دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي علي مذهب أهل البيت عليهم السلام المجلد 3

اشارة

سرشناسه:ايرواني، باقر، 1328 -

عنوان و نام پديدآور:دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي علي مذهب أهل البيت عليهم السلام/ باقر الايرواني.

وضعيت ويراست:[ويراست ؟].

مشخصات نشر:قم : مركزالمصطفي(ص) العالمي للترجمه والنشر، 1434 ق.= 1392.

مشخصات ظاهري:3 ج.

فروست:مركزالمصطفي صلي الله عليه و آله العالمي للدراسات والتحقيق؛ 16.

شابك:دوره 978-964-195-706-5 : ؛ 100000 ريال: ج.1 978-964-195-707-2 : ؛ ج.2 978-964-195-708-9 : ؛ 55000 ريال (ج. 2، چاپ هشتم) ؛ ج.3 978-964-195-709-6 : ؛ 700000 ريال (ج. 3، چاپ هشتم) ؛ ج.4 978-964-195-710-2 : ؛ 85000 ريال (ج. 4، چاپ هشتم)

وضعيت فهرست نويسي:فاپا

يادداشت:عربي.

يادداشت:كتابنامه.

موضوع:فقه جعفري -- قرن 14

رده بندي كنگره:BP183/5/الف86د4 1392

رده بندي ديويي:297/342

شماره كتابشناسي ملي:3202203

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

الجزء الثالث

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام علي أشرف خلقه و علي أهل بيته الطيّبين الطاهرين

و بعد

فهذا هو الجزء الثالث و الأخير من دورتنا الفقهية الاستدلالية الموسومة ب «دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي علي المذهب الجعفري»، و بإكمال الطالب لها يكون قد تمّ له الاطلاع علي دورة فقهية في امهات المسائل مع الاستدلال عليها باحدث طرق الاستدلال التي تداولها فقهاؤنا الكرام. و من خلال فهمها و استيعابها يشعر الطالب في أعماقه بتقدمه خطوة الي الإمام نحو ملكة الاستنباط.

و إذا كان الكتاب يشتمل علي مواضع تأمل كثيرة فهو في ظني جيد بشكل عام و يحقق بعض الأهداف المنشودة. و باصلاح بقية الاخوة الفضلاء لما زاغ عنا يتم كامل الهدف ان شاء اللّه تعالي.

أسأله عزّ و جلّ بحق محمّد و آل محمّد ان ينفع به من كتب لأجلهم و يجعله خالصا لوجهه الكريم انه سميع مجيب.

باقر الايرواني 28 /رجب/ 1419 ه قم المشرّفة

ص: 6

الأحكام

اشارة

1 - القضاء

2 - الشهادات

3 - الاقرار

4 - اللقطة

5 - الأطعمة و الأشربة

6 - الصيد و الذباحة

7 - الأنفال و المشتركات

8 - الارث

9 - الحدود

10 - القصاص

11 - الديات

ص: 7

ص: 8

كتاب القضاء

اشارة

1 - القضاء في الشريعة

2 - الشروط اللازمة في القاضي

3 - كيفية القضاء

4 - شروط سماع الدعوي

5 - وسائل الاثبات

6 - قسمة المال المشترك

7 - احكام عامة في القضاء

ص: 9

ص: 10

1 - القضاء في الشريعة

اشارة

القضاء واجب كفائي. و هو منصب جليل و خطير.

و حكم القاضي نافذ علي الجميع و لا يجوز نقضه من قبل قاض آخر الا مع فرض فقدان الاول للشروط المعتبرة في القاضي أو فرض مخالفة حكمه لما ثبت بنحو القطع من الكتاب و السنة الشريفين.

و القاضي علي نحوين: القاضي المنصوب و قاضي التحكيم. و حكم كليهما نافذ.

و في جواز اخذ الاجرة علي القضاء كلام بخلاف الرشوة فانها محرمة علي الآخذ و الدافع بلا خلاف.

و المستند في ذلك:

1 - المعروف لدي المتقدمين تحديد القضاء بالولاية علي الحكم

شرعا بين المتخاصمين لفصل الخصومة

، و لدي المتأخرين بالحكم بين المتخاصمين لرفع الخصومة دون مجرد الولاية.

و لعل الانسب الجمع بين الامرين و تحديده بالحكم لفصل

ص: 11

الخصومة ممن له الولاية علي ذلك شرعا، فان المفهوم لدي المتشرعة من القضاء ذلك دون مجرد الحكم و لو ممن لا ولاية له عليه و لا مجرد الولاية من دون الحكم.

و قد يستفاد ذلك أيضا من قوله تعالي: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ (1).

و المطلب لا يستحق الاطالة بعد عدم ترتب ثمرة عليه.

ثم ان حكم القاضي يختلف عن فتوي المفتي في ان الثاني بيان للأحكام الكلية بحسب ما يؤدي إليه نظر المجتهد، بخلاف الاول فانه تطبيق لتلك الاحكام الكلية علي الوقائع الخاصة، فالقضاء علي هذا يكون في طول الفتوي و متفرعا عليها.

و يضاف إلي ذلك ان الفتوي لا تكون حجة الا في حق مقلدي المفتي بخلاف القضاء فانه نافذ في حق الجميع كما سيأتي إن شاء اللّه تعالي.

و فرق ثالث هو ان نظر المجتهد في الفتوي يكون محكّما في بيان الحكم الكلي دون تطبيقه علي مصاديقه فان ذلك وظيفة المقلد دون المجتهد، و هذا بخلافه في القضاء فان التطبيق راجع إلي القاضي بل ذلك هو وظيفته.

2 - و اما انه واجب فلتوقف حفظ النظام عليه.

مضافا الي انه مقدمة لتحقيق المعروف و الانتهاء عن المنكر.

و اما انه كفائي فلان الغرض - و هو حفظ النظام - يتحقق بتصدي

ص: 12


1- ص: 26.

من به الكفاية له.

3 - و اما ان القضاء منصب جليل

فلانه منصب الانبياء: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ (1) ، بل هو منصب اشرف الخلق نبينا صلّي اللّه عليه و آله: إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ (2) و الائمة الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين، ففي الحديث ان امير المؤمنين عليه السّلام قال لشريح: «يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه الا نبي أو وصي نبي أو شقي»(3) ، و منهم صلوات اللّه عليهم منح للمجتهدين، ففي صحيحة ابي خديجة: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام:... انظروا إلي رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه...»(4).

و اما انه منصب خطير فلما ورد عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «لسان القاضي بين جمرتين من نار حتي يقضي بين الناس فاما إلي الجنة و اما إلي النار»(5).

و في حديث آخر: «من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين»(6).

و في حديث ثالث: «ان النواويس(7) شكت الي اللّه عز و جل شدّة

ص: 13


1- ص: 26.
2- النساء: 105.
3- وسائل الشيعة 7:18 الباب 3 من أبواب صفات القاضي الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 4:18 الباب 1 من أبواب صفات القاضي الحديث 5.
5- وسائل الشيعة 167:18 الباب 12 من أبواب آداب القاضي الحديث 2.
6- وسائل الشيعة 8:18 الباب 3 من أبواب صفات القاضي الحديث 8.
7- النواويس: موضع في جهنم علي ما ذكره الطريحي في مجمع البحرين في مادة: «نوس».

حرها فقال لها عز و جل: اسكتي فان مواضع القضاة أشد حرا منك»(1).

4 - و اما نفوذ حكم القاضي و عدم جواز نقضه حتي من حاكم

آخر

فلوجهين:

أ - التمسك بمقبولة عمر بن حنظلة: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما الي السلطان و الي القضاة أ يحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فانما تحاكم الي الطاغوت... قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران من كان منكم ممن قد روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما، فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم اللّه...»(2) ، فان الذيل يدل بوضوح علي ان الحكم اذا كان علي طبق القواعد فعدم قبوله استخفاف بحكم اللّه سبحانه.

و ليس في السند من يتأمل فيه سوي ابن حنظلة نفسه حيث لم يوثق، بيد انه قد يتساهل في امره لرواية صفوان - الذي هو أحد الثلاثة - عنه، بناء علي كفاية ذلك في اثبات الوثاقة. مضافا الي ان يزيد بن خليفة قد روي: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ان عمر بن حنظلة اتانا عنك بوقت فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: اذن لا يكذب علينا»(3). و يزيد و ان لم يوثق و لكن روي عنه يونس الذي هو من اصحاب الاجماع بناء علي كفاية ذلك في قبول الرواية.

ص: 14


1- وسائل الشيعة 160:18 الباب 6 من أبواب آداب القاضي الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 99:18 الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 1.
3- الكافي 275:3.

يضاف الي ذلك ان تلقي الاصحاب للرواية بالقبول قد يورث للفقيه الوثوق بصدورها.

ب - ان القضاء شرّع لفصل الخصومة فلا بدّ من نفوذه و الا يلزم نقض الغرض.

هذا كله اذا لم يفترض حلّ الخصومة بيمين المدعي عليه و الا امكن ان يضاف الي ذلك التمسك بصحيحة عبد اللّه بن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف ان لا حق له قبله ذهبت اليمين بحق المدعي فلا دعوي له. قلت له:

و ان كانت عليه بينة عادلة؟ قال: نعم و ان اقام بعد ما استحلفه باللّه خمسين قسامة ما كان له و كانت اليمين قد ابطلت كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه»(1).

5 - و اما وجه الاستثناء

فلان الشروط اذا لم تكن متوفرة في القاضي فلا يكون منصوبا من قبلهم عليهم السّلام. كما ان الحكم اذا كان علي خلاف الموازين الشرعية - كالحكم بلا بينة و من دون علم الحاكم - فلا يصدق ان الحاكم قد حكم بحكمهم ليكون عدم قبوله استخفافا بحكم اللّه سبحانه.

و بالجملة: الحكم علي خلاف الموازين الشرعية هو كلا حكم و لا يتم فيه شيء ممّا سبق.

و اما اعتبار ان تكون المخالفة مخالفة لما ثبت اعتباره بنحو القطع فلانه بدون ذلك يعود الحكم مشمولا لقوله عليه السّلام: «فاذا حكم

ص: 15


1- وسائل الشيعة 179:18 الباب 9 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

بحكمنا...» اذا المراد فاذا حكم علي طبق الموازين الشرعية التي يؤدي اليها نظره.

6 - و اما القاضي المنصوب و قاضي التراضي

فيقصد من الاول من كان منصوبا للقضاء من قبل الشرع قبل ان يتراضي عليه المتخاصمان، و من الثاني من كان منصوبا من قبل الشرع بعد تراضي المتخاصمين عليه.

و تدل علي الاول مقبولة ابن حنظلة المتقدمة حيث قال عليه السّلام: «فاني قد جعلته عليكم حاكما»(1) و صحيحة ابي خديجة المتقدمة أيضا:

«انظروا الي رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه»(2).

و قد يستدل علي ذلك أيضا بفكرة حفظ النظام بتقريب ان مقتضي حفظ النظام لزوم نصب القاضي، و ذلك القاضي المنصوب هو المجتهد لان مقتضي الاصل عدم نفوذ حكم احد علي غيره، و القدر المتيقن الخارج من الاصل المذكور هو المجتهد.

و عليه فحتي لو قطعنا النظر عن الروايتين السابقتين فبالإمكان التمسك بالتقريب المذكور لإثبات المطلوب.

و اما الثاني فقد يستدل عليه بالبيانين التاليين:

أ - التمسك بقوله تعالي: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (3) ، فانه باطلاقه

ص: 16


1- وسائل الشيعة 99:18 الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 4:18 الباب 1 من أبواب صفات القاضي الحديث 5.
3- النساء: 58.

يشمل قاضي التراضي و يدل علي نفوذ الحكم بالعدل حتي لو كان صادرا من غير المجتهد المنصوب شرعا.

ب - التمسك بصحيحة الحلبي: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ربما كان بين الرجلين من اصحابنا المنازعة في الشيء فيتراضيان برجل منّا فقال عليه السّلام: ليس هو ذاك انما هو الذي يجبر الناس علي حكمه بالسيف و السوط»(1). و دلالته واضحة.

7 - و اما اخذ الاجرة علي القضاء

فقد قيل بعدم جوازه اما لان القضاء واجب، و حيثية الوجوب نفسها تمنع من اخذ الاجرة، او لان حيثية القضاء بخصوصها تمنع من ذلك.

اما المنع من الحيثية الاولي فقد ذكرت له عدّة تقريبات اشرنا الي بعضها في كتاب الاجارة عند البحث عن جواز الاجارة علي الواجبات.

و قد اتضح عدم المنع من الحيثية المذكورة.

و اما المنع من الحيثية الثانية فيمكن اثباته من خلال صحيحة عمار بن مروان: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: كل شيء غل من الامام فهو سحت. و السحت انواع كثيرة منها: ما اصيب من اعمال الولاة الظلمة، و منها اجور القضاة و اجور الفواجر و ثمن الخمر و النبيذ و المسكر...»(2).

و قد يقال: انها ناظرة الي القضاة المنصوبين من قبل الظلمة بقرينة التعبير بكلمة «منها» أي و من جملة ما اصيب من اعمال ولاة الظلمة اجور القضاة. و القرينة علي رجوع ضمير «منها» الي ما ذكر و ليس الي كلمة «أنواع كثيرة» عدم تكرار كلمة «منها» مع البقية.

ص: 17


1- وسائل الشيعة 5:18 الباب 1 من أبواب صفات القاضي الحديث 8.
2- وسائل الشيعة 64:12 الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 12.

و فيه: ان المناسب لو كان ذلك هو المراد التعبير بكلمة «منه» بدل «و منها».

علي ان اعمال مثل هذه التدقيقات و تحميلها علي الروايات امر زائد علي طاقة الراوي الذي ينقل بالمعني و لا يلتفت الي مثل هذه الدقائق.

و عليه فالتمسك بالصحيحة تام.

و قد يضاف الي ذلك انه قد علم من مذاق الشارع ارادته لصدور القضاء و الافتاء بنحو المجانية لأنهما من شئون تبليغ الرسالة و قد قال تعالي: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً... (1).

ثم ان المنع من اخذ الاجرة علي القضاء لا يمنع من جواز ارتزاق القاضي من بيت المال لأنه معدّ لمصالح المسلمين.

و مما يؤكد جواز الارتزاق تأكيد امير المؤمنين عليه السّلام في عهده الي مالك الاشتر عند تعرضه للقضاء و القاضي: «... و اكثر تعاهد قضائه و افسح له في البذل ما يزيح علته و تقل معه حاجته الي الناس..»(2).

8 - و اما حرمة الرشوة

فهي من الضروريات. و قد دلّ عليها قوله تعالي: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَي الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (3).

و في الروايات ان: «الرشا في الحكم هو الكفر باللّه»(4).

ص: 18


1- الشوري: 23.
2- وسائل الشيعة 163:18 الباب 8 من أبواب صفات القاضي الحديث 9.
3- البقرة: 188.
4- وسائل الشيعة 162:18 الباب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث 3.

2 - الشروط اللازمة في القاضي

اشارة

يلزم في القاضي: البلوغ، و العقل، و الذكورة، و طهارة المولد، و العدالة، و الايمان، و الاجتهاد بل الاعلمية في قول.

و المستند في ذلك:

1 - اما بالنسبة الي اعتبار البلوغ

فلان الوارد في صحيحة ابي خديجة المتقدمة عنوان الرجل: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام:... انظروا الي رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم فاني قد جعلته قاضيا...»(1) ، فان اللقب و ان كان لا مفهوم له الا انه لوروده مورد التحديد لمن نصب شرعا للقضاء يثبت له المفهوم، بل بقطع النظر عن ذلك يكفي التمسك بالاصل، فانه يقتضي عدم نفوذ حكم أي شخص علي غيره و خرج من ذلك الرجل، و مع الشك في خروج غيره منه يتمسك به.

اجل التمسك بالاصل ينفع لو لم يكن لمقبولة ابن حنظلة اطلاق و الا تعين البيان الاول.

2 - و اما اعتبار العقل

فللمقيّد المتصل اللبي.

3 - و اما اعتبار الذكورة

فلما تقدم في وجه اعتبار البلوغ.

و لا ينبغي ان يفهم من هذا تفضيل الإسلام للرجل علي المرأة، فان الجميع من حيث الكرامة بدرجة واحدة: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ

ص: 19


1- وسائل الشيعة 4:18 الباب 1 من أبواب صفات القاضي الحديث 5.

أَتْقاكُمْ (1) ، فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثي (2) ، بل ذلك تمييز في الوظائف علي اساس ما يملكه كل واحد من الصنفين من تركيبة فسلجية خاصة به.

و يبقي اضافة الي ذلك نظام الاسرة بحاجة الي حنان الام و نشاطها البيتي اكثر من حاجة وظائف الدولة لها بعد امكان تصدي الرجل لها بشكل اتم.

و لا يعني هذا عدم وجود شواذ في الرجال أو في النساء، فلربّ امرأة أفقه من رجل - كما ورد في الحديث(3) - و أسمي في نشاطها و عقلها و تدبيرها و لا يكون نظام الاسرة بحاجة اليها الا ان التشريع ينظر الي الاعم الاغلب من الافراد.

4 - و اما اعتبار طهارة المولد

فلم ينقل فيه خلاف.

و قد يستدل له اما بانصراف صحيحة ابي خديجة الي غير ولد الزنا او بان عدم قبول شهادته و امامته في الصلاة يفهم منه عدم قبول قضائه بالاولوية العرفية او علي الاقل يفهم منه ان ذوق الشارع علي عدم منح الوظائف بشكل عام لولد الزنا.

و لا ينبغي ان يفهم من هذا تحميل الإسلام الوزر علي الولد البريء، فان عدم منحه الوظائف اما وليد عدم تفاعل المجتمع مع ولد الزنا الذي هو اثر وضعي للجريمة التي ارتكبها الزاني و هو الذي يتحمل وزرها، او وليد بعض السلبيات الكامنة في ولد الزنا التي تسبب

ص: 20


1- الحجرات: 13.
2- آل عمران: 195.
3- الكافي 306:4.

الزاني اليها.

5 - و اما اعتبار العدالة

فهو اما لما ذكره السيد اليزدي قدّس سرّه و غيره من ان الفاسق ظالم لنفسه، و الترافع اليه نحو ركون اليه، و قد قال تعالي: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا (1) ، او لان القضاء منصب رفيع و خطير فكيف يمنح لغير العادل الذي لا يؤمن انحرافه، او لان غير العادل اذا لم تقبل شهادته فبالاولي لا يقبل قضاؤه.

6 - و اما اعتبار الايمان

فلصحيحة ابي خديجة و مقبولة ابن حنظلة المتقدمتين.

7 - و اما اعتبار الاجتهاد

فلأن المدرك لنصب القاضي من قبل الشارع اما توقف حفظ النظام علي ذلك او مثل مقبولة ابن حنظلة.

فعلي الاول يكون الوجه في اعتبار الاجتهاد هو ان مقتضي الاصل عدم ثبوت الولاية لأي شخص علي غيره، و القدر المتيقن الخارج من الاصل المذكور هو المجتهد.

و علي الثاني يكون الوجه في اعتبار الاجتهاد هو ان عنوان «روي حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا» الوارد في مقبولة ابن حنظلة لا يصدق الا علي المجتهد.

و اذا كان عنوان «رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا» الوارد في صحيحة ابي خديجة مطلقا و قابلا للانطباق علي غير المجتهد أيضا فلا بدّ من تقييده بالاجتهاد المستفاد اعتباره من المقبولة.

و من هذا يتضح التأمل فيما اختاره صاحب الجواهر من عدم

ص: 21


1- العروة الوثقي 5:3. و الآية 113 من سورة هود.

اعتبار الاجتهاد في القاضي لوجهين:

أ - التمسك باطلاق قوله تعالي: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (1) الدال علي طلب الحكم بالعدل و لو من خلال التقليد.

ب - ان المستفاد من الروايات جعل الولاية المطلقة للمجتهد، و لازم ولايته المطلقة ثبوت الحق له في نصب من يقضي بين الناس علي طبق فتاواه. ثم اخذ قدّس سرّه بذكر بعض ما يستفاد منه ثبوت الولاية المطلقة للمجتهد(2).

و وجه التأمل: انه بعد دلالة المقبولة علي اعتبار الاجتهاد لا يبقي مجال للتمسك باطلاق الآية الكريمة و تكون دائرة الولاية الثابتة للمجتهد ضيقة و غير شاملة لنصب غير المجتهد فان المجتهد يثبت له ما هو الثابت للإمام عليه السّلام، فاذا كان الثابت للإمام عليه السّلام نصب خصوص المجتهد فتكون حدود ولاية الفقيه خاصة بذلك أيضا.

اجل لا يبعد في حالة اتساع دائرة الحكومة الاسلامية و عدم كفاية عدد المجتهدين لإدارة القضاء ثبوت الحق للحاكم الشرعي في نصب غير المجتهد للقضاء حفظا للنظام من الاختلال.

و ليس ذلك من باب توكيل المجتهد غيره في القضاء عنه - فان صحة التوكيل تختص بالامور الاعتبارية و بعض الامور التكوينية كالقبض مثلا، و ليس القضاء منها - بل ذلك من باب ثبوت الحق للمجتهد في جعل منصب القضاء لغيره لأجل المحافظة علي النظام.0.

ص: 22


1- النساء: 58.
2- جواهر الكلام 15:40.
8 - و اما الاعلمية

فقد يستدل علي اعتبارها بأحد البيانات التالية:

أ - انه بناء علي استكشاف نصب القاضي من خلال فكرة حفظ النظام يقال ان الاصل عدم نفوذ قضاء اي شخص في حق غيره، و القدر المتيقن في الخارج عن الاصل المذكور من باب حفظ النظام هو قضاء المجتهد الاعلم. اجل لا يحتمل ارادة الاعلم بلحاظ جميع العالم لأنه شخص واحد و لا يمكن تصديه للقضاء بين جميع الناس و انما المحتمل هو الاعلم ممن في البلد او ما يقربه.

ب - التمسك بما ورد في عهد الامام عليه السّلام للأشتر: «اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك»(1).

ج - ان الروايات الدالة علي النصب و ان كانت مطلقة الا ان حكم العقل القطعي بترجيح الاعلم اشبه بالقرينة المتصلة. و لا يبعد اعتماد اطلاق النص علي الوضوح المذكور.

3 - كيفية القضاء

اشارة

اذا طرحت دعوي في مال علي الحاكم يلزمه للقضاء فيها تشخيص المدعي و تمييزه عن المدعي عليه ثم ملاحظة جواب الثاني، و هو لا يخلو من:

أ - اما ان يعترف بكون الحق مع المدعي فيلزمه الحاكم بذلك.

ص: 23


1- وسائل الشيعة 163:18 الباب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث 9.

ب - او ينكر فيطالب الحاكم المدعي بالبينة فان لم يقمها حلف المدعي عليه و تسقط بذلك الدعوي. و ان لم يحلف و ردّ اليمين علي المدعي و فرض حلفه تثبت بذلك الدعوي.

و ان نكل عن كلا الامرين - الحلف و الرد - ففي القضاء عليه بمجرد ذلك أو بشرط ردّ الحاكم اليمين علي المدعي و حلفه خلاف.

ج - أو يسكت - أي لا يعترف و لا ينكر - فالحكم كما في حالة الانكار، بيد انه اذا كان يدعي الجهل بالحال امكن للمدعي طلب احلافه علي نفي العلم ان لم يصدّقه في دعواه الجهل.

و في الحالتين الاخيرتين اذا حلف المدعي عليه فلا تسمع البينة بعد ذلك من المدعي حتي لدي حاكم آخر كما لا تحق له المقاصة أيضا.

و الحاكم لا يحق له طلب الحلف من المدعي عليه الا بعد طلب المدعي احلافه.

و المستند في ذلك:

1 - اما لزوم تشخيص الحاكم المدعي و تمييزه عن المدعي عليه

فلكي يطالب المدعي بالبينة مع فرض انكار المدعي عليه، فان اقامها ثبت ما ادعاه و الا ألزم المدعي عليه بالحلف و سقطت الدعوي لصحيحة جميل و هشام عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: البينة علي من ادعي و اليمين علي من ادعي عليه»(1) و غيرها.

2 - و اما ان الحاكم يلزم المدعي عليه مع اعترافه

فلحجية الاقرار.

3 - و اما ان الحاكم يطالب المدعي بالبينة عند انكار المدعي عليه

ص: 24


1- وسائل الشيعة 170:18 الباب 2 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

فلقاعدة البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه الثابتة بالصحيحة المتقدمة و غيرها.

4 - و اما ان المدعي عليه بالخيار بين الحلف فتسقط الدعوي

الموجهة اليه و بين ردّ اليمين علي المدعي و الزام المدعي عليه عند حلفه

فلصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «الرجل يدعي و لا بينة له، قال: يستحلفه، فان ردّ اليمين علي صاحب الحق فلم يحلف فلا حق له»(1) و غيرها.

5 - و اما الخلاف في القضاء بمجرد النكول عن الامرين أو بشرط

ردّ الحاكم اليمين علي المدعي و حلفه

فسببه عدم وجود رواية تدل بوضوح علي أحد الاحتمالين.

و قد استدل السيد اليزدي و جماعة آخرون علي عدم القضاء بمجرد نكول المدعي عليه عن الحلف و الرد بالبيانين التاليين:

أ - التمسك بالأصل المقتضي لعدم نفوذ قضاء أي شخص في حق غيره، و القدر المتيقن في الخارج عن الاصل المذكور حالة ردّ المدعي عليه اليمين علي المدعي او ردّ الحاكم عليه ذلك، و اما حالة عدم تحقق الرد من أحد الطرفين فهي للشك في خروجها عن الاصل يحكم ببقائها تحته.

ب - التمسك بما دلّ علي ان القضاء بين الناس انما هو بالبينات و الايمان - كما دلت علي ذلك صحيحة هشام بن الحكم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: انما اقضي بينكم بالبينات و الايمان.

ص: 25


1- وسائل الشيعة 176:18 الباب 7 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

و بعضكم الحن بحجته من بعض، فايما رجل قطعت له من مال اخيه شيئا فانما قطعت له به قطعة من النار»(1) - بتقريب ان المدعي اذا لم تكن له بينة و المدعي عليه لم يحلف فالقضاء آنذاك علي المدعي عليه قضاء من دون بينة و لا يمين فلا يكون نافذا(2).

و اذا اشكل بان هناك رواية تدل علي القضاء بمجرد النكول عن الامرين، و هي رواية عبيد بن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يدّعي عليه الحق و لا بينة للمدعي، قال: يستحلف أو يرد اليمين علي صاحب الحق فان لم يفعل فلا حق له»(3) ، حيث تدل بوضوح علي ان المدعي عليه مخير بين امرين: الحلف او رد اليمن علي المدعي فان لم يفعلهما فلا حق له و يقضي عليه من دون حاجة الي ردّ اليمين علي المدعي.

امكن الجواب بان سند الرواية لو تمّ - و لم يناقش فيه من ناحية القاسم بن سليمان الذي تبتني وثاقته علي قبول كبري وثاقة كل من ورد في أسانيد كامل الزيارات أو تفسير القمي - فهي معارضة بالعموم من وجه بصحيحة هشام عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ترد اليمين علي المدعي»(4) ، فان مقتضي اطلاق الرواية الاولي ان المدعي عليه اذا لم يفعل الامرين فلا حق له و يقضي عليه سواء ردّ الحاكم اليمين علي المدعي أم لا، في حين ان مقتضي اطلاق الرواية الثانية ان اليمين يلزم ردها علي المدعي سواء كان الراد هو المدعي عليه او الحاكم.3.

ص: 26


1- وسائل الشيعة 169:18 الباب 2 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- العروة الوثقي 67:3.
3- وسائل الشيعة 176:18 الباب 7 من أبواب كيفية الحكم الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 176:18 الباب 7 من أبواب كيفية الحكم الحديث 3.

و بعد التعارض و التساقط في مادة الاجتماع يبقي الوجهان السابقان بلا مانع يمنع من الرجوع اليهما و التمسك بهما.

6 - و اما ان حكم حالة السكوت نفس حكم حالة الانكار

فلإطلاق صحيحة جميل و هشام المتقدمة الدالة علي ان البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه. غايته انه في حالة الانكار يلزم حلف المدعي عليه علي نفي الحق واقعا، و اما في حالة السكوت و دعوي المدعي عليه الجهل بالحال فبامكان المدعي طلب احلافه علي الجهل و عدم العلم بالحال و ليس علي نفي الحق واقعا لفرض عدم انكاره.

7 - و اما ان حلف المدعي عليه يمنع من قبول البينة بعد ذلك

و المقاصة

فلصحيحة ابن ابي يعفور المتقدمة عند البحث عن عدم جواز نقض حكم القاضي.

و لا ينبغي ان يفهم من هذا صيرورة المال حلالا واقعا للحالف، كلا بل هو حرام واقعا لو كان كاذبا في حلفه. و دلالة صحيحة هشام بن الحكم المتقدمة علي ذلك واضحة.

8 - و اما ان الحاكم لا يجوز له احلاف المدعي عليه قبل طلب

المدعي

فلان عدم طلب المدعي لذلك يعني غلقه للدعوي و لو مؤقتا و ذلك حق ثابت له.

4 - شروط سماع الدعوي

اشارة

يلزم لسماع الدعوي من المدعي - لدي المشهور - تحقق:

أ - البلوغ و العقل.

ص: 27

ب - ان يكون جازما في دعواه لا ظانا أو محتملا. و يستثني من ذلك ما اذا دفع الانسان ماله الي شخص كوديعة و نحوها و ادعي تلفه فانه مع اتهامه يضمن الا ان يقيم البينة علي نفي اتهامه.

ج - ان تكون دعواه لنفسه او لمن له الولاية او الوكالة عنه.

د - ان يكون متعلق الدعوي امرا سائغا فلا تسمع الدعوي من المسلم علي غيره باشتغال ذمته بالخمر او ما شاكله.

ه - ان يكون المتعلق ذا اثر شرعي فلا تسمع دعوي الهبة او الوقف من دون اقباض.

و - ان يكون المدعي به معلوما في الجملة.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار البلوغ فعلّل بانه لو لم تكن للصبي بينة

فليس له طلب احلاف المدعي عليه كما لا يتمكن من الحلف لو ردّ المدعي عليه ذلك.

بل اذا كان للصبي ولي - يمكنه اقامة البينة و التصدي للحلف او طلبه - فلا دليل علي وجوب سماع دعوي الصبي، و ذلك يكفي في رفضها بعد عدم لزوم الاخلال بالنظام و اقرار الظلم حيث فرض وجود ولي بامكانه التصدي.

و في مقابل هذا قد يقال بلزوم قبول دعوي الصبي لو كانت له بينة لعدم احتمال الخصوصية لبلوغ المدعي بعد فرض وجود البينة و بلزوم رفضها مؤقتا الي ان يبلغ لو لم تكن له.

هذا بالنسبة الي شرطية البلوغ.

و اما بالنسبة الي شرطية العقل فوجه اعتبارها واضح.

ص: 28

2 - و اما اعتبار الجزم في الدعوي

فهو المشهور. و علل ذلك:

تارة بانتفاء عنوان المدعي مع عدم الجزم، و بانتفائه لا يمكن تطبيق قاعدة البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه.

و تارة اخري بان في سماع الدعوي من دون جزم ضررا علي المدعي عليه من حيث الزامه اما بالاقرار او الانكار. و قد نسب هذان الوجهان الي صاحب الرياض(1).

و ثالثة بان من لوازم الدعوي الصحيحة امكان ردّ اليمين علي المدعي، و هو هنا منتف لعدم تمكن المدعي من الحلف بعد عدم جزمه.

و رابعة بان المدعي اذا ادعي سرقة مثلا علي شخص فالاصل يقتضي عدم ذلك و براءة ذمة المدعي عليه، و هذا الاصل كما هو حجة للمدعي عليه هو حجة علي المدعي، و معه فلا يحق له الزام المدعي عليه بشيء. و هذا بخلافه عند فرض الجزم فان الاصل لا يكون حجّة علي المدعي لفرض جزمه، و شرط حجية الاصل الشك و عدم العلم(2).

3 - و اما وجه الاستثناء

فاستدل عليه بصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن قصّار دفعت اليه ثوبا فزعم انه سرق من بين متاعه، قال: فعليه ان يقيم البينة انه سرق من بين متاعه و ليس عليه شيء، فان سرق متاعه كله فليس عليه شيء»(3) و غيرها.

و هي و ان كانت ضعيفة بطريق الشيخ الكليني بالارسال الا انها بطريق الشيخ الصدوق و الطوسي صحيحة.

ص: 29


1- جواهر الكلام 156:40.
2- مباني التكملة 12:1.
3- وسائل الشيعة 272:13 الباب 29 من أحكام الاجارة الحديث 5.
4 - و اما اعتبار ان تكون دعوي المدعي لنفسه او لمن له

الولاية عليه او الوكالة عنه

فلانصراف قوله صلّي اللّه عليه و آله: «البينة علي من ادعي و اليمين علي من ادعي عليه»(1) عن المدعي الذي هو اجنبي عن الدعوي و لا ارتباط له بها.

و أضاف السيد اليزدي قدّس سرّه التمسك باصالة عدم وجوب السماع و عدم وجوب الجواب علي المدعي عليه(2).

5 - و اما اعتبار كون متعلق الدعوي امرا سائغا

فواضح بعد عدم اشتغال الذمة شرعا بغيره.

6 - و اما اعتبار كون المتعلق ذا اثر شرعي

فلعدم الفائدة في قبول الدعوي في غير ذلك.

7 - و اما اعتبار المعلومية في الجملة

فلأن المجهول بشكل كلي - كما لو قال المدعي: لي عليه شيء - لا يمكن الالزام به لتردده بين ما تسمع فيه الدعوي و ما لا تسمع.

اجل اذا فسره بما يمكن الالزام به قبل ذلك منه و تحصل آنذاك دعوي ثانية.

و اذا قال: لي عليه فرس مثلا طلب منه تحديده باعتبار ان للفرس أنواعا متعددة، فان لم يمكنه تحديده لعدم علمه التفصيلي بما يستحقه فلا يبعد المصير الي القرعة لتعيينه اذا فرض قيام البينة علي استحقاق الفرس في الجملة.

ص: 30


1- وسائل الشيعة 170:18 الباب 2 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- العروة الوثقي 36:3.

5 - وسائل الاثبات

اشارة

الوسائل التي يعتمد عليها الحاكم للإثبات و حل الخصومة هي: البينة، و اليمين، و الاقرار، و القرعة، و علم الحاكم نفسه.

و اما قاعدة العدل و الانصاف فهي علي تقدير تماميتها ليست وسيلة لحل الخصومة.

و المستند في ذلك:

1 - اما البينة فهي حجة لإثبات دعوي المدعي بخلاف اليمين

فانها حجة لإسقاط المدعي عليه الدعوي عن نفسه. و هكذا هي حجة للمدعي لإثبات دعواه لو ردت عليه من قبل المدعي عليه أو الحاكم.

و المستند لحجيتهما قول النبي صلّي اللّه عليه و آله: «انما اقضي بينكم بالبينات و الأيمان...»(1) و غيره علي ما تقدم.

ثم ان هناك كلاما في حجية البينة من المدعي عليه و انه هل تختص الحجة من ناحيته باليمين او تعم البينة أيضا؟

و لا يبعد ان يقال بحجيتها من ناحيته أيضا، فان ما ورد من ان:

«البينة علي من ادعي و اليمين علي من ادعي عليه»(2) لا يدل علي نفي الحجية عن بينة المدعي عليه بل غاية ما يدل عليه هو مطلوبية اليمين منه، و معه فتكون البينة من المدعي عليه حجّة أيضا تمسكا باطلاق دليل حجية البينة، غايته لا يكتفي منه بها بل لا بدّ من ضم اليمين اليها

ص: 31


1- وسائل الشيعة 169:18 الباب 2 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 170:18 الباب 3 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

تمسكا باطلاق «و اليمين علي من ادعي عليه».

و الثمرة تظهر فيما لو أقام كل من المدعي و المدعي عليه البينة، فانه تتعارض البينتان و تتساقطان و تبقي يمين المدعي عليه هي المحكم.

2 - و اما الاقرار فلا اشكال في حجيته

. و ليس ذلك للحديث المشهور عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «اقرار العقلاء علي انفسهم جائز»(1) فانه كما قال صاحب الوسائل في ذيل الحديث المذكور: «رواه جملة من علمائنا في كتبهم الاستدلالية من دون ان يعرف له مستند غير ذلك» بل ذلك للسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع.

و اذا قلت: كيف يجعل الاقرار وسيلة للإثبات في باب القضاء و الحال ان مدارك القضاء قد حصرت بالبينات و الايمان حيث قال صلّي اللّه عليه و آله:

«انما اقضي بينكم بالبينات و الايمان. و بعضكم ألحن بحجته من بعض فايّما رجل قطعت له من مال اخيه شيئا فانّما قطعت له به قطعة من النار»(2) ؟

قلت: ان الحديث ناظر الي حالة الخصومة، و مع فرض الاقرار لا خصومة.

هذا مضافا الي ان دلالته علي الحصر قابلة للتأمل، فانه في صدد بيان اني استند في باب القضاء الي البينة و اليمين، و لربما لا يكونان مصيبين و يأخذ أحد الطرفين ما ليس حقا له و هو فرح بذلك و لا يلتفت الي اني قد قلت: «قطعت له به قطعة من النار»، انه في صدد بيان هذا،

ص: 32


1- وسائل الشيعة 133:16 الباب 3 من ابواب الاقرار الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 169:18 الباب 2 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

و ليس في صدد بيان ان المستندات في باب القضاء منحصرة بالبينة و اليمين.

3 - و اما القرعة

فتدل علي حجيتها سيرة العقلاء و السنة الشريفة.

اما السيرة فانعقادها علي العمل بالقرعة واضح. و حيث لا ردع عنها شرعا فيستكشف امضاؤها.

و اما السنة فالدال منها في الموارد الخاصة المتفرقة كثير الا ان ما يدل علي حجيتها بشكل عام روايتان:

أ - رواية محمد بن حكيم بل صحيحته: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن شيء فقال لي: كل مجهول ففيه القرعة. قلت: ان القرعة تخطئ و تصيب. قال: كل ما حكم اللّه به فليس بمخطئ»(1) ، فانه و ان لم يحدد فيها المقصود من كلمة «شيء»، و من المحتمل اختصاصه بمورد معين الا ان ذلك لا يمنع من استفادة العموم منها فان العبرة بعموم الجواب، و لا يضر بذلك اختصاص السؤال بمورد معين.

ب - صحيحة ابراهيم بن عمر عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل قال: اول مملوك أملكه فهو حر فورث ثلاثة. قال: يقرع بينهم فمن اصابه القرعة اعتق. قال: و القرعة سنة»(2) ، فان موردها و ان كان خاصا الا انه بواسطة الذيل يمكن استفادة التعميم.

هذا و قد يستدل من الكتاب الكريم أيضا بالآيتين الكريمتين التاليتين:

أ - وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ

ص: 33


1- وسائل الشيعة 189:18 الباب 13 من أبواب كيفية الحكم الحديث 11.
2- وسائل الشيعة 187:18 الباب 13 من أبواب كيفية الحكم الحديث 2.

فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (1) ، فان المساهمة عبارة اخري عن الاقتراع، و حيث قد شارك فيه النبي يونس عليه السّلام فيدل ذلك علي حجية الاقتراع.

ب - وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (2) ، فان إلقاء الاقلام في الماء لتعيين الكفيل لمريم عبارة اخري عن الاقتراع، و حيث قد شارك فيه النبي زكريا عليه السّلام فيدل ذلك علي حجيته.

بيد ان دلالة الآيتين الكريمتين لو تمت فهي خاصة بموردهما و لا تنفعان في غيره.

ثم انه قد يشكل علي حجية القرعة في باب القضاء بما تقدم عند البحث عن حجية الاقرار و ان قول النبي صلّي اللّه عليه و آله: «انما اقضي بينكم بالبينات و الايمان» قد حصر مدارك القضاء بالبينة و اليمين، و ذلك يدل علي عدم حجية القرعة.

و الجواب عن ذلك ما تقدم و ان الدلالة علي الحصر قابلة للتأمل.

4 - و اما حكم القاضي استنادا الي علمه

فقد ذكر صاحب الجواهر: ان المشهور بل المتفق عليه جواز حكم القاضي بعلمه في حقوق الناس و حقوق اللّه سبحانه و لم ينسب الخلاف الا الي ابن الجنيد حيث منع مطلقا.

و أنكر عليه بان الامامية مطبقة علي جواز ذلك، و لذا ينكرون علي ابي بكر مطالبته الصديقة الطاهرة سلام اللّه عليها بالبينة علي ان أباها

ص: 34


1- الصافات: 139-141.
2- آل عمران: 44.

قد أنحلها فدكا و قالوا: انه ما دام يعلم بعصمتها و انها لا تدعي الا حقا فلا وجه لمطالبتها بالبينة لان البينة لا وجه لها مع العلم بالصدق(1).

و قد استدل علي اعتبار علم القاضي بوجوه نذكر منها:

أ - ان البينة جعلت حجة لكاشفيتها، و من المعلوم ان العلم اقوي منها كاشفية فيلزم ان يكون حجة بالاولوية.

ب - التمسك بما دلّ علي وجوب الحكم بالعدل و الحق، كقوله تعالي: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ (2) ، وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (3) ، بتقريب ان الحاكم لو علم ان هذا زان مثلا فاذا حكم بزناه و ثبوت الحدّ عليه كان ذلك حكما بالحق و العدل فيكون جائزا بل واجبا.

ج - انه في باب السرقة و الزنا علق الحكم بالحدّ علي عنوان فرض العلم بتحققه حيث قال تعالي: اَلسّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (4) ، اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ... (5) ، فان الخطاب موجّه للحكام و المراد: ايها الحكام متي ما فرض انكم علمتم بتحقق عنوان الزنا و السرقة فعليكم اجراء الحد، اذ السارق و الزاني هو من تلبس بالوصف دون من قامت عليه البينة او اقر بذلك.

و اذا ثبتت حجية علم الحاكم في حدود اللّه سبحانه ثبت ذلك في2.

ص: 35


1- جواهر الكلام 88:40.
2- ص: 26.
3- النساء: 58.
4- المائدة: 38.
5- النور: 2.

حقوق الناس بالاولوية.

د - التمسك بصحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في كتاب علي عليه السّلام: ان نبيا من الانبياء شكا الي ربه فقال: يا رب كيف اقضي فيما لم أر و لم اشهد؟ قال: فأوحي اللّه اليه: احكم بينهم بكتابي و اضفهم الي اسمي فحلفهم به، و قال: هذا لمن لم تقم له بينة»(1) ، فانه يدل علي جواز قضاء الحاكم فيما اذا رأي الواقعة و شهدها. و الظاهر من نقل القصة في الحديث امضاء ما نقل فيها من حكم.

هذه وجوه اربعة. و اذا امكنت المناقشة في بعضها ففي الباقي كفاية.

و لا موجب للتوقف في المسألة الا حصر مستندات القضاء في قوله صلّي اللّه عليه و آله: «انما اقضي بينكم بالبينات و الايمان»(2) في خصوص البينة و اليمين او ان قضاء الحاكم بعلمه يورث له التهمة التي يلزم ان ينزّه نفسه عنها.

و الاول مدفوع بان الحديث لو كان دالا علي الحصر فهو ناظر الي الحالة الغالبة الفاقدة للعلم.

و الثاني يدفع بان افتراض عدالة الحاكم و اخباره برؤية الواقعة يدفع عنه التهمة. علي انه قد يشكك في مانعية التهمة ما دامت في سبيل اقامة حدّ من حدود اللّه سبحانه.

5 - و اما قاعدة العدل و الانصاف

فقد وقع الخلاف في حجيتها.

و يمكن الاستدلال علي ذلك بقوله تعالي: وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ

ص: 36


1- وسائل الشيعة 167:18 الباب 1 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 169:18 الباب 2 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (1) .

و اذا سلّم بتمامية القاعدة المذكورة و الحكم بلزوم تنصيف المال المتنازع فيه عند تساوي المتنازعين فيه من حيث وجدان البينة او اليد او فقدانهما فهي - كما هو واضح - ليست وسيلة لإثبات كون الحق في هذا الجانب او ذاك بل هي بمنزلة الأصل العملي الذي يرجع اليه الفقيه عند فقدان الوسيلة المثبتة للحكم.

6 - قسمة المال المشترك

اشارة

قسمة الشركاء ما اشترك بينهم صحيحة. و يجبر الممتنع عليها فيما اذا لم يلزم منها ضرر - اما اذا لزم منها ذلك علي الكل او البعض فتصح مع التراضي و لا يجوز الاجبار - سواء كانت قسمة افراز أم قسمة تعديل أم قسمه رد. غايته في الاخيرة ان تمّ الاتفاق علي تعيين الراد فلا مشكلة و الا عيّن بالقرعة.

و اذا كان المال المشترك غير قابل للقسمة حتي مع الرد فمع التراضي علي تقبّل البعض له و دفع حصة الآخر من القيمة فلا مشكلة و الا أجبرا علي بيعه و تقسيم الثمن بينهما.

و القسمة عقد مستقل لازم لا يحق فسخها الا مع التراضي.

و المدعي لوقوع الغلط فيها بعد تحققها لا يقبل ذلك منه الا بالبينة. و ليس له احلاف صاحبه الا اذا ادعي علمه بذلك فله احلافه علي عدم العلم.

ص: 37


1- النساء: 58.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان القسمة - التي هي تعيين حصة أحد الشريكين او

الشركاء و فرزها عن حصة الآخر - صحيحة

فهي من الامور الواضحة.

و يدل علي ذلك قوله تعالي: وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبي وَ الْيَتامي وَ الْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ (1) ، و السيرة العقلائية المنعقدة علي ذلك الممضاة بعدم الردع.

بل مع فرض التراضي يمكن التمسك بقاعدة سلطنة الناس علي اموالهم.

2 - و اما جواز الاجبار

فلا يمكن التمسك لإثباته بقاعدة السلطنة لكونها معارضة بالمثل في حق الطرف الثاني، بل ذلك للسيرة المتقدمة المنعقدة علي جواز الاجبار أيضا.

و اما التخصيص بحالة عدم لزوم الضرر فلان ذلك هو القدر المتيقن من السيرة.

3 - و اما انها تصح حالة الضرر مع التراضي

فللسيرة و قاعدة السلطنة.

4 - و اما عدم الفرق بين افراد القسمة في الصحة و جواز الاجبار

فلعموم السيرة المتقدمة، فانها لا تفرّق بين ان تكون القسمة قسمة افراز - و هي قسمة العين المشتركة ذات الاجزاء المتساوية من جهة القيمة - أو قسمة تعديل - و هي قسمة العين المشتركة ذات الاجزاء غير المتساوية من حيث القيمة التي لا بدّ فيها من تعديل السهام - او قسمة

ص: 38


1- النساء: 8.

رد، و هي القسمة التي لا تمكن الا برد احد الشركاء الي الآخر شيئا من الخارج.

5 - و اما اللجوء الي القرعة لتعيين الراد اذا لم يتم الاتفاق عليه

فلأنها لكل امر مجهول.

6 - و اما ان غير القابل للقسمة حتي مع الرد - كما في العبد

المشترك مثلا - يباع و يقسم ثمنه

فلقضاء السيرة بذلك.

7 - و اما انها عقد مستقل فلأنها في روحها معاملة يراد بها تعيين

الحصص

، و هي بهذا المعني لا ترجع الي البيع و لا إلي غيره من المعاملات.

8 - و اما انها عقد لازم

فلان ذلك هو مقتضي الاصل في كل معاملة استنادا الي قوله تعالي: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) - الدال علي لزوم الوفاء بكل عقد، و لازم ذلك عدم صحة الفسخ من دون تراض - و غيره من الوجوه التي تقدّمت الاشارة إليها في أوائل كتاب البيع.

9 - و اما ان المدعي لوقوع الغلط في القسمة تلزمه اقامة البينة

فلان الاصل في كل عقد يشك في فساده هو الصحة طبقا لأصالة الصحة، و المدعي للفساد لا يصدّق الا اذا اثبت مدعاه بالبينة لقاعدة «البينة علي من ادعي و اليمين علي من ادعي عليه».

10 - و اما ان مدعي الغلط له احلاف صاحبه اذا ادعي علمه به

فلانه مدعي عليه آنذاك و وظيفته اليمين، بخلاف ذلك فيما لو لم يدع عليه العلم بالغلط فانه ليس له احلافه آنذاك لعدم كونه مدعي عليه.

ص: 39


1- المائدة: 1.

7 - احكام عامة في باب القضاء

اشارة

المدعي هو من خالف قوله الحجة. و قيل غير ذلك.

و هو مطالب بالبينة بلا حاجة الي ضم يمينه الا في الدعوي علي الميت بدين.

و المدعي عليه يطالب باليمين دون البينة الا في موردين، أحدهما: قد تقدم عند البحث عن شروط سماع الدعوي. و ثانيهما: باب القتل، فان المدعي يمكنه اثبات دعوي القتل بالبينة، و مع عدمها لا تسقط دعواه بيمين المدعي عليه بل لا بدّ من اقامته البينة علي نفي القتل عنه.

و الحلف لا يصح الا باللّه سبحانه و بأسمائه الخاصة و لو مع الترجمة.

و لا يتوجه اليمين علي المنكر في باب الحدود بل الاثبات ينحصر بالبينة او الاقرار.

و الدعوي علي الغائب مسموعة اذا أقام المدعي البينة علي ما يدعيه و يأخذ الحاكم بحقه من اموال المدعي عليه بعد طلب كفيل منه علي المال، و يبقي الغائب علي حجته اذا رجع. و لو اثبت عدم استحقاق شيء عليه يسترجع الحاكم ما دفعه الي المدعي.

و اذا كان لشخص مال في يد غيره جاز له اخذه منه من دون استئذانه ان لم يستلزم ذلك تصرفا في ملكه.

هذا اذا كان المال عينا.

و اما اذا كان دينا في ذمته فمع اعترافه و بذله لا يجوز اخذه منه من دون استئذانه. و هكذا لو كان غير باذل له و كان امتناعه بحق.

ص: 40

اجل اذا كان امتناعه بظلم جازت المقاصة بلا حاجة الي استئذان من الحاكم الشرعي.

و من ادعي مالا لا يد لأحد عليه حكم له به بلا مطالبة بالبينة.

و من ادعي مالا في يد غيره و فرض انكاره:

فتارة يفرض عدم البينة لأحدهما فيحلف ذو اليد و يحكم له به. و مع عدم حلفه و رده اليمين علي المدعي و فرض حلفه يحكم له به. و مع عدم حلفه هو أيضا يحكم به لذي اليد.

و اخري يفترض وجود البينة للمدعي فيحكم له به.

و ثالثة يفترض وجودها لذي اليد فيحكم له به أيضا مع يمينه.

و رابعة يفترض وجود البينة لكليهما فيحكم به لذي اليد مع حلفه.

و المستند في ذلك:

1 - اما الضابط في تحديد المدعي

فقد وقع فيه الاختلاف بين الاعلام بعد اتفاقهم علي كونه المطالب بالبينة. و منشأ الاختلاف عدم ورود تحديد شرعي له ليكون عليه المعول. و من هنا قيل:

أ - ان المدعي هو من اذا ترك ترك.

و فيه: ان هذا يتم فيما لو ادعي شخص علي آخر دينا او عينا او غيرهما، و لا يتم فيما اذا اعترف الآخر بالدين و ادعي ايفاءه او اعترف بأخذ العين عارية او وديعة و ادعي ارجاعها فانه مدع جزما مع انه اذا ترك لا يترك.

ب - ان المدعي هو كل من يدعي شيئا و يري العقلاء كونه ملزما

ص: 41

بالاثبات(1).

و فيه: ان تحديد المدعي بمن يدعي شيئا هو تفسير للشيء بنفسه و اشبه بتفسير الماء بالماء.

و اما تحديده بمن يكون ملزما لدي العقلاء بالاثبات فهو تحديد للمدعي من خلال حكمه - فان العقلاء يرون أيضا ان علي المدعي الاثبات، و ليس ذلك حكما خاصا بالشرع - و هو غير ممكن لان اثبات الحكم لموضوع فرع كون ذلك الموضوع محددا في نفسه و بقطع النظر عن حكمه.

ج - ما يظهر من الجواهر و صرّح باختياره الآشتياني و غيره من ان المرجع في تحديد المدعي هو العرف، فكل من صدق عليه عرفا عنوان المدعي ثبت كونه كذلك و كان ملزما بالبينة(2).

و هذا التحديد و ان كان من جهة جيدا لان الشرع ما دام لم يتصدّ لتحديد مفهوم المدعي فالمرجع يكون هو العرف، كما هو الحال في كل مفهوم لم يرد فيه تحديد شرعي، ان هذا امر مسلّم به الا ان الكلام هو في تحديد نظر العرف و انه من هو المدعي في نظر العرف ليكون ملزما بالبينة.

و لعل المناسب ان يقال: ان المدعي في نظر العرف هو من خالف قوله الحجة، فاليد حجة كاشفة عن الملكية، و استصحاب الحالة السابقة حجة علي بقائها، و من خالف في دعواه احدي هاتين الحجتين و ما شاكلهما فهو المدعي و يكون ملزما بالاثبات لأنه يدعي شيئا يخالف6.

ص: 42


1- مباني التكملة 42:1.
2- جواهر الكلام 371:40، و كتاب القضاء للآشتياني: 336.

ما عليه الحجة بخلاف المدعي عليه فان قوله موافق للحجة.

و لعل هذا هو مقصود من فسّر المدعي بمن خالف قوله الأصل او الظاهر بعد اخذ الأصل او الظاهر كمثال لمطلق الحجة.

2 - و اما ان المدعي لا يطالب باليمين اضافة الي البينة

فلدلالة قوله صلّي اللّه عليه و آله: «البينة علي من ادعي و اليمين علي من ادعي عليه»(1) علي ذلك بعد الالتفات الي ان التفصيل قاطع للشركة.

3 - و اما وجه استثناء الدعوي علي الميت

فيأتي في كتاب الشهادات ان شاء اللّه تعالي.

4 - و اما ان المدعي عليه يطالب بالبينة في باب القتل لدفع دعوي

القتل عن نفسه

فلصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان اللّه حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم، حكم في أموالكم ان البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه، و حكم في دمائكم ان البينة علي من ادعي عليه و اليمين علي من ادعي لئلا يبطل دم امرئ مسلم»(2) و غيرها.

و هي و ان كانت مطلقة من حيث اعتبار اللوث(3) و عدمه الا انه لا بدّ من تخصيصها بذلك، فان ذلك مضافا الي كونه متسالما عليه بين الاصحاب يمكن استفادته من بعض الروايات التي تأتي الاشارة اليها في كتاب القصاص إن شاء اللّه تعالي. و يأتي أيضا ان المدعي عليه اذا لم تكن له بينة فبامكان المدعي اثبات دعواه بقسامة خمسين رجلا.

ص: 43


1- وسائل الشيعة 170:18 الباب 3 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 171:18 الباب 3 من أبواب كيفية الحكم الحديث 3.
3- اللوث: كل امارة تورث الظن بصدق المدعي في دعواه نسبة القتل الي شخص، كوجود شخص بيده سلاح متلطخ بالدم عند قتيل. مجمع البحرين: مادة «لوث».
5 - و اما ان الحلف لا يصح الا باللّه سبحانه

فلصحيحة سليمان بن خالد المتقدمة: «في كتاب علي عليه السّلام ان نبيا من الأنبياء شكا الي ربه فقال: يا رب كيف اقضي فيما لم أر و لم اشهد؟ قال:

فأوحي اللّه اليه: احكم بينهم بكتابي و اضفهم الي اسمي فحلّفهم به. و قال: هذا لمن لم تقم له بينة»(1).

و هي تدل علي صحة الحلف بجميع اسمائه عز و جل لإطلاق كلمة «اسمي» في جملة «و اضفهم الي اسمي». كما يدل ذلك أيضا علي اجزاء الترجمة.

ثم انه قد يستدل علي عدم صحة الحلف الا باللّه سبحانه و اسمائه بالروايات المطلقة الناهية عن القسم بغيره سبحانه حتي في غير باب القضاء، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: قول اللّه عز و جل: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشي (2) ، وَ النَّجْمِ إِذا هَوي (3) و ما أشبه ذلك، فقال: ان للّه عز و جل ان يقسم من خلقه بما شاء و ليس لخلقه ان يقسموا الا به»(4) فانها تدل باطلاقها علي حرمة القسم بغير اللّه سبحانه حتي في باب القضاء، و لازم ذلك عدم كفاية القسم بغيره سبحانه.

الا انه لا بد من حمل مثل الرواية المذكورة علي الكراهة بقرينة ما دلّ علي جواز القسم بغير اللّه سبحانه، من قبيل صحيحة علي بن مهزيار: «قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه السّلام الي داود بن القاسم: اني قد

ص: 44


1- وسائل الشيعة 167:18 الباب 1 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- الليل: 1.
3- النجم: 1.
4- وسائل الشيعة 191:16 الباب 30 من أبواب الايمان الحديث 3.

جئت و حياتك»(1) و غيرها.

6 - و اما عدم توجه اليمين الي المنكر في باب الحدود

فلموثقة اسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عن ابيه عليه السّلام: «ان رجلا استعدي عليا عليه السّلام علي رجل فقال انه افتري عليّ، فقال علي عليه السّلام للرجل: أفعلت ما فعلت؟ فقال: لا. ثم قال علي عليه السّلام للمستعدي: أ لك بينة؟ فقال: ما لي بينة فاحلفه لي قال علي: ما عليه يمين»(2).

و اذا لم يكن للموثقة المذكورة اطلاق لغير موردها فيمكن التمسك بموثقة غياث بن ابراهيم عن جعفر عن ابيه عن امير المؤمنين عليهم السّلام: «لا يستحلف صاحب الحد»(3).

و عليه فلو ادعي شخص ان فلانا قذفني مثلا فلا بد من اقامته البينة و الا تسقط دعواه بلا حاجة الي يمين المدعي عليه.

7 - و اما ان الدعوي علي الغائب مسموعة

فلصحيحة جميل عن جماعة من اصحابنا عنهما عليهما السّلام: «الغائب يقضي عليه اذا قامت عليه البينة و يباع ماله و يقضي عنه دينه و هو غائب، و يكون الغائب علي حجته اذا قدم. قال: و لا يدفع المال الي الذي اقام البينة الا بكفلاء»(4).

و هي اذا كانت ضعيفة في بعض طرقها فيمكن التعويض ببقية طرقها التي أشار اليها صاحب الوسائل.

و لا يشكل عليها بالارسال حيث عبّر «عن جماعة من أصحابنا»

ص: 45


1- وسائل الشيعة 195:16 الباب 30 من أبواب الايمان الحديث 14.
2- وسائل الشيعة 336:18 الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 336:18 الباب 24 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 216:18 الباب 26 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

بدون تشخيصهم.

فانه يجاب بان الجماعة - التي أقلها ثلاثة - لا يحتمل اجتماعها علي الكذب و عدم وجود ثقة من بينهم خصوصا و هم مشايخ لجميل بن دراج الذي هو من أعاظم الرواة.

علي انه في بعض الطرق الاخري قد صرح هكذا: عن جميل عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام فراجع(1).

و اذا قيل: ان الرواية المذكورة معارضة برواية الحميري في قرب الاسناد عن السندي بن محمد عن ابي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام: «لا يقضي علي غائب»(2).

قلنا: هي مطلقة فيمكن حملها بقرينة الرواية السابقة علي ان المقصود: لا يقضي عليه بنحو كامل بل يبقي علي حجته او انه لا يقضي عليه من دون كفلاء.

هذا مضافا الي ضعف سندها بأبي البختري وهب بن وهب الذي قيل عنه: انه اكذب اهل البرية(3).

8 - و اما جواز اخذ الشخص ماله اذا كان في يد غيره بدون

استئذانه ما دام لا يستلزم ذلك تصرفا في ملكه

فلقاعدة الناس مسلطون علي اموالهم الثابتة بسيرة العقلاء.

و التقييد بعدم استلزام ذلك التصرف في ملك الغير باعتبار ان ذلك هو القدر المتيقن من معقد السيرة.

ص: 46


1- ذيل الحديث في وسائل الشيعة.
2- وسائل الشيعة 217:18 الباب 26 من أبواب كيفية الحكم الحديث 4.
3- اختيار معرفة الرجال الرقم 558.
9 - و اما ان المال اذا كان دينا فلا يجوز اخذه بدون استئذان

مع فرض الاعتراف و البذل

فلان الكلي في الذمة لا يتشخص في الفرد الخارجي الا بتشخيص صاحب الذمة المشغولة.

و نفس النكتة المذكورة تأتي لو كان الامتناع عن البذل بحق.

10 - و اما جواز المقاصة مع الامتناع بغير حق

فلصحيحة داود بن زربي: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: اني اخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها و الدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ثم يقع لهم عندي المال فلي ان آخذه؟ قال: خذ مثل ذلك و لا تزد عليه»(1) و غيرها.

و مقتضي اطلاقها عدم الحاجة الي الاستئذان من الحاكم الشرعي، بل بعد ثبوت الاذن من الشرع لا تعود حاجة الي الاستئذان المذكور.

و اذا قيل: من المحتمل ان ما صدر من الامام عليه السّلام كان اذنا خاصا، و معه لا يمكن التمسك بالاطلاق او بصدور الاذن من الشرع.

قلنا: ان الراوي سوف ينقل الاذن الي غيره و يفهم الجميع من ذلك الاذن العام فلو كان مقصوده عليه السّلام الاذن الخاص احتاج ذلك الي تقييد بعد ما كان - الاذن الخاص - مجرد احتمال يبرز في خصوص الاوساط العلمية و ليس في نطاق اوسع.

11 - و اما ان من ادعي مالا لا يد لأحد عليه حكم له به بلا مطالبة

بالبينة

فلقاعدة قبول دعوي المدعي بلا منازع الثابتة بسيرة العقلاء الممضاة بعدم الردع.

ص: 47


1- وسائل الشيعة 202:12 الباب 83 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1.

و تدل علي ذلك أيضا صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت: عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه الف درهم فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس فقالوا كلهم: لا، و قال واحد منهم: هو لي فلمن هو؟ قال: للذي ادعاه»(1).

12 - و اما ان المدعي لما في يد غيره يحكم بكونه لذي اليد مع

يمينه اذا لم تكن بينة لأحدهما

فلان صاحب اليد مدعي عليه فيقبل قوله بيمينه ما دام لا بينة.

أجل مع عدم حلفه و ردّه اليمين علي المدعي يحكم له به علي تقدير حلفه، و مع عدم حلفه يحكم به لذي اليد لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «الرجل يدعي و لا بينة له، قال: يستحلفه فان ردّ اليمين علي صاحب الحق فلم يحلف فلا حق له»(2) و غيرها.

بل يمكن التمسك بقاعدة اليد التي هي امارة علي الملك لإثبات كونه لذي اليد اذا ردّ اليمين علي المدعي و لم يحلف.

13 - و اما الحكم بالمال للمدعي مع وجود البينة له

فواضح.

14 - و اما الحكم به لذي اليد مع يمينه اذا كانت له بينة

فلما تقدمت الاشارة اليه - عند البحث عن وسائل الاثبات - من ان مقتضي اطلاق قوله صلّي اللّه عليه و آله: «و اليمين علي من ادعي عليه» ان اليمين ثابتة علي المدعي عليه حتي مع اقامته البينة.

و اذا قيل: ان صحيحة حماد بن عثمان: «بينما موسي بن عيسي في داره التي في المسعي يشرف علي المسعي اذ رأي ابا الحسن

ص: 48


1- وسائل الشيعة 200:18 الباب 17 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 176:18 الباب 7 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

موسي عليه السّلام مقبلا من المروة علي بغلة فامر ابن هياج - رجلا من همدان منقطعا اليه - ان يتعلق بلجامه و يدعي البغلة فاتاه فتعلق باللجام و ادعي البغلة فثني ابو الحسن عليه السّلام رجله و نزل عنها و قال لغلمانه: خذوا سرجها و ادفعوا اليه فقال: و السرج أيضا لي فقال: كذبت، عندنا البينة بانه سرج محمد بن علي، و اما البغلة فانّا اشتريناها منذ قريب و انت اعلم و ما قلت»(1) تدل علي ان صاحب اليد اذا كانت له بينة فلا يحتاج الي اليمين.

قلنا: انه عليه السّلام لم يقل: اني لا احتاج الي يمين بل قال انت كاذب لان عندي بينة علي كذبك، فالبينة قد اكتفي بها عليه السّلام في الحكم بكذب المدعي و ليس للاكتفاء بها في مقام اسقاط الدعوي.

15 - و اما تقديم قول ذي اليد مع حلفه علي تقدير وجود البينة له

و للمدعي

فلموثقة اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان رجلين اختصما الي امير المؤمنين عليه السّلام في دابة في ايديهما و اقام كل واحد منهما البينة انها نتجت عنده فاحلفهما علي عليه السّلام فحلف احدهما و أبي الآخر ان يحلف فقضي بها للحالف. فقيل له: فلو لم تكن في يد واحد منهما و اقاما البينة، فقال: احلفهما فايهما حلف و نكل الآخر جعلتها للحالف، فان حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين. قيل: فان كانت في يد احدهما و اقاما جميعا البينة؟ قال: اقضي بها للحالف الذي هي في يده»(2) حيث يدل ذيلها علي ما ذكرنا.

بل ان القاعدة تقتضي ذلك أيضا، فانه بعد تعارض البينتين

ص: 49


1- وسائل الشيعة 214:18 الباب 24 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 182:18 الباب 12 من أبواب كيفية الحكم الحديث 2.

و تساقطهما يعود صاحب اليد بلا مزاحم فيقدم قوله مع يمينه.

و اذا قيل: ان الحجة من المدعي عليه هي اليمين دون البينة، و معه فلا تقع بينته معارضة لبينة المدعي لتسقط الاخيرة عن الاعتبار.

قلنا: ان قوله صلّي اللّه عليه و آله: «البينة علي من ادعي و اليمين علي من ادعي عليه»(1) لا يدل علي عدم اعتبار البينة من المدعي عليه، بل يدل بمقتضي اطلاقه علي ان المطلوب منه اليمين و ان البينة و حدها لا يكتفي بها منه ما لم تنضم اليها اليمين. و عليه تعود البينة من المدعي عليه حجة بمقتضي اطلاق دليل حجية البينة و تقع طرفا للمعارضة لبينة المدعي.1.

ص: 50


1- وسائل الشيعة 170:18 الباب 3 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

كتاب الشّهادات

اشارة

1 - شرائط الشاهد

2 - اختلاف الحقوق في الاثبات

3 - احكام عامة في باب الشهادات

ص: 51

ص: 52

1 - شرائط الشاهد

اشارة

يلزم لقبول شهادة الشاهد في مطلق موارد الشهادة ما يلي:

1 - البلوغ فلا تقبل شهادة غير البالغ الا في القتل فانه يؤخذ باول كلامه.

و في التعدي الي الجرح خلاف. هذا في الصبي. و اما الصبية فينبغي الجزم بعدم قبول شهادتها.

2 - العقل.

3 - العدالة.

4 - الإسلام بل الايمان فلا تقبل شهادة غير المسلم علي المسلم - الا الذمي في الوصية بالمال اذا لم يوجد شاهدان عادلان من المسلمين - و لا شهادة غير المؤمن.

5 - طهارة المولد الا في الشيء اليسير.

6 - ان لا تجر الشهادة نفعا و لا تدفع ضررا، كشهادة الشريك لشريكه بانه اشتري من ثالث عينا لهما او شهادة بعض افراد العاقلة بجرح شهود الجناية.

ص: 53

7 - ان لا يكون الشاهد ذا عداوة دنيوية مع المشهود عليه و لو لم توجب فسقا.

8 - ان لا يكون سائلا بكفه.

و المستند في ذلك:

1 - اما الصبي غير المميز

فلا يمكن تحقق الشهادة منه. و اما المميز فقد يمكن تحصيل بعض المطلقات الشاملة لشهادته، كقوله تعالي: فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ (1) ، وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ (2).

الا انه علي تقدير تمامية الاطلاق المذكور - و عدم المناقشة بكون الخطابات المذكورة في مقام بيان الحث علي الشهادة و طلبها لا أكثر - لا بدّ من تقييده بصحيحة محمد بن حمران: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن شهادة الصبي فقال: لا، الا في القتل يؤخذ بأول كلامه و لا يؤخذ بالثاني»(3) و غيرها.

و قد تعارض الصحيحة المذكورة و غيرها اما بموثقة طلحة بن زيد عن الامام الصادق عن ابيه عن آبائه عن علي عليهم السّلام: «شهادة الصبيان جائزة بينهم ما لم يتفرقوا او يرجعوا الي اهلهم»(4) ، أو بموثقة عبيد بن زرارة: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن شهادة الصبي و المملوك، فقال: علي قدرها يوم اشهد تجوز في الامر الدون و لا تجوز

ص: 54


1- النساء: 6.
2- النساء: 15.
3- وسائل الشيعة 252:18 الباب 22 من أبواب الشهادات الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 253:18 الباب 22 من أبواب الشهادات الحديث 6.

في الامر الكبير»(1).

الا انه يمكن الجواب عن الاولي بانها و ان كانت تامة سندا - لان طلحة و ان لم يوثق الا ان تعبير الشيخ عن كتابه بانه معتمد(2) يسهّل الامر في رواياته - الا انها خاصة بشهادة الاطفال بعضهم علي بعض و ليس علي البالغين. علي ان بالامكان تقييدها بمورد القتل.

و عن الثانية بهجرانها لدي الاصحاب و عدم قائل بمضمونها، و ذلك يوجب سقوطها عن الحجية.

ثم انه مما يؤكد عدم حجية شهادة غير البالغ قوله تعالي:

وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ (3) ، فان اعتبار بلوغ الشاهد في باب الدين يدل علي اعتباره في غيره اما بالاولوية او بتنقيح المناط و الغاء الخصوصية.

2 - و اما انه يؤخذ بأول كلام الصبي

فللصحيحة المتقدمة.

و اعتبر البعض في القبول عدم التفرق مستندا الي موثقة طلحة المتقدمة. و لكنك قد عرفت نظرها الي شهادة الصبيان فيما بينهم و ليس علي البالغين.

3 - و اما الجرح

فقد قيل بقبول شهادة الصبي فيه أيضا بالاولوية، بل خصّ المحقق في الشرائع قبول شهادة الصبي بذلك(4) ، و هو غريب.

و في مقابل هذا يمكن ان يقال باختصاص القبول بمورد القتل

ص: 55


1- وسائل الشيعة 253:18 الباب 22 من أبواب الشهادات الحديث 5.
2- فهرست الشيخ الطوسي: 86 الرقم 362.
3- البقرة: 282.
4- شرائع الإسلام 910:4، انتشارات استقلال.

لاحتمال وجود خصوصية في نظر الشارع، و هي المحافظة علي الدماء.

بل ان لازم القول بالاولوية التعدي الي جميع الموارد الاخري لأنها دون القتل.

4 - و وجه الجزم في رفض شهادة الصبية

ان مثل صحيحة محمد بن حمران المتقدمة جاءت استثناء من شرطية البلوغ و ليس من شرطية الذكورة.

5 - و اما العقل

فاعتباره واضح. اجل في الادواري لا محذور في قبول شهادته حالة افاقته لإطلاق الادلة. و المناسب ان يكون ذلك - كما قال المحقق -: «بعد استظهار الحاكم بما يتيقن معه حضور ذهنه و استكمال فطنته»(1).

6 - و اما العدالة

فلا اشكال في اعتبارها في الشاهد في الجملة.

و قد قال تعالي في شاهدي الطلاق: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (2). و قال في شاهدي الوصية: شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ (3). و قال في شاهدي كفارة الصيد: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ (4) ، بناء علي ارادة الشاهدين لتشخيص قيمة الصيد المقتول دون الرسول و الامام عليهما السّلام اللذين

ص: 56


1- شرائع الإسلام 911:4، انتشارات استقلال.
2- الطلاق: 2.
3- المائدة: 106.
4- المائدة: 95.

يقومان بتشخيص الكفارة في كل صيد و ان في النعامة بدنة و في الظبي شاة و نحو ذلك - كما دلت عليه بعض الروايات(1) - و الا كانت خارجة عن محل الكلام.

و في موثقة عبد اللّه بن أبي يعفور: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتي تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال: ان تعرفوه بالستر و العفاف و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان و يعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه عليها النار من شرب الخمر و الزنا.... و الدلالة علي ذلك كله ان يكون ساترا لجميع عيوبه حتي يحرم علي المسلمين ما وراء ذلك من عثراته...»(2).

و فيها دلالة واضحة علي شرطية العدالة لا بمعناها الدقيق بل بمعني حسن الظاهر.

و الرواية قد رويت بطريقين، ورد في احدهما احمد بن محمد بن يحيي العطار الذي تبتني وثاقته علي كبري وثاقة مشايخ الاجازة و لا أقلّ المعروفين منهم، و في ثانيهما محمد بن موسي الهمداني الذي قد استثناه ابن الوليد من رجال نوادر الحكمة(3).

و يمكن التعويض عنها - بناء علي عدم تمامية سندها - بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال امير المؤمنين عليه السّلام: لاي.

ص: 57


1- التهذيب 314:6 الحديث 867.
2- وسائل الشيعة 288:18 الباب 41 من أبواب الشهادات الحديث 1.
3- لا حظ ترجمة محمد بن أحمد بن يحيي الاشعري في رجال النجاشي: 245، من منشورات مكتبة الداوري.

بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلا»(1) ، بناء علي تنقيح المناط و الغاء خصوصية المملوك.

و اما بقية الروايات فهي بين ما دلّ علي مانعية الفسق او الاكتفاء بالخير او الصلاح او العفة و الصون فراجع.

و قد يفهم الفقيه من كل هذا ان العدالة بمعناها الدقيق المتداول بين الفقهاء ليست شرطا بل هي شرط بمعني حسن الظاهر و العفة و المعروفية بالخير.

7 - و اما اشتراط الإسلام

فهو من واضحات الفقه. و قد دلت علي ذلك موثقة سماعة: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن شهادة اهل الملة فقال: لا تجوز الا علي اهل ملتهم»(2) و غيرها.

و اما الاستثناء المذكور فمما لا خلاف فيه لقوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ... (3) و الروايات الكثيرة(4).

و اما الايمان فلا اشكال في اشتراطه اذا كان غير المؤمن معاندا لأنه فاسق، و الحديث الشريف يقول: «كان امير المؤمنين عليه السّلام يقول:...

لا اقبل شهادة الفاسق الا علي نفسه» كما في صحيح محمد بن قيس(5).

ص: 58


1- وسائل الشيعة 253:18 الباب 23 من أبواب الشهادات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 284:18 الباب 38 من أبواب الشهادات الحديث 2.
3- المائدة: 106.
4- و هي مذكورة في وسائل الشيعة 287:18 الباب 40 من ابواب الشهادات، و 390:13 الباب 20 من أحكام الوصايا.
5- وسائل الشيعة 278:18 الباب 32 من أبواب الشهادات الحديث 4.

و اما اذا كان مستضعفا فالمشهور عدم قبول شهادته أيضا - حيث لم يفصلوا في رفض شهادة غير المؤمن بين القسمين - الا ان الشهيد الثاني قدّس سرّه شكّك في ذلك و ابرز احتمال قبول شهادته بل اختار ذلك لوجود المقتضي و فقدان المانع.

اما وجود المقتضي فلا طلاق مثل قوله عليه السّلام - في صحيحة محمد بن مسلم -: «لو كان الامر إلينا لأجزنا شهادة الرجل اذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس»(1).

و اما فقدان المانع فلان ما يتصور كونه مانعا ليس الا صدق عنوان الفاسق عليه، و هو مدفوع، باعتبار ان صدقه يختص بالمعاند، اي الذي يفعل المعصية و هو يعلم انها معصية دون من يرتكبها و هو يعتقد انها طاعة. ثم اضاف قائلا: ان تحقق العدالة لا يختص بالامامي بل تتحقق في جميع اهل الملل مع قيامهم بمقتضاها بحسب اعتقادهم(2).

8 - و اما اعتبار طهارة المولد

فقد دلت عليه صحيحة محمد بن مسلم: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: لا تجوز شهادة ولد الزنا»(3) و غيرها.

و يستثني من ذلك الشيء اليسير لصحيحة عيسي بن عبد اللّه:

«سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن شهادة ولد الزنا، فقال: لا تجوز الا في الشيء اليسير اذا رأيت منه صلاحا»(4).

ص: 59


1- وسائل الشيعة 291:18 الباب 41 من أبواب الشهادات الحديث 8.
2- مسالك الافهام 401:2.
3- وسائل الشيعة 276:18 الباب 31 من أبواب الشهادات الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 276:18 الباب 31 من أبواب الشهادات الحديث 5.
9 - و اما اعتبار ان لا تجر الشهادة نفعا

، كشهادة الشريك فقد يستدل عليه بموثقة عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن ثلاثة شركاء شهد اثنان علي [عن] واحد، قال: لا تجوز شهادتهما»(1).

و دلالتها واضحة - بعد حمل حرف الجر علي ارادة معني اللام منه - الا انها معارضة بموثقته الاخري: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن ثلاثة شركاء ادعي واحد و شهد الاثنان، قال: يجوز»(2). و وجه المعارضة:

اما لأنهما رواية واحدة لاستبعاد صدور النقلين المذكورين بعد كون القضية المسؤول عنها واحدة و الراوي لها واحدا، و هو عبد الرحمن، بل الراوي عن الراوي واحد أيضا، و مع وحدة الرواية و عدم تشخيص ما هو الصادر تسقط كلتاهما عن الاعتبار.

او لان الصادر و ان كان متعددا واقعا الا انه لأجل التنافي لا يمكن الاخذ بشيء منهما.

و قد يستدل أيضا بموثقة ابان التي رواها الشيخ الصدوق باسناده عن فضالة عن ابان: «سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن شريكين شهد احدهما لصاحبه، قال: تجوز شهادته الا في شيء له فيه نصيب»(3).

و هي و ان كانت تامة دلالة الا انها معارضة سندا برواية الشيخ الطوسي لها باسناده عن الحسين بن سعيد عن فضالة عن ابان عمن

ص: 60


1- وسائل الشيعة 272:18 الباب 27 من أبواب الشهادات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 272:18 الباب 27 من أبواب الشهادات الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 272:18 الباب 27 من أبواب الشهادات الحديث 3.

اخبره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام(1) ، فانه لاستبعاد سماع ابان الرواية من الامام عليه السّلام مرتين: مرة بلا واسطة و اخري مع الواسطة تسقط عن الاعتبار لان وجود الواسطة المجهولة يبقي ثابتا و لا نافي له.

و الاولي الاستدلال علي ذلك بالوجهين التاليين:

أ - التمسك بموثقة سماعة: «سألته عما يرد من الشهود، قال:

المريب، و الخصم و الشريك و دافع مغرم و الاجير و العبد و التابع و المتهم، كل هؤلاء ترد شهادتهم»(2) ، فان المنصرف من شهادة الشريك المردودة هو شهادته لشريكه فيما هو مشترك بينهما.

ب - ان الحكم ثابت بمقتضي القاعدة، فان الشريك اذا شهد بشراء عين مشتركة لهما يصير الشاهد مدعيا و المدعي شاهدا، و عدم جواز مثل ذلك لا يحتاج إلي دليل.

10 - و اما عدم قبول شهادة من يدفع عن نفسه بشهادته ضررا

فلانه بمنزلة المدعي عليه فلا وجه لقبول شهادته و يصدق عليه عنوان الخصم المذكور في موثقة سماعة المتقدمة.

11 - و اما اعتبار عدم العداوة الدنيوية

فلموثقة اسماعيل بن مسلم عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السّلام: «لا تقبل

ص: 61


1- كما اشار الي ذلك صاحب الوسائل في ذيل الحديث السابق.
2- وسائل الشيعة 278:18 الباب 32 من أبواب الشهادات الحديث 3. و المريب هو كالفاسق أو جالب النفع او الاعم منهما. و دافع مغرم هو من يدفع الغرامة بشهادته، كشهادة العاقلة بجرح شهود الجناية. و التابع هو من لا رأي له و يتبع غيره في جميع اموره. و قد يفسر بمن يخدم غيره او يأكل من طعامه.

شهادة ذي شحناء أو ذي مخزية في الدين»(1).

و اطلاقها يقتضي عدم الفرق بين استلزام العداوة للفسق و عدمه هذا في العداوة الدنيوية.

و اما العداوة الاخروية فلا تمنع جزما فانها تؤكد العدالة، و الموثقة منصرفة عن مثلها. و قد ورد في صحيحة ابي عبيدة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «تجوز شهادة المسلمين علي جميع اهل الملل و لا تجوز شهادة اهل الذمة علي المسلمين»(2).

12 - و اما منع السؤال بالكف عن قبول الشهادة

فلصحيحة علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن موسي عليهما السّلام: «سألته عن السائل الذي يسأل بكفه هل تقبل شهادته؟ فقال: كان ابي لا يقبل شهادته اذا سأل في كفه»(3) و غيرها.

و المقصود ما اذا اتخذ ذلك حرفة دون ما لو تحقق مرة أو مرتين لعارض، للانصراف عن مثل ذلك.

2 - اختلاف الحقوق في الاثبات

اشارة

تثبت الدعوي بمقتضي الاصل الاولي بالبينة، اي بشهادة رجلين عدلين.

و خرج عن ذلك:

ص: 62


1- وسائل الشيعة 278:18 الباب 32 من أبواب الشهادات الحديث 5. و ذو المخزية هو من وقع في بلية يشار اليه بها كالمحدود قبل توبته و ولد الزنا.
2- وسائل الشيعة 284:18 الباب 38 من أبواب الشهادات الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 281:18 الباب 35 من أبواب الشهادات الحديث 1.

1 - دعوي الدين(1) علي الميت، فانها لا تثبت بالبينة و حدها بل مع ضم يمين المدعي.

2 - دعوي الدين علي الحي، فانها كما تثبت بشهادة رجلين كذلك تثبت بشهادة رجل و يمين المدعي، و برجل و امرأتين، و بامرأتين و يمين المدعي.

3 - دعوي عين من الاموال علي الحي، فانها تثبت بما سبق ما عدا الرجل و المرأتين.

4 - اللواط و المساحقة، فانهما لا يثبتان الا بشهادة اربعة رجال عدول.

5 - الزنا، فانه لا يثبت الا بشهادة اربعة رجال عدول او ثلاثة و امرأتين بل برجلين و اربع نساء، غايته يثبت الجلد بذلك دون الرجم.

6 - النكاح و الدية، فانهما كما يثبتان بشهادة عدلين كذلك يثبتان برجل و امرأتين.

7 - العذرة، و العيوب الباطنية للنساء، و الرضاع، و كل ما لا يجوز للرجال النظر اليه فانه يثبت باربع نساء.

8 - الوصية لشخص بمال، فانه يثبت ربعه بشهادة امرأة واحدة، و نصفه بشهادة ثنتين، و علي هذا المنوال.

و هكذا لو شهدت القابلة بل مطلق المرأة باستهلال الطفل عند فرض موت أبيه، فانه يرث ربع التركة بذلك. و لو شهدت ثنتان بذلك ورث النصف، و علي هذا المنوال.

و هكذا لو شهدت المرأة بالقتل، فانه يثبت ربع الدية. و اذا شهدت ثنتانك.

ص: 63


1- يراد بالدين مطلق المال الذي اشتغلت به الذمة اعم من كونه بالقرض او الغصب او الاتلاف او البيع و ما شاكل ذلك.

بذلك يثبت نصفها، و علي هذا المنوال.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الاصل الاولي في الاثبات هو البينة

، بمعني شهادة رجلين عدلين فلان ذلك هو المنصرف من كلمة «البينة» المعتبرة في الاثبات في مثل قوله صلّي اللّه عليه و آله: «البينة علي من ادعي»(1) أو «انما اقضي بينكم بالبينات و الايمان»(2).

و علي تقدير التشكيك في ذلك يمكن التمسك بالاطلاق المقامي، فان الوسيلة المعروفة في الاثبات هي شهادة عدلين، و السكوت عن تحديد البينة لا بدّ ان يكون اعتمادا علي ذلك.

2 - و اما اعتبار ضم يمين المدعي الي البينة في دعوي الدين علي

الميت

فلم ينقل فيه خلاف.

و استدل علي ذلك بصحيحة محمد بن يحيي: «كتب محمد بن الحسن يعني الصفار الي ابي محمد عليه السّلام: هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له علي رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقع: اذا شهد معه آخر عدل فعلي المدعي يمين... و كتب أو تقبل شهادة الوصي علي الميت [بدين] مع شاهد آخر عدل؟ فوقع: نعم من بعد يمين»(3) ، بتقريب ان قوله عليه السّلام في الذيل: «نعم من بعد يمين» يراد به: بعد يمين المدعي لا يمين الوصي الذي هو أحد الشاهدين بقرينة التعبير في الصدر: «فعلي المدعي يمين»، فاطلاق كلمة «اليمين» في الذيل جاء اعتمادا علي

ص: 64


1- وسائل الشيعة 170:18 الباب 3 من أبواب الشهادات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 169:18 الباب 2 من أبواب الشهادات الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 273:18 الباب 28 من أبواب الشهادات الحديث 1.

تقييدها بالمدعي في الصدر.

و اذا قيل: ان صدر الحديث يدل علي لزوم اليمين مع البينة حتي اذا كانت الدعوي للميت لا عليه، و ذلك مما لا يلتزم به فيتعين الحمل علي الاستحباب، الامر الذي يوجب التشكيك في لزوم اليمين في الفقرة الاخيرة.

قلنا: الفقرتان مستقلتان، و عدم امكان الالتزام بالوجوب في الاولي لا يستلزم عدمه في الثانية.

و مما يؤيد الحاجة الي اليمين في الدعوي علي الميت رواية عبد الرحمن بن ابي عبد اللّه: «قلت للشيخ عليه السّلام... و ان كان المطلوب بالحق قد مات فاقيمت عليه البينة فعلي المدعي اليمين باللّه الذي لا إله الا هو لقد مات فلان و ان حقه لعليه، فان حلف و الا فلا حق له لأنا لا ندري لعله قد اوفاه ببينة لا نعلم موضعها او غير بينة قبل الموت فمن ثمّ صارت عليه اليمين مع البينة...»(1) الضعيفة ب «ياسين الضرير» الذي لا توثيق له.

3 - و اما ثبوت الدين علي الحي برجل و يمين المدعي

فمما لا اشكال فيه. و قد دلت عليه روايات كثيرة كادت تبلغ حدّ التواتر، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يجيز في الدين شهادة رجل واحد و يمين صاحب الدين و لم يجز في الهلال الا شاهدي عدل»(2).

و يظهر من بعض النصوص ان ابا حنيفة كان منكرا لذلك، فقد

ص: 65


1- وسائل الشيعة 173:18 الباب 4 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 193:18 الباب 14 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.

ورد في صحيحة البزنطي: «سمعت الرضا عليه السّلام يقول: قال ابو حنيفة لأبي عبد اللّه عليه السّلام: تجيزون شهادة واحد و يمين؟ قال: نعم، قضي به رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و قضي به علي عليه السّلام بين أظهركم بشاهد و يمين، فتعجب ابو حنيفة، فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: أتعجب من هكذا؟ انكم تقضون بشاهد واحد في مائة شاهد، فقال له: لا نفعل، فقال: بلي تبعثون رجلا واحدا فيسأل عن مائة شاهد فتجيزون شهادتهم بقوله و انما هو رجل واحد»(1).

4 - و اما ثبوت ذلك برجل و امرأتين

فلقوله تعالي: فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ (2) ، و صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «....

تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين؟ قال: نعم...»(3) و غيرها.

5 - و اما ثبوت ذلك بامرأتين و يمين المدعي

فلصحيحة الحلبي الاخري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين يحلف باللّه ان حقه لحق»(4) و غيرها.

و المراد من شهادة النساء شهادة امرأتين لان الديون حيث يكفي لا ثباتها رجل و يمين فيلزم ان يكون القائم مقام الرجل هو المرأتين.

6 - و اما ان الاعيان تثبت بشاهد و يمين

فلإطلاق بعض النصوص، من قبيل صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

ص: 66


1- وسائل الشيعة 196:18 الباب 14 من أبواب كيفية الحكم الحديث 17.
2- البقرة: 282.
3- وسائل الشيعة 258:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 198:18 الباب 15 من أبواب كيفية الحكم الحديث 3.

«كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقضي بشاهد واحد مع يمين صاحب الحق»(1).

و اما ثبوتها بامرأتين مع اليمين فلصحيحة منصور بن حازم الاخري: «ان ابا الحسن موسي بن جعفر عليه السّلام قال: «اذا شهد لطالب الحق امرأتان و يمينه فهو جائز»(2).

و الطريق و ان اشتمل علي محمد بن علي ماجيلويه - الذي يروي بواسطته الشيخ الصدوق الرواية المذكورة - الذي لم يذكر بتوثيق في كتب الرجال الا ان الامر فيه سهل بناء علي كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة.

و اما انها لا تثبت برجل و امرأتين فلاختصاص دليل اعتبار ذلك - و هو الآية الكريمة و صحيحة الحلبي المتقدمتان في الرقم 4 - بالدين فيتمسك بالاصل في غيره.

الا ان المنسوب الي المشهور هو التعدي اما لإلغاء خصوصية المورد او لان الاعيان اذا كانت تثبت برجل و يمين المدعي فيلزم ان تثبت برجل و امرأتين أيضا لقيام المرأتين مقام اليمين. و كلاهما كما تري.

7 - و اما ان اللواط و المساحقة لا يثبتان الا باربعة رجال

فقد ذكر صاحب الجواهر عدم عثوره في النصوص علي ما يدل علي ذلك و ان كان ذلك امرا متسالما عليه بين الأصحاب(3).

بيد ان بالامكان التمسك في المساحقة بقوله تعالي: وَ اللاّتِي

ص: 67


1- وسائل الشيعة 193:18 الباب 14 من أبواب كيفية الحكم الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 197:18 الباب 15 من أبواب كيفية الحكم الحديث 1.
3- جواهر الكلام 154:41.

يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ (1) ، فان الفاحشة لا تختص بالزنا.

و اما بالنسبة الي اللواط فقد يتمسك لاعتبار الاربعة بمقدمتين:

احداهما: ان اللواط يثبت بالاقرار اربع مرات كما تدل عليه بعض النصوص الآتية.

ثانيتهما: ان كل اقرار واحد منزل منزلة شهادة واحدة، كما تدل عليه بعض النصوص الآتية أيضا.

و لازم المقدمتين المذكورتين عدم ثبوت اللواط الا باربع شهادات.

اما الدال علي المقدمة الاولي فهو صحيحة مالك بن عطية عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «بينما امير المؤمنين عليه السّلام في ملاء(2) من أصحابه اذ اتاه رجل فقال: يا امير المؤمنين عليه السّلام اني اوقبت(3) علي غلام فطهرني فقال له: يا هذا امض الي منزلك لعل مرارا(4) هاج بك. فلما كان من غد عاد اليه فقال له: يا امير المؤمنين اني اوقبت علي غلام فطهرني فقال له:

اذهب الي منزلك لعل مرارا هاج بك حتي فعل ذلك ثلاثا بعد مرته الاولي، فلما كان في الرابعة قال له: يا هذا ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حكم في مثلك بثلاثة احكام فاختر ايهن شئت. قال: و ما هنّ يا امير المؤمنين؟ قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت او اهداب - اهداء(5) - منء.

ص: 68


1- النساء: 15.
2- في الوافي 335:15: ملأ.
3- الايقاب: الادخال.
4- جاء في مجمع البحرين في مادة مرر: «المرّة: خلط من اخلاط البدن غير الدم. و الجمع مرار بالكسر».
5- و في الوافي 335:15: او دهداء.

جبل مشدود اليدين و الرجلين او احراق بالنار. قال: يا امير المؤمنين ايهنّ أشدّ عليّ؟ قال: الاحراق بالنار، قال: فاني قد اخترتها يا امير المؤمنين، فقال: خذ لذلك اهبتك فقال: نعم. قال: فصلّي ركعتين ثم جلس في تشهده فقال: اللهمّ اني قد أتيت من الذنب ما قد علمته و اني تخوفت من ذلك فأتيت الي وصي رسولك و ابن عم نبيك فسألته ان يطهّرني فخيرني ثلاثة أصناف من العذاب، اللهمّ فاني اخترت اشدهن، اللهم فاني اسألك ان تجعل ذلك كفارة لذنوبي و ان لا تحرقني بنارك في آخرتي، ثم قام و هو باك حتي دخل الحفيرة التي حفرها له امير المؤمنين عليه السّلام و هو يري النار تتأجج حوله. قال: فبكي امير المؤمنين عليه السّلام و بكي اصحابه جميعا فقال له امير المؤمنين عليه السّلام: قم يا هذا فقد أبكيت ملائكة السماء و ملائكة الأرض، فان اللّه قد تاب عليك(1) فقم و لا تعاودن شيئا مما فعلت»(2).

و اما الدال علي المقدمة الثانية فهو ما رواه سعد بن طريف عن الاصبغ بن نباتة: «ان امرأة أتت امير المؤمنين عليه السّلام فقالت: يا امير المؤمنين اني زنيت فطهرني طهرك اللّه فان عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع فقال: ممّ اطهرك؟ قالت: من الزنا، فقال لها: فذات بعل انت أم غير ذات بعل فقالت: ذات بعل فقال لها: فحاضرا كان بعلك أم غائبا؟ قالت: حاضرا، فقال: انتظري حتي تضعي ما في بطنك ثم ائتيني فلما ولت عنه من حيث لا تسمع كلامه قال: اللهم هذه شهادة فلم تلبث ان أتته فقالت: اني وضعت فطهرني... قال: اذهبي حتي ترضعيه1.

ص: 69


1- و من هنا يقول الاصحاب بان من اقرّ بحدّ ثم تاب كان الامام مخيرا في اقامته.
2- وسائل الشيعة 423:18 الباب 5 من ابواب حد اللواط الحديث 1.

فلما ولت حيث لا تسمع كلامه قال: اللهم انهما شهادتان فلما أرضعته عادت اليه فقالت: يا امير المؤمنين اني زنيت فطهرني... قال: اذهبي فاكفليه حتي يعقل ان يأكل و يشرب و لا يتردي من سطح و لا يتهور في بئر فانصرفت و هي تبكي فلما ولت حيث لا تسمع كلامه قال: اللهم هذه ثلاث شهادات... و في الرابعة رفع امير المؤمنين عليه السّلام رأسه الي السماء و قال: اللهم اني قد اثبت ذلك عليها اربع شهادات و انك قد قلت لنبيك صلوات اللّه عليه و آله فيما اخبرته من دينك: يا محمد من عطّل حدّا من حدودي فقد عاداني...»(1).

8 - و اما ان الزنا لا يثبت بأقل من اربعة

فمما لا اشكال فيه. و قد دلّ علي ذلك قوله تعالي: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً (2) ، إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ... لَوْ لا جاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ.. (3) ، وَ اللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ (4).

و الروايات في ذلك كادت تبلغ حدّ التواتر، من قبيل موثقة ابي بصير: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: لا يرجم الرجل و المرأة حتي يشهد عليهما

ص: 70


1- الفقيه 22:4، و قد نقل الحر الرواية المذكورة بعدة طرق بعضها صحيح، كطريق الشيخ الكليني عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد بن خالد عن خلف بن حماد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام فراجع وسائل الشيعة 377:18 الباب 16 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
2- النور: 4.
3- النور: 11-13.
4- النساء: 15.

اربعة شهداء علي الجماع و الايلاج و الادخال كالميل في المكحلة»(1).

و اما انه يثبت بثلاثة رجال و امرأتين، و برجلين و اربع نساء بالنسبة الي الجلد فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال و امرأتان وجب عليه الرجم. و ان شهد عليه رجلان و اربع نسوة فلا تجوز شهادتهم و لا يرجم و لكن يضرب حدّ الزاني»(2).

9 - و اما ثبوت النكاح برجل و امرأتين

فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن شهادة النساء في النكاح، فقال: تجوز اذا كان معهن رجل...»(3).

و بالصحيحة المذكورة يمكن الجمع بين بعض النصوص المجوزة مطلقا(4) و بعضها الآخر المانع مطلقا(5).

و اما ثبوت الدية بذلك فلصحيحة جميل بن دراج و محمد بن حمران عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلنا: أ تجوز شهادة النساء في الحدود؟ فقال: في القتل وحده، ان عليا عليه السّلام كان يقول: لا يبطل دم امرئ مسلم»(6) ، فانه بعد ضمها الي موثقة غياث بن ابراهيم عن جعفر بن محمد عن ابيه عن علي عليهم السّلام: «لا تجوز شهادة النساء في الحدود و لا في

ص: 71


1- وسائل الشيعة 371:18 الباب 12 من أبواب حد الزنا الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 401:18 الباب 30 من أبواب حد الزنا الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 258:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 260:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 11.
5- وسائل الشيعة 267:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 42.
6- وسائل الشيعة 258:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 1.

القود»(1) يفهم ان الذي لا يثبت بشهادة النساء في باب القتل هو القود دون الدية، اذ بعدم ثبوت الدية يلزم بطلان دم المسلم بخلاف نفي القود مع ثبوت الدية فانه لا يلزم منه ذلك.

10 - و اما ثبوت العذرة و ما تلاها بأربع نساء

فلموثقة عبد اللّه بن بكير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «تجوز شهادة النساء في العذرة و كل عيب لا يراه الرجل»(2) ، و صحيحة عبد اللّه بن سنان: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول:... تجوز شهادة النساء و حدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال النظر اليه...»(3) و غيرهما.

و بذلك يتضح الحال في الرضاع فانه مما لا يراه الرجال.

و اما اعتبار ان تكون النساء اربعا مع اطلاق النصوص فلأن القائم مقام رجلين هو اربع نساء.

11 - و اما ان الوصية تثبت بالنحو المتقدم

فلصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام عن امير المؤمنين عليه السّلام: «قضي في وصية لم تشهدها الا امرأة فأجاز شهادة المرأة في ربع الوصية»(4) و غيرها.

هذا و قد ورد في بعض الروايات عدم نفوذ شهادة النساء في الوصية مطلقا، من قبيل صحيحة عبد الرحمن: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة يحضرها الموت و ليس عندها الا امرأة، تجوز شهادتها؟ قال:

ص: 72


1- وسائل الشيعة 264:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 29.
2- وسائل الشيعة 260:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 9.
3- وسائل الشيعة 260:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 10.
4- وسائل الشيعة 396:13 الباب 22 من أحكام الوصايا الحديث 4.

تجوز شهادة النساء في العذرة و المنفوس...»(1).

و قد تحمل علي الوصية العهدية بقرينة الاولي الواردة في الوصية التمليكية. و نتيجة ذلك التفصيل بين الوصية اليه و الوصية له، فالاولي لا تثبت بشهادة النساء مطلقا في حين ان الثانية تثبت بالنحو المتقدم.

12 - و اما ان القابلة تمضي شهادتها بلحاظ الربع

فلصحيحة عمر بن يزيد: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مات و ترك امرأته و هي حامل فوضعت بعد موته غلاما ثم مات الغلام بعد ما وقع الي الارض فشهدت المرأة التي قبّلتها انه استهل و صاح حين وقع الي الارض ثم مات، قال:

علي الامام ان يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام»(2) و غيرها.

و اذا كان بعض النصوص دالا باطلاقه علي ثبوت تمام التركة بشهادة القابلة - من قبيل صحيحة عبد اللّه بن سنان: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول:... تجوز شهادة القابلة و حدها في المنفوس(3) - فلا بدّ من رفع اليد عن اطلاقه بالصحيحة المتقدمة.

و اما تعميم الحكم لمطلق المرأة فلما يستفاد من بعض النصوص، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم: «سألته تجوز شهادة النساء و حدهن؟ قال: نعم في العذرة و النفساء»(4) و غيرها.

علي ان ما دلّ علي ثبوت ربع التركة بشهادة القابلة ليس له دلالة

ص: 73


1- وسائل الشيعة 262:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 21.
2- وسائل الشيعة 259:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 6.
3- وسائل الشيعة 260:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 10.
4- وسائل الشيعة 262:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 19.

علي تقييد الحكم بها بل كان ذلك مورد السؤال، و معه يتعدي الي غيره لعدم فهم الخصوصية بلا حاجة الي البحث عن اطلاق يعم مطلق المرأة.

و اما ان الدية يثبت ربعها بشهادة المرأة الواحدة و نصفها بشهادة ثنتين و هكذا فلصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام:

«قضي امير المؤمنين عليه السّلام في غلام شهدت عليه امرأة انه دفع غلاما في بئر فقتله فأجاز شهادة المرأة بحساب شهادة المرأة»(1) ، فان جملة «بحساب شهادة المرأة» تدل علي ثبوت النصف بشهادة المرأتين، و هكذا.

و اذا قيل: ان الجملة المذكورة غير ثابتة في طريق الشيخ الصدوق(2).

قلنا: هذا لا يستلزم عدم ثبوتها بعد ورودها بطريق الشيخ الطوسي الذي هو طريق معتبر.

علي ان حذف الجملة المذكورة في طريق الشيخ الصدوق لعله من باب وضوح الامر لبعد ثبوت تمام الدية بشهادة المرأة الواحدة.

3 - احكام عامة في باب الشهادات

اشارة

لا تجوز الشهادة الا مع العلم بالمشهود به عن حس او ما يقرب منه، كالحاصل من التواتر.

ص: 74


1- وسائل الشيعة 263:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 26.
2- لا حظ ذيل الحديث في وسائل الشيعة.

و تحمّل الشهادة مع الدعوة الي ذلك واجب خلافا لصاحب الجواهر. و كذا اداؤها بعد التحمل فيما اذا تحققت الدعوة الي التحمل و الا ثبت التخيير بين الاداء و عدمه الا اذا كان احد الطرفين ظالما فيجب اداؤها مطلقا.

و قد تسالم الاصحاب علي اعتبار شرط آخر في وجوب الاداء، و هو طلبه و الا فالتبرع بالشهادة يوجب رفضها.

و تقبل الشهادة علي الشهادة في حقوق الناس - كالطلاق و النسب - دون حقوق اللّه سبحانه سواء كانت خاصة أم مشتركة.

و لا يعتبر الاشهاد الا في الطلاق و الظهار. اجل يستحب في النكاح و البيع و الدين.

و تصدّق المرأة في دعواها انها خلية و ان عدتها قد انقضت الا اذا ادعت ذلك بشكل مخالف للعادة الجارية بين النساء، كما اذا ادعت انها حاضت في شهر واحد ثلاث مرات. فانها لا تصدق الا اذا شهدت النساء من بطانتها ان عادتها سابقا كانت كذلك.

و المستند في ذلك:

1 - اما اعتبار العلم في جواز الشهادة

فلأنها قسم من الاخبار الجازم و هو لا يجوز بدون العلم و الا يلزم الكذب.

هذا مضافا الي صحيحة معاوية بن وهب: «قلت له: ان ابن ابي ليلي يسألني الشهادة عن هذه الدار مات فلان و تركها ميراثا و انه ليس له وارث غير الذي شهدنا له، فقال: اشهد بما هو علمك. قلت: ان ابن أبي ليلي يحلفنا الغموس، فقال: احلف انما هو علي علمك»(1).

ص: 75


1- وسائل الشيعة 245:18 الباب 17 من أبواب الشهادات الحديث 1.

ان قلت: ان رواية حفص بن غياث عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال له رجل: اذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي ان اشهد انه له؟ قال: نعم.

قال الرجل: اشهد انه في يده و لا اشهد انه له فلعله لغيره فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: أ فيحل الشراء منه؟ قال: نعم فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام: فلعله لغيره فمن اين جاز لك ان تشتريه و يصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي و تحلف عليه و لا يجوز ان تنسبه الي من صار ملكه من قبله إليك؟ ثم قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق»(1) دلت علي جواز الشهادة عند عدم العلم بالمشهود به استنادا الي اليد.

قلت: هي لو تمت سندا - و لم يناقش في طريق الشيخ و الكليني من ناحية القاسم بن يحيي الذي لم تثبت و ثقاته الا بناء علي كبري وثاقة كل من ورد في أسانيد كامل الزيارة و لا في طريق الصدوق من ناحية القاسم بن محمد الاصفهاني - لا بدّ من حملها علي الشهادة بالملكية الظاهرية التي تولدها اليد دون الملكية الواقعية، اذ بعد عدم العلم بها كيف يجوز الاخبار الجازم عنها و الشهادة عليها، و لو جاز ذلك جاز ان يشهد الحاكم بها و جميع الناس الذين يعرفون بان هذا صاحب يد و لم تبق بعد ذلك حاجة الي المطالبة بالبينة.

و ان قلت: ان موثقة معاوية بن وهب دلت علي جواز الاستناد في الشهادة الي الاستصحاب، حيث ورد فيها: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

الرجل يكون له العبد و الامة قد عرف ذلك فيقول: أبق غلامي أو امتي فيكلفونه(2) القضاة شاهدين بان هذا غلامه او امته لم يبع و لم يهبه.

ص: 76


1- وسائل الشيعة 215:18 الباب 25 من أبواب كيفية الحكم الحديث 2.
2- المناسب: فيكلفه.

أ نشهد علي هذا اذا كلفناه؟ قال: نعم»(1).

قلت: لا بدّ من فرض ان العبد كان يدعي انه حر او لا أقلّ لم يكن رقا للمدعي من البداية لا انه يعترف بكونه رقا له من البداية و لكنه بيع او وهب او تحرر و الا لكان هو المكلف بالبينة. و بناء علي هذا يكفي لدحض دعوي العبد شهادة معاوية ان هذا كان عبدا لهذا سابقا و لا اعلم انه بيع او وهب، اي يشهد علي الملكية السابقة و عدم العلم بزوالها دون ان يشهد علي عدم ذلك واقعا.

هذا مضافا الي معارضة الرواية المذكورة برواية معاوية بن وهب الاخري(2) الواردة في القضية نفسها حيث دلت علي عدم جواز الشهادة الا انها ضعيفة باسماعيل بن مرار.

2 - و اما ان مستند العلم لا بدّ من كونه الحس او ما يقرب منه

فذلك:

اما لان سكوت الروايات عن بيان مستند الشهادة يفهم منه ايكال القضية الي العرف، و هو يعتبر ما ذكر.

او لان الشهادة عن حدس لا دليل علي اعتبارها فلا تكون حجة بخلاف ما كانت عن حس، فانها القدر المتيقن من دليل جواز الشهادة، و هكذا اذا كان مستندها يقرب من الحس، حيث لا يحتمل الفرق بينها و بين ما اذا كانت مستندة الي الحس مباشرة.

ثم انه مما يؤيد اعتبار الحس او ما يقرب منه في مستند الشهادة رواية علي بن غراب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تشهدن بشهادة حتي

ص: 77


1- وسائل الشيعة 246:18 الباب 17 من أبواب الشهادات الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 246:18 الباب 17 من أبواب الشهادات الحديث 2.

تعرفها كما تعرف كفك»(1) ، فان ضعفها بابن غراب و غيره لا يمنع من التمسك بها علي مستوي التأييد.

و مثلها ما رواه المحقق في الشرائع عن النبي صلّي اللّه عليه و آله مرسلا حينما سئل عن الشهادة: «هل تري الشمس؟ علي مثلها فاشهد أو دع»(2).

3 - و اما وجوب تحمل الشهادة مع الدعوة اليه فهو المعروف بين

الاصحاب

لقوله تعالي: وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا (3) بعد الغاء خصوصية المورد بفهم العرف، و صحيحة ابي الصباح عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قوله تعالي: وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا قال: لا ينبغي لأحد اذا دعي الي شهادة ليشهد عليها ان يقول لا اشهد لكم عليها»(4) و غيرها.

هذا و قد نقل صاحب الجواهر عن ابن ادريس ان الآية الكريمة ناظرة الي اداء الشهادة دون تحملها بقرينة التعبير بكلمة «الشهداء» الظاهرة في تمامية الشهادة و تحققها.

و أضاف صاحب الجواهر قائلا: ان ملاحظة ما قبل الآية المذكورة و ما بعدها يعطي انها في صدد بيان بعض الآداب الشرعية، فانظر الي قوله تعالي: وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ ... وَ لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً (5) ، و معه يكون المناسب حمل

ص: 78


1- وسائل الشيعة 250:18 الباب 20 من أبواب الشهادات الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 250:18 الباب 20 من أبواب الشهادات الحديث 3.
3- البقرة: 282.
4- وسائل الشيعة 225:18 الباب 1 من أبواب الشهادات الحديث 2.
5- البقرة: 282.

فقرة الاستشهاد علي بيان الكراهة.

ثم أضاف: و اما الروايات فقد ورد فيها التعبير ب «لا ينبغي» المشعر بالكراهة. و عليه فالانصاف عدم خلو القول بعدم الوجوب و انه مستحب بل تركه مكروه من قوة(1).

و فيه: ان بعض الروايات ظاهر في الالزام، من قبيل ما رواه داود بن سرحان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يأب الشاهد ان يجيب حين يدعي قبل الكتاب»(2).

و السند صحيح بناء علي ان امر سهل الوارد فيه سهل.

و تؤيد ذلك رواية جراح المدائني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا دعيت الي الشهادة فأجب»(3) ، فان جراح و القاسم بن سليمان و ان لم يوثقا الا من خلال كامل الزيارة لكن ذلك لا يمنع من عدّها مؤيدة.

و اما التعبير ب «لا ينبغي» الوارد في الروايات التي أشار اليها فهو ليس ظاهرا في الكراهة ليمنع من الاخذ بظهور ما ذكر بل دال علي الجامع الاعم خلافا لبعض حيث اختار دلالته علي الالزام.

و اما التشكيك في دلالة الآية الكريمة فهو مبني علي الرأي المشهور في الدلالة علي الوجوب و التحريم، و اما بناء علي مسلك حكم العقل فلا موجب له. و مع التنزل يكون السياق موجبا لتزلزل الظهور في الالزام دون ان يوجب الظهور في الكراهة ليمتنع الاخذ بظهور الروايتين المتقدمتين في الالزام.3.

ص: 79


1- جواهر الكلام 182:41.
2- وسائل الشيعة 226:18 الباب 1 من أبواب الشهادات الحديث 6.
3- وسائل الشيعة 225:18 الباب 1 من أبواب الشهادات الحديث 3.
4 - و اما وجوب الاداء

فلم ينقل فيه خلاف. و يدل عليه قوله تعالي: وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ (1) ، بعد الغاء خصوصية المورد بفهم العرف، و قوله تعالي: وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا (2) لا طلاقه الشامل للأداء.

و مجرد ذكر ذلك بعد طلب الاستشهاد بشهيدين لا يدل علي الاختصاص بالتحمل.

و مما يؤيد الوجوب الروايات الدالة علي ذلك، فان ضعف سندها لا يمنع من التمسك بها علي مستوي التأييد.

5 - و اما اشتراط وجوب الاداء بالدعوة الي التحمل

فلصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «اذا سمع الرجل الشهادة و لم يشهد عليها فهو بالخيار ان شاء شهد و ان شاء سكت الا اذا علم من الظالم فيشهد و لا يحل له ان لا يشهد»(3) و غيرها. و لولاها كان المناسب الوجوب مطلقا لإطلاق الآيتين الكريمتين.

6 - و اما استثناء حالة ظلم احد الطرفين

فلوجوب ازالة الظلم و الصحيحة المتقدمة.

7 - و اما التبرع باداء الشهادة

فلا اشكال بين الاصحاب في عدم وجوبه بالرغم من ان مقتضي المطلقات عكس ذلك. قال تعالي: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللّهِ (4) ، وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ

ص: 80


1- البقرة: 283.
2- البقرة: 282.
3- وسائل الشيعة 232:18 الباب 5 من أبواب الشهادات الحديث 4.
4- البقرة: 140.

يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ (1) ، وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ (2).

و انما الاشكال في رفض الشهادة التبرعية و عدمه. و قد فصّل في هذا المجال بين ما اذا كان مورد الشهادة التبرعية حقوق الناس فترفض و ما اذا كان حقوق اللّه سبحانه فتقبل.

اما الرفض في الاول فلان التبرع في الشهادة موجب لتطرق التهمة، و للحديث النبوي: «ثم يفشو الكذب حتي يشهد الرجل قبل ان يستشهد»(3) ، «ثم يجيء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها»(4) و غيرهما.

و اما القبول في الثاني فعلّله المحقق في الشرائع بعدم وجود المدعي فيه لاختصاص الحق باللّه سبحانه او لاشتراك الكل في ذلك، كما في الشهادة للمصالح العامة كالقناطر و المدارس(5).

و التفصيل المذكور بما اشتمل عليه من الاستدلال كما تري.

و المناسب قبول الشهادة التبرعية لان ما ذكر بعد عدم صلاحيته للمانعية تعود المطلقات - من قبيل: وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ (6) و غيره - سالمة عن المقيد من الناحية المذكورة فيتمسك باطلاقها.

هذا مضافا الي امكان التمسك بموثقة سماعة المتقدمة: «سألته2.

ص: 81


1- البقرة: 282.
2- الطلاق: 2.
3- سنن ابن ماجه 64:2.
4- مسند احمد 426:4.
5- شرايع الإسلام 917:4، انتشارات استقلال.
6- الطلاق: 2.

عما يرد من الشهود، قال: المريب، و الخصم...»(1) ، حيث لم يذكر المتبرع من جملة الاقسام.

8 - و اما الشهادة علي الشهادة

فهي مقبولة عندنا من دون خلاف.

و لا تثبت شهادة الاصل الا بشهادة رجلين.

و يظهر من بعض الاخبار الاكتفاء بشهادة الواحد، كما دلت عليه صحيحة البزنطي المتقدمة، حيث قال الامام الصادق عليه السّلام لأبي حنيفة «... بلي تبعثون رجلا واحدا فيسأل عن مائة شاهد فتجيزون شهادتهم بقوله و انما هو رجل واحد»(2). و من هنا جاءت نصوصنا تؤكد اعتبار شهادة اثنين.

و المستند لثبوت الشهادة بالشهادة امران:

أ - اقتضاء القاعدة لذلك، فان شهادة الاصل كسائر الأشياء مشمولة لإطلاق أدلة حجية الشهادة.

ب - النصوص الخاصة، كموثقة طلحة بن زيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن ابيه عن علي عليه السّلام: «كان لا يجيز شهادة رجل علي رجل الا شهادة رجلين علي رجل»(3) و غيرها.

ثم انه ورد في موثقة غياث بن ابراهيم عن جعفر عن ابيه: «ان عليا عليه السّلام قال: لا اقبل شهادة رجل علي رجل حي و ان كان باليمين»(4).

و يمكن حمل ذلك علي كون المقصود: لا اجيز شهادة شخص

ص: 82


1- وسائل الشيعة 278:18 الباب 32 من أبواب الشهادات الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 196:18 الباب 14 من أبواب كيفية الحكم الحديث 17.
3- وسائل الشيعة 298:18 الباب 44 من أبواب الشهادات الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 298:18 الباب 44 من أبواب الشهادات الحديث 3.

واحد من دون انضمام ثان اليه لإثبات شهادة الاصل.

و مما يؤكد ذلك موثقته الاخري، حيث ورد فيها: «ان عليا عليه السّلام كان لا يجيز شهادة رجل علي شهادة رجل الا شهادة رجلين علي شهادة رجل»(1).

9 - و اما استثناء حدود اللّه سبحانه

فلموثقة طلحة بن زيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن ابيه عن علي عليه السّلام: «كان لا يجيز شهادة علي شهادة في حدّ»(2) و غيرها.

و مقتضي اطلاقها عدم الفرق بين كون الحد خاصا باللّه سبحانه او مشتركا كما هو واضح.

10 - و اما عدم اعتبار الاشهاد في غير الطلاق و الظهار

فللأصل بعد عدم الدليل علي الاعتبار.

و اما اعتباره في الطلاق فمما لا خلاف فيه عندنا لقوله تعالي: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ ... فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (3).

و اذا لم تكن في ذلك دلالة واضحة علي اعتبار الاشهاد في الطلاق فيمكن الاستعانة بصحيحة احمد بن محمد بن أبي نصر: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل طلق امرأته بعد ما غشيها بشهادة عدلين، قال:

ليس هذا طلاقا. قلت: فكيف طلاق السنّة؟ فقال: يطلقها إذا طهرت من

ص: 83


1- وسائل الشيعة 298:18 الباب 44 من أبواب الشهادات الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 299:18 الباب 45 من أبواب الشهادات الحديث 1.
3- الطلاق: 1-2.

حيضها قبل أن يغشيها بشاهدين عدلين كما قال اللّه عز و جل في كتابه، فان خالف ذلك ردّ الي كتاب اللّه»(1) و غيرها.

و اما اعتباره في الظهار فمما لا خلاف فيه أيضا لصحيحة حمران: «قال ابو جعفر عليه السّلام... لا يكون ظهار الا في طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين»(2) و غيرها.

11 - و اما استحباب الاشهاد في النكاح

فهو المشهور بيننا - علي العكس عند غيرنا حيث اعتبروا لزومه فيه و عدم لزومه في الطلاق - لصحيحة داود بن الحصين عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهن اذا كانت المرأة منكرة، فقال: لا بأس به. ثم قال: ما يقول في ذلك فقهاؤكم؟ قلت: يقولون لا تجوز الا شهادة رجلين عدلين فقال: كذبوا لعنهم اللّه، هوّنوا و استخفوا بعزائم اللّه و فرائضه و شددوا و عظموا ما هوّن اللّه، ان اللّه أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين فأجازوا الطلاق بلا شاهد واحد، و النكاح لم يجئ عن اللّه في تحريمه [عزيمة] فسنّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في ذلك الشاهدين تأديبا...»(3) و غيرها.

و هي كما تدل علي نفي وجوب الاشهاد في النكاح تدل علي استحبابه فيه.

هذا و المنسوب الي ابن ابي عقيل لزوم الاشهاد في الدائم(4).

ص: 84


1- وسائل الشيعة 282:15 الباب 10 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 509:15 الباب 2 من كتاب الظهار الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 265:18 الباب 24 من أبواب الشهادات الحديث 35.
4- جواهر الكلام 40:29.

و تدل علي ذلك رواية مهلب الدلال: «كتبت الي ابي الحسن عليه السّلام: ان امرأة كانت معي في الدار ثم انها زوجتني نفسها و اشهدت اللّه و ملائكته علي ذلك، ثم ان أباها زوّجها من رجل آخر فما تقول؟ فكتب عليه السّلام: التزويج الدائم لا يكون الا بولي و شاهدين، و لا يكون تزويج متعة ببكر. استر علي نفسك و اكتم رحمك اللّه»(1).

الا انها مضافا الي ضعف سندها بالمهلب و الفضل بن كثير المدائني مخالفة للروايات الكثيرة الدالة علي عدم اعتبار ذلك، بل كاد يكون ذلك من شعار الامامية. علي ان رائحة صدورها تقية تفوح منها.

12 - و اما استحباب الاشهاد في الدين و البيع

فلقوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلي أَجَلٍ مُسَمًّي فَاكْتُبُوهُ ... وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ... وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ... (2) بعد وضوح لزوم رفع اليد عن ظهوره في الوجوب و الحمل علي الاستحباب للضرورة و السيرة القطعية.

و قد يقال: ان الآية الكريمة لا تدل علي استحباب الاشهاد شرعا بل علي طلبه ارشادا لا أكثر.

13 - و اما تصديق المرأة في دعوي كونها خلية

فلموافقة ذلك للأصل فلا تحتاج الي بينة، كما لا تحتاج الي يمين لعدم كونها مدعي عليها.

و اما تصديقها في انقضاء العدة بالرغم من مخالفة ذلك للأصل

ص: 85


1- وسائل الشيعة 459:14 الباب 11 من ابواب المتعة الحديث 11.
2- البقرة: 282.

فلصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «العدة و الحيض للنساء، اذا ادعت صدقت»(1).

و اما انها لا تصدق اذا ادعت ما يخالف عادة النساء فلعدم وجود المثبت لذلك.

و اما كفاية شهادة النساء من بطانتها بان عادتها سابقا كانت كذلك فلموثقة اسماعيل بن ابي زياد عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام: «ان امير المؤمنين قال في امرأة ادعت انها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض فقال: كلفوا نسوة من بطانتها ان حيضها كان فيما مضي علي ما ادعت فان شهدن صدقت و الا فهي كاذبة»(2).3.

ص: 86


1- وسائل الشيعة 596:2 الباب 47 من أبواب الحيض الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 596:2 الباب 47 من ابواب الحيض الحديث 3.

كتاب اللّقطة

اشارة

1 - اللقطة و اقسامها 2 - من احكام اللقطة بالمعني الاخص 3 - من احكام اللقيط 4 - من احكام الضالة 5 - من احكام مجهول المالك

ص: 87

ص: 88

1 - اللقطة و أقسامها

اشارة

اللقطة(1) كل مال ضائع اذا اخذ و كان مالكه مجهولا.

و المستند في اعتبار القيود الثلاثة هو:

اما بالنسبة الي القيد الاول

فلتقوّم عنوان اللقطة بالضياع، فمن تبدل حذاؤه مثلا بحذاء الغير من دون معرفة صاحبه فلا يصدق علي ذلك عنوان اللقطة و ان صدق عنوان مجهول المالك.

و منه يتضح ان النسبة بين عنوان اللقطة و عنوان مجهول المالك هو العموم و الخصوص المطلق، فكل لقطة هي مجهول المالك من دون عكس.

و يأتي فيما بعد - إن شاء اللّه تعالي - الفرق بين العنوانين من حيث الحكم.

و اما بالنسبة الي القيد الثاني

فلانه بمجرد رؤية الشيء من دون

ص: 89


1- بضم اللام و فتح القاف او تسكينها.

أخذه لا يصدق عنوان اللقطة. و هكذا لو فرض امر شخص غيره بالاخذ فانه لا يصدق العنوان المذكور بالنسبة اليه ما دام لم يتصد بنفسه للأخذ.

و اما القيد الثالث

فاعتباره واضح.

ثم ان المال الضائع تارة يكون طفلا و اخري حيوانا و ثالثة غير ذلك.

و يصطلح علي الاول باللقيط، و علي الثاني بالضالة، و علي الثالث باللقطة او باللقطة بالمعني الاخص.

و لكل واحد من الاقسام الثلاثة احكامه الخاصة به. و المهم منها هو الثالث.

2 - من احكام اللقطة بالمعني الاخص

اشارة

يجوز اخذ اللقطة - و ان كان ذلك مكروها - بما في ذلك لقطة حرم مكة زادها اللّه شرفا.

و يلزم فيها تعريفها و الفحص عن مالكها لمدة سنة فان لم يعثر عليه كان الملتقط بالخيار بين تملكها مع الضمان او التصدق بها مع الضمان او ابقائها امانة في يده بلا ضمان.

هذا اذا لم تكن دون الدرهم الشرعي(1) و إلاّ جاز اخذها بلا تعريف.

كما ان هذا يختص بغير لقطة حرم مكة زادها اللّه شرفا، و اما هي فحكمها

ص: 90


1- المقصود من الدرهم الشرعي هو الفضة التي تعادل قيمتها ثلاثة غرامات الا ربع عشر الغرام تقريبا.

بعد التعريف سنة التصدق بها لا غير.

و المعروف ان التصدق لا بدّ ان يكون بقصد كونه عن صاحبها.

و اللقطة التي لا يمكن تعريفها - اما لفقدانها العلامة الخاصة المميزة لها عن غيرها او لان مالكها سافر الي مكان بعيد لا يمكن الوصول اليه او لان الملتقط يخاف الخطر او التهمة لو عرّف و ما شاكل ذلك - يسقط وجوب تعريفها. و المناسب وجوب التصدق بها و عدم جواز تملكها.

و في جواز دفع الملتقط اللقطة الي الحاكم الشرعي و سقوط وجوب التعريف عنه بذلك خلاف.

و المناسب دفع اللقطة - اذا اريد التصدق بها - الي خصوص الفقراء دون الاغنياء.

كما ان المناسب دفعها الي الغير و لا يكفي احتساب الملتقط لها علي نفسه اذا كان فقيرا.

و المستند في ذلك:

1 - اما جواز اخذ اللقطة

- بالرغم من اقتضاء القاعدة الاولية عدم ذلك - فللروايات الخاصة التي يأتي بعضها. علي انه يكفي لإثبات ذلك تسالم الاصحاب.

و اما ان ذلك مكروه فلصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام:

«سألته عن اللقطة قال: لا ترفعوها فان ابتليت فعرّفها سنة فان جاء طالبها و الا فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري علي مالك الي أن يجيء لها طالب»(1) و غيرها.

ص: 91


1- وسائل الشيعة 350:17 الباب 2 من أبواب اللقطة الحديث 3.

و انما حمل النهي علي الكراهة - بالرغم من ظهوره في التحريم - لدلالة موثقة زرارة: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن اللقطة فأراني خاتما في يده من فضة قال: ان هذا مما جاء به السيل و انا اريد ان أتصدق به»(1) علي جواز الالتقاط.

علي ان الجواز قضية واضحة في اذهان المتشرعة، و ذلك بنفسه صالح للقرينية علي حمل النهي علي الكراهة.

2 - و اما لقطة الحرم المكي

ففي جواز اخذها خلاف. و قد يستدل علي عدم الجواز:

أ - بقوله تعالي: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً (2) بتقريب ان جعل الحرم المكي آمنا يلازم تحريم اخذ اللقطة منه.

ب - و بصحيحة الفضيل بن يسار: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن لقطة الحرم فقال: لا تمس ابدا حتي يجيء صاحبها فيأخذها. قلت: فان كان مالا كثيرا قال: فان لم يأخذها الا مثلك فليعرفها»(3).

ج - و بصحيحة يعقوب بن شعيب: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن اللقطة و نحن يومئذ بمني فقال: اما بأرضنا هذه فلا يصلح، و اما عندكم فان صاحبها الذي يجدها يعرفها سنة في كل مجمع ثم هي كسبيل ماله»(4).

و الكل كما تري.

ص: 92


1- وسائل الشيعة 358:17 الباب 7 من أبواب اللقطة الحديث 3.
2- العنكبوت: 67.
3- وسائل الشيعة 361:9 الباب 28 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 361:9 الباب 28 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1.

اما الاول فلان جواز اخذ لقطة الحرم لغرض تعريفها و ايصالها الي صاحبها لا ينافي جعله آمنا، فان المراد من جعله آمنا كون الانسان فيه آمنا علي نفسه و ماله من القتل و النهب و لو بحق.

و اما الثاني فلان الصحيحة بلحاظ ذيلها ادلّ علي الجواز.

و اما الثالث فلان تعبير «لا يصلح» بعد ملاحظة صحيحة فضيل السابقة يراد به الكراهة.

و عليه فالمناسب هو القول بالجواز مع الكراهة.

و قد يؤكد الجواز - مضافا الي ما تقدم - بصحيحة ابراهيم بن عمر عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اللقطة لقطتان: لقطة الحرم و تعرّف سنة، فان وجدت صاحبها و الا تصدقت بها، و لقطة غيرها تعرف سنة فان لم تجد صاحبها فهي كسبيل مالك»(1).

3 - و اما انه يلزم في اللقطة التعريف لمدة سنة و بعدها يثبت

التخيير بين الامور الثلاثة المتقدمة

فهو المعروف بين الاصحاب.

و يمكن الاستدلال علي ذلك:

اما بالنسبة الي جواز التصدق مع الضمان فقد يتمسك له برواية حفص بن غياث: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم او متاعا و اللص مسلم هل يرد عليه؟ فقال: لا يرده فان امكنه ان يرده علي اصحابه فعل و الا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرّفها حولا فان اصاب صاحبها ردها عليه و الا

ص: 93


1- وسائل الشيعة 361:9 الباب 28 من أبواب مقدمات الطواف الحديث 4.

تصدق بها، فان جاء طالبها بعد ذلك خيّره بين الاجر(1) و الغرم، فان اختار الاجر فله الاجر، و ان اختار الغرم غرم له و كان الاجر له»(2). و قد رواها المشايخ الثلاثة.

و تمكن المناقشة في سندها لا من ناحية حفص - فان امره سهل بالرغم من كونه عامي المذهب لتعبير الشيخ عنه: «له كتاب معتمد»(3) و ان الطائفة قد عملت باخباره(4) - بل من ناحية اخري.

اما طريق الشيخ فبلحاظ علي بن محمد القاساني - الذي لم يوثق بل غمز عليه احمد بن محمد بن عيسي علي ما نقل النجاشي(5) - و بالقاسم بن محمد المعروف ب «كاسولا» الذي قال عنه النجاشي: «لم يكن بالمرضي»(6).

و اما طريق الشيخ الكليني فهو ضعيف بذلك و بالارسال.

و اما طريق الشيخ الصدوق فهو ضعيف بالقاسم بن محمد حيث ان طريقه الي المنقري في مشيخة الفقيه يمر به(7).

و المناسب - بعد ضعف سند رواية حفص - الاستدلال بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام: «و سألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرّفها سنة ثم يتصدق بها فيأتي صاحبها ما حال الذي تصدّق بها؟ و لمن5.

ص: 94


1- اي الثواب.
2- وسائل الشيعة 368:17 الباب 18 من أبواب اللقطة الحديث 1.
3- الفهرست: 61 الرقم 232.
4- العدة في الاصول: 61.
5- رجال النجاشي: 180، منشورات الداوري.
6- رجال النجاشي: 222.
7- لاحظ مشيخة الفقيه المذكورة في آخر الجزء الرابع من الفقيه: 65.

الاجر؟ هل عليه ان يرد علي صاحبها او(1) قيمتها؟ قال: هو ضامن لها و الاجر له الا ان يرضي صاحبها فيدعها و الاجر له»(2).

و سندها تام لأنها بطريق قرب الاسناد و ان كانت ضعيفة ب «عبد اللّه بن الحسن» حيث انه مجهول الحال الا ان صاحب الوسائل رواها من كتاب علي بن جعفر و طريقه اليه صحيح علي ما أوضحنا في أبحاث سابقة.

و اما بالنسبة الي جواز التملك مع الضمان فقد يستدل عليه بصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اللقطة يجدها الرجل و يأخذها قال: يعرفها سنة فان جاء لها طالب و الا فهي كسبيل ماله»(3) الا انها لا تدل علي الضمان، و من هنا نحتاج الي ما يدل علي ذلك. و قد يستدل عليه برواية حنان: «سأل رجل ابا عبد اللّه عليه السّلام و انا اسمع عن اللقطة فقال: تعرّفها سنة فان وجدت صاحبها و الا فانت احق بها. و قال: هي كسبيل مالك.

و قال: خيّره اذا جاءك بعد سنة بين اجرها و بين ان تغرمها له اذا كنت اكلتها»(4) ، و لكنها ضعيفة ب «ابي القاسم» فانه مجهول الحال.

و الاولي ان يستدل علي ذلك:

اما بالاولوية، بتقريب ان الضمان اذا كان ثابتا في حالة التصدق فبالأولي يكون ثابتا في حالة التملك.

او بصحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عليه السّلام:7.

ص: 95


1- الظاهر ان كلمة «او» زائدة.
2- وسائل الشيعة 352:17 الباب 2 من أبواب اللقطة الحديث 14.
3- وسائل الشيعة 349:17 الباب 2 من أبواب اللقطة الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 350:17 الباب 13 من أبواب اللقطة الحديث 7.

«سألته عن رجل اصاب شاة في الصحراء هل تحلّ له؟ قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: هي لك او لأخيك او للذئب فخذها و عرّفها حيث اصبتها، فان عرفت فردّها الي صاحبها، و ان لم تعرف فكلها و انت ضامن لها ان جاء صاحبها يطلب ثمنها ان تردها عليه»(1) ، بناء علي التعدي من الضالة الي اللقطة و عدم فهم الخصوصية لذلك.

ثم ان جملة: «و الا فهي كسبيل ماله» الواردة في صحيحة الحلبي قد يستفاد منها ان اللقطة تصير بعد التعريف و عدم العثور علي المالك ملكا للملتقط بلا حاجة الي قصده. و في المقابل قد لا يستفاد منها الا جواز التصرف و الانتفاع بها كما ينتفع بالملك. و تبقي القضية بعد هذا مرهونة باستظهار الفقيه.

و اما بالنسبة الي الاحتفاظ باللقطة بلا ضمان فيمكن استفادة جوازه من صحيحة الحلبي المتقدمة، فان جعل اللقطة كسبيل اموال الملتقط يدل بوضوح علي جواز الاحتفاظ بها من دون ضمان.

و اذا قلت: ان صحيحة علي بن جعفر الاخري: «و سألته عن الرجل يصيب اللقطة دراهم او ثوبا او دابة كيف يصنع؟ قال: يعرفها سنة، فان لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله حتي يجيء طالبها فيعطيها اياه، و ان مات اوصي بها، فان اصابها شيء فهو ضامن»(2) قد دلت علي الضمان.

قلت: لا بدّ من حملها علي حالة التعدي او التفريط و الا كانت ساقطة عن الاعتبار لهجران مضمونها لدي الاصحاب.3.

ص: 96


1- وسائل الشيعة 365:17 الباب 13 من أبواب اللقطة الحديث 7.
2- وسائل الشيعة 352:17 الباب 2 من أبواب اللقطة الحديث 13.
4 - و اما ان اللقطة دون الدرهم الشرعي يجوز اخذها بلا حاجة

الي تعريف

فلم يعرف فيه خلاف بين الاصحاب. و يمكن الاستدلال عليه بأحد امرين:

أ - رواية الشيخ الصدوق: «قال الصادق عليه السّلام:... و ان كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلا تعرّفها...»(1).

ب - مرسلة محمد بن ابي حمزة عن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن اللقطة قال: تعرف سنة قليلا كان أو كثيرا. قال:

و ما كان دون الدرهم فلا يعرّف»(2).

و كلتا الروايتين ضعيفة السند بالارسال الا ان يقال بكبري الانجبار بفتوي المشهور او يقال - بالنسبة الي خصوص الرواية الاولي - بحجية جميع روايات كتاب من لا يحضره الفقيه او بحجية كل ما ارسله الشيخ الصدوق بلسان قال.

و عليه فان قلنا باحد هذه المباني او قلنا بتحقق الا جماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم عليه السّلام فلا مشكلة و يلزم التفصيل بين ما دون الدرهم و غيره، اما اذا رفضنا كل ذلك فالمناسب عدم التفصيل و الحكم بلزوم التعريف في كليهما.

ثم انه بناء علي عدم وجوب التعريف هل يكون الحكم هو وجوب التصدق او جواز التملك؟ المعروف بين الاصحاب جواز قصد التملك، و لكنا اذا لا حظنا الرواية الثانية نراها ساكتة عن ذلك، و لو لاحظنا الرواية الاولي رأيناها تدل علي تحقق الملك القهري بمجرد الاخذ من

ص: 97


1- وسائل الشيعة 351:17 الباب 2 من أبواب اللقطة الحديث 9.
2- وسائل الشيعة 354:17 الباب 4 من أبواب اللقطة الحديث 1.

دون حاجة الي قصده علي خلاف ما عليه المشهور بين الاصحاب من الحاجة الي ذلك.

5 - و اما ان لقطة الحرم المكي تعرّف سنة ثم يتصدق بها و لا

يجوز تملكها

فهو المشهور بين الاصحاب بل ادعي في الجواهر عدم وجدان الخلاف فيه(1). و تدل عليه صحيحة ابراهيم بن عمر المتقدمة في الرقم 2، فانها تدل علي عدم جواز التملك لقاعدة التفصيل قاطع للشركة.

و هل وجوب التعريف و التصدق يعمّ اللقطة التي لا تبلغ الدرهم أيضا؟ المعروف بين الاصحاب عدم ذلك، فاللقطة الاقل من ذلك لا يلزم تعريفها و التصدق بها حتي اذا كانت في الحرم.

و لعل الوجه في ذلك ان صحيحة ابراهيم بن عمر لا اطلاق لها للّقطة الاقل من الدرهم حيث انها تتحدث عن اللقطة التي يجب تعريفها سنة سواء كانت في الحرم أم في غيره، و ليست هي الا ما كانت درهما فما زاد، و معه تعود مرسلة محمد بن ابي حمزة - الشاملة باطلاقها للقطة الحرم - بلا معارض فيتمسك باطلاقها.

6 - و اما ان التصدق لا بدّ ان يكون عن صاحبها

فهو المعروف في كلمات الاصحاب الا ان الروايات خالية منه. و لعل ذلك للانصراف اليه و الا فالمناسب كفاية التصدق المطلق لو لا كونه اولي من جهة موافقته للاحتياط.

7 - و اما ان المناسب في اللقطة التي لا يمكن تعريفها هو التصدق بها لا غير

ص: 98


1- جواهر الكلام 290:38.

فباعتبار ان جواز تملك مال الغير و التصرف فيه من دون احراز رضاه امر علي خلاف قاعدة «لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفس منه»(1) و لا بدّ من الاقتصار علي المورد الذي دل الدليل فيه علي جوازه، و هو بعد التعريف سنة، و في غير ذلك يلزم تطبيق حكم مجهول المالك - بعد تعذر تطبيق حكم اللقطة التي هي مصداق من مصاديق مجهول المالك - و هو التصدق.

8 - و اما جواز دفع اللقطة الي الحاكم الشرعي و سقوط وجوب

التعريف عن الملتقط بذلك

فقد ذكر صاحب الجواهر في توجيهه بانه ولي الغائب في الحفظ بل قد يقال بوجوب القبول عليه لأنه معدّ لمصالح المسلمين(2).

و فيه: ان ولاية الحاكم مختصة بالمورد الذي لم يجعل الشارع فيه الولاية للغير فانه ولي من لا ولي له، و في المقام قد جعلها للملتقط حيث جعل له الحق في التصدق. اجل لا بأس بدفع اللقطة اليه علي ان تبقي امانة بيده و يستمر الملتقط بالتعريف طول السنة، و اذا انتهت و لم يجد المالك تخير بين الامور الثلاثة المتقدمة أو يوكل الامر في ذلك الي الحاكم.

9 - و اما ان المناسب دفع اللقطة - اذا اريد التصدق بها - الي

خصوص الفقراء

فباعتبار ان المتبادر من مفهوم التصدق لزوم الفقر في المتصدق عليه و لا أقلّ من الشك في صدقه بدون ذلك فيلزم الاحتياط بعد عدم امكان التمسك بالاطلاق لأنه تمسك به في الشبهة

ص: 99


1- وسائل الشيعة 424:3 الباب 3 من ابواب مكان المصلي الحديث 1.
2- جواهر الكلام 368:38.

المصداقية، و هو غير جائز.

10 - و اما اعتبار الدفع الي الغير و عدم الاكتفاء باحتساب الملتقط

اللقطة صدقة علي نفسه

فلان ظاهر طلب التصدق في مثل صحيحة ابراهيم بن عمر المتقدمة في الرقم 2 هو المغايرة و انه تصدق علي الغير.

3 - من احكام اللقيط

اشارة

يجب اخذ الطفل الضائع اذا خيف عليه التلف و رعايته و الانفاق عليه سواء علم بتعمد اهله لنبذه عجزا عن تربيته او خوفا من الفضيحة او لغير ذلك أم علم بضياعه من اهله أم علم بهلاك اهله و بقائه وحده أم جهل حاله.

و لا فرق في ذلك بين كونه طفلا رضيعا او اكبر من ذلك ما دام هو بحاجة ماسة الي من يتكفل شئونه.

و الملتقط احق باللقيط من غيره الي ان يبلغ فان له الحق آنذاك في ان يوالي من شاء بعد ان يرد علي الملتقط كل ما انفق عليه.

و المستند في ذلك:

1 - اما لزوم اخذ الطفل الضائع اذا خيف عليه التلف

فلانه بعد كونه نفسا محترمة فالحفاظ عليه يكون واجبا بالضرورة.

و اما عدم الفرق بين كون الطفل رضيعا او اكبر من ذلك فلعموم النكتة المتقدمة.

2 - و اما ان الملتقط احق من غيره ما دام اللقيط لم يبلغ

فلان الاسبقية نفسها تمنح صاحبها حقا بالسيرة العقلائية الممضاة من

ص: 100

خلال عدم ثبوت الردع عنها.

هذا مضافا الي امكان استفادة ذلك من صحيحة عبد الرحمن العرزمي عن ابي عبد اللّه عن ابيه عليهما السّلام: «المنبوذ حر، فاذا كبر فان شاء توالي الي الذي التقطه و الا فليرد عليه النفقة و ليذهب فليوال من شاء»(1) الدالة علي لزوم رد النفقة بعد البلوغ اذا اراد ان يوالي الغير.

4 - من احكام الضالة

اشارة

الحيوان المملوك للغير اذا عثر عليه في الصحراء و نحوها من الامكنة التي لا يؤمن فيها من السباع و نحوها و كان قادرا علي حفظ نفسه - اما لكبر جثته او سرعة عدوه كالبعير و نحوه - فلا يجوز اخذه، و من فعل ذلك كان ضامنا له و لا تبرأ ذمته من ضمانه الا بدفعه الي مالكه، و لا يزول الضمان عنه بارساله في الموضع الذي اخذ فيه، و يلزم تعريفه، و مع اليأس من الوصول الي مالكه و معرفته يتصدق به.

و اذا كان لا يقدر علي حفظ نفسه - كما في الشاة و نحوها - فلا يجب اخذه و ان جاز و يلزم تعريفه في موضع الالتقاط، و مع عدم معرفة صاحبه يجوز التصرف فيه بالاكل و نحوه مع ضمان قيمته بعد ذلك لو عاد صاحبه و لم يرض بما حصل.

و اذا عثر علي الحيوان في الامكنة العامرة التي يؤمن فيها من السباع عادة فلا يجوز اخذه، و مع الاخذ يضمن، و يلزم تعريفه و يبقي الي ان يؤدي الي

ص: 101


1- وسائل الشيعة 371:17 الباب 22 من أبواب اللقطة الحديث 3.

مالكه، و مع اليأس عنه يتصدق به.

و المستند في ذلك:

1 - اما عدم جواز اخذ الحيوان في الصحراء و نحوها ما دام قادرا

علي حفظ نفسه

فهو مقتضي قاعدة عدم حلية التصرف في مال الغير ما دام لا يحرز طيب نفسه، المستندة الي قوله صلّي اللّه عليه و آله: «لا يحل دم امرئ مسلم و لا ماله الا بطيبة نفس منه»(1).

هذا مضافا الي دلالة صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سأل رجل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن الشاة الضالة بالفلاة فقال للسائل: هي لك او لأخيك او للذئب. قال: و ما احب ان امسها. و سئل عن البعير الضال فقال للسائل: ما لك و له، خفه حذاؤه، و كرشه سقاؤه، خل عنه»(2) و غيرها علي ذلك. و السؤال في ذيلها و ان كان خاصا بالبعير الا ان الجواب يستفاد منه العموم لكل حيوان قادر علي حفظ نفسه.

2 - و اما ضمان من اخذ الحيوان القادر علي حفظ نفسه

فهو مقتضي قاعدة علي اليد الثابتة بالسيرة العقلائية الممضاة من خلال عدم الردع عنها.

3 - و اما بقاء الضمان بعد الاخذ الي ان يتم تسليمه الي مالكه و لا

يكفي ارساله

فلقضاء قاعدة علي اليد بذلك و ان الضمان يستمر الي ان يتمّ التسليم بشكل كامل الي المالك.

4 - و اما لزوم تعريف الحيوان

فلانه مقدمة للإيصال الي المالك المفروض وجوبه.

ص: 102


1- وسائل الشيعة 424:3 الباب 3 من ابواب مكان المصلي الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 364:17 الباب 13 من أبواب اللقطة الحديث 5.

و اما انه مع اليأس عنه يتصدق به فلان ذلك حكم مجهول المالك علي ما يأتي إن شاء اللّه تعالي.

5 - و اما ان الحيوان اذا كان لا يقدر علي حفظ نفسه فلا يجب

اخذه

فلان الحفاظ علي مال الغير لا دليل علي وجوبه.

و اما جواز اخذه - بالرغم من اقتضاء القاعدة عدم جوازه - فلصحيحة معاوية المتقدمة. و موردها و ان كان خاصا بالشاة الا ان المستفاد من الجواب التعميم لغيرها.

و اما لزوم تعريفه فلانه مقدمة للإيصال الي المالك المفروض وجوبه. هذا مضافا الي دلالة صحيحة علي بن جعفر - المتقدمة في احكام اللقطة الرقم 3 - علي ذلك. و هي كما تدل علي لزوم التعريف تدل أيضا علي جواز الانتفاع مع الضمان.

6 - و اما انه لا يجوز اخذ الحيوان الضائع في الامكنة العامرة

فهو مقتضي قاعدة عدم جواز التصرف في مال الغير من دون احراز طيب نفسه.

و اما انه يضمن مع الاخذ و يلزم تعريفه و يبقي الضمان الي ان يؤدي الي المالك و مع اليأس عنه يتصدق به فقد اتضح مما تقدم.

5 - من احكام مجهول المالك

اشارة

عنوان اللقطة لا يرادف عنوان مجهول المالك.

و حكم اللقطة ما تقدم، في حين ان حكم المال المجهول مالكه هو الفحص عنه الي حدّ اليأس - من دون تقيد بمدّة سنة - فان تحقق تصدق به.

ص: 103

و اذا كان المالك معلوما و تعذر الوصول اليه و كسب الاجازة منه في تحديد كيفية التصرف فحكمه حكم المال المجهول مالكه.

و عليه فمن أخذ قلما او مسبحة او غير ذلك من الغير لقضاء حاجة فعلية له و لم يعرف ممن اخذ ذلك او كان يعرفه و لكن لا يعرف خبره فحكمه حكم مجهول المالك دون اللقطة.

و هكذا الحال في من اودع بعض اثاث بيته في دار شخص و سافر من دون ان يعرف خبره فانه يلزم تطبيق حكم مجهول المالك عليه دون اللقطة.

و هكذا الحال في سائر الأمثلة التي لا يكون فيها عنوان الضياع متحققا.

و من خلال هذا يتضح الحال في من تبدل حذاؤه او عباءته اشتباها فانه يجري في مثل ذلك حكم مجهول المالك و لا يجوز التصرف الا مع احراز رضا المالك. و في جواز المقاصة اشكال خصوصا اذا كان الاشتباه منه لا من الغير.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان عنوان اللقطة عنوان آخر يغاير عنوان مجهول المالك

فواضح، اذ اللقطة فرد من افراد مجهول المالك و لا تصدق عرفا الا مع الضياع. و قد رتب عليها شرعا حكم خاص، و هو وجوب الفحص عن المالك لمدة سنة ثم مع عدم العثور عليه يتخير بين امور ثلاثة حسبما تقدم حتي مع فرض عدم اليأس من العثور عليه، و هذا بخلاف عنوان مجهول المالك غير اللقطة فان الفحص عن مالكه لازم من دون تقيد بمدة سنة بل المدار - حسبما هو المختار لجملة من الاصحاب و تدل عليه بعض الروايات الآتية - علي اليأس منه، و مع تحققه لا يتخير بين الامور الثلاثة بل يتعين التصدق.

ص: 104

2 - و اما الفرق بين اللقطة و مجهول المالك في الحكم

فمستنده:

اما بالنسبة الي اللقطة فهو ما تقدم من الروايات.

و اما بالنسبة الي مجهول المالك فهو ما يظهر من بعض الروايات، كصحيحة يونس بن عبد الرحمن: «سئل ابو الحسن الرضا عليه السّلام و انا حاضر... رفيق كان لنا بمكة فرحل منها الي منزله و رحلنا الي منازلنا فلما ان صرنا في الطريق اصبنا بعض متاعه معنا فاي شيء نصنع به؟ قال: تحملونه حتي تحملوه الي الكوفة. قال: لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع. قال: اذا كان كذا فبعه و تصدق بثمنه. قال له: علي من جعلت فداك؟ قال: علي اهل الولاية»(1) ، و صحيحة معاوية بن وهب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل كان له علي رجل حق ففقده و لا يدري أين يطلبه و لا يدري أحي هو أم ميت و لا يعرف له وارثا و لا نسبا و لا ولدا. قال: اطلب. قال: فان ذلك قد طال فاتصدق به؟ قال: اطلبه»(2).

بل يمكن التمسك لا ثبات وجوب الفحص في مجهول المالك الي حد اليأس بقوله تعالي: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلي أَهْلِها (3).

3 - و اما تعميم حكم مجهول المالك للمال المعلوم مالكه مع تعذر

الوصول اليه

فباعتبار ان مورد الروايات السابقة هو معلوم المالك

ص: 105


1- وسائل الشيعة 357:17 الباب 7 من أبواب اللقطة الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 583:17 الباب 6 من ابواب ميراث الخنثي الحديث 2. و سند الصحيحة الذي سجله الحر في الوسائل ضعيف - لعدم ثبوت وثاقة ابن عون و ابي ثابت - الا ان هناك سندا آخر صحيحا أشار اليه الشيخ في تهذيبه 188:6.
3- النساء: 58.

و انما تعدينا الي مجهول المالك لأجل الغاء الخصوصية عرفا.

4 - و اما اعتبار تعذر كسب الاجازة من المالك المعلوم

فباعتبار انه لا يجوز التصرف في مال الغير بدون طيب نفسه فاذا امكن كسب الاجازة في تحديد كيفية التصرف فلا يجوز من دونه.

5 - و اما الحكم المذكور لتبدل العباءة او الحذاء

فواضح اذ مع احراز رضا المالك بالتصرف بنحو خاص فلا تعود مشكلة، و مع عدم احراز ذلك يلزم تطبيق حكم مجهول المالك.

و اما وجه الاشكال في جواز المقاصة فباعتبار ان مستندها خاص بمورد التعمد و المفروض في محل كلامنا هو الاشتباه فلاحظ صحيحة داود بن رزين: «قلت لأبي الحسن موسي عليه السّلام: اني اخالط السلطان فتكون عندي الجارية فيأخذونها و الدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ثم يقع لهم عندي المال فلي أن آخذه؟ قال: خذ مثل ذلك و لا تزد عليه»(1).

و اما اوضحية الاشكال في جواز المقاصة في حالة كون الاشتباه من الشخص نفسه دون الغير فباعتبار ان مستند جواز المقاصة علي تقدير عمومه لحالة الاشتباه خاص بما اذا كان الاشتباه من الغير لا من الشخص نفسه.

ص: 106


1- وسائل الشيعة 201:12 الباب 83 من ابواب ما يكتسب به الحديث 1.

كتاب الاقرار

اشارة

1 - حقيقة الاقرار و مدرك حجيته

2 - من أحكام الاقرار

ص: 107

ص: 108

1 - حقيقة الاقرار و مدرك حجيته

اشارة

الاقرار اخبار الشخص عن حق ثابت عليه او نفي حق له علي غيره.

و هو حجة و نافذ علي المقر بلا اشكال.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان حقيقة الاقرار ما ذكر

فمما لا تأمل فيه، فان لفظ الاقرار - بناء علي كون مدرك حجية الاقرار لفظيا - ظاهر عرفا فيما ذكرناه.

و اذا كان مدرك الحجية هو السيرة العقلائية فهي تقتضي ثبوت الحجية للإقرار بالمعني المذكور.

ثم ان لازم كون الاقرار اخبارا خروجه عن العقود و الايقاعات و كونه شيئا ثالثا في مقابلهما كما هو واضح.

و ينبغي التفرقة بين قاعدة حجية الاقرار و قاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به، فان معني الاولي: ان من أقرّ علي نفسه بشيء كان ملزما به، في حين ان معني الثانية: ان من كان له الحق في تصرف معين فاخباره عن تحققه نافذ، فالزوج ما دام له الحق في طلاق زوجته

ص: 109

فاخباره عن تحققه نافذ، و الوكيل في بيع دار و نحوها بما ان له الحق في ايقاع ذلك فاخباره عن تحققه نافذ.

2 - و اما ان الاقرار حجة علي المقر و ملزم به

فلا ينبغي التأمل فيه للسيرة العقلائية علي ذلك. و هي حجة بسبب عدم الردع عنها الكاشف عن امضائها.

هذا هو مدرك حجية اقرار العاقل علي نفسه.

و اما الحديث المشهور عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «اقرار العقلاء علي أنفسهم جائز»(1) فلا وجود له في كتب الحديث و انما هو مذكور في الكتب الاستدلالية لفقهائنا - من دون سند - كما اشار الي ذلك الحر العاملي(2).

و دعوي صاحب الجواهر انه حديث نبوي مستفيض او متواتر لا نعرف وجهها(3) ، فانه لم يثبت كونه حديثا ليكون مستفيضا او متواترا.

و اما شهرة العمل به - علي تقدير كونه حديثا - فهي لو تمت صغري و كبري فلا يمكن الاعتماد عليها في المقام لاحتمال ان استنادهم اليه ليس لكونه حديثا صادرا عن النبي صلّي اللّه عليه و آله حقا بل لان مضمونه مضمون عقلائي لا يحتاج الي رواية.

و عليه فالمدرك منحصر بالسيرة العقلائية.

و اما الاستدلال علي حجية الاقرار بمثل قوله تعالي: أَ أَقْرَرْتُمْ

ص: 110


1- وسائل الشيعة 133:16 الباب 3 من ابواب الاقرار الحديث 2، مستدرك الوسائل (نقلا عن عوالي اللآلي) 369:13.
2- وسائل الشيعة 133:16.
3- جواهر الكلام 3:35.

وَ أَخَذْتُمْ عَلي ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا (1) ، وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ (2) ، أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلي (3) فهو كالاستدلال بحكم العقل - بتقريب ان العاقل حيث انه لا يكذب علي نفسه بما يضره فاذا اقرّ علي نفسه بشيء حصل القطع بصدق المضمون المقر به - لا يخفي ما فيه.

2 - من احكام الاقرار

اشارة

لا يلزم الشخص باقراره الا اذا كان اخباره - بثبوت الحق عليه او انتفائه عنه - بنحو الجزم دون الاحتمال او الظن.

و لا يكون الاقرار حجة الا بلحاظ الآثار التي هي في ضرر المقر دون الآثار التي هي في صالحه او التي هي مرتبطة بالغير و هو أجنبي عنها.

و لا تختص حجية الاقرار بما اذا كان بلفظ معين بل يكفي كل ما يدل عليه و لو بالاشارة او الدلالة الالتزامية.

و لو عقّب المقر اقراره بما يضاده فان كان ذلك تراجعا منه عن اقراره فلا ينفذ بخلاف ما اذا كان تفسيرا و توضيحا.

و لو قال المقر هذا الشيء لفلان ثم قال بل لفلان فالمشهور ذهب الي لزوم دفعه الي الاول و غرامة قيمته للثاني.

و لو قال لفلان عليّ مال ألزم بتوضيحه.

و من ادعي زوجية امرأة و صدّقته قبل ذلك منه. و لو انكرت ذلك و لم تكن

ص: 111


1- آل عمران: 81.
2- التوبة: 102.
3- الاعراف: 172.

له بينة ألزم بترتيب ما عليه من الآثار.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الاقرار لا يكون ملزما للمقر الا اذا كان بنحو الاخبار

الجازم

فلقصور السيرة عن الشمول الا لمثل ذلك. و لا أقلّ من الشك في الشمول، و هو كاف في اثبات المطلوب.

2 - و اما ان الاقرار لا يكون حجة الا بلحاظ الآثار التي هي في

ضرر المقر

فباعتبار ان الاقرار علي النفس لا يصدق الا بلحاظ ذلك.

و منه يتضح لزوم التفكيك في كل اقرار بلحاظ آثاره فيلزم المقر بالآثار التي هي في ضرره دون غيرها، فلو أقر بابوة شخص له ألزم بالانفاق عليه دون العكس.

3 - و اما عدم اختصاص حجية الاقرار بما اذا كان بلفظ معين

و كفاية الاشارة و الدلالة الالتزامية

فلإطلاق السيرة العقلائية من هذه الناحية.

4 - و اما التفصيل - فيما لو عقّب المقر اقراره بما يضاده - بين ما

كان تراجعا فلا يقبل و بين ما اذا كان تفسيرا فيقبل

فلاقتضاء السيرة - التي هي المستند لحجية الاقرار - لذلك.

5 - و اما انه لو قال المقر هذا الشيء لفلان ثم قال بل لفلان دفع

الي الاول و غرم قيمته للثاني

فقد علله المشهور بان دفع العين للأول هو باعتبار حجية الاقرار الاول، و دفع القيمة الي الثاني هو باعتبار ان المقر باقراره الاول قد حال بينه و بينها فهو كالمتلف.

6 - و اما ان المقر يلزم بالتوضيح لو قال لفلان عليّ مال

فباعتبار ان ذمة المقر لما ثبت اشتغالها بالمال بمقتضي الاقرار فمن اللازم

ص: 112

تفريغها - علي تقدير المطالبة - و هو لا يتحقق الا بذلك.

7 - و اما ان من ادعي زوجية امرأة و صدّقته قبل ذلك منهما و حكم

بالزوجية

فلقاعدة «من ملك شيئا ملك الاقرار به» الثابتة بالسيرة العقلائية.

و اما ان المرأة لو أنكرت ألزم بترتيب الآثار التي هي عليه - كحرمة التزويج بأمّها أو أختها - فباعتبار حجية الاقرار علي النفس.

و اما بقية الآثار - كجواز النظر و نحوه - فحيث انه لا تدخل تحت القاعدة المذكورة فتعود بلا مثبت.

اجل بالنسبة الي الانفاق بالخصوص يمكن ان يقال بعدم وجوبه لأنه مقابل التمكين - اذ مع عدمه تكون ناشزا، و هي لا نفقة لها - المفروض عدمه.

ص: 113

ص: 114

كتاب الأطعمة و الأشربة

اشارة

1 - حيوان البحر 2 - حيوان البر 3 - الطيور 4 - ما يحرم من الحيوان المذبوح 5 - التحريم الطارئ

ص: 115

ص: 116

افراد ما يحرم تناوله ما يحرم تناوله تارة يكون من الحيوان و اخري من غيره. و نقصر الحديث - خوف الاطالة - علي الاول.

و الحديث يقع تاره عن حيوان البحر، و اخري عن حيوان البر، و ثالثة عن الطيور، و رابعة عما يحرم من الحيوان المذبوح، و خامسة عن التحريم الطارئ علي الحيوان في حالات معينة.

1 - حيوان البحر

اشارة

كل حيوان يعيش في الماء محرم ما عدا قسمين: السمك الذي له فلس(1) ، و الطيور المائية.

و اذا شك في وجود الفلس بني علي الحرمة. اما اذا شك في فلسية الموجود بني علي الحلية.

ص: 117


1- و قد عبّر عن الفلس في الروايات بالقشر.

و المستند في ذلك:

1 - اما انحصار الحلية في الحيوانات التي تعيش في الماء

بما تقدم فمرجعه الي دعويين:

الاولي: حلية السمك الذي له فلس، و الطيور المائية.

الثانية: حرمة ما عدا ذلك.

اما بالنسبة الي الدعوي الاولي فيدل عليها امران:

أ - التمسك بأصل الحل - الذي هو الاصل الاولي في الاشياء - المستند الي مثل قوله تعالي: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلي طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ... (1) ، و قوله صلّي اللّه عليه و آله: «رفع عن امتي... ما لا يعلمون»(2) ، و غير ذلك.

ب - الروايات الخاصة، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «قلت له: رحمك اللّه انا نؤتي بسمك ليس له قشر فقال: كل ما له قشر من السمك، و ما ليس له قشر فلا تأكله»(3) و غيرها.

هذا بالنسبة الي السمك.

و اما الطيور فيأتي التحدث عنها تحت عنوان الطيور إن شاء اللّه تعالي.

و اما بالنسبة الي الدعوي الثانية فهي متسالم عليها بين الاصحاب و ان نسب صاحب الجواهر الي بعض متأخري المتأخرين الوسوسة في ذلك بل الميل الي الحلّ في الجملة. و ربما ينسب ذلك الي الشيخ

ص: 118


1- الانعام: 145.
2- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 397:16 الباب 8 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.

الصدوق أيضا و لكنه لم يثبت(1).

و علي اي حال يمكن التمسك لذلك بموثقة عمار بن موسي الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الربيثا فقال: لا تأكلها فانا لا نعرفها في السمك يا عمار»(2).

ان قلت: ان الربيثا التي هي مورد الموثقة قد وردت روايات تدل علي حليتها من قبيل صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع: «كتبت الي ابي الحسن الرضا عليه السّلام: اختلف الناس عليّ في الربيثا فما تأمرني به فيها؟ فكتب عليه السّلام: لا بأس بها»(3). و لازم ذلك حمل النهي عن أكلها علي الكراهة، و معه فكيف يتمسك بالتعليل؟

قلت: ان ذلك لا ينافي حجية التعليل و جواز التمسك به، فانه علي اي حال يستفاد منه عدم حلية غير السمك، غايته بالنسبة الي خصوص الربيثا يلتزم بحليتها و ان لم تكن من السمك(4) للروايات الصريحة في جوازها.

2 - و اما تقييد حلية السمك بما اذا كان ذا فلس

فهو المعروف بين الاصحاب بل كاد يكون ذلك متسالما عليه بينهم. و تدل عليه الروايات الكثيرة التي من جملتها صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة.

الا ان في مقابل ذلك روايات تستفاد منها حلية ما ليس له فلس، كصحيحة محمد بن مسلم الاخري: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الجري

ص: 119


1- جواهر الكلام 243:36.
2- وسائل الشيعة 408:16 الباب 12 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 407:16 الباب 12 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 3.
4- بيد ان الفيض الكاشاني في الوافي 42:19 ذكر ان الربيثا نوع من السمك.

و المارماهي و الزمّير و ما ليس له قشر من السمك حرام هو؟ قال لي: يا محمد اقرأ هذه الآية التي في الانعام قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلي... (1) قال: فقرأتها حتي فرغت منها فقال: انما الحرام ما حرّم اللّه و رسوله في كتابه و لكنهم قد كانوا يعافون اشياء فنحن نعافها»(2) و غيرها.

و قد يجاب عنها اما بانه لا اعتبار بها بعد كثرة الروايات الدالة علي تقيّد الحل بالفلس او بلزوم حملها علي التقية.

و كلاهما كما تري، فان الجمع العرفي - بالحمل علي الكراهة - ما دام ممكنا فلا تصل النوبة الي ما ذكر، فان ذلك فرع التعارض المستقر المفروض عدمه.

و عليه فلا مناص لأجل ردها الا دعوي تسالم الاصحاب علي خلافها و هجرانهم لمضمونها حتي قال صاحب الجواهر: «لا تنبغي الوسوسة في الحكم المذكور خصوصا في مثل هذا الزمان الذي كاد يكون من ضروري المذهب»(3).

3 - و اما انه اذا شك في وجود الفلس يبني علي الحرمة

فلاستصحاب عدمه.

و اما انه اذا شك في فلسية الموجود يبني علي الحلية فلان مرجع الشك المذكور الي الشك في سعة الحرمة و شمولها لمثل الحيوان المذكور فيبني علي البراءة.

ص: 120


1- الانعام: 145.
2- وسائل الشيعة 404:16 الباب 9 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 20.
3- جواهر الكلام 250:36.

2 - حيوان البر

اشارة

الحيوان الذي يعيش في البر تارة يكون اهليا و اخري وحشيا.

اما الاهلي فتحل منه الانعام الثلاث و الخيل و البغال و الحمير و ان كانت الثلاثة الاخيرة مكروهة.

و اما الوحشي فيحل منه البقر و كبش الجبل(1) و الحمر الوحشية و الغزلان و اليحامير(2).

و هل ينحصر الحل - في حيوان البر - بما ذكر؟ يشكل ذلك.

و المستند في ذلك:

1 - اما حلية الانعام الثلاث

فهي من ضروريات الدين. و يدل عليها مضافا الي ذلك:

أ - قوله تعالي: وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ ءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ (3) ، وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ

ص: 121


1- كبش الجبل - علي ما قيل - هو الضأن و المعز الجبليان.
2- اليحمور حيوان شبيه بالابل. و قيل هو دابة وحشية لها قرنان طويلان كأنهما منشاران ينشر بهما الشجر يلقيهما كل سنة.
3- النحل: 5.

حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ.. (1) .

ب - و بقطع النظر عن ذلك يكفينا اصل الحل.

2 - و اما حلية لحم الخيل و البغال و الحمير

فهي المشهور بين الاصحاب. و نسب الخلاف الي الشيخ المفيد و الحلبي حيث حرّم الاول البغال و الحمير و الهجين من الخيل(2) ، و الثاني خصوص البغال(3).

و تدل علي الحلية - مضافا الي الاصل - صحيحة محمد بن مسلم و زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «انهما سألاه عن اكل لحوم الحمر الاهلية فقال: نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن اكلها يوم خيبر و انما نهي عن اكلها في ذلك الوقت لأنها كانت حمولة الناس و انما الحرام ما حرّم اللّه في القرآن»(4) ، و صحيحة محمد بن مسلم الاخري عن ابي جعفر عليه السّلام:

«سألته عن لحوم الخيل و البغال و الحمير فقال: حلال و لكن الناس يعافونها»(5) و غيرهما.

و في مقابل ذلك نصوص دلت علي النهي عن اكلها، من قبيل صحيح ابن مسكان: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام... عن اكل الخيل و البغال فقال: نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عنها و لا تأكلها الا ان تضطر اليها»(6) ، و صحيح سعد بن سعد عن الرضا عليه السّلام: «سألته عن لحوم البراذين(7)

ص: 122


1- الانعام: 142-144.
2- الهجين هو ما كان احد ابويه غير عربي.
3- جواهر الكلام 268:36.
4- وسائل الشيعة 390:16 الباب 4 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.
5- وسائل الشيعة 393:16 الباب 5 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 3.
6- وسائل الشيعة 393:16 الباب 5 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.
7- البرذون هو التركي من الخيل في مقابل العراب.

و الخيل و البغال فقال: لا تأكلها»(1).

و ذكر في الجواهر ان بالامكان ترجيح الطائفة الاولي باعتبار موافقتها للكتاب الكريم و مخالفتها للعامة(2).

هذا و لكن المناسب الجمع بحمل الثانية علي الكراهة فان الاولي صريحة في الجواز و الثانية ظاهرة في التحريم، و العرف يجمع بتأويل الظاهر بحمله علي الكراهة بقرينة الصريح.

و عليه فالتعارض غير مستقر لا مكان الجمع العرفي بينهما، و معه لا تصل النوبة الي اعمال المرجحين السابقين فان اعمال المرجحات فرع التعارض المستقر، و المفروض عدمه.

و من خلال الجمع العرفي المتقدم اتضح وجه الحكم بكراهة اكل لحم الثلاثة.

3 - و اما ان الخمسة من الحيوان الوحشي يحل اكل لحمها

فلم يعرف فيه خلاف. و يدل عليه:

أ - أصل الحل بالبيان المتقدم في بداية البحث.

ب - النصوص الخاصة، كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام:

«سألته عن ظبي او حمار وحش او طير صرعه رجل ثم رماه بعد ما صرعه غيره فمتي يؤكل؟ قال: كله ما لم يتغير اذا سمي و رمي»(3) ، و صحيحة سعد بن سعد: «سألت الرضا عليه السّلام عن اللامص فقال: و ما هو؟ فذهبت أصفه فقال: أ ليس اليحامير؟ قلت: بلي، قال: أ ليس تأكلونه

ص: 123


1- وسائل الشيعة 394:16 الباب 5 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 5.
2- جواهر الكلام 269:36.
3- وسائل الشيعة 34:17 الباب 19 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث 5.

بالخل و الخردل و الابزار؟ قلت: بلي، قال: لا بأس به»(1) ، و صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال في إيل يصطاده رجل فيقطعه الناس و الرجل يتبعه أ فتراه نهبة(2) ؟ قال: ليس بنهبة و ليس به بأس»(3) ، فان الأيل هو بقر الجبل.

و يبقي كبش الجبل لا رواية خاصة فيه الا انه يمكن التمسك لا ثبات حليته بقوله تعالي: ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ (4) ، بناء علي تفسير الأنثيين بالاهلي و الوحشي، بل حتي لو فسر بالذكر و الانثي فبالامكان التمسك بالاطلاق.

4 - و اما وجه الاشكال في حصر حلّ حيوان البر بما ذكر

فباعتبار ان ادلة حلية ما تقدم لا يستفاد منها حصر الحل بذلك، و معه يبقي غيره علي اصل الحل الا ما دل الدليل علي تحريمه بعنوانه الخاص، و هو ما يلي:

أ - نجس العين، كالكلب و الخنزير، فان حرمة لحمه هي من لوازم نجاسته العينية، كما هو واضح.

ب - السباع(5) ، كالأسد و النمر و الفهد و الثعلب و الضبع و...

و لا خلاف في تحريمها. و يدل علي ذلك صحيح داود بن فرقد عن ابي

ص: 124


1- وسائل الشيعة 34:17 الباب 19 من أبواب الأطعمة المباحة الحديث 2.
2- أي هل يعدّ أخذ الناس له نهبا و غصبا محرما بعد فرض ان الرجل قد جرحه.
3- وسائل الشيعة 275:16 الباب 17 من أبواب الصيد الحديث 2.
4- الانعام: 143.
5- السبع: كل حيوان مفترس. و قيل: هو كل حيوان له ظفر و ناب. و الناب هو السن الذي يتم به الافتراس.

عبد اللّه عليه السّلام: «كل ذي ناب من السباع و مخلب من الطير حرام»(1) ، و صحيح الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا يصلح اكل شيء من السباع، اني لا كرهه و اقذره»(2).

و مقتضي الصحيح الاول اعتبار وجود الناب بخلاف الصحيح الثاني فان مقتضاه عدم اعتبار ذلك علي تقدير وجود سبع لا ناب له.

و قد يجمع بحمل المطلق علي المقيد بناء علي ثبوت المفهوم للمقيد.

و هو وجيه لو لا موثقة سماعة: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المأكول من الطير و الوحش فقال: حرّم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كل ذي مخلب من الطير و كل ذي ناب من الوحش فقلت: ان الناس يقولون: من السبع فقال لي:

يا سماعة السبع كله حرام و ان كان سبعا لا ناب له و انما قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله هذا تفضلا الي ان قال: و كل ما صف و هو ذو مخلب فهو حرام»(3) الدالة علي حرمة مطلق السبع.

ثم انه ورد في بعض الروايات ما يدل علي عدم حرمة السبع، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «سئل عن سباع الطير و الوحش... فقال: ليس الحرام الا ما حرم اللّه في كتابه...»(4) و غيرها، الا انها ساقطة عن الحجية لهجران مضمونها بين الاصحاب.

ج - المسوخ، كالقردة و الخنازير و... و لا خلاف في تحريمها. و تدل6.

ص: 125


1- وسائل الشيعة 387:16 الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 388:16 الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 5.
3- وسائل الشيعة 388:16 الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 394:16 الباب 5 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 6.

علي ذلك صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن اكل الضب فقال: ان الضب و الفأرة و القردة و الخنازير مسوخ»(1) ، و موثقة سماعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «حرّم اللّه و رسوله المسوخ جميعها»(2) و غيرهما.

د - الحشرات. و هي كل حيوان يأوي ثقوب الارض، كالحية و العقرب و الجرذ و الفأرة و... و لم يعرف خلاف في حرمتها، الا انه لا دليل علي ذلك سوي رواية دعائم الإسلام عن امير المؤمنين عليه السّلام: «انه نهي عن الضب و القنفذ و غيره من حشرات الارض»(3).

و تمامية الحكم المذكور تتوقف علي احد الامور التالية:

الاول: ان الرواية و ان كانت ضعيفة السند - باعتبار انها مرسلة بل هذا هو الطابع العام علي روايات دعائم الإسلام - الا انها تعود حجة بناء علي تمامية كبري انجبار الرواية الضعيفة بفتوي المشهور علي و فقها.

الثاني: البناء علي حجية الشهرة الفتوائية كمدرك لإثبات الحكم الشرعي كما هو رأي المشهور بعد الالتفات الي ان حرمة الحشرات امر مشهور لو لم تكن مجمعا عليها.

الثالث: ان الحكم بحرمة الحشرات اجماعي - علي ما قيل - و الاجماع حجة بالرغم من كونه محتمل المدرك، بتقريب ان المجمعين اما ان يكونوا قد استندوا الي رواية الدعائم، و هذا يدل علي حقانية مضمونها، او لم يستندوا اليها، و هذا يعني ان الاجماع تعبدي و قد6.

ص: 126


1- وسائل الشيعة 379:16 الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 380:16 الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 3.
3- مستدرك وسائل الشيعة 170:16.

وصل الحكم المجمع عليه يدا بيد من المعصوم عليه السّلام.

و ينبغي الالتفات الي ان من مصاديق الحشرات الديدان فهي محرمة علي هذا، الا انه ينبغي ان يستثني من ذلك الديدان المتكونة في الفاكهة.

و الوجه في ذلك اما القصور في المقتضي، باعتبار ان الشهرة او الاجماع دليل لبي ينبغي الاقتصار فيه علي القدر المتيقن، و هو غير ذلك، او لوجود المانع و هو انعقاد سيرة المتشرعة علي التسامح مع ديدان الفاكهة.

هذه عناوين اربعة قد ثبت التحريم فيها.

و ربما يضاف اليها خامس، و هو عنوان الخبائث و يحكم بحرمة مثل الخنافس و الخفاش و القمل و غيرها من جهته - حتي مع فرض عدم دخولها تحت احد العناوين السابقة - استنادا الي مثل قوله تعالي:

يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ (1) .

و هو وجيه لو كان المراد من الخبائث ما تشمئز منه النفوس و لم يحتمل كون المراد منها الاعمال السيئة.

هذا و قد ادعي الاجماع علي حرمة مثل الزنابير و الذباب و البق و الفراش و الديدان و ما شاكل ذلك.

و لعل النكتة كونها من الخبائث، بل ان بعضها هو من المسوخ - علي ما قيل - كالزنابير.7.

ص: 127


1- الاعراف: 157.

3 - الطيور

اشارة

يحل كل حيوان طائر الا اذا:

أ - كان سبعا، أي ذا مخلب.

ب - أو كان صفيفه اكثر من دفيفه(1).

ج - أو لم تكن له قانصة و لا حوصلة و لا صيصية(2).

و الطير متي ما احرز حال صفيفه حكم بمقتضاه من دون ان تصل النوبة الي ملاحظة القانصة و نحوها و انما يلحظ ذلك في الطير الذي لا يعرف حال صفيفه.

و عليه فعند التعارض بين العلامة الثانية و الثالثة تقدم الثانية.

ص: 128


1- صفيف الطائر بسطه لجناحيه حالة طيرانه، كما هو الحال في جوارح الطير. و دفيفه تحريكه لجناحيه.
2- القانصة هي للطير بمنزلة المصارين في غيره، و تجتمع فيها الاجسام الصلبة، و يعبر عنها في الفارسية ب «سنك دان». و الحوصلة للطير كالمعدة لغيره، و تكون في آخر العنق عادة. و هذان العضوان يختص بهما الطائر الذي يأكل الحبوب ليسهل عليه من خلالهما هضم ما يعسر هضمه. و هما مفقودان في جوارح الطيور التي تأكل اللحوم لان اللحم سريع الهضم. و الحبّ متي ما اجتمع في الحوصلة يلين من خلال افرازاتها الخاصة و يستعد للهضم في القانصة. و قد قيل: ان افرازات القانصة تحلل ما كان في غاية الصلابة، بل ان قانصة النعامة قابلة لتحليل الحديد. هذا كله في القانصة و الحوصلة. و اما الصيصة فهي شوكة خلف رجل الطائر خارجة عن قدمه، و هي له بمنزلة الابهام للإنسان.

و يكفي عند فقدان العلامة الثانية وجود احد الامور الثلاثة و لا يلزم وجود جميعها.

و لا فرق في الاحكام المذكورة للطائر بين كونه طير بر او طير ماء.

و قد وقعت بعض الطيور الخاصة محلا للخلاف، كالغراب و اللقلق مثلا.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان كل طائر هو محكوم بالحلية الا اذا انطبق عليه احد

العناوين المذكورة

فلأن ذلك مقتضي اصل الحل.

2 - و اما حرمة السبع من الطائر

فهي مما لا يعرف فيها خلاف.

و تدل عليها صحيحة داود بن فرقد و موثقة سماعة المتقدمتان في الرقم 4 من حيوان البر - و غيرهما.

3 - و اما حرمة ما يصفّ

فلم يعرف فيها خلاف. و تدل عليها صحيحة زرارة: «سأل ابا جعفر عليه السّلام عما يؤكل من الطير فقال: كل ما دفّ و لا تأكل ما صفّ»(1) ، و موثقة سماعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كل ما صفّ و هو ذو مخلب فهو حرام...»(2) و غيرهما. و المراد كل ما دفّ اكثر و لا تأكل ما صفّ اكثر - كما فهم الفقهاء - و ليس المراد ما كان كذلك دائما، اذ كل ما يصف يدف أيضا و العكس بالعكس كما هو واضح.

4 - و اما حرمة الطائر الفاقد للقانصة و الحوصلة و الصيصة

فلم يعرف فيها خلاف. و تدل عليها صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت: الطير ما يؤكل منه؟ فقال: لا تأكل ما لم تكن له

ص: 129


1- وسائل الشيعة 420:16 الباب 19 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 421:16 الباب 19 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 2.

قانصة»(1) ، و موثقة سماعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كل من طير البر ما كانت له حوصلة و من طير الماء ما كانت له قانصة... و القانصة و الحوصلة يمتحن بهما الطير ما لا يعرف طيرانه و كل طير مجهول»(2) ، و رواية ابن بكير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كل من الطير ما كانت له قانصة أو صيصية أو حوصلة»(3).

و قد ورد في سند الاخيرة سهل. و الامر فيه ان كان سهلا فلا مشكلة و الا فحجيتها - من حيث علامية الصيصة التي لم ترد الا فيها - تبتني علي القول بكبري الانجبار.

5 - و اما ان العلامة الثالثة هي في طول فقدان العلامة الثانية

فيمكن استفادته من موثقة سماعة المتقدمة.

هذا و يمكن ان يقال: ان العلامتين المذكورتين متلازمتان في الوجود الخارجي عادة بل ان العلامة الثانية ملازمة للأولي أيضا، فان اكثرية الصفيف هي من لوازم الطيور الجوارح ذات المخلب باعتبار قوتها بخلاف الدفيف فانه من لوازم الطير الضعيف الذي لا يكون من الجوارح.

و ربما يقال اكثر من ذلك: و هو ان الميزان الاساسي في تحريم الطيور كونها من السباع - اي ذات مخلب - و اما كثرة الصفيف فهي علامة علي ذلك، و فقدان الامور الثلاثة المتقدمة هو علامة علي العلامة المذكورة.

ص: 130


1- وسائل الشيعة 418:16 الباب 18 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 419:16 الباب 18 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 419:16 الباب 18 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 5.

و الوجه فيه:

اما بلحاظ ان فقدان الامور الثلاثة علامة علي العلامة المذكورة فقد اتضح مما سبق.

و اما ان اكثرية الصفيف لو حظت علامة علي اثبات السبعية و ان الملاك هو السبعية فيتضح بملاحظة موثقة سماعة المتقدمة في الرقم 4 من حيوان البر حيث قالت في بدايتها: «حرّم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كل ذي مخلب من الطير...»(1) ، و هذا يدل علي كون الميزان في التحريم كون الطير ذا مخلب، ثم قالت في ذيلها: «و كل ما صف و هو ذو مخلب فهو حرام»، و هذا يدل علي اخذ الصفيف علامة علي كون الطائر ذا مخلب و الا فمن المعلوم عدم اعتبار الاجتماع، بل قيل ان الوارد في بعض النسخ: «فهو ذو مخلب»(2) و هو واضح فيما ذكرناه.

و يترتب علي هذا انا لو علمنا بكون الحيوان ليس ذا مخلب فمجرد اكثرية الصفيف لا تكون موجبة لتحريمه.

6 - و اما الاكتفاء بأحد الثلاثة في ثبوت الحل للحيوان

فباعتبار ان ذكرها في الروايات متفرقة دليل علي عدم اعتبار اجتماعها. هذا مضافا الي دلالة موثقة سماعة و رواية ابي بكير - المتقدمتين في الرقم 4 - علي ذلك بوضوح.

7 - و اما عدم الفرق بين طير البر و طير الماء في الاحكام المتقدمة

فباعتبار اطلاق النصوص المتقدمة، بل ان رواية مسعدة بن صدقة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كل من الطير ما كانت له قانصة و لا مخلب له. قال:

ص: 131


1- وسائل الشيعة 388:16 الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 3.
2- جواهر الكلام 307:36.

و سئل عن طير الماء فقال: مثل ذلك»(1) صريحة في التعميم.

8 - و اما الغراب

فمنشأ الخلاف في تحريمه اختلاف الروايات فيه، فان صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام: «ان اكل الغراب ليس بحرام انما الحرام ما حرّم اللّه في كتابه...»(2) دلت علي حليته، في حين ان صحيحة علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن الغراب الابقع و الاسود أ يحل اكلهما؟ فقال: لا يحل اكل شيء من الغربان زاغ و لا غيره»(3) دلت علي حرمته.

و التعارض مستقر. و المناسب ترجيح الاولي لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلي طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ... (4).

اجل لو لا المرجح المذكور كان المناسب التساقط و الحكم بالحرمة تمسكا باطلاق الروايات الدالة علي حرمة كل ما كان له مخلب، حيث نقل وجود المخلب في جميع اقسام الغراب(5).

هذا كله لو فرض حجية صحيحة زرارة في نفسها. اما اذا قلنا بعدم حجيتها - من باب هجران الاصحاب لمضمونها، فانهم لم يلتزموا

ص: 132


1- وسائل الشيعة 419:16 الباب 18 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 396:16 الباب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 396:16 الباب 7 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 3. و الابقع: هو ما خالط بياضه لون آخر. و الزاغ نوع من الغربان اسود صغير و قد يكون احمر المنقار و الرجلين. هذا و قد قيل بان الغراب علي اربعة اقسام، و الزاغ و الابقع هما من جملتها.
4- الانعام: 145.
5- جواهر الكلام 303:36.

بقاعدة ليس الحرام الا ما حرّم اللّه في كتابه، كما تقدمت الاشارة الي ذلك عند البحث عن حرمة السباع - فتبقي صحيحة علي بن جعفر بلا معارض و يلزم الاخذ بمضمونها و الحكم بالحرمة.

و بهذا اتضح ان الحكم بالحرمة هو المناسب علي تقديرين، و الحكم بالحلية هو المناسب علي تقدير واحد.

9 - و اما الخلاف في اللقلق

فليس لاختلاف النصوص فيه - فانه لا نص فيه بالخصوص - بل للاختلاف في تحقق ضوابط التحريم السابقة فيه و عدمه.

و قد قيل بوجود احدي العلامات الثلاث السابقة فيه فيلزم الحكم بحليته. و هذا وجيه اذا لم يثبت ان صفيفه اكثر، اما اذا ثبت ذلك - كما ادعي - فالمناسب الحكم بالحرمة و لا ينفع وجود احدي الثلاث السابقة فيه لما تقدم.

4 - ما يحرم من الحيوان المذبوح

اشارة

اذا ذبح الحيوان الذي يحل اكله لم يجز تناول جملة من الاشياء منه هي:

الدم، الخصيتان، القضيب، المثانة، الغدد(1) ، الطحال، المرارة.

و زاد المشهور اشياء اخري، كالفرج، و المشيمة(2) ، و خرزة الدماغ(3) ،

ص: 133


1- هي اجسام مدورة تشبه البندق.
2- و هي موضع الولد.
3- هي حبة بقدر الحمصة موجودة في وسط الدماغ.

و النخاع(1) ، و العلباءين(2) ، و حدقة العين(3) ، و الفرث.

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة السبعة الاولي

فهي ما عليه المشهور، بل قد يدعي الاتفاق علي حرمة الدم و الخصيتين و القضيب و الطحال. و تدل علي ذلك صحيحة ابراهيم بن عبد الحميد عن ابي الحسن عليه السّلام: «حرم من الشاة سبعة أشياء: الدم، و الخصيتان، و القضيب، و المثانة، و الغدد، و الطحال، و المرارة»(4) و غيرها. بل ان حرمة الدم هي من ضروريات الإسلام. و قد دلّ علي ذلك قوله تعالي: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ... (5) و غيره مما ورد في الكتاب الكريم.

و مقتضي الاطلاق حرمة الدم بجميع اقسامه بما في ذلك دم ما لا نفس له كالسمك.

اجل ينبغي ان يعفي من ذلك ما كان تابعا للّحم من دون ان يكون له وجود عرفي متميز، بل قد يتأمل في حرمة دم السمك من هذه الناحية.

2 - و اما حرمة البقية

فقد دلت عليها روايات(6) لا تخلو من ضعف

ص: 134


1- هو خيط ابيض في وسط فقار الظهر.
2- هما عصبان ممتدان علي الظهر من الرقبة الي الذنب.
3- و هي الحبة الناظرة منها لا جسم العين كله.
4- وسائل الشيعة 437:16 الباب 37 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1. و السند بطريق الكليني اذا كان قابلا للمناقشة من ناحية عبيد اللّه الدهقان فهو بنقل البرقي في محاسنه لا اشكال فيه.
5- المائدة: 3.
6- وسائل الشيعة 437:16 الباب 31 من أبواب الأطعمة المحرمة.

سندي. و بناء علي تمامية كبري الانجبار يمكن الافتاء بمضمونها. بل ان المحقق مال الي التحريم في المثانة و المرارة و المشيمة من جهة كونها من الخبائث(1).

5 - التحريم الطارئ

اشارة

قد تعرض الحرمة علي الحيوان المحلل بامور نذكر منها:

أ - الجلل، بان يتغذي الحيوان علي عذرة الانسان الي حدّ يصدق انها غذاؤه.

و تزول الحرمة بمنعه من التغذي بذلك الي ان يزول عنه اسم الجلل.

ب - وط ء الانسان لحيوان، فانه بذلك يحرم لحمه و لبنه و نسله. و قد قيل باختصاص التحريم بذوات الاربع.

ج - الموت، بمعني زهاق روح الحيوان من دون تذكية، فانه بذلك يحرم بجميع أجزائه الا ما لا تحله الحياة، كاللبن و البيضة اذا اكتست قشرها الاعلي و الانفحة(2).

و المستند في ذلك:

1 - اما حرمة الجلال

فهي المشهور بين الاصحاب. و تدل عليها صحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تأكل لحوم الجلالات

ص: 135


1- شرايع الإسلام 752:4، انتشارات استقلال.
2- الانفحة بكسر الهمزة و فتح الفاء - و قد تكسر - و تشديد الحاء و تخفيفها: شيء اصفر يستخرج من بطن الجدي الراضع قبل ان يأكل فيعصر في صوف فيغلظ و يستعمل كخمرة للجبن. و يعبر عنه في الفارسية ب «پنيرمايه».

و ان اصابك من عرقها فاغسله»(1) و غيرها.

و نسب الي الاسكافي و الشيخ الحكم بالكراهة دون التحريم. و لا وجه له - علي ما ذكر في الجواهر(2) - سوي الاصل الذي لا بدّ من رفع اليد عنه بالصحيحة.

و عن السبزواري الميل الي الكراهة أيضا بتقريب ان مستند التحريم اخبار لا تدل الا علي الرجحان، و هي معارضة في الوقت نفسه بالعمومات الدالة علي الحل(3).

و فيه: ان النهي ظاهر في التحريم، و معه لا مجال للعمل بالعمومات للزوم رفع اليد عن العموم بعد وجود المخصص له.

2 - و اما قصر الجلال علي ما تغذي بعذرة الانسان و عدم التعميم

لما تغذي بغيرها من النجاسات

فلانه اذا لم يجزم بكون ذلك هو معني الجلاّل لغة فلا أقل من كونه القدر المتيقن، و يبقي الزائد مشمولا لأصل البراءة بعد عدم امكان التمسك بالعموم لكونه تمسكا به في الشبهة المصداقية، و هو لا يجوز، لان الحكم لا يتكفل اثبات موضوعه.

و بكلمة اخري: ان المورد داخل تحت الشبهة المفهومية الناشئة من تردد المفهوم بين السعة و الضيق، و في مثله ينبغي الاقتصار علي القدر المتيقن و يجري في الزائد المشكوك اصل البراءة.

3 - و اما التقييد بما اذا كان التغذي الي حدّ يصدق ان ذلك غذاؤه

فلانه من دون ذلك ان لم يجزم بعدم صدق عنوان الجلال فلا أقل من

ص: 136


1- وسائل الشيعة 431:16 الباب 27 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 1.
2- جواهر الكلام 272:36.
3- جواهر الكلام 273:36.

الشك، و هو كاف في عدم تطبيق حكم الجلال لدخول المورد تحت الشبهة المصداقية التي لا يجوز فيها التمسك بالعموم.

4 - و اما زوال التحريم بمنع الحيوان من التغذي بذلك الي

ان يزول عنه اسم الجلل

فلان النهي كان متعلقا بعنوان الجلل فاذا زال زال.

و اما تحديد الفترة بمقدار معين - كأربعين يوما في الناقة و عشرين في البقرة و... - فمستنده اخبار ضعيفة فلاحظ (1).

5 - و اما حرمة موطوء الانسان

فلم يعرف فيه خلاف. و تدل عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، و عن الحسين بن خالد عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام، و عن اسحاق بن عمار عن ابي ابراهيم موسي عليه السّلام: «الرجل يأتي البهيمة فقالوا جميعا: ان كانت البهيمة للفاعل ذبحت فاذا ماتت احرقت بالنار و لم ينتفع بها و ضرب هو خمسة و عشرين سوطا ربع حد الزاني...»(2) ، و موثقة سماعة: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بهيمة: شاة أو ناقة أو بقرة فقال: عليه ان يجلد حدا غير الحد(3) ثم ينفي من بلاده الي غيرها. و ذكروا(4) ان لحم تلك البهيمة محرم و لبنها»(5) و غيرهما.

و يمكن ان يستفاد من الصحيحة حرمة النسل، حيث قالت: «و لم

ص: 137


1- وسائل الشيعة 433:16 الباب 28 من أبواب الأطعمة المحرمة.
2- وسائل الشيعة 570:18 الباب 1 من ابواب نكاح البهائم الحديث 1.
3- أي يحد أقل من حدّ الزنا، فان الزاني يحدّ بمائة في حين ان هذا يحد بخمسة و عشرين سوطا ربع حد الزاني.
4- قال المجلسي: اي الائمة عليهم السّلام. ثم قال: و لعله من كلام يونس او سماعة.
5- وسائل الشيعة 571:18 الباب 1 من ابواب نكاح البهائم الحديث 2.

ينتفع بها».

6 - و اما اختصاص التحريم بذوات الاربع

فقد صار اليه جماعة باعتبار ان ذلك هو المنصرف عرفا من كلمة البهيمة، و معه يتمسك في غير ذلك بأصل البراءة.

7 - و اما حرمة الميتة فامر

متسالم عليه بل هو من ضروريات الدين. قال تعالي: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ ... وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ (1). و في الذيل دلالة واضحة علي حصر الحل بالمذكي و كون المراد من الميتة غير المذكي لا خصوص ما مات حتف انفه.

ثم ان حرمة الميتة لا تختص بما كان له نفس سائلة بل تعم غيره كالسمك مثلا لإطلاق دليل التحريم، اجل تختص النجاسة بميتة ذي النفس الا ان ذلك مطلب آخر.

8 - و اما استثناء ما ذكر من حرمة الميتة

فلصحيحة زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الانفحة تخرج من الجدي الميت قال: لا بأس به. قلت: اللبن يكون في ضرع الشاة و قد ماتت، قال: لا بأس به.

قلت: و الصوف و الشعر و عظام الفيل و الجلد و البيض يخرج من الدجاجة فقال: كل هذا لا بأس به»(2) و غيرها.

و انما قيدنا البيضة بما اذا اكتست القشر الاعلي فلموثقة غياث بن ابراهيم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «بيضة خرجت من است دجاجة ميتة قال:

ص: 138


1- المائدة: 3.
2- وسائل الشيعة 449:16 الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 10.

ان كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها»(1)..»

ص: 139


1- وسائل الشيعة 448:16 الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 6. و من جملة روايات المسألة ما رواه الشيخ الكليني في الكافي 256:6 بسنده الي ابي حمزة الثمالي قال: «كنت جالسا في مسجد الرسول صلّي اللّه عليه و آله اذ اقبل رجل فسلّم فقال: من أنت يا عبد اللّه؟ قلت: رجل من اهل الكوفة. فقلت: ما حاجتك فقال لي: أ تعرف ابا جعفر محمد بن علي عليهما السّلام فقلت: نعم فما حاجتك إليه؟ قال: هيّأت له اربعين مسألة أسأله عنها فما كان من حق أخذته و ما كان من باطل تركته، قال ابو حمزة: فقلت له: هل تعرف ما بين الحق و الباطل؟ قال: نعم، فقلت له: فما حاجتك إليه اذا كنت تعرف ما بين الحق و الباطل؟! فقال لي: يا اهل الكوفة انتم قوم لا تطاقون اذا رأيت ابا جعفر عليه السّلام فاخبرني فما انقطع كلامي معه حتي اقبل ابو جعفر عليه السّلام و حوله اهل خراسان و غيرهم يسألونه عن مناسك الحج فمضي حتي جلس مجلسه و جلس الرجل قريبا منه. قال ابو حمزة: فجلست حيث اسمع الكلام و حوله عالم من الناس، فلما قضي حوائجهم و انصرفوا التفت الي الرجل فقال له: من انت؟ قال: انا قتادة بن دعامة البصري فقال له ابو جعفر عليه السّلام: أنت فقيه اهل البصرة؟ قال: نعم، فقال له ابو جعفر عليه السّلام: ويحك يا قتادة ان اللّه عز و جل خلق خلقا من خلقه فجعلهم حججا علي خلقه فهم اوتاد في ارضه، قوّام بأمره، نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه أظلة عن يمين عرشه، قال: فسكت قتادة طويلا ثم قال: اصلحك اللّه و اللّه لقد جلست بين يدي الفقهاء و قدّام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدامك قال له ابو جعفر عليه السّلام: و يحك أ تدري أين أنت؟ أنت بين يدي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ * رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ [النور: 36-37] فانت ثمّ و نحن اولئك. فقال له قتادة: صدقت و اللّه جعلني اللّه فداك و اللّه ما هي بيوت حجارة و لا طين. قال قتادة: فاخبرني عن الجبن، قال: فتبسم ابو جعفر عليه السّلام ثم قال: رجعت مسائلك الي هذا؟ قال: ضلت عليّ فقال: لا بأس به فقال: انه ربما جعلت فيه انفحة الميت قال: ليس بها بأس ان الانفحة ليس لها عروق و لا فيها دم و لا لها عظم انما تخرج من بين فرث و دم. ثم قال: و انما الانفحة بمنزلة دجاجة ميتة اخرجت منها بيضة فهل تؤكل تلك البيضة فقال قتادة: لا و لا آمر بأكلها فقال له ابو جعفر عليه السّلام: و لم؟ فقال: لأنها من الميتة، قال له: فان حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أ تأكلها؟ قال: نعم، قال: فما حرّم عليك البيضة و حلّل لك الدجاجة...»

ص: 140

كتاب الصّيد و الذّباحة

اشارة

(وسائل التذكية) 1 - وسائل تحقق التذكية

أ - الذبح

ب - النحر

ج - الاصطياد

2 - ما يقبل التذكية و أثرها

ص: 141

ص: 142

1 - وسائل تحقق التذكية

اشارة

لا يجوز اكل لحم الحيوان المحلل شرعا الا اذا كان مذكي. و تتحقق التذكية بالذبح و النحر و الاصطياد.

أ - الذبح
اشارة

لا تتحقق تذكية الحيوان شرعا بالذبح الا اذا توفر ما يلي:

1 - قطع الاعضاء الاربعة: المريء و الحلقوم و الودجين(1).

2 - اسلام الذابح، فلا تحل ذبيحة الكافر بما في ذلك الكتابي و ان تحققت منه التسمية علي المشهور.

3 - الذبح بالحديد، فلا يحل الحيوان اذا كان الذبح بغيره الا في حالة عدم وجوده فيجوز بغيره مما يتحقق به قطع الاعضاء الاربعة المتقدمة.

4 - ذكر اسم اللّه سبحانه حالة الذبح.

5 - استقبال القبلة بالحيوان حالة ذبحه.

ص: 143


1- المريء: مجري الطعام. و الحلقوم: مجري النفس، و محله فوق المريء. و الودجان: عرقان غليظان يجري فيهما الدم محيطان بالحلقوم، و قيل بالمريء.

6 - قصد الذبح بقطع الاعضاء، فلا يكفي الذبح من السكران و الصبي و النائم، بل لا يكفي لو وقعت السكين علي الاعضاء و قطعتها او حرك الذابح السكين علي الاعضاء لا بقصد الذبح فتحقق حصوله مع التسمية.

7 - خروج الدم بالمقدار المتعارف مع تحريك الحيوان بعض اطرافه - كالرجل او الذنب او الاذن و ما شاكل ذلك - بعد الذبح. بل يلزم في الدم الخارج ان لا يكون متثاقلا في خروجه.

و قد يقال باختصاص اعتبار حركة بعض الاطراف في حلية الذبيحة فيما اذا شك في حياتها قبل الذبح، اما مع احرازها فلا يعتبر ذلك.

هذه شروط تحقق التذكية.

و لا تجوز ابانة رأس الحيوان عمدا او انخاعه(1) قبل خروج روحه و لكنه لا يحرم بذلك.

و الذبح بواسطة المكائن الحديثة جائز و لا اشكال فيه ما دامت الشروط المتقدمة متوفرة.

و المستند في ذلك:

1 - اما اشتراط حلية الحيوان بالتذكية

فينبغي ان يكون من الواضحات لقوله تعالي: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ ... وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ (2).

و يمكن ان يقال: ان ذلك شرط فيما كانت روحه زاهقة، اما ما كان علي قيد الحياة فيجوز اكله بالرغم من عدم تحقق تذكيته - كما في

ص: 144


1- النخاع هو الخيط الابيض الممتد وسط الفقار من الرقبة الي الذنب. و الانخاع اصابة النخاع بالسكين لقطعه.
2- المائدة: 3.

ابتلاع السمك داخل الماء و هو حي او اكل بقية الحيوانات التي هي علي قيد الحياة ان امكن ذلك فيها - لان الآية الكريمة و ان حصرت الحل بالمذكي الا انها منصرفة الي الحيوان الذي ليس علي قيد الحياة، و معه يبقي الحي مشمولا لأصل البراءة.

2 - و اما حصر الوسائل التي تتحقق بها التذكية بالامور الثلاثة

المتقدمة

فلدلالة الروايات علي ذلك كما سيتضح.

3 - و اما اعتبار قطع الاعضاء الاربعة

فهو المشهور. و لا مستند له من الروايات سوي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت ابا ابراهيم عليه السّلام عن المروة و القصبة و العود يذبح بهنّ الانسان اذا لم يجد سكينا؟ فقال: اذا فري الاوداج فلا بأس بذلك»(1). و المقصود من الاوداج هي الاعضاء الاربعة المتقدمة لعدم احتمال ارادة شيء آخر غيرها.

و سندها معتبر بطريق الشيخ الطوسي و بكلا طريقي الشيخ الكليني فلاحظ.

الا ان في مقابل ذلك صحيحة زيد الشحام: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل لم يكن بحضرته سكين أ يذبح بقصبة؟ فقال: اذبح بالحجر و بالعظم و بالقصبة و العود اذا لم تصب الحديدة اذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس به»(2) الدالة علي كفاية قطع الحلقوم.

و المناسب الاخذ بمضمون الصحيحة المذكورة، فان صحيحة ابن الحجاج هي في صدد بيان ان وسيلة الذبح لا بدّ ان تكون لها القابلية

ص: 145


1- وسائل الشيعة 308:16 الباب 2 من ابواب الذبائح الحديث 1. و المروة: الحجر الحاد. و القصب: نبات مائي يكثر عند المستنقعات.
2- وسائل الشيعة 308:16 الباب 2 من ابواب الذبائح الحديث 3.

علي قطع الاوداج، اما انه يلزم قطع جميعها او بعضها فليست بصدده، و معه تبقي صحيحة الشحام بلا معارض.

هذا و لكن تحفّظ الفقيه عن مخالفة المشهور باحتياطه في الفتوي امر مناسب.

و هل يلزم عند قطع الاعضاء بقاء الخرزة - المعبر عنها بالجوزة - في العنق او يجوز بقاؤها في الجسد؟

و الجواب: المهم تحقق قطع الاوداج كلا او خصوص الحلقوم، و اما بقاء الجوزة في هذا المحل او ذاك فغير مهم بعد فرض تحقق ما ذكر.

اجل قيل بان تلك الاعضاء الاربعة متصلة بالجوزة بحيث اذا لم تبق في العنق بتمامها و لم يقع الذبح من تحتها فلا يمكن تحقق قطعها، الا ان هذا مطلب آخر فان صحّ لزم ابقاء الجوزة في العنق للجهة المذكورة لا لأنه مطلوب في نفسه.

4 - و اما اعتبار الإسلام في الذابح

فهو المشهور بين الاصحاب، بل في الجواهر انه كاد يكون من ضروريات المذهب في زماننا(1).

و اذا رجعنا الي الروايات وجدناها علي طوائف مختلفة، نذكر من بينها:

أ - ما دل علي النهي عن ذبيحة غير المسلم بشكل مطلق، كصحيحة حميد بن المثني عن العبد الصالح عليه السّلام: «سأله عن ذبيحة اليهودي و النصراني فقال: لا تقربوها»(2) و غيرها. و بالاولوية يتعدي الي بقية اصناف الكفار من غير اهل الكتاب.

ص: 146


1- جواهر الكلام 80:36.
2- وسائل الشيعة 352:16 الباب 27 من أبواب الذبائح الحديث 30.

ب - ما دل علي الجواز بشكل مطلق، كصحيحة الحلبي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن ذبيحة اهل الكتاب و نسائهم فقال: لا بأس به»(1) و غيرها.

ج - ما دلّ علي التفصيل بين سماع التسمية منهم فتحل الذبيحة و بين عدمه فلا تحل، كصحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و عن زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام انهما قالا في ذبائح اهل الكتاب: «فاذا شهدتموهم و قد سموا اسم اللّه فكلوا ذبائحهم، و ان لم تشهدوهم فلا تأكلوا، و ان اتاك رجل مسلم فأخبرك انهم سموا فكل»(2) و غيرها.

د - ما دلّ علي عدم الحلية حتي مع التسمية، كرواية زيد الشحام:

«سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن ذبيحة الذمي فقال: لا تأكله ان سمي و ان لم يسم»(3) ، و موثقة الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام: «ان عليا عليه السّلام كان يقول: كلوا من طعام المجوس كله ما خلا ذبائحهم فانها لا تحل و ان ذكر اسم اللّه عليها»(4).

الا ان هذه الطائفة لا بدّ من حذفها من الحساب لضعف سند الاولي بالمفضل بن صالح الذي لم يوثق بل ضعف، و اختصاص الثانية بالمجوسي الذي يحتمل ان يكون النهي عن ذبيحته من باب انه ليس من اهل الكتاب.

و عليه نبقي نحن و الطوائف الثلاث الاولي.

و قد يقال بترجيح الطائفة المانعة و حمل غيرها علي التقية - كما2.

ص: 147


1- وسائل الشيعة 352:16 الباب 27 من أبواب الذبائح الحديث 34.
2- وسائل الشيعة 352:16 الباب 27 من أبواب الذبائح الحديث 38.
3- وسائل الشيعة 346:16 الباب 27 من أبواب الذبائح الحديث 5.
4- وسائل الشيعة 348:16 الباب 27 من أبواب الذبائح الحديث 12.

اختار ذلك صاحب الجواهر(1) - باعتبار ان من يلقي نظرة علي اخبار المسألة يحصل له القطع بذلك، فلاحظ مثل صحيحة شعيب العقرقوفي حيث يقول: «كنت عند ابي عبد اللّه عليه السّلام و معنا ابو بصير و اناس من اهل الجبل يسألونه عن ذبائح اهل الكتاب فقال لهم ابو عبد اللّه عليه السّلام: قد سمعتم ما قال اللّه عز و جل في كتابه فقالوا له: نحب أن تخبرنا فقال لهم: لا تأكلوها. فلما خرجنا قال ابو بصير: كلها في عنقي ما فيها فقد سمعته و اباه جميعا يأمران بأكلها، فرجعنا اليه فقال لي ابو بصير:

سله فقلت له: جعلت فداك ما تقول في ذبائح اهل الكتاب فقال: أ ليس قد شهدتنا بالغداة و سمعت؟ قلت: بلي فقال: لا تأكلها»(2).

الا ان ما ذكر قابل للتأمل فان الحمل علي التقية فرع التعارض المستقر و عدم امكان الجمع العرفي، و هو في المقام ممكن، فانه بواسطة الطائفة الثالثة يمكن الجمع بين الطوائف بحمل الاولي علي حالة عدم تحقق التسمية و الثانية علي حالة تحققها.

بل يمكن تعميم التفصيل المذكور لغير الكتابي أيضا، فلاحظ صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «كل ذبيحة المشرك اذا ذكر اسم اللّه عليها و انت تسمع و لا تأكل ذبيحة نصاري العرب»(3).

اجل هي معارضة بموثقة الحسين بن علوان المتقدمة، الا ان التعارض ليس مستقرا لإمكان حملها علي الكراهة بقرينة الصحيحة بعد ضعف احتمال كونها مخصصة للصحيحة - باستثناء المجوسي2.

ص: 148


1- جواهر الكلام 85:36.
2- وسائل الشيعة 350:16 الباب 27 من أبواب الذبائح الحديث 25.
3- وسائل الشيعة 352:16 الباب 27 من أبواب الذبائح الحديث 32.

من بين اقسام الكافر - و لو لأجل عدم القائل بذلك.

و النتيجة: ان مقتضي الصناعة هو التفصيل بين التأكد من تحقق التسمية فيحكم بالحل و بين عدمه فلا يحكم به، الا ان الشهرة بين الاصحاب علي عدم الحل مطلقا يحول دون جزم الفقيه بالتفصيل المذكور و من ثمّ تفرض عليه التنزل الي الاحتياط في الفتوي.

5 - و اما عدم جواز الذبح الا بالحديد

فلم يعرف فيه خلاف. و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن الذبيحة بالليطة و بالمروة فقال: لا ذكاة الا بحديدة»(1) ، و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة في الرقم 3 و غيرهما.

و اذا قيل: لم لا تفسر الحديد بكل فلز حاد بقرينة جعل المقابلة بين الليطة و المروة و بين الحديد.

قلنا: هذا مجرد احتمال، و هو ليس حجة ما دام لم يرتق الي مستوي الظهور، فان الحجة هي الظهور دون مجرد الاحتمال.

و ينبغي الالتفات الي انه قد تداول في زماننا صنع السكاكين من الاستيل، و قد وقع الكلام في كونه مصداقا للحديد كي يجوز الذبح به او لا.

و المنقول عن بعض اهل الخبرة انه حديد مصفي مشتمل علي خليط من مواد اخري كالحديد نفسه فانه مشتمل علي مواد اخري أيضا. و علي هذا لا بدّ من ملاحظة نسبة الخليط في الاستيل، فاذا كانت مقاربة لنسبته في الحديد المتعارف - و لعل الغالب هو ذلك -

ص: 149


1- وسائل الشيعة 307:16 الباب 1 من أبواب الذبائح الحديث 1. و الليطة بفتح اللام: القشر الظاهر من القصبة. و المروة: الحجر الحاد.

جاز الذبح به.

6 - و اما عدم حلية الحيوان مع ذبحه بغير الحديد عمدا

فلأن ذلك لازم نفي الذكاة الا مع الحديد.

7 - و اما جواز الذبح بغير الحديد اذا لم يمكن الذبح به

فمما لا اشكال فيه. و تدل عليه صحيحة ابن الحجاج المتقدمة في الرقم 3 و غيرها.

ثم ان المراد من عدم وجود الحديد مطلق عدم الوجود و لو من دون ضرورة الي الذبح تمسكا بعدم استفصال الامام عليه السّلام في مقام الجواب.

و اما رواية محمد بن مسلم: «قال ابو جعفر عليه السّلام في الذبيحة بغير حديدة قال: اذا اضطررت اليها فان لم تجد حديدة فاذبحها بحجر»(1) الدالة علي اعتبار الاضطرار فقد اجاب عنها في الجواهر(2) باحتمال كون المراد من الاضطرار مطلق الحاجة الي الذبح فلا تنافي غيرها.

و هذا ان تمّ فهو و الا انحصرت المناقشة بالسند، فانه ورد فيه عبد اللّه بن محمد، و هو مجهول الحال.

و من خلال هذا يتضح ان ما افاده بعض الاعلام من تقييد جواز الذبح بغير الحديد بحالة خوف تلف الحيوان بتأخير ذبحه او الاضطرار الي ذلك لا يخلو من تأمل.

8 - و اما اعتبار ذكر اسم اللّه سبحانه حين الذبح

فهو مما لا خلاف

ص: 150


1- وسائل الشيعة 309:16 الباب 2 من أبواب الذبائح الحديث 4.
2- جواهر الكلام 102:36.

فيه. و يدل عليه قوله تعالي: فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (1) ، و قوله:

وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (2) ، و صحيحة محمد بن مسلم:

«سألت ابا جعفر عليه السّلام عن الرجل يذبح و لا يسمي قال: ان كان ناسيا فلا بأس اذا كان مسلما و كان يحسن ان يذبح و لا ينخع و لا يقطع الرقبة بعد ما يذبح»(3) و غيرها.

اجل مع تركها نسيانا لا تحرم للصحيحة المذكورة و غيرها، و هذا بخلاف تركها جهلا، فانها تحرم لا طلاق دليل الشرطية، و لاستفادة ذلك من تقييد نفي البأس في الصحيحة بالنسيان.

ان قلت: لما ذا لا نتمسك بحديث الرفع عن الناسي(4) مضافا الي الصحيحة.

قلت: ان حديث الرفع اما ان نتمسك به لرفع جزئية الذكر في حالة النسيان من دون اثبات تحقق التذكية بالباقي او نتمسك به لإثبات كلا المطلبين.

و الاول غير نافع، لأنه اذا لم يثبت تحقق التذكية بالباقي فلا يمكن الحكم بحلية الحيوان، فان الحلية فرع ثبوت التذكية، و المفروض عدم احرازها.

و الثاني غير ممكن لان حديث الرفع يتكفل النفي دون الاثبات.

اذن لا يمكن التمسك بحديث الرفع في المقام.1.

ص: 151


1- الانعام: 118.
2- الانعام: 121.
3- وسائل الشيعة 326:16 الباب 15 من أبواب الذبائح الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1.

و هل تلزم العربية في الذكر؟ مقتضي اطلاق ادلة اعتبار الذكر عدمه و ان كان ذلك هو المناسب للاحتياط.

9 - و اما اعتبار استقبال القبلة بالذبيحة

فهو مورد لتسالم الاصحاب. و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام:

«سألته عن الذبيحة فقال: استقبل بذبيحتك القبلة»(1) و غيرها.

اجل ان الشرطية تختص بحالة الالتفات و لا تعم حالة النسيان و الجهل و الاضطرار لصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن الذبيحة تذبح لغير القبلة فقال: لا بأس اذا لم يتعمد»(2) و غيرها، فان التعمد لا يصدق في الحالات المتقدمة.

10 - و اما اعتبار قصد الذبح

فهو معروف في كلمات الاصحاب.

و علّله الشيخ النراقي ب «ان المتبادر من الذبح المحلل هو الصادر من القاصد»(3).

و لعل الانسب من ذلك ان يقال: ان التذكية المحللة للأكل قد نسبت الي الفاعل في قوله تعالي: إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ (4) ، و المفهوم عرفا من نسبة المادة الي الفاعل صدورها منه بالاختيار و القصد، فلو قيل: اكل فلان الطعام فالمفهوم انه اكله عن قصد و اختيار، و هذا الانصراف ان لم يجزم به في كلمة «ذكيتم» فلا أقلّ من كونه محتملا، و معه يشك في تحقق التذكية المعتبرة شرعا مع عدم ذلك و الأصل عدمه.

ص: 152


1- وسائل الشيعة 324:16 الباب 14 من أبواب الذبائح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 325:16 الباب 14 من أبواب الذبائح الحديث 3.
3- مستند الشيعة 389:15.
4- المائدة: 3.
11 - و اما اعتبار خروج الدم

فيمكن استفادته من صحيحة زيد الشحام المتقدمة، حيث ورد فيها: «اذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس» و غيرها.

و اما اعتبار كونه بالمقدار المتعارف فلان ذلك هو المنصرف من جملة: «و خرج الدم».

و اما اعتبار الحركة فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«سألته عن الذبيحة فقال: اذا تحرك الذنب او الطرف او الاذن فهو ذكي»(1) و غيرها.

ثم ان مقتضي الصحيحة الاولي الاكتفاء بخروج الدم و عدم اعتبار الحركة في حين ان مقتضي الصحيحة الثانية اعتبار الحركة و عدم اعتبار خروج الدم. و المقام من صغريات مسألة «اذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء» المعروفة في علم الاصول و التي يقع فيها التعارض بين اطلاق المفهوم في كل جملة مع المنطوق في الجملة الاخري. و قد ذكرت هناك عدة وجوه للجمع، اهمها اثنان: تقييد اطلاق المفهوم في كل واحدة بمنطوق الاخري، و نتيجة ذلك الاكتفاء باحد الشرطين في تحقق الجزاء، و تقييد اطلاق المنطوق في كل واحدة بمنطوق الاخري، و نتيجة ذلك كون مجموع الشرطين شرطا واحدا، فالجزاء لا يتحقق الا اذا تحقق مجموع الشرطين، بخلافه علي الاول فانه يكفي في تحقق الجزاء تحقق احد الشرطين.

و قد اختار جمع من الاعلام الاول و افتوا في ضوء ذلك بكفاية

ص: 153


1- وسائل الشيعة 320:16 الباب 11 من أبواب الذبائح الحديث 3.

الحركة او خروج الدم.

هذا و لكن المناسب هو الثاني حتي لو اخترنا في تلك المسألة الاول.

و الوجه في ذلك: صحيحة ابي بصير: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الشاة تذبح فلا تتحرك و يهراق منها دم كثير عبيط فقال: لا تأكل، ان عليا عليه السّلام كان يقول: اذا ركضت الرجل او طرفت العين فكل»(1) ، فانها تدل علي ان خروج الدم لا يكفي وحده بل لا بدّ من الحركة، و هذا واضح في ان تحقق احد الامرين لا يكفي في ثبوت التذكية فيتعين المصير الي الثاني، و هو اعتبار الاجتماع.

ثم ان اللازم في تحرك بعض الاطراف ان يكون بعد الذبح و لا يكفي كونه قبله لدلالة صحيحة ابي بصير عليه بوضوح.

12 - و اما اعتبار عدم تثاقل الدم في خروجه

فتدل عليه صحيحة بكر بن محمد: «كنت عند ابي عبد اللّه عليه السّلام اذا جاءه محمد بن عبد السلام فقال له: جعلت فداك يقول لك جدي: ان رجلا ضرب بقرة بفأس فسقطت ثم ذبحها... فقال:... فان كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلا فكلوا و اطعموا، و ان كان خرج خروجا متثاقلا فلا تقربوه»(2).

و الدلالة واضحة، و انما الكلام في السند.

و توضيح الحال فيه: ان الصحيحة رويت بثلاث طرق هي:

أ - الشيخ باسناده عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن

ص: 154


1- وسائل الشيعة 321:16 الباب 12 من أبواب الذبائح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 321:16 الباب 12 من أبواب الذبائح الحديث 2.

سليم الفراء عن الحسين بن مسلم(1).

ب - الكليني عن محمد بن يحيي عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن سليم الفراء عن الحسين بن مسلم(2).

ج - الحميري في قرب الاسناد عن احمد بن اسحاق عن بكر بن محمد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام(3).

و الطريقان الاولان لا يخلوان من الاشكال من ناحية الحسين بن مسلم، فانه مجهول الحال و الا فبقية افراد السند لا مشكلة من ناحيتهم.

و اما الطريق الثالث فهو صحيح، فان صاحب الوسائل له طريق معتبر الي الحميري، حيث ان الشيخ الطوسي له طريق معتبر الي قرب الاسناد ذكره في الفهرست(1)، و صاحب الوسائل يروي الكتاب المذكور بطرق معتبرة تنتهي الي الشيخ الطوسي كما اشار الي ذلك في خاتمة الوسائل(2).

و اما الحميري فهو عبد اللّه بن جعفر الثقة الجليل(3).

و اما احمد بن اسحاق الاشعري فهو الثقة الجليل الذي تشرف نظره برؤية حجة اللّه في ارضه أرواحنا له الفداء(4).

و اما بكر بن محمد فهو الازدي الثقة(5).8.

ص: 155


1- الفهرست 102 الرقم 429.
2- قد ذكر ان قرب الاسناد من جملة مصادره في الوسائل في 40:20 في الفائدة الرابعة. و ذكر طريقه الي المصدر المذكور و غيره في 50:20-54 في الفائدة الخامسة.
3- رجال النجاشي: 152، منشورات مكتبة الداوري، الفهرست 102 الرقم 429.
4- الفهرست: 26 الرقم 68، رجال النجاشي: 66.
5- رجال النجاشي: 78.

و عليه فلا مشكلة من حيث سند الرواية، اذ يكفي في صحتها صحة بعض طرقها.

13 - و اما القول باختصاص اعتبار حركة الاطراف بحالة الشك

في حياة الذبيحة دون حالة احرازها

فمستنده أحد امرين:

أ - رواية ابان بن تغلب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا شككت في حياة شاة فرأيتها تطرف عينها أو تحرك اذنيها أو تمصع بذنبها فاذبحها فانها لك حلال»(1).

الا انها قابلة للمناقشة دلالة و سندا.

اما دلالة فلأنها تدل علي اعتبار الحركة قبل الذبح لا بعد الذبح، و الحال ان القائل باعتبار الحركة يخصص ذلك بما بعد الذبح.

و اما سندا فباعتبار ورود سهل فيه، بناء علي ان امره ليس سهلا.

ب - ان المفهوم من الروايات الدالة علي اعتبار حركة الذبيحة بعد الذبح الطريقية الي احراز الحياة الذي لازمه عدم اعتبار ذلك عند احراز الحياة.

و فيه: ان احتمال ذلك و ان كان وجيها الا ان الجزم به مشكل.

14 - و اما عدم جواز قطع رأس الذبيحة قبل ان تخرج روحها

فقد صار اليه جمع من الاصحاب لصحيحة محمد بن مسلم - المتقدمة في الرقم 8 عند البحث عن التسمية - و غيرها.

هذا و لكن المنسوب الي كثير من الاصحاب الكراهة بل عن الشيخ في خلافه دعوي الاجماع علي ذلك(2) ، و من هنا يكون المناسب التنزل

ص: 156


1- وسائل الشيعة 320:16 الباب 11 من أبواب الذبائح الحديث 5.
2- جواهر الكلام 121:36.

من الفتوي بالتحريم الي الاحتياط.

و اما نخع الذبيحة فتدل علي النهي عنه الصحيحة المتقدمة، بيد ان المشهور بين الاصحاب علي ما قيل هو الكراهة(1) ، بل عن الشيخ في مبسوطه نفي الخلاف عن ذلك(2) ، و معه يكون المناسب التنزل الي الاحتياط أيضا.

ثم انه بناء علي تحريم ابانة الرأس و الانخاع هل تحرم الذبيحة بذلك؟ اختار جمع من الاصحاب ذلك بدعوي ان الذبح الشرعي هو عبارة عن قطع الاوداج الاربعة فقط، فاذا اضيف شيء علي ذلك خرج الذبح عن كونه ذبحا شرعيا فلا يكون مبيحا و يجري ذلك مجري ما لو قطع عضو من اعضاء الحيوان فمات بسبب انضمام ذلك(3).

و فيه: ان مقتضي ما دلّ علي جواز الاكل عند فري الاوداج او خصوص الحلقوم عدم اشتراط حلية الاكل بما زاد علي ذلك. اجل بالنسبة الي الذكر و الاستقبال و غير ذلك خرج بالدليل المقيد. و اما بالنسبة الي الابانة و الانخاع فحيث لا يدل دليل تحريمهما علي تحريم الاكل فيعود ذلك مشمولا للإطلاق المتقدم.

هذا كله في حالة تعمد الابانة و الانخاع و الا فلا اشكال في عدم التحريم التكليفي و الوضعي لموثقة الحسين بن علوان عن جعفر عن ابيه عن علي عليهم السّلام: «اذا اسرعت السكين في الذبيحة فقطعت الرأس فلا6.

ص: 157


1- لاحظ مجمع الفائدة و البرهان 130:11.
2- جواهر الكلام 135:36.
3- لاحظ جواهر الكلام 123:36.

بأس بأكلها»(1) و غيرها.

هذا بناء علي كون كلمة «السكين» فاعلا، و اما بناء علي كونها مفعولا فيستفاد نفي الحرمة الوضعية حتي في حالة التعمد.

15 - و اما ان الذبح بالمكائن الحديثة جائز مع اجتماع الشروط

المتقدمة

فللتمسك باطلاق ما دل علي حلية الحيوان بالتذكية أو بفري الاوداج. و لا يتصور وجود مانع من حلية الحيوان الا:

أ - عدم وضعه علي الارض حالة ذبحه.

ب - عدم استقرار الحياة الطبيعية فيه بسبب توجيه الشحنة الكهربائية اليه ليخمد عن الاضطراب و التحرك.

ج - عدم تحقق الذبح بالسكين.

د - عدم مقارنة ذكر اللّه سبحانه عند ذبح كل حيوان بل قد يتخلل فاصل في البين.

ه - عدم تحقق ذكر اللّه سبحانه من الذابح باعتبار عدم وجود ذابح في البين.

و الكل لا يصلح للمانعية.

اما الاول فلعدم اعتبار وضع الحيوان علي الارض حالة تذكيته لعدم الدليل علي ذلك بل هو منفي باطلاق ما دلّ علي الحلية عند تحقق فري الاوداج.

و اما الثاني فلعدم الدليل علي اعتبار استقرار الحياة بشكلها الطبيعي بل ذلك منفي بالاطلاق المتقدم.

ص: 158


1- وسائل الشيعة 316:16 الباب 9 من أبواب الذبائح الحديث 6.

و اما الثالث فلعدم اعتبار السكين بعنوانه بل يكفي مطلق الحديد.

و اما الرابع فلان الفاصل الزمني اذا كان قليلا و لم يكن مانعا عرفا من صدق مقارنة ذكر اسم اللّه عند ذبح الحيوان فلا مشكلة.

و اما الخامس فباعتبار ان من يضغط علي الزر الكهربائي يصدق عليه عرفا عنوان الذابح فاذا ذكر اسم اللّه ذلك الحين و كان مسلما حسب الفرض فلا تبقي مشكلة.

ب - النحر
اشارة

تختص الابل من بين بقية الحيوانات بان تذكيتها لا تتحقق الا بالنحر، و ذلك بطعن الآلة الحديدية في لبتها(1) سواء كان ذلك حالة قيامها أم في غيرها من الحالات.

و لا بدّ من تحقق جميع الشرائط المتقدمة غير الاول منها.

و النحر خاص بالابل و لا تتحقق التذكية به في بقية الحيوانات.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان التذكية في الابل تتحقق بالنحر

فهو مما لا اشكال فيه.

و تدل عليه الروايات المذكورة في باب الحج و ان صاحب البدنة ينحرها، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «سألته عن البدنة تنتج أ يحلبها؟ قال: احلبها حلبا غير مضر بالولد ثم انحرهما جميعا...»(2) و غيرها.

و كذلك لا اشكال في ان تذكية غير الابل لا تتحقق بالنحر،

ص: 159


1- اللبة: الموضع المنخفض في أعلي الصدر متصلا بالعنق.
2- وسائل الشيعة 134:10 الباب 34 من ابواب الذبح الحديث 7.

و ذلك لأمرين:

أ - الاصل، حيث يشك في تحقق التذكية بالنحر، و الاصل عدمها.

ب - صحيحة صفوان: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن ذبح البقر من المنحر فقال: للبقر الذبح، و ما نحر فليس بذكي»(1) و غيرها.

و انما الاشكال في وجه عدم جواز تذكية الابل بالذبح بعد شمول اطلاق ادلة تحقق التذكية بفري الاوداج لها. و لا دليل يمكن التمسك به لتقييد الاطلاق المذكور سوي:

أ - التمسك بمثل صحيحة معاوية بن عمار: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام:

النحر في اللبة، و الذبح في الحلق»(2).

و فيه: انها تدل علي ان بعض الحيوانات تتحقق فيه التذكية بالنحر و لا تدل علي ان هذا البعض لا تتحقق فيه التذكية بغير النحر.

ب - التمسك بقوله تعالي: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (3) ، فانه ظاهر في وجوب النحر و تعينه، و حيث لا يجب نحر غير الابل فيثبت وجوب النحر فيها و تعينه.

و فيه: ان من المحتمل ان يكون المقصود من الامر في كلمة «و انحر» رفع اليدين بالتكبير حالة الصلاة، كما دلت علي ذلك بعض الاخبار(4).

ج - التمسك برواية الشيخ الصدوق: «قال الصادق عليه السّلام: كلّ م.

ص: 160


1- وسائل الشيعة 312:16 الباب 5 من أبواب الذبائح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 309:16 الباب 3 من أبواب الذبائح الحديث 1.
3- الكوثر: 2.
4- وسائل الشيعة 725:4 الباب 9 من ابواب تكبيرة الاحرام.

منحور مذبوح حرام، و كلّ مذبوح منحور حرام»(1) ، فانها تدل علي ان ما ينحر يحرم اذا ذبح، و حيث ان الذي ينحر هو الابل فيلزم ان تكون حراما لو ذبحت.

و فيه: ان السند ضعيف بالارسال الا ان يبني علي حجية مراسيل الشيخ الصدوق التي هي بلسان قال، أو يبني علي حجية جميع روايات الفقيه اما لأنها مستخرجة من كتب مشهورة عليها المعول و اليها المرجع او لأنه لم يقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصد الي ايراد ما يفتي به و يحكم بصحته و يعتقد انه حجة فيما بينه و بين ربه تقدس ذكره و تعالت قدرته حسبما اشار اليه في مقدمة كتابه المذكور(2).

اما من لم يبن علي هذا و لا علي حجية الشهرة الفتوائية - التي هي منعقدة في مقامنا علي تعيّن النحر في الابل - فالحكم عنده بذلك مشكل.

و من هنا مال الشيخ الأردبيلي الي جواز ذبح الابل بمقتضي الصناعة و ان احتاط باعتبار انه طريق السلامة(3).

2 - و اما ان النحر يتحقق بطعن السكين و نحوها في اللبة

فهو مما لا اشكال فيه. و تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة.

و اما جواز النحر في حال القيام و غيره فلإطلاق الصحيحة المتقدمة و غيرها.

3 - و اما انه لا بدّ من توفر جميع شرائط التذكية المتقدمة ما عدا الاول منها

ص: 161


1- وسائل الشيعة 313:16 الباب 5 من أبواب الذبائح الحديث 3.
2- من لا يحضره الفقيه 3:1.
3- مجمع الفائدة و البرهان 99:11.

فباعتبار اطلاق ادلة اعتبارها و عدم اختصاصها بما اذا كانت التذكية بالذبح فلاحظ.

ج - الاصطياد
اشارة

تتحقق التذكية بالاصطياد في ثلاثة من الحيوانات: الحيوان الوحشي طير أو غيره، و السمك، و الجراد.

- الحيوان الوحشي
اشارة

لا تتحقق التذكية في الحيوان الوحشي بالاصطياد الا اذا كانت وسيلة ذلك احد امرين: كلب الصيد او السلاح.

الاصطياد بالكلب
اشارة

اما كلب الصيد فعضه للحيوان و جرحه له هو بمنزلة ذبحه. و لا تتحقق به الذكاة الا اذا توفرت الامور التالية:

1 - ان يكون الكلب معلّما للاصطياد. و يتحقق ذلك فيما اذا كان ينبعث اذا بعثه صاحبه و ينزجر اذا زجره.

2 - ان لا يأكل ما يمسكه الا نادرا.

3 - ذكر اللّه سبحانه عند ارساله.

4 - ارساله للاصطياد، فلا تتحقق الذكاة لو استرسل بنفسه.

5 - ان يكون المرسل مسلما.

6 - استناد موت الحيوان الي جرح الكلب، اما اذا استند الي سبب آخر من تعب او اصطدام و نحو ذلك فلا يحل.

7 - عدم ادراك صاحب الكلب الحيوان حيا مع تمكنه من ذبحه، بان يدركه ميتا او حيا في زمان لا يسع لذبحه.

ص: 162

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الاصطياد لا تتحقق به التذكية الا في الثلاثة المتقدمة

فلوجهين:

أ - ان النصوص الشرعية قد دلت علي تحقق تذكية الثلاثة بالاصطياد، و يبقي غيرها مشمولا لأصالة عدم تحقق التذكية لو اصطيد و شك في تحقق التذكية بذلك.

ب - ان عنوان الاصطياد لا يصدق الا بلحاظ الحيوان الوحشي و لا يصدق بلحاظ الاهلي كالبقر و الدجاج و ما شاكل ذلك. و هذا المعني واضح، و قد أشير اليه في رواية الافلح عن علي بن الحسين عليه السّلام: «... لو ان رجلا رمي صيدا في و كره فأصاب الطير و الفراخ جميعا فانه يأكل الطير و لا يأكل الفراخ، و ذلك ان الفراخ ليست بصيد ما لم تطر و انما تؤخذ باليد و انما يكون صيدا اذا طار»(1).

و الفارق بين الوجهين انه علي الثاني يجزم بعدم تحقق التذكية فلا تصل النوبة الي اصالة عدم التذكية، بخلافه علي الاول، فانه يفترض الشك في تحقق التذكية فتصل النوبة الي ذلك.

2 - و اما ان التذكية بالاصطياد لا تتحقق الا اذا كانت الوسيلة هي

كلب الصيد دون بقية الجوارح

فلوجهين أيضا:

أ - ان الدليل قد دلّ علي تحقق التذكية بما ذكر و يشك في تحققها بغير ذلك فيتمسك باصالة عدم التذكية.

ب - ان الروايات قد دلّت علي انحصار وسيلة التذكية بكلب

ص: 163


1- وسائل الشيعة 291:16 الباب 31 من أبواب الصيد الحديث 1.

الصيد، كما في صحيحة ابي عبيدة الحذاء عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «... قلت:

فالفهد قال: ان أدركت ذكاته فكل. قلت: أ ليس الفهد بمنزلة الكلب؟ قال:

لا، ليس شيء يؤكل منه مكلب(1) الا الكلب»(2) و غيرها.

بل قد يستفاد ذلك من قوله تعالي: قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ (3) ، فان تقييد الجوارح بقيد «مكلبين»(4) قد يفهم منه ان مطلق الجوارح لا يجوز الاصطياد بها بل بخصوص الكلاب التي قد دربت علي الاصطياد.

الا ان في مقابل ذلك روايات دلت علي تحقق التذكية بغير الكلب أيضا، كصحيحة زكريا بن آدم: «سألت ابا الحسن الرضا عليه السّلام عن الكلب و الفهد يرسلان فيقتل فقال: هما مما قال اللّه مُكَلِّبِينَ فلا بأس بأكله»(5) و غيرها.

و حيث ان التعارض بين الطائفتين مستقر فيلزم اعمال المرجحات، و بما ان الاولي هي الموافقة للكتاب الكريم بناء علي تمامية دلالته فيلزم ترجيحها. و مع التنزل يلزم ترجيحها أيضا للزوم حمل الثانية علي التقية بقرينة صحيحة الحلبي: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: كان ابي عليه السّلام يفتي و كان يتقي و نحن نخاف في صيد البزاة و الصقورة، و اما4.

ص: 164


1- أي مدرب علي الاصطياد.
2- وسائل الشيعة 259:16 الباب 6 من أبواب الصيد الحديث 1.
3- المائدة: 4.
4- أي مدربين للكلب علي الاصطياد.
5- وسائل الشيعة 260:16 الباب 6 من أبواب الصيد الحديث 4.

الآن فانّا لا نخاف و لا يحل صيدها الا ان تدرك ذكاته...»(1) و غيرها.

و مع التنزل و التسليم بالتساوي تتساقطان و يلزم الرجوع إلي الأصل، و النتيجة واحدة علي جميع التقادير.

و من خلال هذا يتضح التأمل فيما ينسب الي ابن ابي عقيل من جواز الاصطياد بغير الكلاب من السباع المعلمة كالفهد و النمر و غيرهما(2).

هذا كله بالنسبة الي الاصطياد بالكلب.

و اما الاصطياد بالسلاح فيأتي البحث عنه مستقلا إن شاء اللّه تعالي.

3 - و اما اعتبار ان يكون الكلب معلّما

فهو مما لا خلاف فيه. و يدل عليه الوجهان التاليان:

أ - التمسك بالآية الكريمة المتقدمة، حيث قيدت الجوارح بما اذا كانت مكلّبة و قد علّمت. و التكليب هو تدريب الكلب علي الاصطياد.

ب - التمسك بصحيحة ابي عبيدة الحذاء: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يسرح كلبه المعلم و يسمي اذا سرحه قال: يأكل مما أمسك عليه، فان ادركه قبل قتله ذكاه، و ان وجد معه كلبا غير معلم فلا يأكل منه»(3) و غيرها.

4 - و اما ان كون الكلب معلّما

يتحقق بما ذكر فليس ذلك لتحديد شرعي بل لان المفهوم عرفا من كون الكلب معلّما هو ذلك.

ص: 165


1- وسائل الشيعة 264:16 الباب 9 من أبواب الصيد الحديث 3.
2- جواهر الكلام 9:36.
3- وسائل الشيعة 250:16 الباب 1 من أبواب الصيد الحديث 2.
5 - و اما اعتبار ان لا يأكل ما يمسكه الا نادرا

فهو المشهور بين الاصحاب. و استدل عليه بما يلي:

أ - التمسك باصالة عدم تحقق التذكية فيما اذا كان الكلب معتادا علي أكل ما يمسكه.

و فيه: ان الاصل لا مجال له بعد اطلاق مثل قوله تعالي: قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ... (1).

ب - ان عنوان المعلم لا يصدق مع الاكل بنحو معتاد.

و فيه: ان ذلك وجيه لو كان اكله المعتاد لمجموع الحيوان او لغالبه، اما اذا كان لجزء يسير منه فلا يضر ذلك بصدق العنوان المذكور.

ج - التمسك بقوله تعالي: فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ (2) ، فان الامساك علينا لا يصدق مع اعتياد الاكل.

و فيه: ان ذلك لا يصدق لو فرض اكل الكلب لجميع الحيوان دون ما لو ابقي بعضه او غالبه.

د - التمسك بالروايات الدالة علي ذلك، كموثقة سماعة: «سألته عما امسك عليه الكلب المعلم للصيد... قال: لا بأس ان تأكلوا مما امسك الكلب مما لم يأكل الكلب منه، فاذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه»(3) و غيرها.

و لا يضر اضمار الموثقة اما لان المضمر من اجلاء الاصحاب

ص: 166


1- المائدة: 4.
2- المصدر نفسه.
3- وسائل الشيعة 255:16 الباب 2 من أبواب الصيد الحديث 16.

الذين لا تليق بهم الرواية عن غير الامام عليه السّلام او للبيان العام في جميع المضمرات الذي تقدمت الاشارة اليه في ابحاث سابقة.

و فيه: ان الروايات المذكورة معارضة بغيرها، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «و اما ما قتله الكلب و قد ذكرت اسم اللّه عليه فكل منه و ان اكل منه»(1) و غيرها. و التعارض غير مستقر لإمكان الجمع عرفا بحمل الاولي علي الكراهة بقرينة الثانية.

و النتيجة انه لا دليل علي الشرط المذكور غير ان ما صار اليه مشهور الاصحاب هو مقتضي الاحتياط.

6 - و اما اعتبار ذكر اللّه سبحانه عند ارسال الكلب

فهو مما لا خلاف فيه. و يدل عليه قوله تعالي: وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ (2) ، وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (3) ، و صحيحة الحلبي: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: من ارسل كلبه و لم يسم فلا يأكله»(4) و غيرها.

و هل يعتبر تحقق الذكر عند الارسال او يكفي كونه بعده و قبل الاصابة؟ في ذلك خلاف بين الاصحاب. و لا يبعد استفادة الاول من الصحيحة المتقدمة.

7 - و اما اعتبار ارسال الكلب للاصطياد و لا يكفي استرساله من

قبل نفسه

فلم يعرف فيه خلاف. و قد يستدل عليه بما يلي:

ص: 167


1- وسائل الشيعة 253:16 الباب 2 من أبواب الصيد الحديث 9.
2- المائدة: 4.
3- الانعام: 121.
4- وسائل الشيعة 271:16 الباب 12 من أبواب الصيد الحديث 5.

أ - التمسك باصالة عدم التذكية - كما صنع في الجواهر(1) - المقتصر في الخروج عنها بالمتيقن، و هو الارسال للصيد.

و فيه: ان ذلك لا وجه له بعد ثبوت الاطلاق في الآية الكريمة و غيرها.

ب - التمسك برواية ابي بكر الحضرمي - برواية علي بن ابراهيم في تفسيره - عن ابي عبد اللّه عليه السّلام حيث ورد في ذيلها: «اذا ارسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم اللّه عليه فهو ذكاته»(2).

و فيه: انها ضعيفة دلالة و سندا.

اما دلالة فلأنها مسوقة لبيان وجوب التسمية عند الارسال لا لبيان وجوب الارسال و وجوب التسمية عنده.

و اما سندا فلان الحضرمي - عبد اللّه بن محمد الحضرمي - لم يوثق الا بناء علي وثاقة كل من ورد في اسانيد كامل الزيارة.

ج - التمسك برواية القاسم بن سليمان: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن كلب أفلت و لم يرسله صاحبه فصاد فأدركه صاحبه و قد قتله أ يأكل منه؟ فقال: لا»(3).

و فيه: انها قابلة للمناقشة دلالة و سندا.

اما دلالة فلاحتمال ان يكون عدم جواز الاكل من جهة عدم التسمية و ليس من جهة عدم الارسال.

و اما سندا فلعدم ثبوت وثاقة القاسم بن سليمان.1.

ص: 168


1- جواهر الكلام 27:36.
2- وسائل الشيعة 251:16 الباب 1 من أبواب الصيد الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 269:16 الباب 11 من أبواب الصيد الحديث 1.

د - ان ذكر اللّه سبحانه حيث انه معتبر حين الارسال فيلزم لتحقيق المقارنة الارسال للاصطياد و لا يكفي استرسال الكلب من قبل نفسه.

و هذا وجيه بناء علي اعتبار المقارنة دون ما اذا لم نعتبرها او اعتبرناها في حالة الارسال دون الاسترسال.

و من خلال هذا كله يتضح ان الحكم باعتبار الشرط المذكور لا بدّ ان يكون مبنيا علي الاحتياط دون الفتوي.

8 - و اما اعتبار اسلام المرسل

فهو المعروف بين الاصحاب. و قد يستدل عليه بما يلي:

أ - انه من دون اسلام المرسل يشك في تحقق التذكية، و مقتضي الاصل عدمها.

و فيه: ان ذلك وجيه لو لم يكن لدينا مثل اطلاق الآية الكريمة المتقدمة.

ب - ان الاصطياد فرد من التذكية، و حيث يعتبر فيها الإسلام فيعتبر فيه أيضا.

و فيه: ان الكبري لم تثبت بنحو الموجبة الكلية، بل قد تقدم في التذكية بالذبح وجاهة القول بتحقق التذكية بالذبح من غير المسلم اذا تحقق معه ذكر اللّه سبحانه.

ج - التمسك برواية السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كلب المجوسي لا تأكل صيده الا ان يأخذه المسلم فيعلّمه و يرسله...»(1).

ص: 169


1- وسائل الشيعة 273:16 الباب 15 من أبواب الصيد الحديث 3.

و فيه: ان الرواية لو تمت سندا و لم يناقش من ناحية النوفلي - الذي لم تثبت وثاقته الا من خلال كامل الزيارة - فبالامكان المناقشة في دلالتها لاحتمال ان يكون الوجه في اعتبار ارسال المسلم هو عدم تحقق ذكر اللّه سبحانه من المجوسي او لعدم الاكتفاء بتدريبه و ليس لاعتبار الارسال من المسلم بعنوانه.

د - التمسك بالشهرة الفتوائية علي اعتبار اسلام المرسل.

و هذا وجيه بناء علي حجية الشهرة الفتوائية في اثبات الحكم.

و من خلال هذا يتضح ان الحكم باعتبار اسلام المرسل - عند من لا يقول بحجية الشهرة الفتوائيه - لا بدّ ان يكون مبنيا علي الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور بل دعوي عدم الخلاف في المسألة.

9 - و اما اعتبار استناد موت الحيوان الي جرح الكلب فقط دون

المجموع منه و من الضميمة

فينبغي ان يكون واضحا باعتبار ان الادلة قد دلت علي تحقق التذكية بجرح الكلب و لم تدل علي تحققه بالمجموع المركب منه و من الضميمة، و اذا شك في تحقق التذكية بذلك فبالامكان التمسك باصالة عدم التذكية.

10 - و اما اعتبار عدم ادراك الحيوان في وقت يسع لتذكيته

فيمكن تقريبه بوجهين:

أ - التمسك بأصالة عدم التذكية، فان الخارج منها هو الحالتان المتقدمتان دون ما زاد.

و هذا وجيه بناء علي عدم تحقق الاطلاق في أدلة تحقق التذكية بالاصطياد.

ب - التمسك بصحيحة محمد بن مسلم و غير واحد عنهما عليهما السّلام:

ص: 170

«قالا في الكلب يرسله الرجل و يسمي قالا: ان اخذته فادركت ذكاته فذكه»(1) و غيرها.

الاصطياد بالسلاح
اشارة

لا تتحقق تذكية الحيوان الوحشي بالسلاح الا اذا توفرت الامور التالية:

1 - ان تكون الآلة مما يصدق عليها عنوان السلاح، كالسيف و السكين و السهم و طلقات البندقية.

2 - ان يكون الصائد مسلما.

3 - ذكر اللّه سبحانه عند استعمال السلاح للاصطياد.

4 - ان يكون الرمي بقصد الاصطياد، فلو رمي هدفا معينا لا بقصد الاصطياد فأصاب غزالا مثلا فقتله لم يحل.

5 - ادراك الحيوان ميتا او حيا في وقت لا يتسع لتذكيته.

6 - ان يكون السلاح مستقلا في قتله.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان التذكية بالاصطياد بالسلاح لا تثبت الا في الحيوان

الوحشي

فلان عنوان الاصطياد لا يتحقق بلحاظ غيره كما تقدم.

2 - و اما اعتبار صدق عنوان السلاح علي آلة الاصطياد

فلصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «من جرح صيدا بسلاح و ذكر اسم اللّه عليه ثم بقي ليلة او ليلتين لم يأكل منه سبع و قد علم ان سلاحه هو الذي قتله فليأكل منه ان شاء»(2) و غيرها.

ص: 171


1- وسائل الشيعة 257:16 الباب 4 من أبواب الصيد الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 273:16 الباب 16 من أبواب الصيد الحديث 1. و التقييد بعدم اكل السبع هو لاحتمال عدم تحقق القتل بالسلاح فقط بل به و بجرح السبع غير الكلب الذي لا تتحقق التذكية بواسطته.

و منه يتضح الوجه في جواز الاصطياد بالبندقية، فانها مصداق للسلاح.

اجل يلزم في الطلقات ان تكون بنحو صالح للنفوذ في بدن الحيوان و خرقه، اما اذا لم تكن كذلك بل كانت تقتل الحيوان بسبب ضغطها او ما فيها من الحرارة المحرقة فلا يمكن الحكم بحلية الحيوان لصحيحة ابي عبيدة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا رميت بالمعراض(1) فخرق فكل، و ان لم يخرق و اعترض فلا تأكل»(2) و غيرها.

و هل يلزم في السلاح ان يكون من جنس الحديد؟ كلا تمسكا بالاطلاق.

3 - و اما اعتبار اسلام الصائد بالسلاح

فهو المعروف بين الاصحاب، و ليس فيه كلام آخر يغاير ما تقدم عند البحث عن اعتبار اسلام الصائد بالكلب.

4 - و اما اعتبار ذكر اللّه سبحانه

فهو مما لا خلاف فيه. و يدل عليه قوله تعالي: وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (3) ، و الروايات الخاصة، كصحيحة محمد بن قيس المتقدمة و غيرها.

5 - و اما اعتبار ان يكون الرمي بقصد الاصطياد

فيمكن التمسك له بالبيان المتقدم في الذبح.

ص: 172


1- المعراض: سهم لا يشتمل علي حديدة في طرفه و يكون دقيق الطرفين غليظ الوسط يصيب بعرضه دون حدّه.
2- و التقييد بعدم اكل السبع هو لاحتمال عدم تحقق القتل بالسلاح فقط بل به و بجرح السبع غير الكلب الذي لا تتحقق التذكية بواسطته.
3- الانعام: 121.
6 - و اما اعتبار ادراك الحيوان ميتا او في وقت لا يتسع لتذكيته

فلا وجه له سوي تعميم ما ذكر في الاصطياد بالكلب للمقام لعدم فهم الخصوصية.

علي ان الحكم مشهور و بناء علي حجية الشهرة الفتوائية يصلح ذلك بنفسه للمدركية.

اما من رفض هذا و ذاك فالحكم عنده يكون مبنيا علي الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور.

7 - و اما اعتبار استقلال السلاح في قتل الحيوان

فللبيان المتقدم في الاصطياد بالكلب.

السمك و الجراد
اشارة

لا بدّ لحلية السمك من تذكيته المتحققة باصطياده بأخذه حيا اما من الماء او من خارجه لو و ثب اليه بنفسه او نضب الماء.

و تتحقق أيضا فيما اذا نصب الصائد شبكة أو صنع حظيرة فدخلها السمك ثم نضب الماء و هو حي.

و لو أخرج السمك من الماء و هو حي ثم ربط بخيط و نحوه و ارجع اليه و مات فيه حرم.

و لو القي السم في الماء و طفا السمك بسببه فلا يحل الا اذا اخذ حيا.

و لا يلزم في صائد السمك الإسلام و لا ذكره للّه سبحانه. و علي هذا تتحقق تذكية السمك من الكافر و لكن لا يكون اخباره عن تحققها حجة الا مع الاطمئنان بصدقه.

ص: 173

و تذكية الجراد تتحقق بأخذه من الهواء و لو من الكافر و من دون ذكر اللّه سبحانه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان السمك لا يحل الا بالتذكية

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه النصوص الآتية ان شاء اللّه تعالي.

و اما قوله تعالي: لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا (1) ، و قوله: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ (2) بناء علي تفسير الصيد بالمصيد فلا يدلان علي نفي الحاجة الي التذكية كما هو واضح.

2 - و اما ان تذكية السمك تتحقق باصطياده و اخذه

فهو مما لا خلاف فيه أيضا. و تدل عليه موثقة ابي بصير: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن صيد المجوس للسمك حين يضربون للشبك و لا يسمون او يهودي قال: لا بأس انما صيد الحيتان(3) اخذها»(4) و غيرها.

3 - و اما ان السمك الذي يكون خارج الماء

- اما لأنه وثب اليه او نضب عنه الماء - لا يحل الا بأخذه حيا و لا يكفي مجرد موته خارج الماء فباعتبار ان التذكية تدور مدار عنوان الاخذ فلا بدّ من تحققه.

هذا مضافا الي صحيحة علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام: «سألته عن سمكة و ثبت من نهر فوقعت علي الجد(5) من النهر فماتت هل يصلح

ص: 174


1- النحل: 14.
2- المائدة: 96.
3- الحيتان جمع حوت و هي السمكة.
4- وسائل الشيعة 363:16 الباب 32 من أبواب الذبائح الحديث 5.
5- الجدّ بالضم و التشديد: شاطئ النهر.

اكلها؟ قال: ان اخذتها قبل ان تموت ثم ماتت فكلها و ان ماتت قبل ان تأخذها فلا تأكلها»(1).

و اما مثل صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان و ما نضب الماء عنه»(2) فلا بدّ من تقييده بما اذا لم يؤخذ حيا.

هذا و لكن ورد في بعض الروايات حل السمك بخروجه من الماء و اضطرابه و ان لم يؤخذ، كما في صحيحة زرارة: «قلت له: سمكة ارتفعت فوقعت علي الجدد فاضطربت حتي ماتت، آكلها؟ فقال: نعم»(3) و غيرها.

و الاضمار لا يضرها بعد كون المضمر من اجلاء الاصحاب الذين لا تليق بهم الرواية عن غير الامام عليه السّلام.

الا ان مثل الصحيحة المذكورة ان ثبت هجران الاصحاب لمضمونها كان ساقطا عن الحجية و الا فالحكم بعدم الاكتفاء بمثل ذلك لا بدّ ان يكون مبنيا علي الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور.

4 - و اما تحقق التذكية بنصب الشبكة او الحظيرة و موت السمك

فيها بعد نضوب الماء

فهو مما لا خلاف فيه. و يمكن توجيهه ببيانين:

أ - ان عنوان اخذ السمك من الماء صادق عرفا بنصب الشبكة و غيرها للاصطياد.

ب - التمسك بصحيحة الحلبي: «سألته عن الحظيرة من القصب

ص: 175


1- وسائل الشيعة 366:16 الباب 34 من أبواب الذبائح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 367:16 الباب 34 من أبواب الذبائح الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 367:16 الباب 34 من أبواب الذبائح الحديث 5.

تجعل في الماء للحيتان فتدخل فيها الحيتان فيموت بعضها فيها فقال:

لا بأس، ان تلك الحظيرة انما جعلت ليصاد بها»(1) و غيرها. و بقرينة التعليل يتعدي الي غير الحظيرة من الاجهزة التي تعدّ للاصطياد.

هذا لو مات السمك في الحظيرة و نحوها بعد نضوب الماء.

و يمكن ان تستفاد من اطلاق الصحيحة الحلية و تحقق التذكية حتي علي تقدير الموت قبل نضوب الماء.

الا ان في مقابل ذلك رواية عبد المؤمن: «امرت رجلا ان يسأل لي ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل صاد سمكا و هنّ احياء ثم اخرجهن بعد ما مات بعضهن فقال: ما مات فلا تأكله، فانه مات فيما كان فيه حياته»(2).

و هي اذا لم يناقش في سندها - من ناحية عبد المؤمن نفسه باعتبار تردده بين عبد المؤمن بن القاسم الانصاري الثقة و بين غيره، و من ناحية ذلك الرجل الوسيط، حيث انه مجهول الحال - فبالامكان حملها علي الكراهة بقرينة صحيحة الحلبي، فان ذلك قد يكون اقرب عرفا من تقييد الصحيحة بحالة الموت بعد نضوب الماء.

و عليه فالحكم بحلية السمك لو مات في الحظيرة حتي قبل نضوب الماء وجيه تمسكا باطلاق الصحيحة بعد ردّ المعارض بما تقدم.

5 - و اما حرمة السمك لو اخرج من الماء ثم ارجع اليه و مات فيه

فلوجهين:

أ - ان عنوان الاخذ لا يفهم العرف منه الموضوعية التامة بحيث

ص: 176


1- وسائل الشيعة 368:16 الباب 35 من أبواب الذبائح الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 368:16 الباب 35 من أبواب الذبائح الحديث 1.

يكفي حتي مع ارجاع السمك الي الماء بل يفهم منه الاخذ المقيد بعدم الارجاع.

ب - التمسك بصحيحة ابي ايوب حيث: «سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط و ارسلها في الماء فماتت أ تؤكل؟ فقال: لا»(1).

6 - و اما عدم حلية السمك لو طفا بالقاء السم

فباعتبار ان التذكية لا تتحقق الا بالاخذ او الاصطياد بتوسط الحظيرة، و المفروض عدمهما، و معه فلا يحل الا اذا اخذ من الماء و هو بعد حي.

7 - و اما انه لا يعتبر في صائد السمك الإسلام

فهو مما لا كلام فيه. و تدل عليه موثقة ابي بصير المتقدمة في الرقم 2 و غيرها.

و اما انه لا يعتبر ذكر اللّه سبحانه فلصحيحة الحلبي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن صيد الحيتان و ان لم يسمّ فقال: لا بأس به»(2) و غيرها.

8 - و اما عدم حجية إخبار الكافر عن تحقق تذكية السمك

فباعتبار ان الاصل عدم التذكية، و لا يمكن رفع اليد عنه الا بالاطمئنان - الذي هو حجة بالسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع عنها شرعا - او يد المسلم او سوق المسلمين او البينة الشرعية بل و إخبار الثقة علي قول.

9 - و اما ان تذكية الجراد تتحقق بما ذكر

فلا خلاف فيه بين الاصحاب، فكما ان تذكية السمك تتحقق بأخذه فكذلك تذكية الجراد.

و تدل عليه صحيحة علي بن جعفر عن اخيه عليه السّلام: «سألته عما اصاب

ص: 177


1- وسائل الشيعة 365:16 الباب 33 من أبواب الذبائح الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 360:16 الباب 31 من أبواب الذبائح الحديث 1. و المناسب: إن لم يسمّ... بدون الواو، الا ان العبارة جاء كذلك في وسائل الشيعة و المصادر الأصلية.

المجوس من الجراد و السمك أ يحل أكله؟ قال: صيده ذكاته، لا بأس»(1) و غيرها.

و اما عدم اعتبار الإسلام في الصائد فتدل عليه الصحيحة المتقدمة و غيرها.

و اما عدم اعتبار ذكر اللّه سبحانه فيمكن استفادته من الصحيحة المتقدمة أيضا.

اجل هو مستفاد من اطلاقها، و معه فيمكن ان يقال ان الاطلاق المذكور معارض باطلاق قوله تعالي: وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ (2) بنحو العموم من وجه، و الاطلاق الثاني ان لم يكن مقدما باعتبار كونه قرآنيا فلا أقلّ من التساقط و الرجوع الي اصالة عدم التذكية، و من ثمّ يكون ذكر اللّه سبحانه واجبا، و ينحصر المدرك لنفي الاعتبار - بعد اقتضاء الصناعة للاعتبار - بالتسالم.

2 - ما يقبل التذكية و اثرها

اشارة

التذكية تتحقق بالذبح و بالاصطياد علي ما تقدم. و كل حيوان - حتي محرم الاكل الا نجس العين بل الحشرات علي قول - يقبل التذكية بأحد الطريقين المذكورين.

نعم اذا كان الحيوان اهليا فتذكيته لا تكون الا بالذبح، و اذا كان وحشيا فتتحقق بالذبح و بالاصطياد.

ص: 178


1- وسائل الشيعة 364:16 الباب 32 من أبواب الذبائح الحديث 8.
2- الانعام: 121.

و اثر التذكية في محلل الاكل حلية لحمه و طهارته و طهارة الجلد و جواز البيع بناء علي عدم جواز بيع الميتة النجسة.

و اثرها في محرم الاكل طهارة لحمه و جلده و حلية الانتفاع به فيما تعتبر فيه الطهارة، كجعل الجلد وعاء للدهن و نحوه.

هذا كله فيما اذا كان للحيوان نفس سائلة.

و اما اذا لم يكن له ذلك، فان كان محلل الاكل - كالسمك و الجراد - فاثر تذكيته حلية اللحم، و ان كان محرم الاكل - كالحية - فلا اثر لتذكيته.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان كل حيوان يقبل التذكية

فهو محل للخلاف بين الاعلام، فقيل بان الاصل الاولي في كل حيوان عدم قبوله للتذكية الا ما خرج بالدليل، باعتبار ان التذكية ليست مجرد فري الاوداج مع سائر الشرائط، بل هي المجموع المذكور مع ضميمة اخري، و هي قابلية المحل للتذكية، فاذا شك فيها - كما في المسوخ و الحشرات - فمقتضي استصحاب عدم التذكية هو عدم تحققها.

و قيل - و هو الاوجه - بان الاصل الاولي يقتضي قبول كل حيوان للتذكية الا ما خرج بالدليل، كنجس العين لان القابلية حتي لو سلمنا باعتبارها فبالامكان ان نقول: ان مقتضي بعض الروايات وجود القابلية المذكورة في كل حيوان و قبوله للتذكية، كصحيحة علي بن يقطين:

«سألت ابا الحسن عليه السّلام عن لباس الفراء و السمور و الفنك و الثعالب و جميع الجلود قال: لا بأس بذلك»(1) ، فان نفي البأس عن جميع الجلود

ص: 179


1- وسائل الشيعة 255:3 الباب 5 من ابواب لباس المصلي الحديث 1.

يدل بالاطلاق علي جواز لبسها في الصلاة، و من ثمّ علي قبولها للتذكية.

و كموثقة سماعة: «سألته عن جلود السباع أ ينتفع بها؟ فقال: اذا رميت و سميت فانتفع بجلده، و اما الميتة فلا»(1) و غيرهما.

اجل بالنسبة الي الحشرات - كالفار و ابن عرس - قد يدعي انصراف العمومات المذكورة عنها.

2 - و اما ان اثر التذكية في محلل الاكل ما تقدم

فباعتبار ان غير المذكي هو ميتة شرعا، و هي نجسة و محرمة الاكل و لا يجوز بيعها فاذا فرض تحقق التذكية ارتفعت الآثار المذكورة.

3 - و اما ان مثل السمك لا اثر لتذكيته الا حلية اللحم

فباعتبار ان ميتته طاهرة فيجوز آنذاك استعمالها فيما تعتبر فيه الطهارة بل يجوز بيعها بناء علي جواز بيع الميتة الطاهرة.

4 - و اما انه لا اثر لتذكية محرم الاكل مما لا نفس له

فلانه طاهر و محرم الاكل علي كل حال.

ص: 180


1- وسائل الشيعة 453:16 الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 4.

كتاب الأنفال و المشتركات

اشارة

1 - الأنفال (ملكية الامام عليه السّلام أو الدولة)

2 - انحاء الملكية و وسائل تحصيلها

3 - من أحكام المشتركات

ص: 181

ص: 182

1 - الانفال (ملكية الامام عليه السّلام أو الدولة)

اشارة

للأنفال - التي هي ملك النبي صلّي اللّه عليه و آله و الامام من بعده او ملك الدولة - مصاديق متعددة اختلف الفقهاء في ضبطها، نذكر منها:

1 - الاراضي الميتة(1) التي لا رب لها.

2 - الاراضي التي يأخذها المسلمون من الكفار بغير قتال.

3 - المعادن اما مطلقا او علي تفصيل.

4 - أسياف(2) البحار.

5 - بطون الأودية.

6، 7 - رءوس الجبال و الآجام(3).

ص: 183


1- و هي الارض التي لا يمكن الانتفاع بها الا بعد اصلاحها و اعمارها، كالصحاري.
2- مفردها سيف - بكسر السين - هو بمعني الساحل.
3- الآجام: جمع أجمة - بالتحريك - و هي الأرض المملوءة بالقصب أو بالشجر الملتف بعضه ببعض.

8 - قطائع الملوك و صفاياهم(1).

9 - غنائم الحرب الواقعة من دون اذن الامام عليه السّلام.

10 - ميراث من لا وارث له.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الانفال للنبي صلّي اللّه عليه و آله و الامام عليه السّلام من بعده

فهو من ضروريات الدين. و يدل عليه الكتاب الكريم: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ... (2) ، بعد الالتفات الي ان كل ما كان للنبي صلّي اللّه عليه و آله فهو للإمام عليه السّلام بالضرورة.

و المراد من الانفال(3) الاموال المملوكة للنبي صلّي اللّه عليه و آله و للإمام عليه السّلام من بعده زيادة علي ما لهما من سهم الخمس.

و قد تداول في كلمات الفقهاء الحكم علي الانفال بكونها ملك النبي صلّي اللّه عليه و آله و الامام عليه السّلام، و قد يستظهر من ذلك كونها ملكا شخصيا لهما، و ربما يستدل له بظهور كلمة الرسول و الامام في ملك الشخص، الا ان في مقابل ذلك قولا بكونها ملك المنصب و الدولة بدليل عدم انتقالها بالارث.

و بناء علي هذا القول يكون البحث عن الانفال ضروريا لأنه بحث عن

ص: 184


1- قطائع الملوك هي الأراضي التي اقتطعها الملوك لا نفسهم. و صفاياهم هي الاموال المنقولة النفيسة للملوك غير الأرض.
2- الانفال: 1.
3- الانفال: جمع نفل - بسكون الفاء و فتحها - بمعني الزيادة. و منه صلاة النافلة، حيث انها زيادة علي الفريضة. و منه قوله تعالي: وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ الاسراء: 79، اي زيادة لك، و منه أيضا قوله تعالي: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً الانبياء: 72، أي زيادة علي ما سأل. و الاموال الخاصة بالنبي صلّي اللّه عليه و آله و بالامام عليه السّلام حيث انها زيادة علي مالهما من سهم الخمس فهي نفل.

ممتلكات الدولة التي تستعين بها علي ادارة شئونها.

و في الحديث الشريف: «الانفال هو النفل. و في سورة الانفال جدع الانف(1)»(2).

2 - و اما ان الاراضي الميتة هي للإمام عليه السّلام

فهو مما لا خلاف فيه سواء لم يجر عليها ملك مالك - كما في الصحاري - او جري و لكنه لم يبق له وجود.

و قد دلت علي ذلك مرسلة حماد بن عيسي عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح عليه السّلام: «... و الانفال... كل ارض ميتة لا رب لها...»(3) ، و الروايات المعبّرة بالارض الخربة، كصحيحة حفص بن البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الانفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب او قوم صالحوا او قوم اعطوا بأيديهم و كل ارض خربة و بطون الاودية فهو لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و هو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء»(4) و غيرها.

و قد فهم الفقهاء من الأرض الخربة الأرض الميتة(5).

و المعروف في كلمات الفقهاء تقييد الارض بالميتة. و يمكن ان يقال بكون المدار علي عدم وجود مالك للأرض حتي لو كانت عامرة، كالغابات و الجزر المشتملة علي الاشجار و الفواكه لموثقة اسحاق بن عمار: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الانفال فقال: هي القري التي قد

ص: 185


1- اي قطع أنف الخصوم. قال في الوافي 302:10: «يعني في هذه السورة قطع أنف الجاحدين لحقوقنا و ارغامهم».
2- وسائل الشيعة 373:6 الباب 2 من أبواب الأنفال الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 365:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 4.
4- وسائل الشيعة 364:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 1.
5- الخرب لغة: ما يقابل العامر.

خربت... و كل ارض لا رب لها...»(1).

و مرسلة حماد المتقدمة و ان ورد فيها التقييد بالميتة الا انه لا مفهوم له لوروده مورد الغالب. هذا لو قطعنا النظر عن السند و الا فلا تعود صالحة للمعارضة.

و من خلال هذا يتضح ان الارض اذا لم يكن لها مالك فهي للإمام عليه السّلام او للدولة سواء كانت ميتة او عامرة، و اذا كان لها مالك فليست كذلك سواء كانت ميتة او عامرة، فان الارض ما دام لها مالك فمجرد موتها و خرابها لا يستوجب خروجها عن ملكه.

و بعض النصوص و ان كانت مطلقة و تعدّ كل ارض خربة جزءا من الانفال من دون تقييد بعدم وجود رب لها - كما في صحيحة حفص بن البختري المتقدمة و غيرها - الا انه بقرينة الروايات الاخري و تسالم الفقهاء لا بدّ من تقييدها بذلك، فلاحظ موثقة اسحاق بن عمار المتقدمة، حيث ورد فيها: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الانفال فقال: هي القري التي قد خربت و انجلي اهلها... و كل ارض لا رب لها...»، فلو كان الخراب وحده كافيا لصيرورة الشيء من الانفال فلا داعي الي التقييد بالانجلاء او عدم وجود رب لها.

اجل هناك كلام في الارض المملوكة بالاحياء(2) هل تزول ملكية المحيي لها بطرو الخراب عليها او لا، و قد دلت صحيحة الكابلي الآتية ان شاء اللّه تعالي و غيرها علي زوالها، الا ان ذلك خاص بما اذا كانة.

ص: 186


1- وسائل الشيعة 371:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 20.
2- يأتي فيما بعد ان شاء اللّه تعالي ان الارض الميتة و ان كانت ملكا للإمام عليه السّلام و لكنه يجوز لأي فرد من الناس احياؤها و يثبت بذلك تملكها او الحق فيها علي احتمالين في المسألة.

سبب الملك هو الاحياء دون ما لو كان مثل الارث و الشراء.

3 - و اما الارض التي يأخذها المسلمون من الكفار بغير قتال - اما

بانجلاء اهلها عنها او بتمكينهم المسلمين منها طوعا

- فلا خلاف في كونها من الانفال لقوله تعالي: وَ ما أَفاءَ اللّهُ عَلي رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ (1) ، و لصحيحة حفص بن البختري المتقدمة، و صحيحة معاوية بن وهب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال: ان قاتلوا عليها مع امير امّره الامام عليهم اخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسّم بينهم اربعة اخماس(2) ، و ان لم يكن قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ»(3) و غيرهما.

و ينبغي تعميم الارض المذكورة للمحياة أيضا، اذ الميتة هي للإمام عليه السّلام بقطع النظر عن الاستيلاء عليها من دون قتال، و حفظا للمقابلة بين هذا القسم و سابقه لا بدّ من التعميم المذكور.

ثم انه قد وقع الخلاف في اختصاص القسم المذكور بالارض

ص: 187


1- الحشر: 6. و الفيء لغة بمعني الرجوع. و المراد منه في الآية الكريمة الغنيمة التي يتم الحصول عليها بدون قتال. و الإيجاف هو السير السريع. و الركاب هي الابل. و المعني: الذي ارجعه اللّه علي رسوله من اموال بني النضير و خصّه به هو لم تسيروا عليه بفرس و لا ابل حتي يكون لكم فيه حق.
2- الموجود في الطبع القديم لوسائل الشيعة «ثلاثة أخماس» و الصواب ما ذكرناه.
3- وسائل الشيعة 365:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 3.

و عمومه لكل ما يغنمه المسلمون من الكفار بغير قتال، و لعل المشهور هو الاول، حيث قيدوا القسم المذكور بالارض، الا ان المستفاد من الصحيحتين السابقتين العموم.

ان قلت: انه قد ورد في صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان الانفال ما كان من ارض لم يكن فيها هراقة دم...»(1) و غيرها التقييد بالارض، و حيث ان ذلك وارد مورد التحديد فيدل علي المفهوم، و من ثمّ يلزم تقييد الصحيحتين السابقتين به.

قلنا: انه لا بدّ من رفع اليد عن المفهوم و حمل الصحيحة علي بيان بعض افراد الانفال دون افادة الحصر لصراحة صحيحة معاوية المتقدمة في الاستيعاب و الشمول و عدم الفرق بين الارض و غيرها.

4 - و اما المعادن

فقد اختار جمع من اعلام المتقدمين - كالشيخ و الكليني و المفيد و الطوسي و...(2) - كونها من الانفال بما في ذلك الموجودة في الملك الشخصي للأفراد، غايته قد اباحها الائمة عليهم السّلام لكل من اخرجها بعد اداء خمسها. و تشهد لذلك موثقة اسحاق المتقدمة:

«سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الانفال فقال: هي القري التي خربت و انجلي أهلها... و كل أرض لا ربّ لها و المعادن منها...»(3) و غيرها.

و في مقابل هذا القول قولان آخران:

أحدهما: انها من المباحات العامة و الناس فيها شرع.

و قد وجّه ذلك بالاصل و السيرة بل و بدلالة اخبار وجوب الخمس

ص: 188


1- وسائل الشيعة 367:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 10.
2- نقل ذلك في جواهر الكلام 129:16.
3- وسائل الشيعة 371:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 20.

فيها، ضرورة انه لا معني لوجوب الخمس علي غير الامام عليه السّلام ما دامت هي ملكا له. مضافا الي ان ظاهرها كون الباقي بعد الخمس هو للمخرج باصل الشرع لا بتمليك الامام عليه السّلام.

ثانيهما: التفصيل بين المعادن المستخرجة من ارض الانفال و بين المستخرجة من غيرها فالاولي هي من الانفال بخلاف الثانية. و يساعد علي التفصيل المذكور ان بعض النسخ في موثقة اسحاق المتقدمة قد اشتملت علي كلمة «فيها» بدل «منها» اي و المعادن في الارض التي لا رب لها، بل ان من الوجيه كون ذلك هو المقصود حتي بناء علي كون النسخة «منها» فالضمير لا يرجع الي الانفال بل الي ما ذكرناه.

و لعل البحث المذكور علمي بحت و لا اثر عملي له لان التخميس واجب علي كل حال و انما الكلام في أربعة الأخماس الباقية هل هي ملك للمخرج بتحليل من اللّه ابتداء او بتمليك من الامام عليه السّلام.

5 - و اما أسياف البحار

فقد اشير الي كونها من الانفال في الشرائع(1). و لا يوجد نص شرعي يدل علي كونها كذلك، الا انه لا حاجة اليه بعد كونها من قبيل الارض التي لا ربّ لها التي تقدم كونها من الانفال.

6 - و اما بطون الاودية

فقد اشير اليها في صحيحة حفص - المتقدمة في الرقم 2 - و غيرها.

و مقتضي ذكرها في مقابل الارض الخربة كونها من الانفال بعنوانها. و لازم ذلك ان لا تكون للمسلمين فيما اذا كانت جزءا من

ص: 189


1- شرائع الإسلام 137:1، انتشارات استقلال.

الارض المفتوحة عنوة و محياة حين الفتح بل تكون للإمام عليه السّلام.

كما ان لازم ذلك أيضا ان تكون للإمام عليه السّلام لو فرض وجودها في ملك خاص بالغير.

7 - و اما رءوس الجبال و الآجام

فقد ادعي عدم الخلاف في كونهما من الانفال. و قد ورد ذكرهما في اخبار ضعيفة السند، كمرسلة حماد المتقدمة «... و له رءوس الجبال و بطون الاودية و الآجام...»(1) و غيرها.

و الحكم بعدّهما من الانفال يبتني اما علي تمامية كبري الانجبار او علي ضم عدم القول بالفصل، بتقريب ان مستند عدّ بطون الاودية من جملة الانفال حيث انه صحيح السند فيلزم من ذلك عدّ رءوس الجبال و الآجام من جملة الانفال أيضا لعدم القول بالفصل بين الثلاثة.

هذا لو قبلنا احد المبنيين المذكورين و الا فينحصر الوجه في عدّهما من جملة الانفال بكونهما مصداقين للأرض التي لا ربّ لها.

و هل الحكم بعدّهما من الانفال يعمّ حالة كونهما جزءا من ملك الغير؟ و الجواب: انه علي المبنيين المتقدمين يلزم الحكم بالعموم بخلافه بناء علي المبني الاخير.

8 - و اما ان قطائع الملوك و صفاياهم من الانفال

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل علي ذلك صحيحة داود بن فرقد: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: قطائع الملوك كلها للإمام و ليس للناس فيها شيء»(2) ، و موثقة سماعة: «سألته عن الانفال فقال: كل ارض خربة او شيء يكون للملوك فهو خالص

ص: 190


1- وسائل الشيعة 365:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 366:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 6.

للإمام و ليس للناس فيها سهم...»(1) و غيرهما.

9 - و اما ان غنيمة الحرب الواقعة من دون اذن الامام عليه السّلام هي له

بأجمعها

فقد ادعي في الجواهر انه المشهور بين الاصحاب(2). و تدل عليه:

أ - مرسلة الوراق عن رجل سماه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا غزا قوم بغير اذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام، و اذا غزوا بأمر الامام فغنموا كان للإمام الخمس»(3).

و ضعفها السندي لا يضر بناء علي تمامية كبري الانجبار.

ب - صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة في الرقم 3، فان القيد المذكور فيها «امره الامام» يدل بالمفهوم علي المطلوب.

هذا و لكن اختار العلامة في المنتهي مساواة ذلك لما يغنم باذن الامام عليه السّلام في انه ليس فيه الا الخمس(4).

و علّق في المدارك(5) علي ذلك بانه جيد لإطلاق الآية الكريمة:

وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ... (6) ، و صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة، قال: يؤدي خمسا و يطيب له»(7).

ص: 191


1- وسائل الشيعة 367:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 8.
2- جواهر الكلام 126:16.
3- وسائل الشيعة 369:6 الباب 1 من أبواب الأنفال الحديث 16.
4- منتهي المطلب 554:1.
5- مدارك الاحكام 418:5.
6- الأنفال: 41.
7- وسائل الشيعة 340:6 الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 8.

و لعل الجواب واضح، فان اطلاق الآية الكريمة قابل للتقييد. و ما تضمنته الصحيحة يمكن تخريجه اما علي التحليل منه عليه السّلام لذلك الشخص او علي الاذن له في تلك الغزوة.

10 - و اما ان ميراث من لا وارث له هو من الانفال

فقد ادعي عليه الاجماع. و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «من مات و ليس له وارث من قرابته... فماله من الانفال»(1) و غيرها.

2 - انحاء الملكية و وسائل تحصيلها

اشارة

لملكية الثروة الطبيعية(2) ثلاثة أنحاء:

1 - ملكية جميع المسلمين بالنسبة الي الارض الخراجية، اي الارض المفتوحة باذن الامام عليه السّلام عنوة(3) المحياة حالة الفتح.

2 - ملكية الامام عليه السّلام أو الدولة بالنسبة الي الانفال.

3 - الملكية الشأنية بالنسبة الي المباحات العامة.

اما ما كان من النحو الاول فامره بيد ولي الامر فله دفع الارض الخراجية الي من شاء مقابل الخراج(4) بما يراه صلاحا، و لا يجوز بيعها و لا وقفها و لا هبتها و لا تملكها بنحو الملك الشخصي.

و يصرف ولي الامر الخراج في المصالح العامة للمسلمين.

ص: 192


1- وسائل الشيعة 547:17 الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الامامة الحديث 1.
2- المقصود من الثروة الطبيعية الارض و ما فيها و ما عليها.
3- بفتح العين و سكون النون، بمعني القهر و القوة.
4- الخراج: اجرة الارض.

و اما النحو الثاني فتنتقل الارض فيه بالاحياء الي المحيي ملكا او حقا، و المعدن باستخراجه الي المخرج، و الآجام بحيازتها الي الحائز.

و اما ما كان من النحو الثالث - كالماء و الطيور و الاسماك و ما شاكل ذلك - فيملك بالحيازة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الارض المفتوحة عنوة هي لجميع المسلمين

- الحاضرين و الغائبين و المتجددين بعد ذلك

- و لا تختص بالمقاتلين فلم يعرف فيه خلاف بيننا و ان نسب الي بعض العامة اختصاص الغانمين بها كغيرها من الغنائم(1). و يدل علي ذلك صحيح الحلبي: «سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن السواد(2) ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد. فقلت:

الشراء من الدهاقين(3) ، قال: لا يصلح الا ان تشري منهم علي ان يصيرها للمسلمين، فاذا شاء ولي الامر ان يأخذها أخذها...»(4) و غيره.

و قد يشكل بان السواد لم يفتح باذن الامام عليه السّلام فهو من الانفال لا للمسلمين، و الحكم المذكور في الصحيحة بانه للمسلمين لا بدّ من حمله علي الصدور للتقية.

و قد يجاب بصدور الاذن منه عليه السّلام، فان الخليفة الثاني كان

ص: 193


1- جواهر الكلام 157:21.
2- اي ارض العراق المفتوحة عنوة في عصر الخليفة الثاني.
3- الدهقان بكسر الدال و ضمها يطلق علي رئيس القرية و التاجر و من له مال و عقار. و هو اسم اعجمي مركب من (ده) و (قان).
4- وسائل الشيعة 274:12 الباب 21 من ابواب عقد البيع الحديث 4.

يستشير امير المؤمنين عليه السّلام في ذلك. و في مشاركة عمار في تلك المعارك و تولي سلمان ولاية المدائن بل قبول الامام الحسن عليه السّلام التوجه الي محاربة يزدجرد دلالة واضحة علي ذلك.

و هذا الجواب ان صحّ و ثبت تحقق الاذن فهو و الا فبالامكان ان يجاب بان الحكم في الصحيحة المتقدمة بكون ارض السواد للمسلمين بعد معلومية اعتبار الاذن يدل بالالتزام علي صدورها منه عليه السّلام. و الحمل علي التقية بعد امكان الافتراض المذكور لا وجه له.

2 - و اما تقييد الفتح بما اذا كان باذن الامام عليه السّلام

فلما تقدم من كون المفتوح بغير اذنه عليه السّلام هو من الانفال.

و اما تقييد الفتح بكونه عنوة فلما تقدم من كون المفتوح بلا قتال هو من الانفال.

و اما تقييد الارض بما اذا كانت محياة حين الفتح فلأن الارض الميتة هي من الانفال علي ما تقدم.

3 - و اما الترديد في ملكية الانفال بين كونها للإمام عليه السّلام او للدولة

فقد تقدمت الاشارة الي وجهه سابقا.

كما تقدمت الاشارة الي الوجه في ملكية الامام عليه السّلام للأنفال فراجع.

4 - و اما كون الملكية في النحو الثالث شأنية

فلان كل فرد من الناس له شأنية تملك المباحات العامة بالحيازة.

اما كيف يمكن اثبات الاباحة العامة للأشياء ما سوي الارض الخراجية و الانفال؟ يمكن اثباته بوجهين:

أ - ان ثبوت الملكية لخصوص الامام عليه السّلام او لجميع المسلمين هو

ص: 194

الذي يحتاج الي دليل، بخلاف كون الشيء ليس مملوكا لأحد بل لكل شخص الحق في تملكه بالحيازة فانه لا يحتاج الي دليل، بل هو مقتضي الاصل المستفاد من مثل قوله تعالي: خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (1).

ب - التمسك بسيرة المتشرعة، فانها منعقدة علي تملك الماء و الطيور و الاسماك و الحيوانات و الاعشاب و ما شاكل ذلك بالحيازة، و لا يحتمل نشوء مثل السيرة المذكورة عن تهاون و تسامح، فانها منعقدة في حق جميع المتشرعة، و ذلك يكشف عن وصولها يدا بيد من معدن العصمة و الطهارة.

و مما يؤيد ذلك في الجملة رواية محمد بن سنان عن ابي الحسن عليه السّلام: «سألته عن ماء الوادي فقال: ان المسلمين شركاء في الماء و النار و الكلاء»(2) و غيرها.

5 - و اما ان امر الارض الخراجية بيد ولي المسلمين

فلان ذلك مقتضي ملكيتها لجميع المسلمين. علي ان صحيحة الحلبي السابقة واضحة في ذلك.

و اما انحصار التصرف الجائز فيها بدفعها مقابل الخراج فهو لازم ابقاء عينها لجميع المسلمين مع التصرف فيها وفق مصلحتهم.

اجل لا بأس ببيع الحق الثابت فيها لفقدان المانع و وجود المقتضي، بل قيل بجواز بيعها تبعا للآثار.

و اما صرف ولي الامر الخراج في صالح المسلمين فلان ذلك لازم

ص: 195


1- البقرة: 29.
2- وسائل الشيعة 331:17 الباب 5 من ابواب احياء الموات الحديث 1.

ملكية جميع المسلمين لها. بل قد يقال بانه لا معني لملكية جميع المسلمين لها الا استحقاقهم لصرف واردها في مصالحهم، و لا يتصور معني صحيح لملكية الجميع لها الا ذلك.

6 - و اما ان الارض الميتة - التي هي من مصاديق النحو الثاني -

يجوز احياؤها و تنتقل الي المحيي

فلم يعرف فيه خلاف بين الاصحاب.

و يدل علي ذلك أمران:

أ - السيرة المستمرة للمتشرعة علي التصرف في الارض الموات و احيائها من دون احتمال نشوء ذلك عن التساهل و التسامح.

ب - صدور الاذن من اصحاب تلك الارض بذلك، كما دلت عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: من أحيا أرضا مواتا فهي له»(1) و غيرها. اجل دلت بعض النصوص الاخري علي ان الاذن المذكور ليس بنحو المجانية بل مشروط بدفع الاجرة الا اذا كان المحيي من الشيعة فانه لا يجب عليه ذلك، فلاحظ صحيحة ابي خالد الكابلي عن ابي جعفر عليه السّلام: «وجدنا في كتاب علي عليه السّلام ان الارض للّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين، انا و اهل بيتي الذين أورثنا الارض و نحن المتقون و الارض كلها لنا فمن أحيا ارضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها الي الامام من اهل بيتي و له ما اكل منها، فان تركها و اخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و احياها فهو احق بها من الذي تركها فليؤدّ خراجها الي الامام من اهل بيتي و له ما اكل منها حتي يظهر القائم عليه السّلام من اهل بيتي بالسيف فيحويها

ص: 196


1- وسائل الشيعة 327:17 الباب 1 من ابواب احياء الموات الحديث 6.

و يمنعها و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و منعها الا ما كان في ايدي شيعتنا فانه يقاطعهم علي ما في ايديهم و يترك الارض في ايديهم»(1) التي يستفاد منها جملة من الامور، و هي:

أ - ان الارض بأجمعها ملك للّه سبحانه.

ب - ان الارض ما دامت ملكا له سبحانه فمن حقه ان يملّكها لمن اراد من عباده.

ج - انه سبحانه قد ملّك الارض عباده المتقين، و هم اهل البيت عليهم السّلام، فجميع الكرة الارضية - علي هذا - هي لأهل البيت عليهم السّلام(2).ل.

ص: 197


1- وسائل الشيعة 329:17 الباب 3 من ابواب احياء الموات الحديث 2.
2- و هذا المعني قد اشارت اليه روايات متعددة، و قد كان قديما محلا للتساؤل بين اصحاب الائمة عليهم السّلام أنفسهم فقد ورد في الكافي 409:1 «لم يكن ابن ابي عمير يعدل بهشام بن الحكم شيئا و كان لا يغبّ [يقال زر غبّا تزدد حبا، اي زر يوما و اترك يوما] اتيانه ثم انقطع عنه و خالفه و كان سبب ذلك ان ابا مالك الحضرمي كان احد رجال هشام و وقع بينه و بين ابن ابي عمير ملاحاة [اي منازعة] في شيء من الامامة، قال ابن ابي عمير: الدنيا كلها للإمام عليه السّلام علي جهة الملك و انه اولي بها من الذين هي في ايديهم و قال ابو مالك: ليس كذلك املاك الناس لهم الا ما حكم اللّه به للإمام من الفيء و الخمس و المغنم فذلك له و ذلك أيضا قد بيّن اللّه للإمام اين يضعه و كيف يصنع به فتراضيا بهشام بن الحكم و صارا اليه فحكم هشام لأبي مالك علي ابن ابي عمير فغضب ابن ابي عمير و هجر هشاما بعد ذلك». و قد يقال: ان هذا المعني - ملكية الامام عليه السّلام لجميع الكرة الارضية - مخالف للضرورة القاضية بانّا نملك هذه القطعة من الارض او تلك بالبيع او الشراء و ما شاكل ذلك و لا يحتمل احد ان تلك القطعة لا حق لنا في بيعها و شرائها باعتبار انها ملك لغيرنا. و الجواب: ان الارض بأجمعها هي لأهل البيت عليهم السّلام و لكنهم تنازلوا عن ملكهم لمن احياها - اما بنحو التمليك او بنحو احقية التصرف - مع المقابل او بدونه. و الالتزام بذلك ليس فيه اي مخالفة للضرورة. و لعل هذا هو مقصود الشيخ الهمداني في كتابه مصباح الفقيه 8:14 و السيد الشهيد الصدر في اقتصادنا 482:2 حينما تعرضا للجواب عن الاشكال.

د - انهم عليهم السّلام قد تنازلوا عن الارض لكل من احياها مقابل اداء الخراج.

ه - ان كل من لم يواصل احياء الارض حتي خربت فلبقية المسلمين الحق في احيائها و يكون المحيي الجديد احق بها.

و - ان الشيعة - أعزّهم اللّه تعالي - لهم الحق في احياء الارض بدون مقابل تفضلا منهم عليهم السّلام عليهم.

و الفترة الزمنية التي لوحظ فيها هذا الحكم الاخير و ان كانت هي فترة ظهور القائم - ارواحنا له الفداء - الا انه يمكن ان يفهم من ذلك التعميم.

و في المقام تساؤل علمي محصله: ان الارض اذا كانت لأهل البيت عليهم السّلام فصدور الاذن في الاحياء من احدهم يبقي ساري المفعول طيلة فترة حياة صاحب الاذن فقط و لا يمكن استفادة العمومية لمثل زماننا.

و هذا و ان كان مجرد احتمال و لكنه كاف في الحكم بلزوم الاقتصار علي الفترة المتيقنة.

و الجواب: ان الاحتمال المذكور و ان كانت بعض النصوص لا تأباه الا انه بملاحظة بعضها الآخر ضعيف بل منتف، ففي صحيحة الكابلي نلاحظ ان امير المؤمنين عليه السّلام يأمر بدفع الخراج الي الائمة الطيبين الطاهرين الذين يأتون من بعده حتي يظهر القائم - ارواحنا له الفداء - و هذا لا يلتئم مع الاحتمال المذكور.

7 - و اما الترديد في امر الاحياء بين كونه مولّدا للملك او للحق

فهو باعتبار وجود احتمالين في المسألة فيحتمل انتقال ملكية الارض

ص: 198

من الامام عليه السّلام او الدولة الي المحيي و صيرورتها ملكا شخصيا له، و يحتمل بقاء ملكيتها السابقة علي ما هي عليه و لا يتولد للمحيي سوي أولويته من غيره في التصرف فيها.

و قد صار مشهور الفقهاء الي الاحتمال الاول تمسكا بظهور اللام في قولهم عليهم السّلام: «من أحيا ارضا مواتا فهي له» في افادة الملكية.

في حين صار الشيخ الطوسي الي الاحتمال الثاني، حيث يقول:

«فاما الموات فانها لا تغنم و هي للإمام خاصة، فان احياها احد من المسلمين كان اولي بالتصرف فيها و يكون للإمام طسقها(1)»(2).

و قد صار الي ذلك أيضا الفقيه السيد محمد بحر العلوم قدّس سرّه في بلغته(3).

و يمكن توجيه ذلك بان فرض الاجرة - المعبر عنها بالطسق - لا يتناسب مع انتقال العين الي المحيي بل يتناسب مع انتقال المنفعة فقط.

و اما اللام فلا ظهور لها في الملك فانها جارية مجري قول مالك الأرض للفلاحين عند تحريضهم علي عمارة الارض: من عمرها و حفر انهارها فهي له، فانه ليس المقصود انتقال العين الي الفلاح بل أحقيته من غيره و تقدمه علي من سواه.

8 - و اما المعادن

فقد تقدم الخلاف في كونها من الانفال او لا، و لكن علي تقدير جميع الاقوال الثلاثة في المسألة يجوز استخراجها

ص: 199


1- الطسق: الاجرة.
2- المبسوط 29:2.
3- بلغة الفقيه: 98.

و تملكها بعد اخراج خمسها.

و الوجه في ذلك امران:

أ - انعقاد السيرة القطعية بين المتشرعة علي ذلك.

ب - التمسك بصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «سألته عن معادن الذهب و الفضة و الصفر و الحديد و الرصاص فقال: عليها الخمس جميعا»(1) و غيرها، فانها تدل بوضوح علي ملكية المخرج لما اخرجه من المعدن بعد التخميس.

ثم ان المعادن علي قسمين: ظاهرة و باطنة(2).

و قد قال كثير من الفقهاء عن المعادن الظاهرة بانها تملك بمقدار ما يحوزه الشخص منها حتي لو كان ذلك المقدار زائدا عن حاجته، و عن المعادن الباطنة بانها تملك للمنقّب فيما اذا وصل الي المعدن نفسه، و اما اذا حفر و لم يصل اليه كان ذلك تحجيرا يفيد الأحقية و الاولوية دون الملكية.

و في مقابل هذا قول آخر يري ان الشخص لو نقّب و وصل اليا.

ص: 200


1- وسائل الشيعة 342:6 الباب 3 من ابواب ما يجب فيه الخمس الحديث 1.
2- يوجد تفسيران للمعدن الباطن و المعدن الظاهر: الاول: ان المعدن الظاهر هو ما كان موجودا علي سطح الارض و لا يحتاج الوصول اليه الي بذل مئونة عمل، كالملح و القير و ما شاكل ذلك، و الباطن هو ما توقف استخراجه علي الحفر و العمل، كما في الذهب و الفضة. ثانيهما: ان المعدن الظاهر هو المعدن الذي لا يحتاج في ابراز طبيعته و خصائصه المعدنية الي بذل جهود من دون فرق بين كونه علي سطح الارض او في اعماقها، بخلاف الباطن فانه ما احتاج الي ذلك حتي و لو لم يوجد في اعماق الارض، كما هو الحال في الحديد و الذهب و الفضة و نحوها.

المعدن فلا يملك الا مقدار حاجته دون ما زاد عليها بأضعاف مضاعفة و يبقي الاستثمار بمجموع المعدن حقا للدولة او للإمام عليه السّلام بوصفه الولي الشرعي.

و وجه القول المذكور: اننا لا نملك نصا شرعيا يدل علي ان الحيازة سبب للملك ليتمسك باطلاقه لإثبات تحقق الملكية حتي للمقدار الزائد عن حاجة الشخص، بل المدرك هو السيرة الممتدة الي عصر التشريع حيث كان الفرد يحوز المعدن من دون صدور ردع شرعي عن ذلك، و من الواضح ان ما انعقدت عليه السيرة ذلك الحين هو الحيازة في حدود حاجة الفرد نفسه و لم توجد في تلك الفترة الاجهزة الحديثة التي يتمكن الفرد من خلالها من حيازة ما يزيد علي حاجته بأضعاف مضاعفة.

و عليه يبقي المقدار الزائد علي الحاجة بلا دليل يدل علي تملك الحائز له، و من ثم يبقي علي حالته السابقة، و هي كونه من المشتركات العامة.

هذا كله بالنسبة الي المعادن الظاهرة.

و اما المعادن الباطنة فحيث ان فيها حفرا يصل الشخص من خلاله الي المعدن فقد يقال ان الحفر نفسه نحو من الإحياء و الحيازة للمعدن، و بما ان إحياء الشيء و حيازته سبب لتملكه فيلزم ان يكون الحفر مع الوصول الي المعدن سببا لتملكه، و مع عدم الوصول اليه سببا للتحجير و الاولوية.

و في الجواب عن ذلك يمكن ان يقال: انّا لو سلمنا بكون ذلك نحوا من الإحياء و الحيازة لمجموع المعدن الا انه لا نملك دليلا يدل علي

ص: 201

تحقق ملك مجموع المعدن بهذا النحو من الإحياء و الحيازة علي ما تقدم توضيحه.

و اذا قلت: ان الدليل موجود، و هو مثل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالة علي تعلق الخمس بالمعدن عند استخراجه، فانها تدل بالالتزام علي تملك المخرج للباقي مهما بلغ مقداره بعد اخراج الخمس.

قلنا: ان مثل الصحيحة المذكورة ناظرة الي المورد الذي يفترض فيه تملك الشخص للمعدن باستخراجه له، اما ما هو ذلك المورد فليست ناظرة اليه.

9 - و اما جواز حيازة الآجام بل الغابات - بناء علي ملكية

الامام عليه السّلام او الدولة لها

- فينبغي ان لا يقع موردا للتأمل لانعقاد السيرة القطعية علي الحيازة فيها.

اجل المناسب تحديد ذلك بالمقدار الذي لا يزيد علي حاجة الفرد الحائز بأضعاف مضاعفة لما تقدمت الاشارة اليه.

10 - و اما تحقق الانتقال في النحو الثالث بالحيازة

فهو مما لا اشكال فيه للسيرة القطعية المنعقدة علي ذلك، فمن اصطاد الاسماك او الطيور او اي ثروة طبيعية اخري ملكها، و من قام بالحفر و وصل الي عين ماء كان مجرد ذلك كافيا في تحقق حيازته لها.

هذا و لكن لا يبعد ان يقال في مثل عين الماء بلزوم فسح المجال للآخرين متي ما اشبع الحافر حاجته منها لعدم الجزم بانعقاد السيرة - التي هي المدرك في باب الحيازة - الا بالمقدار المذكور.

و دعوي صاحب الجواهر عدم وجوب بذل الزائد اما لأصل البراءة

ص: 202

او لقاعدة الناس مسلطون علي اموالهم(1) مدفوعة بان الاصل المذكور معارض باصل البراءة من حرمة الاستيلاء و الاخذ من دون رضا الحافر.

و تطبيق قاعدة السلطنة فرع كون تمام ماء العين مالا للحافر، و ذلك عين المتنازع فيه.

3 - من احكام المشتركات

اشارة

من كان مالكا لأرض كان مالكا لما تشتمل عليه من معدن او كنز علي المشهور.

و من كان مالكا لأرض كان مالكا لعين الماء التي يتم كشفها فيها علي المشهور أيضا.

و من حاز لآخر تبرعا او وكالة عنه فالمال للحائز دون الآخر. و اما لو كان ذلك باجارة فقيل بكونه للمستأجر دون الحائز الاجير.

و التحجير - بوضع سياج و نحوه للأرض الميتة - و ان لم يكن كالإحياء في افادة الملك و لكنه يفيد الاولوية.

و الناس و ان كان لهم حق الاحياء او التحجير في اراضي الموات الا ان لولي المسلمين المنع منهما فيما اذا كان ذلك موجبا للإخلال بالنظام.

و من سبق الي مكان في المسجد او المشاهد المشرفة فهو احق به ما دام شاغلا له بما لا يتنافي مع ذلك المكان المقدس. و اذا فارقه بنية العود

ص: 203


1- جواهر الكلام 123:38.

و كان تاركا لبعض رحله فيه فهو احق به من غيره.

و وضع الرحل قبل دخول وقت الصلاة بقصد الاستفادة من المحل عند دخوله لا يولّد حقا لصاحب الرحل مع افتراض الفاصل الزمني المعتد به.

و المستند في ذلك:

1 - اما تبعية ما في أعماق الارض من المعدن و الكنز لها في

الملكية

فقد يوجّه بانه نماء لها، و نماء المال يتبع اصله في الملكية.

و فيه: ان المقام ليس مصداقا للنماء و الثمرة بل مصداق للظرف و المظروف، و واضح ان ملكية الظرف لا تلازم ملكية المظروف.

اذن ما عليه المشهور لا يتم الا اذا انعقد اجماع تعبدي او سيرة عقلائية عليه و الا فتخريجه علي طبق القاعدة مشكل.

2 - و اما تبعية عين الماء لصاحب الارض في الملكية

فقد يوجّه بما يلي:

أ - التمسك بفكرة النماء المتقدمة.

و الجواب: ما تقدم.

ب - ان كشف العين نحو حيازة لها، و الحيازة سبب للملكية.

و فيه: ان ما ذكر يتم لو فرض وجود نص شرعي يدل علي ذلك ليتمسك باطلاقه، و لكنه مفقود، و المستند لذلك ليس الا السيرة العقلائية، و هي لا يمكن التمسك بها في المقام لعدم الجزم بانعقاد مثلها في عصر الائمة عليهم السّلام.

و مع التنزل و افتراض انعقادها فتارة يفترض انعقادها من المتشرعة بما هم متشرعة، و اخري يفترض انعقادها منهم بما هم عقلاء.

ص: 204

و الاول لا يمكن الجزم به.

و الثاني لا ينفع لان سيرة العقلاء لا تكون حجة الا في فرض الجزم بعدم الردع عنها ليتحقق العلم بالامضاء، و الجزم المذكور لا يمكن حصوله بعد مثل رواية عقبة بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قضي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بين... اهل البادية انه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء»(1).

و اذا قيل: ان الرواية المذكورة ضعيفة السند بعقبة نفسه و بعبد اللّه بن محمد بن هلال فانهما مجهولا الحال.

قلنا: ان احتمال صدور الرواية موجود جزما، و معه فكيف يحصل الجزم بعدم صدور الردع؟

و بكلمة اخري: ان احتمال صدور الردع و لو بسبب وجود رواية ضعيفة يكفي لعدم حجية السيرة.

و هذه نكتة مهمة في باب السيرة العقلائية تنبغي مراعاتها.

هذا كله مضافا الي امكان ان يقال باشتمال المقام علي رواية تامة السند تردع عن السيرة، و هي موثقة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«نهي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن النطاف و الاربعاء. قال: و الاربعاء ان يسني مسناة فيحمل الماء فيسقي به الأرض ثم يستغني عنه فقال: فلا تبعه و لكن اعره جارك. و النطاف ان يكون له الشرب فيستغني عنه فيقول:أ.

ص: 205


1- وسائل الشيعة 333:17 الباب 7 من ابواب احياء الموات الحديث 2. و المقصود: لا يمنع الماء الفاضل عن الحاجة الذي يترتب عليه عدم نزول اصحاب المواشي تلك المنطقة و يترتب علي امتناعهم من نزولها المنع من فاضل الكلأ.

لا تبعه، اعره اخاك او جارك»(1).

و النتيجة من كل هذا: انه لا دليل علي تبعية عين الماء و المعادن و نحوهما للأرض في الملكية بل ذلك باق علي الاباحة العامة الا اذا فرض تصدي مالك الارض نفسه للحفر و التنقيب فان ذلك يولّد له اولوية علي غيره و لكن في حدود حاجته علي ما تقدم توضيحه سابقا.

ثم انه لا ينبغي ان يفهم من الحكم بعدم تبعية العين او المعدن لصاحب الارض في الملكية جواز دخول الآخرين في تلك الارض لمحاولة التوصل الي ذلك، كلا انه تصرف في مال الغير من دون اذنه، و هو لا يجوز، و لكنه لو فرض عصيان شخص لذلك و تعديه علي الحق المذكور و دخوله ارض الغير و استخراجه المعدن و نحوه كان ذلك له و احق به من غيره بالرغم من عصيانه في المقدمة.

بل يمكن تصوير ذلك من دون عصيان في المقدمة، كما لو حاول الشخص المذكور الوصول الي المعدن من خلال حفر طريق في اعماق الارض من ارضه الي ارض الغير المشتملة علي المعدن، انه في مثل ذلك لا يلزم التصرف في ملك الغير لان المالك لأرض لا يملكها الي منتهي تخومها و لا الي عنان السماء - بل الي ما يمكن ان يصل في تصرفه اليه - لعدم قيام دليل علي ذلك بل الدليل قائم علي عكسه، و لذا لا يعدّ سير الطائرات في أجواء السماء و سير الحفارات في الاعماق الساحقة للأرض تصرفا في املاك الآخرين.

3 - و اما ان من حاز لآخر تبرعا فالمال للحائز دون الآخر

فلان

ص: 206


1- وسائل الشيعة 333:17 الباب 7 من ابواب احياء الموات الحديث 1.

مدرك تحقق الملكية بالحيازة ليس الا السيرة، و هي تقتضي ملكية الحائز نفسه دون غيره. و مجرد قصد الحيازة عن الغير لا يجعل الغير حائزا حقيقة.

4 - و اما ان الامر كذلك في من حاز عن الغير وكالة

فللنكتة المتقدمة نفسها، فان الحيازة سبب لملكية الحائز نفسه دون غيره.

و اذا قيل: انه بعد افتراض تحقق عقد الوكالة فسوف يصدق علي الموكل نفسه عنوان الحائز لان فعل الوكيل ينتسب الي الموكل بسبب عقد الوكالة.

قلنا: ان ما ذكر وجيه في الامور الاعتبارية - كالبيع و الاجارة و نحوهما - فانه بالتوكيل فيها ينتسب فعل الوكيل الي الموكل فيقال:

فلان باع داره، و الحال ان وكيله باعها؛ و اما الامور التكوينية الخارجة عن دائرة الاعتبار فلا يتحقق الانتساب المذكور فيها و لا معني للوكالة فيها فلا يصح ان يقال لمن وكّل غيره في الاكل او الشرب عنه: انه اكل او شرب. و حيث ان الحيازة هي من الامور التكوينية دون الاعتبارية فلا تقبل الوكالة و لا تنتسب حيازة الوكيل الي الموكل.

5 - و اما حيازة الاجير - التي هي محل ابتلاء في زماننا

حيث يستأجر الشخص او الدولة عمالا للحفر و التنقيب - فقد يقال باقتضائها لملكية المستاجر لأحد الوجوه التالية:

أ - ان عمل الاجير - و هو الحيازة - ملك للمستأجر بسبب عقد الاجارة، و حيث ان المحاز يعدّ ثمرة و نتيجة للحيازة فيلزم تملك المستأجر له فان من يملك الأصل يملك نتائجه.

و فيه: ان البيضة تعدّ عرفا نماء للدجاجة فالمالك للدجاجة يكون

ص: 207

مالكا للبيضة، و هذا بخلافه في المعدن فانه لا يعدّ عرفا نماء للحيازة الا بنحو المجاز.

ب - انه بعقد الاجارة يصدق عنوان الحائز حقيقة علي المستأجر، فالحيازة حيازته، و لازم ذلك تملكه للمعدن باعتبار انه حائز حقيقة.

و فيه: ان اقصي ما يترتب علي عقد الاجارة صيرورة المستأجر مالكا لحيازة الاجير لا انه حائز حقيقة.

و مع التنزل فيمكن القول بان دليل التملك بالحيازة حيث انه السيرة التي هي دليل لبي فينبغي الاقتصار فيه علي القدر المتيقن، و هو ما لو تحققت الحيازة و تمّ صدقها حقيقة بتصدي الشخص نفسه دون اجيره.

ج - ان مقتضي اطلاق ادلة صحة الاجارة صحة كل اجارة بما في ذلك الاجارة علي الحيازة، و لازم ذلك تملك المستأجر لما يحوزه الاجير و الا كانت بلا منفعة عائدة الي المستأجر فتكون سفهية و باطلة.

اذن الاجارة علي الحيازة ما دامت صحيحة بمقتضي اطلاق ادلة صحة الاجارة فيلزم تملك المستأجر لما يحوزه الاجير.

و فيه: ان ادلة صحة الاجارة تدل علي صحتها في كل مورد لا تكون فيه سفهية، اي انها مشروطة بعدم كونها سفهية، و في المقام اذا لم يملك المستأجر ما يحوزه الاجير يلزم كون الاجارة سفهية و غير مشمولة لأدلة صحة الاجارة، و اذا كان يملك ذلك فلا تكون سفهية و من ثمّ تكون مشمولة لأدلة صحة الاجارة. و يترتب علي هذا انّا لو شككنا في المقام في تملك المستأجر لما يحوزه الاجير فسوف نشك في سفهية الاجارة و عدمها، و مع الشك المذكور لا يصح التمسك باطلاق

ص: 208

ادلة صحة الاجارة لإثبات صحتها لأنه تمسك بالاطلاق في الشبهة المصداقية، و هو غير جائز لان الحكم لا يثبت موضوعه.

د - ان السيرة العقلائية في زماننا قائمة علي تملك المستاجر لما يحوزه الاجير، فلاحظ عمليات التنقيب عن المعادن التي تتم علي ايدي مجموعة من العمال من خلال تعاقد بعض الشركات معهم، و هل يحتمل أحد ان المالك لتلك المعادن المستخرجة هم العمال دون الشركة؟

و فيه: ان الاستشهاد بمثال الشركة المذكور قابل للمناقشة، فان السيرة و ان كانت منعقدة في زماننا علي ما ذكر الا ان ذلك غير نافع ما لم يثبت امتدادها الي عصر المعصوم عليه السّلام ليكون سكوته و عدم ردعه عنها كاشفا عن امضائها، و من الواضح ان الامتداد المذكور ان لم يجزم بعدمه فلا أقل من الشك فيه، و معه فلا يمكن الحكم بحجيتها.

الا انه بالرغم من هذا يمكن التمسك بالسيرة، بتقريب انه اذا قيل لشخص اذهب الي تلك الشجرة و اقتطف ثمارها مقابل كذا اجرة او بدونها حكم بكونها للمستأجر او الموكل. ان هذا امر قريب في السيرة العقلائية، و من البعيد جدا عدم امتداد مثل السيرة المذكورة الي عصر المعصوم عليه السّلام، و حيث انه لم يردع عنها فيثبت امضاؤها.

و اذا ثبتت السيرة في المثال المذكور فلا بدّ لأجل التعدي الي مثال الشركات و ما شاكله من ضم مقدمة لا بدّ من بحثها في مسألة السيرة من علم اصول الفقه، و هي ان المقدار الذي يراد استكشاف امضائه من قبل الشارع بواسطة السيرة هل ينبغي الاقتصار فيه علي مقدار ما انعقدت عليه السيرة في عصر المعصوم عليه السّلام علي مستوي العمل بالفعل، او يتعدي الي ما تقتضيه النكتة العقلائية للسيرة بدائرتها

ص: 209

الوسيعة بالرغم من بروز بعضها لا جميعها علي مستوي العمل؟

و قد اختار كل واحد من الاحتمالين بعض الاعلام(1).

و نحن اذا اخترنا الاحتمال الاول لم يمكنّا التعدي الي مثال الشركات و لكن اذا اخترنا الاحتمال الثاني امكن ذلك كما هو واضح.

6 - و اما التحجير فالمعروف بين الفقهاء كونه سببا لتولد حق

الاولوية.

و يمكن توجيه ذلك بأحد الامور التالية:

أ - دعوي انعقاد الاجماع علي ذلك.

و فيه: ان الاجماع لو صحّ تحققه فهو ليس كاشفا عن رأي المعصوم عليه السّلام لاحتمال استناد المجمعين الي ما يأتي من الوجوه.

ب - ما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «من احاط حائطا علي أرض فهي له»(2).

و فيه: انه ضعيف السند، اذ روي في عوالي اللآلي عن سمرة بن جندب عن النبي صلّي اللّه عليه و آله، و السند الي سمرة غير معلوم، و علي تقدير العلم به فهو غير نافع لان حال سمرة غير خاف علي أحد.

ج - ما روي عن النبي صلّي اللّه عليه و آله: «من سبق الي ما لا يسبقه اليه المسلم فهو احق به»(3).

و فيه: ان السند ضعيف بالارسال.

ص: 210


1- فقد جاء اختيار الاحتمال الاول في المستمسك 215:1 المسألة 9 من فصل احكام البئر عند البحث عن ثبوت الكرية بقول صاحب اليد. في حين جاء اختيار الاحتمال الثاني في فقه الشيعة 75:2 و التنقيح 329:1، و قد تعرض السيد الشهيد الي ذلك في بحوثه الفقهية 2: 127 و في الحلقة الثالثة 189:1-190.
2- عوالي اللآلي 480:3 الحديث 3.
3- عوالي اللآلي 480:3 الحديث 4.

د - ما هو المنقول عن ابن نما شيخ المحقق الحلي من ان التحجير حيث انه يعدّ شروعا في الاحياء فيكون مفيدا للملك كالإحياء لإطلاق قوله صلّي اللّه عليه و آله: «من أحيا ارضا مواتا فهي له»(1).

و لعل هذا هو أوجه ما يمكن التمسك به في المقام و لكنه بناء عليه يكون التحجير مفيدا للملك دون حق الاولوية.

7 - و اما ان لولي الأمر المنع من الاحياء و التحجير حفاظا علي

النظام

فواضح لأنهما و ان جازا بالعنوان الاولي الا ان فسح المجال من هذه الناحية بدون تحديد قد يسبّب الاخلال بالنظام فلولي الامر المنع منهما بالعنوان الثانوي لأنه المسؤول عن حفظ النظام.

8 - و اما ان الشاغل للمكان المقدس احق به من غيره ما دام

شاغلا له

فهو من المسلمات لقضاء السيرة بأحقية السابق الي المكان المشترك من غيره ما دام شاغلا له و ان طالت الفترة.

و اما التقييد بما اذا لم يكن اشغال المحل منافيا لذلك المكان المقدس فالوجه فيه واضح.

9 - و اما ان من فارق المكان الذي كان شاغلا له مع ترك بعض

رحله فيه

فهو احق به فقد ادعي عدم الخلاف فيه.

و قد يستدل عليه بما يلي:

أ - التمسك بالحديث الوارد: «اذا قام الرجل من مجلسه ثم عاد اليه فهو احق به»(2).

و فيه: انه لم يرد من طرقنا فلا يمكن الاعتماد عليه.

ص: 211


1- جواهر الكلام 74:38.
2- سنن البيهقي 151:6.

ب - التمسك برواية محمد بن اسماعيل عن بعض اصحابه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: نكون بمكة او بالمدينة او الحيرة او المواضع التي يرجي فيها الفضل فربما خرج الرجل يتوضأ فيجيء آخر فيصير مكانه فقال: من سبق الي موضع فهو احق به يومه و ليلته»(1).

و فيه: انه ضعيف سندا بالارسال و دلالة باعتبار ان مضمونه مهجور لدي الاصحاب حيث يلتزمون بدوران الاحقية مدار شغل المحل و ليس مدار اليوم و الليلة.

ج - التمسك بموثقة طلحة بن زيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال امير المؤمنين عليه السّلام: سوق المسلمين كمسجدهم فمن سبق الي مكان فهو احق به الي الليل...»(2).

و فيه: انه من حيث السند و ان امكن الحكم باعتباره - اذ لا مشكلة فيه الا من حيث طلحة، و هو و ان لم يوثّق بالخصوص و لكن يكفي لاعتباره تعبير الشيخ عنه في الفهرست بان له كتابا معتمدا(3) - الا ان دلالته قابلة للتأمل، فان تحديد الفترة ب «الي الليل» ان كان راجعا الي السوق و المسجد معا فيرده ما تقدم من عدم التزام الاصحاب بتحديد الفترة الي الليل. و ان كان راجعا الي السوق فقط - باعتبار ان فترة الحاجة الي السوق تتحدد بذلك و يبقي المسجد يدور الامر فيه مدار الحاجة من دون تحديد بالليل - فهذا و ان كان وجيها، و لكنه غير نافع لان لازمه زوال الحق بانتفاء الحاجة و مفارقة المحل سواء نوي العود2.

ص: 212


1- وسائل الشيعة 542:3 الباب 56 من أبواب أحكام المساجد الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 542:3 الباب 56 من أبواب أحكام المساجد الحديث 2.
3- الفهرست: 86 الرقم 362.

أم لا، و سواء أ بقي شيء من الرحل أم لا.

د - التمسك بمرسلة ابن ابي عمير عن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سوق المسلمين كمسجدهم»(1).

و فيه: انه لو قيل باعتبار السند - من جهة ان ابن ابي عمير لا يروي و لا يرسل الا عن ثقة حسبما ذكر الشيخ في العدة(2) - فالدلالة ضعيفة لان المراد منها مردد بين احتمالين، فاما ان يكون المقصود ان سوق المسلمين كمسجدهم في ان من سبق يكون احق من غيره، او يكون المقصود هو احق من غيره ما دام شاغلا للمحل، و كلاهما لا ينفعان.

اما الاول فلعدم تحديد مقدار الاحقية فيه.

و اما الثاني فلان لازمه ارتفاع الاحقية بمفارقة المحل كما تقدم.

و من خلال هذا يتضح ان الاستناد الي الروايات لإثبات الحكم المذكور مشكل.

و لعل الاولي التمسك بسيرة العقلاء، فانها منعقدة في الاماكن العامة المشتركة علي عدم سقوط الحق بمفارقة المحل بعد ابقاء شيء من الرحل فيه. و حيث ان السيرة المذكورة لم يردع عنها فتكون ممضاة و حجة.

اجل لا بدّ ان تكون فترة المفارقة قصيرة فان ذلك هو القدر المتيقن من السيرة.

10 - و اما ان وضع الرحل في المسجد و نحوه قبل دخول الوقت بقصد اشغاله بعد دخول الوقت لا يولّد حقا لصاحبه

ص: 213


1- وسائل الشيعة 300:12 الباب 17 من أبواب آداب التجارة الحديث 2.
2- العدة في الاصول: 63.

فلعدم دلالة دليل عليه.

اجل قد يقال بان عنوان السبق المذكور في مرسل محمد بن اسماعيل و موثقة طلحة صادق بمجرد وضع الرحل فتثبت الاحقية بذلك.

و لكن قد تقدمت المناقشة في السند و الدلالة معا فلاحظ.

هذا اذا كان الفاصل الزمني طويلا.

و اما اذا كان قصيرا فقد يدعي انعقاد سيرة العقلاء في الاماكن العامة المشتركة علي ثبوت الحق بذلك.

ص: 214

كتاب الارث

اشارة

1 - ما يوجب الارث

2 - فروض الارث

3 - الارث بالفرض و بالقرابة

4 - الحجب

5 - العول و التعصيب

6 - من تفاصيل ارث الطبقات

7 - من تفاصيل الارث بالزوجية

ص: 215

ص: 216

1 - ما يوجب الارث

اشارة

يوجب الارث امران: النسب و السبب.

اما النسب فترث به ثلاث طوائف هي:

1 - الاب و الام المباشران، و الاولاد ذكورا و اناثا و ان نزلوا.

2 - الاجداد و الجدات و ان علوا كأب الجد و جده، و الاخوة و الاخوات و أولادهم و ان نزلوا.

3 - الاعمام و العمات و الاخوال و الخالات و ان علوا - كعم او خال الاب او الام او الجد او الجدة - و اولادهم و ان نزلوا.

و كل طائفة من هذه لا ترث مع وجود الطائفة السابقة عليها و لو واحدا الا اذا فرض وجود احد موانع الارث الآتية.

و اما السبب فهو عبارة عن الزوجية و الولاء(1).

ص: 217


1- الولاء نحو ولاية يترتب عليها الارث. و هو ينشأ اما بسبب العتق او التعاقد علي ضمان الجريرة او الامامة.

و الولاء علي ثلاثة انحاء مترتبة: ولاء العتق ثم و ولاء ضامن الجريرة(1) ثم ولاء الامامة.

و مع تحقق المصداق للولاء السابق لا تصل النوبة الي الولاء اللاحق.

و الارث بالولاء لا تصل النوبة اليه الا بعد فقدان جميع طوائف النسب بخلاف الارث بالزوجية فانه يجتمع مع الارث بالنسب.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الموجب للإرث هو النسب تارة و السبب اخري و ان

طوائف النسب ثلاث بخلاف السبب

فانه علي نحوين فيمكن عدّه من واضحات الفقه و لم يقع فيه خلاف و ان كان لا يوجد نص يدل علي ذلك بالترتيب المذكور، و لكن ذلك غير مهم بعد تسالم الاصحاب عليه. اجل قد يستفاد ذلك من ضم النصوص بعضها الي البعض الآخر.

2 - و اما ان كل طائفة من طوائف النسب لا ترث مع وجود

سابقتها

فهو متسالم عليه و يمكن استفادته من بعض الروايات التي تأتي الاشارة اليها عند البحث عن تفاصيل ارث الطبقات.

و هكذا الحال في اجتماع الارث بالزوجية مع جميع طبقات النسب فانه متسالم عليه و تأتي الاشارة الي بعض الروايات الدالة عليه عند البحث عن تفاصيل الارث بالزوجية.

ص: 218


1- المراد به تعاقد شخصين علي ان احدهما اذا تحققت منه جناية يقوم الآخر بدفع الدية عنه في مقابل ان يرثه اذا مات و لم يكن له وارث فيقول له: عاقدتك علي ان تعقل عني و ترثني فيقول الآخر: قبلت. و المراد من العقل الدية. و تعقل عني: تدفع عني دية جنايتي. و هذا التعاقد قد يكون من كلا الطرفين و قد يكون من احدهما.

2 - فروض الارث

اشارة

الارث بالنسب أو بالسبب تارة يكون بالفرض(1) و اخري بالقرابة.

و الفروض هي: النصف، الربع، الثمن، الثلثان، الثلث، السدس.

و تفصيل ذلك:

1 - اما النصف فهو لثلاثة:

أ - البنت الواحدة.

ب - الاخت للأبوين او للأب فقط اذا لم يكن معها اخ.

ج - الزوج مع عدم الولد للزوجة و ان نزل.

2 - و اما الربع فهو لاثنين:

أ - الزوج مع الولد للزوجة و ان نزل.

ب - الزوجة مع عدم الولد للزوج و ان نزل.

و الزوجة ان كانت واحدة اختصت به و الا قسّم بينهن بالسوية.

3 - و اما الثمن فهو للزوجة مع الولد للزوج و ان نزل.

و هي ان كانت واحدة اختصت به و الا قسّم بينهن بالسوية.

4 - و اما الثلثان فهو لاثنين:

أ - البنتين فصاعدا اذا لم يكن معهن ابن مساو.

ب - الاختين فصاعدا للأبوين او للأب فقط مع عدم الاخ.

5 - و اما الثلث فهو لاثنين:

ص: 219


1- يراد بالفرض السهم المذكور في القرآن الكريم.

أ - الام مع عدم الولد للميت و ان نزل و عدم الاخوة علي تفصيل يذكر في باب الحجب.

ب - الاخ و الاخت من الام مع التعدد.

6 - و اما السدس فهو لثلاثة:

أ - لكل واحد من الابوين مع فرض وجود الولد للميت و ان نزل.

ب - الام مع وجود الاخوة للأبوين او للأب علي تفصيل يذكر في باب الحجب.

ج - الاخ الواحد من الام او الاخت الواحدة منها.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الارث يكون بالفرض تارة و بالقرابة اخري

فباعتبار ان الوارث اما ان يفرض له سهم محدد مذكور في القرآن الكريم او لا يكون له ذلك بل يرث من باب قاعدة وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (1). و الاول ارث بالفرض و الثاني ارث بالقرابة.

2 - و اما ان الفروض محصورة في الستة المتقدمة

فيتضح ذلك من خلال مراجعة كتاب اللّه العزيز كما سنشير الي ذلك.

3 - و اما ان النصف للأصناف الثلاثة المتقدمة

فلقوله تعالي:

وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ (2) ، يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ (3) إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ (4) ،

ص: 220


1- الانفال: 75، الاحزاب: 6.
2- النساء: 11.
3- سيأتي معني الكلالة في الرقم 9.
4- النساء: 176.

وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ (1) .

و تقييد البنت بما اذا كانت واحدة باعتبار ان فرض الاكثر الثلثان.

و تقييد الاخت بكونها للأبوين او للأب لما سيأتي من ان الاخت من الام فقط ترث الثلث مع التعدد و السدس مع وحدتها.

و التقييد بما اذا لم يكن معها اخ باعتبار انه مع وجوده يكون الارث بالقرابة.

4 - و اما تعميم ولد الزوجة - الذي عدمه شرط في ارث الزوج

للنصف - للنازل

فهو للتمسك باطلاق كلمة الولد في قوله تعالي:

إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ .

5 - و اما ان الربع لمن تقدم

فلقوله تعالي: فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ ... وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ (2)

و تعميم الولد للنازل هو للتمسك بالاطلاق كما تقدم.

و اما ان الربع يقسّم بالتساوي علي الزوجات مع تعددهن فلان ذلك لازم اثبات الربع لهن، اذ ثبوته لخصوص واحدة بلا مرجح، و ثبوته للجميع مع التفاضل ترجيح بلا مرجح فيتعين ثبوته للجميع بنحو التساوي.

و تؤيد ذلك رواية العبدي(3) فلاحظ.

6 - و اما ان الثمن لمن تقدم

فلقوله تعالي: فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ

ص: 221


1- النساء: 12.
2- المصدر نفسه.
3- وسائل الشيعة 511:17 الباب 2 من ابواب ميراث الازواج الحديث 1.

اَلثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ (1) .

و قد اتضح الوجه في تعميم الولد للنازل مما تقدم. كما اتضح الوجه في اشتراك الزوجات في الثمن بالسوية مع التعدد.

7 - و اما ان الثلثين لمن تقدم

فلقوله تعالي: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ (2). و المراد اثنتان فما فوق بضرورة الفقه. و لقوله تعالي: فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ (3).

و التقييد بعدم الابن باعتبار انه معه يكون الارث بالقرابة للذكر مثل حظ الأنثيين.

و اما تقييد الابن بالمساوي فباعتبار ان غير المساوي - كابن الابن - لا اثر لوجوده.

و اما تقييد الاختين بكونهما للأبوين او للأب فقط و بعدم الاخ فقد اتضح وجهه من خلال ما تقدم في الرقم 3.

8 - و اما ان الثلث لمن ذكر

فلقوله تعالي: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ (4) ، وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ (5).

ص: 222


1- النساء: 12.
2- النساء: 11.
3- النساء: 176.
4- النساء: 11.
5- النساء: 12.
9 - و اما ان السدس لمن تقدم

فلقوله تعالي: وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ... فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ (1) ، وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً (2) أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (3).

3 - الارث بالفرض و بالقرابة

اشارة

ثم ان الوارث بالفرض او بالقرابة ينقسم الي:

1 - من يرث بالفرض دائما من دون ان يرد عليه شيء، و هو الزوجة، فان لها الربع مع عدم الولد للميت، و الثمن معه، و لا يرد عليها شيء.

2 - من يرث بالفرض دائما مع الرد عليه احيانا، كالأم، فانه مع انفرادها يرد عليها الفاضل عن الثلث. و كالزوج فانه مع عدم وجود وارث سوي

ص: 223


1- النساء: 11.
2- المراد من الكلالة في هذه الآية الكريمة و التي سبقتها في رقم 3 الاخوة و الاخوات، غايته ان المراد منها في هذه الآية الاخوة و الاخوات من الام و في الآية الاخري الاخوة و الاخوات من الابوين او الاب، كما دلت علي ذلك صحيحة بكير بن اعين الواردة في الباب 3 من ابواب ميراث الاخوة و الاجداد الحديث 2. و الكلالة في الاصل مصدر بمعني الاحاطة. و منه الاكليل لإحاطته بالرأس. و قد قال الراغب: «الكلالة اسم لما عدا الولد و الوالد من الورثة». و ظاهر كلامه بل صريحه انها اسم للوارث الذي لا يكون ولدا و لا والدا. و قد قيل: انها تطلق أيضا علي الميت الذي ليس له والد و لا ولد. ثم ان كلمة «كان» في الآية الكريمة يحتمل كونها ناقصة و ان «رجل» اسمها و «يورث» و صف لرجل و «كلالة» خبرها، و يحتمل ان تكون - اي كان - تامة، و ان «رجل يورث» فاعلها، و كلالة مصدر وضع موضع الحال.
3- النساء: 12.

الامام عليه السّلام يرد عليه الفاضل عن النصف.

3 - من يرث بالفرض تارة و بالقرابة اخري، كالأب، فانه يرث السدس بالفرض مع وجود الولد و بالقرابة مع عدمه. و كالبنت و البنات فانهن يرثن مع الابن بالقرابة و بدونه بالفرض، الي غير ذلك من الموارد.

4 - من لا يرث الا بالقرابة، كالابن، و الاخوة للأبوين او للأب، و الجد، و الاعمام و الاخوال.

5 - من لا يرث بالفرض و لا بالقرابة بل بالولاء، و هو المعتق و ضامن الجريرة و الامام عليه السّلام.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الزوجة ترث بالفرض دائما

فلانه اما ان يكون للميت ولد او لا، و علي كلا التقديرين قد ذكر سهمها في القرآن الكريم.

و اما انه لا يرد عليها شيء زائد علي فرضها حتي لو لم يكن وارث غيرها من الطوائف الثلاث النسبية بل يكون الباقي للإمام عليه السّلام - بعد فرض عدم تحقق ولاء العتق و ضمان الجريرة - فهو المشهور.

و المسألة ذات أقوال ثلاثة: ردّ الباقي عليها، و عدمه فيكون الفاضل للإمام عليه السّلام، و التفصيل بين زمان الحضور فلا يرد عليها بل عليه عليه السّلام و بين زمان الغيبة فيرد عليها.

و منشأ الاختلاف هو الاخبار، ففي مجموعة منها حكم بعدم الرد عليها، كصحيحة ابي بصير عن ابي جعفر عليه السّلام: «رجل توفي و ترك امرأته قال: للمرأة الربع، و ما بقي فللإمام»(1) و غيرها.

ص: 224


1- وسائل الشيعة 515:17 الباب 4 من أبواب ميراث الازواج الحديث 4.

و في مقابل ذلك صحيحة اخري لأبي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«رجل مات و ترك امرأته قال: المال لها»(1).

و قد يجمع اما بحمل الثانية علي تبرعه عليه السّلام بحصته او بحمل الزوجة علي كونها من الاقارب فانها ترث جميع المال، كما دلّ عليه صحيح محمد بن القاسم بن الفضيل: «سألت ابا الحسن الرضا عليه السّلام عن رجل مات و ترك امرأة قرابة ليس له قرابة غيرها قال: يدفع المال كله اليها»(2).

2 - و اما ان الام ترث بالفرض دائما

فأمر واضح لأنه اما ان يكون للميت ولد او لا، و سهمها علي كلا التقديرين قد اشير اليه في القرآن الكريم كما تقدم.

و اما انها اذا انفردت يرد عليها الباقي فلا خلاف فيه بيننا خلافا لغيرنا حيث قالوا بكونه للعصبة(3).

3 - و اما ان الزوج مع انفراده يرد عليه الباقي

فهو المشهور، و قد دلت عليه روايات كثيرة، كصحيحة ابي بصير: «قرأ عليّ ابو عبد اللّه عليه السّلام فرائض علي عليه السّلام فاذا فيها: الزوج يحوز المال كله اذا لم يكن غيره»(4) و غيرها.

و اما ما ورد في موثق جميل بن دراج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

ص: 225


1- وسائل الشيعة 516:17 الباب 4 من أبواب ميراث الازواج الحديث 9.
2- وسائل الشيعة 517:17 الباب 5 من أبواب ميراث الازواج الحديث 1.
3- يأتي معني العصبة ان شاء اللّه تعالي عند البحث عن العول و التعصيب.
4- وسائل الشيعة 512:17 الباب 3 من أبواب ميراث الازواج الحديث 2.

«لا يكون الردّ علي زوج و لا زوجة»(1) فلا بدّ من تأويله او رد علمه الي اهله لعدم مقاومته للروايات الكثيرة التي كادت تصل الي حدّ السنة القطعية.

و منه يتضح ان ما ينسب الي الديلمي من الميل الي كون الباقي للإمام عليه السّلام(2) لا يمكن المصير اليه.

4 - و اما ان الاب يرث بالفرض تارة و بالقرابة اخري

فواضح، اذ مع وجود الولد يرث السدس كما دلت عليه الآية الكريمة المذكورة في الرقم 9 من البحث السابق، و مع عدمه يرث بآية اولي الارحام: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (3).

5 - و اما البنت و البنات فمع عدم وجود الابن المساوي لهن يرثن

النصف او الثلثين

كما تقدم في الرقمين 2، 5 من البحث السابق، و مع وجود الابن يرثن بالقرابة للذكر مثل حظ الأنثيين.

6 - و اما ان الابن و من بعده لا يرثون الا بالقرابة

فواضح لعدم ذكر سهم خاص بهم في الكتاب الكريم فيرثون بالقرابة بمقتضي آية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ .

7 - و اما ان المولي المعتق و ضامن الجريرة و الامام عليه السّلام لا يرثون

بالفرض و لا بالقرابة

فواضح اذ لم يذكر سهم خاص بهم في الكتاب الكريم ليرثوا بالفرض و ليسوا من الارحام ليرثوا بالقرابة بمقتضي آية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ .

ص: 226


1- وسائل الشيعة 513:17 الباب 3 من أبواب ميراث الازواج الحديث 8.
2- جواهر الكلام 80:39.
3- الانفال: 75، الاحزاب: 6.

4 - الحجب

اشارة

قد يتحقق حجب الوارث عن الارث كلا او بعضا بسبب وارث آخر او مانع من الموانع.

و هو علي نحوين: حجب حرمان و حجب نقصان.

و الاول له مصاديق متعددة هي:

1 - حجب كل طبقة لاحقة بالطبقة السابقة.

2 - حجب الاقرب للأبعد في افراد الطبقة الواحدة.

3 - الحجب بالكفر.

4 - الحجب بالقتل عمدا ظلما.

5 - الحجب بالرقية و بالزنا و باللعان.

و الثاني له موردان: حجب الولد، و حجب الاخوة للأم عما زاد علي السدس.

و شرط حجب الاخوة ما يلي:

1 - ان يكونوا رجلين فصاعدا او رجلا و امرأتين او اربع نساء.

2 - ان يكونوا للأبوين او للأب فقط و لا يكفي كونهم للأم.

3 - ان يكونوا منفصلين بالولادة فلا يكفي كونهم حملا.

4 - ان يكونوا مسلمين و احرارا.

5 - ان يكون الاب حيا.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الحجب علي نحوين

فواضح، فان الحاجب تارة يمنع المحجوب من الارث رأسا فيكون حجبه حجب حرمان، و اخري يمنعه

ص: 227

من بعض الارث فيكون حجبه حجب نقصان. و مصاديق كل واحد من القسمين قد اشير اليها في المتن.

2 - و اما ان كل طبقة لاحقة تحجب بالطبقة السابقة

فهو من واضحات الفقه و مما لا خلاف فيه بين المسلمين و تأتي ان شاء اللّه تعالي في مطاوي الابحاث الآتية بعض الروايات التي يستفاد منها ذلك.

و اما حجب افراد الطبقة الواحدة بعضها لبعض فواضح، فان الاقرب منهم يمنع الا بعد لقاعدة اولي الارحام، فالولد يمنع ولد الولد، و الاخ يمنع ولد الاخ، و الجد يمنع اباه، و الاعمام و الاخوال و أولادهم و ان نزلوا يمنعون اعمام الاب و اخواله.

3 - و اما الحجب بالكفر

فهو مما لا خلاف فيه، فالكافر لا يرث المسلم، بخلاف المسلم فانه يرث الكافر. و النصوص في ذلك مستفيضة، كصحيحة جميل و هشام عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «روي الناس عن النبي صلّي اللّه عليه و آله انه قال: لا يتوارث اهل ملتين قال: نرثهم و لا يرثونا، ان الإسلام لم يزده في حقه الا شدة»(1) و غيرها. و قد دلت الصحيحة علي ان المراد من الحديث النبوي المشهور الدال علي نفي التوارث بين اهل ملتين هو نفي التوارث من الطرفين لا نفيه حتي من طرف واحد.

4 - و اما تحقق الحجب بالقتل عمدا ظلما

فهو مما لا خلاف فيه، فالقاتل لا يرث المقتول. و الروايات في ذلك متواترة، كصحيحة ابي عبيدة: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن امرأة شربت دواء و هي حامل و لم يعلم بذلك زوجها فالقت ولدها فقال: ان كان له عظم و قد نبت عليه اللحم

ص: 228


1- وسائل الشيعة 376:17 الباب 1 من ابواب موانع الارث الحديث 14.

عليها الدية تسلّمها الي ابيه، و ان كان حين طرحته علقة او مضغة فان عليها اربعين دينارا او غرّة(1) تؤديها الي ابيه. قلت له: فهي لا ترث ولدها من ديته مع ابيه؟ قال: لا، لأنها قتلته فلا ترثه»(2) و غيرها.

5 - و اما التقييد بكون القتل عمدا

فهو المشهور. و يدل عليه صحيح عبد اللّه بن سنان: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قتل امه أ يرثها؟ قال: ان كان خطأ ورثها، و ان كان عمدا لم يرثها»(3) و غيره.

و اما ما ورد في رواية العلاء بن فضيل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «... و لا يرث الرجل الرجل اذا قتله و ان كان خطأ»(4) و مثله في رواية الفضيل بن يسار(5) فهو ضعيف السند بمحمد بن سنان في الاول و بالارسال و غيره في الثاني فلاحظ.

6 - و اما التقييد بكون القتل ظلما

فلا خلاف في اعتباره. و قد يوجّه بانصراف دليل المنع الي القتل العمدي فيبقي القاتل خطأ مشمولا لمطلقات الارث.

و يؤيد التقييد بالظلم رواية حفص بن غياث التي رواها الشيخ و الصدوق بسندهما عن سليمان بن داود المنقري عن حفص بن غياث:

«سألت جعفر بن محمد عليهما السّلام عن طائفتين من المؤمنين احداهما باغية و الاخري عادلة اقتتلوا فقتل رجل من اهل العراق اباه او ابنه او اخاه او

ص: 229


1- الغرّة - بالضم - عبد او أمة. و في بعض الأحاديث تحديد قيمتها بأربعين دينارا.
2- وسائل الشيعة 390:17 الباب 8 من ابواب موانع الارث الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 392:17 الباب 9 من ابواب موانع الارث الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 392:17 الباب 9 من ابواب موانع الارث الحديث 4.
5- وسائل الشيعة 392:17 الباب 9 من ابواب موانع الارث الحديث 3.

حميمه و هو من اهل البغي و هو وارثه أ يرثه؟ قال: نعم لأنه قتله بحق»(1).

و المنقري المعروف بابن الشاذكوني و ان كان ثقة، و هكذا الحال بالنسبة الي حفص، فانه ثقة، الا ان طريق العلمين الي المنقري ضعيف بالقاسم بن محمد الاصفهاني الذي لم تثبت وثاقته فلاحظ (2) ، الا ان ذلك لا يمنع من التمسك بها علي مستوي التأييد.

7 - و اما الحجب بالرقية

فلا خلاف فيه، فالرق في الوارث او الموروث مانع من الارث لصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام:

«لا يتوارث الحر و المملوك»(3) و غيرها.

8 - و اما الحجب بالزنا

فلا خلاف فيه أيضا، فلا توارث بين الولد و الزاني و لا بينه و المزني بها. و الروايات في ذلك متعددة، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ايّما رجل وقع علي وليدة قوم حراما ثم اشتراها فادعي ولدها فانه لا يورث منه شيء فان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال:

الولد للفراش و للعاهر الحجر»(4) و غيرها.

و قيل بوقوع التوارث بينه و بين المزني بها و من يتقرب بها لموثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام: «ان عليا عليه السّلام كان يقول: ولد الزنا و ابن الملاعنة ترثه امه و اخواله و اخوته لأمه

ص: 230


1- وسائل الشيعة 397:17 الباب 13 من ابواب موانع الارث الحديث 1.
2- مشيخة الفقيه: 65، فهرست الشيخ: 77.
3- وسائل الشيعة 399:17 الباب 16 من ابواب موانع الارث الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 566:17 الباب 8 من ابواب ميراث ولد الملاعنة و ما أشبهه الحديث 1.

او عصبتها»(1).

و يمكن الجواب بأن مقتضي التعليل في صحيحة الحلبي نفي التوارث مطلقا. و الموثقة المذكورة يمكن حملها علي حالة كون الوط ء من طرف المرأة بالشبهة كما ذكره صاحب الوسائل في ذيل الموثقة فلاحظ.

9 - و اما الحجب باللعان

فلا اشكال فيه، فعلاقة الارث تنقطع بين الوالد و من يتقرب به و بين ولده و تبقي بينه و بين امه و من يتقرب بها.

و قد تقدمت الاشارة الي ذلك عند البحث عن اللعان.

10 - و اما ان الولد قد يحجب غيره حجب نقصان

فواضح فهو:

أ - يحجب الابوين عما زاد علي السدس الا اذا فرض كونه بنتا واحدة قد اجتمعت معهما - فانه يبقي سدس يرد عليهم اخماسا - او اجتمعت مع احدهما، فانه يبقي ثلث يرد عليهما ارباعا.

و الا اذا فرض اجتماع احدهما مع البنتين فصاعدا فانه يبقي سدس يرد عليهما اخماسا.

ب - و يحجب الزوج او الزوجة عن نصيبهما الاعلي الي الادني.

11 - و اما حجب الاخوة للأم عما زاد علي السدس

- بالرغم من انهم لا يرثون معها - فهو مما لا تأمل فيه لقوله تعالي: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ (2).

12 - و اما انه يعتبر في حجب الاخوة للأم عما زاد علي السدس الشرط الاول

ص: 231


1- وسائل الشيعة 569:17 الباب 8 من ابواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 9.
2- النساء: 11.

فامر متسالم عليه. و يدل عليه صحيح ابي العباس(1) عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا ترك الميت اخوين فهم اخوة مع الميت حجبا الام عن الثلث، و ان كان واحدا لم يحجب الام. و قال: اذا كنّ اربع اخوات حجبن الام عن الثلث لأنهن بمنزلة الاخوين. و ان كنّ ثلاثا لم يحجبن»(2). و يمكن ان يستفاد من التعليل المذكور فيه حاجبية الاخ الواحد اذا اجتمع مع الاختين.

13 - و اما انه يعتبر في حجب الاخوة ان يكونوا للأبوين او للأب

فقط

فلا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة زرارة: «... فان كان له اخوة يعني الميت يعني اخوة لأب و أم او اخوة لأب فلأمه السدس و للأب خمسة أسداس. و انما وفّر للأب من اجل عياله. و الاخوة لام ليسوا لأب فانهم لا يحجبون الام عن الثلث و لا يرثون...»(3) و غيرها.

14 - و اما اعتبار الانفصال بالولادة

فهو المشهور. و يدل عليه انصراف عنوان «الاخوة» المذكور في الآية الكريمة عن الحمل، بل قد يمنع صدق عنوان الاخوة مع عدم الانفصال.

15 - و اما اعتبار الإسلام و الحرية

فهو متسالم عليه. و يدل عليه صحيح محمد بن مسلم: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المملوك و المشرك يحجبان اذا لم يرثا؟ قال: لا»(4) و غيره.

و قد يناقش بظهوره في ارادة حجب الحرمان دون النقصان.

ص: 232


1- اي البقباق.
2- وسائل الشيعة 456:17 الباب 11 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 455:17 الباب 10 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 4.
4- وسائل الشيعة 459:17 الباب 14 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 1.

و فيه: انه ان لم يكن ظاهرا في الثاني فلا أقلّ من شموله له فيتمسك بالاطلاق او احتمال شموله فيتمسك بعدم الاستفصال.

16 - و اما اعتبار حياة الاب

فهو المشهور. و يدل علي ذلك ظاهر الآية الكريمة وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ . و هي ان دلت علي اعتبار حياة الاب و الا فلا ريب في اختصاصها بها فتبقي حالة عدم الحياة مشمولة لإطلاق ما دلّ علي ان لها الثلث.

هذا مضافا الي دلالة صحيحة زرارة المتقدمة في الرقم 13 علي ذلك، حيث ورد في ذيلها: «... ان مات رجل و ترك امه و اخوة و اخوات لأب و ام، و اخوة و اخوات لام و ليس الاب حيا فانهم لا يرثون و لا يحجبونها لأنه لم يورث كلالة»(1).

بل ان حكمة الحجب المذكورة في الصحيحة تدل علي المطلوب أيضا فلاحظ.

5 - العول و التعصيب

اشارة

اذا كان جميع الورثة ذوي فروض فتارة تفترض فروضهم مساوية لستة أسداس، و اخري يفترض كونها اكثر من ذلك، و ثالثة يفترض كونها أقل.

مثال الاولي ما لو فرض ان الوارث ابوان و بنتان.

و مثال الثانية ما لو فرض ان الوارث زوج و اخت للأب و اختان للأم.

ص: 233


1- وسائل الشيعة 458:17 الباب 12 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 3. ثم انه يحتمل ان يكون المقصود من التعليل «لأنه لم يورث كلالة» انه لا ترثه الكلالة - اي الاخوة - لوجود الاقرب، و انما يورث كلالة اذا لم يوجد الاقرب.

و مثال الثالثة لو فرض ان الوارث بنت واحدة لا غير.

و الاولي لا اشكال فيها.

و الثانية هي مورد العول(1) الذي ذهب اليه غيرنا و قالوا بورود النقص علي جميع ذوي الفروض علي نسبة فرضه كما يرد النقص علي الديّان بنسبة دينهم.

و ذهبت الامامية الي استحالة العول و ان النقص يدخل علي بعض منهم دون بعض، ففي المثال السابق يدخل النقص علي الاخت من الابوين.

و الثالثة هي مورد التعصيب الذي ذهب اليه غيرنا، بمعني اعطاء الزائد للعصبة(2) - و هم الذكور من اقارب الميت ممن ينتسب اليه من دون واسطة كالأخ او بواسطة ذكر كالعم(3) و ابنه و ابن الاخ(4) - فلو ترك الميت بنتا يدفع اليها نصف المال و يدفع النصف الآخر للأخ او ابنه ان كان او للعم او ابنه.

و قالت الامامية ببطلان ذلك و لزوم ردّ النصف الثاني الي البنت نفسها.

هذا اذا كان جميع الورثة ذوي فروض. و في ذلك ينحصر مورد العول و التعصيب.

اما اذا كان بعضهم ذا فرض دون بعض دفع الي ذي الفرض فرضه و أعطي الباقي لغيره.ي.

ص: 234


1- المراد من العول زيادة مجموع السهام علي ستة أسداس. يقال: عالت الناقة ذنبها اذا رفعته. و سميت الزيادة في المقام عولا لارتفاع مجموع السهام علي التركة التي هي ستة أسداس.
2- في الصحاح: عصبة الرجل: بنوه و قرابته لأبيه. و انما سمو عصبة لأنهم عصبوا، اي احاطوا به، فالاب طرف و الابن طرف و العم جانب و الاخ جانب.
3- فان العم هو اخ الاب فيكون منتسبا بواسطة الاب.
4- و ربما تعمم للأنثي او للمنتسب بواسطة الانثي.

و اما اذا لم يكن في الورثة ذو فرض - كما في الاعمام و الاخوال - قسمت بينهم التركة علي بيان يأتي فيما بعد ان شاء اللّه تعالي.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الصورة الاولي لا اشكال فيها

فواضح.

2 - و اما ان الصورة الثانية هي مورد العول

فباعتبار ان للزوج نصفا و للأخت من الابوين النصف و للأختين من الام الثلث، و المجموع يزيد علي ستة أسداس بمقدار ثلث.

و اول من قال بالعول و لزوم ادخال النقص علي الجميع بالنسبة هو الخليفة الثاني كما طفحت بذلك كتب القوم. قال ابن قدامي المتوفي سنة 630 ه: «اول مسألة عائلة حدثت في زمن عمر رضي اللّه عنه فجمع الصحابة للمشهورة فيها فقال العباس: اري ان تقسم المال بينهم علي قدر سهامهم فأخذ به عمر رضي اللّه عنه و اتبعه الناس علي ذلك»(1). و خالف في ذلك ابن عباس متحديا بالمباهلة، و من هنا سميت المسألة المذكورة بمسألة المباهلة. يقول ابن قدامي: «روي عن ابن عباس انه قال في زوج و اخت و أم: من شاء باهلته ان المسائل لا تعول.

ان الذي أحصي رمل عالج(2) عددا أعدل من ان يجعل في مال نصفا و نصفا و ثلثا. هذان نصفان ذهبا بالمال فأين الثلث فسميت هذه

ص: 235


1- المغني لا بن قدامة 26:7. و قد جاء نقل ذلك في احكام القرآن للجصاص 114:2 و المستدرك للحاكم النيسابوري 4: 340 و السنن الكبري للبيهقي 253:6 و كنز العمال للمتقي الهندي 7:6.
2- عالج اسم موضع كثير الرمل.

المسألة مسألة المباهلة لذلك»(1).

و قد تبع ابن عباس في خلافه هذا مولاه امير المؤمنين عليه السّلام كما سيتضح.

3 - و اما استحالة العول في مذهب الامامية

فباعتبار انه يستحيل علي الحكيم العالم ان يفرض في مال ما لا يقوم به، ان ذلك لا يصدر من جاهل فضلا عن رب العزة الحكيم العالم، فان النصفين اذا ذهبا بالمال فأين موضع الثلث. و من هنا جاءت روايات اهل البيت عليهم السّلام تردّ بلهجة شديدة علي فكرة العول. يقول محمد بن مسلم: «اقرأني ابو جعفر عليه السّلام صحيفة كتاب الفرائض التي هي املاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و خط علي عليه السّلام بيده فاذا فيها: ان السهام لا تعول»(2).

و في موثقة ابي بصير: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: ربما اعيل السهام حتي يكون علي المائة او أقلّ او اكثر فقال: ليس تجوز ستة ثم قال: كان امير المؤمنين عليه السّلام يقول: ان الذي أحصي رمل عالج ليعلم ان السهام لا تعول علي ستة لو يبصرون وجهها لم تجز ستة»(3).

و ورد في صحيحة الحضرمي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كان ابن

ص: 236


1- المغني 26:7. يبقي الاشكال في انه كيف ترث الاخت مع وجود الام؟
2- وسائل الشيعة 423:17 الباب 6 من أبواب موجبات الارث الحديث 11.
3- وسائل الشيعة 423:17 الباب 6 من أبواب موجبات الارث الحديث 9. ثم ان في المراد من قوله عليه السّلام: «لم تجز ستة» احتمالين: 1 - ان السهام المذكورة في القرآن الكريم ستة فلو دخل النقص علي من له فرض اعلي و ادني يلزم صيرورة السهام أكثر من ستة، و هذا بخلاف ما لو دخل علي من له حدّ اعلي فقط فانه لا يلزم ذلك، حيث انه لو لم يرث الحدّ الاعلي ورث الباقي بالقرابة. 2 - ان التركة ستة اسداس و لا يمكن ان يشرّع الحكيم تعالي الارث بما يزيد علي ذلك.

عباس يقول: ان الذي يحصي رمل عالج ليعلم ان السهام لا تعول من ستة فمن شاء لاعنته عند الحجر ان السهام لا تعول من ستة»(1).

4 - و اما ما ذهبت اليه الامامية من دخول النقص علي بعض دون

بعض

فقد تبعوا في ذلك أئمتهم عليهم السّلام.

و ضابط ذلك البعض الذي يدخل عليه النقص هو ان يكون ذا فرض واحد بحيث لو تغير عنه ورث الباقي بالقرابة الذي قد يكون زائدا او ناقصا. ان مثل هذا يدخل عليه النقص بخلاف من قرّر له القرآن الكريم فرضين اعلي و ادني فان مثله لا يدخل عليه النقص لفرض تشريع سهم معين له لا يتجاوزه.

ففي مثال الزوج و الاخت من الابوين و الاختين من الام يدخل النقص علي الاخت للأبوين لان فرضها النصف و اذا تغير بسبب انضمام الاخ لها ورثت الباقي مع اخيها بالقرابة للذكر مثل حظ الأنثيين، و لا يدخل علي الزوج لان فرضه النصف عند عدم الولد و ينتقل عنه - بسبب وجود الولد - الي الربع. و هكذا لا يدخل النقص علي الاختين من الام لان فرضهما الثلث و لا يتغير الي ارث الباقي بانضمام اخ او اخت ثالثة بل يبقي هو الثلث.

هذا هو الضابط.

و الدليل عليه صحيحة عمر بن اذينة: «قال زرارة: اذا اردت ان تلقي العول فانما يدخل النقصان علي الذين لهم الزيادة من الولد و الاخوة من الاب، و اما الزوج و الاخوة من الام فانهم لا ينقصون مما

ص: 237


1- وسائل الشيعة 423:17 الباب 6 من أبواب موجبات الارث الحديث 12.

سمي لهم شيئا»(1).

و النقل في الصحيحة و ان كان عن زرارة دون الامام عليه السّلام الا انه لا يحتمل كونه اجتهادا من زرارة بعد صحبته الاكيدة للإمامين الباقر و الصادق عليهما السّلام - و التي اطلع خلالها علي صحيفة الفرائض المكتوبة بخط امير المؤمنين و املاء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله(2) - التي لا تبقي معها حاجة الي إعمال الاجتهاد، خصوصا في مثل الحكم المذكور الذي هو توقيفي محض و لا يقبل الاجتهاد.

و مما يؤيد الضابط المتقدم حديث ابن عباس: «... سبحان اللّه العظيم أ ترون ان الذي أحصي رمل عالج عددا جعل في مال نصفا و نصفا و ثلثا فهذان النصفان قد ذهبا بالمال فأين موضع الثلث؟ فقال له زفر بن أوس البصري: فمن اول من اعال الفرائض؟ فقال: عمر بن الخطاب لما التفت الفرائض عنده و دفع بعضها بعضا فقال: و اللّه ما أدري أيكم قدّم اللّه و أيكم أخّر و ما أجد شيئا هو أوسع من ان اقسّم عليكم هذا المال بالحصص فادخل علي كل ذي سهم ما دخل عليه من عول الفرائض و ايم اللّه لو قدّم من قدّم اللّه و أخّر من أخّر اللّه ما عالت فريضة فقال له زفر: و ايها قدّم اللّه و ايّها أخّر؟ فقال: كل فريضة لم يهبطها اللّه عن فريضة الا الي فريضة فهذا ما قدّم اللّه و اما ما أخّر فلكل7.

ص: 238


1- وسائل الشيعة 425:17 الباب 7 من أبواب موجبات الارث الحديث 1.
2- اطلع جملة من اصحاب الائمة عليهم السّلام علي الصحيفة المذكورة كزرارة و محمد بن مسلم و ابي بصير و عبد الملك بن أعين فلاحظ الأحاديث 4، 6، 11 من الباب 6 من ابواب موجبات الارث و الحديث 5 من الباب 17 من ابواب ميراث الابوين و الاولاد. و في بعض الروايات تشبيه تلك الصحيفة بأنها كفخذ الرجل مطويا فلاحظ الباب 6 من ابواب ميراث الازواج الحديث 17.

فريضة اذا زالت عن فرضها لم يبق لها الا ما بقي فتلك التي أخّر، فاما الذي قدّم فالزوج له النصف فاذا دخل عليه ما يزيله عنه رجع الي الربع لا يزيله عنه شيء، و الزوجة لها الربع فاذا دخل عليها ما يزيلها عنه صارت الي الثمن لا يزيلها عنه شيء، و الام لها الثلث فاذا زالت عنه صارت الي السدس و لا يزيلها عنه شيء، فهذه الفرائض التي قدّم اللّه.

و اما التي أخّر ففريضة البنات و الاخوات لها النصف و الثلثان فاذا ازالتهن الفرائض عن ذلك لم يكن لهن الا ما بقي فتلك التي أخّر، فاذا اجتمع ما قدّم اللّه و ما أخّر بدئ بما قدّم اللّه فأعطي حقه كاملا فان بقي شيء كان لمن أخّر، و ان لم يبق شيء فلا شيء له»(1).

و الرواية و ان لم تسند الي معدن العصمة و الطهارة بل الطريق الي ابن عباس لا يخلو من مناقشة الا ان كل ذلك لا يمنع من الاستناد اليها علي مستوي التأييد.

5 - و اما ان التعصيب باطل

فينبغي أن يكون من الواضحات بل هو من ضروريات مذهبنا لكونه علي خلاف القاعدة القرآنية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (2). و قد جاء في الحديث:

«المال للأقرب و العصبة في فيه التراب»(3).

و لقد اجاد صاحب الجواهر في تعليقه علي القول بالتعصيب و العول و انه «غصن من شجرة انكار الامامة و الضلال الذي أشار اليه

ص: 239


1- وسائل الشيعة 426:17 الباب 7 من أبواب موجبات الارث الحديث 6.
2- الانفال: 75، الاحزاب: 6.
3- وسائل الشيعة 431:17 الباب 8 من أبواب موجبات الارث الحديث 1.

رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بمفهوم قوله: ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا»(1). و قد تابع قدّس سرّه في ذلك مولاه و مولي كل مؤمن و مؤمنة حيث قال عليه أفضل الصلاة و السلام: «يا ايتها الامة المتحيرة بعد نبيها لو كنتم قدّمتم من قدّم اللّه و أخّرتم من أخّر اللّه و جعلتم الولاية و الوراثة لمن جعلها اللّه ما عال ولي اللّه(2) و لا طاش سهم من فرائض اللّه(3) و لا اختلف اثنان في حكم اللّه و لا تنازعت الامة في شيء من أمر اللّه. ألا و عند علي علمه من كتاب اللّه فذوقوا و بال امركم و ما فرطتم فيما قدمت أيديكم و ما اللّه بظلام للعبيد»(4).

6 - من تفاصيل ارث الطبقات

- ارث الطبقة الاولي
اشارة

اذا انفرد الاب او الام ورث جميع المال. و اذا انفردا معا بالتركة كان للأم الثلث مع عدم الحاجب و الباقي للأب، و مع الحاجب لها السدس و الباقي للأب.

و اذا اجتمع الزوج او الزوجة مع احد الابوين كان للزوج - لو فرض - النصف و للزوجة - لو فرضت - الربع و الباقي للأب بالقرابة او للأم فرضا وردا.

ص: 240


1- جواهر الكلام 110:39.
2- اي ما مال عن الحق الي الباطل.
3- طاش السهم عن الهدف بمعني عدل عنه.
4- وسائل الشيعة 426:17 الباب 7 من أبواب موجبات الارث الحديث 5.

و اذا اجتمع الزوج او الزوجة مع الابوين معا كان للزوج النصف - لو فرض - و للزوجة الربع - لو فرضت - و للأم الثلث و الباقي للأب.

و اذا انفرد الابن كان له تمام المال بالقرابة.

و اذا انفردت البنت كان لها التمام أيضا.

و اذا اجتمعا كان للذكر مثل حظ الأنثيين.

و اذا انفرد الابنان او الابناء كان لهما او لهم تمام المال بالسوية.

و اذا انفردت البنتان او البنات كان لهما اولهنّ التمام بالسوية أيضا.

و اذا اجتمعا كان للذكر مثل حظ الأنثيين.

و يقوم اولاد الاولاد و ان نزلوا مقام الاولاد في مقاسمة الابوين و حجبهما عن اعلي السهمين الي أدناهما.

و لا يرث ولد الولد مع وجود الولد و ان كان انثي.

و يرث - ولد الولد - نصيب من يتقرب به، فولد البنت يرث نصيب امه ذكرا كان او انثي، و يرث ولد الابن نصيب ابيه ذكرا كان او انثي.

و لو كان للميت اولاد بنت و اولاد ابن كان لأولاد البنت الثلث نصيب امهم يقسم بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين و لأولاد الابن الثلثان نصيب ابيهم يقسم بينهم كذلك.

و يحبي الولد الاكبر الذكر للميت بأربعة اشياء من تركة ابيه: ثياب بدنه، و خاتمه، و سيفه، و مصحفه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الاب يرث جميع المال مع انفراده

فلعدم كونه ذا فرض، و معه فيرث بقاعدة وَ أُولُوا الْأَرْحامِ... ، و حيث لا مشارك له حسب الفرض فيلزم استحقاقه للجميع.

ص: 241

و اما ان الام ترث جميع المال مع انفرادها فلان لها الثلث بالفرض و الباقي بالقرابة.

2 - و اما حالة انفراد الابوين و ما بعدها

فامرها واضح.

3 - و اما ان للابن المنفرد تمام التركة بالقرابة

فلانه لا فرض له فيرث جميع المال بقاعدة وَ أُولُوا الْأَرْحامِ... .

و اما ان للبنت المنفردة تمام التركة أيضا فلان لها النصف بالفرض و الباقي بقاعدة وَ أُولُوا الْأَرْحامِ... .

و اما انه عند اجتماع الابن و البنت يقسم المال بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين فلعدم الفرض لهما فيرثان بالقرابة و يقسم بينهما طبقا للقاعدة المذكورة.

4 - و اما ان للإبنين المنفردين تمام التركة بالسوية

فلانه لا فرض لهما فيرثان ذلك بقاعدة وَ أُولُوا الْأَرْحامِ... بالسوية.

و اما ان للبنتين او البنات المنفردات تمام المال بالسوية أيضا فباعتبار ان للبنتين فصاعدا الثلثين بالفرض و الباقي بالقرابة و يقسم الجميع بالسوية.

و اما انه مع اجتماع البنين و البنات يقسم للذكر مثل حظ الأنثيين فلانه لا فرض لهما بل يرثان بالقرابة و يلزم تقسيمه طبقا للقاعدة المذكورة.

5 - و اما قيام اولاد الاولاد و ان نزلوا ذكورا و اناثا مقام آبائهم في

مقاسمة الابوين و حجبهم من اعلي السهمين الي أدناهما

فهو المعروف بين الاصحاب. و خالف في ذلك الشيخ الصدوق و حكم باختصاص الابوين بالارث. قال قدّس سرّه: «اربعة لا يرث معهم أحد الا زوج او زوجة:

ص: 242

الابوان، و الابن، و البنت. هذا هو الاصل لنا في المواريث، فاذا ترك الرجل ابوين و ابن ابن او بنت بنت فالمال للأبوين، للأم الثلث و للأب الثلثان، لان ولد الولد انما يقومون مقام الولد اذا لم يكن هناك ولد و لا وارث غيره و الوارث هو الاب و الام. و قال الفضل بن شاذان رحمه اللّه خلاف قولنا في هذه المسألة و اخطأ قال: ان ترك ابن ابنة و ابنة ابن و ابوين فللأبوين السدسان و ما بقي فلبنت الابن من ذلك الثلثان و لابن البنت من ذلك الثلث تقوم ابنة الابن مقام ابيها و ابن البنت مقام امه. و هذا مما زلّ به قدمه عن الطريقة المستقيمة، و هذا سبيل من يقيس»(1).

و علّق المحقق علي رأي الصدوق بقوله: «و هو متروك»(2). و زاد صاحب الجواهر ان بالامكان تحصيل الاجماع علي خلافه(3).

و يمكن الاستدلال للمشهور بوجهين:

1 - التمسك بقوله تعالي: وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ (4) ، فان مقتضي كلمة «ولد» فيها الشمول لولد الولد و ان نزل، و اذا كان ولد الولد حاجبا للأبوين الي السدسين فلازم ذلك ان لا يكون لهما معه جميع المال و الا فلمن يكون الباقي؟

2 - التمسك بالنصوص الخاصة، كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «بنات الابنة يرثن اذا لم يكن بنات كنّ مكان1.

ص: 243


1- من لا يحضره الفقيه 196:4.
2- شرائع الإسلام 825:4، انتشارات استقلال.
3- جواهر الكلام 118:39.
4- النساء: 11.

البنات»(1) ، و موثقة اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ابن الابن يقوم مقام ابيه»(2).

و في مقابل هذا قد يستدل الشيخ الصدوق بوجهين أيضا:

1 - التمسك بقاعدة الاقرب يمنع الابعد.

2 - التمسك بصحيحة سعد بن ابي خلف عن ابي الحسن عليه السّلام:

«بنات الابنة يقمن مقام البنات اذا لم يكن للميت بنات و لا وارث غيرهن، و بنات الابن يقمن مقام الابن اذا لم يكن للميت اولاد و لا وارث غيرهن»(3) ، و نحوها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج(4) ، بتقريب انهما دلا علي ان شرط القيام مقام الابن و الابنة فقدان الوارث، و مع وجود الابوين يصدق وجود الوارث.

و الجواب:

اما بالنسبة الي الوجه الاول فلا معني للتمسك به بعد وجود النص الدال علي القيام.

و اما بالنسبة الي الوجه الثاني فيمكن القول بتحقق معارضة بنحو العموم من وجه بين الصحيحتين الاوليتين من جانب و الصحيحتين الاخيرتين من جانب آخر، فان الاوليتين تدلان باطلاقهما علي قيام الابناء مقام آبائهم حتي مع وجود الابوين للميت، و الاخيرتين تدلان باطلاقهما علي اشتراط القيام بعدم وجود وارث بما في ذلك4.

ص: 244


1- وسائل الشيعة 449:17 الباب 7 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 449:17 الباب 7 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 449:17 الباب 7 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 450:17 الباب 7 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 4.

الابوان. و مع التعارض نرجع الي اطلاق الآية الكريمة: وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (1) الدال علي ارث ولد الولد مع الابوين بالبيان المتقدم، و نأخذ به اما كمرجح أو كمرجع بعد التساقط، و النتيجة واحدة علي كلا التقديرين.

6 - و اما ان ولد الولد لا يرث مع وجود الولد و لو كان انثي

فهو مما لا خلاف فيه، فان الاقرب يمنع الابعد. علي ان صحيحة سعد بن ابي خلف المتقدمة واضحة في المدعي فلاحظ.

7 - و اما ان اولاد الاولاد يرثون نصيب من يتقربون به

فهو المشهور. و يدل عليه:

1 - النصوص المتقدمة الدالة علي قيام الاولاد مقام الآباء، فان ظاهرها ارادة التنزيل لا في اصل الارث فقط بل فيه و في كيفيته و الا لاكتفي بذكر اولاد الاولاد من دون تفصيل في الذكر بين اولاد البنين و اولاد البنات فانه مجرد تطويل يمكن الاستغناء عنه.

2 - صحيحة ابي ايوب الخزاز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان في كتاب علي عليه السّلام ان كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به الا ان يكون وارث اقرب الي الميت منه فيحجبه»(2).

هذا و قد خالف في المسألة السيد المرتضي حيث اختار لزوم قسمة الميراث بينهم كأولاد الصلب من غير ملاحظة لمن يتقربون به لأنهم اولاد حقيقة فتشملهم الآية الكريمة: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ

ص: 245


1- النساء: 11.
2- وسائل الشيعة 418:17 الباب 2 من أبواب موجبات الارث الحديث 1.

لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ... (1) . و لو لا قاعدة الاقرب لشاركوا آباءهم في الارث(2).

و التأمل في ذلك واضح بعد ملاحظة الوجهين السابقين.

8 - و اما انه لو اجتمع اولاد البنت و اولاد الابن دفع الي اولاد البنت

الثلث يقتسمونه بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين - و ليس بالسوية

كما هو الحال في كلالة الام - فهو المشهور لصدق الاولاد عليهم حقيقة فيدخلون في عموم يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ... .

و نسب الي القاضي و الشيخ لزوم اقتسامهم للثلث بالسوية بدعوي ان التقرب بالانثي يقتضي ذلك كما هو الحال في كلالة الام(3).

و التأمل فيه واضح، فان ذلك لا يعدو القياس، اذ كون حكم كلالة الام ذلك لا يقتضي تعميم الحكم لكل من ينتسب بواسطة الانثي و لو لم تكن اما.

9 - و اما اختصاص الولد الذكر الاكبر بالاربعة المتقدمة

فهو علي ما ذكر صاحب الجواهر مما انفردت به الامامية و معلومات مذهبهم، و بذلك تظافرت نصوصهم عن ائمتهم عليهم السّلام(4).

و من جملة النصوص صحيحة ربعي بن عبد اللّه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا مات الرجل فسيفه و مصحفه و خاتمه و كتبه و رحله و راحلته و كسوته لأكبر ولده. فان كان الاكبر ابنة فللأكبر

ص: 246


1- النساء: 11.
2- جواهر الكلام 124:39.
3- جواهر الكلام 126:39.
4- جواهر الكلام 127:39.

من الذكور»(1).

و صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا هلك الرجل و ترك ابنين فللأكبر السيف و الدرع و الخاتم و المصحف، فان حدث به حدث فللأكبر منهم»(2).

و صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الميت اذا مات فان لابنه الاكبر السيف و الرحل و الثياب ثياب جلده»(3).

و المعروف بين الاصحاب تحديد المحبو بالاربعة المتقدمة الا انه لا يوجد نص يجمعها بل هي كما تراها. و من هنا صار البعض الي الاستحباب مستندا في ذلك الي اختلاف الاخبار في بيان العدد كما و كيفا.

و قد علّق علي ذلك صاحب الجواهر بان الاختلاف المذكور لا يصلح قرينة علي الاستحباب ضرورة عدم كون مطلق الاختلاف دالا علي ذلك و الا فاغلب الاخبار في غالب الاحكام مختلفة. نعم لو بلغ الاختلاف الي حدّ اوجب القطع بارادة الاستحباب كما في اخبار البئر اتجه الحكم به، و ليس المقام من ذلك قطعا.

ثم اضاف قائلا: علي ان من المحتمل ارادة القميص من الدرع لا الحديد و يلحق به غيره من ثياب البدن بالإجماع. و اشتمال الخبر علي ما لا يقول به احد من الطائفة لا يخرجه عن الحجية و الا كان ذلك نقضا علي القائلين بالاستحباب أيضا لأنه لم يحك عن احد منهم استحباب5.

ص: 247


1- وسائل الشيعة 439:17 الباب 3 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 440:17 الباب 3 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 440:17 الباب 3 من أبواب ميراث الابوين و الاولاد الحديث 5.

غير الاربعة.

هذا حصيلة ما افاده صاحب الجواهر(1).

و التعارض بين ظاهر الاصحاب و ظاهر الاخبار واضح. و الا نسب تحفظا من مخالفة الظاهرين المذكورين المصير الي التصالح بنحو من الانحاء.

ثم انه بناء علي ما صار اليه الاصحاب هل يحكم باختصاص الذكر الاكبر بالاربعة مجانا او بالقيمة؟ المنسوب الي المرتضي قدّس سرّه كونه بالقيمة. و ثمرة خصوصية الاكبر هي الاختصاص بالعين من بين الورثة(2).

و فيه: ان ظاهر الاخبار المتقدمة هو المجانية فلاحظ.

ارث الطبقة الثانية
اشارة

اذا لم يخلّف الميت قريبا من الطبقة الثانية غير اخيه لأبويه ورث المال كله بالقرابة، و مع التعدد يقسّم بينهم بالسوية.

و للأخت الواحدة من الابوين بانفرادها جميع المال أيضا نصف بالفرض و نصف يردّ بالقرابة.

و للأختين او الاخوات من الابوين المال كله، يرثن ثلثيه بالفرض و الباقي بالقرابة.

و اذا خلّف الميت اخوة و اخوات لأبويه اقتسموا جميع المال بالقرابة للذكر مثل حظ الأنثيين.

ص: 248


1- جواهر الكلام 130:39.
2- جواهر الكلام 132:39.

و للأخ المنفرد من الام و الاخت المنفردة منها المال كله السدس بالفرض و الباقي يرد بالقرابة.

و للاثنين فصاعدا من الاخوة من الام ذكورا او اناثا او ذكورا و اناثا المال كله ثلثه بالفرض و الباقي بالقرابة يقسم بينهم بالسوية و ليس بالتفاضل.

و كلالة الاب فقط تقوم مقام كلالة الابوين عند فقدها و لا ترث معها.

و الجد اذا انفرد له المال كله لأب كان او لام. و كذا الحال في الجدة اذا انفردت.

و لو اجتمع جد او جدة او هما لام مع جد او جدة او هما لأب كان لمن يتقرب بالام الثلث بالسوية و لمن يتقرب بالاب الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الاخ يرث المال كله بالقرابة مع انفراده

فمما لا اشكال فيه. و يدل عليه:

أ - قوله تعالي: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ (1) ، فان الذيل يدل باطلاقه علي ان الاخ يرث جميع التركة مع عدم شريك له في طبقته و عدم وارث من الطبقة الاولي.

ب - صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن رجل مات و ترك اخاه و لم يترك وارثا غيره قال: المال له...»(2).

2 - و اما انه مع تعدد الاخوة تقسم التركة بينهم بالسوية

فذلك مقتضي الاشتراك في المال الواحد و بطلان الترجيح بلا مرجح.

ص: 249


1- النساء: 176.
2- وسائل الشيعة 479:17 الباب 2 من ابواب ميراث الاخوة و الاجداد الحديث 1.
3 - و اما ان الاخت الواحدة من الابوين لها المال كله

فهو من المسلمات حيث ترث نصفا بالفرض لقوله تعالي: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ ...

وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ (1) و نصفا بالقرابة لقوله تعالي: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ... (2).

4 - و اما ان الاختين او الاخوات من الابوين يرثن المال كله فلا

كلام فيه فلهن الثلثان بالفرض

لقوله تعالي: فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ (3) و الثلث الآخر بالقرابة لآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ... .

5 - و اما ان الميت اذا خلّف اخوة و اخوات لأبويه قسّم المال بينهم

للذكر مثل حظ الأنثيين

فلا خلاف فيه. و يدل عليه قوله تعالي: وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (4) و الروايات الخاصة(5).

6 - و اما ان الواحد اخا او اختا من الام له السدس بالفرض

فمما لا تأمل فيه لقوله تعالي: وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ (6). و المراد من الكلالة في الآية الكريمة كلالة الام بخلافه في آخر سورة النساء فان المقصود كلالة الابوين او الاب لصحيحة بكير بن أعين عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «... و الذي عني اللّه تبارك و تعالي في قوله: وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ

ص: 250


1- النساء: 176.
2- الانفال: 75، الاحزاب: 6.
3- النساء: 176.
4- المصدر نفسه.
5- وسائل الشيعة الباب 2 من ابواب ميراث الاخوة و الاجداد.
6- النساء: 12.

أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ (1) انما عني بذلك الاخوة و الاخوات من الام خاصة. و قال في آخر سورة النساء: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ يعني اختا لأب و أم او اختا لأب...»(2).

و اما ان الباقي يرد عليهما بالقرابة فواضح لآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ .

و اما ان الاثنين فصاعدا من الاخوة للأم يرثون جميع المال فواضح، اذ الثلث يرثونه بالفرض لقوله تعالي في الآية السابقة: فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ ، و الباقي يرثونه بالقرابة لآية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ .

اما كيف نثبت لزوم تقسيم الباقي - المردود بالقرابة - بالسوية أيضا بعد الالتفات الي اختصاص الآية الكريمة الدالة علي التسوية في التقسيم بخصوص الثلث المدفوع بالفرض؟ يمكن اثبات ذلك اما ببيان ان الثلث اذا كان يقسّم بينهم بالسوية بنص الآية الكريمة فيلزم ذلك في غير الثلث أيضا لعدم احتمال الفرق او ببيان ان التفاضل في التقسيم هو الذي يحتاج الي دليل - و الا فوحدة سبب الاستحقاق تقتضي التساوي في كيفيته - و قد ثبت ذلك في حق الاخوة من الابوين او الاب لقوله تعالي في آخر سورة النساء: وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءًء.

ص: 251


1- النساء: 12.
2- وسائل الشيعة 481:17 الباب 3 من ابواب ميراث الاخوة و الاجداد الحديث 2 و الآية 176 من سورة النساء.

فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (1) ، و في حق الاولاد لقوله تعالي: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ (2) ، و لم يثبت في حق الاخوة من الام فيلزم الحكم بالتساوي.

7 - و اما ان كلالة الاب تقوم مقام كلالة الابوين عند فقدها و لا

ترث معها

فلم يعرف فيه خلاف. و قد وجّه ذلك بأن اصل ارثها هو مقتضي آية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ ، و اما انها لا ترث الا بعد فقد كلالة الابوين فباعتبار ان ما كان واجدا لسببين هو اقرب ممن كان واجدا لسبب واحد، و الاقرب مقدّم بمقتضي آية وَ أُولُوا الْأَرْحامِ .

و يؤيد ذلك خبر يزيد الكناسي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «... و اخوك لأبيك و امك اولي بك من اخيك لا بيك...»(3) و غيره.

8 - و اما ان الجد او الجدة اذا انفردا كان لهما جميع المال

فينبغي ان يكون واضحا لفرض عدم وجود مشارك لهما ليدفع له بعضه.

9 - و اما انه اذا اجتمع الجد او الجدة او هما للأم مع المماثل كان

لمن يتقرب بالام الثلث و لمن يتقرب بالاب الباقي

فهو المشهور. و يدل عليه:

أ - عموم ما دل علي ارث كل قريب نصيب من يتقرب به كصحيحة ابي ايوب الخزاز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان في كتاب علي عليه السّلام ان كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به الا ان يكون وارث اقرب الي

ص: 252


1- النساء: 176.
2- النساء: 11.
3- وسائل الشيعة 502:17 الباب 13 من ابواب ميراث الاعمام و الاخوال الحديث 1.

الميت منه فيحجبه»(1).

ب - موثقة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «اذا لم يترك الميت الا جدّه من قبل ابيه و جدّ ابيه و جدته من قبل امه و جدة امه كان للجدة من قبل الام الثلث و سقط جدة الام و الباقي للجد من قبل الاب و سقط جد الاب»(2).

و سند الشيخ الي ابن فضال و ان اشتمل علي الزبيري الذي لم يوثّق الا ان الامر فيه سهل بناء علي كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة.

10 - و اما ان المدفوع لجدودة الام يقسّم بينهم بالسوية بخلاف

المدفوع الي جدودة الاب

فانه يقسم بالتفاوت فقد ذكر صاحب الجواهر اني لم أجد فيه خلافا و ان وسوس فيه بعض متأخري المتأخرين(3).

و يمكن التمسك لإثبات التقسيم بالتفاضل في جدودة الاب بصحيحة زرارة و بكير و محمد و الفضيل و بريد عن أحدهما عليهما السّلام: «ان الجد مع الاخوة من الاب يصير مثل واحد من الاخوة ما بلغوا... و ان ترك اخوة و اخوات لأب و أم أو لأب و جدا فالجد احد الاخوة و المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. و قال زرارة: هذا مما لا يؤخذ عليّ فيه قد سمعته من أبيه و منه قبل ذلك و ليس عندنا في ذلك شك و لا اختلاف»(4) ، فانها دلت علي ان الجد للأب بمنزلة الاخ للأب، و من ثمّ

ص: 253


1- وسائل الشيعة 418:17 الباب 2 من أبواب موجبات الارث الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 498:17 الباب 9 من أبواب موجبات الارث الحديث 2.
3- جواهر الكلام 154:39.
4- وسائل الشيعة 490:17 الباب 6 من ابواب ميراث الاخوة و الاجداد الحديث 9.

يفهم ان الجدة للأب هي بمنزلة الاخت للأب، و حيث يلزم التفاضل بين الاخ و الاخت للأب اذا اجتمعا فيلزم ذلك في الجد و الجدة للأب أيضا.

و اما لزوم التساوي في جدودة الام فيمكن الاستدلال لا ثباته بأن التفاضل هو المحتاج الي اثبات و الا فالمناسب هو التساوي كما تقدم بيانه.

ارث الطبقة الثالثة
اشارة

يرث الاعمام او العمات و الاخوال او الخالات الميت مع عدم وجود وارث من الطبقة السابقة.

و اذا انفرد العم او العمة او الخال او الخالة كان له جميع المال.

و عند اجتماع الخئولة و العمومة يكون للأولي الثلث و للثانية الباقي.

و اذا اجتمع الاخوال و الخالات اقتسموا حصتهم بالسوية.

و اذا اجتمع الاعمام و العمات اقتسموا حصتهم بالتفاضل للذكر مثل حظ الأنثيين.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الاعمام او العمات و الاخوال او الخالات يرثون الميت

فأمر مسلم. و تدل عليه الروايات الآتية.

و اما انهم يرثون مع عدم وجود وارث من الطبقة السابقة فهو المعروف. و استدل عليه بقاعدة الاقرب يمنع الابعد، و بصحيحة ابي بصير: «الخال و الخالة يرثان اذا لم يكن معهما احد يرث غيرهم ان اللّه تبارك و تعالي يقول: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلي بِبَعْضٍ فِي كِتابِ

ص: 254

اللّهِ »(1). و بضم عدم القول بالفصل و ملاحظة التعليل يتعدي الي العم و العمة.

هذا و لكن المنسوب الي الفضل بن شاذان قسمة المال نصفين اذا اجتمع الخال و الجدة للأم(2).

2 - و اما انه اذا انفرد العم او العمة او الخال او الخالة كان له

جميع المال

فأمر واضح، اذ مع عدم وارث آخر يلزم ارثه للجميع و الا يلزم خلف الفرض.

3 - و اما انه عند اجتماع الخئولة مع العمومة يكون للأولي الثلث

و للثانية الباقي

فهو المشهور. و تدل عليه صحيحة الخزاز المتقدمة في الرقم 9، و صحيحة ابي بصير: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن شيء من الفرائض فقال لي: ألا اخرج لك كتاب علي عليه السّلام؟ فقلت: كتاب علي عليه السّلام لم يدرس؟ فقال: ان كتاب علي عليه السّلام لا يدرس فأخرجه فاذا كتاب جليل و اذن فيه: رجل مات و ترك عمه و خاله فقال: للعم الثلثان و للخال الثلث»(3) و غيرهما.

4 - و اما ان الاخوال و الخالات اذا اجتمعوا اقتسموا حصتهم

بالسوية

فلم يعرف خلاف فيه. و وجهه ان التفاضل هو الذي يحتاج الي اثبات كما تقدم بيانه.

و اما ان الاعمام و العمات اذا اجتمعوا اقتسموا حصتهم بالتفاضل

ص: 255


1- انفال آيه 75
2- جواهر الكلام 172:39.
3- وسائل الشيعة 504:17 الباب 2 من ابواب ميراث الاعمام و الاخوال الحديث 1.

فهو المشهور. و يدل عليه خبر سلمة بن محرز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال في عم و عمة: للعم الثلثان و للعمة الثلث»(1). و لكنه ضعيف بسلمة لعدم ثبوت و ثقاته الا ان يبني علي كبري الانجبار بعمل المشهور او بوثاقة كل من روي عنه احد الثلاثة.

و صحيحة الخزاز المتقدمة لا يمكن التمسك بها في المقام فلاحظ.

و الاولي كما قيل الرجوع الي الصلح.

7 - من تفاصيل الارث بالزوجية

اشارة

يختص الزوجان من بين سائر الورثة في مشاركتهما لجميع طبقات الارث و لا يختص ارثهما بحالة فقدان الغير.

و يرث الزوج مع عدم الولد للزوجة النصف، و معه و ان نزل الربع.

و ترث الزوجة مع عدم الولد للزوج الربع، و معه و ان نزل الثمن.

و اذا انفرد الزوج بالارث و لم يشاركه غيره سوي الامام عليه السّلام ورث النصف بالفرض و الباقي بالرد بخلاف ما اذا انفردت الزوجة فانها ترث الربع و الباقي يدفع للإمام عليه السّلام.

و اذا تعددت الزوجات اشتركن بالسوية في الربع او الثمن.

و الزوج يرث النصف او الربع من جميع التركة بخلاف الزوجة فانها ترث الربع او الثمن من المنقولات، و اما غيرها فتحرم من الارض عينا و قيمة و ترث من الثابت علي الارض - كالبناء و الاشجار و الابواب و نحوها -

ص: 256


1- وسائل الشيعة 506:17 الباب 2 من ابواب ميراث الاعمام و الاخوال الحديث 9.

قيمة لا عينا.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الزوجين يشاركان بقية الورثة

فهو من واضحات الفقه.

و تدل عليه جملة من الروايات، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «لا يرث مع الام و لا مع الاب و لا مع الابن و لا مع الابنة الا الزوج و الزوجة. و ان الزوج لا ينقص من النصف شيئا اذا لم يكن ولد، و الزوجة لا تنقص من الربع شيئا اذا لم يكن ولد، فاذا كان معهما ولد فللزوج الربع و للمرأة الثمن»(1) و غيرها.

2 - و اما ان الزوج يرث النصف او الربع و الزوجة الربع او الثمن

بالتفصيل المتقدم

فهو مما لا كلام فيه، و قد تقدمت الاشارة اليه عند بيان فروض الارث.

3 - و اما ان الزوج لو انفرد ورث جميع المال النصف فرضا

و الباقي ردا في حين ان الزوجة لو انفردت ورثت الربع فقط و الباقي يرد

علي الامام عليه السّلام

فقد تقدم وجهه عند بيان الارث بالفرض و بالقرابة.

4 - و اما ان الزوجات مع تعددهن يرثن الثمن او الربع بالسوية

فقد تقدم وجهه عند بيان فروض الارث.

5 - و اما ان الزوج يرث من جميع التركة

فامر مسلم. و يكفي لإثباته اطلاق ما دلّ علي ان له النصف او الربع.

6 - و اما ان الزوجة ترث بالتفصيل المتقدم

فهو المشهور بين اصحابنا بل ان حرمانها من بعض التركة مما لا خلاف فيه. و تدل علي

ص: 257


1- وسائل الشيعة 510:17 الباب 1 من ابواب ميراث الازواج الحديث 1.

ذلك عدة روايات، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «ان المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القري و الدور و السلاح و الدواب شيئا، و ترث من المال و الفراش و الثياب و متاع البيت مما ترك. و تقوّم النقض(1) و الابواب و الجذوع و القصب فتعطي حقها منه»(2) و غيرها، فانها تدل في صدرها علي نفي ارث الزوجة من الارض عينا و قيمة، و في ذيلها علي ثبوت ارثها من قيمة ما علي الارض، و في الوسط علي ثبوت ارثها من المنقولات، بل لا حاجة في هذا الاخير إلي دلالة رواية كما هو واضح.

و يبقي السلاح و الدواب - المذكوران في الصدر - لا بدّ من الحاقهما ببقية المنقولات و رفع اليد عن ظهور الصحيحة لاتفاق الاصحاب علي ذلك.

ثم انه في مقابل هذه الصحيحة و غيرها صحيحة الفضل بن عبد الملك و ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته او ارضها من التربة شيئا او يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئا؟ فقال: يرثها و ترثه من كل شيء ترك و تركت»(3) ، فانها تدل علي ان الزوجة كالزوج ترث من جميع التركة.

و قد ينسب العمل بمضمون الصحيحة المذكورة الي الاسكافي(4).9.

ص: 258


1- النقض - بالضم علي وزن قفل. و قيل بالفتح أيضا علي وزن حمل. بل قال في الوافي 25: 781 هو بكسر النون - بمعني المنقوض، اي ما انتقض من البنيان. و قد ذكر الشهيد الثاني في المسالك 333:2 أن ما اشتمل عليه الخبر من السلاح و الدواب منفي بالإجماع.
2- وسائل الشيعة 517:17 الباب 6 من ابواب ميراث الازواج الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 522:17 الباب 7 من ابواب ميراث الازواج الحديث 1.
4- جواهر الكلام 207:39.

و اجيب عنها بانها محمولة علي التقية(1). و ربما يؤيد ذلك ان ظاهر كلام السائل المفروغية في الاوساط التي كان يعيشها عن عدم ارث الزوجة من جميع التركة فلاحظ.

و في المسألة قول بارث الزوجة من عين الارض علي تقدير كونها ذات ولد. و ربما يظهر اختيار ذلك من المحقق(2).

و قد يستدل عليه بصحيحة عمر بن اذينة: «النساء اذا كان لهن ولد اعطين من الرباع»(3) ، فان الرباع جمع ربع بمعني المنزل.

و يردها: انها مقطوعة. و لا قطع بنقلها عن الامام عليه السّلام، و الظن لا يغني من الحق شيئا.2.

ص: 259


1- جواهر الكلام 210:39.
2- شرائع الإسلام 835:4، انتشارات استقلال.
3- وسائل الشيعة 523:17 الباب 7 من ابواب ميراث الازواج الحديث 2.

ص: 260

كتاب الحدود

اشارة

1 - موجبات الحد

2 - التعزير

3 - اقامة الحدود في عصر الغيبة

ص: 261

ص: 262

1 - موجبات الحدّ

اشارة

العقوبة الشرعية تارة تكون حدا و اخري تعزيرا.

و يجب الحدّ عند ارتكاب محرمات معينة نذكر من بينها:

الاول: الزنا
اشارة

يتحقق الزنا بايلاج مقدار الحشفة في فرج امرأة من دون عقد و لا شبهة و لا ملك. و لا فرق في ذلك بين القبل و الدبر.

و حدّه هو:

1 - القتل تارة. و ذلك في:

أ - الزنا باحدي المحارم النسبية كالأم و البنت. و في تعميم الحكم للزنا بالمحرمات السببية او بالرضاع خلاف.

ب - زنا الذمي بالمسلمة.

ج - الزنا بالاجنبية عن اكراه لها.

د - الزاني ثلاثا، فانه اذا جلد ثلاث مرات قتل في الرابعة.

2 - و الجلد اخري. و ذلك في:

ص: 263

أ - الزاني او الزانية اذا لم يكونا محصنين.

ب - المرأة الزانية و لو كانت محصنة اذا زني بها غير البالغ.

3 - و الرجم ثالثة. و ذلك في الزاني المحصن و الزانية المحصنة اذا كان الزاني بها بالغا.

4 - و الجلد و الرجم معا رابعة. و ذلك في الشيخ الزاني او الشيخة المزني بها اذا كانا محصنين.

5 - و خامسة يلزم الجلد و جزّ(1) شعر الرأس و النفي من البلد لفترة سنة.

و ذلك في الرجل البكر(2) اذا زني.

و الاحصان في الرجل لا يتحقق الا مع حريته و كونه ذا زوجة دائمة قد دخل بها و هو متمكن من وطئها متي شاء و لا يمتنع عليه ذلك لغيبة او حبس او ما شاكل ذلك.

و الاحصان في المرأة لا يتحقق الا مع حريتها و كونها ذات زوج دائم قد دخل بها.

و لا يثبت الحدّ بالزنا الا مع البلوغ و العقل و الاختيار و العلم بالحكم و الموضوع.

و لا يثبت الزنا في حق شخص الا بامرين: اقراره اربع مرات او قيام البينة عليه التي هي عبارة عن شهادة اربعة رجال عدول او ثلاثة و امرأتين بل يثبت بشهادة رجلين و اربع نساء غايته يثبت بذلك الجلد دون الرجم.

و يعتبر في شهادة الشهود ان تكون عن حس و رؤية مع وحدة المشهود بهل.

ص: 264


1- الجزّ: القطع.
2- البكر هو من تزوج و لم يدخل. و يأتي تفسيره في صحيحة الحلبي بمن املك - اي تزوج - و لم يدخل.

زمانا و مكانا، و لو شهدوا من دون ذلك حدّوا هم دون المشهود عليه.

و يلزم اداء الشهود للشهادة سوية فلو شهد بعضهم حدّوا حدّ القذف و لم ينتظر اتمام العدد.

و يلزم الاسراع في اقامة الحدود بعد اداء الشهادة و لا يجوز تأجيلها.

و يدفن الرجل اذا اريد رجمه الي حقويه(1) و المرأة الي موضع الثديين.

و يبدأ الامام بالرجم ان كان الزنا قد ثبت بالاقرار و يبدأ الشهود بذلك ان كان قد ثبت بواسطة البينة.

و يستحب اعلام الناس به ليحضروه بل يجب حضور طائفة عند اقامته.

و ينبغي ان تكون الا حجار صغارا.

و يجلد الزاني و هو قائم علي الحالة التي و جد عليها ان عاريا فعاريا و ان كاسيا فكاسيا و يتقي الوجه و المذاكير.

و تجلد الزانية و هي جالسة مرتدية ثيابها.

و يؤمر من يراد رجمه باغتسال غسل الميت و يكفن و يحنط ثم يرجم الي ان يموت و يصلي عليه بعد ذلك و يدفن في مقابر المسلمين.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان العقوبة الشرعية تكون تارة حدا و اخري تعزيرا

فواضح لان الشرع اما ان يكون قد حدّد مقدار العقوبة علي مخالفة التكليف الشرعي او يكون قد اوكل امر ذلك الي نظر الحاكم الشرعي.

و الاول هو الحدّ و الثاني هو التعزير.

2 - و اما ان الزنا موجب للحدّ

فهو من ضروريات الدين، و صريح

ص: 265


1- الحقو بفتح الحاء: معقد الازار.

الكتاب الكريم: اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (1) ناطق بذلك.

3 - و اما ان الزنا يتحقق بايلاج مقدار الحشفة

فهو المعروف بين الاصحاب. و قد دلت عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «جمع عمر بن الخطاب اصحاب النبي صلّي اللّه عليه و آله فقال: ما تقولون في الرجل يأتي أهله فيخالطها و لا ينزل؟ فقالت الانصار: الماء من الماء. و قال المهاجرون:

اذا التقي الختانان فقد وجب عليه الغسل فقال عمر لعلي عليه السّلام: ما تقول يا ابا الحسن؟ فقال علي عليه السّلام: أ توجبون عليه الحدّ و الرجم و لا توجبون عليه صاعا من الماء؟ اذا التقي الختانان فقد وجب عليه الغسل فقال عمر: القول ما قال المهاجرون و دعوا ما قالت الأنصار»(2) ، و صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «سألته متي يجب الغسل علي الرجل و المرأة؟ فقال: اذا ادخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم»(3) ، و غيرهما فانها دلت علي ان موضوع وجوب الغسل و المهر و الحد شيء واحد و هو التقاء الختانين. و يتحقق ذلك - التقاء الختانين - بادخال مقدار الحشفة، كما هو واضح(4) ، و قد دلت عليه صحيحة محمد بن اسماعيل

ص: 266


1- النور: 2.
2- وسائل الشيعة 470:1 الباب 6 من ابواب الجنابة الحديث 5.
3- وسائل الشيعة 469:1 الباب 6 من ابواب الجنابة الحديث 1.
4- ذكر الرازي عند تفسير قوله تعالي: وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا المائدة 6: ان ختان الرجل هو الموضع الذي تقطع فيه جلدة الغلفة. و اما ختان المرأة فيتضح بعد الالتفات الي ان شفريها محيطان بثلاثة أشياء: ثقبة في اسفل الفرج هي مدخل الذكر و مخرج الحيض و الولد، و ثقبة اخري فوق ذلك مثل احليل الذكر هي مخرج البول، و هناك شيء ثالث فوق ثقبة البول هو موضع ختانها و فيه جلدة رقيقة تشبه عرف الديك، و ختانها يتحقق بقطع تلك الجلدة. و الحشفة اذا غابت حاذي ختانها ختانه. لا حظ تفسير الرازي 168:6 عند تفسير آية الوضوء من سورة المائدة.

بن بزيع: «سألت الرضا عليه السّلام عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متي يجب الغسل؟ فقال: اذا التقي الختانان فقد وجب الغسل.

فقلت: التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال نعم»(1).

4 - و اما عدم الفرق بين القبل و الدبر

فهو المشهور. و نقل ابن حمزة قولا لقائل غير معروف كون الادخال في دبر المرأة لواطا(2).

و قد يستدل علي التعميم المذكور اما بان الوارد في خطابات الحدّ عنوان الزنا و الفجور و الاتيان، و اطلاق ذلك صادق علي اتيان المرأة في دبرها، او بالتمسك باطلاق صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة: «اذا ادخله فقد وجب الغسل و المهر و الرجم» بعد وضوح انصرافها عن الادخال في غير الموضعين.

و لا ينافي ذلك التحديد بالتقاء الختانين في بعض الروايات المتقدمة - كما في صحيحة ابن بزيع المتقدمة - لأنها ناظرة الي الحالة الغالبة، و هي الوط ء في القبل.

اما كيف نثبت اعتبار دخول مقدار الحشفة بلحاظ الدبر أيضا؟ لا بدّ ان يدعي ان المفهوم مما دلّ علي اعتبار غيبوبة الحشفة اعتبار ذلك في مطلق الدخول و عدم الخصوصية للقبل من هذه الناحية.

ص: 267


1- وسائل الشيعة 469:1 الباب 6 من ابواب الجنابة الحديث 2.
2- جواهر الكلام 261:41.
حدّ الزنا
5 - و اما ثبوت القتل في الزنا بالمحارم النسبية

فلم يعرف فيه خلاف. و تدل عليه صحيحة ابي ايوب: «سمعت ابن بكير بن أعين يروي عن احدهما عليهما السّلام: من زني بذات محرم حتي يواقعها ضرب ضربة بالسيف اخذت منه ما اخذت. و ان كانت تابعة ضربت ضربة بالسيف اخذت منها ما اخذت...»(1) ، و صحيحة جميل بن دراج: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اين يضرب الذي يأتي ذات محرم بالسيف؟ اين هذه الضربة؟ قال: تضرب عنقه او قال: تضرب رقبته»(2) و غيرهما.

و قد يشكل بعدم دلالتهما علي لزوم تحقق القتل بالضربة بل هما تدلان علي اعتبار الضرب بالسيف بأي مقدار اثر.

و قد يجاب بان المراد عرفا من مثل تعبير «تضرب عنقه» الكناية عن القتل دون المدلول المطابقي. و التعبير بجملة «اخذت منه ما اخذت» لا يراد به الاشارة الي عدم لزوم تحقق القتل بل الي عدم لزوم التحفظ في مقام ايقاع الضربة. هذا مضافا الي ان المسألة لم يعرف فيها خلاف.

اجل ورد في رواية عامر بن السمط عن علي بن الحسين عليه السّلام:

«الرجل يقع علي اخته قال: يضرب ضربة بالسيف بلغت منه ما بلغت فان عاش خلّد في السجن حتي يموت»(3). و نحوها رواية محمد بن

ص: 268


1- وسائل الشيعة 385:18 الباب 19 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 385:18 الباب 19 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 387:18 الباب 19 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

عبد اللّه بن مهران عمن ذكره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام(1). و لكنهما لضعف سندهما - الاولي بعامر لعدم ثبوت وثاقته، و الثانية بالارسال و بمحمد بن عبد اللّه الذي لم تثبت وثاقته أيضا - لا تصلحان للمعارضة.

و اذا قلت: ان موثقة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا زني الرجل بذات محرم حد حدّ الزاني الا انه اعظم ذنبا»(2) دلت علي عدم الخصوصية للزنا بذات محرم.

قلت: ان مضمونها مهجور بين الاصحاب فلا تصلح للمعارضة.

ثم ان المستفاد من الروايات اعتبار تحقق القتل بأمرين: ضرب الرقبة و كونه بالسيف. و الحكم بالتعدي الي القتل بغير ذلك - كالقتل برصاص المسدس و نحوه في الصدر او الرأس و نحوهما - يتوقف علي عدم فهم الخصوصية.

6 - و اما الخلاف في تعميم الحكم للزنا بالمحرمات السببيات

- كالزنا بام الزوجة او بنتها - و المحرمات من الرضاع

فينشأ من دعوي اطلاق النصوص فيحكم بالتعميم، و من دعوي الاجماع او انصرافها عن مثل ذلك فيحكم بالاختصاص.

7 - و اما ثبوت القتل في زنا الذمي بالمسلمة

فلم يعرف فيه خلاف. و تدل عليه صحيحة حنان بن سدير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن يهودي فجر بمسلمة قال: يقتل»(3).

و المعروف في كلمات الاصحاب تخصيص الحكم بالذمي الا انه

ص: 269


1- وسائل الشيعة 385:18 الباب 19 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 386:18 الباب 19 من أبواب حدّ الزنا الحديث 8.
3- وسائل الشيعة 407:18 الباب 36 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

ينبغي التعدي الي غيره لإطلاق الصحيحة بل قد يدعي الجزم بعدم الخصوصية.

8 - و اما ثبوت القتل في الزنا بالمرأة عن اكراه لها

فلم يعرف فيه خلاف أيضا. و تدل عليه صحيحة بريد العجلي: «سئل ابو جعفر عليه السّلام عن رجل اغتصب امرأة فرجها قال: يقتل محصنا كان او غير محصن»(1) و غيرها.

و اما صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا كابر الرجل المرأة علي نفسها ضرب ضربة بالسيف مات منها او عاش»(2) فلا تصلح للمعارضة لهجران الاصحاب لمضمونها بل لم يفرض فيها تحقق الزنا.

9 - و اما القتل في المرة الرابعة اذا فرض تكرر الزنا و الجلد ثلاث

مرات

فهو المشهور بين الاصحاب. و تدل عليه موثقة ابي بصير: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: الزاني اذا زني يجلد ثلاثا و يقتل في الرابعة، يعني جلد ثلاث مرات»(3) و غيرها.

و قيل يقتل في المرة الثالثة كسائر اصحاب الكبائر استنادا الي صحيحة يونس بن عبد الرحمن عن ابي الحسن الماضي عليه السّلام: «اصحاب الكبائر كلها اذا اقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة»(4) ، و لكنها - كما

ص: 270


1- وسائل الشيعة 381:18 الباب 17 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 382:18 الباب 17 من أبواب حدّ الزنا الحديث 6.
3- وسائل الشيعة 387:18 الباب 20 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 388:18 الباب 20 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.

نقل الحر عن شيخ الطائفة(1) - مطلقة فتقيد بغير الزاني لأجل الموثقة.

10 - و اما ان الجلد ثابت في حق الزاني او الزانية اذا لم يكونا

محصنين

فهو مما لا خلاف فيه للآية الكريمة: اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (2) ، و الروايات الشريفة، كموثقة سماعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الحر و الحرة اذا زنيا جلد كل واحد منهما مائة جلدة، فاما المحصن و المحصنة فعليهما الرجم»(3) و غيرها.

11 - و اما ان المرأة اذا زني بها صبي تجلد و لا ترجم حتي و لو

كانت محصنة

فلصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زني بامرأة قال: يجلد الغلام دون الحد و تجلد المرأة الحدّ كاملا. قيل: فان كانت محصنة، قال: لا ترجم لان الذي نكحها ليس بمدرك و لو كان مدركا رجمت»(4).

12 - و اما ثبوت الرجم في حق الزاني و الزانية المحصنين

فهو مما لا خلاف فيه للروايات المتعددة، كموثقة سماعة المتقدمة في الرقم 10 و غيرها.

هذا في غير الشيخ و الشيخة. و اما هما فاللازم في حقهما الجمع بين الجلد و الرجم كما سيأتي. بل قيل بلزوم ذلك في حق الشابين أيضا و اختاره المحقق الحلي(5).

ص: 271


1- راجع ذيل الحديث في الوسائل.
2- النور: 2.
3- وسائل الشيعة 347:18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 362:18 الباب 9 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
5- شرائع الإسلام 937:4، انتشارات استقلال.

و اما تقييد ثبوت الرجم في حق الزانية المحصنة بما اذا كان الزاني بها بالغا فلما تقدم.

و قيل بأن الحكم في حق الزاني ذلك أيضا فلا يثبت في حقه الرجم اذا كانت المزني بها مجنونة أو صبية بل يثبت الجلد و اختاره المحقق قدّس سرّه أيضا(1).

13 - و اما ثبوت الجلد و الرجم معا في حق الشيخ و الشيخة

المحصنين

فلم يعرف فيه خلاف. و تدل عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في الشيخ و الشيخة جلد مائة و الرجم. و البكر و البكرة جلد مائة و نفي سنة»(2).

و اطلاقها و ان اقتضي ثبوت الجمع في حق غير المحصن أيضا الا انه قد يقال بلزوم تقييده بالاحصان لصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «قضي امير المؤمنين عليه السّلام في الشيخ و الشيخة ان يجلدا مائة. و قضي للمحصن الرجم و قضي في البكر و البكرة اذا زنيا جلد مائة و نفي سنة في غير مصرهما و هما اللذان قد املكا و لم يدخل بها»(3) ، فان فقرة: «و قضي للمحصن الرجم» تدل علي ان الرجم خاص بالمحصن و لا يثبت في حق غيره.

و هل تدل الفقرة المذكورة علي ثبوت الرجم وحده و من دون جلد

ص: 272


1- شرائع الإسلام 937:4، انتشارات استقلال.
2- وسائل الشيعة 348:18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا الحديث 9. و البكر و البكرة هما من تزوج و لم يدخل. و قد عبّر عنهما في بعض الروايات بمن املك و لم يدخل.
3- وسائل الشيعة 347:18 الباب 1 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

في حق المحصن - لتعارض صحيحة الحلبي - أو هي ساكتة من هذه الناحية؟ لا يبعد الثاني. و معه فلا تعارض صحيحة الحلبي الدالة علي اضافة الجلد الي الرجم.

14 - و اما ثبوت الجلد و الجز و النفي من البلد في حق البكر

فتدل عليه صحيحة حنان: «سأل رجل ابا عبد اللّه عليه السّلام و أنا اسمع عن البكر يفجر و قد تزوج ففجر قبل ان يدخل بأهله، فقال: يضرب مائة و يجز شعره و ينفي من المصر حولا و يفرّق بينه و بين أهله»(1).

هذا و قد ورد في صحيحة علي بن جعفر عن اخيه موسي بن جعفر عليهما السّلام: «سألته عن رجل تزوج امرأة و لم يدخل بها فزني ما عليه؟ قال: يجلد الحد و يحلق رأسه و يفرّق بينه و بين أهله و ينفي سنة»(2) التعبير بالحلق بدل الجز، و الجمع يقتضي الحمل علي التخيير بينهما.

هذا و قد قيل بأن الجلد و الجز و النفي لا يختص بالبكر بل يعم كل زان غير محصن. و ممن اختار ذلك المحقق قدّس سرّه(3).

و اما الحكم بالتفريق فلا بدّ من حمله علي الاولوية دون الكناية عن الانفساخ و تحقق الحرمة المؤبدة لعدم احتمال ذلك فقهيا.

ثم ان الحكم بجز الشعر او حلقه يختص بالرجل و لا يعمّ المرأة من دون نقل خلاف في ذلك، و يكفي لإثباته القصور في المقتضي فلاحظ.

اجل الحكم بالتغريب عن البلاد يعمها - و ان استشكل فيه جمع

ص: 273


1- وسائل الشيعة 359:18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 7.
2- وسائل الشيعة 359:18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 8.
3- شرائع الإسلام 937:4، انتشارات استقلال.

من الفقهاء - لدلالة صحيحتي محمد بن قيس و الحلبي المتقدمتين في الرقم 13 - علي ذلك.

الاحصان
15 - و اما ان الاحصان في الرجل لا يتحقق الا مع حريته

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام:

«قضي امير المؤمنين عليه السّلام في العبيد اذا زني احدهم ان يجلد خمسين جلدة و ان كان مسلما او كافرا او نصرانيا و لا يرجم و لا ينفي»(1) و غيرها.

و اما انه يعتبر في احصان الرجل أيضا كونه ذا زوجة دائمة قد دخل بها و هو يتمكن من وطئها متي شاء فتدل عليه صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «لا يرجم الغائب عن اهله و لا المملك الذي لم يبن بأهله و لا صاحب المتعة»(2) ، فان الفقرة الثالثة تدل علي اعتبار دوام الزوجية و الثانية علي اعتبار الدخول بها و الاولي علي اعتبار التمكن من وطئها متي ما شاء، إذ الغيبة تلحظ عرفا بنحو الطريقية الي عدم التمكن من الوط ء.

و بقطع النظر عن ذلك يمكن استفادة المطلوب بوضوح من صحيحة إسماعيل بن جابر عن ابي جعفر عليه السّلام: «قلت: ما المحصن رحمك اللّه؟ قال: من كان له فرج يغدو عليه و يروح فهو محصن»(3)

ص: 274


1- وسائل الشيعة 402:18 الباب 32 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 355:18 الباب 3 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 351:18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.

و صحيحة حريز: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحصن، قال: الذي يزني و عنده ما يغنيه»(1) و غيرهما.

ثم انه ورد في صحيحة عمر بن يزيد السابقة ذيل بالشكل التالي:

«قلت: ففي أي حدّ سفره لا يكون محصنا؟ قال: اذا قصر و افطر فليس بمحصن»(2) ، و هو يدل علي ان الاحصان ينتفي بالسفر الموجب لقصر الصلاة و الافطار في الصوم و ليس بكل غياب. و لكن ذلك يلزم تأويله أو طرحه لعدم قائل به من الاصحاب، و لذا قال المحقق: «و في رواية مهجورة دون مسافة التقصير»(3).

16 - و اما ان المرأة لا يتحقق احصانها الا مع حريتها

فأمر لا خلاف فيه. و يمكن استفادته من صحيحة محمد بن قيس المتقدمة، فان كلمة «العبيد» يفهم منها العموم و عدم الخصوصية للذكورة.

و اما اعتبار ان يكون لها زوج فتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: المغيب و المغيبة ليس عليهما رجم الا ان يكون الرجل مع المرأة و المرأة مع الرجل»(4) و غيرها.

و اما اعتبار ان يكون الزوج قد دخل بها فيمكن استفادته من صحيحة محمد بن مسلم الاخري عن احدهما عليهما السّلام: «سألته عن قول اللّه عز و جل: فَإِذا أُحْصِنَّ (5) قال: احصانهن ان يدخل بهن. قلت: ان لم

ص: 275


1- وسائل الشيعة 352:18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 356:18 الباب 4 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
3- شرائع الإسلام 933:4، انتشارات استقلال.
4- وسائل الشيعة 355:18 الباب 3 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
5- النساء: 25.

يدخل بهن أما عليهن حدّ؟ قال: بلي»(1).

و اما اعتبار دوام الزوجية فأمر متسالم عليه بين الاصحاب. و قد يستدل عليه بموثقة اسحاق بن عمار: «... قلت: فان كانت عنده امرأة متعة أ تحصنه؟ فقال: لا، انما هو علي الشيء الدائم عنده»(2) ، بتقريب ان المراد من قوله: «انما هو...» ان الاحصان لا يكون الا في الشيء الدائم من دون فرق بين احصان الرجل و احصان المرأة.

شرائط ثبوت حدّ الزنا
17 - و اما اعتبار البلوغ و العقل في ثبوت حدّ الزنا

فأمر متسالم عليه. و يكفي لا ثباته ما تقدم في أوائل الكتاب من اشتراط كل تكليف بالبلوغ و العقل و ان فاقدهما قد رفع عنه القلم.

أجل قد يقال بلزوم تأديب الصبي من باب التعزير حسب ما يراه الحاكم مصلحة لدلالة بعض النصوص علي ذلك، ففي رواية بريد الكناسي عن ابي جعفر عليه السّلام: «... قلت: الغلام اذا زوّجه أبوه و دخل بأهله و هو غير مدرك أ تقام عليه الحدود علي تلك الحال؟ قال: اما الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا، و لكن يجلد في الحدود كلها علي مبلغ سنه...»(3).

و اما اعتبار الاختيار فأمر متسالم عليه أيضا، و يكفي لا ثباته

ص: 276


1- وسائل الشيعة 358:18 الباب 7 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 352:18 الباب 2 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 314:18 الباب 6 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.

حديث الرفع(1).

18 - و اما اعتبار العلم بالحكم و الموضوع

فلانه بدونه يكون الوط ء بالشبهة و لا يصدق عنوان الزنا ليثبت حكمه. هذا مضافا الي دلالة جملة من النصوص عليه، كصحيحة عبد الصمد بن بشير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان رجلا أعجميا دخل المسجد يلبي و عليه قميصه فقال لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اني كنت رجلا أعمل و اجتمعت لي نفقة فحيث احج لم اسأل أحدا عن شيء و افتوني هؤلاء ان اشق قميصي و أنزعه من قبل رجلي و ان حجي فاسد و ان عليّ بدنة فقال له... اي رجل ركب امرا بجهالة فلا شيء عليه...»(2) ، فانها باطلاقها تشمل المقام. و مجرد ورودها في باب الحج لا يمنع من انعقاد الاطلاق فيها.

و اما حديث «ادرءوا الحدود بالشبهات»(3) فقد رواه الشيخ الصدوق بشكل مرسل و لا يمكن الاستناد اليه الا بناء علي حجية مراسيل الشيخ الصدوق بشكل مطلق او خصوص ما كان الارسال فيها بلسان قال او بناء علي تمامية كبري الانجبار.

و دعوي صاحب الرياض ان النص الدال علي قاعدة «الحدود تدرأ بالشبهات» متواتر(4) لا نعرف وجهها.

ص: 277


1- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من ابواب جهاد النفس الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 125:9 الباب 45 من ابواب تروك الاحرام الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 337:18 الباب 24 من ابواب مقدمات الحدود الحديث 4.
4- رياض المسائل 495:2.
الوسائل المثبتة للزنا
19 - و اما ان الزنا لا يثبت الا بالاقرار اربع مرات

فهو المشهور.

و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «رجل قال لامرأته: يا زانية انا زنيت بك قال: عليه حدّ واحد لقذفه اياها، و اما قوله:

انا زنيت بك فلا حدّ فيه الا ان يشهد علي نفسه اربع شهادات بالزنا عند الامام»(1) و غيرها. و هي باطلاقها تشمل الجلد أيضا و لا تختص بالرجم و ان كانت بعض الروايات الاخري خاصة به فلاحظ.

و اما صحيحة الفضيل: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من اقرّ علي نفسه عند الامام بحق من حدود اللّه مرة واحدة حرا كان او عبدا او حرة او امة فعلي الامام ان يقيم الحد عليه... الا الزاني المحصن فانه لا يرجمه حتي يشهد عليه اربعة شهداء... فقال له بعض اصحابنا: يا ابا عبد اللّه فما هذه الحدود التي اذا اقرّ بها عند الامام مرة واحدة علي نفسه اقيم عليه الحد فيها؟ فقال: اذا اقرّ علي نفسه عند الامام بسرقة قطعه فهذا من حقوق اللّه، و اذا اقرّ علي نفسه انه شرب خمرا حدّه فهذا من حقوق اللّه، و اذا اقرّ علي نفسه بالزنا و هو غير محصن فهذا من حقوق اللّه...»(2) التي يستفاد منها كفاية الاقرار مرة واحدة في ثبوت الجلد فلا بدّ من حملها علي التقية لاشتمالها علي ما يخالف مذهب اصحابنا من ناحيتين: دلالتها علي عدم ثبوت الرجم بالاقرار اربع مرات بل بخصوص شهادة اربعة، و دلالتها علي نفوذ اقرار العبد و الامة،

ص: 278


1- وسائل الشيعة 446:18 الباب 13 من أبواب حدّ القذف الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 343:18 الباب 32 من ابواب مقدمات الحدود الحديث 1.

و كلاهما لا يلتزم به اصحابنا.

ثم انه هل يلزم في الاقرار اربع مرات - بعد كونه هو المعتبر - وقوعه في اربعة مجالس او يكفي وقوعه في مجلس واحد؟ قيل بالاول.

و المناسب الثاني لإطلاق ما تقدم فلاحظ.

20 - و اما ان البينة التي يثبت بها الزنا هي ما تقدم

فقد اتضح وجهه في باب الشهادات تحت عنوان «اختلاف الحقوق في الاثبات».

21 - و اما انه يعتبر في الشهادة ان تكون عن حس و رؤية

فهو مما تسالم عليه الاصحاب. و تدل عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «حدّ الرجم ان يشهد اربعة انهم رأوه يدخل و يخرج»(1) و غيرها.

و هل يلزم رؤية نفس الادخال و الاخراج و الشهادة بانهم رأوا ذلك كالميل في المكحلة؟ يظهر من الاصحاب ذلك. و لعلهم استندوا الي موثقة ابي بصير: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: لا يرجم الرجل و المرأة حتي يشهد عليهما اربعة شهداء علي الجماع و الايلاج و الادخال كالميل في المكحلة»(2).

و لكن احتمال اعتبار ذلك بعيد جدا، فان لازمه سدّ باب الشهادة علي الزنا الا نادرا لعدم امكان تحقق ذلك في الخارج عادة، و الحال ان الشهادة علي الزنا قد تحققت مرارا في زمن الرسول صلّي اللّه عليه و آله و من بعده.

و المناسب الاكتفاء برؤية المقدمات و الافعال الملازمة لتحقق الدخول كالميل في المكحلة، و الموثقة لا تدل علي اعتبار رؤية الايلاج

ص: 279


1- وسائل الشيعة 371:18 الباب 12 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 371:18 الباب 12 من أبواب حدّ الزنا الحديث 4.

نفسه بل تدل علي ان الشهادة علي الزنا بشكل مطلق لا تكفي بل لا بدّ من الشهادة علي تحقق الايلاج كالميل في المكحلة و ليس علي رؤية ذلك.

22 - و اما انه يعتبر وحدة المشهود به زمانا و مكانا

فلانه بدونه لا يتحقق قيام البينة علي الزنا الواحد.

و اما ان الشهود يحدون مع عدم وحدة المشهود به فلأنه اذا لم يثبت الزنا بشهادتهم تكون شهادتهم مصداقا للقذف بالزنا فيلزم حدهم حدّ القذف.

و اما انه اذا لم يؤدّ الشهود شهادتهم سوية يحدّ من سبق بشهادته حدّ القذف فلموثقة السكوني عن جعفر عن ابيه عن علي عليهم السّلام:

«في ثلاثة شهدوا علي رجل بالزنا فقال علي عليه السّلام: أين الرابع؟ قالوا: الآن يجيء فقال علي عليه السّلام: حدّوهم فليس في الحدود نظرة ساعة»(1) و غيرها.

23 - و اما لزوم التعجيل في اقامة الحدود من دون تأجيل

فهو مما لا خلاف فيه بين الاصحاب. و تدل عليه موثقة السكوني السابقة.

كيفية اقامة الحدّ
24 - و اما ان الرجل يدفن الي حقويه و المرأة الي صدرها

فهو المشهور. و تدل عليه موثقة سماعة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «تدفن المرأة الي وسطها ثم يرمي الامام و يرمي الناس بأحجار صغار. و لا يدفن الرجل اذا رجم الا الي حقويه»(2) و غيرها.

ص: 280


1- وسائل الشيعة 372:18 الباب 12 من أبواب حدّ الزنا الحديث 8.
2- وسائل الشيعة 374:18 الباب 14 من أبواب حدّ الزنا الحديث 3.

و لا يبعد كون المقصود من الوسط موضع الثديين بقرينة صحيحة ابي مريم عن ابي جعفر عليه السّلام: «اتت امرأة امير المؤمنين عليه السّلام فقالت: اني قد فجرت فأعرض بوجهه عنها فتحولت حتي استقبلت وجهه فقالت: اني قد فجرت فاعرض عنها ثم استقبلته فقالت: اني قد فجرت فأعرض عنها ثم استقبلته فقالت: اني فجرت فأمر بها فحبست و كانت حاملا فتربص بها حتي وضعت، ثم أمر بها بعد ذلك فحفر لها حفيرة... و أدخلها الحفيرة الي الحقو و موضع الثديين...»(1).

25 - و اما ان الامام يبدأ بالرجم ان كان الزنا قد ثبت بالاقرار و الا

فالبينة تبدأ بذلك

فهو ما عليه المشهور. و تدل عليه رواية صفوان عمّن رواه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا اقرّ الزاني المحصن كان اول من يرجمه الامام ثم الناس فاذا قامت عليه البينة كان اول من يرجمه البينة ثم الامام ثم الناس»(2). و لأجل انها مرسلة لا يمكن الاعتماد عليها الا بناء علي احد امور ثلاثة: تمامية كبري الانجبار بعمل المشهور او البناء علي وثاقة كل من روي عنه احد الثلاثة او البناء علي حجية الرواية اذا ورد في سندها احد بني فضّال و ان اشتمل علي الضعف من بعض النواحي. و اما اذا لم نبن علي الامور المذكورة فيلزم علي الامام البدأة مطلقا تمسكا باطلاق موثقة سماعة المتقدمة.

بل يلزم البناء علي النتيجة المذكورة حتي لو قبلنا بكبري الامر الثاني، فان رواية احد الثلاثة عن شخص و ان كانت من دلائل وثاقته الا انه حيث لم يذكر باسمه في الرواية فنحتمل وجود جارح له و لذلك

ص: 281


1- وسائل الشيعة 380:18 الباب 16 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 374:18 الباب 14 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.

يدخل المقام في مورد تعارض الجرح و التعديل و يسقط توثيقه عن الاعتبار.

26 - و اما استحباب اعلام المؤمنين

فتدل عليه عدة روايات، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام ان امير المؤمنين عليه السّلام: «أتاه رجل بالكوفة فقال: يا امير المؤمنين اني زنيت فطهّرني و ذكر انه أقرّ اربع مرات الي ان قال: ثم نادي في الناس: يا معشر المسلمين اخرجوا ليقام علي هذا الرجل الحد...»(1) و غيرها.

و الصحيحة و ان كانت ضعيفة السند بطريق الشيخ الكليني الا انه لا غبار عليها في طريقها الآخر، حيث ان لصاحب الوسائل طريقا صحيحا الي تفسير القمي اشار اليه في آخر الوسائل(2) ، و القمي بدوره له طريق صحيح الي ابي بصير و قد نقله الحرّ في ذيل الصحيحة فلاحظ.

و اما وجوب حضور طائفة من المؤمنين فيدل عليه قوله تعالي:

وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (3) .

27 - و اما انه ينبغي ان تكون الحجار صغارا

فلموثقة سماعة المتقدمة في الرقم 24 و غيرها.

28 - و اما ان الزاني يجلد قائما اذا كان رجلا و قاعدا اذا كان امرأة

و يتقي الوجه و المذاكير

فتدل عليه صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام:

ص: 282


1- وسائل الشيعة 342:18 الباب 31 من ابواب مقدمات الحدود الحديث 3.
2- فقد نقل في الفائدة الرابعة 43:20 ان تفسير القمي هو من جملة الكتب التي ينقل منها ثم ذكر في الفائدة الخامسة 49:20 طرقه الصحيحة الي تفسير القمي و غيره.
3- النور: 2.

«يضرب الرجل الحد قائما و المرأة قاعدة، و يضرب علي كل عضو و يترك الرأس و المذاكير»(1).

و اما ان الرجل يجلد علي الحالة التي وجد عليها ان كاسيا فكاسيا و ان عاريا فعاريا فهو المشهور بين الاصحاب. و تدل عليه موثقة طلحة بن زيد عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام: «... و يضرب الزاني علي الحال التي وجد عليها، ان وجد عريانا ضرب عريانا، و ان وجد و عليه ثيابه ضرب و عليه ثيابه»(2).

و طلحة و ان لم يوثق في كتب الرجال الا ان شهادة الشيخ بالاعتماد علي كتابه - حيث قال: «طلحة بن زيد. له كتاب. و هو عامي المذهب الا ان كتابه معتمد»(3) يسهّل الامر فيه.

و عليه فلا مشكلة من ناحية طلحة الا انه في مقابل موثقته موثقة اسحاق بن عمار: «سألت ابا ابراهيم عليه السّلام عن الزاني كيف يجلد؟ قال:

أشد الجلد. قلت: فمن فوق ثيابه؟ قال: بل تخلع ثيابه...»(4). و هي ان امكن حملها علي حالة وجدانه عاريا ثم اكتسي بعد ذلك فلا مشكلة و الا فالمناسب تحقق التعارض فيما اذا وجد و هو مكتس. و مع التساقط يكون المرجع اطلاق مثل قوله تعالي: اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (5) و تكون النتيجة جواز جلده و هو مكتس2.

ص: 283


1- وسائل الشيعة 369:18 الباب 11 من أبواب حدّ الزنا الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 370:18 الباب 11 من أبواب حدّ الزنا الحديث 7.
3- فهرست الشيخ الطوسي: 86 الرقم 362.
4- وسائل الشيعة 369:18 الباب 11 من أبواب حدّ الزنا الحديث 2.
5- النور: 2.

ان وجد كذلك.

29 - و اما ان المرأة تجلد و هي مرتدية لثيابها

فيكفي لإثباته القصور في المقتضي، فان ما دلّ علي الجلد عاريا يختص بالرجل. علي انه لا يحتمل وجوب او جواز ابراز بدنها.

30 - و اما ان من يراد رجمه يؤمر باغتسال غسل الميت اولا ثم

يكفن و يحنط

فهو المشهور بين الاصحاب، بل قد يدعي عدم الخلاف فيه. و تدل عليه رواية مسمع كردين عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «المرجوم و المرجومة يغسلان و يحنطان و يلبسان الكفن قبل ذلك ثم يرجمان و يصلّي عليهما...»(1). و هي واضحة الدلالة علي المطلوب الا انها ضعيفة السند بطرقها الأربع من عدة جهات فلاحظ. و لا يمكن الاعتماد عليها الا بناء علي تمامية كبري الجابرية.

31 - و اما انه يصلي علي الزاني بعد رجمه و يدفن في مقابر

المسلمين

فهو واضح لاقتضاء القاعدة له، فان المرجوم لا يخرج عن الإسلام بارتكابه الذنب و رجمه. هذا مضافا الي دلالة بعض الروايات علي ذلك، كصحيحة ابي مريم المتقدمة في الرقم 24 حيث ورد في آخرها ان المرأة المرجومة لما ماتت قيل للإمام عليه السّلام: «فكيف نصنع بها؟ قال: فادفعوها الي أوليائها و مروهم ان يصنعوا بها كما يصنعون بموتاهم»(2).

ص: 284


1- وسائل الشيعة 703:2 الباب 17 من أبواب غسل الميت الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 380:18 الباب 16 من أبواب حدّ الزنا الحديث 5.
الثاني: اللواط
اشارة

حدّ اللائط و الملوط به - اذا كانا مكلفين - القتل بأحد الاساليب التالية:

1 - الاحراق بالنار.

2 - الدحرجة من شاهق مشدود اليدين و الرجلين.

3 - الضرب بالسيف ثم الاحراق بالنار.

4 - الرجم.

و حدّ اللواط مع الايقاب(1) ما تقدم، و مع عدمه - و ذلك بالتفخيذ - مائة جلدة، الا اذا تكرر مرتين مع الحد فانه يقتل في الثالثة.

و يثبت اللواط بالاقرار اربع مرات و بشهادة اربعة رجال عدول.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان حدّ اللواط احد الامور المتقدمة

فهو المشهور بين الاصحاب، بل لعل الحكم في الملوط به كاد يبلغ حدّ التسالم. و تدل عليه صحيحة مالك عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان امير المؤمنين عليه السّلام قال لرجل اقرّ عنده باللواط اربعا: يا هذا ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر ايهن شئت، قال: و ما هن يا امير المؤمنين؟ قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة منك ما بلغت او اهداب [اهداء](2) من جبل مشدود اليدين و الرجلين او احراق بالنار»(3) ، و صحيحة عبد الرحمن العرزمي: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: وجد رجل مع رجل في امارة

ص: 285


1- لاط به: لصق به. و الايقاب: الادخال.
2- و في الوافي 335:15: او دهداء.
3- وسائل الشيعة 419:18 الباب 3 من ابواب حد اللواط الحديث 1.

عمر فهرب احدهما و اخذ الآخر فجيء به الي عمر فقال للناس: ما ترون في هذا؟ فقال هذا: اصنع كذا، و قال هذا: اصنع كذا. قال: فما تقول يا ابا الحسن؟ قال: اضرب عنقه فضرب عنقه. قال: ثم اراد ان يحمله فقال: مه انه بقي من حدوده شيء قال: أي شيء بقي؟ قال: ادع بحطب فدعا عمر بحطب فأمر به امير المؤمنين عليه السّلام فأحرق به»(1) ، و موثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال امير المؤمنين عليه السّلام: لو كان ينبغي لأحد ان يرجم مرتين لرجم اللوطي»(2).

و مورد بعض هذه الروايات و ان كان هو اللائط الا انه يمكن التعميم للملوط به اما بضم عدم القول بالفصل او لان المستفاد من الروايات ان عقوبة الملوط به اشد من عقوبة اللائط - فلاحظ صحيحة حماد بن عثمان: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل اتي رجلا، قال: عليه ان كان محصنا القتل، و ان لم يكن محصنا فعليه الجلد. قلت: فما علي المؤتي به؟ قال: عليه القتل علي كل حال محصنا كان او غير محصن»(3) - فاذا ثبت ما سبق في حق اللائط فيلزم ثبوته في حق الملوط به بالاولوية.

ثم ان المشهور ان حكم اللائط القتل حتي اذا لم يكن محصنا، و لكن بعض الروايات - كصحيحة حماد المتقدمة و غيرها - دلت علي ان اللائط يجلد و لا يقتل فيما اذا لم يكن محصنا. و المناسب العمل علي طبقها لمن لا يري سقوط الرواية عن الحجية باعراض المشهور عن4.

ص: 286


1- وسائل الشيعة 420:18 الباب 3 من ابواب حد اللواط الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 420:18 الباب 3 من ابواب حد اللواط الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 417:18 الباب 1 من ابواب حد اللواط الحديث 4.

العمل بها.

ثم ان بعض الفقهاء ذكر في جملة أساليب القتل في اللواط القاء جدار علي اللائط او الملوط به. و لا مستند لذلك سوي الفقه الرضوي(1) الذي لم يثبت كونه رواية. و مع التنزل فهو من قسم المراسيل.

2 - و اما تقييد ثبوت الحد علي اللواط بحالة فرض التكليف

فباعتبار رفع القلم عن الصبي و المجنون. اجل يؤدب الصبي علي ذلك لصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سمعته يقول: ان في كتاب علي عليه السّلام اذا أخذ الرجل مع غلام في لحاف مجردين ضرب الرجل و ادب الغلام. و ان كان ثقب و كان محصنا رجم»(2). و المراد من قوله: «ضرب الرجل» ضرب الحد و الا فهما في اصل الضرب مشتركان.

و يؤيد ذلك رواية ابي بكر الحضرمي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «أتي امير المؤمنين عليه السّلام بامرأة و زوجها، قد لاط زوجها بابنها من غيره و ثقبه و شهد عليه بذلك الشهود فأمر به عليه السّلام فضرب بالسيف حتي قتل و ضرب الغلام دون الحد و قال: أما لو كنت مدركا لقتلتك لإمكانك اياه من نفسك بثقبك»(3) ، فان سندها و ان كان ضعيفا من ناحية بكر بن صالح بل و من ناحية سهل و محمد بن سنان علي قول الا ان ذلك لا يمنع من التمسك بها علي مستوي التأييد.

ص: 287


1- مستدرك الوسائل 80:18.
2- وسائل الشيعة 421:18 الباب 3 من ابواب حد اللواط الحديث 7.
3- وسائل الشيعة 418:18 الباب 2 من ابواب حد اللواط الحديث 1.
الثالث: حدّ التفخيذ
3 - و اما ان حدّ التفخيذ من دون ايقاب مائة جلدة

فهو المشهور. و قد يستفاد من صحيحة ابي بصير المتقدمة، فان التعبير بقوله عليه السّلام: «و ان كان ثقب...» يدل علي وقوع شيء من الرجل دون الثقب في مفروض الفقرة السابقة، و ليس هو الا التفخيذ. و مع فرض الاطلاق يلزم التقييد بالتفخيذ للاتفاق علي عدم ثبوت مائة جلدة في النوم المجرد.

اجل ورد في صحيحة الحسين بن سعيد: «قرأت بخط رجل أعرفه الي ابي الحسن عليه السّلام و قرأت جواب ابي الحسن عليه السّلام بخطه: هل علي رجل لعب بغلام بين فخذيه حد، فان بعض الصحابة روي انه لا بأس بلعب الرجل بالغلام بين فخذيه؟ فكتب: لعنة اللّه علي من فعل ذلك. و كتب أيضا هذا الرجل و لم أر الجواب: ما حدّ رجلين نكح احدهما الآخر طوعا بين فخذيه ما توبته؟ فكتب القتل»(1) ان حدّ التفخيذ هو القتل. و لكنه لا يمكن الاعتماد عليها لان الرجل الكاتب مجهول. و تعبير ابن سعيد بقوله: «اعرفه» لا يدل علي توثيقه، و لو دلّ فهو لا ينفي وجود الجارح المعارض بعد ما لم يذكر اسمه، و المفروض ان جواب الامام عليه السّلام لم يره ابن سعيد.

4 - و اما ان من تكرر منه التفخيذ مرتين و حدّ يقتل في الثالثة

فلإطلاق صحيحة يونس عن ابي الحسن الماضي عليه السّلام: «اصحاب

ص: 288


1- وسائل الشيعة 417:18 الباب 1 من ابواب حد اللواط الحديث 5.

الكبائر كلها اذا اقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة»(1).

و قيل: بل يقتل في الرابعة. و كأن ذلك من باب القياس علي الزاني، حيث تقدم ان من جلد ثلاث مرات قتل في الرابعة. الا ان القياس المذكور لا وجه له بعد دلالة الصحيحة المتقدمة علي القتل في مطلق الكبائر في المرة الثالثة، و الخارج منها هو الزنا لا غير.

5 - و اما ان اللواط يثبت بالاقرار اربع مرات دون الاقل من ذلك

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة مالك بن عطية المتقدمة في الرقم 1، حيث ورد فيها: «فلما كان في الرابعة قال له: يا هذا ان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر...»(2) ، فان اللواط لو كان يثبت بالاقرار ثلاثا او بمرة واحدة لم يكن وجه لتأخير العقوبة الي الاقرار الرابع.

و اما انه يثبت بشهادة اربعة رجال فباعتبار انه تقدم في بحث الشهادات تحت عنوان: «اختلاف الحقوق في الاثبات» ان كل اقرار واحد هو بمنزلة شهادة واحدة، فاذا كان اللواط لا يثبت بأقل من اربعة اقرارات فيلزم ان لا يثبت بأقل من اربع شهادات.

الرابع: السحق
اشارة

*الرابع: السحق(3)

حدّ السحق مائة جلدة. و مع التكرر مرتين مع الحد يلزم القتل في الثالثة.

ص: 289


1- وسائل الشيعة 313:18 الباب 5 من ابواب مقدمات الحدود الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 422:18 الباب 5 من ابواب حد اللواط الحديث 1.
3- السّحق: دلك المرأة فرجها بفرج أخري. و قد كني عنه في بعض الروايات باللواتي مع اللواتي، فلاحظ وسائل الشيعة الباب 24 من ابواب النكاح المحرم الحديث 4.

و يثبت - السحق - بأربعة رجال عدول.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان حدّ السحق مائة جلدة

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة محمد بن ابي حمزة و هشام و حفص كلهم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهن عن السحق فقال: حدها حد الزاني فقالت المرأة: ما ذكر اللّه ذلك في القرآن فقال: بلي. قالت: و أين هنّ؟ قال:

هن اصحاب الرّس»(1) و غيرها. و المقصود من قوله عليه السّلام: «حدّها حدّ الزاني» الاشارة الي الجلد و لو بقرينة صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «السّحاقة تجلد»(2).

و المشهور ان ذلك حدّ للمحصنة أيضا. و قيل: بل ذلك حدّ غير المحصنة و اما هي فحدّها الرجم.

2 - و اما انه مع التكرر و اقامة الحد مرتين يلزم القتل في الثالثة

فقد تقدم وجهه عند بيان حدّ التفخيذ.

3 - و اما ان السحق يثبت بأربعة رجال

فقد تقدم وجهه في باب الشهادات.

ص: 290


1- وسائل الشيعة 424:18 الباب 1 من ابواب حد السحق الحديث 1. ثم انه لا بدّ ان يكون المقصود من ذكر السحق في القرآن الكريم هو ذكر اصله و ذاته لا حدّه و الا فحدّه لم يذكر في آية اصحاب الرس و لا في غيرها. و المنقول ان فعل قوم لوط هو اللواط و فعل اصحاب الرس هو المساحقة.
2- وسائل الشيعة 425:18 الباب 1 من ابواب حد السحق الحديث 2.
الخامس: القذف
اشارة

حدّ القذف - و هو رمي الغير بالزنا او اللواط - ثمانون جلدة. و لا يثبت الا مع احصان المقذوف.

و لو قذف الوالد ولده لم يحد لأجله.

و اذا تقاذف شخصان درئ الحدّ عنهما و لكن يعزران.

و مع تكرر القذف من القاذف و حدّه مرتين يقتل في الثالثة.

و سابّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أو بضعته الطاهرة سلام اللّه عليها أو احد الائمة من ابنائها صلوات اللّه عليهم اجمعين يجب علي سامعه قتله بلا حاجة الي الاستئذان من الحاكم الشرعي الا ان يخاف علي نفسه الضرر.

و يثبت القذف بشهادة رجلين عادلين و بالاقرار مرة واحدة.

المستند في ذلك:

1 - اما ان حدّ القذف ثمانون جلدة

فيدل عليه صريح الكتاب العزيز: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (1). و مورده و ان كان خاصا برمي المحصنة الا انه يتعدي الي رمي المحصن اما بتنقيح المناط او بضم عدم القول بالفصل.

و بقطع النظر عن ذلك تكفينا صحيحة ابي بصير عن ابي جعفر عليه السّلام:

«امرأة قذفت رجلا قال: تجلد ثمانين جلدة»(2) و غيرها.

2 - و اما اعتبار احصان المقذوف في ثبوت الحدّ علي القاذف

فهو

ص: 291


1- النور: 4.
2- وسائل الشيعة 432:18 الباب 2 من ابواب حد القذف الحديث 1.

مما لا خلاف فيه، اذ الآية الكريمة ان لم يكن لها مفهوم تنفي به الحدّ عن رمي غير المحصن فلا أقل من القصور في المقتضي فيتمسك بالبراءة.

و المراد من الاحصان العفة عن الزنا بنحو لا يكون الشخص متظاهرا به، فالمتظاهر لا حدّ في قذفه بل قد يحكم بعدم التعزير أيضا لعدم احترامه.

ثم انه يعتبر في ثبوت الحدّ مضافا الي احصان المقذوف امور اخري، كإسلامه و بلوغه و عقله و حريته لدلالة الروايات علي ذلك(1).

3 - و اما ان الاب لا يحدّ لو قذف ولده

فلصحيحة محمد بن مسلم:

«سألت ابا جعفر عليه السّلام عن رجل قذف ابنه بالزنا قال: لو قتله ما قتل به و ان قذفه لم يجلد له...»(2).

و السند تام، فان الشيخ الكليني رواها عن شيخه علي بن ابراهيم بسند صحيح عن محمد بن مسلم، و الشيخ قد رواها بدوره أيضا عن علي بن ابراهيم بالسند السابق الصحيح عن محمد بن مسلم. و الشيخ و ان لم يكن معاصرا لعلي بن ابراهيم و لا يمكن ان يروي عنه مباشرة الا انه قد ذكر طريقه اليه في المشيخة و الفهرست، و هو في كليهما صحيح فلاحظ (3).

4 - و اما ان المتقاذفين يعزران من دون حدّ

فهو مما لا خلاف فيه.

و تدل عليه صحيحة ابي ولاد الحناط: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: أتي

ص: 292


1- وسائل الشيعة الباب 1، 4، 5 من أبواب حد القذف.
2- وسائل الشيعة 447:18 الباب 14 من أبواب حد القذف الحديث 1.
3- مشيخة تهذيب الاحكام: 29 و الفهرست: 89 الرقم 370.

امير المؤمنين عليه السّلام برجلين قذف كل واحد منهما صاحبه بالزنا في بدنه قال: فدرأ عنهما الحد و عزرهما»(1) و غيرها.

5 - و اما ان القاذف يقتل في الثالثة لو حدّ مرتين حدّ القذف

فقد تقدم وجهه في حدّ التفخيذ.

6 - و اما ان ساب النبي صلّي اللّه عليه و آله يقتله السامع

فهو مما لا خلاف فيه.

و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «ان رجلا من هذيل كان يسبّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فبلغ ذلك النبي صلّي اللّه عليه و آله فقال: من لهذا؟ فقام رجلان من الانصار فقالا: نحن يا رسول اللّه فانطلقا حتي أتيا عربة(2) فسألا عنه فاذا هو يتلقي غنمه فقال: من أنتما و ما اسمكما؟ فقالا له:

أنت فلان بن فلان؟ قال: نعم، فنزلا فضربا عنقه. قال محمد بن مسلم فقلت لأبي جعفر عليه السّلام: أ رأيت لو ان رجلا الآن سبّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أ يقتل؟ قال: ان لم تخف علي نفسك فاقتله»(3).

و اما الحاق البضعة الطاهرة و أولادها الائمة الطيبين الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين بالنبي صلّي اللّه عليه و آله فهو لا يحتاج الي دليل خاص بعد الضرورة الثابتة من الخارج علي كون حكم الجميع واحدا.

و قد يستفاد المطلوب من صحيحة هشام بن سالم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في رجل سبابة لعلي عليه السّلام؟ فقال لي: حلال الدم

ص: 293


1- وسائل الشيعة 451:18 الباب 18 من أبواب حد القذف الحديث 2. ثم ان الوارد في الفقيه 39:4 «قذف كل واحد منهما صاحبه في بدنه...» من دون كلمة «بالزنا». و الظاهر ان احدي الكلمتين: «بالزنا»، «في بدنه» زائدة.
2- عربة اسم موضع كان بالقرب من المدينة. و في بعض النسخ: عرنة - كهمزة - الذي هو الموضع المعروف في عرفات.
3- وسائل الشيعة 460:18 الباب 25 من أبواب حد القذف الحديث 3.

و اللّه لو لا ان تعمّ به بريئا»(1).

7 - و اما عدم الحاجة الي استئذان الحاكم الشرعي

فقد يستفاد من اطلاق الروايات المتقدمة.

و اذا نوقش بان ما صدر من الامام عليه السّلام هو اذن خاص منه و لا يمكن استفادة عدم اعتبارها من الاطلاق امكن التمسك بصحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عمن شتم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقال عليه السّلام:

يقتله الادني فالادني قبل ان يرفع الي الامام»(2).

و اما اعتبار عدم خوف الضرر فهو مقتضي قاعدة نفي الضرر، مضافا الي التصريح بذلك في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة في الرقم 6.

8 - و اما ان القذف يثبت بالبينة و الاقرار مرة واحدة

فلإطلاق دليل حجيتهما، و الخروج عنه يحتاج الي دليل و هو مفقود. و قد تقدم في كتاب الشهادات تحت عنوان «اختلاف الحقوق في الاثبات» ما ينفع في المقام فراجع.

السادس: شرب المسكر
اشارة

الحدّ في شرب الخمر و بقية المسكرات ثمانون جلدة يضرب الشارب مجردا من الثياب بين الكتفين ان كان رجلا و من فوق الثياب ان كان امرأة.

ص: 294


1- وسائل الشيعة 461:18 الباب 27 من أبواب حد القذف الحديث 1. ثم انه ورد في هامش الكافي 270:7 نقلا عن العلاّمة المجلسي في مقام التعليق علي جملة «لو لا ان تعم به بريئا» ما نصه: «اي انت او البلية بسبب القتل من هو بريء منه».
2- وسائل الشيعة 554:18 الباب 7 من أبواب حد المرتد الحديث 1.

و من حدّ مرتين لشرب الخمر قتل في الثالثة.

و يثبت الشرب بشهادة عدلين او الاقرار مرة واحدة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان حدّ شرب الخمر ثمانون جلدة

فهو مما لا خلاف فيه.

و تدل عليه روايات كثيرة، كصحيحة بريد بن معاوية: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ان في كتاب علي عليه السّلام يضرب شارب الخمر ثمانين، و شارب النبيذ ثمانين»(1).

و اما ان ذلك حدّ شرب بقية المسكرات أيضا فلصحيحة الكناني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كل مسكر من الاشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحد»(2) و غيرها.

2 - و اما ان الشارب يضرب مجردا من الثياب بين الكتفين ان كان

رجلا

فتدل عليه صحيحة ابي بصير: «سألته عن السكران و الزاني، قال:

يجلدان بالسياط مجردين بين الكتفين»(3). و اضمارها لا يضر بحجيتها بعد ما كان المضمر من اجلاء الاصحاب الذين لا يحتمل في حقهم الرواية عن غير الامام عليه السّلام.

و اما ان المرأة تضرب من وراء الثياب فيكفي لا ثباته القصور في المقتضي. هذا مضافا الي ان المرأة عورة و لا يحتمل اعتبار تجريدها من الثياب.

3 - و اما ان من حدّ علي شرب الخمر مرتين قتل في المرة الثالثة

ص: 295


1- وسائل الشيعة 468:18 الباب 4 من ابواب حد المسكر الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 473:18 الباب 7 من ابواب حد المسكر الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 474:18 الباب 8 من ابواب حد المسكر الحديث 1.

فقد تقدم وجهه في حدّ التفخيذ.

4 - و اما ان شرب المسكر يثبت بشهادة عدلين او بالاقرار مرة

واحدة

فقد تقدم وجهه في حدّ القذف.

السابع: السرقة
اشارة

الحدّ في السرقة قطع الاصابع الاربع للسارق من اليد اليمني مع ترك الراحة و الابهام، فان تكررت منه قطعت رجله اليسري من وسطها، فان تكررت منه ثالثة خلّد في الحبس الي ان يموت، و ان تكررت منه رابعة في الحبس قتل.

و لا يحدّ السارق الا اذا كانت قيمة المسروق بمقدار ربع مثقال ذهب بوزن 18 حبة. هذا هو المشهور. و قيل بكفاية كونه بمقدار خمس المثقال المتقدم.

كما لا يحدّ الا اذا كان المال في مكان محرز لم يؤذن بالدخول فيه.

و المشهور ان السرقة لا تثبت الا بشهادة عدلين او الاقرار مرتين.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الحدّ في السرقة ما ذكر

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه موثقة سماعة بن مهران: «اذا اخذ السارق قطعت يده من وسط الكف، فان عاد قطعت رجله من وسط القدم، فان عاد استودع السجن، فان سرق في السجن قتل»(1) و غيرها.

و الموثقة اذا كانت مقطوعة(2) بطريق الشيخ الكليني فهي مسندة

ص: 296


1- وسائل الشيعة 493:18 الباب 5 من أبواب حد السرقة الحديث 4.
2- الرواية المقطوعة هي الرواية التي ينقل الراوي فيها الحكم من دون اسناد الي الامام عليه السّلام و لا ذكر ضمير يحتمل رجوعه اليه، بخلاف المضمرة، فانه يفترض فيها ذكر ضمير يحتمل رجوعه الي الامام عليه السّلام من قبيل: «قلت له:...».

الي الامام عليه السّلام في طريق الشيخ الطوسي(1).

و اذا كانت - الموثقة - مجملة من حيث المقدار المقطوع فبملاحظة موثقة اسحاق بن عمار عن ابي ابراهيم عليه السّلام: «تقطع يد السارق و يترك ابهامه و صدر راحته و تقطع رجله و يترك له عقبه يمشي عليها»(2) يرتفع ذلك.

و اما صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: من اين يجب القطع؟ فبسط اصابعه و قال من هاهنا، يعني من مفصل الكف»(3) فهي ساقطة عن الاعتبار بعد هجران الاصحاب لمضمونها.

2 - و اما اعتبار كون المسروق بمقدار ربع مثقال ذهب

فهو المشهور. و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

في كم يقطع السارق؟ قال: في ربع دينار. قلت له: في درهمين؟ قال: في ربع دينار بلغ الدينار ما بلغ. قلت له: أ رأيت من سرق أقل من ربع دينار هل يقع عليه حين سرق اسم السارق؟ و هل هو عند اللّه سارق؟ فقال:

كل من سرق من مسلم شيئا قد حواه و احرزه فهو يقع عليه اسم السارق و هو عند اللّه سارق و لكن لا يقطع الا في ربع دينار او اكثر، و لو قطعت ايدي السراق فيما أقلّ هو من ربع دينار لألفيت عامة الناس مقطعين»(4).

ص: 297


1- لاحظ ذيل الحديث في وسائل الشيعة.
2- و لا ذكر ضمير يحتمل رجوعه اليه، بخلاف المضمرة، فانه يفترض فيها ذكر ضمير يحتمل رجوعه الي الامام عليه السّلام من قبيل: «قلت له:...».
3- وسائل الشيعة 489:18 الباب 4 من أبواب حد السرقة الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 482:18 الباب 2 من أبواب حد السرقة الحديث 1.

و هناك روايات تدل علي التحديد بغير ذلك من قبيل صحيحة محمد بن مسلم الاخري عن ابي جعفر عليه السّلام: «أدني ما يقطع فيه يد السارق خمس دينار»(1) و غيرها. و المعارضة بينهما مستقرة.

و قد يقال: ان المناسب تقديم الثانية لموافقتها لإطلاق الكتاب، فان مقتضي اطلاق الآية الكريمة وجوب القطع في السرقة مطلقا و لكن علم من الخارج عدم ثبوت القطع في الاقل من الخمس فترفع اليد عن الاطلاق بهذا المقدار، و اما التقييد بمقدار ازيد فحيث انه غير معلوم فيلزم الاخذ بالاطلاق بلحاظه و يكون حجة و مرجحا للطائفة الثانية علي الاولي.

3 - و اما اعتبار ان يكون المال في مكان محرز لا اذن بالدخول

فيه

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه موثقة السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال امير المؤمنين عليه السّلام: كل مدخل يدخل فيه بغير اذن فسرق منه السارق فلا قطع فيه، يعني الحمامات و الخانات و الارحية(2)»(3) ، و هكذا موثقته الاخري: «لا يقطع الا من نقب بيتا او كسر قفلا»(4).

4 - و اما ثبوت السرقة بشهادة عدلين

فهو لإطلاق دليل حجية البينة.

و اما اعتبار الاقرار مرتين فلرواية جميل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «لا

ص: 298


1- وسائل الشيعة 483:18 الباب 2 من أبواب حد السرقة الحديث 3.
2- الارحية جمع رحي.
3- وسائل الشيعة 509:18 الباب 18 من أبواب حد السرقة الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 509:18 الباب 18 من أبواب حد السرقة الحديث 3.

يقطع السارق حتي يقر بالسرقة مرتين...»(1) و غيرها.

و دلالة الرواية و ان كانت واضحة الا ان في سندها علي بن السندي الذي قد يتأمل في وثاقته باعتبار عدم النص عليها في كتب الرجال، و هكذا بقية الروايات فان سندها ضعيف كما يتضح من خلال المراجعة. و مع التنزل فهي معارضة بصحيحة الفضيل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان اقرّ الرجل الحر علي نفسه مرة واحدة عند الامام قطع»(2). و بعد التعارض يعود التمسك بقاعدة «اقرار العقلاء علي انفسهم جائز» لإثبات حجية الاقرار مرة واحدة بلا مانع.

ثم ان هذا كله بالنسبة الي الحدّ. و اما الغرم فلا خلاف في لزومه بالاقرار مرة واحدة لإطلاق قاعدة الاقرار و عدم المقيد لها من هذه الناحية.

الثامن: المحاربة و الافساد
اشارة

المحارب - و هو من شهر السلاح لإخافة الناس و الافساد في الارض - يقتل او يصلب او يقطع مخالفا(3) أو ينفي من الارض.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان حدّ المحارب ما ذكر

فواضح بعد دلالة صريح الآية الكريمة عليه: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ

ص: 299


1- وسائل الشيعة 488:18 الباب 3 من أبواب حد السرقة الحديث 6.
2- وسائل الشيعة 488:18 الباب 3 من أبواب حد السرقة الحديث 3.
3- بان تقطع يده اليمني مع رجله اليسري.

أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (1) .

و قد وقع الكلام في ان الانحاء الاربعة المذكورة هل هي ثابتة بنحو التخيير لولي الامر أو هي بنحو الترتيب حسب اختلاف الجناية.

و لو خلينا نحن و الآية الكريمة لاستفدنا منها التخيير خصوصا بعد ملاحظة صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «... كل شيء في القران أو فصاحبه بالخيار يختار ما شاء»(2) ، الا ان في المقابل روايات قد يستفاد منها الترتيب. و كلمات الفقهاء في المقام مضطربة تبعا لاضطراب الروايات.

2 - التعزير

اشارة

كل من خالف الشريعة بفعل محرم او ترك واجب من دون عذر و لم يرد تحديد شرعي لمقدار عقوبته عاقبه الحاكم الشرعي بما يراه صلاحا. و في بعض الروايات تحديد ذلك بما دون اربعين ضربة.

و المستند في ذلك أمران:

1 - ان المحافظة علي النظام قضية لا بدّ منها

، و قد اهتم بها الإسلام، و هي لا تتحقق الا بتشريع التعزير علي مخالفة اي مقرر شرعي. و حيث ان منح هذا الحق لجميع الناس امر غير محتمل لأنه بدوره يوجب اختلال النظام فلا بدّ من ثبوته لطائفة معينة، و بما ان القدر

ص: 300


1- المائدة: 33.
2- وسائل الشيعة 295:9 الباب 14 من ابواب بقية كفارات الاحرام الحديث 1.

المتيقن من ذلك هو الحاكم الشرعي فيتعين اختصاص الحق به.

و مما يؤكد ذلك فعل امير المؤمنين عليه السّلام - حيث كان يراقب الاسواق و يعزر كل من خالف المقررات الشرعية - و الروايات الخاصة الواردة في الموارد المتفرقة، كصحيحة ابي العباس عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«قلت له: ما للرجل يعاقب به مملوكه؟ فقال: علي قدر ذنبه»(1) الواردة في تأديب المملوك، و موثقة اسحاق بن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

«ربما ضربت الغلام في بعض ما يجرم قال: و كم تضربه؟ قلت: ربما ضربته مائة فقال: مائة؟! مائة؟! فأعاد ذلك مرتين. ثم قال: حدّ الزنا؟! اتق اللّه. فقلت: جعلت فداك فكم ينبغي لي أن اضربه؟ فقال: واحدا. فقلت:

و اللّه لو علم اني لا اضربه الا واحدا ما ترك لي شيئا الا افسده قال:

فاثنين فقلت: هذا هو هلاكي قال: فلم ازل أماكسه حتي بلغ خمسة ثم غضب فقال: يا اسحاق ان كنت تدري حدّ ما اجرم فاقم الحدّ فيه و لا تعدّ حدود اللّه»(2) الواردة في تأديب الغلام.

2 - صحيحة حماد بن عثمان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«قلت له: كم التعزير؟ فقال: دون الحدّ. قلت: دون ثمانين؟ قال: لا، و لكن دون اربعين فانها حدّ المملوك. قلت: و كم ذاك؟ قال: علي قدر ما يراه الوالي من ذنب الرجل و قوة بدنه»(3) و ما كان بمضمونها.

و سند الصحيحة بطريق الشيخ الكليني و ان كان قد يتأمل فيه من ناحية المعلي بن محمد - حيث انه لم يوثق بل ضعّف - الا انه بطريق

ص: 301


1- وسائل الشيعة 339:18 الباب 30 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 339:18 الباب 30 من أبواب مقدمات الحدود الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 584:18 الباب 10 من ابواب بقية الحدود الحديث 3.

الشيخ الصدوق لا خدشة فيه فلاحظ.

3 - اقامة الحدود في عصر الغيبة

اشارة

يجوز للحاكم الشرعي اقامة الحدود في عصر الغيبة.

و المستند في ذلك أمران:

1 - ان الحكمة المقتضية لتشريع الحدود

- و هي الوقوف امام الفساد و الفجور - لا يحتمل اختصاصها بعصر الحضور.

2 - التمسك باطلاق ادلة وجوب اقامة الحدود،

كقوله تعالي:

اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ (1) ، وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما (2) ، فانه يقتضي وجوب اقامة الحدود في كل زمان، و حيث لا يحتمل جواز تصدي اي شخص لذلك - للزوم محذور اختلال النظام - فيلزم تصدي طائفة خاصة لذلك، و القدر المتيقن منها هو المجتهدون العدول.

و تؤيد ذلك رواية اسحاق بن يعقوب: «سألت محمد بن عثمان العمري ان يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل اشكلت عليّ فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السّلام: اما ما سألت عنه أرشدك اللّه و ثبتك الي ان قال: و اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الي رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم و انا حجة اللّه...»(3) ، فان اسحاق و ان لم يذكر

ص: 302


1- النور: 2.
2- المائدة: 38.
3- وسائل الشيعة 101:18 الباب 11 من ابواب صفات القاضي الحديث 9.

بتوثيق في كتب الرجال الا ان ذلك لا يمنع من التمسك بها علي مستوي التأييد.

و اذا قيل: ان التمسك بالوجهين المذكورين تام لو لم يقم دليل علي حصر وظيفة اقامة الحدود بالامام عليه السّلام، و ذلك الدليل موجود، و هو رواية دعائم الإسلام عن الامام الصادق عليه السّلام عن آبائه عليهم السّلام: «لا يصلح الحكم و لا الحدود و لا الجمعة الا بامام عدل»(1). و قريب منها رواية الجعفريات(2).

قلنا: يلزم حمل الرواية المذكورة علي كون المقصود ان ذلك لا يصلح لغير الامام عليه السّلام مع افتراض حضوره و عدم غيبته، اي يلزم حملها علي زمن الحضور و الا فهل يحتمل عدم جواز الحكم لغير الامام عليه السّلام في زمان الغيبة؟! ان لازم ذلك الفوضي و عدم استقرار النظام.

هذا لو قطعنا النظر عن سند الدعائم و الا فالمناقشة أوضح باعتبار ان رواياته مراسيل لم يذكر اسنادها.2.

ص: 303


1- مستدرك الوسائل 13:6 الباب 5 من ابواب صلاة الجمعة الحديث 4.
2- مستدرك الوسائل 13:6 الباب 5 من ابواب صلاة الجمعة الحديث 2.

ص: 304

كتاب القصاص

اشارة

1 - القصاص و أقسامه

2 - قصاص النفس

3 - وسائل اثبات القتل عمدا

4 - من احكام قصاص النفس

5 - قصاص ما دون النفس

ص: 305

ص: 306

1 - القصاص و اقسامه

اشارة

القصاص - بكسر القاف و هو الجزاء علي الجناية بمثلها - مشروع بل حياة للبشرية.

و هو يتعلق بالنفس تارة و بما دونها اخري.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان القصاص ما ذكر

فهو من واضحات اللغة و الفقه.

2 - و اما انه مشروع

فهو من ضروريات الإسلام.

و الاشكال علي تشريعه بانه مخالف للإنسانية و العاطفة ناشئ عن الجهل او التجاهل بفلسفته.

و قد اشار الكتاب الكريم في كثير من آياته الي تشريع القصاص، و في بعضها الاشارة الي فلسفته، كقوله تعالي: وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ (1) ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلي بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ

ص: 307


1- البقرة: 179.

قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً (1) ، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلي الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثي بِالْأُنْثي... (2) ، وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ (3) ، وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (4) ، وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ... (5).

و يدل علي ذلك بالعموم قوله تعالي: وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (6) ، وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (7) ، وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ (8) ، وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ (9).

ثم ان الآيات الكريمة المذكورة كما دلت علي شرعية القصاص دلت أيضا علي حرمة قتل المؤمن ظلما بل ان ذلك من ضروريات الإسلام، و النصوص الدالة علي ذلك كثيرة(10).

و كما يحرم قتل الانسان الآخر يحرم أيضا قتل الانسان نفسه، و ذلك مما لا ينبغي التأمل فيه. و قد يستفاد ذلك من قوله تعالي: وَ لاس.

ص: 308


1- المائدة: 32.
2- البقرة: 178.
3- الانعام: 151.
4- الاسراء: 33.
5- المائدة: 45.
6- الشوري: 41.
7- الشوري: 40.
8- النحل: 126.
9- البقرة: 194.
10- راجع وسائل الشيعة 2:19 الباب الاول و ما بعده من ابواب القصاص في النفس.

تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَ ظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً (1) . و قد روي ابو ولاد الحناط في صحيحة:

«سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها»(2).

ثم ان حرمة قتل الانسان الآخر لا تختص بما اذا كان واجدا للروح بل تعمّ الحمل الذي هو نطفة أو علقة. و تدل علي ذلك موثقة اسحاق بن عمار: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: المرأة تخاف الحبل فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها، قال: لا، فقلت: انما هو نطفة فقال: ان اول ما يخلق نطفة»(3).

و بهذا اتضح ان الحرمة تعم ما اذا كان الحمل من الزنا لإطلاق الموثقة. و يأتي في باب الديات ان شاء اللّه تعالي ثبوت الدية في اسقاط الحمل و بيان مقدارها.

2 - قصاص النفس

اشارة

لا يثبت الحق لأولياء المقتول في الاقتصاص من القاتل الا اذا تمت الشروط التالية:

الاول: ان يكون القتل بنحو العمد.

الثاني: التساوي في الحرية و العبودية، فيقتل الحر بالحر و العبد بالعبد و لا

ص: 309


1- النساء: 29-30.
2- وسائل الشيعة 13:19 الباب 5 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 15:19 الباب 7 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.

يقتل الحر بالعبد بل يغرم قيمته يوم قتله مع تعزيره بالضرب الشديد.

الثالث: التساوي في الدين، فلا يقتل المسلم بالكافر - و ان لزم تعزيره فيما اذا لم يكن القتل جائزا - بل يغرم ديته لو كان ذميا.

الرابع: ان لا يكون القاتل ابا للمقتول فلا يقتل الاب بقتله لابنه بل يعزر و يلزم بالدية.

الخامس: ان يكون القاتل بالغا عاقلا و الا فلا يقتل و تلزم العاقلة بالدية.

السادس: ان يكون المقتول محقون الدم فلا قصاص في القتل السائغ، كقتل سابّ النبي صلّي اللّه عليه و آله أو أحد الائمة عليهم السّلام أو قتل المهاجم دفاعا و ما شاكل ذلك.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان حق القصاص لا يثبت الا اذا كان القتل بنحو العمد
اشارة

فهو مما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من قتل مؤمنا متعمدا قيد منه الا ان يرضي اولياء المقتول ان يقبلوا الدية، فان رضوا بالدية و احبّ ذلك القاتل فالدية»(1) و غيرها.

و لا اشكال في ظهور الصحيحة في ثبوت حق القصاص في موارد القتل العمدي، و اما ظهورها في نفيه في غير ذلك فلو شكك فيه فبالامكان الاستعانة بالنصوص الدالة علي ثبوت الدية و نفي القصاص في موارد القتل خطأ و الشبيه بالعمد، كقوله تعالي: وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلي أَهْلِهِ (2) فانه باطلاقه يدل

ص: 310


1- وسائل الشيعة 37:19 الباب 19 من ابواب قصاص النفس الحديث 3.
2- النساء: 92.

علي ان الخطأ بكلا قسميه تثبت فيه الدية دون القصاص.

و الحكم متسالم عليه بيننا و ان نسب الي مالك القول بلزوم القود في الشبيه بالعمد. و علّق صاحب الجواهر علي ذلك بقوله: «لكن الاجماع و السنة بل و الكتاب علي خلافه ضرورة عدم صدق قتل المؤمن متعمدا عليه»(1).

متي يصدق القتل متعمدا؟

ثم انه لا اشكال عرفا في صدق القتل متعمدا فيما اذا قصد القاتل القتل بآلة يتحقق بها القتل غالبا. و اما اذا قصده بآلة لا يتحقق بها القتل الا نادرا او لم يقصده و لكن كانت الآلة يتحقق بها القتل غالبا فلا يبعد صدقه أيضا.

اما في الحالة الاولي فلفرض القصد الي القتل فيها و هو كاف عرفا لصدق القتل متعمدا. و قد يستدل عليه أيضا بصحيحة الحلبي:

«قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: العمد كل ما اعتمد شيئا(2) فأصابه بحديدة أو بحجر أو بعصا أو بوكزة(3) فهذا كله عمد، و الخطأ من اعتمد شيئا فأصاب غيره»(4) و غيرها، فان الوكزة و نحوها ليست من الوسائل القاتلة غالبا و بالرغم من ذلك عدت الاستعانة بها من مصاديق القتل العمدي، و ما ذاك الا لتحقق القصد الي القتل.

ص: 311


1- جواهر الكلام 4:43.
2- اي قصد شيئا.
3- الوكز: الضرب بجميع الكف.
4- وسائل الشيعة 24:19 الباب 11 من ابواب القصاص في النفس الحديث 3.

و اما في الحالة الثانية فلان الاستعانة بالآلة التي يعلم بترتب القتل عليها عادة لا تنفك عن قصده بالتبع. و تؤكد ذلك صحيحة ابي العباس الفضل بن عبد الملك عن عبد الملك عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا ضرب الرجل بالحديدة فذلك العمد. قال: سألته عن...»(1) ، فان مقتضي اطلاقها ان الضرب بالحديدة - الذي هو مما يترتب عليه القتل عادة - هو من مصاديق القتل العمدي و ان لم يقصد الضارب القتل.

و سند الرواية و ان كان ضعيفا بطريق الكليني و الشيخ الا انه صحيح بطريق الشيخ الصدوق، و هو كاف لاعتبار الرواية. و صدر الرواية «اذا ضرب الرجل بالحديدة فذلك العمد» و ان لم يكن مذكورا في طريق الكليني و الشيخ الا ان ذلك ليس بمهم بعد كونه مذكورا في الطريق الصحيح و هو طريق الشيخ الصدوق.

اقسام القتل

ثم ان القتل علي اقسام ثلاثة: القتل عمدا، و القتل الشبيه بالعمد، و القتل بنحو الخطأ المحض المعبر عنه في بعض الروايات بالقتل الذي لا شك فيه(2).

و الفارق بينها ان القاتل اذا كان قاصدا للقتل او كانت الآلة التي استعان بها قاتلة غالبا فالقتل عمدي.

و اذا كان قاصدا لفعل معين من دون قصد القتل و لا ترتب القتل

ص: 312


1- وسائل الشيعة 26:19 الباب 11 من ابواب القصاص في النفس الحديث 9.
2- لاحظ الباب 11 من ابواب القصاص في النفس من الوسائل الأحاديث 7، 9، 13، 17، 19.

عليه غالبا فالقتل شبيه بالعمد، كالضرب تأديبا بالعصا فيتفق القتل و كإجراء الطبيب عملية جراحية لا يترتب عليها الموت عادة فيتفق حصوله من دون قصده.

و اذا كان غير قاصد للفعل المعين فضلا عن فرض قصد القتل أو كون الآلة قاتلة غالبا فالقتل بنحو الخطأ المحض، كمن وجّه طلقة مسدسه الي حيوان فأصابت انسانا او كان يصلحه فانطلقت منه رصاصة فقتلت انسانا.

و حكم القتل العمدي القصاص الا مع التراضي علي الدية في حين ان حكم القتل في النحوين الاخيرين هو الدية، غايته في القتل الشبيه بالعمد يتحملها القاتل لكنها في القتل خطأ تتحملها عاقلة الجاني.

2 - و اما ان الحر يقتل بالحر و العبد بالعبد

فمما لا اشكال فيه، و هو القدر المتيقن من مورد تشريع القصاص و قد قال تعالي: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلي الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ (1).

و اما ان الحرّ لا يقتل بالعبد فلم يعرف فيه خلاف للروايات الكثيرة، كصحيحة ابي بصير عن أحدهما عليهما السّلام: «قلت له: قول اللّه عز و جل: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلي الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثي بِالْأُنْثي فقال: لا يقتل حر بعبد و لكن يضرب ضربا شديدا و يغرم ثمنه دية العبد»(2) و غيرها.

اجل ورد في بعض الروايات ما يدل علي الخلاف، كموثقة

ص: 313


1- البقرة: 178.
2- وسائل الشيعة 70:19 الباب 40 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.

اسماعيل بن ابي زياد(1) عن جعفر عن ابيه عن آبائه عليهم السّلام: «انه قتل حرا بعبد قتله عمدا»(2) ، و موثقة زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السّلام: «ليس بين الرجال و النساء قصاص الا في النفس و ليس بين الأحرار و المماليك قصاص الا في النفس...»(3) ، و موثقة السكوني الاخري عن جعفر عن ابيه عن علي عليه السّلام: «ليس بين العبيد و الاحرار قصاص فيما دون النفس»(4).

الا ان الروايات الثلاث المذكورة و ان كانت دلالة بعضها واضحة غير انها ساقطة عن الاعتبار اما لهجران الاصحاب لمضمونها او لمخالفتها للكتاب الكريم حيث يستفاد من الآية المتقدمة ان الحر لا يقتل بالعبد فلاحظ.

3 - و اما ان المدار علي قيمة العبد يوم قتله

فلانه اليوم الذي تشتغل فيه ذمة القاتل بالقيمة.

4 - و اما اعتبار التساوي في الدين

فلم يعرف فيه خلاف للنصوص المتعددة، كصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام: «لا يقاد مسلم بذمي في القتل و لا في الجراحات و لكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمي علي قدر دية الذمي ثمانمائة درهم»(5) و غيرها.

و مورد النصوص و ان كان هو الذمي الا انه يتعدي الي غيره -

ص: 314


1- و هو المعروف بالسكوني.
2- وسائل الشيعة 72:19 الباب 40 من ابواب القصاص في النفس الحديث 9.
3- وسائل الشيعة 139:19 الباب 22 من ابواب قصاص الطرف الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 139:19 الباب 22 من ابواب قصاص الطرف الحديث 3.
5- وسائل الشيعة 80:19 الباب 47 من ابواب القصاص في النفس الحديث 5.

كالحربي و المستأمن - بالاولوية القطعية التي هي واضحة بلحاظ المستأمن أيضا لان الذمي مستأمن و زيادة فاذا ثبت الحكم له ثبت لمن دونه بالاولوية القطعية.

5 - و اما لزوم التعزير

فلما تقدم في البحث عن الحدود من ثبوته علي ارتكاب اي محرم من المحرمات.

6 - و اما لزوم دفع الدية لو كان المقتول ذميا

فلصحيحة محمد بن قيس المتقدمة.

7 - و اما اعتبار ان لا يكون القاتل ابا للمقتول

فهو مما لا خلاف فيه لصحيحة حمران عن أحدهما عليهما السّلام: «لا يقاد والد بولده و يقتل الولد اذا قتل والده عمدا»(1) و غيرها.

و اما انه يعزر فلما تقدم من ثبوته علي ارتكاب اي محرم.

و اما لزوم دفع الدية فلقاعدة «ان دم المسلم لا يذهب هدرا» المستفادة من صحيحة عبد اللّه بن سنان و عبد اللّه بن بكير جميعا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قضي امير المؤمنين عليه السّلام في رجل وجد مقتولا لا يدري من قتله، قال: ان كان له اولياء يطلبون ديته اعطوا ديته من بيت مال المسلمين و لا يبطل دم امرئ مسلم لان ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته علي الامام...»(2) و غيرها.

علي ان صحيحة ظريف قد دلت في ذيلها علي ذلك حيث ورد فيها: «و يكون له الدية و لا يقاد»(3).

ص: 315


1- وسائل الشيعة 56:19 الباب 32 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 109:19 الباب 6 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 58:19 الباب 32 من ابواب القصاص في النفس الحديث 10.
8 - و اما اعتبار ان يكون القاتل بالغا عاقلا

فأمر لا خلاف فيه لحديث رفع القلم(1) المشتهر بين الاصحاب. اجل هو لا يدل علي لزوم تحمل العاقلة للدية، و لا بدّ من الاستناد في ذلك الي الروايات الخاصة، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «كان امير المؤمنين عليه السّلام يجعل جناية المعتوه علي عاقلته خطأ كان أو عمدا»(2) ، و موثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عن ابيه: «ان عليا عليه السّلام كان يقول: عمد الصبيان خطأ يحمل علي العاقلة»(3) و غيرهما.

9 - و اما اعتبار ان يكون المقتول محقون الدم

فواضح اذ بعد جواز القتل لا معني للاقتصاص من القاتل بل لا مجال أيضا لاحتمال ثبوت الدية.

3 - وسائل اثبات القتل عمدا

اشارة

يثبت القتل عمدا بوسائل ثلاث: الاقرار و لو مرة واحدة، و بالبينة بمعني شهادة رجلين عدلين، و بالقسامة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ثبوت القتل عمدا باقرار القاتل

فلإطلاق دليل حجية الاقرار المتمثل في السيرة العقلائية علي نفوذ اقرار كل عاقل عليه. و تؤكد ذلك صحيحة الفضيل: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: و من أقرّ علي نفسه عند الامام

ص: 316


1- وسائل الشيعة 30:1 الباب 4 من ابواب مقدمة العبادات.
2- وسائل الشيعة 307:19 الباب 11 من ابواب العاقلة الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 307:19 الباب 11 من ابواب العاقلة الحديث 3.

بحق حد من حدود اللّه في حقوق المسلمين فليس علي الامام ان يقيم عليه الحد الذي أقرّ به عنده حتي يحضر صاحب الحق او وليه فيطالبه بحقه، قال: فقال له بعض اصحابنا: يا ابا عبد اللّه فما هذه الحدود التي اذا اقرّ بها عند الامام مرة واحدة علي نفسه اقيم عليه الحد فيها؟ فقال:

اذا اقرّ علي نفسه عند الامام بسرقة قطعه، فهذا من حقوق اللّه، و اذا اقرّ علي نفسه انه شرب خمرا حدّه فهذا من حقوق اللّه، و اذا اقرّ علي نفسه بالزنا و هو غير محصن فهذا من حقوق اللّه. قال: و اما حقوق المسلمين فاذا اقرّ علي نفسه عند الامام بفرية لم يحدّه حتي يحضر صاحب الفرية او وليه. و اذا اقرّ بقتل رجل لم يقتله حتي يحضر اولياء المقتول فيطالبوا بدم صاحبهم»(1).

هذا و المنسوب الي جماعة - كالشيخ و ابن ادريس و غيرهما - اعتبار الاقرار مرتين. و علّق صاحب الجواهر علي ذلك بقوله: «و لا نعرف له وجها الا الاحتياط في الدماء الذي لا يعارض الادلة. مع انه معارض بمثله و عدم بطلان دم المسلم»(2).

و ما ذكره وجيه. و يمكن ان يضاف اليه بان ذلك لو تمّ فلازمه اعتبار الاقرار اربع مرات فان ذلك معتبر في الزنا، و القتل ليس بأدون منه.

2 - و اما ثبوت ذلك بالبينة

فلانصراف كلمة البينة في قوله صلّي اللّه عليه و آله:

«البينة علي من ادعي»(3) ، و قوله: «انما اقضي بينكم بالبينات

ص: 317


1- وسائل الشيعة 344:18 الباب 32 من ابواب مقدمات الحدود الحديث 1.
2- جواهر الكلام 204:42.
3- وسائل الشيعة 170:18 الباب 3 من ابواب الشهادات الحديث 1.

و الايمان»(1) الي شهادة رجلين عدلين. و علي تقدير التشكيك في الانصراف المذكور يمكن التمسك بالاطلاق المقامي، فان الوسيلة المعروفة للإثبات هي شهادة رجلين عدلين، و السكوت عن تحديد البينة لا بدّ ان يكون اعتمادا علي ذلك.

3 - و اما القسامة
اشارة

(2) فالاتكال عليها كوسيلة للإثبات مخالف للقاعدة الاولية، اذ مقتضي قاعدة «البينة علي من ادعي و اليمين علي من ادعي عليه» ان كل من ادعي شيئا فلا تثبت دعواه الا اذا اقام البينة عليها، و لكن شذّ من ذلك مورد الدم فان ولي المقتول اذا ادعي ان القاتل فلان فان كانت له بينة علي ذلك حكم بصدق دعواه و ان لم تكن له بينة فالمناسب للقاعدة المتقدمة وصول النوبة الي يمين المدعي عليه، و لكن لأجل النصوص الخاصة انعكست القاعدة في ذلك فالمدعي عليه لا يمكنه دفع الدعوي عن نفسه باليمين بل ينحصر دفعها بالبينة التي تشهد بنفي نسبة القتل اليه، و اذا لم تكن له بينة فبامكان المدعي اثبات دعواه من خلال حلف خمسين رجلا من أقاربه أو غيرهم علي صدق دعواه. و قد دلت علي ذلك عدة نصوص، كصحيحة بريد بن معاوية عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن القسامة فقال: الحقوق كلها البينة علي

ص: 318


1- وسائل الشيعة 169:18 الباب 2 من ابواب الشهادات الحديث 1.
2- القسامة - بفتح القاف - هي الايمان التي يؤديها جماعة او هي الجماعة التي تؤدي الايمان. و يحتمل صدقها عليهما معا. و قد قيل بان القسامة كانت جاهلية و قد اقرها الإسلام. و يظهر من بعض الاخبار انها سنّة شرّعها الرسول صلّي اللّه عليه و آله، فلاحظ رواية ابي بصير: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن القسامة اين كان بدوها؟ فقال: كانت من قبل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لما كان بعد فتح خيبر تخلّف رجل من الانصار...» وسائل الشيعة 118:19 الباب 10 من ابواب دعوي القتل الحديث 5. بناء علي قراءة «قبل» بكسر الاول و فتح الثاني.

المدعي و اليمين علي المدعي عليه الا في الدم خاصة فان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بينما هو بخيبر اذ فقدت الانصار رجلا منهم فوجدوه قتيلا فقالت الانصار: ان فلان اليهودي قتل صاحبنا فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله للطالبين: اقيموا رجلين عدلين من غيركم اقده برمته(1) ، فان لم تجدوا شاهدين فاقيموا قسامة خمسين رجلا أقده برمته فقالوا يا رسول اللّه:

ما عندنا شاهدان من غيرنا و انا لنكره ان نقسم علي ما لم نره فوداه رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و قال: انما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي اذا رأي الفاجر الفاسق فرصة من عدوه حجزه مخافة القسامة...»(2). و موثقة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان اللّه حكم في دمائكم بغير ما حكم به في أموالكم، حكم في اموالكم ان البينة علي المدعي و اليمين علي المدعي عليه، و حكم في دمائكم ان البينة علي المدعي عليه و اليمين علي من ادعي لئلا يبطل دم امرئ مسلم»(3) و غيرهما.

ثم انه توجد عدة اسئلة ترتبط بالمقام نذكر من بينها:
الاول: هل يشترط في قبول القسامة اللوث ؟

*الاول: هل يشترط في قبول القسامة اللوث(4) ؟

مقتضي اطلاق

ص: 319


1- اقدت القاتل بالمقتول: قتلته قصاصا. و الرمة - بضم الراء - قطعة حبل يشدّ بها القاتل عند اخذه الي محل القصاص لئلا يهرب. هذا في الاصل، و لكنه قد تستعمل - لمناسبة أو بدونها - بمعني جميع، يقال أخذت الشيء برمته، اي أخذته كله و جميعه. و المراد في الرواية ذلك.
2- وسائل الشيعة 114:19 الباب 9 من أبواب دعوي القتل الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 115:19 الباب 9 من ابواب دعوي القتل الحديث 4.
4- اللوث: كل امارة توجب الظن بصدق المدعي، كما اذا وجد عند المقتول شخص قد شهر السلاح الملوث بالدم او اخبر صبي باني رأيت فلانا يزاول عملية القتل و ما شاكل ذلك من الامارات الموجبة للظن.

النصوص عدم اعتبار ذلك الا انه لا بدّ من رفع اليد عنه لتسالم الاصحاب علي اعتبار ذلك، فانه علي ما قيل لم يعرف الخلاف الا من المحقق الأردبيلي القائل: «كأن لهم علي ذلك اجماعا او نصا ما اطلعت عليه»(1).

و قد يستدل - مضافا الي التسالم - بجملة «انما جعلت القسامة احتياطا لدماء الناس» الواردة في بعض روايات المسألة(2) بتقريب ان الاحتياط للدماء لا يتم الا مع فرض اللوث، و بدونه يلزم هدرها، فان الفاسق قد ينسب القتل الي بعض و يقيم عليه القسامة فيقتص من المدعي عليه و يذهب بذلك دمه هدرا.

الثاني: هل يجوز ان يكون المدعي احد الخمسين او يلزم ان يكون

خارجا عنهم؟

يجوز ان يكون احدهم كما هو مقتضي ظاهر صحيحة بريد المتقدمة فلاحظ.

الثالث: هل يلزم في الايمان الخمسين ان تكون من خمسين رجلا

او يجوز تكرارها من الرجل الواحد اذا كان العدد أقلّ من ذلك؟

مقتضي صحيحة بريد المتقدمة هو الاول، الا ان المنسوب الي المشهور هو الثاني بل ادعي تسالم الاصحاب عليه. و يدعم ذلك ان النصوص قد دلت علي ان العلة في تشريع القسامة هي الاحتياط للدماء فاذا كان يعتبر ان يكون عدد الحالفين خمسين رجلا يلزم عدم امكان تحقق الاحتياط لندرة تحصيل خمسين رجلا.

ص: 320


1- جواهر الكلام 230:42.
2- فلاحظ صحيحة عبد اللّه بن سنان الواردة في وسائل الشيعة 116:18 الباب 9 من ابواب دعوي القتل الحديث 9.

و لك ان تقول بصيغة اخري: ان لازم اعتبار خمسين رجلا لغوية تشريع القسامة لندرة حصول ذلك.

ثم ان المدعي اذا كان وحده و لم يكن له قوم او امتنعوا عن ذلك فهل يجوز له تكرار اليمين خمسين مرة؟ نقل صاحب الجواهر الجواز عن غير واحد من الاصحاب بل نقل عن صاحب الرياض نفي الخلاف في ذلك(1).

الرابع: ان العدد اذا كان أقلّ من خمسين و قلنا بجواز تكرار اليمين

من الرجل الواحد فهل يلزم تقسيمها علي العدد بالسوية او لا؟

قد يقال بعدم لزوم ذلك لان اليمين بمقدار خمسين متحققة علي كلا التقديرين.

و الانسب ان يقال بلزوم التقسيم بالسوية لان مقتضي النصوص اعتبار خمسين رجلا، و انما خرجنا عنها للتسالم و محذور اللغوية، و من الواضح ان ذلك لا يقتضي جواز التكرار كيفما اتفق بل يلزم اعتبار التساوي لأنه في غير ذلك لا دليل علي نفوذ القسامة فينبغي الاقتصار علي القدر المتيقن.

4 - من احكام قصاص النفس

اشارة

اذا قتل الرجل المرأة عمدا اقتص منه بعد ردّ نصف ديته الي اوليائه.

و اذا اكره شخص غيره علي قتل ثالث و توعده علي المخالفة فلا يجوز له قتله سواء كان ما توعد به ما دون القتل او هو.

ص: 321


1- جواهر الكلام 246:42.

و الحكم في القتل العمدي هو القصاص دون التخيير بينه و بين المطالبة بالدية الا اذا فرض تراضي الطرفين علي ذلك.

و المشهور ان جواز المبادرة الي القصاص مشروط بالاستئذان من ولي المسلمين.

و في تحديد من له حق القصاص خلاف.

و مع تعدد الاولياء فلا يبعد القول بجواز اقتصاص كل واحد منهم مستقلا و من دون اذن البقية.

و اذا اقتص بعض الاولياء مع رضا البقية فلا اشكال و الا ضمن المقتص حصتهم من الدية ان طالبوا بها، و يضمنها لورثة الجاني علي تقدير العفو عن القصاص و الدية.

و المشهور لزوم كون الاقتصاص بالسيف دون غيره.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان الرجل لو قتل المرأة متعمدا اقتص منه بعد ردّ نصف

ديته الي اوليائه

فلم يعرف فيه خلاف لما يأتي في باب الديات - ان شاء اللّه تعالي - من ان دية المرأة نصف دية الرجل فاذا جاز الاقتصاص منه لزم ردّ نصف الدية الي اوليائه، كما دلت علي ذلك صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «الرجل يقتل المرأة متعمدا فاراد اهل المرأة ان يقتلوه، قال: ذاك لهم اذا ادّوا الي اهله نصف الدية. و ان قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل...»(1) و غيرها.

هذا و في مقابل ذلك رواية السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان امير

ص: 322


1- وسائل الشيعة 59:19 الباب 33 من ابواب القصاص في النفس الحديث 3.

المؤمنين عليه السّلام قتل رجلا بامرأة قتلها عمدا...»(1) ، و موثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عليه السّلام: «ان رجلا قتل امرأة فلم يجعل علي عليه السّلام بينهما قصاصا و الزمه الدية»(2).

و يمكن الجواب:

اما عن الرواية الاولي فانها - لو تمت سندا و لم يناقش من ناحية النوفلي الذي لم يرد في حقه توثيق - مطلقة قابلة للتقييد بصحيحة الحلبي و غيرها الدالة علي لزوم دفع نصف الدية.

و اما عن الرواية الثانية فانها لو امكن حملها علي كون المراد عدم جعل القصاص مجردا عن ردّ نصف الدية فلا مشكلة و الا فهي ساقطة عن الاعتبار لهجران الاصحاب لمضمونها.

2 - و اما ان من اكره علي قتل ثالث فلا يجوز له قتله ان كان ما

توعد به دون القتل

فالامر فيه واضح اذ يحرم قتل المؤمن ظلما و من دون حق، و لا ترتفع الحرمة بالاكراه علي ما دون القتل.

و بكلمة اخري: المورد داخل تحت باب التزاحم فيلزم تقديم الاهم جزما او احتمالا، و هو حرمة قتل المؤمن.

و اذا قيل: لم لا ترتفع الحرمة بحديث رفع التسعة(3) ؟

قلنا: حيث ان الحديث مسوق مساق الامتنان علي النوع فيلزم عدم شموله للموارد التي يلزم فيها خلاف ذلك كما هو المفروض في المقام لو قيل بالشمول.

ص: 323


1- وسائل الشيعة 61:19 الباب 33 من ابواب القصاص في النفس الحديث 14.
2- وسائل الشيعة 62:19 الباب 33 من ابواب القصاص في النفس الحديث 16.
3- وسائل الشيعة 295:11 الباب 56 من ابواب جهاد النفس الحديث 1.
3 - و اما انه لا يجوز القتل حتي اذا كان المتوعد به هو القتل أيضا

فلما دلّ علي انه لا تقية في الدماء، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغت الدم فليس تقية»(1) و غيرها.

و لو لا ذلك لكان المناسب جواز القتل لان المورد داخل تحت باب التزاحم، اذ الامر يدور بين واجب - حفظ النفس - و حرام - قتل النفس المحترمة - و حيث لا ترجيح فلا بدّ من الحكم بالتخيير.

و اذا قيل: ان المقام أشبه بقتل شخص لأكله في المخمصة الذي لا يعدّ به كونه مضطرا بل هو قاتل ظلما و عدوانا فيلزم الاقتصاص منه.

قلنا: انه مع فرض دخول المورد تحت باب التزاحم و الحكم بالتخيير لا يصدق كون القتل ظلما و عدوانا فيجوز القتل، غايته يلزم دفع الدية لقاعدة «ان دم المسلم لا يذهب هدرا» التي تقدمت الاشارة الي مستندها فيما سبق.

و بالجملة: ان القاعدة تقتضي جواز القتل لو لا قاعدة لا تقية في الدماء بناء علي شمولها لموارد الاكراه كما يظهر من الشيخ الاعظم في المكاسب(2).

4 - و اما ان الحكم في القتل العمدي هو القصاص

فهو المشهور.

و يدل عليه ظاهر الكتاب الكريم: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلي الْحُرُّ بِالْحُرِّ... (3) و غيره، و النصوص الخاصة، كصحيحة عبد اللّه بن سنان:

ص: 324


1- وسائل الشيعة 483:11 الباب 31 من ابواب الامر و النهي الحديث 1.
2- المكاسب 399:1، منشورات دار الحكمة.
3- البقرة: 178.

«سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: من قتل مؤمنا متعمدا قيد منه الا ان يرضي اولياء المقتول ان يقبلوا الدية، فان رضوا بالدية و احب ذلك القاتل فالدية»(1).

هذا و لكن المنسوب الي الاسكافي و العماني الحكم بتخيير اولياء المقتول بين القصاص و المطالبة بالدية(2). و يمكن الاستدلال علي ذلك بصحيحة عبد اللّه بن سنان و ابن بكير جميعا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا هل له توبة؟ فقال: ان كان قتله لإيمانه فلا توبة له، و ان كان قتله لغضب او لسبب من امر الدنيا فان توبته ان يقاد منه، و ان لم يكن علم به انطلق الي اولياء المقتول فاقرّ عندهم بقتل صاحبهم فان عفوا عنه فلم يقتلوه اعطاهم الدية و اعتق نسمة و صام شهرين متتابعين و اطعم ستين مسكينا توبة الي اللّه عز و جل»(3).

و قد يدعم ذلك ان ولي الدم اذا رضي بالدية و تمكن القاتل من دفعها لزمه ذلك من باب وجوب الحفاظ علي النفس من الهلاك.

و المناسب ما ذهب اليه المشهور اذ الصحيحة معارضة بالصحيحة السابقة تعارضا مستقرا و يلزم تقديم السابقة لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم الدال علي ان ولي المقتول له الولاية علي القصاص فقط.

و اما ما ذكر ثانيا فهو لا يدل علي تخير ولي المقتول بل يدل علي انه لو رضي بالدية لزم القاتل قبول ذلك حفاظا علي نفسه.1.

ص: 325


1- وسائل الشيعة 37:19 الباب 19 من ابواب قصاص النفس الحديث 3.
2- جواهر الكلام 278:42.
3- وسائل الشيعة 19:19 الباب 9 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.
5 - و اما انه مع تراضي الطرفين علي الدية يسقط القصاص

فباعتبار ان الحق لا يعدو الطرفين فاذا تراضيا علي الدية بمقدارها الشرعي او غيره جاز لهما ذلك. علي ان صحيحة عبد اللّه بن سنان السابقة واضحة في ذلك.

6 - و اما ان جواز المبادرة الي القصاص مشروط بالاستئذان من

ولي المسلمين

فقد ادعي عدم الخلاف فيه. و الاستناد اليه وجيه لو فرض تحقق تسالم بين الكل بنحو يكون كاشفا عن وصول الحكم من الامام عليه السّلام يدا بيد و الا فالمناسب التمسك باطلاق ادلة جواز القصاص.

7 - و اما من له حق القصاص فقيل هو كل من يرث المال عدا

الزوج و الزوجة.

اما انه هو كل من يرث المال فلعموم ادلة الارث من آية اولي الارحام(1) و غيرها. و اطلاق قوله تعالي: فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً (2) بناء علي كون المقصود من الولي مطلق الوارث لا حصة خاصة منه.

و اما استثناء الزوج و الزوجة فللتسالم علي ذلك. و يمكن استفادته من موثقة البقباق عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «هل للنساء قود او عفو؟ قال: لا، و ذلك للعصبة»(3).

و قيل: ان من له حق القصاص هو كل وارث للمال غير النساء و الزوج و الزوجة و من يتقرب بالام.

و الوجه في ذلك هو الموثقة المتقدمة فانها حصرت حق القصاص

ص: 326


1- الانفال: 75.
2- الاسراء: 33.
3- وسائل الشيعة 432:17 الباب 8 من ابواب موجبات الارث الحديث 6.

بالعصبة، و هم بنوه و قرابته لأبيه(1).

و قد تناقش الموثقة بمناقشتين:

الاولي: ان الشيخ قال بعد ذكره للموثقة: «قال: علي بن الحسن: هذا خلاف ما عليه اصحابنا»(2). و علّق في الوسائل بعد نقل ما ذكر عن الشيخ بما نصه: «اقول: هذا محمول علي التقية»(3).

و عليه فالموثقة لا يمكن العمل بها اما لكونها محمولة علي التقية او لكونها علي خلاف ما عليه اصحابنا.

و الجواب:

اما عن الاول فان الحمل علي التقية فرع تعارض الروايتين، و المفروض عدم وجود المعارض.

و اما عن الثاني فان نقل الشيخ عن ابن فضال مرسل لا يمكن الاعتماد عليه. علي ان عبارته قد لا يظهر منها الا ان مضمون الموثقة مخالف لما عليه مشهور الاصحاب، و معه يدخل المورد تحت كبري سقوط الرواية عن الحجية باعراض المشهور عنها، و لربما يبني علي عدم تماميتها فلا تعود لدينا مشكلة بناء علي ذلك.

الثانية: ان شيخ الطائفة روي الموثقة عن علي بن الحسن بن فضال، و طريقه اليه في المشيخة و الفهرست(4) يمرّ بعلي بن محمد بن1.

ص: 327


1- في الصحاح: عصبة الرجل: بنوه و قرابته لأبيه. و انما سموا عصبة لأنهم عصبوا، اي أحاطوا به، فالاب طرف، و الابن طرف، و العم جانب، و الاخ جانب.
2- التهذيب 397:9.
3- وسائل الشيعة 433:17.
4- راجع المشيخة: 55 نهاية الجزء العاشر من تهذيب الاحكام، الفهرست: 92 الرقم 381.

الزبير، و هو لم يوثق بناء علي عدم كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة.

و قد يجاب عن ذلك بان المخبر بكتب ابن فضال للشيخ و النجاشي واحد، و هو احمد بن عبدون، فالكتب التي كانت عند الشيخ هي بعينها الكتب التي كانت عند النجاشي، و بما ان للنجاشي الي تلك الكتب طريقا آخر معتبرا(1) فلا محالة تكون رواية الشيخ أيضا معتبرة.

8 - و اما جواز الاقتصاص لكل واحد من الاولياء بلا حاجة الي

كسب الاذن من البقية

فهو رأي معروف. و يدل عليه ظاهر الآية الكريمة:

وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً (2) ، فان الحكم ما دام مجعولا لطبيعي الولي فيلزم انحلاله بعدد افراده كما في سائر الموارد التي ينحل فيها الحكم بانحلال موضوعه.

و احتمال كون الحق قائما بالمجموع او بالجامع بنحو صرف الوجود بعيد بل ظاهر الآية تعلقه بالجامع بنحو الانحلال.

9 - و اما انه علي تقدير اقتصاص بعض الاولياء من دون اذن

البقية

فعليه دفع مقدار حصته من الدية ان طالب بذلك، و يدفع ذلك الي ورثة الجاني علي تقدير العفو عن القصاص و الدية فهو المشهور بين الاصحاب. و تدل عليه صحيحة ابي ولاد الحناط: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قتل و له أمّ و اب و ابن، فقال الابن: انا اريد ان اقتل قاتل ابي، و قال الاب: انا اريد ان اعفو، و قالت الام: انا اريد ان آخذ الدية فقال:

فليعط الابن أم المقتول السدس من الدية، و يعطي ورثة القاتل السدس

ص: 328


1- رجال النجاشي: 183، منشورات مكتبة الداوري.
2- الاسراء: 33.

من الدية حق الاب الذي عفا و ليقتله»(1).

10 - و اما لزوم كون الاقتصاص بالسيف

فتدل عليه صحيحة الحلبي و ابي الصباح الكناني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قالا: «سألناه عن رجل ضرب رجلا بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتي مات أ يدفع الي ولي المقتول فيقتله؟ قال: نعم و لكن لا يترك يعبث به و لكن يجيز عليه بالسيف»(2).

الا انه قد يقال بان ذكر السيف هو من باب كونه آلة القتل المتداولة تلك الفترة، و معه فلا تدل علي الحصر و الاختصاص.

5 - قصاص ما دون النفس

اشارة

يجوز القصاص في الاطراف اذا جني عليها عمدا متي ما تمت الشروط السابقة في قصاص النفس.

و لا يشترط التساوي في الذكورة و الانوثة، فلو جنت المرأة علي الرجل اقتص منها. اجل لو جني هو عليها اقتصت منه بعد ردّ التفاوت اليه اذا بلغت دية الجناية الثلث و الا فلا ردّ، فلو قطع الرجل اصبع امرأة جاز لها قطع اصبعه بدون ردّ شيء اليه و لكن لو قطع يدها جاز لها قطع يده بعد ردّ نصف دية يده اليه.

و يجوز القصاص أيضا في الجروح فيما اذا امكن ضبطها، بان كان يمكن القصاص، بمقدار الجرح و الا تعينت الدية.

ص: 329


1- وسائل الشيعة 83:19 الباب 52 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 95:19 الباب 62 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.

و المستند في ذلك:

1 - اما جواز القصاص في الاطراف اذا جني عليها عمدا

فهو من ضروريات الإسلام. و يدل عليه قوله تعالي: وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ (1) ، و العمومات المذكورة عند البحث عن قصاص النفس. و الروايات في ذلك كثيرة. و ستأتي الاشارة الي بعضها ان شاء اللّه تعالي.

2 - و اما اعتبار شروط قصاص النفس في المقام أيضا

فهو مما تسالم عليه الاصحاب. و تدل علي ذلك الادلة المتقدمة لشروط القصاص في النفس فانها عامة. و اذا كان في بعضها قصور عن اثبات التعميم فالتسالم القطعي كاف لإثبات ذلك.

3 - و اما ان جواز القصاص ليس مشروطا بالتساوي في الذكورة

و الانوثة

فيدل عليه اطلاق الآية المتقدمة، مضافا الي قضاء الروايات الخاصة - التي ستأتي الاشارة الي بعضها - بذلك.

هذا و في المقابل دلت موثقة زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السّلام:

«ليس بين الرجال و النساء قصاص الا في النفس...»(2) علي ان المرأة لا تقتص من الرجل.

و يردها:

اولا: ان مضمونها مهجور بين الاصحاب فتكون ساقطة عن الاعتبار.

ص: 330


1- المائدة: 45.
2- وسائل الشيعة 139:19 الباب 22 من ابواب قصاص الطرف الحديث 2.

و ثانيا: انها معارضة للروايات الآتية الدالة علي ان للمرأة حق القصاص من الرجل، و حيث ان المعارضة مستقرة فتقدم الروايات الدالة علي جواز القصاص لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم.

4 - و اما ان المرأة يجوز لها الاقتصاص من الرجل لو جني عليها

بشرط ردّ التفاوت فيما اذا بلغت دية الجناية الثلث

فهو يتضمن مطلبين:

احدهما: ان المرأة تساوي الرجل في دية الاعضاء ما دام لم يحصل تجاوز عن الثلث.

ثانيهما: ان المرأة يجوز لها القصاص من الرجل بشرط رد التفاوت ان حصل تجاوز عن الثلث و الا جاز لها القصاص من دون ردّ.

اما بالنسبة الي المطلب الاول فيأتي ما يدل عليه في باب الديات ان شاء اللّه تعالي.

و اما بالنسبة الي المطلب الثاني فتدل عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «رجل فقأ عين امرأة فقال: ان شاءوا ان يفقئوا عينه و يؤدوا اليه ربع الدية، و ان شاءت ان تأخذ ربع الدية. و قال في امرأة فقأت عين رجل: انه إن شاء فقأ عينها و الا اخذ دية عينه»(1).

5 - و اما جواز القصاص في الجروح

فيدل عليه قوله تعالي:

وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ (2) ، و اطلاق قوله: وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ (3) و نحوه.

ص: 331


1- وسائل الشيعة 124:19 الباب 2 من ابواب قصاص الطرف الحديث 1.
2- المائدة: 45.
3- النحل: 126.

و اما اعتبار امكان ضبط الجرح فواضح لعدم جواز القصاص من دون مماثلة: فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدي عَلَيْكُمْ (1) ، بل مع عدم المماثلة لا يصدق عنوان القصاص.4.

ص: 332


1- البقرة: 194.

كتاب الدّيات

اشارة

1 - الدية و أقسامها

2 - مقادير الديات

3 - من أحكام القتل و الديات

ص: 333

ص: 334

1 - الدية و اقسامها

اشارة

الدية - بكسر الدال و تخفيف الياء - غرامة مالية شرعت كجزاء علي ارتكاب الجناية.

و هي مشروعة بالكتاب و السنة القطعية.

و تنقسم الي المقدّرة شرعا و غيرها.

و هي ثابتة في موارد خاصة.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان تحديد الدية ما تقدم

فهو من واضحات اللغة و الفقه.

و اما انها مشروعة فهو من ضروريات الإسلام. و يدل عليه قوله تعالي: وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلي أَهْلِهِ (1) ، و الروايات الكثيرة التي تأتي الاشارة الي بعضها.

2 - و اما انقسامها الي المقدّرة شرعا و غيرها

فباعتبار ان الجناية

ص: 335


1- النساء: 92.

تارة يكون لها تقدير شرعي و اخري لا يكون لها ذلك. و يصطلح علي الاول بالدية، و علي الثاني بالارش او الحكومة.

و يتم تعيين الارش وفق طريقة يأتي بيانها فيما بعد ان شاء اللّه تعالي.

و الدية بكلا قسميها تؤخذ من الجاني ان كانت الجناية عمدية أو شبه ذلك و من العاقلة ان لم تكن كذلك.

3 - و اما موارد ثبوتها

فهي:

أ - الخطأ المحض و الشبيه بالعمد. و ثبوت الدية فيهما دون القود امر متسالم عليه بيننا. و يدل عليه قوله تعالي: وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلي أَهْلِهِ (1) ، فانه باطلاقه يشمل الخطأ بكلا قسميه. و يمكن استفادة ذلك من الروايات أيضا - و لكن الطابع العام عليها ضعف السند - كرواية الفضل بن عبد الملك عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الخطأ الذي فيه الدية و الكفارة، هو الرجل يضرب الرجل و لا يتعمد؟ قال: نعم...»(2) و غيرها.

هذا و قد تقدمت في بداية البحث عن القصاص الاشارة الي خلاف مالك فلاحظ.

ب - الموارد التي لا يثبت فيها القصاص بالرغم من كون القتل عمدا، كقتل الاب ولده او المسلم الذمي. و قد تقدمت الاشارة الي وجه ثبوت الدية في مثل ذلك في بداية البحث عن القصاص.

ج - الموارد التي لا يمكن فيها القصاص، كبعض الجروح التي لا

ص: 336


1- النساء: 92.
2- وسائل الشيعة 28:19 الباب 11 من ابواب القصاص في النفس الحديث 19.

يمكن ضبطها. و قد تقدمت الاشارة الي ذلك في نهاية البحث عن القصاص.

د - موارد القصاص فيما اذا تراضي الطرفان علي الدية. و قد تقدمت الاشارة الي ذلك في مبحث القصاص تحت عنوان «من أحكام قصاص النفس».

2 - مقادير الديات

اشارة

الديات المقدرة شرعا هي علي انحاء مختلفة نشير الي بعضها(1):

دية القتل عمدا.
اشارة

دية قتل المسلم عمدا - اذا تمّ التراضي عليها - احد امور ستة:

مائة من الابل الفحولة المسنّة(2).

او مائتا بقرة.

او الف دينار ذهب(3).

او عشرة آلاف درهم فضة(4).

ص: 337


1- حيث ان الديات المقدّرة شرعا كثيرة جدا، و استيعابها يوجب التطويل و يورث الملل اقتصرنا علي البعض المهم منها.
2- المسنّة من الابل - علي ما قيل - هي ما دخلت في السنة السادسة.
3- المقصود الدينار الشرعي الذي مقداره مثقال ذهب بوزن 18 حمصة. و قيل بان الدينار الشرعي يعادل اربعة غرامات من الذهب و ربع الغرام تقريبا، فالدية علي هذا اربعة كيلوات من الذهب و ربع الكيلو تقريبا.
4- المقصود الدرهم الشرعي الذي هو من الفضة و يعادل 12/6 حمصة. و قيل بان الدرهم الشرعي يعادل ثلاثة غرامات الا ربع عشر الغرام تقريبا، فالدية علي هذا ثلاثون كيلوغراما الا ربع الكيلو من الفضة تقريبا.

او الف شاة.

او مائتا حلّة(1). و كل حلة ثوبان: ازار و رداء.

و استيفاؤها يكون ضمن فترة سنة.

و يجوز الاستيفاء بالاوراق النقدية المتداولة في زماننا مع تعذر الستة أو تراضي الطرفين علي ذلك.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان دية القتل عمدا ما تقدم

فمما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج: «سمعت ابن ابي ليلي يقول: كانت الدية في الجاهلية مائة من الابل فأقرها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، ثم انه فرض علي اهل البقر مائتي بقرة، و فرض علي اهل الشاة ألف شاة ثنية(2) ، و علي اهل الذهب الف دينار، و علي اهل الورق عشرة آلاف درهم، و علي اهل اليمن الحلل مائتي حلة. قال عبد الرحمن بن الحجاج: فسألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عما روي ابن ابي ليلي فقال: كان علي عليه السّلام يقول: الدية الف دينار - و قيمة الدينار عشرة دراهم - و عشرة آلاف لأهل الامصار، و علي اهل البوادي مائة من الابل و لأهل السواد مائتا(3) بقرة او الف

ص: 338


1- الحلّة - بضم الاول، و الجمع حلل و حلال - مطلق الثوب او خصوص الثوب الساتر لجميع البدن. و الفقهاء فسروها بالثوبين، بل قد يقال: ان ذلك هو معناها لغة، ففي المصباح المنير: «الحلة بالضم لا يكون الا ثوبين من جنس واحد»، و نحو ذلك ذكر في غير المصباح.
2- الثنية من الغنم: ما دخل في السنة الثالثة.
3- الوارد في الطبع القديم من وسائل الشيعة: مائة بقرة. و هو اشتباه، فان الموجود في المصادر الاصلية للصحيحة و هي الكتب الاربعة: مائتا - مائتي - بقرة.

شاة»(1) و غيرها.

و موضع الاستشهاد نقل ابن الحجاج عن الامام عليه السّلام و الا فما نقله - في صدر الصحيحة - عن ابن ابي ليلي ليس حجة كما هو واضح.

و منه يتضح ان مستند عدّ مائتي حلّة من جملة افراد الدية ينحصر بالتسالم الفقهي علي ذلك و الا فكلام ابن ابي ليلي - الذي ذكر فيه ذلك - ليس حجة.

ثم ان المذكور في الصحيحة: ان علي اهل السواد مائتي بقرة و علي... و هذا لا ينبغي أن يفهم منه التعيين بل هو وارد مورد الارفاق و التسهيل كما هو واضح.

و ينبغي الالتفات الي ان المعروف بين الفقهاء بل ادعي عدم الخلاف فيه ان التخيير بين الافراد الستة ثابت للجاني دون اولياء المجني عليه. و هو ان لم يستفد من الصحيحة المتقدمة فيكفي لإثباته كونه مقتضي الاصل.

و ينبغي الالتفات أيضا الي ان المسألة تشتمل علي روايات اخري قد تدل علي مضامين اخري تغاير مضمون الصحيحة المتقدمة من بعض الجهات، و لكن لأجل عدم القائل بها و هجران الاصحاب لها تكون ساقطة عن الحجية.

2 - و اما انه يعتبر في الابل ان تكون فحولة مسنّة

فهو رأي معروف. و تدل عليه صحيحة معاوية بن وهب: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن دية العمد فقال: مائة من فحولة الابل المسان...»(2) و غيرها.

ص: 339


1- وسائل الشيعة 141:19 الباب 1 من ابواب ديات النفس الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 146:19 الباب 2 من ابواب ديات النفس الحديث 2.
3 - و اما ان استيفاء دية العمد يكون ضمن فترة سنة

فمما لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة ابي ولاد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «كان علي عليه السّلام يقول: تستأدي دية الخطأ في ثلاث سنين، و تستأدي دية العمد في سنة»(1).

4 - و اما جواز الاستيفاء بالاوراق النقدية مع التعذر او التراضي

فواضح لأنه مع التعذر حيث لا يحتمل سقوط الدية رأسا فيتعين الرجوع الي البدل الاقرب و هو الاوراق النقدية.

و اما انه مع التراضي يجوز ذلك فاوضح لان الحق لا يعدو الطرفين.

ثم انه لو فرض وجود بعض الافراد الستة فهل يحق للجاني الزام اولياء المجني عليه بقبول الاوراق النقدية؟ المناسب هو العدم لان ظاهر الصحيحة الالزام بالاعيان نفسها فمع التمكن منها لا وجه للإلزام بالبدل.

دية الشبيه بالعمد
اشارة

دية القتل الشبيه بالعمد هي احد الامور الستة المتقدمة غير انه يعتبر في الابل ان تكون اربعون منها خلفة من بين ثنية الي بازل عامها، و ثلاثون حقة و ثلاثون بنت لبون(2).

ص: 340


1- وسائل الشيعة 150:19 الباب 4 من ابواب ديات النفس الحديث 1.
2- الخلفة - بفتح الحاء و كسر اللام - هي الحامل من النوق. و الثنية من الابل: ما دخل في السنة السادسة. و البازل من الابل هو ما دخل في التاسعة. يقال: هو بازل، اي طلع نابه. و اذا دخل في العاشرة قيل هو بازل عام. و علي هذا يكون المقصود انه تجب اربعون من الابل الحامل التي عمرها بين ست الي عشر سنوات. و الحقة هي الناقة الداخلة في الرابعة. سميت بذلك لأنها استحقت ان يحمل عليها. و بنت اللبون هي الناقة الداخلة في الثالثة. سميت بذلك لان امها قد وضعت و صار لها لبن.

و تستوفي من الجاني خلال سنوات ثلاث.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان دية القتل الشبيه بالعمد هي احد الافراد الستة أيضا

فباعتبار اطلاق صحيحة عبد الرحمن المتقدمة.

2 - و اما انه يعتبر في الابل ما ذكر من الاوصاف

فهو رأي معروف. و تدل عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال امير المؤمنين عليه السّلام في الخطأ شبه العمد ان يقتل بالسوط او بالعصا او بالحجر ان دية ذلك تغلظ و هي مائة من الابل: منها اربعون خلفة من بين ثنية الي بازل عامها، و ثلاثون حقة، و ثلاثون بنت لبون»(1).

و هي اذا كانت ضعيفة السند ببعض طرقها ففي بعضها الآخر كفاية فلاحظ.

3 - و اما انها تستوفي من الجاني دون العاقلة

فهو المشهور بين الاصحاب. و يدل عليه اطلاق الآية الكريمة: وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلي أَهْلِهِ (2) ، فانها ظاهرة في ان

ص: 341


1- وسائل الشيعة 146:19 الباب 2 من ابواب ديات النفس الحديث 1.
2- و البازل من الابل هو ما دخل في التاسعة. يقال: هو بازل، اي طلع نابه. و اذا دخل في العاشرة قيل هو بازل عام. و علي هذا يكون المقصود انه تجب اربعون من الابل الحامل التي عمرها بين ست الي عشر سنوات. و الحقة هي الناقة الداخلة في الرابعة. سميت بذلك لأنها استحقت ان يحمل عليها. و بنت اللبون هي الناقة الداخلة في الثالثة. سميت بذلك لان امها قد وضعت و صار لها لبن.

الدية ثابتة علي الجاني، و باطلاقها تشمل كلا قسمي الخطأ، غايته خرج الخطأ المحض - الذي تجب فيه الدية علي العاقلة - بالدليل الخاص.

4 - و اما انها تستوفي في سنين ثلاث

فلصحيحة ابي ولاد المتقدمة.

هذا و لكن المشهور انها تستوفي في سنتين لا ثلاث، الا انه لا دليل علي ذلك سوي الاجماع المدعي من بعض. و عليه فالمناسب العمل بالصحيحة بناء علي ان اعراض المشهور عن رواية لا يوجب سقوطها عن الاعتبار.

دية الخطأ المحض
اشارة

دية الخطأ المحض احد الامور الستة المتقدمة - غايته يلزم في الابل ان تكون ثلاثون منها حقة و ثلاثون بنت لبون و عشرون بنت مخاض(1) و عشرون ابن لبون - و تستوفي من العاقلة خلال سنين ثلاث.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان دية الخطأ المحض احد الامور الستة السابقة أيضا

فلنفس ما تقدم في القتل الشبيه بالعمد.

2 - و اما انه تلزم في الابل الاوصاف السابقة

فهو المشهور بين الاصحاب. و تدل عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول:... و الخطأ يكون فيه ثلاثون حقة و ثلاثون ابنة لبون و عشرون بنت مخاض و عشرون ابن لبون ذكر»(2).

ص: 342


1- بنت المخاض هي الناقة التي دخلت في الثانية. و سميت بذلك لان امها قد حملت.
2- وسائل الشيعة 146:19 الباب 2 من ابواب ديات النفس الحديث 1.
3 - و اما انها تستوفي من العاقلة

فأمر لا خلاف فيه. و تدل عليه صحيحة الحلبي: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام... و الاعمي جنايته خطأ تلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين في كل سنة نجما...»(1).

و اما انها تستوفي في سنوات ثلاث فللصحيحة المذكورة و صحيحة ابي ولاد المتقدمة.

دية الجوارح

في الجناية علي العين الواحدة نصف الدية و علي كلتيهما الدية كاملة.

و هكذا الحال في الجناية علي الاذن الواحدة و الأذنين و الشفة الواحدة و الشفتين و اليد الواحدة و اليدين و الرجل الواحدة و الرجلين. و في استئصال اللسان الدية كاملة.

و المستند في ذلك:

ان ما ذكر لا خلاف فيه. و تقتضيه قاعدة «ان كل ما كان منه في الجسد واحد ففيه الدية كاملة و ما كان فيه اثنان ففي كل واحد منهما نصف الدية و فيهما معا الدية كاملة» المستفادة من صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ما كان في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية، مثل اليدين و العينين. قلت: رجل فقئت عينه، قال: نصف الدية.

قلت: فرجل قطعت يده، قال: فيه نصف الدية...»(2) و غيرها.

و من ذلك يتضح الوجه في حكم البقية.

ص: 343


1- وسائل الشيعة 306:19 الباب 10 من ابواب العاقلة الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 214:19 الباب 1 من ابواب ديات الاعضاء الحديث 1.
دية الاصابع

في قطع كل واحد من اصابع اليد عشر دية اليد، و في قطع كل اصبع من اصابع الرجل عشر دية الرجل.

و المستند في ذلك:

ان ما ذكر هو المشهور. و تدل عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اصابع اليدين و الرجلين سواء في الدية في كل اصبع عشر من الابل»(1) و غيرها.

و في مقابل ذلك صحيحة ظريف عن امير المؤمنين عليه السّلام: «... ففي الابهام اذا قطع ثلث دية اليد... و في الاصابع في كل اصبع سدس دية اليد...»(2).

الا ان الصحيحة المذكورة لاعراض المشهور عنها ساقطة عن الاعتبار بناء علي تمامية كبري سقوط الرواية عن الحجية باعراض المشهور عنها و تعود الصحيحة الاولي بناء علي ذلك سالمة من المعارض و يتم رأي المشهور.

دية الضرب

دية اللطمة علي الوجه اذا احمرّ دينار و نصف، و اذا اخضرّ فثلاثة دنانير، و اذا اسودّ ستة دنانير(3). و اذا كان ذلك في البدن فالدية نصف ما

ص: 344


1- وسائل الشيعة 294:19 الباب 39 من ابواب ديات الاعضاء الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 229:19 الباب 12 من ابواب ديات الاعضاء الحديث 1.
3- مرّ المقصود من الدينار تحت عنوان «دية القتل عمدا».
في الوجه.

و المستند في ذلك:

ان ما ذكر هو المشهور. و تدل عليه موثقة اسحاق بن عمار - برواية الشيخ الصدوق - عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قضي امير المؤمنين عليه السّلام في اللطمة يسود اثرها في الوجه ان ارشها ستة دنانير، فان لم تسود و اخضرّت فان ارشها ثلاثة دنانير، فان احمارّت و لم تخضارّ فان ارشها دينار و نصف. و في البدن نصف ذلك»(1) و غيرها.

و الوارد في الموثقة و ان كان هو كلمة «اللطمة» الظاهرة في الضرب باليد الا ان المناسب هو التعدي الي غير الضرب و الي غير ما كان باليد للقطع بعدم الخصوصية لذلك.

دية الحمل
اشارة

في اسقاط الحمل اذا كان نطفة عشرون دينارا، و اذا كان علقة أربعون دينارا، و اذا كان مضغة ستون دينارا، و اذا كان فيه عظم ثمانون دينارا، و اذا كسي لحما مائة دينار، و اذا و لجته الروح ألف دينار ان كان ذكرا و خمسمائة ان كان أنثي.

و الحكم المذكور يعم ما اذا زاولت الام نفسها عملية الاسقاط و لو بشرب دواء و نحوه.

و المستند في ذلك:

1 - اما ان دية الحمل ما ذكر

فهو المعروف بين الاصحاب. و تدل

ص: 345


1- وسائل الشيعة 295:19 الباب 4 من ابواب ديات الشجاج و الجراح الحديث 1.

عليه صحيحة ظريف عن امير المؤمنين عليه السّلام: «جعل دية الجنين مائة دينار، و جعل مني الرجل الي ان يكون جنينا خمسة أجزاء، فاذا كان جنينا قبل أن تلجه الروح مائة دينار، و ذلك ان اللّه عز و جل خلق الانسان من سلالة(1) و هي النطفة فهذا جزء ثم علقة فهو جزءان ثم مضغة فهو ثلاثة أجزاء ثم عظما فهو اربعة أجزاء ثم يكسي لحما فحينئذ تمّ جنينا فكملت لخمسة أجزاء مائة دينار، و المائة دينار خمسة أجزاء فجعل للنطفة خمس المائة عشرين دينارا، و للعلقة خمسي المائة أربعين دينارا، و للمضغة ثلاثة أخماس المائة ستين دينارا، و للعظم أربعة أخماس المائة ثمانين دينارا، فاذا كسي اللحم كانت له مائة كاملة فاذا نشأ فيه خلق آخر و هو الروح فهو حينئذ نفس بألف دينار كاملة ان كان ذكرا، و ان كان انثي فخمسمائة دينار...»(2) و غيرها.

2 - و اما ان الحكم المذكور يعمّ ما اذا زاولت الام نفسها عملية

الاسقاط

فباعتبار اطلاق الصحيحة المتقدمة. و تدفع الدية - كما هو واضح - الي الاب.

3 - من احكام القتل و الديات

اشارة

تجب علي القاتل عمدا - مضافا الي الدية لو تمّ التراضي عليها - كفارة الجمع.

ص: 346


1- السلالة: ما استل من الشيء. و تطلق علي النسل و الولد، يقال: هو سلالة طيبة و من سلالة طيبة، اي من نسل طيب.
2- وسائل الشيعة 237:19 الباب 19 من ابواب ديات الاعضاء الحديث 1.

و تجب أيضا في القتل الشبيه بالعمد و الخطأ المحض و لكنها مرتبة، فيجب العتق، فان لم يمكن فصيام شهرين متتابعين، فان لم يمكن فاطعام ستين مسكينا.

و الجناية تارة يكون لديتها مقدّر شرعي و اخري لا يكون. و يصطلح علي الاول بالدية و علي الثاني بالارش او الحكومة. و يتمّ تعيين الارش بواسطة الحاكم الشرعي بعد استعانته بذوي عدل.

و دية المرأة نصف دية الرجل في القتل. و اما في غيره فديتها تساوي دية الرجل - فيما اذا كان لها مقدّر شرعي - ما لم تبلغ الثلث و الا رجعت الي نصف دية الرجل.

و من حفر حفيرة فوقع فيها شخص او وضع حجرا فعثر به شخص فجرح او مات فان كان ذلك في ملكه فلا ضمان، و ان كان في الطريق العام ضمن الا اذا كان ذلك لمصلحة العابرين. و الكلام نفسه يأتي في من القي قشر موز او بطيخ و نحو ذلك فزلق بسببه شخص فجرح او مات.

و العاقلة التي يلزمها تحمّل دية الجناية في الخطأ المحض هي عصبة الجاني، اي الرجال المتقربون اليه بالاب، كالاخوة و الاعمام و أولادهم و ان نزلوا. و ليس من العاقلة الصبي و المجنون و المرأة.

و التقسيم علي افراد العاقلة يتم بالتساوي و من دون فرق بين الغني و الفقير و القريب و البعيد.

و المستند في ذلك:

1 - اما انه تجب علي القاتل عمدا - مضافا الي الدية اذا تمّ

التراضي عليها - كفارة الجمع

فهو مما لا خلاف فيه بين الاصحاب.

و تدل عليه صحيحة عبد اللّه بن سنان: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: كفارة الدم

ص: 347

اذا قتل الرجل المؤمن متعمدا فعليه ان يمكّن نفسه من اوليائه، فان قتلوه فقد ادّي ما عليه اذا كان نادما علي ما كان منه عازما علي ترك العود. و ان عفا عنه فعليه ان يعتق رقبة و يصوم شهرين متتابعين و يطعم ستين مسكينا و ان يندم علي ما كان منه و يعزم علي ترك العود...»(1) و غيرها.

2 - و اما ان الكفارة مرتبة في قتل الخطأ بكلا قسميه

فلصحيحة عبد اللّه بن سنان أيضا: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام:... و اذا قتل خطأ ادي ديته الي اوليائه ثم اعتق رقبة فان لم يجد صام شهرين متتابعين فان لم يستطع اطعم ستين مسكينا مدا مدا. و كذلك اذا و هبت له دية المقتول فالكفارة عليه فيما بينه و بين ربه لازمة»(2).

الارش او الحكومة
3 - و اما ان الدية قد لا يكون لها مقدّر شرعي

فيجب دفع ما يصطلح عليه بالارش او الحكومة فهو من المسلمات فانه لا يحتمل عدم ثبوت دية في الموارد التي ليس فيها مقدّر شرعي و الا يلزم اما ذهاب دم المسلم هدرا أو نقصان الإسلام في تشريعه، و كلاهما غير محتمل.

و يمكن استفادة ذلك من النصوص، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «... ان عندنا الجامعة. قلت: و ما الجامعة؟ قال: صحيفة فيها كل حلال و حرام و كل شيء يحتاج اليه الناس حتي الارش في الخدش، و ضرب بيده إليّ فقال: أ تأذن يا أبا محمد؟ قلت: جعلت فداك انما انا لك

ص: 348


1- وسائل الشيعة 579:15 الباب 28 من ابواب الكفارات الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 559:15 الباب 10 من ابواب الكفارات الحديث 1.

فاصنع ما شئت فغمزني بيده و قال: حتي ارش هذا»(1) ، فان ارش الخدش لم يرد فيه مقدّر شرعي فلا بدّ و ان يكون المقصود الاشارة الي الارش.

و من ذلك صحيحة ابي عبيدة: «سألت ابا جعفر عليه السّلام عن أعمي فقأ عين صحيح فقال: ان عمد الاعمي مثل الخطأ هذا فيه الدية في ماله فان لم يكن له مال فالدية علي الامام و لا يبطل حق امرئ مسلم»(2) ، فان التعليل يدل علي ان حق المسلم لا يذهب هدرا حتي فيما لا يكون هناك مقدر شرعي، فلو لم يحكم بالارش يلزم ذهابه هدرا.

و أوضح من ذلك صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:

«دية اليد اذا قطعت خمسون من الابل. و ما كان جروحا دون الاصطلام(3) فيحكم به ذوا عدل منكم»(4).

4 - و اما انه يتم تعيين الارش بواسطة الحاكم الشرعي بعد

الاستعانة بذوي عدل

فيمكن استفادته من صحيحة ابن سنان المتقدمة فانها و ان لم تصرح بان المتصدي لتعيين الارش هو الحاكم الا ان ذلك هو المقصود جزما، «فانه لا بدّ من وجود شخص يتصدي هو لتعيين العدول و اتخاذ القرار بعد ذلك. بل من دون افتراض مثل الشخص المذكور يلزم ازدياد المشاكل تعقيدا، و القدر المتيقن من ذلك الشخص هو الحاكم الشرعي. و لا اطلاق في الصحيحة من هذه الناحية ليمكن

ص: 349


1- وسائل الشيعة 271:19 الباب 48 من ابواب ديات الاعضاء الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 65:19 الباب 35 من ابواب القصاص في النفس الحديث 1.
3- الاصطلام: الاستئصال.
4- وسائل الشيعة 299:19 الباب 9 من ابواب ديات الشجاج و الجراح الحديث 1.

التمسك به لا ثبات الاكتفاء بتصدي اي شخص عادل لذلك.

يبقي شيء، و هو ان اي طريق يسلكه العدلان لتعيين الارش؟ ان ذلك لم تتعرض له الروايات. و المعروف في كلمات الاصحاب - كما في الشرائع(1) و غيرها - ان المجروح يفترض مملوكا ثم يقوّم صحيحا تارة و معيبا بالجرح اخري و يؤخذ من دية النفس بحساب التفاوت بين القيمتين.

و لعل الاولي من ذلك ان يقال: ان الحكمين يلحظان اولا الديات المقدّرة شرعا للنفس و الاطراف و غيرهما ثم ينسب غير المنصوص الي المنصوص و يعيّن مقدار الارش في ضوء ذلك حسبما يتوصل اليه اجتهادهما.

دية المرأة
5 - و اما ان دية المرأة نصف دية الرجل في القتل

فلا خلاف فيه بين الاصحاب. و تدل عليه صحيحة عبد اللّه بن مسكان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «اذا قتلت المرأة رجلا قتلت به. و اذا قتل الرجل المرأة فان أرادوا القود ادّوا فضل دية الرجل علي دية المرأة و أقادوه بها، و ان لم يفعلوا قبلوا الدية دية المرأة كاملة. و دية المرأة نصف دية الرجل»(2) و غيرها.

و اما ان دية المرأة في غير القتل تساوي دية الرجل ما لم تبلغ الثلث و الا رجعت الي نصف دية الرجل فتدل عليه صحيحة ابان بن

ص: 350


1- شرائع الإسلام 1045:4، انتشارات استقلال.
2- وسائل الشيعة 59:19 الباب 33 من ابواب القصاص في النفس الحديث 2.

تغلب: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في رجل قطع اصبعا من أصابع المرأة كم فيها؟ قال: عشرة من الابل. قلت: قطع اثنتين؟ قال: عشرون.

قلت: قطع ثلاثا، قال: ثلاثون. قلت: قطع اربعا، قال: عشرون. قلت:

سبحان اللّه يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون و يقطع اربعا فيكون عليه عشرون! ان هذا كان يبلغنا و نحن بالعراق فنبرأ ممن قاله و نقول: الذي جاء به شيطان فقال: مهلا يا ابان هذا حكم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، ان المرأة تعاقل(1) الرجل الي ثلث الدية فاذا بلغت الثلث رجعت الي النصف. يا ابان انك اخذتني بالقياس، و السنة اذا قيست محق الدين»(2) و غيرها من الروايات الكثيرة.

حكم الحفيرة و نحوها
6 - و اما ان من حفر حفيرة او وضع حجرا و وقع او عثر بذلك

شخص فجرح او مات ضمن ان كان ذلك في غير ملكه

فلصحيحة زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قلت له: رجل حفر بئرا في غير ملكه فمرّ عليها رجل فوقع فيها فقال: عليه الضمان لان كل من حفر في غير ملكه كان عليه الضمان»(3) ، و صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن الشيء يوضع علي الطريق فتمر الدابة فتنفر بصاحبها فتعقره

ص: 351


1- كلمة «تعاقل» مشتقة من العقل بمعني الدية - سميت بذلك اما لان من معاني العقل المنع، و الدية تمنع صاحبها من الجرأة علي الجناية او باعتبار ان الدية كانت ابلا تعقل عند ولي المقتول - و المقصود ان المرأة تستحق العقل و هو الدية بمقدار دية الرجل و تساويه في ذلك الي حدّ الثلث.
2- وسائل الشيعة 268:19 الباب 44 من ابواب ديات الاعضاء الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 179:19 الباب 8 من ابواب موجبات الضمان الحديث 1.

فقال: كل شيء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه»(1) و غيرهما.

و اما تقييد الضمان بما اذا لم يكن ذلك لمصلحة العابرين فيمكن استفادته من صحيحة الحلبي حيث اخذت قيد الاضرار. و موردها و ان كان وضع شيء لكنه لا مدخلية له جزما فتعم حفر الحفيرة أيضا.

7 - و اما تعميم التفصيل المتقدم لقشر البطيخ و الموز و نحوهما

فلصحيحة الحلبي المتقدمة حيث ان الوارد فيها كلمة «شيء»، و هي مطلقة تشمل ما ذكر. بل ان قوله عليه السّلام: «كل شيء يضر بطريق...» يمكن ان يستفاد منه ذلك أيضا حتي لو قطعنا النظر عن اطلاق كلمة «شيء».

العاقلة
8 - و اما تفسير العاقلة بالعصبة

فهو المعروف في كلمات الفقهاء.

و يمكن استفادته من صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه السّلام:

«قضي امير المؤمنين عليه السّلام علي امرأة اعتقت رجلا و اشترطت ولاءه و لها ابن فالحق ولاءه بعصبتها الذين يعقلون عنه(2) دون ولدها»(3). و قريب من ذلك ما جاء في صحيحة الآخر عن ابي جعفر عليه السّلام: «... فقضي بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه إذا احدث حدثا يكون فيه عقل»(4).

9 - و اما ان العصبة تختص بالمتقربين بالاب

و لا تشمل

ص: 352


1- وسائل الشيعة 181:19 الباب 9 من ابواب موجبات الضمان الحديث 1.
2- المناسب: عنها، كما جاء ذلك عند ذكر الحديث في جواهر الكلام 415:43.
3- وسائل الشيعة 52:16 الباب 39 من ابواب العتق الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 53:16 الباب 40 من ابواب العتق الحديث 1.

المتقربين بالام فهو المشهور بين الاصحاب. و وجهه: ان ذلك هو معني العصبة لغة كما تقدمت الاشارة الي ذلك سابقا(1).

10 - و اما ان الصبي و المجنون ليس من العاقلة

فهو مما لا خلاف فيه. و يدل عليه حديث رفع القلم حتي بناء علي اختصاصه بقلم التكليف، فان ثبوت الدية علي العاقلة تكليف محض و من البعيد ان يكون حكما وضعيا.

و اما ان المرأة ليست من العاقلة فباعتبار اختصاص العاقلة لغة بالذكور.

11 - و اما ان التقسيم يتم بالتساوي

فباعتبار ان ما دلّ علي كون الدية علي العاقلة يدل بنفسه علي ذلك، فان التقسيط بشكل آخر يحتاج الي دليل، و هو مفقود.

و قيل: ان امر التقسيم بيد الامام عليه السّلام أو نائبه.

و قيل: ان علي الغني نصف دينار و علي الفقير ربعه.

و كلاهما لا دليل عليه. و المناسب ما تقدم.

12 - و اما عدم الفرق بين الغني و الفقير

فلعدم الدليل علي الاختصاص بالغني. اجل اذا كان الفقير عاجزا عن الدفع اختص العقل بغيره لان ثبوت الدية علي العاقلة - كما تقدم - تكليف محض، و هو لا يعم العاجز.

13 - و اما عدم اختصاص العقل بالقريب

فلأن لفظ العاقلة يشمل البعيد أيضا، و لا دليل علي التقييد.

ص: 353


1- لاحظ مبحث العول و التعصيب من كتاب الارث.

تمّ بتوفيق اللّه سبحانه و رعاية حجّته في ارضه - روحي و ارواح العالمين له الفداء - كتابي هذا الموسوم ب «دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي» في مدينة قم المشرّفة جوار كريمة اهل البيت عليهم السّلام السيدة فاطمة المعصومة عليها و علي آبائها الكرام افضل التحية و السلام في صباح يوم الاثنين 27 /صفر المظفر/ 1419 ه. و كان آخر ما كتبته كتاب الانفال و المشتركات.

اللهم اني اشكرك علي هذه النعمة و علي جميع نعمك عليّ و أسألك بحق محمد و آل محمد صلّي اللّه عليه و آله ان تجعله موردا لاستفادة اخوتي الاعزاء طلبة الحوزات العلمية انك كريم جواد سميع الدعاء.

باقر الايرواني

ص: 354

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.