موسوعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) المجلد 9

اشارة

سرشناسه:قرشی، باقرشریف، 1926 - م.

Qarashi, Baqir Sharif

عنوان و نام پديدآور: موسوعة الامام امیرالمومنین علی بن ابی طالب علیه السلام/ مولف باقر شریف القرشی

مشخصات نشر:قم: مجمع جهانی شیعه شناسی

مشخصات ظاهری:11ج.

شابک:دوره: 978-600-6164-72-4 ؛ 90000 ریال: ج. 1: 978-600-6164-65-6 ؛ ج.2و3 978-600-94930-7-4 : ؛ ج. 4 978-622-962924-6:

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:ناشر جلد دوم و سوم و چهارم انتشارات دارالتهذیب است .

مندرجات:ج. 1. زندگانی و فضایل امام علی علیه السلام در قرآن و سنت.- ج.2 و 3. امام علی (ع) در عهد پیامبر و دوران خلافت

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40 ق.

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- سرگذشتنامه

شناسه افزوده:مجمع جهانی شیعه شناسی

شناسه افزوده:The World Center for Shite Studies

رده بندی کنگره:BP37/ق36م8041 1393

رده بندی دیویی:297/951

شماره کتابشناسی ملی:3726762

ص :1

اشارة

موسوعة الامام امیرالمومنین علی بن ابی طالب علیه السلام

مولف باقر شریف القرشی

ص :2

الجزء التاسع

مقدمة التحقيق

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ أَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ [1] البقرة: 213 وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [2] النساء: 58 وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ [3] المائدة: 49 يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ [4] ص: 26

ص:3

ص:4

تقديم

(1) الإسلام لطف من اللّه على عباده، و نور يهديهم للتي هي أقوم، يقيم أودهم، و يصلح شئونهم، و ينشر الأمن و الاستقرار في نواديهم و مجتمعاتهم.

إنّ رسالة الإسلام بمحتوياتها و بنودها المشرقة تستهدف رفع مستوى الإنسان في سلوكه و تهذيبه و أخلاقه، و تبعده عن جميع منشئات التخلّف، و تنشئه نشأة صالحة كريمة يسودها الوعي و القيام بما عليه من حقوق و واجبات اتجاه نفسه و اسرته و مجتمعه، و لا يتردّى في مجاهل الحياة البائسة القاتمة التي تحوطها الفوضى و النزاع و الخصومات، و التي يعيش فيها ابن آدم المجهود المكدود على أعصابه يطارده الرعب، و ينهش جسمه الفقر و الحرمان.

(2) و لم تشرّع الأديان السماوية و المذاهب الاجتماعية فيما قنّنته من أحكام لصالح الإنسان في جميع قضاياه و شئونه، و إنّما تبنّت بعض جوانب الحياة، و لم تستوعبها بصورة دقيقة و شاملة.

ص:5

أمّا الإسلام - و الحمد للّه - فقد تبنّى فيما شرّعه من أحكام تكليفيّة و وضعيّة جميع شئون الإنسان، و وضع لها الحلول الحاسمة التي تحسم الداء، و تقضي على جميع مشاكل الإنسان و أزمات حياته، و لا تدع أية ثغرة يسلك فيها لإفساد مجتمعه إلاّ سدّها و قضى عليها.

(3) و كان من أروع ما قنّنه الإسلام في الاصلاح الاجتماعي و الفردي أنّه ربط بين الجماعات الإسلامية ربطا وثيقا، فآخى بين المسلمين، و جعل الرابطة الإسلامية أقوى من رابطة النسب و الدم، فجعل المسلم أخا المسلم بجميع ما تنشده هذه الكلمة من معنى، فأمر كلّ مسلم أن يخلص في الحبّ لأخيه المسلم كما يحبّ لنفسه، و يكره له ما يكره لنفسه، و جعل المسلم أخا المسلم عينه و دليله.

و من المؤكّد إذا سادت هذه الروح الطيّبة بين المسلمين فلا يعقل بأي حال من الأحوال أن تحدث بين المسلمين النزاعات و الخصومات، و لا بدّ أن تغلق أبواب المحاكم، و يلقى الستار على مكاتب المحامين.

(4) و لمّا أقام الرسول صلّى اللّه عليه و آله دولته الكبرى في يثرب شكّل مجلس القضاء في جامعه الأعظم لأنّه جزء من رسالته الخالدة الهادفة إلى صيانة الحقوق، و ضمان مصالح الناس، و سيادة العدالة الاجتماعية في البلاد.

و كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بنفسه يتولّى القضاء بين الناس و يحكم فيهم بما أنزل اللّه تعالى، و قد وضع اسس القضاء و طوّر أساليبه، و أحكم بحوثه، و نصّ على وظيفة

ص:6

المدّعي و المنكر، و غير ذلك ممّا يتّصل به من شئون، و يعدّ ذلك من أروع ألوان التطوّر في الحياة الإنسانية.

(5) أمّا القضاء الإسلامي - بحسب ما قنّن فيه من قيم و بحوث - فهو من ذخائر الفكر الإسلامي، و يعتبره علماء القانون من المناجم التي يقتبسون منها، و يشرّعون من أحكامه، فقد أخذت منه اوربا و غيرها الكثير من الأحكام السائدة في محاكمهم و كلّياتهم المتخصّصة في هذا الموضوع.

و كان من أروع ما امتاز به القضاء الإسلامي استقلاله و عدم خضوعه لأيّة سلطة في جهاز الدولة، و أنّه يجب على جميع الأجهزة أن تخضع لما يصدره من أحكام و مقرّرات، و أنّ المرجع الأعلى في الدولة يجب عليه أن يحضر أمام القضاء إذا اقيمت عليه دعوى من بعض المواطنين، و ليس له أيّة حصانة.

(6) و ليس السبب في روعة القضاء الإسلامي و أصالته استقلاله و عدم خضوعه و ارتباطه بأيّة سلطة من جهاز الدولة، و إنّما لما احيط به من أحكام، قنّنت في منتهى الدقّة و الإحكام، مضافا إلى ما حوته مصادر القضاء من آداب و تعاليم تتعلّق بالقضاة من حيث طاقاتهم العلمية، و أن يكونوا في أرقى المستويات من حيث النزاهة و العدالة، فإذا لم تتوفّر فيهم هذه الصفات فليس لهم من سبيل للتصدّي لهذه الوظيفة التي يجب أن تناط بأفضل أهل العلم كفاءة و تحرّجا في الدين.

ص:7

(7) و الشيء المحقّق أنّ صلاح الامّة بجميع شرائحها منوط بصلاح القضاء، الذي فيه يسود الأمن، و يحسم الاعتداء و الظلم، و تنشر العدالة في البلاد، و أمّا إذا فسد القضاء و خضع للمؤثّرات الخارجية فإنّ الامّة تشيع فيها الجريمة، و تصاب بشلل فكري و اجتماعي، و تسود فيها الفوضى و اللاّمبالاة و لا يأمن أي فرد على نفسه و عرضه و ماله.

إنّ فساد القضاء من أقسى الكوارث و أمرّ الخطوب التي تحلّ بالمجتمع، فإنّه يفقد الأمن و الاستقرار، و يفقد جميع مقوّمات الحياة، و قد اهتمّ الإسلام اهتماما بالغا بصلاح القضاء و سلامته من كلّ زيغ و انحراف.

(8) و موضوع هذا الكتاب التحدّث عن قضاء الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، و إنّما ذكرنا الفصول المتقدّمة تمهيدا أو استطرادا - كما يقول علماء الاصول - للبحث عن قضاء الإمام عليه السّلام، فقد برز على مسرح القضاء الإسلامي كألمع شخصية علمية موهوبة عرفها التاريخ الإسلامي في فنّ القضاء و غيره من البحوث الفقهية.

لقد كان الإمام الملهم العظيم أوّل من وضع معظم اسس القضاء، و ميّز بين الحقّ و الباطل في دعوى المتخاصمين التي احيطت بكثير من الغموض و الإبهام، و قد استطاع بأروع الأساليب أن يكشف الحقّ ، و يزيح الالتباس، الأمر الذي أثار إعجاب علماء القانون و القضاة، و منه استمدّوا الكثير من المعلومات في التمييز بين الدعاوى و معرفة الحقّ فيها.

ص:8

(9)

و تقلّد الإمام عليه السّلام منصب القضاء أيام الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و ذلك حينما بعثه إلى اليمن، و لم يختبره و ذلك لعلمه به، و إنّما نبّهه على أدب القضاء (1) فقال له:

«إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتّى تسمع من الآخر كما سمعت من الأوّل، فإنّه أحرى أن يتبيّن لك القضاء».

قال الإمام:

«فما زلت قاضيا، و ما شككت في قضاء بعد»(2).

و قد نبغ الإمام عليه السّلام في القضاء و الفتيا، و لم يضارعه أحد في هذه الظاهرة، و قد قلّده النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ساما رفيعا و ميّزه على بقيّة أصحابه فقال:

«أقضاكم عليّ ».

(10) و أجمع الرواة على أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام كان المرجع الأعلى للقضاء و الفتيا أيام حكومة الخلفاء لا يعدون رأيه فيما يقضي و يفتي به، خصوصا في عهد عمر بن الخطّاب، فقد شاعت كلماته: «لو لا عليّ لهلك عمر»، و قال غير مرّة: «لا أبقاني اللّه لمعضلة ليس لها أبو الحسن»، لقد اعترف عمر بتفوّق الإمام الملهم العظيم عليه و على

ص:9


1- (1) الآداب السلطانية: 46.
2- (2) النظم الإسلامية: 319.

غيره في ميدان القضاء، و غيره من بحوث الفقه، و من المؤكّد أنّه ليس أحد من الصحابة و غيرهم من يضارع الإمام في القضاء و غيره من مسائل الفقه.

(11) و أثار إعجاب العلماء و المحقّقين من قدامى و محدّثين روعة قضاء الإمام عليه السّلام، و ما فيه من أصالة و إبداع، فألّفوا مجموعة من الكتب تناولت بصورة شاملة قضاءه في مختلف القضايا و الشؤون منها ما يلي:

1 - كتاب قضايا أمير المؤمنين لمحمّد بن قيس البجلي، و هو من أصحاب الإمام الصادق و الكاظم عليهما السّلام (1).

2 - كتاب قضايا الإمام أمير المؤمنين للمعلّى بن محمّد البصري (2).

3 - عجائب أحكام الإمام عليه السّلام لمحمّد بن عليّ بن إبراهيم (3) ، و هذه من المخطوطات، و لعلّها توجد في بعض خزائن المخطوطات في العالم الإسلامي و غيره.

4 - عجائب أحكام و قضايا و مسائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب العجيبة للإمام السيّد محسن الأمين، طبعت عام 1366 ه .

5 - قضاء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب للعلاّمة المحقّق الشيخ محمّد تقي التستري، طبع بالمطبعة الحيدرية سنة 1373 ه .

ص:10


1- (1) رجال النجاشي: 226.
2- (2) رجال النجاشي: 296.
3- (3) رجال النجاشي: 234. عجائب أحكام أمير المؤمنين: 31.

(12) و حيث أنّا وفّقنا إلى دراسة (حياة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام) فلا بدّ لنا من البحث عن قضائه، الذي يمثّل سعة علومه، و قدراته العلمية على حلّ المسائل المعقّدة التي يصعب على القضاة و الحكّام حلّها و كشف ما فيها من التباس و غموض. و لا أدّعي أنّي قد ألممت في هذا الكتاب بجميع ما اثر عن هذا الإمام الملهم العظيم في مسائل القضاء، فإنّ هذا أمر بعيد المنال.

(13) يعرض هذا الكتاب في أوّل بحوثه إلى مدلول القضاء في اللغة و الشرع، و ما يرتبط بذلك من بحوث، كما يعرض إلى بعض أقضية الإمام في عهد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و أيام الخلفاء، و في عهد حكومته.

و من الجدير بالذكر أنّ قضاء الإمام عليه السّلام هو من ركائز الفقه الإسلامي الذي يتناول جميع متطلّبات الحياة و شئونها، و قد برز فيه الإمام عليه السّلام، فكان من عمالقته و من منابعه، و منه استمدّ الفقهاء و العلماء في ما يفتون به.

(14) و ليس من الوفاء في شيء أن أنسى أو أغضّ النظر عن الجهود الخلاّقة التي أسداها إليّ أخي فقيد الإسلام الحجّة الشيخ هادي شريف القرشي نضّر اللّه مثواه، فقد كانت له

ص:11

آراؤه الوثيقة و ملاحظاته القيّمة فيما ألّفته في أئمّة الهدى عليهم السّلام، و قد تمنّيت أن يمثل هذا الكتاب أمامه مع بقيّة أجزاء موسوعة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام لينظر فيه و يصلح ما فيه من خلل، و لكنّ اللّه تعالى بالغ أمره، و لا رادّ لقضائه، فقد اختطفته المنيّة برا تقيّا زكيّا حشره اللّه مع أوليائه، و أثابه أجزل الثواب على ما أسداه عليّ من ألطاف، و إنّا للّه و إنّا إليه راجعون، و بهذا نطوي الحديث عن هذا التقديم.

النّجف الأشرف باقر شريف القريشى 27 /شعبان. 1420 ه

ص:12

مدلول القضاء

اشارة

لغة و شرعا

ص:13

ص:14

لعلّ من المفيد أن أعرض إلى مدلول القضاء في اللغة و الشرع، ثمّ أعرض إلى ما أثر عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام من بحوث في هذا الموضوع.

في اللغة:

القضاء في اللغة الحكم، و أصله قضاي مشتق من قضيت (1) ، نصّ على ذلك الجوهري، و يستعمل القضاء في معان متعدّدة، أمّا حقيقة بناء الاشتراك اللفظي، و هو الوضع لمعان متعدّدة، أو مجازا بناء على أنّه موضوع لمعنى واحد، و يستعمل في غيره مجازا.

و هذه بعض المعاني التي استعمل فيها.

1 - الإمضاء: و منه قوله تعالى: ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَ لا تُنْظِرُونِ [1] (2).

2 - البيان: و منه قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [2] (3) ، أي يبين.

3 - الحكم و الفعل: و منه قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ [3] (4) ، أي يحكم و يفعل.

ص:15


1- (1) لسان العرب 186:15.
2- (2) يونس: 71.
3- (3) طه: 114.
4- (4) يونس: 93.

4 - العهد: و منه قوله تعالى: وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ [1] (1) ، أي عهدنا.

5 - انصرم: يقال: انقضى الشيء انصرم (2).

6 - الموت: يقال: قضى فلان نحبه، أي مات، و هو مجاز (3).

7 - الخلق: و منه قوله تعالى: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ [2] (4) ، أي خلقهنّ .

8 - الانتهاء من الشيء: يقال: فلان قضى حاجته، أي انتهى منها.

9 - الأداء: يقال: قضى فلان دينه، أي أدّاه.

10 - الحتم: و منه قوله تعالى: وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ [3] (5) ، أي حتم (6).

و نكتفي بهذه المعاني لكلمة القضاء، و أفاد اللغويّون لها معاني اخرى (7) ، و هي إمّا معان مجازية أو من لوازم المعنى الأوّل و هو الحكم.

في الاصطلاح الشرعي:

أمّا القضاء في اصطلاح الفقهاء فقد أدلى بتعريفه الشهيد الأوّل رحمه اللّه قال: إنّ القضاء عبارة عن الولاية على الحكم في الدعاوى و المنازعات و في الامور العامّة (8) ،

ص:16


1- (1) الإسراء: 4.
2- (2) البستان: 169.
3- (3) البستان: 169.
4- (4) فصّلت: 12.
5- (5) الإسراء: 17.
6- (6) تاج العروس 296:10.
7- (7) لسان العرب 186:15. معجم متن اللغة 590:4.
8- (8) الدروس: 66.

و وافقه على ذلك الشهيد الثاني إلاّ أنّه خصّه بالدعاوى و المنازعات (1) ، و عرضت كتب المذاهب الإسلامية في الفقه إلى تحديد القضاء بتعاريف اخرى (2) ، و ذكرها يستدعي الاطالة بلا فائدة.

القضاء في الجاهلية:

أمّا القضاء في أيام الجاهلية فقد كان العرب يتحاكمون فيما شجر بينهم من خلاف إلى رئيس القبيلة أو إلى كاهن أو إلى من عرف بأصالة الرأي و جودته، و لكنّهم كانوا يحكمون حسب ما يرونه من دون أن يستندوا إلى قانون أو قواعد معروفة.

و لكن في مكّة تأسّس حلف الفضول، و كان من أوّليات مبادئه على أن لا يظلم بمكّة غريب و لا حرّ و لا عبد حتى يأخذوا له بحقّه و يؤدّوا له ظلامته، و هذا يعتبر تطوّرا هائلا في ميدان القضاء في العرف الجاهلي.

القضاء في الإسلام:

و لمّا أقام الرسول صلّى اللّه عليه و آله دولته العظمى في يثرب أقام مجلس القضاء في جامعه الأعظم، و تولّى بنفسه الشريفة القضاء و فصل الخصومات، كان من بينها أن شخصا من الأنصار قد اشترى بستانا من سمرة بن جندب، و قد استثنى منها نخلة، فكان سمرة يتعاهدها في معظم الأوقات من دون أن يستأذن من الأنصاري فارتاب منه، فرفع أمره إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فبعث خلفه، فلمّا مثل أمامه طلب منه حسم النزاع، فلم يستجب له، و عرض عليه أن يعوّضه عنها بستانا فأبى، و ضمن له أن يعطيه نخلة في الفردوس الأعلى فامتنع، و لمّا أصر سمرة على العدوان التفت الرسول صلّى اللّه عليه و آله إلى

ص:17


1- (1) المحاكمة في القضاء - محمّد حسين الحسني:22
2- (2) تبصرة الحكّام 12:1. جامع العلوم في اصطلاحات الفنون 72:3. الفروق 53:4.

الأنصاري و قال له:

«اذهب فاقلعها و ارم بها في وجهه، فإنّه لا ضرر و لا ضرار في الإسلام» (1).

هذه صورة رائعة من القضاء الإسلامي الذي يصون حقوق الناس و يضمن كرامتهم.

ص:18


1- (1) الحضارة العربية الإسلامية - الدكتور الخربوطلي: 49.

اهمّيّة القضاء

اشارة

و

شروط القضاة

ص:19

ص:20

نظر الإسلام بعمق و شمول إلى القضاء و القضاة فأولاهما المزيد من الأهمّية، و ذلك لما لهما من الأثر الفعّال إيجابا و سلبا على النظام الاجتماعي الذي يسود البلاد، و نعرض - بإيجاز لهما - مع ما يرتبط بذلك من بحوث.

أهمّية القضاء:

أمّا القضاء فهو من أهمّ المراكز الحسّاسة في الدولة الإسلامية، و إقامته من الواجبات على رئيس الدولة، فإنّه ملزم بتنفيذها،

و قد تحدّث الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام مع شريح القاضي عن سموّ هذا المنصب و مدى أهمّيته قائلا:

«يا شريح، قد جلست مجلسا لا يجلسه إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ ، أو شقيّ »(1).

إنّ منصب القضاء و القيام بمسئولياته و واجباته على الوجه الصحيح إنّما هو من وظائف الأنبياء و أوصيائهم ليحكموا بين الناس بالحقّ و العدل، أمّا إذا تولّى هذا المنصب غيرهما ممّن لا دراية له بشئون القضاء أو لا حريجة له في الدين فإنّه شقي قد حاد عن الطريق القويم، و عرّض البلاد للخطوب و الأزمات.

و كان الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام يحتاط كأشدّ ما يكون الاحتياط في قضاء شريح قاضي الكوفة، فكان يأمره بعدم تنفيذ ما يقضي به حتى يعرضه عليه (2) ، خوفا من

ص:21


1- (1) من لا يحضره الفقيه 4:3. وسائل الشيعة 7:18.
2- (2) فروع الكافي 407:7. وسائل الشيعة 6:18.

أن يكون قد جافى الواقع في ما قضى به.

مع القضاة:

و اشترط الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في القضاة أن يكونوا أفضل أبناء الأمّة تقوى و ورعا و كمالا و نزاهة، و لنستمع إلى ما جاء في عهده لمالك الأشتر من البنود المشرقة التي تخصّ القضاة، قال عليه السّلام:

«ثمّ اختر للحكم بين النّاس أفضل رعيّتك في نفسك، ممّن لا تضيق به الأمور، و لا تمحّكه الخصوم - أي لا تغضبه، و لا يتمادى في الزّلّة و لا يحصر من الفيء إلى الحقّ إذا عرفه، و لا تشرف نفسه على طمع، و لا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه؛ و أوقفهم في الشّبهات، و آخذهم بالحجج، و أقلّهم تبرّما بمراجعة الخصم، و أصبرهم على تكشّف الأمور، و أصرمهم عند اتّضاح الحكم، ممّن لا يزدهيه إطراء، و لا يستميله إغراء، و أولئك قليل.

ثمّ أكثر تعاهد قضائه، و افسح له في البذل ما يزيل علّته، و تقلّ معه حاجته إلى النّاس.

و أعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصّتك، ليأمن بذلك اغتيال الرّجال له عندك، فانظر في ذلك نظرا بليغا فإنّ هذا الدّين قد كان أسيرا في أيدي الأشرار، يعمل فيه بالهوى، و تطلب به الدّنيا»(1).

حفل هذا المقطع الشريف من عهد الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام لمالك الأشتر

ص:22


1- (1) نهج البلاغة 63:3-64.

واليه على مصر بامور بالغة الأهمّية، لم يحفل بمثلها أي نظام اجتماعي عرض لنظام الحكم و الإدارة... لقد نظر الإمام عليه السّلام بعمق و شمول إلى أهمّ جهاز في الدولة و هو القضاء، فألزم أن يكون القضاة أفضل من في الرعية علما و تقوى و ورعا، و عليهم أن يتحمّلوا المسئوليات التالية:

1 - أن يكون القاضي واسع الافق، لا يضيق من الدعاوى التي ترفع إليه، و لا ينزعج و يتبرّم أمام المتخاصمين.

2 - أن لا يتمادى في الزلل، و عليه أن يقف أمام الأحداث التي تعرض عليه بتبصّر و تروّ.

3 - عليه أن يتبع الحقّ إذا تبيّن له.

4 - أن يبتعد عن الطمع، و لا تميل نفسه إلى حطام الدنيا.

5 - عليه أن ينظر في الدعاوى التي ترفع إليه نظرة فاحصة، و يبذل قصارى فهمه فيها حتى يكون حكمه مصيبا.

6 - عليه أن يقف في الشبهات، و لا يحكم حتى يتبيّن له الحقّ .

7 - أن يأخذ بحكمه بالحجج القاطعة.

8 - لا يملّ و لا يسأم من مراجعة المتخاصمين.

9 - أن يكون شديدا في جانب الحقّ ، و لا يميل لأي طرف من المتنازعين.

10 - أن لا يزدهيه إطراء الناس، و لا يستميله إغراؤهم.

مسئوليات رئيس الدولة:

و أدلى الإمام عليه السّلام - في هذا المقطع - بعض المسئوليات التي تترتّب على رئيس الدولة تجاه القضاة و هي:

ص:23

أوّلا: أن يتعاهد الأحكام التي تصدر من القضاة، و يشرف بنفسه عليها لئلا تكون مجافية للعدل، و منافية لأحكام الإسلام.

ثانيا: أن يجزل لهم الرواتب الضخمة، و يوسّع عليهم، و لا يدع أي ظلّ للحاجة عليهم حتى يبتعدوا عن الرشوة التي هي من أهمّ الأسباب في فساد جهاز الحكم.

ثالثا: أن يقابلهم بمزيد من الحفاوة و التكريم، و يظهر سموّ مكانتهم أمام المجتمع بحيث لا يدانيهم أي أحد من حاشيته و خاصّته في منزلتهم، و بذلك يكسب القضاة الاستقلال و سموّ المكانة الاجتماعية.

أنواع القضاء:

أمّا القضاء فهو أنواع مختلفة بعضها حقّ ، و بعضها ضلال، و من أنواعها ما يلي:

1 - القضاء وفق الموازين الشرعية من قبل السلطان العادل، و هو جائز بلا كلام.

2 - القضاء بغير علم، و هو محرّم بلا خلاف،

و قد مرّ الإمام على قاض فقال له: «أ تعرف النّاسخ من المنسوخ ؟»، قال: لا، فقال: «هلكت و أهلكت... الخ»(1).

3 - القضاء من قبل السلطان الجائر إذا كانت أحكامه مخالفة للشريعة الإسلامية، و قد تواترت الأخبار بحرمته.

و يشير الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في حديثه التالي إلى ذلك، قال عليه السّلام:

«إنّ النّاس آلوا بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى ثلاثة: آلوا إلى عالم على هدى من اللّه قد أغناه اللّه بما علم عن غيره، و جاهل مدّع للعلم لا علم له، معجب بما عنده، قد فتنته الدّنيا و فتن غيره، و متعلّم من عالم على سبيل هدى

ص:24


1- (1) اصول الكافي 33:1. وسائل الشيعة 7:18.

من اللّه و نجاة، ثمّ هلك من ادّعى و خاب من افترى»(1).

شروط القضاة:

اشارة

و لا يعيّن الشخص للقضاء إلاّ بعد أن تتوفّر فيه الصفات التالية و هي:

1 - الذكورة:

و يشترط في القاضي أن يكون رجلا، و لا يجوز للسيّدات أن يتولّين القضاء، فقد جاء في وصيّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله للإمام أمير المؤمنين عليه السّلام النهي عن تولّي المرأة للقضاء (2).

و ليس ذلك طعنا في شخصية المرأة التي تحتلّ أسمى مكانة في الإسلام، و إنّما القضاء مذهب حسّاس يستدعي الصرامة و الشدّة، و عدم الميول لأي جانب من المتخاصمين، و المرأة بحسب تكوينها و ذاتياتها ملهبة العواطف رقيقة القلب، و لو لا رقّتها و رأفتها التي طبعت عليها لما تكوّن المجتمع الإنساني، و هو مدين لعواطفها و تربيتها، و هي لا تصلح للقضاء لا لنقصان في شخصيّتها و استهانة بها و إنّما لثقل هذا المنصب و حسّاسيّته كما ذكرنا.

2 - البلوغ:

و قد استدلّ لهذا الشرط بقوله عليه السّلام: «انظروا إلى رجل عرف حلالنا و حرامنا»، و عنوان الرجل لا يشمل الصبي، بالإضافة إلى رفع القلم عنه.

3 - العدالة:

من الشروط التي يجب أن تتوفّر في القاضي العدالة، و هي صفة نفسية تقتضي

ص:25


1- (1) من لا يحضره الفقيه 263:3. وسائل الشيعة 7:18.
2- (2) وسائل الشيعة 16:27.

أداء الواجبات الإلهية و اجتناب المحرّمات، فإذا لم يتمتّع القاضي بهذه الصفة فلا سبيل له لتولّي القضاء.

4 - الإسلام:

و يجب أن يكون القاضي مسلما، و استدلّ عليه بقوله تعالى: وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [1] (1) ، و من الطبيعي أن تولّي الكافر للقضاء يكون له سبيل على المؤمنين.

5 - الاجتهاد:

و لا بدّ أن يكون القاضي مجتهدا و محيطا بالأحكام الشرعية لا عن تقليد و إنّما عن اجتهاد، و هو استنباط الحكم الشرعي من أدلّته الأربعة، و هي:

1 - الكتاب.

2 - السنّة، و نعني بها فعل المعصوم و قوله و تقريره عند الشيعة الإماميّة.

3 - الإجماع.

4 - العقل.

فإذا لم يتوفّر أحد هذه الأدلّة للفقيه في إحدى المسائل، فإنّه يرجع إلى ما تقتضيه الاصول العملية، و هي:

1 - البراءة، بقسميها العقلية و النقلية.

2 - الاستصحاب في الموضوعات و الأحكام.

3 - التخيير.

4 - الاحتياط .

و تفصيل هذه الامور، و ما يعتبر فيها من الشروط قد تكفّلت بها كتب الاصول.

ص:26


1- (1) النساء: 141.

هذه بعض الشروط التي ذكرت في كتب القضاء، و هناك شروط اخرى كالحرية و طهارة المولد و غيرهما.

آداب القضاء:

أفاد الفقهاء في آداب القضاء امورا ترجع بعضها إلى صفات القاضي في حال حكمه و هي: أن لا يكون في حالة الحكم مشغول الفكر بامور الدنيا، و لا بمرض يشغله عن الالتفات إلى الحكم و موازينه، و أن لا يقضي و هو غضبان أو ضجر أو قلق، و أن لا يكون بمدافع للأخبثين البول و الغائط ، و أن يكون على سكينة و وقار، و أن يساوي بين الخصمين.

في الرواية: أنّ يهوديا نازع الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في درع زعم أنّها له فحاكمه عند عمر، فقال للإمام: قم يا أبا الحسن! مع خصمك، فتأثّر الإمام عليه السّلام و بان الغضب على سحنات وجهه الشريف، و بعد الفراغ من المحاكمة انبرى عمر فقال للإمام:

لقد بدى عليك الغضب لأنّي أمرتك بالمثول أمام القضاء مع خصمك اليهودي ؟ فأجاب الإمام: «ليس الأمر كذلك، و لكن لم تساو بيني و بين اليهوديّ ، فقد كنّيتني و قلت: يا أبا الحسن و لم تكنّ اليهوديّ »، فانبهر عمر من ذلك، لقد أظهر الإمام مدى تطوّر القضاء الإسلامي، و ضرب بذلك أمثلة في تحقيق القضاء للعدالة الاجتماعية و أصالته و أبعاده الفكرية و عمقه الحضاري.

و هناك شروط اخرى نصّ عليها السادة الفقهاء، و بعضها قد ثبت بأدلّة التسامح في السنن (1).

ص:27


1- (1) المحاكمة في القضاء: 93.

راتب القاضي:

ذهب بعض الفقهاء إلى حرمة أخذ القاضي الاجور، مستدلّين على ذلك بأنّ القضاء واجب عيني إذا انحصر في شخص، أو كفائي إذا لم ينحصر فيه، و لا يجوز أخذ الاجرة على الواجب، و تتضاعف الحرمة إذا أخذ الاجرة من أحد المتخاصمين بأنّ بذل للقاضي ليحكم له بالحقّ أو بغيره فإنّه يكون من الرشوة التي هي الكفر باللّه تعالى أو الشرك به كما في بعض الأخبار.

و للقاضي أن يأخذ راتبه من بيت مال المسلمين الذي اعدّ لمصالحهم، و تفصيل هذه البحوث قد عرضها الفقهاء في رسائلهم و موسوعاتهم، و قد أجرى الإمام لشريح 500 درهم في الشهر (1).

عزل القاضي:

يعزل القاضي من منصبه إذا جافت أحكامه النصوص الشرعية بأن كانت مخالفة لها، و كذلك يعزل و يعاقب إذا ثبت أنّه قد ارتشى أو مال إلى بعض المتخاصمين فحكم له، و إن كان حكمه موافقا للواقع.

ص:28


1- (1) أخبار القضاة 227:2.

قضاء الإمام

اشارة

في عهد الرّسول و الخلفاء

ص:29

ص:30

تقلّد الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام منصب القضاء في عهد الرسول صلّى اللّه عليه و آله، فقد رشّحه لهذا المنصب الحسّاس، و قدّمه على بقيّة أصحابه و أبناء اسرته، و ذلك لعلمه بمواهبه و عبقرياته، و إحاطته الكاملة بشئون الشريعة، فهو باب مدينة علمه، و أخوه و نفسه، و من كان منه بمنزلة هارون من موسى.

و كما كان الإمام عليه السّلام المرجع الأعلى للقضاء في عهد الرسول صلّى اللّه عليه و آله كذلك كان في عهد الخلفاء، فكانوا يفزعون إليه إذا ألمّت بهم مسألة لا يهتدون لحلّها، و كان رأيه الحاسم في ما يقضي و يفتي به.. و نعرض لبعض نوادر قضائه في أيام الرسول صلّى اللّه عليه و آله و الخلفاء.

ص:31

ص:32

في عهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله

اشارة

عهد الرسول صلّى اللّه عليه و آله بالقضاء إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام حينما بعثه إلى اليمن، فقال له الإمام:

«يا رسول اللّه، إنّك تبعثني و أنا حديث السّنّ لا علم لي بالقضاء».

فأجابه الرسول: «انطلق فإنّ اللّه سيهدي قلبك، و يثبّت لسانك».

قال الإمام: «فما شككت - أي بعد دعاء النبيّ - في قضاء بين اثنين»(1).

يقول وكيع: أجلّ القضاة هو الإمام؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله استعمله على القضاء في حياته (2) ، و قد اعجب النبيّ بقضائه، فقال:

«الحمد للّه الّذي جعل الحكمة فينا أهل البيت»(3).

و هذه بعض القضايا التي قضى بها الإمام عليه السّلام في عهد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و هي:

1 - قصّة الغلام:

اشترك جماعة في شراء جارية و واقعوها في طهر واحد، فحملت بغلام، فلمّا وضعته ادّعى كلّ واحد أنّه ابنه، فرفعوا أمرهم إلى الإمام عليه السّلام فقرع على الغلام

ص:33


1- (1) أخبار القضاة 84:1.
2- (2) المصدر السابق 5:1.
3- (3) مناقب آل أبي طالب 355:2.

باسمهم، فخرجت لأحدهم، فالحق به الغلام، و ألزمه ثلثي الدية لصاحبيه، و زجرهم عن مثل ذلك،

و عرض الحكم على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال مشيدا بقضاء الإمام عليه السّلام:

«الحمد للّه الّذي جعل فينا أهل البيت من يقضي على سنن داود»(1).

2 - زبية الأسد:

من القضايا التي حكم فيها الإمام عليه السّلام حينما كان في اليمن قصّة «زبية الأسد» التي وقع فيها جماعة و هلكوا، و قد رويت هذه الحادثة بروايتين و هما:

الاولى: روى محمّد بن قيس عن الإمام الباقر عليه السّلام أنّ زبية حفرت لأسد فسقط فيها، فازدحم الناس ينظرون إليه، فوثب رجل على شفير الزبية فزلّت قدمه فتعلّق بآخر، و تعلّق الآخر بثالث، و تعلّق الثالث برابع، فوقعوا جميعا في الزبية فافترسهم الأسد، فهلكوا جميعا، و رفع أمرهم - في شأن الدية - إلى الإمام عليه السّلام، فقضى بأنّ على الأوّل ثلث الدية للثاني، و على الثاني ثلثي الدية للثالث، و على الثالث الدية الكاملة للرابع،

و نقل قضاء الإمام إلى الرسول صلّى اللّه عليه و آله فأشاد به و قال:

«لقد قضى أبو الحسن فيهم بقضاء اللّه عزّ و جلّ ».

و لعلّ الوجه في هذا القضاء أنّ الرجل الأوّل سقط بنفسه و أسقط معه الثاني، فلا دية له؛ لأنّ هلاكه لم يستند إلى أحد، و أمّا الثاني فكان هلاكه - احتمالا - مستندا إلى جذب الأوّل، و سقوط الثالث و الرابع عليه، كما كان هو السبب في سقوط الآخرين، فيكون ثلث قتله مستندا إلى الأوّل فله عليه الثلث، و أمّا الثالث فإنّ هلاكه مستند إلى نفسه و إلى جذب الرابع، فيكون له الثلثان على الثاني، و أمّا الرابع فإنّ هلاكه مستند إلى الثالث فيكون عليه تمام الدية.

ص:34


1- (1) عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السّلام: 36. قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 32.

الثانية: روى مسمع عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّ قوما احتفروا زبية للأسد باليمن، فوقع فيها الأسد، فازدحم الناس عليها ينظرون للأسد، فوقع رجل فيها، فتعلّق بآخر، و تعلّق الآخر بآخر، و الآخر بآخر، فجرحهم الأسد، منهم من مات من جراحة الأسد، و منهم من اخرج فمات، فتشاجروا في ذلك حتى آل الأمر إلى القتال، فقال لهم الإمام عليه السّلام: «هلمّوا أقض بينكم».

فقضى أنّ للأوّل ربع الدية، و للثاني ثلث الدية، و للثالث نصف الدية، و للرابع الدية الكاملة، و جعل ذلك على قبائلهم.

و لعلّ الوجه في ذلك أنّ للأوّل ربع الدية؛ لأنّ موته يحتمل قد استند إلى أربعة أشياء:

أحدها: مزاحمة الناس له، و ثانيها: سقوط الثاني عليه، و ثالثها: سقوط الثالث عليه، و رابعها: سقوط الرابع عليه.

و أمّا الثاني فله ثلث الدية؛ لأنّه يحتمل استناد موته إلى ثلاثة امور: أحدها:

إسقاط الأوّل له، و الثاني: إسقاط الثالث عليه، و الثالثة إسقاط الرابع عليه.

و أمّا الثالث فله نصف الدية؛ لأنّ موته يحتمل استناده إلى أمرين: الأوّل إسقاط الثاني له، و الثاني: سقوط الرابع عليه.

و أمّا الرابع فله تمام الدية؛ لأنّ قتله كان مستندا إلى الثلاثة (1).

3 - القارصة و القامصة و الواقصة:

هذه حادثة قضى فيها الإمام عليه السّلام في حياة الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و قد أقرّ حكمه فيها،

ص:35


1- (1) هذا الجمع بين الخبرين ذكره القاضي نعمان المصري في دعائم الإسلام، و ذكر السيّد الأمين ما يقرب من ذلك.

و قد رويت بروايتين و هما:

الاولى: رواها الشيخ المفيد و هي: أنّ جارية حملت على عاتقها جارية عبثا و لعبا، فجاءت جارية اخرى فقرصت الحاملة فقمصت لقرصتها فوقعت الراكبة، فاندقّت و هلكت.

و رفع أمرها إلى الإمام عليه السّلام، فقضى على القارصة بثلث الدية، و على القامصة بثلثها، و أسقط الثلث الباقي لركوب الواقصة عبثا، و عرض هذا الحكم على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فأقرّه و أمضاه (1).

الثانية: روى الصدوق عن الأصبغ قال: قضى الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في جارية ركبت جارية فنخستها جارية اخرى فقمصت المركوبة فصرعت الراكبة فماتت، فقضى بديتها نصفين بين الناخسة و المنخوسة (2).

4 - جماعة وقع عليهم حائط :

سقط جدار على جماعة فقتلهم، و كان فيهم امرأة مملوكة و اخرى حرّة، و كان للحرّة طفل و أبوه حرّ، و للجارية المملوكة طفل من مملوك، و لم يعرف الطفل الحرّ من الطفل المملوك.

و عرضت المسألة على الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام فقرع بينهما، و حكم بالحرية لمن خرج عليه سهم الحرية منهما، و حكم بالرقّ لمن خرج عليه سهم الرقّ ، ثمّ أعتقه، و حكم بالميراث للحرّ، و عرض الحكم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأمضاه (3) ، فإنّه لا حلّ لهذه المسألة إلاّ بالقرعة التي هي لكلّ أمر مشكل كما في الحديث، هذه

ص:36


1- (1) عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السّلام: 16.
2- (2) قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 28، و قد ناقش المحقّق التستري في سند الرواية.
3- (3) مناقب آل أبي طالب 354:2.

الحديث، هذه بعض القضايا التي حكم فيها الإمام عليه السّلام في زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله.

الإمام عليه السّلام يصف قضاء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

تحدّث الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام عن قضاء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و كيفيّة حكمه بقوله:

«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا تخاصم إليه رجلان قال للمدّعي: أ لك حجّة ؟ فإن أقام بيّنة يرضاها و يعرفها أنفذ الحكم على المدّعى عليه، و إن لم يكن له بيّنة حلف المدّعى عليه باللّه ما لهذا قبله ذلك الّذي ادّعاه، و لا شيء منه، و إذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير و لا شرّ قال للشّهود:

أين قبائلكما؟ فيصفان.

أين سوقكما؟ فيصفان.

أين منزلكما؟ فيصفان.

ثمّ يقيم الخصوم و الشّهود بين يديه.

ثمّ يأمر فيكتب أسامي المدّعي و المدّعي عليه و الشّهود و يصف ما شهدوا به، ثمّ يدفع ذلك إلى رجل من أصحابه الخيار، ثمّ مثل ذلك إلى رجل آخر من خيار أصحابه، ثمّ يقول:

ليذهب كلّ واحد منكما من حيث لا يشعر الآخر إلى قبائلهما و أسواقهما و محالّهما و الرّبض (1) الّذي ينزلانه فيسأل عنها، فيذهبان و يسألان فإن أتوا خيرا و ذكروا فضلا رجعوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فأخبراه، أحضر القوم الّذين أثنوا عليهما، و أحضر الشّهود، فقال للقوم المثنين

ص:37


1- (1) الربض: البيت الذي يقيمان فيه.

عليهما: هذا فلان ابن فلان، و هذا فلان ابن فلان أ تعرفونهما؟ فيقولون: نعم.

فيقول: إنّ فلانا و فلانا جاءني عنكما في ما بيننا بجميل و ذكر صالح عنكما، فإن قالوا: نعم قضى حينئذ بشهادتهما على المدّعى عليه، فإن رجعا بخبر سيّئ و ثناء قبيح دعا بهم.

فيقول: أ تعرفون فلانا و فلانا؟ فيقولون: نعم.

فيقول: اقعدوا حتّى يحضرا، فيقعدون فيحضرهما.

فيقول للقوم: أ هما هما؟ فيقولون: نعم، فإذا ثبت ذلك عنده لم يهتك سترا بشاهدين، و لا عابهما، و لا وبّخهما، و لكن يدعو الخصوم إلى الصّلح، فلا يزال بهم حتّى يصطلحوا لئلاّ يفتضح الشّهود، و يستر عليهم، و كان رءوفا رحيما عطوفا على امّته، فإن كان الشّهود من أخلاط النّاس غرباء لا يعرفون، و لا قبيلة لهما و لا سوق و لا دار أقبل على المدّعى عليه فقال: ما تقول فيهما؟ فإن قال ما عرفنا منهما إلاّ خيرا غير أنّهما قد غلطا في ما شهدا عليّ أنفذ شهادتهما و إن جرحهما و طعن عليهما أصلح بين الخصم و خصمه، و أحلف المدّعى عليه، و قطع الخصومة بينهما»(1).

و هذا منتهى العدل في القضاء، و عليه سار الإمام في قضائه و حكمه بين الناس.

ص:38


1- (1) تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السّلام: 302. وسائل الشيعة 174:18.

في عهد أبي بكر

اشارة

و كما كان الإمام المرجع الأعلى للقضاء في أيام الرسول صلّى اللّه عليه و آله فكذلك كان المرجع في عهد أبي بكر و غيره من الخلفاء، و قد شجر خلاف بينه و بين أبي بكر في شأن فدك، فعرض الإمام للحكم الشرعي فيها، كما رفعت إليه بعض القضايا فحكم فيها، و في ما يلي ذلك:

1 - قصّة فدك:

قطع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فدكا لبضعته سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السّلام، و قد تصرّفت فيها في حياة أبيها، و بعد وفاته أدّعى أبو بكر أنّها للمسلمين، و طالب سيّدة النساء بالبيّنة، فعرّفه الإمام عليه السّلام أنّ البيّنة وظيفة المدّعي لا المدّعى عليه، و المطالب بها أبو بكر دون الزهراء حسبما تقتضيه القواعد الشرعية، و هذا نصّ حديث الإمام معه:

قال الإمام لأبي بكر:

«أ تحكم فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين».

لا.

و انبرى الإمام يخاصمه بمنطقه الفيّاض قائلا:

«فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه و ادّعيت أنا فيه، من تسأل البيّنة على ما في يدي...؟».

ص:39

و طفق أبو بكر قائلا:

إيّاك كنت أسأل على ما تدّعيه على المسلمين...

و راح الإمام يقيم الحجّة عليه قائلا:

«فإذا كان في يدي شيء فأدّعى فيه المسلمون تسألني البيّنة و قد ملكته في حياة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و بعده و لم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوا عليّ ، كما سألتني البيّنة على ما ادّعيت عليهم ؟».

و ختم الإمام حديثه بقوله:

«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: البيّنة على من ادّعى، و اليمين على من أنكر»(1).

و وجم أبو بكر و لم يطق الجواب أمام هذه الحجّة الدامغة التي لا مجال للشكّ فيها.

2 - حكمه على شارب خمر لا يعلم بحرمته:

رفع إلى أبي بكر شخص قد شرب الخمر، فأراد أن يقيم عليه الحدّ، فقال له:

إنّي شربتها و لا علم لي بتحريمها؛ لأنّي نشأت بين قوم يشربونها مستحلّين لها، فارتج على أبي بكر و لم يهتد للحكم فيها، فأشاروا عليه بسؤال الإمام عليه السّلام، فأرسل إليه من يسأله عنها فأجابهم:

«مروا رجلين ثقتين من المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين و الأنصار يناشدانهم هل فيهم أحد تلا عليه آية التّحريم أو أخبره بذلك عن رسول اللّه! فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم عليه الحدّ، و إن لم يشهد عليه أحد بذلك فاستتبه و خلّ سبيله».

ص:40


1- (1) تفسير علي بن إبراهيم: 501. وسائل الشيعة 215:18.

ففعل أبو بكر، فلم يشهد عليه أحد فخلّى سبيله و استتابه (1).

3 - رجل احتلم بامرأة:

قال رجل لآخر: إنّي احتلمت بامّك، فاستشاط غضبا و انتفخت أوداجه، فاشتكى عليه عند أبي بكر، فتحيّر في الجواب، فرفع أمره إلى أمير المؤمنين عليه السّلام فقال له:

«اذهب به فأقمه في الشّمس، و حدّ ظلّه، فإنّ الحلم مثل الظّلّ ...».

ما أروع هذا الجواب! فإنّ الأحلام لا يترتّب عليها أي أثر وضعي، ثمّ التفت إليه و قال:

«سنضربه حتّى لا يعود يؤذي المسلمين»(2).

إنّ ضربه لأجل نقل رؤياه إلى الشخص - و كان ذلك إهانة و اعتداء عليه - فهو يستحقّ التأديب لهذه الجهة... هذه بعض النوادر التي قضى فيها الإمام عليه السّلام في عهد أبي بكر.

1

ص:41


1- (1) مناقب آل أبي طالب 356:2. الإرشاد 107:1 و غيرها.
2- (2) مناقب آل أبي طالب 356:2.

في عهد عمر

اشارة

نقل الرواة كوكبة من الدعاوى و المسائل المعقّدة رفعت إلى عمر بن الخطّاب فحار في جوابها، و لم يهتد لحلّها، ففزع إلى باب مدينة علم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، فعرضها عليه فأجابه عنها جوابا حاسما على ضوء الشريعة الإسلامية، و بهر عمر و راح يبدي إعجابه بمواهب الإمام و عبقرياته بهذه الكلمات:

لو لا عليّ لهلك عمر.

لا أبقاني اللّه لمعضلة ليس لها أبو الحسن.

ما من قضية إلاّ و أبو الحسن لها.

و نعرض لبعض تلك المسائل التي عرضها عمر على الإمام فأجابه عنها:

1 - قصّة قدامة بن مظعون:

روى المؤرّخون أنّ قدامة بن مظعون شرب الخمر، فأراد عمر أن يقيم عليه الحدّ، فقال له قدامة: لا يجب عليّ الحدّ.

فقال عمر: لم ؟ فقال: إنّ اللّه تعالى يقول: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ [1] (1) ، فدرأ عمر عنه الحدّ، و بلغ ذلك

ص:42


1- (1) المائدة: 93.

الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام فأنكر على عمر درأه الحدّ عن قدامة، و قال له:

«لم تركت إقامة الحدّ على قدامة في شرب الخمر...؟».

فأجابه عمر أنّه تلا عليّ الآية - المتقدّمة -، فأوضح الإمام له الحكم في المسألة قائلا:

«ليس قدامة من أهل هذه الآية، و لا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرّم اللّه، إنّ الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات لا يستحلّون حراما، فاردد قدامة و استتبه ممّا قال، فإن تاب فأقم عليه الحدّ، و إن لم يتب فاقتله فقد خرج عن الملّة».

و عرف عمر الصواب في كلام الإمام عليه السّلام، فبعث خلف قدامة فأظهر التوبة، فدرأ عمر عنه القتل، و لم يدر كيف يقيم عليه الحدّ، فاستشار الإمام عليه السّلام فقال له:

«حدّه ثمانون»، فحدّه عمر ثمانين (1).

2 - اتّهام امرأة بريئة بالبغاء:

روى الإمام أبو عبد اللّه عليه السّلام قال:

اتي بجارية إلى عمر بن الخطّاب قد شهدوا عليها أنّها بغت، و كان من قصّتها أنّها كانت عند رجل، و كان كثير السفر، فشبّت الجارية فخافت زوجته أن يتزوّجها زوجها، فدعت جماعة من النساء فأمسكنها، و أخذت عذرتها باصبعها، فلمّا قدم زوجها من سفره رمت زوجته الجارية بالفاحشة، و أقامت البيّنة من جاراتها على ذلك، فرفع الرجل أمرها إلى عمر بن الخطّاب فلم يدر كيف يصنع.

ثمّ أخذ الجارية و الرجل و النساء إلى الإمام عليه السّلام، و عرض عليه الأمر، فقال

ص:43


1- (1) مناقب آل أبي طالب 366:2.

الإمام عليه السّلام لامرأة الرجل:

«أ لك بيّنة أو برهان ؟».

قالت: لي شهود جاراتي يشهدن عليها بما أقول.

فأمر الإمام عليه السّلام بإحضارهنّ ، فلمّا مثلن أمامه أخرج السيف من غمده و وضعه بين يديه، ثمّ دعى بزوجة الرجل، فأصرّت على قولها، فردّها إلى البيت ثمّ دعى إحدى النساء، و جثا على ركبتيه، و قال لها:

«أ تعرفينني ؟ أنا عليّ بن أبي طالب، و هذا سيفي، و قد قالت امرأة الرّجل ما قالت، و رجعت إلى الحق - أي إلى الحبس - و أعطيتها الأمان، فإن لم تصدقيني لأملأنّ السّيف منك».

و التفت المرأة إلى عمر فقالت له: الأمان على الصدق، فأجابها الإمام:

«فاصدقي».

قالت: لا و اللّه! إنّها - أي زوجة الرجل - رأت جمالا و هيئة، فخافت فساد زوجها فسقتها المسكر و دعتنا فأمسكناها، فافتضّتها باصبعها، و راح الإمام يقول:

«اللّه أكبر أنا أوّل من فرّق بين الشّهود إلاّ دانيال النّبيّ ».

و ألزم المرأة حدّ القذف، و ألزمهنّ جميعا العقر، و جعل عقرها أربعمائة درهم، و أمر المرأة أن تنفى عن الرجل و يطلّقها، و زوّجه الجارية (1).

3 - امرأة تتّهم فتى بالاعتداء على كرامتها:

من روائع أقضية الإمام عليه السّلام أنّ امرأة كانت مغرمة بحبّ فتى من الأنصار، و كان

ص:44


1- (1) فروع الكافي 216:7. من لا يحضره الفقيه 12:3. وسائل الشيعة 202:18.

عفيفا شريفا، فامتنع من إجابتها، فلمّا أيست من إجابته عمدت إلى بيضة فصبّت بياضها على ثيابها و بين فخذيها، و مضت إلى عمر، فقالت له:

إنّ هذا الفتى أخذني في موضع و فضحني.

فهمّ عمر أن يعاقب الأنصاري، و لمّا رأى الأنصاري ما أراده عمر جعل يتوسّل إليه و يطلب منه التثبّت في أمره، فالتفت عمر إلى الإمام عليه السّلام و قال له: ما ترى يا أبا الحسن ؟ فنظر الإمام إلى البياض على ثوب المرأة فارتاب منه، فأمر بإحضار ماء قد اغلي غليانا شديدا، فأحضروه له، فأخذ الإمام الماء و صبّه على موضع البياض، فصار بياضا، فأخذ منه الإمام شيئا و وضعه في فيه فاستبان له الأمر، و أقبل على المرأة فاعترفت بذلك (1) ، و كان ذلك من روائع أقضيته عليه السّلام.

4 - فتى يدّعي على امرأة أنّها امّه و هي تنكره:

من بدائع قضاء الإمام عليه السّلام أنّ غلاما ادّعى على امرأة أنّها امّه، و هي تنكره، و قد رفع أمره إلى عمر، فأمر بإحضار المرأة، فجاءت و معها اخوان أربعة، و أربعون قسامة يشهدون أنّها لا تعرف الغلام، و أنّه مدّع غشوم ظلوم يريد أن يفضحها بين اسرتها، و أنّ المرأة لم تتزوّج قطّ ، فالتفت الإمام عليه السّلام - و كان حاضرا - إلى عمر فقال له:

«أ تأذن لي أن أقضي بينهم...؟».

فانبرى عمر قائلا:

سبحان اللّه! كيف لا، و قد سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: «أعلمكم عليّ بن أبي طالب...».

ص:45


1- (1) التهذيب 304:6. وسائل الشيعة 206:18. الطرق الحكمية - ابن القيم: 47.

و التفت الإمام إلى المرأة فقال لها:

«أ لك شهود...؟».

نعم.

و تقدّم الشهود فشهدوا، فالتفت الإمام عليه السّلام إلى الحاضرين و قال لهم:

«لأقضينّ اليوم بينكم بقضيّة هي مرضاة الرّبّ من فوق عرشه علّمنيها حبيبي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله...».

ثمّ التفت إلى المرأة فقال لها:

«أ لك وليّ ...؟».

نعم، هؤلاء اخوتي..

و وجّه الإمام قوله إلى اخوتها فقال لهم:

«أمري فيكم و في اختكم جائز...؟».

نعم.

«اشهد اللّه و اشهد من حضر من المسلمين أنّي قد زوّجت هذه الجارية من هذا الغلام بأربعمائة درهم، و النّقد من مالي. يا قنبر، عليّ بالدّراهم...».

و مضى قنبر فأحضر الدراهم فصبّها في يد الغلام، و أمره الإمام أن يدفعها إلى المرأة، و لا يأتي إلاّ و عليه أثر العرس - يعني الغسل - فقام الغلام و صبّ الدراهم في حجر المرأة و أمرها بالقيام معه، و فزعت المرأة و صاحت:

النار، النار يا ابن عمّ محمّد! تريد أن تزوّجني من ولدي هذا و اللّه! ولدي، زوّجني اخوتي هجينا، فولدت منه هذا، فلمّا ترعرع و شبّ أمروني أن أنتفي منه

ص:46

و أطرده، و هذا و اللّه ولدي...(1).

5 - امرأة تزوّجت بشيخ فمات:

رفعت إلى عمر امرأة تزوّجها شيخ، و بعد أن قاربها توفّي فحملت منه ولدا، فلمّا وضعته ادّعى بنوه أنّها فاجرة، و شهدوا عليها، فأمر عمر برجمها، فمرّ بها الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و هي تستغيث فقالت له:

يا ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله! أنّ لي حجّة.

فأمر بإحضارها، فدفعت له ورقة قد سجّل فيها يوم زواجها و يوم وفاته، فأمر عليه السّلام بإحضارهم، و أجّلهم إلى اليوم الثاني فحضروا فيه، و دعا الإمام عليه السّلام بصبيان و معهم الولد، و قال لهم: العبوا، ثمّ أمرهم بالجلوس، ثمّ أمرهم ثانيا بالقيام فقاموا، و قام معهم الغلام متّكئا على راحتيه، فدعا به الإمام عليه السّلام فورّثه من أبيه و جلد اخوانه فبهر عمر و قال:

كيف صنعت...؟

فقال عليه السّلام:

«عرفت ضعف الشّيخ في اتّكاء الغلام على راحتيه»(2).

و هو استنتاج بديع، فإنّ الطفل خاضع لعوامل الوراثة و التي منها ضعف الأب و قوّته.

6 - امرأتان تنازعتا في طفل:

تنازعت امرأتان في طفل ادّعت كلّ واحدة أنّه ابنها، و قد رفعتا أمرهما إلى

ص:47


1- (1) فروع الكافي 423:7. وسائل الشيعة 206:18.
2- (2) التهذيب 304:6. من لا يحضره الفقيه 15:3. وسائل الشيعة 207:18.

عمر فحار في الجواب، ففزع إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، فاستدعى المرأتين و وعظهما و خوّفهما عقاب اللّه، فلم تستجيبا له، فقال عليه السّلام:

«ائتوني بمنشار».

فقالت المرأتان: ما تصنع به ؟ فقال عليه السّلام:

«أقدّه نصفين لكلّ واحدة منكما نصفه».

فسكتت إحداهما و انبرت الاخرى بفزع فقالت:

اللّه، اللّه يا أبا الحسن! إن كان لا بدّ من ذلك فقد سمحت به لها، و رفع الإمام صوته قائلا:

«اللّه أكبر! هذا ابنك دونها، و لو كان ابنها لرقّت عليه و أشفقت».

و اعترفت الاخرى أنّ الحقّ مع صاحبتها و أنّ الولد لها دونها (1).

7 - مجنونة بغت:

رفعت امرأة مجنونة إلى عمر قد فجر بها رجل، و قامت البيّنة عليها فأمر بجلدها، فمرّ بها الإمام عليه السّلام، فسأل عن أمرها، فاخبر بشأنها، فقال عليه السّلام:

«ردّوها إلى عمر، و قولوا له: إنّ هذه مجنونة آل فلان، و إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق، و إنّها مغلوبة على عقلها و نفسها».

فردّوها إليه، فدرأ عنها الحدّ (2).

ص:48


1- (1) الإرشاد - الشيخ المفيد: 68. وسائل الشيعة 212:18.
2- (2) الإرشاد - الشيخ المفيد: 97. وسائل الشيعة 316:18. الغدير 130:6.

8 - إقامة حدود مختلفة على خمسة زناة:

رفع إلى عمر خمسة زناة، فأمر أن يقام على كلّ واحد منهم الحدّ، فقال الإمام عليه السّلام: «يا عمر، ليس هذا حكمهم».

فطلب عمر منه أن يقيم عليهم الحدّ، فقدّم واحدا منهم فضرب عنقه، و قدّم الثاني فرجمه، و قدّم الثالث فضربه الحدّ، و قدّم الرابع فضربه نصف الحدّ، و أمّا الخامس فعزّره، فبهر عمرو قال:

يا أبا الحسن، خمسة نفر في قضيّة واحدة، أقمت عليهم خمسة حدود ليس منها يشبه الآخر...؟ فأجابه الإمام:

«أمّا الأوّل فكان ذمّيا و خرج - أي بجريمته - عن ذمّته، و أمّا الثّاني فرجل محصن فكان حدّه الرّجم، و أمّا الثّالث فغير محصن فحدّه الجلد، و أمّا الرّابع فعبد و حدّه نصف الحدّ، و أمّا الخامس فمجنون مغلوب على عقله» (1).

9 - امرأة اضطرّت إلى الزنا:

جاءت امرأة إلى عمر فقالت له: إنّي فجرت فأقم فيّ حدّ اللّه، فأمر برجمها، و كان الإمام حاضرا، فقال له:

«سلها كيف فجرت ؟».

فقالت: كنت في فلاة من الأرض فأصابني عطش شديد، فقصدت خيمة فأصبت فيها رجلا اعرابيا، فسألته الماء فأبى أن يسقيني إلاّ أن امكّنه من نفسي،

ص:49


1- (1) فروع الكافي 265:7. وسائل الشيعة 350:18.

فولّيت منه هاربة، فاشتدّ بي العطش حتى غارت عيناي و ذهب لساني، فلمّا بلغ منّي ذلك أتيته فسقاني، و وقع عليّ ، فقال الإمام عليه السّلام:

«هذه هي الّتي قال اللّه عزّ و جلّ : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ [1] ، هذه غير باغية، و لا عادية فخلّ سبيلها».

فقال عمر: لو لا عليّ لهلك عمر(1).

10 - حدّ من غاب عن زوجته:

جيء برجل من أهل منى فجر بامرأة بالمدينة، فأمر عمر برجمه، فردّ عليه الإمام عليه السّلام و قال:

«لا يجب عليه الرّجم؛ لأنّه غائب عن أهله، و أهله في بلد آخر، إنّما يجب عليه الحدّ».

فقال عمر: لا أبقاني اللّه لمعضلة لم يكن لها أبو الحسن (2).

11 - السارق:

اتي بسارق إلى عمر فأمر بقطع يده، ثمّ سرق ثانيا فأمر بقطع رجله، ثمّ سرق فأراد قتله، فقال له الإمام:

«لا تفعل، قد قطعت يده و رجله، و لكن احبسه»(3).

و في رواية أنّه أمر بحبسه و يطعم من فيء المسلمين.

ص:50


1- (1) من لا يحضره الفقيه 25:4. وسائل الشيعة 384:18. الطرق الحكمية - ابن قيم الجوزية: 53. كنز العمّال 96:3.
2- (2) مناقب آل أبي طالب 360:2.
3- (3) المصدر السابق 363:2.

12 - أمانة لرجلين:

استودع رجلان أمانة عند امرأة من قريش، و قالا لها: لا تدفعيها إلى واحد منّا دون صاحبه حتى يكون معه، فلبثا حولا فجاء أحدهما فقال لها: إنّ صاحبي قد توفّي فادفعي لي الأمانة، فأبت من دفعها إليه و قالت: إنّكما شرطتما عليّ أن لا أدفعها إلى واحد منكما حتى يكون معه صاحبه، فأخذ يتضرّع إليها و يتوسّل حتى استجابت له، و دفعت إليه الأمانة، و بعد حول جاء صاحبه فطالبها بالأمانة فقالت له: إنّ صاحبك زعم أنّك قد متّ فدفعتها إليه، فخاصمها إلى عمر بن الخطّاب، فقالت له: انشدك اللّه أن ترفعنا إلى عليّ ، فرفعهما إليه، و علم الإمام أنّها مكيدة، فقال له:

«أ ليس قد قلت مع صاحبك أن لا تدفعها إلى واحد منكما دون صاحبه ؟».

فقال: نعم.

فأجابه الإمام:

«مالك عندي، قم و أحضر صاحبك حتّى أدفعه لكما»(1).

فانهزم الرجل و ولّى خائبا، و هذا غاية ما يتصوّر من الذكاء و العبقرية في تفرّس الإمام و قضائه.

13 - رجم الحامل:

رفعت إلى عمر امرأة حامل قد زنت فأمر برجمها، فانبرى الإمام عليه السّلام منكرا عليه هذا الحكم قائلا:

ص:51


1- (1) مناقب آل أبي طالب 370:2. من لا يحضره الفقيه 10:3. عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السّلام: 63، نقلا عن الأذكياء - ابن الجوزي: 32.

«هب لك سبيل عليها، فأيّ سبيل لك على ما في بطنها، و اللّه يقول:

وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [1] ..».

و راح عمر يبدي إعجابه بالإمام قائلا:

لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبو الحسن...

ثمّ التفت إلى الإمام قائلا:

ما أصنع بها يا أبا الحسن ؟ و بيّن الإمام له الحكم قائلا:

«احتط عليها حتّى تلد، فإذا ولدت و وجدت لولدها من يكفله فأقم الحدّ عليها»(1).

14 - شراء إبل:

أمر عمر و هو بمنى أنسا أن يشتري له إبلا فاشتراها له، و كان عليها أحلاس و أقتاب، فأرادها عمر، فامتنع عليه الاعرابي، و قال:

إنّما بعتك الإبل مجرّدة عليها.

و تحاكما عند الإمام، فقال:

«إن كنت اشترطت عليه أقتابها و أحلاسها فهي لك، و إن لم تشترط فهي له».

فقال عمر: لم اشترط ، فأمر عمر بدفع الأقتاب و الأحلاس للاعرابي (2).

ص:52


1- (1) من لا يحضره الفقيه 28:4. وسائل الشيعة 381:18. و قريب منه في الرياض النضرة 196:2. الإرشاد - المفيد: 109.
2- (2) مناقب آل أبي طالب 363:2.

15 - قسمة مال الفيء:

جيء لعمر بمال فقسّمه بين المسلمين، ففضلت منه فضلة، فاستشار أصحابه فيها فأشاروا عليه بأخذها لأنّها لو قسّمت بين المسلمين لم يصبهم منها إلاّ اليسير، فأنكر الإمام ذلك، و قال لعمر:

«أقسمها عليهم، أصابهم من ذلك ما أصابهم، فالقليل في ذلك و الكثير سواء»(1).

و كانت هذه السياسة المشرقة في تقسيم أموال الفيء هي التي سار عليها الإمام حينما آلت الخلافة إليه، فإنّه لم يترك قليلا و لا كثيرا في بيت المال إلاّ وزّعه على المسلمين، و لم يصطف لنفسه و لا لأهله أي شيء منه.

16 - امراة مطلّقة في الجاهلية و الإسلام:

سأل رجل عمر فقال له: إنّي طلّقت امرأتي في الشرك تطليقة، و في الإسلام تطليقتين فما ترى ؟ و حار عمر في الجواب، و انتظر قدوم الإمام، فلمّا حضر عرض عليه الأمر، فقال له:

«هدم الإسلام ما كان قبله».

و لم يرتّب أي أثر على الطلق في الجاهلية (2).

17 - امرأة تسقط حملها فزعا من عمر:

نقل الرواة أنّ امرأة مشهورة بالبغاء، فبلغ ذلك عمر فبعث خلفها، ففزعت

ص:53


1- (1) مناقب آل أبي طالب 364:2.
2- (2) مناقب آل أبي طالب 364:2. عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السّلام: 66. الإرشاد - المفيد: 109. قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 51.

كأشدّ ما يكون الفزع، و ألقت حملها، و توفّي بعد وضعه، فلمّا مثلت أمام عمر و أخبر بقصّتها قال له بعض جلسائه: ما عليك من هذا شيء.

و قال بعضهم: سلوا أبا الحسن.

فعرضوا عليه الأمر فلامهم على ما أفتوا به، و قضى عليه السّلام أنّ الدية تكون على عمر (1) ؛ لأنّه السبب في ترويعها و إسقاطها للجنين.

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض القضايا التي حكم فيها الإمام عليه السّلام في عهد عمر، و قد حكت مدى سعة علومه، و إحاطته الكاملة في شئون القضاء الذي خفي على الكثير من الصحابة فلم تكن لهم أيّة دراية فيه، و كانوا يتخبّطون خبط عشواء في ما يفتون و يقضون به، و قد عرض لذلك بصورة شاملة ابن الجوزي في كتابه «السياسة الشرعية».

ص:54


1- (1) قضاء الإمام عليه السّلام: 43، نقلا عن الكليني، و قريب منه جاء في جمع الجوامع 300:7. و في العلم: 146. و في الغدير 119:6. الإرشاد - الشيخ المفيد: 109.

روايات موضوعة

اشارة

و لا بدّ أن نقف وقفة قصيرة أمام بعض الروايات التي حكت بعض قضايا الإمام عليه السّلام في عهد عمر، و لا نصيب لها من الصحّة؛ لأنّ الحكم الصادر من الإمام فيها لا يتّفق مع القواعد الشرعية التي هي مستمدّة من أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، و في ما يلي ذلك:

1 - رجل تزوّج بامرأة في عدّتها:

روى مسروق أنّ امرأة تزوّجت في عدّتها، فحكم عمر بأنّ صداقها يكون من بيت المال، و يفرّق بينهما، فبلغ ذلك الإمام عليه السّلام فقال:

«لها المهر بما استحلّ من فرجها، و يفرّق بينهما، فإذا انقضت عدّتها فهو خاطب من الخطّاب».

فبلغ ذلك عمر، فقال: ردّوا الجهالات إلى السنّة، و لم يأخذ بقول عليّ (1).

و هذه الرواية مخالفة للقواعد الشرعية و ذلك أنّ الحكم فيها أنّها تحرم على زوجها حرمة مؤبّدة إن كان قد دخل بها، و لا يكون خاطبا لها بعد انقضاء العدّة، كما حكت الرواية ذلك، كما أنّ مهرها يكون على الزوج لا من بيت المال، كما حكم بذلك عمر.

ص:55


1- (1) مناقب آل أبي طالب 361:2. أحكام القرآن - الجصّاص 504:1.
2 - غلام فجر بامرأة:

امرأة فجر بها غلام، فأمر عمر برجمها، فقال الإمام عليه السّلام:

«لا يجب الرّجم، إنّما يجب الحدّ؛ لأنّ الّذي فجر بها ليس بمدرك»(1).

و هذه الرواية مجافية للسنّة، فإنّ المرأة يقام عليها الحدّ (الرجم) إن كانت محصنة، و الجلد إن لم تكن محصنة، من دون فرق بين أن يكون الواطئ لها بالغا أم لا. نعم، الصبي لا يقام عليه الحدّ فقد رفع عنه القلم و إنّما يؤدّب (2) ، هذا ما تقتضيه القواعد الشرعية.

3 - غلام أسود انتفى منه أبوه:

رفع إلى عمر رجل و معه ابنه و هو أسود نفاه منه، فأراد عمر أن يعزّره - و لا نعلم وجه التعزير - و كان الإمام حاضرا فقال للرجل:

«هل جامعت امّه في حيضها؟». قال: نعم.

قال: «فلذلك سوّده اللّه»(3).

و هذه الرواية لا يمكن الحكم بصحّتها، فإنّ الحائض إذا قاربها زوجها لا تحمل منه، و إنّما الحمل يكون بعد فترة من طهرها حسب ما أعلنه الطبّ الحديث.

4 - امرأة تشبّهت بأمة رجل:

تشبّهت امرأة بأمة رجل و نامت في فراشه ليلا فواقعها و هو يظنّ أنّها جاريته،

ص:56


1- (1) مناقب آل أبي طالب 360:2.
2- (2) اللمعة الدمشقية - كتاب الحدود 16:9. عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السّلام: 54.
3- (3) مناقب آل أبي طالب 363:2. و قريب منه في الطرق الحكمية: 47. قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 40.

فرفع أمره إلى عمر فأرسله إلى الإمام عليه السّلام فقال:

«اضرب الرّجل حدّا في السّرّ، و اضرب المرأة حدّا في العلانية»(1).

و هذا الحكم مخالف للقواعد الشرعية، فإنّ الحكم في أنّ الرجل لا شيء عليه؛ لأنّ وطأه للجارية وط ء شبهة، نعم على المرأة الحدّ رجما إن كانت محصنة، و جلدا إن كانت غير محصنة.

نصيحة الإمام لعمر:

زوّد الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام عمر بن الخطّاب بنصيحة قيّمة في ما يتعلّق بالقضاء و غيره هذا نصّها:

«ثلاث إن حفظتهنّ و عملت بهنّ كفتك ما سواهنّ ، و إن تركتهنّ لم ينفعك شيء سواهنّ ».

قال: و ما هنّ يا أبا الحسن ؟ قال:

«إقامة الحدود على القريب و البعيد، و الحكم بكتاب اللّه في الرّضا و السّخط ، و القسم بالعدل بين الأحمر و الأسود».

و بهر عمر و راح يقول: لعمري! لقد أوجزت و أبلغت (2).

و هذه البرامج اسس العدل الإسلامي التي تضمن النجاح لزعيم الدولة إن سار على ضوئها و طبّقها على شعبه.

1

ص:57


1- (1) قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 33. الحقّ المبين في أحكام قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام - ذبيح اللّه محلاتي: 81. علي عليه السّلام و الخلفاء - نجم الدين العسكري: 262، نقلا عن غاية المرام: 536. بحار الأنوار 248:9.
2- (2) فروع الكافي 413:7. التهذيب 226:4. وسائل الشيعة 156:18.

في عهد عثمان

اشارة

و نقل الرواة بعض البوادر النادرة في قضاء الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في عهد عثمان بن عفّان عميد الاسرة الأموية، و يعود السبب في قلّتها إلى أنّ عثمان قد احتفّ به الأمويون و أحاطوا به، و حرفوه عن الإمام عليه السّلام فلم يحفل برأيه، و لم يأخذ بقضائه، و هذه بعض أقضية الإمام في هذا العهد.

1 - مكاتبة زنت:

بغت أمة مكاتبة قد تحرّر ثلاثة أرباع منها، و بقي ربع منها رقّا، فسأل عثمان الإمام عن حكمها، فقال:

«يجلد منها بحساب الحرّيّة، و يجلد منها بحساب الرّقّ ».

و وجّه عثمان السؤال إلى زيد بن ثابت فقال له: يجلد منها بحساب الرقّ فقط ، فردّ عليه الإمام قائلا:

«كيف تجلد بحساب الرّقّ و قد اعتق منها ثلاثة أرباعها؟ و هلاّ جلدتها بحساب الحرّيّة، فإنّها فيها أكثر».

فقال زيد: لو كان ذلك كذلك لوجب توريثها بحساب الحرية. فقال له الإمام:

«أجل، ذلك»، فأفحم زيد، و خالف عثمان رأي الإمام و أخذ برأي زيد (1).

ص:58


1- (1) الإرشاد - الشيخ المفيد: 101. عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السّلام: 68. وسائل الشيعة 405:18.

2 - شيخ حملت منه امرأته:

تزوّج شيخ كبير بامرأة فحملت منه، فزعم الشيخ أنّه لم يصل إليها، و أنكر حملها، و رفع أمره إلى عثمان، فالتبس عليه الأمر، فأمر بإقامة الحدّ عليها، و كان الإمام حاضرا فأنكر على عثمان فتواه، و قال له:

«إنّ للمرأة سمّين سمّ للمحيض، و سمّ للبول، فلعلّ الشّيخ كان ينال منها فسال ماؤه في سمّ المحيض فحملت منه، فاسألوا الرّجل عن ذلك».

فسألوه فقال: قد كنت انزل الماء في قبلها من غير وصول إليها بالافتضاض، فقال الإمام:

«الحمل له و الولد ولده»، فصار عثمان إلى قضائه (1).

3 - امرأة ولدت لستّة أشهر:

تزوّج رجل امرأة من جهينة فولدت له ولدا لستّة أشهر، فانطلق زوجها إلى عثمان فأمر بها أن ترجم، فبلغ ذلك الإمام عليه السّلام فسارع إلى عثمان فقال له:

«ما تصنع ؟ ليس ذلك - أي الرجم - عليها، قال اللّه تبارك و تعالى:

وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [1] (2) ، و قال: وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ [2] (3) ، فالرّضاعة أربعة و عشرون شهرا، و الحمل ستّة أشهر».

فاعتذر عثمان و قال: و اللّه! ما فطنت لهذا، و أمر بها أن تردّ، فسارعوا إليها

ص:59


1- (1) الإرشاد - الشيخ المفيد: 113. قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 42.
2- (2) الأحقاف: 15.
3- (3) البقرة: 233.

و وجدوها قد رجمت، و قد قالت لاختها: يا اخيّة، لا تحزني فو اللّه! ما كشّف فرجي أحد قطّ غيره.

و علّق المحقّق الأميني على هذه الحادثة بقوله: إن تعجب فعجب أنّ إمام المسلمين لا يفطن لما في كتاب اللّه العزيز ممّا تكثر حاجته إليه في شتّى الأحوال، ثمّ يكون من جرّاء هذا الجهل أن تؤذّى بريئة مؤمنة و تتّهم بالفاحشة، و يهتك ناموسها بين الملأ و على رءوس الأشهاد (1).

4 - تزوّج يحيى بصفيّة:

و كانا من السبي و زنت فولدت غلاما، فادّعى الزاني و يحيى، كلّ منهما، أنّه ابنه، و رفعا أمرهما إلى عثمان، فلم يعلم الحكم و رفع أمرهما إلى الإمام فقال:

«أقضي فيهما بقضاء رسول اللّه: الولد للفراش و للعاهر الحجر».

و جلد كلّ واحد خمسين (2).

ص:60


1- (1) الغدير 97:8. قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 41.
2- (2) مسند أحمد بن حنبل 104:1. تفسير ابن كثير 478:1.

قضاؤه

اشارة

في ايّام حكومته

ص:61

ص:62

و حينما تزيّنت الخلافة الإسلامية بالإمام أمير المؤمنين عليه السّلام رائد الحقّ و العدالة في دنيا الإسلام تولّى عليه السّلام بنفسه شئون القضاء بين الناس، بالاضافة إلى مسئولياته الاخرى، و كان يعهد بالقضاء إلى شريح القاضي، و لكن يأمره بعرض ما يقضي به عليه لئلاّ يكون مجافيا لأحكام الإسلام.

و على أي حال فإنّا نعرض إلى كيفيّة قضائه، و ما يرتبط بذلك من بحوث، كما نعرض إلى صور مشرقة من قضائه، التي هي في منتهى الروعة و الابداع، و في ما يلي ذلك:

كيفيّة قضائه:

اشارة

كان الإمام عليه السّلام إذا عرضت عليه دعوى لا يرتّب أي أثر على أوّل كلام أحد المتخاصمين ما لم ينته من كلامه، و حينئذ ينظر في معطياته (1) ، كما كان لا يحكم لأحد المتخاصمين من دون أن يسأل الآخر في ما أدلى صاحبه من كلام، و قد عهد إليه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بذلك، فقد قال له حينما بعثه لتبليغ سورة براءة:

«إنّ النّاس سيتقاضون إليك، فإذا أتاك الخصمان فلا تقض لواحد حتّى تسمع من الآخر فإنّه أجدر أن تعلم الحقّ »(2).

ص:63


1- (1) وسائل الشيعة 458:18.
2- (2) تفسير العيّاشي 75:2.

و قال له حينما بعثه إلى اليمن:

«إذا تحوكم إليك فلا تحكم لأحد الخصمين من دون أن تسأل من الآخر» (1).

و هذا أرقى صور العدل الذي يضمن حقوق الناس.

تناقض الشهادة:

كان الإمام عليه السّلام إذا تناقضت شهادة الشاهد يأخذ بأوّل كلامه دون الآخر، و قد أوصاه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بذلك، فقد قال له:

«من شهد عندنا ثمّ غيّر أخذناه بالأوّل، و طرحنا الأخير»(2).

و بهذا تصان الحقوق، و يعمّ العدل، و تسود العدالة.

عقاب شاهد الزور:

كان الإمام عليه السّلام ينكّل بشاهد الزور، فيبعث به إلى سوقه، و يأمر فيطاف به، فيحبسه أياما و يخلّي سبيله (3) ،

و قال الإمام أبو عبد اللّه الصادق عليه السّلام:

«إنّ شهود الزّور يجلدون جلدا ليس له وقت، ذلك إلى الإمام، و يطاف بهم حتّى يعرفهم النّاس».

و تلا قوله تعالى:«وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ . إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا» [1] (4).

ص:64


1- (1) عيون أخبار الرضا عليه السّلام 65:2.
2- (2) التهذيب 239:6.
3- (3) التهذيب 280:6. وسائل الشيعة 244:18.
4- (4) النور: 4 و 5.

فقيل له: بم تعرف توبته ؟ قال:

«يكذّب نفسه على رءوس الأشهاد حيث يضرب، و يستغفر ربّه عزّ و جلّ ، فإذا هو فعل ذلك فثمّ ظهرت توبته»(1).

شهادة من اقيم عليه الحدّ:

أمّا شهادة من اقيم عليه الحدّ من حيث القبول و الرفض، فهي على قسمين حسب رأي الإمام عليه السّلام و هما:

الأوّل: أن يكون من اقيم عليه الحدّ قد أظهر التوبة، و أقلع عن ذنبه، فإنّ شهادته تقبل،

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام:

«ليس يصيب أحد حدّا فيقام عليه ثمّ يتوب إلاّ جازت شهادته»(2).

الثاني: أن يكون المقام عليه الحدّ مصرّا على جرائمه، فلا تقبل شهادته.

قال الإمام عليه السّلام لسلمة بن كهيل:

«و اعلم أنّ المسلمين عدول بعضهم على بعض، إلاّ مجلودا في حدّ لم يتب منه، أو معروف بشهادة الزّور» (3).

رجوع الشاهد عن شهادته:

كان الإمام عليه السّلام يغرّم الشاهد إذا رجع عن شهادته بعد إصدار الحكم و تنفيذه، فقد شهد عنده رجلان على رجل أنّه سرق فقطع يده، ثمّ جاءوا برجل آخر فقالوا:

ص:65


1- (1) من لا يحضره الفقيه 27:3. وسائل الشيعة 244:18. التهذيب 221:6.
2- (2) فروع الكافي 397:7. التهذيب 245:6.
3- (3) وسائل الشيعة 295:18.

أخطأنا، هو هذا، فلم يقبل شهادتهما و غرّمهما دية الأوّل (1).

و شهد عنده أربعة رجال على رجل أنّهم رأوه مع امرأة يجامعها و هم ينظرون، فرجم، ثمّ رجع واحد منهم، قال:

«يغرّم ربع الدّية إذا قال: شبّه عليّ ، و إذا رجع اثنان و قالا: شبّه علينا غرّما نصف الدّية، و إن رجعوا كلّهم و قالوا: شبّه علينا غرّموا الدّية»(2).

إقامة الحدود فورا:

كان الإمام عليه السّلام يقيم الحدود فورا و لا يؤخّرها، فقد شهد عنده ثلاثة أشخاص على رجل بالزنا، فقال لهم:

«أين الرّابع ؟» فقالوا: الآن يجيء.

فقال عليه السّلام: «حدّوهم، فليس في الحدود نظر ساعة»(3)، و بهذا تصان الحقوق، و يرتدع عن غيّه كلّ باغ أثيم.

عدم إقامة الحدّ على من به قروح:

كان الإمام عليه السّلام لا يقيم الحدّ على من به قروح حتى يبرأ، فقد رفع إليه رجل في جسده قروح كثيرة، و عليه حدّ فقال:

«أقرّوه (4) حتّى تبرأ، لا تنكأوها عليه فتقتلوه»(5). و مثّل هذا الاجراء رحمة

ص:66


1- (1) التهذيب 219:6.
2- (2) وسائل الشيعة 243:18.
3- (3) من لا يحضره الفقيه 24:4. فروع الكافي 210:7.
4- (4) و في الفروع: «أخّروه».
5- (5) فروع الكافي 244:7. من لا يحضره الفقيه 27:4. وسائل الشيعة 321:18.

الإسلام و رأفته على الإنسان، و عدم القسوة في إقامة الحدود.

شهادة الصبيان:

أجاز الإمام عليه السّلام شهادة الصبيان إذا كبروا، و لم ينسوها (1) ، و اثر عنه أنّ شهادة الصبيان بيان جائزة بينهم ما لم يتفرّقوا أو يرجعوا إلى أهلهم (2).

شهادة المملوك:

أجاز الإمام عليه السّلام شهادة المملوك إذا كان عدلا (3) ، من دون فرق بينه و بين الحرّ، و بذلك فقد ساوى الإسلام بين المسلمين، و لم يميّز فئة على اخرى.

شهادة النساء:

أجاز الإمام عليه السّلام شهادة النساء في الامور التالية:

1 - إذا اعتدى شخص على إنسان فقتله، و لم يكن هناك أحد إلاّ النساء، فتجوز شهادتان.

قال الإمام عليه السّلام: «لا يبطل دم امرئ مسلم»(4).

2 -

أجاز الإمام عليه السّلام شهادة النساء في ما لا يجوز شهادة الرجل فيه، و كان من ذلك أنّ جماعة أتوا بامرأة بكر زعموا أنّها زنت، فأمر النساء بفحصها، فنظرن إليها فقلن: هي عذراء، و قال: «ما كنت لأضرب من عليها خاتم من اللّه»، و كان يجيز شهادة النساء في مثل ذلك (5).

ص:67


1- (1) من لا يحضره الفقيه 28:3. وسائل الشيعة 252:18.
2- (2) من لا يحضره الفقيه 27:3. وسائل الشيعة 253:18.
3- (3) فروع الكافي 389:7.
4- (4) فروع الكافي 390:7. التهذيب 266:6. وسائل الشيعة 258:18.
5- (5) فروع الكافي 404:7. وسائل الشيعة 261:18.

3 - حضر رجلا الوفاة، و لم يكن هناك أحد يوصي إليه بما أهمّه سوى امرأة، فقضى الإمام عليه السّلام بجواز شهادتها، و لكن في ربع الوصيّة (1).

4 - و أجاز الإمام عليه السّلام شهادة المرأة في النكاح إذا شهدت أنّ شخصا عقد على امرأة (2).

الإقرار أربعا في ثبوت الزنا:

و كما يثبت الزنا بشهادة أربعة رجال كذلك بإقرار الزاني أربع مرّات، و قد اثرت عن الإمام عليه السّلام في ذلك حادثتان و هما:

الاولى:

أنّ امرأة أتت الإمام عليه السّلام فقالت له: طهّرني طهّرك اللّه، فإنّ عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع، فالتفت إليها الإمام قائلا:

«ممّا اطهّرك ؟».

إنّي زنيت.

«أنت ذات بعل ؟».

نعم، ذات بعل.

«أ فحاضرا كان بعلك أم غائبا؟».

بل حاضرا.

فأمرها الإمام عليه السّلام بالانصراف إلى بيتها حتى تضع حملها، فلمّا وضعت حملها، أسرعت إلى الإمام عليه السّلام و طلبت منه أن يطهّرها، و كرّر عليها ما قاله لها أوّلا، و أمرها أن ترضع ولدها حولين كاملين، فانصرفت.

ص:68


1- (1) التهذيب 136:6. وسائل الشيعة 263:18.
2- (2) وسائل الشيعة 263:18.

فقال الإمام عليه السّلام: «اللّهمّ إنّهما شهادتان».

و لمّا مضى الحولان بادرت المرأة إلى الإمام و طلبت منه أن يطهّرها، فسألها كما سألها أوّلا ثمّ أمرها بالانصراف حتى تكفل ولدها، و يعقل ما يتصرّف به، فانصرفت و هي باكية.

فقال الإمام عليه السّلام: «هذه ثلاث شهادات». و التقى بالمرأة عمرو بن حريث المخزومي، فقال لها: ما يبكيك يا أمة اللّه! و قد رأيتك تختلفين إلى عليّ تسألينه أن يطهّرك ؟ فقالت: إنّي أتيت أمير المؤمنين أن يطهّرني، فقال: اكفلي ولدك حتى يعقل أن يأكل و يشرب و لا يتردّى من سطح، و لا يتهوّر في بئر، و قد خفت أن يأتي عليّ الموت و لم يطهّرني ؟ فقال لها عمرو: ارجعي إليه فأنا أكفله.

فرجعت فأخبرت الإمام عليه السّلام بذلك، و أقرّت مرّة رابعة ببغيها، فقال الإمام:

«اللّهمّ إنّه قد ثبت عليها أربع شهادات» و قام برجمها (1).

الحادثة الثانية في هذا الموضوع

أنّ رجلا قصد الإمام عليه السّلام فقال له: إنّي زنيت فطهّرني.

فقال له الإمام: «ممّن أنت ؟».

قال: من مزينة.

قال: «أ تقرأ من القرآن شيئا؟».

ص:69


1- (1) فروع الكافي 185:7. وسائل الشيعة 377:18. عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السّلام: 88. قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 26.

قال: بلى، و أمره بالقراءة فقرأ و أجاد، فقال له الإمام:

«أبك جنّة ؟».

قال: لا، فأمره بالانصراف حتى يسأل عنه، فذهب الرجل ثمّ عاد إلى الإمام و طلب منه أن يطهّره، فسأله الإمام هل له زوجة مقيمة معه في البلد، فقال: نعم، فأمره بالانصراف، و بعث إلى قومه فسألهم عنه، فقالوا: إنّه صحيح العقل، ثمّ رجع إليه في الثالثة و أقرّ باقترافه للزنا، فأمره بالانصراف ثمّ رجع إليه فأقرّ بالرابعة، فأوعز الإمام إلى قنبر بالاحتفاظ به، ثمّ أمر برجمه(1).

الحدود تدرأ بالشّبهات:

كان الإمام عليه السّلام يدرأ الحدّ إذا حامت حوله شبهة و التبس الأمر، فقد قال عليه السّلام:

«ادرءوا الحدود بالشّبهات»(2).

لا يقيم الحدّ من عليه الحدّ:

كان الإمام عليه السّلام يرى أن لا يقيم أحد الحدّ على غيره و عليه الحدّ، فقد نقل الرواة أنّ امرأة أقرّت على نفسها بالزنا أربع مرّات أمام الإمام عليه السّلام، فأمر قنبرا بجمع الناس، فلمّا اجتمعوا قام خطيبا فحمد اللّه و أثنى عليه، و قال:

«أيّها النّاس، إنّ إمامكم خارج بهذه المرأة إلى هذا الظّهر - يعني ظهر الكوفة -؛ ليقيم عليها الحدّ إن شاء اللّه، فعزم عليكم أمير المؤمنين لمّا خرجتم و أنتم متنكّرون و معكم أحجاركم، لا يتعرّف منكم أحد إلى

ص:70


1- (1) تفسير عليّ بن إبراهيم: 451. فروع الكافي 188:7. عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السّلام: 90-91. قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 25.
2- (2) المقنع: 147. وسائل الشيعة 399:18.

أحد، فانصرفوا إلى منازلكم إن شاء اللّه».

فانصرف الناس فلمّا أصبح الصبح خرج بالمرأة، و خرج الناس معه متنكّرين متلثّمين، و الحجارة في أيديهم و أرديتهم و في أكمامهم، و انتهوا إلى ظهر الكوفة، و حفر للمرأة حفيرة وضعها فيها، و نادى في الناس:

«أنّ اللّه عهد إلى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله عهدا عهده محمّد صلّى اللّه عليه و آله إليّ بأن لا يقيم الحدّ من للّه عليه حدّ، فمن كان عليه مثل ما عليها فلا يقم عليها الحدّ».

فانصرف الناس كلّهم ما خلا الإمام و ولديه الحسن و الحسين، فأقاموا عليها الحدّ (1).

الإمام مع شريح:

كان الإمام عليه السّلام جالسا في جامع الكوفة فمرّ به عبد اللّه بن قفل التميمي و معه درع طلحة، فقال له الإمام: هذه درع طلحة اخذت غلولا يوم البصرة، فطلب عبد اللّه منه أن يحضر أمام القضاء، فاستجاب الإمام عليه السّلام، و لمّا مثل أمام القاضي شريح، قال الإمام:

«هذه درع طلحة اخذت غلولا يوم البصرة».

فطلب منه شريح البيّنة، فأتاه الإمام بالإمام الحسن عليه السّلام فشهد أنّ الدرع لطلحة، فقال شريح: هذا شاهد واحد، و لا أقضي بشهادة شاهد حتى يكون معه آخر، فدعا الإمام قنبرا فشهد أنّ الدرع لطلحة، فرفض شريح شهادته، و قال: إنّه مملوك، فغضب الإمام عليه السّلام و قال لعبد اللّه:

«خذوا الدّرع فإنّ هذا قد قضى بجور ثلاث مرّات».

ص:71


1- (1) فروع الكافي 185:7. من لا يحضره الفقيه 22:4. وسائل الشيعة 341:18.

و بهر شريح و قال: لا أقضي حتى تخبرني كيف قضيت بجور ثلاث مرّات ؟ فأجابه الإمام:

«إنّي لمّا أخبرتك أنّها درع طلحة اخذت غلولا يوم البصرة فقلت: هات على ما تقول بيّنة، و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: حيث ما وجد غلول اخذ بغير بيّنة، فقلت: رجل لم يسمع الحديث، فهذه واحدة. ثمّ أتيتك بالحسن شاهدا فشهد، فقلت: هذا واحد، و لا أقضي بشهادة واحد حتّى يكون معه آخر. و قد قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بشهادة واحد و يمين. فهاتان اثنتان. ثمّ أتيتك بقنبر فشهد أنّها درع طلحة اخذت غلولا يوم البصرة فقلت: هذا مملوك، و لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عادلا، ويلك! إنّ إمام المسلمين يؤتمن من امورهم على ما هو أعظم من هذا» (1).

القرعة:

من الأمارة التي كان يحكم بها الإمام عليه السّلام (القرعة) و ذلك في ما إذا أشكل الأمر و تعارضت البيّنات التي يعتمد عليها في القضاء و غيره، فالقاعدة التي يحسم بها النزاع هي القرعة، فهي لكلّ أمر مشكل - كما في الحديث -، و كان من مواردها

أنّ رجلين اختصما في دابة إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام فزعم كلّ واحد منهما أنّها نتجت عنده على مذوده، و أقام كلّ واحد منهما البيّنة على دعواه، فأقرع الإمام بينهما سهمين، و علّم كلّ واحد منهما بعلامة، ثمّ قال:

«اللّهمّ ربّ السّماوات السّبع و ربّ الأرضين السّبع و ربّ العرش العظيم، عالم الغيب و الشّهادة الرّحمن الرّحيم، أيّهما كان صاحب الدّابّة هو أولى

ص:72


1- (1) فروع الكافي 485:7. من لا يحضره الفقيه 63:3-64.

بها، فأسألك أن تقرع و يخرج اسمه».

و خرج اسم أحدهما فقضى له بها.

و نظير هذه المسألة حدثت فحكم الإمام بالقرعة، و علّق الشيخ الطوسي رحمه اللّه على ذلك بقوله الذي اعتمده في الجمع بين هذه الأخبار هو أنّ البيّنتين إذا تقابلتا فلا تخلو أن تكون مع أحدهما يد متصرّفة أو لم تكن، فإن لم تكن يد متصرّفة و كانتا خارجتين فينبغي أن يحكم لأعدلهما شهودا و يبطل الآخر، فإن تساويا في العدالة حلف أكثرهما شهودا، و هو الذي تضمّنه خبر أبي بصير.

و ما رواه السكوني من القسمة على عدد الشهود، فإنّما هو على وجه المصالحة و الوساطة بينهما دون مرّ الحكم، و إن تساوى عدد الشهود اقرع بينهم، فمن خرج اسمه حلف بأنّ الحقّ حقّه.

و إن كان مع إحدى البيّنتين يد متصرّفة، فإن كانت البيّنة إنّما تشهد له بالملك فقط دون سببه انتزع من يده و اعطي اليد الخارجة، و إن كانت بيّنته بسبب الملك إمّا بشرائه و إمّا نتاج الدابة إن كانت دابته أو غير ذلك، و كانت البيّنة الاخرى مثلها، كانت البيّنة التي مع اليد المتصرّفة أولى.

فأمّا خبر إسحاق بن عمّار أنّ من حلف كان الحقّ له، و إن حلفا كان الحقّ بينهما نصفين فمحمول على أنّه إذا اصطلحا على ذلك؛ لأنّا بيّنا الترجيح بكثرة الشهود أو القرعة... إلخ (1).

الدعوى على الأخرس:

جاء شخص بأخرس ادّعى أنّ له عليه دينا - و لم يكن للمدّعي بيّنة - إلى الإمام

ص:73


1- (1) وسائل الشيعة 186:18-187.

أمير المؤمنين، فقال الإمام:

«الحمد للّه الّذي لم يخرجني من الدّنيا حتّى بيّنت للامّة جميع ما تحتاج إليه»، ثمّ قال: «ائتوني بمصحف»، فاتي به، فقال للأخرس: «ما هذا؟»، فرفع رأسه إلى السماء و أشار أنّه كتاب اللّه عزّ و جلّ ، ثمّ أمر بإحضار وليّه فاحضر، ثمّ قال:

«يا قنبر، عليّ بدواة و صحيفة».

فاتي بهما، ثمّ قال لأخي الأخرس:

«هذا - أي عليّ - بيني و بينك»، و كتب: «و اللّه الّذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب و الشّهادة الرّحمن الرّحيم، الطّالب الغالب الضّارّ النّافع الملك المدرك الّذي يعلم السّرّ و العلانية أنّ فلان ابن فلان المدّعي ليس له قبل فلان بن فلان - يعني الأخرس - حقّ و لا طالبه بوجه من الوجوه، و لا بسبب من الأسباب».

ثمّ غسله و أمر الأخرس بشربه، فامتنع فألزمه الدّين(1).

حبس العلماء و الأطباء:

كان الإمام عليه السّلام يأمر بحبس فسّاق العلماء و جهّال الأطباء، قال عليه السّلام:

«يجب على الإمام أن يحبس الفسّاق من العلماء، و الجهّال من الأطبّاء»(2)، و في هذا الاجراء صيانة للعلم و الصحّة العامّة، فإنّ فسّاق العلماء أداة تخريب و فساد للمجتمع، و كذلك جهّال الأطبّاء من الأسباب الموجبة لإشاعة الدمار و الهلاك في المجتمع.

ص:74


1- (1) التهذيب 319:6. من لا يحضره الفقيه 65:3.
2- (2) من لا يحضره الفقيه 20:3. وسائل الشيعة 221:18.

الحاكم الجائر:

حدّث الإمام عليه السّلام عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:

«يا عليّ ، إنّ ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر نزل معه بسفّود من نار، فينزع روحه فتصيح جهنّم».

فانبرى الإمام قائلا:

«هل يصيب ذلك أحدا من أمّتك ؟».

قال: «نعم، حاكم جائر، و آكل مال اليتيم ظلما، و شاهد زور»(1).

إنّ هذه الأصناف جديرة بعذاب اللّه و الخلود في نار جهنّم، فإنّها من أبرز أصناف الظالمين و المفسدين.

تحليف النصارى و اليهود:

كان الإمام عليه السّلام إذا اقيمت دعوى على أحد من النصارى و اليهود لا يحلّفهم في الأماكن المقدّسة في الإسلام كالجوامع، و إنّما كان يأمر باستحلافهم في بيعهم و كنائسهم، و أمّا المجوس فكان يحلّفهم في بيوت النار، و يقول: «شدّدوا عليهم احتياطا للمسلمين»(2)، و هو إجراء رائع، فإنّهم لا يخضعون للمقدّسات الإسلامية و لا يؤمنون بها، و إنّما يقيمون وزنا لمقدّساتهم.

الإمام يحبس ثلاثة أصناف:

كان الإمام عليه السّلام يأمر بحبس ثلاثة أصناف و هم:

ص:75


1- (1) فروع الكافي 253:3. وسائل الشيعة 237:18.
2- (2) قرب الاسناد: 42. وسائل الشيعة 219:18.

1 - الغاصب.

2 - آكل مال اليتيم ظلما.

3 - المؤتمن على أمانة فينكرها (1).

و كان يفتّش عن هؤلاء فإن وجد لهم أموالا باعها و أعطاها لهؤلاء، كما قضى عليه السّلام في الدين أنّه يحبس صاحبه، فإن تبيّن إفلاسه و الحاجة فيخلّي سبيله حتى يستعيد ماله، كما قضى عليه السّلام في الرجل يلتوي على غرمائه أنّه يحبس، ثمّ يأمر بتقسيم أمواله بين غرمائه بالحصص، فإن أبى باعه، فقسّمه بينهم (2).

من روائع قضائه:

اشارة

نقل الرواة كوكبة رائعة من قضاء الإمام عليه السّلام توصّل فيها إلى تمييز الحقّ من الباطل في قضايا مبهمة و معقّدة، كان منها ما يلي:

1 - الشاب الذي يطالب بأموال أبيه:

رفع شاب شكواه إلى الإمام و معه جماعة، فقال للإمام: إنّ هؤلاء النفر خرجوا و معهم أبي في السفر، فرجعوا و لم يرجع أبي معهم، فسألتهم عنه فقالوا: قد توفّي، و سألتهم عن أمواله، فقالوا: ما ترك مالا، فقدّمتهم إلى شريح فاستحلفهم، فانبرى الإمام قائلا:

«و اللّه! لأحكمنّ بينهم بحكم ما حكم به خلق قبلي إلاّ داود النّبيّ عليه السّلام».

ثمّ أمر الإمام قنبر بإحضار شرطة الخميس، فلمّا حضروا و كلّ بكلّ واحد منهم شرطيّا، و التفت إليهم قائلا:

ص:76


1- (1) وسائل الشيعة 181:18.
2- (2) وسائل الشيعة 180:18. التهذيب 232:6. من لا يحضره الفقيه 19:3.

«ما ذا تقولون ؟ تقولون: إنّي لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتى ؟ إنّي إذا لجاهل».

ثمّ أمر بتفريقهم و تغطية رءوسهم، و اقيم كلّ واحد منهم إلى اسطوانة من أساطين المسجد، و قد غطّيت رءوسهم بثيابهم، ثمّ دعا كاتبه عبيد اللّه بن رافع، و أمره بإحضار صحيفة و دواة، و جلس الإمام في مجلس القضاء، و جلس الناس في مجلسه، و قال لهم: إذا أنا كبّرت فكبّروا، ثمّ دعا بواحد منهم و كشف الثوب عن وجهه، و قال لعبيد اللّه كاتبه: «اكتب إقراره و ما يقول»، ثمّ أقبل على الرجل، و قال له:

«في أيّ يوم خرجتم من منازلكم، و أبو هذا الفتى معكم ؟».

في كذا و كذا، و عيّنه.

«في أيّ شهر؟».

في شهر كذا، و عيّنه.

«في أيّ سنة ؟».

في سنة كذا، و عيّنها.

«إلى أين بلغتم في سفركم حتّى مات أبو هذا الفتى ؟».

إلى موضع كذا، و عيّنه.

«في منزل من مات ؟».

في منزل فلان، و شخّصه.

«ما كان من مرضه ؟».

كذا و كذا، و عيّن مرضا خاصّا.

«كم يوما كان مرضه ؟».

ص:77

و عيّن الوقت الذي مرض.

«في أيّ يوم مات ؟ و من غسله ؟ و من كفّنه ؟ و بما كفّنتموه، و من صلّى عليه ؟ و من نزل قبره ؟».

ثمّ كبّر الإمام عليه السّلام و كبّر الناس معه، فارتاب الباقون و لم يداخلهم شكّ إنّ صاحبهم قد أقرّ عليهم و على نفسه بما اقترفوه من الجريمة، ثمّ أمر عليه السّلام بالرجل إلى السجن، و دعا بشخص آخر منهم و قال له:

«كلاّ! زعمتم أنّي لا أعلم ما صنعتم ؟».

فارتاب الرجل و طفق يخبر الإمام بما اقترفوه قائلا:

يا أمير المؤمنين، ما أنا إلاّ واحد من القوم، و لقد كنت كارها لقتله.

ثمّ دعا بكلّ واحد منهم فأقرّ بالقتل و سلب المال، ثمّ أمر بردّ الرجل الذي أمر به إلى الحبس فأقرّ كأصحابه، فألزمهم بالمال و الدم(1).

و حكت هذه البادرة مدى مواهب الإمام و قدرته الفائقة على إظهار الحقّ ، و إبرازه بعد إحاطته بظلام الباطل.

2 - عبد يدّعي السيادة على مولاه:

من بدائع قضاء الإمام عليه السّلام أنّ رجلا من الجبل خرج حاجّا إلى بيت اللّه الحرام و معه غلامه، فأذنب فضربه، فقال الغلام لسيّده: ما أنت مولاي بل أنا مولاك، و أخذ كلّ منهما يتوعّد الآخر و يدّعي السيادة عليه، و أخذا يجدّان السير حتى انتهيا إلى الكوفة، فرفعا أمرهما إلى الإمام عليه السّلام، فقال السيّد:

يا أمير المؤمنين، هذا غلامي أذنب فأدّبته، فوثب عليّ و ادّعى أنّه سيّد لي.

ص:78


1- (1) فروع الكافي 317:7. وسائل الشيعة 204:18. قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 11.

و قال الغلام: هو و اللّه غلام لي، و إنّ أبي أرسلني معه ليعلّمني، و إنّه وثب عليّ يدّعيني ليذهب بمالي، و أخذ كلّ منهما يحلف و يكذّب الآخر.

و أجّل الإمام الدعوى إلى اليوم الثاني، فلمّا أصبح الصبح قال الإمام لقنبر:

«اثقب في الحائط ثقبين»، و حضر الرجلان، فقال لهما: «ما تقولان ؟». فحلف كلّ واحد منهما أنّه سيّد لصاحبه، ثمّ أمرهما بالقيام و أن يضع كلّ واحد منهما رأسه في الثقب، فلمّا صنع ذلك، قال الإمام لقنبر: «عليّ بسيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله»، فأحضره له، ثمّ قال له: «عجّل بضرب رقبة العبد منهما»، فأخرج الغلام رأسه من الثقب، و بقي الآخر رأسه فيه، فأخذ الإمام الغلام و قال له: «أ لست تزعم أنّك لست بعبد له ؟» قال: بلى إنّه ضربني و تعدّى عليّ ، فحكم الإمام بأنّه العبد و سلّمه لمولاه(1).

و بهذا الاجراء فصل الخصومة بينهما و هو من غرر قضاء الإمام عليه السّلام.

3 - الأرغفة الثمانية:

من عجائب قضاء الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام أنّ رجلين اصطحبا في طريق، فلمّا أرادا الغداء أخرج أحدهما خمسة أرغفة، و أخرج الآخر ثلاثة أرغفة، و مرّ بهما شخص فدعواه إلى تناول الطعام فأجابهم إلى ذلك، و أكلوا جميعا الأرغفة الثمانية، و بعد الفراغ من الطعام قدّم لهما الرجل ثمانية دراهم جزاء لدعوتهما له، و انبرى صاحب الأرغفة الثلاثة فقال لصاحبه: اقسّم الدراهم نصفين، فردّ عليه صاحبه أنّ كلّ واحد منّا يأخذ من الدراهم عدد ما أخرج من الأرغفة، و وقع الشجار بينهما، فترافعا إلى الإمام عليه السّلام فأمرهما بالصلح فلم يستجيبا له، و قالا: اقض بيننا بالحقّ ، فحكم الإمام بينهما، فأعطى صاحب الخمسة أرغفة سبعة دراهم، و أعطى صاحب الثلاثة درهما، و بهرا من ذلك، فقال عليه السّلام مبيّنا الوجه في هذه القسمة.

ص:79


1- (1) فروع الكافي 425:7. وسائل الشيعة 208:18. قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 11.

«أ ليس أخرج أحد كما من زاده خمسة أرغفة و أخرج الآخر ثلاثة ؟».

بلى.

«أ ليس أكل ضيفكما معكما مثلما أكلتما؟».

بلى.

«أ ليس أكل كلّ واحد منكما ثلاثة أرغفة غير ثلث ؟».

بلى.

«أ ليس أكلت يا صاحب الثّلاثة ثلاثة أرغفة غير ثلث ؟ و أكلت أنت يا صاحب الخمسة ثلاثة أرغفة غير ثلث ؟ و أكل الضيف ثلاثة أرغفة غير ثلث ؟ أ ليس بقي لك يا صاحب الثّلاثة ثلث رغيف من زادك ؟ و بقي لك يا صاحب الخمسة رغيفان و ثلث، و أكلت ثلاثة غير ثلث، فأعطاكما لكلّ ثلث رغيف درهما، فأعطى صاحب الرّغيفين و ثلث سبعة دراهم، و أعطى صاحب الثّلاثة درهما»(1).

لقد حكم الإمام عليه السّلام بهذه القسمة المثيرة للدهشة التي لا يلتفت إليها إلاّ المتمرّس في علم الحساب.

4 - جاريتان تتنازعان في ولد:

من بدائع قضاء الإمام عليه السّلام أنّ جاريتين وضعت إحداهما ولدا، و وضعت الاخرى بنتا، فعمدت الأخيرة إلى وضع بنتها في مهد الولد و أخذته، فتمسّكت به امّه، و رفع أمرهما إلى الإمام عليه السّلام فأمر أن يوزن لبنهما، و قال: «أيّهما كانت أثقل لبنا

ص:80


1- (1) فروع الكافي 327:7. التهذيب 260:6. وسائل الشيعة 209:18. عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السّلام: 84-87.

فالابن لها»(1)، و ذلك لأنّ لبن الولد أثقل من لبن الانثى، و هذا الحكم لا يفقهه إلاّ باب مدينة علم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

5 - امرأة تخاصم زوجها:

رفعت امرأة شكوى إلى الإمام عليه السّلام على زوجها فادّعت عليه أنّه قارب جاريتها بغير إذنها، و قال الزوج: بل قاربتها بإذنها، فقال عليه السّلام للزوجة:

«إن كنت صادقة رجمناه، و إن كنت كاذبة ضربناك حدّا».

و اقيمت الصلاة، فقام الإمام لأداء الفريضة، و فزعت المرأة من قول الإمام، فانهزمت و لم يسأل الإمام عنها (2).

6 - شخصان يختصمان في دابة:

من أمثلة قضاء الإمام عليه السّلام التي قضى بها أنّ شخصين اختصما في دابة في أيديهما، و أقام كلّ واحد منهما البيّنة أنّها أنتجت عنده فأمرهما الإمام باليمين و القسم باللّه أنّها له فحلف أحدهما و نكل الآخر، فقضى بها للحالف، فقيل للإمام:

فلو لم تكن في يد واحد منهما و أقاما البيّنة ؟ فقال:

«أحلفهما فأيّهما حلف و نكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعا جعلتها بينهما نصفين».

قيل: فإن كانت في يد أحدهما و أقاما جميعا البيّنة ؟ قال:

«أقضي بها للحالف الّذي هي في يده»(3).

ص:81


1- (1) التهذيب 315:6. وسائل الشيعة 210:18.
2- (2) من لا يحضره الفقيه 18:3. وسائل الشيعة 211:18.
3- (3) فروع الكافي 419:7. وسائل الشيعة 182:18.

و من هذه البادرة و غيرها ممّا اثر عن أئمّة الهدى عليهم السّلام استمدّ الإماميّة في ما يفتون و يقضون به في مسائل القضاء.

7 - سكارى تضاربوا بالسكاكين:

عمد أربعة أشخاص إلى شرب الخمر، فلمّا فقدوا رشدهم تضاربوا بالسكاكين، فألقت الشرطة القبض عليهم، فأمر الإمام بحبسهم حتى يفيقوا، فمات منهم في السجن اثنان، و بقي منهم اثنان، فجاء أقارب الميّتين إلى الإمام، و طلبوا منه أن يقتل الشخصين الباقيين، فقال لهم الإمام:

«ما علّمكم بذلك ؟ لعلّ كلّ واحد منهما - أي من المقتولين - قتل صاحبه»، فقالوا لا ندري، فاحكم بما علّمك اللّه، فحكم عليه السّلام بأنّ الدية على قبائل الأربعة بعد مقاصة الحيّين منهما بدية جراحهما.

و علّق الشيخ المفيد على ذلك بقوله: كان ذلك هو الحكم الذي لا طريق إلى الحقّ في القضاء سواه، أ لا ترى أنّه لا بيّنة على القاتل تفرده من المقتول، و لا بيّنة على العمد في القتل، فلذلك كان القضاء فيه على حكم الخطأ في القتل و اللبس في القاتل دون المقتول (1).

8 - جماعة سبحوا فغرق أحدهم:

سبح ستّة أشخاص في حوض الفرات فغرق أحدهم، فشهد اثنان منهم على الثلاثة أنّهم أغرقوه، و شهد الثلاثة أنّ الاثنين أغرقاه، فقضى الإمام عليه السّلام بالدية أخماسا على الخمسة نفر، ثلاثة منها على الاثنين بحسب الشهادة عليهما، و خمسان على الثلاثة بحسب الشهادة أيضا.

ص:82


1- (1) عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السّلام: 73.

قال الشيخ المفيد: و لم يكن في ذلك قضيّة أحقّ بالصواب ممّا قضى به عليه السّلام (1).

9 - امرأة ولدت إنسانا له رأسان:

ولدت امرأة إنسانا له بدنان و رأسان على حقو واحد، فسألوا الإمام عنه فقال:

«اعتبروه إذا نام، ثمّ أنبهوا أحد البدنين و الرّأسين، فإن انتبها جميعا في حالة واحدة فهو إنسان واحد، و إن استيقظ أحدهما و بقي الآخر نائما فهما اثنان و حقّهما في الميراث حق اثنين»(2).

10 - الدنانير المودعة:

استودع شخصان عند رجل ثلاثة دنانير، دينار لأحدهما و اثنان للآخر، فضاع دينار منها و ترافعا عند الإمام عليه السّلام، فقضى أنّ لصاحب الدينارين دينارا و نصفا، و لصاحب الدينار نصف دينار (3) ، و الوجه في ذلك أنّ أحد الدينارين ملك لصاحبه، و يبقى النزاع في الثاني فيقسّم بينهما، و فرّع الاصوليّون على ذلك أنّه لو اشترى شخص ثالث النصفين منهما، فإنّه يعلم تفصيلا بأنّ نصف الدينار انتقل إليه من غير مالكه؛ لأنّ الدينار الضائع لا يخلو إمّا أن يكون من صاحب الدينارين فلا حقّ له في النصف، و إن كان من صاحب الدينار فكذلك لا حقّ له في النصف، و هذا من الموارد التي يتولّد من العلم الإجمالي علم تفصيلي غير منجز.

11 - عفوه عن السارق:

بادر سارق إلى الإمام مقرّا باقتراف السرقة، و طلب منه أن يقيم عليه الحدّ،

ص:83


1- (1) الإرشاد - الشيخ المفيد: 118.
2- (2) الإرشاد - الشيخ المفيد: 113-114.
3- (3) قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 29، نقلا عن الصدوق و الشيخ.

فقال له الإمام:

«أ تقرأ شيئا من القرآن ؟».

قال: نعم، سورة البقرة.

فقال الإمام: «وهبت يدك لسورة البقرة».

فرفع الأشعث المنافق عقيرته قائلا:

أ تعطّل حدّا من حدود اللّه.

فبيّن له الإمام الوجه في عفوه قائلا:

«و ما يدريك ما هذا؟ إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو، و إذا أقرّ الرّجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء عفا و إن شاء قطع»(1).

نعم للإمام أن يعفو عن الحدّ قبل قيام البيّنة، أمّا بعد قيامها فليس له ذلك، حسب فقه أهل البيت عليهم السّلام.

12 - شرب النجاشي للخمر:

كان قيس بن عمرو بن مالك من بني الحارث المعروف بالنجاشي شاعر الإمام عليه السّلام، و هو شاعر موهوب، مرّ في شهر رمضان بصديق له يسمّى أبا سماك العدوي بالكوفة فقال له أبو سماك:

ما تقول في رءوس حملان في كرش في تنور قد أينع من أوّل الليل إلى آخره، فردّ عليه النجاشي:

ويحك! في شهر رمضان تقول هذا؟

ص:84


1- (1) قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 33، نقلا عن الصدوق.

و كان أبو سماك جاهليا فأجابه:

ما شهر رمضان و شوال إلاّ سواء..

و ما زال يرغّبه في اقتراف المعصية حتى استجاب له، و قال النجاشي:

فما تسقيني عليه ؟ شراب كأنّه الورس (1) يطيّب النفس، و يجري في العظام، و يسهّل الكلام.

و عمد النجاشي إلى تناول الباجة مع الخمر، و فقد الصواب، و علت أصواتهما و بادر جار لهما فأخبر الإمام بشأنهما، فأرسل في طلبهما، فأمّا أبو سماك فهرب، و أمّا النجاشي فألقت الشرطة القبض عليه و جاءت به إلى الإمام عليه السّلام فصاح به:

«ويحك! إنّنا صيام و أنت مفطر؟».

ثمّ ضربه ثمانين سوطا و زاده عشرين سوطا، و غضب النجاشي و قال للإمام:

ما هذه العلاوة يا أبا الحسن...؟ فأجابه الإمام:

«هذه لجرأتك على اللّه في شهر رمضان».

ثمّ رفعه للناس في تبّان (2) لتحقيره و إهانته (3) لانتهاكه حرمة شهر رمضان، و هرب النجاشي إلى معاوية فارّا من العدالة الإسلامية، فلما دخل على معاوية كان بلاطه مكتظّا بعيون أهل الشام فرحّب به معاوية، و قال أمام الشاميّين:

مرحبا بمن عرف الحقّ فاتّبعه، و رأى الباطل فنفر منه.

فاستيقظ ضمير النجاشي و استجاب للحقّ فردّ على معاوية قائلا:

ص:85


1- (1) الورس: نبت أصفر يكون باليمن، لسان العرب 254:6.
2- (2) التبّان: سراويل صغيرة تستر العورة، مقدارها شبر يلبسها الملاّحون.
3- (3) خزانة الأدب 420:10-421. قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 46.

ويلك يا معاوية إنّا فررنا من العدل و الحقّ ، و احتمينا بالباطل، فالتاع معاوية و قابله بغضب، و نقل حديثه إلى الإمام عليه السّلام فقال:

«لو قتله معاوية لمات شهيدا، إنّها كلمة حقّ عند سلطان جائر».

13 - حكمه في قاطع الطريق:

قضى الإمام عليه السّلام في قاطع الطريق على المسلمين أن يقتل و تصادر أمواله، و يصلب (1) ، و هذا هو الحكم الصارم الذي اتّخذه الإسلام لاستتباب الأمن و قطع دابر المفسدين.

14 - قاطع الطريق الذي لا يسرق الأموال:

و قضى الإمام عليه السّلام في قاطع الطريق الذي لا يقتل، و لا يسلب الأموال، و إنّما يشيع الخوف، أن ينفى من بلده إلى بلد آخر حتى يأتيه الموت، و قال عليه السّلام:

«و هو المعنيّ بقوله تعالى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ [1] (2)».

و علّق السيّد محسن الأمين على ذلك بقوله:

«و هذا الأخير معناه أنّه أخاف السبيل فقط و لم يفعل شيئا ممّا فعله الأوّلان، و يدلّ عليه ما أرسله في مجمع البيان عن الباقر و الصادق عليهما السّلام إنّما جزاء المحارب على قدر استحقاقه، فإنّ قتل فجزاؤه أن يقتل، و إن قتل و أخذ المال فجزاؤه أن يقتل و يصلب، و إن أخذ المال و لم يقتل فجزاؤه أن تقطع يده و رجله من خلاف، و إن

ص:86


1- (1) عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السّلام: 47.
2- (2) المائدة: 33.

أخاف السبيل فقط فإنّما عليه النفي لا غير» (1).

15 - السفينة الصادمة و المصدومة:

و من قضائه عليه السّلام أنّه حكم على سفينة صادمة و سفينة مصدومة تضرّرت أنّ الضمان يكون على السفينة الصادمة، و لا تتحمّل السفينة المصدومة شيئا (2).

16 - شخص أوصى بسهم من ماله:

حكم الإمام عليه السّلام في رجل أوصى عند موته بإخراج سهم من ماله، فلمّا توفّي اختلف الورثة في مقداره، فقضى أن يخرج الثمن، و تلا قوله تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ [1] ... الخ، و هم ثمانية أصناف لكلّ صنف منهم سهم من الصدقات (3).

لقد كان حكم الإمام عليه السّلام مدعوما بالآية الكريمة، و هكذا كانت جميع أحكامه متّفقة مع كتاب اللّه تعالى لا تشذّ و لا تختلف عنه.

و نظير ذلك من أحكامه أنّ رجلا أوصى عند موته بجزء من ماله و لم يعيّنه، فاختلف الورثة في مقداره، فرفعوا أمرهم إلى الإمام عليه السّلام فقضى بإخراج السبع من ماله و تلا قوله تعالى: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ [2] (4).

17 - شخص أوصى بعتق كلّ عبد قديم له:

من المسائل التي قضى بها الإمام عليه السّلام أنّ شخصا أوصى بعتق كلّ عبد قديم

ص:87


1- (1) عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السّلام: 47.
2- (2) المصدر السابق: 94.
3- (3) المصدر السابق: 97.
4- (4) الحجر: 44.

له، و لم يهتد الوصي إلى معرفة القديم منهم، فسأل الإمام عن ذلك، فأجاب:

«يعتق كلّ عبد ملكه ستّة أشهر»، و تلا قوله تعالى: وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [1] (1).

و قد ثبت أنّ العرجون إنّما ينتهي إلى الشبه بالهلال في تقوّسه و ضالته بعد ستّة أشهر من أخذ الثمرة منه (2).

18 - شخص نذر أن يصوم حينا:

نذر شخص أن يصوم حينا من الدهر، و خفي عليه مقداره، فرفع أمره إلى الإمام عليه السّلام فقضى أن يصوم ستّة أشهر، و تلا قوله تعالى: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها [2] (3) ، و إنّما تؤتي اكلها بعد ستّة أشهر 4.

19 - امرأة متزوّجة تطلب بعلا:

جاءت امرأة إلى الإمام عليه السّلام و قد رفعت عقيرتها قائلة:

أصلحك اللّه ما تقول في فتاة:

ذات بعل أصبحت تطلب بعلا بعد إذن من أبيها

أ ترى ذلك حلالا؟ فأمرها الإمام عليه السّلام بإحضار زوجها فأحضرته، فأقرّ الرجل على نفسه أنّه عنين، فأمره بطلاقها ففعل، و زوّجها بشخص آخر (4).

ص:88


1- (1) يس: 39.
2- (2و4) عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السّلام: 101.
3- (3) إبراهيم: 25.
4- (5) قضاء الإمام عليه السّلام: 94.

20 - شخص أوصى بثلثه و قتل خطأ:

قضى الإمام في رجل أوصى بثلثه و قتل خطأ أنّ الدية يخرج منها الثلث (1).

21 - كلب وطئ شاة فولدت منه:

من غرر قضاء الإمام عليه السّلام أنّ اعرابيا سأله بهذه المسألة.

الاعرابي: رأيت كلبا وطئ شاة فأولدها ولدا، فما حكم ذلك في الحلّ ...؟ الإمام: «اعتبره في الأكل، فإنّ أكل لحما فهو كلب، و إن رأيته يأكل علفا فهو شاة...».

الاعرابي: وجدته تارة يأكل هذا، و تارة يأكل هذا...

الإمام: «اعتبره في الشّرب، فإن كرع فهو شاة، و إن ولغ فهو كلب».

الاعرابي: وجدته يلغ مرّة و يكرع اخرى...

الإمام: «اعتبره في المشي مع الماشية، فإن تأخّر عنها فهو كلب، و إن تقدّم أو توسّط فهو شاة».

الاعرابي: وجدته مرّة هكذا و مرّة هكذا.

الإمام: «اعتبره في الجلوس، فإن برك فهو شاة، و إن أقعى فهو كلب».

الاعرابي: إنّه هذا مرّة و هذا مرّة.

الإمام: «اذبحه فإن وجدت له كرشا فهو شاة، و إن وجدت له أمعاء فهو كلب».

و بهت الاعرابي و ذهل من سعة علوم الإمام و إحاطته الكاملة بمعرفة طبائع الحيوانات و حقائقها (2).

ص:89


1- (1) قضاء الإمام عليه السّلام: 43.
2- (2) قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 52. الكشكول - البحراني 111:3. الحقّ المبين في قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام - ذبيح اللّه محلاّتي: 193.

22 - مجوسية أسلمت قبل أن يدخل زوجها:

رفعت مجوسية قد أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها إلى الإمام عليه السّلام فطلب منه أن يسلم فأبى، فقضى على زوجها نصف الصداق، و قال:

«لم يزدها الإسلام إلاّ عزّا»(1)، و قد انفسخ النكاح؛ لأنّ الكافر ليس له أن يتزوّج بمسلمة.

23 - امرأة شرطت على زوجها بيدها الجماع و الطلاق:

شرطت امرأة على زوجها أنّ بيدها الجماع و الطلاق، و رفع أمرها إلى الإمام، فقضى أن بيد الزوج الجماع و الطلاق، و شرطها مخالف للسنّة، فإنّ على الزوج النفقة و الجماع و بيده الطلاق، و هذا الحكم هو الذي تقتضيه السنّة (2).

24 - شخص قاتل و سارق و شارب خمر:

جيء بشخص إلى الإمام عليه السّلام قد اقترف جريمة القتل و السرقة و شرب الخمر، فقضى عليه بجلده ثمانين لشربه الخمر، و قطع يده للسرقة و قتله لقتله إنسانا (3).

25 - السرقة من الغنيمة:

سرق شخص من الغنيمة، و هو من أفراد الجيش، و رفع أمره إلى الإمام عليه السّلام فقضى بعدم قطع يده، و قال: «إنّي لم أقطع يد أحد له في ما أخذ شرك»(4).

26 - تاجران يبيع كلّ منهما صاحبه و يهربان:

و قضى الإمام على التاجرين يبيع كلّ منهما صاحبه، و يفرّان من بلد إلى بلد بقطع أيديهما لأنّهما سارقان لأنفسهما و أموال الناس (5).

ص:90


1- (1) قضاء الإمام عليه السّلام: 51.
2- (2) قضاء الإمام عليه السّلام: 51.
3- (3) المصدر السابق: 55.
4- (4) المصدر السابق: 55.
5- (5) قضاء الإمام عليه السّلام: 57. عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السّلام: 72.

27 - رفض شهادة اليهود:

من المسائل التي قضى بها الإمام عليه السّلام أنّ يهوديّين شهدا على يهودي أنّه أسلم، فقضى عليه السّلام أنّه لا تقبل شهادتهما لأنّ اليهود يستحلّون تغيير كلام اللّه تعالى و شهادة الزور (1).

28 - قبول شهادة النصارى:

قضى عليه السّلام بقبول شهادة النصارى على من أسلم منهم و غير ذلك، و تلا قوله:

وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنّا نَصارى [1] (2).

و أضاف الإمام قائلا:

«و من لا يستكبر عن عبادة اللّه لا يشهد الزّور»(3). إنّ النصارى ليسوا كاليهود الذين يستحلّون كلّ إثم و يقترفون كلّ إثم.

29 - لا يقتل الوالد بولده:

قضى الإمام عليه السّلام في الرجل إذا قتل ولده لا يقتل به، و لكن إذا قتل الولد والده فإنّه يقتل به (4).

30 - شخص قذف جماعة:

قضى الإمام عليه السّلام في شخص قذف جماعة أنّه يجلد حدّا واحدا، و حمل الشيخ الرواية على قذفهم بلفظ واحد، و أتوا به مجتمعين، أمّا لو قذف واحدا واحدا

ص:91


1- (1) قضاء الإمام عليه السّلام: 57.
2- (2) المائدة: 82.
3- (3) قضاء الإمام عليه السّلام: 58.
4- (4) المصدر السابق: 59.

فإنّه يجلد لكلّ واحد على حدة [1]، هذا ما تقتضيه القواعد التي اثرت عن أئمّة الهدى عليهم السّلام.

و بهذه النماذج اليسيرة من قضاء الإمام عليه السّلام ينتهي بنا الحديث عن قضائه الذي هو ميزان الحقّ و العدل، و على ضوئه يقضي القضاة العدول،

يقول الإمام محمّد الباقر عليه السّلام:

«ليس أحد يقضي بقضاء يصيب فيه الحقّ إلاّ مفتاحه قضاء عليّ عليه السّلام». 1

ص:92

روايات مخدوشة

اشارة

ص:93

ص:94

من المؤكّد أنّ الوضع و الافتعال لم يكن مقتصرا على الأحداث التاريخية و إنّما استهدف بصورة خاصّة الشؤون الدينية، فقد خلطت بكثير من الموضوعات، و المفتريات افتعلت لأسباب سياسية، من أهمّها - فيما أحسب - تأييد الأنظمة القائمة في تلك العصور التي سلّطت جميع أنشطتها السياسية على إقصاء أئمّة أهل البيت عليهم السّلام عن المسرح السياسي للامّة، و إبعادهم عن كلّ شأن من شئون الحياة العامّة.

و على أي حال فقد نسبت إلى الإمام أمير المؤمنين بعض البنود التي قضى بها، و قد نسبها إليه من كتب عن قضائه و عجائب أحكامه، كما ذكرت في موسوعات الفقه و الحديث، و هي - عند التأمّل - لا تتّفق مع القواعد الفقهية التي يفتي على ضوئها فقهاء الإمامية، و التي هي مستمدة من أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، و من المحقّق الذي لا يخامره شكّ أنّ الفقه الإمامي بجميع شرائحه و أبوابه من العبادات و المعاملات و العقود و الايقاعات كلّها على سمت واحد غير مختلفة و لا متباينة في فروعها و اصولها كما تجد التباين واضحا في فقه غيرهم.

إنّ من مميزات الفقه الإمامي التشابه الكلّي في فتاوى مراجع الإمامية، و يعود السبب في ذلك أنّها اخذت من منبع واحد، و هم أئمّة الهدى سلام اللّه عليهم، الذين يمثّلون الواقع الإسلامي بجميع أبعاده.

و مهما يكن الأمر فإنّا نعرض لبعض الأقضية التي نسبت إلى الإمام عليه السّلام، و هي بعيدة كلّ البعد عن المقرّرات الفقهية المتسالم عليها عند السادة الفقهاء، و في ما

ص:95

يلي ذلك:

1 - الرجل المذبوح في الخربة:

نقل بعض الرواة أنّه اتي إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام برجل وجد في خربة و بيده سكين ملطّخ بالدم، و إلى جانبه رجل مذبوح متشحّط بدمه، فقال له الإمام عليه السّلام: «ما تقول ؟».

فقال: أنا قتلته، فأمر بالقصاص منه، فلمّا ذهبوا به سارع رجل إلى الإمام فقال له:

يا أمير المؤمنين، ما هذا صاحبه، أنا و اللّه! قتلته...

فالتفت الإمام إلى المتّهم الأوّل فقال له:

«ما حملك على إقرارك على نفسك ؟».

و أدلى المتّهم بحجّته:

يا أمير المؤمنين، ما كنت أستطيع أن أقول و قد شهد عليّ مثل هؤلاء الرجال، و أخذوني و بيدي سكين ملطّخ بالدم، و الرجل متشحّط بدمه، و أنا قائم عليه، و قد خفت الضرب فأقررت، و قد ذبحت بجنب الخربة شاة، و قد أخذني البول، فدخلت الخربة فرأيت الرجل مذبوحا، فقمت عليه متعجّبا، فدخل هؤلاء فأخذوني.

فأمرهم الإمام عليه السّلام بالمضي إلى ولده الإمام الحسن عليه السّلام ليحكم فيهم، فمضوا إليه و قصّوا عليه القصّة، فقال الحسن:

«قولوا لأمير المؤمنين: إنّ هذا إن كان ذبح ذاك فقد أحيا هذا، و قد قال اللّه تعالى: وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً [1] يخلّى عنهما،

ص:96

و تخرج دية المقتول من بيت المال»(1).

و أقرّ الإمام الحكم، و يواجه هذا القضاء أنّ القاتل كيف يعفى عنه مع اعترافه بجريمة القتل، فلا بدّ من القصاص أو الدية إن رضي بها أولياء المقتول، فالحكم بهذه الكيفيّة مخالف للقواعد الفقهية. اللّهمّ إلاّ أن يحمل على أنّه تشفّع إلى أولياء الدم بعدم القصاص منه، ثمّ إنّ الدية كيف تؤخذ من بيت المال مع أنّ اللازم أن تؤخذ من القاتل.

2 - امرأة واقعها زوجها في الحيض:

قضى الإمام في رجل أتى زوجته و هي حائض، فإن كان واقعها في أوّل حيضها فعليه أن يتصدّق بدينار، و يضربه الإمام خمسا و عشرين جلدة - ربع حدّ الزاني - و يستغفر اللّه و لا يعود، و إن أتاها في آخر أيام حيضها تصدّق بنصف دينار و يضربه الإمام اثنتي عشرة جلدة و نصف الجلدة - ثمن حدّ الزاني - و يستغفر اللّه و لا يعود (2).

و هذا الحكم مجاف لما ذهب إليه الفقهاء من عدم إقامة الحدّ عليه، و ليس عليه إلاّ الحكم التكليفي و هو الإثم، كما أنّ وجوب الكفّارة عليه محل تأمّل، فقد أفتى بعض الأعلام بعدم وجوبها.

3 - شخص أوصى بألف دينار:

روى الأصبغ بن نباتة أنّ شخصا في عهد الإمام عليه السّلام دفع إلى شخص ألف دينار، و أوصاه أن يتصدّق منها بما أحبّ و يحبس الباقي له، و توفّي الشخص، فتصدّق الرجل بمائة و حبس لنفسه تسعمائة دينار، فقال له ورثة الميّت: تصدّق عن

ص:97


1- (1) عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السّلام: 92.
2- (2) عجائب قضاء الإمام عليه السّلام: 70. قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 40.

أبينا بخمسمائة دينار، و احبس لنفسك خمسمائة دينار، فأبى، فخاصموه إلى الإمام و قصّوا عليه الأمر، فقال الإمام للرجل: «أجبهم إلى ما أرادوا»، فامتنع، فقضى عليه السّلام أنّ على الرجل أن يتصدّق بتسعمائة دينار و يحبس لنفسه مائة دينار.

و هذا الحكم يتنافى مع وصيّة الميّت؛ لأنّه أوصاه أن يحبس الرجل لنفسه ما أحبّ ، و قد رغب أن يتصدّق عن الميّت بمائة و يدّخر لنفسه تسعمائة، و هو ما يريده.

يقول السيّد محسن الأمين: «إنّ الحقّ في جانب الوصي لا فى جانب الورثة».

و أضاف السيّد: «إنّ ظاهر قول الموصي تصدّق منها بما تحب أي بما تريد لا بما تحبّ أن يبقى لك، و لعلّ ما فعله أمير المؤمنين عليه السّلام هو من باب النصيحة للوصي قصدا لاستصلاح الحال أو لغير ذلك من وجوه الاصلاح، و تفسير ما تحبّ أن يكون لك لعلمه من باب الاقناع و المفاكهة بالدليل الشرعي لا من باب الحقيقة، و يمكن أن يقال إنّ ظاهر حال الموصي أنّه لا يرضى بأن يحبس لنفسه أكثرها و يبقى أقلّها» (1).

و ما ذهب إليه السيّد خلاف ظاهر كلام الموصي، فقد أناط التصدّق بما يحبّه الوصي.

4 - صبي يجلس على ميزاب:

و من غرائب ما روي - و الذي هو إلى الخيال أقرب منه إلى الواقع - أنّ امرأة تركت طفلا ابن ستّة أشهر، فمشى يحبو حتى خرج إلى السطح، و جلس على رأس الميزاب، فجاءت امّه إلى السطح فما قدرت عليه، فجاؤوا بسلّم و وضعوه على الجدار فما قدروا على الطفل من أجل طول الميزاب و بعده عن السطح،

ص:98


1- (1) عجائب قضاء الإمام عليه السّلام: 70.

و الامّ تصيح، و جاء الإمام فنظر إلى الصبي فتكلّم بكلام لم يعرفه أحد، فأمر بإحضار طفل مثله فاحضر، فنظر أحد الطفلين إلى الآخر، و تكلّما بكلام الأطفال و خرج الطفل من الميزاب إلى السطح، و فرحت الناس بذلك (1).

و هذه القصّة و إن لم تكن من قضاء الإمام عليه السّلام إلاّ أنّا ذكرناها استطرادا للتدليل على عدم واقعيّتها.

5 - المسألة المنبرية:

من المسائل التي هي موضع الشكّ في نسبتها إلى الإمام عليه السّلام المسألة المنبرية - كما سمّاها الرواة - فقد سئل الإمام و هو على المنبر عن ميراث شخص توفّي، و ترك بنتين و أبوين و زوجته، فأجاب عن حصّة الزوجة أنّ ثمنها صار تسعا.

و هذا الجواب يبتني على العول الذي لا تقول به الشيعة، و هو إدخال النقص عند ضيق المال عن السهام المفروضة على جميع الورثة بنسبة سهامهم، فللزوجة الثمن، و للأبوين الثلث، و للبنتين الثلثان، فضاق المال عن السهام؛ لأنّ الثلث و الثلثين يكون بهما تمام المال، فمن أين يؤخذ ثمن الزوجة، فمن نفس العول، قال:

إنّ النقص يدخل على البنتين، و الفريضة تكون من أربعة و عشرين للزوجة ثمنها ثلاثة و للأبوين ثلثها ثمانية، و الباقي ثلاثة عشر للبنتين، فقد نقص من سهمهما ثلاثة، هذا بناء على إنكار العول، و من أثبت العول قال بادخال النقص على الجميع، فيزداد على الأربعة و العشرين ثلاثة فتصير سبعة و عشرين للزوجة منها ثلاثة و للأبوين ثمانية و للبنتين ستّة عشر، و الثلاثة هي تسع السبعة و العشرين، و هذا معنى قول الإمام - لو صحّ -: «صار ثمنها تسعا...».

ص:99


1- (1) علي عليه السّلام و الخلفاء - نجم الدين العسكري: 287. بحار الأنوار 487:9. الحقّ المبين في أحكام قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 71. قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 149.

و هذا القول مجاف لما اثر عن أئمّة الهدى عليهم السّلام من إنكار العول، فهذه الرواية مخدوشة (1).

6 - المسألة الدينارية:

من الروايات المخدوشة التي لا تتّفق مع مذهب أهل البيت عليهم السّلام هي ما روي أنّ امرأة سألت الإمام عليه السّلام فقالت له:

إنّ أخي قد مات و خلّف ستمائة دينار، و قد دفعوا لي منها دينارا واحدا، فاسألك انصافي و إيصال حقّي إليّ ، فقال لها الإمام:

«خلّف أخوك بنتين لهما الثّلثان أربع مائة، و خلّف امّا لها السّدس مائة، و خلّف زوجة لها الثّمن خمسة و سبعون، و خلّف معك اثني عشر أخا لكلّ أخ دينار، و لك دينار».

و لهذا فقد سمّيت هذه المسألة بالدينارية.

و هذه المسألة مبنية على التعصيب الذي لا تقول به الشيعة، فإنّ التعصيب هو أخذ العصبة ما زاد على السهام المفروضة في القرآن الكريم و هو مناف لما ثبت عن أئمّة الهدى عليهم السّلام من بطلان التعصيب و ردّ الزائد على ذوي السهام بنسبة سهامهم (2).

7 - شخص يعزل عن امرأته فولدت:

من الروايات التي تتّسم بالضعف ما روي أنّ شخصا جاء إلى الإمام عليه السّلام فقال له: إنّي كنت أعزل عن امرأتي، و قد جاءت بولد. فقال عليه السّلام:

«انشدك اللّه هل وطئتها و عاودتها قبل أن تبول ؟».

ص:100


1- (1) عجائب قضاء الإمام عليه السّلام: 82.
2- (2) عجائب أحكام أمير المؤمنين عليه السّلام: 84.

قال: نعم.

قال الإمام «الولد لك»(1).

و وجه الضعف في الرواية أنّ الولد يلحق به، سواء بال أم لا؛ لأنّه قد يسبق الماء و لا يشعر به الرجل، كما دلّت على ذلك الأخبار.

8 - رجل جامع زوجته في دبرها:

من الروايات المخدوشة أنّ ابن الكوّاء سأل الإمام و هو على المنبر فقال له: ما تقول في رجل أتى امرأته في دبرها؟ فقال:

«فحشت فحش اللّه بك، سفلت سفل اللّه بك.

يعمد إلى أعظم بناء في القرية فيرمى منكّسا ثمّ يتبع بالحجارة»(2).

و قد أثبتت الرواية بإلقاء الزوج من شاهق و رميه بالحجارة، و هذا لا يقول به أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، فإنّ هذا الحدّ للّواط .

9 - رجل حلف أن لا تأكل زوجته تمرة:

من الروايات الضعيفة أنّ رجلا قال للإمام عليه السّلام إنّه كان بين يدي تمر فبدرت زوجتي فأخذت منه واحدة فألقتها في فيها، فحلفت أنّها لا تأكلها و لا تلفظها، فقال عليه السّلام: «تأكل نصفها و ترمي نصفها، و قد تخلّصت من يمينك»(3).

و لا يمكن القول بذلك فإنّ اليمين إنّما ينعقد في ما إذا كان مشروعا، و بفعل الشخص نفسه لا بفعل غيره.

ص:101


1- (1) قضاء أمير المؤمنين عليه السّلام: 41.
2- (2) عجائب قضاء الإمام عليه السّلام: 96.
3- (3) عجائب قضاء الإمام عليه السّلام: 102.

10 - امرأة نذرت أن تطوف على يديها و رجليها:

من الروايات الضعيفة أنّ امرأة نذرت أن تطوف على يديها و رجليها، فقال عليه السّلام: «تطوف اسبوعا ليديها و اسبوعا لرجليها»(1)، و هذا النذر لا يمكن تصحيحه فإنّه إنّما ينعقد إذا كان راجحا. و من المؤكّد عدم صحّة النذر بهذه الكيفية.

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض الروايات الضعيفة التي نسبت إلى الإمام عليه السّلام في قضائه، فهي بالإضافة إلى ضعف سندها فإنّها مجافية لما اثر عن أئمّة الهدى عليهم السّلام في هذه المسائل.

و بذلك تنطوي الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب، و هو لا يحكي إلاّ بعض ما نقله الرواة من قضاء الإمام عليه السّلام آملا أن يجد فيه القارئ الفائدة و المتعة و هو ما أتمناه.

1

ص:102


1- (1) فصل الخطاب: 553.

المحتويات

تقديم 5 مدلول القضاء لغة و شرعا 13-18 في اللغة 15 في الاصطلاح الشرعي 16 القضاء في الجاهلية 17 القضاء في الإسلام 17 اهمّيّة القضاء و شروط القضاة 19-28 أهميّة القضاء 21 مع القضاة 22

ص:103

مسئوليات رئيس الدولة 23 أنواع القضاء 24 شروط القضاة: 25 1 - الذكورة 25 2 - البلوغ 25 3 - العدالة 25 4 - الإسلام 26 5 - الاجتهاد 26 آداب القضاء 27 راتب القاضي 28 عزل القاضي 28 قضاء الإمام في عهد الرّسول و الخلفاء 29-60 في عهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: 33 1 - قصّة الغلام 33 2 - زبية الأسد 34 3 - القارصة و القامصة و الواقصة 35 4 - جماعة وقع عليهم حائط 36 الإمام عليه السّلام يصف قضاء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله 37

ص:104

في عهد أبي بكر: 39 1 - قصّة فدك 39 2 - حكمه على شارب خمر لا يعلم بحرمته 40 3 - رجل احتلم بامرأة 41 في عهد عمر: 42 1 - قصّة قدامة بن مظعون 42 2 - اتّهام امرأة بريئة بالبغاء 43 3 - امرأة تتّهم فتى بالاعتداء على كرامتها 44 4 - فتى يدّعي على امرأة أنّها امّه و هي تنكره 45 5 - امرأة تزوّجت بشيخ فمات 47 6 - امرأتان تنازعتا في طفل 47 7 - مجنونة بغت 48 8 - إقامة حدود مختلفة على خمسة زناة 49 9 - امرأة اضطرّت إلى الزنا 49 10 - حدّ من غاب عن زوجته 50 11 - السارق 50 12 - أمانة لرجلين 51 13 - رجم الحامل 51 14 - شراء إبل 52 15 - قسمة مال الفيء 53 16 - امراة مطلّقة في الجاهلية و الإسلام 53 17 - امرأة تسقط حملها فزعا من عمر 53

ص:105

روايات موضوعة 55 1 - رجل تزوّج بامرأة في عدّتها 55 2 - غلام فجر بامرأة 56 3 - غلام أسود انتفى منه أبوه 56 4 - امرأة تشبّهت بأمة رجل 56 نصيحة الإمام لعمر: 57 في عهد عثمان: 58 1 - مكاتبة زنت 58 2 - شيخ حملت منه امرأته 59 3 - امرأة ولدت لستّة أشهر 59 4 - تزوّج يحيى بصفيّة 60 قضاؤه في ايّام حكومته 61-92 كيفيّة قضائه: 63 تناقض الشهادة 64 عقاب شاهد الزور 64 شهادة من اقيم عليه الحدّ 65 رجوع الشاهد عن شهادته 65 إقامة الحدود فورا 66

ص:106

عدم إقامة الحدّ على من به قروح 66 شهادة الصبيان 67 شهادة المملوك 67 شهادة النساء 67 الإقرار أربعا في ثبوت الزنا 68 الحدود تدرأ بالشبهات 70 لا يقيم الحدّ من عليه الحدّ 70 الإمام مع شريح 71 القرعة 72 الدعوى على الأخرس 73 حبس العلماء و الأطباء 74 الحاكم الجائر 75 تحليف النصارى و اليهود 75 الإمام يحبس ثلاثة أصناف 75 من روائع قضائه: 76 1 - الشاب الذي يطالب بأموال أبيه 76 2 - عبد يدّعي السيادة على مولاه 78 3 - الأرغفة الثمانية 79 4 - جاريتان تتنازعان في ولد 80 5 - امرأة تخاصم زوجها 81 6 - شخصان يختصمان في دابة 81 7 - سكارى تضاربوا بالسكاكين 82 8 - جماعة سبحوا فغرق أحدهم 82

ص:107

9 - امرأة ولدت إنسانا له رأسان 83 10 - الدنانير المودعة 83 11 - عفوه عن السارق 83 12 - شرب النجاشي للخمر 84 13 - حكمه في قاطع الطريق 86 14 - قاطع الطريق الذي لا يسرق الأموال 86 15 - السفينة الصادمة و المصدومة 87 16 - شخص أوصى بسهم من ماله 87 17 - شخص أوصى بعتق كلّ عبد قديم له 87 18 - شخص نذر أن يصوم حينا 88 19 - امرأة متزوّجة تطلب بعلا 88 20 - شخص أوصى بثلثه و قتل خطأ 89 21 - كلب وطئ شاة فولدت منه 89 22 - مجوسية أسلمت قبل أن يدخل زوجها 90 23 - امرأة شرطت على زوجها بيدها الجماع و الطلاق 90 24 - شخص قاتل و سارق و شارب خمر 90 25 - السرقة من الغنيمة 90 26 - تاجران يبيع كلّ منهما صاحبه و يهربان 90 27 - رفض شهادة اليهود 91 28 - قبول شهادة النصارى 91 29 - لا يقتل الوالد بولده 91 30 - شخص قذف جماعة 91

ص:108

روايات مخدوشة 93-102 1 - الرجل المذبوح في الخربة 96 2 - امرأة واقعها زوجها في الحيض 97 3 - شخص أوصى بألف دينار 97 4 - صبي يجلس على ميزاب 98 5 - المسألة المنبرية 99 6 - المسألة الدينارية 100 7 - شخص يعزل عن امرأته فولدت 100 8 - رجل جامع زوجته في دبرها 101 9 - رجل حلف أن لا تأكل زوجته تمرة 101 10 - امرأة نذرت أن تطوف على يديها و رجليها 102 المحتويات 103-109

ص:109

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.