موسوعه العذاب المجلد 1

اشارة

موسوعه العذاب

تاليف: عبود الشالجي

مشخصات: 7ج

الدارالعربيه للموسوعات

بيروت - لبنان

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

رب يسر

العذاب شعبة من شعب الظلم ، والظلم في اللغة : وضع الشيء في غير موضعه ، وفي الاصطلاح : إيذاء الناس وأنتقاص حقوقهم ، وهو خلاف التقوي التي هي مخافة الله ، والعمل بطاعته .

قال الله تعالي : ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا )(1)

وقال النبي صلوات الله عليه : الظلم ظلمات يوم القيامة .

وقال : من أعان ظالم ، سلطه الله عليه.

والتاريخ مشحون بأخبار قوم بغوا وظلموا ، فمنهم من عوجل ، ومنهم من أمهل ، غير أن عاقبة ظلمه لحقت أولاده وأحفاده وأهل بيته ، مصداقا لقول النبي صلوات الله عليه : من خاف علي عقبه وعقب عقبه فليتق الله .

وقد ابتلي الناس في مختلف أدوار التاريخ بأشخاص قساة ظالمين ، ظلموا ، وعذبوا ، ونكلوا ، واستأصلوا ، وأبادوا أمما من الناس ، فكانت عاقبة هؤلاء الظالمين البوار ، وتردت أسماؤهم بأردية العار والشنار

ص: 5


1- شرح نهج البلاغة 106/15

ولم يكن العذاب ممارسة في صدر الإسلام ، فإن الإسلام جاء بالسلام ، والمودة ، والعطف والرحمة ، وشعاره أن لا إكراه في الدين.

واختصر نبي الإسلام ، عليه السلام جميع ما قام به ، في كلمة واحدة ، قال : بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .

وكانت وصيته لكل سرية يبعث بها إلي الحرب ، لا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا امرأة ولا وليد(1).

وخلفه أبو بكر الصديق ، فكانت وصيته لأمراء جيشه : لا تخونوا ، ولا تغلوا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلا صغيرة ، ولا شيخة كبيرة ، ولا امرأة ، ولا تعقروا نخلا ، ولا تحرقوه ، وسوف تمرون بقوم قد فرغوا أنفسهم في الصوامع ( يريد الرهبان ) فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له(2) .

و وجيء إليه مرة برأس أحد القتلي في إحدي المعارك ، فغضب ، وقال : هذا من أخلاق العجم ، ومنعهم من تكرار ذلك إذ اعتبر أن قطع الرأس من المثلة المنهي عنها(3).

وكان الخليفة عمر الفاروق يقول لعماله : إني إنما استعملتكم علي الناس لتقضوا بينهم بالحق ، وتقسموا بالعدل ، ولم استعملكم التضربوا أبشارهم أو لتأخذوا أموالهم .

وبلغه أن أحد أولاد عمرو بن العاص عامله علي مصر قنع بعصاه رجلا من الرعية ، وقال له وهو يضربه : أنا ابن الأكرمين ، فأحضر عمرة ، وولده ، وأحضر المضروب ، ولما تحقق من صحة القصة أعطي المضروب عصا ، وقال له : اضرب بها ابن الأكرمين ، حتي إذا ضربه

ص: 6

التفت إلي عمرو ، وقال له : يا عمرو ، متي استعبدتم الناس ، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارة .

وكان إذا بعث بعثا للحرب ، أوصاهم ، فقال : بسم الله ، وعلي عون الله ، لا تجبنوا عند اللقاء ، ولا تمثلوا عند الغارة ، ولا تسرفوا عند الظهور ، ولا تقتلوا هرمة ، ولا امرأة ، ولا وليد(1).

وكان الإمام علي بن أبي طالب ، يوصي قاده في كل موطن يلقون فيه عدوا ، فيقول : لا تقاتلوا القوم حتي يبدأوكم ، فإذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرة ، ولا تجهزوا علي جريح ، ولا تكشفوا عورة ، ولا تمثلوا بقتيل ، فإذا وصلتم إلي رحال القوم فلا تهتكوا سترا ، ولا تدخلوا دارة إلا بإذن ، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في معسكرهم ، ولا تهيجوا امرأة بأذي ، وإن شتمن أعراضكم ، وسببن أمراءكم وصلحاءكم (2).

ولما اغتال عبد الرحمن بن ملجم ، الإمام علي بن أبي طالب ، أوصي الإمام ولده الحسن وهو يودع الحياة ، وقال في آخر وصيته : وأما عبد الرحمن فإن عشت فسأري فيه رأيي ، وإن مث فضربة بضربة ، ولا يمثلن به أحد، فإني سمعت رسول الله يقول : إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور(3) .

ولم ينس أبو الحسن ، وهو في حالته تلك ، أن يوصيهم بالعناية بقاتله ، لأنه أسير عندهم ، فقال : أطيبوا طعامه وألينوا فراشه (4).

ولما تسلط الأمويون علي الحكم تغير الأمر عما كان عليه في عهد الخلفاء الراشدين ، فظلم بعضهم الناس ، وسلطوا عليهم عمالا من

ص: 7

الظالمين ، وأول من سلط علي الناس من هؤلاء الظالمين زياد بن أبيه ، فعذب الناس ودفنهم وهم أحياء(1)، وبني عليهم الحيطان ، وقطع أطراف النساء (2) .

ثم سلطوا ولده عبيد الله بن زياد ، فسار علي طريقه أبيه في الجور(3)، وزاد عليه ، بأنه كان يرمي الناس من شاهق(4)، ويقتل الرجل البريء ، ويبعث برأسه إلي ابنته الصبية ، فإن جاءت الإبنة تطلب جثة أبيها لتدفنها ، أمر بالإبنة فقتلت ، وهو يمتع نفسه بمرآها وهي تقتل . (5)

وجاء من بعدهما الظالم السيء الصيت الحجاج بن يوسف الثقفي فزاد عليهما في الظلم والبغي ، وقتل ما يزيد علي ألف ألف إنسان . (6)

ولحق بهم في العهد العباسي ، المنصور ، فالمتوكل ، فالقاهر ، وأتباع لهم نشأوا في ظل حكمهم ، كالبريديين الثلاثة الذين كانوا ينقلون الناس بنعال الدواب ، ويستمرون الناس في الحيطان ، ويستون أظافيرهم ، ويشرحون لحومهم بجر القصب المشقوق علي أبدانهم.(7)

وكانت عاقبة كل ظالم من هؤلاء أسوأ العواقب ، فهلكوا ، وهلك نسلهم من بعدهم ، ولم يبق لهم من أثر ، سوي صفحات مظلمة دونها الهم التاريخ .

كانت عاقبة ما صنعه بعض الأمويين بالناس ، أن العباسيين ، لما

ص: 8


1- المحاسن والاضداد 27 والاغاني 153/17.
2- الحيوان للجاحظ 589و588/5
3- المحاسن والمساويء 2/ 190 .
4- (4) ابن الأثير 30/4 وتاريخ الكوفة 18 و 272 و273 .
5- أنساب الاشراف 89/0
6- لطائف المعارف 141 .
7- تجارب الأمم 19/2 ونشوار المحاضرة 4/ 126 .

انتصروا عليهم ، قتلوهم صغارا وكبارة حتي النساء قتلا ذريعة ، في كل مكان فلم يفلت منهم إلا الرضيع ، أو من هرب إلي الأماكن القاصية، ثم تجاوزوا الأحياء منهم إلي الأموات ، فنبشوا قبورهم ، وأخرجوا رممهم ، وضربوها بالسياط وأحرقوها بالنار .

وقضي زياد مذموما مشنوءة ، وقد صيرته مهزلة الاستلحاق موضع هزء وسخرية ، وغدا مثلا يضرب في الادعاء الكاذب ، قال الشاعر يهجو كاتبا :

حمار في الكتابة يدعيها***كدعوي آل حرب في زياد

أما ولده عبيد الله بن زياد ، فقد عاش ختارة بذمته ، ومات عبدة ، قتيل الله بالزاب.

وأما الحجاج بن يوسف الثقفي ، فقد عم شؤمه جميع أهل بيته وأفراد عائلته ، فإنه لما هلك ، واستخلف سليمان بن عبد الملك ، أمر بجميع الرجال من آل أبي عقيل ، عائلة الحجاج ، فاعتقلوا بواسط ، وعذبوا ، حتي ماتوا بأجمعهم تحت العذاب .

ولما استخلف الخليفة الصالح ، عمر بن عبد العزيز، بعث بالباقين من أفراد عائلة الحجاج إلي الحارث بن عمر الطائي عامله علي البلقاء ، وكتب إليه : أما بعد، فقد بعثت إليك بآل أبي عقيل ، وبش - والله - أهل البيت في دين الله ، وهلاك المسلمين ، فأنزلهم بقدر هوانهم علي الله تعالي وعلي أمير المؤمنين .

ص: 9

ولما استولي العباسيون علي الحكم ، أعلنوا أنهم حاربوا الأمويين السوء سيرتهم وخرقهم بالناس وإذلالهم واستئثارهم بالفيء والمغانم (1)، وكانوا يكررون أنهم غضبوا لما كان الأمويون يصنعون بالناس ، من قتل للرجال ، وسبي للنساء ، وأسر للأطفال ، وصلب علي جذوع النخل ، وإحراق بالنيران ، ونفي في البلدان (2).

ولكن بعض هؤلاء العباسيين ، كالمنصور ، والمتوكل ، والقاهر ، تعدي ظلمهم ظلم من سبقهم ، فإن المنصور مارس نحو الرعية جميع ألوان العذاب ، فدق الأوتاد في العيون (3)، وسمر المعذبين في الحيطان (4) ، ودفن بعضهم أحياء (5) ، وبني علي البعض الحيطان)، وهدم علي الآخرين البيوت (6) .

أما المتوكل ، فقد تعدي ذلك إلي نبش القبور (7)، وكان اتهام الإنسان عنده بأنه من شيعة آل علي كافية لقتله (8) .

وكان القاهر مثلا من أمثلة القسوة ، فقد بدأ خلافته بتعليق السيدة أم أخيه المقتدر تارة من ثدييها وتارة منكسة (9)، ودفن قومأ أحياء ،(10) وكان يتلذذ بأن يأمر بقتل الإبن ، ثم يحضر رأسه فيضعه بين يدي

ص: 10


1- الطبري 29/7 .
2- الطبري 570/7
3- المحاسن والمساوي، 138/2
4- اليعقوبي 37/2
5- الطبري 46/7 ، وابن الأثير 529/0 والفخري 114 ومقاتل الطالبيين 228 .
6- الطبري 9.7/8 والعيون والحدائق 227/3
7- مقاتل الطالبيين 097 وفوات الوفيات 203/1 وتاريخ الخلفاء 367 والطبري 80/9
8- وفيات الأعيان 390/5
9- نشوار المحاضر للتنوخي القصة رقم 33/2
10- تجارب الأمم 289/1 و280 وتاريخ الخلفاء 387 وابن الأثير 290/8 و299 .

الأب ، ثم يأمر بذبح الأب ويضع الرأسين أمام ثالث يقتله من بعدهما

لما مات المنصور ، حفر له أكثر من مائة قبر ، ثم دفن في قبر آخر ، غير القبور المائة . المحفورة ، ذلك لأن المحيطين به، يعلمون ما صنع ، ويعرفون مقدار نقمة الناس عليه ، فعموا موضع قبره لئلا ينبش ويحرق . وكانت عاقبة تصرفات المتوكل ، أن انتهي إلي تلك النهاية التي ينتهي إليها الظالمون ، ففتح بنهايته تلك علي من خلفه من الخلفاء ، وعلي من يلوذ بهم من رجال الدولة ، بابا استحال سده ، وكان ما أصابه فاتحة لما أصيب به الخلفاء من بعده ، والوزراء ، وسائر رجال الدولة ، من قتل ، وسمل ، وتشريد ، وامتهان .

أما القاهر ، فإن البريديين لما دخلوا بغداد ، وجدوه مسمول العينين ، في سوق الثلاثاء ، واقفا يطلب الصدقة ، فأنفذوا بمن أقامه ، وأجروا له في كل يوم خمسة دراهم.

وأما البريديون الثلاثة ، فكانت عاقبتهم ، أن أحدهم قتل أخاه ثم مات من بعده بأشهر. ، أما الثالث ، فاعتقل ببغداد وضرب ضربة مبرحا ، وقرض لحمه بالمقاريض ، ثم قتله).

وقد أثبت ابن الأثير ، في كتابه الكامل في التاريخ فص في مظالم البريديين ، ثم قال : إنه ذكر هذا الفصل ليعلم الظلمة أن

ص: 11

(1) تجارب الأمم 297/1 و 298.

(2) الطبري 116/8 .

(3) تجارب الأمم 20/2

(4) تجارب الأمم 03/2

(5) تجارب الأمم 79/2 و 80 والتكملة 145 .

أخبارهم تنقل وتبقي علي وجه الدهر ، فربما تركوا الظلم لهذا السبب ، إن لم يتركوه الله سبحانه وتعالي.

وذكر الجاحظ ، في أحد كتبه ، نفرة ممن اشتهروا بالظلم ، فبعث الله عليهم المحق ، ولم يجعل من نسلهم عقبة مذكورة ، ولا ذكرة نبيها وذرية طيبة ، مثل الحجاج بن يوسف ، وأبي مسلم الخراساني ، ويزيد بن أبي مسلم ( خليفة الحجاج علي العراق ) فإن هؤلاء مع كثرة الطروقة ، وظهور القدرة ، ومع كثرة الإنسال ، قد قبح الله أمرهم ، لم يعقب.

إن هؤلاء الظالمين ، الذين ضربوا أسوء الأمثال ، في الظلم ، والقسوة ، والبغي ، سود التاريخ صفحاتهم ، ولاقوا بغيهم سوء المصير ، وتحقق فيهم قول النبي صلوات الله عليه : من خاف علي عقبه وعقب عقبه فليتق الله ، فإن هؤلاء الذين لم يتقوا الله ، وبغوا ، وظلموا ، كانت عاقبتهم أن أنقرض عقبهم ، فلا تري من نسلهم أحدأ .

كان عدد الأمويين ، الذين أخرجهم الحجازيون من مكة والمدينة ، في عهد يزيد بن معاوية ، ثلاثة آلاف رجل. ، وكان هذا عددهم في قطر واحد ، وهو الحجاز ، في القرن الأول للهجرة ، وكان هناك أمويون غيرهم كثيرون في بقية الأقطار ، فضلا عمن هو موجود منهم في الشام ، مقر حكمهم .

فكم هو عدد المنتسبين إلي بني أمية الآن ؟

وفي السنة 200 أحصي العباسيون ، بناء علي أمر من المأمون ،

ص: 12

فبلغ عددهم ثلاثة وثلاثين ألفا (1)

فكم عدد الذين ينتسبون إلي بني العباس الآن ؟

الذي أعرفه ، أنه لا يوجد الآن من ينتسب إلي بني العباس في العراق ، مقر حكمهم الذي دام ستة قرون ، سوي عائلتين اثنتين ، واحدة في البصرة ، والأخري في بغداد .

أما العلويون ، الذين كانوا في العهدين الأموي والعباسي ، مضطهدين ، مشردين ، معذبين ، فهم في أعلي الدرجات ، وقد أصبحت قبورهم مزارات ، تشد إليها الرحال ، ويفخر الناس بالانتساب إليهم .

وهكذا الحال فيمن تعاقب علي الحكم ، من سلالات وأشخاص ، فمن أحسن إلي الناس ، لقي المدح والثناء ، ومن أساء إليهم ، لقي الذم والهجاء ، وانقرض عقبه ، وبقيت صحيفته السوداء مثبتة في صفحات التاريخ ، تدل علي أن التاريخ لا ينسي الإساءة ، كما أنه لا ينسي الإحسان ، لأنه نقادة لا تخفي عليه خافية ، فهو في الوقت الذي يذكر فيه سيئات يزيد، وزياد ، والحجاج ، لا ينسي أن يسبغ أطيب الثناء علي الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، الذي ورث العدالة عن جده لأمه ، عمر الفاروق ، وقد قال فيه الزهري : كان بنو أمية دن خل ، أخرج الله منه زق عسل (2) (2)، وقال فيه حسن إبراهيم حسن : كان حكم عمر بن عبد العزيز ، غرة في جبين ذلك العصر الذي تلطخ بالاستبداد وسفك الدماء (3).

كما إنه في الوقت الذي يذكر فيه سيئات المنصور ، والمتوكل،

ص: 13


1- مروج الذهب 367/2 والعيون والحدائق 301/3 .
2- البصائر والذخائر 2 نا ص72.
3- تاريخ الاسلام 320/1

والقاهر ، لا ينسي أن يسبغ علي المأمون ، الخليفة ، العالم ، الفيلسوف ، ما يستحقه من المدح والثناء ، وهذا دليل علي أن التاريخ لا يحابي ، وإنما يحسن إلي من أحسن ، ويسيء إلي من أساء .

إني كنت أعددت هذا البحث ، ليكون تعليقا تشتمل عليه حاشية من الحواشي التي دونتها في كتاب الفرج بعد الشدة ، للقاضي التنوخي ، الذي قمت بتحقيقه ، ولكني ، لما توسطت البحث، وجدت إنه قد بلغ من الاتساع حدا أخرجه من عداد الحاشية ، ووضعه في عداد الكتب المصنفة ، فجمعت أخبار أخري ، أضفتها إلي ما اشتمل عليه من أخبار ، ورتبته علي أبواب وفصول ، وتدرجت فيه ، في اثبات ألوان العذاب ، من الشتيمة بأصنافها ، إلي التصرفات التي تقوم مقام الشتيمة ، كالعفطة ، والإشارة باليد، وعرك الأذن ، ووجء العنق ، والتفل في الوجه ، والسحب علي الأرض ، والحصب ، فالضرب والصفع ، وما يشبه ذلك كالركل ، واللكز ، فالحبس علي اختلاف أنواعه ، سواء في الحبوس الاعتيادية ، أو في المطبق ، أو المطمورة ، أو الكنيف ، أو دار المجانين ، وتكبيل المحبوس بالقيود ، وإلباسه جباب الصوف ، منقوعة في ماء الأكارع ، أو مغموسة في النفط ، فالنفي ، والإشهار ، فالصفع بأنواعه ، باليد ، أو المخدة ، أو بالجراب فارغا، أو ملانا ، أو بالسلق ، أو بقشور الرقي ، إلي الإلجام ، وحمل الأثقال إلي النطح ، أو العصر ، أو ارسال الحشرات أو السباع ، فالمساهرة ، إلي حلق اللحي واللمم ، ونتف شعر اللحي والشارب ، فالمسح ، إلي التعذيب بالدوشاخة ، أو بالزمارة ، أو بالقارة ؛ أو بالمضرسة ، إلي التعليق بأنواعه ، من اليدين ، أو من يد واحدة ، أو من الساق منكس ، أو من الثدي ، أو بالكلاليب من الفم ، إلي التسمير ، أو سقي المسهل ، أو إطعام ما ليس بطعام ، أو التعذيب بالملح ، رشا علي الجرح ، أو سقيا ، أو إسعاطأ ، أو ثقب الكعاب ، إلي قرض لحم البدن بالمقاريض ، أو التعذيب بالنار ، إحراقا ، أو

ص: 14

كيا ، أو بالماء المغلي سلقأ ، أو حقنة ، إلي سلخ جلد البدن ، أو قطع الأطراف ، أو سمل العين ، أو جدع الأنف، أو صلم الأذن ، أو قطع اللسان ، إلي تمزيق أعضاء البدن ، أو تقطيع الأوصال ، أو تنعيل الناس بنعال الدواب ، أو سل الأظافر ، أو شق لحم البدن بالقصب الفارسي ، ونضح جروحه بالخل والملح ، إلي خلع المفاصل ، إلي التعرض للعورة ، باخصاء ، أو جب ، أو خوزقة ، أو عصر ، إلي القتل بأنواعه ، سواء كان بالتفزيع ، أو صبرة بالسيف ، بأنواعه ، قطع عنق ، أو توسيطأ ، أو حمائل ، أو قعصة بالرماح ، أو نخسأ بالحراب ، أو شدخا بالأعمدة ، أو طعنة بالزوبين ، أو ضربة بالنعال ، أو رجما بالحجارة ، أو القتل بالبرد ، أو بالفصد ، أو بالنار ، أو بالسم ، أو بطرح المعذب للسباع ، أو القتل بالجوع ، أو بالعطش ، أو بهما معا ، أو القتل بقصف الظهر ، أو بقر البطن ، أو تحطيم الرأس ، أو القتل بكتم النفس ، خنقأ ، أو شنقأ ، أو غما ، أو تغريقأ ، أو تدخينأ ، أو الدفن حيا ، أو بناء بناء عليه ، أو هدم بناء عليه ، وأفردت بحثا خاصا للعذاب الذي كان يصب علي رؤوس العمال المصروفين ، أو الرعاية المطالبين ، والممث في بحث مختصر ، بما زاوله ديوان التفتيش في اسبانيا ، من ألوان العذاب ، كما أفردت بحثا عن المرأة ، وما وقع عليها من عذاب ، وفصلا عمن الجأهم العذاب ، أو الخوف من العذاب ، إلي الإنتحار ، وفصلا عن المثلة ، وهي العبث ببدن الإنسان بعد موته .

ألوان من العذاب ، يقشعر البدن من تصورها ، ويحتبس اللسان عند ذكرها ، ويرتعش القلم عند إثباتها وتدوينها ، تدل علي مقدار ما في بعض الناس ، من وحشية لا يتدني إليها حيوان الغاب .

وقد كان المؤمل ، بعد تقدم الانسان في مضمار الحضارة ، وارتفاعه في مدارج المدنية ، أن يدفعه ذلك إلي رعاية حقوق الإنسان ، وتوخي أسباب العدالة في معاملته ، وتحاشي طرق المظالم ، والاعتراف

ص: 15

لكل فرد من أفراد الهيئة الاجتماعية ، بحقه كاملا في أن يقول ما يعتقد ، بحرية واطمئنان ، إلا أن طوائف ، هيأت لها الظروف في القرن الأخير ، أن تتحكم في بعض الأصقاع ، كانت علي اختلاف وجهات نظرها في السياسية ، تكاد تكون متفقة في أخذ الناس بالعنف والشدة ، فصادرت الحريات ، وعبثت بخصومها في الرأي عبثا عنيفا ، وأشاعت في الناس جوا من الإرهاب ، ورمتهم بالحديد والنار ، وحرمتهم من حرية التعبير ، ولو تمكنت لحرمتهم من حرية التفكير ، وأقامت لهم أساليب من العذاب ، ساعد عليها زيادة المعرفة بالكهرباء ، والكيمياء ، وعلم النفس ، وبنت للعذاب صروحأ ، واستأجرت لها زبانية ، استخدموا فيها آلات مبتكرة ، مارسوا بها من العذاب ألوان جديدة ، زادت في العنف والقسوة علي ألوانه الماضية .

وكان رأيي - أول الأمر - أن يكون البحث في هذا الكتاب ، مقصورة علي العذاب في العصور الوسطي ، إلا أن ما جمعته من الأخبار عن بعض العهود التي تلت ذلك العصر ، كانت جديرة بأن لا تضيع ، فأثبتها .

وكنت أرغب في أن استمر في البحث مسلسلا ، فأصل العهود الماضية ، بالعهود الحاضرة ، ولكن بعدي عن مكتبتي ، وهي في بغداد ، اضطرني إلي أن أقتصر علي ما جمعت ، تاركا لغيري من الباحثين ، أن يصل ما قطعت ، وأن يتم ما بدأت ، وأن يضيف إلي هذا الكتاب ، ما يصل به إلي حاضر الأيام .

والله اسأل أن يرشدنا إلي العدل والإحسان ، وأن يسبغ علينا الشعور بالاطمئنان ، لكي تظلنا النعمتان المجهولتان ، الصحة والأمان .

ص: 16

الباب الأول :الشتيمة

اشارة

السب والشتم : إيراد قبيح الكلام ، ما لم يكن فيه قذف . وفي الحديث : سباب المسلم فسوق .

وأول من سن سب المسلمين علي المنبر ، معاوية بن أبي سفيان ، فإنه فرض أن يسب الإمام علي بن أبي طالب ، عند كل صلاة ، في جميع أنحاء ملكه وتابعه علي ذلك من خلفه من بني أمية، فلما استخلف الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، أبطل ذلك ، وأمر أن يقرأ في موضع السب ، الآية الكريمة : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ، وإيتاء ذي القربي ، وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون ) ( 90 ك النحل 16 ) ( تاريخ الخلفاء 243 ، وابن الأثير 42/5)

وذكر عمر بن عبد العزيز ، إن أباه ، كان إذا خطب ، فنال من علي ، تلجلج ، فقال له : يا أبت ، إنك تمضي في خطبتك ، فإذا أتيت علي ذكر علي ، عرفت منك تقصيرا ، قال : أو فطنت لذلك ؟ يا بني إن الذين حولنا لو يعلمون من علي ما نعلم ، تفرقوا عنا إلي أولاده ( ابن الأثير 42/5)

وكان الناس في صدر الإسلام ، في أيام الخلفاء الراشدين ، يتحاشون السب ، حتي أن الإمام علي بن أبي طالب ، لما ضربه ابن ملجم بالسيف ، أحضره أمامه ، ولم يزد علي أن قال له : يا عدو الله ، ألم أحسن اليك ؟ ولقيته إحدي بنات الإمام ، فقالت له : يا عدو الله ، قتلت أمير المؤمنين

ص: 17

فقال لها : إنما قتلت أباك .

وبلغ الإمام علي ، أن حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يظهران شتم معاوية ، ولعن أهل الشام ، فأرسل إليهما أن كفا عما يبلغني عنكما ، فأتياه ، فقالا : يا أمير المؤمنين ، ألسنا علي الحق وهم علي الباطل ؟ قال : بلي ، ورب الكعبة المستنة ، قالا : فلم تمنعنا من شتمهم ولعنهم ؟ قال : كرهت لكم أن تكونوا شتامين لعانين ، ولكن قولوا : أللهم أحقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، وأهدهم من ضلالتهم ، حتي يعرف الحق من جهله ، ويرعوي عن الغي من لجج به . ( الأخبار الطوال165)

ولما سن معاوية بن أبي سفيان ، سب الإمام علي عليه السلام ، لم يذكره باسمه الصريح ، وإنما ذكره بكنية كان النبي صلوات الله عليه ، كناه بها وهي : أبو تراب، وكانت هذه الكنية من أحب الكني إليه ."

ولما ولي معاوية ، المغيرة بن شعبة الكوفة ، كان من جملة ما أوصاه به ، قوله : لا تتحم عن شتم علي وذمه ، والعيب علي أصحاب علي ، والإقصاء لهم ، وترك الإستماع منهم ، فأقام المغيرة عاملا لمعاوية علي الكوفة سبع سنين وأشهر ، كان فيها لا يدع ذم علي ، والوقوع فيه ( الطبري 254و253/5).

وبلغ المغيرة بن شعبة ، أن صعصعة بن صوحان يكثر من ذكر علي بن أبي طالب ، والثناء عليه ، فدعا به ، وقال له : إياك أن يبلغني أنك تظهر من فضل علي علانية ، فإنك لست بذاكر من فضل علي شيئا أجهله ، بل أنا أعلم منك به ، ولكن هذا السلطان قد ظهر ، وقد أخذنا باظهار عيبه للناس ، فنحن ندع كثيرة مما أمرنا به ، ونذكر الشيء الذي لا نجد من ذكره

ص: 18

بدأ ، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقية ، فإن كنت ذاكر فضله فاذكره بينك يحتمله الخليفة لنا ، ولا يعذرنا به ( الطبري189/5).

وسار الأمويون ، من بعد معاوية ، علي سنته في سب أبي تراب ، وكان أكثر من يستمعون ، لا يعرفون من هو أبو تراب ، وقد ذكر بعض الاخباريين ، إنه سأل رجلا من زعماء أهل الشام ، وأهل الرأي والعقل منهم : من هو أبو تراب هذا الذي يلعنه الإمام علي المنبر ؟ فقال : أراه لضأ من لصوص الفتن ( مروج الذهب 2/ 20 ).

ولما حاصر الحجاج ، عبد الله بن الزبير بمكة ، كتب إلي عبد الملك ، إنه قد ظفر بأبي قبيس ، وهو جبل بمكة ، فلما ورد الكتاب علي عبد الملك ، كبر ، فكبر معه من في داره ، وأتصل التكبير بمن في جامع دمشق ، فكبروا ، واتصل ذلك بأهل الأسواق فكبروا ، ثم سألوا عن الخبر ، فقيل لهم : إن الحجاج قد ظفر بأبي قبيس بمكة ، فقالوا : لا نرضي إلا أن يحمل أبو قبيس هذا الترابي الملعون ، إلينا ، مكتب ، علي رأسه برنس ، علي جمل ، يمر بنا في الأسواق ( مروج الذهب 86/2 ).

وكانت سكينة بنت الإمام الشهيد الحسين ، تجيء في ستارة ، يوم الجمعة، إلي مسجد النبي صلوات الله عليه ، فتقوم بازاء أمير المدينة ، خالد بن عبد الملك ، المعروف بابن مطيرة ، إذا صعد المنبر ، فإذا شتم علي ، شتمته ، هي وجواريها ، فكان يأمر الحرس ، فيضربون جواريها ( الاغاني 143/16).

وكان لقرار الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز ، بإبطال سب علي ، صدي مشكور في جميع البلاد الإسلامية ، بل لقد لاقي صدي مشكورأ حتي في أوساط الأمويين أنفسهم ، فإن هشام بن عبد الملك لما حج، لقي سعيد بن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان ، فقال له : يا أمير المؤمنين ،

ص: 19

إن الله لم يزل ينعم علي أهل بيت أمير المؤمنين ، وينصر خليفته المظلوم ، ولم يزالوا يلعنون ، في هذه المواطن الصالحة ، أبا تراب ، فأمير المؤمنين ينبغي له أن يلعنه في هذه المواطن الصالحة ، فاشماز هشام من حديثه ، وقال له : ما قدمنا لشتم أحد ولا للعنه ، قدمنا حجاجا ( الطبري 36/7).

ومن طريف ما يروي ، أنه لما فرض معاوية سب الإمام علي علي المنابر ، امتنع أهل سجستان من سبه ، وزادوا في عهدهم أن لا يلعن علي منبرهم أحد ، فلم يلعن علي علي منابر سجستان ولا مرة ( معجم البلدان 43/3 ) وعلي عكس ذلك ما صنعه أهل حان ، فإنهم بعد أن أزيل سب أمير المؤمنين ، امتنعوا عن إزالته ، وقالوا : لا صلاة إلا بلعن أبي تراب ( شرح نهج البلاغة 7 / 122).

ولما استخلف المتوكل ، هيات له فسولته ، أن يشارك في شتم علي ، وزاد ، فكان يأمر نديمه عبادة المخنث ، المجاهر بالعهر والبغاء ، أن يرقص بين يديه ، والمغتون يغنون : أقبل الأصلع البطين ، خليفة المسلمين ، يعني علي عليه السلام ( ابن الأثير 7 / 10 ) ثم أمر بهدم قبر الحسين ، وهدم ما حوله من الدور ، فكتب أهل بغداد شتمه علي الحيطان، وقال فيه ابن بسام : [ فوات الوفيات 203/1 ].

تا الله إن كانت أمية قد أتت *** قتل ابن بنت نبيها مظلوما

فلقد أتاه بنو أبيه بمثله ***هذا لعمرك قبره مهدوما

أسفوا علي أن لا يكونوا شاركوا***في قتله فتتبعوه رميما

وكان العامة بغداد ، إذا خاصموا أميرهم ، اجتمعوا وشتموه ، وأخبارهم في ذلك كثيرة ، منها أن عامة بغداد ، أحوا في السنة 251 نكوصا من أميرهم محمد بن عبد الله بن طاهر ، عن نصرة المستعين ، فاجتمع جمع منهم في الجزيرة التي بحذاء دار آبن طاهر ( في نهر دجلة ) فصاحوا به

ص: 20

وشتموه أقبح شتم ، حتي ذكروا اسم أمه ، فضحك، وقال لأحد جلسائه : يا أبا عبدالله، ما أدري كيف عرفوا اسم أمي، ولقد كان كثير من جواري أبي العباس عبد الله بن طاهر لا يعرفون أسمها ، فقال له جليسه : أيها الأمير ، ما رأيت أوسع من حلمك ( الطبري 9/ 337 و 338 ).

وكان أحمد بن أبي خالد ، وزير المأمون ، معروفة بأنه كان يشتم المتظلمين ، أما أبو عباد وزير المأمون ، فكان إذا غضب ، رمي كتابه بالدواة ، وإذا كان راكبا ، ضرب بالمقرعة ، حتي قال فيه دعبل الخزاعي :

أولي الأمور بضيعة وفساد***أمر يدبره أبو عباد

يسطو علي كتابه بدواته***فمضمخ بدم ونضح مداد

و كان من ديرهزقل مفلت***حرد يجر سلاسل الاقياد

ودير هرقل ( حسقيل ) هذا ، كان في المنطقة التي بين البصرة وعسكر مكرم ( معجم البلدان 706/2 ) وكان مقرا للمجانين ، يحبس فيه بعضهم مقيدين .

أما أبو العباس أحمد بن محمد بن الفرات ، فكان يضيف إلي شتم المتظلمين ، أن يرفسهم برجله ، ويقنعهم بالمقرعة ، وربما بصق عليهم ( نشوار المحاضرة 8/ 84).

ولما عزل الوزير ابن الفرات ، عن وزارته الأولي في السنة 299 ، كان أبو الهيثم العباس بن ثوابه معتقلا بالموصل ، فأطلقه الوزير الخاقاني ، خلف ابن الفرات ، وقلده مناظرة أبي الحسن بن الفرات وأسبابه ، وكان أبو الهيثم موصوفة بالشر ( تجارب الأمم 22/1 ) فأسرف في إيقاع المكروه بابن الفرات ، وشتمه بحضرة أم موسي القهرمانة ، فرد عليه ابن الفرات أقبح رد ، راجع التفصيل في تجارب الأمم 22/1 و 88 - 91.

ص: 21

وقال الكاتب ابن أبي قيراط : ما رأينا ، ولا سمعنا ، برئيس أسفه لسانة من حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، فإنه كان لا يرد لسانه عن أحد البتة ، وكان إذا غضب شتم ، وقد أورد القاضي التنوخي ، في القصة 36/8 من كتاب نشوار المحاضرة ، انموذجات من شتائمه ، فليراجعها من شاء .

وذكر عن المولي أحمد افندي ، الشهير بشيخ زاده ، القاضي - كان - بدمشق في السنة 1022 أنه كان يكره العرب ، وإذا شتم أحدا من الناس ، صاح به : برا، عرب طاط ( تراجم الأعيان 197/1 ).

وكما أثبت التاريخ ، أسماء وأشخاص كانوا من أسرع الناس لسانا إلي الشتم والسفه ، فقد أثبت كذلك أسماء أشخاص كانوا يتحاشون أن يجابهوا أحدأ بتعبير فيه مرارة ، منهم الإمام الحسن بن علي ، فقد ذكر عنه أنه كان يخاصم أمويا في أرض ، وجبهه الأموي يوما، فاشتد به الغيظ ، فقال له : ليس لك عندنا إلا ما يرغم أنفك ، وذكروا إنه لم يفه طيلة حياته بكلمة أشد منها ( تاريخ الخلفاء 190).

وذكروا أنه جري بين الإمام الحسن ، وبين مروان بن الحكم ، كلام ، فأغلظ له مروان ، والحسن ساكت ، ثم امتخط مروان بشماله ، فقال له الحسن : ويحك ، أما علمت أن اليمين للوجه ، وأن الشمال للفرج ؟ ، أف لك ، ( تاريخ الخلفاء 190).

وكان الأحنف بن قيس نظيف اللسان ، أحصيت عليه سقطة واحدة ، فانه خاصم الحباب بن المنذر ، فقال له : يا آدر ، وكان الحباب آدر ، فعد ذلك من سقطات الأحنف ( سرح العيون 57 ).

وكان عبد الملك بن مروان ، نظيف اللسان أيضأ ، أحضر يحيي بن سعيد بن العاص ، وكان قد خلعه ، فلم يزد علي أن قال له : يا قبيح ، بأي وجه تنظر إلي وقد خلعتني ؟ ( الطبري 162/6).

ص: 22

وكان الخليفة العباسي القائم ، نظيف اللسان كذلك ، غضب مرة علي أحد أصحابه فلم يزد علي أن قال له : يا عامي ، ما حملك علي هذا الفعل ، راجع تفصيل القصة في الفصل الثاني من هذا الباب .

وكان السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن الأتابك عماد الدين زنكي ، عف اللسان ، لم تسمع منه كلمة فحش ، لا في رضاه ولا في ضجره ( اعلام النبلاء 51/2 ).

وذكر القاضي ابن شداد عن السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ، أنه كان طاهر المجلس ، لا يذكر بين يديه أحد إلا بخير ، طاهر السمع لا يحب أن يسمع من أحد إلا الخير ، طاهر اللسان ، قلما ولع بشتم قط ( اعلام النبلاء 196/2).

وكذلك كان الملك الصالح نجم الدين بن أيوب ، ملك مصر (ت 647 ) فإنه لم تسمع منه كلمة قبيحة قط ، وكان أكثر ما يقول إذا شتم : يا متخلف ( النجوم الزاهرة 6/ 331).

وكان القاضي نجم الدين عمر بن محمد بن العديم قاضي حماة المتوفي سنة 734 نظيف اللسان ، لم يحفظ عنه أنه شتم أحدأ مدة ولايته ( اعلام النبلاء 4 / 564 ).

أقول : ولما كان الشيء بالشيء يذكر ، أذكر أن الحاج كاظم أبا التمن عليه رحمات الله ، عميد آل أبي التمن في زمانه ، وكنت من جيرانه ، كان علي جانب عظيم من التقوي ،؛ وسلامة الصدر ، وكرم الأخلاق ، وكان نظيف اللسان جدأ ، لا يعرض لأحد من الناس بكلمة سيئة ، وكانت أقسي كلمة تصدر منه ، علي من يغضب عليه ، أن يقول عنه : قبيح .

ص: 23

ص: 24

وقد اشتمل الباب الأول من هذا الكتاب علي الشتيمة ، وقسمناها إلي الفصول التالية :

الفصل الأول : الشتيمة مع ذكر الله تعالي مثل لعنه الله ، وقاتله الله .

الفصل الثاني : الشتائم غير الموجعة .

الفصل الثالث : المعايرة .

القسم الأول : المعايرة بالعاهة .

القسم الثاني - المعايرة بالصناعة .

القسم الثالث - المعايرة بالنحلة .

القسم الرابع : المعايرة بالنسب

القسم الخامس : المعايرة بالأبوين

أ- المعايرة بالأب

ب - المعايرة بالأم.

القسم السادس - المعايرة بالصفات السيئة .

أ- المعايرة بالصفات الخلقية .

ب - المعايرة بالصفات العارضة .

ص: 25

الفصل الرابع : الفاظ مختلفة في الشتم .

القسم الأول - تسمية المشتوم باسم حيوان .

القسم الثاني - مجموعة ألفاظ في الشتيمة .

الفصل الخامس : الرفث في الشتيمة .

الفصل السادس : طرائف في الشتم .

ص: 26

الفصل الأول : الشتيمة مع ذكر الله تعالي

1- قولهم : إلي لعنة الله

اللعن : الطرد والبعد . وقولهم : لعنه الله ، أي باعده وطرده ( الفاخر لأبي طالب 8).

لما قتل الخليفة عثمان ، وبلغ عليا خبر قتله ، جاء إلي الدار ، ولقي طلحة ، وكان ممن أعان علي عثمان ، فقال له طلحة : مالك يا أبا الحسن ضربت الحسن والحسين ؟ فقال له علي : عليك لعنة الله ، يقتل أمير المؤمنين ، وهو من أصحاب رسول الله ، بدري ، لم تقم عليه بينة ولا حجة ، فقال طلحة : لو دفع مروان لم يقتل ، فقال علي : لو أخرج إليكم مروان القتل قبل أن تثبت عليه حكومة ( أنساب الأشراف 70/5 ).

وخطب أمير المؤمنين علي علي منبر الكوفة ، فعارضه الأشعث بن قيس ، وقال له : هذه عليك لا لك ، فخفض علي بصره إليه ، وقال له : ما يدريك ما علي مما لي ، عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين ، حائك بن حائك ، منافق بن منافق ، كافر بن كافر ، والله لقد أسرك الإسلام مرة والكفر مرة ، فما فداك في واحدة منهما حسبك ولا مالك ( الاغاني 15/21).

ولما جري التحكيم بين المتحاربين في صفين ، واختاروا أبا موسي الأشعري وعمرو بن العاص ، وغدر عمرو بن العاص بأبي موسي وخدعه ،

ص: 27

قال له أبو موسي : لعنك الله ، فإن مثلك كمثل الكلب ، إن تحمل عليه يلهث ، أو تتركه يلهث ، فقال له عمرو : لعنك الله ، فإن مثلك مثل الحمار ، يحمل أسفارة ( العقد الفريد 348/4) .

وقال الأسود الهلالي ، لآمنة بنت الشريد : عليك لعنة الله .

وسبب ذلك : أن معاوية بن أبي سفيان ، طلب عمرو بن الحمق الخزاعي ، لأنه من اتباع علي ، فراغ منه ، فحبس زوجته آمنة بنت الشريد ثم ظفر بعمرو فقتله ، وبعث برأسه إلي آمنة ، وأمر الحرسي أن يضع الرأس في حجرها ، ثم أمر باطلاقها من السجن ، بأن أشار إليها بيده أن أخرجي ، فخرجت ، وهي تقول : واعجبا لمعاوية ، يكف عني لسانه ، ويشير إلي ببنانه ، فسمعها الأسود الهلالي ، فقال : لمن تعني هذه ، الأمير المؤمنين ؟ عليها لعنة الله ، وكان الأسود الهلالي ، أسود اللون ، أصلع الرأس ، أسلع ( أبرص ) أصعل ( دقيق الرأس والعنق ) ، فالتفتت إليه ، فلما رأته ، قالت : خزية لك وجدعأ أتلعنني ، واللعنة بين جبينك ، وما بين قرنيك إلي قدميك ، أخسأ ، يا هامة الصعل ، ووجه الجعل ، فأذلل بك نصيرا ، وأقلل بك ظهيرة . ( اعلام النساء5/1 ).

وقال سمرة بن جندب ، لما عزل عن ولاية البصرة : لعن الله معاوية .

وسبب ذلك : أن زياد بن أبيه ، كان قد وتي سمرة بن جندب البصرة ، ومات زياد وسمرة علي البصرة ، فأبقاه معاوية بعد زياد ثمانية عشر شهرا ، ثم عزله في السنة 03 ، وكان سمرة يأخذ بالظنة ، ويقتل علي الشبهة ، وعسف أصحاب الإمام علي عسفا شديدأ ، فلما عزله معاوية ، قال : لعن الله معاوية ، والله ، لو أطعت الله كما أطعت معاوية ، ما عذبني أبدأ ( الطبري 291/5 وابن الأثير 495/3) .

ص: 28

و شتم معاوية بن أبي سفيان ، خالد بن المهاجر بن الوليد ، فقال له : عليك لعنة الله .

وتفصيل القصة : إن معاوية بن أبي سفيان لما أراد أن يظهر العهد اليزيد ، قال لأهل الشام : إن أمير المؤمنين ، قد كبرت سنه ، ورق جلده ، ودق عظمه ، واقترب أجله ، ويريد أن يستخلف عليكم فمن ترون ؟ فقالوا : عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، فسكت ، وأضمرها ، ود ابن أثال الطبيب إلي عبد الرحمن بن خالد ، فسقاه سما ، فمات ، وبلغ خالد بن المهاجر ، وهو ابن اخي عبد الرحمن خبر موت عمه بالسم ، وكان بمكة ، أخبره به عروة بن الزبير ، وعيره بذلك ، فقال له : يا خالد، تدع ابن اثال ينقي أوصال عمك بالشام ، وأنت بمكة مسبل إزارك ، تجره وتخطر فيه متخايي فحمي خالد ، مع أنه كان أسوأ الناس رأيا في عمه عبد الرحمن ، لأن عبد الرحمن كان من أصحاب معاوية، وشهد معه صفين، أما المهاجر، والد خالد ، فكان مع الإمام علي بصفين ، وكان خالد علي رأي أبيه هاشمي المذهب ، ولكن مصابه في عمه ، حركه ، فخرج حتي قدم دمشق ، وترصد لابن اثال ، ووثب عليه فقتله ، فقبض عليه ، وأحضر أمام معاوية ، فقال له : لا جزاك الله من زائر خيرأ ، قتلت طبيبي ، فقال له خالد : قتلت المأمور وبقي الأمر ، فقال له معاوية : عليك لعنة الله ، ثم حبسه ، وألزم بني مخزوم دية ابن اثال إثني عشر ألف درهم ، أدخل منها إلي بيت المال ستة آلاف درهم ، وأخذ لنفسه ستة آلاف درهم ( الاغاني 16 / 197 و198).

وكان جيش الشام، بقيادة الحصين بن نمير، يحاصر عبد الله بن الزبير بمكة ، لما وردهم الخبر بهلاك يزيد بن معاوية ، فاجتمع الحصين بعبد الله ، وقال له : تعال أبايعك ، وتخرج معي إلي الشام ، فلا يختلف عليك اثنان ، فأبي عبد الله ، فغضب الحصنين ، وقال له : لعنك الله ، ولعن من

ص: 29

زعم أنك سيد ، والله لا تفلح أبدأ ، وعاد بجيشه إلي الشام ( الإمامة والسياسة (12/2 )

وأطلع مروان بن الحكم ، علي ضيعة له بالغوطة ، فأنكر شيئا ، فقال الوكيله : ويحك ، إني لأظنك تخونني ، فقال له : أفتظن ذلك ولا تستيقنه ؟ قال : وتفعله ؟ قال : نعم ، والله إني لأخونك ، وإنك لتخون أمير المؤمنين ، وإن أمير المؤمنين ليخون الله ، فلعن الله شر الثلاثة ( انساب الاشراف130/5والعقد الفريد 32/1 ) .

وانفرد الحجاج عن عسكره ، ومر ببستاني ، فقال له : كيف حالكم مع الحجاج ؟ فقال : لعنه الله ، المبير المبيد ، الحقود الحسود ، وعاء النقمة ، مزيل النعمة ، سافك الدماء بغير حلها، جاعل النساء أيامي ، والصبيان يتامي ، والروح معدومة ، والإرث مقسومة ، عجل الله منه الإنتقام ، وصرف معته عن المسلمين ( الهفوات النادرة 99 و100).

وجيء إلي الحجاج بن يوسف الثقفي ، بخارجي ، فقال له : ما رأيك في أمير المؤمنين عبد الملك ؟ فقال : علي ذلك الفاسق لعنة الله ولعنة اللاعنين ، قال : ولم ، لا أم لك ؟ قال : إنه أخطأ خطيئة طبقت ما بين السماء والأرض ، قال : وما هي ؟ قال : استعماله إياك علي رقاب المسلمين ، قال : يا حرسي اضرب عنقه ، فلما أحس بالسيف ، قال : لا إله إلا الله ( وفيات الأعيان لابن خلكان 2 / 38) .

وقال عبد الله بن الحسن العلوي ، لكثير عزة : عليك لعنة الله .

وتفصيل القصة : إن كثير عزة ، كان يقول بالرجعة ، ومرض كثير ، فعاده عبد الله بن الحسن ، فقال له كثير : أبشر ، فكانك بي ، بعد أربعين ليلة ، قد طلعت لك علي فرس عتيق .

فقال له عبد الله : مالك ، عليك لعنة الله ( الاغاني 17/9 ).

ص: 30

أقول : القول بالرجعة ، هو القول بأن الإنسان يرجع إلي الحياة الدنيا من بعد موته ، فإن كان صالح عاد في درجة علية ، وإن كان طالحا عاد شقيأ أو مسخ كلبأ أو خنزيرة ، وروي أن السيد الحميري ، كان يدين بالرجعة ، وجاءه شخص يسخر منه ، فقال له : أقرضني مائة دينار ، إلي الرجعة ، فقال له : أعطني ضامنأ ، أنك سوف لا تعود كلبأ أو خنزيرة ، فيضيع علي مالي .

وقال عمر بن عبد العزيز ، الخليفة الصالح : لعن الله الحجاج ، فإنه ما كان يصلح للدنيا ولا للآخرة . فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، جبي العراق بالعدل والنصفة مائة ألف ألف وثمانية وعشرين ألف ألف درهم ، وجباه الحجاج مع عسفه وجبروته ثمانية عشر ألف ألف درهم فقط ، قال عمر بن عبد العزيز : وها أنا قد رجع إلي علي خرابه ، فجبيته مائة ألف ألف وأربعة وعشرين ألف ألف درهم ، بالعدل والنصفة ( معجم البلدان 178/3)

وجاء زياد الأقطع إلي بيت الفرزدق ، فخرجت إليه ابنة صغيرة ، فقالت له : ما بال يدك مقطوعة ؟ قال : قطعها الحرورية ، قالت : بل قطعت في اللصوصية ، فقال لها : عليك وعلي أبيك لعنة الله في المحاسن والأضداد 104 )

وقال عبد الملك بن مروان ، لثابت بن الزبير : عليك لعنة الله .

وتفصيل القصة : إن عبد الملك بن مروان ، قال لثابت بن الزبير : أبوك كان أعلم بك حيث كان يشتمك ، قال : يا أمير المؤمنين ، إنما كان يشتمني ، لأني كنت أنهاه أن يقاتل بأهل مكة والمدينة ، فإن الله لا ينصر بهم ، أما أهل مكة ، فإنهم أخرجوا النبي وأخافوه ، ثم جاءوا إلي المدينة فآذوه ، حتي سيرهم ، يعرض با: حكم بن أبي العاصي ، جد عبد الملك ، طريد رسول الله صلوات الله عليه ، وأما أهل المدينة ، فخذلوا عثمان، حتي

ص: 31

قتل بين أظهرهم ، ولم يدفعوا عنه . فقال له : عليك لعنة الله ( العقد الفريد 34و33/4 ).

أقول : هكذا أورد صاحب العقد الفريد، أنه ثابت بن الزبير ، والصحيح أنه ثابت بن عبد الله بن الزبير راجع أخباره في كتاب جمهرة نسب قريش وأخبارها 1/ 80-90.

وشتم الحجاج الثقفي ، أنس بن مالك ، خادم رسول الله صلوات الله عليه ، فقال له : لعنة الله عليك .

وكان الحجاج ، قد حبس عبد الله بن أنس ، فدخل عليه أنس ليكلمه في أمر ولده ، فقال الحجاج له : لا مرحبا بك ولا أهلا ، لعنة الله عليك من شيخ جوال في الفتنة ، مرة مع أبي تراب ، ومرة مع ابن الأشعث ، والله الأقلعنك قلع الصمغة ، ولأجردنك تجريد الضب.

فقال أنس : من يعني الأمير أعزه الله ؟

فقال له الحجاج : إياك أعني ، أصم الله صداك .

فكتب أنس بذلك إلي عبد الملك بن مروان ، فكتب عبد الملك إلي الحجاج : يا ابن المستفرمة بعجم الزبيب ، والله لقد هممت أن أركلك ركلة تهوي بها في نار جهنم ، قاتلك الله ، من عبير اخيفش العينين ، أسك الرجلين ، أسود الجاعرتين ( البيان والتبيين 21/2 ) .

وقال عبد الملك بن مروان ، للحجاج، في ساعة من ساعات غضبه عليه : إنك عبد طمت بك الأمور ، فغلوت فيها، حتي عدوت طورك ، وجاوزت قدرك ، أنسيت حال آبائك في اللؤم ، والدناءة في المروءة والخلق ، فعليك لعنة الله من عبد أخفش العينين ، أسك الرجلين ، ممسوح الجارتين ( ابن الأثير 386/4 والعقد الفريده / 37 - 41) .

ص: 32

وقال بشر بن مروان ، للفرزدق وجرير : عليكما لعنة الله .

وتفصيل القصة : أن الفرزدق وجرير ، اجتمعا عند بشر بن مروان ، فرجا أن يصلح بينهما حتي يتكافا ، فقال لهما : ويحكما ، قد بلغتما من السن ما قد بلغتما ، وقربت آجالكما، فلو اصطلحتما ، ووهب كل منكما لصاحبه ذنبه ، فقال جرير : أصلح الله الأمير ، إنه يظلمني ، ويتعدي علي ، فقال الفرزدق : أصلح الله الأمير ، إني وجدت آبائي يظلمون آباءه ، فسلكت طريقهم في ظلمه .

فقال بشر : عليكما لعنة الله ، لا تصطلحان - والله - أبدأ . ( الاغاني 357/21 )

وكانت امرأة من الخوارج ، تدعي : فراشة ، ذات نية في رأي الخوارج ، تجهز أصحاب البصائر ، ولم يظفر الحجاج بها، وجيء إليه يوما بخارجي قد جهزته فراشة ، فقال له : يا عدو الله .

قال : أنت أولي بها يا حجاج .

قال : أين فراشة ؟ قال : مرت تطير منذ ثلاث .

قال : أين تطير ؟ قال : ما بين السماء والأرض .

قال : أعن تلك سألتك ؟ عليك لعنة الله .

قال : عن تلك أخبرتك ، عليك غضب الله .

قال : سألتك عن المرأة التي جهزتك وأصحابك .

قال : وما تصنع بها ؟

ص: 33

قال : أضرب عنقها .

قال : ويلك يا حجاج ، ما أجهلك ، أدلك وأنت عدو الله علي من هو ولي الله ؟ لقد ضللت إذن ، وما أنا من المهتدين .

قال : ما رأيك في أمير المؤمنين عبد الملك ؟

قال : علي ذلك الفاسق لعنة الله ، ولعنة اللاعنين .

قال : ولم ؟ لا ام لك .

قال : لاستعماله إياك علي رقاب المسلمين . ( وفيات الأعيان 37/2 )

وكان عبيدة بن هلال اليشكري من متألهي الخوارج وزهادهم ، تواقف يوما هو وأبو حزابة التميمي ، في الحرب ، فقال عبيدة : يا أبا حزابة ، إني سائلك عن أشياء ، أفتصدقني في الجواب عنها؟ قال : نعم ، إن تضمنت الي مثل ذلك ، قال : قد فعلت ، قال : سل عما بدا لك ، قال : ما تقول في أئمتكم ؟ قال : يبيحون الدم الحرام ، والمال الحرام ، والفرج الحرام ، قال : ويحك ، فكيف فعلهم في المال ؟ قال : يجبونه من غير حله ، وينفقونه في غير حقه ، قال : فكيف فعلهم في اليتيم ؟ قال : يظلمونه ماله ، ويمنعونه حقه ، قال : ويلك يا أبا حزابة ، أفمثل هؤلاء تتبع ؟ ، قال : قد أجبت ، فاسمع سؤالي ، ودع عنك عتابي ، قال : قل ، قال : أي الخمر أطيب ، خمر السهل، أو خمر الجبل ؟ فقال : ويلك ، مثلي يسأل عن هذا ؟ قال : قد أوجبت علي نفسك أن تجيب ، قال : أما إذ أبيت ، فإن خمر الجبل، أقوي وأسكر ، وخمر السهل، أحسن وأسلس ، قال أبو حزابة ، فأي الزواني أفره ، زواني رامهرمز، أم زواني أرجان ؟ قال : ويلك إن مثلي لا يسأل عن هذا ، قال : لا بد من الجواب ، أو تغدر ، فقال : أما إذ أبيت ، فزواني رامهرمز أرق أبشارة ، وزواني أرجان أحسن أبدانة ، قال :

ص: 34

فأي الرجلين أشعر أجرير أم الفرزدق ؟ قال : عليك وعليهما لعنة الله ، أيهما الذي يقول :

وطوي الطراد مع القياد بطونها***طي التجار بحضرموت برودا

قال : جرير .

قال : فهو أشعرهما ( الاغاني150/6 ).

وبعث الحجاج إلي والي البصرة : أن آختر لي عشرة من عندك ، فاختار رجالأ منهم كثير بن أبي كثير ، قال : وكان كثير رجلا عربية ، قال كثير : فقلت في نفسي ، لا أفلت من الحجاج إلا باللحن ، قال : فلما دخلنا عليه دعاني ، وقال لي : ما اسمك ؟ قلت : كثير ، قال : ابن من ؟ ، فقلت في نفسي ، إن قلتها بالواو لم آمن أن يتجاوزها ، فقلت : أنا ابن أبا كثير ، فقال : عليك لعنة الله ، وعلي من بعثك جؤوا في قفاه ، قال : فأخرجت ( معجم الأدباء25/1 ).

ودعا سعيد بن بنان التغلبي ، وهو أعور ، الأخطل الشاعر ، إلي منزله ، وكان منزلا سريا قد نجد بالفرش والوطاء العجيب ، وكانت امرأته ، واسمها برة ، في غاية الحسن والجمال ، وسأل سعيد الأخطل : هل تري في داري عيب ؟ فقال له الأخطل : ما أري في بيتك عيبا غيرك ، فقال له : اخرج من بيتي ، عليك لعنة الله في( العقد الفريد386/5) .

ولما غدر عبد الملك بن مروان ، بعمرو بن سعيد الأشدق ، وقيده ، بعد أن أعطاه الأمان ، وعاهده ، وحلف له ، أمر عبد العزيز أخاه أن يقتله ، وخرج للصلاة ، فلما عاد ، وجد عمرة حيا ، فقال لأخيه عبد العزيز : لعنك الله ، ولعن أما ولدتك ، ثم قال : قدموه إلي ، وأخذ الحربة بيده ، فقال له عمرو : فعلتها يا أبن الزرقاء ( العقد الفريد 4/ 409).

ص: 35

وتعرض الحجاج لأعرابي ، فسأله : كيف سيرة أميركم الحجاج ؟ فقال له الأعرابي ، وهو لا يعرفه : ظلوم ، غشوم ، لا حياه الله ولا بياه ، فقال الحجاج : لو شكوتموه إلي أمير المؤمنين ، فقال الأعرابي : هو أظلم وأغشم ، عليه لعنة الله ، فبينما هو كذلك إذ أحاط بالحجاج الجنود ، فعرف انه الحجاج ، فقال له : أيها الأمير ، أحب أن يكون السر الذي بيني وبينك مكتومة ( الملح والنوادر 15).

وكتب عبد الملك بن مروان ، إلي الحجاج بن يوسف الثقفي ، كتابا قال فيه : لعن الله أبا عقيل (جد الحجاج ) وما نجل ، ألأم والد، وأخبث نسل ، راجع القصة في العقد الفريد 21/5 - 29 .

وأدخل يزيد بن أبي مسلم ، كاتب الحجاج ، وخلفه علي العراق ، علي سليمان بن عبد الملك ، لما استخلف، فقال له سليمان : علي أمريء أمرك ، وجزاك ، وسلطك علي الأمة ، لعنة الله ، أتظن أن الحجاج استقر في قعر جهنم ، أم ما يزال يهوي فيها ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إن الحجاج يأتي يوم القيامة بين أخيك وأبيك ، فضعه من النار حيث شئت ( العقد الفريد 175و174/2 والامتاع والمؤانسة 168/3).

وروي القاضي ابن خلكان، في كتابه وفيات الأعيان، الخبر علي وجه آخر ، قال : لما ولي سليمان بن عبد الملك ، أمر باعتقال يزيد بن أبي مسلم ، خلف الحجاج ، وكان يسير بسيرته ، فأحضر له في جامعة ، وكان قصيرة ، دميمة ، قبيح الوجه ، عظيم البطن ، تحتقره العين ، فلما نظر إليه سليمان ، قال له : أنت يزيد بن أبي مسلم ؟ قال : نعم ، قال : لعن الله من أشركك في أمانته ، وحتمك في دينه ، ثم قال له : أخرج عني إلي لعنة الله ( وفيات الأعيان 2/ 6و425 / 310) .

ص: 36

وشتم يزيد بن عبد الملك ، كثير الشاعر ، فقال له : عليك لعنة الله .

وكان ذلك ، عندما بلغ كثير أن يزيد بن المهلب ، وآخرين من آل المهلب ، قتلوا في المعركة بالعقر ، فقال كثير : ما أجل الخطب ، ضحي آل أبي سفيان بالدين يوم الطف ، وضي بنو مروان بالكرم يوم العقر ، فبلغ ذلك يزيد بن عبد الملك ، فدعا به ، فلما دخل عليه ، قال له : عليك لعنة الله ، أترابية وعصبية ( الأغاني 22/9 ) .

أقول : قول كثير عن تضحية آل أبي سفيان بالدين يوم الطف ، عن موقعة كربلاء ، وعن تضحية آل مروان ، بالكرم يوم العقر ، المعركة بين يزيد بن المهلب علي رأس أهل العراق ، وبين الجيش الشامي الأموي بالعقر ، حيث قتل يزيد بن المهلب وجماعة من آل المهلب ، أما قول يزيد بن عبد الملك : أترابية وعصبية ، فإنه اتهمه في الحزن علي الحسين عليه السلام وأصحابه ، بأنه من أنصار الإمام علي عليه السلام ، وقد لقبه النبي صلوات الله عليه بأبي تراب ، واتهمه بالحزن علي آل المهلب ، للعصبية لأنه أزدي وآل المهلب از ديون .

ولما كلف يزيد بن عبد الملك ، بجاريته حبابة ، واشتغل بها ، وأضاع الرعية ، عذله أخوه مسلمة بن عبد الملك ، فارعوي ، وظهر للناس ، فغنته حبابة بأبيات من شعر الأحوص :

ألا لا تلمه اليوم أن ينبتدا***فقد غلب المحزون أن يتجلدا

إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوي***فكن حجر من يابس الصخر جلمدا

هل العيش إلا ما تلد وتشتهي***وان لام فيه ذو الشنان وفندا

فلما سمعها ضرب بخيزرانته الأرض ، وقال : صدقت ، علي مسلمة لعنة الله ، وعاد إلي سيرته الأولي ( الاغاني 132/15 والعقد الفريد 61/6 )

ص: 37

وفي السنة 108 غزا أسد بن عبد الله القسري ، أمير خراسان ، الغوريان ، وفي غمرة المعركة بعث إلي قائدين من قواده ، نصر بن سيار ومسلم بن أحوز ، يقول : قد رأيت موقفكما منذ اليوم ، وقلة غنائكما عن المسلمين ، لعنكما الله ( الطبري 7/ 44) .

وتعرضت امرأة لكثير عزة ، وشتمته ، فقالت له : عليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

وتفصيل القصة : أن كثير عزة ، لاقته امرأة وسيمة جميلة ، فقالت له : أنت كثير ؟ قال : نعم ، قالت : ابن أبي جمعة ؟ قال : نعم ، قالت : الذي يقول :

العزة أطلال أبت أن تكلما

قال : نعم ، قالت : وأنت تقول فيها :

وكنت إذا ما جئت أجلن مجلسي***وأظهرن متي هيبة لا تجهما

فقال : نعم : قالت : أعلي هذا الوجه هيبة ؟ إن كنت كاذبة فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، فضجر ، وقال : من أنت ؟ فلم تجبه

بشيء ثم قالت : أنت الذي تقول :

و متي تحسرواعني العمامة تبصروا***جميل المحيا أغفلته الدواهن

أهذا الوجه جميل المحيا؟ إن كنت كاذبة فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، فاختلط كثير ، وقال : والله ، لو عرفتك لفعلت وفعلت ، فسكتت ، فلما سكن من شأوه ، قالت : أنت الذي تقول :

يروق العيون الناظرات كانه***هرقلي وزي أحمر التبرراجح

أهذا الوجه پروق الناظرات ؟ إن كنت كاذبة فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

ص: 38

فازداد ضجرأ ، وغيظا ، واختلاطأ، وقامت المرأة فذهبت ( الاغاني187،186/12 )

ولما قدم يزيد بن المهلب واسطة، قال الأمية بن الجعد - وكان صديقة للفرزدق - إني لأحب أن تأتيني بالفرزدق ، فقال أمية للفرزدق : ماذا فاتك من يزيد ، أعظم الناس عفوا ، وأسخي الناس كفأ، قال : صدقت ، ولكني أخشي أن آتيه ، فأجد العمانية ببابه ، فيقوم إلي رجل منهم ، فيقول : هذا الفرزدق الذي هجانا ، فيضرب عنقي ، فيبعث اليه يزيد فيضرب عنقه ، ويبعث إلي أهلي ديتي ، فإذا يزيد قد صار أوفي العرب ، وإذا الفرزدق فيما بين ذلك قد ذهب ، لا والله ، لا أفعل ، فأخبر يزيد بما قال ، فقال : أما إذ قد وقع هذا بنفسه ، فدعه ، لعنه الله ( الاغاني 21 / 346 ).

وقال الحسن البصري ، عن أهل الشام : عليهم لعنة الله وسوء الدار . وتفصيل القصة : إن يزيد بن المهلب ، خرج بالبصرة علي بني أمية ، وأخذ يدعو الناس إلي سنة العمرين ، فازدحم عليه الناس ، وقالوا : إنه يدعونا إلي سنة العمرين ، فقال الحسن البصري : كان يزيد بالأمس ، يضرب أعناق الناس ، ويسرح برؤوسهم إلي بني مروان ، يريد بذلك رضاهم ، فلما غضب غضبة ، نصب قصبة ، ووضع عليه خرقا ، وقال : أدعوكم إلي سنة العمرين ، وإن من سنة العمرين أن يوضع في رجله قيد ، ثم يرد إلي محبس عمر الذي حبسه فيه ، فقال له أحد أصحابه : كأنك يا أبا سعيد راض عن أهل الشام ؟ فقال : كيف أرضي عن أهل الشام ، قبحهم الله وترحهم ، عليهم لعنة الله وسوء الدار ( الطبري588و587/6 ) .

ولما وعد يوسف بن عمر الثقفي ، الوليد بن يزيد ، بخمسين ألف ألف درهم ، علي أن يسلم إليه خالد القسري ، بعث الوليد إلي خالد : أن يوسف يشتريك بخمسين ألف ألف درهم ، فان كنت تضمنها وإلا دفعتك إليه ، فقال خالد : ما عهدت العرب تباع ، فدفعه إلي يوسف ، فنزع عنه ثيابه ، ودرعه

ص: 39

عباءة ، وألحفه بأخري ، وحمله في محمل بغير وطاء ، ثم دعا به فذكر أمه ، فقال له خالد : وما ذكرك الأمهات ، لعنك الله ، فبسط عليه ، وعذبه عذابا شديدا ، ولما بلغ الحيرة ، واصل تعذيبه ، ووضع علي صدره المضرسة ، فقتله ( الطبري260/7 )، الأخبار الطوال 348).

وكان عبد الله بن خازم ، قتل فتي اسمه دويلة ، أخا وكيع بن عميرة القريعي لأمه ، فلما وقعت المعركة بين عبد الله و بكير بن وشاح ، رع عبد الله في المعركة ، فنزل وكيع ، وجلس علي صدره ، وصاح : يا لثارات دويلة ، يعني أخاه ، فبصق عبد الله بن خازم في وجه وكيع ، وقال له : لعنك الله ، تقتل كبش مضر بأخيك علج لا يساوي كفأ من نوي ( الطبري 177/6)

وكان قد بلغ أبا عون ، أمير مصر ، أن محمد بن معاوية بن بجير بن ريسان ، يشتمه ، فضربه أبو عون ، وحط عطاءه من المائتين إلي المائة وعشرين ، فلما ولي مصر محمد بن الأشعث (141 - 142 ) ولي محمد بن معاوية الشرط ، فكان يعلو المنبر ، فيشتم أبا عون ، ويسميه : النخاس الكذاب ، وشتمه يوما عند محمد بن سعيد صاحب الخراج ، فقال له سالم بن سليمان الحربي القائد : أتشتمه وهو قائد أمير المؤمنين ؟ قال : وأشتمك ، فعليك وعليه لعنة الله ( الولاة للكندي 109 و110) .

وبعث المنصور ، إلي شيخ من بطانة هشام بن عبد الملك ، فسأله عن تدبير هشام في حروبه مع الخوارج ، فوصف له الشيخ ما دبر ، فقال : فعل رحمه الله كذا ، وصنع رحمه الله كذا ، فقال له المنصور : قم ، عليك لعنة الله ، تطأ بساطي ، وتترحم علي عدوي ، فقال له الرجل : إن نعمة عدوك قلادة في عنقي لا ينزعها إلا غاسلي ، فقال له المنصور : يا شيخ ، أشهد أنك نهيض حرة ، وغراس شريف ، الله أنت ، لو لم يكن لقومك غيرك لكنت أبقيت لهم مجدا مخلدا ، وعا باقية . ( الطبري 78/8 و 79 ومروج الذهب 226/2 والمحاسن والمساويء 87/1 ).

ص: 40

ومازح أبو عطاء السندي ، أبا دلامة ، فنظم شعرا في ابنة له ، قال :

فما ولدتك مريم أم عيسي***ولا رباك لقمان الحكيم

ولكن قد تضم أم سوء ***إلي لباتها وأب لئيم

فقال أبو دلامة : عليك لعنة الله . ( الأغاني 240/10 ).

وغضب المهدي علي رجل من الأشعريين ، فأمر بضربه ، فضرب ، وكان أبو عبيد الله وزير المهدي ، من موالي الأشعريين ، فتعصب للأشعري ، وقال للمهدي : القتل احسن من هذا يا أمير المؤمنين ، فقال له المهدي : يا يهودي ، أخرج من عسكري ، عليك لعنة الله . ( الطبري 139/8 )

وقال أبو دهمان ، لمطيع بن إياس : عليك لعنة الله .

وكان أبو دهمان ، صديقة لمطيع ، وكان يظهر للناس تألها ومروءة وسمت حسنا ، فدعا مطيعا إلي داره ليلة من الليالي ، ثم قطعه عنه شغل ، وجاء مطيع فلم يجده ، فنظم فيه مطيع أبيات منها :

من عاذري من خليل*** موافق ملدان

مداه متواني***يكني أبا دهمان

وليس يعتم إلا***سكران مع سكران

يسقيه كل غلام***كأنه غصن بان

فلقيه أبو دهمان بعد ذلك ، وقال له : عليك لعنة الله ، فضحتني ، وهتفت بي ، وأذعت سري ، لا أكلمك أبدا ( الاغاني 13 / 292 و293) .

وغضب الأمير موسي بن داود العباسي علي أبي دلامة ، فقال : ائتوني بعدو الله الفاجر الكذاب ، عليه لعنة الله . والسبب في ذلك إنه أخذ منه عشرة آلاف درهم ليتجهز ببعضها ، ويترك الباقي لعياله ، ويسافر معه إلي الحج ،

ص: 41

فأخذ الدراهم وهرب فاختبأ في حانات الحيرة ، وخرج موسي بدونه ، حتي إذا مر في طريقه وشارف القادسية ، أبصره أصحابه خارجة من الحانة ، فأخبروه ، فقال : أنتوني بعدو الله الفاجر الكذاب ، وأمر به فقيدوه وألقوه في بعض المحامل ، فصاح به أبو دلامة وأنشده شعرأ منه :

يا أيها الناس قولوا أجمعين معي***صلي الإله علي موسي بن داود

إني أعوذ بداود وتربته***من أن أحج بكره يا ابن داود

فقال موسي : ألقوه عن المحمل عليه لعنة الله . ( الملح والنوادر 89 )

وغضب إبراهيم الحراني ، بالحجاز ، علي رجل فقال له : غضب الله عليك ، مالك لعنك الله ، راجع تفصيل القصة في الملح والنوادر 48- 50.

وشاور رجل أبا العتاهية ، فيما ينقشه علي خاتمه ، فقال : أنقش عليه : لعنة الله علي الناس . ( الاغاني 4 / 37 ).

وقال قاضي بغداد ، لجعفر الطبال : قم ، عليك لعنة الله .

وتفصيل القصة : إن إبراهيم بن المهدي ، طلب من جعفر الطبال ، أن يحذق إحدي جواريه الضرب بالطبل ، وله مائة دينار ، عجل له منها خمسين . فلما حذقت ، طالب إبراهيم بتمة المائة ، فلم يعطه ، فشكاه إلي القاضي ، ووكل إبراهيم عنه وكيلا ، وأراد الوكيل أن يكسر حجة جعفر ، فقال : أصلح الله القاضي ، سله من اين له هذا الذي يدعي ، وما سببه ؟ فقال جعفر : أصلح الله القاضي ، أنا رجل طبال ، وقد شارطني إبراهيم علي أن أحدق جاريته ضرب الطبل ، وعجل لي بخمسين ، ومنعني الباقي بعد أن رضي بحذقها ، فيحضر القاضي الجارية وطبلها ، وأحضر أنا وطبلي ، فإن كانت مثلي ، قضي لي عليه ، وإلا حذقتها حتي يرضي القاضي .

ص: 42

فقال القاضي : قم ، عليك وعليها لعنة الله ( الاغاني 10 / 373 و374) .

وغضب هارون الرشيد ، علي إبراهيم بن عثمان بن نهيك ، فصاح به : قم عليك لعنة الله ، راجع القصة في الفصل الخامس من هذا الباب و الرفث في الشتيمة .

وشتم الرشيد ، الفخر الجنيدي المصري ، فقال له : أغرب عليك لعنة الله

قال الأصمعي : عرض الرشيد ، خيل مصر ، فما مر به فرس ، إلا وعليه سمة الفخر الجنيدي ، فقال : ويلكم من هذا الجنيدي الذي له كل هذا النتاج ؟ وأمر بإشخاصه . فكتب إلي عامل مصر فاشخصه . فلما أدخل عليه ، إذا عليه لحية قد أخذت لسرته طولا ، ولأباطه عرضأ ، وإذا هو مستعجل في مشيته ، ينظر في أعطافه. فلما رآه ، قال . أحمق ، ورب الكعبة ، فلما دنا منه ، قال له : يا جنيدي ، من أين لك هذه الخيل ؟ قال : من رزق الله وأفضاله ، ثم قال له : ما أحسن لحيتك يا جنيدي ؟ فقال : اقبلها يا أمير المؤمنين خلعة لك، والخيل معها ، فبك فداهما الله ، فصاح به : أغرب عليك لعنة الله ( اخبار الحمقي 189 ).

وقال الأمين ، لمخارق المغني : لعنك الله .

وسبب ذلك : إن الأمين ، خلع علي مخارق ، ثلاث جباب وشي ، فلما رآه وقد ظاهر بينها ، ندم ، وتغير وجهه ، وأمر الطباخين ، بإصلاح مصلية ، فأصلحت وأحضرت في غضارة ضخمة ، ورغيفان ، فلما وضعت بين يديه ، أمر مخارق أن يأكل معه ، فاعتذر ، فأصر عليه ، فلما تناول مخارق اللقمة الأولي ، صاح به الأمين : لعنك الله ، ما أشرهك ، نغصتها علي ، وأفسدتها ، ثم رفع الغضارة ، وصبها علي مخارق ، فأتلف الجباب ،

ص: 43

وقال له : قم إلي لعنة الله . ( الطبري 521/8).

وألقي أبو نواس سرا في حلقة أبي عبيدة ، رقاعة ، فيها هذا البيت :

أمر الأمير بأخذ أولاد الزنا***فتفرقوا لا تؤخذوا فتعاقبوا

فقال أبو عبيدة : من فعل هذا لعنه الله ، فقال أبو نواس : لو علمت من فعل هذا لهجوته .

فضحك أبو عبيدة ، وقال : ومحترس من مثله وهو حارس . ( أخبار أبي نؤاس لابن منظور 155 ) .

وقال أبو العتاهية ، لأحد العيارين : أغرب لعنك الله وغضب عليك . وقف علي أبي العتاهية ، وكان غنيا بخي ، سائل من العيارين الظرفاء ، وجماعة من جيرانه حوله ، فسأله ، فقال له : صنع الله لك ، فأعاد عليه السؤال ثانية وثالثأ ، فكان رد أبي العتاهية واحدة ، فقال له السائل : الست القائل :

كل حي عند ميته***حظه من ماله الكفن

ثم قال : بالله عليك ، أتريد أن تعد مالك كله لكفنك ؟ قال : لا ، قال : فكم قدرت لكفنك ؟ قال : خمسة دنانير ، قال : فهي إذن حظك من مالك ، فتصدق علي بدرهم واحد من غير حظك ، قال : لو تصدقت به عليك لكان من حظي ، قال : فواحدة أخري ، وهي إن القبور تحفر بثلاثة دراهم ، فأعطني درهما ، وأقيم لك كفيلا بأني أحفر لك قبرك به متي مث ، وتربح درهمين لم يكونا في حسبانك ، فإن لم احتفر ، رددته علي ورثتك ، أورده كفيلي عليهم ، فخجل أبو العتاهية ، وقال له : أغرب لعنك الله ، وغضب عليك ، ثم قال أبو العتاهية : من أجل هذا وأمثاله حرمت الصدقة ، فقالوا له : من حرمها ، ومتي حرمت ؟ ( الاغاني 4 / 18 و 19).

ص: 44

ولما حوصر الأمين ببغداد ، عقد مجلس، ونصب ستارة ، فغته إحدي جواريه :

كليب لعمري كان أكثر ناصرة وأيسر جرمأ منك ضرج بالدم

فاشتد ذلك عليه ، وقال غني غير هذا ، فغنته :

شكت فراقهم عيني فأزقها***إن التفرق للاحباب بكاء

فقال لها : لعنك الله ، أما تعرفين غير هذا ، فغنت :

ما اختلف الليل والنهار وما *** دارت نجوم السماء في الفلك

إلا لنقل السلطان من ملك***قد غاب تحت الثري إلي ملك

فأمرها بالقيام ، فقامت وذهبت . ( اخبار الحمقي 65 ).

وغني علويه المغني ، المأمون ، بدمشق ، بصوت من أصوات معبد .

لو كان حولي بنو أمية لم*** تنطق رجال أراهم نطقوا

فغضب المأمون ، وقال : عليك وعلي بني أمية لعنة الله ، ثم غناه بصوت لعمر الوادي :

الحين ساق إلي دمشق وما *** كانت دمشق لأهلنا بلدا

فاشتد غضب المأمون ، ورماه بقدح كان في يده ، وصاح به : قم عني إلي لعنة الله ، وحر سقر . ( الاغاني 357و356/11).

وشتم يحيي بن أكثم ، عبد الصمد بن المعدل الشاعر ، فقال له : عليك لعنة الله .

وسبب ذلك : إن عبد الصمد ، كان يهوي متيم الهشامية ، وكانت متيم لا تخرج إلا متنقبة ، وتقدمت يوما إلي القاضي العنبري ، فاحتاج إلي أن

ص: 45

يشهد عليها ، فأمرها أن تسفر ، فقال عبد الصمد :

ولما نضت عنها القناع متيم *** تروح منها العنبري متيما

وكان قديما كالح الوجه عابسأ***فلما رأي منها السفور تبتما

فان يصب قلب العنبري، فقبله ***صبا باليتامي قلب يحيي بن أكثما

فقال له يحيي : عليك لعنة الله ، أي شيء أردت مني حتي أتاني شعرك من البصرة ؟ فقال : متيم أقعدتك في طريق القافية ( أعلام النساء 23/5).

وأبصر أبو تمام الطائي ، ماني الموسوس ، يرمق غلاما جميلا ببصره ، فقال له : لعنك الله يا ماني ، بعد الجهاد والغزو ، تجمش غلاما قد بات مؤاجرأ في الخمارات ؟ فقال له : ليس مثلك يخاطب ، يا أحمق ( العقد الفريد 6/ 173 ).

ولما قبض الأفشين علي بابك ، في السنة 222 ، أمر عسكره فاصطفوا صفين ، وأمر أن لا يتركوا عربيا يدخل بين الصفين ، خشية أن يقتله إنسان أو يجرحه ممن قتل أولياءه ، ثم أنزل بابك يمشي بين الصفين في دراعة وعمامة وخف ، حتي وقف بين يدي الإفشين ، ثم نزلوا به راكبأ ، فلما نظر النساء والصبيان الذين في الحظيرة ، ممن كانوا في أسر بابك وأطلقوا ، إلي بابك ، الطموا علي وجوههم وصاحوا ، وبكوا ، حتي ارتفعت أصواتهم ، فقال لهم الافشين : أنتم بالأمس تقولون أسرنا ، وأنتم الليلة تبكون عليه ؟ عليكم لعنة الله ، فقالوا : كان يحسن إلينا . ( الطبري 9/ 50).

وكان المتوكل، قد بسط نديمه عبادة المخنث ، المجاهر بالعهر والبغاء ، وأباح له الدخول عليه في مباذله ، فدخل عليه يوما وهو نائم مع سوداء كان يحبها ، فلما رآه أمرها أن تغطي وجهها ، وبقيت رجلها ممدودة ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، تنام وفي رجلك الخف ؟ فقال له : قم عليك لعنة الله ( الملح والنوادر 148).

ص: 46

وشتم خمارويه ، صاحب مصر والشام ، التاجر ابن الجصاص، فقال : لعن الله ابن الجصاص ، أفقرني في السر .

وسبب ذلك : أن ابن الجصاص اختص بخمارويه ، فكان يواكله ويشاربه ، ثم سفر في تزويج ابنة خمارويه ، قطر الندي ، بالمعتضد ، وبذل في جهازها الأموال بغير حساب ، حتي أنه لما حمل الجهاز من مصر إلي بغداد ، لحق بعض الفرش ، في الطريق مطر ، ما بين الرملة ودمشق ، فصرف في تطريته ثلاثين ألف دينار، وأضاق خمارويه بعد هذا البذل ، إضاقة شديدة ، فقال : لعن الله ابن الجصاص، أفقرني في السر ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج2 ص 315 رقم القصة 165/2.

وكتب الوزير علي بن عيسي إلي أحد عماله ، كتاب عزله ، فقال : وليتك من عملي جلي ، فكنت حقيرة قليلا ، مهينا ذليلا ، حصرة كلية ، فانصرف عليك اللعن طويلا . ( البصائر والذخائر57/1/2 ) .

وفي السنة 309 اعتقل حامد بن العباس ، الحلاج ، في دار العامة بدار السلطان ، فجاء أحد الموكلين به من غلمان حامد ، وذكر إنه دخل عليه ومعه طبق الطعام الذي يقدم إليه في كل يوم ، فوجد الحلاج قد ملا البيت من سقفه إلي أرضه وجوانبه ، فرمي الطبق ، وعاد وهاربأ ، فكذبه حامد، وشتمه ، وقال له : لعنك الله ، أغرب عني ( تجارب الأمم 80/1 ).

وغضب محمد بن خلف النيرماني ، كاتب ابن أبي الساج ، علي كاتبه الحسن بن هارون ، فقال له : يا عاض ( يا عاض بظر أمه ) بلغني أنك شنعت علي عند الوزير ببغداد ، والله يا كلب الأضربك خمسمائة سوط ، إمض إلي لعنة الله ( تجارب الأمم 157/1 ) .

ص: 47

وفي السنة 289 تسلم عمرو بن الليث الصقار عهدأ من الخليفة بتوليته ما وراء النهر إضافة إلي ما بيده من البلدان ، فجهز جيشة بقيادة محمد بن بشير ، لمحاربة إسماعيل الساماني ، فدخل موسي السجزي علي محمد بن بشير ، فوجده يحلق رأسه ، فقال له : هل استأذنت إسماعيل في حلق رأسك؟ يعني أن رأسه لإسماعيل، فغضب محمد ، وقال له : اغرب عني ، العنك الله ، واشتبكوا من الغد في المعركة ، فانتصر اسماعيل ، وقتل محمد ( وفيات الأعيان 6 / 436) .

ولما عزل الوزير أبن الفرات عن وزارته الثانية ، وخلفه حامد بن العباس ، أدخل الفراشون المحن ، ابن الوزير ابن الفرات ، إلي حضرة حامد ، مكورا في كساء أسود ، فأمر حامد بالمحن ، فصفع ، وأخذ المحسن يصرخ ، وحامد يقول للصانع : جود ، وأخذ المحسن يصيح : الله ، الله ، قد ذهبت - والله - عيني ، وحامد يقول : إلي لعنة الله ، راجع التفصيل في كتاب الوزراء للصابي 264 .

وروي أبو القاسم الصفار ، إنه رافقه من رأس العين ، أعرابي أراد أن يغدر به ويقتله طمعا في ماله ، وسبقه أبو القاسم فأغلق عليه ناووس، لا يمكن أن يفتح إلا من الخارج ، فلما أحس الأعرابي بمصيره ، صاح به : قتلتني ، والله ، فصاح به أبو القاسم : إلي لعنة الله ، راجع القصة بتمامها في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة رقم 5/ 131 ج 5 ص 253و250 .

وروي أبو المغيرة الشاعر ، عن شخص إنه ضرب بسيفه نباشأ ، فصاح : أوه ، قتلتني لعنك الله ، راجع القصة مفضلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج3 ص 237 رقم القصة 152/3 .

وروي التنوخي ، في كتابه نشوار المحاضرة ، في القصة رقم 4/ 23 إنه حضر مع أبي الفتح عبد الواحد بن هارون ، مجلس أبي الغنائم ، ابن

ص: 48

الوزير المهلبي ، لتهنئته بشهر رمضان ، وأبصرا أبا الغنائم ، وهو إذ ذاك صبي ، قد جلس في دسته ، وقد حف به رجال الدولة ، فورد الخبر بوفاة والده ، فاعتقل فورأ ، فتعلق بدراعة أحد الحاشية ، وأخذ يبكي ، ويقول : يا عم ، الله ، الله ، في ، فقال أبو الفتح : لعن الله الدنيا ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة ج4 ص 49 - 51.

وقال عضد الدولة ، للقاضي التنوخي ، صاحب كتاب نشوار المحاضرة ، وقد غضب عليه ، وعلي أبي الفضل الشيرازي : إنا لله ، لعنكما الله ، ولا بارك فيكما ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج4 ص 98 رقم القصة 4/ 45.

وروي التنوخي ، في كتابه نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة ، في القصة المرقمة 57/5 إن فتي قال لمربيته ، لما قضت عليه قصة أمه وزوجته : حسبي حسبي ، اقطعي ، لا تقولي شيئا ، لعن الله تلك المرأة ، ولا رحمها ، ولعنك معها ، راجع القصة في كتاب النشوار ج 5 ص 122 - 128 .

وغضب أحد الخدم الموكلين بأبواب الحرم في قصر الخليفة المقتدر ، علي إحدي القهرمانات ، فقال لها : خذي صندوقك ، أنت وهو ، إلي لعنة الله ، ومري ، راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 478.

وغضبت قينة علي مستمعيها ، فقالت لهم : انتم قوم سفل، لعنة الله علي من يعاشركم ، راجع تفصيل القصة في الأغاني ط بولاق65/20.

وشتم السلطان الشهيد نور الدين محمود ، ساعيا ، فقال عنه : لعنه الله .

وتفصيل القصة : إن تاجرة موسرة في حلب ، توفي في أيام السلطان الملك العادل نور الدين محمود ، فكتب بعض من بحلب ، إلي السلطان ،

ص: 49

يذكر له وفاة هذا التاجر ، وأنه خلف آلاف الدنانير ، وله ولد عمره عشر سنين ، وحسن له أن يرفع المال إلي الخزانة ، إلي أن يكبر الصغير فيرضي بقسط منه ، ويمسك الباقي للخزانة ، فكتب نور الدين علي الرقعة : أما الميت فرحمه الله ، وأما الولد فأنشأه الله ، وأما المال فثمره الله ، وأما الساعي فلعنه الله ( اعلام النبلاء 68/2 ).

وفي السنة 1191 قتل الأمير يوسف بك ، من كبار المماليك بالقاهرة ، وكان قبل قتله قد حصلت له حادثة مع جماعة من الأزهريين ، خلاصتها أن شيخة أزهرية اسمه عبد الباقي ، طلق ابنة أخيه من زوجها في غياب الزوج ، وزوجها من شخص آخر ، فلما حضر الزوج من الفيوم ، وعرف الأمر ، راجع الأمير يوسف بك ، وشكا إليه الحال ، فأرسل أعوانا ، قبضوا علي الشيخ عبد الباقي ، وأهانوه ، وأحضروه ، والقيود الحديد في عنقه ، وفي رجليه ، وحبسه ، فركب جماعة من شيوخ الأزهر إلي يوسف بك ، وخاطبوه في إطلاق الشيخ عبد الباقي ، فاغتاظ منهم ، وقال : من يقول إن المرأة لها أن تطلق زوجها إذا غاب عنها ، وعندها ما تنفقه ، وما تصرفه ، ووكيله يعطيها ما تطلبه ، ثم يأتي من غيبته فيجدها مع غيره ؟ فقالوا له : هذا قول في المالكية معمول به ، ونحن أعرف بالأحكام منك ، فقال لهم يوسف بك : لو رأيت الشيخ الذي فسخ النكاح ، فقال الشيخ الجداوي : أنا الذي فسخت النكاح علي قاعدة مذهبي ، فاغتاظ منه يوسف بك ، وقام علي أقدامه ، وصرخ فيه : والله ، أكسر رأسك ، فصرخ عليه الشيخ علي الصعيدي وسبه ، وقال له : لعنك الله ، ولعن اليسرجي الذي جاء بك ، ومن باعك ، ومن اشتراك ومن جعلك أميرة ، وأخذوا الشيخ عبد الباقي من الحبس ، وخرجوا وهم يسبون ( الجبرتي 512/1 ) .

ص: 50

2 - قولهم : عدو الله

العداوة : الخصومة والمباعدة والعدو : الخصم

قال عبد الله بن مسعود ، لأبي جهل بن هشام : يا عدو الله .

وتفصيل ذلك : إن أبا جهل بن هشام ، كان من أشد المؤلبين علي النبي صلوات الله عليه ، وكان يؤذي عبد الله بن مسعود بمكة ، وسقط أبو جهل في معركة بدر جريحا مرت ، فوقف عليه عبد الله بن مسعود ، وقال له : يا عدو الله ، أخزاك الله ، فقال له : أخبرني لمن الدبرة ؟ فقال : الله ولرسوله ( الطبري 2 / 455) .

وشتم عروة بن مسعود ، ابن أخيه المغيرة بن شعية ، فقال له : يا عدو الله ما غسلت عني سوأتك إلا بالأمس ، يا غدر ( الاغاني 16 / 82).

وكان المغيرة بن شعبة ، صحب قوما في الجاهلية ، فقتلهم ، وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم ، فقال النبي صلوات الله عليه : أما الإسلام فقد قبلنا ، وأما المال فإنه مال غدر ، لا حاجة لنا فيه ( الطبري 627/2).

وشتم عمارة بن حزم، وهو صحابي عقبي بدري، زيد بن لصيب، أحد المنافقين ، قال له : يا عدو الله ، اخرج من رحلي ، وسبب ذلك ، إنهما كانا من جيش النبي في غزوة تبوك ، فندت ناقة النبي ، فقال زيد : إن محمدأ يزعم أنه يخبركم بخبر السماء ، وهو يدري أين ناقته ، وكان زيد في رحل عمارة ، وبلغ عمارة ما قال زيد ، فجاء إليه ، ووجأ عنقه ، وهو يقول : في

ص: 51

رحلي داهية ولا أدري ، أخرج عني يا عدو الله ( ابن الأثير 2/ 279 و280 والطبري 106/3 ).

وقال المهاجر ، قائد جيش المسلمين للأشعث بن قيس : يا عدو الله .

وتفصيل ذلك : أنه في السنة 11 ارتد الأشعث بن قيس باليمن ، وجمع أقواما معه من كندة ، وحاربه المسلمون ، فانهزمت كندة ، واستأمن الأشعث علي نفسه وعلي تسعة نفر معه ، يؤمنون علي أنفسهم وأهاليهم ، وكتب بذلك كتابة ، ولكنه نسي أن يثبت اسمه في الكتاب ، فلما أجاز المسلمون الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في الكتاب ، ولم يكن الأشعث من بينهم ، قال له المهاجر ، قائد جيش المسلمين : يا أشعث ، يا عدو الله ، قد كنت أشتهي أن يخزيك الله ، وشده وثاقة ، وهم يقتله ، ثم بعث به مع السبي إلي أبي بكر ، فكان المسلمون يلعنونه ، ويلعنه سبايا قومه ، ويسمونه : عرف النار ، وهو ما يسمي به اليمانون الغادر ( الطبري 3/ 338 ).

وشتم الفاروق عمر ، شجرة بن عبد العزي ، وقال له : أي عدو الله . وسبب ذلك : إن أبا شجرة ، أرتد بعد إسلامه ، في أيام أبي بكر ، وقال أبياتا منها :

فرويت رمحي من كتيبة خالي***وإني لأرجو بعدها أن أعمرا

ثم إن أبا شجرة أسلم بعد ذلك ، وقدم المدينة في أيام الفاروق عمر ، وجاءه وهو يقسم الصدقة بين فقراء العرب ، فقال : يا أمير المؤمنين أعطني ، فإني ذو حاجة ، قال : من أنت ؟ فقال : أبو شجرة بن عبد العزي السلمي ، فقال له عمر : أي عدو الله ، ألست الذي تقول :

فرويت رمحي من كتيبة خالد

وأخذ يضربه بالدرة علي رأسه ، ففاته عدوة ( الطبري 267/3 ) .

ص: 52

ولما أعطي عثمان ، مروان بن الحكم ، وغيره من أقربائه ، من بيت المال ، اعترض أبو ذر علي ذلك ، فنفاه إلي الشام ، فأخذ يعترض علي أعمال معاوية هناك ، فأحضره معاوية ، وقال له : يا عدو الله وعدو رسوله ، إما إني لو كنت قاتلا رجلا من أصحاب النبي ، من غير إذن أمير المؤمنين القتلتك ، فقال له أبو ذر : ما أنا بعدو لله ولا لرسوله ، بل أنت وأبوك عدوان الله ولرسوله ، أظهرتما الإسلام وأبطنتما الكفر ، فحبسه معاوية ، وكتب بخبره إلي عثمان ، فأمره عثمان بأن يعيده إلي المدينة ( شرح نهج البلاغة258/8 ).

وقالت أم المؤمنين عائشة : خذوا بيد عدوة الله .

وسبب ذلك : أن أم أفعي العبدية ، دخلت علي أم المؤمنين عائشة ، فقالت لها : يا أم المؤمنين ، ما تقولين في امرأة قتلت ابنأ صغيرا لها؟ قالت : وجبت لها النار ، قالت : فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفا ؟

قالت : خذوا بيد عدوة الله ( اعلام النساء58/1 ).

ولما ضرب عبد الرحمن بن ملجم ، الإمام علية بالسيف ، وأخذ، وأدخل علي الإمام ، فقالت له أم كلثوم إبنة علي : يا عدو الله ، قتلت أمير المؤمنين . فقال : لم أقتل أمير المؤمنين ، وإنما قتلت أباك . ( الأخبار الطول 214) .

وقال الإمام علي ، لعبد الرحمن بن ملجم ، لما ضربه بالسيف : أي عدو الله ، ألم أحسن إليك ؟ قال : بلي ، قال : فما حملك علي هذا ؟ قال : شحذت سيفي أربعين صباحا ، وسألت الله ، أن يقتل به شر خلقه ، فقال عليه السلام : ما أراك إلا مقتولا به ، ولا أراك إلا من شر خلقه ، ثم قال لابنه الحسن : إن مت من ضربته هذه ، فضربة بضربة ، ولا يمثل بالرجل ،

ص: 53

فأتي سمعت رسول الله يقول : إياكم والمثلة ، ولو بالكلب العقور . ( اعلام النساء 210/4 ) .

ولما ضرب عبد الرحمن بن ملجم ، الإمام علي بالسيف ، وانصرف الناس من صلاة الصبح ، أحدقوا بابن ملجم ، ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم السباع ، ويقولون : يا عدو الله ، ماذا صنعت ، أهلكت أمة محمد ، وقتلت خير الناس ، وإنه لصامت ما ينطق ( شرح نهج البلاغة 6 / 118 و 119 ).

وقال معاوية ، لآمنة بنت الشريد : يا عدوة الله .

وسبب ذلك : أن عمرو بن الحمق الخزاعي ، زوج آمنة ، كان من اتباع علي ، ولما قتل علي ، وصالح الحسن معاوية ، كان من جملة شروط الصلح ، أن لا يتطلب معاوية أحدا من أصحاب علي ، عن تصرفات سابقة ، ولكن معاوية لم يف بما اشترط علي نفسه ، وبعث في طلب شيعة علي ، وكان عمرو بن الحمق الخزاعي من جملتهم ، فراغ منه ، فأرسل إلي آمنة زوجة عمرو ، فحسبها في سجن دمشق ، وظلت سجينة سنتين ، حتي ظفر معاوية بعمرو ، وقتله ، وقطع رأسه ، وبعث بالرأس إلي آمنة ، وهي في سجنها ، وأمر الحرسي أن يطرح الرأس في حجرها ، ففعل الحرسي ذلك ، فارتاعت آمنة ، ساعة ، ثم وضعت يدها علي رأسها ، وقالت : واحزناه ، نفيتموه عني طوي ، وأهديتموه إلي قتيلا ، فأهلا وسهلا بمن كنت له غير قالية ، وأنا اليوم له غير ناسية ، ثم قالت للحرسي : أيها الرسول ، آرجع إلي معاوية ، وقل له : أيتم الله ولدك ، وأوحش منك أهلك ، ولا غفر لك ذنبك ، فأخبر الحرسي معاوية بما قالت ، فأحضرها ، وقال لها : يا عدوة الله ، أنت صاحبة الكلام الذي بلغني ؟ ( اعلام النساء 4/1 ) .

وقال زياد بن أبيه ، لفتي من كندة : يا عدو الله .

في السنة51 طلب زياد فتي من كنده اسمه صيفي بن فسيل ، فجيء به اليه ، فقال له : يا عدو الله ، ما تقول في أبي تراب ؟ فقال : ما أعرف أبا

ص: 54

تراب، فقال له : أما تعرف علي بن أبي طالب؟ قال: بلي قال: فذاك أبو تراب ، قال : كلا ، ذاك أبو الحسن والحسين ، فقال له صاحب الشرطة : يقول لك الأمير هو أبو تراب ، وتقول أنت لا ، فقال : وإن كذب الأمير ، أتريد أن أكذب ، وأشهد له علي باطل كما شهد ، فقال زياد علي بالعصا ، فأتي بها ، ثم قال له : ما قولك في علي ؟ قال : أحسن قول أنا قائله في عبد من عباد الله المؤمنين ، فأمر به ، فضرب بالعصا حتي لزم الأرض ثم أقلعوا عنه ، وسأله : ما قولك في علي ؟ فقال : والله ، لو شرحتني بالمواسي والمدي ، ما قلت إلا ما سمعت مني ( الطبري266/5 ).

وشتم يزيد بن معاوية ، السيدة زينب ابنة الإمام علي ، فقال لها : با عدوة الله .

وسبب ذلك : أنه لما قتل الإمام الشهيد الحسين ، في كربلاء ، وسيق بناته وجميع النساء سبايا إلي دمشق ، وأوقفن أمام يزيد ، نظر أحد الشاميين ، من اتباع يزيد ، إلي فاطمة بنت الإمام علي ، وكانت صغيرة وضيئة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هب لي هذه، فارتعدت فاطمة ، وتعلقت بأختها زينب ، فصاحت به زينب : كذبت ، ولؤمت ، ما ذاك لك ، ولا له . فغضب يزيد ، وقال لها : كذبت ، أن ذلك لي ، ولو شئت أن أفعله ، فعلته . فقالت له : كلا، والله ، ما جعل الله لك ذلك ، إلا أن تخرج من ملكتنا، وتدين بغير ديننا . فاستطار يزيد غضبة . وقال : إنما خرج من الدين أبوك ، وأخوك . فقالت : بدين الله ، ودين أخي ، وأبي ، وجدي ، اهتديت أنت ، وأبوك ، وجدك ، فقال : كذبت يا عدوة الله . فقالت : أنت أمير مسلط ، تشتم ظالمين ، وتقهر بسلطانك ، فسكت . وعاد الشامي يطالب يزيد ، ويقول له : هب لي هذه الجارية ، فصاح به يزيد : أغرب ، وهب الله لك حتفة قاضية . ( اعلام النساء 94/2 و95).

ص: 55

وشتم عدي بن حاتم الطائي ، عبد الله بن كامل أحد قواد المختار الثقفي ، فقال له : يا عدو الله.

وسبب ذلك : أن حكيم بن طفيل الطائي ، كان قد اشترك في معركة الطف وأصاب ساب العباس أخا الحسين ، ورمي الحسين بسهم ، وكان يقول : تعلق سهمي بسر باله وما ضره ، فأمر المختار قائده عبدالله بن كامل بإحضاره ، فذهب إليه وأخذه ، وأقبل به ، وذهب أهله فاستغاثوا بعدي بن حاتم الطائي ، فكلم عدي عبدالله بن كامل في إطلاقه ، فقال له : إن أمره إلي الأمير المختار ، فمضي عدي نحو المختار . فقال أصحاب عبدالله : إنا نخاف أن يشفع الأمير عديا في هذا ، فدعنا نقتله ، فقال : شأنكم به ، فنصبوه غرضة، ورموه بالسهام رشقة واحدة ، فخر ميتة وكأنه قنفذ من كثرة النبل ، ولما فرغ عبدالله منه ، دخل علي الأمير المختار ، فوجد عدي عنده ، فسأله المختار عن حكيم ، فقال : قتلته الشيعة ، وقد غلبتني عليه ، فلم أتمكن من خلاصه ، فقال له عدي : كذبت يا عدو الله ، ولكنك علمت أن من هو خير منك سيشفعني فيه ، فبادرت بقتله ، فغضب ابن كامل ، وأستوفز لعدي يريد أن يرد عليه ، فوضع المختار إصبعه علي فيه ، أمرا له بالسكوت ، فسكت ( الطبري62-60/6).

وحصر الخوارج ، في السنة 68 مدينة إصبهان ، فكانوا يتشاتمون مع المحصورين يقول كل واحد منهم للأخر : يا أعداء الله . .

في السنة 68 حصر الخوارج مدينة اصبهان ، وفيها القائد عتاب بن ورقاء ، فكان يخرج إليهم في كل يوم يقاتلهم علي باب المدينة ، ويرميهم من فوق السور، بالنبل والنشاب والحجارة، وكان فيهم رجل شجاع من حضرموت ، يقال له : أبو هريرة ، فكان أبو هريرة يحمل علي الخوارج وهو يرتجز :

ص: 56

كيف ترون يا كلاب النار*** شد أبي هريرة الهرار

بهركم بالليل والنهار***يا ابن أبي الماحوز والاشرار

فاغتاظ الخوارج من شتمه لهم ، وكمن له أحدهم ، وضربه بالسيف علي حبل عاتقه ، فصرعه ، وأحتمله أصحابه ، فأدخلوه وداووه ، فكان الخوارج ينادونهم : يا أعداء الله ، ما فعل أبو هريرة الهرار ، فيجيبونهم : يا أعداء الله ، ما عليه بأس ، ولم يلبث أبو هريرة أن بريء ، وخرج عليهم ، فقالوا له : يا عدو الله ، لقد رجونا أن نكون قد أزرناك أمك ، فقال لهم : يا فساق ما ذكركم أمي ، فأخذوا يقولون : إنه ليغضب لأمه وهو آتها عاجلا ، فقال له أصحابه : ويحك ، إنما يعنون النار ، ففطن ، وقال لهم : يا أعداء الله ، ما أعقكم لأمكم حين تنتفون منها، إنما تلك أمكم ، وإليها مصيركم ( الطبري126و125/6).

وفي السنة 18 لما قتل مصعب بن الزبير ، المختار الثقفي ، أخذ أسماء بنت النعمان بن بشير الأنصاري ، امرأة المختار ، وقال لها : ما تقولين في المختار ؟ فقالت : إنه كان تقيأ ، صوامة ، قواما ، فقال لها : يا عدوة الله أنت ممن يزكيه ؟ وأمر بها فقطعت عنقها ، وكانت أول امرأة ضرب عنقها صبرة . ( اليعقوبي 264/2 ) .

ولما أعلن عبد الله بن الزبير ، خلافته بمكة ، انحاز إليه قوم من الخوارج ، ثم سألوه عن رأيه في عثمان ، فامتدحه ، وقال : أنا ولي أوليائه ، وعدو أعدائه ، قالوا : فبريء الله منك يا عدو الله ، قال : فبريء الله منكم يا أعداء الله . ( الطبري566/5 ).

وتقابل جند البصرة ، يقودهم المهلب ، بسولاف ، بالخوارج ، فتشاتموا ، فقال لهم أصحاب المهلب : يا أعداء الله ، وقال لهم الخوارج : يا اخوان الشياطين ، وأولياء الظالمين، وعبيد الدنيا .

ص: 57

تصاف في السنة 72 جند البصرة يقودهم المهلب بن أبي صفرة ، والخوارج ، وكان الخوارج قد بلغهم خبر مقتل مصعب بن الزبير بدير الجاثليق وانتصار عبد الملك بن مروان ، فقالوا لجند البصرة : ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : إمام هدي ، وهو ولينا في الدنيا والآخرة ، ونحن أولياؤه أحياء وأمواتا ، قالوا : فما قولكم في عبد الملك بن مروان ؟ قالوا : ذاك ابن اللعين ، نحن إلي الله منه براء ، وهو عندنا أحل دمأ منكم ، ونحن أعداؤه أحياء وأمواتا ، قالوا : فإن أمامكم مصعبة قد قتله عبد الملك بن مروان ، وتراكم ستجعلون غدة عبد الملك إمامكم ، وأنتم الآن تتبرون منه ، وتلعنون أباه ، قالوا : كذبتم يا أعداء الله ، فلما كان من الغد ثبت لهم قتل مصعب ، فبايع المهلب الناس لعبد الملك ، فأتتهم الخوارج ، فقالوا : ما تقولون في مصعب ؟ قالوا : يا أعداء الله ، لا نخبركم ما قولنا فيه ، فقالوا ، ما تقولون في عبد الملك ؟ قالوا : هو إمامنا وخليفتنا، فقالت لهم الأزارقة : يا أعداء الله ، أنتم بالأمس تتبرأون منه في الدنيا والآخرة ، وهو اليوم إمامكم وخليفتكم ، وقد قتل إمامكم الذي كنتم تتولونه ، فأيهما المحق ، وأيهما المهندي ، وأيهما الضال ، قالوا : يا أعداء الله ، رضينا بذاك ، فقال لهم الخوارج : يا إخوان الشياطين ، وأولياء الظالمين ، وعبيد الدنيا ( الطبري169و168/6 وسرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون 107).

وقال الأخطل لعبد الملك بن مروان ، وكان قد أجلس زفر بن الحارث الكلابي معه علي السرير : يا أمير المؤمنين ، أتجلس عدو الله هذا معك علي السرير وهو القائل :

وقد ينبت المرعي علي دمن الثري***وتبقي حزازات النفوس كما هيا

فقبض عبد الملك رجله ، وركل بها صدر زفر حتي قلبه عن السرير فقال زفر : أنشدك الله يا أمير المؤمنين ، والعهد الذي أعطيتني ، وكان زفر قد حارب عبد الملك ، ثم نزل إليه بالأمان وبايعه ( الاغاني 8/ 297 ) .

ص: 58

وقال الحجاج ، لإحدي الجواري : يا عدوة الله ، دفعتك إلي ابن عمي ، فهربت .

وتفصيل القصة : إن فتي من قريش ، كانت له جارية ، وكان بها معجبة ، ثم أضاق ، فحملها إلي العراق ، واشتراها الحجاج ، وقدم علي الحجاج ، فتي من ثقيف ، فأنزله وألطفه ، ورآه يحد النظر إلي الجارية ، والجارية تسارقه النظر ، فأهداها إليه ، فما لبثت إلا سواد ليلتها ، وهربت منه ، فأمر بالبحث عنها ، وجيء بها إليه ، فقال لها : يا عدوة الله ، اخترت لك ابن عمي ، شابا حسن الوجه ، ورأيتك تسارقينه النظر ، فهربت . فقالت يا سيدي ، اسمع قصتي ، كنت لفلان القرشي ، وجاء بي إلي الكوفة ليبعني ، فلما صرنا قريبا من الكوفة ، بتنا خارجها ، فسمع زئير الأسد، فنهض واخترط سيفه ، وقتل الأسد ، وعاد وما برد ما به ، أما ابن عمك هذا ، فإنه لما أظلم الليل ، وقعت فارة من السقف علي ظهره ، فضرط ، ثم وقع مغشيا عليه ، فمكثت طويلا أقلبه ، وأحركه ، وأرش الماء علي وجهه ، وهو لا يفيق ، فخفت أن تتهمني بقتله ، فهربت . فقال لها الحجاج : ويحك ، لا تعلمي بهذا أحدأ ، فإنه فضيحة . قالت : يا سيدي ، علي أن لا تردني إليه . ( البصائر والذخائر 1/3 / 322) .

وتحرش الفرزدق ، بامرأة شريفة ، فأخبرت النوار زوجته بذلك ، فقالت لها : واعديه ، فواعدته ، وأخبرت النوار ، فحضرت ، فلما جاء الفرزدق ، وجد زوجته النوار ، فقالت له : يا عدو الله ، يا فاسق . ( الاغاني 21 / 360 و361 ).

ولما قتل الحجاج ، عبد الله بن الزبير ، بعث إلي أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق أن تأتيه ، فأبت ، فقال : والله ، لئن لم تأتني لأبعث إليها من يجر بقرون رأسها، ويسحبها حتي تصل إلي، فأصرت علي الإباء . فأقبل

ص: 59

الحجاج حتي وقف عليها ، وقال لها : كيف رأيت ما فعل الله بأبنك عدو الله ؟ فقالت : إن الله قد اختاره ، بلغني يا حجاج إنك تنقصني ، إذ تسميني ذات النطاقين ، أو تدري ما نطاقاي ؟ أما الأول فقد شددت به سفرة رسول الله يوم غزوة بدر ، وأما الثاني فأوثقت به نطاق بعيره ، فقال لي : إما أن لك بهما نطاقان في الجنة ( الامامة والسياسة 35/2 ) .

ولما انتصر الحجاج بجنود الشام ، علي أهل العراق ، في واقعة دير الجماجم ، جيء إليه بأعشي همدان ، فقال له : إيه يا عدو الله ، أنشدني قولك : بين الأشج وبين قيس ، وهي أبيات مدح بها عبد الرحمن بن الأشعث ، فأنشده إياها ، فلما وصل إلي البيت ، في مدح عبد الرحمن :

بين الأشج وبين قيس باذخ ***بخ بخ لوالده وللمولود

قال له الحجاج : لا والله لا تبخبخ بعدها لأحد أبدأ ، ثم قدمه فضرب عنقه ( الطبري375/6 - 378 ).

وشكت السيدة سكينة زوجها زيد بن عمرو بن عثمان ، إلي أمير المدينة ، عمر بن عبد العزيز ، فأحال القضية إلي القاضي ابن حزم ، وعقد القاضي مجلس القضاء في بيته ، ودخلت سكينة ، وثنيت لها الوسادة ، وجلست تحف بها ولائدها، فقال لها القاضي : با ابنة الحسين ، إن الله يحب القصد في كل شيء ، فقالت له : وما أنكرت مني ؟ إني وإياك لكالذي يري الشعرة في عين صاحبه ولا يري الخشبة في عينه ، فقال لها : أما والله لو كنت رجلا لسطوت بير ، فقالت له : يا ابن فرتني ، ألا تزال تتوعدني ، أما والله ، لو كان أهل الحرة أحياء القتلوا هذا العبد اليهودي عند شتمه إياي ، أي عدو الله ، تشتمني ، وأبوك الخارج مع يهود صبابة بدينهم ، لما أخرجهم رسول الله إلي أريحاء ، وكان القاضي يقلق لأن امرأته تسمع هذه الأقوال فيه ، ثم حكم بأن سكينة إن جاءت ببينة وإلا فاليمين علي زيد، وعادوا إلي

ص: 60

عمر بن عبد العزيز فأخبروه الخبر ، فجعل يضحك حتي أمسك بطنه ، ثم أصلح بين سكينة وزوجها ( الاغاني157و156/16 ) .

وحج سليمان بن عبد الملك في السنة 97 ، فبعث إلي أبي حازم ، وحادثه ، وكان من جملة الأسئلة التي وجهها إليه : ماذا تقول فيما نحن فيه ؟ فقال : إن آباءك قهروا الناس بالسيف ، وأخذوا الملك عنوة من غير مشورة من المسلمين ولا رضا، حتي قتلوا عليه مقتلة عظيمة ، فقال له رجل من الجلساء : بئس ما قلت يا أبا حازم ، فقال له أبو حازم : كذبت يا عدو الله ، إن الله أخذ ميثاق العلماء ، ليبيننه للناس ، ولا يكتمونه . ( وفيات الأعيان 422/2و423) .

وأدخل مخنث علي العريان بن الهيثم ، صاحب شرطة الكوفة ، فقال له : يا عدو الله ، أتتخنث وأنت شيخ ؟ فقال : مكذوب علي ، كما كذب علي الأمير أعزه الله ، فاستوي جالسة ، وقال له : ما قيل في ؟ قال : يسمونك العريان وعندك أكثر من عشرين جنية . ( الاذكياء 146 ).

وادعي رجل علي آخر ، عند إياس القاضي ، إنه أودع عنده مالا ، وجحده الأخر ، فقال إياس للمدعي : أي شيء كان في الموضع الذي استودعته المال فيه ، فقال : شجرة ، فقال له : أذهب إليها وانظر فعله يتبين لك ما يؤدي إلي الحصول علي حقك ، فذهب ، وبعد هنيهة ، التفت إياس إلي المدعي عليه الجاحد ، وسأله : تراه وصل إلي الشجرة ؟ فقال له : كلا ، فقال له إياس : يا عدو الله إنك لخائن ، وألزمه بأداء ما استودع. ( وفيات الاعيان 467/1) .

ولما هجا الكميت اليمن ، دس له خالد القسري عند هشام بن عبد الملك ، من أنشده قصائد الكميت في مدح العلويين ، فأمر بحبسه ، فأخذه خالد وحبسه ، وزارته امرأته في السجن ، فألبسته ثيابها وإزارها وخمرته،

ص: 61

فخرج من السجن واستتر ، ولما طال الأمر علي السجان ، نادي الكميت ، فلم يجبه ، ودخل ليعرف خبره ، فصاحت به المرأة : وراءك ، لا أم لك ، فمضي السجان صارخا إلي خالد، فأحضرها ، وقال لها : يا عدوة اللله ، احتلت علينا ، لأملن بك ، فاجتمع عليه بنو أسد، فخافهم ، وخلي سبيلها ( الاغاني 17 / 4 و5 ).

وقال يوسف بن عمر ، لرجل ولاه عملا : يا عدو الله ، أكلت مال الله ، فقال له : فمال من آكل منذ خلقت إلي الساعة ؟ والله ، لو سألت الشيطان درهما واحدا ما أعطانيه ( وفيات الأعيان 108/7 ).

وجيء إلي عتبة بن النهاس العجلي ، بامرأة من الخوارج ، فقال لها : يا عدوة الله ، ما خروجك علي أمير المؤمنين ؟ ألم تسمعي قول الله عز وجل :

كتب القتل والقتال علينا***وعلي الغانيات جر الذيول

فهزت رأسها ، وقالت : يا عدو الله ، جهلك بكتاب الله حملني علي الخروج ( معجم الأدباء 94/6 ).

ولما حبس مروان الحمار، ابراهيم الإمام، أراد أصحابه أن يعرفوا لمن يوصي بالأمر من بعده ، فذهب يقطين في صورة تاجر إلي حران، وادعي أن له مالا علي إبراهيم ، ودخل عليه السجن ، فقال له : يا عدو الله ، إلي من أوصيت بعدك آخذ مالي منه ؟ ففهمها ابراهيم ، وقال : ابن الحارثية ، يعني أخاه السفاح ، فعاد يقطين إلي أصحابه ، وأعلمهم بالأمر ، فبايعوا السفاح ( الاعلام 9/ 276 ).

وقالت زينب بنت سليمان بن علي العباسية ، لمزنة ، زوجة مروان الأموي ، آخر حكام بني أمية : لا حياك الله ، ولاقربك ، الحمد لله الذي

ص: 62

أزال نعمتك ، وأدال عزك ، وصيرك عبرة ونكالا ، أتذكرين يا عدوة الله حين أتاك عجائز أهل بيتي يسألنك أن تكلمي صاحبك في إنزال إبراهيم بن محمد من خشبته ، فلقيتهن ذلك اللقاء ، وأخرجته ذلك الإخراج ، الحمد لله الذي أزال نعمتك ، راجع القصة مقصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي تحقيق المؤلف ، رقم القصة 389.

وتشاتم إبراهيم الموصلي ، مع جوار لا يعرفهن ، فقلت له : يا عدو الله ، وقال لهن : يا عدوات الله .

و روي ابراهيم الموصلي ، إنه قصد قصر الخلافة ، بعد صلاة المغرب ، ومر في طريقه بزنبيل كبير علي الأرض ، مستوثق منه : بحبال ، وأربع عري أدم ، وقد دلي من القصر ، فجلس في الزنبيل ، فارتفع به حتي صار في أعلي القصر ، فلما نزل ، إذا بجوار كالمها ، فضحكن ، وقلت له : يا عدو الله ، ما أدخلك إلينا ؟ فقال له : يا عدوات الله ، ولم صار من أردت إدخاله أولي مني ؟ راجع تفصيل القصة في كتاب الأغاني247-244/5 .

وقالت أم جعفر الانصارية ، للأحوص : يا عدو الله ، صدقت .

وسبب ذلك : أن الأحوص ، كان يشبب بأم جعفر الانصارية ، ويذكرها في شعره ، فلما أكثر من ذكرها ، جاءت متنقية ، فوقفت عليه في مجلس قومه ، وهو لا يعرفها ، فادعت عليه ثمن غنم زعمت أنه اشتراها منها ، فأنكر الأحوص ، وحلف أنه لا يعرفها ، ولم يرها قبل ذلك ، ولم يشتر منها شيئا ، وبعد أن كرر يمينه مجتهدأ ، كشفت عن وجهها، وقالت له : يا عدو الله صدقت ، أنت لا تعرفني ، وأنا أم جعفر التي تذكرها في شعرك ، وتدعي أنك قلت لها ، وأنها قالت لك ، فخجل الأحوص ، وانكسر ( اعلام النساء 161/1)

وخرج أبو عبد الرحمن ، من المدينة ، إلي خراسان ، غازية ، وخلف

ص: 63

عند زوجته ثلاثين ألف دينار ، وكان ولده ربيعة حملا في بطن أمه ، وغاب عن المدينة سبعة وعشرين عاما ، وقدم المدينة بعد ذلك وهو راكب فرسا ، وفي يده رمح ، فنزل عن فرسه ، ودفع الباب برمحه ، فخرج إليه رجل، فقال له : يا عدو الله ، تهجم علي منزلي ؟ فقال له أبو عبد الرحمن : يا عدو الله ما وجودك في منزلي ؟ وتواثبا، وتلبب كل واحد منهما صاحبه ، حتي اجتمع الجيران ، وكثر الضجيج ، فقال مالك بن أنس ، لأبي عبد الرحمن : أيها الشيخ لك سعة في غير هذه الدار ، فقال الشيخ : الدار داري ، وأن أبو عبد الرحمن ، فسمعت الزوجة ، وهي داخل الدار ، كلامه ، فخرجت ، وقالت : صدق ، هذا زوجي ، ثم قالت له : هذا الذي في الدار ولدك ربيعة ، الذي تركته حملا في بطني ، فتعانقا ، وبكيا . (تاريخ بغداد للخطيب 421/8و 422) .

وعتب جعفر البرمكي ، علي إسحاق الموصلي ، وقال له : إنك لا تغشانا ، فقال له : إذا حضرت حجبني خادمك نافذ ، فقال له جعفر : إذا حجبك عني فنكه ، فكتب إليه إسحاق بعد أيام :

جعلت فداءك من كل سوء ***إلي حسن رأيك أشكو أناسا

يحولون بيني وبين السلام***فلست أسلم إلا اختلاسا

وأنفذت أمرك في نافذ*** فما زاده ذاك إلا شماسا

قال إسحاق : فأحضرني ، وأحضر نافذ ، وقرأ عليه الأبيات ، وقال له : فعلتها يا عدو الله ؟ فغضب نافذ حتي كاد يبكي ، ثم لم يعد بعدها إلي التعرض لاسحاق ( معجم الأدباء 214/2) .

ودخل علي بن الهيثم ، المعروف بجونقا ، علي المأمون ، فقال له : يا عدو الله ، يا فاسق ، يا لص ، يا خبيث ، سرقت الأموال وانتهبتها ، والله لافرق بين لحمك وعظمك . ( معجم الأدباء 5 / 455 ).

ص: 64

وتظاهر المأمون بالغضب علي الأحول المحرر ، فقال له : يا عدو الله ، تأخذ مالي ، وتشتري به غلاما يفر منك .

وخلاصة القصة ، إن الأحول المحرر ، كان حسن الخط ، وكان تابعا لمحمد بن يزداد وزير المأمون ، وشخص مع ابن يزداد ، لما رافق المأمون إلي دمشق ، وأنه شكا يومة إلي أبي هارون ، خليفة ابن يزداد ، الوحدة ، والغربة ، وقلة ذات اليد، وسأله أن يكلم ابن يزداد ، فكلمه ، وكلم المأمون ، فوصله بأربعة آلاف درهم ، فلما قبض الأحول المال ، اشتري غلاما بمائة دينار ، واشتري سيفا ومتاعا ، وأسرف فيما بقي حتي لم يبق معه شيء ، فلما رأي الغلام ذلك ، أخذ ما كان في البيت وهرب ، فبقي الأحول عريانة بأسوء حال ، وأخبر أبا هارون بالحال ، فأخذ أبو هارون طومار ، ونشره ، ووقع في آخره :

فر الغلام فطار قلب الأحول ***وأنا الشفيع وأنت خير مؤمل

ثم ختمه ، ودفعه إليه ، وأمره أن يوصله إلي ابن يزداد ، ففضه وأضاف إليه بيتا آخر :

لولا تعنت أحمد لغلامه ظل الغلام ربيطة في المنزل

ثم أخذ الأحول إلي المأمون ، وحدثه بقصته ، فتظاهر المأمون بالغضب ، وقال له : يا عدو الله ، تأخذ مالي ، فتشتري به غلاما يفر منك ، فارتاع وتلجلج ، وقال : ما فعلت ( معجم الأدباء 2 / 28 و 29 ).

ومدح رجل رجلا عند الفضل بن الربيع ، فقال له الفضل : يا عدو الله ، ألم تذكره عندي بكل قبيح ؟ فقال : ذاك في السر، جعلت فداك . ( البصائر والذخائر 184/1/2).

ووقف يحيي بن معين ، علي حلقه أبي البختري ، وهو يحدث بحديث

ص: 65

يرويه عن جعفر الصادق ، أن جبريل نزل علي النبي ، وعليه قباء ومنطقة مخنجرة بخنجر ، فقال له يحيي : كذبت يا عدو الله ، ( وفيات الأعيان 40/6 )

وغضب الوزير عبيد الله بن سليمان ، علي أحد العمال ، فقال له : يا الص ، يا عدو الله .

وخلاصة القصة أن النهيكي العامل ، كان أثيرة عند الوزير عبيد الله ، فولاه بادوريا ، ( وهي المنطقة التي تضم الآن كرخ بغداد بتمامه ، بضمنه الشيخ معروف والحارثية ، راجع أطلس بغداد للدكتور أحمد سوسه ) ، ومن صلح لتقلد بادوريا ، صلح لتقلد ديوان الخراج ( مديرية الواردات العامة ) ومن صلح لديوان الخراج ، صلح للوزارة ، وذلك لأن المعاملات ببادوريا كثيرة مختلفة ، لأنها عرصة المملكة ، وعاملها يعامل أولاد الخلافة ، والوزراء ، والقواد ، والكتاب ، والاشراف ، ووجوه الرعية ، فإذا ضبط اختلاف تلك العادات ، وقام بإرضاء هذه الطبقات ، صلح للأمور الكبار ، وبالنظر للعلاقة الطيبة بين النهيكي والوزير ، فقد كان يقل الحفل بأصحاب ديوان الخراج ، ولا يرد علي رسائلهم ، فحقدها عليه صاحب الديوان ، وأحضره أمام الوزير ، فأجاب أجوبة مدل ، فأغضب الوزير ، وقال له : يا الص ، يا عدو الله ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج8 ص 23 - 26 رقم القصة 6/8 )

وتخاصم رجلان في مجلس أحمد بن طولون ، فقال للقاضي بكار : احكم بينهما، فنظر في القضية ، وتوجه اليمين علي أحدهما، فاستحلفه فحلف ، فقال الخصم : أيها القاضي ، استحلفه لي برأس الأمير ، فقال بكار : التحليف بالله الذي هو أعظم من الأمير ، فأبي الخصم إلا أن يستحلفه برأس الأمير ، فقال له بكار : تحلف برأس الأمير ؟ قال : لا ، فقال له بكار : يا عدو الله ، تحلف بالله خالق السموات والأرض ، وتتمنع أن تحلف برأس

ص: 66

مخلوق مثلك ؟ ، قال : فحظي الرجل بعد ذلك عند أحمد بن طولون ( أخبار القضاة 511).

وقال الوزير أبو الحسن بن الفرات ، لعامل الأهواز : با عدو الله ، يا خائن ، يا لض .

وسبب ذلك : إن أبا أحمد الحسن بن محمد الكرخي ، كان يتقلد المسرقان من أعمال الأهواز ، فعملت له مؤامرة ، ولم يكن فيها باب واحد يظهر وجوبه ، وأخرج في باب المرافق ما جرت العادة بالتأول فيه ، ثم ظهر اللوزير أنه قد أخذ من ضيعة واحدة مرفقة مقداره خمسمائة دينار ، فأهمل الوزير المؤامرة ، وقال للعامل : يا عدو الله ، با خائن با لض ، تأخذ من ضيعة واحدة ، ورجل واحد، خمسمائة دينار مرفقا ، وتقديره نصف ارتفاعه ، فكم أخذت من أهل الكورة ، فبهت العامل، وقبل يد الوزير مرارة ، وأعطي خطه بأداء سبعة آلاف دينار . ( الوزراء للصابي 188 و 189).

وقال الوزير أبو الحسن بن الفرات ، للتاجر أبي عبد الله ابن الجصاص : با عدو الله أو تستحل هذا ؟

وسبب ذلك : إن ابن الفرات لما وزر للمقتدر ، ضايق ابن الجصاص في معاملاته ، فجاء ابن الجصاص إليه ليلا ، وخلا به ، وأقسم له إنه إن بقي علي مضايقته ، فسوف يقصد الخليفة ، ويقدم له ألفي ألف دينار ، ويطلب منه عزل ابن الفرات ، ونصب آخر غيره ، فقال له ابن الفرات : يا عدو الله ، أو تستحل هذا ؟ فأجابه قائلا : لست عدو الله ، بل عدو الله من استحل مني ما أحوجني إلي الفكر في مثل هذا .

راجع القصة بتفاصيلها في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة اللقاضي التنوخي ج 1 ص 29- 35 رقم القصة 9/1.

ص: 67

وغني رجل في المسجد الحرام ، صوتا ، فقال له خدام المسجد : يا عدو الله تغني في المسجد الحرام ؟ ورفعوه إلي صاحب الشرطة ، فرافقه قرشي كان يسمعه في المسجد ، وقال لصاحب الشرطة : كذبوا عليه أصلحك الله ، إنما كان يقرأ ، فقال : يا فساق ، تأتوني برجل قرأ القرآن ، تزعمون إنه غني ، وأطلقه ، فلما خلي ، قال له القرشي : والله ، لولا أنك أحسنت وأجدت ، ما شهدت لك ، أذهب راشدأ . ( العقد الفريد 14/6 و15 ) .

ووقف أعرابي ، علي جماعة يأكلون ، فدعوه ليأكل معهم ، فصاح غراب ، فطرده الأعرابي ، وقال له : كذبت يا عدو الله ، وقال للجماعة : إن هذا الغراب يقول : إنكم ستقتلونني ، فاستحمقوه ، ثم أنهم لما أتموا أكلهم وهبوا له ما بقي من الطعام ، فحمل السفرة علي عاتقه بما فيها ، وكان فيها سكين حادة ، دخلت بين كتفيه ، وأوقذته ، فخر صريعا ، وهو يقول : صدق الغراب لعنه الله ، راجع القضة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج2 ص 322 و 323 ، في القضة رقم 169/2.

وقال أهل حمص ، لامرأة عيار بغدادي : يا عدوة الله .

وخلاصة القصة : إن عبارة بغدادية ، تحايل علي أهل حمص ، بأن البس جبة صوف ، ولزم المسجد بحمص ، يصلي ليله ونهاره أجمع ، ولا يكلم أحدأ ، وكان قد اتفق مع امرأته أن تعد له في كل يوم طعاما يقوته ، تتركه له في زاوية الميضأة ، فتنبه الحمصيون إلي صلاته ، وصيامه ، وسكوته ، فأخذوا يتمسحون به ، ويأخذون التراب من موضع قدمه ، حتي إذا رسخت منزلته عندهم ، جاءت امرأته إلي المسجد، وصاحت ، وأمسكت به ، وادعت عليه أنه قتل ولدها ، ولجأ إلي حمص هاربة من السلطان ، فقال لها الحمصيون : يا عدوة الله هذا من الأبدال ، ومن قوام العالم ، وعندها نطق الرجل ، وأقر بأنه قتل ابن المرأة ، وتاب ، وفر إلي الله هاربا من ذنوبه ،

ص: 68

فكلم الحمصيون المرأة ، في قبول دية ولدها ، وجمعوا لها مائة ألف درهم ، وعروضة أخري ، فأخذتها ، وبارحت حمص، وأقام الرجل بعدها أياما يسيرة ثم لحق بها ، للتفصيل راجع كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ج 2 ص 355-351رقم القصة 187.

ص: 69

3- قولهم : أخزاه الله

الخزي : في الأصل ، أن يفعل الرجل فعلة يستحي منها وينكسر لها وصرفت إلي الهلاك والذل وقولهم : أخزاه الله ، أي كسره وأهانه وأذله ( الفاخر 9)

كان معاوية قد بعث بسر بن أرطاة في جنډ، وأمره بقتل أنصار علي ، فكان من جملة من قتل ، طفلين من ابناء عبيد الله بن العباس ، أمير اليمن العلي ، ودخل عبيد الله يوما علي معاوية ، فوجد بسرا ، فقال له : أيها الشيخ ، أنت قاتل الصبيين ؟ قال : نعم . قال : وددت والله لو أن الأرض أنبتني عندك يومئذ ، فقال له بسر : فقد أنبتتك الساعة ، فقال عبيد الله : الاسيف ؟ فقال بسر : هاك سيفي ، فأهوي عبيد الله ليأخذه ، فقبض الحاضرون علي يد عبيد الله ، وأقبل معاوية علي بسر ، فقال له : أخزاك الله من شيخ ، كبرت ، وذهل عقلك ، تعمد إلي رجل موتور من بني هاشم ، فتدفع إليه سيفك . ( مروج الذهب 125/2).

ولما بلغ عبيد الله بن زياد ، موت يزيد ، خطب في أهل البصرة ، وطلب منهم أن يبايعوه ، حتي يتفق الناس علي أحد ، فقام يزيد بن الحارث اليشكري ، وقال : أخزي الله ابن سمية ، لا والله ولا كرامة ، فأمر به عبيد الله ، فلبب ، وأخذ إلي السجن ، فقامت بكر بن وائل ، فحالت دون حبسه . ( الإمامة والسياسة 16/2).

وهجا سراقة البارقي ، جريرة الشاعر ، وكان سراقة منقطعة إلي بشر بن مروان أمير الكوفة فقال جرير :

ص: 70

يا بشر حق لوجهك التبشير***هلا غضبت لنا وأنت أمير

قد كان حقا أن تقول لبارق ***يا آل بارق فيم سب جرير؟

فقال بشر : أخزاك الله ، أما وجدت وكيلا غيري ؟ ( انساب الأشراف70/5 )

ولما حصر الحجاج والجند الأموي ، عبد الله بن الزبير بمكة ، أشرف أبو ريحانة ، عم أبي دهبل الحجمي ، علي أبي قبيس ، فصاح : أليس قد أخزاكم الله يا أهل مكة ؟ ، فقال له ابن أبي عتيق : بلي والله ، قد أخزانا الله . ( الاغاني 144/7 ).

وشبب عمر بن أبي ربيعة المخزومي بسعدي بنت عبد الرحمن بن عوف ، فقالت له : أخزاك الله يا فاسق .

وكانت سعدي جالسة في المسجد الحرام ، فرأت عمر بن أبي ربيعة يطوف بالبيت ، فقالت له : ألا أراك يا ابن أبي ربيعة إلا سادرة في حرم الله ، أما تخاف الله ويحك ، إلي متي هذا السفه ؟ فقال لها : أما سمعت ما قلت فيك ؟ قالت : لا ، فأنشدها قوله :

قالت سعيدة والدموع ذوارف ***منها علي الخدين والجلباب

ليت المغيري الذي لم أجزه***فيما أطال تصدي وطلابي

كانت ترد لنا المني أيامنا ***إذ لا نلام علي هوي وتصابي

أشعيد ما ماء الفرات وطيبه***مني علي ظمأ وحب شراب

بال منك وإن نأيت وقلما***ترعي النساء أمانة الغياب

فقالت : أخزاك الله يا فاسق ، ما علم الله أني قل مما قلت حرفا ، ولكنك إنسان بھوت ( الاغاني 159و158/17).

وشتم ابن سريج المغني ، أشعب الطماع ، فقال له : أعزب ، أخزاك الله

ص: 71

كان ابن سريج أشهر المغنين في عصره ، وكان قد مرض ، فنذر أن يترك الغناء ، ونسك ، ولزم المسجد الحرام ، حتي عوفي ، فلزم نذره ، وحجب عنه من كان يصاحبه علي الغناء ، ورغبت إحدي عقائل قريش في سماع غنائه ، فأمرت أشعب أن يحضره ، فذهب إليه ، وتوسل إليه أن يرافقه إلي سيدته ، فاعتذر بنذره ، فلما أيس منه ، صرخ صرخة عظيمة فزع لها ابن سريج ، وقال له : ويلك مالك ؟ فقال له : إن لم تصر معي لأصرخ صرخة أخري أجمع عليك بها أهل المدينة ، وأخبرهم بأني رأيتك تطلب الفاحشة من فلان ، فقال له ابن سريج : أعزب أخزاك الله ، وصار معه إلي حيث عاود الغناء ، راجع التفصيل في الاغاني 47-42/17 .

وشتم عبد الملك بن عمير ، الملقب بالقبطي ، قاضي الكوفة، هذي الأشجعي ، فقال : أخزاه الله .

وسبب ذلك : إن كلثم بنت سريع مولي عمرو بن حريث ، خاصمت أهلها، إلي قاضي الكوفة عبد الملك بن عمير ، فقضي لها علي أهلها : فقال فيه هذيل الأشجعي :

أتاه وليد بالشهود يقودهم *** علي ما ادعي من صامت المال والخول

وجاءت اليه كلثم وكلامها***شفاء من الداء المخامر والخبل

فأدلي وليد عند ذاك بحقه***وكان وليد ذا مراء وذا جدل

وكان لها دل وعين كحيلة*** فأدلت بحسن التل منها وبالكحل

فتنت القبطي حتي قضي لها***بغير قضاء الله في السور الطول

فلو كان من بالقصر يعلم علمه***لما استعمل القبطي فينا علي عمل

له حين يقضي للنساء تخاوض***وكان وما فيه الخاص والحول

إذ ذات دل كلمته لحاجة***وهم بأن يقضي تنحنح أو سعل

و برق عينيه ولاك لسانه*** يري كل شيء ما خلا شخصها جلل

ص: 72

فقال عبد الملك : أخزاه الله ، والله لربما جاءتني السعلة أو النحنحة ، وأنا في المتوضأ ، فاذكر قوله ، فأردها لذلك ( البيان والتبيين 4 / 144 ).

وقال محمد الأمين ، لأبي نواس : أخزاك الله ، أكنت مطلعا علينا .

وخلاصة القصة : إن الأمين كان يطوف في قصره ، فأبصر جارية من جواريه سكري ، وعليها كساء خير تسحب أذياله ، فرادها ، فواعدته إلي غير ، ولما تلاقيا في الغد ، قالت له : يا أمير المؤمنين ، كلام الليل يمحوه النهار ، فأعجبه ذلك ، وطالب الشعراء بنظم يشتمل علي هذا الشطر ، ورجحهم أبو نؤاس ، الذي قال :

وخود اقبلت في القصر سكري***ولكن زين السكر الوقار

وهز المشي أرداف ثقا*** وغصنأ فيه رمان صغار

وقد سقط الردا عن منكبيها من التجميش وأنحل الأزار فقلت : الوعد سيدتي ؟ فقالت: كلام الليل يمحوه النهار

فقال له محمد: أخزاك الله، أكنت معنا، ومطلع علينا؟ فقال له: يا أمير المؤمنين ، عرفت ما في نفسك ، فأعربت عما في ضميرك ( العقد الفريد ( 409/6 و 410) .

ولما التجأ المستعين إلي بغداد ، واستخلف المعت في سامراء في السنة 201 كان محمد بن عبد الله بن طاهر، أمير بغداد، جادا في نصرة المستعين ، فأحفظه عبيد الله بن يحيي بن خاقان لما أخبره بأن المستعين كان قد أمر وصيفا وبغا بقتله ، أي بقتل ابن طاهر ، فقال محمد : أخزي الله هذا ، لا يصلح لدين ولا دنيا، وأنصرف عن رأيه في نصرة المستعين . ( الطبري 342/9 ).

ص: 73

وقال جعفر البرمكي ، لإبراهيم الموصلي : أخزيتنا ، أخزاك الله .

وسبب ذلك : إن الرشيد ، ووزيره جعفر ، اقتسما المغنين ، فكان ابن جامع في حيز الرشيد ، وإبراهيم الموصلي ، في حيز جعفر البرمكي ، وحضر الندماء لمحنة ( امتحان ) المغنين ، وغني ابن جامع أصواتأ ، وقال إبراهيم : إنه لا يعرفها ، وانخذل وانكسر ، فقال له جعفر : أخزيتنا ، أخزاك الله ، فلما انصرف إبراهيم إلي منزله ، دس إلي ابن جامع ، من أخذ منه تلك الأصوات ، وعاد فكررها وأعادها علي إبراهيم ، حتي حذفها، ولما حضر مجلس الرشيد في اليوم التالي ، قال له الرشيد : أو قد حضرت ؟ أما كان ينبغي لك أن تجلس في منزلك شهرة ، بسبب ما لقيت من ابن جامع ؟ فقال إبراهيم : إني لما رأيت أمير المؤمنين نشيطا لسماع ابن جامع ، لم أجسر علي معارضته ، وإلا فإني أحسن هذه الأصوات كلها ، واندفع فغناها أحسن غناء ، فاندفع ابن جامع ، وحلف للرشيد ، إن هذه الأصوات من صناعته ، وإنه لم يظهرها لأحد، فقال إبراهيم : إن كانت من صناعته هو، فلا لوم علي ، ولا علي غيري ، إن كان لا يعرفها ، وسأله الرشيد عن حقيقة الأمر فأخبره بما صنع . ( الاغاني 206/5 ).

ص: 74

4- قولهم : قاتله الله

قاتل : حارب وعادي وقولهم قاتله الله : لعنه

قال الفاروق عمر ، لأحد جلسائه : قاتلك الله .

لما طعن عمر ، قيل له : يا أمير المؤمنين استخلف ، فأشار عليه أحد الجلساء بأن يستخلف ولده عبد الله ، فقال له عمر : قاتلك الله ، لا أرب لنا في أموركم ، إن كان هذا الأمر خير، فقد أصبنا منه ، وإن كان شرا فبحسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد ، ويسأل عن أمة محمد، وإن نجوث كفافة ، لا وزر ولا أجر ، إني إذا لسعيد ( الطبري 4 / 227 و 228).

وخطب الإمام علي عليه السلام بالكوفة ، لما تثاقل أتباعه عن النظر إلي الحرب ، فقال : قبحا لكم وترحا ، يا أشباه الرجال ولا رجال ، ويا حلوم الأطفال ، وعقول ربات الحجال ، قاتلكم الله ، لقد ملائتم قلبي قيحا ، وشحنتم صدري غيظا ، راجع التفصيل في كتاب شرح نهج البلاغة74/2 و75 .

وسئل الإمام علي ، وهو علي المنبر ، عن قضية ، فأجاب ، فأعجب أحد الخوارج بقوله ، وقال : قاتله الله كافر، ما أفقهه ، فوثب القوم ليقتلوه ، فقال الإمام : رويدا ، إنما هو سب بست ، أو عفو عن ذنب ( شرح نهج البلاغة 63/20 ) .

ص: 75

قال معاوية ، لأم البراء بنت صفوان : قاتلك الله .

وسبب ذلك : أن أم صفوان رثت الإمام عليا لما قتل ، فلما حضرت مجلس معاوية ، سألها أن تنشده ما قالت في رثاء علي ، فقالت : نسيته يا أمير المؤمنين ، فقال بعض جلسائه ، إنه يحفظه ، وأنشده أبياتا منها :

الشمس كاسفة لفقد إمامنا***خير الخلائق والإمام العادل

يا خير من ركب المطي ومن مشي***فوق التراب لمحتف أو ناعل

فقال لها معاوية : قاتلك الله يا ابنة صفوان ، ما تركت لقائل مقاله . ( اعلام النساء 103/1 ) .

وقال خالد بن يزيد بن معاوية ، للحجاج الثقفي : قاتلك الله .

وسبب ذلك : إن خالد بن يزيد، حج ، وخطب رملة بنت الزبير ، وكان الحجاج علي الحجاز ، فبعث إليه يلومه علي خطبة رملة ، وقال له : ما كنت أراك تخطب إلي آل الزبير ، حتي تشاورني ، وكيف خطبت إلي قوم ليسوا لك بأكفاء؟ وهم الذين قارعوا أباك علي الخلافة، ورموه بكل قبيحة، فغضب خالد ، وقال للرسول : لولا أنك رسول ، لقطعتك إربا إربا ، ولكن أرجع إلي صاحبك ، فقل له : ما كنت أظن أن الأمور بلغت بك إلي أن أشاورك في خطبة النساء ، وأما مقارعتهم أبي ، فإنها قريش يقارع بعضها بعضأ ، وأما قولك إنهم ليسوا بأكفاء ، فقاتلك الله يا حجاج ، ما أقل علمك بأنساب قريش، أيكون العوام كفؤة لعبد المطلب ، بتزوجه صفية ، ويتزوج رسول الله خديجة ، ولا تراهم أهلا لآل أبي سفيان ؟ (اعلام النساء396/1 )

وشتم الفرزدق ، ابن أبي علقمة الأزدي ، الممرور ، فقال : قاتله الله . وسبب ذلك ، أن الفرزدق ، كان يهجو الأزد ، وسائر اليمن ، ويفخر بمضر ، فمر بالأزد ، فوثب عليه ابن أبي علقمة ، لينكحه ، وأعانه علي ذلك

ص: 76

سفهاؤهم ، فجاءت مشايخ الأزد ، وصاحوا بابن أبي علقمة ، وبالسفهاء ، فنحوهم عنه . فقال ابن أبي علقمة : ويلكم ، أطيعوني اليوم ، وأعصوني الدهر ، هذا شاعر مضر ، ولسانها ، قد شتم أعراضكم ، وهجا ساداتكم ، والله ، لا تنالون من مضر مثلها أبدأ ، فحالوا بينه وبينه ، فقال الفرزدق : قاتله الله ، أي والله ، لقد كان أشار عليهم بالرأي ( الاغاني 369/21 و 370 ).

وقال جرير ، للفرزدق : قاتلك الله ، ما أقبح كلامك ، وأرذل لسانك .

وسبب ذلك : إن جرير ، لقي الفرزدق بالكوفة ، فقال له : يا أبا فراس ، تحتمل مني مسألة ؟ قال : أحتملها بمسألة ، قال نعم ، قال : فسل عما بدا لك : قال : أي شيء أحب إليك ، يتقدمك الخير ، أو تتقدمه ؟ قال : لا يتقدمني ولا أتقدمه ، بل أكون معه في قرن ، فقال له : هات مسألتك .

فقال : أي شيء أحب إليك ، إذا دخلت علي امرأتك ، أن تجد يدها علي أير رجل ، أو أن تجد يد رجل علي فرج امرأتك ؟

فقال له جرير : فاتلك الله ، ما أقبح كلامك ، وأرذل لسانك ( العقد الفريد 4/ 52 و53 ).

وفي إحدي المعارك بين الحجاج بن يوسف الثقفي ، وبين رأس الخوارج شبيب ، أخرج الحجاج مولي له يعرف بأبي الورد ، وعليه تجفاف ، وأحاط به غلمان كثير ، فظن شبيب أنه الحجاج ، وحمل عليه فقتله ، فعاد الحجاج وأخفي مكانه ، وألبس أحد مواليه هيأته وزيه ، فظن شبيب أنه الحجاج ، وحمل عليه ، وضربه بالعمود ، فقتله ، فقال لما سقط : أخ ، بالخاء ، فقال شبيب : قاتل الله ابن أم الحجاج ، اتقي الموت بالعبيد ، ذلك أن العرب تقول عند الإحساس بالألم : أح بالحاء المهملة ( شرح نهج البلاغة 270/4)

ص: 77

وشتم أبو العباس السفاح خالد بن صفوان ، فقال له : قاتلك الله وأخزاك .

وسبب ذلك أن أم سلمة المخزومية ، كانت تحت أحد أولاد هشام بن عبد الملك وطلقها ، فأبصرت أبا العباس السفاح ، وأعجبتها هيأته ، وكان وسيما جميلا ، فرغبت فيه ، لما عرفت نسبه ، وبعثت إليه مالأ ، دفعه إلي اهلها مهرة ، وتزوجها ، واشترطت عليه عند العقد ، أن لا يتزوج عليها ، ولا يتسري ، فلما استخلف وفي لها بالشرط ، وفي أحد الأيام ، خلا به خالد بن صفوان ، وحدثه عن النساء ، ولامه لأنه ملك أمره امرأة واحدة ، إن مرضت مرضت ، وإن غابت غبت ، وحدثه عن أصناف الجواري ومحاسنهن ، ثم نهض ، وترك أبا العباس يفكر في أمره ، ودخلت عليه أم سلمة ، وهو يفكر ، فسألته عن سبب فكره ، فحدثها بما حدثه خالد ، فقالت له : وماذا قلت لابن الفاعلة ؟ فقال لها : سبحان الله ، ينصحني وتشتمينه ، فخرجت من عنده مغضبة ، وبعثت إلي خالد جماعة من أتباعها ، فأشبعوه ضربأ ، وظل خالد طريحة في داره ، حتي طلبه أبو العباس ، فحضر ، ولما دخل عليه ، أحس بوجود أم سلمة ، وراء الستارة ، فطلب الخليفة من خالد ، أن يعيد عليه حديثه عن النساء والجواري ، فقال له : إني أخبرتك بأن العرب اشتقت اسم الضرة من الضر ، وإنه ما تزوج أحد بأكثر من واحدة ، إلا وقع في جهد، فقال له : ويحك لم يكن الحديث هكذا ، قال : بلي ، وقد أخبرتك أن بني مخزوم ريحانة قريش ، وأنت عندك ريحانة الرياحين ، وأنت تطمح بعينك إلي النساء ، من حرائر وإماء ، فقال له : ويلك أتكذبني ؟ فقال له : وأنت تريد أن تقتلني ؟ فضحكت أم سلمة من وراء الستارة ، وقالت : صدقت يا عم ، ولكن أمير المؤمنين غير وبذل ، فقال له أبو العباس : مالك ، قاتلك الله وأخزاك . ( اعلام النساء 235/2 - 239 والمحاسن والمساويء 69/2 و70) .

ص: 78

وذكرت ظبية ، مولاة فاطمة بنت عمر بن مصعب ، أن مولاتها أرسلتها في حاجة ، فمرت برحبة القضاء ، وكان ضبيعة العبسي ، خليفة جعفر بن سليمان ، والي المدينة ، يقضي بين الناس ، فأبصرها ، فدعاها ، وكانت قد ريملت شعرها ، وربطت في أطرافه من ألوان العهن ، فقال لها : ما هذا ؟ فقالت شيء أتملح به ، فقال : يا حرسي ، قنعها بالسوط قالت : فتناولت السوط، وقلت : قاتلك الله ، ما أبين الفرق بينك وبين سعد بن إبراهيم ، سعد يجلد الناس في السماجة ، وأنت تجلدهم في الملاحة ، وقد قال الشاعر :

جلد العادل سعد*** ابن سلم في السماجة

فقضي الله لسعد***من أمير كل حاجة

قالت : فضحك ، حتي ضرب بيديه ورجليه ، وقال : خل عنها ، قالت : فكان يسوم بي ، وكانت مولاتي تقول : لا أبيعها إلا أن تهوي ذلك ، وأقول : أنا لا أريد بأهلي بدلا . ( الاغاني 17/6 و 18 ) .

وشتم المتوكل ، أبا العنياء ، وقال : قاتله الله .

وسبب ذلك ، إن المتوكل كان شديد العداوة للإمام علي بن أبي طالب وأولاده، وسأل يومأ أبا العيناء: هل رأيت طالبيا قط حسن الوجه؟ فقال: نعم ، رأيت بغداد ، منذ ثلاثين سنة ، فتي ما رأيت أجمل منه ، ولا ألطف شمائل ، فاغتاظ المتوكل من جوابه ، وقال له : تجده كان مؤاجرأ وكنت تقود عليه ؟ فقال أبو العيناء : معاذ الله يا أمير المؤمنين ، أتراني أترك موالي ، وأقود علي الغرباء ؟ وكان أبو العيناء من موالي بني العباس ، فقال له المتوكل : اسكت يا مأبون ، فقال له : مولي القوم منهم، فقال له : أنت دعي في انتسابك إلي ولائنا ، فقال له : يا سيدي ، إن بغائي قد صحح دعواي في هذا الانتساب ، فقال المتوكل : قاتله الله ، أردت أن اشتفي منه ، فاشتفي مني . ( الملح والنوادر 231 ).

ص: 79

5. قولهم : قبحه الله

القبح : ضد الحسن ، في القول ، أو الفعل ، أو الصورة . وقبح له وجهه : قال : قبحه الله .

وهذه اللفظة من ألفاظ الشتم ، ما زالت مستعملة في بغداد ، يتلفظ بها العامة والخاصة .

كان المغيرة بن شعبة ، والأشعث بن قيس ، وجرير بن عبد الله البجلي ، في يوم من الأيام ، متواقفين بالكناسة ، فطلع عليهم أعرابي ، فقال لهم المغيرة : دعوني أحركه ، فقالوا : لا تفعل ، فإن للأعراب جوابأ يؤثر ، فقال : لا بد، قالوا : أنت أعلم ، فقال : يا أعرابي ، أتعرف المغيرة بن شعبة ؟ قال : أعرفه، أعور زناء ، فوجم ، ثم تجلد ، وقال : أتعرف الأشعث بن قيس ؟ قال : ذاك رجل لا يعري قومه ، قال : كيف ذاك ؟ قال : لأنهم حاكة ، قال : فهل تعرف جرير بن عبد الله البجلي ؟ قال : كيف لا أعرف رجلا لولاه ما عرفت عشيرته ، فقالوا : قبحك الله ، فإنك شر جليس ( شرح نهج البلاغة 12 / 239 ).

ولما أحضرت جثة مصعب بن الزبير ، أمام عبد الملك بن مروان ، تكلمت جارية له ، كانت تذب عنه بكلمة ، فقال لها : أغربي ، تبحك الله ، راجع القصة في أنساب الاشراف 5 / 345 و346.

ومدح ابن قيس الرقيات ، بشر بن مروان ، عامل الكوفة لعبد الملك ، فقال :

ص: 80

يا بشر يا ابن الجعفرية ما *** خلق الآله يديك للبخل

جاءت به عجز مقابلة***ما هن من جرم ولا عكل

فقال له بشر : احتكم ، قال : أعطني عشرين ألف درهم ، قال : قبحك الله ، لك عشرون ، وعشرون ، وعشرون ، وعشرون ، وعشرون ، فأعطاه مائة ألف درهم ( انساب الاشراف 175/5) .

وقال عبد الله بن جعفر ، لشاب لجأ إليه من مكة : مالك قبحك الله .

وسبب ذلك : إن عبد الله بن جعفر ، اشتري جارية من مولدات مكة ، كان يتعشقها غلام من أهل مكة ، فلما حملها إلي المدينة ، تبعها عاشقها ، ونزل في جوار عبد الله بن جعفر ، وأخذ يحضر مجلسه ، ويراسل الجارية ، حتي اجتمعا في اصطبل دوات عبد الله ، وأحس بهما السائس ، فأخذه إلي عبد الله ، فقال له : مالك قبحك الله ، أبعد تحرمك بنا ، تصنع مثل هذا ؟ فشكا الغلام اليه حاله ، وأنه كان محبا للجارية ، وأنها تحبه كذلك ، فدعا عبد الله بالجارية ، وسألها ، فصدقته ، فقال له : خذها فهي لك ، راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة ج 4 ص 343 رقم القصة 473.

وقال ابن أبي عتيق ، لكثير عزة : قبحك الله .

وخلاصة القصة : إن كثير الشاعر ، كان عند ابن أبي عتيق ، وجاء الحزين الكناني الشاعر ، وكان قد ضرب علي كل رجل من قريش در همين في كل شهر ، فجاء ليأخذ درهميه ، فلما رأي كثيرة ، قال لابن أبي عتيق : ائذن لي أن أهجوه ببيت شعر، فقال له : لا لعمري لا آذن لك أن تهجو جليسي ، فقال له كثير : ائذن له، ما عسي أن يقول في في بيت ، فأذن له ، فقال يهجو كثيرأ :

قصير القميص فاحش عند بيته*** بعض القراد باسته وهو قائم

ص: 81

فحمي كثير ، ووثب اليه ، فلكزه ، فسقط ، وخلص ابن أبي عتيق بينهما ، وقال لكثير : قبحك الله ، أتأذن له وتسفه عليه ، فقال كثير : ما كنت أظن أنه يبلغ هذا كله في بيت واحد ( الاغاني 11/9 ).

وقالت سعدي بنت أزهر لعبد الملك السلولي : قبحك الله وخيبك .

وسبب ذلك : إن عبد الملك بن عبد العزيز السلولي ، كان يهوي سعدي بنت أزهر ، ولاقاها راحلة نحو مكة ، حاجة ، فأخذ بخطام بعيرها، وقال :

قل للتي بكرت تريد رحيلا*** للحج إذ وجدت إليه سبيلا

ما تصنعين بحجة أو عمرة ***لا تقبلان وقد قتلت قتيلا

أحيي قتيلك ثم حجي وانسكي *** فيكون حجك طاهرأ مقبولا

فقالت له : أرسل الخطام ، خيبك الله وقبحك ( اعلام النساء 2/ 188و189 )

وقال رجل من بني سعد ، لنوح بن جرير الشاعر : قبحك الله وقبح أباك أما أبوك فأفني عمره في مديح عبد ثقيف ، يريد الحجاج ، وأما أنت فامتدحت قثم بن العباس ، فلم تهتد لمناقبه ومناقب آبائه ، حتي امتدحته ، بقصر بناه ( الاغاني 8 / 280 ).

وغضب عمر بن عبد العزيز علي رجل من بني أمية ، كان له أخوال في بني مرة ، فقال له : قبح الله شبهة غلب عليك من بني مرة ، فبلغ ذلك عقيل بن علفة المري ، فأقبل اليه ، فقال له ، قبل أن يبتدأه بالسلام : بلغني يا أمير المؤمنين ، إنك غضبت علي رجل من بني عمك له أخوال في بني مرة ، فقلت له : قبح الله شبها غلب عليك من بني مرة ، وأنا أقول : قبح الله الأم الطرفين ، ثم انصرف ، فقال عمر بن عبد العزيز : من رأي أعجب من

ص: 82

هذا الشيخ الذي أقبل من البادية ليست له حاجة إلا شتمنا ، ثم انصرف ؟ ( الاغاني 261/12 والعقد الفريد 191/2 ).

ومدح الشاعر ابن عبدل (ت 100)، عمر بن هبيرة ، أمير العراق ، وطلب منه أربعة آلاف درهم ، وكان ابن هبيرة بخيلا ، فقال له : نحن مناصفوكها ، فقال له : أتخاف علي التخمة ؟ فقال : أكره أن أعود الناس هذه العادة ، قال : فأعطني جميعها سرا ، وآمنعني جميعها ظاهرأ ، حتي تعود الناس المنع ، وإلا فالضرر واقع لوعودتهم نصف ما يطلبون ، وامرأتي طالق إن أخذت أقل من أربعة آلاف درهم ، فقال : أعطوه إياها ، قبحه الله ، فإنه حلاف مهين ( وفيات الأعيان 203/2 ).

ولما تقابل يزيد بن المهلب يقود مائة وعشرين ألفا من أصحابه ، مع مسلمة بن عبد الملك ، في العقر ، بقرب كربلاء ، أحرق مسلمة الجسور التي عقدها يزيد بن المهلب ، فلما رأي أصحاب يزيد الدخان قد علا ، انهزموا ، فقيل ليزيد : قد انهزم الناس ، فقال : مم انهزموا ؟ فقيل له : إن مسلمة أحرق الجسور ، فلماعلا دخانها انهزموا ، فقال : قبحهم الله ، بق دخن عليه فطار ( شرح نهج البلاغة 252/3 ).

وقال بلال بن أبي بردة ، وهو أمير البصرة ، لحاجبه : ماذا قال لك حمزة ، قبحه الله .

وتفصيل القصة : إن حمزة بن بيض الحنفي الشاعر ، كان صديق بلال بن أبي بردة ، وكان بلال يكثر من المزاح معه ، وجاء حمزة إليه يوما ، فقال للحاجب : استأذن لحمزة بن بيض الحنفي ، فدخل الحاجب ، ثم خرج ، وقال : يقول الأمير : حمزة بن بيض ابن من ؟ يعرض بقول أحد الشعراء هاجي حمزة ، فقال فيه :

أنت ابن بيض لعمري لست أنكره لقد صدقت ولكن من أبو بيض ؟

ص: 83

فحمي حمزة ، وقال للحاجب ، قل له : حمزة بن بيض إبن الذي جئت إليه ، إلي سبار الحمام ، وأنت أمرد ، تسأله أن يهب لك طائرة ، فأدخلك السبار ، وناكك ، وأعطاك طائرة ، فشتمه الحاجب ، فقال له حمزة : ما أنت وذا ؟ بعثك برسالة ، فأبلغه الجواب ، فدخل الحاجب وهو مغضب ، فلما رآه بلال ، ضحك ، وقال : ما قال لك ، قبحه الله ، فقال الحاجب : ما كنت الأخبر الأمير بما قال ، فقال : يا هذا ، أنت رسول ، فأد الجواب ، فأبي ، فأقسم عليه ، فأخبره بقوله ، فضحك بلال حتي فحص برجليه ، وقال : قل له ، قد عرفنا العلامة ، فادخل . ( فوات الوفيات 396/1 والاغاني 202/16 )

وقال خالد القسري ، أمير العراقين ، لأعرابي : قبحك الله ، وقبح ما جئت به .

وسبب ذلك : أن خالد، خطب ، فقال : يا أهل البادية ، ما أخشن بلدكم ، وأغلظ معاشكم ، وأجفي أخلاقكم ، لا تشهدون جمعة ، ولا تجالسون عالما .

فقام إليه رجل دميم ، فقال : أما ما ذكرت من خشونة بلدنا ، وغلظ طعامنا ، وجفاء أخلاقنا ، فهو كذلك ، ولكنكم معشر أهل الحضر ، فيكم ثلاث خصال ، هي شر من كل ما ذكرت ، فقال له خالد: وما هي ؟ قال : تنقبون الدور ، وتنبشون القبور ، وتنكحون الذكور ، فقال : قبحك الله ، وقبح ما جئت به ( العقد الفريد 51و50/4).

وقال محمد بن عمران التيمي ، قاضي المدينة ، لعبد الله بن مصعب الزبيري : قبحك الله ماجنة .

وسبب ذلك ، رواه عبد الله بن مصعب ، قال : أتاني أبو السائب المخزومي ، ليلة ، بعدما رقد السامر ، فأشرفت عليه ، فقال : سهرت ،

ص: 84

وذكرت أخا لي أستمتع به ، فلم أجد سواك ، فلو مضينا إلي العقيق ، فتناشدنا وتحدثنا ، فمضينا ، فأنشدته بيتين للعرجي :

باتا بأنعم ليلة حتي بدا ***صبح تلوح كالأغر الأشقر

فتلازما عند الفراق صبابة *** أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر

فقال أبو السائب : أعده علي ، فأعدته ، فقال : أحسن والله ، امرأتي طالق آن نطقت بحرف غيره حتي أرجع إلي بيتي ، قال : فلقينا عبد الله بن حسن بن حسن ، فلما صرنا إليه ، وقف بنا ، وهو منصرف من ماله يريد المدينة ، فسلم ، ثم قال : كيف أنت يا أبا السائب ؟ فقال :

فتلازما عند الفراق صبابة *** أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر

فالتفت إلي ، وقال : متي أنكرت صاحبك ؟ فقلت : منذ الليلة ، فقال : إنا لله ، أي كهل أصيبت به قريش ، ثم مضينا، فلقينا محمد بن عمران التيمي ، قاضي المدينة ، يريد مالا له ، علي بغلة له ، ومعه غلام له ، علي عنقه مخلاة فيها قيد البغلة ، فسلم ، ثم قال : كيف أنت يا أبا السائب ، فقال :

فتلازما عند الفراق صبابة***أخذ الغريم بفضل ثوب المعسر

فالتفت إلي ، فقال : متي أنكرت صاحبك ؟ قلت : آنفا ، فلما أراد المضي قلت : أفتدعه هكذا ، والله ما آمن أن يتهور في بعض آبار العقيق ، قال : صدقت ، يا غلام ، قيد البغلة ، فأخذ القيد فوضعه في رجل أبي السائب ، وهو ينشد البيت ، ويشير بيده إلي ، يريد أن أفهم عنه قصته ، ثم نزل الشيخ ، وقال لغلامه : احمله علي بغلتي وألحقه بأهله ، فلما كان بحيث علمت أنه قد فاته ، أخبرته بخبره ، فقال : قبحك الله ماجنأ ، فضحت شيخة من قريش ، وغررتني ( الاغاني 397/1 و 398 ).

ص: 85

وكان القاضي العربي النبيل أحمد بن أبي دؤاد عليه رحمة الله ، يعد الغناء منقصة ، وينكره إنكارة شديدة ، فأخبره المعتصم ، أن صديقه القائد أبا دلف يغني ، فقال : لا أحسبه يفعل ذلك مع ما أعرفه عنه من علو همة وارتفاع قدر ، فأحضر المعتصم أبا دلف ، وأجلس القاضي في موضع آخر ، وطلب من أبي دلف أن يغني ، فغني ، وأطال ، فخرج عليه القاضي والكراهية ظاهرة في وجهه ، وقال له : بعد السن ، والشهرة ، يبلغ بك الحال إلي ما أري ، فتشور أبو دلف ، وقال : إنهم أكرهوني علي ذلك ، فقال له : هبهم أكرهوك علي الغناء ، أأكرهوك علي الإحسان والإصابة .

وقالت عنان ، جارية الناطفي ، لأبي نواس : قبحك الله .

وسبب ذلك : أن أبا نواس كان يهوي عنان ، ويمازحها فقالت له مرة : كيف علمك بالعروض وتقطيع الشعر ؟ قال : جيد ، قالت : قطع هذا البيت :

أكلت الخردل الشامي***في قصعة خباز

فلما ذهب بقطعه ، ضحكت به وأضحكت ، فأمسك عنها، وأخذ في ضروب من الأحاديث ثم قال لها : وأنت كيف علمك بالعروض ؟ قالت : حسن يا حسن ، فقال لها : قطعي هذا البيت :

حولوا عنا كنيستكم *** يابني حمالة الحطب

فلما ذهبت تقطعه ، ضحك أبو نؤاس ، فقالت له : قبحك الله ، ما برحت حتي أخذت بثارك ( العقد الفريد 59/6 و 60).

وغضب الأمين علي جارية من جواريه غنته بأبيات تشاءم منها ، فقال الها : اسكتي قبحك الله .

ص: 86

وذلك إن الأمين ، جلس وهو محاصر في بغداد يستمع الغناء ، فغته إحدي جواريه بقول الشاعر :

كليب - لعمري - كان أكثر ناصرة ***وأيسر جرمأ منك ضرج بالدم

فقال لها الأمين : اسكتي قبحك الله ، راجع تفصيل القصة في مروج الذهب 2/ 310.

وسمع رجل حكم الوادي يغني ، فقال له : أحسنت ، فقال له : قبحك الله ، تراني مع المغنين منذ ستين سنة ، وتقول لي أحسنت ؟

أقول : أبو يحيي الحكم بن ميمون ، كان أبوه حلاق يحلق رأس الوليد بن عبد الملك ، فاشتراه وأعتقه ، وكان حكم جمالأ ينقل الزيت من وادي القري إلي المدينة ، وكان ينقر الدف ويغني ، وعمر طوي ، غني الوليد بن عبد الملك ، وغني الرشيد ، ومات في خلافته ، ترجمته في الاغاني 6/ 280 .

ولما فر مروان الجعدي ، آخر الحكام الأمويين ، إلي مصر ، شتمه عبد الله بن علي ، قائد الجيش العباسي ، فقال : قبح الله مروان، جزع من الموت ففر ( الطبري 487/7 ) .

ولما حمل رأس مروان بن محمد الجعدي ، آخر الحكام الأمويين ، إلي أبي العباس السفاح ، وهو بالكوفة ، قعد له مجلسا عاما ، وجاءوا بالرأس ، فوضع بين يديه ، فقال لمن حضره : أمنكم أحد يعرف هذا الرأس ، فقام سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة ، فأكب عليه ، وتأمله طويلا ، ثم قال : هذا رأس أبي عبد الملك ، خليفتنا بالأمس ، رحمه الله ، وعاد إلي مجلسه ، فوثب أبو العباس حتي خرج من المجلس ، وانصرف ابن جعدة ، فلامه بنوه ، وقالوا له : عرضتنا ونفسك للبوار ، فقال لهم : اسكتوا

ص: 87

قبحكم الله ، أشرتم علي بالأمس بحران ، بالتخلف عن مروان ، ففعلت فعل غير ذي الوفاء ، وما كان ليغسل عار تلك الفعلة إلا هذه ، راجع القصة مفضلة في المحاسن والمساويء 86/1 .

وقال الخليل بن سهل للاصمعي : يا أبا سعيد، أعلمت أن رمح رستم كان طوله سبعين ذراعا من حديد في غلظ الراقود ( الراقود ، فارسية : الدن الكبير ) . فقال الأصمعي : ها هنا أعرابي له معرفة ، فاذهب بنا إليه نحدثه بهذا ، فذهبا اليه ، وحدثه الخليل بالحديث ، فقال الأعرابي : قد سمعنا بهذا ، وقد بلغنا أن رستم هذا واسفنديار ، أتيا لقمان بن عاد بالبادية ، فوجداه نائمة ورأسه في حجر أمه ، فقالت لهما : ما شأنكما ؟ فقالا : بلغنا شدة هذا الرجل ، فأتيناه ، فانتبه فزعة من كلامهما ، ونفخهما ، فألقاهما إلي إصبهان ، فقبراهما اليوم بها ، فقال له الخليل : قبحك الله ما أكذبك ، فقال : يا ابن أخي ، ما بيننا شيء إلا وهو دون الراقود ( المحاسن والمساويء 2/ 70 والمحاسن والأضداد 24 ) .

وقال المهدي العباسي ، لابن جامع المغني : قبحك الله ، رجل من قريش يغني ؟ وطرده ( الاغاني 303/6 ) .

أقول : عجب المهدي ، لما عرف أن ابن جامع عربي من قريش ، وهو يغني ، لأن الغناء في ذلك العهد، وما بعده من العهود ، لم يكن من الحرف المحترمة ، وكان المهدي قد بلغه أن إبراهيم الموصلي وابن جامع ، يأتيان ولده موسي ( الهادي ) فأمر بهما فأحضرا ، وضرب الموصلي ضربة مبرحا ، ولما أراد أن يضرب ابن جامع ، استعطفه ، وقال له : ارحم أمي ، فرق له ، وقال : قبحك الله ، رجل من قريش يغني ، وطرده ، وظل الغناء من بعد المهدي ، عم؟ لا يسبغ علي صاحبه الاحترام ، وقد وضع من إبراهيم بن المهدي ، واخته علية بنت المهدي ، اشتهارهما بالغناء ، ولما

ص: 88

بويع بالخلافة قال دعبل الخزاعي يسخر به:

أن يكون وليس ذاك بكائن ***يرث الخلافة فاسق عن فاسق

إن بات إبراهيم مضطلع بها*** فلتصلحن من بعده لمخارق

ومخارق ، مغن محترف من الموالي ، كان صبي جزار ، وقال أبو فراس الحمداني يعير بني العباس بإبراهيم وعلية :

بنو علي أساري في ديارهم***والأمر تملكه النسوان والخدم

منكم علية أم منهم وكان لكم ***شيخ المغنين إبراهيم أم لهم

ومما سخر به دعبل ، من إبراهيم لما تولي الخلافة ، زعمه أن إبراهيم سوف يغني لقواده أصواتا بد من أرزاقهم ، فقال :

يا معشر الأجناد لا تيأسوا ***من رحمة الله ولا تقنطوا

فسوف تسقون حنينية *** يلتها الأمرد والأشمط

والمعبديات لقوادكم ***لا تدخل الكيس ولا تربط

وهكذا يرزق أجناده ***خليفة مصحفه البربط

يقول : إن إبراهيم ما دام قرآنه البربط ( آلة طرب ) فسوف يرزق جنوده

بالحنينيات ( أغنيات حنين ) والمعبديات ( أغنيات معبد ).

وغني إسحاق الموصلي الأمين ابيتين من الشعر ، هما : إذا ما زياد علني ثم عني ثلاث زجاجات لهن هدير خرجت أجر الذيل زهوأ كأنني عليك أمير المؤمنين أمير

فقال له الأمين : بل علي أبيك ، قبح الله فعلك ( الاغاني 324/20 )

ص: 89

وبلغ المأمون ، أن دعبل الخزاعي هجاه ، فقال : اسمعوني ما قال ، فأنشدوه قوله :

أيسومني المأمون خطة جاهل***أو ما رأي بالأمس رأس محمد

إني من القوم الذين سيوفهم ***قتلت أخاك وشفتك بمقعد

شادوا بذكرك بعد طول خموله*** واستنقذوك من الحضيض الأوهد

فما زاد المأمون علي أن قال : قبحه الله ، متي كنت خامل الذكر ، وفي حجر الخلافة ربيت ، وبدرها غذيت . ( الفرج بعد الشدة ، القصة رقم 138 )

وغضب المأمون علي أولاد علي بن صالح صاحب المصلي ، فقال لهم : يا سفهاء ، قبحكم الله ، راجع القصة في الهفوات النادرة 292 - 283 .

وذكر أحمد بن حمدون النديم ، إنه تبسط ذات ليلة ، في مجلس الواثق ، تبطأ لم يرضه الواثق ، فأمر بأن يجمع له جاريه وأرزاقه وجرابته وصلاته ، وأن يقطع بها إقطاعة في الأهواز ، وأن يخرج إليها ، واحتاج في الأهواز إلي حجام ، فأحضر له حجام أهوازي ، فلما قعد للحجامة ، أرشده إلي كيفيتها ، وأن يشرط في الجانب الأيسر أربع عشرة شرطة ، وفي الأيمن إنتي عشرة ، لأن الدم في الجانب الأيسر أقل منه في الأيمن ، لأن الكبد في الأيمن ، والحرارة هناك أوفر ، والدم أغزر ، وإنه إذا زاد في شرط الأيسر اعتدل خروج الدم من الجانبين ، ففعل ، ولما انتهي من عمله أمر غلامه فأعطاه دينارة ، فرده ، فأعطاه دينارين ، فردهما ، فقال له : تبحك الله ، أنت حجام سواد ، تحجم بنصف درهم ، فلماذا تستقل ما دفع إليك ؟ فقال : وحقك ما رددتها استقلالا ، ولكن نحن أهل صناعة واحدة ، وأنت أحذق مني . وما كان الله ليراني آخذ من أهل صناعتي أجرة أبدا ، فأخجلني ، فلما

ص: 90

كان العام القابل ، خرجت لمثل ما خرجت إليه في العام الماضي ، وطلبت حجامة ، فجاءوني بذلك الحجام ، فحجمني أحسن حجامة ، فلما فرغ استحسنت تصرفه ، وأثنيت عليه ، فقال لي : إني لم أكن أحسن هذا من قبل ، ولكن حجام الخليفة اجتاز بنا في العام الماضي ، فتعلمت هذا منه . ( معجم الأدباء 1/ 370 و371) .

وكان الجاحظ ، منقطعة إلي الوزير محمد بن عبد الملك الزيات ، فلما نكبه المتوكل ، اعتقل الجاحظ ، وأحضر أمام القاضي أحمد بن أبي دؤاد ، مقيدة ، في جبة صوف ، فشتمه القاضي ، وقال له : اغرب ، قبحك الله ، ثم عفا عنه ، راجع تفصيل القضة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، رقم القصة 127 ج 1 ص 361.

وقال علي بن يحيي المنجم ، لإبراهيم بن العباس الصولي : قبحك الله

وتفصيل القصة : إن المتوكل ، بعث إلي إبراهيم بن العباس ، يأمره بأن يكتب صفة القدور الإبراهيمية ( لون من ألوان الطعام ، ابتكره إبراهيم ، ونسب اليه ) ، فكتب الصفة ، وكتب في آخرها، في ذكر الأبازير ( التوابل ) ، ووزن دانق ، ونسي أن يكتب من أي شيء ، فلما وصلت الصفة إلي المتوكل ، ووجدها ناقصة ، قال لعلي بن يحيي : اذهب إلي إبراهيم ، وقل له : وزن دانق من أيش ؟ من بظر أمك ؟ فذهب علي إلي إبراهيم ، وأدي الرسالة ، فقال له إبراهيم : قل له ، وزن دانق من بظر أمي وأم علي ، فقال له علي : قبحك الله ، وأنا أيش ذنبي ؟ فقال له : قد أذيت الرسالة ، وهذا جوابها ( الاغاني 53/10).

وقال أبو الشيص لامرأة : قبحك الله .

كان أبو جعفر محمد بن زرين ، ابن عم دعبل الخزاعي الشاعر ، وقد

ص: 91

غلب عليه اللقب ، وكان يلقب بأبي الشيص ، ويغضب إذا نودي به ، وأصيب ببصره ، فلاقته امرأة ، فقالت له : يا أبا الشيص ، عميت بعدي ، فقال لها : قبحك الله ، دعوتني باللقب ، وعيرتني بالضرر ( الاغاني 401/16 )

ولما استقامت الخلافة للمنتصر في السنة 248 طالب أخويه المعتز والمؤيد بأن يخلعا أنفسهما من ولاية العهد ، وأسلمهما للأتراك ، فأخذوا المعتر بعنف ، فقال لهم المؤيد : ما هذا يا كلاب ، قد ضريتم علي دمائنا ، أغربوا قبحكم الله ( تجارب الأمم 6 / 559 ).

ولما قتل صالح بن وصيف المعتز ، اختفت أمه قبيحة ، ثم ظهرت ، وأرضت صالح بأن أعطته مالا عظيما ، من ذلك ألف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار ، وسفط فيه مكوك زمرد ، وسفط فيه لؤلؤ حب كبار ، وكيلجة ياقوت أحمر ، وغير ذلك ، فقومت الأسفاط بألفي ألف دينار ، فلما رأي ابن وصيف ذلك ، قال : قبحها الله ، عرضت ابنها للقتل من أجل خمسين ألف دينا ، وعندها هذا ، وأخذ الجميع ، ونفاها إلي مكة ، فبقيت هناك إلي أن ولي المعتمد ، فردها إلي سامراء ( النجوم الزاهرة 3/ 22 وتاريخ الخلفاء 360 )

وكان أبو خليفة ، القاضي بالبصرة ، يري رأي الخوارج ، ويصطفي شعر عمران بن حطان الخارجي ، واطلع عليه أبو علي الإيذجي ، فحدث بذلك المفجع الشاعر، فنظم فيه بيتين ، هما :

أبو خليفة مطوي علي دخن***للهاشميين في سر وإعلان

ما زلت أعرف ما يخفي وأنكره***حتي اصطفي شعر عمران بن حطان

وأطلع أبو خليفة علي ذلك ، فقال : إن الإيذجي ، قبحه الله ، وترحه ، شاط بدمي ، إقرأ تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة ، للقاضي التنوخي ، رقم القصة 3 / 179 ج 3 ص 289- 291.

ص: 92

وشتم ابن الزنق المصري النخاس ، ابن اخته ، فقال له : قبحك الله ، سرقت معروف القائد وتركته يقارع شجوه بمحنته .

وتفصيل ذلك : أنه كان بدار العنقود ، بمصر ، شيخ يتنس في الدواب ، يعرف بابن الزنق ، ولما علت سنه ، عجز عن التصرف ، وحل محله في عمله ابن اخت له ، فخفت علي قلب القاسم بن شعبة ، أحد قواد أحمد بن طولون ، وكان أبوه شعبة من أكابر أصحاب أحمد، ومات في طاعته ، فانصرف ابن اخت ابن الزنق من عند القائد القاسم ، وقد خلع عليه دراعة خير من تحتها جنية ملحم ، فسأله عنها خاله ، فأخبره بأنها خلعة من القائد القاسم بن شعبة ، فقال له : يا بني ، إن كنت تصبر علي التدلي معه في محنه ، كما تتدلي في نعمه ، وإلا فاعتزله ولا تفضحنا بالقعود عنه في نوائبه ، فقال : أرجو أن يصونه الله من نائبة تلحقه أو مكروه يقع به، ثم اتصل بأحمد بن طولون عن القاسم شيء أنكره ، فحبسه في داره ( أي دار القاسم ) ووكل به ، واختفي النخاس في دار خاله ، فسأله عن سبب ملازمته المنزل ، فادعي أنه مريض ، ثم اتصل الخبر بالشيخ ، فدخل إلي ابن اخته ، وقال له : قبحك الله ، سرقت معروف هذا القائد ، وخليته يقارع شجوه بمحنته ، ثم ركب حمارأ ، وقصد دار القاسم بن شعبة ، وعليها جماعة من الموكلين وأصحاب الأخبار ، فوقف علي الباب ، وقال : كيف حال القائد أبي محمد أيده الله ؟ فقالوا : إمض يا شيخ ، فقال : ما أمضي حتي أبلي عذرأ ، هذا رجل قد لزمتني له عارفة ، وهذا أوان قضائها، فرفع خبره إلي أحمد، فأحضره وسأله عن علاقته بالقائد القاسم بن شعبة ، فقال : إنه أولاني جميلا في أحد أقاربي ، فانتصبت الساعة لما يحتاج إليه ، وما أحق الأمير أن يفضلني بحسن المكافأة عن طاعة والده له ، فقد كان مشهورة بها ، فقال له أحمد : لقد أذكرتني أيها الشيخ بحق قاسم ، وأحضر القاسم وخلع عليه وأطلقه ( المكافأة 32-34) .

ص: 93

وقال الشاعر ابن أبي حصينة ، لابن الزويدة المعري : قبحك الله ، هذا هجوثان .

وتفصيل القصة : ان الشاعر ابن أبي حصينة ، كان خصيصا بالأمير تاج الدولة بن مرداس صاحب حلب ، وطلب منه أن ينصبه أميرة ، فأنجز له ذلك ، وتسلم سجل الإمارة من بين يدي الخليفة ، في السنة 451 ، وصادف أن فتي من أهل المعرة من رعاع الناس ، يلقب بالزقوم ، أعطي رزق جندي ، فقال ابن الزويدة المعري :

أهل المعرة تحت أقبح خطه***وبهم أناخ الخطب وهو جسيم

لم يكفهم تأمير ابن حصينة***حتي تجند بعده الزقوم

يا قوم قد سئمت لذاك نفوسنا***يا قوم، أين الترك، أين الروم؟

فشاعت الأبيات ، وسمعها ابن أبي حصينة ، فقصد ابن الزويدة المعري ، ليعاتبه ، ولما دخل عليه ، قال ابن الزويدة له : الأن - والله - كان عندي الزقوم ، وقال لي : مابي من الهجوما بي إلا أنك قرنتني بابن أبي حصينة ، فقال له ابن أبي حصينة : تبحك الله ، هذا هجوثان . ( معجم الادباء 69و68/4).

ولما ولي جلال الدين الزينبي، الوزارة، دخل عليه ابن الفضل الشاعر ، ودعا له وأظهر الفرح والسرور ، ورقص ، فقال الوزير لأحد أصحابه : قبح الله هذا الشيخ ، فإنه يشير برقصه إلي المثل العامي القائل : أرقص للقرد في زمانه ( وفيات الأعيان 58/6 ) .

وانعقدت معاهدة بين نصر الدولة ابن مروان الكردي ، صاحب ميافارقين ، وبين معتمد الدولة قرواش بن المقلد العقيلي ، صاحب الموصل ، وبعث ابن مروان رسله ، إلي قرواش ، لتحليفه ، فلما حلف ،

ص: 94

قال المنازي الشاعر ، أحد رسل ابن مروان :

كلفوني اليمين فارتعت منها***كي يغزوا بذلك الإرتياع

ثم أرسلتها كمنحدر السيل***نهادي من المكان اليفاع

( يشير إلي أن قرواش لا يتقيد باليمين ) ، فغضب قرواش ، وقال له : يا ويلك ، تبحك الله ، وقبح ابن مروان ، ما هذا الكلام ؟ وبدا الشر في وجهه ، فاعتذر له المنازي حتي رضي . ( الهفوات النادرة 6 و7 ).

وحدث أن أحد المغنين ، حضر عند شرف الدولة أبي المكارم مسلم بن قريش بن بدران ، أمير بني عقيل ، فجري ذكر عميد الملك أبي نصر الكندري ، وزير طغرل بك ، فذكر المغني محاسنه ، وكرمه ، وعطاياه ، ثم غناه علي أثر ذلك بالبيت :

قواصد كافور توارك غيره***ومن قصد البحر استقل السواقيا

فغضب مسلم ، وقال للمغني : قبحك الله ، ما هذه المعاشرة (الهفوات النادرة 7 و8) .

ص: 95

6- قولهم : غضب الله عليه الغضب : نقيض الرضا .

وغضب الله : انكاره علي من عصاه . وإذا غضب الرجل من شيء ، قيل : غضب منه . فإذا غضب لآخر حتي ، قيل : غضب له .فإذا غضب لآخر ميت : قيل : غضب به .

وقال دريد بن الصمة ، يرثي أخاه :

فإن تعقب الأيام والدهر فأعلموا***بني قارب أنا غضاب بمعبد

وقال عبد الله بن عمر ، لابن أبي عتيق : مالك ، غضب الله عليك .

وسبب ذلك : إن ابن أبي عتيق ، حفيد أبي بكر الصديق ، كان سيدأ من سادات قريش ، وكان غزلا ، مرحا ، هجته زوجته عاتكة بنت عبد الرحمن المخزومية ، فقالت :

ذهب الآله بماتعيش به***وقمرت عيشك أيما قمر

أنفقت مالك غير محتشم***في وصل زانية وفي الخمر

فأخذ ابن أبي عتيق ، البيتين ، في رقعة ، وخرج ، فإذا هو بابن عمر ، فقال له : يا أبا عبد الرحمن ، انظر في هذه الرقعة ، وأشر علي برأيك فيها ، فلما قرأها عبد الله ، استرجع .

فقال له : ماذا تري فيمن هجاني بهذا الشعر ؟

قال : أري أن تعفو وتصفح

ص: 96

قال : والله ، يا أبا عبد الرحمن ، لئن لقيت قائل هذا الشعر لأنيكنه . فأخذت ابن عمر أفكل ورعدة ، وأربد لونه ، وقال : مالك ، غضب الله عليك .

فقال : ما هو إلا ما قلت لك ، وافترقا .

فلما كان بعد أيام لقيه في الطريق ، فأعرض عنه ابن عمر ، فدنا ابن أبي عتيق منه ، وقال له : يا أبا عبد الرحمن ، لقد لقيت الذي هجاني ، ونكته .

فصعق ابن عمر ، فلما رأي ما حل به، دنا منه ، وقال له في أذنه : إنها امرأتي ( مروج الذهب 94/2 و 95).

ص: 97

7- قولهم : أسخن الله عينه

قولهم اسخن الله عينه أي جعلها تبكي بدموع حارة من الحزن ( الفاخر لأبي طالب بن عاصم 7).

شرب الأقبشر في حانة خمار، في بيوت الخمارين بالحيرة ، حتي أنند ما معه ، ثم شرب بثيابه حتي غلقت ، فلم يبق عليه شيء ، وانغمس في تبن إلي جانب البيت إلي حلقه مستدفئة به ، فمر به رجل ينشد ضالة ، فقال : اللهم أردد عليه ، وأحفظ علينا ، فقال له الخمار : سخنت عينك ، أي شيء يحفظ عليك ربك ؟ فقال : هذا التبن لا تأخذه فأموت من البرد . ( الاغاني 267و266/11).

وقال الشاعر محمد بن حازم : لم يبق علي شيء من اللذات إلا بيع السنانير ، فقال له صاحبه : أسخن الله عينك ، أيش لك في بيع السناتير ، من اللذة ؟ قال : تجيئني العجوز الرعناء تخاصمني ، وتقول : هذا سنوري ، سرق مني ، فأقول لها : كذبت ، ثم تشتمني وأشتمها ، وتخاصمني وأخاصمها . ( الديارات 279 والاغاني 101/14 ).

وشتم اسحاق الموصلي ، أبا صدقة المغني ، فقال له : سخنت عينك .

وسبب ذلك : إن أبا صدقة مسكين المغني ، كان من اسأل خلق الله ،

ص: 98

وأعظمهم إلحاحا ، وحدث مرة ، أن سأل اسحاق الموصلي ، فوهب له صينية من الفضة ، ثم قام أبو صدقة ليبول ، فأبدلها اسحاق بصينية رصاص ، وأخذها أبو صدقة ، وانصرف ، وعاد في اليوم الثاني فلام إسحاق وقال له : نعم الخلافة خلفت أباك ، وتجاهل اسحاق الأمر ، وسأله عن سبب لومه ، فقال له : تبين أن الصينية من الرصاص ، فقال له اسحاق : سخنت عينك ، سخرت بك امرأتك ، وأنا من أين لي صينية رصاص ؟ فتشكك أبو صدقة ساعة ، ثم قال : أظن الأمر كذلك ، وقام ، وقال : اذهب إلي امرأتي ، فأصب عليها السياط حتي ترد الصينية ، فلما رأي اسحاق ذلك اعترف له بما صنع ، واعطاه وزن الصينية دراهم ( الاغاني 19/ 298 ).

وقال أبو سفيان بن العلاء ، لسلمة بن عياش : يا سخين العين .

وسبب ذلك : إن سلمة بن عياش ، وأبا سفيان بن العلاء ، اجتمعا عند محمد بن سليمان العباسي ، وكانت جارية محمد، وأسمها بربر ، تغنيهم ، وتسقيهم ، فوقعت في قلب سلمة ، فقال :

إلي الله أشكوما ألاقي من القلي***الأهلي، وما لاقيت من حب بربر

فقال محمد ، لسلمة : خذها، فهي لك ، فاستحيا سلمة، وأبي ، وقال : لا أريدها، أعتق ما أملك إن أخذتها .

فقال أبو سفيان لسلمة: يا سخين العين ، إعتق ما تملك ، وخذها ،فهي خير من كل ما تملك ( الأغاني 297و296/20 ).

وقال دعبل الخزاعي ، لقاضي الدينور : سخنت عينك .

وسبب ذلك : إن دعبل ، قدم الدينور، فجري بينه وبين فتي زبيري ( من أولاد الزبير بن العوام ) كلام وعربدة علي النبيذ، فاستعدي الزبيري عمرو بن حميد القاضي و قال له: ان دعبل سب صفية بنت عبد المطلب

ص: 99

( عمة النبي وأم الزبير ) وجمع عليه الغوغاء ، فهرب دعبل ، وختم القاضي علي باب داره ، فوجه دعبل إلي القاضي برقعة ، قال له فيها : ما رأيت قط أجهل منك ، إلا من ولاك ، تقضي في العربدة علي النبيذ، وتحكم علي خصم غائب ، ويقبل عقلك أني - وأنا رافضي - أشتم صفية بنت عبد المطلب ، سخنت عينك ، أفمن دين الرافضة ، شتم صفية ؟ ( الاغاني 183/20 ).

وشيع أبو العلاء المنقري ، جنازة أحمد بن يوسف الكاتب ، فظل يبكي ، وكان مكتح ، فسال كحله علي وجهه ، فنظرت إليه امرأة ، وقالت له : سخنت عينك كأنك - والله - مطبخ يكف ، أيش هذه السماجة ؟ فأضحكت أهل الجنازة ( البصائر والذخائر م 3 ق ، ص 647 ).

وقالت جارية أبي الصالحات ، لأبي هارون : سخنت عينك .

وسبب ذلك : أنه اجتمع عند أبي الصالحات ، جمع من أصحابه ، فيهم محمد بن الحارث المغني ، وأخوه أبو هارون ، فشربوا ، وطربوا ، وغتهم جارية أبي الصالحات ، فأجادت وكان أكثرهم طربة ، أبو هارون ، فقال لأخيه ، أريد أن أقول لك شيئا في السر .

فقال : قله علانية .

قال : لا يصلح .

قال : والله ما بيني وبينك شيء أبالي أن تقوله جهرا ، فقله .

فقال : أشتهي - علم الله - أن تسأل أبا الصالحات ، أن ينيكني ، فعسي صوتي أن يتفتح ، ويطيب غنائي .

فضحك أبو الصالحات ، وغطت الجارية وجهها ، وقالت : سخنت عينك ، فان حديثك يشبه وجهك . ( الاغاني 52/12 و53 ) .

ص: 100

وكان البرقعيدي المغني ، جالسا في مجلس ، فأنشد أحد الحاضرين :

وليل كوجه البرقعيدي ظلمة*** وبرد أغانيه وطول قرونه

فصاح به البرقعيدي : ها أنا قاعد ، با سخين العين ، فاستحيا المنشد ، وضحك الحاضرون ( الهفوات النادرة 57 ) .

أقول : هذا البيت من جملة أبيات فيها ذكر لحاشية الأمير معتمد الدولة قرواش بن المقلد العقيلي صاحب الموصل ، وفيها ما يسمي في علم البديع بالاستطراد ، والأبيات هي :

وليل كوجه البرقعيدي ظلمة *** وبرد أغانيه وطول قرونه

سريت ونومي فيه نوم مشرد***كعقل سليمان بن فهد ودينه

علي أولق فيه اضطراب كأنه ***أبو جابر في طيشه وجنونه

إلي أن بدا ضوء الصباح كأنه*** سنا وجه قرواش وضوء جبينه

ص: 101

8- قولهم : أبكي الله عينه

الما مات زياد ، رثاه مسكين الدارمي ، فقال له الفرزدق :

أمسكني أبكي الله عينك إنما***جري في ضلال دمعها وتحذرا

بكيت علي علج بميسان كافر***ككسري علي عدانه أو كقيصرا

أقول له لما أتاني نعيه ب *** به لا بظبي بالصريمة أعفرا

( الاغاني 206/20 )

ولما قتل الإمام الشهيد الحسين بن علي ، في معركة الطف بكربلاء ، عاد عمر بن سعد مع جيشه إلي الكوفة وحمل معه بنات الحسين وأخواته ومن كان معه من الصبيان وعلي بن الحسين وهو مريض فقدم بهم علي ابن زياد فنصب ابن زياد مجلسا ووضع رأس الحسين بين يديه ، وأخذ ينكت ثناياه بقضيب في يده ، فلما رآه زيد بن أرقم قال له : أعل بهذا القضيب عن هذه الثنايا ، فوالله الذي لا إله غيره ، لقد رأيت شفتي رسول الله علي هاتين الشفتين يقبلهما، ثم انفضخ الشيخ يبكي ، فقال له ابن زياد : أبكي الله عينيك ، فوالله ، لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك ، فنهض وخرج ( الطبري 455/5 والاخبار الطوال 260 ).

ص: 102

9- قولهم : قطع الله يده

لما أزمع أبو جعفر المنصور قتل أبي مسلم في السنة 137 ، دعاه ، ولامه ، وشتمه ، وقال له : با ابن الخبيثة ، لقد ارتقيت - لا أم لك - مرتقي صعبا ، قتلني الله إن لم أقتلك ، ثم صفق باحدي يديه علي الأخري ، فخرج اليه قوم كان قد أعدهم ، فخبطوه بسيوفهم ، والمنصور يصيح : اضربوا ، قطع الله أيديكم ، فصاح أبو مسلم : استبقني يا أمير المؤمنين لعدوك ، فقال له : لا أبقاني الله إذن ، وأي عدو أعدي لي منك ( الطبري 492/7 ووفيات الأعيان 153/3 و154).

وكان القاضي أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب ، قاضية بواسط ، ثم ولي قضاء مصر ، سنة 293، وكان لا يؤمر أحدة من ولاة مصر ، فكان إذا أرسل إلي تكين أمير مصر في حاجة ، يقول : كيف أبو منصور ؟ وإذا ذكر هلال بن بدر ، قال : هلال بن بدر ، وكان الأمراء يركبون إليه ، وهو آخر قاض ركب إليه الأمراء بمصر ، وأحتيج إلي تنظيم محضر في مجلس تكين أمير مصر ، فأمر القاضي الكاتب ، فبدأ المحضر بقوله : حضر مجلس الأمير أبي منصور تكين من شهد فيه ... فلمح القاضي الكتابة ، فصاح بالكاتب : قطع الله يدك ، أكتب : حضر تكين مولي أمير المؤمنين ، مجلس القاضي علي بن الحسين ، فقال تكين : صدق القاضي ، المجلس له حيث حل ( القضاة 530و531 ).

ص: 103

وفي السنة 674 نزل التتار علي البيرة ، وكانوا ثلاثين ألف فارس ، ونصبوا علي القلعة منجنيقة ، وكان راميه مسلما ، فنصب أهل القلعة عليه منجنيقة ، ورموا به علي مجانيق التار، فجاء عالية عليه ، فقال رامي التار : قطع الله من يدك ذراع ليستريح منك أهل البيرة لقلة معرفتك ، ففطن الإشارته ، وقطع من رجل المنجنيق ذراعا، ورمي به ، فأصاب منجنيق التتار ، وكسره ، وخرج أهل البيرة ، فقتلوا خلق من التتار ، وأحرقوا المناجيق ( شذرات الذهب 342/5 ).

ص: 104

10- قولهم : قطع الله لسانه

مدح طريف بن سوادة ، عمرو بن هداب ، وكان أبرصأ، فقال فيه :

أبرص فياض اليدين أكلف

فصاح به أصحاب عمرو : مالك ، قطع الله لسانك ، فقال عمرو : مه ، البرص من مفاخر العرب . ( الحيوان 164/6 ).

وقال الخليفة عثمان بن عفان ، لأبي زبيد الطائي : اسكت ، قطع الله لسانك .

أقول : أبو زبيد الطائي شاعر معمر مخضرم ، أدرك الإسلام ، ومات علي نصرانيته ، وكان عثمان يقربه ويدني مجلسه ، فدخل عليه يوما ، وأنشده قصيدة يصف فيها الأسد ، فقال له عثمان : تالله تفتأ تذكر الأسد، والله إني الأحسبك جبانة ، فقال : كلا يا أمير المؤمنين ، ولكني رأيت منه منظرة وشهدت مشهد لا يبرح ذكره يتجدد في قلبي ، فقال له عثمان : وأين ذلك ؟ فقال : خرجت في صيابة من أشراف العرب وفتيانهم ، نريد الحارث بن أبي شمر الغساني ، فآخروط بنا السير ، في حمارة القيظ ، حتي إذا نضبت الأفواه ، وذبلت الشفاه ، وأذكت الجوزاء المعزاء ، وذاب الصيهد ، وصر الجندب ، وضاف العصفور الضب في وكره ، وجاوره في جحره ، بدا لنا واد

ص: 105

كثير الدغل ، دائم الغلل ، صحراؤه مغنة ، وأطياره مرنة ، فحططنا رحالنا بأصول دوحات كنهبلات ، وأصبنا من فضلات المزاود، وأتبعناها الماء البارد ، وبينما نحن كذلك إذ صر أقصي الخيل أذنيه ، وفحص الأرض بيديه ، فوالله ما لبث أن جال ، ثم حمحم فبال ، ثم فعل فعله الذي يليه واحدا فواحدة ، فتضعضعت الخيل ، وتكعكعت الإبل ، وتقهقرت البغال ، فمن نافر بشكاله ، وشارج بعقاله ، فعلمنا أنه السبع ، وأقبل أبو الحارث من أجمته ، ينضالع في مشيته ، كأنه مجنون ، أو في وجار مسجون ، لطرفه وميض ، ولأرساغه قضيض، ولصدره خطيط ، ولبلعومه غطيط ، كأنما يخبط هشيمة ، أو يطا رميم له هامة كالمجن، وخذ كالمسن، وعينان سجراوان ، كأنهما سراجان يتقدان ، وقصرة ربلة ، ولهزمة رملة ، وكتد معبط ، وزند مفرط ، وساعد مجدول ، وعضد مفتول ، وكف شثن البراثن ، الي مخالب كالمحاجن ، فضرب بيديه فأرهج ، وكشر فأفرج ، عن أنياب كالمعاول ، مصقولة غير مفلولة ، وفم أشدق ، كالغار الأخرق ، ثم تمطي بيديه ، وحفز بوركيه ، حتي صار ظله مثليه ، ثم أقعي فاقشعر ، ثم أقبل فاكفهر ، ثم تجهم فازباز، فصاح به عثمان : اسكت ، قطع الله لسانك ، فقد أرعبت قلوب المسلمين ( معجم الأدباء 110/4 ).

ولما خرج الرشيد الي خراسان ، ثقل في علته بطوس ، واحضر له اثنان من أصحاب الثائر رافع بن الليث ، فاستنطقهما ، فتنصل أحدهما ، وهو اخو رافع ، وأقسم له إنه بريء ، فغضب منه صاحبه ، وقال له : قطع الله لسانك ، أنا والله ما زلت أدعو الله بالشهادة ، فلما رزقتها علي يدي شر خلقه ، أخذت في الاعتذار ، فاغتاظ الرشيد، وأمر بجزارين ، قطعوهما عضوا عضوأ . راجع تفصيل القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي . تحقيق المؤلف ، رقم القصة 308 وفي هذا الكتاب ، في الباب السادس عشر ( القتل بصنوف العذاب ) الفصل الحادي عشر ( القتل بتقطيع الأوصال ).

ص: 106

وقالت عاتكة بنت شهدة ، لابن جامع المغني : اسكت ، قطع الله لسانك .

وكانت شهدة أم عاتكة نائحة ، أما عاتكة فكانت من احذق النساء بالغناء ، وكانت تحضر مجالس الغناء عند الرشيد ، فكان ابن جامع يلوذ منها بالترجيع الكثير ، فتقول له : أين يذهب بك ، هلم إلي معظم الغناء ودعني من جنونك ، وأفرطت يوما في الرد علي ابن جامع بحضرة الرشيد، فسارها ابن جامع ، قائلا لها : أي أم العباس ، أنا يشهد الله ، أحب أن تحتك شعرتي بشعرتك ، فقالت له : اسكت ، قطع الله لسانك ، ولم تعاود بعد ذلك أذيته ( الاغاني 343/18 ).

ص: 107

11 - قولهم : فض الله فاه

وصاح رهط من أهل العراق ، علي عبد الرحمن بن خنيس : فض الله فاك .

وسبب ذلك : أن جلساء سعيد بن العاص ، أمير العراقيين بالكوفة ، تذاكروا جود طلحة بن عبيد الله ، فقال سعيد: إن من له مثل النشاشج ( ضيعة لطلحة ) لحقيق أن يكون جوادا ، ووالله ، لو أن لي مثله لأعاشكم الله عيشة رغيدة ، فقال عبد الرحمن بن خنيس ، وكان حدثا : والله ، وددت لو أن هذا الملطاط لك - يعني أراضي كانت لآل كسري علي جانب الفرات الذي يلي الكوفة - فقالوا له : فض الله فاك ، تتمني له سوادنا، وثاروا إليه وإلي أبيه خنيس ، فضربوهما حتي غشي عليها ( الطبري 4 / 318) .

وقالت أروي بنت الحارث ، لمعاوية بن أبي سفيان : أتذكر علية ، فض الله فاك .

وخلاصة القصة : إن أروي بنت الحارث بن عبد المطلب ، دخلت علي معاوية بن أبي سفيان بالموسم ( أي وقت الحج بمكة)، وهي عجوز كبيرة ، فلما رآها ، قال : مرحبا بك يا عمة ، قالت : كيف أنت يا ابن أخي ، لقد كفرت بعدي بالنعمة ، وأسأت لابن عمك الصحبة ، وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقك ، فخاشنها عمرو بن العاص ، فقرعته بجواب

ص: 108

مفحم ، ثم تلاه مروان ، فصعقته بجواب مسكت ، فقال لها معاوية : با عمة ، إقصدي قصد حاجتك ، فقالت : تأمر لي بألفي دينار ، وألفي دينار ، وألفي دينار ، قال : ما تصنعين يا عمة بألفي دينار ؟ قالت : اشتري بها عينا خرخارة ، في أرض خوارة ، تكون لولد الحارث بن عبد المطلب ، قال : نعم الموضع وضعتها ، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت : أزوج بها فتيان عبد المطلب من أكفائهم ، قال : نعم الموضع وضعتها، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت : أستعين بها علي عسر المدينة وزيارة بيت الله الحرام ، قال : نعم الموضع وضعتها ، هي لك وكرامة ، ثم قال : أما والله ، لو كان علي ما أمر لك بها ، قالت : صدقت ، إن علية أدي الأمانة ، وعمل بأمر الله ، وأخذ به ، وأنت ضيعت أمانتك ، وخنت الله في ماله ، فأعطيت مال الله من لا يستحقه ، وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها ، فلم تأخذ بها ، ودعانا علي إلي أخذ حقنا الذي فرض الله لنا، فشغل بحربك عن وضع الأمور مواضعها ، وما سألتك من مالك شيئا فتمين به ، وإنما سألتك من حقنا ، أتذكر علية فض الله فاك وأجهد بلاك ، راجع القصة مفصلة في كتاب بلاغات النساء ص 32 - 35.

وبلغ قتيبة بن مسلم ، بعد أن فتح سمرقند ، أن ملوك الشاش وفرغانة وخاقان ، اتفقوا وبعثوا قوما من أهل النجدة ليبيتوا قتيبة وجيشه ، وبلغه خبرهم ، فوجه إليهم نخبة من أهل النجدة لصدهم ، ووقع الصدام بينهم لي ، وأبصر أحدهم ، قتيبة في ساحة المعركة ، جاء إليها لي متخفيا ، فالتفت إليه وقال له : كيف تري بأبي أنت وأمي ، فقال له : اسكت دق الله فاك ( الطبري 6/ 477) .

وأنشد بشار بن برد ، مروان بن أبي حفصة ، قصيدة من شعره ، فلما بلغ إلي البيت :

وإذا قلت لها جودي لنا ***خرجت بالصمت عن لا أو نعم

ص: 109

قال له مروان : يا أبا معاذ ، هلا قلت : خرات بدل خرجت ، فقال له : فض الله فاك ، أتطير علي من أحب بالخرس ؟ ( الملح والنوادر 287 ).

ولما عزم الأمين ، علي خلع المأمون من ولاية العهد، شاور عبد الله بن خازم ، فقال له : أنشدك الله يا أمير المؤمنين ، لا تكن أول الخلفاء نقض عهده ، واستخف بيمينه. فقال له الأمين : أسكت ، أسكت الله فاك . ( مروج الذهب 2/ 308) .

ص: 110

12- الشتائم علي النفي أي المسبوقة بلا

في يوم من أيام صفين ، تضارب الناس بالسيوف حتي صارت كالمناجل ، وتطاعنوا بالرماح حتي تقصفت ، ثم جثوا علي الركب فتحاثوا بالتراب ، يحثو بعضهم التراب في وجه بعض ، ثم تراموا بالصخر والحجارة ، ثم تعانقوا وتكادموا بالافواه ، ثم تحاجزوا ، فكان الرجل من أهل العراق يمر علي أهل الشام ، فيقول : كيف آخذ إلي رايات بني فلان ؟ فيقولون : هاهنا ، لاهداك الله ، ويمر الرجل من أهل الشام ، علي أهل العراق ، فيقول : كيف أخذ إلي راية بني فلان ؟ فيقولون : هاهنا، لا حفظك الله ولا عافاك . ( شرح نهج البلاغة 241/5).

وقال أبو موسي الأشعري ، لعمرو بن العاص : مالك ، لا وفقك الله .

وتفصيل ذلك : أنه لما وقع الاتفاق بين أهل العراق وأهل الشام ، علي التحكيم ، وجعلوا القرآن حكمة ، واختار أهل العراق أبا موسي الأشعري عبد الله بن قيس ، واختار أهل الشام عمرو بن العاص ، وكتبوا بذلك صكا واجتمع الحكمان في دومة الجندل ، وتذاكرا في الأمر ثم اتفقا علي أن يعلنا خلع علي ومعاوية ، وجعل اختيار الخلف شوري بين المسلمين ، فلما تقدما الاعلان القرار ، تقدم أبو موسي ، فأعلنه ، وخلع علية ومعاوية ، وأعلن أن للمسلمين أن يولوا من أحبوا ، فأعقبه عمرو بن العاص ، وقال : إن هذا قال ما سمعتم ، وإنه خلع صاحبه ، ألا وائي خلعت صاحبه كما خلعه ، وأثبت

ص: 111

صاحبي معاوية ، فقال له أبو موسي : مالك ، لا وفقك الله ، غدرت وفجرت ، إنما مثلك كمثل الكلب ، إن تحمل عليه يلهث ، أو تتركه يلهث ، فقال له عمرو : أن مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارة ، وآنسل أبو موسي فركب راحلته ، وهرب، فلحق بمكة ، وقال : لقد حذرني ابن عباس غدر عمرو ولكني اطمأنت إليه ، ولم أظن إنه يؤثر شيئأ علي نصيحة المسلمين ، راجع التفاصيل في الأخبار الطوال 190 - 201.

اقول : لما كان الشيء بالشيء يذكر ، فقد أثبت صاحب شرح نهج البلاغة 57و56/10 ولاه نادرتين تتعلقان بالتحكيم ، قال : بعث عبد الملك بن مروان روح بن زنباع، وبلال بن أبي بردة بن أبي موسي الأشعري ، إلي زفر بن الحارث الكلابي بكلام ، وحذرهما من كيده ، وخص بالتحذير روح ، دومة الجندل ، لا أبي ، فعلام تخوفني الخداع والكبد، فضحك عبد الملك ، وغضب بلال ، وقال أبو عبيدة ، حكم بلال بن أبي بردة ، وهو علي قضاء البصرة ، بالتفريق بين امرأة وزوجها ، فقال الرجل : يا آل أبي موسي ، إنما خلقكم الله للتفريق بين المسلمين . وجاء في العقد الفريد 4 / 43 ان الحجاج بن حنتمة ، سأل أحد القصاص ، يهزأ به ، ما اسم بقرة بني اسرائيل ؟ فقال : إسمها حنتمة ، فقال له احد الأشعريين من أحفاد أبي موسي : في أي كتاب وجدت ذلك ؟ فقال : في كتاب عمرو بن العاص .

وقال قتيبة ، أمير خراسان ، لاخيه عبد الله بن مسلم : لا يبعد الله غيرك .

لما فتح قتيبة بن مسلم ، سمرقند ، أفضي إلي أثاث لم ير مثله ، وإلي آلات لم يسمع بمثلها ، فأراد أن يري الناس عظيم ما فتح الله عليهم ، ويعرفهم أقدار القوم الذين ظهروا عليهم ، فأمر بدار ففرشت ، وفي صحنها قدور أشتات يرتقي إليها بالسلالم ، فأقبل الحضين بن المنذر بن الحارث بن

ص: 112

وعلة الرقاشي ، والناس جلوس علي مراتبهم ، والحضين شيخ كبير ، فلما رآه عبد الله بن مسلم ، قال لأخيه قتيبة : ائذن لي في كلامه ، فقال له : لا ترده ، فإنه خبيث الجواب ، فأبي عبد الله إلا أن يأذن له ، وكان عبد الله يضعف ، وكان قد تسور حائطأ إلي امرأة قبل ذلك ، فأقبل علي الحضين ، وقال له : أمن الباب دخلت يا أبا ساسان ؟ قال : أجل، ضعف عمك عن تسور الحيطان ، قال : أرأيت هذه القدور ؟ قال : هي أعظم من أن لا تري ، قال : ما أحسب أن بكر بن وائل رأي مثلها ، قال : أجل، ولا عيلان ، ولو كان رآها لسمي شبعان ، ولم يسم عيلان ، فقال له عبد الله : أتعرف الذي يقول :

عزلنا وأمرنا وبكر بن وائل ***تجر خصاها تبتغي من تحالف

قال : أعرفه ، وأعرف الذي يقول :

وخيبة من يخيب علي غني *** وباهلة بن يعصر والرباب

فقال له : أتعرف الذي يقول :

كأن فقاح الأزد حول ابن مسمع ***وقد عرفت أفواه بكر بن وائل

قال : نعم وأعرف الذي يقول :

قوم قتيبة أمهم وأبوهم***لولا قتيبة أصبحوا في مجهل

قال : أما الشعر فأراك ترويه ، فهل تقرأ من القرآن شيئا ؟

قال : أقرأ منه الكثير : و هل أتي علي الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ) .

فغضب عبد الله ، وقال : والله ، لقد بلغني أن امرأة الحضين ، حملت إليه ، وهي حبلي من غيره .

قال : فما تحرك الشيخ عن هيأته الأولي ، ثم قال علي رسله : وما

ص: 113

يكون ؟ تلد غلامأ علي فراشي ، فيقال : فلان بن الحضين ، كما يقال : عبد الله بن مسلم .

فأقبل قتيبة علي أخيه عبد الله ، فقال له : لا يبعد الله غيرك .

والحضين هذا من بكر بن وائل ، وهو صاحب لواء الإمام علي بن أبي طالب بصفين علي ربيعة كلها ، وفيه قال الإمام علي : ( العقد الفريد39-37/4)

لمن راية سوداء يخفق ظلها***إذا قيل قدمها حضين تقدما

يقدمها في الصف حتي يزيرها***حياض المنايا تقطر الموت والدما

وتلاقي جرير والأخطل عند عبد الملك بن مروان ، فقال جرير للأخطل : لا حياك الله يا ابن النصرانية .

دخل جرير علي عبد الملك بن مروان ، والأخطل عنده ، وجرير لا يعرفه ، فقال الأخطل لجرير : أنا الذي منعت نومك ، وهضمت قومك ، فقال جرير لعبد الملك : من هذا يا أمير المؤمنين ؟ فضحك ، وقال : هذا الأخطل ، فرد جرير بصره إليه ، وقال : لا حياك الله يا ابن النصرانية ، أما منعك نومي فلو نمت عنك لكان خيرا لك ، واما تهضمك قومي ، فكيف لك بذلك وأنت ممن ضربت عليهم الذلة والمسكنة ، ائذن لي يا أمير المؤمنين في ابن النصرانية ، فقال عبد الملك : لا يكون ذلك بين يدي ( الاغاني 72/8 )

وقالت الشقراء بنت عوانة الطائية ، زوجة عبد الملك بن مروان ، الروح بن زنباع : لا حياك الله ، ولا وصل رحمك .

وسبب ذلك : إن عبد الملك تزوج الشقراء الطائية ، فأعجب بها ، وغلبت عليه فغارت زوجته عاتكة بنت يزيد ، وكلمت روح بن زنباع ، أن

ص: 114

يسقطها من عينه ، فذها عنده ، ونقل عبد الملك إلي الشقراء ، ما قاله روح فيها ، فلم تصدق ، فأحضرها في مجلس ، من وراء ستارة ، وجاء روح فأعاد عليه ما قاله من قبل في ذمها ، فغضبت ورفعت الستر، وقالت له : لا حياك الله ، ولا وصل رحمك ، راجع القصة في المحاسن والمساويء 67/2 - 69.

وقال المنصور ، ليزيد بن أبي أسيد : قم لا أقام الله رجليك .

وسبب ذلك : أن المنصور العباسي ، خلا يومأ بيزيد بن أبي أسيد ، وسأله : ماذا تري في قتل أبي مسلم الخراساني ؟ فقال : أري أن تقتله ، وتتقرب إلي الله بدمه ، فوالله ، لا يصفو ملكك ، ولا تهنأ بعيش ما بقي .

فنفر منه المنصور نفرة ، ظن يزيد أنه سوف يأتي عليه ، وقال له : قطع الله لسانك، وأشمت بك عدوك ، أتشير علي بقتل أنصر الناس لنا ، وأثقلهم علي عدونا ، أما والله ، لولا حفظي لما سلف منك ، وأن أعدها هفوة من هفواتك ، لضربت عنقك ، قم لا أقام الله رجليك .

فقام يزيد ، وقد أظلم بصره ، وتمني أن تسيخ به الأرض .

فلما كان بعد قتل أبي مسلم ، قال المنصور : يا يزيد، تذكر يوم شاورتك ؟ فقال له: نعم ، قال : والله ، كان رأيك الصواب ، ولكني خشيت أن يظهر ، فتفسد مكيدتي( الاذكياء 38 و 39 ).

وشتم الهادي العباسي ، عبد الله بن مالك صاحب الشرطة ، فقال له : لا سلم الله عليك .

وسبب ذلك : إن عبدالله بن مالك، كان صاحب شرطة المهدي، وكان المهدي يبعث إليه بدماء الهادي ، ومغنيه ، ويأمره بضربهم ، وكان الهادي يكاتبه في الرفق بهم ، فلا يلتفت إلي ذلك ، فلما ولي الهادي

ص: 115

الخلافة ، أيقن عبد الله بالتلف ، ودخل إلي الهادي ، وسلم ، فقال له : لا سلم الله عليك ، وذكره بما كان يكاتبه في أمر التخفيف عن ندمائه ، فلا يلتفت إليه ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، تأذن لي في آستيفاء الحجة ؟ قال : قل ، قال : ناشدتك الله ، أيسرك أنك وليتني ما ولاني أبوك ، فأمرتني بأمر ، فبعث إلي بعض بنيك بأمر يخالف أمرك ، فاتبعت أمره وعصيت أمرك ؟ قال : لا ، قال : فكذك أنا لك ، وكذلك كنت لأبيك ، فرضي عنه ، وخلع عليه ، وأبقاه علي ما كان يتولاه ( الطبري 216/8).

وشتمت زينب بنت سليمان بن علي العباسي ، مزنة ، امرأة مروان بن محمد الجعدي، آخر الحكام الأمويين، فقالت لها: لا حياك الله، ولا قربك ، يا عدوة الله .

للتفصيل ، راجع كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف رقم القصة 389 ج 4 ص 75 - 82.

وكان إسحاق بن معاذ بن مجاهد بن خير ، شاعرأ ، وحضر إلي قاضي مصر المفضل بن فضالة ، في قضية ، في السنة 198 ، وقدم إليه قصة لينظر فيها ، فأخطأ وقدم إليه ورقة فيها هجوه ، وفيها :

خف الله وأسمع من مقالي مفضل***فإنك عن فصل القضاء ستسأل

وقد قال أقوام عجبت لقولهم : ***أقاض له شعر طويل مرجل

فنظر المفضل في الرقعة ، ثم رمي بها إليه ، وقال له : قم لا حياك الله . ( القضاة للكندي 379 و 380 ).

ولما ثار الحسين بن علي صاحب فخ بالمدينة في السنة 199 ، آذي أصحابه الناس ، فلما خرج إلي مكة ، التفت إلي أهل المدينة ، فقال لهم : لا أخلف الله عليكم بخير ، فقال الناس وأهل السوق : وأنت فلا أخلف الله عليك بخير ، ولا ردك ، ( الطبري 195/8 ).

ص: 116

وكان أبو نواس بالبصرة ، يتعشق جنان ، جارية امرأة من ثقيف ، تقيم في حكمان ، وكان أبو عثمان قريب الثقفية سيدة جنان ، فكان أبو نواس يخرج في كل يوم يسأل القادمين من حكمان عن جنان ، وأبصر يوما الطبيب ماسرجويه ، فخجل أن يسأله عن جنان ، فسأله عن أبي عثمان ، فنظر إليه ماسرجويه ، وقال له : جنان صالحة ، فقال أبو نواس : (تاريخ الحكماء 325 )

أسأل الواردين من حكمان ***كيف خلفتم أبا عثمان

فيقولون لي جنان كماس*** سرك في حالها فسل عن جنان

ما لهم لا يبارك الله فيهم*** كيف لم يغن عندهم كتماني

ولما قبض علي إبراهيم بن المهدي ، وهو بزي امرأة ، أدخل علي المأمون ، وهو بذلك الزي ، فسلم علي المأمون بالخلافة ، فقال له : لا سلم الله عليك ، ولا كلاك ، ولا حفظك ، ولا رعاك .

للتفصيل ، راجع كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 352 ج3 ص342- 344.

أقول : إبراهيم هذا، من أعظم الناس جحودة للنعمة ، وإنكارة للجميل ، فإنه ادعي الخلافة ، وحارب المأمون ، فلما انتصر عليه ، وظفر به ، حقن دمه وعفا عنه ، وكان حقن دمه بسعي من الحسن بن سهل ، فإنه أوعز لابنته بوران ، لما تزوجها المأمون ، وطلب منها أن تسأله حاجة يقضيها ، طلبت منه العفو عن إبراهيم ، فعفا عنه ، ولكن هذا الإحسان ، من المأمون ، ومن الحسن ، لم يلاق في إبراهيم تلك النفس الطيبة التي تحفظ الجميل ، إذ أنه كرر أكثر من مرة . قائلا : إن المأمون لم يستبقني محبة بي ، ولا صلة لرحمي ، ولا رباء للمعروف عندي ، ولكنه سمع من هذا

ص: 117

الحلق ، ما لم يسمع من غيره ، وبلغ المأمون قوله هذا ، فقال ، هذا أكفر الناس لنعمة ( الاغاني 10/ 103 و129 و130 ) . وقال أبو العيناء : سمعت إبراهيم بن المهدي ، يقول ، وذكر عفو المأمون عنه ، فقال : والله ، ما عفا عني تقربا إلي الله ، ولا صلة للرحم ، ولكن قامت له سوق في العفو ، فكره أن تكسد بقتلي ، قال أبو العيناء ، فذكرت هذا الحديث لأبي يعقوب سليمان بن جعفر ، فقال : ما أكفره ، أما المأمون ، فقد فاز بحظها ، كفر من كفر ، وشكر من شكر ( البصائر والذخائر م 3 ق 1 ص 62).

ودخل الحسن بن سهل علي المأمون ، وهو يشرب ، فقال له : بحياتي ، وبحقي عليك يا أبا محمد ، إلا شربت معي قدحة ، وصب له من نبيذه قدحة ، فأخذه بيده ، وقال : من تحب أن يغنيك ؟ فأومأ إلي إبراهيم بن المهدي ، فقال له المأمون : يا عم غنه ، فغناه :

تسمع للحلي وسواس إذا انصرفت

يعرض به لما كان لحقه من السوداء والاختلاط ، فغضب المأمون ، حتي ظن إبراهيم أنه سيوقع به ، ثم قال له : أبيت إلا كفرة ، يا أكفر خلق الله النعمة ؟ والله ما حقن دمك غيره ، ولقد أردت قتلك ، فقال لي : إن عفوت عنه ، فعلت فعلا لم يسبقك إليه أحد ، فعفوت - والله - عنك لقوله ، أفحقه أن تعرض به ، ولا تدع كيدك ولا دغلك ، أو أنفت من إيمائه إليك بالغناء ؟

فوثب إبراهيم قائما ، وقال : يا أمير المؤمنين ، لم أذهب حيث ظننت ، ولست بعائد ، فأعرض عنه . ( الاغاني 10/ 132).

وذكر صاحب وفيات الأعيان 1/ 41 أن إبراهيم بن المهدي ، كان يقلب خاتما في يده، في مجلس المعتصم، فسأله عنه العباس بن المأمون، فقال له: هذا خاتم رهنته في أيام أبيك فما فككته إلأ في أيام أمير المؤمنين ، فقال له العباس : والله ، لئن لم تشكر أبي علي حقن دمك ، مع

ص: 118

عظيم جرمك ، لا تشكر أمير المؤمنين علي فك خاتمك .

وكان إبراهيم شديد السواد ، ورث سواده عن أمه السوداء ، واسمها شكلة ، وكان يعير بها، وقدوهم أبو الفرج رحمه الله في كتاب الأغاني (95/10) إذ ذكر أن شكلة أم إبراهيم هي ابنة شاه إفرند ، من أصحاب المازيار ، قتل الأب مع المازيار بطبرستان ، وسبيت ابنته شكلة فحملت إلي المنصور ، وهذا هو من أبي الفرج رحمه ، فإن ابنة شاه افرند التي سبيت في طبرستان ، أخذها العباس بن محمد العباسي ، وهي أم ولده إبراهيم بن العباس ، وقد أوضح ذلك صاحب العيون والحدائق 3/ 229 .

ولم يشتهر إبراهيم بغير الغناء ، في الوقت الذي كان فيه الغناء مقصورة علي طبقة معينة من الناس ، حتي أن المهدي العباسي ، تعجب لما عرف أن إسماعيل بن جامع المغني ، من قريش ، فقال له : قبحك الله ، رجل من قريش يغني ؟ ( الاغاني 303/6 ) ،ولذلك فقد كان بنو العباس يعيرون بإبراهيم ، قال أبو فراس : ( ديوان ابي فراس 255 و 256 ).

بنو علي رعايا في ديارهم *** والأمر تملكه النسوان والخدم

منكم علية أم منهم وكان لكم*** شيخ المغنين إبراهيم أم لهم

وذكروا أن إبراهيم أهدي للمعتصم نبقأ ، وبعث مع النبق رقعة كتب فيها شطرأ ، هو : تفايلت أن تبقي فأهديتك النبقا ( يريد تفاءلت ) ، ! وحدث أن لصفت الفاء بالياء ، فأصبحت الكلمة تفلت .

فكتب إليه المعتصم : ما تقيلت يا عم ، ولكن تبقرت .

وكان إبراهيم شديد الإنحراف عن علي بن أبي طالب ، فحدث المأمون أنه رأي عليا في النوم ، ومشيا حتي وصلا قنطرة ، فذهب علي يتقدمه ليعبرها ، فأمسك به إبراهيم ، وقال له : أنت رجل تدعي هذا الأمر بامرأة ونحن أحق به منك ، قال إبراهيم : فما رأيت له في الجواب بلاغة كما

ص: 119

يوصف عنه ، فإنه ما زادني علي أن قال : سلامأ ، سلاما ، فقال له المأمون : قد والله أجابك أبلغ جواب ، قال : وكيف ؟ قال : عرفك أنك جاهل ، لا يجاوب مثلك ، قال عز وجل : وإذا خاطبهم الجاهلون ، قالوا : سلاما . ( الاغاني 126/10 ).

ولما اعتل إبراهيم في السنة 224 أوصي وصية ، شهد بها جماعة من بني العباس ، وأوصي لولد أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة ، وسائر ولد العشرة ، ولأولاد الأنصار ، ولم يوص لولد علي عليه السلام بشيء ، فقال الواثق : قبح الله فعله ، ترك أهله ، وخالف رسول الله ، في قوله : أدانيك ، أدانيك ، والله ، لا أمضاها أمير المؤمنين علي هذه الصفة ، فلما توفي ، أمر المعتصم أن يجعل لولد علي عليه السلام في الوصية ، كما لولد العباس ، وأمضاها علي ذلك ( الأوراق للصولي أشعار أولاد الخلفاء 48 و49) .

ولما أعلن إبراهيم خلافته ، تناوله الشعراء بألسنتهم ، فقال فيه دعبل :

نعر ابن شكلة بالعراق وأهله *** فهفا إليه كل أحمق مائق

إن بات إبراهيم مضطلع بها *** فلتصلحن من بعده لمخارق

ولما عجز إبراهيم عن تدارك أرزاق جنده ، قيل علي سبيل السخرية به ، إنه سوف يغني للجند أصواتا بدل الرزق ، قال الشاعر : (تاريخ بغداد 142/6)

يا معشر الأجناد لا تيأسوا ***من رحمة الله ولا تقنطوا

فسوف تسقون حنينية *** يلتها الأمرد والأشمط

والمعبديات لقوادكم*** لا تدخل الكيس ولا تربط

وهكذا يرزق أجناده ***خليفة مصحفه البربط

ص: 120

الحنينية : أصوات من غناء حنين ، والمعبديات : غناء معبد، والبربط : آلة موسيقية .

ولما استكثر المعتصم ، وهو ببغداد من الاتراك ، فأخذوا يؤذون أهل بغداد ، وتأذت بهم العامة ، فذكر أنه ركب المعتصم في يوم عيد، منصرفأ من المصلي ، فلما صار في مربعة الخرسي ، قام إليه شيخ ، فقال له : يا أبا إسحاق ، فابتدره الجند ليضربوه ، فكفهم المعتصم عنه ، وقال له : مالك ؟ فقال له : لا جزاك الله عن الجوار خيرة ، جئت بهؤلاء العلوج ، فأسكنتهم بين أظهرنا ، فأيتمت بهم صبياننا ، وأرملت نسواننا ، وقتلت رجالنا ، فدفع ذلك المعصتم إلي بناء مدينة سامراء، والانتقال إليها . ( الطبري 18/9 ).

وقال رجل من بني كلاب ، لفتي استل فرسه : لا جزاك الله من طارق خيرا ، طلقت زوجتي ، وأخذت قعدتي ، وقتلت عبدي ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي تحقيق المؤلف ، رقم القصة 168/3 .وفي كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 363.

وذكر ابن بطة العكبري ، إنه قدم من عكبرا إلي بغداد ليقرأ علي أبي بكر بن مجاهد، فتقدم إليه ، وقال له : أنا غريب ، وينبغي أن تقدمني علي غيري ، فقال لي : من أي بلد أنت ؟ قلت : من عكبرا ، فقال : لا رد الله غربتك ، تغديت مع أمك ، وجئت إلي .

أقول : عكبرا من ضواحي بغداد ، تبعد عنها عشرة فراسخ ( نشوار المحاضرة ، رقم القصة 93/6 ). وروي أبو بكر الباغندي ، إنه طرق علي عبد الله بن أيوب المخرمي (ت 265 ) بابه ، وقال له : البشري ، خرج توقيع السلطان بتقليدك القضاء في بغداد أو سر من رأي ، فأطبق الباب في وجهه ، وقال له : بشرك الله

ص: 121

بالنار . ( نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 4/ 54).

وتزوج علي بن الحسين العلوي ، رقية بنت عمرو العثمانية ، وكانت تحت المهدي ، فغضب موسي الهادي ، وأحضره ، فقال له : أعياك النساء ، إلا امرأة المؤمنين ؟ فقال له : ما حرم الله علي خلقه إلأنساء جدي أما غيرهن، فلا، ولا كرامة ، فشجه بمخصرة في يده ، وأمر به فضرب خمسمائة سوط ( الطبري 219/8)

وفي السنة 290 توفي إسماعيل بن أحمد الساماني ، أمير خراسان وما وراء النهر ، وكان حليمة ، سمع يوما مؤدب ولده أحمد ، بشتم أحمد بقوله : الا بارك الله فيك ، ولا فيمن ولدك ، فدخل اليه ، وقال له : يا هذا ، نحن لم نذنب إليك ذنبأ ، فهل تري أن تعفينا من السب، وتخص به المذنب ، فارتاع المؤدب ، فخرج إسماعيل وأمر له بصلة ، يسكن بها روعه . ( ابن الأثير 5/8)

ولما بويع ابن المعتز بالخلافة ، خلافة يوم وليلة ، دخل عليه يحيي بن علي المنجم ، فسلم عليه بالخلافة ، فقال له : لا سلم الله عليك ، با كلب ، راجع القضة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 402.

وقال أبو الحسن البتي لشكح المنجم : لا بشرك الله بخير ، ولا حياك ولا بياك .

والسبب في ذلك : أن أبا الحسن ، كانت له عند الوزير مؤيد الملك حاجة ، ومر في طريقه علي شكح المنجم ، وكان أعمي ، فأصر أصحابه علي سؤال المنجم عما إذا كانت هذه الحاجة سوف يقضيها الوزير أم لا ، وسألوه ، فقال : حاجة أبي الحسن لا تنقضي ، فغضب أبو الحسن ، وقال له : لا بشرك الله بخير ، ولا حياك ولا بياك ، ثم نهض ، إلي ديوان الوزير ،

ص: 122

فلم يقض الحاجة ، وخرق الرقعة ( تاريخ الحكماء 211 و212) .

وعاد رجل مريضة ، فسأله عن علته ، فقال : وجع الركبتين ، فقال : لقد قال جرير بيت ذهب عني صدره ، وبقي عجزه ، وهو قوله :

وليس لداء الركبتين طبيب

فقال المريض : لا بشرك الله بخير ، لينك ذكرت صدره ، ونسيت عجزه ( اخبار الحمقي 163).

ص: 123

13 - شتائم مختلفة

وفي يوم الطف ، سنة 61 خرج زهير بن القين من أنصار الحسين ، فكلم أهل الكوفة ، فصاح به شمر ذي الجوشن : اسكت ، اسكت الله تأمتك ، فقال له زهير : يا ابن البوال علي عقبيه ، إنما أنت بهيمة . ( الطبري 426/5 )

ونشرت علي الأعمش امرأته، فكلم أحد أصحابه، واسمه أبو ليلي وطلب منه أن يدخل عليها ويصلحها ، فدخل عليها ، وقال لها : يا امرأة ، إن الله قد أحسن قسمك ، هذا شيخنا ، وسيدنا ، وعنه نأخذ دينا وحلالنا وحرامنا ، لا يغرك منه عموشة عينيه ، ولا خموشة ساقية ، ولا رعشة يديه ، فغضب الأعمش ، وقال له : قم ، أعمي الله قلبك ، فقد أخبرتها بطائفة من عيوبي لم تكن من قبل تعرفها ( وفيات الأعيان 401/2 واخبار الحمقي 146 )

وفي معركة العقر ، لما قتل يزيد بن المهلب ، وأخواه حبيب ، ومحمد ، كان أخوهما المفضل بن المهلب يحارب في جهة أخري ، فأتاه أخوه عبد الملك ، وخاف أن يخبره بقتل أخوته فيستقتل ، فقال له : إن الأمير قد آنحدر إلي واسط ، فانحدر المفضل عندئذ، ولما علم بقتل إخوته ، حلف ألا يكلم أخاه عبد الملك أبدأ ، وكانت عين المفضل قد أصيبت في حرب الخوارج ، فقال : فضحني عبد الملك ، فضحه الله ، ما عذري إذا

ص: 124

رآني الناس ، فقالوا : شيخ أعور مهزوم ، الا صدقني فقاتلت حتي أقتل . ( شرح نهج البلاغة 253/3).

وفي معركة الطف ، نادي شمر بن ذي الجوشن ، علي بالنار حتي أحرق هذا البيت علي أهله ، فصاح النساء وخرجن من الفسطاط ، فصاح به الحسين : يا ابن ذي الجوشن ، تدعو بالنار لتحرق بيتي علي أهلي ، حرقك الله بالنار . ( الطبري 5 / 438 ).

ولما خرج بهلول بن بشر في السنة 119، ببست بعث إليه خالد القسري ، جيشا من جند الشام ، فطعن بهلول قائد جيش الشام طعنة أنفذها ، فصاح القائد : قتلتني ، قتلك الله ، فقال بهلول : إلي النار أبعدك الله ( الطبري 7/ 131).

وخطب أبو حمزة الخارجي ، في أهل المدينة ، فقال لهم : أبعدكم الله وأسحقكم .

كان أبو حمزة الخارجي قد ظهر بمكة في السنة 129 في سبعمائة من أصحابه ، وهادنه عامل مكة عبد الواحد بن سليمان ، فلما انقضي الحج، جند عبد الواحد جيشا من أهل المدينة لحرب أصحاب أبي حمزة ، فلا قوه بقديد ، فقاتلهم أبو حمزة ، وانتصر عليهم ، وقتل منهم سبعمائة ، واستولي علي المدينة ، وصعد المنبر ، فقال : يا أهل المدينة ، سألناكم عن ولاتكم هؤلاء ، فأسأتم - لعمر الله - فيهم القول ، وسألناكم : هل يقتلون بالظن ؟ فقلتم لنا : نعم ، وسألناكم : هل يستحلون المال الحرام والفرج الحرام ؟ فقلتم لنا : نعم ، فقلنا لكم : تعالوا نحن وأنتم نناشدهم الله إلا تنحوا عنا وعنكم ، فقلتم : لا يفعلون ، فقلنا لكم : تعالوا نحن وأنتم نقاتلهم فإن نظهر ، نحن وأنتم ، نأت بمن يقيم فينا كتاب الله وسنة نبيه محمد صلي الله عليه وسلم ، فقلتم : لا نقوي علي قتالهم ، فقلنا لكم : فخلوا بيننا وبينهم ، فإن نظفر

ص: 125

نعدل في أحكامكم ، ونحملكم علي سنة نبيكم ، ونقسم فيئكم فيكم ، فأبيتم ، وقاتلتمونا دونهم ، فقاتلناكم ، فقتلناكم ، فأبعدكم الله ، وأسحقكم . ( الطبري 374/7 - 395).

ولما بايع الرشيد لأولاده ، بولاية العهد، واستحلف الأمين في الكعبة ، لأخيه المأمون ، رده جعفر البرمكي إلي الكعبة ، واستحلفه ثلاث مرات ، قال له : فإن غدرت بأخيك ، خذلك الله ، حتي فعل ذلك ثلاثأ ، في كل مرة يحلف له فيها ، وكان هذا من جملة الأسباب التي اضطغنت من اجلها زبيدة أم جعفر علي البرامكة ، وكانت أحد من حرض الرشيد علي استئصالهم ( مروج الذهب 2/ 279 ).

ولما قتل القائد يزيد بن مزيد الشيباني ، الوليد بن طريف الشيباني الخارجي ، في المعركة ، لبست ليلي أخت الوليد، الدرع والجوشن ، وحملت علي الجيش ، فعرفها يزيد ، وقال : دعوها ، ثم خرج إليها، فضرب بالرمح ، قطاة فرسها ، وقال لها : اغربي ، غرب الله عليك ، فقد فضحت العشيرة ، فاستحيت ، وانصرفت ( الاغاني 95/12و 96) .

ووقع الوزير علي بن عيسي ، وزير المقتدر ، إلي عامل من عماله ، كتابة بعزله ، قال فيه : قد كثرت منك الشكية ، وعظمت فيك البلية ، بفساد طويتك ، ورداءة نيتك ، وليس مثلك من رتب لمعالي الأمور ، ولا من يعتمد في صلاح الثغور ، وقد وقفت من خبرك علي الجل منه ، وعرفت حقيقة ما تناهي إلي عنه ، فانصرف خسيس القدر ، بت الله من العمر ( البصائر والذخائر57/1/2 ).

وشتمت امرأة زوجها، فقالت له : سود الله وجهك ، وبيض جسمك ، دعت عليه بالبرص ( بلاغات النساء 94).

ص: 126

وغضبت مغنية بواسط ، علي صاحبها المتخلف ، فقالت له : قطع الله ظهرك .

ذكر ذلك أبو أحمد الحارثي ، قال : كان عندنا بواسط ، رجل متخلف موسر ، اسمه أبو محمد بن أبي أيوب ، وكان يعاشرنا بمغنية يهواها ، وكان مما يقترحه عليها من غنائها ، صوت أوله .

إن الخليط أجد منتقله***ولو شك بين حملت إبله

فاقترحه عليها يوما ، وقال لها : غني لي :

إني خريت فجئت انتقله

فقالت له : قطع الله ظهرك ، أنا أغني شيئا من ذلك ؟ واقترح عليها مرة أن تغني صوت لها ، أوله :

خليلي هيا نصطبح بسواء***ونروي قلوب همهن صواد

فقال لها : غني يا ستي :

خليلي هيا نصطبح بسماد

فقالت له : إذا عزمت علي هذا فوحدك ، راجع القصة مفضلة في نشوار المحاضرة ج1 ص 101 و 102.

ص: 127

ص: 128

الفصل الثاني: شتائم غير موجعة

اشارة

أشد كلمة شتم سمعت من الحسن ، أنه كانت بينه وبين عمرو بن عثمان خصومة في أرض ، فعرض الحسن أمرأ لم يرضه عمرو ، فقال الحسن : فليس له عندنا إلا ما يرغم أنفه ، قال : وهذه أشد كلمة شتم سمعت من الحسن ( تاريخ الخلفاء 190).

ولما قتل المنصور محمد ( النفس الزكية ) ، وأخاه ابراهيم ، قال الجلسائه : والله ، ما رأيت رجلا أنصح من الحجاج لبني مروان ، فقام المسيب بن زهير الضبي، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما سبقنا الحجاج بأمر تخلفنا عنه ، والله ، ما خلق الله علي جديد الأرض خلقا أعز علينا من نبينا ، وقد أمرتنا بقتل اولاده فأطعناك وفعلنا ذلك ، فهل نصحناك أم لا؟ فقال له المنصور : اجلس ، لاجلست ( مروج الذهب 236/2).

وجاء أشعب الطامع ، الي أبي بكر بن يحيي ، من آل الزبير ، فشكا إليه حاله ، فأمر له بصاع من تمر ، ورأي أشعب في حال رثة ، فقال له : ويحك يا أشعب ، أنت في سنك ، وشهرتك ، تجييء في هذه الحال الرئة ، فلا تعطي ، إذهب فادخل الحمام ، وأخضب لحيتك ، وأعطاه ثياب صوف يلبسها ، ففعل ذلك ، وحسنت هيأته ، فذهب إلي هشام بن الوليد ، فسأله ، فأعطاه عشرين دينارا ، فطفق أشعب كلما جلس في حلقة ، قال : أبو بكر بن يحيي جزاه الله عني خيرة ، أعرف الناس كيف تكون المسألة ، ويقص عليهم

ص: 129

كيف نصحه ، فبلغ ذلك أبا بكر ، فقال له : يا عدو نفسه ، فضحتني في الناس ، أهذا جزائي منك ( الاغاني 143/19).

وقال المأمون لرجل تعرض له بالشام : أعزب ، فعل الله بك .

وسبب ذلك : إن رجلا تعرض بالشام للمأمون ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، أنظر لعرب الشام ، كما نظرت لعجم خراسان ، قال له ذلك مرارة ، فقال له المأمون : لقد أكثرت علي ، والله ، ما أنزلت قيس عن ظهور خيولها إلا وأنا أري أنه لم يبق في بيت مالي درهم واحد ( يعني فتنة ابن شبث العامري ) وأما اليمن ، فوالله ما أحببتها ولا أحبتني قط ( يريدان اليمانية هواهم مع بني أمية ) ، واما قضاعة فسادتها تنتظر السفياني حتي تكون من أشياعه، وأما ربيعة فساخطة علي ربها منذ أن بعث الله نبيه من مضر ولم يخرج منها اثنان ، إلا خرج أحدهما شارية ، أعزب ، فعل الله بك ( ابن الأثير 433و432/6).

وسأل المعتصم وزيره أحمد بن عمار البصري ، عن الكلا ، فقال : لا أدري ، فقال المعتصم : خليفة أمي ووزير عامي ( شذرات الذهب 78/2 )

وقال المعتصم ، لإسحاق الموصلي النديم : يا صفيق الوجه .

وسبب ذلك : إن المعتصم ، ذكر في مجلسه أحد أصحابه ، وكان غائبا فقال : تعالوا ، نقول ما يصنع في هذا الوقت ، وقال كل واحد شيئا ، حتي وصلت النوبة إلي إسحاق الموصلي ، وقال له المعتصم ، فقال : أقول فأصيب ، قال : أتعلم الغيب ؟ قال : لا ، ولكني أفهم ما يصنع ، وأقدر علي معرفته ، قال : فإن لم تصب ؟ قلت : وإن أصبت قال : لك حكمك، قلت : وإن لم أصب فلك دمي ، قال : وجب ، قلت : وجب ، فقال : قل ، قلت : هو الآن يتنفس ، قال : وإن كان ميتة ؟ قلت : تحفظ الساعة

ص: 130

التي تكلمت فيها ، فإن مات قبلها فقد قمرتني ، قال : قد أنصفت ، قلت : فالحكم ؟ قال : احكم ما شئت ، قلت : حكمي رضاك يا أمير المؤمنين ، قال : فإن رضاي لك ، وقد أمرت لك بمائة ألف درهم . أتري مزيد ؟ قلت : ما أولاك يا أمير المؤمنين بذلك ، قال : فإنها مائتا ألف ، أتري مزيدأ ؟ قلت : ما أحوجني إلي ذلك ، قال : فإنها ثلثمائة ألف ، أتري مزيدأ ؟ قلت : ما أولاك يا أمير المؤمنين بذاك ، فقال : يا صفيق الوجه ما نزيد علي هذا ( معجم الأدباء 208/207/2 ).

ولما اعتقل المتوكل، سليمان بن وهب ، أسلمه إلي إسحاق بن إبراهيم الطاهري ، ثم عتب عليه بعد أيام أنه لم يسيء معاملته ، ولم يحصل منه علي مال ، فأحضره إسحاق وقال له : يا فاعل ، يا صانع ، تعرضني الاستبطاء أمير المؤمنين ، والله لأفرق بين لحمك وعظمك ، ولأجعلن بطن الأرض أحب إليك من ظهرها، راجع تفصيل القصة ، وكيف تخلص من شدته ، في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، رقم القصة 73.

وكان الخليفة القائم بأمر الله ، نظيف اللسان ، وكان أشد ما يقول عند غضبه ، أن يقول لمن غضب عليه : يا عامي .

وذكر أبو الفضل محمد بن علي الوكيل ، قال : دخلت يوما إلي المخزن ( وزارة الداخلية ) فلم يبق أحد، إلا وأعطاني قصة ، فامتلأت أكمامي بالرقاع، فلما رأيت كثرتها ، قلت : لو كان هذا الخليفة أخي أو ابن عمي ، الضجر من كثرة هذه الرقاع ، فألقيتها في البركة ، وكان الخليفة يراني ، وأنا لا أعلم ، فلما وقفت بين يديه ، أمر الخدم فرفعوا الرقاع من الماء ، وشروها في الشمس ، وحملت الي الخليفة ، فوقع فيها بأجمعها ، ثم قال لي : يا عامي ، ما حملك علي هذا الفعل ؟ ( المنتظم59/8 ) .

ص: 131

وكان الملك الصالح نجم الدين بن أيوب ، ملك مصر (ت 647) نظيف اللسان أيضا ، لم تسمع منه كلمة قبيحة قط ، فكان أكثر ما يقول اذا شتم : با متخلف . ( النجوم الزاهرة 6/ 331 ).

ص: 132

1. قولهم أنت وتف الان : وسخ الأذن والتف : وسخ الاظفار شتم يستعمل في كل ما يتأذي منه الانسان

كانت سلمي بنت أبي حفصة ، تحت المثني بن حارثة الشيباني ، فلما قتل ، تزوجها سعد بن أبي وقاص ، فلما كانت ليلة أرماث ، اشتد القتال بين العرب والفرس ، فلما رأت شدة البأس ، صاحت : وامشياه ، ولا مشي لي اليوم ، فلطمها سعد ، فقالت له : أف لك ، أجبنا وغيرة ( الاغاني 5/19)

وجري بين الحسن وبين مروان كلام ، فأغلظ له مروان ، والحسن ساكت ، ثم امتخط مروان بشماله ، فقال له الحسن : ويحك ، أما علمت أن اليمين للوجه ، وأن الشمال للفرج ، أن لك ، فسكت مروان . (تاريخ الخلفاء 190).

ص: 133

2- قولهم : بفيه الكثكث

الكثكث ، والأثلب : فتات الحجارة والتراب كلمة تقال : لمن يطلب طلبة ، فيرد ردا عنيفا

دخل الأشعث بن قيس ، علي الإمام علي بن أبي طالب ، فوجد بين يديه صبية تدرج ، فقال : من هذه يا أمير المؤمنين ؟ قال : هذه زينب بنت أمير المؤمنين .

قال : زوجنيها يا أمير المؤمنين .

قال : أغرب ، بفيك الكثكث ، ولك الأثلب ، أغرك ابن أبي قحافة حين زوجك أم فروة ؟ إنها لم تكن من الفواطم ، ولا العواتك من سليم .

فقال : قد زوجتم من هو أخمل مني حسبة، وأوضع مني نسبا، المقداد بن عمرو ، وإن شئت فالمقداد بن الأسود .

قال علي : ذاك رسول الله صلي الله عليه وسلم فعله ، وهو أعلم بما فعل ، ولئن عدت إلي مثلها لأسوأنك ( العقد الفريد 136/6 ).

ولما أعلن ابن الزبير خلافته بمكة ، أبي عبد الله بن عباس ، وبنو هاشم ، أن يبايعوه ، فكتب يزيد بن معاوية الي عبد الله بن عباس ، يحضه علي ابن الزبير ، فأجابه ابن عباس ، بكتاب منه قال له فيه : بفيك الكثكث ، أنسيت قتلك حسينأ وفتيان بني عبد المطلب ، ولا شيء أعجب من طلبك ودي ونصري ، وسيفك يقطر من دمي . ( أنساب الاشراف 18/2/4 و19).

ص: 134

وغضب أبو البيان المؤدب ، علي مؤدب القاضي التنوخي ، صاحب نشوار المحاضرة ، وكان التنوخي صبيا في مكتبه ، فقال أبو البيان للمؤدب ، يا أبا جعفر ، التراب والجندل بفيك وعلي رأسك ، والويل والويح محيطان بك ، حقت بك اللعنة والخيبة ، راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة ج 3 ص148رقم القصة 100 .

قوله : التراب والجندل بفيك وعلي رأسك ، دعاء عليه بالموت .

ص: 135

3. قولهم : لا أم له ولا أب له

لا أتم لك ، ولا أبا لك : كلمتان تقال للشتم

واعتبرهما صاحب لسان العرب ، من ألفاظ الشتم الشديدة ، وقال : لا أم لك ، تعني : ليس لك أم حرة ، وهي سب صريح ، لأن بني الإماء عند العرب ، لا يلحقون ببني الحرائر ، وعلي تفسير آخر ، أن لا أم لك ، تعني أنه لقيط ، لا تعرف له أم .

وقال : إن كلمة لا أبا لك ، لا تترك من الشتيمة شيئا .

إلا أن الذي يظهر لي من استعمال هاتين الكلمتين ، أنهما ليست من الشتائم الموجعة عند العرب . .

والأصل في لفظة : لا أبا لك ، الشتيمة ، وقد تستعمل للاستعظام ، فيقولون في الرجل يقرظونه : لا أبا له ، وقال الحسن البصري ، وهو بذكر علي عليه السلام ، ويصف كونه علي الحق في جميع أموره ، حتي قال : فلما شارف الظفر ، وافق علي التحكيم ، ومالك والتحكيم والحق في يديك لا أبا لك .

وقال أبو العباس المبرد في الكامل : إن لا أبا لك ، كلمة فيها جفاء وخشونة ، كانت الأعراب تستعملها فيمن يستعظمون أمره ، وأنشد سليمان بن عبد الملك قول بعض الأعراب :

رب العباد مالنا ومالكا *** قد كنت تسقينا فما بدا لكا

ص: 136

أنزل علينا الغيث لا أبالك

فقال : أشهد أنه لا أب له ولا صاحبة ولا ولد ( شرح نهج البلاغة /133 و138).

قال الفاروق عمر ، لمولاه أسلم : لا أم لك .

وتفصيل ذلك : إن عمر خرج ليلا مع مولاه أسلم ، فأبصر نارة ، فدنا منها ، واذا قذر منصوبة علي النار ، فسأل امرأة كانت بجانب القدر ، ما الكم ؟ قالت : قصر بنا البرد والليل ، قال : فما بال هؤلاء الصبية بتضاغون ؟ قالت : الجوع، قال : وأي شيء في هذه القدر ؟ قالت : ماء سكتهم به حتي يناموا ، الله بيننا وبين عمر ، فقال لها : أي رحمك الله ، ما بدري عمر بكم ؟ ، قالت : يتولي أمرنا ويغفل عنا ، فعاد عمر يصحبه أسلم إلي دار الدقيق، فأخرج عذ فيه كبة شحم ، وقال لأسلم : أحمله علي ، فقال له أسلم : أنا أحمله عنك ، فصاح به : لا أم لك ، أتحمل عني وزري يوم القيامة ، ثم حمله وانطلق عائدة الي المرأة ، وأعانها في صنع الدقيق ، وجعل ينفخ النار تحت القدر ، وكان الدخان يتخلل لحيته ، حتي نضج ما في القدر ، وأكل الصبيان حتي شبعوا ، ورآهم يصطرعون ويضحكون ، ثم ناموا وهدأوا ، فقام عمر ، وقال لأسلم : إن الجوع أسهرهم وأبكاهم ، فأحببت أن لا أنصرف حتي أري ما رأيت منهم ( الطبري 206و205/4).

وصف أبو زبيد الطائي ، الأسد، وصفا دقيقا ، في مجلس الخليفة عثمان ، فصاح به عثمان : أكفف ، لا أم لك ، فلقد أرعبت قلوب المسلمين ، ولقد وصفته حتي كأني أنظر إليه ، يريد أن يوالبني ، أنظر وصفه للأسد في كتاب المحاسن والاضداد للجاحظ 57 و58 ، وفي هذا الكتاب في الفصل الأول من الباب الأول و الشتيمة مع ذكر الله تعالي

ص: 137

وقال معاوية بن أبي سفيان ، لجارية بن قدامة السعدي : لا أم لك .

وتفصيل القصة إن جارية بن قدامة السعدي ، وكان من أكابر أنصار الامام علي بن أبي طالب ، وفد علي معاوية بن أبي سفيان ، بعد مقتل علي ، فقال له معاوية : أنت الساعي مع علي بن أبي طالب ، والموقد النار في شعلك ، تجوس في القري تسفك الدماء ، فقال جارية : يا معاوية ، دع عنك عليا ، فما أبغضنا عليا منذ أحببناه ، ولا غششناه منذ صحبناه ، فقال له معاوية : ويحك يا جارية ، ما كان أهونك علي أهلك إذ سموك جارية ، فقال : أنت يا معاوية كنت أهون علي أهلك إذ سموك معاوية ، فقال له معاوية : لا أم لك ، فقال : لي أم ولدتني ، إن قوائم السيوف التي لقيناك بها بصفين لفي أيدينا ، فقال : إنك لتهددني ، قال : إنك لم تملكنا قسرة ، ولم تفتحنا عنوة ، ولكن أعطيتنا عهودة ومواثيق ، فإن وفيت لنا وفينا، وأن ترغب إلي غير ذلك ، فقد تركنا وراءنا رجالا مدادة ، وأذرعة شدادة ، وأسنة حدادة ، فإن بسطت إلينا فترة من غدر ، زلفنا اليك بباع من ختر ، فقال معاوية : لا أكثر الله في الناس أمثالك ( تاريخ الخلفاء 200).

وكان نصير ، والدموسي بن نصير فاتح الأندلس، علي حرس معاوية بن أبي سفيان ، ومنزلته عنده مكينة ، فلما خرج معاوية ، لقتال علي ، لم يخرج معه .

فقال له معاوية : ما يمنعك من الخروج معي ، ولي عندك دلم تكافئني عليها ؟

فقال : لا يمكنني أن أشكرك بكفر من هو أولي بشكري .

قال : ومن هو؟

قال : الله عز وجل .

قال : وكيف لا أم لك ؟

قال : لا أعلمك ، فأغض ، وأمض . ( وفيات الاعيان 319/5) .

ص: 138

أقول : يريد أن معاونة معاوية ، ضد الامام علي ، تعتبر معونة للباطل علي الحق ، وذلك لا يرضي الله عز وجل .

وغضب عبد الله بن عمر ، علي رجل حاول أن يتنقص الخليفة عثمان ، فقال له : أخرج لا أم لك ، راجع التفصيل في كتاب البصائر والذخائر ( 523/2/2 - 525).

وكان عروة بن الزبير ، عند عبد الملك بن مروان يحدثه ، وعنده الحجاج بن يوسف الثقفي ، فقال عروة ، في بعض حديثه : قال أبو بكر، يعني أخاه عبد الله بن الزبير ، فقال الحجاج : أعند أمير المؤمنين تكني ذلك الفاسق ، لا أم لك ؟ فقال عروة : ألي تقول لا أم لك ، وأنا ابن عجائز الجنة خديجة ، وصفية ، وأسماء ، وعائشة ، بل لا أم لك أنت ، يا ابن المستفرمة بعجم زبيب الطائف . ( الامتاع والمؤانسة 182/3 ).

وعطش الأخطل في مجلس عبد الملك ، وقال : يا أمير المؤمنين أريد خمرة . فقال له عبد الملك : ويلك ، أعهدتني أسقي الخمر ، لا أم لك ؟ ( الهفوات النادرة 30 و31).

وكان الحجاج بن يوسف الثقفي ، قد منع أن يدخل أحد مدينة واسط ، إلا بإذن منه ، ودخلها جرير الشاعر ، بلا إذنه ، فأحضره ، وأمر به فرمي في الخضراء ، فوقع علي وجهه في الماء ، ثم قال له : هيه ، ما أقدمك علينا بغير إذننا لا أم لك ؟ ( الاغاني 75/8 و76).

وقال الزهري لهشام بن عبد الملك : لا أبا لك .

وتفصيل ذلك : إن سليمان بن يسار دخل علي هشام بن عبد الملك ، فقال له : يا سليمان ، من الذي تولي كبره منهم ؟ ( پريد به حديث الإفك )، فقال له : هو ابن سلول ( پريد به عبد الله بن أبي ) ، فقال له : كذبت ، بل هو علي ( بريد به علي بن أبي طالب ) ، ثم دخل الزهري ، فقال له هشام :

ص: 139

يا ابن شهاب ، من الذي تولي كبره منهم ؟ فقال : هو ابن أبي ( پريد به ابن سلول ) ، فقال له : كذبت ، بل هو علي ، فقال له الزهري : أنا أكذب لا أبا الك ؟ والله ، لو نادي مناد في السماء إن الله قد أحل الكذب ، لما كذبت ( الوافي بالوفيات 26/5).

وقال هشام بن عبد الملك ، للإمام زيد بن علي بن الحسين : اسكت ، لا أم لك ، انت الذي تنازعك نفسك في الخلافة ، وأنت أبن أمة ؟

وتفصيل القصة : إن هشام بن عبد الملك ، كان أحول خشنة فظة

غليظة ( مروج الذهب 161/2)، قال له الإمام زيد : ليس أحد يكبر عن تقوي الله ، ولا يصغر دون تقوي الله ، فقال له هشام : اسكت ، لا أم لك ، أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة ، وأنت ابن أمة ، فقال : إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات ، وقد كانت أم إسماعيل أمة ، فبعث الله من نسلها نبيا ، وجعله للعرب أبأ ، وأخرج من صلبه خير البشر محمد ، وكانت كلمة هشام ، سببا في خروج زيد عليه ، إذ بادر لما خرج منه الي الكوفة ، وجمع جموعه ، وحارب حتي قتل ( مروج الذهب 162/2).

ورأي رجل ، معاوية ، في يوم صفين ، وقد قربت له دابته ليفر، فقال له : لو كانت هند بنت عتبة مكانك ما هربت ، واختارت أن تموت كريمة ، أو تعيش حميدة ، فقال له : أخفض صوتك لا أم لك ( البصائر والذخائر 798/2/2)

وغضب الفرزدق ، علي شاب من الأنصار ، فقال له : من أنت لا أم لك ؟

وتفصيل القصة : إن شابة أنصارية ، قصد الفرزدق ، وفاخره بحشان شاعر الأنصار ، وتلا علي الفرزدق قصيدة من قصائد حان ، وقال للفرزدق : أو جلك سنة ، فإن قلت مثله ، فأنت أشعر العرب ، فقال له الفرزدق : من

ص: 140

أنت لا أم لك ؟ فأخبره بنسبه . فنظم الفرزدق قصيدته الفائية .

عزفت بأعشاش وما كنت تعزف

فلما سمعها الأنصاري ، قام كئيبة ، ولما تواري طلع عليه جماعة من الأنصار ، فسلوا سخيمته ، وترضوه ( الاغاني 371/21 - 373).

وقال نوح بن جرير ، لأبيه : أنت أشعر أم الأخطل ؟ فنهره أبوه ، وقال له : بئس ما قلت ، وما أنت وذاك لا أم لك ، فقال له نوح : وما أنا وغيره ؟ فقال جرير : لقد أعنت عليه بكفر وكبر سن، وما رأيته إلا خشيت أن يبتلعني ( الاغاني 299/8 ).

وفي آخر مواجهة بين أبي مسلم والمنصور ، في السنة 137 عاتب المنصور أبا مسلم ولامه علي بعض تصرفاته ، فقال له أبو مسلم : ليس هذا يقال لي بعد بلائي ، وما كان مني ، فقال له : يا ابن الخبيثة ، إنما عملت ما عملت بريحنا ، ولو كان ذلك إليك ما قطعت فتي؟ لقد أرتقيت ، لا أملك ، مرتقي صعبا . ( الطبري 491/7 ) .

وذكر كاتب ابراهيم بن عبد الله بن الحسن العلوي قتيل باخمري، إن شيخأ من بني عبد القيس ، لطم فتي من فتيانهم ، وقال له : لا أم لك ، محنة كمحنة الخوارج ، وقد أثبتنا القصة بتفصيلها في هذا الكتاب ، في الباب الثالث : الضرب ، الفصل الثالث : اللطم ، وراجع كذلك كتاب البخلاء للجاحظ ص 197 و198 .

وقال المهدي ، لعمارة بن حمزة : من أرق الناس شعرأ ؟ قال : والبة بن الحباب ، قال : صدقت ، قال : فما منعك من منادمته يا أمير المؤمنين ؟ قال : قوله :

قلت لساقينا علي خلوة***أدني كذا راسك من راسي

ونم علي صدرك لي ساعة *** إني امرؤ أنكح جلاسي

أفتري أن أنادمه لا أم لك ؟ ( البصائر والذخائر 184/1).

ص: 141

وتقدم وكيل مؤنسة ( قهرمانة الخيزران ) إلي شريك القاضي ، مع خصم له ، فجعل يستطيل علي خصمه إدلالأ بموضعه من مؤنسة ، فقال له شريك : كف لا أم لك ، فقال : تقول لي هذا وأنا وكيل مؤنسة ؟ فقال شريك : يا غلام اصفعه ، فصفعه عشر صفعات ، راجع البحث في كتاب البصائر والذخائر للتوحيدي 214/1/3 .

وكتب الرشيد الي خزيمة بن خازم ، لما ولاه ارمينية ، فوضع فيهم السيف : لا أم لك ، تقتل ذا الذنب ومن لا ذنب له ( العقد الفريد 214/4 )

ولما قتل محمد الأمين ، دخل إلي السيدة زبيدة أمه ، بعض خدمها ، وقال لها : ما يجلسك وقد قتل أمير المؤمنين ؟ فقالت : ويلك ، ماذا أصنع ؟ ، قال : تخرجين ، فتطلبين بثأره ، كما خرجت عائشة تطلب بدم عثمان ، فقالت : اخسأ لا أم لك ، ما للنساء وطلب الثأر ومنازلة الرجال ؟ ثم أمرت بثيابها فسودت ، ولبست مسحة من شعر ( مروج الذهب 327/2 ) .

وشتم علي بن عيسي بن ماهان ، أمير خراسان للرشيد، كلا من الحسين بن مصعب وهشام بن فرخسرو ، فقال لكل واحد منهما : لا أم لك .

أقول : علي بن عيسي بن ماهان ، من كبار القادة العباسيين ، ومن أشد أعداء البرامكة ، ولاه الرشيد خراسان خلفا للفضل بن يحيي البرمكي ، فظلم وجار واعتدي ، ونهب وصادر ، وأهدي للرشيد هدايا ملأت عينه ، وقال اليحيي بن خالد البرمكي : أين كانت هذه الأموال في أيام الفضل ابنك ؟ فقال : كانت في بيوت أصحابها ، وهو من الأجوبة الجامعة بين الإيجاز والإعجاز ، وبلغ علي بن عيسي أن هشام بن فرخسرو ، والحسين بن مصعب ( والد طاهر بن الحسين ) يشيعان خبر عزله ، فأحضرهما ، ولما سلما عليه ،

ص: 142

قال للحسين: لا سلم الله عليك يا ملحد يا ابن الملحد، والله، إني لأعرف ما أنت عليه من عداوتك للإسلام وطعنك في الدين ، وما أنتظر بقتلك إلا إذن الخليفة فيه ، فقد أباح الله دمك ، وأرجو أن يسفكه الله علي يدي عن قريب ، الست المرجف بي في منزل هذا ( وأشار الي هشام ) بعدما ثمل من الخمر وزعمت أنه قد جاءتك كتب من مدينة السلام بعزلي ، أخرج إلي سخط الله ، لعنك الله ، فقال الحسين : أعيذ بالله الأمير أن يقبل في قول واش ، أو سعاية باغ ، فقال له علي : كذبت لا أم لك ، وقال لهشام بن فرخسرو : صارت دارك دار الندوة، يجتمع فيها إليك السفهاء، وتطعن علي الولاة ، سفك الله دمي إلن لم أسفك دمك ، فقال هشام : جعلت فداء الأمير ، أنا والله مظلوم ، والله ما أدع في تقريظ الأمير جهدأ ، وفي وصفه قوة إلا خصصته به ، وقلته فيه ، فإن كنت إذا قلت خيرة نقل شرا فما حيلتي ، فقال له : كذبت لا أم لك ، لأني أعلم بما تنطوي عليه جوارحك من أهلك وولدك ( الطبري325/8) .

وفي موقعة البويب ، في السنة 13 ، صف المثني جند المسلمين ، الحرب الفرس ، فأبصر رجلا يستوفز ويستنتل من الصف ، فقال : فقال : ما بال هذا ؟ قالوا : هو ممن فر من الزحف يوم الجسر ، وهو يريد أن يستقتل ، فقرعه بالرمح ، وقال : لا أبا لك ، الزم موقفك ، فإذا أتاك قرنك ، فاغنه عن صاحبك ، ولا تستقتل ( الطبري 461/3 ، 462).

وقال الخليفة الفاروق عمر ، لأبي سفيان : أسكت لا أبا لك .

وسبب ذلك : إن الخليفة عمر ، ضرب رجلا بالدرة ، فنادي : يا القصي ، فقال له أبو سفيان : يا ابن أخي ، لو قبل اليوم تنادي قضية ، لأتتك منها الغطاريف .

فقال عمر : أسكت ، لا أبا لك ، فقال أبو سفيان : ها ، ووضع سبابته علي فيه ( العقد الفريد50/1).

ص: 143

وقال عمرو بن العاص لعائشة : وددت أن قتل يوم الجمل .

قالت : ولم ، لا أبا لك ؟

قال : كنت تموتين بأجلك ، وتدخلين الجنة ، ونجعل قتلك أكبر التشنيع علي علي بن أبي طالب ( شرح نهج البلاغة 322/6 ) .

وفي وقعة مرج راهط ، صاح عبد الملك ، بوالده مروان بن الحكم : صه ، لا أبا لك .

وسبب ذلك : إن وقعة مرج راهط ، كانت بين القيسية ، وقد بايعوا بالخلافة عبد الله بن الزبير ، واليمانية ، وقد بايعوا مروان بن الحكم ، فخاض مروان المعركة ، وهو يترنم بهذا البيت :

وما ضرهم غير حين النفوس***أي أميري قريش غلب

يعني : إن هؤلاء القيسية ، واليمانية، حمقي ، فإنهم يقتتلون ، ويقتلون أنفسهم ، ليكون واحدا من قريش أميرا عليهم ، ولذلك أسكته ابنه .

وهذا البيت ، قالته أم مفجوعة ، قتل أولادها في إحدي معارك صفين ، فقالت تندبهم :

أيا عين بكي بدمع سرب***علي فتية من خيار العرب

وما ضرهم غير حين النفوس***أي أميري قريش غلب

ووعظ عمرو بن عبيد المنصور ، فأبكاه ، فقال له سليمان بن مالك رفقة بأمير المؤمنين ، فقال له عمرو : بمثلك ضاع الأمر وانتشر لا أبالك . ( شرح مقامات الحريري 333/1 ) .

ص: 144

4. قولهم : لا كرامة

لا كرامة : لفظة من ألفاظ الشتم والكرامة في اللغة : العزازة وقوله : لا كرامة لك ، أي لا عزازة ، ولا احترام لك

لما بلغ عبيد الله بن زياد ، موت يزيد بن معاوية ، خطب في أهل البصرة ، وطلب منهم أن يبايعوه ، فقام يزيد بن الحارث اليشكري ، وقال : لا والله ، ولا كرامة ، أخزي الله ابن سمية . ( الامامة والسياسة 16/2).

ووفد الحجاج بن يوسف الثقفي علي عبد الملك بن مروان ، ومع الحجاج ، عمارة بن تميم اللخمي ، فلما قام الخطباء بين يدي عبد الملك ، وأثنوا علي الحجاج ، وقف عمارة ، وقال : يا أمير المؤمنين لا رضي الله عن الحجاج ، ولا حفظه ، ولا عافاه ، فهو - والله - السيء التدبير ، الذي أفسد عليك أهل العراق ، وألب عليك الناس ، وما أتيت إلا من قلة عقله ، وضعف رأيه ، وقلة بصره بالسياسة ، ولك - والله - أمثالها ، إن لم تعزله ، فقال له الحجاج : مه يا عمارة ، فقال عمارة : لا مه ولا كرامة ، انظر القصة مفصلة في كتاب المحاسن والمساويء 100/1 و 101).

ويروي أن سليمان بن عبد الملك ، خرج في حياة أبيه ، لمتنه ، فبسط له في صحراء ، وتغدي مع أصحابه ، فلما حان انصرافه ، تشاغل غلمانه بالترحال ، وجاء أعرابي ، فوجد منهم غفلة ، فأخذ دواج سليمان ، فرمي به علي عاتقه ، وسليمان ينظر إليه فبصر به بعض حشمه فصاح به : ألق ما عليك ، فقال الأعرابي : لا لعمري ، لا ألقيه ، ولا كرامة ، هذا كسوة

ص: 145

الأمير وخلعته ، فضحك سليمان ، وقال : صدق ، أنا كسوته ، فاتركوه ( التاج للجاحظ 103 و104).

وتزوج علي بن الحسين العلوي ، رقية بنت عمرو العثمانية ، وكانت تحت المهدي ، فغضب موسي الهادي ، وأحضره ، فقال له : أعياك النساء ، إلا امرأة أمير المؤمنين ؟ فقال له : ما حرم الله علي خلقه إلأ نساء جدي أما غيرهن، فلا ولا كرامة، فشجه بمخصرة في يده، وأمر به فضرب خمسمائة سوط ( الطبري 219/8 ).

وقال الرشيد لمسلم بن الوليد : لا كرامة لك .

وسبب ذلك إن مسلم بن الوليد كان يمدح يزيد بن مزيد الشيباني ، وكان يزيد يبره ويعني به ، وأغضبه مرة ، وخشي أن يهجوه ، فأخبر الرشيد ، فدعا الرشيد مسلما ، وقال له : أتبيعني عرض يزيد ؟ قال : نعم ، قال : بكم ؟ قال : برغيف ، فغضب الرشيد ، وقال له : قد كان رأيي أن أشتريه منك بمال جسيم ، ولست أفعل ، ولا كرامة لك ، وأنا بريء من أبي ، ووالله ، والله ، إن بلغني أنك هجوته ، لانزعن لسانك من بين فكيك ( فوات الوفيات 141/4 ).

وروي صاحب كتاب الفرج بعد الشدة ، في القصة 378 قصة أبي جعفر بن شيرزاد ، لما أراد بجكم القبض عليه ، فتحصن في داره ، وكان لها أربعة عشر بابا ، إلي أربعة عشر شارعا ، وسكة ، وزقاق نافذة ، ومنها عدة أبواب لا يعرف جيرانها أنها تفضي إلي داره ، وكان يحرسه في الدار ثلثمائة من غلمانه المقاتلة بالسلاح الكامل ، فحضر إليه محمد بن ينال الترجمان حاكم بغداد من قبل بجكم ، ومعه أبو بكر النقيب، وأصرا عليه بالنهوض والسفر الي بجكم ، فاعتذر بأنه مريض ، فألح عليه ابن ينال وتشدد ، فغضب أبو جعفر ، وقال : لا أخرج ولا كرامة لك ، فأجهد جهدك ، راجع هذه القصة البالغة الطرافة ، في كتاب الفرج بعد الشدة

ص: 146

اللقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف . في القصة رقم 378.

وقالت غانية بغدادية ، لرجل بغدادي مستور : لا كرامة ولا عزازة .

وتفصيل ذلك : إن ابن سهلان ، ولي العراق لبني بويه في السنة 409 ووصل إلي بغداد ، والفتنة فيها قائمة علي قدم وساق ، فأنزل رجاله من الديلم في أطراف الكرخ ( محلة الشيعة ) وباب البصرة ( محلة الستة ) ليحول دون الإحتكاك بينهم، فتجاهر رجال الديلم بالفحشاء والفساد ، حتي أن رجلا من المستورين خرج في رمضان وهو صائم ، فلما رأي ما هم عليه من الفساد ، أراد أن يعود إلي داره ، فأمسكوا به ، وأكرهوه علي الدخول معهم الي دار نزلوها ، وألزموه بأن يشرب الخمر ، فامتنع فصبوها في فيه قهرأ ، ثم أحضروا غانية . وقالوا له قم إلي هذه الفتاة فافعل بها، فامتنع ، فألزموه ، وأدخلوه معها إلي بيت في الدار ، فأعطاها دراهم ، وقال لها : هذا أول يوم من أيام رمضان ، والمعصية فيه تتضاعف ، فخذي هذا الدينار ، وأخبريهم بأني قد فعلت ، فقالت : لا كرامة ولا عزازة لك ، أنت تصون دينك عن الزنا، وأنا أريد أن أصون كرامتي عن الكذب في هذا الشهر المبارك ، فصارت هذه الحكاية سائرة في بغداد ( ابن الأثير 307/9 ) .

ص: 147

5- قولهم : سوء له

السوءة ، في الأصل : الفرج والعورة وقد جاء في القرآن الكريم : بدت لهما سوء اتهما ، أي العورة ثم نقل التعبير إلي كل ما يستحيا منه وتقال بالنصب ، الأنها شتم للمخاطب ، ودعاء عليه

جيء إلي المنصور ، بخارجي خرج عليه ، فأسر ، فصاح به المنصور : يا ابن الفاعلة ، مثلك يهزم الجيوش ؟ فقال له الخارجي : ويلك ، سوءة لك ، بيني وبينك أمس السيف والقتل ، واليوم القذف والسب ، ما كان يؤمنك أن أرد عليك ، وقد يئست من الحياة ، فلا تستقيلها أبدأ ، فاستحيا منه المنصور ، وأطلقه . ( الطبري 68/8 ) .

وخطب المهدي يوما ، فقام إليه رجل، فقال له : اتق الله ، فأخذ، فحمل ، فجعلوا يتلقونه بنعال سيوفهم ، حتي أدخلوه علي المهدي ، فقال له : يا أبن الفاعلة ، تقول لي وأنا علي المنبر ، اتق الله ؟ فقال له : سوأة الك ، لو كان هذا من غيرك كنت المستعدي بك عليه ، قال : ما أراك إلا نبطي ، قال : ذاك أوكد للحجة عليك ، أن يكون نبطي يأمرك بتقوي الله ( الطبري 181/8 ).

ووجهت ريطة بنت أبي العباس السفاح ، زوجة المهدي ، إلي أبي العباس عبد الله بن مالك الخزاعي في شراء رقيق للعتق ، وأمرت جارينها عتبة ، وكانت لها ثم صارت إلي الخيزران بعدها، أن تحضر ذلك ، فإنها الجالسة إذ جاء أبو العتاهية ، وكان يتعشق عتبة في زي متنكر ، فقال لعتبة : جعلت فداك ، أنا شيخ ضعيف كبير ، لا أقوي علي الخدمة ، فإن رأيت

ص: 148

أعزك الله - أن تأمري بشرائي وعتقي ، فعل مأجورة ، فأقبلت علي عبد الله ، فقالت : إني لأري هيأة جميلة وضعفأ ظاهرة ، ولسانا فصيحة، ورجلا بليغة ، فاشتره ، وأعتقه ، فقال : نعم ، فقال أبو العتاهية : أتأذنين لي أصلحك الله في تقبيل يدك ، شكرا لك علي جميل فعلك ، وما أوليتني ، فأذنت له ، فقبل يدها وانصرف .

فضحك عبد الله بن مالك وقال : أتدرين من هذا ؟

قالت : لا.

قال : هذا أبو العتاهية ، وإنما احتال عليك حتي قبل يدك .

فسترت وجهها خجلا، وقالت : سوأة لك ، يا أبا العباس ، مثلك يعبث ، إنما اغتررنا بكلامك .

وقامت ، فلم تعد إليه . ( مروج الذهب252/2و253 ).

وذكر يزيد بن مزيد الشيباني ، إن الرشيد أرسل إليه ، فجاء لابسة سلاحه ، فلما رآه ضحك ، وقال له : من الذي يقول فيك :

تراه في الأمن في درع مضاعفة*** لا يأمن الدهر أن يدعي علي عجل ا

لله من هاشم في أرضه جبل***وأنت وأبنك ركنا ذلك الجبل

فقال : لا أدري ، فقال له الرشيد : سوأة لك ، تمدح بمثل هذا الشعر

ولا تعرف قائله . ( وفيات الأعيان 332/6 و 333 ).

وقدم هارون الرشيد الكوفة ، فكتب قومة من القراء ، أمر لكل واحد منهم بألفي دينار ، وكان ممن كتب داود الطائي ، فأخذ إليه الدراهم ابن السماك ، وحماد بن أبي حنيفة ، فلما دخلا عليه نثرا الدراهم بين يديه ، إغراء له بأن يأخذها ، فقال لهما : سوءة لكما ، إنما يفعل هذا بالصبيان ، وأبي أن يقبلها ( وفيات الأعيان 261/2).

ص: 149

وقال إبراهيم بن العباس ، لعلي بن الجهم : سوءة عليك ، سوءة لك ، ما أوقحك .

وسبب ذلك ، إن علي بن الجهم ، كان وقحا صلب الوجه ، فادعي لنفسه بيتين كان إبراهيم بن العباس ، قد نظمهما في محمد بن عبد الملك الزيات ، فقال له إبراهيم : هذان البيتان لي ، قلتهما في محمد بن عبد الملك ، فقال له : علي بن الجهم بقحة : ألم أنهك أن تنتحل شعري ؟ فغضب إبراهيم ، وجعل يقول له بيده : سوءة لك ، سوءة عليك ، ما أوقحك وهو لا ينكر ولا يخجل ( الاغاني 220/10 و 221) .

ص: 150

6- قولهم : ثكلته أمه

الشكل : الفقدان وقولهم : ثكلته أمه ، دعاء عليه بالموت

وفي وقعة الجمل ، لما عقر ، مال الهودج بعائشة ، فقال علي لمحمد بن أبي بكر : تقدم إلي أختك ، فدنا محمد، فادخل يده في الهودج ، فنالت يده ثياب عائشة ، فقالت : إنا لله ، من أنت ثكلتك أمك؟ فقال : أنا أخوك محمد . ( الاخبار الطوال 151).

لما أسر مسلم بن عقيل ، وجيء الي عبيد الله بن زياد ، كان مسلم قد أصابته ضربة قطعت شفته العليا، وأشرع السيف في السفلي ، ونصلت لها ثنياه ، وكان شديد العطش ، فلما انتهي إلي باب القصر ، إذا قلة باردة موضوعة علي الباب ، فطلب مسلم أن يشرب من الماء ، فقال له مسلم بن عمرو الباهلي : أتراها ما أبردها ، لا والله لا تذوق منها قطرة حتي تذوق الحميم في نار جهنم ، فقال له مسلم : ويحك ، لأنك الشكل ، ما أجفاك ، وما أفظك ، وأقسي قلبك وأغلظك ، ثم جلس متساندة إلي الحائط . (الطبري 373/5- 376) .

وفي معركة الطف ، لما بقي الحسين وحده ، بعد قتل أصحابه ، تحامي المحاربون قتله ، فصاح بهم شمر بن ذي الجوشن : ويحكم ماذا تنتظرون بالرجل ، اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم ، ( الطبري453/5 ) .

ولما أقبل الحسين إلي العراق . وبلغه مقتل مسلم بن عقيل ، أراد أن

ص: 151

يتنكب الطريق إلي العراق ، فحال الحر بن يزيد الرياحي بينه وبين ذلك ، فقال الحسين للحر : ثكلتك أمك ، ما تريد ( الطبري 402/5 ) .

ولما أراد الحجاج قتل ابن القرية ، قال له : ثكلتك أمك يا ابن القرية ، ثم قتله . ( وفيات الأعيان 253/1).

وطلب الحجاج الثقفي ، يوسف بن عبد الله بن عثمان ، ليقتله ، فاستأمن يوسف لدي عبد الملك بن مروان ، فكتب له أمانا ، وحضر بعد ذلك إلي مجلس الحجاج ، فقال له : ثكلتك أمك. ( الفرج بعد الشدة القصة رقم 146)

وتزوج الحارث بن السليل الاسدي ، بالرباب ابنة علقمة بن حفصة الطائي ، وكان الحارث شيخا ، فأبصرت زوجته فتية يعتلجون ويصطرعون ، فتنفست الصعداء ، وبكت ، فقال لها : ما يبكيك ، ثكلتك أمك . ( بلاغات النساء 95) .

ودخل الحسن البصري ، علي عبد الله بن الاهتم، يعوده في مرضه ، فرآه يصعد بصره في صندوق في بيته ، ويصوبه ، ثم التفت إلي الحسن ، فقال له : يا أبا سعيد ، ما تقول في مائة ألف ، في هذا الصندوق ، لم أؤد منها زكاة ، ولم أصل بها رحم ، فقال له : ثكلتك أمك ، ولمن كنت تجمعها ؟ ( العقد الفريد 212/3 ) .

ولما ورد الخبر بخروج محمد بن عبد الله ( النفس الزكية ) بالمدينة ، تسلم الربيع الخريطة وجاء بها الي المنصور ، وكان نائما ، فصاح الربيع بحماد ( حماد دنقش ) ، افتح الباب ، فقال : الساعة هجع أمير المؤمنين ، فقال له الربيع : افتح ثكلتك أمك ، فسمع المنصور كلامه ، وفتح له الباب ( مروج الذهب235/2).

وولي المنصور رجلا أعربية ، حضرموت ، فكتب إليه صاحب البريد ،

ص: 152

إنه يكثر من الخروج للصيد ، فعزله ، وكتب إليه : ثكلتك أمك ، وعدمتك عشيرتك ، إنما استكفيناك أمور المسلمين ، ولم نستكفك أمور الوحش . ( الطبري 68/8).

وطلب المهدي العباسي، سفيان الثوري (ت 161)، ليوليه القضاء ، ففر منه إلي البصرة ، وصار إلي بستان ، أجيرا يحفظ ثمارها، ومر به بعض العشارين ، فسأله من أين هو ؟ قال : من الكوفة ، فقال له : أخبرني رطب البصرة أحلي أم رطب الكوفة ؟ فقال له : لم أذق رطب البصرة ، فقال له : ما أكذبك من شيخ، الكلاب والبر والفاجر، يأكلون الرطب، وأنت تزعم أنك لم تذقه ، وعاد العشار إلي العامل فأخبره بما قال سفيان ، وهو لا يعرفه يعجبه منه ، فقال له العامل : ثكلتك أمك ، أدركه إن كنت صادقأ ، فإنه سفيان الثوري ، لنتقرب به إلي أمير المؤمنين ، فرجع ، فما قدر عليه . ( يعني إنه استر منه ). ( وفيات الأعيان 388/2 ) .

ص: 153

7- قولهم : يا عاجز

وقال محمد بن بشير ، قاضي قرطبة ، لمن عاتبه في حكم أصدره : يا عاجز .

وتفصيل القصة : إن الأمير سعيد بن عبد الرحمن ، عم الحكم الأموي ، صاحب الأندلس ، كانت له دعوي عند ابن بشير قاضي قرطبة ، وكانت في يده وثيقة فيها شهادات شهود قد ماتوا ، ولم يكن فيها من الأحياء إلا الأمير الحكم وشاهد آخر ، وكلفه القاضي بإقامة البينة ، فراجع الأمير الحكم ، وأخبره بالقصة ، وأراه الوثيقة وفيها شهادته ، فقال له الحكم : يا عم ، إنا لسنا من أهل الشهادات ، وقد التبسنا من هذه الدنيا بما لا تجهله ، ونخشي أن توقفنا مع القاضي موقف مخزاة كنا نفديه بملكنا ، فقال له عمه : سبحان الله ، وما عسي أن يقول قاضيك في شهادتك ، وأنت وليته ، وهو حسنة من حسناتك ، وقد لزمك في الديانة أن تشهد لي بما تعلم ، ولا تكتم ما أخذ الله عليك ، فقال الحكم : بلي ، إن ذلك لمن حقك كما تقول ، ولكنك تدخل علينا به داخلة ، فإن أعفيتنا منه فهو أحب إلينا ، وعلينا خلف ما انتقصك ، وإن أضطررتنا لم يمكنا عقوقك، فألح عليه ، فأرسل الحكم إلي فقيهين ، وخط شهادته بيده أمامهما ، وطلب منهما أن يؤدياها إلي القاضي ، فجاءه الفقيهان وهو في مجلس القضاء ، وأديا إليه شهادة الأمير الحكم ، فقال القاضي لهما : قد سمعت منكما ، فقوما راشدين ، وجاء وكيل الأمير سعيد

ص: 154

مدلا ، واثقا ، وطلب الحكم بموجب ما شهد الأمير ، فأخذ القاضي كتاب الشهادة ، ونظر فيه ، ثم قال للوكيل : هذه شهادة لا تعمل عندي ، فجئني بشاهد عدل ، فدهش الوكيل ، ومضي إلي الأمير سعيد ، فأعلمه ، فركب من فوره إلي الحكم ، وقال له : ذهب سلطاننا ، وأزيل بهاؤ نا ، يجتريء هذا القاضي علي رد شهادتك ، فقال له الحكم : يا عم ، القاضي رجل صالح ، فأحسن الله جزاءه ، ولما عوتب القاضي فيما أتاه من رد شهادة الأمير ، قال لمن عاتبه : يا عاجز، أما تعلم أنه لا بد من الإعذار في الشهادات ، فمن كان يجتريء علي الدفع في شهادة الأمير ، ولو لم أعذر لبخست المشهود عليه حقه ( نفح الطيب 146/2 - 148).

أقول : كان القاضي محمد بن بشير المعافري (ت 198 ) يقعد للقضاء ، وهو في زي الحداثة ، من الجمة المفرقة ، والرداء المعصفر ، وظهور الكحل في عينيه ، وأثر الحناء في يديه ، فإن رام أحد من دينه شيئا وجده أبعد من الثريا ، وجاء في أحد الأيام رجل يسأل عن القاضي ، فدل عليه ، فلما رآه توقف ، وقال : أنا رجل غريب ، وأراكم تستهزئون بي ، أنا أسألكم عن القاضي ، وتدلوني علي زامر ، فقالوا له : هو القاضي ، فلما تقدم إليه ، ورأي ما عنده ، عجب ، وكان يتحدث بقصته معه .

ص: 155

8- قولهم : يا هذا

قالت فتاة بصرية ، لشاب حجازي : با هذا ، أردت أن تجعلني كشاة عكرمة .

قال موسي السلاماني ، وكان أيسر تاجر بالبصرة : بينا أنا جالس ، إذ دخل علي غلام لي ، فقال : هذا رجل من أهل أمك يستأذن عليك ، وكانت أمه مولاة لعبد الرحمن بن عوف ، فقلت : ائذن له ، فدخل شاب حلو الوجه ، يعرف من هيأته أنه قرشي ، فقلت : من أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا عبد المجيد بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ، خال رسول الله قلت : في الرحب والقرب ، ثم قلت : يا غلام ، بره ، وأكرمه ، وألطفه ، وأدخله الحمام ، وآكسه قميص رقيقة ، ومبطنأ قوهيأ ، ورداء عمرية ، وحذرنا له نعلين حضرميين ، فلما نظر الشاب في عطفيه ، أعجبته نفسه ، فقال : يا هذا ابغني أشرف أيم بالبصرة ، أو أشرف بكر بها ، قلت : يا ابن أخي ، معك مال ؟ قال : أنا مال كما أنا ، قلت : يا ابن أخي كف عن هذا ، قال : انظر ما أقول لك ، قلت : فإن أشرف أيم بالبصرة هند بنت أبي صفرة ، وأشرف بكر بالبصرة الملاءة بنت زرارة بن أوفي الحرشي ، قاضي البصرة ، قال : انطلق بنا إليه ، فانطلقنا إلي المسجد، فتقدم ، فجلس إلي القاضي ، فقال له : من أنت يا ابن أخي ؟ قال : عبد المجيد بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف خال رسول الله ، قال : مرحبا ، ما حاجتك ؟ قال : جئت خاطبأ ، قال : ومن ذكرت ؟ قال : الملاءة ابنتك ، قال : يا ابن أخي ، ما بنا عنك رغبة ، ولكنها امرأة لا يفتات علي أمرها، فاخطبها إلي

ص: 156

نفسها ، فقام إلي ، فقلت : ما صنعت ؟ قال : كذا وكذا ، قلت : ارجع بنا ولا تخطبها ، قال : اذهب بنا إليها ، فدخلنا دار زرارة ، فإذا دار فيها مقاصير ، فاستأذنا علي أمها ، فلقيتنا بمثل كلام الشيخ ، ثم قالت : ها هي تلك في تلك الحجرة ، قلت له : لا تأتها ، قال : أليست بكرأ ؟ قلت : بلي ، قال : ادخل بنا إليها ، فاستأذنا ، فأذنت لنا ، فوجدناها جالسة وعليها ثوب قومي ، رقيق معصفر ، تحته سراويل پري منه بياض جسدها ، ومرط قد جمعته علي فخذيها، ومصحف علي كرسي بين يديها ، فأشرجت المصحف ، ثم نحته ، فسلمنا ، فردت ، ثم ركبت بنا ، ثم قالت : من أنت ؟ قال : أنا عبد المجيد بن سهل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ، خال رسول الله ، ومد بها صوته ، قالت : يا هذا إنما يمد الصوت اللساسانيين ، قال موسي فدخل بعضي في بعض قالت : ما حاجتك؟ قال : خاطبا ، قالت : ومن ذكرت ؟ قال : ذكرتك : قالت : مرحبا بك يا أخا أهل الحجاز ، ما الذي بيدك ؟ قال : لنا سهمان بخيبر ، أعطاناهما رسول الله ومد بها صوته ، وعين بمصر ، وعين باليمامة ، ومال باليمن ، قالت : پا هذا، كل هذا عنا غائب ، ولكن ما الذي يحصل بأيدينا منك ، فإني أظنك تريد أن تجعلني كشاة عكرمة ، أتدري من عكرمة ؟ قال : لا ، قالت : عكرمة بن ربعي ، فإنه نشأ بالسواد ، ثم انتقل إلي البصرة وقد تغذي باللبن ، فقال لزوجته : اشتري لنا شاة نحلبها ، وتصنعين لنا من لبنها شرابا وكامخا ، ففعلت ، وكانت عندهم الشاة إلي أن استحرمت ، فقالت : يا جارية ، خذي بأذن الشاة ، وانطلقي بها إلي التياس ، فأنزي عليها، ففعلت ، فقال التياس ، آخذ منك علي النزوة درهما ، فانصرفت إلي سيدتها ، فأعلمتها ، فقالت : إنما رأينا من يرحم ويعطي ، وأما من يرحم ويأخذ فلم نره ، ولكن ، يا أخا أهل المدينة ، أردت أن تجعلني كشاة عكرمة ، فلما خرجنا قلت له : ما كان أغناك عن هذا ، قال : ما كنت أظن أن امرأة تجتريء علي مثل هذا الكلام في (العقد الفريد 96/6 - 98).

ص: 157

9- قولهم : يا هناه

يا هناه : لفظة نداء ، فيها شيء من الاستهانة

وما زالت هذه اللفظة مستعملة في العراق ، لعين الغرض ، إلا أنها قد حذفت منها الهاء الأخيرة ، فالبغدادي ينادي : يا هنا .

وقال الشاعر :

وقد رابني قولها يا هناه***ويحك ألحقت شرأ بشر

قال عمرو بن العاص : ما رأيت معاوية قط متكئة علي يساره ، واضعا إحدي رجليه علي الأخري ، كاسرأ إحدي عينيه ، يقول للذي يكلمه : يا هناه ، إلا رحمت الذي يكلمه . ( البيان والتبيين 2/ 221) .

وقال هلال بن عليم الحنظلي لسعيد الحرشي أمير خراسان : يا هناه .

وسبب ذلك : إن سعيد الحرشي ولي خراسان ليزيد بن عبد الملك : فغزا في السنة 104 ونزل القصر ( قصر الريح) علي فرسخين من الدبوسية ، وأمر الناس بالرحيل قبل أن يجتمع إليه جنده ، فقال له هلال : يا هناه ، إنك وزيرا خيرا منك أميرة ، الأرض حرب ، شاغرة برجلها ، ولم يجتمع لك جندك ، وقد أمرت بالرحيل ، قال : فكيف لي ؟ قال : تأمرهم بالنزول ، ففعل ( الطبري 7/7 ).

وكلم يزيد بن عمر بن هبيرة ، القائد الأموي ، وكان آخر أمير للأمويين علي العراق ، المنصور العباسي ، والمنصور يومئذ أمير ، فقال له : يا هناه ،

ص: 158

ويا أيها المرء ، ثم رجع فقال : أيها الأمير ، إن عهدي بكلام الناس بمثل ما خاطبتك به حديث ، فسبقني لساني إلي ما لم أرد ( الطبري455/7 ووفيات الاعيان 316/6)

وخطب حضري بدوية ، فأبته ، وقالت لعمها ، تزوجني غلام حضريا ، يقول لي : يا هنه يا بنت الهنة ( بلاغات النساء 57 ) .

ص: 159

ص: 160

الفصل الثالث: المعايرة

اشارة

المعايرة : نسبة المشتوم إلي ما يعيب .

ويشتمل البحث في هذا الفصل ، علي الأقسام التالية :

القسم الأول : المعايرة بالعاهة

القسم الثاني - المعايرة بالصناعة

القسم الثالث - المعايرة بالنحلة

القسم الرابع - المعايرة بالنسبة

القسم الخامس - المعايرة بالابوين

أ- المعايرة بالأب

ب - المعايرة بالأم

القسم السادس - المعايرة بالصفات السيئة

أ- المعايرة بالصفات الخلقية

ب - المعايرة بالصفات العارضة .

ص: 161

ص: 162

القسم الأول: المعايرة بالعاهة

العامة في الإنسان : الفساد في أحد أعضائه ، و كالعمي ، والعور ، والعرج . روند درج العرب علي أن لا يعيروا أحدا بعاهة أصابته ، لأنهم ينظرون إلي الأصل والملكات ، ولا ينظرون إلي الصفات العارضة .

وكان هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، أعور ، أصيبت عينه في فتح جلولاء ، وكان يلقب بالمرقال ، لأنه كان يرقل في مشيته إذا دخل المعركة ، وكان في أيام صفين ، يحمل الراية وهو يرتجز :

أعور يبغي نفسه محلا***قد عالج الحياة حتي ملا

يتلهم بذي الكعوب تلا***لا بد أن يفل أو يفة

ثم بدأوا من بعد ذلك ، يعيرون بالعاهات .

والبغداديون يكنون عن الأعور بقولهم : كريم العين ، وإذا أرادوا السخرية ، قالوا : صفحة چول ، أوتك گلوب ( راجع كتابنا في الكنايات العامية البغدادية ) فإذا أضاف إلي عوره خلة سوء ، قالوا عنه : أعور نجس ، وإذا كان أعور شريرا كنوا عنه بقولهم : شمر ، يريدون إنه في عوره وسوء خلقه كالشمر بن ذي الجوشن ، أحد قتلة الحسين عليه السلام في وقعة الطف بكربلاء ، والمتعارف عند البغداديين جميعا أن الشمر كان أعور ، هذا

ص: 163

علي أني لم أجد فيما لدي من مراجع ما يؤيد عور شمر وإنما كان مصابا بالبرص .

ولما بويع عثمان بالخلافة ، جاء المغيرة بن شعبة ، فبايعه ، وقال له : لو بايع عبد الرحمن بن عوف ) غيرك ما رضينا، فقال له عبد الرحمن : كذبت يا أعور ، لو بايع غيره لبايعته ، ولقلت هذه المقالة ( الطبري 239و234/4)

وفي السنة 36 عزل الإمام علي ، قيس بن سعد ، عامله علي مصر ، بمحمد بن أبي بكر، فانزعج سعيد من عزله، ورحل من مصر إلي المدينة، فجاء إليه حسان بن ثابت ، وكان عثمانية ، فقال له في شماتة : نزعك علي ، وقد قتلت عثمان ، فبقي عليك الإثم ، ولم يحسن لك الشكر ، فقال له قيس : يا أعمي القلب والبصر ، والله لولا أن ألقي بين رهطي ورهطك حربا ، لضربت عنقك ، أخرج عني ( البطري 555/4 )

وقالت أم المؤمنين عائشة ، لأبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب : با أحول، يا خبيث ، وسبب ذلك : أن أبا سعيد بن عقيل، تكلم في مجلس معاوية ، فنال من الزبير ، بمحضر من ولده عبد الله ، وبلغ ذلك أم المؤمنين عائشة ، فلما مر أبو سعيد بفنائها ، صاحت به : يا أحول ، يا خبيث ، أنت القائل لابن أختي كذا وكذا ؟ فالتفت أبو سعيد فلم ير أحدأ ، فقال : إن الشيطان يراك من حيث لا تراه ، فضحكت عائشة ، وقالت : الله أبوك ، ما أخبث لسانك ( اعلام النساء 3/ 99).

وقال معاوية، لأبي هوذة بن شماس الباهلي : لقد هممت أن أحمل جمعة من باهلة ، في سفينة ، ثم أغرقهم ، فقال أبو هوذة : إذا لا ترضي باهلة بعدتهم من بني أمية ، قال : اسكت أيها الغراب الأبقع ، وكان به برص ، فقال أبو هوذة : إن الغراب ربما درج إلي الرخمة حتي ينقر دماغها

ص: 164

ويقلع عينيها ، فقال يزيد بن معاوية : ألا تقتله يا أمير المؤمنين ؟ ، قال : مه ، ونهض معاوية ، ثم وجهه بعد ذلك في سرية ، فقتل ، فقال معاوية ليزيد : هذا أخفي وأصوب ( الحيوان 428و427/3)

وعير الاحنف بن قيس . لأنه قال للحباب بن المنذر : إسكت يا آدر ، وكان الحباب آدر ، وعد ذلك من سقطات الاحنف (سرح العيون 57)

وشتم الوليد بن يزيد ، عمه هشام بن عبد الملك ، فقال عنه : الأحول المشؤوم، وكان هشام ينبز بالأحول، لحول في عينه (الطبري 146/7 ، 253 ، 212 )

وجاء رجل نصراني ، إلي الخليفة عمر بن عبد العزيز ، وأدعي علي هشام ، أنه غصب ضيعة له ، فقال عمر لهشام : قم مع خصمك ، وجلسا جميعا بين يديه ، فجعل هشام ينتهر خصمه ، فقال له عمر : يا أحول ، عندي تنتهره ، إن عدت عاقبتك ، راجع تفصيل القصة في العيون والحدائق60/3

وفي السنة 128 حارب الحارث بن سريج، نصر بن سيار أمير خراسان ، وفي إحدي المعارك ، قابل عصمة بن عبد الله الأسدي ، صالح بن القعقاع الأزدي ، فقال له عصمة : تقدم يا مزوني ، فقال له صالح : اثبت باخصي ( الطبري 336/7)

أقول : المزوني : كلمة يعير بها الأزد ، والنسبة إلي المزون ، قرية من قري عمان يسكنها اليهود والملاحون ، ليس بها غيرهم ، ويراد بالمزوني : الملاح ، وهي نسبة يعير بها الأزد ، قال الكميت :

فأما الأزد أزد أبي سعيد***فأكره أن أسميها المزونا

ص: 165

وقال زيد بن مرة اليشكري ، يهجو أزدية :

تبدلت المنابر من قريش ***مزونيا بصفحته الصليب

وأما قول صالح لعصمة : يا خصي ، فلأنه كان عقيما ، ولعله كان سناطأ لا شعر في وجهه ، فيكون مشبها للخصي ، وقد لقب قيس بن سعد بن عبادة ، بالخصي ، لأنه كان سناطأ أيضأ .

وقال شداد الحارثي : لقيت أسود بالبادية ، فقلت له : لمن أنت يا أسود ؟ ، فقال : السيد الحي يا أصلع ، قلت : ما أغضبك من الحق ؟ قال : الحق أغضبك ، قلت : أولست بأسود ؟ ، قال : أو لست بأصلع؟ ( البيان والتبيين 2/ 77 والعقد الفريد 4/ 41)

وفي السنة 129 كانت العصبية قد اشتدت بين المصرية واليمانية بخراسان ، وكان نصر عامل خراسان ، زعيم المصرية ، وجديع بن علي الكرماني ، زعيم اليمانية ، وكان جديع أعور ، وحاول بعض الرؤساء من أهل خراسان أن يصلح بينهما، ليتفقا علي أبي مسلم الخراساني الذي كان قد ظهر وأعلن الدولة العباسية ، فكان الكرماني يعارض في مصالحة نصر ، فقال له أحدهم : يا أعور ما أخلقك أن تكون الأعور الذي بلغنا أن يكون هلاك مضر علي يديه ( البطري365/7)

ويظهر من أبيات لابن بسام ، أن المعتضد كان آدر ، إذ قال فيه :

ترك الناس بحيره ***وتخلي في البحيرة

قاعدة يضرب بالطب*** بل علي بطن دريره

ودريرة هذه حظية المعتضد ( معجم الأدباء 5/ 320 والوزراء 203)

وابن بسام هذا ، آية في لطف الإشارة ، والأناقة في التعبير ، مع الهجو اللاذع، ومن شتائمه البديعة ، قوله يهجو أحد الفتيان :

ص: 166

يا ابن الدهاليز ويا نشو السكك *** ويا ابن عجل لا يجي زوجي يرك

ويذكرني قول ابن بسام هذا ، بشتيمة سمعت أبا ناظم جعفر بن محمد الچلبي رحمه الله ، يشتم بها شخصأ ، وكان في موضع تقية ، فقال عنه : إنه ابن عشاير ، وظاهر الكلمة المديح ، ولكن باطنها الذم ، لأنه عني بقوله أنه ابن عشائر ، أنه كثير الأباء .

وكان ابن بسام ، شديد الوطأة علي القاسم بن عبيد الله ، وزير المكتفي ، ينتهز كل فرصة ليهجوه ، فلما مات أبو محمد ، أخو القاسم ، قال ابن بسام يعزي أباه عبيد الله بن سليمان ، ويهجو القاسم ، دون أن يذكر اسمه : [ معجم الأباء 5 / 322]

قل لأبي القاسم المرجي***قابلك الدهر بالعجائب

مات لك ابن وكان زينأ ***وعاش ذو الشين والمعايب

حياة هذا كفقد هذا *** فلست تخلو من المصائب

ويظهر من قول الشاعر ابن عنين ، أن السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله كان أعرج ، وأن عماد الدين الأصبهاني كاتبه ، كان ضعيف البصر ، كما إن وزيره القاضي الفاضل كان أحدب ، قال ابن عنين : [ ديوان ابن عنين 210 و 211]

سلطاننا أعرج وكاتبه***ذو عمش والوزير منحدب

وروي لنا ابن بطوطة إن الحرافيش بمصر ، اجتمعوا وشتموا السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون (ت 761 ) لما حبس الأمير طشط ، قال : إن من جملة الأمراء الذين كانوا بالقاهرة ، لما زارها في السنة 726 الأمير طشط ، وكان محسن للأيتام من كسوة ونفقة ، وأجرة لمن يعلمهم القرآن ، وله إحسان علي الحرافيش ، وهم طائفة كبيرة ، أهل صلابة وجوه وزعارة ، وقد سجنه الملك الناصر محمد بن قلاوون ، مرة ، فاجتمع آلاف

ص: 167

من الحرافيش ، ووقفوا بأسفل القلعة ، ونادوا بلسان واحد: يا أعرج النحس ، أخرجه ، وكان الملك الناصر أعرج ، فأخرجه (مهذب رحلة أبن بطوطة 1 / 33 )

ص: 168

القسم الثاني: المعايرة بالصناعة

كان الأشراف من قريش، في الجاهلية، لكل منهم صناعة، وقد ذكر الثعالبي في الطائف المعارف ، وابن قتيبة في المعارف ، وابن رسته في الأعلاق النفسية ، أسماء بعض هؤلاء الأشراف ، وصناعاتهم ، فقد كان أبو طالب يبيع العطر ، وأبو بكر وعثمان ، وطلحة ، وعبد الرحمن بن عوف ، يبيعون البر ، وكان الزبير ، وعمر بن العاص ، وعامر بن كريز جزارين ، وكان أبو سفيان زياتأ ، والعاص بن وائل بيطارة .

وروي عن الخليفة عمر ، أنه قال : لو خيرت بين الصناعات ، لاخترت أن أكون عطارة ( بائع عطر ) ، فإن فاتني ربحه ، لم يفتني ريحه .

وكان يزيد بن المهلب ، لما ولي خراسان ، اتخذ بستانا في داره بمرو، فلما ولي قتيبة خراسان ، جعل البستان لإبله ، فقال له مرزبان مرو : كان هذا بستانا ليزيد ، وقد جعلته لإبلك ، فقال له قتيبة : لأن أبي كان اشتربان ( صاحب إبل ) ، وأبا يزيد كان بستان بان ( بستانية ) .

ولما جاء الإسلام ، واشتغل العرب بالفتوحات ، قل انصرافهم إلي الصناعات ، ولكهنم لم ينقطعوا عنها انقطاعا تاما، إلا أنهم اعتبروا بعض الصناعات ، من الصناعات الدنيئة ، كالحجامة ، والحياكة .

وأهديت لزياد بن أبيه ، فيلة ، وكان ينفق عليها في كل يوم عشرة

ص: 169

دراهم ، فتقدم رجل من أهل ميسان ، اسمه معدان ، وقال : ادفعوها إلي ، وأتحمل أنا مؤونتها ، وأعطيكم في كل يوم عشرة دراهم ، فدفعوها إليه ، فاحترف عرضها علي الناس ، وأثري ، وأبتني قصرة ، ونسب إلي حرفته ، فصار إسمه : معدان الفيل ، ونشأ له ولد اسمه عنبسة، تأدب ، وفصح ، وظرف ، وأعان جريرا علي الفرزدق ، فهجاه الفرزدق ، وعيره بحرفة أبيه ، فقال :

لقد كان في معدان والفيل زاجر***العنبسة الراوي علي القصائدا

فسار الشعر في البصرة ، وسئل عنه عنبسة ، فغير فيه كلمة الفيل ، وأنشده .

لقد كان في معدان واللؤم زاجر

فقال له أبو عيينة بن المهلب : وأبيك ، إن شيئا فررت منه إلي اللؤم العظيم ( معجم الأدباء 91/6 و 92) .

وكانت الحجامة من المهن المحتقرة عند العرب ، ويروي أن الفرزدق الشاعر ، دخل علي بلال بن أبي بردة بن أبي موسي الأشعري ، وكان بلال يتحدث بمآثر جده أبي موسي ، وأراد الفرزدق أن يفحمه ، فقال : من مآثر أبي موسي إنه حجم النبي صلوات الله عليه ، يشير إلي أنه كان حجامة ، فقال بلال : إنه حجمه تبركا ، ولم يحجم أحدا غيره ، لا قبله ولا بعده ، فقال الفرزدق : أيها الأمير ، جدك أتقي له من أن يجرب برأس نبيه ، يشير إلي أنه حجام محترف ، فأفحم بلال ولم يحر جوابأ ( وفيات الأعيان 11/3 )

ووصفوا بعض الصناعات ، بأنها تنقص من عقل صاحبها ، وعيروا بها ، كتأديب الصبيان مثلا ، فإن اتهام المؤدب بالخفة ، أو بنقص العقل ، دفع بالجاحظ إلي تأليف كتاب في هذا الموضوع .

وقد حفظت ، وأنا صبي ، بيتين من الشعر ، كانا شائعين في بغداد

ص: 170

علي ألسنة جميع الناس ، عامتهم وخاضتهم ، ولا أعرف لمن هما :

إن الرقاعة جمعت في ستة *** في حائك ومنجم وسكافي

ومعلم الأولاد يفتي بينهم ***وكذاك في الحلاق والنداف

قد أدركت الزراعي في العراق ، وهم لا يرضون بزرع حاصل غير الحنطة والشعير والأرز ، لا يبغون بغيرها بد ، ويعتبرون زراعة غير هذه الأصناف عارة ، وكانوا يعيبون ( الكرادة ) ، أي أصحاب الكرود المحيطة ببغداد ، من شماليها وجنوبيها ، لأنهم يزرعون الخضر ، ويعيرونهم بأغنية ، كنت أسمعها وأنا صبي ، مطلعها : كرادي ، كرادي ، يا بو باذنجانة.

وقد تعب المرحوم الملك فيصل الأول ، مع الزراع في العراق ، من أجل أن يقنعهم بزرع القطن ، وكانت له سوق رائجة في العالم ، وكانت مصر قد ازدهرت من وراء زرع القطن ، وبذل الملك فيصل رحمه الله ، جهده في ذلك ، فأطاعه البعض ، وتهرب البعض الأخر وهم الأكثر .

وكما كان الزراع يحتقرون من يزرع الخضر ، كذلك كانوا يحتقرون التاجر الصغير الذي يفتح دكانا في قريتهم ، لبيع ما يحتاجه المزارع، من أشياء . من خيوط ، وابر ، وقماش ، وورق ، وأقلام ، إلي غير ذلك ، ويسمونه : البقال ، وكان أمثال هذا التاجر ، يثرون ، ويتمولون ، من وراء التعامل مع المزارعين ، ولكنهم يبقون في نظر المزارع، بقالين ، فلا ترتفع أقدارهم ، مهما زادت ثرواتهم .

واتذكر ، أن نزاع نشب في الأربعينات ، بين أهالي قلعة سكر ، وأهالي الكرادي ، بلدتين علي نهر الغراف ، في منطقة إدارية واحدة ، وكانت قلعة سكر ، فيها مقر الحاكم الإداري (القائمقام)، والمحكمة ، وكنت حاكما (قاضيا) فيها في السنة 1934 فكان لها الفضل علي الكرادي ، وأراد أهل الكرادي نقل المحكمة ، والحاكم الإداري إليهم ، ونشبت بينهم معركة ظهر

ص: 171

أثرها في البرقيات التي كانوا يبرقونها إلي السلطات في بغداد ، وكان أشد ما يعير به أهل الكرادي ، خصومهم أهالي قلعة سكر ، أنهم كانوا يسمونهم : بقالي قلعة سكر ، معتبرين هذه النسبة من أشنع ألوان الشتيمة .

وخطب الإمام علي ، علي منبر الكوفة ، فقام الأشعث بن قيس ، وقال له : هذه عليك لا لك ، فغضب الإمام ، وقال له : وما علمك بما علي مما الي ، منافق بن كافر ، حائك بن حائك ( شرح نهج البلاغة 75/4)

وفي السنة 102 بعد معركة العقر التي قتل فيها يزيد بن المهلب ، طلب الورد بن عبد الله بن حبيب السعدي الأمان ، فأحضره مسلمة ، وشتمه ، وقال له : صاحب خلاف ، وشقاق ، ونفار ونفاق ، في كل فتنة ، مرة مع حائك كندة ( يريد ابن الأشعث ) ومرة مع ملاح الأزد ( پريد ابن المهلب ) ، ما كنت بأهل أن تؤمن ( الطبري610/6).

أقول : إن تعيير الأزد ، بأنهم ملاحون ، حصل في أكثر من موضع واحد ، وزمان واحد ، فإن مسلمة بن عبد الملك ، لما انتصر علي يزيد بن المهلب ، في معركة العقر ، وقتل يزيد في المعركة ، صلب مسلمة جئته ، وعلق مع الجثة خنزيرة ، وسمكة ، وزق خمر ( الغيث المسجم 2/ 182)، يريد بالسمكة ، أن يزيد من الأزد ، فهو ملاح ، وبزق الخمر، أنه سكير ، وبالخنزير مجرد الشتم .

وكذلك الحال لما حارب نصر بن سيار ، أمير خراسان ، جديع بن علي الكرماني ، وقتل جديع في المعركة ، فأخذه نصر وصلبه ، وصلب إلي جانبه سمكة ، يشير إلي أن جديع ، أزدي ، فهو ملاح ( الطبري 370/7 )

وتساب خالد القسري، وهو في حبس يوسف بن عمر، مع يوسف، لما أحضره من الحبس فقال له : يا ابن الكاهن ، يعيره بأن جده ( شق ) الكاهن المعروف في الجاهلية ، فقال له خالد: أتعيرني بشرفي يا ابن الخمار ، وكان

ص: 172

أبو يوسف وجده بالطائف أصحاب حانة ( الأخبار الطوال 344 )

وشتم أبو الهيثم بن ثوابة ، أبا العيناء ، فقال له : ما أنت والد خول بيننا با مكدي ، راجع القصة في البصائر والذخائر577/2/2

وفي السنة 384 نشبت في السوس بالأهواز ، معركة بين جيش صمصام الدولة ، وجيش بهاء الدولة ، وانكسر جيش صمصام الدولة ، ووقف سعادة ( أحد قواد صمصام الدولة ) ، ممسكا بعنان فرس صمصام الدولة ، متحيرة ، لا يدري ما يصنع ، فقال له يا رغ ( أحد القواد الأتراك في جيش بهاء الدولة ) ، بالفارسية : ما وقوفك يا حجام ؟ خذ صاحبك وانصرف ( ذيل تجارب الأمم 256)

أقول : أراد يا رغ بقوله هذا ، الإبقاء علي حياة صمصام الدولة وقائده ، جريأ علي عادة القواد القدماء ، فإنهم كانوا عند انتصارهم يتغاضون عن استئصال الخصم ، ويعتبرون ذلك من آيين الفروسية .

ص: 173

القسم الثالث: المعايرة بالنحلة

المعايرة بالنحلة تعني اتهام المشتوم بانتحاله غير الإسلام ، كأن يقال له : باطني ، أو ملحد، أو قرمطي ، أو زنديق ، أو منافق ، أو يهودي ، أو كافر .

الكفر ؛ في الأصل ، الستر والتغطية والكفر بنعم الله : جحودها . والكفر بالدين : انكاره ، وهو ضد الإيمان ، الذي هو التصديق . والملحدون : فرقة من الدهرية، والإلحاد الكفر .

والباطنية : فرقة من المسلمين ، لزمهم هذا اللقب ، لحكمهم بأن لكل ظاهر باطنأ ، ولكل تنزيل تأوي . للتفصيل راجع كتاب الملل والنحل للشهرستاني26/2 - 36.

والقرامطة : فرقة من المسلمين ، ذات نحلة باطنية ، عرفت في السنة 278 بدأها رجل يلقب بقرمط ، قدم إلي سواد الكوفة يدعو إلي إمام من أهل بيت الرسول صلوات الله عليه ، وأتبعه قوم ، فسموا القرامطة ، وانتشرت دعوته ، واستولي أتباعه علي القطيف ، ثم اتسعت رقعة حكمهم ، فشملت بادية السماوة وبادية كلب ، وفتحوا البصرة ، والكوفة ، وقاربوا بغداد ، وحصروا دمشق وحلب ، وفتحوا طبرية والأردن ، وهاجموا الحجاز ، وفتحوا مكة ، وقتلوا الحجاج في الحرم قتلا ذريعة ، وقلعوا الحجر الأسود ، وأخذوه إلي عاصمتهم هجر، واجتاحوا قوافل الحجاج أكثر من مرة ، وذبحوهم وسبوا

ص: 174

النساء ، راجع أخبارهم في الطبري ج. 10 وتجارب الأمم ج- 1 والمنتظم ج-6 .

وكانت كلمة قرمطي ، وكلمة باطني ، من كلمات الشتم التي توجه إلي من يراد شتمه .

وتساب معاوية بن أبي سفيان ، وقيس بن سعد بن عبادة الأنصاري ، وكان قيس عام لعلي علي مصر ، فقال معاوية لقيس : انك يهودي بن يهودي ، فأجابه قيس : أنت وثن بن وثن ، دخلت في الإسلام كرها، وخرجت منه طوعا ، ونحن أنصار الدين الذي منه خرجت ، وأعداء الدين الذي فيه دخلت ( مروج الذهب 13/2 )

وكان مروان الجعدي ، قد عثر علي كتاب من إبراهيم الإمام ، إلي أبي مسلم ، فأحضر إبراهيم ، وسأله ، فأنكر كل شيء ، فكشف له عن الكتاب ، وقال له : يا منافق أليس هذا كتابك إلي أبي مسلم ، ثم أودعه السجن . ( مروج الذهب 2/ 192)

وغضب المهدي العباسي ، علي رجل من الأشعريين ، فضربه، ثم قال له : يا يهودي ( الطبري 8/ 139)

وشتم علي بن عيسي بن ماهان ، أمير خراسان ، الحسين بن مصعب ، فقال له : يا ملحد يا ابن الملحد . ( الطبري 325/8)

وفي السنة 200 أغلظ يحيي بن عامر بن إسماعيل ، للمأمون ، فقال له يا أمير الكافرين، فأمر به فقتل بين يديه . ( الطبري 8/ 545 )

ونازع محمد بن الفضل، بعض قرابته في ميراث ، فقال له : يا ابن الزنديق . فقال له : إن كان أبي كما تقول ، فلا يحل لك أن تنازعني في الميراث ، إذ كان لا يرث دين دين ، يعني أن اختلاف الدين يمنع الميراث ،

ص: 175

فما دام زعم أن المتوفي زنديق ، فإن المدعي الشاتم ليس له أن يدعي في ميراثه . ( العقد الفريد 26/4)

وذكر أبو علي التنوخي ، صاحب كتاب نشوار المحاضرة ، في القصة 4/5: إن القاضي أبا بكر بن قريعة ، لما قلده قضاء الأهواز ، خلافة له ، كتب إلي خليفته علي القضاء قبل التنوخي ، وهو ابن سركر الشاهد، كتابة عنوانه : إلي المخالف الشاق ، السيء الأخلاق ، الظاهر النفاق ، محمد بن اسحاق .

وكان نصر الحاجب ، أحد خصوم الوزير ابن الفرات ، وحضر مناظرة الوزير حامد بن العباس لابن الفرات ، فقال نصر لابن الفرات بعجمته: تكلمي يا قرمطية ( الوزراء للصابي 106)

وناظر ابن الفرات، وزير المقتدر، علي بن عيسي بن الجراح، الوزير ، بعد عزل حامد بن العباس عن الوزارة ، واتهمه باعانة القرامطة ، وقال له : يا قرمطي فقال له علي بن عيسي : أيها الوزير ، أنا قرمطي ، أنا قرمطي ؟ يعرض به ، لأن أهل بغداد ، كانوا يلقبون ابن الفرات ، إذا غضبوا عليه ، بالقرمطي

ولما قبض علي ابن الفرات ، من بعد ذلك ، بأمر الخليفة ، وأحدد في الطيار رجمه العامة ، وصاحوا : قد قبض علي القرمطي الكبير ، راجع التفصيل في القصة 10/4من كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، وفي معجم الأدباء 85/1 وتجارب الأمم 1/ 121 والمنتظم 6/ 189 .

وذكر أبو بكر الصولي ، في كتابه الأوراق ، أن أبا عبد الله ، حفيد المنتصر ، تآمر علي الراضي ، وحاول قتله ، ليحل محله ، فاعتقله الراضي ، وأحضره معصوب العينين ، فلما أقيم بين يديه ، قال : ما لنا، نحن

ص: 176

قرامطة ؟ ، فقال له الراضي : يا ابن الفاعلة ، لو كنت محتاجة لعذرتك ، ثم أمر به فني ، وقتله في ليلته ، راجع الحاشية في تجارب الأمم 390/1 و .391

ولما تقابل جند السلطان بركياروق ، وجند السلطان محمد، جري بينهما سباب ، وكان أكثر ما يسب عسكر محمد ، عسكر بركياروق ، قولهم الهم : يا باطنية ( ابن الأثير 10 / 309) .

وفي السنة 521 لما هاجم السلطان محمود السلجوقي ، دار الخليفة ببغداد ، كان أهل الجانب الغربي يسبون السلطان ، ويقولون له : يا باطني ، لم تقدر علي غزو الروم ، فجئت تغزو الخليفة والمسلمين (المنتظم 3/10)

ولما أوقع القاسم بن عبيد الله ، وزير المكتفي ، بقوم من الكتاب ، منهم محمد بن غالب الأصبهاني صاحب ديوان الرسائل . ومحمد بن بشار ، وابن منارة الكاتب ، فأحدرهم إلي البصرة ، وأمر بهم فأغرقوا في الطريق ، وكان ابن منارة نصرانية، قال ابن بسام يخاطب القاسم : [ مروج الذهب 528/2 ]

عذرناك في قتلك المسلمين***وقلنا عداوة أهل الملل

فهذا المناري ما ذنبه***ودينكما واحد لم يزل

أقول : أل وهب من أعمال واسط ، وكانوا نصاري ، ثم أسلموا ( الفخري 297 ) ، وإلي أصله النصراني يشير ابن بسام في البيت الأخير .

ولم ينج القاسم ، من ابن بسام ، حتي بعد موته ، فإنه لما مات ، نظم فيه أبيات يتضح من خاتمتها، أن الرجل توفي بمرض الزحير ( الدوسنطاريا ) ، إذ قال فيه : [ ابن الأثير 7/ 534 ]

ولم يزل يسلح من دبره***حتي خري النفس فيما خري

ص: 177

القسم الرابع: المعايرة بالنسب

وكانت كلمة : يا نبطي ، من ألفاظ الشتيمة ( معجم الأدباء 5 / 457 )

والنبط : قوم من غير العرب ، كانوا ينزلون بين العراقين ، وكانت هذه الكلمة تطلق علي أخلاط الناس وعوامهم ، وتعتبر - إذا قيلت للعربي - كلمة شتم

وتساب حيان النبطي مع سورة بن الحر، فقال له سورة : يا نبطي، فقال له حيان : أنبط الله وجهك ( ابن الأثير 97/5)

أقول : أبو الهياج حيان مولي مصقلة بن هبيرة الشيباني ، لم يكن نبطية بل كان من خراسان، وانما لقب بالنبطي للكنة كانت فيه، ولما تساب وسورة حقدها سورة عليه ، وقال لسعيد خدينة أمير خراسان : إن هذا العبد أعدي الناس للعرب ، وهو الذي أفسد خراسان علي قتيبة ، وهو واثب بك ، مفسد عليك خراسان ، ثم يتحصن في قلعة من القلاع، فقال له سعيد : لا يسمعن هذا منك أحد، ثم دعا في مجلسه بلبن ، وقد سحق الذهب وألقي في اللبن الذي شربه حيان ، ثم ركض سعيد والناس معه أربعة فراسخ ، فعاش حيان أربعة أيام ومات ( ابن الأثير 15/5 ، 97)

وتناظر محمد بن أبي العباس الطوسي وعلي بن الهيثم المعروف بجونقا ، بحضور المأمون ، فقال محمد العلي : يا نبطي ، فقال المأمون :

ص: 178

الشتم عي ، والبذاءة لؤم ( معجم الأدباء 5 / 457 )

وتفصيل ذلك إنه في السنة 205كان المأمون قد عقد مجالس للمناظرة في العقائد ، وفي أحد هذه المجالس ، تكلم محمد بن أبي العباس فنصر الإمامية ، وتكلم علي بن الهيثم فنصر الزيدية ، وجري الكلام بينهما إلي أن قال محمد العلي : يا نبطي ، ما أنت والكلام ! وكان المأمون متكئا فجلس ، وقال : الشتم عي ، والبذاءة لؤم ، إنا قد أبحنا الكلام ، وأظهرنا المقالات ، فمن قال الحق حمدناه ، ومن جهل ذلك وقفناه ، ومن جهل الأمرين حكمنا فيه بما يجب ( الطبري577/8 ) .

وقال المأمون ، للفضل بن مروان : يا نبطي .

وتفصيل القصة : إن إسحاق بن إبراهيم الموصلي وصف للمأمون عريبا ، فأمر بشرائها ، فاشتريت له بمائة ألف درهم ، وأمر لإسحاق بمائة ألف درهم أخري ، فأثبت إبراهيم بن رياح ، كاتب المأمون ، في الديوان ، أن المائة ألف الأولي خرجت في ثمن جوهرة ، والمائة ألف الثانية ، صرفت الصائغها ودلالها، ورأيي الفضل بن مروان الفقرتين ، فاتهم إبراهيم ، وغلظ القصة ، ورفعها إلي المأمون ، فدعاه ، وسأله ، فأخبره بحقيقة الحال ، وأن المال خرج في ثمن عريب وجائزة إسحاق ، وأنه رأي أن ما أثبته في الديوان أصوب من أن يكتب أنه خرج في شراء مغنية وصلة مغ ، فضحك المأمون ، وصوب فعل إبراهيم، وقال للفضل بن مروان : يا نبطي، لا تعترض علي كاتبي هذا في شيء ( الأغاني 67/21 و 68) .

وطالب المعتصم ، وزيرة الفضل بن مروان ، بمال ، فتلكأ في حمله ، فقال لابنه الواثق : هذا النبطي ، ابن النبطية ، أخذ مالي جملة ، وهوذا يتصدق به علي تفاريق ، ثم قبض عليه بعد أيام ، وأخذ منه أربعين ألف

ص: 179

ألف درهم، راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي، تحقيق المؤلف ج8 ص 48 رقم القصة 15.

وشتم ابراهيم بن المهدي، اسحاق الموصلي ، فقال : الجرمقاني . والجرامقة : قوم من العجم ، من الموصل، وسبب ذلك : إن اسحاق الموصلي ، بعث إلي إبراهيم بن المهدي ، من عاب عليه صوتا غناه ، فلما كلم ابراهيم في ذلك ، قال إبراهيم : ليس هذا من كلامك ، هذا من كلام الجرمقاني ابن الزانية ( يريد إسحاق ) ( الأغاني 286/5).

وجري بين شهرام المروزي ، وأبي مسلم الخراساني ، كلام ، فقال له شهرام : يا لقيط ، ( وكان أبو مسلم يتهم بأنه لقيط ) ، فصمت أبو مسلم ، وأحس شهرام بخطئه ، وندم ، وأخذ يخضع ، ويعتذر ، ويتنصل ، فقال له أبو مسلم : لسان سبق ، ووهم أخطأ ، وما جرأك غيري بطول احتمالي ، فإن كنت متعمدة ، فقد شاركتك في الذنب ، وإن كنت مغلوب ، فالعذر سبقك ، وقد غفرنا لك علي كل حال ( المحاسن والمساويء 60/2).

ص: 180

ابن البرتكيش ، ابن الموقوفي

وقد أدركت الناس بغداد ، ومن اشد كلمات الشتم عندهم ، أن تقول للمشتوم : ابن البرتكيشي

والبرتكيشي ، والبورتكيزي ، تعني البرتغالي ، والسبب في ذلك ، ما صنعه البرتغال ، بالعرب والمسلمين ، لما فتحوا طريقهم إلي الهند .

ثم نشأت من بعد ذلك كلمة شتم أخري ، هي : ابن الموسقوفي ، أي الروسي ، باعتبار نسبته إلي موسكو ، عاصمة الروس .

وسبب هذه الشتيمة ، إن جنود الروس ، في الحرب العامة الأولي ( 1914 - 1918) دخلوا إيران ، من الشمال ونفذوا منها إلي شمال العراق ، وإلي وسطه ، وارتكبوا فيهما من الفظائع ، من قتل وسلب وانتهاك حرمات ، ما يقشعر له البدن ، فأصبحت النسبة إليهم من ذلك الحين ، من أشد ألوان الشتم ، وعندما كنت حاكما في الموصل في السنة 1936 ، أحضرت لي عجوز ، قالوا إنها من المقيمات في المنزول ( دار القحاب ) وإنها كانت تترصد للفجور ، فعجبت من عجوز تترصد للفجور ، وسألتها ، فأنكرت التهمة ، فسألتها عن سبب وجودها في هذه الدار ، وعن سبب بقائها فيها إلي الآن ، فبكت ، وقالت : إني لما دخلت إلي هذه الدار ، لم أكن كما أنا الآن ، وإنما كنت صبية حلوة ، وكنت في ...... بين أبوي

ص: 181

وإخوتي ، فهاجم البلدة جنود الموسقوف ( الروس ) ، وأمسكوا بي مع فتيات من أهل البلدة ، أما أهلي فقد فر من فر، وقتل من حان أجله ، وفضحنا الجنود ، حتي إذا غادروا البلدة ، تركونا ، فلم نطق البقاء في بلدة افتضحنا فيها ، فإننا كنا علي ثقة بأن مصيرنا القتل ، ففررنا إلي الموصل، ووصلنا إليها جائعات ، بائسات ، مظلومات ، لا نحسن العربية ، فاضطررنا إلي دخول هذه الدار ، أما لماذا لم أبارح هذا الموضع ، فمن الذي يرضي بأن يؤويني بعد أن يعلم أنني خرجت من هذه الدار ، ثم عادت إلي البكاء ، فأنعمت قلبي بحديثها حزنأ ، وأبطلت عنها الدعوي ، وأوصيت رجال الشرط أن لا يتعرضوا لهؤلاء البائسات في مستقبل الأيام ، إذ يكفيهن ما هن فيه من بؤس وشقاء .

ص: 182

القسم الخامس: المعايرة بالأبوين

أ- المعايرة بالأب

شتم معاوية بن أبي سفيان ، مروان بن الحكم ، فقال له : يا ابن الوزغ .

وسبب ذلك: إن معاوية، لما استلحق زياد، كره ذلك بنو أمية، وكان مروان من الحكم ، عامل معاوية علي الحجاز ، ممن أعلن ذلك ، فعزله معاوية ، وجري بينهما كلام شديد ، فقال له معاوية : يا ابن الوزغ ، يشير بذلك إلي الحكم بن أبي العاص ، أبي مروان ، وكان يؤذي النبي صلوات الله عليه ، ويغمز عليه من ورائه بإصبعه ، ويمشي من خلفه ويتخلج كأنه يحاكيه ، والتفت النبي ، فرآه ، فقال له : كن كذلك ، اللهم اجعل به وزغ ، فاستمر يرجف ويرتعش .

وكان مروان بن الحكم علي المدينة لمعاوية ، فعزله بسعيد بن العاص ، فدخل مروان علي معاوية، وقال له : ما ألفيتك إلا عاقا قاطعأ ، فغضب معاوية ، وقال له : يا ابن الوزغ ( شرح نهج البلاغة 154/6 و 155 )

وكتب محمد بن أبي بكر الصديق ، إلي معاوية بن أبي سفيان ، قبل معركة صفين : من محمد بن أبي بكر ، إلي الغاوي معاوية بن صخر ، ومن جملة ما ورد فيه قوله : أنت اللعين بن اللعين ، لم تزل أنت وأبوك تبغيان

ص: 183

الدين الله الغوائل ، وتجمعان علي ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال، وتحالفان - في ذلك القبائل، علي هذا مات أبوك ، وعلي ذلك خلفته ( شرح نهج البلاغة 3/ 188 و 189)

وبعث معاوية بن أبي سفيان بسر بن ارطاة ، وأوصاه أن يأخذ طريق المدينة ومكة حتي ينتهي إلي اليمن ، وان يقتل شيعة علي ، فلما وافي المدينة ، صعد المنبر ، وشتم الأنصار فقال : يا معشر اليهود ، وأبناء اليهود ( شرح نهج البلاغة 2/ 10).

وتساب معاوية بن أبي سفيان، وقيس بن سعد بن عبادة، أمير مصر للإمام علي فإن قيسا لما ولي مصر للإمام علي ، كاتبه معاوية ، يدعوه إلي الدخول في طاعته ، فكتب إليه قيس يقول : العجب من اغترارك بي ، وطمعك في ، تأمرني بالدخول في طاعتك ، وأنت أبعد الناس من هذا الأمر ، وأقولهم للزور ، وأضلهم سبيلا ، وأبعدهم من الله عز وجل ورسوله صلي الله عليه وسلم وسيلة ، ولد ضال مضلين ، طاغوت من طواغيت إبليس .

فلما أيس منه معاوية ، كتب إليه : أما بعد، فانما أنت يهودي بن يهودي ، إن ظفر أحب الفريقين إليك عزلك واستبدل بك ، وإن ظفر أبغضها إليك ، فتلك ونكل بك ، وقد كان أبوك وتر قوسه ، ورمي غير غرضه ، فأكثر الحر وأخطأ المفصل ، فخذله قومه ، وأدركه يومه ، ثم مات طريدا بحوران ، والسلام .

فكتب إليه قيس بن سعد : أما بعد ، فإنك وثن بن وثن ، دخلت في الإسلام كره ، وخرجت منه طوعا ، ولم تزل حربا لله ورسوله، لم يقدم إيمانك ، ولم يحدث نفاقك ، وقد كان أبي رحمه الله وتر قوسه ، ورمي غرضه ، فشغب عليه من لم يبلغ كعبه ، ولم يشق غباره ، ونحن بحمد

ص: 184

الله أنصار هذا الدين الذي خرجت منه ، وأعداء الدين الذي دخلت فيه ، والسلام ( البيان والتبيين 87/2 وشرح نهج البلاغة 43/16 ).

أقول : قيس بن سعد بن عبادة ، الأنصاري ، الخزرجي ، المدني ، صحابي ، أحد دهاة العرب ، من ذوي النجدة والرأي والمكيدة في الحرب ، وأحد الأجواد المشهورين ، كان سيد قومه غير مدافع ، وكان صاحب راية الانصار مع النبي صلوات الله عليه ، وصحب الإمام عليا في خلافته ، واستعمله علي مصر في السنة 39 ثم عزله بمحمد بن أبي بكر ، فعاد إلي علي ، وكان علي مقدمته في حرب صفين ، ثم كان مع الحسن بن علي ، حتي صالح معاوية ، فأرسل معاوية إلي قيس ، ليبايعه فلما دخل عليه قال : إني حلفت ألا ألقي معاوية إلا وبيني وبينه السيف والرمح ، فأمر معاوية بسيف ورمح ، فوضعا بينه وبينه ، ليبر يمينه ، فلما استقر بقيس المجلس ، أقبل علي الحسن ، وقال له: أفي حل أنا من بيعتك ؟ قال : نعم ، فألقي له كرسي أمام سرير معاوية ، وقال له معاوية : أتبايع يا فيس ؟ قال : نعم ، ووضع يده علي فخذه ، ولم يمدها إلي معاوية ، فقام معاوية من سريره ، وأكب علي قيس حتي مسح يده علي يده ، وما رفع إليه فيس يده ( شرح نهج البلاغة 48/16)

وفي موقعة الطف ، التي قتل فيها الإمام الحسين عليه السلام ، صاح شمر بن ذي الجوشن ، بزهير بن القين ، من أنصار الحسين : اسكت ، اسكت الله نأمتك ، فقال له زهير : يا ابن البوال علي عقبيه ، إنما أنت بهيمة ( الطبري 426/5)

وتهدد محمد بن إبراهيم بن طلحة ، أهل الكوفة ، فوثب إليه المسيب بن نجبة ، فقطع عليه منطقه ، وقال له : يا ابن الناكثين ( بالتثنية) يعيره بأن أباه وجده نكثا بيعة الإمام علي بن أبي طالب ، وحارباه في وقعة الجمل ، وقتلا في المعركة

ص: 185

أقول : في السنة 64 لما أراد التوابون الخروج بالكوفة للطلب بثأر الحسين الإمام الشهيد ، خطب عبد الله بن يزيد الأنصاري أمير الكوفة لابن الزبير ، فقال : بلغني أن طائفة من أهل هذا المصر ، يريدون أن يخرجوا علينا ، مطالبين بدم الحسين بن علي ، فوالله ، ما أنا قتلت الحسين ، ولا أنا ممن قاتله ، ولقد أصبت بمقتله رحمة الله عليه ، وهذا ابن زياد قاتل الحسين ، وقاتل خياركم وأماثلكم ، وهو أعدي خلق الله لكم ، ولي عليكم هو وأبوه سبع سنين ، لا يقلعان عن قتل أهل العفاف والدين ، وهو قد توجه إليكم ، فالاستعداد لحربه أرشد من أن تجعلوا بأسكم بينكم ، ويسفك بعضكم دماء بعض ، فقام إبراهيم بن محمد بن طلحة ، عامل الخراج ، وقال : أيها الناس ، لا تغرنكم مقالة هذا المداهن الموادع ، والله لئن بلغنا أن قوما يريدون الخروج علينا ، لنأخذت الوالد بولده ، والمولود بوالده والحميم بالحميم ، والعريف بمن في عرافته ، فوثب إليه المسيب بن نجبة ، وقال له : يا ابن الناكثين، أنت تتهددنا بسيفك ، أنت والله أذل من ذلك ، إنا لا نلومك علي بعضنا ، وقد قتلنا أباك وجدك ، وإني - والله - لأرجو ألا يخرجك الله من بين ظهراني أهل هذا المصر ، حتي يثلثوا بك جدك وأباك .

وشتم مسلم بن عقبة المري ، خلفه الحصين بن نمير ، فقال له : با ابن برذعة الحمار ، وذلك إنه لما حصلت موقعة الحرة ، واستباح فيها

جيش يزيد بن معاوية ، مدينة رسول الله ، قتلا ، وسبيا ونهبا ، وانتهاك أعراض وحرمات ، كان مسلم بن عقبة المري قائد الحملة مريضا ، فلما انتهي من قتل أهل المدينة وأستباحتها ، قصد مكة ، ليصنع بها ما صنع بأهل المدينة ، فأدركه الموت ، فأحضر أحد قواده الحصين بن نمير ، وقال له : يا ابن برذعة الحمار ، أما والله ، لو كان الأمر إلي ما وليتك هذا الجند ، ولكن أمير المؤمنين يزيد ولآك بعدي ، ثم قال : اللهم إني لم أعمل عملا قط ، بعد شهادة أن لا اله الا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، أحب إلي من قتلي

ص: 186

أهل المدينة ، ولا أرجي عندي في الآخرة ( الطبري 5 / 496)

وفي السنة 70 شتم عبد الله بن الجارود البصري ، الحجاج بن يوسف الثقفي ، لما أرسل إليه رسو” يطلب حضوره فقال : لا ، ولا كرامة لابن أبي رغال ( ابن الأثير 4/ 382)

أقول : أبو رغال من أجداد الحجاج ، كان دليل الحبشة لما قدموا لهدم الكعبة ، فعير به قومه ، ولما مر النبي صلوات الله عليه بقبره رجمه، فاصبح رجم قبره سنة .

وشتم العريان بن الهيثم النخعي ، صاحب شرطة خالد القسري ، أمير العراقين ، أبا النجم الراجز ، فقال له : ملعون بن ملعون ( الاغاني 154/10و155والبصائر والذخائر 247/4 - 249 )

وخلاصة القصة : أن الجنيد بن عبد الرحمن المري ، عامل السند ،

بعث إلي خالد القسري أمير العراقين ، بسبي من الهند بيض ، فجعل يهب منه لوجوه الناس ، حتي بقيت منهن جارية جميلة ، وعليها ثياب أرضها ، فوطتان ، فقال لأبي النجم : هل عندك فيها شيء حاضر ، وتأخذها الساعة ، قال : نعم أصلحك الله ، فقال صاحب الشرطة ، العريان بن الهيثم النخعي : كذب ، والله ما يقدر علي ذلك ، فقال أبو النجم :

علقت خودأ من بنات الزط***ذات جهاز مضغط ملط

رابي المج جيد المحط*** كأنما قط علي مقط

كهامة الشيخ اليماني الثط

وأومأ بيده إلي هامة العريان ، فضحك خالد، وقال للعريان : كيف تري ؟ هل احتاج إلي أن يروي فيها يا عريان ؟ فقال : لا والله ، ولكنه ملعون بن ملعون .

ص: 187

وفي السنة 126 خالف جديع بن علي الكرماني الأزدي ، علي نصر بن سيار ، أمير خراسان ، وجمع الرجال واتخذ السلاح ، وكان يحضر الجمعة في ألف وخمسمائة ، وأكثر وأقل ، فيصلي خارجة من المقصورة ، فأرسل إليه نصر ، مسلم بن أحوز يكلمه فقال له الكرماني : لولا أنك في منزلي القتلتك ، فارجع إلي ابن الأقطع ( يريد نصرأ ) ( الطبري 291/7 )

أقول : كان نصر بن سيار إذا عير ، قيل له ابن الأقطع ، لأن أباه سيار بن رافع ، كان مع مصعب بن الزبير ، فسرق عيبة ، فقطع عبد الرحمن بن سمرة يده ، فكان يقال له : الاقطع ( المعارف 409)

وفي السنة 144 شتم أهل المدينة ، عاملهم رياح بن عثمان المري ، وقالوا له : يا ابن المحدود ، وسبب ذلك ، أن المنصور العباسي ، ولي في السنة 144 علي المدينة رباح بن عثمان المري ، وناط به طلب محمد وإبراهيم ولدي عبد الله بن الحسن ، فشدد في طلبهما، وجهر بشتمهما ، وشتم أهل المدينة ، وذكرهما يوما وهو علي المنبر ، فسماهما الفاسقين ، الخالعين ، الحاربين ، ثم ذكر أمهما فأفحش ، فسبح الناس ، وأعظموا ما قال ، فأقبل عليهم ، وقال : ألصق الله بوجوهكم الذل والهوان ، أما والله لأكتبن إلي خليفتكم ، فلأعلمه غشكم ، وقلة نصحكم ، فقال الناس : لا نسمع منك ، يا ابن المحدود ، وبادروه بالحصي ، فبادر واقتحم دار مروان ، وأغلق عليه الباب ( الطبري 537/7 )

أقول : انما شتموه بقولهم له : ابن المحدود ، لأن أباه عثمان بن رياح المري ، كان عاملا للوليد بن عبد الملك علي المدينة ، ولاه عليها باشارة من الحجاج بن يوسف الثقفي ، فظلم وجار، وسار في أهل المدينة بسيرة الحجاج ، فلما ولي سليمان بن عبد الملك ، عزله ، وأمر خلفه بأن يجلده حدين ، فجلده ( الطبري 485/5 ، 505 ، 575)

ص: 188

ولما جيء بابي السرايا ، أسيرة إلي الحسن بن سهل ، قائد جيش المأمون ، قال له : من أنت ؟ قال : السري بن المنصور ، فقال له : لا ، بل أنت النذل بن النذل ، المخذول بن المخذول ( مقاتل الطالبيين )

أقول : راجع كيفية مقتل أبي السرايا في السنة 200 في هذا الكتاب في الباب الحادي عشر ( القتل ) في الفصل الأول ( القتل بالسيف ) في القسم الأول ( القتل صبرا ) .

وسمع المتوكل قول عمارة في أهل بغداد :

ومن يشتري مني ملوك المخرم***أبع حسنا وابني هشام بدرهم

وأعطي رجاء بعد ذاك زيادة*** وأمنح دينارة بغير تندم

فان طلبوا مني الزيادة زدتهم *** أبا دلف والمستطيل ابن أكثم

فقال المتوكل : ويلي علي ابن البوال علي عقبيه (المحاسن والأضداد 43).

أقول : المخرم منطقة من مناطق بغداد ، سميت باسم المخرم بن يزيد ، وتسمي الآن : العنوازية ، وفيها المستشفي الكبير ببغداد ، وكان اسمه لما انشيء المستشفي الملكي ، ثم سمي المستشفي التعليمي ، حيث يتعلم طلاب الكلية الطبية ، ثم سمي الآن مدينة الطب ، وما زال قسم من البغداديين يسمونه مستشفي المجيدية ، لأن المستشفي أنشيء علي بستان كانت في العهد العثماني تسمي بستان المجيدية ، باسم السلطان عبد المجيد العثماني ، والد السلطان عبد الحميد، والذين ذكروا في هذا الشعر ، كلهم من رجال دولة المأمون ، أراد بالحسن الحسن بن سهل وأراد بابني هشام علي بن هشام وأحمد بن هشام ، وأراد برجاء رجاء بن أبي الضحاك ، وبدينار ، دينار بن عبد الله القائد ، وأراد بأبي دلف القاسم بن عيسي العجلي القائد المشهور ، زبالمستطيل بن أكثم ، يحيي بن أكثم قاضي القضاة في أيام

ص: 189

المأمون ، ثم في أيام المتوكل ، راجع معجم البلدان 4 / 441 و 442

وفي السنة 255حضر القائد صالح بن وصيف، أمام المعتز العباسي، فطالب بارزاق الجند، فراجعه أحمد بن اسرائيل ، وقال له : يا عاصي با ابن العاصي ( الطبري 397/9 و 398 )

ص: 190

ب - المعايرة بالأم

في معركة أحد، هجم حمزة ، عم النبي صلوات الله عليه ، علي سباع بن عبد الله بن عبد العزي ، وقال له ، هلم إلي با ابن مقطعة البظور ، وكانت أمه ختانة بمكة ( الاغاني 194/15 والبصائر والذخائر640/2/3)

وفي السنة 12 تقابل في إليس علي الفرات ، بالعراق ، جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد ، وجيش الفرس ، وطلب خالد المبارزة ، فبرز له مالك بن قيس من جزرة ، فصاح به خالد : يا ابن الخبيثة ، ما جرءك علي من بينهم ؟ ثم ضربه فقتله ( الطبري 358/3)

وفي مجلس عثمان بن عفان ، تكلم أبو ذر ، فقال : ينبغي لمؤدي الزكاة ، ألا يقتصر عليها، حتي يحسن إلي الجيران والاخوان ، ويصل القرابات ، فقال كعب الأحبار: من أذي الفريضة فقد قضي ما عليه ، فرفع أبو ذر محجنه ، فضربه ، فشجه وقال له : يا ابن اليهودية ، ما أنت وما ها هنا ( الطبري 4 / 284)

وقال عثمان يوما : أيجوز للإمام أن يأخذ من بيت المال ، فإذا أيسر قضي ؟ فقال كعب الأحبار : لا بأس بذلك ، فقال له أبو ذر : يا ابن اليهودية ، أتعلمنا دينا ( انساب الاشراف 52/5)

ص: 191

ولما حصر الثائرون عثمان ، خرج اليهم عبد الله بن سلام ، فوعظهم ، وعظم حرمة المدينة ، وقال لهم : ما قتل خليفة قط ، إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفا ، فقالوا : كذبت يا ابن اليهودية ، يا يهودي ( انساب الاشراف75/5)

أقول : أبو يوسف عبد الله بن سلام بن الحارث ، اسرائيلي من نسل يوسف الصديق ، أسلم عند قدوم النبي المدينة ، وفيه نزلت الآية : وشهد شاهد من بني اسرائيل ، توفي في السنة 43 ( الاعلام 4/ 223)

وغضب عثمان علي عمار بن ياسر ، فضربه حتي غشي عليه ، وكان عمار حليفة لبني مخزوم ، فغضب له هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي أخو خالد بن الوليد، وقال لعثمان : ضربت أخانا حتي أشفيت به علي التلف ، أما والله ، لئن مات لاقتلن به رجلا من بني أمية عظيم الشأن ، فقال له عثمان : وائك لها هنا يا ابن القسرية ( شرح نهج البلاغة 3/ 49)

وغضب عمرو بن العاص ، من شريح بن هانيء الحارثي ، فقال له : إن مثلي لا يكلم مثلك ، فقال له : بأي أبويك ترغب عن كلامي ، بأبيك الوشيظ ، أم بأمك النابغة ( شرح نهج البلاغة 254/2)

وخطب عثمان بن عفان مرة ، فاعترض عليه عمرو بن العاص ، فقال له عثمان: وإنك لها هنا با ابن النابغة، قملت جبتك منذ نزعتك عن مصر ( شرح نهج البلاغة143/2)

ولما استولي معاوية بن أبي سفيان علي مصر ، وقتل محمد بن أبي بكر الصديق ، عامل علي عليها ، بعث عبد الله بن الحضرمي إلي البصرة ، ليثير أهلها علي علي، فقدم ابن الحضرمي البصرة ونزل في بني تميم، وخطبهم، وحضهم علي خلع علي وطاعة معاوية، فقام إليه الضحاك بن عبد الله الهلالي، وقال له: قبح الله ما جئتنا به، وما دعوتنا إليه، فقام عبد الله بن

ص: 192

خازم السلمي ، فقال للضحاك : اسكت ، فلست بأهل لأن تتكلم في أمر العامة، فقال له الضحاك : يا ابن السوداء، إن الله لا يعز من نصرت، وتشاتما ( شرح نهج البلاغة 4/ 38) .

وفي معركة الطف ، أهوي بحر بن كعب ، من بني تيم الله ، إلي الحسين بالسيف ، فصاح به غلام من أهل الحسين : يا ابن الخبيثة ، أتقتل عمي ، فضرب بحر الغلام بالسيف ، فقطع يده ( الطبري 5/ 451)

وكتب معاوية بن أبي سفيان ، إلي زياد ابن أبيه ، يتهدده ، بعد وفاة الإمام علي ، وكان زياد بفارس ، فقام خطيبا ، فقال : العجب من ابن آكلة الأكباد ، وكهف النفاق ، ورئيس الأحزاب ، كتب إلي يتهددني ( الاخبار الطوال 219 والطبري 5/ 170 )

أقول : سبب تلقيب معاوية بهذا اللقب ، ما صنعته أمه هند بنت عتبة بقتلي المسلمين في موقعة أحد، من المثلة ، فإن هندأ وصواحبها من مشركات قريش ، وقعن بعد انتهاء معركة أحد، علي قتلي المسلمين ، فمثلن بهم ، واتخذن من آذان الرجال وآنافهم خدمة ( خلاخيل ) وقلائد ، وبقرت هند بطن حمزة ، واستخرجت كبده فلاكتها ثم لفظتها ( ابن الأثير 159/2) فصار عملها هذا ، مما يعبر به معاوية ، إذ سمي : ابن آكلة الأكباد ( مروج الذهب 2/ 89 ) وقد أوردنا التفصيل في الباب الثالث عشر ( المثلة من هذا الكتاب . )

وفي السنة 42 خرج زياد من فارس يريد معاوية ، فلقيه عبد الله بن خازم في أرجان ، ومعه فوارس ، فأخذ بعنان زياد ، وقال له : انزل يا زياد ، فصاح به المنجاب بن راشد ، وكان مرافقة لزياد : تنح يا ابن السوداء ، والا علقت يدك بالعنان ( الطبري 178/5)

أقول : كان عبد الله بن خازم من رجالات العرب ، وكانت أمه سوداء ، وقد ولي خراسان في السنة 43.

ص: 193

ولما جيء برأس الحسين عليه السلام ، ووضع في الطست ، بين يدي يزيد بن معاوية ، بكي عبد الرحمن بن الحكم ، وقال :

ألا أبلغ أمير المؤمنين ولا تكن ***كموتر أقواس وليس بذي نبل

الهام بجنب الطف أدني قرابة ***من ابن زياد الوغدذي الحسب الرذل

فصاح به يزيد : اسكت يا ابن الحمقاء ، ما أنت وهذا ( الاغاني 263/13 و 264 )

وشتمت أروي بنت الحارث بن عبد المطلب ، عمرو بن العاص، فقالت له : يا ابن النابغة ( اعلام النساء 33)

أقول: أرادت بالنابغة أم عمرو بن العاص، وكان يعير بها، وروي صاحب أنساب الاشراف 0/ 129 ، أن عمرو بن العاص ، شتم مروان بن الحكم ، فقال له : يا ابن الزرقاء ، فقال له مروان : أن كانت زرقاء ، فقد أنجبت ، وأدت الشبه ، إذ لم تؤده النابغة ، أراد بالنابغة ، أم عمرو بن العاص .

وكان مروان بن الحكم وأولاده يعيرون بالزرقاء ، من امهات مروان ، وأم مروان اسمها آمنة ، وأمها صفية ، أو الصعبة بنت أبي طلحة العبدري ، وأمها مارية بنت موهب الكندية ، وهي الزرقاء التي يعيرون بها ( أنساب الاشراف129/5)

أقول : كان العرب يعيرون بالزرقة ، لأن العيون الزرقاء تشير إلي عرق رومي .

وغضب عبد الرحمن بن أبي بكر ، من مروان ، وهو علي المدينة ، فقال له : يا ابن الزرقاء ( العقد الفريد 4/ 371)

ولما مات معاوية ، كان علي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ،

ص: 194

فكتب إليه يزيد، أن يطالب الحسين بالبيعة له ، فأحضره ، وطالبه ، فأستمهله ، فقال مروان للوليد : لا يخرج من عندك حتي يبايع ، أو تضرب عنقه ، فقال له الحسين ، يا ابن الزرقاء ، كذبت ولؤم . ( الطبري340/5وأنساب الاشراف 15/2/4 )

ولما هلك يزيد بن معاوية ، طلب عبيد الله بن زياد من أهل البصرة أن يبايعوه وبعث إلي أهل الكوفة اثنين يسألانهم البيعة لابن زياد ، فلما اجتمع الناس ، وتكلما في أمر بيعة ابن زياد ، حصبهما الناس ، وقالوا : أنحن نبايع ابن مرجانة ؟ لا ولا كرامة ( انساب الاشراف 97/2/4 )

ولما حصر المختار بن أبي عبيد الثقفي بالكوفة ، في السنة 97 ابتدر له قوم من شباب أهل الكوفة والبصرة أغمار ، فأخذوا يصيحون به : يا ابن دومة ، يا ابن دومة ، فأشرف عليهم المختار ، فقال : أما والله ، لو أن الذي يعيرني بدومة ، كان من القريتين عظيما ، ما عيرني بها ( الطبري 6 /106).

وتزوج مروان بن الحكم ، أم خالد بن يزيد بن معاوية ، ليحط منه ، وشتمه يوما فقال له : يا ابن الرطبة ، فرجع خالد إلي أمه فأخبرها ، فقالت له : سوف أكفيكه ، فلما نام مروان عندها ، غطت وجهه بوسادة حتي قتلته ( الطبري 611/5وأنساب الاشراف 5 / 145 والاخبار الطوال 280 والمحاسن والأضداد 131 والاغاني 345/17)

ولما حاصر الشاميون عبد الله بن الزبير ، بمكة ، في الحصار الأول ، في عهد يزيد بن معاوية ، والحصار الثاني في عهد عبد الملك بن مروان ، كانوا يسبون ابن الزبير بقولهم يا ابن ذات النطاقين ، فقال عبد الله : و أنساب الاشراف 2/4 / 54]

وعيرها الواشون أني أحبها ***وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

أقول : إن لقب ذات النطاقين ، من ألقاب التشريف ، لقب به النبي

ص: 195

صلوات الله عليه ، أم عبد الله بن الزبير ، وهي السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق ، لأنها صنعت للنبي طعاما حين هاجر إلي المدينة ، فلم تجد ما نشده به ، فشقت نطاقها ، وشدت به الطعام ، فقال لها : أبدلك الله به نطاقين في الجنة ، فلقبت منذئذ بذات النطاقين ( الاعلام 1 / 298)

وتحرك أهل البصرة ، في السنة 71 ، علي مصعب ابن الزبير ، وكان إذ ذاك بالكوفة ، فورد البصرة وأحضر قوما من رؤسائهم ، فسبهم ، فقال العبيد الله بن أبي بكرة : يا ابن مسروح ، إنما أنت ابن كلبة تعاورها الكلاب، فجاءت بأحمر وأسود وأصفر، من كل كلب ما يشبهه، وإنما كان أبوك عبدأ نزل إلي رسول الله صلوات الله عليه من حصن الطائف ، ثم أقمتم البينة تدعون أن أبا سفيان زني بامكم، ثم دعا بحمران بن أبان، مولي عثمان ابن عفان ، فقال له: يا ابن اليهودية، إنما أنت علج نبطي شبيت من عين التمر ، ثم قال للحكم بن المنذر بن الجارود : يا ابن الخبيث، وكذلك الشيخ بن النعمان . ( الطبري 6/ 154 و 155)

وشتمت السيدة سكينة بنت الحسين الشهيد ، قاضي المدينة ابن حزم ، فقالت له : يا ابن فرتني ، وهي إحدي جداته .

وكانت فرتني تغني بهجاء النبي صلوات الله عليه وأصحابه ، فكانت ممن أهدر دمه يوم الفتح ، ثم أسلمت ، وكانت السيدة سكينة قد خاصمت زوجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، وشكته إلي أمير المدينة عمر بن عبد العزيز فأحالها علي القاضي ابن حزم ، فلما أرادت الدخول عليه ، قال : أدخلوها وحدها ، فأبت إلا أن تدخل مع ولائدها، ودخلن معها، فقال لها القاضي : يا ابنة الحسين إن الله يحب القصد في كل شيء ، فقالت له : وما أنكرت مني ، إني - والله - وإياك . كالذي يري الشعرة

ص: 196

في عين صاحبه ، ولا يري العمود في عينه ، فقال لها : أما والله ، لو كنت رجلا لسطوت بك ، فقالت له : يا ابن فرتني ، لا تزال تتوعدني ، وشتمته وقالت : لو كان أصحابي أحياء، لكفوا - والله - هذا العبد اليهودي ، عند شتمه إياي، أي عدو الله ، أتشتمني وأبوك الخارج مع يهود ، با اين فرتني . ( اعلام النساء 2/ 220)

وشتم جرير الأخطل ، في مجلس عبد الملك بن مروان ، فقال له : يا ابن النصرانية .

وخلاصة القصة : إن الأخطل كان يعين الفرزدق في المناوأة مع جرير ، ودخل جرير علي عبد الملك ، فأبصر الأخطل ينظر إليه شزرا ، فقال له : من أنت ؟ فقال له : أنا الذي منعت نومك ، وهضمت قومك ، فلما عرف انه الأخطل ، قال له : لا حياك الله يا ابن النصرانية ، ثم أقبل علي عبد الملك ، فقال : ائذن لي يا أمير المؤمنين في ابن النصرانية ، فقال له عبد الملك : لا يجوز أن يكون ذلك بحضرتي ( الاغاني في 62/8 و 63 )

ودخل الأخطل التغلبي الشاعر ، علي عبد الملك بن مروان ، وأنشده قصيدته التي يقول فيها :

ألا سائل الجاف هل هو ثائر *** بقتلي أصيبت من تميم وعامر

يعيره بالسكوت عمن قتل من قيس ، قتلتهم تغلب ، في يوم من أيامها علي قيس ، فغضب الجاف ، وقال للاخطل :

بلي ، سوف نبكيهم بكل مهند***ونبكي عميرة بالرماح الشواجر

ثم قال للاخطل : لقد ظننت يا ابن النصرانية ، انك لم تكن لتجتريء علي ، حتي لو رأيتني لك مأسورة ، وأوعده ، فما زال الأخطل من موضعه حتي حم ( الهفوات النادرة 85)

ص: 197

وخرج الجحاف ، فجمع جميعا من أصحابه ، وأغاربهم علي تغلب ، فقتل منهم مقتلة عظيمة ، فدخل الأخطل علي عبد الملك ، وقال :

لقد أوقع الجحاف بالبشر وقعة***إلي الله منها المشتكي والمعول

فان لم تداركها قريش بعد لها ***يكن عن قريش مستراد ومزحل

فغضب عبد الملك ، وقال له : إلي أين يا ابن النصرانية ؟ ، قال : إلي النار ، راجع تفصيل القصة في ابن الأثير 309/4 - 322 وفي الأغاني 208-198/12

وفي السنة 75 قصد الحجاج البصرة ، وجند الناس لحرب الخوارج ، وقال: إن الزيادة التي زادكم ابن الزبير في أعطياتكم، زيادة فاسق منافق، ولست أجيزها ، فقام إليه عبد الله بن الجارود ، وقال له : إن أمير المؤمنين عبد الملك قد أجاز هذه الزيادة وأنفذها ، فقال له الحجاج: ما أنت وهذا، التحسن حمل رأسك ، أولا سلبنك إياه ، فقام مصقلة بن كرب العبدي ، وقال : ليس للرعية أن ترد علي راعيها ، فسمعا وطاعة لأمر الأمير فيما أحببنا وكرهنا ، فقال له ابن الجارود : ما أنت وهذا يا ابن الجرمقانية ؟ ومتي كان مثلك يتكلم وينطق في مثل هذا ( ابن الأثير 4/ 381)

أقول : الجرامقة : أنباط الشام ، وقوم بالموصل أصلهم من العجم ، واحدهم : جرمقاني

وفي السنة69 لما تصالح عبد الملك بن مروان وعمرو بن سعيد بن العاص الملقب بالأشدق ، أرسل عبد الملك فدعا عمرأ ، فقال له أحد جلسائه : أري أن لا تأتيه ، فاني أخاف عليك ، فقال له عمرو : والله ، لو كنت نائما ما تخوفت أن ينبهني ابن الزرقاء ( الطبري 142/6).

وكان عبد الملك بن مروان قد عاهد عمرو بن سعيد بن العاص، علي أن له ولاية عهده، ثم غدر به، فقتله، فلما أضجعه؛ وبرك عليه ليذبحه، قال

ص: 198

له عمرو: أغدرة يا ابن الزرقاء؟ ( الطبري 6/ 145.140 ومروج الذهب 80/2 )

وأغارت فزارة ، في أيام عبد الملك بن مروان ، علي كلب ، وكان قائدهم حلحلة بن قيس بن الأشيم بن سيار ، فقتلت منهم مائة وثمانين ، فكتب عبد الملك ، بحمل حلحلة إليه ، فلما وقف بن يديه ، قال له : ما تنتظر بنا يا ابن الزرقاء ، ( انساب الأشراف 310/5 - 311)

ولما تحرك عبد الله بن الجارود ، علي الحجاج بن يوسف الثقفي ، أرسل اليه رسولا ، فهدده الرسول ، فقال له ابن ابي الجارود : يا ابن الخبيثة ، لولا أنك رسول لقتلتك ، وأمر به فوجيء في عنقه وأخرج ( ابن الأثير 4/ 384)

ولما مات عبد الملك بن مروان، سجاه ابنه الوليد، فأنشد هشام بن عبد الملك وكان أصغر ولده :

فما كان قيس هلكه ملك واحد***ولكنه بنيان قوم تهتما

فلطمه الوليد علي فمه ، وقال له : اسكت يا ابن الأشجعيه ، فأنك أحول أكشف ، تنطق بلسان شيطان ، ألا قلت : [ الهفوات النادرة 131).

إذا مقرم منا ذرا حذنابه***تخمط فيناناب آخر مقرم

وفي السنة 77 اتهم أمية ، عامل خراسان ، بكيرة بن وشاح السعدي ، بالتآمر عليه ، فسلمه إلي بخير بن ورقاء الصريمي ، وكان عدوا لبكير ، وأمره بقتله ، فقال له بكير : إنك تفرق أمر بني سعد إن قتلتني ، فدع هذا القرشي يلي مني ما يريد ، فقال بحير : لا والله يا ابن الأصبهانية ، لا يصلح بنو سعد ما دمنا حيين ، فقال له : فشأنك يا ابن المحلوقة ، فقتله ( الطبري 6/ 317 )

ص: 199

أقول : قوله يا ابن المحلوقة ، اتهام لأمه بالزنا ، لأن الزانية كانت تشهر وهي محلوقة .

ولما قتل بحير بكير ، تعاقد سبعة عشر رجلا من بني سعد علي الطلب بدم بكير وأقبل أحدهم وهو فتي اسمه الشمردل ، فنظر إلي بحير واقفا ، فشد عليه فطعنه ، فصرعه ، فصاح الناس : خارجي ، وركض ، فعثر به فرسه ، فندر عنه ، فقتل، وسلم بحبر من الطعنة ، فقدم آخر من بني سعد، وجاور قرابة لبحير ، وأخبرهم أن له ميراث في خراسان ، وطلب منهم أن يكتبوا إلي بحير ، ليعينه علي حقه ، فكتبوا إليه ، فقدم مرو، واتخذ خنجرة ، أحماه وغمسه في لبن أتان مرارة ، ثم لقي بحيرة بالكتاب ، فأمر له بحير بنفقة ، وأنزله معه فأقام عنده شهر، حتي أطمأن إليه ، ثم وثب عليه فطعنه بخنجره طعنة مات منها في غده ، وقتل قاتله ( الطبري 6/ 331 - 333 )

وتخاصم زيد بن علي بن الحسين ، وعبد الله بن الحسن بن الحسن ، إلي عامل المدينة ، في ولاية وقوف علي ، فقال عبد الله لزيد : يا ابن الهندية ، وكانت أم زيد سندية ( الطبري 7 / 164 )

ولما أراد الوليد أن يبايع لعبد العزيز ولده ، بعد أخيه سليمان ، أمر أحد الشعراء فارتجز ، وسليمان يسمع :

إن ولي العهد لابن أمه ***ثم ابنه ولي عهد عمه

قد رضي الناس به فسمه ***فهو يضم الملك في مضمه

يا ليتها قد خرجت من فمه فالتفت إليه سليمان ، وقال : يا ابن الخبيثة ، من رضي بهذا ؟ ( العقد الفريد423/4)

ولما ولي عمر بن عبد العزيز، عدي بن ارطاة، علي العراق، دفع إليه كتابا بعزل يزيد بن المهلب عن خراسان ، واعتقاله ، فاعتقله ، ثم حمله إلي الشام

ص: 200

مع موسي بن الوجيه الحميري ، وكان موسي يحقد علي يزيد أنه ضربه وأرغمه علي تطليق امرأته ، فكان موسي يشتمه في طريقه ، ويقول له : يا ابن المروزية ، ويزيد يشتمه ، ويقول له يا دعي ( العيون والحدائق 3/ 49)

وشتم عمر بن هبيرة أمير العراق ، عامله علي خراسان سعيد الحرشي ، فقال له : با اين نسعة ( ونسعة اسم أمه ) ، فقال له : يا ابن بسرة ( اسم أم ابن هبيرة وهي بسرة بنت حسان ، عدوية من عدي الرباب ) ، فبلغ ذلك معقل بن عروة فدخل علي سعيد السجن ، وقال له : يا ابن نسعة أمك اشتريت بثمانين عنزة جرباء، فكانت مع الرعاء يترادفها الرجال، مطية الصادر والوارد، تجعلها ندا لبنت الحارث بن عمرو بن حرجة ؟ ( الطبري 17/7 )

ووقع بين الحارث بن أبي ربيعة الملقب بالقباع، وبين يحيي بن الحكم ، كلام ، فقال له يحيي : يا ابن السوداء ، يا ابن آكلة حمام مكة ، وكانت أم الحارث حبشية نصرانية ، أكلت حمامة من حمام مكة ، فكان ابنها يعير بذلك ، وماتت وهي نصرانية ، فشهدها ولده ومعه قوم من أصحاب النبي صلوات الله عليه ( أنساب الأشراف275/5 و 277 )

وتنازع يزيد بن المهلب ، وأخوه المفضل ، فقال له المفضل : حسدتني ، فقال له يزيد: يا ابن بهلة ، أنا أحسدك ؟ وبهلة هندية هي أم المفضل وعبد الملك ابني المهلب ( الطبري 395/6 ، 449)

وغضب هشام بن عبد الملك ، علي ولده سعيد ، فقال له : يا ابن الخبيثة .

وسبب ذلك : إن هشامة ، كان قد ولي ولده سعيدة علي حمص ، وكان يرمي بالشراب والنساء ، فبعثوا الي والده برقعة فيها :

أبلغ إليك أمير المؤمنين فقد***أمددتنا بأمير ليس عنينا

طور يخالف عمرة في حليلته***وعند ساحته يسقي الطلا دينا

فبعث هشام إلي ولده سعيد ، فأشخصه ، فلما قدم ، علاه بالخيزرانة ،

ص: 201

وقال له : يا ابن الخبيثة ، تزني وأنت ابن أمير المؤمنين ؟ والله لا تلي لي عملا حتي تموت ( العقد الفريد 4 / 448)

وكان خالد بن عبد الله القسري ، أمير العراقين ، اذا شتم ، قيل له : ابن النصرانية ( الأغاني 25/22 و الطبري 137/7 و 151 و 163 و 233 )

أقول : كانت أم خالد ، نصرانية ، وقد اتخذ خصومه من نصرانية أمه ، حجة توصلوا بها إلي شتمه ، وقد أعان خالد علي نفسه ، بأمرين، الأول : أنه رخص ببناء كنيسة للنصاري ، والثاني : انه أمر بهدم المآذن في المساجد ، لما سمع قول أحد الشعراء :

ليتني في المؤذنين نهارة***إنهم يبصرون من في السطوح

فقال فيه الفرزدق :

ألا نطع الرحمن ظهر مطية *** أتتنا تهادي من دمشق بخالد

وكيف يؤم المسلمين وأمه *** تدين بأن الله ليس بواحد

بني بيعة فيها النصاري لأمه ***ويهدم من كفر منار المساجد

وكان خالد القسري ، واليأ للوليد علي المدينة ، وأقره سليمان ، وحدث أن حال خالد دون تنفيذ حكم أصدره قاضي المدينة ، فشكاه إلي سليمان ، فكتب سليمان إلي خالد يأمره بإنفاذ حكم القاضي ، فلما أوصل إليه ابن القاضي الكتاب ، لم يفتحه ، وأمر بابن القاضي فضرب مائة سوط ، فبعث القاضي ولده المضروب إلي سليمان فأمر سليمان بقطع يد خالد، فما زال به يزيد بن المهلب ، حتي كتب سليمان بأن ينظر إذا كان قد ضرب ابن القاضي بعد قراءة الكتاب فتقطع يده ، وإن كان ضربه قبل قراءة الكتاب ، فيضرب مائة سوط ، وتبين انه ضرب قبل قراءة الكتاب ، فبطح وضرب مائة سوط ، فجزع خالد من الضرب ، فجعل يرفع يديه ، فقال له الفرزدق : ضم

ص: 202

إليك يديك يا ابن النصرانية ، فضم خالد يديه ، وقال : ليهنأ الفرزدق ، وقال الفرزدق : [العقد الفريد 428/4 و 429].

العمري لقد صبت علي متن خالد *** شآبيب لم يصببن من صبب القطر

فلولا يزيد بن المهلب حلقت***بكفك فتخاء الجناح إلي الوكر

وشتم جرير ، الأخطل التغلبي ، فقال له : لا حياك الله يا ابن النصرانية ( الأغاني 72و62/8).

وكان خالد القسري ، يشتم هشام بن عبد الملك ، فيسميه : ابن الحمقاء ( الأغاني 22/22 )

أقول : كانت أم هشام قرشية مخزومية ، وكانت حمقاء ، فكانت تثني الوسائد ، وتركبها ، وتزجرها ، كأنها دابة ، وتشتري الكندر ( اللبان ، ويسمي في بغداد : العلك ) وتمضغه ، وتصنع منه تماثيل ، وتسمي كل تمثال باسم جارية ، ثم تنادي علي كل واحدة باسمها ( الطبري 25/7 )

وكان أبو شاكر مسلمة بن هشام بن عبد الملك ، يحقد علي خالد بن عبد الله القسري ، أمير العراقين ، وذلك لأن هشامأ كان يرشح ولده مسلمة للخلافة ، فقال خالد : أنا كافر بكل خليفة يكني أبا شاكر ، فبلغت كلمته أبا شاكر ، فحقدها عليه ، فلما مات أسد أمير خراسان ، أخو خالد ، كتب مسلمة بن هشام إلي خالد :

أراح من خالد فأهلكه***رب أراح العباد من أسد

أما أبوه فكان مؤتشبة *** عبدا لئيمة لأعبر قفد

وأمه همها وبغيتها *** هم الإماء العواهر الشرد

كافرة بالنبي مؤمنة***بقتها والصليب والعمد

فلما قرأ خالد الكتاب ، قال : يا عباد الله ، من رأي كهذه تعزية رجل عن أخيه ( ابن الأثير 217/5 و 218)

ص: 203

وسب كثير ، الفرزدق ، فقال له : يا ابن الجعراء .

وسبب ذلك : أن الفرزدق ، أردف كثير خلفه ، وهما في طريقهما إلي الأحوص ، بالمدينة ، فتنافرا ، فقال الفرزدق : إنما قريش من ولد فهر بن مالك ، فقال له كثير : ما علمك يا ابن الجعراء بقريش .

والجعراء ، هي دعة ، امرأة من تميم ، كانت حمقاء ، جاءها الطلق ، فألقت ولدها في الخلاء ، وجاءت تسأل جارتها : أيفتح الجعر فاه ؟ فقالت لها : نعم يا حمقاء ، ويدعو أباه ، فعير بنو تميم بها، فكان يقال لهم : بنو الجعراء . ( الأغاني 103/21 - 105)

وشتم المغيرة بن حبناء ، زياد الاعجم ، فقال له : يا ابن العجماء .

وسبب ذلك : إن زياد الاعجم ، في مجلس المهلب ، عير المغيرة ، بالبرص ، فقال له المغيرة : إن عتاق الخيل لا تشينها الأوضاح ، ولا تعير بالحجول والغرر ، فهل تغني ، يا ابن العجماء غنائي ، أو تقوم مقامي ؟ ثم نشب الهجاء بينها . ( الأغاني 91/13 )

وتساب أبو موسي بن قيس المازني ، وأبو فراس المجنون، وكان أبو فراس يعدو من الصباح إلي المساء ، فقال له أبو موسي : أنت تعدو من الصباح إلي الرواح ألا يوجعك بدنك ، إذا جاء الليل ؟ فقال :

إذا الليل ألبسني ثوبه***ثقلت فيؤنسني المضجع

فقال له أبو موسي : يا أحمق أسألك عن حالك ، فتنشدني الشعر؟ قال : قد أجبتك يا ابن الزطية ، فقال أبو موسي : ألي تقول هذا ، وأنا سيد من سادات الأنصار ؟ فقال : ( البصائر والذخائر 2/3 / 550)

وإن بقوم سودوك لحاجة ***إلي سي ، لو يظفرون بسيد

ص: 204

وكان الفرزدق يشتم جريرة في مناقضاته ، ويسميه : ابن المراغة

( الاغاني 12/8 و 21 / 355)

. أقول : هذه الشتيمة ، شتم بها الأخطل جريرة ، وتبعه الفرزدق ، والمراغة الأتان التي لا تمتنع عن الفحول ، راجع وفيات الأعيان 325/7 ولسان العرب ، مادة : مرغ .

ولحقت هذه الشتيمة ، بحفيد جرير ، وهو الشاعر عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير ، وهو شاعر فصيح ، سكن بادية البصرة ، ومدح الخلفاء العباسيين ، وهجاه فروة بن حميصة ، فقال فيه [الاغاني ط بولاق 184/20 و 187]

وابن المراغة جاحر من خوفنا*** بالوسم منزلة الذليل الصاغر

ولصقت هذه الشتيمة بجرير ، حتي أن عبد الملك ، أمر الأخطل في مجلسه، أن يركب جريرة ، فألقي الأخطل ثوبه، وقال لجرير : جب يا ابن المراغة ( التاج 132 و 133 )

وسأل الفرزديق ، الراوية ابن الكلبي : أتروي شيئا من شعري ؟ فقال : لا، لكني أروي لجرير مائة قصيدة ، فقال له : أتروي لابن المراغة ، ولا تروي لي ؟ ( وفيات الأعيان 4 / 310)

ولما قال جرير ، يهجوا الأخطل :

إن الذي حرم المكارم تغلبة *** جعل النبوة والخلافة فينا

مضر أبي وأبو الملوك فهل لكم*** باخزر تغلب من أب كأبينا

هذا ابن عمي في دمشق خليفة ***لو شئت قادكم إلي قطينا

فلما بلغ الشعر عبد الملك بن مروان ، قال : ما زاد ابن المراغة ، علي أن جعلني شرطيأ له ( شرح المقامات الحريرية للشريشي 250/2)

ص: 205

وشتم أعرابي ، ولده ، فقال له : اسكت يا ابن الأمة ، فقال له : والله إنها لأعذر منك ، لأنها لم ترض إلا حرا ( البصائر والذخائر 2/3 / 579 ).

واجتمع عمر بن ابي ربيعة ، والأحوص ، والنصيب ، بكثير عزة ، فعاب كثير علي كل واحد من الثلاثة ، بعض ماقالوه ، فغضب الأحوص ، وقال له : يا ابن آستها (يعني إنه مولود من الاست)، ثم قال له النصيب : يا زب الذباب ، ( يعني أنه تافه ، لأنه إذا كان الذباب تافهأ، فيكون بعض أجزائه أشد تفاهة ) ( الأغاني 115/12 - 118)

وشتم الفرزدق ، زيادة الأعجم ، فقال له : يا أقلف ( غير مختون ) فقال له : يا ابن الثمامة ( يعني أن أم الفرزدق عرفت بقلفته فنمت عليه ) ( البصائر والذخائر 796/2/2 )

وغضب معبد المغني ، من أبن عائشة المغني ، فقال له : أحسنت يا ابن عاهرة الدار ( الأغاني 1/ 56 )

وسمع مخنث رجلا يقول : دعا أبي أربعة أنفس ، أنفق عليهم أربعمائة درهم فقال له : يا ابن البغيضة ، لعله دعا لهم بمغنيتين وزامر ، والاففي أيش أنفق عليهم أربعمائة درهم ( البصائر والذخائر 531/1/2 ) وكان مما يشتم به الأعجمي : ابن حمراء العجان (الأغاني 265/2 الحاشية).

أقول : يراد بهذه الكلمة ، اما لأن الأعجميات ، تغلب عليهن الشقرة ، أو لأن الأمة يتواتر عليها اللامسون .

وشتم هشام بن عبد الملك ، خالدأ القسري ، فقال له : يا ابن المجرشة .

ص: 206

وسبب ذلك : إن رجلا من قريش ، دخل علي خالد ، فاستخف به ، وعضهه بلسانه ، وبلغ ذلك هشام ، فكتب اليه : هلا ، با اين مجرشة قومك ، أعظمت رجلهم ( القرشي ) عليك داخلا ، ووعت مجلسه إذ رأيته عليك مقب، وتجافيت له عن صدور فراشك مكرمة ( الطبري 143/7 و 144 )

وغضب يوسف بن عمر ، علي خادمه حديج ، فقال له : يا ابن الخبيثة .

وكان يوسف بن عمر ، أمير العراقين لهشام بن عبد الملك ، وكان مذمومة في عمله ، وكان يلقب : أحمق ثقيف ، قال لكاتبه ، وقد احتبس عن الديوان ، ما حبسك ؟ قال : اشتكيت ضرسي ، قال : تشتكي ضرسك ، وتقعد عن الديوان ، ودعا بالحجام ، وأمره أن يقلع ضرسين من أضراسه .

ودعا يوسف بن عمر، بجوار له ثلاث ، فقال لواحدة منهن : إني أريد أن أشخص ، أفأخلفك ، أم آخذك معي ؟ فقالت : صحبة الأمير أحب إلي ، ولكني أحسب أن مقامي وتخلفي أخف علي قلبه ، فقال : أحببت التخلف للفجور ، يا حديج ، اضربها فضربها ، ثم دعا بالثانية ، وقد رأت ما لقيت صاحبتها ، فسألها السؤال عينه ، فقالت : لست أعدل بصحبة الأمير شيئا ، بل تخرجني معك ، فقال لها : رغبت في النكاح ، يا حديج اضربها ، فضربها ، ثم دعا بالثالثة ، وقد رأت ما لقيت المتقدمتان ، فلما سألها قالت : الأمير أعلم ، لينظر أخف الأمرين عليه ، فيفعله ، فقال لها : هل فرغت من كل عمل ، فلم يبق لي إلا أن اختار لك ، يا حديج أوجعها ، فضربها ، فلما ولت وبعدت ، قالت : الخير كله في فراقك ، فلم يفهم يوسف قولها ، وقال با حديج ما تقول هذه ؟ فأخبره بما قالت ، فقال له : يا ابن الخبيثة من أمرك أن تعلمني ؟ ثم أمر غلامأ بأن يضرب حديج ، فضربه ( المحاسن والأضداد 34)

ص: 207

ولما ظهر زيد بن علي بالكوفة في السنة 122 خرج اليه عبيد الله بن العباس الكندي في أهل الشام ، والتقوا علي باب عمر بن سعد ، فلما أراد عبيد الله الحملة ، كع صاحب لوائه ، فقال له : احمل با آبن الخبيثة . ( الطبري 184/7).

ولما أراد المنصور العباسي ، قتل أبي مسلم الخراساني ، أحضره ، وقرعه بأمور بدرت منه ، فقال له أبو مسلم : لا يقال هذا لي بعد بلائي ، وما كان مني ، فقال له المنصور : يا ابن الخبيثة . واللله ، لو كانت أمة مكانك الأجزأت، انما عملت ما عملت في دولتنا وبريحنا، ثم صفق بيديه، فخرج الذين أعدهم لقتله، وضربه عثمان بن نهيك بالسيف، وأخذه الحرس بسيوفهم، وهو يقول : العفو ، العفو ، فقال له المنصور : العفو والسيوف قد اعتورتك يا ابن اللغناء ( ابن الأثيره 476/5)

وقال أبو دلامة لطبيب نصراني : يا أبن الكافرة .

وتمام القصة : إن أبا دلامة دخل علي إسحاق الأزرق يعوده ، فوجد الطبيب يصف له دواء ، فقال له يا ابن الكافرة ، أتصف له دواء غير ناجع، ثم قال : اسمع أيها الأمير مني ، وأنشده : [ الأغاني 10 / 270 ].

نح عنك الطبيب واسمع لنصحي*** إنني ناصح من النضاح

غاير هذا الكباب كل صباح*** من متون الفتية الساح

وإذا ما عطشت فأشرب ثلاثا*** من عتيق في الشم كالتفاح

وشتم أبو دلامة ، ولده دلامة ، فقال : عمل بي هذا ، ابن الخبيثة ، ما الم يعمل ولد بأبيه .

وسبب ذلك : إن الخيزران ، وهبت لأبي دلامة جارية جميلة ، فأبصرتها أم دلامة ، فأغرت ولدها دلامة ، أن يلم بها ، ففعل ما أرادت ، ولما جاء أبو دلامة إلي المنزل ، وتقدم إلي الجارية ، طردته ، وأعلمته أن ولده قد ألم بها ، فخرج إلي ولده ، ولطمه ، ولببه ، وأخذه إلي المهدي ،

ص: 208

فشكا إليه ما صنع ، وقال : إن هذا ابن الخبيثة ، قد عمل بي ، ما لم يعمل ولد بأبيه ، وقص عليه ما فعله ، فقال دلامة للمهدي : يا سيدي ، إن هذا الرجل، يلم بأمي منذ أربعين سنة، ما غضبت، وأنا ألممت بجاريته مرة واحدة ، فغضب كل هذا الغضب ، فضحك المهدي ، ووهب أبا دلامة ، جارية أخري غيرها ( الأغاني 262/10- 264)

وكان الرشيد عقد هدنة مع ملكة الروم ( ريني ) فلما ولي نقفور ملك الروم ، نقض الهدنة في السنة 187 وكتب إلي الرشيد كتاب فيه استخفاف ، قال فيه : من نقفور ملك الروم ، إلي هارون ملك العرب ، أما بعد فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البيدق ، فحملت إليك من أموالها أحمالا ، وذلك ضعف النساء وحمقهن ، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالهاوإلا فالسيف بيننا وبينك ، فلما وصل الكتاب إلي الرشيد ، اشتد به الغضب ، وكتب إليه بخطه علي ظهر كتابه : من هارون أمير المؤمنين ، إلي نقفور كلب الروم ، قرأت كتابك يا ابن الكافرة ، والجواب ما تراه لا ما تسمعه ( الطبري 307/8 و 308 و 308 وتاريخ الخلفاء 288 )

وشتم محمد الزف المغني ، إبراهيم الموصلي ، أمام خصمه ابن جامع ، فقال له : الحمد لله الذي أخزي ابن الجرمقانية علي يديك . ( الأغاني 207/5 )

أقول : أسلفنا أن الجرامقة ، قوم من العجم ، صاروا إلي الموصل في صدر الإسلام .

ووصف أحمد بن أبي خالد الأحول ، أبا عباد ، للمأمون ، فقال : هو أحد من سيف سعيد بن العاص ، وأنزق من مجنون البكرات ، فأراد المأمون أن يمتحنه ، فدخل عليه ، وعرض ما لديه ، ثم خرج ، فلما صار بالباب ،

ص: 209

قال : ردوه ، فعاد ، وكلمه في أشياء ، فلما خرج وصار بالباب ، قال : ردوه ، فعاد ، وكلمه في أشياء أخري ، فلما صار بالباب ، عاد ، فقال : ردوه ، فلما جاءه الرسول ، صاح بالغلام ، ورفع الدواة في وجهه : الساعة والله ، أضرب بها وجهك القبيح ، يا ابن الخبيثة ، كان ينبغي أن تقول له ذهب إلي النار ، فلما رجع ، وكلمة المأمون ، قال له : نعم ، ولكن والله لا ارجع بعدها أبدا ، وضحك المأمون حتي أمسك بطنه ، وقال : انطلق راشدا ( الملح والنوادر 297 والمحاسن والمساويء 134/2 )

ص: 210

القسم السادس: المعايرة بالصفات السيئة

اشارة

وتشمل ألفاظ الشتيمة التي تدخل في هذا البحث ، الألفاظ التي تنسب صفة من الصفات السيئة للمشتوم ..

ويقسم هذا البحث إلي قسمين :

ا.: الألفاظ التي تتعلق بالمعايرة بالصفات الخلقية ، وذلك بأن ينسب إلي المشنوم صفة سوء طبعي فيه ، كأن يقال له : يا بليد ، يا غبي ، با أحمق ، يا مجنون .

ب. : الألفاظ التي تتعلق بالمعايرة بالصفات العارضة ، التي تطرأ علي الإنسان ، كأن يقال له : يا لئيم ، يا كاذب ، يا عيار .

ص: 211

أ- المعايرة بالصفات الخلقية

1- قولهم : يا بغيض

البغض : ضد المحبة .

والبغيض : الممقوت .

وكان البغداديون ، في العهد العباسي ، يطلقون كلمة : البغيض ، علي المسرف في التقشف والتزمت والوقار ، بحيث يصبح ثقيلا .

وغنت بدعة ، جارية عريب المأمونية ، القاسم بن عبيد الله وزير المعتضد والمكتفي ، بيتين من الشعر قالت انهما من نظم القاضي أبي خازم ، فتعجب من صدورهما عن أبي خازم المعروف و بشدة تقشفه ، و بغضه ، وورعه ، وتقبضه ، راجع القصة في نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ج - 1 ص 89 و 90 رقم القصة 1 / 38

وكان أبو بكر ابن الجواليقي يأخذ لسانه بالإعراب ، ويكثر الاستعارات فيه إلي حد البغض ، فأخذ في ذلك يوما ، فقال له أستاذه الإمام أبو جعفر الطبري : أنت بغيض ، فلقب منذئذ بغيض الطبري ( معجم الأدباء 6/ 461 )

وروي أن صوفية في مجلس ، تحدث عن نفسه ، فقال : انه قضي يوم أمس صائما ، « وانه أفطر علي زيتونة ونصف ، علم الله ، أو زيتونة وثلث ،، فقال له شيخه : إن من الورع ما يبغضه الله تعالي ، وورعك هذا منه .

ص: 212

ضرب سعد بن إبراهيم ، أبا زيد فندا مولي عائشة ، ضربا مبرحا ، فغضبت عائشة وكانت خالة إبراهيم ، وحلفت أن لا تكلمه أو يرضي عنه فند، فذهبت إليه ليترضاه ، فقال له فند : أشهد أنك مقيت سمج مبغض ، وقد رضيت عنك لتقوم عني وتريحني من وجهك ( الأغاني 17 / 277 )

وقال الحكم بن عبدل الأسدي ، لصاحب العسس : يا بغيض .

كان الحكم بن عبدل الأسدي ، أعرج ، أحدب ، وكان من أطيب الناس وأملحهم ، فلقيه صاحب العسس ، ليلة ، وهو سكران ، محمول في محقة ، فقال له : من أنت ؟ فقال له : با بغيض ، أنت أعرف بي من أن تسألني من أنا ، فاذهب إلي شغلك ، فانك تعلم أن اللصوص لا يخرجون بالليل للسرقة محمولين في محقة ، فضحك صاحب العسس وانصرف . ( الاغاني 422/2 )

وقال الحسن بن مخلد ، لخادمه نافذ : يا بغيض .

وسبب ذلك : إن نافذأ ، باكر سيده الحسن بن مخلد ، وأخبره بنفاد النفقة ، فقال له : يا بغيض ، تخاطبني هذه الساعة ، أين كنت عن خطابي البارحة ؟.

راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة رقم 8/ 11 ج 8 ص 35 - 37.

وغضب إسحاق بن إبراهيم الموصلي ، علي أحد الحاضرين في المجلس ، فنهض ليخرج ، وقال : لا أجلس حتي تخرجوا هذا البغيض .

وسبب ذلك ، أن الرجل أخذ يعربد علي إسحاق ، ويخرق به ، ولم يعرفه ، فأخبرهم بنفسه ، فقاموا إليه وتعلقوا به ، فقال لهم : لا أجلس حتي تخرجوا هذا البغيض ، فأخرجوه ، راجع القصة مفضلة في كتاب الفرج بعد

ص: 213

الشدة للتنوخي ج- 4 ص 372 - 376 رقم القصة 479.

وغضب الوزير جعفر البرمكي علي أبي صدقة المغني ، فقال له : اسكت يا بغيض .

وكان أبو صدقة المغني، واسمه مسكين، كثير الطلب، شديد الطمع، عظيم الإلحاح ، وكان الرشيد يعبث به عبثا شديدا . وغني أبو صدقة مرة في مجلس الوزير جعفر البرمكي ، صوت ، فقال له جعفر : أحسنت ، فما استتم كلامه ، حتي بادر أبو صدقة فقال : إنتي بنيت دارا ، وما أعددت لها فرشأ ، فتغافل عنه جعفر فعاود السؤال ، وعاود جعفر التغافل ، فقال له أبو صدقة ، سألتك بالله ، وبحق أبيك ، إلا أجبتني ولو بشتم ، فقال له جعفر : أنت بغيض ، أسكت با بغيض ، وأكفف عن الإلحاح ، ثم وعده أن يفرشها له ، فسكت ، حتي إذا كان في مجلس الخليفة ، طالب بالفرش الذي وعده به ، فقال له جعفر : اختر ، إن شئت فرشتها لك بالبواري ، وان شئت بالحصر البردي ، فضج واضطرب ، ثم وصله الرشيد بألف دينار وجعفر بخمسمائة ، راجع القصة مفصلة في الأغاني 296/19 - 298

وقال المأمون لإسحاق الموصلي : يا بغيض .

وسبب ذلك : إن إسحاق صنع صوتا في البيتين :

سقيا لأرض إذا ما نمت نبهني ***بعد الهدو بها قرع النواقيس

كان سوسنها في كل شارقة ***علي الميادين أذناب الطواويس

ثم باع الصوت لعلية بنت المهدي ، فعوضته عنه بأربعين ألف درهم وأربعين تختا من الثياب ، ثم ته غناه للمأمون ، وحدثه بقصته ، فقال له المأمون: با بغيض فما كان في هذا من النفاسة ، حتي شهرته ، مع ما قد أخذته من العوض ، فخجل إسحاق ، ولم يغنه من بعد ذلك .

( الأغاني 168/10 - 170 )

ص: 214

ودعي أبو بكر الجعابي إلي وليمة ، فاقترح إحضار أحد المغنين ، ولكنه وعد ولم يحضر ، فغناهم بدلا منه ، شيخ القراء أبو بكر بن مجاهد، فعجب أبو بكر الجعابي منه ، وقال له ، يا أستاذ متي تعلمت هذا ؟ فقال : يا بارد ، تعلمته لبغيض مثلك ، لا يحضر الدعوة إلا بمغن . راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج5 ص 233 - 236 رقم القصة119/5.

أقول : إن كل من عايشته من مشاهير القراء كانوا يحسنون الغناء إحسانا تاما ، فمنهم من يتحرج فلا يغني ، ومنهم من لا يري بالغناء بأسأ .

وقال ابن اليتيم : كنت أماشي أبا جعفر بن النحاس ، فوقفنا علي بائع تمر ، فقال له أبو جعفر : كيف تبيعني ؟ قال : ثلاثة ونص بدرهم ، فقال له : قل ثلاثة ونصف بدرهم ، قال : ثلاثة ونصف بدرهم ( وفتح نون نصف )، فقال له : قل ثلاثة ونصف ، بكسر النون ، فضجر ، وقال : ونصف ، إفرغ ، فنحن في بيع وشراء ، لسنا في نحو ، قال : فاجعله أربعة بدرهم ، قال : أفعل يا بغيض ، فوزن له بدرهم ، فقال له أبو جعفر : أدر الصنجة من الكفة إلي الكفة ، فقال : أنا أعرف ابن النحاس ، فهو أحمقكم ، قال ابن اليتيم : فقلت له : أبيت أن تنصرف إلا مصفوعا. ( الملح والنوادر 113 و 114).

وكان محمد بن صدقة الأطرابلسي ، من أطرابلس الغرب ، عالما باللغة ، شاعرة ، وكان يتقعر في كلامه جدا ، دخل يوما علي أبي الأغلب بن أبي العباس ، فتكلم ، وأغرب حتي جاوز الحد ، فقال له أبو الأغلب : أكان أبوك يتكلم بمثل هذا الكلام ؟ فقال : نعم ، اعز الله الأمير ، وأميه ، يريد وأنتي أيضا ، فقال الأمير : وما ينكر أن الله يخرج بغيضأ من بغيضين ( الوافي بالوفيات161/3)

ص: 215

2- قولهم : يا بارد البارد : ضد الحار

وقد ترد بمعني الضعيف ، تقول : هذه صحية باردة ، أي ضعيفة .

وكان بشار بن برد ، الشاعر الأكمه ، جالسا في دار المهدي ، فسأله سائل : ما عندك يا أبا معاذ في قوله تعالي : وأوحي ربك إلي النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا ، يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس ... الآية ( 68 و 69 ك النحل 16 ) فقال بشار : هذه النحل التي تعرفها الناس ، فقال له : هيهات ، يا أبا معاذ، النحل بنو هاشم ، وقوله تعالي : يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه ، يعني العلم ، فقال له بشار : أراني الله شرابك وطعامك وشفاءك مما يخرج من بطون بني هاشم ، فغضب الرجل ، وشتم بشارة ، وبلغ الخبر المهدي ، فدعاهما ، ولما علم القصة ، ضحك حتي أمسك علي بطنه ، وقال للرجل : جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم ، فإنك بارد غ . ( وفيات الأعيان 423/4 )

وألح الصبيان ، علي خالد الكاتب ، يصيحون به لما وسوس : يا خالد بابارد ، وألحت عليه من بينهم جارية ، فقال لها : مري ، با منتنة الكس .

أقول : خالد بن يزيد الكاتب ، بغدادي ، كان من كتاب الجيش ، نادم علي بن هشام، ولما قتل، أتصل بالفضل بن مروان، فأوصله إلي المعتصم،

ص: 216

وخاصم أبا تمام فهجاه وأقذع في هجائه ، فأجابه أبو تمام بأبيات آخرها :

شعرك هذا كله مفرط***في برده يا خالد البارد

فحفظ الصبيان البيت ، فكانوا يصيحون به : يا خالد ، يا بارد ، حتي وسوس ، ومن لطيف شعره وهو موسوس :

أما ترثي لمكتئب***يحبك لحمه ودمه

يغار علي قميصك حي***تلبسه ويتهمه

راجع ترجمته في الأغاني 274/21 - 287

وشتم أسد بن جهور ، أحد كبار العمال العباسيين ، ابن أخته ، فقال له : يا غث يا بارد .

أقول : كان أسد بن جهور من كبار العمال في الدولة العباسية ، وكان في السنة 299 عاملا علي الكوفة ( نشوار المحاضرة ج - 2 ص 283 ) وكان بخيلا علي الطعام ، فإذا حضرت مائدته ، دعا ندماءه اليها، ومن أكل منهم ، عجل عقوبته ، فكانوا يتحامون الأكل علي مائدته ، وكانوا إذا شيلت المائدة ، مسحوا أيديهم في لحاهم ، يرونه أن ليس في أيديهم ما يزهمها ، وكان ابن اخته جسورا عليه ، فمد يده إلي دجاجة هندية ، فأمسك أسد بيده وقال له : ياغث ، يا بارد ، يا قبيح العشرة ، يا قليل الأدب ، في الدنيا أحد يستحسن إفساد مثل هذه ؟ فقال له ابن اخته : با لئيم ، يا بخيل ، يا سيء الاختيار ، فلاي شيء تصلح الدجاجة إلا للأكل، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة ج- 2 ص 186 - 187 رقم القصة 2/ 92، ومما يؤثر عن أسد بن جهور ، أنه كان كثير السهو والنسيان ، وقد أورد له القاضي التنوخي في نشواره قصصأ لطيفة في هذا الموضوع، منها أنه كان ذات يوم في دار الوزارة ، في مجلس ضم بعض القضاة ، وطلب الوزير أسدأ ، فقام علي عجل، وتناول قلنسوة القاضي فلبسها ودخل علي الوزير ( نشوار

ص: 217

المحاضرة ج1 ص 293 ) ومنها أن الوزير كان يكلمه في أحد الأيام ، وهو يقول له : سمعا لأمر القاضي أعزه الله ، وكان إلي جانبه أبو العباس بن الفرات ، صاحب ديوان الخراج ، فغمزه ، وقال له : قل ، الوزير ، فقال الابن الفرات : نعم أعز الله القاضي ، فضحك ابن الفرات ، وقال له : لست القاضي ، فارجع إلي صاحبك فقضه ( نشوار المحاضرة ج - 2/ 281 ) وجفت دواته ذات يوم ، فطلب ماء للدواة ، فجاء الغلام بكوز ماء ، فشربه ، ثم صاح ، بالغلام ثانيا : ويلك ، هات ماء للدواة ، فجاءه به ثانية ، فشربه ، ثم صاح ثالثا : ويلكم كم أطلب ماء للدواة ولا يجيئني ، فجاءه الغلام بكوز ثالث ، وتناوله ليشربه ، فقال له الغلام : يا سيدي تصب في الدواة أولا، فقال : نعم ، نعم ، وصبه في الدواة ( نشوار المحاضرة ج - 2 ص 282 ) وهجا علي بن بسام ، أسد بن جهور هجاءأ خصه وعم سائر الكتاب فقال : [ مروج الذهب 2 / 546]

تعس الزمان فقد أتي بعجاب***ومحا رسوم الظرف والآداب

وأتي بأقوام لو انبسطت يدي***فيهم رددتهم إلي الكتاب

أو ما تري أسد بن جهور قد غدا***متشبها باجلة الكتاب

وأعطي أبو العباس البغدادي ، لصديق له ، حفنة من يده ، قال انه مخلط خراسان ، فلما وصل إلي داره ، إذا هو لوز من ذهب ، وسخر من فضة ، وفستق وبندق عنبر ، وزبيب ند ، فأعاده إليه ، فقال له : يا بارد ، أيش هذا حتي ترده ، راجع الخبر في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ج - 1 ص 197 و 198 رقم القصة 107/1

. أقول : المخلط ، مجموعة من الفواكة المجففة ، والنقل، كالتين والفستق واللوز ، والبندق والحمص والزبيب ، وما شاكل ذلك ، تخلط وتؤكل، وتسمي لذلك و المخلط ، وعندما كنت في بغداد ، كان المخلط يباع في سوق الشورجه ، وبائعو المخلط يعرفون كيف يجمعون أصنافه ،

ص: 218

بحيث إذا طلب منهم ، جمعوه ووزنوا المقدار المطلوب دون حاجة إلي أن يعين لهم المشتري أنواعه ، ويروج سوق المخلط في بغداد ، وفي غيرها من المدن التي يحتفل فيها بعيد النيروز ، قبل حلول العيد بأيام ، ويسمونه في بغداد « دورة السنة ، ويستعدون لإستقبال هذا العيد ، بإعداد صواني تحتوي علي ألوان الخضر والبقول الطرية، وعلي الفواكه المجففة ، والنقل ، وأصناف الحلوي ، وعلي السويق المتخذ من جريش الشعير مخلوطأ بدبس التمر ، ويحرص المحتفلون علي أن تكون الصينية ، وقت دورة السنة ، حاوية جميع أنواع المخلط والحلوي والبقول والفواكه ، احتفالا بالربيع ، ولهم في كل سنة خبر عما « دارت عليه السنة ، ويتناقلون أن السنة دارت علي قرد ، أو علي أرنب ، أو علي حية ، ويتفاءلون أو يتشاءمون ، تبعا لذلك ، أما مخلط خراسان ، علي التخصيص ، فالظاهر أنه لا يخرج عما وصفت به المخلط ، وربما كان أكثر أصنافا ، وقد جاء في شفاء الغليل ص 65 : قال الخوارزمي : ما هو إلا سفينة نوح ، وجامع سفيان ، ومخلط خراسان ، والمعروف أن سفينة نوح قد وضع فيها من كل زوجين اثنين ، وسفيان ، هو سفيان الثوري ، وجامع سفيان ، هو كتابه الجامع في الفقه ، يضرب به المثل ، ويستنتج من ذلك أن مخلط خراسان يحتوي علي أصناف كثيرة من الفواكه والحلوي والنقل، وجاء في الامتاع والمؤانسة للتوحيدي 2/ 179 و 180 أن أبا طاهر المقنعي ، قال : عجل لنا يا غلام ما أدرك من عند الطباخ ، من الدجاج ، والفراخ ، والبوارد ، والجوذابات ، وتزايين المائدة ، وصل ذلك بشراء قيراط جبن وزيتون من عند كبل البقال في الكرخ، وقطائف حبش، وفالوذج عمر ، ومخلط خراسان من عند ابن زنبور .

وسأل حامد بن العباس، وزير المقتدر، أبا الحسن علي بن عيسي، في ديوان الوزارة ، عن دواء الخمار ، وكان قد علق به ، فأعرض علي بن عيسي عن كلامه ، وقال له ، ما أنا وهذه المسألة ، فخجل حامد منه ،

ص: 219

والتفت إلي قاضي القضاة أبي عمر الأزدي ، فسأله عن ذلك ، فتنحنح أبو عمر لإصلاح صوته ، ثم قال : قال الله تعالي : ( وما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا ) ، وقال النبي صلي الله عليه وسلم : استعينوا علي كل صنعة بصالح أهلها ، والأعشي ، وهو المشهور بهذه الصناعة في الجاهلية ، قال :

وكأس شرب علي لذة***وأخري تداويت منها بها

ثم تلاه أبو نواس في الإسلام ، فقال :

دع عنك لومي فإن اللوم إغراء وداوني بالتي كانت هي الداء فأسفر حينئذ وجه حامد ، وقال لعلي بن عيسي : ما ضرك يا بارد ، أن تجيب ببعض ما أجاب به مولانا قاضي القضاة ، وقد استظهر في جواب المسألة ، بقول الله تعالي أولا ، ثم بقول النبي صلي الله عليه وسلم ثانية ، وأدي المعني ، وخرج من العهدة ( ثمرات الأوراق للحموي ص 4)

ص: 220

3- قولهم : يا مدبر

المدبر : المبتلي بالإدبار ، وهو ضد الإقبال

قال الشاعر :

ولا تساعد أبدأ مدبرة *** وكن مع الله علي المدبر

وهذه الكلمة ، لا تستعمل الآن في بغداد .

بعث رجل غلامه إلي قرية ، فتسلم عشرة رؤس من الغنم ، وتصرف في الطريق بواحد منها ، وأحضر تسعة ، فسأله سيده عن العاشر ، فقال : إنها عشرة ، فأحضر له سيده عشرة رجال ، وأمر كل واحد أن يأخذ واحدة من الغنم فأخذ منهم تسعة وبقي العاشر ، فقال له السيد : ألا تري أن هذا ما معه شيء ، فقال له : هذا مدبر ، لماذا لم يسبقهم ويأخذ واحدة في الأول . ( أخبار الحمقي 161).

وتآمر اثنان من العيارين ببغداد ، علي مغفل يقود حمارة ، فخلع أحدهما الرسن من راس الحمار ، ووضعه في عنقه ، وذهب صاحبه بالحمار ، ولما عرف أن صاحبه قد غاب عن العين ، وقف ولم يتحرك ، فالتفت المغفل إليه ، وقال له : ما هذا ؟ قال : أنا حمارك ، وقد كنت آدمية وعققت أمي ، فدعت علي ، فصرت حمارة ، وقد رضيت عني الأن فعدت إلي آدميتي ، فصدقه المعقل ، واعتذر إليه ، وأطلقه ، وفي اليوم التالي ذهب

ص: 221

ليشتري حمارأ غيره ، فوجد حماره في السوق فتقدم إليه ، وساره في أذنه ، وقال له : يا مدبر ، عدت إلي عقوق أمك ( أخبار الحمقي 193).

ص: 222

4. قولهم : يا مائق الموف : الحمق في غباوة ( لسان العرب : حمق) والمائق : الأحمق الغبي

بعث أحد كتاب الديلم ، إلي صاحبنه ، رسالة ، قال فيها: إني بك مائق ، يريد : وامق .

وكتب مروان الحمار ، إلي عبد الله بن علي العباسي ، يوصيه بحرمه .

فكتب إليه عبد الله : يا مائق ، الحق لنا في دمك ، والحق علينا في حرمك ( المحاسن والمساويء 2/ 113)

ص: 223

5. قولهم : يا أنوك

والنوك : العجز والجهل ( الفاخر 54)

ثم صرف إلي الحمق .

والأنوك : الأحمق

قال الشاعر ، يهجو شيبة بن الوليد :

عش بجد، ولا يضرك نوك***إنما عيش من تري بالجدود

عش بجد ، وكن هبنقة القيسي***نوكأ أو شيبة بن الوليد

ولما قتل المنصور ، أبا مسلم الخراساني ، أدرجه في بساط ، ودخل عليه عيسي بن موسي ، فقال له يا أمير المؤمنين ، أين أبو مسلم ؟ قال : قد كان ههنا آنفا ، فقال عيسي : يا أمير المؤمنين قد عرفت طاعته ونصيحته ، ورأي إبراهيم الإمام فيه ، فقال له : يا أنوك خلق الله ، ما أعلم في الأرض عدوا أعدي لنا منه ، وهل كان لكم ملك أو سلطان ، أو أمر أو نهي ، مع أبي مسلم ؟ ( الطبري 492/7 و مرجع الذهب 2/ 231 )

ولما حج المنصور ، دخل عليه سفيان الثوري ، ووعظه ، فقال له أبو عبيد الله الكاتب : أمير المؤمنين يستقبل بمثل هذا ؟ فقال له سفيان : آسكت ، فانما أهلك فرعون هامان ، فلما خرج سفيان ، قال أبو عبيد الله للمنصور : ألا تأمر بقتل هذا الرجل ؟ فقال أبو جعفر : اسكت يا أنوك ، فوالله ما بقي علي وجه الأرض أحد يستحيا منه غير هذا ( الإمامة والسياسة 143/2 و 144)

ص: 224

6- قولهم : يا مشؤوم

المشؤوم : المبتلي بالشؤم وهو ضد اليمن والبغداديون يقولون : ميشوم .

جاء أشعب إلي بيته ، فقالت له امرأته : با مشؤوم ، بعث عبد الله بن عمرو بن عثمان يطلبك ، ولو ذهبت إليه لحباك ، راجع القصة مفصلة في نشوار المحاضرة للتنوخي تحقيق المؤلف ج-6 ص 37 - 39 رقم القصة 20.

وجلس الواثق العباسي ، علي دكان ( دكة ) في دجلة ، يصيد السمك ، وإلي جانبه الطبيب يوحنابن ماسويه فلم يصطد شيئا، فقال ليوحنا: يامشؤوم قم من عن يميني ، فقال له يوحنا: يا أمير المؤمنين، لا تتكلم بمحال، يوحنا بن ماسويه، الخوزي، وأمه رسالة الصقلبية، المبتاعة بثمانمائة درهم ، أقبلت به السعادة ، حتي صار نديم الخلفاء وسميرهم وعشيرهم ، من المحال أن يكون مشؤومأ ، ولكن المشؤوم من ولده أربعة خلفاء ، ثم ساق الله إليه الخلافة ، فترك خلافته ، وقصوره ، وقعد في دكة مقدار عشرين ذراعا في وسط الدجلة لا يأمن من عصف الرياح ، ثم تشبه بأفقر قوم في الدنيا وشرهم، وهم صيادو السمك ( تاريخ الحكماء 387 و 388)

وكتب وزير المتوكل، إلي عامل الأهواز، فشتمه، قائلا: يا ميشوم، تسرعت وقتلت نفسك ، راجع التفصيل في نشوار المحاضرة للتنوخي ج 2 ص 10 رقم القصة 2/2

ص: 225

وذكر صاحب كتاب نشوار المحاضرة ، القاضي التنوخي ، أن أحد المورثين افتقر ، وأضاع جميع ما عنده من ماله ، فلقيه أحد أصحابه ، وهو علي تلك الحال ، فقال له : با ميشنوم ، ما هذا ؟ راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 93/1 ج 1 ص 178 - 183.

وروي فتي من أولاد الجند، أن فتاة غرته ، وأخذته إلي دارها، وشاغلته حتي جاء صاحبها، فأدخلته إلي حجرة وأغلقتها عليه ، وقالت لصاحبها : قم ، فأفرغ من هذا الميشوم ، راجع القصة بتمامها في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة رقم 5 / 133 ج 5 ص 259 - 264 .

وجري في مجلس الأمير سيف الدولة ، بحلب ، حديث رجل يلقب بالناضري من أهل حلب ، فر منه إلي مصر ، فقال سيف الدولة : هذا المشؤوم بلغ إلي مصر ؟ راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة ، للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 386 ج 4 ص 63 - 68.

وكان ببغداد شخص يقال له ابن بشران ، وكان كثير الأراجيف ، فمنع من ذلك ، فقعد علي الطريق ينجم ( ينظر في النجوم ) فقال فيه الشاعر نجم الدين يعقوب بن صابر المنجنيقي (ت 626 ) : [ وفيات الأعيان 40/7 ]

إن أبن بشران ولست ألومه***من خيفة السلطان صار منجما

طبع المشوم علي الفضول فلم يطق***في الأرض إرجاف فأرجف في السما

ص: 226

7- يا رقيع

الرقيع : الأحمق، والعامة الآن ببغداد، يقولون: سقيع، بالسين، ومن أمثالهم : كل طويل سقيع ، ويريدون بالسقيع ، الذي تتسم أقواله وأفعاله ، بالحمق والرعونة . ويعبرون عن الحصيف ، بقولهم : مطبوخ ، أي ناضج . ويقولون عن الحصيف : قاعد ورا طبق ، أي أنه مارس أعمالا ، وخالط الناس .

وقال الحسن بن مخلد ، صاحب دوادين الأزمة ، والتوقيع ، وبيت المال ، عن أبي بكر أحمد بن صالح بن شيرزاد : أخي أبو بكر - والله - رقيع .

وسبب ذلك : إن الحسن بن مخلد ، كان من أجرأ الناس علي أموال السلطان ، وشكا إليه خادمه نافذ ، نفاد النفقة ، فدخل إلي الخليفة ، ثم خرج، وأرسل خادمه برقعة إلي صاحب بيت المال، فأتوا إليه ثلاثين ألف دينار، ومضي علي ذلك أيام وأراد أبو بكر أحمد بن صالح بن شيرزاد صاحب ديوان التوقيع ، تنظيم ديوان الختمة ، فأرسل إلي الحسن يقول : إني حاسبت صاحب بيت المال عما صرف في هذا الشهر ولم يبق إلا ثلاثون ألف دينار ، ذكر صاحب بيت المال انك خرجت إليه من عند الخليفة فأمرته بحملها إلي خادمك نافذ ، ولست أدري في أية جهة صرفت ، ولا في أي باب أثبتها ، ولا الحجة فيها ، فأجاب الحسن ، من غير توقف : أخي أبو بكر - والله - رقيع ، أسأل أنا الخليفة ، في أي شيء صرف ما أمر بأن يحمل إلي حضرته ؟ يجب أن يكتب في الختمة : وما حمل إلي حضرة أمير المؤمنين في يوم كذا ثلاثون ألف دينار ، فقام الكاتب خجلا ، ومر ذلك في الحساب ، ولم ينتبه إليه أحد ،

ص: 227

راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ج- 8 رقم القصة 11 ص 35- 37.

وغضب المكتفي علي التاجر ابن الحصاص ، فقال له وزيره العباس بن الحسن، هذا رجل رقيع عامي، وسبب ذلك أن المكتفي أحضر ابن الجصاص، وطلب منه عقدة من فاخر الجوهر علي أن يكون ثمنه ثلاثين ألف دينار، فعرض عليه ابن الجصاص عقدا فيه ستون حبة ، ثمنه ستون ألف دينار ، فأعجب به المكتفي ، وقال : أنه لم ير مثله قط ، فقال له ابن الجصاص : ومن أين عندك مثل هذا يا أبا مشكاحل ؟ فغضب المكتفي ، وهم به ، فهذاه وزير العباس بن الحسن ، وقال له : يا مولانا ، هذا رقيع عامي ، والعامي إذا افتخر علي آخر ، سماه أبا مشكاحل ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة ج 2 ص 316 و 317 رقم القصة 166 .

أقول : أبو عبد الله الحسين بن الجصاص الجوهري ، كان ذا ثروة عظيمة ، وجاه عريض ، وهو الذي سعي في زواج قطر الندي بنت خمارويه بالمعتضد، ورافق موكبها من مصر إلي بغداد ، ولبيان مقدار ثروته ، ذكر الصابي في كتاب الوزراء ( ص 290 ) أن الوزير ابن الفرات أخذ من ابن الجصاص في محنته عشرة آلاف ألف دينار ، وكان ابن المعتز ، لما أعلن خلافته ، وفسد أمره ، لجأ إلي ابن الجصاص ، وأخذ من داره ، فاتخذ رجال الدولة ذلك سبأ لمصادرة ابن الجصاص وحبسه ، فصودر ، وحبس ، ولما أطلق بقي له مال وافر ، وجاه عريض ، راجع أخبار ابن الجصاص في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، وقد ذكر التنوخي في نشواره ، أنه اجتمع في بغداد بأبي علي ، ابن أبي عبد الله الجصاص ، وسأله عن الحكايات التي تنسب إلي أبيه ، مثل قوله خلف إمام قد قرأ : غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، فقال : إي لعمري ، بدلا من آمين ، ومثل قوله للوزير الخاقاني : أسهرني البارحة كلاب في الحارة علي بابي ، كل كلب مثلي ومثل الوزير ،

ص: 228

وقوله له ، وقد أراد تقبيل رأسه ، فقال له : ان فيه دهنأ فلا تفعل ، فقال له : لو كان في رأس الوزير خرا لقبلته ، ومثل قوله : قمت البارحة في الظلمة إلي الخلاء ، فما زلت أتلحظ المقعدة ، حتي وقعت عليها ، ومثل قوله ، وقد وصف مصحفأ بالعتق : هو كسروي ، فقال له ابن الجصاص : أما أمر المقعدة ، واي لعمري ، وما كان من هذا الجنس فكذب ، وما كانت فيه سلامة تخرجه إلي هذا ، وما كان إلا من أدهي الناس ، ولكنه كان يطلق بحضرة الوزراء قريبة مما حكي عنه ، لأنه كان يحب أن يصور عندهم بصورة الأبله ، ليأمنه الوزراء لكثرة خلواته بالخلفاء ، ثم حدثه بحديث يدل علي دهائه ، راجع كتاب نشوار المحاضرة ج - 1 ص 29 - 30 رقم القصة 9.

ولما قدم أبو الحسن النحوي اللغوي الشاعر المعروف بشميم الحلي (ت 601 ) ، الموصل ، أراد نقيب الموصل زيارته ، فقيل له إن شميم لا يعبأ بأحد ولا يقوم في مجلسه لزائر أبدأ، فأبي إلا زيارته ، فلما زاره لم يقم له ولم يحتفل به ، فعاتبه أحد صحابه علي ذلك ، فأخرج كسرة خبز يابسة ، وقال له : يا رقيع ، من يقنع من الدنيا بهذه الكسرة لأي معني يذل للناس مع غناه عنهم وأحتياجهم إليه ؟ ( معجم الأدباء 135/5 و 136).

ص: 229

8- قولهم : يا أحمق

الحمق ، والحماقة : فساد العقل .

قال الشاعر :

لكل داء دواء يستطب به*** إلا الحماقة أعيت من يداويها

وقال المتنبي :

قالوا لنا مات إسحاق فقلت لهم***هذا الدواء الذي يشفي من الحمق

وقال آخر :

جانب الأحمق واحذر بطشه***إنما الأحمق كالثوب الخلق

كلما رقعته من جانب***جاذبته الريح يوما فأنخرق

ومر عقيل بن أبي طالب ، علي أخيه علي عليه السلام ، وكان مع عقيل تيس فقال له علي يمازحه : إن أحدنا نحن الثلاثة أحمق ، فقال له عقيل : أما أنا وتيسي فلا ( الامتاع والمؤانسة 184/3)

خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، علي الحسن ابنه ، أم عمران بنت سعيد بن قيس الهمداني ، فقال سعيد : فوقي أمير ذو إمرة - يعني انها - فقال : قم فأمرها، فخرج من عنده، فلقي ألأشعث بن قيس، فأخبره بالخبر ، فقال له الأشعث : ما تريد إلي الحسن ، يفخر عليها ولا ينصفها ، ويسيء اليها ، فيقول : أنا ابن رسول الله ، وابن أمير المؤمنين ، ولكن هل لك في ابن عمها ، فهي له وهو لها ، قال : ومن ذلك ؟ قال : محمد بن

ص: 230

الأشعث ، ولدي ، قال : قد زوجته ، فدخل الأشعث علي أمير المؤمنين علي ، فقال : يا أمير المؤمنين ، خطبت علي الحسن ، ابنة سعيد ؟ قال : نعم ، قال : فهل لك في أشرف منها بيتا، وأكرم منها حسبأ، وأثم منها جمالا ، وأكثر ما ، قال : ومن هي ؟ قال : جعدة بنت الأشعث ، ابنتي ، قال : قد قاولنا رجلا ، قال : ليس إلي ذلك الذي قاولته سبيل ، قال : إنه قد فارقني ليؤامر أمها ، فقال : قد زوجها من محمد بن الأشعث ، قال : متي ؟ قال : الساعة بالباب .

قال : فتزوج الحسن جعدة .

فلما لقي سعيد ، الأشعث ، قال : يا أعور ، خدعتني .

قال : أنت أحمق خبيث ، حيث تستشيرني في ابن رسول الله ، ألست أحمق ( الأذكياء 34)

وكان إياس بن مضارب العجلي علي شرطة الكوفة، فرأي إبراهيم بن الأشتر يكثر من زيارة المختار بن أبي عبيد الثقفي ، فمنعه من الركوب ، وقال له : لا تبرحن منزلك ، وإلا ضربت عنقك ، وعاود إبراهيم الركوب في جماعة من أصحابه وجعل طريقه علي إياس ، فأراد إياس أن يعتقله وأن يحمله إلي الأمير ، فقال له إبراهيم : لا أبا لغيرك ، خل سبيلنا ، فقال : كلا ، والله ، لا أفعل ، وكان مع إياس رجل من همدان يقال له : أبو قطن ، وكان صديقة الإبراهيم ، فقال له إبراهيم : يا أبا قطن ادن مني ، فدنا منه ، فأخذ رمح أبي قطن ، وطعن به إياسا في ثغرة نحره وقال له : أنت أحمق ( الأخبار الطوال 290 و 291 والطبري 19/6 و 20).

وقال مروان بن الحكم لحبيش بن دلجة : إني أظنك أحمق ، فقال له حبيش : أحمق ما يكون الشيخ إذا عمل بظنه ( العقد الفريد 4 / 33)

وتساب خالد القسري، ويوسف بن عمر، وكان خالد في حبس

ص: 231

يوسف ، قال له يوسف : يا ابن الكاهن ، يعني شق بن صعب الكاهن ، فقال له خالد : إنك لأحمق ، تعيرني بشرفي ، ولكنك ابن السباء ، إنما كان أبوك سباء خمر، أي يبيع الخمر ( الطبري254/7).

وسمع أبو جعفر المنصور ، أبيات عبد الله بن مصعب ، في مدح بصبص المغنية :

أرائح أنت أبا جعفر***من قبل أن تسمع من بصبصا

هيهات أن تسمع منها إذا***جاوزت العيس بنا الأعوصا

أحلف بالله يمينا ومن***يحلف بالله فقد أخلصا

لو انها تدعو إلي بيعة***بايعتها ثم شقق العصا

فغضب أبو جعفر ، ودعا به ، فقال : أما إنكم يا آل الزبير قديما ما قادتكم النساء ، وشققتم معهن العصا، حتي صرت أنت آخر الحمقي تبايع المغنيات ، فدونكم يا آل الزبير هذا المرتع الوخيم. ( الأغاني 28/15و 29 )

أقول : يعيره بخروج الزبير جده ، علي الإمام علي بن أبي طالب .

وقال المنصور ، للطلحي : أنت أحمق ، وسبب ذلك ، إن المنصور سأل الربيع : كيف تعرف الريح ؟ قال : أنظر إلي خاتمي ، فإن كان سلسأ فشمال وإلا فهي جنوب ، وقال للطلحي : كيف تعرفها أنت ؟ قال : أضرب بيدي إلي خصيتي ، فإن كانتا قد تقلصتا فالريح شمال ، وإن تدلتا ، فهي جنوب ، فقال له المنصور : أنت أحمق . ( البصائر والذخائر 17/1 )

وكان خالد بن صفوان بخيلا ، سأله سائل ، فأعطاه درهما فأستقله ، فقال له : يا أحمق ، الدرهم عشر العشرة ، والعشرة عشر المائة ، والمائة عشر الألف ، والألف عشر العشرة الآف ، أما تري كيف أرتفع الدرهم إلي دية مسلم ؟ ( البخلاء 151,150)

ص: 232

ولما انفق المهدي العباسي ، جميع ما في بيوت الأموال ، دخل إليه أبو حارثة الهندي ، خازن البيوت ، ومعه المفاتيح ، وقال له ، إذا كنت قد أنفقت جميع الأموال فما معني بقاء هذه المفاتيح معي ؟ فتركه ثلاثة أيام ، ثم قال له : ما أخرك عنا ؟ قال : ورود الأموال ، فقال له : يا أحمق ، توهمت أن الأموال لا تأتينا ( مروج الذهب 248/2ووفيات الأعيان 7 / 22)

وأهدي العباس بن محمد العباسي، إلي الرشيد برنية غالية ، وأطال في الثناء عليها، فأخذها ابن أبي مريم المدني ، مضحك الرشيد ، وبددها علي أطرافه ومغابنه ، ثم قال للعباس : والله ، أنت شيخ أحمق ، راجع تفصيل القصة في الطبري 349/8 و 350 .

وقال القاضي حفص بن غياث ، قاضي الرشيد علي الشرقية ، لمرزبان المجوسي ، وكيل أم جعفر : أنت أحمق .

وخلاصة القصة : إن خراسانية باع إبلا بثلاثين ألف درهم ، لمرزبان المجوسي ، وكيل أم جعفر ، فمطله ثمنها، وحبسه ذلك عن السفر فشكا أمره إلي القاضي حفص بن غياث ، قاضي الشرقية ، ( وهي التي تسمي الأن المنطقة ، سميت الشرقية ، لأنها تقع شرقي مدينة المنصور ) ، فأحضره ، وسأله ، فاعترف بالدين ، فألزمه بالأداء ، فقال مرزبان : هذا المال علي السيدة ( يعني السيدة زبيدة أم جعفر ، زوج الرشيد) ، فقال القاضي : أنت أحمق ، تقر ، ثم تقول هو علي السيدة ، خذوا بيده إلي الحبس ، ولما بلغ أم جعفر حبس وكيلها غضبت ، وأمرت السندي بن شاهك ، أن يخرجه من الحبس ، وكانت القضاة تحبس الغرماء في محبس الشرط ، فأخرجه السندي ، وبلغ القاضي الخبر ، فقال : أحبس أنا ، ويخرج السندي ، وامتنع عن الجلوس في مجلس الحكم ، إلا أن يعاد

ص: 233

المجوسي إلي الحبس، فجاء السندي إلي أم جعفر، وقال لها: الله ، الله ، في ، أخاف أن يقول لي أمير المؤمنين ، بأمر من أخرجت المجوسي من الحبس ؟ رديه إلي الحبس ، وأنا أكلم القاضي في أمره ، ورد مرزبان إلي الحبس ، وكلمت السيدة الرشيد، وقالت له ، إن حفصة حبس وكيلي ، واستخف به ، فمره لا ينظر في الحكم ، وأن يتولي أبو يوسف القاضي النظر في قضيته ، فكتب للقاضي بذلك ، وبلغ حفصة الخبر ، فأسجل الحكم علي المجوسي بالزامه بالمال ، وورد كتاب الخليفة مع خادم ، قال للقاضي : هذا كتاب أمير المؤمنين ، فقال له ، مكانك ، نحن في شيء حتي نفرغ منه ، فقال له الخادم : كتاب أمير المؤمنين ، فصاح به حفص : أنظر ما يقال لك ، ولما انتهي حفص من السجل ، أخذ الكتاب من الخادم ، وقرأه ، وقال : اقرأ السلام علي أمير المؤمنين ، وقل له ، إن كتابه ورد وقد أنفذت الحكم ، فقال له الخادم : قد عرفت ما صنعت ، أبيت أن تأخذ كتاب أمير المؤمنين ، حتي تفرغ مما تريد ، والله لأخبرت أمير المؤمنين بما فعلت ، فقال له حفص : قل له ما أحببت ، وجاء الخادم ، وأخبر الخليفة ، فضحك ، وقال للحاجب : ابعث إلي حفص بثلاثين ألف درهم ، فاشتد غيظ أم جعفر مما حصل، وألزمت الخليفة أن يعزل حفصة، فعزله عن الشرقية ، وولاه قضاء الكوفة ( وفيات الأعيان 199/2 و 200 )

وأنشد محمد بن حازم الباهلي ، حماد بن يحيي ، بيتين من نظمه :

صل خمرة بخمار*** وصل خمارة بخمر

وخذ نصيبك من ذا***وذا إلي حيث تدري

فقال له : إلي أين ويحك ؟ فقال : إلي النار يا أحمق . (شرح مقامات الحريري 349/1 و 350)

ص: 234

وكلم أحمد بن يوسف ، الأمير عبد الله بن طاهر ، في حاجة له يخاطب بها المأمون ، فوعده ، ثم عاد إليه ، فقال له : كنت سألتك أن تعلم أمير المؤمنين في كذا ، وقد سألت مؤنس - يعني جارية كان المأمون يتحظاها - أن تخاطب أمير المؤمنين فيها ، وما بالأمير حاجة إلي الخطاب في ذلك ، فلما خرج ، قال : أرأيتم أحمق من هذا ؟ يسأل مثلي أن أخاطب الخليفة في أمر ، ثم يجيء ويعرفني أنه قد سأل جارية فيما سألني ، وأنه قد استغني بها عني . ( الهفوات النادرة 254 و 255)

ولما اختلف أحمد بن طولون ، والأمير الموفق ( أبي أحمد) صاحب دولة المعتمد العباسي ، أمر القاضي محمد بن عثمان بن إبراهيم بن زرعة الثقفي بخلعه ، فوقف بأزاء منبر دمشق ، وقال : قد خلعت أبا أحمق ، كما خلعت خاتمي من اصبعي . ( النجوم الزاهرة 3 / 183)

وكان عبيد الله بن سليمان وأبوه ، يعملان مع الأمير الموفق ( أبي أحمد) ، ولهما جهبذ اسمه ليث ، أحالا عليه بمبلغ من المال ، فتأخر عن الأداء ، فقال له راشد، صاحب صاحب جيش الموفق : أحمل ولو من مالك ، فهذا مهم للأمير أبي أحمد ، فقال ليث : وأيش لأبي أحمق عندي ؟ فاغتاظ منه راشد، وروي القصة للموفق، فبطش بليث وبعبيد الله بن سليمان وبوالده سليمان بن وهب ، راح التفصيل في نشوار المحاضرة للتنوخي ج 8 ص 98-100 رقم القصة 44

وخدم أبو يعقوب الرازي (ت 304) ذا النون المصري سنة ، ثم طالبه بأن يعلمه اسم الله الأعظم ، فسكت عنه وأومأ إليه أنه يخبره ، وبعد ستة أشهر أخرج من بيته طبقأ ومكتبة مشدودين في منديل ، وأمره أن يحملها إلي صديق له في الفسطاط ، فأخذ الطبق ، وظل في الطريق يفكر فيما في داخله ، فلما بلغ الجسر ، لم يصبر حتي حل المنديل ورفع المكتبة ، فقفزت

ص: 235

من تحتها فارة ، فعاد الرازي إلي ذي النون غاضبا ، فلما رآه ، قال له : يا أحمق ، إما جربناك ، ائتمنتك علي فارة فخنتني ، أفأئتمنك علي اسم الله الأعظم ؟ ( المنتظم 142/6)

واشتري أحد الخراسانية ، من رهداري بمصر ، حجرة بخمسة دراهم ، فسخر منه ، وقال : يجون هؤلاء الحمير ، لا يدرون أيش يعطون ولا أيش يأخذون ، إن هذه الحصاة أخذتها بدائق فضة ، وقد اشتراها هذا الأحمق مني بخمسة دراهم ، فقال له الخراساني : أنت الأحمق ، راجع تفصيل القصة في نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة رقم 2/ 83 ج 2 ص 161 و162.

وقال الوزير أبو الحسن بن الفرات ، للكاتب ابن جبير : اجلس با أحمق .

وتفصيل القصة : إن الوزير ابن الفرات ، عاد من الموكب ، فجلس بسواده مغموما ، فسأله أحد أصحابه ، الكاتب بن جبير ، وكان مدلا عليه ، فلم يجب ، فقال له : سوف أستتر أنا وعيالي ، لأنك تعود من دار الخلافة ، وهذا الغم ظاهر في وجهك ، وتكتمنا السبب ، فليس وراءه غير الصرف والقبض .

فقال الوزير : اجلس با أحمق حتي أحدثك السبب .

فقال الوزير : ويحكم قد علمتم أني أشكو إليكم نقصان هذا الرجل - يعني الخليفة المقتدر - دائما، وشدة تلونه، واختلاف رأيه ، وأني أحب منذ مدة ، أن أروزه ، وأعرف قدر ذلك منه ، فقلت له اليوم ، في أمر أحد الرجال : يا أمير المؤمنين ، إنه قد فسد علينا ، وقد رأيت أن أقلده كذا ، وأقطعه ، وأسوغه ، لأستصلحه ، فقال : افعل ، ولما قرب وقت انصرافي ، قلت للخليفة : يا مولانا ، عاودت الفكرة في أمر فلان ، فوجدت أن ما نعطيه إياه يؤثر في بيت المال ، ويطمع نظراءه ، وقد رأيت أن نخلده

ص: 236

الحبس ، فقال : افعل ، فقلت : واويلاه ، كذا تجري حالي معه ، يقال له : ابن الفرات ، الكافي ، الناصح ، فيقول : نعم ، ويقربني ، ثم يقال له : ابن الفرات ، سرق ، ونهب ، والصواب قتله ، فيقول : نعم ، فأهلك ( الوزراء للصابي 133 )

وكان أبو العباس سهل بن بشر النصراني ، ضامن واسط والأهواز ، من أكابر رجال الدولة الديلمية ، وكان ذا حماقة متمكنة، وسخ اللسان يست من يراجعه من ذوي الحاجات ، فشكوه إلي المطران ، فكلمه في ذلك ، فقال له : أنت يا أبونا أحمق ، أنا إنما أكلم الناس بلسان القائد ، فيكون هو الشاتم لهم ، لا أنا ( الهفوات النادرة 316)

ص: 237

9. قولهم : يا خبيث ، ويا ابن الخبيثة

خبث : ضد طاب والخبيث : المستكره ، أو النجس ، أو الفاسد .

ولما هجا الحطيئة الزبرقان ، وقال فيه :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها***واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

شكاه الزبرقان إلي الخليفة عمر ، ولم يكن عمر يجهل موضع الهجاء من البيت ، ولكنه بعث إلي شاعر مثله ، وهو حسان بن ثابت ، وقرأ عليه البيت ، وسأله : هل هجاه ؟ فقال حسان : ما هجاه ، ولكن سلح عليه ، فأمر عمر بالحطيئة إلي الحبس ، وقال له : يا خبيث لأشغلك عن أعراض المسلمين ( العقد الفريده 318/5)

ولما انتهت حرب الجمل ، بانتصار الإمام علي ، أمر محمد بن أبي بكر ، بأن يرعي أخته عائشة ، فذهب إليها ، ومد يده إلي بطن هودجها ، فصاحت به ، ولم تعرفه : نخ بدك ، قطع اللله يدك ، فقال لها : أنا أخوك محمد ، فقالت : الخبيث بن الطيب ، فضحك ، وقال لها : بل الطيب بن الطيب .

وفي أحد أيام صفين ، اشتد القتال ، وبرز عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، وكان في جانب معاوية ، ونادي : أنا الطيب بن الطيب ، فسمعه عمار بن ياسر ، فصاح به : بل أنت الخبيث بن الطيب ( الأخبار الطوال 178)

ص: 238

واستخف أبو سعيد بن عقيل بن أبي طالب ، بعبد الله بن الزبير ، في مجلس معاوية ، وبلغ ذلك عائشة ، فلما مر بفنائها صاحت به : يا أحول ، با خبيث ، أنت القائل لابن أختي كذا وكذا .

وقد سبق أوردنا القصة في موضع آخر من هذا الكتاب .

ولما استباح مسلم بن عقبة المري المدينة ، أحضر عمرو بن عثمان بن عفان ، وقال : هذا الخبيث بن الطيب .

وذلك : إن مسلم بن عقبة ، بعد أن ظفر بأهل المدينة ، وقتل مقاتلتهم، وسلب أموالهم ، واستباحهم ، أحضر من لم يحارب ، وأمرهم بأن يبايعوا علي أنهم عبيد قن ليزيد بن معاوية ، ولما حضر أمامه عمرو بن الخليفة عثمان بن عفان ، قال مسلم : يا أهل الشام ، هل تعرفون هذا ؟ هذا الخبيث بن الطيب ، هذا عمرو بن أمير المؤمنين عثمان ، هيه يا عمرو ، إذا ظهر أهل المدينة ، قلت : أنا رجل منكم ، وان ظهر أهل الشام ، قلت : أنا ابن أمير المؤمنين عثمان ، ثم أمر به فنتفت لحيته ( ابن الأثير 120/4 ) وكان المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل ، عامل الحجاج علي الكوفة ، إذا قيل له : أبا صفية ، يغضب ، فحدث أن أستعدته امرأة علي زوجها ، فأتاه صاحب العدوي عند المساء ، فأعلمه ، فقال : نعم ، أغدو معها ، فبات الرجل يقول لامرأته : لو قد أتيت الأمير غدا ، لقلت له : يا أبا صفية ، إنها تفعل كذا وكذا ، فيأمر من يوجعك ضربة ، فحسبت المرأة أن كنية الأمير أبو صفية ، فحفظتها ، ولما تقدمت إليه ، قالت : أصلحك الله يا أبا صفية ، فقال لها : عافاك الله ، أبو عبد الله ، فأعادت التكنية ، فقال لها : أبو عبد الله ، ثم أعادت ، فصاح بها : يا فاسقة ، أظنك ظالمة ، وقال لزوجها : خذ بيد الخبيثة ( المحاسن والمساويء 2/ 230 )

وتعرض مجنون بالبصرة ، يعرف براس النعجة ، لأميرها محمد بن

ص: 239

سليمان في موكبه، فصاح به : يا محمد، أمن العدل أن تكون غلتك في كل يوم ألف درهم ، وأنا أطلب نصف درهم ، فلا أقدر عليه ؟ إن كان هذا عدلا فأنا أكفر به ، فأمر له محمد بمائة درهم ، فقال المجنون للأمير : إن كرم منصبك ، وشرف أبوتك ، وحسن وجهك ، لخير يريده إليه بك ، فدنا منه سوار قاضي البصرة ، وقال له : يا خبيث ما كان هذا قولك في البداءة فقال له : في أي سورة هذه الآية : في فإن أعطوا منها رضوا ، وإن لم يعطوا إذا هم يسخطون 4 ؟ قال : في براءة ، قال : صدقت ، فبريء الله ورسوله منك ، فضحك محمد بن سليمان حتي كاد يسقط عن دابته ( مروج الذهب 267/2 و 268)

وكان مطيع بن اياس ، ينادم جعفر بن المنصور ، فكتب صاحب الخبر إلي المنصور بأن مطيعا زنديق ، فقال المهدي : إنه ليس بزنديق ، ولكنه خبيث الدين ، فاسق ، فأمره المنصور بأن يحضره ، وينهاه عن صحبة جعفر وسائر أهله ، فأحضره المهدي ، وقال له : يا خبيث ، يا فاسق ، أفسدت أخي ، وجماعة من أهلي ، وشهرتهم في الناس ، وأمر الربيع بضربه مائة سوط وحبسه ، فقال له مطيع : أنا أمرؤ شاعر ، وسوقي إنما تنفق مع الملوك ، وقد رضيت من الدنيا بالأكل علي مائدة أخيك ، وأصفيته علي ذلك شكري وشعري ، فإذا كان ذلك عائبا عندك ، تبت منه ، فأطرق المهدي ، وعفا عنه ( الأغاني في 13 / 317 و 318)

وشتم إبراهيم الموصلي ، جارية ، فقال لها : كذبت يا خبيثة .

وسبب ذلك : إن إبراهيم الموصلي ، كان في طريقه بعد المغرب إلي قصر الرشيد، فأبصر زنبية كبيرة ، مدلي من أحد القصور ، مستوثق منه بحبال ، وأربع عري من أدم ، فغلب عليه حب الإستطلاع، فقعد في الزنبيل ، فرفع حتي صار في أعلي القصر ، فوجد فتيات جميلات في انتظار الزنبيل ، فلما وجدن إبراهيم ، قلنا له يا عدو الله ، ما أدخلك إلينا؟

ص: 240

فقال : يا عدوات الله ، ومن الذي أردت إدخاله ، ولم صار أولي مني بهذا ؟ ثم قالت إحداهن : من أردناه قد فات ، فهلم نعاشر هذا ، وقدم الطعام ، والشراب ، وغنت إحداهن صوتا لمعبد، فقالت الأخري : أحسن إبراهيم الموصلي ، قال إبراهيم ، فقالت لها : كذبت ، هذا المعبد ، فقالت : يا فاسق ، وما يدريك ما الغناء ؟ ثم غنت الأخري صوتا للغريض، فقالت الأخري : أحسن إبراهيم ، فقلت لها : كذبت يا خبيثة ، هذا للغريض، فقالت : اللهم آخزه ، ويلك ، وما يدريك ، ثم غنت الجارية صوتا لي ، فقالت الأخري : أحسن ابن سريج ، فقلت لها : كذبت ، هذا لإبراهيم ، فقالت : ويحك ، وما يدريك ؟ فقلت : أنا إبراهيم ، فتباشرن ، وحبستني أسبوعا ، فلما خرجت وجدت الرشيد قد غضب علي ، فأخبرته بقصتي ، ورغب أن يراهن ، فأخذته معي ، حتي رآهن ، وحضر مجلسهن ( الأغاني 244/5و 247)

ص: 241

10- قولهم : يا جاهل

الجهل : السفه والجفاء والغلظ .

قال عمرو بن كلثوم :

ألا لا يجهلن أحد علينا***فنجهل فوق جهل الجاهلينا

وترد أيضا بمعني : عدم المعرفة ، يقال : جاهل بمعني ضد عالم وزار الحسن والحسين ، ابن عباس ، فلما خرجا من عنده ، أمسك لهما ركابيهما ، فقال له بعض من حضر : أتمسك لهذين الحدثين ركابيهما ، وأنت أسن منهما ؟ فقال له : اسكت يا جاهل ، لا يعرف الفضل إلا ذووا الفضل . ( وفيات الأعيان 179/9 )

وتنازع جعفر البرمكي ، والفضل بن الربيع ، بحضرة الرشيد ، فقال جعفر للفضل : يا لقيط ، فقال الفضل : أشهد يا أمير المؤمنين ، فقال جعفر للرشيد : تري عند من يقيمك هذا الجاهل شاهد ، وأنت حاكم الحكام ؟ ( وفيات الأعيان 4 / 38 )

ووصل الرشيد، رجلا من النساك ، بعشرين ألف درهم ، فامتنع من أخذها، فقال له هرثمة : ترد علي أمير المؤمنين صلته ، يا جاهل ؟ ( الطبري 359/8 )

وخلاصة القصة : ان هذا الناسك ، واجه الرشيد ، فقال له : يا هارون اتق الله ، فأمر أحد حاشيته أن يأخذ الرجل ، حتي إذا فرغ ، دعا به ، فقال

ص: 242

له: يا هذا، أنصفني في المخاطبة ، أناشرام فرعون؟ قال: بل فرعون، قال : فأنت خير أم موسي؟ قال: موسي، قال : إن الله أرسل موسي وأخاه إلي فرعون، فقال لهما : فقولا له قولا لينأ لعله يتذكر أو يخشي ، فجئت أنت تعظني بأخشن الألفاظ وأشنعها ، فلا بأدب الله تأذبت ، ولا بأخلاق الصالحين أخذت ، فقال الناسك : أخطأت يا أمير المؤمنين ، وأعتذر إليه ، فأمر له الرشيد بعشرين ألف درهم ، فأبي أن يأخذها ، وقال : لا حاجة لي في المال ، فقال هرثمة : با جاهل ترد علي أمير المؤمنين صلته ؟ فقال له الرشيد : لم نعطك هذا المال لحاجتك إليه ، ولكن من عادتنا أن لا يكلم أحد الخليفة ، وليس من أوليائه ولا أعدائه ، إلا وصله ومنحه، فأقبل من صلتنا ما شئت، وضعها حيث أحببت ، فأخذ من صلته ألفي درهم ، ووهبها للحجاب ومن حضر الباب .

وقال المأمون لأبي علي المنقري : يا جاهل ، سألتك عن ثلاثة عيوب فيك فزدتني رابعأ ، وهو الجهل ، وسبب ذلك أن المأمون قال لأبي علي المنقري : بلغني أنك أمي ، وأنك لا تقيم الشعر ، وانك تلحن ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أما اللحن فربما سبق لساني بشيء منه ، وأما الأمية ، وكسر الشعر ، فقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يكتب ولا يقيم الشعر ، فقال له المأمون : سألتك عن ثلاثة عيوب فيك ، فزدتني رابعا ، وهو الجهل ، يا جاهل ، إن ذلك كان للنبي صلي الله عليه وسلم فضيلة ، وهو فيك وفي أمثالك نقيصة ، وانما منع النبي صلي الله عليه وسلم ذلك لنفي الظنة عنه ، لا لعيب في الشعر والكتابة ( محمد رسول الله لتيمور 120)

وقال المأمون ، لإبراهيم بن المهدي : أنت جاهل، لا يجاوب مثلك .

وسبب ذلك : إن إبراهيم بن المهدي ، كان شديد الانحراف عن علي بن أبي طالب ، وذكر للمأمون يوما ، إنه رأي علي بن أبي طالب في النوم ، قال إبراهيم : فمشينا حتي جئنا قنطرة ، فذهب يتقدمني لعبورها ، فأمسكته ،

ص: 243

وقلت له : أنت رجل تدعي هذا الأمر بامرأة ، ونحن أحق به منك ، فما رأيته أجاب جوابأ بليغة . فقال له المأمون : وماذا قال لك ؟ قال : مازادني علي أن قال : سلامة ، سلاما ، فقال له المأمون : قد - والله - أجابك أبلغ جواب ، قال : وكيف ؟ قال : عرقك أنك جاهل ، لا يجاوب مثلك ، قال الله عز وجل : وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ( الأغاني 126/10)

وروي ثمامة بن أشرس ، إنه مر بشارع الخلد ، يريد داره ، فوجد

شيخ قد بسط كساءه ، وألقي عليه أدوية ، وهو قائم ينادي ، هذا دواء لبياض العين ، وهذا دواء للغشاوة والظلمة وضعف البصر ، وإن إحدي عينيه المطموسة ، والأخري محمرة ، وقد تألبوا عليه وانجفلوا ، فنزل ثمامة عن دابته ، ودخل بين الجماعة ، وقال له : يا هذا ، أري أن عينيك أحوج الأعين إلي العلاج ، وأنت تصف الدواء ، وتزعم أن فيه الشفاء ، فمالك لا تداوي به عينيك ؟ فقال له : أنا في هذا الموضع منذ عشرين سنة ، ما رأيت قط شيخا أجهل منك ولا أحمق ، قلت : كيف ذاك ؟ قال : يا جاهل ، أتدري أين آشتكت عيني ؟ قلت : لا ، قال : بمصر ، فأقبل علي الجماعة ، وقالوا : صدق : أنت جاهل وهموا بي ، فقلت : والله ، ما أدري أن عينه آشتكت بمصر ، وتخلصت منهم بهذه الحجة ( المحاسن والمساويء 109/1 )

وعبث مخلد بن يزيد الكاتب ، بأحد الخراسانيين من أصحاب المأمون إذ قال له الخراساني : أختر لي عم أقلده ، فاختار له بزبندات البحر ، وصدقات الوحش ، والنكتة في الموضوع أن البحر لا تبني له بزبندات ، والوحش لا تفرض عليه صدقات ، فلما رأي المأمون الرقعة ، سأل عمن كتبها ، وأحضر مخلد ، وقال له : ما هذا يا جاهل ، تفرغت لأصحابي ؟ راجع القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، رقم القصة 240

وكان المتوكل قد بايع بولاية العهد لأولاده الثلاثة ، المنتصر ، فالمعتر، فالمؤيد ، فلما قتل المتوكل ، وبويع المنتصر ، رغب في خلع

ص: 244

أخويه من ولاية العهد ، فأحضرهما ، وطالبهما بالخلع ، فأبي المعتز ، فقال له أخوه المؤيد : يا جاهل ، تراهم قد نالوا من أبيك - وهو هو - ما نالوا ، ثم تمتنع عليهم ، إخلع ويلك ، ولا تراجعهم . ( الطبري 245/9)

وعبث ابن حمدون النديم ، بحضرة المتوكل، بالطبيب يوحنا بن ماسويه ، فقال له ابن ماسويه : لو كان مكان ما فيك من الجهل عقل ، ثم قسم علي مائة خنفساء ، لكانت كل واحدة منهن أعقل من أرسطو طاليس . ( تاريخ الحكماء 381) .

وكان أبو نوح عيسي بن إبراهيم ، علي ديوان الضياع، في سر من رأي ، وراجعه صاعد بن مخلد ، أول خلافة المعتر ، وجرت بينهما مناظرة ، فاغتاظ منه أبو نوح ، وأعضه ، أي قال له : يا عاض بظر أمه ، فرد عليه صاعد مثل ما قاله له ، فاستعظم الحاضرون ذلك ، وقالوا له : يا مجنون ، يا جاهل ، قتلت نفسك ، قم ، قم ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي رقم القصة 8/ 34 ج 8 ص 78 - 82.

وجري في دار الوزير صاعد بن مخلد ، كلام ، بين أبي العباس أحمد بن محمد بن ثوابة الكاتب ، وأبي الصقر إسماعيل بن بلبل ، فقال إسماعيل الابن ثوابة : حكمك - والله - أن تشد وتحد ، فقال له : يا جاهل ، أما علمت أنه من يشد لا يحد ، ومن يحد لا يشد . ( أعتاب الكتاب 167)

أقول : يريد أن الذي يشذ هو المجنون ، والمجنون لا يحد، لأن الحدود إنما تقام علي العاقل إذا ارتكب ما يقتضي معه أن يحد.

ولما عزل الوزير ابن الفرات ، عن وزارته الأولي ، نيطت مناظرته برجل شرير ، هو أبو الهيثم العباس بن محمد بن ثوابة ، فكان من جملة ما شتمه به أن قال له : يا جاهل . ( تجارب الأمم 1 / 88 و 89 الحاشية )

ص: 245

وركب ابن الجصاص ، مع الوزير الخاقاني ، وزير المقتدر ، في طياره ، وكان في يد ابن الجصاص بطيخة عنبر ، فأراد أن يعطيها الوزير ويبصق في دجلة، فبصق في وجه الوزير ورمي البطيخة في دجلة، فارتاع الوزير ، وانزعج ابن الجصاص وتحير ، وقال للوزير : والله العظيم ، لقد أخطأت وغلطت ، أردت أن أبصق في وجهك وأرمي البطيخة في دجلة ، فقال له الوزير: كذلك فعلت يا جاهل، فغلط في الفعل وفي الاعتذار (اخبار الحمقي 50)

وقصد فقيه من أهل سجستان ، قائد سامانيأ ، فشكا إليه من تصرف أفراد جيشه ، فقال له : يا شيخ ، ما ظننتك بهذا الجهل ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج - 3/ ص 34 رقم القصة 3/ 18

واجتمع ثلاثة من رعايا أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ، صاحب المغرب ، وتمني أحدهم ألف دينار يتجر بها ، وتمني الثاني عم يعمل فيه الأمير المسلمين ، وتمني الثالث زوجة أمير المسلمين ، وكانت من أجمل النساء ، فبلغه الخبر ، فأحضرهم ، وأعطي الأول ألف دينار ، واستعمل الثاني ، وقال للثالث : يا جاهل ، ما حملك علي هذا التمني الذي لا تصل إليه ؟ ( وفيات الأعيان 125/7)

وقال نجم الدين بن أيوب ، لولده صلاح الدين يوسف : أنت جاهل .

وتفصيل ذلك : إن السلطان نور الدين محمود ، بعث صلاح الدين علي رأس جيش ، إلي مصر ، إعانة للمصريين علي حرب الافرنج ، فتمكن صلاح الدين بمصر ، ولما أمره. نور الدين بأن يترك مصر لمحاصرة الكرك ، اعتذر له بأعذار لم يرضها ، وعزم علي قصد مصر ، فجمع صلاح الدين الأمراء، فيهم والده نجم الدين، وأستشارهم، فأشاروا بمقاتلته إذا قصد مصر ، فاحتد عليهم نجم الدين ، وشتمهم ، وأعلن عبوديته لنور الدين ، ولما

ص: 246

خلا نجم الدين بابنه ، قال له : أنت جاهل ، قليل المعرفة ، تجمع هذا الجمع ، وتطلعهم علي ما في نفسك ، فإذا سمع نور الدين بعزمك علي منعه ، كنت أول من يقصده ، أما إذا بلغه خبر هذا المجلس ، فإنه يعدل عن قصدك ، وكان الأمر كما قال نجم الدين ( وفيات الأعيان 163/7 و 164)

وشهدت امرأة عند قاض ، وكانت معها أخري ، فأخذت تلقنها ، فقال الخصم للقاضي : ما تراها تلقنها ؟

فقالت له المرأة : يا جاهل ، إن الله تعالي يقول : فتذكر إحداهما الأخري ( وفيات الأعيان 1 / 278)

وكان لروزبهان الديلمي ، كاتب يعرف بالقمي ، وكان قد استخلفه بحضرة معز الدولة ، وعول عليه في مراجعة أقطاعه بالسواد ، وحدث يوما أن الوزير المهلبي كان جالسا ، وقد وقعت علي وجهه ذبابة ، فلحظها القمي ، وتقدم من الوزير ، ولطمه علي وجهه لطمة شديدة ، ثم قال للوزير : دبابة ( بالدال ) فقال له : يا جاهل ، إذا كانت ذبابة تقتلها علي وجهي ؟ فقد سقط عنك القلم ( الهفوات النادرة 271)

ص: 247

11 - قولهم : يا مجنون ، يا فضولي ، يا غبي

الجنون : زوال العقل أو فساده الفضولي: الذي يتدخل فيما لا يعنيه ، والبغداديون يكنون عن الفضولي ، بقولهم : حمص الطبايخ ، لأن الحمص يدخل عندهم في كل لون بطبخ . القبيح : ضد الجميل ، شكلا أو عملا الغبي : الجاهل ، القليل الفطنة .

أخذ سنان بن أنس ، وكانت به لوثة ، رأس الحسين ، ووقف به علي فسطاط عمر بن سعد ، ثم نادي بأعلي صوته :

أوقر ركابي فضة وذهبا***فقد قتلت الملك المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا***وخيرهم إذ ينسبون نسبا

فقال له عمر : يا مجنون ، لو سمعك ابن زياد تقول هذا لضرب عنقك ( الطبري 454/5 )

ولما حصل الاختلاف بين الأمين والمأمون ، كان للمأمون ولدان في بغداد ، ومعهما أمهما أم عيسي إبنة موسي الهادي ، وأراد الأمين أن يولي أسد بن يزيد بن مزيد حرب المأمون ، فقال له أسد : إدفع إلي ولدي عبد الله المأمون ، يكونان في يدي أسيرين ، فقال له محمد : أنت أعرابي مجنون ، أدعوك إلي ولاية أعنة العرب والعجم ، وتدعوني إلي قتل ولدي ؟ ( الطبري 420/8)

وتقلد ابن أبي السلاسل، ماسبذان ومهرجان قذق ، فأخذ أبو عبد الله

ص: 248

الباقطائي صاحب ديوان المشرق ، يوصيه ، كما يوصي أصحاب الدواوين العمال. فقال له ابن أبي السلاسل : كأنك استكثرت علي هذا العمل، وكنت أنت تكتب لأبي العباس بن ثوابة ، ثم صرت صاحب ديوان ، فقال له الباقطائي : يا جاهل ، يا مجنون ، لولا أنه قبيح بي مكافأة مثلك ، لراجعت الوزير في أمرك ، حتي أزيل يدك ، ومن لي بأن أجد مثل ابن ثوابة ، في هذا الوقت ، فاكتب له ، ولا أريد الرئاسة ( الأغاني 68/20)

وتناظر الأشعري ، وأستاذه الجبائي (ت 303) ، ففلج الأشعري ، فقال له الجبائي : أنت مجنون ، فقال : لا ، بل وقف حمار الشيخ في العقبة ( وفيات الأعيان 4 / 268)

قال أبو عباد النمري : لا يكون البنيان قرية حتي ينبح فيه كلب ، ويزقر فيه ديك ، فقال أحمد الخاركي : لاتصير القرية قرية ، حتي يصير فيها حائك ومعلم ، فقال له أبو عباد : يا مجنون ، إذا صارت إلي هذا ، فقد صارت مدينة . ( الحيوان 193/2 )

وقاتل الأمير أسامة بن منقذ، وهو شاب ، أسدأ ، مواجهة ، فصاح به والده : لا تستقبله ، يا مجنون ، فيأخذك ، راجع القصة في كتاب الاعتبار الأسامة 104

وخرج رجل في الليل لحاجة ، فوجد أعمي يحمل سراجا ، فقال له : يا هذا ، أنت أعمي ، والليل والنهار عندك سواء ، فما معني حملك السراج ؟ فقال : يا فضولي ، حملته لأعمي مثلك ، يستضيء به لئلا يعثر بي في الظلمة . ( الأذكياء 150 )

وغضب الرشيد علي أخيه إبراهيم بن المهدي ، فقال له : يا غبي .

وسبب ذلك : إن عبد الله بن صالح ، أهدي إلي الرشيد فواكه في أطباق ، فقرأ الرشيد كتاب عبد الله ، وقال : به الله ووصله ، فقال له

ص: 249

إبراهيم : ما في هذا البر ما يستحق به هذا الدعاء ، فنبذ إليه كتاب عبد الله ، وإذا فيه : دخلت يا أمير المؤمنين ، بستانا لي في داري عمرته بنعمتك ، وقد أينعت فواكهه ، فأخذت من كل شيء ، وصيرته في أطباق قضبان ، ووجهت به إلي أمير المؤمنين ، ليصل إلي من بركة دعائه ، مثل ما وصل إلي من نوافل بره . فقال إبراهيم : ما في الكتاب ما يستحق به هذا الدعاء ، فقال له الرشيد : يا غبي ، أما تري كيف كني بالقضبان عن الخيزران ، إعظاما لأمنا رحمها الله تعالي . ( مروج الذهب 2/ 287 و 288 )

وقال رجل لأحد الخوارج ، وقد قدر إنه يريد الجامع : قد فاتتك صلاة الجمعة ، فقال له : يا أبله ، انما فاتت من أدركها ، ذلك لأن الخارجي پري أن صلاة الجمعة لا تسقط الفرض الذي هو الظهر ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ج - 8 ص 69 رقم القصة 27

ص: 250

12- قولهم : يا لكع

اللكع : هو اللئيم . أو العبد ويقال للأنني : لكاع . وقال الأصحمي : هو العيتي بأمره الذي لا يتجه لمنطق ولا غيره ( الفاخر ص 41) .

تساب عمرو بن سعيد بن العاص، وهو الملقب بالأشدق، وابن المغيرة بن نوفل ، فقال عمرو : علي رسلك يا لكع . ( الأغاني 12 / 222)

وقال أحد أشراف قريش ، لابن سريج المغني : اغرب عني يا لكع .

وتفصيل ذلك : إن ابن سريج المغني - مولي قريش - عاتبه أحد أشراف مواليه علي احترافه الغناء ، وأنكره عليه ، وقال له : لو أقبلت علي غيره من الآداب ، لكان أزين بمواليك وبك ، فقال له ابن سريج : جعلت فداك ، امرأتي طالق ، إن لم تدخل الدار ، فقال الشيخ : ويحك ، ما حملك علي هذا ؟ فقال له أصحابه : إن لم تدخل الدار ، طلقت عليه امرأته ، فدخل وأصحابه معه ، فقال له ابن سريج : امرأتي طالق ، إن لم تسمع غنائي ، فقال له : اغرب عني يا لكع ، وبدر الشيخ ليخرج ، فقال له أصحابه : أتطلق امرأته ، وتحمل وزر ذلك ؟ فأقام الشيخ ، وأندفع ابن سريج فغني : [ الأغاني 303/1 ].

أليست بالتي قالت ***لمولاة لها ظهرا

أشيري بالسلام له ***إذا هو نحونا خطرا

أهذا سحرك النسوا***نقد خبرني الخبرا

فقال الشيخ للجماعة : هذا والله حسن ، ما بالحجاز مثله ولا في غيره .

ص: 251

وقال أعشي همدان ، لامرأة عيرته بالهرم : إليك عني يا لكعاء

وكان الأعشي قد غزا مع خالد بن عتاب ، فلما قدم خالد من مغزاه ، كان الأعشي معه ، فنظرت إليه أم ولد خالد، وقالت : إن امرأة خالد التفاخرني بأبيها وعمها وأخيها، وهل يزيدون أن يكونوا مثل هذا الشيخ المرتعش ، وسمعها الأعشي ، فقال لها : إليك عني يا لكعاء ، راجع القصة في الأغاني 42/6 و 43

وقال أبو عمرو ، لرجل أبدي تعجبه من الأخطل ، وقال : نصراني كافر ، يهجو المسلمين ، فقال له أبو عمرو : يا لكع ، لقد كان الأخطل يجيء ، وعليه جبة خز، وحرز خز، في عنقه سلسلة ذهب فيها صليب ذهب ، تنفض لحيته خمرة ، حتي يدخل علي عبد الملك بن مروان بغير إذن ( الأغاني 8/ 299 ).

وشتمت أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان، زوجة الوليد بن عبد الملك ، الحجاج بن يوسف الثقفي ، وقالت له : يالكع، في قصة طريفة خلاصتها : إن الحجاج بن يوسف الثقفي ، وفد علي الوليد بن عبد الملك في خلافته ، فوجده في بعض نزهه ، فاستقبله ، فلما رآه ترجل له ، وقبل يده ، وجعل يمشي وعليه درع وكنانة وقوس عربية ، فقال له الوليد : اركب يا أبا محمد ، فقال : يا أمير المؤمنين ، دعني استكثر من الجهاد في خدمتك ، فإن ابن الزبير وابن الأشعث شغلاني عنه ، فعزم عليه الوليد حتي ركب ، ودخل الوليد قصره ، فتغلل في غلالة ، ثم أذن للحجاج ، فدخل في حاله تلك ، وأطال الجلوس عنده ، فجاءت جارية فسارته وانصرفت ، فقال الوليد للحجاج : أتدري ما هذا يا أبا محمد ؟ قال : لا والله ، قال : بعثت إلي ابنة عمي أم البنين ، تقول : ما مجالستك هذا الاعرابي المستلئم في السلاح وأنت في غلالة ، فأرسلت إليها: أنه الحجاج ، فراعها ذلك وقالت : والله ، ما أحب أن

ص: 252

يخلو بك وقد قتل الخلق ، فقال الحجاج : يا أمير المؤمنين دع عنك مفاكهة النساء بزخرف القول ، فإن المرأة ريحانة ، وليست بقهرمانة ، ثم نهض الحجاج ، فخرج ، ودخل الوليد علي أم البنين ، فأخبرها بمقالة الحجاج ، فقالت : أحب أن تأمره غدأ بالتسليم علي ، قال : أفعل ، فلما غدا الحجاج علي الوليد ، قال له : يا أبا محمد، مر إلي أم البنين فسلم عليها ، فقال : اعفني يا أمير المؤمنين من ذلك ، قال : لا بد منه ، فمضي الحجاج إليها ، فحجبته طويلا ، ثم أذنت له وتركته قائما ، ولم تأذن له بالجلوس ، ثم قالت له : ايه يا حجاج ، أنت الممتن علي أمير المؤمنين بقتل ابن الزبير وابن الأشعث ، أما والله ، لولا أن الله علم أنك شر خلقه ، ما ابتلاك برمي الكعبة ، وقتل ابن ذات النطاقين ، واما ابن الأشعث ، فقد- والله - والي عليك الهزائم ، حتي لذت بأمير المؤمنين عبد الملك ، فأغاثك بأهل الشام ، وأنت في أضيق من القرن ، فأظلتك رماحهم ، ولطالما نفض نساء أمير المؤمنين المسك عن غدائرهن، وبعنه في الأسواق ، حتي أخرج في أزراق البعوث اليك ، ولولا ذلك لكنت أذل من البقة ، واما ما أشرت به علي أمير المؤمنين ، من الامتناع عن مفاكهة نسائه ، فإن كن ينفرجن عن مثل أمير المؤمنين ، فغير مجيبك إلي ذلك ، وان كن يتفرجن عن مثل ما انفرجت به أمك عنك، من ضعف الغريزة ، وقبح المنظر في الخلق والخلق ، با لكع ، فما أحقه أن يقتدي بقولك ، قاتل الله الذي يقول ، وقد نظر اليك ، وسنان غزالة بين كتفيك :

أسد علي وفي الحروب نعامة ***ربداء تقرع من صفير الصافر

هلا برزت إلي غزالة في الوغي ***بل كان قلبك في جناحي طائر

ثم قالت لجواريها : أخرجنه عني ، فأخرجنه ، فلما دخل علي الوليد ، قال له : ما الذي كنت فيه يا أبا محمد ؟ فقال له : والله يا أمير المؤمنين ، ما سكتت عني ، حتي كان بطن الأرض أحب إلي من ظهرها ، فضحك الوليد

ص: 253

حتي فحص برجليه ، ثم قال : يا أبا محمد انها ابنة عبد العزيز ( الأذكياء 212 و 213 ، ووفيات الأعيان 44/2 و 45 وشرح نهج البلاغة 107/6 و 108 والعقد الفريد43/5 و 44 )

وقال الحسن البصري ، لرجل ذكر أمامه عليا : يا لكع وتفصيل ذلك : إن رجلا ذكر علي أمام الحسن البصري ، فقال له الحسن : يا لكع ، أما والله ، لقد فقدتموه سهما من مرامي الله ، غير سؤ وم الأمر الله ، ولا سروقة لمال الله ، أعطي القرآن عزائمه فيما عليه وله، فأحل حلاله ، وحرم حرامه ، حتي أورده ذلك، رياضأ مونقة ، وحدائق مغدقة ، ذلك علي بن أبي طالب يا لكع ( البيان والتبيين 101/2 )

وقال الحسن البصري لفرقد بن يعقوب : بلغني أنك لا تأكل الفالوذج ، فقال : يا أبا سعيد ، أخاف ألا أؤدي شكره .

قال الحسن : يا لكع ، هل تقدر أن تؤدي شكر الماء البارد الذي تشربه ؟ ( وفيات الأعيان 71/2 )

ونظرت الجمانة بنت المهاجر بن خالد بن الوليد، إلي عبد الله بن الزبير ، وهو يرقي المنبر ، يخطب بالناس في يوم جمعة ، فقالت : يا نقار انقر يا نقار ، استهانة به .

فبلغه كلامها ، فأحضرها، وقال لها : ما الذي بلغني عنك يا الكاع ؟

قالت : الحق أبلغت .

قال : فما حملك علي ذلك .

قالت : لا تعدم الحسناء ذاتها ( بلاغات النساء 45 و 46 )

ص: 254

ب - المعايرة بالصفات العارضة

1- قولهم : يا فاجرة

والفجور : في الأصل الانحراف ، والعدول . يقال : فجر عن الحق ، إذا عدل عنه . صرفت إلي ارتكاب المعاصي ، فيقال لمن انقاد للمعاصي ، علي اختلاف أنواعها : فاجر .

شتم عمرو بن صبيح ، المختار وأصحابه في مجلسه ، فقال لهم : يا معشر الكفرة الفجرة . إنكم شرار خلق الله .

وسبب ذلك : إن عمرو بن صبيح، ممن اشترك في محاربة الحسين وأصحابه في موقعة الطف ، وأصاب سلب العباس أخي الحسين ، ورمي الحسين بسهم ، فبعث إليه المختار من أخذه ، وأحضره إلي مجلسه مقيدة ، فقال : أما والله يا معشر الكفرة الفجرة ، لو أن سيفي بيدي لعلمتم أني بنصل السيف غير رعش ولا رعديد ، وما يسرني أن كانت ميتي قتلا، أنه قتلني من الخلق أحد غيركم ، لقد علمت أنكم شرار خلق الله ، ثم رفع يده فلطم عين ابن كامل ، أحد قواد المختار ، فضحك ابن كامل ، وأمسك بيده ، وقال : إن هذا يزعم إنه جرح في آل محمد وطعن ، فأمر به المختار فقتل قعصا بالرماح ( الطبري 6/ 64 و 65)

وخطب الحجاج بن يوسف الثقفي، فذكر الموت والأخرة والحساب والعقاب ، فقال الحسن البصري : ألا تعجبون من هذا الفاجر ، برقي

ص: 255

عتبات المنبر فيتكلم بكلام الأنبياء ، وينزل فيفتك فتك الجبارين ، يوافق الله في قوله ، ويخالفه في فعله ( شرح نهج البلاغة 103/2 ) .

ولما أقام هرثمة بن أعين ، في السنة 191 علي بن عيسي عامل خراسان المعزول للناس ، جاء أحد المتظلمين وقال لهرثمة : أصلح الله الأمير ، إن هذا الفاجر أخذ مني دره ثمينة لم يملك مثلها أحد. ( الطبري 332/8)

ولما اعتقل أحمد بن إسرائيل، في السنة 200 ، تقلد الحسن الدوشابي مناظرته ، فقال له : يا فاجر ، تظن أن الله يمهلك، وأنت السبب في الفتن ؟ ( الطبري 396/9)

ولما عزل الموقق ، سليمان بن وهب وولده ، عن وزارته ، واستوزر صاعد بن مخلد ، كان صاعد يحضرهما للمطالبة ، فكان يخرج سليمان وهو بطيلسان وخف ومبطنة ، أما عبيد الله فيخرج حافيا ، مكشوف الرأس ، علي أذل صورة ، وضرب مرة عبيد الله ، بحضرة أبيه ، وسليمان يستعطفه فلا يلتفت ، فلما زاد الأمر قال له سليمان : يا كافر ، يا فاجر ، أما تستحي ؟ إنا آصطنعناك ، وأقعدناك هذا المقعد، تضربه بين يدي ؟ سبة عليك ، فاستحيا ، وأمر بقطع الضرب ، وواضع الموفق علي أن يكون الضرب بحضرته ، وبأيدي غلمانه ، وفي داره ( نشوار المحاضرة ج 104/8 رقم القصة 47 )

ولما عزل الوزير بن الفرات ، عن وزارته الأولي ، نيطت مناظرته برجل شرير ، هو أبو الهيثم العباس بن محمد بن ثوابة ، وحضرت عذابه أم موسي القهرمانة، فاستغاث ابن الفرات من العذاب ، فقالت له أم موسي : يا فاجر ، قد صح عندنا أنك أردت إخراج هذا الأمر من ولد العباس إلي ولد أبي طالب ( تجارب الأمم 1 / 88 و 89 الحاشية)

ص: 256

2- قولهم : يا فاسق الفسق :

الخروج عن طريق الحق والصواب . الفاسق : الخارج عن الطاعة إلي ركوب المعصية ، أو عن الإيمان إلي الكفر ، أخذ من فسقت الرطبة ، إذا خرجت من قشرها ، وقال قوم : الفاسق : الجائر ، واحتجوا بقوله تعالي و إلا إبليس كان من الجن ، ففسق عن أمر ربه ) ( شرح المقامات الحريرية 59/1 ) .

وكان أبو عامر عبد عمرو بن صيفي بن مالك ، من رؤساء الأوس بالمدينة ، أبي أن يسلم ، وترك المدينة مباعدا لرسول الله صلوات الله عليه ، وأقام بمكة ، ومعه خمسون غلاما من الأوس ، وكان يعد قريشأ أن لولقي محمد ، لم يختلف عليه من الأوس رجلان ، فلما كانت وقعة أحد ، برز أبو عامر ونادي : يا معشر الأوس ، أنا أبو عامر ، فقالوا : فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق ، فلما سمع ردهم عليه بهت ، وقال : لقد أصاب قومي بعدي شر ( الطبري 511/2 و512)

: أما والله يا فاسق ما

وقال عمرو بن بكر الخارجي ، لعمرو بن العاص : أما والله يا فاسق ما ظننته غيرك .

وذلك إن ثلاثة من الخوارج ، اتفقوا علي قتل الإمام علي ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص ، فقتل عبد الرحمن بن ملجم الإمام علي ، وضرب البرك بن عبد الله ، معاوية ، فأخطأه ، فقتله معاوية ، وأما الثالث وهو عمرو بن بكر،

ص: 257

فإنه رأي خارجة بن حذاقة ، صاحب شرطة عمرو يصلي بالناس ، فحسبه عمرة ، وكان عمرو قد اشتكي فأناب عنه خارجة في الصلاة ، فضرب خارجة بالسيف فقتله ، فأخذ إلي عمرو ، ولما رآهم يسلمون عليه بالإمرة ، قال : من هذا ؟ قالو : الأمير عمرو ، قال : فمن قتلت ؟ قالوا : خارجة بن حذافة صاحب الشرطة ، فقال له : أما والله يا فاسق ما ظننته غيرك ، فقال له عمرو : أردتني ، وأراد الله خارجة ، ثم قتله ( الطبري 149/5)

وشتم معاوية بن خديج السكوني المصري ، عبد الرحمن بن عبيد الله الثقفي ، ابن أخت معاوية ، فقال : هذا الفاسق .

وتفصيل ذلك : إن معاوية بن أبي سفيان ، ولي في السنة 58 عبد الرحمن بن عبيد الله الثقفي ، ابن اخته أم الحكم بنت أبي سفيان ، الكوفة ، فأساء السيرة فيهم ، فطرده أهل الكوفة ، فلحق بخاله معاوية ، فقال له : أوليك خيرا منها ، وولاه مصر ، فتوجه إليها ، وبلغ خبره معاوية بن خديج السكوني ، فخرج ، فاستقبله علي مرحلتين من مصر ، وقال له : ارجع إلي خالك ، فلعمري لا تسير فينا سيرتك في إخواننا من أهل الكوفة ، فرجع إلي معاوية ، وأقبل معاوية بن خديج ، وافد، فدخل علي معاوية ، وعنده أم الحكم أخته ، فقالت : من هذا يا أمير المؤمنين ؟ فقال : بخ، هذا معاوية بن خديج ، فقالت : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ، فقال لها : علي رسلك يا أم الحكم ، أما والله لقد تزوجت فما أكرمت ، وولدت فما أنجبت ، أردت أن يلي إبنك الفاسق علينا ، فيسير فينا كما سار في إخواننا من أهل الكوفة ، ما كان الله ليريه ذلك ، ولو فعل ذلك لضربناه ضربا يطاطيء منه ، وان كره ذلك الجالس (يريد معاوية ) ، فالتفت معاوية إلي أخته أم الحكم ، وقال لها : كفي . ( الطبري 311/5 و 312)

وفي السنة 65 قصد الخوارج البصرة ، فصدهم المهلب بن أبي

ص: 258

صفرة ، وراموا من جيش المهلب غرة ، فلم يظفروا ، فلما ذهبوا ليرجعوا ، ناداهم عبيد الله بن زياد بن ظبيان : يا أهل النار ، آنها مأواكم ومثواكم ، فقالوا له : يا فاسق . إنما تدخر النار لك ولأشباهك ، إنها أعدت للكافرين ، فقال لهم: كل مملوك لي حر، أن دخلتم أنتم الجنة ، إن بقي مجوسي ينكح أمه ، أو ابنته ، أو أخته ، إلا دخلها ، فقال له عبيدة بن هلال من متألهي الخوارج : اسكت يا فاسق ، انما أنت عبد الجبار العنيد، ووزير للظالم الكفور ، فقال له : يا فاسق ، أنت عدوا المؤمن المتقي ، ووزير للشيطان الرجيم ( الطبري 617/5 و 618)

وتكلم حماد الراوية ، ففضل الأخطل علي جرير والفرزدق ، والفرزدق حاضر ، فقال لحماد : انما تفضله لأنه فاسق مثلك ، فقال : لو فضلته بالفسق لفضلتك ( الأغاني 287/8 )

وكان عمر بن عبد العزيز في مجلس سليمان بن عبد الملك ، فأتي بحروري ، فقال له سليمان : ماذا تقول ؟ فقال : ما أقول يا فاسق يا ابن الفاسق ، فقال سليمان العمر ، ما تري يا أبا حفص ؟ فسكت ، فقال له سليمان : أقسمت عليك لتخبرني ماذا تري فيه ، قال : أري أن تشتمه كما شتمك ، وتشتم أباه كما شتم أباك ، فقال سليمان : ليس إلا ؟ قال ليس إلا ، فأمر سليمان بالحروري فضربت عنقه ( شرح نهج البلاغة 18 / 144)

وفي السنة 102 لما ولي سعيد خدينة ، خراسان ، رفع إليه أن جهم بن زحر الجعفي وآخرون ، كانوا ولوا ولايات أيام يزيد بن المهلب ، وفي ذمتهم أموال اختانوها من فيء المسلمين ، فأرسل إليهم ، فحبسهم في نهندز مرو، ثم أمر باحضار جهم بن زحر ، فحمل علي حمار ، فلما مروا به علي الفيض بن عمران ، قام إليه فوجأ أنفه ، فقال له جهم : يا فاسق ، هلا فعلت هذا يوم أتوني بك سكران ، قد شربت الخمر ، فضربتك حد ، فغضب سعيد

ص: 259

علي جهم ، وضربه مائتي سوط ، ثم بسط عليه العذاب ، فقتله ( الطبري 606/6 )

وقالت سعدي بنت عبد الرحمن بن عوف ، لعمر بن أبي ربيعة : أخزاك الله يا فاسق .

وسبب ذلك : إن عمر بن أبي ربيعة ، ذكرها في شعره ، ولما أنشدها قوله :

أشعيذ ما ماء الفرات وطيبه***مني علي ظمأ وحب شراب

بألذ منك ، وإن نأيت ، وقلما***ترعي النساء أمانة الغياب

قالت له : أخزاك الله يا فاسق . ( اعلام النساء 2/ 192)

وشبب عمر بن أبي ربيعة بعائشة بنت طلحة، فقالت له: يا فاسق (و اعلام النساء 152/151/3).

ووقعت في السنة 127 معركة بين منصور بن جمهور ، من قواد الجيش الأموي بالكوفة ، وبين جماعة الضحاك بن قيس الخارج بالكوفة ، فاقبلت امرأة من الخوارج ، شادة ، حتي أخذت بلجام منصور بن جمهور ، وقالت له : يا فاسق ، أجب أمير المؤمنين - تريد الضحاك بن قيس - فضرب عنان دابته بالسيف ، فقطعه في يدها ونجا . ( الطبري 7 / 322)

وفي السنة 127 حارب سليمان بن هشام ، مروان بن محمد ، وانكسر سليمان فأمر مروان بقتل الأسري ، وجيء إليه بخالد بن هشام المخزومي ، من أخوال هشام بن عبد الملك ، فقال له مروان : يا فاسق ، أما كان لك في خمر المدينة وقيانها ما يكفك عن الخروج مع الخراء تقاتلني ، ثم قتله . ( الطبري 325/7 )

وشتمت النوار ، زوجها الفرزدق ، وقالت له : والله لأخزينك يا فاسق . وسبب ذلك : إن النوار ، خاصمت الفرزدق مرة ، وأخذت بلحيته ، فخرج، وأراد أن يغيضها، فقال شعرأ فضل فيه زوجته البدوية حوراء بنت زيق

ص: 260

الشيباني علي النوار الحضرية ، فقال :

العمري لأعرابية في مظلة***تظل بروقي بيتها الريح تخفق

أحب الينا من ضفا ضفنة***إذا وضعت عنها المراوح تعرق

فلما سمعت النوار ذلك ، قالت للفرزدق : يا فاسق ، والله لأخزينك . ( الأغاني 21 / 297 و 298 )

وشتمت النوار ، زوجها الفرزدق ، مرة أخري ، فقالت له : يا عدو الله ، يا فاسق .

وسبب ذلك : إن الفرزدق ، راود امرأة شريفة ، فامتنعت عليه ، فتهددها بالهجاء ، فشكت حالها إلي النوار ، فقالت لها : واعديه ليلة ، فواعدته ، وحلت النوار محلها في الموعد ، ولما جاء الفرزدق ، وكان الظلام سائدة ، وقع علي النوار ، وهو يحسب أنها صاحبة الدار فلما فرغ ، صاحت النوار : يا عدو الله ، يا فاسق ، فأحس بأنه قد خدع ، فقال لها : وأنت هي ؟ يا سبحان الله ، ما أطيبك حراما ، وأبردك حلالأ ( شرح مقامات الحريري للشريشي 143/1 )

وشتمت عزة ، كثيرة الشاعر ، فقالت له : أغدر، يا فاسق ؟

وسبب ذلك : إن كثيرا نظر إلي عزة ، وهي متنقبة ، فلم يعرفها ، وتبعها ، وغازلها ، فقالت له : وهل تركت فيك عزة بقية لأحد ؟ فقال لها : إن عزة لو كانت أمه لوهبتها لك، فسفرت عن وجهها، وقالت له : أغدرا با فاسق ؟ فأبلس وبهت ، ولم ينطق . ( الأغاني 9/ 32)

وكان جرير ، إذا ذكر الفرزدق ، سماه : الفاسق . ( الأغاني 356/21)

وقال أشعب ، لحبي المدينة : يا فاسقة .

وسبب ذلك : إن أشعب سمع حتي المدينية، تدعو ، وتقول : اللهم لا

ص: 261

تمتني حتي تغفر لي ذنوبي ، فقال لها : يا فاسقة، أنت لم تسألي الله المغفرة ، إنما سألته عمر الأبد ، يريد أن ذنوبها من الكثرة ، بحيث لا تطمع في أن يغفر الله لها ( الأغاني 154/19)

أقول : حتي المدينية ، هي صاحبة القصة التي ناقضت فيها قصة ذات النحيين .

أما قصة ذات النحيين ، فهي ان خوات بن جبير الأنصاري ، جاء إلي امرأة تبيع سمنأ ، فساومها ، فحلت نحيا ، فنظر إليه ، ثم أعاده إليها ، وأمرها بأمساكه حتي ينظر إلي غيره ، وحل نحيا آخر ، ثم سلمه إليها ، فشغل كلتي يديها ، وعند ذاك ، ساورها ، فلم تقدر علي دفعه ، حتي قضي ما أراد وهرب ( مجمع الأمثال للميداني 376/1 )

أما قصة حبي ، فإنها جاءت إلي بائع سمن بالمدينة ، فحل لها نحيا ، فنظرت فيه ، وأعادته إلي البائع ، ثم حلت نحيا آخر ، وسلمته الي البائع ، فشغل كلتي يديه ، وعند ذاك ، استدبرته حبي ، وأخذت تركل مؤخرته ، بقدمها ، وتصيح : يا ثارات ذات النحيين .

وشتم فتي من أهل المدينة ، ابن ابي عتيق ، وأصحابه ، فقال لهم : يا فساق ، ما يجلسكم ها هنا ؟

وسبب ذلك : إن فتي من أهل المدينة ، تعشق جارية من جواري ابن أبي عتيق ، وأخذ يتعرض لها ، فأخبرت سيدها بذلك ، فأمرها بأن تضرب له موعدأ ، وأن تدخله إلي الدار ، وجلس ابن أبي عتيق ، ومعه جماعة من أصحابه ، ومعهم عزة الميلاء المغنية ، وجاء الفتي ، فأدخلته الجارية سرا ، فلما استقرا في الحجرة ، دخل عليهما ابن أبي عتيق وأصحابه ، فتحير الفتي، وقال لهم : يا فساق ، ما يجلسكم هنا مع هذه المغنية ؟ فضحك ابن أبي عتيق ، وقال له : استر علينا ، ستر الله عليك ( الأغاني 157/12)

ص: 262

واستأذن حاجب المهدي . لمروان بن أبي جمصة لشاعر ، فقال المهدي : لا تأذن له ، فإنه منافق كذاب ، فكلمه الحسن بن قحطبة ، فأذن له ، فقال له المهدي : يا فاسق ألست القائل في معن :

جبل تلوذ به نزار كلها صعب الذري متمنع الأركان

فقال : بل أنا الذي أقول فيك يا أمير المؤمنين :

يا ابن الذي ورث النبي محمدأ***دون الأقارب من ذوي الأرحام

يشير إلي تقديمه علي أبناء فاطمة ، فرضي عنه وأجازه ( مروج الذهب 255/2 )

ودخل القاضي شريك علي المهدي العباسي ، فسلم عليه ، فقال له : لا سلم الله عليك ، يا فاسق ، راجع القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، رقم القصة 392 ج 4 ص 87 و 88.

وقال المهدي العباسي للحسين مطير : كذبت يا فاسق .

دخل الحسين بن مطير علي المهدي فأنشده قوله :

لو يعبد الناس يا مهدي أفضلهم***ما كان في الناس إلا أنت معبود

أضحت يمينك من جود مصورة***لا بل يمينك منها صور الجود

فقال له : كذبت يا فاسق ، وهل تركت في شعرك موضعأ لأحد، بعد قولك في معن بن زائدة :

ألما علي معن وقولا لقبره ***سقيت الغوادي مربعا ثم مربعا

أخرجوه عني ، فأخرجوه [ الأغاني 23/16 ]

أقول : أشار المهدي إلي قصيدة من عيون الشعر، رثي بها الحسين بن مطير معن بن زائدة الشيباني منها : [ الأغاني 24/16]

ألما علي معن وقولا لقبره ***سقتك الغوادي مربعا ثم مربعا

فيا قبر معن أنت أول حفرة***من الأرض خطت للسماحة مضجعا

ص: 263

ويا قبر معن كيف واريت جوده***وقد كان منه البر والبحر مترعا

بلي قد وسعت الجود والجود ميت***ولو كان حيا ضقت حتي تصدعا

فتي عيش في معروفه بعد موته***كما كان بعد السيل مجراه مرتعا

ولما مضي معن مضي الجود وانقضي***وأصبح عرنين المكارم أجدعا

وفي السنة 201 ضعفت سلطة الحكومة ببغداد ، في عهد إبراهيم بن المهدي ، وتسلط الفساق والشطار علي البلد ، فنهض سهل بن س لامة الأنصاري ، ودعا إلي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فأعانه الناس ، وكفوا الشطار والفساق عن الظلم ، وكان سهل يخطب فيشتم حكام بغداد ، ويسميهم : الفساق ، فأخذه إبراهيم بن المهدي ، وحبسه بالمدائن سنة كاملة ( الطبري 551/8 - 564)

ولما تحرك الافريقي وابن عائشة ، علي المأمون، وهما في السجن ، خرج المأمون ليلا ، وبعث فأخرج إبراهيم بن المهدي ، وكان محبوسا في دار أحمد بن أبي خالد الأحول، وزير المأمون ، وقال له : يا فاسق ، ألم يكن لك في السابق القديم من فعلك ، كفاية تحولك عما كان منك في هذه الليلة ، راجع القصة مفضلة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 347 ج 3 ص 329 - 332.

ص: 264

3. قولهم : يا جلف

الجلف : في الأصل ، جلد الشاة والبعير ، ثم اعتبرت الكلمة ، كلمة شتم ، لأنها تعني أن المشنوم في جفائه كجلد الشاة أو البعير ( الفاخر 80) ، وبذلك أصبحت كلمة

الجلف ، تعني الغليظ الجاني .

شتم الحجاج الثقفي ، قطري بن الفجاءة ، فقال له : أنت أعرابي جلف أمي .

وتفصيل القصة : إن الحجاج كتب إلي قطري ، كتابا ، قال له فيه : إنك مرقت من الدين مروق السهم من الرمية ، ذاك إنك عاص لله ، ولولاة أمره ، غير انك أعرابي ، جلف ، أمي ، تستطعم الكسرة ، وتستشفي بالتمرة ، خرجت لتنال شبعة ، فلحق بك طغام صلوا بمثل ما صليت به من العيش .

فأجابه قطري : كتبت إلي ، تذكر أني أعرابي جلف أمي ، استطعم الكسرة ، وأستشفي بالتمرة ، ولعمري يا ابن أم الحجاج ، إنك لمتيه في جبلتك ، مطلخم في طريقتك ، واو في وثيقتك ، لا تعرف الله ، ولا تجزع من خطيئتك ، فالشيطان قرينك ، فالحمد لله الذي لو شاء أبرز لي صفحتك ، وأوضح لي صلعتك ، لتعلم أن مقارعة الأبطال ، ليس كتصدير المقال ( البيان والتبيين 225/5 و 226)

وقال محمد بن نافع لداود القيرواني ، كاتب إبراهيم بن الأغلب ، أمير إفريقية للرشيد : إنما أنت صاحب قلم .

فقال له داود : أنا أقتل بقلمي جلفا مثلك ( إعتاب الكتاب 107)

ص: 265

وغضب الراضي ، علي الأمير جعفر بن ورقاء ، فقال له : با اعرابي ، يا جلف ، أردت أن تري الناس أنك أكرم مني ؟.

وخلاصة القصة : إن الراضي لما عزل وزيره عبد الرحمن بن عيسي ، أخا الوزير علي بن عيسي ، صادره علي مائة ألف دينار ، فكتب الوزير أبو جعفر الكرخي تقسيطأ، بدأ فيه بنفسه، ودخل إليه الأمير جعفر بن ورقاء، فسلم إليه الدرج ليكتب فيه مقدار ما يرغب في معونة عبد الرحمن به ، فكتب بضمان المبلغ بكامله ، مائة ألف دينار ، وأنفذ الرقعة ، فلما رأي الراضي الرقعة ، اغتاظ ، وقال : يا أعرابي ، با جلف ، أردت أن تري الناس أنك أكرم مني ، وخرق الرقعة ، وترك مطالبة الوزير المنتظم 266/6 ).

وروي الوزير أبو بكر بن زهر ، أنه كان يوما في دهليز دارهم ، فدخل عليه رجل بذ الهيأة ، فازدراه ، ثم ظهر له من علمه ما دفعه إلي احترامه ، وكان يسأل عن والد أبي بكر، فدخل إلي أبيه، وأخبره، فخرج إليه راكضأ، واعتذر إليه ، وقال له : يا مولاي ، اعذرني ، فوالله ، ما أعلمني هذا الجلف إلا الساعة . ثم عرف ان الرجل البد هو أديب الأندلس وعالمها عبد المجيد بن عبدون ( المعجب للمراكشي )

ص: 266

4- قولهم : يا سفلة

السفلة : السقط والغوغاء

وذكر الأصمعي إنه شاهد كناسا خرج يحمل جرة من حش ( مرحاض ) وهو يقول :

وأكرم نفسي إني إن أهنتها***وحقك لم تكرم علي أحد بعدي

فقال له : تكرمها بمثل هذا ؟ قال : نعم ، واستغني عن سفلة مثلك ( الأذكياء 134 و 135 )

وفي ليلة مقتل المتوكل ، في السنة 247 كان أبو أحمد ابن المتوكل في مجلس المتوكل ، ولما دخل المتآمرون ، صاح بهم أبو أحمد : ما هذا يا سفل ؟ ( الطبري 9/ 227)

وحدث في أيام المقتدر ، أن إحدي قهرماناته ، أحبت شابا تاجرأ ، فزوجتها به السيدة أم المقتدر ، وأعرس بها في إحدي الدور التابعة لدار الخلافة ، وفي ليلة العرس ، تأخر عليه قدومها ، وجاع، فأكل مضيرة ، ولم يغسل يده ، فلما قدمت ، تقدم منها فشمت من يده رائحة المضيرة ، فرفسته ، ورمت به عن المنصة ، وقالت له : أنكرت أن تفلح ، يا عامي ، يا سفلة ، راجع القصة، وهي قصة من ألطف القصص، في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ج 4 ص 177 -190 رقم القصة 88.

وفي السنة 320 لما وقعت المعركة بباب الشماسية ( الصليخ ) بين

ص: 267

مؤنس والمقتدر ، هجم قوم من المغاربة والبربر ، بإشارة من علي بن يلبق ، علي المقتدر ، فقال لهم : ويحكم أنا الخليفة ، فقالوا له : قد عرفناك يا سفلة ، أنت خليفة إبليس ، وقتلوه ( ابن الأثير 242/8)

وشتمت منداة ، جارية قهرمانة ابن مقلة ، الكاتب الديلمي ، أبا الحسن القمي ، فقالت له : أنا أعلم أنك سفلة ، بلا عهد .

وسبب ذلك : إن أبا الحسن القمي ، الديلمي ، كان أعجميا لا يحسن العربية ، وكان يتعشق منداة جارية قهرمانة ابن مقلة ، وهي صبيحة الوجه ، طيبة الغناء ، وكان مما يقترحه عليها من الأصوات :

أيا راهبي نجران ما فعلت هند***أقامت علي عهدي ، وأني لها عهد

فأراد يوما أن تغنيه له ، فقال لها: يا ستي غني لي ذاك سوت ( صوت ):

أيا راهبي نجران ما فعلت هندي***أقامت بلا عهد وإني بلا عهد

فضحكت ، وقالت له : أعلم أنك سفلة بلا عهد ( نشوار المحاضرة رقم القصة 131/7 ج 7 ص 226-227)

وشتم مخنث ، آخر ، فقال له : يا سفل السفل ، يا طاعون ، با ملمع ، يا أوحش من هول المطلع ، با زحير الحاج ، يا خرا الأعلاج ، يا مصاص الأوداج ، رأيت في بطنك ألف خراج ( البصائر والذخائر 120/1/3 )

وفي عهد السلطان مراد الثالث العثماني (ت 1003)، كان حسن باشا والي أرزن الروم ، وكان فرهاد باشا سر دارة علي العساكر العثمانية لغزاة العجم ، وبني فرهاد باشا بعض القلاع، فأعترض حسن باشا علي المبالغ المصروفة ، وذكر أنها مبالغ فيها ، فجري عتاب ، أدي إلي نزاع، فقال فرهاد

ص: 268

باشا ، لحسن باشا : أنت صبي ، خارج عن الأسلوب ، فأجابه حسن باشا : أنت أسود الوجه ، سفلة ، كذوب ( تراجم الأعيان 141/2 )

ص: 269

5. قولهم : يا شقي

الشفاء : الشدة والعسر ، وضده السعادة . والشقي كلمة شتم .

كان ابن عياش ، أبرص ، وكان أحد آل أبي معيط ماجنا شريب خمر ، فاجتمعا علي باب ابن هبيرة أمير العراق ، وقد أمر بصلب بيان التبان ، وهو أول من قال بخلق القرآن ، فسأل المعيطي ابن عياش : ما وقوفك هنا يا أبا الجراح ؟ قال : انظر إلي هذا الشقي الذي يزعم أنه نبي ، فقال : وما أتي به في نبونه ؟ فقال : وهو يعرض به - إنه قال بتحليل الخمر والزنا ، فقال : لا يقبل منه ذلك حتي يبريء الأكمه والأبرص .

وقال الغريض المغني ، لمعبد : با شقي البخت .

وخلاصة القصة : ان معبد المغني خرج إلي مكة يريد لقاء الغريض ، وطرق عليه بابه فلم يجبه أحد ، فغني ببابه صوتا ، فصاح به الغريض من داخل الدار : يا معبد المغني ، افهم وتلق عني شعر جميل الذي تغني فيه ، يا شقي البخت ، ثم غناه بأبيات جميل التي فيها : [ الأغاني 385/2 -387]

يقولون جاهد يا جميل بغزوة***وأي جهاد غيرهن أريد

لكل حديث عندهن بشاشة ***وكل قتيل بينهن شهيد

ص: 270

6- قولهم : با شيطان الشطن : الأبعاد وإنما سمي الشيطان ، شيطانة ، لبعده عن الخير والحق . ولذلك فإن كل عات متمرد يسمي : شيطانا

وقف علي الشبلي ، وهو في جامع المنصور ، غلام لم يكن ببغداد ، في ذلك الوقت أحسن وجها منه ، فقال له : تنح ، فلم يبرح ، فقال له : تنح يا شيطان عنا ، فلم يبرح ، فقال له الثالثة : تنت ، وإلا خرقت كل ما عليك ، راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 7/ 30 ج 7 ص 48 و 49.

وكان محمد بن مطروح الأعرج ، صاحب الصلاة ، أي إمام الجامع ، وكان قومس الكاتب يصلي خلفه ، فإذا حضرت الصلاة ، ولم يحضر قومس ، قال الأعرج لبعض القومة : أنت يا شيطان ، قل لهؤلاء الكلاب ، لا يقيموا الصلاة ، حتي يحضر هذا الخنزير ، فكان بره في حبس الصلاة عليه ، برأ العقوق خير منه ( العقد الفريد 6 / 435 )

ص: 271

7- قولهم : يا فاعل ، يا صانع

با فاعل يا صانع : كلمة تقال للشتيمة تعني : يا صاحب الأعمال الرديئة

وشتم المتوكل ، وزيره عبيد الله بن يحي بن خاقان ، فقال له : يا فاعل يا صانع ( كناية عن ألفاظ الشتم ) . للتفصيل راجع نشوار المحاضرة للتنوخي ج 2 ص 15 رقم القصة 2/2

وقال الوزير المهلبي أبو محمد، وزير الدولة ، لإبراهيم بن هلال الصابي : يا فاعل ، يا صانع

وسبب ذلك : كان الوزير المهلبي ، يبسط أصحابه في المزاح ، في وقت الخلوة إلي أبعد غاية ، فإذا جلس للعمل، كان وقورأ ، مهيبا ، واتفق أن صعد يومأ من طياره إلي داره ، ومعه إبراهيم بن هلال الصابي، وكان قد حقنه البول وهو يشكو من سلس البول ، فقصد أحد الأخلية ، فوجده مقفلا ، وكذلك كانت عادته في أخلية داره ، صيانة لها عن الإبتذال، فالي أن يدعو الفراش، ويحضر ، قال : متنادرا علي نفسه :

فهبك طعامك أستوثقت منه***فما بال الكنيف عليه قفل

قال إبراهيم فقلت : لعمري انه موضع عجب ، وإذا وقع الاحتياط في الأصل ، فقد استغني عنه في الفرع، فضحك ، وقال : أوسعتنا هجاء ، فقلت : وجدت مقا؟ فقلت ، فقال لي : أسكت ، با فاعل ، يا صانع ( معجم الأدباء 191/3 )

ص: 272

وتخاصم رجلان فازري أحدهما علي الآخر ، فبينما هو كذلك ، إذ ضرط من شدة غضبه وهيجانه ، فقال : وهذا أيضا في لحيتك ، يا فاعل ، با صانع ( البصائر والذخائر 4/ 179)

ص: 273

8 - قولهم يا لئيم

اللؤم : المهانة ودناءة الأصل وشحة النفس

وفي السنة 66 حصر عبد الله بن خازم ، أمير خراسان ، بني تميم في قصر فرتني بخراسان ، يطالبهم بدم ولده محمد الذي قتلوه ، وكان المقدم فيهم زهير بن نؤيب العدوي ، فلما طال عليهم الحصار ، راسلوا ابن خازم أن يتسلم منهم الحصن ، ويتركهم ، فأبي إلا أن ينزلوا علي حكمه ، فأبي زهير ، وقال : إنه سوف يقتلكم ، فأبوا عليه ، ونزلوا علي حكم عبد الله بن خازم ، فقتلهم جميعا إلا ثلاثة ، وجيء بزهير ، فأراد عبد الله ، أن يستبقيه ويصطنعه ، فغضب ابنه موسي ، وقال له : لئن عفوت عنه ، لاتكئ علي سيفي حتي يخرج من ظهري ، فأمر بقتله ، فقال له زهير : إن لي حاجة ، وهي أن تقتلني علي حدة ، ولا تخلط دمي بدماء هؤلاء اللئام ، فقد نهيتهم عما صنعوا ، وأمرتهم أن يموتوا كرامة ، فأبوا ، فأمر به ، فنحي ناحية ، فقتل ( الطبري 6/ 77-80)

ولما اشتدت الحرب بين مروان الحمار وجند عبد الله بن علي بقيادة عامر بن إسماعيل ببوصير من أرض مصر ، فر عن مروان ولداه عبد الله وعبيد الله ، فلما كان من الغد بلغهم أنه قتل ، فبكي عبد الله ، فقال له أخوه عبيد الله : يا ألأم الناس ، فررت عنه وتبكي عليه في العقد الفريد 4 / 470)

ص: 274

وقال أبو الأغر ، شاتمة : يا ألأم الناس ، وأوضعهم .

وتفصيل القصة : كان بالبصرة شيخ من بني نهشل ، يقال له عروة بن مرثد ، نزل ببني أخت له في سكة بني مازن ، وبنو أخته من قريش ، فخرج رجالهم إلي ضياعهم في شهر رمضان ، وبقيت النساء يصلين في المسجد ، فجاء كلب ، فدخل في أحد البيوت ، وانصفق الباب ، وسمعت إحدي الإماء الحركة ، فظنت أن لضأ في الدار ، فذهبت إلي أبي الأغر عروة ، وليس في الحي رجل غيره ، فأخبرته ، فقال أبو الأغر : ما يبتغي اللص منا ؟ ثم أخذ عصاه ، وجاء حتي وقف علي باب البيت ، فقال : إيه ، با ملأمان ، أما والله ، إني بك لعارف ، وإني بك أيضأ لعارف ، فهل أنت إلا من لصوص بني مازن ، شربت حامض خبيثأ ، حتي إذا دارت الأقداح في رأسك، منتك نفسك الأماني ، وقلت : أقصد دور بني عمرو ، والرجال خلوف ، والنساء يصلين في مسجدهن ، فأسرقهن ، سوءة والله ، ما يفعل هذا الأحرار ، البئس ، والله - ما متتك نفسك ، فاخرج ، وإلا دخلت عليك ، فصرمتك مني العقوبة ، لأيم الله ، لتخرجن ، أو لأهتف هتفة مشؤومة عليك ، يلتقي فيها الحيان عمرو وحنظلة ، ويصير أمرك إلي تباب ، وتجيء سعد بعدد الحصي ، ويسيل عليك الرجال من ها هنا وها هنا، ولئن فعلت ، لتكون أشأم مولود في بني تميم ، فلما رأي إنه لا يجيبه ، أخذه باللين ، وقال : أخرج يا بني ، وأنت مستور ، إني - والله - ما أراك تعرفني ، ولو عرفتني ، لقد قنعت بقولي واطمأننت إلي ، أنا عروة بن مرثد ، أبو الأغر، وأنا خال القوم ، وجلدة ما بين أعينهم ، لا يعصونني في أمر ، وأنا لك بالذمة كفيل خفير ، أصيرك بين شحمة أذني وعاتقي ، فلا تضار ، فأخرج ، فأنت في ذمتي ، وعندي قوصرتان ، أهداهما إلي ابن أختي البار الوصول ، فخذ إحداهما ، فانتبذها حلالا من الله تعالي ، ورسوله صلي الله عليه وسلم ، وكان الكلب كلما سمع الكلام أطرق، فإذا سكت ، وثب يريغ المخرج، فتهانف الأعرابي ، ثم قال :

ص: 275

يا ألأم الناس وأوضعهم ، إلا يأني لك أنا منذ الليلة في واد ، وأنت في واد ، إذا قلت لك السوداء والبيضاء ، تسكت وتطرق ، فإذا سكت عنك تريغ المخرج ، والله ، لتخرجن بالعفو عنك ، أو لألجن البيت بالعقوبة عليك ، فلما طال وقوفه ، جاءت جارية وقالت : أعرابي مجنون ، والله ما أري في البيت شيئا ، ودفعت الباب فخرج الكلب شدأ ، فقال الحمد لله الذي مسخك كلبة ، وكفانا حربا . ( الحيوان 231/2 - 233 )

ص: 276

9- قولهم : كذبت

الكذب : الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو، مع العلم به ، وهو ضد الصدق . ويقال : كذبت العين : إذا خانها حممها ، فأرت صاحبها ما لا حقيقة له . قال الشاعر:

كذبتك عينك أم رأيت بواسط***خلل الظلام من الرباب خيالا

وقال زياد بن أبيه ، لعبد الله بن الأهتم : كذبت .

وتفصيل ذلك : إن زياد بن أبيه ، لما قدم البصرة ، عاملا عليها لمعاوية بن أبي سفيان ، في السنة 45 خطب الناس خطبته البتراء سميت بذلك لأنه لم يبدأ فيها بحمد الله ، فلما انتهي من خطبته ، قام إليه عبد الله بن الأهتم ، وقال : أشهد ، أيها الأمير ، إنك قد أوتيت الحكمة وفصل الخطاب ، فقال له زياد : كذبت ، ذاك نبي الله داود عليه السلام ( الطبري 221/5)

الما قتل الحسين الشهيد عليه السلام ، في وقعة الطف ، صعد عبيد الله بن زياد المنبر ، وقال : الحمد الله الذي أظهر الحق وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه ، وقتل الكذاب بن الكذاب ، الحسين بن علي وشيعته ، فلم يفرغ من مقالته حتي وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ، فقال له : يا ابن مرجانة ، إن الكذاب بن الكذاب ، هو أنت وأبوك ، والذي ولاك وأبوه ، فقال عبيد الله بن زياد : علي به ، فوثب فتية من الأزد فانتزعوه من الشرط ، وأخذوه إلي أهله ، فأرسل إليه عبيد الله من أتاه به ، فقتله ، وصلبه بالسبخة ( الطبري 5 / 458 و 459 )

وغضب المنصور ، علي معن بن زائدة الشيباني ، لما ولاه اليمن لبذله

ص: 277

الأموال ، فبعث إليه وفدا يستون سخيمته فلما كلمه أولهم ، وامتدح معنأ ، قال له المنصور : كذبت ولؤمت ، راجع القصة في الطبري 8/ 65 و 66

ودعا المنصور ، أبا حنيفة ، لتولي القضاء ، فامتنع ، وقال : لا أصلح ، قال : كذبت ، فقال أبو حنيفة : فقد حكمت أني لا أصلح ، لأني إن كنت كاذبة فلا أصلح للقضاء ، وإن كنت صادقة ، فقد أخبرتكم أني لا أصلح . ( النجوم الزاهرة 14/2 )

وقال الرشيد الفضل بن الربيع في بعض ما كلمه به : كذبت ، فقال : يا أمير المؤمنين : وجه الكذاب لا يقابلك ولسانه لا يقاولك ( البصائر والذخائر 757/2/2 )

ولما مرض الإمام الشافعي ، مرضه التي مات فيه سنة 204، جاء محمد بن عبد الحكم ينازع أبا يعقوب البويطي في مجلس الإمام الشافعي ، فقال البويطي : أنا أحق به ، وقال ابن عبد الحكم : أنا أحق به . فجاء أبو بكر الحميدي ، فقال : قال الشافعي ، ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف بن يحيي ، وليس أحد من أصحابي أعلم منه ، فقال له ابن عبد الحكم : كذبت فقال له الحميدي : كذبت أنت، وكذب أبوك ، وكذبت أمك، فغضب ابن عبد الحكم ، وترك مجلس الشافعي، فجلس فيه البويطي ( وفيات الأعيان 63/7 ) .

وقال أمير بغداد إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، لأحد أتباعه : كذبت . وسبب ذلك : إنه طالب إسحاق بزيادة في رزقه ، فقال له : كم عيالك ؟ فذكر له العدد ، وزاد فيه ، فقال له : كذبت ، فبهت ، وتحير ، ولم بدر كيف علم إسحاق بكذبه ، ثم رفع إليه رقعة أخري ، ذكر فيها العدد الصحيح ، فقال له : صدقت ( التاج 171).

أقول : كان أسحاق بن إبراهيم المصعبي ، أشد الناس بحثا عن

ص: 278

الأسرار ، عظيم الفحص عن أحوال الرعية ، حتي أن أحد أصحابه ، ذكر إنه كلمه بشأن امرأة من بعض أهله ، وسأله النظر لها ، فحدثه إسحاق عن المرأة ، وعن أحوالها حتي بهت لمقدار معرفته بها .

وفي السنة 296 اجتمع القواد والفضاة والكتاب والوزير علي خلع المقتدر ، وتولية ابن المعتر، وبايعوه ، ولكن غلمان المقتدر هاجموا ابن المعتز وأصحابه فتفرقوا ، وكان ابن عمروبه صاحب الشرطة ، ممن بايع ابن المعتز ، فلما رأي انقلاب الحال ، جمع قسما من أصحابه ونادي بشعار المقتدر ، يدلس بذلك ، فناداه العامة : يا مرائي ، يا كذاب ، وقاتلوه ، فهرب وإستر ( ابن الأثير 17/8 ) .

ص: 279

10. قولهم : يا عيار

عار الفرس : انفلت من صاحبه، وأخذ يجيء ويذهب .

والعيار : تعبير بغدادي ، يراد به الشخص المفلت الزمام ، الذي لا يهتم بأمور معيشته ، بل يعيش كيفما اتفق ، ولا يتقيد بما تعارف عليه الناس ، وهو أشبه بما يسمونه اليوم بالهيبيين .

وقد ظهرت هذه الكلمة في بغداد، عند حدوث الفتنة التي سببها الخلف بين الأخوين ، الأمين والمأمون ، لما حاصر جيش المأمون بقيادة طاهر بن الحيسن بغداد ، فتألف للأمين جيش من أعجب الجيوش التي أبصرتها بغداد ، جيش العيارين وأهل السجون ، وكانوا في معونة الأمين في الحرب التي نشبت في السنة 197 فقد كانوا يقاتلون عراة ، في أوساطهم التبابين والميارز ، واتخذوا لرؤسهم دواخل من الخوص وأسموها الخوذ ، ودرقأ من الخوص والبواري قد قيرت وحشيت بالحصي والرمل، علي كل عشرة منهم عريف، وعلي كل عشرة عرفاء ، نقيب، وعلي كل عشرة نقباء قائد، وعلي كل عشرة قواد أمير، ولكل ذي مرتبة من المركوب علي مقدار ما تحت يده ، فالعريف ، له أناس يركبهم ( أي من البشر ) غير ما ذكرنا من المقاتلة ، وكذلك النقيب ، والقائد، والأمير ، وناس عراة قد جعلوا في أعناقهم الجلاجل والصوف الأحمر والأصفر ، ومقاود قد اتخذت لهم ولجم وأذناب من مكانس ومذاب، فيأتي العريف ، وقد ركب واحدة ، وأمامه عشرة من المقاتلة علي رؤسهم خود الخوص ودرق البواري ، ويأتي النقيب والقائد

ص: 280

والأمير ، كذلك ، وتقف النظارة ينظرون إلي حربهم مع أصحاب الخيول الفتره ، والجواشن ، والدروع ، والتجافيف ، والسواعد ، والرماح ، والدرق التبتية ( مروج الذهب 3/ 318 و 219 ).

وكان العيارون يحاربون عراة ، ولهم مخالي يضعون فيها الحجارة التي يرمون بها ، وخوذ من الخوص ، ودرق من الحصر والبواري ، ورماح من القصب، وأعلام من الخرق، وبوقات من القصب ، وقرون البقر ( مروج الذهب 322/2)

وقال الشاعر في وصف العيارين ، في حرب الأمين والمأمون : [الطبي 8/ 458].

خرجت هذه الحروب رجالا ***لا لقحطانها ولا لنزار

معشرة في جواشن الصوف يغدو***ن إلي الحرب كالأسود الضواري

وعليهم مغافر الخوص تجزي***سهم عن البيض والتراس البواري

واحد منهم يشد علي أل***فين عريان ماله من إزار

ويقول الفتي إذا طعن الطع ن***ة خذها من الفتي العيار

وقال الشاعر البغدادي ، من قصيدة في وصف بغداد ، عند حرب الأمين والمأمون :[ الطبري 8/ 451] .

بغداد أسواقها معطلة ***يستن عيارها وعائرها

أخرجت الحرب من سواقطها ***آساد غيل غلبأ تساورها

من البواري تراسها ومن الي***خوص إذا استلامت مغافرها

تغدو إلي الحرب في جوانها ***الصوف إذا ما عدت أساورها

وفي السنة 201 لما نشبت الحرب بين المستعين ، ببغداد ، وجيش المعتر المحاصر بغداد ، أمر محمد بن عبد الله بن طاهر ، أمير بغداد ، أن يفرض فرض من العيارين ، وأن يجعل عليهم عريف ، وتعمل لهم تراس من

ص: 281

البواري المقيرة ، وأن تعمل لهم مخالي تملأ حجارة ، فكان الرجل منهم يقوم خلف البارية ، فلا يري منها ، وكان العريف علي أصحاب البواري المقيرة من العيارين ، رجلا يقال له : أبا جعفر بنتويه ( الطبري 288/9 ) ، ثم وجد الأمير ابن طاهر ، أن العيارين يحضرون الحرب بغير سلاح ، ويكتفون بالرمي بالأجر ، فأمر أن تتخذ لهم كافركوبات (نبابيت) ، وأن تدق فيها مسامير الحديد ، وسلمت إلي العيارين ، وجعل عليهم رؤساء أربعة ، إضافة إلي بنتويه وهم : دونل ، ودمحال ، وأبو نملة ، وأبو عصارة ( الطبري 309/9)

ثم أن محمد بن عبد الله بن طاهر ، أمير بغداد ، أمر أن يتخذ لعياري أهل بغداد كافركوبات ( تسمي الآن ببغداد دونكيات ، مفردها دونكي ، اصطلاح أحسبه قد نقل عن الإنكليزية في عهد الإحتلال الإنكليزي لمدينة بغداد)، وأن يصير فيها مسامير الحديد ، ووزعها علي العيارين ، لأنهم كانوا يقاتلون بالرمي بالأجر ، ويحضرون الحرب بغير سلاح ، وكان راس العيارين أبا جعفر بنتويه الذي ظل رئيسا علي عياري الجانب الغربي إلي انتهاء الفتنة ، ولهم رؤساء آخرون منهم دوئل ، ودمحال ، وأبو نملة، وأبو عصارة ، ولما أعطي العيارون الكافركوبات ، تفرقوا علي أبواب بغداد ، فقتلوا من الأتراك ومن أتباعهم نحوا من خمسين نفسا في ذلك اليوم ، وقتل منهم عشرة أنفس ، وجرح منهم خمسمائة بالنشاب ، وأخذوا من الأتراك علمين وسلمين ( الطبري 309/9 ).

وكان من جملة العيارين ببغداد ، غلام لم يبلغ الحلم ، سلاحه حجارة في محلاته ، ومقلاع في يده ، وكان يرمي فلا يخطيء وجه من يرميه ، وتصدي له أربعة من فرسان الأتراك الناشبة ، يرمونه ، فيخطئونه ، وجعل برميهم فلا يخطيء ، وتقرت بهم دوابهم من جراء رميه ، فمضوا وعادوا

ص: 282

بأربعة من المغاربة الرجالة بالرماح والتراس ، وحملوا عليه بأجمعهم ، فرمي بنفسه في الماء ، وعبر ، ففاتهم ( الطبري 9/ 313) .

وشتم أحد غلمان العباس بن خالد البرمكي ، فتي العباس ، فقال عنه : هذا فتي عيار .

قال أحمد بن أيمن : كنت أكتب في حداثتي للعباس بن خالد البرمكي ، وكان طويل اللسان ، مخشي الغضب ، فإني لجالس بين يديه في داره بمدينة السلام ، حتي دخل علينا شاب حسن الصورة ، رث الهيأة ، فأكب عليه ، فقال له العباس : ألست ابن فلان صديقنا ؟ فقال : نعم يا سيدي ، فقال : كان أبوك حسن الظاهر جميل الهيأة ، فما الذي بلغ بك إلي ما أري ؟ فقال : كان تجمله أوفي من عائدته ، وتوقي ، فكنت أتبلغ بما يستعمله الموفي علي جاهه ، إلي أن خان طبعي البارحة ، ولم أطق ستر ما بي فقصدتك ، فدعا بمائة درهم ، وقال له : تصرف بهذه ، إلي أن أنظر لك في عائد عليك من الشغل ، فلما قام من عنده ، قال الغلام يثق به : قص أثر هذا الفتي ، فانظر ما يبتاعه بهذه الدراهم، وأحصه عليه حتي يدخل منزله، وأعرف المنزل ، وصر إلي ، فرجع الغلام إليه ، وقال له : يا سيدي هذا فتي عيار ، ابتاع بنيف وثلاثين درهما سميذأ ، وسكرأ ، وعس ، ولحما كثيرا ، وحوائج الأعراس ، وأخذ طباخة من طباخي الأعراس ، وأحسب أن عنده دعوة ، وقد عرفت منزله ، فلم تمض إلا أيام يسيرة ، حتي وافي الفتي ، فأعرض العباس عنه ، واستثقل وجوده ، فقال له الفتي : يا عمي ، ويا سيدي ، ليس يشبه هذا اللقاء ما لقيتني به في الأولي ، فقال له : كنت في الأولي راجية لصلاحك ، وأنا اليوم أيس منه ، فقال : وكيف ظنت ذلك ؟ قال : أخبرني غلامي أنك أنفقت إلي أن بلغت منزلك ، نيفا وثلاثين درهما ، وكان حقك أن لا تزيد علي ثلاثة دراهم ، فقال له : لو عرفت خبري لقدمت عذري ، قال : ما

ص: 283

خبرك ؟ قال : كنت . مع تضايق حالي - أمسك نفسي عن المسألة ، واقتصر وأهلي علي البلغة ، وأنا ساكن ، وأهلي ، في ظهر دار فلان ، وهو رجل ظاهر اليسار من التجار ، وكانت له طاقات في مطبخه تفضي إلي منزلي ، فأولم وليمة لا أشك في حضورك إياها ، فشرق منزلي بروائح الأطعمة ، وكانت الصبية من صبياني تخرج فتقول : رائحة جدي يشوي ، وأخري تقول : رائحة نقانق تقلي ، وهذه تقول : يا أية ، اشتهي من هذا الفالوج الذي قد شاعت رائحته لقمة، وأقوالهم تقرح قلبي ، وأملت أن يدعوني ، فأتحمل التزليل لهم ، فوالله ما رآني أهلا لذلك ، فقلت : لعله ، إذ نقصت عنده عن منزلة من يدعون، أن يبعث إلي، فوالله ما فعل، فبت بليلة لا يبيت بها الملدوغ ، وأصجت في الغداة ، فكنت أوثق في نفسي من سائر من بمدينة السلام ، فلما أعطيتني تلك الدراهم ، اشتريت بها حوائج أصلح منها ما آشتهوه ، فأكلوا منه أيامأ ، وهم يدعون الله أن يحسن إليك ، وأن يخلف عليك ، فقال له العباس : أحسنت ، بارك الله عليك ، ثم صاح : يا غلمان ، أسرجوا لي ، ولبس ثيابه ، وركب وركبت معه ، ودخل إلي صاحب الصنيع ( أي التاجر صاحب الوليمة ) ، فقال له : دعوتني وجماعة من وجوه بغداد ، إلي طعام مقتنا الله عليه ، وعرضت نعمتنا للزوال ، وأنفسنا إلي آخترام الأعمار ، وقص قصة الفتي ، وقال : عزمت علي أن أصدق كل من حضر وليمتك ، ويكون ذلك سببا لتخلف الناس عنك ، والإمساك عن إجابة دعواتك أخري الليالي ، فقال له : أنا أفتدي ذلك بخمسمائة دينار ، فأخذها منه ، ثم ركب إلي جماعة ، وقال لهم : أعطوني في معونة رجل من أبناء النعم اختلت حاله ، فأخذ منهم خمسمائة دينار أخري ، ورجع إلي منزله ، والفتي لم يبرح منه ، فسأله : فيم يهش إليه من التجارة ؟ فقال : صناعة الأنماط ، فإنها صناعة أسلافنا ، ومن بها يعرف حقوقنا ، فدعا برجل من أهل الصناعة ، وأخرج إليه الألف دينار ، وقال له : هذا المال لهذا الفتي ، فليكن في دكانك ، وأشتر له بها ما يصلح من المتاع، وبصره بتجارته ، ثم قال

ص: 284

للفتي : إحذر أن تنفق إلا من ربح ، فانصرف الفتي، وقد رد عليه ستره ، وأثمرت بضاعته ، واتصلت أرباحه ، ودخل في جملة التجار ( المكافأة 167 - 172).

وروي أبو القاسم سليمان بن الحسن : أن أبا العباس بن الفرات ، قص عليهم أخبار عدة من الكتاب ، كانت فيهم حدة ، وإن أحمد بن الخصيب كان يركل المتظلمين وأبو عباد يضربهم بالمقرعة ، وكان أحمد بن أبي خالد يشتمهم ، ونسي أبو العباس نفسه ، وكانت فيه حدة وسفه لسان ، فلما كان من غد، لقيه في الطريق متظلمون ، تظلموا إليه ، فصاح عليهم ، وشتمهم ، وبصق في وجوههم ، ورفسهم برجله وهي في الركاب ، وقنعهم بالمقرعة ، وكان سليمان راكبا علي فرسه وراءه ، فلما رأي ذلك ضحك ، فسمع أبو العباس قهقته ، فالتفت إليه ، وقال له : من أي شيء ضحكت يا عيار ؟ راجع القضة مفضلة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، في القصة رقم 35/8 ج 8 ص 83 و 84.

وقال القاضي ابن قريعة ، للكاتب أبي إسحاق الصابي ، في مجلس الوزير المهلبي : با عيار نصبت لي مكيدة ، فنفعني الله بها ، وخلاصة القصة أن الصابي ، أنشد في مجلس المهلبي ، أرجوزة للعماني الشاعر ، فاستحسنها القاضي ، وسأل عمن نظمها ، فقال : هي من نظم أبي العباس بن درستويه ، وكان ابن درستويه جاهلا متخلفة ، فدما ، ناقصة ، ولكنه متقدم في دولة بني بويه ، وصدق القاضي القضة ، فبكر من غده إلي ابن درستويه وقال له : كنا البارحة في مجلس الوزير ، وأنشدنا صديق للشيخ أرجوزة ، من أراجيزه ، فجئت لأخذ عن الشيخ ما ينشدنيه من فيه ، فلم يفهم ابن درستويه ما يقول ، ونادي ولده أبا نصر ، وكان في الجهل شرأ منه ، فلما أعاد القاضي عليه الكلام ، قال لأبيه ، بالفارسية : القاضي يطلب خرقأ يعمل منها قلنسوة ، فقال الأب : السمع والطاعة ، واستدعي خازنه ، وأمره باحضار ما

ص: 285

عنده من بقية الثياب ، فأحضر رزمة كبيرة ، فيها نحو مائة خرقة من فاخر الثياب من ديباج وسقلاطون ووشي ، ففطن القاضي ، وأخذ عشر خرق تساوي عشرين دينارا ، ووضعها في كمه ، ونهض ، وقال : أحسن الله جزاء الشيخ، وأطال بقاءه، ولاعدمناه ، وراح القاضي في ذلك اليوم إلي دار الوزير أبي محمد ، فلما اجتمعوا بين يديه علي رسمهم ، قال القاضي للصابي : با عيار ، نصبت لي مكيدة ، فنفعني الله بها، وشرح ما جري له مع ابن درستويه ، وأخرج الخرق من كمه ، فأراها لهم ، ثم ردها إلي كمه ، فضحك المهلبي حتي فحص برجليه ، وضحكت الجماعة ( الهفوات النادرة 324 و 327).

أقول : يظهر من طريقة استعمال هذه الكلمة ، إنها لم تكن كلمة شتم موجعة ، بدليل أن صاحب الديوان ، قالها لأحد كتابه وهو أثير عنده ، وأن القاضي ، قالها لصاحب ديوان الرسائل ، وهو صديقه ، وفي مجلس الوزير .

ص: 286

11 - قولهم : يا خائن

الخائن : من اؤتمن فلم ينصح .

وغضب المأمون ، علي يحيي بن خاقان ، كاتب الحسن بن سهل ، فقال له : يا خائن .

وخلاصة القصة : أن يحيي بن خاقان ، كان يكتب للحسن بن سهل ، لما كان الحسن يقود جيوش المأمون في العراق ، وكان من جراء اشتعال الفتن في العراق ، أن تعرقلت أمور الجباية ، فاتهم المأمون ، يحيي بن خاقان ، بأنه أحتجن جزءأ من مال الجباية لنفسه ، فطالبه بمائة ألف ألف درهم ، ثم نزل معه إلي اثني عشر ألف ألف درهم ، حلف انه لا يرضي بأقل منها ، فسأل يحيي أركان الدولة أن يعينوه فأعانوه ، وبعث إليه كل واحد منهم جزءا ، فكتب إلي المأمون بحصول المبلغ في يده ، فأحضره ، وقال له : يا خائن ، الحمد لله الذي أظهر لي كذبك ، وبين لي خيانتك ، ألم تذكر لي انك لا تملك المبلغ ؟ فأراه الرقعة وذكر له أسماء الذين أعانوه ، ومقدار ما أعانوه به ، فأمر المأمون برد ما أتوا إليهم ، وأعفي يحيي من المطالبة ، راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي ، رقم القصة 266 ج 3 ص 53 و 55 .

ويحيي بن خاقان، أحد مشايخ الكتاب في الدولة العباسية، كان يكتب للحسن بن سهل ، في أيام المأمون ، وكان اليه ديوان الخراج في أيام المتوكل ( الديارات 155 ) ، وهو أخو الفتح بن خاقان وزير المتوكل ( الملح

ص: 287

والنوادر 332 ) ووالد عبيد الله بن يحيي بن خاقان ، وزير المتوكل ( الديارات 154 و155)، وتوفي في السنة 240 فكتب المتوكل إلي اخيه عبد الرحمن بن خاقان ، وكان يلي البصرة ، يعزيه ( البصائر والذخائر 359/1 ) .

ص: 288

12. قولهم : يا ماجن

والمجون : قلة الحياء

شتم القاضي شريك ، الربيع حاجب المهدي ، فقال له : يا ماجن .

وتفصيل القصة : انه كانت بين شريك القاضي ، والربيع حاجب المهدي ، معارضة ، فكان الربيع يحمل عليه المهدي ، فلا يلتفت إليه ، حتي رأي المهدي في منامه شريكة القاضي مصروفأ وجهه عنه ، فقص رؤياه علي الربيع ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، إن شريكا مخالف لك ، وهو فاطمي ، فقال له شريك : أعيذك بالله يا أمير المؤمنين أن تكون غير فاطمي ، إلا أن تعني فاطمة بنت كسري ، قال : لكني أعني فاطمة بنت محمد صلي الله عليه وسلم ، قال : أفتلعنها يا أمير المؤمنين ؟ قال : معاذ الله ، قال : فما تقول فيمن يلعنها ؟ قال : عليه لعنة الله ، قال : فالعن هذا ۔ يعني الربيع - فإنه يلعنها ، قال الربيع : لا والله يا أمير المؤمنين ، ما ألعنها ، فقال له شريك : يا ماجن ، فما ذكرك لسيدة نساء العالمين ، وابنة سيد المرسلين في مجالس الرجال ؟ قال المهدي : دعني من هذا ، فاني رأيتك في منامي كأن وجهك مصروف عني وقفاك الي ، وما ذلك إلا لخلافك علي ، ورأيت في منامي كأني اقتل زنديقة ، قال شريك : إن رؤياك يا أمير المؤمنين ليست برؤيا يوسف الصديق ، والدماء لا تستحل بالأحلام ، وعلامة الزندقة بينة ؟ قال : صدقت - والله - يا أبا عبد الله ، أنت - والله - خير من الذي حملني عليك ( العقد الفريد 2 / 178 و179)

ص: 289

ص: 290

الفصل الرابع: ألفاظ مختلفة في الشتم

اشارة

يشتمل الفصل علي قسمين : القسم الأول - تسمية المشتوم ، باسم حيوان ، كالكلب أو الحمار أو التيس

القسم الثاني - مجموعة ألفاظ في الشتيمة ، مما لا يدخل تحت شمول الأبواب السابقة .

ص: 291

ص: 292

القسم الأول: تسمية المشتوم

باسم حيوان الكلب : في اللغة : كل سبع بعض . وجمعه كلاب وأكلب ، وجمع الجمع : أكالب ، وكلابات . وغلب علي الحيوان النابح المعروف . يقال : كف عنه كلابه ، أي ترك شتمه وأذاه .

والبغداديون ، يلفظون الكلمة بالجيم الفارسية ، فيقولون : چلب ، ويجمعونها علي : چلاب ، وجلابات .

وما زالت هذه الكلمة في بغداد من ألفاظ الشتيمة .

وفي معركة عين شمس ، بمصر ، في سنة 20 كان القائد عمرو بن العاص ، يذمر جنده من المسلمين ، ويحمسهم، فقال له رجل من أهل اليمن : إنا لم نخلق من حجارة ولا حديد ، فصاح به عمرو : اسكتيا كلب ، فقال له : أنت إذن أمير الكلاب ( الطبري 4 / 11).

وفي موقعة دير الجاثليق ، بمسكن ، في المعركة التي دارت بين عبد الملك بن مروان ، ومصعب بن الزبير ، تقدم عبيد الله بن زياد بن ظبيان ، إلي المصعب ، وطلب أن يبارزه ، فقال له المصعب : أعزب با كلب ، مثلي يبارز مثلك ( ابن الأثير 4 / 328 والأغاني 125/19)

وفد جرير علي هشام بن عبد الملك ، فقال الحضرمي : أيكم يشتمه ؟ فقالوا : ما أحد يقدم عليه ، قال : فأنا أشتمه ، ويرضي ويضحك ، قال : فقام إليه ، فقال : أنت جرير ؟ قال : نعم ، قال : فلا قرب الله دارك ، ولا

ص: 293

حيا مزارك يا كلب ، فجعل جرير بنتفخ ثم قال له : رضيت ، في شرفك ، وفضلك ، وعفافك ، أن تهاجي هذا القرد العاجز - يعني الفرزدق - فضحك الحيوان 4 / 64 ) .

وأراد الهادي العباسي، أخاه هارون ، علي خلع نفسه من ولاية العهد ، ليبايع ولده ، فكان يحيي البرمكي يمنع هارون من أن يخلع نفسه ، وعلم الهادي بصنع يحيي ، فاستدعي أحد قواده وقال له : قد تأذيت بهذا الكلب الملحد، يحيي بن خالد، راجع القصة مفضلة في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي - تحقيق المؤلف ، رقم القصة 256 ج 3 ص 19 - 22.

وغضب الواثق علي إسحاق الموصلي المغني ، فقال له: يا خوزي، يا كلب .

وسبب ذلك إن المعتصم لما خرج إلي عمورية ، استخلف ولده الواثق ، بسر من رأي ، فجلس الواثق ، ذات يوم مجلس جمع فيه الندماء والمغنين ، وبدأ الواثق ، فغني ، وغني من بعده ، فامتنع اسحاق عن الغناء ، فغضب الواثق ، فقال له : يا خوزي ، يا كلب ، أتنزل لك ، وأغني ، وتترفع علي ، إبطحوه ، فبطح ، وضرب ثلاثين مقرعة . ( الأغاني 9/ 298 ).

وتكلم مرة هارون بن عبيد الله قاضي مصر ، في مجلس أمير مصر في قضية ، فأعترض عليه أحمد بن محمد بن أسباط ، فقال : من هذا الغلام ؟ فأخبره كاتبه ، فالتفت إليه ، وقال له : لعلك يا كلب تتكلم ، لقد هممت أن لا أقوم من مجلسي حتي يضرب ظهرك ، فأمر الأمير بإخراج أحمد من المجلس . ( القضاة للكندي 445) .

وفي السنة 297 لما هجم الأتراك المتآمرون علي المتوكل ، وقف الفتح بن خاقان في وجوههم ، وصاح بهم : وراءكم ، با كلاب ( الطبري 9/ 228 وتجارب الأمم 6/ 556 ).

ص: 294

ولما قتل المتوكل في السنة 297، وبويع المنتصر ، أجتمع الجند والشاكرية والغوغاء والعوام ، بباب العامة ، وتكلموا في أمر البيعة ، فخرج إليهم زرافة ، فأبلغهم عن المنتصر ما يحبون ، فأسمعوه ، فخرج إليهم المنتصر ، فصاح بهم : يا كلاب ، خذوهم ، ففر المجتمعون ، وتدافعوا ، فمات منهم ستة نفر من الزحمة والدوس . ( الطبري 239/9 ).

ولما قتل المتوكل ، وبويع المنتصر ، أحضر أخويه المعتر والمؤيد ، وأرادهما علي خلع أنفسهما من ولاية العهد ، فوافق المؤيد ، وامتنع المعتر، فأغلظ الأتراك للمعتز ، وأخذوه بعنف ، وأدخلوه بيتا، وأغلقوا عليه الباب ، فصاح بهم المؤيد: ما هذا يا كلاب، لقد ضربتم علي دمائنا، تثبون علي مولاكم هذا الوثوب، أعزبوا قبحكم الله، ثم دخل إلي المعت فقال له: يا جاهل ، تراهم قد نالوا من أبيك ، ثم تمتنع عليهم ، اخلع ويلك ، ولا تراجعهم . ( الطبري 9/ 244 و 245 ).

ولما كان المعتضد معسكرة بالأهواز ، أخذ أحد جنوده من فلاح ثلاث بطيخات ولم يؤد اثمنها ، فأحضره وقال له : يا كلب ، ما كان معك ثمن البطيخ ؟ ثم أمر به فضرب مائة مقرعة ، راجع تفصيل القصة في نشوار المحاضرة للتنوخي رقم القصة 176/1 ج1 ص 329 و 330.

وغضب أبو الهيجاء الحمداني ، علي ولده الحسن (ناصر الدولة فيما بعد ) ، لما طلب منه أن يعطيه ضيعته النهروان ، وقال له : يا كلب ، سمت بك نفسك إلي أن تمتلك النهروان ؟ ثم قال للوزير علي بن عيسي : تمكن هذا الكلب ، من ذكري بحضرتك ؟ راجع القصة مفضلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القضة رقم 2/ 77 ج 2 ص 145 - 151.

وشرب الشريف أبو جعفر العباسي ، بمصر عند أبي زنبور الحسين بن

ص: 295

أحمد بن رستم المادرائي، وكان ثالثهما أبا بكر محمد بن علي بن أحمد بن رستم المادرائي ، وقام الشريف لقضاء حاجة ، وفي غيابه انصرف أبو بكر المادرائي ، فلما عاد الشريف ، التفت إلي أبي زنبور ، وقال له : يا أبا بكر ، هذا الكلب أبو زنبور عنده مثل هذا السماع، ولا يمتعنا به كل وقت ؟ ما هذا إلا كلب كلب ، فاعل صانع ، فقال له أبو زنبور : أيها الشريف ، أبو بكر انصرف ، وأنا أبو زنبور ، فقال له : أعذرني ، والله ما ظننتك إلا ابن المادرائي ، فقال : أراك تشتمني غائبة وحاضرة ( الملح والنوادر225 ).

وغضب محمد بن خلف كاتب ابن أبي الساج ، علي وكيله الحسن بن هارون، فقال له : والله يا كلب ، لأضربنك خمسمائة سوط ( تجارب الأمم 170/1)

أقول : كان محمد بن خلف يكتب لابن أبي الساج في واسط ، وكان يسير سيرة الوزراء من التكبر والتجبر والتوسع في النفقات ، حتي إنه جعل في داره بواسط لشراب العامة ثلاثين غلامأ وفي شراب الخاضة عشرين غلامأ ، وكان يبكر إليه جميع قواد ابن أبي الساج ورؤساء غلمانه ورؤساء العمال ، ويسلمون عليه ، كما يفعل الناس ببغداد بالوزراء في أيام المواكب ، ولبس القباء والسيف والمنطقة علي زي الوزراء ، إلا إنه لم يركب إلي دار صاحبه بسواد ، فرق بينه وبين وزير السلطان ( الخليفة ) ، ثم أخذ يكاتب نصر الحاجب في أن يقترح علي المقتدر استيزاره، وأخذ يسعي علي صاحبه ابن أبي الساج، وعثر ابن أبي الساج ، علي مراسلاته لنصر الحاجب ، واطلع عليها ، إذ أرسل الحسن بن هرون إلي بغداد ، فلما عاد ، وكان محمد بن خلف قد بلغه ما قام به الحسن في بغداد ، فأحضره ، وشتمه ، وقال له : يا عاض ( يعني يا عاض بظر أمه ) قد بلغني أنك شعت علي عند الوزير ، وذكرت له أني أطلب الوزارة مكانه ، والله ، يا كلب لأضربك خمسمائة سوط فأخذ الحسن يعتذر إليه ، ومحمد بن خلف يواصل شتمه ، ثم أن ابن أبي الساج

ص: 296

أمر رجاله بالقبض علي محمد بن خلف وصفعه . راجع أخبار صفعه ، في الباب الثالث القسم الثاني : الصفع .

وكان يحيي بن علي المعروف بابن المنجم ، يناقض ابن المعتز، ويهاجيه ، فلما بويع ابن المعتز بالخلافة ، دخل عليه يحيي ليبايعه ، فقال له : لا سلم الله عليك ، يا كلب ، للتفصيل راجع كتاب الفرج بعد الشدة ، للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف رقم القصة 402 ج 4 ص 110 - 112 .

ولما أراد القاهر قتل القائد مؤنس المظفر ، دخل عليه في حبسه في السنة 321 وصاح بأتباعه : جوا برجل الكلب الملعون ، فجروه ، وذبحوه ، ابن الأثير 261/8 .

ودخل المهلبي ، وزير معز الدولة ، يوما علي المطيع العباسي، وعلا صوته عنده ، فغضب المطيع ، وقال له : يا كلب ، ترفع صوتك بين يدي ، وأمر به فأخرج ، مجذوبأ بيده ، مدفوعة في ظهره ( رسوم دار الخلافة 34 ) .

ولما توفي المنتصر الفاطمي في السنة 487 ، سعي الأفضل الوزير في مبايعة ولده المستعلي أبي القاسم أحمد ، فبويع ، فهرب الولد الأكبر نزار إلي الاسكندرية ، وأعلن خلافته هناك ، فسار إليه الأفضل وأسره ، وأسلمه لأخيه المستعلي ، فبني عليه حائطا فمات ، وكان سبب انصراف الأفضل عن نزار ، أن الأفضل ( وهو أرمني الأصل ) دخل دهليز قصر الخليفة ، في أحد الأيام ، راكبا ، فصادفه نزار ، ولم يره الأفضل ، فصاح به : إنزل ، يا أرمني ، يا كلب، عن الفرس ما أقل أدبك ، فحقدها الأفضل عليه (ابن الأثير 10/ 238)

ودخل صاعد الصيرفي ، وهو يهودي ، حمامة بباب المراتب ، وأخذ

ص: 297

وأخذ يترنم بيت للصروي الشاعر ، في ذم ثابت دواتي الأمير نور الدين بن مزيد :

ليس علي شاطيء الفرات***أسقط من ثابت الدواتي

واتفق أن كان ثابت الدواتي حاضرة ، وسمعه يترنم بالبيت ، فقال له : يا كلب ، ما وجدت ما تقطع به حمامك إلا هجائي ( الهفوات النادرة 213 و 214) .

وكان محمد بن مطروح الأعرج صاحب الصلاة في الجامع ، وكان قومس الكاتب جيرانه ، وكان يتحفه ويتفقده بما أمكنه من الهدايا ، ويصلي خلفه ، فكان ابن مطروح إذا حضرت الصلاة ، ولم يحضر قومس ، قال لبعض القومة : أنت يا شيطان ، كلم هؤلاء الكلاب لا يقيموا الصلاة حتي يأتي هذا الخنزير ، فكان بره في حبس الصلاة عليه ، برا، العقوق خير منه ( العقد الفريد 435/6) .

أقول : محمد بن مطروح هذا، كان آية في التبرم المليح ، والنكتة التي تقع في محلها ، سأله رجل يوما : ما تقول في رجل مات يوم الجمعة ، هل يعذب عذاب القبر ؟ فقال : يعذب يوم السبت ، وسأله آخر : أتجد في الحديث أن جهنم تخرب ؟ فقال له : ما أشقاك إذا اتكلت علي خرابها .

وفي سنة 499 ورد أبو العلاء المعري بغداد ، وقصد دار الشريفين الرضي والمرتضي ، ودخل ، والمجلس غاص بأهله ، فتخطي الناس ، فقال أحدهم ، ولم يعرفه : إلي أين يا كلب ؟ فالتفت إليه أبو العلاء ، وقال له : الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسما ، ثم جلس حيث انتهي ، فلما قام الشعراء ، وأنشدوا قصائدهم في رثاء والد الشريفين قام أبو العلاء ، وأنشد قصيدته الفائية التي مطلعها :

أودي فليت الحادثات كفاف***مال المسيف وعنبر المستاف

ص: 298

فقام إليه الشريفان ، ولما علما أنه أبو العلاء المعري ، أكرماه ، ورفعا مجلسه وأعتذرا إليه ( اعلام النبلاء 127/4 ).

الحمار وجمعه ، حمير ، وأحمرة ، وحمور ، وحمر ، وحمرات : الحيوان المعروف، وهو مشهور بصبره وتحمله .

وقد لقب مروان بن محمد ، آخر الحكام الأمويين ، بالحمار ، لصبره في الحروب . ولصبر الحمار وتحمله ، اتهمه الناس بالبلادة ، ووصفوا الجاهل البليد ، بأنه حمار .

قال الشاعر ، علي لسان حمار الحكيم توما :

قال حمار الحكيم توما***لو أنصفوني لكنت أركب

لأنني جاهل بسيط***وصاحبي جاهل مركب

وقال أبو الحسن الجزار ، يصف حماره :

هذا حماري في الحمير حمار***في كل خطو كبوة وعثار

قنطار تبن في حشاه شعيرة ***وشعيرة في ظهره قنطار

لزيادة التفصيل في هذا الموضوع ، راجع كتابنا « موسوعة الكنايات العامية البغدادية » في فقرة : حمار ج 1 ص 601 - 626.

وفي معركة الطف في السنة 61 سأل الحسين عليه السلام ، الجند الأموي ، أن يكفوا عنه حتي يصلي هو وأصحابه ، فقال له الحصين بن تميم، أحد قواد الجند: إنها لا تقبل، فقال له حبيب بن مظاهر، من أنصار الحسين : زعمت أن الصلاة لا تقبل من آل رسول الله ، وتقبل منك يا حمار ( الطبري 5 / 439) .

في السنة 317 وافي أبو طاهر القرمطي ، الحاج في مكة ، فقتلهم قت ذريعة ، ودخل قرمطي إلي المسجد بفرسه ، وجرد سيفه ، فضرب به رجلا

ص: 299

فقتله ، وصاح : يا حمير ، أليس قلتم في هذا البيت ، من دخله كان آمنا ، فكيف يكون آمنة وقد قتلته الساعة ؟ فأجابه أحد الحجاج : إن الله عز وجل ، لم يرد أن من دخله كان آمنأ ، وإنما أراد : من دخله فأمنوه ، فلوي القرمطي رأس فرسه وخرج . ( المنتظم 2 / 223) .

وقال ناصر الدولة الحمداني ، لطباخه : يا حمار، وسبب ذلك إن ناصر الدولة كان مبخلا، ودعا ذات يوم بشيء يأكله متعجلا، فجاءوه بدجاجة مشوية ورغيف ، وسكرجتي ملح وخل ، وقليل بقل ، وبينما هو يأكل إذ جاء قوم لا بد من وصولهم إليه ، فأمر برفع الدجاجة ، ودخل القوم ، وخاطبهم ، ولما انصرفوا ، أمر برد الدجاجة ، فلما ردوها تأملها ، ثم حرد ، وقال : هذه ليست الدجاجة التي أكلت منها ، ونادي الطباخ ، فاعترف له بأنها دجاجة غيرها ، لأن الأولي أكلها أحد الغلمان ، فلما أمرت بردها، أخذنا واحدة جديدة ، وشعثناها وقدمناها إليك ، فقال له ناصر الدولة : يا حمار ، تلك كنت كسرت منها الفخذ الأيمن ، وأكلت جانب الصدر الأيسر ، وهذه مكسورة الفخد الأيسر ، ومأكول من جانب الصدر الأيمن ، لا تعاود لمثل هذا ، راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ح 2 ص 189 رقم القصة 93.

وكان الصاحب بن عباد ، متعصبا لرسائله ، وكانت في ثلاثين مجلدة ، وورد إليه رجل من أهل الشام ، فكان فيما استخبره عنه : رسائل من تقرأ عندكم ؟

فقال : رسائل ابن عبد كان .

قال : ومن ؟

قال : رسائل الصابي .

وغمزه أحد جلساء الصاحب ، ليقول : رسائل الصاحب ، فلم يفطن

ص: 300

الرجل ، ورآه الصاحب ، فقال له : تغمز حمار لا يحس . ( معجم الأدباء 315/2 )

وفي السنة 579حصر السلطان صلاح الدين الأيوبي ، مدينة حلب ، وضيق عليها ، ثم تصالح مع صاحبها عماد الدين زنكي ، أن يعوضه عنها بسنجار ، وتكون حلب لصلاح الدين ، فقبح أهل حلب فعله ، وشتموه ، وقالوا : يا حمار ، بعث حلب بسنجار ( اعلام النبلاء 2/ 132 )

وكان الأمير مجد الدين أبو سعيد طاشتكين المقتفوي (ت 606 ) من كبار رجال الدولة في أيام المستضيء العباسي ، وكان قليل الكلام جدا ، حتي أن رجلا من نوابه استغاث به فلم يجبه ، فاحتد ، وقال له : أحمار أنت ؟ فقال : لا ، ولم يزد ( النجوم الزاهرة 190/6 ).

أقول : كان الأمير طاشتكين ربما مر عليه أسبوع، ولم يتكلم ، واستغاث إليه رجل فلم يكلمه، فقال له: كلمني ، فإن الله كلم موسي ، فقال له : وأنت موسي ؟ ولم يزد ، ومما يؤثر عنه ، إنه كان قد تجاوز التسعين ، فاستأجر أرضا وقفة ، علي شاطيء دجلة ، لمدة ثلثمائة سنة ، ليعمرها دارة ، وكان في بغداد رجل قاص ، اسمه فتيحة ، فقال علي المنبر : يا أصحابنا، نهنيكم ، مات ملك الموت ، فقالوا : وكيف ذلك ؟ قال : طاشتكين عمره تسعون سنة ، واستأجر أرضا لمدة ثلثمائة سنة ، ليعمرها دارأله ، فلو لم يعلم أن ملك الموت قد مات ، ما فعل هذا ( فوات الوفيات 2/ 129 و 130 ) .

ولما حضر أبو زكريا الرازي الواعظ ، إلي بغداد (ت 208 ) ، واجتمع إليه مشايخ الصوفية والنساك نصبوا له منصة ، وأقعدوه عليها ، وقعدوا بين يديه ، فتكلم الجنيد ، فقال له يحيي : أسكت يا خروف ، ما لك والكلام إذا تكلم الناس . ( وفيات الأعيان 6 / 66 ).

وكان أبو الحسن الخوارزمي (ت 539 ) ، إذا نام واحد من أهل

ص: 301

الرستاق في مجلسه ، ناداه من فوق المنبر بأعلي صوته : يا أيها التيس المذانقي ، أترك المنام واسمع الكلام ، ( معجم الأدباء 275/5 ) .

ومن بديع التعليقات ، أن ابن زهر الحفيد الأندلسي ، أحد نوابغ الطب والأدب في الأندلس ، وهو صاحب الأبيات المشهورة التي مطلعها :

أيها الساقي إليك المشتكي***قد دعوناك وإن لم تسمع

ومما يؤثر عنه ، إنه لما نظم موشحه المشهور، الذي أوله :

صادني ولم يدر ماصادا

قال أبو بكر بن الجد :

صاد تيس بلحية حمراء

ولما نظم موشحه الذي أوله :

هات ابنة العنب واشرب

إلي قوله :

وفته بأبي ثم بي

فلما سمعه أبوه قال : يفديه بالعجوز السوء أمه ، أما أنا فلا ( نفح الطيب 468/3) .

ص: 302

القسم الثاني: مجموعة ألفاظ في الشتيمة

لما كلم عروة بن مسعود الثقفي النبي صلوات الله عليه ، كان خلال ذلك ربما مس لحية النبي ، فقال له المغيرة بن شعبة ، ابن أخيه : نع يدك عن لحية رسول الله ، قبل أن لا ترجع إليك يدك ، فالتفت إليه عروة ، قال له : يا غدر ، هل غسلت رأسي من غدرتك إلا بالأمس . ( البيان والتبيين 12/3)

أقول : أشار عروة إلي ما صنعه المغيرة ، إذ غدر برفاق له في سفر ، فقتلهم ، وأخذ أموالهم ، ولجأ إلي النبي فأسلم ، فقبل النبي إسلامه ، فعرض عليه المال الذي أخذه ، وأخبره بمصدره ، فقال النبي : أما الإسلام فقد قبلنا ، وأما المال فإنه مال غدر لا حاجة لنا فيه ، وكان عروة بن مسعود عم المغيرة تحمل ديات القتلي الذين قتلهم المغيرة ، وكني عن أدائه الديات ، بغسل رأسه من الغدرة ( الطبري 627/2).

ولما انقضي أمر حرب الجمل ، خطب أمير المؤمنين علي ، في أهل البصرة ، فبدأ خطبته بعد حمد الله والثناء عليه ، قال : يا أنصار المرأة ، وأتباع البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم ، أخلاقكم دقاق ، وعهدكم شقاق ، ودينكم نفاق ، وماؤكم زعاق . راجع التفصيل في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 251/1 والعقد الفريد 4 / 328.

ص: 303

ووصف يزيد من معاوية رجلان من المسلمين : عبد الله بن الزبير وأبو حمزة الخارجي فقال الأول عبد الله بن الزبير ، لما أعلن خلافته بمكة ، وخطب الناس ، فوصف يزيد بانه : يزيد الخمور ، ويزيد الفجور ، ويزيد الفهود ، ويزيد الصيود ، ويزيد القرود ، ويزيد الكلاب ، ويزيد النشوات ، ويزيد الفلوات ( أنساب الأشراف 30/2/4 ) وقال الثاني أبو حمزة الخارجي ، لما خطب بالمدينة ، فوصف يزيد بن معاوية ، بأنه : يزيد الخمور ، ويزيد الصقور ، ويزيد الفهود ، ويزيد الصيود ، ويزيد القرود ، راجع تمام الخطبة في الأغاني ط بولاق 106/20 و 107.

وبعد انتهاء وقعة الطف ، سرح ابن زياد ، نساء الحسين وصبيانه ، سبايا إلي يزيد بن معاوية ، مع شمر بن ذي الجوشن ومحفز بن ثعلبة ، فلما انتهوا إلي باب يزيد ، صاح محقز : هذا محقز بن ثعلبة ، أتي باللئام الفجرة ( الطبري 5 / 460) .

وفي السنة 63 بعث يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، إلي مدينة الرسول صلوات الله عليه ، جيشا بقيادة مسلم بن عقبة ، فاستباح المدينة ، وأسرف في القتل والنهب والسبي وانتهاك الحرمات ، وأنهب المدينة ثلاثة أيام ، ثم قصد مكة ليخربها كما أخرب المدينة ، فدنف في الطريق ، فدعا بالحصين بن نمير الكندي ، وقال له : يا برذعة الحمار ، والله ما خلق الله أحدا هو أبغض إلي منك ، ولولا أن أمير المؤمنين أمرني أن أستخلفك ما استخلفتك ، ثم هلك مسلم ( المحاسن والمساويء 1 / 46 - 49) .

وشتم عبد الملك بن مروان ، علي منبر المدينة ، ثلاثة من الخلفاء الذين سبقوه ، قال : أما بعد، فلست بالخليفة المستضعف . يعني عثمان - ولا بالخليفة المداهن - يعني معاوية . ولا بالخليفة المأفون - يعني يزيد بن معاوية - ألا وإن من كان قبلي من الخلفاء ، كانوا يأكلون ويطعمون من هذه الأموال ، ألا واني لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف ، من قال برأسه

ص: 304

هكذا ، قلنا له بسيفنا هكذا ، ألا وإن الجامعة التي جعلتها في عنق عمرو بن سعيد عندي ، والله ، لا يفعل أحد فعله ، إلا جعلتها في عنقه ، والله ، لا يأمرني أحد بتقوي الله ، بعد مقامي هذا ، إلا ضربت عنقه ، ثم نزل ( تاريخ الخلفاء 218 و 219).

أقول : أدخل أبو القاسم المغربي ، الصفات التي وصف بها عبد الملك اثنين من أسلافه في قصيدته التي مدح فيها الأنصار ، قال :

ثم امتطاها عبد شمس فاغتدت***هزؤ وبدل ربحها بخسار

وتنقلت في عصبة أموية ***ليسوا بأطهار ولا أبرار

ما بين مأفون إلي متزندق***ومداهن ومضاعف وحمار

أراد المأفون يزيد بن معاوية، وبالمتزندق الوليد بن يزيد، وبالمداهن معاوية بن أبي سفيان ، وبالمضاعف يزيد بن الوليد، ووبالحمار مروان الجعدي ، وقد لقب بالحمار لصبره في الحرب ( شرح نهج البلاغة 16/6 و 17).

وقال أصحاب عبد الملك بن مروان في مجلسه : يا أمير المؤمنين اسقنا دم هذا المنافق .

وسبب ذلك ، أن ابن قيس الرقيات ، حضر مجلس عبد الملك بن مروان فأخر له الأذن ، حتي دخل الناس جميعا ، وأخذوا مجالسهم ، ثم أذن له ، فلما دخل ، قال عبد الملك : يا أهل الشام ، أتعرفون هذا ؟ قالوا : لا ، قال : هذا ابن قيس الرقيات ، الذي يقول :

كيف نومي علي الفراش ولما***تشمل الشام غارة شعواء

تذهل الشيخ عن نبيه وتبدي***عن خدام العقيلة العذراء

فقالوا : يا أمير المؤمنين ، اسقنا دم هذا المنافق ، فقال : الآن وقد أمنته ، وصار في منزلي ، وعلي بساطي ، قد أخرت له الإذن لتقتلوه ، فلم تفعلوا ، ولما أنشده قصيدة مدحه بها ، منها :

ص: 305

إن الأغر الذي أبوه أبو العا***ص عليه الوقار والحجب

يعتدل التاج فوق مفرقه ***علي جبين كأنه الذهب

فقال له عبد الملك : يا ابن قيس ، تمدحني بالتاج ، كأني من العجم ، وتقول في مصعب بن الزبير :

انما مصعب شهاب من الله ***تجلت عن وجهه الظلماء

ملكه ملك رأفة ليس فيه***جبروت منه ولا كبرياء

أما الأمان فقد سبق لك ، ولكن - والله - لا تأخذ مع المسلمين عطاء أبدا، راجع كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ج 4 ص 281 - 286 رقم القصة 462.

وفي السنة 75 لما خطب الحجاج علي منبر الكوفة ، وأمر بقراءة كتاب عبد الملك ، فلما قريء ووصل القاريء إلي قوله : سلام عليكم ، قال الحجاج للقاريء : اقطع ، ثم قال للناس : يا عبيد العصا ، أيسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون ( الطبري 6 / 208).

وسمع الحجاج في اليوم الثالث من قدومه تكبيرة ، فخرج حتي جلس علي المنبر ، فقال : يا أهل العراق ، يا أهل الشقاق والنفاق ومساويء الأخلاق ، اني سمعت تكبيرة ليس بالتكبير الذي يراد الله به بالترغيب ، يا بني اللكيعة ، وعبيد العصا، وأبناء الأيامي ، وأولاد الإماء ، والفقع بالقرقرة ( الطبري 209/6 والعقد الفريد 4 / 110 وابن الأثير 4 / 377 و 378 ).

ولما ولي عثمان بن حيان المدينة ، للوليد بن عبد الملك ، خطب علي المنبر ، فقال : إن أهل العراق ، هم أهل الشقاق والنفاق ، وهم والله عش النفاق ، وبيضته التي تفلقت عنه ، وأنا - والله - لا أوتي بأحد أوي أحد منهم ، أو أكراه منزلا ، ولا أنزله ، إلا هدمت منزله ، وأنزلت به ما هو أهله ( الطبري 6/ 480) .

ص: 306

وشتم كعب بن جعيل، غياث بن غوث التغلبي ، فقال له : إنك الأخطل ، فغلب عليه ، وهو الأخطل الشاعر المعروف ، والأخطل : السفيه ( الأغاني 1/ 281).

وكان عبد الله بن الزبير ، يشتم ثقيفة علي المنبر ، فيقول فيهم : قصار القدود ، سود الجلود ، لئام الجدود ، بقية ثمود . ( انساب الأشراف 5 / 197)

وفي السنة 83 في معركة دير الجماجم ، لما ثار أهل العراق وخراسان علي ظلم الحجاج ، فاستعان عليهم بأهل الشام ، خرج عراقي ، فطلب المبارزة ، وشتم أهل الشام ، فقال لهم : يا معشر جرامقة الشام ( الطبري 361/6)

أقول : الجرموق : الخف الذي يلبس فوق الخف ليقيه من الطين ، وتسميه العامة : الكالوش ، وجرامقة الشام ، أنباطها .

وأراد قتيبة بن مسلم ، أمير خراسان ، أصحابه وجنده ، علي خلع سليمان بن عبد الملك ، فلم يجبه أحد منهم ، فغضب ، وشتمهم ، فقال : لا أعز الله من نصرتم، والله ، لو اجتمعتم علي عنز ما كسرتم قرنها ، يا أهل السافلة ، ولا أقول أهل العالية ، يا أوباش الصدقة ، جمعتكم كما تجمع إبل الصدقة من كل أوب ، يا معشر بكر بن وائل ، يا أهل النفج والكذب والبخل ، بأي يوميكم تفخرون ؟ بيوم حربكم ، أو بيوم سلمكم ، يا أصحاب مسيلمة ، با بني ذميم ، ولا أقول تميم ، يا أهل الخور والقصف ، كنتم تسمون الغدر في الجاهلية كيسانا ، يا أصحاب سجاح ، يا معشر عبد القيس الفساة ، تبدلتم بأبر النخل أعنة الخيل ، يا معشر الأزد ، تبذلتم بقلوس السفن ، أعنة الخيل الحصن، الأعراب وما الأعراب ، لعنة الله علي الأعراب ، يا كناسة المصرين ، جمعتكم من منابت الشيح والقيصوم ، ومنابت القلقل ،

ص: 307

تركبون البقر والحمير ، في جزيرة ابن كاوان ، يا أهل خرسان ، هل تدرون من وليكم ؟ وليكم يزيد بن ثروان ، كأني بأمير من حاء وحكم ، قد جاءكم ، فغلبكم علي فيئكم ، قد استخلف عليكم أبو نافع ذو الودعات ، إن الشام أب مبرور ، والعراق أب مكفور ، حتي متي يبطح أهل الشام بأفنيتكم وظلال دياركم ، يا أهل خراسان ، انسبوني ، تجدوني عراقي الأم ، عراقي الأب ، عراقي المولد ، عراقي الهوي والرأي ( الطبري 509/6 و 510 ، وابن الأثير 12/5-14 والعقد الفريد 125/4 - 127 ).

أقول : حاول الوليد بن عبد الملك ، أن يخلع أخاه سليمان من ولاية العهد ، وأن ينصب بدلا منه ولده عبد العزيز ، ابنه من أم البنين بنت عمه عبد العزيز بن مروان ، وراسل كبار عمال الأطراف في ذلك ، فأطاعه الحجاج بن يوسف الثقفي ، عامله علي العراقين ، وقتيبة بن مسلم عامله علي خراسان وما وراء النهر ، وموسي بن نصير عامله علي إفريقية والأندلس ، ونصحه بعض أصحابه أن يكف عن هذه المحاولة ، وممن عارضه في محاولته هذه ، ابن عمه عمر بن عبد العزيز ، مع أن الذي رشحه لولاية العهد، هو ابن أخت عمر ، فاغتاظ الوليد من عمر ، وأمر به فحبس في حجرة ، وطين عليه بابها ، وتداركته أخته أم البنين ، بعد أيام ، وقد قارب الموت ، فأنقذته ، فحفظها سليمان العمر ، وأوصي له بالخلافة من بعده ، كما حفظها لهؤلاء الذين أجابوا الوليد إلي خلعه ، ولما وجد سليمان ، أن الحجاج قد أفلت من يده ، إذ هلك في أيام الوليد ، أمر عامل الخراج بالعراق ، صالح بن عبد الرحمن ، وكان الحجاج قد قتل أخاه ، أن يجمع بني عقيل ، رهط الحجاج ، وأن يبسط عليهم العذاب ، حتي يقتلهم ، وقام صالح بذلك قيامة تاما ، ونكب سليمان ، موسي بن نصير ، فعزله ، وأهانه ، وأغرمه ما ثقيلا ، وأبقاه قريبا منه مسرحا كمعتقل ، ومطلقا كموثق ، وخشي أن ينتفض عليه عبد العزيز بن موسي ، وكان علي الأندلس ، فدس من أغري به الجند

ص: 308

فقتلوه وهو في صلاة الصبح ، وبعثوا برأسه إلي سليمان ، فعرضه علي أبيه موسي ، فتجلد للمصيبة ، وهذه من زلات سليمان ، علي أنه كان قليل الزلات ، إذا قيس إلي أبيه وأخيه ، ولكن الحقد علي هؤلاء الذين شجعوا الوليد علي خلعه من ولاية العهد، دفعه إلي ركوب متن الشطط في الإقتصاص منهم ، وأحس قتيبة بأنه معزول ، وربما أصابه ما هو شر من العزل ، وبلغه أن سليمان وتي يزيد بن المهلب أميرا علي العراقين ، وخراسان ، والجبال ، وطبرستان وما وراء النهر وسجستان والسند ، فأراد أن يتغدي بسليمان ، قبل أن يتعشي سليمان به، فأعلن خلعه ودعا الناس إلي ذلك ، فلم يجبه أحد ، فغضب وخطب فيهم خطبته التي أثبتناها ، فأدت هذه الخطبة إلي انتقاض جنده عليه ، فقتل قتيبة بن مسلم ، وقتل معه من بني مسلم أحد عشر رجلا ، سبعة منهم لصلب مسلم ، وأربعة من بني أبنائهم .

وأدرج فيما يلي ، إيضاحا لبعض الفقرات التي وردت في الخطبة ، أما قوله : يا أهل السافلة ، ولا أقول أهل العالية ، فيريد بهم أهل العالية بالبصرة والكوفة ، وهم مجموع من قريش وكنانة والأزد وبجيلة وخثعم وقيس عيلان كلها ومزينة ، وكان أهل العالية بالكوفة يقال لهم ربع أهل المدينة ، وبالبصرة خمس أهل المدينة ( الطبري 6/ 580 ) وكان نصر بن سيار ، أمير خراسان ، قد عقد للحكم بن نميلة بن مالك ، علي أهل العالية بخراسان ، وكان أبو الحكم نميلة عليهم بالبصرة ، وكان نصر قد أوفد مغراء بن أحمر بن مالك ، ابن عم الحكم بن نميلة علي رأس وفد إلي هشام بن عبد الملك فأغري يوسف بن عمر ، أمير العراقين ، مغراء ، أن يغض من نصر عند هشام ، فاغتابه عند هشام ، وكذبه بقية رجال الوفد ، فلما عاد مغراء إلي يوسف ، قال له : لم يبق لي خير في صحبة نصر بعد ما صنعت معه ، فأبقاه يوسف عنده ، ولما بلغ نصر ما صنع مغراء ، بعث إلي ابن عمه الحكم بن نميلة ، وهو في السراجين يعرض الجند ، فأخذ برجله ، فسحبه عن طنفسة

ص: 309

له ، وكسر لواءه علي رأسه ، وضرب بطنفسته وجهه ، وقال : هكذا يصنع بأهل الغدر (الطبري 195/6 ) وأما قوله : جمعتكم كما تجمع إبل الصدقة، يريد أنه جمعهم من انحاء شتي كما تجمع الإبل التي يأخذها عامل الزكاة، وهو المصدق (بكسر الدال المشددة) الذي يأخذ الحقوق من الإبل والغنم ، ولما كان الإسلام قد ترك لصاحب المال أن يختار ، فهو يختار الأصلح الأصح ، ويترك الباقي للمصدق ، يريد قتيبة إنه جمع جنده كما تجمع إبل الصدقة ، وليسوا من خيرة الرجال ، والنفج : افتخار الإنسان بما ليس عنده ، وقد حرف البغداديون الكلمة ، فهم يلفظونها بالخاء ، فيقولون عمن يفتخر بما ليس عنده : تفاخ ، ووصف الجاحظ في كتاب البخلاء أحمد الخاركي ، بأنه كان بخيلا نفاجأ ، وهذا أغيظ ما يكون ، وبلغ من نفجه ما أخبره به إبراهيم بن هانيء ، قال : كنت عنده يوما إذ مر بعض الباعة فصاح : الخوخ ، الخوخ ، فقلت : وقد جاء الخوخ بعد ؟ فقال أحمد : نعم قد جاء ، وقد أكثرنا منه ، فدعاني الغيط عليه أن دعوت البياع، وسألته : كيف تبيع الخوخ ؟ فقال : ست بدرهم ، فأقبلت علي ابن الخاركي ، وقلت له : ويحك ، نحن لم نسمع بالخوخ بعد، وأنت تدعي أنك قد أكثرت منه ، وأنت ممن يشتري ست خوخات بدرهم؟ ثم تقول قد أكثرنا منه ، فقال : وأي شيء أرخص من ستة أشياء بشيء ، أقول : في هذه القصة فائدة وهي أن الخوخ في أيام الجاحظ كان يباع بالبصرة بالعدد ، وأراد قتيبة بقوله : أصحاب مسيلمة ، يعيرهم بأنهم ارتدوا عن الإسلام ، واتبعوا مسيلمة الذي اشتهر بلقب مسيلمة الكذاب ، وكان قد تنبأ في آخر أيام النبي صلوات الله عليه ، وسير إليه أبو بكر الصديق جيشأ بقيادة خالد بن الوليد ، فقتله ، وهو أبو ثمامة مسيلمة بن كبير بن حبيب الحنفي الوائلي ، ولد ونشأ باليمامة ، وكان في الجاهلية يعرف برحمان اليمامة ، ولما ظهر الإسلام ، أعلن أنه نبي ، وفي السنة 10 كتب إلي النبي صلوات الله عليه كتابا فيه : من مسيلمة رسول الله ، إلي محمد رسول الله ، سلام عليك : أما بعد ، فاني قد اشركت معك في

ص: 310

الأمر ، وان لنا نصف الأرض ، ولقريش نصفها ، ولكن قريشا قوم يعتدون ، فرد عليه النبي : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله ، إلي مسيلمة الكذاب ، السلام علي من اتبع الهدي ، أما بعد، فإن الأرض لله ، يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين ، وتوفي النبي قبل القضاء علي فتنة مسيلمة ، فلما انتظم الأمر لأبي بكر ، سير إليه في السنة 12 جيشا علي رأسه خالد بن الوليد ، هاجم ديار بني حنيفة ، وأشتبك مع مسيلمة وأصحابه في معركة ضارية ، بلغ فيها عدد القتلي من المسلمين ألفا ومائتي رجل، وانتهت المعركة بظفر المسلمين ، وبقتل مسيلمة وكثير من أصحابه ( الإعلام 125/8 ) ولقب مسيلمة منذ أن تنبا بمسيلمة الكذاب ، ومنه اشتق المثل للكذاب ، فقيل : أكذب من مسيلمة ، وأما قوله : يا أصحاب مجاح ، فهو يعيرهم بالردة ، واتباعهم سجاح التي تنبأت ، وهي أم صادر سجاح بنت الحارث بن سويد التميمية اليربوعية ، كانت شاعرة أدبية ، عارفة بالأخبار ، ادعت النبوة في وقت الردة بعد وفاة النبي صلوات الله عليه، فتبعها جمع من عشيرتها ، وأقبلت بهم من الجزيرة ، تريد غزو المدينة ، ونزلت باليمامة ، فتزوجها مسيلمة ، وضم جمعها إلي جمعه ، ثم انصرفت عائدة إلي أخوالها التغلبيين بالجزيرة ، وبلغها خبر مقتل زوجها مسيلمة ، فأسلمت ، ولجأت إلي البصرة ، وماتت بها في السنة 55 ( الاعلام 3/ 122 ) أما قوله : يا معشر عبد القيس الفساة ، يعيرهم بالفسو، وهي تهمة لاصقة بعبد القيس ، ويقال الهم الفساة ، يعرفون بهذا ، قال الشاعر :

إذا تعشوا بص وخلا***باتوا يستون الفساء سلا

وقيل إن النساء كان نبزة لحي من أحياء العرب ، فجاء منهم رجل ، ببردي حبرة ، إلي سوق عكاظ فقال : من يشتري مني عار الفسو بهذين البردين ، فقام شيخ من مهو ( بطن من عبد القيس ) اسمه عبد الله بن بيدرة ، فارتدي بأحدهما ، واتزر بالآخر ، وهو الذي سمي : مشتري الفسو ببردي حبرة ، وضرب به المثل ، فقيل : أخيب صفقة من شيخ مهو : وقال الراجز :

ص: 311

يا من رأي كصفقة ابن بيدره***من صفقة خاسرة مخرة

و المشتري الفسو ببردي حبره

ومن لطيف ما يروي ، أن أبا جلدة اليشكري ، كان عظيم البطن ، فقام ليبول ، فضرط ، فتضاحك القوم منه ، فسل سيفه ، وقال : لا أم لكم ، أمني تضحكون ؟ لأضرب بسيفي هذا من لا يضرط منكم ، فما زال بهم حتي ضرطوا جميعا ، إلا صاحبا له من عبد القيس ، قال له : قد علمت أن عبد القيس لا تضرط ، ولك بدلها عشر فسوات ، فقال : لا والله ، أو تفصح بها ، فجعل العبقسي يتلوي وينحني ، فلا يقدر عليها، فتركه ( الأغاني 11 / 321)، وقول : تبدلتم بأبر النخل أعنة الخيل ، فهو يعيرهم بأنهم كانوا فلاحين يقومون علي رعاية نخلهم ، لا يعرفون شيئا عن الفروسية ، فصيرهم فرسانأ ، وأبر النخل وأبره : أصلحه ، ولقحه ، ونفي عنه اليابس من السعف ، وقد حرف البغداديون الكلمة ، فهم يقولون زبر بالزاي والباء المشددة ويريدون بها معني أبر ، قال شاعر العراق معروف الرصافي من قصيدة :

وما كتب التاريخ في كل ما روت***لقرائها إلا حديث ملقق

نظرنا لأمر الحاضرين فرابنا ***فكيف بأمر الغابرين نصدق

وما سير الماضين إلا عواذق*** يؤبرها مر السنين فتعذق

يريد بالبيت الأخير أن الماضين من الناس ، كلما بعد بهم الزمن ، نسب إليهم الناس أوصاف وأماديح، كالنخلة كلما أبرت علت وأعذقت، وللعامة البغداديين مثل يشبهه ، وهو قولهم : الميت تطول كرعانه ، والكراع ما دون الركبة من الساق ، وقوله ، وهو يعبر الأزد : تبدلتم بقلوس السفن ، أعنة الخيل الحصن ، والقلوس الحبل الضخم من الليف يستعمل في السفن ، والحصن ، بالضم جمع حصان ، وهو كل ذكر من الخيل ، يجمع علي أحصنة وحضن ، ولكن البغداديين لا يقولون أحصنة ، وإنما يقولون لحصن ،

ص: 312

بعير الأزد بأنهم ملاحون ، وأزد أبو حي من اليمن ، وهم ثلاثة أقسام : أزد السراة ، وأزد شنوءة ، وأزد عمان ، وأزد شنوءة أصح الأزد أص؟ ، قال الشاعر يمتدح أزد شنوءة ويذم أزد عمان :

وكنت كذي رجلين رجل صحيحة***ورجل بها ريب من الحدثان

فأما التي صحت فأزد شنوءة ***وأما التي شلت فأزد عمان

ومن جملة ما يروي عن تعير الأزد بأنهم ملاحون ، ما صنعه مسلمة بن عبد الملك ، لما قاتل يزيد بن المهلب وقتله في موقعة العقر ، فإنه صلبه بجسر بابل ، وصلب إلي جانبه سمكة وخنزيرأ وعلق معهما زق خمر ( الغيث المسجم 2/ 181 و 182 ) يشير بالسمكة إلي إنه أزدي ، فهو ملاح ، وبالخنزير للإهانة ، وبالزق إلي أنه شرب خمر ، ولما انتهت موقعة العقر بقتل يزيد بن المهلب ، طلب الورد بن عبيد الله بن حبيب السعدي الأمان ، فأحضره مسلمة ، وشتمه ، فقال له : صاحب خلاف وشقاق ، ونفار ونفاق ، في كل فتنة ، مرة مع حائك كندة ( يريد ابن الأشعث ) ومرة مع ملاح الأزد ( يريد يزيد بن المهلب ) ( الطبري 6/ 601 ) ، وفي السنة 129 لما اختلف نصر بن سيار أمير خراسان ، وجديع بن علي الكرماني الأزدي ، بعث إليه بسلم بن أحوز علي رأس جيش ، فتواقف مع جيش جديع علي أسوار مرو ، فقال سلم لمحمد بن المثني : يا محمد ، مر هذا الملاح فليخرج الينا ، فقال محمد السلم : يا ابن الفاعلة ، لأبي علي تقول هذا ؟ ( الطبري 7/ 368) ، ولما قتل جديع في المعركة ، أخذه نصر ، وصلبه ، وصلب إلي جانبه سمكة ، يشير إلي أنه أزدي ، فهو ملاح ( الطبري 370/7 ) ، وأراد بقوله : كناسة المصرين ، الكناسة : هي الزبالة التي تحصل من تنظيف البيت بالمكنسة ، أرادانهم من نفاية الناس الذين بالمصرين، وأراد بالمصرين البصرة والكوفة ( معجم البلدان 4 / 544 ) قال الشاعر :

اني لأحمق من يمشي علي قدم***إن غرني من حياتي قول عباد

ص: 313

أمسي يقول لذا المصران قد فتحا***ودون ذلك بوم شره باد

ولهذه التسمية أشباه ، فيراد بالقمرين : الشمس والقمر ، وبالعمرين : أبو بكر وعمر ، وبالحكمين : أبو موسي الأشعري وعمرو بن العاص ، وبالماهين : ماء البصرة ، وماه الكوفة ، وماء البصرة : نهاوند وهمذان وقم ، وماه الكوفة الدينور ( معجم البلدان 4 / 405 و 406 ) ويراد بالأبيضين : الخبز والماء ، قال الشاعر :

الأبيضان أبردا عظامي***الماء والخبز بلا أدام

ويراد بالجديدين الليل والنهار ، لأنهما يتجددان في كل يوم ، قال

الشاعر :

إن الجديدين في طول اختلافهما لا يفسدان ولكن يفسد الناس

ويراد بالمروين : مرو الروذ ومرو الشاهجان ، قال الشاعر يمدح يزيد بن المهلب لما كان في حبس الحجاج :

أبا خالد ضاعت خراسان بعدكم ***وقال ذوو الحاجات أين يزيد

فما قطرت بالري بعدك قطرة***ولا أخضر بالمروين بعدك عود

وما لسرور بعد بعدك بهجة***ولا لجواد بعد جودك جود

وقوله تركبون البقر والحمير ، في جزيرة ابن كاوان ، انهم لم يكونوا فرسانة ، وإنما كانوا فلاحين ومكارين في جزيرة ابن كاوان ، وهي جزيرة ذكرها ياقوت في معجمه 2/ 79 فقال : إنها جزيرة عظيمة بين عمان والبحرين في خليج البصرة ، كانت من أجل جزائر البحر ، عامرة آهلة ، وفيها قري ومزارع، وقال عنها المسعودي إنها كانت في السنة 343 عامرة آهلة ، وهي الآن خراب ، وقوله : جمعتكم من منابت الشيح والقيصوم والقلقل : انه جمعهم من مواطن شتي ، قومأ متفرقين فوحدهم ، ورفعهم ، وأعلي من شأنهم ، والشيح : نبات بري طيب الرائحة ، ترعاه المواشي ، والقيصوم :

ص: 314

نبات بري كذلك طيب الرائحة ، والقلقل : جنس شجر من فصيلة القرنيات يشبه الرمان ، حبه أسود ، في حجم الفلفل ، وقوله : هل تدرون من وليكم ، وليكم يزيد بن ثروان ، يريد به يزيد بن المهلب ، يصفه بالحمق ، وكان يزيد بن ثروان لحمقه يطعم السمان من إبله، ويجيع المهازيل، فقيل له في ذلك ، فقال : أكرم من أكرمه الله، وأهين من أهانه الله، وقوله : كأني بأمير من حاء وحكم قد جاءكم فغلبكم علي فيئكم ، حاء وحكم ، حيان جافيان من أحياء اليمن من وراء رمل يبرين ، وفي الحديث شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي حتي حكم وحاء ، قالها قتيبة استصغارا لشأن يزيد بن المهلب ، وهو أزدي من اليمانيين ، وقوله أبو نافع ذو الودعات ، إعادة لذكر هنقة ، فهو أبو نافع يزيد بن ثروان الملقب هبنقة ذا الودعات .

وفي السنة 144 اعتقل أبو جعفر المنصور، بني الحسن ، وكبلهم وغلهم ، وحملهم معه إلي العراق ، فلما خرج المنصور ناداه عبد الله بن الحسن ، وهو مكبل مغلول ، يا أبا جعفر ، والله ما هكذا فعلنا بأسراكم يوم بدر ( يشير إلي أسر جده العباس يوم بدر ، فإن النبي صلوات الله عليه أكرمه وحل وثاقه ) قال : فأخساه أبو جعفر ( قال له : اخسأ ) ، وتفل عليه ، ومضي ولم يعرج . ( الطبري 7 / 542).

وقال عبادة المخنث ، نديم المتوكل ، لعجوز أطلت عليه من شباك ، وهو في حالة عهر مخزية : يا عجوز السوء ، راجع القصة في الديارات 189 .

أقول : عبادة المخنث ، المجاهر بالعهر والبغاء ، كان نديم المتوكل ، وبلغ من تعلق المتوكل به ، أنه أباح له الدخول عليه ، وهو في فراشه مع نسائه ، ولم استسغ نقل القطة ، لما فيها من الخزي والعهر .

وخرج عبد الله القيرواني الشاعر ، يريد صقلية ، فأسره الروم ولما هادن

ص: 315

ثقة الدولة صاحب صقلية الروم ، أطلقوا له الأسري ، وكان عبد الله منهم ، فمدحه ، فلم يصله بما يرضيه ، فتكلم وطلب طلبا شديدا ، فأحضره ثقة الدولة ، وقال له : ما الذي بلغني يا بائس ، قال : المحال أيد الله سيدنا الأمير .

فقال له : من الذي يقول : الحر ممتحن بأولاد الزنا

فقال : هو الذي يقول : وعداوة الشعراء بئس المفتني .

فتنمر ساعة . ثم أمر له بمائة رباعي ، وأخرجه من المدينة ، كراهية أن تقدم عليه نفسه فيعاقبه بعد أن عفا عنه . ( وفيات الأعيان 157/6 و 158 )

أقول : ثقة الدولة أبو الفتوح يوسف بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن الحسن (379 - 388) تنازل ولده عن الحكم .

ودخل بشار علي المهدي ، فسأله عن نسبه ، فقال :

تمت في الكرام بني عامر فروعي وأصلي قريش العجم

فإني لأغني مقام الفتي***وأسبي الفتاة فما تعتصم

فقال له أبو دلامة : كلا، لوجهك أقبح من ذلك ، ووجهي مع وجهك ، فقال له بشار : كلا، ما رأيت رجلا أصدق علي نفسه ، وأكذب علي جليسه منك ، أفأنت مثلي يا مرضعان ؟ ( الأغاني 3/ 138).

وغضب ابن أبي البغل ، عامل إصبهان ، علي أحد طلاب التصرف ، فقال له : قد - والله - بلينا بكم يا بطالين .

أقول : ابن أبي البغل ، أبو الحسن محمد بن أحمد بن يحيي ، من رجال الدولة العباسية ، كان عاملا علي أصبهان ، وسعت له أم موسي الهاشمية قهرمانة المقتدر في الوزارة ، وأحس الخاقاني الوزير بالأمر ، فقبض عليه ، فاستنقذته أم موسي ، وأعادته إلي عمالة أصبهان ، ولما قبض علي أم

ص: 316

موسي صرف عن عمله ، وصودر أولا ، وثانية ، واعتقل ، وكان في خشية القتل لما ورد الخبر بعزل الوزير ابن الفرات ، فكتب في تقويم لديه : اليوم ولد محمد بن أحمد بن يحيي ( يعني نفسه ) وله إحدي وثمانون سنة ، وعندما كان يلي أصبهان ، قدم عليه شيخ من بغداد ، يريد التصرف ( التعيين في إحدي الوظائف ) ومعه رسائل (توصية) من جماعة من رؤساء الحضرة ببغداد ، وصادف من ابن أبي البغل ضجرة وضيق صدر ، فغضب ، وقال له : قد والله بلينا بكم يا بطالين كل يوم يصير إلينا منكم واحد يريد تصرفا، لو كانت خزائن الأرض إلي ، لكانت قد نفدت ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ج 2 ص 152 - 154 وكيف عاد ابن أبي البغل عن ضجره واعتذر إلي الرجل واستخدمه .

ودخل القاضي أبو عمر ، إلي دار الخلافة ، فاجتمع عليه الخدم ، وشتموه قائلين له : يا ظالم ، يا مرتشي .

أقول : كان أبو عمر ، قاضي القضاة ببغداد ، في أيام المقتدر ، وكان من أكمل الناس عقلا ، وأحسنهم تصرفأ ، وكان رئيس الخدم في قصر الخليفة ، كلمه في قضية من القضايا المعروضة عليه ، وكان الحكم الذي أصدره في غير مصلحة الخادم ، فأغري أتباعه من الخدم بشتمه ، راجع في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ج 2 ص 83 - 86 كيف تصرف القاضي في هذه القضية .

واغتاظ الوزير اسماعيل بن بلبل، من عبيد الله بن سليمان ، فقال الصاحب الديوان : قل له ، والله ، لولا تذمي ، لأمرت بالآخر أن يصفع من داره إلي ديوان اسماعيل بن ثابت ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة ح 8 ص 164 - 169 رقم القصة 71.

أقول : الآخر والأخير ، والأبعد والبعيد ، من الفاظ الشتيمة .

ص: 317

وقرأ القطر بلي ، علي ثعلب ، بيت الأعشي :

فلو كنت في جب ثمانين قامة***ورقيت أسباب السماء بسلم

فقرأها : فلو كنت في حب ( بالحاء ) ، فقال له ثعلب : خرب بيتك هل رأيت حبة ثمانين قامة ، إنما هو جب ، بالجيم ( معجم الأدباء 2/ 145)

وكان أبو العباس سهل بن بشر النصراني، ضامن الأهواز، حديد، سفيه اللسان ، فشكوه إلي المطران بجند يسابور ، فنصحه بأن يمنع لسانه من الشتم ، فلما انصرف سهل ، وأراد أن يشتم رجلا ، قال له : إسمع يا هذا ، إن المطران قد منعني من شتم أحد من الناس ، وأنا مستأجر من القائد ، والقائد هو الذي يقول لك علي لساني : يا زوج كذا وكذا ، ويا ابن كذا وكذا ، ويا أخو كذا ، ( الهفوات النادرة 319) .

وفي السنة 139 استعان الملك الصالح إسماعيل ، سلطان دمشق ، بالافرنج، وأعطاهم مدينة صيدا ، وقلعة الشقيف ، فأنكر عليه الشيخ عز الدين بن عبد السلام ذلك ، وترك الدعاء له ، وترك دمشق إلي مصر ، فأرسل الملك الصالح إلي الشيخ عز الدين ، وهو في طريقه ، قاصدأ ، تلطف به ، وقال له : ما يريد السلطان منك شيئا ، إلا أن تنكسر له وتقبل يده ، فقال له الشيخ : يا مسكين ، أنا ما أرضاه يقبل يدي ، فضلا عن أن أقبل يده ، يا قوم ، أنا في واد ، وانتم في واد ، وأستمر في سفره إلي مصر . ( التاج اللجاحظ 191 حاشية ).

وكان قاضي دمشق في السنة 1022 المولي أحمد أفندي الشهير بشيخ زاده ، يكره العرب ، وإذا شتم أحدأ ، قال له : بره ، عرب طاط ( تراجم الأعيان 197/1 ).

ص: 318

قولهم اخطأت استه الحفرة

اخطأت استه الحفرة : كلمة شتم فيها استهانة شديدة بالمخاطب ، تعني أن المخاطب أراد شيئا ، فأخطأ ، ولم يقع علي الغرض .

وبعث يزيد بن معوية ، الضحاك بن قيس ، ليأخذ بيعة ابن الزبير ، فأبي أن يبايع ، فقال له الضحاك : إن لم تبايع طائعأ ، بايعت كارهأ، فقال له ابن الزبير : إنك ثعلبة بن ثعلبة ، تيس بحيرة ، أردت الحقحقة ، فأخطأت استك الحفرة ( انساب الأشراف 196/5 ).

أقول : تيس بحيرة يعني تيس مشقوق الأذن ، والحقحقة : شدة السير .

وغضبت عائشة بنت طلحة ، علي كثير عزة ، فقال له : اخطأت استك الحفرة

وتفصيل ذلك : أن عائشة بنت طلحة ، أرسلت إلي كثير ، فقالت : يا ابن أبي جمعة ، ما الذي يدعوك إلي أن تقول من الشعر في عزة ما قلت ، وليست من الحسن علي ما تصف ، ولو شئت صرفت ذلك عنها إلي غيرها ممن هو أولي به منها ، أنا ومثلي فإني أشرف وأجل وأوصل من عزة ، وإنما أرادت أن تختبره بذلك ، فقال :

إذا ما أرادت خلة أن تزيلها***أبينا وقلنا الحاجبية أول

ص: 319

سنوليك عرفة إن أردت وصالنا***ونحن لتلك الحاجبية أوصل

لها مهل لا يستطاع آدراكه ***وسابقة في القلب لا تتحول

فقالت له عائشة : أخطأت استك الحفرة يا أبا صخر ، لقد أسميتني خلة ، وما أنا لك بخلة ، وعرضت علي وصلك وما أريده ، ولو أردته أنت الكرهته أنا، وإنما أردت أن أبلو ما عندك قولا وفعلا ، فما أفلحت ولا أنجحت ، هلا قلت كما قال سيدك جميل : [ وفيات الأعيان 1/ 480].

ويقلن إنك قد رضيت بباطل***منها فهل لك في اجتناب الباطل

والباطل ممن أحب حديثه***أشهي إلي من البغيض الباذل

وشتم مزبد المدني ، بصبص ، جارية ابن نفيس ، فقال لها : أخطأت استك الحفرة أي زانية ، لما طلبت منه أن يخرج درهما لشراء ريحان للمجلس .

وقد روينا القصة في الفصل الخامس من الباب الأول من الكتاب :الرفث في الشتيمة .

ص: 320

الفصل الخامس: الرفث في الشتيمة

اشارة

الرفث : قول الفحش ، يقال : أرفث في كلامه : إذا أفحش . قال العجاج :

ورب أسراب حجيج كظم***علي اللغا ورفث التكلم

ومن جملة معاني كلمة الرفث : الجماع، وغيره مما يكون بين الرجل وامرأته من التقبيل والمغازلة .

قال تعالي : و أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلي نسائكم » (187م البقرة 2) وقال تعالي : ( فلا رفث، ولا فسوق ، ولا جدال في الحج 4 (197م البقرة 2).

ورأي ابن عباس أن الرفث المنهي عنه في القرآن في الآية الأخيرة . هو قول الفحش في مواجهة النساء ، أما إذا كان بحيث لا تسمعه امرأة ، فلا يدخل في قوله تعالي : ( فلا رفث ولا فسوق ه .

وفي مجمع البيان 2/ 293 : أن الرفث بالفرج : الجماع، والرفث باللسان : المواعدة للجماع ، والرفث بالعين : الغمز للجماع .

ص: 321

1- قولهم : يا زانية ، ويا ابن الزانية

الزنا : الفجور . الزانية : الفاجرة .

لما بعث زياد حجر بن عدي إلي معاوية ، بعث معه محضرة شهد فيه قوم كان منهم شداد بن بزيعة، وبزيعة أمه ، فقال زياد : أما لهذا أب ينسب إليه ؟ ألغوه من الشهود ، فقيل له إنه ابن المنذر ، فقال : انسبوه إلي أبيه ، فبلغ ذلك شداد ، فقال : والهفاه علي ابن الزاينة ، أو ليست أمه أعرف من أبيه ، فوالله ما ينسب إلأ إلي أمه سمية ( الاغاني 17 / 146 ).

: ولما قتل عبيد الله بن زياد ، مسلم بن عقيل ، أحضر أمامه المختار بن أبي عبيد الثقفي ، وقال له : أنت المقبل في الجموع، لنصر ابن عقيل ، ورفع قضيبا في يده ، فاعترض وجه المختار ، نشتر عينه ، ثم حبسه ، فكتب عبد الله بن عمر ، وكانت أخت المختار صفية ، تحته ، إلي يزيد ، فأمر عبيد الله بن زياد بإطلاقه ، فخرج إلي الحجاز ، فلقيه ابن الفرق من وراء واقصة ، فقال له المختار : شتر ابن الزانية عيني بالقضيب ، قتلني الله إن لم أقطع أنامله وأباجله وأعضاءه إربا إربأ ( الطبري 571/5 و 572 وانساب الاشراف 215/5 )

وفي معركة الطف في السنة 61 برز من الجند الأموي أثنان ، هما يسار مولي زياد بن أبيه ، وسالم مولي عبيد الله بن زياد ، فقالا : من يبارز ؟ فبرز إليهما عبد الله بن عمير الكلبي ، من أنصار الحسين ، فقالا له: من أنت ؟

ص: 322

فانتسب لهما ، فقال له يسار : نحن لا نعرفك ، ليخرج إلينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر ، فقال عبد الله ليسار : يا ابن الزانية ، ما يخرج إليك أحد من الناس إلا وهو خير منك ، ثم شد عليه بسيفه فقتله ( الطبري 429/5و 430)

وتعاير عبيد الله بن ظبيان ، وعبيد الله بن زياد ، فقال ابن ظبيان : رحم الله عمر بن الخطاب . كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من الزانيات ، وأبناء الزانيات ، فقال عبيد الله بن زياد : يرحم الله عمر ، كان يقول : لم يقم جنين في بطن حمقاء تسعة أشهر إلا خرج مائقا ( البيان والتبيين 185/2).

وفي السنة 66 وجه المختار قائده إبراهيم بن الأشتر ، علي رأس جند من العراق لقتال جند الشام المقبل إلي الموصل، بقيادة عبيد الله بن زياد ، فالتقوا بخازر ، وحمل شريك بن جدير التغلبي ، من جند العراق ، علي الحصين بن نمير ، من قواد الجند الشامي ، وهو يحسبه عبيد الله بن زياد ، وأخذ شريك يصيح : اقتلوني وابن الزانية ، فقتل ابن نمير ، وانفرجت المعركة عن شريك وهو قتيل أيضا ، وكان شريك قد شهد صفين مع علي ، فلما انقضت أيام علي ، لحق ببيت المقدس فأقام به ، فلما قتل الحسين عاهدا الله إن ظهر من يطلب بدمه ، ليقتل ابن زياد أو ليموتن دونه ، فلما ظهر المختار للطلب بثأر الحسين أقبل إليه وسار مع إبراهيم بن الأشتر ، حيث قتل في المعركة ( الطبري 86/6 و 92، ابن الأثير 4/ 264) .

وشتم أحد أولاد الأحنف بن قيس ، زبراء ، جارية أبيه الأحنف ، فقال لها : يا زانية ، فقالت له : لو كنت زانية ، لأتيت أباك بابن مثلك ( بلاغات النساء 164).

أقول : زبراء ، جارية الأحنف ، كان مطيعا لها ، فكان الأحنف إذا أراد

ص: 323

حربا ، قال الناس : قد غضبت زبراء ، يكنون عن غضبه في الحرب بغضبها ( سرح العيون 55 و 57 ) .

ولما قتل مصعب بن الزبير ، المختار ، أحضر امرأة المختار وهي عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري ، فسألها ما تقولين في المختار ؟ فقالت : رحمة الله عليه ، إنه كان من عباد الله الصالحين ، فأمر بها فقتلت ، قتلها أحد شرطته واسمه مطر ، ضربها بالسيف ثلاث ضربات ، فصاحت مع الضربات يا أبتاه ، يا أهلاه ، يا عشيرتاه ، ثم ماتت ، فسمع بقصتها أخوها أبان فأمسك بمطر فلطمه ، وقال له : يا ابن الزانية ، قطعت نفسها ، قطع الله يمينك ( ابن الاثير 275/4 والطبري 112/6 ).

وفي السنة 76 بعث الحجاج ، الحارث بن عميرة الهمداني ، في ثلاثة آلاف رجل لقتال الخوارج ، فحصروا شبيب وأصحابه في حصن ، ثم صاح بهم بعض أفراد الجند: يا بني الزواني ، ألم يخزكم الله ؟ فغضب أصحاب شبيب ، وصاحوا بهم : با فساق ، ما عذركم عند الله في الفري علي أمهاتنا ؟ فقال لهم رجال من الجند : إنما هذا من قول شباب فينا سفهاء ، والله ما يعجبنا قولهم ولا نستحله ( الطبري 6/ 223) .

وتلاقي كثير ، وحبيبته عيرة ، ولما عادت إلي زوجها ، ضربها ، وأضطرها إلي شتم كثير ، فوقفت عليه ، وقالت له : يا ابن الزانية ، وهي تبكي .

قال كثير : حججت سنة من السنين ، وحجت عزة وزوجها ، ولا يعلم كل منا بصاحبه ، فلما كنا ببعض الطريق ، أمرها زوجها بابتياع سمن تصلح به طعاما لأهل رفقته ، فجعلت تدور في الخيام حتي دخلت إلي ، وهي لا تعرف انها خيمتي ، وكنت أبري أسهما لي ، فلما رأيتها ، جعلت أبري وأنا

ص: 324

أنظر إليها ، حتي بريت أصابعي ، ولا أشعر ، ودمي يجري ، فلما تبينت عزة ذلك ، أمسكت يدي ، وجعلت تمسح الدم بثوبها ، وأعطيتها نحيا من سمن كان عندي ، فأخذته إلي زوجها ، فلما رأي الدم ، سألها ، فكاتمته ، فحلف التصدقنه ، فصدقته ، فضربها ، وحلف لتشتمني في وجهي ، فوقفت علي ، وهو معها ، فقالت لي : يا ابن الزانية ، وهي تبكي ، فذلك حيث أقول : ( الاغاني 29/9 ).

يكلفها الخنزير شتمي ، ومابها***هواني ولكن للمليك استذلت

ولما ولي سليمان بن عبد الملك ، خافه قتيبة بن مسلم الباهلي أمير خراسان ، لأنه كان قد وافق الوليد علي خلع سليمان ، وتوليه ابن الوليد ، فخلع سليمان ، ولم يطعه الجند ، وحاربه وكيع بن أبي سود التميمي ، فقتل قتيبة ، وصعد وكيع المنبر ، فلم يجد ما يقول ، سوي أنه شتم المرزبان ، وسماه ابن الزاينة ، فإنه صعد المنبر ، وقال : مثلي ومثل قتيبة ، كما قال الأول :

من ينك العير ينك نياكا

أراد قتيبة قتلي ، وأنا قتال .

قد جربوني ثم جربوني *** من غلوتين ومن المئين

حتي إذا شبت وشيبوني***خلوا عناني وتنكبوني

أنا أبو مطرف .

أنا ابن خندف تنميني قبائلها*** بالصالحات وعمي قيس عيلانا

ثم أخذ بلحيته ، فقال :

شيخ إذا حمل مكروهة*** شد الشراسيف لها والحزيما

والله ، لأقتلن ، ثم لأقتلن ، ولأصلين ، ثم الأصلين ، إ مرزبانكم هذا

ص: 325

ابن الزانية ، قد أغلي أسعاركم ، والله ليصير القفيز بأربعة دراهم ، أو الأصلبنه ، صلوا علي نبيكم ، ثم نزل ( الطبري 517/6 و 518 و ابن الأثير 12/5 و 18 ).

أقول : خطب وكيع، وهو أمير خراسان ، فقال : إن الله سبحانه وتعالي خلق السماوات والأرض في ستة أشهر ، فقيل له : إنه خلقها في ستة أيام ، فقال : وأبيك ؟ لقد قلتها وأنا أستقلها ( العقد الفريد 159/6).

و وصاح فتي طرب علي غناء حبابة : الحريق يا أولا الزنا .

وتفصيل ذلك : إن يزيد بن عبد الملك ، سأل جاريته حبابة ، هل رأيت قط أطرب مني ؟ فقالت : نعم ، مولاي الذي باعني ، فكتب في حمله ، فحمل إليه مقيدة ، فلما وصل ، أدخل علي يزيد في قيده ، فأجلسه ، وأمر حبابة أن تغني ، فغنت :

تشط غدا دار جيراننا***وللدار بعد غد أبعد

فوثب الرجل في قيده ، فسقط علي شمعة ، فأحترقت لحيته ، وجعل يصيح : الحريق ، يا أولاد الزنا .

فضحك يزيد ، ووصله بألف دينار ( الاغاني 316/1 و 142/15) .

واستدعي هشام بن عبد الملك ، الإمام زيد بن علي بن الحسين ، فأحضره وهو مكبل بالحديد ، فقال له ، يعيره بأمه ، وكانت جارية : يا ابن السوداء ، فقال له زيد : صبغة جلدها ، وخلقة ربها ، فقال له : يا ابن العجانة الخبازة ، فقال : مهنة أهلها وخدمة بيتها ، فقال : يا ابن الزانية ، فقال : إن كنت صادق ، فغفر الله لها ، وإن كاذبأ ، فغفر الله لك ، فأسقط في يد هشام ، وخجل، ونكس رأسه ، وأمر به فرد إلي محبسه ( الهفوات النادرة 379 ).

ص: 326

وقال الوليد بن يزيد ، لعطرد المغني : يا ابن الزانية.

وسبب ذلك : إن الوليد لما استخلف ، كتب باحضار عطرد المغني ، فحمل إلي الشام ، وغني الوليد صوتأ ، فأطربه ، فشق حلة كانت عليه ، وألقي بنفسه في بركة أمامه مملوءة خمرة ، فنهل منها ، ثم أخرج ، وفي اليوم الثاني صنع مثل صنيعه الأول ، وفي اليوم الثالث ، دعاه ، وقال له . كأني بك ، وقد أتيت المدينة ، فقمت بي في مجالسها ومحافلها وقعدت ، وقلت : دعاني أمير المؤمنين . وغنيته ، وأطربته ، فشق ثيابه ، وفعل وفعل ، والله ، يا ابن الزانية ، لئن تحركت شفتاك بشيء مما جري ، فبلغني ، الأضرب عنقك ، ووصله بألف دينار ( الأغاني 307/3 و309) .

وطلق الوليد بن يزيد ، آمرأته سعدي ، ثم تبعتها نفسه ، فبعث أشعب إليها رسولا علي أن ينشدها أبياتا من الشعر ، هي :

أسعدي هل اليك لنا سبيل ***ولا حتي القيامة من تلااق

بلي ولعل دهرة أن يواتي ***بموت من خليلك أو فراق

وأعطاه علي الرسالة عشرة آلاف درهم ، فأبلغها الرسالة ، فقالت الخدمها : خذوا الفاسق ، ثم أمرته أن يبلغه قولها :

أتبكي علي سعدي وأنت تركتها***فقد ذهبت سعدي فما أنت صانع ؟

فأقبل أشعب ، وأبلغ الوليد الرسالة ، فقال له : أوه ، قتلتني والله ، ما تراني صانعا بك يا ابن الزانية ؟ ( وفيات الأعيان 2/ 474 و 475 والاغاني 27/7 و 28 و171/19).

وقال أبو جنيد البجلي ، لجارية له : يا زانية ، إذا أمسيت وبلعصتك في داري ، فأنا شر منك ، راجع القصة في كتاب بلاغات النساء 154 و 155 .

ص: 327

وقالت إحدي فتيات بني خميس بن عامر ، لابن ميادة : يا ابن الزانية . وسبب ذلك : أن أبن ميادة وقع بينه وبين قوم من بني خميس بن عامر شر فهجاهم ، فقال :

وتبدي الخميسات في كل زينة***فروجأ كأظلاف الصغار من البهم

ثم إن إبل ابن ميادة ، نت ، فخرج في بنائها ، فمر ببني خميس ، فصار إلي عجوز منهم تعرفه ، فقرته ، ثم أبرزت له بنية في إزار أحمر ، فلما أوقفتها بين يديه ، أطلقت عنها ، فقالت له : يا ابن الزانية ، انظر هذا ، فهل هو كما وصفت؟ فانعت اليوم - بعد المعاينة - ماتنعت بحق ( بلاغات النساء 156) . وقال حريش المجنون ، بالبصرة للفرزدق : نخ بغلتك ، جذ الله رجليك ، يا كذوب الحنجرة ، زاني الكمرة ( الأغاني 358/21 ).

واستعار الحزين الديلي الشاعر ، من شيخ من أهل المدينة حماره ، وذهب إلي العقيق ، وعاد علي الحمار وهو سكران ، فوقف الحمار حيث عوده الشيخ أن يقف بباب المسجد ، فأخذه الطائف صفوان ، وضربه الحد، فخرج وهو ينادي ، إن صفوان ابن زائية الأغاني 15/ 330.

وكان الحكم بن عبدل الأسدي الشاعر ، أعرج لا تفارقه العصا ، فترك الوقوف بأبواب الأمراء ، وكان يكتب حاجته علي عصاه ، ويبعث بها مع رسله ، فلا يحبس له رسول ، ولا تؤخر له حاجة ، فقال في ذلك يحيي بن نوفل :

عصا تحكم في الدار أول داخل***ونحن علي الأبواب نقصي ونحجب

وكانت عصا موسي لفرعون آية ***وهذي لعمر الله أدهي وأعجب

تطاع فلا تعصي ويحذر سخطها ***ويرغب في المرضاة منها وترهب

فشاعت الأبيات بالكوفة ، وضحك الناس منها ، فقال ابن عبدل ليحيي : يا ابن الزانية ، ما أردت من عصاي حتي صيرتها ضحكة ( الاغاني 404/2 ).

ص: 328

وأنشدت امرأة من الخضر ، رهط الحكم الخضري ، بينما قاله ، في هجاء ميادة ، أم ابن ميادة الشاعر ، وهي لا تعرفها ، فلما أنشدت البيت ، ثارت مادة إليها بالعمود ، تضربها به ، وتصيح : أي زانية ، هيا زانية ، إياي تعنين ؟، وقام ابن ميادة يخلصها فبعد لأي ما أنقذها ، وكان ابن ميادة عريضة للشر ، طالبة مهاجاة الشعراء ومسابة الناس ، فكانوا يذكرون أمه ميادة ، إذا أرادوا هجاؤه ، فكان يضرب بيده علي جنب أمه ، ويقول : ( الاغاني 263/2 ).

اعرنزمي مياد للقوافي***وأستسمعيهن ولا تخافي

ستجدين أبنك ذا قذاف

ولما حمل رأس محمد بن عبد الله بن الحسن ، النفس الزكية إلي المنصور ، قال لمطر بن عبد الله : أما تشهد أن محمدا بايعني ؟ قال : أشهد بالله ، لقد أخبرتني أن محمدا خير بني هاشم ، وأنك بايعت له . قال : يا ابن الزانية ، أنا قلت ؟ قال : الزانية ولدتك ، قال : يا ابن الزانية الفاعلة ، أتدري ما تقول ؟ قال : التي تعني خير من أمك ، فأمر به فوتد في عينيه ، فما نطق ( المحاسن والمساوي 2 / 138).

وشتمت امرأة مجنونة ، بالكوفة ، رجلا ، فقالت له : يا ابن الزانيين ، وكان القاضي ابن أبي ليلي حاضرأ ، فأقام عليها حدين ، حدأ لأبيه وحدأ الأمه ، في المسجد ، فبلغ ذلك أبا حنيفة ، فقال أخطأ فيها في ستة مواضع :

1- أقام الحد في المسجد ، ولا تقام الحدود في المسجد .

2- ضربها قائمة ، والنساء يضربن قاعدات .

3- وضربها لأبيه حدأ ولأمه حذأ ، ولا يجمع بين حين حتي يجب أحدهما .

ص: 329

4 - والمجنونة ليس عليها حد .

5. وحدها لأبويه وهما غائبان ، لم يحضرا فيدعيان ..

( تاريخ بغداد للخطيب 350/13 )

أقول : ولم يذكر الخطيب الخطأ السادس .

وقال مزبد المدني لبصبص جارية ابن نفيس: أي زانية، أخطأت أستك الحفرة .

وتفصيل القصة : إن مزبد المدني ، كان شديد البخل ، فاجتمع ذات يوم عند بصبص جارية ابن نفيس ، عبد الله بن مصعب الزبيري ، ومحمد بن عيسي الجعفري ، في أشراف من أهل المدينة ، فتذكروا مزبدأ المدني ، صاحب النوادر ، وبخله ، فقالت بصبص : أنا آخذ لكم منه درهما ، فقال لها مولاها : أنت حرة لئن فعلت ذلك إن لم أشتر لك مخنقة بمائة ألف دينار ، وإن لم اشتر لك ثوب وشي بما شئت ، وأجعل لك مجلسا بالعقيق ، أنحر لك فيه بدنة لم تقتب ولم تركب ، فقالت : جيء به ، وأرفع عني الغيرة ، فقال : أنت حرة ، أن لو رفع رجليك لأعنته علي ذلك .

قال عبد الله بن مصعب : فصليت الغداة في مسجد المدينة ، فإذا به ، فقلت : أبا إسحاق ، أما تحب أن تري بصبص ، جارية ابن نفيس ؟ فقال : امرأتي طالق ، إن لم يكن الله ساخطأ علي فيها ، وإن لم أكن أسأله أن پرينيها منذ سنة ، فما يفعل ، فقلت له : اليوم ، إذا صليت العصر ، فوافني ههنا ، قال : امرأتي طالق ، إن برحت من ههنا حتي تجيء صلاة العصر ، قال : فتصرفت في حوائجي حتي كانت العصر ، ودخلت المسجد فوجدته فيه ، فأخذت بيده ، وأتيتهم به ، فأكلوا ، وشربوا ، وتساكرا القوم ،

ص: 330

وتناوموا ، فأقبلت بصبص علي مزبد ، فقالت : أبا إسحاق ، كأن في نفسك أن أغنيك الساعة :

لقد حثوا الجمال ليه ربوا منا فلم يئلوا

فقال : زوجتي طالق ، إن لم تكوني تعلمين ما في اللوح المحفوظ ، قال : فغنته ساعة ، ثم مكثت ساعة ، فقالت : أبا إسحاق ، كأن في نفسك تشتهي أن تقوم من مجلسك ، فتجلس إلي جانبي فتقرصني قرصات ، وأغتيك :

قالت وأبثثتها وجدي وبحث به قد كنت عندي تحب الستر فاستر ألست تبصر من حولي فقلت لها : غطي هواك ، وما ألقي ، علي بصري

فقال : امرأتي طالق ، إن لم تكون تعلمين ما في الأرحام ، وما تكسب الأنفس غدا ، وبأي أرض تموت ، فتنته ، ثم قالت : برح الخفاء ، أنا أعلم إنك تشتهي أن تقبلني شق التين ، وأغنيك هزجأ :

أنا أبصرت بالليل ***غلامأ حسن الدل

كغصن البان قد أص***بح مسقيا من الطل

فقال : أنت نبية مرسلة ، ثم قالت : أبا إسحاق ، أرأيت أسقط من هؤلاء ؟ يدعونك ، ويخرجونني إليك ، ولا يشترون ريحانا بدرهم ، أي أبا إسحاق ، هلم درهما نشتري به ريحانة .

فوثب مزبد ، وصاح : واحرباه ، أي زانية ، أخطأت استك الحفرة ، . انقطع - والله - عنك الوحي الذي كان يوحي إليك .

وعطعط القوم بها ، وعلموا أن حيلتها لم تنفذ عليه ، ثم خرج فلم يعد إليها، وعاود القوم مجلسهم ، فكان أكثر شغلهم فيه ، حديث مزبد معها والضحك منه ( الاغاني 32/15 و 33 ).

ص: 331

واجتازت جنازة الصريمية المغنية ، بأشعب ، وهو جالس في قوم من قريش ، فبكي عليها ، ثم قال : ذهب الغناء كله ، علي أنها الزانية ، لا رحمها الله ، كانت شر خلق الله ، كنا نجيئها الفاجرة ، بكبش ، فيطبخ لنا في دارها ، ثم لا تعشينا إلأ بسلق ( الاغاني 159/19 ) .

وشهد الغريض المغني ، ختانة لبعض أهله ، فقال له بعض القوم : غن ، فقال : هو ابن الزانية إن غني ، فقال له مولاه : فانت والله ابن الزانية ، فغن ( العقد الفريد 30/6 ) .

وقال عمار ذي كناز ، لحماد الراوية : ما أقل شكرك يا ابن الزانية .

وسبب ذلك : إن حماد الراوية ، وفد علي الوليد بن يزيد، واستنشذه العدة من الشعراء ، فأنشده من جملة ما أنشد ، أبياتا لعمار ذي كناز ، وهو شاعر ماجن ، خمير ، من أصدقاء حماد ، فاستحسن الوليد الأبيات ، وسأل عن عمار ، فقال له حماد : إنه حي كميت ، فبعث إليه مع حماد بعشرة آلاف درهم ، فقال له حماد : إن عمار لا يزال ينصرف من الحانات سكرانا فيأخذه الشرط ، ويضرب الحد، فلو أمرت بأن لا يتعرض له أحد، إن وجدوه سكرانا ، فكتب الوليد إلي أمير العراق ، بأن لا يرفع إليه أحد من الحرس عمارة، إلا ضرب الرافع له حدين، فأخذ حماد المال والكتاب ، وجاء بهما إلي عمار ، فحدثه بالقصة ، وقال له : ما ظننت إن الله يكسب أحدأ بشعرك نقيرة ، فقال له عمار : عز علي قلة شكرك يا ابن الزانية ( الاغاني ط بولاق 175/20)

دخل مطيع بن إياس ، ويحيي بن زياد ، علي حماد الراوية ، فإذا سراجه علي ثلاث قصبات ، قد جمع أعلاه وأسفله بطين ، فقال له يحيي بن زياد : با حماد ، إنك لمسرف متبذل لحر المتاع، فقال له مطيع : ألا

ص: 332

تبيع هذه المنارة ، وتشتري أقل ثمنا منها ، وتنفق علينا وعلي نفسك الباقي ، وتتسع به ؟ فقال له يحيي : ما أحسن ظنك به ، ومن أين له مثل هذه ؟ إنما هي وديعة أو عارية ، فقال له مطيع : أما إنه لعظيم الأمانة عند الناس ؟ قال له يحيي : وعلي عظيم أمانته ، فما أجهل من يخرج مثل هذه من داره ، ويأمن عليها غيره ؟ قال مطيع : ما أظنها عارية ، ولا وديعة ، ولكني أظنها مرهونة عنده علي مال ، وإلا فمن يخرج هذه من بيته ، فقال لهما حماد : قوما عني يا بني الزانيتين، وأخرجا من منزلي، فشر منكما من يدخلكما بيته ( الاغاني 6/ 74).

وقال يحيي بن زياد ، لمطيع بن اياس : يا ابن الزانية .

وسبب ذلك : إن يحيي بن زياد ، قال المطيع بن إياس ، انطلق بنا إلي فلانة صاحبتي ، فإن بيني وبينها مغاضبة ، لتصلح بيننا ، فدخلا إليها ، وأخذ يحيي يعاتب صاحبته ، ومطيع ساكت ، فصاح به يحيي : ما يسكتك ، أسكت الله نأمتك ؟ فقال مطيع :

أنت معتله عليه ومازا ***ل مهينأ لنفسه في رضاك

فأعجب يحيي ما سمع وهش له ، فقال مطيع :

فدعيه وواصلي آبن اياس *** جعلت نفسه الغداة فداك

فقام يحيي إليه بوسادة في البيت ، فما زال يجلد بها رأسه ، ويقول : ألهذا جئت بك يا ابن الزانية ( الاغاني 13 / 284) .

وقال بشار يهجو حماد عجرد ويتهمه بالثنوية :

يا ابن نهيا رأسي علي ثقيل*** وأحتمال الرأسين خطب جليل

أدع غيري إلي عبادة ربين *** فإني بواحد مشغول

ص: 333

فأشاع حماد الأبيات ، وجعل مكان الشطر الأخير : فاني عن واحد مشغول، فاضطرب بشار، وصاح: أشاط ابن الزانية بدمي ( الاغاني 325/14 ) .

ونزل ذو الرمة ، علي مي ضيفة، فعرفه زوجها، فلم يدخله البيت ، وأخرج إليه قراه ، وتركه بالعراء ، فأنشد بيت من الشعر فيه ذكر مي ، فغضب الزوج وأجبر مي أن تقول له يا ابن الزانية ( الاغاني 18 /13).

وفي السنة 190 كان المهدي ينظر في المظالم ، فتقدم إليه رجل من آل زياد بن أبيه ، فقال له : من أنت ؟ قال أنا ابن عمك ، فقال : من أي بني عمي أنت ؟ فأنتسب إلي زياد ، فقال له المهدي : يا ابن سمية الزانية ، وأمر به فوجيء في عنقه ، وأخرج ، ثم كتب برد نسب آل زياد واخراجهم من قريش ( الطبري 8/ 129 ).

وكان ابو الشمقمق ، قد فرض علي بشار ، في كل سنة مائتي درهم ، فأتاه مرة ، فقال : هلم الجزية ، يا أبا معاذ ، فقال ويحك أجزية هي ؟ قال : هو ما تسمع ، فقال له بشار : أنت أفصح مني ؟ قال : لا ، قال : فأعلم ؟ ، قال : لا ، قال : فلم أعطيك ؟ قال : لئلا أهجوك ، قال : إن هجرتني هجرتك ، فقال : أو كذا هو ؟ فاسمع :

إني إذا ما شاعر هجانيه***ولج في القول به لسانيه

أدخلته في است آمه علانيه*** بشار با بشار .....

وأراد أن يقول : يا ابن الزانية ، لإتمام البيت ، فأمسك بشار بفمه ، ودفع إليه المائتي درهم ، وقال له : لا يسمعن منك هذا الصبيان . ( شرح مقامات الحريري للشريشي 1 /222 والاغاني 194/3 و 195)

ص: 334

وذكر أبو مالك عمرو بن كركرة ، أنه سمع ابن مناذر ينشد قصيدة له ، وكان فيها البيت : .

يقدح الدهر في شماريخ رضوي***ويهد الصخور عن هبود

فقال له : هبود أي شيء هو ؟ فقال : جبل ، فقال له : سخنت عينك ، هبود - والله - بئر باليمامة ، مائها ملح ، وقد والله خريت فيها مرات .

فلما كان بعد مدة ، سمعه ينشد البيت :

ويحط الصخور عن عبود

فقال له : عبود ، أي شيء هو ؟ ، فالتفت إليه ، وقال له : عبود ، جبل بالشام ، فلعلك يا ابن الزانية ، خريت عليه أيضا ( الاغاني 18 / 181 ).

وشتم الحسين بن الضحاك ، أبا نواس ، فقال له : حسن يا ابن الزانية .

وسبب ذلك : إن حسين بن الضحاك ، نظم شعرأ في الصبوح ، وتلاه علي أبي نواس ، فسرق أبو نؤاس المعني ، وأودعه في شعره الذي أوله :

ذكر الصبوح بسحرة فارتاحا وأمله ديك الصباح صباحا

فقال له حسين: حسن، يا ابن الزانية ، فعلتها ؟ فقال له : دع هذا عنك، فوالله لا قلت في الخمر شيئا أبدا، وأنا حي، إلأ نسب إلي ( الاغاني 162/14).

وشتم إبراهيم بن المهدي ، إسحاق الموصلي : فقال له يا ابن الزانية .

وسبب ذلك : إن إبراهيم بن المهدي ، وإسحاق الموصلي ، اختلفا في غناء صوت ، في مجلس الرشيد ، إذ غني إسحاق صوتا، فاعترض عليه ، وخطأه ، فغضب إسحاق ، وقال للرشيد : يا أمير المؤمنين ، هذه

ص: 335

صناعتي ، وصناعة أبي ، وهي التي قربتنا منك ، وأوطأتنا بساطك ، فإذانازعناها أحد بلا علم ، لم نجد بدأ من الإيضاح والذب ، فغضب إبراهيم ، وقام الرشيد ليبول ، فقال إبراهيم لإسحاق : ويلك يا إسحاق ، اتجتريء علي يا ابن الزانية ( معجم الأدباء 201/2 ).

وشتم بشار ، حماد عجرد ، فقال فيه ، ابن الزانية .

وسبب ذلك : إنه كان رجل من أهل البصرة ، يدخل بين حماد عجرد ، وبشار ، علي اتفاق منها ، ورضا ، فينقل إلي كل واحد، شعر صاحبه ، ودخل يومأ علي بشار ، فقال له : ما قال ابن الزانية ، في ، فأنشده :

أنت إبن برد، مثل بر ***و في النذالة والرذالة

من كان مثل أبيك يا***أعمي ، أبوه ، فلا أباله

فقال : جود ابن الزانية ( الاغاني 14 / 326 و 327) .

وكانت الخيزران ، كثيرا ما تكلم ولدها موسي الهادي في الحوائج ، وكان يجيبها إلي كل ما تسأل ، حتي مضي لذلك أربعة أشهر من خلافته ، فأنثال الناس عليها ، وطمعوا فيها ، وكانت المواكب تغدو إلي بابها ، فكلمته يوما في أمر لم يجد إلي أجابتها فيه سبيلا ، فاعتذر ، وأحتج بحجة ، فقالت له : لابد من إجابتي ، قال : لا أفعل ، قالت ، فإني تضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك ، فغضب موسي ، وقال : ويلي علي ابن الزانية ، قد علمت انه صاحبها ، والله لاقضيتها لك ، قالت : إذا والله لا أسألك حاجة أبدأ ، قال : إذا والله لا أبالي ، وغضب فقامت مغضبة ، فقال : مكانك ، تستوعبي كلامي ، والله ، وإلا فأنا بريء من قرابتي من رسول الله ، لئن بلغني أنه وقف أحد من قوادي وخاصتي وخدمي علي بابك لأضرب عنقه ، ولأقبضت ماله ، فمن شاء فليرم ذلك ، أمالك مغزل يشغلك ، أو مصحف

ص: 336

يذكرك ، أو بيت يصونك ، إياك ثم إياك ، ما فتحت فاك في حاجة لملي أو ذمي ( البصائر والذخائر 1/3 / 69 و 70).

ولما عزل الرشيد ، علي بن عيسي بن ماهان ، عن خراسان ، كتب إليه كتاب عزله : بسم الله الرحمن الرحيم ، يا ابن الزانية ، رفعت من قدرك ، ونوهت باسمك ، وجعلت أبناء ملوك العجم خولك ، فكان جزائي أن خالفت عهدي ، ونبذت وراء ظهرك أمري ، حتي عثت في الأرض ، وظلمت الرعية ، وأسخطت الله تعالي وخليفته بسوء فعلك وسيرتك ، وظاهر خيانتك . ( الطبري 8/ 327 والعيون والحدائق 3/ 314)

وتنبأ رجل بالرقة ، في أيام الرشيد ، فسأله محمد بن عتاب ، عن دليل النبوته ، فقال له : دليلي أنك ولد زنا ، فرماه أحد الواقفين بحصاة صكت صلعته ، فقال : ما رماها إلا ابن زانية ( العقد الفريد 6/ 146 ).

وتشاتم بشار بن برد ، وأصحابه ، فقالوا له : يا ابن الزانية .

وسبب ذلك : إن بشارة جلس إليه أصدقاء له كوفيون ، وسألوه أن ينشدهم من شعره ، فأنشدهم ، حتي وصل إلي البيت :

في حلتي جسم فتي ناحل***لو هبت الريح به طاحا

فقالوا : يا ابن الزانية ، أتقول هذا ، وأنت كأنك فيل ، عرضك أكثر من طولك ؟ فقال : قوموا عني يا بني الزناء ، فإني مشغول القلب ، لست أنشط اليهم لمشاتمتكم ( الأغاني 3/ 233 ).

وشتم حماد عجرد ، صاحبه مطيع بن إياس ، وقال له : اسكت يا ابن الزانية .

ص: 337

وسبب ذلك : إن حماد عجرد ، أخذ مطيع بن إياس ، إلي صاحبته خشة ، المعروفة بظبية الوادي، وكانت من أظرف خلق الله، وأحسنهم وجهة ، فأخذ مطيع في مغازلتها ، فصاح به حماد : اسكت يا ابن الزانية ، فعاود مطيع المغازلة ، فغضب حماد، وحمي ، وخلع قلنسية عن رأسه ، وكانت صلعته حمراء كأنها است فرد ، فقال مطيع :

وار السوأة السوءاء ***با حماد عن خشة

عن الأترجة الغضة***والفغاحه الهشه

فالتفت حماد إلي مطيع ، وقال : فعلتها يا ابن الزانية ، فقالت له : أحسن واللله ، ما بلغ صفتك بعد، فما تريد منه ؟ فقال لها : يا زانية ، فقالت له : الزانية أمك ، وثاورته ، وثاورها ، فشقت قميصه ، وبصقت في وجهه . وقالت له : ما تصادقك إلا زانية . ( الأغاني 13 / 281 و 282 ).

وشتم كيسان النحوي البصري ، أمه ، فقال : أمي زانية أن خرجت من الحبس .

وسبب ذلك : إن كيسان النحوي ، كان من أصحاب أبي عبيدة بن المشي ، وكان أبو عبيدة، يمازحه ويعبث به، وحدث أن حبس أمير البصرة عيسي بن سليمان الهاشمي ، كيسانا ، فشفع فيه أبو عبيدة إلي الأمير ، فأمر بإخراجه ، فقال كيسان للجلاوزة : من أخرجني ؟ قالوا : تكلم فيك شيخ مخضوب ، فعرف أنه أبو عبيدة ، فقال : أمي زانية أن برحت من الحبس ، أحبيس ظلم وطليق ذل ؟ ( معجم الأدباء 216/6 ) .

أقول : كيسان بن المعرف النحوي ، من الطياب ، ذوي الفكاهة ، روي عنه إنه حضر يوما مجلس أبي زيد ، فأملي : كانت العرب تقول : ليس الحاقن رأي ، فقال كيسان : ولا لمنعظ ، فقال أبو زيد : ما سمعناه ، ولكن أكتبوه ، فإنه حق ، وجاء صبي إلي كيسان يقرأ شعرأ ، حتي مر ببيت فيه ذكر

ص: 338

العيس ، فقال له الصبي : ما هي العيس ؟ قال : الإبل البيض التي يخالط بياضها حمرة ، قال : وما الإبل ؟ قال : الجمال ، قال : وما الجمال ، فقام كيسان في المسجد علي أربع ورغا ، وقال : الجمل هو الحيوان الطويل الرقبة ، الذي يقول : بوع، ورغا مثل البعير .

وشتم والبة بن الحباب ، سلم الخاسر ، فقال له : يا ابن الزانية .

وسبب ذلك : إن سلم الخاسر ، هجا والبة بن الحباب ، بأبيات أولها :

والب يا ابن الحباب يا حلقي ***لست من أهل الزناء فانطلق

فقال له واليه : يا ابن الزانية ، سل عنك ريعان التميمي ، وكان ريعان الوطنية ، آفة من الآفات . ( الأغاني 274/19 ).

وقال الشاعر محمد بن يسير ، لجعفيران الموسوس : يا ابن الزانية .

وسبب ذلك : اجتمع جعيفران الموسوس ، ومحمد بن يسير في بستان ، فنظر إلي محمد بن يسير وقد انفرد ناحية للغائط ، ثم قام عن شيء عظيم خرج منه ، فقال جعيفران :

قد قلت لابن يسير ***لما رمي من عجانه

في الأرض تل سما *** علا علي كثبانه

طوبي لصاحب أرض***خريت في بستانه

فأخذ محمد بن يسير يشتم جعيفران ، ويقول : أي شيء أردت مني يا ابن الزانية ، حتي صيرتني شهرة بشعرك ( الأغاني 14/ 48 و 49) .

وقال بايكباك ، القائد التركي ، لجارية اشتراها : يا بنت الزانية .

وكان بايكباك ، اشتري جارية ، كانت قبله لفتي تحبه ويحبها ، فمات عنها ، فجعلت لله علي نفسها أن لا يجتمع رأسها ورأس رجل علي وسادة واحدة ، فبيعت في الميراث ، واشتراها بايكباك ، وكان منكرة متفاوتة ، فلما

ص: 339

نظرت إلي وجهه وخلقته ، بكت ، فقال لها: يا بنت الزانية ، لأيش تبكين ؟ في حرآم أمس ، وفي بظرام غد، الشأن في اليوم ، قومي حتي نطرب ونأكل ونشرب ، فوقع عليها الضحك ، واسترخت له وأمكنته ( البصائر والذخائر 111/1 ).

ولما حاصر المعتصم عمورية ، في السنة 223 كان أحد الأيام نوبة أشناس وقواده ، وفي اليوم التالي ، كانت نوبة الإفشين وقواده ، واجتهد الافشين وقواده في يومهم ، فقال المعتصم : ما كان أحسن الحرب اليوم ؟ فقال عمرو الفرغاني ، وهو من قواد أشناس : الحرب اليوم ، أجود منها أمس ، فغضب أشناس من هذا القول ، واعتبره تعريضأ به ، فلما قرب اشناس من مضربه ، ترجل له قواده ، وفيهم عمرو الفرغاني ، وأحمد بن الخليل ، ومشوا بين يديه كعادتهم ، فقال لهم أشناس : يا أولاد الزنا ، الأيش تمشون بين يدي ، كان ينبغي أن تقاتلوا أحسن ، ولا تقفون بين يدي أمير المؤمنين ، وتقولون : الحرب اليوم أحسن منها أمس، كأنما كان أمس يقاتل غيركم ، أنصرفوا إلي مضاربكم . ( الطبري 66/9 ).

وكان المعتصم يأنس بعامي اسمه علي بن الجنيد الأسكافي ، وبعث إليه حاجبه ابن حماد دنقش كي يزامله في سفر ، فقال له علي : آه حرها ، إذهب إليه وقل له : ما يزاملك إلا من أمه زانية وهو كشخان ، راجع القصة مفصلة في مروج الذهب 362/2 و 363 وفي شرح المقامات الحريرية للشريشي 190/1 .

وفي السنة 223 تأمر بعض القواد علي المعتصم ، وبايعوا العباس بن المأمون وكان منهم الشاه بن سهل فدعا به المعتصم ، والعباس بين يديه ، فقال له : يا ابن الزانية أحسنت إليك فلم تشكر ، فقال له الشاه بن سهل : ابن الزانية هذا الذي بين يديك - يعني العباس - لو تركني كنت أنت الآن لا تقدر أن تجلس هذا المجلس وتقول لي ابن الزانية ، فأمر به المعتصم فضربت عنقه ( تجارب الأمم 501/6 والطبري 76/9 ).

ص: 340

وكتب إبراهيم بن المدبر، إلي أبن حمدون ، نديم المتوكل : يا بني ، أي يا بني الزانية .

وسبب ذلك : إن إبراهيم بن المدبر ، حبسه المتوكل ، وطال حبسه ، فكتب إلي أبي عبد الله بن حمدون النديم قصيدة جاء فيها: [الأغاني 169/22 ).

يا ابن حمدون ، فتي الجود الذي*** أنا منه في جني وردجني

ما الذي ترقبه، أم تري ***في أخ مضطهد مرتهن

قل لحمدون خليلي ، وابنه***ولعيسي ، حركوه يا بني

وكان أبو سماحة بن المعيطي الشاعر ، يهجو يحيي بن خالد البرمكي ، سر ، ودخل عليه مرة ، فلامه علي هجوه إياه ، فحلف انه لم بهجه أبدأ، فوصله يحيي بعشرة آلاف درهم، وتخت ثياب، فلما خرج تلقاه أصحابه ، فأراهم ما أعطاه يحيي، وقال : ما عسيت أن أقول فيه، إلا إنه ابن زانية ، أبي إلا كرمة ، راجع القصة بتفصيلها في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 7 ص 219 - 122 رقم القصة 128 .

وشتم علويه المغني ، الخلافة ، فقال : أم الخلافة زانية .

وسبب ذلك : إن علويه خرج مبكرة ، لموعد ضربه المأمون للمغنين ، فلاقي رسول عريب، فأخبره أنها تريد منه أن يحضر عندها، فقال علويه : أم الخلافة زانية ، ومضي إلي عريب ( الأغاني 75/21 ).

وفي السنة 251 قطعت بنو عقيل طريق جدة فحاربهم جعفر بشاشات ، فقتل من أهل مكة نحو ثلثمائة رجل ، وقيل أن بعض بني عقيل قال وهو يسلب : [ الطبري 9/ 346 ] .

عليك ثوبان وأمي عارية***فألق لي ثوبك يا ابن الزانية

ص: 341

وروي بعض من حضر ضرب أحمد بن إسرائيل ، وأبي نوح ، ضرب التلف ، في السنة 255 بسامراء، أن القائد حماد بن محمد بن دنقش ، من اتباع القائد صالح بن وصيف ، كان يصبح بالجلادين ، وهم يضربونهما : أنفسكم يا ابن الفاعلة ، لا يكني، أي إنه كان يقول لهم: يا بني الزانية ( الطبري 398/9)

وشتم ديك الجن ، حبيبته وردة لما اتهمها ، فقال لها : يا زانية ، ثم ضربها بالسيف ، فقتلها ( الأغاني 14 / 55 و 56 ) .

وكان أبو العباس بن الفرات ، حديدة ، سفيه اللسان وذكر سليمان بن الحسن بن مخلد ، أنه سمع دفعات ، أبا العباس بن الفرات ، وقد احتد طبعه علي قوم غضب عليهم ، وكان يقول للواحد منهم : يا ابن مائة ألف كر خردل ، مضروبة من مائة ألف مثلها زواني ، تشاغل بحساب هذا فهو أنفع لك ( القصة 8 / 30 من نشوار المحاضرة ح8 ص 83 و 84 ).

وناظر الناشيء ، الشاعر المتكلم ، أحد المجبرة ، فحرك المجبر يده ، وقال للناشيء : هذه من حركها ؟ فقال : حركها من أمه زانية ، فغضب الرجل ، فقال له الناشيء : ناقضت ، فإذا كان المحرك غيرك ، فلم تغضب ؟ ( معجم الأدباء 5 / 238 ).

وراجع متظلمون حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، فأحالهم علي علي بن عيسي ، ثم ردهم إليه ، وقال لهم : كأني بكم تمضون إلي علي بن عيسي ، وتقولون له : أحالنا الوزير عليك، وأجابنا ، وأمي إن كنت أجبتبكم إلي هذا زانية ، وأمكم إن قلتم هذا زانية ، وأم علي بن عيسي إن أجابكم إلي

ص: 342

هذا زانية ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 26/8ح8 ص 85 - 88.

وكتب ابن جمهور العلمي ، لصاحبته زاد مهر جارية المنصورية ، علي منديل بعث به إليها :

أنا رسول من فتي عاشق***أدمعه في خده جاريه

هذا ابن جمهور فجودي له***منك بما يهواه يا قاسية

وليست النفس وإن شقها ***حبك يا مولاته سالية

فردت المنديل ، وقد كتبت في وسطه : [ الديارات 268 و 269 ]. وأم من يسخر منا لكي (بنيكنا) فاجرة زانية وشتم الوزير حامد بن العباس ، السمري صاحب الحلاج ، فقال له : كذبت ، يا ابن مائة ألف زانية ، في مائة ألف زانية .

وسبب ذلك : إن الوزير حامد بن العباس ، كان شديد الكراهية للحلاج ، وكان يتطلب أذاه بكل وسيلة ، ولما حوكم الحلاج ، في حضرة حامد، في ديوان الوزارة، أحضر حامد، السمري صاحب الحلاج، وسأله عن أشياء من أمر الحلاج ، فقال له : حدثني بما شاهدته منه ، فقال : إن رأي الوزير أن يعفيني فعل ، فقال له : لا أعفيك ، وألح عليه ، فقال له : أنا أعلم أني إذا حدثتك كذبتني ، ولم أمن مكروها يلحقني ، فوعده أن لا يلحقه مكروه ، فقال : كنت معه بفارس ، فخرجنا نريد اصطخر في زمن شات ، فلما صرنا في بعض الطريق ، أعلمته بأني قد أشتهيت خيارة ، فقال لي : في هذا المكان وفي مثل هذا الوقت من الزمان ؟ فقلت : نعم ، وبعد ساعات قال لي : أنت علي تلك الشهوة ؟ فقلت : نعم، وسرنا إلي سفح جبل ثلج ، فأدخل يده فيه ، وأخرج إلي منه خيارة خضراء ، ودفعها إلي ، فقال له حامد : فأكلتها ؟ قال : نعم ، فقال له : كذبت يا ابن مائة ألف زانية في مائة

ص: 343

ألف زانية ، أوجعوا فكه ، فأسرع الغلمان إليه ، فامتثلوا ما أمرهم به ، وهو يصيح : أليس من هذا خفنا ؟ ثم أمر به فأقيم من المجلس ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ح ه ص 79 - 92 رقم القصة 51 وعنوانها : محاكمة الحلاج ، وتنفيذ الإعدام فيه .

وعبثت رشا وجوذر المغنيتان المدنيتان ، في بيت رجل هاشمي ، بأحد المضحكين ، فصاح بهما : كذبتما باز انيتان ، راجع تفصيل القصة في هذا الكتاب في الفصل السادس من الباب الأول «طرائف في الشتم ».

وكان يونس النحوي ينبز بجبل ، وكان يغضب إذا لقب به ، فجاء إليه ابن مناذر ، وقال له : أخبرني عن جبل ، اتنصرف أم لا؟ فقال له : قد عرفت ما أردت يا ابن الزانية ، فانصرف اين مناذر ، وأعد شهود يشهدون عليه إن شتمه ، ثم صار إليه معهم ، وسأله عن جبل ، أتنصرف أم لا؟ وعلم يونس ما أراد ، فقال له : الجواب ما سمعته أمس ( معجم الأدباء 7/ 108 والأغاني 18 / 193 ) .

وعرض علي المعتصم فرس كميت أحمر، فغناه علويه ومخارق أبياتا استوهبا فيها الفرس ، فقال المعتصم وهو يضحك : اسكتا يا ابني الزانيتين ، فليس يملكه . والله - واحد منكما ( الأغاني 353/11 ) .

وقال عيسي بن زيد المراكبي ، وكان من أملح الناس : كان لي غلام من أكسل خلق الله ، فوجهته يوما يشتري لي عنب رازقية وتينا ، فأبطأ ، ثم جاء بعنب وحده ، فأوجعته ضربا وقلت له : ينبغي لك إذا استقضيتك حاجة أن تقضي حاجتين ، ثم لم ألبث بعدها أن وجدت علة ، فأمرته أن يحضر لي الطبيب ، فجاءني بطبيب ، ورجل آخر ، فقلت له : هذا الطبيب ، فمن هذا الذي معه ؟ قال : ألم تضربني وتطلب مني إن استقضيتني حاجة ، أن أقضي حاجتين ، هذا الطبيب ، فإن نفعك ، وإلا فهذا حقار يحفر لك قبرك ، فما

ص: 344

الذي أنكرت ؟ قلت : لا شيء يا ابن الزانية . ( البصائر والذخائر 1/ 87 و 88 )

وقال علي بن محمد بن نصر المعروف بابن بسام)، يهجو الموفق ورجال حكومته : [ مروج الذهب 2/ 542 و 543 ].

أيرجوا الموفق (2) نصر الإله***وأمر العباد إلي دانيه (3)

ومن قبلها كان أمر العباد ۔***لعمر أبيك . إلي زانية

وظل ابن بلبل (4) يدعي الوزير ***ولم يك في الأعصر الخالية

وطحان طيء(9) تولي الجسور***وسقي الفرات وزرفامية(1)

ويحكم عبدون) في المسلمين *** ومن مثله تؤخذ الجالية(8)

وأحول بسطام (9) ظل المشير***وكان يحوك بزر باطية(10)

وحامد(11) يا قوم لو أمره ***إلي لألزمته الزاوية (12)

نعم ، ولأرجعته صاغرة***إلي بيع رمان خسراوية(13)

وإسحاق عمران (14) يدعي الأمير***الداهية أيماداهية

فهذي الخلافة قد ودعت***وظلت علي عرشها خاوية

فخل الزمان لأوغاده***إلي لعنة الله والهاوية

ويا رب قد ركب الأرذلون*** ونحن عن الخلق في ناحية

فإن أنت أركبتنا مثلهم*** وإلا فأرجل بني الزانية

1- نظم هذه القصيدة أبو الحسن علي بن محمد بن نصر بن منصور بن بسام (230 - 302) وهو شاعر اديب ، نشأ في بيت كتابة ، وتقلد البريد ، شعره يمتاز بالرقة ، والأناقة في التعبير ، وأكثر شعره مقطوعات ، وهو في بغداد ، مثل ابن عنين في دمشق ، سواء في رقة الشعر ، أو ترفع النفس ، أو في هجاء رجال الدولة ، ويقابل قصيدة ابن بسام هذه ، قصيدة ابن عنين ، التي شماها مقراض الأعراض ، وهي مدرجة في ديوانه ومطلعها : سلطاننا أعرج وحاجبه ذو عمش والوزير منحدب .

ص: 345

2- أبو أحمد طلحة بن المتوكل ، الملقب بالموقق ، ويلقب بالناصر أيضأ ، كان الغالب علي أمر أخيه المعتمد ، وكانا كالشريكين في الخلافة ، للمعتمد الخطبة والسكة والتسمي بالإمرة ، وللموفق الأمر والنهي وقيادة الجيوش ، ومن أهم أعمال الموقق إنه استأصل شأفة صاحب الزنج الذي دامت حركته خمس عشرة سنة ، واستولي علي القسم الأوفر من العراق والأهواز ، راجع أخبار الموفق في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف .

3- دانية - اسم محظية الموفق .

4- أبو الصقر إسماعيل بن بلبل، من عظماء الكتاب ، استورزه الموفق لأخيه المعتمد ، وبلغ في الوزارة مبلغا عظيما ، وجمع له السيف والقلم ، وأراد صرف الخلافة عن المعتضد ، فخاب سعيه ، وحقدها عليه المعتضد ، فلما استخلف ، قتله ، راجع في هذا الكتاب وفي كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للتنوخي، في القصة المرقمة76/1 كيف قتله المعتضد .

.. أحمد بن محمد الطائي : من كبار القادة الأمراء ، نصب أميرأ علي الكوفة وسوادها منذ السنة 269، وأضيف إليه طريق خراسان ، وسامراء ، وشرطة بغداد ، وفي السنة 271 أضيف إليه المدينة ، وطريق مكة ، وكان علي علاقة حسنة مع القرامطة ، فلم يعتد منهم أحد علي حدود العراق في زمنه ، توفي بالكوفة سنة 281 ، ويظهر من وصف ابن بسام له ، إنه كان لين المخاطبة ، فقال فيه :

قد أقبل الطائي لا أقبلا***يقبح في الأفعال ما أجملا

كأنه من لين ألفاظه***صبية تمضغ جهد البلا

ص: 346

وجهد البلا : اسم لناطف يمضغه الصبيان . ( ابن الأثير 7/ 417۔ 467 والأعلام195/1 والطبري 621/9 و 10/ 7- 36 ).

6- زرفامية : قرية من نواحي قوسان ، بين واسط وبغداد ( مراصد الأطلاع 662/2).

7- عبدون بن مخلد : أخو الوزير صاعد بن مخلد ، وكان صاعد أسلم ، وظل عبدون علي نصرانيته ، قبض عليه مع صاعد، وصودرا ، ونهبت منازلهم ( الكامل 7/ 417 و 419 ) ثم أطلق والتجأ إلي دير قني ومات فيه سنة 310، وكان عبدون في سامراء ، يرتاد دير، سمي باسمه ، وفيه قال ابن المعتر :

سقي المطيرة ذات الظل والشجر***ودير عبدون هطال من المطر

في نشوار المحاضرة للتنوخي ، قصة عن عبدون ( رقم 8/ 34 ) ، تدل علي حصافة وذكاء ، بينما ذكر صاحب الديارات ( ص 270 - 273 ) عنه أخبارة تدل علي عكس ذلك ، وكان عبدون « يحكم في المسلمين ، لأن أخاه صاعد بن مخلد ، كان وزير الموفق ، وكانت له السيطرة التامة علي الدولة ، خرج علي رأس جيش لقتال عمرو بن الليث الصفار ، فانتصر ، وعاد ، فترجل له القواد ورجال الدولة وقبلوا يده ، وهو لا يكلمهم تيها وكبرة ، ومات صاعد في حبس الموقق ، وكانت غلته السنوية ألف ألف وثلثمائة ألف دينار ، راجع أخبار صاعد في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف .

8- الجالية : الجزية التي تؤخذ من أهل الذمة .

9- أبو العباس أحمد بن محمد بن بسطام : صهر حامد بن العباس وزير المقتدر ، كان أبو العباس ، يضمن واسطا في أيام المعتضد، وكان حامد بن العباس ، إذ ذاك ، عاملا علي فارس ، ثم أخذ حامد يضمن

ص: 347

واسط ، وتقلد أبو العباس الشام في السنة 293 ثم تقلد مصر في السنة 296 ، وكان عظيم الرياسة ، يقوم عن يمينه وشماله في مجلسه ، مائة حاجب ( القضاة للكندي 524 و 525)، ويظهر مما وصفه به ابن بسام ، إنه كان أحول ، راجع أخبار أبي العباس في نشوار المحاضرة للتنوخي ، وفي كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي .

10- زرباطية : ما زال هذا اسمها في العراق ، وهي من أعمال بادرايا ، واسم با درايا في العراق الان : بدره .

11- أبو محمد حامد بن العباس ، وزير المقتدر : كان صهر أبي العباس أحمد بن محمد بن بسطام ، كان حامد يتولي فارس للمعتضد ، ثم اختص بضمان واسط ، وكان كريمة متجم ، رئيسا ، غزير المروءة ، عظيم الحدة ، سريع الغضب ، شتامة ، وقد ضايقه الوزير ابن الفرات ، لما ور ، فأراد التخلص من أذاه ، فسعي في الوزارة ، فاستوزره المقتدر سنة 306 ، فخاصم ابن الفرات خصومة عنيفة ، وضرب ولده المحن وأهانه ، فلما عاد ابن الفرات للوزارة ، قتله في السنة 312 راجع أخباره في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي، تحقيق المؤلف .

12 - الزاوية : قرية علي شاطيء دجلة ، بين واسط والبصرة ( معجم البلدان 2/ 911) .

13 - خسراوية : قرية من قري واسط ( معجم البلدان 441/2 ) .

14 - اسحاق بن عمران : كان يلي الكوفة في السنة 293 ، وفي عهده هاجم القرامطة الكوفة ، فدفعهم عنها ( الطبري 124/10 و 125 وابن الأثير 547/7 و 544 ) ، كما كان في السنة 301 علي معونة الكوفة ( الوزراء للصابي 206).

ص: 348

2 - قولهم : يا لخناء ، ويا ابن اللحناء .

اللخن : نتن الريح عامة . واللخناء : منتنة المغابن .

والبغداديون اليوم يقولون في الشتم : ابن الجايفة من الجيفة أي الإنتان . وتكلمت أروي بنت الحارث بن عبد المطلب ، في مجلس معاوية ، فخاشنها عمرو بن العاص ، فقالت له : أتكلمني يا ابن اللحناء ؟ (( بلاغات النساء 33)

ولما بلغ عبد الله بن جعفر ، مقتل اثنين من أولاده مع الحسين في معركة الطف ، دخل أحد مواليه ، فقال : هذا ما لقينا ودخل علينا من الحسين فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله ، وقال له : يا ابن اللغناء ، أللحسين تقول هذا ؟ ( الطبري 5/ 466 ).

ولطم يزيد بن معاوية ، الأخطل ، وقال له : يا ابن اللخناء ، وسبب ذلك : إن يزيد بن معاوية ، شرب يوما ، حتي ثمل فقال : يا أخطل ، أهجني ولا تفحش ، فقال :

ألا أسلم سلمت أبا خالد ***وحياك ربك بالعنقز

وروي عظامك بالخندريس***قبل الممات ولم تعجز

أكلت الدجاج فأفنيتها***فهل في الخنانيص من مغمز

ودينك حقا كدين الحمار ***ل أنت أكفر من هرمز

فرفع يزيد يده ، ولطمه ، وقال له : يا ابن اللحناء ، ما بكل هذا أمرتك . ( المحاسن والمساويء 204/1 و 205).

ص: 349

ودخل جرير علي عبد الملك بن مروان ، فأنشده قصيدة امتدحه بها ، فلما أنشده المطلع :

أتصحو أم فؤادك غير صاح

قال له عبد الملك : بل فؤادك يا أبن اللخناء ( الهفوات النادرة 131)

ولما حصر عبد الملك بن مروان ، زفر بن الحارث الكلابي ، في قرقيسيا ، دعا زفر ولده الهذيل ، وقال له : أخرج إليهم فشد عليهم حتي تضرب فسطاط عبد الملك ، أسمعت يا ابن اللغناء ؟ ( أنساب الأشراف ها302/5 و 302).

وأحضر الحجاج بن يوسف الثقفي ، حطيط الزيات الكوفي ، وكان عابدا ، زاهدأ ، يصدع بالحق ، فحاوره الحجاج ، ثم شتمه ، فقال له : يا ابن اللغناء ، ثم قتله ( النجوم الزاهرة 208/1 ).

وشتم المهلب ، القائد عتاب بن ورقاء ، فقال له : يا ابن اللغناء .

وكان القائد عتاب بن ورقاء ، من قواد المهلب بن أبي صفرة ، وهو يحارب الخوارج في السنة 765، وجاء عتاب يطالب المهلب برزق أصحابه ، فسأله سؤالا فيه غلظة وتجهم، فغضب منه المهلب، وقال له : وانك لها هنا يا ابن اللخناء؟ فجري بينهما كلام ، فقبض المهلب علي القضيب ، وهم بأن يضرب عتابا ، فوثب المغيرة بن المهلب ، وقبض بيده علي القضيب ، وقال لأبيه : أصلح الله الأمير ، شيخ من أشياخ العرب ، وشريف من أشرافهم ، فسكن المهلب . ( الطبري 213/6 ) .

وشتمت جارية من بني نهشل ، الفرزدق ، وقد رأته يحد النظر إليها ، فقال لها : يا لغناء ، وقالت له : أنت قبيح المنظر ، سيء المخبر ، راجع القصة في الأغاني 21/ 317.

ص: 350

وشتم الحجاج ، أيوب بن القرية ، فقال له : كذبت يا ابن اللحناء . وكان الحجاج ، قد بعث أيوب بن القرية ، رسولا ، إلي القائد عبد الرحمن بن الأشعث ، لما ثار عليه ، فانضوي ابن القرية إلي عبد الرحمن ، فلما أنفل جيش عبد الرحمن ، جيء بابن القرية أسيرة ، فادخل علي الحجاج ، فقال له : يا عدو الله ، بعثتك رسولا فتركت ما بعثت له ، وصرت العبد الرحمن وزيرة ومشيرا ، فقال ابن القرية : أصلح الله الأمير، كان شيطانا في مسك إنسان ، استمالني بسحره ، وخلبني بلفظه ، فقال له : كذبت يا ابن اللخناء ، بل كان قلبك منافقا ولسانك مدامجة ، ثم قتله ( الأخبار الطوال 321)

وامتدح جرير الحجاج ، بقصيدته التي مطلعها :

هاج الهوي لفؤادك المهتاج

ويقول فيها :

من سد مطلع النفاق عليكم*** أم من يصول كصولة الحجاج

فلما بلغ إلي قوله :

قل للجبان إذا تأخر سرجه***هل أنت من شرك المنية ناجي

قال له الحجاج : جرأت علي الناس يا ابن اللغناء . ( العقد الفريد 105/1 و 106).

وقال أعوان روح بن زنباع ، للحجاج بن يوسف الثقفي : يا ابن اللغناء . وكان الحجاج في شرطة روح بن زنباع ، وزير عبد الملك بن مروان ، فشكا عبد الملك إليه ، ما يري من الإنحلال في عسكره ، وإن الناس لا يرحلون برحيله ، ولا ينزلون بنزوله ، فأشار روح عليه ، بأن يقلد أمر العسكر ، الحجاج بن يوسف ، فقلده ، فكان لا يقدر أحد أن يتخلف ،

ص: 351

ووقف يوما علي أتباع روح بن زنباع ، وقد تخلفوا ، فقال لهم : ما منعكم أن ترحلوا برحيل أمير المؤمنين ؟ فقالوا له : انزل يا ابن اللغناء ، فكل معنا ، فقال لهم : هيهات ، ذهب ما هنالك ، ثم أمر بهم ، فجلدوا بالسياط ، وطوفهم في العسكر ، وأمر بفساطيط روح بن زنباع فأحرقت بالنار ، فدخل روح علي عبد الملك ، يشكو من الحجاج ، فأحضره عبد الملك ، وقال له : ما حملك علي ما فعلت ؟ فقال : ما أنا فعلته يا أمير المؤمنين ، قال : ومن فعله ؟ قال : فعلته أنت، إن يدي يدك ، وسوطي سوطك ، وما علي أمير المؤمنين ، أن يخلف علي روح الفسطاط فسطاطين ، وللغلام غلامين ، ولا يكسرني فيما قدمني له، فكان ذلك أول ما عرف من كفاية الحجاج (العقد الفريد 14/5).

ولما حصر قتيبة بن مسلم ، بخاري ، واجه دفاعا عنيفا من الترك ، فمشي قتيبة إلي بني تميم، واستنهضهم للمعركة ، فنهض زعيمهم وكيع وأخذ اللواء وتقدم ، وقال لهريم المجاشعي - وهو علي خيل تميم - تقدم يا هريم ، ودفع إليه الراية ، فلما وصلوا إلي نهر بينهم وبين العدو، وقف هريم ، فقال له وكيع : أقحم يا هريم ، فقال له : إنك لأحمق ، إذ تريد مني أن أقحم خيلي النهر ، فإن انكشفت كان في ذلك هلاكها ، فقال له وكيع : يا ابن اللغناء ، أترد أمري ؟ وضربه بعمود كان يحمله ، فأقحم هريم فرسه ، وكان النصر . ( الطبري 6/ 443).

وفي السنة 112 حصر الترك الثائرون ، أمير خراسان الجنيد ، فكتب إلي سورة بن الحر، أمير سمرقند ، أن يخرج لنجدته ، فكتب إليه : لا أقدر علي الخروج ، فكتب إليه الجنيد : يا ابن اللغناء . تخرج أو أوجه إليك شداد بن خالد الباهلي ، وكان عدوه ، فخرج ( الطبري 76/7 ).

وتشاتم الحجاج الثقفي ، وخالد بن عتاب ، عامله علي الري ، فشتم كل منهما صاحبه ، وقال له : يابن اللخناء .

ص: 352

وكان الحجاج ، قد استعمل خالد بن عتاب الرياحي علي الري ، وكانت أم خالد ، أم ولد ( أي جارية ) فكتب إليه الحجاج ، كتابأ قال له فيه : يا ابن اللغناء ، أنت الذي هربت عن أبيك حتي قتل ، وكان خالد قد حلف إلا يسب أحد أمه ، إلا أجابه كائنا من كان ، فكتب خالد إلي الحجاج ، يقول : كتبت إلي تلخنني ، وتزعم أني فررت عن أبي حتي قتل ، ولعمري لقد فررت عنه، ولكن بعد أن قتل، وحين لم أجد لي مجالا، ولكن أخبرني عنك ، يا ابن اللغناء المستفرمة بعجم زبيب الطائف ، حين فررت أنت وأبوك يوم الحرة ، علي جمل ثفال ، أيكما كان أمام صاحبه ، فطلبه الحجاج ، فهرب إلي الشام ، وسلم بيت المال ، ولم يأخذ منه شيئا ، وسأل في الشام عن خاصة عبد الملك ، فقيل له : روح بن زنباع ، فأتاه حين طلعت الشمس ، واستجار به ، فلم يجره ، فراح إلي زفر بن الحارث الكلابي ، وأستجار به فأجاره ، ولما أصبح زفر ، دخل علي عبد الملك يتهادي بين اثنين من أبنائه ، وكان قد أسن ، فأجلسه عبد الملك علي كرسي ، وقال له : يا أمير المؤمنين إني قد أجرت عليك رجلا، فأجره ، قال : قد أجرته ، إلا أن يكون خالد ابن عتاب ، قال : فهو خالد ، قال : لا، ولا كرامه ، فقال زفر لابنيه : أنهضاني ، ثم ولي ، وقال لعبد المك : أما والله ، لو كنت تعلم أن يدي تطيقان حمل القناة ورأس الجواد ، لأجرت من أجرت ، فضحك عبد الملك ، وقال له : يا أبا الهذيل ، قد أجرنا من أجرت ، فلاأرينه ، وأرسل إلي خالد ألفي درهم ، فأخذها خالد ، ودفع إلي رسوله أربعة آلاف درهم ( الاغاني 17 / 232 ) .

وغضب الوليد بن عبد الملك ، علي جرير ، فقال له : يا ابن اللخناء .

وسبب ذلك : إن عدي بن الرقاع العاملي ، دخل علي الوليد وأنشده ،

ص: 353

وكان جرير في المجلس ، فقال الوليد لجرير : كيف تسمع ؟ فقال جرير : ومن هذا يا أمير المؤمنين ؟ قال : عدي بن الرقاع ، فقال جرير : إن شر الثياب الرقاع، ثم ذكر عشيرته عاملة ، فقال : عاملة ناصبة ، تصلي نارة حامية ، فغضب الوليد ، وقال له : يا ابن اللغناء ( الاغاني 80/8 ) .

وشتم هشام بن عبد الملك ، خالد القسري ، عامله علي العراقين ، فكتب إليه يقول : بلغني إنك تقول : ما ولاية العراق لي بشرف ، فيا ابن اللغناء ، كيف لا تكون إمرة العراق لك شرفأ، وأنت من بجيلة القليلة الذليلة ( الطبري 7 / 146 ).

وشتم عقيل بن علفة ، ولده علفة ، فقال له : يا ابن اللغناء .

وكان عقيل ، أعرج ، جافية ، شديد الهوج والعجرفية ، والبذخ بنسبه في بني مرة ، وكانت قريش ترغب في مصاهرته ، سمع أبنه علفة ، ينشد شعرأ أوله :

قفي يا ابنة المري أسألك ما الذي***تريدين فيما كنت منيتنا قبل

فقال له عقيل : يا ابن اللغناء ، متي متتك نفسك هذا ، وشد عليه بالسيف ، فحال بينهما ولده الأخر عملس ، فترك علفة ، وشد علي عملس بالسيف ، فرماه علفة بسهم ، ليكقه عن عملس ، فأصاب ركبته ، فبرك ، وهو يقول : ( الاغاني 259/12 ).

إن بني زملوني بالدم*** شنشنة أعرفها من أخزم

وشتم علي بن المهاجر أمير اليمامة ، المهير بن سلمي الحنفي ، فقال له : يا ابن اللخناء .

ص: 354

وسبب ذلك : إن علي بن المهاجر ، كان أميرا علي اليمامة للوليد بن يزيد ، فلما قتل الوليد ، جاء المهير إلي علي ، وقال له ، إن الوليد قد قتل ، وإن لك علي حقأ ، وكان أبوك لي مكرمة ، وقد قتل صاحبك ، فأختر خصلة من ثلاث ، إن شئت أن تقيم فينا ، وتكون كأحدنا ، فأفعل ، وإن شئت أن تتحول عنا إلي دار عمك فتنزلها أنت ومن معك ، إلي أن يرد أمر الخليفة الموتي ، فتعمل بما يأمر به ، فأفعل، وإن شئت فخذ من المال المجتمع ، ما شئت ، والحق بدار قومك ، فأنف علي بن المهاجر من ذلك ، ولم يفعله ، وقال للمهير : أنت تعزلني يا ابن اللخناء ، فغضب المهير ، وخرج من عنده ، فجمع قوم ، وأحتل بهم القصر ( الاغاني 141/20 ).

وكان هشام بن عبد الملك ، يكره ابن اخيه الوليد بن يزيد ، ويتنقصه ، وقال له في مجلسه مرة ، يعيره : ما فعلت برابطك ؟ ( البربط العود ) ، قال : مستعملة ، قال : فما فعل ندماؤك ، قال : صالحون ، ولعنهم الله إن كانوا شرا ممن حضرك، وقام، فقال له هشام : يا ابن اللخناء ( الاغاني 6/7 ).

ولما هاجم يزيد بن الوليد ، الوليد بن يزيد، كان علي ميسرة الوليد ، الوليد بن خالد ، ابن أخي الأبرش ، وكان الأبرش عمه ، يصيح به : يا ابن اللغناء ، قدم رايتك ، فقال له : لا أجد متقدمة ، إنها بنو عامر (العيون والحدائق 142/3).

وتساب عمر بن هبيرة ، والقعقاع بن خليد العبسي ، فقال له القعقاع : يا ابن اللغناء ، من قدمك ؟ فقال له ابن هبيرة : قدمك أنت وأهلك أعجاز الغواني ، وقدمني صدور العوالي ، أراد بأعجاز الغواني أن عبد الملك تزوج إليهم ، فإن أم الوليد وسليمان عبسية ( ابن الأثير 99/5 و 100).

ص: 355

ولما خرج يزيد بن المهلب بالبصرة علي الأمويين ، كان الحسن البصري ، يثبط عنه الناس ، فبلغ ذلك يزيد ، فأتي الحسن ، هو وبعض بني عمه ، وكان يزيد متنكرة ، فلاحي الحسن ، فدخل ابن عم ليزيد في ملاحاتهما، فغضب الحسن ، وقال له : وما أنت وذاك ، يا ابن اللحناء ؟ فاخترط سيفه ليضربه به ، فقال له يزيد : أغمد سيفك ، فوالله ، لو فعلت ، الانقلب من معنا ، علينا . ( وفيات الأعيان 304/6 ) .

ولما خرج يزيد بن المهلب ، بالبصرة علي الأمويين ، بعث عدي بن أرطاة ، عامل البصرة ، الحسن البصري ، إلي آل المهلب ، فناشدهم أن يؤثروا الطاعة، فقال عبد الملك أخو المهلب : إن طاعة عدي ليست واجبة علينا ، وإنكم قد واطئتموه علي هلاكنا، فقال له الحسن : كذبت ، فغضب عبد الملك ، وقال له : أتكذبني يا ابن اللغناء ، وأخذ بقائم سيفه ، وقال له : والله ، لولا أن أعير بقتلك ، وأنت في منزلي ، لضربت عنقك ( العيون والحدائق 53/3 ) .

وتقدم فتي إلي سليمان بن عبد الملك ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، إن لي في بيت مالك ، مائتي دينار ، وأنا الأن مملك بابنة عمي ، وقد ضرب علي أجل إن جزته فرق بيني وبينها، فإن رأي أمير المؤمنين أسلفني هذه المائتين . فقال له سليمان : يا ابن اللخناء ، أقسطار أنا حتي أسلفك ؟ بل أهب لك مائتي دينار ، ومائتي دينار ، وجعل يكررها ، حتي انقطع نفسه علي ثلاثة الاف دينار ، فقبضها الرجل . فأتاه الناس يهنؤنه ، قال : فأين قوله : يا ابن اللخناء ؟ فبلغ ذلك سليمان ، فقال : صدق ، وددت أني أفتديتها بأضعاف ذلك ، ولم أقلها ( البصائر والذخائر 782/2/2 ).

وكان يوسف بن عمر الثقفي ، عامل العراق ، أحمق ، ولقب بأحمق ثقيف ، وكان يلي لهشام بن عبد الملك اليمن ، فكتب إليه سرا بولايته

ص: 356

العراق ، فاستخلف علي اليمن ابنه الصلت ، وخرج ومعه دليل ، فلما أراد أن ينصرف ، سأله ابنه : أين تريد ؟ فضربه مائة سوط ، وقال له : يا ابن اللغناء ، أيخفي عليك إذا استقر بي منزل ؟ ( الطبري 150/7 ).

وكان يوسف قصيرة جدا ، وكان يفرح إذا قال له الخياط إن هذا الثوب لا يكفي ، ويغضب إذا قال أنه يفضل منه شيء ، وجيء إليه يوما بثوب ، فقال الكاتبه : ما تقول في هذا الثوب ؟ فقال : كان ينبغي أن تكون بيوته أصغر مما هي ، فقال للحائك : صدق ، يا ابن اللحناء ، فقال الحائك : نحن أعلم بهذا ، فقال للكاتب : صدق : يا ابن اللغناء ، فقال الكاتب : هذا يعمل في السنة ثوبا أو ثوبين ، وأنا يمر علي يدي في كل سنة مائة ثوب مثل هذا ، فقال للحائك : صدق يا ابن اللغناء ، فلم يزل يلخن أم هذا مرة ، وأم هذا مرة ، حتي عد أبيات الثوب ، فوجدها تنقص بيتا واحدا من أحد جانبي الثوب ، فضرب الحائك مائة سوط ( ابن الأثيره 225/5 ).

ولما أراد المنصور قتل أبي مسلم ، أحضره ، وقرعه بأمور بدرت منه ، فقال له أبو مسلم : لا يقال لي هذا بعد بلائي ، وما كان مني ، فقال له المنصور : يا ابن الخبيثة ، والله لو كانت أمة مكانك لأجزأت ، إنما عملت في دولتنا وبريحنا ، ثم صفق بيديه ، فخرج الذين أعذهم لقتله ، وضربه عثمان بن نهيك بالسيف ، وأخذه الحرس بسيوفهم ، وهو يقول : العفو . العفو ، فقال له المنصور : يا ابن اللغناء، العفو ، والسيوف قد أعتورتك ؟ ( ابن الأثير 476/5 ) .

وفي السنة 144 كان المنصور العباسي ، قد شدد في البحث عن محمد وإبراهيم ولدي عبد الله بن الحسن ، وأصدر أمره ، باعتقال بني الحسن بأجمعهم ، واعتقل معهم محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ،

ص: 357

وأمه فاطمة بنت الحسين الشهيد ، وكانت ابنته رقية تحت إبراهيم بن عبد الله ، وأحضر المنصور محمد العثماني ، فشتمه وشتم ابنته زوجة إبراهيم ، وسماها : زانية ، فتعجب محمد من قوله ، وقال له : مه يا أمير المؤمنين ، أتقول هذا لابنة عمك ؟ فقال له : يا ابن اللحناء ، فقال له : أي أمهاتي تلخن ( قال ذلك لأن أمه فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب ، وجدتها فاطمة الزهراء بنت النبي محمد صلوات الله عليه ) ، فقال له المنصور : يا ابن الفاعلة، ثم ضرب وجهه بالجرز، وقتله من بعد ذلك ( الطبري 7 / 543 ) .

وكان أبو العباس السفاح ، قد أمن قوم من بني أمية ، منهم الغمر بن يزيد بن عبد الملك ، وكان الغمر في مجلس السفاح يوما ، فدخل سديف الشاعر ، وأنشد الخليفة قصيدة مطلعها :

أصبح الملك ثابت الأساس ب***البهاليل من بني العباس

فالتفت السفاح إلي الغمر وقال له : كيف تري هذا الشعر ؟ فأجابه : لقد قال شاعرنا ما هو أشعر من هذا ، وأنشده ما قيل في بني أمية :

شمس العداوة حتي يستقاد لهم ***وأعظم الناس أحلام إذا قدروا

فشرق وجه أبي العباس بالدم ، وقال له : كذبت يا ابن اللخناء ، إني لأري الخيلاء في رأسك بعد، ثم أمر به وبالأمويين الآخرين في مجلسه ، فقتلوا في العقد الفريد 4 / 486 و 485 ).

. ولما انتقض عبد الله بن علي ، علي ابن اخيه المنصور ، بعث إليه أبا مسلم الخراساني ، فحاربه ، وكسره ، فبعث المنصور يقطين بن موسي ، القبض الغنائم ، فغضب أبو مسلم ، وقال ليقطين : يا ابن اللغناء ، أمين علي الدماء ، وغير أمين علي الأموال ؟ فقال له يقطين : امرأتي طالق . إن كان

ص: 358

أمير المؤمنين وجهني إليك إلا لتهنئتك بالظفر ، فاعتنقه أبو مسلم وأجلسه إلي جانبه، فلما انصرف ، قال أبو مسلم لأصحابه : والله ، أنا عالم بأنه طلق زوجته . ولكنه وفي لصاحبه (مروج الذهب 2 / 230 ).

وفي السنة 137 لما أزمع المنصور ، أن يقتل أبا مسلم الخراساني عند أول مواجهة ، منعه وزيره أبو أيوب المورياني من ذلك ، وطالبه بالتأني ، فتأني ، ثم غضب علي وزيره ، وقال له : يا ابن اللغناء ، لا مرحبا بك ، منعتني منه أمس ، والله ما غمضت الليلة ( الطبري 7/ 488) .

وغضب المنصور علي أبي دلامة ، وقال له : يا ابن اللغناء ، ما هذا المجون الذي يبلغني عنك ؟ فتنصل واعتذر ، فأمره بأن يلازم مسجده ، في صلاتي الظهر والعصر ، فلزم المسجد أيامأ ، ثم ضاق صدره ، وأوصل إلي المنصور رقعة فيها أبيات منها :

ألم تعلما أن الخليفة لزني ***بمسجده والقصر ، مالي وللقصر

وماضره - والله يغفر ذنبه. ***لوأن ذنوب العالمين علي ظهري

فأعفاه المنصور من الحضور ( الاغاني 247/10 ).

وكان عبد الجبار بن عبد الرحمن الأزدي ، قد ولاه المنصور إمارة خراسان ، فخرج علي المنصور ، فبعث إليه جندة ، حاربوه وأسروه ، وحمل إلي المنصور ، فلما دخل عليه ، قال له : يا أمير المؤمنين قتلة كريمة ، فقال له : تركتها وراءك يا ابن اللغناء .

يريد أن القتلة الكريمة ، تكون في المعركة ( الطبري 8/ 88 ) .

وأحضر المنصور ، عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير ، في السنة

ص: 359

190 ، فقال له : أين المال الذي عندك ؟

قال : رفعته إلي أمير المؤمنين رحمه الله .

قال ومن أمير المؤمنين ؟

قال : محمد بن عبد الله بن الحسن رحمة الله وصلواته عليه .

قال : أبايعته ؟

قال : نعم ، كما بايعته أنت ، وأخوك ، وأهلك هؤلاء الغدرة .

فقال له : يا ابن اللخناء .

فقال : ذاك من قامت عنه الإماء ( يريد به المنصور لأنه ابن أمة بربرية اسمها سلامة ) فأمر به فضربت عنقه ( مقاتل الطالبيين 287 والطبري 607/7 ).

وكتب ابو دلامة إلي المهدي رقعة صدرها بأبيات منها :

أدعوك بالرحم التي جمعت لنا*** في القرب بين قريبنا والأبعد

إلأ سمعت وأنت أكرم من مشي***من منشد يرجو جزاء المنشد

فدعا به المهدي ، فقال له : أي قرابة بيني وبينك يا ابن اللغناء ؟ قال : رحم آدم وحواء ( الطبري 8/ 183 و 184).

واشتهي جواري المهدي ، أن يسمعن ربيعة الرقي ، وكان شاعرأ مجيدة ، وكان ضريرة، فوجه إليه المهدي ، فأخذه من مسجده بالرقة ، فأدخل عليه ، فسمع ربيعة حسا من وراء الستر ، فقال : إني أسمع حا يا أمير المؤمنين ، فقال له المهدي : اسكت يا ابن اللغناء ، واستنشده ، وضحك ، وضحكن منه ، ثم أجازه بجائزة سنية ( الاغاني 255/16 ).

وأجري المهدي الخيل ، فسبقها فرس له اسمه ، الغضبان ، فقال لأبي

ص: 360

دلامة : قلده يا زند ، فقلده عمامته ، فقال له المهدي : يا ابن اللغناء ، أنا أكثر عمائم منك ، إنما أردت أن تقلده شعرأ ( الاغاني 18 / 320 ).

وغني إبراهيم الموصلي ، الهادي ، غناء أطربه ، فقال له : احتكم ، فطلب حائط ( بستان ) عبد الملك ، وعينه الخرارة ، فغضب موسي ، وقال له: يا ابن اللغناء ، أردت أن تسمع العامة ، أنك أطربتني ، وأني حكمتك ، وعوضه عنها سبعمائة ألف درهم ( الطبري 226/8 ) .

وكتب موسي الهادي ، إلي صاحب إفريقية ، في أمر فرط منه : يا ابن اللحناء ، أبي تتمري ؟ ( العقد الفريد 213/4 ) .

أقول : كان صاحب افريقية ، في أيام الهادي يزيد بن حاتم المهلبي ، من القادة الشجعان ، ولي إفريقية للمنصور في السنة 154 واستمر واليا عليها خمس عشرة سنة بقية أيام المنصور ، والمهدي ، والهادي ، وتوفي والهادي في سنة واحدة ، أي في السنة 170 ( الطبري 205/8 والاعلام 230/9 ) .

وأنشد منصور النمري ، الرشيد ، قصيدة ، مدحه فيها، وهجا آل علي ، وثلبهم . فضجر هارون ، وقال له : يا ابن اللغناء ، أتظن أنك تتقرب إلي بهجاء قوم أبوهم أبي ، ونسبهم نسبي ، وأصلهم وفرعهم ، أصلي وفرعي ؟ فقال منصور : وما شهدنا إلا بما علمنا ، فزاداد غضبه وأمر مسرورة فوجأه في عنقه وأخرجه ( الاغاني 13 / 144 ).

وجاء عثمان بن إبراهيم بن نهيك ، إلي الفضل بن الربيع ، وذكر له إن أباه إبراهيم يبكي جعفر بن يحيي البرمكي ، فحدث الرشيد بذلك ، فأحضر الرشيد إبراهيم ، واختبره بأن تظاهر له أنه نادم علي قتل جعفر ، فبكي

ص: 361

إبراهيم أمامه ، وترحم علي جعفر ، فصاح به الرشيد : قم عليك لعنة الله ، يا ابن اللخناء ، فقام وهو لا يعقل ، وانصرف إلي أمه ، فقال لها : يا أم ، ذهبت والله نفسي ، فقالت له : كلا، إن شاء الله ، وما ذاك يا بني ؟ قال : إن الرشيد امتحنني بمحنة ، واللله ، لو كان لي ألف نفس لم أنجح بواحدة ، وبعد ليال قلائل ، دخل عليه ابنه عثمان ، فضربه بسيفه حتي مات ( الطبري 311/8 و 312 وابن الأثير 187/6 )

ووتي الرشيد سلامة الخادم ، ضياعه بالثغور والشامات ، فتواترت الكتب بحسن سيرته ، ثم وفد عليه ، فلما دخل عليه ، كان الرشيد يأكل سفرجلا ، حمل إليه من بلخ ، وهو يقشره ويأكل منه ، فتكلم سلام ، وأخذ يذكر حسن سيرته ، حتي قال : أنسيتهم - والله - يا أمير المؤمنين ، سيرة العمرين ، فغضب الرشيد، واستشاط ، وأخذ سفرجلة ، فرماه بها ، وقال له : يا ابن اللغناء ، العمرين ؛ العمرين ( الطبري 354/8 ) .

وغضب الرشيد ، علي ربيعة الرقي ، فقال له : يا ابن اللخناء ، أتهجو أحد عمومتي . .

وتفصيل القصة : إن ربيعة الرقي ، مدح العباس بن محمد العباسي ، بقصيدة مختارة منها :

الو قيل للعباس يا ابن محمد***قل : لا ، وأنت مخلد ، ما قالها

ما إن أعد من المكارم خصلة*** إلا وجدتك عمها أو خالها

وإذا الملوك تسايروا في بلدة*** كانوا كواكبها ، وكنت هلالها

إن المكارم لم تزل معقولة*** حتي حللت براحتيك عقالها

فبعث إليه العباس بدينارين اثنين ، وكان ربيعة يؤمل ألفي دينار ، فلما

ص: 362

نظر إلي الدينارين ، كاد أن يجن ، وقال للرسول : خذ هذين الدينارين لك ، وبعث إلي العباس ، بالأبيات التالية :

مدحتك مدحة السيف المحلي*** لتجري في الكرام كما جريت

فهبها مدحة ذهبت ضياعا*** كذبت عليك فيها وافتريت

فأنت المرء ليس له وفاء*** كأني إذ مدحتك قد زنيت

فلما قرأ العباس الرقعة ، غضب ، وجاء إلي الرشيد، فشكا إليه ربيعة ، وأخبره بأنه هجاه ، وكان العباس أثيرة عند الرشيد ، فغضب الرشيد ، وأمر بربيعة ، فأحضر ، وقال له : يا ابن اللغناء ، أتهجو أحد عمومتي ، والله ، لقد هممت أن أضرب عنقك ، فقال ربيعة : والله ، يا أمير المؤمنين ، لقد مدحته بقصيدة ما لأحد من الشعراء ، في أحد من الخلفاء ، مثلها ، فإن رأي أمير المؤمنين أن يأمر بإحضارها ، فطلبها الرشيد ، فتلكأ عليه العباس ، فأصر الرشيد علي إحضارها ، فأحضرت ، فقرأها ، وأعجب بها ، ثم قال للعباس : كم أثبته عليها ؟ فسكت ، فقال ربيعة : أثابني عليها دينارين ، فقال له الرشيد : ويحك ، أصدقني كم أثابك ؟ قال : وحياة رأسك يا أمير المؤمنين ، ما أثابني عليها سوي دينارين ، فغضب الرشيد، وعبس في وجه العباس ، وأمر لربيعة بثلاثين ألف درهم ( تحفة المجالس 332 - 335 ).

وفي السنة 193 كان الرشيد بطوس ، وكان هرثمة قد أوقع برافع بن الليث وكسره وأسر أخاه وأسمه بشير بن الليث ، فبعث به إلي الرشيد بطوس فدخل عليه والرشيد علي سرير مرتفع عن الأرض بقدر الذراع، وعليه فرش بقدر ذلك ، وفي يده مرة ينظر إلي وجهه ، فنظر إلي أخي رافع ، وقال له : أما والله يا ابن اللخناء ، إني لأرجو أن لا يفوتني خامل ( پريد رافعا ) كما لم تفتني ( العيون والحدائق 3/ 137 والطبري 342/8 ) .

ص: 363

ولما سمع الأمين ، أبيات أبي نؤاس التي يقول فيها :

ومستعبد إخوانه بثرائه***ليست له كبرأ أبر علي الكبر

إذا ضمني يومأ وإياه مجلس***رأي جانبي وعرأ يزيد علي الوعر

أخالفه في لحظه وأجره***علي المنطق المبرور والنظر الشزر

ولو لم أنل فخرة لكانت صيانتي*** فمي عن جميع الناس حسبي من الفخر

فوالله لا ألوي لساني بحاجة*** إلي أحد حتي أود في قبري

فلا يطعمن في ذاك مني طامع*** ولاصاحب التاج المحجب في القصر

فأحضر ابا نؤاس . وقال له : يا ابن اللغناء ، بلغ بك الأمر أن تعرض بي في شعرك ( الملح والنوادر 135 ) .

وشكا بصري إلي المأمون ، أنه تزوج امرأة من آل زياد بن أبيه ، وأن أبا الرازي فرق بينهما ، وقال هي : آمرأة من قريش ، فكتب اليه المأمون : متي تحاكمت إليك العرب لا أم لك في أنسابها ؟ ومتي وكلتك قريش ، يا ابن اللغناء ، بأن تلصق بها من ليس منها ؟ راجع تفصيل القصة في المحاسن والمساويء 148/2 .

وشغب بعض المحبوسين ، في المطبق ببغداد ، وأرادوا أن يثبوا بالمأمون ، فخرج لمقاتلتهم ، وجاء صاحب الشرطة متأخرة ، فقال له المأمون : يا ابن اللغناء . يحضر الحاكم ضرب الأعناق ، وصاحب الشرطة مشغول بمجالسة الفساق (تاريخ بغداد لابن طيفور 99).

وسمع الحسن بن سهل ، شعرأ لعلي بن جبلة في مدح الأمين ، قال فيه :

خليفة الله خير منتخب***لخير أم من هاشم وأب

فقال عرض - والله - ابن اللغناء ، بأمير المؤمنين ( الاغاني 20 / 54).

ص: 364

أقول : كان الأمين لأبوين هاشميين ، هما الرشيد وزبيدة ، أما المأمون ، فكانت أمه جارية ، وإلي ذلك أشار الشاعر بقوله ، لخير أم من هاشم وأب ، ولعل هذا القول ، هو الذي أدي بالمأمون إلي قتل علي بن جبلة ، وان كان قد أحتج عليه بحجة غير هذه ، إذ أحتج عليه بأنه كفر في قوله لأحد ممدوحيه :

أنت الذي تنزل الأيام منزلها***وتنقل الدهر من حال إلي حال

وما مددت مدي طرف إلي أحد***إلا قضيت بأرزاق وآجال

راجع ترجمة علي بن جبلة في الأغاني 14/20-42.

ص: 365

3. قولهم : يا بن الفاعلة

ابن الفاعلة : كناية يراد بها ابن الزانية أو ابن الفاجرة ويستعملها في الشتم من لم يرد ذكر كلمة الزنا أو الفجور صراحة

وكانت زبراء جارية الأحنف، أثيرة عنده ، قال لها ابنه بحر ، مرة : با فاعلة ، فقالت له : لو كنت كما تقول ، أتيت أباك بمثلك ( المعارف لابن قتيبة 424) .

: وقال ابن الغرق : رأيت المختار مشتور العين ، فقلت له : من فعل هذا بك ؟ قطع الله يده ، قال : ابن الفاعلة عبيد الله بن زياد ، والله ، الأقطعن أنامله وأباجله ( البصائر والذخائر 4 / 48 )

ولما أنشد جرير عبد الملك بن مروان ، قصيدته التي امتدحه بها ، ومطلعها :

أتصحوا فؤادك غير صاح

قال له عبد الملك : بل فؤادك يا ابن الفاعلة ( تنبيه الأديب 106 )

ولما دخل ذو الرمة علي عبد الملك بن مروان ، وأنشده قصيدته التي امتدحه فيها ، ومطلعها :

ما بال عينيك منها الماء ينسكب

ص: 366

وكانت عين عبد الملك تدمع دائما ، توهم أنه خاطبه وعرض به ، فقال له : ما سؤالك عنها يا ابن الفاعلة ( تنبيه الأديب 107).

واختلفت حبابة وسلامة ، جاريتا يزيد بن عبد الملك ، في غناء صوت ، فحكمتا معبد، فحكم لحبابة ، فغضبت سلامة ، وقالت لمعبد : والله يا ابن الفاعلة ، إنك لتعلم أن الصواب ما قل ، ولكنك سألت أيهما أثر عند أمير المؤمنين ، واتبعت هواه ، ورضاه ( الاغاني 136/15 ).

وغضب هشام بن عبد الملك علي الأبرش الكلبي ، فقال له : يا ابن الفاعلة .

كان الأبرش الكلبي ، واسمه سعيد بن الوليد ، كاتبا لهشام بن عبد الملك ، وغالبا علي أمره ، فأنكر عليه في يوم من الأيام شيئا ، فغضب منه ، وقال له : يا ابن الفاعلة ، فقال له الأبرش : استحييت لك ، وأنت خليفة الله في عباده وأرضه ، وليس بينك وبيني الله واسطة ، تقول : يا ابن الفاعلة ، والله لو قال هذا عبد من عبيدك لأخر مثله لكان قبيحة ، فاستحيا هشام ، وقال له : هلم فاقتص مني ، قال : إذن أكون سفيها مثلك ، قال فهبها لي ، قال : قد فعلت ، فقال هشام : والله لا أعود إلي مثلها أبدأ ( اعتاب الكتاب 60).

وقال أبو الهيثم بن العريان ، الأحد المتظلمين : ويلي علي ابن الفاعلة .

وسبب ذلك ، إن أبا الهيثم ، كان صاحب الشرطة بالعراق ، جاء إليه أحد المتظلمين بغريم له قد مطل غريمه دينا ، فقال له : ما تقول ؟

قال : إن هذا ابتاعني عنجدة ، وأستنشأته حولا ، فصار لا يلقاني في القم ، إلا اقتضاني .

ص: 367

فقال له الهيثم : أمن بني أمية أنت ؟ قال : لا .

قال : فمن أكفائهم من بني هاشم ؟ قال : لا.

قال : ويلي علي ابن الفاعلة ، فعل م تتكلم بهذا الكلام ؟ السياط ،

فلما جرد ليضرب ، قال : أصلحك الله ، إن إزاري مرعبل .

فقال : دعوه، فلو ترك الغريب في وقت لتركه الآن ( الملح والنوادر 183).

وشتم أحد الأمراء العباسيين من أولاد عيسي بن جعفر بن سليمان ، أحد المختثين ، فقال له : يا ابن الفاعلة .

وسبب ذلك : إن هذا الأمير بعث إلي جماعة من المختثين ، فأتوه ، فجعلوا يلعبون، ويرقصون ، وبقي مخنث منهم لا يتحرك ، فقال : مالك ؟ قال : لا أحسن شيئا ، قال : فلم دخلت يا ابن الفاعلة ؟ يا غلام ائتني بسكرجة مملوءة روثة، وأخري مملوءة جمرة ، فأتاه بهما ، فقال : والله التأكلن من أحداهما ، أو لأضربك حتي تموت ، قال : يا مولاي دعني أصلي ركعتين ، قال : قم فصل ، فقام يصلي ، فأطال ، فقال له : يا ابن الفاعلة ، إلي كم تصلي ؟ قد صليت أكثر من عشرين ركعة ، فقال : يا سيدي ، أنا دائب ، أدعو الله أن يمسخني نعامة ، فأقوي علي أكل الجمر ، أو خنزيرأ ، فأقوي علي أكل الخرا ، فلم يستجب لي بعد ، فدعني أصلي ، وأدعو ، فلعله يستجاب لي ، فضحك منه ، ووصله .

وفي السنة 129 كانت العصبيه بين المضرية واليمانية بخراسان علي أشدها ، وكان نصر بن سيار عامل خراسان زعيم المضرية ، وجديع بن علي الكرماني الأعور ، زعيم اليمانية ، وكان المصريون يشتمون الأزد اليمانيين ، يعيرونهم بأنهم ملاحين ، وحدث أن بعث نصر ، سلم بن أحوز ، إلي جديع ، وكان جديع قد استولي علي مرو، فقدم سلم مع جيش ، وتواقف مع

ص: 368

جيش جديع ، علي أسوار مرو ، فقال سلم بن أحوز لمحمد بن المثني : يا محمد ، مر هذا الملاح بالخروج إلينا ، فقال محمد السلم : يا ابن الفاعلة ، لأبي علي تقول هذا ؟ ( الطبري 7/ 368).

أقول : هذه العصبية التي نشبت بين المصرية واليمانية بخراسان ، دفعت بعض الحمقي منهم إلي ارتكاب جرائم القتل ، فأصبح اليمانية إذا الاقوا مضريا قتلوه ، وكذلك المضرية إذا وجدوا يمانية قتلوه ، وقد أوردنا في الفصل السادس من هذا الباب «طرائف في الشتم » قصة الفتي الذي خرج أيام العصبية إلي أذربيجان ، فلاقي في طريقه فرسانة سألوه مضري هو أم يماني ، فخاف أن يقول مضري وهم يمانية ، أو يماني وهم مضرية ، فيكون نصيبه القتل، فتخلص منهم بجواب أسعفته به قريحته ، وقال لهم : أنا ولد زنا عافاكم الله ، فضحكوا منه وأمنوه ، وقد فشت مثل هذه الجرائم في لبنان في السنتين 1397 و 1398 (1976 و 1977 م ) فكان بعض المسيحين يقتلون المسلمين إذا ظفروا بهم ، وكذلك كان يصنع بعض المسلمين ، وسمي هذا اللون من القتل ، القتل علي الهوية ، بأن يطالب الإنسان بأن يكشف عن هويته ، وهي رقعة فيها اسمه ورسمه ومعتقده ، فيجري التصرف معه وفقا لما دون فيها ، فان امتنع عن بيان معتقده ، ولم يكشف عن هويته ، يكشف ثوبه عن بدنه ، فإن كان مختنا فهو مسلم ، وإلا فهو مسيحي .

وكان أبو العباس السفاح ، قد شرط لأم سلمة ، لما تزوجها ، أن لا يتزوج عليها ولا يتسري ، ووفي لها بالشرط ، فأغراه خالد بن صفوان ، بأن يتسري ، فقص السفاح القصة علي أم سلمة ، فقالت له : فما قلت لابن الفاعلة ؟ راجع القصة مفصلة في الأذكياء 116 و 117 وفي الهفوات النادرة 105 - 101

ص: 369

ولما حج المنصور في السنة 144 ، أمر بإحضار أمير المدينة ، فصاح به : يا ابن الفاعلة ، أين محمد وإبراهيم ؟ يريد بهما محمد وإبراهيم ولدي عبد الله بن الحسن بن الحسن ( الطبري 7 / 527).

وتغالظ المنصور مع عبد الله بن الحسن بن الحسن ، فوثب المسيب بن زهير أحد قواد المنصور ، وقال له : يا أمير المؤمنين ، دعني أضرب عنق ابن الفاعلة . ( الأغاني 21 / 123).

الما ادخل محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، علي المنصور ، شتمه ، وقال له : يا ابن الفاعلة فقال له : يا أبا جعفر أي أمهاتي تزئي ؟ فاطمة بنت رسول الله ، أم فاطمة بنت الحسين ، أم خديجة بنت خويلد ؟ ( مقاتل الطالبيين 221).

أقول : أم محمد العثماني هي فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب .

وطلب أبو دلامة ، من المهدي العباسي ، كلب صيد، فاستصغر المهدي الطلب ، وقال له : يا ابن الفاعلة ، وما تصنع به ؟

فقال له أبو دلامة : إن كانت الحاجة لي ، فليس لك أن تعرض فيها .

فقال : صدقت ، أعطوه كلبأ .

فقال : يا أمير المؤمنين ، لا بد لهذا الكلب من كلاب . فأمر له بغلام مملوك .

فقال : يا أمير المؤمنين ، أيتهيأ لي أن أصيد راج ؟

فقال : أعطوه غلاما سائسأ .

فقال : ومن ينحر الصيد ويصلحه ؟

فقال : أعطوه طباخا .

فقال : ومن يؤوي هؤلاء يا أمير المؤمنين ؟

ص: 370

فقال : أعطوه دارا . فقال : ومن يمون هؤلاء كلهم ؟

فقال : أعطوه مائة جريب عامرة ، ومائتي جريب غامرة .

فقال : ما الغامرة يا أمير المؤمنين ؟

فقال : التي لا نبات فيها .

فقال : قد اقطعتك يا أمير المؤمنين ، مائتي جريب غامرة في فيافي بني أسد.

فضحك المهدي وقال : قد جعلناها كلها عامرة (الملح للحصري 90).

وجيء للمنصور بخارجي قد هزم له جيوشا ، فأقامه ليضرب عنقه ، ثم اقتحمته عينه ، فقال له : يا ابن الفاعلة ، مثلك يهزم الجيوش ، فقال له الخارجي : ويلك ، سوأة لك ، بيني وبينك أمس السيف والقتل ، واليوم القذف والسب ، وما كان يؤمنك أن أرد عليك وقد يئست من الحياة فلا تستقبلها أبدأ ، فاستحيا منه المنصور وأطلقه . ( الطبري 68/8 ).

وخطب المهدي يوما ، فقال : عباد الله اتقوا الله ، فقام إليه رجل ، فقال : وأنت فاتق الله ، فإنك تعمل بغير الحق ، فأخذ ، فحمل ، فجعل القواد يتلقونه بنعال سيوفهم ، فلما أدخل عليه ، قال : يا ابن الفاعلة ، تقول لي وأنا علي المنبر اتق الله ، فقال له الرجل : سوأة لك ، لو كان هذا من غيرك ، كنت المستعدي عليه بك ، قال : ما أراك إلآ نبطية ، قال : ذاك أوكد للحجة عليك، أن يكون نبطي يأمرك بتقوي الله ، فأطلقه. (الطبري 181/8 ).

وأحضر أحد اتباع عيسي بن زيد العلوي ، أمام المهدي العباسي ، فشتمه ، وقال له : يا ابن الفاعلة . فقال له : أما تستحي من الله تشتم المحصنات وتقذفهن ، وقد كان ينبغي لك ، ويلزمك في دينك وما وليته أن لو

ص: 371

سمعت سفيها يقول مثل قولك أن تقيم عليه الحد، فأعاد شتمه ، ثم وثب عليه فطرحه ، وضربه بيديه ، وركله برجليه وشتمه ، فقال له : إنك لشجاع ايد ، حتي قويت علي شيخ مثلي تضربه ، لا يقدر علي المنع عن نفسه ، ولا الإنتصار لها ، فأمر بحبسه والتضييق عليه ، فقيد بقيد ثقيل ، وحبس سنين ، حتي مات عيسي بن زيد ، فأطلقه ( مقاتل الطالبين 417) .

وطالبت الخيزران ، ولدها موسي الهادي ، بقضاء حاجة ضمنت قضاءها لعبد الله بن مالك ، فغضب موسي ، وقال : ويلي علي ابن الفاعلة .

وتفصيل ذلك : إن الخيزران كانت تكلم ولدها موسي ، لما استخلف ، في حوائج الناس ، فيقضيها ، فانثال الناس عليها، وكانت المواكب تغدو إلي بابها ، وكلمته يوما في أمر لم يجد سبيلا إلي إجابتها إليه ، فاعتل بعلة ، فقالت له : لا بد من إجابتي ، فقال لها : لا أفعل ، قالت : إني تضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك ، فغضب موسي ، وقال : ويلي علي ابن الفاعلة ، قد علمت إنه صاحبها ، والله لا قضيتها لك ، قالت : إذن والله لا أسألك حاجة أبدا ، قال : إذا والله لا أبالي ، وحمي وغضب ، فقامت مغضبة ، فقال لها : مكانك تستوعبي كلامي : والله ، وإلا فأنا نفي من قرابتي من رسول الله ، لئن بلغني إنه وقف ببابك أحد من قوادي ، أو أحد من خاصتي ، أو خدمي ، لأضربن عنقه ، وأقبضن ماله ، فمن شاء فليلزم ذلك ، ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلي بابك في كل يوم ، أما لك مغزل يشغلك ، أو مصحف يذكرك ، أو بيت يصونك ، إياك ثم إياك ، ما فتحت بابك لملي أو ذمي ، فانصرفت ما تعقل ما تطأ ، فلم تنطق عنده بحلوة ولا مرة بعدها ( الطبري205/8 و 206).

وقال أبو العتاهية ، في سلم الخاسر :

تعالي الله يا سلم بن عمرو*** أذل الحرص أعناق الرجال

هب الدنيا تصير إليك عفوا*** أليس مصير ذاك إلي زوال

ص: 372

فغضب سلم ، قوال : ويلي علي الجرار ابن الفاعلة ، الزنديق ، يزعم أني حريص ، وهو قد كنز البدر ، وأنا في ثوبي هذين لا أملك غيرهما . ( الأغاني 269/19 - 276 معجم الأدباء 248/4 ).

وقال يحيي بن زياد ، لصاحبه مطيع بن إياس ، انطلق بنا إلي فلانة المغنية ، فأصلحها، فإن بيننا مغاضبة ، فدخلا إليها ، وأخذ يحيي يعاتبها ، ومطيع ساكت ، فقال له : ما يسكتك ، أسكت الله نأمتك ، فقال مطيع :

أنت معتلة عليه وما زال*** مهينأ لنفسه في رضاك

فأعجب يحيي ما قاله ، وهش له ، وقال له : هيه ، فقال :

فدعيه ، وواصلي ابن إياس*** جعلت نفسه الغداة فداك

فقام إليه يحيي ، بالوسادة ، يجلد بها رأسه ، وقال : ألهذا دعوتك ، يا ابن الفاعلة (الديارات 253 و 254 ).

وشتم بشار حماد عجرد ، فقال فيه : ابن الفاعلة .

وسبب ذلك : أن راوية حماد ، أنشده قول حماد فيه :

الا من مبلغ عن***ي الذي والده برد

فقال : صدق ابن الفاعلة ، فقال :

إذا مانسب الناس***فلا قبل ولا بعد

فقال : كذب ابن الفاعلة ، فقال :

وأعمي قلطبان ما***علي قاذفه حد

فقال : كذب ابن الفاعلة ، بل عليه ثمانون جلدة ، فقال :

وأعمي يشبه القرد***إذا ماعمي القرد

فقال : والله ، ما أخطأ ابن الزانية ، حين شبهني بقرد ، حسبك

ص: 373

حسبك ، ثم صفق بيديه ، وقال : ما حيلتي ، يراني فشبهني ، ولا أراه فأشبهه ( الأغاني 14 / 328 - 329).

وشتم الهادي ، الحسن بن عبد الخالق ، فقال له : يا ابن الفاعلة .

وسبب ذلك : إن الهادي ، خرج يوما في غلالة ، علي فرس ، وبيده قناة ، وأخذ يلعب ، ولا يدرك أحدأ إلا طعنه ، فلاقي الحسن بن عبد الخالق ، والحسن لا يعرفه ، فأراد أن يطعنه ، فقبض الحسن علي قائم سيفه ، يريد أن يسله ، فصاح به رجل، ويلك ، أمير المؤمنين ، فحك الحسن دابته، وهرب ، والتجأ إلي دار صاحب الحرس ، ولحقه الهادي إلي باب صاحب الحرس ، فصاح به : اخرج يا ابن الفاعلة ، فلم يخرج ، واضطر الحسن إلي مغادرة عيسي آباد ، مقر الهادي ، إلي حين موته ( الطبري 218/8 ) .

وأدخل العباس بن محمد العلوي ، علي الرشيد ، فشتمه الرشيد وقال له: يا ابن الفاعلة، فقال له: تلك أمك التي تواردها النخاسون، فأمر به، فأدني، ثم ضربه بالجزر ( عمود من الحديد ) ، حتي قتله ( مقاتل الطالبيين 498) .

وبعد قتل جعفر ، سأل الرشيد مسرور الخادم ، عما قاله جعفر ، حين مه حد السيف ، فقال له : سمعته يقول : أهون بها قتلة ، لا سيما إذا كانت في طاعة الله . فقال الرشيد: ويلي علي ابن الفاعلة ، أراد أن يوهم أني قتلته في هوي نفسي ( وفيات الأعيان 1/ 474 ).

وتبسم ابن جامع المغني ، بحضور الرشيد ، فلحظه ، وقال : فيم تبسمت ، با ابن الفاعلة ؟ ، راجع القصة في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 254 .

وشتم الرشيد ، فرج بن زياد الرخجي ، فقال له : يا ابن الفاعلة .

ص: 374

وكان الرشيد قد قلد فرج الرخجي الأهواز ، فاتصلت السعايات به عنده ، وكثرت الشكايات منه ، وتظلم الرعية ، وادعي عليه انه اقتطع مالا عظيمة ، فصرفه بمحمد بن أبان الأنباري ، وقبض عليه ، ثم دعا به وشتمه أقبح شتم ، وتوعده أشد توعد ، ثم قال له : يا ابن الفاعلة ، رفعتك فوق قدرك ، وائتمنتك فخنتني ، وسرقت مالي ، وفعلت وصنعت ، راجع القصة بكاملها في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي رقم 129 حاص 367 و 368.

وثار أهل الربض ، بقرطبة ، علي الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل ( 154 - 209)، وتسوروا عليه القصر ، فقال لأخص غلمانه : إذهب إلي فلانة ، إحدي كرائمه، وقل لها تعطيك قارورة الغالية ، فتلك الغلام، وقال له: يا مولاي، هذا وقت الغالية؟ فقال له : ويلك يا ابن الفاعلة ، بم يعرف رأسي إذا قطع من رؤس العامة ، إذا لم يكن مضمخا بالغالية ؟ ( المعجب للمراكشي 45 ).

وشتم منصور بن المهدي ، عبيد الله بن أبي غسان ، فقال له : يا ابن الفاعلة ، تحتال علي أمير المؤمنين ، وتأخذ متاعه ؟.

وسبب ذلك : إن عبيد الله بن أبي غسان ، كان من ندماء الأمين ، وحبسه عنده ثلاثة أيام بليالهن ، لم يدخل في جوفه غير النبيذ ، فكاد أن يهلك ، وطلب من أحد خدمه الخاصة أن يحتال له فيما يأكل ، فاحتال له بأن نظر إليه في مجلس الأمين وضحك ، وسأله الأمين عن سبب ضحكه ، فأخبره أن عبيد الله لا يطيق أن يشم رائحة البطيخ، ولا تذوقه ، ويجزع من أكله جزعا شديدأ ، فلما سمع الأمين بذلك ، أمر بإحضار بطيخ ، وأمر بأن يطعم منه عبيد الله قسرا ، ووعده بأن يعطيه فرش بيت عن كل بطيخة تدخل في جوفه ، وأطعمه الخدم ثلاث بطيخات ، أخذ عنها فرش ثلاثة بيوت ، وأح منصور بن المهدي بالحيلة ، فشتم عبيد الله ، وقال له : يا ابن الفاعلة ، تحتال علي أمير المؤمنين وتأخذ متاعه ( الطبري 521/8 و 522) .

ص: 375

وشتم كوثر ، خادم الأمين ، جبريل بن بختيشوع المتطبب لما أشار بحجامة الرشيد وقال له : يا ابن الفاعلة ، تقول أحجموا رجلا ميتا .

وسبب ذلك : إن الرشيد كان رجلا كشير الأكل والشرب ، فأكل ، وهو في الرقة ، أشياء خلط فيها ، فغشي عليه ، وأحضروا طبيبه جبريل ، فأشار بأن يحجم ، وكان كوثر ، خادم الأمين ، يستعجل استخلاف سيده الأمين ، فقال لجبريل : يا ابن الفاعلة ، تقول أحجموا رجلا ميتة ، فقال المأمون : الأمر قد وقع ، وليس يضر أن يحجم ، فحجم ، فعاد إليه وعيه، واسفر لونه ، وتكلم ، ووصل جبريل بأن أمر بإقطاعه ما غلته ألف ألف درهم ، راجع القصة بتمامها في كتاب الفرج بعد الشدة للتنوخي تحقيق المؤلف ، رقم القصة 444 ح ص 219 و 220.

وشتم دعبل الخزاعي ، أبا سعد المخزومي ، فقال : ويلي علي ابن الفاعلة .

وسبب ذلك : إن دعبلا، سمع بيتين لأبي سعد المخزومي هجاه فيها ، وهما :

الدعبل منة يمن بها***فلست حتي الممات أنساها

أدخلنا بيته فأكرمنا***ودست آمرأته فنكناها

فقال دعبل : ويلي علي ابن الفاعلة ، وأخذ يحبر قصيدة في هجائه ( الأغاني 169/20 ).

وشتم المأمون ، علويه المغني ، فقال له : يا ابن الفاعلة .

وسبب ذلك : إن علويه المغني ، من موالي الأمويين ، وكان مرة مع المأمون بدمشق ، فمر ببركة من برك بني أمية ، فاستحسنها المأمون ، وجلس هناك ، وأمر بطعام وشراب ، وذكر بني أمية ، فوضع منهم وتنقصهم ، فغني علويه :

ص: 376

أولئك قومي بعد عز ومنعة***تفانوا فإلا أذرف العين أكمد

فضرب المأمون الطعام برجله ، ووثب ، وقال لعلويه : يا ابن الفاعلة ، لم يكن لك وقت تذكر فيه مواليك إلا في هذا الوقت ، فقال له : مولاكم زرياب ، عند موالي ( بريد الأمويين الأندلس ) يركب في مائة غلام ، وأنا عندكم أموت من الجوع ، فغضب عليه عشرين يوما، ثم رضي عنه ( الطبري657/8)

وكان إبراهيم بن المهدي ، عظيم الإعجاب بجاريته شارية ، فسأل اسحاق بن إبراهيم الموصلي : كم تساوي شارية ؟ فقال له إسحاق : مائة ألف درهم ، فدارت عيناه في رأسه ، وحذفه بقضيب كان في يده ، وقال له : يا ابن الفاعلة ، تقول هذا لشارية ، وتضع من قدرها ، خذوا برجل ابن الفاعلة . ( الهفوات النادرة 125 ).

وشتم المأمون ، أحمد بن صدقة المغني ، وقال له : يا ابن الفاعلة ، ألك علي وعلي حرمي صاحب خبر ؟

وسبب ذلك : إن المأمون ، غاضب إحدي جواريه ، فبعثت إليه ، وهو في مجلس الغناء بتفاحة من عنبر ، وقد كتب عليها بالذهب : يا سيدي ، سلوت ؟ وحدث أن غني علي أثر وصول التفاحة ، أحمد بن صدقة ، صوتا في شعر خالد بن يزيد الكاتب وهو :

تقول سلا ، فمن المدنف***ومن عينه أبدأ تذرف

ومن قلبه قل خاف*** عليك وأحشاؤه ترجف

فاحمر وجه المأمون ، وانقلبت عيناه ، وقال لأحمد : يا ابن الفاعلة ، ألك علي وعلي حرمي صاحب خبر ؟ من اين عرفت قصتي مع جاريتي ؟ فحلف له أن القضية جاءت مصادفة ، فرضي عنه وأمر له بخمسة آلاف درهم ( الأغاني 213/22 ) .

ص: 377

ومر القاسم بن الرشيد في موكب عظيم ، وكان من أتيه الناس ، وأبو العتاهية جالس مع قوم علي ظهر الطريق ، فقام أبو العتاهية حين رآه إعظاما له ، فلم يزل قائما حتي جاز ، فأجازه ولم يلتفت إليه ، فقال أبو العتاهية :

يتيه ابن آدم من جهله*** كأن رحي الموت لا تطحنه

فسمع بعض من في موكبه ذلك ، فأخبر به القاسم ، فبعث إلي أبي العتاهية وضربه مائة مقرعة ، وقال له : يا ابن الفاعلة ، أتعرض بي في مثل ذلك الموضع ؟ وحبسه في داره ، فد أبو العتاهية إلي زبيدة بنت جعفر ، وكانت توجب له حقه ، هذه الأبيات :

حتي متي ذوآلتيه في تيهه*** أصلحه الله وعافاه

ينيه أهل التيه من جهلهم*** وهم يموتون وان تاهوا

من طلب العز ليبقي به*** فإن عز الرء تقواه

لم يعتصم بالله من خلقه*** من ليس يرجوه ويخشاه

وكتب إليها بحاله ، وضيق حبسه ، وكانت مائلة إليه ، فرقت له ، وأخبرت الرشيد بأمره ، وكلمته فيه ، فأحضره وكساه ووصله ، ولم يرض عن القاسم حتي بر أبا العتاهية وأدناه ، واعتذر إليه . ( الأغاني 4/ 66 ).

وفي السنة 222 اشتبك الأفشين قائد الجيش العباسي ، وبابك الخرمي ، قائد الثوار الفرس ، في موقعة ضارية ، فانكسر بابك ، وفر هاربا ، فبعث إليه الأفشين كتابا من المعتصم بالأمان له ، صحبة اثنين من أتباعه ، وبعث معهما رسالة لبابك من ولده الأكبر ، الذي سقط في الأسر ، يحضه فيها علي النزول بالأمان ، فقال بابك للذي أحضر كتاب ولده : كيف اجترأت علي أن تجيئني بهذا الكتاب من ابن الفاعلة ؟ ثم أمر بالرسول ، فضربت عنقه ، وشد الكتاب علي صدره مختومة لم يفضه ، ثم قال للاخر : اذهب وقل لابن الفاعلة - يعني ولده - أنا أشهد انك لست ابني ، وقد صح الساعة

ص: 378

فساد أمك ، تعيش يوما واحدا وأنت رئيس ، خير لك من تعيش أربعين سنة ، وأنت عبد ذليل ( الطبري 45/9 و 46).

وفي السنة 223 كان المعتصم يحاصر عمورية ، وغضب اشناس من قواده ، ومنهم عمرو الفرغاني ، وأحمد بن الخليل بن هشام ، فقال لهم : يا أولاد الزنا ، انصرفوا إلي مضاربكم ، فقال عمرو لأحمد : أما تري هذا العبد ابن الفاعلة - يعني اشناس - ما صنع بنا اليوم ، انظر القصة في تاريخ الطبري 71 - 57/9.

وكان ابن الزيات وزير المعتصم يعادي الفضل بن مروان صاحب ديوان الخراج ، فوقف يوما علي باب ديوان الخراج ، ودعا بالفضل ، وقال له : إن أمير المؤمنين يقول لك : يا ابن الفاعلة ، لأسفكن دمك ، وأخذن مالك ( إعتاب الكتاب 132).

وغضب المعتصم ، علي عمر بن فرج الرخجي ، فقال له : يا ابن الفاعلة ، أمرتك في ولد أبي طالب ، أن تتعرف خبر منازلهم ؟

ثم قال له : يا ابن الفاعلة ، ما شغلك ما أنت فيه ، عن لمس البساط كأنك غير مكثرت بما أريده بك .

راجع التفصيل في القصة رقم 374 من كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ح 4 ص 17 و 18.

وكان عمر بن فرج الرخجي ، وأبوه فرج ، من شرار الخلق ، راجع ترجمة فرج في هذا الكتاب في الباب الثاني ( ما يشبه الشتم ) في الفصل الثالث ( التفل في الوجه ) ، وراجع ترجمة ولده عمر في الباب الثالث ، الفصل الثاني ( الصفع ).

وذكر أحمد بن حمدون ، إنه كان مع المعتز ، فدخل عليه خادم في يده طبق عليه مكتبة ، فوضعه في وسط البيت ، ورفع المكتبة ، فإذا في الطبق

ص: 379

رأس المستعين ، فشهق ابن حمدون ويكي ، فقال له المعتر : ما هذا يا ابن الفاعلة ؟ ( الديارات 170) .

وسمع ابن مكرم ، صديقه أبا العيناء ، يقول في دعائه : يا رب سائلك ، فقال له : يا ابن الفاعلة ، ومن لست سائله ، يشير إلي أنه شحاذ محترف ( وفيات الأعيان 4 / 345 ومعجم الأدباء 7/ 64).

وغضب الراسبي ، عامل خوزستان ، علي أحد مؤاكليه من الأكراد ، روي قصة أقر فيها إنه قتل إنسانا ظلما بعد أن سلبه ماله ، فقال له الراسبي : يا ابن الفاعلة ، إنما آمنتك علي ما كان منك في إفسادك السبيل ، أما الدماء فمعاذ الله أن أسقطها عنك ، وصاح بالغلمان ، فقطعوا عنقه وهو علي المائدة ، فتدحرج رأسه ، وجرت جثته ، وأتم الراسبي غداءه ، راجع القصة بتفصيلها في نشوار المحاضرة للتنوخي ح3 ص 208 - 210 رقم القصة 136.

ولما عزل الوزير ابن الفرات ، من وزارة المقتدر ، ناظره خلفه حامد بن العباس ، فشتمه شتمأ مسرفة ، وقال له : يا ابن الفاعلة ، وأمر بأن تنتف لحيته ، فلم يقدم عليه أحد ، فمد حامد يده إلي لحيته ، وكان جالسا بالقرب منه ، فأخذ منها خصلة ، فصاح ابن الفرات : أوه ( الوزراء للصابي 108).

واتهم الراضي ، أبا عبد الله بن المنتصر ، والمنتصر العباسي جده ، بأنه يتآمر عليه ، فأحضره مشدود العينين ، بدراعة وخف ، فلما أقيم بين يديه ، قال : ما لنا ، نحن قرامطة؟ فقال له الراضي : يا ابن الفاعلة ، فك الكلب النابح ، فضربوا فكه ، ثم قتله من ليلته ( تجارب الأمم 391/1 ).

ولما صمم أبو عبد الله البريدي ، علي قتل أخيه أبي يوسف ، أعد له غلمانا من غلمانه في مخترق قد سقف بين باب داره بالبصرة بالأبلة ، وبين

ص: 380

الشط ، فكمن له هؤلاء ووثبوا عليه بالسكاكين ، فأخذ يصيح : يا أخي قتلوني ، قتلوني ، وأبو عبد الله يقول : إلي لعنة الله ، فخرج أخوه أبو الحسين، وكان ينزل إلي جواره ، إلي روشن داره فقال : يا أخي قتلته ، فقال : يا فاعل ، اسكت وإلا ألحقتك به ، ثم طالب اسرائيل الجهبذ بإحضار جوهر كان قد رهنه عند أبي يوسف ، فلما أخذه قال : أخذنا المال والجوهر ، ومضي الفاعل بن الفاعلة إلي لعنة الله ( تجارب الأمم 52/2 - 54).

وقال مولي لخالد بن صفوان : زوجني أمتك فلانة ، قال : قد زوجتكها ، قال : أفأدخل الحي حتي يحضروا الخطبة ؟ ، قال : أدخلهم ، فلما دخلوا ، ابتدأ خالد ، فقال : أما بعد، فإن الله أجل وأعز من أن يذكر في نكاح هذين الكلبين ، وقد زوجت هذه الفاعلة ، من هذا ابن الفاعلة في البيان والتبيين 2/ 190).

وغضب أبو نزار الحسن ، ملك النحاة علي غلام له ، فقال له : ويلك لا رعاك الله يا ابن الفاعلة ، راجع القصة في معجم الأدباء 3/ 77.

وروي صاحب كتاب الفرج بعد الشدة ، في القصة المرقمة 360 إن أخوين من نصيبين ، ورثا من أبيهما مالأ ، فأضاعه أحدهما ، ونماء الآخر ، وعرض للغني سفر ، فجاء إليه أخوه وطلب منه أن يستخدمه في سفره ، فأنعم له ، فلما انفرد به في الطريق ، تمكن منه ، فصاح به : استكتف يا ابن الفاعلة ، فقال له : ويحك ما تريد ؟ فقال : أريد قتلك يا ابن الفاعلة ، راجع القصة بتمامها في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ج3 ص 371 - 373.

وروي صاحب الفرج بعد الشدة ، في القصة 368 قصة عباد المؤنث لما أحست ليلا في صهاريج الحجاج ، بفتي قد سل سيفه علي صبية يريد قتلها ، وهو يقول لها : استكتفي با ابنة الفاعلة الصانعة ، فضرب قفاه بقرد

ص: 381

كان يحمله ، فأغمي علي الرجل ، وخلص الصبية من يده ، راجع القصة مفصلة في كتاب الفرج بعد الشدة ، للتنوخي ، تحقيق المؤلف .

وحضر مجلس أبي بكر بن سعيد، أمير غرناطة ، الشاعر الأعمي الهجاء أبو بكر المخزومي المدوري ، وكان في المجلس الشاعرة الأديبة تزهون بنت القلاعي ، فتنحنح الشاعر المخزومي ، فقالت له نزهون : ذبحة ، فقال : من هذه الفاعلة ؟ فقالت : عجوز ، في مقام أمك ، فقال : كذبت، ما هنا صوت عجوز، انما هي نغمة قحبة محترفة (اعلام النساء 169/5 ) .

وفي السنة 431 تآمر علي باديس صاحب غرناطة ، ابن عمه يذيربن حباشه ، وانكشف أمره ، ففر مع بعض أصحابه إلي إشبيلية ، وقبض باديس علي اثنين من أصحاب يذير ، أحدهما كاتبه أبو الفتوح ثابت بن محمد الجرجاني ، والثاني صنهاجي من رجال يذير ، وأحضرهما باديس فقتل أبا الفتوح بيده ، وأمر بضرب عنق الصنهاجي ، فجزع، وألح في ضراعته ، فغضب منه باديس وقال له : أما تستحي يا ابن الفاعلة ، يصبر المعلم الضعيف القلب علي الموت ( يشير إلي أبي الفتوح ) وأنت تجزع هذا الجزع، وتعتبر نفسك من أشد الرجال ، ثم أمر فضربت عنقه ( الاحاطة 466 - 462 )

ص: 382

4 - قولهم : يا ابن الفاجرة ، ويا ابن المومسة ، ويا ابن البغي .

القحبة : الأصل في القحب السعال والقحبة : الفاجرة . وإنما سميت القحبة بهذا الإسم ، لأنها تسعل لتبه الفاجر إليها . المومس : المرأة المجاهرة بالفجور . والبغي : الفاجرة .

جيء إلي الحجاج الثقفي ، بعمران بن حطان الشاري ، فقال : اضربوا عنق ابن الفاجرة ، فقال له عمران : بئس ما أذبك به آهلك يا حجاج ، أبعد الموت منزلة أصانعك عليها ، كيف أمنت أن أجيبك بمثل ما لقيتني به ، فأطرق الحجاج ، وقال : خلوا عنه . ( إعتاب الكتاب 61).

ونظم أبو نخيلة الشاعر ، قصيدتين يحض فيهما المنصور علي تقديم المهدي في العهد علي عيسي بن موسي ، وتلا القصيدتين بمحضر من عيسي بن موسي ، فسر المنصور وفرح ، وأمر لأبي نخيلة بمائة ألف درهم ، أحاله بها علي الري ، فخرج لأخذها ، فوجه عيسي بن موسي خلفه مولي له يقال له قطري ، فقبض علي أبي نخيلة ، وأضجعه ، وذبحه ، وسلخ وجهه ، وقال له لما أضجعه : يا ابن المومسة ، هذا أوان صر الجندب ، راجع تفصيل القصة في الهفوات النادرة 85 - 89

وكان مطيع بن إياس يتعشق جوهر جارية بربر ، وقال فيها :

أما والله يا جوهر***لقد فقت علي الجوهر

فلا والله ما المهدي*** أولي منك بالمنبر

فإن شئت ففي كفي*** ك خلع ابن أبي جعفر

ص: 383

فضحك المهدي لما بلغته الأبيات ، وقال : اللهم العنهما جميعأ ، ويلكم أجمعوا بين هذين قبل أن تخلعنا هذه القحبة ( الأغاني 314/13) .

وروي التوحيدي، في البصائر والذخائر، حديثا عن مفاخرة بين شطار بغداديين ، فيها كثير من ألفاظ السباب ، منها يا ابن الغلابة ، يا ابن الزراعة الهراشة ، الفراشة ، الملاشة ، النغاشة ، يا أخو القحبة ، ( البصائر والذخائر 171/4 - 174)

وشتم ابن جمهور العمي ، يومأ ، صاحبته زاد مهر ، فقال لها : يا قحبة ، فقالت له : يا ابن القحبتين ، فقال : ما هذا ؟ قالت : أنا شموس ، أرد بالزوج ( الديارات 269 ).

أقول : هذه الشتيمة ، ما زالت مستعملة عند عامة البغداديين ، ولكنهم يلفظونها الآن بتشديد الخاء ، فيقولون : يا أخ القحبة ، ويلفظون القاف كافة فارسية ، علي طريقتهم في لفظ القاف كافة فارسية ، والكاف جيمة فارسية ، وهي لهجات قبلية ، أشرنا إليها في تعليقنا علي القصة رقم 8/ 64 من كتاب نشوار المحاضرة ج8 ص148وفي كتابنا موسوعة الكنايات العامية البغدادية ح3 ص167 و168 .

وفي السنة 100 كان خازم بن خزيمة يحارب استاذسيس وأهل سجستان، فخندق علي نفسه ، وجعل لمعسكره أبوابة أربعة غلي أحدها بكار بن مسلم العقيلي ، وهاجم استاذسيس باب بكار بن مسلم ، فانهزم أصحابه ، فنزل بكار وترجل علي باب الخندق ، وصاح : يا بني الفواجر، من قبلي يؤتي المسلمون ؟ ثم وقف ومعه من أهله نحوا من خمسين رجلا فمنعوه . ( الطبري 30/8 ) .

ولما ولي محمد بن مسروق الكندي ، قضاء مصر (177 - 184)، خاشن الناس ، فأكثر أهل المسجد من ذمه ، فوقف بباب المقصورة في

ص: 384

الجامع ونادي بأعلي صوته : أين أصحاب الأكسية العسلية ، أين بنو البغايا ؟ ( القضاة للكندي 390 ).

وجاء في المقامة البغدادية ، وهي المقامة الثانية عشرة من مقامات بديع الزمان الهمداني ، أن الشواء ، قال للسوادي الذي أكل الشواء ، ولم يدفع ثمنه : يا أخا القحبة ، زن عشرين ، وإلا أكلت ثلاثة وتسعين ( مقامات الهمذاني 55 - 59 وزهر الآداب 2 /6).

أقول : أشرنا آنفا إلي أن هذه الشتيمة ، أخا القحبة ، ما زالت متعارفة ومستعملة في بغداد ، إلا أن البغدادي يلفظ الخاء مشددة ، وقوله : زن عشرين ، أي عشرين درهما ، أما قوله : والا أكلت ثلاث وتسعين ، أي ضربة بقبضة اليد المجموعة ، وذلك وفقا لحساب الأصابع ، وقد سئل أبو العيناء عن سه ، فقال : قبضة ، يريد ثلاثة وتسعين سنة ( الملح والنوادر 231 ) ولأجل الإطلاع علي حساب الأصابع ، راجع حاشية القصة 53/1 من كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي جا ص104 - 107 حيث فضلت هذا الحساب تفصية تامة .

ص: 385

5-قولهم : ابن البظراء ، ابن المتكاء ، ابن العقلاء ، ابن لغلفاء

. البظراء : ذات البظر البارز ، والبظر منة بين أسكتي المرأة ، والبظراء: لفظة شتم والمتكاء : التي لم تخفض، أي لم تختن ، وكذلك : الخلفاء ، وهي من الفاظ الشتيمة

والعقلاء : المصابة بالعقل ، وهو استطالة من اللحم تظهر في عورة المرأة .

شتم الخليفة عثمان بن عفان ، عمار بن ياسر ، فقال له : يا ابن المتكاء .

وسبب ذلك : إن عثمان أخذ حليا وجوهرأ من بيت المال بالمدينة ، فحلي به بعض أهله ، فعاب الناس عليه ذلك ، وكلموه ، حتي أغضبوه ، فقال : لنأخذن من هذا الفيء حاجتنا، وان رغمت أنوف أقوام ، فقال عمار بن ياسر : أشهد الله إن أنفي أول راغم من ذلك ، فقال له عثمان : أعلي يا ابن المتكاء تجتريء ، خذوه ، وضربه ( انساب الاشراف 8/5 ) . وشتم شبث بن ربعي ، خليد، مولي حسان الذهلي ، فقال له : يا ابن المتكاء .

وتفصيل ذلك : إن شبث بن ربعي كان يحارب المختار بالكوفة ، فإذا أسر من أصحاب المختار ، قتل المولي ، وأطلق العربي ، وأسر خليد، مولي حسان الذهلي ، فقال له : يا ابن المتكاء ، تركت بيع الصحناة ( طعام يتخذ من السمك ) بالكناسة ( محلة من محلات الكوفة ) وأقبلت تحارب من أعتقك ، ثم قتله ( الطبري 25/6 ).

وكان صول التركي ، جد إبراهيم بن العباس ، ومحمد بن يحيي ، تركيا ، أسلم علي يد يزيد بن المهلب ، ولم يزل معه حتي قتل يزيد يوم

ص: 386

العقر ، وكان صول يقاتل مع يزيد ، ويكتب علي سهامه : صول يدعوكم إلي كتاب الله وسنة نبيه .

فبلغ ذلك يزيد بن عبد الملك ، فقال : ويلي علي إبن الغلفاء ، ماله وللدعاء إلي كتاب الله وسنة نبيه ، ولعله لا يفقه صلاته ( الأغاني 43/10 ومعجم الأدباء 260/1 و 261 ).

وقبض عبيد الله بن زياد ، علي الهثهاث بن ثور ، فكلمه فيه سويد بن منجوف ، وقال له : إن عمي الهثهاث بريء مما قرف به ، فشتمه عبيد الله ، وقال له : يا ابن البظراء ( انساب الأشراف 92/2/4 ).

وكانت أم خالد القسري ، رومية نصرانية ، فكانوا إذا شتموه قالوا : ابن البظراء ، فيقال إنه ختن أمه وهي كارهة ( الأغاني 22 / 14).

واجتمع العباس بن الوليد ، وجماعة من الأمراء الأمويين عند الخليفة هشام بن عبد الملك ، ودخل الوليد بن يزيد، فقال له العباس : يا وليد ، كيف حبك للروميات ، فإن أباك كان مشغوفا بهن . فقال : كيف لا يكون ذلك وهن يلدن مثلك ، قال : ألا تسكت يا ابن البظراء ، قال : حسبك أيها المفتخر علينا بختان أمه ( الأغاني 5/7 ، والعقد الفريد 450/4 ).

وست مخنث آمرأة تحرشت به ، فقال لها : يا بظراء ، راجع القصة في البصائر والذخائر 531/2/3 .

وشتم غلام بغدادي ، أبا محمد القمي ، بأصبهان ، فقال له : أمك بظراء ، راجع القصة في البصائر والذخائر 225/1 .

وشتم إبراهيم بن المدبر ، أبا الخير عيسي بن إبراهيم النصراني ، فقال عنه : ابن البظراء .

وسبب ذلك : إن أبا الخير عيسي بن إبراهيم النصراني ، كان يكتب السعيد بن صالح ، وكان قد سعي علي إبراهيم بن المدبر حتي نكب ، وحبس ، وحدث أن تخلص إبراهيم من السجن ، ومات سعيد بن صالح ،

ص: 387

فنكب كاتبه عيسي ، وحبس ونهبت داره ، فقال فيه إبراهيم : [ الأغاني 157/22 و 176]

قل لأبي الشر، إن مررت به***مقالة عريت من اللبس

لا زلت يا ابن البظراء مرتهنا*** في شر حال وضيق محتبس

وأحضر حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، العدل ابن عبد السلام ، يطالبه بوديعة سعي بأنها عنده لابن الفرات ، وان يحيي الدقيقي ، قرابة أم كلثوم ، قهرمانة ابن الفرات ، أودعه ذلك ، فقال له : هذا الدقيقي ابن البظراء ، قرابة أم كلثوم العقلاء تعرفه ؟

فقال العدل : الوزير - أعزه الله - أعرف به مني .

أقول : ذكر القاضي التنوخي ، في كتابه نشوار المحاضرة ج 8 ص 85 رقم القصة 36/8 ، قال : ما رأينا ولا سمعنا ، برئيس أسفه لسانا ، من حامد بن العباس ، فإنه كان لا يرد لسانه عن أحد البتة ، وكان إذا غضب شتم ، وجاءت إليه أم موسي الهاشمية ، قهرمانة المقتدر ، وأبلغته قائلة : إن أمير المؤمنين أمرني أن أقول لك في مجلس حفلك ، إن ابن الفرات كان يحمل إلي في كل يوم خريطة فيها ألف دينار ، وإلي السيدة عشرة الاف دينار في كل شهر، وإلي الأمراء والقهارمة خمسة آلاف دينار في الشهر ، وإنك قد أخللت منذ أربعين يوما .

فقال لها حامد : الساعة قد جئت حادة محتدة ، تطالبيني بهذا ؟ أضرطي والتقطي ، وأحذري لا تغلطي .

فقامت خجلة وذهبت إلي حال سبيلها .

أقول : ومما يروي عن حامد، أنه قال لابن الحواري ، وأم موسي القهرمانة حاضرة ، في دار الخلافة : قد نكت أمه مرتين ، وقال لعلي بن عيسي مرة ، بحضرة الخليفة المقتدر أنا - والله - نكت هذا مرتين ، وهو

ص: 388

أمرد ، وغضب علي رجل من كرام الناس ، وهو في مجلس الوزارة ، فقال العلي بن عيسي : تلومني الساعة أن أنيك أم هذا ؟ لزيادة التفصيل راجع كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ج 8 ص 85 - 88 رقم القصة 36.

وفيما كان الوزير أبو الحسن علي ابن عيسي مجتمعا مع رجال الدولة ، مؤنس المظفر ، ويأنس ، وغريب خال المقتدر ، ونصر الحاجب ، وشفيع اللؤلؤي ، يتذاكرون في أمر مصر ، وكان الفاطمي قد غزاها ، وبلغ الجيزة ، فجاءت أم موسي القهرمانة ، ولما عرفت انهم مهتمون بأمر مصر ، قالت : بظر أم مصر ، ومتي كانت في يد السلطان حتي يغتم عليها إذا أخذت ( الوزراء 381) .

وتفصيل القصة ، وقد رواها عبد الرحمن بن عيسي، أخو الوزير علي بن عيسي ، قال : تأخر الوزير أبو الحسن علي بن عيسي ، في دار السلطان ، تأخرا طال ، ثم وافي ، وقد تجاوزت صلاة الظهر في يوم صائف ، فقلنا له : ما سبب هذا التأخر ؟ فقد أعتورتنا الظنون فيه ، فقال : كنا - والله - في أعجوبة لم يسمع بمثلها ، قلنا : ما هي ؟ كنت مع مؤنس، ويأنس ، وغريب الخال ، ونصر الحاجب ، وشفيع ، وغيرهم من الخاصة ، نتجاري ما ورد من أمر مصر ، إذ جاءت أم موسي القهرمانة ، فجلست علي مسورة ، واستدعت من خادمها منديل حوائجها ، وبدأت تعرض رقعة لبعض الحشم في زيادة دينار في نزله ، ورقعة أخري لبعض الخدم في زيادة يسيرة في رزقه ، وأنا والجماعة نتميز عيظة من قطعها إيانا عن هذا الأمر العظيم بمثل هذه الصغائر ، فتركت الرقعة ، وعدت إلي مشاورة القوم ، فغضبت أم موسي ، وقالت : هكذا يفعل بحوائج السادة ؟ فقلت لها : نحن في حراسة الأرواح ، وحفظ أصول الملك ، فقالت : وما هذا الشغل كله ؟ فقلت لها : إن مصر قد أشرفت علي الذهاب ، والخروج من يد السلطان ، وغلب المغربي علي مواضع الإرتفاع فيها ، وإن تم ما نخاف ، فقد مضي المغرب كله ، ثم لا

ص: 389

قرار علي البساط بعده ، فقالت أم موسي : بظر أم مصر ، ومتي كانت في يد السلطان ، حتي يغتم عليها إذا أخذت ؟ فورد علي من قولها ما أدهشني ، وقلت لها : بمثل هذا أدبر أمر الدنيا .

وشتم بشر بن هارون النصراني الكاتب ، الوزير ابن صالحان ، بشعر قال فيه : بظر ام الوزير .

وتفصيل ذلك : إن بشر بن هارون الكاتب ، وكان أدبيا شاعرأ ، جاء إلي الموقق أبي علي إسماعيل ، وكان يخلف الوزير أبا منصور بن صالحان ، فقال له : إني هجوت الوزير أبا منصور ، وتلا عليه البيتين :

قالوا : مضيت إلي الوزير ؟***فقلت : بظر أم الوزير

يلقي الكرام ، نعم ، وإما***اذا ، فيلقي جوف بير

فقال له الموفق : لو سمعها منك ، لحملت أمرك معه ، فراهنه علي أن ينشدها إياه ، علي مائة درهم وعشرة أقفزة حنطة ، ودخل علي الوزير ، وقال له : إنك أنعمت علي بما يقصر شكري عنه ، وقد حسدني قوم علي قربي منك ، وقالوا أبياتأ علي لساني فيك ، فأخاف أن تصدق ذلك إذا سمعته ، فقال له الوزير : لا تخف ، فما الأبيات ؟ فأنشده إياها ، فضحك الوزير ، وخرج بشر إلي الموقق ، فكتب له صكة بالدراهم والحنطة ، إلي وكيله ، فدافعه الوكيل ، فكتب إلي الموفق :

أيها السيد الكريم الجليل***هل إلي نظرة إليك سبيل

فأناجيك باشتكاء وكيل*** ليس حسبي ، وليس نعم الوكيل

راجع أخبار بشر بن هارون الكاتب ، في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ج 1 ص 93 و 94 وج3 ص 114 .

وكان أحد الكتاب النصاري ، يكتب لابن الفرات ، وكان أثير عنده ،

ص: 390

عرف بلقبه وهو : بظر أم الدنيا ، ويلوح لي إنه لقب بهذا اللقب ، لأنه كان يكثر من ترديده ( الوزراء 73 ).

واجتاز القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، بأحد الدروب، فسمع امرأة تقول لأخري : كم عمر ابنتك يا أختي ؟ فقالت : رزقتها يوم صفع القاضي التنوخي ، وضرب بالسياط ، فرفع رأسه إليها ، وقال : يا بظراء ، صار صفعي تاريخك ، ما وجدت تاريخا غيره ؟ ( فوات الوفيات 3/ 61)

ص: 391

6. قولهم : يا عاض بظر أمه

البظر : هنة بين اسكتي المرأة

وشتم الإنسان : بمص بظر أمه ، أو بعض بظر أمه ، من الشتائم القبيحة التي تجمع إلي اللفظ السمج ، الإستهانة بالمشتوم ، مع ذكر أمه بالقبيح .

وأول من بلغنا عنه ، إنه تلفظ بهذه الشتيمة ، من السراة ، عبد الله بن الزبير ، وقد كان بينه ، وبين سلمي بن نوفل ، جد مطيع بن إياس ، مقارضة فلما بويع عبد الله ، بمكة ، دخل سلمي ، وابن الزبير يخطب ، فرآه ، ولما أتم خطبته ، بعث من أحضره ، وقال له : اتك لها هنا ، يا عاض بظر أمه ؟ فقال له سلمي : أعيذك بالله ، أن يتحدث العرب ، أن الشيطان نطق علي فيك ، بما تنطق به الأمة الفسلة ( الأغاني 275/13 ).

وغضب عبد الملك بن مروان ، علي جرير الشاعر ، فقال له : يا عاض بظر أمه .

وتفصيل ذلك : إن جرير مدح الحجاج مدح أغضب به عبد الملك بن مروان ، ولما قصد جرير عبد الملك ، قال له : ما عساك أن تقول فينا ، بعد قولك في الحجاج ؟ ألست القائل :

من سدمطلع النفاق عليكم*** أم من يصول كهولة الحجاج

أم من يغار علي النساء حفيظ؛***إذ لا يثقن بغيرة الأزواج

ص: 392

ثم قال له : يا عاض بظر أمه ، والله ، لهممت أن أطير بك طيرة بطيئة وقوعها . ( الأغاني 66/8 ).

وشتم عبد الله بن محمد بن سالم الشاعر ، المعروف بابن الخياط ، ولده يونس ، فقال له : ويلك يا يونس ، يا عاض بظر أمه ، تحرمني ؟

وسبب ذلك : إن فتي استنشد عبد الله من شعره ، فأنشده ، ولما أراد أن يصله تصدي له يونس ، ابن عبد الله ، وقال له : لا تعجل ، حتي تسمع شعري، فإنه أجود من شعر أبي ، فصاح الأب بولده : ويلك يا يونس ، يا عاض بظر أمه ، تحرمني ؟ فقال له : دع هذا عنك ، والله ، لا تجوع امرأتي ، وتشبع امرأتك ، وأنشده ، فقسم الفتي الصلة بينهما ( الأغاني 20 / 4 و 5).

ونازع الشحاج الموصلي ، في مجلس سليمان بن عبد الملك ، أخاه ، في ميراث أبيه ، فلحن ، فصاح به سليمان : لا رحم الله أباك ، ولا بارك لك فيما ورثت أخرجوا عني هذا اللحان ، فأخذ بيده بعض الشاكرية ، وقال له : قم فقد آذيت أمير المؤمنين ( قالها بالضم ) ، فقال سليمان : وهذا العاض بظر أمه ، إسحبوا برجله ( معجم الأدباء 24/1 ).

وقال عمر بن عبد العزيز ، في صباه ، لجارية : أعضك الله بكذا، فقال له المؤدب قل : أعضك عبد العزيز بكذا ( يعني أباه ) ، فقال : الأمير أجل من ذلك ، قال المؤدب : ليكن الله أجل في صدرك ، فما عاود كلمة خنا ( البصائر والذخائر 458/2/2 ) .

وغضب هشام بن عبد الملك علي الشاعر إسماعيل بن يسار ، فقال له : يا عاض بظر أمه ، أعلي تفخر ؟

ص: 393

وسبب ذلك إن إسماعيل بن يسار الشاعر كان مبتلي بالعصبية للعجم والفخر بهم ، دخل علي هشام بن عبد الملك في خلافته وهو بالرصافة ، جالس علي بركة في قصره ، فأنشده قصيدة افتخر فيها بالعجم ، منها :

إني - وجدك . ما عودي بذي خور***عند الحفاظ ولا حوضي بمهدوم

أصلي كريم ومجدي لا يقاس به***ولي لسان كحد السيف مسموم

أحمي به مجد أقوام ذوي حسب*** من كل قرم بتاج الملك مصموم

جحاجج سادة بلج مزاربة****** جرد عتاق مساميح مطاعيم

من مثل كسري وسابور الجنود معا***والهر مزان لفخر أو لتعظيم

فغضب هشام ، وقال له : يا عاض بظر أمه ، أعلي تفخر وإياي تنشد قصيدة تمدح بها نفسك وأعلاج قومك ، وأمر به فغطوه بالماء حتي كادت نفسه تخرج ، ثم أمر بإخراجه وهو يشر ، ونفاه من وقته ، فأخرج عن الرصافة منفيا ( اعلام النبلاء 125/1)

وقال العريان بن الهثيم ، صاحب شرطة الكوفة ، لأحد تجار الكوفة : أي عاض بظر أمه .

وسبب ذلك : إن أحد تجار الكوفة ، كان صاحب غريب ، جاء إلي العريان ومعه خصم ، فقال التاجر للعريان : أصلحك الله ، إني ابتعت من هذا عنجدة، واستنساته شهرة أؤديه مياومة، ولم ينقض الأجل ، فليس يلقاني في لقم إلا فثأني عن وجهي ، فقال له العريان : من أين أنت ؟ قال : أنا رجل من التجار ، فقال : أي عاض بظر أمه ، تاجر يتكلم بهذا الكلام ، ضعوا ثيابه ( يعني أن يهيأ ليضرب ) فأهوت الشرط إلي ثيابه ، فقال : أصلحك الله إن إزاري مرعبل ، فضحك العريان ، وقال : خلوا عنه ، فلو ترك الغريب في موضع لتركه ها هنا ( البصائر والذخائر 680/2/2).

ولما قدم السيد الحميري الكوفة ، تليت عليه أبيات منها :

ص: 394

يعيب علي أقوام سفاهأ*** بأن أرجي أبا حسن عليا

إذا أيقنت أن الله ربي****** وأرسل أحمد حقا نبيا

فليس علي في الأرجاء بأس***ولا لبس ولست أخاف شيا

فقال : من قال هذا ؟ فقالوا : قالها محارب بن دثار الذهلي ، فقال السيد : لا كان الله وليا للعاض بظر أمه ( الأغاني248/7)

أقول : الإرجاء هنا، يراد به تأخير الإمام علي بن أبي طالب إلي الدرجة الرابعة ، والمرجئة بهذا المعني ، يخالفهم الشيعة ، والتفضيليون من غير الشيعة ، الذين يقولون بتفضيل علي علي غيره من الصحابة ، وبتجويز إمامة المفضول مع وجود الفاضل .

ولما بايع الوليد بن يزيد ، لولديه عثمان والحكم ، قال له بعض مواليه : إن الناس قد أنكروا مبايعتك لمن لم يبلغ الحلم ، فقال له : عضوا ببطور أمهاتكم ، أنا أدخل بيني وبين إبني غيري ، فيلقي منه ما لقيت من الأحول ؟ ( يريد هشام بن عبد الملك ) ( الأغاني 70/7 ).

وشتم الشاعر بن هرمة نفسه ، وتفصيل القصة ان أبن هرمة كان قد مدح أحد العلويين بأبيات ، منها :

ومهما ألام علي حبهم***فإني أحب بني فاطمة

بني بنت من جاء بالمحكمات***والدين والسنن القائمة

فلقيه بعد ذلك رجل ، وسأله عن قائل تلك الأبيات ، فقال : قالها من عض بظر أمه ، فقال له ابنه لما انفردا : يا أبت ألست قائلها ؟ قال : بلي ، قال : فلم شتمت نفسك ؟ قال : أليس أن بعض الإنسان بظر أمه ، خير من يأخذه ابن قحطبة ؟ ( الأغاني 375/4 و 376 ).

ولما خرج الضحاك في السنة 127 بالكوفة ، قتل جعفر بن العباس الكندي ، وكان علي شرطة أمير الكوفة عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ،

ص: 395

فجنح عبيد الله بن العباس، أخو جعفر إلي الضحاك ، فبايعه وصار في عسكره ، فقال أبو عطاء السندي ، يعيره باتباعه الضحاك :

فقل لعبيد الله لو كان جعفر*** هو الحي لم يجنح وأنت قتيل

ولم يتبع المراق والثأر فيهم***وفي كفه غضب الذباب صقيل

فلا وصلتك الرحم من ذي قرابة***وطالب وتر والذليل ذليل

تركت أخاشيبان يسلب به***ونجاك خوار العنان مطول

إلي معشر أردوا أخاك وأكفروا***أباك فماذا بعد ذاك تقول ؟

فقال عبيد الله : أقول أعضك الله ببظر أمك .

( الطبري 7 / 320 و 321 وابن الأثير 336/5 )

وأغلظ المنصور لعبد الله بن الحسن بن الحسن ، فأعضه ، أي قال له : يا عاض بظر امه ، فقال له عبد الله ، يا أبا جعفر ، بأي أمهاتي تعضني ؟ خديجة بنت خويلد ، أم بفاطمة بنت رسول الله ، أم بفاطمة بنت الحسين بن علي ؟ ( الاغاني 21 / 122).

وكان موسي بن مصعب علي الموصل ، فاستعمل رجلا حرانيا علي كورة باهذرا ، وهي من أجل كور الموصل ، فأبطأ حمل الخراج فكتب موسي إليه :

هل عند رسم برامة خبر***أم لا! فأي الأشياء تنتظر

احمل ما عندك با ماص بظر أمه ، وإلا فقد أمرت رسولي بشك وثاقة ، وأن يأتي بك .

فخرج الرجل ، وأخذ ما كان معه من الخراج ، فلحق بحران ، وكتب إليه : يا عاض بظر أمه ، إلي تكتب بهذا ؟

وإذا أهل بلدة أنكروني***عرفتني الدوية الملساء

ص: 396

فلما قرأ موسي كتابه ، ضحك ، وقال : أحسن - يعلم الله - الجواب ، ولا والله ، لا أطلبه أبدأ ( الاغاني 6/ 330 و 331 )

وتمثل آدم بن عمر بن عبد العزيز ، في مجلس المهدي العباسي ، ببيت من الشعر ، قاله الأخطل في مدح بني أمية ، وهو :

شمس العداوة حتي يستقاد لهم***وأعظم الناس أحلاما إذا قدروا

فغضب المهدي حتي استشاط ، وقال : كذب والله ابن النصرانية العاض بظر أمه ، وكذبت يا عاض بظر أمك .

وأغري يعقوب بن داود ، المهدي العباسي ، ببشار، وقال له إنه هجاك، وقال إنه لا يقدر أن يلفظ ما هجاه به، ولكنه كتبه له، فكاد المهدي ينشق غيظا ، وخرج إلي البصرة ، فسمع أذان في ضحي النهار ، فقال : انظروا ما هذا ؟ فإذا بشار سكران ، فأحضره ، وقال له : يا زنديق ، يا عاض بظر أمه ، أتلهو بالأذان في غير وقت صلاة وأنت سكران ؟ ودعا بأبي نهيك ، وأمره بضربه ، فضربه بين يديه علي صدر الحراقة سبعين بسوطأ، فبان فيه الموت ، فألقي في سفينة ، فمات ، وألقيت جثته في البطيحة .( وفيات الأعيان 427/1 و 428) .

ولما بلغ المهدي أن بشار قال :

لا يؤيسك من مخبأة*** قول تغلظه وإن جرحا

عسر النار إلي مياسرة***والصعب يمكن بعدما جمحا

وكان المهدي غيورة ، فأحضره ، وقال له : تلك أمك ، يا عاض كذا وكذا ( يا عاض بظر أمه ) ، تحض النساء علي الفجور ، وتقذف المحصنات المخبات ؟ ( الاغاني 241/3 و وفيات الاعيان 426/1 ) .

ص: 397

وغضب المهدي علي أبي دلامة ، فالتفت إلي خادم علي رأسه ، وقال له : جأ عنق العاض بظر أمه ( الاغاني 266/10 ).

وكتب أبو دلامة للمهدي رقعة ، فسأله فيها بالرحم التي جمعت بينهما ، فغضب المهدي وقال له : يا عاض بظر أمه ، أي قرابة بيني وبينك ؟ قال : رحم آدم وحواء يا أمير المؤمنين ( الاغاني 254/10 ).

وشتم الرشيد ، علويه المغني ، فقال له : يا عاض بظر أمه .

وسبب ذلك : إن علويه غني الرشيد ، صوت ، في بيت من الشعر :

وأري الغواني لا يواصلن آمر***فقد الشباب ، وقد يصلن الأمردا

فغضب الرشيد ، وقال له : يا عاض بظر أمه ، تغني في مدح المرد ، وذم الشيب ، وستارتي منصوبة ، وقد شبت ، كأنك إما عرضت بي ، ثم دعا بمسرور ، وأمره أن يأخذ بيده فيخرجه ، ويضربه ، ثلاثين درة ، ولا يرده إلي مجلسه ، ففعل ذلك ( الاغاني 252/5 و 360/11 ).

وبلغت الأمين ، أبيات قالها أبو نواس ، يفتخر فيها بنفسه ، منها :

لقد زادني تيها علي الناس أنني***أراني أغناهم وان كنت ذا فقر

ولو لم أنل فخرة لكانت صيانتي***فمي عن سؤال الناس حسبي من الفخر

فلا يطمعن في ذاك مي طامع***ولاصاحب التاج المحجب في القصر

فقال له : يا عاض بظر أمه العاهرة ، يا ابن اللغناء ، أنت تكسب بشعرك أوساخ أيدي اللئام ، ثم تقول : ولا صاحب التاج المحجب في القصر ؟ ( الطبري 518/8 ).

وقال أبو العتاهية ، في مجلس المأمون ، يا أمير المؤمنين ، ما في الأرض فئة أجهل ، ولا أضعف حجة من القدرية ، فقال له المأمون : أنت

ص: 398

رجل شاعر ، وأنت بصناعتك أعلم ، فلا تتخطاها إلي غيرها ، فلست تعرف الكلام ، فقال : إن جمع أمير المؤمنين بيني وبين رجل منهم وقف علي ما عندي من الكلام ، فوجه المأمون إلي ثمامة بن أشرس ، وأحضره ، وقال له : يا ثمامة ، زعم هذا إنه لا حجة لك ولا لأصحابك ، فقال ثمامة لأبي العتاهية : سل عما بدا لك ، فأخرج أبو العتاهية يده من كمه وحركها ، وقال : يا ثمامة ، من حرك يدي ؟ فقال : حركها من أمه زانية ، فغضب أبو العتاهية ، وقال للمأمون : شتمني يا أمير المؤمنين ، فقال له ثمامة : ناقضت يا عاض بظر أمه ، إن كنت أنت المحرك لها ، فهذا قولي ، وإن لم تكن ، فما شتمتك ، فأفحم أبو العتاهية ، وسكت .

( المحاسن والمساويء2 / 122 و122 والعقد الفريد 2/ 384)

ولما حصر طاهر بن الحسين ، بغداد ، وأيس الأمين من النصر ، كتب إلي طاهر كتابة قال فيه : من عبد الله محمد أمير المؤمنين ، إلي طاهر بن الحسين ، أما بعد ، فإن الأمر قد خرج بيني وبين أخي إلي هتك الستور ، وكشف الحرم ، ولست آمن أن يطمع في هذا الأمر السحيق البعيد ، لشتات إلفتنا، وأختلاف كلمتنا ، وقد رضيت أن تكتب لي أمانة ، فأخرج به إلي أخي ، فإن تفضل علي بالعفو فأهل ذلك هو ، وإن قتلني فمروة كسرت مروة ، وصمصامة قطعت صمصامة ، ولأن يفترسني الأسد ، أحب إلي من أن تنهشني الكلاب ، وأمر بختمه ، وبعث به إلي طاهر ، فلما قرأه طاهر ، قال : الآن حين انحرف عنه مراقه وفساقه ، وبقي مخذولا ، يلوذ بالأمان ، لا والله ، حتي يجعل في عنقه ساجورة ، ويقول : ها أنذا قد نزلت علي حكمك ، فقال له الرسول : ما الجواب ؟ قال : ما سمعت ، فعاد الرسول إلي الأمين بالخبر ، فقال الأمين : كذب عبد السوء ، العاض هن أمه ، والله ما أبالي أوقعت علي الموت ، أو وقع الموت علي ( البصائر والذخائر 306/1 و307) .

ص: 399

وعرض وهب بن أبي إبراهيم ، علي يونس النحوي (ت 182 ) شعرا من نظمه ، ولم يخبره إنه له ، فقال له : من هذا العاض بظر أمه ؟

( الموشح للمرزباني 558 )

أقول : والشيء بالشيء يذكر ، كان لنا صديق ينظم شعرة باردة ، ويتلوه علينا، ويسألنا أجاهلي هذا الشعر أم إسلامي ؟ وحدث مرة أن تلا علينا أبياتا كان قد ذكر لنا قبلا انها له ، فقلت : هذا شعر سخيف ، من قاله فقد أكل خرا ، فاغتاظ مني ، وقال : هذا الشعر لي ، فقلت : اعذرني يا أبا حميد ، فإني لم أكن أدري أن الشعر لك ، ولذلك صرحت لك بالرأي الصحيح .

وكان إسحاق الموصلي يألف علي وأحمد ابني هشام إلفة شديدة ، ثم وقعت بينهم وحشة ونبوة ، فهجاهم ، وقال في احمد بن هشام :

وصافية تغشي العيون رقيقة***رهينة عام في الدنان وعام

أدرنا بها الكأس الروية موهنأ***من الليل حتي انجاب كل ظلام

فما در قرن الشمس حتي كأننا*** من العي نحكي أحمد بن هشام

وبلغ ذلك أحمد بن هشام ، فقال : أوقد فعل العاض بظر أمه .

( الاغاني 17 / 113 و 114)

وشتم الواثق ، المسدود المغني ، فقال : خذوا برجل العاض بظر امه.

وسبب ذلك : إن الواثق ، كان في إحدي عينيه نكتة بياض ، وفي أحد مجالس شرابه ، غني ، بالبيت :

نظرت كأني من وراء زجاجة*** إلي الدار من ماء الصبابة أنظر

وكان الواثق ، قد أذن لجلسائه ، إلا يرد أحد عن التندر ، فقال المسدود المغني للواثق ، أنت تنظر دائما من وراء زجاجة ، يشير إلي البياض

ص: 400

الذي في عينه ، فغضب الواثق ، وقال : خذوا برجل العاض بظر أمه فسحب من بين يديه ، وقال : ينفي إلي عمان الساعة ، فأحدر من وقته .

( الاغاني 20 / 289 )

وشتم المازني النحوي ، أبا الشبل الشاعر ، وهو لا يدري ، فقال : العاض بظر أمه .

قال ابو الشبل : لما عرض لي الشعر ، أتيت المازني النحوي ، وكنت حديث السن ، فقلت له ، إن رجلا لم يكن من أهل الشعر ، ولا من أهل الرواية ، قد جاش صدره بشيء من الشعر ، فكره أن يظهره حتي تسمعه ، قال : هاته : فأنشدته ما قلت ، ولم يكن جيدأ ، فقال : من العاض بظر أمه القائل لهذا ؟ فقمت عنه خجلا ( الاغاني 197/14 ).

وكان أبو نوح عيسي بن إبراهيم ، علي ديوان الضياع بسر من رأي ، فراجعه صاعد بن مخلد ، وكانت في يده ضمانات ، فجرت بين الاثنين مناظرة ، احتد فيها أبو نوح ، فقال لصاعد: يا عاض بظر أمه ، فرد عليه صاعد مثل ما قاله له ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي حه ص78 و 82 رقم القصة 34.

وكانت امرأة بصرية عشقت أبا العيناء ، لما بلغها من أخباره ، فلما رأته ، استقبحته ، وقالت : قبحه الله ، أهذا هو ؟ فكتب إليها :

فان تنكري مني آحولافإنني*** أديب أريب لاعبي ولا فدم

فوقعت في الرقعة : يا عاض بظر أمه ، لديوان الرسائل أردتك ؟

( الديارات 85 و86)

وذكر أبو محمد بن حمدون ، نديم المعتضد ، أنه كان عليه دين ، فلما جلس المعتضد للمظالم ، تقدم إليه دائنوا ابن حمدون ، وشكوا إليه أمرهم ،

ص: 401

واعترف ابن حمدون بالدين ، فاضطر المعتضد إلي سداد الذين عن نديمه فلما خلا به ، قال له : يا عاض كذا ، ( أي با عاض بظر أمه ) ، أما قدرت أن تجحد ، فلا أغرم أنا المال ، ولا تحبس أنت ؟ راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة رقم 1/ 144 حا ص268 .

ولما عزل الوزير ابن مقلة ، تسلمه الوزير سليمان بن الحسن بن مخلد ، وأبو العباس الخصيبي ، فكان يطالب ، ويضرب ، ويعذب ، وقال له أبو العباس : أقرأني يعقوب البريدي كتابك إليه ، لما أخبرك بأنه حملني إلي البحر ، فكتب إليه : يا عاجز ، ألا سملته ، ثم حملته ، يا عاض بظر أمه ، أردت أن ينطبق لفظك بانطباق ناظري ؟ يا غلام اصفع ، فصفع ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، في القصة رقم 63/2 ج2 ص124 و 125 .

وقال أحد المورثين ، وكان غنيا ، فأسرف من ماله وافتقر ، ثم عاد فحسنت حاله ، لأحد أصدقائه الذين كانوا يحسنون له الإسراف : إني أحببت أن تري رجوع حالي، ومن دوام صلاحها، واستقامتها، أن لا أعاشرك يا عاض بظر أمه أبدا ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 93/1 حا ص178 - 183.

وقالت زادمهر ، جارية المنصورية ، لابن جمهور العيني : خذلي الطالع في شيء قد أضمرته ، فأخذ الطالع ، وقال : سألت عن رجل عليل القلب ، شديد الكرب ، دائم الفكرة ، طويل الحيرة ، قد أشفي علي أمر عظيم في طاعة إنسان عزيز ، فضحكت ثم قالت مسرعة : علي بظر أم الكاذب ، والله ما سألتك إلا عن الثوب المصمت الذي وعدتني به ( الديارات 268) .

وكان نفطويه النحوي ، لا يعني بنظافته ، فكان يفرط به الصنان ،

ص: 402

ودخل مرة علي الوزير حامد بن العباس ، وزير المقتدر ، فتأذي هو وجلساؤه بفرط صنانه ، فقال حامد : يا غلام ، أحضرنا مرتكأ ، فجاء به ، فبدأ الوزير بنفسه ، فتمرتك ، وأداره علي الجلساء ، فتمرتكوا ، وفطنوا أن القصد من ذلك أن يتمرتك نفطويه ، ليزول صنانه ، من غير أن يجبهه بذلك ، فلما وصل المرتك إلي نفطويه أبي أن يتمرتك ، وقال : لا حاجة لي بذلك ، فراجعه ، فأبي ، فاحتد حامد، وقال له: يا عاض بظر أمه، إنما تمرتكنا جميعا لتأذينا بصنانك ، قم ، لا أقام الله لك وزنة ( معجم الأدباء 1 / 313) .

وغضب محمد بن خلف ، كاتب ابن أبي الساج ، علي وكيله الحسن بن هارون ، فقال له : يا عاض ، بلغني أنك شعت علي عند الوزير ، والله يا كلب لأضربنك خمسمائة سوط ، راجع تفصيل القصة في تجارب الأمم 1/ 170 .

وفي السنة 323 ورد كتاب أبي عبد الله البريدي ، ضامن أعمال الخراج والضياع بالاهواز ، يؤيس من حمل مال إلي الحضرة ، فغلظ ذلك علي الوزير أبي الحسن بن مقلة ( ابن الوزير أبي علي بن مقلة الذي كان قد أصعد إلي الموصل)

وبعث أبا عبد الله الكوفي ، إلي البريدي ، يستحثه علي حمل المال ، فلما وصل الكوفي إلي البريدي ، أقام عنده ، فكتب ابن مقلة إلي البريدي ، كتاب يقول فيه : الويل للكوفي العاض ، يريد « العاض بظر أمه ، ( تجارب الأمم 327/1 و 329) .

ص: 403

7- قولهم : يا ماض بظر أمه

دخل كثير عزة ، علي يزيد بن عبد الملك ، فرحب به يزيد ، فسأله كثير ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ما يعني الشماخ بقوله :

فما أروي وإن كرمت علينا***بأدني من موقفة حرون

تطيف علي الرماة وتتقيهم***بأوعال معقفة القرون

فغضب يزيد ، وقال له : وما يضر أمير المؤمنين ، يا ماض بظر أمه ، أن لا يعلم هذا ( الهفوات النادرة 395 ).

وكان نابغة بني شيبان ، مدح يزيد بن عبد الملك ، بشعر ، قال فيه :

هشام والوليد وكل نفس***تريد لك الفناء لك الفداء

فلما مات يزيد ، وتولي هشام ، وفد عليه النابغة ، فقال له : يا ماض ما أبقت المواسي من بظر أمه ، ثم قال أخرجوه عني ، فظل طول أيامه طريدا .

( الاغاني 109/7 )

وشتم عبد الله بن الحسن بن الحسن ، الشاعر ابن هرمة ، وقال له : يا ماض بظر أمه

وسبب ذلك : إن ابن هرمة ، أنشد عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك ، قصيدة في مدحه ، وكان في المجلس عبد الله بن الحسن بن

ص: 404

الحسن ، فلما أنشد ابن هرمة البيت :

وجدنا غالبا كانت جناحا***وكان أبوك قادمة الجناح

غضب عبد الله ، ووثب من المجلس مغضبا، وخرج ، فلحقه ابن هرمة ، واعتذر إليه ، فقال له : يا ماض بظر أمه ، تقول لمرواني :

وكان أبوك قادمة الجناح

بحضرتي ، وأنا ابن رسول الله ، وابن علي بن أبي طالب ؟ فقال له : ألم تسمع قولي في القصيدة :

وبعض القول يذهب بالرياح

فضحك عبد الله ، وعاد إلي رضاه عن ابن هرمة ( الاغاني 106/6 ) .

وذكر أن أبا سلمة الخلال، تردد في مبايعة أبي العباس السفاح بالخلافة ، وأراد نقلها للعلويين ، وأحس دعاة العباسيين بالأمر ، فدخلوا علي أبي العباس وسلموا عليه بالخلافة، فدخل أبو سلمة وسلم علي أبي العباس بالخلافة ، فقال له : أبو حميد محمد بن إبراهيم : علي رغم أنفك يا ماض بظر أمه ( الطبري 7 / 434) .

وقال أبو العباس السفاح ، لواحد من بني امية : يا ماص بظر أمه .

وسبب ذلك : إن السفاح ، كان قد أمن جماعة من بني أمية ، وكانوا في مجلسه يوما ، فدخل عليه سديف الشاعر ، وأنشده قصيدة مدحه بها ، أولها :

أصبح الملك ثابت الأساس***بالبهاليل من بني العباس

فأقبل السفاح علي بعضهم ، وقال له : أين هذا مما مدحتم به ؟ فقال

ص: 405

له : هيهات ، لا يقول فيكم أحد ، مثل قول ابن قيس الرقيات فينا :

ما نقموا من بني أمية إلا*** أنهم يحلمون إن غضبوا

وأنهم معدن الملوك ولا*** تصلح إلا عليهم العرب

فقال له : يا ماص بظر أمه ، وإن الخلافة لفي نفسك بعد، خذوهم ، فأخذوا وقتلوا ( الاغاني 4/ 346 )

وقال عبد الصمد بن علي العباسي ، أمير البصرة ، لابن ميادة : لا سلم الله عليك يا ماص بظر أمه .

وسبب ذلك : إن ابن ميادة دخل علي عبد الصمد العباسي ، بالبصرة ، فسلم عليه ، فقال له : لا سلم الله عليك ، يا ماض بظر أمه ، فقال ابن ميادة : ما أكثر الماضين ، فضحك عبد الصمد ، وقال له : أنت القائل :

لنا الملك إلا أن شيئأتعذه*** قريش ولو شئنا لداخت رقابها

قال : نعم ، قال : أفكنت أمنت أن ينقض عليك باز من قسريش ، فيضرب رأسك ؟ ثم ضحك عبد الصمد ودعا بكسوة فكساه ( الاغاني 2/ 329 و 330 ).

وضم المنصور إلي ولده جعفر ، الفضيل بن عمران ، كاتبأ ، وكان دينأ عفيفة ، فناصبته حاضنة جعفر العداء ، واتهمته بأنه يلعب بجعفر ، فأمر المنصور بقتله فقتل ، فغضب جعفر ، وقال للرسول : ويلك ، ما يقول أمير المؤمنين ، في قتل رجل عفيف ، دين ، مسلم ، بلا جرم ولا جناية ؟ فقال له : هو أمير المؤمنين يفعل ما يشاء ، وهو أعلم بما يصنع ، فقال : يا ماص بظر أمه أكلمك بكلام الخاصة وتكلمني بكلام العامة؟ خذوا برجله فألقوه في دجلة ، فقال له : دعني أكلمك ، أبوك إنما يسأل عن فضيل وحده ؟ ومتي يسأل عنه وقد قتل عمه عبد الله بن علي وقتل عبد الله بن الحسن وغيره من أولاد

ص: 406

الرسول ظلمة ، وقتل من أهل الدنيا ما لا يحصي ولا يعد، هو قبل أن يسأل عن فضيل ، جوشانة تحت خصي فرعون ، فضحك ، وقال : دعوه إلي لعنة الله ( الطبري 8/ 99 و100).

أقول جوشانة ( فارسية ) حب يظهر في الجلد مثل حب الشباب .

وشتم المنصور العباسي، الشاعر أبا عطاء السندي ، فقال له : يا ماض بظر أمه .

وسبب ذلك : إن أبا عطاء السندي ، كان منقطعة إلي الأمويين ، فلما استخلف المنصور ، مدحه ، فلم يثبه ، لعلمه بمذهبه في بني أمية ، فعاوده بالمدح ، فقال له : يا ماص بظر أمه ، ألست القائل في عدو الله الفاجر ، نصر بن سيار :

فاضت دموعي علي نصر، وماظلمت***عين تفيض علي نصر بن سيار

والله لا أعطيك شيئا أبدأ ، فخرج ، وقال قصائد عدة يذمه فيها، منها : ( الاغاني 17 / 332 و 333 ).

يا ليت جور بني مروان عاد لنا***وليت عدل بني العباس في النار

وفي السنة 344 بعث المنصور، الفضل بن صالح بن علي، علي الموسم، وقال له : إن وقعت عينك علي محمد وإبراهيم أبني عبد الله بن الحسن ، فلا يفارقانك ، فلم يلقياه ، وجلس علي دكان قد بني له بالسيالة ، فأمر عبد الله أحد رعاته ، فحلب لبنأ علي عسل في عس عظيم ، وأومأ إليه أن يسقي الفضل بن صالح ، فلما دنا منه ، صاح به الفضل مغضبا : إليك ، يا ماض بظر أمه ( الطبري 520/7 ).

ص: 407

وفي السنة 144حج المنصور ، وسأل عبد الله بن الحسن عن ولديه محمد وإبراهيم ، فقال له : لا علم لي بهما ، حتي تغالظا، فأمضه أبو جعفر ، أي قال له : يا ماص بظر أمه ، فقال له ، يا أبا جعفر بأي أمهاتي تمصني ، أبفاطمة بنت رسول الله ، أم بفاطمة بنت الحسين ، أم بفاطمة بنت أسد ( أم علي بن أبي طالب ) ، أم خديجة بنت خويلد ، أم أم إسحاق بنت طلحة ؟

( مقاتل الطالبيين 213 والطبري 7 / 522 و 523)

ولما مات المنصور ، أحضر الربيع الأكابر وذوي الاسنان من أهل البيت والعامة ، وأخبرهم بأن أمير المؤمنين يأمر بمبايعة المهدي ، ومن بعده عيبي بن موسي ، فبايعوا إلا علي بن عيسي بن ماهان فانه أبي أن يبايع لعيسي ، فلطمه محمد بن سليمان ، وقال : من هذا العلج ؟ وأمصه ( أي إنه قال : يا ماص بظر أمه ) ( الطبري 60/8 ).

وفي السنة 187 قتل الرشيد وزيره جعفر البرمكي ، بعث إليه مسرور الخادم في جماعة من الجند، فأطافوا به ليلا ، ودخل عليه مسرور ، فأخرجه إخراج، عنيف ، يقوده حتي أتي به المنزل الذي فيه الرشيد فحبسه ، وقيده بقيد حمار ، وعاد فأخبر الرشيد ، فأمره بضرب عنقه ، فخرج ، ثم عاد يتثبت من الأمر ، فقال له الرشيد : يا ماص بظر أمه آنتني برأسه ، فعاد ، وضرب عنقه ، وجاءه برأسه ، وأمر الرشيد فوجهت جثة جعفر ، وقد قطعت إلي قطع ، ونصبت القطع علي الجسور ، وفي السنة 189 لما عاد الرشيد من رحلته إلي الري ، ومر بالجسر ، وكانت جثة جعفر ما تزال معلقة ، فأمر بإحراقها ( الطبري 287/8 و 298 و317 ).

وشتم الرشيد ، مولاه أبان ، فقال عنه : الماص بظر أمه .

ص: 408

وسبب ذلك : إن يوسف بن الصيقل ، أنشد الرشيد ، أبيات من الشعر ، كان آخرها :

ويلي ألست تراني***أهذي بها يافلان

فقال الرشيد : من هو فلان هذا ؟ فقال الفضل بن الربيع : هو أبان مولاك يا أمير المؤمنين ، فقال الرشيد ليوسف : ولم لم تنشد البيت كما هو يا نبطي ؟ قال : لأني غضبان علي أبان ، قال ، وما السبب ؟ قال : مدت دجلة ، فهدمت داره وداري وهي تجاوره ، فبني داره وعلاها حتي سترت الهواء عن داري ، فقال الرشيد : لا جرم ، ليعطيك الماص بظر أمه عشرة الاف درهم حتي تبني بناء يعلو علي بنائه ، فتستر أنت عنه الهواء .

( الاغاني ط بولاق 96/20 )

وهجا ربيعة الرقي ، العباس بن محمد العباسي ، فغضب الرشيد، وأحضره وقال له : يا ماض بظر أمه ، أتهجو عمي .

وقد أوردنا القصة في موضع آخر من هذا الكتاب ، ووردت في الاغاني 257/16 .

وكان الجنيد من كبار العمال ، وكان كريمة سمحة ، إلا أنه كان يكذر عطيته بالشتيمة ، فكان يقول : أعطوا هذا الماص بظر أمه عشرة آلاف ، درهم ، راجع التفصيل في البصائر والذخائر 782/2/2 و 781.

وشتم المأمون علي بن جبلة الشاعر ، فقال له : كذبت يا ماض بظر امه

وسبب ذلك : إن عليا مدح أحد ممدوحيه ، أبا دلف ، فبالغ ، وقال :

إنما الدنيا أبو دلف***ببن باديه ومحتضره

فإذا ولي أبو دلف***وقت الدنيا علي أثره

ص: 409

كل من في الأرض من عرب***بين باديه إلي حضره

مستعير منك مكرمة***يكتسيها يوم مفتخره

فبلغ ذلك المأمون ، فطلبه ، ولما أحضر ، قال له : إني لست أستحل دمك لأنك فضلت أبا دلف علي العرب كلها ، وإدخالك في ذلك قريشأ ، وهم آل رسول الله وعترته ، ولكني أستحله بقولك في شعرك ، في مدح أحد ممدوحيك :

أنت الذي تنزل الأيام منزلها***وتنقل الدهر من حال إلي حال

وما مددت مدي طرف إلي أحد*** إلا قضيت بأرزاق وأجال

كذبت يا ماض بظر أمه ، ما يقدر علي ذلك أحد إلا الله ، وأمر به فقتل ( الاغاني 20 /42).

وسب عبد الصمد بن المعدل ، أبا تمام ، فقال له : يا غت ، يا ماض بظر أمه .

جمع بين أبي تمام الطائي ، وعبد الصمد بن المعذل مجلس ، وكان عبد الصمد سريعة في قول الشعر ، وفي أبي تمام إبطاء ، فأخذ عبد الصمد القرطاس ، وكتب فيه:

أنت بين اثنتين تبرز للنا***س وكلتاهما بوجه مذال

الست تنفك طالبأ لوصال*** من حبيب أو طالبا لنوال

أي ماء لحر وجهك يبقي***بين ذل الهوي وذل السؤال

فأخذ أبو تمام القرطاس ، وفكر طويلا ، ثم كتب فيه :

أفي تنظم قول الزور والفند******وأنت أنزر من لاشيء في العدد

أشرجت قلبك من بغضي علي حرق*** كأنها حركات الروح في الجسد

ص: 410

فقال له عبد الصمد : يا ماص بظر أمه ، يا غث، أخبرني عن قولك : أنزر من لاشيء، وأخبرني عن قولك : أشرجت قلبك ، قلبي مفرش أو عيبة أو خرج فأشرجه ، عليك لعنة الله ( الاغاني 253/13 و 254 ) .

وشتم أبو يوسف البريدي ، بالبصرة ، أبا العباس النخاس ، فقال له : يا ماض بظر أمه .

وسبب ذلك : إن أبا العباس النخاس ، دخل علي أبي يوسف البريدي ، فصفعه بمخدة ديباج ، حسنة مثمنة ، فأخذها الناس ، وعدا ليسلمها إلي غلامه ، فيحملها إلي بيته ، فقال له يوسف : قد أخذتها ويللك ، فقال له : أفأردها - أطال الله بقاء سيدنا - من حيث جاءت ؟ ( يعني أن يصفع بها أبا يوسف ). فقال له : يا ماص بظر أمه ، خذها ، لا بارك الله لك فيها ، راجع كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ، حا ص 306 رقم القصة 166.

وغضب الوزير أبو محمد المهلبي ، علي محمد بن الحسن الهاشمي ( العباسي ) ، فقال له : يا ماص بظر أمه .

وتفصيل ذلك : إن فتنة حصلت في بغداد ، في عهد معز الدولة البويهي ، بين العباسيين والعلويين ، قتل فيها علوي ، فأحضر المهلبي جماعة من العباسيين ، وطلب منهم أن يكفل صالحهم طالحهم ، وأن يلتزموا بإطفاء الفتنة ، فتكلم محمد بن الحسن بن عبد العزيز الهاشمي ( العباسي ) بكلام فيه حراشة وجفاء وخشونة ، فغضب المهلبي ، وقال له : يا ماص بظر أمه ، ما تدع جهلك ، والخيوط التي في رأسك ، راجع القصة مفصلة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي، تحقيق المؤلف، حا ص87 رقم القصة 37 .

ص: 411

: وكان القاضي أبو القاسم التنوخي ، علي بن المحسن ، نائمة في بيته ، فاجتاز به واحد غث ، وأزعجه بصياحه : شراك النعال ، شراك النعال ، فقال الغلامه : إجمع كل نعل بالبيت ، وأعطها لهذا، يصلحها ويشتغل بها ثم نام ، وأصلحها الاسكافي ، واشتغل بها إلي آخر النهار ، ومضي لشأنه ، فلما كان في اليوم الثاني ، عاد شراك النعال إلي الصياح ، فقال القاضي لغلامه : أدخله ، وقال له : يا ماص بظر أمه ، أمس أصلحت لنا كل نعل عندنا ، واليوم تصيح علي بابنا ، هل بلغك أننا نتصافع بالنعال ، ونقطعها ؟ قفاه ، قفاه ، فقال : يا سيدي أتوب ، ولا أعود أدخل هذا الدرب أبدأ . ( فوات الوفيات 62/3 ) .

وغضب القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، علي غلام اسمه جميلة ، فقال له : يا ماص بظر أمه ، وكان جميلة هذا غلام أبي الحسين هلال الصابي ، اشتري خمسة آلاف سابل سرجينا لسماد البستان ، فأمره سيده أن يشهد علي البائع في عقد البيع ، فظن الغلام أن الإشهاد لا يكون إلا بمعرفة القاضي ، وقصد أبا القاسم علي بن المحسن التنوخي ، وعاد التنوخي بين الصلاتين وهو جائع حاقن تعب ، والزمان صائف ، فقام إليه ودعا له ، فقال له : من أنت ؟ قال : غلام أبي الحسين هلال ، قال : ما لك ؟ قال شهادة ، فقال له : اقعد ، ودخل فخلع ثيابه ودخل بيت الطهارة ، وأطال ، والغلام يصيح : يا سيدنا ، أنا قاعد من ضحوة النهار إلي الساعة ، فقال له : ويلك إصبر حتي أخرا ، إصبر حتي أخرا ، إصبر حتي أخرا ، ثم توضأ ليصلي ، فلم يهنه ، فصاح به : أدخل ، دخلت بطنك الشمس ، فقد والله حيرتني وجننتني ، فلما دخل أعطاه الرقعة ، فقرأها ، وقال له : ويلك ، ما اسم هذا الملاح ؟ قال : الدابة يا سيدي ، فقال : وأي شيء يقربه ، فاني لم أقف عليه ، أري خمسة آلاف سابل ولا أدري ما بعده ؟ فقال : يا سيدنا خمسة الاف سابل سرقين ، فقال له : وما السرقين ؟ قال : خرا البقر والغنم ،

ص: 412

فقال له : يا ماص بظر أمه ، أنا شاهد الخرا ، ونهض إليه وهو مغتاظ ، فأخذ ينتف ذقنه ، ويضرب رأسه وفكه إلي أن جري الدم من فيه وأخرجه .

( معجم الأدباء 306/5 و 307)

ص: 413

8- قولهم : يا عاض أير أبيه

الما هدأت الحرب بين الأوس والخزرج ، ترصد قوم من الأوس لقيس بن الخطيم ، فرموه بثلاثة أسهم أنفذته ، وحمل إلي منزله ، فاغتال الخزرج - ثأرا له - أبا صعصعة يزيد بن عوف ، وجيء لقيس برأسه ، وقال له حامل الرأس : يا قيس قد أدركت ثأرك ، فقال له قيس : عضضت بأير أبيك إن غير أبي صعصعة ، راجع القصة في الاغاني 11/3 .

وكان عثمان قد نفي أبا ذر إلي الربذة ، فمات هناك ، ولما بلغه خبر وفاته قال : رحمه الله ، فقال عمار بن ياسر : نعم ، فرحمه الله من كل أنفسنا ، فقال له عثمان : يا عاض أير أبيه ، أتراني ندمت علي تسييره ؟ وأمر فدفع في قفاه ، وقال : ألحق بمكانه ، ثم كلمة الناس فتركه ( انساب الاشراف54/5)

وشتم الشاعر اليماني يزيد بن مفرغ ، عشيرته اليمن ، استنهاضا لهم ، فقال : عضت بأير أبيها سادة اليمن .

وسبب ذلك : إن الشاعر يزيد بن مفرغ صحب عباد بن زياد بن أبيه ، فلم يحمد صحبته ، فهجاه ، فبلغه ذلك ، فاعتقله وأراد قتله ، فاستأجر ابن مفرغ رسولا إلي دمشق ، ورواه أبياتا ، وقال له : إذا كان يوم الجمعة فقف

ص: 414

علي درج جامع دمشق ، ثم أنشد هذه الأبيات بأرفع ما يمكنك من صوت ، وأولها :

أبلغ لديك بني قحطان قاطبة***عضت بأير أبيها سادة اليمن

أضحي دعي زياد فقع قرقرة***ياللعجائب يلهو بابن ذي يزن

ففعل الرسول ما أمر به ، فحميت اليمانية ، وغضبوا ليزيد، ودخلوا إلي معاوية غضابا ، والشر يلمع في وجوههم ، فوهبه معاوية لهم ، ووجه رسولا إلي حيث حبس ابن مفرغ ، فأطلقه ، لزيادة التفصيل ، راجع وفيات الاعيان 342/6-367، وخزانة الأدب للبغدادي 2/ 211 - 216.

وغضب عبد الله بن همام الشاعر ، من أحمد بن شميط من فواد المختار الثقفي . فقال له : عضضت باير أبيك ، فأراد قتله ، فأجاره إبراهيم بن الاشتر ( الطبري 6/ 36).

وكتب الحجاج بن يوسف الثقفي ، إلي وهرام بن يزداد ، عامله علي أصبهان : عض يا وهرام علي من أبيك وحر أمك .

انظر الرسالة بتمامها في البصائر والذخائر 759/3/2 و 760.

ولما عزل ابن الفرات عن وزارته الثانية ، ناظره الوزير الجديد حامد بن العباس ، فشتمه ، وقال له : ما هذا التبسط يا عاض أير أبيه ، حتي كأنك الوزير ، ونحن بين يديك ؟ ( الوزراء للصابي 105).

ص: 415

9- قولهم : يا عاهر ، ويا عاهرة

العهر : الفجور والعاهرة : الفاجرة والبغداديون يلفظونها بالألف ، فيقولون : أهرة .

وقال ابن أبي عتيق ، لعمر بن أبي ربيعة : يا عاهر .

وسبب ذلك : إن ابن أبي عتيق ، سمع شعرأ لعمر ، قص فيه مجلس له مع إحدي الفتيات ، ومما قال :

ولست بناس ليلة الدار مجلسأ*** لزينب حتي يعلو الرأس رامس

خلاء بدت قمراؤه وتكشفت*** دجنته ، وغاب من هو حارس

ومازلت منها محرمة غير أننا*** كلانا من الثوب المورد لابس

فقال ابن أبي عتيق : أي محرم بقي لم ينله ، ما دام قد كان معها في ثوب واحد ؟ ففسر له عمر ، بأنهما كانا في بعض الشعاب ، فأخذتهما السماء ( أي المطر ) فسترهما الغلمان بكساء خز كان علي عمر .

فقال له ابن أبي عتيق : يا عاهر ، هذا البيت يحتاج إلي حاضنة ( الاغاني 99/1 و100).

وقال فتي بغدادي ، لفتاة من جيرانه : با عاهرة ، خلينا نوفي ديوننا أولا ، وتفصيل القصة : إن فتي بغدادية أبصر فتاة من جيرانه فاستملحها ، ووكزها بمرفقه ، وكزة رفيقة يتحرش بها ، فشكته الفتاة إلي زوجته ، ولما عاد الفتي إلي بيته ، وجد زوجته غاضبة ، فسألها عن سبب غضبها ، فقالت : إن نساء المحلة تحدثن لي عن رعاية أزواجهن لهن ، فمنهن من يراجعها

ص: 416

زوجها ، أربع مرات في اليوم ، ومنهم من يراجعها ثلاثا ، وأنت لا تراجع زوجتك إلا مرة واحدة في الأسبوع، فضحك الفتي مغترة بقوته ، وقال لها : لا عليك ، واتفقا علي المراجعة مرتين في كل يوم ، وقام الفتي بواجبه في اليوم الأول ، وفي اليوم الثاني بقي مدينة فردة ، وكذلك في اليوم الثالث، وما أنصرم اسبوعان ، إلا والفتي مدين باثني عشر فردا ، وأنهكه التعب ، وبان عليه أثر الجهد ، فبعثت المرأة إلي جارتها ، وسألتها أن تتعرض لزوجها إذا الاقته ، وأن تتحرش هي به ففعلت ، فلم يلتفت إليها ، فألحت عليه ، فالتفت إليها ، وقال لها : يا عاهرة ، خلينا نوفي ديوننا أولا .

وكان المرحوم أحمد القايماقجي منطبقأ لسنا ، وكان ذات يوم في مجلس المرحوم عبد المجيد اليعقوبي، وكان المجلس حافلا ، فدخل المرحوم نوري السعيد وكان إذا ذاك رئيسا لمجلس الوزراء ، وأراد أن يتلطف بأحمد القايماقجي ، فسأله عن الأخبار ، فأجابه قائلا : يا سيدي الرئيس ، إن الأخبار يقتضي أن نستقيها منك ، لأنك أنت المواجه للحوادث ، وحالنا معك يشبه حال اليهودية مع زوجها ، فقال له : وما هي قصة اليهودية وزوجها ، قال : خرج يهودي مع زوجته يسيران علي سدة بغداد ، وكان الموضع مقفرة ، فانفرد بهما أناس ، وأمسكوا بهما، وفسقوا بهما معا، ثم أطلقوهما ، فقالت الزوجة لزوجها : هل استطعت أن تشخص منهم أحدا لكي نتقدم بالشكوي عليهم ؟ فقال لها : يا عاهرة ، إنني كنت طيلة المدة منكفية علي وجهي ، فلم أشاهد أحدا منهم ، أما أنت ، وقد كان وجهك مواجها لهم ، فإن عليك أن تتعرفي عليهم ، وأن تشخصيهم من أجل تقديم الشكوي .

وأخذ قروي زوجته يزوران أصحابا لهم في قرية أخري ، وخرج عليهما في الطريق قوم أشقياء ، فكتفوه ، وفسقوا بزوجته ، ثم أطلقوهما، وعند وصولهما إلي القرية ، قال لزوجته : تعالي إلي الفقيه ، فإني أريد أن

ص: 417

أطلقك ، فقالت له : لماذا تطلقني وقد رأيت أنني كنت مجبرة ، ولم يحصل ما حصل باختياري ، فقال لها : يا عاهرة ، إني لاحظتك أثناء العمل ، وقد كنت تطحنين (تغربلين ) هم أجبروك علي فتح ساقيك ، فهل أجبروك علي الطحن أيضا ؟

ص: 418

10- قولهم : با قواد ، يا ديوث ، با كشخان

القواد : الذي يجمع بين الرؤوس في الحرام والبغداديون يلفظونها بالكاف الفارسية .

والديوث : الذي لا غيرة له علي حريمه : أصلها :داث بمعني لان وسهل وديثه : ذلله : والبغداديون يلفظونها ديوس ، بالسين .

والكشخان : فارسية ، بمعني الديوث وهذه الكلمة غير معروفة الآن ببغداد .

والقرنان : نعت سوء في الرجل الذي لا غيرة له ، علله صاحب لسان العرب ، بانه سمي بذلك ، لأنه يشارك في امرأته ، فكأنه يقرن به غيره .

والأظهر أنه نسبة للقرون ، فإن الكبش ، أو غيره من ذوات القرون لا يأبه أن ينزو غيره علي صاحبته .

وقال الشاعر :

قالت لجارتها يوما تعيرها*** قرنت زوجك إن القرن يفضحه

قالت : أأتركه جما بلا قرن*** يأتيه زوجك ذو القرنين ينطحه

وشتمت عاتكة بنت يزيد بن معاوية ، عمرو بن بلال الأسدي ، فقالت : ويلي علي القواد ، فقد خدعني ، وخلاصة القصة إن عاتكة غاضبت زوجها عبد الملك بن مروان ، وأبت أن تصالحه ، فتعهد له عمرو بن بلال ، أن يرضيها وله حكمه ، فذهب إليها ، ويكي أمامها ، وقال لها : عندي ولدان ، ليس لي غيرهما ، وقد قتل أحدهما الآخر ، ويريد الخليفة الآن أن يقتل القاتل ، فأبقي بلا ولد ، وطلب منها أن تكلم زوجها ، لكي لا يقتل

ص: 419

الولد الثاني ، فذهبت إليه مصالحة ، ثم ظهر لها بعد ذلك أن القصة لا أصل لها ، فقالت : ويلي علي القواد، فقد خدعني ( مروج الذهب 91/2 ).

وكان في زمن المهدي ، رجل صوفي وكان عاقلا عالما ورعا ، فتحامق ليجد السبيل إلي الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر، وكان يركب قصبة في كل جمعة يومين، الإثنين والخميس ، فإذا ركب في هذين اليومين ، فليس المعلم علي صبيانه حكم ولا طاعة ، فيخرج ، ويخرج معه الرجال والنساء والصبيان ، فيصعد تلا، وينادي بأعلي صوته : ما فعل النبيون والمرسلون ، أليسوا في أعلي عليين ؟ ، فيقولون : نعم ، فيقول : هاتوا أبا بكر الصديق ، فيؤخذ غلام ، ويجلس بين يديه ، فيقول : جزاك الله خيرا يا أبا بكر عن الرعيه ، فقد عدلت ، وقمت بالقسط ، وخلفت محمدأ عليه الصلاة والسلام ، فأحسنت الخلافة ، ووصلت حبل الدين ، بعد حل وتنازع، ونزعت فيه إلي أوثق عروة، وأحسن ثقة، إذهبوا به إلي أعلي عليين، ثم ينادي : هاتوا عمر ، فيجلس بين يديه غلام ، فيقول : جزاك الله خيرا أبا حفص عن الإسلام ، قد فتحت الفتوح ، ووسعت الفيء ، وسلكت سبيل الصالحين ، وعدلت في الرعية ، وقسمت بالسوية، إذهبوا به إلي أعلي عليين بحذاء أبي بكر ، ثم يقول : هاتوا عثمان ، فيؤتي بغلام ، فيجلس بين يديه ، فيقول له : خلطت في تلك السنين الست ، ولكن الله تعالي يقول : خلطوا عملا صالحة ، وآخر سيئا ، عسي الله أن يتوب عليهم ، وعسي من الله موجبة ، ثم يقول : اذهبوا به إلي صاحبيه ، في أعلي عليين ، ثم يقول : هاتوا علي بن أبي طالب ، فيجلس غلام بين يديه ، فيقول : جزاك الله عن الأمة خيرا يا أبا الحسن ، فأنت الوصي، وولي النبي ، بسطت العدل ، وزهدت في الدنيا ، واعتزلت الفيء ، فلم تخمش فيه بناب ولا ظفر ، وأنت أبو الذرية المباركة ، وزوج الزكية الطاهرة ، اذهبوا به إلي أعلي عليين من الفردوس ، ثم يقول : هاتوا معاوية ، فيجلس بين يديه صبي ، فيقول له :

ص: 420

أنت القاتل عمار بن ياسر ، وخزيمة بن ثابت ذا الشهادتين ، وحجر بن الأدبر الكندي الذي أخلقت وجهه العبادة ، وأنت الذي جعل الخلافة ملكأ، واستأثر بالفيء ، وحكم بالهوي ، واستنصر بالظلمة ، وأنت أول من غير سنة رسول الله ، ونقض أحكامه ، وقام بالبغي ، إذهبوا به ، فأوقفوه مع الظلمة .

ثم يقول : هاتوا يزيد ، فيجلس بين يديه غلام .

فيقول له : يا قواد ، أنت الذي قتلت أهل الحرة ، وأبحت المدينة ثلاثة أيام ، وانتهكت حرم رسول الله ، وأويت الملحدين ، وبؤت باللعنة علي لسان رسول الله ، وتمثلت بشعر الجاهلية :

ليت أشياخي ببدر شهدوا***جرع الخزرج من وقع الأسل

وقتلت حسينأ ، وحملت بنات رسول الله ة سبايا، علي حقائب الإبل ، إذهبوا به إلي الدرك الأسفل من النار .

ولا يزال يذكر واليأ بعد وال ، حتي يبلغ إلي عمر بن عبد العزيز ، فيقول : هاتوا عمر . فيؤتي بغلام ، فيجلس بين يديه ، فيقول : جزاك الله يا عمر ، خيرة ، عن الإسلام ، فقد أحييت العدل بعد موته ، وألنت القلوب القاسية ، وقام بك عمود الدين علي ساق ، بعد شقاق ونفاق ، إذهبوا به فألحقوه بالصديقين .

ثم يذكر من كان بعده من الخلفاء ، إلي أن يبلغ دولة بني العباس ، فيسكت ، فيقال له : هذا أبو العباس أمير المؤمنين .

فيقول : بلغ أمرنا إلي بني هاشم ؟ ارفعوا حساب هؤلاء جملة ، واقذفوا بهم في النار جميعا ( العقد الفريد 152/6 - 154).

ص: 421

وكتب أبو هفان ، رسالة إلي ابن مكرم ، كال فيها له من الشتم القبيح ، ما يأنف المرء أن يجريه علي لسانه ، وكان أخف ما قال له فيها : يا ابن الكشخان القرنان ، الديوث الصفعان . راجع الرسالة في كتاب أخلاق الوزيرين للتوحيدي ص 63 - 66.

وذكر أحد الكتاب البغداديين ، إنه سافر مع جماعة من أصحابه إلي الشام ، وأضافهم أحد الدمشقيين ، وروي عنه قصة بالغة الطرافة ، وقالوا له : إنك قواد بن فؤاد، راجع القصة في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 2/ 90 ح 2 ص172 - 183 .

في السنة 144 اعتقل أبو جعفر المنصور بني الحسن ، وكبلهم وغلهم ، وأخرجهم معه إلي العراق ، فلما صار بالربذة أمر بإحضار محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، وأمه فاطمة بنت الحسين بن علي ، فقال له : يا ديوث فقال له محمد : سبحان الله ، أنت تعرفني بغير ذلك صغيرة وكبيرة ( الطبري 541/7 ) .

وسكر إبراهيم بن سبابه ، وحمل في طبق ، وعبر به الجسر ، فسأل إنسان : ما هذا؟ فرفع رأسه من الطبق، وقال : هذا بقية مما ترك آل موسي وال هارون ، تحمله الملائكة يا كشخان ( الأغاني 89/12 ).

واستقبل العتابي ، منصورة النميري ، فوجده واجمأ كئيبأ ، فقال له : ما خبرك ؟ قال : تركت امرأتي نطلق ، وقد عسرت عليها الولادة ، وهي يدي ورجلي ، قال : أكتب علي فرجها : هارون ، قال : ولم ذلك ؟ قال : لتلد علي المكان ، قال : وكيف ذلك ؟ قال : ألم تقل في هارون :

إن أخلف الغيث لم تخلف مخايله***أو ضاق أمرء ذكرناه فيتسع

ص: 422

فقال له منصور : يا كشخان ، والله لئن تخلصت امرأتي ، لأذكر ذلك للرشيد ، وأخبر الرشيد بالواقعة، فطلب العتابي ، فاستتر ( فوات الوفيات 167/4 والأغاني 148/13 و 149).

وشتم حاجب أحمد بن المدبر ، ابن دراج الطفيلي ، فقال له : با قرنان .

وسبب ذلك : إن أحمد بن المدبر ، كان قليل الجلوس للمنادمة ، وكان له سبعة من الدماء ، لا يحضره غيرهم ، وطمع أحد الطفيليين ، وهو ابن دراج ، فدخل يوما في جملة الندماء ، فلما رآه ابن المدبر ، قال للحاجب : أذهب إلي هذا الرجل ، وسله : هل له حاجة ؟ فذهب إليه وسأله : ألك حاجة ؟ فقال : لا ، فقال له : إذن ، ما جلوسك ؟ وأي شيء أنت ؟ فقال : أنا طفيلي ، فأحضره ابن المدبر أمامه ، وقال له : إن الطفيلي يحتمل في إفساده الخلوات علي الناس ، إذا كانت له خصال حسنة ، كأن يكون لاعبأ بالشطرنج أو النرد أو ضاربة بالعود ، أو الطنبور ، فقال له : أيدك الله ، أنا أحسن كل هذا ، وأنا في الطبقة العليا منها ، فقال لبعض ندمائه : لاعبه بالشطرنج ، فلعبا ، وغلبه الطفيلي ، فقال الحاجب : لكن الغلام فلانا يغلبه في الشطرنج ، فأحضر الغلام وغلب الطفيلي ، وجيء بالنرد ، فلعب مع أحد الندماء ، فغلبه الطفيلي ، فقال الحاجب : لكن بوابنا فلان يغلبه ، وجيء بالبواب ، ولعبا ، فغلب البواب الطفيلي ، وجيء بالعود فضرب الطفيلي ، فأصاب ، وغني فأطرب ، فقال الحاجب : في جوارنا شيخ هاشمي ، يعلم القيان ، أحذق منه ، وجيء بالهاشمي ، فكان أحذق من الطفيلي ، وجيء بالطنبور ، فضرب فأحسن ، وغني فأجاد ، فقال الحاجب : لكن فلانا المخنكر أحذق منه ، وجيء بالمخنكر فكان أحذق ، فقال الطفيلي : يا سيدي ، بقيت خصلة واحدة ، وهي أن تأمر لي بقوس مع خمسين بندقة رصاص ، ويقام هذا الحاجب علي أربع ، وأرميه في دبره بهن

ص: 423

جميعا ، فإن أخطأت بواحدة منهن ، ضربت رقبتي ، فضج الحاجب من ذلك ، ووجد ابن المدبر في ذلك شفاء لنفسه، وعقوبة للحاجب علي ما فرط منه في إدخال الطفيلي ، فأمر بإكافين ، فأحضرا ، وجعل أحدهما فوق الآخر ، وشد الحاجب فوقهما ، وأمر بالقوس والبندق ، فدفع إلي الطفيلي ، فرمي به فما أخطأه ، وخلي عن الحاجب ، وهو يتأوه، فقال له الطفيلي : هل علي باب الأستاذ من يحسن مثل هذا ؟ فقال له : يا قرنان ما دمت أنا البرجاس ، فلا ( مروج الذهب 465/2 و 466) .

وشتمت عبيدة الطنبورية ، شرائح الخزاعي ، فقالت له : يا كشخان . وسبب ذلك : إن عبيدة الطنبورية ، وكانت من المحسنات ، المتقدمات في الصناعة والآداب ، كانت تصاحب شرائح الخزاعي ، صاحب ساباط شرائح ، بسويقة نصر ، وتتعشقه ، وتزوج شرائح ، فانقطعت صلته بعبيدة ، ومرت به يوما ، فسألها أن تدخل إلي البيت ، فقالت له : يا كشخان ، كيف أدخل إليك وقد أقعدت في بيتك صاحب مسلحة ( الأغاني 207/22 ).

أقول : صاحب المسلحة ، يعني قائد جماعة من العسكر مع سلاحهم ، يستقرون في مواقع معينة من البلد لحفظ الأمن ومنع التعديات .

وشتم مسلم بن الوليد ، دعبل الخزاعي ، فقال له : يا أحمق ، با فؤاد .

وسبب ذلك : إن دعبل ، صادف فتاة ، وأعوزه المكان ، فأخذها إلي بيت مسلم ، وأعطاه مسلم ما اشتري به طعام وشرابا ونقط ، فلما أحضر كل ذلك ، اختلي مسلم بالفتاة في سرداب ، وتركا دعبل يحرق الأرم ، وحيدة ، وأخذ يشتم مسلمة ، ويسبه ، فقال له مسلم : يا أحمق ، با قواد ، منزلي

ص: 424

دخلت ، ومنديلي بعت ، ودراهمي انفقت، فعلي من تثب ؟ وقد أوردنا القصة في بحث الصفع ، راجع الأغاني 19 / 47 - 49 وبدائع البدائه 43 - 45.

وجاء إلي القاضي أبي القاسم التنوخي - وهو علي حماره في الطريق - رجل فأعطاه رقعة ومضي ففتحها وإذا فيها :

إن التنوخي به أبنة***لأنه يسجد للفيش

له غلامان ينيكانه***بحجة الترويح في الخيش

فلما قرأها ، قال لغلمانه : ردوا ذاك زوج القحبة ، فأحضره ، وسأله : من أعطاك هذه الرقعة ؟ فقال : أعطانيها بعض الناس ، وطلب مني أن أوصلها إليك ، فقال : قل له يا كشخان ، يا قرنان ، با زوج ألف قحبة ، هات زوجتك ، وأختك ، وأمك إلي داري ، وانظر ما يكون مني ، وبعد ذلك احكم ، ثم صاح بغلمانه : فصفعوه ( الهفوات النادرة 263 وفوات الوفيات 61/3)

ولام الصيمري الشاعر ، أبا العبر العباسي ، علي إيثاره السخف ، فقال له : با كشخان، أتريد أن أكسد أنا ، وتنفق أنت ( الأغاني 90/20 ) .

أقول : أبو العبر هذا ، ولقبه حمدون الحامض ، سفيه من بني العباس ، اشتهر بالحمق ، وكان له مجلس في سامراء ، يتكلم فيه بالسخف ، ويجتمع عليه المجان ، وقدم بغداد في أيام المستعين ، فطرده إسحاق بن إبراهيم المصعبي ، أمير بغداد ، وكان أبو العبر شديد البغض للإمام علي بن أبي طالب ، وسمعه أحد أهالي الكوفة ، يقول في الإمام قولا قبيحا ، فقتله .

وكان أحد اللصوص في بغداد ، يدخل الدور الأهلة نهارا ، ويسرق ، فإذا فطن له صاحب الدار ، أوهمه إنه صديق زوجته ، وإنه من غلمان بعض

ص: 425

القواد ، ويقول له : استر علي وعلي نفسك ، فيتخلص ، إلي أن دخل دارة فيها عجوز لها أكثر من تسعين سنة ، وهو لا يدري ، فلما أدركه رب البيت ، ادعي علاقته بصاحبة البيت ، فقال له ابنها : با كشخان ، ليس في الدار إلا أمي ، ولها تسعون سنة ، أفتراها هي عشقتك ، أم أنت عشقتها؟ واجتمع عليه الجيران ، فكرر اللص ادعاءه ، فكذبوه ، وضربوه ، وحملوه إلي السلطان ، راجع تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، رقم القصة 1/ 80 ح 1 ص 157 و 158.

وكان المأموني الأبهري الشاعر ، قد قال في شاعر آخر أبهري ، كان بهاجيه :

كلانا إلي آدم نعتزي***وتجمعنا اصرات الرحم

ولكن له الفضل في أنه***يصول بقرن وأني أجم

واتفق أن حضر مجلس الصاحب بن عباد ، فسأله : من يكون ؟ فقال : الخادم الأبهري الشاعر، فقال : الأقرن أم الأجم، فاستحيا وخجل ( وفيات الأعيان 1/ 414 و 416) .

ودخل الشاعر ابن الهبارية (ت 509 ) علي الوزير نظام الملك ، وقدم إليه رقعة ، حسب أن الذي فيها مديحه ، فأخطأ وقدم التي فيها هجائه ، وكان فيها :

لاغرو أن ملك ابن إس***حاق وساعده القدر

فالدهر كالدولاب لي***س بدور إلا بالبقر

فكتب عليها نظام الملك : يصرف لهذا القواد رسمه مضاعفة .

ص: 426

11 - قولهم : يا مخنث التخنث : التكسر .

يقال : طويت الثوب علي اخنائه : أي علي كسوره . وسمي المخنث مخنثا : لتكسره (كتاب الفاخر ص 02)

علي أثر مقتل مصعب بن الزبير ، ولي عبد الملك بن مروان ، خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد ، البصرة ، واجتمعت الحرورية بالأهواز ، فخرج إليهم خالد في تسعين ألفا، ففلوه ، ونادوه : يا خالد، يا مخنث ، فعزله عبد الملك ( انساب الأشراف 158/2/4 و 159 ) .

وكان عثمان بن حيان المري ، عامل المدينة ، أخذ مثجور بن غيلان من قصر لعبد الله بن عمرو بن عثمان ، الملقب بالمطرف ، وكان مثجور استخفي في القصر من الحجاج ، هرب من العراق ، فادعي المطرف دروعا له ، وقال لعثمان : ذهب بها أصحابك ( يريد أن أصحاب عثمان العامل لما دخلوا القصر لأخذ مثجور ، سرقوا دروع صاحب القصر ) فغضب عثمان ، وقال له : ما دروعك إلآ دروع النساء با مخنث ، با منكوح ، فلما استخلف سليمان بن عبد الملك ، ، عزل عثمان عن المدينة وولي أبا بكر بن عمرو بن حزم الأنصاري علي المدينة ، فأخذ عثمان وجلده حدأ ( انساب الأشراف 109/5)

وشتم ابن سريج الغريض ، فقال له : يا مخنث .

وسبب ذلك : إن الغريض كان يأخذ الغناء علي ابن سريج ، فلما رأي الأستاذ ظرف تلميذه ، وحلاوة منطقه ، خشي أن يغلبه علي الصناعة ،

ص: 427

فطرده ، فأخذ الغريض أيحاكي ابن سريج في الغناء ، وكان ابن سريج لا يغني صوتا ، إلا عارضه الغريض بصوت من عنده ، فلما رأي ابن سريج ذلك اشتد عليه ، وغني الأرمال والأهزاج ، فاشتهاها الناس لخفتها ، فقال له الغريض : يا أبا يحيي ، قصرت الغناء وحذفته ، قال : نعم ، با مخنث حين جعلت تنوح علي أمك وأبيك ( الأغاني 2/ 360 و 361).

وشتم إسحاق الموصلي ، في مجلس المأمون ، مخارقة وعلويه ، فقال الهما : يا مخنثان .

وسبب ذلك : إن مخارق وعلويه ، غني كل واحد منهما صوتا من صنع إسحاق ، إلا أنهما زادا فيه ، فأفسدا قسمة اللحن وتجزئته ، ولكن المأمون طرب علي غنائهما ، أكثر من طربه علي غناء إسحاق ، فقال إسحاق : لولا أن المجلس مجلس سرور ، لأعلمت أمير المؤمنين إنه طرب علي خطأ ، ثم التفت إلي مخارق وعلويه ، وقال لهما : يا مخثان قد علمت ما أردتما ، وأنا علي مكافأتكما قادر ( الأغاني 5 / 343 و 344 ).

وقال عبادة المخنث ، نديم المتوكل ، لأبي حرملة المزين ، مزين الخليفة ، حذفني ، فقال له : با مخنث ، أضع يدي علي وجهك ، وأنا أضعها علي وجه أمير المؤمنين ؟ قال : فأنت أيضأ تضعها علي باب إستك كل يوم خمس مرات ( الديارات 189).

وفي السنة 465 قصد السلطان ألب أرسلان ، واسمه محمد ، ما وراء النهر ، وجيء إليه بمستحفظ قلعة اسمه يوسف الخوارزمي ، فأمر أن تضرب له أوتاد أربعة وتشد أطرافه إليها ، فقال له يوسف : يا مخنث ، مثلي يقتل هذه القتلة ؟ فغضب السلطان ، وأخذ قوسا ونشابة ، وقال : خلوه ، ورماه بسهم ، فأخطأه ، فوثب يوسف يريده ، ووثب السلطان عن السدة فعثر فوقع علي

ص: 428

وجهه فبرك عليه يوسف وطعنه بسكين كان معه في خاصرته ، فقتله ( المنتظم 277/8 ابن الأثير 10 / 73 ).

وفي السنة 568 مات خوارزم شاه أرسلان بن أنسز ، وملك بعده ولده سلطان شاه محمود ، ودبرت والدته الملك والعساكر ، فأنف الولد الأكبر علاء الدين تكش ، واستعان بالخطا ، وقصد أخاه في جيش كثيف ، فاستعان الأخ الأصغر سلطان شاه محمود ، بالمؤيد بي أبه ، صاحب نيسابور ، فجمع جيوشه وخاض المعركة بجانب محمود ، فانكسر المؤيد وأسر ، وأحضر امام علاء الدين تكش ، فأمر بقتله ، فقال المؤيد : يا مخنث ، هذا فعال الناس ؟ فلم يلتفت إليه وقتله ( ابن الأثير 385/11 ).

وفي النسة 694 وثب باطني علي الأمير نقاجو ، أمير المسلحة المغولي بغداد ، وكان علي رأس الجسر العضدي ببغداد ( حل محله جسر الصرافية الحديد ) وطعنه بخنجر فقتله ، وقبض عليه ، وتسلمه ابن الأمير نقاجو ، فمثل به ، وقطع أطرافه وهو حي ، فقال لابن نقاجو : با مخنث ، إنك لم تصنع شيئا إلا وهو دون ما كان في نفسي ، فاصنع ما بدا لك ، فقتله ، وألقاه في الموضع الذي قتل فيه أباه ( الحوادث الجامعة 457) .

ص: 429

12. يا بغاء ، ويا مؤاجر ، ويا علق ، ويا مأبون

البغاء : الفجور والبغاء : اصطلاح عباسي ، يراد به المتهم بسوءة ، مقروف بها ( الفاخر 183 ) والأبنة : الأصل فيها العقدة تكون في العود . ثم صرفت الكلمة إلي العيب .

والمأبون : المعيب بعيب يخل بالرجولة ( الفاخر 02 ) . والمؤاجر : في الإصطلاح : الذي يبذل جسده لقاء أجر ، والمصدر : الإجارة .

قال ابن الرومي يهجو أبا الصقر اسماعيل بن بلبل :

عجب الناس من أبي الصقر لما***نال بعد الإجارة الديوانا

إن للحظ كيمياء إذا ما*** مس كلب أحاله إنسانا

والعلق ، بكسر العين وسكون اللام : اصطلاح متأخر، يقصد به المؤاجر ، قال الشاعر :

أنا في مقعد صدق*** بين قواد وعلق

قال المتوكل ، لأبي العيناء : هل رأيت طالبي حسن الوجه قط ؟

قال : نعم ، رأيت ببغداد منذ ثلاثين سنة ، فتي منهم ، ما رأيت أجمل منه

فغضب المتوكل ، وقال : تجده كان مؤاجرة ، وكنت تقود عليه ؟

فقال أبو العيناء : وفرغت لهذا يا أمير المؤمنين ؟ أتراني أدع موالي علي كثرتهم ، وأقود علي الغرباء ؟ ( أبو العيناء مولي بني العباس ).

ص: 430

فقال له المتوكل : اسكت يا مأبون .

فقال : مولي القوم منهم .

قال : أنت دعي في الإنتساب إلينا .

فقال : بغائي صحح نسبي فيكم ( زهر الآداب 251/1 و 252 والملح والنوادر 231 ).

وفي السنة 304 أرسل علي بن وهسودان ، متولي الحرب بأصبهان ، غلامأ له كان رباه وتبناه ، إلي أحمد بن شاه ، متولي الخراج ، في حاجة ، فلقيه راكبأ ، فكلمه في حاجة مولاه ، ورفع صوته ، فشتمه أحمد ، وقال : له يا مؤاجر ، تكلمني بهذا علي الطريق ، وحرد عليه ، فعاد إلي مولاه باكية ، وعرفه ذلك ، فقال له : صدق لولا أنك مؤاجر لقتلته ، فعاد الغلام ، فلقيه وهو راكب، فقتله، فأنكر الخليفة ذلك، وعزل علي بن وهسوذان عن أصبهان (ابن الأثير 97/8 ).

وقال الأمير سعر الدولة الديلمي ، لأبي مخلد عبد الله بن يحيي الطبري : إلي أين يا بقاء .

وسبب ذلك : إن أبا مخلد الطبري ، كانت له شهوة للفرش ( السجاد ) ، ورأي سجادة من الديباج في ديوان مع الدولة ، فأعجبته ، فقال للأمير مع الدولة : أيها الأمير ، تنح عن الدست فإن عليه شيئأ ، فلما تنخي ، رفع السجادة ، وطواها ، ووضعها علي كتفه ونهض ليخرج ، فقال له معز الولة : إلي أين يا باء ( يا منكوح)، فقال له : إلي طياري أنقل السجادة إليه ، فضحك معز الدولة ، وأخذ الرجل السجادة ، للتفصيل راجع كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، ج 1 ص 309 رقم القصة 269 .

وذكر الأمير أسامة بن منقذ في كتاب الاعتبار 159 و 160 أن

ص: 431

الإسماعيلية هاجموا حصنهم شيزر في سورية ، وتحضن أحد الباطنية في أحد أبراج الحصن ، ولم يجرأ أحد من أهل الحصن علي مهاجمته ، فصاح ابن عم أسامة بأحد الواقفين وقال له : أدخل إليه ، فدخل ، وخرج وهو جريح، فصاح بالثاني : أدخل إليه ، فقال له الإسماعيلي : يا مؤاجر ، أنت ليش ما تدخل ، تدخل إلي الناس وأنت واقف ؟

أقول : ليش ، أصلها لأيش ، لأي شيء ، وكلمة ليش ما زالت مستعملة ببغداد .

وفي السنة 784 حاول أحد المماليك ، اغتيال الأتابكي برقوق بالقاهرة ، فضربه برقوق بقوس كباد ، فرماه علي الأرض ، وقال له : يا مرا ( يا امرأة ) ، يا علق ، الذي يريد يقتل الملوك يقع علي الأرض من ضربة واحدة ( بدائع الزهور 1 / 308 و 309) .

ص: 432

13 - قولهم : يا حلقي

الحلاق : داء يصيب الأتان ، فلا تشبع من السفاد . ثم صرف إلي الإنسان الذكر ، إذا حلت به صفة سوء .

قال ابن مناذر ، يهجو ابان بن عبد الحميد اللاحقي الكاتب : [ معجم الأدباء 7 / 109}.

غنج أبان ولين منطقه***يخبر الناس أنه حلقي

وقال الشاعر يهجو والبه بن الحباب الأسدي :

والب با ابن الحباب يا حلقي***لست من أهل الزناء فانطلق

وقال الشاعر البغدادي ، يهجو الأمين والفضل بن الربيع : [396/7]

لواط الخليفة أعجوبة***وأعجب منه حلاق الزير

فهذا يدوس وهذا يداس ***كذاك لعمري اختلاف الأمور

وسب مرثد بن حوشب ، أخاه ثمامة ، فقال له : يا حلقي .

( الأمتاع والمؤانسة 3/ 171) .

وكانت جارية من جواري موسي الهادي ، الخليفة العباسي ، تسقي الندامي ، وكانت ماجنة ، فكانت تقول لهذا : با حلقي ، وتعبث بهذا وبذاك ، ودخل يزيد بن مزيد فسمعها تقول لهم ، فقال لها : والله الكبير ، لئن

ص: 433

قلت لي مثل ما تقولين لهم ، لأضربنك ضربة بالسيف ، فقال لها موسي : ويلك ، إنه - والله - يفعل ما يقول ، فإياك ، فأمسكت عنه ، ولم تعابثه . و ( الطبري 227/8 ) .

وفي النسة 247 لما هجم الأتراك المتآمرون ، علي المتوكل ، قام الفتح بن خاقان ، فصاح بهم : ويلكم أمير المؤمنين ، فقال له بغا: يا حلقي ، لا تسكت ( ألا تسكت ) ، فرمي الفتح بنفسه علي المتوكل ، فقتلا جميعا ( تجارب الأمم 6 / 556 ، الطبري 227/9 ).

وروي الجاحظ ، وكان لقبه هذا لجحوظ عينيه ، وكان يلقب بالحدقي النفس السبب ، أي لبروز حدقتيه ، قال : صرت إلي منزل أحد إخواني ، فخرج إلي غلام أعجمي ، فقلت له : قل له الجاحظ بالباب ، فدخل، وقال : الجاحد ، فلم يفهم صاحب الدار ، وأعاده ليتحقق ، فقلت له : قل له الحدقي بالباب ، فدخل وقال : الحلقي ، فصحت به من الخارج : ردنا إلي الأول ( معجم الأباء 62/6 ) .

وغضب أبو البصير المنجم ، علي غلام له صغير السن ، مليح ، فصاح به : ما حبسك يا حلقي ، وكرر عليه ذلك ، فقال له الغلام : أدعوا الله علي من جعلني حلقية ( الحيوان 488/6 و 489) .

ص: 434

14. قولهم : يا مصفر استه

وتشاتم عتبة بن ربيعة وأبو جهل بن هشام ، قبل الإلتحام في معركة بدر ، مع المسلمين ، لما أراد عتبة أن يحول دون الحرب ، وتكلم بكلام في هذا المعني ، فغضب أبو جهل وفال لعتبة : إنتفخ سحرك ، فغضب عتبة ، وقال : سيعلم المصفر استه من انتفخ سحره ( الطبري 2 / 444 ).

أقول : السحر ، الرئة ، وقولهم : انتفخ سحره ، اتهام له بالجبن ، كأن الخوف ملا جوفه فانتفخت رئته .

وقوله : المصقر استه ، يعني أنه يخضبها بالزعفران ، إتهامأ له بما ينافي الرجولة .

ص: 435

ص: 436

الفصل السادس طرائف في الشتم

كان رجل من الأم الناس ، وكانت له لقاح ، وعنده لبن كثير ، فقال أحد الظرفاء : الموت أو أشرب من لبنه ، فجاء ومعه صاحب إلي باب صاحب اللبن ، وتغاشي ، وتماوت ، فخرج ، وقال : ما باله ؟ ، فقال صاحبه : هذا رئيس بني تميم ، وقد جاءه أمر الله ، وكان آخر كلامه : إسقني البنا ، فقال اللئيم : يا غلام ، هات علبة من اللبن ، فأتاه بها ، وأسنداه الي ظهره ، وشرب العلبة حتي أتي عليها ، ثم تجشأ ، فقال صاحبه : أتري هذه الجشأة راحة الموت ؟ فأحس اللئيم بأنه خدع ، فقال : أماتك الله وإياه ( العقد الفريد 178/6 البصائر والذخائر 296/4 و297 ) .

تنازع رجلان أيهما أفضل ، علي أو معاوية ، فرضيا بتحكيم أول خارج عليهما ، فطلع عليهما رجل لا يعرفانه ، فقال له أحدهما : إنا رضيناك حكمة في التفاضل بين رجلين هما علي ومعاوية ، وأنا أقول إن عليا أفضل ، فقال الرجل : وما الذي يقوله هذا ابن الزانية ؟ ( زهر الربيع 181/2 ).

كان لبعضهم ولد نحوي ، يتنحي في كلامه ، فاعتل أبوه علة شديدة ، وأشرف علي الموت ، فاجتمع إليه أولاده ، وقالوا له : ندعو لك أخانا فلانة ، فقال : لئن جاءني قتلني ، فقالوا : نحن نوصيه أن لا يتنحي في الكلام ، فلما دخل عليه ، قال : يا أبت ، قل لا إله إلا الله ، تدخل بها الجنة ، وتنجو بها من النار ، والله يا أبت ، ما شغلني عنك إلا فلان ، فإنه دعاني بالأمس

ص: 437

فأهرس ، وأعدس ، وسكبج ، وطبهج ، وأبصل ، وأمضر ، ولوذج وأفلوذج ، فصاح أبوه : غمضوني ، فقد سبق ابن الزانية ، ملك الموت ، الي قبض روحي ( زهر الربيع 102).

وشتم شامي عراقية في مجلس عبد الملك بن مروان ، فقال : هذا العراقي ابن اللحناء قال لي ذلك، وخلاصة القصة أن عبد الملك بن مروان ، سأل جلساءه عن تفسير بيتين من الشعر في وصف شعر طويل لامرأة ، وهما :

إذا ما المواشط باكرنها*** وأتبعن بالضفر وحفا طويلا

نحرن القرون فعلنها***كعقل العسيف غرابيب ميلا

فلم يجبه أحد، وكان في المجلس عراتي ، فقال لرجل من أهل الشام له بيرة وهيأة : أرأيت لو أخبرتك بمعناه ، وحصل لك الحظ عند أمير المؤمنين ، أتقربني إليه لأذكر حاجتي ؟ قال : لك ذلك ، قال : إنما يصف البطيخ ، فوثب الشامي ، وقال ذلك ، فأنقلب المجلس ضحكة ، وافتضح الشامي ، فقال له عبد الملك ، من أين لك هذا ؟ فقال هذا العراقي ابن اللغناء قال لي ذلك . ( الملح والنوادر 69).

وكان معاوية بن مروان بن الحكم ، ضعيفأ ( خفيف العقل ) ، قال لأبي آمرأته : لقد ملأتني إبنتك البارحة دما ، فقال له : إنها من نساء يخبئن ذلك الأزواجهن ، ولو كنت خصيا ما زوجناك ، وعلي الذي غرنا بك لعنة الله ( العقد الفريد 158/6 ).

وقال له رجل: أنت الشريف بن الشريف ، أبوك أمير المؤمنين مروان ، وأخوك أمير المؤمنين عبد الملك ، وأنت أبن عم أمير المؤمنين عثمان ، وأمك عائشة بنت معاوية بن أبي سفيان ، قال : فأنا إذن مردد في بني اللحناء ترديدا ( الاغاني 349/17 وأنساب الاشراف 165/5)

ص: 438

أقول : يروي عن معاوية بن مروان ، كثير من القصص ، ومنها أنه طار له بازي ، فأمر بإغلاق أبواب مدينة دمشق ، ومر يوما بطخان ، وأبصر البغل يدور وفي عنقه جرس ، فسأله عن سبب وجود الجرس في عنق البغل ، فقال : حتي إذا وقف البغل ، سكن الجرس ، فأقوم إليه لأعيده إلي الدوران ، قال : فإن وقف عن الدوران ، وحرك رأسه هكذا ، فقال الطحان : ومن أين لنا بغل عقله مثل عقل الأمير ، وكان خالد بن يزيد بن معاوية ، مولعة بالعبث به ، قال له يومة : يا أبا المغيرة ، أري أن أخاك عبد الملك لا يوئيك ولاية ، ولا يعتد بك ، فقال : لو أردت ولاية لولاني ، قال : فسله أن يوليك بيت لهيا ، وهي قرية صغيرة في غوطة دمشق ، فغدا علي عبد الملك ، وقال له : يا أمير المؤمنين ، ألست أخاك ! قال : بلي ، وشقيقي ، قال : فوتني ، قال : وما تريد ؟ قال : بيت لهيا ، قال : متي لقيت خالد بن يزيد ؟ قال : عشية أمس ، قال : لا تكلمه ، ودخل خالد ، فقال : كيف أصبحت يا أبا المغيرة ؟ فقال . وأشار إلي عبد الملك نهانا هذا عن كلامك .

وقال عبد الله بن مسور الباهلي ، لأبي النضير ، وقد تحاورا في شيء : يا ابن اللغناء ، أتكلمني ، ولو اشتريت عبدأ بمائتي درهم ، وأعتقته ، لكان خيرا منك ، فقال له أبو النضير : واللله ، لو كنت ولد زنا ، لكن خيرا من باهلة كلها ، فغضب الباهلي ، فقال له بشار : أنت منذ ساعة تزني أمه ولا يغضب ، فلما كلمك كلمة واحدة ، لحقك هذا كله ، فقال له : وأمه مثل أمي يا أبا معاذ ؟ فضحك ، وقال : والله ، لو كانت أمك أم الكتاب ، ما كان بينكما من المصارمة هذا كله . ( الأغاني 212/3 ) .

وجمش أبو علقمة النحوي ، امرأة يهواها ، فقال لها : يا خريدة ، قد كنت أخالك عروبة ، فإذا أنت نوار مالي أملي فتشتئيني ؟ فقالت : يا رفيع ، ما رأيت أحدا يحب أحدأ فيشتمه سواك . (معجم الأدباء 76/5 و77) .

ص: 439

وقال أبو حامد المرور وذي : كان بالشام قاص ، يقض ويقول : اللهم أهلك أبا حان الدقاق ، فإنه تربص بالمسلمين ، وفعل السوء بهم ، ومنزله أول باب في الدرب علي يسارك ( البصائر والذخائر 497/2/3 ).

وخرج ابن احمد المديني ، أيام العصبية إلي أذربيجان ، فلقيه فرسان ، فأسقط في يده ، وقال : الساعة يسألونني من أنا ، وأخاف أن أقول مضري وهم يمانية ، أو يماني وهم مضرية ، فيقتلونني ، فلما اقتربوا منه ، قالوا : يا فتي ممن أنت ؟ فقال : ولد زنا ، عافاكم الله ، فضحكوا منه ، وأعطوه الأمان في الملح والنوادر 16 ) .

وخرج طفيلي مع قوم في سفر ، فعزموا علي أن يخرج كل واحد شيئا للنفقة ، فقال كل واحد : علي كذا ، فلما بلغوا إلي الطفيلي ، قالوا له : أيش عليك ؟ فقال : علي لعنة الله ( التطفيل 54).

وكان رجل علي باب داره ، فأتاه سائل يسأله ، فقال لجاريته : أحضري له مكوكا من حنطة ، قالت : ما بقي عندنا حنطة ، قال : فأحضري له درهما ، قالت : ما عندنا دراهم ، قال : فأطعميه رغيفا ، قالت : ما عندنا رغيف ، فالتفت إلي السائل، وقال له : انصرف يا ابن الفاعلة ، فقال السائل : يا سبحان الله ، تحرمني وتشتمني ، قال : أحببت أن تنصرف وأنت مأجور . ( الملح والنوادر 246).

وكان مزبد نائما في المسجد ، فجاء إنسان فصلي ، وقال : يا رب أنا أصلي ، وهذا نائم ، فصاح به مزد : يا بارد ، سل حاجتك ، ولا تحرشه علينا ( فوات الوفيات 594/2و595 ).

وغضب أبو جلدة اليشكري ، علي ندمانه ، فصاح بهم : لا أم لكم ، أمني تضحكون ، وكان سبب ذلك ، إنه قام يبول ، فضرط ، وكان عظيم البطن ، فتضاحك القوم منه ، فسل سيفه ، وقال : لا أم لكم ، أمتي

ص: 440

تضحكون ، لأضربن بسيفي هذا من لا يضرط منكم ، فما زال بهم حتي ضرطوا جميعا ، إلا صاحبا له من عبد القيس ، قال له : قد علمت أن عبد القيس لا تضرط ، ولك بدلها عشر فسوات ، قال : لا والله ، أو تفصح بها ، فجعل العبقسي يتلوي وينحني ، فلا يقدر عليها، فتركه ( الأغاني 321/11)

واستعدت امرأة ، علي زوجها ، عند ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك ، وهو قاض ، فادعت مهرها ألف درهم ، فقال : ألك بينة ؟ قالت : لا ، قال : أفأحلفه لك ؟ قالت : إنه فاجر يحلف ، ولكن إبعث إلي إسحاق بن سويد الفقيه ، فسله أن يحلف لي بدلا منه ، قال : فأرسل إلي إسحاق بن سويد ، وقال له : أحلف لهذه المرأة ، مالها علي زوجها ألف درهم مهرها ، قال إسحاق : ما أنا وهذا ؟ قال : فيبطل حق المرأة ؟ ، لتحلفت لها أو الأحبستك ، فلم يحلف ، فحبسه ، فأتاه ابن سيرين فقال : لا ألومك علي حبسك إسحاق ، ولكن لم وليت القضاء ؟ قال : أكرهني عليه السلطان ، قال : كنت تخبره أنك لا تحسن القضاء ، قال : أتريدني أن أكذب ؟ ( الملح والنوادر 72 73 ).

وجاء أحد النصاري ، إلي عبد الله بن بشار ، وقال له : أريد أن أسلم علي يدك ، فقال له : يا ابن الفاعلة ، ما وجدت في عسكر أمير المؤمنين أهون مني ، فجئت تريد أن تلقي الفتنة بيني وبين عيسي بن مريم ؟ ( اخبار الحمقي 99).

وقال أمير مكة ، لسفيه غبه الي عرفات : أي عدو الله طردتك من حرم الله فصرت الي المشعر الحرام تفسد فيه .

كان بمكة سفيه ، يجمع بين الرجال والنساء علي أفحش الريب ، فشكا أهل مكة ذلك الي الوالي ، فغربه إلي عرفات ، فأتخذها منزلا ، ودخل إلي مكة مسترأ ، فلقي بها حرفاءه من الرجال والنساء ، وقال لهم : ما يمنعكم

ص: 441

مني ؟ فقالوا : وأني بك وأنت بعرفات ؟ قال : حمار بدرهمين ، وصرتم الي الأمن والنزهة والخلوة واللذة ، فقالوا : نشهد أنك لصادق ، فكانوا يأتونه ، وكثر ذلك ، حتي أفسد علي أهل مكة أحداثهم وحواشيهم ، فعادوا بالشكية علي أميرهم ، فأرسل إليه ، فأتي به ، فقال له : أي عدو الله ، طردتك من حرم الله ، فصرت الي المشعر الأعظم تفسد فيه ، وتجمع بين الخبائث ، فقال : أصلح الله الأمير ، أنهم يكذبون علي ويحسدونني ، فقالوا للوالي : بيننا وبينه واحدة ، تجمع حمير المكارين ، وترسلها إلي عرفات ، فإن لم تقصد بيته ، لما تعودت من إتيان السفهاء والفجار إياه ، فالقول ما قال ، فقال الوالي : إن في هذا دليلا، وأمر بجمع الحمر ، فجمعت ثم أرسلت ، فقصدت منزله ، وأتاه أمناؤه فأخبروه ، فقال : ما بعد هذا شيء ، جردوه ، فلما نظر إلي السياط ، قال : ولا بد من ضربي ؟ قال : لا بد يا عدو الله ، قال : إضرب ، فوالله ما في هذا شيء أشد من أن يسخر منا أهل العراق ، ويقولون : إن أهل مكة يجيزون شهادة الحمير ، مع تقريعهم لنا بقبول شهادة الواحد مع يمين الطالب ( أي المدعي )، فضحك الوالي ، وقال : لا أضربك اليوم ، وأمر بتخليت سبيله ، وترك التعرض له ( مروج الذهب 432/2)

وجيء إلي نوفل بن مساحق، بابن أخيه ، وقد أحبل جارية من جيرانه ، فقال له : يا عدو الله ، لما ابتليت بالفاحشة ، هلا عزلت ؟ فقال : يا عم ، بلغني أن العزل مكروه ، فقال : أفما بلغك أن الزنا حرام ( البصائر والذخائر 219/1 ) .

وكان بالبصرة رجل يلقب بقبة الإسلام ، من موالي سليمان بن علي ، وكان له ابن خليع ، وكان أبوه ينهاه عن المجون فلا ينتهي ، فجاء إليه يوما ، وقال له : يا أبة إني أريد الحج ، فسر أبوه بذلك ، قال : لا أحج إلا مع خواص إخواني ، فقال الأب سمهم لي ، فقال : منهم أبو سرقين ، وعثمان

ص: 442

خراها ، وأبو السلاح ، ومحمود خريه ، فقال له أبوه : ويلك تريد أن تسمد الكعبة بهؤلاء ، والله ، لا أذن لك بالخروج إلي مكة صحبة هؤلاء ، ولكن إن شئت أن تخرجهم إلي ضيعتي ، فإنها أحوج إلي السماد ، فأفعل ( البصائر والذخائر 182/1/2 و 183 ).

وجاءت جارية إلي بقال ببغداد ، فقالت : تقول لك مولاتي ، طيب فمي ببصلة ، فأعطاها بصلة ، وقال لها : قولي لمولاتك ، أكل خرا حتي تطيبي فمك ببصلة ( البصائر والذخائر 128/1 ). وكان أزهر التمار بين يدي عمرو بن الليث يأكل البطيخ ، فقال له عمرو : كيف طعمه يا أزهر ، هو حلو ؟ فقال أزهر : أيها الأمير ، أكلت الخرا قط ، فضحك عمرو وكل من حضر ( البصائر والذخائر 89/4 ).

وقال رجل للفرزدق : إني رأيت في المنام ، كأنك وزنت بحمارك ، فرجع الحمار بك ، فقطع أير الحمار وجعل في استك ، فرجحت بالحمار ، فقطع لسانك وجعل في ست الحمار ، فاعتدلتما ، فقال له الفرزدق : إن صدقت رؤياك نكت امك ( البصائر والذخائر 59/1 ، 60).

ودخل الحجاج بن هارون علي نجاح ، فذهب ليقبل رأسه ، فقال : لا تفعل فإن رأسي مملوء دهنأ ، فقال : والله لا قبله ، ولو كان عليه ألف رطل خرا ( البصائر والذخائر 145/1 ).

وجلد صهيب المدني في الشراب ، وكان جسيمة ، وكان الجلاد قصيرة قميئا ، فقال له : تقاصر لينالك السوط ، فقال له : ويلك ، إلي أكل الفالوذج تدعوني ؟ والله ، لوددت أني أطول من عوج ، وأنت أقصر من يأجوج ( البصائر والذخائر 598/2/3 ) .

وتقدم رجل وامرأته إلي القاضي أبي دبشة، فقال الزوج : لي عليها۔ أبد الله القاضي - ألف درهم ، فقال القاضي : ما تقولين رحمك الله ،

ص: 443

فقالت : يسخر بك أيها القاضي ، فنظر إلي الرجل مغضبا ، فقال الرجل : أيها القاضي لا تصدقها ، فإنك لو عرفتها حق معرفتها ، لبزقت في أستها ( البصائر والذخائر 314/1 ) .

وقال رجل لأبي العيناء : ما أنتن إبطك ، فقال له : نلقاك - أعزك الله - بما يشبهك ( البصائر والذخائر 160/1/2 ). وقدم بعض المغفلين للصلاة علي جنازة امرأة ، فقال : رب ، إنها كانت تسيء خلقها ، وتعصي بعلها ، وتؤذي جارها ، فحاسبها حسابة أدق من شعر استها ( البصائر والذخائر 98/1/2 ) .

ونزل ابن أبي فنن الشاعر ، في جوار زرياب المغنية ، فكايدته جارية من جواريها ، وقالت له : يا شيخ ، تحول من جوارنا ، لا يقول الناس هذا الشحاذ أبو هذه المغنية ، فقال لها : الذي يلزمني من العار أكبر ، لأن الناس يقولون : هذا الشاعر أبو هذه القحبة ( البصائر والذخائر 388/1 )

وتزوج أعمي بامرأة ، فقالت له يوما : رزقت أجمل النساء وأنت لا تدري ، فقال لها : يا بظراء ، وأين كان عنك البصراء ( البصائر والذخائر 245/1/2)

واجتاز جحا بامرأة وهي علي قبر زوجها تندبه ، فقال لها ، ما كانت صنعة زوجك ؟ قالت : كان يحفر القبور ، فقال : أفلم يعلم القواد ، أن من حفر حفرة لأخيه فسوف يقع فيها ( البصائر والذخائر 115/1/2 ).

ا وتذاكر قوم من ظراف البصرة الحسد ، فقال رجل : إن الناس ربما حسدوا علي الصلب ، فأنكروا ذلك ، فجاءهم بعد أيام ، وقال : إن الخليفة أمر بأن يصلب الأحنف بن قيس ، ومالك بن مسمع ، وقيس بن الهيثم ، وحجام يعرف بحمدان ، فقالوا : هذا الخبيث يصلب مع هؤلاء ؟ فقال : ألم أقل إن الناس يحسدون علي الصلب ( البصائر والذخائر 11/1/2 ) .

ص: 444

وقال أبو هقان ، كنت أنزل في جوار المعلي بن أيوب ، وكان ابن أبي طاهر قد نزل عندي ، وكنا علي ضيقة شديدة ، فقلت لابن أبي طاهر : هل لك في شيء لا بأس به ، تجيء حتي أسجيك وأمضي إلي منزل المعلي ، وأعلمه أن رفيقا لي توفي ، وآخذ ثمن الكفن ، فتسع به ايامة ، إلي أن يصنع الله ، فقال : إفعل ، وكان المعلي قد أقام وكيلا يكن كل من مات ولم يخلف ما يكفن به ، بثلاثة دنانير ، قال أبو هقان ، فصرت إلي منزل المعلي ، وأعلمتهم ذلك ، فجاء الوكيل ليعرف الخبر، ودخل منزلي ، وكشف عن وجه ابن أبي طاهر ، فاستراب به ، ونقر أنفه ، فضرط ، فالتفت الي ، وقال : ما هذا ويحك ؟ فقلت : هذه بقية من روحه كرهت نكهته فخرجت من أسته ، فضحك حتي استلقي ، ودفع لي ثلاثة دنانير ، وقال : أنتم ظرفاء مجان ، فاصرفوها فيما تحتاجون ( البصائر والذخائر 28/1 ).

ومر مزبد بقوم وهو علي حماره ، فقالوا : إنزل الينا يا أبا إسحاق ، فقال : هذا عرض سابري ، قالوا : فانزل يا ابن الزانية ( البصائر والذخائر 265/2 )

اقول : العرض السابري ، هو العرض لا يجري فيه تكرار وذلك لأن الثوب السابري من أجود الثياب يباع بأدني عرض .

وجيء إلي أحد الولاة ، برجل قد جني جناية ، فأمر بضربه ، فمد ، فلما أخذه الضرب قال للوالي : بحق رأس أمك إلا ما عفوت عني ، فقال : إضرب ، قال : بحق عينيها ، فقال : إضرب ، قال : بحق خديها ، فقال : إضرب ، قال : بحق نحرها ، فقال الوالي : ويحكم خلوه لئلا ينحدر ( البصائر والذخائر 237/1/2 ) .

وأخذ شيخ مع زنجية ، ليلة الجمعة، في مسجد ، وقد نومها علي جنازة ، فقيل له : قبحك الله من شيخ ، فقال : إذا كنت أشتهي وأنا شيخ ،

ص: 445

لا ينفعني شبابكم ، قالوا : فزنجية ؟ قال : من منكم يزوجني بعربية ؟ قالوا : ففي المسجد ؟ قال : من منكم يفرغ لي بيته ؟ قالوا : فليلة الجمعة ؟ قال : إن شئتم فعلتها ليلة السبت ، فضحكوا منه وخلوه ( البصائر والذخائر 245/1/3 )

وشتم مضحك مدني ، قينتين ، فقال لهما : يازانيتان .

وتفصيل القصة : إن هاشميا بالمدينة ، كان له قينتان مجيدتان ، فجلس يوما وأحضر مضحكة ، لا يكاد يغيب عن مجالس المنظرفين ، فسقاه نبيذأ ، وضع فيه سكر العشر ، فلما شربه المضحك تحرك عليه بطنه ، وتناوم الهاشمي، فقال المضحك للقينتين : أين المرحاض ؟ فقالت إحداهما الصاحبتها : ما يقول ؟ قالت : يقول غنياني :

رحضت فؤادي فخليتني***أهيم من الحب في كل واد

فاندفعتا تغنيانه ، فحسب أنهما لم تفهما ، فقال لهما : أين المخرج ؟ فقالت إحداهما للأخري ، ما يقول ؟ قال : يقول غنياني :

خرجت بها من بطن مكة بعدما***أصات المنادي للصلاة فأعلما

فاندفعتا تغنيانه ، فحسب إنهما لم تفهما ، فقال لهما : أين المذهب ؟ فقالت إحداهما للأخري ، ما يقول ؟ فقالت : يقول غنياني :

ذهبت من الهجران في غير مذهب***ولم يك حقا كل هذا التجنب

فتاه ، فحسب أنهما لم تفهما، فقال لهما : أين الخلاء ؟ فقالت إحداهما لصاحبتها ، ما يقول ؟ قالت : يقول غنياني :

خلي علي جري الأشواق إذ ظعنا***من بطن مكة والتسهيد والحزنا

فتاه ، فحسب إنهما لم تفهما ، فقال لهما : أين الحش ؟ فقالت إحداهما لصاحبتها : ما يقول ؟ فقالت : يقول غنياني :

ص: 446

أوحش الجشان فالربع منها***فمناها فالمنزل المعمور

فغنتاه ، فحسب إنهما لم تفهما ، فقال لهما : أين الكنيف، فقالت احداهما لصاحبتها : ما يقول ؟ فقالت : يقول غنياني :

تكنفني الهوي طفلا***فشيبني وما آكتهلا

فأحس المضحك ، أنهما تولعان به ، وغلبه بطنه ، فسلح علي الفراش وقال لهما : كذبتما يا زانيتان ، وأنا أعلمكما ما هو ( العقد الفريد 73 - 71/6)

وروي أن يزيد بن المهلب ، وتي أعرابية علي بعض كور خراسان ، فصعد المنبر في يوم الجمعة ، وقال : الحمد لله ، ثم أرتج عليه ، فقال : أيها الناس ، إياكم والدنيا ، فإنكم لا تجدونها إلا كما قال الله عز وجل :

وما الدنيا بباقية لحي وما حي علي الدنيا بباق

فلما نزل قال له كاتبه : أصلح الله الأمير ، هذا شعر ، وليس من كلام الله ، فقال له : ويحك ، هل الدنيا باقية لأحد ؟ قال : لا ، قال : فيبقي عليها أحد ؟ ، قال : لا ، قال : فما كلفتك اذن ؟ ( أخبار الحمقي 94).

ودعا حمزة بن بيض الحنفي حجامة ثقي؟ كثير الكلام ، فلما أرهف المشارط ، قال له : ويحك ، الساعة توجعني ، قال : لا ، قال : فانصرف اليوم ، قال : لا تفعل ، فإنك محتاج إلي إخراج الدم ، وذلك بن في وجهك ، وهي سنة نبوية ، قال : انصرف ، وعد الي غدا ، قال : لست تدري ما يحدث إلي غد ، والمشارط حادة ، وإنما هي لحظة ، قال : إن كان كما تقول ، فأعطني فردة بيضة من خصيتك ، تكون في يدي رهينة ، إن أوجعتني أوجعتك ، فجمع الحجام مشارطه وقام ، وقال له : أري أن تدع الحجامة هذا العام ، وانصرف ( كتاب الحمقي 43 ).

ص: 447

وفي السنة 119 خلع الحارث بن سريج ، وحارب عاصم أمير خراسان ، وكان معه عطاء الدبوسي ، من الفرسان ، وركب يوما برذونه ، وبرز ، فدعا إلي البراز ، فبرزله رجل من أهل الطالقان ، فقال له بلغته : أي كير خر ، ومعناه بالعربية : يا أير الحمار ( الطبري 98/7 ).

وسمعت أعرابية شاعر يقول :

وكم ليلة قد بتها غير آثم***بمهضومة الكشحين ريانه القلب

فقال له : أخزاك الله ، هلا أثمت ؟ ( نهاية الأرب 20/4 ).

وقال الجاحظ : قلت لعبيد الكلابي ، وكان فصيحا مملقا، أيسرك أن تكون هجينة ولك ألف جريب ؟ قال : لا أحب اللؤم بشيء . قلت : فإن أمير المؤمنين ابن أمة ، قال : أخزي الله من أطاعه ، قلت : نبي الله إسماعيل كان ابن أمة ، قال : لا يقول هذا إلا قدري . قلت : فما القدري ؟ . قال : لا أدري . ( محاضرات الادباء 347/1 ) .

وغضب عبيدة بن هلال اليشكري أحد متألهي الخوارج ، علي فتي من جند المهلب بن أبي صفرة ، فقال له : أخزاكم الله .

وتفصيل القصة : إن رجلين من عسكر المهلب ، تنازعا في جرير والفرزدق ، أيهما أشعر ، وارتفعا إلي المهلب ، فامتنع أن يفضل واحد منهما علي الآخر، وأشار عليهما أن يسألا عبيدة بن هلال اليشكري ، وكان في عسكر قطري ، أمير الخوارج ، فخرج احد الرجلين ، ودعا عبيدة للمبارزة ، فبرز له ، فقال له : إني أسألك عن شيء تحاكمنا إليك فيه ، أي الرجلين عندك أشعر ، جرير أو الفرزدق ، فقال له عبيدة : إني سائلك قبل ذلك عن ثلاث ، ما تقولون في إمامكم إذا فجر ؟ فقال : نطيعه وإن عصي الله عز وجل ، فقال : قبحكم الله ، فما تقولون في كتاب الله وأحكامه ؟ فقال : ننبذه وراء ظهورنا ونعطل أحكامه ، فقال : لعنكم الله ، فما تقولون في اليتيم ؟

ص: 448

فقالوا : نأكل ماله وننيك أمه ، فقال أخزاكم الله إذن ، والله لقد زدتموني فيكم بصيرة ، ثم أجاب علي سؤالهم بأن فضل جرير ( الأغاني 7/8 و 8) .

وتحرش أشعب الطامع ، بأعرابي حديد ، في مجلس أبان بن عثمان ، أمير المدينة ، فصاح به الأعرابي : هلم يا آبن الخبيثة .

وسبب ذلك : إن أبان بن عثمان بن عفان ، كان من أهزل الناس وأعبثهم ، وبلغ من عبثه إنه كان يجييء بالليل، إلي منزل رجل في أعلي المدينة ، له لقب يغضب منه ، فيقول له : أنا فلان في فلان ، ثم يهتف بلقبه ، فيشتمه أقبح شتم ، وأبان يضحك ، وأبصر ذات يوم أعرابية ، ومعه جمل له ، والأعرابي ، أشقر أزرق ، أزعر ، ، غضوب ، يتلظي كأنه أفعي ، ويتبين الشر في وجهه ، ما يدنو أحد منه إلا شتمه ونهره ، فقال أشعب الأبان : هذا والله ، من أهل البادية ، فاستدعاه أبان ، فحضر ، فسأله أبان عن نسبه ، فلما انتسب ، قال له : حياك الله يا خالي ، إني في طلب جمل ، مثل جملك هذا منذ زمان ، فلم أجده كما أشتهي بهذه الصفة ، وهذه القامة ، واللون ، والصدر ، والورك ، والأخفاف ، فالحمد لله الذي جعل ظفري به من عند من أحبه ، أتبيعه ؟ قال : نعم ، أيها الأمير ، فقال : فإني قد بذلت لك به مائة دينار، وكان الجمل يساوي عشرة دنانير ، فطمع الأعرابي ، وسر ، وانتفخ ، وبان السرور والطمع في وجهه ، فأقبل أبان علي أشعب ، وقال له : ويلك يا أشعب ، إن خالي هذا، من أهلك وأقاربك - يعني في الطمع . فأوسع له مما عندك ، فقال له أشعب : نعم ، بأبي أنت وزيادة ، فقال له أبان : إنما زدتك في الثمن علي بصيرة ، والجمل ، إنما يساوي ستين دينارا ، ولكني بذلت به مائة ، لقلة النقد عندنا ، وأنا أعطيك به عروض تساوي مائة ، فزاد طمع الأعرابي ، وقال : قد قبل ذلك ، أيها الأمير ، فأسر إلي أشعب ، فأخرج شيئا مغطي ، فقال له : أخرج ما جئت به ، فأخرج جرد عمامة خير خلق تساوي أربعة دراهم ، فقال له : قومها يا

ص: 449

أشعب ، فقال : عمامة الأمير ، تعرف به ، ويشهد فيها الأعياد والمواسم والجمع ، ويلقي فيها الخلفاء ، خمسون دينارة ، فقال : ضعها بين يديه وقال لابن زبنج : أثبت قيمتها ، فكتب ذلك . ووضعت العمامة بين يدي الأعرابي فكاد يدخل بعضه في بعض ، غيظا ، ولم يقدر علي الكلام ، ثم قال : هات قلنسوتي ، فأخرج قلنسوة طويلة ، خلقة ، قد علاها الوسخ والدهن ، وتخرقت ، تساوي نصف درهم ، فقال : قوم ، فقال : قلنسوة الأمير ، تعلو هامته ، ويصلي فيها الصلوات الخمس ، ويجلس فيها للحكم ، ثلاثون دينارة ، قال : أثبت ، فأثبت ذلك ، ووضعت القلنسوة بين يدي الأعرابي ، فترتد وجهه ، وجحظت عيناه ، وهم بالوثوب ، ثم تماسك ، وهو متقلقل ، ثم قال لأشعب : هات ما عندك ، فأخرج خفين خلقين ، قد نقبا ، وتقشرا ، وتفتقا ، فقال له قوم ، فقال : خفا الأمير ، يطأ بهما الروضة ، ويعلو بهما منبر النبي ، أربعون دينارة . فقال : ضعهما بين يديه ، فوضعهما ، ثم قال للأعرابي : أضمم إليك متاعك ، وقال لبعض الأعوان : إذهب فخذ الجمل ، وقال لأخر : إذهب مع الأعرابي ، فاقبض منه ما بقي لنا عليه من ثمن المتاع ، وهو عشرون دينارة ، فوثب الأعرابي ، فأخذ القماش فضرب به وجوه القوم ، لا يألو في شدة الرمي به ، ثم قال لأبان : أتدري أصلحك الله ، من أي شيء أموت ؟ قال : لا ، قال : لأني لم أدرك أباك عثمان ، فاشترك - والله - في دمه ، إذ ولد مثلك ، ثم نهض مثل المجنون ، حتي أخذ برأس بعيره ، وضحك أبان حتي سقط ، وضحك كل من معه ، وكان الأعرابي إذا لقي أشعب ، يقول له : هلم إلي يا ابن الخبيثة ، حتي أكافئك علي تقويمك المتاع ( الأغاني 176/19 - 178 ).

وقالت عجوز مدنية لأشعب الطماع : سخنت عينك ..

روي أنه كان بالمدينة عجوز عائنة ، لا تنظر إلي شيء آستحسنته إلا عانته ، فدخلت علي أشعب وهو في الموت ، فلما رآها أشعب ، غطي وجهه

ص: 450

بكمه ، وقال لها : يا فلانة ، بالله ، إن كنت إستحسنت شيئا مما أنا فيه ، فصلي علي النبي لا تهلكيني ، فغضبت المرأة ، وقالت : سخنت عينك ، في أي شيء أنت مما يستحسن ؟ أنت في آخر رمق ! ، قال : قد علم ، ولكن قلت لئلا تكوني قد استحسنت خقة الموت علي ، وسهولة النزع ، فيشتد ما انا فيه ، فخرجت من عنده وهي تشتمه ( الأغاني 178/19 ).

وقال المهدي العباسي ، للقائد عبد الله بن مالك الخزاعي : ما جاء بك تبحك الله .

وتفصيل القصة : إن أصدقاء ثلاثة ، من أهل البصرة ، اثنان شاعران ، والثالث لا يحسن شيئا ، فني ما في أيديهم ، فقصدوا بغداد ، ودخل الثالث علي يقطين بن موسي وأخبره أنه لا يمت إليه بوسيلة ، سوي أنه أكذب الناس ، وأنه يكذب الكذبة ، فيراها المكذوب عليه ، كأنها صحيحة ، فضحك يقطين ، وخف الرجل علي قلبه ، وأدخله في حاشيته. وكان المهدي ، قد غضب علي عبد الله بن مالك الخزاعي ، وأمره بأن يلازم بيته ، ولا يخرج منه ، فأتاه الرجل، وأستأذن عليه ، وقال له : أنا رسول الأمير يقطين إليك ، بأن الخليفة ، قد ذكر سالف حقوقك ، وقديم خدمتك ، فعفا عنك ، وهو يأمرك بالركوب غدأ ، ليخلع عليك ، ويجدد الرضا عنك بمحضر الناس ، فسر عبد الله بذلك ، وخلع علي الرجل ، ووصله ، وبكر الي دار المهدي ، فلما دخل عليه ، قال له المهدي : ما جاء بك ، قبحك الله ، وقد أمرناك بلزوم دارك ؟ فقال له : أو ما رضيت عني يا أمير المؤمنين ، قال : لا ، قال : فإن رسول يقطين أتاني بذلك ، فأمر المهدي ، فأحضر يقطين ، وسأله ، فأنكر أنه بعث أحدة إلي عبد الله ، فقال عبد الله : بل أتاني رسوله فلان ، فأحضر الرجل في مجلس الخليفة ، وسأله يقطين : ما هذا الذي فعلت ؟ فقال له : يا سيدي ، هذا بعض ذلك المتاع ( يعني الكذب ) نشرناه ، خوفا عليه من السوس ، فأستبهم الجواب علي المهدي ،

ص: 451

فأخبره يقطين بالقضة ، فضحك المهدي ، وجدد الرضا عن عبد الله بن مالك ، ووصله ، ووصل الرجل و الملح والنوادر 21).

وقال متطبب أعجمي، ببغداد، لفتي ألح في مساءلته : قولي لا شفاك الله .

وتفصيل القصة : إن الحارثي ، قال : اجتزت ببغداد ، في أيام المقتدر ، وأنا حدث ، مع جماعة من مجان أصحاب الحديث ، وإذا بخادم (خصي ) جالس علي دكة في الطريق ، وبين يديه أدوية ، ومكاحل، ومباضع ، وعلي رأسه مظلة خرق كما يكون الطبيب .

فقلت لأصحابنا : ما هذا ؟

فقالوا : هذا خادم طبيب ، يصف للناس ، ويعالج ، ويأخذ الدراهم ، وهو من عجائب بغداد .

فقلت : أنا أحب أن أخاطبه ، لأنظر كيف فهمه .

فقال واحد منهم : لا أدري مقدار فهمه ، ولكنا نحب أن نعبث به .

فتقدم واحد منا إليه ، وتغاشي ، وتماوت ، وتمارض، وصاح ، يا أستاذ ، يا أستاذ ، دفعات .

فضجر الخادم وقال : قولي ، لاشفاك الله ، أيش أصابك ، أي طاعون ضرب ؟

فقال له : يا أستاذ ، إني أجد ظلمة في باطن أحشائي ، ومغصأ في أطراف شعري ، وما أكله اليوم ، يخرج غدا مثل الجيفة ، فصف لي وصفة لما أنا فيه .

فقال له : أما ما تجدين من مغص في أطراف شعرك ، فاحلقي رأسك

ص: 452

ولحيتك ، فيذهب المغص ، وأما الظلمة في باطن أحشائك ، فعلقي علي باب دبرك قنديلا يضيء مثل الساباط ، وأما ما تأكليه اليوم ، يخرج غدا مثل الجيفة ، فكلي خرا وأربحي النفقة .

قال : فعطعط بنا العامة القيام ، وضحكوا ما ، وانقلب الطنز الذي أردنا بالخادم ، طنز؛ بنا، فصار أقصي إرادتنا الهرب ( الاذكياء 111 و112).

وخرج هارون الرشيد ، وعيسي بن جعفر بن المنصور ، والفضل بن الربيع ، متن گرين ، فلاقوا أعرابية ، فولع به عيسي ، حتي قال له : يا ابن الزانية ، فطلب العوض عن الشتيمة ، فحكم له الرشيد بدانقين ، عوضا عن الشتيمة ، فقال : أهذا الحكم ؟ قالوا : نعم ، فأخرج درهما ، وقال لهم : هذا درهم خذوه وأمهاتكم جميعا زواني ( الهفوات النادرة 136).

وقال أبو فرعون الشاشي : ( الامتاع والمؤانسة 53/2)

أنا أبو فرعون فاعرف كنيتي***حل أبو عمرة وسط حجزتي

وحل نسج العنكبوت برمتي***أعشب تتوري وقلت حنطتي

وحالف القمل زمانأ لحيتي***وضعفت من الهزال ضرطتي

وصار تباني كفاف خصيتي***أير حمار في حرآم عيشتي

أقول : أبو عمرة ، كناية عن الجوع .

وكانت عريب تتعشق صالح المنذري الخادم ، فوجه به المتوكل إلي محل بعيد ، فغنت المتوكل في بيتين من الشعر صوت لها :

أما الحبيب فقد مضي***بالرغم مني لا الرضا

أخطأت في تركي لمن***لم ألق عنه معوضا

فاستعاده المتوكل ، وجعل جواريه يتغامزن ويضحكن ، فأصغت اليهن

ص: 453

سرا من المتوكل ، فقالت : يا سحاقات ، هذا خير من عملكن . ( الأغاني 72/21 )

ودخل حمصي علي امرأة ، وأرادها، فطلبت أربعة دراهم ، ولم يكن معه غيرها، فسألها أن تترك عليه درهما واحدا ، وتأخذ ثلاثة ، فأبت ، فأعطاها الدراهم الأربعة.، ولما خرج رأي في الدار مقلي ، فحملها وخرج ، فصاحت به المرأة : يا أحمق ، سخرت بك ، ولم تضرني بشيء، فالتفت إليها ، وقال : حين تقلين تدرين ( البصائر والذخائر 51/4 ) .

وقال عبيد الله بن جعفر بن المنصور ، لحاجبه : ثكلتك أمك ، وخلاصة القصة أن عبيد الله بن جعفر بن المنصور كان عظيم الإعجاب بغناء عمرو الغزال ، خلافا للخضر بن جبريل فقد كان لا يطيق سماع غناء عمرو ، وانصرف عبيد الله يوما من الشماسية ( الصليخ ) فلقيه الخضر ، فعاتبه عبيد الله علي تركه والانقطاع عنه ، فقال له : أنا وأنت علي طرفين متباينين ، أنت في نهاية الحب لغناء عمرو الغزال ، وأنا أتوهم أني إن عاشرته ساعه مث ، وعلي هذا فما تستقيم بيننا عشرة أبدأ ، فقال له عبيد الله : إذا كان الأمر هكذا ، فأنا أعفيك منه إذا زرتني ، فصر إلي آمنا من ملاقاته ، وفعل الخضر ذلك ، فلما جلس عبيد الله ، قال لحاجبه : لا تدخل علي اليوم أحدة ، فلما وضعت المائدة ، لم يأكل ثلاث لقم ، حتي دخل الحاجب ووراءه عمرو الغزال ، فقال عبيد الله للحاجب : ثكلتك أمك ، ألم أقل لك لا تدخل علي أحدة ، فقال له : لم أحسب يا سيدي أن عمر يجري هذا المجري ، فإنك أمرتني أن أدخله عليك بلا إذن ، فلما جلس عمرو علي المائدة ، تغير وجه الخضر ، وبانت الكراهية فيه ، فما أكل أكلا فيه خير ، ورفعت المائدة ، وقدم النبيذ، فجعل الخضر يشرب شربة كثيرا حتي سكر ، وتبينت في وجهه وحركاته الرغبة في العربدة ، وأخذ عمرو يغني ، والخضر يتمر غيظا ، إلي أن غني عمرو صوتا، وقال هذا الصوت لي ، فوثب الخضر، وكشف آسته ، وخريء في

ص: 454

وسط المجلس علي بساط خز لم ير لأحد مثله ، ثم قال : إن كان هذا الغناء لك ، فهذا الخراء لي ، فغضب عبيد الله ، وقال له : يا خضر أكنت تستطيع أن تفعل اكثر من هذا ؟ قال : إي والله أيها الأمير ، ثم وضع رجليه علي سلحه وأخرجها ومشي علي البساط مقبلا ومدبرة حتي خرج وقد لثه ، وهو يقول : هذا كله لي ، وتفرقنا عن المجلس علي أقبح حال وأسوئها ، وشاع الخبر حتي بلغ الرشيد فضحك حتي غلب عليه . ودعا الخضر وجعله من ندمائه . ( الاغاني 137/23 و138).

والح الصبيان علي خالد الكاتب ، يصيحون به : با خالد ، با بارد ، وألحت عليه من بينهم جارية ، فقال لها : مري يا منتنة الك ( الأغاني 283/20 و 284 ).

وروي الجاحظ، أن رجلا بعث غلامه الي غريم له، فأساء الغلام خطابه فخرق الغريم ثيابه ، فرجع إلي مولاه ، فقال : مالك ؟ قال : شتمك يا مولاي ، فلم أحتمل ، فرددت عليه ، فحل بي ما تري ، قال : وكيف شتمني ؟ قال : قال لي ، هن الحمار في حرآم من أرسلك ، فقال له مولاه : دعني مما جري ، ولكن لم لم تجعل الحرامي من الوقار ما جعلته لأير الحمار حين كنيت عن ذا ولم تكن عن ذا ( الملح والنوادر 52).

وكان أبو النضير البصري ، وأسمه عمر بن عبد الملك ، يغني غناء صالح ، فغني ذات يوم صوتا ببغداد ، فقالت له قينة بغدادية اسمها مكتومة : اطرح علي هذا الصوت يا أبا النضير ، فقال : نفسي لا تطيب به مجانا ، ولكني أبيعك إياه ، قالت: بكم ؟ قال : برأس ماله ، قالت : وما رأس ماله ؟ قال : ناكني فيه الذي أخذته منه ، فغطت وجهها، وقالت : عليك ، وعلي هذا الصوت الدمار . ( الأغاني 287/11 ) .

وقالت امرأة بصرية ، لأبي القماقم : ويحك يا أبا القماقم ، إني تزوجت زوجة نهاريا ( يعني يراجعها في النهار فقط ) ، والساعة وقته ، ولست علي

ص: 455

هيأة ، فاشتر لي بهذا الرغيف اسأ ، وبهذا الفلس دهنأ ، فإنك تؤجر ، فعسي الله أن يلقي محبتي في قلبه ، فيرزقني علي يدك شيئا أعيش به ، فقد والله ساعت حالي ، وبلغ المجهود مني ، فأخذهما ، وجعله وجهه ، فرأته بعد أيام ، فقالت : سبحان الله ، أما رحمتني مما صنعت بي ؟ قال : ويحك ، سقط مني الفلس، فمن الغم أكلت الرغيف ( البخلاء 123 و 124 ).

وشرب طوقان المغني عند الشريف الرضي ، فسرق رداؤه ، فلما أصبح آفتقده ، فقال : قد سرق ردائي ، فقال له الشريف : سبحان الله ويحك ، من تتهم منا ؟ أما علمت أن النبيذ بساط يطوي بما عليه ، فقال : انشروا بساطكم حتي آخذ ردائي ، ثم أطووه إلي يوم القيامة ( الملح والنوادر 153 ) .

وأحضر حامد بن العباس ، الوليد بن أحمد، ابن اخت الراسبي ، ليصادره ، وكان الرجل قد أحضر من السجن في جبة صوف ، وكان يكلم علي بن عيسي ، ويحلف له إنه ما بقيت له حيلة ، فصاح حامد بعلي بن عيسي : يا أبا الحسن ، تلومني الساعة ، أن أنيك أم هذا ؟ فقال علي بن عيسي : اللهم غفرة ، إي والله ، أي لوم . ( نشوار المحاضرة 87/8 رقم القصة 36).

وقال الصاحب بن عباد ، لشيخ خراساني ، في شيء جري بينهما : والله ، لولا شيء لقطعتك تقطيعأ ، وبضعتك تبضيعأ ، ووزعتك توزيعة ، ومزعتك تمزيعة ، وجرعتك تجزيعة ، وأدخلتك في حرامك جميعا. (معجم الأدباء 294/2 ) .

وقال أبو عصمة الخطيب في عكبرا، إنه إذا صعد المنبر ، أومأ إلي أهل عكبرا بيده ، إيماء السلام ، فيحسبون أنه قد سلم عليهم ، وإنما يشير إليهم كأنه يقول لهم : لحاكم كلكم في استي ( نشوار المحاضرة للتنوخي ، رقم القصة 64/1 ج 1 ص124 ).

وغضب القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، علي بنت ابن

ص: 456

العلاف، زوجة أبي منصور بن المزرع، وكانت عبارة ، تمشي مع العيارين ، فقال لها : لحية زوجك في جحري ، راجع القصة الطريفة بتفصيلها في معجم الأدباء 5/ 309/308 ) .

وكان أحد الناس ، واقفا بعرفة ، فرأي إنسانا يتضرع، ويبكي وينتحب، ويبالغ في الدعاء ، ويقول بحرقة وألم وتوجع : اللهم أغفر لي ، وما أحسبك تفعل ، فقال له : يا أخي إن الله قد تصدق علي عباده في هذا اليوم ، بغفران ذنوبهم ، فقال له : يا أخي دعني ، فإن ذنبي عظيم ، فقال له : هل قتلت أحد والديك ؟ قال : لا ، قال : هل وطئت إحد محارمك ؟ قال : لا ، قال : هل كفرت بالله ؟ قال : لا ، قال : فهل دللت علي سرية من سرايا المسلمين ؟ قال : لا ، وأخذ يعدد عليه كبائر الذنوب ، وهو يقول : لا ، قال : فما الذي فعلت ؟ قال : نكت خنزيرة ، فقال : الأمر سهل، إن الله يغفر الذنوب جميعا ، ولكن أخبرني ، كيف وقفت لك حتي فعلت ما فعلت ؟ قال : كانت ميتة ، قال : فكيف قام عليك ؟ قال : مصصت لسانها ، فقال له : لا غفر الله لك ، ولا تجاوز عنك ، ولا سامحك ، يا أنحس الناس . ( تحفة المجالس 353) .

وقالت امرأة لبشار الأعمي ، وهو الشاعر بشار بن برد : يا أبا معاذ ، هل رأيت وجهك قط ؟ قال : لا ، قالت : لو رأيته لاتزرت عليه كما تأتزر علي استك ، سترة له من قبحه ، فقال لها بشار : اغربي قبحك الله ( البصائر والذخائر 386/1 ) .

وكان المغيرة بن عبد الله بن ابي عقيل الثقفي ، يلي الكوفة للحجاج ، وكان بخيلا ، وكان علي شرطته عبد الرحمن بن طارق ، فقال عبد الرحمن الرجل من الشرط ، إن أقدمت علي الجدي في مائدة الأمير ، أسقطت عنك نوبة سنة ، فبلغ الأمير ذلك ، فكتب يشكوه إلي الحجاج ، فعزله وولي شرطة الكوفة زياد بن جدير ، فكان أثقل علي المغيرة من عبد الرحمن ، ولكن لم

ص: 457

يستطع أن يعزله ، لأن الحجاج نصبه ، فكان المغيرة اذا خطب قال : يا أهل الكوفة ، من بغاكم الغوائل ، وسعي بكم الي اميركم ، فلعنه الله ، ولعن أمه العوراء ، وكانت أم زياد عوراء ، فكان الناس يقولون : ما رأينا تعريضأ قط أطيب من تعريضه . ( البخلاء 150 ) .

واستعمل معاوية رجلا من كلب ، فجري في مجلسه يومأ ذكر المجوس ، فقال : لعن الله المجوس ، ينكحون أمهاتهم ، والله ، لو أعطيت مائة ألف درهم ما نكحت أمي , ( العقد الفريد 158/6 ).

ووتي يوسف بن عمر الثقفي ، رجلا من بني سليم ، يلقب بأبي العاج ، وكان يغضب من هذا اللقب ، فقدم إليه رجل خصما له ، فقال له : يا أبا العاج ، فغضب ، وقال له : يا ابن البظراء ، فقال : أتقول هذا لأتي وقد حجت ؟ فقال : لا يمنعها ما قلت من الحج ( المحاسن والمساويء 230/2)

أقول : أبو العاج هذا ، هو أبو محمد كثير بن عبد الله السليمي ، أعرابي قح ، فيه جفاء الأعراب ، كان علي شركة دمشق لما كان يليها عبد الملك بن محمد بن الحجاج ، وولاه يوسف بن عمر البصرة ، لما بلغه إنه دافع عنه ، لما ذكره أحد جلساء هشام بسوء ، وكان يغضب اذا كني بأبي العاج ( العيون والحدائق 104/3 و135).

ومما يروي عن أبي العاج هذا ، إنه لما كان واليا بواسط، جاء إليه صاحب شرطته بقوادة ، فقال له : ما هذه ؟ قال : قوادة ، قال : وما تصنع ؟ قال : تجمع بين الرجال والنساء ، قال : إنما جئت بها لتعرفها بداري ، خل عنها لعنك الله ولعنها ( العقد الفريد158/6 ).

وجيء إليه مرة ، برجل مأبون ، فقيل له : إن هذا يمكن من نفسه ،

ص: 458

فغضب ، وقال : فتريدون ماذا ؟ أوكل به رجا يحفظون دبره ؟ لقد وقعت إذن في عناء ، الأست أسته ، يصنع بها ما يشاء .

أقول : ولما كان الشيء بالشيء يذكر ، فإن قصة مشابهة لهذه ، حصلت في بغداد ، في إحدي محاكم الجزاء ، أحضر إليها شاب مؤاجر اسمه علي قار ، متهمة بأنه يؤ اجر ، فقال للحاكم : لست أدري يا سيدي ، ما علاقة الشرطة بصناعتي هذه ، فهل أن هذا هو طيزي أو طيز الحكومة .

وعرض هشام بن عبد الملك ، الجند بحمص، فمر به رجل حمصي ، علي فرس نفور ، فقال له هشام : ما حملك علي أن ترتبط فرسا نفورأ ؟ فقال الحمصي : لا والرحمن الرحيم ، يا أمير المؤمنين ، ما هو بنفور ، ولكنه أبصر حولتك ، فحسبك غزوان البيطار ، وكان غزوان بيطارة نصرانيا ببلاد حمص وكان يشبه هشام في حوله ، فقال له هشام : تنح ، عليك وعلي فرسك لعنة الله في( الملح والنوادر 291 ومروج الذهب 164/2 ).

وحبق أبو النجم ، في ليلة حبقتين ، فخاف أن تكون أمرأته قد سمعته ، فقال : أسمعت شيئا ؟

قالت : لا، ما سمعت منهما شيئا .

فقال : لعنك الله ، فمن أعلمك أنهما اثنتان ؟ ( اخبار الحمقي والمغفلين 168).

وقال المأمون ، لمحمد بن العباس ، وهو التاجر الذي يتعامل بالغلات : ما حال غلتنا بالأهواز ؟

فقال : أما متاع أمير المؤمنين ، فقائم علي سوقه ، واما متاع أم جعفر ، فمسترخ.

فقال له المأمون : أغرب لعنك الله. ( اخبار الحمقي والمغفلين 169 )

ص: 459

قال أشعب لأمه : رأيتك في النوم مطلية بالعسل ، وأنا مطلي بعذرة ، فقالت : يا فاسق ، هذا عملك الخبيث البسكه الله ، قال : إن في الرؤيا شيئا آخر، قالت : ما هو ؟ قال : رأيتني ألطعك ، وأنت تلطعيني ، قالت : العنك الله يا فاسق ( الاغاني 152/19 ).

ودخل طبيب أحمق علي مريض ، فشكا اليه علته ، فقال له : خذ مثل رأس الفأرة كلنجبين ، وصب عليه مقدار محجمة ماء ، واضربه حتي يصير مثل المخاط ، واشربه ، فقال له العليل : تم لعنك الله ، فقد قذرت الي كل دواء في الأرض . ( اخبار الحمقي 183 ).

وتقدمت متيم ، إلي قاضي البصرة عبيد الله بن الحسن العنبري ، فاحتاج الي أن يشهد عليها ، فأمرها فأسفرت ، فقال عبد الصمد بن المعدل :

ولما سرت عنها القناع متيم***تروح منها العنبري متيمأ

فإن يصب قلب العنبري فقبله*** صبا باليتامي قلب يحيي بن أكثما

فبلغ ذلك يحيي بن اكثم ، فكتب إليه : عليك لعنة الله ( الاغاني 249/13 )

وأخذ رجل مع زنجية ، قد أعطاها نصف درهم ، فلما أتي به إلي الوالي ، أمر بتجريده ، وجعل يضربه ويقول : يا عدو الله ، تزني بزنجية ؟ فلما أكثر ، قال : أصلحك الله ، فبنصف درهم أي شيء كنت أجده ؟ فضحك وخلاه ( البصائر والذخائر 245/1/3 ) .

قال إسحاق الموصلي : كان لنا جار يعرف بأبي حفص ، وينبز باللوطي ، وكان يغضب من هذا اللقب ، فمرض جار له ، فعاده ، وقال له : كيف تجدك ؟ أما تعرفني ؟ فقال له المريض بصوت ضعيف : بلي ، أنت أبو

ص: 460

حفص اللوطي ، فقال له : تجاوزت حد المعرفة ، لا رفع الله جنبك . ( وفيات الأعيان 204/1 ).

وكتب ابن الكلبي ، صاحب الخبر ، الي المتوكل : إن المعروف بابن المغربي القائد ، اجتاز البارحة بالجسر سكران ، فشخر ونخر ، وبربر وزمجر وجرجر، وبأبأ بفيه ، وخرق الشريجة ، ومر منصلتأ ، وقال : أنا الكركدين فأعرفوني ، فضحك المتوكل ، وقال : قد عرفنا ما كتب به البغيض إلا حرفة واحدة، فعلي به ، فلما جاء قال له : ما معني قولك : بأبأ بفيه ؟ قال : يا مولاي لما توسط الجسر قال فيه : بب بب ، فقال له المتوكل : انصرف في غير حفظ الله ( الملح والنوادر 99).

وروي التنوخي ، مؤلف كتاب نشوار المحاضرة ، في القصة 101/3 قصة معلم أولاد ، كان الصبيان إذا تشاتموا في مكتبه ، يدخل في التشاتم معهم ، ويقول لهم : أخزي الله حرماتكم ، لا تتشاتموا يا بني البظر .

وجاء زياد الأقطع ، يزور الفرزدق ، فخرجت بنية له تدعي مكية ، فقال لها : ابنة من أنت ؟ قالت : أبنة الفرزدق ، قال : فما بالك حبشية ، قالت : فما بال يدك مقطوعة ؟ قال : قطعت في حرب الحرورية ، قالت : بل قطعت في اللصوصية ، فقال لها : عليك وعلي أبيك لعنة الله ( شرح المقامات الحريرية 277/2 ).

وكان القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، نائمة في وقت القيلولة ، فأزعجه اسكافي يصيح : شراك النعال ، فقال لأحد غلمانه : خذ جميع النعال في الدار ، وأخرجها الي الرجل ، ليشتغل بها لكي أنام ، ففعل ، وفي اليوم التالي في مثل ذلك الوقت ، جاء وأخذ يصيح : شراك النعال ، فإمر الغلام بإحضاره وقال له : يا ماصن بظر أمه ، أمس في هذا الوقت أصلحت كل نعل لنا ، فلماذا عدت اليوم تصيح علي بابنا ، هل بلغك

ص: 461

أننا تصافعنا البارحة بالنعال وقطعناها ، وصاح بغلمانه : قفاه ( يعني إنه أمرهم بصفعه ) ، فقال له : يا سيدنا القاضي ، أتوب ، ولا أدخل هذا الدرب مرة أخري ، فقال : اطلقوه الي لعنة الله ( معجم الأدباء 304/5 و 305) .

وقال أبو الفتح عثمان بن جني النحوي (ت 392 ) لأبي الحسين القمي الكاتب : ويحك يا أبا الحسين ، ما هذا القول ، ومتي رأيتني أمزح فتمزح معي ؟ وخلاصة القصة أن أبا الفتح النحوي ، زار أبا إسحاق الصابي في ديوان الإنشاء ، أيام صمصام الدولة البويهي ، فرآه أبو الحسين القمي ، الكاتب في الديوان ، فشخص إليه ببصره ، يتعجب منه ، فقال له أبو الفتح : مالك يا أبا الحسين تحدق إلي النظر ، وتكثر التعجب ؟ فقال : شيء ظريف يا سيدي ، فقد شبهت مولاي الشيخ، وهو يلوي بوزه ، ويشير بيده عندما يتحدث ، بقرب رأيته اليوم عند صعودي الي دار المملكة ، علي شاطيء دجلة ، وكان في لي بوزه ، وحركة يده ، يفعل مثلما فعل مولاي الشيخ ، فامتعض أبو الفتح ، وقال له : ويحك يا أبا الحسين ، ما هذا القول ، ومتي رأيتني أمزح ، فتمزح معي ، أو أمجن ، فتمجن بي ؟ فقال له القمي : المعذرة إلي الله تعالي ، وإلي مولاي الشيخ ، وقد صانه الله عن أن أشبهه بالقرد ، وإنما شبهت القرد به ، فضحك أبو الفتح ، وقال : ما أحسن ما اعتذرت . ( الهفوات النادرة 308 و 309) .

ودخل أبو القاسم الشاعر المعروف بابن القطان البغدادي (ت 558 ) علي الوزير ابن هبيرة وعنده نقيب الأشراف ، وكان ينسب للبخل ، وكان شهر رمضان والحر شديد ، فقال له الوزير : أين كنت ؟ قال : في مطبخ سيدي النقيب ، فقال له : ويحك ويحك أيش عملت في شهر رمضان في المطبخ ؟ فقال : وحياة مولانا ، كسرت الحر، فضحك الحاضرون وخجل النقيب . ( وفيات الأعيان 60/6 ).

وجري ذكر لوط عليه السلام ، في مجلس ، فقال أحد المتزهدين

ص: 462

المغفلين : عليه لعنة الله ، فقيل له : ويحك هذا نبي ، فقال : ما علمت ( اخبار الحمقي 139).

ووصفت ديباجة المدنية ، امرأة دخلت عليها ، فقالت : لعنها الله ، كأن بطنها قربة ، وثديها دبة . ( بلاغات النساء 103).

كان أبو الطاهر الذهلي ، قاضي مصر للمطيع ، يلبس السواد ، ويضع علي رأسه دنية طويلة تزيد علي الذراع ، فتحاكم إليه زوجان ، فبدر من المرأة في حق زوجها كلام ، فقال لها : اسكتي ، هذا القاضي أبو الطاهر ، متي زدت من هذا المعني نزع الخف الذي علي رأسه وقطعه علي دماغك ، فقال له أبو الطاهر : قم الي لعنة الله ، من أين لك أن هذا خف ؟ ( اخبار القضاة 585 ، 586 ) .

وغضب دعبل علي أبي نصر جعفر بن محمد بن الأشعث، وكان دعبل مؤدبه قديما ، فقال يهجوه :

اما جعفر بن محمد بن الأشعث*** عندي بخير أبوة من عثعث

فلقيه عثعث ، فقال له : عليك لعنة الله ، أيش كان بيني وبينك حتي ضربت بي المثل في خيمة الأباء ؟ فقال له دعبل : اتفاق اسمك في القافية ( الاغاني 147/20 و148).

وشتم خياط ، فتاتين كانتا تتحدثان في غرفة فوق دكانه ، فقال : يا قحاب ، ثياب الناس في الدكان ، لا يكف علينا ، راجع تمام القصة في كتاب البصائر والذخائر ( 705/2/2 ).

وحدث أبو العيناء ، قال : أراد أحد أصدقائي أن يخرج إلي أحد العمال وأراد أن يصطحب وسيلة إليه ، وقيل له أن الجاحظ صديق العامل ، فقصدني وكلفني أن أطالب الجاحظ بأنه يكتب للعامل كتابة ، فصرت إلي

ص: 463

الجاحظ، وحدثته بالقصة ، فكتب الكتاب وأعطانيه ، فقلت لولدي : إن أبا عثمان بعيد الغور ، فينبغي أن نقرأ ما كتب ، وفضضنا الكتاب ، فإذا فيه : كتابي هذا ، مع من لا أعرفه ، وقد كلمني فيه من لا أوجب حقه ، فإن قضيت حاجته لم أحمدك ، وإن رددته لم آذمك ، فعدت إلي الجاحظ ، فلما رآني علم أني أطلعت علي ما في كتابه فقال : لا تعجب مما في الكتاب ، فإن هذه علامة بيني وبين الرجل فيمن اعتني به ، فقلت له : إن صديقي لما اطلع علي الكتاب ، قال : أم الجاحظ عشرة آلاف في عشرة آلاف قحبة ، فقلت له : لا تشتم صديقنا ، فقال : هذه علامتي فيمن أشكره ( معجم الأدباء 61/6 و62 ).

ونظر صبي في بئر ، فركض إلي أمه ، وقال لها : يا أماه في البئر لص فجاءت معه وأطلعت ، فقالت : إي والله ومعه قحبة ( اخبار الحمقي 170)

وقرأ القاريء ، وسيفويه علي المنبر : كأنهن الياقوت والمرجان ، فقال : هذه صفات الحور العين ، خلاف نسائكم القحاب ( اخبار الحمقي 132)

وقرأ قاريء في مجلس سيفويه القاص : وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز ترواد فتاها عن نفسه قد شغفها حبا ( سورة يوسف 12 - 30)، فقال سيفويه : أخذنا في حديث القحاب . ( البصائر والذخائر 58/4 ) .

وعن أبي علي الطائي : إن رجلا قرأ عند أحد المتزمذين المغفلين : وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ، فقال : دعنا من آيات القحاب ( اخبار الحمقي 36 ).

ودخل شاعر من شعراء الهند ، علي أمير المنصورة ، فمدحه ، فقال له الأمير : تقدم يا زوج القحبة ، فقال : وما زوج القحبة أيها الأمير ؟ قال :

ص: 464

هذا بلغة العرب كناية عمن له قدر جليل ، ومحل كبير ، ومال ، ودواب ، وجمال ، وغلمان ، وقدر ، ومنزلة ، قال : فأنت أيها الأمير ، إذن ، أكبر زوج قحبة في الدنيا ، ( الهفوات النادرة 227) .

وقف سائل علي باب دار ، فقال : يا أصحاب الدار الصالحين ، فقال صاحب الدار : أولئك بطرسوس ( يريد أنهم ذهبوا للمرابطة بالثغور ) فقال السائل : يا طالبي ما عند الله ، فقال صاحب الدار : أولئك خرجوا إلي مكة ( يريد أنهم ذهبوا للحج ) فقال السائل : فمن أنتم يا بني القحاب ؟ ( البصائر والذخائر 43/4 ).

قال أحمد بن العلاء لمغني في المجلس : غن لي صوت كذا ، وبعده صوت كذا ، فقال له : يا ابن الزانية ، ما تقترح صوتة الا بولي عهد ( البصائر 122/4)

شكا الفضل بن إسحاق ، جاريته ، إلي إبراهيم بن عبد الله الحراني ، فقال له ابراهيم : أرأيت وجهك في المرأة ؟ قال : نعم ، قال : أفرضيته لنفسك ؟ قال : لا ، قال : يا عاض بظر أمه ، فكيف سمتها أن تحب ما لم تحبه لنفسك ( البصائر والذخائر م 3 ق 2 ص 473) .

شيع أبو العلاء المنقري ، جنازة أحمد بن يوسف الكاتب ، فظل يبكي ، وكان مكتح ، فسال كحله علي وجهه ، فنظرت إليه امرأة وقالت له : سخنت عينك ، كأنك والله مطبخ يكف ، أيش هذه السماجة ( البصائر والذخائر م 3 ق 2 ص 647 ) .

وروي إن أبا الحسن البتي (ت 403) انحدر مرة مع الرضي والمرتضي وجماعة من الأكابر لاستقبال بعض الملوك ، فخرج عليهم اللصوص ، ورموهم بالحذافات ، وصاحوا بهم : ادخلوا ، يا أزواج القحاب ، فقال البتي : ما خرج هؤلاء علينا إلا بعين ، قالوا : من أين

ص: 465

علمت ؟ قال : وإلا فمن أين علموا أنا أزواج قحاب ( المنتظم 263/7 ) .

وفي السنة 409 عرض سلطان الدولة علي الرخجي ولاية العراق ، فأباها ، فولي أبا محمد الحسن بن سهلان ، فلما دخل بغداد أنزل الديلم أطراف الكرخ وباب البصرة ففعلوا من الفساد ما لم يشاهد مثله ، من ذلك إن رجلا من المستورين خرج في رمضان لحاجة له ، فرآهم علي حالة عظيمة من شرب الخمر والفساد ، ولما أراد الرجوع إلي بيته ، تعلقوا به ، وأدخلوه إلي دار نزلوها ، وألزموه بشرب الخمر فامتنع ، فصبوها في فيه قهرأ ، ثم قالوا له : قم إلي هذه المرأة فافعل بها ، وأشاروا الي قحبة كانت معهم ، فامتنع ، فألزموه ، وأدخلوه الي بيت في الدار ، فأعطي المرأة دراهم ، وطلب منها أن تخرج إليهم وتخبرهم بأنه قضي حاجته منها ، فقالت له : إن هذا شهر رمضان وأنا أصون نفسي عن الكذب فيه ، فقال لها : يا عاهرة ، تصونين لسانك عن الكذب ولا تصونين نفسك عن الزنا ( ابن الأثير 307/9 ).

وشتمت امرأة حمصي ، زوجها، فقالت : يا مفلس ، با كشخان، فقال : إن كنت صادقة ، فواحدة من الله ، والأخري منك . ( البصائر والذخائر 212/4 ) .

ومرت امرأة منخرقة الخف ، برجل ، فأراد أن يهزأ بها ، فقال لها : يا امرأة ، خقك يضحك ، فقالت : إنه إذا رأي كشخانا مثلك ، لم يملك نفسه ضحكة . ( بلاغات النساء 164).

وقال جراب الدولة : كان عندنا بسجستان شيخ معلم سخيف ، اجتزت به يوما ، وهو يقول لصبي بين يديه : اقرأ يا ابن الزانية ( البصائر والذخائر 52/4)

ومرجحا بقوم ، وفي كمه خوخ ، فقال لهم : من أخبرني بما في كمي ، فله أكبر خوخة فيه ، فقالوا : في كمك خوخ ، فقال : ما قال لكم إلا

ص: 466

من أمه زانية ( البصائر والذخائر 110/4 ) .

وقيل لابن سبابة : ما نظنك تعرف الله تعالي ، فقال : كيف لا أعرف من أجاعني وأعراني ، وأدخلني في حر آمي ( البصائر والذخائر م 2 ق 2 ص 359 ).

انوشكا مزبد صيق حاله ، فقال له صاحبه : ويحك ، أحمد الله الذي رفع السماء بغير عمد ، فقال : ليته أصلح حالي ، وجعل علي كل ذراع عدة أعمدة ( البصائر والذخائر 391/2/2 ).

وقال رجل لسماك بالبصرة : بكم هذه السمكة ؟ قال : بدرهمان ، فضحك الرجل ، فقال السماك : ويلك ، أنت أحمق ، سمعت سيبويه يقول : ثمنها در همان ( معجم الأدباء 86/6 ).

وسأل رجل الشعبي ، فقال له : ما تقول في رجل شتمني في أول يوم من رمضان ؟ فقال : إن قال لك يا أحمق ، رجوت أن يؤجر ( الملح والنوادر 159)

وقال الوليد بن يزيد لبديح المغني : يا بديح خذ بنا في الأماني ، فإني أغلبك فيها ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا أغلبك ، لأني فقير ، وأنت خليفة ، وإنما يتمني المرء ما عسي أن يبلغ اليه ، وأنت قد بلغت الآمال ، فقال : لا تتمني شيئا إلا تمنيت ما هو أكثر منه ، قال : فإني أتمني كفلين من العذاب ، وأن يلعنني الله لعنا وبيلا ، فقال : أغرب ، لعنك الله دون خلقه ( الملح والنوادر 46).

أقبل رجل إلي يزيد بن أبي مسلم، فقال له : إني كنت رأيت الحجاج في المنام ، فقلت له : أخبرني ما فعل الله بلك ؟ فقال : قتلني بكل قتيل قتلته قتلة ، ثم رأيته بعد الحول ، فقلت له : ما صنع الله بك ؟ فقال : يا عاض بظر أمه ، سألتني عن هذا عام أول فأجبتك ، قال له يزيد بن أبي مسلم :

ص: 467

أشهد أنك رأيت أبا محمد حقا ( العقد الفريد 5/ 56 ) .

جاء رجل الي حاجب إبراهيم بن إسماعيل ، أمير المدينة ، فقال له : أدخلني عليه فإنني قد مدحته ولك نصف ما يصلني منه ، فقال له : أنشدني ما قلت فيه ، فقال : لا أفعل ، فقال : لا أدخلك ، قال : فإني أنشدك ، قال : هات ، قال : قلت :

كاد الأمير علي تكرمه*** أن لا يكون لأمه بظر

فقال الحاجب : يا عاض بظر أمه ، كان يعطيك ستمائة سوط ، لي منها ثلاثمائة ، اذهب الي حرق الله وناره ( المحاسن والمساويء 101/2 ).

وقال الجماز : مات إنسان غماز ، فرآه جار له في المنام ، فقال له : ما فعل ربك بك ؟ فقال له : أنا هنا بخير بين يدي ملك أطوف له ، وأسعي بين يديه في أموره ، وأرد أخبار الكفار إليه ، قال الجماز : وإذا به العاض بظر أمه ، هناك أيضا ، غماز . ( البصائر والذخائر 56/4 ).

وكان موسي الهادي ، وهو صغير ، ترتفع شفته العليا ، فوكل به أبوه المهدي ، خادمة ، كان كلما سها موسي عن نفسه ، صاح به : موسي إطبق ، فعرف موسي بذلك ، وكان يغضب اذا عيره أحد، وقال له : موسي إطبق ، وأراد موسي مرة ، أن يلهو بعليان وبهلول ، وهما مجنونان ، فأحضرهما ، قال العليان أيش معني عليان ؟ فقال له : وأيش معني موسي إطبق ؟ فغضب موسي ، وصاح : خذوا برجل ابن الفاعلة ، فالتفت عليان الي بهلول ، وقال له : كنا اثنين فصرنا ثلاثة ( الأذكياء 206).

وجمع مزبد المدني ، في بيته بين متعاشقين ، فتعاتبا ساعة ، ثم أن العاشق مد يده إليها ، فقالت : دع هذا ، ليس هذا موضعه ، فسمعها مزبد ، فقال : يا زانية فأين موضعه؟ بين الركن والمقام؟ ما بنيت هذه الدار إلا

ص: 468

للقحاب والقوادين ، فأي موضع أحق بالزنا منها ؟ ( فوات الوفيات 134/4)

وجاء سائل الي دار ، يسأل ، فأشرفت عليه امرأة من الغرفة ، فقال لها : يا أمة الله ، تصدقي علي بشيء ، قالت : أيش تريد ؟ قال : درهما ، قالت : ليس ، قال : فدانقأ ، قالت : ليس ، قال : ففلسأ : قالت : ليس ، قال : فكسرة ، قالت : ليس ، قال : فكفأ من دقيق ، قالت : ليس ، قال : فقليل زيت ، قالت : ليس ، حتي عد كل شيء في البيوت ، وهي تقول : ليس ، فقال لها : با زانية ، فما يجلسك ؟ مري تصدقي معي . ( المحاسن والمساويء 220/2 ) .

ومرض رجل، فجاء أبو العبر يعوده وقد ثقل ، فصاحت امرأته : من لي بعدك يا سيدي ؟ فغمزها أبو العبر ، وأومأ إليها : أنا لك بعده ، فلما مات الرجل ، وأنقضت عدتها ، تزوجها أبو العبر ، فأقامت عنده حين ، ثم مرض أبو العبر ، فجاء عواده ، فصاحت : من لي بعدك يا سيدي ؟ ففتح عينيه ، وصاح : لا يغمزها إلا من أمه زانية . ( الملح والنوادر 186 ).

وذكر أن يحيي بن عبد الله بن خالد بن أمية ، مد يده إلي رغيف علي خوانه ، وقوم يأكلون عنده ، فقال : يزعمون أن خبزي صغير ، فمن هذا الزاني ابن الزانية ، الذي يستطيع أن يأكل أكثر من نصف رغيف منه ؟ ( العقد الفريد 181/6 ).

واقيم عرس في دار بعض جيران أشعب ، فتجوع، ولزم منزله ، طمعأ في أن يدعي ، فلما تعالي النهار ، وجاع ، ولم يدع ، قال : قبح الله هذا الجار ، وقام إلي طعام له ، فقدمه ، وجعل يأكل ، واذا بالباب بطرق ، فقال : من هذا ؟ قال : من دار العروس ، فقال : إصبر فديتك ، ودخل الخلاء ، فقذف جميع ما كان أكله ، وغسل فمه ، وخرج اليه ، فقال : تقول

ص: 469

لك مولاتي ، أعيرونا الهاون ساعة ، فصاح به أشعب : مر، أمك وأم مولاتك زانية . ( المحاسن والمساويء 230/2 ).

وعن بشر بن عبد الوهاب ، قال : كان يجلس إلي عمود في جامع دمشق ، رجل جميل الهيأة ، فرأيته يوما ، وقد سجد، وهو يقول في سجوده : سجد لك خضرتي وحمرتي وصفرتي وبياضي وسوادي ، خاشعة ، ضارعة خاضعا ، ماضأ لبظر أمه ، ومن أنا عندك الزاني ابن الزانية ، حتي لا تغفر له . ( اخبار الحمقي 138).

وقرأ إمام في الصلاة : القارعة ، فلما بلغ قوله : أما من خفت موازينه ، فأمه هاوية ، قال : فأمه زانية ، فقطع القوم صلاتهم ، وأنكروا عليه ذلك ، فقال : يا قوم ، لم تمنعوني أن أشتم الكفار ( تحفة المجالس 358 ) .

وكان زريق الفزاري ، يمر بالليل وهو شارب ( سكران ) ، فيشتم أهل المجلس فلما أن كان بالغداة ، عاتبوه ، فقال : نعم ، زنيت أمهاتكم ، فماذا عليكم ؟ ( البيان والتبيين 186/2 ). وكان أبو سالم القاص ، يقص علي المنبر ، فقال : يا ابن آدم ، يا ابن الزانية ، أما تستحي من الملك الجليل ، حتي تقدم علي العمل القبيح ؟ ( اخبار الحمقي 133 ).

وكان حجاج الصواف الأعور ، صديقة لابن مناذر ، فلما نزح ابن مناذر إلي الحجاز ، خرج حجاج إلي مكة ، فوجد ابن مناذر بفناء زمزم ، فتغافل ابن مناذر عنه ، ثم أقبل عليه ، وقال له : من أي البلاد أنت ؟ قال : من البصرة ، قال ؛ اتعرف ابن زانية هناك اسمه : حجاج الصواف ؟ قال : نعم ، تركته ينيك أم ابن زانية اسمه ابن مناذر ، فضحك ، وقام اليه نعانقه . ( الاغاني 194/18 ).

وتناظر أبو الحسين الناشيء، وبعض المجبرة ، فحرك المجبر يده ،

ص: 470

وقال للناشيء : هذه من حركها ؟ قال : حركها من أمه زانية ، فغضب الرجل ، فقال له الناشيء : ناقضت ، فإذا كان المحرك غيرك ، فلم تغضب ؟ ( معجم الأدباء 238/5 ) .

واجتاز القاضي أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، في بعض الدروب ، فسمع امرأة تقول لأخري : كم عمر ابنتك ؟ فقالت : رزقتها يوم شهر القاضي التنوخي وضرب بالسياط ، فرفع رأسه إليها ، وقال لها : يا بظراء ، صار صفعي تاريخك ، ما وجدت تاريخا غيره ( معجم الأدباء303/5 )

وسأل أعرابي شيخا من بني مروان ، وحوله قوم جلوس ، فقال : أصابتنا سنة ، ولي بضع عشرة بنتا .

فقال له الشيخ : أما السنة ، فوددت - والله - لو أن بينكم ، وبين السماء صفائح من حديد ، ويكون مسيلها مما يلي البحر ، فلا تقطر عليكم قطرة ، وأما البنات فليت الله أضعفهن لك أضعافا كثيرة ، وجعلك بينهن ، مقطوع اليدين والرجلين ، ليس لهن كاسب غيرك .

قال : فنظر إليه الأعرابي ، ثم قال : والله ، ما أدري ما أقول لك ، ولكني أراك قبيح المنظر ، سيء الخلق ، فأعظك الله بظور أمهات هؤلاء الجلوس حولك . ( العقد الفريد 437/3 و 51/4 ).

وحكم علي أشعب الطامع ، بأن تحلق لحيته ، وجيء بالحجام ، فقال له : أنفخ شدقيك حتي أتمكن من حلق لحيتك ، فقال له : يا ابن البظراء ، أمروك أن تحلق لحيتي ، أو أن تعلمني الزمر ؟ ( الاغاني 175/19 ) .

وتزوج أعمي ، امرأة قبيحة ، فقالت له : رزقت أحسن الناس ، وأنت لا تدري ، فقال لها : يا بظراء ، لو كنت كذلك ، ما تركك المبصرون ( البصائر والذخائر 245/1/2 ) .

ص: 471

وكان جبلة بن عبد الرحمان ، والي كرمان ، يخرج الي طباخة الرقاع، يستدعي بها الطعام ، وفيها الألفاظ الغريبة الحوشية ، فلا يفهم الطباخ ما فيها ، حتي يمضي بها إلي ابن أبي إسحاق ، ويحيي بن يعمر ، وغيرهما ، يفسرون ما فيها من الألفاظ ، فإذا عرف الطباخ ما فيها ، أتاه بما استدعاه ، فقال جبلة يومأ لطباخه : ويحك أنا أصوم معك ، فقال له الطباخ : سهل كلامك ، حتي يسهل طعامك ، فقال له : يا ابن اللخناء ، أفأدع عربيتي العك ؟ ( وفيات الأعيان 247/7 ).

وقف سائل علي باب ، فقال : يا أهل الدار ، فبادر صاحب الدار ، قبل أن يتم السائل كلامه ، فقال : صنع الله لك ، فقال السائل : يا ابن اللغناء ، كنت تسمع كلامي ، عسي جئت أدعوك إلي وليمة . ( البصائر والذخائر 42/4 ).

ودخل اعرابي الحمام ، فضرط ، فقال نبطي كان في الحمام : جبحان الله ، فقال له الأعرابي : يا ابن اللغناء ، ضرطتي أفصح من تسبيحك . ( العقد الفريد 445/6 ) .

وشتم جحا يوما أمه ، فقال له أبوه : يا ملعون ، هذا جزاؤها منك ؟ قال : وأيش عملت لي ؟ قال : حملتك في بطنها تسعة أشهر، وأرضعتك وربتك ، قال : قل لها تدخل في آستي ، وأحملها تسعة عشر شهرا ( البصائر والذخائر 111/4 ).

أخذ الحلاق من شعر أبي الخيثم ، فلما فرغ ، دعا بمراة ، فنظر فيها ، وقال للحلاق : أما شعر رأسي فقد جودت أخذه ، ولكنك ، والله ، يا ابن الخبيثة سلحت علي شاربي ، ووضع يده عليه ( اخبار الحمقي 93 ).

وقال عبد الصمد بن علي العباسي ، للدارمي المغني : با عاض بظر أمه .

ص: 472

قال مصعب الزبيري : شربنا يوما عند عبد الصمد بن علي ، عم المنصور ، وكان يغنينا الدارمي المكي ، وكان حلوة ظريفة ، فنعس عبد الصمد ، وأغفي ، فعطس الدارمي عطسة هائلة ، فوثب عبد الصمد مرعوبا ، وغضب غضبا شديدا ، وقال له : يا عاض بظر أمه ، إنما أردت أن تفزعني ، قال : لا والله ، ولكن هكذا عطاسي ، قال : والله لأنقعنك في دمك ، أو تأتيني ببينة علي ذلك ، قال : فخرج ومعه حرسي ، لا يدري أين يذهب ، فلقي أبن الريان المكي ، فسأله عن أمره ، فأخبره ، فقال : أنا أشهد لك ، ومضي معه حتي دخل علي عبد الصمد فقال له : بم تشهد ؟ فقال : رأيته عطس عطسة آنخلع منها ضرسه وتطاير نصف لحيته ، فضحك عبد الصمد وخلي سبيله ( الأغاني 48/3 وقطب السرور 22 و23 ) .

وشتم الشيخ سعود المجذوب ، الوزير العالم جودت باشا ، فقال له :

يا حمار .

وقف المجذوب المشهور ، الشيخ سعود ، صاحب النوادر ، علي جودت باشا، الوزير ، العالم المشهور ( 1238 - 1312 ) ، وقال له : يقول الناس إنك باشا ، وإنك عالم ، وأنا أسألك سؤالا ، لأري من جوابك ، هل أنك عالم أم لا ، فقال له : سل ، فقال له : ما هو بسمار ( مسمار ) الوجود ؟ فقال له : لا أدري ، فقال له : ضع في كفي ليرة ذهب ، لأقول لك ما هو ، فأخرج جودت باشا ليرة ذهبية ووضعها في كفه ، فقال له ، وهو يشير الي الليرة : هذا هو البسمار ، يا حمار ، فضحك الناس ، ومضي في سبيله ( اعلام النبلاء 3/ 458) .

وذكروا إن شخصا من أهالي قزلرباط ، وهي ناحية من نواحي فضاء خانقين ، سافر في العهد العثماني الي بغداد : وكانت أسباب الراحة في ذلك العهد غير متوفرة للمسافرين ، بحيث يصيب المسافر جهد وعناء ، مما كان يسمي : بوعثاء السفر ، ولذلك فقد كان عدد المسافرين قلي. ولما عاد القزلرباطي من بغداد ، أخذ يحدث أهل بلده عن بغداد ، وسعتها، وكثرة

ص: 473

سكانها ، وما شاهده فيها ، فكان يثير تعجب رفاقه من أهالي البلد بحديثه ، فانبري أحدهم ، وسأله : قل لي بالله عليك ، هل أن سكان بغداد من الكثرة بحيث يبلغ عددهم ضعف عدد أهالي قزلرباط ؟ فجابه قائلا : كيف تقول هذا ؟ إن القوادين في بغداد يبلغ عددهم أكثر من أهالي قزلرباط ، فكيف ببقية السكان ؟ ( طرائف 64).

وحدثني زيدان خليفة رحمه الله ، قال : كنت رئيس عمال في المطبعة التي تطبع فيها جريدة ( حبزبوز )، وجريدة ( أبو حمد) وجريدة ( الكرخ ) وكنت مطلعا علي مجالس المرحوم الملا عبود الكرخي ، وأولاده ، وعبد القادر المميز ، المشهور باسم ( قدر ) ، ونوري ثابت المشهور باسم (حبزبوز ) ، وكان عبد القادر المميز أغني الجماعة ، فقد كان متوليا علي وقف المميز ، كما كان له راتب تقاعدي من الحكومة ، ولذلك فقد كان أولاد الملا عبود ينادونه بلقب ( بك ) وعرف بهذا اللقب ، بحيث إذا قيل : جاء البك ، عرف أنه عبد القادر ، ولو لم يذكر اسمه ، وحصلت ذات يوم منازعة بين عبد القادر المميز ، وأحد أولاد الملا عبود الكرخي ، وتماسكا ، فهجم بقية الكرخيين علي عبد القادر وهم يصيحون به : هذه ( أطلقه ) بيك كواد .

وكانت ريمة أم عظام ، أشهر قوادة ببغداد ، قبل ستين سنة ، وكانت دورها في محلة الذهب ، في جانب الكرخ ببغداد ، وجاءها ذات يوم أعرابي ورد من أهله خارج بغداد ، وطرق بابها ، وهو لا يعرفها ، يريد عملا، فأطعمته ، وكسته ، وأجلسته في دهليز الدار ، وطلبت منه أن يفتح الباب اذا طرقه طارق ، وأن يغلقه وراء من يبارح الدار ، وقام الأعرابي بمهمته ، وأتقنها ، وتحسنت صحته ، وسمن من طعام ريمة ، ومن الهبات التي كان يتلقاها من المراجعين ، وأحس بالنعمة المتصلة ، وانزعج منه أحد المراجعين ، ذات يوم ، فصاح به : اسكت يا قواد ، فهاج الأعرابي ، وجن جنونه ، وهجم علي المراجع ، يريد قتله ، وعندما حيل بينهما ، عاود الهجوم ، وهو يقول :

ص: 474

لن ينجو مني ، يقول عني أني قواد ، لا بد أن أقتله ، وضحك الحاضرون ، وقالوا له : لماذا غضبت من هذه التسمية ، ألست أنت الآن قوادأ ؟ ، فبهت ، وقال : هل أن ما أقوم به من عمل سهل، بأجر وافر ، وطعام فاخر ، هو القيادة ؟ قالوا : نعم ، قال : إذن لا بد أن أسافر غدا ، وأحضر جميع أفراد عشيرتي لأشغلهم قوادين . ( طرائف 944).

وكان عبد العزيز الخياط ، الحاكم في محكمة الجزاء ببغداد ، شديد الحدة ، صارمة في الحكم ، ولكنه كان عفيفة عن الأموال والفروج .

وجيء له ذات يوم بشاهد ، فسأله عن صناعته ، فقال : إنه صاحب مقهي في الكلجية ( دار القحاب ) . فالتفت الحاكم إلي كاتب الضبط ، وقال له : سجل أن صناعته قواد . فتظاهر الشاهد بالإنزعاج ، وقال له : يا سيدي الحاكم ، أنا صاحب عمل شريف ، أنا صاحب مقهي هناك ، فقال له الحاكم : صاحب مقهي في الكلجية ، وتغضب أن قيدناك قوادة ، ثم التفت الي كاتب الضبط ، وقال : سجله قواد ابن قواد ( طرائف 437) .

وعندما عرضت معاهدة شط العرب ، علي مجلس النواب العراقي ، في السنة 1937 كنت إذ ذاك حاكما في منطقة الكرادة الشرقية ، وكنت في كل يوم أتلقي درسا في اللغة الانكليزية عصرا ، وبعد انتهاء الدرس ، أزور المرحوم صادق البصام ، في داره حيث ينعقد مجلسه في كل مساء ، وفي يوم عرض المعاهدة علي مجلس النواب ، وجدت المرحوم صادق البصام في أشد حالات الغيظ ، ينتقد الحكومة بألفاظ من نار، ويتهمها بالتفريط في حقوق العراق ، ويقول إن هذه المعاهدة أضاعت حقوق العراق في شط العرب ، وفي خلال الحديث ، دخل إلينا المرحوم عبود الملاك ، وكان عضوا في مجلس النواب ، فبادره المرحوم صادق البصام ، وسأله قائلا : ها أبو علي ، ماذا تم في أمر المعاهدة ؟ فأجابه قائلا : صدقوها الكواويد ، فقال له : وأنت ؟ فأجابه : آني هم وياهم .

ص: 475

ص: 476

الباب الثاني : ما يشبه الشتيمة

اشارة

أريد بما يشبه الشتيمة ، التصرفات التي تدل علي الشتم ، وإن لم يكن السب باللسان فيها بينة ، وهي تصرفات يراد بها الشتم والاهانة ، وتقوم مقام الشتم ، وقد تزيد عليه . .

وقد قسمت هذا الباب الي تسعة فصول :

الفصل الأول : العفطة ، أي اصدار صوت بين الشفتين ، يشبه الضرطة .

الفصل الثاني : الاشارة ، أو التعريض ، أو أي تصرف يراد به الاهانة ويقوم مقام الشتيمة .

الفصل الثالث : التفل ، اي البصق علي المشتوم .

الفصل الرابع : عرك الأذن . الفصل الخامس : السحب .

الفصل السادس : الحصب . الفصل السابع : الحذف بما في اليد .

الفصل الثامن : الالجام .

الفصل التاسع : التغطيس في مستودعات القذر .

ص: 477

ص: 478

الفصل الأول :العفطة

العفطة : فصيحة ، إسم للصوت الخارج من بين الشفتين ، مشابها للضرطة ، فإذا علا الصوت ، فهو عند البغداديين : فص ، فإن اشتد ، فهو : زيك ، بالكاف الفارسية ، ويقال للفاعل : عقاط ، وزياك ، ولا يقال فضاص .

والعفطة عند البغداديين ، لون من ألوان الشتم.

وكان أبو جعفر المنصور ، قد حصر يزيد بن عمر بن هبيرة ، أمير العراقين للأمويين بمدينة واسط ، وأستنزله بالأمان ، فنزل علي أمانه ، هو وقاده وجميع من معه ، ثم غدر بهم المنصور فقتل يزيد في داره ، وأحضر فؤاد يزيد عنده ، فأمر بنزع سيوفهم ، فجعل أحدهم ابن نباتة ، يضرط في الحية نفسه ( يعفط ) فقال له حوثرة ، أحد القواد ، وكان أميرا علي مصر المروان ، ثم شارك في محاربة العباسيين بواسط : إن هذا لا يغني عنك شيئا ، فقال : كأني كنت أنظر إلي هذا ، فقتلوا جميعا ( الطبري 450/7 ۔ 457 )

ولما خرج عبد الله بن علي العباسي ، علي ابن أخيه المنصور ، مطالبا بالخلافة ، وخسر المعركة فر إلي البصرة ، والتجأ إلي أخويه سليمان وعيسي ، فطالبهما المنصور بإحضاره ، وأعطاهما أمانا عاما لعبد الله ومن اشترك معه في حركته ، فقدما علي المنصور ، ومعهما عبد الله وقواده ، فغدر

ص: 479

المنصور بهم ، وأعتقلهم ، وكان أحد القواد خفاف بن منصور ، قد حذر أصحابه غدر المنصور ، فلم يسمعوا ، فلما رأي دلائل الغدر ، قال لأصحابه أطيعوني ، وشدوا شدة واحدة علي أبي جعفر ، فلا يحول بيننا وبينه حائل ، حتي نأتي علي نفسه ونشد علي هذه الأبواب مصلتين سيوفنا ، حتي نخرج وننجو بأنفسنا ، فعصوه ، فلما أخذت منهم سيوفهم ، جعل خفاف يضرط في الحية نفسه ( يعفط ) ويتفل في وجوه أصحابه ( الطبري 501/7و502)

وذكر أبو الحسن بن المهندس ، إنه كان يتقلد الضريبة بواسط ، فقدم عليه ملاح بغدادي ، يقال له : ابن شبيب ، فلما تبين أن ضريبته ثمانية آلاف درهم ، ضرط له من فمه ( عفط ) ، وقال له تأخذ مني بميزان قرع وصنج بعر ، أنظر تفصيل القصة في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، رقم القصة 70/8 ج 1 ص 160- 163.

ولما مدح أبو بكر محمد بن الروح الشلبي ، الأمير إبراهيم بن يوسف بن تاشفين بقصيدته التي منها:

أنا شاعر الدنيا وأنت أميرها***فمالي لا يسري إلي سرورها

أشار الأمير إلي مضحك له كان حاضرا ، أن يحبق له ( يعفط ) ، لقوله ( أنا شاعر الدنيا ) ، فحبق .

فقال له ابن الروح : علي من حبقت ؟ يعني أنه يحتمل أن يكون ذلك الفعل ، لقوله ( أنا شاعر الدنيا ) ، أو لقوله ( أنت أميرها ) . ففطن الأمير لما قصده ، وضحك ، وتغافل ( نفح الطيب 72/4 و73 ) .

ومر أبو جعفر بن سعيد ، ليلة ، بطريانة ، مقابلة إشبيلية ، وكان في زورق يحف به أصحابه ، فأخرج أحد الأنذال رأسه من شرجب ، وضرط له

ص: 480

( عفط ) بغاية ما قدر ، ثم ثني عليه بواحدة أخري ، راجع بقية القصة في كتاب نفح الطيب ( 192/4 ).

وروي القاضي التنوخي ، أنه حضر مجلس قاض ، فتقدم إليه رجلان ، وادعي أحدهما علي الآخر شيئا ، فقال للمدعي عليه : ما تقول ؟ فضرط بفمه ( عفط ).

فقال المدعي : يسخر بك أيها القاضي .

فقال القاضي : إصفع يا غلام .

فقال الغلام : من أصفع ، الذي سخر منك ، أم الذي ضرط عليك ؟

فقال : بل دعهما ، وأصفع نفسك ( الكنايات للجرجاني 47) .

وروي الأمير الفارس اسامة بن مرشد الكناني ( 488 - 584 ) ، في كتابه الاعتبار ، قصتين عن شخصين ، استعملا ( العفطة ) ، تعبيرا عن الإستهانة ، الأولي صدرت عن فتي تركي ، والأخري صدرت عن جندي صليبي .

روي الأولي عن المؤيد البغدادي الشاعر ، فقد ذكر إن أباه ، أقطعه الخليفة ضيعة ، وكان فيها جماعة من العيارين يقطعون الطريق ، فجاء غلام تركي علي حصانه ، ومعه بغل رحل عليه خرج ، وجارية راكبة فوق الخرج ، فنزل التركي ، وأنزل الجارية ، وقال : يا فتيان ساعدوني علي حط الخرج ، فتقدم بعض العيارين ، وأعانوه ، فإذا بالخرج دنانير وذهب مصاغ ، وبعد أن أكل التركي والجارية ، استعان بالعيارين علي إعادة الخرج علي ظهر البغل ، فأعانوه ، وسأل من صاحب الضيعة عن الطريق ، فقال له : في الطريق ستون عبارة أخاف عليك منهم ، فضرط له التركي ( عفط ) ، وقال له : أنا أخاف من العيارين ؟ وعارضه العيارون في الطريق ، فأخرج قوسه ، فانقطع وتره ، ففر عنهم ، فأخذوا البغل والجارية والخرج ، فقالت لهم الجارية : يا شباب

ص: 481

بالله ، لا تهتكوني ، وبيعوني نفسي والبغل، بعقد جوهر مع التركي ، قيمته خمسمائة دينار ، وخذوا الخرج بما فيه ، فدفعهم الطمع الي القبول ، فلما دنت الجارية من التركي ، قالت له : قد اشتريت نفسي ، والبغل ، بالعقد الذي في ساق موزك ( الجزمة ) فادفعه إلي ، فتذكر التركي إنه قد حفظ هناك وترأ لقوسه ، وقد نسيه من الدهش ، فأخرجه ، وشده في القوس ، ورجع علي العيارين ، فقتل منهم ثلاثة وأربعين رجلا، واستنقذ منهم الجارية والخرج والبغل ( الاعتبار 71 - 73 ).

أما القصة الثانية ، فقد ذكر الأمير أنه شاهدها بنفسه، وهي إنه في السنة 509 نزل جيش المسلمين علي كفر طاب ، وكانت في يد الإفرنج، واستولي المسلمون عليها ، وجمع القائد المنتصر ، الجنود الإفرنج الأسري ، ليقطعوا علي نفوسهم فداء ، يتخلصون به من الأسر ، فوقف أحدهم ، وقال : كم تأخذون مني ؟ فقالوا : نريد ستمائة دينار ، فضرط لهم ( عفط ) ، وقال : أنا ديواني في كل شهر دينارين ، من أين لي ستمائة دينار ؟ ( الاعتبار 70).

وفي السنة 548 وقعت معركة عظيمة ، بين السلطان سنجر ، والاتراك الغير ، فانكسر السلطان سنجر ، وأسر ، وقتل أمراؤه وعدد عظيم من عسكره ، فاجتمع أمراء الغز، وقبلوا الأرض بين يدي السلطان ، وقالوا له : نحن عبيدك ولا نخرج عن طاعتك ، وقد علمنا أنك لم ترد قتالنا ، وإنما حملت عليه ، وأخذوه إلي مرو ، وهي كرسي ملك خراسان ، وطلبها منه أحد أمراء الغز، إقطاعة ، فقال السلطان : هذه دار الملك ، ولا يجوز أن تكون إقطاعة لأحد، فضحكوا منه ، وحبق له بختيار الذي طلب الإقطاع ، بفمه ( عفط له ) ، فلما رأي سنجر ذلك ، نزل عن سرير الملك ، ودخل خانكاه مرو ، وتاب عن الملك . ( ابن الأثير 176/11 و 177).

ويروي أن عشيرة من العشائر ، في العهد العثماني ، توفي شيخها ،

ص: 482

وخلفته امرأته ، وتأخرت في أداء بقايا رسوم أميرية ، فبعث إليها مدير الناحية ، عريفة صحبة بعض الجنود لمطالبتها بالبقايا ، فلما طالبها ( عفطت ) له ، فعاد غاضبا ، وقدم تقريرا للمدير ، قال فيه : لما ركبنا علي فلانة ، وطالبنا بالبقايا ، رفعت ثوبها إلي أعلي بطنها، وقالت طيط ، قشمرة للداعي .

طيط : يعني عفطت ، والقشمرة : عامية بمعني السخرية .

أقول : ادرجت في مقدمة هذا الفصل أن البغداديين يسمون العفطة إذا علا صوتها : فضا ، فإن اشتد فهي : زيك ، وقد أدرجت في كتابي « موسوعة الكنايات العامية البغدادية ، بحثا عن الزيك ، أدرج قسمأ منه في هذا الفصل :

والزيك له عند ظرفاء البغداديين حرمة واعتبار ، وهم يعتبرونه أسلوبا من أساليب التعبير ، إذا جاء في موضعه كان أبلغ من الكلام الفصيح .

ويروي أن المرحوم السيد محمد سعيد مصطفي الخليل ، عميد اسرة آل مصطفي الخليل ، وهو فقيه علوي ، مليح الشيبة ، يعتم بعمامة خضراء ، كان معروفة بأنه ( زاك ) ممتاز ، وأنه كان يرسل الزيك في موضعه ، فيغني عن كلمة فاصلة ، ويبالغ البعض فيقول : أنه كان إذا ( ضرب ) شخصا بزيك ، فإن ذلك الشخص لا بد وأن يقع أرضأ ، وذكروا أن فتي من الكرخ ، قدم من الاستانة إلي بغداد ، وهو برتبة مقدم أركان حرب ، وهي رتبة عظيمة القدر ، لقلة من ينالها من الضباط العرب ، في ذلك الحين ، وكان الفتي مزهوة برتبته وثيابه العسكرية ، فكان يخرج من داره ماشيأ ، ووراءه مراسله ، ويعبر الجسر ذاهبا إلي محل عمله في القلعة ، ثم يعود فيعبر الجسر عائدا إلي داره ، وحدث ذات يوم أن كان الفتي يمشي علي الجسر منتفخ الأوداج ، كأنه الديك الهراتي ، وإذا بزيك قوي يرن في أذنه فالتفت فلم يجد أحدا غير شيخ

ص: 483

بهي الطلعة ، أبيض اللحية ، يعتم بعمامة خضراء ، له منظر يبعث علي الاحترام ، يسير خلفه ، وكان هذا الشيخ السيد محمد سعيد مصطفي الخليل رحمه الله ، فأدار رأسه ، وعاد إلي سيره ، وإذا بزيك آخر يرن في أذنه ، وعاد إلي التلفت ، فلم يجد غير الشيخ سائرة وراءه ، ولا يدري ناقل الحكاية ، ما إذا كان الفتي الضابط قد عرف ان الزيك كان من الشيخ ، أم لم يعرف ، ولكن الثابت أن الفتي انقطع منذ ذلك اليوم عن عبور الجسر ماشيأ علي قدميه ، واستأجر قاربا يعبر به النهر ، فيوصله إلي محل عمله في القلعة .

ومن لطيف ما يؤثر عن المرحوم عبد المجيد الشاوي ، عميد اسرة آل الشاوي ، وكان أميرة من أمراء الفضل والفكاهة والأدب الرفيع ، أنه كان قد اتخذ في مجلسه ببغداد ، ببغاء ، قد دربت علي أنها إذا سمعت صرخة ، أو صوتا عاليا ، نفضت صاحب الصوت بزيك قوي ، وحدث ذات يوم أن حضر في مجلس الشاوي ، رجل يلقبه الناس ببطل الفتنة ، وكان سليط اللسان ، ومن عادته أن يرفع صوته عالية إذا تحدث فما أن بدأ حديثه ، حتي قاطعته الببغاء بزيك حاد قطع عليه كلامه ، فسكت مغتاظا ، ثم عاود الحديث بعد دقائق ، فما إن رفع صوته ، حتي فاجأته الببغاء بزيك حاير آخر ، فاشتد غيظه ، فاعتذر إليه المرحوم الشاوي ، وقال له : أن هذه الببغاء قد حيرتني ، فإنها منذ سنين ، وهي تسمع أذان المؤذن في الجامع وهو بجوارنا ، فلم تتعلم منه شيئا ولكن السيد محمد سعيد، اقترب من قفصها ، وعفط أمامها ثلاث مرات ، فتعلمت منه العفاط ، وأصبحت تكرره في كل مناسبة .

وحدثني الاستاذ عبد الرزاق الظاهر ، عن حفلة حضرها، ختمت بزيكين بغداديين من النوع الممتاز ، وكانت الحفلة من أجل تمثيل رواية ، لعلها كانت عن مقتل يوليوس قيصر ، قال : كان خالص ، رأس فرقة التمثيل ، فتي بغداديا مدللا ، وكان يملك بقية من مال انفقها علي التمثيل والممثلين ، حتي صار يمشي علي الرنك » ( كناية بغدادية عن الأملاق )

ص: 484

وأعلنت فرقة خالص عن رواية تمثلها ، فاشتريت بطاقة ، وحضرت في الموعد ، فتأخر رفع الستارة عن موعده ، فضج الحاضرون وصفقوا واحدثوا جلبة ، ثم رفعت الستارة ، وإذا بخالص وجماعته من الممثلين في ملابسهم الاعتيادية ، مع أن الرواية تقتضي أن يلبسوا ملابس رجال الرومان ، ومما زاد في الطين بلة ، أن الممثلين لم يحفظ احد منهم دوره ، ولم يكن لديهم ملقن ، وقد حملوا نسخة واحدة من الرواية ، يتناولها الواحد منهم ، فيقرأ فيها دوره ، ثم يسلم النسخة إلي صاحبه ليقرأ الدور الخاص به ، فكان الوضع من جميع جهاته مثارة للهزء والسخرية ، كما كان باعثا علي الاشمئزاز ، وهاج المتفرجون ، وصاحوا ، وضجوا ، فاسدلت الستارة ، وخرج السيد خالص ، رأس الممثلين ، يخطب في المتفرجين ، ووقف علي المسرح، وصاح : اخواني ، فأجابه احد الحاضرين بزيك عنيف اسكته ، ثم عاد بعد هنيهة ، فصرخ قائلا : أخواني ، فأجابه أحد الحاضرين بزيك أعلي من الأول وأطول مدي ، فاغتاظ خالص ، وصاح بهم : أما سرسرية ، فهاج الحاضرون ، وصاحوا ، ففر إلي ما وراء الستارة ، ثم تبين من بعد ذلك أن الممثلين وعلي رأسهم خالص ، كانوا قد لاذوا بالفرار ، وانتهت الحفلة .

ص: 485

ص: 486

الفصل الثاني :الشتم بالاشارة أو التعريض

والشتم بالاشارة ، يتم بكل لون من ألوان الإشارة أو التعريض كما حصل من المرأة التي عبرت الأحنف ، لما قعد عن الحرب ، إذ أشارت إليه بإصبعها الإبهام ، وقالت له : اجلس علي هذا ، يعني أنه امرأة ، وهذه الاشارة ، مستعملة الي الآن ببغداد ، ولكن بالاصبع الوسطي ، لا بالإبهام .

ومثل ذلك ما صنعه عقبة بن أبي معيط بأمية بن خلف الجمحي ، لما قعد عن الخروج إلي بدر مع المشركين ، فجاء له بمجمرة فيها بخور ونار ، يعني إنه امرأة .

وكان نساء قريش ، في موقعة أحد، يحملن الدفوف ، يضربن بها ، ويذكرن القوم بقتلي بدر ، ومعهن مكاحل ومراود ، فكلما ولي رجل ، أو تكعكع ، ناولته إحداهن مرودة ومكحلة ، إشارة إلي إنه امرأة ، فيعود إلي الحرب ( اعلام النساء 173/5 و176).

ويشبه ذلك ، ما صنعته فتيات ماجنات ، من جواري بني أمية ، مع عمر بن أبي ربيعة ، لما أهدين إليه صندوق مغلقا ، ولما فتحه ، وجده قد أودعن فيه أوتاد ( خوازيق ) ، وقد كتبن علي كل واحد من الأوتاد إسم أحد رجال مكة ، ابتداء من أميرها ، وقد أوردنا القصة مفصلة في هذا الفصل .

ويشبه ذلك ، ما صنعه الحجاج بن يوسف الثقفي ، الظالم السيء

ص: 487

الصيت ، بالصحابة من الأنصار ، لما ختم أعناقهم ، تشبيها لهم بأهل الذمة .

وكما صنع خلف الأحمر الراوية ، بمحمد بن مناذر ، لما تعاظم ، وألحق نفسه بالنابغة ، وامريء القيس ، وزهير . فإن خلف غضب ، وتناول صحفة مملوءة مرقا ، وصبها علي رأس ابن مناذر .

وكما صنع الملك المعظم ، صاحب دمشق ، في السنة 117 ، لما غضب علي القاضي بدمشق ، فبعث إليه بثياب رجال الشرط ، وألزمه بأن يلبسها في مجلس حكمه ، وكان ذلك سببا لموت القاضي .

وكما صنعه كذلك بالشاعر ابن عنين الأنصاري ، لما تزهد ، فإنه بعث إليه بقنينة خمر ، وفصوص نرد ، وقال له : سبح بهذا ، فكتب ابن عنين إليه : ( تاريخ الخلفاء 456 و457) :

يا أيها الملك المعظم سنة***أحدثتها تبقي علي الأباد

تجري الملوك علي طريقك بعدها***خلع القضاة وتحفة الزهاد

وكما صنع الفتي التيمي الشاعر ، بمروان بن أبي حفصة ، لما أستهان به مروان ، وقال له : ما أنت والشعر ؟ ، فهجا مروان ببيتين من الشعر ، ولما توسل إليه مروان أن يكفت عنه ، أبي إلا أن يصير إليه مروان مع شهود يقول أمامهم : قاق ، في آستي بيضة ، ففعل مروان ذلك .

وكما صنع الوزير أبو القاسم ، العلاء بن الحسن ، وزير صمصام الدولة ، فإنه ضجر من ابن ثعلبة ، أحد كتاب الديلم ، وإلحاحه في طلب المحالات ، فوقع له ، في رقعة عرضها عليه : قاق ، قاق ، قاق .

وكما أراد عامة بغداد ، أن يصنعوا في يوم عيد، بأن يجمعوا عددا وفيرة من القنابر ، ويطلقوها في موكب حاجب الباب ، ابن الناقد، لأنه كان يلقب : قنبرة .

ص: 488

وكما صنعوا لما نصبت السلطة مشانق لإرهابهم ، فعلقوا عليها في الليل جرذانا ميتة .

وأما فيما يتعلق بالتعريض ، فإن الأخبار فيه أكثر من أن تحصر ، ويحتاج في جمعها إلي موسوعة يضيق عنها كتابنا هذا ، وقد أوردنا في بحثنا أنموذجات علي سبيل المثال .

ذكر الجاحظ في كتاب الحيوان 313/3 أن جماعة من الأزد ، كان معهم فتي تميمي ، وكانوا علي نبيذ ، فسقط ذباب في قدح أحدهم، فقال له أحدهم : غط التميمي ، ثم سقط الذباب في قدح آخر ، فقال الباقون : غط التميمي ، فلما كان في الثالثة ، قال التميمي : غطه ، فإن كان تميمي رسب ، وإن كان أزدية طفا، فقال صاحب المنزل : ما يسرني أنه كان نقصكم حرفة ، وإنما عني أن أزد عمان ملاحون ، يعيرهم بذلك .

وعرض عمرو بن معدي كرب الزبيدي ، بالقائد سلمان بن ربيعة الباهلي ، وتفصيل ذلك : إن القائد سلمان بن ربيعة الباهلي ، عرض الخيل ، فمر عمرو بن معدي كرب الزبيدي ، علي فرس له ، فقال سلمان : هذا الفرس هجين ، فقال عمرو : هو عتيق ، فأمر به سلمان ، فعطش ، ثم دعا بطست فيه ماء ، ودعا بخيل عتاق فشربت ، وجيء بفرس عمرو ، فثني يده وشرب ، وهكذا يصنع الهجين ، فقال له سلمان : أتري ؟ فقال عمرو : أجل ، الهجين يعرف الهجين ، فبلغ ذلك الخليفة عمر بن الخطاب ، فكتب الي عمرو : قد بلغني ما قلت لأميرك ، وبلغني أن لك سيفأ تسميه الصمصامة ، وعندي سيف أسميه مصممأ، وأيم الله لئن وضعته علي هامتك ، لا أقلع حتي أبلغ به رهابتك ، فإن سرك أن تعلم أحق ما أقول ، فعد ، والسلام ( وفيات الأعيان 397/6 ). وقال قتيبة بن مسلم الباهلي ، لهبيرة بن مسروح : أي رجل أنت لو كان

ص: 489

أخوالك من غير سلول ، فقال له : أصلح الله الأمير ، بادل بهم من شئت من العرب وجنبني باهلة ( وفيات الأعيان 90/4 ). أقول : يعتبر أهل النسب ، قبيلة باهلة من أدنا العرب نسبا ، وروي أن أعرابيا لاقي شخصا في الطريق ، فسأله : ممن أنت ؟ فقال : من باهلة ، فرثي له الاعرابي ، ثم قال له : وأزيدك ، أني لست من صميمهم ، وإنما أنا من مواليهم ، فأقبل الأعرابي يقبل يديه ورجليه ، فسأله عن سبب ذلك ، فقال : إن الله تعالي ما ابتلاك بهذه الرزية في الدنيا ، إلا ويعوضك الجنة في الآخرة . وقيل لأعرابي : أيسرك أن تدخل الجنة وأنت باهلي ؟ فقال : علي شرط ألا يعلم أهل الجنة بأني باهلي ( وفيات الأعيان 90/4 و91 ).

وقال عمرو بن العاص ، لعدي بن حاتم الطائي : متي فقئت عينك يا أبا طريف ؟

قال : يوم طعنت في دبرك وأنت مول ( المستجاد من فعلات الاجواد 252)

أقول : فقئت عين عدي بن حاتم الطائي يوم صفين مع الإمام علي ، وكان عمرو بن العاص مع معاوية ، وقضته مشهورة في فراره من الإمام علي ، وقال أبو فراس الحمداني :

ولا خير في رد الردي بمذلة*** كما رده يومأ بسوءته عمرو

وقال معاوية للأحنف : يا أبا بحر ما الشيء الملقف بالبجاد؟ فقال : السخينة يا أمير المؤمنين .

عير معاوية الأحنف ، وهو تميمي بقول الشاعر الذي اتهم بني تميم بالنهم والشره ، فقال :

إذا ما مات ميت من تميم***وسرك أن يعيش فجيء بزاد

ص: 490

بخبز أو بتمر أو بسمن***أو الشيء الملقف في البجاد

وأراد الأحنف بذكر السخينة ، وهي الطعام الذي تعير به قريش ( شرح نهج البلاغة 16/5 ).

ومر أبو غسان المسمعي ، بأبي غفار السدوسي ، فقال له : يا أبا غفار ، ما صنع الدرهمان ؟ فقال : لحقا بالدرهم ، أراد بالدرهمين قول الأخطل : ( شرح نهج البلاغة 22/5 ):

فإن تبخل سدوس بدرهميها***فإن الريح طيبة قبول

وأراد السدوسي قول بشار :

وفي حور لؤم وفي آل مسمع***صلاح ولكن درهم القوم كوكب

وكان أبو بلال مرداس بن حدير ، من كبار الخوارج ونشاكهم ، نزل اسك بالأهواز ، ومعه أربعون من أصحابه ، فوجه اليه ابن زياد ، أسلم بن زرعة في ألفين ، فصدمه الخوارج صدمة عنيفة ، فانهزم وأصحابه ، فغضب عليه ابن زياد ، وقال له : ويلك تمضي في ألفين ، وتنهزم من أربعين ، فكان أسلم يقول : لأن يذمني الأمير وأنا حي ، أحب إلي من أن يمدحني وأنا ميت ، فكان أسلم إذا خرج الي السوق صاح به الصبيان : أبو بلال وراءك ( شرح نهج البلاغة 86/5 ).

وتساب اثنان من أهل الكوفة ، ولم يشعر من كان معهما بذلك ، فإن اسماء بن خارجة الفزاري أبصر ابن مكعبر الضبي ، فأخرج أسماء من يده خاتم فضه فيروزج ، وبعث به إلي ابن مكعبر ، فأخذ ابن مكعبر سيرة رقيقة من الجلد فربطه بالخاتم ، وأعاده إلي أسماء ، أراد أسماء بالخاتم ذي الفص الفيروزج .

لقد رزقت عيناك يا ابن مكعبر***كذا كل ضبي من اللؤم أزرق

ص: 491

وأراد ابن مكعبر قول الشاعر :

لا تأمن فزاريا خلوت به*** علي قلوصك واكتبها بأسيار

وكانت فزارة تعير بإتيان الإبل ( شرح نهج البلاغة 31/5 و 32).

ودخل عبد الرحمن بن الحكم الأموي ، علي معاوية بن أبي سفيان ، فقال له : علي أي ظهر جثتنا ؟ فقال له : علي أجش هزيم ، يعرض بقول النجاشي في معاوية يوم صفين :

ونجي ابن حرب سابح ذو علالة***أجش هزيم والرماح دوان

اذا قلت أطراف الرماح تناله*** مرته له الساقان والقدمان

فغضب معاوية ، وقال : إلا أنه لا يركبه صاحبه في الظلم الي الريب ، ولا هو ممن يتهم بتسوره علي جاراته ، ولا يتوب بعد هجعة الناس علي كنائنه ، وكان عبد الرحمن يتهم بذلك في امرأة أخيه ( شرح نهج البلاغة 153/6)

ولما اشتد الأمر بين الأزد وتميم ، بعد فرار عبيد الله بن زياد من البصرة ، ألح بنو تميم علي الأحنف ، في الخروج للحرب ، فكان يتمكث، فجاءت اليه امرأة من قومه فقالت : يا أحنف ، أجلس علي هذا ، وأشارت إليه بإصبعها الإبهام ، إي إما أنت امرأة ، فقال لها : استك أحق به ، فما سمعت من الأحنف كلمة أرفث منها . ( انساب الأشراف 99/2/4 ) .

وكانت تختم أعناق وأيدي من يراد إذلاله من أهل الذمة ، ولكن الحجاج بن يوسف الثقفي ختم أعناق الصحابة بالمدينة يريد بذلك إذلالهم ، فختم في عن أنس بن مالك خادم النبي صلوات الله عليه ، وختم في يد الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري ، وأرسل الي سهل بن سعد ، فقال له : ما منعك أن تنصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان ؟ قال قد فعلت ، قال : كذبت ، ثم

ص: 492

أمر به فختم في عنقه برصاص ( الطبري 195/6 والنجوم الزاهرة 191/1)

وفي السنة 65 خالف من كان بخراسان من بني تميم ، علي عبد الله بن خازم أمير خراسان ، وكانوا قد أعانوه أولا ، فلما تمكن جفاهم ، فأقبلوا الي هراة ، وعاملها محمد بن عبد الله بن خازم ، وأمه تميمية ، فكتب عبد الله الي ولده محمد أن ينفيهم عن هراة ، فنفاهم ، وقتل منهم رجلين ضربة بالسياط حتي ماتا ، وخرج محمد يتصيد خارج هراة ، فرصده التميميون وأخذوه ، وشدوه وثاقة ، وشربوا ليلتهم ، وجعل كل من أراد منهم أن يبول بال عليه ، ثم قتلوه ( الطبري 623/5 و624).

وحدث أحد موالي عمر بن أبي ربيعة ، أن عمر تعرض لنسوة من جواري بني أمية ، قد حججن ، وحادثهن ، وناشده مدة أيام حجهن ، ثم قالت له إحداهن : يا أبا الخطاب ، إنا خارجات في غد ، فأبعث مولاك هذا إلي منزلنا ، ندفع إليه تذكرة تكون عندك ، تذكرنا بها ، فسر بذلك ، ووجه بي إليهن في السحر ، فوجدتهن يركبن ، فقلن لعجوز معهن : يا فلانة ، ادفعي إلي مولي أبي الخطاب التذكرة التي أتحفناه بها، فأخرجت الي صندوق مقفلا مختومة ، فقلن : ادفعه إليه ، وارتحلن ، فجئته به ، وأنا أظن أنه قد أودع طيبة أو جوهرأ ، ففتحه عمر ، فإذا هو مملوء من المضارب ، وهي الكير رنجات ( الكيررنج : قطع من الخشب تنحت علي شكل الذكر ، والكلمة فارسية كير أي ذكر ، ورنك : أي مثل ) ، وإذا علي كل واحد منها اسم رجل من مجان مكة ، وفيها اثنان كبيران عظيمان ، علي أحدهما : الحارث بن خالد ، وهو يومئذ أمير مكة ، وعلي الآخر : عمر بن أبي ربيعة ، فضحك ، وقال : تماجن علي ، ونفذ لهن ، ثم أصلح مأدبة ، ودعا كل واحد ممن له اسم في تلك المضارب ، فلما أكلوا واطمأنوا للجلوس ، قال : هات يا غلام تلك الوديعة ، فجئته بالصندوق ، ففتحه ، ودفع إلي الحارث

ص: 493

الكيررنج الذي عليه اسمه فلما أخذه ، وكشفه عنه غطاءه ، فزع، وقال : ما هذا أخزاك الله ، فقال له : رويدا ، إصبر حتي تري ، ثم أخرج واحد واحدة ، فدفعه إلي من عليه اسمه ، حتي فرقها فيهم ، ثم أخرج الذي باسمه ، وقال : هذا لي ، فقالوا له : ويحك ما هذا ؟ فحدثهم بالخبر ، فعجبوا منه ، وما زالوا يتمازحون بذلك دهرا طويلا ، ويضحكون منه . ( الاغاني 169/1 و 170) .

وقال محمد بن عمير بن عطاء التميمي ، الشريك النمري : ليس في الجوارح صقر أحب إلي من البازي ، فقال شريك : إذا كان يصيد القطا ، أراد محمد قول جرير :

أنا البازي المطل علي نمير***أتيح من السماء له أنصبابا

وأراد شريك قول الطرماح ( شرح نهج البلاغة 23/5 ).

تميم بطرق اللؤم أهدي من القطا***ولو سلكت سبل المكارم ضلت

ودخل عبد الله بن ثعلبة المحاربي ، علي عبد الملك بن يزيد الهلالي ، أمير ارمينية ، فقال له : ماذا لقينا البارحة من شيوخ محارب ، منعونا النوم ، فقال له ابن ثعلبة : أصلح الله الأمير ، إنهم أضلوا برقعأ ، فكانوا في طلبه ، أراد عبد الملك بشيوخ محارب ، الضفادع ، لقول الشاعر :

تنق بلا نفع شيوخ محارب*** وما خلتها كانت تريش ولا تبري

ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت***فدل عليها صوتها حية البحر

وأراد عبد الله بن ثعلبة ، بالبرقع ، قول الشاعر : ( شرح نهج البلاغة 23/5 والعقد الفريد 468/2 و469) .

لكل هلالي من اللؤم برقع***ولابن يزيد برقع وجلال

ص: 494

ووفد زياد بن عبيد الله الحارثي اليماني ، علي مروان الجعدي ، وكان يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري علي حاشيته ، وكانت الفتنة بين اليمانية والقيسية ما زالت مستعرة ، وابن هبيرة قيسي ، وأخذ ابن هبيرة يسأل كل داخل علي مروان عن قبيلته ، فلما وصل الي زياد ، أخبره بأنه يماني ، من بني الحارث بن كعب ، فقال له ابن هبيرة : يا أخا بني الحارث ، إن الناس يزعمون أن أبا اليمن قرد ، فما تقول في ذلك ؟ فقال له : أصلحك الله ، أن الحجة في هذا غير مشكلة ، تنظر كنية القرد ، فإن كان يكني أبا اليمن ، فهو أبوهم ، وإن كانت كنيته أبا قيس ، فهو أبو من كني به ، فامتلأ ابن هبيرة خجلا ، وأخذ القيسية ينظرون إلي زياد شزرة ، واعتذر ابن هبيرة من زياد ، وقال له : يا أخا بني الحارث ، لقد كان كلامي معك هفوة ، ولقد سرني أن لقنت علي الحجة ، ليكون ذلك أدبة لي فيما استقبل ( الهفوات النادرة 131 - 133 )

أقول : كنية القرد أبو قيس ، وقال الشاعر في قرد يزيد بن معاوية الذي سابق الخيل علي أتان فسبق :

تمسك أبا قيس بفضل عناتها*** فليس عليها إن هكت ضمان

ألا من رأي القرد الذي سبقت به***جياد أمير المؤمنين أتان

ومما يشبه الشتيمة ، ما صنعه زفر بن الحارث ، بفتي من جنود أهل الشام كان يسبه فيكثر ، حدث ذلك في السنة 72 وكان زفربن الحارث من أصحاب ابن الزبير قد آستولي علي قرقيسيا ، واستقر فيها ، فقصده عبد الملك بن مروان ، وحصره ، وكان رجل من كلب يقال له الذيال ، يخرج فيسب زفر فيكثر ، فقال زفر للهذيل ابنه : أما تكفيني هذا ؟ فقال : أنا أجيئك به ، فدخل عسكر عبد الملك ليلا ، فجعل ينادي : من يعرف بغ؟ صفته كذا وكذا ، حتي انتهي إلي خباء الرجل وقد عرفه ، فقال الرجل : رد الله عليك ضالتك ، فقال : يا عبد الله اني قد عييت، فلو أذنت لي فاسترحت قليلا ،

ص: 495

قال : ادخل ، فدخل والرجل وحده في خبائه ، فرمي بنفسه ، ونام صاحب الخباء ، فقام اليه فأيقظه ، وقال له : والله لئن تكلمت لاقتلنك ، أما إذا سكت وجئت معي الي زفر فلك عهد الله وميثاقه أن أردك الي عسكرك بعد أن يصلك زفر ويحسن إليك ، فخرج به وهو ينادي علي البغل ، حتي جاء به الي زفر ، فأعلمه أنه آمنه ، فوهب له زفر دنانير ، وألبسه ثياب النساء ، وحمله علي رحالة النساء ، وبعث معه رجالأ حتي دنوا من معسكر عبد الملك ، فنادوا : هذه جارية بعث بها زفر الي عبد الملك ، وانصرفوا ، فلما نظر إليه أهل العسكر عرفوه ، وأخبروا عبد الملك الخبر، فضحك ، وهرب الرجل من العسكر ( ابن الأثير 339/4 ).

وفي السنة 106 لما وقعت الفتنة بين اليمانية والمضرية ببلخ واقتتلوا، فرت تميم ، فقال عمرو بن مسلم ، لرجل من تميم كان معه : كيف تري أستاه قومك يا أخا تميم ؟ يعيره بهزيمتهم ، ثم كرت تميم ، فهزموا أصحاب عمرو بن مسلم ، فقال التميمي : هذه استاه قومي ، وقال لأصحابه : لا تقتلوا الأسري ، ولكن جردوهم ، وجوبوا سراويلهم عن أدبارهم ، ففعلوا ( الطبري 32/7)

وروي أن شريك بن عبد الله النميري ، ساير يوما يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري ، فندرت دابة شريك ، فقال له يزيد غض من لجامها ، فقال شريك : إنها مكتوبة أصلح الله الأمير ، فقال له يزيد : ما ذهبت حيث أردت .

ظن شريك أن يزيد في قوله غض من لجامها ، قصد قول جرير :

( وفيات الأعيان 320/6 و 321):

فغض الطرف إنك من نمير*** فلا كعبة بلغت ولا كلابا

فقال إنها مكتوبة ، يريد قول الشاعر :

لاتأمنت فزاريأ خلوت به***علي قلوصك وأكتبها بأسيار

ص: 496

ودخل الفرزدق علي بلال بن أبي بردة، فأنشده قصيدة في مدحه، فقال له ابن أبي بردة : هلكت - والله - يا أبا فراس ، قال : وكيف ذاك ؟ قال : ذهب شعرك، أين شعرك هذا، من شعرك في سعيد بن العاص والعباس بن الوليد ، وفلان ، وفلان ، فقال الفرزدق : جئني بأحساب مثل أحسابهم ، حتي أقول فيك مثل ما قلت فيهم ، فغضب بلال غضبا شديدا حتي جيء له بطست فيه ماء بارد ، فوضع يده ورجله فيه ، ليذهب الغيظ عنه ( الهفوات النادرة 387) .

وأنشد كثير عزة ، الفرزدق ، شعر، أعجب به الفرزدق ، فقال له : يا أبا صخر ، هل كانت أمك ترد البصرة ؟ قال : لا ، ولكن كان يردها أبي ( الأغاني 341/9 و 342 ).

أراد الفرزدق ، أن أم كثير لا بد أنها علقت من أبي الفرزدق ، فجاء ولدها شاعرة ، وأراد كثير أن أباه أحبل أم الفرزدق .

وقال تميم بن نصر بن سيار ، لأعرابي : هل أصابتك تخمة قط ؟ قال : أما من طعامك وطعام أبيك فلا ، فيقال إن تميمأ حم من هذا الجواب أيامأ ( البصائر والذخائر 599/2/2).

ومما يشبه الشتيمة ، ما صنعه أحد المجان ، في برنوذ ( من قري نيسابور - مراصد الاطلاع 189/1 )، بحمار أبي مسلم الخراساني ، فإن أبا مسلم ، قدم في السنة 120 قاصدا خراسان ، فلما حل ببرنود ، نزل بخان فيها، وتحدث صاحب الخان ، فقال : إن هذا يزعم أنه يلي خراسان ، وخرج أبو مسلم البعض حاجته ، فعمد بعض المجان ، فقطع ذنب حماره ، فالي علي نفسه ، أنه إذا تمكن ، أخرب هذه القرية ، فلما تمكن أخربها ( ابن الأثير 258/5 )

وعلي ذكر ما تقدم ، أورد ابن الأثير ( 480/5 ) ، أن أبا مسلم ، مر

ص: 497

بنيسابور علي حماره ، فقصد دارة لفادوسيان ، دهقان نيسابور ، وطلب منه ألف درهم ودابة ، فأعطاه ، فقال له أبو مسلم : ما يضيع لك ما فعلته ، فلما ملك ، قيل له : إن فتحت نيسابور ، أخذت ما تريد من أموال الفانوسيان ، دهقانها المجوسي ، فقال أبو مسلم : له عندنا بيد، ولما ملك نيسابور ، أتته هدايا الفادوسيان ، فلم يتعرض له ، ولا لأحد من أصحابه وأمواله ، وقال : له عندي يد.

وتساب الفرزدق ، وزياد الأعجم ، فقال الفرزدق لزياد : يا أقلف ، فقال له زياد : يا ابن النمامة ( البصائر والذخائر 769/2/2 ) .

أقول : أراد زياد أن أم الفرزدق أخبرته عن قلفته .

وقال رجل للفرزدق : متي عهدك بالزنا ؟ فقال له : من ماتت عجوزك ( البصائر والذخائر 766/2/2 ) .

وقال السدي للجماز : ولد لي البارحة مولود كأنه دينار منقوش ، فقال له الجماز : لاعن أمه ويحك ، فبلغت النادرة أبا العيناء ، فقال : وددت أنها لي بجميع ما قلته ( البصائر والذخائر 341/1 ) .

أقول : أراد أن المولود لما كان جميل الصورة فليس الجماز بوالده .

وقال ابن مكرم لأبي العيناء : الست عفيف ؟ فقال له : أنت عفيف النفس ، زاني الحرم ، فقال له : إنما صار هذا مذ تزوجت أمك ( البصائر والذخائر 568/2/2 ).

ومز مطيع بن إياس بيحيي بن زياد ، وحماد الراوية ، وهما يتحدثان ، فقال لهما : فيم أنتما؟ قالا : في قذف المحصنات ، فقال : أوفي الأرض محصنة فتقذفانها ؟ ( الأغاني 286/13 ).

ولما كان الشيء بالشيء يذكر ، أذكر انه كان في بغداد ، في العهد

ص: 498

العثماني ، صاحبان كرخان ، لا يكادا يفترقان ، وهماح.ا. وم . ي. صاحب حمام يتيم في الكرخ ، وكانا فرسي رهان في ثلب الناس ، وكانا يجتمعان عصر كل يوم في مقهي المميز ، الكائن في الجانب الشرقي من بغداد ( جانب الرصافة ) في الساحة المطلة علي رحبة الجسر ، وعلي النهر ، ملاصقة لجامع الأصفية ، ويقضيان الوقت في ثلب من يقع عليه بصرهما من المارة ، حتي إذا أظلم الوقت ، وحان موعد إغلاق المقهي ، نهضا، وعبرا الجسر ، الي جانب الكرخ ، حتي إذا بلغا رأس الجسر من الجانب الغربي ( جانب الكرخ ) وقفا ، وقال أحدهما للآخر : إحنا شعلينا ( أيش علينا) من الناس، فأجابه صاحبه : أنعل (ألعن أبو كل الناس، فيقول الأول : حاشي الزينين ( الجيدين ) فيقول صاحبه : وأنعل ( ألعن أبو الزينين ، ثم يفترقان ، وظل هذا دأبهما في كل يوم ، حتي فرق الدهر بينهما .

وكان أبو عبيدة جباها ، قصد موسي بن عبد الرحمان الهلالي بفارس ، فقال موسي لغلمانه : احترزوا من أبي عبيدة ، فإن كلامه كله دق ، فلما حضر الطعام صب بعض الغلمان علي ذيل أبي عبيدة مرقة ، فقال له موسي : قد أصاب ثوبك مرق ، وأنا أعطيك بدله عشرة ثياب ، فقال له أبو عبيدة : لا عليك ، فإن مرقكم لا يؤذي ، أراد أنه ما فيه دهن ( وفيات الأعيان 240/5)

وقال أبو نؤاس ، يهجو الفضل الرقاشي ، ويعرض بأنه مولي ، وأنه ملصق في رقاش ، قال : ( أخبار أبي نؤاس لابن منظور 44/1 ).

هجوت الفضل دهري وهوعندي***رقاشي كما زعم المسول

وجدنا الفضل أكرم من رقاش*** لأن الفضل مولاه الرسول

أقول : يشير بذلك إلي قول النبي صلوات الله عليه : أنا مولي من لا مولي له .

ص: 499

ومما يشبه الشتيمة ، ما صنعه أبان بن عبد الحميد اللاحقي (ت 200) ، بابي نؤاس ، فإن الفضل بن يحيي البرمكي ، أعطي أبان مالا ليفرقه في الشعراء ، كل واحد منهم علي قدره ، فبعث إلي أبي نؤاس بدرهم زائف ناقص ، وقال : لقد أعطيت كل شاعر علي مقدار شعره ، وهذا أوفر نصيب لك عندي ( العقد الفريد205/4 ).

وسبب هذا التصرف من أبان ، أن جعفر البرمكي ، أمر أبا نواس أن يصف كلبة صيد له، وأن يسميها، فوصفها وسماها : أم أبان ، يغيظ بذلك أبانا ، وكانا يتحاسدان ، فغضب أبان ، وانتقم منه ، بأن أعطاه ذلك الدرهم الزائف ، وقال له : هذا قدر شعرك عندي .

وكانت عاقبة عمل أبان ، أن هجاه أبر نؤاس بأهاج ، تعرض فيها الاعتقاده الديني ، وأتهمه بالزندقة ، وهي التهمة الرائجة في ذلك الزمان ، فقال من أبيات .

جالست يوما أبانا*** لادر در أبان

حتي إذا ما صلاة الي*** أولي دنست الأوان

فقلت سبحان ربي***فقال سبحان ماني

فقابله أبان ، وعيره بأمه ، فقال :

أبو نواس بن هاني***وأمه جلبان

والناس أفطن شيء***إلي دقيق المعاني

يريد أبان ، تصحيف جلبان ، وهو: خل ثان ، يتهم أم أبي نواس ، بالفاحشة وأنها كلما واصلت رجلا ، طلبت خ ثانية .

فقابله أبو نواس ، بأن هجاه واتهمه بما ينافي الرجولة ، فقال من أبيات :

ص: 500

غنج أبان ولين منطقه***يخبر الناس انه حلقي

فعاود أبان هجاء أبي نؤاس ، وذكر أمه ، فقال من أبيات :

إن يكن هذا النواسي*** بلا ذنب هجانا

فلقد نكناه حينأ***وصفعناه زمانا

سائل العباس وأسمع***فيه من أمك شانا

عجنوا من جلباني*** ليكبدوك عجانا

لزيادة التفصيل راجع دائرة المعارف الاسلامية 16/1 و17 وخزانة الأدب للبغدادي 3/ 458 و459 وأخبار أبي نؤاس لابن منظور المصري 32 - 34 وأخبار أبي نؤاس لأبي هقان 18.

وثمة لون من ألوان العذاب ، مارسه خليفة ، وهو الأمين ، ضد أمير عباسي ، وهو عمه يعقوب بن المهدي ، فقد بلغ الأمين ، أن عمه يعقوب ، لا يتم نسبه ، أي إنه لا يسلسله كما يسلسل العربي نسبه ، فدعاه ، وقال له : انتسب ، فقال : أنا يعقوب بن المهدي ، فقال له : ابن من ؟ فلم يعلم ، فأمر به فحمل علي الفيل ، وحلف أنه لا ينزله حتي يحفظ نسبه ، والإقامة علي الفيل ، لا تدخل في مشمول الإشهار لأن من شهر يطاف به في البلد ، أو يعرض علي الناس ، وهذا لم يحصل ، واذا لم يكن الحمل علي الفيل داخلا في الإشهار ، فهو عن بقية ألوان العذاب أبعد ، ولذلك وضعته في هذا البحث ، باعتبار الحمل علي الفيل لون من ألوان الشتيمة ، وإن تكن أشد منها ، راجع القصة في الهفوات النادرة 372 و 373 وراجع بشأن يعقوب بن المهدي الهفوات النادرة 380 و381.

ومن لطيف التعريض ، ما أورده صاحب المحاسن والمساويء 234/2 و235 قال : كان جميل بن محفوظ بلي أرجان ، وأبو دهمان يلي نيسابور ،

ص: 501

فزارهما أبو الشمقمق ، فأحسن اليه أبو دهمان ، ولم يحسن اليه جميل ، فقال :

رأيت جميل الأزد قد عق أمه*** فناك أبو دهمان أم جميل

واجتمع أبو دهمان وجميل ، عند يحيي بن خالد البرمكي ، يتناظران في حساب ، فأربي جميل علي أبي دهمان ، فقال له أبو دهمان : احفظ الصهر الذي جعله أبو الشمقمق بيني وبينك ، فضحك يحيي حتي فحص برجليه .

ومن لطيف التعريض ، ما أورده صاحب نفح الطيب 190/1 - 193 ، قال : كان أبو بكر المخزومي الضرير ، شاعر هجاء ، قدم غرناطة ، فبعث إليه الوزير أبو بكر بن سعيد ، يستدعيه إليه ، ووجه له عبدة صغيرة قاده ، فلما استقر به المجلس ، تحرشت به الشاعرة نزهون القلاعية ، وتشاتما ، فأسكته الوزير ابن سعيد، وقال له : أنا اشتري منك عرض نزهون ، فاطلب ، فقال : بالعبد الذي أرسلته فقادني إلي منزلك ، فقال له الوزير يمازحه : لولا كونه صغيرة ، كنت أهبه لك وأبلغك به مرادك ( يتهمه بالسوءة ) ، ففهم المخزومي قصده ، وقال له : أصبر عليه حتي يكبر ، ولو كان كبيرا ما آثرتني به علي نفسك ، فضحك الوزير ، وقال له : إن لم تهج نظمأ هجوت نثرأ ، فقال المخزومي : أيها الوزير ، لا تبديل لخلق الله .

وقد ترجم الوزير ابن الخطيب ، لأبي بكر المخزومي ، في الاحاطة 432 - 435؛ وقال عنه : إنه كان شديد القحة والشر ، معروف بالهجاء ، مسلطا علي الأعراض، سابقا في ديوان الهجاء، وأورد له صاحب نفح الطيب 205/3 أبياتا في التعريض ، قال يهجو فتي اسمه عيسي :

بود عيسي نزول عيسي***عساه من دائه يريح

وموضع الداء منه عضو*** لا يرتضي مسه المسيح

ص: 502

وقال يهجو:

با فارس الخيل ولا فارس*** إلا علي متن جواد الخصي

زدت علي موسي وآياته***تفجر الماء وتخبي العصا

ونافر مروان بن أبي حفصة ، شاعر من تيم اللات ، وقال له : ما أنت والشعر ، فقال التيمي يهجوه :

ثوي اللؤم في العجلان يوم وليلة***وفي دار مروان ثوي آخر الدهر

وليست لمروان علي العرس غيرة***ولكن مروانأ يغار علي القدر

فسأله مروان أن يكف عنه ، فأبي إلا إذا صار إليه بنفر من أهل اليمامة ، وأن يقول بحضرتهم : قاق ، في استي بيضة ، فاحضرهم مروان إليه ، وفعل ذلك بحضرتهم ، فانصرفوا وهم يضحكون من فعله . ( الأغاني 93/10 )

ومدح أبو نواس : الفضل بن يحيي البرمكي ، فقال في قصيدته :

سأشكو إلي الفضل بن يحيي بن خالد*** هواكم لعل الفضل يجمع بيننا

فقال الفضل : ما زاد علي أن جعلني قوادة ( الموشح للمرزباني 424 )

وكان الحسين بن الضحاك ، يكتب لأحد أجناد الشام ، رسائل غرام ، يبعث بها الي حبيبة له ، ثم بدا للحسين أن يفسد حال الشامي ، فكتب علي لسانه إليها ، وكان اسمها بصبص .

أرقصني حبك يا بصبص***والحب يا سيدتي يرقص

وابأبي وجهك ذاك الذي***كانه من حسنه عصعص

فكان جزاؤه علي الشعر ، أن دعته حبيبته إليها ، ثم صبت عليه ماء قد

ص: 503

خلط بالرماد والسرجين ، وقطعت علاقتها به ، راجع تفصيل القصة في الأغاني 199/7 و200).

وقال يموت بن المزرع : قال لي ابن صدقة المدني : ضربك الله باسمك ، فقلت له : أحوجك الله إلي اسم أبيك . ( البصائر والذخائر 522/1)

وكان أبو الشمقمق الشاعر، اديبأ ، ظريف ، محارفأ ، صعلوكا ، متبرما ، قال له أحد أصحابه وقد رأي سوء حاله وعريه : أبشر أبا الشمقمق ، فإنا روينا في الحديث ، أن العارين في الدنيا ، هم الكاسون يوم القيامة ، فقال له : إن كان ما تقول حقا ، فساكونن بزازأ يوم القيامة ، ثم قال : ( العقد الفريد 36/3 ).

أنا في حال تعالي الي***الله ربي أي حال

فلقد أفلس حتي***حل أكلي لعيالي

في حرام الناس طرا***من نساء ورجال

وكان أبو هفان ، وأبو العيناء ، علي مائدة ، فقدم عليها فالوذج حار ، فقال أبو هفان لأبي العيناء : هذه الفالوذجة أحر من مكانك في جهنم ، فقال له أبو العيناء : إن كانت حارة ، فيردها بشعرك ( مطالع البدور 80/2 ).

وقال رجل من آل سعيد بن سلم، لأبي العيناء : إن أبي يبغضك ، فقال له : يا بني لي أسوة بأل محمد صلي الله عليه وسلم . ( معجم الأدباء 68/7 ).

وفي السنة 201 خرج القائد الحسين بن اسماعيل من بغداد ، إلي الأنبار صحبة جيش وقواد، لمحاربة أتراك سامراء ، واشتبك معهم قرب الأنبار ، فانكسر ، وعاد مع فل العسكر إلي الياسرية ، قرب بغداد ، فقال له أحد التجار ممن ذهبت أموالهم في عسكره : الحمد لله الذي بيض وجهك ،

ص: 504

أصعدت في اثني عشر يوما ، وانصرفت في يوم واحد، فتغافل عنه . ( الطبري 323/9 ).

واشتري خزام ، صاحب دواب المعتصم ، خادما كان عبد الله بن العباس بن الفضل بن الربيع يتعشقه ، وسأله عبد الله أن يبيعه منه ، أو يهبه له ، فلم يفعل ، فصنع أبياتأ ثلاثة ، وعمل فيها لحنأ ، وغني بها ، فأتصل خبرها بخزام ، وخاف أن تبلغ المعتصم ، فوجه اليه بالخادم ، أما الأبيات فهي : ( مصارع العشاق 149/1 ).

وم سبت فصرفا لي المداما***وأسقياني لعلني أن أناما

شرد النوم حب ظبي غرير***ما أراه يري الحرام حراما

إشتراه فتي بقضمة يوم***أصبحت غبه الدواب صياما

ومن التعريض ، قول بعض الشعراء ، في هجو بعض حسان الغلمان :

مضي خالد والمال تسعون درهما***وعاد وباقي المال ثلث الدراهم

وهو معني بليغ ، وهجو خفي شنيع ، لأنه أشار الي أن خالدأ مضي ضيقة ، وعاد واسعة ، لأن عاقد التسعين يضم طرف السبابة إلي أصلها ضما محكمة ، بحيث تنطوي العقدتان اللتان فيها ، وعاقد الثلاثين يضع طرف إبهامه علي طرف سبابته ، وقد فصلنا البحث عن حساب الاصابع في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي ، تحقيق المؤلف ج 1 ص 104 107 رقم القصة 53 .

وذكر القاضي التنوخي ، أنه قد بلغ من انحطاط أمر الوزارة ، بعد المقتدر ، ان قرادا في شارع الخلد ، يجتمع الناس عليه ، فيقول لقرده : تشتهي أن تكون بزازأ ؟ فيقول : نعم ، ويوميء برأسه ، فيقول : تشتهي أن تكون عطارة ؟ فيقول : نعم ، برأسه ، ويعدد عليه الصنائع ، فيوميء برأسه ، ويقول له في آخرها : تشتهي أن تكون وزيرة ؟ فيوميء برأسه : لا ،

ص: 505

ويصيح ، ويعدو من بين يدي القراد ، فيضحك الناس ، للتفصيل راجع كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ج 1 ص 231- 233 رقم القصة 123)

ولما ولي أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب البغدادي الشافعي ، ويقال له حربويه ، قضاء مصر ، سنة 293 ، قيل له إن في حبس ( وقف ) الوليد بن رفاعة ، شرط ، وهو أن يجعل في وجوه البر، ولم يعين شيئا ، فسأل أبو عبيد عن ترجمته ، فقيل له : كان عامل مصر ، وكان يلعن علي بن أبي طالب علي المنبر ، فقال : اجعلوا لحبسه للمنبوذين ، فثبت إلي الساعة ، أراد أبو عبيد التلميح ، بالحديث الوارد : إن من يبغض عليا لغير رشدة ( أي ولد زنا) . ( القضاة للكندي 528 ).

أقول : وقص علينا القاضي ابن خلكان ، في كتابه وفيات الأعيان 78/4 أن دلف بن أبي دلف القاسم بن عيسي العجلي ، وكان يكره علية ، قال يوما في مجلس والده أبي دلف ، ما معناه : يقولون إن من كره عليا فهو الغير رشدة ، وأنا أكرهه ، فقال له أبوه : صدقوا ، فإني لما وطئت أمك وعلقت بك ، ما كنت بعد استبرأتها .

وسئل الإمام أحمد بن حنبل ، عن قول الناس : علي قاسم الجنة والنار فقال : هذا صحيح ، لأن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم ، قال لعلي بن أبي طالب : لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق ، فالمؤمن في الجنة ، والمنافق في النار ( البصائر والذخائر م 2 ق 2 ص 328).

وقال أبو حيان النحوي الغرناطي ، لقاضي القضاة ابن جماعة : إن النبي ، عهد إلي علي بن أبي طالب ، فقال له : لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق ، أتراه صدق في قوله هذا أم لا ؟ قال : صدق ، قال : فالذين سلوا السيوف في وجهه يبغضونه أو يحبونه ؟ ( نفح الطيب 542/2 ) .

ص: 506

وما أحسن ما قال صفي الدين الحلي : ( ديوان صفي الدين الحلي 89)

أمير المؤمنين أراك إما*** ذكرتك عند ذي حسب صغالي

وإن كررت ذكرك عند نغل***تكتر سره ، وبغي قتالي

فصرت إذا شككت بأصل مر***ذكرتك بالجميل من المقال

فليس يطيق سمع ثناك إلا*** كريم الأصل محمود الخصال

فها أنا قد خبرت بك البرايا***فأنت محك أولاد الحلال

ومما يشبه الشتيمة ، ما كتبه أبو الحسن علي بن عيسي الوزير ، وكان محبوسة في دار الخلافة ، وبعث إليه الخليفة بأسماء جماعة سعوا في طلب الوزارة ، وسأله عن رأيه فيهم ، وكان من جملتهم أبو القاسم علي بن محمد المعروف بابن الحواري ، فكتب أمام اسمه : لا إله إلا الله ، ويعني بهذه الكلمة ، أنه لا يصلح للوزارة أبدأ ، ويعجب من طلبه لها .

ومن المناسب أن أورد جواب أبي الحسن ، وما دونه في الرقعة ، مقابل كل اسم ورد فيها : ( صلة عريب ).

إبراهيم بن عيسي وقع مقابل اسمه***شرة لا يصلح

أبو العباس أحمد بن بسطام***كاتب سقاك للدماء

أبو الحسين محمد بن أحمد المعروف بابن أبي البغل*** ظالم لا دين له

أبو محمد حامد بن العباس***عامل موسر عفيف قد كبر

أبو زنبور الحسين بن أحمد المادرائي***لا علم لي به ، وقد كفي ما في ناحيته

أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن سليمان الخصيبي*** أحمق متهور

أبو القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد***كاتب حدث

أبو القاسم علي بن محمد المعروف بابن الحواري .***لا إله إلا الله

وذكر أبو إسحاق الصابي ، إنه كان مع أبي أحمد الشيرازي ، في

ص: 507

مجلس الوزير المهلبي ، وتذاكرا فيما بينهما سر حسن الدواة التي صبغت اللوزير من الذهب ، وكانت في طول ذراع وعرض شبر ، محلاة حلية ثقيلة ، فقال أبو أحمد : ما كان أحوجني إليها لأبيعها فأنتفع بثمنها ، فقال له الصابي : فأي شيء يعمل الوزير ؟ قال : يدخل في حرامه ، وسمع الوزير ما جري بينهما ، بإصغائه إليهما ، ولما اجتمعا في الغد، قال أبو أحمد لأبي إسحاق : عرفت خبر الدواة ؟ قال : لا ، قال : جاءني البارحة رسول الوزير ومعه الدواة ومرفعها ومنديل وعشر قطع ثياب وخمسة آلاف درهم ، ومعها رسالة من الوزير قال فيها : أنا عارف بقصور المواد عنك ، وتضاعف المؤن عليك ، وقد آثرتك بهذه الدواة لما ظننت من استحسانك لها ، وجعلت معها ما تكتسي به ، وتصرف بعضه في نفقتك ، فبقيت متعجبا من اتفاق ما تجارينا فيه ، وتقدم الوزير بصياغة دواة أخري ، فصيغت ، ودخل الصابي وأبو أحمد إلي مجلسه ، فنظر الوزير إليهما ، وهما يلحظان الدواة ، فقال لهما : هيه ، من منكما يريد الدواة ، بشرط الإعفاء من الدخول ؟ فاستحيا ، وعلما أنه كان قد سمع أقوالهما السابقة ، وقالا : بل يمتع الله بها الوزير ، ويبقيه ليهب ألفا منها . ( المنتظم 9/7 و10).

ودخل السلامي علي عضد الدولة ، فمدحه ، فأجازه وأعطاه ، ثيابا ودنانير ، وكان بين يدي عضد الدولة جام خسرواني ، فرآه عضد الدولة يلحظه ، فرمي به اليه ، وقال : خذه ، فقال السلامي :

وكل خير عندنا من عنده

فقال له عضد الدولة : ذاك أبوك ، قال السلامي : فبقيت متحيرأ لا أدري ما أراد ، ورجعت الي أستاذ لي ، فشرحت له الحال ، فقال لي : ويحك ، لقد أخطأت خطأ عظيما ، فإن هذا الشطر لأبي نواس يصف كلبأ ، حيث يقول : ( الهفوات النادرة 171).

ص: 508

أنعت كلبأ أهله من كده***قد سعدت جدودهم بجده

وكل خير عندهم من عنده

وكان ابن ثعلبة ، أحد كتاب الديلم ، كثير الإلحاح علي أبي القاسم العلاء بن الحسن ، وزير صمصام الدولة ، في طلب المحال ، وما لا يجوز ، وما لا يسوغ ، فوقع الوزير في رقعة عرضها عليه : قاق قاق قاق . ( الهفوات النادرة 302 و 303).

ومن لطيف التعريض ، ما أورده الصفدي في الوافي بالوفيات 40/9 ،قال : جمع القاضي ابن عمار قاضي طرابلس ، بين أبي الفضل أسعد بن أحمد الطرابلسي (ت 520) وبين مالكي ، فناظره في تحريم الفقاع، فأنزعج المالكي ، وقال له : كلني ، فقال له أسعد : ما أنا علي مذهبك ، يشير إلي ما يتهم به المالكيون بأنهم يجوزون أكل الكلب .

وفي السنة 571 ولي الخليفة المستضيء بأمر الله ، حجابة الباب ، أبا طالب نصر بن علي الناقد ، وكان يلقب في صغره قنبرأ ، فصاروا يصيحون به ذلك إذا خرج ، فأمر الخليفة أن يركب معه جماعة من الأتراك ، لمنع الناس من ذلك ، فامتنعوا، فلما كان قبل العيد، خلع عليه ليركب في الموكب ، فاشتري جماعة من أهل بغداد ، شيئا كثيرة من القنابر ، وعزموا علي إرسالها في الموكب ، إذا رأوا ابن الناقد، فأنهي ذلك إلي الخليفة ، وقيل له : يصير الموكب ضحكة ، فعزله ، ووتي ابن المعوج . ( ابن الأثير 433/11)

ومن لطيف التعريض ، قول ابن مغيث المغربي ، في عبد المجيد بن المهذب ، وكان ابن المهذب له في رأسه قروح ، وله عبد يؤثره اسمه سعيد ، فقال :

زرت عبد المجيد زورة مشتا***قي إليه ، فصد عني صدودا

ص: 509

فكأني أتيت انتزع العم*** ة عن رأسه وأخصي سعيدا

اخذ هذا التعريض من ولادة الاندلسية بنت المستكفي ، في تعريضها بالوزير بن زيدون مشيرة إلي غلام اسمه علي ، كان ابن زيدون يؤثره ( الوافي بالوفيات 249/5 ).

إن ابن زيدون علي فضله***يغتابني ظلما ولا ذنب لي

يلحظني شزرا اذا جئته***كأنني جئت لأخصي علي

ومن لطيف التعريض ، ما قاله البديع الدمشقي (ت 534 ) ، في قاضي الصعيد ، يوحي إلي أنه لا يصلح إلا للصفع ، قال :

حاكمكم بهيمة***ليست تساوي العلفا

وليس فيه مضغة***طيبة إلا القفا

فأمر القاضي بسجنه ، فقال : ( فوات الوفيات 133/2 ).

أصبحت حلف مصائب***من كيد ذات حر سمين

أنا يوسف أمرت بسج***ني زوجة القاضي المكين

وقلبت قينة بغدادية ، علي عاشقها ، بعد أن تبين لها إفلاسه ، مرقة من قدرسكباج ، وذلك : إن فتي بغداديكان يتعشق قينة ، وأنفق عليها ماله ، فلما افتقر ، اطرحته ، وزارها من بعد ذلك ، فحسبت أن أحواله قد تحسنت ، ولكنه أعترف لها بأنه ما يزال مفلسا ، فطردته ، ولما خرج الي الشارع، قلبت عليه مرقة من قدر سكباج، وصيرته آية ونكالا ، راجع تفصيل ذلك في كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي ، تحقيق المؤلف ج 1 ص 179 رقم القصة 93.

وكان بالرقة قاض يكثر من الحديث في أخبار بني إسرائيل ، فقال له الحجاج بن حنتمة ، يسخر منه : ما كان اسم بقرة بني إسرائيل ؟ فقال :

ص: 510

اسمها حنتمة ، فقال له رجل من ولد أبي موسي الأشعري : في أي الكتب وجدت هذا ؟ فقال : وجدته في كتاب عمرو بن العاص ( وفيات الأعيان 55/25)

وكان بين ابن زبرج العتابي ، وابن الخشاب منافرات ومناقرات ، وكان ابن الخشاب يقول : الناس يتعجبون أذا رأوا حمارأ عتابية ، فكيف لا أتعجب إذا رأيت عتابيا حمارة ( الوافي بالوفيات 152/4 ).

اقول : كان القماش المعلم بالأعلام المختلفة الألوان ، يدعي ، العتابي ، نسبة إلي محله العتابيين ، بالجانب الغربي من بغداد ، وكانت هذه المحلة مشتهرة بصنع هذا الصنف من الثياب ، فنسب إليها، ومنها اشتقت تسمية حمار الزيبرا ، وهو الحمار المخطط ، بالحمار العتابي ، لأن جلده معلم بخطوط بيضاء وسوداء علي غرار الثياب العتابية ( الكنايات للمؤلف ص 91،90 )

وكان أبو حاتم محمد بن أبي المنهال الأزدي الزبتي (ت 408) قاضية في ( زبنة ) إحدي كور الساحل ، وإليها نسبته ، فهجاه ابن أبي مغنوج بأبيات أولها : ( الوافي بالوفيات 79/5 ).

أبا حاتم سد من أسفلك***بشيء هو الشطر من منزلك

ووقف الزمخشري ، علي كتاب الأمثال للميداني ، فزاد في لفظة الميداني ، نونا ، فصارت : النميداني ، ومعناها بالفارسية : الذي لا يعرف شيئا ، فعمد الميداني إلي أحد تصانيف الزمخشري ، وأبدل الميم في اسمه إلي نون ، فصارت : الزنخشري ، ومعناها بالفارسية : بائع زوجته ( الفلاكة والمفلوكون 130 ).

ويشبه ذلك ما حصل بين ابن عمار الوزير الأندلسي ، وأبي بكر الداني ، لما اجتمعا في مجلس ، فقال له ابن عمار : اجلس يا داني بغير

ص: 511

ألف ، فقال له : نعم ، يا ابن عمار بغير ميم ( نفح الطيب 260/4 ) .

وكان ابن عبد ربه ، صاحب العقد الفريد والقلفاط الشاعر ، صديقين ، ثم تصارما، وسبب ذلك إن ابن عبد ربه كان في مشيته اضطراب ، فقال له القلفاط : يا أبا عمر ، ما علمت أنك ادر إلا اليوم ، لما رأيت مشيتك ، فقال له ابن عبد ربه : كذبتك عرسك يا أبا محمد، فاغتاظ القلفاط منه ، وتصارما ، وتهاجيا ( نفح الطيب 294/3 ).

وكان الرمادي الشاعر الأندلسي ، أبو عمر يوسف بن هارون ، معاصرة للمتنبي ، وكلاهما من كنده ، سمع المتنبي قول الرمادي :

في أي جارحة أصون معذبي***سلمت من التعذيب والتنكيل

إن قلت في بصري فثم مدامعي***أو قلت في قلبي فثم غليلي

فقال المتنبي : يصونه في أسته ، وسمع الرمادي قول المتنبي :

كفي بجسمي نحو أنني رجل*** لولا مخاطبتي إياك لم ترني

فقال : فهو إذن ضرطة ( نفح الطيب 71/3 و 72 ).

وحكي ابن سيد الناس ، قال : أن الشيخ بهاء الدين بن النحاس دخل الي الجامع الأزهر فوجد ابا الحسين الجزار جالسأ وإلي جانبه مليح ففرق بينهما وصلي ركعتين ولما فرغ قال لأبي الحسين : ما أردت الا قول ابن سناء الملك ، فقال له ابو الحسين : ما تفاءلت الا بقول صاحبنا السراج الوراق .

اراد الشيخ بهاء الدين بيت ابن سناء الملك : (تاج الأخبار ونتائج الأفكار - مخطوط ).

أنا في مقعد صدق***بين قواد وعلق

ص: 512

واراد أبو الحسين بيتي السراج الوراق :

ومهذب راض الأبي*** فقاده سلس القياد

لما توسط بيننا***جرت الأمور الي سداد

وخلع السلطان نور الدين محمود زنكي ، علي ملك النحاة ، خلعة سنية ، ونزل ليمضي الي منزله ، فرأي في طريقه حلقه عظيمة ، فمال إليها لينظر ما هي ، فوجد رجلا قد علم تيسأ له ، استخراج الخبايا ، وتعريفه من يقول له من غير إشارة ، فلما وقف عليه ملك النحاة ، قال الرجل : في حلقتي رجل عظيم القدر ، شائع الذكر ، ملك في زي سوقة ، أعلم الناس ، وأكرم الناس ، وأجمل الناس ، فأرني إياه ، فشق ذلك التيس الحلقة ، وخرج حتي وضع يده علي ملك النحاة ، فلما يتمالك ملك النحاة أن خلع تلك الخلعة ، ووهبها لصاحب التيس ، فبلغ ذلك نور الدين ، فعاتبه ، وقال : استخففت بخلعتنا حتي وهبتها لطرقي ؟ ، فقال : يا مولانا ، عذري في ذلك واضح ، لأن في هذه المدينة زيادة علي مائة تيس ، ما فيهم من عرف قدري إلا هذا التيس ، فجازيته علي ذلك ، فضحك نور الدين ، وسكت ( معجم الأدباء 78/3 و 79 ).

وفي السنة 579 ملك السلطان صلاح الدين الأيوبي ، حلب ، من عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي ، الذي نزل له عنها لقاء سنجار ونصيبين، فقبح أهل حلب ما صنعه ، وأحضر أحد عامة حلب اجانة ، وماء ، وناداه : أنت لا تصلح للملك ، وإنما يصلح لك أن تغسل الثياب ، وأسمعوه المكروه ( ابن الأثير 497/11 ) .

ومن التعريض اللطيف ، ما صنعه الخليفة العباسي المستظهر ، مع الأبيوردي الشاعر أبي المظفر محمد الأموي ، وكان ينتسب الي معاوية الأصغر ، فإنه كتب رقعة إلي المستظهر ، وذكر فيها نفسه : الخادم المعاوي ،

ص: 513

فكره الخليفة النسبة ، وحك الميم ، فأصبحت الجملة : الخادم العاوي ( وفيات الأعيان 4 / 446 ).

وحضر الحيص بيص ، وهو تميمي ، وابن الفضل الشاعر (ت 558 ) علي السماط ، عند الوزير في شهر رمضان ، فأخذ ابن الفضل قطاة مشوية ، وقدمها إلي الحيص بيص ، فقال الحيص بيص للوزير : يا مولانا ، هذا الرجل يؤذيني ، فقال الوزير : كيف ذلك ، قال : قدم لي قطاة ، يشير بها إلي قول الشاعر : ( وفيات الأعيان 56/6 ).

تميم بطرق اللؤم أهدي من القطا*** ولو سلكت سبل المكارم ضلت

وفي السنة 573 حدثت فتنة في بغداد ، وهاجت العامة علي اليهود وقصدوا دكاكين المخلطين ، وأكثرهم يهود ، فنهبوها ، وخربوا الكنيسة التي عند دار البساسيري ، وأحرقوا التوراة ، فأمر الخليفة ، فنصبت بالرحبة أخشاب ليصلب عليها قوم من المفسدين ، فظنها العامة نصبت تخويفا لهم ، فعلقوا عليها في الليل جرذانا ميتة . ( ابن الأثير 447/11 و448 ).

وفي السنة 594 حصر خوارزم شاه علاء الدين تكش ، مدينة بخاري ، وامتنع أهلها منه ، وقاتلوه مع الخطا ، وأخذوا كلبأ أعور ، وألبسوه قباء وقلنسوة ، وقالوا : هذا خوارزم شاه ، لأنه كان أعور ، وطافوا به علي السور ، ثم ألقوه في منجنيق إلي عسكر خوارزم شاه ، وقالوا : هذا سلطانكم ، وكان الخوارزميون يسبونهم ، ويقولون : يا أجناد الكفار ، قد ارتددتم عن الإسلام ، فلم يزل هذا دأبهم حتي ملك خوارزم شاه البلد بعد أيام يسيرة عنوة ، وعفا عن أهله ، وأحسن إليهم ( ابن الأثير 137/12 و138).

وفي السنة 911 هجا الشاعر يوسف السلموني المصري ، القاضي معين الدين بن شمس وكيل بيت المال ، فقال فيه من قصيدة :

وحرفته فاقت علي كل حرفة***يركب ياقوت علي فص خاتمه

ص: 514

فشكاه معين الدين الي القاضي ، فضربة القاضي وأشهره ( الكواكب السائرة 318/1 ).

أقول : الظاهر أن الشاعر يشير إلي علاقة بين معين الدين وعبد من عبيده اسمه ياقوت .

وحدثنا أحد أصحابنا من المحامين بالعراق ، قال : كنا في وليمة ، وقدمت إلينا ، رؤوس ، فمد أحد المحامين يده ، وأخذ لسانأ قدمه إلي أحد القضاة فشكره القاضي ، ثم قدم اليه قطعة من المخ، وتبين لنا من بعد ذلك ، أن المحامي قدم للقاضي اللسان ، يعيره بأنه غير منطيق ، وأنه في حاجة إلي لسان ، فرد عليه القاضي ، بأن قدم له المخ ، يعني أنه في حاجة إلي دماغ .

وهكذا تشاتما بالإشارة ، من دون أن يشعر أحد بذلك .

ومن لطيف التعريض ما حدثني به الأستاذ عبد القادر البراك ، قال : عند انتهاء أمد عينية المرحوم جميل صدقي الزهاوي ( أي عضويته في مجلس الأعيان العراقي ) لم يجددها له المرحوم الملك فيصل الأول ، وعين في موضعه الحاج محمود الاسترابادي عضوا في مجلس الأعيان ، فأعلن الزهاوي علي الملك فيصل حربا لا هوادة فيها، وأخذ يتناوله في كل مجلس، تلميحا إن كان المجلس عاما ، وتصريحا إن كان المجلس خاصا ، وفي أحد الأيام حضر الزهاوي مجلس الأستاذ فهمي المدرس، وكان في صدر المجلس خارطة العراق ، فنهض الزهاوي واقترب منها ، وأخذ يطيل النظر إليها ، يتظاهر بأنه يبحث عن شيء ، وأستلفت ذلك نظر صاحب الدار ، فسأله : عن أي شيء تبحث يا أستاذ ؟ فأجابه الزهاوي : أبحث عن استراباد ، لأري موقعها ، وهل هي في وسط العراق أو في جنوبه ، يشير بذلك إلي أن استراباد مدينة إيرانية ، وأن الاسترابادي إيراني ، فلا يصلح أن يكون عضوا في مجلس

ص: 515

الأعيان العراقي ، فضحك الأستاذ المدرس ، وقال : إن مدينة استراباد ، يا أستاذ ، تقع بجوار مدينة زهاو ، فأبحث عنها هناك ، ولا يخفي أن مدينة زهاو التي ينتسب إليها الزهاوي ، مدينة إيرانية أيضأ .

ومن أوجع ألوان التعريض ، ما قام به جماعة من الشبان البغداديين في السنة 1952 حيث قاموا بمظاهرة ضد الحكومة القائمة ، وعندما مروا بحزب الإتحاد الدستوري ، وهو حزب الحكومة ، عمدوا إلي اللوحة المرفوعة علي الباب ، وعليها اسم الحزب ، فرفعوها ، ووضعوها علي مدخل زقاق المبغي العام ( الكلجية ) . ( تاريخ الأحزاب السياسية في العراق للحسني 219) .

وتذكرني هذه القصة بقصة مماثلة لها حصلت في العشرينات في ابتداء تشكيل الحكومة العراقية خلاصتها أن السلطة البريطانية عمدت إلي جماعة من الوطنيين فنفتهم إلي هنجام فهاج الناس في بغداد وكانوا ينتظرون من الحزب الحر المعتدل أن يشجب هذا التصرف من السلطة البريطانية فلم يحرك الحزب ساكنا فنظم فيه شاعر العراق معروف الرصافي مقطوعة منها :

قولوا لحزب تسمي الحر معتدلا*** هل أنت من بعد نفي القوم معتدل

قد احتملت من التاريخ لعنته*** لله درك ماذا أنت محتمل

وعمد جماعة من الشبان البغداديين إلي اللوحة المثبتة علي باب الحزب وعليها اسمه فحملوها وعلقوها علي باب المبغي العام ( دار القحاب ) وحدث من بعد ذلك أن اجتمعت الهيأة الادارية للحزب فتأخر أحد أعضائها عن الحضور وتعجب رئيس الحزب وكان يرأس الجلسة من تأخر العضو وتساءل عن سبب التأخر وكان المرحوم عبد المجيد الشاوي من جملة الاعضاء وهو أمير من أمراء الفكاهة لا تفوته النكتة في موضعها فقال للرئيس : لعل صاحبنا ذهب إلي المقر الجديد للحزب .

ص: 516

الفصل الثالث: التفل

التفل : بفتح فسكون : البصق . والتفال ، بضم التاء : البصاق ، وهذه الكلمة ما زالت مستعملة في بغداد .

وهذا اللون من العذاب ، هو أقرب إلي الشتيمة ، منه إلي أي لون من ألوان العذاب الأخري .

في إحدي المعارك ، صرع الإمام علي ، رجلا من الكفار ، ثم قعد علي صدره ليحت رأسه ، فبصق ذلك الرجل في وجهه ، فقام عنه وتركه ، فلما سئل عن سبب قيامه عنه بعد أن تمكن منه ، قال : إنه لما بصق في وجهي اغتظت منه ، فخفت إن قتلته أن يكون للغيظ والغضب نصيب في قتله ، وما كنت أريد أن أقتله إلا خالصا لوجه الله تعالي ( الفخري 44) .

وفي السنة 72 كتب عبد الملك بن مروان إلي عبد الله بن خازم أمير خراسان لابن الزبير ، وعرض عليه إمارة خراسان سبع سنين ، إن بايعه وخلع ابن الزبير ، فأبي ، فكتب إلي بكير بن وشاح أمير مرو، يعرض عليه إمارة خراسان ، ويحرضه علي الخروج علي ابن خازم ، فخلع بكير ، فقصده ابن خازم الي مرو ، واشتبك مع بكير في معركة قتل فيها ابن خازم ، اعتوره بحير بن ورقاء وعمار بن عبد العزيز الجشمي ، ووكيع بن عميرة القريعي ، فطعنوه ، فصرعوه، فقعد وكيع علي صدره فأحت عنقه، قال وكيع : لما قعدت علي صدره ، حاول القيام ، فلم يقدر عليه ، وقلت : يا لثارات دويلة ،

ص: 517

ودويلة أخ لوكيع من أمه ، قتله عبد الله بن خازم ، فتنخم ( بصق ) ابن خازم في وجهي : وقال : لعنك الله ، تقتل كبش مضر بأخيك علج لا يساوي كفا من نوي ( الطبري 176/6 و 177).

وتفل المنصور العباسي ، علي عبد الله بن الحسن بن الحسن العلوي ، لما اعتقله بالحجاز ، وأخذه معه مقيدة ، ومعه كثير من بني الحسن إلي بغداد ، حيث حبسهم ، حتي ماتوا في حبسه ، فلما وصل المنصور الربذة ، وهو في محمل والربيع معادل له ، ومعه بنو الحسن مغلولين ، صاح عبد الله بن الحسن ، بالمنصور : يا أبا جعفر ، ما هكذا فعلنا بأسراكم يوم بدر ، فأخسأه أبو جعفر ، وتفل عليه ، ومضي ولم يعرج ( مقاتل الطالبيين 221 )

أقول : يشير عبد الله بن الحسن بقوله هذا ، إلي تصرف جده النبي صلوات الله عليه ، بعد وقعة بدر ، في العناية بعمه العباس ، جدا المنصور ، لما أسرة المسلمون ، فإن النبي قضي ليلته ساهرأ ، فقال له أصحابه : يا رسول الله ، مالك لا تنام ، فقال : سمعت تضور العباس في وثاقه ، فقاموا إلي العباس ، فأطلقوه ، فنام رسول الله ( الطبري 463/2 ) .

ولما جيء إلي المنصور ، برأس إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ، قتيل باخمري ، ووضع بين يديه في ترس ، أكب عليه بعض السيافة ، فبصق في وجهه ، فنظر إليه أبو جعفر نظرة شديدة ، وأمر بدق أنفه ، فأخذته أعمدة الحرس ، وما زال يهشم بها حتي خمد ( الطبري 81/8 و82 وابن الأثير 551/5 ).

وكان المنصور ، قد طلب عمه عبد الله وقواده ، وأعطاهم الأمان ، ولكن خفاف بن منصور ، أحد القواد ، حذرهم من غدر المنصور ، فلم يلتفتوا إليه ، وقدموا عليه ، وكان خفاف معهم ، فلما وصلوا إليه ، أمر

ص: 518

المنصور ، فأخذت سيوفهم ، واعتقلوا ، فجعل خفاف يضرط في لحية نفسه ( يعفط ) ، ويتفل في وجوه أصحابه ، لأنهم لم يستمعوا إلي نصحه ، ثم أن المنصور قتلهم بأجمعهم . ( الطبري 501/7 و 502 وابن الأثير 496/5 و497) .

وكان من جملة ما يمتحن به المتهم بالزندقة في عهد العباسيين ، أن تعرض عليه صورة ماني ، ويؤمر بأن يبصق عليها، فإن بصق زالت عنه التهمة ( أخبار أبي نواس لابن منظور 224 و225) . وتشاتم حماد عجرد ، وصاحبته خشة ، المعروفة بظبية الوادي ، فقال لها: يا زانية ، فقالت له : الزانية أمك ، وثاورها، وثاورته ، فشقت قميصه، وبصقت في وجهه ، وقالت له : ما تصادقك إلا زانية ( الأغاني 282/13 )

وغضب المأمون ، علي فرج الرخجي ، فبصق في وجهه .

وفرج الرخجي هذا ، نسبته إلي الرخج ، كورة ومدينة في نواحي كابل ( معجم البلدان 2/ 770) أبوه زياد من سبي معن بن زائدة ، أما فرج فكان مولي لحمدونة بنت الرشيد ( الهفوات النادرة 77) وكان فرج من كبار العمال في الدولة العباسية ، وكان دميمة قبيح الصورة ( المحاسن والاضداد 116) وفيه شر وغدر ، ونفاق ومكر ( رسوم دار الخلافة 39 ) والقصة المروية عنه في كتاب رسوم دار الخلافة 38 - 45 المشتملة علي خيانة من أحسن إليه ، تدل علي مقدار ما فيه من لؤم وخسة ، ولي الاهواز للرشيد ، فسرق ، وظلم ، وخان ، فصرفه الرشيد ، ثم أعاده . والقصة التي بصق المأمون من أجلها في وجهه ، وان كان فيها طول ، إلا إنني آثرت إيرادها بكاملها ، قال مخلد بن أبان الكاتب : كان بيني وبين فرج الرخجي ، من التعادي لأجل الأعمال ، وولاية الأهواز ، والمجاورة ببغداد ، ما هو مشهور ، وكان في فرج شر

ص: 519

وغدر ، ونفاق ومكر ، وجرت الحال بيننا علي ذلك أيام الرشيد ، والأمين ، والمأمون ، واحترقت الدواوين في فتنة الأمين ، وفيها علي فرج الأموال الجليلة ، وقد احتال في استهلاك ما تعلق به منها بضروب التوصل والحيلة ، واتفق أن أجتمعنا يوما بحضرة المأمون ، وأخذنا في المناظرة ، وكنت أتولي يومئذ الضياع العامة ، وفرج يتولي الضياع الخاصة ، فقال لي المأمون : أنا أعلم أن جميع حساب فرج عندك ، وأنه كان قد احتال فيما كان في الدواوين منه ، وما يقنعني منك إلا احضاري كل ما تعرفه وعمل مؤامرة له بما يلزمه ، فقلت له : لست أعرف من ذلك إلا قدر ما أتذكره وأرجع إلي اثبات عندي فيه ، وأطالع أمير المؤمنين به ، قال : افعل ، واجمع كل ما يمكنك جمعه ، ويتحقق عندك وجوبه ، فانصرفت الي داري ، وكان عندي ، سائر الحساب ، وأحضرت كاتبين ، هما يونس بن زياد ، ويحيي بن راشد ، وحجبت الناس عني ، واشتغلت معهما بإخراج ما يقتضي إخراجه ، واستعانوا بابن حدث اليحيي بن راشد ، ليكتب بين أيديهم ، ولم يطلقوا له أن ينصرف إلي بيته ، وأقاموا علي ذلك يومين وليلتين ، فأخرجوا علي فرج مالا جليلا ، فأخذت المؤامرة ، وأبطلت كل ما يقدر أن لفرج حجة فيه ، وبقي علي فرج مما حقق وصحح، إثنان وثلاثون ألف ألف درهم، لا حجة له فيها ، وانصرف آبن يحيي إلي منزله ، فأخبر خاله بما صنعوا ، وكان خاله من أتباع فرج ، فذهب الي فرج وأخبره بما وقع ، فقامت قيامته ، وجاء إلي ليلا ، وطرق الباب وتوسل بكل وسيلة حتي دخل الي ، وطرح نفسه علي حصير بين يدي ، ويكي طويلا ، وقال لي : الله ، الله ، يا أبا الحسن في ، وفي نعمتي ، وولدي ، لا تقتلني وتفقرني ، وأعف عن كل ما تقدم مني ، فإن في إخراج حسابي ، هلاكي وفقري ، وذهاب حالي بقية عمري ، فعاتبته علي ما سبق منه ، وذكرته بما صنع معي ، وكيف إنه سعي علي مرات ، وعرضني للقتل وذهاب النعمة ، فقال لي : صدقت في كل ما قلت ، فجد علي بالفضل ، وقابلني بالصفح، وحلف لي بالايمان العظيمة ، أنه لا يقوم بعدها مقام

ص: 520

يسوعني ، فقلت له : إني سوف أحسن إليك علي تحققي بأنك لن تقلع عن عادتك ، ولن ترجع عن عداوتك ، وأنك سوف يأتيني منك من القبيح ، أكثر مما أتاني منك فيما مضي ، فقال : أكون إذن لغير رشدة ( أي ولد زنا) ، فقلت له : فما تشاء ؟ فاطلع علي المؤامرة ، وأقر بما فيها ، وطلب مني أن أنزل ما صحح عليه ، إلي عشرين ألف ألف درهم ، فقلت له : ما دمت قد سلكت معي سبيل الإستصفاح والاستقالة ، فإني سوف أسقط عنك المطالبة ، وأحرقت المؤامرة أمامه ، فأظهر من الفرح والشكر أمرا عظيما ، فقلت له : أما إنك لن تترك غاية في الغدر وركوب الشر والبغي ، إلا بلغتها ، فبكي فرج ، وقال : إذن أكون ولد زنا ، وجعل يحلف علي الإخلاص والوفاء ، وخرج ، وتلطفت له عند المأمون ، فاندرجت القصة ، وزالت عن فرج المطالبة ، وبعد أقل من خمسة عشر يوما ، سعي فرج في تعريضي للقتل والاستئصال ، وذلك إنه كان الفرج غلام يعرف بنصر ، يعمل القلانس والشاشيات ، وكان يعمل لنا ما نحتاج إليه منها ، فلما كان بعد هذا الحديث بأيام جاءنا نصر بخمس شاشيات ، قد تأنق فيها فأخذها خادمي ، وأدخلها الي ، فاستحسنها ، وأمرته أن يحضر لي واحدة منها ، إذا ركبت الي الديوان ، فأحضر واحدة منها في اليوم التالي ، ووضعتها علي رأسي ، ولما وصلت إلي الدهليز ، وجدت أن برذوني يراض، فجلست في الدهليز ، وأحسست بحكة في رأسي ، فخلعت الشاشية ، ولما جسستها وجدت في باطنها شيئا مربعا ، فأخذت سكينة من خادمي ، وفتقت الشاشية ، فإذا في داخلها صليب من الخوص ، فصاح خادمي ، فأسكته ، واستدعيت الشاشيات التي أحضرها نصر ، وفتحتها ، فإذا فيها جميعا ، الصليب الخوص ، فأمرت خادمي فأحضر لي شاشية من غير صناعة نصر ، ولبستها ، وأمرت خادمي ، بأنه إذا سأله نصر ، أن يخبره بأني لبست شاشية من صنعه ، وخرجت فإذا نصر بالباب ، وأخبره خادمي ، بما أمرته به ، ولما وصلت إلي الديوان ، وأذن الخليفة للكتاب والقواد ، ودخل فرج ، فتعرض فرج لي ، وهاترني ، وقال

ص: 521

للمأمون : والله ، يا أمير المؤمنين ، إن مخلدأ ، لا يدين بدينك ، وإن أظهر انه مولاك ، وإنه ليعتقد عبادة الصليب ، ودليل ذلك إن في شاشيته واحدة ، ومتي شككت في قولي فخرقها ، وفتشها ، وأعرف كذبي من صدقي فيه بامتحانها ، فوجم المأمون لقوله ، وحمله كرم نفسه ، علي السكوت ، فبادرت إلي شاشتي ، ومزقتها بين يدي المأمون ، وحدثته بخبري بتمامه ، وما دبره علي في الشاشية ، وما فعله نصر القلانسي ، فعجب المأمون من ذلك ، وأحضر نصرا ، وسأله عن الصورة ، فلجلج ، فأمر به ، فمد ، وضرب خمسين عصا ، فأعترف ، وأحال علي فرج فيها ، فبصق المأمون في وجه فرج ، وشتمه ، وانصرف فرج خازيا منخذلا ، وخرجت مخلوع علي مكرما ، وحمل فرج الي الحبس ، حيث تقرر عليه ثلاثة آلاف ألف درهم ( رسوم دار الخلافة 38- 45) .

أقول : كان لفرج الرخجي ، ولد اسمه عمر ، كان شرا من أبيه ، انظر ترجمته في الفصل الثاني من الباب الثالث ، وهو بحث الصفع .

وولي عيسي بن المنكدر ، القضاء بمصر ، من السنة 212 إلي السنة 214 فصال أحد الخصوم علي خصمه ، فأمر القاضي الخصم المعتدي عليه بأن يبصق في وجه الخصم المعتدي ، ففعل ، فقال له القاضي : أذلك الحق . ( القضاة للكندي 438 ).

وكان أحمد بن الخصيب بركل المتظلمين ، ويبصق عليهم ، أما أبو عباد ثابت بن يحيي ، فكان يضربهم بالمقرعة ، إذا كان راكبا ، وبالدواة ، إذا كان في دسته ، أما أحمد بن أبي خالد ، فكان يشتمهم ، أما أبو العباس بن الفرات ، فكان يشتم ، ويرفس برجله في الركاب ، ويقنع المراجعين بالمقرعة ، ويبصق عليهم ، راجع القصة 35/8 من كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي (ج 8 ص 83، والهفوات النادرة 261).

ص: 522

ولما هاج الجند الأتراك علي الخليفة المهتدي ، دخلوا عليه ، وجعلوا يصفعونه ، ويبصقون في وجهه . ( الطبري 458/9 ) .

وفي السنة 291 اشتبك الجيش العباسي ، والقرامطة ، في معركة ضارية ، فأسر رئيس القرامطة ابن زكرويه ومعه من رؤساء القرامطة المدثر ، والمطوق ، وغلام له رومي ، وأدخلوا الرقة ، علي جمال ، وعليهم برانس حرير ودراريع ديباج ، ثم أدخلوا بغداد مشهرين وكان ابن زكرويه صاحب الشامة علي كرسي ارتفاعه ذراعين ونصف ذراع راكبا علي ظهر فيل ، أما أصحابه فكانوا علي جمال ، مقيدين ، وعليهم دراريع وبرانس حرير ، وكان المطوق في وسطهم غلام ما خرجت لحيته بعد ، وقد جعل في فيه خشبة مخروطة شدت إلي قفاه بهيأة اللجام ، وذلك إنه كان لما دخل الرقة كان يشتم الناس اذا دعوا عليه ويبزق عليهم ، ففعل به ذلك ( الطبري 108/10 ۔ 112)

وركب ابن الجصاص الجوهري التاجر ، مع الوزير الخاقاني ، في المركب ، وكان بيده بطيخة كافور ، وأراد أن يبصق في دجلة ويعطي الوزير البطيخة ، فبصق في وجه الوزير ، ورمي البطيخة في دجلة ، فارتاع الوزير ، وقال له : ويحك ما هذا ؟ فأخذ يعتذر للوزير ، ويقول : أردت أن أبصق في وجهك ، وأرمي البطيخة في الماء ، فغلط ، فقال له الوزير : كذا فعلت يا جاهل ، فغلط في الفعل ، وفي الاعتذار ( الهفوات النادرة 30 والنجوم الزاهرة 218/3 ).

وفي السنة 353 قبض بمصر علي رجل يعرف بأبي الليث الواسطي ، ينسب إلي التشيع ، فضرب مائتي سوط ، ثم ضرب خمسمائة سوط ، وجعل في عنقه غل ، وحبس ، وكان يتفقد في كل يوم ، لئلا يخفف عنه ، ويبصق في وجهه ، فمات في حبسه ، وحمل ليلا ودفن (خطط المقريزي 240/2)

ص: 523

ودخل النظام علي شيخه أبي الهذيل ، وقد اسن ابو الهذيل وبعد عهده بالمناظرة ، والنظام ما يزال حدث السن ، فقال : يا أبا الهذيل ، أخبرني عن فراركم من أن يكون جوهرة، مخافة أن يكون جسما، فهلا فررتم من أن يكون جوهرة مخافة أن يكون عرضة، والجوهر أضعف من العرض ، فبصق أبو الهذيل في وجهه ، فقال له النظام : قبحك الله من شيخ فما أضعف حجتك ( سرح العيون 155 ) .

وفي السنة 397 بعث الحاكم الفاطمي جيشأ بقيادة ينال الطويل لقتال أبي ركوة ، وانتصر أبو ركوة ، وأسر ينال ، وقال له : العن الحاكم ، فبصق ينال في وجه أبي ركوة ، فأمر به أبو ركوة فقطع إربا إربا ( النجوم الزاهرة 216/4 )

وفي السنة 403 بعث السلطان محمود بن سبكتكين الي حضرة الخليفة كتابا ورد إليه من الحاكم الفاطمي صاحب مصر ، يدعوه فيه إلي طاعته ، والدخول في بيعته ، وقد خرقه ، وبصق في وسطه . ( المنتظم 262/7 ).

وكان رئيس الرؤساء ، ابن المسلمة ، يتعصب علي أهل الكرخ ، ويؤذيهم ، فلما اعتقله البساسيري في السنة 450 وأشهره ، من محبسه في الحريم الطاهري ، مارا بالكرخ ، إلي حد النجمي ، بصق أهل الكرخ في وجهه عند اجتيازه بهم . ( المنتظم 8/ 172 و197 وابن الأثير 644/9 ).

وفي السنة 514 فتح عبد المؤمن الموحدي مراكش ، واعتقل أمير المرابطين إسحاق بن علي بن يوسف بن تاشفين ، وبقية أمراء المرابطين ، ومن جملتهم الأمير سير بن الحاج ، وكان إسحاق أمير المرابطين صبية صغيرة ، فأخذ يبكي ، فقام إليه الأمير سير ، وبصق في وجهه ، وقال له : تبكي لأمك وأبيك ؟ إصبر صبر الرجال ، فإن هذا الرجل ( يريد عبد المؤمن )

ص: 524

لا دين له ولا يخاف الله ، فقام اليه الموحدون بالخشب ، فضربوه حتي قتلوه . ( ابن الأثير 584/10 ).

وفي السنة 702 كانت معركة بين جيش التتار ، بقيادة قطلو شاه ، وجيش السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ، وكانت المعركة قرب دمشق ، وانكسر جيش التتار ، فلما عاد قطلو شاه مكسورة إلي السلطان غازان ، سلطان التتار ، أمر غازان بقتله ، فما زالوا به حتي عفا عن قتله ، وأمر بأن يوقف في موضع يحبث يراه ، وأمسك به الحجاب ، وصار كل واحد من الحاضرين يبصق في وجهه ، وكانوا خلقا كثيرا ، حتي بصق الجميع في وجهه . ( النجوم الزاهرة 164/8 و165).

وكان أبو الحارث جميز، يظهر الجارية من المحبة أمرا عظيما ، فدعته ، وأخرت الطعام إلي أن ضاق ، فقال لها : يا سيدتي مالي لا أسمع للغداء ذكرأ ؟ فقالت : يا سبحان الله ، أما يكفيك النظر إلي ، وما ترغبه في ، عن أن تقول هذا ؟ فقال : يا سيدتي ، لو جلس جميل وبثينة ، من بكرة الي هذا الوقت لا يأكلان طعاما ، لبصق كل واحد منهما في وجه صاحبه ( الملح والجواهر 279 و280 ).

وقالت الخنفساء لأمها : ما مررت بأحد إلا بصق علي ، فقالت لها : يا بنية لحسنك تعوذين ( الملح والنوادر 304).

ص: 525

ص: 526

الفصل الرابع: عرك الأذن

عرك الأذن : فركها بين إصبعين من أصابع اليد والبغداديون يسمون ذلك : فرك الأذن ، أو جر الاذن ، وهم يكنون عمن يحتاج إلي تأديب أو ترويض ، بأنه يحتاج إلي «جر إذن ، ، او د فرك إذن ، ( ويلفظونه كلمة أذن ، بكسر الألف والذال ) ، ويعتبرون «جر الإذن ، من علامات الاستسلام والإستخذاء .

والبغدادي ، إلي الآن، إذا أراد الإعتراف بانتصار خصمه عليه ، أمسك له أذن نفسه ، وجرها ، ويعتبر هذا منه ، إعتراف بالاستسلام .

والظاهر أن تقليد جر الاذن اعتراف بالإستسلام قديم في بغداد ، وقد أبصرت صورة لملوك المغول الايلخانية ، وقد وقف غلمانهم وخدمهم ويمني كل واحد منهم قد أمسك بها شحمة أذنه .

والأصل في عرك الأذن ، أن يمارس مع الصبيان ، أو مع الأشخاص قليلي الأهمية ، فإذا جرت ممارسته مع شخص ذي حرمة ، فالمقصود بذلك إذلاله ، باظهار الاستهانة به .

وكان نصر بن سيار ، قد نصبه مشام لإمارة خراسان ، فغاظ ذلك يوسف بن عمر الثقفي ، لأن من كان قبله في إمارة العراق ، هو الذي يوئي أميرة لخراسان ، فكتب يوسف إلي هشام يطلب منه أن يضم خراسان إلي

ص: 527

العراق ، وأن ينصب الحكم بن الصلت الثقفي أميرة عليها ، وأثني عليه ، وقال إن نصيحته لأمير المؤمنين مثل نصيحتنا ومودتنا أهل البيت ، وسأل هشام عن الحكم أحد القواد بخراسان وهو مقاتل بن علي السعدي فقال إنه يعرف الحكم وإنه كان ولي قرية يقال لها الفارياب ، خراجها سبعون ألفا ، وإن الحارث بن سريج أسره ، فاكتفي بفرك أذنه ، وقفده ، وخلي سبيله . الطبري 193/7 ).

ووصل المنصور ، أحد أتباعه بدنانير ، وضعها له تحت سجادته ، فأغفل منها دينارة . فقال له أدن مني ، فدنا ، فعرك أذنه عركة شديدة ، وقال : ترك دينارة . وفيه نفقة يومك ، راجع القصة في المحاسن والمساويء (142/1) .

ولما عزل الوزير ابن الفرات ، من وزارته الأولي ، نيطت مناظرته برجل شرير ، هو أبو الهيثم العباس بن محمد بن ثوابه ، فكان من جملة ما عذبه به أن أمر بعرك أذنيه . ( تجارب الأمم 88/1 و89 الحاشية ) .

ص: 528

الفصل الخامس :السحب

السحب : الجر علي وجه الأرض .

ويمارس هذا اللون من العذاب ، عادة ، بقصد الإهانة والإذلال ، بأن يمسك بساقي الأسير ، ويسحب علي الأرض ، ثم يترك ، أما إذا كان المطلوب قتل المعذب ، فيجري شد أحد أطرافه إلي دابة ، ثم تركض شوطأ ، فيموت من جراء ذلك .

أما سحب جثة الانسان وهو ميت ، فلا يدخل في هذا الباب ، وإنما يدخل في بحث المثلة.

ومثل مروان بن أبي حفصة ، بين يدي المهدي العباسي ، للإنشاد ، فقال له : من أنت ؟ ولما عرف أنه مروان ، قال له : ألست القائل في معن بن زائدة :

أقمنا باليمامة بعد معن***مقاما لا نريد به زوالا

وقلنا أين نذهب بعد معي***وقد ذهب النوال فلا نوالا

فإذا كان النوال قد ذهب ، فلم جئت تطلب نوالنا ؟ ، وأمر به فجروا برجله حتي أخرج . ( الفرج بعد الشدة للتنوخي رقم القصة 136 ) .

وغضب المهدي ، مرة ، علي وزيره أبي عبيد الله ، فشتمه ، ثم أمر به ، فجروا برجله ، وأخرجوه ، وحبس . ( اعتاب الكتاب 73 ).

ص: 529

وأمر جعفر بن المنصور ، المعروف بابن الكردية ، بحماد الراوية ، فصفع ، ثم جر برجله حتي أخرج من بين يديه ( الأغاني 81/6 و 253/8)

وقال الشاعر ابن مناذر : دخلت علي الرشيد ، فبدر الفضل بن الربيع ، قبل أن أتكلم ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا شاعر البرامكة ومادحهم ، فتنكر الرشيد ، وعبس في وجهي ، فقال الفضل : مره يا أمير المؤمنين أن ينشدك قول فيهم :

أتانا بنو الأملاك من آل برمك فأمرني ، فأنشدته ، فقال : يا غلام ، ألطم وجهه ، فلطمت حتي سدرت ، ثم قال : أسحبوه علي وجهه ، فسحبت حتي أخرجت ( الاغاني 201/18 )

وغضب الأمين ، علي الحسين بن الضحاك ، وهما في مجلس شراب ، فأمر به ، فجر من رجله ، وأخرج مسحوبة ، راجع القصة في كتاب الفرج بعد الشدة ، للتنوخي ، تحقيق المؤلف ، رقم القصة 264 .

ومازح المسدود المغني ، الخليفة الواثق ، فغضب ، وقال : خذوا برجل العاض بظر أمه ، فسحب من بين يديه ، ونفي الي عمان ( الاغاني 289/20)

وغضب الواثق مرة علي إسحاق الموصلي ، فأمر به ، فسحب من مجلسه ، ونفاه إلي بغداد ( الأغاني 361/5 ).

وفي السنة 255 لما أراد الأتراك خلع المعتز ، دخلوا عليه ، وجروا برجله الي باب الحجرة . ( الطبري 389/9 ) .

وغضب الوزير عبيد الله بن سليمان ، وزير المعتضد، علي عامل

ص: 530

با دوريا ، فأمر به فسحب من مجلسه ، راجع تفصيل ذلك في كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة للقاضي التنوخي ج 8 ص 23- 26.

وغضب العباس بن الحسن ، وزير المكتفي ، علي الحسن بن محمد القصري، المعروف بابن زياد ، وكان إليه الصدقات بقصر ابن هبيرة ، فقال : من ابن زياد الكلب ، حتي يلقاني بما لاقاني به ، ورفع الكتاب الي أبي الحسن بن الفرات ، وقال له : أنفذ إليه من يسحبه إلي الحضرة علي وجهه ، فأخذ ابن الفرات الكتاب ، وتلاه ، فاشتد غيظه من ابن زياد ، وأمر بإنفاذ من يجره من القصر ( قصر ابن هبيرة ، احسب أن قد حلت محله الآن مدينة المسيب ) . ( الوزراء للصابي 254 و 255 ).

وغضب الوزير المهلبي ، وزير معز الدولة ، في السنة 350 علي أبي بكر محمد بن الحسن بن عبد العزيز الهاشمي ، فأمر به بأن تجر رجله ويطرد من مجلسه ، فجر من رجله وأخرج ، راجع التفصيل في كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي في القصة رقم 37/1 .

وفي السنة 362 قتل صاحب المعونة ببغداد ، رجلا من العامة ، فثار به العامة والأتراك ، فهرب ، والتجأ الي دار ، فأخرج منها مسحوبا ، وقتل ، وأحرق ( ابن الأثير 628/8 ).

وفي السنة 603 قتل شاب يعرف بابن المقريء، بغداد ، شابة ، بسبب اختلاف و نزاع علي مغنية ، وفي القاتل ، ثم قبض عليه ، وقرر ، فأقر بقتله ، فسلم إلي أخي المقتول ليقتص منه ، فأخذه مكتوفة ، مسحوبا بشعره في أعراف الخيل ، إلي قراح ابن رزين ، حيث ارتكبت جريمة القتل وقتلوه ضربا بالسيوف ، ثم وطنوه بالخيل ، وبقي ملقي هناك أربعة أيام ، لا يؤذن لأهله في دفنه، ثم أذن لهم ، فأخذوه ودفنوه . ( الجامع المختصر 199 و200).

ص: 531

وغضب السلطان محمد بن تغلق سلطان الهند ، علي رجل أعمي ، خالف أمره في مبارحة دهلي ، فأمر بأن يجر من دهلي إلي دولة آباد ، مسيرة أربعين يوما ، فتمزق في الطريق ووصل منه رجله . ( رحله ابن بطوطة طبعة صادر ص 479).

وفي السنة 761 أسر السلطان ابراهيم بن علي المريني ، الحسن بن عمر الفودوي ، فطيف به علي جمل بمدينة فاس ، ثم أمر به السلطان فسحب علي وجهه ، وضرب ثم قتل ( الاعلام 226/2 ).

وفي السنة 920 اتهمت صبية مصرية ، في القاهرة ، بأنها كانت مع نصراني ، فأمر بها ملك الأمراء ، نائب السلطان ، فعزيت من أثوابها ، وكتفت ، وربطت من رجليها إلي ذنب انديش ، وسحبت علي وجهها ، فماتت في الطريق ( بدائع الزهور 290/5 ).

واتهم إبراهيم بن خضر اللاري التاجر (ت 946 ) نزيل حلب ، أحد مماليكه بأنه اختلس من أمواله ، فأمر به فربط إلي ذنب فرس جرت به في شوارع حلب إلي أن مات . ( اعلام النبلاء 27/6 ) .

ص: 532

الفصل السادس الحصب

الحصب : الرمي بالحصباء ، أي الحصي ، وكانت المساجد مفروشة بالحصي ، يسبح به المصلون ، ويحصبون به الولاة والخطباء ، إذا سمعوا منهم ما لا يرضيهم .

وكان عبد الملك بن هلال عنده زنبيل ملان حصي ، فكان يسبح بواحدة واحدة ، فإذا مل شيئا طرح اثنتين اثنتين ، ثم ثلاثا ثلاثا ، فإذا مل ، قبض قبضة ، وقال : سبحان الله بعدد هذا ، فإذا ضجر ، أخذ بعروتي الزنبيل ، وقلبه ، وقال : سبحان الله بعدد هذا كله ، وإذا بكر لحاجة ، وكان مستعجلا ، لحظ الزنبيل لحظه ، وقال : سبحان الله عدد ما فيه من حصي ( البيان والتبيين 228/3 ).

ولما تأئق المعمرون في بناء المساجد، وبلطت ساحاتها ، وأتخذت المسابح للتسبيح ، انقطع الحصي عن المساجد ، فأنقطع الحصب. وقد بدأ حصب الولاة من زمن الخليفة عمر ، فقد رووا إنه بلغه أن أهل العراق قد حصبوا أميرهم ، فخرج غضبانا (تاريخ الخلفاء 127).

ولما حصر أهل الأمصار ، الخليفة عثمان بن عفان ، خرج في يوم الجمعة ، فصلي بالناس ، وخطبهم ، فانقسم الناس وتحاصبوا ، وحصبوا عثمان ، فدخل داره ( شرح نهج البلاغة 142/2).

ص: 533

ولما قدم الزبير وطلحة البصرة ، يتأهبان لقتال الإمام علي ، اجتمعوا بالمربد ، وخطب طلحة والزبير ، فأيدهما قوم ، وخالفهما قوم ، فتحائي الناس وتحاصبوا ( الطبري 4/ 464 ) وقام رجل من جشم ، فقال : أيها الناس ، إن هؤلاء قدموا إلينا من مكة ، فإن كانوا خائفين فقد قدموا إلينا من المكان الذي يأمن فيه الطير ، وإن جاءوا مطالبين بدم عثمان ، فغيرنا الذي ولي قتله ، فأطيعوني وردوهم من حيث أقبلوا ، فحصبه ناس من أهل البصرة فأمسك ، ثم خطبت عائشة ، فماج الناس واختلطوا ، فمن قائل : القول ما قالت ، ومن قائل يقول : هي امرأة مأمورة بلزوم بيتها ، وارتفعت الأصوات ، وكثر اللغط حتي تضاربوا بالنعال وتراموا بالحصي ( شرح نهج البلاغة 314/9 و316) .

وكان عبد الله بن عمر بن غيلان ، عامل البصرة لمعاوية ، يخطب علي المنبر ، فحصبه رجل من بني ضبة ، فأمر به فقطعت يده ( الطبري 299/5)

واستعمل معاوية بن أبي سفيان ، علي الكوفة ، الضحاك بن قيس الفهري ، فحصبوه ( العقد الفريد 8/4 ).

وفي السنة .. لما استعمل معاوية زيادة علي الكوفة ، إضافة إلي البصرة ، قدم الكوفة ، وجلس علي المنبر ، فحصب ، فجلس حتي أمسكوا ، ثم أمر فأخذت أبواب المسجد ، ثم أمر بكرسي ، فوضع له علي باب المسجد ، ودعا الموجودين فيه ، وطلب منهم أن يحلفوا بالله ما حصبناك ، فمن حلف خلاه ، ومن لم يحلف ، بلغ عددهم ثمانين ، فقطع أيديهم . ( ابن الأثير 461/3و462 الطبري 235/5 تاريخ الكوفة 43 ).

وخرج زياد من الكوفة الي البصرة ، واستعمل علي الكوفة عمرو بن

ص: 534

حريث، فخطب الناس ، فحصبوه ، وشتموه . ( الأغاني و136و135/17)

ولما اتصل بيزيد خبر توجه الحسين إلي العراق ، كتب إلي عبيد الله بن زياد ، وكان يلي البصرة ، بولاية الكوفة معها ، وكان عليها قبله النعمان بن بشير الأنصاري ، فجاء عبيد الله إلي الكوفة وهو ملئم ، فحسبه الناس الحسين ، فكان إذا سلم عليهم ، قالوا : وعليك السلام يا ابن رسول الله ، قدمت خير مقدم ، حتي إذا طرق باب القصر ، حسر اللثام عن وجهه ، فلما رأوه تنادوا : إبن مرجانه ، وحصبوه ، ففاتهم ودخل القصر . (شرح المقامات الحريرية 172/1 ).

وفي السنة 64 لما هلك يزيد بن معاوية ، طالب عبيد الله بن زياد أهل البصرة أن يبايعوه علي أن يقوم بأمرهم حتي يصطلح الناس علي إمام يرضونه الأنفسهم ، وأرسل عبيد الله رسولا إلي الكوفة يدعو أهلها لمثل ما دعي إليه أهل البصرة ، فأبوا عليه وحصبوه ، وحصبوا الوالي الذي كان عليهم ( الطبري أ503/5 وأنساب الأشراف 97/2/4 ).

وذكر صاحب الإمامة والسياسة 16/2 إن عبيد الله لما خاطب أهل البصرة ودعا إلي نفسه ، بعد هلاك يزيد ، حصبه الناس ، ورموه بالحجارة ، وسبوه .

وكان عمرو بن حريث ، خليفة عبيد الله بن زياد علي الكوفة ، فخطبهم في السنة 64 فحصبوه ، فدخل داره ( الطبري 524/5 ).

ولما دخل الحجاج الكوفة ، في السنة 75، جلس علي المنبر ، فسكت ، وطال سكوته فتناول محمد بن عمير حصي ، وأراد أن يحصبه بها ( ابن الأثير 204/6 ).

ص: 535

ولما جلس الحجاج علي منبر البصرة وتكلم ، حصبه الناس ، فلما

أكثروا ، خلع عمامته ، فوضعها علي ركبته ، وكانت هذه إشارة إلي جنده بقتل الناس ، فجعلت السيوف تبري الرقاب فسالت الدماء إلي باب المسجد والي السكك . ( الامامة والسياسة 26/2 ) .

وكان سعيد بن المسيب ، يحضر الجمعة في مسجد النبي صلوات الله عليه فإذا خطب هشام ، عامل عبد الملك علي المدينة ، أقبل سعيد عليه بوجهه ما دام يذكر الله ، حتي إذا بدأ بمدح عبد الملك أعرض سعيد عنه بوجهه ، ففطن هشام لذلك ، فأمر حرسيا بأن يحصب وجه سعيد إذا تحول عنه ، ففعل ذلك به ، إلي أن عزل هشام . ( الامامة والسياسة 26/2 ) .

وفي السنة 144 جهر رياح ، عامل المدينة لأبي جعفر ، بشتم محمد وابراهيم ابني عبد الله بن الحسن، فسماهما : الفاسقين الخالعين الحاربين ، ثم ذكر أمهما فأفحش ، فأعظم السامعون ذلك ، وقالوا : لا نسمع منك يا ابن المحدود ، وبادروه بالحصي . ( الطبري 537/7 ).

وفي السنة 132 قلد أبو العباس السفاح ، أخاه يحيي ، الموصل ونواحيها ، وكان يحيي فدما ، ناقص العقل ، متخلفة . مستهترة بالشراب ، فأوصي بصنع طبول ، وجيء إليه بواحد منها ، وهو علي بغلته يريد المسجد الجامع لصلاة الجمعة ، فلما رأي الطبل علقه في عنقه ، ودقه ليري جودة صوته ، فنفرت به البغلة ، وحملته والطبل في عنقه ، في الممر الذي يوصله من بيته إلي الجامع ، فلما سمع الحجاب وقع حافر البغلة رفعوا الستر ، فدخلت البغلة به إلي وسط الناس وهي نافرة ، والطبل معلق في عنقه ، فرماه الناس بالحصي من جميع أنحاء المسجد ، فما أفلت إلا بحشاشة نفسه ، وبلغ السفاح ما صنع ، فعزله ( الهفوات النادرة رقم 113 ص 100 و101).

وذكر صاحب نفح الطيب 220/1 أن الناس بالأندلس ، إذا رأوا من

ص: 536

السلطان ، أو من أحد أصحابه تهاونا في أمور الدين ، دخلوا عليه قصره ، وأخرجوه ، ونفوه عن بلدهم ، أما الرجم بالحجارة للقضاة ولولاة الأعمال إذا لم يعدلوا ، ففي كل يوم .

وجاء في خطط الشام 185/2 إنه في السنة 804 رجم أهل دمشق ، نائب الشام ، الأمير تغري بردي ، وأرادوا قتله ، ففر إلي حلب .

وجاء في خطط الشام 209/2 إنه في السنة 903 حصب الحلبيون ، نائب حلب ، إينال السلحدار ، وطردوه من بلدهم ، لأنه أراد أن يسلم حلب إلي أقبردي الدوادار .

ص: 537

ص: 538

الفصل السابع الحذف بما في اليد

ولما قتل الحسين عليه السلام ، في موقعة الطف ، عمد سنان بن أنس إليه ، وهو قتيل ، فأحتز رأسه ، وجاء به حتي وقف علي فسطاط عمر بن سعد ، قائد الجيش ، وهو يقول :

أوقر ركابي فضة وذهبا***فقد قتلت السيد المحجبا

قتلت خير الناس أما وأبا***وخيرهم إذ ينسبون نسبا

فصرخ فيه عمر بن سعد : أشهد أنك لمجنون ما صححت قط ، ثم خذفه بالقضيب ، وقال له : يا مجنون ، لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك ( الطبري 453/5 و454).

ودخل أسقف نجران ، علي المصعب بن الزبير ، فكلمه بشيء فأغضبه ، فرماه بقضيب كان في يده ، فأدماه ، فقال له الأسقف : إن المسيح قال : لا ينبغي للرئيس أن يكون سفيها ، ومنه يلتمس الحلم ، ولا جائرة ، ومنه يلتمس العدل ، فقضي حاجته و أنساب الأشراف 282/5 ).

رمي الرشيد ، سلامة الخادم ، بسفرجلة كانت في يده ، وشتمه ، المدحه سيرة العمرين ، وتفصل ذلك : ان الرشيد ولي سلامة الخادم ، ضياعه بالثغور والشامات ، فتواترت الكتب بحسن سيرته ، ثم وفد عليه ، فلما دخل عليه ، كان الرشيد يأكل سفرجلا ، حمل اليه من بلخ ، وهو يقشره

ص: 539

ويأكله ، فتكلم سلام ، وأخذ يذكر حسن سيرته ، حتي قال : أنسيتهم - والله - يا أمير المؤمنين سيرة العمرين ، فغضب الرشيد ، واستشاط ، وأخذ سفرجلة فرماه بها ، وقال له : يا ابن اللحناء العمرين العمرين ( الطبري 354/8)

وفي السنة 187 بالعمر الذي بالأنبار ، أمر الرشيد ، خادمه مسرورا بأن يقطع عنق الوزير جعفر البرمكي ، وأن يأتيه برأسه ، وبالنظر لخطر الأمر ، فقد راجع الرشيد ، يستثبته في تنفيذ العمل ، فشتمه ، وقال له : يا ماص بظر أمه ، أئتني برأسه ، ثم راجع الرشيد ، مرة أخري ، فحذفه بعمود كان في يده ، وحلف إنه إن لم يأته برأسه ، ليقتلنه ، فذهب إلي جعفر ، وقطع عنقه ، وأحضر رأسه فوضعه أمام الرشيد ( ابن الأثير 175/6 - 179) .

واستدعي الرشيد ماء مبردة بالثلج ، فلم يوجد في الخزانة ثلج ، فأحضر إليه ماء غير مثلوج ، فضرب وجه الغلام بالكوز ، واستشاط غضبا ، فقال له أحد الحاضرين : أقول يا أمير المؤمنين وأنا آمن ؟ قال : قل ، قال : يا أمير المؤمنين ، قد رأيت ما كان من الغير بالأمس ، والدنيا غير دائمة ، ولا موثوق بها ، والحزم ألا تعود نفسك الترفيه والنعمة ، بل تأكل اللين والجشب ، وتلبس الناعم والخشن ، وتشرب الحار والقار ، فنفحه الرشيد بيده ، وقال : لا والله ، لا أذهب إلي ما تذهب إليه ، بل ألبس النعمة ما البستني ، فإذا نابت نوبة الدهر ، عدت إلي نصاب غير خوار ( شرح نهج البلاغة 20/2 ).

كان أبو عباد ثابت بن يحيي بن يسار ، وزير المأمون ، كاتبأ ، حاسبا ، وكان أهوج شديد الحدة ، سريع الغضب ، وكان إذا اغتاظ من بعض من يكون بين يديه ، رماه بدو ته ، أو شتمه فأفحش ، فقال فيه دعبل : ( الفخري 226 )

ص: 540

أولي الأمور بضيعة وفساد*** أمر يدبره أبو عباد

يسطو علي كتابه بدواته*** فمضمخ بدم ونضح مداد

وكأنه من دير هرقل مفلت*** جرد يجر سلاسل الأقياد

أقول : اشتهر أبو عباد ، وزير المأمون ، بحدته ، وتهوره ، حتي أن المأمون لما قيل له إن دعبلا هجاك ، قال : إنه قد تجرأ علي هجاء أبي عباد ، يعني أن الذي يجسر علي هجاء أبي عباد مع حدته وتهوره ، لا يخاف من هجائي مع حلمي ورغبتي في العفو .

وذكر صاحب الهفوات النادرة ( ص 247 ) ، أن أبا عباد هذا ، انصرف يوما من الديوان ، فلما وصل إلي الباب ، أمر المأمون برده ، وخاطبه في أمر ، فلما انصرف ، أمر برده ، فغضب ، وأخذ الدواة من يد الدواتي ، وقال للرسول : الساعة - والله - يا ابن الفاعلة ، أضرب بها رأسك ، ألا قلت له قد مضي إلي النار .

وأنشده شاعر مديحة له ، فقال :

لما أنخنا بالوزير ركابنا***مستعصمين بجوده أعطانا

ثبتت رحي ملك الإمام بثابت***وأفاض فيه العدل والإحسانا

يقري الوفود طلاقه وسماحة*** والناكثين مهند وسنانا

من لم يزل للناس غيث ممرعأ***متخرقة في جوده ....

وجعل الشاعر يردد : في جوده ، فضجر منه أبو عباد ، وقال له : ويلك ، قل : قرنانا ، كشخانا ، وأرحنا ، فقال الشاعر : يا سيدي ، معوانا ، فارتج المجلس بالضحك ( الهفوات النادرة 250 ).

وكان حسين بن الضحاك يميل الي خادم لأبي عيسي بن الرشيد ، فعبث به يوما علي سكر ، فأخذ قنينة ، فضرب بها رأسه ، فشجه شجة منكرة . ( الأغاني 194/7 ).

ص: 541

وفي السنة 578 حصر السلطان صلاح الدين الأيوبي ، الموصل ، فلاقي مقاومة عنيفة ، وفي أحد الأيام كان أحد أمراء صلاح الدين ، وأسمه جاولي الاسدي ، مقدم الأسدية وكبيرهم ، أخذ أحد العامة لا لكة ( حذاء ) من رجله ، فيها المسامير الكثيرة فرماه بها ، فأصاب صدره ، فوجدا لذلك ألما شديدة ، وأخذ اللالكة ، وعاد عن القتال الي صلاح الدين ، وقال له : لقد قاتلنا أهالي الموصل بحماقات ما رأينا بعد مثلها ، وألقي اللالكة من يده ، وحلف أنه لا يعود يقاتل ، أنفة مما أصيب به ( ابن الأثير 486/11 ) . وبلغ من حلم السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله ، إنه كان يوما جالسة ، وعنده جماعة ، فرمي أحد المماليك صاحبة له بسر موز ( حذاء ) فأخطأته ، ووصلت الي صلاح الدين ، فأخطأته ، ووقعت بالقرب منه ، فالتفت إلي الجهة الأخري يكلم جليسه ، متغافلا عنها ( ابن الأثير 96/12 )

وفي السنة 646 دخل محسن خادم الملك الصالح ، الي العادل اخي الصالح ، وكان معتقلا في القاهرة ، ليكلمه ، فرماه العادل بدواة كانت عنده ، فكان ذلك سبب قتل العادل . ( النجوم الزاهرة 312/6 ) .

وفي السنة 789 غضب السلطان برقوق علي تقي الدين عبد الرحمن الشافعي ناظر الجيوش ، فضربه بالدواة في رأسه ( نزهة النفوس 96 وبدائع الزهور 367/2/1 ) .

وفي السنة 1243 (1827 م) غضب حسين باشا، أمير الجزائر ، علي القنصل الفرنسي ، فشتمه ، وشتم الراي ( ملك فرنسا ) وضرب القنصل بمنشة كانت في يده ينش بها الذباب ، ضربه بها علي وجهه ، فأخبر القنصل دولته بما حصل له ، فاتخذت فرنسا من هذا التصرف حجة لمحاربة الجزائر واحتلالها في السنة 1245 ( 1829 م) ، وكانت عاقبة حسين باشا أن توفي

ص: 542

بمدينة الاسكندرية في السنة 1254 (1838 م) وهو في السادسة والسبعين من العمر ( مذكرات الزهار 164 و165 ومعجم الأنساب والاسرات الحاكمة 129 )

ص: 543

ص: 544

الفصل الثامن :الالجام

ويتم هذا اللون من العذاب ، بوضع لجام ، أو أية أداة تشبه اللجام ، تحول بين الأسير وبين الكلام ، وهذا اللون من العذاب يجمع بين الإهانة والإيذاء .

وأول من مارس هذا اللون من العذاب ، عبيد الله بن زياد ، فإنه أمر بميثم التمار ، أحد أصحاب الإمام علي عليه السلام ، فعلق علي خشبة ، ثم أمر بأن يلجم ، ليحول بينه وبين الكلام ، وفي اليوم الثالث ، أمر به ، فبقرت بطنه بحربة ، فسال أنفه وفمه دمأ ، ومات ( تاريخ الكوفة 284 - 287 ) .

وفي السنة 117 أخذ أسد بن عبد الله القسري ، أمير خراسان ، موسي بن كعب ، أحد دعاة بني العباس ، فألجمه بلجام حمار ، وجذب اللجام ، فتحطمت أسنانه ، ودق وجهه وأنفه ، فلما صار الأمر للعباسيين ، أمالوا عليه الدنيا ، وولاه المنصور ، مصر صلاتها ، وخراجها ، فكان يقول : كانت لنا أسنان وليس عندنا خبز ، فلما جاء الخبز ، ذهبت الأسنان . ( الولاة للكندي 107 و108 والنجوم الزاهرة 1/ 345 )

وفي السنة 291 أدخل الي بغداد أسري القرامطة ، مقدمهم الحسين بن زكرويه ، وهم علي الجمال مقيدين ، وعليهم دراريع وبرانس من الحرير ، والمطوق في وسطهم ، غلام ما خرجت لحيته ، قد جعل في فيه خشبة

ص: 545

مخروطة، شدت إلي قفاه، كهيأة اللجام، وذلك إنه لما أدخل الرقة، كان يشتم الناس إذا دعوا عليه ، ويبزق عليهم ، ففعل به ذلك لئلا يشتم إنسانا ( الطبري 112/10 )

وفي السنة 677 قبض علي أحمد بن بقا الشربدار ، ببغداد ، وحبس ، ثم عمل له حجلة ، وسمر عليها ، وجعل علي رأسه مسخرة ، يصفعه بنعل ، ويروحه به ، ثم يبول عليه ، وأشهر ببغداد ، فأخذ في سب الصاحب ، فوضعوا في فمه مسلة منعته من الكلام ، ثم قتل في آخر النهار ، وقطع رأسه ، ووضع مكانه رأس تيس بلحيته ، وطيف به ، ثم أحرق ( الحوادث الجامعة 401) .

ص: 546

الفصل التاسع :العذاب بالتغطيس في مستودعات القذر

العذاب بتغطيس الإنسان ، في مستودعات القذر ، كجومة الكنيف ، أو بئر البالوعة ، لون قليل الممارسة ، ولم أجد له ذكرا ، فيما تيسر لي من المراجع إلا خبرة واحدة في الإعلام للزركلي ( 184/3 ).

وكنت علي أن أغفل ايراد هذا الخبر ، أو أن أضمه الي لون آخر غيره ، لولا أن هذا اللون من العذاب ، قد مارسه المعذبون في بعض البلاد العربية ، في النصف الثاني من القرن العشرين ، فأفردت له هذا البحث ، ليكون ابتداء الإثبات ما يرد بشأن هذا اللون من العذاب ، من أخبار .

ففي السنة 902 قبض السلطان عامر بن عبد الوهاب ، بتعز ، في اليمن ، علي سليمان بن حسن ، رئيس الاسماعيلية ، وعالمهم في تعز ، وألقاه في مكان قذر ، وأمر بكتبه ، فأتلفت . ( الاعلام 184/3 ).

ص: 547

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.