك علي ما صنعت بحاجبي ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن عمي عبد الله كان أحسن جوارأ لعمتك ، منك النا ، والله ، إن كان ليوصي أهل ناحيته ألا بذكروكم عندها إلا بخير ، وكان يقول لها : من سب أهلك فقد سب أهلي ، فسكن عبد الملك واتكأ ، ولم تزل تعرف منه الزيادة في إكرام يحيي بعدها ( شرح نهج البلاغة 261/3 ).

ولطم محمد بن زيد بن علي بن الحسين ، محمد بن هشام بن عبد الملك ، في المسجد الحرام عدة لطمات ، وقال له : يا خبيث تؤدي إلي حقي ؟

وتفصيل ذلك : إن المنصور ، سنة حج ، عرض عليه بمكة جوهر فاخر ، عرف إنه كان لهشام بن عبد الملك ، وانتقل إلي ولده محمد بن ام ، فعلم أن محمدا بمكة ، وأراد القبض عليه ، فقال للربيع : إذا كان غدأ ، وصليت بالناس في المسجد الحرام ، فأغلق الأبواب كلها ، وأفتح

ص: 223

للناس بابا واحدا ، وقف عليه ، لا يخرج منه إلا من عرفته ، فلما كان من الغد ، وغلقت الأبواب ، عرف محمد بن هشام ، إنه مأخوذ ، فتحير ، والتجأ إلي محمد بن زيد بن علي بن الحسين ، وهو لا يعرفه ، واستجار به ، فأجاره ، ولما عرف محمد بن هشام ، أن الذي استجار به هو محمد بن زيد ، قال : عند الله أحتسب نفسي ، ذلك لأن هشام أبا محمد ، قتل زيدا وصلبه بالكوفة ، وأمر برأس زيد فوضع في حجر والدته ريطة بنت عبد الله بن محمد بن الحنفية ، فقال له محمد بن زيد : لا بأس عليك ، فإنك لست قاتل زيد ، وليس في قتلك إدراك لثأره ، وقد استجرت بي ، فأنا بخلاصك أولي مني بإسلامك ، ثم طرح عليه رداءه ، فغطي وجهه ورأسه ، ولبيه به ، وأقبل به يجره إلي أن بلغ الباب الذي عليه الربيع ، فلطمه أمامه لطمات ، وقال له : يا أبا الفضل ، إن هذا الخبيث جمال من أهل الكوفة ، أكراني جماله ذاهبا وراجعة ، وقد هرب مني ، وأكري غيري ، فتضم إلي حرسيين يصيران به معي إلي القاضي ، فأمر الربيع حرسيين بالمضي معه ، فلما بعد عن الربيع ، قال له : يا خبيث ، تؤدي إلي حقي ، فقال : نعم ، يا ابن رسول الله ، فأمر محمد بن زيد الحرسيين بأن يعودا لشأنهما، وأطلق محمد بن هشام ، فقبل محمد بن هشام رأسه ، وقال له : بأبي أنت وأمي ، وأخرج جوهرة له قدر ، فدفعه إليه ، وتوسل إليه أن يقبله ، فقال له يا ابن العم ، إنا لا نأخذ علي المعروف أجرة ، فانصرف راشدأ ، راجع القضة مفضلة في كتاب ( الفرج بعد الشدة للتنوخي تحقيق المؤلف ، رقم القصة 234 ).

ولطم شيخ من عبد القيس ، فتي من العشيرة ، لأنه ألح في مساءلة ضيف لهم ، في قصة من أعجب القصص ، رواها الجاحظ في كتابه البخلاء ( ص 197) ، قال : كان عبد النور ، كاتب ابراهيم بن عبد الله بن الحسن ، قتيل باخمري ، قد استخفي من المنصور ، بالبصرة ، في بني عبد القيس ، فخبأوه في غرفة ، قدامها جناح ، وكان - لشدة خوفه . لا يطلع رأسه

ص: 224

منها ، فلما سكن الطلب شيئا ، وثبت عنده حسن جوار القوم ، صار يجلس في الجناح ، يرضي بأن يسمع الصوت ولا يري الشخص ، لما في ذلك من الأنس ، عند طول الوحشة ، فلما طالت به الأيام ، صار ينظر في خرق خرقه في الجناح بقدر عينه ، فلما طالت به الأيام ، صار ينظر في شق باب كان مسمورا ، ثم ما زال يفتحه ، الأول فالأول ، إلي أن صار يخرج رأسه ، ويبدي وجهه ، فلما لم ير شئ يريبه ، قعد في الدهليز ، فلما زاد في الأنس ، جلس علي باب الدار ، ثم صلي في مصلاهم ، وعاد الي حجرته ، ثم صلي بعد ذلك ، وجلس في ناديهم ، والقوم عرب ، وكانوا يفيضون في الحديث ، ويذكرون من الشعر الشاهد والمثل ، ومن الخبر الأيام والمقامات ، وهو في ذلك ساكت ، إذ أقبل عليه ذات يوم ، فتي منهم ، خرج عن أدبهم ، وأغفل بعض ما راضوه به من سيرتهم ، فقال له : يا شيخ ، إنا قوم نخوض في ضروب من الأحاديث ، فربما تكلمنا بالمثلية ، وأنشدنا الهجاء ، وأوردنا أخبار المثالب ، ولا نأمن أن يكون ثناؤنا ومديحنا لبعض العرب ، مما يسوءك ، فلو عرفتنا نسبك ، كفيناك ما يسوءك ، من هجاء قومك ، ومن مديح عدوك ، فلطمه شيخ منهم ، وقال له : لا أم لك ، محنة كمحنة الخوارج ، وتنقير كتنقير العتابين ؟ ولم لا تدع ما يريبك ، الي ما لا يريبك ؟ فتسكت ، إلا عما توقن بأنه يشره .

قال عبد النور : ثم إن موضعي نبابي ، لبعض الأمر ، فتحولت إلي شق بني تميم ، فنزلت برجل منهم ، وأكمنت نفسي ، إلي أن أعرف سبيل القوم ، وكان للرجل كنيفت إلي جانب داره ، يشرع في طريق لا ينفذ ، إلا أن من مر في الشارع، رأي مسقط الغائط ، من خلاء ذلك الجناح ، وكان صاحب الدار ضيق العيش ، فاتسع بنزولي عليه ، فكان القوم إذا مروا به ، ينظرون إلي موضع الزبل والغائط ، فلا يذهب قلبي إلي شيء مما كانوا يذهبون إليه ، فبينما أنا جالس ذات يوم ، إذا أنا بأصوات ملتفة علي الباب ،

ص: 225

واذا صاحبي ينتفي ويعتذر ، وإذا الجيران قد اجتمعوا إليه ، وقالوا : ما هذا الثلط الذي يسقط من جناحك ؟ بعد أن كنا لا نري إلا شيئا كالبعر ، من يبس الكعك ، وهذا ثلط يعبر عن أكل غض ، ولولا أنك اشتملت علي بعض من تستر وتواري لأظهرته ، ولولا أن هذا طلبة السلطان ، لما تواري ، ولسنا نأمن أن يجر علي الحي بلية ، ولست تبالي ، إذا حسنت حالك في عاجل أيامك ، إلام يفضي بك الحال ، وما تلقي عشيرتك ، فإما أن تخرجه إلينا ، واما أن تخرجه عنا ، قال عبد النور : فقلت : هذه والله القيافة ، ولا قيافة بني مدلج ، إنا لله ، خرجت من الجنة إلي النار ، وقلت : هذا وعيد ، وقد أعذر من أنذر ، فلم أظن أن اللؤم يبلغ ما رأيت من أولئك .

ودخل ابن مناذر علي الرشيد ، وقد هيا مدحة له ، فبدر الفضل بن

الربيع ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا شاعر البرامكة ومادحهم ، فعبس الرشيد ، وأمر به فلطم وجهه ، ثم قال : أسحبوه علي وجهه ، فسحب حتي أخرج من المجلس ( الأغاني 201/18 و202).

وحضر ابن ليحيي بن حسان ، أمام قاضي مصر ، عيسي بن المنكدر ( 219-214 ) في خصومة ، فتبسم ، فأمر القاضي بلطمه ، فلطم ( القضاة للكندي 439) .

وكان المتوكل ، قد بايع بولاية العهد أولاده الثلاثة علي الترتيب ، المنتصر ، فالمعتز ، فالمؤد، ثم بدا له فأراد تقديم المعتز ، فأبي عليه المنتصر ذلك ، فأخذ يكثر من العبث بابنه المنتصر ، مرة يشتمه ، ومرة يسقيه فوق طاقته ، ومرة يأمر بصفعه ، ومرة يتهدده بالقتل ، والتفت إلي الفتح بن خاقان مرة ، وقال له : برئت من قرابتي من رسول الله ، إن لم تلطمه . يعني المنتصر - فقام الفتح ولطمه مرتين ، يمر يده علي قفاه ، ثم التفت إلي ولده ، وقال له : سميتك المنتصر ، وسماك الناس لحمقك : المنتظر ( الطبري 225/9)

ص: 226

ولما اعتقل محمد بن عبد الملك الزيات ، اعتقل الجاحظ ، وكان منقطعة إليه ، فجيء به مقيدة أمام القاضي أحمد بن أبي دؤاد ، فقال : جيئوا بحداد ، وأمره أن يفك حديد الجاحظ ، فأخذ الحداد يعنف بساق الجاحظ ، فلطمه الجاحظ ، وقال : أعمل عمل شهر في يوم ، وعمل يوم في ساعة ، وعمل ساعة في لحظة ، فإن الغرر علي ساقي وليس بجذع ولا ساجة ( وفيات الأعيان 103/5) .

وفي السنة 255 لما أراد الاتراك خلع المعتز ، دخلوا عليه وأخرجوه ، وجعلوا يلطمون وجهه ، ويقولون له : أخلع نفسك ( تاريخ الخلفاء 360).

وكان لروزبهان الديلمي القائد ، كاتب يعرف بأبي الحسن القمي ، وقد استخلفه بحضرة معز الدولة البويهي ، فاتفق أن كان الوزير أبو محمد المهلبي في دار معز الدولة ، ووقعت علي وجهه ذبابة ، فنهض القمي ، وقرب من الوزير ، ثم لطمه علي وجهه ، وقال له دبابة ، فقال له : يا جاهل ، فإذا كانت ذبابة ، تقتلها علي وجهي ، قم ، قم ، فقد سقط عنك القلم . ( الهفوات النادرة 271 ) .

وروي الوزير عبد المجيد بن عبدون ، الشاعر الأندلسي المعروف ، إنه كان في الكتاب وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، فنظم بيتين من الشعر ، في لوم من يتكسب بشعره ، فحسب المعلم انه نظم هذين البيتين تجريحا له ، لأنه كان يتكسب بشعره ، فلطمه ، وعرك أذنه ، وقال له : لا تشتغل بهذا ، وكتب البيتين عنده ، والبيتان هما : ( المعجب للمراكشي 141).

الشعر خطة خسف **** لكل طالب عرف

للشيخ عيبة عيب **** وللفتي ظرف ظرف

وفي السنة 415 حضر إلي قصر الخليفة الظاهر الفاطمي بالقاهرة ، أبو عبد الله محمد بن جيش الكتامي ، وقد اختل عقله ، فرفع رأسه إلي القصر ،

ص: 227

و شتم أقبح شتم ، وقذف أعظم قذف ، وبالغ ، فتبادر إليه الرقاصون ، فلطموه حتي سقط إلي الأرض ، ثم جروا برجله ، ووضعوا عمامته في عنقه ، وسيق إلي سجن الشرطة ، وضرب ثلاثين درة ( أخبار مصر للمسبحي 73 و74).

وفي السنة 1286 (1869 م ) أدت لطمة إلي فتنة أريقت من أجلها الدماء ، وتفصيل ذلك إن توفيق بك ، ابن أخت مدحت باشا المشهور، كان متصرفا للواء الحلة ، وكان عنيفا شرسا ، وحدث أن لطم أحد الرؤساء في الحلة ، فهجم عليه الرئيس الملطوم وقتله ، وأعقب ذلك حدوث ثورة في الفرات الأوسط ، فجردت لها السلطة جيشا قضي علي الثورة ، وشنق الرؤساء القائمين بها ( الشعر السياسي العراقي في القرن التاسع عشر ص 71)

ص: 228

ج- اللكم واللكز

اللكم : الضرب باليد مجموعة الأصابع ، واللكز : النخس بجمع اليد والبغداديون يسمون اللكمة : دمغة ، وهي فصيحة ، من دمغه أي قهره .

وفي الفرات الأوسط ، يسمون اللكمة : البة ، وهي فصيحة، فإن اللبة : وسط الصدر والمنحر ، ولبه : ضربه في صدره .

جاء صبي إلي الفاروق عمر ، فلم يلتفت إليه ، فنخسه .

كان عمر يفرض للناس ، فجاء عبد الله بن عمير ، وكان أبوه عمير قد استشهد يوم حنين ، فقال الصبي لعمر: افرض لي ، فلم يلتفت إليه ، فنخسه ، فقال عمر : حس ، وأقبل عليه ، وقال له : من أنت ؟ قال : عبد الله بن عمير ، فقال عمر : يا پرفا أعطه ستمائة ، فاستكثرها يرفا ، وأعطاه خمسمائة ، فرجع الصبي إلي عمر وأخبره ، فقال عمر : يا پرفا، أعطه ستمائة وحلة ، فأخذ الحلة ، ولبسها أمام عمر ، ورمي بما كان عليه من أخلاق ، فقال له عمر : يا بني ، خد ثيابك هذه ، فتكون المهنة أهلك ، وهذه لزينتك ( الطبري 4/ 221 و 222) .

وكان الشاعر عتيبة بن مرداس السلمي ، شاعر، خبيث اللسان ، مخوف المعرة ، وكان يلقب : ابن نسوة ، وقدم علي ابن عامر بن كريز ، وكان جواد ، فلم يعطه شيئا ، وقال له : إنك ما تسأل بحسب ، ولا دين ، ولا

ص: 229

منزلة ، وما أري لرجل من قريش أن يعطيك شيئا ، وأمر به فلكز وأهين . ( الاغاني 231/22 ).

وكان حامد بن العباس وزير المقتدر ، يلكم المراجعين ، وذكر صاحب مروج الذهب ، أنه تظلم إلي حامد بن العباس ، متظلم ، فنهض إليه ، وقلب ثيابه علي كتفه ثم لكمه .

أقول : قوله قلب ثيابه علي كتفه ، يعني أنه شمرها ، والبغداديون ، يقولون عمن شمر ثيابه عن ذراعيه : تشله .

وفي السنة 325 اقتتل بجكم ومعه مائتان وسبعون رجلا من الأتراك ، وجند البريدي وقائدهم غلامه أبو جعفر محمد المعروف بالجمال وهم ثلاثة آلاف ، فانكسر جند البريدي ، وعاد إليه الجمال فغضب منه أبو عبد الله البريدي ، وقام إليه فجعل يلكمه بيديه . ( ابن الأثير 235/8 ).

وروي التنوخي في كتابه نشوار المحاضرة ، في القصة المرقمة 63/5 أن فتي رأي جنازة ، فشارك في حملها طلبا للأجر ، فلم يجد من يعينه إلي أن وصل بها إلي القبر ، ففر الذي كان يحملها معه ، فرام زيادة الأجر، وطلب أن يحفر لها قبر ، فلما حفر ، وأخذ الحفار الجنازة للدفن ، وثب من اللحد، ولكم الفتي ، وجعل عمامته في رقبته ، وصاح : يا قوم قتيل ، ونظروا فإذا في التابوت ، جثة رجل مقطوع الرأس ، فلم يتخلص إلا بشق الأنفس ، وحلف من بعد ذلك بالطلاق ، أن لا يشيع جنازة أبدا، راجع تفصيل القصة في نشوار المحاضرة .

ودخل ابن أبي الطيب النيسابوري النحوي ، في السنة 414 علي السلطان محمود بن سبكتكين ، فجلس دون أمر من السلطان ، فقال السلطان الغلام من غلمانه : دق رأسه ، فلكمه علي رأسه لكمة كانت سببا لطرشه ، ثم عرف السلطان منزلته من الدين والعلم والنزاهة والورع، فاعتذر إليه ، وأمر له

ص: 230

بمال ، فلم يقبله ، وقال : لا حاجة لي في المال ، فإن استطعت أن ترد علي سمعي قبلته ، فقال له السلطان : أيها الرجل ، أن للملك صولة ، وهو مفتقر الي السياسة ، ورأيتك قد تعديت الواجب ، فجري مني ما جري ، والآن فأحب أن تجعلني في حل ، فقال له : الله بيني وبينك بالمرصاد ، أنت إنما احضرتني لسماع الوعظ ، وأخبار الرسول ، والخشوع، لا لإقامة قوانين الملك ، واستعمال السياسة ، فإن ذلك يتعلق بالملوك وأمثالهم ، لا بالعلماء فخجل الملك ( معجم الأدباء 232/5 ).

وفي السنة 541 أمر السلطان مسعود السلجوقي بقتل القائد عباس صاحب الري ، وأحضره إلي داره ، فلما دخل عليه منع أصحابه من الدخول معه ، ثم عدلوا به إلي حجرة ، وطالبوه بخلع الزردية ، فقال : إن لي مع السلطان مواثيق وعهود ، فلكموه ، وحينئذ تشاهد، وخلع الزردية ، وألقاها ، فضربوه بالسيوف وأحتوا رأسه ، ( ابن الأثير 117/11 ) .

وفي السنة 800 أراد السلطان الملك الظاهر برقوق ، بالقاهرة ، القبض علي الأمير نوروز ، فأظهر السلطان إنه تعب من المشي ، واتكأ علي الأمير نوروز ، ولما وصل إلي الباب الذي يطلع منه إلي القصر ، أدار السلطان يده علي عنق نوروز ، فبادره الخاصكية باللكم ، وأسقطوه إلي الأرض ، وقيدوه ، وحملوه إلي السجن .

ص: 231

د. وجء العنق

وجع العنق : لكزه بمقدم اليد مجموعة .

وهو من ألوان العذاب التي يراد بها التأديب .

وكان عمارة بن حزم ، وهو صحابي عقبي بدري ، في جيش النبي ، في غزوة تبوك ، فندت ناقة النبي ، فقال زيد بن لصيب ، أحد المنافقين ، وهو في رحل عمارة : إن محمدا يزعم أنه يخبركم بخبر السماء ، وهو لا بدري أين ناقته ، وبلغ عمارة ما قال زيد : فجاء إليه ، ووجأ عنقه ، وهو يقول : في رحلي داهية ولا أدري ، أخرج عني يا عدو الله ( ابن الأثير 279/2 و 280 والطبري 106/3 ).

وأمر الخليفة عمر بن الخطاب ، غلامه يرفأ ، فوجا عنق أحد الوافدين عليه ، وسبب ذلك : إن القائد سلمة بن قيس الأشجعي ، انتصر في إحدي معاركه ، ووجد سفطأ فيه حلي ، فقال لأصحابه : هل تطيب أنفسكم أن نبعث بهذا الأمير المؤمنين ؟ فقالوا : نعم ، فبعث به إلي المدينة ، ودخل الرسول علي عمر ، وسلم إليه السفط ، وحدثه بقصته ، فوثب عمر ، وصاح بالرسول : كف ما جئت به ، يا يرفأ جأ عنقه ، فما زال الرسول يجمع ما في السفط ، ويرفأ يجأ عنقه ، ثم قال له : عد إلي قائدك يقسم هذا بين جنده ، أما والله ، لئن تفرق المسلمون في مشاتيهم قبل أن يقسم هذا فيهم لأفعلن

ص: 232

بك وبصاحبك الفاقرة ، وعاد الرسول إلي قائده ، وأخبره بالحال ، فقسمه بين جنده ( الطبري 186/4 - 189).

كان سعيد بن مالك ، پلي السليحين للخليفة عمر ، واعتدي علي دهقان القرية ، وأمر بوجء عنقه ، فشكاه إلي عمر ، فكتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين ، إلي سعيد بن مالك ، سلام عليك ، أما بعد ، فإن مهرزاد دهقان السليحين ذكر أن له ضيعة إلي جانبك ، وإنه أتاك يستعديك علي نفسك ، فأمرت به فوجئت عنقه ، فإذا جاءك كتابي هذا فأرضه من حقه ، وإلا فأقبل إلي راجة والسلام ، راجع تفصيل القصة في كتاب المحاسن والمساويء 147/2 و148 .

ولما استباح مسلم بن عقبة المري ، مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام ، بأمر من يزيد بن معاوية ، جيء إليه بيزيد بن وهيب ، وكان له صهر مع مروان بن الحكم ، فقال مسلم ليزيد بايع : فقال : أبايعك علي الكتاب والسنة ، فأمر به مسلم أن يقتل ، فتكلم فيه مروان ، فأمر مسلم بمروان فوجئت عنقه ، وقتل يزيد ( الطبري 493/5 وابن الأثير 119/4 ).

وأحضر زائدة بن قدامة الثقفي ، إلي عبيد الله بن زياد ، كتابا من يزيد بن معاوية ، يأمره فيه بإطلاق المختار بن أبي عبيد الثقفي من حبسه ، فأمر عبيد الله بزائدة فوجئت عنقه ، وقال : إنطلقوا به إلي المنبس ، ثم أخرجه والمختار ، وقال للمختار ، أجلتك ثلاثا ، فلا تساكتني ( انساب الأشراف 87/2/4) .

وقبض عبد الله بن الزبير، علي عنق الفرزدق ، وضغط علي حلقه ، حتي كاد أن يقتله .

وسبب ذلك : إن النوار بنت أعين المجاشعي ، وهي ابنة عم الفرزدق خطبها قوم ، فوكلت ابن عمها الفرزدق ، ليعقد زواجها ، فاغتنم الفرزدق

ص: 233

الفرصة ، وأشهد الناس علي أنه زوجها لنفسه ، فأبت النوار قبول النكاح ، وشكته إلي قاضي البصرة ، وخشي القاضي مغبة إصدار الحكم ، فأشار عليهم بمراجعة الخليفة ، وكان اذ ذاك عبد الله بن الزبير ، مركزه مكة ، وهو المسيطر علي الجزيرة العربية ، والعراق وخراسان فأرادت الخروج الي الحجاز ، فتهدد الفرزدق كل من أراد حملها ، فامتنع الناس خوفا منه ، إلا أل قيس بن عاصم ، فإنهم وعدوها بحملها إلي الحجاز ، فقال الفرزدق يتهددهم :

بني عاصم لا تحملوها فإنكم ****محامل للسوءات دسم العمائم

بني عاصم ، لو كان حيا أبوكم**** للام بينه اليوم قيس بن عاصم

ولم يلتفت آل قيس بن عاصم إليه ، وحملوها إلي الحجاز ، فنزلت علي زوجة ابن الزبير ، وتبعها الفرزدق ، فنزل علي حمزة بن عبد الله بن الزبير ، ونظر ابن الزبير في القضية ، وأصدر حكمه في غير مصلحة الفرزدق ، استنادا للحكم الشرعي ، بأنه ليس للوكيل أن يكون جامعة لطرفي العقد ، فقال الفرزدق :

أما بنوه فلم تنجع شفاعتهم ****وشفعت بنت منظور بن زبانا

ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرة ****مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا

فبلغ ابن الزبير شعره ، ولاقاه علي باب المسجد ، وهو خارج منه ، فتقدم إلي الفرزدق ، وقبض علي عنقه ، وضغط علي حلقه ، حتي كاد أن يقتله ، ثم تركه . ( الاغاني 294/21 والعقد الفريد واعلام النساء 193/5 و194).

ولما تحرك عبد الله بن الجارود ، علي الحجاج بن يوسف الثقفي ، في السنة 75 أرسل الحجاج إليه رسولا ، فتهدده الرسول : فقال له ابن

ص: 234

الجارود : يا ابن الخبيثة ، لولا أنك رسول ، لقتلتك ، وأمر به فوجيء في عنقه وأخرج ( ابن الأثير 384/4 ) .

وغضب الحجاج علي بصري لحن في كلامه ، فقال : لعنة الله عليك وعلي من بعث بك ، جؤوا في قفاه . وسبب ذلك : إن الحجاج بعث إلي والي البصرة يطلب منه أن يبعث إليه عشرة رجال ، فاختار رجالا منهم كثير بن أبي كثير ، وكان رجلا عربية ، قال كثير : فقلت في نفسي ، لا أفلت من الحجاج إلا باللحن ، فلما دخلنا عليه ، دعاني وقال : ما اسمك ؟ قلت : كثير ، قال : ابن من ؟ فقلت في نفسي ، إن قلتها بالواو لم آمن أن يتجاوزها ، فقلت : ابن أبا كثير ، فقال : عليك لعنة الله ، وعلي من بعث بك ، جؤوا في قفاه ، فأخرجت ( معجم الأدباء 25/1 ).

وفي السنة 77 جمع الحجاج ، رؤساء أصحابه ، واستشارهم في حرب الخوارج ، فنهض قتيبة ، فقال للحجاج : إن الأمير - والله - ما راقب الله ولا حفظ أمير المؤمنين ، ولا نصح للرعية ، فخنق الحجاج قتيبة بعمامته خنقا شديدة ( الطبري 272/6 و273).

وقيل لعمر بن عبد العزيز : إن بالمدينة مخأ قد أفسد الناس ، فأحضره ، وأمر بحبسه ، ووكل به معلمأ يعلمه القرآن ، وما يجب عليه من حدود الطهارة والصلاة ، وأجري عليه في كل يوم ثلاثة دراهم ، وعلي معلمه ثلاثة دراهم أخر ، علي أن لا يخرج من الحبس حتي يحفظ القرآن أجمع ، فلم يتعلم شيئا ، ويئس عمر من فلاحه . فقال : ما أري هذه الدراهم إلا ضائعة ، ولو أطعمناها جائعا أو محتاجأ أو كسوناها عريانا لكان أصلح ، ثم دعا به ، وأمر به فوجئت عنقه ، ونفاه . ( الاغاني 337/6 و 338).

ولما خرج يزيد بن المهلب ، بالبصرة ، علي الأمويين ، بلغه أن قتادة يتنقصه وينال منه ، فبعث إليه ، فأحضره وشتمه ، فأغلظ له قتادة ، فأمر به

ص: 235

فوجيء عنقه ، ووضع فيها حبل ، ونفاه إلي الأهواز ( العيون والحدائق 66/3)

وسأل هشام بن عبد الملك ، الوليد بن يزيد، يوما، فأجابه جوابا فا ، فأمر به فوجأ عنقه .

وسبب ذلك : إن هشام دخل عليه الوليد ، فقال له : كيف أنت يا وليد ؟

قال : صالح ، قال : ما فعلت برابطك ؟ ( البربط : العود ) ، قال : مستعملة ، قال : فما فعل ندماؤك ؟ قال : صالحون ، ولعنهم الله إن كانوا شرا ممن حضرك ، فقال له هشام : يا ابن اللحناء ، جئوا عنقه ( الأغاني 5/7 و6 ).

وأنشد أبو النجم الراجز ، هشام بن عبد الملك ، أرجوزته المشهورة ، التي أولها :

الحمد لله الوهوب المجزل**** أعطي فلم يبخل ولم يبخل

حتي انتهي إلي قوله : والشمس في الجو كعين الأحول ، وكان هشام أحول ، فظن أن أبا النجم عرض به ، فأمر به فوجئت عنقه ( رسوم دار الخلافة 62) .

وكان مالك بن المنذر بن الجارود ، يلي أحداث البصرة وشرطتها لخالد القسري فضرب عمر بن يزيد الأسيدي بالسياط حتي قتله ، فشكت عاتكة ، امرأة عمر مالكا إلي هشام بن عبد الملك ، فبعث فأحضر مالكا ، وأمر به فوجئت عنقه ، وحبس ، فمات في الحبس . ( العيون والحدائق 87/3 و 88 ) .

ودس يوسف بن عمر ، لدي هشام بن عبد الملك ، علي خالد

ص: 236

القسري ، فاتهمه بأنه قوي العلويين بالأموال ليخرجوا ، وأن زيدا ما خرج إلا بإذن خالد، فقال هشام للرسول : كذبت ، وكذب صاحبك ، إنا لا نتهم خالدا في طاعته ، وأمر بالرسول فوجئت عنقه . ( الطبري 255/7 ووفيات الأعيان 106/7 ).

وكان عقيل بن غلفة ، من مضر ، أعرج ، جافية ، شديد الهوج ، لا يري أن له كفؤة ، ودخل علي أمير المدينة عثمان بن حيان المري ، فقال له عثمان : زوجني ابنتك ، فتصامم عنه ، وقال له : أبكرة من إبلي تعني ؟ فقال له عثمان : ويلك ، أمجنون أنت ؟ قال : أي شيء قلت لي ؟ قال : قلت لك : زوجني ابنتك ، فقال : أفعل إن كنت عنيت بكرة من ابلي ، فأمر به فوجئت عنقه ( الأغاني 254/12 و255).

وكان محمد بن خالد القسري ، يلي المدينة ، للمنصور العباسي ، ثم عزله برياح بن عثمان المري ، فلما قدم رياح ، اعتقل محمد بن خالد ، وأمر به فضرب أسواطأ ، ووجئت عنقه ( العيون والحدائق 3/ 244) .

وفي السنة 158 لما نزل المنصور العباسي ، وهو في مرض موته ، آخر منزل نزله ، وهو في طريقه إلي مكة ، قال لحاجبه : اقرأ لي آية من كتاب الله تشوقني إلي ربي ، عز وجل ، فتلا: وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، فأمر بفتيه فوجئا ، وقال : ما وجدت شيئا تقرؤه غير هذه الآية ( الطبري 107/8 ).

وقال المهدي العباسي ، لأبي دلامة : هل بقي أحد من أهلي لم يصلك ؟ فقال : كلهم قد وصلني ، إلا حاتم بني العباس ، قال : ومن هو؟ قال : عمك العباس بن محمد ، فالتفت المهدي إلي خادم علي رأسه ، وقال له : جا عنق العاض بظر أمه ( الأغاني 265/10و266 ).

وتقدم رجل من آل زياد بن أبيه ، إلي المهدي العباسي ، وهو ينظر في

ص: 237

المظالم ، فقال له : من أنت ؟ قال : أنا ابن عمك ، فقال : أي بني عمي أنت ؟ فأنتسب إلي زياد بن أبيه ، فقال له : يا ابن سمية الزانية متي كنت ابن عمي ، وأمر به فوجيء في عنقه ، وأخرج ، ونهض الناس ، فأمر باخراج آل زياد من نسب قريش، وكان معاوية بن أبي سفيان قد أدخلهم فيه لما استلحق زيادا ( الطبري 129/8 و130 وابن الأثير 47/6 و48) .

وأنشد منصور النمري ، هارون الرشيد ، قصيدة مدحه بها ، وهجا آل علي وثلبهم ، فضجر هارون ، وقال له : يا ابن اللحناء ، أتظن أنك تتقرب إلي بهجاء قوم أبوهم أبي ، ونسبهم نسبي ، وأصلهم وفرعهم ، أصلي وفرعي ، فقال : وما شهدنا إلا بما علمنا، فازداد غضبه ، وأمسر مسرورة فوجأ عنقه وأخرج ( الأغاني 144/13 ).

وفي السنة 200 غاضب القائد هرثمة بن أعين ، الحسن بن سهل ، وكر عائدا إلي المأمون بمرو ، وكتب إليه المأمون أن يرجع فيلي الشام أو الحجاز ، فأبي إلا أن يصل للمأمون ، وكان مدلا بأعماله في خدمة المأمون وأبيه ، فلما وصل إلي مرو ، ضرب طبوله ، ليسمع المأمون إنه ورد ، فأحضره المأمون أمامه ، وعنفه ، وأمر به فوجيء أنفه ، وديس بطنه ، وسحب من بين يديه ، وحبس ، فمكث في الحبس أيامأ ، ثم دشوا إليه فقتلوه ، وقالوا : إنه مات ( الطبري

542/8 و543 وابن الأثير 413/6 و315 والعيون والحدائق 349/3 و 350) .

وفي السنة 201 كان اختلاف القواد ، وضعف سلطة الحكومة ببغداد ، أدي إلي تسلظ الفساق والشطار علي البلدة ، وأخذوا يغصبون أموال الناس ، ويعتدون عليهم ، فقام في بغداد رجلان ، أولهما سهل بن سلامة الأنصاري ، والثاني خالد الدريوش ، ودعوا الجيران ، وأهل المحلات علي التعاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وردع الفساق والشطار ، فنهض أهل كل محلة ، وكونوا جماعة ضد شظار المحلة ، فارتدع الشطار ، وكفوا عن تصرفاتهم ، وكان سهل بن سلامة ، يذكر حكام بغداد بأسوأ ذكر ، ويسميهم

ص: 238

الفساق ، لأن أكثر أصحابهم من الشطار والفاق ، فغف بوا ، ونهوه عن ذكرهم بالسوء ، فأصر علي ذكرهم ، فحاربوه في السنة 202 ، فانكسر ، وأستتر ، ثم قبضوا عليه ، وأمروه أن يخرج إلي الناس ، وأن يقول لهم : إن ما كنت أدعوكم إليه باطل ، فأخرج إلي الناس ، فقال : قد علمتم ما كنت أدعوكم إليه من العمل بالكتاب والسنة ، وأنا أدعوكم إليه الساعة ، فلما قال هذا ، ضربوا وجهه ، ووجؤوا عنقه ، وأخذوه فقيدوه ، وحملوه إلي ابراهيم بن المهدي بالمدائن ، فحبسه سنة كاملة ( الطبري 551/8 - 564 وتجارب الأمم 441/6 ) .

وفي السنة 251 لما شغب الأتراك بسامراء ، علي المستعين ، فانحدر إلي بغداد ، ندم أتراك سامراء علي ما صنعوا ، وقدموا بغداد ، ودخل قوادهم علي المستعين ، واستغفروه ، فصفح عنهم ، فقال له بايكباك : ما دمت قد صفحت ورضيت ، فقم ، فاركب معنا إلي سامراء ، وكان أمير بغداد محمد بن عبد الله بن طاهر ، حاضرة المجلس ، فأومأ إلي ابن أبي عون فلكز في حلق بايكباك ، وقال له : هكذا يقال لأمير المؤمنين ، قم ، فاركب معنا ؟ ( الطبري 284/9 ).

وأمر أحد الجباة الظلمة ، برجل فوجئت عنقه ، فصاح الرجل يستغيث بالله فكانت العقبة هلاك الجابي .

روي القصة أحمد بن يوسف الكاتب ، في كتابه المكافأة ( ص 120 و121) قال : حدثني عمر بن يزيد البرقي ، قال : حضرت مصدقا ( الذي يجمع الصدقات أي الزكاة ) شديد الاستحلال ، بعيدا من الرأفة ، فعرضت نعم رجل حسن الطريقة ، فنخير عليه المصدق ، وظلمه ، واستعمل من سوء التحكم عليه ، ما لا يصبر عليه غيره ، فأمسك ، ثم نظر بعد إنفصال ما بينهما ، إلي فصيل سمين في إبله ، فقال لغلمانه : خذوا هذا الفصيل حتي يصلح لنا غداء ، فقال صاحب الإبل : قد أخذت زيادة عن حقك ، فما

ص: 239

هذا ؟ فقال : لا بد لي من أخذه ، فقال : فإني لا أسلمه ، فأمر بوجيء عنقه ، فوجئت عنقه ، وأخذت مقادة الفصيل من يده ، فصاح بأعلي صوته : كل هذا بعينك يا جبار ، فخرج من الحواء ، فحل يرغو ، وقصد المصدق ، وأخذ بعضده ، ولم يزل يضرب به الأرض حتي قتله .

وفي السنة 309 شتم الوزير حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، السمري صاحب الحلاج ، وأمر به فوجيء فكه ، وتفصيل ذلك : إن حامد بن العباس تعصب علي الحلاج تعصب ضارية ، فاعتقله ، وحاكمه ، وكان السمري صاحب الحلاج ، ممن أحضر للشهادة ، فاستعفي من أدائها وأصر الوزير علي أن يؤدي الشهادة ، وأصر السمري علي الإستعفاء ، فأعلمه إنه لا يعفيه ، فقال السمري : أنا أعلم أني إذا حدثتك كذبتني ولم آمن مكروهأ، فوعده أن لا يلحقه مكروه ، فقال : كنت معه بفارس ، وخرجنا نريد اصطخر في يوم شات ، فلما صرنا في بعض الطريق ، أعلمته بأنني قد اشتهيت خيارا ، فقال لي : في مثل هذا المكان ، وفي مثل هذا الوقت ؟ فقلت : هو شيء عرض لي ، ولما كان بعد ساعات ، قال لي : أنت علي تلك الشهوة ؟ قلت : نعم ، فمضي إلي سفح جبل ثلج ، فأدخل يده فيه ، وأخرج لي منه خيارة خضراء ، ودفعها إلي ، فقال له حامد : فأكلتها ؟ قال : نعم ، فقال له : كذبت يا ابن مائة ألف زانية ، في مائة ألف زانية ، أوجعوا فكه ، فأسرع إليه الغلمان ، فوجئوا فكه ، وهو يصيح ، أليس من هذا خفنا ؟ ( تاريخ بغداد للخطيب 136/8).

وفي السنة 309 أجري الوزير حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، محاكمة الحلاج ، وكان الوزير متحاملا علي الحلاج ، فحضر أحد الفقهاء ببغداد ، وهو أبو العباس بن عطاء وشهد في صالح الحلاج ، فلما ناقشه الوزير جبهه ، فغضب ، وصاح بالغلمان : فكه، فوجأ الغلمان فكيه وجئا شديدة ، راجع تفصيل القصة في هذا الكتاب في الباب الثالث : الضرب ، القسم الثاني : الصفع .

ص: 240

ه-. الرجم

الرجم : الرمي بالحجارة ، وقد يحصل بغيرها .

وهذا اللون من العذاب ، إذا حصل بالحجارة ، فهو للأذي ، وإذا حصل بغيرها، فهو للاهانة ، كما لو كان الرجم بالبيض الفاسد ، أو الطماطة

وكان البغداديون ، يرجمون بالطابوق ، ومفرده : طابوقة ، وهي أجرة عريضة مسطحة تفرش بها الأرض ، وكان البغداديون يستعملون الطابوق في بناء شتر سطوح دورهم ، إذ أنهم ينامون في السطوح ليلا، فكانوا يقيمون حول كل سطح ، شتر مرتفعة من الطابوق ، لتحجز بين أهل كل سطح وبين جيرانهم ، ويسمون الترة : تيغه ، فارسية ، بمعني الحافة ، وتصف الطوابيق في الشترة ، واحدة فوق الأخري ، علي حافاتها الرقيقة ، فتكون السترة رقيقة ، سهلة القلع ، وكانت لسهولة قلعها ، تتخذ سلاحا للمستقر في السطح ، برمي به الماشي في الطريق .

وأذكر أنه في السنة 1932 ، جيء إلي محكمة الجنايات ببغداد ، باثنين من أهل بغداد ، هما الحاج شاكر والسيد عزيز ، قتلا في محلة باب الشيخ ( باب الأزج ) شخصأ اسمه أحمد الشنان ، وكان قد خططا لإفلاتهما ، وعينا الأزقة التي يمران فيها ، ولكنهما صادفا في أول زقاق مرا فيه ، تلاميذ

ص: 241

مدرسة قد انتشروا فيه ، فلجأ إلي زقاق آخر، فلحق بهما مطاردون كان عددهم يزيد كلما امتدت المطاردة ، وعندما وصلا إلي محلة بني سعيد تلقاهما الطابوق من السطوح ، وألحوا عليهما بالرجم ، فانكسرت ساق أحدهما وعقر ، وجاءت الثاني ضربة صائبة علي أنفه فكسرته ، فاستسلما ، وجرت محاكمتهما أمام المحكمة الكبري بغداد ، وهي محكمة الجنايات ، وكنت إذ ذاك كاتب الضبط فيها إثر تخرجي من كلية الحقوق ، وحكم عليهما بالإعدام ، وأعدما شنقا في الموضع الذي ارتكبا فيه جريمة القتل .

اقول : ادركت الناس ببغداد ، والصبيان في كل محلة ، يترامون ويتراجمون بالحجارة مع صبيان المحلات الأخري ، ويسمون المعركة بالحجارة : كسار، وكانوا يضربون مواعيد لهذه المعارك ، ويجتمعون في ساحة من ساحات المحلة ، وقد أعد كل واحد منهم مقلاعأ ، ويسمونه : معجال ( بالقلب وإبدال القاف جيمة مثلثة ) وكمية من الحجارة ، فإذا تكامل عددهم ، زحفوا علي صبيان المحلة الأخري ، وكانوا قد استعدوا مثل استعدادهم ، وهم ينشدون في مسيرتهم أناشيد حماسية ، تسمي : الهوسات ، مفردها : هوسة ، وقد سمعت احدي الهوسات تتكرر ومطلعها: صفن يا البيض شهود لنا ، يريدون بالبيض النساء ، فإذا تراءي الجمعان ، جري التراجم بالحجارة بواسطة المقاليع ، وقد حضرت إحدي هذه المعارك ، وكنت صبيا في العاشرة ، ولم أكن أملك مقلاعا ، ولذلك كنت واقفا في الساقة بين النظارة ( المتفرجين ) وأبصرت صبيا شديد السمرة ، أصابه في جبينه حجر ، فشجه ، فانسحب من ساحة المعركة وهو يبكي ، ويصيح : لك آنفشخت ، وقد انقرض هذا النوع من المعارك في محلات بغداد منذ خمسين سنه.

وأول ما بلغنا من أخبار الرجم بالحجارة ، ما أصاب مسلم بن عقيل بالكوفة ، فإنه لما أحيط به ، واقتحموا عليه الدار التي لجأ إليها ، خرج إليهم

ص: 242

بسيفه ، فطردهم من الدار ، ثم عادوا إليه ، فعاود الشد عليهم ، فاختلف هو وبكير بن حمران الأحمري ضربتين ، ضرب بكير فم مسلم ، فقطع شفته العليا ، وأشرع السيف في السفلي ، ونصلت لها ثنيتاه ، وضربه مسلم علي رأسه ضربة منكرة ، وثني بأخري علي حبل العاتق ، وأشرفوا عليه من سطح البيت ، وأخذوا يرمونه بالحجارة ، ويلهبون النار في أطنان القصب ، ثم يقلبونها عليه من فوق البيت ، فترك الدار إلي السكة ، مشهرة سيفه يقاتل ، وهو يقول :

أقسمت لا أقتل إلا حرا ****وإن رأيت الموت شيئا نكرا

فقال له محمد بن الأشعث : يا فتي لك الأمان ، لا تقتل نفسك ، أنت آمن فاستسلم ، فأخذوه إلي عبيد الله بن زياد ، فقتله ( الطبري373/5 و374) .

ومما بلغنا من أخبار الرجم بالحجارة ، إنه لما خرج يزيد بن المهلب بالبصرة ، أخذ دينار السجستاني ، مولي آل المهلب ، في العطارين ثم صار إلي الوانين ، فرمي بصخرة من سطح ، فأصابت ظهره ، فمات ( العيون والحدائق 57/3 ).

وذكر الجاحظ أن عمرو القصبي من موالي ربيعة بن حنظلة بالبصرة ، جم بالسنانير الميتة ، وكذلك صنعوا بخالد بن طليق الخزاعي ، قاضي المهدي علي البصرة ، فإنه رجم بالسنانير الميتة ، وزعم أهله أن ذلك كان عن تدبير محمد بن سليمان ( العباسي ) ( الحيوان 275/6 و276).

وغضب المهاجر بن عبد الله الكلابي ، أمير اليمامة ، علي جماعة من قومه ، فأمر بإخراجهم مشهرين ، وأن يجلس لهم الصبيان في السكك معهم البعر ، ليرجموهم به ، وينثروه عليهم ، ففعل ذلك ، وقد أوردنا القصة في

ص: 243

بحث الإشهار ، وهو القسم الأول من الفصل الثاني من الباب الخامس من الكتاب .

وفي السنة 196 ولي الأمين ، الأمير عبد الملك بن صالح العباسي ، علي الشام ، وأمره أن يجند جندة لحرب المأمون ، فجاءه أهل الشام ، الزواقيل والأعراب ، من كل فج ، وكان لديه جند من الأبناء، من أهل خراسان ، فاختصم الزراقيل والأبناء ، وتحاربوا ، فوجه إليهم رسولا يأمرهم بالكف ، ووضع السلاح ، فرجموه بالحجارة . ( الطبري 426/8 ) .

وفي السنة 198 أخذ البغداديون منجنيقيا يدعي السمرقندي ، فصلبوه حيا ، وأقبلوا عليه رميا بالحجارة والسهام حتي قتلوه ، وتفصيل القصة : إن المعركة علي بغداد ، كانت علي أشدها بين محمد الأمين المحصور ببغداد ، وبين طاهر بن الحسين قائد جيش المأمون ، المحاصر لها، وألح محمد في احراق الدور والدروب التي أصبحت تحت سيطرة جيش طاهر ، وكان المتولي لذلك منجنيقي يعرف بالسمرقندي ، كان رميه عن مجانيق في سفن بباطن دجلة ، وكان محمد الأمين ، إذا اشتد أمر أهل الأرباض علي من بإزائهم من أصحابه بالخنادق ، يبعث فيحضر السمرقندي ، فيرميهم ، وكان راميا لا يخطيء حجره ، فلما قتل محمد في السنة 198 وقطع الجسر ، وأحرقت المجانية التي كانت في دجلة ، استتر السمرقندي ، وطلبه الناس ، فاكتري بغلا ، وخرج هاربا يريد خراسان ، فلما كان ببعض الطريق ، استقبله رجل فعرفه ، فقال للمكاري : إلي أين تذهب مع هذا الرجل ؟ والله لئن ظفروا به معك ، لتقتلن ، وأهون ما يصيبك أن تحبس ، فقال المكاري : إنا لله وإنا إليه راجعون ، قد- والله - سمعت به ، قتله الله ، ثم انطلق إلي مسلحة ( مركز شرطة ) فأخبرهم خبره ، فأخذوه ، وبعثوا به إلي هرثمة ، فحمله إلي خزيمة بن خازم ، فدفعه خزيمة إلي من وتره ، فأخرج إلي شاطيء دجلة من الجانب الشرقي ، فصلب حيا ، وأقبل عليه الناس رميا بالحجارة ، والنشاب ،

ص: 244

وطعنا بالرماح ، حتي قتلوه ، وجعلوا يرمونه بعد موته ، ثم أحرقوه من غبر، فأحترق بعضه ، ومزقت الكلاب بعضه ( الطبري 447/8 و497 و498) .

وحصلت في سامراء في السنة 299 في عهد المستعين ، فتنة ، فركب أوتامش ووصيف ويغا ، وقتلوا جماعة من العامة ، فرمي وصيف بقذر فيه طعام مطبوخ ، فأمر وصيف النفاطين ، فأحرقوا تلك المنطقة التي رمي منها بالقدر . (الطبري 263/9 ).

وذكر الجاحظ، في كتاب الحيوان 372/1 أن فارس الحمامي ، وكان حارسا وقيم حمام ، أبصره المحتسب الأحدب ، وهو يكوم كلبة ، فرماه فدمعه ، أي أصابه في دماغه فقتله .

ورمي أعرابي ممرور ، في المربد بالبصرة ، إنسانا ، فشجه، وهو لا يعرفه ، فرفعه إلي الوالي ، فقال له الوالي : لم رميت هذا وشجبته ؟ ، فقال : أنا لم أرمه ، هو دخل تحت رميتي ( البيان والتبيين 192/2 ).

وزعم رجل سلولي ، أن له علاقة بامرأة ابن الدمينة ، فتربص به، ووثب عليه وقد جعل له حصي في ثوب ، فضرب بها كبده حتي قتله . ( الأغاني 90-94/17)

وفي السنة 307 زاد السعر ببغداد ، فاجتمع الناس وتظلموا من زيادة السعر ، حيث بلغ الخبز الحواري ثمانية أرطال بدرهم ، وكسروا منابر الجوامع ، وقطعوا الصلاة بعد الركعة الأولي ، واستلبوا الثياب ، ورجموا بالأجر ، واجتمع منهم عدد كثير بالمسجد الجامع الذي في دار السلطان علي نصر الحاجب ، فوثبوا عليه ، ورموه بالأجر ، ثم صاروا في ذلك اليوم إلي دار حامد بن العباس ، فأخرج إليهم غلمانه ، فرموهم بالأجر والنشاب ، واشتدت الفتنة ، وصار من العامة عدد كبير إلي الجسور فأحرقوها ، وفتحوا السجون ، ونهبوا دار صاحب الشرطة ، ولما ركب حامد في طياره يريد دار

ص: 245

السلطان ، قصده العامة ، ورجموه بالآجر ( تجارب الأمم 73/1 و 74 ) .

وفي السنة 312 حصلت وقعة الهبير ، واستباح أبو طاهر القرمطي قافلة الحجاج ، فقتل منهم خلقأ كثيرة ، وسبي النساء والصبيان ، وأخذ الجمال والأمتعة ، وترك الباقين بلا زاد ولا راحلة ، فماتوا جوعا وعطشأ ، ولما بلغ الخبر بغداد ، انقلبت ، وخرج النساء حافيات ، ناشرات الشعور ، مسودات الوجوه ، يلطمن ، ويصرخن في الشوارع، وينادين : القرمطي الصغير أبو طاهر قتل المسلمين في طريق مكة والقرمطي الكبير ابن الفرات قتل المسلمين ببغداد ، ورجم العامة طيار ابن الفرات بالأجر ، حتي كاد أن يغرق وهو فيه ، ورجموا ولده المحن أيضا ( تجارب الأمم 122/1 والوزراء للصابي 57 و58 وابن الأثير 147/8 و148).

وفي السنة 312 لما عزل الوزير ابن الفرات من الوزارة ، وأخذ من داره حاسرة ، أجلس في طيار ، وحمل إلي دار نازوك ، ثم أخرج منها إلي طيار مؤنس ، فلما أبصرته العامة في الطيار ، رجموه بالحجارة ، وهم يصيحون : قد قبض علي القرمطي الكبير ، ولما وصل الطيار إلي باب الخاصة من دار الخلافة ، خرج جمع عظيم من السميريات ، لرجم ابن الفرات ، وولديه ، وكتابه ، بالآجر ، فحاربهم الجند ، ورموهم بالسهام ، وجرح بعضهم ، حتي انصرفوا ( تجارب الأمم 126/1 ).

وفي السنة 312 مات أبو الحسن علي بن عيسي الصائغ ، النحوي ، الأديب ، الشاعر، وكان بسيراف عند عاملها درك ، وخرج معه في هيج كان مع العامة بها ، فرموه بالمقاليع ، فأصاب علي بن عيسي حجر ، فهلك ( معجم الأدباء 277/5 ).

والظاهر ان رجم العامة بغداد ، لرؤساء الدولة ، كان أمرا متعارفأ ، فإن الوزير علي بن عيسي ، في رقعته إلي السيدة أم المقتدر ، ذكر فيها ، أنه

ص: 246

منذ وزر للمقتدر ، امتلأت قلوب العامة ، هيبة ، « بعد ان كانت تثب علي الرؤساء وترميهم بالحجارة ، عند اجتيازهم في دجلة » . ( الوزراء للصابي 309)

وروي أبو الحسن ابن الأزرق التنوخي ، إنه كان يعبر دجلة ، فأبصر في صحن دار ابن الحراصة ، بدار الجهشياري شخصين علي فاحشة ، ظاهرين ، غير مستترين ، فاقترب منهما، مع من في السميرية ، ورجموهما . راجع التفصيل في القصة 187/1 من كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي .

وفي السنة 319 دخل الحضرة ( بغداد ) خسمائة فارس ، كانوا مقيمين بالجبل ، في ماه الكوفة ( الدينور ) ، فطالبوا بأرزاقهم ، فأمرهم الوزير أبو القاسم الكلوذاني بالرجوع إلي مواضعهم لينفق فيهم هناك ، فلم يسمعوا ، ورجموه بالأجر ، وهو منصرف في طياره ، فأغلق بابه ، وأعتزل الوزارة . ( تجارب الأمم 218/1 و219).

وفي السنة 329 دخل الأمير ابن رائق بغداد ، وحاربه كورنكيج والديلم، فانضمت العامة إلي الأمير ابن رائق، ورموا كورنكيج والديلم بالشتر والأجر فانهزم أصحاب كورنكيج ، واستترهو . ( التكملة 125 وتجارب الأمم 21/2)

وذكر القاضي التنوخي ، في كتابه الفرج بعد الشدة ، أن ابن المعتز ، لما بويع بالخلافة بالمخرم ، ثم فسد أمره ، انقلبت العامة مع المقتدر ، ورموا ابن المعتز بالشتر، أي أنهم رجموه بأجرها ، راجع القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 307.

وفي السنة 345 كان القائد الديلمي روزبهان ، من قواد معز الدولة البويهي ، يحاصر عمران بن شاهين صاحب البطائح ، فترك محاصرته ،

ص: 247

وقصد الأهواز ، وعصي علي معز الدولة ، فانحدر إليه مع الدولة ، وواقعه عند قنطرة أربق ، فأسره ، وأصعد به إلي بغداد في زبزب ، فخرج إليه العامة ببغداد ، ورجموا روزبهان بالأجر ( التكملة 171).

وفي السنة 391 طلب أبو نصر سابور ، ببغداد ، من الغلمان ، الخروج إلي فارس ، فطالبوا بقبض استحقاقهم ، وهجموا علي أبي نصر ، فهرب من أيديهم ، وبادر العلويون والعامة ، فدفعوهم عن الدار ، ورموهم بالأجر من السطوح (تاريخ الصابي 387/8 ) .

وفي السنة 391 قتل ببغداد ، المعروف بأرسلان ، الذي كان يتصرف في الوقوف ، قتله العامة بالأجر ، وفدغوا رأسه . (تاريخ الصابي 402/8)

وفي السنة 420 بعث الخليفة خطيبا من عنده يخطب في جامع براثا ، فختم خطبته بقوله : اللهم اغفر للمسلمين ، ومن زعم أن عليا مولاه ، فرماه العامة بالأجر ، فأدموا وجهه ، وخلع كتفه ، وكسر أنفه ، وخلصه أصحاب المسالح ، ثم كبسوه في داره وأخذوا ما فيها وأعروه . ( المنتظم 41/8 - 43)

وفي السنة 421 جرت منازعة بين أحد الأتراك النازلين بباب البصرة ، وبعض الهاشميين فاجتمع الهاشميون الي جامع المدينة ، ورفعوا المصاحف ، واستنفروا الناس ، فاجتمع لهم الفقهاء والعدد الكثير من الكرخ وغيرها ، وضجوا بالاستغاثة من الأتراك وسبهم ، فركب جماعة من الأتراك ، فلما رأوهم قد رفعوا أوراق القرآن علي القصب ، رفعوا بإزائهم قناة عليها صليب ، وترامي الفريقان بالنشاب والأجر ، وقتل من الأجر قوم ( المنتظم 50/8)

وفي السنة 422 حدثت فتنة بين أهل الكرخ، وبين جماعة من

ص: 248

الأتراك ، وركب وزير الملك ، فرجم ، ووقعت أجرة في صدره ، وسقطت عمامته ( المنتظم 55/8).

وفي السنة 424 في إحدي الجمع ، ثار العوام في جامع الرصافة ، علي الخطيب ورجموه ، ومنعوه من الخطبة ، وقالوا له : إن خطبت للبرجمي ، وإلا فلا تخطب لخليفة ولا لملك ( المنتظم 75/8 ).

أقول : كان البرجمي العيار ، قد زاد شره ما بين السنتين 421 و425 وكثرت عملاته ، وأهلك الناس ، وعجزت السلطة عنه ، وغرق في السنة 425.

وكان أبو العباس الحويزي ، الناظر في اعمال نهر الملك ، ظالما ، فقتل في الحمام ، ولما أخرج ليدفن ، ضرب الناس تابوته بالأجر ، ولو لم يكن الاستادار معه لأحرق تابوته . ( الوافي بالوفيات 122/8 ).

وفي السنة 427 شغب الجند ببغداد ، علي السلطان جلال الدولة البويهي ، وقالوا له : إن البلد لا يحتملنا وإياك ، فأخرج من بيننا ، فإنه أولي لك ، فقال : أمهلوني ثلاثة أيام ، حتي أخذ حرمي وولدي وأمضي ، فقالوا : لا نفعل ، ورموه بأجرة في صدره ، فتلقاها بيده ، ورموه بأخري فأصابت كتفه ، والتجأ إلي دار المرتضي ، ثم أصعد إلي تكريت ، ثم أصلح الخليفة بين جلال الدولة وبين جنده ، فعاد إلي بغداد ( المنتظم 89/8 وابن الأثير 446/9 )

وفي السنة 475 قام قاض أشعري يقال له البكري ، بالوعظ في جامع المنصور ، وأورد اعتراضات علي أقوال الحنابلة ، فرجمه الحنابلة بالأجر ( المنتظم 4/9 ) .

وفي السنة 495 نشبت معركة بين العامة البغداديين ، وبين جند شحنة بغداد ، وكان أحد جند صاحب الشحنة ، قتل ملاحا ، فهاج العامة ، ورجموا

ص: 249

رجال صاحب الشحنة بسوق الثلاثاء ( ابن الأثير 338/10 ) .

أقول : سبب الفتنة ، أن جماعة من أتباع شحنة بغداد ايلغازي ، جاءوا إلي دجلة ، ونادوا ملاحة ليعبر بهم ، فتأخر ، فرماه أحدهم بنشابة وقعت في مشعره، فمات ، فأخذ العامة القاتل إلي باب النوبي ( أحد أبواب دار الخلافة ) فلقيهم اين ايلغازي مع جماعة من أصحابه ، فأخذوا صاحبهم من يد العامة ، فرجمته العامة بسوق الثلاثاء ، فذهب إلي أبيه مستغيثأ ، فعبر ايلغازي إلي محلة الملاحين ( مربعة القطانين ) فنهب أصحابه ما وجدوا فعطف عليهم العيارون ، فقتلوا أكثرهم ، ونزل من سلم منهم إلي المشرعة ليعبروا دجلة ، فلما توسطوا النهر، ألقي الملاحون أنفسهم في الماء وتركوهم ، فغرقوا ، وكان من غرق أكثر ممن قتل ( ابن الأثير 337/10 و338).

وفي السنة 492 استولي الافرنج علي القدس ، وكان من جملة من وقع في أسرهم أبو القاسم مكي بن عبد السلام الأنصاري ، الحافظ ، الرحالة ، فقرروا أن فكاكه بألف دينار، ولم يستفكه أحد، فرموه بالحجارة ، حتي قتلوه . ( الاعلام

215/8 ) .

وفي السنة 520 لما قتل الباطنية ، قسيم الدولة آفسنقر البرسقي ، صاحب الموصل، بالجامع ، بالموصل، في يوم جمعة ، ذكر إن هؤلاء الذين قتلوه ، كانوا يجلسون عند إسكاف بدرب ايليا بالموصل ، فأحضر ، وقرر ، فلم يقر ، فهدد بالقتل ، فقال : إن هؤلاء وردوا منذ سنين لقتل قسيم الدولة ، فلم يتمكنوا من قتله إلا الآن ، فقطعت يداه ، ورجلاه ، وذكره ، ورجم بالحجارة حتي مات ( ابن الأثير 634/10 ، 635 ).

وفي السنة 521 حدثت فتن في بغداد ، بين الحنابلة وبين أتباع أبي الفتوح الاسفرايني الواعظ ، وتعرض أصحابه بمسجد ابن جردة فرجموا ،

ص: 250

ورجم معهم أبو الفتوح ، واجتاز مرة بسوق الثلاثاء فرجم ، ورميت عليه الميتات ( المنتظم 6/10).

وفي السنة 542 كان رسول الحسن صاحب إفريقية عند رجار الصقلي ، وكان عنده كذلك رسول يوسف صاحب قابس ، الذي سلم قابس الرجار ، فنال رسول يوسف من الحسن صاحب إفريقية فأخبر الحسن رسوله بالأمر ، فسير الحسن جماعة من أصحابه في البحر ، وأخذوا رسول يوسف ، وأحضروه أمام الحسن ، فسبه ، وقال له : ملكت الإفرنج بلاد المسلمين ، وطولت لسانك بذمي ، ثم أركبه جملا ، وعلي رأسه طرطور بجلاجل، وطيف به في البلد ، ونودي عليه ، هذا جزاء من سعي أن يملك الفرنج بلاد المسلمين ، فلما توسط المهدية ، ثار به العامة ، فقتلوه بالحجارة ، ( ابن الأثير 121/11)

وفي السنة 546 سأل الواعظ ابن العبادي ، أن يجلس في جامع المنصور ، وضمن له نقيب النقباء الحماية من الحنابلة الذين كانوا لا يمكنون من الوعظ فيه إلا حنبلية ، وجلس الواعظ في الرواق ، وحضر النقيبان ( نقيب العلويين ونقيب العباسيين ) واستاذ الدار ، وخلق كثير ، فلما شرع في الكلام ، أخذته الصيحات من الجوانب ، ونفر الناس ، وضربوا بالأجر ، فتفرق الناس منهزمين ، كل قوم يطلبون جهة ، وأخذت عمائم الناس وفوطهم ، وجذبت السيوف حوله ، وتجلد ، وثبت ، وسكن الناس ، وتكلم ساعة ، ثم نزل ( المنتظم 145/10 ).

ولما قتل نصر بن عباس ، الخليفة الظافر الفاطمي ، بأمر من والده عباس ، نقم المصريون علي عباس وولده ما صنعاه ، وصار الناس يسمعونهما المكروه ، حتي أنه رمي من طاق ببعض الشوارع وهو مار ، بهاون من نحاس ، وفي يوم آخر بقذر مملوءة ماء حارة ( النجوم الزاهرة 297/5 ) .

ص: 251

وكان الأمير أسامة بن منقذ، حاضرة هذه الوقائع ، وآتهمه بعض الناس بأنه كان مشاركا فيها ، وقد حدثنا في كتابه الاعتبار عن كيفية قتل الظافر ، وكيف اتخذ عباس من قتل الظافر حجة ، فقتل أخوي الظافر ، اتهمهما بقتله ، فقتلهما ، وقد سمي الأمير أسامة هذه الأعمال بغية قبيحة، مما يدل علي أنه لم يشارك في هذا العمل ، وذكر في كتابه ، أنه بعد ما عمله عباس وولده نصر ، جفت عليهما قلوب الناس وأضمروا لهما العداوة والبغضاء ، وخامر عليه الجند ، وقاتلوه في الشوارع والأزقة ، فرسانهم يقاتلون في الطريق ، ورجالتهم يرمون بالنشاب ، والنساء والصبيان يرمونهما بالحجارة من الطاقات ، وكان ذلك في السنة 549 ( الاعتبار لأسامة بن منقذ 20 - 22) .

وفي السنة 556 خرج الوزير ابن هبيرة ، من داره الي الديوان ، والغلمان يطرقون له ( يصيحون أمامه الطريق ، الطريق ) ، وأرادوا أن يردوا باب المدرسة الكمالية ، فمنعهم من فيها من الفقهاء ، وضربوا الغلمان بالأجر ، فصدر الأمر بتأديب الفقهاء وضربهم ( المنتظم 199/10 ابن الأثير 265)

وفي السنة 563 عاقب المحتسب ببغداد ، جماعة من المتعيشين ، فرجموه بالآجر ، إلي أن كاد يهلك ، وأختفي ، ولم يجسر علي الركوب ، حتي أنفذ حاجب الباب معه مستخدمين رافقوه إلي داره ، وأخذ المتعيشون فعوقبوا وحبسوا ( المنتظم 223/10 ) .

وفي السنة 569 خطب محمد الطوسي في التاجية ، وكان من جملة ما قال : إن ابن ملجم لم يكفر بقتله عليا عليه السلام ، فهاج عليه الناس ، ورموه بالأجر ، وحفظه الأتراك حتي خرج ، وأراد أن يجلس مرة ثانية ، فاجتمع الناس ، وتأهبوا لرجمه ، وأعدوا له قوارير النفط ، فلم يحضر . ( المنتظم 242/10 ) .

ص: 252

وفي السنة 572 أشهر طحان من أهل الكرخ ، فضرب مائة سوط ، وسود وجهه ، وشهر في الغد، وخلفه من يضربه بالخشب ، والعامة ترجمه ، ثم أعيد إلي الحبس ( المنتظم 267/10 ).

وفي السنة 573 هاجت العامة ببغداد ، وقلعوا طوابيق جامع الخليفة ، ورجموا الجند ، ثم رجموا حاجب باب الخليفة ، ثم نهبوا دكاكين المخلطين ، وسبب ذلك إن فتنة حصلت بالمدائن ( اسمها الآن سلمان باك ) بين المسلمين واليهود ، فشكا المسلمون أمرهم بأن قدم منهم وفد راجع صاحب المخزن ( وزير الداخلية ) والظاهر إنهم خاشنوا صاحب المخزن ، فأمر بحبسهم ، ثم أطلقهم ، فقصدوا جامع الخليفة ( وكان يسمي جامع القصر ، واسمه الآن جامع سوق الغزل ) واستغاثوا ، فهاج العامة ، فجاء جماعة من الجند للتهدئة ، فقلع العامة طوابيق الجامع ، ورجموا الجند ، فهربوا ، وقصد العامة دكاكين المخلطين ، ونهبوها ، لأن اكثر المخلطين يهود ، وأراد حاجب الباب أن يمنعهم فرجموه فهرب منهم ، وانقلب البلد ( ابن الأثير 447/11 و448 والمنتظم 275/10 ) .

وفي السنة 574 كبس بالكرخ علي رجل يقال له أبو السعادات بن قرايا ، كان ينشد علي الدكاكين ، انهم بأنه رافضي ( أي شيعي ) فأخذ، فقطع لسانه بكرة يوم الجمعة ، ثم قطعت يده ، ثم حط إلي الشط ليحمل إلي المارستان ، فضربه العوام بالأجر في الطريق ، فهرب إلي الشط ، فجعل يسبح وهم يرجمونه ، حتي مات ، ثم أخرجوه وأحرقوه ، ورمي باقيه في الماء ( المنتظم 286/10 ).

وقدم أبو الخير القزويني (ت 590 ) إلي بغداد ، وجلس يوم عاشوراء في المدرسة النظامية ، فقيل له : ألعن يزيد بن معاوية ، فقال : ذاك إمام مجاهد ، فجاءه الرجم ، حتي كاد يقتل ، وسقط عن المنبر ، فأدخل إلي بيت في النظامية ، وأخذت فتاوي الفقهاء بتعزيره ، فقال بعضهم : يضرب عشرين

ص: 253

سوطأ ، فقيل له : من اين لك هذا ؟ فقال : إن عمر بن عبد العزيز ، سمع قائلا يقول : أمير المؤمنين يزيد بن معاوية ، فضربه عشرين سوطأ . ( النجوم الزاهرة 134/6 ).

وفي السنة 602 ثار العامة بهراة ، وجرت فتنة عظيمة بين الحدادين والصفارين ، قتل فيها جماعة ، ونهبت الأموال ، وخربت الديار ، فخرج أمير البلد ليكفهم ، فرجموه بالحجارة ، فناله ألم شديد، وحمل إلي القصر الفيروزي ، واختفي أيامأ، حتي سكنت الفتنة ، فظهر ( ابن الأثير 208/12)

وفي السنة 631 صعد سعد الدين بن غراب ، إلي القلعة بمصر ، لينفق في المماليك ، فثاروا به ، وضربوه ، ورجموه حتي كاد أن يموت ، ثم رجموه مرة أخري ( بدائع الزهور 631/2/1 و635).

وفي السنة 669 توفي العلامة ابن عصفور الإشبيلي ، علي بن مؤمن ، حامل لواء العربية بالاندلس ، قال عنه ابن تيمية : إنه رجم بالناربخ ، في مجلس الشراب ، حتي مات ( فوات الوفيات 110/3 ).

وفي السنة 674 وجد رجل وامرأة في شهر رمضان ، في حمام ببغداد علي فاحشة ، فأمر صاحب الديوان علاء الدين ، بحصبهما ، فحصبا ظاهر سور بغداد ، ولم ير في تاريخ أنه حصب ببغداد أحد ( الحوادث الجامعة ص 386).

ومن جملة ألوان العذاب التي كان سلطان المغول ما نكوبن تولوي (649 - 659 ) يمارسها، أن يقتل من يعذبهم رجما بالحجارة ، أو أن يضعهم في أكياس ويرميهم تحت سنابك الخيل ، ومع ذلك فإن المؤرخين يقولون عنه إنه كان أقل حكام المغول تعطشا للدماء ( علاقات بين الشرق والغرب 196 - 197).

ص: 254

وفي السنة 681 أحضر إلي بغداد عبد يشوع ويعقوب ، وكانا قد رفعا علي الصاحب علاء الدين صاحب الديوان ، فطيف بهما في بغداد عاريين ، والعوام يصفعونهما ، ويرجمونهما بالأجر ( الحوادث الجامعة 422) .

وفي السنة 715 قتل المبشر الاسباني ريموند لول ( 630 - 715) رجما بالحجارة ، وكان قد وقف حياته علي الحرب والتبشير من أجل استعادة البلاد المقدسة ، وسجل آراءه في كتاب له أصدره في السنة 705 وكانت خلاصة مشروعه ، إنه دعا الي طرد المسلمين من أسبانيا أولا ، ثم العبور منها إلي الشمال الإفريقي ، والزحف إلي مصر ، وجعل الجزر رودس ومالطة وقبرص مراكز الإنطلاق الرئيسية في الهجوم ، كما أشار إلي الإستيلاء علي القسطنطينية ، لتكون نقطة انطلاق للجيوش القادمة من شرق أوروبا ووسطها ، كما دعا إلي درس العربية والعلوم الإسلامية الدينية وغير الدينية من أجل عملية التنصير ، وقصد الشمال الإفريقي ثلاث مرات ، قابل في المرة الأولي قاضي قضاة تونس ابن عمار وسجل مناظرته معه في كتاب نشر بعد موته ، وفي المرة الثانية أخرجته السلطة التونسية من البلاد ، أما في المرة الثالثة فقد قتل رجما بالحجارة ( علاقات بين الشرق والغرب 229).

وفي السنة 770 وقعت معركة بين العامة المصريين ، والجنود المماليك ، وكان سلاح العامة ، الحجارة ، فانتصروا علي المماليك ، ودحر وهم ( بدائع الزهور 89/2/1 ).

وفي السنة 802 حصر أبو فارس ، صاحب إفريقية ، مدينة توزر ، وأسر صاحبها أبا بكر بن يحيي بن يملول ، فصلبه ، وقتل رجما بالحجارة ، وانقرضت بمهلكه دولة بني يملول ( الضوء اللامع 97/11 ).

وفي السنة 814 رجم رجل تركماني بدمشق ، تحت قلعتها ، اعترف بالزنا وهو محصن ، فأقعد في حفرة ، ورجم حتي مات ( شذرات الذهب 105/7)

ص: 255

وفي السنة 837 قام مماليك الطباق بالقلعة بالقاهرة ، برجم المباشرين عند خروجهم من الخدمة السلطانية ، لتأخر جوامكهم بالديوان المفرد عن وقت إنفاقها ( حوليات دمشقية 95).

وفي السنة 883 قتل كلابي حاكم بغداد ، الحاج ناصر القتباني ، وأولاده ، وحصب غلامه شعبان ( أي قتله رميا بالحجارة ) ، والسبب إنهم اتهموا بأن لهم علاقة بالمشعشع العلوي صاحب الحويزة . (تاريخ العراق للعزاوي261/3 ).

وفي السنة 903 عصي الأمير آقبردي الدوادار ، علي سلطان مصر ، وترك مصر إلي بلاد الشام ، وحصر دمشق فلم يتمكن منها ، وحصر حلب نحوا من شهرين ، وكان إينال السلاحدار نائب حلب ، من عصبة أقبردي ، فأراد أن يسلمه مدينة حلب ، فهاج أهل حلب ، ورجموه ، وطردوه من المدينة ، وحصنوها بالمدافع ، فانزاح آقبردي عنها ( اعلام النبلاء 106/3 و107).

وفي السنة 934 قتل بحلب القاضي علي بن أحمد ، المعروف بقرا قاضي ، وكان قد سن علي الناس بحلب سننأ ظالمة ، ورام أن يضع رسوما علي الملح حتي يجعله أغلي من الفلفل ، ومنع بيع الحنطة العائدة للسلطان علي رغم القحط والغلاء ، فنقم عليه الناس ، واجتمعوا عليه في يوم جمعة ، وقت الصلاة ، وقتلوه رجما بالحجارة ، وضرب بالنعال ، حتي مات ، وجردوه من ثيابه ليحرقوه ، فحيل بينهم وبين إحراقه ( اعلام النبلاء 471/5 ) .

وفي السنة 1008 عزل المولي احمد بن سليمان الأياشي ، قاضي قضاة دمشق ، من منصبه ، بعد أن تضافر اهل دمشق علي اتهامه بالرشوة ، ورجموه بالحجارة رجما متداركا ( خلاصة الأثر 209/1 ).

وذكر المحبي في خلاصة الأثر 80/3 ان سبب قتل السيد عبد الله في

ص: 256

السنة 1096 إن سعر القمح ارتفع بحلب ، حتي بيع الأردب بخمسة وعشرين قرشأ ، وشاع الخبر إن السيد عبد الله ارتشي هو وقاضي حلب ، وانهما أخذا رشوة مقدارها ألف قرش ، وأباحا للمحتكرين بيع الأردب بهذا الثمن ، فحقد عامة حلب علي السيد عبد الله ، وحدث أن دعا السيد عبد الله ، متسلم حلب إلي داره ، ولما تركها مرض ومات بعد ثمانية أيام ، فاتهم الناس السيد عبد الله بأنه دس السم إلي المتسلم ، ولما حمل المتسلم ليدفن ، كان السيد عبد الله من جملة المشيعين ، فصاحت امرأة : هذا قاتل المتسلم ، وتبعها في الصراخ رجل من العوام ، فصاح الرجال والصبيان ، وهجموا علي السيد عبد الله ، وضربوه بالحجارة ، فأصابت حجارة رأسه وعثرت به الفرس ، فانكب علي وجهه ، فهجم عليه الناس وقتلوه ، ولم يبقوا فيه عضوا صحيحا .

وفي السنة 1107 اجتمع الفقراء والشحاذون ، رجالا ونساء وصبيانا ، بالقاهرة ، وطلعوا إلي القلعة ، ووقفوا بحوش الديوان ، وصاحوا من الجوع ، فلم يجبهم أحد، فرجموا بالأحجار ، فركب الوالي وطردهم ، فنزلوا إلي الرميلة ، ونهبوا حواصل الغلة ( تاريخ الجبرتي 47/1 ).

وفي السنة 1191 هاج الأزهريون علي الأمير يوسف بك ، وأغلقوا الجامع الأزهر ، وأبطلوا الدروس والأذان والصلوات ، فأرسل الأمير إبراهيم بك ، من طرفه ، إبراهيم أغا بيت المال ، لإصلاح الحال ، فخرج إليه بعض المجاورين من المغاربة ، ورجموه بالحجارة ، فكر عليهم ، وقتل منهم ثلاثة ، وجرح منهم ومن العامة ( الجبرتي 497/1 ) .

ص: 257

و - التعذيب بالنطح

وانفرد الأشرف برسباي ، سلطان مصر من السنة 824 إلي 841 بنوع طريف جدا من العذاب ، فقد كان عنده أمير يلقبه : الناطح ، كان ينطح المراد تعذيبه بين يدي السلطان ، وكان كل من نطحه كسر رأسه . (جامع كرامات الأولياء للنبهاني 265/1) .

وحدثنا صديقنا الاستاذ زهير المارديني ، الكاتب الدمشقي المعروف ، في كتابه « نهاية شاعر » ( ص 209 و210) عن فتي من الإسكندرية ، اسمه حميدو ، كان إذا نطح أحدة ( أتلفه ) وربما قضي عليه ، وإنه نازل في أحد الأيام مصارعة يونانية ، ونطحه برأسه ثلاث نطحات ، وغادره صريعا غارقا في دمه.

ص: 258

ز- الوطء بالاقدام

وهذا اللون من ألوان العذاب ، قديم الممارسة .

وأول من قتل وطأ بالأقدام ، علي ما بلغنا ، فزاري اسمه أربد، نهض في مسجد الكوفة ، والإمام علي يخطب ، ويحض الناس علي مناهضة معاوية في الشام ، والتأهب للمسير إليه ، فقام أربد الفزاري ، وقال : أتريد أن تسير بنا إلي إخواننا من أهل الشام ، فنقتلهم ، كما سرت بنا إلي إخواننا من أهل البصرة ، فقتلناهم ؟ كلا ، هاالله ، إذن لا نفعل ذلك ، فقام الأشتر ، فقال : أيها الناس ، من لهذا ؟ فهرب الفزاري ، فسعي شؤبوب من الناس في إثره ، فلحقوه بالكناسة ، فضربوه بنعالهم حتي سقط ، ثم وطؤوه بأرجلهم ، حتي مات ( الأخبار الطوال 164)

قال الشاعر : ( شرح نهج البلاغة 173/3 و 174)

أعوذ بربي أن تكون منيتي**** كما مات في سوق البراذين أربد

تعاوره همدان خفق نعالهم**** إذا رفعت عنه بنزلت يد

وسبق في السنة 36 لأصحاب طلحة والزبير ، لما قدما البصرة محاربين للإمام علي عليه السلام ، أن دخل بعض أتباعهما علي عثمان بن حنيف أمير البصرة لعلي ، فتوطؤوه ، وضربوه أربعين سوطا ، ونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه ، وحبسوه ، ثم طردوه ، فخرج إلي علي ، فلاقاه

ص: 259

بالربذة ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، بعثتني ذا لحية ، وجئتك أمرد ، فقال له : أصبت أجرأ وخيرة ( الطبري 468/4 و469) .

وبعث المختار الثقفي ، من يقبض علي شمر بن ذي الجوشن ، ففر من الكوفة ، ونزل ببعض القري ، وكتب إلي المصعب بن الزبير ، فأخذ الكتاب صاحب مسلحة للمختار ، فوجه إلي شمر خيط أحاطت بالقرية ، فخرج إليهم شمر فجالدهم ، فطعنه أحدهم في ثغره نحره ، ثم أوطأه الخيل وبه رمق حتي مات ، واحت رأسه ، ووجه به إلي المختار ، ونبذت جيفته للكلاب. ( انساب الأشراف 238/5).

وقال رجل من بني مرة ، للوليد بن عبد الملك : اتق الله يا وليد، فإن الكبرياء لله ، فأمر به فوطيء حتي مات ( لطائف المعارف 19 ).

وفي السنة 246 قتل المتوكل يعقوب بن اسحاق النحوي ، المعروف بابن السكيت ، سأله المتوكل ، أيما أحب إليه ، المعتر والمؤيد، أو الحسن والحسين ؟ ولم يرض جوابه ، فأمر الأتراك فداسوا بطنه ، فحمل إلي داره فمات ( ابن الأثير

91/7 ) .

وفي السنة 656 قتل المستعصم آخر الخلفاء العباسيين ، بأن وضع في غرارة ، ورفس حتي مات ، وكان هولاكو التتاري قد حاصر بغداد ، فخرج إليه الوزير مؤيد الدين أبو طالب محمد بن العلقمي ، ثم عاد ، وقال للخليفة ، قد تقدم السلطان ( پريد هولاكو) أن تخرج إليه ، فأخرج ولده الأوسط وهو أبو الفضل عبد الرحمن ، فلم يقع الإقتناع به ، فخرج الخليفة والوزير ، ومعه جمع كثير ، فلما صاروا بظاهر السور ، منعوا أصحابه من الوصول معه ، وأفردوا له خيمة وأسكن بها ، وخرج ابن الخليفة الأكبر أبو العباس أحمد ، يوم الجمعة ، ثم دخل الخليفة بغداد يوم الأحد، رابع صفر ، ومعه جماعة من أمراء المغول ، والخواجة نصير الدين الطوسي ،

ص: 260

فأخرج الخليفة إليهم من الأموال والجواهر والحلي والزركش والثياب والأواني الذهب والفضة والاعلاق النفيسة ، جملة عظيمة ، ثم عاد مع الجماعة إلي ظاهر السور بقية ذلك اليوم ، فأمر السلطان بقتله ، فقتل يوم الأربعاء رابع عشر صفر ، ولم يهرق دمه ، بل جعل في غرارة ، ورفس حتي مات ، ثم قتل ولده الأكبر فالأوسط ( الحوادث الجامعة 327) .

وفي السنة 697 قتل بجامع الخليفة ببغداد ، في يوم الجمعة ، رجل علوي ، كان متغير العقل ، نسب العوام إليه إنه قال ما لا يجوز ، فاجتمعوا عليه وضربوه ، ورفسوه حتي مات ، ثم أخرجوه إلي باب الجامع ، فأنكر الديوان ذلك ، ولم يعرف قاتله ( الحوادث الجامعة 466) .

وفي السنة 701 قتل بظاهر بغداد ، زين الدين هبة الله العلوي الحلي النقيب ، صدر البلاد الفراتية ، قتله بنو محاسن ، قودا بدم صفي الدين بن محاسن ، وكان السيد زين الدين قد أمر به فرفس حتي مات ، وكان قتل السيد زين الدين بموافقة أرنية ، حاكم بغداد ( في التراث العربي 597/1)

وكان فخر الدين أحمد بن مظفر بن مزهر النابلسي ، الكاتب المشهور ، المتوفي سنة 703 رتب ناظرا لبعلبك ، فحصل بينه وبين الأمير ناصر الدين ، النائب ببعلبك ، صراع وإخراق ، الأمر تعرض إليه بسبب الحريم ، فاعتقله ، وبعث به إلي الأمير علاء الدين طيبرس النائب بدمشق ، وكان طيبرس يكرهه ، فلما رآه أمر برميه في البركة ، وأن يدوسه المماليك بأرجلهم ، وغرمه عشرة آلاف درهم ( الوافي بالوفيات 182/8 ).

وفي السنة 1066 توفي الشيخ نور الدين علي بن زين العابدين الأجهوري ، وكان قد أضر علي أثر ضربة تلقاها من أحد الطلبة ، بالجامع الأزهر بالقاهرة ، وكان ذلك الطالب قد تزوج ، وتشاجر مع أمرأته فطلقها

ص: 261

ثلاثا ، ثم ندم وطلب من الشيخ الأجهوري أن يجدد له عقد عليها ، فأفتاه بأنها لا تحل له حتي تنكح زوجا غيره ، فحقدها عليه ، وجاء إليه وهو في الدرس ، وقد أخفي في ثيابه سيفا ، واستله ، وضرب به الأجهوري علي رأسه ، فشجه ، وقام أهل الحلقة ومن حضر الجامع ، وتناولوا المعتدي ، يمينا وشمالا ، حتي قتلوه ضربأ بالأيدي ، والنعال ، والعصي ، ودوسا بالأرجل ، وأثرت الضربة في الشيخ الأجهوري ، فأصيب بصره ( خلاصة الأثر 158/3 ).

ص: 262

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.