موسوعة الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) المجلد 4

اشارة

سرشناسه:قرشی، باقرشریف، 1926 - م.

Qarashi, Baqir Sharif

عنوان و نام پديدآور: موسوعة الامام امیرالمومنین علی بن ابی طالب علیه السلام/ مولف باقر شریف القرشی

مشخصات نشر:قم: مجمع جهانی شیعه شناسی

مشخصات ظاهری:11ج.

شابک:دوره: 978-600-6164-72-4 ؛ 90000 ریال: ج. 1: 978-600-6164-65-6 ؛ ج.2و3 978-600-94930-7-4 : ؛ ج. 4 978-622-962924-6:

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

يادداشت:ناشر جلد دوم و سوم و چهارم انتشارات دارالتهذیب است .

مندرجات:ج. 1. زندگانی و فضایل امام علی علیه السلام در قرآن و سنت.- ج.2 و 3. امام علی (ع) در عهد پیامبر و دوران خلافت

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40 ق.

موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق. -- سرگذشتنامه

شناسه افزوده:مجمع جهانی شیعه شناسی

شناسه افزوده:The World Center for Shite Studies

رده بندی کنگره:BP37/ق36م8041 1393

رده بندی دیویی:297/951

شماره کتابشناسی ملی:3726762

ص :1

اشارة

موسوعة الامام امیرالمومنین علی بن ابی طالب علیه السلام

مولف باقر شریف القرشی

ص :2

مقدمة التحقيق

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ البقرة: الآية 186 وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً يونس: الآية 12 أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ النمل: الآية 62 وَ إِذا مَسَّ النّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ الرّوم: الآية 33

ص:3

ص:4

تقديم

1 الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام سيّد الموحّدين و إمام المتّقين و داعية اللّه في الأرض بعد أخيه و ابن عمّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فقد كانت له جولات مشرقة على منبر الإسلام في الكوفة، و هو يشيع حقائق التوحيد، و ينشر بدائع التكوين التي هي من آيات اللّه خالق الكون و واهب الحياة.

و هكذا كان الإمام في جميع فترات حياته عنصرا من عناصر الإيمان و مركزا من مراكز التوحيد، قد رفع كلمة اللّه، و وهب العقول نورا أضاء لها الطريق، و بدّد فيها ظلمات الجهل، و قادها إلى معرفة المبدع العظيم.

2 و برزت على مسرح الحياة الروحية في الإسلام أدعية الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، و هي وثائق مهمّة عن تقواه و شدّة اتّصاله و انقطاعه إلى اللّه تعالى، و معرفته به، كما أنّها في نفس الوقت بلسم للنفوس الحائرة و الغارقة في متاهات هذا الكون تدفعها إلى الاستقامة و الاصلاح الشامل؛ لا في ميادين السلوك فحسب، و إنّما لتهذيب الغرائز و تطهيرها من مآثم هذه الحياة؛ و قد كتب لها و لسائر أدعية أئمّة أهل البيت عليهم السّلام النجاح

ص:5

الهائل، فكانت من أكثر الكتب الدينية رواجا، و إقبالا عند معظم أبناء الشيعة و غيرهم، و لا تجد بيتا من بيوت العارفين أو مركزا دينيا إلاّ مزيّنا بإحدى النسخ من أدعية الأئمّة الطاهرين عليهم السّلام؛ تتلى في آناء النهار و أدبار الليل.

3 و وضع الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام المناهج المشرّفة لآداب الدعاء و كيفيّته، فقد علمنا كيف ندعو اللّه تعالى، و كيف نتضرّع و نلجأ إليه، و كيف نقف أمامه بخشوع و تذلّل، لا نرى لأنفسنا أي قيمة أو وجود.

لقد علّمنا عملاق المتّقين أنّ الإنسان بما يملك من طاقات فكرية و مادية لا شيء أمام الخالق العظيم، فإنّ الكوكب الذي يعيش عليه الإنسان، إنّما هو ذرّة بسيطة تسبح في هذا الفضاء اللاّمتناهي الذي حيّر الأفكار و بلبل العقول، و هي إحدى مخلوقاته تعالى شأنه.

4 إنّ الإنسان بحسب فطرته التي فطره اللّه عليها يشعر شعورا ذاتيا بوجود خالق، و مكوّن له، يفزع و يلجأ إليه إذا ألمّت به كارثة من كوارث الدهر، أو طافت به إحدى الأزمات، و هذه الظاهرة متأصّلة بالإنسان، و مرتبطة بوجوده منذ بداية تكوينه، و هيهات أن تنفصل عنه، فإنّ الذاتيات لا تتبدّل و لا تتغيّر حسبما يقول علماء المنطق.

و قد فتح الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بأدعيته المشرقة أبواب الاتّصال باللّه تعالى، اتّصالا يقوم على العبودية المطلقة للإنسان تجاه ربّه و خالقه، فإنّه لا قيمة للإنسان و لا حقيقة له ما لم يرتبط باللّه الذي هو الغاية التي لا غاية غيرها في هذا الوجود.

ص:6

5 و لم تقتصر أدعية الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و سائر أدعية الأئمّة الطاهرين من أبنائه على مناجاة اللّه تعالى و طلب عفوه و مغفرته و غير ذلك من القضايا الروحية، فقد تعرّض بعضها إلى الشؤون التربوية و الاجتماعية، كما صوّر بعضها الحالة السياسية و ما يعانيه المسلمون من الظلم و الجور من حكّام عصورهم من أمويّين و عباسيّين. إنّ أدعية الأئمّة الطاهرين عليهم السّلام حافلة بكلّ ما ينفع الناس، و بما تسمو به حياتهم الفردية و الاجتماعية، و هي تمثّل الفكر الإسلامي تجاه القضايا الروحية، و بالاضافة إلى أنّها من مناجم الثقافة فقد بلغت الذروة في فصاحتها و بلاغتها، و نظمت في أرقى أسلاك الأدب العربي؛ ممّا جعلها من ذخائره، و من أميز ألوانه.

6 إنّ أدعية الأئمّة الطاهرين عليهم السّلام بصورة عامّة من كنوز التوحيد، و من أهمّ الوسائل المشرقة في الوصول إلى اللّه تعالى، و هي تكشف بصورة واضحة عن مدى تعلّقهم عليهم السّلام باللّه و اتّصالهم به.

و من الجدير بالذكر أنّ المرحوم الدكتور زكي مبارك المصري حاول أن يكتب عن أدب الدعاء الذي أثر عن بعض أئمّة المذاهب الإسلامية و زعماء الصوفيّين، و لكنّه لم يطّلع على أدعية أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، و قد عرض رغبته الملحّة على عميد الرابطة الأدبية في النجف الأشرف و شيخ الخطباء الشيخ محمّد علي اليعقوبي رحمه اللّه، فسأله هل اطّلعت على أدعية أئمّة الهدى عليهم السّلام؟ فأجاب بالنفي، فبادر اليعقوبي فقدّم له الصحيفة السجّادية التي هي زبور آل محمّد، و بعض كتب الأدعية الاخرى، فلمّا اطّلع عليها بهر

ص:7

بها، و سارع إلى الشيخ اليعقوبي، و ملأ فكره الإعجاب و الإكبار بها، و راح يقول أمام أعضاء الرابطة: إنّ أدعية الأئمّة عليهم السّلام من كنوز الإسلام، و من أعزّ و أثمن ما يملكه المسلمون من التراث الروحي.

7 و الشيء المحقّق أنّه لم تملك أيّة طائفة من الطوائف الإسلامية و سائر الأديان السماوية مثل ما تملكه الشيعة من الأدعية التي أثرت عن أئمّتهم، فإنّ هذا التراث الروحي المبدع الخلاّق قد ساهم مساهمة إيجابية و فعّالة في إصلاح النفوس، و تهذيب الغرائز، و رفع المستوى الفكري للإنسان. و قد كانت أدعية الأئمّة موضع اهتمام بالغ عند الأوساط العلمية من الشيعة، و قد نظر إليها علماؤهم باعتزاز و فخر، فقد اعتزّ العالم الكبير السيّد ابن طاوس بها و ذكر في رسالته «كشف المحجّة لثمرة المهجة» التي ألّفها إلى ولده أنّ من نعم اللّه تعالى عليه أنّه يملك في مكتبته من كتب الأدعية التي أثرت عن أجداده الأئمّة الطيّبين ثمانمائة كتاب و لم تحظ بها المكتبة الإسلامية، و لعلّه يوجد بعضها في خزائن الكتب المخطوطة في العالم.

8 و ليس هذا الكتاب أوّل ما ألّف في أدعية الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام فقد سبق أن ألّف فيها بعض السادة العلماء التالية أسماؤهم:

1 - الشيخ عبد اللّه بن صالح البحراني السماهيجي المتوفّى سنة 1135 ه(1): فقد

ص:8


1- الذريعة ١٢ : ٢٣.

جمع أدعية الإمام بكتاب أسماه الصحيفة العلوية المباركة، طبعت في ايران سنة 1325 ه، و طبعت ثانيا في بيروت في مطبعة دار التعارف، و لم يشر المؤلّف إلى المصادر التي اقتبس منها أدعية الإمام، فقد كانت جميعا مرسلة، و مضافا لذلك فإنّ بعض الأدعية ركيكة جدا، و ليست في المستوى البلاغي الذي ينسجم مع كلمات الإمام التي هي في قمّة البلاغة و الفصاحة، مضافا إلى عدم التنسيق و الربط بين الأدعية.

2 - العلاّمة الشيخ حسين بن محمّد تقي النوري الطبرسي: فقد استدرك من الأدعية التي لم يعثر عليها الشيخ عبد اللّه البحراني، و جمعها في كتاب أسماه الصحيفة العلوية الثانية، و تمتاز على الصحيفة الاولى أنّه أشار في كلّ دعاء إلى سنده و إلى المصدر الذي أخذه منه، بالإضافة إلى جودة الأدعية التي ذكرها.

3 - المحقّق الكبير شيخنا المعظّم العلاّمة الشيخ محمّد باقر المحمودي حفظه اللّه:

فقد أفرد كتابا خاصّا لأدعية الإمام عليه السّلام في موسوعته القيّمة «نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة» و ذكر مصادر الأدعية و هو جهد رائع و مشكور عليه. و على أي حال فقد استندت في معظم ما كتبته من أدعية الإمام إلى هذه المصادر، كما استندت إلى بعض المصادر الأخرى، و قد أشرت إليها في هامش الكتاب، و قد بوّبت الأدعية، و علّقت على الكثير منها آملا أن يجد القارئ المتعة و الفائدة و هو ما أتمنّاه.

9 و أعود للحديث - بإيجاز - عن أدعية الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، فإنّها - من المؤكّد - ضمان لتهذيب النفوس، و صيانة لها من التلوّث بمآثم هذه الحياة، فقد فتحت باب الاتّصال ما بين العبد و خالقه الذي بيده جميع مجريات الأحداث. و ممّا لا شبهة فيه أنّ عرض أدعية الإمام عليه السّلام، و سائر مثله العليا، فيها خدمة للأمّة لأنّها من أروع الأرصدة

ص:9

الروحية و الفكرية التي يملكها العالم الإسلامي، و من المؤكّد أنّ إشاعتها بين الناس من أسمى الخدمات التي تقدّم للمسلمين، خصوصا في مثل هذه الظروف الحسّاسة التي تهالكت فيها الدول الكبرى، و قادتها الصهيونية العالمية، إلى نهب ثروات المسلمين و إذلالهم، و جعلهم مناطق نفوذ لها.

و إنّا نتضرّع إلى اللّه تعالى أن ينقذنا من كيدهم و مكرهم، و ينقذ الإنسانية من شرورهم و آثامهم، إنّه تعالى وليّ ذلك و القادر عليه.

النّجف الأشرف باقر شريف القريشى 15 /شهر رمضان المبارك/ 1419 ه

ص:10

في رحاب الدّعاء

اشارة

ص:11

ص:12

كان الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام مولعا بالدعاء، و الابتهال إلى اللّه في جميع أوقاته، فكان يلهج بذكره في آناء الليل و أدبار النهار، في حلّه و ترحاله، و في ساحات الحروب، و يذكر بمزيد من التذلّل و الخضوع عظيم قدرته، و عجيب مخلوقاته، و بديع صنعه، و رحمته على عباده، و قد أثر عنه من الأدعية ما لا يحصى.

و قبل الخوض في ذكر بعض أدعية الإمام عليه السّلام نعرض إلى بعض أحاديثه التي أدلى بها عن فوائد الدعاء، و مدى أهميّته، و غير ذلك ممّا يرتبط بالموضوع.

فائدة الدعاء:

و حفل الدعاء إلى اللّه تعالى بطاقات مشرقة من الفوائد، و قد أدلى الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام ببعضها قال:

«جعل - أي اللّه - في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدّعاء أبواب نعمته، و استمطرت شابيب رحمته، يقنّطنّك إبطاء إجابته، فإنّ العطيّة على قدر النّيّة، و ربّما اخّرت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظم لأجر السّائل، و أجزل لعطاء الآمل، و ربّما سألت الشّيء فلا تؤتاه، و أوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا، أو صرف عنك لما هو خير لك، فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته. رحب واديك، و عزّ ناديك، و لا ألمّ بك ألم، و لا طاف بك عدم»(1).

ص:13


1- ربيع الأبرار ٢ : ٢١٨ _ ٢١٩.

و حكت هذه الكلمات الأهمّية البالغة للدعاء، و أنّه مفتاح خزائن رحمة اللّه تعالى و أبواب نعمته، و أيّ مكسب أعظم عائدة على الإنسان منه؟! كما حكت بعض الأسباب التي تؤخّر إجابة الدعاء، و التي منها أنّ اللّه يعطي العبد خيرا ممّا سأله إن عاجلا أو آجلا، و قد يكون ممّا سأله العبد فيه هلاكه و هو لا يعلم ذلك، و قد خفي عليه...

و في حديث آخر له عليه السّلام: «لا تعجزوا عن الدّعاء، فإنّه لا يهلك مع الدّعاء أحد»(1).

الدعاء سلاح المؤمن:

قال عليه السّلام: «الدّعاء سلاح المؤمن، و عماد الدّين، و نور السّماوات و الأرض»(2).

إنّ خير وسيلة يلجأ إليها الإنسان هي الدعاء و الابتهال إلى اللّه تعالى في دفع السوء و المكروه، فإنّ بيده تعالى جميع مجريات الأحداث، و هو لا غيره القادر على إنقاذ الإنسان ممّا ألمّ به من محن الدنيا.

و جاء في حديث آخر للإمام عليه السّلام: «الدّعاء ترس المؤمن، و متى تكثر قرع الباب يفتح لك»(3).

و في حديث ثالث للإمام: «الدّعاء مفاتيح النّجاح، و مقاليد الفلاح، و خير الدّعاء ما صدر عن صدر نقيّ، و قلب تقيّ، و في المناجاة سبب النّجاة، و بالإخلاص يكون الخلاص، فإذا اشتدّ الفزع فإلى اللّه المفزع»(4).

و هذه الأحاديث تؤكّد مدى الأهميّة البالغة للدعاء، فهو مفتاح النجاح،

ص:14


1- ربيع الأبرار ٢ : ٢٠٨.
2- أصول الكافي ٢ : ٤٦٨.
3- أصول الكافي ٢ : ٤٦٨.
4- وسائل الشيعة ٧ : ٦٤.

و سبب النجاة، و أنّ أفضل ألوان الدعاء هو الذي يصدر من قلب تقي مطمئنّ بالإيمان و الإخلاص.

فضل الدعاء:

و تظافرت الأخبار عن أئمّة الهدى عليهم السّلام في فضل الدعاء و الحثّ عليه، قال الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام: «أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ و جلّ في الأرض الدّعاء، و أفضل العبادة العفاف»(1).

الإقبال على الدعاء:

أمّا الإقبال على الدعاء فهو أحد الشروط في استجابته، قال الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا يقبل اللّه عزّ و جلّ دعاء قلب لاه».

و كان عليه السّلام يأمر بتوجّه القلب في الدعاء إلى الميّت قال: «إذا دعا أحدكم للميّت فلا يدع له و قلبه لاه عنه، و لكن ليجتهد له في الدّعاء»(2).

الأوقات التي يستجاب بها الدعاء:

و حدّد الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء، قال عليه السّلام:

«اغتنموا الدّعاء عند أربع: عند قراءة القرآن، و عند الأذان، و عند نزول الغيث، و عند التقاء الصّفّين للشّهادة»(3).

ص:15


1- المصدر المتقدّم : ٢٩.
2- وسائل الشيعة ٧ : ٢٧.
3- المصدر المتقدّم : ٢٩.

فتح باب الإجابة:

و لمّا ندب اللّه تعالى عباده إلى الدعاء، فقد فتح لهم باب الإجابة، قال الإمام عليه السّلام:

«ما كان اللّه ليفتح باب الدّعاء و يغلق عليه باب الإجابة»(1).

و قال عليه السّلام: «من اعطي الدّعاء لم يحرم الإجابة»(2).

و قد أعلن القرآن الكريم ذلك قال تعالى:

وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ .

و كان من وصايا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله للإمام أمير المؤمنين عليه السّلام:

«يا عليّ! أوصيك بالدّعاء؛ فإنّ معه الإجابة، و بالشّكر؛ فإنّ معه المزيد، و أنهاك عن أن تخفر عهدا و تعين عليه، و أنهاك عن المكر؛ فإنّه لا يحيق المكر السّيّئ إلاّ بأهله، و أنهاك عن البغي، فإنّه من بغي عليه لينصرنّه اللّه»(3).

و حفلت وصيّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله للإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بمكارم الأخلاق و محاسن الآداب، و هي أنموذج للخلق الإسلامي المتكامل.

الدعاء مخّ العبادة:

الدعاء روح العبادة إذا كان عن نيّة صادقة، و قلب مترع بالإيمان، قال عليه السّلام:

«الدّعاء مخّ العبادة» [4].

ص:16


1- وسائل الشيعة ٧ : ٢٨.
2- المصدر المتقدّم : ٨٠.
3- وسائل الشيعة ٧ : ٨٣. الخصال ٢ : ١٦٩.

حاجة الناس إلى الدعاء:

قال عليه السّلام: «ما المبتلى الّذي قد اشتدّ به البلاء بأحوج إلى الدّعاء من المعافى الّذي لا يأمن البلاء»(1).

الناس بجميع أصنافهم المعافي و المبتلى منهم في حاجة إلى الدعاء و الابتهال إلى اللّه تعالى ليصرف عنهم المكروه و السوء.

الثناء على اللّه قبل الدعاء:

و وضع الإمام عليه السّلام منهجا للدعاء، و هو أن يثني الإنسان على اللّه تعالى و يمجّده قبل الدعاء، فقد روى الإمام أبو عبد اللّه عليه السّلام قال:

«إنّ في كتاب أمير المؤمنين: إنّ المدحة قبل المسألة، فإذا دعوت اللّه عزّ و جلّ فمجّده».

فقيل له: كيف يمجّد؟ فقال عليه السّلام:

«تقول: يا من هو أقرب إليّ من حبل الوريد! يا فعّالا لما يريد! يا من يحول بين المرء و قلبه! يا من هو بالمنظر الأعلى! يا من هو ليس كمثله شيء»(2).

و أكّد الإمام عليه السّلام ذلك في حديث آخر له قال:

«السّؤال بعد المدح، فامدحوا اللّه عزّ و جلّ ثمّ اسألوا الحوائج، اثنوا على اللّه عزّ و جلّ و امدحوه قبل طلب الحوائج»(3).

ص:17


1- وسائل الشيعة ٧ : ٢٨.
2- المصدر المتقدّم : ٨٠.
3- وسائل الشيعة ٧ : ٨٣. الخصال ٢ : ١٦٩.

الصلاة على النبيّ قبل الدعاء:

أرشد الإمام عليه السّلام الداعين إلى اللّه في قضاء مهمّاتهم أن يصلّوا على النبيّ و آله قبل الدعاء، فإنّه أقرب إلى الإجابة، قال عليه السّلام: «إذا كانت لك إلى اللّه حاجة فابدأ بمسألة الصّلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، ثمّ سل حاجتك، فإنّ اللّه أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضي إحداهما و يمنع الاخرى»(1).

و قال عليه السّلام: «كلّ دعاء محجوب عن السّماء حتّى يصلّى على محمّد و آله»(2).

إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مصدر الخير و الرحمة لجميع الكائنات، و الصلاة عليه سبب لاستجابة الدعاء، و التقرّب منه تعالى.

استجابة دعاء أطفال العلويّين:

و أكّد الإمام عليه السّلام على أنّ دعاء أطفال السادة مستجاب، قال: «دعاء أطفال ذرّيّتي مستجاب ما لم يقارفوا الذّنوب»(3).

إنّ للسادة العلويّين أعزّهم اللّه منزلة كريمة عند اللّه تعالى، و أهمّية بالغة، و ذلك لما لآبائهم العظام من خدمات للإسلام و أياد بيضاء أسدوها على المسلمين، و اللّه تعالى يضمن لأبنائهم إجابة الدعاء و يجزل لهم المزيد من الكرامات.

دعاؤه في استجابة الدعاء:

روى معاوية بن عمّار أنّ الإمام الصادق عليه السّلام قال له ابتداء: يا معاوية! أمّا

ص:18


1- وسائل الشيعة ٧ : ٩٧.
2- ثواب الأعمال : ٨٥.
3- ربيع الأبرار ٢ : ٢٤٩.

علمت أنّ رجلا أتى أمير المؤمنين عليه السّلام فشكى الإبطاء عليه في الجواب في دعائه، فقال له: فأين أنت عن الدعاء سريع الإجابة؟ فقال له الرجل: ما هو؟ قال: قل:

«اللّهمّ! إنّي أسألك باسمك العظيم الأعظم، الأجلّ الأكرم، المخزون المكنون، النّور الحقّ، البرهان المبين، الّذي هو نور مع نور، و نور من نور، و نور في نور، و نور على نور، و نور فوق كلّ نور، و نور يضيء به كلّ ظلمة، و يكسر به كلّ شدّة و كلّ شيطان مريد، و كلّ جبّار عنيد، لا تقرّ به أرض، و لا تقوم به سماء، و يأمن به كلّ خائف، و يبطل به سحر كلّ ساحر، و بغي كلّ باغ، و حسد كلّ حاسد، و يتصدّع لعظمته البرّ و البحر، و يستقلّ به الفلك حين يتكلّم به الملك، فلا يكون للموج عليه سبيل، و هو اسمك الأعظم الأعظم، الأجلّ الأجلّ، النّور الأكبر الّذي سمّيت به نفسك، و استويت به على عرشك، و أتوجّه إليك بمحمّد و أهل بيته، أسألك بك و بهم أن تصلّي على محمّد و آل محمّد...» و يذكر حاجته(1).

و بهذا نطوي الحديث عن بعض ما نقله الرواة عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في فضل الدعاء و أهمّيته و ما يتّصل بذلك من بحوث.

ص:19


1- أصول الكافي ٢ : ٥٨٢.

ص:20

مع اللّه في آياته و توحيده

اشارة

ص:21

ص:22

و معظم أدعية الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام قد حفلت بتوحيد اللّه تعالى و الثناء عليه، و هي تحمل طابع الإخلاص و العبودية المطلقة للّه الواحد القهّار، فقد حكت أدعيته مدى تذلّله أمام اللّه، و تضرّعه إليه، و معرفته به، و هذه نماذج منها:

دعاؤه عليه السّلام

في توحيد اللّه و الثناء عليه

الحمد للّه أوّل محمود، و آخر معبود، و أقرب موجود، البديء بلا معلوم لأزليّته، و لا آخر لأوّليّته، و الكائن قبل الكون بغير كيان، و الموجود في كلّ مكان بغير عيان، و القريب من كلّ نجوى بغير تدان، علنت عنده الغيوب، و ضلّت في عظمته القلوب، فلا الأبصار تدرك عظمته، و لا القلوب على احتجابه تنكر معرفته، تمثّل في القلوب بغير مثال تحدّه الأوهام، أو تدركه الأحلام، ثمّ جعل من نفسه دليلا على تكبّره عن الضّدّ و النّدّ و الشّكل و المثل، فالوحدانيّة آية الرّبوبيّة، و الموت الآتي على خلقه مخبر عن خلقه و قدرته، ثمّ خلقهم من نطفة و لم يكونوا شيئا، دليل على إعادتهم خلقا جديدا بعد فنائهم كما خلقهم أوّل مرّة...

و حكى هذا المقطع مدى تعظيم الإمام عليه السّلام للّه تعالى، فقد نعته بهذه النعوت

ص:23

التي تنمّ عن معرفته بتلك الحقيقة المذهلة للعقول، فهو تعالى الكائن قبل كلّ شيء، و الموجود في كلّ مكان، و القريب من كلّ نجوى، فتعالى أن تدركه الأحلام، أو تعرف واقعة العقول التي هي محدودة في إدراكها و تصوّرها، فكيف تصل إلى إدراكه تعالى؟ و يستمرّ الإمام في دعائه فيقول:

و الحمد للّه ربّ العالمين، الّذي لم يضرّه بالمعصية المتكبّرون، و لم ينفعه بالطّاعة المتعبّدون، الحليم عن الجبابرة المدّعين، و الممهّل للزّاعمين له شريكا في ملكوته، الدّائم في سلطانه بغير أمد، و الباقي في ملكه بعد انقضاء الأبد، و الفرد الواحد الصّمد، و المتكبّر عن الصّاحبة و الولد، رافع السّماء بغير عمد، و مجري السّحاب بغير صفد(1)، قاهر الخلق بغير عدد، لكن اللّه الأحد، الفرد الصّمد، الّذي لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد.

و الحمد للّه الّذي لم يخل من فضله المقيمون على معصيته، و لم يجازه لأصغر نعمه المجتهدون في طاعته، الغنيّ الّذي لا يضنّ برزقه على جاحده، و لا ينقص عطاياه أرزاق خلقه، خالق الخلق و مفنيه، و معيده، و مبديه، و معافيه، عالم ما أكنّته السّرائر، و أخبته الضّمائر، و اختلفت به الألسن، و آنسته الأزمن، الحيّ الّذي لا يموت، و القيّوم الّذي لا ينام، و الدّائم الّذي لا يزول، و العدل الّذي لا يجور، و الصّافح عن الكبائر بفضله، و المعذّب من عذّب بعدله، لم يخف الفوت فحلم، و علم الفقر إليه فرحم، و قال في محكم كتابه: وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ ...

ص:24


1- الصفد : القيد.

و حفل هذا المقطع من دعاء الإمام عليه السّلام بالثناء على اللّه تعالى و ذكر بعض صفاته العظيمة، التي طبق سناها ما في السموات و الأرض. و يستمرّ إمام المتّقين في دعائه قائلا:

أحمده حمدا أستزيده في نعمته، و أستجير به من نقمته، و أتقرّب إليه بالتّصديق لنبيّه المصطفى لوحيه، المتخيّر لرسالته، المختصّ بشفاعته، القائم بحقّه، محمّد صلّى اللّه عليه و آله و على أصحابه، و على النّبيّين و المرسلين، و الملائكة أجمعين، و سلّم تسليما.

إلهي! درست الآمال، و تغيّرت الأحوال، و كذبت الألسن، و اخلفت العدة إلاّ عدتك، فإنّك وعدت مغفرة و فضلا.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و أعطني من فضلك، و أعذني من الشّيطان الرّجيم. سبحانك و بحمدك ما أعظمك! و أحلمك! و أكرمك! وسع بفضل حلمك تمرّد المستكبرين، و استغرقت نعمتك شكر الشّاكرين، و عظم حلمك عن إحصاء المحصين، و جلّ طولك عن وصف الواصفين، كيف - لو لا فضلك - حلمت عمّن خلقته من نطفة و لم يك شيئا، فربّيته بطيّب رزقك، و أنشأته في تواتر نعمك، و مكّنت له في مهاد أرضك، و دعوته إلى طاعتك، فاستنجد على عصيانك بإحسانك، و جحدك و عبد غيرك في سلطانك؟... كيف - لو لا حلمك - أمهلتني، و قد شملتني بسترك، و أكرمتني بمعرفتك، و أطلقت لساني بشكرك، و هديتني السّبيل إلى طاعتك، و سهّلتني المسلك إلى كرامتك، و أحضرتني سبيل قربتك، فكان جزاؤك منّي أن كافأتك عن الإحسان بالإساءة، حريصا على ما أسخطك، متنقّلا فيما أستحقّ به المزيد من نقمتك، سريعا إلى ما هو أبعد عن رضاك،

ص:25

مغتبطا بغرّة الأمل، معرضا عن زواجر الأجل، لم ينفعني حلمك عنّي، و قد أتاني توعّدك بأخذ القوّة منّي، حتّى دعوتك على عظيم الخطيئة، أستزيدك في نعمك غير متأهّب لما قد أشرفت عليه من نقمتك، مستبطئا لمزيدك، و متسخّطا لميسور رزقك، مقتضيا جوائزك بعمل الفجّار، كالمراصد رحمتك بعمل الأبرار، مجتهدا أتمنّى عليك العظائم كالمدلّ الآمن من قصاص الجرائم، فإنّا للّه و إنّا إليه راجعون...

و حكى هذا المقطع مدى ألطاف اللّه، و عظيم فضله و إحسانه على عباده؛ مع ما يصدر منهم من سوء الأعمال، و التنكّر لألطافه و نعمه عليهم، و هو مع ذلك يقابلهم بالمزيد من برّه و فضله، و يأخذ الإمام بالتضرّع إليه تعالى قائلا:

مصيبة عظم رزؤها، و جلّ عقابها، بل كيف - لو لا أملي، و وعدك الصّفح عن زللي - أرجو إقالتك، و قد جاهرتك بالكبائر، مستخفيا عن أصاغر خلقك؟ فلا أنا راقبتك و أنت معي، و لا راعيت حرمة سترك عليّ.

بأيّ وجه ألقاك؟ و بأيّ لسان اناجيك؟ و قد نقضت العهود و الأيمان بعد توكيدها، و جعلتك عليّ كفيلا، ثمّ دعوتك مقتحما في الخطيئة فأجبتني، و دعوتني و إليك فقري؟ فوا سوأتاه و قبح صنيعاه! سبحانك أيّة جرأة تجرّأت، و أيّ تغرير غرّرت نفسي؟ سبحانك! فبك أتقرّب إليك، و بحقّك أقسم عليك، و منك أهرب إليك، بنفسي استخففت عند معصيتي لا بنفسك، و بجهلي اغتررت لا بحلمك، و حقّي أضعت لا عظيم حقّك، و نفسي ظلمت، و لرحمتك الآن رجوت، و بك آمنت، و عليك توكّلت، و إليك

ص:26

أنبت و تضرّعت، فارحم إليك فقري و فاقتي، و كبوتي لحرّ وجهي(1) و حيرتي في سوأة ذنوبي، إنّك أرحم الرّاحمين.

و حكت هذه الفقرات من دعاء الإمام مدى خوفه من اللّه تعالى و تضرّعه إليه، و إنابته، و انقطاعه إليه، و أنّه لا يرجو غيره، و لا يأمل سواه، و هذا غاية الطاعة و منتهى الإخلاص. و يستمر الإمام في دعائه فيقول:

يا أسمع مدعوّ! و خير مرجوّ! و أحلم مغض! و أقرب مستغاث! أدعوك مستغيثا بك، استغاثة المتحيّر المستيئس من إغاثة خلقك، فعد بلطفك على ضعفي، و اغفر لي بسعة رحمتك كبائر ذنوبي، وهب لي عاجل صنعك، إنّك أوسع الواهبين، لا إله إلاّ أنت، سبحانك إنّي كنت من الظّالمين، يا اللّه يا أحد، يا اللّه يا صمد، يا من لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد.

اللّهمّ! أعيتني المطالب، و ضاقت عليّ المذاهب، و أقصاني الأباعد، و ملّني الأقارب، و أنت الرّجاء إذا انقطع الرّجاء، و المستعان إذا عظم البلاء، و اللّجاء في الشّدّة و الرّخاء، فنفّس كربة نفس إذا ذكّرها القنوط مساوئها أيست من رحمتك، و لا تؤيسني من رحمتك يا أرحم الرّاحمين(2).

لقد تجرّد الإمام من كلّ نزعة مادية، و لم يعد له أي التقاء مع متع الدنيا و رغائبها، و انقطع إلى اللّه انقطاعا كاملا، فلا يرى غيره ملجأ و مفزعا، و هكذا كانت حياته كلّها مع اللّه تعالى.

ص:27


1- حرّ الوجه : أكرم شيء فيه وأعزّه ، وهو الجبهة.
2- مهج الدعوات : ١١١ _ ١١٤. بحار الأنوار ٩١ : ٢٣١.

دعاؤه عليه السّلام

في توحيد اللّه و تعظيمه

و من أدعيته عليه السّلام في توحيد اللّه و تعظيمه هذا الدعاء الشريف:

اللّهمّ! إنّك حيّ لا تموت، و صادق لا تكذب، و قاهر لا تقهر، و خالق لا تعان، و قريب لا تبعد، و قادر لا تضادّ، و غافر لا تظلم، و صمد لا تطعم، و قيّوم لا تنام، و مجيب لا تسأم، و بصير لا ترتاب، و جبّار لا تعان، و عظيم لا ترام، و عليم لا تعلّم، و قويّ لا تضعف، و حليم لا تعجل، و عظيم لا توصف، و وفيّ لا تخلف، و عادل لا تحيف، و غالب لا تغلب، و غنيّ لا تفتقر، و كبير لا تصغر، و حكيم لا تجوز، و منيع لا تقهر، و معروف لا تنكر، و وتر لا تستأنس، و فرد لا تستشير، و وهّاب لا تملّ، و سميع لا تذهل، و جواد لا تبخل، و عزيز لا تذلّ، و حافظ لا تغفل، و قائم لا تسهو، و قيّوم لا تنام، و رفيق لا تعنف، و حليم لا تعجل، و شاهد لا تغيب، و محتجب لا ترى، و دائم لا تفنى، و باق لا تبلى، و واحد لا تشبّه، و مقتدر لا تنازع...

و ألمّت هذه الكلمات ببعض صفات الخالق العظيم، و نعوته التي يعرفها و يحيط بها إمام المتّقين، و سيّد العارفين. و يستمرّ الإمام في دعائه قائلا:

يا كريم، يا جواد، يا متكرّم، يا قريب، يا مجيب، يا متعالي، يا جليل، يا سلام، يا مؤمن، يا مهيمن، يا عزيز، يا متعزّز، يا جبّار،

ص:28

يا متجبّر، يا كبير، يا متكبّر، يا قادر، يا مقتدر، يا من ينادى من كلّ فجّ عميق بألسنة شتّى، و لغات مختلفة، و حوائج متتابعة، لا يشغلك شيء عن شيء.

أنت الّذي لا تبيد، و لا تفنيك الدّهور، و لا تغيّرك الأزمنة، و لا تحيط بك الأمكنة، و لا يأخذك نوم و لا سنة، و لا يشبهك شيء. و كيف لا تكون كذلك و أنت خالق كلّ شيء؟ لا إله إلاّ أنت، كلّ شيء هالك إلاّ وجهك أكرم الوجوه.

سبّوح ذكرك، قدّوس أمرك، واجب حقّك، نافذ قضاؤك، لازمة طاعتك، صلّ على محمّد و آل محمّد، و يسّر لي من أمري ما أخاف عسره، و فرّج عنّي و عن كلّ مؤمن و مؤمنة ما أخاف كربه، و سهّل لي ما أخاف صعوبته، و خلّصني ممّا أخاف هلكته، يا أرحم الرّاحمين.

يا ذا الجلال و الإكرام، لا إله إلاّ أنت سبحانك! إنّي كنت من الظّالمين، و صلّى اللّه على محمّد و آله الطّيّبين الطّاهرين... (1).

ص:29


1- الصحيفة العلوية : ٧٤ _ ٧٦.

دعاؤه عليه السّلام

في التوحيد و التعظيم

من أدعية الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام هذا الدعاء الشريف و هو من أجلّ أدعيته، و كان يدعو به في يوم الجمعة، و قد حفل بتوحيد اللّه، و تنزيهه عن مشابهة مخلوقاته، و هذا نصّه:

الحمد للّه الّذي لا من شيء كان، و لا من شيء كوّن ما قد كان، مستشهدا بحدوث الأشياء على أزليّته، و بما وسمها به من العجز على قدرته، و بما اضطرّها إليه من الفناء على دوامه، لم يخل منه مكان فيدرك بأينيّته، و لا له شبه و لا مثال فيوصف بكيفيّته، و لم يغب عن شيء فيعلم بحيثيّته، مباين لجميع ما أحدث في الصّفات، و ممتنع عن الإدراك بما ابتدع من تصرّف الذّوات، و خارج بالكبرياء و العظمة من جميع تصرّف الحالات، و محرّم على بوارع ثاقبات الفطن تحديده، و على عوامق ثاقبات الفكر تكييفه، و على غوائص سابحات النّظر تصويره، و لا تحويه الأماكن لعظمته، و لا تذرعه المقادير لجلاله، و لا تقطعه المقاييس لكبريائه، ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه، و عن الأفهام أن تستغرقه، و عن الأذهان أن تمثّله، قد يئست عن استنباط الإحاطة به طوامح العقول، و نضبت عن الإشارة إليه بالاكتناه بحار العلوم، و رجعت بالصّغر عن السّموّ إلى وصف قدرته لطائف الخصوم، واحد لا من عدد، و دائم لا بأمد.

ص:30

و قائم لا بعمد، ليس بجنس فتعادله الأجناس، و لا بشبح فتضارعه الأشباح، و لا كالأشياء فتقع عليه الصّفات، قد ضلّت العقول في أمواج تيّار إدراكه، و تحيّرت الأوهام عن إحاطة ذكر أزليّته، و حصرت الأفهام عن استشعار وصف قدرته، و غرقت الأذهان في لجج بحار أفلاك ملكوته، مقتدر بالآلاء، و ممتنع بالكبرياء، و متملّك على الأشياء، فلا دهر يخلقه، و لا وصف يحيط به، قد خضعت له رقاب الصّعاب في محلّ تخوم قرارها، و أذعنت له رواصن الأسباب في منتهى شواهق أقطارها، مستشهدا بكلّيّة الأجناس على ربوبيّته، و بعجزها على قدرته، و بفطورها على قدمته، و بزوالها على بقائه، فلا لها محيص عن إدراكه إيّاها، و لا خروج عن إحاطته بها، و لا احتجاب عن إحصائه لها، و لا امتناع من قدرته عليها، كفى بإتقان الصّنع له آية، و بتركيب الطّبع عليه دلالة، و بحدوث الفطر عليه قدمة، و بإحكام الصّنعة عليه عبرة، فليس إليه حدّ منسوب، و لا له مثل مضروب، و لا شيء عنه بمحجوب، تعالى عن ضرب الأمثال له و الصّفات المخلوقة علوّا كبيرا...

و حفل هذا المقطع من كلام إمام الموحّدين بتوحيد اللّه و تنزيهه عن كلّ صفة من صفات الممكن الذي هو عرضة للزوال و الفناء، و أنّه تعالى غير خاضع لأيّ حدّ؛ سواء أ كانت من حدود الموجودات الخارجية أم غيرها، و أنّه تعالى بقدرته التي لا نهاية لها قد أحاط بكلّ شيء من مخلوقاته التي منها هذه المجرّات المذهلة التي تسبح بالفضاء، فجلّت قدرته، و تعالى أمره، و جلّت عظمته.

إنّ هذه اللوحة من دعاء الإمام عليه السّلام من أجلّ و أسمى ما كتب و دوّن في علم التوحيد، و تحليل هذه الكلمات و دراستها تستوعب صفحات كثيرة، و يستمرّ الإمام

ص:31

العظيم في دعائه فيقول:

و سبحان اللّه الّذي خلق الدّنيا للفناء و البيود - أي الإبادة -، و الآخرة للبقاء و الخلود.

و سبحان اللّه الّذي لا ينقصه ما أعطى فأسنى، و إن جاز المدى في المنى، و بلغ الغاية القصوى، و لا يجور في حكمه إذا قضى.

و سبحان اللّه الّذي لا يردّ ما قضى، و لا يصرف ما أمضى، و لا يمنع ما أعطى، و لا يهفو، و لا ينسى، و لا يعجل، بل يمهل و يعفو، و يغفر، و يرحم و يصبر، و لا يسأل عمّا يفعل و هم يسألون.

و لا إله إلاّ اللّه، الشّاكر للمطيع له، المملي للمشرك به، القريب ممّن دعاه على حال بعده، و البرّ الرّحيم بمن لجأ إلى ظلّه، و اعتصم بحبله.

و لا إله إلاّ اللّه المجيب لمن ناداه بأخفض صوته، السّميع لمن ناجاه لأغمض سرّه، الرّءوف بمن رجاه لتفريج همّه، القريب ممّن دعاه لتنفيس كربه و غمّه.

و لا إله إلاّ اللّه الحليم عمّن ألحد في آياته، و انحرف عن بيّناته، و دان بالجحود في كلّ حالاته.

و اللّه أكبر القاهر للأضداد، المتعالي عن الأنداد، المتفرّد بالمنّة على جميع العباد.

و اللّه أكبر المحتجب بالملكوت و العزّة، المتوحّد بالجبروت و القدرة، المتردّي بالكبرياء و العظمة.

ص:32

و اللّه أكبر المتقدّس بدوام السّلطان، و الغالب بالحجّة و البرهان، و نفاذ المشيئة في كلّ حين و أوان.

اللّهمّ صلّ على محمّد عبدك و رسولك، و أعطه اليوم أفضل الوسائل، و أشرف العطاء، و أعظم الحباء، و أقرب المنازل، و أسعد الجدود، و أقرّ الأعين.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد الّذين أمرت بطاعتهم، و أذهبت عنهم الرّجس، و طهّرتهم تطهيرا.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد الّذين ألهمتهم علمك، و استحفظتهم كتبك، و استرعيتهم عبادك.

اللّهمّ صلّ على محمّد عبدك و رسولك و نبيّك و حبيبك و خليلك، و سيّد الأوّلين و الآخرين من الأنبياء و المرسلين و الخلق أجمعين، و على آله الطّيّبين الطّاهرين الّذين أمرت بطاعتهم، و أوجبت علينا حقّهم و مودّتهم...

عرض الإمام عليه السّلام في هذا المقطع من دعائه عظيم قدرة اللّه تعالى، و مزيد ألطافه و فضله على عباده، فهو القريب ممّن دعاه منهم، و البرّ الرحيم لمن لجأ إليه منهم الذي يفيض برحمته و إحسانه حتّى على الجاحدين لربوبيّته، و بعد ذلك صلّى على ابن عمّه و أخيه الرسول محمّد صلّى اللّه عليه و آله حبيب اللّه و خليله، ثمّ صلّى على آله أبواب حكمة الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و خزنة علومه. و يستمرّ الإمام في دعائه الشريف فيقول:

اللّهمّ إنّي أسألك سؤال و جل من عقابك، حاذر من نقمتك، فزع إليك منك، لم يجد لفاقته مجيرا غيرك، و لا لخوفه أمنا غير فنائك و تطوّلك.

ص:33

سيّدي و مولاي! على طول معصيتي لك أقصدني إليك، و إن كانت سبقتني الذّنوب، و حالت بيني و بينك؛ لأنّك عماد المعتمد، و رصد المرتصد، لا تنقصك المواهب، و لا تغيظك المطالب، فلك المنن العظام، و النّعم الجسام.

يا من لا تنقص خزائنه! و لا يبيد ملكه، و لا تراه العيون، و لا تعزب منه حركة و لا سكون، لم تزل سيّدي و لا تزال، لا يتوارى عنك متوار في كنين أرض و لا سماء و لا تخوم، تكفّلت بالأرزاق يا رزّاق، و تقدّست عن أن تتناولك الصّفات، و تعزّزت عن أن تحيط بك تصاريف اللّغات، و لم تكن مستحدثا فتوجد متنقّلا عن حالة إلى حالة، بل أنت الفرد الأوّل و الآخر، و ذو العزّ القاهر، جزيل العطاء، سابغ النّعماء، أحقّ من تجاوز و عفا عمّن ظلم و أساء بكلّ لسان.

إلهي تهجّد، و في الشّدائد عليك يعتمد، فلك الحمد و المجد لأنّك المالك الأبد، و الرّبّ السّرمد، أتقنت إنشاء البرايا فأحكمتها بلطف التّدبير و التّقدير، و تعاليت في ارتفاع شأنك عن أن ينفذ فيك حكم التّغيير، أو يحتال منك بحال يصفك به الملحد إلى تبديل، أو يوجد في الزّيادة و النّقصان مساغ في اختلاف التّحويل، أو تلتثق سحائب الإحاطة بك في بحور همم الأحلام، أو تمتثل لك منها جبلّة تضلّ فيها رويّات الأوهام، فلك الحمد مولاي! انقاد الخلق مستخذئين بإقرار الرّبوبيّة، و معترفين خاضعين لك بالعبوديّة...

و حفل بداية هذا المقطع بالتذلّل و إظهار العبودية المطلقة للّه تعالى، و بيان عظمة قدرته، و جليل مواهبه و عطاياه و تكفّله بأرزاق عباده صالحهم و طالحهم، كما عرض إلى عظيم شأن اللّه تعالى، و أنّه لا يحيط بكنهه وصف الواصفين

ص:34

و نعت الناعتين، ثمّ عرض إلى أنّه تعالى هو المفزع و الملجأ إذا ألمّت بالإنسان كوارث الأيام. هذا بعض ما حواه كلام الإمام عليه السّلام و يستمرّ الإمام في دعائه قائلا في تمجيد اللّه و الثناء عليه:

سبحانك ما أعظم شأنك! و أعلى مكانك! و أنطق بالصّدق برهانك! و أنفذ أمرك! و أحسن تقديرك! سمكت السّماء فرفعتها، و مهّدت الأرض ففرشتها، فأخرجت منها ماء ثجّاجا، و نباتا رجراجا، فسبّحك نباتها، و جرت بأمرك مياهها، و قاما على مستقرّ المشيّة كما أمرتهما.

فيا من تعزّز بالبقاء، و قهر عباده بالفناء، أكرم مثواي، فإنّك خير منتجع لكشف الضّرّ. يا من هو مأمول في كلّ عسر، و مرتجى لكلّ يسر، بك أنزلت اليوم حاجتي، و إليك أبتهل فلا تردّني خائبا ممّا رجوت، و لا تحجب دعائي عنك إذ فتحته لي فدعوت.

و صلّ على محمّد و آل محمّد، و ارزقني من فضلك الواسع رزقا واسعا سائغا حلالا طيّبا هنيئا مريئا لذيذا في عافية...

و حفل هذا المقطع بتوحيد اللّه، و ذكر بعض آياته؛ من رفع السماء، و خلق الأرض بالكيفيّة المذهلة، و ذلك بإخراج الماء منها، و إنبات النبات فيها إلى غير ذلك من آياته العظام، ثمّ ينزل الإمام جميع شئونه بساحة اللّه تعالى طالبا منه إنجازها. و يستمرّ الإمام في دعائه قائلا:

اللّهمّ اجعل خير أيّامي يوم ألقاك، و اغفر لي خطاياي فقد أوحشتني، و تجاوز عن ذنوبي فقد أوبقتني، فإنّك مجيب منيب رقيب قريب قادر غافر

ص:35

قاهر رحيم كريم قيّوم، و ذلك عليك يسير، و أنت أحسن الخالقين.

اللّهمّ افترضت عليّ للآباء و الأمّهات حقوقا فعظّمتهنّ، و أنت أولى من حطّ الأوزار و خفّفها، و أدّى الحقوق عن عبيده، فاحتملهنّ عنّي إليهما، و اغفر لهما كما رجاك كلّ موحّد مع المؤمنين و المؤمنات و الإخوان و الأخوات، و ألحقنا و إيّاهم بالأبرار، و أبح لنا و لهم جنّاتك مع النّجباء الأخيار، إنّك سميع الدّعاء، و صلّى اللّه على النّبيّ محمّد و عترته الطّيّبين، و سلّم تسليما(1).

و انتهى هذا الدعاء الشريف الذي هو من غرر أدعية الإمام عليه السّلام، و قد حفل بتوحيد اللّه تعالى، و تنزيهه عن صفات مخلوقاته، و التذلل أمام عظمته، و رجاء مغفرته و عفوه و طلب مرضاته.

لقد عكف إمام المتّقين في جميع حياته على طاعة اللّه، و عبادته و مناجاته، و تعدّ أدعيته منهجا متكاملا لمعرفة اللّه، و التذلّل أمامه.

ص:36


1- البلد الأمين : ٩٢ _ ٩٤.

دعاؤه عليه السّلام

في التوحيد و عظيم القدرة

و من أدعية الإمام الباهرة هذا الدعاء الجليل الذي حكى فيه عظيم قدرة اللّه تعالى، و إبداعه لخلق الأشياء، و هذا نصّه:

الحمد للّه الّذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم الدّائم، الملك الحقّ المبين، المدبّر بلا وزير، و لا خلق من عباده يستشير، الأوّل غير موصوف، الباقي بعد فناء الخلق، العظيم الرّبوبيّة نور السّماوات و الأرضين و فاطرهما و مبتدعهما، خلقهما بغير عمد ترونها و فتقهما فتقا، فقامت السّماوات طائعات بأمره، و استقرّت الأرضون بأوتادها فوق الماء، ثمّ علا ربّنا في السّماوات العلى، الرّحمن على العرش استوى، له ما في السّماوات و ما في الأرض و ما بينهما و ما تحت الثّرى.

فأنا أشهد بأنّك أنت اللّه لا إله إلاّ أنت، لا رافع لما وضعت، و لا واضع لما رفعت، و لا معزّ لمن أذللت، و لا مذلّ لمن أعززت، و لا مانع لما أعطيت، و لا معطي لما منعت.

و أنت اللّه لا إله إلاّ أنت كنت إذ لم تكن سماء مبنيّة، و لا أرض مدحيّة، و لا شمس مضيئة، و لا ليل مظلم، و لا نهار مضيء، و لا بحر لجّيّ، و لا جبل راس، و لا نجم سار، و لا قمر منير، و لا ريح تهبّ، و لا سحاب يسكب، و لا برق يلمع، و لا رعد يسبّح، و لا روح تنفّس، و لا طائر يطير،

ص:37

و لا نار تتوقّد، و لا ماء يطّرد.

كنت قبل كلّ شيء، و كوّنت كلّ شيء، و قدرت على كلّ شيء، و ابتدعت كلّ شيء، و أغنيت و أفقرت، و أمتّ و أحييت، و أضحكت و أبكيت، و على العرش استويت، فتباركت يا اللّه، و تعاليت يا اللّه.

تحدّث إمام الموحّدين في هذا المقطع عن صفات اللّه تعالى، و عظيم قدرته، و بديع صنعه، و عجائب خلقه؛ من دحو الأرض، و استقرارها بأوتادها، و غير ذلك من مذهلات مخلوقاته التي لا حصر لها. و يستمرّ الإمام في دعائه قائلا:

أنت اللّه الّذي لا إله إلاّ أنت الخلاّق العليم، أمرك غالب، و علمك نافذ، و كيدك غريب، و وعدك صادق، و قولك حقّ، و حكمك عدل، و كلامك هدى، و وحيك نور، و رحمتك واسعة، و عفوك عظيم، و فضلك كثير، و عطاؤك جزيل، و حبلك متين، و إمكانك عتيد، و جارك عزيز، و بأسك شديد، و مكرك مكيد.

أنت يا ربّ موضع كلّ شكوى، و شاهد كلّ نجوى، و حاضر كلّ ملإ، و منتهى كلّ حاجة، و فرج كلّ حزين، و غنى كلّ فقير مسكين، و حصن كلّ هارب، و أمان كلّ خائف. حرز الضّعفاء، كنز الفقراء، مفرّج الغمّاء، معين الصّالحين، ذلك اللّه ربّنا لا إله إلاّ هو، تكفي من عبادك من توكّل عليك، و أنت جار من لا ذبك و تضرّع إليك. عصمة من اعتصم بك من عبادك، ناصر من انتصر بك. تغفر الذّنوب لمن استغفرك، جبّار الجبابرة، عظيم العظماء، كبير الكبراء، سيّد السّادات، مولى الموالي، صريخ المستصرخين، منفّس عن المكروبين، مجيب دعوة المضطرّين، أسمع السّامعين، أبصر النّاظرين، أحكم الحاكمين،

ص:38

أسرع الحاسبين، أرحم الرّاحمين، خير الغافرين، قاضي حوائج المؤمنين، مغيث الصّالحين...

و في هذا المقطع تحدّث الإمام عليه السّلام عن صفات اللّه تعالى و عظيم قدرته، و جليل صنعه، و وافر عطاياه، و غير ذلك من صفاته العظيمة، و يختم دعاءه بقوله:

أنت اللّه لا إله إلاّ أنت ربّ العالمين، أنت الخالق و أنا المخلوق، و أنت المالك و أنا المملوك، و أنت الرّبّ و أنا العبد، و أنت الرّازق و أنا المرزوق، و أنت المعطي و أنا السّائل، و أنت الجواد و أنا البخيل، و أنت القويّ و أنا الضّعيف، و أنت العزيز و أنا الذّليل، و أنت الغنيّ و أنا الفقير، و أنت السيّد و أنا العبد، و أنت الغافر و أنا المسيء، و أنت العالم و أنا الجاهل، و أنت الحليم و أنا العجول، و أنت الرّاحم و أنا المرحوم، و أنت المعافي و أنا المبتلى، و أنت المجيب و أنا المضطرّ، و أنا أشهد بأنّك أنت اللّه لا إله إلاّ أنت الواحد الفرد و إليك المصير، و صلّى اللّه على محمّد و أهل بيته الطّيّبين الطّاهرين(1).

و أنت ترى في هذه الفقرات مدى تذلّل الإمام و خضوعه أمام الخالق العظيم، فقد اعترف بعبوديّته المطلقة له تعالى.

هذه بعض أدعية الإمام عليه السّلام التي حكت آيات اللّه تعالى، و عظيم قدرته، و بدائع صنعته، و هي من أدلّة التوحيد، و من كنوز معارف الإمام بالخالق العظيم.

ص:39


1- البلد الأمين : ٣٨٠ _ ٣٨١.

ص:40

تضرّع و خشوع

اشارة

امام اللّه

ص:41

ص:42

و انقطع إمام المتّقين، و زعيم الموحّدين عليه السّلام إلى اللّه تعالى انقطاعا كاملا، و أناب إليه كأعظم ما تكون الإنابة، و سرى حبّ اللّه تعالى و الخشية و الخوف منه في أعماق نفسه، و دخائل ذاته، و قد توسّل و تضرّع إليه طالبا منه العفو، و التقرّب إليه، و قد أثرت عنه كوكبة من الأدعية الشريفة، يلمس فيها مدى إخلاصه و تذلّله أمام عظمته تعالى، كان منها ما يلي:

دعاؤه عليه السّلام

في التضرّع و التذلّل أمام اللّه

من أدعية الإمام عليه السّلام الجليلة هذا الدعاء الشريف، و هو من أجلّ أدعيته، و كان يدعو به حفيده الإمام محمّد الباقر عليه السّلام، باقر علوم الأوّلين و الآخرين، و هذا نصّه:

اللّهمّ أنت ربّي و أنا عبدك، آمنت بك مخلصا لك على عهدك و وعدك ما استطعت، و أتوب إليك من سوء عملي، و أستغفرك للذّنوب الّتي لا يغفرها غيرك، أصبح ذلّي مستجيرا بعزّتك، و أصبح فقري مستجيرا بغناك، و أصبح جهلي مستجيرا بحلمك، و أصبحت قلّة حيلتي مستجيرة بقدرتك، و أصبح خوفي مستجيرا بأمانك، و أصبح دائي مستجيرا بدوائك، و أصبح سقمي مستجيرا بشفائك، و أصبح حيني مستجيرا بقضائك، و أصبح ضعفي مستجيرا

ص:43

بقوّتك، و أصبح ذنبي مستجيرا بمغفرتك، و أصبح وجهي الفاني البالي مستجيرا بوجهك الباقي الدّائم الّذي لا يبلى و لا يفنى...

أ رأيتم كيف تضرّع الإمام عليه السّلام أمام الخالق العظيم؟ لقد ذابت نفسه شغافا فلا يرى غير اللّه تعالى ملجأ و ملاذا، فهو يستجير به في جميع شئونه و أحواله، و يستمرّ الإمام في دعائه قائلا:

يا من لا يواري منه ليل داج، و لا سماء ذات أبراج، و لا حجب ذات ارتاج، و لا ما في قعر بحر عجّاج(1)، يا دافع السّطوات، يا كاشف الكربات، يا منزل البركات من فوق سبع سماوات، أسألك يا فتّاح، يا من بيده خزائن كلّ مفتاح، أسألك أن تصلّي على محمّد و آل محمّد الطّيّبين الطّاهرين، و أن تفتح لي خير الدّنيا و الآخرة، و أن تحجب عنّي فتنة الموكّل بي(2)، و لا تسلّطه عليّ فيهلكني، و لا تكلني إلى أحد طرفة عين فيعجز عنّي، و لا تحرمني الجنّة، و ارحمني، و توفّني مسلما، و ألحقني بالصّالحين، و اكففني بالحلال عن الحرام، و بالطّيّب عن الخبيث يا أرحم الرّاحمين.

اللّهمّ خلقت القلوب على إرادتك، و فطرت العقول على معرفتك، فتململت الأفئدة من مخافتك، و صرخت القلوب بالوله إليك، و تقاصر وسع قدر العقول عن الثّناء عليك، و انقطعت الألفاظ عن مقدار محاسنك، و كلّت الألسن عن إحصاء نعمك، فإذا ولجت بطرق البحث عن نعتك بهرتها حيرة العجز عن

ص:44


1- العجّاج : الماء الكثير الذي تصحبه أمواج.
2- الموكّل بي : يعني به الشيطان الرجيم.

إدراك وصفك، فهي تتردّد في التّقصير عن مجاوزة ما حدّدت لها؛ إذ ليس لها أن تتجاوز ما أمرتها، فهي بالاقتدار على ما مكّنتها تحمدك بما أنهيت إليها، و الألسن منبسطة بما تملي عليها، و لك على كلّ من استعبدت من خلقك ألاّ يملّوا من حمدك، و إن قصرت المحامد عن شكرك بما أسديت إليها من نعمك، فحمدك بمبلغ طاقة جهدهم الحامدون، و اعتصم برجاء عفوك المقصّرون، و أوجس بالرّبوبيّة لك الخائفون، و قصد بالرّغبة إليك الطّالبون، و انتسب إلى فضلك المحسنون، و كلّ يتفيّأ في ظلال تأميل عفوك، و يتضاءل بالذّلّ لخوفك، و يعترف بالتّقصير في شكرك، فلم يمنعك صدوف من صدف عن طاعتك، و لا عكوف من عكف على معصيتك، أن أسبغت عليهم النّعم، و أجزلت لهم القسم، و صرفت عنهم النّقم، و خوّفتهم عواقب النّدم، و ضاعفت لمن أحسن، و أوجبت على المحسن شكر توفيقك للإحسان، و على المسيء شكر تعطّفك بالامتنان، و وعدت محسنهم الزّيادة في الإحسان منك، فسبحانك تثيب على ما بدؤه منك، و انتسابه إليك، و القوّة عليه بك، و الإحسان فيه منك، و التّوكّل في التّوفيق له عليك، فلك الحمد حمد من علم أنّ الحمد لك، و أنّ بدءه منك، و معاده إليك، حمدا لا يقصر عن بلوغ الرّضى منك، حمد من قصدك بحمده، و استحقّ المزيد له منك في نعمه.

اللّهمّ و لك مؤيّدات من عونك، و رحمة تحصّن بها من أحببت من خلقك، فصلّ على محمّد و آله، و اخصصنا من رحمتك، و مؤيّدات لطفك أوجبها للإقالات، و أعصمها من الإضاعات، و أنجاها من الهلكات، و أرشدها

ص:45

إلى الهدايات، و أوقاها من الآفات، و أوفرها من الحسنات، و آثرها في البركات، و أزيدها في القسم، و أسبغها للنّعم، و أسترها للعيوب، و أسرّها للغيوب، و أغفرها للذّنوب، إنّك قريب مجيب.

و صلّ على خيرتك من خلقك، و صفوتك من بريّتك، و أمينك على وحيك، بأفضل الصّلوات، و بارك عليهم بأفضل البركات، بما بلّغ عنك من الرّسالات، و صدع بأمرك، و دعا إليك، و أفصح بالدّلائل عليك بالحقّ المبين، حتّى أتاه اليقين، و صلّى اللّه عليه في الأوّلين، و صلّى عليه في الآخرين، و على آله و أهل بيته الطّاهرين، و اخلفه فيهم بأحسن ما خلّفت به أحدا من المرسلين يا أرحم الرّاحمين.

اللّهم و لك إرادات لا تعارض دون بلوغها الغايات، قد انقطع معارضتها بعجز الاستطاعات عن الرّدّ لها دون النّهايات، فأيّة إرادة جعلتها إرادة لعفوك، و سببا لنيل فضلك، و استنزالا لخيرك، فصلّ على محمّد و أهل بيت محمّد، وصلها اللّهمّ بدوام، و أيّدها بتمام، إنّك واسع الحباء، كريم العطاء، مجيب النّداء، سميع الدّعاء(1).

انتهى هذا الدعاء الشريف الذي أبدى فيه الإمام تمام التذلّل و الخضوع للّه تعالى، و الذي أخلص له في عبادته و طاعته كأعظم ما يكون الإخلاص.

ص:46


1- البلد الأمين : ٣٧٨ _ ٣٨٠.

دعاؤه عليه السّلام

في التضرّع و الخشوع

و هذا الدعاء من غرر أدعيته و أكثرها إبداعا و خضوعا للّه تعالى و يعرف بدعاء اليمانيّ لأنّه قد علّمه إلى بعض أخيار اليمن فنسب إليه و هذا نصّه:

اللّهمّ أنت الملك الحقّ الّذي لا إله إلاّ أنت، و أنا عبدك، ظلمت نفسي، و اعترفت بذنبي، و لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت، فاغفر لي يا غفور يا شكور.

اللّهمّ إنّي أحمدك و أنت للحمد أهل على ما خصصتني به من مواهب الرّغائب، و ما وصل إليّ من فضلك السّابغ، و ما أوليتني به من إحسانك إليّ، و بوّأتني به من مظنّة العدل، و أنلتني من منّك الواصل إليّ، و من الدّفاع عنّي، و التّوفيق لي، و الإجابة لدعائي حين اناجيك داعيا، و أدعوك مضاما، و أسألك فأجدك في المواطن كلّها لي جابرا، و في الأمور ناظرا، و لذنوبي غافرا، و لعوراتي ساترا، لم أعدم خيرك طرفة عين منذ أنزلتني دار الاختبار لتنظر ما اقدّم لدار القرار، فأنا عتيقك من جميع الآفات و المصائب في اللّوازب و الغموم الّتي ساورتني فيها الهموم بمعاريض أصناف البلاء، و مصروف جهد القضاء، لا أذكر منك إلاّ الجميل، و لا أرى منك غير التّفضيل، خيرك لي شامل، و فضلك عليّ متواتر، و نعمتك عندي متّصلة، و سوابق لم تحقّق حذاري بل صدّقت رجائي، و صاحبت أسفاري، و أكرمت أحضاري، و شفيت أمراضي و أوصابي، و عافيت

ص:47

منقلبي و مثواي، و لم تشمت بي أعدائي، و رميت من رماني، و كفيتني مؤونة من عاداني، فحمدي لك واصل، و ثنائي عليك دائم، من الدّهر إلى الدّهر، بألوان التّسبيح، خالصا لذكرك، و مرضيّا لك بيانع التّوحيد، و إمحاض التّمجيد، بطول التّعديد، و مزيّة أهل المزيد، لم تعن في قدرتك، و لم تشارك في إلهيّتك، و لم تعلّم لك ماهيّة فتكون للأشياء المختلفة مجانسا، و لم تعاين إذا حبست الأشياء على الغرائز، و لا خرقت الأوهام حجب الغيوب فتعتقد فيك محدودا في عظمتك، فلا يبلغك بعد الهمم، و لا ينالك غوص الفكر، و لا ينتهي إليك نظر ناظر في مجد جبروتك.

ارتفعت عن صفة المخلوقين صفات قدرتك، و علا عن ذلك كبرياء عظمتك، لا ينقص ما أردت أن يزداد، و لا يزداد ما أردت أن ينقص، و لا أحد حضرك حين برأت النّفوس.

كلّت الأوهام عن تفسير صفتك، و انحسرت العقول عن كنه عظمتك.

و كيف توصف و أنت الجبّار القدّوس، الّذي لم تزل أزليّا دائما في الغيوب، وحدك ليس فيها غيرك، و لم يكن لها سواك.

حار في ملكوتك عميقات مذاهب التّفكير، فتواضعت الملوك لهيبتك، و عنت الوجوه بذلّ الاستكانة لك، و انقاد كلّ شيء لعظمتك، و استسلم كلّ شيء لقدرتك، و خضعت لك الرّقاب، و ضلّ هنالك التّدبير في تصاريف الصّفات، فمن تفكّر في ذلك رجع طرفه إليه حسيرا، و عقله مبهورا، و فكره متحيّرا.

حكت هذه الفصول من دعائه الشريف مدى التجاء الإمام عليه السّلام إلى اللّه تعالى

ص:48

في جميع شئونه و اموره، و اعتماده عليه في كلّ ما نزل به من كوارث الأيام و خطوبها، و أنّه عليه السّلام يحمده على ما أولاه من النعم، و ما تفضّل عليه من دفع النقم.

كما تحدّث الإمام عليه السّلام عن عظمة اللّه تعالى، و أنّه لا يحيط بوصفه الواصفون و نعت الناعتين، فهو فوق كلّ شيء، و إنّ الفكر ليقف حاسرا مبهورا أمام عظمته التي لا حدّ لها، و يستمرّ الإمام في دعائه قائلا:

اللّهمّ فلك الحمد متواترا متواليا متّسقا مستوثقا يدوم و لا يبيد، غير مفقود في الملكوت، و لا مطموس في المعالم، و لا منتقص في العرفان.

و لك الحمد ما لا تحصى مكارمه في اللّيل إذا أدبر، و الصّبح إذا أسفر، و في البراري و البحار، و الغدوّ و الآصال، و العشيّ و الإبكار، و في الظّهائر و الأسحار.

و في هذه الفقرات قدّم الإمام عليه السّلام إلى بارئه أجمل آيات التعظيم و التكريم، فلم يبق في قاموس الثناء كلمة إلاّ قدّمها للّه تعالى، و يأخذ الإمام في دعائه قائلا:

اللّهمّ بتوفيقك قد أحضرتني الرّغبة، و جعلتني منك في ولاية العصمة، فلم أبرح في سبوغ نعمائك، و تتابع آلائك، محفوظا لك في المنعة و الدّفاع، محوطا بك في مثواي و منقلبي، و لم تكلّفني فوق طاقتي إذ لم ترض منّي إلاّ طاعتي، و ليس شكري - و إن أبلغت في المقال، و بالغت في الفعال - ببالغ أداء حقّك، و لا مكافيا لفضلك؛ لأنّك أنت اللّه الّذي لا إله إلاّ أنت، لم تغب و لا تغيب عنك غائبة، و لا تخفى عليك خافية، و لم تضلّ لك في ظلم الخفيّات ضالّة، إنّما أمرك إذا أردت شيئا أن تقول له كن فيكون.

اللّهمّ لك الحمد مثل ما حمدت به نفسك و حمدك به الحامدون، و مجّدك

ص:49

به الممجّدون، و كبّرك به المكبّرون، و عظّمك به المعظّمون، حتّى يكون لك منّي وحدي بكلّ طرفة عين و أقلّ من ذلك مثل حمد الحامدين، و توحيد أصناف المخلصين، و تقديس أجناس العارفين، و ثناء جميع المهلّلين، و مثل ما أنت به عارف من جميع خلقك من الحيوان، و أرغب إليك في رغبة ما أنطقتني به من حمدك، فما أيسر ما كلّفتني به من حقّك، و أعظم ما أوعدتني على شكرك.

ابتدأتني بالنّعم فضلا و طولا، و أمرتني بالشّكر حقّا و عدلا، و وعدتني عليه أضعافا و مزيدا، و أعطيتني من رزقك اعتبارا و فضلا، و سألتني منه يسيرا صغيرا، و أعطيتني عليه عطاء كثيرا، و أعفيتني من جهد البلاء، و لم تسلمني للسّوء من بلائك مع ما أوليتني من العافية، و سوّغت من كرائم النّحل، و ضاعفت لي الفضل مع ما أودعتني من المحجّة الشّريفة، و يسّرت لي من الدّرجة العالية الرّفيعة، و اصطفيتني بأعظم النّبيّين دعوة، و أفضلهم شفاعة، محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

اللّهمّ فاغفر لي ما لا يسعه إلاّ مغفرتك، و لا يمحقه إلاّ عفوك، و لا يكفّره إلاّ فضلك، وهب لي في يومي يقينا تهوّن عليّ به مصيبات الدّنيا و أحزانها بشوق إليك، و رغبة فيما عندك، و اكتب لي عندك المغفرة، و بلّغني الكرامة، و ارزقني شكر ما أنعمت به عليّ، فإنّك أنت اللّه الواحد الرّفيع المبدئ البديع السّميع العليم، الّذي ليس لأمرك مدفع، و لا عن قضائك ممتنع. أشهد أنّك ربّي، و ربّ كلّ شيء، فاطر السّماوات و الأرض، عالم الغيب و الشّهادة، العليّ الكبير.

اللّهمّ إنّي أسألك الثّبات في الأمر، و العزيمة على الرّشد، و الشكر على

ص:50

نعمتك، و أعوذ بك من جور كلّ جائر، و بغي كلّ باغ، و حسد كلّ حاسد، بك أصول على الأعداء، و بك أرجو ولاية الأحبّاء مع ما لا أستطيع إحصاءه و لا تعديده من عوائد فضلك، و طرف رزقك، و ألوان ما أوليت من إرفادك؛ فإنّك أنت اللّه الّذي لا إله إلاّ أنت الفاشي في الخلق رفدك، الباسط بالجود يدك و لا تضادّ في حكمك، و لا تنازع في أمرك، تملك من الأنام ما تشاء و لا يملكون إلاّ ما تريد.

قل اللّهمّ مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، و تنزع الملك ممّن تشاء، و تعزّ من تشاء، و تذلّ من تشاء، بيدك الخير إنّك على كلّ شيء قدير. تولج اللّيل في النّهار، و تولج النّهار في اللّيل، و تخرج الحيّ من الميّت، و تخرج الميّت من الحيّ، و ترزق من تشاء بغير حساب. أنت المنعم المفضل الخالق البارىء القادر القاهر المقدّس في نور القدس، تردّيت بالمجد و العزّ، و تعظّمت بالكبرياء، و تغشّيت بالنّور و البهاء، و تجلّلت بالمهابة و السّناء.

اللّهمّ لك الحمد العظيم، و لك المنّ القديم، و السّلطان الشّامخ، و الجود الواسع، و القدرة المقتدرة؛ إذ جعلتني من أفضل بني آدم، و جعلتني سميعا بصيرا، صحيحا سويّا معافى، لم تشغلني بنقصان في بدني، و لم تمنعك كرامتك إيّاي و حسن صنيعك عندي و فضل إنعامك عليّ أن وسّعت عليّ في الدّنيا، و فضّلتني على كثير من أهلها، فجعلت لي سمعا يسمع آياتك، و فؤادا يعرف عظمتك. و أنا بفضلك حامد، و بجهد نفسي لك شاكر، و بحقّك شاهد؛ فإنّك حيّ قبل كلّ حيّ، و حيّ بعد كلّ حيّ، و حيّ لم ترث الحياة من حيّ، و لم تقطع خيرك

ص:51

عنّي طرفة عين في كلّ وقت و لم تنزل بي عقوبات النّقم، و لم تغيّر عليّ دقائق العصم، فلو لم أذكر من إحسانك إلاّ عفوك، و إجابة دعائي حين رفعت رأسي بتحميدك و تمجيدك، و في قسمة الأرزاق حين قدّرت، فلك الحمد عدد ما حفظه علمك، و عدد ما أحاطت به قدرتك، و عدد ما وسعته رحمتك.

اللّهمّ فتمّم إحسانك إليّ فيما بقي من عمري، كما أحسنت فيما مضى، فإنّي أتوسّل إليك بتوحيدك، و تمجيدك و تحميدك و تهليلك و تكبيرك و تعظيمك و بنورك و رأفتك و رحمتك و علوّك و جمالك و جلالك و بهائك و سلطانك و قدرتك و بمحمّد و آله الطّاهرين ألاّ تحرمني رفدك و فوائدك، فإنّه لا يعتريك لكثرة ما يتدفّق به عوائق البخل، و لا ينقص جودك تقصير في شكر نعمتك، و لا تفني خزائن مواهبك النّعم، و لا تخاف ضيم إملاق فتكدي، و لا يلحقك خوف عدم فينقص فيض فضلك.

اللّهمّ ارزقني قلبا خاشعا، و يقينا صادقا، و لسانا ذاكرا، و لا تؤمّني مكرك، و لا تكشف عنّي سترك، و لا تنسني ذكرك، و لا تباعدني من جوارك، و لا تقطعني من كلّ رحمتك، و لا تؤيسني من روحك، و كن لي أنيسا من كلّ وحشة، و اعصمني و نجني من كلّ بلاء، فإنّك لا تخلف الميعاد.

اللّهمّ ارفعني و لا تضعني، و زدني و لا تنقصني، و ارحمني و لا تعذّبني، و انصرني و لا تخذلني، و آثرني و لا تؤثر عليّ، و صلّ على محمّد و آل محمّد الطّيّبين الطّاهرين و سلّم تسليما كثيرا(1).

ص:52


1- مهج الدعوات : ١٠٦ _ ١١١.

و انتهى هذا الدعاء الشريف الحافل بتمجيد اللّه تعالى و التضرّع إليه و الانقطاع إلى فضله و رحمته و طلب فيضه و إحسانه، و هذه من سمات إمام المتّقين و سيّد العارفين الذي أترعت نفسه بتقوى اللّه و طاعته.

دعاؤه عليه السّلام

في التذلّل أمام اللّه

قال عليه السّلام: اللّهمّ إن فههت عن مسألتي، أو عمهت عن طلبتي فدلّني على مصالحي، و خذ بقلبي إلى مراشدي.

اللّهمّ احملني على عفوك، و لا تحملني على عدلك(1).

ص:53


1- الصحيفة العلوية الثانية : ١١ _ ١٤.

دعاؤه عليه السّلام

في التضرّع إلى اللّه

و من أدعية أمير المؤمنين عليه السّلام في التضرّع إلى اللّه تعالى هذا الدعاء الجليل:

اللّهمّ يا من برحمته يستغيث المذنبون، و يا من إلى إحسانه يفزع المضطرّون، و يا من لخيفته ينتحب الخاطئون، يا انس كلّ مستوحش غريب، يا فرج كلّ مكروب حريب(1)، يا عون كلّ مخذول فريد، يا عاضد كلّ محتاج طريد، أنت الّذي وسعت كلّ شيء رحمة و علما، و أنت الّذي جعلت لكل مخلوق في نعمتك سهما، و أنت الّذي عفوه أعلى من عقابه، و أنت الّذي رحمته أمام غضبه، و أنت الّذي إعطاؤه أكبر من منعه، و أنت الّذي وسع الخلائق كلّهم بعفوه، و أنت الّذي لا يرغب في غنى من أعطاه، و أنت الّذي لا يفرّط(2) في عقاب من عصاه...

و حكت هذه الكلمات عظمة الخالق العظيم الذي إليه يلجأ كلّ مكروب، و يستغيث به كلّ محروم، و الذي وسعت رحمته كلّ شيء، و عمّت ألطافه جميع الكائنات و المخلوقات... و يستمرّ الإمام في دعائه قائلا:

و أنا يا سيّدي عبدك الّذي أمرته بالدّعاء فقال: لبّيك و سعديك،

ص:54


1- الحريب : المسلوب المال.
2- لا يفرط : لا يعجل ، أو لا يتجاوز الحدّ.

و أنا يا سيّدي عبدك الّذي أوقرت الخطايا ظهره، و أنا الّذي أفنت الذّنوب عمره، و أنا الّذي بجهله عصاك و لم يكن أهلا منه لذلك، فهل أنت يا مولاي راحم من دعاك فأجتهد في الدّعاء، أم أنت غافر لمن بكى لك فأسرع في البكاء، أم أنت متجاوز عمّن عفّر لك وجهه متذلّلا، أم أنت مغن من شكا إليك فقره متوكّلا.

اللّهمّ فلا تخيّب من لا يجد معطيا غيرك، و لا تخذل من لا يستغني عنك بأحد دونك.

اللّهمّ لا تعرض عنّي و قد أقبلت عليك، و لا تحرمني و قد رغبت إليك، و لا تجبهني بالرّدّ و قد انتصبت بين يديك، أنت الّذي وصفت نفسك بالرّحمة، و أنت الّذي سمّيت نفسك بالعفوّ فارحمني و اعف عنّي، فقد ترى يا سيّدي فيض دموعي من خيفتك، و وجيب قلبي من خشيتك، و انتفاض جوارحي من هيبتك؛ كلّ ذلك حياء منك بسوء عملي، و خجلا منك لكثرة ذنوبي، قد كلّ لساني عن مناجاتك، و خمد صوتي عن الدّعاء إليك...

و حكت هذه الفقرات مدى تضرّع الإمام عليه السّلام و تذلّله أمام اللّه تعالى، و خوفه منه، و شدّة فزعه من عقابه، و التجاءه إليه في جميع أموره. و يستمرّ الإمام قائلا:

يا إلهي فكم من عيب سترته عليّ فلم تفضحني، و كم من ذنب غطّيت عليه فلم تشهّر بي، و كم من عائبة ألممت بها فلم تهتك عنّي سترها، و لم تقلّدني مكروه شنارها، و لم تبد عليّ محرّمات سوآتها، فمن يلتمس معايبي من جيرتي، و حسدة نعمتك عندي، ثمّ لم ينهني ذلك حتّى صرت إلى أسوإ ما عهدت منّي، فمن أجهل منّي يا سيّدي برشدك، و من أغفل منّي عن حظّه منك،

ص:55

و من أبعد منّي من استصلاح نفسه حين أنفقت ما أجريت عليّ من رزقك فيما نهيتني عنه من معصيتك، و من أبعد غورا في الباطل، و أشدّ إقداما على السّوء، منّي؛ حين أقف بين دعوتك و دعوة الشّيطان فأتّبع دعوته على غير عمى عن المعرفة به، و لا نسيان من حفظي له، و أنا - حينئذ - موقن أنّ منتهى دعوتك الجنّة، و منتهى دعوته النّار...

ذكرت هذه الفقرات ألطاف اللّه تعالى و عظيم نعمه على الإمام، بل على جميع العباد، فقد عمّتهم رحمته و رأفته و ستره، فيما يقترفون من مساوئ الأعمال التي يدفعهم إليها عدوّهم الألدّ الشيطان. و من بنود هذا الدعاء الشريف قوله عليه السّلام:

سبحانك فما أعجب ما أشهد به على نفسي، و أعدّده من مكنون أمري، و أعجب من ذلك أناتك عنّي، و إبطاؤك عن معاجلتي، و ليس ذلك من كرمي عليك، بل تأتّيا منك بي، و تفضّلا منك عليّ لأن أرتدع عن خطيئتي، و لأنّ عفوك أحبّ إليك من عقوبتي، بل أنا يا إلهي أكثر ذنوبا، و أقبح آثارا، و أشنع أفعالا، و أشدّ في الباطل تهوّرا، و أضعف عند طاعتك تيقّظا، و أغفل لوعيدك انتباها من أن احصي لك عيوبي، و أقدر على تعديد ذنوبي، و إنّما أوبّخ بهذا نفسي طمعا في رأفتك الّتي بها إصلاح أمر المذنبين، و رجاء لعصمتك الّتي بها فكاك رقاب الخاطئين.

اللّهمّ و هذه رقبتي قد أرّقتها الذّنوب فأعتقها بعفوك، و قد أثقلتها الخطايا فخفّف عنها بمنّك.

اللّهمّ إنّي لو بكيت حتّى تسقط أشفار عينيّ، و انتحبت حتّى ينقطع

ص:56

صوتي، و قمت لك حتّى تنتشر قدماي، و ركعت لك حتّى ينجذع صلبي، و سجدت لك حتّى تتفقّأ حدقتاي، و أكلت التّراب طول عمري، و شربت ماء الرّماد آخر دهري، و ذكرتك في خلال ذلك حتّى يكلّ لساني، ثمّ لم أرفع طرفي إلى آفاق السّماء استحياء منك، لما استوجبت بذلك محو سيّئة واحدة من سيّئاتي، فإن كنت تغفر لي حين أستوجب مغفرتك، و تعفو عنّي حين أستحقّ عفوك، فإنّ ذلك غير واجب لي بالاستحقاق، و لا أنا أهل له على الاستيجاب؛ إذ كان جزائي منك من أوّل ما عصيتك النّار، فإن تعذّبني فإنّك غير ظالم...

و حوى هذا المقطع من دعاء الإمام عليه السّلام تذلّله و خوفه و خشيته من اللّه تعالى، و أنّه أهل لأن لان يتّقى من عذابه. و الفصل الأخير من هذا الدعاء قوله عليه السّلام:

إلهي فإن تغمّدتني بسترك فلم تفضحني، و أمهلتني بكرمك فلم تعاجلني، و حلمت عنّي بتفضّلك فلم تغيّر نعمك عليّ، و لم تكدّر معروفك عندي، فارحم طول تضرّعي و شدّة مسكنتي و سوء موقفي. اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، و أنقذني من المعاصي، و استعملني بالطّاعة، و ارزقني حسن الإنابة، و طهّرني بالتّوبة، و أيّدني بالعصمة، و استصلحني بالعافية، و ارزقني حلاوة المغفرة، و اجعلني طليق عفوك، و اكتب لي أمانا من سخطك، و بشّرني بذلك في العاجل دون الآجل، بشرى أعرفها، و عرّفني له علامة أتبيّنها إنّ ذلك لا يضيق عليك في وجدك، و لا يتكاءدك في قدرتك، و أنت على كلّ شيء قدير(1).

أ رأيتم هذا الإيمان الوثيق باللّه؟ أ رأيتم هذا التضرّع أمام اللّه تعالى؟

ص:57


1- شرح نهج البلاغة _ ابن أبي الحديد ٦ : ١٨٠ _ ١٨٢.

دعاؤه عليه السّلام

في الاستكانة و التذلّل أمام اللّه

من أدعية الإمام عليه السّلام هذا الدعاء الشريف الذي أبدى فيه خشوعه و تذلّله و خشيته من اللّه تعالى و هذا نصّه:

إلهي إن حمدتك فبمواهبك، و إن مجّدتك فبمرادك، و إن سألتك فبقوّتك، و إن هلّلتك فبقدرتك، و إن نظرت فإلى رحمتك، و إن عضضت فعلى نعمتك.

إلهي إنّه من لم يشغله الولوع بذكرك، و لم يزوه السّفه بقربك، كانت حياته عليه ميتة، و ميتته عليه حسرة.

إلهي تناهت أبصار النّاظرين إليك بسرائر القلوب، و طالت أسماع السّامعين لك بخفيّات الصّدور، فلم يلق أبصارهم ردّ ما يريدون، و هتكت بينك و بينهم حجب الغفلة فسكنوا في نورك، و تنفّسوا بروحك، فصارت قلوبهم مغارس لمحبّتك، و أبصارهم معاكف لقدرتك، و قرّبت أرواحهم من قدسك، فجالسوا اسمك بوقار المجالسة، و خضوع المخاطبة، فأقبلت إليهم إقبال الشّفيق، و أنصتّ إليهم إنصات الرّفيق، و أجبت لهم إجابات الأحبّاء، و ناجيتهم مناجاة الأخلاّء. فابلغ بي المحلّ الّذي إليه و صلوا و لا تترك بيني و بين ملكوت عزّك بابا إلاّ فتحته، و لا حجابا من حجب الغفلة إلاّ هتكته، حتّى تقيم روحي بين ضياء عرشك، و تجعل لها مقاما نصب نورك، إنّك على كلّ شيء قدير.

ص:58

إلهي ما أوحش طريقا لا يكون رفيقي فيه أملي فيك، و أبعد سفرا لا يكون رجائي منه دليلي منك، خاب من اعتصم بحبل غيرك، و ضعف ركن من استند إلى غير ركنك، فيما معلّم مؤمّليه الأمل فيذهب عنهم كآبة الوجل، لا تحرمني صالح العمل، و اكلأني كلاءة من فارقته الحيل، فكيف يلحق مؤمّليك ذلّ الفقر و أنت الغنيّ عن مضارّ المذنبين؟ إلهي و إنّ كلّ حلاوة منقطعة، و حلاوة الإيمان تزداد حلاوتها اتّصالا بك.

إلهي و إنّ قلبي قد بسط أمله فيك فأذقه من حلاوة بسطك إيّاه البلوغ لما أمّل، إنّك على كلّ شيء قدير.

إلهي أسألك مسألة من يعرفك كنه معرفتك من كلّ خير ينبغي للمؤمن أن يسلكه، و أعوذ بك من كلّ شرّ و فتنة أعذت منها أحبّاءك من خلقك، إنّك على كلّ شيء قدير.

إلهي أسألك مسألة المسكين الّذي قد تحيّر في رجائه فلا يجد ملجأ، و لا مسندا يصل به إليك، و لا يستدلّ به عليك إلاّ بك، و بأركانك و مقاماتك الّتي لا تعطيل لها منك، فأسألك باسمك الّذي ظهرت به لخاصّة أوليائك فوحّدوك و عرفوك بحقيقتك أن تعرّفني نفسك لأقرّ لك بربوبيّتك على حقيقة الإيمان بك، و لا تجعلني يا إلهي ممّن يعبد الاسم دون المعنى، و الحظني بلحظة من لحظاتك تنوّر بها قلبي بمعرفتك خاصّة، و معرفة أوليائك إنّك على كلّ شيء قدير(1).

ص:59


1- بحار الأنوار ٩١ : ٩٥. ربيع الأبرار ٢ : ٢٥٣.

دعاؤه عليه السّلام

في الخشوع و التضرّع

من أدعية الإمام عليه السّلام هذا الدعاء الجليل، و فيه جميع صنوف التضرّع و التذلّل أمام اللّه تعالى، و هذا نصّه:

اللّهمّ إنّي أحمدك و أنت للحمد أهل على حسن صنعك إليّ و تعطّفك عليّ، و على ما وصلتني به من نورك، و تداركتني به من رحمتك، و أسبغت عليّ من نعمتك، فقد اصطنعت عندي يا مولاي ما يحقّ لك به جهدي و شكري لحسن عفوك، و بلائك القديم عندي، و تظاهر نعمائك عليّ، و تتابع أياديك لديّ، لم أبلغ إحراز حظّي، و لا صلاح نفسي، و لكنّك يا مولاي بدأتني أوّلا بإحسانك فهديتني لدينك، و عرّفتني نفسك، و ثبّتّني في اموري كلّها بالكفاية و الصّنع لي، فصرفت عنّي جهد البلاء، و منعت منّي محذور القضاء، فلست أذكر منك إلاّ جميلا، و لم أر منك إلاّ تفضّلا.

يا إلهي كم من بلاء و جهد صرفته عنّي، و أريتنيه في غيري، و كم من نعمة أقررت بها عيني، و كم من صنيعة شريفة لك عندي.

إلهي أنت الّذي تجيب عند الاضطرار دعوتي، و أنت الّذي تنفّس عند الغموم كربتي، و أنت الّذي تأخذ لي من الأعداء ظلامتي، فما وجدتك، و لا أجدك بعيدا عنّي حين اريدك، و لا منقبضا عنّي حين أسألك، و لا معرضا عنّي

ص:60

حين أدعوك، فأنت إلهي، أجد صنيعك عندي محمودا، و حسن بلائك عندي موجودا، و جميع أفعالك عندي جميلا، يحمدك لساني و عقلي و جوارحي و جميع ما أقلّت الأرض منّي. يا مولاي أسألك بنورك الّذي اشتققته من عظمتك، و عظمتك الّتي اشتققتها من مشيّتك، و أسألك باسمك الّذي علا أن تمنّ عليّ بواجب شكري لنعمتك، ربّ ما أحرصني على ما زهّدتني فيه، و حثثتني عليه.

إن لم تعنّي على دنياي بزهد، و على آخرتي بتقواي، هلكت، ربّي دعتني دواعي الدّنيا من حرث النّساء و البنين فأجبتها سريعا، و ركنت إليها طائعا، و دعتني دواعي الآخرة من الزّهد و الاجتهاد فكبوت لها و لم اسارع إليها مسارعتي إلى الحطام الهامد، و الهشيم البائد، و السّراب الذّاهب عن قليل.

ربّ خوّفتني و شوّقتني، و احتجبت عليّ فما خفتك حقّ خوفك، و أخاف أن أكون قد تثبّطت عن السّعي لك، و تهاونت بشيء من احتجابك. اللّهمّ فاجعل في هذه الدّنيا سعيي لك و في طاعتك، و املأ قلبي خوفك، و حوّل تثبيطي و تهاوني و تفريطي و كلّ ما أخافه من نفسي فرقا منك، و صبرا على طاعتك، و عملا به يا ذا الجلال و الإكرام، و اجعل جنّتي من الخطايا حصينة، و حسناتي مضاعفة، فإنّك تضاعف لمن تشاء.

اللّهمّ اجعل درجاتي في الجنان رفيعة، و أعوذ بك ربّي من رفيع المطعم و المشرب، و أعوذ بك ربّي من شرّ ما أعلم و من شرّ ما لا أعلم، و أعوذ بك من الفواحش كلّها، ما ظهر منها و ما بطن، و أعوذ بك ربّي أن أشتري الجهل بالعلم كما اشترى غيري، أو السّفه بالحلم، أو الجزع بالصّبر، أو الضّلالة بالهدى،

ص:61

أو الكفر بالإيمان. يا ربّ منّ عليّ بذلك فإنّك تتولّى الصّالحين، و لا تضيع أجر المحسنين، و الحمد للّه ربّ العالمين(1).

و حفل هذا الدعاء بجميع مقوّمات الطاعة و الانقياد إلى اللّه تعالى كما حفل بالمطالب الجليلة، التي لم يدركها إلاّ عملاق المتّقين، و إمام المنيبين، و سيّد العارفين.

ص:62


1- مهج الدعوات : ٩٤ _ ٩٦.

من ادعية الإمام

اشارة

دعاء كميل

من أدعية الإمام الشهيرة الذائعة الصيت، الدعاء المعروف بدعاء كميل بن زياد النخعي، و هو من مشاهير أصحاب الإمام و من خلّص أتباعه، و قد نسب إليه هذا الدعاء الشريف؛ لأنّه قد رواه عن الإمام عليه السّلام، و كان يدعو به في ليلة النصف من شهر شعبان، و قد أمره بكتابته فكتبه.

و يمتاز هذا الدعاء برقّة أسلوبه، و عذوبة ألفاظه، و جمال ديباجته، و احتوائه على أروع صور التضرّع و التذلّل أمام اللّه تعالى.

و قد عكف المؤمنون على تلاوته في ليالي الجمعة، و نظرا لما فيه من دقائق الامور البالغة الأهميّة، فقد ترجم إلى بعض اللغات، و شرحت مضامينه، و لعلّ من أهمّ شروحه، و أوفاها لبيان مطالبه ما كتبه سماحة الحجّة العلاّمة السيّد عزّ الدين بحر العلوم، و قد أسماه «أضواء على دعاء كميل».

و فيما يلي نصّ الدعاء:

اللّهمّ إنّي أسألك برحمتك الّتي وسعت كلّ شيء، و بقوّتك الّتي قهرت بها كلّ شيء، و خضع لها كلّ شيء، و ذلّ لها كلّ شيء، و بجبروتك الّتي غلبت بها كلّ شيء، و بعزّتك الّتي لا يقوم لها شيء، و بعظمتك الّتي ملأت كلّ شيء، و بسلطانك الّذي علا كلّ شيء، و بوجهك الباقي بعد فناء كلّ شيء، و بأسمائك الّتي ملأت أركان كلّ شيء، و بعلمك الّذي أحاط بكلّ شيء، و بنور وجهك الّذي

ص:63

أضاء له كلّ شيء، يا نور يا قدّوس، يا أوّل الأوّلين، و يا آخر الآخرين...

و حفل هذا المقطع بالتوسّل إلى اللّه تعالى، و تقديم أسمائه و صفاته العظيمة و جعلها واسطة له باستجابة دعائه، و التقرّب إليه، و بطلب الإمام من اللّه تعالى أن يعيذه و المسلمين من الذنوب التالية:

اللّهمّ اغفر لي الذّنوب الّتي تهتك العصم، اللّهمّ اغفر لي الذّنوب الّتي تنزل النّقم، اللّهمّ اغفر لي الذّنوب الّتي تغيّر النّعم، اللّهمّ اغفر لي الذّنوب الّتي تحبس الدّعاء، اللّهمّ اغفر لي الذّنوب الّتي تنزل البلاء، اللّهمّ اغفر لي الذّنوب الّتي تقطع الرّجاء، اللّهمّ اغفر لي كلّ ذنب أذنبته، و كلّ خطيئة أخطأتها...

و حكت هذه الفقرات امّهات الذنوب، و كبائر الموبقات التي لها الآثار الوضعية المدمّرة التي تجلب للإنسان الشقاء و الهلاك، و هي على أنواع، عدّ الإمام عليه السّلام منها ما يلي:

1 - الذنوب التي تهتك العصم:

و هي الذنوب التي تزيل عصمة العبد عن ربّه، و قد ذكرها الإمام الصادق عليه السّلام و عدّ منها: شرب الخمر، و اللعب و القمار، و فعل ما يضحك الناس من المزاح، و اللهو، و ذكر عيوب الناس، و مجالسة أهل الريب(1).

إنّ هذه الآثام تزيل عصمة الإنسان، و تلقيه في شرّ عظيم.

2 - الذنوب التي تنزل النّقم:

و هي الذنوب التي توجب نقمة اللّه تعالى من مقترفها، و قد أدلى الإمام

ص:64


1- أضواء على دعاء كميل : ١٢٥.

الصادق عليه السّلام ببعضها، و هي: نقض العهد، و ظهور الفاحشة، و شيوع الكذب، و الحكم بغير ما أنزل اللّه تعالى، و منع الزكاة، و تطفيف الكيل،

فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: «خمس بخمس».

قالوا: يا رسول اللّه، ما خمس بخمس؟ فقال:

«ما نقض قوم العهد إلاّ و سلّط اللّه عليهم عدوّهم، و ما ظهرت عنهم الفاحشة إلاّ و قد فشا فيهم الموت، و ما شاع فيهم الكذب و الحكم بغير ما أنزل اللّه إلاّ و قد فشا فيهم الفقر، و ما منعوا الزّكاة إلاّ و حبس عنهم القطر، و ما طفّفوا الكيل إلاّ منعوا النّبات و اخذوا بالسّنين»(1).

فهذه الذنوب هي التي توجب نقمة اللّه على عباده و أخذهم بالعذاب الأليم.

3 - الذنوب التي تغيّر النّعم:

أمّا الذنوب التي تغيّر نعم اللّه و تحجبها عن الإنسان، فقد تحدّث عنها الإمام الصادق عليه السّلام بقوله:

«ترك شكر المنعم، الافتراء على اللّه و الرّسول، قطع صلة الرّحم، تأخير الصّلاة عن أوقاتها، الدّياثة، و ترك إغاثة الملهوفين المستغيثين، و ترك إعانة المظلومين»(2).

إنّ هذه الذنوب هي التي تزيل نعم اللّه عن عباده و تحجبها عنهم.

4 - الذنوب التي تحبس الدعاء:

أمّا الذّنوب التي تحبس الدعاء، و لا تجعله يصل إلى اللّه تعالى، فهي ما يقترفه الإنسان من الأعمال المنكرة، و التي منها أكل مال الناس بالباطل، و عدم

ص:65


1- شرح دعاء كميل للسبزواري : ٦٣ ، ٦٤.
2- شرح دعاء كميل للسبزواري : ٦٣ ، ٦٤.

الاتّكال على اللّه، و الغرور، و غير ذلك من الرذائل و الموبقات.

5 - الذنوب التي تنزل البلاء:

أمّا الذنوب التي تنزل البلاء و العقاب، فقد جاء في بعض الأخبار أنّها سبعة:

و هي الشرك باللّه، و قتل النفس التي حرّم اللّه تعالى، و قذف المحصنة، و أكل مال اليتيم ظلما، و الزنا، و الفرار من الزحف، و السرقة(1).

و هذه بعض الذنوب التي تكون سببا لنزول البلاء على الإنسان.

6 - الذنوب التي تقطع الرجاء:

أمّا الذنوب التي تقطع الرجاء باللّه - أعاذنا اللّه منها - فهي اليأس من روح اللّه، و القنوط من رحمة اللّه، و الثقة بغير اللّه، و التكذيب بوعيد اللّه، كما في الحديث، أنّ هذه الآثام تقطع الصلة بين العبد و خالقه، و تلقي الإنسان في متاهات سحيقة من الضلال. و نعود إلى الاستمرار في دعاء الإمام عليه السّلام، قال:

اللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بذكرك، و أستشفع بك إلى نفسك، و أسألك بجودك أن تدنيني من قربك، و أن توزعني شكرك، و أن تلهمني ذكرك. اللّهمّ إنّي أسألك سؤال خاضع متذلّل خاشع، أن تسامحني و ترحمني، و تجعلني بقسمك راضيا قانعا، و في جميع الأحوال متواضعا...

و حكت هذه الفقرات أجمل ما توسّل به العارفون إلى اللّه تعالى، فقد طلب الإمام من اللّه تعالى أن يقرّبه إليه زلفى، و أن يوزعه شكره و يلهمه ذكره، و يجعله راضيا بما قسمه له... و يستمر الإمام في دعائه قائلا:

ص:66


1- أضواء على دعاء كميل : ١٣٢.

اللّهمّ و أسألك سؤال من اشتدّت فاقته، و أنزل بك عند الشّدائد حاجته، و عظم فيما عندك رغبته.

اللّهمّ عظم سلطانك، و علا مكانك، و خفي مكرك، و ظهر أمرك، و غلب قهرك، و جرت قدرتك، و لا يمكن الفرار من حكومتك...

و أعربت هذه الكلمات عن مدى تضرّع الإمام و إنابته إلى اللّه تعالى و خوفه منه، و معرفته به، و يأخذ الإمام في دعائه قائلا:

اللّهمّ لا أجد لذنوبي غافرا، و لا لقبائحي ساترا، و لا لشيء من عملي القبيح بالحسن مبدّلا غيرك، لا إله إلاّ أنت سبحانك و بحمدك ظلمت نفسي، و تجرّأت بجهلي، و سكنت إلى قديم ذكرك لي و منّك عليّ.

اللّهمّ مولاي! كم من قبيح سترته! و كم من فادح من البلاء أقلته! و كم من عثار وقيته! و كم من مكروه دفعته! و كم من ثناء جميل لست أهلا له نشرته!...

أمّا هذه البنود المشرقة من دعاء الإمام عليه السّلام، فقد حكت ألطاف اللّه تعالى و فضله على عباده، و ذلك بغفرانه للذنوب، و ستره لقبائح الأعمال، و نشره و إشاعته لفعل المعروف و الإحسان، و إقالته لفادح البلاء، و غير ذلك من ألطافه، و يستمرّ الإمام في دعائه قائلا:

اللّهمّ عظم بلائي، و أفرط بي سوء حالي، و قصرت بي أعمالي، و قعدت بي أغلالي، و حبسني عن نفعي بعد آمالي، و خدعتني الدّنيا بغرورها، و نفسي بجنايتها، و مطالي يا سيّدي فأسألك بعزّتك أن لا يحجب عنك دعائي سوء عملي و فعالي، و لا تفضحني بخفيّ ما اطّلعت عليه من سرّي، و لا تعاجلني بالعقوبة

ص:67

على ما عملته في خلواتي، من سوء فعلي و إساءتي، و دوام تفريطي و جهالتي، و كثرة شهواتي و غفلتي...

عرض الإمام عليه السّلام في هذه الفقرات عن تذلّله و تضرّعه إلى اللّه و ما يعمله الغرور و الطيش في نفس الإنسان من البعد من اللّه تعالى، فهو يطلب منه أن تشمله رحمته، و لا يبعده عنه سوء الأعمال، و يأخذ الإمام في دعائه قائلا:

و كن اللّهمّ بعزّتك لي في كلّ الأحوال رءوفا، و عليّ في جميع الأمور عطوفا. إلهي و ربّي من لي غيرك أسأله كشف ضرّي، و النّظر في أمري.

إلهي و مولاي! أجريت عليّ حكما اتّبعت فيه هوى نفسي و لم أحترس فيه من تزيين عدوّي، فغرّني بما أهوى، و أسعده على ذلك القضاء، فتجاوزت بما جرى عليّ من ذلك بعض حدودك، و خالفت بعض أوامرك، فلك الحجّة عليّ في جميع ذلك، و لا حجّة لي فيما جرى عليّ فيه قضاؤك، و ألزمني حكمك و بلاؤك...

و حفلت هذه الكلمات من دعاء إمام المتّقين عليه السّلام بانقطاعه التامّ إلى اللّه تعالى و التجائه إليه في جميع شئونه و اموره، و اعترافه بالتقصير في طاعته، و أنّه لا حجّة له على اللّه، و إنّما الحجّة له عليه، و يقول الإمام في دعائه:

و قد أتيتك يا إلهي - بعد تقصيري و إسرافي على نفسي - معتذرا نادما منكسرا مستقيلا مستغفرا منيبا مقرّا مذعنا معترفا، لا أجد مفرّا ممّا كان منّي، و لا مفزعا أتوجّه إليه في أمري، غير قبولك عذري، و إدخالك إيّاي في سعة من رحمتك.

ص:68

اللّهمّ فاقبل عذري، و ارحم شدّة ضرّي، و فكّني من شدّ وثاقي.

يا ربّ ارحم ضعف بدني، و رقّة جلدي، و دقّة عظمي. يا من بدأ خلقي و ذكري و تربيتي و برّي و تغذيتي، هبني لابتداء كرمك و سالف برّك بي.

يا إلهي و سيّدي و ربّي، أتراك معذّبي بنارك بعد توحيدك، و بعد ما انطوى عليه قلبي من معرفتك، و لهج به لساني من ذكرك، و اعتقده ضميري من حبّك، و بعد صدق اعترافي و دعائي خاضعا لربوبيّتك، هيهات أنت أكرم من أن تضيّع من ربّيته، أو تبعّد من أدنيته، أو تشرّد من آويته، أو تسلّم إلى البلاء من كفيته و رحمته.

و ليت شعري يا سيّدي و إلهي و مولاي، أ تسلّط النّار على وجوه خرّت لعظمتك ساجدة، و على ألسن نطقت بتوحيدك صادقة و بشكرك مادحة، و على قلوب اعترفت بإلهيّتك محقّقة، و على ضمائر حوت من العلم بك حتّى صارت خاشعة، و على جوارح سعت إلى أوطان تعبّدك طائعة، و أشارت باستغفارك مذعنة، ما هكذا الظّنّ بك، و لا اخبرنا بفضلك عنك...

أ رأيتم هذا الاستعطاف و التذلّل و الخشوع أمام ربّ العالمين بهذا الأدب الفيّاض، الذي انبعث عن قلب ليس فيه منفذ و لا موطن لغير اللّه تعالى؟ سلام اللّه عليك يا إمام المتّقين و سيّد الموحّدين، فقد أخلصت في طاعتك و حبّك للّه تعالى كأعظم و أسمى ما يكون الإخلاص... و يستمرّ الإمام عليه السّلام في تذلّله و خوفه من اللّه تعالى، فيقول:

يا كريم يا ربّ، و أنت تعلم ضعفي عن قليل من بلاء الدّنيا و عقوباتها، و ما يجري فيها من المكاره على أهلها، على أنّ ذلك بلاء و مكروه قليل مكثه،

ص:69

يسير بقاؤه، قصير مدّته، فكيف احتمالي لبلاء الآخرة و جليل وقوع المكاره فيها، و هو بلاء تطول مدّته، و يدوم مقامه، و لا يخفّف عن أهله، لأنّه لا يكون إلاّ عن غضبك و انتقامك و سخطك، و هذا ما لا تقوم له السّماوات و الأرض.

يا سيّدي فكيف بي و أنا عبدك الضّعيف الذّليل الحقير المسكين المستكين...

و حكت هذه الفقرات بالغ خوفه، و شدّة فزعه من اللّه تعالى، و مطالبته بالعفو و المغفرة من اللّه، و النجاة من أهوال يوم القيامة. و يأخذ الإمام عليه السّلام في تضرّعه إلى اللّه و فزعه منه قائلا:

يا إلهي و ربّي و سيّدي و مولاي، لأيّ الأمور إليك أشكو، و لما منها أضجّ و أبكي، لأليم العذاب و شدّته أم لطول البلاء و مدّته. فلئن صيّرتني للعقوبات مع أعدائك، و جمعت بيني و بين أهل بلائك، و فرّقت بيني و بين أحبّائك و أوليائك، فهبني يا إلهي و سيّدي و مولاي و ربّي، صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك، وهبني صبرت على حرّ نارك فكيف أصبر عن النّظر إلى كرامتك، أم كيف أسكن في النّار و رجائي عفوك، فبعزّتك يا سيّدي و مولاي أقسم صادقا، لئن تركتني ناطقا لأضجنّ إليك بين أهلها ضجيج الآملين، و لأصرخنّ إليك صراخ المستصرخين، و لأبكينّ عليك بكاء الفاقدين، و لأنادينّك أين كنت يا وليّ المؤمنين، يا غاية آمال العارفين، يا غياث المستغيثين، يا حبيب قلوب الصّادقين، و يا إله العالمين.

أ فتراك سبحانك يا إلهي و بحمدك تسمع فيها صوت عبد مسلم سجن فيها

ص:70

بمخالفته، و ذاق طعم عذابها بمعصيته، و حبس بين أطباقها بجرمه و جريرته، و هو يضجّ إليك ضجيج مؤمّل لرحمتك، و يناديك بلسان أهل توحيدك، و يتوسّل إليك بربوبيّتك.

يا مولاي فكيف يبقى في العذاب و هو يرجو ما سلف من حلمك، أم كيف تؤلمه النّار و هو يأمل فضلك و رحمتك، أم كيف يحرقه لهيبها و أنت تسمع صوته و ترى مكانه، أم كيف يشتمل عليه زفيرها و أنت تعلم ضعفه، أم كيف يتقلقل بين أطباقها و أنت تعلم صدقه، أم كيف تزجره زبانيتها و هو يناديك يا ربّاه، أم كيف يرجو فضلك في عتقه منها فتتركه فيها، هيهات ما ذلك الظّنّ بك، و لا المعروف من فضلك، و لا مشبه لما عاملت به الموحّدين من برّك و إحسانك...

لقد ناجى الإمام ربّه بإيمان و يقين و تذلّل و خشوع، و استجار به أن ينجيه من أهوال يوم القيامة، و عذاب الآخرة.

إنّ هذه البنود المشرقة من كلمات الإمام عليه السّلام دلّلت على عظمة الإمام و أنّه سيّد المتّقين، و إمام الموحّدين، و أنّه الفرد الأوّل من المنقطعين إلى اللّه تعالى...

و يستمرّ الإمام في دعائه قائلا:

فباليقين أقطع، لو لا ما حكمت به من تعذيب جاحديك، و قضيت به من إخلاد معانديك، لجعلت النّار كلّها بردا و سلاما، و ما كانت لأحد مقرّا و لا مقاما، لكنّك تقدّست أسماؤك أقسمت أن تملأها من الكافرين، من الجنّة و النّاس أجمعين، و أن تخلّد فيها المعاندين. و أنت جلّ ثناؤك قلت مبتدئا، و تطوّلت بالإنعام متكرّما، أ فمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون...

ص:71

عرض الإمام عليه السّلام في هذا المقطع إلى سعة رحمة اللّه تعالى و لطفه و عفوه، و أنّه لو لا حكمه بتعذيب الجاحدين لربوبيّته و المنكرين لتوحيده لما خلّد أحدا في نار جهنّم، و لجعلها بردا و سلاما لجميع عباده، و يقول الإمام متضرّعا إلى اللّه تعالى:

إلهي و سيّدي، فأسألك بالقدرة الّتي قدّرتها، و بالقضيّة الّتي حتمتها و حكمتها، و غلبت من عليه أجريتها، أن تهب لي في هذه اللّيلة و في هذه السّاعة، كلّ جرم أجرمته، و كلّ ذنب أذنبته، و كلّ قبيح أسررته، و كلّ جهل عملته، كتمته أو أعلنته، أخفيته أو أظهرته، و كلّ سيّئة أمرت بإثباتها الكرام الكاتبين، الّذين وكّلتهم بحفظ ما يكون منّي، و جعلتهم شهودا عليّ مع جوارحي، و كنت أنت الرّقيب عليّ من ورائهم، و الشّاهد لما خفي عنهم و برحمتك أخفيته، و بفضلك سترته، و أن توفّر حظّي من كلّ خير تنزله أو إحسان فضّلته، أو برّ نشرته، أو رزق بسطته، أو ذنب تغفره، أو خطأ تستره...

و يطلب الإمام في هذا المقطع من اللّه تعالى أن يعفو عنه، و يشمله برحمته و مغفرته و رضوانه، و أن تكون صحيفة أعماله خالية من كلّ ما يبعده عنه، و أن يتفضّل عليه بالخير الذي ينشره على عباده، و الرزق الذي يبسطه عليهم، ثمّ يأخذ الإمام بالتوسّل إلى اللّه تعالى قائلا:

يا ربّ يا ربّ يا ربّ، يا إلهي و سيّدي و مولاي و مالك رقّي، يا من بيده ناصيتي، يا عليما بضرّي و مسكنتي، يا خبيرا بفقري و فاقتي.

يا ربّ يا ربّ يا ربّ، أسألك بحقّك و قدسك و أعظم صفاتك و أسمائك، أن تجعل أوقاتي في اللّيل و النّهار بذكرك معمورة، و بخدمتك موصولة، و أعمالي

ص:72

عندك مقبولة، حتّى تكون أعمالي و أورادي كلّها وردا واحدا، و حالي في خدمتك سرمدا...

و طلب الإمام من اللّه تعالى أن يجعل جميع أوقاته مشغولة بذكر اللّه و طاعته، و ما يقرّبه إليه زلفى... و يأخذ الإمام في دعائه قائلا:

يا سيّدي يا من عليه معوّلي، يا من إليه شكوت أحوالي.

يا ربّ يا ربّ يا ربّ، قوّ على خدمتك جوارحي، و اشدد على العزيمة جوانحي، وهب لي الجدّ في خشيتك، و الدّوام في الاتّصال بخدمتك، حتّى أسرح إليك في ميادين السّابقين، و اسرع إليك في البارزين، و أشتاق إلى قربك في المشتاقين، و أدنو منك دنوّ المخلصين، و أخافك مخافة الموقنين، و أجتمع في جوارك مع المؤمنين...

توسّل الإمام عليه السّلام في هذه الفقرات إلى اللّه تعالى أن يقرّبه إلى خدمته، و يهب له الجدّ في خشيته و الخوف منه؛ حتّى يكون من السابقين في خدمته، و الفائزين برضاه و طاعته... ثمّ يقول عليه السّلام:

اللّهمّ و من أرادني بسوء فأرده، و من كادني فكده، و اجعلني من أحسن عبيدك نصيبا عندك، و أقربهم منزلة منك، و أخصّهم زلفة لديك، فإنّه لا ينال ذلك إلاّ بفضلك، وجد لي بجودك، و اعطف عليّ بمجدك، و احفظني برحمتك، و اجعل لساني بذكرك لهجا، و قلبي بحبّك متيّما، و منّ عليّ بحسن إجابتك، و أقلني عثرتي، و اغفر زلّتي، فإنّك قضيت على عبادك بعبادتك، و أمرتهم بدعائك، و صمنت لهم الإجابة...

و حفل هذا المقطع من دعاء الإمام عليه السّلام بأن يحفظه اللّه من كلّ باغ و معتد

ص:73

عليه، و أن يجعله من أوفر عباده نصيبا عنده في كلّ خير و فضل يمنّ به تعالى على عباده... إلى غير ذلك من مطالبه التي تعود عليه بأفضل أنواع التقرّب إلى اللّه تعالى.

و لنستمع إلى الفقرة الأخيرة من هذا الدعاء الشريف، يقول عليه السّلام:

فإليك يا ربّ نصبت وجهي، و إليك يا ربّ مددت يدي، فبعزّتك استجب لي دعائي و بلّغني مناي، و لا تقطع من فضلك رجائي، و اكفني شرّ الجنّ و الإنس من أعدائي.

يا سريع الرّضا، اغفر لمن لا يملك إلاّ الدّعاء، فإنّك فعّال لما تشاء، يا من اسمه دواء، و ذكره شفاء، و طاعته غنىّ، ارحم من رأس ماله الرّجاء، و سلاحه البكاء.

يا سابغ النّعم، يا دافع النّقم، يا نور المستوحشين في الظّلم، يا عالما لا يعلّم، صلّ على محمّد و آل محمّد، و افعل بي ما أنت أهله، و صلّى اللّه على رسوله و الأئمّة الميامين من أهله و سلّم تسليما كثيرا(1).

و انتهى هذا الدعاء الشريف الذي هو صفحة مشرقة من عبادة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، و انقطاعه التامّ إلى اللّه تعالى، فقد هام بحبّه و طاعته، و أخلص في عبادته كأعظم ما يكون الإخلاص.

ص:74


1- إقبال الأعمال : ٢٢٠ _ ٢٢٤.

مع اللّه في الطّقوس الدّينيّة

اشارة

ص:75

ص:76

و كان من أهمّ ما عنى به إمام المتّقين عليه السّلام هو الدعاء عند أداء الطقوس الدينية، فقد استوعب حبّه للّه تعالى قلبه و مشاعره و من أجمل أوقاته و أحبّها عنده أداؤه للطقوس الدينية من واجبات و مندوبات، فكان يؤدّيه بشوق و رغبة تعادل عنده جميع متع الدنيا و رغباتها.

و هذه صفحات مشرقة بروح التقوى و الإيمان من أدعيته الشريفة التي كان يدعو بها عند أدائه لبعض العبادات:

الوضوء

اشارة

أمّا الوضوء فهو من مقدّمات الصلاة و لا تصحّ إلاّ به أو بديله و هو التيمّم عند فقد الماء أو عدم التمكّن من استعماله، ففي الحديث «لا صلاة إلاّ بطهور» و يكون واجبا إذا كان مقدّمة للصلاة الواجبة، و يكون مستحبّا إذا جيء به للكون على الطهارة حسبما ذكره السادة الفقهاء.

و كان الإمام عليه السّلام يشفع جميع أعمال الوضوء من واجبات و مندوبات بالأدعية الجليلة، و هذه بعضها:

1 - المضمضة:

من مقدّمات الوضوء و مستحبّاته «المضمضة» التي يقصد منها تنظيف الأسنان، و طهارة الفم من الأوساخ، و كان الإمام عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء عند الشروع

ص:77

فيها: «اللّهمّ لقّني حجّتك يوم ألقاك، و أطلق لساني بذكرك»(1).

2 - الاستنشاق:

من مستحبّات الوضوء الاستنشاق بالماء فإنّه مطهّر للأنف و فيه فوائد صحيّة مهمّة أدلى بها الأطباء... و كان الإمام عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء عند الاستنشاق:

«اللّهمّ لا تحرّم عليّ ريح الجنّة، و اجعلني ممّن يشمّ ريحها و روحها و طيبها»(2).

3 - عند غسل الوجه:

و كان الإمام عليه السّلام إذا شرع في غسل الوجه دعا بهذا الدعاء:

«اللّهمّ بيّض وجهي يوم تسودّ فيه الوجوه، و لا تسوّد وجهي يوم تبيضّ فيه الوجوه»(3).

4 - غسل اليد اليمنى:

و إذا شرع الإمام عليه السّلام في غسل يده اليمنى دعا بهذا الدعاء:

«اللّهمّ أعطني كتابي بيميني، و الخلد في الجنان بيساري، و حاسبني حسابا يسيرا»(4).

5 - غسل اليد اليسرى:

و إذا غسل الإمام عليه السّلام يده اليسرى دعا بهذا الدعاء الجليل:

«اللّهمّ لا تعطني كتابي بشمالي و لا من وراء ظهري، و لا تجعلها مغلولة إلى

ص:78


1- وسائل الشيعة ١ : ٢٩٢.
2- المصدر السابق ١ : ٢٨٢.
3- الشيخ الحر العاملي ، المولود سنة : 1033 هجرية ، و المتوفى سنة : 1104 هجرية ، في كتابه وسائل الشيعة : 7 / 293 ، طبعة : مؤسسة آل البيت ، سنة : 1409 هجرية ، قم / إيران .
4- المصدر السابق ١ : ٢٨٢.

عنقي، و أعوذ بك من مقطّعات النّيران»(1).

6 - مسح الرأس:

و إذا مسح الإمام عليه السّلام رأسه عند الوضوء دعا بهذا الدعاء:

«اللّهمّ غشّني برحمتك و بركاتك و عفوك».

7 - عند مسح الرجلين:

و إذا شرع الإمام عليه السّلام في مسح الرجلين اللذين هما آخر أجزاء الوضوء دعا بهذا الدعاء:

«اللّهمّ ثبّتني على الصّراط يوم تزلّ فيه الأقدام، و اجعل سعيي فيما يرضيك عنّي يا ذا الجلال و الإكرام»(2).

و هكذا كان وضوؤه مشفوعا بهذه الأدعية الجليلة التي تحكي عميق اتّصاله باللّه، و انقطاعه إليه.

أدعيته ع عند الصلاة الصلاة

اشارة

أمّا الصلاة فهي عمود الدين، و قربان كلّ تقي - كما في الحديث - و قد شغف بها الإمام عليه السّلام، فلم يترك نافلة من النوافل إلاّ أتى بها، و بلغ من شدّة اهتمامه بها أنّه أقامها في ليلة الهرير، و هي من أكثر الأوقات محنة، و من أشدّها بلاء و قد أقامها بين الصفّين، و السهام تأخذه يمينا و شمالا و قد عذله بعض أصحابه، فردّ عليه إنّما قاتلناهم - يعني أهل الشام - من أجل الصلاة، و يقول الرواة إنّه كان يقيم الصلاة

ص:79


1- وسائل الشيعة ١ : ٢٨٣.
2- وسائل الشيعة ١ : ٢٨٣.

في معظم الأوقات، و قد قال حفيده الإمام زين العابدين الذي لا يضارعه أحد في عبادته و تقواه: «أين عبادتي من عبادة جدّي أمير المؤمنين».

و نعرض بعض أدعيته التي كان يقرؤها قبل الصلاة و في أثناء الصلاة و بعدها و فيما يلي ذلك:

دعاؤه عليه السّلام

قبل الصلاة

و كان الإمام إذا قام للصلاة يدعو بهذا الدعاء قبل أن يشرع بتكبيرة الإحرام:

يا محسن قد أتاك المسيء، و قد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسيء، و أنت المحسن و أنا المسيء، فبحقّ محمّد و آل محمّد صلّ على محمّد و آل محمّد، و تجاوز عن قبيح ما تعلم منّي(1).

دعاؤه عليه السّلام

في السجود

و أفضل أجزاء الصلاة السجود، و في الحديث: أقرب ما يكون العبد من ربّه و هو ساجد، و قد أثرت عن إمام المتّقين مجموعة من الأدعية كان يقرؤها في سجوده و هذه بعضها:

1 - روى الأصبغ بن نباتة و هو من أجلاّء أصحاب الإمام عليه السّلام و من أوثقهم

ص:80


1- الصحيفة العلوية الثانية : ١٤٣.

و أخلصهم له أنّ الإمام عليه السّلام كان يقول في سجوده:

اناجيك يا سيّدي كما يناجي العبد الذّليل مولاه، و أطلب إليك طلب من يعلم أنّك تعطي، و لا ينقص ممّا عندك شيء، و أستغفرك استغفار من يعلم أنّه لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت، و أتوكّل عليك توكّل من يعلم أنّك على كلّ شيء قدير(1).

2 - روى الإمام الصادق عليه السّلام أنّ جدّه أمير المؤمنين عليه السّلام كان يقول في سجوده:

اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن تبتليني ببليّة تدعوني ضرورتها على أن أتلوّث بشيء من معاصيك.

اللّهمّ و لا تجعل لي حاجة إلى أحد من شرار خلقك و لئامهم، فإن جعلت لي حاجة إلى أحد من خلقك فاجعلها إلى أحسنهم وجها، و خلقا، و خلقا، و أسخاهم بها نفسا، و أطلقهم بها لسانا، و أسمحهم بها كفّا، و أقلّهم بها عليّ امتنانا(2).

3 - من أدعيته الشريفة التي كان يدعو بها في سجوده:

اللّهمّ ارحم ذلّي بين يديك، و تضرّعي إليك، و وحشتي من النّاس، و انسي بك يا كريم، فإنّي عبدك أتقلّب في قبضتك، يا ذا المنّ و الفضل و الجود و الغناء و الكرم، ارحم ضعفي و شيبتي من النّار يا كريم(3).

ص:81


1- أمالي الصدوق : ٢٥٥.
2- قرب الإسناد : ١.
3- فقه الرضا : ١٤١.

دعاؤه عليه السّلام

بعد السجود

روى عديّ بن حاتم الطائي، و هو من أفذاذ أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و من خيارهم قال: دخلت على عليّ عليه السّلام فوجدته قائما يصلّي متغيّرا لونه، فلم أر مصلّيا بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أكثر ركوعا و لا سجودا منه، فسعيت نحوه، فلمّا سمع بحسّي أشار إليّ بيده، فوقفت حتى صلّى ركعتين أوجزهما، و أكملهما، ثمّ سلّم و سجد سجدة أطالها فقلت في نفسي: نام و اللّه، فرفع رأسه، ثمّ قال:

لا إله إلاّ اللّه حقّا حقّا، لا إله إلاّ اللّه إيمانا و تصديقا، لا إله إلاّ اللّه تعبّدا و رقّا.

يا معزّ المؤمنين بسلطانه، يا مذلّ الجبّارين بعظمته، أنت كهفي حين تعييني المذاهب عند حلول النّوائب، فتضيق عليّ الأرض برحبها، أنت خلقتني يا سيّدي رحمة منك لي، و لو لا رحمتك لكنت من الهالكين، و أنت مؤيّدي بالنّصر على أعدائي، و لو لا نصرك لكنت من المغلوبين.

يا منشئ البركات من مواضعها، و مرسل الرّحمة من معادنها، و يا من خصّ نفسه بالعزّ و الرّفعة، فأولياؤه بعزّه يعتزّون، و يا من وضع له الملوك نير المذلّة على أعناقهم، فهم من سطواته خائفون، أسألك بكبريائك الّتي شققتها من عظمتك، و بعظمتك الّتي استويت بها على عرشك، و علوت بها في خلقك،

ص:82

فكلّهم خاضع ذليل لعزّتك، صلّ على محمّد و آله، و افعل بي أولى الأمرين بك تباركت يا أرحم الرّاحمين(1).

و حكت هذه الكلمات مدى طاعة الإمام و إخلاصه في عبادته للّه تعالى، فقد أعرض عن جميع ما في الدنيا، و تعلّق باللّه الواحد الأحد الذي لا شريك له.

دعاؤه عليه السّلام

في قنوت صلاة الفجر

كان الإمام عليه السّلام يؤدّي صلاة الفجر في مسجده المعروف بمسجد بني كاهل(2) و كان يدعو في قنوته بهذا الدعاء:

اللّهمّ إنّا نستعينك، و نستغفرك، و نستهديك، و نؤمن بك، و نتوكّل عليك، و نثني عليك بالخير كلّه، و نخلع و نترك من ينكرك.

اللّهمّ إيّاك نعبد، و لك نصلّي و نسجد، و إليك نسعى و نحفد(3)، و نرجو رحمتك، و نخشى عذابك، إنّ عذابك كان بالكافرين محيطا.

اللّهمّ اهدنا فيمن هديت، و عافنا فيمن عافيت، و تولّنا فيمن تولّيت، و بارك لنا فيما أعطيت، و قنا شرّ ما قضيت، إنّك تقضي و لا يقضى عليك، إنّه لا يذلّ من واليت، و لا يعزّ من عاديت، تباركت ربّنا و تعاليت، أستغفرك

ص:83


1- الصحيفة العلوية الثانية : ١٧٠.
2- عفي أثر هذا المسجد ولم يعرف مكانه.
3- نحفد : أي نسرع.

و أتوب إليك.

ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربّنا و لا تحمل علينا إصرا(1) كما حملته على الّذين من قبلنا، ربّنا و لا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به، و أعف عنّا، و اغفر لنا، و ارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين(2).

دعاؤه عليه السّلام

عقيب صلاة الفجر

كان إمام المتّقين عليه السّلام يسارع إلى الجامع النبوي قبل الفجر حينما كان في يثرب، و إلى الجامع الأعظم حينما كان في الكوفة فيؤدّي صلاة الليل و النوافل و يعقّب بذكر اللّه تعالى، و كان يدعو بهذا الدعاء الجليل عقيب صلاة الصبح كما كان يدعو به في المهمّات، و كان يدعو به الأئمّة الطاهرون من أبنائه، و هذا نصّه:

اللّهمّ إنّي أسألك يا مدرك الهاربين، و يا ملجأ الخائفين، و يا غياث المستغيثين.

اللّهمّ إنّي أسألك بمعاقد العزّ من عرشك، و منتهى الرّحمة من كتابك، و باسمك العظيم الأعظم، الكبير الأكبر، الطّاهر المطهّر، القدّوس المبارك، و لو أنّ ما في الأرض من شجرة أقلام و البحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات اللّه إنّ اللّه عزيز حكيم، يا اللّه - و كان يقول بذلك عشر مرّات -، يا ربّاه

ص:84


1- الإصر : الذنب.
2- الصحيفة العلوية الثانية : ٧٤.

- و كان يقول بذلك عشر مرّات.

يا مولاه، يا غاية رغبتاه، يا هو، يا من هو، يا من لا يعلم ما هو إلاّ هو، و لا كيف هو إلاّ هو، يا ذا الجلال و الإكرام و الإفضال و الإنعام، يا ذا الملك و الملكوت، يا ذا العزّ و الكبرياء، و العظمة و الجبروت، يا حيّ لا يموت، يا من علا فقهر، يا من ملك فقدر، يا من عبد فشكر، يا من عصي فستر، يا من لا يحيط به الفكر، يا رازق البشر، يا مقدّر القدر، يا محصي قطر المطر، يا دائم الثّبات، يا مخرج النّبات، يا قاضي الحاجات، يا منجح الطّلبات، يا جاعل البركات، يا محيي الأموات، يا رافع الدّرجات، يا راحم العبرات، يا مقيل العثرات، يا كاشف الكربات، يا نور الأرض و السّماوات، يا صاحب كلّ غريب، يا شاهدا لا يغيب، يا مؤنس كلّ وحيد، يا ملجأ كلّ طريد، يا راحم الشّيخ الكبير، يا عصمة الخائف المتسجير، يا مغني البائس الفقير، يا فاكّ العاني الأسير، يا من لا يحتاج إلى التّفسير، يا من هو بكلّ شيء خبير، يا من هو على كلّ شيء قدير، يا عالي المكان، يا شديد الأركان، يا من ليس له ترجمان، يا نعم المستعان، يا قديم الإحسان، يا من هو كلّ يوم في شأن، يا من لا يخلو منه مكان، يا أجود الأجودين، يا أكرم الأكرمين، يا أسمع السّامعين، يا أبصر النّاظرين، يا أسرع الحاسبين، يا وليّ المؤمنين، يا يد الواثقين، يا ظهر اللاّجئين، يا غياث المستغيثين، و جار المستجيرين، يا ربّ الأرباب، يا مسبّب الأسباب، يا مفتّح الأبواب، يا معتق الرّقاب، يا منشئ السّحاب، يا وهّاب، يا توّاب، يا من حيث ما دعي أجاب، يا فالق الإصباح، يا باعث الأرواح، يا من بيده كلّ مفتاح، يا سابغ النّعم، يا دافع النّقم، يا بارئ

ص:85

النّسم، يا جامع الأمم، يا ذا الجود و الكرم، يا عماد من لا عماد له، يا سند من لا سند له، يا عزّ من لا عزّ له، يا حرز من لا حرز له، يا غياث من لا غياث له، يا جزيل العطاء، يا جميل الثّناء، يا حليما لا يعجل، يا عليما لا يجهل، يا جوادا لا يبخل، يا قريبا لا يغفل، يا صاحبي في وحدتي، يا عدّتي في شدّتي، يا كهفي حين تعييني المذاهب، و تخذلني الأقارب، و يسلمني كلّ صاحب، يا رجائي في المضيق، يا ركني الشّديد، يا إلهي بالتّحقيق، يا ربّ البيت العتيق، يا شفيق يا رفيق، اكفني ما اطيق و ما لا اطيق، و فكّني من حلق الضّيق إلى فرجك القريب، و اكفني ما أهمّني و ما لا يهمّني من أمر دنياي و آخرتي برحمتك يا أرحم الرّاحمين(1).

و حكى هذا الدعاء مدى تذلّل الإمام عليه السّلام أمام اللّه تعالى و انقطاعه إليه، و عبوديّته المطلقة له.

ص:86


1- البلد الأمين : ٤٩٤ و٤٩٥.

ادعيته عليه السّلام

في الاستغفار عقيب صلاة الفجر

و كان الإمام عليه السّلام يدعو اللّه بهذا الدعاء الجليل عقيب صلاة الفجر، و يستغفر اللّه سبعين مرّة حافلة بآيات التعظيم و التبجيل له تعالى شأنه، و هذا نصّ الدعاء مع الاستغفار:

1 اللّهمّ إنّي اثني عليك بمعونتك على ما نلت به من الثّناء عليك، و أقرّ لك على نفسي بما أنت أهله، و المستوجب له في قدر فساد نيّتي، و ضعف يقيني.

اللّهمّ نعم الإله أنت، و نعم الرّبّ أنت و بئس المربوب أنا، و نعم المولى أنت و بئس العبد أنا، و نعم المالك أنت و بئس المملوك أنا، فكم قد أذنبت فعفوت عن ذنبي، و كم قد أجرمت فصفحت عن جرمي، و كم قد أخطأت فلم تؤاخذني، و كم قد تعمّدت فتجاوزت عنّي، و كم قد عثرت فأقلتني عثرتي، و لم تؤاخذني على غرّتي، فأنا الظّالم لنفسي، المقرّ بذنبي، المعترف بخطيئتي، فيا غافر الذّنوب أستغفرك لذنبي، و أستقيلك لعثرتي، فأحسن إجابتي، فإنّك أهل الإجابة و أهل التّقوى و أهل المغفرة.

و حفل هذا المقطع بالثناء على اللّه تعالى، و طلب العفو منه و ذكر ما أسداه عليه من النعم و الألطاف، و يستمرّ الإمام بالاستغفار فيقول بخضوع و خشوع:

ص:87

2 اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب قوي بدني عليه بعافيتك، أو نالته قدرتي بفضل نعمتك، أو بسطت إليه يدي بتوسعة رزقك، أو احتجبت فيه من النّاس بسترك، أو اتّكلت فيه عند خوفي منه على أناتك، و وثقت من سطوتك عليّ فيه بحلمك، و عوّلت فيه على كرم عفوك، فصلّ على محمّد و آله، و اغفره لي يا خير الغافرين.

طلب الإمام عليه السّلام بهذه الكلمات من اللّه تعالى أن يغفر له و يعفو عنه، كما ذكر الأسباب التي تؤدّي العبد إلى الذنب، و اقتراف الخطيئة. و يستمرّ الإمام عليه السّلام في استغفاره:

3 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يدعو إلى غضبك، أو يدني من سخطك، أو يميل بي إلى ما نهيتني عنه، أو ينأى بي عمّا دعوتني إليه فصلّ على محمّد و آله، و اغفره لي يا خير الغافرين.

بهذه الكلمات يتعوّذ الإمام عليه السّلام من الذنوب التي تدعو إلى غضب اللّه و تحيل به إلى سخطه، و إلى ما ينهى عنه.

4 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب استملت إليه أحدا من خلقك بغوايتي، أو خدعته بحيلتي فعلّمته منه ما جهل، و عمّيت عليه منه ما علم، و لقيتك غدا بأوزاري، و أوزار مع أوزاري، فصلّ على محمّد و آله، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ص:88

طلب الإمام عليه السّلام من اللّه أن يعفو عن الذنوب التي تقترف من أجل استمالة الناس و جلب عواطفهم، ثمّ يستمرّ الإمام بالاستغفار.

5 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يدعو إلى الغيّ، و يضلّ عن الرّشد، و يقلّ الرّزق، و يمحق البركة، و يخمل الذّكر، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

لقد استغفر الإمام عليه السّلام من الذنوب التي تدعو إلى الغيّ و تصدّ عن الطريق القويم، و التي تقلّل الرزق و تمحق البركة و تخمل الذكر، و يقول عليه السّلام:

6 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب أتعبت فيه جوارحي في ليلي و نهاري، و قد استترت فيه من عبادك بستري، و لا ستر إلاّ ما سترتني، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره يا خير الغافرين.

و يستغفر الإمام سلام اللّه عليه من الذنوب و الآثام التي يستتر فيها الناس لئلا يطّلع عليها أحد فتوجب سقوط المقترف بها من أعينهم.

7 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب رصدني فيه أعدائي لهتكي فصرفت كيدهم عنّي، و لم تعنهم على فصيحتي، كأنّي لك وليّ فنصرتني، و إلى متى يا ربّ أعصي فتمهلني، و طالما عصيتك فلم تؤاخذني، و سألتك على سوء فعلي فأعطيتني، فأيّ شكر

ص:89

يقوم عندك بنعمة من نعمك عليّ، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

طلب إمام المتّقين من اللّه تعالى العفو عن الذنوب التي يترصّدها الأعداء لهتك الشخص و فضيحته، و يقدّم الإمام عليه السّلام شكره إلى اللّه تعالى على ألطافه و فضله المستمرّين عليه.

8 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب قدّمت إليك فيه توبتي، ثمّ واجهت بتكرّم قسمي بك، و أشهدت على نفسي بذلك أولياءك من عبادك أنّي غير عائد إلى معصيتك، فلمّا قصدني بكيده الشّيطان، و مال بي إلى الخذلان، و دعتني نفسي إلى العصيان استترت حياء من عبادك جرأة منّي عليك، و أنا أعلم أنّه لا يكنّني منك ستر و لا باب، و لا يحجب نظرك إليّ حجاب، فخالفتك في المعصية إلى ما نهيتني عنه، ثمّ كشفت السّتر عنّي، و ساويت أولياءك كأنّي لم أزل لك طائعا، و إلى أمرك مسارعا، و من وعيدك فازعا، فلبّست على عبادك، و لا يعرف بسريرتي غيرك، فلم تسمني بغير سمتهم، بل أسبغت عليّ مثل نعمهم، ثمّ فضّلتني في ذلك عليهم، حتّى كأنّي عندك في درجتهم، و ما ذلك إلاّ بحلمك و فضل نعمتك، فلك الحمد مولاي، فأسألك يا اللّه كما سترته عليّ في الدّنيا أن لا تفضحني به في القيامة يا أرحم الرّاحمين.

و يستغفر الإمام العظيم عليه السّلام من الذنوب التي يعلن فيها الإنسان توبته منها، ثمّ يقسم على أن لا يعود إليها، فيغريه الشيطان و يغويه على العودة إليها، و لكنّ اللّه تعالى بفضله يسترها عليه، و لم يفضحه بين عباده.

ص:90

9 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب سهرت له ليلي في التّأنّي لإتيانه، و التّخلّص إلى وجوده حتّى إذا أصبحت تخطّيت إليك بحلية الصّالحين، و أنا مضمر خلاف رضاك يا ربّ العالمين، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

و يستغفر الإمام عليه السّلام من الذنوب التي يسهر الإنسان فيها لياليه على الدنيا و لكنّه إذا أصبح برز بزيّ الصالحين كأنّه لم يقترف شيئا.

10 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب ظلمت بسببه وليّا من أوليائك، أو نصرت به عدوّا من أعدائك، أو تكلّمت فيه بغير محبّتك، أو نهضت فيه إلى غير طاعتك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

و استغفر الإمام من الذنوب التي يقترفها بعض الناس و التي تؤدّي إلى ظلم وليّ من أولياء اللّه تعالى، كما استغفر من الذنوب التي ينصر بها عدوّا من أعداء اللّه تعالى، و غير ذلك من الخطايا التي ذكرها عليه السّلام.

11 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب نهيتني عنه فخالفتك إليه، أو حذّرتني إيّاه فأقمت عليه، أو قبّحته لي فزيّنته لنفسي، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

استغفر الإمام عليه السّلام من كلّ ذنب يعمله بعض الناس و قد نهاهم اللّه تعالى عنه

ص:91

و حذّرهم منه فاقترفوه لأنّ النفس الأمّارة بالسوء قد دفعتهم إليه.

12 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب نسيته فأحصيته، و تهاونت به فأثبتّه، و جاهرتك فيه فسترته عليّ، و لو تبت إليك منه لغفرته، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

استغفر الإمام عليه السّلام من الذنوب التي ينساها الإنسان، و لكنّ اللّه تعالى أحصاها و أثبتها، و لو علم بها لأستغفر منها.

13 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب توقّعت فيه - قبل انقضائه - تعجيل العقوبة، فأمهلتني، و أدليت عليّ سترا فلم آل في هتكه عنّي جهدا، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

استغفر الإمام عليه السّلام من الذنوب التي يتوقّع فيها تعجيل العقوبة، و لكنّ اللّه تعالى بلطفه و رحمته يؤخّر نقمته و يمهل عبده.

14 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يصرف عنّي رحمتك، أو يحلّ بي نقمتك، أو يحرمني كرامتك، أو يزيل عنّي نعمتك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

استغفر الإمام من الذنوب التي تصرف رحمة اللّه تعالى عن العبد و تحلّ به

ص:92

نقمته و تحرمه كرامته.

15 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يورث الفناء، أو يحلّ البلاء، أو يشمت الأعداء، أو يكشف الغطاء، أو يحبس قطر السّماء، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

استعاذ الإمام عليه السّلام باللّه تعالى من بعض الذنوب التي تورث الفناء، و تحلّ البلاء، و تؤدّي إلى شماتة الأعداء.

16 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب عيّرت به أحدا من خلقك، أو قبّحته من فعل أحد من بريّتك، ثمّ تقحّمت عليه، و انتهكته جرأة منّي على معصيتك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

استعاذ الإمام عليه السّلام من بعض الذنوب التي ينتقم اللّه بها ممّن يقترفها و يتعمّدها.

17 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب تبت إليك منه و أقدمت على فعله فاستحييت منك و أنا عليه، و رهبتك و أنا فيه، ثمّ استقلتك منه و عدت إليه، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

استعاذ عليه السّلام من الذنوب التي يقترفها الإنسان ثمّ يعلن توبته عنها ثمّ يعود إليها.

ص:93

18 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب تورّك عليّ، و وجب في فعلي بسبب عهد عاهدتك عليه، أو عقد عقدته لك، أو ذمّة آليت بها من أجلك لأحد من خلقك، ثمّ نقضت ذلك من غير ضرورة لرغبتي فيه، بل استزلّني عن الوفاء به البطر، و استحطّني عن رعايته الأشر، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

استعاذ الإمام عليه السّلام من العهد الذي قطعه الإنسان على نفسه أو العقد الذي يعقده لأحد من الخلق ثمّ ينقض ذلك و لا يفي به، فإنّه من أفحش الذنوب.

19 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب لحقني بسبب نعمة أنعمت بها عليّ فقويت بها على معصيتك، و خالفت بها أمرك، و قدمت بها على وعيدك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ذكر عليه السّلام بعض الذنوب التي يقترفها الإنسان بسبب نعمة من نعم اللّه تعالى أسداها عليه فخالف أمر اللّه و صرفها في معاصيه.

20 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب قدّمت فيه شهوتي على طاعتك، و آثرت فيه محبّتي على أمرك، و أرضيت نفسي فيه بسخطك، إذ أرهبتني منه بهيبتك، و قدّمت إليّ فيه بأعذارك، و احتجبت عليّ فيه بوعيدك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

استغفر الإمام من الذنوب التي يقترفها الإنسان فيقدّم فيها شهواته على طاعة

ص:94

اللّه، أو أرضى فيه الإنسان نفسه بسخط اللّه تعالى.

21 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب علمته من نفسي، أو نسيته، أو ذكرته، أو تعمّدته، أو أخطأته، ممّا لا أشكّ أنّك سائل عنه، و أنّ نفسي مرتهنة لديك، و إن كنت قد نسيته و غفلت عنه، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

استغفر الإمام عليه السّلام من الذنوب التي يعملها الإنسان و هو إمّا عالم بها أو ذاكر لها متعمّدا في ارتكابها أو أخطأ في فعلها، فقد استعاذ الإمام عليه السّلام منها جميعا.

22 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب واجهتك به و قد أيقنت أنّك تراني عليه، و اغفلت أن أتوب إليك منه، و أنسيت أن أستغفرك له، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

طلب الإمام عليه السّلام من اللّه تعالى العفو عن بعض الذنوب التي يرتكبها الإنسان ظنّا منه أن لا يعذّبه اللّه عليها، و غفل أن يتوب منها إلى اللّه تعالى.

23 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب دخلت فيه بحسن ظنّي بك أن لا تعذّبني عليه و رجوتك لمغفرته، فأقدمت عليه، و قد عوّلت على معرفتي بكرمك أن لا تفضحني بعد أن سترته عليّ، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ص:95

و هذا الاستغفار قريب من الاستغفار الذي سبقه.

24 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب استوجبت منك به ردّ الدّعاء، و حرمان الإجابة، و خيبة الطّمع، و انفساخ الرّجاء، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

طلب إمام المتّقين عليه السّلام من اللّه تعالى أن يعفو عن كلّ ذنب يقترفه الناس و هو يوجب ردّ الدعاء و حرمان الإجابة.

25 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يعقب الحسرة و يورث النّدامة و يحبس الرّزق و يردّ الدّعاء، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ذكر عليه السّلام بعض الذنوب التي توجب حسرة الإنسان، و تورث الندامة، و تحبس الرزق، و تردّ الدعاء.

26 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يورث الأسقام و الفناء، و يوجب النّقم و البلاء، و يكون في القيامة حسرة و ندامة، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ذكر عليه السّلام بعض الذنوب التي تورث الأمراض و تسبّب الفناء و توجب النقمة، و تكون حسرة و ندامة يوم القيامة على من يقترفها.

ص:96

27 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب مدحته بلساني، أو أضمره جناني، أو هشّت إليه نفسي، أو أتيته بفعالي، أو كتبته بيدي، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

استعاذ الإمام عليه السّلام من بعض الذنوب التي يتلفّظ بها الإنسان أو يضمرها جنانه، أو يرغب إليها أو يرتكبها أو يكتبها فإنّها جميعا توجب البعد من اللّه تعالى.

28 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب خلوت به في ليل أو نهار، و أرخيت عليّ فيه الأستار حيث لا يراني إلاّ أنت يا جبّار، فارتابت فيه نفسي، و تحيّرت بين تركه لخوفك و انتهاكه لحسن الظّنّ بك، فسوّلت لي نفسي الإقدام عليه فواقعته، و أنا عارف بمعصيتي فيه لك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ذكر عليه السّلام بعض الذنوب التي يرتكبها الإنسان و يستتر بها لئلاّ يراه الناس، و هو مع ذلك يتردّد في ارتكابها لعلمه بمعصية اللّه تعالى و بين أن يقدم عليها، و لكن سوّلت له نفسه فقدم على ارتكابها مع علمه بمعصيته للّه تعالى.

29 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب استقللته، أو استكثرته، أو استعظمته، أو استصغرته، أو ورّطني جهلي فيه، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ص:97

استعاذ الإمام عليه السّلام باللّه تعالى من كلّ ذنب يستقلّه الإنسان أو يستكثره أو يستعظمه أو يستصغره فإنّها جميعا توجب البعد عن اللّه تعالى.

30 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب مالأت فيه على أحد من خلقك، أو أسأت بسببه إلى أحد من بريّتك، أو زيّنته لي نفسي، أو أشرت به إلى غيري، أو دللت عليه سواي، أو أصررت عليه بعمدي، أو أقمت عليه بجهلي، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

أدلى الإمام عليه السّلام ببعض الذنوب و هي أن يساعد الإنسان شخصا على ارتكاب الذنب، أو يسيء إلى أحد من الخلق، أو ما زيّنته النفس من عمل بعض السيّئات و غير ذلك.

31 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب خنت فيه أمانتي، أو بخست بفعله نفسي، أو احتطبت به على بدني، أو آثرت فيه شهواتي، أو قدّمت فيه لذّاتي، أو سعيت فيه لغيري، أو استقويت عليه من تابعني، أو كاثرت فيه من منعني، أو قهرت عليه من غالبني، أو غلبت عليه بحيلتي، أو استزلّني عليه ميلي، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

عدّ عليه السّلام من الذنوب خيانة الأمانة، و ما احتطبه الإنسان على نفسه من السيّئات، و ما ارتكبه من الشهوات، أو ما قهر به غيره من الضعفاء، و غير ذلك من الذنوب التي ذكرها.

ص:98

32 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب استعنت عليه بحيلة تدني من غضبك، أو استظهرت بنيله على أهل طاعتك، أو استملت به أحدا إلى معصيتك، أو رأيت فيه عبادك، أو لبّست عليهم بفعالي، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ذكر عليه السّلام بعض الذنوب التي تبعد الإنسان عن ربّه، و تلقيه في شرّ عظيم، و التي منها ما يستعين به الإنسان على معصية توجب غضب اللّه، و ما يستظهره من الوسائل المحرّمة لقهر عباد اللّه الصالحين و ما يستميل به الناس إلى معاصي اللّه تعالى.

33 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب كتبته عليّ بسبب عجب كان منّي بنفسي، أو رياء، أو سمعة، أو خيلاء، أو فرح، أو حقد، أو مرح، أو أشر، أو بطر، أو حميّة، أو عصبيّة، أو رضى، أو سخط، أو شحّ، أو سخاء، أو ظلم، أو خيانة، أو سرقة، أو كذب، أو نميمة، أو لهو، أو لعب، أو نوع ممّا يكتسب بمثله الذّنوب، و يكون في اجتراحه العطب، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

استعاذ الإمام عليه السّلام من الذنوب التي تنشأ من ضعف النّفس و عدم استطاعتها ردع الشيطان، و ذكر منها العجب، و الرياء و السمعة، و الخيلاء، و الفرح، و الحقد، و البطر، و الحميّة، و العصبية، و الشحّ، و السخاء الذي لا يقصد به وجه اللّه تعالى و مرضاته، و غير ذلك من الأمراض النفسية التي أدلى بها عليه السّلام و التي توجب بعد الإنسان عن ربّه.

ص:99

34 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب سبق في علمك أنّي فاعله بقدرتك الّتي قدرت بها على كلّ شيء، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ذكر عليه السّلام بعض الذنوب التي يعلم اللّه تعالى أنّه يرتكبها الشخص في حياته فاستعاذ به منها.

35 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب رهبت فيه سواك، أو عاديت فيه أولياءك، أو واليت فيه أعداءك، أو خذلت فيه أحبّاءك، أو تعرّضت فيه لشيء من غضبك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ذكر عليه السّلام بعض الذنوب التي يرتكبها بعض الناس، و يرهب و يخاف غيره منها، و من الذنوب التي فيها معاداة أولياء اللّه و موالاة أعدائه، و خذلان المتّقين و الأخيار.

36 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب تبت إليك منه، ثمّ عدت و نقضت العهد فيما بيني و بينك جرأة منّي عليك لمعرفتي بكرمك و عفوك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ذكر عليه السّلام بعض الذنوب التي يرتكبها بعض الناس، و قد تاب منها إلى اللّه تعالى ثمّ عاد عليها بشقوته و جهله.

ص:100

37 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب أدناني من عذابك، أو نأى بي عن ثوابك، أو حجب عنّي رحمتك، أو كدّر عليّ نعمتك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

استعاذ الإمام عليه السّلام من بعض الذنوب التي تدني الإنسان و تقرّبه من أعداء اللّه، و تبعده عن ثوابه و مغفرته.

38 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب حللت به عقدا شددته، أو حرمت به نفسي خيرا وعدتني به، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ذكر عليه السّلام بعض الذنوب التي يحلّ بها عقدا عقده على نفسه من فعل الخير و اجتناب السيّئات، ثمّ يخالفه.

39 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب ارتكبته بشمول عافيتك، أو تمكّنت منه بفضل نعمتك، أو قويت عليه بسابغ رزقك، أو خير أردت به وجهك فخالطني فيه، و شارك فعلي ما لا يخلص لك، أو وجب عليّ ما أردت به سواك، فكثيرا ما يكون كذلك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ذكر عليه السّلام بعض الذنوب التي يقترفها الإنسان و هي ناشئة من عافيته التي أسبغها

ص:101

اللّه عليه أو من نعمته التي أسداها عليه، أو من رزقه الذي تفضّل به عليه و غير ذلك.

40 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب دعتني الرّخصة فحلّلته لنفسي و هو فيما عندك محرّم، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ذكر عليه السّلام بعض الذنوب التي يرتكبها الإنسان ظانّا حلّيتها و الرخصة فيها و هي محرّمة، و لا يعلم بها.

41 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب خفي عن خلقك، و لم يعزب عنك، فاستقلتك منه فأقلتني، ثمّ عدت فيه فسترته عليّ، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

عدّ عليه السّلام من الذنوب ما يرتكبه الإنسان بالخفاء و يستره على الناس و لكنّه لا يخفى على اللّه تعالى الذي أحاط بكلّ شيء علما.

42 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب خطوت إليه برجلي، أو مددت إليه يدي، أو تأمّله بصري، أو أصغيت إليه بسمعي، أو نطق به لساني، أو أنفقت فيه ما رزقتني، ثمّ استرزقتك على عصياني فرزقتني، ثمّ استعنت برزقك على معصيتك فسترت عليّ، ثمّ سألتك الزّيادة فلم تخيّبني، و جاهرتك فيه فلم تفضحني، فلا أزال مصرّا على معصيتك، و لا تزال ساترا عليّ بحلمك و مغفرتك يا أكرم الأكرمين،

ص:102

فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

أدلى الإمام عليه السّلام ببعض الذنوب التي يسعى إليها الإنسان برجله و يده، و يسمعها أو ينطق بها و هي ممّا تبعده عن اللّه، و تبعده عن الطريق القويم.

43 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يوجب عليّ صغيره أليم عذابك، و يحلّ بي كبيره شديد عقابك، و في إتيانه تعجيل نقمتك، و في الإصرار عليه زوال نعمتك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

عرض الإمام عليه السّلام لصغائر الذنوب و كبائرها التي توعّد عليها النار، و التي يقترفها بعض العباد غير حافلين بما أعدّ اللّه لهم من أليم العذاب.

44 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب لم يطّلع عليه أحد سواك، و لا علمه أحد غيرك، و لا ينجّيني منه إلاّ حلمك، و لا يسعه إلاّ عفوك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ذكر عليه السّلام بعض الذنوب التي يرتكبها بعض الناس، و لم يعلم بها أحد سوى اللّه تعالى، و التي لا ينجّي منها مرتكبها إلاّ حلم اللّه وسعة عفوه عنه.

45 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يزيل النّعم، أو يحلّ النّقم، أو يعجّل العدم، أو يكثر النّدم، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ص:103

ذكر عليه السّلام بعض الذنوب التي تزيل النعم و تحلّ النقم، و تكثر الندم أعاذنا اللّه منها.

46 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يمحق الحسنات، و يضاعف السّيّئات، و يعجّل النّقمات، و يغضبك يا ربّ السّماوات، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ذكر عليه السّلام بعض الذنوب التي تمحق الحسنات و تضاعف السيّئات و تعجّل النقمة أعاذنا اللّه منها.

47 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب أنت أحقّ بمعرفته؛ إذ كنت أولى بستره فإنّك أهل التّقوى و أهل المغفرة، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

48 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب تجهّمت فيه وليّا من أوليائك مساعدة فيه لأعدائك، أو ميلا مع أهل معصيتك على أهل طاعتك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

من الذنوب أن يتنكّر الإنسان لوليّ من أولياء اللّه تعالى، فيساعد عليه عدوّا من أعدائه تعالى، و من الذنوب أن يميل الإنسان بلسانه و عمله مع أهل المعاصي على أهل طاعة اللّه.

ص:104

49 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب ألبسني كبرة، و انهما كي فيه ذلّة، أو آيسني من وجود رحمتك، أو قصّر بي اليأس عن الرّجوع إلى طاعتك لمعرفتي بعظيم جرمي، و سوء ظنّي بنفسي، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

إنّ بعض الذنوب الكبيرة - أعاذنا اللّه منها - كقتل النفس المحترمة توجب اليأس من رحمة اللّه، و تدفع المجرم إلى معاصي اللّه تعالى.

50 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب أوردني الهلكة لو لا رحمتك، و أحلّني دار البوار لو لا تغمّدك، و سلك بي سبيل الغيّ لو لا رشدك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

من الذنوب التي توقع الإنسان في الهلكة، و تحلّه دار البوار و تسلك به سبيل الغي، إلاّ أنّ لطف اللّه تعالى بعباده ينقذهم و ينجيهم منها.

51 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب نهاني عمّا هديتني إليه، أو أمرتني به، أو صرفني عمّا أمرتني به، أو نهيتني عنه، أو دللتني عليه فيما فيه الحظّ لي لبلوغ رضاك، و إيثار محبّتك، و القرب منك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

عرض الإمام عليه السّلام لبعض الذنوب التي تصرف الإنسان عن هداية اللّه، و تصدّه

ص:105

عن امتثال أوامره، و توقعه في معاصيه.

52 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يردّ عنك دعائي، أو يقطع منك رجائي، أو يطيل في سخطك عنائي، أو يقصّر فيما عندك أملي، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ذكر الإمام عليه السّلام بعض الذنوب التي تحجب الدعاء، و تقطع الرجاء، و تطيل سخط اللّه، و هي كبائر الذنوب.

53 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يميت القلب، و يشعل الكرب، و يرضي الشّيطان، و يسخط الرّحمن، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

إنّ بعض الذنوب تميت القلب كالإصرار على ارتكاب صغائر الذنوب، و هي توجب سخط اللّه تعالى، و إرضاء عدوّ الإنسان و هو الشيطان الرجيم.

54 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يعقب اليأس من رحمتك، و القنوط من مغفرتك، و الحرمان من سعة ما عندك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

من أفحش الذنوب و أكثرها إثما الشّرك باللّه تعالى و الكفر به، و هي ممّا توجب اليأس من مغفرة اللّه، و القنوط من رحمته، و لعلّ الإمام عليه السّلام أشار إليها.

ص:106

55 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب مقت نفسي عليه إجلالا لك، فأظهرت لك التّوبة فقبلت، و سألتك العفو فعفوت، ثمّ مال بي الهوى إلى معاودته طمعا في سعة رحمتك، و كريم عفوك، ناسيا لوعيدك، راجيا لجميل وعدك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

و هذه الذنوب التي أدلى بها الإمام عليه السّلام من أقلّ الذنوب جرما و عقابا.

56 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يورث سواد الوجوه يوم تبيضّ وجوه أوليائك، و تسودّ وجوه أعدائك، إذ أقبل بعضهم على بعض يتلاومون، فقيل لهم:

لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ(1)، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

إنّ الناس حينما يحشرون و يبعثون تبيضّ وجوه بعضهم؛ لأنّهم كانوا من المتّقين في دار الدنيا، كما تسودّ وجوه بعضهم؛ لأنّهم أساءوا و ظلموا و ابتعدوا عن الطريق القويم فذنوبهم هي التي أوجبت سواد وجوههم.

57 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يدعو إلى الكفر، و يطيل الفكر، و يورث الفقر، و يجلب العسر، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

ص:107


1- ق : ٢٨.

إنّ من الذنوب ما يوجب الكفر و الإلحاد، و منها الفقر ففي الحديث: كاد الفقر أن يكون كفرا، أعاذنا اللّه من الذنوب التي تورث ذلك.

58 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يدني الآجال، و يقطع الآمال، و يبتر الأعمار، فهت به أو صمت عنه، حياء منك عند ذكره، أو أكننته في صدري و علمته منّي، فإنّك تعلم السّرّ و أخفى، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

لعلّ الإمام عليه السّلام عنى بالذنوب التي تدني الآجال و تقطع الآمال قطيعة الرحم، و عدم صلتهم فإنّه ممّا يوجب ذلك حسبما دلّت عليه الأخبار المتظافرة من أئمّة الهدى عليهم السّلام.

59 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يكون في اجتراحه قطع الرّزق، و ردّ الدّعاء، و تواتر البلاء، و ورود الهموم، و تضاعف الغموم، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

تحدّث الإمام عليه السّلام في هذه الكلمات عن بعض الذنوب التي توجب قطع الرزق، و ردّ الدعاء، و ورود الهموم و الغموم، أعاذنا اللّه منها.

60 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يبغّضني إلى عبادك، و ينفّر عنّي أولياءك، أو يوحش منّي أهل طاعتك لوحشة المعاصي، و ركوب الحوب، و كآبة الذّنوب، فصلّ على

ص:108

محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

إنّ بعض الذنوب التي يقترفها بعض الناس تترتّب عليها آثار وضيعة، و هي كراهية أولياء اللّه له و نفورهم منه، و من الطبيعي أن يكون المرتكب لها متجاهرا بها.

61 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب دلّست به منّي ما أظهرته، أو كشفت عنّي به ما سترته، أو قبّحت به منّي ما زيّنته، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

إنّ من الذنوب ما يستره الإنسان عن غيره أو يرائي ببعض الأعمال الصالحة أمام الناس بأنّه من الصالحين الأخيار، لا بدّ و أن يظهر زيغه، و ينكشف واقعه.

62 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب لا ينال به عهدك، و لا يؤمن معه غضبك، و لا تنزل معه رحمتك، و لا تدوم معه نعمتك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

من الذنوب ما لا ينال بها عهد اللّه و رحمته الشاملة، و تكون سببا لزوال النعمة.

63 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب استخفيت له ضوء النّهار من عبادك، و بارزت به في ظلمة اللّيل جرأة منّي عليك، على أنّي أعلم أنّ السّرّ عندك علانيّة، و أنّ الخفيّة

ص:109

عندك بارزة، و أنّه لم يمنعني منك مانع، و لم ينفعني عندك نافع من مال و بنين إلاّ أن آتيك بقلب سليم، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

إنّ بعض الذنوب التي يقترفها المجرمون في غلس الليل دون النهار لئلا يعلم بها أحد، و لم يعلموا أنّ اللّه مطّلع على جميع أسرار الناس و خفاياهم و ما أضمروه.

64 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب يورث النّسيان لذكرك، و يعقب الغفلة عن تحذيرك، أو يمادي في الأمن من مكرك، أو يطمع في طلب الرّزق من عند غيرك، أو يؤيس من خير ما عندك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

من أفحش الذنوب ما يورث النسيان عن ذكر اللّه، و الأمن من عقابه، و يصدّ الإنسان عن اللّه تعالى، و يجعل طلب رزقه عند غيره.

65 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب لحقني بسبب عتبي عليك في احتباس الرّزق عنّي، و إعراضي عنك، و ميلي إلى عبادك بالاستكانة لهم، و التّضرّع إليهم، و قد أسمعتني قولك في محكم كتابك: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَ ما يَتَضَرَّعُونَ (1)، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

من الذنوب العتب على اللّه تعالى في تأخير رزقه عن العبد؛ فإنّه يأخذ باللوم و العتب على اللّه، و في نفس الوقت يحيل و يتّجه نحو عباد اللّه، و لا يطلب منه.

ص:110


1- المؤمنون : ٧٦.

66 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب لزمني بسبب كربة استعنت عندها بغيرك، أو استبددت بأحد فيها دونك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

إنّ من الذنوب الاستعانة بغير اللّه تعالى، و الالتجاء إلى غيره فإنّ ذلك من أوهى الآراء و أبعدها عن اللّه.

67 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب حملني على الخوف من غيرك، أو دعاني إلى التّواضع لأحد من خلقك، أو استمالني إليه للطّمع فيما عنده، أو زيّن لي طاعته في معصيتك استجرارا لما في يده، و أنا أعلم بحاجتي إليك، لا غنى لي عنك، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

من الذنوب الخوف من أحد غير اللّه، و التواضع و الاستمالة للمخلوقين مع العلم أنّ جميع مجريات الأحداث بيده تعالى، و ليس للخلق فيها شأن.

68 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب مدحته بلساني، أو هشّت إليه نفسي، أو حسّنته بفعالي، أو حثثت عليه بمقالي، و هو عندك قبيح تعذّبني عليه، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

من الذنوب ما يمدحها الإنسان و يميل إليها من المحرّمات أو يحسّنها بفعله أو

ص:111

يحثّ عليها بكلامه، فإنّه يكون مسئولا عنها يوم يلقى اللّه.

69 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب مثّلته في نفسي استقلالا له، و صوّرت لي استصغاره، و هوّنت عليّ الاستخفاف به حتّى أفرطتني فيه، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفره لي يا خير الغافرين.

إنّ من الذنوب استصغار بعضها و الاستهانة بها فإنّها من موجبات الهلكة.

70 اللّهمّ و أستغفرك لكلّ ذنب جرى به علمك فيّ و عليّ إلى آخر عمري بجميع ذنوبي لأوّلها و آخرها، و عمدها و خطئها، و قليلها و كثيرها، و دقيقها و جليلها، و قديمها و حديثها، و سرّها و علانيتها، و جميع ما أنا مذنبه، و أتوب إليك و أسألك أن تصلّي على محمّد و آل محمّد، و أن تغفر لي جميع ما أحصيت من مظالم العباد قبلي؛ فإنّ لعبادك عليّ حقوقا أنا مرتهن بها، تغفرها لي كيف شئت، و أنّى شئت يا أرحم الرّاحمين(1).

و انتهت بذلك هذه الاستغفارات التي لم يترك الإمام عليه السّلام ذنبا يبعد الإنسان، عن ربّه إلاّ أشار إليه. إنّ الاجتناب عن اقتراف الذنوب له أثره التامّ في صفاء النفس، و الاقتراب من الخالق العظيم، و الفوز برضاه. و هذا الدعاء من ذخائر أدعية إمام المتّقين سلام اللّه عليه، ففيه عرض شامل لجميع الذنوب التي توجب البعد عن اللّه تعالى الذي هو عزّ اسمه مصدر الفيض و الخير على الناس لو كانوا يشعرون.

ص:112


1- البلد الأمين : ٣٨ _ ٤٦.

دعاؤه عليه السّلام

عقيب صلاة الظهر

كان الإمام عليه السّلام إذا أدّى صلاة الظهر أقبل على اللّه تعالى، و دعا بهذا الدعاء الجليل:

اللّهمّ لك الحمد كلّه، و إليك يرجع الأمر كلّه، علانيته و سرّه، أنت منتهى الشّأن كلّه. اللّهمّ لك الحمد على عفوك بعد قدرتك، و لك الحمد على غفرانك بعد عظمتك، اللّهمّ لك الحمد رفيع الدّرجات مجيب الدّعوات، منزل البركات من فوق سبع سماوات، معطي السّؤلات، و مبدّل السّيّئات حسنات، و جاعل الحسنات درجات، و المخرج إلى النّور من الظّلمات. اللّهمّ لك الحمد غافر الذّنب، و قابل التّوب، شديد العقاب، ذا الطّول، لا إله إلاّ أنت، و إليك المصير. اللّهمّ لك الحمد في اللّيل إذا يغشى، و لك الحمد في النّهار إذا تجلّى، و لك الحمد في الآخرة و الأولى. اللّهمّ لك الحمد في اللّيل إذا عسعس، و لك الحمد في الصّبح إذا تنفّس، و لك الحمد عند طلوع الشّمس و عند غروبها، و لك الحمد على نعمك الّتي لا تحصى عددا، و لا تنقضي مددا سرمدا. اللّهمّ لك الحمد فيما مضى، و لك الحمد فيما بقي.

اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ أمر، و عدّتي في كلّ حاجة، و صاحبي في كلّ طلبة، و أنسي في كلّ وحشة، و عصمتي عند كلّ هلكة، اللّهمّ صلّ على محمّد

ص:113

و آل محمّد، و وسّع لي في رزقي، و بارك لي فيما آتيتني، و اقض عنّي ديني، و أصلح لي شأني، إنّك رءوف رحيم. لا إله إلاّ اللّه الحليم الكريم، لا إله إلاّ اللّه ربّ العالمين، لا إله إلاّ اللّه ربّ العرش العظيم.

اللّهمّ إنّي أسألك موجبات رحمتك، و عزائم مغفرتك، و الغنيمة من كلّ خير، و السّلامة من كلّ إثم، و الفوز بالجنّة، و النّجاة من النّار.

اللّهمّ لا تدع لي ذنبا إلاّ غفرته، و لا همّا إلاّ فرّجته، و لا غمّا إلاّ كشفته و لا دينا إلاّ قضيته، و لا سقما إلاّ شفيته، و لا خوفا إلاّ آمنته، و لا حاجة إلاّ قضيتها بمنّك و لطفك و رحمتك يا أرحم الرّاحمين(1).

و تجلّت في هذا الدعاء الجليل روحانيّة الإمام عليه السّلام، و انقطاعه إلى اللّه تعالى، و تذلّله أمامه، و تقربه إليه، و أنّه كان في جميع أوقاته يدعوه و يناجيه بقلب سليم.

دعاؤه عليه السّلام

عقيب صلاة العصر

كان الإمام عليه السّلام إذا انتهى من صلاة العصر دعا اللّه تعالى بهذا الدعاء الجليل الذي يلمس فيه مدى تعلّقه باللّه و انقطاعه إليه و هذا نصّه:

سبحان اللّه، و الحمد للّه، و لا إله إلاّ اللّه، و اللّه أكبر، و لا حول و لا قوّة

ص:114


1- فلاح السائل : ١٧٢ _ ١٧٣.

إلاّ باللّه العليّ العظيم، سبحان اللّه بالغدوّ و الآصال، سبحان اللّه بالعشيّ و الإبكار، فسبحان اللّه حين تمسون و حين تصبحون، و له الحمد في السّماوات و الأرض، و عشيّا و حين تظهرون.

سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون، و سلام على المرسلين، و الحمد للّه ربّ العالمين. سبحان ذي الملك و الملكوت، سبحان ذي العزّ و الجبروت، سبحان الحيّ الّذي لا يموت، سبحان اللّه القائم الدّائم، سبحان الحيّ القيّوم، سبحان العليّ الأعلى، سبحانه و تعالى، سبّوح قدّوس، ربّ الملائكة و الرّوح.

اللّهمّ إنّ ذنبي أمسى مستجيرا بعفوك، و خوفي أمسى مستجيرا بأمنك، و فقري أمسى مستجيرا بغناك، و ذلّي أمسى مستجيرا بعزّك، اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفر لي و ارحمني إنّك حميد مجيد. اللّهمّ تمّ نورك فهديت فلك الحمد. و عظم حلمك فعفوت فلك الحمد. و بسطت يدك فأعطيت فلك الحمد. وجهك ربّنا أكرم الوجوه، وجاهك أعظم الجاه، و عطيّتك أفضل العطاء، تطاع ربّنا فتشكر، و تعصى فتغفر، و تجيب المضطرّ، و تكشف السّوء، و تنجي من الكرب، و تغني الفقير، و تشفي السّقيم، و لا يجازي آلاءك أحد، و أنت أرحم الرّاحمين(1).

حكى هذا الدعاء مدى عبودية الإمام عليه السّلام، و طاعته للّه و أنّه لا يضارعه أي قدّيس في هذه الظاهرة.

ص:115


1- فلاح السائل : ٢٠٢.

و يروى للإمام عليه السّلام دعاء مختصر عقيب صلاة العصر و هذا نصّه:

سبحان ذي الطّول و النّعم، سبحان ذي القدرة و الإفضال، أسأل اللّه الرّضا بقضائه، و العمل بطاعته، و الإنابة لأمره فإنّه سميع الدّعاء(1).

دعاؤه عليه السّلام

عقيب صلاة المغرب

كان الإمام عليه السّلام إذا فرغ من صلاة المغرب ناجى اللّه تعالى بهذا الدعاء الجليل:

اللّهمّ تقبّل منّي ما كان صالحا، و أصلح منّي ما كان فاسدا. اللّهمّ لا تسلّطني على فساد ما أصلحت منّي، و أصلح لي ما أفسدته من نفسي. اللّهمّ إنّي أستغفرك من كلّ ذنب قوي عليه بدني بعافيتك، و نالته يدي بفضل نعمتك، و بسطت إليه يدي بسعة رزقك، و احتجبت فيه عن النّاس بسترك، و اتّكلت فيه على كريم عفوك.

اللّهمّ إنّي أستغفرك من كلّ ذنب تبت إليك منه، و ندمت على فعله و استحييت منك و أنا عليه، و رهبتك و أنا فيه، ثمّ راجعته و عدت إليه.

اللّهمّ إنّي أستغفرك من كلّ ذنب علمته أو جهلته، ذكرته أو نسيته، أخطأته أو تعمّدته، هو ممّا لا أشكّ أنّ نفسي مرتهنة به، و إن كنت نسيته و غفلت عنه...

ص:116


1- وقعة صفّين : ١٣٤.

اللّهمّ إنّي أستغفرك من كلّ ذنب جنيته على نفسي بيدي، و آثرت فيه شهوتي، أو سعيت فيه لغيري، أو استغويت فيه من تابعني، أو كابرت فيه من منعني، أو قهرته بجهلي، أو لطفت فيه بحيلة غيري، أو استزلّني إليه ميلي و هواي.

اللّهمّ إنّي أستغفرك من كلّ شيء أردت به وجهك فخالطني فيه ما ليس لك، و شاركني فيه ما لم يخلص لك، و أستغفرك ممّا عقدته على نفسي، ثمّ خالفه هواي.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، و أعتقني من النّار، وجد عليّ بفضلك.

اللّهمّ إنّي أسألك بوجهك الكريم الباقي الدّائم الّذي أشرقت بنوره السّماوات و الأرض، و كشفت به ظلمات البرّ و البحر، و دبّرت به امور الجنّ و الإنس أن تصلّي على محمّد و آل محمّد، و أن تصلح شأني برحمتك يا أرحم الرّاحمين(1).

و حكى هذا الدعاء مدى تمسّك الإمام باللّه، و معرفته به، و أنّه زعيم الموحّدين و سيّد المتّقين... و كان من دعائه عليه السّلام عقيب صلاة المغرب هذا الدعاء الموجز:

الحمد للّه الّذي يولج اللّيل في النّهار، و يولج النّهار في اللّيل، الحمد للّه كلّما وقب ليل و غسق، و الحمد للّه كلّما لاح نجم و خفق(2).

ص:117


1- فلاح السائل : ٢٣٧ _ ٢٣٨.
2- وقعة صفّين : ١٣٤.

دعاؤه عليه السّلام

عقيب صلاة العشاء

كان الإمام عليه السّلام إذا فرغ من صلاة العشاء ناجى اللّه تعالى، و تضرّع إليه و دعاه بهذا الدعاء الجليل:

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، و احرسني بعينك الّتي لا تنام، و اكنفني بركنك الّذي لا يرام، و اغفر لي بقدرتك عليّ، يا ذا الجلال و الإكرام. اللّهمّ إنّي أعوذ بك من طوارق اللّيل و النّهار، و من جور كلّ جائر، و حسد كلّ حاسد، و بغي كلّ باغ. اللّهمّ احفظني في نفسي و أهلي و مالي و جميع ما خوّلتني من نعمك.

اللّهمّ تولّني فيما عندك ممّا رغبت عنه، و لا تكلني إلى نفسي فيما حضرته. يا من لا تضرّه الذّنوب، و لا تنقصه المغفرة، اغفر لي ما لا يضرّك، و أعطني ما لا ينقصك، إنّك أنت الوهّاب.

اللّهمّ إنّي أسألك فرجا قريبا، و صبرا جميلا، و رزقا واسعا، و العفو و العافية في الدّنيا و الآخرة. اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و اغفر لي و لوالديّ و للمؤمنين و المؤمنات، الأحياء منهم و الأموات. اللّهمّ اجعلني ممّن يكثر ذكرك، و يتابع شكرك، و يلزم عبادتك، و يؤدّي أمانتك. اللّهمّ طهّر لساني من الكذب، و قلبي من النّفاق، و عملي من الرّياء، و بصري من الخيانة، إنّك تعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصّدور.

ص:118

اللّهمّ ربّ السّماوات السّبع و ما أظلّت، و ربّ الأرضين السّبع و ما أقلّت، و ربّ الرّياح و ما ذرت، و ربّ كلّ شيء و إله كلّ شيء، و أوّل كلّ شيء و آخر كلّ شيء، و ربّ جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل، و إله إبراهيم و إسماعيل و إسحاق و يعقوب، أسألك أن تصلّي على محمّد و آل محمّد، و أن تتولاّني برحمتك، و تشملني بعافيتك، و تسعدني بمغفرتك، و لا تسلّط عليّ أحدا من خلقك.

اللّهمّ إليك فقرّبني، و على حسن الخلق فقوّمني، و من شرّ شياطين الجنّ و الإنس فسلّمني، و في آناء اللّيل و النّهار فاحرسني، و في أهلي و مالي و ولدي و إخواني و جميع ما أنعمت به عليّ فاحفظني، و اغفر لي و لوالديّ و لسائر المؤمنين و المؤمنات يا وليّ الباقيات الصّالحات، إنّك على كلّ شيء قدير، و يا نعم المولى و نعم النّصير، برحمتك يا أرحم الرّاحمين، و صلوات اللّه على سيّدنا محمّد النّبيّ و آله و عترته الطّاهرين(1).

حوى هذا الدعاء إنابة الإمام عليه السّلام للّه تعالى، و انقطاعه إليه و إظهاره للعبودية المطلقة له، فكان بذلك حقّا إمام الموحّدين و المتّقين و العابدين.

دعاؤه عليه السّلام

بعد كلّ صلاة مفروضة

كان الإمام عليه السّلام إذا أدّى الصلاة المفروضة شكر اللّه تعالى و أثنى عليه، و دعا

ص:119


1- فلاح السائل : ٢٤٩ _ ٢٥٠.

بهذا الدعاء:

اللّهمّ إليك رفعت الأصوات، و دعيت الدّعوات. و لك عنت الوجوه، و لك خضعت الرّقاب، و إليك التّحاكم في الأعمال. يا خير من سئل، و يا خير من أعطى، يا صادق، يا بارّ، يا من لا يخلف الميعاد، يا من أمر بالدّعاء و تكفّل الإجابة، يا من قال: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ(1)، يا من قال: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(2).

و يا من قال: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (3)، لبّيك و سعديك، ها أنا ذا بين يديك، المسرف على نفسي، و أنت القائل: لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(4).

هذه بعض أدعية الإمام عليه السّلام عقيب الصلاة المفروضة و هي تحكي إيمانه المطلق باللّه تعالى، و اعتصامه به، و أنّه لا يضارعه أحد في هذه الظاهرة، و لنقرأ بعض أدعيته في الصلوات المندوبة.

1

ص:120


1- غافر : ٦٠.
2- البقرة : ١٨٦.
3- الزمر : ٥٣.
4- بحار الأنوار ٩١ : ١١٩.

ادعيته عليه السّلام

اشارة

عقيب الصلوات المندوبة

و ذكر الرواة كوكبة من أدعية الإمام عقيب الصلوات المندوبة كان منها ما يلي:

دعاؤه عليه السّلام

قبل صلاة الليل

من الصلوات المندوبة صلاة اللّيل فقد حثّ الإسلام عليها، و تواترت الأخبار بفضلها، و كان الإمام عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء قبل الشروع بها:

إلهي إليك أخبتت قلوب المخبتين، و بك أنست عقول العاقلين، و عليك عكفت رهبة العاملين، و بك استجارت أفئدة المقصّرين، فيا أمل العارفين، و رجاء العاملين، صلّ على محمّد و آل محمّد الطّاهرين، و أجرني من فضائح يوم الدّين، عند هتك السّتور، و تحصيل ما في الصّدور، و آنسني عند خوف المذنبين، و دهشة المفرطين برحمتك يا أرحم الرّاحمين. فو عزّتك و جلالك، ما أردت بمعصيتي إيّاك مخالفتك، و لا عصيتك إذ عصيتك و أنا بمكانك جاهل، و لا لعقوبتك متعرّض، و لا بنظرك مستخفّ، و لكن سوّلت لي نفسي، و أعانتني على ذلك شقوتي، و غرّني سترك المرخى عليّ فعصيتك بجهلي، و خالفتك بجهدي، فمن الآن من عذابك من يستنقذني، و بحبل من أعتصم إذا قطعت حبلك عنّي، فوا سوأتاه! من الوقوف بين يديك غدا، إذا قيل للمخفّين جوزوا، و للمثقلين حطّوا، أ مع المخفّين أجوز أم مع المثقلين أحطّ، يا ويلتي! كلّما كبرت

ص:121

سنّي كثرت معاصيّ؟ فكم ذا أتوب؟ فكم ذا أعود؟ أ ما آن لي أن أستحيي من ربّي؟..

و بعد هذا الدعاء الجليل يسجد، و يقول ثلاثمائة مرّة أستغفر اللّه و أتوب إليه(1). و حكى هذا الدعاء مدى خوف الإمام عليه السّلام من اللّه تعالى و شدّة إنابته إليه، و عظيم اتّصاله به.

دعاؤه عليه السّلام

بعد الركعتين الأوليين من صلاة الليل

و إذا فرغ الإمام عليه السّلام من صلاة ركعتين من صلاة الليل دعاء بهذا الدعاء الجليل:

إلهي نمت القليل فنبّهني قولك المبين: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ(2) فجانبت لذيذ الرّقاد بحمل ثقل السّهاد، و تجافيت طيب المضجع بانسكاب غزير المدمع، و وطيت الأرض بقدمي، و بؤت إليك بذنبي و وقفت بين يديك قائما و قاعدا، و تضرّعت إليك راكعا و ساجدا و دعوتك خوفا و طمعا، و رغبت إليك و الها متحيّرا، اناديك بقلب قريح،

ص:122


1- الصحيفة العلوية الثانية : ١٦٢ _ ١٦٤.
2- السجدة : ١٦ و١٧.

و اناجيك بدمع سفوح، و ألوذ بك من قسوتي، و أعوذ بك من جرأتي، و أستجير بك من جهلي، و أتعلّق بعرى أسبابك من ذنبي، و اعمر بذكرك قلبي.

إلهي لو علمت الأرض بذنوبي لساخت بي، و السّماوات لاختطفتني، و البحار لأغرقتني، و الجبال لدهدهتني، و المفاوز لابتلعتني. إلهي أيّ تغرير اغتررت بنفسي، و أيّ جرأة اجترأت عليك يا ربّ، إلهي كلّ من أتيته إليك يرشدني، و ما من أحد إلاّ عليك يدلّني، و لا مخلوق أرغب إليه إلاّ و فيك يرغّبني، فنعم الرّبّ وجدتك، و بئس العبد وجدتني.

إلهي إن عاقبتني فمن ذا الّذي يملك العقوبة عنّي، و إن هتكتني فمن ذا الّذي يستر عورتي، و إن أهلكتني فمن ذا الّذي يعرض لك في عبدك أو يسألك عن شيء من أمره، و قد علمت يا إلهي أن ليس في حكمك ظلم، و لا في نقمتك عجلة، و إنّما يعجل من يخاف الفوت، و يحتاج إلى الظّلم الضّعيف، و قد تعاليت عن ذلك علوّا كبيرا، فصلّ على محمّد و آل محمّد.

ثمّ يدعو بما أهمّه، و يقول:

اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن تحسن في لامعة العيون علانيتي، و تقبّح فيما ابطن لك سريرتي، محافظا على رياء النّاس من نفسي، فأري النّاس حسن ظاهري، و افضي إليك بسوء عملي، تقرّبا إلى عبادك، و تباعدا من مرضاتك(1).

و أنت ترى في هذا الدعاء مدى خوف الإمام عليه السّلام من اللّه و إنابته إليه، و من

ص:123


1- الصحيفة العلوية الثانية : ١٦٤ _ ١٦٦.

الطبيعي أنّ هذا الدعاء و أمثاله من أدعيته الشريفة أفاضها الإمام على المسلمين لتكون دروسا لهم، و أغذية روحية و منهجا يسلكون به إلى اللّه تعالى.

دعاؤه عليه السّلام

بعد صلاة الليل

كان الإمام عليه السّلام إذا فرغ من صلاة الليل دعا بهذا الدعاء الجليل:

أشهد أنّ السّماوات و الأرض و ما بينهما آيات تدلّ عليك، و شواهد تشهد بما إليه دعوت. كلّ ما يؤدّي عنك الحجّة، و يشهد لك بالرّبوبيّة موسوم بآثار نعمتك، و معالم تدبيرك، علوت بها عن خلقك فأوصلت إلى القلوب من معرفتك ما آنسها من وحشة الفكر، و كفاها رجم الاحتجاج فهي مع معرفتها بك، و ولهها إليك شاهدة بأنّك لا تأخذك الأوهام، و لا تدركك العقول و الأبصار. و أعوذ بك أن اشير بقلب أو لسان أو يد إلى غيرك لا إله إلاّ أنت واحدا أحدا فردا صمدا، و نحن لك مسلمون(1).

ص:124


1- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة : ٤٢.
دعاؤه عليه السّلام

عقيب كلّ صلاة

كان الإمام يدعو بهذا الدعاء عقيب كلّ صلاة واجبة و مندوبة، و هذا نصّه:

اللّهمّ لك صلّيت، و إيّاك دعوت، و في صلواتي و دعائي ما قد علمت من النّقصان و العجلة، و السّهو و الغفلة، و الكسل و الفترة، و النّسيان و المدافعة، و الرّياء و السّمعة، و الرّيب، و الفكرة، و الشّكّ، و المشغلة، و اللّحظة الملهية، عن إقامة فرائضك، فصلّ على محمّد و آله، و اجعل مكان نقصانها تماما، و عجلتي تثبّتا و تمكّنا، و سهوي تيقّظا، و غفلتي تذكّرا، و كسلي نشاطا، و فتوري قوّة، و نسياني محافظة، و مدافعتي مواظبة، و ريائي إخلاصا، و سمعتي تستّرا، و ريبي ثباتا، و فكري خشوعا، و شكّي يقينا، و تشاغلي فراغا، و لحاظي خشوعا، فإنّي لك صلّيت، و إيّاك دعوت، و وجهك أردت، و إليك توجّهت، و بك آمنت، و عليك توكّلت، و ما عندك طلبت، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و اجعل لي في صلواتي و دعائي رحمة و بركة تكفّر بها سيّئاتي، و تضاعف بها حسناتي، و ترفع بها درجتي، و تكرم بها مقامي، و تبيّض بها وجهي، و تحطّ بها وزري، و تقبل بها فرضي و نفلي.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و احطط بها وزري، و اجعل ما عندك خيرا لي ممّا ينقطع عنّي. الحمد للّه الّذي قضى عنّي صلواتي، إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين

ص:125

كتابا موقوتا. الحمد للّه الّذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه، و الحمد للّه الّذي أكرم وجهي عن السّجود إلاّ له. اللّهمّ كما أكرمت وجهي عن السّجود إلاّ لك فصلّ على محمّد و آله و صنه عن المسألة إلاّ منك. اللّهمّ صلّ على محمّد و آله و تقبّلها منّي في أحسن قبولك، و لا تؤاخذني بنقصانها، و ما سها عنه قلبي منها فتمّمه لي برحمتك يا أرحم الرّاحمين.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد اولي الأمر الّذين أمرت بطاعتهم، و اولي الأرحام الّذين أمرت بصلتهم، و ذوي القربى الّذين أمرت بمودّتهم، و أهل الذّكر الّذين أمرت بمسألتهم، و الموالي الّذين أمرت بموالاتهم و معرفة حقّهم، و أهل البيت الّذين أذهبت عنهم الرّجس و طهّرتهم تطهيرا.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و اجعل ثواب صلواتي، و ثواب منطقي، و ثواب مجلسي رضاك و الجنّة، و اجعل ذلك كلّه خالصا مخلصا يوافق منك رحمة و إجابة و افعل بي جميع ما سألتك من خير، و زدني من خير، و زدني من فضلك وسعة ما عندك إنّك واسع كريم، و صل ذلك بخير الآخرة و نعيمها، إنّي إليك من الرّاغبين يا أرحم الرّاحمين. يا ذا المنّ الّذي لا ينقطع أبدا، و يا ذا المعروف الّذي لا ينفد، و يا ذا النّعماء الّتي لا تحصى عددا، يا كريم، يا كريم، يا كريم، صلّ على محمّد و آل محمّد و اجعلني ممّن آمن بك فهديته، و توكّل عليك فكفيته، و سألك فأعطيته، و رغب إليك فأرضيته، و أخلص لك فأنجيته.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، و أحللنا دار المقامة من فضلك،

ص:126

لا يمسّنا فيها نصب و لا يمسّنا فيها لغوب.

اللّهمّ إنّي أسألك مسألة الذّليل الفقير أن تصلّي على محمّد و آل محمّد، و أن تغفر لي جميع ذنوبي، و تقضي جميع حوائجي إليك، إنّك على كلّ شيء قدير.

اللّهمّ ما قصرت عنه مسألتي، و عجزت عنه قوّتي، و لم تبلغه فطنتي، و تعلم فيه صلاح أمر دنياي و آخرتي فصلّ على محمّد و آل محمّد، و افعل ذلك بي يا لا إله إلاّ أنت بحقّ رحمتك في عافية ما شاء اللّه و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه(1).

حفل هذا الدعاء بالخشية من اللّه، و الإنابة إليه، و التذلّل أمامه و إظهار أتمّ العبودية، و بذلك كان الإمام عليه السّلام سيّد الموحّدين و المتّقين، و إمام العارفين.

دعاؤه عليه السّلام

بعد كلّ صلاة

من أدعية الإمام عليه السّلام عقيب كلّ صلاة يصلّيها هذا الدعاء الجليل:

اللّهمّ تمّ نورك فهديت فلك الحمد، و عظم حلمك فعفوت فلك الحمد، و بسطت يدك فأعطيت فلك الحمد، ربّنا وجهك الكريم أكرم الوجوه، وجاهك خير الجاه، و عطيّتك أنفع العطيّة و أهنؤها، تطاع ربّنا فتشكر، و تعصى ربّنا فتغفر، و تجيب المضطرّ، و تكشف السّوء، و تشفي السّقم، و تنجي من الكرب.

ص:127


1- الصحيفة العلوية الثانية : ١٤٨ _ ١٥٢.

و تقبل التّوبة، و تغفر الذّنوب، لا يجزي بآلائك أحد، و لا يحصي نعمتك عادّ، و لا يبلغ مدحتك قول قائل(1).

حكى هذا الدعاء الشريف ألطاف اللّه تعالى، و نعمه على عباده التي لا تعدّ و لا تحصى.

دعاؤه عليه السّلام

بعد صلاة الفرج

كان الإمام عليه السّلام يصلّي صلاة الفرج و هي ركعتان، يقرأ في الركعة الأولى سورة الفاتحة، و سورة التوحيد ألف مرّة، و في الركعة الثانية سورة الفاتحة و سورة التوحيد مرّة واحدة و بعد الفراغ من الصلاة يدعو بهذا الدعاء:

اللّهمّ يا من لا تراه العيون، و لا تخالطه الظّنون، يا من لا يصفه الواصفون، يا من لا تغيّره الدّهور، يا من لا يخشى الدّوائر، يا من لا يذوق الموت، يا من لا يخشى الفوت، يا من لا تضرّه الذّنوب، و لا تنقصه المغفرة، يا من يعلم مثاقيل الجبال، وكيل البحور، و عدد الأمطار، و ورق الأشجار، و دبيب الذّرّ، و لا يوارى منه سماء سماء، و لا أرض أرضا، و لا بحر ما في قعره، و لا جبل ما في وعره، تعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصّدور، و ما أظلم عليه اللّيل، و أشرق عليه النّهار، أسألك باسمك المخزون المكنون، الّذي في علم الغيب عندك، اختصصت به

ص:128


1- دعائم الإسلام ١ : ١٦٩.

لنفسك، و شققت منه اسمك، فإنّك أنت اللّه لا إله إلاّ أنت وحدك، وحدك، وحدك، لا شريك لك، و باسمك الّذي إذا دعيت به أجبت، و إذا سئلت به أعطيت و أسألك بحقّ أنبيائك المرسلين، و بحقّ حملة عرشك، و بحقّ ملائكتك المقرّبين، و بحقّ جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل، و بحقّ محمّد و آله و عترته صلواتك عليهم أن تصلّي على محمّد و آله، و أن تجعل خير عمري آخره، و خير أعمالي خواتيمها، و أسألك مغفرتك و رضوانك يا أرحم الرّاحمين (1).

حوى هذا الدعاء كوكبة من صفات اللّه تعالى، التي منها علمه الذي لا يحدّ، و قدرته التي لا حدّ لها، فسبحان اللّه، و تعالى شأنه، و عظمت قدرته.

دعاؤه عليه السّلام

بعد الصلاة في مسجد الجعفي

كان الإمام عليه السّلام يذهب إلى جامع الجعفي في الكوفة و معه صاحبه و خليله ميثم التمّار فيصلّي فيه أربع ركعات و بعد الفراغ منها يدعو بهذا الدعاء:

الهي كيف أدعوك و قد عصيتك، و كيف لا أدعوك و قد عرفتك، و حبّك في قلبي مكين، مددت إليك يدا بالذّنوب مملوّة، و عينا بالرّجاء ممدودة.

إلهي أنت مالك العطايا، و أنا أسير الخطايا، و من كرم العظماء الرّفق بالأسراء، و أنا أسير بجرمي، مرتهن بعملي.

إلهي ما أضيق الطّريق على من لم تكن دليله، و أوحش المسلك على من لم

ص:129


1- مكارم الأخلاق : ٣٢٩.

تكن أنيسه.

إلهي لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنّك بعفوك، و إن طالبتني بسريرتي لأطالبنّك بكرمك، و إن طالبتني بشرّي لأطالبنّك بخيرك، و إن جمعت بيني و بين أعدائك في النّار لأخبرنّهم أنّي كنت محبّا لك، و أنّني كنت أشهد أن لا إله إلاّ اللّه.

إلهي هذا سروري بك خائفا، فكيف سروري بك آمنا. إلهي الطّاعة تسرّك، و المعصية لا تضرّك، فهب لي ما تسرّك، و اغفر لي ما لا تضرّك، و تب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، و ارحمني إذا انقطع من الدّنيا أثري، و انمحى من المخلوقين ذكري، و صرت من المنسيّين كمن نسي.

إلهي كبر سنّي، و دقّ عظمي، و نال الدّهر منّي، و اقترب أجلي، و نفدت أيّامي، و ذهبت محاسني، و مضت شهوتي، و بقيت تبعتي، و بلي جسمي، و تقطّعت أوصالي، و تفرّقت أعضائي، و بقيت مرتهنا بعملي.

إلهي أفحمتني الذّنوب، و انقطعت مقالتي، و لا حجّة لي.

إلهي أنا المقرّ بذنبي، المعترف بجرمي، الأسير بإساءتي، المرتهن بعملي، المتهوّر في خطيئتي، المتحيّر عن قصدي، المنقطع بي، فصلّ على محمّد و آل محمّد، و تفضّل عليّ و تجاوز عنّي.

إلهي إن كان صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب رجائك أملي.

إلهي كيف أنقلب بالخيبة من عندك محروما، و كلّ ظنّي بجودك أن تقلبني بالنّجاة مرحوما.

إلهي لم اسلّط على حسن ظنّي بك قنوط الآيسين، فلا تبطل صدق رجائي من بين الآملين. إلهي عظم جرمي إذ كنت المطالب به، و كبر ذنبي إذ كنت

ص:130

المبارز به، إلاّ أنّي إذا ذكرت كبر ذنبي و عظم عفوك و غفرانك وجدت الحاصل بينهما لي أقربهما إلى رحمتك و رضوانك.

إلهي إن دعاني إلى النّار مخشيّ عقابك، فقد ناداني إلى الجنّة بالرّجاء حسن ثوابك.

إلهي إن أوحشتني الخطايا عن محاسن لطفك فقد آنستني باليقين مكارم عفوك.

إلهي إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك فقد أنبهتني المعرفة يا سيّدي بكرم آلائك.

إلهي إن عزب لبّي عن تقويم ما يصلحني فما عزب إيقاني بنظرك إليّ فيما ينفعني.

إلهي إن انقرضت بغير ما أحببت من السّعي أيّامي فبالإيمان أمضيت السّالفات من أعوامي.

إلهي جئتك ملهوفا، و قد ألبست عدم فاقتي، و أقامني مع الأذلاّء بين يديك ضرّ حاجتي.

إلهي كرمت فأكرمني، إذ كنت من سؤّالك، وجدت بالمعروف فأخلطني بأهل نوالك.

إلهي أصبحت على باب من أبواب منحك سائلا، و عن التّعرّض لسواك بالمسألة عادلا، و ليس من شأنك ردّ سائل ملهوف، و مضطرّ لانتظار خير منك مألوف.

إلهي أقمت على قنطرة الأخطار، مبلوّا بالأعمال و الاختيار إن لم تعن عليهما بتخفيف الأثقال و الآصار.

ص:131

إلهي أمن أهل الشّقاء خلقتني فاطيل بكائي، أم من أهل السّعادة خلقتني فأبشّر رجائي.

إلهي إن حرمتني رؤية محمّد صلّى اللّه عليه و آله، و صرفت وجه تأميلي بالخيبة عن ذلك المقام، فغير ذلك منّتني نفسي يا ذا الجلال و الإكرام و الطّول و الإنعام.

إلهي لو لم تهدني إلى الإسلام ما اهتديت، و لو لم ترزقني الإيمان بك ما آمنت، و لو لم تطلق لساني بدعائك ما دعوت، و لو لم تعرّفني حلاوة معرفتك ما عرفت.

إلهي إن أقعدني التّخلّف عن السّبق مع الأبرار فقد أقامتني الثّقة بك على مدارج الأخيار. إلهي قلب حشوته من محبّتك في دار الدّنيا كيف تسلّط عليه نارا تحرقه في لظى.

إلهي كلّ مكروب إليك يلتجئ، و كلّ محروم لك يرتجي.

إلهي سمع العابدون بجزيل ثوابك فخشعوا، و سمع المزلّون عن القصد بجودك فرجعوا، و سمع المذنبون بسعة رحمتك فتمتّعوا، و سمع المجرمون بكرم عفوك فطمعوا، حتّى ازدحمت عصائب العصاة من عبادك، و عجّ إليك كلّ منهم عجيج الضّجيج بالدّعاء في بلادك، و لكلّ أمل ساق صاحبه إليك و حاجة، و أنت المسئول الّذي لا تسودّ عنده وجوه المطالب صلّ على محمّد نبيّك و آله، و افعل بي ما أنت أهله إنّك سميع الدّعاء(1).

أ رأيتم هذا التضرّع و الاستعطاف و الخشوع و الإنابة إلى اللّه تعالى؟ أ رأيتم كيف ذابت نفس الإمام عليه السّلام أمام اللّه إجلالا و عبودية له؟

ص:132


1- الصحيفة العلوية الثانية : ٤٦ _ ٥١ ، نقلا عن مزار محمّد بن المشهدي.

ادعيته عليه السّلام

اشارة

في شهر رمضان المبارك

كان الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام يستقبل شهر رمضان المبارك بسرور بالغ لأنّه شهر اللّه، و شهر الطاعة و المغفرة، و هذه بعض أدعيته:

دعاؤه عليه السّلام

عند رؤية الهلال

و كان الإمام يسارع إلى رؤية هلال رمضان المبارك فإذا رآه دعا بهذا الدعاء:

اللّهمّ أهلّه علينا بالأمن و الإيمان، و السّلامة و الإسلام، و العافية المجلّلة، و الرّزق الواسع، و دفع الأسقام. اللّهمّ ارزقنا صيامه و قيامه، و تلاوة القرآن فيه، اللّهمّ سلّمه لنا، و تسلّمه منّا و سلّمنا فيه(1).

دعاؤه عليه السّلام

عند الإفطار

و قبل أن يتناول الإمام عليه السّلام الإفطار يدعو بهذا الدعاء:

اللّهمّ لك صمنا، و على رزقك أفطرنا، فتقبّله منّا، إنّك أنت السّميع العليم(2).

و بهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض أدعيته عليه السّلام في عباداته الواجبة و المندوبة.

ص:133


1- الصحيفة العلوية : ١٨٤.
2- الصحيفة العلوية : ١٨٤.

ص:134

مع اللّه في الصّباح و المساء

اشارة

ص:135

ص:136

كان إمام المتّقين و زعيم الموحّدين عليه السّلام مشغولا في جميع أوقاته بذكر اللّه تعالى، و تمجيده و تحميده، فلم ينقطع لحظة واحدة عن عبادة اللّه تعالى و طاعته، و قد أثرت عنه كوكبة من الأدعية الشريفة كان يتلوها في صباح كلّ يوم، و بعضها في المساء، و البعض الآخر كان يقرؤها في الصباح و المساء، نذكر طائفة منها:

ادعيته عليه السّلام

اشارة

في الصباح و المساء

و نقل الرواة مجموعة من الأدعية كان الإمام عليه السّلام يقرؤها في الصباح، و هي:

دعاؤه عليه السّلام

عند طلوع الشمس

إذا أشرقت الشمس، و هي من آيات اللّه العظيمة دعا الإمام عليه السّلام بهذا الدعاء:

أيّتها الشّمس البديعة التّصوير، المعجزة التّقدير، الّتي جعلت سراجا للإبصار، و نفعا لسكّان الأمصار، شروقك حياة، و غروبك وفاة، إن طلعت بأمر عزيز، و إن رجعت إلى مستقرّ حريز، أسأل الّذي زيّن بك السّماء، و ألبسك الضّياء، و صدّع لك أركان المطالع، و حجبك بالشّعاع اللاّمع، فلا يشرف بك شيء

ص:137

إلاّ امتحق، و لا يواجهك بشر إلاّ احترق، أن يهب لنا بك من الصّحّة، و دفع العلّة، و ردّ الغربة، و كشف الكربة، و أن يقينا من الزّلل، و متابعة الهوى، و مصاحبة الرّدى، و أن يمنّ علينا من العمر بأطوله، و من العمل بأفضله، و أن يجعلك لقضاء جديد سعيد، يؤذن بلباس الصّحّة، و يضمن دفاع النّقمة.

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، و أتمم علينا آلاءك الّتي أوليتنيها و احرس علينا عوارفك الّتي أسديتنيها إنّك وليّ الإحسان، و واهب الامتنان، ذو الطّول الشّديد، فعّال لما يريد، و الحمد للّه ربّ العالمين، و هو حسبنا و نعم الوكيل(1).

الشمس طاقة ملتهبة من الحرارة تمدّ كوكب الأرض الذي نعيش عليه بالحياة، و هي ترسل أشعتها الحرارية إلى الأرض بمقدار معيّن، فلو زادت لاحترقت الأرض، و لو نقصت لأصبحت جليدا، و لولاها لانعدمت الحياة بالنسبة إلى الكائنات الحيّة في الأرض، و معدّل بعدها عنّا (93) مليون ميل، و هي كتلة مشتعلة من الغاز، تتولّد طاقتها من الانفجارات المتوالية التي تحدث حين يتبدّل الهيدروجين الذي هو أحد عناصرها إلى مادة جديدة هي الهيليوم، و يصاحب هذا التغيير صدور طاقة هائلة تنتج عنها حرارة وضوء، و يتحوّل في كلّ ثانية ستمائة مليون طن من الهيدروجين إلى (596) ألف مليون من الهليوم و تتولّد منها طاقة مقدارها أربعة ملايين طن من الضوء، وفقا لمذهب اينشتين في تحوّل المادة إلى طاقة(2)، و هذا الكوكب العملاق يسبح في الفضاء و يسير بقدرة اللّه بسير منتظم في منتهى الدقّة، فسبحان الخالق العظيم الذي ما عرفه حقّ معرفته إلاّ إمام المتّقين، و باب مدينة علم سيّد النبيّين، و قد ألمح إلى بعض محتويات الشمس هذا الدعاء الجليل.

1

ص:138


1- جمال الاسبوع للسيّد ابن طاوس : ٢٢٩ _ ٢٣٠.
2- رحلة في الفضاء : ٢٧ _ ٢٨.

من ادعية الإمام

دعاء الصباح

و من بين أدعية الإمام عليه السّلام هذا الدعاء العظيم الذي كان يدعو به في الصباح، و قد احتوى على أسرار عجيبة، و امور بالغة الأهميّة، قد ألقت الأضواء على عظيم قدرة اللّه و بدائع صنعه، و هذا نصّه:

اللّهمّ يا من دلع لسان الصّباح بنطق تبلّجه، و سرّح قطع اللّيل المظلم بغياهب تلجلجه، و أتقن صنع الفلك الدّوّار في مقادير تبرّجه و شعشع ضياء الشّمس بنور تأجّجه...

حكت هذه الكلمات بعض آيات اللّه تعالى العظام، و عجائب مخلوقاته، و التي منها:

1 - اندلاع نور الصبح، بعد ما كان الكون يسرح في قطع من الليل المظلم، فقد طواها اللّه، بإشراق الشمس و جعل الفضاء مشرقا بنور هذا الكوكب العملاق الذي بدّد الظلام.

2 - من عظيم قدرة اللّه تعالى إتقانه صنع الفلك الدوّار و ايجاد بروج له كانت في منتهى الدقّة و الروعة.

3 - من عجيب مخلوقات اللّه تعالى الضياء الذي يستوعب الكون من كوكب الشمس، فقد كان بمنتهى الابداع، و هو أحد آيات اللّه تعالى، أ لم يعجز الفكر عن تصوّرها؟ فسبحان اللّه المبدع في خلقه و إيجاده لهذا الكون!... و يأخذ إمام الموحّدين في دعائه قائلا:

ص:139

يا من دلّ على ذاته بذاته، و تنزّه عن مجانسة مخلوقاته، و جلّ عن ملاءمة كيفيّاته، يا من قرّب من خطرات الظّنون، و بعد عن لحظات العيون، و علم بما كان قبل أن يكون...

حوت هذه الفقرات المشرقة من دعاء الإمام عليه السّلام ما يلي:

1 - أنّ اللّه تعالى دلّ على ذاته العظيمة بذاته، و ذلك بتكوينه و إيجاده لهذا الكون المليء بالعجائب و الغرائب التي حار فيها العقل؛ فكلّ ذرّة من مخلوقاته تنادي بوجوده تعالى، و تدلّل عليه، فإنّه من المستحيل تعقّل وجودها بمنتهى الروعة و الدقّة من دون أن يكون لها مكوّن، و قد باءت بالفشل و الخزي آراء الملحدين في هذا العصر الذي انطلقت فيه السفن الفضائية إلى الفضاء الخارجي، و صوّرت بعض الكواكب التي تدور في فلكها الخاصّ بانتظام عجيب و أرسلت صورها إلى الأرض، و قد طويت بذلك و انحسرت جميع أفكار الملحدين، و اتّجه الناس صوب اللّه، و الاقرار له بالوحدانية.

و من الجدير بالذكر أنّ روّاد الفضاء الذين هبطوا على القمر اتّجهوا بعد نزولهم إلى الأرض نحو الكنائس لعبادة اللّه تعالى، فقد هالتهم و أذهلتهم صور الكواكب و دورانها في أفلاكها فسبحان اللّه العظيم.

2 - و من فقرات هذا الدعاء أنّ اللّه تعالى تنزّه عن مشابهة مخلوقاته و مجانستهم فإنّها جميعا عرضة للفناء و الزوال، و ليس أيّ صفة من صفاته التي هي عين ذاته تضارع صفات المخلوقين التي تحتاج إلى علّة مؤثّرة في إيجادها.

3 - و من بنود هذا الدعاء أنّ اللّه تعالى قريب إلى الفكر فيؤمن به الإنسان بأدنى تأمّل إلاّ أنّ العيون لا تبصره، و كيف يبصر الممكن بوجود الخالق العظيم العالم بما كان قبل أن يوجد و يكون؟ و يستمرّ الإمام عليه السّلام في دعائه قائلا:

ص:140

يا من أرقدني في مهاد أمنه و أمانه، و أيقظني إلى ما منحني به من مننه و إحسانه، و كفّ أكفّ السّوء عنّي بيده و سلطانه، صلّ اللّهمّ على الدّليل إليك في اللّيل الأليل، و الماسك من أسبابك بحبل الشّرف الأطول، و النّاصع الحسب في ذروة الكاهل الأعبل، و الثّابت القدم على زحاليفها في الزّمن الأوّل، و على آله الأخيار المصطفين الأبرار...

حفل هذا المقطع بألطاف اللّه و نعمه على الإمام التي منها أنّه أرقده في مهاد أمنه، و أيقظه من سباته، و هي ألطاف عامّة، و كفّ عنه أكفّ السوء، و بعد هذا ذكر النبي العظيم عليه السّلام باعث الروح و العلم في الأجيال، و الدليل إلى مرضاة اللّه و طاعته الذي حطّم الأصنام، و قضى على خرافات الجاهلية و أوثانها، و بعد هذا أدلى الإمام بهذه الدرر الناصعة:

و افتح اللّهمّ لنا مصاريع الصّباح بمفاتيح الرّحمة و الفلاح، و ألبسني اللّهمّ من أفضل خلع الهداية و الصّلاح، و اغرس اللّهمّ بعظمتك في شرب جناني ينابيع الخشوع، و أجر اللّهمّ لهيبتك من آماقي زفرات الدّموع، و أدّب اللّهمّ نزق الخرق منّي بأزمّة القنوع...

تضمّنت هذه الفقرات أثمن القيم التي توجب سعادة الإنسان و فوزه بالقرب من اللّه تعالى، و يأخذ الإمام بدعائه قائلا:

إلهي إن لم تبتدئني الرّحمة منك بحسن التّوفيق فمن السّالك بي إليك في واضح الطّريق، و إن أسلمتني أناتك لقائد الأمل و المنى فمن المقيل عثراتي من كبوات الهوى؟ و إن خذلني نصرك عند محاربة النّفس و الشّيطان فقد وكلني

ص:141

خذلانك إلى حيث النّصب و الحرمان...

و في هذه الفقرات طلب الإمام التوفيق من اللّه تعالى في السلوك إلى الطريق الواضح لا في المنعطفات، و إذا لم يسعف اللّه عبده بتوفيقه فإنّ نصيبه يكون الخيبة و الخسران... و من بنود هذا الدعاء قوله عليه السّلام:

إلهي أ تراني ما أتيتك إلاّ من حيث الآمال؟ أم علقت بأطراف حبالك إلاّ حين باعدتني ذنوبي عن دار الوصال؟ فبئس المطيّة الّتي امتطت نفسي من هواها فواها لها لما سوّلت لها ظنونها و مناها و تبّا لها لجرأتها على سيّدها و مولاها...

عرض الإمام عليه السّلام ذمّ الإنسان الذي يتّبع هواه و يبتعد عن اللّه تعالى، فإنّه يكون بذلك قد ابتعد عن مصدر الفيض و الرحمة، و يقول الإمام في دعائه:

إلهي قرعت باب رحمتك بيد رجائي، و هربت إليك لاجئا من فرط أهوائي، و علّقت بأطراف حبالك أنامل ولائي، فاصفح اللّهمّ عمّا كان أجرمته من زللي و خطائي، و أقلني من صرعة ردائي، و عسرة بلائي، فإنّك سيّدي و مولاي و معتمدي و رجائي، و أنت غاية مطلوبي و مناي في منقلبي و مثواي...

و في هذه البنود من دعاء الإمام عليه السّلام الالتجاء إلى اللّه تعالى و طلب الرحمة منه فهو المعتمد و الرجاء، و يقول الإمام عليه السّلام في دعائه:

إلهي كيف تطرد مسكينا التجأ إليك من الذّنوب هاربا، أم كيف تخيّب مسترشدا قصد إلى جنابك ساعيا، أم كيف تردّ ظمآنا ورد إلى حياضك شاربا؟ كلاّ و حياضك مترعة في ضنك المحول، و بابك مفتوح للطّلب و الوغول، و أنت

ص:142

غاية المسئول و نهاية المأمول...

عرض الإمام في هذا المقطع إلى سعة رحمة اللّه تعالى، و أنّه لا يطرد من التجأ إليه و لا يخيب أمل من انقطع إليه، و يقول عليه السّلام:

إلهي هذه أزمّة نفسي عقلتها بعقال مشيّتك، و هذه أعباء ذنوبي درأتها بعفوك و رحمتك، و هذه أهوائي المضلّة و كلتها إلى جناب لطفك و رأفتك...

أ رأيتم هذا التذلّل و الخضوع أمام اللّه تعالى؟ فقد أوكل جميع شئونه إلى اللّه تعالى و طلب منه العفو و الغفران، ثمّ يقول عليه السّلام:

فاجعل اللّهمّ صباحي هذا نازلا عليّ بضياء الهدى، و بالسّلامة في الدّين و الدّنيا، و مسائي جنّة من كيد العدى، و وقاية من مرديات الهوى إنّك قادر على ما تشاء، تؤتي الملك من تشاء، و تنزع الملك ممّن تشاء، و تعزّ من تشاء، و تذلّ من تشاء، بيدك الخير إنّك على كلّ شيء قدير، تولج اللّيل في النّهار، و تولج النّهار في اللّيل، و تخرج الحيّ من الميّت، و تخرج الميّت من الحيّ، و ترزق من تشاء بغير حساب لا إله إلاّ أنت...

و في هذا المقطع طلب الإمام الهداية و السلامة في الدين و الدنيا من اللّه تعالى الذي بيده جميع مجريات الأحداث، ثمّ يقول الإمام:

سبحانك اللّهمّ و بحمدك من ذا يعلم قدرك فلا يخافك، و من ذا يعلم ما أنت فلا يهابك، ألّفت بقدرتك الفرق، و فلقت بلطفك الفلق، و أنرت بكرمك دياجي الغسق، و أنهرت المياه من الصّمّ الصّياخيد عذبا و أجاجا، و أنزلت من المعصرات ماء ثجّاجا، و جعلت الشّمس و القمر للبريّة سراجا وهّاجا من غير أن

ص:143

تمارس فيما ابتدأت به لغوبا و لا علاجا...

عرض الإمام عليه السّلام في هذه الكلمات إلى عظيم قدرة اللّه تعالى و بدائع صنعته، و أنّ العبد لو علم عظمة ربّه لما أقدم على معصيته و الشذوذ في سلوكه، و يقول عليه السّلام:

فيا من توحّد بالعزّ و البقاء، و قهر عباده بالموت و الفناء، صلّ على محمّد و آله الأتقياء، و اسمع ندائي، و استجب دعائي، و حقّق بفضلك أملي و رجائي.

يا خير من دعى لكشف الضّرّ، و المأمول لكلّ عسر و يسر، بك أنزلت حاجتي فلا تردّني من سنيّ مواهبك خائبا يا كريم يا كريم يا كريم برحمتك يا أرحم الرّاحمين، و صلّى اللّه على خير خلقه محمّد و آله الطّاهرين.

ثمّ يسجد و يقول:

إلهي قلبي محجوب، و نفسي معيوب، و عقلي مغلوب، و هوائي غالب، و طاعتي قليل، و معصيتي كثير، و لساني مقرّ بالذّنوب، فكيف حيلتي يا ستّار العيوب، و يا علاّم الغيوب، و يا كاشف الكروب، اغفر ذنوبي كلّها بحرمة محمّد و آل محمّد، يا غفّار يا غفّار يا غفّار، برحمتك يا أرحم الرّاحمين(1).

و انتهى هذا الدعاء الجليل الذي هو من ذخائر أدعية الإمام عليه السّلام.

ص:144


1- بحار الأنوار ٩١ : ٢٤٣.

ادعيته عليه السّلام

في الصباح

1 - و من جملة أدعيته في الصباح هذا الدعاء:

اللّهمّ إنّي و هذا النّهار خلقان من خلقك. اللّهمّ لا تبتلني به، و لا تبتله بي.

اللّهمّ و لا تره منّي جرأة على معاصيك، و لا ركوبا لمحارمك.

اللّهمّ اصرف عنّي الأزل، و اللّأواء(1)، و البلوى، و سوء القضاء، و شماتة الأعداء، و منظر السّوء، في نفسي و مالي(2).

2 - و من أدعيته عليه السّلام:

أصبحنا للّه شاكرين، و أمسينا للّه حامدين، فلك الحمد كما أمسينا لك مسلمين سالمين(3).

3 - و من أدعيته في الصباح أنّه كان يقول:

مرحبا بكما من ملكين حفيظين كريمين أصلّي عليكما ما تحبّان إن شاء اللّه(4).

4 - و من أدعيته الموجزة هذا الدعاء كان يقرؤه في الصباح.

ص:145


1- اللّأواء : الشدّة والضيق.
2- الصحيفة العلوية الثانية : ١٩٨ _ ١٩٩.
3- الصحيفة العلوية الثانية : ١٩٨ _ ١٩٩.
4- فلاح السائل : ٢٢٢.

اللّهمّ أحيني و أمتني على الكتاب و السّنّة، و سلّمني من الأهواء و البدعة و الزّيغ و الشّبهة، و اعصمني من الحيرة و الضّلالة، و الحمق و الجهالة، و من سوء البلاء و الفتنة، و قلّة الفهم و المعرفة، و اتّصال الغفلة بطول المهلة، و غلبة الشّهوة إنّك لطيف لما تشاء يا أرحم الرّاحمين(1).

دعاؤه عليه السّلام

في المساء

كان الإمام عليه السّلام إذا حلّ وقت المساء دعا بهذا الدعاء الموجز:

أمسينا للّه شاكرين، و أصبحنا للّه حامدين، و الحمد للّه كما أصبحنا لك مسلمين سالمين(2).

دعاؤه عليه السّلام

في الصباح و المساء

أثرت عن الإمام عليه السّلام كوكبة من الأدعية كان يقرؤها في الصباح و المساء و هذه بعضها:

كان من دعائه عليه السّلام في صباحه و مسائه هذا الدعاء:

ص:146


1- الصحيفة العلوية الثانية : ١٩٦ ، نقلا عن الشيخ الطبرسي في كنوز النجاح.
2- الصحيفة العلوية : ١٩٩.

سبحان اللّه مع كلّ شيء حتّى لا يكون شيء بعد كلّ شيء وحده، و عدد جميع الأشياء و أضعافها، و الحمد للّه كذلك، و لا إله إلاّ اللّه مثل ذلك، و اللّه أكبر مثل ذلك(1).

كان الإمام عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء ما بين الظهرين، كما كان يدعو به في صباحه و مسائه:

ربّ اغمسني في بحر نور هيبتك حتّى أخرج منه و في وجهي شعاعات أنوار هيبة تخطف أبصار الحاسدين من الجنّ و الإنس أجمعين، فتعميهم عن رمي سهام الحسد في قرطاس نعمتي، و احجبني اللّهمّ بحجاب النّور الّذي باطنه النّور، و ظاهره النّور، و أسألك اللّهمّ باسمك النّور، و وجهك النّور، يا نور النّور أن تحجبني في نور اسمك بنور اسمك يا نور، و صلّى اللّه على محمّد و آله، و الحمد للّه ربّ العالمين(2).

و بهذه الصفحات المشرقة تنطوي أدعيته في الصباح و المساء، و هي تدلّ على أنّ الإمام عليه السّلام في جميع أوقاته كان يلهج بذكر اللّه تعالى.

ص:147


1- المحاسن للبرقي ٢ : ٤٤.
2- الصحيفة العلوية الثانية : ٢٢٦.

ص:148

مناجاته

اشارة

ص:149

ص:150

و تعلّق الإمام عليه السّلام باللّه تعالى، و انقطع إليه، و ناجاه في غلس الليل بذوبان روحه تعظيما و خشوعا و ولاء و إنابة، و قد أثرت عنه كوكبة من المناجاة يلمس فيها إيمانه العميق باللّه الّذي لا يضارعه أحد في هذه الظاهرة، و من بين مناجاته ما يلي:

المناجاة الأولى

لقد روى هذه المناجاة الإمام الحسن العسكري عليه السّلام عن آبائه و هذا نصّها:

إلهي! صلّ على محمّد و آل محمّد، و ارحمني إذا انقطع من الدّنيا أثري، و انمحى من المخلوقين ذكري، و صرت في المنسيّين كمن قد نسي قبلي.

إلهي! كبر سنّي، و رقّ جلدي، و دقّ عظمي، و نال الدّهر منّي، و اقترب أجلي، و نفدت أيّامي، و ذهبت شهواتي، و بقيت تبعاتي.

إلهي! ارحمني إذا تغيّرت صورتي، و انمحت محاسني، و بلي جسمي، و تقطّعت أوصالي، و تفرّقت أعضائي، و بقيت مرتهنا بعملي.

إلهي! أفحمتني ذنوبي، و قطعت مقالتي، فلا حجّة لي و لا عذر، فأنا المقرّ بجرمي، المعترف بإساءتي.

ص:151

إلهي! إن كان قد صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب رجائك أملي.

إلهي! كيف أنقلب بالخيبة من عندك محروما و كان ظنّي بك و بجودك أن تقلبني بالنّجاة مرحوما...

أ رأيتم هذا التذلّل و الاستعطاف؟ أ رأيتم هذا الخوف و الرجاء؟ و يستمرّ الإمام عليه السّلام في مناجاته فيقول:

إلهي! إذ لم أسلّط على حسن ظنّي بك قنوط الآيسين، فلا تبطل صدق رجائي لك بين الآملين.

إلهي! عظم جرمي إذ كنت المبارز به، و كبر ذنبي إذ كنت المطالب به إلاّ أنّي إذا ذكرت كبير جرمي، و عظيم غفرانك، وجدت الحاصل لي من بينهما عفو رضوانك.

إلهي! إن دعاني إلى النّار بذنبي مخشيّ عقابك، فقد ناداني إلى الجنّة بالرّجاء حسن ثوابك.

إلهي! إن أوحشتني الخطايا عن محاسن لطفك، فقد آنستني باليقين مكارم عطفك.

إلهي! إن انقرضت بغير ما أحببت من السّعي أيّامي فبالإيمان أمضتها الماضيات من أعوامي.

إلهي! إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك، فقد أنبهتني المعرفة يا سيّدي بكريم آلائك.

ص:152

إلهي! إن عزب لبّي عن تقويم ما يصلحني فما عزب إيقاني بنظرك لي فيما ينفعني.

إلهي! جئتك ملهوفا قد ألبست عدم فاقتي، و أقامني مقام الأذلاّء بين يديك ضرّ حاجتي.

إلهي! كرمت فأكرمني إذ كنت من سؤالك، وجدت بالمعروف فألحقني بأهل نوالك.

إلهي! مسكنتي لا يجبرها إلاّ عطاؤك، و أمنيّتي لا يغنيها إلاّ جزاؤك.

إلهي! أصبحت على باب من أبواب منحك سائلا، و عن التّعرّض لسواك بالمسألة عادلا، و ليس من جميل امتنانك ردّ سائل ملهوف، و مضطرّ لانتظار خيرك المألوف.

إلهي! أقمت على قنطرة من قناطر الأخطار مبلوّا بالأعمال و الاعتبار فأنا الهالك إن لم تعن عليها بتخفيف الأثقال.

إلهي! أمن أهل الشّقاء خلقتني فأطيل بكائي؟ أم من أهل السّعادة خلقتني فأبشّر رجائي؟ إلهي! إن حرمتني رؤية محمّد صلّى اللّه عليه و آله في دار السّلام، و صرفت وجه تأميلي بالخيبة في دار المقام فغير ذلك منّتني نفسي منك يا ذا الفضل و الإنعام.

إلهي! و عزّتك و جلالك لو قرنتني في الأصفاد طول الأيّام، و منعتني سيبك من بين الأنام، و دللت على فضائحي عيون الأشهاد، و حلت بيني و بين

ص:153

الكرام، ما قطعت رجائي منك، و لا صرفت وجه انتظاري للعفو عنك.

إلهي! لو لم تهدني للإسلام ما اهتديت، و لو لم ترزقني الإيمان بك ما آمنت، و لو لم تطلق لساني بدعائك ما دعوت، و لو لم تعرّفني حلاوة معرفتك ما عرفت، و لو لم تبيّن لي شديد عقابك ما استجرت.

إلهي! أطعتك في أحبّ الأشياء إليك و هو التّوحيد، و لم أعصك في أبغض الأشياء إليك و هو الكفر فاغفر لي ما بينهما.

إلهي! أحبّ طاعتك و إن قصرت عنها، و اكره معصيتك و إن ركبتها، فتفضّل عليّ بالجنّة، و خلّصني من النّار و إن كنت استوجبتها.

إلهي! إن أقعدني التّخلّف عن السّبق مع الأبرار، فقد أقامتني الثّقة بك على مدارج الأخيار.

إلهي! قلب حشوته من محبّتك في دار الدّنيا كيف تطلّع عليه نار محرقة في لظى؟ إلهي! نفس أعززتها بتأييد إيمانك كيف تذلّها بين أطباق نيرانك؟ إلهي! لسان كسوته من تماجيدك أنيق أثوابها، كيف تهوي إليه من النّار مشتعلات التهابها؟ إلهي! كلّ مكروب إليك يلتجئ، و كلّ محزون إيّاك يرتجي.

إلهي! سمع العابدون بجزيل ثوابك فخشعوا، و سمع الزّاهدون بسعة رحمتك فقنعوا، و سمع المولّون عن القصد بجودك فرجعوا، و سمع المجرمون بسعة غفرانك فطمعوا، و سمع المؤمنون بكرم عفوك و فضل عوارفك فرغبوا،

ص:154

حتّى ازدحمت مولاي ببابك عصائب العصاة من عبادك، و عجّت إليك منهم عجيج الضّجيج بالدّعاء في بلادك، و لكلّ أمل قد ساق صاحبه إليك محتاجا، و قلب تركه و جيب خوف المنع منك مهتاجا، و أنت المسئول الّذي لا تسودّ لديه وجوه المطالب، و لم تزرأ بنزيله فظيعات المعاطب.

إلهي! إن أخطأت طريق النّظر لنفسي بما فيه كرامتها فقد أصبت طريق الفزع إليك بما فيه سلامتها.

إلهي! إن كانت نفسي استسعدتني متمرّدة على ما يرديها فقد استسعدتها الآن بدعائك على ما ينجيها.

إلهي! إن عداني الاجتهاد في ابتغاء منفعتي فلم يعدني برّك بي بما فيه مصلحتي.

إلهي! إن أجحف بي قلّة الزّاد في المسير إليك فقد وصلته الآن بذخائر ما أعددته من فضل تعويلي عليك.

إلهي! إن قسطت في الحكم على نفسي بما فيه حسرتها فقد أقسطت الآن بتعريفي إيّاها من رحمتك إشفاق رأفتها.

إلهي! أدعوك دعاء من لم يرج غيرك بدعائه، و أرجوك رجاء من لم يقصد غيرك برجائه.

إلهي! لو لا ما جهلت من أمري ما شكوت عثراتي، و لو لا ما ذكرت من الإفراط ما سفحت عبراتي.

إلهي! إن كنت لا ترحم إلاّ المجدّين في طاعتك فإلى من يفزع المقصّرون،

ص:155

و إن كنت لا تقبل إلاّ من المجتهدين فإلى من يلتجئ المفرّطون، و إن كنت لا تكرم إلاّ أهل الإحسان فكيف يصنع المسيئون، و إن كان لا يفوز يوم الحشر إلاّ المتّقون فبمن يستغيث المذنبون.

إلهي! إن كان لا يجوز على الصّراط إلاّ من أجازته براءة عمله، فأنّى بالجواز لمن لم يتب إليك قبل انقضاء أجله.

إلهي! إن لم تنلنا يد إحسانك يوم الورود اختلطنا في الجزاء بذوي الجحود.

إلهي! فأوجب لنا بالإسلام مذخور هباتك، و استصف ما كدّرته الجرائر منها بصفو صلاتك.

إلهي! ارحمنا غرباء إذا تضمّنتنا بطون لحودنا، و غمّيت باللّبن سقوف بيوتنا، و أضجعنا مساكين على الإيمان في قبورنا، و خلّفنا فرادى في أضيق المضاجع، و صرعتنا المنايا في أعجب المصارع، و صرنا في ديار قوم كأنّها مأهولة و هي منهم بلاقع (1).

إلهي! إذا جئناك عراة حفاة مغبرّة من ثرى الأجداث رءوسنا، و شاحبة من تراب الملاحيد وجوهنا، و خاشعة من أفزاع القيامة أبصارنا، و ذابلة من شدّة العطش شفاهنا، و جائعة من طول المقام بطوننا، و بارزة هنالك للعيون سوآتنا، و موقّرة من ثقل الأوزار ظهورنا، و مشغولين بما قد دهانا عن أهالينا و أولادنا، فلا تضعّف المصائب علينا بإعراض وجهك الكريم عنّا.

ص:156


1- بلاقع : خالية.

و من بنود هذه المناجاة قوله عليه السّلام:

إلهي! لا سبيل إلى الاحتراس من الذّنب إلاّ بعصمتك، و لا وصول إلى عمل الخيرات إلاّ بمشيّتك، فكيف لي بإفادة ما أسلمتني فيه مشيّتك، و كيف لي بالاحتراس من الذّنب ما لم تدركني فيه عصمتك.

إلهي! أنت دللتني على سؤال الجنّة قبل معرفتها فأقبلت النّفس بعد العرفان على مسألتها، أ فتدلّ على خيرك السّؤال ثمّ تمنعهم النّوال، و أنت الكريم المحمود في كلّ ما تصنعه يا ذا الجلال و الإكرام.

و من هذه المناجاة قوله عليه السّلام:

إلهي! إن عفوت فبفضلك، و إن عذّبت فبعدلك فيا من لا يرجى إلاّ فضله، و لا يخاف إلاّ عدله صلّ على محمّد و آل محمّد، و امنن علينا بفضلك.

إلهي! خلقت لي جسما، و جعلت لي فيه آلات اطيعك بها، و أعصيك و اغضبك بها و أرضيك، و جعلت لي من نفسي داعية إلى الشّهوات، و أسكنتني دارا قد ملئت من الآفات، ثمّ قلت لي انزجر، فبك أنزجر، و بك أعتصم، و بك أستجير من النّار فأجرني، و بك أحترز من الذّنوب فاحفظني، و أستوقفك لما يرضيك، و أسألك يا مولاي فإنّ سؤالي لا يحفيك.

إلهي! أدعوك دعاء ملحّ لا يملّ دعاءه مولاه، و أتضرّع إليك تضرّع من قد أقرّ على نفسه بالحجّة في دعواه.

إلهي! لو عرفت اعتذارا من الذّنب في التّنصّل أبلغ من الاعتراف به لأتيته، فهب لي ذنبي بالاعتراف، و لا تردّني بالخيبة عند الانصراف.

ص:157

إلهي! قد أصبت من الذّنوب ما قد عرفت، و أسرفت على نفسي بما قد علمت، فاجعلني عبدا إمّا طائعا فأكرمته، و إمّا عاصيا فرحمته.

و من فقرات هذا الدعاء قوله عليه السّلام:

إلهي! و عزّتك و جلالك لقد أحببتك محبّة استقرّت حلاوتها في قلبي و صدري، و ما تنعقد ضمائر موحّديك على أنّك تبغض محبّيك.

إلهي! أنتظر عفوك كما ينتظره المذنبون، و لست أيأس من رحمتك الّتي يتوقّعها المحسنون.

إلهي! لا تغضب عليّ فلست أقوى لغضبك، و لا تسخط عليّ فلست أقوى لسخطك.

إلهي! انهملت عبراتي حين ذكرت عثراتي، و ما لها لا تنهمل، و لا أدري إلى ما يكون مصيري، و على ما ذا يهجم عند البلاغ مسيري، و أرى نفسي تخاتلني، و أيّامي تخادعني، و قد خفقت عند رأسي أجنحة الموت، و رمقتني من قريب أعين الفوت، فما عذري و قد حشا مسامعي رافع الصّوت؟ هذه بعض بنود المناجاة و هي طويلة جدّا، و قد ذكرها كاملة الشيخ الكفعمي في البلد الأمين ص 311 و اختصرها غيره من العلماء في هذه البحوث، و قد كشفت هذه المناجاة عن عميق صلة الإمام باللّه تعالى، و إيمانه الوثيق به، و انقطاعه التامّ إليه.

ص:158

المناجاة الثانية

و من مناجاة الإمام عليه السّلام هذه المناجاة التي دلّت على تعلّقه باللّه تعالى و شدّة حبّه له، و إيمانه به، و هذا نصّها:

اللّهمّ إنّي أسألك الأمان يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ. إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(1)، و أسألك الأمان يَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (2)، و أسألك الأمان يوم يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ(3)، و أسألك الأمان يوم لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ(4)، و أسألك الأمان يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدّارِ(5)، و أسألك الأمان يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ(6)، و أسألك الأمان يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ . وَ صاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ. لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ(7)، و أسألك الأمان يوم

ص:159


1- الشعراء : ٨٨ و٨٩.
2- الفرقان : ٢٧.
3- الرحمن : ٤١.
4- لقمان : ٣٣.
5- غافر : ٥٢.
6- الانفطار : ١٩.
7- عبس : ٣٤ _ ٣٧.

يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ. وَ صاحِبَتِهِ وَ أَخِيهِ. وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ. وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ. كَلاّ إِنَّها لَظى. نَزّاعَةً لِلشَّوى(1)...

و حكى هذا المقطع شدّة خوف الإمام يوم القيامة من اللّه تعالى و عظيم إنابته إليه، و يستمرّ الإمام في مناجاته قائلا:

مولاي يا مولاي، أنت المولى و أنا العبد، و هل يرحم العبد إلاّ المولى. مولاي يا مولاي، أنت المالك و أنا المملوك، و هل يرحم المملوك إلاّ المالك. مولاي يا مولاي، أنت العزيز و أنا الذّليل، و هل يرحم الذّليل إلاّ العزيز. مولاي يا مولاي، أنت الخالق و أنا المخلوق، و هل يرحم المخلوق إلاّ الخالق. مولاي يا مولاي، أنت العظيم و أنا الحقير، و هل يرحم الحقير إلاّ العظيم. مولاي يا مولاي، أنت القويّ و أنا الضّعيف، و هل يرحم الضّعيف إلاّ القويّ. مولاي يا مولاي، أنت الغنيّ و أنا الفقير، و هل يرحم الفقير إلاّ الغنيّ. مولاي يا مولاي، أنت المعطي و أنا السّائل، و هل يرحم السّائل إلاّ المعطي. مولاي يا مولاي، أنت الحيّ و أنا الميّت، و هل يرحم الميّت إلاّ الحيّ. مولاي يا مولاي، أنت الباقي و أنا الفاني، و هل يرحم الفاني إلاّ الباقي. مولاي يا مولاي، أنت الدّائم و أنا الزّائل، و هل يرحم الزّائل إلاّ الدّائم. مولاي يا مولاي، أنت الرّازق و أنا المرزوق، و هل يرحم المرزوق إلاّ الرّازق. مولاي يا مولاي، أنت الجواد و أنا البخيل، و هل يرحم البخيل إلاّ الجواد. مولاي

ص:160


1- المعارج : ١١ _ ١٦.

يا مولاي، أنت المعافي و أنا المبتلى، و هل يرحم المبتلى إلاّ المعافي. مولاي يا مولاي، أنت الكبير و أنا الصّغير، و هل يرحم الصّغير إلاّ الكبير. مولاي يا مولاي، أنت الهادي و أنا الضّالّ، و هل يرحم الضّال إلاّ الهادي. مولاي يا مولاي، أنت الرّحمن و أنا المرحوم، و هل يرحم المرحوم إلاّ الرّحمن. مولاي يا مولاي، أنت السّلطان و أنا الممتحن، و هل يرحم الممتحن إلاّ السّلطان. مولاي يا مولاي، أنت الدّليل و أنا المتحيّر، و هل يرحم المتحيّر إلاّ الدّليل. مولاي يا مولاي، أنت الغفور و أنا المذنب، و هل يرحم المذنب إلاّ الغفور. مولاي يا مولاي، أنت الغالب و أنا المغلوب، و هل يرحم المغلوب إلاّ الغالب. مولاي يا مولاي، أنت الرّبّ و أنا المربوب، و هل يرحم المربوب إلاّ الرّبّ. مولاي يا مولاي، أنت المتكبّر و أنا الخاشع، و هل يرحم الخاشع إلاّ المتكبّر. مولاي يا مولاي، ارحمني برحمتك، و ارض عنّي بجودك و كرمك و فضلك، يا ذا الجود و الإحسان و الطّول و الامتنان، برحمتك يا أرحم الرّاحمين، و صلّى اللّه على نبيّنا محمّد و آله أجمعين(1).

أبدى إمام العارفين في هذه المناجاة جميع ألوان التذلّل و الخضوع إلى اللّه تعالى، فقد ذاب من خشيته، و آمن إيمانا لا يخامره شكّ بأنّ الكون كلّه خاضع لأوامر اللّه و إرادته فلذا التجأ إليه في جميع اموره و شئونه.

ص:161


1- مصباح الزائر : ٨٨ _ ٩٠. مزار المشهدي ( مخطوط ).

المناجاة الثالثة

و من مناجاته عليه السّلام هذه المناجاة التي حكت مدى تعلّق الإمام عليه السّلام باللّه تعالى و انقطاعه إليه، و هذا نصّها:

إلهي توعّرت الطّرق، و قلّ السّالكون، فكن أنيسي في وحدتي، و جليسي في خلوتي، فإليك أشكو فقري و فاقتي، و بك أنزلت ضرّي، و مسكنتي لأنّك غاية امنيتي، و منتهى بلوغ طلبتي...

حكت هذه الكلمات منتهى الإخلاص و الطاعة و الانقياد إلى اللّه تعالى.

و يستمرّ الإمام في مناجاته قائلا:

فيا فرحة لقلوب الواصلين، و يا حياة لنفوس العارفين، و يا نهاية شوق المحبّين، أنت الّذي بفنائك حطّت الرّحال، و إليك قصدت الآمال، و عليك كان صدق الاتّكال...

و أنت ترى في هذا المقطع مدى تعلّق الإمام باللّه تعالى، و انقطاعه إليه و إخلاصه في مناجاته... و يقول عليه السّلام:

فيا من تفرّد بالكمال، و تسربل بالجمال، و تعزّز بالجلال، و جاد بالإفضال، لا تحرمنا منك النّوال.

إلهي بك لاذت القلوب لأنّك غاية كلّ محبوب، و بك استجارت فرقا من العيوب، و أنت الّذي علمت فحلمت، و نظرت فرحمت، و خبرت فسترت،

ص:162

و غضبت فغفرت، فهل مؤمّل غيرك فيرجى، أم هل ربّ سواك فيخشى، أم هل معبود سواك فيدعى، أم هل قدم عند الشّدائد إلاّ و هي إليك تسعى؟ فو عزّتك يا سرور الأرواح. و يا منتهى غاية الأفلاح إنّي لا أملك غير ذلّي، و مسكنتي لديك، و فقري، و صدق توكّلي عليك، فأنا الهارب إليك، و أنا الطّالب منك ما لا يخفى عليك، فإن عفوت فبفضلك، و إن عاقبت فبعدلك، و إن مننت فبجودك، و إن تجاوزت فبدوام خلودك.

حكت هذه الكلمات تعظيم الإمام عليه السّلام للّه تعالى و خضوعه له و أنّه لا يأمل و لا يرجو أحدا سوى اللّه فهو المفزع و الملجأ في كلّ ما ألمّ به، و يستمرّ الإمام في مناجاته قائلا:

إلهي بجلال كبريائك أقسمت، و بدوام خلود بقائك آليت أنّي لا برحت مقيما ببابك حتّى تؤمنني من سطوات عذابك، و لا أقنع بالصّفح عن سطوات عذابك حتّى أروح بجزيل ثوابك.

إلهي عجبا لقلوب سكنت إلى الدّنيا، و تروّحت بروح المنى، و قد علمت أنّ ملكها زائل، و نعيمها راحل، و ظلّها آفل، و سندها مائل، و حسن نضارة بهجتها حائل، و حقيقتها باطل، كيف يشتاق إلى روح ملكوت السّماء، و أنّى لهم ذلك، و قد شغلهم حبّ المهالك، و أضلّهم الهوى عن سبيل المسالك.

إلهي اجعلنا ممّن هام بذكرك لبّه، و طار من شوقه إليك قلبه فاحتوته عليه دواعي محبّتك، فجعل أسيرا في قبضتك.

إلهي كيف اثني - و بدء الثّناء منك - عليك و أنت الّذي لا يعبّر عن ذاته

ص:163

نطق، و لا يعيه سمع، و لا يحويه قلب، و لا يدركه و هم، و لا يصحبه عزم، و لا يخطر على بال، فأوزعني شكرك، و لا تؤمني مكرك، و لا تنسني ذكرك، وجد بما أنت أولى أن تجود به يا أرحم الرّاحمين(1).

حكت هذه المناجاة حقيقة الإيمان الماثلة في إمام المتّقين الذي أترعت نفسه بحب اللّه تعالى و الخوف منه، فقد ناجاه بذوبان روحه التي هامت به، و انقطعت إليه.

و من غرر مناجاته عليه السّلام

من غرر مناجاة الإمام مع اللّه تعالى هذه المناجاة الموجزة التي هي أروع الكلمات الذهبية للإمام عليه السّلام:

إلهي كفى بي عزّا أن أكون لك عبدا، و كفى بي فخرا أن تكون لي ربّا، أنت كما أحبّ، فاجعلني كما تحبّ(2).

هذه بعض مناجاة الإمام عليه السّلام، و أثرت عنه مناجاة أخر بعضها نظم و بعضها نثر، و لم نذكرها لأنّها لا تتّفق مع كلام الإمام الذي هو في قمّة الفصاحة و البلاغة.

ص:164


1- بحار الأنوار ٩١ : ٧١.
2- الخصال : ٤٥.

ادعية الرّحمة

اشارة

لأحياء الأرض بالنّبات

ص:165

ص:166

كان الإمام عليه السّلام إذا أجدبت السّماء و أمحلت يخرج للاستسقاء و معه خيار المسلمين و عبّادهم، و يدعو اللّه تعالى بإنابة و خشوع أن ينزل الغيث على عباده و سائر مخلوقاته، لتستقيم به حياتهم، و ينعموا برحمته و ألطافه التي لا زالت دائمة و مستمرّة عليهم.

و هذه بعض أدعيته الشريفة التي ألقاها في الصحراء أمام المسلمين، و هي:

الدعاء الأوّل

دعا عليه السّلام بخضوع و خشوع بهذا الدعاء الجليل:

اللّهمّ انشر علينا رحمتك بالغيث العميق، و السّحاب الفتيق، و منّ على عبادك بينوع الثّمرة، و أحي عبادك و بلادك ببلوغ الزّهرة، و أشهد ملائكتك الكرام السّفرة بسقي منك نافع دائم، غزره واسع، درّه وابل سريع عاجل، تحيي به ما قد مات، و تردّ به ما قد فات، و تخرج به ما هو آت، و توسّع لنا به في الأقوات، سحابا، متراكما، هنيئا، مريئا، طبقا، مجلّلا غير مضرّ و دقه، و لا خلّب برقه.

اللّهمّ اسقنا غيثا مريعا، ممرعا، عريضا واسعا، غزيرا، تروي به البهم،

ص:167

و تجبر به النّهم. اللّهمّ اسقنا سقيا تسيل منه الرّضاب، و تملأ منه الجباب، و تفجّر منه الأنهار، و تنبت به الأشجار، و ترخص به الأسعار في جميع الأمصار، و تنعش به البهائم و الخلق، و تنبت به الزّرع، و تدرّ به الضّرع، و تزيدنا به قوّة إلى قوّتك.

اللّهمّ لا تجعل ظلّه علينا سموما، و لا تجعل برده علينا حسوما، و لا تجعل ضرّه علينا رجوما، و لا ماءه علينا اجاجا، اللّهمّ ارزقنا من بركات السّماوات و الأرض(1).

و حفل هذا الدعاء بأروع صيغ الكلام العربي في فصاحته و بلاغته، و جمال ديباجته، و روعة بيانه.

ص:168


1- الجعفريات : ٤٩. مستدرك الوسائل ١ : ٤٣٨.

من ادعية الإمام

الدعاء الثاني

و من أدعيته الجليلة هذا الدعاء، الذي كان يدعو به اللّه للاستسقاء:

اللّهمّ قد انصاحت جبالنا(1)، و اغبرّت أرضنا، و هامت دوابّنا، و تحيّرت في مرابضها، و عجّت عجيج الثّكالى على أولادها، و ملّت التّردّد في مراتعها، و الحنين إلى مواردها.

اللّهمّ فارحم أنين الآنّة، و حنين الحانّة. اللّهمّ فارحم حيرتها في مذاهبها، و أنينها في موالجها(2).

اللّهمّ خرجنا إليك حين اعتكرت علينا حدابير السّنين(3)، و أخلفتنا مخائل الجود(4)، فكنت الرّجاء للمبتئس(5)، و البلاغ للملتمس، ندعوك حين قنط الأنام، و منع الغمام، و هلك السّوام(6) أن لا تؤاخذنا بأعمالنا، و لا تأخذنا بذنوبنا. و انشر علينا رحمتك بالسّحاب المنبعق(7)، و الرّبيع المغدق، و النّبات

ص:169


1- انصاحت : أي جفّت ، وقيل : تشقّقت من المحول.
2- موالجها : أي مداخلها.
3- حدابير : جمع حدبار ، وهي الناقة التي أضناها السير شبه بها السنة التي فشا فيها الجدب.
4- مخايل : جميع مخيلة وهي السحابة التي لا مطر فيها. الجود : المطر.
5- المبتئس : الذي مسّته الضرّاء.
6- السوام : جمع سائمة وهي البهيمة الراعية في البيداء.
7- المنبعق : المنفرج عن المطر.

المونق(1)، سحّا وابلا(2)، تحيي به ما قد مات، و تردّ به ما قد فات.

اللّهمّ سقيا منك محيية مروية، تامّة عامّة، طيّبة مباركة، هنيئة مريعة(3)، زاكيا نبتها(4)، ثامرا فرعها، ناضرا ورقها، تنعش بها الضّعيف من عبادك، و تحيي بها الميّت من بلادك! اللّهمّ سقيا منك تعشب بها نجادنا(5)، و تجري بها و هادنا، و يخصب بها جنابنا(6)، و تقبل بها ثمارنا، و تعيش بها مواشينا، و تندى بها أقاصينا(7)، و تستغني بها ضواحينا(8)، من بركاتك الواسعة، و عطاياك الجزيلة، على بريّتك المرملة(9)، و وحشك المهملة. و أنزل علينا سماء مخضلة(10)، مدرارا هاطلة، يدافع الودق منها الودق(11)، و يحفز القطر منها القطر(12)، غير خلّب برقها(13)،

ص:170


1- المونق : المزدهر.
2- سحّا : أي صبّا. الوابل : الشديد.
3- المريعة : الخصبة.
4- زاكيا : أي ناميا.
5- نجادنا : جمع نجد المرتفع من الأرض.
6- الجناب : الناحية من الأرض ، وغيرها.
7- القاصية : النائية.
8- ضواحينا : جمع ضاحية وهي المال.
9- المرملة : الفقيرة.
10- مخضلة : أي مبتلّة.
11- الودق : المطر.
12- يحفز : أي يدفع.
13- البرق الخلب : الذي لا مطر معه.

و لا جهام عارضها(1)، و لا قزع ربابها(2)، و لا شفّان ذهابها(3)، حتّى يخصب لإمراعها المجدبون، و يحيى ببركتها المسنتون(4)، فإنّك تنزل الغيث من بعد ما قنطوا، و تنشر رحمتك و أنت الوليّ الحميد(5).

و حكى هذا الدعاء الشريف مدى بلاغة الإمام و فصاحته و قدرته اللاّمتناهية على صياغة الكلام بمختلف الأساليب الرائعة التي يعجز عن الإتيان بمثلها البلغاء و الفصحاء.

ص:171


1- الجهام : السحاب الذي لا مطر فيه.
2- القزع : القطع الصغار المتفرّقة من السحاب.
3- الشفان : الريح الباردة.
4- المسنتون : المقحطون.
5- نهج البلاغة / محمّد عبده ١ : ٢٢٧ _ ٢٢٨.

من ادعية الإمام

الدعاء الثالث

من أدعية الإمام الجليلة التي كان يدعو بها حينما يخرج إلى الصحراء للاستسقاء و طلب الرحمة من اللّه تعالى لعباده:

ألا و إنّ الأرض الّتي تحملكم، و السّماء الّتي تظلّكم، مطيعتان لربّكم، و ما أصبحتا تجودان لكم ببركتهما توجّعا لكم، و لا زلفة إليكم، و لا لخير ترجوانه منكم، و لكن امرتا بمنافعكم فأطاعتا، و أقيمتا على حدود مصالحكم فقامتا. إنّ اللّه يبتلي عباده عند الأعمال السّيّئة بنقص الثّمرات، و حبس البركات، و إغلاق خزائن الخيرات، ليتوب تائب، و يقلع مقلع، و يتذكّر متذكّر، و يزدجر مزدجر.

و قد جعل اللّه سبحانه الاستغفار سببا لدرور الرّزق، و رحمة الخلق، فقال سبحانه: اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً. يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً. وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ(1). فرحم اللّه امرأ استقبل توبته، و استقال خطيئته، و بادر منيّته! اللّهمّ إنّا خرجنا إليك من تحت الأستار و الأكنان، و بعد عجيج البهائم و الولدان، راغبين في رحمتك، و راجين فضل نعمتك، و خائفين من عذابك

ص:172


1- نوح : ١٠ _ ١٢.

اللّهمّ فاسقنا غيثك و لا تجعلنا من القانطين، و لا تهلكنا بالسّنين(1)، أ تهلكنا بما فعل السّفهاء منّا يا أرحم الرّاحمين.

اللّهمّ إنّا خرجنا إليك نشكو إليك ما لا يخفى عليك، حين ألجأتنا المضايق الوعرة، و أجاءتنا المقاحط المجدبة(2)، و أعيتنا المطالب المتعسّرة، و تلاحمت علينا الفتن المستصعبة.

اللّهمّ إنّا نسألك أن لا تردّنا خائبين، و لا تقلبنا واجمين(3)، و لا تخاطبنا بذنوبنا، و لا تقايسنا بأعمالنا. اللّهمّ انشر علينا غيثك و بركتك و رزقك و رحمتك؛ و اسقنا سقيا نافعة مروية معشبة، تنبت بها ما قد فات، و تحيي بها ما قد مات، نافعة الحيا(4)، كثيرة المجتنى، تروي بها القيعان(5)، و تسيل البطنان(6)، و تستورق الأشجار، و ترخص الأسعار؛ إنّك على ما تشاء قدير(7).

و حفل هذا الدعاء بتوحيد اللّه و بيان قدرته و خضوع جميع المخلوقات لإرادته، فليس هناك شيء يتّسم بالشيئية إلاّ و هو بيد اللّه تعالى، كما حفل هذا الدعاء بالخضوع و التذلّل إلى اللّه تعالى طالبا منه أن يسعف عباده بالغيث و يوفّر لهم هذه المادة الحيوية التي تتوقّف عليها حياتهم الاقتصادية.

ص:173


1- السنين : جمع سنة أراد بها الجدب.
2- أجاءتنا : أي ألجأتنا.
3- اجمين : كاسفين حزينين.
4- الحيا : المطر.
5- القيعان : جمع قاع الأرض السهلة.
6- البطنان : جمع بطن المنخفض من الأرض.
7- نهج البلاغة / محمّد عبده ٢ : ٢٥ _ ٢٦.

ص:174

ادعية لدفع

اشارة

الأزمات و الكوارث

ص:175

ص:176

و إذا ألمّت بالإمام عليه السّلام حادثة أو شرّ يخاف منه لجأ إلى اللّه تعالى و فزع إليه لينقذه منها، و هذه بعض أدعيته في ذلك.

دعاؤه عليه السّلام

عند الشدائد

و هذا الدعاء كان يدعو به الإمام في الشدائد و نزول الحوادث و هو سريع الإجابة من اللّه تعالى، و هذا نصّه:

اللّهمّ أنت الملك يا غفور، لا إله إلاّ أنت، و أنا عبدك، ظلمت نفسي، و اعترفت بذنبي، فاغفر لي الذّنوب، لا إله إلاّ أنت، يا غفور.

اللّهمّ إنّي أحمدك و أنت للحمد أهل على ما اختصصتني به من مواهب الرّغائب، و أوصلت إليّ من فضائل الصّنائع، و على ما أوليتني به و تولّيتني به من رضوانك، و أنلتني به من منّك الواصل إليّ، و من الدّفاع عنّي، و التّوفيق لي، و الإجابة لدعائي، حتّى اناجيك راغبا، و أدعوك مصافيا، و حتّى أرجوك فأجدك في المواطن كلّها لي جابرا، و في اموري ناظرا، و على الأعداء ناصرا، و لذنوبي غافرا، و لعورتي ساترا، لم أعدم خيرك طرفة عين مذ أنزلتني دار

ص:177

الاختيار لتنظر ما ذا أقدّم لدار القرار، فأنا عتيقك اللّهمّ من جميع المصائب و اللّوازب(1) و الغموم الّتي ساورتني فيها الهموم بمعاريض القضاء، و مصروف جهد البلاء، لا أذكر منك إلاّ الجميل، و لا أرى منك غير التّفضيل، خيرك لي شامل، و فضلك عليّ متواتر. و نعمك عندي متّصلة، و سوابق لم تحقّق حذاري، بل صدّقت رجائي. و صاحبت أسفاري، و أكرمت أحضاري، و شفيت أمراضي، و عافيت أوصابي، و أحسنت منقلبي و مثواي، و لم تشمت بي أعدائي، و رميت من رماني، و كفيتني شرّ من عاداني.

و في هذا المقطع التذلّل و الخشوع أمام اللّه تعالى، و الثناء على ألطافه و نعمه المتواصلة عليه، فهو يجده عند كلّ ما ألمّ به من شئون الحياة، ثمّ يعرض الإمام إلى فصل آخر من دعائه قائلا:

اللّهمّ كم من عدوّ انتضى عليّ سيف عداوته، و شحذ لقتلي ظبة مديته، و أرهف لي شبا حدّه، و داف لي قواتل سمومه، و سدّد لي صوائب سهامه، و أضمر أن يسومني المكروه، و يجرّعني زعاف مرارته، فنظرت يا إلهي إلى ضعفي عن احتمال الفوادح، و عجزي عن الانتصار ممّن قصدني بمحاربته، و وحدتي في كثير ممّن ناواني، و أرصد لي فيما لم أعمل فيه فكري في الانتصار من مثله، فأيّدتني يا ربّ بعونك، و شددت أيدي بنصرك، ثمّ فللت لي حدّه، و صيّرته بعد جمع عديده وحده، و أعليت كعبي عليه، و رددته حسيرا لم تشف غليله، و لم تبرّد حرارات غيظه، قد عضّ عليّ شواه و آب مولّيا قد أخلفت سراياه و أخلفت آماله.

ص:178


1- اللوازب : الشدائد.

ذكر الإمام عليه السّلام في هذا المقطع ما تفضّل عليه اللّه تعالى من حمايته له من كيد الأعداء و شرورهم الذين حاولوا جاهدين الانتقام منه إلاّ أنّ اللّه تعالى صرفهم عنه، فباءوا بالفشل و الخزي، و يستمرّ الإمام عليه السّلام في ذكر خصومه الذين كفاه اللّه شرّهم قائلا:

اللّهمّ و كم من باغ بغاني بمكائده، و نصب لي شرك مصائده، و ضبا إليّ ضبوء السّبع لطريدته و اللّحاق بفريسته، و هو مظهر بشاشة الملق، و يبسط إليّ وجها طلقا، فلمّا رأيت يا إلهي دغل سريرته، و قبح طويّته، أنكسته لأمّ رأسه في زبيته، و أركسته في مهوى حفيرته، و أنكصته على عقبيه، و رميته بحجره، و نكأته بمشقصه، و خنقته بوتره، و رددت كيده في نحره، و وبقته بندامته، فاستخذل و تضاءل بعد نحوته، و بخع و انقمع بعد استطالته ذليلا مأسورا في حبائله الّتي كان يحبّ أن يراني فيها، و قد كدت لو لا رحمتك أن يحلّ بي ما حلّ بساحته، فالحمد لربّ مقتدر لا ينازع، و لوليّ ذي أناة لا يعجل، و قيّوم لا يغفل، و حليم لا يجهل.

في هذه الكلمات عرض الإمام عليه السّلام إلى ما تفضّل اللّه عليه من صرف كيد أعدائه عنه، الذين حاولوا جاهدين على إنزال الكوارث بساحته، و صبّ المصائب عليه إلاّ أنّ اللّه تعالى أنجاه منهم، و يأخذ الإمام في دعائه قائلا:

ناديتك يا إلهي مستجيرا بك، واثقا بسرعة إجابتك، متوكّلا على ما لم أزل أعرفه من حسن دفاعك عنّي، عالما أنّه لن يضطهد من آوى إلى ظلّ كفايتك، و لا يقرع القوارع من لجأ إلى معقل الانتصار بك، فخلّصتني يا ربّ بقدرتك، و نجّيتني من بأسه بتطوّلك و منّك.

ص:179

عرض الإمام عليه السّلام في هذا المقطع إلى نجاته من بعض أعدائه الذين كانوا يبغون له الغوائل و يكيدونه في وضح النهار و غلس الليل و قد أنقذه اللّه منهم و كفاه شرّهم، و يستمرّ الإمام في دعائه:

اللّهمّ و كم من سحائب مكروه جلّيتها، و سماء نعمة أمطرتها، و جداول كرامة أجريتها، و أعين أحداث طمستها، و ناشئ رحمة نشرتها، و غواشي كرب فرّجتها، و غمم بلاء كشفتها، و جنّة عافية ألبستها، و أمور حادثة قدّرتها، لم تعجزك إذ طلبتها، فلم تمتنع منك إذ أردتها.

اللّهمّ و كم من حاسد سوء تولّني بحسده، و سلقني بحدّ لسانه، و وخز بي بقرف عيبه، و جعل عرضي غرضا لمراميه، و قلّدني خلالا لم تزل فيه كفيتني أمره.

حكى هذا المقطع الألطاف و النعم التي أسداها اللّه عليه كما حكى إنقاذ اللّه له من الحاسدين لفضله و الباغين عليه، ثمّ يقول الإمام في دعائه:

اللّهمّ و كم من ظنّ حسن حقّقت، و عدم إملاق جبرت و أوسعت، و من صرعة أقمت، و من كربة نفّست، و من مسكنة حوّلت، و من نعمة خوّلت، لا تسأل عمّا تفعل، و لا بما أعطيت تبخل، و لقد سئلت فبذلت، و لم تسأل فابتدأت، و استميح فضلك فما أكديت، أبيت إلاّ إنعاما و امتنانا و تطوّلا، و أبيت إلاّ تقحّما على معاصيك، و انتهاكا لحرماتك، و تعدّيا لحدودك، و غفلة عن وعيدك، و طاعة لعدوّي و عدوّك، لم تمتنع عن إتمام إحسانك، و تتابع امتنانك و لم يحجزني ذلك عن ارتكاب مساخطك.

و في هذا المقطع عرض لنعم اللّه تعالى على عباده التي أسداها عليهم فهو

ص:180

المبتدئ بالنعم و المتكرّم بالإحسان مع جهل العباد و تعدّيهم لحدوده و مخالفتهم لأوامره، و من بنود هذا الدعاء قوله:

اللّهمّ فهذا مقام المعترف لك بالتّقصير عن أداء حقّك، الشّاهد على نفسه بسبوغ نعمتك و حسن كفايتك، فهب لي اللّهمّ يا إلهي ما أصل به إلى رحمتك، و أتّخذه سلّما أعرج فيه إلى مرضاتك، و آمن به من عقابك فإنّك تفعل ما تشاء و تحكم ما تريد و أنت على كلّ شيء قدير.

اللّهمّ حمدي لك متواصل، و ثنائي عليك دائم من الدّهر إلى الدّهر، بألوان التّسبيح، و فنون التّقديس، خالصا لذكرك و مرضيّا لك بناصع التّوحيد، و محض التّحميد، و طول التّعديد في إكذاب أهل التّنديد، لم تعن في شيء من قدرتك، و لم تشارك في إلهيّتك، و لم تعاين إذ حبست الأشياء على الغرائز المختلفات، و فطرت الخلائق على صنوف الهيئات، و لاخرقت الأوهام حجب الغيوب إليك، فاعتقدت منك محدودا في عظمتك، و لا كيفيّة في أزليّتك، و لا ممكنا في قدمك، فلا يبلغك بعد الهمم، و لا ينالك غوص الفطن، و لا ينتهي إليك نظر النّاظرين في مجد جبروتك، و عظيم قدرتك، ارتفعت عن صفة المخلوقين صفة قدرتك، و علا عن ذلك كبرياء عظمتك، و لا ينتقص ما أردت أن يزداد، و لا يزداد ما أردت أن ينتقص و لا أحد شهدك حين فطرت الخلق، و لا ضدّ حضرك حين برأت النّفوس، كلّت الألسن عن تبيين صفتك، و انحسرت العقول عن كنه معرفتك، و كيف تدركك الصّفات، أو تحويك الجهات، و أنت الجبّار القدّوس الّذي لم تزل أزليّا دائما في الغيوب، وحدك ليس فيها غيرك، و لم يكن لها سواك

ص:181

حارت في ملكوتك عميقات مذاهب التّفكير، و حسر عن إدراكك بصر البصير، و تواضعت الملوك لهيبتك، و عنت الوجوه بذلّ الاستكانة لعزّتك، و انقاد كلّ شيء لعظمتك، و أستسلم كلّ شيء لقدرتك، و خضعت الرّقاب لسلطانك، و ضلّ هنالك التّدبير في تصاريف الصّفات لك، فمن تفكّر في ذلك رجع طرفه إليك حسيرا، و عقله مبهوتا مبهورا، و فكره متحيّرا...

عرض إمام المتّقين في بداية هذا المقطع إلى تقديس اللّه و تعظيمه و تمجيده بجميع ما تحتوي عليه هذه الكلمات من أبعاد ثمّ عرض إلى عظيم قدرة اللّه تعالى التي لا تحد و لا توصف، و إلى بعض صفاته التي يقف الفكر أمامها حائرا و هو حسير لا يصل إلى معرفة كنهها و الإحاطة بها، ثمّ يأخذ الإمام عليه السّلام في دعائه قائلا:

اللّهمّ فلك الحمد متواترا متواليا متّسقا مستوثقا، يدوم و لا يبيد غير مفقود في الملكوت، و لا مطموس في العالم، و لا منتقص في العرفان، و لك الحمد حمدا لا تحصى مكارمه في اللّيل إذا أدبر، و في الصّبح إذا أسفر، و في البرّ و البحر، و بالغدوّ و الآصال، و العشيّ و الإبكار، و الظّهيرة و الأسحار.

و أعرب الإمام عليه السّلام في هذه الكلمات عن حمده المتّصل للّه تعالى و ثنائه عليه، ثناء لا ينقطع في جميع الأوقات، و يقول عليه السّلام:

اللّهمّ بتوفيقك قد أحضرتني النّجاة، و جعلتني منك في ولاية العصمة، و لم تكلّفني فوق طاقتي إذ لم ترض عنّي إلاّ بطاعتي، فليس شكري، و إن دأبت منه في المقال، و بالغت منه في الفعال ببالغ أداء حقّك، و لا مكاف فضلك لأنّك أنت اللّه الّذي لا إله إلاّ أنت لم تغب عنك غائبة، و لا تخفى عليك خافية، و لا تضلّ لك في

ص:182

ظلم الخفيّات ضالّة، إنّما أمرك إذا أردت شيئا أن تقول له كن فيكون.

حكى هذا المقطع ما حضي به الإمام عليه السّلام من توفيق اللّه تعالى له، و منّه عليه بأن جعله في ولاية العصمة من الرجس و الآثام و أنّه عليه السّلام عاجز عن أداء هذه الألطاف التي أسدها اللّه عليه، ثمّ يقول:

اللّهمّ لك الحمد مثل ما حمدت به نفسك و حمدك به الحامدون، و مجّدك به الممجّدون، و كبّرك به المكبّرون، و عظّمك به المعظّمون حتّى يكون لك منّي وحدي في كلّ طرفة عين و أقلّ من ذلك مثل حمد جميع الحامدين، و توحيد أصناف الموحّدين، و تقديس أحبّائك العارفين، و ثناء جميع المهلّلين، و مثل ما أنت عارف به، و محمود به من جميع خلقك من الحيوان و الجماد، و أرغب إليك، اللّهمّ في شكر ما أنطقتني به من حمدك، فما أيسر ما كلّفتني به من ذلك، و أعظم ما وعدتني على شكرك، ابتدأتني بالنّعم فضلا و طولا، و أمرتني بالشّكر حقّا و عدلا، و وعدتني عليه أضعافا و مزيدا، و أعطيتني من رزقك اعتبارا و امتحانا، و سألتني منه فرضا يسيرا صغيرا، و وعدتني عليه أضعافا و مزيدا، و إعطاء كثيرا، و عافيتني من جهد البلاء، و لم تسلمني للسّوء من بلائك، و منحتني العافية، و أوليتني بالبسطة و الرّخاء، و ضاعفت لي الفضل مع ما وعدتني به من المحلّة الشّريفة، و بشّرتني به من الدّرجة العالية الرّفيعة المنيعة، و اصطفيتني بأعظم النّبيّين دعوة و أفضلهم شفاعة محمّد صلّى اللّه عليه و آله.

و في هذه البنود المشرقة من دعائه عليه السّلام الثناء على اللّه تعالى مثل ما أثنى تعالى على نفسه العظيمة، و تمجيد له بمثل ما مجّده المخلصون و الأخيار من عباده، و الشكر له على ما أولاه من النعم و الألطاف التي لا تحصى...

ص:183

و يأخذ الإمام في الدعاء قائلا:

اللّهمّ اغفر لي ما لا يسعه إلاّ مغفرتك، و لا يمحقه إلاّ عفوك، وهب لي في يومي هذا و ساعتي هذه يقينا يهوّن عليّ مصيبات الدّنيا و أحزانها، و يشوّقني إليك، و يرغّبني فيما عندك، و اكتب لي المغفرة، و بلّغني الكرامة، و ارزقني شكر ما أنعمت به عليّ، فإنّك أنت اللّه الواحد المبدئ، البديع السّميع العليم الّذي ليس لأمرك مدفع، و لا عن قضائك ممتنع، و أشهد أنّك ربّي و ربّ كلّ شيء، فاطر السّماوات و الأرض، عالم الغيب و الشّهادة العليّ الكبير المتعال.

عرض الإمام في هذا المقطع إلى طلب المغفرة من اللّه تعالى و أن يهبه اليقين الكامل حتى تهون عليه أزمات الدنيا و خطوبها التي ألمّت به و أحاطت به، كما طلب من اللّه تعالى أن يهبه الشكر على ما أولاه من النعم، و يستمر الإمام في دعائه قائلا:

اللّهمّ إنّي أسألك الثّبات في الأمر، و العزيمة في الرّشد، و إلهام الشّكر على نعمتك، و أعوذ بك من جور كلّ جائر، و بغي كلّ باغ، و حسد كلّ حاسد.

اللّهمّ بك أصول على الأعداء، و إيّاك أرجو ولاية الأحبّاء مع ما لا أستطيع إحصاءه من فوائد فضلك، و أصناف رفدك، و أنواع رزقك، فإنّك أنت اللّه الّذي لا إله إلاّ أنت الفاشي في الخلق حمدك، الباسط بالجود يدك، لا تضادّ في حكمك، و لا تنازع في سلطانك، و لا تراجع في أمرك، تملك من الأنام ما شئت، و لا يملكون إلاّ ما تريد. اللّهمّ أنت المنعم المفضل الخالق القادر القاهر المقدّس في نور القدس، تردّيت بالعزّة و المجد، و تعظّمت بالقدرة و الكبرياء، و غشّيت النّور بالبهاء، و جلّلت البهاء بالمهابة...

ص:184

و حوى هذا الدعاء الطلب من اللّه بتقوية النفس و ذلك بثباتها في الأمور و العزيمة في الرشد و غير ذلك ممّا يعود إلى صلاح النفس، ثمّ حوى هذا المقطع الثناء على اللّه و تمجيده و تعظيمه و يستمرّ الإمام في دعائه قائلا:

اللّهمّ لك الحمد العظيم، و المنّ القديم، و السّلطان الشّامخ، و الحول الواسع، و القدرة المقتدرة، و الحمد المتتابع، الّذي لا ينفد بالشّكر سرمدا، و لا ينقضي أبدا إذ جعلتني من أفاضل بني آدم، و جعلتني سميعا بصيرا صحيحا سويّا معافى لم تشغلني بنقصان في بدني، و لا بآفة في جوارحي، و لا عاهة في نفسي، و لا في عقلي، و لم يمنعك كرامتك إيّاي و حسن صنعك عندي، و فضل نعمائك عليّ، إذ وسّعت عليّ في الدّنيا، و فضّلتني على كثير من أهلها تفضيلا، و جعلتني سميعا أعي ما كلّفتني، بصيرا أرى قدرتك فيما ظهر لي، و استرعيتني و استودعتني قلبا يشهد بعظمتك، و لسانا ناطقا بتوحيدك فإنّي لفضلك عليّ حامد، و لتوفيقك إيّاي بحمدك شاكر، و بحقّك شاهد، و إليك في ملمّي و مهمّي ضارع، لأنّك حيّ قبل كلّ حيّ، و حيّ بعد كلّ ميّت، و حيّ ترث الأرض و من عليها و أنت خير الوارثين.

و حفل هذا المقطع بما أسداه اللّه على الإمام عليه السّلام من النعم و الألطاف و تفضيله له على سائر الخلق، و قد قدّم الإمام شكره اللّه على ما أسداه عليه من جزيل النعم..

و يقول الإمام في دعائه:

اللّهمّ لم تقطع عنّي خيرك في كلّ وقت، و لم تنزل بي عقوبات النّقم، و لم تغيّر ما بي من النّعم، و لا أخليتني من وثيق العصم، فلو لم أذكر من إحسانك إليّ، و إنعامك عليّ إلاّ عفوك عنّي و الاستجابة لدعائي حين رفعت رأسي بتحميدك لا في تقديرك جزيل حظّي حين وفّرته انتقص ملكك، و لا في قسمة الأرزاق

ص:185

حين قتّرت عليّ توفّر ملكك..

و في هذا المقطع يطلب الإمام عليه السّلام أن تستمرّ عليه ألطافه و نعمه، و لا تنزل عليه عقوبات النقم، كما حفل هذا المقطع بما أسداه اللّه تعالى على الإمام من عظيم النعم التي لا تحصى، و من بنود هذا الدعاء قوله عليه السّلام:

اللّهمّ لك الحمد عدد ما أحاط به علمك، و عدد ما أدركته قدرتك، و عدد ما وسعته رحمتك، و أضعاف ذلك كلّه، حمدا واصلا متواترا متوازيا لآلائك و أسمائك.

اللّهمّ فتمّم إحسانك إليّ فيما بقي من عمري كما أحسنت فيما منه مضى، فإنّي أتوسّل إليك بتوحيدك و تهليلك و تمجيدك و تكبيرك و تعظيمك، و أسألك باسمك الرّوح المكنون، الحيّ الحيّ الحيّ، و به و به و به، و بك، ألاّ تحرمني رفدك، و فوائد كرامتك، و لا تولّني غيرك بك، و لا تسلمني إلى عدوّي، و لا تكلني إلى نفسي، و أحسن إليّ أتمّ الإحسان عاجلا و آجلا، و حسّن في العاجلة عملي، و بلّغني فيها أملي و في الآجلة، و الخير في منقلبي، فإنّه لا تفقرك كثرة ما يتدفّق به فضلك، و سيب العطايا من منّك، و لا ينقص جودك تقصيري في شكر نعمتك، و لا تجمّ خزائن نعمتك النّعم، و لا ينقص عظيم مواهبك من سعتك الإعطاء، و لا يؤثّر في جودك العظيم الفاضل الجليل منحك، و لا تخاف ضيم إملاق فتكدى، و لا يلحقك خوف عدم فينتقص فيض ملكك و فضلك...

طلب الإمام عليه السّلام في هذه الفقرات أن يتمّ اللّه عليه نعمه و أن تكون متّصلة بآخر حياته، و أنّ ذلك لا ينقص من كرمه وجوده و فيضه على عباده، و الفصل الأخير من هذا الدعاء الجليل قوله عليه السّلام:

ص:186

اللّهمّ ارزقنا قلبا خاشعا، و يقينا صادقا، و لسانا ذاكرا، بالحقّ صادعا، و لا تؤمني مكرك، و لا تنسني ذكرك، و لا تهتك عنّي سترك، و لا تولّني غيرك، و لا تقنّطني من رحمتك، بل تغمّدني بفوائدك، و لا تمنعني جميل عوائدك، و كن لي في كلّ وحشة أنيسا، و في كلّ جزع حصنا، و من كلّ هلكة غياثا، و نجّني من كلّ بلاء، و اعصمني من كلّ زلل و خطأ، و تمّم لي فوائدك، وقني وعيدك، و أصرف عنّي أليم عذابك، و تدمير تنكيلك، و شرّفني بحفظ كتابك، و أصلح لي ديني و دنياي و آخرتي و أهلي و ولدي و وسّع رزقي، و أدرّه عليّ، و أقبل عليّ، و لا تعرض عنّي، فإنّك لا تخلف الميعاد.

اللّهمّ ارفعني و لا تضعني، و ارحمني و لا تعذّبني، و انصرني و لا تخذلني، و آثرني و لا تؤثر عليّ، و اجعل لي من أمري يسرا و فرجا، و عجّل إجابتي، و استنقذني ممّا قد نزل بي إنّك على كلّ شيء قدير، و ذلك عليك يسير، و أنت الجواد الكريم و صلّى اللّه على محمّد و آله الطّاهرين، و سلّم تسليما كثيرا(1).

و انتهى هذا الدعاء الجليل الذي هو من غرر أدعية إمام المتّقين، و قد أبدى فيه جميع صنوف التذلّل و الخشوع للّه تعالى، كما أبدى فيه أسمى صور التعظيم و التمجيد للّه تعالى.

ص:187


1- مهج الدعوات : ١٢٦ _ ١٣٣.

دعاؤه عليه السّلام

في الصبر

و أثرت عن الإمام كوكبة من الأدعية في الصبر الذي هو أفضل النزعات النفسية، و هذه بعضها:

قال عليه السّلام: «اللّهمّ هب لي مع كلّ بليّة صبرا، و مع كلّ نعمة شكرا».

قال عليه السّلام: «اللّهمّ إن ابتليتني فصبّرني، و العافية أحبّ إليّ»(1).

دعاؤه عليه السّلام

عند كل نازلة

كان الإمام عليه السّلام إذا ألمّت به نازلة دعا بهذا الدعاء الجليل:

تحصّنت بالملك الحيّ الّذي لا يموت، و اعتصمت بذي العزّة و العدل و الجبروت، و استعنت بذي العظمة و القدرة، و الملكوت عن كلّ ما أخافه و أحذره(2).

ص:188


1- بحار الأنوار ٢٠ : ٢٩٢.
2- الصحيفة العلويّة الثانية : ٧٥.

دعاؤه عليه السّلام

في دفع الكرب

و كان الإمام عليه السّلام إذا ألمّ به همّ أو كرب التجأ إلى اللّه تعالى في دفعه عنه و دعا بهذا الدعاء، و يقول الرواة: إنّه دعا به في يوم الهرير في صفّين حين اشتدّ الأمر على أوليائه، و هذا نصّه:

اللّهمّ لا تحبّب إليّ ما أبغضت، و لا تبغّض إليّ ما أحببت.

اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أرضى سخطك، أو أسخط رضاك، أو أردّ قضاءك، أو اعدو قولك، أو أناصح أعداءك، أو اعدو أمرك فيهم.

اللّهمّ ما كان من عمل أو قول يقرّبني من رضوانك، و يباعدني من سخطك فصبّرني له و احملني عليه يا أرحم الرّاحمين.

اللّهمّ إنّي أسألك لسانا ذاكرا، و قلبا شاكرا، و يقينا صادقا، و إيمانا خالصا، و جسدا متواضعا، و ارزقني منك حبّا، و أدخل قلبي منك رعبا.

اللّهمّ فإن ترحمني فقد حسن ظنّي بك، و إن تعذّبني فبظلمي و جوري و جرمي و إسرافي على نفسي، فلا عذر لي إن اعتذرت، و لا مكافاة أحتسب بها.

اللّهمّ إذا حضرت الآجال، و نفدت الأيّام، و كان لا بدّ من لقائك فأوجب لي من الجنّة منزلا يغبطني به الأوّلون و الآخرون، لا حسرة بعدها، و لا رفيق بعد رفيقها، في أكرمها منزلا.

ص:189

اللّهمّ ألبسني خشوع الإيمان بالعزّ قبل خشوع الذّلّ في النّار، اثني عليك يا ربّ أحسن الثّناء لأنّ بلاءك عندي أحسن البلاء.

اللّهمّ فأذقني من عونك و تأييدك و توفيقك و رفدك، و ارزقني شوقا إلى لقائك، و نصرا في نصرك حتّى أجد حلاوة ذلك في قلبي، و أعزم لي على أرشد اموري، فقد ترى موقفي و موقف أصحابي، و لا يخفى عليك شيء من أمري.

اللّهمّ إنّي أسألك النّصر الّذي نصرت به رسولك، و فرّقت به بين الحقّ و الباطل حين أقمت به دينك، و أفلجت به حجّتك يا من هو لي في كلّ مقام(1).

و هذا الدعاء الجليل من غرر أدعية الإمام عليه السّلام ففيه التقرّب إلى اللّه تعالى و التذلّل أمامه و السؤال منه بأروع ما يطلبه المنيبون من اللّه تعالى مضافا إلى فصاحته و بلاغته.

هذه بعض أدعية الإمام عند ما تنزل به كارثة أو خطب فيلتجىء إلى اللّه في دفعها عنه.

ص:190


1- مهج الدعوات : ٩٨.

الاستغفار و الإنابة

اشارة

الى اللّه

ص:191

ص:192

و أثرت عن الإمام أمير المؤمنين كوكبة من الأدعية في الاستغفار و الإنابة إلى اللّه تعالى، كان منها ما يلي:

دعاؤه عليه السّلام

في الاستغفار و الإنابة

اللّهمّ إنّي أستغفرك من كلّ ذنب قوي عليه بدني بعافيتك، أو نالته قدرتي بفضل نعمتك، أو بسطت إليه يدي بسابغ رزقك، أو اتّكلت فيه عند خوفي منه على أناتك، أو احتجبت فيه من النّاس بسترك، أو وثقت من سطوتك عليّ فيه بحلمك، أو عوّلت فيه على كرم عفوك.

اللّهمّ إنّي أستغفرك من كلّ ذنب خنت فيه أمانتي، أو نحّست بفعله نفسي، أو احتطبت به على بدني، أو قدّمت فيه لذّتي، أو آثرت فيه شهوتي، أو سعيت فيه لغيري، أو استغويت إليه من تبعني، أو كايدت فيه من منعني، أو قهرت عليه من عاداني، أو غلبت عليه بفضل حيلتي، أو أحلت عليك مولاي فلم تغلبني على فعلي إذ كنت كارها لمعصيتي فحلمت عنّي، لكن سبق علمك فيّ

ص:193

بفعلي ذلك لم تدخلني يا ربّ فيه جبرا، و لم تحملني عليه قهرا، و لم تظلمني فيه شيئا فأستغفرك له و لجميع ذنوبي.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب تبت إليك منه، و أقدمت على فعله فاستحييت منك و أنا عليه، و رهبتك و أنا فيه تعاطيته و عدت إليه.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب كتبته عليّ بسبب خير أردت به وجهك فخالطني فيه سواك، و شارك فعلي ما لا يخلص لك، أو وجب عليّ ما أردت به سواك، و كثير من فعلي ما يكون كذلك.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب تورّك عليّ بسبب عهد عاهدتك عليه، أو عقد عقدته لك، أو ذمّة واثقت بها من أجلك لأحد من خلقك ثمّ نقضت ذلك من غير ضرورة لزمتني فيه، بل استزلّني إليه عن الوفاء به الأشر، و منعني عن رعايته البطر.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب رهبت فيه من عبادك و خفت فيه غيرك، و استحييت فيه من خلقك ثمّ أفضيت به فعلي إليك.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب أقدمت عليه و أنا مستيقن أنّك تعاقب على ارتكابه فارتكبته.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب قدّمت فيه شهوتي على طاعتك، و آثرت محبّتي على أمرك، و أرضيت فيه نفسي بسخطك، و قد نهيتني عنه بنهيك، و تقدّمت إليّ فيه بإعذارك، و احتججت عليّ فيه بوعيدك.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب علمته من نفسي، أو ذهلته، أو نسيته،

ص:194

أو تعمّدته، أو أخطأته، ممّا لا أشكّ أنّك سائلي عنه، و أنّ نفسي مرتهنة به لديك، و إن كنت قد نسيته أو غفلت نفسي عنه.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب واجهتك به، و قد أيقنت أنّك تراني، و أغفلت أن أتوب إليك منه، أو نسيت أن أتوب إليك منه، أو نسيت أن أستغفرك له.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب دخلت فيه، و أحسنت ظنّي بك أن لا تعذّبني عليه و أنّك تكفيني منه.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب استوجبت به منك ردّ الدّعاء، و حرمان الإجابة، و خيبة الطّمع، و انفساخ الرّجاء.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب يعقّب الحسرة، و يورث النّدامة، و يحبس الرّزق، و يردّ الدّعاء.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب يورث الأسقام، و يعقّب الضّناء، و يوجب النّقم، و يكون آخره حسرة و ندامة.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب مدحته بلساني، أو هشّت إليه نفسي، أو اكتسبته بيدي و هو عندك قبيح تعاقب على مثله و تمقت من عمله.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب خلوت به في ليل أو نهار حيث لا يراني أحد من خلقك، فملت فيه من تركه بخوفك إلى ارتكابه بحسن الظّنّ بك، فسوّلت لي نفسي الإقدام عليه فواقعته، و أنا عارف بمعصيتي لك فيه.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب استقللته، أو استصغرته، أو استعظمته و تورّطت فيه.

ص:195

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب مالأت فيه على أحد من بريّتك، أو زيّنته لنفسي، أو أومأت به إلى غيري، و دللت عليه سواي، أو أصررت عليه بعمدي، أو أقمت عليه بحيلتي.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب استعنت عليه بحيلتي بشيء ممّا يراد به وجهك، أو يستظهر بمثله على طاعتك، أو يتقرّب بمثله إليك، و واريت عن النّاس و لبّست فيه كأنّي اريدك بحيلتي، و المراد به معصيتك، و الهوى فيه متصرّف على غير طاعتك.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب كتبته عليّ بسبب عجب كان بنفسي، أو رياء، أو سمعة، أو خيلاء، أو فرح، أو مرح، أو أشر أو بطر، أو حقد، أو حميّة، أو غضب، أو رضى، أو شحّ، أو بخل، أو ظلم، أو خيانة، أو سرقة، أو كذب، أو لهو، أو لعب، أو نوع من أنواع ما يكتسب بمثله الذّنوب و يكون باجتراحه العطب.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب سبق في علمك أنّي فاعله فدخلت فيه بشهوتي، و اجترحته بإرادتي، و قارفته بمحبّتي و لذّتي و مشيّتي، و شئته إذ شئت أن أشاءه، و أردته إذ أردت أن اريده فعملته إذ كان في قديم تقديرك، و نافذ علمك أنّي فاعله، لم تدخلني فيه جبرا، و لم تحملني عليه قهرا، و لم تظلمني فيه شيئا، فأستغفرك له، و لكلّ ذنب جرى به علمك عليّ و فيّ إلى آخر عمري.

اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب مال بسخطي فيه عن رضاك، و مالت نفسي إلى رضاك فسخطته، أو رهبت فيه سواك، أو عاديت فيه أولياءك، أو واليت فيه

ص:196

أعداءك، أو اخترتهم على أصفيائك، أو خذلت فيه أحبّاءك، أو قصّرت فيه عن رضاك يا خير الغافرين. اللّهمّ إنّي أستغفرك لكلّ ذنب تبت إليك منه ثمّ عدت فيه، و أستغفرك لما أعطيتك من نفسي ثمّ لم أف به، و أستغفرك للنّعمة الّتي أنعمت بها عليّ فقويت بها على معصيتك، و أستغفرك لكلّ خير أردت به وجهك فخالطني ما ليس لك، و أستغفرك لما دعاني إليه الرّخص، فيما اشتبه عليّ ممّا هو عندك حرام، و أستغفرك للذّنوب الّتي لا يعلمها غيرك، و لا يطّلع عليها سواك، و لا يحتملها إلاّ حلمك، و لا يسعها إلاّ عفوك، و أستغفرك و أتوب إليك من مظالم كثيرة لعبادك قبلي يا ربّ، فلم أستطع ردّها عليهم، و تحليلها منهم، أو شهدوا فاستحييت من استحلالهم، و الطّلب إليهم، و إعلامهم ذلك، و أنت القادر على أن تستوهبني منهم و ترضيهم عنّي كيف شئت و بما شئت يا أرحم الرّاحمين، و أحكم الحاكمين، و خير الغافرين.

اللّهمّ إنّ استغفاري إيّاك مع الإصرار لؤم، و تركي الاستغفار مع معرفتي بسعة جودك و رحمتك عجز، فكم تتحبّب إليّ يا ربّ و أنت الغنيّ عنّي، و كم أتبغّض إليك، و أنا الفقير إليك، و إلى رحمتك، فيا من وعد فوفى، و أوعد فعفا اغفر لي خطاياي، و اعف و ارحم و أنت خير الرّاحمين(1).

و هذا الدعاء صفحة مشرقة من أدعية إمام المتّقين، و سيّد العارفين الذي وهب حياته للّه تعالى.

ص:197


1- الصحيفة العلوية الثانية : ٦٤ _ ٧٠ ، نقلا عن مفاتيح النجاة للمحقّق محمّد باقر السبزواري ، وقد رواه بسنده عن الإمام أبي الحسن الرضا

دعاؤه عليه السّلام

في الاستغفار

و من أدعية الإمام عليه السّلام في الاستغفار إلى اللّه تعالى هذا الدعاء، و كان يدعو به عند المنام، و هذا نصّه:

اللّهمّ إنّي أستغفرك من كلّ ذنب قوي عليه بدني بعافيتك، أو نالته قدرتي بفضل نعمتك، أو بسطت إليه يدي بسابغ رزقك، أو اتّكلت فيه عند خوفي منه على أناتك، أو وثقت فيه بحلمك، أو عوّلت فيه على كريم عفوك.

اللّهمّ إنّي أستغفرك من كلّ ذنب خنت فيه أمانتي، أو بخست بفعله نفسي، أو احتطبت به على بدني، أو قدّمت فيه لذّتي، أو آثرت فيه شهوتي، أو سعيت فيه لغيري، أو استغويت إليه من تبعني، أو كايدت فيه من منعني، أو قهرت عليه من عاداني، أو غلبت عليه بفضل حيلتي، أو أحلت عليك فيه مولاي فلم تغلبني على فعلي إذ كنت كارها لمعصيتي فحلمت عنّي، لكن سبق علمك فيّ بفعلي فحملت عنّي ذلك لم تدخلني فيه يا ربّ جبرا، و لم تحملني عليه قهرا، و لم تظلمني فيه شيئا(1).

و بهذا ينتهى بنا الحديث عن بعض أدعية الإمام عليه السّلام في الاستغفار و الإنابة إلى اللّه تعالى.

ص:198


1- الصحيفة العلوية الثانية : ٧١ _ ٧٢.

الاحتجاب

اشارة

و الاعتصام باللّه

ص:199

ص:200

كان الإمام عليه السّلام يلجأ إلى اللّه تعالى في جميع اموره و شئونه، و يحتجب به من كيد الأعداء، و شرّ الأشرار و هذه بعض أدعيته في الاحتجاب و الاعتصام.

دعاؤه عليه السّلام

في الاحتجاب

و كان الإمام عليه السّلام يحتجب بهذا الدعاء عن جميع ما ألمّ به من حوادث الزمن، و خطوب الأيام، و هذا نصّه:

اللّهمّ مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، و تنزع الملك ممّن تشاء، و تعزّ من تشاء، و تذلّ من تشاء، بيدك الخير إنّك على كلّ شيء قدير. تولج اللّيل في النّهار، و تولج النّهار في اللّيل، و تخرج الحيّ من الميّت، و تخرج الميّت من الحيّ، و ترزق من تشاء بغير حساب.

اللّه أكبر، اللّه أكبر، اللّه أكبر، خضعت البرّيّة لعظمة جلاله أجمعون، و ذلّ لعظمة عزّه كلّ متعاظم منهم، و لا يجد أحد منهم إليه مخلصا، بل يجعلهم اللّه شاردين متمزّقين في عزّ طغيانهم هالكين، بقل أعوذ بربّ الفلق. من شرّ ما خلق. و من شرّ غاسق إذا وقب. و من شرّ النّفّاثات في العقد. و من شرّ حاسد

ص:201

إذا حسد، و بقل أعوذ بربّ النّاس. ملك النّاس. إله النّاس. من شرّ الوسواس الخنّاس. الّذي يوسوس في صدور النّاس. من الجنّة و النّاس، انغلق عنّي باب المستأخرين منكم و المستقدمين، فهم ضالّون مطرودون بالصّافّات، بالذّاريات، بالمرسلات، بالنّازعات، أزجركم عن الحركات كونوا رمادا لا تبسطوا إليّ، و لا إلي مؤمن يدا، اليوم نختم على أفواههم و تكلّمنا أيديهم و تشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون، هذا يوم لا ينطقون، و لا يؤذن لهم فيعتذرون، عميت الأعين، و خرست الألسن، و خضعت الأعناق للملك الخلاّق.

اللّهمّ بالميم و العين و الفاء و الحاءين، و بنور الأشباح، و بتلألؤ ضياء الإصباح، و بتقديرك لي يا قدير في الغدوّ و الرّواح، اكفني شرّ من دبّ و مشى، و تجبّر و عتا، اللّه الغالب و لا ملجأ منه لهارب، نصر من اللّه و فتح قريب، إن ينصركم اللّه فلا غالب لكم، كتب اللّه لأغلبنّ أنا و رسلي إنّ اللّه قويّ عزيز، أمن من استجار باللّه، لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم(1).

ص:202


1- الصحيفة العلوية : ٢٢٢.

دعاؤه عليه السّلام

في الاحتجاب عن خصومه

و من أدعية الإمام عليه السّلام في الاحتجاب عن كيد خصومه و أعدائه هذا الدعاء:

احتجبت بنور وجه اللّه القديم الكامل، و تحصّنت بحصن اللّه القويّ الشّامل، و رميت من بغى عليّ بسهم اللّه و سيفه القاتل.

اللّهمّ يا غالبا على أمره، و يا قائما فوق خلقه، و يا حائلا بين المرء و قلبه، حل بيني و بين الشّيطان و نزغه، و بين ما لا طاقة لي به من أحد من عبادك، كفّ عنّي ألسنتهم، و أغلل أيديهم و أرجلهم، و اجعل بيني و بينهم سدّا من نور عظمتك، و حجابا من قوّتك، و جندا من سلطانك إنّك حيّ قادر.

اللّهمّ أغش عنّي أبصار النّاظرين حتّى أرد الموارد، و أغش عنّي أبصار النّور(1)، و أبصار الظّلمة، و أبصار المريدين بي السّوء، حتّى لا أبالي عن أبصارهم، يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار، يقلّب اللّه اللّيل و النّهار إنّ في ذلك لعبرة لأولي الأبصار.

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم كهيعص.

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم حم عسق كماء أنزلناه من السّماء فاختلط به

ص:203


1- لعلّه أراد أن يكفيه الله شرّ من يكيده في غلس الليل وفي وضح النهار.

نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرّياح. هو اللّه الّذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب و الشّهادة هو الرّحمن الرّحيم. يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظّالمين من حميم و لا شفيع يطاع، علمت نفس ما أحضرت، فلا أقسم بالخنّس الجوار الكنّس، و اللّيل إذا عسعس و الصّبح إذا تنفّس، ص و القرآن ذي الذّكر، بل الّذين كفروا في عزّة و شقاق.

و كان يقول ثلاثا:

شاهت الوجوه، و عميت الأبصار، و كلّت الألسن، جعلت خيرهم بين عينيهم، و شرّهم تحت قدميهم، و خاتم سليمان بين أكتافهم، سبحان اللّه القادر القاهر، الكافي فسيكفيكهم اللّه و هو السّميع العليم، صبغة اللّه، و من أحسن من اللّه صبغة كهيعص، اكفنا، حمعسق، احمنا و ارحمنا، هو اللّه القادر القاهر القويّ الكافي، و جعلنا من بين أيديهم سدّا و من خلفهم سدّا فأغشيناهم فهم لا يبصرون، أولئك الّذين طبع اللّه على قلوبهم و سمعهم و أبصارهم، و اولئك هم الغافلون، و صلّى اللّه على محمّد و آله أجمعين الطّيّبين الطّاهرين، إنّه من سليمان و إنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ألاّ تعلوا عليّ و أتوني مسلمين. اللّهمّ إنّي أسألك أن تقضي حاجتي، و تغفر ذنوبي فإنّه لا يغفر الذّنوب إلاّ أنت برحمتك يا أرحم الرّاحمين، و عنت الوجوه للحيّ القيّوم، و قد خاب من حمل ظلما يا حيّ يا قيّوم، يا ذا الجلال و الإكرام(1).

ص:204


1- الصحيفة العلوية الثانية : ٥٢ ، نقلا عن الكلم الطيّب للسيّد عليخان المدني.

دعاؤه عليه السّلام

في الاعتصام باللّه

و اعتصم الإمام عليه السّلام باللّه تعالى كأعظم ما يكون الاعتصام، و كان من دعائه في ذلك قوله:

اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو، الباعث، الوارث.

اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو القائم على كلّ نفس بما كسبت.

اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو الّذي قال للسّماوات و الأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين.

اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو، لا تأخذه سنة و لا نوم.

اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو الرّحمن على العرش استوى، يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصّدور.

اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو له ما في السّماوات و ما في الأرض و ما بينهما و ما تحت الثّرى.

اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو يرى و لا يرى و هو بالمنظر الأعلى، ربّ الآخرة و الأولى.

اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو الّذي ذلّ كلّ شيء لملكه اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو الّذي خضع كلّ شيء لعظمته، اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو في علوّه دان، و في دنوّه عال، و في سلطانه قويّ.

ص:205

اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو البديع الرّفيع، الحيّ الدّائم الباقي، الّذي لا يزول.

اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو الّذي لا تصف الألسن قدرته.

اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم لا تأخذه سنة و لا نوم.

اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو الحنّان المنّان ذو الجلال و الإكرام.

اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو الواحد الأحد الفرد الصّمد الّذي لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد.

اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو أكرم الأكرمين، الكبير الأكبر، العليّ الأعلى.

اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو بيده الخير كلّه، و هو على كلّ شيء قدير.

اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو يسبّح له ما في السّماوات و ما في الأرض، كلّ له قانتون.

اعتصمت باللّه الّذي لا إله إلاّ هو الحيّ، الحكيم، السّميع، العليم، الرّحمن، الرّحيم.

اللّهمّ إنّي أسألك و أنت أعلم بمسألتي، و أطلب إليك و أنت العالم بحاجتي، و أرغب إليك و أنت منتهى رغبتي، فيا عالم الخفيّات، و سامك السّماوات، و دافع البليّات، و مطلب الحاجات، و معطي السّؤلات صلّ على محمّد خاتم النّبيّين،

ص:206

و على آله الطّيّبين الطّاهرين.

اللّهمّ اغفر لي خطيئتي و إسرافي في أمري كلّه و ما أنت أعلم به منّي.

اللّهمّ اغفر لي خطاياي و عمدي و جهلي و هزلي و جدّي فكلّ ذلك عندي.

اللّهمّ اغفر لي ما قدّمت و ما أخّرت، و ما أسررت و ما أعلنت، أنت المقدّم، و أنت المؤخّر، و أنت على كلّ شيء قدير(1).

أ رأيتم هذا الاعتصام و الالتجاء إلى اللّه تعالى؟ لقد انقطع هذا الإمام العظيم إلى اللّه و تمسّك بطاعته، فقد استوعب حبّه للّه و خشيته منه جميع آفاق نفسه.

ص:207


1- الصحيفة العلوية : ١٠٢ _ ١٠٦. مهج الدعوات : ١٣٣ _ ١٣٤.

ص:208

ادعيته

اشارة

في اللّيالي و الأيّام المباركة

و غيرها

ص:209

ص:210

استوعب حبّ اللّه تعالى قلب الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام فقد هام في ذكره و دعائه، و انقطع إليه، ففي كلّ فترة من حياته كان يلهج بذكر اللّه تعالى و يناجيه و يدعوه ضارعا مستكينا، و قد أثرت عنه كوكبة من الأدعية الشريفة في الليالي و الأيام المباركة كان منها ما يلي:

دعاؤه عليه السّلام

في ليلة الجمعة

من الليالي الشريفة في الإسلام ليلة الجمعة، و كان الإمام عليه السّلام يدعو اللّه تعالى فيها بهذا الدعاء الجليل:

اللّهمّ إنّي أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي، و تجمع بها شملي، و تلمّ بها شعثي، و تحفظ بها غائبي، و تصلح بها شاهدي، و تزكّي بها عملي، و تلهمني بها رشدي، و تعصمني بها من كلّ سوء.

اللّهمّ اعطني إيمانا صادقا، و يقينا خالصا، و رحمة أنال بها شرف كرامتك في الدّنيا و الآخرة.

اللّهمّ إنّي أسألك الفوز في القضاء و منازل العلماء، و عيش السّعداء، و النّصر

ص:211

على الأعداء.

اللّهمّ إنّي أنزلت بك حاجتي، و إن ضعف عملي فقد افتقرت إلى رحمتك فأسألك يا قاضي الأمور، و يا شافي الصّدور، كما تحجز بين البحور أن تجيرني من عذاب السّعير، و من دعوة الثّبور، و من فتنة القبور.

اللّهمّ و ما قصرت عنه مسألتي، و لم تبلغه منيتي، و لم تحط به مسألتي من خير وعدته أحدا من خلقك فإنّي أرغب إليك فيه. اللّهمّ يا ذا الحبل الشّديد، و الأمر الرّشيد، أسألك الأمن يوم الوعيد، و الجنّة يوم الخلود مع المقرّبين الشّهود، و الرّكّع السّجود، الموفين بالعهود إنّك رحيم ودود، و إنّك تفعل ما تريد.

اللّهمّ اجعلنا هادين مهديّين، غير ضالّين و لا مضلّين، سلما لأوليائك، و حربا لأعدائك، نحبّ بحبّك التّائبين، و نعادي بعداوتك من خالفك.

اللّهمّ هذا الدّعاء و عليك الاستجابة، و هذا الجهد و عليك التّكلان.

اللّهمّ اجعل لي نورا في قلبي، و نورا في قبري، و نورا بين يديّ، و نورا تحتي، و نورا فوقي، و نورا في سمعي، و نورا في بصري، و نورا في شعري، و نورا في بشري، و نورا في لحمي، و نورا في دمي، و نورا في عظامي.

اللّهمّ اعظم لي النّور. سبحان الّذي تأزّر بالمجد، و تكرّم به، سبحان من لا ينبغي التّسبيح إلاّ له، سبحان ذي الفضل و النّعم، سبحان ذي المجد و الكرم، سبحان ذي الجلال و الإكرام(1).

ص:212


1- الصحيفة العلوية الثانية : ١٧٢ _ ١٧٤ ، نقلا عن كتاب عدّة السفر وعمدة الحضر للشيخ الطبرسي.

دعاؤه عليه السّلام

في ليلة الفطر

من الليالي الجليلة التي يستحبّ إحياؤها بالصلاة و ذكر اللّه تعالى ليلة عيد الفطر، فقد ورد فيها استحباب صلاة ركعتين يقرأ في الركعة الاولى سورة الفاتحة، و ألف مرّة سورة التوحيد، و في الركعة الثانية سورة الفاتحة و سورة التوحيد مرّة واحدة، ثمّ يدعو بهذا الدعاء نصّ على ذلك الإمام الأعظم جعفر الصادق عليه السّلام و نسبه إلى جدّه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و ذكر أنّ المصلّي بعد الفراغ من صلاته لا يسأل شيئا من اللّه إلاّ أعطاه، و هذا نصّ الدعاء:

يا اللّه، يا اللّه، يا اللّه، يا رحمن يا اللّه، يا ملك يا اللّه، يا قدّوس يا اللّه، يا سلام يا اللّه، يا مؤمن يا اللّه، يا مهيمن يا اللّه، يا عزيز يا اللّه، يا جبّار يا اللّه، يا متكبّر يا اللّه، يا خالق يا اللّه، يا بارئ يا اللّه، يا مصوّر يا اللّه، يا عالم يا اللّه، يا عظيم يا اللّه، يا عليم يا اللّه، يا كريم يا اللّه، يا حليم يا اللّه، يا حكيم يا اللّه، يا سميع يا اللّه، يا بصير يا اللّه، يا قريب يا اللّه، يا مجيب يا اللّه، يا جواد يا اللّه، يا واحد يا اللّه، يا وليّ يا اللّه، يا وفيّ يا اللّه، يا مولى يا اللّه، يا قاضي يا اللّه، يا سريع يا اللّه، يا شديد يا اللّه، يا رءوف يا اللّه، يا رقيب يا اللّه، يا مجيب يا اللّه، يا جواد يا اللّه، يا ماجد يا اللّه، يا عليّ يا اللّه، يا حفيظ يا اللّه، يا محيط يا اللّه، يا سيّد السّادات يا اللّه، يا أوّل يا اللّه، يا آخر يا اللّه، يا ظاهر يا اللّه، يا باطن يا اللّه، يا فاخر يا اللّه، يا قاهر يا اللّه، يا ربّاه يا اللّه، يا ربّاه يا اللّه، يا ربّاه يا اللّه،

ص:213

يا ودود يا اللّه، يا نور يا اللّه، يا دافع يا اللّه، يا مانع يا اللّه، يا فاتح يا اللّه، يا نفّاع يا اللّه، يا جليل يا اللّه، يا جميل يا اللّه، يا شهيد يا اللّه، يا شاهد يا اللّه، يا حبيب يا اللّه، يا فاطر يا اللّه، يا مطهّر يا اللّه، يا مالك يا اللّه، يا مقتدر يا اللّه، يا قابض يا اللّه، يا باسط يا اللّه، يا محيي يا اللّه، يا مميت يا اللّه، يا مجيب يا اللّه، يا باعث يا اللّه، يا معطي يا اللّه، يا مفضل يا اللّه، يا منعم يا اللّه، يا حقّ يا اللّه، يا مبين يا اللّه، يا طيّب يا اللّه، يا معيد يا اللّه، يا محسن يا اللّه، يا مبدئ يا اللّه، يا معيد يا اللّه، يا بارئ يا اللّه، يا بديع يا اللّه، يا هادي يا اللّه، يا كافي يا اللّه، يا شافي يا اللّه، يا عليّ يا اللّه، يا حنّان يا اللّه، يا منّان يا اللّه، يا ذا الطّول يا اللّه، يا متعالي يا اللّه، يا عدل يا اللّه، يا ذا المعارج يا اللّه، يا صادق يا اللّه، يا ديّان يا اللّه، يا باقي يا اللّه، يا ذا الجلال يا اللّه، يا ذا الإكرام يا اللّه، يا معبود يا اللّه، يا محمود يا اللّه، يا صانع يا اللّه، يا معين يا اللّه، يا مكوّن يا اللّه، يا فعّال يا اللّه، يا لطيف يا اللّه، يا غفور يا اللّه، يا شكور يا اللّه، يا نور يا اللّه، يا حنّان يا اللّه، يا قدير يا اللّه، يا ربّاه يا اللّه، يا ربّاه يا اللّه، يا ربّاه يا اللّه، يا ربّاه يا اللّه، يا ربّاه يا اللّه، أسألك أن تصلّي على محمّد و آل محمّد، و تمنّ عليّ برضاك و تعفو عنّي بحلمك، و توسّع عليّ من رزقك الحلال الطّيّب من حيث أحتسب و من حيث لا أحتسب فإنّي عبدك ليس لي أحد سواك و لا أجد أحدا أسأله غيرك يا أرحم الرّاحمين، ما شاء اللّه لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم.

و بعد تلاوة هذا الدعاء يسجد المصلّي و يقول في سجوده:

يا اللّه، يا اللّه، يا اللّه، يا ربّ، يا ربّ يا منزل البركات، بك تنزل

ص:214

كلّ حاجة أسألك بكلّ اسم في مخزون الغيب عندك و الأسماء المشهورات عندك المكتوبة على سرادق عرشك أن تصلّي على محمّد و آل محمّد، و أن تقبل منّي شهر رمضان، و تكتبني في الوافدين إلى بيتك الحرام، و تصفح لي عن الذّنوب العظام و تستخرج لي يا ربّ كنوزك يا رحمن(1).

ص:215


1- الصحيفة العلوية الثانية : ٢٣٣ _ ٢٣٦ ، نقلا عن المضمار.

دعاؤه عليه السّلام في النصف من رجب

أمّا النصف من رجب فهو من الأيّام المباركة عند الشيعة، ففي هذا اليوم تستحبّ زيارة سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين عليه السّلام، و نظرا لعظم هذا اليوم فقد كان الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء:

اللّهمّ يا مذلّ كلّ جبّار عنيد، و يا معزّ المؤمنين، أنت كهفى حين تعييني المذاهب، و أنت يا ربّ خلقتني رحمة بي، و قد كنت عن خلقي غنيّا، و لو لا رحمتك لكنت من الهالكين، و أنت مؤيّدي بالنّصر على أعدائي، و لو لا نصرك إيّاي لكنت من المقبوحين، يا مرسل الرّحمة من معادنها، و يا منشئ البركة من مواضعها، يا من خصّ نفسه بالسّموّ و الرّفعة فأولياؤه بعزّته يتعزّزون، و يا من وضعت له الملوك بنير(1) المذلّة على أعناقهم فهم من سطواته خائفون، أسألك بربوبيّتك الّتي اشتققتها من كبريائك، و أسألك بكبريائك الّتي اشتققتها من عزّتك، و أسألك بعزّتك الّتي استويت بها على عرشك فخلقت بها جميع خلقك فهم لك مذعنون، أن تصلّي على محمّد و أهل بيته. و كان يذكر بعد هذا الدعاء حاجته(2).

ص:216


1- الخشبة على عنق الثور بأداتها.
2- الصحيفة العلوية : ١٦١ _ ١٦٢.

دعاؤه عليه السّلام في شهر شعبان

من الأشهر الكريمة في الإسلام شهر شعبان، ففي الثالث منه ولادة أبي الأحرار الإمام الحسين، و في نصفه ولادة المصلح الأعظم قائم آل محمّد عليه السّلام، و في نصفه أيضا زيارة الإمام الحسين عليه السّلام، و كان الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام يدعو فيه بهذا الدعاء:

اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و اسمع دعائي إذا دعوتك، و اسمع ندائي إذا ناديتك، و أقبل عليّ إذا ناجيتك، فقد هربت إليك، و وقفت بين يديك مستكينا لك، متضرّعا إليك، راجيا لما لديك ثوابي، و تعلم ما في نفسي، و تخبر حاجتي، و تعرف ضميري، و لا يخفى عليك أمر منقلبي و مثواي، و ما أريد أن أبدئ به من منطقي، و أتفوّه به من طلبتي، و أرجوه لعاقبتي، و قد جرت مقاديرك عليّ يا سيّدي فيما يكون منّي إلى آخر عمري من سريرتي و علانيتي، و بيدك لا بيد غيرك زيادتي و نقصي و نفعي و ضرّي.

إلهي إن حرمتني فمن ذا الّذي يرزقني، و إن خذلتني فمن ذا الّذي ينصرني.

إلهي أعوذ بك من غضبك و حلول سخطك.

إلهي إن كنت غير مستأهل لرحمتك فأنت أهل أن تجود عليّ بفضل سعتك.

إلهي كأنّي بنفسي واقفة بين يديك، و قد أظلّها حسن توكّلي عليك، ففعلت

ص:217

ما أنت أهله و تغمّدتني بعفوك.

إلهي إن عفوت فمن أولى منك بذلك؟ و إن كان قد دنا أجلي و لم يدنني منك عملي فقد جعلت الإقرار بالذّنب إليك وسيلتي.

إلهي قد جرت على نفسي بالنّظر لها فلها الويل! إن لم تغفر لها.

إلهي لم يزل برّك عليّ أيّام حياتي فلا تقطع برّك عنّي في مماتي.

إلهي كيف آيس من حسن نظرك لي بعد مماتي و أنت لم تولّني إلاّ الجميل في حياتي.

إلهي تولّ من أمري ما أنت أهله، وعد بفضلك على مذنب قد غمره جهله.

إلهي قد سترت عليّ ذنوبا في الدّنيا، و أنا أحوج إلى سترها عليّ منك في الأخرى. إلهي قد أحسنت إليّ إذ لم تظهرها لأحد من عبادك الصّالحين فلا تفضحني يوم القيامة على رءوس الأشهاد.

إلهي جودك بسط أملي، و عفوك أعظم من عملي. إلهي فسرّني بلقائك يوم تقضي فيه بين عبادك.

إلهي اعتذاري إليك اعتذار من لم يستغن عن قبول عذره فاقبل عذري يا كريم، يا أكرم من اعتذر إليه المسيئون.

إلهي لا تردّ حاجتي، و لا تخيّب طمعي، و لا تقطع منك رجائي و أملي.

إلهي لو أردت هواني لم تهدني، و لو أردت فضيحتى لم تعافني. إلهي ما أظنّك تردّني في حاجة قد أفنيت عمري في طلبها منك. إلهي فلك الحمد أبدا أبدا دائما سرمدا يزيد و لا يبيد كما تحبّ و ترضى. إلهي إن أخذتني بجرمي أخذتك بعفوك، و إن أخذتني بذنوبي أخذتك بمغفرتك، و إن أدخلتني النّار أعلمت أهلها

ص:218

أنّي احبّك.

إلهي إن كان قد صغر في جنب طاعتك عملي فقد كبر في جنب رجائك أملي. إلهي كيف أنقلب من عندك بالخيبة محروما و قد كان حسن ظنّي بجودك أن تقلبني بالنّجاة مرحوما، إلهي و قد أفنيت عمري في شرّة السّهو عنك، و أبليت شبابي في سكرة التّباعد منك. إلهي فلم أستيقظ أيّام اغتراري بك، و ركوني إلى سبيل سخطك.

إلهي و أنا عبدك و ابن عبديك قائم بين يديك، متوسّل بكرمك إليك. إلهي أنا عبد أتنصّل إليك ممّا كنت اواجهك به من قلّة استحيائي من نظرك، و أطلب العفو منك إذ العفو نعت لكرمك.

إلهي لم يكن لي حول فأنتقل به عن معصيتك إلاّ في وقت أيقظتني لمحبّتك و كما أردت أن أكون كنت فشكرتك بادخالي في كرمك، و لتطهير قلبي من أوساخ الغفلة عنك.

إلهي انظر إليّ نظر من ناديته فاجابك، و استعملته بمعونتك فأطاعك، يا قريبا لا يبعد عن المغترّ به، و يا جوادا لا يبخل عمّن رجى ثوابه. إلهي هب لي قلبا يدنيه منك شوقه، و لسانا يرفع إليك صدقه، و نظرا يقرّبه منك حقّه.

إلهي إنّ من تعرّف بك غير مجهول، و من لاذ بك غير مخذول، و من أقبلت عليه غير مملول. إلهي إنّ من انتهج بك لمستنير، و إنّ من اعتصم بك لمستجير و قد لذت بك يا إلهي فلا تخيّب ظنّي من رحمتك و لا تحجبني عن رأفتك.

إلهي أقمني في أهل ولايتك مقام من رجا الزّيادة من محبّتك. إلهي و ألهمني و لها بذكرك إلى ذكرك، و اجعل همّي في روح نجاح أسمائك و محلّ قدسك. إلهي بك عليك - أي أقسم - إلاّ ألحقتني بمحلّ أهل طاعتك، و المثوى الصّالح من مرضاتك

ص:219

فإنّي لا أقدر لنفسي دفعا، و لا أملك لها نفعا.

إلهي أنا عبدك الضّعيف المذنب، و مملوكك المنيب فلا تجعلني ممّن صرفت عنه وجهك، و حجبه سهوه عن عفوك. إلهي هب لى كمال الانقطاع إليك، و أنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النّور فتصل إلى معدن العظمة و تصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك.

إلهي و اجعلني ممّن ناديته فأجابك، و لاحظته فصعق لجلالك فناجيته سرّا، و عمل لك جهرا.

إلهي لم أسلّط على حسن ظنّي قنوط الأياس، و لا انقطع رجائي من جميل كرمك.

إلهي إن كانت الخطايا قد أسقطتني لديك فاصفح عنّي بحسن توكّلي عليك. إلهي إن حطّتني الذّنوب من مكارم لطفك فقد نبّهني اليقين إلى كرم عفوك.

إلهي إن أنامتني الغفلة عن الاستعداد للقائك فقد نبّهتني المعرفة بكرم آلائك.

إلهي إن دعاني إلى النّار عظيم عقابك فقد دعاني إلى الجنّة جزيل ثوابك.

إلهي فلك أسأل و إليك أبتهل و أرغب و أسألك أن تصلّي على محمّد و آل محمّد و أن تجعلني ممّن يديم ذكرك، و لا ينقض عهدك، و لا يغفل عن شكرك، و لا يستخفّ بأمرك.

إلهي و ألحقني بنور عزّك الأبهج فأكون لك عارفا، و عن سواك منحرفا، و منك خائفا مراقبا، يا ذا الجلال و الإكرام، و صلّى اللّه على محمّد رسوله و آله الطّاهرين و سلّم تسليما كثيرا(1).

ص:220


1- الصحيفة العلوية : ١٦٢ _ ١٦٩.

ادعيته عليه السّلام

اشارة

في بحر الاسبوع

و هام الإمام عليه السّلام بذكر اللّه تعالى و عبادته فكان في جميع أوقات حياته يلهج بحمده و دعائه، و قد ذكرنا عرضا لأدعيته الجليلة كان يدعو بها في الليل و النهار، و في كلّ مناسبة مرّت عليه، و بالإضافة لها فقد اثرت عنه أدعية خاصّة كان يدعو بها في بحر الاسبوع كان منها ما يلي:

دعاؤه عليه السّلام

يوم الجمعة

و قد ذكرناه في طليعة هذا الكتاب، و قد حفل ببحوث كلامية عرضنا لشرحها و بيان بعضها.

دعاؤه عليه السّلام

يوم السبت

الحمد للّه الّذي قرن رجائي بعفوه، و فسح أملي بحسن تجاوزه و صفحه، و قوّى متني و ظهري و ساعدي و يدي بما عرّفني من جوده و كرمه، و لم يخلني مع مقامي على معصيته و تقصيري في طاعته، و ما يحقّ عليّ من اعتقاد خشيته، و استشعار خيفته من تواتر مننه، و تظاهر نعمه.

ص:221

و سبحان اللّه الّذي يتوكّل كلّ مؤمن عليه، و يضطرّ كلّ جاحد إليه، و لا يستغني أحد إلاّ بفضل ما لديه.

و لا إله إلاّ اللّه المقبل على من أعرض عن ذكره، و التّوّاب على من تاب إليه من عظيم ذنبه، السّاخط على من قنط من واسع رحمته و يئس من عاجل روحه، و اللّه أكبر خالق كلّ شيء و مالكه، و مبيد كلّ شيء و مهلكه.

و اللّه أكبر كبيرا كما هو أهله و مستحقّه.

اللّهمّ صلّ على محمّد عبدك و نبيّك و رسولك و أمينك و شاهدك التّقيّ النّقيّ، و على آل محمّد الطّيّبين الطّاهرين.

اللّهمّ إنّي أسألك سؤال معترف بذنبه، نادم على اقتراف تبعته، و أنت أولى من اعتمد و عفا، و جاد بالمغفرة على من ظلم، فقد أوبقتني الذّنوب في مهاوي الهلكة، و أحاطت بي الآثام و بقيت غير مستقلّ بها، و أنت المرتجى و عليك المعوّل في الشّدّة و الرّخاء، و أنت ملجأ الخائف الغريق، و أرأف من كلّ شفيق، و إليك قصدت سيّدي، و أنت منتهى القصد للقاصدين، و أرحم من استرحم في تجاوزك عن المذنبين.

اللّهمّ أنت الّذي لا يتعاظمك غفران الذّنوب، و كشف الكروب، و أنت علاّم الغيوب، و ستّار العيوب، و كشّاف الكروب، لأنّك الباقي الرّحيم الّذي تسربلت بالرّبوبيّة، و توحّدت بالإلهيّة.

و من بنود هذا الدعاء قوله:

إلهي أتقرّب إليك بسعة رحمتك الّتي وسعت كلّ شيء، فقد ترى يا ربّ

ص:222

مكاني، و تطّلع على ضميري، و تعلم سرّي، و لا يخفى عليك أمري، و أنت أقرب إليّ من حبل الوريد، فتب عليّ توبة لا أعود بعدها فيما يسخطك، و اغفر لي مغفرة لا أرجع معها إلى معصيتك يا أكرم الأكرمين.

إلهي أنت الّذي أصلحت قلوب المفسدين، فصلحت بإصلاحك إيّاها فاصلحني بإصلاحك، و أنت الّذي مننت على الضّالّين فهديتهم برشدك عن الضّلالة، و على الجاحدين عن قصدك فسدّدتهم، و قوّمت منهم عثر الزّلل فمنحتهم محبّتك و جنّبتهم معصيتك، و أدرجتهم درج المغفور لهم، و أحللتهم محلّ الفائزين، فأسألك يا مولاي أن تلحقني بهم يا أرحم الرّاحمين.

اللّهمّ إنّي أسألك أن تصلّي على محمّد و آل محمّد و أن ترزقني رزقا واسعا حلالا طيّبا في عافية، و عملا يقرّب إليك يا خير مسئول.

اللّهمّ و أتضرّع إليك ضراعة مقرّ على نفسه بالهفوات و أتوب إليك يا توّاب.

فلا تردّني خائبا من جزيل عطائك يا وهّاب، فقديما جدت على المذنبين بالمغفرة، و سترت على عبيدك قبيحات الفعال، يا جليل، يا متعال، أتوجّه إليك بمن أوجبت حقّه عليك إذ لم يكن لي من الخير ما أتوجّه به إليك، و حالت الذّنوب بيني و بين المحسنين، و إذ لم يوجب لي عملي مرافقة النّبيّين فلا تردّ سيّدي توجّهي بمن توجّهت أ تخذلني يا ربّ و أنت أملي، أم تردّ يدي صفرا من العفو و أنت منتهى رغبتي، يا من هو موجود معروف بالجود، و الخلق له عبيد و إليه مردّ الأمور، فصلّ على محمّد و آل محمّد، وجد عليّ بإحسانك الّذي فيه الغنى عن القريب و البعيد و الأعداء و الإخوان و الأخوات و ألحقني بالّذين غمرتهم

ص:223

بسعة تطوّلك و كرامتك لهم، و تطوّلك عليهم، و جعلتهم أطايب أبرارا أتقياء أخيارا، و لنبيّك محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في دارك جيرانا، و اغفر لي و للمؤمنين و المؤمنات مع الآباء و الأمّهات و الإخوة و الأخوات يا أرحم الرّاحمين(1).

ص:224


1- الصحيفة العلوية : ٤٥٠ _ ٤٥٥.

دعاؤه عليه السّلام

يوم الأحد

كان الإمام عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء في يوم الأحد و هذا نصّه:

الحمد للّه على حلمه و أناته، و الحمد للّه على علمي بأنّ ذنبي و إن كبر صغير في جنب عفوه، و جرمي و إن عظم حقير عند رحمته.

و سبحان اللّه الّذي رفع السّماوات بغير عمد، و أنشأ جنّات المأوى بلا أمد، و خلق الخلائق بلا ظهير و لا سند.

و لا إله إلاّ اللّه المنذر من عند عن طاعته، و عتى عن أمره، و المحذّر من لجّ في معصيته، و استكبر عن عبادته، و المعذر إلى من تمادى في غيّه و ضلالته، لتثبيت حجّته عليه، و علمه بسوء عاقبته.

و اللّه أكبر الجواد الكريم الّذي ليس لقديم إحسانه، و عظيم امتنانه على جميع خلقه نهاية، و لا لقدرته و سلطانه على بريّته غاية.

اللّهمّ صلّ على محمّد و على أهل بيته، و بارك على محمّد و على أهل بيته كأفضل ما صلّيت و باركت على إبراهيم و آل إبراهيم إنّك حميد مجيد.

اللّهمّ إنّي أسألك سؤال مذنب أوبقته معاصيه في ضيق المسالك، و ليس له مجير سواك، و لا له أمل غيرك، و لا مغيث أرأف به منك، و لا معتمد يعتمد عليه غيرك، أنت مولاي الّذي جدت بالنّعم قبل استحقاقها و أهّلتها بتطوّلك غير

ص:225

مؤهّليها، و لم يعزّك منع، و لا أكداك إعطاء و لا أنفد سعتك سؤال ملحّ، بل أردت أرزاق عبادك تطوّلا منك عليهم.

اللّهمّ كلّت العبارة عن بلوغ مدحتك، و هفت الألسن عن نشر محامدك و تفضّلك، و قد تعمّدتك بقصدي إليك، و إن أحاطت بي الذّنوب و أنت أرحم الرّاحمين، و أكرم الأكرمين، و أجود الأجودين، و أنعم الرّازقين، و أحسن الخالقين، الأوّل و الآخر، و الظّاهر و الباطن، أجلّ و أعزّ و أرأف من أن تردّ من أمّلك و رجاك، و طمع فيما عندك، فلك الحمد يا أهل الحمد.

إلهي إنّي جرت على نفسي في النّظر لها، و سالمت الأيّام باقتراف الآثام، و أنت وليّ الإنعام ذو الجلال و الإكرام، فما بقي إلاّ نظرك لها، فاجعل مردّها منك بالنّجاح، و أجمل النّظر منك لها بالفلاح، فأنت المعطي النّفاح ذو الآلاء و النّعم و السّماح، يا فالق الإصباح، امنحها سؤلها و إن لم تستحقّ يا غفّار.

اللّهمّ إنّي أسألك باسمك الّذي تمضي به المقادير، و بعزّتك الّتي تتمّ به التّدابير أن تصلّي على محمّد و آله، و ترزقني رزقا واسعا حلالا طيّبا من فضلك و أن لا تحول بيني و بين ما يقرّبني منك يا حنّان يا منّان.

اللّهمّ و أدرجني فيمن أبحت له من غفرانك و عفوك و رضاك، و أسكنته جنانك برأفتك و طولك و امتنانك.

يا إلهي أنت أكرمت أولياءك بكرامتك فأوجبت لهم حياطتك، و أظللتهم برعايتك من التّتابع في المهالك، و أنا عبدك فأنقذني، و ألبسني العافية، و إلى طاعتك فمل بي، و عن طغيانك و معاصيك فردّني، فقد عجّت إليك الأصوات

ص:226

بضروب اللّغات يسألونك الحاجات الّتي ترتجى لمحق العيوب و غفران الذّنوب يا علاّم الغيوب.

اللّهمّ إنّي أستهديك فاهدني، و أعتصم بك فاعصمني، و أدّ عنّي حقوقك عليّ إنّك أهل التّقوى و أهل المغفرة، و اصرف عنّي شرّ كلّ ذي شرّ إلى خير ما لا يملكه أحد سواك، و احتمل عنّي مفترضات حقوق الآباء و الأمّهات، و اغفر لي و للمؤمنين و المؤمنات و الإخوة و الأخوات و القرابات يا وليّ البركات و عالم الخفيّات(1).

ص:227


1- الصحيفة العلوية : ٤٥٥ _ ٤٥٩.

دعاؤه عليه السّلام في يوم الاثنين

و كان الإمام عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء في يوم الاثنين، و هو:

الحمد للّه الّذي هداني للإسلام، و أكرمني بالإيمان، و بصّرني في الدّين، و شرّفني باليقين، و عرّفني الحقّ الّذي عنه يؤفكون، و النّبإ العظيم الّذي هم فيه مختلفون.

و سبحان اللّه الّذي يرزق القاسط و العادل، و العاقل و الجاهل، و يرحم السّاهي و الغافل، فكيف الدّاعي السّائل.

و لا إله إلاّ اللّه اللّطيف بمن شرد عنه من مسرفي عباده ليرجع عن عتوّه و عناده، الرّاضي من المنيب المخلص بدون الوسع و الطّاقة.

و اللّه أكبر الحليم العليم، الّذي له في كلّ صنف من غرائب فطرته، و عجائب صنعته آية بيّنة توجب له الرّبوبيّة، و على كلّ نوع من غوامض تقديره و حسن تدبيره دليل واضح، و شاهد عدل يقضيان له بالوحدانيّة.

اللّهمّ إنّي أسألك يا من يصرف البلايا، و يعلم الخفايا، و يجزل العطايا، سؤال نادم على اقتراف الآثام، و سالم على المعاصي من اللّيالي و الأيّام؛ إذ لم يجد مجيرا سواك لغفرانها، و لا موئلا يفزع إليه لارتجاء كشف فاقته إلاّ إيّاك يا جليل، الّذي عمّ الخلائق منّك، و غمرتهم سعة رحمتك، و سوّغتهم سوابغ

ص:228

نعمتك، يا كريم المآب، و الجواد الوهّاب، و المنتقم ممّن عصاه بأليم العذاب، دعوتك مقرّا بالإساءة على نفسي، إذ لم أجد ملجا ألجأ إليه في اغتفار ما اكتسبت من الآثام، يا خير من استدعي لبذل الرّغائب، و أنجح مأمول لكشف اللّوازب، لك عنت الوجوه فلا تردّني منك بالحرمان، إنّك تفعل ما تشاء، و تحكم ما تريد.

إلهي و سيّدي و مولاي، أيّ ربّ أرتجيه، أم أيّ إله أقصده، إذا ألمّ بي النّدم، و أحاطت بي المعاصي، و نكائب خوف النّقم، و أنت وليّ الصّفح، و مأوى الكرم؟ إلهي أ تقيمني مقام التّهتّك و أنت جميل السّتر، و تسألني عن اقترافي للسّيّئات على رءوس الأشهاد، و قد علمت مخبيّات السّرّ، فإن كنت يا إلهي مسرفا على نفسي، مخطئا عليها، بانتهاك الحرمات، ناسيا لما اجترمت من الهفوات، فأنت لطيف تجود على المسرفين برحمتك، و تتفضّل على الخاطئين بكرمك، فارحمني يا أرحم الرّاحمين، فإنّك تسكّن يا إلهي بتحنّنك روعات قلوب الوجلين، و تحقّق بتطوّلك أمل الآملين، و تفيض سجال عطاياك على غير المستأهلين، فآمنّي برجاء لا يشوبه قنوط، و أمل لا يكدّره يأس، يا محيطا بكلّ شيء علما.

و قد أصبحت سيّدي و أمسيت على باب من أبواب منحك سائلا، و عن التّعرّض لسواك بالمسألة عادلا، و ليس من جميل امتنانك ردّ سائل مأسور ملهوف، و مضطرّ لانتظار خيرك المألوف.

إلهي أنت الّذي عجزت الأوهام عن الإحاطة بك، و كلّت الألسن عن نعت

ص:229

ذاتك، فبآلائك و طولك صلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفر لي ذنوبي، و أوسع عليّ من فضلك الواسع رزقا واسعا حلالا طيّبا في عافية، و أقلني العثرة يا غاية الآملين، و جبّار السّماوات و الأرضين، و الباقي بعد فناء الخلق أجمعين، و ديّان يوم الدّين، و أنت يا مولاي ثقة من لم يثق بنفسه لافراط خلله، و أمل من لم يكن له تأميل لكثرة زلله، و رجاء من لم يرتج لنفسه بوسيلة عمله.

إلهي فأنقذني برحمتك من المهالك، و نجّني يا مولاي من ضيق المسالك، و أحللني دار الأخيار، و اجعلني مرافق الأبرار، و اغفر لي ذنوب اللّيل و النّهار، يا مطّلعا على الأسرار، و احتمل عنّي مولاي أداء ما افترضت عليّ للآباء و الأمّهات، و الإخوان و الأخوات بلطفك و كرمك يا ذا الجلال و الإكرام، و أشركنا في دعاء من استجبت له من المؤمنين و المؤمنات إنّك عالم جواد كريم وهّاب، و صلّى اللّه على محمّد و آله و سلّم تسليما(1).

ص:230


1- الصحيفة العلوية : ٤٦٠ _ ٤٦٤.

دعاؤه عليه السّلام

في يوم الثلاثاء

كان إمام المتّقين عليه السّلام يدعو اللّه تعالى بهذا الدعاء في يوم الثلاثاء:

الحمد للّه الّذي منّ عليّ باستحكام المعرفة و الإخلاص بالتّوحيد له، و لم يجعلني من أهل الغواية و الغباوة و الشّك و الشّرك، و لا ممّن استحوذ الشّيطان عليه فأغواه و أضلّه، و اتّخذ إلهه هواه.

و سبحان اللّه الّذي يجيب المضطرّ، و يكشف الضّرّ، و يعلم السّرّ، و يملك الخير و الشّرّ.

و لا إله إلاّ اللّه الّذي يحلم عن عبده إذا عصاه، و يتلقّاه بالإسعاف و التّلبية إذا دعاه.

و اللّه أكبر، البسيط ملكه، المعدوم شركه، المجيد عرشه، الشّديد بطشه.

اللّهمّ إنّي أسألك سؤال من لم يجد لسؤاله مسئولا سواك، و أعتمد عليك اعتماد من لم يجد لاعتماده معتمدا غيرك لأنّك الأوّل الّذي ابتدأت الابتداء فكوّنته بأيدي تلطّفك فاستكان على مشيّتك منشأ كما أردت بإحكام التّقدير، و أنت أعزّ و أجلّ من أن تحيط العقول بمبلغ وصفك، أنت العالم الّذي لا يعزب عنك مثقال ذرّة في الأرض و السّماء، و الجواد الّذي لا يبخّلك إلحاح الملحّين، فإنّما أمرك لشيء إذا أردته أن تقول له كن فيكون، أمرك ماض، و وعدك حتم،

ص:231

و حكمك عدل، لا يعزب عنك شيء، و إليك مردّ كلّ شيء، احتجبت بآلائك فلم تر، و شهدت كلّ نجوى، و تعاليت على العلى، و تفرّدت بالكبرياء، و تعزّزت بالقدرة و البقاء، فلك الحمد في الآخرة و الأولى، و لك الشّكر في البدء و العقبى، أنت إلهي حليم قادر، رءوف غافر، و ملك قاهر، و رازق بديع، مجيب سميع، بيدك نواصي العباد و نواحي البلاد، حيّ قيّوم، جواد ماجد، كريم رحيم.

أنت إلهي المالك الّذي ملكت الملوك فتواضع لهيبتك الأعزّاء، و دانت لك بالطّاعة الأولياء، فاحتويت بإلهيّتك على المجد و الثّناء، و لا يؤودك حفظ خلقك، و أنت علاّم الغيوب، سترت عليّ عيوبي و أحصيت عليّ ذنوبي، و أكرمتني بمعرفة دينك، و لم تهتك عنّي جميل سترك يا حنّان، و لم تفضحني يا منّان، أسألك أن تصلّي على محمّد و آل محمّد، و أن توسّع عليّ من فضلك الواسع رزقا حلالا طيّبا، و أن تغفر لي ذنوبا حالت بيني و بينك باقترافي لها فأنت أهل أن تجود عليّ بسعة رحمتك، و تنقذني من أليم عقوبتك، و تدرجني درج المكرمين، و تلحقني مولاي بالصّالحين مع الّذين تتوفّاهم الملائكة طيّبين يقولون: سلام عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون، بصفحك و تغمّدك يا رءوف يا رحيم.

يا ربّ و أسألك الصّلاة على محمّد و آل محمّد، و أن تحتمل عنّي واجب الآباء و الأمّهات و أدّ حقوقهم عنّي، و ألحقني معهم بالأبرار و المؤمنين و المؤمنات، و أغفر لي و لهم جميعا إنّك حميد مجيد و صلّى اللّه على محمّد و آله أجمعين(1).

ص:232


1- الصحيفة العلوية : ٤٦٤ _ ٤٦٨.

دعاؤه عليه السّلام

في يوم الأربعاء

من أدعية الإمام عليه السّلام في يوم الأربعاء هذا الدعاء:

الحمد للّه الّذي مرضاته في الطّلب إليه، و التماس ما لديه، و سخطه في ترك الإلحاح في المسألة عليه.

و سبحان اللّه شاهد كلّ نجوى بعلمه، و المباين لكلّ ذي جسم بنفسه، و لا إله إلاّ اللّه الّذي لا يدرك بالعيون و الأبصار، و لا يجهل بالعقول و الألباب، و لا يخلو من الضّمير و يعلم خائنة الأعين و ما تخفي الصّدور.

و اللّه أكبر المتجلّل عن صفات المخلوقين، المطّلع على ما في قلوب الخلائق أجمعين.

اللّهمّ إنّي أسألك سؤال من لا يملّ دعاء ربّه، و أتضرّع إليك تضرّع غريق يرجو كشف كربه، و أبتهل إليك ابتهال تائب من ذنوبه و خطاياه، و أنت الرّءوف الّذي ملكت الخلائق كلّهم، و فطرتهم أجناسا مختلفات الألوان و الأقدار على مشيّتك، و قدّرت آجالهم و أرزاقهم، فلم يتعاظمك خلق خلق حتّى كوّنته كما شئت فتعاليت و تجبّرت عن اتّخاذ وزير، و تعزّزت من مؤامرة شريك، و تنزّهت عن اتّخاذ الأبناء، و تقدّست عن ملامسة النّساء، فليست الأبصار بمدركة لك، و لا الأوهام بواقعة عليك، و ليس لك شريك و لا ندّ، و لا عديل و لا نظير،

ص:233

أنت الفرد الواحد الدّائم، الأوّل و الآخر، و العالم الأحد، الصّمد القائم، الّذي لم تلد و لم تولد، و لم يكن لك كفوا أحد، لا توصف بوصف، و لا تدرك بوهم، و لا يغيّرك في مرّ الدّهور صرف، كنت أزليّا لم تزل، و لا تزال، و علمك بالأشياء في الخفاء كعلمك بها في الإجهار و الإعلان، فيا من ذلّت لعظمته العظماء، و خضعت لعزّته الرّؤساء، و من كلّت عن بلوغ ذاته ألسن البلغاء، و من أحكم تدبير الأشياء، و استعجمت عن إدراكه عبارة علوم العلماء.

يا سيّدي أ تعذّبني بالنّار و أنت أملي، أو تسلّطها عليّ بعد إقراري لك بالتّوحيد، و خضوعي و خشوعي لك بالسّجود، أو تلجلج لساني في الموقف، و قد مهّدت لي بمنّك سبل الوصول إلى التّسبيح و التّحميد و التّمجيد، فيا غاية الطّالبين، و أمان الخائفين، و عماد الملهوفين، و غياث المستغيثين، و جار المستجيرين، و كاشف ضرّ المكروبين، و ربّ العالمين، و أرحم الرّاحمين، صلّ على محمّد و آل محمّد، و تب عليّ و ألبسني العافية، و ارزقني من فضلك رزقا واسعا، و اجعلني من التّوّابين.

اللّهمّ إن كنت كتبتني شقيا عندك فإنّي أسألك بمعاقد العزّ من رحمتك، و بالكبرياء و العظمة الّتي لا يقاومها متكبّر و لا عظيم أن تصلّي على محمّد و آل محمّد، و أن تحوّلني سعيدا، فإنّك تجري الأمور على إرادتك، و تجير و لا يجار عليك، و أنت على كلّ شيء قدير، و أنت الرّءوف الرّحيم الخبير، تعلم ما في نفسي، و لا أعلم ما في نفسك، إنّك أنت علاّم الغيوب فالطف بي، فقديما لطفت بمسرف على نفسه فامنن عليّ فقد مننت على غريق في بحور خطيئته

ص:234

هائما أسلمته للحتوف كثرة زلله، و تطوّل عليّ يا متطوّلا على المذنبين بالصّفح و العفو، فإنّك لم تزل آخذا بالفضل على الخاطئين، و الصّفح على العاثرين، و من وجب له باجترائه على الآثام حلول دار البوار، يا عالم الخفيّات و الأسرار، يا جبّار يا قهّار، و ما ألزمتنيه مولاي من فرض الآباء و الأمّهات و واجب حقوقهم مع الإخوان و الأخوات فاحتمل ذلك عنّي إليهم و أدّه يا ذا الجلال و الإكرام، و اغفر للمؤمنين و المؤمنات إنّك على كلّ شيء قدير(1).

ص:235


1- الصحيفة العلوية : ٤٦٨ _ ٤٧٢.

دعاؤه عليه السّلام

في يوم الخميس

و كان من أدعيته الجليلة في يوم الخميس هذا الدعاء:

الحمد للّه الّذي له في كلّ نفس من الأنفاس، و خطرة من الخطرات منّا منن لا تحصى، و في كلّ لحظة من اللّحظات نعم لا تنسى، و في كلّ حال من الحالات عائدة لا تخفى.

و سبحان اللّه الّذي يقهر القويّ، و ينصر الضّعيف، و يجبر الكسير، و يغني الفقير، و يقبل اليسير، و يعطي الكثير، و هو على كلّ شيء قدير.

و لا إله إلاّ اللّه السّابغ النّعمة، البالغ الحكمة، الدّامغ الحجّة، الواسع الرّحمة، المانح العصمة.

و اللّه أكبر ذو السّلطان المنيع، و البنيان الرّفيع، و الإنشاء البديع، و الحساب السّريع.

و صلّى اللّه على محمّد خير النّبيّين و آله الطّاهرين، و سلّم تسليما.

اللّهمّ إنّي أسألك سؤال الخائف من وقفة الموقف، الوجل من العرض، المشفق من الخشية لبوائق القيامة، المأخوذ على الغرّة، النادم على خطيئته، المسئول المحاسب، المثاب المعاقب، الّذي لم يكنّه مكان عنك، و لا وجد مفرّا إلاّ إليك، متنصّلا ملتجئا من سيّئ عمله، مقرّا بعظم ذنوبه، قد أحاطت به

ص:236

الهموم، و ضاقت عليه رحائب التّخوم، موقن بالموت، مبادر بالتّوبة قبل الفوت، إن مننت بها عليه و عفوت، فأنت إلهي و رجائي إذا ضاق عنّي الرّجاء، و ملجئي إذا لم أجد فناء للالتجاء، توحّدت يا سيّدي بالعزّ و العلاء، و تفرّدت بالوحدانيّة و البقاء، و أنت المتعزّز المتفرّد بالمجد، فلك ربّي الحمد لا يواري منك مكان، و لا يغيّرك دهر و لا زمان، ألّفت بلطفك الفرق، و فلقت بقدرتك الفلق، و أنرت بكرمك دياجي الغسق، و أجريت المياه من الصّمّ الصّياخيد عذبا و اجاجا، و أنهرت من المعصرات ماء ثجّاجا، و جعلت الشّمس للبريّة سراجا وهّاجا، و القمر و النّجوم أبراجا، من غير أن تمارس فيما ابتدأت لغوبا و لا علاجا، و أنت إله كلّ شيء و خالقه، و جبّار كلّ مخلوق و رازقه، فالعزيز من أعززت، و الذّليل من أذللت، و السّعيد من أسعدت، و الشّقيّ من أشقيت، و الغنيّ من أغنيت، و الفقير من أفقرت، أنت وليّي و مولاي و عليك رزقي، و بيدك ناصيتي، فصلّ على محمّد و آل محمّد و افعل بي ما أنت أهله، وعد بفضلك على عبد قد غمره جهله، و استولى عليه التّسويف حتّى سالم الأيّام، فارتكب المحارم و الآثام، فاجعلني سيّدي عبدا يفزع إلى التّوبة، فإنّها مفزع المذنبين، و أغنني بجودك الواسع عن المخلوقين، و لا تحوجني إلى شرار العالمين، وهب لي عفوك في موقف يوم الدّين، فإنّك أرحم الرّاحمين، و أجود الأجودين، و أكرم الأكرمين، يا من له الأسماء الحسنى، و الأمثال العليا، و جبّار السّماوات و الأرضين، إليك قصدت راجيا فلا تردّ يدي عن سنيّ مواهبك صفرا، إنّك جواد مفضال، يا رءوفا بالعباد، و من هو لهم بالمرصاد، أسألك أن تصلّي على محمّد و آل محمّد و أن تجزل

ص:237

ثوابي، و تحسن مآبي، و تستر عيوبي، و تغفر ذنوبي، و تنقذني مولاي بفضلك من أليم العقاب، إنّك جواد كريم وهّاب، فقد ألقتني السّيّئات و الحسنات بين ثواب و عقاب، و قد رجوتك أن تكون بلطفك تتغمّد عبدك المقرّ بفوادح العيوب بجودك و كرمك يا غافر الذّنوب، و تصفح عن زلله فليس لي يا سيّدي ربّ أرتجيه غيرك، و لا إله أسأله جبر فاقتي و مسكنتي سواك، فلا تردّني منك بالخيبة، يا مقيل العثرات، و كاشف الكربات.

إلهي فسرّني فإنّي لست بأوّل من سررته يا وليّ النّعم، و شديد النّقم، و دائم المجد و الكرم، و اخصصني منك بمغفرة لا يقارنها شقاء، و سعادة لا يدانيها أذى، و ألهمني تقاك و محبّتك، و جنّبني موبقات معصيتك، و لا تجعل للنّار عليّ سلطانا، إنّك أهل التّقوى و أهل المغفرة، و قد دعوتك، و تكفّلت بالإجابة فلا تخيّب سائلك، و لا تخذل طالبك، و لا تردّ آملك، يا خير مأمول، و أسألك برأفتك و رحمتك و فردانيّتك و ربوبيّتك، يا من هو على كلّ شيء قدير، و بكلّ شيء محيط، فاكفني ما أهمّني من أمر دنياي و آخرتي، فإنّك سميع الدّعاء، لطيف لما تشاء، و أدرجني درج من أوجبت له حلول دار كرامتك مع أصفيائك، و أهل اختصاصك، بجزيل مواهبك في درجات جنّاتك مع الّذين أنعمت عليهم من النّبيّين و الصّدّيقين و الشّهداء و الصّالحين، و حسن اولئك رفيقا، و ما افترضت عليّ فاحتمله عنّي إلى من أوجبت حقوقه من الآباء و الأمّهات، و الإخوة و الأخوات، و اغفر لي و لهم مع المؤمنين و المؤمنات إنّك قريب مجيب واسع البركات، و ذلك عليك يسير يا أرحم الرّاحمين، و صلّى اللّه

ص:238

على محمّد النّبيّ و آله و سلّم تسليما(1).

هذه بعض أدعيته الخاصّة في أيام الاسبوع، و نقل الرواة عنه أبياتا من الشعر نظمها في خصوصيات تلك الأيام و هي:

أرى الأحد المبارك يوم سعد لغرس العود يصلح و البناء

و في الإثنين للتّعليم أمن و بالبركات يعرف و الرّخاء

و إن رمت الحجامة في الثّلاثا فذاك اليوم إهراق الدّماء

و إن أحببت أن تسقى دواء فنعم اليوم يوم الأربعاء

و في يوم الخميس طلاب رزق لإدراك الفوائد و الغناء

و يوم الجمعة التّزويج فيه و لذّات الرّجال مع النّساء

و يوم السّبت إن سافرت فيه وقيت من المكاره و العناء(2)

.

و نقف موقف المتأمّل في هذا الشعر لأنّ الأيام تتساوى في كثير من الآثار الوضعية، اللّهمّ إلاّ أن تكون قد وردت روايات صحيحة السند بها، فنتعبّد بها، كما أنّا نقف موقفا لا يتّسم بالتصديق و الإذعان لبعض الأدعية لأنّ الركة و عدم الفصاحة بادية عليها، و هي لا تتّفق بحال مع بلاغة أمير البيان الذي كان كلامه من مناجم الأدب العربي.

ص:239


1- الصحيفة العلوية : ٤٧٢ _ ٤٧٨.
2- العقد المفصّل ٩ : ٧٠٢ ، ورويت في نزهة الجليس ١ : ٢٥١. مصباح الكفعمي إلاّ أنّها ذكرت في الديوان المنسوب إلى الإمام بصورة أخرى.

ص:240

مع خصومه و اعدائه

اشارة

ص:241

ص:242

و امتحن إمام المتّقين كأشد ما يكون الامتحان و أقساه من أعدائه و خصومه الذين تمرّدوا على الحقّ، و حالوا بين الإمام و بين ما يرومه من الاصلاح الاجتماعي، و تطبيق العدالة الكبرى على حياة الناس، و هذه كوكبة من أدعيته عليهم:

دعاؤه عليه السّلام على قريش

أمّا قريش فهي من ألدّ أعداء الإمام عليه السّلام، فقد أترعت نفوسهم بالحقد و الكراهية له، و قد ناجزوه كما ناجزوا أخاه، و ابن عمّه الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من قبل، و قد دعا عليهم الإمام بهذا الدعاء:

اللّهمّ إنّي أستعديك(1) على قريش، فإنّهم قطعوا رحمي، و غصبوني حقّي، و أجمعوا على منازعتي أمرا كنت أولى به، ثمّ قالوا: ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه، و من الحقّ أن تتركه(2).

لقد جهدت قريش و عملت بكلّ ما تملك من الوسائل على إقصاء الإمام عليه السّلام

ص:243


1- استعديك أي أستعين بك ، وأطلب منك النصر.
2- شرح نهج البلاغة _ ابن أبي الحديد ٤ : ١٠٤.

عن الحكم، و قد أعلن أحد أعمدتهم - بعد وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم - عن تصميم القريشيّين على إبعاد الإمام عن قيادة الأمّة، فقد قال: أبت قريش أن تجتمع النبوة و الخلافة في بيت واحد، لقد اقترفت قريش بما صنعته أعظم الموبقات، و أخلدت للمسلمين الخطوب و الكوارث، و ألقتهم في شرّ عظيم.

دعاؤه عليه السّلام على قريش أيضا

و للإمام عليه السّلام دعاء آخر على قريش التي أجمعت على هضمه و ظلمه، و هو:

اللّهمّ إنّي أستعديك على قريش فإنّهم قطعوا رحمي، و أصغوا إنائي(1)، و صغّروا عظيم منزلتي، و أجمعوا على منازعتي(2).

ص:244


1- أصغى : أي مال.
2- شرح نهج البلاغة _ ابن أبي الحديد ٤ : ١٠٣.

دعاؤه عليه السّلام على طلحة و الزبير

و سارعت القوّات المسلّحة بعد إجهازها على عثمان إلى مبايعة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، كما بادر إلى مبايعته طلحة و الزبير، و كانا يرومان أن يشاركهما الإمام في الحكم، و يوليهما المناصب الحسّاسة في الدولة، ليتّخذا من ذلك وسيلة إلى الثراء العريض، و الاستعلاء على المسلمين، إلاّ أنّ الإمام لم يحقّق أي شيء من أطماعهما لأنّه قد تبنّى العدل الخالص و الحقّ المحض، و يرى أنّ الحكم ليس مغنما، و إنّما هو من أهمّ الوسائل للإصلاح الاجتماعي و النهوض بالامّة إلى أرقى المستويات، و لما خابت آمال طلحة و الزبير أعلنا التمرّد، و العصيان المسلّح، و اغريا عائشة زوجة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فجعلاها واجهة لهم في تبرير خروجهم على حكومة الإمام، و قد رفعا شعار المطالبة بدم عثمان عميد الأسرة الأموية الذي أجهز عليه خيار المسلمين، فكانت واقعة الجمل التي اريق فيها أنهار من دماء المسلمين و شاع في ربوع البصرة و غيرها الثكل و الحزن و الحداد.

و على أي حال فقد دعا الإمام عليه السّلام على طلحة و الزبير بهذا الدعاء:

اللّهمّ إنّ طلحة بن عبيد اللّه أعطاني صفقة يمينه طائعا، ثمّ نكث بيعتي، اللّهمّ فعاجله و لا تمهله. اللّهمّ و إنّ الزّبير بن العوّام قطع قرابتي، و نكث عهدي، و ظاهر عدوّي، و هو يعلم أنّه ظالم لي، فاكفنيه كيف شئت، و أنّى شئت(1).

ص:245


1- مناقب آل أبي طالب ٢ : ١١٢.

و استجاب اللّه دعاء الإمام عليه السّلام فقد سقطا قتيلين في أسوأ معركة ليس فيها بصيص من الشرف و الكرامة، فقد استخدمت لإسقاط حكومة الإمام التي هي أمل الشعوب الإسلامية، و رائدة نهضتها الفكرية و الاجتماعية.

ص:246

دعاؤه عليه السّلام على بسر بن أرطأة

أمّا بسر بن أرطأة فهو مجرم إرهابي أسند إليه معاوية بن هند فرقة من جيشه، و عهد إليه بغزو البلاد الخاضعة لحكومة الإمام و إشاعة القتل و الرعب و الفزع بين أهلها.

و سار بسر بجيشه نحو اليمن فاحتلّها، و قد اقترف فيها أفظع الجرائم و أشدّها فحشا و نكرا، فقتل الأبرياء، و سبى النساء، و أجهز على طفلين لعبيد اللّه بن العبّاس والي اليمن، و قد أنكرت عليه إحدى سيّدات اليمن، فقالت له: إنّ سلطانا لا يقوم إلاّ بقتل الأطفال و العجز لسلطان سوء.

و لما علم الإمام عليه السّلام بالمآسي و النكبات التي حلّت بأهل اليمن بلغ به الحزن أقصاه، و دعا على بسر بهذا الدعاء:

اللّهمّ إنّ بسرا باع دينه بالدّنيا، و انتهك محارمك، و كانت طاعة مخلوق فاجر آثر عنده ممّا عندك.

اللّهمّ فلا تمته حتّى تسلبه عقله، و لا توجب له رحمتك، و لا ساعة من نهار.

اللّهمّ العن بسرا و عمرا و معاوية، و ليحلّ عليهم غضبك، و لتنزل بهم نقمتك، و ليصبهم بأسك و رجزك الّذي لا تردّه عن القوم المجرمين(1).

ص:247


1- مناقب آل أبي طالب ١ : ٤٣٤. الغدير ١١ : ٢٨.

و استجاب اللّه تعالى دعاء الإمام عليه السّلام في بسر فقد سلب اللّه عقله، و تركه هائما على وجهه في الأزقّة و الشوارع تلاحقه الصبيان بالحجارة قد خرقت ثيابه، و علته الأوساخ، و عذاب اللّه أشدّ في حشره و نشره.

ص:248

دعاؤه عليه السّلام على الخوارج

و كان من أقسى و أفجع ما امتحن به الإمام عليه السّلام تمرّد الخوارج و عصيانهم المسلّح في وقت كتب للعالم الإسلامي تقرير مصيره، و فتح آفاق مشرقة له، فقد أشرف جيش الإمام عليه السّلام على الفتح و بدت طلائع النصر واضحة، و لم يبق إلاّ مقدار فواق ناقة للاستيلاء على خصم الإسلام، و عدوّه الألدّ معاوية بن أبي سفيان، ففي تلك الفترات الحاسمة رفع جيش معاوية المصاحف على الرماح داعين إلى تحكيم القرآن مكيدة منهم، و ممّا لا ريب فيه أنّ معاوية لم يؤمن بالقرآن، و لا بالرسول، و إنّما هو على جاهليّته الاولى التي آمن بها.

و على أي حال فقد خدع بدعوة التحكيم فرقة من أقوى الفرق في جيش الإمام و أحاطوا به من كلّ جانب، و هم يهتفون بالتحكيم، و يدعون إلى إيقاف القتال، و إلاّ ناجزوه الحرب، فاضطرّ إلى إجابتهم، و لم يجد بدّا من مسايرتهم، فقد مني بانقلاب عسكري لا طاقة له بمقاومته، و حدثت بعد ذلك شئون مروعة تركت الإمام الممتحن في أرباض الكوفة يدعو جيشه فلا يستجيب له و لا يلتفت إليه، و قد دعا عليه السّلام على هذه الفرقة الضالّة بهذا الدعاء:

اللّهمّ ربّ البيت المعمور، و السّقف المرفوع، و البحر المسجور، و الكتاب المسطور، أسألك الظّفر على هؤلاء الّذين نبذوا كتابك وراء ظهورهم، و فارقوا أمّة أحمد عليه السّلام عتوّا عليك(1).

ص:249


1- قرب الإسناد : ٨. بحار الأنوار ٣٣ : ٣٨٢.

دعاؤه عليه السّلام على الخوارج أيضا

و للإمام عليه السّلام دعاء آخر على الخوارج رواه الإمام الصادق عليه السّلام، و هذا نصّه:

اللّهمّ إنّك أعلنت سبيلا من سبلك فجعلت فيه رضاك، و ندبت إليه أولياءك، و جعلته أشرف سبلك عندك ثوابا، و أكرمها لديك مآبا، و أحبّها إليك مسلكا، ثمّ اشتريت فيه من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأنّ لهم الجنّة، يقاتلون في سبيلك، فيقتلون و يقتلون وعدا عليك حقّا، فاجعلني ممّن اشترى فيه منك نفسه، ثمّ وفى ببيعك الّذي بايعك عليه، غير ناكث، و لا ناقض عهدا، و لا مبدّل تبديلا، إلاّ استنجازا لموعودك، و استيجابا لمحبّتك و تقرّبا به إليك... فصلّ على محمّد و آله، و اجعله خاتمة عملي، و ارزقني فيه لك و بك، مشهدا توجب لي به الرّضا، و تحطّ عنّي به الخطايا، و اجعلني في الأحياء المرزوقين بأيدي العداة العصاة، تحت لواء الحقّ، و راية الهدى ماض على نصرتهم قدما غير مولّ دبرا و لا محدث شكّا، و أعوذ بك عند ذلك من الذّنب المحبط للأعمال(1).

و تجلّى في هذا الدعاء مدى إخلاص الإمام عليه السّلام للحقّ، و تفانيه في طلب مرضاة اللّه تعالى، كما تجلّت فيه روعة البيان و جمال التعبير و جودة السبك.

ص:250


1- التهذيب ٣ : ٨١.

دعاؤه عليه السّلام على بعض أعدائه

كان الإمام عليه السّلام يدعو على بعض أعدائه و خصومه بهذا الدعاء:

اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن اعادي لك وليّا، أو اوالي لك عدوّا، أو أرضى لك سخطا أبدا.

اللّهمّ من صلّيت عليه فصلواتنا عليه، و من لعنته فلعنتنا عليه.

اللّهمّ من كان في موته فرج لنا و لجميع المؤمنين فأرحنا منه، و أبدلنا به من هو خير لنا منه، حتّى ترينا من علم الإجابة ما نعرفه في أدياننا و معايشنا يا أرحم الرّاحمين(1).

و قد حكي هذا الدعاء مدى انقياد الإمام للّه تعالى، فهو يحب من يحبّه اللّه، و يعادي من يعاديه اللّه، فقد سار على هذا الخطّ منذ أن عرف الحياة حتى توفّاه اللّه.

ص:251


1- الصحيفة العلوية الاولى : ٣١.

دعاؤه عليه السّلام على المتخاذلين عن نصرته

و سئم الإمام عليه السّلام كأشدّ ما يكون السّأم من المجتمع الذي عاش فيه فقد نكص معظمهم عن نصرته، و الجهاد معه لإحقاق الحقّ و تدمير الباطل. استمعوا إلى هذا الدعاء الذي يحكي آلامه و آهاته:

اللّهمّ أيّما عبد من عبادك سمع مقالتنا العادلة غير الجائرة، و المصلحة في الدّين و الدّنيا غير المفسدة، فأبى بعد سمعه لها إلاّ النكوص عن نصرتك و الإبطاء على إعزاز دينك، فإنّا نستشهدك عليه بأكبر الشّاهدين شهادة، و نستشهد عليه جميع ما أسكنته أرضك و سماواتك، ثمّ أنت بعد الغنيّ عن نصره، و الآخذ له بذنبه(1).

هذه بعض أدعيته التي كان يدعو بها على خصومه و أعدائه الذين جرّعوه نغب التهمام، و ناجزوه كما ناجزوا أخاه و ابن عمّه الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

ص:252


1- الصحيفة العلوية الاولى : ٢٥٢.

في ساحات الحروب و المعارك

اشارة

ص:253

ص:254

ليس في دنيا الإسلام بعد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من يضارع الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام في تقواه و ورعه، و شدّة اتّصاله باللّه تعالى فقد كان على إيمان وثيق به، فلم يعمل أي عمل إلاّ خالصا للّه تعالى، و كان في سلمه، و في ساحات الحروب يلهج بذكر اللّه و دعائه، فقد تعلّق به، و انقطع إليه، و انطوت سريرته على حبّه.

و من المقطوع به أنّه لم ينازل الإمام الأبطال و الشجعان في ميادين الحروب إلاّ طلبا لمرضاة اللّه، و إحياء لدينه، و إقامة لفرائضه، و دحضا لأعدائه. استمعوا لأدعيته في حروبه:

ادعيته عليه السّلام

اشارة

في حرب الجمل

أمّا حرب الجمل فقد أثارتها القوى المعادية للإصلاح الاجتماعي، و على رأسها القرشيون الحاقدون على الإمام عليه السّلام و المناهضون لسياسته الهادفة إلى تحقيق مجتمع أفضل تسوده العدالة الإسلامية، فهبّوا في وجه الإمام مناجزين و مناهضين له، و في طليعتهم الزبير و طلحة و عائشة بنت أبي بكر، و كان شعارهم المطالبة بدم عثمان، و هو شعار كاذب فقد كان لهم و لعائشة ضلع في قتله.

و على أي حال فقد احتلّت قواتهم العسكرية البصرة، و حينما علم الإمام توجّه بجيشه للقضاء على هذا التمرّد الذي يهدّد الدولة الإسلامية و لنستمع إلى أدعيته حين دخوله البصرة و في ساحة المعركة. 1

ص:255

دعاؤه عليه السّلام في البصرة

و حينما انتهى الإمام عليه السّلام إلى البصرة دعا بهذا الدعاء بعد أن صلّى أربع ركعات، و عفّر خديه بالتراب، و رفع يديه قائلا:

اللّهمّ ربّ السّماوات و ما أظلّت، و الأرضين و ما أقلّت، و ربّ العرش العظيم، هذه البصرة أسألك من خيرها، و أعوذ بك من شرّها. اللّهمّ أنزلنا فيها خير منزل، و أنت خير المنزلين.

اللّهمّ إنّ هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي، و بغوا عليّ و نكثوا بيعتي. اللّهمّ احقن دماء المسلمين(1).

و أوعز الإمام عليه السّلام إلى جيشه أن لا يبدءوهم بقتال حفظا لإراقة الدماء إلاّ أنّ القوم لم يحفلوا بذلك، فقتلوا بعض أصحاب الإمام، فلم يجد بدّا من مناجزتهم.

دعاؤه عليه السّلام قبل الحرب

و قبل أن تندلع نار الحرب خرج الإمام الممتحن حتى وقف بين الصفّين و رفع

ص:256


1- مروج الذهب ٢ : ٣٧٠.

يديه نحو السماء، و دعا بهذا الدعاء:

يا خير من افضت إليه القلوب، و دعي بالألسن، يا حسن البلاء، يا جزيل العطاء، احكم بيننا و بين قومنا بالحقّ، و أنت خير الحاكمين(1).

دعاؤه عليه السّلام

لمّا أصرّ القوم على الحرب

و لمّا أصر حزب عائشة على القتال رأى الإمام أن يدعوهم إلى السلم و عدم إراقة الدماء فبعث إليهم فتى من خيرة جيشه فخرج و قد نشر القرآن الكريم، و عرض عليهم الرجوع إليه، فردّت عليه عائشة قائلة لجندها: اشجروه بالرماح، فبادروا إليه، و طعنوه من كلّ جانب، و سقط إلى الأرض جثّة هامدة، فرفع الإمام يديه إلى السماء، و قال:

اللّهمّ إليك شخصت الأبصار، و بسطت الأيدي، و أفضت القلوب، و تقرّب إليك بالأعمال، ربّنا افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين(2).

دعاؤه عليه السّلام

في ساحة الحرب

و لمّا فشلت جميع دعوات الإمام إلى السلم، خرج إلى ساحة الحرب و دعا

ص:257


1- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة _ باب الدعاء : ٢٩٤.
2- كتاب الجمل : ١٨٢.

بهذا الدعاء:

اللّهمّ إنّك أعلمت سبيلا من سبلك جعلت فيه رضاك، و ندبت إليه أولياءك، و جعلته أشرف سبلك عندك ثوابا، و أكرمها لديك مآبا، و أحبّها إليك مسلكا، ثمّ اشتريت فيه من المؤمنين أنفسهم و أموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون و يقتلون وعدا عليك حقّا. فاجعلني ممّن اشترى فيه منك نفسه، ثمّ وفى لك ببيعه الّذي بايعك عليه، غير ناكث و لا ناقض عهده، و لا مبدّل تبديلا، بل استيجابا لمحبّتك و تقرّبا به إليك، فاجعله خاتمة عملي، و صيّر فيه فناء عمري، و ارزقني فيه مشهدا توجب لي به منك الرّضا، و تحطّ به عنّي الخطايا، و تجعلني في الأحياء المرزوقين بأيدي العداة و العصاة، تحت لواء الحقّ و راية الهدى، ماضيا على نصرتهم قدما، غير مولّ دبرا، و لا محدث شكّا.

اللّهمّ و أعوذ بك عند ذلك من الجبن عند موارد الأهوال، و من الضّعف عند مساورة الأبطال، و من الذّنب المحبط للأعمال، فأحجم من شكّ، أو أمضي بغير يقين، فيكون سعيي في تباب، و عملي غير مقبول(1).

و حكى هذا الدعاء مدى إخلاص الإمام و طاعته إلى اللّه، و رغبته الملحّة في الشهادة، طالبا مرضاة اللّه تعالى، غير ناكث عهده، و لا مبدّل لكلماته.

ص:258


1- بحار الأنوار ٣٣ : ٤٥٢.

ادعيته عليه السّلام

اشارة

في صفّين

و أعقبت حرب الجمل تمرّد معاوية على حكومة الإمام فقد فتحت له الأبواب لإعلان عصيانه المسلّح ناشرا لقميص عثمان مكيدة و إغراء للبسطاء الذين تلوّنهم الدعاية كيفما شاءت.

لقد ابتلي الإمام كأشدّ ما يكون البلاء و أقساه بمعاوية الذي ما آمن باللّه طرفة عين، و التفّت حوله الرأسمالية القرشية التي أبت أن تجتمع النبوّة و الخلافة في بيت واحد، و قد قوى أمر معاوية، و استحكم سلطانه، فقد أمدّه الخليفة الثاني و الثالث بجميع مقوّمات القوّة، و زادا في رقعة سلطانه و نفوذه، و يقول المؤرّخون: إنّ الخليفة الثاني كان يحاسب جميع عمّاله و ولاته إلاّ معاوية، و كان يقول فيه: هذا كسرى العرب! و على أي حال فالملتقى عند اللّه، و هو الذي يحاسب عباده على ما اقترفوه في هذه الدنيا من شرّ، و ما ألحقوه بالامّة من الفتن و الويلات.

لقد زحف معاوية بجيشه لمحاربة وصيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و باب مدينة علمه كما خرج أبوه في واقعة احد و غيرها لمحاربة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لمّا علم الإمام عليه السّلام بخروجه لإسقاط حكومته زحف إليه بجيشه، و أثرت عنه من الأدعية ما يلي:

ص:259

دعاؤه عليه السّلام

في شخوصه لحرب معاوية

و لمّا أراد الإمام عليه السّلام الشخوص إلى حرب معاوية دعا بدابّته فلمّا جلس عليها قال:

سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَ إِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ.

ثمّ قال: اللّهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر، و كآبة المنقلب، و الحيرة بعد اليقين، و سوء المنظر في الأهل و المال و الولد.

اللّهمّ أنت الصّاحب في السّفر، و الخليفة في الأهل، و لا يجمعهما غيرك لأنّ المستخلف لا يكون مستصحبا، و المستصحب لا يكون مستخلفا(1).

دعاؤه عليه السّلام في مسيره إلى الشام

و لمّا سارت جيوشه من النخيلة إلى الشام دعا عليه السّلام بهذا الدعاء:

الحمد للّه كلّما وقب ليل و غسق(2)، و الحمد للّه غير مفقود الإنعام،

ص:260


1- كتاب صفّين : ٢٣٢.
2- غسق الليل : اشتدّت ظلمته.

و لا مكافإ الإفضال، و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و نحن على ذلكم من الشّاهدين، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم(1).

دعاؤه عليه السّلام في صفّين حين بدأ القتال

و لمّا بدأ القتال في صفّين، و زحف الإمام باللواء دعا بهذا الدعاء بعد البسملة:

لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم، اللّهمّ إيّاك نعبد و إيّاك نستعين، يا اللّه يا رحمان، يا رحيم، يا أحد يا صمد، يا إله محمّد، إليك نقلت الأقدام، و أفضت القلوب، و شخصت الأبصار، و مدّت الأعناق، و طلبت الحوائج، و رفعت الأيدي.

اللّهمّ افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين، لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر، لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر(2).

ص:261


1- كتاب صفّين : ٢٣١.
2- مستدرك الوسائل _ كتاب الجهاد ١١ : ١١١ _ ١١٢.

دعاؤه عليه السّلام في صفّين أيضا

من أدعية الإمام هذا الدعاء الجليل، و قد دعا به في صفّين، و هذا نصّه:

اللّهمّ ربّ هذا السّقف المرفوع المكفوف المحفوظ، الّذي جعلته مغيض اللّيل و النّهار، و جعلت فيها مجاري الشّمس و القمر، و منازل الكواكب و النّجوم، و جعلت ساكنه سبطا من الملائكة لا يسأمون العبادة؛ و ربّ هذه الأرض الّتي جعلتها قرارا للنّاس، و الأنعام و الهوامّ، و ما نعلم و ما لا نعلم، ممّا يرى، و ممّا لا يرى من خلقك العظيم، و ربّ الجبال الّتي جعلتها للأرض أوتادا، و للخلق متاعا، و ربّ البحر المسجور المحيط بالعالم، و ربّ السّحاب المسخّر بين السّماء و الأرض، و ربّ الفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع النّاس، إن أظفرتنا على عدوّنا، فجنّبنا الكبر، و سدّدنا للرّشد، و إن أظفرتهم علينا فارزقنا الشّهادة، و اعصم بقيّة أصحابي من الفتنة(1).

و تناول هذا الدعاء الفضاء الخارجي، و ما أودع اللّه فيه من روائع التكوين ففيه مجاري الشمس و القمر، و منازل المجرّات التي لا يحصي ما فيها من النجوم و الكواكب إلاّ اللّه، و قد حار الفكر و ذهل علماء الفضاء بما اكتشفوه من العجائب التي يقف العقل أمامها حائرا و هو حسير، فقد اكتشفت السفن الفضائية الدقّة الهائلة في

ص:262


1- مهج الدعوات : ١٠٢.

مسيرة الكواكب و دورانها في فلكها، وسعة بعضها بما لا يعلمه إلاّ اللّه، كما حفل هذا الدعاء بذكر الأرض، و ما احتوت من الجبال التي جعلها اللّه أوتادا لها، و البحار المحيطة بها، و غير ذلك ممّا حوته الأرض، فسبحان اللّه الخالق العظيم.

دعاؤه عليه السّلام في ليلة الهرير

و من أشدّ أيام صفّين هولا، و أكثرها محنة و بلاء هي ليلة الهرير و يومه، فقد اشتدّ القتال بين الفريقين كأعظم ما يكون، و كان كالصاعقة دوي وقع السيوف و أعمدة الحديد، و صيحات المحاربين، و سمع الإمام عليه السّلام في تلك الليلة يدعو بهذا الدعاء:

اللّهمّ إنّي أعوذ بك من أن اضام في سلطانك.

اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أضلّ في هداك.

اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتقر في غناك.

اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أضيع في سلامتك.

اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن اغلب و الأمر لك و إليك(1).

ص:263


1- بحار الأنوار ٩١ : ٢٤٢.

دعاؤه عليه السّلام

في يوم الهرير

دعا الإمام عليه السّلام بهذا الدعاء في يوم الهرير، و هو من أثقل الأيام و أشدّها محنة و بلاء، و هذا نصّه:

يا اللّه، يا رحمان، يا واحد، يا صمد، يا إله محمّد. اللّهمّ إليك نقلت الأقدام، و أفضت القلوب، و رفعت الأيدي، و امتدّت الأعناق، و شخصت الأبصار، و طلبت الحوائج.

اللّهمّ إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله، و كثرة عدوّنا، و تشتّت أهوائنا، ربّنا افتح بيننا و بين قومنا بالحقّ و أنت خير الفاتحين(1).

هذه بعض أدعية الإمام التي كان يدعو بها في ساحات الحروب و هي تحكي مدى ألمه و محنته.

ص:264


1- وقعة صفّين : ٤٧٧.

ادعيته في مواضيع مختلفة

اشارة

ص:265

ص:266

أثرت عن الإمام عليه السّلام مجموعة من الأدعية دعا بها في مناسبات مختلفة لا يجمعها جامع خاصّ سوى عنوان الدعاء فإنّه بشموله تندرج في ظلاله، و هذه بعضها:

دعاؤه عليه السّلام

عند تناول الطعام

حدّث ابن أعبد(1) قال: قال لي عليّ: يا ابن أعبد، هل تدري ما حقّ الطعام؟ فقلت: و ما حقّه؟ قال: تقول:

بسم اللّه اللّهمّ بارك لنا فيما رزقتنا.

ثمّ قال: أ تدري ما شكره إذا فرغت؟ قلت: و ما شكره؟ قال: تقول:

الحمد للّه الّذي أطعمنا و سقانا(2).

ص:267


1- في الخلاصة : ابن أغيد.
2- حلية الأولياء ١ : ٧٠.

دعاؤه عليه السّلام

عند النوم

كان الإمام عليه السّلام إذا أراد النوم دعا بهذا الدعاء:

بسم اللّه، وضعت جنبي للّه على ملّة إبراهيم، و دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله، و ولاية من افترض اللّه عليّ طاعته، ما شاء اللّه كان و ما لم يشأ لم يكن(1).

دعاؤه عليه السّلام

بعد النوم

و إذا جلس الإمام عليه السّلام من نومه دعا بهذا الدعاء:

حسبي الرّبّ من العباد، حسبي الّذي هو حسبي، حسبي منذ كنت حسبي، حسبي اللّه و نعم الوكيل(2).

ص:268


1- الصحيفة العلوية : ٢٨٢.
2- الصحيفة العلوية : ٢٨٢.

دعاؤه عليه السّلام

في الاستعاذة من الرياء

و لم يعمل الإمام عليه السّلام عملا إلاّ بقصد التقرّب إلى اللّه تعالى، و كان يناهض الرياء، لأنّ الرياء من أفحش النزعات النفسية و ينمّ عن نفس لا إيمان لها، لأنّك تعمل بعض الأعمال الصالحة لا للّه، و إنّما لأجل غيره، و لذا لا تثاب على عملك، و قد استعاذ إمام المتّقين منه. و كان يدعو بهذا الدعاء:

اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن تحسّن في لامعة العيون علانيّتي، أو تقبّح فيما ابطن لك سريرتي، محافظا على رياء النّاس من نفسي بجميع ما أنت مطّلع عليه منّي، فأبدي للنّاس حسن ظاهري، و افضي إليك بسوء عملي تقرّبا إلى عبادك، و تباعدا من مرضاتك(1).

دعاؤه عليه السّلام

عند مدح الناس له

كان عليه السّلام ينفر و يسأم من مدح الناس له، و كان يدعو بهذا الدعاء عند مدحهم:

اللّهمّ إنّك أعلم بي من نفسي و أنا أعلم بنفسي منهم. اللّهمّ اجعلني خيرا ممّا يظنّون، و اغفر لي ما لا يعلمون(2).

ص:269


1- الصحيفة العلوية : ٢٥٣ _ ٢٥٤.
2- الصحيفة العلوية : ٢٥٣ _ ٢٥٤.

دعاؤه عليه السّلام

إذا دخل السوق

كان الإمام عليه السّلام إذا دخل السوق دعا بهذا الدعاء، و كان يأمر أصحابه به:

أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله صلّى اللّه عليه و آله.

اللّهمّ إنّي أعوذ بك من صفقة خاسرة، و يمين فاجرة، و أعوذ بك من بوار الأيّم(1).(2).

دعاؤه عليه السّلام إذا نظر في المرآة

و كان الإمام عليه السّلام إذا نظر إلى صورته الشريفة في المرآة دعا بهذا الدعاء:

الحمد للّه الّذي خلقني فأحسن خلقي، و صوّرني فأحسن صورتي، و زان منّي ما شان من غيري، و أكرمني بالإسلام [3].

ص:270


1- من كسادها ، وعدم الرغبة فيه.
2- الصحيفة العلوية : ٢٥٣ _ ٢٥٤ ، ٢٥١.

دعاؤه عليه السّلام في حفظ القرآن

و كان الإمام عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء الشريف لحفظ القرآن الكريم:

اللّهمّ ارحمني بترك معاصيك أبدا ما أبقيتني، و ارحمني من تكلّف ما لا يعنيني، و ارزقني حسن المنظر فيما يرضيك عنّي، و أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما علّمتني، و ارزقني أن أتلوه على النّحو الّذي يرضيك عنّي.

اللّهمّ نوّر بكتابك بصري، و اشرح به صدري، و فرّج به قلبي، و أطلق به لساني و استعمل به بدني، و قوّني على ذلك، و أعنّي عليه، إنّه لا معين عليّ إلاّ أنت، لا إله إلاّ أنت(1).

دعاؤه عليه السّلام في الخروج إلى السفر

و إذا أراد الإمام عليه السّلام السفر دعا بهذا الدعاء:

اللّهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر، و كآبة المنقلب، و سوء المنظر في النّفس و الأهل و المال و الولد. اللّهمّ أنت الصّاحب في السّفر، و أنت الخليفة في

ص:271


1- الصحيفة العلوية : ٢٤٩ ، ٢٥٥.

الأهل، و لا يجمعها غيرك لأنّ المستخلف لا يكون مستصحبا، و المستصحب لا يكون مستخلفا(1).

دعاؤه عليه السّلام علّمه لولده الحسن عليه السّلام

و عنى الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بتربية ولده الإمام الحسن عليه السّلام سيّد شباب أهل الجنّة و ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد غذّاه بجميع ألوان التقوى، و قد علّمه هذا الدعاء:

يا عدّتي عند كربتي، يا غياثي عند شدّتي، يا وليّي في نعمتي، يا منجحي في حاجتي، يا مفزعي في ورطتي، يا منقذي من هلكتي، يا كالئي في وحدتي، اغفر لي خطيئتي، و يسّر لي أمري، و اجمع لي شملي، و انجح لي طلبتي، و اصلح لي شأني، و اكفني ما أهمّني، و اجعل لي من أمري فرجا و مخرجا، و لا تفرّق بيني و بين العافية أبدا ما أبقيتني، و في الآخرة إذا توفّيتني برحمتك يا أرحم الرّاحمين(2).

ص:272


1- كتاب صفين : ٢٣٢.
2- الصحيفة العلوية الاولى : ٢٨٣.

دعاؤه عليه السّلام علّمه لولده الحسين عليه السّلام

أمّا الإمام الحسين عليه السّلام فهو من أعزّ أبناء الإمام عليه السّلام عنده و أكثرهم حبّا و إخلاصا له لأنّه أمل الإسلام، و سيّد شباب أهل الجنّة، و ريحانة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و قد غذّاه بجميع ألوان التقوى ليكون صورة مشرقة منه، و كان ممّا علّمه هذا الدعاء:

اللّهمّ إنّي أحمدك على كلّ نعمة، و أشكرك على كلّ حسنة، و أستغفرك من كلّ ذنب، و أسألك من كلّ خير، و أستعيذ بك من كلّ بلاء، و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم(1).

دعاؤه عليه السّلام

لطلب الرزق

كان الإمام عليه السّلام يدعو لطلب الرزق بهذا الدعاء:

الحمد للّه الّذي عرّفني نفسه، و لم يتركني عميّ القلب، الحمد للّه الّذي جعلني من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، الحمد للّه الّذي جعل رزقي في يده، و لم يجعله في أيدي النّاس، الحمد للّه الّذي ستر عيوبي،

ص:273


1- الصحيفة العلوية الاولى : ٢٨٣.

و لم يفضحني بين النّاس(1).

دعاؤه عليه السّلام إذا وضع الميّت في القبر

و إذا وضع الميّت في القبر كان يدعو له بهذا الدعاء:

بسم اللّه، و على ملّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. اللّهمّ افسح له في قبره، و نوّره له، و ألحقه بنبيّه، و أنت عنه راض غير غضبان(2).

و إذا حثا التراب في القبر دعا عليه السّلام للميّت بهذا الدعاء:

اللّهمّ إيمانا بك، و تصديقا لرسلك، و إيقانا ببعثك، هذا ما وعدنا اللّه و رسوله، و صدق اللّه و رسوله(3).

دعاؤه عليه السّلام إذا مرّ على القبور

و إذا اجتاز الإمام عليه السّلام على القبور وقف عليهم، و قال لهم:

ص:274


1- الصحيفة العلوية : ٢٨١.
2- الصحيفة العلوية الثانية : ١٣٩.
3- دعائم الإسلام ١ : ٢٣٨.

السّلام عليكم يا أهل الدّيار الموحشة، و المحالّ المقفرة من المؤمنين و المؤمنات، و المسلمين و المسلمات، أنتم لنا سلف و فرط و نحن لكم تبع، و عمّا قليل بكم لاحقون. اللّهمّ اغفر لنا و لهم و تجاوز عنّا و عنهم(1).

دعاؤه عليه السّلام في الاستعانة باللّه

روى الإمام الصادق عليه السّلام عن أبيه باقر علوم الأوّلين و الآخرين عليه السّلام قال: كان جدّي أمير المؤمنين عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء في السجود:

اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن تبتليني ببليّة تدعوني ضرورتها على أن أتغوّث بشيء من معاصيك.

اللّهمّ و لا تجعل لي حاجة إلى أحد من شرار خلقك و لئامهم، فإن جعلت لي حاجة إلى أحد من خلقك فأجعلها إلى أحسنهم وجها و خلقا و خلقا، و أسخاهم بها نفسا، و أطلقهم بها لسانا، و أسمحهم بها كفّا، و أقلّهم بها عليّ امتنانا(2).

ص:275


1- وقعة صفّين : ٥٣١.
2- قرب الاسناد : ٢.

دعاؤه عليه السّلام في الزهد عن الدنيا

كان الإمام يدعو بهذا الدعاء في رفض الدنيا و التخلّي عن مباهجها و زينتها:

اللّهمّ إنّي أسألك سلوا عن الدّنيا، و مقتا لها، فإنّ خيرها زهيد، و شرّها عتيد، و صفوها يتكدّر، و جديدها يخلق، و ما فات فيها لم يرجع، و ما نيل فيها فتنة، إلاّ من أصابته منك عصمة، و شملته منك رحمة، فلا تجعلني ممّن رضي بها، و اطمأنّ إليها، و وثق بها، فإنّ من اطمأنّ إليها خانته، و من وثق بها غرّته(1).

دعاؤه عليه السّلام في طلب الفقر

و كان من مظاهر رفضه للدنيا أنّه يدعو أن يتوفّاه اللّه فقيرا لا مال عنده، استمعوا لدعائه:

اللّهمّ توفّني فقيرا، و لا تتوفّني غنيا، و احشرني في زمرة المساكين(2).

ص:276


1- إرشاد القلوب : ٣٦.
2- ارشاد القلوب : ٢٦.

دعاؤه عليه السّلام

في الغاية لطلب المال

كان الإمام عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء ليوسّع اللّه عليه رزقه في دار الدنيا حتى ينفق ما عنده في سبيل اللّه، و هذا نصّ دعائه:

اللّهمّ إنّي أسألك من الدّنيا و ما فيها ما اسدّد به لساني، و احصن به فرجي، و أؤدّي به أمانتي، و أصل به رحمي، و أتّجر به لآخرتي(1).

دعاؤه عليه السّلام

عند إرادة التزويج

و ندب عليه السّلام من أراد التزويج أن يصلّي ركعتين، ثمّ يدعو اللّه تعالى بهذا الدعاء:

اللّهمّ ارزقني زوجة صالحة، ودودا، ولودا، شكورا، قنوعا، غيورا، إن أحسنت شكرت، و إن أسأت غفرت، و إن ذكرت اللّه تعالى أعانت، و إن نسيت ذكرت، و إن خرجت من عندها حفظت، و إن دخلت عليها سرّتني، و إن أمرتها

ص:277


1- نظم درر السمطين : ١٥١.

أطاعتني، و إن أقسمت عليها أبرّت قسمي، و إن غضبت عليها أرضتني يا ذا الجلال و الإكرام(1).

دعاؤه عليه السّلام في الشكر و دفع المكاره

كان الإمام عليه السّلام يدعو بهذا الدعاء يذكر فيه نعم اللّه عليه و يسأله دفع المكاره عنه و هذا نصّه:

الحمد للّه الّذي لم يصبح بي ميّتا، و لا سقيما، و لا مضروبا على عنقي بسوء، و لا مأخوذا بسوء عملي، و لا مقطوعا دابري، و لا مرتدّا عن ديني، و لا منكرا لربّي، و لا مستوحشا من إيماني، و لا ملتبسا على عقلي، و لا معذّبا بعذاب الأمم من قبلي، أصبحت عبدا مملوكا ظالما لنفسي، لك الحجّة عليّ، و لا حجّة لي، لا أستطيع أن آخذ إلاّ ما أعطيتني، و لا أتّقي إلاّ ما وقيتني.

اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أفتقر في غناك، أو أضلّ في هداك، أو اضام في سلطانك، أو اضطهد و الأمر لك.

اللّهمّ اجعل نفسي أوّل كريمة ترتجعها من ودائعك.

اللّهمّ إنّا نعوذ بك أن نذهب عن قولك أو نفتتن عن دينك، أو تتابع بنا أهواؤنا دون الهدى الّذي جاء من عندك، و صلّى اللّه على محمّد و آله(2).

1

ص:278


1- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة : ٢٤٩.
2- بحار الأنوار ٩١ : ٢٤٦.

دعاؤه عليه السّلام عند وفاته

و لما حضرته الوفاة كان يلهج بذكر اللّه تعالى، و يدعو بهذا الدعاء:

اللّهمّ اكفنا عدوّك الرّجيم.

اللّهمّ إنّي أشهدك أنّك لا إله إلاّ أنت، و أنت الواحد الصّمد، الّذي لم يلد و لم يولد و لم يكن لك كفوا أحد، فلك الحمد عدد نعمائك لديّ، و إحسانك عندي، فاغفر لي و ارحمني و أنت خير الرّاحمين.

و لم يزل يقول:

لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، و أنّ محمّدا عبده و رسوله عدّة لهذا الموقف، و ما بعده من المواقف.

اللّهمّ ألحقني به، و لا تحل بيني و بينه، إنّك سميع الدّعاء، رءوف غفور رحيم(1).

و لم يزل يردّد هذا الدعاء حتى التحق بالرفيق الأعلى تحفّه ملائكة اللّه تعالى.

ص:279


1- دعائم الإسلام ٢ : ٣٥٤.

دعاؤه عليه السّلام في طلب الخير

من أدعية الإمام عليه السّلام هذا الدعاء الجليل، و كان يسأل به الرحمة و النور من اللّه تعالى:

اللّهمّ إنّي أسألك يا ربّ الأرواح الفانية، و ربّ الأجساد البالية، أسألك بطاعة الأرواح الرّاجعة إلى أجسادها، و بطاعة الأجساد الملتئمة إلى أعضائها، و بانشقاق القبور عن أهلها، و بدعوتك الصّادقة فيهم، و أخذك بالحقّ بينهم إذا برز الخلائق ينتظرون قضاءك، و يرون سلطانك، و يخافون بطشك، و يرجون رحمتك، يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا، و لا هم ينصرون، إلاّ من رحم اللّه، إنّه هو العزيز الرّحيم.

أسألك يا رحمن أن تجعل النّور في بصري، و اليقين في قلبي، و ذكرك باللّيل و النّهار على لساني أبدا ما أبقيتني، إنّك على كلّ شيء قدير(1).

و بهذا العرض الموجز لبعض أدعيته التي كان يدعو بها في المناسبات المختلفة ننهي هذا الفصل.

ص:280


1- المناقب ٢ : ١١٩. بحار الأنوار ٩٢ : ٣.

مع الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

اشارة

ص:281

ص:282

عايش الإمام عليه السّلام منذ فجر صباه الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و آمن به إيمانا مطلقا، و تبنّى جميع أهدافه، و وقف إلى جانبه مدافعا عنه في جميع مراحل حياته، و فداه بنفسه.

و من المؤكّد أنّه لم يقف على معرفة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ الإمام عليه السّلام فهو باب مدينة علمه، و خازن حكمته، و قد نقل الرواة كوكبة من أدعيته عليه السّلام في تعظيم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الصلاة عليه كان منها ما يلي:

ص:283

من أدعية الإمام الدعاء الأوّل

الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّى اللّه على أطيب المرسلين محمّد بن عبد اللّه المنتجب الفاتق الرّاتق.

اللّهمّ فخصّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بالذّكر المحمود، و الحوض المورود.

اللّهمّ آت محمّدا صلواتك عليه و آله الوسيلة و الرّفعة و الفضيلة، و اجعل في المصطفين محبّته، و في العلّيّين درجته، و في المقرّبين كرامته.

اللّهمّ أعط محمّدا صلواتك عليه و آله من كلّ كرامة أفضل تلك الكرامة، و من كلّ نعيم أوسع ذلك النّعيم، و من كلّ عطاء أجزل ذلك العطاء، و من كلّ يسر أنضر ذلك اليسر، و من كلّ قسم أوفر ذلك القسم حتّى لا يكون أحد من خلقك أقرب منه مجلسا، و لا أرفع منه عندك ذكرا و منزلة، و لا أعظم عليك حقّا، و لا أقرب وسيلة من محمّد صلواتك عليه و آله، إمام الخير و قائده، و الدّاعي إليه، و البركة على جميع العباد و البلاد و الرّحمة للعالمين.

اللّهمّ اجمع بيننا و بين محمّد صلواتك عليه و آله في برد العيش، و تروّح الرّوح، و قرار النّعمة، و شهوة الأنفس، و منّى الشّهوات، و نعم اللّذّات، و رجاء الفضيلة، و شهود الطّمأنينة، و سؤدد الكرامة، و قرّة العين، و نضرة النّعيم،

ص:284

و بهجة لا تشبه بهجات الدّنيا.

نشهد أنّه قد بلّغ الرّسالة، و أدّى النّصيحة، و اجتهد للامّة، و أوذي في جنبك، و جاهد في سبيلك، و عبدك حتّى أتاه اليقين، فصلّى اللّه عليه و آله الطّيّبين.

اللّهمّ ربّ البلد الحرام، و ربّ الرّكن و المقام، و ربّ المشعر الحرام، و ربّ الحلّ و الحرام بلّغ روح محمّد صلّى اللّه عليه و آله عنّا السّلام.

اللّهمّ صلّ على ملائكتك المقرّبين، و على أنبيائك، و رسلك أجمعين، و صلّ اللّهمّ على الحفظة الكرام الكاتبين، و على أهل طاعتك من أهل السّماوات السّبع و أهل الأرضين السّبع من المؤمنين أجمعين(1).

في هذا الدعاء قدّم عليه السّلام جميع صنوف التعظيم و التكريم للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

من أدعيته الجليلة في الصلاة على الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هذا الدعاء، و كان يعلّمه لأصحابه:

ص:285


1- تهذيب الأحكام ٣ : ٨٣. بحار الأنوار ٩٥ : ١٢٧.

من ادعية الإمام الدعاء الثاني

اللّهمّ داحي المدحوّات، و داعم المسموكات، و جابل القلوب على فطرتها، شقيّها و سعيدها، اجعل شرائف صلواتك، و نوامي بركاتك، و رأفة تحيّاتك على محمّد عبدك و رسولك الفاتح لما اغلق و الخاتم لما سبق، و المعلن الحقّ بالحقّ، و الدّامغ جيشات الأباطيل، كما حمّلته فاضطلع بأمرك لطاعتك، مستوفزا في مرضاتك، غير ناكل عن قدم، و لا وهن في عزم، داعيا لوحيك، حافظا لعهدك، ماضيا على نفاذ أمرك، حتّى أورى قبسا لقابس(1)، آلاء اللّه تصل بأهله أسبابه به، هديت القلوب بعد خوضات الفتن و الإثم، موضحات الأعلام، و نائرات الأحكام، و منيرات الإسلام، فهو أمينك المأمون، و خازن علمك المخزون، و شهيدك يوم الدّين، و بعيثك نعمة، و رسولك بالحقّ رحمة.

اللّهمّ افسح له مفسحا في عدلك، و اجزه مضاعفات الخير من فضلك، مهنّآت غير مكدّرات، من فوز ثوابك المحلول، و جزيل عطائك المعلول(2).

اللّهمّ أعل على بناء البانين بناءه، و أكرم لديك منزلته، و أتمم له نوره، و اجزه من ابتعاثك له مقبول الشّهادة، و مرضيّ المقالة، ذا منطق عدل، و خطبة فصل

ص:286


1- في نهج البلاغة : « حتى أورى قبس القابس ».
2- المعلول : الشرب بعد الشرب.

و برهان عظيم(1).

و حوى هذا الدعاء على أجمل صور التعظيم و التكريم للرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مفجّر العلم و النور في دنيا العرب و المسلمين.

ص:287


1- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة : ٢٨٠ _ ٢٨٦. شرح نهج البلاغة _ ابن أبي الحديد ١٩ : ١٣٤. بحار الأنوار ٩١ : ٨٣.

ص:288

ادعية

اشارة

علّمها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم

للإمام عليه السّلام

ص:289

ص:290

أمّا الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فهو داعية اللّه الأكبر في الأرض، و هو الذي طهّر أرض العرب من الأوثان و الأصنام التي كانوا يعبدونها من دون اللّه، و قد وجّه البشرية بصورة عامّة نحو اللّه تعالى خالق الكون، و واهب الحياة، و قد أنار الطريق و أوضح القصد، و حرّر الفكر من خرافات الجاهلية و تقاليدها.

و لقد كان الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في جميع فترات حياته يناجي ربّه و يلهج بذكره و يدعوه بثقة و إخلاص، و قد أثرت عنه بعض الأدعية الشريفة علّمها إلى وصيّه و باب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام كان منها ما يلي:

أرسل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و معه قوّة عسكرية إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام، ففتح اللّه الفتح المبين فأسلموا على يده بلا قتال، و قد زوّده الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بهذا الدعاء الشريف:

ص:291

الدعاء الأوّل

اللّهمّ إنّي أتوجّه إليك بلا ثقة منّي بغيرك، و لا رجاء يأوي بي إلاّ إليك، و لا قوّة أتّكل عليها، و لا حيلة ألجأ إليها إلاّ طلب فضلك، و التّعرّض لرحمتك، و السّكون إلى أحسن عادتك، و أنت أعلم بما سبق لي في وجهي هذا ممّا احبّ و أكره، فأيّما أوقعت عليّ فيه قدرتك، فمحمود فيه بلاؤك متّضح فيه قضاؤك، و أنت تمحو ما تشاء و تثبت و عندك أمّ الكتاب.

اللّهمّ فاصرف عنّي مقادير كلّ بلاء، و مقاصر كلّ لأواء، و أبسط عليّ كنفا من رحمتك، وسعة من فضلك، و لطفا من عفوك، حتّى لا احبّ تعجيل ما أخّرت و لا تأخير ما عجّلت، و ذلك مع ما أسألك أن تخلفني في أهلي و ولدي، و صروف حزانتي بأحسن ما خلفت به غائبا من المؤمنين في تحصين كلّ عورة، و ستر كلّ سيّئة، و حطّ كلّ معصية، و كفاية كلّ مكروه، و ارزقني على ذلك شكرك و ذكرك، و حسن عبادتك، و الرّضا بقضائك.

يا وليّ المؤمنين، و اجعلني و ما خوّلتني و ولدي، و رزقتني من المؤمنين و المؤمنات في حماك الّذي لا يستباح، و ذمّتك الّتي لا تخفر، و جوارك الّذي لا يرام، و أمانك الّذي لا ينقض، و سترك الّذي لا يهتك، فإنّه من كان في حماك و ذمّتك و جوارك و أمانك و سترك كان آمنا محفوظا، و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه

ص:292

العليّ العظيم(1).

و حكى هذا الدعاء مدى إخلاص النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و إيمانه الوثيق باللّه تعالى، فقد فزع و تضرّع إليه بأروع ألوان التضرّع و الإنابة إليه تعالى.

من الأدعية الجليلة التي علّمها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للإمام أمير المؤمنين عليه السّلام هذا الدعاء الشريف، و قد رواه عنه أنس بن أويس، و هذا نصّه بعد البسملة:

ص:293


1- مهج الدعوات : ٩٤.

الدعاء الثاني

اللّهمّ أنت اللّه، و أنت الرّحمن، و أنت الرّحيم، الملك القدّوس، السّلام المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبّار، المتكبّر، الأوّل، الآخر، الظّاهر، الباطن، الحميد، المجيد، المبدئ، المعيد، الودود، الشّهيد، القديم، العليّ، العظيم، العليم، الصّادق، الرّءوف، الرّحيم، الشّكور، الغفور، العزيز، الحكيم، ذو القوّة المتين، الرّقيب، العظيم، العليم، الغنيّ، الوليّ، الحفيظ، ذو الجلال و الإكرام، العظيم، العليم، الغنيّ، الوليّ، الفتّاح، القابض، الباسط، العدل، الوفيّ، الوليّ، الحقّ، المبين، الخلاّق، الرّزّاق، الوهّاب، التّوّاب، الرّبّ، الوكيل، اللّطيف، الخبير، السّميع، البصير، الدّيّان، المتعالي، القريب، المجيب، الباعث، الوارث، الواسع، الباقي، الحيّ، الدائم الّذي لا يموت، القيّوم، النّور، الغفّار، الواحد، القهّار، الأحد، الصّمد، لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد، ذو الطّول، المقتدر، علاّم الغيوب، المبدئ، البديع، القابض، الباسط، الدّاعي، المغيث، الدّافع، الضّارّ، النّافع، المعزّ، المذلّ، المطعم، المنعم، المهيمن، المحسن، الحنّان، المتفضّل، المحيي، المميت، الفعّال لما يريد، مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، و تنزع الملك ممّن تشاء، و تعزّ من تشاء، و تذلّ من تشاء، بيدك الخير إنّك على كلّ شيء قدير، تولج اللّيل في النّهار، و تولج النّهار في

ص:294

اللّيل، و تخرج الحيّ من الميّت، و تخرج الميّت من الحيّ، و ترزق من تشاء بغير حساب، فالق الإصباح، و فالق الحبّ و النّوى، يسبّح له ما في السّماوات و الأرض، و هو العزيز الحكيم.

اللّهمّ و ما قلت من قول، أو حلفت من حلف، أو نذرت من نذر، في يومي هذا و ليلتي هذه، فمشيّتك بين يدي ذلك كلّه، ما شئت منه كان، و ما لم تشأ منه لم يكن، فادفع عنّي بحولك و قوّتك، فإنّه لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم.

اللّهمّ بحقّ هذه الأسماء عندك صلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفر لي و ارحمني، و تب عليّ، و تقبّل منّي، و أصلح لي شأني، و يسّر اموري، و وسّع عليّ في رزقي، و أغنني بكرم وجهك عن جميع خلقك، و صن وجهي و يدي و لساني عن مسألة غيرك، و اجعل لي من أمري فرجا و مخرجا فإنّك تعلم و لا أعلم، و تقدر و لا أقدر، و أنت على كلّ شيء قدير برحمتك يا أرحم الرّاحمين، و صلّى اللّه على محمّد و آله الطّيّبين الطّاهرين(1).

و من الأدعية الجليلة التي علّمها النّبيّ إلى وصيّة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام هذا الدعاء، و قد رواه عنه أويس القرني، و قد جاء فيه بعد البسملة:

ص:295


1- مهج الدعوات : ٩٢ _ ٩٣.

الدعاء الثالث

اللّهمّ إنّي أسألك و لا أسأل غيرك، و أرغب إليك و لا أرغب إلى غيرك، أسألك يا أمان الخائفين، و جار المستجيرين، أنت الفتّاح، ذو الخيرات، مقيل العثرات، و ماحي السّيّئات، و كاتب الحسنات، و رافع الدّرجات، أسألك بأفضل المسائل كلّها، و أنجحها الّتي لا ينبغي للعباد أن يسألوك إلاّ بها، و أسألك بك يا اللّه، يا رحمن، و بأسمائك الحسنى، و أمثالك العليا، و نعمك الّتي لا تحصى، و بأكرم أسمائك عليك، و أحبّها إليك و أشرفها عندك منزلة، و أقربها منك وسيلة، و أجزلها مبلغا، و أسرعها منك إجابة، و باسمك المخزون الجليل الأجل العظيم الأعظم، الّذي تحبّه و ترضاه، و ترضى عمّن دعاك به، فاستجبت دعاءه، و حقّ عليك ألاّ تحرم به سائلك، و بكلّ اسم هو لك في التّوراة و الإنجيل و الزّبور و الفرقان، و بكلّ اسم هو لك علّمته أحدا من خلقك أو لم تعلّمه أحدا، و بكلّ اسم دعاك به حملة عرشك و ملائكتك و أصفياؤك من خلقك، و بحقّ السّائلين لك و الرّاغبين إليك، و المتعوّذين بك، و المتضرّعين لديك، و بحقّ كلّ عبد متعبّد لك في برّ أو بحر أو سهل أو جبل، أدعوك دعاء من قد اشتدّت فاقته، و عظم جرمه، و أشرف على الهلكة نفسه، و ضعفت قوّته، و من لا يثق بشيء من عمله، و لا يجد لذنبه غافرا غيرك، و لا لسعيه ملجا سواك، هربت منك إليك معترفا

ص:296

غير مستنكف، و لا مستكبر عن عبادتك، يا انس كلّ فقير مستجير، أسألك بأنّك أنت اللّه لا إله إلاّ أنت الحنّان المنّان، بديع السّماوات و الأرض، ذو الجلال و الإكرام، عالم الغيب و الشّهادة، الرّحمن الرّحيم، أنت الرّبّ و أنا العبد، و أنت المالك و أنا المملوك، و أنت العزيز، و أنا الذّليل، و أنت الغنيّ و أنا الفقير، و أنت الحيّ، و أنا الميّت، و أنت الباقي و أنا الفاني، و أنت المحسن و أنا المسيء، و أنت الغفور، و أنا المذنب و أنت الرّحيم، و أنا الخاطئ و أنت الخالق و أنا المخلوق، و أنت القويّ و أنا الضّعيف، و أنت المعطي و أنا السّائل، و أنت الآمن و أنا الخائف، و أنت الرّازق و أنا المرزوق، و أنت أحقّ من شكوت إليه و استغثت به و رجوته، لأنّك كم من مذنب قد غفرت له، و كم من مسيء قد تجاوزت عنه، فاغفر لي، و تجاوز عنّي، و ارحمني، و عافني ممّا نزل بي، و لا تفضحني بما جنيته على نفسي، و خذ بيدي، و بيد والديّ و ولدي، و ارحمنا برحمتك يا ذا الجلال و الإكرام(1).

من الأدعية الشريفة التي علّمها النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للإمام عليه السّلام و أمره أن يحتفظ به، و يدعو به عند كلّ شدة تلمّ به، و هو هذا الدعاء بعد البسملة:

ص:297


1- مهج الدعوات : ١٠٤.

الدعاء الرابع

الحمد للّه الّذي لا إله إلاّ هو الملك الحقّ المبين، المدبّر بلا وزير، و لا خلق من عباده يستشير، الأوّل غير موصوف، و الباقي بعد فناء الخلق، العظيم الرّبوبيّة، نور السّماوات و الأرضين و فاطرهما و مبتدعهما، بغير عمد خلقهما، و فتقهما فتقا، فقامت السّماوات طائعات بأمره، و استقرّت الأرضون باوتادها فوق الماء، ثمّ علا ربّنا في السّماوات العلى، الرّحمن على العرش استوى، له ما في السّماوات و ما في الأرض و ما بينهما و ما تحت الثّرى، فأنا أشهد بأنّك أنت اللّه لا رافع لما وضعت، و لا واضع لما رفعت، و لا معزّ لمن أذللت، و لا مذلّ لمن أعززت، و لا مانع لما أعطيت، و لا معطي لما منعت، و أنت اللّه لا إله إلاّ أنت كنت إذ لم تكن سماء مبنيّة، و لا أرض مدحيّة، و لا شمس مضيئة، و لا ليل مظلم، و لا نهار مضيء، و لا بحر لجّيّ، و لا جبل راس، و لا نجم سار، و لا قمر منير، و لا ريح تهبّ، و لا سحاب يسكب، و لا برق يلمع، و لا رعد يسبّح، و لا روح تنفّس، و لا طائر يطير، و لا نار تتوقّد، و لا ماء يطّرد، كنت قبل كلّ شيء، و كوّنت كلّ شيء، و قدرت على كلّ شيء، و ابتدعت كلّ شيء، و أغنيت و أفقرت، و أمتّ و أحييت، و أضحكت و أبكيت، و على العرش استويت، فتباركت يا اللّه و تعاليت، أنت اللّه الّذي لا إله إلاّ أنت الخلاّق المعين،

ص:298

أمرك غالب، و علمك نافذ، و كيدك غريب، و وعدك صادق، و قولك حقّ، و حكمك عدل، و كلامك هدى، و وحيك نور، و رحمتك واسعة، و عفوك عظيم، و فضلك كثير، و عطاؤك جزيل، و حبلك متين، و إمكانك عتيد، و جارك عزيز، و بأسك شديد، و مكرك مكيد، أنت يا ربّ موضع كلّ شكوى، و حاضر كلّ ملأ، و شاهد كلّ نجوى، منتهى كلّ حاجة، مفرّج كلّ حزن، غنى كلّ مسكين، حصن كلّ هارب، أمان كلّ خائف، حرز الضّعفاء، كنز الفقراء، مفرّج الغمّاء، معين الصّالحين، ذلك اللّه ربّنا لا إله إلاّ هو، تكفي من عبادك من توكّل عليك، و أنت جار من لاذ بك و تضرّع إليك، عصمة من اعتصم بك، ناصر من انتصر بك، تغفر الذّنوب لمن استغفرك، جبّار الجبابرة، عظيم العظماء، كبير الكبراء، سيّد السّادات، مولى الموال، صريخ المستصرخين، المنفّس عن المكروبين، مجيب دعوة المضطرّين، أسمع السّامعين، أبصر النّاظرين، أحكم الحاكمين، أسرع الحاسبين، أرحم الرّاحمين، خير الغافرين، قاضي حوائج المؤمنين، مغيث الصّالحين.

أنت اللّه لا إله إلاّ أنت ربّ العالمين، أنت الخالق و أنا المخلوق، و أنت المالك و أنا المملوك، و أنت الرّبّ و أنا العبد، و أنت الرّازق و أنا المرزوق، و أنت المعطي و أنا السّائل، و أنت الجواد و أنا البخيل، و أنت القويّ و أنا الضّعيف، و أنت العزيز و أنا الذّليل، و أنت الغنيّ و أنا الفقير، و أنت السّيّد و أنا العبد، و أنت الغافر و أنا المسيء، و أنت العالم و أنا الجاهل، و أنت الحليم و أنا العجول، و أنت الرّحمن و أنا المرحوم، و أنت المعافي و أنا المبتلى، و أنت المجيب و أنا المضطرّ،

ص:299

و أنا أشهد بأنّك أنت اللّه لا إله إلاّ أنت، المعطي عبادك بلا سؤال، و أشهد بأنّك أنت اللّه الواحد الأحد المتفرّد الصّمد الفرد و إليك المصير، و صلّى اللّه على محمّد و أهل بيته الطّيّبين الطّاهرين، و اغفر لي ذنوبي، و استر عليّ عيوبي، و افتح لي من لدنك رحمة و رزقا واسعا يا أرحم الرّاحمين، و الحمد للّه ربّ العالمين، و حسبنا اللّه و نعم الوكيل، و لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم(1).

ص:300


1- مهج الدعوات : ١٢٤ _ ١٢٦.

الدعاء الخامس

من الأدعية التي علّمها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للإمام هذا الدعاء ليدعو به عند الإفطار، و هذا نصّه:

اللّهمّ ربّ النّور العظيم، و ربّ الكرسيّ الرّفيع، و ربّ البحر المسجور، و ربّ الشّفع الكبير، و النّور العزيز، و ربّ التّوراة و الإنجيل و الزّبور و الفرقان العظيم.

أنت إله من في السّماوات، و إله من في الأرض، لا إله فيهما غيرك.

و أنت جبّار من في السّماوات، و جبّار من في الأرض، لا جبّار فيهما غيرك.

و أنت ملك من في السّماوات، و ملك من في الأرض، لا ملك فيهما غيرك.

أسألك باسمك الكبير، و نور وجهك الكريم، و ملكك القديم، يا حيّ يا قيّوم، يا حيّ يا قيّوم، يا حيّ يا قيّوم، و أسألك باسمك الّذي أشرق به كلّ شيء، و باسمك الّذي أشرقت به السّماوات و الأرض، و باسمك الّذي صلح به الأوّلون، و به يصلح الآخرون، يا حيّا قبل كلّ حيّ، و يا حيّا بعد كلّ حيّ، يا حيّ لا إله إلاّ أنت، صلّ على محمّد و آل محمّد، و اغفر لي ذنوبي، و اجعل لي من أمري يسرا و فرجا قريبا، و ثبّتني على دين محمّد و آل محمّد و على هدى محمّد

ص:301

و آل محمّد، و على سنّة محمّد و آل محمّد، عليه و عليهم السّلام، و اجعل عملي في المرفوع المتقبّل، وهب لي كما وهبت لأوليائك و أهل طاعتك، فإنّي مؤمن بك، متوكّل عليك، منيب إليك، مع مصيري إليك، و تجمع لي و لأهلي الخير كلّه، و تصرف عنّي، و عن والديّ، و عن أهلي، و عن ولدي، الشّرّ كلّه، أنت الحنّان المنّان، بديع السّماوات و الأرض، تعطي الخير من تشاء، و تصرفه عمّن تشاء، فامنن عليّ برحمتك يا أرحم الرّاحمين(1).

و انطوت بذلك الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب الذي هو من مناجم الأرصدة الروحية و الفكرية لرائد العدالة الاجتماعية في الإسلام الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، و هو إحدى حلقات حياته المشرقة بالتقوى و الإيمان آملا من اللّه تعالى أن يجعله ذخرا لي يوم الوفادة إلى اللّه، و هو تعالى ولي القصد و التوفيق.

ص:302


1- الصحيفة العلوية الاولى : ١٨٥ _ ١٨٦.

المحتويات

تقديم 5

في رحاب الدّعاء 11-19

فائدة الدعاء 13

الدعاء سلاح المؤمن 14

فضل الدعاء 15

الإقبال على الدعاء 15

الأوقات التي يستجاب بها الدعاء 15

فتح باب الإجابة 16

الدعاء مخّ العبادة 16

حاجة الناس إلى الدعاء 17

الثناء على اللّه قبل الدعاء 17

الصلاة على النبيّ قبل الدعاء 18

استجابة دعاء أطفال العلويّين 18

دعاؤه في استجابة الدعاء 18

ص:303

مع اللّه في آياته و توحيده 21-39

دعاؤه عليه السّلام في توحيد اللّه و الثناء عليه 23

دعاؤه عليه السّلام في توحيد اللّه و تعظيمه 28

دعاؤه عليه السّلام في التوحيد و التعظيم 30

دعاؤه عليه السّلام في التوحيد و عظيم القدرة 37

تضرّع و خشوع امام اللّه 41-74

دعاؤه عليه السّلام في التضرّع و التذلّل أمام اللّه 43

دعاؤه عليه السّلام في التضرّع و الخشوع 47

دعاؤه عليه السّلام في التذلّل أمام اللّه 53

دعاؤه عليه السّلام في التضرّع إلى اللّه 54

دعاؤه عليه السّلام في الاستكانة و التذلّل أمام اللّه 58

دعاؤه عليه السّلام في الخشوع و التضرّع 60

دعاء كميل 63

1 - الذنوب التي تهتك العصم 64

2 - الذنوب التي تنزل النّقم 64

3 - الذنوب التي تغيّر النّعم 65

4 - الذنوب التي تحبس الدعاء 65

5 - الذنوب التي تنزل البلاء 66

6 - الذنوب التي تقطع الرجاء 66

ص:304

مع اللّه في الطّقوس الدّينيّة 75-133

أدعيته عليه السّلام عند الوضوء 77

1 - المضمضة 77

2 - الاستنشاق 78

3 - عند غسل الوجه 78

4 - غسل اليد اليمنى 78

5 - غسل اليد اليسرى 78

6 - مسح الرأس 79

7 - عند مسح الرجلين 79

أدعيته عليه السّلام عند الصلاة 79

قبل الصلاة 80

في السجود 80

بعد السجود 82

في قنوت صلاة الفجر 83

عقيب صلاة الفجر 84

في الاستغفار عقيب صلاة الفجر 87

عقيب صلاة الظهر 113

عقيب صلاة العصر 114

عقيب صلاة المغرب 116

عقيب صلاة العشاء 118

بعد كلّ صلاة مفروضة 119

ص:305

أدعيته عليه السّلام عقيب الصلوات المندوبة 121

قبل صلاة الليل 121

بعد الركعتين الأوليين من صلاة الليل 122

بعد صلاة الليل 124

عقيب كلّ صلاة 125

بعد كلّ صلاة 127

بعد صلاة الفرج 128

بعد الصلاة في مسجد الجعفي 129

أدعيته عليه السّلام في شهر رمضان المبارك 133

عند رؤية الهلال 133

عند الإفطار 133

مع اللّه في الصّباح و المساء 135-147

أدعيته عليه السّلام في الصباح و المساء 137

عند طلوع الشمس 137

دعاء الصباح 139

أدعيته عليه السّلام في الصباح 145

في المساء 146

في الصباح و المساء 146

ص:306

مناجاته 149-164

المناجاة الأولى 151

المناجاة الثانية 159

المناجاة الثالثة 162

من غرر مناجاته 164

ادعية الرّحمة لأحياء الأرض بالنّبات 165-173

الدعاء الأوّل 167

الدعاء الثاني 169

الدعاء الثالث 172

ادعية لدفع الأزمات و الكوارث 175-190

عند الشدائد 177

في الصبر 188

عند كل نازلة 188

في دفع الكرب 189

ص:307

الاستغفار و الإنابة إلى اللّه 191-198

دعاؤه عليه السّلام في الاستغفار و الإنابة 193

دعاؤه عليه السّلام في الاستغفار 198

الاحتجاب و الاعتصام باللّه 199-207

دعاؤه عليه السّلام في الاحتجاب 201

دعاؤه عليه السّلام في الاحتجاب عن خصومه 203

دعاؤه عليه السّلام في الاعتصام باللّه 205

في اللّيالي و الأيّام المباركة و غيرها 209-239

دعاؤه عليه السّلام في ليلة الجمعة 211

دعاؤه عليه السّلام في ليلة الفطر 213

دعاؤه عليه السّلام في النصف من رجب 216

دعاؤه عليه السّلام في شهر شعبان 217

أدعيته عليه السّلام في بحر الاسبوع 221

يوم الجمعة 221

يوم السبت 221

يوم الأحد 225

في يوم الاثنين 228

ص:308

في يوم الثلاثاء 231

في يوم الأربعاء 233

في يوم الخميس 236

مع خصومه و اعدائه 241-252

دعاؤه عليه السّلام على قريش 243

دعاؤه عليه السّلام على قريش أيضا 244

دعاؤه عليه السّلام على طلحة و الزبير 245

دعاؤه عليه السّلام على بسر بن أرطأة 247

دعاؤه عليه السّلام على الخوارج 249

دعاؤه عليه السّلام على الخوارج أيضا 250

دعاؤه عليه السّلام على بعض أعدائه 251

دعاؤه عليه السّلام على المتخاذلين عن نصرته 252

في ساحات الحروب و المعارك 253-264

أدعيته عليه السّلام في حرب الجمل 255

في البصرة 256

قبل الحرب 256

لمّا أصرّ القوم على الحرب 257

في ساحة الحرب 257

ص:309

أدعيته عليه السّلام في صفّين 259

في شخوصه لحرب معاوية 260

في مسيره إلى الشام 260

في صفّين حين بدأ القتال 261

في صفّين أيضا 262

في ليلة الهرير 263

في يوم الهرير 264

ادعيته في مواضيع مختلفة 265-280

عند تناول الطعام 267

عند النوم 268

بعد النوم 268

في الاستعاذة من الرياء 269

عند مدح الناس له 269

إذا دخل السوق 270

إذا نظر في المرآة 270

في حفظ القرآن 271

في الخروج إلى السفر 271

علّمه لولده الحسن عليه السّلام 272

علّمه لولده الحسين عليه السّلام 273

لطلب الرزق 273

ص:310

إذا وضع الميّت في القبر 274

إذا مرّ على القبور 274

في الاستعانة باللّه 275

في الزهد عن الدنيا 276

في طلب الفقر 276

في الغاية لطلب المال 277

عند إرادة التزويج 277

في الشكر و دفع المكاره 278

عند وفاته 279

في طلب الخير 280

مع الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله 281-287

الدعاء الأوّل 284

الدعاء الثاني 286

ادعية علّمها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله للإمام عليه السّلام 289-287

الدعاء الأوّل 292

الدعاء الثاني 294

الدعاء الثالث 296

الدعاء الرابع 298

ص:311

الدعاء الخامس 301

المحتويات 303-312

ص:312

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.