موسوعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) المجلد 6

اشارة

سرشناسه:قرشی، باقرشریف، 1926 - م.

Qarashi, Baqir Sharif

عنوان و نام پديدآور: موسوعة الامام امیرالمومنین علی بن ابی طالب علیه السلام/ مولف باقر شریف القرشی

مشخصات نشر:قم: مجمع جهانی شیعه شناسی

مشخصات ظاهری:11ج.

شابک:دوره: 978-600-6164-72-4 ؛ 90000 ریال: ج. 1: 978-600-6164-65-6 ؛ ج.2و3 978-600-94930-7-4 : ؛ ج. 4 978-622-962924-6:

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:ناشر جلد دوم و سوم و چهارم انتشارات دارالتهذیب است .

مندرجات:ج. 1. زندگانی و فضایل امام علی علیه السلام در قرآن و سنت.- ج.2 و 3. امام علی (ع) در عهد پیامبر و دوران خلافت

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40 ق.

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- سرگذشتنامه

شناسه افزوده:مجمع جهانی شیعه شناسی

شناسه افزوده:The World Center for Shite Studies

رده بندی کنگره:BP37/ق36م8041 1393

رده بندی دیویی:297/951

شماره کتابشناسی ملی:3726762

ص :1

اشارة

موسوعة الامام امیرالمومنین علی بن ابی طالب علیه السلام

مولف باقر شریف القرشی

ص :2

مقدمة التحقيق

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ [1] البقرة: 180 وَ إِذْ قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ وَ هُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [2] لقمان: 13 لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [3] آل عمران: 164

ص:3

ص:4

تقديم

1 عنى الإسلام فيما قنّنه من أرصدة تربوية بتهذيب الإنسان في سلوكه و سائر صفاته و غرائزه النفسية؛ ليكون مواطنا صالحا ينشد العدل و يقيم الحقّ و يسعى للاصلاح الشامل لنفسه و امّته و وطنه.

إنّ نظرة الإسلام للإنسان كانت شمولية و قائمة على الاستيعاب الكامل لشؤونه النفسية و مكوّناته الذاتية، فعالجها بصورة موضوعية و دقيقة، فوضع لها المناهج الكاملة التي تحسم عنه جميع ألوان الانحراف و السلوك في المنعطفات التي تهوي به إلى مستوى سحيق ما له من قرار.

2 و تمتدّ مناهج التربية الإسلامية الخلاّقة إلى أعماق النفس و دخائل الذات فتطهّرها من الأنانية و الكبرياء و الدجل و النفاق و غيرها من الصفات الآثمة، كما تعقد الصلة الوثيقة بينها و بين اللّه تعالى خالق الكون و واهب الحياة، فتسمو بها إلى عالم النور و نكران

ص:5

الذات، و يتميّز الإنسان بذلك على سائر الكائنات الحيّة و يكون خليفة اللّه تعالى في أرضه.

3 من المؤكّد أنّ التربية الدينية الواعية القائمة على الاسس السليمة إذا سادت في الأرض و عمّت الامم و الشعوب فستنعدم عن الكون جميع أفانين الظلم و الجور و تسود العدالة الاجتماعية بجميع صورها و مناهجها و تتوفّر لابن آدم المجهود المكدود جميع الحقوق التي أعلنتها و أقرّتها هيئة الامم المتّحدة و غيرها من المحافل الدولية، كحقّه في الحياة و حقّه في الحرية و العمل و المساواة و غيرها من البنود في حقوق الإنسان.

4 أمّا الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام فهو الدماغ المفكّر في الإنسانية و عملاقها العظيم الذي أحاط بدقائق الحياة و ألمّ بطباع سائر الناس في جميع مراحل تكوينهم، فوقف على ميولهم و اتّجاهاتهم حتى صار كأحدهم، و قد حكى ذلك بقوله:

«إنّي و إن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم، و فكّرت في أخبارهم، و سرت في آثارهم؛ حتّى عدت كأحدهم؛ بل كأنّي بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمّرت مع أوّلهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، و نفعه من ضرره».

و قد وضع الإمام عليّ عليه السّلام البرامج التربوية على وفق إحاطته الكاملة بما يسعدون و ينعمون به.

ص:6

5 و تتميّز المناهج التربوية التي وضع برامجها الإمام الملهم العظيم في وصاياه الخالدة لأبنائه و أعلام أصحابه بأنّها لم تستهدف - فقط - قضايا النفس و صفاتها و تجريدها من النزعات الشريرة و إقامتها على اسس سليمة من الوعي و الإدراك الكامل الذي يحجبها من الالتواء في سلوكها و الانحراف في مسيرتها، و إنّما كانت شاملة لجميع مناحي حياة الإنسان و التي منها سلوكه مع أخيه الإنسان، و أن تكون الروابط بينهما وثيقة للغاية، فيحبّ له كما يحبّ لنفسه، و يكره له ما يكره لنفسه، و من المؤكّد أنّه إذا تحقّقت هذه الظاهرة على مسرح الحياة فإنّه يتكوّن منها المجتمع السليم الذي يريده اللّه تعالى، و سعى النبيّ العظيم صلّى اللّه عليه و آله لإقامته و تكوينه لتكون امّته رائدة الشعوب نحو الحياة الفضلى التي يجد فيها الإنسان جميع ما يصبو إليه من العزّة و الكرامة و الأمن و الرخاء و السلامة من الفقر و الجهل و غيرها من صور التخلّف و الانحطاط .

و لم يقتصر عطاء الإمام عليه السّلام الفكري على قضايا التربية و إنّما كان شاملا لجميع قضايا الكون و الحياة، فقد كانت له آراؤه الخالدة و التي هي من مناجم الأدب العربي و من ذخائر الفكر الإسلامي، و قد حفلت بها - باعتزاز - موسوعات التاريخ و مصادر الأدب العربي، و نحن نقدّم إلى القرّاء نماذج منها في إطار هذا الكتاب مع التعليق و الشرح الموجز لها. و بهذا نطوي الحديث عن هذا التقديم.

و اللّه وليّ التوفيق النّجف الأشرف باقر شريف القرشي 15 /شهر رمضان المبارك/ 1419 ه

ص:7

ص:8

وصاياه الخالدة

اشارة

ص:9

ص:10

أمّا وصايا الإمام عليه السّلام لأبنائه و بعض أعلام أصحابه فإنّها من اصول التربية الإسلامية الرائدة التي وضعت الاسس الرفيعة لسموّ النفس و تهذيبها و كمالها و صرفها عن مآثم هذه الحياة التي تهبط بالإنسان إلى مستوى سحيق.

إنّ وصايا الإمام عليه السّلام دنيا من الفضائل و الكمال و الآداب، و من حقّها أن تكون منهجا للتربية العامّة في الجامعات و المعاهد في البلاد الإسلامية ليغذّى بها النشء الذي يجهل كلّ شيء عن مقومات التربية الإسلامية، و ما تنشده من القيم و المبادئ التي تصنع الحضارة الإنسانية بأروع صورها و أبدع معانيها، و هي من أهمّ ما عنى بها الإمام عليه السّلام فيما قنّنه في ميادين الإصلاح الاجتماعي من الاسس التربوية القائمة على كلّ ما يصلح الإنسان، و يهديه للتي هي أقوم.. و نعرض لبعض وصايا هذا الإمام الملهم العظيم، و فيما أحسب أنّ أهمّ وصاياه هي الوصية التالية:

وصيّته

اشارة

للإمام الحسن عليه السّلام

هذه الوصية الذهبية الخالدة قد أتحف بها الإمام عليه السّلام ولده الزكي الإمام الحسن عليه السّلام سبط رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ريحانته، و هي تحمل أشعة من نور النبوّة و الإمامة ترشد الضالّ ، و تهدي الحائر، و تضيء العقول، و تهذّب النفوس، و نظرا لأهمّيتها البالغة فقد ترجمت إلى غير واحدة من اللغات، و شرحت بعدّة شروح كان منها:

ص:11

1 - منثور الأدب الإلهي، و هو لمحمّد صالح بن محمّد الروغني القزويني، و هو أحد شرّاح نهج البلاغة.

2 - الأخلاق المرضية في شرح الوصية.

3 - هداية الامم(1).

4 - نظمها بالفارسية السيد حسن بن ابراهيم القزويني، و هو من مشايخ السيّد بحر العلوم، و قد طبعت في استانبول.

5 - الاسس التربوية في شرح الوصية للعلاّمة الخطيب السيّد حسن القبانجي(2).

و نعرض - فيما يلي - النصّ الكامل لهذه الوصية التي كتبها الإمام ب «حاضرين» التي هي بلدة في نواحي صفّين، و ذلك في حال انصرافه منها، قال عليه السّلام:

«من الوالد الفان، المقرّ للزّمان(3)، المدبر العمر، المستسلم للدّهر، الذّام للدّنيا، السّاكن مساكن الموتى، و الظّاعن عنها غدا؛ إلى المولود المؤمّل ما لا يدرك(4)، السّالك سبيل من قد هلك، غرض الأسقام، و رهينة الأيّام، و رمية المصائب، و عبد الدّنيا، و تاجر الغرور، و غريم المنايا، و أسير الموت، و حليف الهموم، و قرين الأحزان، و نصب الآفات، و صريع الشّهوات، و خليفة الأموات.

أمّا بعد، فإنّ فيما تبيّنت من إدبار الدّنيا عنّي، و جموح(5) الدّهر

ص:12


1- الذريعة ١٣ : ٢٢٥.
2- مصادر نهج البلاغة وأسانيده _ قسم الرسائل والعهود : ١٤٤ _ ١٤٥.
3- أي المعترف بشدائده.
4- أي يؤمّل البقاء والخلود في الدنيا ، وهذا لا يدركه أحد.
5- الجموح : الاستعصاء.

عليّ ، و إقبال الآخرة إليّ ، ما يزعني عن ذكر من سواي، و الاهتمام بما ورائي، غير أنّي حيث تفرّد بي دون هموم النّاس همّ نفسي، فصدفني رأيي، و صرفني عن هواي، و صرّح لي محض أمري، فأفضى بي إلى جدّ لا يكون فيه لعب، و صدق لا يشوبه كذب. و وجدتك بعضي، بل وجدتك كلّي، حتّى كأنّ شيئا لو أصابك أصابني، و كأنّ الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي، فكتبت إليك كتابي مستظهرا به إن أنا بقيت لك أو فنيت...

حكى هذا المقطع من كلام الإمام عليه السّلام الامور التالية:

أوّلا: عرض الإمام عليه السّلام إلى فنائه، و إدبار عمره؛ لأنّه في سنّ الشيخوخة، و لا بدّ من مغادرته لدار الفناء إلى دار الخلود و البقاء.

ثانيا: أنّه حكى رغبات المولود في الدنيا، و ما يواجهه من الخطوب، و التي منها:

1 - أنّه مستهدف للمصائب و المحن و الخطوب.

2 - أنّه عبد الدنيا، و تاجر الغرور.

3 - أنّه أسير الموت لا يدري متى سيرحل عن هذه الدنيا.

4 - أنّ الإنسان في هذه الحياة تحالفه الهموم و الأحزان.

5 - أنّه خليفة الأموات، فقد خلف من كان قبله و لا بدّ أن يخلفه من يأتي بعده.

ثالثا: أنّ الإمام عليه السّلام قد أيقن بإدبار الدنيا عنه، و إقبال الآخرة عليه، الأمر الذي صرفه عن كلّ شيء من امور الدنيا، و جعله يتصرّف في جميع اموره بجدّ لا لعب فيه.

ص:13

رابعا: أعرب الإمام عن مدى حبّه و ودّه لولده الإمام الحسن عليه السّلام، فإنّه بعضه، بل كلّه، فهو بمنزلة نفسه، فاهتمّ بأمره كما اهتمّ باموره، فلذا وجّه إليه النصائح التالية:

قال الإمام عليه السّلام:

فإنّي أوصيك بتقوى اللّه - أي بنيّ - و لزوم أمره، و عمارة قلبك بذكره، و الاعتصام بحبله. و أيّ سبب أوثق من سبب بينك و بين اللّه إن أنت أخذت به!...

حكت هذه الكلمات الذهبية ما يقرّب الإنسان إلى اللّه تعالى زلفى، و من أوثقها تقوى اللّه تعالى و لزوم أمره، و عمارة القلب بذكره، و الاعتصام بحبله، فإنّها من موجبات القرب إلى اللّه تعالى، و الفوز برضاه.

و يستمر الإمام المربّي العظيم في وصيّته لولده الإمام الحسن عليه السّلام، قال عليه السّلام:

أحي قلبك بالموعظة، و أمته بالزّهادة، و قوّه باليقين، و نوّره بالحكمة، و ذلّله بذكر الموت، و قرّره بالفناء، و بصّره فجائع الدّنيا، و حذّره صولة الدّهر و فحش تقلّب اللّيالي و الأيّام، و اعرض عليه أخبار الماضين، و ذكّره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين، و سر في ديارهم و آثارهم، فانظر فيما فعلوا و عمّا انتقلوا، و أين حلّوا و نزلوا! فإنّك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبّة، و حلّوا ديار الغربة، و كأنّك عن قليل قد صرت كأحدهم. فأصلح مثواك، و لا تبع آخرتك بدنياك؛ و دع القول فيما لا تعرف، و الخطاب فيما لم تكلّف.

و أمسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فإنّ الكفّ عند حيرة الضّلال خير من ركوب الأهوال.

ص:14

و أمر بالمعروف تكن من أهله، و أنكر المنكر بيدك و لسانك، و باين من فعله بجهدك، و جاهد في اللّه حقّ جهاده، و لا تأخذك في اللّه لومة لائم.

و خض الغمرات للحقّ حيث كان، و تفقّه في الدّين، و عوّد نفسك التّصبّر على المكروه، و نعم الخلق التّصبّر في الحقّ ! و ألجئ نفسك في الأمور كلّها إلى إلهك، فإنّك تلجئها إلى كهف حريز، و مانع عزيز.

و أخلص في المسألة لربّك، فإنّ بيده العطاء و الحرمان، و أكثر الاستخارة، و تفهّم وصيّتي، و لا تذهبنّ عنك صفحا، فإنّ خير القول ما نفع. و اعلم أنّه لا خير في علم لا ينفع، و لا ينتفع بعلم لا يحقّ تعلّمه...

و حوى هذا المقطع امورا بالغة الأهمّية في تربية النفس و غيرها من وسائل الاصلاح و هي:

أوّلا - وسائل إصلاح النفس:

و أدلى الإمام عليه السّلام بالوسائل التي يسيطر بها الإنسان على نفسه، و يكبح جماحها، و هي:

1 - الموعظة: لا شكّ أنّ المواعظ توجب صفاء النفس، و هي من أهمّ الأدوية لعلاجها.

2 - الزهد: إنّ الزهد في رغائب الحياة و الإعراض عن ملاذّها و شهواتها يطهّر النفس من مآثم هذه الحياة.

3 - الحكمة: لا شبهة أنّ الحكمة و التبصّر بها تنوّر العقول و تصفّي النفوس.

ص:15

4 - ذكر الموت: أمّا ذكر الموت فإنّه يذلّل النفس، و يصدّها عن اقتراف المحارم و الآثام، و يهديها إلى الصراط المستقيم.

5 - التبصّر في فجائع الدنيا: إنّ النظر و التبصّر في فجائع الدنيا و خطوبها و آلامها من أهمّ وسائل التربية الروحية التي تدعو إلى تهذيب النفس.

6 - أخبار الماضين: دعا الإمام إلى النظر في تاريخ الامم الماضية و غيرها، فإنّ الإنسان يجدهم قد انتقلوا عن هذه الدنيا، و حلّوا ديار الغربة، و أنّ كلّ إنسان على هذا الكوكب لا بدّ أن يلاقي نفس هذا المصير.. هذه بعض الوسائل التي تسمو بالنفس قد ذكرها الإمام العظيم عليه السّلام.

ثانيا - فضائل و آداب:

و حوى هذا المقطع اصول الفضائل و الآداب التي يسمو بها الإنسان، و التي منها:

1 - الاجتناب عن القول فيما لا يعرفه الإنسان، فإنّ الخوض فيه منقصة و جهل؛ لأنّه قد يجيب بما خالف الواقع.

2 - عدم التسرّع في الخطاب الذي لا يكلّف فيه، فإنّ التسرّع في ذلك من ألوان الفضول.

3 - ترك السلوك في طريق يخاف ضلالته؛ لأنّه قد يقع في الضلالة التي تجرّ إلى الندم.

4 - الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فإنّ فيهما صلاح المجتمع.

5 - الجهاد في سبيل اللّه.

6 - خوض الغمرات و المصاعب لإحقاق الحقّ .. التفقّه في الدين، و معرفة أحكام اللّه تعالى.

ص:16

7 - الصبر على المكروه.

8 - الالتجاء إلى اللّه تعالى في جميع الامور و الأحوال، فإنّ بيده العطاء و الحرمان.

9 - الاستخارة و هي إحالة الرأي في جميع الامور إلى اللّه تعالى ليكون الإنسان على بصيرة من أمره.. و يستمرّ الإمام الحكيم في وصيّته قائلا:

أي بنيّ ! إنّي لمّا رأيتني قد بلغت سنّا، و رأيتني أزداد و هنا، بادرت بوصيّتي إليك، و أوردت خصالا منها قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي، أو أن أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى و فتن الدّنيا، فتكون كالصّعب النّفور.

و إنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته.

فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك، و يشتغل لبّك، لتستقبل بجدّ رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التّجارب بغيته و تجربته، فتكون قد كفيت مؤونة الطّلب، و عوفيت من علاج التّجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنّا نأتيه، و استبان لك ما ربّما أظلم علينا منه...

أعرب الإمام العظيم عليه السّلام في حديثه أنّه قد بلغ من السنّ الذي أشرف به على عتبة الشيخوخة، و أنّه قد ازداد و هنا و ضعفا في جسمه، فلذا بادر بتسجيل وصيّته إلى ولده الإمام الحسن عليه السّلام، هذه الوصية الممتلئة بالحكم و التجارب و النصائح التي أحاطت بجميع شئون الحياة و وضعت لها أسمى المناهج..

لقد بادر الإمام بوصيّته إلى ولده و هو في شرخ الشباب قبل أن يجتاز هذا السنّ ، فربّاه بحكمه و آدابه، و أفاض عليه مكرمات نفسه ليكون نسخة تحكيه

ص:17

و تمثّله، و يأخذ الإمام المربّي في وصيّته قائلا:

أي بنيّ ! إنّي و إن لم أكن عمّرت عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم، و فكّرت في أخبارهم، و سرت في آثارهم؛ حتّى عدت كأحدهم؛ بل كأنّي بما انتهى إليّ من أمورهم قد عمّرت مع أوّلهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، و نفعه من ضرره، فاستخلصت لك من كلّ أمر نخيله(1)، و توخّيت لك جميله، و صرفت عنك مجهوله، و رأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشّفيق، و أجمعت عليه من أدبك أن يكون ذلك و أنت مقبل العمر و مقتبل الدّهر، ذو نيّة سليمة، و نفس صافية، و أن أبتدئك بتعليم كتاب اللّه عزّ و جلّ و تأويله، و شرائع الإسلام و أحكامه، و حلاله و حرامه، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره. ثمّ أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف النّاس فيه من أهوائهم و آرائهم مثل الّذي التبس عليهم، فكان إحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له أحبّ إليّ من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك به الهلكة، و رجوت أن يوفّقك اللّه فيه لرشدك، و أن يهديك لقصدك، فعهدت إليك وصيّتي هذه...

يقدّم الإمام عليه السّلام لولده الزكي في وصاياه زبدة التجارب و خلاصة النصائح التي أخذت بها الامم السابقة، و أنّه عليه السّلام و إن لم يكن شاهدهم إلاّ أنّه نظر بعمق و شمول إلى تاريخهم و أحوالهم، فوقف على أسباب سعادتهم و أسباب شقائهم، و قدّم ذلك لولده.

و كان من أهمّ ما عنى به الإمام في هذا المقطع تعليم ولده لكتاب اللّه تعالى

ص:18


1- النخيل : المختار المصفى.

و تفسيره و الأخذ بأحكامه و معرفة حلاله و حرامه..

و يستمرّ الإمام في وصيّته فيقول:

و اعلم يا بنيّ ! أنّ أحبّ ما أنت آخذ به إليّ من وصيّتي تقوى اللّه و الاقتصار على ما فرضه اللّه عليك، و الأخذ بما مضى عليه الأوّلون من آبائك، و الصّالحون من أهل بيتك، فإنّهم لم يدعوا أن نظروا لأنفسهم كما أنت ناظر، و فكّروا كما أنت مفكّر، ثمّ ردّهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا، و الإمساك عمّا لم يكلّفوا، فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا فليكن طلبك ذلك بتفهّم و تعلّم، لا بتورّط الشّبهات، و علق الخصومات. و ابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك، و الرّغبة إليه في توفيقك، و ترك كلّ شائبة أولجتك في شبهة، أو أسلمتك إلى ضلالة. فإن أيقنت أن قد صفا قلبك فخشع، و تمّ رأيك فاجتمع، و كان همّك في ذلك همّا واحدا، فانظر فيما فسّرت لك، و إن لم يجتمع لك ما تحبّ من نفسك، و فراغ نظرك و فكرك، فاعلم أنّك إنّما تخبط العشواء [1]، و تتورّط الظّلماء. و ليس طالب الدّين من خبط أو خلط ، و الإمساك عن ذلك أمثل...

من بنود هذا المقطع من كلام الإمام عليه السّلام ما يلي:

1 - الوصية بتقوى اللّه تعالى فإنّها سبب النجاة في الدنيا و الآخرة.

2 - الإتيان بما فرضه اللّه تعالى من الواجبات و ترك المحرّمات.

3 - الأخذ بسيرة الصالحين و المتّقين من السلف الصالح من أهل بيت النبوّة

ص:19

و معدن الرسالة.

4 - الاستعانة باللّه تعالى في جميع الامور و طلب التوفيق.

5 - ترك كلّ شبهة تولج الإنسان في الشبهات و تسلّمه إلى الضلال.. و يأخذ الإمام عليه السّلام في وصيّته قائلا:

فتفهّم يا بنيّ ! وصيّتي، و اعلم أنّ مالك الموت هو مالك الحياة، و أنّ الخالق هو المميت، و أنّ المفني هو المعيد، و أنّ المبتلي هو المعافي، و أنّ الدّنيا لم تكن لتستقرّ إلاّ على ما جعلها اللّه عليه من النّعماء، و الابتلاء، و الجزاء في المعاد، أو ما شاء ممّا لا تعلم، فإن أشكل عليك شيء من ذلك فاحمله على جهالتك، فإنّك أوّل ما خلقت به جاهلا ثمّ علّمت، و ما أكثر ما تجهل من الأمر! و يتحيّر فيه رأيك، و يضلّ فيه بصرك ثمّ تبصره بعد ذلك! فاعتصم بالّذي خلقك و رزقك و سوّاك، و ليكن له تعبّدك، و إليه رغبتك، و منه شفقتك - أي خوفك...

أعرب الإمام عليه السّلام في هذا المقطع أنّ جميع مجريات الأحداث و شئون الكون كلّها بيد الخالق العظيم، فهو مالك الحياة و مالك الموت، فعلى الإنسان أن يوكل اموره إليه، و لا يلتجأ إلى غيره، كما أعرب عليه السّلام عن تقلّب الدنيا، و أنّها لم تستقرّ على حال، فكما تري الإنسان السعادة تريه التعب و العناء و الشقاء، كما و أنّ جزاء من يعمل خيرا فيها أو شرّا يلاقيه في معاده و في يوم حشره..

هذا بعض ما حواه المقطع، و يأخذ الإمام في وصيّته الحافلة بالنصائح قائلا:

و اعلم يا بنيّ ! أنّ أحدا لم ينبئ عن اللّه سبحانه كما أنبأ عنه الرّسول - صلّى اللّه عليه و آله - فارض به رائدا، و إلى النّجاة قائدا، فإنّي لم آلك نصيحة. و إنّك لن تبلغ في النّظر لنفسك - و إن اجتهدت - مبلغ نظري لك...

ص:20

و في هذه الكلمات أعرب الإمام عليه السّلام أنّ الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله قد أنبأ عن اللّه تعالى بما لم ينبّئ عنه أحد قبله، فقد أخبر عن قدرة اللّه تعالى اللاّمتناهية، و عن علمه كذلك، و عن صفاته الثبوتية و السلبية، فهو رائد التوحيد، و داعية اللّه الأكبر في الأرض، و اللازم أن يتّخذه إلى النجاة قائدا و هاديا و مرشدا. و يستمر الإمام في عرض وصيّته قائلا:

و اعلم يا بنيّ ! أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله، و لرأيت آثار ملكه و سلطانه، و لعرفت أفعاله و صفاته، و لكنّه إله واحد كما وصف نفسه، لا يضادّه في ملكه أحد، و لا يزول أبدا و لم يزل.

أوّل قبل الأشياء بلا أوّليّة، و آخر بعد الأشياء بلا نهاية.

عظم عن أن تثبت ربوبيّته بإحاطة قلب أو بصر. فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك أن يفعله في صغر خطره، و قلّة مقدرته، و كثرة عجزه، و عظيم حاجته إلى ربّه، في طلب طاعته، و الخشية من عقوبته، و الشّفقة من سخطه؛ فإنّه لم يأمرك إلاّ بحسن، و لم ينهك إلاّ عن قبيح...

تحدّث الإمام عليه السّلام في هذا المقطع الذهبي من كلامه عن بعض قضايا التوحيد و هي:

1 - نفي الشريك عن اللّه تعالى في خلقه للأكوان، و إحاطته التامّة بجميع شئون الموجودات، و لو كان له تعالى شريك لأتت به رسله و رأينا آثار ملكه التي تدلّ على وجوده، إنّه ليس هناك إلاّ إله واحد لا شريك له.

2 - أنّ اللّه تعالى الخالق المبدع الذي لا أوّلية له، و لا ابتداء لوجوده، كما أنّه الآخر بلا نهاية له، أمّا تفصيل هذه البحوث و الاستدلال عليها فقد عرضت لها كتب الكلام..

3 - أنّ الخالق العظيم أعظم من أن تحيط بمعرفته القلوب و الأبصار التي هي

ص:21

محدودة المدارك..

كما تحدّث الإمام في آخر المقطع عن الأوامر و النواهي التي صدرت من الشارع، فقد ذهبت العدلية من الإمامية و المعتزلة إلى أنّ الأمر من الشارع لم يتعلّق إلاّ بشيء حسن، فيه مصلحة تعود على العباد، و لم ينه عن شيء إلاّ و هو قبيح و فيه مفسدة كامنة تعود بالضرر على الناس..

ثمّ يستمر الإمام عليه السّلام في وصيّته الخالدة قائلا:

يا بنيّ ! إنّي قد أنبأتك عن الدّنيا و حالها، و زوالها و انتقالها، و أنبأتك عن الآخرة و ما أعدّ لأهلها فيها، و ضربت لك فيهما الأمثال، لتعتبر بها، و تحذو عليها. إنّما مثل من خبر الدّنيا كمثل قوم سفر نبا بهم منزل جديب، فأمّوا منزلا خصيبا و جنابا مريعا، فاحتملوا وعثاء الطّريق، و فراق الصّديق، و خشونة السّفر، و جشوبة المطعم، ليأتوا سعة دارهم، و منزل قرارهم، فليس يجدون لشيء من ذلك ألما، و لا يرون نفقة فيه مغرما. و لا شيء أحبّ إليهم ممّا قرّبهم من منزلهم، و أدناهم من محلّتهم.

و مثل من اغترّ بها كمثل قوم كانوا بمنزل خصيب، فنبا بهم إلى منزل جديب، فليس شيء أكره إليهم و لا أفظع عندهم من مفارقة ما كانوا فيه، إلى ما يهجمون عليه، و يصيرون إليه...

تحدّث الإمام عليه السّلام في هذا المقطع عن فناء الدنيا و زوالها، و أنّ الدار الآخرة هي دار الخلود و البقاء، و حذّر عليه السّلام من حبّ الدنيا و الغرور بها، و ضرب لذلك بعض الأمثال الهادفة إلى الاستقامة، و نبذ التهالك في حبّ الدنيا التي ليس وراءها

ص:22

إلاّ السراب. و يستمرّ الإمام عليه السّلام في وصيّته قائلا:

يا بنيّ ! اجعل نفسك ميزانا فيما بينك و بين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحبّ لنفسك، و اكره له ما تكره لها، و لا تظلم كما لا تحبّ أن تظلم، و أحسن كما تحبّ أن يحسن إليك، و استقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، و ارض من النّاس بما ترضاه لهم من نفسك، و لا تقل ما لا تعلم و إن قلّ ما تعلم، و لا تقل ما لا تحبّ أن يقال لك.

و اعلم أنّ الإعجاب ضدّ الصّواب، و آفة الألباب. فاسع في كدحك، و لا تكن خازنا لغيرك، و إذا أنت هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربّك...

وضع الإمام المربّي عليه السّلام في هذه الفقرات الذهبية آداب السلوك، و محاسن الأخلاق التي يسمو بها الإنسان، فقد حفلت بما يلي:

1 - أن يجعل الإنسان نفسه ميزانا فيما بينه و بين غيره، فيحبّ له ما يحبّ لنفسه، و يكره له ما يكره لها، و من الطبيعي أنّ هذه الظاهرة الفذّة إذا سادت في المجتمع فإنّه يبلغ القمّة في كماله و آدابه.

2 - التحذير من ظلم الغير، فكما أنّ الإنسان يشجب من يعتدي عليه كذلك عليه أن يحمل هذا الشعور مع الغير.

3 - على الإنسان أن يحسن للغير كما يحبّ أن يحسن إليه.

4 - أن يستقبح الأعمال السيّئة التي تصدر منه كما يستقبح صدورها من الغير كما عليه أن يرضى من الناس ما يرضاه لنفسه.

5 - أنّه عليه السّلام نهى عن القول بغير علم؛ فإنّه يؤدّي إلى المضاعفات السيّئة

ص:23

للشخص و لغيره.

6 - حذّر الإمام من إعجاب الإنسان بنفسه، فإنّه من مساوئ الرذائل التي تهبط بالإنسان إلى مستوى سحيق.

7 - أنّه عليه السّلام نهى من الافراط في جمع الأموال التي تجرّ الويل و العطب، فإنّ من يبتلى بذلك يكون خازنا لغيره و ذلك إذا فارقته الحياة، خصوصا إذا لم يؤدّ الإنسان حقوق اللّه منها، فإن الوزر يكون عليه و المهنأ بها لغيره.. و يأخذ الإمام عليه السّلام في وصيّته قائلا:

و اعلم أنّ أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة، و مشقّة شديدة، و أنّه لا غنى بك فيه عن حسن الارتياد، و قدّر بلاغك من الزّاد، مع خفّة الظّهر، فلا تحملنّ على ظهرك فوق طاقتك، فيكون ثقل ذلك وبالا عليك، و إذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل لك زادك إلى يوم القيامة، فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه فاغتنمه و حمّله إيّاه، و أكثر من تزويده و أنت قادر عليه، فلعلّك تطلبه فلا تجده. و اغتنم من استقرضك في حال غناك، ليجعل قضاءه لك في يوم عسرتك...

إنّ الإنسان إذا فكّر عن وعي لوجد أنّ الحياة الدنيا التي يعيشها إنّما هي لحظات، و لا بدّ أن يغادرها و يرحل عنها، و إنّ أمامه طريقا شائكا ذا مسافة بعيدة يحتاج إلى وفرة من الزاد ليوصله إلى مأمنه، و هو العمل الصالح الذي ينجيه من عذاب اللّه تعالى، هذا بعض ما حفلت به هذه الكلمات، و لنقرأ بندا آخر من هذه الوصية. قال عليه السّلام:

و اعلم أنّ أمامك عقبة كئودا، المخفّ فيها أحسن حالا من المثقل،

ص:24

و المبطئ عليها أقبح حالا من المسرع، و أنّ مهبطك بها لا محالة إمّا على جنّة أو على نار، فارتد لنفسك(1) قبل نزولك، و وطّئ المنزل قبل حلولك، «فليس بعد الموت مستعتب»، و لا إلى الدّنيا منصرف...

إنّ الإنسان أمامه عقبة كئود تحفّ بها المخاطر و الأهوال و الشدائد فعليه أن ينقذ نفسه فلا يقترف ما يبعده عن اللّه تعالى، و عليه أن يمهّد الطريق لرضاه. و يأخذ الإمام في وصيّته قائلا:

و اعلم أنّ الّذي بيده خزائن السّماوات و الأرض قد أذن لك في الدّعاء، و تكفّل لك بالإجابة، و أمرك أن تسأله ليعطيك، و تسترحمه ليرحمك، و لم يجعل بينك و بينه من يحجبك عنه، و لم يلجئك إلى من يشفع لك إليه، و لم يمنعك إن أسأت من التّوبة، و لم يعاجلك بالنّقمة، و لم يعيّرك بالإنابة، و لم يفضحك حيث الفضيحة بك أولى، و لم يشدّد عليك في قبول الإنابة، و لم يناقشك بالجريمة و لم يؤيسك من الرّحمة، بل جعل نزوعك عن الذّنب حسنة، و حسب سيّئتك واحدة، و حسب حسنتك عشرا، و فتح لك باب المتاب، و باب الاستعتاب؛ فإذا ناديته سمع نداك، و إذا ناجيته علم نجواك، فأفضيت إليه بحاجتك، و أبثثته ذات نفسك، و شكوت إليه همومك، و استكشفته كروبك، و استعنته على أمورك، و سألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره، من زيادة الأعمار، و صحّة الأبدان، و سعة الأرزاق. ثمّ جعل في يديك

ص:25


1- فارتد لنفسك : أي ابعث لك رائدا من طيّبات الأعمال.

مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمته، و استمطرت شآبيب رحمته، فلا يقنّطنّك إبطاء إجابته، فإنّ العطيّة على قدر النّيّة.

و ربّما أخّرت عنك الإجابة، ليكون ذلك أعظم لأجر السّائل، و أجزل لعطاء الآمل. و ربّما سألت الشّيء فلا تؤتاه، و أوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا، أو صرف عنك لما هو خير لك، فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته، فلتكن مسألتك فيما يبقى لك جماله، و ينفى عنك وباله؛ فالمال لا يبقى لك و لا تبقى له...

حوى هذا المقطع بعض الامور البالغة الأهمّية و هي:

1 - أنّ اللّه تعالى قد أذن لعباده بالدعاء و ضمن لهم الإجابة.

2 - أنّ اللّه تعالى لم يجعل بينه و بين عباده حجابا، فقد فتح أبوابه للسائلين تفضّلا منه و رحمة.

3 - أنّ اللّه تعالى قد تفضّل و تكرّم على عباده ففتح لهم أبواب التوبة إذا شذّوا في سلوكهم و اقترفوا ما لا يرضيه و لم يعجّل لهم بالعقوبة، و لم يفضحهم بين العباد.

4 - و كان من لطف اللّه تعالى على عباده بأن جعل من يرتكب سيّئة تسجّل له سيّئة واحدة، و من يفعل حسنة تسجّل له عشر حسنات تشجيعا على عمل الخيرات و المبرّات.

5 - أنّ من ألطاف اللّه تعالى على عباده أن جعل بأيديهم مفاتيح خزائنه، و هو الدعاء، فإنّه من فيوضاته تعالى على العباد، و الدعاء ربّما يجاب بالوقت، و ربّما يؤخّر لمصلحة تعود على العبد يجهلها، و قد عرضنا إلى تفصيل ذلك في بعض أجزاء هذه الموسوعة. و يستمرّ الإمام عليه السّلام في وصيّته قائلا:

ص:26

و اعلم يا بنيّ ! أنّك إنّما خلقت للآخرة لا للدّنيا، و للفناء لا للبقاء، و للموت لا للحياة؛ و أنّك في منزل قلعة و دار بلغة، و طريق إلى الآخرة، و أنّك طريد الموت الّذي لا ينجو منه هاربه، و لا يفوته طالبه، و لا بدّ أنّه مدركه، فكن منه على حذر أن يدركك و أنت على حال سيّئة، قد كنت تحدّث نفسك منها بالتّوبة، فيحول بينك و بين ذلك، فإذا أنت قد أهلكت نفسك...

انّ الإنسان خلق للآخرة لا للدنيا، و للموت لا للبقاء، و أنّ الموت يلاحقه حتى ينتزعه من الدنيا، و على الإنسان الواعي أن يبادر للتوبة عمّا صدر منه من المعاصي قبل فوات الأوان منه.. ثمّ قال الإمام عليه السّلام:

يا بنيّ ! أكثر من ذكر الموت، و ذكر ما تهجم عليه، و تفضي بعد الموت إليه، حتّى يأتيك و قد أخذت منه حذرك، و شددت له أزرك، و لا يأتيك بغتة فيبهرك.

و إيّاك أن تغترّ بما ترى من إخلاد أهل الدّنيا إليها، و تكالبهم عليها، فقد نبّأك اللّه عنها، و نعت هي لك عن نفسها، و تكشّفت لك عن مساويها، فإنّما أهلها كلاب عاوية، و سباع ضارية يهرّ بعضها على بعض، و يأكل عزيزها ذليلها، و يقهر كبيرها صغيرها.

نعم معقّلة، و أخرى مهملة، قد أضلّت عقولها، و ركبت مجهولها.

سروح عاهة(1) بواد وعث، ليس لها راع يقيمها، و لا مسيم يسيمها(2).

ص:27


1- السروح العاهة : هي الإبل السائبة التي ترعى الآفات.
2- يسيمها : أي يسرحها إلى المرعى.

سلكت بهم الدّنيا طريق العمى، و أخذت بأبصارهم عن منار الهدى، فتاهوا في حيرتها، و غرقوا في نعمتها، و اتّخذوها ربّا، فلعبت بهم و لعبوا بها، و نسوا ما وراءها.

رويدا يسفر الظّلام، كأن قد وردت الأظعان؛ يوشك من أسرع أن يلحق! و اعلم يا بنيّ أنّ من كانت مطيّته اللّيل و النّهار، فإنّه يسار به و إن كان واقفا، و يقطع المسافة و إن كان مقيما وادعا...

تحدّث الإمام عليه السّلام في هذا المقطع عن الاكثار لذكر الموت و التبصّر بما بعده فإنّه يصرف الإنسان من فتن الدنيا و بوائقها و يهدي إلى الطريق المستقيم، كما حذّر عليه السّلام من الافتتان بما يراه الإنسان من تكالب أهل الدنيا و تصارعهم على الحصول على غنائمها فإنهم الكلاب العاوية و السباع الضارية، يأكل القوي منهم الضعيف، و يقهر الكبير الصغير، فهم كالأنعام بل أضلّ سبيلا. هذا بعض ما احتوت عليه هذه الكلمات، و يأخذ الإمام في عرض وصاياه قائلا:

و أعلم يقينا أنّك لن تبلغ أملك، و لن تعدو أجلك، و أنّك في سبيل من كان قبلك. فخفّض في الطّلب، و أجمل في المكتسب، فإنّه ربّ طلب قد جرّ إلى حرب(1)؛ فليس كلّ طالب بمرزوق، و لا كلّ مجمل بمحروم.

و أكرم نفسك عن كلّ دنيّة و إن ساقتك إلى الرّغائب، فإنّك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضا.

و لا تكن عبد غيرك و قد جعلك اللّه حرّا. و ما خير خير لا ينال

ص:28


1- الحرب : سلب المال.

إلاّ بشرّ، و يسر لا ينال إلاّ بعسر؟!...

و هذه اللوحة من كلام الإمام عليه السّلام من ذخائر الآداب الإسلامية، و قد حفلت بما يلي:

1 - الإجمال في طلب الرزق، و أنّ ليس من الفكر التهالك على طلب الرزق، فإنّه مكتوب للإنسان، فليس الطالب بمرزوق و لا المجمل بمحروم.

2 - صيانة النفس عن كلّ دنيّة و منقصة، فإنّ كرامتها أغلى و أثمن من كلّ شيء.

3 - أن لا يكون الإنسان عبدا لغيره، فقد جعله اللّه تعالى حرّا، و الحرية من أثمن ما يملكه الإنسان في حياته.. و من بنود هذه الوصية قوله عليه السّلام:

و إيّاك أن توجف(1) بك مطايا الطّمع، فتوردك مناهل الهلكة.

و إن استطعت ألاّ يكون بينك و بين اللّه ذو نعمة فافعل، فإنّك مدرك قسمك، و آخذ سهمك، و إنّ اليسير من اللّه سبحانه أعظم و أكرم من الكثير من خلقه و إن كان كلّ منه...

عرض الإمام عليه السّلام إلى الكفّ عن الطمع الذي يورد الناس موارد الهلكة، و على الإنسان أن يعتصم باللّه تعالى الذي بيده جميع مجريات الأحداث، فالتمسّك به من أثمن ما يظفر به الإنسان في حياته.. و من مواد هذه الوصية قوله عليه السّلام:

و تلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراكك ما فات من منطقك.

و حفظ ما في الوعاء بشدّ الوكاء. و حفظ ما في يديك أحبّ إليّ من طلب ما في يدي غيرك. و مرارة اليأس خير من الطّلب إلى النّاس. و الحرفة مع العفّة خير من الغنى مع الفجور. و المرء أحفظ لسرّه. و ربّ ساع فيما

ص:29


1- توجف : أي تسرع.

يضرّه! من أكثر أهجر. و من تفكّر أبصر.

قارن أهل الخير تكن منهم، و باين أهل الشّرّ تبن عنهم. بئس الطّعام الحرام! و ظلم الضّعيف أفحش الظّلم. إذا كان الرّفق خرقا كان الخرق رفقا(1). ربّما كان الدّواء داء، و الدّاء دواء. و ربّما نصح غير النّاصح، و غشّ المستنصح(2)...

عرض الإمام عليه السّلام في هذه الكلمات إلى جواهر الحكمة و خلاصة العرفان و الآداب، فقد استهدفت بناء شخصيّة الإنسان على اصول الاستقامة و الفضائل.

و يستمرّ الإمام المربّي في عرض وصاياه و نصائحه الذهبية قائلا:

و إيّاك و الاتّكال على المنى فإنّها بضائع النّوكى، و العقل حفظ التّجارب، و خير ما جرّبت ما وعظك.

بادر الفرصة قبل أن تكون غصّة. ليس كلّ طالب يصيب، و لا كلّ غائب يؤوب. و من الفساد إضاعة الزّاد، و مفسدة المعاد. و لكلّ أمر عاقبة، سوف ياتيك ما قدّر لك. التّاجر مخاطر، و ربّ يسير أنمى من كثير! لا خير في معين مهين، و لا في صديق ظنين. ساهل الدّهر ما ذلّ لك قعوده(3)، و لا تخاطر بشيء رجاء أكثر منه...

أ رأيتم هذه الحكم التي صاغها أمير البيان و التي هي منحوتة من صميم الواقع و خلاصة التجارب ؟ و يقول عليه السّلام:

ص:30


1- المراد أنّ المقام إذا كان يلزم العنف فيكون إبداله بالرفق عنفا ويكون العنف من الرفق.
2- المستنصح : من يطلب منه النصح.
3- القعود : ما يعقده الراعي من الإبل.

و إيّاك أن تجمح بك مطيّة اللّجاج. احمل نفسك من أخيك عند صرمه(1) على الصّلة، و عند صدوده على اللّطف و المقاربة، و عند جموده على البذل، و عند تباعده على الدّنوّ، و عند شدّته على اللّين، و عند جرمه على العذر، حتّى كأنّك له عبد، و كأنّه ذو نعمة عليك، و إيّاك أن تضع ذلك في غير موضعه، أو أن تفعله بغير أهله.

لا تتّخذنّ عدوّ صديقك صديقا فتعادي صديقك، و امحض أخاك النّصيحة، حسنة كانت أو قبيحة، و تجرّع الغيظ فإنّي لم أر جرعة أحلى منها عاقبة، و لا ألذّ مغبّة(2).

و لن لمن غالظك، فإنّه يوشك أن يلين لك، و خذ على عدوّك بالفضل فإنّه أحلى الظّفرين(3). و إن أردت قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقيّة يرجع إليها إن بدا له ذلك يوما ما. و من ظنّ بك خيرا فصدّق ظنّه، و لا تضيعنّ حقّ أخيك اتّكالا على ما بينك و بينه، فإنّه ليس لك بأخ من أضعت حقّه. و لا يكن أهلك أشقى الخلق بك، و لا ترغبنّ فيمن زهد عنك، و لا يكوننّ أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته، و لا تكوننّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان.

و لا يكبرنّ عليك ظلم من ظلمك، فإنّه يسعى في مضرّته و نفعك، و ليس جزاء من سرّك أن تسوءه...

وضع الإمام الحكيم مناهج الاجتماع و قواعد الصداقة و ما تستلزمه من

ص:31


1- الصرم : القطيعة.
2- المغبة : العاقبة.
3- الظفران : هنا ظفر الانتقام ، وظفر الإحسان ، والثاني أحلى.

الأخلاق و الآداب، و هذه النصائح من أثمن ما اثر عن علماء الأخلاق و الاجتماع.

و لنستمع إلى بعض فصول هذه الوصية الخالدة، يقول عليه السّلام:

و اعلم يا بنيّ ! أنّ الرّزق رزقان: رزق تطلبه، و رزق يطلبك، فإن أنت لم تأته أتاك. ما أقبح الخضوع عند الحاجة، و الجفاء عند الغنى! إنّما لك من دنياك، ما أصلحت به مثواك، و إن كنت جازعا على ما تفلّت من يديك، فاجزع على كلّ ما لم يصل إليك. استدلّ على ما لم يكن بما قد كان، فإنّ الأمور أشباه؛ و لا تكوننّ ممّن لا تنفعه العظة إلاّ إذا بالغت في إيلامه، فإنّ العاقل يتّعظ بالآداب، و البهائم لا تتّعظ إلاّ بالضّرب. اطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصّبر و حسن اليقين. من ترك القصد(1) جار و الصّاحب مناسب(2)، و الصّديق من صدق غيبه(3). و الهوى شريك العمى، و ربّ بعيد أقرب من قريب، و قريب أبعد من بعيد، و الغريب من لم يكن له حبيب.

من تعدّى الحقّ ضاق مذهبه، و من اقتصر على قدره كان أبقى له.

و أوثق سبب أخذت به سبب بينك و بين اللّه سبحانه. و من لم يبالك(4) فهو عدوّك. قد يكون اليأس إدراكا، إذا كان الطّمع هلاكا. ليس كلّ عورة تظهر، و لا كلّ فرصة تصاب، و ربّما أخطأ البصير قصده، و أصاب الأعمى رشده.

ص:32


1- القصد : الاعتدال.
2- الصاحب مناسب : أي يراعى فيه ما يراعى في النسب.
3- المراد مراعاة حقّ الصديق في حال غيبته.
4- من لم يبالك : أي لم يهتمّ بأمرك.

أخّر الشّرّ فإنّك إذا شئت تعجّلته، و قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل. من أمن الزّمان خانه، و من أعظمه أهانه. ليس كلّ من رمى أصاب. إذا تغيّر السّلطان تغيّر الزّمان. سل عن الرّفيق قبل الطّريق، و عن الجار قبل الدّار...

و حوت هذه البنود المشرقة آيات محكمات من الوصايا القيّمة، و النصائح الرفيعة التي هي من ذخائر الحكمة و من مناجم الآداب، و التي لم يؤثر مثلها من أحد من عظماء الدنيا سوى الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله، فقد وضعت المناهج الكاملة لحسن السلوك، و لما يسمو به و يسعد به هذا الكائن الحيّ من بني الإنسان.. و لنقرأ البند الأخير من هذه الوصية، قال عليه السّلام:

إيّاك أن تذكر من الكلام ما يكون مضحكا، و إن حكيت ذلك عن غيرك.

و إيّاك و مشاورة النّساء فإنّ رأيهنّ إلى أفن(1)، و عزمهنّ إلى وهن.

و اكفف عليهنّ من أبصارهنّ بحجابك إيّاهنّ ، فإنّ شدّة الحجاب أبقى عليهنّ ، و ليس خروجهنّ بأشدّ من إدخالك من لا يوثق به عليهنّ ، و إن استطعت ألاّ يعرفن غيرك فافعل. و لا تملّك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإنّ المرأة ريحانة، و ليست بقهرمانة(2). و لا تعد بكرامتها نفسها، و لا تطمعها في أن تشفع لغيرها. و إيّاك و التّغاير في غير موضع غيرة(3)، فإنّ ذلك يدعو الصّحيحة إلى السّقم، و البريئة إلى الرّيب.

و اجعل لكلّ إنسان من خدمك عملا تأخذه به، فإنّه أحرى ألاّ يتواكلوا

ص:33


1- الأفن : ضعف الرأي.
2- القهرمان : الذي يحكم في الامور ويتصرّف فيها بأمره.
3- التغاير : إظهار الغيرة على المرأة بسوء الظنّ فيها من غير موجب.

في خدمتك(1). و أكرم عشيرتك، فإنّهم جناحك الّذي به تطير، و أصلك الّذي إليه تصير، و يدك الّتي بها تصول.

استودع اللّه دينك و دنياك، و اسأله خير القضاء لك في العاجلة و الآجلة، و الدّنيا و الآخرة، و السّلام»(2).

و انتهت هذه الوصية و هي حافلة بالقيم الكريمة، و المثل العليا، و النصائح الرفيعة التي لم يؤثر نظيرها عن أي خليفة من خلفاء المسلمين، و قد جاءت معبّرة عن مثل الإمام عليه السّلام و طاقاته العلمية التي أضاءت سماء الإسلام.

وصيّة اخرى لولده الإمام الحسن عليه السّلام

و أوصى الإمام عليه السّلام ولده الزكي الإمام الحسن عليه السّلام بهذه الوصية:

اوصيك أي بنيّ ! بتقوى اللّه، و إقام الصّلاة لوقتها، و إيتاء الزّكاة عند محلّها، و حسن الوضوء؛ فإنّه لا صلاة إلاّ بطهور، و لا تقبل صلاة من مانع زكاة، و اوصيك بغفر الذّنب، و كظم الغيظ ، و صلة الرّحم، و الحلم عند الجهل، و التّفقّه في الدّين، و التّثبّت في الأمر، و التّعاهد للقرآن، و حسن الجوار، و الأمر بالمعروف، و النّهي عن المنكر، و اجتناب الفواحش كلّها في كلّ ما عصي اللّه فيه»(3).

ص:34


1- يتواكلوا : أي يتّكل بعضهم على بعض في خدمتك.
2- نهج البلاغة _ محمّد عبده ٣ : ٣٧ _ ٥٧.
3- نهج السعادة ١ : ١٥١.

وصيّته للإمام الحسين عليه السّلام

«يا بنيّ ! اوصيك بتقوى اللّه في الغنى و الفقر، و كلمة الحقّ فى الرّضى و الغضب، و القصد فى الغنى و الفقر، و بالعدل على الصّديق و العدوّ، و بالعمل في النّشاط و الكسل، و الرّضى من اللّه في الشّدّة و الرّخاء.

و حفلت هذه الفقرات بجميع القيم الكريمة، و المثل الإنسانية، و قد غرسها في أعماق سيّد الشهداء و أبي الأحرار لتكون منهجا له في حياته، و يأخذ الإمام في وصيّته قائلا:

و اعلم أي بنيّ ! إنّه من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره.

و من رضي بقسم اللّه لم يحزن على ما فاته. و من سلّ سيف البغي قتل به.

و من حفر بئرا لأخيه وقع فيها. و من هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته. و من نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره. و من كابد الامور عطب. و من اقتحم الغمرات غرق.

و من اعجب برأيه ضلّ . و من استغنى بعقله زلّ . و من تكبّر على النّاس ذلّ . و من سفه عليهم شتم. و من دخل مداخل السّوء اتّهم. و من خالط الأنذال حقّر. و من جالس العلماء وقّر. و من مزح استخفّ به.

و من اعتزل سلم. و من ترك الشّهوات كان حرّا. و من ترك الحسد كانت له المحبّة عند النّاس.

ص:35

أ رأيتم هذه الوصايا القيّمة التي تسمو بالإنسان، و تجعله في مصاف الملائكة! و حسبها عظمة أنّها وصايا إمام المتّقين و سيّد العارفين.. و يأخذ الإمام في وصيّته قائلا:

يا بنيّ ! عزّ المؤمن غناه عن النّاس. و القناعة مال لا ينفد. و من أكثر ذكر الموت رضي من الدّنيا باليسير. و من علم أنّ كلامه من عمله قلّ كلامه إلاّ فيما ينفعه. العجب ممّن خاف العقاب و رجا الثّواب فلم يعمل. الذّكر نور.

و الغفلة ظلمة. و الجهالة ضلالة. و السّعيد من وعظ بغيره. و الأدب خير ميراث. و حسن الخلق خير قرين.

يا بنيّ ! رأس العلم الرّفق، و آفته الخرق. و من كنوز الإيمان الصّبر على المصائب.

و العفاف زينة الفقر، و الشّكر زينة الغنى. و من أكثر من شيء عرف به، و من كثر كلامه كثر خطؤه، و من كثر خطاؤه قل حياؤه، و من قل حياؤه قل ورعه، و من قلّ ورعه مات قلبه، و من مات قلبه دخل النّار.

يا بنيّ ! لا تؤيس مذنبا، فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير، و كم من مقبل على عمله مفسد له في آخر عمره صائر إلى النّار. من تحرّى الصّدق خفّت عليه الامور.

يا بنيّ ! كثرة الزّيارة تورث الملالة.

يا بنيّ ! الطّمأنينة قبل الخبرة ضدّ الحزم. و إعجاب المرء بنفسه يدلّ على ضعف عقله.

أ رأيتم هذه الحكم التي تفجّرت من أمير البيان، و هي تبني صرحا للأخلاق و الآداب ؟ و تؤسّس مناهج التربية التي ترفع مستوى الإنسان، و تجعله خليفة اللّه

ص:36

في أرضه ؟ و يستمر الإمام في وصيّته قائلا:

يا بنيّ ! كم من نظرة جلبت حسرة! و كم من كلمة جلبت نعمة.

لا شرف أعلى من الإسلام، و لا كرم أعلى من التّقوى. و لا معقل أحرز من الورع. و لا شفيع أنجح من التّوبة. و لا لباس أجمل من العافية.

و لا مال أذهب للفاقة من الرّضى بالقوت. و من اقتصر على بلغة الكفاف تعجّل الرّاحة و تبوّأ خفض الدّعة. الحرص مفتاح التّعب و مطيّة النّصب و داع إلى التّقحّم في الذّنوب و الشّرّ جامع لمساوي العيوب و كفاك أدبا لنفسك ما كرهته من غيرك. لأخيك مثل الّذي عليك. و من تورّط في الامور من غير نظر في الصّواب فقد تعرّض لمفاجأة النّوائب. التّدبير قبل العمل يؤمنك النّدم. من استقبل وجوه العمل و الآراء عرف مواقع الخطأ. الصّبر جنّة من الفاقة. في خلاف النّفس رشدها. السّاعات تنتقص الأعمار. ويل للباغين من أحكم الحاكمين و عالم بضمير المضمرين. بئس الزّاد للمعاد العدوان على العباد. في كلّ جرعة شرقة، و في كلّ اكلة غصص. لا تنال نعمة إلاّ بفراق اخرى. ما أقرب الرّاحة من التّعب! و البؤس من النّعيم! و الموت من الحياة! فطوبى لمن أخلص للّه عمله و علمه و حبّه و بغضه و أخذه و تركه و كلامه و صمته و بخّ بخّ لعالم علم فكفّ ، و عمل فجدّ، و خاف التباب(1) فأعدّ و استعدّ، إن سئل أفصح، و إن ترك سكت، كلامه صواب و صمته من غير عيّ جواب.

و الويل كلّ الويل لمن بلي بحرمان و خذلان و عصيان و استحسن لنفسه ما يكرهه لغيره، من لانت كلمته وجبت محبّته، من لم يكن له حياء

ص:37


1- التباب : الهلاك والخسران ، ومنه قوله تعالى : ( تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ ... ).

و لا سخاء فالموت أولى به من الحياة، لا تتمّ مروءة الرّجل حتّى لا يبالي أيّ ثوبيه لبس، و لا أيّ طعاميه أكل...» [1].

و أنت ترى هذه الوصية قد تمثّلت بها جميع القيم التربوية و الأخلاقية التي تكون منهجا لحياة فضلى تتوفّر فيها آداب السلوك و محاسن الفضائل.

ص:38

وصاياه لأبنائه

أوصى الإمام عليه السّلام أبناءه بهذه الوصية التي رسم فيها سلوكهم مع المجتمع، قال عليه السّلام:

«يا بنيّ ! عاشروا النّاس بالمعروف معاشرة إن عشتم حنّوا إليكم و إن متّم بكوا عليكم»(1).

و هذه الوصية تدعو إلى تعامل الإنسان مع المجتمع معاملة كريمة و ذلك بمواساة الناس في أحزانهم و مسرّاتهم، و البرّ بضعيفهم و فقيرهم. و من الطبيعي أنّ هذه السيرة توجب أن يحتلّ المتّصف بها قلوب الناس و عواطفهم.

و أوصى الإمام أبناءه بهذه الوصية حينما ضربه ابن ملجم عليه لعنة اللّه، قال عليه السّلام:

«عليكم بتقوى اللّه و طاعته، و لا تأسوا على ما صرف عنكم منها - أي من الدنيا - و انهضوا إلى عبادة ربّكم، و شمّروا عن ساق الجدّ، و لا تثاقلوا إلى الأرض، و تقرّوا بالخسّ ، و تبوءوا بالذّلّ .

اللّهمّ اجمعنا و إيّاهم على الهدى، و زهّدنا و إيّاهم في الدّنيا،

ص:39


1- تذكرة الخواص _ ابن الجوزي : ١٥٢.

و اجعل الآخرة خيرا لنا و لهم من الاولى...»(1).

دعا الإمام في هذه الوصية أبناءه إلى عبادة اللّه تعالى و طاعته، و أن يعيشوا في هذه الحياة عيشة كريمة عارية من الذلّ و العبودية.

ص:40


1- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ٢ : ٢٥١ ، نقلا عن ابن قتيبة.

وصيّته

لمحمّد بن الحنفية

أوصى الإمام عليه السّلام ولده محمّد بن الحنفية بهذه الوصية الحافلة بالقيم التربوية و الأخلاق الفاضلة، و هذا نصّها:

«يا بنيّ ! البغض سائق إلى الحين. لن يهلك امرؤ عرف قدره. من حصّن شهوته صان قدره. قيمة كلّ امرئ ما يحسن. الاعتبار يفيدك الرّشاد.

أشرف الغنى ترك المنى. الحرص فقر حاضر. المودّة قرابة مستفادة.

صديقك أخوك لأبيك و امّك، و ليس كلّ أخ لك من أبيك و امّك صديقك.

لا تتّخذنّ عدوّ صديقك صديقا فتعادي صديقك. كم من بعيد أقرب منك من قريب. وصول معدم خير من مثر جاف. الموعظة كهف لمن وعاها.

من منّ بمعروفه أفسده.

من أساء خلقه عذّب نفسه، و كانت البغضة أولى به. ليس من العدل القضاء بالظّنّ على الثّقة. ما أقبح الأشر عند الظّفر! و الكآبة عند النّائبة! و الغلظة و القسوة على الجار! و الخلاف على الصّاحب! و الخبّ من ذوي المروءة! و الغدر من السّلطان! و زل معه حيث زال. لا تصرم أخاك على ارتياب، و لا تقطعه دون استعتاب، لعلّ له عذرا و أنت تلوم.

اقبل من متنصّل عذره فتنالك الشّفاعة، و اكرم الّذين بهم نصرك، و ازدد لهم طول الصّحبة، برّا و إكراما و تبجيلا و تعظيما، فليس جزاء من سرّك

ص:41

أن تسوءه. أكثر البرّ ما استطعت لجليسك، فإنّك إذا شئت رأيت رشده.

من كساه الحياء ثوبه اختفى عن العيون عيبه. من تحرّى القصد خفّت عليه المؤن. من لم يعط نفسه شهوتها أصاب رشده.

مع كلّ شدّة رخاء، و مع كلّ أكلة غصص. لا تنال نعمة إلاّ بعد أذى. كفر النّعم موق(1)، و مجالسة الأحمق شوم. اعرف الحقّ لمن عرفه لك شريفا كان أو وضيعا. من ترك القصد جار، و من تعدّى الحقّ ضاق مذهبه. كم من دنف نجا(2)! و صحيح قد هوى! قد يكون اليأس إدراكا، و الطّمع هلاكا. استعتب من رجوت عتابه. لا تبيتنّ من امرئ على غدر. الغدر شرّ لباس المرء المسلم. من غدر ما أخلق أن لا يوفّى له! الفساد يبير الكثير، و الاقتصاد ينمّي اليسير. من الكرم الوفاء بالذّمم.

من كرم ساد، و من تفهّم ازداد. امحض أخاك النّصيحة، و ساعده على كلّ حال ما لم يحملك على معصية اللّه عزّ و جلّ . لن لمن غاظك تظفر بطلبتك.

ساعات الهموم ساعات الكفّارات، و السّاعات تنفد عمرك.

لا خير في لذّة بعدها النّار، و ما خير بخير بعده النّار و ما شرّ بشرّ بعده الجنّة ؟ كلّ نعيم دون الجنّة محقور، و كلّ بلاء دون النّار عافية.

لا تضيّعنّ حقّ أخيك اتّكالا على ما بينك و بينه، فإنّه ليس لك بأخ من أضعت حقّه، و لا يكوننّ أخوك على قطيعتك أقوى منك على

ص:42


1- الموق : الحمق.
2- الدنف : المرض الثقيل.

صلته، و لا على الإساءة أقوى منك على الإحسان إليه.

يا بنيّ ! إذا قويت فاقو على طاعة اللّه عزّ و جلّ ، و إذا ضعفت فاضعف عن معصية اللّه عزّ و جلّ ، و إن استطعت أن لا تملّك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فافعل، فإنّه أدوم لجمالها و أرخى لبالها، و أحسن لحالها، فإنّ المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة، فدارها على كلّ حال، و أحسن الصّحبة لها فيصفو عيشك.

احتمل القضاء بالرّضا، و إن أحببت أن تجمع خير الدّنيا و الآخرة فاقطع طمعك ممّا في أيدي النّاس، و السّلام عليك يا بنيّ و رحمة اللّه و بركاته»(1).

ص:43


1- نهج السعادة ٧ : ٣٩٤ _ ٤٠٠.

وصيّته

اشارة

لكميل بن زياد

من الوصايا الرفيعة للإمام عليه السّلام وصيّته إلى صاحبه و خليله العالم كميل بن زياد، و قد رواها عنه سعيد بن زيد بن أرطاة، قال:

لقيت كميل بن زياد و سألته عن فضل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، فقال:

أ لا اخبرك بوصية أوصاني بها يوما هي خير لك من الدنيا بما فيها؟ فقلت: بلى.

قال: قال لي عليّ عليه السّلام:

يا كميل، سمّ كلّ يوم باسم اللّه و قل لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه. و توكّل على اللّه و اذكرنا و سمّ بأسمائنا و صلّ علينا. و استعذ باللّه ربّنا. و أدرأ بذلك على نفسك و ما تحوطه عنايتك، تكف شرّ ذلك اليوم إن شاء اللّه.

يا كميل، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أدّبه اللّه، و هو أدّبني، و أنا أؤدّب المؤمنين و أورّث الأدب المكرمين.

يا كميل، ما من علم إلاّ و أنا أفتحه، و ما من سرّ إلاّ و القائم عليه السّلام يختمه.

يا كميل، ذرّيّة بعضها من بعض و اللّه سميع عليم.

يا كميل، لا تأخذ إلاّ عنّا تكن منّا.

ص:44

يا كميل، ما من حركة إلاّ و أنت محتاج فيها إلى معرفة.

يا كميل، إذا أكلت الطّعام فسمّ باسم اللّه الّذي لا يضرّ مع اسمه داء، و هو شفاء من كلّ الأدواء.

يا كميل، إذا أكلت الطّعام فواكل به، و لا تبخل فإنّك لن ترزق النّاس شيئا و اللّه يجزل لك الثّواب بذلك.

تحدّث الإمام عليه السّلام في هذا المقطع عن صلته الوثيقة بالرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله، و أنّه من ألصق الناس به، فقد أفاض عليه آدابه الرفيعة، و علّمه ينابيع الحكمة، و هو عليه السّلام بدوره يعلّمها و يعهد بها إلى المؤمنين، كما بيّن عليه السّلام حاجة تلميذه إلى المعرفة و التزوّد من العلم، و بعد ذلك عرض الإمام إلى آداب الطعام، و أنّه ينبغي لمن يتناوله أن يذكر اسم اللّه تعالى الذي هو شفاء من كلّ داء، و أن لا يأكل الإنسان وحده بل عليه أن يشاركه في الطعام غيره من البؤساء و المحتاجين.. و يأخذ الإمام عليه السّلام في وصيّته قائلا:

يا كميل، أحسن خلقك. و ابسط جليسك، و لا تنهر خادمك.

أوصى الإمام عليه السّلام كميلا بحسن الأخلاق التي هي وصايا الأنبياء، كما أوصى بمراعاة الجليس و احترامه و رعايته، ثمّ أوصى بالبرّ و الإحسان إلى الخادم، و أن لا ينهره و يعتدي عليه... و أخذ الإمام في بيان كيفيّة تناول الطعام قائلا:

يا كميل، إذا أنت أكلت فطوّل أكلك ليستوفي من معك و يرزق منه غيرك.

يا كميل إذا استوفيت طعامك فاحمد اللّه على ما رزقك، و ارفع بذلك صوتك يحمده سواك فيعظم بذلك أجرك.

يا كميل، لا توقرنّ معدتك طعاما، ودع فيها للماء موضعا و للرّيح مجالا.

ص:45

يا كميل، لا تنقد طعامك، فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا ينقده.

يا كميل، لا ترفع يدك من الطّعام إلاّ و أنت تشتهيه، فإن فعلت ذلك فأنت تستمرئه - أي تستطيبه.

يا كميل، إنّ صحّة الجسم من قلّة الطّعام و قلّة الماء.

وضع الإمام عليه السّلام بهذا المقطع برامج لآداب الطعام، كما وضع منهجا صحيّا لتناوله، و فيما يلي ذلك:

آداب الطعام:

أمّا آداب الطعام فهي:

أوّلا: أنّ الإنسان إذا أكل و معه غيره فعليه أن لا يسرع في القيام من المائدة لأنّه يوجب سرعة القيام لمن كان معه، و في ذلك حرمان لهم.

ثانيا: أنّ الإنسان إذا فرغ من تناول الطعام فعليه أن يحمد اللّه تعالى على ما رزقه من أطائب الأطعمة، كما ينبغي له أن يرفع صوته بالحمد له تعالى؛ لأنّ في ذلك تعليما لغيره على شكر المنعم العظيم.

ثالثا: أنّ الإنسان ينبغي له أن لا ينقد الطعام، لا سيّما إذا كان مدعوّا عند الغير، تأسّيا بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله فإنّه لم يؤثر عنه مطلقا أنّه نقد الطعام، و ذلك من معالي أخلاقه.

المنهج الصحي:

أمّا المنهج الصحي في تناول الطعام الذي يضمن سلامة الجهاز الهضمي فهي:

أوّلا: أنّ الإنسان إذا تناول الطعام فعليه أن لا يملأ معدته منه، و يدع فيها فراغا

ص:46

لشرب الماء، و فراغا للريح، و هذا من أهمّ الوصفات الصحية التي تضمن سلامة الجهاز الهضمي الذي هو بيت الداء، و مصدر الأمراض و الأسقام.

ثانيا: أن لا يسرف الإنسان في تناول الطعام، و أن يقوم من المائدة و هو يشتهي الطعام، فإنّ ذلك أضمن لصحّته، و أضمن لقواه، كما أكّدت ذلك مصادر الطب الحديث.

ثالثا: أنّ صحّة الجسم منوطة بقلّة الطعام و قلّة الشراب، و هذا ما أكّده الأطباء... و يستمرّ الإمام في وصيّته قائلا:

يا كميل، البركة في المال من إيتاء الزّكاة و مواساة المؤمنين، و صلة الأقربين، و هم الأقربون لنا.

يا كميل، زد قرابتك المؤمن على ما تعطي سواه من المؤمنين و كن بهم أرأف و عليهم أعطف، و تصدّق على المساكين.

يا كميل، لا تردّ سائلا بشقّ تمرة، أو من شطر عنب... فإنّ الصّدقة تنمو عند اللّه.

عرضت هذه البنود إلى الوسائل التي تنمي المال و تزيده و هي:

1 - الزكاة:

و تظافرت الأخبار عن أئمّة الهدى عليهم السّلام، في أنّ إعطاء الزكاة موجبا لسعة الرزق و تنمية المال، و قد حفلت مصادر الحديث و الفقه بالمزيد من الأخبار في أنّ مانع الزكاة ليس من الإسلام في شيء و أنّ الدولة تقاتل مانع هذه الضريبة التي هي من مصادر واردات الدولة الإسلامية.

2 - مواساة المؤمنين:

و ممّا توجب زيادة الثروة و تنميتها مواساة المؤمنين و الإحسان إليهم و البرّ

ص:47

بهم، و أفضل أنواع الإحسان و أجمل صوره الإحسان إلى السادة العلويّين زادهم اللّه تعالى شرفا، فإنّ البرّ بهم صلة للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

3 - صلة الأرحام:

و تظافرت الأخبار عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أوصيائه العظام أنّ صلة الرحم لها آثارها الوضعية التي منها تنمية المال، و طول العمر و غير ذلك.

4 - عدم ردّ السائل:

حثّ الإمام عليه السّلام على الإحسان إلى السائل، و عدم حرمانه و لو بشقّ تمرة.

5 - الصدقة تنمي المال:

أمّا الصدقة سرّا كانت أم جهرا، فإنّها تنمي المال و تزيد في الرزق، و تدفع البلاء المبرم، و يأخذ الإمام عليه السّلام في وصيّته قائلا:

يا كميل، حسن خلق المؤمن التّواضع، و جماله التّعفّف، و شرفه الشّفقة، و عزّه ترك القال و القيل.

يا كميل، إيّاك و المراء فإنّك تغري بنفسك السّفهاء إذا فعلت و تفسد الإخاء.

يا كميل، إذا جادلت في اللّه تعالى فلا تخاطب إلاّ من يشبه العقلاء.

يا كميل، هم - أي الذين يجادلون في اللّه - على كلّ حال سفهاء كما قال اللّه تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَ لكِنْ لا يَعْلَمُونَ (1).

عرض الإمام عليه السّلام في هذا المقطع إلى بعض الامور المهمّة و هي:

ص:48


1- البقرة : ١٣.

1 - حسن الأخلاق:

أمّا حسن الأخلاق فإنّه من أبرز الصفات الرفيعة و النزعات الشريفة، و في بعض الأخبار أنّه نصف الإيمان، و في الحديث النبوي: «إنّما بعثت لاتمّم مكارم الأخلاق»، و يرتبط بالأخلاق الفاضلة التواضع و عدم الأنانية، و ممّا يرتبط به التعفّف و الشفقة.

2 - ترك المراء:

و من بنود هذا المقطع ترك المراء فإنّه يوجب شيوع الكراهية و نشر الفساد بين الناس.

3 - المجادلة في اللّه:

أمّا المجادلة في اللّه تعالى خالق الكون، و واهب الحياة فإنّها إنّما تكون مع العقلاء الذين يملكون طاقات من العلم و الفكر و يخضعون لمنطق الدليل، فإنّ وجود اللّه تعالى أمر ضروري و واضح كلّ الوضوح أمّا الذين لا نصيب لهم من الفكر و العلم فإنّ الحديث معهم في جميع الامور العقائدية يكون لغوا. هذا بعض ما احتوى عليه هذا المقطع من بحوث.

و يستمرّ الإمام عليه السّلام في وصيّته لكميل قائلا:

يا كميل، في كلّ صنف قوم أرفع من قوم، فإيّاك و مناظرة الخسيس منهم و إن أسمعوك فاحتمل و كن من الّذين وصفهم اللّه وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً(1).

عرض الإمام عليه السّلام إلى أنّ في جميع الأصناف في المجتمع الإنساني قوما أرفع من قوم تفكيرا و فضلا، و نهى الإمام عليه السّلام كميلا من مناظرة الطبقة الواطئة تفكيرا و عدم

ص:49


1- الفرقان : ٦٣.

الخوض معهم في أي شأن من الشؤون، ثمّ عرض الإمام إلى فقرة اخرى من وصيّته قائلا:

يا كميل، قل الحقّ على كلّ حال، و وازر المتّقين، و اهجر الفاسقين.

يا كميل، جانب المنافقين، و لا تصاحب الخائنين.

أمر الإمام عليه السّلام بهذه الكلمات أن يقول الإنسان الحقّ في جميع الأحوال، و أن يؤازر المتّقين و يهجر الفاسقين الذين هم من أراذل المجتمع.. و يقول الإمام في وصيّته:

يا كميل، إيّاك إيّاك و التّطرق إلى أبواب الظّالمين و الاختلاط بهم، و الاكتساب منهم، و إيّاك أن تطيعهم، و أن تشهد في مجالسهم بما يسخط اللّه عليك.

يا كميل، إذا اضطررت إلى حضورهم فداوم ذكر اللّه و التّوكّل عليه، و استعذ باللّه من شرّهم، و أطرق عنهم [1] و أنكر بقلبك فعلهم، و اجهر بتعظيم اللّه تعالى لتسمعهم، فإنّهم يهابونك و تكفى شرّهم.

و في هذه الكلمات نهى الإمام عليه السّلام من الاختلاط بالظالمين؛ امتثالا لقوله تعالى: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ(1) ، و إذا اضطرّ الإنسان إلى حضور دوائرهم فعليه أن يذكر اللّه تعالى، و يستعيذ به من شرّهم و آثامهم فإنّ ذلك أدنى للتخلّص من حرمة مجالستهم.. و يأخذ الإمام عليه السّلام في وصيّته قائلا:

يا كميل، إنّ أحبّ ما امتثله العباد إلى اللّه بعد الإقرار به و بأوليائه التّجمّل

ص:50


1- أطرق عنهم : أي اسكت ولا تتكلّم.

و التّعفّف و الاصطبار.

إنّ التجمّل و التعفّف و الاصطبار من أبرز القيم الكريمة التي ترفع مستوى الإنسان إلى آفاق رفيعة من الفضل و الكمال.. و يقول عليه السّلام:

يا كميل، لا بأس بأن لا تعلم سرّك...

إنّ إخفاء السرّ و ما انطوت عليه نفس الإنسان من عقائد و غيرها الأولى أن تكون طي الكتمان، لأنّ إظهارها للغير قد تجرّ له الويل و العطبا.. يقول عليه السّلام:

يا كميل، لا ترينّ النّاس افتقارك، و اصطبر عليه احتسابا بعزّ و تستّر.

أوصى الإمام عليه السّلام بعزّة النفس و كرامتها، و من المؤكّد أنّ إظهار الفقر و الحاجة من مرديات الإنسان و مسقطاته من أعين الناس، يقول عليه السّلام:

يا كميل، لا بأس أن تعلم أخاك سرّك.

يا كميل، و من أخوك ؟ أخوك الّذي لا يخذلك عند الشّدة، و لا يغفل عنك عند الجريرة، و لا يخدعك حين تسأله، و لا يتركك و أمرك حتّى تعلمه، فإن كان مميلا(1) أصلحه.

يا كميل، المؤمن مرآة المؤمن؛ يتأمّله، و يسدّ فاقته، و يجمل حالته.

يا كميل، المؤمنون إخوة، و لا شيء آثر عند كلّ أخ من أخيه.

يا كميل، إن لم تحبّ أخاك فلست أخاه.

تحدّث الإمام عليه السّلام في هذا المقطع عن الاخوة الإسلامية و ما يلازمها من الآثار الوضعية و التي منها أن يحدّث المسلم أخاه في الإسلام عن أسراره و شئونه، و قد

ص:51


1- المميل : صاحب الثروة والمال الكثير.

حدّد الإمام الأخ و عرف واقعه في المنطلق الإسلامي، فالأخ هو الذي لا يخذل أخاه عند الشدّة، و لا يغفل عنه عند الجريرة، إلى غير ذلك من الآثار التي ذكرها الإمام عليه السّلام، و هي نادرة الوجود أو معدومة في هذا العصر الذي طغت فيه المادة على كلّ شيء.

يقول الإمام عليه السّلام:

يا كميل، إنّ المؤمن من قال بقولنا، فمن تخلّف عنه قصّر عنّا و من قصّر عنّا، لم يلحق بنا، و من لم يكن معنا ففي الدّرك الأسفل من النّار.

يا كميل، كلّ مصدور ينفث، فمن نفث إليك منّا بأمر أمرك بستره، فإيّاك أن تبديه و ليس لك من إبدائه توبة و إذا لم تكن توبة فالمصير إلى لظى.

يا كميل، إذاعة سرّ آل محمّد (صلّى اللّه عليه و آله) لا يقبل منها - أي من الإذاعة - و لا يحتمل أحد عليها.

يا كميل، ما قالوه لك مطلقا فلا تعلمه إلاّ مؤمنا موفّقا.

يا كميل، لا تعلموا الكافرين من أخبارنا فيزيدوا عليها فيبيدوكم بها إلى يوم يعاقبون عليها.

حكى الإمام عليه السّلام بهذا المقطع واقع الإيمان و حقيقته، و هو الولاء لأهل بيت النبوّة عليهم السّلام، فإنّ محبّتهم جزء من رسالة الإسلام، قال تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى (1)، و قد نظر الإمام عليه السّلام إلى المستقبل بعمق فرأى ما يجري على آل البيت عليهم السّلام و شيعتهم من الخطوب و المحن فأوصى بإخفاء تعاليمهم و أن لا يطلع عليها أحدا من المعاندين للحق، فإنّ إذاعتها و نشرها في تلك العصور

ص:52


1- الشورى : ٢٣.

تجرّ الويل و المحن للشيعة.

يقول عليه السّلام:

يا كميل، لا بدّ لماضيكم من أوبة، و لا بدّ لنا فيكم من غلبة.

أكّد الإمام عليه السّلام في هذه الكلمات أنّه لا بدّ أن تقوم لأهل البيت عليهم السّلام دولة يقام فيها الحقّ ، و يحسم فيها الباطل و هي دولة إمام الهدى المهدي عليه السّلام، يقول عليه السّلام:

يا كميل، سيجمع اللّه لكم خير البدء و العاقبة.

يا كميل، أنتم ممتّعون بأعدائكم، تطربون بطربهم، و تشربون بشربهم، و تأكلون بأكلهم، و تدخلون مداخلهم، و ربّما غلبتم على نعتهم، أي و اللّه! على إكراه منهم لذلك و لكنّ اللّه عزّ و جلّ ناصركم و خاذلهم، فإذا كان و اللّه! يومكم و ظهر صاحبكم لم يأكلوا و اللّه! معكم، و لم يردوا مواردكم، و لم يقرعوا أبوابكم، و لم ينالوا نعمتكم أذلة خاسئين، أينما ثقفوا اخذوا و قتّلوا تقتيلا.

يا كميل، احمد اللّه تعالى، و المؤمنين على ذلك و على كلّ نعمة.

أعرب الإمام عليه السّلام في هذا المقطع عن ظهور حفيده المصلح الأعظم الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا، و ظهوره عليه السّلام من الامور الحتمية التي لا بدّ أن تتحقّق على مسرح الحياة.

يقول الإمام عليه السّلام:

يا كميل، قل عند كلّ شدّة: «لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه» تكفها، و قل عند كلّ نعمة: «الحمد للّه» تزدد منها، و إذا أبطأت الأرزاق عليك

ص:53

فاستغفر اللّه يوسّع عليك فيها.

وضع الإمام عليه السّلام منهجا للتخلّص عند كلّ شدّة و هو قول: «لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم»، كما أرشده لزيادة النعمة، و هو قول: الحمد للّه، كما دلّ على الرزق إذا أبطأ عن إنسان أن يستغفر اللّه تعالى فإنّه سيوفّر له رزقه.

يقول عليه السّلام:

يا كميل، إذا وسوس الشّيطان في صدرك فقل: «أعوذ باللّه القوي من الشّيطان الغوي، و أعوذ بمحمّد الرّضي من شرّ ما قدّر و قضى، و أعوذ بإله النّاس من شرّ الجنّة و النّاس أجمعين، و سلّم تكفى مؤونة إبليس و الشّياطين معه، و لو أنّهم كلّهم أبالسة مثله.

يا كميل، انّ لهم خدعا و وساوس و شقاشق(1) و زخارف و خيلاء على كلّ أحد قدر منزلته في الطّاعة و المعصية فبحسب ذلك يستولون عليه بالغلبة.

يا كميل، لا عدوّ أعدى منهم، و لا ضارّ أضرّ بك منهم، امنيتهم أن تكون معهم غدا إذا اجتثّوا(2) في العذاب الأليم، لا يفتّر عنهم بشرره، و لا يقصر عنهم خالدين فيه أبدا.

يا كميل، سخط اللّه تعالى محيط بمن لم يحترز منهم باسمه و نبيّه، و جميع عزائمه و عوّذه جلّ عزّه، و صلّى اللّه على نبيّه و آله و سلّم.

يا كميل، إنّهم يخدعونك بأنفسهم، فإذا لم تجبهم مكروا بك و بنفسك

ص:54


1- الشقاشق : جمع شقشقة وهي شيء يخرج من فم البعير إذا هاج.
2- اجتثوا : أي أخذوا إلى العذاب الأليم.

بتحسينهم إليك شهواتك، و إعطائك أمانيّك و إرادتك، و يسوّلون لك، و ينسونك و ينهونك و يأمرونك و يحسنون ظنّك باللّه عزّ و جلّ حتّى ترجوه فتغترّ بذلك فتعصيه، و جزاء العاصي لظى.

يا كميل، احفظ قول اللّه عزّ و جلّ : اَلشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلى لَهُمْ (1)، و المسوّل الشّيطان.

يا كميل، اذكر قول اللّه تعالى لإبليس لعنه اللّه وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ وَ عِدْهُمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاّ غُرُوراً (2).

يا كميل، إنّ إبليس لا يعد عن نفسه، و إنّما يعد عن ربّه ليحملهم على معصيته فيورطهم.

يا كميل، إنّه يأتي لك بلطف كيده فيأمرك بما يعلم أنّك قد ألفته من طاعة لا تدعها فتحسب أنّ ذلك ملك كريم، و إنّما هو شيطان رجيم، فإذا سكنت إليه و اطمأننت حملك على العظائم المهلكة الّتي لا نجاة معها.

يا كميل، إنّ له فخاخا ينصبها فاحذر أن يوقعك فيها.

يا كميل، إنّ الأرض مملوءة من فخاخهم فلن ينجو منها إلاّ من تشبّث بنا، و قد أعلمك اللّه أنّه لن ينجو منها إلاّ عباده، و عباده أولياؤنا.

يا كميل، و هو قول اللّه عزّ و جلّ : إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ(3)،

ص:55


1- محمّد : ٢٥.
2- الإسراء : ٦٤.
3- الإسراء : ٦٥.

و قوله عزّ و جلّ : إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ...(1).

يا كميل، انج بولايتنا من أن يشركك الشّيطان في مالك و ولدك كما أمر.

يا كميل، لا تغترّ بأقوام يصلّون فيطيلون، و يصومون فيداومون، و يتصدّقون فيحسبون أنّهم موفّقون.

يا كميل، اقسم باللّه تعالى لسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: إنّ الشّيطان إذا حمل قوما على الفواحش مثل الزّنا و شرب الخمر و الرّبا و ما أشبه ذلك من الخنى(2) و المآثم حبّب إليهم العبادة الشّديدة و الخشوع و الرّكوع و الخضوع و السّجود، ثمّ حملهم على ولاية الأئمة الّذين يدعون إلى النّار و يوم القيامة لا ينصرون.

يا كميل، إنّه مستقرّ و مستودع و احذر أن تكون من المستودعين.

يا كميل، إنّما تستحقّ أن تكون مستقرّا إذا لزمت الجادّة الواضحة الّتي لا تخرجك إلى عوج و لا تزيلك عن منهج ما حملناك عليه، و ما هديناه إليك.

عرض الإمام عليه السّلام في هذا المقطع إلى الشيطان الرجيم، و ما يقوم به من دور في نصب شباكه لصيد الناس و صرفهم عن اللّه تعالى، و هو يتصدّى لإغراء الناس، و صدّهم عن الطريق المستقيم بكافّة وسائل الإغراء، و يحبّب لهم كلّ شهوة و كلّ

ص:56


1- النحل : ١٠٠.
2- الخنى : الفحش.

ميول و اتّجاه لا يتّفق مع ما أمر به اللّه تعالى. و للشيطان حزبه و أتباعه، و هم يعيثون فسادا في عقول الناس و ضمائرهم، و يكيدون لهم، و يمكرون بهم، و في الدعاء:

«و أعذني من الشّيطان الرّجيم و همزه و لمزه و نفثه، و وسوسته، و تثبيطه، و كيده و مكره و حبائله، و خدعه، و أمانيه، و غروره، و فتنته، و شركه، و أحزابه، و أتباعه، و أشياعه، و أوليائه، و جميع مكائده».

أعاذنا اللّه من الشيطان، و صرف عنّا كيده و مكره.

يقول عليه السّلام:

يا كميل، لا رخصة في فرض و لا شدّة في نافلة.

يا كميل، إنّ اللّه عزّ و جلّ لا يسألك إلاّ عمّا فرض، و إنّما قدّمنا عمل النّوافل بين أيدينا للأهوال العظام و الطّامة يوم القيامة.

عرض الإمام عليه السّلام إلى الفارق بين الواجب و المندوب، فالواجب لا مجال لتركه، فإنّ المكلّف يعاقب إذا لم يأت به، و أمّا المندوب فإنّه غير ملزم بفعله، و اللّه تعالى يسأل المكلّفين عن الواجبات، و أمّا المندوبات فإنّها تكون ستارا و غطاء للإنسان من أهوال يوم القيامة.

يقول عليه السّلام:

يا كميل، إنّ ذنوبك أكثر من حسناتك و غفلتك أكثر من ذكرك و نعم اللّه عليك أكثر من كلّ عملك.

يا كميل، إنّك لا تخلو من نعم اللّه عزّ و جلّ عندك و عافيته، فلا تخل من تحميده و تسبيحه و تمجيده و تقديسه و شكره و ذكره على كلّ حال.

يا كميل، لا تكوننّ من الّذين قال اللّه عزّ و جلّ : نَسُوا اللّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ

ص:57

و نسبهم إلى الفسق بقوله: أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (1).

و في هذا المقطع الدعوة إلى التقوى و العمل الصالح، و النظر إلى نعم اللّه المتظافرة على الإنسان التي يجب أن تقابل بالشكر و الثناء و التحميد و التمجيد، و لا يجوز أن يتغاضى عنها لأنّها من شكر المنعم الذي هو واجب عقلا و شرعا.

يقول عليه السّلام:

يا كميل، ليس الشّأن أن تصلّي و تصوم و تتصدّق، إنّما الشّأن أن تكون الصّلاة بقلب نقيّ و عمل عند اللّه مرضيّ و خشوع سويّ ، و إبقاء للجدّ فيها.

يا كميل، عند الرّكوع و السّجود و ما بينهما تبتّلت العروق و المفاصل حتّى تستوفي إلى ما تأتي به من جميع صلواتك.

يا كميل، انظر فيم تصلّي، و على ما تصلّي إن لم تكن من وجهه و حلّه، فلا قبول.

يا كميل، إنّ اللّسان يبوح من القلب، و القلب يقوم بالغذاء، فانظر فيما تغذّي قلبك و جسمك فإن لم يكن ذلك حلالا لم يقبل اللّه تسبيحك و لا شكرك.

حكى هذا المقطع واقع الصلاة و حقيقتها، و هي أن تؤدّى بخشوع و حضور فكر و إخلاص، و أنّ المصلّي عليه أن يعرف أنّه ماثل أمام الخالق العظيم، فلا يشغل فكره في أثناء الصلاة بشئون الدنيا، كما أنّ على المصلّي أن يكون على بصيرة من غذائه و شرابه و ملبسه و أن تكون من حلال فإن كانت من الحرام فلا صلاة له.

ص:58


1- الحشر : ١٩.

يقول عليه السّلام:

يا كميل، افهم و اعلم أنّا لا نرخّص في ترك أداء الأمانات لأحد من الخلق، فمن روى عنّي في ذلك رخصة فقد أبطل و أثم و جزاؤه النّار بما كذب، اقسم باللّه لسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول لي قبل وفاته بساعة مرارا ثلاثا: يا أبا الحسن، أدّ الأمانة إلى البرّ و الفاجر فيما قلّ و جلّ حتّى الخيط و المخيط .

إنّ الإسلام قد تبنّى مصلحة الإنسان و بناء حياته على واقع مشرق، و كان من بنود تعاليمه أداء الأمانة إلى البرّ و الفاجر، و ليس من الإسلام في شيء الخيانة و عدم أداء الأمانة.

يقول عليه السّلام:

يا كميل، لا غزو إلاّ مع إمام عادل، و لا نفل(1) إلاّ من إمام فاضل.

عرض الإمام عليه السّلام إلى أنّ الغزو يشترط فيه أن يكون مع إمام عادل، أمّا مع غيره فإنّه غير مشروع.

يقول عليه السّلام:

يا كميل، الدّين للّه فلا تغترنّ بأقوال الامّة المخدوعة الّتي قد ضلّت بعد ما اهتدت، و أنكرت و جحدت بعد ما قبلت.

إنّ اللّه تعالى هو الذي شرع الدين و فرض أحكامه و تعاليمه، و ليس للامّة أي مجال في التسرّف في أي بند من بنوده خصوصا القيادة الروحية و الزمنية، فقد

ص:59


1- النفل : الغنيمة.

قلّدها اللّه تعالى إلى إمام الحقّ الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، و لكنّ الامّة لم تذعن لذلك، و اتّبعت غيره، فعانت من الخطوب و الأزمات ما لا توصف لمرارتها.

يقول عليه السّلام:

يا كميل، الدّين للّه فلا يقبل اللّه من أحد القيام به إلاّ رسولا أو نبيّا أو وصيّا.

إنّ الدين هو مجموعة من المبادئ و الأنظمة إنّما يبلّغه إلى الناس النبيّ أو وصيّه، و ليس لأي أحد أن يتولّى إذاعته و تبليغه غيرهما.

يقول عليه السّلام:

يا كميل، هي نبوّة و رسالة و إمامة و لا بعد ذلك إلاّ متولّين و متغلّبين و ضالّين و معتدين.

و هذه الكلمات متمّمات لما تقدّم من أنّ الدين نبوّة و إمامة لا غير ذلك.

يا كميل، إنّ النّصارى لم تعطّل اللّه تعالى، و لا اليهود، و لا جحدت موسى و لا عيسى، و لكنّهم زادوا و نقصوا و حرّفوا و ألحدوا، فلعنوا و مقتوا و لم يتوبوا و لم يقبلوا.

يا كميل، إنّما يتقبّل اللّه من المتّقين.

يا كميل، إن آباءنا آدم لم يلد يهوديا و لا نصرانيّا، و لا كان ابنه إلاّ حنيفا مسلما، فلم يقم بالواجب عليه، فأدّاه ذلك إلى أن لم يقبل اللّه قربانه، بل قبل من أخيه فحسده و قتله، و هو من المسجونين في الفلق الّذين عددهم اثنا عشر: ستّة من الأوّلين و ستّة من الآخرين، و الفلق الأسفل من النّار، و من بخاره حرّ جهنّم، و حسبك فيما حرّ جهنّم من بخاره.

ص:60

حكى هذا المقطع تحريف اليهود و النصارى لما انزل على أنبيائهم فزادوا و نقصوا حتى تشوّهت شريعة موسى و عيسى، و استحقّوا بذلك اللعنة و المقت من اللّه تعالى، كما حكى هذا المقطع حسد ابن آدم لأخيه، و قد ألقاه الحسد في شرّ عظيم فقتل أخاه فكان جزاؤه الخلود في نار جهنّم.

يقول عليه السّلام:

يا كميل، نحن و اللّه الّذين اتّقوا و الّذين هم محسنون..

يا كميل، إنّ اللّه كريم حليم عظيم رحيم دلّنا على أخلاقه و أمرنا بالأخذ بها و حمل النّاس عليها، فقد أدّيناها غير متخلّفين و أرسلناها غير منافقين، و صدّقناها غير مكذّبين و قبلناها غير مرتابين، لم يكن لنا و اللّه! شياطين نوحي إليها، و توحي إلينا كما وصف اللّه تعالى قوما ذكرهم اللّه عزّ و جلّ بأسمائهم في كتابه شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً(1).

عرض الإمام عليه السّلام إلى أهل بيت النبوّة و معدن الحكمة، المتّقين المحسنين، و أنّهم أدّوا رسالة اللّه تعالى على الوجه الأكمل، لعباده فلم يقصروا و لم يتوانوا في أدائها. يقول عليه السّلام:

يا كميل، نحن الثّقل الأصغر، و القرآن الثّقل الأكبر، و قد أسمعهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و جمعهم فنادى الصّلاة جامعة يوم كذا و كذا، و أيّام سبعة كذا و كذا فلم يتخلّف أحد فصعد المنبر فحمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال: معاشر النّاس! إنّي مؤدّ عن ربّي عزّ و جلّ ، و لا مخبر

ص:61


1- الأنعام : ١١٢.

عن نفسي، فمن صدّقني فقد صدّق اللّه، و من صدّق اللّه أثابه الجنان، و من كذّبني كذّب اللّه عزّ و جلّ ، و من كذّب اللّه أعقبه النّيران، ثمّ ناداني فصعدت فأقامني دونه، و رأسي إلى صدره و الحسن و الحسين عن يمينه و شماله، ثمّ قال: معاشر النّاس! أمرني جبرئيل عن اللّه عزّ و جلّ أنّه ربّي و ربّكم أن اعلمكم أنّ القرآن هو الثّقل الأكبر، و أنّ وصيّي هذا و ابناي من خلفهم من أصلابهم أوصيائي، و هم الثّقل الأصغر، يشهد الثّقل الأكبر للثّقل الأصغر، و يشهد الثّقل الأصغر للثّقل الأكبر، كلّ واحد منهم ملازم لصاحبه غير مفارق له حتّى يردا إلى اللّه فيحكم بينهما و بين العباد.

يا كميل، فإذا كنّا كذلك فعلام يتقدّمنا من تقدّم، و تأخّر عنّا من تأخّر؟ يا كميل، قد أبلغهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله رسالة ربّه و نصح لهم و لكن لا يحبّون النّاصحين.

يا كميل، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لي قولا و المهاجرون و الأنصار متوافرون يوما بعد العصر يوم النّصف من شهر رمضان و هو قائم على قدميه فوق منبره، عليّ منّي، و ابناي منه، و الطّيّبون منّي، و أنا منهم، و هم الطّيّبون بعد امّهم، و هم سفينة من ركبها نجا و من تخلّف عنها هوى، الناجي في الجنّة، و الهاوي في لظى.

يا كميل، الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه ذو الفضل العظيم.

يا كميل، علام يحسدوننا و اللّه أنشأنا قبل أن يعرفونا، فتراهم بحسدهم إيّانا عن ربّنا يزيلوننا؟

ص:62

و أضاف الإمام قائلا:

يا كميل، نحن و اللّه! الحقّ الّذي قال اللّه عزّ و جلّ : وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ .

عرض الإمام في هذا المقطع إلى فضل أهل البيت صلوات اللّه عليهم و سموّ مكانتهم عند اللّه تعالى، و عند رسوله صلّى اللّه عليه و آله و أنّهم سفن النجاة و أمن العباد...

و بهذا نطوي البحث عن معظم وصيّة الإمام عليه السّلام لتلميذه العالم كميل بن زياد النخعي، و هي من ذخائر الوصايا الإسلامية(1)، و ينتهي بنا الحديث عن بعض وصاياه التربوية التي عالجت الكثير من مشاكل المجتمع و الفرد و وضعت الاسس التربوية السليمة لإصلاح الإنسان.

ص:63


1- بحار الأنوار ٧٧ : ٢٦٦ _ ٢٧٦.

ص:64

مواعظه

اشارة

ص:65

ص:66

أمّا مواعظ الإمام عليه السّلام فإنّها تجلو القلوب، و تهذّب البصائر، و تسمو بالإنسان إلى أسمى مراتب الكمال، و كان لها التأثير البالغ في نفوس العارفين و المتّقين، كان منهم همّام، و هو من خيار أصحاب الإمام في عبادته و تقواه، فقد طلب من الإمام أن يصف له المتّقين و الصالحين، فتثاقل من إجابته لعلمه بما تتركه في دخائل نفسه من أثر قد يقضي عليه، و كرّر همام الطلب فاستجاب له الإمام فوصفهم بأبلغ وصف و أروع بيان، و حكى له واقع عبادتهم و طاعتهم للّه تعالى، فأثر خطاب الإمام في نفس همّام، و شهق شهقة و توفّي، و هكذا كانت مواعظ الإمام بلسما لقلوب المتّقين و المنيبين، و نحن نسجّل بعض مواعظه:

حال الإنسان في الدنيا

وصف الإمام عليه السّلام وصفا دقيقا و ملمّا لحياة الإنسان في الدنيا، قال عليه السّلام:

إنّما المرء في الدّنيا غرض تنتصل فيه المنايا، و نهب للمصائب، و مع كلّ جرعة شرق. و في كلّ أكلة غصص. و لا ينال العبد فيها نعمة إلاّ بفراق اخرى، و لا يستقبل يوما من عمره إلاّ بهدم آخر من أجله. فنحن أعوان الحتوف، و أنفسنا تسوقنا إلى الفناء؛ فمن أين نرجو البقاء و هذا اللّيل و النّهار لم يرفعا من شيء شرفا إلاّ أسرعا الكرّة في هدم ما بنيا، و تفريق ما جمعا؟! فاطلبوا الخير و أهله، و اعلموا أنّ خيرا من الخير معطيه،

ص:67

و شرّا من الشّرّ فاعله...»(1).

و في هذه الكلمات المشرقة إيقاظ للنفوس التي فتنت بحبّ الدنيا و تحذير لها من غرورها و آثامها، فإنّ الإنسان مهما بلغ من متع الدنيا من المال و الجاه فإنّه غرض لنصول المنايا، و هدف للمصائب و الكوارث، و أيامه معدودة فلا ينقضي عنه يوم إلاّ نقص من عمره.

اتّباع الهوى

حذّر الإمام عليه السّلام من اتّباع الهوى و طول الأمل، لقد جهد الإمام عليه السّلام على إرشاد الناس و وعظهم و تحذيرهم من الوقوع في متاهات سحيقة من مآثم هذه الحياة.

قال عليه السّلام: «إنّ أخوف ما أخاف عليكم: اتّباع الهوى، و طول الأمل».

طوبى للزاهدين في الدنيا

روى نوف البكالي و هو من خيار أصحاب الإمام عليه السّلام قال: رأيت عليّ بن أبي طالب عليه السّلام خرج في غلس الليل ناظرا إلى النجوم، فقال له:

«يا نوف، أ راقد أنت أم رامق ؟».

- بل رامق يا أمير المؤمنين:

«يا نوف طوبى للزّاهدين في الدّنيا، الرّاغبين في الآخرة، أولئك قوم اتّخذوا الأرض بساطا، و ترابها فراشا، و ماءها طيبا، و القرآن شعارا(2)، و الدّعاء دثارا، ثمّ قرضوا(3) الدّنيا قرضا على منهاج المسيح

ص:68


1- ذيل الأمالي ٢ : ٥٤.
2- الشعار : ما يلي البدن من الثياب.
3- أي مزّقوا الدنيا على طريقة المسيح في العبادة.

عليه السّلام.

يا نوف، إنّ اللّه تعالى أوحى إلى عيسى أن مر بني إسرائيل أن لا يدخلوا بيتا من بيوتي إلاّ بقلوب طاهرة، و أبصار خاشعة، و أيد نقيّة، فإنّي لا أستجيب لأحد منهم، و لا لأحد من خلقي عنده مظلمة...»(1).

و حفلت هذه الوصية بالدعوة إلى الزهد في الدنيا، و عدم الاندفاع إلى مباهجها، فإنّها و ما فيها من متع و رغبات إنّما هي ظلّ زائل لا قرار لها، و الخلود و البقاء إنّما هو في الدار الآخرة التي أعدّها اللّه للمتّقين و الصالحين من عباده.

الزهد في الدنيا

و زهد الإمام في الدنيا، و أقبل على اللّه تعالى بعواطفه و مشاعره، و كان يدعو بهذا الدعاء لوعظ العامّة، قال عليه السّلام:

«اللّهمّ إنّي أسألك سلوا عن الدّنيا، و مقتا لها، فإنّ خيرها زهيد، و شرّها عتيد، و صفوها يتكدّر، و جديدها يخلق، و ما فات فيها لم يرجع، و ما نيل فيها فتنة إلاّ من أصابته منك عصمة، و شملته منك رحمة، فلا تجعلني ممّن رضي بها، و اطمأنّ إليها، و وثق بها، فإنّ من اطمأنّ إليها خانته، و من وثق بها غرّته»(2).

و حكت هذه الكلمات مدى عزوف الإمام عليه السّلام عن الدنيا و مقته لمباهجها، فليس فيها متعة يصبو إليها إمام المتّقين و سيّد العارفين سوى إقامة الحقّ ، و تأسيس معالم العدل.

ص:69


1- حلية الأولياء ١ : ٧٩.
2- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة _ باب الدعاء : ٢٧٤.

موعظته لرجل شيّع جنازة و هو يضحك

و شيّع الإمام عليه السّلام جنازة فرأى رجلا يضحك، فساءه ذلك، و وعظه بهذه الكلمات المشرقة، قال عليه السّلام:

«كأنّ الموت فيها على غيرنا كتب، و كأنّ الحقّ فيها على غيرنا وجب، و كأنّ الّذي نرى من الأموات سفر عمّا قليل إلينا راجعون! نبوّئهم أجداثهم، و نأكل تراثهم، كأنّا مخلّدون بعدهم ثمّ قد نسينا كلّ واعظ و واعظة، و رمينا بكلّ جائحة(1)!!»(2).

إنّ الموت أكبر واعظ للإنسان لو كان يملك فكره، لكنّه لم يحفل به، و كثيرون من الناس في أثناء مسيرتهم في تشييع الموتى يتعاطون أحاديث الدنيا، و لا يتّعظون بالموت، فكأنّه قد كتب على غيرهم.

مع رجل يذمّ الدنيا

سمع الإمام عليه السّلام رجلا يذمّ الدنيا، و لم يكن ذمّه عن واقع و إيمان، فقال عليه السّلام له:

«أيّها الذّامّ للدّنيا، المغترّ بغرورها، المخدوع بأباطيلها! أ تغترّ بالدّنيا ثمّ تذمّها؟ أنت المتجرّم عليها، أم هي المتجرّمة عليك(3)؟ متى استهوتك، أم متى غرّتك ؟ أ بمصارع آبائك من البلى أم بمضاجع أمّهاتك تحت الثّرى ؟ كم علّلت بكفّيك، و كم مرّضت بيديك! تبتغي لهم

ص:70


1- الجائحة : الآفة.
2- نهج البلاغة _ محمّد عبده ٤ : ٢٨.
3- التجرّم : الذنب.

الشّفاء، و تستوصف لهم الأطبّاء، غداة لا يغني عنهم دواؤك، و لا يجدي عليهم بكاؤك.

لم ينفع أحدهم إشفاقك، و لم تسعف فيه بطلبتك، و لم تدفع عنه بقوّتك! و قد مثّلت لك به الدّنيا نفسك(1)، و بمصرعه مصرعك.

إنّ الدّنيا دار صدق لمن صدقها، و دار عافية لمن فهم عنها، و دار غنى لمن تزوّد منها، و دار موعظة لمن اتّعظ بها مسجد أحبّاء اللّه، و مصلّى ملائكة اللّه، و مهبط وحي اللّه، و متجر أولياء اللّه.

اكتسبوا فيها الرّحمة، و ربحوا فيها الجنّة. فمن ذا يذمّها و قد آذنت ببينها(2)، و نادت بفراقها، و نعت نفسها و أهلها؛ فمثّلت لهم ببلائها البلاء، و شوّقتهم بسرورها إلى السّرور؟! راحت بعافية، و ابتكرت بفجيعة، ترغيبا و ترهيبا، و تخويفا و تحذيرا، فذمّها رجال غداة النّدامة(3)، و حمدها آخرون يوم القيامة.

ذكّرتهم الدّنيا فتذكّروا، و حدّثتهم فصدّقوا، و وعظتهم فاتّعظوا...»(4).

تحدّث الإمام عليه السّلام عن الدنيا و أنّها دار زوال و فناء، فالمغرور من غرّته، و الشقيّ من فتن بها، و السعيد من خشي ربّه، و عمل صالحا و اهتدى فإنّها تكون دار تجارة و ربح له.

ص:71


1- المعنى : أنّ الدنيا قد جعلت الهالك قبلك مثالا لنفسك.
2- المراد : أنّ الدنيا قد أعلمت أهلها ببينها ، أي بزوالها وفنائها.
3- يعني : أهل الدنيا ذمّوها عند ما أصبحوا نادمين على ما فرّطوا فيها.
4- نهج البلاغة _ محمّد عبده ٤ : ٣١ _ ٣٢.

ما بعد الموت

و وصف الإمام عليه السّلام الحالة الراهنة للإنسان بعد موته، قال عليه السّلام:

«فإنّكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم لجزعتم و وهلتم(1)، و سمعتم و أطعتم، و لكن محجوب عنكم ما قد عاينوا، و قريب ما يطرح الحجاب! و لقد بصّرتم إن أبصرتم، و أسمعتم إن سمعتم، و هديتم إن اهتديتم، و بحقّ أقول لكم: لقد جاهرتكم العبر، و زجرتم بما فيه مزدجر. و ما يبلّغ عن اللّه بعد رسل السّماء إلاّ البشر»(2).

حكت هذه الكلمات القوّة البالغة لحالة الإنسان بعد وفاته، و ما يعانيه من الكوارث و المصائب من جرّاء ما اقترفه في دار الدنيا من الآثام و الذنوب.

إدبار الدنيا

و من مواعظه الخالدة هذه الموعظة التي تحدّث فيها عن إدبار الدنيا، و الدعوة إلى العمل الصالح، قال عليه السّلام:

«أمّا بعد، فإنّ الدّنيا قد أدبرت، و آذنت بوداع، و إنّ الآخرة قد أشرفت باطّلاع، ألا و إنّ اليوم المضمار، و غدا السّباق، و السّبقة الجنّة(3)، و الغاية النّار، أ فلا تائب من خطيئته قبل منيّته! أ لا عامل لنفسه قبل

ص:72


1- وهلتم : أي خفتم.
2- نهج البلاغة ١ : ٥٧.
3- السبقة : هي الغاية التي يجب السباق إليها.

يوم بؤسه! ألا و إنّكم في أيّام أمل من ورائه أجل، فمن عمل في أيّام أمله قبل حضور أجله فقد نفعه عمله، و لم يضرره أجله. و من قصّر في أيّام أمله قبل حضور أجله، فقد خسر عمله، و ضرّه أجله. ألا فاعملوا في الرّغبة كما تعملون في الرّهبة، ألا و إنّي لم أر كالجنّة نام طالبها، و لا كالنّار نام هاربها، ألا و إنّه من لا ينفعه الحقّ يضرّه الباطل، و من لا يستقم به الهدى، يجرّ به الضّلال إلى الرّدى. ألا و إنّكم قد أمرتم بالظّعن، و دللتم على الزّاد. و إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: اتّباع الهوى، و طول الأمل، فتزوّدوا في الدّنيا من الدّنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا».

و علّق الشريف الرضي على هذا المقطع من كلامه عليه السّلام بقوله:

أقول: إنّه لو كان كلام يأخذ بالأعناق إلى الزهد في الدنيا، و يضطر إلى عمل الآخرة لكان هذا الكلام، و كفى به قاطعا لعلائق الآمال، و قادحا زناد الاتعاظ و الازدجار، و من قوله عليه السّلام: «ألا و إنّ اليوم المضمار و غدا السّباق، و السّبقة الجنّة و الغاية النّار» فإن فيه - مع فخامة اللفظ ، و عظم قدر المعنى، و صادق التمثيل، و واقع التشبيه - سرّا عجيبا، و معنى لطيفا، و هو قوله عليه السّلام: «و السّبقة الجنّة، و الغاية النّار» فخالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين، و لم يقل: «السّبقة النّار» كما قال: «السّبقة الجنّة»، لأن الاستباق إنما يكون إلى أمر محبوب، و غرض مطلوب، و هذه صفة الجنة و ليس هذا المعنى موجودا في النار، نعوذ باللّه منها! فلم يجز أن يقول: «و السّبقة النّار» بل قال: «و الغاية النّار»؛ لأن الغاية قد ينتهي إليها من لا يسره الانتهاء إليها، و من يسره ذلك، فصلح أن يعبر بها عن الأمرين معا، فهي في هذا الموضع كالمصير و المآل، قال اللّه تعالى: قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النّارِ و لا يجوز في هذا الموضع أن يقال: سبقتكم - بسكون الباء - إلى النار، فتأمل ذلك. فباطنه عجيب، و غوره بعيد لطيف. و كذلك أكثر كلامه عليه السّلام(1).

ص:73


1- نهج البلاغة ١ : ٧١ _ ٧٣.

تصرّم الدنيا

خطب الإمام عليه السّلام أصحابه بهذه الخطبة البليغة و قد وعظهم بها، و حذّرهم من غرور الدنيا و فتنها و شرورها، قال عليه السّلام:

«ألا و إنّ الدّنيا قد تصرّمت، و آذنت بوداع و تنكّر معروفها، و أدبرت حذّاء(1)، فهي تحفز بالفناء سكّانها، و تحدر بالموت جيرانها، و قد أمرّ فيها ما كان حلوا، و كدر منها ما كان صفوا، فلم يبق منها إلاّ سملة كسملة الإداوة(2)، أو جرعة كجرعة المقلة، لو تمزّزها الصّديان لم ينقع(3). فأزمعوا عباد اللّه الرّحيل عن هذه الدّار المقدور على أهلها الزّوال، و لا يغلبنّكم فيها الأمل، و لا يطولنّ عليكم فيها الأمد.

فو اللّه لو حننتم حنين الولّه العجال، و دعوتم بهديل الحمام، و جأرتم جؤار متبتّل الرّهبان، و خرجتم إلى اللّه من الأموال و الأولاد، التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده، أو غفران سيّئة أحصتها كتبه، و حفظتها رسله، لكان قليلا فيما أرجو لكم من ثوابه، و أخاف عليكم من عقابه.

و اللّه لو انماثت قلوبكم انمياثا(4)، و سالت عيونكم من رغبة إليه أو

ص:74


1- الحذاء : السرعة.
2- السملة : بقيّة الماء في الحوض.
3- التمزّز : الامتصاص قليلا قليلا. الصديان : العطشان.
4- انماثت : أي ذابت.

رهبة منه دما، ثمّ عمّرتم في الدّنيا، ما الدّنيا باقية، ما جزت أعمالكم عنكم - و لو لم تبقوا شيئا من جهدكم - أنعمه عليكم العظام، و هداه إيّاكم للإيمان»(1).

إنّ مواعظ الإمام عليه السّلام تنفذ إلى أعماق النفوس و دخائل القلوب لأنّها من إمام المتّقين و سيّد الواعظين فلم يفه بنصيحة أو موعظة إلاّ طبّقها على نفسه الشريفة قبل أن يذيعها إلى الناس.

المبادرة إلى الأعمال الصالحة

و من مواعظه الجليلة هذه الخطبة الحافلة بالدعوة إلى تقوى اللّه تعالى، و التزوّد من أعمال الخير، قال عليه السّلام:

«و اتّقوا اللّه عباد اللّه، و بادروا آجالكم بأعمالكم، و ابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم، و ترحّلوا فقد جدّ بكم(2)، و استعدّوا للموت فقد أظلّكم(3)، و كونوا قوما صيح بهم فانتبهوا، و علموا أنّ الدّنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا، فإنّ اللّه سبحانه لم يخلقكم عبثا، و لم يترككم سدى و ما بين أحدكم و بين الجنّة أو النّار إلاّ الموت أن ينزل به. و إنّ غاية تنقصها اللّحظة، و تهدمها السّاعة، لجديرة بقصر المدّة(4).

و إنّ غائبا يحدوه الجديدان: اللّيل و النّهار، لحريّ بسرعة الأوبة.

ص:75


1- نهج البلاغة ١ : ١٠١ _ ١٠٢.
2- فقد جدّ بكم : أي أسرع بكم إلى الرحيل عن هذه الدنيا.
3- فقد أظلّكم : أي قرب منكم حتى كأنّ له ظلّ قد ألقاه عليكم.
4- المراد : أنّ كلّ لحظة تمرّ بالإنسان فإنّها تنقص حياته وتقرّبه إلى الدار الآخرة.

و إنّ قادما يقدم بالفوز أو الشّقوة لمستحقّ لأفضل العدّة. فتزوّدوا في الدّنيا من الدّنيا، ما تحرزون به أنفسكم غدا، فاتّقى عبد ربّه، نصح نفسه، و قدّم توبته، و غلب شهوته، فإنّ أجله مستور عنه، و أمله خادع له، و الشّيطان موكّل به، يزيّن له المعصية ليركبها، و يمنّيه التّوبة ليسوّفها(1)، إذا هجمت منيّته عليه، أغفل ما يكون عنها.

فيا لها حسرة على كلّ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجّة، و أن تؤدّيه أيّامه إلى الشّقوة،! نسأل اللّه سبحانه أن يجعلنا و إيّاكم ممّن لا تبطره(2) نعمة، و لا تقصّر به عن طاعة ربّه غاية، و لا تحلّ به بعد الموت ندامة و لا كآبة»(3).

و أنت ترى في هذه الكلمات من صنوف الوعظ و الإرشاد ما لا نجده في كلام أي واعظ ، فقد حفلت بالدعوة إلى الإسراع إلى طاعة اللّه، و الاجتناب عن معاصيه و التبصّر بما يواجهه الإنسان في قبره من السؤال عن أعماله في دار الدنيا، فإن كانت حسنة لاقى مصيره المشرق، و إن كانت سيّئة عادت عليه بالعذاب و الشقاء.

صفة الدنيا

وصف الإمام عليه السّلام الدنيا وصفا رائعا و دقيقا، قال عليه السّلام:

ما أصف من دار أوّلها عناء! و آخرها فناء! في حلالها حساب،

ص:76


1- يسوّفها : أي يؤجّلها.
2- تبطره : أي تطغيه.
3- نهج البلاغة ١ : ١٠٩ _ ١١١.

و في حرامها عقاب. من استغنى فيها فتن، و من افتقر فيها حزن، و من ساعاها فاتته(1)، و من قعد عنها و اتته، و من أبصر بها بصّرته، و من أبصر إليها أعمته.

علّق الشريف الرضي على هذه الكلمات البليغة بقوله:

أقول: و إذا تأمل المتأمل قوله عليه السّلام: «و من أبصر بها بصّرته» وجد تحته من المعنى العجيب، و الغرض البعيد، ما لا تبلغ غايته و لا يدرك غوره، و لا سيّما إذا قرن إليه قوله:

«و من أبصر إليها أعمته» فإنه يجد الفرق بين «أبصر بها» و «أبصر إليها» واضحا نيرا، و عجيبا باهرا!(2).

وصفه للموت و ما بعده

من خطبه البالغة الأهمّية في الوعظ و الإرشاد هذه الخطبة العجيبة التي سمّيت بالغراء، و فيها وصف رائع لحالة الإنسان و شئون حياته، و ما يعقب من صحّته و سقمه و موته، و غير ذلك ممّا يجري عليه، انظروا إلى هذه الخطبة، قال عليه السّلام:

«اوصيكم عباد اللّه بتقوى اللّه الّذي ضرب لكم الأمثال، و وقّت لكم الآجال، و ألبسكم الرّياش، و أرفع لكم المعاش(3)، و أحاطكم بالإحصاء(4)، و أرصد لكم الجزاء، و آثركم بالنّعم السّوابغ، و الرّفد

ص:77


1- ومن ساعاها فاتته : المراد أنّه من جدّ في طلب الدنيا فاتته ، أي سبقته ، فإنّه كلّما نال منها شيئا فتحت له أبواب الأمل فيها.
2- نهج البلاغة ١ : ١٣٠ _ ١٣١.
3- أرفع لكم : أي أوسع لكم.
4- أحاطكم بالإحصاء : أي أحصى بدقّة أعمالكم.

الرّوافع(1)، و أنذركم بالحجج البوالغ، فأحصاكم عددا، و وظّف لكم مددا، في قرار خبرة، و دار عبرة، أنتم مختبرون فيها، و محاسبون عليها. فإنّ الدّنيا رتق(2) مشربها، ردغ(3) مشرعها، يونق(4) منظرها، و يوبق مخبرها. غرور حائل، وضوء آفل، و ظلّ زائل، و سناد مائل، حتّى إذا أنس نافرها، و اطمأنّ ناكرها، قمصت بأرجلها، و قنصت بأحبلها، و أقصدت بأسهمها، و أعلقت المرء أوهاق المنيّة(5) قائدة له إلى ضنك المضجع، و وحشة المرجع، و معاينة المحلّ ، و ثواب العمل.

و أضاف الإمام قائلا:

فهل ينتظر أهل بضاضة الشّباب إلاّ حواني الهرم ؟ و أهل غضارة الصّحّة إلاّ نوازل السّقم ؟ و أهل مدّة البقاء إلاّ آونة الفناء؟ مع قرب الزّيال(6)، و أزوف الانتقال، و علز الفلق(7)، و ألم المضض، و غصص الجرض(8) و تلفّت الاستغاثة بنصرة الحفدة و الأقرباء، و الأعزّة و القرناء! فهل دفعت الأقارب، أو نفعت النّواحب(9)، و قد غودر في محلّة الأموات

ص:78


1- الروافع : هي الامور الواسعة.
2- الرتق : الكدر.
3- الردغ : كثرة الطين.
4- يونق : يعجب.
5- أوهاق المنية : أي حبالها.
6- الزيال : المفارقة.
7- علز الفلق : شدّته وصرامته.
8- الجرض : الريق.
9- النواحب : النائحات.

رهينا، و في ضيق المضجع وحيدا، قد هتكت الهوامّ جلدته، و أبلت النّواهك جدّته، و عفت العواصف آثاره، و محا الحدثان معالمه، و صارت الأجساد شحبة بعد بضّتها، و العظام نخرة بعد قوّتها، و الأرواح مرتهنة بثقل أعبائها موقنة بغيب أنبائها، لا تستزاد من صالح عملها، و لا تستعتب من سيّئ زللها! أو لستم أبناء القوم و الآباء، و إخوانهم و الأقرباء؟ تحتذون أمثلتهم، و تركبون قدّتهم، و تطئون جادّتهم ؟! فالقلوب قاسية عن حظّها، لاهية عن رشدها، سالكة في غير مضمارها! كأنّ المعنيّ سواها، و كأنّ الرّشد في إحراز دنياها.

و اعلموا أنّ مجازكم على الصّراط و مزالق دحضه، و أهاويل زلله، و ثارات أهواله؛ فاتّقوا اللّه عباد اللّه تقيّة ذي لبّ شغل التّفكّر قلبه، و أنصب الخوف بدنه، و أسهر التّهجّد غرار نومه، و أظمأ الرّجاء هواجر يومه، و ظلف الزّهد شهواته، و أوجف الذّكر بلسانه، و قدّم الخوف لإبانه»(1).

و حفلت هذه المواعظ بجميع ألوان النصح و الإرشاد ليستقيم الإنسان في سلوكه، و لا يندفع وراء التيارات العاطفية و الشهوات النفسية ليكون بمأمن من عذاب اللّه و غضبه، و في آخر هذه الخطبة فصول مروعة من حياة الإنسان، و ما يعقبها من الفناء و الرحيل عن هذه الدنيا.

ص:79


1- نهج البلاغة ١ : ١٣٣ _ ١٤١.

الاتّعاظ بالعبر

و من خطبة له يعظ فيها أصحابه جاء فيها:

«فاتّعظوا عباد اللّه بالعبر النّوافع، و انتفعوا بالذّكر و المواعظ ، فكأن قد علقتكم مخالب المنيّة، و انقطعت منكم علائق الأمنيّة، و دهمتكم مفظعات الأمور، و السّياقة إلى الورد المورود، ف كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ [1](1): سائق يسوقها إلى محشرها؛ و شاهد يشهد عليها بعملها»(2).

و في هذه الكلمات دعوة إلى الاتّعاظ بالعبر و ما أكثرها، و هي لو تبصّرها الإنسان و وعاها لما اقترف الجرائم و الموبقات و هام في ميادين الرذائل و الآثام.

رفض الدنيا

و من مواعظه هذه الخطبة التي حذّر فيها من التهالك على حبّ الدنيا التي ليست إلاّ سرابا يحسبه الضمآن ماء، فما هي إلاّ لحظات من عمر الزمن حتى يتركها الإنسان و يذهب إلى قبره، قال عليه السّلام:

«عباد اللّه، أوصيكم بالرّفض لهذه الدّنيا التّاركة لكم و إن لم تحبّوا تركها، و المبلية لأجسامكم و إن كنتم تحبّون تجديدها، فإنّما مثلكم و مثلها كسفر سلكوا سبيلا فكأنّهم قد قطعوه(3)، و أمّوا علما(4)

ص:80


1- ق : ٢١.
2- نهج البلاغة ١ : ١٤٨.
3- السفر _ بالفتح _ : جماعة المسافرين.
4- أمّوا : أي قصدوا.

فكأنّهم قد بلغوه.

و كم عسى المجري إلى الغاية أن يجري إليها حتّى يبلغها! و ما عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه، و طالب حثيث من الموت يحدوه، و مزعج في الدّنيا حتّى يفارقها رغما! فلا تنافسوا في عزّ الدّنيا و فخرها، و لا تعجبوا بزينتها و نعيمها، و لا تجزعوا من ضرّائها و بؤسها، فإنّ عزّها و فخرها إلى انقطاع، و إنّ زينتها و نعيمها إلى زوال، و ضرّاءها و بؤسها إلى نفاد، و كلّ مدّة فيها إلى انتهاء، و كلّ حيّ فيها إلى فناء.

أ و ليس لكم في آثار الأوّلين مزدجر، و في آبائكم الماضين تبصرة و معتبر، إن كنتم تعقلون! أولم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون، و إلى الخلف الباقين لا يبقون! أو لستم ترون أهل الدّنيا يصبحون و يمسون على أحوال شتّى: فميّت يبكى، و آخر يعزّى، و صريع مبتلى، و عائد يعود، و آخر بنفسه يجود، و طالب للدّنيا و الموت يطلبه، و غافل و ليس بمغفول عنه؛ و على أثر الماضي ما يمضي الباقي!»(1).

و نكتفي بهذه النماذج من مواعظه و نصائحه التي هي جزء من أنظمته التربوية الهادفة لإشاعة الإصلاح، و تهذيب النفوس و توازنها في سلوكها لتبتعد عن شرور الحياة و مآثمها.

ص:81


1- نهج البلاغة ١ : ١٩١ _ ١٩٢.

ص:82

حكمه القيّمة

اشارة

ص:83

ص:84

بلغت حكم الإمام عليه السّلام قمّة الجمال في روعتها و أصالتها و بما احتوت عليه من محاسن الفكر و الآداب، بالإضافة إلى سموّ فصاحتها و بلاغتها... و إنّا لا نجد من روائع الفكر السليم و المنطق المحكم مثل ما نجده في حكم الإمام التي تمثّل العبقرية بأسمى صورها و الإلهام بأروع معانيه... و هذه أمثلة منها:

1 قيمة المرء ما يحسنه:

قال عليه السّلام: قيمة كلّ امرئ ما يحسنه.

هذه الكلمة من روائع الأدب العلوي، قال محمّد بن حفصة:

لا نعرف كلمة بعد القرآن و بعد كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أخصر لفظا و لا أعمّ نفعا من قول أمير المؤمنين قيمة كلّ امرئ ما يحسنه. و كان ينشد:

قيمة المرء مثل ما يحسن المرء قضاء من الوصيّ عليّ (1)

و نظم العبدليّ هذه الكلمة الذهبية بقوله:

قال عليّ بن أبي طالب و هو الإمام العالم المتقن

كلّ امرئ قيمته عندنا و عند أهل العقل ما يحسن(2)

و نظم شاعر آخر هذه الكلمة بقوله:

ص:85


1- نور القبس المختصر من المقتبس _ المرزباني : ١٦٨.
2- نور القبس المختصر من المقتبس _ المرزباني : ١٦٨.

فيا لائمي دعني اغالي بقيمتي فقيمة كلّ الناس ما يحسنونه(1)

إنّ هذه الكلمة الذهبية من مناجم الأدب العلوي الذي أضاء سماء الفكر الإسلامي، و علّق عليها الجاحظ بقوله:

و أجمعوا على أنّهم لم يجدوا كلمة أقلّ حرفا، و لا أكثر ريعا، و لا أعلم نفعا، و لا أحثّ على بيان، و لا أهجى لمن ترك التفهم، و قصر في الافهام من قول عليّ : قيمة كلّ امرئ ما يحسنه(2).

2 العلم أكثر من أن يحصى:

قال عليه السّلام: العلم أكثر من أن يحصى فخذوا من كلّ شيء أحسنه(3).

إنّ هذه الكلمة من محاسن الأدب العلوي، و قد نظمها بعض الشعراء بقوله:

ما حوى العلم جميعا رجل لا و لو مارسه ألف سنه

إنّما العلم بعيد غوره فخذوا من كلّ شيء أحسنه(4)

و ليس من شكّ أنّ الإمام عليه السّلام وقف على واقع الفكر المتطوّر فاختار أثمن ما فيه.

3 رأي الشيخ:

قال عليه السّلام: رأي الشّيخ خير من مشهد الغلام(5).

ص:86


1- صبح الأعشى ١ : ٨٩.
2- رسائل الجاحظ ٣ : ٢٩.
3- التمثيل والمحاضرة _ الثعالبي : ١٦٥.
4- أمثال الميداني ١ : ٢٦٧. البيان والتبيين ٢ : ٦٥.
5- في رسائل الجاحظ : رأي الشيخ الضعيف أحبّ إلينا من جلد الشباب القويّ. وقريب من ذلك في نهاية الأرب ٦ : ٧٥.

و من المؤكّد أنّ هذه الكلمة من روائع الحكم، فإنّ الغلام لم تهذّبه الأيام، و لم تصقله التجارب، بخلاف الشيخ الطاعن في السنّ الذي مرّت عليه الأيام بثقلها، و عرف واقع الحياة فهو أدرى بالامور من الغلام.

4 المرء الذي لا يعرف قدره:

قال عليه السّلام: هلك امرؤ لم يعرف قدره.

من روائع الحكم هذه الكلمة، فإنّ جهل الإنسان بنفسه يقوده إلى الهلاك و الدمار، و يلقيه في شرّ عظيم.

5 الناس أعداء ما جهلوا:

قال عليه السّلام: النّاس أعداء ما جهلوا.

و ألمّت هذه الكلمة بواقع حياة الناس، فهم في كلّ زمان و مكان أعداء ما جهلوه من الحقائق، و لا أقل من أنّهم لا يقيمون لها وزنا و لا يحفلون بها.

6 من عرف نفسه عرف ربّه:

قال عليه السّلام: من عرف نفسه عرف ربّه.

إنّ معرفة الخالق العظيم تكمن بمعرفة الإنسان لنفسه، و ما فيه من الأجهزة العجيبة التي تدلّل بصورة واضحة على وجود العظيم المبدع لخلق الإنسان، يقول عليه السّلام:

ص:87

أ تحسب أنّك جرم صغير و فيك انطوى العالم الأكبر؟

إنّ الإنسان إذا تأمّل في خلق نفسه فإنّه يصل - من دون شكّ - إلى معرفة الخالق الحكيم.

7 إغاثة الملهوف:

قال عليه السّلام: من كفّارات الذّنوب العظام إغاثة الملهوف، و التّنفيس عن المكروب(1).

إنّ إغاثة الملهوف و التنفيس عن المكروب من أفضل الأعمال عند اللّه تعالى و من أحبّها إليه، و لها الآثار الوضعية المهمّة التي منها دفع البلاء في الدنيا و كفّارة الذنوب العظام في دار الآخرة.

8 وصف الدنيا:

قال عليه السّلام: ما أصف من دار أوّلها عناء، و آخرها فناء؟ في حلالها حساب، و في حرامها عقاب. من استغنى فيها فتن، و من افتقر فيها حزن(2).

و هذا الوصف دقيق للغاية، و ملمّ بواقع الحياة الدنيا التي لم يعرف حقيقتها و كنهها سوى إمام المتّقين و سيّد العارفين صلوات اللّه عليه.

9 الزاهدون في الدنيا:

قال عليه السّلام: الزّاهدون في الدّنيا قوم وعظوا فاتّعظوا، و أيقنوا فعملوا،

ص:88


1- البصائر والذخائر _ أبو حيّان التوحيدي : ١١١.
2- نصرة الثائر على المثل السائر : ١١٦.

إن نالهم يسر شكروا، و إن نالهم عسر صبروا(1).

و أحاط كلام الإمام عليه السّلام بحقيقة الزاهدين في الدنيا.. فقد طلّقوها و ابتعدوا عن زخارفها و ملاذها.

10 عطاء اللّه في الدنيا و الآخرة:

قال عليه السّلام: إنّ اللّه عزّ و جلّ يعطي الدّنيا من يحبّ و من لا يحبّ ، و لا يعطي الآخرة إلاّ من يحبّ ، و قد يجمعهما اللّه لأقوام(2).

إنّ اللّه تعالى يعطي زينة الحياة الدنيا من مال و بنين لمن أحبه و من جحده، أمّا الآخرة فلا ينال ما فيها من نعيم و بقاء إلاّ من أحبّه اللّه تعالى و رضي عنه.

11 الراحة و البؤس:

قال عليه السّلام: ما أقرب الرّاحة من التّعب و البؤس من النّعم و الموت من الحياة(3)! على الإنسان أن لا يطمئنّ إلى سعادة الحياة الدنيا! فما أسرع أن يعقب الراحة التعب! و النعم بؤسا! و الحياة موتا!

12 حقّ الصديق:

قال عليه السّلام: قليل للصّديق الوقوف على قبره.. (4)

ص:89


1- بهجة المجالس ٣ : ٣٠١.
2- المصدر السابق ٣ : ٣٨١.
3- النجوم الزاهرة ٨ : ٢٥٧.
4- البصائر والذخائر : ٢٥.

إنّ للصديق حقّا على صديقه، و من حقّه بعد وفاته، الوقوف على قبره مع إهداء سورة الفاتحة له.

13 أعجز الناس:

قال عليه السّلام: أعجز النّاس من عجز عن اكتساب الإخوان، و أعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم(1).

إنّ من يعجز عن اكتساب الاخوان و الأصدقاء فهو من أعجز الناس، و أعجز منه المضيّع لإخوانه و أصحابه.

14 الملك و الدين:

قال عليه السّلام: الملك و الدّين أخوان لا غنى لأحدهما عن الآخر، فالدّين آس - أي رأس - و الملك حارس، فمن لم يكن له آس فمهدوم، و من لم يكن له حارس فضائع(2).

و هذا الكلام تصوير رائع للحكم القائم على الدين و الحكم المجرّد منه.

15 الكلام:

قال عليه السّلام: لو لا أنّ الكلام يعاد لنفد الكلام.

إنّ إعادة كلمات الكلام و جمله و حروفه هي التي حفظت بقاءه.

ص:90


1- الأمالي _ أبي علي القالي ٣ : ١١١.
2- بهجة المجالس ١ : ٣٣٢.

16 الدهر يومان:

قال عليه السّلام: الدّهر يومان: يوم لك، و يوم عليك؛ فإذا كان لك فلا تبطر، و إذا كان عليك فاصبر! فبكلاهما أنت مختبر(1).

و حفل كلام الإمام عليه السّلام بوصف دقيق لحياة الإنسان فإنّها يومان: يوم سعادة و يوم شقاء، و ينبغي له أن لا يتبطّر في أيام سعادته و لا يجزع في أيام شقائه.

17 الجاهل و العالم:

قال عليه السّلام: قصم ظهري رجلان: جاهل متنسّك و عالم متهتّك، فالجاهل يغرّ النّاس بنسكه، و العالم ينفّرهم بتهتكه(2).

إنّ الجاهل المتنسّك الذي لا معرفة له بأحكام الدين فإنّ أعماله - على الأكثر - مخالفة للواقع، و يكون موردا لإغراء الناس، و أمّا العالم المتهتّك الذي يقترف الآثام فإنّه يضلّل الرأي العامّ بسلوكه.

18 العبادة مع العلم:

قال عليه السّلام: لا خير في عبادة لا علم فيها، و لا خير في علم لا فهم فيه، و لا خير في قراءة لا تدبّر فيها(3).

إنّ العبادة إذا لم تكن مشفوعة بالعلم و المعرفة فلا خير فيها، كذلك العلم إذا لم يكن عن وعي و فهم لا خير فيه، كما لا خير

ص:91


1- البصائر والذخائر : ١٥٥.
2- مفتاح السعادة ومصباح السيادة ١ : ٤٩.
3- حلية الأولياء ١ : ٧٧.

في قراءة لا تدبّر فيها.

19 طرائف الحكمة:

قال عليه السّلام: أجمّوا(1) هذه القلوب و التمسوا لها طرائف الحكمة، فإنّها تملّ كما تملّ الأبدان(2).

إنّ القلوب يعتريها النصب و العناء، و أبدع و صفة لها أن تعرض عليها طرائف الحكم و نوادر العلماء، فإنّها تحسم ما بها من عناء.

20 التفكّر:

قال عليه السّلام: نبّه بالتّفكّر قلبك، و جاف عن النّوم جنبك، و اتّق اللّه تعالى ربّك(3) إنّ التفكّر في عجائب مخلوقات اللّه تعالى يدعو إلى الإيمان المطلق بالخالق العظيم، كما أنّ مجافاة النوم ممّا يزيد على الإقبال على اللّه تعالى.

21 الاستغفار:

قال عليه السّلام: أتعجّب ممّن يهلك و معه النّجاة، فقيل له: و ما هي ؟ قال:

الاستغفار(4).

إنّ الاستغفار يمحو الذنوب، و لكن بشرط أن لا يعود الإنسان إلى

ص:92


1- أجموا : أي اطلبوا لها الراحة.
2- معجم الادباء ١ : ٩٤.
3- بهجة المجالس ١ : ١١٥.
4- النجوم الزاهرة ٢ : ١٢٣.

ما اقترفه من ذنب.

22 اقتران الهيبة بالخيبة:

قال عليه السّلام: قرنت الهيبة بالخيبة، و الحياء بالحرمان، و الفرصة تمرّ مرّ السّحاب، و الحكمة ضالّة المؤمن، فخذ ضالّتك حيثما وجدتها(1).

و هذه الكلمات من روائع الأدب العلوي، و قد حفلت بما يلي:

1 - اقتران الهيبة بالخيبة و الخسران، فإنّ الإنسان إذا هاب الإقدام على شيء فقد فاته ما يرومه.

2 - أنّ الحياء دوما مقرون بالحرمان.

3 - أنّ الفرصة تمر مرّ السحاب، و ينبغي أن لا تفوت على الإنسان و أن يغتنمها.

4 - المسارعة في أخذ الحكمة من أي شخص كان.

23 جنود اللّه:

قال عليه السّلام: أشدّ جنود ربّك عشرة: الجبال الرّواسي، و الحديد يقطع الجبال، و النّار تذيب الحديد، و الماء يطفئ النّار، و السّحاب المسخّر بين السّماء و الأرض يحمل الماء، و الرّيح تقطع السّحاب، و ابن آدم يغلب الرّيح بستر الثّوب أو الشّيء و يمضي لحاجته، و السّكر يغلب ابن آدم، و النّوم يغلب السّكر، و الهمّ يغلب النّوم، فأشدّ خلق اللّه عزّ و جلّ الهمّ (2).

ص:93


1- الأمالي _ أبو علي القالي ٣ : ٩٤.
2- ذيل الأمالى : ١٧٤.

و هذه المواد العشر علّل الإمام عليه السّلام موادها و بنودها و كان أشدّها صلابة الهمّ الذي يذيب القلوب.

24 أفضل العبادة:

قال عليه السّلام: أفضل العبادة الصّمت و انتظار الفرج(1).

إنّ الصمت يقي الإنسان من كثير من المشاكل و يجنّبه المزيد من الكوارث، فلذا كان من أفضل العبادة، و كذلك انتظار الفرج و الالتجاء إلى اللّه تعالى.

25 مواصلة الأخ:

قال عليه السّلام: لا تقطع أخاك على ارتياب، و لا تهجره دون استعتاب(2).

وضع الإمام عليه السّلام منهجا للاخوة و الصداقة، فليس للإنسان أن يهجر أخاه لمجرّد شبهة قد يكون لا نصيب لها من الصحّة كما أنّه لا ينبغي له أن يهجره دون استعتاب.

26 الكلمة الطيّبة:

قال عليه السّلام: من لانت كلمته وجبت محبّته. و أنشد:

كيف أصبحت كيف أمسيت ممّا ينبت الودّ في فؤاد الكريم(3)؟

إنّ من يقابل الناس بالكلام الطيّب و لا يزعجهم فقد وجبت محبّته و تكريمه.

ص:94


1- البيان والتبيين ١ : ٢٩٧.
2- العقد الفريد ٢ : ٣٠٩.
3- المصدر السابق : ٣١٠.

27 لا راحة للحسود:

قال عليه السّلام: لا راحة لحسود، و لا إخاء لملول، و لا محبّة لسيّئ الخلق(1).

لا راحة للحسود لأنّه في همّ و حزن حينما يرى النعمة على المحسود، فإنّه يتمنّى زوالها، كما أنّه لا إخاء للملول، الذي لا استقرار له نفسيا، و كذلك لا محبّة لسيئ الخلق فإنّ الناس تنفر منه.

28 الحليم:

قال عليه السّلام: أوّل عوض الحليم عن حلمه أنّ النّاس أنصاره على الجاهل(2).

إنّ أوّل ما يكسبه الإنسان عن هذه الظاهرة الفذّة أنّ الناس أنصاره و أعوانه على الجاهل.

29 البصير و الأحمق:

قال عليه السّلام: ربّما أخطأ البصير قصده، و أصاب الأحمق رشده(3).

إنّ البصير قد يضلّ عن قصده و يتّجه خلاف الواقع، و إنّ الأحمق قد يصيب الواقع، و يبلغ رشده و لكنّ ذلك نادر جدّا، فقد عبّر الإمام عليه السّلام عن ذلك بكلمة «ربّما» التي تفيد التقليل.

ص:95


1- العقد الفريد ٢ : ٣١٩.
2- المصدر السابق : ٢٨١.
3- ربيع الأبرار ٤ : ١٥٧.

30 مكانة الأنصار في الإسلام:

قال عليه السّلام: هم و اللّه! ربّوا الإسلام كما يربّى الفلو مع غنائهم بأيديهم السّباط و ألسنتهم السّلاط (1).

الأنصار هم الذين نصروا الإسلام في أيام محنته و غربته و وقفوا إلى جانب الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و حموه من كيد القرشيّين الذين جهدوا على محو الإسلام و قلع جذوره.

31 أقلّ ما يلزم به اللّه تعالى:

قال عليه السّلام: أقلّ ما يلزمكم اللّه أن لا تستعينوا بنعمه على معاصيه(2).

إنّ في هذه الكلمة موعظة للعارفين، فإنّ أقلّ ما يلزم به اللّه تعالى عباده أن لا يستعينوا بما أغدق عليهم من النعم على معاصيه.

32 أضرار الفرقة:

قال عليه السّلام: إيّاكم و الفرقة! فإنّ الشّاذّ من النّاس للشّيطان، كما أنّ الشّاذّ من الغنم للذّئب(3).

إنّ الفرقة و اختلاف الكلمة من العوامل المدمّرة للمجتمع و من يدع إليها فإنّه مخرّب و نصيبه الشيطان.

ص:96


1- ربيع الأبرار ٤ : ١٥٧.
2- المصدر السابق : ٣١٩.
3- المصدر السابق ٢ : ١٤٠.

33 كظم الغيظ :

قال عليه السّلام: تجرّع الغيظ فإنّي لم أر جرعة أحلى منها عاقبة(1).

إنّ كظم الغيظ من أفضل الصفات النفسية التي تعود بالخير العميم على الإنسان.

34 حسن الخلق:

قال عليه السّلام: عنوان صحيفة المؤمن حسن الخلق(2).

إنّ حسن الخلق من أهمّ ما يمتاز به الإنسان من الصفات الكريمة.

35 اللّه أسمى من أن تتصوّره الأوهام:

قال عليه السّلام: كلّ ما يتصوّر في الأوهام فاللّه بخلافه(3).

إنّ جميع ما يتصوّره الإنسان من صفات اللّه تعالى الثبوتية و السلبية و غيرها فإنّ اللّه تعالى أسمى و أعظم من ذلك.

36 الغوغاء:

قال عليه السّلام: نعوذ باللّه من قوم إذا اجتمعوا لم يملكوا أمرا، و إذا تفرّقوا لم يعرفوا(4).

و أشار عليه السّلام إلى الغوغاء: أتباع كلّ ناعق، فإنّهم إذا اجتمعوا

ص:97


1- ربيع الأبرار ٢ : ٢٨.
2- المصدر السابق : ٥٠.
3- المصدر السابق : ٥٧.
4- رسائل الجاحظ ١ : ٢٥٣.

لا يملكون شيئا، و إنّما يضرّون و يخرّبون، و إذا انصرفوا لم يعرفوا.

37 أصناف الناس:

قال عليه السّلام: النّاس ثلاثة: عالم ربّانيّ ، و متعلّم على سبيل نجاة، و همج رعاع يميلون مع كلّ ريح(1).

دلّت هذه الكلمات على أصناف الناس، و ذكر خصائصهم.

38 أصناف القرّاء:

قال عليه السّلام لأياس بن عامر: إنّك إن بقيت فسيقرأ القرآن على ثلاثة أصناف: صنف للّه تعالى، و صنف للدّنيا، و صنف للجدل، فمن طلب به أدرك(2).

أحاطت هذه الكلمات بأصناف القرّاء لكتاب اللّه تعالى و ذكر خصائصهم.

39 النهي عن المزاح:

قال عليه السّلام: ما مزح امرؤ مزحة إلاّ مجّ من عقله مجّة(3).

إنّ المزاح يذهب بهيبة الشخص، و يمجّ عقله.

40 الضحك:

قال عليه السّلام: إيّاك أن تذكر من الكلام ما يكون مضحكا، و إن حكيت

ص:98


1- العقد الفريد ٢ : ٢٩٤.
2- أخلاق حملة القرآن _ أبي بكر البغدادي : ٦٠
3- ربيع الأبرار ٤ : ١٦٧.

ذلك عن غيرك(1).

حذّر الإمام عليه السّلام من الكلام المضحك، و إن حكاه الإنسان عن غيره لأنّه يتنافى مع سلوك الإنسان المتميّز بالاستقامة.

41 حسن الأدب:

قال عليه السّلام: حسن الأدب ينوب عن الحسب(2).

إنّ حسن الأدب سمة شرف للإنسان يغنيه عن حسبه و نسبه.

42 اجتناب المحارم:

قال عليه السّلام: من أحبّ المكارم اجتناب المحارم.

إنّ الذي تتوخّى نفسه إلى السمو و الشرف لا بدّ أن يجتنب محارم اللّه تعالى لأنّها تهوي به إلى مستوى سحيق.

43 الزاهد في الدنيا:

قال عليه السّلام: الزّاهد في الدّنيا كلّما ازدادت له تحلّيا ازداد عنها تولّيا(3).

و ألّمت هذه الكلمات بواقع الزاهدين للدنيا فإنّها كلّما تحلو لهم ازدادوا عنها بعدا و نفورا.

44 جهل المرء بعيوبه:

قال عليه السّلام: جهل المرء بعيوبه من أكثر ذنوبه(4).

ص:99


1- ربيع الأبرار ٤ : ١٦٧.
2- الإرشاد ١ : ٢٩٨.
3- الإرشاد ١ : ٢٩٨.
4- المصدر السابق : ٢٩٩.

إنّ جهل الإنسان بنقائصه و عيوبه من أعظم ذنوبه لأنّه لا يلتفت إلى ما فيه من النقص.

45 تمام العفاف:

قال عليه السّلام: تمام العفاف الرّضا بالكفاف(1).

إنّ هذه الكلمة - على إيجازها - من روائع الأدب العلوي، فإنّ من أسمى صور العفاف الرضا بالكفاف.

46 من حسنت به الظنون:

قال عليه السّلام: من حسنت به الظّنون رمقته الرّجال بالعيون.

إنّ الإنسان إذا حسنت به الظنون لحسن سيرته فإنّه يحتلّ المكانة الكريمة عند الناس و ترمقه عيونهم إجلالا و تعظيما.

47 أظهر الكرم:

قال عليه السّلام: أظهر الكرم صدق الإخاء في الشّدّة و الرّخاء.

من أبرز و أسمى صور السخاء صدق الإخاء و المواساة مع الصديق في الشدّة و الرخاء.

48 صفات الفاجر:

قال عليه السّلام: الفاجر إن سخط ثلب، و إن رضي كذب، و إن طمع خلب.

و هذه الصفات اللئيمة من أبرز صفات الفاجر الذي طبعت نفسه على الخبث و اللؤم.

ص:100


1- الحكمة ٤٥ إلى الحكمة ٧٢ عن الإرشاد ١ : ٢٩٩.

49 حسن الاعتراف:

قال عليه السّلام: حسن الاعتراف يهدم الاقتراف.

إنّ حسن الاعتراف بالخطإ يهدم اقتراف السيّئات.

50 تحمّل زلّة الصديق:

قال عليه السّلام: احتمل زلّة وليّك لوقت وثبة عدوّك.

إنّ الإنسان الكامل يحتمل زلّة صديقه و لا يقابله بالمثل فيدّخر ذلك لوثبة عدوّه.

51 إنفاق المال لإصلاح الحال:

قال عليه السّلام: لم يضع من مالك ما بصّرك صلاح حالك.

إنّ المال الذي ينفقه الإنسان على إصلاح حاله فإنّه ليس بضائع، و هو من أفضل ما يملكه الإنسان من الأموال و أكثرها عائدة عليه.

52 القصد في الامور:

قال عليه السّلام: القصد أسهل من التّعسّف، و الكفّ أودع من التّكلّف.

إنّ القصد في الامور أسهل بكثير من التعسّف، كما أنّ الكفّ و عدم التدخّل في الامور التي لا فائدة فيها أولى من التكلّف فيما لا يعني الإنسان.

53 ظلم العباد:

قال عليه السّلام: شرّ الزّاد إلى المعاد احتقاب ظلم العباد.

إنّ أسوأ وزر يذخره الإنسان ليوم معاده ظلم العباد و الاعتداء عليهم.

ص:101

54 شكر النعمة:

قال عليه السّلام: لا نفاد لفائدة إذا شكرت، و لا بقاء لنعمة إذا كفرت.

إنّ النعم التي يهبها اللّه لعباده إذا قوبلت بالشكر لا نفاد لها، و إذا كفر بها فلا بقاء لها.

55 حسن الخلق:

قال عليه السّلام: ربّ عزيز أذلّه خلقه، و ذليل أعزّه خلقه».

إنّ العزيز في قومه إذا كان سيّئ الخلق فإنّه يعيش بينهم ذليلا كما أنّ الذليل يعيش عزيزا في قومه إذا كان حسن الخلق.

56 التجارب:

قال عليه السّلام: من لم يجرّب الامور خدع، و من صارع الحقّ صرع.

إنّ التجارب في الامور هي المقياس في نجاح الشخص في حياته، كما أنّ من صارع الحقّ و وقف مناجزا له فإنّ الحقّ يصرعه.

57 الأجل:

قال عليه السّلام: لو عرف الأجل قصر الأمل.

إنّ الإنسان إذا عرف أجله و متى سيرحل عن هذه الحياة فإنّ آماله سوف تقصر.

58 المشاورة في الامور:

قال عليه السّلام: من شاور ذوي الألباب دلّ على الصّواب.

ص:102

إنّ من يشاور في اموره ذوي الأفكار السديدة فإنّه يرشد إلى الصواب.

59 القناعة:

قال عليه السّلام: من قنع باليسير استغنى عن الكثير، و من لم يستغن بالكثير افتقر إلى الحقير.

القناعة كنز لا يفنى، فمن قنع باليسير استغنى عن الكثير، و كان في راحة نفسية، كما أنّ من لم يستغن بالكثير فإنّه يفتقر بخساسة نفسه إلى الحقير من الأشياء.

60 من أمّل إنسانا هابه:

قال عليه السّلام: من أمّل إنسانا هابه، و من قصر عن معرفة شيء عابه.

إنّ من يؤمّل شخصا ليسدي إليه معروفا فإنّه يهابه و يعظمه كما أنّ من قصر عن معرفة شيء فإنّه يحتقره و يعيبه.

61 الاستصحاب:

قال عليه السّلام: من كان على يقين فأصابه شكّ فليمض على يقينه؛ فإنّ اليقين لا يدفع بالشّكّ .

أسّس عليه السّلام بهذه الكلمات قاعدة اصولية و هي الاستصحاب، و هي عدم نقض اليقين بالشكّ ، و إنّما ينقض بيقين مثله.

62 المؤمن في تعب:

قال عليه السّلام: المؤمن من نفسه في تعب، و النّاس منه في راحة.

ص:103

إنّ المؤمن في تعب دائم لأنّه يناهض رغباته و ميوله و هواه، كما أنّ الناس منه في راحة لأنّه لا يصدر منه سوى الخير.

63 الكسل:

قال عليه السّلام: من كسل لم يؤدّ حقّا للّه تعالى.

إنّ الشخص إذا اصيب بالكسل فإنّه لا يقوم بأي عمل يرضي اللّه تعالى.

64 من كنوز الجنة:

قال عليه السّلام: ثلاثة من كنوز الجنّة، كتمان الصّدقة، و كتمان المصيبة، و كتمان المرض.

إنّ هذه الخصال الكريمة من أسمى ما يتّصف به الإنسان من المثل الكريمة.

65 الاستغناء و الاحتياج:

قال عليه السّلام: احتج إلى من شئت تكن أسيره، و استغن عمّن شئت تكن نظيره، و أفضل على من شئت تكن أميره.

و هذه الحكم من روائع الأدب العلوي، فقد حكت واقع الحياة الاجتماعية، و صنوف الناس.

66 الجود:

قال عليه السّلام: الجود من كرم الطّبيعة، و المنّ مفسدة للطّبيعة.

إنّ السخاء من أفضل الصفات الشريفة، و لكنّ المنّ يفسده.

ص:104

67 ترك التعاهد للصديق:

قال عليه السّلام: ترك التّعاهد للصّديق داعية للقطيعة.

إنّ إهمال زيارة الصديق و عدم تعاهده ممّا يدعو إلى القطيعة.

68 طلب الرزق:

قال عليه السّلام: اطلبوا الرّزق فإنّه مضمون لطالبه.

حثّ الإمام عليه السّلام على السعي لطلب الرزق، و أنّه مضمون لمن سعى إليه.

69 خير الغنى:

قال عليه السّلام: خير الغنى ترك السّؤال، و شرّ الفقر لزوم الخضوع.

إنّ أسمى صورة لغنى النفس ترك السؤال، و عدم إظهار الحاجة إلى الناس، و شرّ الفقر الخضوع و التذلّل إلى الناس.

70 التجارب:

قال عليه السّلام: لو لا التّجارب عميت المذاهب.

إنّ التجارب هي التي أوصلت الإنسان إلى أرقى مستويات الرقي، و أبصرته حقيقة الأشياء.

71 سعة الأمل:

قال عليه السّلام: من اتّسع أمله قصر عمله.

إنّ من يتّسع أمله في الدنيا و يبعد الموت عن نفسه فإنّه يقصر عمله لدار الآخرة.

ص:105

72 أشكر الناس و أكفرهم:

قال عليه السّلام: أشكر النّاس أقنعهم، و أكفرهم للنّعم أجشعهم.

إنّ من يقنع بما قسم اللّه له، حتّى لو كان قليلا، يعدّ أشكر الناس للّه، و من لا يقنع بما أنعم اللّه عليه، يعدّ كفّارا للنّعم.

73 إمهال اللّه لفرعون:

قال عليه السّلام: إنّما امهل فرعون مع دعواه لسهولة إذنه و بذل طعامه(1).

إنّ اللّه تعالى إنّما أمهل فرعون مع عظيم ذنبه و ادّعائه للربوبية و لم يؤاخذه و يعجّل عليه العقوبة و سبب ذلك سهولة الدخول عليه، و بذله الطعام.

74 صفحات الوجه مرآة للإنسان:

قال عليه السّلام: ما أضمر إنسان شيئا إلاّ ظهر في صفحات وجهه و فلتات لسانه(2).

إنّ ما يضمره الإنسان في دخائل نفسه يظهر على سحنات وجهه و فلتات لسانه.

75 قيمومة الرجل على أهله:

قال عليه السّلام: لا يكون الرّجل قيّم أهله حتّى لا يبالي ما سدّ به فورة

ص:106


1- ربيع الأبرار ٤ : ٢٤٥.
2- صبح الأعشى ٧ : ٢٦٧.

الجوع، و لا يبالي أيّ ثوبيه ابتذل(1).

إنّ الرجل إنّما يكون قيّما على أهله إذا قام بشئونهم، و رعى مصالحهم، و قدّمها على نفسه.

76 سعادة الإنسان:

قال عليه السّلام: من سعادة المرء أن تكون زوجته موافقة، و أولاده أبرارا، و إخوانه صالحين، و رزقه في بلده الّذي فيه أهله (2).

إنّ من ظفر بهذه الامور فهو من أسعد الناس، و من أكثرهم حظّا في الدنيا.

77 الكرم:

قال عليه السّلام: كلّ عيب الكرم يغطّيه(3).

و قد صحّفت هذه الكلمة الذهبية إلى: «كلّ عيب الكرم يعطيه».

78 جمال الرجل و المرأة:

قال عليه السّلام: جمال الرّجل في عمّته، و جمال المرأة في خفّها(4).

إنّ جمال الرجل الظاهري في صورته و عمّته، و المرأة زينتها في حليّها و منها الخفّ .

ص:107


1- حلية الأولياء ٧ : ٣٠٦.
2- بهجة المجالس ١ : ٢٢١ _ ٢٢٢.
3- مفتاح السعادة ١ : ٥٤.
4- البيان والتبيين ٢ : ٨٨.

79 بعض الخصال السيّئة:

قال عليه السّلام: لا تكوننّ كمن يعجز عن شكر ما اوتي، و يبتغي الزّيادة فيما بقي، ينهى و لا ينتهي، و يأمر النّاس بما لا يأتي؛ و يبغض المسيئين و هو منهم، يكره الموت لكثرة ذنوبه، و لا يدعها في طول حياته(1).

نهى الإمام عن هذه الخصال السيّئة التي تكشف عن ضعف ما اتّصف بها.

80 موعظة:

ذمّ رجل الدنيا عند الإمام عليه السّلام فردّ عليه بقوله:

الدّنيا دار صدق لمن صدقها، و دار نجاة لمن فهم عنها، و دار غنى لمن تزوّد منها، و مهبط وحي اللّه تعالى، و مصلّى ملائكته، و مسجد أنبيائه، و متجر أوليائه. ربحوا فيها الرّحمة، و اكتسبوا فيها الجنّة.

فمن ذا الّذي يذمّها و قد آذنت ببينها، و نادت بفراقها، و شبّهت بسرورها السّرور، و ببلائها البلاء ترغيبا و ترهيبا.

فيا أيّها الذّام للدّنيا! المعلّل نفسه، متى خدعتك الدّنيا أم متى استذمّت إليك ؟ أ بمصارع آبائك في البلى ؟ أم بمضاجع امّهاتك في الثّرى ؟ كم مرّضت بيديك ؟ و كم علّلت بكفّيك ؟ تطلب له الشّفاء، و تستوصف له الأطبّاء غداة لا يغني عنه دواؤك، و لا ينفعه بكاؤك، و لا تنجيه شفقتك، و لا تشفع فيه طلبتك(2).

ص:108


1- البيان والتبيين ٢ : ١١١.
2- المصدر السابق : ١٩٠ _ ١٩١.

و حفلت هذه الكلمات بالمواعظ القيّمة و النصائح الرفيعة التي تضمن النجاة و السلامة لمن أخذ بها.

81 التواضع للأغنياء:

قال عليه السّلام: و من أتى غنيّا فتواضع له لغناه ذهب ثلثا دينه(1).

إنّ الإسلام ينشد العزّة و الكرامة للمسلمين، فالتواضع ينبغي أن يكون للّه تعالى وحده، دون غيره فإنّه ليس من الإسلام في شيء التواضع للأغنياء.

82 الصدقة:

قال عليه السّلام: إذا أملقتم فتاجروا اللّه بالصّدقة(2).

إنّ الصدقة مفتاح الرزق، و قد تظافرت الأخبار بالحثّ عليها، و أنّها من أسباب السعة في العيش.

83 الكريم:

قال عليه السّلام: الكريم لا يلين على قسر - أي عسر - و لا يقسو على يسر(3).

إنّ الكريم إذا ضاقت اموره لا يلين لغيره، و إذا اتّسعت اموره فلا يقسو على غيره.

ص:109


1- ربيع الأبرار ٤ : ١٤٩.
2- البصائر والذخائر : ٣٧.
3- الحكمة ٨٣ إلى الحكمة ٨٨ عن كتاب التمثيل والمحاضرة _ الثعالبي : ٣٠.

84 التوبة آخر العمر:

قال عليه السّلام: بقيّة عمر المؤمن لا ثمن لها يدرك بها ما فات و يحيي بها ما أمات.

إنّ آخر عمر الإنسان من أثمن أيام حياته إن بادر إلى التوبة إلى اللّه تعالى عمّا اقترفه من الذنوب أيام حياته.

85 الدنيا و الآخرة:

قال عليه السّلام: الدّنيا بالأموال، و الآخرة بالأعمال.

إنّ جاه الدنيا و سيادتها بالأموال، أمّا الآخرة فسيادتها بالأعمال الصالحة.

86 الخوف من الذلّ :

قال عليه السّلام: النّاس من خوف الذّلّ في الذّلّ .

إنّ الخوف من الذلّ يوقع الإنسان حتما في الذلّ .

87 السكوت:

قال عليه السّلام: إنّ من السّكوت ما هو أبلغ من الجواب.

إنّ السكوت في بعض المواضع أبلغ بكثير من الكلام.

88 الصبر:

قال عليه السّلام: الصّبر مطية لا تكبو.

الصبر من أفضل الصفات النفسية، و يعود بالخير الكثير لمن اتّصف به.

ص:110

89 التثبّت من صحّة الخبر:

قال عليه السّلام: اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية، فإنّ رواة العلم كثير، و رعاته قليل(1).

إنّ هذه الحكمة من روائع حكم الإمام عليه السّلام، فقد أهاب بمن يقرأ الأخبار أو يسمعها أن لا يأخذ بها أخذ المسلّمات، و يبني على صحّتها، بل عليه أن يفحص عن سندها لئلا يكون رواتها من الوضّاعين و الكذّابين، كما أنّ عليه أن يتأمّل في دلالتها لئلا تكون مجافية للكتاب و السنّة فيكون بذلك قد وعى الأخبار عن فكر و وعي.

90 الاستعداد للآخرة:

قال عليه السّلام: من تذكّر بعد السّفر استعدّ.

إنّ من يتأمّل فيما يصير إليه أمره من بعد الموت من السؤال عمّا عمله من خير أو شرّ فلا بدّ أن يستعدّ لسفره بالعمل الصالح الذي هو خير زاد له.

91 أهمّية العلم:

قال عليه السّلام: قطع العلم عذر المتعلّلين.

إنّ العلم أبوابه مفتوحة و هو يدعو إلى الانتهال من نميره، و بذلك لم يبق عذرا للجاهل.

ص:111


1- اقتبسنا هذه الحكمة وما بعدها من نهج البلاغة _ الجزء الرابع.

92 الحرمان من العلم:

قال عليه السّلام: إذا أرذل اللّه عبدا حظر عليه العلم.

إنّ الإنسان إذا لم ينوّر فكره بطلب العلم فهو من أراذل المخلوقين.

93 كلام الحكماء:

قال عليه السّلام: إنّ كلام الحكماء إذا كان صوابا كان دواء، و إذا كان خطأ كان داء.

إنّ كلمات الحكماء إن كانت صوابا فهي ضياء و نور لمن أخذ بها، و إن كانت خطأ فإنّها تكون داء لمن عمل بها.

94 الحدّة:

قال عليه السّلام: الحدّة ضرب من الجنون، لأنّ صاحبها يندم، فإن لم يندم فجنونه مستحكم.

إنّ الحدّة تخرج الإنسان من توازنه، و تجعله حيوانا مفترسا و عاقبة الحدّة الندم فإن لم يندم صاحبها فجنونه مستحكم.

95 الكرم:

قال عليه السّلام: الكرم أعطف من الرّحم.

إنّ الإحسان إلى الناس و البرّ بهم أوثق من الرحم و أقرب من النسب.

96 معرفة اللّه تعالى:

قال عليه السّلام: عرفت اللّه سبحانه بفسخ العزائم، و حلّ العقود

ص:112

و نقض الهمم.

إنّ من وسائل معرفة اللّه تعالى نقض العزائم؛ فإنّ الإنسان قد يعقد نيّته على أمر و يصمّم على تنفيذه، و لكن سرعان ما ينقضه و يعرض عنه لأنّ اللّه تعالى صرفه عنه.

97 شكر النعمة:

قال عليه السّلام: إنّ للّه في كلّ نعمة حقّا، فمن أدّاه زاده منها، و من قصّر فيه خاطر بزوال نعمته.

إنّ النعمة التي ينعم بها اللّه تعالى سواء كانت في الأموال أم في الجاه منوطة بشكر اللّه تعالى و إسعاف الفقراء و قضاء حوائج الناس، و من لم يؤدّ ذلك عرّض نعمته للزوال.

98 حسد الصديق:

قال عليه السّلام: حسد الصّديق من سقم المودّة.

إنّ المودة للصديق إذا كانت واقعيّة لا يشوبها حسد، و إذا عراها الحسد فإنّها سقيمة.

99 وعاء العلم:

قال عليه السّلام: كلّ وعاء يضيق بما جعل فيه إلاّ وعاء العلم، فإنّه يتّسع به.

إنّ هذه الكلمة من روائع الأدب العلوي فإن كلّ وعاء يضيق بما جعل فيه إلاّ وعاء العلم فإنّه يتّسع و ينمو بما اودع فيه من صنوف العلوم.

ص:113

100 فعل المعروف:

قال عليه السّلام: لا يزهّدنّك في المعروف من لا يشكره لك فقد يشكرك عليه من لا يستمتع بشيء منه، و قد تدرك من شكر الشّاكر أكثر ممّا أضاع الكافر، وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [1] .

دعا الإمام عليه السّلام إلى صنع المعروف حتى لمن لا يستحقّه و يزهد فيه، فإنّ غيره ممّن بلغه ذلك فإنّه يشكره و يبجّله، و بذلك لا يضيع معروف و يبقى نديا عاطرا.

101 آلة الرئاسة:

قال عليه السّلام: آلة الرّئاسة سعة الصّدر.

إنّ الزعامة تستدعي سعة الصدر و الخلق الرفيع، و من لا يتّصف بذلك فليس له نصيب في الرئاسة.

102 أوضع صور العلم:

قال عليه السّلام: أوضع العلم ما وقف على اللّسان، و أرفعه ما ظهر في الجوارح و الأركان.

إنّ أحقر صور العلم و أقلّها شأنا هي التي تكون في اللسان فقط من دون أن يتأثّر بها الإنسان في سلوكه، و إنّ أرفع صور العلم هي التي يتأثّر بها الإنسان في عمله لا بلسانه.

103 الاتّصال باللّه تعالى:

قال عليه السّلام: من أصلح ما بينه و بين اللّه أصلح اللّه ما بينه و بين

ص:114

النّاس، و من أصلح أمر آخرته أصلح اللّه له أمر دنياه، و من كان له من نفسه واعظ كان عليه من اللّه حافظ .

إنّ أعظم سعادة للإنسان في حياته و أفضل مكسب له أن يظفر برضاء اللّه تعالى، و يقيم بينه و بين خالقه المودّة فيفعل ما يرضيه، و يجتنب عمّا يسخطه، فإذا فعل ذلك أصلح اللّه له امور دنياه و آخرته.

104 البخل عار:

قال عليه السّلام: البخل عار، و الجبن منقصة، و الفقر يخرس الفطن عن حجّته، و المقلّ(1) غريب في بلدته، و العجز آفة، و الصّبر شجاعة، و الزّهد ثروة، و الورع جنّة.

تحدّث الإمام عليه السّلام بهذه الكلمات عن الصفات السيّئة كالجبن و البخل، كما تحدّث عن الصفات الحسنة كالصبر و الزهد، و ذكر آثارها الوضعية.

105 الفتنة:

قال عليه السّلام: كن في الفتنة كابن اللّبون(2)، لا ظهر فيركب، و لا ضرع فيحلب.

أوصى الإمام عليه السّلام بالخلود إلى العزلة إذا اندلعت نيران الفتن، فإنّ السلامة تكمن بالاعتزال و عدم الظهور.

ص:115


1- المقل : الفقير.
2- ابن اللبون : هو ابن الناقة المستكمل سنتين وهو لا ظهر له فيركب ولا ضرع فيحلب.

106 الطمع:

قال عليه السّلام: أزرى بنفسه(1) من استشعر الطّمع، و رضي بالذّلّ من كشف عن ضرّه، و هانت عليه نفسه من أمّر عليها لسانه.

إنّ من ينطلق وراء أطماعه فقد احتقر نفسه لأنّ الطمع من أرذل الصفات و أخسّها، كما أنّ من يشكو إلى الناس ما ألمّ به من ضرر و فاقة فقد رضي بالذلّ و الهوان، و كذلك من جعل للسانه سلطانا عليه فقد ازدرى بنفسه.

107 الرضا و العلم:

قال عليه السّلام: نعم القرين الرّضى. و العلم وراثة كريمة، و الآداب حلل مجدّدة، و الفكر مرآة صافية.

إنّ من يتحلّى بهذه الصفات الكريمة فقد حاز الفضائل النفيسة و الآداب الرفيعة.

108 الصدقة:

قال عليه السّلام: الصّدقة دواء منجح، و أعمال العباد في عاجلهم، نصب أعينهم في آجالهم.

حثّ الإمام عليه السّلام على الصدقة، و أنّها دواء من كلّ داء، و أنّها تدفع البلاء المبرم، كما تظافرت الأخبار بذلك، كما عرض الإمام عليه السّلام إلى أنّ جميع ما يعمله الإنسان من خير أو شرّ يكون نصب عينيه

ص:116


1- أزرى بنفسه : أي احتقرها.

في حشره، قال تعالى: وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى . وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى(1).

109 الانفاق في سبيل الخير:

قال عليه السّلام: من أيقن بالخلف جاد بالعطيّة.

إنّ من ينفق أمواله في سبيل اللّه تعالى، و كان على يقين أنّ اللّه تعالى سوف يعوّضه عمّا أنفق فإنّه يجود بالعطية.

110 الاقتصاد:

قال عليه السّلام: ما عال من اقتصد.

إنّ هذه الكلمة من دعائم الاقتصاد فإنّ من يقتصد لا يصيبه ضيق و لا بؤس.

111 الصديق:

قال عليه السّلام: لا يكون الصّديق صديقا حتّى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته، و غيبته، و وفاته.

حدّد عليه السّلام واقع الصداقة و أنّها تقوم على ثلاث: في مواساة الصديق في نكبته، و المحافظة على كرامته في غيبته، و الوفاء له بعد وفاته و ذلك بالترحّم و الثناء عليه.

112 العمل الباقي:

قال عليه السّلام: شتّان ما بين عملين: عمل تذهب لذّته و تبقى تبعته

ص:117


1- النجم : ٣٩ و٤٠.

و عمل تذهب مؤونته و يبقى أجره.

إنّ العمل الذي تذهب لذّته و تبقى تبعته هو الانقياد للشهوات النفسية و اللذائذ المحرّمة فإنّها سرعان ما تذهب و تبقى تبعاتها و عقابها، و أمّا العمل الخالص لوجه اللّه تعالى فإنّ مؤونته قد انقضت و لكن يبقى أجره مدّخرا له عند اللّه تعالى.

113 إضاعة الفرصة:

قال عليه السّلام: إضاعة الفرصة غصّة.

إنّ الفرصة إذا أتت على الإنسان يجب عليه أن يستغلها، فإنّ فواتها يكون غصّة و حسرة عليه.

114 العمل مع التقوى:

قال عليه السّلام: لا يقلّ عمل مع التّقوى، و كيف يقلّ ما يتقبّل ؟ إنّ العمل و إن كان قليلا إذا كان مشفوعا بالإخلاص و التقوى فإنّه لا يكون قليلا.

115 الذي يقيم أمر اللّه تعالى:

قال عليه السّلام: لا يقيم أمر اللّه سبحانه إلاّ من لا يصانع، و لا يضارع، و لا يتّبع المطامع.

عرض عليه السّلام إلى من يقيم الحقّ في البلاد، و ينشر دين اللّه تعالى بين العباد، فلا بدّ أن تتوفّر فيه هذه الصفات:

1 - لا يصانع و لا يخشى أحدا.

2 - أن لا يضارع أي مخلوق في أعماله الشريرة.

3 - أن لا يتّبع المطامع.

ص:118

فإذا توفّرت فيه هذه الصفات فهو حري بإقامة الحقّ .

116 الهمّ :

قال عليه السّلام: الهمّ نصف الهرم.

إنّ الهمّ يذوي بجسم الإنسان و يعرّضه للهرم و الفناء.

117 عاقبة الإنسان:

قال عليه السّلام: لكلّ امرئ عاقبة حلوة أو مرّة.

إنّ كل إنسان إذا عمل خيرا و صلحت سريرته، و اتّصل بخالقه العظيم، فإنّ عاقبته تكون على خير، و إذا اقترف شرّا و ابتعد في سلوكه عن اللّه تعالى فإنّ عاقبته الخيبة و الخسران.

118 الصبر:

قال عليه السّلام: لا يعدم الصّبور الظّفر و إن طال به الزّمان.

إنّ من يصبر على عمل و يجهد نفسه عليه لا بدّ أن يظفر بنتائجه خصوصا طلب العلم.

119 طاعة من لا يعذر بجهالته:

قال عليه السّلام: عليكم بطاعة من لا تعذرون بجهالته.

لعلّه يشير بذلك إلى طاعة أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، فإنّ طاعتهم لا يعذر المسلم في تركها.

120 الاستبداد:

قال عليه السّلام: من استبدّ برأيه هلك، و من شاور الرّجال شاركها

ص:119

في عقولها.

إنّ الاستبداد بالرأي من دون تبصّر في عواقب الامور مظنّة للهلاك، كما أنّ مشاورة الرجال مكرمة لأنّها مشاركة لهم في عقولهم.

121 كتمان السرّ:

قال عليه السّلام: من كتم سرّه كانت الخيرة بيده.

من كتم سرّه نجا من كثير من المهالك، و من أذاعه كان عرضة للخطر و الدمار.

122 الفقر:

قال عليه السّلام: الفقر الموت الأكبر.

أمّا الفقر فهو الكارثة المدمّرة للإنسان، و أثر عن الإمام عليه السّلام: «إنّ الفقر رديف الكفر».

123 مصاحبة المائق :

123-مصاحبة المائق(1) :

قال عليه السّلام: لا تصحب المائق فإنّه يزيّن لك فعله، و يودّ أن تكون مثله.

حذّر الإمام عليه السّلام من مصاحبة الأحمق فإنّه يحبّذ لصاحبه أن يكون مثله في حماقته، و ذهب علماء الاجتماع إلى أنّ الحياة الاجتماعية حياة تأثير و تأثّر، و مصاحبة الأحمق توجب أن يتأثّر صاحبه بهذه الصفة الشريرة.

ص:120


1- المائق : الأحمق.

124 العبر:

قال عليه السّلام: ما أكثر العبر و أقلّ الاعتبار! إنّ العبر تصاحب الإنسان في كلّ وقت، و أهمّها الموت و هو أكبر واعظ للإنسان إلاّ أنّ الناس لا يحفلون به.

125 جوع الفقير:

قال عليه السّلام: إنّ اللّه سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء؛ فما جاع فقير إلاّ بما متّع به غني، و اللّه تعالى سائلهم عن ذلك.

و هذه الكلمة من روائع الاقتصاد الإسلامي الذي لا يترك أثرا للجوع و الحرمان في الأرض، فقد فرض الضرائب على أموال الأغنياء و على الدولة. و من المؤكّد أنّه لو دفعت إلى الفقراء لارتحل البؤس عن الناس.

126 شركاء المرء في أمواله:

قال عليه السّلام: لكلّ امرئ في ماله شريكان: الوارث و الحوادث.

إنّ المرء له شريكان: الوارث بعد وفاته و الحوادث التي ينفق عليها في حياته.

127 المرء يعرف بكلامه:

قال عليه السّلام: تكلّموا تعرفوا، فإنّ المرء مخبوء تحت لسانه.

إنّ هذه الكلمة الذهبية من مناجم الأدب العلوي، فإنّ الكلام الذي يتكلّم به الإنسان يكشف حقيقته، و يظهر واقعه خيرا أو شرّا.

ص:121

128 المصارعة:

قال عليه السّلام: من صارع الحقّ صرعه.

و مظهر معنى هذه الكلمة بوضوح أنّ الباطل إذا صارع الحقّ فإنّ الحقّ يصرعه إن عاجلا أو آجلا.

129 الحلم:

قال عليه السّلام: الحلم عشيرة.

إنّ الحلم قوة كبرى للإنسان، و سلامة له من الكوارث و الأخطار.

130 طالب العلم و طالب الدنيا:

قال عليه السّلام: منهومان لا يشبعان: طالب علم و طالب دنيا.

إنّ طالب العلم منهوم يسعى مجدّا ليملأ جهازه الفكري بالعلم لا يريح و لا يستريح، و طالب المال كلّما ازداد ماله ازداد جشعه.

131 الحلم و الأناة:

قال عليه السّلام: الحلم و الأناة توأمان ينتجهما علوّ الهمّة.

إنّ الحلم و التأنّي في الامور ناشئان من نضوج الفكر و علوّ الهمّة.

132 شرّ الاخوان:

قال عليه السّلام: شرّ الإخوان من تكلّف له.

إنّ التكلّف يستلزم المشقّة، فمن تكلّف له من الاخوان فهو من شرّهم.

ص:122

133 الزهد:

قال عليه السّلام: الزّهد كلّه بين كلمتين من القرآن؛ قال اللّه سبحانه:

لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ ، وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ (1). و من لم يأس على الماضي، و لم يفرح بالآتي، فقد أخذ الزّهد بطرفيه.

احتوت الآية الكريمة على الزهد كلّه، فقد نهت عن الأسى و الحزن على ما فات للإنسان و خسره من منافع الدنيا، كما نهت عن الفرح و السرور بما يصيبه الإنسان من متع الحياة، و هذا هو الزهد.

134 الحثّ على فعل الخير:

قال عليه السّلام: افعلوا الخير و لا تحقروا منه شيئا، فإنّ صغيره كبير و قليله كثير، و لا يقولنّ أحدكم: إنّ أحدا أولى بفعل الخير منّي، فيكون و اللّه كذلك. إنّ للخير و الشّرّ أهلا، فمهما تركتموه منهما كفاكموه أهله.

حثّ الإمام عليه السّلام على المبادرة لفعل الخير، و عدم استصغاره، فإنّ صغيره كبير عند اللّه تعالى، كما نهى عن القول بأنّ غيري أولى بفعل الخير منّي، فإنّه يكون كذلك، و يحرم منه.

135 نعم اللّه على بعض عباده:

قال عليه السّلام: إنّ للّه عبادا يختصّهم اللّه بالنّعم لمنافع العباد، فيقرّها في أيديهم ما بذلوها؛ فإذا منعوها نزعها منهم، ثمّ حوّلها إلى غيرهم.

ص:123


1- الحديد : ٢٣.

خصّ اللّه تعالى بلطفه بعض عباده بالنعم و الخير، و جعلها وديعة عندهم، فإذا بخلوا بها و احتكروها لأنفسهم سلبها منهم و أعطاها لغيرهم.

136 تواضع الأغنياء للفقراء:

قال عليه السّلام: ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند اللّه! و أحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتّكالا على اللّه.

إنّ تواضع الأغنياء للفقراء ينمّ عن شرفهم و ابتغائهم الأجر عند اللّه تعالى، كما أنّ تيه الفقر و ترفّعهم على الأغنياء يدلّ على سموّ نفوسهم.

137 التقوى من اللّه:

قال عليه السّلام: احذر أن يراك اللّه عند معصيته، و يفقدك عند طاعته، فتكون من الخاسرين، و إذا قويت فاقو على طاعة اللّه، و إذا ضعفت فاضعف عن معصية اللّه.

و هذه الكلمة من روائع حكم الإمام عليه السّلام، فقد حذّر الإنسان أن يراه اللّه تعالى الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السماء مقترفا لمعصية أو خطيئة، فيكون من الخاسرين كما حثّ الإمام على فعل ما يقرّب الإنسان إلى اللّه تعالى.

138 حمل كلمة السوء على العكس:

قال عليه السّلام: لا تظنّنّ بكلمة خرجت من أحد سوءا، و أنت تجد لها في الخير محتملا.

ص:124

من الآداب الاجتماعية التي سنّها الإمام عليه السّلام للربط الاجتماعي أن لا يظنّ الإنسان بكلمة سوء خرجت من أحد في حقّه و هو يجد لها مخرجا و محملا على الخير فليحملها عليه حفظا على الاخوة الإسلامية.

139 عدم الاهتمام بالأهل:

قال عليه السّلام: لا تجعلنّ أكثر شغلك بأهلك و ولدك: فإن يكن أهلك و ولدك أولياء اللّه، فإنّ اللّه لا يضيع أولياءه، و إن يكونوا أعداء اللّه، فما همّك و شغلك بأعداء اللّه ؟.

و هذه الوصية القيّمة من غرر وصايا الإمام عليه السّلام، فقد أهاب بالإنسان أن لا يشغل فكره بأهله بعد وفاته، فإنّهم إن كانوا من أولياء اللّه تعالى فاللّه أولى برعايتهم، و إن كانوا من أعداء اللّه تعالى فلا ينبغي الاهتمام بهم.

140 الحذر من معاصي اللّه:

قال عليه السّلام: اتّقوا معاصي اللّه في الخلوات، فإنّ الشّاهد هو الحاكم.

حذّر الإمام عليه السّلام من معصية اللّه في الخلوات فإنّ اللّه تعالى لا تخفى عليه صغيرة و لا كبيرة و هو المطّلع على خفايا النفوس، و دخائل القلوب.

141 عبادة اللّه:

قال عليه السّلام: إنّ قوما عبدوا اللّه رغبة فتلك عبادة التّجّار، و إنّ قوما عبدوا اللّه رهبة فتلك عبادة العبيد، و إنّ قوما عبدوا اللّه شكرا

ص:125

فتلك عبادة الأحرار.

حدّد الإمام عليه السّلام أنواع العبادة إلى ثلاثة أنواع:

و هي عبادة التجّار، و هم الذين يعبدون اللّه تعالى تحصيلا لثوابه و الفوز بالجنان..

و عبادة العبيد، و هم الذين يعبدون اللّه تعالى خوفا من عقابه و عذابه..

و النوع الثالث: عبادة الأحرار و هم الذين يعبدون اللّه لأنّه أهل للعبادة لا طمعا في جنّته و لا خوفا من ناره.

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض كلمات الإمام عليه السّلام القيّمة، و قد اقتبسناها من الجزء الرابع من نهج البلاغة، و للإمام عليه السّلام تراث رائع من الكلمات الحكمية القصار عالج فيها مختلف قضايا الإنسان و شئونه.. إنّه تعالى وليّ التوفيق.

ص:126

المحتويات

تقديم 5 وصاياه الخالدة 9-63 وصيّته للإمام الحسن عليه السّلام 11 وصيّة اخرى لولده الإمام الحسن عليه السّلام 34 وصيّته للإمام الحسين عليه السّلام 35 وصاياه لأبنائه 39 وصيّته لمحمّد بن الحنفية 41 وصيّته لكميل 44 مواعظه 65-81 حال الإنسان في الدنيا 67

ص:127

اتّباع الهوى 68 طوبى للزاهدين في الدنيا 68 الزهد في الدنيا 69 موعظته لرجل شيّع جنازة و هو يضحك 70 مع رجل يذمّ الدنيا 70 ما بعد الموت 72 إدبار الدنيا 72 تصرّم الدنيا 74 المبادرة إلى الأعمال الصالحة 75 صفة الدنيا 76 وصفه للموت و ما بعده 77 الاتّعاظ بالعبر 80 رفض الدنيا 80 حكمه القيّمة 83-126 1 - قيمة المرء ما يحسنه 85 2 - العلم أكثر من أن يحصى 86 3 - رأي الشيخ 86 4 - المرء الذي لا يعرف قدره 87 5 - الناس أعداء ما جهلوا 87 6 - من عرف نفسه عرف ربّه 87

ص:128

7 - إغاثة الملهوف 88 8 - وصف الدنيا 88 9 - الزاهدون في الدنيا 88 10 - عطاء اللّه في الدنيا و الآخرة 89 11 - الراحة و البؤس 89 12 - حقّ الصديق 89 13 - أعجز الناس 90 14 - الملك و الدين 90 15 - الكلام 90 16 - الدهر يومان 91 17 - الجاهل و العالم 91 18 - العبادة مع العلم 91 19 - طرائف الحكمة 92 20 - التفكّر 92 21 - الاستغفار 93 22 - اقتران الهيبة بالخيبة 93 23 - جنود اللّه 93 24 - أفضل العبادة 94 25 - مواصلة الأخ 94 26 - الكلمة الطيّبة 94 27 - لا راحة للحسود 95 28 - الحليم 95 29 - البصير و الأحمق 95

ص:129

30 - مكانة الأنصار في الإسلام 96 31 - أقلّ ما يلزم به اللّه تعالى 96 32 - أضرار الفرقة 96 33 - كظم الغيظ 97 34 - حسن الخلق 97 35 - اللّه أسمى من أن تتصوّره الأوهام 97 36 - الغوغاء 97 37 - أصناف الناس 98 38 - أصناف القرّاء 98 39 - النهي عن المزاح 98 40 - الضحك 98 41 - حسن الأدب 99 42 - اجتناب المحارم 99 43 - الزاهد في الدنيا 99 44 - جهل المرء بعيوبه 99 45 - تمام العفاف 100 46 - من حسنت به الظنون 100 47 - أظهر الكرم 100 48 - صفات الفاجر 100 49 - حسن الاعتراف 101 50 - تحمّل زلّة الصديق 101 51 - إنفاق المال لإصلاح الحال 101 52 - القصد في الامور 101

ص:130

53 - ظلم العباد 101 54 - شكر النعمة 102 55 - حسن الخلق 102 56 - التجارب 102 57 - الأجل 102 58 - المشاورة في الامور 102 59 - القناعة 103 60 - من أمّل إنسانا هابه 103 61 - الاستصحاب 103 62 - المؤمن في تعب 103 63 - الكسل 104 64 - من كنوز الجنة 104 65 - الاستغناء و الاحتياج 104 66 - الجود 104 67 - ترك التعاهد للصديق 105 68 - طلب الرزق 105 69 - خير الغنى 105 70 - التجارب 105 71 - سعة الأمل 105 72 - أشكر الناس و أكفرهم 106 73 - إمهال اللّه لفرعون 106 74 - صفحات الوجه مرآة للإنسان 106 75 - قيمومة الرجل على أهله 106

ص:131

76 - سعادة الإنسان 107 77 - الكرم 107 78 - جمال الرجل و المرأة 107 79 - بعض الخصال السيّئة 108 80 - موعظة 108 81 - التواضع للأغنياء 109 82 - الصدقة 109 83 - الكريم 109 84 - التوبة آخر العمر 110 85 - الدنيا و الآخرة 110 86 - الخوف من الذلّ 110 87 - السكوت 110 88 - الصبر 110 89 - التثبّت من صحّة الخبر 111 90 - الاستعداد للآخرة 111 91 - أهمّية العلم 111 92 - الحرمان من العلم 112 93 - كلام الحكماء 112 94 - الحدّة 112 95 - الكرم 112 96 - معرفة اللّه تعالى 112 97 - شكر النعمة 113 98 - حسد الصديق 113

ص:132

99 - وعاء العلم 113 100 - فعل المعروف 114 101 - آلة الرئاسة 114 102 - أوضع صور العلم 114 103 - الاتّصال باللّه تعالى 114 104 - البخل عار 115 105 - الفتنة 115 106 - الطمع 115 107 - الرضا و العلم 116 108 - الصدقة 116 109 - الانفاق في سبيل الخير 116 110 - الاقتصاد 117 111 - الصديق 117 112 - العمل الباقي 117 113 - إضاعة الفرصة 117 114 - العمل مع التقوى 118 115 - الذي يقيم أمر اللّه تعالى 118 116 - الهمّ 118 117 - عاقبة الإنسان 119 118 - الصبر 119 119 - طاعة من لا يعذر بجهالته 119 120 - الاستبداد 119 121 - كتمان السرّ 120

ص:133

122 - الفقر 120 123 - مصاحبة المائق 120 124 - العبر 121 125 - جوع الفقير 121 126 - شركاء المرء في أمواله 121 127 - المرء يعرف بكلامه 121 128 - المصارعة 122 129 - الحلم 122 130 - طالب العلم و طالب الدنيا 122 131 - الحلم و الأناة 123 132 - شرّ الاخوان 122 133 - الزهد 123 134 - الحثّ على فعل الخير 123 135 - نعم اللّه على بعض عباده 123 136 - تواضع الأغنياء للفقراء 124 137 - التقوى من اللّه 124 138 - حمل كلمة السوء على العكس 124 139 - عدم الاهتمام بالأهل 125 140 - الحذر من معاصي اللّه 125 141 - عبادة اللّه 125 المحتويات 127-134

ص:134

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.