مصباح السعادة في شرح النهج البلاغة المجلد 7

هویة الکتاب

بطاقة تعريف:الموسوي آل طيب، السيد محمدكاظم، 1331-

عنوان العقد:نهج البلاغة. وصف

Nhjol-Balaghah. Commantries

عنوان واسم المؤلف: مصباح السعادة في شرح النهج البلاغة المجلد 7 [علي بن أبي طالب (علیه السلام)]/ مولف السيد محمدكاظم الموسوي آل طيب.

تفاصيل المنشور: قم: دارالتفسیر، 1440ق.= 1397.

مواصفات المظهر:8ج

ISBN:ج.6 978-964-535-716-8 :

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: عربي.

ملاحظة:ج.6 (چاپ اول: 1442 ق = 1399) (فیپا).

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق -- خطب

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- *Public speaking

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق. -- کلمات قصار

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- Quotations

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغة -- النقد والتعليق

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah -- Criticism and interpretation

المعرف المضاف: علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق . نهج البلاغة. وصف

المعرف المضاف:Ali ibn Abi-talib, Imam I Commantries.. Nahjol - Balaghah

ترتيب الكونجرس: BP38/02/م83 1397

تصنيف ديوي: 297/9515

رقم الببليوغرافيا الوطنية:5402095

معلومات التسجيلة الببليوغرافية: FIPA

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

بسم الرحمن الرحیم

الخطبة (66) : ومن كلام له عليه السلام في معنى الأنصار: قالوا: لما انتهت إلى أميرالمؤنين عليه السلام أنباء السقيفة بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله، قال عليه السلام: ما قالت الأنصار؟ قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير قال عليه السلام:

اشارة

فَهَلاّ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَصَّى بِأَنْ يُحْسَنَ إِلَى مُحْسِنِهِمْ وَيُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ؟ قَالُوا: وَمَا فِي هَذَا مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ عليه السلام: لَوْ كَانَت الإِمَارَةُ فِيهِمْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ، ثُمَّ قَالَ عليه السلام: فَمَا ذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ؟ قَالُوا:احْتَجَّتْ بِأَنَّهَا شَجَرَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله فَقَالَ عليه السلام: احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ وَأَضَاعُوا الثَّمَرَةَ.

ومن كلام له عليه السلام في معنى الأنصار: قالوا: لما انتهت إلى أميرالمؤنين عليه السلام أنباء السقيفة بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله

وفي خبر مرفوع قال: لمّا رفع أميرالمؤمنين عليه السلام يده من غسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله أتته أنباء السقيفة فقال: ما قالت الأنصار - إلخ(1).

عن ابن عفير عن أبي عون، عن عبداللّه بن الرحمن الأنصاري، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لمّا قبض اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة، فقالوا له: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد قبض. فقال لابنه قيس: إنّي لا أستطيع أن أسمع الناس كلاماً لمرضي، ولكن تلقّ منّي قولي

ص: 5


1- .خصائص الأئمّة: 86.

فأسمعهم. فكان سعد يتكلّم، ويحفظ ابنه قوله فيرفع صوته لكي يسمع قومه. فكان ممّا قال بعد أن حمد اللّه وأثنى عليه: يا معشر الأنصار إنّ لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمن، وخلع الأوثان فما آمن به من قومه إلاّ قليل، واللّه ما كانوا يقدرون أن يمنعوا النبيّ صلى الله عليه و آله، ولا يعرّفوا دينه، ولا يدفعوا عن أنفسهم حتّى أراد اللّه تعالى لكم الفضيلة، فساق إليكم الكرامة، وخصّكم بالنعمة، ورزقكم الإيمان به وبرسوله، والمنع له ولأصحابه، والإعزاز لدينه والجهاد لأعدائه. فكنتم أشدّ الناس على من تخلّف عنه منكم، وأثقلهم على عدوّه من غيركم. حتّى استقاموا لأمر اللّه تعالى طوعاً وكرها، وأعطى البعيد المقادة صاغراً داحراً حتّى اثخن اللّه تعالى لنبيّه صلى الله عليه و آله بكم الأرض، ودانت بأسيافكم له العرب.

ثمّ توفّاه اللّه تعالى وهو راض عنكم قرير العين بكم، فشدّوا أيديكم بهذا الأمر.فانّكم أحقّ الناس وأولاهم به. فأجابوه جميعاً أن قد وفّقت في الرأي، وأصبت في القول وكفى بعد ذلك ما رأيت بتوليتك هذا الأمر فأنت مقنع، ولصالح المؤمنين رضى.

فأتى الخبر إلى أبي بكر ففزع أشدّ الفزع وقام ومعه عمر فخرجا مسرعين إلى سقيفة بني ساعدة، فلقيا أبا عبيدة بن الجرّاح، فانطلقوا جميعاً إليها. فأراد عمر أن يبدأ بالكلام، وقال: خشيت أن يقصر أبو بكر عن بعض الكلام، فلمّا تجهّز للكلام قال له أبو بكر: على رسلك فستكفي الكلام. فتشهّد وقال: انّ اللّه تعالى بعث محمّداً بالهدى ودين الحق، فدعا إلى الإسلام، فأخذ اللّه بنواصينا وقلوبنا إلى ما دعا إليه.فكنّا معشر المهاجرين أوّل الناس إسلاماً، والناس لنا فيه تبع ونحن عشيرة النبيّ،

ص: 6

وأوسط العرب أنساباً ليس قبيلة إلاّ ولقريش فيها ولادة وأنتم أيضاً واللّه الّذين آووا ونصروا، وأنتم وزراؤنا في الدين، ووزراء النبيّ وإخواننا في كتاب اللّه، وشركاؤنا في دينه، وفي ما كنّا في سرّاء وضرّاء، واللّه ما كنّا في خير قطّ إلاّ كنتم معنا فيه، فأنتم أحبّ الناس إلينا، وأحقّ الناس أن لا تحسدوا إخوانكم المهاجرين، وأنتم المؤثرون على أنفسهم حين الخصاصة، واللّه ما زلتم تؤثرون إخوانكم من المهاجرين، وأنتم أحقّ الناس ألاّ يكون هذا الأمر واختلافه على أيديكم، وأبعد ألاّ تحسدوا إخوانكم على خير ساقه اللّه تعالى إليهم، وإنّما أدعوكم إلى أبي عبيدة أو عمر، وكلاهما قد رضيته لكم ولهذا الأمر، وكلاهما له أهل، فقال عمر وأبو عبيدة: ما ينبغي لأحد من الناس أن يكون فوقك يا أبا بكر أنت صاحب الغار ثاني اثنين، وأمرك النبيّ بالصلاة، فأنت أحقّ الناس بهذا الأمر.

فقال الأنصار: واللّه ما نحسدكم على خير ساقه اللّه إليكم وانّا كما وصفت، ولا أحد أحبّ إلينا منكم، ولكنّا نشفق ممّا بعد اليوم، ونحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منّا ومنكم. فلو جعلتم اليوم رجلاً منّا، ورجلاً منكم بايعنا ورضينا، على أنّه إذا هلك أحدهما اخترنا مكانه كان ذلك أجدر أن يعدل في أُمّة محمّد، وأن يكون بعضنا يتّبع بعضاً فيشفق القرشي أن يزيغ فيقبض عليه الأنصاريّ ويشفق الأنصاريّ أن يزيغ فيقبض عليه القرشي.

فقال أبو بكر: انّ اللّه بعث محمّداً رسولاً إلى خلقه ليوحّدوه، وهم إذ ذاك يعبدون آلهة شتّى، فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم. فخصّ اللّه تعالى المهاجرين الأوّلين بتصديقه، والصبر معه على الشدّة من قومهم. فلم يستوحشوا من قلّة عددهم، واجتماع قومهم عليهم. فهم أوّل من عبد اللّه في الأرض، وأوّل

ص: 7

من آمن باللّه ورسوله، وهم أولياؤه وعشيرته، وأحقّ الناس بالأمر بعده لا ينازعهم فيه إلاّ ظالم.

فقام الحبّاب بن المنذر فقال: يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم. فإنّما الناس في فيئكم وظلالكم ولن يجير مجير على خلافكم، ولن يصدر الناس إلاّ عن رأيكم. أنتم أهل العزّ والثروة، واولو العدد والنجدة، وإنّما ينظر الناس ما تصنعون. فلا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم. أنتم أهل الإيواء، وإليكم كانت الهجرة، ولكم في السابقين الأوّلين مثل ما لهم، وأنتم أصحاب الدار والايمان من قبلهم، واللّه ما عبدوا اللّه علانية إلاّ في بلادكم، ولا جمعت الصلاة إلاّ في مساجدكم ولا دانت العرب للإسلام إلاّ بأسيافكم. فأنتم أعظم الناس نصيباً في هذا الأمر، وإن أبى القوم فمنّا أمير، ومنهم أمير.

فقام عمر فقال: هيهات واللّه لا ترضى العرب أن تؤمّركم ونبيّها من غيركم ولكنّ العرب لا ينبغي أن تولّي هذا الأمر إلاّ من كانت النبوّة فيهم ، واولو الأمر منهم، لنا بذلك على من خالفنا من العرب الحجّة الظاهرة، والسلطان المبين. من ذا ينازعنا سلطان محمّد وميراثه، ونحن أولياؤه وعشيرته إلاّ متعد لباطل أو متجانف لإثم أو متورّط في هلكة.

فقام الحباب بن المنذر، وقال: يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر. فإن أبوا عليكم ما سألتم، فأجلوهم عن بلادكم، وولّوا عليكم وعليهم من أردتم، فأنتم واللّه أولى بهذا الأمر منهم، فإنّه دان لهذا الأمر من لم يكن يدين بأسلافنا. أما واللّه إن شئتم لنعيدنها جذعة واللّه لا يردّ عليّ أحد ما أقول إلاّ حطمت أنفه بالسيف.

ص: 8

قال عمر: فلمّا كان الحباب هو الّذي تكلّم لم يكن لي معه كلام لأنّه كان بيني وبينه كلام في حياة النبيّ صلى الله عليه و آله فنهاني عنه. فحلفت ألاّ أكلّمه كلمة تسوءه أبداً.

ثمّ قام أبو عبيدة فقال: يا معشر الأنصار أنتم أوّل من نصر وآوى، فلا تكونوا أوّل من يغيّر ويبدّل، وإنّ بشير بن سعد لمّا رأى ما اتّفق عليه قومه من تأمير سعد بن عبادة قام حسداً لسعد - وكان بشير من سادات الخزرج - فقال: يا معشر الخزرج أما واللّه لئن كنّا أولي الفضيلة في جهاد المشركين، والسابقة في الدين ما أردنا غير رضى ربّنا، وطاعة نبيّنا، وما ينبغي أن نستطيل بذلك على الناس وما نبتغي به عرضاً من الدنيا. فإنّ اللّه تعالى وليّ النعمة والمنّة علينا بذلك، ومحمّد رجل من قريش، وقومه أحقّ بميراثه، وتولّى سلطانه، وأيم اللّه لا يراني أنازعهم هذا الأمر أبداً فاتّقوا اللّه، ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم قام أبو بكر على الأنصارودعاهم إلى الجماعة ونهاهم عن الفرقة، وقال إنّي ناصح لكم في أحد هذين الرجلين أبي عبيدة أو عمر فبايعوا من شئتم منهما.

فقال عمر: معاذ اللّه أن يكون ذلك وأنت بين أظهرنا أنت أحقّنا بهذا الأمر، وأقدمنا صحبة، وأفضل المهاجرين، وثاني اثنين، وخليفته على الصلاة والصلاة أفضل دين الإسلام، فمن ذا ينبغي أن يتقدّمك ويتولّى هذا الأمر عليك؟ ابسط يدك أبايعك. فلمّا ذهبا يبايعانه سبقهما إليه بشير الأنصاريّ فبايعه. فناداه الحباب بن المنذر: يا بشير بن سعد عققت عقاق ما اضطرك إلى ما صنعت حسدت ابن عمّك على الإمارة؟ قال: لا. ولكنّي كرهت أن أنازع قوماً حقا لهم. فلمّا رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد وهو من سادات الخزرج وماتطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض - وفيهم أسيد بن حضير - لئن ولّيتموها سعداً عليكم مرّة

ص: 9

واحدة لا زالت لهم بذلك عليكم الفضيلة، ولا جعلوا لكم نصيباً فيها أبداً. فقوموا فبايعوا أبا بكر، فقاموا إليه فبايعوه.

فقام الحباب بن المنذر إلى سيفه فأخذه، فبادروا إليه فأخذوا سيفه منه، فجعل يضرب بثوبه، وجوههم حتّى فرغوا من البيعة. فقال: فعلتموها يا معشر الأنصار أما واللّه لكأنّي بأبنائكم على أبواب أبنائهم قد وقفوا يسألونهم بأكفّهم ولا يسقون الماء.

قال أبو بكر: أمنّا تخاف يا حبّاب؟ قال: ليس منك أخاف، ولكنّ ممّن يجيء بعدك. قال أبو بكر: فإذا كان كذلك فالأمر إليك، وإلى أصحابك ليس لنا عليكم طاعة.

قال الحباب: هيهات إذا ذهبت أنا وأنت جاءنا بعدك من يسومنا الضيم.

فقال سعد بن عبادة: أما واللّه لو أنّ بي ما أقدر به على النهوض لسمعتم منّي في أقطارها زئيرا يخرجك يا أبا بكر وأصحابك، ولالحقنّك بقوم كنت فيهم تابعاً غير متبوع خاملاً غير عزيز، فبايعه الناس جميعاً حتّى كادوا يطئون سعداً فقال سعد: قتلتموني فقيل اقتلوه قتله اللّه.

فقال سعد: احملوني من هذا المكان. فحملوه حتّى أدخلوه داره، وترك أيّاماً. ثمّ بعث إليه أبو بكر أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك. فقال: أما واللّه حتّى أرميكم بكلّ سهم في كنانتي، وأخضب منكم سناني ورمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي، ولا واللّه لو أنّ الجنّ اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتّى اعرض على ربّي وأعلم حسابي. فلمّا أتي بذلك أبو بكر من قوله قال عمر : لا تدعه حتّى يبايعك.

ص: 10

فقال لهم بشير بن سعد: إنّه قد لجّ وأبى، وليس يبايعك حتّى يقتل وليس بمقتول حتّى يقتل معه ولده وأهل بيته وعشيرته، ولن تقتلوهم حتّى تقتلوا الخزرج ولن تقتلوا الخزرج حتّى تقتلوا الأوس، فلا تفسدوا على أنفسكم أمراً قد استقام لكم فاتركوه وليس تركه بضارّكم، وإنّما هو رجل واحد فتركوه وقبلوا مشورة بشير واستنصحوه لما بدا لهم منه فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم، ولا يجمّع بجمعتهم، ولا يفيض بإفاضتهم، ولو يجد عليهم أعواناً لصال بهم، ولو يبايعه أحد على قتالهم لقاتلهم، فلم يزل كذلك حتّى توفّي أبو بكر وولي عمر، فخرج سعد إلى الشام فمات بها ولم يبايع لأحد(1).

ورواه الطبري عن أبي مخنف، وفيه، فقال ناس من أصحاب سعد: اتّقوا سعداً لا تطئوه فقال عمر: اقتلوه قتله اللّه. ثمّ قام على رأسه فقال: لقد هممت أن أطأك حتّى تندر عضوك. فأخذ سعد بلحية عمر فقال عمر: واللّه لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة. فقال أبو بكر لعمر: مهلا يا عمر. الرفق هنا أبلغ، فأعرض عنه عمر(2).

وقال الكلبي: بعث عمر رجلاً إلى الشام، وقال له: ادع سعداً إلى البيعة، واحمل له بكلّ ما قدرت عليه. فإن أبى فاستعن اللّه عليه.

فقدم الرجل الشام. فلقي سعداً بحوران(3) في حائط. فدعاه إلى البيعة فقال: لا أبايع قريشاً أبداً. قال: فإنّي اقاتلك. قال: وإن قاتلتني. قال: أفخارج أنت عمّا

ص: 11


1- . الإمامة والسياسة لابن قتيبة تحقيق الزيني: 1/12 - 17.
2- .تاريخ الطبري: 2/495 سنة 11.
3- .حوران بالفتح: كورة واسعة من أعماق دمشق في القبلة ذات قرى كثيرة ومزارع، قصبتها بصرى، ومنها أذرعات وزرع وغيرهما. مراصد الاطّلاع 1 - 435.

دخلت فيه الامّة. قال: أمّا من البيعة فانا فخارج، فرماه بسهم فقتله(1).

ومات سعد بحوران فجأة لسنة من خلافة عمر، ويقال: إنّه امتنع من البيعة لأبي بكر. فوجّه إليه رجلاً ليأخذ عليه البيعة، وهو بحوران. فأباها. فرماه فقتله، وفيه يروي هذا الشعر الذي ينتحله الجن.

قتلنا سيّد الخزرج سعد بن عبادة *** ورميناه بسهمين فلم نخط فؤاده(2)

وفي (سقيفة الجوهري) قال الراوي: وكثر الناس على أبي بكر، فبايعه معظم المسلمين في ذلك اليوم، واجتمعت بنو هاشم إلى بيت عليّ بن أبي طالب، ومعهم الزبير، وكان يعد نفسه رجلاً من بني هاشم، كان علي يقول: ما زال الزبير منّا أهل البيت حتّى نشأ بنوه فصرفوه عنّا.

واجتمعت بنو اميّة إلى عثمان بن عفّان، واجتمعت بنو زهرة إلى سعد وعبدالرحمن فأقبل عمر إليهم وأبو عبيدة فقال: ما لي أراكم ملتاثين. قوموا فبايعوا أبا بكر، فقد بايع له الناس، وبايعه الأنصار. فقام عثمان ومن معه، وقام سعد وعبدالرحمن ومن معهما فبايعوا أبا بكر.

وذهب عمر ومعه عصابة إلى بيت فاطمة منهم اسيد بن حضير وسلمة بن أسلم، فقال لهم: انطلقوا فبايعوا، فأبوا عليه، وخرج إليهم الزبير بسيفه، فقال عمر: عليكم الكلب، فوثب عليه سلمة بن أسلم، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار، ثمّ انطلقوا به وبعليّ ومعه بنو هاشم، وعليّ يقول: أنا عبد اللّه وأخو رسول اللّه صلى الله عليه و آله، حتّى انتهوا به إلى أبي بكر، فقيل له:

بايع فقال: أنا أحقّ بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم

ص: 12


1- .العقد الفريد: 5/14.
2- . أنساب الأشراف للبلاذري: 1/250.

هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول اللّه، فأعطوكم المقادة، وسلّموا إليكم الامارة، وأنا احتجّ عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فانصفونا إن كنتم تخافون اللّه من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم، وإلاّ فبؤوا بالظلم وأنتم تعلمون.

فقال عمر: إنّك لست متروكاً حتّى تبايع، فقال له عليّ: احلب يا عمر حلباً لك شطره، اشدد له اليوم أمره ليردّ عليك غداً، ألا واللّه لا أقبل قولك ولا أبايعه، فقال له أبو بكر: فان لم تبايعني لم أكرهك، فقال له أبو عبيدة: يا أبا الحسن، انك حديث السن، وهؤلاء مشيخة قريش قومك، ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالأمور، ولا أرى أبا بكر الا أقوى على هذا الأمر منك، واشد احتمالاً له، واضطلاعاً به، فسلّم له الأمر وارض به، فانّك إن تعش ويطل عمرك فأنت لهذا الأمر خليق وبه حقيق في فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك.

فقال عليّ: يا معشر المهاجرين، اللّه اللّه، لا تخرجوا سلطان محمّد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه، فو اللّه يا معشر المهاجرين لنحن - أهل البيت - أحق بهذا الأمر منكم، أما كان منّا القارئ لكتاب اللّه، الفقيه في دين اللّه، العالم بالسنّة، المضطلع بأمر الرعية، واللّه إنه لفينا، فلا تتّبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا.

قال بشير بن سعد: لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا عليّ قبل بيعتهم لأبي بكر، ما اختلف عليك اثنان، ولكنّهم قد بايعوا.

وانصرف عليّ إلى منزله، ولم يبايع، ولزم بيته حتّى ماتت فاطمة فبايع(1).

ص: 13


1- .السقيفة وفدك: 60؛ بحار الأنوار: 28/347.

وقال ابن أبي الحديد: سئل شيعي بأنّه لم سكت علي عليه السلام عن المطالبة بحقّه فقال: خاف أن تقتله الجنّ معرّضا بقصّة سعد انّ الجنّ قتلته لأنّه لم يبايع(1).

وقال العلاّمة الاميني رحمه الله: ثمّ لم يجمعهم مع القوم إلاّ الترعيد والترعيب ومحاشد الرجال وبروق الصوارم وكان من حشدهم اللهام رجال من الجنّ رموا سعد بن عبادة أمير الخزرج(2).

جاء رجل إلى عمر فقال له: هل لك في فلان يقول لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً فغضب عمر قال ابن عبّاس فقدمنا المدينة فجلس عمر على المنبر فلمّا سكت المؤذّنون قام - إلى أن قال: - ثمّ إنّه بلغني ان قائلاً منكم يقول واللّه لو مات عمر بايعت فلاناً فلا يغترنّ امرؤ أن يقول إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت الا وانّها قد كانت كذلك ولكنّ اللّه وقى شرّها وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا وانّه قد كان من خبرنا حين توفّي اللّه نبيّه صلى الله عليه و آله انّ الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت لأبي بكر يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نريدهم فلمّا دنونا منهم لقينا رجلان منهم فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار فقالا لا؛ عليكم أن لا تقربوهم اقضوا أمركم فقلت واللّه لنأتينّهم فانطلقنا حتّى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة فإذا رجل مزمل بين ظهرانيهم فقلت من هذا؟ قالوا: هذا سعد بن

ص: 14


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد النقل بالمعنى: 17/223.
2- .الغدير: 9/379.

عبادة فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك، فلمّا جلسنا قليلاً تشهد خطيبهم - إلى أن قال: - فلمّا سكت أردت أن أتكلّم وكنت زورت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر فلمّا أردت أن أتكلّم قال أبو بكر على رسلك فكرهت أن أغضبه فتكلّم أبو بكر فكان هو أحلم منّي وأوقر واللّه ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري الا قال في بديهته مثلها أو أفضل حتّى سكت فقال ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري الا قال في بديهته مثلها أو أفضل حتّى سكت فقال ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ولم يعرف هذا الأمر إلاّ لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيّهما شئتم فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجرّاح وهو جالس بيننا فقال قائل الأنصار: منّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتّى فرقت من الاختلاف فقلت ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثمّ بايعته الأنصار ثمّ قال عمر وأنا واللّه ما وجدنا فيما حضرنا من أمر أقوى من مبايعة أبي بكر خشينا ان فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يبايعوا رجلاً منهم بعدنا فإمّا بايعناهم على ما لا نرضى وإمّا نخالفهم فيكون فساد فمن بايع رجلاً على غير مشورة من المسلمين فلا تبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا(1).

قال عليه السلام: ما قالت الأنصار؟ قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير

قد عرفت انّ هذا كان قول الحباب بن المنذر الأنصاري، وغيره من الأنصار بعد تكلّم أبي بكر بأنّهم من قريش، وقريش قوم النبيّ فهم أحقّ فقالت الأنصار: لو

ص: 15


1- .صحيح البخاري: 8/26.

جعلتم اليوم رجلاً منّا، ورجلاً منكم كان ذلك أجدر أن يعدل في أمّة محمّد صلى الله عليه و آله(1).

وفي الطبري - بعد ذكر تكلّم سعد بن عبادة للأنصار وقولهم له - : «نولّيك هذا الأمر فانّك فينا مقنع ولصالح المؤمنين» ثمّ انّهم ترادّوا الكلام بينهم فقالوا: فان أبت مهاجرة قريش فقالوا: نحن المهاجرون وصحابة النبي الأوّلون وعشيرته وأولياؤه فعلام تنازعوننا هذا الأمر بعده فقالت طائفة منهم: فانّا نقول «إذن منّا أمير ومنكم أمير، ولن نرضى بدون هذا الأمر أبداً» فقال سعد بن عبادة حين سمعها، هذا أوّل الوهن(2).

قال عليه السلام: فَهَلاّ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وَصَّى بِأَنْ يُحْسَنَ إِلَى مُحْسِنِهِمْ وَيُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ

عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبيّ صلى الله عليه و آله: «إنّ عيبتي التي آوي إليها أهل بيتي، وإنّ الأنصار كرشي، فاعفوا عن مسيئهم وأقبلوا من محسنهم(3).

عن أنس بن مالك قال: مرّ أبو بكر والعبّاس بمجلس من الأنصار في مرض رسول اللّه صلى الله عليه و آله وهم يبكون، فقالا: ما يبكيكم؟ قال: ذكرنا محاسن رسول اللّه صلى الله عليه و آله

فدخلا على النبيّ وأخبراه بذلك فخرج وقد عصب على رأسه حاشية برده، فصعد المنبر ولم يصعده بعد ذلك اليوم فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال: اوصيكم بالانصار فانّهم كرشي(4) وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم(5).

ص: 16


1- .الإمامة والسياسة تحقيق الزيني: 1/15.
2- . تاريخ الطبري: 2/456، السنة 11.
3- . الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/252.
4- .الكرش بمنزلة المعدة للانسان وهنا المعنى: عيال الرجل وأهل بيته.
5- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4/6.

وخطب الحجّاج أهل الكوفة فقال: يا أهل العراق إنّي أردت الحج، وقد استخلفت عليكم محمّداً (ولدي) وما كنتم له بأهل، وأوصيته فيكم بخلاف ما أوصى به النبي صلى الله عليه و آله في الأنصار، فإنّه أوصى فيهم أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم وأنا أوصيته أن لا يقبل من محسنكم ولا يتجاوز عن مسيئكم، ألا وإنّكم قائلون بعدي مقالة لا يمنعكم من إظهارها إلاّ خوفي، تقولون: لا أحسن اللّه له الصحابة، وإنّي اعجّل الجواب. فلا أحسن اللّه عليكم الخلافة ثمّ نزل(1).

وفي السير: إنّ المنصور لمّا وجّه موسى بن عيسى بمحاربة محمّد بن عبداللّه الحسني بالمدينة قال له: فإذا ظفرت به، فلا تخيفنّ أهل المدينة، وعمّهم بالعفو، فانّهم الأصل والعشيرة، وجيران قبر النبي، فهذه وصيّتي إيّاك لا كما أوصى يزيد بن معاوية، مسلم بن عقبة حين وجّهه إلى المدينة، فأمره أن يقتل من ظفر به إلى ثنية الوداع، وأن يبحها ثلاثة أيّام، ففعل، فلمّا بلغ يزيد ما فعل تمثّل بقول ابن الزبعري في يوم أُحد حين قال:

ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل(2)

ثمّ الغريب أنّ أبا بكر وعمر وأبا عبيدة ومن ساعدهم من الأنصار لأغراض شخصيّة كبشير بن سعد الخزرجي، وأسيد بن حضير الأوسي وقد كان النبيّ صلى الله عليه و آله أمر بإخراجهما مع الثلاثة في جيش أُسامة، ولعن المتخلّف عنه كما رواه الجوهري(3)، والشهرستاني في الملل(4)، وكان قومهما استنكفوا من فعلهما فتزعم

ص: 17


1- .العقد الفريد: 4/207.
2- . التذكرة الحمدونيّة: 9/248، ش492.
3- .السفيقة وفدك: 75.
4- .الملل والنحل الشهرستاني: 231؛ دعائم الإسلام (القاضي النعمان): 1/41.

الأوس أنّ أوّل من بايع أبا بكر بشير الخزرجي، وتزعم الخزرج أنّ أوّل من بايعه أسيد الأوسي كما صرّح بذلك محمّد بن إسحاق صاحب المغازي(1) فنسب كلّ منهما السبقة في بيعة أبي بكر إلى خصمه اطنبوا في الاتيان بحجّة في قبال الأنصار. فليأتوا بطائل، ولم يستطيعوا الاتيان بهذه الحجّة المختصرة التي بيّنها أميرالمؤمنين عليه السلام من وصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله بهم فانّها جملة قصيرة تحسم مادّة شغبهم.

ولقد أراد عمرو بن العاص مع دهائه ردّ الأنصار فقال: «إن كانوا سمعوا قول النبيّ: الأئمّة من قريش ثمّ ادّعوها لقد هلكوا وأهلكوا، وإن كانوا لم يسمعوها فما هم كالمهاجرين» فأجابه النعمان بن عجلان الأنصاري بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله إن كان قال: «إنّ الأئمّة من قريش» فقد قال أيضاً: «لو سلك الناس شعبا، وسلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار» واللّه ما أخرجناكم من الأمر إذ قلنا: منّا أمير ومنكم أمير(2).

وكيف كانوا يقدرون على الاتيان بمثلها حجّة قاطعة، ولم يفهموا وجه دلالتها حتّى بيّنها عليه السلام لهم، وأين اولئك الأغبياء عن مقام الخلافة الالهيّة.

ولا تستوحش من تسميتهم الأغبياء، ولم يكن أبو بكر متفطناً لمفاسد تصدّيه لهذا الأمر حتّى بيّن الحباب بن المنذر بعضها الراجع إلى عشيرته.

فقال لهم بعد بيعتهم لأبي بكر: فعلتموها يا معشر الأنصار أما واللّه لكأنّي بأبنائكم على أبواب أبنائهم قد وقفوا يسألونهم بأكفّهم، ولا يسقون الماء، ولم يذكر الحباب مفاسده في الدين بصيرورة بني أميّة الشجرة الملعونة لاعبين بالدين،

ص: 18


1- .شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/18.
2- .شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/29.

فقال لحباب أمنّا تخاف، كما لم يتفطّن بأنّ عمله يصير سبباً قهريّاً لتسلّط أعداء النبيّ صلى الله عليه و آله على أُمّته واضمحلالهم لشريعته، واستيصالهم لعترته، وانتقامهم من أنصاره كما مرّ من قول يزيد، فيقول لحباب «إذا كان كذلك، فالأمر إليك، وإلى أصحابك» حتّى نبّهه الحباب بأنّه أمر محال(1).

قَالُوا وَمَا فِي هَذَا مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ؟

ومثله في عدم فهم المراد ما في (العقد) أنّ رسولاً من اليمامة ورد على الحجّاج، فقال له: هل وراءك من غيث؟ قال: نعم سمعت الروّاد يدعون إلى الماء، وسمعت قائلاً يقول: هلمّ ظعنكم إلى محلّة تطفأ فيها النيران، وتشتكي فيها النساء، وتنافس فيها المعزى.

قال الشعبي: فلم يدر الحجّاج ما قال، فقال له: تبّاً لك إنّما تحدّث أهل الشام؟ فأفهمهم، قال: أصلح اللّه الأمير اخصب الناس، فكثر التمر والسمن والزبد واللبن، فلا توقد نار يختبز بها وأمّا تشكّي النساء فإنّ المرأة تظل تربق بهمها وتمخض لبنها فتبيت ولها أنين من عضدها، وأمّا تنافس المعزى، فانّها ترى من أنواع الثمر والشجر ونور النبات ما يشبع بطونها ولا يشبع عيونها فتبيت وقد امتلأت أكراشها، ولها من الكظّة جرّة، فتبقى الجرّة حتّى تستنزل الدرة(2).

فَقَالَ عليه السلام: لَوْ كَانَ الإِمَامَةُ فِيهِمْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ

بل كان يوصيهم في سائر الناس قالوا كما في (العقد): كان عمرو بن سعيد

ص: 19


1- .بهج الصباغة: 4/356.
2- .العقد الفريد: 5/293.

الأشدق خلّفه أبوه غلاماً فدخل على معاوية فقال له: إلى من أوصى بك أبوك؟ قال: انّ أبي أوصى إليّ ولم يوص بي. فقال له: وبم أوصى إليك، قال: أن لا يفقد إخوانه منه إلاّ وجهه.

وقال زياد بن ظبيان لابنه عبيداللّه: ألا أوصي بك الأمير زياداً؟ قال: يا أبه إذا لم يكن للحيّ إلاّ وصيّة الميّت، فالحي هو الميّت(1).

وقال الشاعر:

إنّي إذا ما القوم كانوا انجيه *** واضطرب القوم اضطرب الأرشية

هناك أوصيني ولا توصي بيه(2)

ثُمَّ قَالَ عليه السلام: فَمَا ذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ؟ قَالُوا: احْتَجَّتْ بِأَنَّهَا شَجَرَةُ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله

فَقَالَ عليه السلام: احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ وَأَضَاعُوا الثَّمَرَةَ

مع انّ المقصود الأصلي من الشجرة هو الثمرة.

وقال العبّاس: - لما أتاه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة باشارة المغيرة عليهم أن يذهبوا إليه ، ويجعلوا له نصيباً في الأمر حتّى يحطّ من قدر أميرالمؤمنين عليه السلام - لأبي بكر في جوابه : «وأمّا قولك إنّ النبيّ منّا ومنكم، فإنّه كان من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها»(3).

وقد وقع مثل ذلك التشبيه في قوله سبحانه: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ

ص: 20


1- .العقد الفريد: 2/62.
2- .لسان العرب: 15/308.
3- . الإمامة والسياسة تحقيق الزيني لابن قتيبة: 1/21.

رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّه ُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»(1).

عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول اللّه: «مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ» الآية قال: الشجرة رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصلها نسبه ثابت في بني هاشم وفرع الشجرة عليّ بن أبي طالب عليه السلام وغصن الشجرة فاطمة عليهاالسلام وثمرتها الأئمّة من ولد عليّ وفاطمة عليهماالسلام وشيعتهم ورقها وإنّ المؤمن من شيعتنا ليموت فتسقط من الشجرة ورقة وإنّ المؤمن ليولد فتورق الشجرة ورقة قلت: أرأيت قوله: «تُؤتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا»(2) قال: يعني بذلك ما يفتون به الأئمّة شيعتهم في كلّ حجّ وعمرة من الحلال والحرام(3).

عن سلام بن المستنير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه تعالى: «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا» فقال: الشجرة رسول اللّه نسبه ثابت في بني هاشم وفرع الشجرة عليّ وعنصر الشجرة فاطمة عليهاالسلام وأغصانها الأئمّة وورقها الشيعة وإنّ الرجل منهم ليموت فتسقط منها ورقة وإنّ المولود منهم ليولد فتورق الشجرة ورقة قال: قلت له: جعلت فداك قوله تعالى: «تُؤتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا»(4) قال: هو ما يخرج من الإمام من الحلال والحرام في كلّ سنة إلى شيعته(5).

وعن عمرو بن حريث قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قول اللّه: «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ

ص: 21


1- .إبراهيم: 24 - 25.
2- .إبراهيم: 25.
3- .تفسير القمي: 1/369؛ بحار الأنوار: 9/218، ح97.
4- .إبراهيم: 25.
5- .بصائر الدرجات: 1/59، ح2؛ بحار الأنوار: 24/139، ح4.

أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ»(1) قال: فقال رسول اللّه صلى الله عليه و آله أصلها وأميرالمؤمنين عليه السلام فرعها والأئمّة من ذريّتهما أغصانها وعلم الأئمّة ثمرتها وشيعتهم المؤمنون ورقها هل فيها فضل(2).

قال: قلت: لا واللّه قال: واللّه إن المؤمن ليولد فتورق ورقة فيها وإن المؤمن ليموت فتسقط ورقة منها(3).

وعن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول اللّه تعالى: «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا» فقال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: أنا أصلها وعليّ فرعها والائمّة أغصانها وعلمنا ثمرها وشيعتنا ورقها يا أبا حمزة هل ترى فيها فضلاً؟ قال: قلت: لا واللّه؛ لا أرى فيها قال: فقال: يا أبا حمزة واللّه إنّ المولود ليولد من شيعتنا فتورق ورقة منها ويموت فتسقط ورقة منها(4).

عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ: «كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ» قال: النبيّ والأئمّة هم الأصل الثابت والفرع الولاية لمن

ص: 22


1- . إبراهيم: 24.
2- . قال المجلسي رحمه الله: هل فيها أي في الشجرة فضل أي شيء آخر غير ما ذكرنا، فلا يدخل في هذه الشجرة الطيّبة، ولا يلحق بالنبي غير من ذكر، فالمخالفون وسائر الخلق داخلون في الشجرة الخبيثة، وملحقون بها، وقيل: أي هل في هذه الكلمة فضل عن الحق، وفي بعض النسخ شوب مكان فضل، أي هل فيها شوب خطاء وبطلان، أو شوب حق بالباطل أو خلط شيء غير ما ذكر مرآة العقول: 5/104.
3- .الكافي: 1/428، ح80؛ بحار الأنوار: 24/142، ح12.
4- . بصائر الدرجات: 1/58، ح1؛ بحار الأنوار: 24/138، ح3.

دخل فيها(1).

وعن جابر الجعفي قال: سألت أبا جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ: «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا» قال: أمّا الشجرة فرسول اللّه صلى الله عليه و آله وفرعها عليّ عليه السلام وغصن الشجرة فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه و آله وثمرها أولادها عليهم السلام وورقها شيعتنا الحديث(2).

وعن عمر بن سالم صاحب السابري قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن هذه الآية أصلها ثابت وفرعها في السماء قال: أصلها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وفرعها أميرالمؤمنين عليه السلام والحسن والحسين عليهماالسلام ثمرها وتسعة من ولد الحسين عليهم السلام أغصانها والشيعة ورقها الحديث(3).

وعن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام في قول اللّه: «ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ» قال: يعني النبيّ صلى الله عليه و آله والأئمّة من بعده هم الأصل الثابت والفرع الولاية لمن دخل فيها(4).

قال الراوي: قال: وبايع جماعة الأنصار ومن حضر من غيرهم، وعلي بن أبي طالب مشغول بجهاز رسول اللّه صلى الله عليه و آله فلما فرغ من ذلك وصلى على النبي صلى الله عليه و آله والناس يصلون عليه من بايع أبا بكر ومن لم يبايع جلس في المسجد فاجتمع عليه بنو هاشم ومعهم الزبير بن العوام واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفان وبنوزهرة إلى عبد الرحمن بن عوف فكانوا في المسجد كلهم مجتمعين إذ أقبل أبو بكر

ص: 23


1- . بصائر الدرجات: 1/60، ح1؛ بحار الأنوار: 24/141، ح8.
2- .معاني الأخبار: 400، ح61؛ بحار الأنوار: 65/26، ح48.
3- . كمال الدين وتمام النعمة: 2/345، ح30؛ بحار الأنوار: 24/141، ح7.
4- .تفسير العيّاشي: 2/224، ح10؛ بحار الأنوار: 24/141، ح8.

ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجراح فقالوا: ما لنا نراكم حلقا شتى؟ قوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته الأنصار والناس فقام عثمان وعبد الرحمن بن عوف ومن معهما فبايعوا وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي عليه السلام ومعهم الزبير قال: فذهب إليهم عمر في جماعة ممّن بايع فيهم أسيد بن حصين وسلمة بن سلامة فألفوهم مجتمعين فقالوا لهم: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس فوثب الزبير إلى سيفه فقال عمر: عليكم بالكلب العقور فاكفونا شره فبادر سلمة بن سلامة فانتزع السيف من يده فأخذه عمر فضرب به الأرض فكسره وأحدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر فلما حضروا قالوا: بايعوا أبا بكر فقد بايعه الناس وايم اللّه لئن أبيتم ذلك لنحاكمنكم بالسيف فلمّا رأى ذلك بنو هاشم أقبل رجل فجعل يبايع حتّى لم يبق ممّن حضر إلا علي بن أبي طالب فقالوا له: بايع أبا بكر فقال علي عليه السلام: أنا أحق بهذا الأمر منه وأنتم أولى بالبيعة لي أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من الرسول وتأخذونه منا أهل البيت غصبا ألستم زعمتم للأنصار أنّكم أولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول اللّه صلى الله عليه و آله فأعطوكم المقادة وسلموا لكم الإمارة وأنا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار أنا أولى برسول اللّه حيا وميتا وأنا وصيه ووزيره ومستودع سره وعلمه وأنا الصديق الأكبر والفاروق الأعظم أول من آمن به وصدقه وأحسنكم بلاء في جهاد المشركين وأعرفكم بالكتاب والسنة وأفقهكم في الدين وأعلمكم بعواقب الأمور وأذربكم لسانا(1) وأثبتكم جنانا فعلام تنازعونا هذا الأمر أنصفونا إن كنتم تخافون اللّه من أنفسكم وأعرفوا لنا الأمر مثل ما عرفته لكم الأنصار وإلاّ فبوءوا

ص: 24


1- .الذرب ككتف. حديدة الاسكاف التي يقطع بها، وذرب اللسان: حديدة.

بالظلم والعدوان وأنتم تعلمون.

فقال عمر: يا علي أما لك بأهل بيتك أسوة؟

فقال علي عليه السلام: سلوهم عن ذلك فابتدر القوم الذين بايعوا من بني هاشم فقالوا: واللّه ما بيعتنا لكم بحجّة على علي ومعاذ اللّه أن نقول إنا نوازيه في الهجرة وحسن الجهاد والمحل من رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

فقال عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع طوعا أو كرها.

فقال علي عليه السلام: احلب حلبا لك شطره اشدد له اليوم ليرد عليك غدا إذا واللّه لا أقبل قولك ولا أحفل بمقامك ولا أبايع.

فقال أبو بكر: مهلا يا أبا الحسن ما نشك فيك ولا نكرهك.

فقام أبو عبيدة إلى علي عليه السلام فقال: يا ابن عم لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك ولكنّك حدث السن - وكان لعلي عليه السلام يومئذ ثلاث وثلاثون سنة وأبو بكر شيخ من مشايخ قومك - وهو أحمل لثقل هذا الأمر وقد مضى الأمر بما فيه فسلم له فإن عمرك اللّه يسلموا هذا الأمر إليك ولا يختلف فيك اثنان بعد هذا إلا وأنت به خليق وله حقيق ولا تبعث الفتنة في أوان الفتنة فقد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك.

فقال أميرالمؤنين عليه السلام: يا معاشر المهاجرين والأنصار اللّه اللّه لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري ولا تخرجوا سلطان محمّد من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم ولا تدفعوا أهله عن حقّه ومقامه في الناس فو اللّه معاشر الجمع إن اللّه قضى وحكم ونبيه أعلم وأنتم تعلمون بأنّا أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم أما كان القارئ منكم لكتاب اللّه، الفقيه في دين اللّه، المضطلع بأمر الرعية؟ واللّه إنه لفينا لا

ص: 25

فيكم فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعدا وتفسدوا قديمكم بشر من حديثكم.فقال بشير بن سعد الأنصاري الذي وطأ الأرض لأبي بكر وقالت جماعة من الأنصار: يا أبا الحسن لو كان هذا الأمر سمعته منك الأنصار قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان.

فقال علي عليه السلام: يا هؤاء كنت أدع رسول اللّه مسجى لا أواريه وأخرج أنازع في سلطانه واللّه ما خفت أحدا يسمو له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحل ما استحللتموه ولا علمت أن رسول اللّه صلى الله عليه و آله ترك يوم غدير خم لأحد حجّة ولا لقائل مقالا فأنشد اللّه رجلا سمع النبي يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله أن يشهد الآن بما سمع.

قال زيد بن أرقم فشهد اثنا عشر رجلا بدريا بذلك وكنت ممّن سمع القول من رسول اللّه صلى الله عليه و آله فكتمت الشهادة يومئذ فدعا علي علي فذهب بصري.

قال وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت وخشي عمر أن يصغي الناس إلى قول علي عليه السلام ففسح المجلس وقال: إن اللّه يقلب القلوب ولا تزال يا أبا الحسن ترغب عن قول الجماعة فانصرفوا يومهم ذلك(1).

وعن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبداللّه جعفر بن محمّد الصادق: جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟ قال: نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلاً، من المهاجرين خالد بن سعيد بن العاص وكان من بني أميّة وسلمان الفارسي وأبو ذرّ

ص: 26


1- .الاحتجاج: 1/73؛ بحار الأنوار: 28/183.

الغفاري والمقداد بن الأسود وعمّار بن ياسر وبريدة الأسلمي ومن الأنصار أبو الهيثم بن التيهان وسهل وعثمان ابنا حنيف وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأبي بن كعب وأبو أيّوب الأنصاري(1).

ص: 27


1- .الاحتجاج: 175؛ بحار الأنوار: 28/189.

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة (67) : ومن كلام له عليه السلام لما قلد محمّد بن أبي بكر مصر فملكت عليه فقتل:

اشارة

وَقَدْ أَرَدْتُ تَوْلِيَةَ مِصْرَ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ وَلَوْ وَلَّيْتُهُ إِيَّاهَا لَمَّا خَلَّى لَهُمُ الْعَرْصَةَ وَلا أَنْهَزَهُمُ الْفُرْصَةَ بِلا ذَمٍّ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَلَقَدْ كَانَ إِلَيَّ حَبِيباً وَكَانَ لِي رَبِيباً.

نسب محمّد بن أبي بكر وحالاته

هو محمّد بن عبداللّه بن عثمان، وهو محمّد بن أبي بكر بن أبي قحافة، وأُمّه أسماء بنت عميس، ولد في حجّة الوداع (سنة 10 ه) بذي الحليفة، في وقت كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد تهيّأ مع جميع أصحابه لأداء حجّة الوداع(1).

قال في الاستيعاب: محمّد بن أبي بكر، أُمّه أسماء بنت عميس الخثعميّة، ولد عام حجّة الوداع في عقب ذي القعدة بذي الحليفة أو بالشجرة في حين توجّه رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى حجّته، ذكر الواقدي، قال: حدّثنا عمر بن أبي عاتكة، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه أنّ عائشة سمّت محمّد بن أبي بكر وكنّته أبا القاسم ثمّ نقل عن ابن عمير الليثي: ان محمّد بن أبي بكر قد سمّي ابنه القاسم، فكان يكنّى بأبي القاسم، ثمّ كان في حجر عليّ بن أبي طالب، إذ تزوّج أُمّه أسماء بنت عميس،

ص: 28


1- . مكاتيب الأئمّة عليهم السلام: 1/241؛ الرجال ابن داود: 158، ش1264؛ أسد الغابة: 4/324.

وكان على الرجّالة يوم الجمل، وشهد معه صفّين، ثمّ ولاّه مصر، فقتل بها، قتله معاوية بن خديج صبراً، وذلك في سنة ثمان وثلاثين.

وقيل: قتله معاوية بن خديج في المعركة، ثمّ أحرق في جوف الحمار بعد ويقال: إنّه أتى به عمرو بن العاص فقتله صبراً.

وكان عليّ بن أبي طالب يثنى على محمّد بن أبي بكر ويفضّله، لأنّه كانت له عبادة واجتهاد، وكان ممّن حضر قتل عثمان. وقيل: إنّه شارك في دمه، وقد نفى جماعة من أهل العلم والخبر أنّه شارك في دمه إلى آخر ما قال(1).

عن الكلبي أنّ محمّد بن حذيفة هو الذي حرّض المصريين على قتل عثمان وندبهم إليه، وكان حينئذٍ بمصر، فلمّا ساروا إلى عثمان وحصروه وثب هو بمصر على عامل عثمان عليها، وهو عبداللّه بن سعد بن أبي سرح(2) فطرده عنها وصلّى بالناس، فخرج ابن أبي سرح من مصر ونزل على تخوم أرض مصر ممّا يلي فلسطين، وانتظر ما يكون من أمر عثمان، فلمّا بلغ إليه خبر قتله وبيعة الناس

ص: 29


1- . الاستيعاب: 3/1366، ش2320.
2- .عبداللّه بن سعد بن أبي سرح العامري، كان أخا عثمان من الرضاعة، وكان من المنافقين الكفّار آمن النبيّ صلى الله عليه و آله الناس كلّهم إلاّ أربعة نفر وامرأتين أمر بقتلهم ولو تحت أستار الكعبة منهم عبداللّه فاختبأ عبداللّه عند عثمان فغيبه حتّى أتى به بعد ما اطمأنّ أهل مكّة فأوقفه على النبيّ صلى الله عليه و آله منه فصمت رسول اللّه صلى الله عليه و آله طويلاً ثمّ قال: نعم فلمّا انصرف عثمان قال صلى الله عليه و آله لمن حوله: ما صمت إلاّ ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه فقال رجل من الأنصار فهلا أومأت إليّ يا رسول اللّه؟ فقال: (إنّ النبيّ لا يكون له خائنة الأعين) ولاّه عثمان مصر سنة 25 بعد أن عزل عمرو بن العاص عنها فأقام بها ثمّ وفد على عثمان واستخلف على مصر السائب بن هشام بن عمرو العامري فوثب عليه محمّد بن حذيفة واستولى على مصر ورجع ابن سرح فمنعه محمّد من الدخول فمضى إلى عسقلان فأقام بها حتّى قتل عثمان توفي عبداللّه بعد أن استولى معاوية وقيل توفي سنة 37 بعسقلان (الاستيعاب: 3/918، ش1553).

لأميرالمؤمنين عليه السلام لحق بمعاوية(1).

وقال ابن الأثير: وفي هذه السنة في صفر بعث عليّ عليه السلام قيس بن سعد أميراً على مصر وكان صاحب راية الأنصار مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله وكان من ذوي الرأي والبأس فقال له سر إلى مصر فقد ولّيتكها واخرج إلى رحلك وأجمع إليك ثقاتك ومن أحببت أن يصحبك حتّى تأتيها ومعك جند فإن ذلك أرعب لعدوك وأعز لوليك وأحسن إلى المحسن واشتدّ على المريب وأرفق بالعامة والخاصة فإنّ الرفق يمن فقال قيس: يا أميرالمؤمنين قد فهمت ما ذكرت، فأما الجند فاني ادعه لك فاذا احتجت إليهم كانوا قريباً منك، وإن أردت بعثهم إلى وجه من وجوهك كانوا لك عدّة ولكنّي أسير إلى مصر بنفسي وأهل بيتي، وأمّا ما أوصيتني به من الرفق والاحسان فاللّه هو المستعان على ذلك.

فخرج قيس حتّى دخل مصر في سبعة من أصحابه على الوجه الذي تقدّم ذكره فصعد المنبر فجلس عليه وأمر بكتاب أميرالمؤمنين معه يقرأ على الناس فيه:من عبداللّه عليّ أميرالمؤمنين إلى من بلغه كتابي من المسلمين، سلام عليكم فانّي أحمد اللّه إليكم الذي لا إله إلاّ هو، أمّا بعد فانّ اللّه بحسن صنعه وقدره وتدبيره اختار الاسلام ديناً لنفسه وملائكته ورسله، وبعث أنبيائه إلى عباده، فكان ممّا أكرم اللّه عزّ وجلّ به هذه الامة وخصهم به من الفضل أن بعث محمّداً صلّى اللّه عليه وآله إليهم فعلمهم الكتاب والحكمة والسنّة والفرائض، وأدّبهم لكيما يهتدوا وأجمعهم لكيلا يتفرّقوا، وزكاهم لكيما يتطهّروا فلمّا قضى من ذلك ما عليه قبضه اللّه إليه، فعليه صلوات اللّه وسلامه ورحمته ورضوانه.

ص: 30


1- .الغارات ط - القديمة: 1/124؛ بحار الأنوار: 33/533، ش720.

ثمّ إنّ المسلمين من بعده استخلفوا أميرين منهم صالحين(1) أحييا السيرة ولم يعدوا لسنّة، ثمّ توفّيا فولى بعدهما من أحدث أحداثاً فوجدت الامّة عليه مقالاً فقالوا ثمّ نقموا عليه فغيروا ثمّ جاءوني فبايعوني وأنا أستهدى اللّه للهدى وأستعينه على التقوى، ألا وان لكم علينا العمل بكتاب اللّه وسنّة رسوله والقيام بحقّه والنصح لكم بالغيب واللّه المستعان وحسبنا اللّه ونعم الوكيل.

وقد بعث لكم قيس بن سعد الأنصاري أميراً فوازروه وأعينوه على الحق، وقد أمرته بالاحسان إلى محسنكم والشدّة على مريبكم والرفق بعوامكم وخواصكم وهو ممّن أرضى هديه وأرجو صلاحه ونصحه، نسأل اللّه لنا ولكم عملاً زاكياً وثواباً جزيلاً ورحمة اللّه وبركاته، وكتب عبيداللّه بن أبي رافع في صفر سنة ست وثلاثين.

قال: فلمّا فرغ من قراءة الكتاب ثمّ قام قيس خطيباً فحمد اللّه وأثنى عليه وقال:

الحمد للّه الذي جاء بالحق وأمات الباطل وكبّ الظالمين أيّها الناس إنّا قد بايعنا خير من نعلم بعد نبيّنا قوموا أيّها الناس فبايعوه على كتاب اللّه وسنّة رسوله فان نحن لم نعمل لكم بذلك فلا بيعة لنا عليكم.

فقام الناس فبايعوا واستقامت له مصر وبعث عليها عماله إلاّ قرية منها يقال لها خربتا فيها ناس قد أعظموا قتل عثمان عليهم وبها رجل من بني كنانة اسمه يزيد بن الحارث فبعث إلى قيس يدعو إلى الطلب بدم عثمان وكان مسلمة بن مخلد قد أظهر الطلب أيضاً بدم عثمان فأرسل إليه قيس ويحك أعليّ تثب فواللّه ما أحب أن

ص: 31


1- . أي ظاهراً عند الناس ويحتمل أن يكون من الحاق المخالفين.

لي ملك الشام إلى مصر وأني قتلتك فبعث إليه مسلمة إنّي كاف عنك مادمت وأنت والي مصر وبعث قيس وكان حازماً إلى أهل خربتا إنّي لا أكرهكم على البيعة وانّي كاف عنكم فهادنهم وجبي الخراج ليس أحد ينازعه وخرج أميرالمؤمنين إلى الجمل ورجع وهو بمكانه فكان أثقل خلق اللّه على معاوية مخافة أن يقبل عليّ عليه السلامفي أهل العراق وقيس في أهل مصر فيقع بينهما معاوية فكتب معاوية إلى قيس:

سلام عليك، أمّا بعد فانّكم نقمتم على عثمان ضربة بسوط أو شتيمة رجل أو تسيير آخر واستعمال فتي وقد علمتم أن دمه لا يحلّ لكم فقد ركبتم عظيماً وجئتم أمراً إدّا فتب إلى اللّه يا قيس فإنّك من المجلبين على عثمان فأمّا صاحبك فإنّا استقينا أنّه الذي أغرى [به] الناس وحملهم حتّى قتلوه وأنّه لم يسلم من دمه عظم قومك فان استطعت يا قيس أن تكون ممّن يطالب بدم عثمان فافعل وتابعنا على أمرنا ولك سلطان العراقيين إذا ظهرت ما بقيت ولمن أحببت من أهلك سلطان الحجاز مادام لي سلطان وسلني ما شئت فإنّي أعطيك واكتب إليّ برأيك؛ فلمّا جاءه الكتاب أحبّ أن يدافعه ولا يبدي له أمره ولا يتعجل إلى حربه فكتب إليه أمّا بعد فقد فهمت ما ذكرته من قتلة عثمان فذلك شيء لم أقاربه وذكرت أنّ صاحبي هو الذي أغري به حتّى قتلوه وهذا ممّا لم أطلع عليه وذكرت أن عظم عشيرتي لم تسلم [من دم عثمان]، فأوّل الناس كان فيه قياماً عشيرتي وأمّا ما عرضته من متابعتك فهذا أمر لي فيه نظر وفكرة وليس هذا ممّا يسرع إليه وأنا كاف عنك وليس يأتيك من قبلي شيء تكرهه حتّى ترى ونرى إن شاء اللّه تعالى.

ص: 32

فلمّا قرأ معاوية كتابه رآه مقارباً مباعداً فكتب إليه:

أمّا بعد فقد قرأت كتابك فلم أرك تدنو فأعدك سليما ولا متباعداً فأعدك حرباً وليس مثلي يصانع المخادع وينخدع للمكايد ومعه عدد الرجال وبيده [أعنة الخيل]، والسلام.

وفي الغارات: أمّا بعد فقد قرأت كتابك فلم أرك تدنوا فأعدك سلما ولم أرك تتباعد فأعدك حرباً أنت هاهنا كجمل جرور وليس مثلي من يصانع بالخدائع ولا يختدع بالمكايد ومعه عدد الرجال وأعنة الخيل فإن قبلت الذي عرضت عليك فلك ما أعطيتك وإن أنت لم تفعل ملأت عليك مصر خيلاً ورجلاً والسلام.

فلمّا رأى قيس كتابه ورأى أنّه لا يفيد معه المدافعة والمماطلة أظهر له ما في نفسه فكتب إليه :

أمّا بعد فالعجب من اغترارك بي وطمعك في استسقاطك إيّاي أتسومني الخروج عن طاعة أولى الناس بالإمارة وأقولهم بالحق وأهداهم سبيلاً وأقربهم من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسيلة وتأمرني بالدخول في طاعتك كطاعة أبعد الناس من هذا الأمر وأقولهم بالزور وأضلّهم سبيلاً وأبعدهم من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسيلة ولد ضالين مضلين طاغوت من طواغيت إبليس! وأمّا قولك إنّي مالئ عليك مصر خيلاً ورجالاً فواللّه إن لم أشغلك بنفسك حتّى تكون أهمّ إليك إنّك لذو جد والسلام(1).

فلمّا رأى معاوية كتابه أيس منه وثقل عليه مكانه ولم تنجح حيله فيه فكاده من قبل عليّ عليه السلام فقال لأهل الشام لا تسبوا قيس بن سعد ولا تدعوا إلى غزوة فإنّه لنا شيعة قد تأتينا كتبه ونصيحته سرّاً ألا ترون ما يفعل بإخوانكم الذين عنده من

ص: 33


1- .الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3/268؛ الغارات ط - القديمة: 1/127.

أهل خربتا يجري عليهم أعطياتهم وأرزاقهم ويحسن إليهم وافتعل كتاباً عن قيس إليه بالطلب بدم عثمان والدخول معه في ذلك وقرأه على أهل الشام:

إلى الأمير معاوية بن أبي سفيان من قيس بن سعد أمّا بعد فإن قتل عثمان كان حدثاً في الاسلام عظيماً وقد نظرت لنفسي وديني لم أر يسعني مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلما محرما برا تقيا ونستغفر اللّه لذنوبنا ونسأله العصمة لديننا ألا وإنّي قد ألقيت إليك بالسلم وأجبتك إلى قتال قتلة إمام الهدى المظلوم فعول علي فيما أحببت من الأموال والرجال أعجله إليك إن شاء اللّه تعالى والسلام عليك.

فبلغ ذلك عليّاً أبلغه ذلك محمّد بن أبي بكر ومحمّد بن جعفر بن أبي طالب وأعلمته عيونه بالشام فأعظمه وأكبره فدعا ابنيه وعبداللّه بن جعفر فأعلمهم ذلك فقال عبداللّه بن جعفر يا أميرالمؤمنين دع ما يريبك إلى ما لا يريبك اعزل قيساً عن مصر فقال عليّ إنّي واللّه ما أصدق بهذا عنه فقال عبداللّه اعزله فان كان هذا حقا لا يعتزل لك فبينا هم كذلك إذ جاءهم كتاب من قيس فيه:

بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد فانّي أخبر أميرالمؤمنين أكرمه اللّه أن قبلي رجالاً معتزلين سألوني أن أكفّ عنهم وأن أدعهم على حالهم حتّى يستقيم أمر الناس فنرى ويرون وقد رأيت أن أكفّ عنهم وألا أعجل وأن أتألفهم فيما بين ذلك لعلّ اللّه أن يقبل بقلوبهم ويفرقهم عن ضلالتهم إن شاء اللّه والسلام.

فقال ابن جعفر: ما أخوفني أن يكون ذلك ممالأة منه فمره بقتالهم.

فكتب عليه السلام إليه: بسم اللّه الرحمن الرحيم أمّا بعد فسر إلى القوم الذين ذكرت فان دخلوا فيما دخل فيه المسلمون وإلاّ فناجزهم(1) والسلام.

ص: 34


1- .المناجزة: القتال والمبارزة.

فلمّا قرأ الكتاب كتب جوابه :

أمّا بعد فقد عجبت لأمرك تأمرني بقتال قوم كافين عنك مفرغيك لعدوك ومتى حاددناهم ساعدوا عليك عدوك فأطعني يا أميرالمؤمنين واكفف عنهم فانّ الرأي تركهم، والسلام.

فلمّا قرأ عليّ الكتاب قال ابن جعفر: يا أميرالمؤمنين ابعث محمّد بن أبي بكر على مصر واعزل قيساً فقد بلغني أن قيساً يقول إن سلطاناً لا يستقيم إلاّ بقتل مسلمة بن خالد لسلطان سوء.

وكان ابن جعفر أخا محمّد بن أبي بكر لأمّه فبعث علي عليه السلام محمّد بن أبي بكر إلى مصر وقيل بعث الأشتر النخعي فمات بالطريق فبعث محمّداً فقدم محمّد على قيس بمصر فقال له قيس ما بال أميرالمؤمنين؟ ما غيره؟ أدخل أحد بيني وبينه؟ قال: لا وهذا السلطان سلطانك وكان بينهما نسب، كان قيس متزوجاً «قريبة» بنت أبي قحافة أخت أبي بكر، فكان قيس زوج عمّة محمّد قال: لا واللّه لا أقيم وخرج منها مقبلاً إلى المدينة وهو غضبان لعزله فجاءه حسان بن ثابت وكان عثمانيّاً يشمت به فقال له قتلت عثمان ونزعك علي عليه السلام فبقي عليك الإثم ولم يحسن لك الشكر فقال له قيس: يا أعمى القلب والبصر واللّه لو أُلْقِيَ بين رهطي ورهطك حرباً لضربت عنقك! أخرج عنّي! ثمّ أخاف مروان بن الحكم قيساً بالمدينة فخرج منها هو وسهل بن حنيف إلى علي فشهدا معه صفين فكتب معاوية إلى مروان يتغيظ عليه ويقول له لو أمددت علياً بمائة ألف مقاتل لكان أيسر عندي من قيس بن سعد في رأيه ومكانه.

فلمّا قدم قيس على علي وأخبره الخبر علم أنّه كان يقاسي أموراً عظاماً من

ص: 35

المكايدة وجاءهم خبر قتل محمّد بن أبي بكر فعظم محل قيس عنده وأطاعه في الأمر كلّه(1).

والحق في المقام كما يظهر من بعض التواريخ ان عزله عليه السلام قيساً عن الامارة لم يكن باختيار منه بل اجبروه عليه كما اجبروه على قبوله التحكيم(2) وإلاّ فهو عليه السلام كان أجل قدراً وأعظم شأناً من أن لا يعلم حقيقة الحال هذا.

قال إبراهيم وكان عهد علي عليه السلام إلى محمّد بن أبي بكر:

هذا ما عهد عبداللّه علي أميرالمؤنين إلى محمّد بن أبي بكر حين ولاه مصر أمره بتقوى اللّه في السر والعلانية وخوف اللّه في المغيب والمشهد وأمَرَه باللين للمسلم وبالغلظة على الفاجر وبالعدل على أهل الذمة وبالإنصاف للمظلوم وبالشدة على الظالم وبالعفو عن الناس وبالإحسان ما استطاع واللّه يجزي المحسنين وأمره أن يدعو من قبله إلى الطاعة والجماعة فإن لهم في ذلك من العافية وعظيم المثوبة ما لا يقدرون قدره ولا يعرفون كنهه.

وأمره أن يجبي خراج الأرض على ما كانت تجبى عليه من قبل ولا ينتقص ولا يبتدع ثم يقسمه بين أهله كما كانوا يقسمونه عليه من قبل وأمره أن يلين لهم جناحه وأن يساوي بينهم في مجلسه ووجهه وليكن القريب والبعيد عنده في الحق سواء وأمره أن يحكم بين الناس بالحق وأن يقوم بالقسط ولا يتبع الهوى ولا يخاف في اللّه لومة لائم فإن اللّه مع من اتقاه وآثر طاعته على ما سواه والسلام .قال إبراهيم: ثم إن محمّد بن أبي بكر قام خطيبا فحمد اللّه وأثنى عليه وقال:

ص: 36


1- . الكامل لابن الأثير: 3/271؛ الغارات: 1/134؛ أعيان الشيعة: 8/454.
2- .بحار الأنوار: 33/540.

أمّا بعد فالحمد للّه الذي هدانا وإيّاكم لما اختلف فيه من الحق وبصرنا وإيّاكم كثيرا ممّا عمي عنه الجاهلون ألا إن أميرالمؤنين ولاّني أموركم وعهد إلي بما سمعتم وأوصاني بكثير منه مشافهة ولن آلوكم جهدا ما استطعت وما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكلت وإليه أنيب فإن يكن ما ترون من آثاري وأعمالي للّه طاعة وتقوى فاحمدوا اللّه على ما كان من ذلك فإنه هو الهادي له (إليه خ ل) وإن رأيتم من ذلك عملا بغير حق فادفعوه إلي وعاتبوني عليه فإني بذلك أسعد وأنتم بذلك جديرون وفقنا اللّه وإياكم لصالح العمل(1).

أقول: ولأميرالمؤمنين عليه السلام كتاب آخر مبسوط إلى محمّد وإلى مصر ورواه إبراهيم نرويه إن شاء اللّه في باب الكتب إن ساعدنا التوفيق والمجال.

ثمّ قال إبراهيم: فلم يلبث محمّد بن أبي بكر شهرا كاملا حتّى بعث إلى أولئك المعتزلين الذين كان قيس بن سعد موادعا لهم فقال: يا هؤاء أما أن تدخلوا في طاعتنا وأما أن تخرجوا من بلادنا فبعثوا إليه أنا لا نفعل فدعنا حتّى ننظر إلى ما يصير إليه أمر الناس فلا تعجل علينا فأبى عليهم فامتنعوا منه وأخذوا حذرهم ثمّ كانت وقعة صفين وهم لمحمّد هائبون فلمّا أتاهم خبر معاوية وأهل الشام ثمّ صار الأمر إلى الحكومة وأن عليا وأهل العراق قد قفلوا (رجعوا خ ل) عن معاوية والشام إلى عراقهم اجترءوا على محمد بن أبي بكر وأظهروا المنابذة له فلمّا رأى محمّد ذلك بعث إليهم ابن جمهان البلوي ومعه يزيد بن الحارث الكناني فقاتلاهم فقتلوهما.

ثمّ بعث إليهم رجلا من كلب فقتلوه أيضا، وخرج معاوية بن خديج من

ص: 37


1- .الغارات ط - القديمة: 1/141.

السكاسك يدعو إلى الطلب بدم عثمان فأجابه القوم وناس كثير آخرون وفسدت مصر على محمّد بن أبي بكر فبلغ عليا توثبهم عليه فقال: ما أرى لمصر إلاّ أحد الرجلين صاحبنا الذي عزلناه بالأمس يعني قيس بن سعد بن عبادة أو مالك بن الحارث الأشتر وكان علي حين رجع عن صفين رد الأشتر إلى عمله بالجزيرة وقال لقيس بن سعد: أقم أنت معي على شرطتي حتى نفرغ من أمر هذه الحكومة ثم اخرج إلى آذربيجان فكان قيس مقيما على شرطته فلمّا انقضى أمر الحكومة كتب إلى الأشتر وهو يومئذٍ بنصيبين وطلبه إليه وبعثه إلى مصر ومات قبل الوصول إليه(1).

بتفصيل تطلع عليه في باب الكتب أيضاً إن شاء اللّه .

وأمّا كيفيّة قتل محمّد بن أبي بكر:

قال في الكامل: في هذه السنة (سنة ثمان وثلاثين) قتل محمّد بن أبي بكر بمصر وهو عامل علي عليها(2).

وقال: وكان أهل الشام ينتظرون بعد صفين أمر الحكمين فلمّا تفرّقا بايع أهل الشام معاوية بالخلافة ولم يزدد إلاّ قوّة واختلف الناس بالعراق على عليّ عليه السلام فما كان لمعاوية همّ إلاّ مصر وكان يهاب أهلها لقربهم منه وشدّتهم على من كان على رأي عثمان وكان يرجو أنّه إذا ظهر عليه ظهر على حرب عليّ عليه السلام لعظم خراجها فدعا معاوية عمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وبسر بن أبي أرطاة والضحّاك بن قيس وعبدالرحمن بن خالد وأبا الأعور السلمي وشرحبيل بن السمط الكندي فقال لهم: أتدرون لِمَ جمعتكم؟ فانّي جمعتكم لأمر لي مهم! فقالوا لم يطلع اللّه على

ص: 38


1- . الغارات: 1/163.
2- .الكامل لابن الأثير: 3/352.

الغيب أحداً وما نعلم ما تريد فقال عمرو بن العاص دعوتنا لتسألنا عن رأينا في مصر فان كنت جمعتنا لذلك فاعزم واصبر فنعم الرأي رأيت في افتتاحها فان فيه عزك وعز أصحابك وكبت عدوك وذل أهل الشقاق عليك فقال معاوية أهمك بابن العاص وما أهمك وذلك أن عمرا كان صالح معاوية على قتال علي عليه السلام على أن له مصر طعمة ما بقي.

وأقبل معاوية على أصحابه وقال: أصاب أبو عبداللّه فما ترون؟ فقالوا: ما نرى إلاّ ما رأى عمرو قال: فكيف أصنع؟ فان عمرو لم يفسر كيف أصنع فقال عمرو: أرى أن تبعث جيشاً كثيفاً عليهم رجل حازم صابر صارم تأمنه وتثق به فيأتي مصر فانّه سيأتيه من (كان على مثل رأينا فيظاهره على عدوّنا فان اجتمع جندك ومن بها على رأينا رجوت ان) ينصرك اللّه.

قال معاوية: أرى أن نكاتب من بها من شيعتنا فنمنيهم ونأمرهم بالثبات ونكاتب من بها من عدوّنا فندعوهم إلى صلحنا ونمنيهم شكرنا ونخوفهم حربنا فان كان ما أردنا بغير قتال فذاك الذي أردناه وإلاّ كان حربهم من بعد ذلك إنّك يابن العاص امرؤ بورك لك في الشدّة والعجلة وأنا بورك لي في التؤدة.

قال عمرو: افعل ما ترى فما أرى أمرنا يصير إلا إلى الحرب(1).

فكتب معاوية إلى مسلمة بن مخلد ومعاوية بن خديج السكوني وكانا قد خالفا عليّاً يشكرهما على ذلك ويحثّهما على الطلب بدم عثمان ويعدهما المواساة في سلطانه وبعثه مع مولاه سبيع.

فلمّا وقفا عليه أجاب مسلمة بن مخلّد الأنصاري عن نفسه وعن ابن خديج أمّا

ص: 39


1- . الكامل لابن الأثير: 3/354.

بعد فإنّ الأمر الذي بذلنا له أنفسنا واتبعنا به أمر اللّه أمر نرجو به ثواب ربّنا والنصرعلى من خالفنا وتعجيل النقمة على من سعى على إمامنا، وأمّا ما ذكرت من المواساة في سلطانك فتاللّه إن ذلك أمر ما له نهضنا ولا إيّاه أردنا فعجل إلينا بخيلك ورجلك فان عدوّنا قد أصبحوا لنا هائبين فان يأتنا مدد يفتح اللّه عليك والسلام.

فجاءه الكتاب وهو بفلسطين فدعا اولئك النفر وقال لهم: ما ترون؟ قالوا: نرى أن تبعث جنداً.

فأمر عمرو بن العاص ليتجهّر إليها وبعث معه ستّة آلاف رجل ووصّاه بالتؤدة وترك العجلة وسار عمرو فنزل أداني مصر فاجتمعت إليه العثمانيّة فأقام بهم وكتب إلى محمّد بن أبي بكر:

أمّا بعد فتنحّ عنّي بدمك يابن أبي بكر فانّي لا أحبّ أن يصيبك منّى ظفر إن الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك وهم مسلموك فأخرج منها إنّي لك من الناصحين وبعث معه كتاب معاوية إليه(1) فيه:

أما بعد فإن غب الظلم والبغي عظيم الوبال وإن سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا والتبعة الموبقة في الآخرة وما نعلم أحدا كان أعظم على عثمان بغيا ولا أسوأ له عيبا ولا أشد عليه خلافا منك سعيت عليه في الساعين وساعدت عليه مع المساعدين وسفكت دمه مع السافكين ثم تظن أني نائم عنك فتأتي بلده فتأمن فيها وجل أهلها أنصاري يرون رأيي ويرفعون قولي (ويرفضون قولك) و(يرقبوون خ ل) عليك وقد بعثت إليك قوما حناقا عليك يستسفكون دمك ويتقربون إلى اللّه عز وجل بجهادك وقد أعطوا اللّه عهدا ليقتلنك

ص: 40


1- . الكامل لابن الأثير: 3/355.

ولو لم يكن منهم إليك ما قالوا لقتلك اللّه بأيديهم أو بأيدي غيرهم من أوليائه وأنا أحذرك وأنذرك فإن اللّه مقيد منك ومقتص لوليه وخليفته بظلمك له وبغيك عليه ووقيعتك فيه وعداونك يوم الدار عليه تطعن بمشاقصك فيما بين أحشائه وأوداجه ومع هذا فإني أكره قتلك ولا أحب أن أتولى ذلك منك ولن يسلمك اللّه من النقمة أين كنت أبدا فتنح وانج بنفسك والسلام.

قال: فطوى محمد بن أبي بكر كتابيهما وبعث بهما إلى علي عليه السلام وكتب إليه:

أما بعد يا أميرالمؤنين فإن العاصي ابن العاص قد نزل أداني مصر واجتمع إليه من أهل البلد من كان يرى رأيهم وهو في جيش جرار وقد رأيت ممّن قبلي بعض الفشل فإن كان لك في أرض مصر حاجة فامددني بالأموال والرجال والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته.

قال فكتب إليه علي عليه السلام: أما بعد فقد أتاني رسولك بكتابك تذكر أن ابن العاص قد نزل أداني مصر في جيش جرار وأن من كان على مثل رأيه قد خرج إليه وخروج من كان يرى رأيه خير لك من إقامته عندك وذكرت أنك قد رأيت ممن قبلك فشلا فلا تفشل وإن فشلوا حصن قريتك واضمم إليك شيعتك وأول الحرس في عسكرك واندب إلى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنصيحة والتجربة والبأس وأنا نادب إليك الناس على الصعب والذلول فاصبر لعدوك وامض على بصيرتك وقاتلهم على نيتك وجاهدهم محتسبا للّه سبحانه وإن كانت فئتك أقل الفئتين فإن اللّه تعالى يعين القليل ويخذل الكثير وقد قرأت كتابي الفاجرين المتحابين على المعصية والمتلائمين على الضلالة والمرتبئين (المرتشيين) على الحكومة والمتكبرين على أهل الدين الذين استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم

ص: 41

بخلاقهم فلا يضرنك إرعادهما وإبراقهما وأجبهما إن كنت لم تجبهما بما هما أهله فإنك تجد مقالا ما شئت والسلام.

فكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية جواب كتابه:

أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر من أمر عثمان أمرا لا أعتذر إليك منه وتأمرني بالتنحي عنك كأنك لي ناصح وتخوفني بالحرب كأنك علي شفيق وأنا أرجو أن تكون الدائرة عليكم وأن يهلككم اللّه في الوقعة وأن ينزل بكم الذل وأن تولوا الدبر فإن يكن لكم الأمر في الدنيا فكم وكم لعمري من ظالم قد نصرتم وكم من مؤن قد قتلتم ومثلتم به وإلى اللّه المصير وإليه ترد الأمور وهو أرحم الراحمين واللّه المستعان على ما تصفون.

وكتب محمد بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص جواب كتابه:

أما بعد فقد فهمت كتابك وعلمت ما ذكرت وزعمت أنك تكره (لا تحب) أن يصيبني منك ظفر فأشهد باللّه إنك لمن المبطلين وزعمت أنك ناصح لي وأقسم أنك عندي ظنين وزعمت أن أهل البلد قد رفضوني وندموا على اتباعي فأولئك حزبك وحزب الشيطان الرجيم وحسبنا اللّه رب العالمين وتوكلت على اللّه العزيز الرحيم رب العرش العظيم(1).

قال إبراهيم: فحدثنا محمّد بن عبداللّه عن المدائني قال: فأقبل عمرو بن العاص يقصد قصد مصر فقام محمد بن أبي بكر في الناس فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال:

أما بعد يا معشر المؤنين فإن القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة ويغشون

ص: 42


1- . الغارات ط - القديمة: 1/180؛ بحار الأنوار: 33/558.

أرض الضلالة ويستطيلون بالجبرية قد نصبوا لكم العداوة وساروا إليكم بالجنود فمن أراد الجنة والمغفرة فليخرج إلى هؤاء القوم فليجاهدهم في اللّه انتدبوا رحمكم اللّه مع كنانة بن بشر.

ثم ندب معه نحو ألفي رجل وتخلف محمد في ألفين واستقبل عمرو بن العاص كنانة وهو على مقدمة محمد فلما دنا عمرو من كنانة سرح إليه الكتائب كتيبة بعد كتيبة فلم تأته من كتائب الشام كتيبة إلا شد عليها بمن معه فيضربها حتى يلحقها بعمرو ففعل ذلك مرارا فلما رأى عمرو ذلك بعث إلى معاوية بن حديج الكندي فأتاه في مثل الدهم(1).

فلما رأى كنانة ذلك الجيش نزل عن فرسه ونزل معه أصحابه فضاربهم بسيفه وهو يقول: «وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّه ِ كِتاباً مُؤجَّلاً»(2).

فلم يزل يضاربهم بالسيف حتى استشهد رحمه اللّه.

قال إبراهيم: حدّثنا محمّد بن عبداللّه عن المدائني، عن محمد بن يوسف أن عمرو بن العاص لما قتل كنانة أقبل نحو محمّد بن أبي بكر وقد تفرق عنه أصحابه فخرج محمّد متمهلا فمضى في طريقه حتى انتهى إلى خربة(3) فآوى إليها وجاء عمرو بن العاص حتى دخل الفسطاط وخرج معاوية بن حديج في طلب محمّد حتى انتهى إلى علوج(4) على قارعة الطريق فسألهم هل مرّ بهم أحد ينكرونه؟ قالوا: لا قال أحدهم: إني دخلت تلك الخربة فإذا أنا برجل جالس قال ابن حديج:

ص: 43


1- . الدهم: العدد الكثير.
2- . آل عمران: 145.
3- . الخربة: موضع الخراب.
4- .علوج: جمع علج؛ وهو الرجل من كفّار العجم.

هو هو ورب الكعبة فانطلقوا يركضون حتى دخلوا على محمّد فاستخرجوه وقد كاد يموت عطشا فأقبلوا به نحو الفسطاط.

قال ووثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن العاص وكان في جنده فقال: لا واللّه لا يقتل أخي صبرا ابعث إلى معاوية بن حديج فانهه فأرسل عمرو بن العاص أن ائتني بمحمّد فقال معاوية: أقتلتم كنانة بن بشر ابن عمي وأخلي عن محمد هيهات «أَ كُفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ» فقال محمد: اسقوني قطرة من الماء فقال له معاوية بن حديج: لا سقاني اللّه إن سقيتك قطرة أبدا إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتّى قتلتموه صائما محرما فسقاه اللّه من الرحيق المختوم واللّه لأقتلنك يا ابن أبي بكر وأنت ظمآن ويسقيك اللّه من الحميم والغسلين.

فقال له محمد: يا ابن اليهودية النساجة ليس ذلك اليوم إليك ولا إلى عثمان إنمّا ذلك إلى اللّه يسقي أولياءه ويظمئ أعداءه وهم أنت وقرناؤ ومن تولاك وتوليته واللّه لو كان سيفي في يدي ما بلغتم مني ما بلغتم.

فقال له معاوية بن حديج: أتدري ما أصنع بك أدخلك جوف هذا الحمار الميت ثم أحرقه عليك بالنار.

قال: إن فعلتم ذاك بي فطالما فعلتم ذاك بأولياء اللّه وايم اللّه إني لأرجو أن يجعل اللّه هذه النار التي تخوفني بها بردا وسلاما كما جعلها اللّه على إبراهيم خليله وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وأوليائه وإني لأرجو أن يحرقك اللّه وإمامك معاوية وهذا وأشار إلى عمرو بن العاص بنار تلظى كلما خبت زادها اللّه عليكم سعيرا.

ص: 44

فقال له معاوية بن حديج: إني لا أقتلك ظلما إنما أقتلك بعثمان بن عفان.

قال محمد: وما أنت وعثمان رجل عمل بالجور وبدل حكم اللّه والقرآن وقد قال اللّه عز وجل: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّه ُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ»(1) «فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ»(2) «فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ»(3) فنقمنا(4) عليه أشياء عملها فأردنا أن يخلع من الخلافة علنا فلم يفعل فقتله من قتله من الناس.

فغضب معاوية بن حديج فقدمه فضرب عنقه ثم ألقاه في جوف حمار وأحرقه بالنار.

فلمّا بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا وقنتت في دبر كل صلاة تدعو على معاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ومعاوية بن حديج وقبضت عيال محمّد أخيها وولده إليها فكان القاسم بن محمد من عيالها(5).

وعن محمّد بن عبداللّه بن شدّاد قال: حَلَفَتْ عَائِشَةُ أَنْ لا تَأْكُلَ شِوَاءً أَبَداً بَعْدَ قَتْلِ مُحَمَّدٍ فَلَمْ تَأْكُلْ شِوَاءً حَتَّى لَحِقَتْ بِاللّه ِ وَمَا عَثَرَتْ قَطُّ إِلاّ قَالَتْ تَعَسَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ خَدِيجٍ(6).

قال وكان ابن خديج ملعوناً خبيثاً يسبّ عليّ بن أبي طالب(7).

قال إبراهيم: وحدثني محمد بن عبداللّه، عن المدائني، عن الحارث بن كعب بن عبداللّه بن قعين، عن حبيب بن عبداللّه قال: واللّه إنّي لعند علي جالس إذ جاءه

ص: 45


1- .المائدة: 44.
2- .المائدة: 45.
3- .المائدة: 47.
4- . نقم عليه، بكسر القاف: أنكر أمره.
5- .الغارات: 1/184؛ بحار الأنوار: 33/560.
6- .الغارات: 1/184؛ بحار الأنوار: 33/562.
7- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/88؛ بحار الأنوار: 33/562.

عبداللّه بن معين وكعب بن عبداللّه من قبل محمد بن أبي بكر يستصرخانه قبل الوقعة فقام علي فنادى في الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه وذكر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فصلى عليه ثم قال:

أما بعد فهذا صريخ(1) محمد بن أبي بكر وإخوانكم من أهل مصر قد سار إليهم ابن النابغة عدو اللّه وعدو من والاه وولي من عادى اللّه فلا يكونن أهل الضلال إلى

باطلهم والركون إلى سبيل الطاغوت أشدّ اجتماعا على باطلهم وضلالتهم منكم على حقكم فكأنّكم بهم وقد بدءوكم وإخوانكم بالغزو فاعجلوا إليهم بالمواساة والنصر عباد اللّه إن مصر أعظم من الشام وخير أهلا فلا تغلبوا على مصر فإن بقاء مصر في أيديكم عز لكم وكبت لعدوكم اخرجوا إلى الجرعة(2).

لنتوافى هناك كلنا غدا إن شاء اللّه.

قال: فلمّا كان الغد خرج يمشى فنزلها بكرة فأقام بها حتّى انتصف النهار فلم يوافه مائة رجل فرجع فلمّا كان العشي بعث إلى الأشراف فجمعهم فدخلوا عليه القصر وهو كئيب حزين.

فقال: الحمد للّه على ما قضى من أمر وقدر من فعل وابتلاني بكم أيها الفرقة التي لا تطيع إذا أمرتها ولا تجيب إذا دعوتها لا أبا لغيركم ما ذا تنتظرون بنصركم والجهاد على حقكم الموت خير من الذل في هذه الدنيا لغير الحق واللّه إن جاءني الموت وليأتيني لتجدنني لصحبتكم جدا قال ألا دين يجمعكم ألا حميّة تغضبكم ألا تسمعون بعدوكم ينتقص بلادكم ويشن الغارة عليكم أوليس عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام الظلمة فيتبعونه على غير عطاء ولا معونة ويجيبونه في السنة

ص: 46


1- .الصريخ هنا: المستغيث.
2- . الجرعة بين الحيرة والكوفة.

المرة والمرتين والثلاث إلى أي وجه شاء ثمّ أنا أدعوكم وأنتم أولو النهى وبقية الناس تختلفون وتفترقون عني وتعصونني وتخالفون علي.

فقام إليه مالك بن كعب الأرحبي فقال: يا أميرالمؤنين اندب الناس معي فإنّه لا عطر بعد عروس(1) وإن الأجر لا يأتي إلاّ بالكرة ثمّ التفت إلى الناس وقال: اتقوا اللّه وأجيبوا دعوة إمامكم وانصروا دعوته وقاتلوا عدوكم إنا نسير إليهم يا أميرالمؤنين فأمر علي سعدا مولاه أن ينادي ألا سيروا مع مالك بن كعب إلى مصر وكان وجها مكروها فلم يجتمعوا إليه شهرا فلمّا اجتمع له منهم ما اجتمع خرج بهم مالك بن كعب فعسكر بظاهر الكوفة وخرج معه علي فنظر فإذا جميع من خرج نحو من ألفين فقال علي سيروا واللّه ما أنتم ما إخالكم تدركون القوم حتى ينقضي أمرهم.

فخرج مالك بهم وسار خمس ليال وقدم الحجاج بن غزية الأنصاري على علي وقدم عليه عبد الرحمن بن المسيب الفزاري من الشام فأما الفزاري فكان عينا لعلي عليه السلام لا ينام وأما الأنصاري فكان مع محمد بن أبي بكر فحدّثه الأنصاري بما عاين وشاهد وأخبره بهلاك محمّد وأخبره الفزاري أنه لم يخرج من الشام حتّى قدمت البشرى من قبل عمرو بن العاص يتبع بعضها بعضا بفتح مصر وقتل محمد بن أبي بكر وحتى أذن معاوية بقتله على المنبر.

وقال: يا أميرالمؤنين ما رأيت يوما قط سرورا مثل سرور رأيته بالشام حين أتاهم قتل محمد بن أبي بكر فقال علي: أما إن حزننا على قتله على قدر سرورهم

ص: 47


1- .لا عطر بعد عروس، مثل يضرب في ذمّ ادخار الشيء وقت الحاجة، وانظر مورد المثل في الميداني 2: 211 - 212.

به لا بل يزيد أضعافا.

قال: وحزن علي عليه السلام على محمد بن أبي بكر حتّى رئي ذلك فيه وتبين في وجهه وقام في الناس خطيبا فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال:

ألا وإن مصر قد افتتحها الفجرة أولياء الجور والظلم الذين صدّوا عن سبيل اللّه وبغوا الإسلام عوجا ألا وإن محمّد بن أبي بكر قد استشهد رحمة اللّه عليه وعند اللّه

نحتسبه أما واللّه لقد كان ما علمت ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ويبغض شكل الفاجر ويحب سمت المؤن إني واللّه لا ألوم نفسي على تقصير ولا عجز وإني بمقاساة الحرب لجد بصير إني لأقدم على الحرب وأعرف وجه الحزم وأقوم بالرأي المصيب فأستصرخكم معلنا وأناديكم مستغيثا فلا تسمعون لي قولا ولا تطيعون لي أمرا حتّى تصير الأمور إلى عواقب المساءة وأنتم القوم لا يدرك بكم الثأر ولا تنقض بكم الأوتار دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة فجرجرتم(1) علي جرجرة الجمل الأسر(2) وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من لا نية له في الجهاد ولا رأي له في الاكتساب للأجر ثم خرج إلي منكم جنيد متذائب ضعيف كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون فأف لكم ثم نزل فدخل رحله.

هاشم بن عتبة وحالاته

هو هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص بن أهيب بن زهرة بن عبد مناف الزهري الشجاع المشهور المعروف بالمرقال بن أخي سعد بن أبي وقاص.

ص: 48


1- .الجرجرة: تردد هدير الفحل.
2- .الجمل الأسر؛ السرر: وجَع يأخذ البعير في كركرته.

قال الدولابيّ: لقّب بالمرقال لأنّه كان يرقل في الحرب أي يسعى ويسرع من الأرقال وهو ضرب من العدو(1).

وفي أعيان الشيعة وفي كتاب لباب الآداب: أمد عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقّاص في حرب القادسيّة بجيش عليه هاشم بن عتبة المرقال فوصلهم والعسكران متواقفان المسلمون ورستم فوقف هاشم مقابل موكب منهم ثمّ أخذ سهماً فوضعه في قوسه ورماهم فوقع سهمه في أذن فرسه فخلها فضحك وقال: واسوأتاه من رمية رجل كلّ من ترى ينتظره أين ترون كان سهمي بالغاً لو لم يصب أذن الفرس قالوا: العتيق وهو نهر خلف ذلك الموكب فنزل عن فرسه ثمّ سار يضربهم بسيفه حتّى أوصلهم العتيق ثمّ رجع إلى موقفه... وقد حضر اليرموك وفقئت عينه بها وهو الذي افتتح جلولاء وكانت جلولاء تسمّى فتح الفتوح... وشهد صفين مع عليّ وكانت معه الراية وهو على الرجّالة(2).

قتل هو وعمّار بن ياسر في تلك الموقعة سنة 38.

قال في الاستيعاب: أسلم هاشم بن عتبة يوم الفتح، يعرف بالمرقال، وكان من الفضلاء الخيار، وكان من الأبطال البهم(3)، فقئت عينه يوم اليرموك وافتتح جلولا الذي يقال له فتح الفتوح وكان سبب الفتح على المسلمين في القادسيّة - وساق الكلام إلى أن قال - : ثمّ شهد هاشم مع عليّ عليه السلام الجمل، وشهد صفّين، وأبلى فيها بلاء [حسنا] مذكورا، وبيده كانت راية عليّ على الرجّالة يوم صفّين، ويومئذٍ قتل، وهو القائل يومئذٍ:

ص: 49


1- .الاصابة لابن حجر: 6/404، ش8934.
2- .أعيان الشيعة: 10/252.
3- .البهمة: الشجاع، وجمعه كصرد.

أعور يبغي أهله محلا *** قد عالج الحياة حتّى ملا

لابدّ أن يفل أو يفلا

وقطعت رجله يومئذٍ، فجعل يقاتل من دنا منه، وهو بارك ويقول:

الفحل يحمى شوله معقولا

وقاتل حتّى قتل، وفيه يقول أبو الطفيل عامر بن واثلة:

يا هاشم الخير جزيت الجنّة *** قاتلت في اللّه عدوّ السنّة

أفلح بما فزت به من منّه(1)

وفي حالاته: قال أبُو سلمة: فَمَضَى فِي عِصَابَةٍ مِنَ الْقُرَّاءِ فَقَاتَلَ قِتَالاً شَدِيداً هُوَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى رَأَى بَعْضَ مَا يُسَرُّونَ بِهِ إِذْ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَتًى شَابٌّ وَشَدَّ يَضْرِبُ بِسَيْفِهِ وَيَلْعَنُ وَيَشْتِمُ وَيُكْثِرُ الْكَلامَ فَقَالَ لَهُ هَاشِمٌ إِنَّ هَذَا الْكَلامَ بَعْدَهُ الْخِصَامُ وَإِنَّ هَذَا الْقِتَالَ بَعْدَهُ الْحِسَابُ فَاتَّقِ اللّه َ فَإِنَّكَ رَاجِعٌ إِلَى رَبِّكَ فَسَائِلُكَ عَنْ هَذَا الْمَوْقِفِ وَمَا أَرَدْتَ بِهِ قَالَ فَإِنِّي أُقَاتِلُكُمْ لأَنَّ صَاحِبَكُمْ لا يُصَلِّي كَمَا ذُكِرَ لِي وَأَنَّكُمْ لا تُصَلُّونَ وَأُقَاتِلُكُمْ لأَنَّ صَاحِبَكُمْ قَتَلَ خَلِيفَتَنَا وَأَنْتُمْ وَازَرْتُمُوهُ عَلَى قَتْلِهِ فَقَالَ لَهُ هَاشِمٌ وَمَا أَنْتَ وَابْنَ عَفَّانَ إِنَّمَا قَتَلَهُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ وَقُرَّاءُ النَّاسِ حِينَ أَحْدَثَ أَحْدَاثاً وَخَالَفَ حُكْمَ الْكِتَابِ وَأَصْحَابُ مُحَمَّدٍ هُمْ أَصْحَابُ الدِّينِ وَأَوْلَى بِالنَّظَرِ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا أَظُنُّ أَنَّ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلا أَمْرَ هَذَا الدِّينِ عَنَاكَ طَرْفَةَ عَيْنٍ قَطُّ قَالَ الْفَتَى أَجَلْ وَاللّه ِ لا أَكْذِبُ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَضُرُّ وَلا يَنْفَعُ وَيَشِينُ وَلا يَزِينُ فَقَالَ لَهُ هَاشِمٌ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لا عِلْمَ لَكَ بِهِ فَخَلِّهِ وَأَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ قَالَ أَظُنُّكَ وَاللّه ِ قَدْ نَصَحْتَنِي فَقَالَ لَهُ هَاشِمٌ وَأَمَّا قَوْلُكَ فَإِنَّ صَاحِبَنَا لا يُصَلِّي فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى للّه ِِ مَعَ رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله

ص: 50


1- .الاستيعاب: 4/1546، ش 2700.

وَأَفْقَهُهُ فِي دِينِ اللّه ِ وَأَوْلاهُ بِرَسُولِ اللّه ِ وَأَمَّا مَنْ تَرَى مَعَهُ فَكُلُّهُمْ قَارِئُ الْكِتَابِ لا يَنَامُ اللَّيْلَ تَهَجُّداً فَلا يَغْرُرْكَ عَنْ دِينِكَ الْأَشْقِيَاءُ الْمَغْرُورُونَ قَالَ الْفَتَى يَا عَبْدَ اللّه ِ إِنِّي لأَظُنُّكَ امْرَأً صَالِحاً أَخْبِرْنِي هَلْ تَجِدُ لِي مِنْ تَوْبَةٍ قَالَ نَعَمْ تُبْ إِلَى اللّه ِ يَتُبْ عَلَيْكَ قَالَ: فَذَهَبَ الْفَتَى رَاجِعاً فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ خَدَعَكَ الْعِرَاقِيُّ قَالَ: لا وَلَكِنْ نَصَحَنِي(1).

وفي (صفّين نصر): ولمّا سقط هاشم من طعنة شقّت بطنه رفع رأسه فاذا هو بعبيداللّه بن عمر بن الخطّاب قتيلاً إلى جانبه، فجثا حتّى دنا منه فعضّ على ثديه حتّى تبيّنت فيه أنيابه، ثمّ مات وهو على صدر عبيداللّه (2).

ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ هَاشِمٍ اللِّوَاءَ فَأُسِرَ أَسْراً فَأُتِيَ بِمُعَاوِيَةَ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ: يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ هَذَا الْمُخْتَالُ بْنُ الْمِرْقَالِ فَدُونَكَ الضَّبَّ اللاّحِظَ(3) فَإِنَّ الْعَصَا مِنَ الْعُصَيَّةِ وَإِنَّمَا تَلِدُ الْحَيَّةُ حَيَّةً وَجَزَاءُ السَّيِّئَةِ سَيِّئَةٌ فَقَالَ لَهُ ابْنُ هَاشِمٍ: مَا أَنَا بِأَوَّلِ رَجُلٍ خَذَلَهُ قَوْمُهُ وَأَدْرَكَهُ يَوْمُهُ قَالَ مُعَاوِيَةُ: تِلْكَ ضَغَائِنُ صِفِّينَ وَمَا جَنَى عَلَيْكَ أَبُوكَ فَقَالَ عَمْرٌو: يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ أَمْكِنِّي مِنْهُ فَأُشْخِبَ أَوْدَاجَهُ عَلَى أَثْبَاجِهِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ هَاشِمٍ: أَفَلا كَانَ هَذَا يَا ابْنَ الْعَاصِ حِينَ أَدْعُوكَ إِلَى الْبِرَازِ وَقَدِ ابْتَلَّتْ أَقْدَامُ الرِّجَالِ مِنْ نَقْعِ الْجِرْيَالِ(4) إِذْ تَضَايَقَتْ بِكَ الْمَسَالِكُ وَأَشْرَفْتَ فِيهَا عَلَى

ص: 51


1- .وقعة صفّين: 354؛ بحار الأنوار: 33/36.
2- .وقعة صفّين: 355؛ بحار الأنوار: 33/37.
3- . قال نصر: حدّثنا عمرو بن شمر قال: لمّا انقضى أمر صفّين وسلّم الأمر الحسن عليه السلام إلى معاوية ووفدت عليه الوفود، أشخص عبداللّه بن هاشم إليه أسيراً، فلمّا أدخل عليه مثل بين يديه وعنده عمرو بن العاص فقال: يا أميرالمؤمنين هذا المختال ابن المرقال، فدونك الضب المضب المغتر المفتون؛ فإنّ العصى من العصيّة... وقعة صفّين: 348 و356.والضب: اللصوق بالأرض، والمضب: الذي يلزم الشيء لا يفارقه.
4- .الجريال: صبغ أحمر، ويريد به هنا الدم.

الْمَهَالِكِ وَايْمُ اللّه ِ لَوْلا مَكَانُكَ مِنْهُ لَنَشَبَتْ لَكَ مِنِّي خَافِيَةٌ أَرْمِيكَ مِنْ خِلالِهَا بِأَحَدَّ مِنْ وَقْعِ الْأَثَافِيِّ فَإِنَّكَ لا تَزَالُ تُكْثِرُ فِي دَهْشِكَ وَتَخْبِطُ فِي مَرْسِكَ تَخَبُّطَ الْعَشْوَاءِ فِي اللَّيْلَةِ الْحَنْدَسِ الظَّلْمَاءِ قَالَ: فَأَعْجَبَ مُعَاوِيَةَ مَا سَمِعَ مِنْ كَلامِ ابْنِ هَاشِمٍ فَأَمَرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ(1).

وفي صفين: كان عليّ عليه السلام قال لهاشم - كهيئة المازح - : أبا هاشم، أما تخشى من نفسك أن تكون أعور جباناً؟ فقال: ستعلم يا أميرالمؤمنين، واللّه لألفنّ بين جماجم القوم لفّ رجل ينوي الآخرة...(2)

وفيه: مرّ عليّ عليه السلام يوم صفّين على هاشم وعلى عصابة من أسلم من القراء اصيبوا معه فقال:

جزى اللّه خيراً عصبة أسلمية *** صباح الوجوه صرّعوا حول هاشم(3)

روى عنه انّه قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: يظهر المسلمون على جزيرة العرب، ويظهر المسلمون على فارس، ويظهر المسلمون على الروم، ويظهر المسلمون على الأعور الدجّال(4).

وقال المرزباني: لمّا جاء قتل عثمان إلى أهل الكوفة قال هاشم لأبي موسى الأشعريّ وهو يومئذٍ أمير الكوفة من قبل عثمان: تعال يا أبا موسى بايع لخير هذه الأمّة عليّ عليه السلام فقال أبو موسى: لا تعجل؛ فوضع هاشم احدى يديه على الأخرى وقال: هذه لعليّ وهذه لي وقد بايعت عليّاً وأنشد:

أبايع غير مكترث عليّا *** ولا أخشى أميرا أشعريّا

ص: 52


1- . بحار الأنوار: 33/34.
2- .وقعة صفّين: 326؛ بحار الأنوار: 33/26.
3- . الاستيعاب: 4/1546، ش2700.
4- .الاصابة: 6/405، ش8943.

أبايعه وأعلم أن سأرضي *** بذاك اللّه حقاً والنبيا(1)

وقال لأميرالمؤمنين عليه السلام: واللّه ما أحبّ أنّ لي ما في الأرض ممّا أقلّت وما تحت السماء ممّا أظلّت وأنّي واليت عدوّاً لك أو عاديت وليّاً لك(2).

ومن كلام له عليه السلام لمّا قلّد محمّد بن أبي بكر مصر فملكت عليه فقتل

في تاريخ الطبري عن أبي مخنف: أن أهل الشام لمّا انصرفوا من صفّين كانوا ينتظرون ما يأتي به الحكمان، فلمّا انصرفا وتفرّقا وبايع أهل الشام معاوية بالخلافة فلم يزدد معاوية إلاّ قوّة، واختلف أهل العراق على علي عليه السلام، فما كان لمعاوية همٌّ إلاّ مصر، وقد كان لأهلها هائبا لقربهم منه وشدتهم على من كان على رأي عثمان، وقد كان علم أن بها قوما قد ساءهم قتل عثمان وخالفوا عليا عليه السلام، مع أنّه كان يرجو أن يكون إذا ظهر عليها على حرب علي عليه السلام لعظم خراجها، فدعا من كان معه من قريش: عمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وبسر بن أرطاة والضحاك بن قيس وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، ومن غيرهم: أبا الأعور السلمي وحمزة بن مالك الهمداني وشرحبيل الكندي، فقال: أتدرون لِمَ دعوتكم؟ فقال عمرو: أهمّك أمر هذه البلاد الكثير خراجها والكثير عددها، فاعزم واقدم، ونعم الرأي رأيت.

فقال معاوية: رأيتم كيف صنع اللّه بكم؟ جاءكم عدوّكم وهم لا يرون إلاّ أنّهم سيقيضون بيضتكم ويخرّبون بلادكم.

فكتب عند ذلك معاوية إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري وإلى معاوية بن حديج

ص: 53


1- .الاصابة: 6/405، ش8934.
2- .وقعة صفّين: 112؛ بحار الأنوار: 32/404.

الكندي - وكانا خالفا عليّاً عليه السلام - : فاصبروا وصابروا عدوّكما، وادعوا المدبر هداكما وكأنّ الجيش قد أظل عليكما، فانقشع كلّ ما تكرهان وكان كلّ ما تهويان - إلى أن قال في جواب مسلمة لمعاوية - عجّل علينا خيلك ورجلك فإنّ عدوّنا قد كان علينا حرباً وكنّا فيهم قليلاً، فقد أصبحوا لنا هائبين وأصبحنا لهم مقرنين، فإن يأتنا اللّه بمدد من قبلك يفتح اللّه عليكم - إلى أن قال - فبعث معاوية عمراً في ستّةآلاف رجل فخرج يسير حتّى نزل أدنى أرض مصر، فاجتمعت العثمانيّة إليه فأقام بهم وكتب إلى محمّد بن أبي بكر: تنحّ عنّي بدمك يابن أبي بكر فإنّي لا أحبّ أن يصيبك منّي ظفر، إنّ الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك ورفض أمرك وندموا على اتباعك، فهم مسلّموك لو قد التقت حلقتا البطان فاخرج منها فإنّي لك من الناصحين.

وبعث عمرو كتابه مع كتاب معاوية إلى محمّد، وفي كتاب معاوية: إنّ غب البغي والظلم عظيم الوبال، وإنّ سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا ومن التبعة الموبقة في الآخرة، وإنّا لا نعلم أحداً كان على عثمان أعظم بغياً ولا أسوأ له عيباً ولا أشدّ خلافاً عليه منك، سعيت عليه في الساعين وسفكت دمه في السافكين، ثمّ تظنّ أنّي عنّك نائم أو ناس لك، حتّى تؤمّر فتأمر على بلاد أنت فيها جاري وجلّ أهلها أنصاري، يرون رأيي ويرقبون قولي ويستصرخوني عليك وقد بعث إليك أقواماً خناقاً عليك، يستسقون دمك وقد أعطوا اللّه عهداً ليمثلنّ بك، ولو

لم يكن منهم إليك ما عدا قتلك ما حذّرتك ولا أنذرتك ولا أحببت أن يقتلوك بظملك وقطيعتك وعدوك على عثمان، يوم تطعن بمشاقصك بين خششائه وأوداجه، ولكن كره أن امثّل بقرشي، ولن يسلمّك اللّه من القصاص أبداً أينما كنت

ص: 54

فطوى محمّد بن أبي بكر كتابيهما وبعث بهما إلى عليّ عليه السلام وكتب معهما: إنّ ابن العاص قد نزل أدنى أرض مصر في لجب من جيش خرب، وإنّ من كان بها على مثل رأيه خرج إليه، وقد رأيت ممّن قبلي بعض الفشل، فإن كان لك في أرض مصر حاجة فأمدني بالرجال والأموال.

فكتب إليه عليّ عليه السلام: جاءني كتابك تذكر أنّ ابن العاص نزل بأدنى أرض مصر، وأنّ من كان بها على مثل رأيه خرج إليه، وخروج من يرى رأيه إليه خير لك من إقامتهم عندك، وذكرت أنّك قد رأيت في بعض ممّن قبلك فشلا، فلا تفشل وإن فشلوا، حصّن قريتك واضمم إليك شيعتك، واندب إلى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنصيحة والنجدة والبأس، فإنّي نادب إليك الناس على الصعب والذلول، فاصبر لعدوّك وامض على بصيرتك، وقاتلهم على نيّتك وجاهدهم صابراً محتسباً، وإن كانت فئتك أقل الفئتين فإنّ اللّه قد يعزّ القليل ويخذل الكثير.

وقد قرأت كتاب الفاجر ابن الفاجر معاوية والفاجر ابن الكافر عمرو، المتحابّين في عمل المعصية والمتوافقين المرتشين في الحكومة، المنكرين في الدنيا «فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاَقِهِمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ بِخَلاَقِهِمْ»فلا يهلك إرعادهما وإبراهقما وأجبهما، إن كنت لم تجبهما بما هما أهله فإنّك تجد مقالاً ما شئت(1).

وفي تاريخ الطبري: فكتب محمّد بن أبي بكر إلى معاوية جواب كتابه: أتاني كتابك تذكّرني من أمر عثمان أمراً لا أعتذر إليك منه، وتأمرني بالتنحّي عنك كأنّك لي ناصح، وتخوّفني المثلة كأنّك شفيق، وأنا أرجو أن تكون لي الدائرة عليكم فأجتاحكم في الوقعة، وأن تؤتوا النصر ويكن لكم الأمر في الدنيا، فكم لعمري

ص: 55


1- . تاريخ الطبري: 4/73.

من ظالم قد نصرتم، وكم من مؤمن قد قتلتم ومثّلتم به، وإلى اللّه مصيركم ومصيرهم، وإلى اللّه مرد الأمور وهو أرحم الراحمين وهو المستعان على ما تصفون.

وكتب إلى عمرو: زعمت أنك تكره أن يصيبني منك ظفر، وأشهد أنّك من المبطلين، وتزعم انّك لي نصيح، واقسم أنّك عندي ظنين، وتزعم أنّ أهل البلد قد رفضوا رأيي وندموا على اتباعي، فأولئك لك وللشيطان الرجيم أولياء، وحسبنا اللّه ربّ العالمين.

فأقبل عمرو حتّى قصد مصر، فقام محمّد في الناس فقال: معاشر المسلمين والمؤمنين، إنّ القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة وينعشون الضلال، ويشبّون نار الفتنة ويتسلّطون بالجبريّة، قد نصبوا لكم العداوة وساروا إليكم بالجنود. عباد اللّه،فمن أراد الجنّة والمغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم.

فلمّا دنا عمرو من كنانة سرّح الكتائب كتيبة بعد كتيبة، فجعل كنانة لا تأتيه كتيبة إلاّ شدّ عليها بمن معه حتّى يقربها بعمرو، فعل ذلك مراراً، فلمّا رأى عمرو ذلك بعث إلى معاوية بن حديج فأتاه في مثل الدهم، فأحاط بكنانة وأصحابه واجتمع أهل الشام عليهم من كلّ جانب، فلمّا رأى ذلك كنانة نزل عن فرسه ونزل أصحابه وكنانة يقول: «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّه ِ كِتَاباً مُؤجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الاْخِرَةِ نُؤتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ»(1) فضاربهم بسيفه حتّى استشهد.

وأقبل عمرو نحو محمّد وقد تفرّق عنه أصحابه - لمّا بلغهم قتل كنانة - حتّى بقى

ص: 56


1- . آل عمران: 145.

وما معه أحد من أصحابه، فلمّا رأى ذلك خرج يمشي في الطريق حتّى انتهى إلى خربة في ناحية الطريق فأوى إليها، وجاء عمرو حتّى دخل الفسطاط، وخرج معاوية بن حديج في طلب محمّد حتّى انتهى إلى علوج في قارعة الطريق، فسألهم: هل مرّ بكم أحد تنكرونه فقال أحدهم: إنّي دخلت تلك الخربة فإذا أنا برجل فيها جالس. فقال ابن حديج: هو وربّ الكعبة. فانطلقوا يركضون حتّى دخلوا عليه فاستخرجوه وقد كاد يموت عطشا، فأقبلوا به نحو فسطاط مصر، ووثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو - وكان في جنده - فقال: أتقتل أخي صبرا ابعث إلى ابن حديج فانهه. فبعث إليه عمرو يأمره أن يأتيه بمحمّد، فقال معاوية: قتلتم كنانة وأخلّي أنا عن محمد هيهات «أَ كُفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ» قال لهم محمد: اسقوني. فقال ابن حديج: لا سقاه اللّه إن سقاك قطرة أبدا، إنّكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتّى قتلتموه صائما محرما، فتلقاه اللّه بالرحيق المختوم، واللّه لأقتلنك يا ابن أبي بكر فيسقيك اللّه الحميم والغسّاق.

فقال له محمد: يا ابن اليهودية النساجة ليس ذلك اليوم إليك ولا إلى من ذكرت، إنمّا ذلك إلى اللّه عزّ وجلّ، يسقي أولياءه ويظمئ أعداءه أنت وضرباؤ ومن تولاه، أما واللّه لو كان سيفي في يدي ما بلغتم منّي هذا.

فقال له معاوية بن حديج: أتدري ما أصنع بك؟ أدخلك في جوف حمار ثمّ أحرقه عليك بالنار.

فقال له محمّد: إن فعلتم ذاك بي فطالما فعل ذلك بأولياء اللّه، وإني لأرجو هذه النار التي تحرقني بها أن يجعلها اللّه عليّ بردا وسلاما كما جعلها على خليله إبراهيم عليه السلام، وأن يجعلها عليك وعلى أوليائك كما جعلها على نمرود وأوليائه، إن

ص: 57

اللّه يحرقك ومن ذكرته قبل - يعني: عثمان - وإمامك - يعني: معاوية - وهذا - وأشار إلى عمرو - بنار تلظى عليكم كلّما خبت زادها اللّه عليكم سعيرا.

قال له ابن حديج: إني إنّما أقتلك بعثمان.

قال له محمد: وما أنت وعثمان إنّ عثمان عمل بالجور ونبذ حكم القرآن وقد قال تعالى: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّه ُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ»(1) نقمنا عليه ذلك، وحسنت أنت ونظراؤك له ذلك، فقد برّأنا اللّه تعالى من ذنبه، وأنت شريكه في إثمه وعظم ذنبه وجاعلك على مثاله.

فغضب ابن حديج فقدمه فقتله، ثم ألقاه في جيفة حمار وأحرقه بالنار(2).

قال إبراهيم: حدّثني عبداللّه بن محمّد بن عثمان، عن علي بن محمد بن أبي سيف، عن أصحابه أن عليا عليه السلام لمّا أجاب محمّد بن أبي بكر بهذا الجواب كان ينظر فيه (في الجواب) ويتعلمه ويقضي به فلمّا ظهر عليه وقتل أخذ عمرو بن العاص كتبه أجمع فبعث بها إلى معاوية بن أبي سفيان وكان معاوية ينظر في هذا الكتاب ويعجبه فقال الوليد بن عقبة وهو عند معاوية لمّا رأى إعجاب معاوية به: مُر بهذه الأحاديث أن تحرق فقال له معاوية: مه يا ابن أبي معيط إنّه لا رأي لك فقال له الوليد: إنه لا رأي لك أفمن الرأي أن يعلم الناس أن أحاديث أبي تراب عندك تتعلم منها وتقضي بقضائه فعلام تقاتله فقال معاوية ويحك أتأمرني أن أحرق علما مثل هذا واللّه ما سمعت بعلم أجمع منه ولا أحكم ولا أوضح(3).

ص: 58


1- .المائدة: 47.
2- . تاريخ الطبري: 4/77
3- .الغارات ط - القديمة: 1/159.

وَقَدْ أَرَدْتُ تَوْلِيَةَ مِصْرَ هَاشِمَ بْنَ عُتْبَةَ

إنّ هاشماً وإن كان قتل في صفّين سنة (37) وقتل محمّد بن أبي بكر في مصر كان في سنة (38) إلاّ أنّ توليته عليه السلام لمحمّد كان قبل صفّين بعد عزل قيس بن سعد بن عبادة عنها، وأراد عليه السلام تولية هاشم فطلب منه عليه السلام ابن أخيه عبداللّه بن جعفر - أخو محمّد لأُمّه - تولية محمّد.

وَلَوْ وَلَّيْتُهُ إِيَّاهَا لَمَّا خَلَّى لَهُمُ الْعَرْصَةَ

قال ابن دريد: عرصة الدار: ما لا بناء فيه(1) ومثله الجوهري، وفي (الأساس): قال النضر: لو جلست في بيت من بيوت الدار كنت جالساً في العرصة، بعد ألاّ تكون في العلو(2) وكيف كان، فعدم تخلية العرصة كناية عن عدم اعطائهم المهلة.

وَلا أَنْهَزَهُمُ الْفُرْصَةَ

يعني: لا يعطيهم فرصة يغتنمونها، هذا، وأنّ الطبري والمدائني رويا بدل «ولا أنهزمهم الفرصة»: «ولمّا قتل إلاّ وسيفه في يده».

بِلا ذَمٍّ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَلَقَدْ كَانَ إِلَيَّ حَبِيباً وَكَانَ لِي رَبِيباً

روى عن المدائني أنّ عبداللّه بن عبّاس قدم من البصرة على عليّ عليه السلام فعزاه عن محمّد بن أبي بكر.

وروى المدائني أنّ عليّاً قال: رحم اللّه محمّداً كان غلاماً حدثاً، لقد كنت أردت

ص: 59


1- . جمهرة اللغة: 2/738.
2- .أساس البلاغة: 414.

أن أولي المرقال هاشم بن عتبة مصر، فإنّه واللّه لو وليها لما خلى لابن العاص وأعوانه العرصة، ولا قتل إلاّ سيفه في يده، بلا ذم لمحمّد، فلقد أجهد نفسه فقضى ما عليه.

وقال المدائني: وقيل لعليّ عليه السلام: لقد جزعت على محمّد بن أبي بكر جزعاً شديداً يا أميرالمؤمنين فقال: وما يمنعني! إنّه كان لي ريبباً، وكان لبني أخاً، وكنت له والداً، أعده ولدا(1) .

وقد وردت في مدحه روايات:

منها: عن حمزة بن محمّد الطيّار، قال: ذكرنا محمّد بن أبي بكر عند أبي عبداللّه عليه السلام فقال أبو عبداللّه عليه السلام: رحمه اللّه وصلّى عليه، قال لأميرالمؤمنين عليه السلام يوماً من الأيّام ابسط يدك أبايعك! فقال عليه السلام: أوما فعلت؟ قال: بلى، فبسط يده، فقال أشهد أنّك إمام مفترض طاعتك وأنّ أبي في النار.

فقال أبو عبداللّه عليه السلام: كان إنجابه (النجابة) من قبل أُمّه أسماء بنت عميس رحمة اللّه عليها لا من قبل أبيه(2).

ومنها: عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام أنّ محمّد بن أبي بكر بايع عليّاً عليه السلام على البراءة من أبيه(3).

ومنها: عن ميسر بن عبدالعزيز، عن أبي جعفر عليه السلام قال: بابع محمّد بن أبي بكر على البراءة من الثاني(4).

ص: 60


1- .شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/93 وبحار الأنوار: 33/566.
2- .رجال الكشي - اختيار معرفة الرجال: 64، ح113؛ بحار الأنوار: 33/584، ح727.
3- .رجال الكشي - اختيار معرفة الرجال: 64، ح114؛ بحار الأنوار: 33/585، ح729.
4- .رجال الكشي - اختيار معرفة الرجال: 64، ح115؛ بحار الأنوار: 33/585، ح731.

ومنها: عن شعيب، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: ما من أهل بيت إلاّ ومنهم نجيب من أنفسهم، وأنجب النجباء من أهل بيت سوء منهم محمّد بن أبي بكر(1).

أُمّ محمّد بن أبي بكر أسماء بنت عميس بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة بن خثعم كانت تحت جعفر بن أبي طالب وهاجرت معه إلى الحبشة فولدت له هناك عبداللّه بن جعفر الجواد ثم قتل عنها يوم مؤة فخلف عليها أبو بكر فأولدها محمّدا ثمّ مات عنها فخلف عليها علي بن أبي طالب وكان محمّد ربيبه وخريجه وجاريا عنده مجرى أولاده رضع الولاء والتشيع مذ زمن الصبا فنشأ عليه فلم يكن يعرف له أبا غير علي ولا يعتقد لأحد فضيلة غيره حتى قال علي عليه السلام محمّد ابني من صلب أبي بكر وكان يكنى أبا القاسم في قول ابن قتيبة(2) وقال غيره بل كان يكنى أبا عبد الرحمن(3).

اشترك مع الإمام في حرب الجمل ضدّ أخته عائشة وضد طلحة والزبير ولما انجلت المعركة عن هزيمة أصحاب الجمل دخل على أخته عائشة فسلّم عليها فلم تكلّمه.

فقال لها: أنشدك اللّه أتذكرين يوم حدّثتني عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: الحق لن يزال مع عليّ وعليّ مع الحق ولن يختلفا ولن يفترقا؟ قالت: نعم(4).

وكان محمدّ من زهّاد قريش ونساكها وكان ممّن أعان يوم الدار وامّا انّه باشر

ص: 61


1- .رجال الكشي - اختيار معرفة الرجال: 64، ح116؛ بحار الأنوار: 33/585، ح732.
2- .المعارف: 175.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/53.
4- .كشف الغمّة ط - القديمة: 1/147؛ بحار الأنوار: 38/35.

قتل عثمان أم لا فقد اختلف فيه؛ ومن ولده قاسم بن محمّد فقيه الحجاز ومن ولد القاسم عبد الرحمن بن القاسم بن محمد وهو أيضاً كان من فضلاء قريش تكنّى أبا محمّد ومن القاسم أمّ فروة تزوّجها الباقر عليه السلام وقد تولّد منها الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام وهذا ممّا قد كفى لها فخراً فإمامنا الصادق ينسب من قبل أُمّه إلى محمّد بن أبي بكر وإلى أُمّ فروة أشار الرضي أبو الحسن رحمه الله بقوله:

يفاخرنا قوم بمن لم يلدهم *** بتيم إذا عد السوابق أو عدي

وينسون من لو قدموه لقدموا *** عذار جواد في الجياد مقلد

فتى هاشم بعد النبيّ وباعها *** لمرمي علا أو نيل مجد وسؤد

ولولا علي ما علوا سرواتها *** ولا جعجعوا فيها بمرعى ومورد

أخذنا عليكم بالنبيّ وفاطم *** طلاع المساعي من مقام ومقعد

وطلنا بسبطي أحمد ووصيه *** رقاب الورى من متهمين ومنجد

وحزنا عتيقا وهو غاية فخركم *** بمولد بنت القاسم بن محمّد

فجد نبي ثم جد خليفة *** فما بعد جدّينا عليّ وأحمد(1)

وما افتخرت بعد النبي بغيره *** يد صفقت يوم البياع على يد(2)

قوله:

ولولا علي ما علوا سرواتها

البيت - ينظر فيه إلى قول المأمون في أبيات يمدح فيها عليّاً - أوّلها:

الأم على حبي الوصي أبا الحسن *** وذلك عندي من أعاجيب ذا الزمن

ص: 62


1- .فأكرم بجدينا عتيق وأحمد (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/54).
2- . ديوان الشريف الرضي: 1/359؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/54.

والبيت المنظور إليه منها قوله:

ولولاه ما عدت لهاشم إمرة *** وكان مدى الأيام يعصى ويمتهن(1)

ولأجل هذا أي حبّ محمّد بن أبي بكر لعليّ وأولاده صار مغضوباً عند العامّة فانّك تراهم يسمون معاوية بسبب أخته أمّ حبيبة خال المؤمنين ولا يسمّون محمّداً بذلك مع انّه كان أخاً لعايشة بنت أبي بكر وليس هذا إلاّ لنصب معاوية عداوته لأميرالمؤمنين وسبّه إيّاه وكون محمّد رضى الله عنه من خواص أصحابه ومن شعره رحمه الله في هذا الباب:

يا أبانا قد وجدنا ما صلح *** خاب من أنت أبوه وافتضح

إنّما أخرجنا منك الذي *** أخرج الدر من الماء الملح

أنسيب العهد في خمّ وما *** قاله المبعوث فيه وشرح

فيك وصى أحمد في يومها *** أم لمن أبواب خير قد فتح

أم بارث قد تقمصت بها *** بعد ما يحتجّ عجلك وكشح

وسألك المصطفى عمّا جرى *** من قضاياكم ومن تلك القبح

ثمّ عن فاطمة وارثها *** من روى فيه ومن فيه فضح

ما ترى عذرك في الحشر غدا *** یا لك الويل إذ الحقّ اتّضح

فعليك الخزي من ربّ السما *** كلّما ناح حمام وصدح

يا بني الزهراء أنتم عدتي *** وبكم في الحشر ميزاني رجح

وإذا صحّ ولائي بكم *** لا أبالي أي كلب قد نبح(2)

ص: 63


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/54.
2- .مجالس المؤمنين: 1/277.

وفي المروج لما وصل محمّد إلى مصر بعد قيس كتب إلى معاوية - بعد ذكر بعث اللّه تعالى لنبيّه صلى الله عليه و آله - :

فكان أول من أجاب وأناب وآمن وصدق وأسلم وسلم أخوه وابن عمه عليّ بن أبي طالب، صدقه بالغيب المكتوم، وآثره على كل حميم، ووقاه بنفسه في كل هول، وحارب من حاربه، وسالم من سلمه، فلم يبرح مبتذلاً لنفسه في ساعات الليل والنهار والخوف والجوع والخضوع حتّى برز سابقاً لا نظير له فيمن اتبعه، ولا مقارب له في فعله، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت، وهو هو، أصدق الناس نية، وأطيب الناس ذرية، وخير الناس زوجة، وأفضل الناس ابن عم وأخوه الشاري بنفسه يوم مؤة، وعمّه سيد الشهداء يوم أحد، وأبوه الذاب عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعن حوزته، وأنت اللعين بن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول اللّه صلى الله عليه و آله الغوائل، وتجهدان في إطفاء نوره اللّه، تجمعان عليه الجموع، وتبذلان فيه المال، وتؤلّبان عليه القبائل، وعلى ذلك مات أبوك، وعليه خلفته، والشهيد عليك من تدنى ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤساء النفاق، والشاهد لعلي مع فضله المبين القديم أنصاره، الذين معه وهم الذين ذكروا بفضلهم، وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار، فكيف يا لك الويل تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول اللّه صلى الله عليه و آلهووصيه وأبو ولده، وأوّل الناس له اتباعا، وأقربهم به عهدا، يخبره بسره، ويطلعه على أمره، وأنت عدوه وابن عدوه، فتمتع في دنياك ما استطعت بباطلك، وليمددك ابن العاص في غوايتك فكان أجلك قد انقضى - إلى أن قال - : فكتب إليه معاوية:

من معاوية بن صخر، إلى الزاري على أبيه محمّد بن أبي بكر أمّا بعد: فقد أتاني كتابك ولأبيك فيه تعنيف، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب، وقديم سوابقه، وقرابته

ص: 64

إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ومواساته إيّاه في كلّ هول وخوف، فقد كنا وأبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب وحقّه لازماً لنا مبروراً علينا، فلمّا قبض اللّه نبيّه صلى الله عليه و آله كان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزه حقّه، وخالفه على أمره، على ذلك اتّفقا واتّسقا، ثمّ إنّهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهمّا به الهموم، وأرادا به العظيم، ثمّ إنّه بايع لهما وسلّم لهما، وأقاما لا يشركانه في أمرهما، ولا يطلعانه على سرّهما، حتّى قبضا، ثمّ قام ثالثهما عثمان فهدي بهديهما وسار بسيرهما، فعبته أنت وصاحبك - إلى أن قال - : وقس شبرك بفترك، تقصر عن توازي أو تساوي من يزن الجبال بحلمه، أبوك مهد مهاده، وبنى لملكه وساده، فان يك ما نحن فيه صواباً فأبوك استبدّ به ونحن شركاؤه ولولا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب، ولسلّمنا إليه، ولكنّا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثله، فعب أباك بما بدا لك أو دع ذلك(1).

ص: 65


1- .مروج الذهب: 3/11.

بسم الرحمن الرحیم

الخطبة (68) : ومن كلام له عليه السلام في توبيخ بعض أصحابه:

اشارة

كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ وَالثِّيَابُ الْمُتَدَاعِيَةُ كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَرَ كُلَّمَا أَطَلَّ عَلَيْكُمْ مَنْسِرٌ مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَابَهُ وَانْجَحَرَ انْجِحَارَ الضَّبَّةِ فِي جُحْرِهَا وَالضَّبُعِ فِي وِجَارِهَا الذَّلِيلُ وَاللّه ِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ وَمَنْ رُمِيَ بِكُمْ فَقَدْ رُمِيَ بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ إِنَّكُمْ وَاللّه ِ لَكَثِيرٌ فِي الْبَاحَاتِ قَلِيلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ وَلَكِنِّي لا أَرَى إِصْلاحَكُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِي أَضْرَعَ اللّه ُ خُدُودَكُمْ وَأَتْعَسَ جُدُودَكُمْ لا تَعْرِفُونَ الْحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ الْبَاطِلَ وَلا تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبْطَالِكُمُ الْحَقَّ

روى اليعقوبي: أنّ معاوية وجّه النعمان بن بشير فأغار على مالك بن كعب الأرحبي، وكان عامل عليّ عليه السلام على مسلحة عن التمر، فندب عليّ عليه السلام الناس فقال: يا أهل الكوفة انتدبوا إلى أخيكم مالك بن كعب، فإنّ النعمان بن بشير قد نزل به في جمع ليس بكثير لعلّ اللّه أن يقطع من الظالمن طرفا. فأبطؤوا ولم يخرجوا فصعد المنبر فتكلّم كلاماً خفيّاً لم يسمع، فظنّ الناس أنّه عليه السلام يدعو اللّه، ثمّ رفع صوته فقال: أمّا بعد، يا أهل الكوفة، أكلّما أقبل منسر من مناسر أهل الشام أغلق كلّ امرى ء منكم بابه، وانجحر في بيته انجحار الضب والضبع الذليل في وجاره افّ

ص: 66

لكم لقد لقيت منكم برحا، يوماً أناجيكم ويوماً أناديكم، فلا إخوان عند النجاء ولا أحرار عند النداء.

ثمّ دخل بيته فقام عديّ بن حاتم وقال للناس: هذا واللّه الخذلان القبيح(1).

وروى الطبري مسنداً عن شيخ من بني فزارة قال: بعث معاوية النعمان بن بشير في ألفين فأتوا عين التمر - إلى أن قال - : فانتهيت إلى عليّ عليه السلام على المنبر، وقد سبقني بالتشهّد وهو يقول: يا أهل الكوفة كلّما سمعتم بمنسر من مناسر أهل الشام أظلكم الجحر كلّ امرى ء منكم في بيته وأغلق بابه، انجحار الضب في جحره والضبع في وجارها، المغرور من غررتموه ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، لا أحرار عند النداء ولا إخوان ثقة عند النجاء، ماذا منيت به منكم عمى لا تبصرون وبكم لا تنطقون وصمّ لا تستمعون إنّا للّه وإنّا إليه راجعون(2).

لكنّ المستندين خاليان من صدر العنوان إلى «تهتكت من آخر».

كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى الْبِكَارُ

بالكسر: جمع البكر، بالفتح: الفتي من الإبل.

الْعَمِدَةُ

أي المنفضخ داخل سنامها من الركوب وظاهره صحيح، خصّ عليه السلام من الإبل البكار المريضة لأن مداراتها أشدّ من مداراة المسنّة المريضة، وقد شبّههم عليه السلام في موضع آخر بالآبال من حيث آخر فقال: يا أشباه الإبل غاب عنها رعاؤها، كلّما

ص: 67


1- . تاريخ اليعقوبي: 2/195.
2- .تاريخ الطبري: 5/133.

اجتمعت من جانب تفرّقت من جانب(1).

وَالثِّيَابُ الْمُتَدَاعِيَةُ

أي: ثباب تدعو كلّ قطعة منها الأخرى إلى الخرق.

كُلَّمَا حِيصَتْ

أي خيطت.

مِنْ جَانِبٍ تَهَتَّكَتْ

أي تخرقت.

مِنْ آخَرَ

أي: من جانب آخر.

لمّا خاف نصر بن سيّار عامل مروان بن محمّد على خراسان خروج أبي مسلم كتب إلى مروان يستنصره، فأبطأ فأعاد عليه:

والثوب إن أنهج فيه البلى *** أعيي على ذي الحيلة الصانع

كنّا نداريها فقد مزّقت ***واتسع الخرق على الراقع(2).

ص: 68


1- .نهج البلاغة فيض الإسلام: خ 96/285.
2- .الأخبار الطوال: 359؛ بهج الصباغة: 10/586.

كُلَّمَا أَطَلَّ

بالمهملة أي أشرف.

عَلَيْكُمْ مَنْسِرٌ

بالكسر: قطعة من الجيش يمرّ قدام الجيش الكثير، قاله الجوهري(1).

وقال ابن دريد: المنسر: ما بين الأربعين إلى الخمسين من الخيل(2).

مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بَابَهُ

في (الأغاني) وقعة ذي قار: أقبلت الأعاجم يسيرون على تعبيد، فلمّا رأتهم بنو قيس بن ثعلبة انصرفوا فلحقوا بالحي، فاستخفوا فسمّي حيّ بن قيس بن ثعلبة: خفيا(3).

وَانْجَحَرَ

بتقديم الجيم أي اختفى.

انْجِحَارَ الضَّبَّةِ فِي جُحْرِهَا

بتقديم الجيم ثقبتها في الأرض التي تأوى إليها.

ص: 69


1- .الصحاح: 2/827.
2- .جمهرة اللغة: 2/722.
3- .الأغاني: 24/233.

وَالضَّبُعِ فِي وِجَارِهَا

بالكسر والفتح سرب الضبع في الأرض.

خرج الياس بن مضر منتجعاً ومعه أهله وماله، فدخلت بين إبله أرنب فنفرت الإبل، فخرج عمرو بن الياس في طلبها فأدركها، فسمّاه أبوه: مدركة، وخرجت ليلى خلف ابنها مهرولة فقال لها إلياس: إلى أين تخندفين فسمّيت: خندف، وخرج عامر في طلب الأرنب فصادها وطبخها، فقال له أبوها: أنت طابخة، ورأى عميرا قد انقمع في المظلّة فهو يخرج رأسه منه، فقال له: أنت قمعة(1).

خاتمة: روى الدميري عن ر الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَابْنُ عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله كَانَ فِي مَحْفِلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَدْ صَادَ ضَبّاً وَجَعَلَهُ فِي كُمِّهِ لِيَذْهَبَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ فَرَأَى جَمَاعَةً محتفين بالنبي صلى الله عليه و آله فَقَالَ: عَلَى مَنْ هَؤلاءِ الْجَمَاعَةُ؟ فَقَالُوا: عَلَى هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَا اشْتَمَلَتِ النِّسَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَكْذَبَ مِنْكَ فَلَوْلا أَنْ يُسَمِّيَنِيَ الْعَرَبُ عَجُولاً لَقَتَلْتُكَ وَسَرَرْتُ النَّاسَ بِقَتْلِكَ أَجْمَعِينَ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللّه ِ دَعْنِي أَقْتُلْهُ فَقَالَ صلى الله عليه و آله: لا أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحَلِيمَ كَادَ أَنْ يَكُونَ نَبِيّاً ثُمَّ أَقْبَلَ الْأَعْرَابِيُّ عَلَى رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله فَقَالَ: وَاللاّتِ وَالْعُزَّى لا آمَنْتُ بِكَ حَتّى يُؤمِنَ بِكَ هَذَا الضَّبُّ وَأَخْرَجَ الضَّبَّ مِنْ كُمِّهِ فَطَرَحَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله فَقَالَ: إِنْ آمَنَ بِكَ آمَنْتُ بِكَ فَقَالَ صلى الله عليه و آله: يَا ضَبُّ فَكَلَّمَهُ الضَّبُّ بِلِسَانٍ طَلْقٍ فَصِيحٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ يَفْهَمُهُ الْقَوْمُ جَمِيعاً لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَسُولَ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَقَالَ صلى الله عليه و آله: مَنْ تَعْبُدُ؟ قَالَ: الَّذِي فِي السَّمَاءِ عَرْشُهُ وَفِي الْأَرْضِ سُلْطَانُهُ وَفِي الْبَحْرِ سَبِيلُهُ وَفِي الْجَنَّةِ رَحْمَتُهُ وَفِي النَّارِ عَذَابُهُ

ص: 70


1- . أنساب الأشراف للبلاذري: 1/33، ش61.

فَقَالَ صلى الله عليه و آله: فَمَنْ أَنَا يَا ضَبُّ؟ قَالَ: أَنْتَ رَسُولُ اللّه ِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ صَدَّقَكَ وَقَدْ خَابَ مَنْ كَذَّبَكَ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاّ اللّه ُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللّه ِ حَقّاً وَاللّه ِ لَقَدْ أَتَيْتُكَ وَمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ هُوَ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْكَ وَوَاللّه ِ لأَنْتَ السَّاعَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَمِنْ وُلْدِي فَقَدْ آمَنَ بِكَ شَعْرِي وَبَشَرِي وَدَاخِلِي وَخَارِجِي وَسِرِّي وَعَلانِيَتِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله: الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي هَدَاكَ إِلَى هَذَا الَّذِي يَعْلُو وَلا يُعْلَى عَلَيْهِ - الخبر - (1).

الذَّلِيلُ وَاللّه ِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ وَمَنْ رُمِيَ بِكُمْ فَقَدْ رُمِيَ بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ

قال الحجّاج يوماً لجلسائه: ما حرّض عليّ أحد في خروج ابن الأشعث عليّ كما حرض أبو كلدة، فإنّه نزل عن سرجه في وسط عسكر ابن الأشعث ثمّ نزع سراويله فوضعه وسلح فوقه والناس ينظرون إليه، فقالوا له: ويلك أجننت؟ ما هذا الفعل؟ قال: كلّكم قد فعلتم مثل هذا إلاّ أنّكم سترتموه وأظهرته، فشتموه وحملوا عليّ، فما أنساهم وهو يقدمهم ويقول:

نحن جلبنا الخيل من زرنجا *** مالك يا حجاج منّا منجى

لتبعجنّ بالسيوف بعجا *** أو لنفرقن بذاك أحجى

فلقد كاد أهل الشام يومئذٍ يتضعضعون(2).

ص: 71


1- . حياة الحيوان للدميري: 2/108؛ بحار الأنوار: 62/234.
2- .الأغاني: 11/210.

إِنَّكُمْ وَاللّه ِ لَكَثِيرٌ فِي الْبَاحَاتِ قَلِيلٌ تَحْتَ الرَّايَاتِ

قال ابن أبي الحديد: نظيره قول عويف القوافي:

ألستم أقلّ الناس عند لوائهم *** وأكثرهم عند الذبيحة والقدر(1).

رأى عمرو بن العاص معاوية يوماً فضحك وقال مِمَ تضحك يا أميرالمؤمنين أضحك اللّه سنك؟ قال: أضحك من حضور ذهنك عند إبدائك سوءتك يوم ابن أبي طالب واللّه لقد وجدته منانا كريماً ولو شاء أن يقتلك لقتلك فقال عمرو: يا أميرالمؤمنين أما واللّه إنّي لعن يمينك حين دعاك إلى البراز فأحولت عيناك وانفتح سحرك وبدا منك ما أكره ذكره لك فمن نفسك فاضحك أو فدع(2).

وخرج مغيرة بن سعيد العجلي في ثلاثين رجلا ظهر الكوفة فعطعطوا(3) وخالد بن عبداللّه القسري أمير العراق يخطب على المنبر فعرق واضطرب وتحير وجعل يقول أطعموني ماء فهجاه ابن نوفل فقال:

أ خالد لا جزاك اللّه خيرا *** وأيري في حر أمك من أمير

تروم الفخر في أعراب قسر *** كأنك من سراة بني جرير

جرير من ذوي يمن أصيل *** كريم الأصل ذو خطر كبير

وأمك علجة وأبوك وغد *** وما الأذناب عدل للصدور

وكنت لدى المغيرة عبد سوء *** تبول من المخافة للزئير

لأعلاج ثمانية وشيخ كبير *** السن ليس بذي ضرير

ص: 72


1- .شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/106.
2- .عيون الأخبار لابن قتيبة: 1/262.
3- .العطعطة: تتابع الأصوات واختلافها.

صرخت من المخافة أطعموني *** شرابا ثم بلت على السرير(1)

قلت: وقال الفرزدق:

يستيقظون إلى نهاق حميرهم *** وتنام أعينهم عين الأوتار(2)

وقال ابن حرثان في أميّة بن خالد بن عبداللّه بن اسيد:

إذا صوت العصفور طار فؤاده *** وليث حديد الناب عند الثرائد(3)

وقال ثابت قطنة في من فرّ عن يزيد بن المهلب حتّى قتل:

عصافير تنزو في الفساد وفي الوغى *** إذا راعها روع جماميح بروق(4)

فأنتم على الأدنى أسود مخيفة(5) *** وأنتم على الأعداء خزان سملق(6)

ويروي أنّ أسديّاً وهذليا تفاخرا فرضيا برجل فقال: إنّي ما أقضي بينكما إلاّ أن تجعلا لي عقداً وثيقاً: ألاّ تشتماني ولا تضرباني، فإنّي لست في بلاد قومي. ففعلا، فقال: أمّا أنت يا أخا بني أسد فكيف تفاخر العرب وأنت تعلم أنّه ليس حي أحبّ إلى الجيش (الخلس) ولا أبغض إلى الضيف ولا أقلّ تحت الرايات منكم وأمّا أنت يا أخا هذيل فكيف تكلّم الناس وفيكم خلال ثلاث: كان منكم دليل الحبشة على الكعبة، ومنكم خولة ذات النحيين، وسألتم النبيّ صلى الله عليه و آله أن يحلّ لكم الزنا ولكن إن

ص: 73


1- .شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/110.
2- . أساس البلاغة: 714.
3- .شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/107.
4- .الجماميح: ما نبت على رؤوس القصب مجتمعا، وواحده جماح، فإذا دقّ تطاير. وبروق: نبت ضعيف.
5- .خفية هي أجمة في سواد الكوفة تنسب إليه الأسود، فيقال أسود خفية. والسملق: الأرض المستوية الجرداء التي لا شجر بها، وخزان: جمع خزز بضم ففتح وهو ذكر الأرانب، وهي معروفة بالجبن.
6- .الأغاني: 14/439.

أردتما بيتي (بني) مضر فعليكما بهذين الحيين من تميم وقيس، قوما في غير حفظ اللّه (1).

هذا ووصف النبيّ صلى الله عليه و آله - كما في الخبر - الأنصار بضد ما وصف عليه السلام أهل الكوفة، فقال لهم: إنّكم لتكثرون عند الفزع، وتقلّون عند الطمع(2).

وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ

قالوا: كان عمرو من بعده - إلى زياد- إذا أخذوا العصاة نزعوا عمائمهم وأقاموهم للناس، وأمّا زياد فيضربهم بالسياط، فجاء بعده مصعب فحلق مع الضرب بالسياط، فجاء بعده بشر بن مروان فكان يصلب تحت الإبطين ويضرب الأكف بالمسامير، فأخرج بشر إلى الريّ فكتب إليهم يتشوّقونه، فأجابهم:

لولا مخافة بشر أو عقوبته *** أو أن يرى شأنئي كفي بمسمار

إذا لعطّلت ثغري ثم زرتكم *** إنّ المحب المعنّى جدّ زوار

فلما جاء الحجاج قال: كل هذا لعب. فقتل العصاة بالسيف(3).

فلمّا ولي في سنة (75) العراق دخل الكوفة قبل البصرة فخطبهم وتهددهم، ثمّ قال: ما كانت الولاة تفعل بالعصاة قبلي، فقالوا: كانت تضرب وتحبس. فقال: ولكن ليس لهم عندي إلاّ السيف، إنّ المسلمين لو لم يغزوا المشركين لغزاهم المشركون، ولو ساغت المعصية لأهلها ما قوتل عدو ولا جبي فيء.

ص: 74


1- .الكامل للمبرد: 1/407.
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 20/184.
3- .شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12/45.

ثم جلس لتوجيه الناس فقال: قد أجلّتكم ثلاثا وأقسم باللّه لا يتخلّف أحد من أصحاب المهلب بعدها ولا من أهل الثغور إلاّ قتلته.

ثم قال لصاحب حرسه ولصاحب شرطته: إذا مضت ثلاثة أيام فاتّخذا سيوفكما.

فجاءه عمير بن ضابئ البرجميّ بابنه فقال: إنّ هذا أنفع لكم منّي ،و هو أشدّ بني تميم أبدانا وأجمعهم سلاحا وأربطهم جأشا، وأنا شيخ كبير عليل، واستشهد جلساءه، فقال الحجاج: عذرك لواضح، وإنّ ضعفك لبيّن ولكنّي أكره أن يجترئ بك الناس عليّ وبعد فأنت ابن ضابئ صاحب عثمان، ثمّ أمر به فقتل، فاحتمل الناس وإنّ أحدهم ليتبع بزاده وسلاحه، وأتى الحجّاج البصرة فكان عليهم أشدّ الحاحا، وقد كان أتاهم خبره بالكوفة، فتحمّل الناس قبل قدومه فأتاه رجل من بني يشكر وقد كان شيخاً كبيراً أعور، وكان يجعل على عينه العوراء صوفة، فكان يلقّب ذا الكرسفة، فقال للحجّاج: إنّ بي فتقاً وقد عذرني بشر بن مروان، وقد رددت العطاء، فقال: إنّك عندي لصادق، ثمّ أمر به فضربت عنقه، ففي ذلك قال الشاعر:

لقد ضرب الحجاج بالمصر ضربة *** تقرقر منها بطن كل عريف

وعن ابن البئر قال: إنّا لنتغدّى مع الحجّاج إذ جاءه رجل من بني سليم برجل يقوده، فقال له: إن هذا لعاص. فقال: أنشدك اللّه في دمي فو اللّه ما قبضت ديوانا قط ولا شهدت عسكرا، وإني لحائك أخذت من تحت الحف. فقال الحجّاج: اضربوا عنقه. فلما أحس بالسيف سجد فلحقه السيف وهو ساجد، فأمسكنا عن الطعام فأقبل علينا فقال: ما لي صفرت أيديكم واصفرت وجوهكم وحدّ نظركم

ص: 75

من قتل رجل واحد(1).

وَلَكِنِّي لا أَرَى إِصْلاحَكُمْ بِإِفْسَادِ نَفْسِي

في الإرشاد قال عليه السلام: وما كنت متحريا صلاحكم بفساد نفسي ولكن سيسلّط عليكم بعدي سلطان صعب لا يوقر كبيركم ولا يرحم صغيركم ولا يكرم عالمكم ولا يقسم الفيء بالسوية بينكم وليضربنكم وليذلنكم ويجمّرنّكم في المغازي ويقطعن سبيلكم وليحجبنكم على بابه حتى يأكل قويّكم ضعيفكم ثمّ لا يبعد اللّه إلاّ من ظلم منكم ولقل ما أدبر شيء ثم أقبل وإني لأظنكم في فترة وما علي إلاّ النصح لكم(2).

وعن فرقد البجلي قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول: يا معشر أهل الكوفة، واللّه لقد ضربتكم بالدرة التي أعظ بها السفهاء فما أراكم تنتهون، ولقد ضربتكم بالسياط التي أقيم بها الحدود فما أراكم ترعوون، فما بقي إلاّ سيفي وإنّي لأعلم الذي يقومكم بإذن اللّه، ولكنّي لا أحب أن آتي ذلك منكم(3).

وعن الأصبغ بن نباتة قال: أتى ابن عمرو ولد أبي بكر وسعد بن أبي وقّاص إلى عليّ عليه السلام وطلبوا منه التفضيل لهم، فصعد المنبر وقال في خطبته: فلا يقولنّ رجال غمرتهم الدنيا - إلى أن قال - : وَقَدْ عَاتَبْتُكُمْ بِدِرَّتِيَ الَّتِي أُعَاتِبُ بِهَا أَهْلِي فَلَمْ تُبَالُوا، وَضَرَبْتُكُمْ بِسَوْطِيَ الَّذِي أُقِيمُ بِهِ حُدُودَ رَبِّي فَلَمْ تَرْعَوُوا، أَتُرِيدُونَ أَنْ

ص: 76


1- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4/181.
2- .الإرشاد: 1/281؛ بحار الأنوار: 34/138.
3- .الغارات: 1/27؛ بحار الأنوار: 34/50.

أَضْرِبَكُمْ بِسَيْفِي، أَمَا إِنِّي أَعْلَمُ الَّذِي تُرِيدُونَ وَيُقِيمُ أَوَدَكُمْ، وَلَكِنْ لا أَشْتَرِي صَلاحَكُمْ بِفَسَادِ نَفْسِي، بَلْ يُسَلِّطُ اللّه ُ عَلَيْكُمْ قَوْماً فَيَنْتَقِمُ لِي مِنْكُمْ، فَلا دُنْيَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا وَلا آخِرَةَ صِرْتُمْ إِلَيْهَا، فَبُعْداً وَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ(1).

وعن زيد بن عليّ قال: قال عليّ عليه السلام: إِنِّي دَعَوْتُكُمْ إِلَى الْحَقِّ فَتَوَلَّيْتُمْ عَنِّي، وَضَرَبْتُكُمْ بِالدِّرَّةِ فَأَعْيَيْتُمُونِي، أَمَا إِنَّهُ سَيَلِيكُمْ بَعْدِي وُلاةٌ لَا يَرْضَوْنَ مِنْكُمْ بِذَلِكَ حَتَّى يُعَذِّبُونَكُمْ بِالسِّيَاطِ وَالْحَدِيدِ، فَأَمَّا أَنَا فَلا أُعَذِّبُكُمْ بِهِمَا، إِنَّهُ مَنْ عَذَّبَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا عَذَّبَهُ اللّه ُ فِي الآْخِرَةِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَكُمْ صَاحِبُ الْيَمَنِ حَتَّى يَحُلَّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَيَأْخُذَ الْعُمَّالَ وَعُمَّالَ الْعُمَّالِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ، وَيَقُومُ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْت - الخبر -(2)

أَضْرَعَ اللّه ُ

أذلّ اللّه .

خُدُودَكُمْ

الخد يمين الوجه وشماله.

وَأَتْعَسَ جُدُودَكُمْ

أي أهلك اللّه حظوظكم.

ص: 77


1- .الكافي: 8/360، ح551؛ بحار الأنوار: 74/363.
2- .الغارات: 2/316؛ بحار الأنوار: 34/35.

لا تَعْرِفُونَ الْحَقَّ كَمَعْرِفَتِكُمُ الْبَاطِلَ وَلا تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبْطَالِكُمُ الْحَقَّ

هذا الكلام لا قيمة له ولا يعادله كلام، فإنّ أهل الدنيا يكونون في كلّ عصر كذلك، ولهذه العلّة يتقدّم أهل الباطل ويتأخّر أهل الحق، ففرعون كان يقول للناس: « أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى »(1)، فقبلوا منه، وقال لهم موسى: إنّي رسول ربكم، وأراهم تسع آيات بيّنات فلم يقبلوا منه، والثلاثة المتقدّمون على أميرالمؤمنين عليه السلام جاءوا بتلك البدع المذكورة في مطاعنهم، ولم ينكروا عليهم.

وأمّا إنكارهم على ثالثهم أخيراً فإنّما كان لأنّه خصّ الأموال والولايات بأقاربه وبني أميّة، وإلاّ فلو كان فعل أضعاف ما فعل، وكان يشرك الناس معهم فيهما لما أنكروا عليه أصلاً، كما أنّهم اليوم مع تواتر تلك الشنائع التي يتورّع عنها الفجّار والكفّار يقبلون إمامته.

وأمّا أميرالمؤمنين عليه السلام فمع كونه مظهر كلّ فضيلة كالنبيّ صلى الله عليه و آله حتّى إنّه لم ير أحد منه لفظة أو لحظة على خلاف الشريعة في حياة النبيّ صلى الله عليه و آله وفي أيّام الثلاثة وفي أيّامه عليه السلام، وكيف وهو نفس النبيّ صلى الله عليه و آله بنصّ القرآن، ورأوا منه عليه السلام آيات بيّنات، لاسيّما في الجمل في قصّة كلاب الحوأب وفي صفّين في قصّة عمّار، وفي النهروان في قصّة ذي الثدية فكانوا يعاملون معه عليه السلام تلك المعاملة، فذاك خوارجهم وهذا دواخلهم(2).

ص: 78


1- .النازعات: 24.
2- .بهج الصباغة: 10/592.

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة (69) : وقال عليه السلام في سحرة اليوم الذي ضرب فيه:

اشارة

مَلَكَتْنِي عَيْنِي وَأَنَا جَالِسٌ فَسَنَحَ لِي رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّه ِ مَا ذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الْأَوَدِ وَاللَّدَدِ فَقَالَ ادْعُ عَلَيْهِمْ فَقُلْتُ أَبْدَلَنِي اللّه ُ بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وَأَبْدَلَهُمْ بِي شَرّاً لَهُمْ مِنِّي.

«قال الشريف: يعني بالأود الاعوجاج وباللدد الخصام وهذا من أفصح الكلام».

روي هذا الكلام بطرق مختلفة، فروى عن الحسن عليه السلام قال: أتيت أبي فقال لي: أرقت الليلة ثمّ ملكتني عيني، فسنح لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقلت له: ماذا لقيت من أُمّتك من الأود واللد، فقال صلى الله عليه و آله: ادع عليهم، فقلت: اللهم أبدلني خيراً لي منهم، وأبدلهم بي شرّاً لهم منّي، ثمّ خرج إلى الصلاة فاعترضه ابن ملجم(1).

وروى عمّار الدهنيّ عن أبي صالح الحنفيّ قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول: رأيت النبيّ صلى الله عليه و آله في منامي، فشكوت إليه ما لقيت من أمُته من الأود واللدد وبكيت، فقال: لا تبك يا عليّ والتفت، فالتفت فإذا رجلان مصفّدان وإذا جلاميد ترضخ بها رؤوسهما، قال: فغدوت إليه من الغد - كما كنت أغدو إليه في كلّ يوم - حتّى إذا

ص: 79


1- . الإمامة والسياسة تحقيق الزيني: 1/138.

كنت في الجزّارين لقيت الناس يقولون: قتل أميرالمؤمنين(1).

وعن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحرث بن سعيد، عن عليّ عليه السلام قال: رأيت النبيّ صلى الله عليه و آله في النوم، فشكوت إليه ما لقيت من امّته من الأود واللدد، فقال: انظر، فإذا عمرو بن العاص ومعاوية معلّقين منكسين، تشدخ رؤوسهما بالصخر(2).

وقال الحسن عليه السلام - صبيحة التي قتل فيها عليّ عليه السلام - : حدّثني أبي البارحة في هذا المسجد فقال: يا بنيّ إنّي صلّيت البارحة ما رزق اللّه ثمّ نمت نومة، فرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله فشكوت إليه ما أنا فيه من مخالفة أصحابي، وقلّة رغبتهم في الجهاد، فقال لي: ادع اللّه أن يريحك منهم، فدعوت اللّه. وقال الحسن عليه السلام صبيحة تلك الليلة: أيّها الناس إنّه قتل فيكم الليلة رجل كان النبيّ صلى الله عليه و آله يبعثه فيكتنفه جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فلا ينثني يفتح اللّه تعالى له، ما ترك إلاّ ثلاثمائة درهم(3).

وعن أبي عبدالرحمن السلمي عن الحسن عليه السلام: خرجت أنا وأبي نصلّي في هذا المسجد، فقال: يا بنيّ إنّي بت الليلة أوقظ أهلي لأنّها ليلة الجمعة صبيحة قدر تسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، فملكتني عيناي فسنح لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقلت: ماذا لقيت من أمّتك من الأود واللدد، فقال لي: ادع عليهم، فقلت: اللهم أبدلني بهم من هو خير لي منهم، وأبدلهم بي من هو شرّ لهم منّي، وجاء ابن النباح فآذنه بالصلاة فخرج، وخرجت خلفه فاعتوره الرجلان، فأمّا أحدهما فوقعت ضربته في الطاق، وأمّا الآخر فأثبتها في رأسه(4).

ص: 80


1- .الإرشاد: 1/15.
2- .وقعة صفّين: 218.
3- .العقد الفريد: 5/109.
4- .مقاتل الطالبيين: 25.

وأمّا مقتله عليه السلام: لمّا قتل عليّ عليه السلام أهل النهروان كان بالكوفة زهاء ألفين من الخوارج، ممّن لم يخرج مع عبداللّه بن وهب وقوم ممّن استأمن إلى أبي أيّوب، فتجمّعوا وأمّروا عليهم رجلاً وهم بالنخيلة، فدعاهم ورفق بهم فأبوا، فعاودهم فأبوا، فخرجت طائفة منهم نحو مكّة فوجّه معاوية من يقيم للناس حجّهم، فناوشه هؤلاء الخوارج فبلغ ذلك معاوية، فوجّه بسر بن أرطاة - أحد بني عامر بن لؤي - فتوافقوا وتراضوا بعد الحرب بأن يصلّي بالناس رجل من بني شيبة لئلاّ يفوت الناس الحجّ، فلمّا انقضى قالت الخوارج: إنّ عليّاً ومعاوية قد أفسدا أمر الأُمّة، فلو قتلناهما لعاد الأمر إلى حقّه. وقال رجل من أشجع: ما عمرو دونهما، وإنّه لأصل هذا الفساد، فقال عبدالرحمن بن ملجم: أنا أقتل عليّاً، فقالوا: وكيف لك به؟ قال: اغتاله، فقال الحجّاج بن عبداللّه الصريميّ - وهو البرك - : أنا أقتل معاوية، وقال زادويه - مولى بني العنبر بن عمرو بن تميم - : وأنا أقتل عمرا. فأجمع رأيهم على أن يكون قتلهم في ليلة واحدة، فجعلوا تلك الليلة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان، فخرج كلّ واحد منهم إلى ناحية، فأتى ابن ملجم الكوفة فأخفى نفسه، وتزوّج امرأة يقال لها: قطام بنت علقمة - من تيم الرباب - وكانت ترى رأي الخوارج.

والأحاديث تختلف وإنّما يؤثر صحيحها، وفي بعضها: أنّها قالت: لا أقنع منك إلاّ بصداق اسمّيه لك، وهو ثلاثة آلاف درهم وعبد وأمة وأن تقتل عليّاً، فقال لها: لك ما سألت، فكيف لي به قالت: تروم ذلك غيلة، وفي ذلك يقول:

ثلاثة آلاف و عبد و قسينة *** وضرب عليّ بالحسام المصمم

فلا مهر أغلى من عليّ وإن غلا ***ولا فتك إلاّ دون فتك ابن ملجم

ص: 81

وذكروا أنّ القاصد لمعاوية: يزيد بن ملجم، وإلى عمرو: آخر من بني ملجم، وأنّ أباهم نهاهم فلمّا عصوه قال: استعدّوا للموت. وأن أُمّهم حضتهم على ذلك والخبر الصحيح ما ذكرت أوّل.

فأقام ابن ملجم فيقال: إنّ قطام لامته وقالت: ألا تمضي لما قصدت لشدّ ما أحببت أهلك، قال: إنّي وعدت صاحبيّ وقتا بعينه. وكان هنالك رجل من أشجع يقال له: شبيب، فواطأه عبدالرحمن.

ويروي أنّ الأشعث نظر إلى عبدالرحمن متقلّداً سيفاً في بني كندة، فقال له: أرني سيفك، فأراه فرأى سيفاً جديداً، فقال: ما تقلّدك السيف وليس بأوان حرب، فقال: أردت أن أنحر به جزور القرية، فركب الأشعث بغلته وأتى عليّاً عليه السلام فخبره وقال له: قد عرفت بسالة ابن ملجم وفتكه، فقال: ما قتلني بعد فخلوا عنه.

ويروي أنّ عليّاً عليه السلام كان يخطب مرّة ويذكر أصحابه وابن ملجم تلقاء المنبر، فسمع وهو يقول: لأريحنّهم منك، فلمّا انصرف عليّ عليه السلام إلى بيته اتي به ملببا فأشرف عليهم فقال: ما تريدون فخبّروه بما سمعوا، فقال عليه السلام: ما قتلني بعد فخلّوا عنه.

ويروي أنّ عليّاً عليه السلام كان يتمثّل إذا رآه ببيت عمرو بن معديكرب في قيس بن مكشوح - واسم المكشوح هبيرة، ضرب على كشحه فسمّي مكشوحاً - :

اريد حباءه ويريد قتلي *** عذيرك من خليلك من مراد

فينتفي من ذلك حتّى أكثر عليه فقال له المرادي: إن قضي شيء كان.

فقيل لعليّ عليه السلام: كأنّك قد عرفته وعرفت ما يريد بك، أفلا تقتله؟ فقال: كيف أقتل قاتلي فلمّا كان ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان خرج ابن ملجم وشبيب

ص: 82

الأشجعي فاعتورا الباب الذي يدخل منه عليّ عليه السلام وكان مغلسا ويوقظ الناس للصلاة فخرج كما كان يفعل فضربه شبيب فأخطأه وأصاب سيفه الباب، وضربه ابن ملجم على صلعته، فقال عليّ عليه السلام: فزت وربّ الكعبة شأنكم بالرجل.

فيروي أنّ بعض من كان بالمسجد من الأنصار قال: سمعت كلمة عليّ عليه السلام ورأيت بريق السيف، فأمّا ابن ملجم فحمل على الناس بسيفه، فأفرجوا له وتلقّاه المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبدالمطلب بقطيفة فرمى بها عليه، واحتمله فضرب به الأرض - وكان ايدا - فقعد على صدره، وأمّا شبيب فانتزع السيف منه رجل من حضرموت وصرعه وقعد على صدره، وكثر الناس فجعلوا يصيحون: عليكم صاحب السيف، فخاف الحضرمي أن يكبّوا عليه ولا يسمعوا عذره، فرمى بالسيف وانسل شبيب بالناس(1).

ويروى أنّ ابن ملجم بات تلك الليلة عند الأشعث، وأنّ حجر بن عدي سمع الأشعث يقول له: فضحك الصبح، فلمّا قالوا: قتل أميرالمؤمنين عليه السلام، قال حجرللأشعث: أنت قتلته يا أعور.

ويروى أنّ الذي سمع ذاك أخو الأشعث - عفيف بن قيس - وأنّه قال لأخيه: عن أمرك كان هذا يا أعور(2).

مَلَكَتْنِي عَيْنِي

أي غلبتني فحصل لي النوم.

ص: 83


1- .الكامل للمبرد: 3/145.
2- .الكامل للمبرد: 3/179.

وَأَنَا جَالِسٌ فَسَنَحَ لِي

أي ظهر لي.

رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللّه ِ مَا ذَا لَقِيتُ مِنْ أُمَّتِكَ مِنَ الْأَوَدِ وَاللَّدَدِ

وكما شكا إليه عليه السلام في ليلة قتله، شكا إليه صلى الله عليه و آله عند دفن زوجته سيّدة النساء، فقال له - بعد السلام عليه - : وستنبّك ابنتك بتظافر أمّتك على هضمها، فأحفها السؤال واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثّه سيبلا، وستقول: ويحكم اللّه «وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ»(1) - إلى أن قال - : ولولا غلبة المسؤولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً، ولأعولت أعوال الثكلى على جليل الرزية فبعين اللّه تدفن ابنتك سرّاً، وتهضم حقّها وتمنع ارثها، ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر، وإلى اللّه يا رسول اللّه المشتكى، وفيك يا رسول اللّه أحسن العزاء...(2)

وكذلك شكا الحسين عليه السلام إلى جدّه لمّا دعوه إلى بيعة يزيد على ما روى محمّد بن أبي طالب الموسوي فقال: خرج في الليل إلى قبر جدّه فقال: السلام عليك يا رسول اللّه، أنا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك وسبطك الذي خلّفتني في أُمّتك، فاشهد عليهم إنّهم قد خذلوني وضيّعوني ولم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك. إلى آخر ما ذكر(3).

ص: 84


1- . الأعراف: 87.
2- .الكافي: 1/459؛ بحار الأنوار: 43/193.
3- .تسلية المجالس: 2/154.

فَقَالَ: ادْعُ عَلَيْهِمْ - فَقُلْتُ أَبْدَلَنِي اللّه ُ بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ - وَأَبْدَلَهُمْ بِي شَرّاً لَهُمْ مِنِّي هو كقوله تعالى: «... فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ...»(1). «وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا...»(2).

وفي (عكبرية المفيد) في جواب أبي ليث الحاجب عن هذه الجملة سأل عليه السلام التخلية بين الأشرار من خلقه وبين القوم الظالمين عقوبة لهم وامتهانا، وسأله أيضاً أن لا يعصمهم من فتنة الظالمين بما قدّمت أيديهم، ممّا يستحقّون به من العذاب المهين.

ونظير ذلك قوله تعالى: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ...»(3)، وقوله تعالى: «... أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤزُّهُمْ أَزّاً»(4)، وقوله تعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا»(5) ولم يرد بذلك البعثة التي هي الرسل ولا الأمر بذلك، وإنّما أراد التخلية والتمكين وترك الحيلولة بينهم وبين المذكورين، وهذا بيّن(6).

انّ جابراً قال: إِنَّ الْحَكَمَ بْنَ الْعَاصِ عَمَّ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ كَانَ يَسْتَهْزِئُ مِنْ رَسُولِ اللّه ِ بِخُطْوَتِهِ فِي مِشْيَتِهِ وَيَسْخَرُ مِنْهُ وَكَانَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله يَمشي يَوْماً وَالْحَكَمُ خَلْفَهُ يُحَرِّكُ كَتِفَيْهِ وَيَكْسِرُ يَدَيْهِ خَلْفَ رَسُولِ اللّه ِ اسْتِهْزَاءً مِنْهُ بِمِشْيَتِهِ صلى الله عليه و آله فَأَشَارَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آلهبِيَدِهِ وَقَالَ هَكَذَا فَكُنْ فَبَقِيَ الْحَكَمُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ تَحْرِيكِ أَكْتَافِهِوَتَكَسُّرِ يَدَيْهِ ثُمَّ نَفَاهُ عَنِ الْمَدِينَةِ وَلَعَنَهُ فَكَانَ مَطْرُوداً إِلَى أَيَّامِ عُثْمَانَ فَرَدَّهُ إِلَى

ص: 85


1- .البقرة: 194.
2- .الشورى: 40.
3- . الأعراف: 167.
4- .مريم: 83.
5- . الأنعام: 123.
6- .المسائل العكبريّة: 37.

الْمَدِينَةِ وَأَكرَمَه(1).

انّ ابن مسعود قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله فَصَلَّى فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَنَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَأَبُو جَهْلٍ نَحَرُوا جَزُوراً فِي نَاحِيَةِ مَكَّةَ فَبَعَثُوا وَجَاءُوا بِسَلاهَا(2) فَطَرَحُوهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ عليهاالسلام فَطَرَحَتْهُ عَنْهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ وَبِعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَبِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ قَالَ عَبْدُاللّه ِ: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قَتْلَى فِي قَلِيبِ بَدْرٍ(3).

انَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله لَمَّا نَادَى بِالْمُشْرِكِينَ وَاسْتَعَانُوا عَلَيْهِ دَعَا اللّه َ أَنْ يُجْدِبَ بِلادَهُمْ فَقَالَ اللَّهُمَّ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ فَأَمْسَكَ الْمَطَرَ عَنْهُمْ حَتَّى مَاتَ الشَّجَرُ وَذَهَبَ الثَّمَرُ وَفَنِيَ الْمَوَاشِي... فَلَمَّا أَصَابَ مُضَرَ الْبَأْسُ الشَّدِيدُ عَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله بِفَضْلِهِ عَلَيْهِمْ فَدَعَا اللّه َ بِالْمَطَرِ لَهُمْ(4).

وقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله لَمَّا مَرَّ بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَالوَليد بن عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَهُمَا فِي حَائِط يَشْرَبَانِ وَيُغَنِّيَانِ فِي حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ قُتِلَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله اللَّهُمَّ الْعَنْهُمَا وَارْكُسْهُمَا فِي الْفِتْنَةِ رَكْساً وَدُعَّهُمَا إِلَى النَّارِ دَعّاً(5).

أَخَذَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله كَفّاً مِنْ حَصًى فَرَمَى بِهِ فِي وُجُوهِ قُرَيْشٍ وَقَالَ شَاهَتِ الْوُجُوهُ فَبَعَثَ اللّه ُ رِيَاحاً تَضْرِبُ وُجُوهَ قُرَيْشٍ فَكَانَتِ الْهَزِيمَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله

ص: 86


1- . الخرائج والجرائح: 1/138، ح258؛ بحار الأنوار: 18/59، ح17.
2- .السلى: جمعها أسلاء: جلدة يكون ضمنها ولدا الحيوان في بطن أمّه. والمراد هنا: أحشاؤه.
3- . الخرائج والجرائح: 1/51، ح76؛ بحار الأنوار: 18/57، ح21.
4- .الخرائج والجرائح: 1/59، ح100؛ بحار الأنوار: 17/230.
5- . تفسير القمي: 2/332؛ بحار الأنوار: 20/76، ح14.

اللَّهُمَّ لا يُفْلِتَنَّ فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فَقُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُون(1) وقتل فيمن قتل.

تذمر الإمام عليه السلام من تفرق أصحابه

1 - قال عليه السلام: وَإِنِّي وَاللّه ِ لأَظُنُّ أَنَّ هَؤلاءِ الْقَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ... أَللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِي، وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي(2).

2 - وقال عليه السلام: فَيَا عَجَباً عَجَباً، وَاللّه ِ يُمِيتُ الْقَلْبَ ، وَيَجْلِبُ الْهَمَّ، اجْتِمَاع هَؤلاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ، وَتَفَرُّقكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً... يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلا رِجَالَ، حُلُومُ الْأَطْفَالِ، وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ، لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ(3).

3 - وقال عليه السلام: أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ ، الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤهُمْ كَلامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ، وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ. تَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَاد(4).

4 - وقال عليه السلام: كَمْ أُدَارِيكُمْ كَمَا تُدَارَى الْبِكَارُ الْعَمِدَةُ ، وَالثِّيَابُ الْمُتَدَاعِيَةُ، كُلَّمَا حِيصَتْ مِنْ جَانِبٍ، تَهَتَّكَتْ مِنْ آخَر(5).

5 - وقال عليه السلام: أَيُّهَا الْقَوْمُ الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤهُمْ الْمُبْتَلَى بِهِمْ أُمَرَاؤهُمْ... يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ مُنِيتُ مِنْكُمْ بِثَلاثٍ وَاثْنَتَيْنِ صُمٌّ ذَوُو أَسْمَاعٍوَبُكْمٌ ذَوُو كَلامٍ وَعُمْيٌ ذَوُو أَبْصَارٍ لا أَحْرَارُ صِدْقٍ عِنْدَ اللِّقَاء(6).

ص: 87


1- .تفسير القمي: 1/267؛ بحار الأنوار: 19/259.
2- .نهج البلاغة فيض الاسلام: 89، خ25.
3- .نهج البلاغة فيض الاسلام: 95، خ27.
4- .نهج البلاغة فيض الاسلام: 102، خ29.
5- .نهج البلاغة فيض الاسلام: 163، خ68.
6- .نهج البلاغة فيض الاسلام: 285، خ96.

6 - وقال عليه السلام: ما بالكم أمخرسون أنتم... ما بالكم لا سدّدتم لرشد ولا هديتم لقصد(1).

7 - وقال عليه السلام: أريد أن أداري بكم وأنتم دائي كناقش الشوكة بالشوكة وهو يعلم أنّ ضلعها معها اللهمّ قد ملّت أطبّاء هذا الداء الدويّ(2).

8 - وقال عليه السلام: وكأنّي أنظر إليكم تكشّون كشيش الضباب لا تأخذون حقّاً ولا تمنعون ضيما(3).

9 - وقال عليه السلام: أفّ لكم لقد لقيت منكم برحا، يوماً أناديكم ويوماً أناجيكم، فلا أحرار صدق عند النداء ولا إخوان ثقة عند النجاء(4).

10 - وقال عليه السلام: أيّتها النفوس المختلفة والقلوب المتشتّتة، الشاهدة أبدانهم، والغائبة عنهم عقولهم، أظأركم على الحقّ وأنتم تنفرون عنه نفور المعز من وعوعة الأسد(5).

تذييلات:

الأوّل في كيفيّة شهادته عليه السلام

وفيها روايات كثيرة وأبسطها ما رواه المجلسي رحمه الله في البحار قال: رَأَيْنَا فِيبَعْضِ الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ رِوَايَةً فِي كَيْفِيَّةِ شَهَادَتِهِ عليه السلام أَوْرَدْنَا مِنْهُ شَيْئاً مِمَّا يُنَاسِبُ كِتَابَنَا

ص: 88


1- . نهج البلاغة فيض الإسلام: 368، خ118.
2- .نهج البلاغة فيض الإسلام: 373، خ120.
3- . نهج البلاغة فيض الإسلام: 381، خ123.
4- .نهج البلاغة فيض الإسلام: 387، خ125.
5- . نهج البلاغة فيض الإسلام: 406، خ131.

هَذَا عَلَى وَجْهِ الاخْتِصَارِ.

قَالَ: رَوَى أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللّه ِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَكْرِيُّ، عَنْ لُوطِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَشْيَاخِهِ وَأَسْلافِهِ قَالُوا: لَمَّا تُوُفِّيَ عُثْمَانُ وَبَايَعَ النَّاسُ أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ عليه السلامكَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ حَبِيبُ بْنُ الْمُنْتَجَبِ وَالِياً عَلَى بَعْضِ أَطْرَافِ الْيَمَنِ مِنْ قِبَلِ عُثْمَانَ فَأَقَرَّهُ عَلِيٌّ عليه السلام عَلَى عَمَلِهِ وَكَتَبَ إِلَيْهِ كِتَاباً يَقُولُ فِيهِ: بِسْمِ اللّه ِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنْ عَبْدِ اللّه ِ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى حَبِيبِ بْنِ الْمُنْتَجَبِ سَلامٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَحْمَدُ اللّه َ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ وَأُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ وَبَعْدُ فَإِنِّي وَلَّيْتُكَ مَا كُنْتَ عَلَيْهِ لِمَنْ كَانَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْسِكْ عَلَى عَمَلِكَ وَإِنِّي أُوصِيكَ بِالْعَدْلِ فِي رَعِيَّتِكَ وَالاْءِحْسَانِ إِلَى أَهْلِ مَمْلَكَتِكَ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ وُلِّيَ عَلَى رِقَابِ عَشَرَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمْ حَشَرَهُ اللّه ُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَدَاهُ مَغْلُولَتَانِ إِلَى عُنُقِهِ لا يَفُكُّهَا إِلاّ عَدْلُهُ فِي دَارِ الدُّنْيَا فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ كِتَابِي هَذَا فَاقْرَأْهُ عَلَى مَنْ قِبَلَكَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ وَخُذْ لِيَ الْبَيْعَةَ عَلَى مَنْ حَضَرَكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا بَايَعَ الْقَوْمُ مِثْلَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ فَامْكُثْ فِي عَمَلِكَ وَأَنْفِذْ إِلَيَّ مِنْهُمْ عَشَرَةً يَكُونُونَ مِنْ عُقَلائِهِمْ وَفُصَحَائِهِمْ وَثِقَاتِهِمْ مِمَّنْ يَكُونُ أَشَدَّهُمْ عَوْناً مِنْ أَهْلِ الْفَهْمِ وَالشَّجَاعَةِ عَارِفِينَ بِاللّه ِ عَالِمِينَ بِأَدْيَانِهِمْ وَمَا لَهُمْ وَمَا عَلَيْهِمْ وَأَجْوَدَهُمْ رَأْياً وَعَلَيْكَ وَعَلَيْهِمُ السَّلامُ(1).

وَطَوَى الْكِتَابَ وَخَتَمَهُ وَأَرْسَلَهُ مَعَ أَعْرَابِيٍّ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَيْهِ قَبَّلَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَرَأْسِهِ فَلَمَّا قَرَأَهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللّه َ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ثُمَّ قَالَ:

أَيُّهَا النَّاسُ اعْلَمُوا أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قَضَى نَحْبَهُ وَقَدْ بَايَعَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِهِ الْعَبْدَ

ص: 89


1- . بحار الأنوار: 259 - 260.

الصَّالِحَ وَالاْءِمَامَ النَّاصِحَ أَخَا رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله وَخَلِيفَتَهُ وَهُوَ أَحَقُّ بِالْخِلافَةِ وَهُوَ أَخُو رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله وَابْنُ عَمِّهِ وَكَاشِفُ الْكَرْبِ عَنْ وَجْهِهِ وَزَوْجُ ابْنَتِهِ وَوَصِيُّهُ وَأَبُو سِبْطَيْهِ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَمَا تَقُولُونَ فِي بَيْعَتِهِ وَالدُّخُولِ فِي طَاعَتِهِ؟

قَالَ: فَضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ وَقَالُوا: سَمْعاً وَطَاعَةً وَحُبّاً وَكَرَامَةً للّه ِِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَخِي رَسُولِهِ، فَأَخَذَ لَهُ عليه السلام الْبَيْعَةَ عَلَيْهِمْ عَامَّةً، فَلَمَّا بَايَعُوا قَالَ لَهُمْ:

أُرِيدُ مِنْكُمْ عَشَرَةً مِنْ رُؤسَائِكُمْ وَشُجْعَانِكُمْ أُنْفِذُهُمْ إِلَيْهِ كَمَا أَمَرَنِي بِهِ، فَقَالُوا: سَمْعاً وَطَاعَةً فَاخْتَارَ مِنْهُمْ مِائَةً، ثُمَّ مِنَ الْمِائَةِ سَبْعِينَ، ثُمَّ مِنَ السَّبْعِينَ ثَلاثِينَ، ثُمَّ مِنَ الثَّلاثِينَ عَشَرَةً فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيُّ لَعَنَهُ اللّه ُ وَخَرَجُوا مِنْ سَاعَتِهِمْ فَلَمَّا أَتَوْهُ عليه السلامسَلَّمُواعَلَيْهِ وَهَنَّئُوهُ بِالْخِلافَةِ فَرَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلامَ وَرَحَّبَ بِهِمْ فَتَقَدَّمَ ابْنُ مُلْجَمٍ وَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الاْءِمَامُ الْعَادِلُ وَالْبَدْرُ التَّمَامُ وَاللَّيْثُ الْهُمَامُ وَالْبَطَلُ الضِّرْغَامُ وَالْفَارِسُ الْقَمْقَامُ وَمَنْ فَضَّلَهُ اللّه ُ عَلَى سَائِرِ الْأَنَامِ صَلَّى اللّه ُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِكَ الْكِرَامِ أَشْهَدُ أَنَّكَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ صِدْقاً وَحَقّاً وَأَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آلهوَالْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِهِ وَوَارِثُ عِلْمِهِ لَعَنَ اللّه ُ مَنْ جَحَدَ حَقَّكَ وَمَقَامَكَ أَصْبَحْتَ أَمِيرَهَا وَعَمِيدَهَا لَقَدِ اشْتَهَرَ بَيْنَ الْبَرِيَّةِ عَدْلُكَ وَهَطَلَتْ(1) شَآبِيبُ فَضْلِكَ وَسَحَائِبُ رَحْمَتِكَ وَرَأْفَتِكَ عَلَيْهِمْ وَلَقَدْ أَنْهَضَنَا الْأَمِيرُ إِلَيْكَ فَسُرِرْنَا بِالْقُدُومِ عَلَيْكَ فَبُورِكْتَ بِهَذِهِ الطَّلْعَةِ الْمَرْضِيَّةِ وَهُنِّئْتَ بِالْخِلافَةِ فِي الرَّعِيَّةِ.

فَفَتَحَ أَمِيرُلْمُؤمِنِينَ عليه السلامعَيْنَيْهِ فِي وَجْهِهِ وَنَظَرَ إِلَى الْوَفْدِ فَقَرَّبَهُمْ وَأَدْنَاهُمْ، فَلَمَّا جَلَسُوا دَفَعُوا إِلَيْهِ الْكِتَابَ فَفَضَّهُ وَقَرَأَهُ وَسُرَّ بِمَا فِيهِ فَأَمَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِحُلَّةٍ يَمَانِيَّةٍ وَرِدَاءٍ عَدَنَيَّةٍ وَفَرَسٍ عَرَبِيَّةٍ وَأَمَرَ أَنْ يُفْتَقَدُوا وَيُكْرِمُوا فَلَمَّا نَهَضُوا قَامَ ابنُ

ص: 90


1- .الهطل هو تتابع المطر المتفرّق العظيم القطر والشؤبوب الدفعة من المطر، ق.

مُلْجَمٍ وَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْشَدَ:

أَنْتَ الْمُهَيْمِنُ وَالْمُهَذَّبُ ذُو النَّدَى *** وَابْنُ الضَّرَاغِمِ فِي الطِّرَازِ الْأَوَّلِ

اللّه ُ خَصَّكَ يَا وَصِيَّ مُحَمَّدٍ *** وَحَبَاكَ فَضْلاً فِي الْكِتَابِ الْمُنْزَلِ

وَحَبَاكَ بِالزَّهْرَاءِ بِنْتِ مُحَمَّدٍ *** حُورِيَّةٍ بِنْتِ النَّبِيِّ الْمُرْسَلِ

ثُمَّ قَالَ: يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ ارْمِ بِنَا حَيْثُ شِئْتَ لِتَرَى مِنَّا مَا يَسُرُّكَ فَوَ اللّه ِ مَا فِينَا إِلاّ كُلُّ بَطَلٍ أَهْيَسَ(1) وَحَازِمٍ أَكْيَسَ وَشُجَاعٍ أَشْوَسَ(2) وَرِثْنَا ذَلِكَ عَنِ الآْبَاءِ وَالْأَجْدَادِ وَكَذَلِكَ نُورِثُهُ صَالِحَ الْأَوْلادِ.

قَالَ: فَاسْتَحْسَنَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام كَلامَهُ مِنْ بَيْنِ الْوَفْدِ فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُكَ يَا غُلامُ؟ قَالَ: اسْمِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ابْنُ مَنْ؟ قَالَ: ابْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيِّ، قَالَ لَهُ: أَمُرَادِيٌّ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ، فَقَالَ عليه السلام: إِنَّا للّه ِِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّه ِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

قَالَ: وَجَعَلَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلاميُكَرِّرُ النَّظَرَ إِلَيْهِ وَيَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَيَسْتَرْجِعُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: وَيْحَكَ أَمُرَادِيٌّ أَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَعِنْدَهَا تَمَثَّلَ عليه السلام يَقُولُ:

أَنَا أَنْصَحُكَ مِنِّي بِالْوَدَادِ *** مُكَاشَفَةً وَأَنْتَ مِنَ الْأَعَادِي

أُرِيدُ حَيَاتَهُ وَيُرِيدُ قَتْلِي *** عَذِيرَكَ مِنْ خَلِيلِكَ مِنْ مُرَادٍ

قَالَ الْأَصْبَغُ بْنُ نُبَاتَةَ: لَمَّا دَخَلَ الْوَفْدُ إِلَى أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام بَايَعُوهُ وَبَايَعَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ فَلَمَّا أَدْبَرَ عَنْهُ دَعَاهُ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام ثَانِياً فَتَوَثَّقَ مِنْهُ بِالْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ أَنْ لا

ص: 91


1- .الأهيس: الشجاع ومن الابل الجرى لا ينقبض عن شيء، ق.
2- .الشوس: محركة النظر بمؤخّر العين تكبر أو تغيظاً، ق.

يَغْدِرَ وَلا يَنْكُثَ فَفَعَلَ ثُمَّ سَارَ عَنْهُ، ثُمَّ اسْتَدْعَاهُ ثَالِثاً ثُمَّ تَوَثَّقَ مِنْهُ فَقَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ: يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ مَا رَأَيْتُكَ فَعَلْتَ هَذَا بِأَحَدٍ غَيْرِي؟ فَقَالَ عليه السلام: امْضِ لِشَأْنِكَ فَمَا أَرَاكَ تَفِي بِمَا بَايَعْتَ عَلَيْهِ.

فَقَالَ لَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ: كَأَنَّكَ تَكْرَهُ وُفُودِي عَلَيْكَ لَمَّا سَمِعْتَهُ مِنِ اسْمِي وَإِنِّي وَاللّه ِ لأُحِبُّ الاْءِقَامَةَ مَعَكَ وَالْجِهَادَ بَيْنَ يَدَيْكَ وَإِنَّ قَلْبِي مُحِبٌّ لَكَ وَإِنِّي وَاللّه ِ أُوَالِي وَلِيَّكَ وَأُعَادِي عَدُوَّكَ.

قَالَ: فَتَبَسَّمَ عليه السلام وَقَالَ لَهُ: بِاللّه ِ يَا أَخَا مُرَادٍ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ تَصْدُقُنِي فِيهِ؟ قَالَ: إِي وَعَيْشِكَ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ فَقَالَ لَهُ: هَلْ كَانَ لَكَ دَايَةٌ يَهُودِيَّةٌ فَكَانَتْ إِذَا بَكَيْتَ تَضْرِبُكَ وَتَلْطِمُ جَبِينَكَ وَتَقُولُ لَكَ: اسْكُتْ فَإِنَّكَ أَشْقَى مِنْ عَاقِرِ نَاقَةِ صَالِحٍ وَإِنَّكَ سَتَجْنِي فِي كِبَرِكَ جِنَايَةً عَظِيمَةً يَغْضَبُ اللّه ُ بِهَا عَلَيْكَ وَيَكُونُ مَصِيرُكَ إِلَى النَّارِ؟ فَقَالَ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ وَلَكِنَّكَ وَاللّه ِ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ فَقَالَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام: وَاللّه ِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ وَلَقَدْ نَطَقْتُ حَقّاً وَقُلْتُ صِدْقاً وَأَنْتَ وَاللّه ِ قَاتِلِي لا مَحَالَةَ وَسَتَخْضِبُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ وَلَقَدْ قَرُبَ وَقْتُكَ وَحَانَ زَمَانُكَ فَقَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ: وَاللّه ِ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ إِنَّكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَلَكِنْ إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ مِنِّي فَسَيِّرْنِي إِلَى مَكَانٍ تَكُونُ دِيَارُكَ مِنْ دِيَارِي بَعِيدَةً، فَقَالَ عليه السلام: كُنْ مَعَ أَصْحَابِكَ حَتَّى آذَنَ لَكُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى بِلادِكُمْ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالنُّزُولِ فِي بَنِي تَمِيمٍ فَأَقَامُوا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْيَمَنِ فَلَمَّا عَزَمُوا عَلَى الْخُرُوجِ مَرِضَ ابْنُ مُلْجَمٍ مَرَضاً شَدِيداً فَذَهَبُوا وَتَرَكُوهُ فَلَمَّا بَرَأَ أَتَى أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَكَانَ لا يُفَارِقُهُ لَيْلاً وَلا نَهَاراً وَيُسَارِعُ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَكَانَ عليه السلاميُكْرِمُهُ وَيَدْعُوهُ إِلَى مَنْزِلِهِ وَيُقَرِّبُهُ وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ: أَنْتَ قَاتِلِي

ص: 92

وَيُكَرِّرُ عَلَيْهِ الشِّعْرَ.

أُرِيدُ حَيَاتَهُ وَيُرِيدُ قَتْلِي *** عَذِيرَكَ مِنْ خَلِيلِكَ مِنْ مُرَادٍ

فَيَقُولُ لَهُ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ: إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ مِنِّي فَاقْتُلْنِي فَيَقُولُ: إِنَّهُ لا يَحِلُّ ذَلِكَ أَنْ أَقْتُلَ رَجُلاً قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ بِي شَيْئاً.

وَفِي خَبَرٍ آخَرَ قَالَ: إِذَا قَتَلْتُكَ فَمَنْ يَقْتُلُنِي؟ قَالَ: فَسَمِعَتِ الشِّيعَةُ ذَلِكَ فَوَثَبَ مَالِكٌ الْأَشْتَرُ وَالْحَارِثُ بْنُ الْأَعْوَرِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الشِّيعَةِ فَجَرَّدُوا سُيُوفَهُمْ وَقَالُوا: يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ مَنْ هَذَا الْكَلْبُ الَّذِي تُخَاطِبُهُ بِمِثْلِ هَذَا الْخِطَابِ مِرَاراً وَأَنْتَ إِمَامُنَا وَوَلِيُّنَا وَابْنُ عَمِّ نَبِيِّنَا فَمُرْنَا بِقَتْلِهِ فَقَالَ لَهُمُ: اغْمِدُوا سُيُوفَكُمْ بَارَكَ اللّه ُ فِيكُمْ وَلا تَشُقُّوا عَصَا هَذِهِ الْأُمَّةِ أَتَرَوْنَ أَنِّي أَقْتُلُ رَجُلاً لَمْ يَصْنَعْ بِي شَيْئاً.

فَلَمَّا انْصَرَفَ عليه السلام إِلَى مَنْزِلِهِ اجْتَمَعَتِ الشِّيعَةُ وَأَخْبَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِمَا سَمِعُوا وَقَالُوا: إِنَّ أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ عليه السلام يُغَلِّسُ إِلَى الْجَامِعِ وَقَدْ سَمِعْتُمْ خِطَابَهُ لِهَذَا الْمُرَادِيِّ وَهُوَ مَا يَقُولُ إِلاّ حَقّاً وَقَدْ عَلِمْتُمْ عَدْلَهُ وَإِشْفَاقَهُ عَلَيْنَا وَنَخَافُ أَنْ يَغْتَالَهُ هَذَا الْمُرَادِيُّ فَتَعَالَوْا نَفْتَرِعْ عَلَى أَنْ تَحُوطَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنَّا قَبِيلَةٌ.

فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ عَلَى أَهْلِ الْكِنَاسِ، فَتَقَلَّدُوا سُيُوفَهُمْ وَأَقْبَلُوا فِي لَيْلَتِهِمْ إِلَى الْجَامِعِ، فَلَمَّا خَرَجَ عليه السلام رَآهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ؟ فَأَخْبَرُوهُ فَدَعَا لَهُمْ وَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً، وَقَالَ: جِئْتُمْ تَحْفَظُونِي مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ أَمْ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ؟ قَالُوا: مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، قَالَ: مَا يَكُونُ شَيْءٌ فِي السَّمَاءِ إِلاّ هُوَ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَكُونُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ إِلاّ هُوَ فِي السَّمَاءِ ثُمَّ تَلا:

«قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاّ ما كَتَبَ اللّه ُ لَنا» ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَأْتُوا مَنَازِلَهُمْ وَلا يَعُودُوا لِمِثْلِهَا ثُمَّ إِنَّهُ صَعِدَ الْمِأْذَنَةَ وَكَانَ إِذَا تَنَحْنَحَ يَقُولُ السَّامِعُ مَا أَشْبَهَهُ بِصَوْتِ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله

ص: 93

فَتَأَهَّبَ النَّاسُ لِصَلاةِ الْفَجْرِ وَكَانَ إِذَا أَذَّنَ يَصِلُ صَوْتُهُ إِلَى نَوَاحِي الْكُوفَةِ كُلِّهَا ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى وَكَانَتْ هَذِهِ عَادَتَهُ.

قَالَ: وَأَقَامَ ابْنُ مُلْجَمٍ بِالْكُوفَةِ إِلَى أَنْ خَرَجَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام إِلَى غَزَاةِ النَّهْرَوَانِ فَخَرَجَ ابْنُ مُلْجَمٍ مَعَهُ وَقَاتَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ قِتَالاً شَدِيداً فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى الْكُوفَةِ وَقَدْ فَتَحَ اللّه ُ عَلَى يَدَيْهِ قَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللّه ُ: يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَتَقَدَّمَكَ إِلَى الْمِصْرِ لأُبَشِّرَ أَهْلَهُ بِمَا فَتَحَ اللّه ُ عَلَيْكَ مِنَ النَّصْرِ؟ فَقَالَ لَهُ: مَا تَرْجُو بِذَلِكَ؟ قَالَ: الثَّوَابَ مِنَ اللّه ِ وَالشُّكْرَ مِنَ النَّاسِ وَأَفْرَحُ الْأَوْلِيَاءَ وَأُكْمِدُ الْأَعْدَاءَ، فَقَالَ لَهُ: شَأْنَكَ.

ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِخَلْعَةٍ سَنِيَّةٍ وَعِمَامَتَيْنِ وَفَرَسَيْنِ وَسَيْفَيْنِ وَرُمْحَيْنِ فَسَارَ ابْنُ مُلْجَمٍ وَدَخَلَ الْكُوفَةَ وَجَعَلَ يَخْتَرِقُ أَزِقَّتَهَا وَشَوَارِعَهَا، وَهُوَ يُبَشِّرُ النَّاسَ بِمَا فَتَحَ اللّه ُ عَلَى أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَقَدْ دَخَلَهُ الْعُجْبُ فِي نَفْسِهِ فَانْتَهَى بِهِ الطَّرِيقُ إِلَى مَحَلَّةِ بَنِي تَمِيمٍ. فَمَرَّ عَلَى دَارٍ تُعْرَفُ بِالْقَبِيلَةِ وَهِيَ أَعْلَى دَارٍ بِهَا وَكَانَتْ لِقَطَامِ بِنْتِ سُخَيْنَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ تَيْمٍ اللاّتِ وَكَانَتْ مَوْصُوفَةً بِالْحُسْنِ وَالْجَمَالِ وَالْبَهَاءِ وَالْكَمَالِ، فَلَمَّا سَمِعَتْ كَلامَهُ بَعَثَتْ إِلَيْهِ وَسَأَلَتْهُ النُّزُولَ عِنْدَهَا سَاعَةً لِتَسْأَلَهُ عَنْ أَهْلِهَا، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ مَنْزِلِهَا وَأَرَادَ النُّزُولَ عَنْ فَرَسِهِ خَرَجَتْ إِلَيْهِ ثُمَّ كَشَفَتْ لَهُ عَنْ وَجْهِهَا وَأَظْهَرَتْ لَهُ مَحَاسِنَهَا.

فَلَمَّا رَآهَا أَعْجَبَتْهُ وَهَوَاهَا مِنْ وَقْتِهِ فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ وَدَخَلَ إِلَيْهَا وَجَلَسَ فِي دِهْلِيزِ الدَّارِ وَقَدْ أَخَذَتْ بِمَجَامِعِ قَلْبِهِ فَبَسَطَتْ لَهُ بِسَاطاً وَوَضَعَتْ لَهُ مُتَّكَأً وَأَمَرَتْ خَادِمَهَا أَنْ تَنْزِعَ أَخْفَافَهُ وَأَمَرَتْ لَهُ بِمَاءٍ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ طَعَاماً فَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ تُرَوِّحُهُ مِنَ الْحَرِّ فَجَعَلَ لا يَمَلُّ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا وَهِيَ مَعَ

ص: 94

ذَلِكَ مُتَبَسِّمَةٌ فِي وَجْهِهِ سَافِرَةٌ لَهُ عَنْ نِقَابِهَا بَارِزَةٌ لَهُ عَنْ جَمِيعِ مَحَاسِنِهَا مَا ظَهَرَ مِنْها وَمَا بَطَنَ.

فَقَالَ لَهَا: أَيَّتُهَا الْكَرِيمَةُ لَقَدْ فَعَلْتِ الْيَوْمَ بِي مَا وَجَبَ بِهِ بَلْ بِبَعْضِهِ عَلَى مَدْحِكِ وَشُكْرِكِ دَهْرِي كُلَّهُ فَهَلْ مِنْ حَاجَةٍ أَتَشَرَّفُ بِهَا وَأَسْعَى فِي قَضَائِهَا؟

قَالَ: فَسَأَلَتْهُ عَنِ الْحَرْبِ وَمَنْ قُتِلَ فِيهِ فَجَعَلَ يُخْبِرُهَا وَيَقُولُ فُلانٌ قَتَلَهُ الْحَسَنُ وَفُلانٌ قَتَلَهُ الْحُسَيْنُ إِلَى أَنْ بَلَغَ قَوْمَهَا وَعَشِيرَتَهَا، وَكَانَتْ قَطَامِ لَعَنَهَا اللّه ُ عَلَى رَأْيِ الْخَوَارِجِ وَقَدْ قَتَلَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام فِي هَذَا الْحَرْبِ مِنْ قَوْمِهَا جَمَاعَةً كَثِيرَةً مِنْهُمْ أَبُوهَا وَأَخُوهَا وَعَمُّهَا، فَلَمَّا سَمِعَتْ مِنْهُ ذَلِكَ صَرَخَتْ بَاكِيَةً ثُمَّ لَطَمَتْ خَدَّهَا وَقَامَتْ مِنْ عِنْدِهِ وَدَخَلَتِ الْبَيْتَ وَهِيَ تَنْدُبُهُمْ طَوِيلاً.

قَالَ: فَنَدِمَ ابْنُ مُلْجَمٍ فَلَمَّا خَرَجَتْ إِلَيْهِ قَالَتْ: يَعِزُّ عَلَيَّ فِرَاقُهُمْ مَنْ لِي بَعْدَهُمْ أَفَلا نَاصِرٌ يَنْصُرُنِي وَيَأْخُذُ لِي بِثَأْرِي وَيَكْشِفُ عَنْ عَارِي فَكُنْتُ أَهَبُ لَهُ نَفْسِي وَأُمَكِّنُهُ مِنْهَا وَمِنْ مَالِي وَجَمَالِي، فَرَقَّ لَهَا ابْنُ مُلْجَمٍ وَقَالَ لَهَا: غَضِّي صَوْتَكِ وَارْفُقِي بِنَفْسِكَ فَإِنَّكِ تُعْطَيْنَ مُرَادَكِ.

قَالَ: فَسَكَتَتْ مِنْ بُكَائِهَا وَطَمِعَتْ فِي قَوْلِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ بِكَلامِهَا وَهِيَ كَاشِفَةٌ عَنْ صَدْرِهَا، وَمُسْبِلَةٌ شَعْرَهَا، فَلَمَّا تَمَكَّنَ هَوَاهَا مِنْ قَلْبِهِ مَالَ إِلَيْهَا بِكُلِّيَّتِهِ ثُمَّ جَذَبَهَا إِلَيْهِ وَقَالَ لَهَا: كَانَ أَبُوكِ صَدِيقاً لِي وَقَدْ خَطَبْتُكِ مِنْهُ فَأَنْعَمَ لِي بِذَلِكِ فَسَبَقَ إِلَيْهِ الْمَوْتُ فَزَوِّجِينِي نَفْسَكِ لآِخُذَ لَكِ بِثَأْرِكِ.

قَالَ: فَفَرِحَتْ بِكَلامِهِ وَقَالَتْ قَدْ خَطَبَنِي الْأَشْرَافُ مِنْ قَوْمِي وَسَادَاتُ عَشِيرَتِي فَمَا أَنْعَمْتُ إِلاّ لِمَنْ يَأْخُذُ لِي بِثَأْرِي وَلَمَّا سَمِعْتُ عَنْكَ أَنَّكَ تُقَاوِمُ الْأَقْرَانَ وَتَقْتُلُ الشُّجْعَانَ فَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ لِي بَعْلاً وَأَكُونَ لَكَ أَهْلاً.

ص: 95

فَقَالَ لَهَا: فَأَنَا وَاللّه ِ كُفْوٌ كَرِيمٌ فَاقْتَرِحِي عَلَيَّ مَا شِئْتِ مِنْ مَالٍ وَفِعَالٍ.

فَقَالَتْ لَهُ: إِنْ قَدَّمْتَ عَلَيَّ الْعَطِيَّةَ وَالشَّرْطَ فَهَا أَنَا بَيْنَ يَدَيْكَ فَتَحْكُمُ كَيْفَ شِئْتَ.

فَقَالَ لَهَا: وَمَا الْعَطِيَّةُ وَالشَّرْطُ؟

فَقَالَتْ لَهُ: أَمَّا الْعَطِيَّةُ فَثَلاثَةُ آلافِ دِينَارٍ وَعَبْدٌ وَقَيْنَةٌ(1).

فَقَالَ: هَذَا أَنَا مَلِيٌّ بِهِ، فَمَا الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ؟

قَالَتْ: نَمْ عَلَى فِرَاشَكَ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْكَ(2).

ثُمَّ إِنَّهَا دَخَلَتْ خِدْرَهَا فَلَبِسَتْ أَفْخَرَ ثِيَابِهَا وَلَبِسَتْ قَمِيصاً رَقِيقاً يُرِي صَدْرَهَا وَحُلِيَّهَا وَزَادَتْ فِي الْحُلِيِّ وَالطِّيبِ وَخَرَجَتْ فِي مُعَصْفَرِهَا فَجَعَلَتْ تُبَاشِرُهُ بِمَحَاسِنِهَا لَيَرَى حُسْنَهَا وَجَمَالَهَا، وَأَرْخَتْ عَشَرَةَ ذَوَائِبَ مِنْ شَعْرِهَا مَنْظُومَةٍ بِالدُّرِّ وَالْجَوْهَرِ.

فَلَمَّا وَصلت (دَخَلَتُ خ ل) إِلَيْهِ أَرْخَتْ لِثَامَهَا عَنْ وَجْهِهَا وَرَفَعَتْ مُعَصْفَرَهَا(3) وَكَشَفَتْ عَنْ صَدْرِهَا وَأَعْكَانِهَا(4) وَقَالَتْ: إِنْ قَدَّمْتَ عَلَيَّ الشَّرْطَ الْمَشْرُوطَ ظَفِرْتَ بِهَا جَمِيعِهَا وَأَنْتَ مَسْرُورٌ مَغْبُوطٌ.

قَالَ: فَمَدَّ ابْنُ مُلْجَمٍ عَيْنَيْهِ إِلَيْهَا فَحَارَ عَقْلُهُ وَهَوَى لِحِينِهِ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ سَاعَةً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: يَا مُنْيَةَ النَّفْسِ مَا شَرْطُكِ فَاذْكُرِيهِ لِي فَإِنِّي سَأَفْعَلُهُ وَلَوْ كَانَ دُونَهُ قَطْعُ الْقِفَارِ وَخَوْضُ الْبِحَارِ وَقَطْعُ الرُّءُوسِ وَاخْتِلاسُ النُّفُوسِ، قَالَتْ لَهُ الْمَلْعُونَةُ: شَرْطِي عَلَيْكَ أَنْ تَقْتُلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلامبِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ بِهَذَا السَّيْفِ فِي مَفْرَقِ رَأْسِهِ

ص: 96


1- .القينة: الأمة المغنية الماشطة أو الأعم.
2- .بحار الأنوار: 42/263.
3- .ثوب صبغ بالعصفر وهو نبت.
4- .الأعكان جمع العكنة: ما انطوى وثنى من لحم البطن.

يَأْخُذُ مِنْهُ مَا يَأْخُذُ وَيَبْقَى مَا يَبْقَى.

فَلَمَّا سَمِعَ ابْنُ مُلْجَمٍ كَلامَهَا اسْتَرْجَعَ وَرَجَعَ إِلَى عَقْلِهِ وَأَغَاظَهُ وَأَقْلَقَهُ ثُمَّ صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: وَيْحَكِ مَا هَذَا الَّذِي وَاجَهْتِنِي بِهِ بِئْسَ مَا حَدَّثَتْكِ بِهِ نَفْسُكِ مِنَ الْمَحَالِ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ يَسِيلُ عَرَقاً وَهُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي أَمْرِهِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهَا وَقَالَ لَهَا:

وَيْلَكِ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْمُجَابِ الدُّعَاءِ الْمَنْصُورِ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْأَرْضُ تَرْجِفُ مِنْ هَيْبَتِهِ، وَالْمَلائِكَةُ تُسْرِعُ إِلَى خِدْمَتِهِ.

يَا وَيْلَكِ وَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ مُؤيَّدٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَالْمَلائِكَةُ تَحُوطُهُ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً، وَلَقَدْ كَانَ فِي أَيَّامِ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله إِذَا قَاتَلَ يَكُونُ جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ وَمَلَكُ الْمَوْتِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَنْ هُوَ هَكَذَا لا طَاقَةَ لأَحَدٍ بِقَتْلِهِ وَلا سَبِيلَ لِمَخْلُوقٍ عَلَى اغْتِيَالِهِ.

وَمَعَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ أَعَزَّنِي وَأَكْرَمَنِي وَأَحَبَّنِي وَرَفَعَنِي وَآثَرَنِي عَلَى غَيْرِي، فَلا يَكُونُ ذَلِكَ جَزَاؤهُ مِنِّي أَبَداً، فَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ قَتَلْتُهُ لَكِ شَرَّ قِتْلَةٍ وَلَوْ كَانَ أَفْرَسَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَمَّا أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ فَلا سَبِيلَ لِي عَلَيْهِ.

قَالَ: فَصَبَرَتْ عَنْهُ حَتَّى سَكَنَ غَيْظُهُ وَدَخَلَتْ مَعَهُ فِي الْمُلاعَبَةِ (المداعبة خ ل) وَالْمُلاطَفَةِ وَعَلِمَتْ أَنَّهُ قَدْ نَسِيَ ذَلِكَ الْقَوْلَ، ثُمَّ قَالَتْ: يَا هَذَا مَا يَمْنَعُكَ مِنْ قَتْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَتَرْغَبُ فِي هَذَا الْمَالِ وَتَتَنَعَّمُ بِهَذَا الْجَمَالِ وَمَا أَنْتَ بِأَعَفَّ وَأَزْهَدَ مِنَ الَّذِينَ قَاتَلُوهُ وَقَتَلَهُمْ وَكَانُوا مِنَ الصَّوَّامِينَ وَالْقَوَّامِينَ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ وَقَدْ قَتَلَ الْمُسْلِمِينَ ظُلْماً وَعُدْوَاناً اعْتَزَلُوهُ وَحَارَبُوهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَدْ قَتَلَ الْمُسْلِمِينَ وَحَكَمَ بِغَيْرِ حُكْمِ اللّه ِ وَخَلَعَ نَفْسَهُ مِنَ الْخِلافَةِ وَإِمْرَةِ الْمُؤمِنِينَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَوْمِي عَلَى ذَلِكَ

ص: 97

اعْتَزَلُوهُ فَقَتَلَهُمْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لَهُ عَلَيْهِمْ.

فَقَالَ لَهَا ابْنُ مُلْجَمٍ: يَا هَذِهِ كُفِّي عَنِّي فَقَدْ أَفْسَدْتِ عَلَيَّ دِينِي وَأَدْخَلْتِ الشَّكَّ فِي قَلْبِي وَمَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكِ وَقَدْ عَزَمْتُ عَلَى رَأْيٍ ثُمَّ أَنْشَدَ

ثَلاثَةُ آلافٍ وَعَبْدٌ وَقَيْنَة *** وَضَرْبُ عَلِيٍّ بِالْحُسَامِ الْمُصَمِّمِ

فَلا مَهْرَ أَغْلَى مِنْ عَلِيٍّ وَإِنْ غَلا *** وَلا فَتْكَ(1) إِلاّ دُونَ فَتْكِ ابْنِ مُلْجَمٍ

فَأَقْسَمْتُ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ وَمَنْ أَتَى *** إِلَيْهِ جِهَاراً مِنْ مُحِلٍّ وَمُحْرِمٍ

لَقَدْ أَفْسَدَتْ عَقْلِي قَطَامِ وَإِنَّنِي *** لَمِنْهَا عَلَى شَكٍّ عَظِيمٍ مُذَمَّمٍ

لَقَتْلُ عَلِيٍّ خَيْرِ مَنْ وَطِئَ الثَّرَى *** أَخِي الْعِلْمِ الْهَادِي النَّبِيِّ الْمُكَرَّمِ

ثُمَّ أَمْسَكَ سَاعَةً وَقَالَ:

فَلَمْ أَرَ مَهْراً سَاقَهُ ذُو سَمَاحَةٍ *** كَمَهْرِ قَطَامِ مِنْ فَصِيحٍ وَأَعْجَمَ

ثَلاثَةُ آلافٍ وَعَبْدٌ وَقَيْنَةٌ *** وَضَرْبُ عَلِيٍّ بِالْحُسَامِ الْمُصَمِّمِ

فَلا مَهْرَ أَغْلَى مِنْ عَلِيٍّ وَإِنْ غَلا *** وَلا فَتْكَ إِلاّ دُونَ فَتْكِ ابْنِ مُلْجَمٍ

فَأَقْسَمَ بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ وَمَنْ أَتَى *** إِلَيْهِ جِهَاراً مِنْ مُحِلٍّ وَمُحْرِمٍ

لَقَدْ خَابَ مَنْ يَسْعَى بِقَتْلِ إِمَامِهِ *** وَوَيْلٌ لَهُ مِنْ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ

إِلَى آخِرِ مَا أَنْشَدَ مِنَ الْأَبْيَاتِ ثُمَّ قَالَ لَهَا: أَجِّلِينِي لَيْلَتِي هَذِهِ حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِي وَآتِيكِ غَداً بِمَا يَقْوَى عَلَيْهِ عَزْمِي(2).

فَلَمَّا هَمَّ بِالْخُرُوجِ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ وَضَمَّتْهُ إِلَى صَدْرِهَا وَقَبَّلَتْ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَأَمَرَتْهُ

ص: 98


1- .الفتك: مثلثة ركوب ما هم من الأمور ودعت إليه النفس وفتك يفتك فهو فاتك جريء شجاع وفتك به انتهز منه فرصة فقتله أو جرحه مجاهرة أو أعم، ق.
2- . بحار الأنوار: 42/265.

بِالاسْتِعْجَالِ فِي أَمْرِهَا وَسَايَرَتْهُ إِلَى بَابِ الدَّارِ وَهِيَ تُشَجِّعُهُ وَأَنْشَدَتْ لَهُ أَبْيَاتاً، فَخَرَجَ الْمَلْعُونُ مِنْ عِنْدِهَا وَقَدْ سَلَبَتْ فُؤادَهُ وَأَذْهَبَتْ رُقَادَهُ وَرَشَادَهُ فَبَاتَ لَيْلَتَهُ قَلَقاً مُتَفَكِّراً فَمَرَّةً يُعَاتِبُ نَفْسَهُ وَمَرَّةً يُفَكِّرُ فِي دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ.

فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ السَّحَرِ أَتَاهُ طَارِقٌ فَطَرَقَ الْبَابَ فَلَمَّا فَتَحَهُ إِذَا بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي عَمِّهِ عَلَى نَجِيبٍ وَإِذَا هُوَ رَسُولٌ مِنْ إِخْوَتِهِ إِلَيْهِ يُعَزُّونَهُ فِي أَبِيهِ وَعَمِّهِ وَيُعَرِّفُونَهُ أَنَّهُ خَلَفَ مَالاً جَزِيلاً وَأَنَّهُمْ دَعَوْهُ سَرِيعاً لِيَحُوزَ ذَلِكَ الْمَالَ.

فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ بَقِيَ مُتَحَيِّراً فِي أَمْرِهِ إِذْ جَاءَهُ مَا يَشْغَلُهُ عَمَّا عَظُمَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ قَطَامِ فَلَمْ يَزَلْ مُفَكِّراً فِي أَمْرِهِ حَتَّى عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ، وكان له أخوان لأبيه وأُمّه وأُمه كانت من زبيد يقال لها: عدنية وهي ابنة أبي علي بن ماشوج وكان أبوه مراديا، وكانوا يسكنون عجران صنعاء.

فلما وصل إلى النجف ذكر قطام ومنزلتها في قلبه ورجع إليها فلما طرق الباب اطلعت عليه وقالت من الطارق! فعرفته على حالة السفر فنزلت إليه وسلمت عليه وسألته عن حاله فأخبرها بخبره ووعدها بقضاء حاجتها إذا رجع من سفره وتملكها جميع ما يجيء به من المال، فعدلت عنه مغضبة فدنا منها وقبلها وودعها وحلف لها أنه يبلغها مأمولها في جميع ما سألته.

فخرج وجاء إلى أميرالمؤنين عليه السلاموأخبره بما جاءوا إليه لأجله وسأله أن يكتب إلى ابن المنتجب كتابا ليعينه على استخلاص حقه فأمر كاتبه فكتب له ما أراد ثمّ أعطاه فرسا من جياد خيله فخرج وسار سيرا حثيثا حتى وصل إلى بعض أودية اليمن، فأظلم عليه الليل فبات في بعضها، فلمّا مضى من الليل نصفه إذا هو بزعقة عظيمة من صدر الوادي ودخان يفور ونار مضرمة فانزعج لذلك وتغير لونه

ص: 99

و نظر إلى صدر الوادي وإذا بالدخان قد أقبل كالجبل العظيم وهو واقع عليه والنار تخرج من جوانبه فخر مغشيا عليه فلما أفاق وإذا بهاتف يسمع صوته ولا يرى شخصه وهو يقول:

اسمع وع القول يا ابن ملجم *** إنك في أمر مهول معظم

تضمر قتل الفارس المكرم *** أكرم من طاف ولبى وأحرم

ذاك علي ذو التقاء الأقدم *** فارجع إلى اللّه لكيلا تندم

فلما سمع توهّم أنّه من طوارق الجنّ وإذا بالهاتف يقول:

يا شقي بن الشقي أما ما أضمرت من قتل الزاهد العابد العادل الراكع الساجد إمام الهدى وعلم التقى والعروة الوثقى فإنا علمنا بما تريد أن تفعله بأميرالمؤنين ونحن من الجن الذين أسلمنا على يديه ونحن نازلون بهذا الوادي فإنّا لا ندعك تبيت فيه فإنّك ميشوم على نفسك ثمّ جعلوا يرمونه بقطع الجنادل فصعد فوق شاهق فبات بقية ليله.

فلمّا أصبح سار ليلاً ونهاراً حتّى وصل إلى اليمن وأقام عندهم شهرين وقلبه على حر الجمر من أجل قطام ثمّ إنّه أخذ الذي أصابه من المال والمتاع والأثاث والجواهر وخرج.

فبينا هو في بعض الطريق إذا خرجت عليه حرامية فسايرهم وسايروه فلمّا قربوا من الكوفة حاربوه وأخذوا جميع ما كان معه ونجا بنفسه وفرسه وقليل من الذهب على وسطه وما كان تحته فهرب على وجهه حتّى كاد أن يهلك عطشا.

وأقبل سائرا في الفلاة مهموماً جائعاً عطشاناً فلاح له شبح فقصده فإذا بيوت من أبيات الحرب فقصد منها بيتا فنزل عندهم واستسقاهم شربة ماء فسقوه وطلب

ص: 100

لبنا فأتوه به فنام ساعة.

فلمّا استيقظ أتاه رجلان وقدما إليه طعاما فأكل وأكلا معه وجعلا يسألانه عن الطريق فأخبرهما ثمّ قالا له ممّن الرجل؟ قال: من بني مراد، قالا: أين تقصد؟

قال: الكوفة، فقالا له: كأنّك من أصحاب أبي تراب؟ قال نعم فاحمرت أعينهما غيظا وعزما على قتله ليلاً وأسرّا ذلك ونهضا فتبيّن له ما عزما عليه وندم على كلامه.

فبينما هو متحيّر إذ أقبل كلبهم ونام قريبا منهم فأقبل اللعين يمسح بيده على الكلب ويشفق عليه ويقول: مرحبا بكلب قوم أكرموني فاستحسنا ذلك وسألاه ما اسمك؟ قال: عبد الرحمن بن ملجم، فقالا له: ما أردت بصنعك هذا في كلبنا؟ فقال: أكرمته لأجلكم حيث أكرمتموني فوجب عليّ شكركم وكان هذا منه خديعة ومكرا فقالا: اللّه أكبر الآن واللّه وجب حقّك علينا ونحن نكشف لك عمّا في ضمائرنا.

نحن قوم نرى رأي الخوارج وقد قتل أعمامنا وأخوالنا وأهالينا كما علمت، فلمّا أخبرتنا أنك من أصحابه عزمنا على قتلك في هذه الليلة فلمّا رأينا صنعك هذا بكلبنا صفحنا عنك ونحن الآن نطلعك على ما قد عزمنا عليه فسألهما عن أسمائهما؟ فقال أحدهما: أنا البرك بن عبداللّه التميمي وهذا عبداللّه بن عثمان العنبري صهري(1).

وقد نظرنا إلى ما نحن عليه في مذهبنا فرأينا أن فساد الأرض والأمة كلّها من ثلاثة نفر أبو «أبي ظ» تراب ومعاوية وعمرو بن العاص فأمّا أبو تراب فإنّه قتل

ص: 101


1- .بحار الأنوار: 42/267.

رجالنا كما رأيت وافتكرنا أيضا في الرجلين معاوية وابن العاص وقد وليا علينا هذا الظالم الغشوم بسر بن أرطاة يطرقنا في كلّ وقت ويأخذ أموالنا وقد عزمنا على قتل هؤاء الثلاثة فإذا قتلناهم توطأت الأرض وأقعد الناس لهم إماما يرضونه.

فلمّا سمع ابن ملجم كلامهما صفق بإحدى يديه على الأخرى وقال: والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة وتردّى بالعظمة إنّي لثالثكما وإنّي مرافقكما على رأيكما وأنا أكفيكما أمر عليّ بن أبي طالب.

فنظرا إليه متعجّبين من كلامه قال: واللّه ما أقول لكما إلاّ حقّا، ثم ذكر لهما قصّته فلمّا سمعا كلامه عرفا صحّته وقالا إنّ قطام من قومنا وأهلها كانوا من عشيرتنا فنحن نحمد اللّه على اتّفاقنا فهذا لا يتمّ إلاّ بالأيمان المغلظة فنركب الآن مطايانا ونأتي الكعبة ونتعاقد عندها على الوفاء فلما أصبحوا وركبوا حضر عندهم بعض قومهم فأشاروا عليهم وقالوا لا تفعلوا ذلك فما منكم أحد إلا ويندم ندامة عظيمة، فلم يقبلوا وساروا جميعا حتّى أتوا البيت وتعاهدوا عنده.

فقال البرك: أنا لعمرو بن العاص، وقال العنبري: أنا لمعاوية وقال ابن ملجم لعنه اللّه: أنا لعليّ، فتحالفوا على ذلك بالأيمان المغلّظة ودخلوا المدينة وحلفوا عند قبرالنبيّ صلى الله عليه و آله على ذلك ثمّ افترقوا وقد عينوا يوما معلوما يقتلون فيه الجميع، ثمّ سار كلّ منهم على طريقه.

فأمّا البرك فأتى مصر ودخل الجامع وأقام فيه أيّاما، فخرج عمرو بن العاص ذات يوم إلى الجامع وجلس فيه بعد صلاته فجاء البرك إليه وسلّم عليه ثمّ حادثة في فنون الأخبار وطرف الكلام والأشعار، فشعف به عمرو بن العاص وقرّبه

ص: 102

وأدناه وصار يأكل معه على مائدة واحدة، فأقام إلى الليلة التي تواعدوا فيها فخرج إلى نيل مصر وجلس مفكرا فلمّا غربت الشمس أتى الجامع وجلس فيه.

فلمّا كان وقت الإفطار افتقده عمرو بن العاص فلم يره فقال لولده: ما فعل صاحبنا وأين مضى فإنّي لا أراه فبعثه إليه يدعوه فقال قل له: إن هذه الليلة ليس كالليالي وقد أحببت أن أقيم ليلتي هذه في الجامع رغبة فيما عند اللّه وأحبّ أن أشرك الأمير في ذلك.

فلمّا رجع إليه وأخبره بذلك سرّه سرورا عظيما وبعث إليه مائدة فأكل وبات ليلته ينتظر قدوم عمرو، وكان هو الذي يصلّي بهم فلمّا كان عند طلوع الفجر أقبل المؤّن إلى باب عمرو وأذّن وقال: الصلاة يرحمك اللّه الصلاة.

فانتبه فأتي بالماء وتوضّأ وتطيّب وذهب ليخرج إلى الصلاة فزلق فوقع على جنبه فاعتوره عرق النسا فأشغلته (فشغلته خ ل) عن الخروج، فقال: قدّموا خارجة بن تميم القاضي يصلّي بالناس، فأتى القاضي ودخل المحراب في غلس فجاء البرك فوقف خلفه وسيفه تحت ثيابه وهو لا يشك أنه عمرو فأمهله حتى سجد وجلس من سجوده فسل سيفه ونادى: لا حكم إلا للّه ولا طاعة لمن عصى اللّه ثمّ ضربه بالسيف على أمّ رأسه فقضى نحبه لوقته فبادر الناس وقبضوا عليه وأخذوا سيفه من يده وأوجعوه ضرباً شديداً وقالوا له: يا عدوّ اللّه قتلت رجلا مسلما ساجدا في محرابه؟ فقال: يا حمير أهل مصر إنّه يستحق القتل قالوا بما ذا ويلك؟ قال: لسعيه في الفتنة لأنّه الداهية الدهماء الذي أثار الفتنة ونبذها وقوّاهاوزيّن لمعاوية محاربة عليّ.

فقالوا له: يا ويلك من تعني؟ قال: الطاغي الباغي الكافر الزنديق عمرو بن

ص: 103

العاص الذي شقّ عصا المسلمين وهتك حرمة الدين، قالوا: لقد خاب ظنّك وطاش سهمك إنّ الذي قتلته ما هو إنّما هو خارجة، فقال يا قوم المعذرة إلى اللّه وإليكم فو اللّه ما أردت خارجة وإنّما أردت قتل عمرو.

فأوثقوه كتافا وأتوا به إلى عمرو، فلمّا رآه قال أليس هذا هو صاحبنا الحجازي؟ قالوا له: نعم، قال: ما باله؟ قالوا: إنه قد قتل خارجة فدهش عمرو لذلك وقال: إنا للّه وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

ثمّ التفت إليه وقال: يا هذا لِمَ فعلت ذلك؟ فقال له: واللّه يا فاسق ما طلبت غيرك ولا أردت سواك، قال: ولم ذلك؟ قال: إنّا ثلاثة تعاهدنا بمكّة على قتلك وقتل عليّ بن أبي طالب و(قتل خ ل) معاوية في هذه الليلة فإن صدقا صاحباي فقد قتل عليّ بالكوفة ومعاوية بالشام وأما أنت فقد سلمت، فقال عمرو: يا غلام احبسه حتّى نكتب إلى معاوية، فحبسه حتّى أمره معاوية بقتله فقتله(1).

وأمّا عبداللّه العنبري فقصد دمشق واستخبر عن معاوية فأرشد إليه فجعل يتردّد إلى داره فلا يتمكّن من الدخول إليه إلى أن أذن معاوية يوماً للناس إذنا عاما فدخل إليه مع الناس وسلّم عليه وحادثه ساعة وذكر له ملوك بني قحطان ومن له كلام مصيب حتّى ذكر له بني عمّه وهم أوّل ملوك قحطان وشيئا من أخبارهم فلمّا تفرّقوا بقي عنده مع خواصّ أصحابه وكان فصيحاً خبيراً بأنساب العرب وأشعارهم.

فأحبه معاوية حبّاً شديداً فقال: قد أذنت لك في كلّ وقت نجلس فيه أن تدخل علينا من غير مانع ولا دافع فكان يتردّد إليه إلى ليلة تسع عشرة وكان قد عرف

ص: 104


1- . بحار الأنوار: 42/269.

المكان الذي يصلّي فيه معاوية.

فلمّا أذن المؤن للفجر وأتى معاوية المسجد ودخل محرابه ثار إليه بالسيف وضربه فراغ عنه فأراد ضرب عنقه فانصاع عنه(1) فوقع السيف في أليته وكانت ضربته ضربة جبان، فقال معاوية: لا يفوتنكم الرجل فاستخلف بعض أصحابه للصلاة ونهض إلى داره.

وأما العنبري فأخذه الناس وأوثقوه وأتوا به إلى معاوية وكان مغشيّاً عليه فلمّا أفاق قال له: ويلك يا لكع لقد خاب ظنّي فيك ما الذي حملك على هذا؟ فقال له: دعني من كلامك اعلم أنّنا ثلاثة تحالفنا على قتلك وقتل عمرو بن العاص وعليّ بن أبي طالب فإن صدقا صاحباي فقد قتل عليّ وعمرو، وأمّا أنت فقد روغ أجلك كروغك الثعلب(2).

فقال له معاوية: على رغم أنفك فأمر به إلى الحبس فأتاه الساعدي وكان طبيبا فلما نظر إليه قال له: اختر إحدى الخصلتين: إما أن أحمي حديدة فأضعها موضع السيف، وإمّا أن أسقيك شربة تقطع منك الولد وتبرء منها لأن ضربتك مسمومة فقال معاوية: أمّا النار فلا صبر لي عليها، وأمّا انقطاع الولد فإنّ في يزيد وعبداللّه ما تقرّ به عيني، فسقاه الشربة فبرأ ولم يولد له بعدها(3).

وَأَمَّا ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللّه ُ فَإِنَّهُ سَارَ حَتَّى دَخَلَ الْكُوفَةَ وَاجْتَازَ عَلَى الْجَامِعِ وَكَانَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام جَالِساً عَلَى بَابِ كِنْدَةَ فَلَمْ يَدْخُلْهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَكَانَ إِلَى

ص: 105


1- .أي رجع مسرعاً.
2- .راغ الصيد: ذهب هاهنا وهاهنا. راغ عن الطريق: حاد منه.
3- .بحار الأنوار: 42/271.

جَانِبِهِ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عليهماالسلام وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَى ابْنِ مُلْجَمٍ وَعُبُورِهِ قَالُوا: أَلا تَرَى إِلَى ابْنِ مُلْجَمٍ عَبَرَ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْكَ؟ قَالَ عليه السلام: دَعُوهُ فَإِنَّ لَهُ شَأْناً مِنَ الشَّأْنِ، وَاللّه ِ لَيَخْضِبَنَّ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى لِحْيَتِهِ وَهَامَتِهِ ثُمَّ قَالَ عليه السلام:

مَا مِنَ الْمَوْتِ لإِنْسَانٍ نَجَاءٌ *** كُلُّ امْرِئٍ لا بُدَّ يَأْتِيهِ الْفَنَاءُ

تَبَارَكَ اللّه ُ وَسُبْحَانَهُ *** لِكُلِّ شَيْءٍ مُدَّةٌ وَانْتِهَاءٌ

يَقْدِرُ الاْءِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ *** أَمْراً وَيَأْتِيهِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ

لا تَأْمَنَنَّ الدَّهْرُ فِي أَهْلِهِ *** لِكُلِّ عَيْشٍ آخِرٌ وَانْقِضَاءٌ

بَيْنَا تَرَى الاْءِنْسَانَ فِي غِبْطَةٍ *** يُمْسِي وَقَدْ حَلَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ

ثُمَّ جَعَلَ يُطِيلُ النَّظَرَ إِلَيْهِ حَتَّى غَابَ عَنْ عَيْنِهِ وَأَطْرَقَ إِلَى الْأَرْضِ يَقُولُ: إِنَّا للّه ِِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّه ِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

قَالَ: وَسَارَ ابْنُ مُلْجَمٍ حَتَّى وَصَلَ إِلَى دَارِ قَطَامِ وَكَانَ قَدْ أَيِسَتْ مِنْ رُجُوعِهِ إِلَيْهَا، وَعَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى بَنِي عَمِّهَا وَعَشِيرَتِهَا وَشَرَطَتْ عَلَيْهِمْ قَتْلَ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلامفَلَمْ يُقْدِمْ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا طَرَقَ الْبَابَ قَالَتْ مَنِ الطَّارِقُ؟ قَالَ:أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَفَرِحَتْ قَطَامِ بِهِ وَخَرَجَتْ إِلَيْهِ وَاعْتَنَقَتْهُ وَأَدْخَلَتْهُ دَارَهَا وَفَرَشَتْ لَهُ فُرُشَ الدِّيبَاجِ وَأَحْضَرَتْ لَهُ الطَّعَامَ وَالْمُدَامَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ حَتَّى سَكِرَ وَسَأَلَتْهُ عَنْ حَالِهِ فَحَدَّثَهَا بِجَمِيعِ مَا جَرَى لَهُ فِي طَرِيقِهِ.

ثُمَّ أَمَرَتْهُ بِالاغْتِسَالِ وَتَغْيِيرِ ثِيَابِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ وَأَمَرَتْ جَارِيَةً لَهَا فَفَرَشَتِ الدَّارَ بِأَنْوَاعِ الْفُرُشِ وَأَحْضَرَتْ لَهُ شَرَاباً وَجَوَارِيَ فَشَرِبَ مَعَ الجوار وَهُنَّ يَلْعَبْنَ بِالْعِيدَانِ وَالْمَزَامِيرِ وَالْمَعَازِفِ(1) وَالدُّفُوفِ فَلَمَّا أَخَذَ الشَّرَابَ منه أَقْبَلَ عَلَيْهَا وَقَالَ: مَا بَالُكِ لا

ص: 106


1- .المعازف الملاهي كالعود والطنبوروشبهه الواحد معزف كمنبر، ق.

تُجَالِسِينِي وَلا تُحَادِثِينِي يَا قُرَّةَ عَيْنِي وَلا تُمَازِحِينِي، فَقَالَتْ لَهُ: بَلَى سَمْعاً وَطَاعَةً.

ثُمَّ إِنَّهَا نَهَضَتْ وَدَخَلَتْ إِلَى خِدْرِهَا وَلَبِسَتْ أَفْخَرَ ثِيَابِهَا وَتَزَيَّنَتْ وَتَطَيَّبَتْ وَخَرَجَتْ إِلَيْهِ وَقَدْ كَشَفَتْ لَهُ عَنْ رَأْسِهَا وَصَدْرِهَا وَنُهُودِهَا(1) وَأَبْرَزَتْ لَهُ عَنْ فَخِذَيْهَا وَهِيَ فِي طَاقٍ غِلالَةٍ(2) رُومِيٍّ يَبِينُ لَهُ مِنْهَا جَمِيعُ جَسَدِهَا وَهِيَ تَتَبَخْتَرُ فِي مِشْيَتِهَاوَالجوار حَوْلَهَا يَلْعَبْنَ.

فَقَامَ الْمَلْعُونُ وَاعْتَنَقَهَا وَتَرَشَّفَهَا(3) وَحَمَلَهَا حَتَّى أَجْلَسَهَا مَجْلِسَهَا وَقَدْ بُهِتَ وَتَحَيَّرَ وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا عَلَى زِرِّ قَمِيصِهَا فَحَلَّتْهُ وَكَانَ فِي حِلَقِهَا عِقْدُ جَوْهَرٍ لَيْسَتْ لَهُ قِيمَةٌ فَلَمَّا أَرَادَ مُجَامَعَتَهَا لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِمَ تُمَانِعِينِّي عَنْ نَفْسِكِ وَأَنَا وَأَنْتِ عَلَى الْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدْتُكِ عَلَيْهِ مِنْ قَتْلِ عَلِيٍّ وَلَوْ أَحْبَبْتِ لَقَتَلْتُ مَعَهُ شِبْلَيْهِ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ.

ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى هِمْيَانِهِ فَحَلَّهُ مِنْ وَسَطِهِ وَرَمَاهُ إِلَيْهَا وَقَالَ خُذِيهِ فَإِنَّ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَةِ آلافِ دِينَارٍ وَعَبْدٍ وَقَيْنَةٍ.

فَقَالَتْ لَهُ: وَاللّه ِ لا أُمَكِّنُكَ مِنْ نَفْسِي حَتَّى تَحْلِفَ لِي بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ أَنَّكَ تَقْتُلُهُ فَحَمَلَتْهُ الْقَسَاوَةُ عَلَى ذَلِكَ وَبَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ وَتَحَكَّمَ الشَّيْطَانُ فِيهِ بِالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ وَلَوْ قَطَعُوهُ إِرْباً إِرْباً.

فَمَالَتْ إِلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَبَّلَتْهُ وَقَبَّلَهَا فَأَرَادَ وَطْأَهَا فَمَانَعَتْهُ وَبَاتَ عِنْدَهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ غَيْرِ نِكَاحٍ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ تَزَوَّجَ بِهَا سِرّاً وَطَابَ قَلْبُهُ فَلَمَّا أَفَاقَ مِنْ سُكْرَتِهِ

ص: 107


1- . جمع النهد: الثدي.
2- .الطاق: ضرب من الثياب والغلالة - بالكسر - : شعار يلبس تحت الثوب.
3- .ارشق: حدّد النظر.

نَدِمَ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ وَعَاتَبَ نَفْسَهُ وَلَعَنَهَا فَلَمْ تَزَلْ ترَادَعهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ وَتَعِدُهُ بِوِصَالِهَا فَلَمَّا دَنَتِ اللَّيْلَةُ الْمَوْعُودَةُ مَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا لِيُضَاجِعَهَا وَيُجَامِعَهَا فَأَبَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ مَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلاّ أَنْ تَفِيَ بِوَعْدِكَ وَكَانَ الْمَلْعُونُ اعْتَلَّ عِلَّةً شَدِيدَةً فَبَرَأَ مِنْهَا، وَكَانَتِ الْمَلْعُونَةُ لا تُمَكِّنُهُ مِنْ نَفْسِهَا مَخَافَةَ أَنْ تَبْرُدَ نَارُهُ فَيُخِلَّ بِقَضَاءِ حَاجَتِهَا.

فَقَالَ لَهَا: يَا قَطَامِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَقْتُلُ لَكِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَخَذَ سَيْفَهُ وَمَضَى بِهِ إِلَى الصَّيْقَلِ فَأَجَادَ صِقَالَهُ وَجَاءَ بِهِ إِلَيْهَا فَقَالَتْ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْمَلَ فِيهِ سَمّاً قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِالسَّمِّ لَوْ وَقَعَ عَلَى جَبَلٍ لَهَدَّهُ، فَقَالَتْ: دَعْنِي أَعْمَلُ فِيهِ السَّمَّ فَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ عَلِيّاً لَطَاشَ عَقْلُكَ وَارْتَعَشَتْ يَدَاكَ وَرُبَّمَا ضَرَبْتَهُ ضَرْبَةً لا تَعْمَلُ فِيهِ شَيْئاً، فَإِذَا كَانَ مَسْمُوماً فَإِنْ لَمْ تَعْمَلِ الضَّرْبَةُ عَمِلَ السَّمُّ.

فَقَالَ لَهَا: يَا وَيْلَكِ أَتُخَوِّفِينِي مِنْ عَلِيٍّ فَوَ اللّه ِ لا أَرْهَبُ عَلِيّاً وَلا غَيْرَهُ، فَقَالَتْ لَهُ: دَعْنِي مِنْ قَوْلِكَ هَذَا وَإِنَّ عَلِيّاً لَيْسَ كَمَنْ لاقَيْتَ مِنَ الشُّجْعَانِ فَأَطْرَتْ(1) فِي مَدْحِهِ وَذَكَرَتْ شَجَاعَتَهُ وَكَانَ غَرَضُهَا أَنْ يَحْمِلَ الْمَلْعُونَ عَلَى الْغَضَبِ وَيُحَرِّضَهُ عَلَى الْأَمْرِ فَأَخَذَتِ السَّيْفَ وَأَنْفَذَتْهُ إِلَى الصَّيْقَلِ فَسَقَاهُ السَّمَّ وَرَدَّهُ إِلَى غِمْدِهِ.

وَكَانَ ابْنُ مُلْجَمٍ قَدْ خَرَجَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَمْشِي فِي أَزِقَّةِ الْكُوفَةِ فَلَقِيَهُ صَدِيقٌ لَهُ وَهُوَ عَبْدُ اللّه ِ بْنُ جَابِرٍ الْحَارِثِيُّ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَهَنَّأَهُ بِزِوَاجِ قَطَامِ، ثُمَّ تَحَادَثَا سَاعَةً فَحَدَّثَهُ بِحَدِيثِهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فَسُّرَ بِذَلِكَ سُرُوراً عَظِيماً فَقَالَ لَهُ أَنَا أُعَاوِنُكَ.

فَقَالَ ابْنُ مُلْجَمٍ: دَعْنِي مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ عَلِيّاً أَرْوَغُ مِنَ الثَّعْلَبِ وَأَشَدُّ مِنَ الْأَسَدِ.

ثُمَّ مَضَى ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللّه ُ يَدُورُ فِي شَوَارِعِ الْكُوفَةِ، فَاجْتَازَ عَلَى

ص: 108


1- . اطراه: أَحسن الثناء عليه وبالغ في مدحه.

أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلاموَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ مِيثَمٍ التَّمَّارِ فَخَطَفَ عَنْهُ كَيْلا يَرَاهُ فَفَطَنَ بِهِ فَبَعَثَ خَلْفَهُ رَسُولاً فَلَمَّا أَتَاهُ وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَتَضَرَّعَ لَدَيْهِ.

فَقَالَ عليه السلام لَهُ: مَا تَعْمَلُ هَاهُنَا؟ قَالَ: أَطُوفُ فِي أَسْوَاقِ الْكُوفَةِ وَأَنْظُرُ إِلَيْهَا،فَقَالَ عليه السلام: عَلَيْكَ بِالْمَسَاجِدِ فَإِنَّهَا خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْبِقَاعِ كُلِّهَا وَشَرُّهَا الْأَسْوَاقُ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّه ِ فِيهَا ثُمَّ حَادَثَهُ سَاعَةً وَانْصَرَفَ.

فَلَمَّا وَلَّى جَعَلَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام يُطِيلُ النَّظَرَ إِلَيْهِ وَيَقُولُ يَا لَكَ مِنْ عَدُوٍّ لِي مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ قَالَ عليه السلام:

أُرِيدُ حَيَاتَهُ وَيُرِيدُ قَتْلِي *** وَيَأْبَى اللّه ُ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ

ثُمَّ قَالَ عليه السلام: يَا مِيثَمُ هَذَا وَاللّه ِ قَاتِلِي لا مَحَالَةَ أَخْبَرَنِي بِهِ حَبِيبِي رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله، فَقَالَ مِيثَمٌ: يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ فَلِمَ لا تَقْتُلُهُ أَنْتَ قَبْلَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: يَا مِيثَمُ لا يَحِلُّ الْقِصَاصُ قَبْلَ الْفِعْلِ، فَقَالَ مِيثَمٌ: يَا مَوْلايَ إِذَا لَمْ تَقْتُلْهُ فَاطْرُدْهُ، فَقَالَ: يَا مِيثَمُ لَوْلا آيَةٌ فِي كِتَابِ اللّه ِ «يَمْحُوااللّه ُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ»(1) وَأَيْضاً أَنَّهُ بَعْدَ مَا جَنَى جِنَايَةً فَيُؤخَذُ بِهَا وَلا يَجُوزُ أَنْ يُعَاقَبَ قَبْلَ الْفِعْلِ، فَقَالَ مِيثَمٌ: جَعَلَ اللّه ُ يَوْمَنَا قَبْلَ يَوْمِكَ وَلا أَرَانَا اللّه ُ فِيكَ سُوءاً أَبَداً وَمَتَى يَكُونُ ذَلِكَ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ؟فَقَالَ عليه السلام:إِنَّ اللّه َ تَفَرَّدَ بِخَمْسَةِ أَشْيَاءَ لا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: «إِنَّ اللّه َ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ»(2) الآْيَةَ.

يَا مِيثَمُ هَذِهِ خَمْسَةٌ لا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إِلاّ اللّه ُ تَعَالَى وَمَا اطَّلَعَ عَلَيْهَا نَبِيٌّ وَلا وَصِيٌّ وَلا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ يَا مِيثَمُ لا حَذَرَ مِنْ قَدَرٍ يَا مِيثَمُ إِذَا جَاءَ الْقَضَاءُ فَلا مَفَرَّ فَرَجَعَ ابْنُ مُلْجَمٍ وَدَخَلَ عَلَى قَطَامِ لَعَنَهُمَا اللّه ُ وَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ لَيْلَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ

ص: 109


1- .الرعد: 39.
2- . لقمان: 34.

رَمَضَانَ(1).

قَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّه ِ عَلَيْهِ لَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ قَدَّمَت إِلَيْهِ عِنْدَ إِفْطَارِهِ طَبَقاً فِيهِ قُرْصَانِ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ وَقَصْعَةٌ فِيهَا لَبَنٌ وَمِلْحٌ جَرِيشٌ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ أَقْبَلَ عَلَى فَطُورِهِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ وَتَأَمَّلَهُ حَرَّكَ رَأْسَهُ وَبَكَى بُكَاءً شَدِيداً عَالِياً وَقَالَ يَا بُنَيَّةِ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ بِنْتاً تَسُوءُ أَبَاهَا كَمَا قَدْ أَسَأْتِ أَنْتِ إِلَيَّ، قَالَتْ: وَمَا ذَا يَا أَبَاه؟ قَالَ: يَا بُنَيَّةِ أَتُقَدِّمِينَ إِلَى أَبِيكِ إِدَامَيْنِ فِي فَرْدِ طَبَقٍ وَاحِدٍ أَتُرِيدِينَ أَنْ يَطُولَ وُقُوفِي غَداً بَيْنَ يَدَيِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتْبَعَ أَخِي وَابْنَ عَمِّي رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله مَا قُدِّمَ إِلَيْهِ إِدَامَانِ فِي طَبَقٍ وَاحِدٍ إِلَى أَنْ قَبَضَهُ اللّه ُ.

يَا بُنَيَّةِ مَا مِنْ رَجُلٍ طَابَ مَطْعَمُهُ وَمَشْرَبُهُ وَمَلْبَسُهُ إِلاّ طَالَ وُقُوفُهُ بَيْنَ يَدَيِ اللّه ِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَا بُنَيَّةِ إِنَّ الدُّنْيَا فِي حَلالِهَا حِسَابٌ وَفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ.

وَقَدْ أَخْبَرَنِي حَبِيبِي رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله أَنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام نَزَلَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ مَفَاتِيحُ كُنُوزِ

الْأَرْضِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اللّه (السَّلامُ) يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَيَقُولُ لَكَ إِنْ شِئْتَ صَيَّرْتَ مَعَكَ جِبَالَ تِهَامَةَ ذَهَباً وَفِضَّةً وَخُذْ هَذِهِ مَفَاتِيحَ كُنُوزِ الْأَرْضِ وَلا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ حَظِّكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ: يَا جَبْرَئِيلُ وَمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: الْمَوْتُ فَقَالَ: إِذاً لا حَاجَةَ لِي فِي الدُّنْيَا دَعْنِي أَجُوعُ يَوْماً وَأَشْبَعُ يَوْماً، فَالْيَوْمَ الَّذِي أَجُوعُ فِيهِ أَتَضَرَّعُ إِلَى رَبِّي وَأَسْأَلُهُ، وَالْيَوْمَ الَّذِي أَشْبَعُ فِيهِ أَشْكُرُ رَبِّي وَأَحْمَدُهُ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ: وُفِّقْتَ لِكُلِّ خَيْرٍ.

ثُمَّ قَالَ عليه السلام: يَا بُنَيَّةِ الدُّنْيَا دَارُ غُرُورٍ وَدَارُ هَوَانٍ فَمَنْ قَدَّمَ شَيْئاً وَجَدَهُ يَا بُنَيَّةِ وَاللّه ِ

ص: 110


1- .بحار الأنوار: 42/272 - 276.

لا آكُلُ شَيْئاً حَتَّى تَرْفَعِينَ أَحَدَ الاْءِدَامَيْنِ فَلَمَّا رَفَعَتْهُ تَقَدَّمَ إِلَى الطَّعَامِ فَأَكَلَ قُرْصاً وَاحِداً بِالْمِلْحِ الْجَرِيشِ.

ثُمَّ حَمِدَ اللّه َ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَامَ إِلَى صَلاتِهِ فَصَلَّى وَلَمْ يَزَلْ رَاكِعاً وَسَاجِداً وَمُبْتَهِلاً وَمُتَضَرِّعاً إِلَى اللّه ِ سُبْحَانَهُ وَيُكْثِرُ الدُّخُولَ وَالْخُرُوجَ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ قَلَقٌ يَتَمَلْمَلُ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةَ يس حَتَّى خَتَمَهَا.

ثُمَّ رَقَدَ هُنَيْئَةً وَانْتَبَهَ مَرْعُوباً وَجَعَلَ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِثَوْبِهِ وَنَهَضَ قَائِماً عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي لِقَائِكَ وَيُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّه ِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، ثُمَّ صَلَّى حَتَّى ذَهَبَ بَعْضُ اللَّيْلِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلتَّعْقِيبِ، ثُمَّ نَامَتْ عَيْنَاهُ وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ انْتَبَهَ مِنْ نَوْمَتِهِ مَرْعُوباً.

قَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ كَأَنِّي بِهِ وَقَدْ جَمَعَ أَوْلادَهُ وَأَهْلَهُ وَقَالَ لَهُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ تَفْقِدُونِي إِنِّي رَأَيْتُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رُؤيَا هَالَتْنِي وَأُرِيدُ أَنْ أَقُصَّهَا عَلَيْكُمْ قَالُوا وَمَا هِيَ؟ قَالَ إِنِّي رَأَيْتُ السَّاعَةَ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله فِي مَنَامِي وَهُوَ يَقُولُ لِي: يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّكَ قَادِمٌ إِلَيْنَا عَنْ قَرِيبٍ يَجِيءُ إِلَيْكَ أَشْقَاهَا فَيَخْضِبُ شَيْبَتَكَ مِنْ دَمِ رَأْسِكَ وَأَنَا وَاللّه ِ مُشْتَاقٌ إِلَيْكَ وَإِنَّكَ عِنْدَنَا فِي الْعَشْرِ الآْخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَهَلُمَّ إِلَيْنَا فَمَا عِنْدَنَا خَيْرٌ لَكَ وَأَبْقَى.

قَالَ: فَلَمَّا سَمِعُوا كَلامَهُ ضَجُّوا بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ وَأَبْدَوُا الْعَوِيلَ فَأَقْسَمَ عَلَيْهِمْ بِالسُّكُوتِ فَسَكَتُوا ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيهِمْ يُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِالْخَيْرِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الشَّرِّ.

قَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ: وَلَمْ يَزَلْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ قَائِماً وَقَاعِداً وَرَاكِعاً وَسَاجِداً ثُمَّ يَخْرُجُ سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ يَقْلِبُ طَرْفَهُ فِي السَّمَاءِ وَيَنْظُرُ فِي الْكَوَاكِبِ وَهُوَ يَقُولُ وَاللّه ِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ وَإِنَّهَا اللَّيْلَةُ الَّتِي وُعِدْتُ بِهَا.

ص: 111

ثُمَّ يَعُودُ إِلَى مُصَلاّهُ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي الْمَوْتِ وَيُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ إِنّا للّه ِِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّه ِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ وَيَسْتَغْفِرُ اللّه َ كَثِيراً.

قَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَلَقاً مُتَمَلْمِلاً كَثِيرَ الذِّكْرِ وَالاسْتِغْفَارِ أَرِقْتُ مَعَهُ لَيْلَتِي وَقُلْتُ يَا أَبَتَاهْ مَا لِي أَرَاكَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لا تَذُوقُ طَعْمَ الرُّقَادِ قَالَ يَا بُنَيَّةِ إِنَّ أَبَاكِ قَتَلَ الْأَبْطَالَ وَخَاضَ الْأَهْوَالَ وَمَا دَخَلَ الْخَوْفُ لَهُ جوف [جَوْفاً(1)] وَمَا دَخَلَ فِي قَلْبِي رُعْبٌ أَكْثَرُ مِمَّا دَخَلَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ ثُمَّ قَالَ إِنّا للّه ِِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فَقُلْتُ يَا أَبَاهْ مَا لَكَ تَنْعَى نَفْسَكَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ قَالَ: يَا بُنَيَّةِ قَدْ قَرُبَ الْأَجَلُ وَانْقَطَعَ الْأَمَلُ.

قَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ: فَبَكَيْتُ، فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّةِ لا تَبْكِينَ فَإِنِّي لَمْ أَقُلْ ذَلِكَ إِلاّ بِمَا عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله ثُمَّ إِنَّهُ نَعَسَ وَطَوَى سَاعَةً ثُمَّ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ، وَقَالَ: يَا بُنَيَّةِ إِذَا قَرُبَ وَقْتُ الْأَذَانِ فَأَعْلِمِينِي ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلَ اللَّيْلِ مِنَ الصَّلاةِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللّه ِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

قَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ فَجَعَلْتُ أَرْقُبُ وَقْتَ الْأَذَانِ فَلَمَّا لاحَ الْوَقْتُ أَتَيْتُهُ وَمَعِي إِنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ أَيْقَظْتُهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ وَقَامَ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ وَفَتَحَ بَابَهُ ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الدَّارِ وَكَانَ فِي الدَّارِ إِوَزٌّ قَدْ أُهْدِيَ إِلَى أَخِي الْحُسَيْنِ عليه السلامفَلَمَّا نَزَلَ خَرَجْنَ وَرَاءَهُ وَرَفْرَفْنَ وَصِحْنَ فِي وَجْهِهِ وَكَانَ قَبْلَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ لَمْ يَصِحْنَ فَقَالَ عليه السلام لا إِلَهَ إِلاّ اللّه ُ.

صَوَارِخُ تَتْبَعُهَا نَوَائِحُ *** وَفِي غَدَاةِ غَدٍ يَظْهَرُ الْقَضَاءُ

فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَاهْ هَكَذَا تَتَطَيَّرُ؟ فَقَالَ يَا بُنَيَّةِ مَا مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ مَنْ يَتَطَيَّرُ وَلا يُتَطَيَّرُ بِهِ وَلَكِنْ قَوْلٌ جَرَى عَلَى لِسَانِي ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّةِ بِحَقِّي عَلَيْكِ إِلاّ مَا أَطْلَقْتِيهِ فَقَدْ

ص: 112


1- . الظاهر: وما دخل له خوف.

حَبَسْتِ مَا لَيْسَ لَهُ لِسَانٌ وَلا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلامِ إِذَا جَاعَ أَوْ عَطِشَ فَأَطْعِمِيهِ وَاسْقِيهِ وَإِلاّ خَلِّي سَبِيلَهُ يَأْكُلْ مِنْ حَشَائِشِ الْأَرْضِ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْبَابِ فَعَالَجَهُ لِيَفْتَحَهُ فَتَعَلَّقَ الْبَابُ بِمِئْزَرِهِ فَانْحَلَّ مِئْزَرُهُ حَتَّى سَقَطَ فَأَخَذَهُ وَشَدَّهُ وَهُوَ يَقُولُ

اشْدُدْ حَيَازِيمَكَ لِلْمَوْتِ فَإِنَّ الْمَوْتَ لاقِيكَا *** وَلا تَجْزَعْ مِنَ الْمَوْتِ إِذَا حَلَّ بِنَادِيكَا

وَلا تَغْتَرَّ بِالدَّهْرِ وَإِنْ كَانَ يُؤاتِيكَا *** كَمَا أَضْحَكَكَ الدَّهْرُ كَذَاكَ الدَّهْرُ يُبْكِيكَا

ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي الْمَوْتِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي لِقَائِكَ.

قَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ: وَكُنْتُ أَمْشِي خَلْفَهُ فَلَمَّا سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ، قُلْتُ: وَا غَوْثَاهْ يَا أَبَتَاهْ أَرَاك تَنْعَى نَفْسَكَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ، قَالَ: يَا بُنَيَّةِ مَا هُوَ بِنَعَاءٍ وَلَكِنَّهَا دَلالاتٌ وَعَلامَاتٌ لِلْمَوْتِ تَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضاً فَأَمْسِكِي عَنِ الْجَوَابِ ثُمَّ فَتَحَ الْبَابَ وَخَرَجَ.

قَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ: فَجِئْتُ إِلَى أَخِي الْحَسَنِ عليه السلام فَقُلْتُ يَا أَخِي قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ أَبِيكِ اللَّيْلَةَ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ قَدْ خَرَجَ فِي هَذَا اللَّيْلِ الْغَلَسَ فَالْحَقْهُ فَقَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام وَتَبِعَهُ فَلَحِقَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْجَامِعَ فَقَالَ يَا أَبَاهْ مَا أَخْرَجَكَ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ اللَّيْلِ ثُلُثُهُ.

فَقَالَ: يَا حَبِيبِي وَيَا قُرَّةَ عَيْنِي خَرَجَت لِرُؤيَا رَأَيْتُهَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَهَالَتْنِي وَأَزْعَجَتْنِي وَأَقْلَقَتْنِي، فَقَالَ لَهُ: خَيْراً رَأَيْتَ وَخَيْراً يَكُونُ فَقَصَّهَا عَلَيَّ، فَقَالَ عليه السلام: يَا بُنَيَّ رَأَيْتُ كَأَنَّ جَبْرَئِيلَ عليه السلام قَدْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ فَتَنَاوَلَ مِنْهُ حَجَرَيْنِ وَمَضَى بِهِمَا إِلَى الْكَعْبَةِ وَتَرَكَهُمَا عَلَى ظَهْرِهَا وَضَرَبَ أَحَدَهُمَا عَلَى الآْخَرِ

ص: 113

فَصَارَتْ كَالرَّمِيمِ، ثُمَّ ذَرَّهُمَا(1) فِي الرِّيحِ فَمَا بَقِيَ بِمَكَّةَ وَلا بِالْمَدِينَةِ بَيْتٌ إِلاّ وَدَخَلَهُ مِنْ ذَلِكَ الرَّمَادِ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَتِ وَمَا تَأْوِيلُهَا؟

فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنْ صَدَقَتْ رُؤيَايَ فَإِنَّ أَبَاكَ مَقْتُولٌ وَلا يَبْقَى بِمَكَّةَ حِينَئِذٍ وَلا بِالْمَدِينَةِ بَيْتٌ إِلاّ وَيَدْخُلُهُ مِنْ ذَلِكَ غَمٌّ وَمُصِيبَةٌ مِنْ أَجْلِي فَقَالَ الْحَسَنُ عليه السلام وَهَلْ تَدْرِي مَتَى يَكُونُ ذَلِكَ يَا أَبَتِ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّ اللّه َ يَقُولُ: «وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»(2).

وَلَكِنْ عَهِدَ إِلَيَّ حَبِيبِي رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ يَقْتُلُنِي ابْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيُّ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَتَاهْ إِذَا عَلِمْتَ مِنْهُ ذَلِكَ فَاقْتُلْهُ، قَالَ: يَا بُنَيَّ لا يَجُوزُ الْقِصَاصُ إِلاّ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ لَمْ تَحْصُلْ مِنْهُ، يَا بُنَيَّ لَوِ اجْتَمَعَ الثَّقَلانِ الاْءِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَدْفَعُوا ذَلِكَ لَما قَدَرُوا، يَا بُنَيَّ ارْجِعْ إِلَى فِرَاشِكَ فَقَالَ الْحَسَنُ عليه السلام يَا أَبَتَاهْ أُرِيدُ أَمْضِي مَعَكَ إِلَى مَوْضِعِ صَلاتِكَ.

فَقَالَ لَهُ: أَقْسَمْتُ بِحَقِّي عَلَيْكَ إِلاّ مَا رَجَعْتَ إِلَى فِرَاشِكَ لِئَلاّ يَتَنَغَّصَ عَلَيْكَ نَوْمُكَ وَلا تَعْصِنِي فِي ذَلِكَ، قَالَ فَرَجَعَ الْحَسَنُ عليه السلام فَوَجَدَ أُخْتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ قَائِمَةً خَلْفَ الْبَابِ تَنْتَظِرُهُ فَدَخَلَ فَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ وَجَلَسَا يَتَحَادَثَانِ وَهُمَا مَحْزُونَانِ حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِمَا النُّعَاسُ فَقَامَا وَدَخَلا إِلَى فِرَاشِهِمَا وَنَامَا.

قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ وَغَيْرُهُ: وَسَارَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلامحَتَّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْقَنَادِيلُ قَدْ خَمَدَ ضَوْؤهَا فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وتمّ وِرْدَهُ وَعَقَّبَ سَاعَةً ثُمَّ إِنَّهُ قَامَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِثُمَّ عَلا الْمِئْذَنَةَ وَوَضَعَ سَبَّابَتَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَتَنَحْنَحَ، ثُمَّ أَذَّنَ وَكَانَ عليه السلام إِذَا أَذَّنَ لَمْ يَبْقَ فِي

ص: 114


1- .الذر: التفريق.
2- .لقمان: 34.

بَلْدَةِ الْكُوفَةِ بَيْتٌ إِلاّ اخْتَرَقَهُ صَوْتُهُ(1).

قَالَ الرَّاوِي: وَأَمَّا ابْنُ مُلْجَمٍ فَبَاتَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ يُفَكِّرُ فِي نَفْسِهِ وَلا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ فَتَارَةً يُعَاتِبُ نَفْسَهُ وَيُوَبِّخُهَا وَيَخَافُ مِنْ عُقْبَى فِعْلِهِ فَيَهِمّ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ وَتَارَةً يَذْكُرُ قَطَامِ لَعَنَهَا اللّه ُ وَحُسْنَهَا وَجَمَالَهَا وَكَثْرَةَ مَالِهَا فَتَمِيلُ نَفْسُهُ إِلَيْهَا فَبَقِيَ عَامَّةَ لَيْلِهِ يَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ يَتَرَنَّمُ بِشِعْرِهِ ذَلِكَ إِذَا أَتَتْهُ الْمَلْعُونَةُ وَنَامَتْ مَعَهُ فِي فِرَاشِهِ وَقَالَتْ لَهُ يَا هَذَا، مَنْ يَكُونُ عَلَى هَذَا الْعَزْمِ يَرْقُدُ؟

فَقَالَ لَهَا: وَاللّه ِ إِنِّي أَقْتُلُهُ لَكِ السَّاعَةَ فَقَالَتِ اقْتُلْهُ وَارْجِعْ إِلَيَّ قَرِيرَ الْعَيْنِ مَسْرُوراً وَافْعَلْ مَا تُرِيدُ فَإِنِّي مُنْتَظِرَةٌ لَكَ فَقَالَ لَهَا بَلْ أَقْتُلُهُ وَأَرْجِعُ إِلَيْكِ سَخِينَ الْعَيْنِ مَحْزُوناً مَنْحُوساً مَحْسُوراً فَقَالَتْ أَعُوذُ بِاللّه ِ مِنْ تَطَيُّرِكَ الْوَحْشَ.

قَالَ: فَوَثَبَ الْمَلْعُونُ كَأَنَّهُ الْفَحْلُ مِنَ الاْءِبِلِ قَالَ هَلُمِّي إِلَيَّ بِالسَّيْفِ، ثُمَّ إِنَّهُ اتَّزَرَ بِمِئْزَرٍ وَاتَّشَحَ(2) بِإِزَارٍ وَجَعَلَ السَّيْفَ تَحْتَ الاْءِزَارِ مِن بَطْنِهِ، وَقَالَ: افْتَحِي لِي الْبَابَ فَفِي هَذِهِ السَّاعَةَ أَقْتُلُ لَكِ عَلِيّاً، فَقَامَتْ فَرْحَةً مَسْرُورَةً وَقَبَّلَتْ صَدْرَهُ وَبَقِيَ يُقَبِّلُهَا وَيَتَرَشَّفُهَا سَاعَةً ثُمَّ رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا فَقَالَتْ لَهُ: هَذَا عَلِيٌّ أَقْبَلَ إِلَى الْجَامِعِ وَأَذَّنَ فَقُمْ إِلَيْهِ فَاقْتُلْهُ ثُمَّ عُدْ إِلَيَّ فَهَا أَنَا مُنْتَظِرَةٌ رُجُوعَكَ، فَخَرَجَ مِنَ الْبَابِ وَهِيَ خَلْفَهُ تُحَرِّضُهُ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ:

أَقُولُ إِذَا مَا حَيَّةٌ أَعْيَتِ الرُّقَّا *** وَكَانَ ذُعَافُ(3) الْمَوْتِ مِنْهُ شَرَابُهَا

رَسَسْنَا إِلَيْهَا فِي الظَّلامِ ابْنَ مُلْجَمٍ *** هُمَامٌ إِذَا مَا الْحَرْبُ شَبَّ لَهَا بِهَا

فَخُذْهَا عَلِيُّ فَوْقَ رَأْسِكَ ضَرْبَةً *** بِكَفٍّ سَعِيدٍ سَوْفَ يَلْقَى ثَوَابَهَا

ص: 115


1- .بحار الأنوار: 42/278.
2- .توشح بازار: شدّه على وسطه.
3- .الذعاف: السم الذي يقتل من ساعته.

قَالَ الرَّاوِي: فَالْتَفَتَ إِلَيْهَا وَقَالَ لَهَا أَفْسَدْتِ وَاللّه ِ الشِّعْرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ الآْخِرِ، قَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ قَالَ لَهَا هَلاّ قُلْتُ:

بِكَفٍّ شَقِيٍّ سَوْفَ يَلْقَى عِقَابَهَا.

قَالَ مُصَنِّفُ هَذَا الْكِتَابِ قَدَّسَ اللّه رُوحَهُ: هَذَا الْخَبَرُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ إِنَّا كَتَبْنَاهُ كَمَا وَجَدْنَاهُ، وَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ بَاتَ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ رَجُلانِ أَحَدُهُمَا شَبِيبُ بْنُ بحيرة (بَجَرَةَ) وَالآْخَرُ وَرْدَانُ بْنُ مُجَالِدٍ يُسَاعِدَانِهِ عَلَى قَتْلِ عَلِيّ عليه السلام، فَلَمَّا أَذَّنَ عليه السلامَنَزَلَ مِنَ الْمِئْذَنَةِ وَجَعَلَ يُسَبِّحُ اللّه َ وَيُقَدِّسُهُ وَيُكَبِّرُهُ وَيُكْثِرُ مِنَ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله.

قَالَ الرَّاوِي: وَكَانَ مِنْ كَرَمِ أَخْلاقِهِ عليه السلام أَنَّهُ يَتَفَقَّدُ النَّائِمِينَ فِي الْمَسْجِدِ وَيَقُولُ لِلنَّائِمِ الصَّلاةَ يَرْحَمُكَ اللّه ُ الصَّلاةَ قُمْ إِلَى الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَيْكَ ثُمَّ يَتْلُو عليه السلام: «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ»(1).

فَفَعَلَ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ عَلَى مَجَارِي عَادَتِهِ مَعَ النَّائِمِينَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ إِلَى الْمَلْعُونِ فَرَآهُ نَائِماً عَلَى وَجْهِهِ قَالَ لَهُ: يَا هَذَا قُمْ مِنْ نَوْمِكَ هَذَا فَإِنَّهَا نَوْمَةٌ يَمْقُتُهَا اللّه ُ وَهِيَ نَوْمَةُ الشَّيْطَانِ وَنَوْمَةُ أَهْلِ النَّارِ، بَلْ نَمْ عَلَى يَمِينِكَ فَإِنَّهَا نَوْمَةُ الْعُلَمَاءِ أَوْ عَلَى يَسَارِكَ فَإِنَّهَا نَوْمَةُ الْحُكَمَاءِ وَلا تَنَمْ عَلَى ظَهْرِكَ فَإِنَّهَا نَوْمَةُ الْأَنْبِيَاءِ.

قَالَ: فَتَحَرَّكَ الْمَلْعُونُ كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقُومَ وَهُوَ مِنْ مَكَانِهِ لا يَبْرَحْ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام: لَقَدْ هَمَمْتَ بِشَيْءٍ «تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا»(2) وَلَوْ شِئْتَ لأَنْبَأْتُكَ بِمَا تَحْتَ ثِيَابِكَ، ثُمَّ تَرَكَهُ وَعَدَلَ عَنْهُ إِلَى مِحْرَابِهِ وَقَامَ قَائِماً يُصَلِّي وَكَانَ عليه السلام يُطِيلُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فِي الصَّلاةِ كَعَادَتِهِ فِي

ص: 116


1- .العنكبوت: 45.
2- .مريم: 90.

الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ حَاضِراً قَلْبُهُ.

فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِ فَنَهَضَ الْمَلْعُونُ مُسْرِعاً وَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّى وَقَفَ بِإِزَاءِ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي كَانَ الاْءِمَامُ عليه السلام يُصَلِّي عَلَيْهَا فَأَمْهَلَهُ حَتَّى صَلَّى الرَّكْعَةَ الْأُولَى وَرَكَعَ وَسَجَدَ السَّجْدَةَ الْأُولَى مِنْهَا وَرَفَعَ رَأْسَهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ السَّيْفَ وَهَزَّهُ ثُمَّ ضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ الْمُكَرَّمِ الشَّرِيفِ فَوَقَعَتِ الضَّرْبَةُ عَلَى الضَّرْبَةِ الَّتِي ضَرَبَهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدَ وُدٍّ الْعَامِرِيُّ ثُمَّ أَخَذَتِ الضَّرْبَةُ إِلَى مَفْرَقِ رَأْسِهِ إِلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ.

فَلَمَّا أَحَسَّ الاْءِمَامُ بِالضَّرْبِ لَمْ يَتَأَوَّهْ وَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ وَوَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ قَائِلاً: بِسْمِ اللّه ِ وَبِاللّه ِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللّه ِ، ثُمَّ صَاحَ وَقَالَ قَتَلَنِي ابْنُ مُلْجَمٍ قَتَلَنِي اللَّعِينُ ابْنُ الْيَهُودِيَّةِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ أَيُّهَا النَّاسُ لا يَفُوتَنَّكُمْ ابْنُ مُلْجَمٍ وَسَارَ السَّمُّ فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثَارَ جَمِيعُ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ فِي طَلَبِ الْمَلْعُونِ وَمَاجُوا بِالسِّلاحِ فَمَا كُنْتُ أَرَى إِلاّ صَفْقَ الْأَيْدِي عَلَى الْهَامَاتِ وَعُلُوِّ الصَّرْخَاتِ.

وَكَانَ ابْنُ مُلْجَمٍ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً خَائِفاً مَرْعُوباً، ثُمَّ وَلَّى هَارِباً وَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَأَحَاطَ النَّاسُ بِأَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَهُوَ فِي مِحْرَابِهِ يَشُدُّ الضَّرْبَةَ وَيَأْخُذُ التُّرَابَ وَيَضَعُهُ عَلَيْهَا ثُمَّ تَلا قَوْلَهُ تَعَالَى: «مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى»(1) ثُمَّ قَالَ عليه السلام: جَاءَ أَمْرُ اللّه ِ وَصَدَقَ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله ثُمَّ إِنَّهُ لَمَّا ضَرَبَهُ الْمَلْعُونُ ارْتَجَّتِ الْأَرْضُ وَمَاجَتِ الْبِحَارُ وَالسَّمَاوَاتِ وَاصْطَفَقَتْ أَبْوَابُ الْجَامِعِ.

قَالَ: وَضَرَبَهُ اللَّعِينُ شَبِيبُ بْنِ بُجْرَةَ، فَأَخْطَأَهُ وَوَقَعَتِ الضَّرْبَةُ فِي الطَّاقِ.

قَالَ الرَّاوِي: فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ الضَّجَّةَ ثَارَ إِلَيْهِ كُلُّ مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَصَارُوا يَدُورُونَ وَلا يَدْرُونَ أَيْنَ يَذْهَبُونَ مِنْ شِدَّةِ الصَّدْمَةِ وَالدَّهْشَةِ، ثُمَّ أَحَاطُوا

ص: 117


1- .طه: 55.

بِأَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلاموَهُوَ يَشُدُّ رَأْسَهُ بِمِئْزَرِهِ وَالدَّمُ يَجْرِي عَلَى وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ وَقَدْ خُضِبَتْ بِدِمَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا مَا وَعَدَ اللّه ُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللّه ُ وَرَسُولُهُ.

قَالَ الرَّاوِي: فَاصْطَفَقَتْ أَبْوَابُ الْجَامِعِ وَضَجَّتِ الْمَلائِكَةُ فِي السَّمَاءِ بِالدُّعَاءِ وَهَبَّتْ رِيحٌ عَاصِفٌ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ، وَنَادَى جَبْرَئِيلُ عليه السلامبَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ كُلُّ مُسْتَيْقِظٍ: تَهَدَّمَتْ وَاللّه ِ أَرْكَانُ الْهُدَى، وَانْطَمَسَتْ وَاللّه ِ نُجُومُ السَّمَاءِ، وَأَعْلامُ التُّقَى وَانْفَصَمَتْ وَاللّه ِ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى، قُتِلَ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى قُتِلَ الْوَصِيُّ الْمُجْتَبَى قُتِلَ عَلِيٌّ الْمُرْتَضَى، قُتِلَ وَاللّه ِ سَيِّدُ الْأَوْصِيَاءِ قَتَلَهُ أَشْقَى الْأَشْقِيَاءِ(1).

قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ نَعْيَ جَبْرَئِيلَ فَلَطَمَتْ عَلَى وَجْهِهَا وَخَدِّهَا وَشَقَّتْ جَيْبَهَا وَصَاحَتْ وَا أَبَتَاهْ وَا عَلِيَّاهْ وَا مُحَمَّدَاهْ وَا سَيِّدَاهْ، ثُمَّ أَقْبَلَتْ إِلَى أَخَوَيْهَا الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عليهماالسلام فَأَيْقَظَتْهُمَا وَقَالَتْ لَهُمَا لَقَدْ قُتِلَ أَبُوكُمَا، فَقَامَا يَبْكِيَانِ فَقَالَ لَهَا الْحَسَنُ عليه السلاميَا أُخْتَاهْ كُفِّي عَنِ الْبُكَاءِ حَتَّى نَعْرِفَ صِحَّةَ الْخَبَرِ كَيْلا تُشْمِتَ الْأَعْدَاءُ.

فَخَرَجَا فَإِذَا النَّاسُ يَنُوحُونَ وَيُنَادُونَ وَا إِمَامَاهْ وَا أَمِيرُالْمُؤمِنِينَاهْ قُتِلَ وَاللّه ِ إِمَامٌ عَابِدٌ مُجَاهِدٌ لَمْ يَسْجُدْ لِصَنَمٍ كَانَ أَشْبَهَ النَّاسِ بِرَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله.

فَلَمَّا سَمِعَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عليهماالسلامصَرْخَاتِ النَّاسِ نَادَيَا وَا أَبَتَاهْ وَا عَلِيَّاهْ لَيْتَ الْمَوْتَ أَعْدَمَنَا الْحَيَاةَ، فَلَمَّا وَصَلا الْجَامِعَ وَدَخَلا وَجَدَا أَبَا جَعْدَةَ بْنَ هُبَيْرَةَ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ وَهُمْ يَجْتَهِدُونَ أَنْ يُقِيمُوا الاْءِمَامَ فِي الْمِحْرَابِ لِيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَلَمْ يُطِقْ عَلَى النُّهُوضِ وَتَأَخَّرَ عَنِ الصَّفِّ وَتَقَدَّمَ الْحَسَنُ عليه السلام فَصَلَّى بِالنَّاسِ وَأَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام يُصَلِّي إِيمَاءً مِنْ جُلُوسٍ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَكَرِيمُهُ

ص: 118


1- .بحار الأنوار: 42/280.

الشَّرِيفُ يَمِيلُ تَارَةً وَيَسْكُنُ أُخْرَى وَالْحَسَنُ عليه السلاميُنَادِي وَا انْقِطَاعَ ظَهْرَاهُ يَعِزُّ وَاللّه ِ عَلَيَّ أَنْ أَرَاكَ هَكَذَا.

فَفَتَحَ عَيْنَهُ وَقَالَ: يَا بُنَيَّ لا جَزَعَ عَلَى أَبِيكَ بَعْدَ الْيَوْمِ، هَذَا جَدُّكَ مُحَمَّدٌ الْمُصْطَفَى وَجَدَّتُكَ خَدِيجَةُ الْكُبْرَى وَأُمُّكَ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ وَالْحُورُ الْعِينُ مُحْدِقُونَ مُنْتَظِرُونَ قُدُومَ أَبِيكَ، فَطِبْ نَفْساً وَقَرَّ عَيْناً وَكُفَّ عَنِ الْبُكَاءِ فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ قَدِ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ.

قَالَ: ثُمَّ إِنَّ الْخَبَرَ شَاعَ فِي جَوَانِبِ الْكُوفَةِ وَانْحَشَرَ النَّاسُ حَتَّى الْمُخَدَّرَاتُ خَرَجْنَ مِنْ خِدْرِهِنَّ إِلَى الْجَامِعِ يَنْظُرْنَ إِلَى أميرالمؤمنين عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَدَخَلَ النَّاسُ الْجَامِعَ فَوَجَدُوا الْحَسَنَ وَرَأْسُ أَبِيهِ فِي حَجْرِهِ وَقَدْ غَسَلَ الدَّمَ عَنْهُ وَشَدَّ الضَّرْبَةَ وَهِيَ بَعْدَهَا تَشْخُبُ دَماً وَوَجْهُهُ قَدْ زَادَ بَيَاضاً بِصُفْرَةٍ وَهُوَ يَرْمُقُ السَّمَاءَ بِطَرْفِهِ وَلِسَانُهُ يُسَبِّحُ اللّه َ وَيُوَحِّدُهُ وَهُوَ يَقُولُ: أَسْأَلُكَ يَا رَبِّ الرَّفِيعَ الْأَعْلَى، فَأَخَذَ الْحَسَنُ عليه السلامرَأْسَهُ فِي حَجْرِهِ فَوَجَدَهُ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ فَعِنْدَهَا بَكَى بُكَاءً شَدِيداً وَجَعَلَ يُقَبِّلُ وَجْهَ أَبِيهِ وَمَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَمَوْضِعَ سُجُودِهِ فَسَقَطَ مِنْ دُمُوعِهِ قَطَرَاتٌ عَلَى وَجْهِ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلامفَفَتَحَ عَيْنَيْهِ فَرَآهُ بَاكِياً فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ يَا حُسْنُ مَا هَذَا الْبُكَاءُ يَا بُنَيَّ لا رَوْعَ عَلَى أَبِيكَ بَعْدَ الْيَوْمِ هَذَا جَدُّكَ مُحَمَّدٌ الْمُصْطَفَى وَخَدِيجَةُ وَفَاطِمَةُ وَالْحُورُ الْعِينِ مُحْدِقُونَ مُنْتَظِرُونَ قُدُومَ أَبِيكَ فَطِبْ نَفْساً وَقَرَّ عَيْناً وَاكْفُفْ عَنِ الْبُكَاءِ فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ قَدِ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ.

يَا بُنَيَّ أَتَجْزَعُ عَلَى أَبِيكَ وَغَداً تُقْتَلُ بَعْدِي مَسْمُوماً مَظْلُوماً وَيُقْتَلُ أَخُوكَ بِالسَّيْفِ هَكَذَا وَتَلْحَقَانِ بِجَدِّكُمَا وَأَبِيكُمَا وَأُمِّكُمَا فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ عليه السلام: يَا أَبَتَاهْ مَا تُعَرِّفُنَا مَنْ قَتَلَكَ وَمَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا.

ص: 119

قَالَ: قَتَلَنِي ابْنُ الْيَهُودِيَّةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجَمٍ الْمُرَادِيُّ، فَقَالَ: يَا أَبَاهْ مِنْ أَيِّ طَرِيقٍ مَضَى؟ قَالَ: لا يَمْضِي أَحَدٌ فِي طَلَبِهِ فَإِنَّهُ سَيُطْلِعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ إِلَى بَابِ كِنْدَةَ.

قَالَ: وَلَمْ يَزَلِ السَّمُّ يَسْرِي فِي رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَ قُدُومَ الْمَلْعُونِ مِنْ بَابِ كِنْدَةَ، فَاشْتَغَلَ النَّاسُ بِالنَّظَرِ إِلَى الْبَابِ وَيَرْتَقِبُونَ قُدُومَ الْمَلْعُونِ وَقَدْ غَصَّ الْمَسْجِدُ بِالْعَالَمِ مَا بَيْنَ بَاكٍ وَمَحْزُونٍ فَمَا كَانَ إِلاّ سَاعَةً وَإِذَا بِالصَّيْحَةِ قَدِ ارْتَفَعَتْ وَزُمْرَةٍ مِنَ النَّاسِ وَقَدْ جَاءُوا بِعَدُوِّ اللّه ِ ابْنِ مُلْجَمٍ مَكْتُوفاً وَهَذَا يَلْعَنُهُ وَهَذَا يَضْرِبُهُ.

قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَأَقْبَلُوا بِاللَّعِينِ مَكْتُوفاً وَهَذَا يَلْعَنُهُ وَهَذَا يَضْرِبُهُ وَهُمْ يَنْهَشُونَ لَحْمَهُ بِأَسْنَانِهِمْ وَيَقُولُونَ لَهُ: يَا عَدُوَّ اللّه ِ مَا فَعَلْتَ أَهْلَكْتَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَقَتَلْتَ خَيْرَ النَّاسِ وَإِنَّهُ لَصَامِتٌ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: حُذَيْفَةُ النَّخَعِيُّ بِيَدِهِ سَيْفٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ يَرُدُّ النَّاسَ عَنْ قَتْلِهِ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا قَاتِلُ الاْءِمَامِ عَلِيٍّ عليه السلامحَتَّى أَدْخَلُوهُ الْمَسْجِدَ(1).

قَالَ الشَّعْبِيُّ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَيْنَاهُ قَدْ طَارَتَا فِي أُمِّ رَأْسِهِ كَأَنَّهُمَا قِطْعَتَا عَلَقٍ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي وَجْهِهِ ضَرْبَةٌ قَدْ هُشِمَتْ وَجْهُهُ وَأَنْفُهُ وَالدَّمُ يَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ وَعَلَى صَدْرِهِ وَهُوَ يَنْظُرُ يَمِيناً وَشِمَالاً وَعَيْنَاهُ قَدْ طَارَتَا فِي أُمِّ رَأْسِهِ وَهُوَ أَسْمَرُ اللَّوْنِ حَسَنُ الْوَجْهِ وَفِي وَجْهِهِ أَثَرُ السُّجُودِ وَكَانَ عَلَى رَأْسِهِ شَعْرٌ أَسْوَدُ مَنْشُوراً (منثورا) عَلَى وَجْهِهِ كَأَنَّهُ الشَّيْطَانُ الرَّجِيمُ، فَلَمَّا حَاذَانِي سَمِعْتُهُ يَتَرَنَّمُ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ:

أَقُولُ لِنَفْسِي بَعْدَ مَا كُنْتُ أَنْهَاهَا ***وَقَدْ كُنْتُ أَسْنَاهَا وَكُنْتُ أَكِيدُهَا

ص: 120


1- . بحار الأنوار: 42/282.

أَيَا نَفْسُ كُفِّي عَنْ طِلابِكِ وَاصْبِرِي *** وَلا تَطْلُبِي هَمّاً عَلَيْكِ يَبِيدُهَا

فَمَا قَبِلْتِ نُصْحِي وَقَدْ كُنْتُ نَاصِحاً *** كَنُصْحِ وَلُودٍ غَابَ عَنْهَا وَلِيدُهَا

فَمَا طَلَبْتِ إِلاّ عَنَائِي وَشِقْوَتِي *** فَيَا طُولَ مُكْثِي فِي الْجَحِيمِ بَعِيدُهَا

فَلَمَّا جَاءُوا بِهِ أَوْقَفُوهُ بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ عليه السلام قَالَ لَهُ: يَا وَيْلَكَ يَا لَعِينُ يَا عَدُوَّ اللّه ِ أَنْتَ قَاتِلُ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ وَإِمَامَ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا جَزَاؤهُ مِنْكَ حَيْثُ آوَاكَ وَقَرَّبَكَ وَأَدْنَاكَ وَآثَرَكَ عَلَى غَيْرِكَ، وَهَلْ كَانَ بِئْسَ الاْءِمَامُ لَكَ حَتَّى جَازَيْتَهُ هَذَا الْجَزَاءَ يَا شَقِيُّ.

قَالَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ بَلْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ فَانْكَبَّ الْحَسَنُ عليه السلام عَلَى أَبِيهِ يُقَبِّلُهُ وَقَالَ لَهُ:

هَذَا قَاتِلُكَ يَا أَبَاهُ قَدْ أَمْكَنَ اللّه ُ مِنْهُ فَلَمْ يُجِبْهُ عليه السلام وَكَانَ نَائِماً فَكَرِهَ أَنْ يُوقِظَهُ مِنْ نَوْمِهِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى ابْنِ مُلْجَمٍ وَقَالَ لَهُ يَا عَدُوَّ اللّه ِ هَذَا كَانَ جَزَاؤهُ مِنْكَ بَوَّأَكَ وَأَدْنَاكَ وَقَرَّبَكَ وَحَبَاكَ وَفَضَّلَكَ عَلَى غَيْرِكَ هَلْ كَانَ بِئْسَ الاْءِمَامُ لَكَ حَتَّى جَازَيْتَهُ بِهَذَا الْجَزَاءِ يَا شَقِيَّ الْأَشْقِيَاءِ.

فَقَالَ لَهُ الْمَلْعُونُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ «أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النّارِ» فَعِنْدَ ذَلِكَ ضَجَّتِ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ فَأَمَرَهُمُ الْحَسَنُ عليه السلام بِالسُّكُوتِ.

ثُمَّ الْتَفَتَ الْحَسَنُ عليه السلامإِلَى الَّذِي جَاءَ بِهِ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللّه ُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ ظَفِرْتَ بِعَدُوِّ اللّه ِ وَأَيْنَ لَقِيتَهُ؟ فَقَالَ: يَا مَوْلايَ إِنَّ حَدِيثِي مَعَهُ لَعَجِيبٌ.

وَذَلِكَ أَنِّي كُنْتُ الْبَارِحَةَ نَائِماً فِي دَارِي وَزَوْجَتِي إِلَى جَانِبِي وَهِيَ مِنْ غَطَفَانَ وَأَنَا رَاقِدٌ وَهِيَ مُسْتَيْقِظَةٌ إِذْ سَمِعَتْ هِيَ الزَّعَقَةَ وَنَاعِياً يَنْعَى أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَهُوَ يَقُولُ:

تَهَدَّمَتْ وَاللّه ِ أَرْكَانُ الْهُدَى وَانْطَمَسَتْ وَاللّه ِ أَعْلامُ التُّقَى قُتِلَ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدٍ

ص: 121

الْمُصْطَفَى قُتِلَ عَلِيٌّ الْمُرْتَضَى قَتَلَهُ أَشْقَى الْأَشْقِيَاءِ، فَأَيْقَظَتْنِي وَقَالَتْ لِي أَنْتَ نَائِمٌ وَقَدْ قُتِلَ إِمَامُكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.

فَانْتَبَهَتُ مِنْ كَلامِهَا فَزِعاً مَرْعُوباً وَقُلْتُ لَهَا: يَا وَيْلَكِ مَا هَذَا الْكَلامُ رَضَّ اللّه ُ فَاكِ لَعَلَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَلْقَى فِي سَمْعِكِ هَذَا أَوْ حُلُمٌ أُلْقِيَ عَلَيْكِ، يَا وَيْلَكِ إِنَّ أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ لَيْسَ لأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللّه ِ تَعَالَى قِبَلَهُ تَبِعَةٌ وَلا ظُلامَةٌ وَإِنَّهُ لِلْيَتِيمِ كَالْأَبِ الرَّحِيمِ وَلِلأَرْمَلَةِ كَالزَّوْجِ الْعَطُوفِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ وَهُوَ الْأَسَدُ الضِّرْغَامُ وَالْبَطَلُ الْهُمَامُ وَالْفَارِسُ الْقَمْقَامُ.

فَأَكْثَرَتْ عَلَيَّ وَقَالَتْ: إِنِّي سَمِعْتُ مَا لَمْ تَسْمَعْ وَعَلِمْتُ مَا لَمْ تَعْلَمْ، فَقُلْتُ لَهَا: وَمَا سَمِعْتِ؟ فَأَخْبَرْتِنِي بِالصَّوْتِ فَقَالَتْ لِي: سَمِعْتُ نَاعِياً يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ: تَهَدَّمَتْ وَاللّه ِ أَرْكَانُ الْهُدَى وَانْطَمَسَتْ وَاللّه ِ أَعْلامُ التُّقَى قُتِلَ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى قُتِلَ عَلِيٌّ الْمُرْتَضَى قَتَلَهُ أَشْقَى الْأَشْقِيَاءِ.

ثُمَّ قَالَتْ: مَا أَظُنُّ بَيْتاً فِي الْكُوفَةِ إِلاّ وَقَدْ دَخَلَهُ هَذَا الصَّوْتُ.

قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا وَهِيَ فِي مُرَاجَعَةِ الْكَلامِ وَإِذَا بِصَيْحَةٍ عَظِيمَةٍ وَجَلَبَةٍ وَضَجَّةٍ عَظِيمَةٍ وَقَائِلٌ يَقُولُ: قُتِلَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ.

فَحَسَّ قَلْبِي بِالشَّرِّ فَمَدَدْتُ يَدِي إِلَى سَيْفِي وَسَلَلْتُهُ مِنْ غِمْدِهِ وَأَخَذْتُهُ وَنَزَلْتُ مُسْرِعاً وَفَتَحْتُ بَابَ دَارِي وَخَرَجْتُ فَلَمَّا صِرْتُ فِي وَسَطِ الْجَادَّةِ فَنَظَرْتُ يَمِيناً وَشِمَالاً وَإِذَا بِعَدُوِّ اللّه ِ يَجُولُ فِيهَا يَطْلُبُ مَهْرَباً فَلَمْ يَجِدْ وَإِذَا قَدِ انْسَدَّتِ الطُّرُقَاتِ فِي وَجْهِهِ فَلَمَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ رَابَنِي أَمْرُهُ فَنَادَيْتُهُ:

يَا وَيْلَكَ مَنْ أَنْتَ وَمَا تُرِيدُ لا أُمَّ لَكَ فِي وَسَطِ هَذَا الدَّرْبِ تَمُرُّ وَتَجِيءُ فَتَسَمَّى بِغَيْرِ اسْمِهِ وَانْتَمَى إِلَى غَيْرِ كُنْيَتِهِ، فَقُلْتُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قَالَ مِنْ مَنْزِلِي قُلْتُ:

ص: 122

وَإِلَى أَيْنَ تُرِيدُ تَمْضِي فِي هَذَا الْوَقْتِ؟ قَالَ: إِلَى الْحِيرَةِ، فَقُلْتُ: وَلِمَ لا تَقْعُدُ حَتَّى تُصَلِّيَ مَعَ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام صَلاةَ الْغَدَاةِ وَتَمْضِيَ فِي حَاجَتِكَ؟ فَقَالَ: أَخْشَى أَنْ أَقْعُدَ لِلصَّلاةِ فَتَفُوتَنِي حَاجَتِي فَقُلْتُ: يَا وَيْلَكَ إِنِّي سَمِعْتُ صَيْحَةً وَقَائِلاً يَقُولُ قُتِلَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام فَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ ذَلِكَ خَبَرٌ؟ قَالَ: لا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ فَقُلْتُ لَهُ: وَلِمَ لا تَمْضِي مَعِي حَتَّى تُحَقِّقَ الْخَبَرَ وَتَمْضِيَ فِي حَاجَتِكَ؟ فَقَالَ: أَنَا مَاضٍ فِي حَاجَتِي وَهِيَ أَهُمُّ مِنْ ذَلِكَ.

فَلَمَّا قَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ الْقَوْلِ قُلْتُ يَا لُكَعَ الرِّجَالِ حَاجَتُكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنَ التَّجَسُّسِ لأَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا وَاللّه ِ يَا لُكَعُ مَا لَكَ عِنْدَ اللّه ِ مِنْ خَلاقٍ وَحَمَلْتُ عَلَيْهِ بِسَيْفِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَعْلُوَ بِهِ فَرَاغَ عَنِّي.

فَبَيْنَمَا أَنَا أُخَاطِبُهُ وَهُوَ يُخَاطِبُنِي إِذْ هَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْ إِزَارَهُ وَإِذَا بِسَيْفِهِ يَلْمَعُ تَحْتَ الاْءِزَارِ كَأَنَّهُ مِرْآةٌ مَصْقُولَةٌ، فَلَمَّا رَأَيْتُ بَرِيقَهُ تَحْتَ ثِيَابِهِ قُلْتُ: يَا وَيْلَكَ مَا هَذَا السَّيْفُ الْمَشْهُورُ تَحْتَ ثِيَابِكَ لَعَلَّكَ أَنْتَ قَاتِلُ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ فَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ لا فَأَنْطَقَ اللّه ُ لِسَانَهُ بِالْحَقِّ فَقَالَ نَعَمْ.

فَرَفَعْتُ سَيْفِي وَضَرَبْتُهُ فَرَفَعَ هُوَ سَيْفَهُ وَهَمَّ أَنْ يَعْلُوَنِي بِهِ فَانْحَرَفَتْ عَنْهُ فَضَرَبْتُهُ عَلَى سَاقَيْهِ فَأَوْقَفْتُهُ وَوَقَعَ لِحِينِهِ وَوَقَعْتُ عَلَيْهِ وَصَرَخْتُ صَرْخَةً شَدِيدَةً وَأَرَدْتُ آخُذُ سَيْفَهُ فَمَانَعَنِي عَنْهُ، فَخَرَجَ أَهْلُ الْحِيرَةِ فَأَعَانُونِي عَلَيْهِ حَتَّى أَوْثَقْتُهُ كِتَافاً وَجِئْتُكَ بِهِ فَهَا هُوَ بَيْنَ يَدَيْكَ جَعَلَنِيَ اللّه ُ فِدَاكَ فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ(1).

فَقَالَ الْحَسَنُ عليه السلام: الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي نَصَرَ وَلِيَّهُ وَخَذَلَ عَدُوَّهُ ثُمَّ انْكَبَّ الْحَسَنُ عليه السلام عَلَى أَبِيهِ يُقَبِّلُهُ وَقَالَ لَهُ: يَا أَبَاهْ هَذَا عَدُوُّ اللّه ِ وَعَدُوُّكَ قَدْ أَمْكَنَ اللّه ُ مِنْهُ فَلَمْ يُجِبْهُ وَكَانَ

ص: 123


1- .بحار الأنوار: 42/284.

نَائِماً فَكَرِهَ أَنْ يُوقِظَهُ مِنْ نَوْمِهِ فَرَقَدَ سَاعَةً ثُمَّ فَتَحَ عليه السلام عَيْنَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ ارْفُقُوا بِي يَا مَلائِكَةَ رَبِّي.

فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ عليه السلام: هَذَا عَدُوُّ اللّه ِ وَعَدُوُّكَ ابْنُ مُلْجَمٍ قَدْ أَمْكَنَ اللّه ُ مِنْهُ وَقَدْ حَضَرَبَيْنَ يَدَيْكَ قَالَ: فَفَتَحَ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مَكْتُوفٌ وَسَيْفُهُ مُعَلَّقٌ فِي عُنُقِهِ فَقَالَ لَهُ بِضَعْفٍ وَانْكِسَارِ صَوْتٍ وَرَأْفَةٍ وَرَحْمَةٍ: يَا هَذَا لَقَدْ جِئْتَ عَظِيماً وَارْتَكَبْتَ أَمْراً عَظِيماً وَخَطْباً جَسِيماً أَبِئْسَ الاْءِمَامُ كُنْتُ لَكَ حَتَّى جَازَيْتَنِي بِهَذَا الْجَزَاءِ؟ أَلَمْ أَكُنْ شَفِيقاً عَلَيْكَ وَآثَرْتُكَ عَلَى غَيْرِكَ وَأَحْسَنْتُ إِلَيْكَ وَزِدْتُ فِي إِعْطَائِكَ؟ أَلَمْ يَكُنْ يُقَالُ لِي فِيكَ كَذَا وَكَذَا فَخَلَّيْتُ لَكَ السَّبِيلَ وَمَنَحْتُكَ عَطَائِي؟ وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ قَاتِلِي لا مَحَالَةَ وَلَكِنْ رَجَوْتُ بِذَلِكَ الاسْتِظْهَارَ مِنَ اللّه ِ تَعَالَى عَلَيْكَ يَا لُكَعُ وَعَلَّ أَنْ تَرْجِعَ عَنْ غَيِّكَ فَغَلَبَتْ عَلَيْكَ الشَّقَاوَةُ فَقَتَلْتَنِي يَا أَشْقَى الْأَشْقِيَاءِ.

قَالَ: فَدَمَعَتْ عَيْنَا ابْنِ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللّه ُ تَعَالَى وَقَالَ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النّارِ، قَالَ لَهُ: صَدَقْتَ، ثُمَّ الْتَفَتَ عليه السلام إِلَى وَلَدِهِ الْحَسَنِ عليه السلام وَقَالَ لَهُ: ارْفُقْ يَا وَلَدِي بِأَسِيرِكَ وَارْحَمْهُ وَأَحْسِنْ إِلَيْهِ وَأَشْفِقْ عَلَيْهِ أَلا تَرَى إِلَى عَيْنَيْهِ قَدْ طَارَتَا فِي أُمِّ رَأْسِهِ وَقَلْبُهُ يَرْجُفُ خَوْفاً وَرُعْباً وَفَزَعاً.

فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ عليه السلام: يَا أَبَاهْ قَدْ قَتَلَكَ هَذَا اللَّعِينُ الْفَاجِرُ وَأَفْجَعَنَا فِيكَ وَأَنْتَ تَأْمُرُنَا بِالرِّفْقِ بِهِ فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ يَا بُنَيَّ نَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ لا نَزْدَادُ عَلَى الْمُذْنِبِ إِلَيْنَا إِلاّ كَرَماً وَعَفْواً وَالرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ مِنْ شِيمَتِنَا لا مِنْ عَدُوّنا.

بِحَقِّي عَلَيْكَ فَأَطْعِمْهُ يَا بُنَيَّ مِمَّا تَأْكُلُهُ وَاسْقِهِ مِمَّا تَشْرَبُ وَلا تُقَيِّدْ لَهُ قَدَماً وَلاتَغُلَّ لَهُ يَداً فَإِنْ أَنَا مِتُّ فَاقْتَصَّ مِنْهُ بِأَنْ تَقْتُلَهُ وَتَضْرِبَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً وَتُحْرِقَهُ بِالنَّارِ وَلا تُمَثِّلَ بِالرَّجُلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكَ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله يَقُولُ: إِيَّاكُمْ وَالْمُثْلَةَ وَلَوْ

ص: 124

بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَإِنْ أَنَا عِشْتُ فَأَنَا أَوْلَى بِالْعَفْوِ عَنْهُ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَفْعَلُ بِهِ فَإِنْ عَفَوْتُ فَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ لا نَزْدَادُ عَلَى الْمُذْنِبِ إِلَيْنَا إِلاّ عَفْواً وَكَرَماً.

قال مخنف بن حنيف: إني واللّه ليلة تسع عشرة في الجامع في رجال نصلي قريبا من السدة التي يدخل منها أميرالمؤنين عليه السلام فبينا نحن نصلي إذ دخل أميرالمؤنين عليه السلام من السدة وهو ينادي الصلاة ثم صعد المئذنة فأذن ثم نزل فعبر على قوم نيام في المسجد فناداهم الصلاة ثم قصد المحراب.

فما أدري دخل في الصلاة أم لا إذ سمعت قائلا يقول: الحكم للّه لا لك يا علي، قال: فسمعت عند ذلك أميرالمؤنين عليه السلام يقول: لا يفوتنكم الرجل، قال فشد الناس عليه وأنا معهم وإذا هو وردان بن مجالد، وأما ابن ملجم لعنه اللّه فإنه هرب من ساعته ودخل الكوفة ورأينا أميرالمؤنين عليه السلام مجروحا في رأسه(1).

قال محمد ابن الحنفية رضى الله عنه: ثم إن أبي عليه السلامقال: احملوني إلى موضع مصلاي في منزلي قال فحملناه إليه وهو مدنف والناس حوله وهم في أمر (أسر) عظيم باكين محزونين قد أشرفوا على الهلاك من شدة البكاء والنحيب.

ثمّ التفت إليه الحسين عليه السلام وهو يبكي فقال له: يا أبتاه من لنا بعدك لا كيومك إلا يوم رسول اللّه صلى الله عليه و آله من أجلك تعلمت البكاء، يعز واللّه علي أن أراك هكذا فناداه عليه السلام فقال: يا حسين يا أبا عبداللّه ادن مني، فدنا منه وقد قرحت أجفان عينيه من البكاء فمسح الدموع من عينيه ووضع يده على قلبه وقال له: يا بني ربط اللّه قلبك بالصبر و أجزل لك ولإخوتك عظيم الأجر، فسكن روعتك واهدأ من بكائك فإن اللّه قد آجرك على عظيم مصابك ثم أدخل عليه السلام إلى حجرته وجلس في محرابه.

ص: 125


1- .بحار الأنوار:42/287.

قال الراوي: وأقبلت زينب وأم كلثوم حتى جلستا معه على فراشه وأقبلتا تندبانه وتقولان: يا أبتاه من للصغير حتى يكبر، ومن للكبير بين الملأ، يا أبتاه حزننا عليك طويل وعبرتنا لا ترقأ(1).

قال: فضج الناس من وراء الحجرة بالبكاء والنحيب وفاضت دموع أميرالمؤنين عليه السلام عند ذلك وجعل يقلب طرفه وينظر إلى أهل بيته وأولاده، ثم دعا الحسن والحسين عليهماالسلام وجعل يحضنهما ويقبلهما.

ثمّ أغمي عليه ساعة طويلة وأفاق وكذلك كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يغمى عليه ساعة طويلة ويفيق أخرى لأنه صلى الله عليه و آله كان مسموما فلمّا أفاق ناوله الحسن عليه السلام قعبا من لبن فشرب منه قليلا ثم نحاه عن فيه وقال احملوه إلى أسيركم.

ثم قال للحسن عليه السلام: بحقي عليك يا بني إلا ما طيبتم مطعمه ومشربه وارفقوا به إلى حين موتي وتطعمه مما تأكل وتسقيه مما تشرب حتى تكون أكرم منه، فعند ذلك حملوا إليه اللبن وأخبروه بما قال أميرالمؤنين عليه السلامفي حقه فأخذ اللعين وشربه.

قال: ولمّا حمل أميرالمؤنين عليه السلام إلى منزله جاءوا باللعين مكتوفا إلى بيت من بيوت القصر فحبسوه فيه فقالت له أم كلثوم وهي تبكي: يا ويلك أما أبي فإنه لا بأس عليه وإن اللّه مخزيك في الدنيا والآخرة وإن مصيرك إلى النار خالدا فيها، فقال لها ابن ملجم لعنه اللّه: ابكي إن كنت باكية فو اللّه لقد اشتريت سيفي هذا بألف

وسممته بألف، ولو كانت ضربتي هذه لجميع أهل الكوفة ما نجا منهم أحد.

وفي ذلك يقول الفرزدق:

ص: 126


1- . أي: لا ينقطع.

فلا غرو للأشراف إن ظفرت بها *** ذئاب الأعادي من فصيح وأعجم

فحربة وحشي سقت حمزة الردى *** وحتف علي من حسام ابن ملجم

قال محمد ابن الحنفية رضي اللّه عنه: وبتنا ليلة عشرين من شهر رمضان مع أبي وقد نزل السم إلى قدميه وكان يصلي تلك الليلة من جلوس ولم يزل يوصينا بوصاياه ويعزينا عن نفسه ويخبرنا بأمره وتبيانه إلى حين طلوع الفجر(1).

فلمّا أصبح استأذن الناس عليه فأذن لهم بالدخول فدخلوا عليه وأقبلوا يسلمون عليه وهو يرد عليهم السلام.

ثم قال: أيها الناس اسألوني قبل أن تفقدوني وخففوا سؤلكم لمصيبة إمامكم.

قال: فبكى الناس عند ذلك بكاء شديدا وأشفقوا أن يسألوه تخفيفا عنه فقام إليه حجر بن عدي الطائي وقال:

فيا أسفي على المولى التقي *** أبو الأطهار حيدرة الزكي

قتله كافر حنث زنيم *** لعين فاسق نغل(2) شقي

فيلعن ربنا من حاد عنكم *** ويبرأ منكم لعنا وبي

لأنكم بيوم الحشر ذخري *** وأنتم عترة الهادي النبي

فلمّا بصر به وسمع شعره قال له: كيف لي بك إذا دعيت إلى البراءة مني فما

ص: 127


1- . قال أبو الفرج الاصبهاني: ثمّ جمع له أطبّاء الكوفة فلم يكن منهم أعلم بجرحه من اثير ابن عمرو بن هانى السلوى وكان متطبب صاحب كرسي يعالج الجراحات وكان من الأربعين غلاماً الذين كان ابن الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم فلمّا نظر اثير إلى جرح أميرالمؤمنين دعا برئة شاة حارة فاستخرج منها عرقاً وأدخله في الجرح ثمّ نفخه، ثمّ استخرجه وإذا عليه بياض الدماغ فقال: يا أميرالمؤمنين اعهد عهدك فانّ عدوّ اللّه قد وصلت ضربته إلى أمّ رأسك مقاتل الطالبيين: 23.
2- .النغل: المفسد في الأرض.

عساك أن تقول؟ فقال: واللّه يا أميرالمؤنين لو قطعت بالسيف إربا إربا وأضرم لي النار وألقيت فيها لأثرت ذلك على البراءة منك، فقال: وفقت لكل خير يا حجر جزاك اللّه خيرا عن أهل بيت نبيك(1).

عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: لَمَّا ضَرَبَ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللّه ُ أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام غَدَوْنَا نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَا وَالْحَارِثُ(2) وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَجَمَاعَةٌ مَعَنَا فَقَعَدْنَا عَلَى الْبَابِ فَسَمِعْنَا الْبُكَاءَ فَبَكَيْنَا فَخَرَجَ إِلَيْنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عليه السلام فَقَالَ: يَقُولُ لَكُمْ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام انْصَرِفُوا إِلَى مَنَازِلِكُمْ فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ غَيْرِي فَاشْتَدَّ الْبُكَاءُ مِنْ مَنْزِلِهِ فَبَكَيْتُ وَخَرَجَ الْحَسَنُ عليه السلام وَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ انْصَرِفُوا؟ فَقُلْتُ: لا وَاللّه ِ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله لا يُتَابِعُنِي نَفْسِي وَلا يَحْمِلُنِي رِجْلِي ان أَنْصَرِفَ حَتَّى أَرَى أَمِيرَالْمُؤمِنِين عليه السلام قَالَ: فَبَكَيْتُ (فَتَلَبَّثْ) وَدَخَلَ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ خَرَجَ فَقَالَ لِي ادْخُلْ فَدَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام فَإِذَا هُوَ مُسْتَنِدٌ مَعْصُوبُ الرَّأْسِ بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ قَدْ نَزِفَ(3) وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ مَا أَدْرِي وَجْهُهُ أَصْفَرُ أَوِ الْعِمَامَةُ فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ فَقَبَّلْتُهُ وَبَكَيْتُ فَقَالَ لِي لا تَبْكِ يَا أَصْبَغُ فَإِنَّهَا وَاللّه ِ الْجَنَّةُ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَعْلَمُ وَاللّه ِ أَنَّكَ تَصِيرُ إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّمَا أَبْكِي لِفِقْدَانِي إِيَّاكَ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ جُعِلْتُ فِدَاكَ حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله فَإِنِّي أَرَاكَ لا أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثاً بَعْدَ يَوْمِي هَذَا أَبَداً قَالَ نَعَمْ يَا أَصْبَغُ دَعَانِي رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله يَوْماً فَقَالَ لِي يَا عَلِيُّ انْطَلِقْ حَتَّى تَأْتِيَ مَسْجِدِي ثُمَّ تَصْعَدَ على مِنْبَرِي ثُمَّ تَدْعُوَ النَّاسَ إِلَيْكَ فَتَحْمَدَ اللّه َ تَعَالَى وَتُثْنِيَ عَلَيْهِ وَتُصَلِّيَ عَلَيَّ صَلاةً كَثِيرَةً ثُمَّ تَقُولَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللّه ِ إِلَيْكُمْ وَهُوَ

ص: 128


1- .بحار الأنوار: 42/288.
2- .يعني الحارث بن عبداللّه الأعور.
3- .نزف الدم فلاناً: خرج منه دم كثير حتّى يضعف فهو نزيف.

يَقُولُ لَكُمْ ألا إِنَّ لَعْنَةَ اللّه ِ وَلَعْنَةَ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ وَأَنْبِيَائِهِ الْمُرْسَلِينَ وَلَعْنَتِي عَلَى مَنِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ(1) أَوِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ أَوْ ظَلَمَ أَجِيراً أَجْرَهُ فَأَتَيْتُ مَسْجِدَهُ وَصَعِدْتُ مِنْبَرَهُ فَلَمَّا رَأَتْنِي قُرَيْشٌ وَمَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَقْبَلُوا نَحْوِي فَحَمِدْتُ اللّه َ وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ وَصَلَّيْتُ عَلَى رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله صَلاةً كَثِيرَةً ثُمَّ قُلْتُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللّه ِ إِلَيْكُمْ وَهُوَ يَقُولُ لَكُمْ أَلا إِنَّ لَعْنَةَ اللّه ِ وَلَعْنَةَ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ وَأَنْبِيَائِهِ الْمُرْسَلِينَ وَلَعْنَتِي إِلَى مَنِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ أَوْ ظَلَمَ أَجِيراً أَجْرَهُ قَالَ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلاّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَإِنَّهُ قَالَ قَدْ أَبْلَغْتَ يَا أَبَا الْحَسَنِ وَلَكِنَّكَ جِئْتَ بِكَلامٍ غَيْرِ مُفَسَّرٍ فَقُلْتُ أُبْلِغُ ذَلِكَ رَسُولَ اللّه ِ فَرَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه و آلهفَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَى مَسْجِدِي حَتَّى تَصْعَدَ على مِنْبَرِي فَاحْمَدِ اللّه َ وَأَثْنِ عَلَيْهِ وَصَلِّ عَلَيَّ ثُمَّ قُلْ أَيُّهَا النَّاسُ مَا كُنَّا لِنَجِيئَكُمْ بِشَيْءٍ إِلاّ وَعِنْدَنَا تَأْوِيلُهُ وَتَفْسِيرُهُ أَلا وَإِنِّي أَنَا أَبُوكُمْ أَلا وَإِنِّي أَنَا مَوْلاكُمْ أَلا وَإِنِّي أَنَا أَجِيرُكُمْ(2).

قال المجلسي رحمه الله: إنّما وصفه بكونه أجيراً لأنّ النبيّ والإمام لما وجب لهما بإزاءتبليغهما رسالات ربّهما إطاعتهما ومودتهما فكأنّهما أجيران كما قال تعالى: «قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(3) ويحتمل أن يكون المعنى من يستحقّ الأجر من اللّه بسببكم(4).

ثم قال عليه السلام: هل من شربة من لبن فأتوه بلبن في قعب فأخذه وشربه كله فذكر الملعون ابن ملجم وأنه لم يخلف له شيئا فقال عليه السلام: وَكانَ أَمْرُ اللّه ِ قَدَراً مَقْدُوراً اعلمواأني شربت الجميع ولم أبق لأسيركم شيئا من هذا ألا وإنه آخر رزقي من الدنيا

ص: 129


1- .أي انتسب واعتزى.
2- .الأمالي للمفيد: 351، م42، ح3؛ بحار الأنوار: 42/204، ح8.
3- .الشورى: 23.
4- .بحار الأنوار: 42/205.

فباللّه عليك يا بني إلا ما أسقيته مثل ما شربت فحمل إليه ذلك فشربه(1).

قال محمد بن الحنفية رضي اللّه عنه: لما كانت ليلة إحدى وعشرين وأظلم الليل وهي الليلة الثانية من الكائنة، جمع أبي أولاده وأهل بيته وودعهم، ثم قال لهم: اللّه خليفتي عليكم وهو حسبي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وأوصاهم الجميع منهم بلزوم الإيمان والأديان والأحكام التي أوصاه بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

فمن ذلك ما نقل عنه عليه السلامأنه أوصى به الحسن والحسين عليهماالسلام لما ضربه الملعون ابن ملجم وهي هذه: أوصيكما بتقوى اللّه، إلى آخر ما يأتي في الكتاب برواية السيّد في باب المختار من وصاياه إن شاء اللّه.

قال: ثم تزايد ولوج السم في جسده الشريف حتى نظرنا إلى قدميه وقد احمرتا جميعا، فكبر ذلك علينا وأيسنا منه ثم أصبح ثقيلا فدخل الناس عليه فأمرهم ونهاهم وأوصاهم ثم عرضنا عليه المأكول والمشروب فأبى أن يشرب فنظرنا إلى شفتيه وهما يختلجان بذكر اللّه تعالى، وجعل جبينه يرشح عرقا وهو يمسحه بيده.

قلت: يا أبت أراك تمسح جبينك، فقال: يا بني إني سمعت جدك رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: إن المؤن إذا نزل به الموت ودنت وفاته عرق جبينه وصار كاللؤؤالرطب وسكن أنينه.

ثم قال: يا أبا عبداللّه ويا عون، ثم نادى أولاده كلهم بأسمائهم صغيرا وكبيرا، واحدا بعد واحد وجعل يودعهم ويقول: اللّه خليفتي عليكم أستودعكم اللّه، وهم يبكون.

ص: 130


1- .بحار الأنوار: 42/290.

فقال له الحسن عليه السلام: يا أبة ما دعاك إلى هذا، فقال له: يا بني إني رأيت جدك رسول اللّه صلى الله عليه و آله في منامي قبل هذه الكائنة بليلة فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلل والأذى من هذه الأمة، فقال لي: ادع عليهم فقلت: اللهم أبدلهم بي شرا منّي وأبدلني بهم خيرا منهم، فقال لي قد استجاب اللّه دعاك سينقلك إلينا بعد ثلاث، وقد مضت الثلاث.

يا أبا محمد أوصيك ويا أبا عبد اللّه خيرا فأنتما مني وأنا منكما، ثمّ التفت إلى أولاده الذين من غيرفاطمة عليهاالسلام وأوصاهم أن لا يخالفوا أولاد فاطمة يعني الحسن والحسين عليهماالسلام.

ثمّ قال: أحسن اللّه لكم العزاء ألا وإنّي منصرف عنكم وراحل في ليلتي هذه ولاحق بحبيبي محمد صلى الله عليه و آله كما وعدني فإذا أنا مت يا أبا محمد فغسلني وكفني وحنطني ببقية حنوط جدك رسول اللّه صلى الله عليه و آله فإنه من كافور الجنة جاء به جبرئيل عليه السلام إليه، ثم ضعني على سريري ولا يتقدم أحد منكم مقدم السرير واحملوا مؤره واتبعوا مقدّمه فأي موضع وضع المقدم فضعوا المؤر فحيث قام سريري فهو موضع قبري.

ثمّ تقدّم يا أبا محمّد وصلّ عليَّ يا بنيّ يا حسن وكبّر عليَّ سبعا واعلم أنَّه لا يحلّ ذلك على أحد غيري إلاّ على رجل يخرج في آخر الزمان اسمه القائم المهدي ومن ولد أخيك الحسين يقيم اعوجاج الحق.

فإذا أنت صلّيت عليَّ يا حسن فنحّ السرير عن موضعه ثمّ اكشف التراب عنه فترى قبرا محفورا ولحدا مثقوبا وساجة منقوبة فأضجعني فيها، فإذا أردت الخروج من قبري فافتقدني فإنك لا تجدني وإني لاحق بجدك رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

ص: 131

واعلم يا بنيّ ما من نبيّ يموت وإن كان مدفونا بالمشرق ويموت وصيه بالمغرب إلاّ ويجمع اللّه عزّ وجلّ بين روحيهما وجسديهما ثم يفترقان فيرجع كل واحد منهما إلى موضع قبره وإلى موضعه الذي حط فيه.

ثم أشرج اللحد باللبن وأهل التراب علي ثم غيب قبري، وكان غرضه عليه السلامبذلك لئلا يعلم بموضع قبره أحد من بني أمية فإنهم لو علموا بموضع قبره لحفروه وأخرجوه وأحرقوه كما فعلوا بزيد بن علي بن الحسين عليه السلام.

ثمّ يا بنيّ بعد ذلك إذا أصبح الصباح أخرجوا تابوتا إلى ظهر الكوفة على ناقة وأمر بمن يسيرها بما عليها كأنها تريد المدينة بحيث يخفى على العامة موضع قبري الذي تضعني فيه، وكأنّي بكم وقد خرجت عليكم الفتن من هاهنا وهاهنا فعليكم بالصبر فهو محمود العاقبة(1).

ثمّ قال: يا أبا محمد ويا أبا عبد اللّه كأني بكما وقد خرجت عليكما من بعدي الفتن من هاهنا فاصبرا حَتّى يَحْكُمَ اللّه ُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ.

ثمّ قال: يا أبا عبداللّه أنت شهيد هذه الأمّة فعليك بتقوى اللّه والصبر على بلائه، ثم أغمي عليه ساعة وأفاق وقال: هذا رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعمي حمزة وأخي جعفر وأصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوكلهم يقولون عجل قدومك علينا فإنا إليك مشتاقون.

ثمّ أدار عينيه في أهل بيته كلّهم وقال أستودعكم اللّه جميعا سددكم اللّه جميعا، حفظكم اللّه جميعا خليفتي عليكم اللّه وكفى باللّه خليفة.

ص: 132


1- .من فرحة الغري من بعض كتب القديمة مسنداً انّ جعفر بن محمّد حدّث انّ أميرالمؤمنين أمر ابنه الحسن أن يحفر له أربع قبور في أربع مواضع في المسجد وفي الرحبة وفي دار جعدة بن هبيرة وفي الغريّ وإنّما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره بحار الأنوار: 42/214، ح15.

ثمّ قال: وعليكم السلام يا رسل ربي ثمّ قال: «لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ إِنَّ اللّه َ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ» وعرق جبينه وهو يذكر اللّه كثيرا وما زال يذكر اللّه كثيرا ويتشهد الشهادتين، ثمّ استقبل القبلة وغمض عينيه ومد رجليه ويديه وقال: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

ثم قضى نحبه عليه السلام وكانت وفاته في ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان وكانت ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة.

قال: فعند ذلك صرخت زينب بنت علي عليه السلام وأم كلثوم وجميع نسائه وقد شقوا الجيوب ولطموا الخدود وارتفعت الصيحة في القصر فعلم أهل الكوفة أن أميرالمؤنين عليه السلامقد قبض، فأقبل النساء والرجال يهرعون أفواجا أفواجا وصاحوا صيحة عظيمة فارتجت الكوفة بأهلها وكثر البكاء والنحيب وكثر الضجيج بالكوفة وقبائلها ودورها وجميع أقطارها، فكان ذلك كيوم مات فيه رسول اللّه صلى الله عليه و آله.

فلمّا أظلم الليل تغيّر أفق السماء وارتجت الأرض وجميع من عليها بكوه وكنا نسمع جلبة وتسبيحا في الهواء فعلمنا أنها من أصوات الملائكة فلم يزل كذلك إلى أن طلع الفجر ثم ارتفعت الأصوات وسمعنا هاتفا بصوت يسمعه الحاضرون ولا يرون شخصه يقول:

بنفسي ومالي ثم أهلي وأسرتي *** فداء لمن أضحى قتيل ابن ملجم

عليّ رقي فوق الخلائق في الوغى *** فهدّت به أركان بيت المحرم

عليّ أميرالمؤنين ومن بكت *** لمقتله البطحاء وأكناف زمزم

ص: 133

يكاد الصفا والمشعران كلاهما *** يهدّا وبان النقص في ماء زمزم

وأصبحت الشمس المنير ضياؤا *** لقتل علي لونها لون دلهم(1)

وظل له أفق السماء كآبة*** كشقة ثوب لونها لون عندم(2)

وناحت عليه الجن إذ فجعت به*** حنينا كثكلى نوحها بترنم

وأضحى التقى والخير والحلم والنهى*** وبات العلي في قبره المتهدّم

لفقد علي خير من وطئ الحصى*** أخا العالم الهادي النبي المعظّم

قال محمّد بن الحنفية: ثمّ أخذنا في جهازه ليلا وكان الحسن عليه السلام يغسله والحسين عليه السلام يصب الماء عليه وكان عليه السلام لا يحتاج إلى من يقلبه بل كان يتقلب كما يريد الغاسل يمينا وشمالا، وكانت رائحته أطيب من رائحة المسك والعنبر، ثمّ نادى الحسن عليه السلام بأخته زينب وأم كلثوم وقال: يا أختاه هلمّي بحنوط جدّي رسول اللّه صلى الله عليه و آله، فبادرت زينب مسرعة حتى أتته به.

قال الراوي: فلمّا فتحته فاحت الدار وجميع الكوفة وشوارعها لشدة رائحة ذلك الطيب، ثمّ لفوه بخمسة أثواب كما أمر عليه السلام ثم وضعوه على السرير وتقدم الحسن والحسين عليهماالسلام إلى السرير من مؤره وإذا مقدّمه قد ارتفع ولا يرى حامله، وكان حاملاه من مقدمه جبرئيل وميكائيل فما مر بشيء على وجه الأرض إلا انحنى له ساجدا وخرج السرير من مايل باب كندة فحملا مؤره وسارا يتبعان مقدمه.

قال ابن الحنفية رضي اللّه عنه: واللّه لقد نظرت إلى السرير وإنه ليمر بالحيطان والنخل فتنحني له خشوعا ومضى مستقيما إلى النجف إلى موضع قبره الآن.

ص: 134


1- .الدلهم: المظلم.
2- .العندم: خشب نبات يصبغ به.

قال: وضجت الكوفة بالبكاء والنحيب وخرجن النساء يتبعنه لاطمات حاسرات فمنعهم «كذا» الحسن عليه السلام ونهاهم عن البكاء والعويل وردهن إلى أماكنهن، والحسين عليه السلاميقول: لا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم إِنّا للّه ِِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ يا أباه وا انقطاع ظهراه من أجلك تعلمت البكاء إلى اللّه المشتكى.

فلمّا انتهيا إلى قبره وإذا مقدم السرير قد وضع فوضع الحسن عليه السلام مؤره، ثمّ قام الحسن عليه السلام وصلى عليه والجماعة خلفه فكبر سبعا كما أمره به أبوه عليه السلام، ثم زحزحنا سريره وكشفنا التراب وإذا نحن بقبر محفور ولحد مشقوق وساجة منقورة مكتوب عليها:

هذا ما ادخره له جده نوح النبي(1) للعبد الصالح الطاهر المطهر فلما أرادوا نزوله سمعوا هاتفا يقول: أنزلوه إلى التربة الطاهرة فقد اشتاق الحبيب إلى الحبيب، فدهش الناس عند ذلك وتحيروا وألحد أميرالمؤنين عليه السلام قبل طلوع الفجر وانصرف الناس ورجع أولاد أميرالمؤمنين وشيعتهم إلى الكوفة ولم يشعر بهم أحد من الناس.

فلمّا طلع الصباح وبزغت الشمس اخرجوا تابوتاً من دار أميرالمؤمنين وأتوا به إلى المصلّى بظاهر الكوفة، ثمّ تقدّم الحسن وصلّى عليه ورفعه على ناقة وسيرها مع بعض العبيد(2).

عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام

ص: 135


1- .فرحة الغري عن أُمّ كلثوم في حديث ثمّ أخذ الحسن المعول فضرب ضربة فانشقّ القبر عن ضريح فاذا هو بساجة مكتوب عليها سطران بالسريانيّة: بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا قبر قبره نوح النبيّ صلى الله عليه و آله لعليّ وصيّ محمّد قبل الطوفان بسبعمأة عام فرحة الغرى: 35؛ بحار الأنوار: 42/216.
2- .بحار الأنوار: 42/293 - 296.

فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ فَحَلَّ عَنْ جِرَاحَتِهِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ مَا جَرَحَكَ هَذَا بِشَيْءٍ وَمَا بِكَ مِنْ بَأْسٍ فَقَالَ لِي يَا حَبِيبُ أَنَا وَاللّه ِ مُفَارِقُكُمْ السَّاعَةَ قَالَ فَبَكَيْتُ عِنْدَ ذَلِكَ وَبَكَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ وَكَانَتْ قَاعِدَةً عِنْدَهُ فَقَالَ لَهَا مَا يُبْكِيكِ يَا بُنَيَّةِ فَقَالَتْ ذَكَرْتَ يَا أَبَتِ إِنَّكَ تُفَارِقُنَا السَّاعَةَ فَبَكَيْتُ فَقَالَ لَهَا يَا بُنَيَّةِ لا تَبْكِينَ فَوَ اللّه ِ لَوْ تَرَيْنَ مَا يَرَى أَبُوكِ مَا بَكَيْتِ قَالَ حَبِيبٌ فَقُلْتُ لَهُ وَمَا الَّذِي تَرَى يَا أَمِيرَالْمُؤمِنِينَ فَقَالَ يَا حَبِيبُ أَرَى مَلائِكَةَ السَّمَاءِ [وَالأرضين] وَالنَّبِيِّينَ بَعْضَهُمْ فِي أَثَرِ بَعْضٍ وُقُوفاً إِلَى أَنْ يَتَلَقَّوْنِي وَهَذَا أَخِي مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله جَالِسٌ عِنْدِي يَقُولُ أقْدِمْ فَإِنَّ أَمَامَكَ خَيْرٌ لَكَ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ قَالَ فَمَا خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ عليه السلام فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ وَأَصْبَحَ الْحَسَن عليه السلامع قَامَ خَطِيباً عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللّه َ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَفِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رُفِعَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَفِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ قُتِلَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَفِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مَاتَ أَبِي أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَاللّه ِ لا يَسْبِقُ أَبِي أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْأَوْصِيَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ وَلا مَنْ يَكُونُ بَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللّه صلى الله عليه و آله لَيَبْعَثُهُ فِي السَّرِيَّةِ فَيُقَاتِلُ جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ وَمَا تَرَكَ صَفْرَاءَ وَلا بَيْضَاءَ إِلاّ سَبْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَضَلَتْ مِنْ عَطَائِهِ كَانَ يَجْمَعُهَا لِيَشْتَرِيَ بِهَا خَادِماً لأَهْلِهِ(1).

روى البرسي في مشارق الأنوار عن محدثي أهل الكوفة أن أميرالمؤنين عليه السلام لما حمله الحسن والحسين عليهماالسلام على سريره إلى مكان البئر المختلف فيه إلى نجف الكوفة وجدوا فارسا يتضوع منه رائحة المسك فسلم عليهما.

ثمّ قال للحسن عليه السلام: أنت الحسن بن علي رضيع الوحي والتنزيل وفطيم العلم والشرف الجليل خليفة أميرالمؤنين وسيد الوصيين؟ قال: نعم قال: وهذا الحسين

ص: 136


1- .الأمالي للصدوق: 318، م52، ح4؛ بحار الأنوار: 42/201، ح6.

بن أميرالمؤنين وسيد الوصيين سبط الرحمة ورضيع العصمة وربيب الحكمة ووالد الأئمة؟ قال: نعم قال: سلماه إلي وامضيا في دعة اللّه.

فقال له الحسن عليه السلام: إنه أوصى إلينا أن لا نسلم إلا إلى أحد رجلين جبرئيل أو الخضر فمن أنت منهما؟ فكشف النقاب فإذا هو أميرالمؤنين عليه السلام، ثمّ قال للحسن عليه السلام: يا أبا محمّد إنّه لا تموت نفس إلاّ ويشهدها(1) أفما يشهد جسده.

قال البرسي: وروي عن الحسن بن علي عليه السلامأن أميرالمؤنين قال للحسن والحسين عليه السلام: إذا وضعتماني في الضريح فصليا ركعتين قبل أن تهيلا علي التراب وانظرا ما يكون، فلمّا وضعاه في الضريح المقدس فعلا ما أمرا به ونظرا وإذا الضريح مغطى بثوب من سندس فكشف الحسن عليه السلام مما يلي وجه أميرالمؤنين فوجد رسول اللّه صلى الله عليه و آلهوآدم وإبراهيم عليهماالسلام يتحدّثون مع أميرالمؤنين عليه السلام، وكشف الحسين مما يلي رجليه فوجد الزهراء وحواء ومريم وآسية عليهن السلام ينحن على أميرالمؤنين عليه السلام ويندبنه.

قال المجلسي رحمه الله: ولم أر هذين الخبرين إلاّ من طريق البرسي ولا أعتمد على ما يتفرد بنقله ولا أردهما لورود الأخبار الكثيرة الدالة على ظهورهم بعد موتهم في أجسادهم المثالية(2).

وفي الإرشاد: فكانت إمامة أميرالمؤنين عليه السلام بعد النبيّ صلى الله عليه و آله ثلاثين سنة منهاأربع وعشرون سنة وأشهر ممنوعا من التصرّف على أحكامها مستعملا للتقيّة والمداراة ومنها خمس سنين وأشهر ممتحنا بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين ومضطهدا بفتن الضالين كما كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثلاث عشرةسنة

ص: 137


1- .أي ويحضرها أميرالمؤمنين.
2- .بحار الأنوار: 42/300 - 301.

من نبوّته ممنوعا من أحكامها خائفا ومحبوسا وهاربا ومطرودا لا يتمكّن من جهاد الكافرين ولا يستطيع دفعا عن المؤنين ثمّ هاجر وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهدا للمشركين ممتحنا بالمنافقين إلى أن قبضه اللّه تعالى إليه وأسكنه جنات النعيم.

وكانت وفاة أميرالمؤنين عليه السلام قبيل الفجر من ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة(1).

قالت سودة بن «بنت ظ» عمارة الهمدانيّة ونعم ما قالت:

صلّى الاله على روح تضمّنها *** قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحقّ لا يبغى به بدلا *** فصار بالحقّ والايمان مقرونا(2)

وفي الحديث: فلمّا كان من الغد وأصبح الحسن عليه السلام قام خطيبا على المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال:

أيّها الناس في هذه الليلة نزل القرآن وفي هذه الليلة رفع عيسى ابن مريم عليه السلام

وفي هذه الليلة قتل يوشع بن نون وفي هذه الليلة مات أبي أميرا لمؤنين عليه السلام واللّه لا يسبق أبي أحد كان قبله من الأوصياء إلى الجنة ولا من يكون بعده وإن كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله ليبعثه في السرية فيقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه كان يجمعها ليشتري بها خادما لأهله(3).

ص: 138


1- .الإرشاد: 1/9؛ بحار الأنوار: 42/227، ح39.
2- .كشف الغمّة ط - القديمة: 1/174؛ بحار الأنوار: 41/119.
3- .الأمالي للصدوق: 319، م52، ح4؛ بحار الأنوار: 42/202، ح6.

وعن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: إن السماء والأرض لتبكي على المؤن إذا مات أربعين صباحا وإنها لتبكى على العالم إذا مات أربعين شهرا وإن السماء والأرض ليبكيان على الرسول أربعين سنة وإن السماء والأرض ليبكيان عليك يا علي إذا قتلت أربعين سنة(1).

قال ابن عبّاس: لقد قتل أميرالمؤمنين على الأرض بالكوفة فامطرت السماء ثلاثة أيّام دما(2).

أبو حمزة عن الصادق عليه السلام وقد روى أيضاً عن سعيد بن المسيّب أنّه لمّا قبض أميرالمؤمنين عليه السلام لم يرفع من وجه الأرض حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط(3).

أربعين الخطيب وتاريخ النسوي أنه سأل عبد الملك بن مروان الزهري ما كانت علامة يوم قتل علي؟ قال: ما رفع حصاة من بيت المقدس إلا كان تحتها دم عبيط، ولمّا ضرب عليه السلام في المسجد سمع صوت(4) للّه الحكم لا لك يا علي ولا لأصحابك، فلمّا توفّي سمع في داره: «أَ فَمَنْ يُلْقى فِي النّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ»(5) الآية، ثمّ هتف هاتف آخر مات رسول اللّه ومات أبوكم(6).

وَفِي أَخْبَارِ الطَّالِبِيِّينَ أَنَّ الرُّومَ أَسَرُوا قَوْماً مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأُتِيَ بِهِمْ إِلَى الْمَلِكِ فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْكُفْرَ فَأَبَوْا فَأَمَرَ بِإِلْقَائِهِمْ فِي الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ وَأَطْلَقَ مِنْهُمْ رَجُلاً يُخْبِرُ

ص: 139


1- .المناقب لابن شهر آشوب: 2/366؛ بحار الأنوار: 42/308، ح9.
2- .المناقب: 2/366؛ بحار الأنوار: 42/308، ذ ح9.
3- . المناقب: 2/366؛ بحار الأنوار: 42/308، ذ ح9.
4- .هذا الصوت كان من ابن ملجم كما ورد في بعض الروايات.
5- .فصّلت: 40.
6- . المناقب: 2/366؛ بحار الأنوار: 42/309، ذ ح9.

بِحَالِهِمْ فَبَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ إِذْ سَمِعَ وَقْعَ حَوَافِرِ الْخَيْلِ فَوَقَفَ فَنَظَرَ إِلَى أَصْحَابِهِ الَّذِينَ أُلْقُوا فِي الزَّيْتِ فَقَالَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا قَدْ كَانَ ذَلِكَ فَنَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ فِي شُهَدَاءِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَدِ اسْتُشْهِدَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَصَلُّوا عَلَيْهِ فَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ وَنَحْنُ رَاجِعُونَ إِلَى مَصَارِعِنَا(1).

تسلى هم وتسكين فؤاد في أحوال قاتله وكيفيّة قتله

عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِنَّ عَاقِرَ نَاقَةِ صَالِحٍ كَانَ أَزْرَقَ ابْنَ بَغِيٍّ، وَإِنَّ قَاتِلَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عليه السلام ابْنُ بَغِيٍّ وَإِنَّ قَاتِلَ عَلِيٍّ عليه السلام ابْنُ بَغِيٍّ وَكَانَتْ مُرَادُ تَقُولُ مَا نَعْرِفُ لَهُ فِينَا أَباً وَلا نَسَباً وَإِنَّ قَاتِلَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام ابْنُ بَغِيٍّ، وَإِنَّهُ لَمْ يَقْتُلِ الْأَنْبِيَاءَ وَلا أَوْلادَ الْأَنْبِيَاءِ إِلاّ أَوْلادُ الْبَغَايَا(2).

وفي البحار في ذيل الرواية السالفة التي قدّمناها في كيفيّة شهادته عليه السلام عن لوط بن يحيى:

قال الراوي: ثمّ إنّه لمّا رجع أولاد أميرالمؤنين عليه السلام وأصحابه إلى الكوفة واجتمعوا لقتل اللعين عدو اللّه ابن ملجم فقال عبداللّه بن جعفر: اقطعوا يديه ورجليه ولسانه واقتلوه بعد ذلك، وقال ابن الحنفية رضي اللّه عنه: اجعلوه غرضا للنشاب وأحرقوه بالنار، وقال آخر: اصلبوه حيا حتى يموت فقال الحسن عليه السلام: أنا ممتثل فيه ما أمرني به أميرالمؤنين عليه السلام أضربه ضربة بالسيف حتى يموت فيها وأحرقه بالنار بعد ذلك.

ص: 140


1- .المناقب: 2/347؛ بحار الأنوار: 42/309، ذ ح9.
2- . قصص الأنبياء للراوندي: 220، ح291؛ بحار الأنوار: 14/182، ح25.

قال: فأمر الحسن عليه السلام أن يأتوه به فجاءوا به مكتوفا حتى أدخلوه إلى الموضع الذي ضرب فيه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام والناس يلعنونه ويوبخونه وهو ساكت لا يتكلم، فقال الحسن عليه السلام: يا عدو اللّه قتلت أميرالمؤنين عليه السلام، وإمام المسلمين وأعظمت الفساد في الدين.

فقال لهما: يا حسن ويا حسين ما تريدان تصنعان بي؟ قالا له نريد قتلك كما قتلت سيدنا ومولانا، فقال لهما: اصنعا ما شئتما أن تصنعا ولا تعنّفا من استزلّه الشيطان فصدّه عن السبيل، ولقد زجرت نفسي فلم تنزجر ونهيتها فلم تنته فدعها تذوق وبال أمرها ولها عذاب شديد ثم بكى.

فقال له: يا ويلك ما هذه الرقة أين كانت حين وضعت قدمك وركبت خطيئتك، فقال ابن ملجم لعنه اللّه: «اسْتَحْوَذَ

عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللّه ِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ»(1).

ولقد انقضى التوبيخ والمعايرة وإنما قتلت أباك وحصلت بين يديك فاصنع ما شئت وخذ بحقك مني كيف شئت ثم برك على ركبتيه وقال: يا ابن رسول اللّه الحمد للّه الذي أجرى قتلي على يديك، فرقّ له الحسن عليه السلام لأنّ قلبه كان رحيما صلى اللّه عليه، فقام الحسن عليه السلام وأخذ السيف بيده وجرّده من غمده وندّبه «ونزته خ ل» حتّى لاح الموت في حدّه ثمّ ضربه ضربة أدار بها عنقه فاشتدّ زحام الناس عليه وعلت أصواتهم فلم يتمكّن من فتح باعه فارتفع السيف إلى باعه «رأسه» فأبرأه فانقلب عدو اللّه على قفاه يحور في دمه.

فقام الحسين عليه السلام إلى أخيه وقال: يا أخي أليس الأب واحدا والأم واحدة ولي

ص: 141


1- .المجادلة: 19.

نصيب في هذه الضربة ولي في قتله حق فدعني أضربه ضربة أشفي بها بعض ما أجده، فناوله الحسن عليه السلام السيف فأخذه وهزه وضربه على الضربة التي ضربه الحسن عليه السلام فبلغ إلى طرف أنفه وقطع جانبه الآخر وابتدره الناس بعد ذلك بأسيافهم فقطعوه إربا إربا، وعجل اللّه بروحه إلى النار وبئس القرار ثم جمعوا جثته وأخرجوه من المسجد وجمعوا له حطبا وأحرقوه بالنار(1).

وفي المناقب استوهبت ام الهيثم بنت الأسود النخعيّة جيفته للتولّى احراقها فوهبا لها فاحرقتها بالنار(2) .

وفي المناقب استوهبت امّ الهيثم بنت الأسود النخعيّة جيفته لتتولّى احراقها فوهبها لها فاحرقتها بالنار(3).

وقيل: طرحوه في حفرة وطموه بالتراب وهو يعوي كعوي الكلاب في حفرته إلى يوم القيامة.

وأقبلوا إلى قطام الملعونة الفاسقة الفاجرة وأخذوها فقطعوها بالسيف إربا إربا ونهبوا دارها ثم أخذوها وأخرجوها إلى ظاهر الكوفة فأحرقوها بالنار وعجل اللّه بروحها إلى النار وغضب الجبار.

وأمّا الرجلان اللذان تحالفا معه فأحدهما قتله معاوية بن أبي سفيان بالشام والآخر قتله عمرو بن العاص بمصر لا رضي اللّه عنهما.

وأما الرجلان(4) اللذان كانا مع ابن ملجم بالجامع يساعدانه على قتل علي عليه السلام

ص: 142


1- .بحار الأنوار: 42/297.
2- .المناقب : 3/313 .
3- . المناقب: 3/313.
4- .وهما شبيب بن بحيرة ورجل من وكلاء عمرو بن العاص.

فقتلا من ليلتهما لعنهما اللّه وحشرهما محشر المنافقين الظالمين في جهنم خالدين مع السالفين(1).

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْروٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الرَّفَّاءِ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كُنْتُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَرَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ حَوْلَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقُلْتُ مَا هَذَا؟ قَالُوا: رَاهِبٌ أَسْلَمَ فَأَشْرَفْتُ عَلَيْهِ وَإِذَا بِشَيْخٍ كَبِيرٍ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وَقَلَنْسُوَةُ صُوفٍ عَظِيمِ الْخِلْقَةِ وَهُوَ قَاعِدٌ بِحِذَاءِ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كُنْتُ قَاعِداً فِي صَوْمَعَةٍ فَأَشْرَفْتُ مِنْهَا وَإِذَا بِطَائِرٍ كَالنَّسْرِ قَدْ سَقَطَ عَلَى صَخْرَةٍ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فَتَقَيَّأَ فَرَمَى بِرُبُعِ إِنْسَانٍ، ثُمَّ طَارَ فَتَفَقَّدْتُهُ فَعَادَ فَتَقَيَّأَ فَرَمَى بِرُبُعِ إِنْسَانٍ، ثُمَّ طَارَ فَجَاءَ فَتَقَيَّأَ بِرُبُعِ إِنْسَانٍ ثُمَّ طَارَ فَجَاءَ فَتَقَيَّأَ بِرُبُعِ إِنْسَانٍ ثُمَّ طَارَ فَدَنَتِ الْأَرْبَاعُ فَقَامَ رَجُلاً وَهُوَ قَائِمٌ وَأَنَا أَتَعَجَّبُ مِنْهُ، ثُمَّ انْحَدَرَ الطَّيْرُ فَضَرَبَهُ وَأَخَذَ رُبُعَهُ فَطَارَ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَخَذَ رُبُعَهُ فَطَارَ، ثُمَّ رَجَعَ فَأَخَذَ رُبُعَهُ فَطَارَ، ثُمَّ انْحَدَرَ الطَّيْرُ فَأَخَذَ الرُّبُعَ الآْخَرَ فَطَارَ، فَبَقِيتُ أَتَفَكَّرُ وَتَحَسَّرْتُ أَلاّ أَكُونَ لَحِقْتُهُ وَسَأَلْتُهُ مَنْ هُوَ فَبَقِيتُ أَتَفَقَّدُ الصَّخْرَةَ حَتَّى رَأَيْتُ الطَّيْرَ قَدْ أَقْبَلَ فَتَقَيَّأَ بِرُبُعِ إِنْسَانٍ فَنَزَلْتُ فَقُمْتُ بِإِزَائِهِ، فَلَمْ أَزَلْ حَتَّى تَقَيَّأَ بِالرُّبُعِ الرَّابِعِ، ثُمَّ طَارَ فَالْتَأَمَ رَجُلاً فَقَامَ قَائِماً فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَسَأَلْتُ فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَسَكَتَ عَنِّي فَقُلْتُ بِحَقِّ مَنْ خَلَقَكَ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا ابْنُ مُلْجَمٍ، قُلْتُ لَهُ وَأَيّ شيءٍ عَمِلْتَ؟ قَالَ: قَتَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَوُكِّلَ بِي هَذَا الطَّيْرُ يَقْتُلُنِي كُلَّ يَوْمٍ قَتْلَةً فَهُوَ بينا يُخْبِرُنِي إِذِ انْقَضَّ الطَّائِرُ فَأَخَذَ رُبُعَهُ وَطَارَ فَسَأَلْتُ عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام فَقَالُوا: هُوَ ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله وَوَصيِّهِ فَأَسْلَمْتُ(2)

ص: 143


1- .بحار الأنوار: 42/298.
2- .الخرائج والجرائح: 1/216، ح60؛ بحار الأنوار: 42/307، ح7.

التذييل الثاني في موضع قبره الشريف والاشارة إلى من بناه

فنقول: إنّه كان في بعض الأزمان بين المخالفين اختلاف في موضع قبره الشريف عليه السلام فذهب جماعة منهم إلى أنّه دفن في رحبة مسجد الكوفة وقيل: إنّه دفن في قصر الإمارة، وقيل: إنّه أخرجه الحسن عليه السلام معه إلى المدينة ودفنه بالبقيع وكان بعض جهلة الشيعة يزورونه بمشهد في الكرخ.

وقد اجتمعت الشيعة على أنه عليه السلام مدفون بالغري في الموضع المعروف عند الخاص والعام وهو عندهم من المتواترات رووه خلفا عن سلف إلى أئمة الدين صلوات اللّه عليهم أجمعين وكان السبب في هذا الاختلاف إخفاء قبره عليه السلام خوفا من الخوارج والمنافقين وكان لا يعرف ذلك إلا خاص الخاص من الشيعة إلى أن ورد الصادق عليه السلامالحيرة في زمن السفاح فأظهره لشيعته ومن هذا اليوم إلى الآن يزوره كافة الشيعة في هذا المكان(1).

ولا حاجة لنا إلى ذكر ما ورد في تعيين موضع القبر الشريف من الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار، وإنّما الأنسب ذكر كيفيّة بناء المرقد الشريف والقبّة المباركة زادهااللّه شرفا، فأقول: روى عن الصادق عليه السلام إذا ركب نوح في السفينة أتت إلى مكان البيت وطاف له اسبوعاً، فأوحى اللّه إليه أن أنزل عن السفينة واخرج عظام آدم وجسده وادخله في السفينة، فنزل نوح وكان الماء إلى ركبته فأخرج تابوتاً فيه جسد آدم فأوقعه في السفينة، ولمّا وصلت السفينة إلى مسجد الكوفة فاستقرّ هناك فأنزل نوح جسده من السفينة فدفنه في النجف وجعل نوح

ص: 144


1- .الغارات ط - القديمة: 2/881؛ بحار الأنوار: 42/337.

لنفسه قبراً في أمامه وصيّر صندوقاً لعليّ يدفن فيه في أمام صدره(1).

وفي كتاب رياض الجنّة تأليف بعض أصحابنا قدّس اللّه روحه: مشهد النجف على ساكنه ألف تحيّة وتحف واقع على طرف القبلة من الكوفة بنصف فرسخ.

وأوّل من بنا القبر الشريف هارون العبّاسي على ما ستطلع عليه، ثمّ بعد مائة وثمانين سنة ونيّفا بنا عضدالدولة الديلمي القبّة الشريفة، ثمّ زاد الملوك على ذلك يوماً فيوما إلى أن صار بلدة صغيرة جاور الناس فيها.

ولمّا وصل دورة السلطنة إلى السلطان نادر أمر بتذهيب القبّة المباركة وبناء الأيوان والمنارتين وتذهيبها وصرف على ذلك خمسين ألف تومان نادريّ وصرفت زوجته گوهر شاد امّ ابنيه امام قلي وميرزا نصر اللّه ميرزا مائة ألف ربعيّة على تعمير الصحن المقدّس وبناء جدرانه بالكاشيّ وصرفت امّ سلطان وساير زوجاته عشرين ألف تومان نادري على بناء المسجد الواقع في ظهر الرأس الشريف وأرسلن إلى الروضات المطهّرة عشرين حمل بعير من الفرش والبساط، وكان الفراغ من جميع ذلك في سنة سبع وخمسين ومائة بعد الألف، وقيل في تاريخ تمام المنارة الشماليّة «تعالى شأنه اللّه أكبر» وفي تمام المنارة الجنوبيّة «تكرر أربعاً اللّه أكبر» أراد أربعة اللّه أكبر ثمّ صار نوبة السلطنة إلى السلطان علي مراد خان زند في سنة سبع وتسعين ومائة وألف بعث جمعاً من حذقة المهندسين بواحد من ثقاته إلى تعمير ما خرب من جدران البقعة الشريفة وتجديد كواشي الجدران والطاقات وتنقية بئر الصحن المقدّس وساير آبار المشهد واصلاحمجرى مياهها وأهدى إلى المشاهد المشرّفة ولاسيّما مشهد أميرالمؤمنين بالفرش

ص: 145


1- .الغارات: 2/853؛ فرحة الغري: 73؛ منهاج البراعة للخوئي: 5/170.

النفيسة والقناديل المرصّعة بالدرر والجواهر وأعطى الخدّام والمجاورين هناك عطايا عظيمة وصلات جزيلة.

ثمّ أمر بصنعة صندوق من الخاتم يوضع فوق القبر الشريف وتوفّي قبل تمامه ثمّ اشتغل به حذقة الصانعين بأمر جعفر خان، وتوفّي ولم يتمّ، وأتمّه لطفعلي خان ابن جعفر خان وكان مدّة الاشتغال بصنعته ست سنين.

ثمّ بنا الضريح المقدّس المفضّض السلطان آقا محمّد خان قدّس اللّه روحه، وكان آصف الدولة الهندي أراد أن يجري نهراً إلى المشهد من الفرات من جنب جسر المسيّب على أربعة وعشرين فرسخاً فلم يتيسّر.

ثمّ عزم الحاج محمّد عليّ البغدادي إلى نهر من سمت ذي الكفل وصرف مصارف كثيرة عليه ولم يمكن(1) .

أقول : وللّه الحمد والمنّة فقد جرى النهر في زمان اشتغالنا بالتحصيل في المشهد بسعي السيّد الفاضل الجليل العالم العلاّمة الزاهد الورع الحاج سيّد أسد اللّه الاصفهاني قدّس اللّه سرّه ونوّر ضريحه من تحت الأرض منتهياً إلى البحر، وأرّخ بعضهم جريان الماء بقوله: جاء ماء الغري شكر اللّه مساعي المتصدّين لبناء المشاهد المشرّفة والساعين في تعمير البقاع المتبرّكة وحشرهم مع مواليهم الطاهرين(2).

وعن سيّد السند نعمة اللّه الجزائري في مقامات النجاة أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام مدفون بالغري ويقال له الغريان أيضاً وهما قبرا مالك وعقيل نديمي جذيمة الأبرش سمّيا غريين لأنّ النعمان بن المنذر كان يغريهما بدم من يقتله إذا خرج في

ص: 146


1- .منهاج البراعة للخوئي: 5/170.
2- . منهاج البراعة للخوئي: 5/171.

يوم بأسه(1) وقيل: كان ينادم النعمان رجلان من العرب خالد بن مفضل وعمرو بن مسعود الأسديّان فشرب معهما ليلة فرجفاه الكلام فغضب وأمر بأن يجعلا في تابوتين ويدفنا بظهر الكوفة، فلمّا أصبح سأل عنهما فأخبره بصنيعه فندم وركب حتّى وقف عليهما وأمر ببناء الغريّين وجعل لنفسه كلّ سنة يوم نعم ويوم بؤس وكان يضع سريره بينهما.

فاذا كان يوم نعمه فأوّل من يطلع عليه يؤتيه مائة من الابل، وإذا كان يوم بؤسه فأوّل من يطلع يؤتيه رأس ظربان وهي دويبة منتنة الريح وأمر بقتله فقتل ويغري به الغريّان(2).

وبقي هذا حاله إلى وقوع قضيّة الطائي وشريك نديم النعمان، وقد مضى ذكر تلك القضيّة منّا في شرح الخطبة الحادية والأربعين فتذكّر(3).

التذييل الثالث في ذكر نبذ من المعجزات منه ومن قبره الشريف بعد وفاته

فمن هذه ما عن ارشاد الديلمي عند الاستدلال على كونه مدفوناً بالغري قال: والدليل الواضح والبرهان اللايح على ذلك من وجوه:

الأوّل: تواتر أخبار الأئمّة يرويه خلف عن سلف.

الثاني: اجماع الشيعة والاجماع حجّة.

الثالث : ما حصل عنده من الأسرار والآيات وظهور المعجزات كقيام الزمن وردّ بصر الأعمى وغيرها(4).

ص: 147


1- . الصحاح للجوهري: 6/2445.
2- . الأغاني: 22/328.
3- .منهاج البراعة للخوئي: 5/171.
4- .إرشاد القلوب للديلمي: 2/436.

فمنها: ما روي عن عبد اللّه بن حازم قال خرجنا يوما مع الرشيد من الكوفة فصرنا إلى ناحية الغريين فرأينا ظباء فأرسلنا عليها الصقور والكلاب فجاولتها ساعة ثمّ لجأت الظباء إلى أكمة(1) فتراجعت الصقور والكلاب عنها، فتعجب الرشيد من ذلك، ثمّ إن الظباء هبطت من الأكمة فسقطت الطيور والكلاب عنها فرجعت الظباء إلى الأكمة فتراجعت الصقور والكلاب عنها مرة ثانية، ثمّ فعلت ذلك مرة أخرى.

فقال الرشيد: اركضوا إلى الكوفة فأتوني بأكبرها سنا، فأتي بشيخ من بني أسد فقال الرشيد: أخبرني ما هذه الأكمة؟ فقال: حدثني أبي عن آبائه أنهم كانوا يقولون: إنّ هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب عليه السلام جعله اللّه حرما لا يأوي إليه شيء إلاّ آمن.

فنزل هارون ودعا بماء وتوضأ وصلى عند الأكمة وجعل يدعو ويبكي ويتمرّغ عليها بوجهه وأمر أن يبنى قبة بأربعة أبواب فبني، وبقي إلى أيام السلطان عضد الدولة رحمه اللّه فجاء فأقام في ذلك الطريق قريبا من سنة هو وعساكره فبعث فأتي بالصناع والأستادية من الأطراف وخرب تلك العمارة وصرف أموالا كثيرة جزيلة وعمر عمارة جليلة حسنة وهي العمارة التي كانت قبل عمارة اليوم.

ومنها: ما حكي عن جماعة خرجوا بليل مختفين إلى الغري لزيارة أميرالمؤنين عليه السلام قالوا: فلمّا وصلنا إلى القبر الشريف وكان يومئذ قبرا حوله حجارة ولا بناء عنده، وذلك بعد أن أظهره الرشيد وقبل أن يعمره، فبينا نحن عنده بعضنا يقرأ وبعضنا يصلّي وبعضنا يزور وإذا نحن بأسد مقبل نحونا، فلمّا قرب منّا

ص: 148


1- .الأكمّة: كقصبة التلّ الصغير.

قدر رمح قال: بعضنا لبعض: ابعدوا عن القبر لننظر ما يصنع، فتباعدنا عن القبر الشريف فجاء الأسد فجعل يمرغ ذراعيه على القبر، فمضى رجل منّا فشاهده فعاد فأعلمنا فزال الرعب عنّا فجئنا بأجمعنا فشاهدناه يمرغ ذراعه على القبر وفيه جراح فلم يزل يمرغه ساعة، ثمّ نزح عن القبر فمضى، فعدنا إلى ما كنّا عليه من الزيارة والصلاة وقراءة القرآن(1).

قال المجلسي: ولقد شاع وذاع في زماننا من شفاء المرضى ومعافاة أصحاب البلوى وصحة العميان والزمنى أكثر من أن يحصى ولقد أخبرني جماعة كثيرة من الثقات أن عند محاصرة الروم لعنهم اللّه المشهد الشريف في سنة أربع وثلاثين وألف من الهجرة وتحصين أهله بالبلد وإغلاق الأبواب عليهم والتعرض لدفعهم مع قلة عددهم وعدتهم وكثرة المحاصرين وقوتهم وشوكتهم جلسوا زمانا طويلا ولم يظفروا بهم وكانوا يرمون بالبنادق الصغار والكبار عليهم شبه الأمطار ولم يقع على أحد منهم وكانت الصبيان في السكك ينتظرون وقوعها ليلعبوا بها حتى أنهم يروون أن بندقا كبيرا دخل في كم جارية رفعت يدها لحاجة على بعض السطوح وسقط من ذيلها ولم يصبها ويروى عن بعض الصلحاء الأفاضل من أهل المشهد أنه رأى في تلك الأيام أميرالمؤنين عليه السلام في المنام وفي يده عليه السلام سواد فسأله عن ذلك فقال عليه السلاملكثرة دفع الرصاص عنكم والغرائب التي ينقلونها في تلك الواقعة كثيرة(2).

فأمّا التي اشتهرت بين أهل المشهد بحيث لا ينكره أحد منهم:

ص: 149


1- .إرشاد القلوب للديلمي، 2/436؛ بحار الأنوار: 97/252، ش48.
2- .بحار الأنوار: 97/253، ش49.

فمنها: قصّة الدهن وهو أن خازن الروضة المقدّسة المولى الصالح البارع التقي مولانا محمود(1) قدس اللّه روحه كان هو المتوجه لإصلاح العسكر الذي كانوا في البلد وكانوا محتاجين إلى مشاعل كثيرة لمحافظة أطراف الحصار فلما ضاق الأمر ولم يبق في السوق ولا في البيوت شيء من الدهن أعطاهم من الحياض التي كانوا يصبون فيها الدهن لإسراج الروضة وحواليها فبعد إتمام جميع ما في الحياض ويأسهم عن حصوله من مكان آخر رجعوا إليها فوجدوها مترعة من الدهن فأخذوا منها وكفاهم إلى انقضاء وطرهم(2).

ومنها: أنهم كانوا يرون في الليالي في رءوس الجدران وأطراف العمارات والمنارات نورا ساطعا بينا حتى أن الإنسان إذا كان يرفع يده إلى السماء كان يرى أنامله كالشموع المشتعلة ولقد سمعت من بعض الأشارف الثقات من غير أهل المشهد أنه قال كنت ذات ليلة نائما في بعض سطوح المشهد الشريف فانتبهت في بعض الليل فرأيت النور ساطعا من الروضة المقدسة ومن أطراف جميع جدران البلد فعجبت من ذلك ومسحت يدي على عيني فنظرت فرأيت مثل ذلك فأيقظت رجلا كان نائما بجنبي فأخبرني بمثل ما رأيت وبقي هكذا زمانا طويلا ثم ارتفع وسمعت أيضا من بعض الثقات قال كنت نائما في بعض الليالي على بعض سطوح البلد الشريف فانتبهت فرأيت كوكبا نزل من السماء بحذاء القبة السامية حتى وصل إليها وطاف حولها مرارا بحيث أراه يغيب من جانب ويطلع من آخر ثم صعد إلى السماء(3).

ص: 150


1- .كان من العلماء المشاهير تولى شؤون العسكر في البلد مضافاً إلى سدانة الحرم العلوي سنة في أيّام الشاه عبّاس الأوّل.
2- .بحار الأنوار: 97/254، ش50.
3- .نفس المصدر: ش51.

ومن الأمور المشهورة التي وقعت قريبا من زماننا أن جماعة من صلحاء أهل البحرين أتوا لزيارة الحسين صلوات اللّه وسلامه عليه لإدراك بعض الزيارات المخصوصة فأبطئوا ولم يصلوا إليه ووصلوا في ذلك اليوم إلى الغري وكان يوم مطر وطين وكان مولانا محمود رحمه اللّه أغلق أبواب الروضة المقدسة لذلك فأتوه وسألوه أن يفتح لهم فأبى واعتذر منهم وقال زوروا من وراء الشباك فأتوا الباب وتضرعوا وتمرغوا في التراب وقالوا قد حرمنا من زيارة ولدك فلا تحرمنا زيارتك فإنا من شيعتك وقد أتيناك من شقة بعيدة فبينا هم في ذلك إذ سقطت الأقفال وفتحت الأبواب ودخلوا وزاروا وهذا مشهور بين أهل المشهد وبين أهل البحرين غاية الاشتهار(1).

ومنها: ما تواترت به الأخبار ونظموها في الأشعار وشاع في جميع الأصقاع والأقطار واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار وكان بالقرب من تاريخ الكتابة في سنة اثنين وسبعين بعد الألف من الهجرة وكانت كيفية تلك الواقعة على ما سمعته من الثقات أنه كان في المشهد الغروي عجوز تسمى بمريم وكانت معروفة بالعبادة والتقوى فمرضت مرضا شديدا وامتد بها حتى صارت مقعدة مزمنة وبقيت كذلك قريبا من سنتين بحيث اشتهر أمرها وكونها مزمنة في الغري ثم إنها لتسع ليال خلون من رجب تضرعت لدفع ضرها إلى اللّه تعالى واستشفعت بمولانا أميرالمؤنين صلوات اللّه وسلامه عليه وشكت إليه عليه السلامفي ذلك ونامت فرأت في منامها ثلاث نسوة دخلن إليها وإحداهن كالقمر ليلة البدر نورا وصفاء وقلن لها لا تخافي ولا تحزني فإن فرجك في ليلة الثاني عشر من الشهر المبارك فانتبهت

ص: 151


1- .نفس المصدر: ش52.

فرحا وقصت رؤاها على من حضرها وكانت تنتظر ليلة ثاني عشر رجب فمرت بها ولم تر شيئا ثم ترقبت ليلة ثاني عشر شعبان فلم تر أيضا شيئا فلما كانت ليلة تاسع من شهر رمضان رأت في منامها تلك النسوة بأعيانهن وهن يبشرنها فقلن لها إذا كانت ليلة الثاني عشر من هذا الشهر فامضي إلى روضة أميرالمؤنين صلوات اللّه عليه وأرسلي إلى فلانة وفلانة وفلانة وسمين نسوة معروفات عليه وهن باقيات إلى حين هذا التحرير واذهبي بمن معك إليها فلما أصبحت قصت رؤاهاوبقيت مسرورة مستبشرة بذلك إلى أن دخلت تلك الليلة فأمرت بغسل ثيابها وتطهير جسدها وأرسلت إلى تلك النسوة دعتهن فأجبن وذهبن بها محمولة لأنها كانت لا تقدر على المشي فلما مضى قريب من ربع الليل خرجت واحدة منهن واعتذرت منها وبقيت معها اثنتان وانصرف منهن جميع من حضر الروضة المقدّسة وغلقت الأبواب ولم يبق في الرواق غيرهن فلما كان وقت السحر أرادت صاحبتاها أكل السحور أو شرب التتن فاستحيتا من الضريح المقدس فتركتاها عند الشباك المقابل للضريح المقدس في جانب القبلة وذهبتا إلى الباب الذي في جهة خلفه عليه السلام يفتح إلى الصحن وخلفه الشباك فدخلتا هناك وأغلقتا الباب لحاجتهما فلما رجعتا إليها بعد قضاء وطرهما لم تجداها في الموضع الذي تركتاها ملقاة فيه فتحيرتا فمضتا يمينا وشمالا فإذا بها تمشي في نهاية الصحة والاعتدال فسألتاها عن حالها وما جرى عليها فأخبرتهما أنكما لما انصرفتما عني رأيت تلك النسوة اللاتي رأيتهن في المنام أقبلن وحملنني وأدخلنني داخل القبة المنورة وأنا لا أعلم كيف دخلت ومن أين دخلت فلما قربت من الضريح المقدس سمعت صوتا من القبر يقول حركن المرأة الصالحة وطفن بها ثلاث مرات فطفن بي

ص: 152

ثلاث مرات حول القبر ثم سمعت صوتا آخر أخرجن الصالحة من باب الفرج فأخرجنني من الجانب الغربي الذي يكون خلف من يصلي بين البابين بحذاء الرأس وخلف الباب شباك يمنع الاستطراق ولم يكن الباب معروفا قبل ذلك بهذا الاسم قالت فالآن مضين عني وجئتماني وأنا لا أرى بي شيئا مما كان من المرض والألم والضعف وأنا في غاية الصحة والقوة فلما كان آخر الليل جاء خازن الحضرة الشريفة وفتح الأبواب فرآهن تمشين بحيث لا يتميز واحدة منهن وإني سمعت من المولى الصالح التقي مولانا محمد طاهر(1) الذي بيده مفاتيح الروضة المقدسة ومن جماعة كثيرة من الصلحاء الذين كانوا حاضرين في تلك الليلة في الحضرة الشريفة أنهم رأوها في أول الليلة محمولة عند دخولها وفي آخر الليل سائرة أحسن ما يكون عند خروجها(2).

قال المجلسي: وجدت في بعض مؤلّفات أصحابنا، عَنْ زَيْدٍ النَّسَّاجِ قَالَ: كَانَ لِي جَارٌ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ عَلَيْهِ آثَارُ النُّسُكِ وَالصَّلاحِ وَكَانَ يَدْخُلُ إِلَى بَيْتِهِ وَيَعْتَزِلُ عَنِ النَّاسِ وَلا يَخْرُجُ إِلاّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ زَيْدٌ النَّسَّاجُ: فَمَضَيْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى زِيَارَةِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ فَدَخَلْتُ إِلَى مَشْهَدِهِ وَإِذَا أَنَا بِالشَّيْخِ الَّذِي هُوَ جَارِي قَدْ أَخَذَ مِنَ الْبِئْرِ مَاءً وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَغْتَسِلَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَالزِّيَارَةِ فَلَمَّا نَزَعَ ثِيَابَهُ وَإِذَا فِي ظَهْرِهِ ضَرْبَةٌ عَظِيمَةٌ فَتْحَتُهَا أَكْثَرُ مِنْ شِبْرٍ وَهِيَ تَسِيلُ قَيْحاً وَمِدَّةً فَاشْمَأزَّ قَلْبِي مِنْهَا

ص: 153


1- .كان خازن الحرم العلوي في سنة 1072 وكان من علماء عصره وقد رؤيت شهادته على تصديق اجتهاد الميرزا عمادالدين محمّد حكيم أبي الخير بن عبداللّه البافقي في سنة 1071 وقد نظم الشيخ يوسف الحصري المترجم في نشوة السلافة تلك الكرامة التي ذكرها العلاّمة المجلسيّ في أرجوزة تزيد على مائة بيت وقد ذكرها صاحب النشوة في ترجمة الحصرى المذكور.
2- .بحار الأنوار: 97/255، ش53.

فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ فَرَآنِي فَخَجِلَ فَقَالَ لِي: أَنْتَ زَيْدٌ النَّسَّاجُ فَقُلْتُ: نَعَمْ فَقَالَ لِي: يَا بُنَيَّ عَاوِنِّي عَلَى غُسْلِي فَقُلْتُ: لا وَاللّه ِ لا أُعَاوِنُكَ حَتَّى تُخْبِرَنِي بِقِصَّةِ هَذِهِ الضَّرْبَةِ الَّتِي بَيْنَ كَتِفَيْكَ وَمِنْ كَفِّ مَنْ خَرَجَتْ وَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ سَبَبَهَا فَقَالَ لِي: يَا زَيْدُ أُخْبِرُكَ بِهَا بِشَرْطِ أَنْ لا تُحَدِّثَ بِهَا أَحَداً مِنَ النَّاسِ إِلاّ بَعْدَ مَوْتِي فَقُلْتُ: لَكَ ذَلِكَ فَقَالَ: عَاوِنِّي عَلَى غُسْلِي فَإِذَا لَبِسْتُ أَطْمَارِي(1) حَدَّثْتُكَ بِقِصَّتِي قَالَ زَيْدٌ: فَسَاعَدْتُهُ فَاغْتَسَلَ وَلَبِسَ ثِيَابَهُ وَجَلَسَ فِي الشَّمْسِ وَجَلَسْتُ إِلَى جَانِبِهِ وَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنِي يَرْحَمُكَ اللّه ُ فَقَالَ لِي: اعْلَمْ أَنَّا كُنَّا عَشَرَةَ أَنْفُسٍ قَدْ تَوَاخَيْنَا عَلَى الْبَاطِلِ وَتَوَافَقْنَا عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ وَارْتِكَابِ الآْثَامِ وَكَانَتْ بَيْنَنَا نَوْبَةٌ نُدِيرُهَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنَّا لِيَصْنَعَ لَنَا طَعَاماً نَفِيساً وَخَمْراً عَتِيقاً وَغَيْرَ ذَلِكَ فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ التَّاسِعَةُ وَكُنَّا قَدْ تَعَشَّيْنَا عِنْدَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَشَرِبْنَا الْخَمْرَ ثُمَّ تَفَرَّقْنَا وَجِئْتُ إِلَى مَنْزِلِي وَنِمْتُ أَيْقَظَتْنِي زَوْجَتِي وَقَالَتْ لِي: إِنَّ اللَّيْلَةَ الآْتِيَةَ نَوْبَتُهَا عَلَيْكَ وَلا عِنْدَنَا فِي الْبَيْتِ حَبَّةٌ مِنَ الْحِنْطَةِ قَالَ: فَانْتَبَهْتُ وَقَدْ طَارَ السُّكْرُ مِنْ رَأْسِي وَقُلْتُ: كَيْفَ أَعْمَلُ وَمَا الْحِيلَةُ وَإِلَى أَيْنَ أَتَوَجَّهُ فَقَالَتْ لِي زَوْجَتِي: اللَّيْلَةُ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ وَلا يَخْلُو مَشْهَدُ مَوْلانَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام مِنْ زُوَّارٍ يَأْتُونَ إِلَيْهِ يَزُورُونَهُ فَقُمْ وَامْضِ وَاكْمُنْ عَلَى الطَّرِيقِ فَلا بُدَّ أَنْ تَرَى أَحَداً فَتَأْخُذَ ثِيَابَهُ فَتَبِيعَهَا وَتَشْتَرِيَ شَيْئاً مِنَ الطَّعَامِ لِتَتِمَّ مُرُوءَتُكَ عِنْدَ أَصْحَابِكَ وَتُكَافِئَهُمْ عَلَى صَنِيعِهِمْ قَالَ: فَقُمْتُ وَأَخَذْتُ سَيْفِي وَحَجَفَتِي(2) وَمَضَيْتُ مُبَادِراً وَكَمَنْتُ فِي الْخَنْدَقِ الَّذِي فِي ظَهْرِ الْكُوفَةِ وَكَانَتْ لَيْلَةً مُظْلِمَةً ذَاتَ رَعْدٍ وَبَرْقٍ فَأَبْرَقَتْ بَرْقَةٌ فَإِذَا أَنَا بِشَخْصَيْنِ مُقْبِلَيْنِ مِنْ نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ فَلَمَّا قَرُبَا مِنِّي بَرَقَتْ

ص: 154


1- .جمع الطمر - بالكسر - : الثوب البالي.
2- .بتقديم المهملة المفتوحة على المعجمة المفتوحة: الترس.

بَرْقَةٌ أُخْرَى فَإِذَا هُمَا امْرَأَتَانِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: فِي مِثْلِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَتَانِي امْرَأَتَانِ فَفَرِحْتُ وَوَثَبْتُ إِلَيْهِمَا وَقُلْتُ لَهُمَا: انْزِعَا الْحُلِيَّ الَّذِي عَلَيْكُمَا سَرِيعاً فَطَرَحَاهُ فَأَبْرَقَتِ السَّمَاءُ بَرْقَةً أُخْرَى فَإِذَا إِحْدَاهُمَا عَجُوزٌ وَالْأُخْرَى شَابَّةٌ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءِ وَجْهاً كَأَنَّهَا ظَبْيَةُ قَنَّاصٍ أَوْ دُرَّةُ غَوَّاصٍ فَوَسْوَسَ لِيَ الشَّيْطَانُ عَلَى أَنْ أَفْعَلَ بِهَا الْقَبِيحَ وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مِثْلُ هَذِهِ الشَّابَّةِ الَّتِي لا يُوجَدُ مِثْلُهَا حَصَلَتْ عِنْدِي فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَأُخَلِّيهَا فَرَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَقَالَتِ الْعَجُوزُ: يَا هَذَا أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا أَخَذْتَهُ مِنَّا مِنَ الثِّيَابِ وَالْحُلِيِّ فَخَلِّنَا نَمْضِي إِلَى أَهْلِنَا فَوَ اللّه ِ إِنَّهَا بِنْتٌ يَتِيمَةٌ مِنْ أُمِّهَا وَأَبِيهَا وَأَنَا خَالَتُهَا وَفِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ تُزَفُّ إِلَى بَعْلِهَا وَإِنَّهَا قَالَتْ لِي: يَا خَالَةُ إِنَّ اللَّيْلَةَ الْقَابِلَةَ أُزَفُّ إِلَى ابْنِ عَمِّي وَأَنَا وَاللّه ِ رَاغِبَةٌ فِي زِيَارَةِ سَيِّدِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَإِنِّي إِذَا مَضَيْتُ عِنْدَ بِعْلِي رُبَّمَا لا يَأْذَنُ لِي بِزِيَارَتِهِ فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةُ الْجُمُعَةَ خَرَجْتُ بِهَا لأُزَوِّرَهَا مَوْلاهَا وَسَيِّدَهَا أَمِيرَا لْمُؤمِنِينَ عليه السلام فَبِاللّه ِ عَلَيْكَ لا تَهْتِكْ سِتْرَهَاوَلا تَفُضَّ خَتْمَهَا وَلا تَفْضَحْهَا بَيْنَ قَوْمِهَا فَقُلْتُ لَهَا: إِلَيْكِ عَنِّي وَضَرَبْتُهَا وَجَعَلْتُ أَدُورُ حَوْلَ الصَّبِيَّةِ وَهِيَ تَلُوذُ بِالْعَجُوزِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ مَا عَلَيْهَا غَيْرُ السِّرْوَالِ وَهِيَ فِي تِلْكَ الْحَالِ تَعْقِدُ تِكَّتَهَا وَتُوثِقُهَا عَقْداً فَدَفَعْتُ الْعَجُوزَ عَنِ الْجَارِيَةِ وَصَرَعْتُهَا إِلَى الْأَرْضِ وَجَلَسْتُ عَلَى صَدْرِهَا وَمَسَكْتُ يَدَيْهَا بِيَدٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلْتُ أُحِلَّ عَقْدَ التِّكَّةِ بِالْيَدِ الْأُخْرَى وَهِيَ تَضْطَرِبُ تَحْتِي كَالسَّمَكَةِ فِي يَدِ الصَّيَّادِ وَهِيَ تَقُولُ الْمُسْتَغَاثُ بِكَ يَا اللّه ُ الْمُسْتَغَاثُ بِكَ يَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَلِّصْنِي مِنْ يَدِ هَذَا الظَّالِمِ قَالَ: فَوَ اللّه ِ مَا اسْتَتَمَّ كَلامَهَا إِلاّ وَحَسِسْتُ حَافِرَ فَرَسٍ خَلْفِي فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذَا فَارِسٌ وَاحِدٌ وَأَنَا أَقْوَى مِنْهُ وَكَانَتْ لِي قُوَّةٌ زَائِدَةٌ وَكُنْتُ لا أَهَابُ الرِّجَالَ قَلِيلاً أَوْ كَثِيراً فَلَمَّا دَنَا مِنِّي فَإِذَا عَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ وَتَحْتَهُ فَرَسٌ أَشْهَبُ تَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الْمِسْكِ فَقَالَ لِي: يَا

ص: 155

وَيْلَكَ خَلِّ الْمَرْأَةَ فَقُلْتُ لَهُ: اذْهَبْ لِشَأْنِكَ فَأَنْتَ نَجَوْتَ(1) وَتُرِيدُ تُنْجِي غَيْرَكَ قَالَ: فَغَضِبَ مِنْ قَوْلِي وَنَقَفَنِي بِذُبَالِ سَيْفِهِ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ فَوَقَعْتُ مَغْشِيّاً عَلَيَّ لا أَدْرِي أَنَا فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي غَيْرِهَا وَانْعَقَدَ لِسَانِي وَذَهَبَتْ قُوَّتِي لَكِنِّي أَسْمَعُ الصَّوْتَ وَأَعِي الْكَلامَ فَقَالَ لَهُمَا: قُومَا الْبَسَا ثِيَابَكُمَا وَخُذَا حُلِيَّكُمَا وَانْصَرِفَا لِشَأْنِكُمَا فَقَالَتِ الْعَجُوزُ: فَمَنْ أَنْتَ يَرْحَمُكَ اللّه ُ وَقَدْ مَنَّ اللّه ُ عَلَيْنَا بِكَ وَإِنِّي أُرِيدُ مِنْكَ أَنْ تُوصِلَنَا إِلَى زِيَارَةِ سَيِّدِنَا وَمَوْلانَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَالَ:فَتَبَسَّمَ فِي وُجُوهِهِمَا وَقَالَ لَهُمَا: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ارْجِعَا إِلَى أَهْلِكُمَا فَقَدْ قَبِلْتُ زِيَارَتَكُمَا قَالَ: فَقَامَتِ الْعَجُوزُ وَالصَّبِيَّةُ وَقَبَّلَتَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَانْصَرَفَتَا فِي سُرُورٍ وَعَافِيَةٍ قَالَ الرَّجُلُ: فَأَفَقْتُ مِنْ غَشْوَتِي وَانْطَلَقَ لِسَانِي فَقُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي أَنَا تَائِبٌ إِلَى اللّه ِ عَلَى يَدِكَ وَإِنِّي لا عُدْتُ أَدْخُلُ فِي مَعْصِيَتِهِ أَبَداً فَقَالَ: إِنْ تُبْتَ تَابَ اللّه ُ عَلَيْكَ فَقُلْتُ لَهُ: تُبْتُ وَاللّه ُ عَلَى مَا أَقُولُ شَهِيدٌ ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي إِنْ تَرَكْتَنِي وَفِيَّ هَذِهِ الضَّرْبَةُ هَلَكْتُ بِلا شَكٍّ قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيَّ وَأَخَذَ بِيَدِهِ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى الضَّرْبَةِ وَمَسَحَ بِيَدِهِ الشَّرِيفَةِ عَلَيْهَا فَالْتَحَمَتْ بِقُدْرَةِ اللّه ِ تَعَالَى قَالَ زَيْدٌ النَّسَّاجُ: فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ الْتَحَمَتْ وَهَذِهِ حَالُهَا فَقَالَ لِي: وَاللّه ِ إِنَّهَا كَانَتْ ضَرْبَةً مَهُولَةً أَعْظَمَ مِمَّا تَرَاهَا الآْنَ وَلَكِنَّهَا بَقِيَتْ مَوْعِظَةً لِمَنْ يَسْمَعُ وَيَرَى(2)

عن أبي الحسن عليّ بن الحسن بن الحجّاج من حفظه قال: كنا جلوسا في مجلس أبي عبداللّه محمّد بن عمران بن الحجّاج وفيه جماعة من أهل الكوفة من المشايخ وفيمن حضر العباس بن أحمد العباسي وكانوا قد حضروا عند ابن عمي يهنئونه بالسلامة لأنه حضر وقت سقوط سقيفة سيدي أبي عبد اللّه الحسين بن

ص: 156


1- . فانك نجوت بنفسك.
2- .بحار الأنوار: 42/334، ش22.

علي عليه السلام في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين ومائتين فبينا هم قعود يتحدثون إذ حضر إسماعيل بن عيسى العباسي فلما نظرت الجماعة إليه أحجمت عما كانت فيه وأطال إسماعيل الجلوس فلما نظر إليهم قال: يا أصحابنا أعزكم اللّه لعلي قطعت حديثكم بمجيئي قال أبو الحسن علي بن يحيى السليماني: وكان شيخ الجماعة ومقدما فيهم لا واللّه يا أبا عبد اللّه أعزك اللّه أمسكنا بحال من الأحوال فقال لهم: يا أصحابنا اعلموا أن اللّه عز وجل سائلي عما أقول لكم وما أعتقده من المذهب حتى حلف بعتق جواريه ومماليكه وحبس دوابه أنه لا يعتقد إلا ولاية علي بن أبي طالب عليه السلاموالسادات من الأئمة عليهم السلام وعدهم واحدا واحدا وساق الحديث فانبسط إليه أصحابنا وسألهم وسألوه ثمّ قال لهم: رجعنا يوم الجمعة من الصلاة من المسجد الجامع مع عمي داود فلما كان قبل منزلنا وقبل منزله وقد خلا الطريق قال لنا: أينما كنتم قبل أن تغرب الشمس فصيروا إلي ولا يكونن أحد منكم على حال فيتخلف وكان مطاعا لأنه كان جمرة بني هاشم فصرنا إليه آخر النهار وهو جالس ينتظرنا فقال: صيحوا بفلان وفلان من الفعلة فجاءه رجلان معهما آلتهما والتفت إلينا فقال: اجتمعوا كلكم فاركبوا في وقتكم هذا وخذوا معكم الجمل يعني غلاما كان له أسود يعرف بالجمل وكان لو حمل هذا الغلام على سِكْر دجلة لسكرها من شدته وبأسه وامضوا إلى هذا القبر الذي قد افتتن به الناس ويقولون إنه قبر علي حتى تنبشوه وتجيئوني بأقصى ما فيه فمضينا إلى الموضع فقلنا دونكم وما أمر به فحفر الحفارون وهم يقولون لا حول ولا قوة إلا باللّه في أنفسهم ونحن في ناحية حتى نزلوا خمسة أذرع فلما بلغوا إلى الصلابة قال الحفارون: قد بلغنا إلى موضع صلب وليس نقوى بنقره فأنزلوا الحبشي فأخذ المنقار فضرب ضربة فسمعنا طنينا

ص: 157

شديدا في البر ثم ضرب ثانية فسمعنا طنينا أشد من ذلك ثم ضرب الثالثة فسمعنا طنينا أشد مما تقدم ثم صاح الغلام صيحة فقمنا وأشرفنا عليه وقلنا للذين كانوا معه سلوه ما باله فلم يجبهم وهو يستغيث فشدوه وأخرجوه بالحبل فإذا على يده من أطراف أصابعه إلى مرفقه دم وهو يستغيث لا يكلمنا ولا يحير جوابا فحملناه على البغل ورجعنا طائرين فلم يزل لحم الغلام ينتشر من عضده وجسمه وسائر شقه الأيمن حتى انتهينا إلى عمي فقال: أيّ شيء وراءكم فقلنا: ماترى، وحدثناه بالصورة فالتفت إلى القبلة فتاب عما هو عليه ورجع عن المذهب فتولى وتبرأ وركب بعد ذلك في الليل إلى علي بن مصعب بن جابر فسأله أن يعمل على القبر صندوقا ولم يخبره بشيء مما جرى ووجه من طم الموضع وعمر الصندوق عليه ومات الغلام الأسود من وقته قال أبو الحسن بن الحجّاج: رأينا هذا الصندوق الذي هذا الصندوق الذي هذا حديثه لطيفا(1).

وما ظهر منه عليه السلام من هذا القبيل فوق حدّ الاحصاء ولا حاجة إلى الاطالة، فسبحان من آثرأولياءه بالكرامات الظاهرة والمعجزات القاهرة، وخصّهم بالمناقب السنيّة والمآثر الرفيعة.

«لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ»(2).

ولشيخنا البهائي قدّس اللّه روحه في مدح حرم الغري سلام اللّه على مشرّفه:

في ذا الحرم الأقدس بيت معمور *** في خدمته ملائك العرش حضور

فيه القبس الذي ابن عمران رأى *** فيه النور تجلّى للطور(3)

ص: 158


1- . الغارات ط - الحديثة: 2/870؛ فرحة الغري: 136؛ بحار الأنوار: 42/311، ش1.
2- .الأنفال: 42.
3- .منهاج البراعة للخوئي: 5/182.

وقال أيضاً:

هذا الحرم الأقدس قد لاح لديك *** فاسجد متخشّعاً وعفّر خدّيك

ذا طور سنين فاغضض الطرف به *** هذا حرم العزّة فاخلع نعليك(1)

وقال أيضاً:

هذا النبأ العظيم ما فيه خلاف *** هذا الملايك السماوات مطاف

هذا حرم اللّه لمن حجّ وطاف *** من حلّ به فهو من النار معاف(2)

ص: 159


1- .الكشكول للبهائي ترجمة كريم فيضي: 46؛ منهاج البراعة للخوئي: 5/182.
2- . منهاج البراعة للخوئي: 5/182.

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة (70) : ومن خطبة له عليه السلام في ذم أهل العراق وفيها يوبخهم على ترك القتال والنصر يكاد يتم ثم تكذيبهم له.

اشارة

أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَالْمَرْأَةِ الْحَامِلِ حَمَلَتْ فَلَمَّا أَتَمَّتْ أَمْلَصَتْ وَمَاتَ قَيِّمُهَا وَطَالَ تَأَيُّمُهَا وَوَرِثَهَا أَبْعَدُهَا. أَمَا وَاللّه ِ مَا أَتَيْتُكُمُ اخْتِيَاراً وَلَكِنْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ سَوْقاً وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ عَلِيٌّ يَكْذِبُ قَاتَلَكُمُ اللّه ُ تَعَالَى فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ أَعَلَى اللّه ِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ أَمْ عَلَى نَبِيِّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ كَلاّ وَاللّه ِ لَكِنَّهَا لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا وَلَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا وَيْلُ أُمِّهِ كَيْلاً بِغَيْرِ ثَمَنٍ لَوْ كَانَ لَهُ وِعَاءٌ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ.

رواه (الإرشاد) مع اختلاف وزيادات فقال: قال عليه السلام: يا أهل الكوفة أنتم كأمّ مجالد حملت فأملصت فمات قيّمها وطال تأيّمها وورثها أبعدها والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إن من ورائكم للأعور الأدبر(1) جهنم الدنيا لا يبقي ولا يذر ومن بعده النهاس الفراس(2) الجموع المنوع ثم ليتوارثنكم من بني أمية عدّة ما الآخر بأرأف بكم من الأوّل ما خلا رجلا واحدا(3) بلاء قضاه اللّه على هذه الأمّة لا محالة كائن

ص: 160


1- .يعني: الحجاج بن يوسف.
2- .كأنّه هشام بن عبدالملك.
3- .عمر بن عبدالعزيز.

يقتلون خياركم ويستعبدون أراذلكم ويستخرجون كنوزكم وذخائركم من جوف حجالكم نقمة بما ضيعتم من أموركم وصلاح أنفسكم ودينكم.

يا أهل الكوفة أخبركم بما يكون قبل أن يكون لتكونوا منه على حذر ولتنذروا به من اتعظ واعتبر كأني بكم تقولون إن عليا يكذب كما قالت قريش لنبيها وسيدها نبي الرحمة محمد بن عبد اللّه صلى الله عليه و آله حبيب اللّه فيا ويلكم أفعلى من أكذب أعلى اللّه فأنا أول من عبده ووحده أم على رسوله فأنا أول من آمن به وصدقه ونصره كلا واللّه ولكنها لهجة خدعة كنتم عنها أغنياء والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتعلمن نبأه بعد حين وذلك إذا صيركم إليها جهلكم ولا ينفعكم عندها علمكم(1).

أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ

قال الفيروزآبادي: العراق من عبادان إلى موصل طولا، ومن القادسيّة إلى حلوان عرضا، سمّيت بها لتواشج عراق النخل، والشجر فيها...(2)

وعن الأصمعي: أنّها معرّبة إيران شهر(3)، وقيل معرّبة إيراف بالفاء ومعناه مغيض الماء لأنّ دجلة والفرات وتامّرا تنصب من نواحي أرمينيّة وبند، من الروم إلى العراق، وبها يقرّ قرارها، وقيل: العراق بمعنى الاستواء، قال: «سياق من ليس له عراق» أي: استواء. والعراق مستوية خالية من جبال تعلو، وأودية تنخفض(4).

وقيل: إنّها بمعنى الشاطئ، والعراق على شاطئ دجلة والفرات(5). وقيل من

ص: 161


1- . الارشاد: 1/278؛ بحار الأنوار: 34/136.
2- .القاموس المحيط: 3/263، مادة عرق.
3- .معجم البلدان: 4/93.
4- . معجم البلدان: 4/94.
5- .معجم البلدان: 4/93.

عراق المزادة لكون العراق بين الريف والبر(1).

فَإِنَّمَا أَنْتُمْ

في ما فعلتم في صفين من الحرب حتّى ظهرت لكم آثار الغلبة، ثمّ انخذلتم بخدعة العدو. ثمّ اختلافكم، وخروج فرقة منكم على وليّكم، وإقراركم بالخسف في غارات العدو على بلادكم حتّى صاروا مستولين على بلادكم مضافاً إلى استقلالهم في بلادهم.

كَالْمَرْأَةِ الْحَامِلِ حَمَلَتْ فَلَمَّا أَتَمَّتْ

أيّام حملها.

أَمْلَصَتْ

أي اسقطت.

وَمَاتَ قَيِّمُهَا وَطَالَ تَأَيُّمُهَا

بقاؤها بلا قيّم بموت زوجها.

وَوَرِثَهَا أَبْعَدُهَا

حين موتها لعدم زوج وولد لها. ولمّا أراد معاوية أن يبعث جنداً لأخذ مصر

ص: 162


1- . بهج الصباغة: 6/236.

خطب أهل الشام، وقال: رأيتم كيف صنع اللّه لكم في حربكم هذه على عدوّكم ولقد جاءوكم وهم لا يشكّون أنّهم يستأصلون بيضتكم، ويجوزون بلادكم ما كانوا يرون إلا أنكم في أيديهم، فردهم اللّه بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفاكم مئونتهم، وحاكمتموهم إلى اللّه فحكم لكم عليهم. ثم جمع كلمتنا، وأصلح ذات بيننا، وجعلهم أعداء متفرقين يشهد بعضهم على بعض بالكفر، ويسفك بعضهم دم بعض(1).

وقد أخذ ابن كوجك الورّاق أو أبوه معنى كلامه عليه السلام: «أنتم كالمرأة الحامل» مع أدنى تصرّف، فقال:

وما ذات بعل مات عنها فجاءة *** وقد وجدت حملا دوين الترائب

بأرض نأت عن والديها كليهم *** تعاورها الورّاث من كلّ جانب

فلمّا استبان الحمل منها تنهنهوا*** تراث أبيه الميّت دون الأقارب

قليلاً وقد دبّوا دبيب العقارب *** فجائت بمولود غلام فحوزت

فلمّا غدا للمال ربّا ونافست *** لإعجابها فيه عيون الكواعب

وأصبح مأمولاً يخاف ويرتجى *** جميل المحيا ذا عذار وشارب

اتيح له عبل الذراعين محدر *** جريء على أقرانه غير هائب

فلم يبق منه غير عظم مجزّر *** وجمجمة ليست بذات ذوائب

بأوجع منّي يوم ولّت حدوجهم *** يؤمّ بها الحادون وادي غباغب(2)

هذا، وكان ابن هرمة جالساً على دكان من بني زريق وقال بيتا ثمّ انقطع عليه الرويّ، وبيته:

ص: 163


1- .الغارات ط - القديمة: 1/175؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/80.
2- . معجم الأدباء: 13/159.

فإنّك وأطّراحك وصل سعدى *** لاخرى في مودتها نكوب

فمرّت عليه جارية مليحة كان يستحسنها أبدا، ويكلّمها إذا مرّت به فرآها قد ورم وجهها واذناها، فسألها عن خبرها، فقالت: استعار لي أهلي حليّاً لأروح إلى عرس، فثقبوا اذني لألبسه، فورم وجهي واذناي كما ترى.

فردّوه ولم أشهد العرس، فاطّرد لابن هرمة الرويّ فقال:

كثاقبة لحلي مستعار *** باذنيها فشأنهما الثقوب

فردّد حليّ جارتها إليها *** وقد بقيت باذنيها ندوب(1)

أَمَا وَاللّه ِ مَا أَتَيْتُكُمُ اخْتِيَاراً وَلَكِنْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ سَوْقاً

فاضطرّ عليه السلام لأمر معاوية أن يأتي من البصرة إلى الكوفة، ولولاه لرجع.

وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَقُولُونَ عَلِيٌّ يَكْذِبُ قَاتَلَكُمُ اللّه ُ تَعَالَى فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ أَعَلَى اللّه ِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ أَمْ عَلَى نَبِيِّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ

قال ابن أبي الحديد: كان عليه السلام كثيرا ما يخبر عن الملاحم، والكائنات ويومئ إلى أمور أخبره بها رسول اللّه صلى الله عليه و آله فيقول المنافقون من أصحابه: يكذب كما كان المنافقون الأولون في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقولون عنه يكذب.

وإذا تأمّلت أحواله في خلافته كلّها وجدتها هي مختصرة من أحوال النبيّ صلى الله عليه و آله في حياته كأنّها نسخة منتسخة منها في حربه وسلمه، وسيرته وأخلاقه، وكثرة

ص: 164


1- .الأغاني: 5/143.

شكايته من المنافقين(1).

روى (صاحب الغارات) عن الأعمش عن رجاله قال: خطب علي عليه السلامفقال: «واللّه لو أمرتكم فجمعتم من خياركم مئة ثمّ لو شئت لحدّثتكم من غدوة إلى أن تغيب الشمس لا أخبرتكم إلاّ حقّا ثمّ لتخرجن فلتزعمن أني أكذب الناس وأفجرهم».

وروى هو وغيره أنّه عليه السلام قال: «إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يحمله إلاّ ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد امتحن اللّه قلبه للإيمان»(2).

وروى المدائني في كتاب صفين قال: خطب عليّ عليه السلام بعد النهروان فذكر طرفا من الملاحم قال: إذا كثرت فيكم الأخلاط، واستولت الأنباط، دنا خراب العراق. ذاك إذا بنيت مدينة ذات أثل وأنهار، فإذا غلت فيها الأسعار، وشيد فيها البنيان، وحكم فيها الفساق، واشتد البلاء، وتفاخر الغوغاء، دنا خسوف البيداء، وطاب الهرب والجلاء، وستكون قبل الجلاء أمور يشيب منها الصغير، ويعطب الكبير، ويخرس الفصيح ويبهت اللبيب، يعاجلون بالسيف صلتا، وقد كانوا قبل ذلك في غضارة من عيشهم يمرحون، فيا لها من مصيبة حينئذ من البلاء العقيم، والبكاء الطويل، والويل والعويل، وشدة الصريخ، ذلك أمر اللّه وهو كائن وفناء سريع.

فيا ابن خيرة الآباء متى تنتظر أبشر بنصر قريب من رب رحيم ألا فويل للمتكبّرين عند حصاد الحاصدين، وقتل الفاسقين، عصاة ذي العرش العظيم فبأبيوأمي من عدة قليلة أسماؤم في الأرض مجهولة قد دنا حينئذ ظهورهم ولو شئت

ص: 165


1- .شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/128 و129.
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/128.

لأخبرتكم بما يأتي، ويكون من حوادث دهركم، ونوائب زمانكم، وبلايا أيّامكم، وغمرات ساعاتكم، ولكنه أفضيه إلى من أفضيه إليه مخافة عليكم، ونظرا لكم، علما منّي بما هو كائن وما يكون من البلاء الشامل.

ذلك عند تمرّد الأشرار، وطاعة أولي الخسار ذاك أوان الحتف والدمار ذاك أدبار أمركم، وانقطاع أصلكم، وتشتت ألفتكم، وإنّما يكون ذلك عند ظهور العصيان، وانتشار الفسوق حيث يكون الضرب بالسيف أهون على المؤمنين من اكتساب درهم حلال، حين لا تنال المعيشة إلاّ بمعصية اللّه في سمائه، حين تسكرون من غير شراب، وتحلفون من غير اضطرار، وتظلمون من غير منفعة، وتكذبون من غير إحراج، تتفكهون بالفسوق، وتبادرون بالمعصية.

قولكم البهتان، وحديثكم الزور، وأعمالكم الغرور، فعند ذلك لا تأمنون البيات.

فيا له من بيات ما أشدّ ظلمته، ومن صائح ما أفظع صوته، ذلك بيات لا ينمي صاحبه، فعند ذلك تقتلون، وبأنواع البلاء تضربون، وبالسيف تحصدون، وإلى النار تصيرون، ويعضكم البلاء كما يعض الغارب القتب(1).

يا عجبا كلّ العجب بين جمادى ورجب، من جميع أشتات، وحصد نبات، ومن أصوات بعدها أصوات.

ثم قال: سبق القضاء سبق القضاء، قال رجل من أهل البصرة لرجل من أهل الكوفة إلى جانبه: أشهد أنّه كاذب على اللّه ورسوله.

قال الكوفي: وما يدريك؟ قال: فو اللّه ما نزل عليه السلام عن المنبر حتّى فلج الرجل

ص: 166


1- .الغارب هنا: كاهل البعير. والقتب: رحل صغير على قدر السنام، والكلام هنا جار على المثل.

فحمل إلى منزله في شق محمل فمات من ليلته(1).

وروى المدائني أيضاً: أنّ عليّاً عليه السلام خطب فذكر الملاحم فقال: سلوني قبل أن تفقدوني، أما واللّه لتشغرنّ الفتنة الصمّاء برجلها، وتطافي خطامها، يا لها من فتنة شبّت نارها بالحطب الجزل، مقبلة من شرق الأرض، رافعة ذيلها، داعية ويلها، بدجلة أو حولها، ذاك إذا استدار الفلك، قلتم مات أو هلك، بأيّ واد سلك. فقال قوم تحت منبره: للّه أبوه ما أفصحه كاذبا(2).

وروى المدائني أيضا قال: خطب علي عليه السلام فقال: لو كسرت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم وما من آية في كتاب اللّه أنزلت في سهل أو جبل إلا وأنا عالم متى أنزلت وفيمن أنزلت فقال رجل من القعود تحت منبره: يا للّه وللدعوى الكاذبة وقال آخر إلى جانبه: أشهد أنك أنت اللّه رب العالمين.

قال المدائني: فانظر إلى هذا التناقض والتباين فيه(3).

وروى صاحب (الغارات) عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِاللّه ِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَمعتُ عليّاً عليه السلام يَقول على المنبر: مَا أَحَدٌ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمَوَاسِي إِلاّ وَقَدْ أَنْزَلَ اللّه ُ فِيهِ قُرْآناً. فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يا أميرالمؤمنن فَمَا أَنْزَلَ اللّه ُ تَعَالَى فِيكَ - يريد تكذيبه - فَقَامَ النَّاسُ يلكزونه في صدره وجنبه. فَقَالَ: دَعُوهُ، أَتَقْرَأُ سُورَةَ هُودٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قالَ أقرأت قوله سبحانه: «أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ»(4).

ص: 167


1- .شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/134.
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/136.
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/136.
4- . هود: 17.

قال: نعم، قال: صاحب البيّنة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والتالي الشاهد أنا(1).

وقال المفيد: رَوَى عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: حَدَّثَنِي مزرع بْنُ عَبْدِاللّه ِ قَالَ: سَمِعْتُ عليّاً عليه السلام يَقُولُ: أم واللّه لَيُقْبِلَنَّ جَيْشٌ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءِ(2) خُسِفَ بِهِمْ. فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ لَتُحَدِّثُنِي بِالْغَيْبِ؟ قَالَ: احْفَظْ مَا أَقُولُ لَكَ. وَاللّه ِ لَيَكُونَنَّ مَا أَخْبَرَنِي بِهِ أَمِيرُالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَلَيُؤخَذَنَّ رَجُلٌ فَلَيُقْتَلَنَّ وَلَيُصَلَّبَنَّ بَيْنَ شُرْفَتَيْنِ مِنْ شُرَفِ هَذَا الْمَسْجِدِ. قُلْتُ: إِنَّكَ لَتُحَدِّثُنِي بِالْغَيْبِ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْنَا جُمُعَةٌ حَتَّى أُخِذَ مزرع فَقُتِلَ وَصُلِبَ بَيْنَ الشُّرْفَتَيْنِ قَالَ وَقَدْ كَانَ حَدَّثَنِي بِثَالِثَةٍ فَنَسِيتُهَا(3).

وعن الطبراني في (أوسطه) وأبي نعيم في (دلائله) عن زاذان، أنّ عليّاً حدّث بحديث فكذّبه رجل، فقال له عليّ عليه السلام: ادعو عليك إن كنت كاذباً، قال: ادع، فدعا عليه، فلم يبرح حتّى ذهب بصره(4).

ثمّ انّ (ابن أبي الحديد) لم يفد كون أحواله عليه السلام مختصرة من أحوال النبيّ صلى الله عليه و آله بزمان خلافته عليه السلام بل كان كذلك في خلافته، وفي أيّام الثلاثة.

فعاملوه عليه السلام في أيّامهم معاملتهم النبيّ صلى الله عليه و آله في أوّل أمره، وعاملوه في خلافته عليه السلام معاملتهم النبيّ صلى الله عليه و آله بعد اقتداره حتّى أنّهم كما حجروا النبيّ صلى الله عليه و آله عن

ص: 168


1- .شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/136.
2- . البيداء: اسم لأرض ملساء بين مكّة ومدينة وهي إلى مكّة أقرب. معجم البلدان: 1/523.
3- .الارشاد: 1/326؛ بحار الأنوار: 41/285، ح5.
4- . تاريخ الخلفاء السيوطي: 197؛ ذخائر العقبى: 97.

الوصيّة، اضطروه عليه السلام إلى أن يخفي قبره مدّة(1).

ثمّ كونه عليه السلام أوّل من آمن باللّه، وصدق رسوله من البديهيّات، كادّعاء النبيّ صلى الله عليه و آله النبوّة، ومع ذلك شكك اخواننا فيه كما شككوا في يوم الغدير مع كونه من المتواترات كما التزموا في دينهم بالمتناقضات.

عن سلمان رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: أوّلكم وارداً على الحوض أوّلكم اسلاماً عليّ بن أبي طالب(2).

عن ابن عبّاس (قال): إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: إنّ أوّل من صلّى معي عليّ(3).

قال عليّ عليه السلام: أنا عبداللّه وأخو رسول اللّه وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب مفتر، ولقد صلّيت مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل الناس بسبع سنين وأنا أوّل من صلّى معه(4).

ومن خطبة للإمام الحسن السبط عليه السلام في مجلس معاوية: أنشدكم اللّه هل تعلمون أنّه أوّل الناس إيمانا(5).

عن أنس قال: نبّئ النبيّ صلى الله عليه و آله يوم الاثنين وأسلم عليّ يوم الثلاثاء(6)

عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَقُولُ: كُفُّوا عَنْ ذِكْرِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّه صلى الله عليه و آله يَقُولُ: فِي عَلِيٍّ ثَلاثُ خِصَالٍ

ص: 169


1- .بهج الصباغة: 6/241.
2- .المستدرك الحاكم النيسابوري: 3/136؛ تاريخ بغداد: 2/79، ح459.
3- . فرائد السمطين: 1/245، الباب السابع والأربعون، ح190.
4- .سنن ابن ماجة: 1/44، ح120؛ خصائص أميرالمؤمنين عليه السلام النسائي: 46؛ تاريخ الطبري: 2/56؛ الكامل لابن الأثير: 2/57.
5- .شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/288.
6- .المستدرك الحاكم النيسابوري: 3/112.

وَدِدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَوَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ كُنْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَنَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه و آله إِذْ ضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَلَى كَتِفِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ أَنْتَ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ إِسْلاماً وَأَنْتَ أَوَّلُ الْمُؤمِنِينَ إِيمَاناً وَأَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى(1).

عن عليّ عليه السلام: لقد صلّيت قبل أن يصلّي الناس سبعاً(2).

قال المأمون: يا اسحاق! أيّ الأعمال كانت أفضل يوم بَعث اللّه رسوله؟ قلت: الإخلاص بالشهادة.

قال: أليس السبق إلى الإسلام؟ قلت: نعم، قال: أقرأ ذلك في كتاب اللّه تعالى يقول: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» إنّما عنى من سبق إلى الإسلام، فهل علمت أحداً سبق عليّاً إلى الإسلام؟ قلت: إنّ عليّاً أسلم وهو حديث السن لا يجوز عليه الحكم، وأبوبكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم، قال: أخبرني أيّهما أسلم قبل؟ ثمّ أناظرك من بعده في الحداثة والكمال. قلت: عليّ أسلم قبل أبي بكر على هذه الشريطة. فقال: نعم، فأخبرني عن إسلام عليّ حين أسلم لا يخلو من أن يكون رسول اللّه صلى الله عليه و آله دعاه إلى الإسلام أو يكون إلهاماً من اللّه؟ قال: فاطرقت. فقال لي: يا إسحاق، لا تقل إلهاماً فتُقدّمه على رسول اللّه صلى الله عليه و آله، لأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم يعرف الإسلام حتّى أتاه جبريل عن اللّه تعالى. قلت: أجل، بل دعاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى الإسلام. قال: يا إسحاق، فهل يخلو رسول اللّه صلى الله عليه و آله حين دعاه إلى الإسلام من أن يكون دعاه بأمر اللّه أو تكلّف ذلك من نفسه؟ قال: فأطرقت.

ص: 170


1- .كشف الغمّة ط - القديمة: 1/86؛ بحار الأنوار: 38/246.
2- . مسند أحمد: 1/99.

فقال: يا إسحاق، لا تنسب رسول اللّه إلى التكلّف، فإنّ اللّه يقول: «وما أنا من المتكلّفين» قلت: أجل، بل دعاه بأمر اللّه. قال: فهل من صفة الجبّار جلّ ذكره أن يُكلّف رسله دعاء من لا يجوز عليه حُكم؟ قلت: أعوذ باللّه! فقال: أفتراه في قياس قولك يا إسحاق؟ إنّ عليّاً أسلم صبيّاً لا يجوز عليه الحكم قد تكلّف رسول اللّه صلى الله عليه و آلهمن دعاء الصبيان ما لا يطيقون، فهل يدعوهم الساعة ويرتدون بعد ساعة، فلا يجب عليهم في ارتدادهم شيء ولا يجوز عليهم حكم الرسول عليه السلام؟ أترى هذا جائزاً عندك أن تنسبه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله؟! قلت: أعوذ باللّه - الحديث -(1) .

وقال أبو جعفر الإسكافي المعتزلي المتوفى 240 في رسالته: قد روى الناس كافة إفتخار عليّ عليه السلام بالسبق إلى الاسلام، وإنّ النبيّ صلى الله عليه و آله استنبئ يوم الاثنين وأسلم عليّ يوم الثلاثاء وإنّه كان يقول: صلّيت قبل الناس سبع سنين وإنّها ما زال يقول: أنا أوّل من أسلم ويفتخر بذلك ويفتخر به أولياؤه ومادحوه وشيعته في عصره وبعد وفاته والأمر في ذلك أشهر من كلّ شهير، وقد قدمنا منه طرفاً وما علمنا أحداً من الناس فيما خلا استخفّ بإسلام عليّ عليه السلام ولا تهاون به، ولا زعم أنّه أسلم إسلام حدث غرير وطفل صغير، ومن العجب أن يكون مثل العبّاس وحمزة ينتظران أبا طالب وفعله ليصدوا عن رأيه، ثمّ يخالفه عليّ ابنه لغير رغبة ولا رهبة...(2)

قال تعالى: «وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً»(3).

وقال تعالى: «إِنِّي عَبْدُ اللّه ِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً»(4).

ص: 171


1- .العقد الفريد: 2/261.
2- . الغدير: 3/237.
3- . مريم: 12.
4- . مريم: 30.

قال النبيّ صلى الله عليه و آله يوم الدار: وقد جمع بني عبد المطلب خاصة فيها للإنذار من يؤزرني على هذا الأمر يكن أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي فقام إليه أميرالمؤنين علي عليه السلام من بين جماعتهم وهو أصغرهم يومئذ سنا فقال أنا أؤزرك يا رسول اللّه فقال له النبي صلى الله عليه و آله اجلس فأنت أخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي(1).

كَلاّ وَاللّه ِ لَكِنَّهَا لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا وَلَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا وَيْلُ أُمِّهِ كَيْلاً بِغَيْرِ ثَمَنٍ لَوْ كَانَ لَهُ وِعَاءٌ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ

أي: إذا وقع ما أخبرتكم به تعلمون صدقي.

روى الصدوق مسنداً عن هرثمة بن مسلم قال: غزونا مع علي بن أبي طالب عليه السلامصفّين فلمّا انصرفنا نزل كربلاء فصلى بها الغداة ثمّ رفع إليه من تربتها فشمّها ثم قال: واها لك أيتها التربة ليحشرنّ منك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب.

فلمّا رجعت أخبرت زوجتي وكانت شيعة لعلي عليه السلام فقالت: إنّ أميرالمؤمنين عليه السلام لم يقل إلاّ حقّاً.

فلمّا قدم الحسين عليه السلامكنت في البعث الذين بعثهم عبيداللّه بن زياد فلما رأيت المنزل والشجر ذكرت الحديث. فجلست على بعيري، ثمّ صرت إلى الحسين عليه السلام فسلّمت عليه فأخبرته بما سمعت من أبيه في ذلك المنزل الذي نزل به الحسين عليه السلام فقال: معنا أنت أو علينا؟ فقلت: لا معك ولا عليك خلّفت صبية أخاف عليهم عبيداللّه بن زياد فقال: فامض حيث لا ترى لنا مقتلا، ولا تسمع لنا صوتا فو الذي

ص: 172


1- .الإرشاد: 1/7.

نفس الحسين بيده لا يسمع اليوم واعيتنا أحد فلا يعيننا إلاّ أكبّه اللّه لوجهه في جهنم(1).

وقد أخبر عليه السلام بالنساء العاريات اللاتي ظهرن في عصرنا.

روى الأصبغ عن أميرالمؤمنين عليه السلام في آخر الزمان واقتراب الساعة وهو شرّ الأزمنة نسوة كاشفات عاريات، متبرّجات (خارجت) من الدين، داخلات في الفتن، مائلات إلى الشهوات، مسرعات إلى اللذات، مستحلاّت للمحرّمات، في جهنّم خالدات(2).

ص: 173


1- .الأمالي للصدوق: 136، م28، ح6؛ بحار الأنوار: 44/256، ح4.
2- .من لا يحضره الفقيه: 3، ص390، ح4374.

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة (71) : ومن خطبة له عليه السلام علم فيها الناس الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله وفيها بيان صفات اللّه سبحانه وصفة النبي والدعاء له:

اشارة

اللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ وَدَاعِمَ الْمَسْمُوكَاتِ وَجَابِلَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ وَنَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ وَالْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ وَالدَّافِعِ جَيْشَاتِ الْأَبَاطِيلِ وَالدَّامِغِ صَوْلاتِ الْأَضَالِيلِ كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ وَلا وَاهٍ فِي عَزْمٍ وَاعِياً لِوَحْيِكَ حَافِظاً لِعَهْدِكَ مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ حَتَّى أَوْرَى قَبَسَ الْقَابِسِ وَأَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ وَهُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ وَالاْثَامِ وَأَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الْأَعْلامِ وَنَيِّرَاتِ الْأَحْكَامِ فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ وَخَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ وَبَعِيثُكَ بِالْحَقِّ وَرَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهُ مَفْسَحاً فِي ظِلِّكَ وَاجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ اللَّهُمَّ وَأَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَهُ وَأَكْرِمْ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَهُ وَأَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ وَاجْزِهِ مِنِ ابْتِعَاثِكَ لَهُ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ مَرْضِيَّ الْمَقَالَةِ ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ وَخُطَّةٍ فَصْلٍ اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي بَرْدِ الْعَيْشِ

ص: 174

وَقَرَارِ النِّعْمَةِ وَمُنَى الشَّهَوَاتِ وَأَهْوَاءِ اللَّذَّاتِ وَرَخَاءِ الدَّعَةِ وَمُنْتَهَى الطُّمَأْنِينَةِ وَتُحَفِ الْكَرَامَةِ

ومن خطبة له عليه السلام علم فيها الناس

عن أبي سلام الكندي قال: كان عليّ عليه السلام يعلّمنا الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله(1) هكذا.

الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله

قد روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله نفسه تعليم الصلاة عليه صلّى اللّه عليه وآله أيضاً.

روى الخطيب في إسماعيل بن زكريا مسنداً عنه من الأعمش ومسعر ابن كلام ومالك بن مغول، كلّهم عن الحكم بن عتيبة عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجر عن النبيّ صلى الله عليه و آله في الصلاة عليه: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم، إنّك حميد مجيد. اللهمّ بارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم، إنّك حميد مجيد(2).

وروى في يوسف بن نفس عن عليّ عليه السلام قال: قالوا: يا رسول اللّه كيف نصلّي عليك؟ قال: قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم، إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد(3).

وروى في الحسين بن نصر باسناده عنه باسناده عن بريدة الخزاعي، قال: قلنا:

ص: 175


1- .الغارات ط - القديمة: 94؛ بحار الأنوار: 91/84، ش4.
2- . تاريخ بغداد: 6/213.
3- .تاريخ بغداد: 14/305.

يا رسول اللّه قد علمنا كيف السلام عليك، فكيف الصلاة عليك، قال: قولوا: اللهمّ اجعل صلاتك ورحمتك على محمّد وآل محمّد كما جعلتها على آل إبراهيم إنّك حميد مجيد(1).

وروى ابن المغيرة عن أبي الحسن عليه السلام قال: ومن سرّ آل محمّد عليهم السلام في الصلاة على النبيّ وآله: اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد في الأوّلين، وصلّ على محمّد وآل محمّد في الآخرين، وصلّ على محمّد وآل محمّد في الملأ الأعلى، وصلّ على محمّد وآل محمّد في المرسلين. اللهمّ اعط محمّداً الوسيلة والشرف والفضيلة، والدرجة الكبيرة. اللهمّ إنّي آمنت بمحمّد صلّى اللّه عليه وآله ولم أره - الحديث(2).

اللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ

قوله عليه السلام: «اللهمّ داحي المدحوات» مأخوذ من قوله تعالى: «وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا»(3).

وقال تعالى: «وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ»(4).

وقال تعالى: «وَاللّه ُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطاً»(5).

وقال تعالى : «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً»(6).

ص: 176


1- .تاريخ بغداد: 8/137.
2- . ثواب الأعمال: 156، ح1.
3- .النازعات: 30.
4- .الذاريات: 47 - 48.
5- .نوح: 19.
6- . البقرة: 22.

وفي حديث عليّ عليه السلام: اللهمّ داحي المدحوّات المدحوّات: الأرضون. وروي: المدحيّات(1).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم: سمّيت مكّة أمّ القرى لأنّها أوّل بقعة خلقها اللّه من الأرض لقوله: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً»(2).

سأل الشامي أميرالمؤمنين عليه السلام: لِمَ سمّيت مكّة أمّ القرى؟ قال عليه السلام: لأنّ الأرض دحيت من تحتها.

وسأل عن أوّل بقعة بسطت من الأرض أيّام الطوفان؟ فقال له: موضع الكعبة وكانت زبرجدة خضراء(3).

بيان: لعلّ المراد بأيّام الطوفان أيّام تموج الماء واضطرابه قبل خلق الأرض(4).

سُئل أميرالمؤمنين عليه السلام لِمَ سمّيت مكّة؟ قال: لأنّ اللّه مكّ الأرض من تحتها أي دحاها(5).

عن ابن سنان عن الرضا عليه السلام علّة وضع البيت وسط الأرض أنّه الموضع الذي من تحته دُحيت الأرض الحديث(6).

عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إنّ اللّه خلق البيت قبل الأرض ثمّخلق اللّه الأرض من بعده فدحاها من تحته(7).

ص: 177


1- .النهاية: 2/106.
2- .آل عمران: 96.
3- .علل لاشرايع: 2/593 و595، ح44؛ بحار الأنوار: 54/64، ح35.
4- . بحار الأنوار: 54/66.
5- .بحار الأنوار: 54/64، ح36.
6- . عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2/90، ح1؛ بحار الأنوار: 54/64، ح38.
7- .علل الشرايع: 2/399، ح2؛ بحار الأنوار: 54/65، ح39.

وَدَاعِمَ

أي رافع.

الْمَسْمُوكَاتِ

أي: المرتفعات، والمراد بالمسموكات: السماوات، كما أنّ المراد بالمدحوّات: الأرضون، قال تعالى: «أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا»(1).

والمراد بدعمها: رفعها بقوى هي كالعماد، قال تعالى: «... رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا...»(2).

وقال تعالى : «إِنَّ اللّه َ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولاَ وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً»(3).

وَجَابِلَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا

قال تعالى: «فِطْرَةَاللّه ِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّه ِ»(4).

وقال تعالى: «فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ»(5).

وقال تعالى: «قَالُوا لَنْ نُؤثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا»(6).

وقال تعالى: «وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»(7).

وقال تعالى: «قَالَ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ»(8).

ص: 178


1- .النازعات: 27 - 28.
2- .الرعد: 2.
3- .فاطر: 41.
4- . الروم: 30.
5- . الإسراء: 51.
6- . طه: 72.
7- . يس: 22.
8- . الأنبياء: 56.

وقال تعالى: «إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ»(1).

عن النبيّ صلى الله عليه و آله: كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يكون أبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه(2).

شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا

قال تعالى: «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا»(3).

وقال تعالى: «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً»(4).

زاد الحسن بن عرفة في روايته على شقيّها وسعيدها: «وغويّها ورشيدها»(5).

اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ وَنَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ قال تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِالْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا»(6).

وقال تعالى: «فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى»(7).

قال تعالى: «الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً»(8).

وقال تعالى: «وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ»(9).

ص: 179


1- . الزخرف: 27.
2- .عوالي اللئالي: 1/35، ح18؛ بحار الأنوار: 3/281، ح22.
3- . الشمس: 7 - 8.
4- . الانسان: 3.
5- .بحار الأنوار: 74/297، ح5.
6- . الإسراء: 1.
7- . النجم: 10.
8- . الكهف: 1.
9- . البقرة: 23.

ظاهر كون العبوديّة جهة لاستحقاق الرحمة واعلم انّ معرفة حقيقة العبوديّة اضيق مجالاً وارفع منالاً وأبعد غوراً وقد كشف الإمام الناطق ذو الزمام السابق أبو عبداللّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام عن حقيقتها فقال عليه السلام : العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة فما فقد من العبوديّة وجد في الربوبيّة وما خفى عن الربوبيّة اصيب في العبوديّة، قال اللّه عزّ وجلّ: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الاْفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»(1) أي موجود في غيبتك وفي حضرتك وتفسير العبوديّة بذل الكل (الكلّيّة) وسبب ذلك منع النفس عمّا تهوى وحملها على ما تكره ومفتاح ذلك ترك الراحة وحبّ العزلة وطريقه الافتقار إلى اللّه قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: اعبد اللّه كأنّك تراه فان لم تكن تره فانّه يراك وحروف العبد ثلاثة ع ب د فالعين علم باللّه والباء بونه عمّن سواه والدال دنوّه من اللّه بلا كيف ولا حجاب(2).

واصول المعاملات تقع على أربعة أوجه معاملة اللّه ومعاملة النفس ومعاملة الخلق ومعاملة الدنيا وكلّ وجه منها منقسم على سبعة أركان امّا أصول معاملة اللّه فسبعة أشياء: أداء حقّه وحفظ حدّه وشكر عطائه والرضا بقضائه والصبر على بلائه وتعظيم حرمته والشوق إليه. وأُصول معاملة النفس سبعة: الجهد والخوف وحمل الأذى والرياضة وطلب الصدق والاخلاص واخراجها من محبوبها وربطها في الفقر. وأُصول معاملة الخلق سبعة: الحلم والعفو والتواضع والسخاء والشفقة والنصح والعدل والانصاف. وأُصول معاملة الدنيا سبعة: الرضا بالدون والإيثار بالموجود وترك طلب المفقود والكثرة واختيار الزهد ومعرفة آفاتها

ص: 180


1- . فصّلت: 53.
2- . مصباح الشريعة: 7.

ورفض شهواتها مع رفض الرياسة فاذا حصلت هذه الخصال بحقّها في نفسها فهو من خاصّة اللّه وعباده المتّقين وأوليائه حقّا(1).

قال الصادق عليه السلام: وحروف العبد ثلاثة: العين، والباء والدال، فالعين علمه باللّه تعالى، والباء بونه عمّا سواة، والدال دنوه من اللّه بلا كيف ولا حجاب(2).

يعي أنّ العبد لا يكون كامل العبوديّة إلاّ إذا كان عارفاً باللّه سبحانه قريباً منه بالقرب المعنوي وبايناً من الخلق بأن يكون فيهم ولا يكون منهم، وذلك مستلزم لاستغراقه في طاعة معبوده إذ لولاه لما حصل التقرّب ولا يتحصّل معنى العبوديّة. ومن هنا قيل: إنّ حقيقة العبوديّة عنوان ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله اللّه إليه ملكا لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك يرون المال مال اللّه يضعونه حيث أمرهم اللّه، ولا يدبّر العبد لنفسه تدبيرا، ويكون جملة اشتغاله فيما أمره اللّه تعالى به ونهاه عنه، فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوّله اللّه تعالى ملكا هان عليه الإنفاق وإذا فوض العبد نفسه على مدبّرها هانت عليه مصائب الدنيا وإذا اشتغل العبد بما أمره اللّه تعالى ونهاه لا يتفرّغ منهما إلى المراء والمباهاة مع الناس.

فإذا أكرم اللّه العبد بهذه الثلاث هانت عليه الدنيا ولا يطلب الدنيا تكاثرا وتفاخراً ولا يطلب عند الناس عزّا وعلوّا ولا يدع أيامّه باطلة(3).

فيكون تاركاً لدنياه وفارغاً لطاعة مولاه، فاذا وصل العبد إلى هذا المقام انكشفت له الحجابات الغيبيّة وأدركته الألطاف الربّانيّة، وتحصّل له معنى العبوديّة«وهي ظ» جوهرة كنهها الربوبيّة، ويصير مظهراً لصفات الكمال ومصدراً لنعوت الجلال.

ص: 181


1- . مصباح الشريعة: 5.
2- .مصباح الشريعة: 8.
3- . مشكاة الأنوار: 327؛ بحار الأنوار: 1/225.

وإلى هذا المعنى ينظر الحديث القدسي: إنّ عبدي ليتقرّب إليّ بالنافلة حتّى احبّه فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته(1).

ولمّا كان هذا المعنى غاية الكمال وصف اللّه سبحانه جملة من أوليائه المقرّبين في كتابه المجيد بذلك فقال: سُبْحَانَ

الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»(2) وقال: «عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا»(3) وقال: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ»(4) إلى غير هذا.

في بعض مناجاة أميرالمؤمنين عليه السلام لربّه: كفى بي عزّاً أن تكون لي ربّاً وكفى بي فخراً أن أكون لك عبداً(5).

وَرَسُولِكَ

قال تعالى: «وَاللّه ُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ»(6).

وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ»(7).

وقال تعالى: «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى»(8).

ص: 182


1- . المؤمن: 32، ص62؛ الكافي: 2/352، ح7؛ بحار الأنوار: 72/155، ح25.
2- . الإسراء: 1.
3- .الكهف: 65.
4- .ص: 30.
5- .تنبيه الخواطر ونزهة النواظر مجموعة ورّام: 2/111؛ بحار الأنوار: 91/92، ح6.
6- .المنافقون: 1.
7- .المائدة: 67.
8- .النجم: 3 - 4.

الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ

من الأنبياء عليهم السلام.

قال تعالى: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ»(1).

وقال تعالى: «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللّه ِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ»(2).

وَالْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ

من البلايا، قال تعالى: «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ»(3).

وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ

زاد في رواية الحسن بن عرفة «الناطق بالصدق»(4).

قال تعالى: «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى»(5).

وَالدَّافِعِ جَيْشَاتِ الْأَبَاطِيلِ

التي حصلت من الجاهليّة.

قال تعالى: «طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى»(6).

ص: 183


1- . آل عمران: 144.
2- . الٔراف: 157.
3- .الأعراف: 157.
4- .بحار الأنوار: 74/297، ح5.
5- .النجم: 3 - 4.
6- .طه: 1 - 2.

وقال تعالى: «فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ»(1).

وقال تعالى: «لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ»(2).

وقال تعالى: «وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً»(3).

وَالدَّامِغِ

دمغ، أي: شجّ حتّى بلغت الشجّة الدماغ.

صَوْلاتِ الْأَضَالِيلِ

وفي رواية ابن عرفة: «هيشات الأضاليل»(4). هاش هيشا، أي: تحرّك وماج، وهو أقرب لفظا.

عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام، عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال: إنّ اللّه اختار من الأنبياء أربعة للسيف إبراهيم وداود وموسى وأنا(5).

كَمَا حُمِّلَ فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ وَلا وَاهٍ فِي عَزْمٍ

وكيف يكون واهياً في عزم وهو أشرف أولي العزم من الرسل، وطلب منه قريش أن يصرف عن عزمه، ويملّكوه عليهم، فقال: لو قدروا أن يجعلوا الشمس

ص: 184


1- .فاطر: 8.
2- .الأنفال: 8.
3- .الإسراء: 81.
4- . بحار الأنوار: 74/297، ح5.
5- . الخصال: 1/225، ح58؛ بحار الأنوار: 13/6، ح3.

في يميني والقمر في يساري ما صرفت عن عزمي(1).

وَاعِياً لِوَحْيِكَ حَافِظاً لِعَهْدِكَ

لا كادم عليه السلام، حيث قال تعالى فيه: «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً»(2).

مَاضِياً عَلَى نَفَاذِ أَمْرِكَ

حتّى قال: أوّل ربا أضعه من ربا الجاهليّة ربا عمّي العبّاس، وأوّل دم أبطله دم ابن عمّي ربيعة(3).

ولمّا استشفع قريش إليه في ترك قطع يد مخزوميّة سرقت بأسامة لكونه حبّه، قال له: أتشفع في حدّ من حدود اللّه لا شفاعة في حدّ(4).

وَأَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الْأَعْلامِ وَنَيِّرَاتِ الْأَحْكَامِ

في ما أتي به من السنن، وفي باب صيام ثلاثة أيّام روى عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال: عرضت عليّ أعمال أُمّتي فوجدت في أكثرها خللا ونقصاناً، فجعلت في كلّ فريضة مثليها نافلة، ليكون من أتى بذلك قد حصلت له الفريضة، لأنّ اللّه تعالى يستحيي أن يعمل له العبد عملاً فلا يقبل منه الثلث، ففرض اللّه تعالى الصلاة في كلّ

ص: 185


1- .تفسير القمي: 2/228؛ بحار الأنوار: 18/182، ح12.
2- . طه: 115.
3- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/126؛ بحار الأنوار: 73/349.
4- .صحيح مسلم: 5/114؛ السنن الكبرى للبيهقي: 8/253.

يوم وليلة سبع عشرة ركعة، وسنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أربعاً وثلاثين ركعة، وفرض اللّه صيام شهر رمضان في كلّ سنة، وسنّ النبيّ صلى الله عليه و آله صيام ستّين يوماً في السنة...(1) ومراده من صوم ستّين: صوم شعبان، وصيام ثلاثة في كلّ عشرة أشهر أخرى.

فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ

قال تعالى فيه: «وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى»(2).

كان صلى الله عليه و آله مشتهراً بمحمّد الأمين، ولمّا تشاحّت قريش في وضع الحجر عند بنائهم البيت، وكان عبدالدار، وعدي من قريش ملئوا جفنة دما وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم وتعاقدوا على الموت فسمّوا: لعقة الدم، ومكثوا أربع ليال على ذلك في التصدّي لوضع الحجر، فأصلح بينهم أبو أميّة بن المغيرة بحكميّة أوّل داخل، فكان النبيّ أوّل داخل، فلمّا رأوه قالوا: قد رضينا بك يا محمّد الأمين، فأمر بثوب فبسط ووضع الحجر، ثمّ أمر كلّ فخذ أن يأخذ جانباً، فرفعوه وأخذه النبيّ صلى الله عليه و آله ووضعه(3).

وَخَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ

قال تعالى: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاَتِ رَبِّهِم»(4).

ص: 186


1- . المقنعة: 368؛ وسائل الشيعة: 10/426، ح13761 - 27.
2- .النجم: 3 - 4.
3- . السيرة النبويّة لابن هشام: 1/127؛ تاريخ الطبري: 2/41.
4- .الجن: 26 - 28.

عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: مِنْ مَخْزُونِ عِلْمِ اللّه ِ الاْءِتْمَامُ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ حَرَمِ اللّه ِ عزّ وجلّ وَحَرَمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله وَحَرَمِ أَمِيرِالْمُؤمِنِينَ عليه السلام وَحَرَمِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهماالسلام(1).

روى سدير قال: سمعت حمران بن أعين يسأل عن أبي جعفر عليه السلام ويقول أرأيت قوله: «عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً»، فقال له أبو جعفر عليه السلام: «إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً» وكان واللّه محمّد ممّن ارتضى وأما قوله: «عالِمُ الْغَيْبِ» فإن اللّه تبارك وتعالى عالم بما غاب عن خلقه ممّا يقدر من شيء ويقضيه في علمه فذلك يا حمران علم موقوف عنده إليه فيه المشية فيقضيه إذا أراد ويبدو له فيه فلا يمضيه، فأمّا العلم الذي يقدره اللّه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ثم إلينا(2).

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللّه ِ عليه السلام قَالَ: إِنَّ للّه ِِ عِلْمَيْنِ عِلْمٌ مَكْنُونٌ مَخْزُونٌ لا يَعْلَمُهُ إِلاّ هُوَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ الْبَدَاءُ وَعِلْمٌ عَلَّمَهُ مَلائِكَتَهُ وَرُسُلَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ فَنَحْنُ نَعْلَمُهُ(3).

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِنَّ للّه ِِ عِلْماً عَامّاً وَعِلْماً خَاصّاً فَأَمَّا الْخَاصُّ فَالَّذِي لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَأَمَّا عِلْمُهُ الْعَامُّ الَّذِي اطَّلَعَتْ عَلَيْهِ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَالْأَنْبِيَاءُ الْمُرْسَلُونَ فَقَدْ دَفَعَ ذَلِكَ كُلَّهُ إِلَيْنَا ثُمَّ قَالَ: أَمَا تَقْرَأُ: «عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا

ص: 187


1- . الخصال: 1/252، ح123؛ بحار الأنوار: 86/81، ح9.
2- .بصائر الدرجات: 1/113، ح1؛ بحار الأنوار: 4/110، ح29.
3- . بصائر الدرجات: 1/109، ح1؛ بحار الأنوار: 4/109، ح27.

تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»(1).(2)

عَنْ ضُرَيْسٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ صلى الله عليه و آله قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ للّه ِِ عِلْمَيْنِ عِلْمٌ مَبْذُولٌ وَعِلْمٌ مَكْفُوفٌ فَأَمَّا الْمَبْذُولُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يَعْلَمُهُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّسُلُ إِلاّ وَنَحْنُ نَعْلَمُهُ وَأَمَّا الْمَكْفُوفُ فَهُوَ الَّذِي عِنْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ إِذَا خَرَجَ نَفَذَ(3).

عن أبي بصير قال: قَالَ أَبُو عَبْدِاللّه ِ عليه السلام: إِنَّ للّه ِِ عِلْمَيْنِ عِلْمٌ عِنْدَهُ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ وَعِلْمٌ نَبَذَهُ إِلَى مَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ فَمَا نَبَذَهُ إِلَى مَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ فَقَدِ انْتَهَى إِلَيْنَا(4).

عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن للّه علما لا يعلمه غيره وعلما قد أعلمه ملائكته وأنبياءه ورسله فنحن نعلمه ثم أشار بيده إلى صدره(5).

وَشَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ

أي: يوم القيامة قال تعالى: «وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤلاَءِ»(6).

وقال تعالى : «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً»(7).

ص: 188


1- .لقمان: 34.
2- .بصائر الدرجات: 1/109، ح1؛ بحار الأنوار: 26/163، ح8.
3- .بصائر الدرجات: 1/109، ح3؛ بحار الأنوار: 26/163، ح10.
4- . بصائر الدرجات: 1/110، ح4؛ بحار الأنوار: 26/164، ح11.
5- .بصائر الدرجات: 1/110، ح5؛ بحار الأنوار: 26/164، ح12.
6- .النحل: 84.
7- . البقرة: 143.

وقال تعالى : «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤلاَءِشَهِيداً»(1).

قال الطبرسي في تفسير هذه الآية إنّ اللّه يستشهد يوم القيامة كلّ نبيّ على امّته فيشهد لهم وعليهم ويستشهد نبيّنا على امّته(2).

وقال تعالى : «لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ»(3).

وقال تعالى : «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً»(4).

وقال تعالى : «إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ»(5).

وفي الأخبار ما يدلّ على أنّ حجّة كلّ زمان شهيد على أهل ذلك الزمان ونبيّنا صلّى اللّه عليه وآله شهيد على الشهداء(6).

عن زر بن حبيش، عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال: الأوصياء هم أصحاب الصراط وقوفاً عليه، لا يدخل الجنة إلاّ من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلاّ من أنكرهم وأنكروه، لأنّهم عرفاء اللّه عزّ وجلّ عرفهم عليهم عند أخذ المواثيق عليهم، ووصفهم في كتابه فقال جلّ وعزّ: «وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاً بِسِيماهُمْ»(7)

وهم الشهداء على أوليائهم، والنبي صلى الله عليه و آله الشهيد عليهم، أخذ لهم مواثيق العبادبالطاعة، وأخذ للنّبيّ صلى الله عليه و آله الميثاق بالطاعة، فجرت نبوّته عليهم، وذلك قول اللّه عزّ وجلّ: «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤلاءِ شَهِيداً»(8).(9)

ص: 189


1- . النساء: 41.
2- .مجمع البيان: 3/77.
3- .الحج: 78.
4- .الأحزاب: 45.
5- .المزّمّل: 15.
6- . بحار الأنوار: 23/335.
7- . الأعراف: 46.
8- . النساء: 41.
9- . البرهان في تفسير القرآن: 2/79، ح2377؛ بحار الأنوار: 6/233، ح46.

عن أبي معمّر السعدي قال: قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام في صفة يوم القيامة يجتمعون في موطن يستنطق فيه جميع الخلق فلا يتكلّم أحد إلاّ من أذن له الرحمن وقال صوابا، فيقام الرسل فيسأل(1).

وعن سماعة قال: قال أبو عبداللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ: «فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤلاءِ شَهِيداً» قال: نزلت في أُمّة محمّد صلى الله عليه و آله خاصّة في كلّ قرن منهم إمام منّا شاهد عليهم ومحمّد صلى الله عليه و آله شاهد علينا(2).

قال المجلسي: يمكن أن يكون المراد تخصيص الشاهد والمشهود عليهم جميعاً بهذه الأُمّة فيكون المراد بكلّ أمّة في الآية كلّ قرن من تلك الامة واحد من الأئمّة عليهم السلام شاهداً على من في عصرهم من هذه الأُمّة وعلى جميع من مضى من الأُمم، والأوّل أظهر لفظاً والثاني معناً وإن كان بحسب اللفظ يحتاج إلى تكلّفات(3).

يدلّ على الوجه الأوّل ما عن أبي جعفر عليه السلام في تفسير الآية الثانية (وكذلك جعلناكم امّة...) قال: منّا شهيد على كلّ زمان عليّ بن أبي طالب في زمانه والحسن في زمانه والحسين في زمانه وكلّ من يدعو منّا إلى أمر اللّه (4).

وعلى الثاني ما عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه تبارك وتعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً»(5) قال: نحن أُمّة الوسط ونحن شهداء اللّه على

ص: 190


1- . تفسير العيّاشي:1/242، ح132؛ بحار الأنوار: 7/313، ح5.
2- .الكافي: 1/190، ح1؛ بحار الأنوار: 23/352، ح7.
3- بحارالأنوار:336\23.
4- .تفسير فرات الكوفي: 62، ح27؛ بحار الأنوار: 23/337.
5- .البقرة: 143.

خلقه وحجّته في أرضه(1).

وما عن سليم بن قيس، عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال: إنّ اللّه طهّرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجّته في أرضه وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا(2).

وعلى هذا فمعنى كونهم شهيداً أنّهم عليهم السلام يشهدون على الأنبياء أنّ اللّه أرسلهم ويشهدون للأنبياء أنّهم بلغوا رسالات ربّهم ويشهدون لمن أجابهم وأطاعهم باجابته واطاعته وعلى من خالفهم وعصاهم بمخالفته وعصيانه ويشهدون على محمّد أنّ اللّه أرسله ويشهدون له أنّه بلغ ما أمر بتبليغه وعلى أُمّته ولهم كذلك ويشهد رسول اللّه عليهم بما حملهم من أمر الخلافة ولهم بما أدّوا ما حملوا ولمن أجاب بما أجاب ولمن عصى بالعصيان هذا.

وغير خفيّ على الفطن العارف أنّ الشهادة لما كانت مشروطة بالعلم واليقين ومن ذلك أنّ رسول اللّه أرى للشاهد الشمس وقال على مثل هذا فاشهد أودع(3)، فاللازم من كونهم صلوات اللّه عليهم شهداء على الناس أن يكونوا عالمين بأعمال الناس غير غائبين عنها، ويستفاد ذلك من الأخبار وهي على قسمين:

أحدهما: ما دلّت على أنّه سبحانه أعطى الإمام عموداً من نور يرى فيه أعمال الخلايق كرؤية الشخص في المرآت وأنّ الدنيا بأسرها وما فيها عند الإمام كالدرهم في يد أحدكم يقلّبه كيف شاء .

ص: 191


1- .بصائر الدرجات: 1/63، ح11؛ بحار الأنوار: 22/157، ح18.
2- . بصائر الدرجات: 1/83، ح6؛ بحار الأنوار: 23/343، ح26.
3- .السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى والمستطرفات: 2/117؛ وسائل الشيعة: 27/342، ح33883 - 3.

فمن ذلك ما عن معاوية بن حكيم عن أبي داود المسترق عن محمّد بن مروان عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: إنّ الإمام يسمع الصوت في بطن أُمّه فاذا بلغ أربعة أشهر كتب على عضده الأيمن: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ»(1) فاذا وضعته أُمّه سطع له نور ما بين السماء والأرض فاذا درج رفع له عمود من نور يرى ما بين المشرق والمغرب(2).

وما عن يونس بن ظبيان عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: إنّ الإمام يسمع في بطن أُمّه فإذا وُلد خُطّ على منكبه خطّ ثمّ قال هكذا بيده وذلك قول اللّه تبارك وتعالى: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»(3) فإذا قام بالأمر جعل اللّه له في كلّ قرية عموداً من نور يبصر به ما يعمل أهلها فيها(4).

وعن محمّد بن الفضيل عن بعض رجاله عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: الإمام يسمع في بطن أُمّه فاذا سقط إلى الأرض نصب له عمود في بلاده وهو يرى ما في غيرها(5) .

وعن محمّد بن مروان قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: إنّ الإمام يسمع في بطن أُمّه فاذا ولد خط بين كتفيه: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ»(6)فإذا صار الأمر إليه جعل اللّه له عموداً من نور يبصر به ما يعمل به أهل كلّ بلدة(7).

ص: 192


1- .الأنعام: 115.
2- .بصائر الدرجات: 1/434، ح1؛ بحار الأنوار: 26/132، ح1.
3- .الأنعام: 115.
4- .بصائر الدرجات: 1/437، ح7.
5- . بصائر الدرجات: 1/437، ح1؛ بحار الأنوار: 26/134، ح6.
6- . الأنعام: 115.
7- .بصائر الدرجات: 1/437، ح2؛ بحار الأنوار: 26/134، ح7.

وعن إسحاق القمّي قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما قدر الإمام؟ قال: يسمع في بطن أُمّه فإذا وصل إلى الأرض كان على منكبه الأيمن مكتوباً: «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ»(1) ثمّ يبعث أيضاً له عموداً من نور من تحت بطنان العرش إلى الأرض يرى فيه أعمال الخلايق كلّها، ثمّ ينشعب له عمود آخر من عند اللّه إلى اذن الإمام كلّما احتاج إلى مزيد افرغ فيه افراغا(2).

والعمود الآخر ما اشير إليه في رواية صالح بن سهل عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: كنت جالساً عنده فقال لي ابتداء منه: يا صالح بن سهل إنّ اللّه جعل بينه وبين الرسول رسولاً ولم يجعل بينه وبين الإمام رسولاً، قال: قلت: وكيف ذاك؟ قال: جعل بينه وبين الإمام عموداً من نور ينظر اللّه به إلى الإمام وينظر الإمام به إليه

فإذا أراد علم شيء نظر في ذلك النور فعرفه(3).

قال المحدّث المجلسي: نظر اللّه تعالى إليه كناية عن إفاضاته عليه ونظره إليه تعالى كناية عن غاية عرفانه(4).

والقسم الثاني من الأخبار ما دلّت على عرض أعمال العباد على النبيّ صلى الله عليه و آله وعلى الأئمّة عليهم السلام وإلى ذلك اشير في الكتاب العزيز:

قال تعالى: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّه ُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(5).

عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: ما من مؤمن يموت أو

ص: 193


1- . الأنعام: 115.
2- .بصائر الدرجات: 1/442، ح6؛ بحار الأنوار: 26/135، ح12.
3- . بصائر الدرجات: 1/440، ح6؛ بحار الأنوار: 26/134، ح10.
4- .بحار الأنوار: 26/135.
5- . التوبة: 105.

كافر يوضع في قبره حتّى يعرض عمله على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وعلى أميرالمؤمنين عليه السلام

وهلمّ جرّا إلى آخر ما فرض اللّه طاعته فذلك قوله: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّه ُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤمِنُونَ»(1) (2)

وعنه عليه السلام: إنّ أعمال العباد يعرض على رسول اللّه كلّ صباح أبرارها وفجّارها فاحذروا فليستحي أحدكم أن يعرض على نبيّه العمل القبيح(3).

وعن معلّى بن خنيس عن أبي عبداللّه عليه السلام في قول اللّه تعالى: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّه ُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤمِنُونَ»(4) قال: هو رسول اللّه والأئمّة تعرض عليهم أعمال العباد كلّ خميس(5).

وعن محمّد بن مسلم وزرارة قالا: سألنا أبا عبداللّه عليه السلام عن الأعمال تعرض على رسول اللّه؟ قال: ما فيه شكّ، ثمّ تلا هذه الآية: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّه ُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤمِنُونَ»(6) قال: إنّ للّه شهداء في أرضه(7).

وعن ابن أبي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله لأصحابه: حياتي خير لكم ومماتي خير لكم، قالوا: أمّا حياتك يا رسول اللّه فقد عرفناه، فما في وفاتك؟ قال: أمّا حياتي فانّ اللّه يقول: «وَمَا كَانَ اللّه

ص: 194


1- .التوبة: 105.
2- .تفسير القمي: 1/304؛ بحار الأنوار: 23/340، ح15.
3- .تفسير القمي: 1/304؛ بحار الأنوار: 23/340، ح14.
4- .التوبة: 105.
5- .بصائر الدرجات: 1/427، ح2؛ بحار الأنوار: 23/345، ح39.
6- .التوبة: 105.
7- . بصائر الدرجات: 1/430، ح6؛ بحار الأنوار: 23/348، ح51.

ُلِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّه ُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»(1)، وأمّا وفاتي فتعرض عليّ أعمالكم فأستغفر لكم(2).

وعن داود الرقي قال: دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام فقال: يا داود أعمالكم عرضت عليّ يوم الخميس فرأيت لك فيها شيئاً فرحني وذلك صلتك لابن عمّك أما أنّه سيمحق أجله ولا ينقص رزقك، قال داود: وكان لي ابن عمّ ناصب كثير العيال محتاج، فلمّا خرجت إلى مكّة أمرت له بصلة، فلمّا دخلت على أبي عبداللّه عليه السلام أخبرني بهذا(3).

وقد تحصّل ممّا ذكرنا كلّه اطّلاع النبيّ واطّلاع الأئمّة على جميع أفعال الناس وأعمالهم من خير أو شرّ وأنّه لا تفاوت في ذلك بين حالتي الموت والحياة.

وَبَعِيثُكَ بِالْحَقِّ

قال تعالى : «إِنَّاأَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ»(4).

وقال تعالى : «إِنَّاأَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ»(5).

وقال تعالى : «تِلْكَ آيَاتُ اللّه ِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ»(6).

وقال تعالى : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ»(7).

ص: 195


1- . الأنفال: 33.
2- . بصائر الدرجات: 1/445، ح7؛ بحار الأنوار: 23/349، ح54.
3- .بصائر الدرجات: 1/429، ح7؛ بحار الأنوار: 23/347، ح48.
4- . فاطر: 24.
5- . البقرة: 119.
6- . البقرة: 252.
7- . آل عمران: 144.

وقال تعالى : «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللّه ِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ»(1).

وقال تعالى : «يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ»(2).

وقال تعالى : «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً»(3).

وقال تعالى : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ»(4).

وقال تعالى : «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّه ِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(5).

قال الصادق عليه السلام في قوله تعالى: «وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا»(6) برسول اللّه صلى الله عليه و آله أنقذوا(7).

وَرَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ

قال تعالى : «وَمَا اَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً»(8).

اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهُ مَفْسَحاً فِي ظِلِّكَ

الظل إمّا استعارة للجود والافضال.

قال تعالى : «وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى *

ص: 196


1- . الأحزاب: 40.
2- . يس: 1 - 3.
3- . الأحزاب: 45.
4- . المائدة: 67.
5- . الأعراف: 157.
6- . آل عمران: 103.
7- .تفسير العيّاشي: 1/194، ح124 و126 بطريقين؛ بحار الأنوار: 24/54، ح11.
8- .سبأ: 28.

وَلَلآْخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى»(1).

ويحتمل أن يكون المراد معناه الحقيقي كما في قال تعالى : «وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ»(2).

قال في مجمع البيان: أي دائم لا تنسخه الشمس فهو باق لا يزول، وقد ورد في الخبر أنّ في الجنّة شجرة يسير الراكب في ظلّها مائة سنة لا يقطعها، وروى أيضاً أنّ أوقات الجنّة كغدوات الصيف لا يكون فيها حرّ ولا برد(3).

وَاجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ

قال تعالى : «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ»(4).

اللَّهُمَّ وَأَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَهُ

قال تعالى : «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»(5).

وقال تعالى : «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّه ِ الاْءِسْلاَمُ»(6).

وقال تعالى : «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللّه ِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللّه ُ مُتِمُّ نُورِهِ»(7).

وروى عن النبيّ صلى الله عليه و آله: إنّما مثلي ومثل الأنبياء قبلي كرجل بنى داراً فأكملها

ص: 197


1- . الضحى: 1 - 5.
2- . الواقعة: 27 - 30.
3- . مجمع البيان: 9/330.
4- . الكوثر: 1 - 3.
5- .الصف: 9.
6- .آل عمران: 19.
7- .الصف: 8.

وأحسنها إلاّ موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويعجبون بها، ويقولون: هلاّ وضعت هذه اللبنة. فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيّين(1).

وَأَكْرِمْ لَدَيْكَ مَنْزِلَتَهُ

قال تعالى : «عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً»(2).

وقال تعالى : «وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً»(3).

في الدعاء: «وابعثه المقام المحمود»(4).

وعنه صلى الله عليه و آله: لواء الحمد بيدي يوم القيامة(5).

وَأَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ

الأصل فيه قوله تعالى : «يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللّه ُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(6).

قال الطبرسي: يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم على الصراط يوم القيامة وهو دليلهم إلى الجنّة ويريد بالنور الضياء الذي يرونه ويمرّون فيه عن قتادة، وقيل نورهم هداهم عن الضحّاك قال قتادة: إنّ المؤمن يضيء له نور كما بين عدن

ص: 198


1- .مناقب لابن شهر آشوب: 1/231.
2- . الإسراء: 79.
3- .الإسراء: 80.
4- .اقبال الاعمال ط - الحديثة: 1/217.
5- . الاحتجاج: 1/48؛ بحار الأنوار: 9/390، ح3.
6- .التحريم: 8.

إلى صنعا ودون ذلك حتّى أنّ المؤمنين من لا يضيء له نوره إلاّ موضع قدميه(1).

قال الشارح المعتزلي: قد روى أنّه يطفى ساير الأنوار إلاّ نور محمّد، ثمّ يعطى المخلصون من أصحابه أنواراً يسيرة يبصرون بها مواطئ الأقدام فيدعون اللّه بزيادة تلك الأنوار وإتمامها، ثمّ إنّ اللّه يتمّ نور محمّد فيستطيل حتّى يملأ الآفاق فذلك إتمام نوره(2).

وَاجْزِهِ مِنِ ابْتِعَاثِكَ لَهُ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ مَرْضِيَّ الْمَقَالَةِ ذَا مَنْطِقٍ عَدْلٍ وَخُطّة فَصْلٍ

عن غيره، يقال: هذه خطّة بني فلان، إذا كانت محدودة، والمراد: اجعل له امتيازاً عن باقي الأنبياء.

عن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن أميرالمؤنين عليهم السلام قال: إنّ يهوديّاً كان له على رسول اللّه دنانير فتقاضاه فقال له: يا يهودي ما عندي ما أعطيك قال: فإني لا أفارقك يا محمّد حتّى تقضيني فقال: إذاً أجلس معك فجلس معه حتّى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة وكان أصحاب رسول اللّه يتهدّدونه ويتواعدونه فنظر رسول اللّه صلى الله عليه و آله إليهم فقال: ما الذي تصنعون به؟ فقالوا: يا رسول اللّه يهودي يحبسك؟ فقال صلى الله عليه و آله: لم يبعثني ربّي عزّ وجلّ بأن أظلم معاهدا ولا غيره فلمّا علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله وشطر مالي في سبيل اللّه أما واللّه ما فعلت بك الذي فعلت إلاّ لأنظر إلى نعتك في التوراة فإنّي قرأت في التوراة محمّد بن عبداللّه

ص: 199


1- .مجمع البيان: 9/354.
2- . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/142.

مولده بمكّة ومهاجره بطيبة وليس بفظّ ولا غليظ ولا سخاب ولا متزين [مترين]بالفحش ولا قول الخنى(1).

اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي بَرْدِ الْعَيْشِ وَقَرَارِ النِّعْمَةِ

وقال تعالى : «فَأَثَابَهُمُ اللّه ُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ»(2).

وقال تعالى : «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ»(3).

وقال تعالى : «أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ اَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً»(4).

وَمُنَى الشَّهَوَاتِ وَأَهْوَاءِ اللَّذَّاتِ

قال تعالى : «يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ...»(5).

وقال تعالى : «... كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ

ص: 200


1- .الأمالي للصدوق: 465، م71، ح6؛ بحار الأنوار: 16/216، ح5.
2- .المائدة: 85.
3- .الحجر: 45 - 48.
4- .الكهف: 31.
5- . الزخرف: 71.

آمِنِينَ * لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(1).

وقال تعالى : «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الاْخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ» - إلى قوله - : «وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ* وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤلُؤ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(2).

وَرَخَاءِ الدَّعَةِ

أي: الراحة، قال تعالى: «جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤلُؤً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ للّه ِِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ»(3).

وَمُنْتَهَى الطُّمَأْنِينَةِ

بلا اضطراب كما يحصل للناس في هذا العالم.

ص: 201


1- . الدخان: 54 - 57.
2- .الواقعة: 10 - 24.
3- . فاطر: 33 - 35.

وَتُحَفِ الْكَرَامَةِ

منه تعالى للمقرّبين منه، وعن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلامقال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله: يا علي سألت ربي فيك خمس خصال فأعطاني أمّا أوّلها فسألت ربي أن أكون أول من تنشق عنه الأرض وأنفض التراب عن رأسي وأنت معي فأعطاني وأما الثانية فسألت ربي أن يقفني عند كفة الميزان وأنت معي فأعطاني وأما الثالثة فسألت ربي أن يجعلك في القيامة صاحب لوائي فأعطاني وأما الرابعة فسألت ربي أن يسقي أمتي من حوضي بيدك فأعطاني وأما الخامسة فسألت ربي أن يجعلك قائد أمتي إلى الجنة فأعطاني فالحمد للّه الذي من علي بذلك(1).

ورواه الخطيب في (أحمد بن غالب) مع اختلاف، وفي خبره: وأعطاني أنّك وليّ المؤمنين من بعدي(2).

وله عليه السلام دعاء آخر في الصلاة عليه صلى الله عليه و آله وهو: الحمد للّه رب العالمين وصلى اللّه على سيد (أطيب خ ل) المرسلين محمد بن عبد اللّه المنتجب الفائق الرائق اللهم فخص محمدا صلى اللّه عليه وآله بالذكر المحمود والحوض المورود اللهم آت محمدا صلواتك عليه وآله الوسيلة والرفعة والفضيلة واجعل في المصطفين محبته وفي العليين درجته وفي المقربين كرامته اللهم أعط محمدا صلواتك عليه وآله من كل كرامة أفضل تلك الكرامة ومن كل نعيم أوسع ذلك النعيم ومن كل عطائك أجزل [عطائك] ذلك العطاء ومن كل يسر أنضر ذلك اليسر ومن كل قسم أوفر ذلك

ص: 202


1- . الخصال: 1/304، ح93؛ بحار الأنوار: 40/70، ح106.
2- .تاريخ بغداد: 5/100.

القسم حتى لا تكون أحد من خلقك أقرب منه مجلسا ولا أرفع منه عندك ذكرا ومنزلة ولا أعظم عليك حقا ولا أقرب وسيلة من محمد صلواتك عليه وآله إمام الخير وقائده والداعي إليه والبركة على جميع العباد والبلاد ورحمة للعالمين اللهم اجمع بيننا وبين محمد وآل محمد صلواتك عليه وآله في برد العيش وتروّح الروح وقرار النعمة وشهوة الأنفس ومنى الشهوات ونعم اللذات ورجاء الفضيلة وشهود الطمأنينة وسؤد الكرامة وقرة العين ونضرة النعيم وبهجة لا تشبه بهجات الدنيا نشهد أنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة والنصيحة واجتهد للأمة وأوذي في جنبك وجاهد في سبيلك وعبدك حتى أتاه اليقين فصل اللهم عليه وآله الطيبين اللهم رب البلد الحرام ورب الركن والمقام ورب المشعر الحرام ورب الحل والإحرام بلغ روح محمد صلواتك عليه وآله عنا السلام اللهم صل على ملائكتك المقربين وعلى أنبيائك ورسلك أجمعين وصل اللهم على الحفظة الكرام الكاتبين وعلى أهل طاعتك من أهل السماوات السبع وأهل الأرضين السبع من المؤنين أجمعين(1).

وفي سحر البلاغة: في الصلاة عليه صلى الله عليه و آله صلى اللّه على خير مبعوث وأفضل وارث وموروث وخير مولود دعا إلى خير معبود بشير الرحمة والثواب ومدبر السطوة والعقاب ناسخ كل ملة مشروعة وفاسخ كل نحلة متبوعة جاء بأمته من الظلمات إلى النور وأوفى بهم إلى الظل بعد الحرور قد أفرد بالزعامة وحده وختم بأن لا نبي بعده أرسله اللّه قمرا منيرا وقدرا مبيرا(2).

ص: 203


1- .تهذيب الأحكام: 3/83، ح239 - 11؛ بحار الأنوار: 95/127.
2- . المناقب: 1/158.

تنبيهات

الأوّل: الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله ممّا أمر اللّه تعالى به وحثّ عليه بقوله: «إِنَّ اللّه َ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً»(1).

عن الكاظم عليه السلام أنّه سئل ما معنى صلاة اللّه وملائكته وصلاة المؤمنين؟ قال: صلاة اللّه رحمة من اللّه وصلاة ملائكته تزكية منهم له وصلاة المؤمنين دعاء منهم له(2).

والصلاة وإن كانت من اللّه الرحمة فالمراد بها هنا هو الاعتناء باظهار شرفه ورفع شأنه، ومن هنا قال بعضهم تشريف اللّه محمّداً بقوله: «إِنَّ اللّه َ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» أبلغ من تشريف آدم بالسجود له والتسليم، قيل المراد به الانقياد كما في قوله: «فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»(3).(4)

وقيل هو قولهم: السلام عليك أيّها النبيّ قاله الزمخشري(5) والقاضي(6) في تفسيرهما وذكره الشيخ في تبيانه(7) وهو الحقّ لقضيّة العطف ولأنّه المتبادر إلى الفهم عرفاً ولرواية كعب الآتية وغيرها إذا تقرّر ذلك فهنا فوائد:

الأولى: ذهب أصحابنا والشافعي وأحمد إلى وجوب الصلاة على النبيّ في

ص: 204


1- . الأحزاب: 56.
2- .ثواب الأعمال: 156؛ بحار الأنوار: 83/96، ح3.
3- .الأحزاب: 65.
4- .الكشّاف: 1/539.
5- .الكشّاف: 3/558.
6- .حاشية شيخ زاده على تفسير القاضي البيضاوي: 6/661.
7- .التبيان: 8/360.

الصلاة خلافاً لمالك وأبي حنيفة عن عايشة قالت: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقول: لا تقبل صلاة إلاّ بطهور وبالصلاة عليّ(1)، وكذا عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه و آله قال: إذا صلّى أحدكم فليبدأ بحمد اللّه ثمّ ليصلّ عليّ(2).

ومن طرقنا ما رواه أبو بصير وغيره عن الصادق عليه السلام قال: من صلّى ولم يصلّ على النبيّ وتركه متعمّداً فلا صلاة له(3)، حتّى أنّ الشيخ جعلها ركناً في الصلاة فان عنى الوجوب والبطلان بتركها عمداً فهو صحيح وإن عنى تفسير الركن بأنّه ما يبطل الصلاة بتركه عمداً وسهواً فلا(4).

الثانية : هل تجب الصلاة على النبيّ في غير الصلاة أم لا، ذهب الكرخي إلى وجوبها في العمر مرّة، وقال الطحاوي: كلّما ذكر، واختاره الزمخشري، ونقل عن ابن بابويه من أصحابنا، وقال بعضهم: في كلّ مجلس مرّة، والمختار الوجوب كلّما ذكر لدلالة ذلك على التنوية(5) برفع شأنه والشكر لاحسانه المأمور بها، ولأنّه لولاه لكان كذكر بعضنا بعضا وهو منهيّ عنه في آية النور(6).

وأشار بها إلى قوله سبحانه: «لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً»(7) ولما روى عنه صلى الله عليه و آله: من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ فدخل النار فأبعده اللّه (8)، والوعيد أمارة الوجوب.

ص: 205


1- . عوالي اللئالي: 2/37، ح93؛ تفسير الكبير منهج الصادقين في الزام المخالفين: 7/322؛ بحار الأنوار: 82/278
2- .عوالي اللئالي: 2/37، ح94.
3- . روضة الواعظين ط - القديمة: 2/358؛ وسائل الشيعة: 6/407، ح8298 - 2؛ مرآة العقول: 12/108.
4- .مرآة العقول: 12/108.
5- . التعظيم.
6- .مرآة العقول: 108 - 109.
7- .النور: 63.
8- .المحاسن: 1/95/539؛ بحار الأنوار: 91/49.

وروى أنّه قيل له: يا رسول اللّه أرأيت قول اللّه إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النبيّ؟ فقال: هذا من العلم المكنون ولولا أنّكم سألتموني عنه ما أخبرتكم به إنّ اللّه عزّ وجلّ وكّل بي ملكين فلا أذكر عند مسلم فيصلّي عليّ إلاّ قال له ذلك الملكان غفر اللّه لك، وقال اللّه وملائكته: ولا أذكر عند مسلم فلا يصلّي عليّ إلاّ قال له الملكان: لا غفر اللّه لك وقال اللّه وملائكته: آمين(1).

ومثل ذلك في إفادة الوعيد ما رواه الصدوق باسناده عن محمّد بن هارون عن أبي عبداللّه عليه السلام قال: إذا صلّى أحدكم ولم يصلّ على النبيّ خطئ به طريق الجنّة(2).

وقال النبيّ صلى الله عليه و آله: من ذكرت عنده فنسي الصلاة عليّ خطئ به طريق الجنّة(3).

قال المجلسي رحمه الله: وأمّا عند عدم ذكره صلوات اللّه عليه فيستحبّ استحباباً مؤكّداً، لتظافر الروايات أنّ الصلاة عليه وآله تهدم الذنوب وتوجب اجابة الدعاء المقرون بها(4).

الثالثة: روى كعب بن عجرة قال: لمّا نزلت الآية قلنا: يا رسول اللّه هذا السلام عليك فقد عرفناه فكيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وآل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد(5)، وعلى

ص: 206


1- . عوالي اللئالي: 2/38، ح97؛ بحار الأنوار: 91/68، ح57.
2- .ثواب الأعمال: 206.
3- . الكافي: 2/495، ح19؛ بحار الأنوار: 91/60، ح44.
4- .مرآه العقول: 12/109.
5- . عمدة عيون صحاح الأخبار: 309، ح514؛ الدر المنثور: 5/215؛ عوالي اللئالي: 2/38، ح99؛ البرهان في تفسير القرآن: 4/491، ح8712.

هذا الحديث سؤال مشهور بين العلماء ذكرناه في نضد القواعد وذكرنا ما قيل في أجوبته من أراده وقف عليها هناك(1).

قال الخوئي رحمه الله: ولا يحضرني كتاب نضد القواعد حتّى نقف على ما ذكره ولعلّ المراد بالسؤال المشهور ما ذكروه من أنّ التشبيه يقتضي أن يكون المشبّه به أقوى من المشبّه فيلزم أن يكون التشبيه الواقع فيه من باب إلحاق الناقص بالكامل، واجيب تارة بأنّ التشبيه لبيان حال من يعرف بمن لا يعرف، وثانية بأنّ التشبيه في أصل الصلاة لا في قدر الصلاة، وثالثة بأنّ معناه: اجعل لمحمّد صلاة بمقدار الصلاة لإبراهيم وآله وفي آل إبراهيم خلايق لا يحصون من الأنبياء وليس في اللّه نبيّ فطلب إلحاق جملة فيها نبيّ واحد بما فيه الأنبياء، وربّما اجيب بأجوبة اخر ولا حاجة إليها والأظهر الأوسط(2).

الرابعة: دلّ حديث كعب المذكور على مشروعيّة الصلاة على الآل تبعاً له صلّى اللّه عليه وآله، وعليه اجماع المسلمين، وهل يجوز عليهم لا تبعاً بل افراداً كقولنا:

اللهمّ صلّ على آل محمّد بل الواحد منهم لا غير أم لا؟ قال أصحابنا: بجواز ذلك لوجوه:

الأوّل: قوله تعالى مخاطباً للمؤمنين كافّة: «هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ»(3) وهو نصّ في الباب.

الثاني: قوله تعالى: «الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للّه ِِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ»(4).

ص: 207


1- .كنز العرفان: 1/134.
2- . منهاج البراعة للخوئي: 5/207.
3- .الأحزاب: 43.
4- . البقرة: 156 - 157

ولا ريب أنّ أهل البيت أصيبوا بأعظم المصائب الذي من جملتها اغتصابهم مقام امامتهم.

وهذا الدليل لعلّه مأخوذ من العلاّمة قدّس اللّه روحه وقد حكى في لؤلؤة البحرين أنّه قدّس اللّه سرّه ناظر أهل الخلاف في مجلس سلطان محمّد خدا بنده أنار اللّه برهانه وبعد إتمام المناظرة وبيان حقّيّة مذهب الإماميّة الاثنى عشريّة خطب قدّس اللّه لطفه خطبة بليغة مشتملة على حمد اللّه والصلاة على رسوله والأئمّة عليهم السلام.

فلمّا سمع ذلك السيّد الموصلي الذي هو من جملة المنكوبين بالمناظرة قال ما الدليل على جواز توجيه الصلاة على غير الأنبياء؟ فقرأ الشيخ العلاّمة في جوابه بلا انقطاع الكلام: الذين إذا أصابتهم مصيبة، الآية فقال الموصلي بطريق المكابرة:ما المصيبة التي أصابت إليهم حتّى أنّهم يستوجبون بها الصلاة؟ فقال الشيخ: من أشنع المصائب وأشدّها أن حصل من ذراريهم مثلك الذي ترجّح المنافقين الجهّال المستوجبين اللعنة والنكال على آل رسول المتعال، فاستضحك الحاضرون وتعجّبوا من بداهة آية اللّه في العالمين وقد أنشد بعض:

إذ العلويّ تابع ناصبيّا *** بمذهبه فما هو من أبيه

وكان الكلب خيراً منه قطعا *** لأنّ الكلب طبع أبيه فيه(1)

الثالث : أنّه لمّا أتى أبو اوفى بزكاته قال النبيّ صلى الله عليه و آله: اللهمّ صلّ على أبي أوفى وآل أبي أوفى(2)، فيجوز على أهل البيت بطريق أولى.

الخامسة: مذهب علمائنا أجمع أنّه يجب الصلاة على محمّد في التشهدين، وبه

ص: 208


1- . احقاق الحق وازهاق الباطل، مقدّمة: 31.
2- . عوالي اللئالي: 2/232، ح19.

قال بعض الشافعيّة، وفي إحدى الروايتين عن أحمد، وقال الشافعي بالاستحباب(1)

لنا روایة کعب و قد تقدمت فی کیفیة الصلاة علیه و اذا کانت الصلاة علیه واجبة کانت کیفیتها ایضا واجبة.

وروی کعب ان النبی صلی الله علیه واله وسلم کان یقول ذلک فی صلاته و قال:صلوا کما رایتمونی اصلی.(2)

وعن جابر الجعفی عن الباقر علیه السلام عن ابن مسعود الانصاری قال:قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم:من صلی صلاة ولم یصل فیها علی وعلی الی واهل بیتی لم یقبل منه.(3)

السادسة:الال الذین یجب الصلاة علیهم فی الصلاة ویستحب فی غیرها هم الائمة المعصومن،لاطباق الاصحاب علی انهم هم الال ولان الامر بذلک مشعر بغیة التعظیم المطلق الذی لا یستوجبه الا المعصوم، واما فاطمة علیهاالسلام فتدخل ایضا لانها بضعة منه.(4)

الثانی:

قال المجلسی رحمه الله:اختلف العلماء فی انه هل ینفعهم الصلاة شیئا ام لیس الا

ص: 209


1- .وللشافعي:يا أهل بيت رسول اللّه حبّكم *** فرض من اللّه في القرآن أنزله يكفيكم من عظيم القدر أنّكم*** من لم يصلّ عليكم لا صلاة له فيحتمل لا صلاة له صحيحة، فيكون موافقاً لقوله بوجوب الصلاة على الال، ويحتمل لا صلاة كاملة فيوافق أظهر قوليه. انتهى كلام العلاّمة ابن حجر الصواعق المحرقة: 147 - 148 ط. مصر و228 ط. بيروت الآية الثانية من الباب 11. نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين: 1/42.
2- کنز العرفان فی فقه القران:1\141
3- فضائل امیرالمومنین علیه السلام:213،ح223،:بحارالانوار:82\279،ح14
4- کنز العرفان:1\141

لانتفاعنا،فذهب الاکثر الی انهم صلوات الله علیهم لم یبق لهم کمال منتظر،بل حصل لهم جمیع الخصال السنیة والکمالات البشریة ولا یتصور للبشر اکثر ما منحهم الله تعالی،فلا یزیدهم صلواتنا علیهم شیئا بل یصل نفعها الینا وانما امرنا بذلک لاظهار حبهم وولا هم بل هی انشاء لاظهار الاخلاص والولاء لنا ولیس الغرض طلب شيء لهم ویتر تب علیه ان یفیض الله علینا بسبب هذا الاظهار فیوض ومواهبه وعطایاه، کما انه اذا کان لاحد محبوب یحبه حبا شدیدا وقد اعطاه کلما یمکن فاذا کان لرجل حاجة عندالمحب یتقرب الیه بالثناء علی محبوبه و طلب شیء له تقربا الیه باظهار حبه وتصویبه فی اکرامه و انه مستحق لما اعطاه حقیق بما اولاه.

و هذا الکلام عندی مدخول،بل یمکن توجیهه بوجوه بوجوه اخر لکل منها شواهد من الاخبار.

الاول:ان تکون الصلاة سببا لمزید قربهم وکمالاته،ولم یدل دلیل علی عدم ترقیهم الی ما لا یتناهی من الدرجات العلی فی الاخرة والاولی، وکثیر من الاخبار یدل علی خلافه،کما ورد فی کثیر من اخبار التفویض انه اذا اراد سبحانه ان یفیض شیئا علی امام العصر یفیضه اولا علی رسول الله صلی الله علیه واله وسلم ثم علی امام امام حتی ینتهی الی امام الزمان، لئلا یکون اخرهم اعلم من اولهم وکما ان بیننا وبین موالینا صلوات الله علیهم من ارباب العصمة والطهارة درجات غیر متناهیة لا یمکن لاحدنا و ان عرج علی معارج القرب و الکمال ان یصلی الی ادنی منازلهم، فکذا بینهم علیهم السلام وبین جناب الالوهیة وساحة الربوبیة معارج غیرمتناهیة کلما صعدوا باجنحة الرفعة والکمال علی منازل الغرب و الجلال لاتنتهی تلک

ص: 210

المعارج، ويعدون أنفسهم في جنب ساحة القدس مثل الذرة أو دونها.

وقد أفيض على وجه وجيه في استغفار النبي والأئمة صلوات الله عليهم يناسب هذا الوجه، وهو انهم صلوات الله عليهم لما كانوا دائما في الترقي في مدارج المعرفة والقرب والكمال، ففي كل آن تحصل لهم معرفة جديدة وقرب جلیل وكمال عتيد عدوا أنفسهم مقصرين في المرتبة السابقة في المعرفة والقرب والطاعة، فكانوا يستغفرون منها، وهكذا إلى ما لا نهاية لها، وقد ورد في الروايات الكثيرة أن أشرف علومنا علم ما يحدث بالليل والنهار آنا فانا، وساعة فساعة.

ويؤيده ما روي في تأويل قوله سبحانه: «وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ»(1) أن أهل الجنة في كل يوم جمعة يجتمعون في موضع يتجلى لهم الرب تبارك وتعالى بأنوار جلاله، فيرجع المؤمن بسبعين ضعفا مما في يديه فيتضاعف نوره وضياؤه، وهذا كناية عن تضاعف قربه ومعرفته.

الثاني: أن تكون سببا لزيادة المثوبات الأخروية وإن لم تصر سببا لمزيد قربهم وكمالهم، وكيف يمنع ذلك عنهم وقد ورد في الأخبار الكثيرة وصول آثار الصدقات الجارية والأولاد والمصحف، وتعليم العلوم والعبادات إلى أموات المؤمنين والمؤمنات، وأي دليل دل على استثنائهم عن تلك الفضائل والمثوبات، بل هم آباء هذه الأمة المرحومة والأمة عبيدهم وببركتهم فازوا بالسعادات، ونجوا من الهلكات، وكلما صدر عن الأمة من خير وسعادة وطاعة يصل إليهم نفعها و برکتها ولا منقصة لهم في ذلك مع أن جميع ذلك من آثار مساعيهم الجميلة وأياديهم الجليلة.

ص: 211


1- ق: 35.

الثالث: أن تصير سببة لأمور تنسب إليهم من رواج دينهم وكثرة أمتهم واستيلاء قائمهم و تعظيمهم وذكرهم في الملأ الأعلى بالجميل وبالتفخيم والتبجيل، وقد ورد في بعض الأخبار في معنى السلام عليهم أن المراد سلامتهم وسلامة دينهم و شیعتهم في زمن القائم علیه السلام.(1)

الثالث:

في فضيلة الصلاة وثوابها، والأخبار في ذلك كثيرة لا تحصى.

فمنها: ما عن أمير المؤمنین علیه السلام قال: اَلصَّلاَةُ عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّي اَللَّهُ عليه واله وسَلَّم أمْحَقُ لِلْخَطَايَا مِنَ الماءِ لِلنَّارِ والسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ أفْضَلُ مِن عِتْقِ رَقَبَاتٍ وَحُبُّ رَسولِ اللَّهِ صلي اَللَّهُ عَلَيْهِ واله وسَلم أَفْضَلُ مِنْ مُهَجِ اَلْأَنْفُسِ مِنْ مهجِ الانفسِ أو قال ضَرْبِ السُّيُوفِ في سبيل اللّه.(2)

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إِذَا ذُكِرَ اَلنَّبِيُّ صلي الله عليه واله وسلم فَأَكْثِرُوا اَلصَّلاَةَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّي اللَّه عليه واله وسلم صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اَللَّهُ عَلَيهِ أَلفَ صَلاةٍ في أَلفِ صَفٍ مِنَ المَلائِكَةِ وَلَم يَبقَ شَيءٌ مِمّا خَلَقَهُ اَللَّهُ إِلاَّ صُلِّيَ عَلَى اَلْعَبْدِ لِصَلاَةِ اللَّهِ عَلَيهِ وصلاةِ مَلاَئِكِيهِ فَمَنْ لَمْ يَرْغَبْ في هذا فَهُوَ جاهِلٌ مَغْرُورٌ قَدْ بَرِئَ اَللَّهُ مِنهُ وَ رَسُولُهُ وَأَهلُ بَيتِهِ .(3)

وقال أبو عبد الله علیه السلام: یا اسحاق بن فروخ من صلى على محمد و آل محمد عشرا صلى الله عليه وملائكته ألفا، أما تسمع قول الله عز وجل: «هُوَ الَّذي يُصَلِّي عَلَيكُم وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وكَانَ بِالْمُومِنِينَ رَحِيماً»(4).(5)

ص: 212


1- مرآة العقول: 112/12
2- بحار الأنوار:95\65
3- الكافي : 492/2 ، ح 1؛ بحار الأنوار:17\30،ح11.
4- الأحزاب: 43.
5- تفسیر نور الثقلين :4\287، ح 108؛ ریاض السالكين :1\425.

وعن محمد بن مسلم عن أحدهما علیها السلام قال: مَا فِي الْمِيزَانِ شَيْءٌ أَثْقَلُ مِنَ الصَّلاةِ على مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَإنَّ الرَّجُلَ لَتُوضَعُ أَعْمَالُهُ فِي الْمِيزَانِ فَتَمِيلُ بِهِ وَ فَيَخْرُجُ صَلِي اَللَّهُ عَلَيْهِ واله وسَلم اَلصَّلاَةَ عَلَيْهِ فَيَضَعُهَا فِي مِيزَانِهِ فَيَرْجَحُ بِهِ.(1)

وعن أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه صلي الله عليه واله وسلم قال: قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: أَنَا عِنْدَ الْمِيزانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ ثَقُلَت سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ جِئْتُ بِالصَّلاَةِ عَلَيَّ حَتَّى أُثَقِّلَ بِهَا حَسَناتِه.(2)

عن عبد السلام بين نعيم قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: إنّي دَخَلتُ البَيتَ وَلَم يَضُرَّني شَيءٌ مِنَ اَلدُّعَاءِ إِلاَّ اَلصَّلاَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا خَرَجْتَ بِهِ.(3)

وعن الحارث الأعو قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام: كل دعاء محجوب عن السماء حتى يصلي على محمد و آله.(4)

وعن هشام بن سالم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لَا يُزَالُ الدُّعَاءُ مَحْجُوبًا حَتَّى يُصَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلَ مُحَمَّدٌ.(5)

وعن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن رَجُلاً دَخَلَ اَلْمَسْجِدَ فَصَلي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سأل اللَّه عَزَّ وَجِلٌ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اللَّه عليه واله وسلم عَجَّلَ اَلْعَبْدُ رَبَّهُ وَجَاءَ آخَرُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَثْنَى عَلَى

ص: 213


1- الكافي :494/2، ح 15؛ وسائل الشيعة:192/7,ح9087_1.
2- ثواب الأعمال: 155؛ بحار الأنوار:304/7، ح 72.
3- الكافي:494/2، ح 17.
4- ثواب الأعمال: 155؛ بحار الأنوار:57/91، ح 35.
5- الكافي : 491/2 ، ح 1؛ بحار الأنوار:316/90.

اَللَّهَ عَزَّ وَجَلٌ وَصَلَّى عَلَى النَّبي وآله فَقَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَالِهِ وَسَلَّمَ سَلْ تُعْطَ.(1)

وعن أبي عَبْدِ اللّهِ عليه السَّلاَمُ قَالَ مَن دَعا ولَم يَذكُرِ النَّبيَّ صلى الله عليهِ وسلم رفرَفَ اَلدُّعَاءُ عَلَى رَأْسِهِ فَإِذَا ذَكَرَ اَلنَّبِيَّ صلي الله عليه واله وسلم رُفِعَ اَلدُّعَاء.(2)

وعن النبي صلي الله عليه واله وسلم: صلوا علي فات الصلاة علي زكاة لكم.(3)

وعن الصباح بن سيابة عن أبي عبد الله علیه السلام قال: أَلاَ أُعَلِّمُكَ شَيْئاً يَقِي اَللَّهُ بِهِ وَجْهَكَ مِنْ حُرٍ قال قلت بلى قال قُل بَعدَ الفَجرِ اللّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ مائَةَ مَرَّةٍ يَقِي اللَّهُ بِها وَجهَك مِن حَرِّ جَهَنَّمَ.(4)

وعن محمد بن أبي عمير عن أخبره عن أبي عبد الله علیه السلام قال: وجدت في بعض الكتب: من صلى على محمد و آل محمد كتب الله له مائة حسنة، ومن قال صلى الله على محمد وأهل بيته كتب الله له ألف حسنة.(5)

وعن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضاعلیه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: من صلى علي يوم الجمعة مائة صلاة قضى الله له ستين حاجة ثلاثون للدنيا وثلاثون للآخرة.(6)

وعن النبي صلي الله عليه واله وسلم: إذا كان يوم الخميس بعث الله ملائكة معهم صحف من فضة وأقلام من ذهب يكتبون يوم الخميس وليلة الجمعة أكثر الناس على صلاة .(7)

ص: 214


1- الكافي: 485/2 ، ح 6؛ بحار الأنوار:315/90، ش 21
2- الكافي:491/2، ح 2؛ مکارم الأخلاق: 274.
3- کنز العمال:494/1، ح 2182.
4- ثواب الأعمال: 155؛ بحار الأنوار:135/83، ح 16.
5- ثواب الأعمال: 155؛ بحار الأنوار:58/91، ح 37.
6- ثواب الأعمال: 156؛ بحار الأنوار:60/91، ح 43.
7- کنز العمال:494/1، ح 2177.

وَ عَنْ أَبِي الْغَيرَةِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ صَلاَةِ اَلصُّبْحِ وصَلاَةِ اَلْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَثني رِجلَيهِ أَو يُكَلِّمَ أحَداً إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا صلّوا عليه وسَلِّموا تسليماً اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ ذُرِّيَّتِهِ قَضَى اَللَّهُ لَهُ مِائَةَ حَاجَةٍ سَبْعِينَ فِي الدُّنْيَا وَثَلَاثِينَ فِي الأَخِرَةِ قَالَ قُلتُ لَهُ مَا مَعني صَلاة اَللَّهِ وصلاَةِ مَلاَئِكَتِهِ وصَلاَةِ اَلْمُؤْمِنِينَ قَالَ صَلاَةُ اَللَّهِ رَحْمَةٌ مِنَ اَللَّهِ وصلاَةُ مَلاَئِكَتِهِ تزَكِّيهِ مِنْهُمْ لَهُ وصلاَة الْمُؤْمِنِينَ دُعَاءٌ مِنْهُمْ لَهُ وَمِنْ سِرِّ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السَّلاَمُ فِي اَلصَّلاَةِ عَلَى النَّبيِّ وآله اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ و آلَ مُحَمَّدٍ فِي الْأَوَّلِينَ وَصَلِّ على مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ فِي الآخِرِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ فِي اَلْمَلَإِ اَلْأَعْلَى وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ فِي الْمُرْسَلِينَ اللَّهُمَّ أعطِ مُحَمَّداً الوَسيلَةَ وَالشَّرَفَ وَالفَضيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الْكَبِيرَةَ اللّهُمَّ إنِّي آمَنتُ بِمُحَمَّدٍ وَلَم أرَهُ فَلا تَحْرِمْني يَومَ القِيامَةِ رُؤيَتَهُ وَارْزُقْني صُحْبَتَهُ وَتَوَفَّني على مِلَّتِهِ واسقِني مِن حَوضِهِ مَشرَباً رَوِيّاً سائِغاً هنيئاً لا أظمَأُ بعدهُ أَبْدَأُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ اَللّهُمَّ كَما آمَنتُ بِمُحَمَّدٍ وَلَم أَرَهُ فَعَرِّفني في الجِنانِ وَجهَهُ اللّهُمَّ بَلِّغْ روحَ مُحَمَّدٍ صلي اللّه عليه والِه وسَلِّم عَنِّي تَحَنِيَةً كَثِير وسَلاماً فَإنَّ مَن صَلَّى عَلى النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَيهِ والِهِ وسَلَّم بِهَذِهِ الصَّلَوَاتِ هُدِمَتْ ذُنُوبُهُ ومُحِيَتْ خَطَايَاهُ وَدَامَ سُرُورِهِ واسْتُجِيبَ دُعاؤُهُ وَأُعطِيَ أَمَلَهُ وَبُسِطَ لَهُ في رِزْقِهِ وأُعْين عَلَى عَدُوِّهِ وهِيَ لَهُ سَبَبُ أنواعِ الخَيرِ ويُجعَلُ مِن رُفَقَاءِ نَبِيِّهِ في الجِنانِ الأعلى يَقولُهُنَّ ثَلاثَ مَرَّاتٍ غُدْوَةً وَثَلاث وَ ثَلاَثُ مَرَّاتٍ عَشِيَّةٌ.(1)

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله الصادق علیه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم يوم لعلي علیه السلام: ألا أبشرك ؟ فقال بلى بأبي أنت وأمي فإنك لم تزل مبشرا بكل خير

ص: 215


1- ثواب الأعمال: 156؛ بحار الأنوار:95/83، ح 3.

فقال أخبرني جبرئیل آنفا بالعجب فقال له علي علیه السلام وما الذي أخبرك يا رسول الله فقال أخبرني أن الرجل من أمتي إذا صلى علي وأتبع بالصلاة علي أهل بيتي فتحت له أبواب السماء و صلت عليه الملائكة سبعين صلاة وإن كان مذنبا خطاء[و إنه لمذنب خطاء]ثم تتحات عنه الذنوب كما يتحات الورق من الشجر ويقول الله تبارك وتعالى لبيك يا عبدي وسعديك ويقول الله لملائكته يا ملائكتي أنتم تصلون عليه سبعين صلاة وأنا أصلي عليه سبعمائة صلاة وإذا صلى علي ولم يتبع بالصلاة علي أهل بيتي كان بينها وبين السماء سبعون حجابا ويقول الله جل جلاله لا لبيك ولا سعديك يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه إلا أن يلحق بنبيه عترته فلا زال محجوبا حتى يلحق بي أهل بیتی.(1)

وعن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله علیه السلام قال: من قال في يوم مائة مرة رب صل على محمد وأهل بيته، قضى الله له مائة حاجة ثلاثون منها للدنيا، وسبعون منها للآخرة.(2)

وعن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله علیه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: ارفعوا

أصواتكم بالصلاة علي فانها يذهب بالنفاق.(3)

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من صلى علي في كتابه لم يزل الملائكة تصلي عليه مادام ذلك مكتوبا إلى يوم القيامة.(4)

ص: 216


1- الأمالي للصدوق: 580، م 85، ح 18؛ بحار الأنوار:56/91,، ح 30.
2- ثواب الأعمال: 158؛ بحار الأنوار:59/91، ح 40.
3- الكافي :493/2، ح 13؛ بحار الأنوار:59/91، ح 41.
4- جامع الأخبار للشعيري: 61.

وعن النبي صلي الله عليه واله وسلم: من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له مادام اسمي في ذلك الكتاب.(1)

وقال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: من صلى علي ألف مرة لا يعذبه الله في النار أبدأ، وقال:من صلى علي مرة فتح الله عليه بابا من العافية، وقال: من صلى علي مرة لم يبق من ذنوبه ذره.(2)

وعن جعفر، عن أبيه علیها السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: من صلى علي يوم الجمعة

إيمانا واحتسابا استأنف العمل.(3)

وروي عن عبدالله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أولى الناس في يوم القيامة أكثرهم علي صلاة.(4)

وقال النبي صلي الله عليه واله وسلم في الوصية: يا علي من صلى علي كل يوم أو كل ليلة وجبت له شفاعتي ولو كان من أهل الكبائر.(5)

عن أنس بن مالك قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: إن أقربكم مني يوم القيامة في كل موطن أكثركم علي صلاة في دار الدنيا، ومن صلى علي يوم الجمعة أو في ليلة الجمعة مائة مرة قضى الله له مائة حاجة سبعين من حوائج الآخرة وثلاثين من حوائج الدنيا، ثم يوكل الله تعالی له بكل صلاة ملكا يدخل علي في قبري كما يدخل

ص: 217


1- کنز العمال:507/1، ح 2243.
2- جامع الأخبار للشعيري: 59؛ بحار الأنوار:63/91، ح 52.
3- المحاسن :59/1، ح 97؛ وسائل الشيعة:196/7، ح 9099 - 13.
4- الكامل لعبدالله الجرجاني:342/6؛ جامع الأخبار للشعيري: 59؛ بحار الأنوار:63/91.
5- جامع الأخبار للشعيري: 59؛ بحار الأنوار:63/91.

أحدكم الهدايا و يخبرني من صلى علي باسمه ونسبه إلى عشيرته فاثبته عندي في صحيفة بيضاء.(1)

وعن النبي صلي الله عليه واله وسلم: أكثروا الصلاة علي فان الله وكل بي ملكا عند قبري فإذا صلی على رجل من أمتي قال ذلك الملك: يا محمد ان فلان بن فلان صلى عليك الساعة.(2)

عن الرضاعلیه السلام: من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد و آله فانها تهدم الذنوب هدما.(3)

وعن النبي صلي الله عليه واله وسلم: من سره أن يلقى الله غدا راضيا فليكثر الصلاة علي.(4)

وقال النبي صلي الله عليه واله وسلم: من قال: صلى الله على محمد و آل محمد أعطاه الله أجر اثنين وسبعين شهيدا وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.(5)

روى عن أنس بن مالك عن النبي صلي الله عليه واله وسلم: ما من أحد يذكرني ثم صلى علي إلا غفر الله له ذنوبه وإن كان أكثر من رمل عالج.(6)

وقال صلوات الله عليه و آله: من صلى علي يوم الجمعة مائة مرة غفر الله له خطيئته ثمانين سنة .(7)

ص: 218


1- معارج الأخبار للشعيري: 59؛ بحار الأنوار:63/91.
2- کنز العمال:494/1، ح 2181
3- عيون أخبار الرضا علیه السلام:294/1، ح 52؛ بحار الأنوار:47/91، ح 2.
4- کنز العمال:504/1، ح 2229.
5- جامع الأخبار للشعيري: 59؛ بحار الأنوار:64/91.
6- معارج اليقين للسبزواري:355/155- 14.
7- جامع الأخبار للشعيري: 60؛ بحار الأنوار:64/91.

وقال صلي الله عليه واله وسلم: من صلى علي مرة خلق الله تعالى يوم القيامة على رأسه نورا، وعلى يمينه نورا، وعلى شماله نورا، وعلى فوقه نورا، وعلى ظهره نورا، وعلى تحته نورا، وفي جميع أعضائه نورا.(1)

وقال صلي الله عليه واله وسلم: لن يلج النار من صلى علي.(2)

وقال صلي الله عليه واله وسلم: الصلاة على نور على الصراط، ومن كان له على الصراط من النور لم

يكن من أهل النار .(3)

وفي رواية عبدالرحمن بن عون أنه قال: جائني جبرئيل وقال: إنه لا يصلي عليك أحد إلا ويصلي عليه سبعون ألف ملك ومن صلی علیه سبعون ألف ملك كان من أهل الجنة.(4)

عن أنس، عن النبي صلي الله عليه واله وسلم قال: من صلى علي ألف مرة لم يمت حتى يبشربالجنة.(5)

وروي عن أنس قال: قال رسول الله صلي الله عليه واله وسلم: من صلى علي وعلى آلي تعظيما لحقي خلق من ذلك القول ملك يرى له جناح بالمشرق وجناح بالمغرب ورجلاه مغموستان في الأرض السفلى وعنقه ملتو تحت العرش فيقول الله عز وجل صل على عبدي كما صلي على النبي فهو يصلي عليه إلى يوم القيامة.(6)

ص: 219


1- جامع الأخبار للشعيري: 60؛ بحار الأنوار:64/91.
2- جامع الأخبار للشعيري: 60؛ بحار الأنوار:64/91.
3- جامع الأخبار للشعيري: 60؛ بحار الأنوار:64/91.
4- جامع الأخبار للشعيري: 60؛ بحار الأنوار:64/91.
5- معارج اليقين للسبزواري:24/156- 365؛ جامع الأخبار للشعيري: 60.
6- جامع الأخبار للشعيري: 61.

وعن النبي صلي الله عليه واله وسلم: لا تصلوا علي الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقول: اللهم صل على محمد و تمسكون بل قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.(1)

إلى غير هذه من الأخبار المتجاوزة عن حد الاحصاء.

والحمد لله الذي جعل صلاتنا عليه و آله و ما خصنا به من ولايتهم طيبا لخلقنا و طهارة لأنفسنا و تزكية لنا وكفارة لذنوبنا، وله الشكر على ما آثرنا بذلك وخصصنا به دون غيرنا كثيرا كثيرا.

ص: 220


1- الصواعق لابن حجر: 146.

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة (72) : ومن كلام له علیه السلام قاله لمروان بن الحكم بالبصرة:

اشارة

قَالُوا اَخْذُ مَرْوَانَ بْنَ اَلْحَكَمِ أَسِيراً يَومَ الْجَمَلِ فَاسْتَشْفَعَ الحَسَنَ وَالحُسَينَ عَليها السَّلاَمُ إلَى أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَكُلَّمَا فِيهِ فَخَلَّى سَبِيلَهُ فَقَالاَ لَهُ يُبَايِعُكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أُولَمُ يُبَايِعُنِي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ لاَ حَاجَةَ لِي في بَيعَتِهِ إنَّها كَفٌ يَهُودِيَّةٌ لَوْ بَايَعَنِي بِكَفِّهِ دَر بِسُبَّتِهِ أمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَةً كَلَعْقَةِ الكَلبِ أنفَهُ وَهُوَ أَبُو الأكْبُشِ الأربَعَةِ وَسَتَلقى الأُمَّةُ مِنهُ ومِن وُلْدِهِ يَوْماً يَوْماً أحْمَرَ

قَالُوا اَخْذُ مَرْوَانَ بْنَ اَلْحَكَمِ

اعلم أن مروان الملعون هو ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف، وكان أبوه الحكم لعنه الله عم عثمان بن عفان وقد طرده رسول الله صلي الله عليه واله وسلم ونفاه عن المدينة مع ابنه مروان، وكان مروان يومئذ طفلا فلم يزالا بالطائف حتى ولی عثمان فرده إلى المدينة مع ولده.(1)

وقال ابن حجر العسقلاني: هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي وكنيته أبو عبد الملك وهو ابن عم عثمان

ص: 221


1- شرح نهج البلاغة لابن ابی الحدید:148/6- 149.

وكاتبه في خلافته؛ يقال ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل بأربع وقال بن شاهين مات النبي صلي الله عليه واله وسلم وهو بن ثمان سنین فیکون مولده بعد الهجرة بسنتين قال: وسمعت ابن أبي داود يقول ولد عام أحد يعني سنة ثلاث، إلى آخر ما قال في مولدها.(1)

قال: وقصة إسلام أبيه ثابتة في الفتح لو ثبت أن في ذلك السنة مولده لكان حينئذ مميزا فيكون من شرط القسم الأول لكن لم أر من جزم بصحبته فكأنه لم يكن حينئذ مميزا ومن بعد الفتح أخرج أبوه إلى الطائف وهو معه فلم يثبت له أزيد من الرؤية ،(2)وأطال الكلام بما لا فائدة فيه إلى أن قال: وكان مع أبيه بالطائف إلى أن أذن عثمان للحكم في الرجوع إلى المدينة فرجع مع أبيه ثم كان من أسباب قتل عثمان ثم شهد الجمل مع عائشة ثم صفين مع معاوية ثم ولي إمرة المدينة لمعاوية ثم لم يزل بها إلى أن أخرجهم بن الزبير في أوائل إمرة يزيد بن معاوية فكان ذلك من أسباب وقعة الحرة وبقي بالشام إلى أن مات معاوية بن یزید بن معاوية فبايعه بعض أهل الشام في قصة طويلة ثم كانت الوقعة بينه وبين الضحاك بن قيس وكان أميرا لابن الزبير فانتصر مروان وقتل الضحاك واستوثق له ملك الشام ثم توجه إلى مصر فاستولى عليها ثم بغته (نعته) الموت فعهد إلى ولده عبد الملك فكانت مدته في الخلافة قدر نصف سنة ومات في شهر رمضان سنة خمس وستين.(3)

واختلف في السبب الموجب لنفي رسول الله صلي الله عليه واله وسلم فقيل انه كان يتحيل ويستخفي ويتسمع (يسمع) ما يسره رسول الله صلي الله عليه واله وسلم إلى أكابر الصحابة في مشركي قریش و سائر الكفار والمنافقين ويفشي ذلك عنه حتى ظهر ذلك عنه.

ص: 222


1- الاصابة (ابن حجر):203/6، ش 8337.
2- الاصابة لابن حجر:203/6.
3- الاصابة لابن حجر:204/6.

وقيل كان يتجسس على رسول الله صلي الله عليه واله وسلم وهو عند نسائه ويسترق السمع ويصغي إلى ما يجري هناك مما لا يجوز الاطلاع عليه ثم يحدث به المنافقين على طريق الاستهزاء.

وقيل كان يحكيه في بعض مشیته وبعض حرکاته فقد قيل إن النبي صلي الله عليه واله وسلم كان إذا مشي يتكفأ وكان الحكم بن أبي العاص يحكيه وكان شانئا له مبغضا حاسدا فالتفت رسول الله صلي الله عليه واله وسلم يوما فرآه يمشي خلفه يحكيه في مشيته فقال له كذلك فلتكن یا حکم فكان الحكم مختلجا يرتعش من يومئذ.(1)

وعن عبدالله بن عمرو بن العاص : ان رسول الله صلي الله عليه واله وسلم قال: يدخل عليكم رجل العين، قال: وكنت قد رأيت أبي يلبس ثيابه ليقبل إلى رسول الله فلم أزل مشفقا أن يكون أول من يدخل، فدخل الحكم بن أبي العاص.(2)

أبان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: خرج رسول الله صلي الله عليه واله وسلم من حجرته ومروان وأبوه يستمعان إلى حديثه فقال له الوزغ ابن الوزغ قال أبو عبد الله علیه السلام: فمن يومئذ يرون أن الوزغ يسمع الحديث.(3)

وقال البلاذري: إن الحكم بن أبي العاص كان جارا لرسول الله في الجاهلية وكان أشد جيرانه أذى له في الإسلام وكان قدومه المدينة بعد فتح مكة وكان مغموصا عليه في دينه فكان يمر خلف رسول الله فيغمز به و يحكيه ويخلج بأنفه وفمه وإذا صلی قام خلفه فأشار بأصابعه فبقي على تخليجه وأصابته خبلة واطلع على رسول الله ذات يوم وهو في بعض حجر نسائه فعرفه وخرج إليه بعنزة (عصا)

ص: 223


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:149/6.
2- الاستیعاب لابن عبد البر:360/1.
3- الكافي:238/8، ح 323؛ بحار الأنوار:532/31، ح 38.

وقال: من عذيري من هذا الوزغة اللعين، ثم قال: لا يساکنني ولا ولده فغربهم جميعا إلى الطائف فلما قبض رسول الله كلم عثمان أبا بكر فيهم وسأله ردهم فأبی ذلك وقال: ما كنت لاوي طرداء رسول الله صلي الله عليه واله وسلم ثم لما استخلف عمر کلمه فيهم فقال مثل قول أبي بكر. انتهى.(1)

فلما استخلف عثمان أدخلهم المدينة وقد دخلها الحكم وهو علیه فزر خلق ويسوق تیسا والناس ينظرون إليه وإلى سوء حاله وحال من معه حتى دخل دار الخلافة ثم خرج وعليه جبة خز و طیلسان.(2)

وقد كان رده أحد الأسباب التي أوجبت النقمة على عثمان كما أن إعطاؤه صدقات قضاعة التي بلغت ثلاثمائة ألف درهم هبة(3)من الأسباب التي أوجبت نقمة الناس على عثمان.

توفي الحكم في خلافة عثمان قبل قتله بشهور.(4)

وأبان عن زرارة قال: سمعت أبا جعفرعلیه السلام يقول: لما ولد مروان عرضوا به الرسول الله صلي الله عليه واله وسلم أن يدعو له فأرسلوا به إلى عائشة ليدعو له فلما قربته منه قال: أخرجوا علي الوزغ ابن الوزغ. قال زرارة ولا أعلم إلا أنه قال ولعنه.(5)

وعن عبد الرحمن بن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتي به النبي صلي الله عليه واله وسلم فدعا له فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال: هو الوزغ ابن الوزغ الملعون ابن الملعون.(6)

ص: 224


1- أنساب الأشراف:513/5، ش 1331.
2- تاريخ اليعقوبي:164/2.
3- أنساب الأشراف:1338/515/5.
4- أنساب الأشراف:1332/514/5.
5- الكافي:238/8، ح 324؛ بحار الأنوار:533/31، ح 29.
6- الفتن لنعيم بن حماد المروزي: 73؛ المستدرك الحاكم النيسابوري:479/4.

وفي حديث عائشة قالت لمروان: إن الله (النبي) لعن أباك وأنت فضض من لعنة الله أي قطعة وطائفة منها، ورواه بعضهم فظاظة من لعنة الله بظائين من الفظيظة وهو ماء الكرش.

وقال الزمخشري: افتظظت الكرش اعتصرت مائها كأنها عصارة من لعنة الله .(1)

وعن محمد بن زیاد قال: لما بايع معاوية لابنه يزيد قال مروان: ستة أبي بكر وعمر. فقال عبدالرحمن بن أبي بكر: سنة هرقل وقيصر. فقال له مروان: أنت الذي أنزل الله فيك:«وَالَّذي قالَ لِوالِدَيَّ أُفٍ لَكُما»، فبلغ ذلك عائشة فقالت: كذب والله ما هو به ولكن النبي صلي الله عليه واله وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه .(2)

وقال ابن أبي الحديد: كان مروان مجاهرا بالالحاد هو وأبوه وهما الطريدان اللعينان. كان أبوه عدو النبي صلي الله عليه واله وسلم يحكيه في مشيه، ويغمز عليه عينه، ويدلع لسانه، ويهکم به، ويتهانف عليه هذا وهو في قبضته و تحت يده، وهو يعلم أنه قادر على قتله أي وقت شاء. فهل يكون هذه إلا من شانئ شديد البغضة حتى أفضى أمره إلى أن طرده النبي صلي الله عليه واله وسلم وسيره إلى الطائف وأما مروان ابنه فأخبث عقيدة وأعظم الحادا وكفرا.(3)

وفي الاستيعاب في هند بن أبي هالة عن هند قال: مر النبي صلي الله عليه واله وسلم بأبي مروان فجعل يغمزه. فالتفت فقال: «اللهم اجعل به وزغا».

الوزغ: الارتعاش فرجف مكانه.(4)

ص: 225


1- النهاية:454/3.
2- المستدرك الحاكم النيسابوري:481/4؛ بحار الأنوار:237/62.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4 /71.
4- الاستیعاب: 4 /1546.

وروى المدائني خبرا طويلا في محاجة ابن عباس في مجلس معاوية مع مروان وغيره - إلى أن قال : فقال مروان: یا ابن عباس إنك لتصرف أنيابك وتوري نارك كأنك ترجو الغلبة و تؤمل العافية ولولا حلم أمير المؤمنین عنکم لنا ولكم بأقصر أنامله فأوردكم منهلا بعيدا صدره ولعمري لئن سطا بكم ليأخذن بعض حقه منكم ولئن عفا عن جرائركم فقديماما نسب إلى ذلك فقال ابن عباس وإنك لتقول ذلك يا عدو الله وطريد رسول الله والمباح دمه والداخل بين عثمان ورعيته بما حملهم على قطع أوداجه ورکوب أثباجه أما والله لو طلب معاوية ثاره الأخذك به ولو نظر في أمر عثمان لو جدك أوله وآخره.(1)

وقال الحسن علیه السلام لمروان في مجلس معاوية: وما زادك الله يا مروان بما خوفك إلا طغيانا كبيرا وصدق الله وصدق رسوله يقول الله تعالى: «وَالشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ فِي الْقُرْآنِ وَ نُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا»(2)

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ انْهَ قَالَ : قَالَ مَرْوَانُ بْنُ الحکم یوما للحسین بْنِ علی علیه السَّلَامُ : لَولَا فخرکم بِفَاطِمَةَ بِمَا کنتم تَفْتَخِرُونَ عَلَيْنَا فَوَثْبَ الحسین علیه السُّلَّامَ وَكَانَ علیه السُّلَّامَ شدید الْقَبْضَةِ فَقَبْضٍ عَلَى حَلْقِهِ فَعَصْرِهِ وَ لَوَى عِمَامَتُهُ عَلَى عُنْقِهِ حَتَّى غِشِّيٍّ عَلَيْهِ ثُمَّ تَرْكُهُ وَأَقْبَلَ الحسین علیه السُّلَّامَ جُمَّاعَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالٍ: أَنَشَدَكُمْ بالله إِلَّا صدقتموني إِنَّ صَدَقَةَ أَ تَعْلَمُونَ أَنَّ فِي الْأَرْضِ حبیبن کانا أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ مِنِّي وَ مِنْ أَحْيِ أَوْ عَلَى ظَهَرَ الْأَرْضُ ابْنِ بِنْتَ نَبِيِّ غَيْرِي وَ غَيْرُ أَخِي قَالُوا لَا قَالَ وَ إِنِّي لَا أَعْلَمُ أَنَّ فِي الْأَرْضِ مَلْعُونُ بْنِ ملعوني غَيْرَ هَذَا وَ أَبِيهِ طَرِيدُ رَسُولِ اللَّهِ صُلِّيَ اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَ سَلَّمَ

ص: 226


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:299/6
2- الاحتجاج:279/1؛ بحار الأنوار:86/44.

وَاللهُ مَا بَيْنَ جَابَرْسُ وَجَابَلْقُ أَحَدَّهُمَا بِبَابِ الْمَشْرِقِ وَالْأُخَرِ بِبَابِ الْمَغْرِبِ رَجُلَانِ مِمَّنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامُ أُعْدَى لِلَهَّ وَلِرَسُولِهِ وَلََأَهَّلَ بَيْتُهُ مِنْكَ وَمِنْ أَبِيكَ إِذْ کان وَعَلَاَمَةَ قَوْلِيَّ فِيكَ أَنَّكَ إِذَا غَضِبَتْ سَقَطُ رداؤک عَنْ منکبك قَالَ فُوُ اللهِ مَا قَامَ مروَانِ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى غَضَبٍ فَاِنْتَقَضَ وَسَقَطَ رداؤه عَنْ عَاتِقِهِ .(1)

وذكر هشام الكلبي عن محمد بن إسحاق قال: بعث مروان - وكان واليا على المدينة - رسولا إلى الحسن علیه السلام فقال له: يقول لك مروان: أبوك الذي فرق الجماعة، وقتل عثمان، وأباد العلماء والزهاد - يعني الخوارج - وأنت تفخر بغيرك. فإذا قيل لك: من أبوك تقول: خالي الفرس. فجاء الرسول إلى الحسن علیه السلام فقال له: أتيتك برسالة متن يخاف سطوته، ويحذر سیفه. فإن كرهت لم أبلغك إياها ووقيتك بنفسي.

فقال الحسن علیه السلام: لا بل تؤديها، ونستعين عليه بالله. فأذاها فقال علیه السلام له: تقول المروان: إن كنت صادقا فالله يجزيك بصدقك، وإن كنت كاذبا فالله أشد نقمة. فخرج الرسول من عنده. فلقيه الحسين علیه السلام فقال: من أين أقبلت؟ فقال: من عند اخیک الحسن علیه السلام .فقال:وما تصنع؟ قال: أتيت برسالة من عند مروان. فقال: وما هي؟ فامتنع الرسول من أدائها. فقال: لتخبرني أو لأقتلك.

فسمع الحسن علیه السلام فخرج، وقال لأخيه: خل عن الرجل. فقال: لا والله حتى أسمعها فأعادها الرسول عليه. فقال له الحسین علیه السلام: قل له يقول لك الحسين بن علي وابن فاطمة: «یابن الزرقاء الداعية إلى نفسها بسوق ذي المجاز، وصاحبة

ص: 227


1- الاحتجاج:206/44؛ بحار الأنوار:206/44، ح 2.

الراية بسوق عكاظ، ويا ابن طريد الرسول ولعينه اعرف من أنت، ومن أبوك، ومن أمك)).

فجاء الرسول إلى مروان فأعاد عليه ما قالا. فقال للرسول: ارجع إلى الحسن وقل له: أشهدك أنك ابن الرسول، وقل للحسين: أشهد أنك ابن علي بن أبي طالب.

فقال الحسين علیه السلام للرسول: قل لمروان كلاهما لي رغما لك. قال الأصمعي: أما قول الحسين علیه السلام: «يابن الداعية إلى نفسها» فذكر ابن إسحاق أن أم مروان اسمها امية وكانت من البغايا في الجاهلية، وكانت لها راية مثل راية البيطار تعرف بها، وكانت تسمى أم حنبل (حبتل) الزرقاء، وكان مروان لا يعرف له أب وإنما نسب الی الحکم کما نسب عمرو الی العاص.

وأما قوله يابن طريد الرسول: يشير إلى الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أسلم يوم الفتح، وسكن المدينة، وكان ينقل أخبار النبي علیه السلام إلى الكفار من الأعراب، وغيرهم، ويتجسس عليه.

قال الشعبي: وما أسلم إلا لهذا، ورآه النبي صلي الله عليه واله وسلم يوما وهو يمشي ويتخلج في مشيته يحاكي النبي صلي الله عليه واله وسلم. فقال له كذلك. فما زال يمشي كأنه يقع على وجهه ونفاه إلى الطائف، ولعنه. فلما توفي النبي صلي الله عليه واله وسلم كلم عثمان أبا بكر أن يرده لأنه كان عمه. فقال أبو بكر: هيهات شيء فعله النبي صلي الله عليه واله وسلم: والله لا اخالفه أبدا. فلما ولی عمر بعده كلمه فيه، فقال: والله لا كان هذا أبدا. فلما ولی عثمان بعده رده في اليوم الذي تولى فيه، وقربه وأدناه، ودفع له مالا عظيما، ورفع منزلته. فقام المسلمون على عثمان، وأنكروا عليه، وهو أول ما أنكروا عليه. فامتنع جماعة من الصحابة من الصلاة خلف عثمان لذلك. ثم توفي الحكم في خلافته.

ص: 228

فصلی علیه ومشي خلفه. فشق ذلك على المسلمين، وقالوا ما كفاك ما فعلت حتى تصلي على منافق ملعون لعنه النبي صلي الله عليه واله وسلم ونفاه، فخلعوه وقتلوه.

وأعطى عثمان ابنه مروان خمس غنائم أفريقية خمسمائة ألف دينار، ولما بلغ ذلك عائشة أرسلت إلى عثمان: أما كفاك أنك رددت المنافق حتى تعطيه أموال المسلمين و تصلي عليه و تشیعه، وبهذا السبب قالت: اقتلوا نعثلا قتله الله فقد کفر، وكان مروان يشتم عليا علیه السلام يوم الجمعة على المنبر، وكان الحسن علیه السلام يقعد في حجرة النبي صلي الله عليه واله وسلم، حتى يفرغ ثم يخرج فيصلي خلفه.(1)

وفي الصحاح: خيط باطل: هو الذي يقال له لعاب الشمس، ومخاط الشيطان وكان مروان يلقب بذلك لأنه كان طويلا مضطربا.(2)

ولما قتل عبد الملك عمرو بن سعيد الأشدق قالت أخته:

غدرتم بعمرو یا بني خيط باطل *** وكلكم يبني البيوت على غدر(3)

وفي تاريخ الطبري - بعد ذكر أن الوليد رخص للحسين علیه السلام في الانصراف لما دعاه لبيعة يزيد - قال مروان للوليد: احبس الرجل، ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه. فوثب عند ذلك الحسين علیه السلام فقال: یابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو - إلى أن قال : فقال مروان للوليد: عصيتني. فقال له الوليد: اخترت لي التي فيها هلاك دینی. والله إني لأظت أمرأ يحاسب بدم الحسين علیه السلام الخفيف الميزان عند الله يوم القيامة. فقال له مروان: فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت في ما صنعت - يقول له هذا وهو غير حامد له على رأيه.(4)

ص: 229


1- تذكرة الخواص:45/2- 51.
2- مروج الذهب:1125/3 ، مادة (خيط).
3- الصحاح للجوهري:306/2.
4- تاريخ الطبري:251/4.

واستأذن إسماعيل بن يسار النسائي على الغمر بن یزید بن عبد الملك يوما.

فحجبه ساعة ثم أذن له. فدخل يبكي، فقال له الغمر: مالك تبكي؟ فقال: وكيف لا أبكي وأنا على مروانیتي ومروانية أبي احجب عنك.

فجعل الغمر يعتذر إليه. وهو يبكي. فما سكت حتى وصله الغمر بجملة لها قدر. ثم خرج من عنده فلحقه رجل: فقال له: ويلك يا إسماعيل أي مروانية كانت لك أو الأبيك؟ قال: بغضنا إياهم فامرأته طالق إن لم تكن امه تلعن مروان و آله كل يوم مكان التسبيح، وإن لم يكن أبوه حضره الموت فقيل له قل: لا إله إلا الله. فقال: لعن الله مروان. تقربا بذلك إلى الله تعالى وإبدا له من التوحيد، وإقامة له مقامه.(1)

وزعم أهل اليمامة وعكل وغيرهم أن ثلاثة نفر أبو حفصة جد مروان بن أبي حفصة الشاعر، ورجل من تميم، ورجل من سليم أتوا مروان فباعوا أنفسهم منه من مجاعة نالتهم، فاستعدى أهل بيوتاتهم عليهم فأقر السلمي أنه من العرب وأنه إنما أتی مروان فباعه نفسه. فدس إليه مروان من قتله. فلما رأى ذلك الآخران ثبتا على أنهما موليان لمروان.(2)

أَسَيْرَةُ يَوْمِ الْجَمَلِ فَاِسْتَشْفَعَ الْحُسْنُ وَالْحِسَّيْنِ علیهَا السُّلَّامَ إِلَى أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ علیهما السُّلَّامَ فَكُلَّمَا فِيهِ فَخَلَّى سَبِيلُهُ

دخل علي علي علیه السلام عائشة بعد أن بعث ابن عباس إليها يأمرها بالخروج إلى المدينة، ومعه الحسن والحسين علیهما السلام وباقي أولاده، وأولاد إخوته، وفتيان أهله من بني هاشم، وغيرهم من شيعته فلما بصرت به النسوان صحن في وجهه، وقلن: یا

ص: 230


1- الأغاني:537/4.
2- الأغانی:293/10.

قاتل الأحبة. فقال علیه السلام: لو كنت قاتل الأحبة لقتلت من في هذا البيت - وأشار إلى بيت من البيوت قد اختفي فيه مروان، وعبدالله بن الزبير، وعبدالله بن عامر، وغيرهم - فضرب من كان معه بأيديهم إلى قوائم سيوفهم لما علموا من في البيت مخافة أن يخرجوا منه فيغتالوهم - إلى أن قال - : فسألته عائشة أن يؤمن ابن اختها عبدالله بن الزبير فآمنه، و تكلم الحسن والحسين علیهما السلام في مروان فآمنه.(1)

ولكن روی (الخرائج): أن ابن عباس استشفع له، فروى عن رجل من مراد قال: كنت واقفا على رأس أمير المؤمنين علیه السلام يوم البصرة إذ أتاه ابن عباس بعد القتال فقال إن لي حاجة. فقال علیه السلام ما أعرفني بالحاجة التي جئت فيها تطلب الأمان لابن الحكم قال ما جئت إلا لتؤمنه قال قد آمنته ولكن اذهب وجئني به ولا تجئني به إلا رديفا فإنه أذل له. فجاء به ابن عباس مردفا خلفه كأنه قرد.(2)

قال الواقدي: ولما فرغ أمير المؤمنين علیه السلام من أهل الجمل جاءه قوم من فتیان قريش يسألونه الأمان وأن يقبل منهم البيعة فاستشفعوا إليه بعبد الله بن العباس فشفعه وأمر لهم في الدخول عليه فلما مثلوا بين يديه قال لهم: ويلكم يا معشر قریش علام تقاتلونني على أن حكمت فیکم بغیر عدل أو قسمت بینکم بغير سوية أو استأثرت عليكم أو لبعدي عن رسول الله صلی الله علیه واله وسلم أو لقلة بلاء مني في الإسلام؟ فقالوا: يا أمير المؤمنین نحن إخوة يوسف علیه السلام فاعف عنا واستغفر لنا فنظر إلى أحدهم فقال له: من أنت؟ قال أنا مساحق بن مخرمة معترف بالزلة مقر بالخطيئة تائب من ذنبي فقال علیه السلام: قد صفحت عنکم وايم الله أن فيكم من لا أبالي أبا يعني بكفه أم بأسته ولئن بايعني لينكثن وتقدم إليه مروان بن الحكم وهو متكئ على

ص: 231


1- مروج الذهب:386/2.
2- الخرائج والجرائح:197/1، ح 35.

رجل فقال علیه السلام: أيك جراحة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين وما أراني لما بي إلا میتا فتبسم أمير المؤمنين علیه السلام وقال: لا والله ما أنت لما بك میت و ستلقى هذه الأمة منك ومن ولدك يوما أحمر.(1)

وظاهر خبر أبي مخنف عدم استشفاع أحد فيه، وفي جمع آخر معه

وروى أبو مخنف و المسعودي عن هاشم بن البريد عن عبد الله بن مخارق عن هاشم بن مساحق القرشي قال: حدثني أبي أنه لما انهزم الناس يوم الجمل اجتمع معه طائفة من قريش فيهم مروان بن الحكم فقال بعضهم لبعض والله لقد ظلمنا هذا الرجل يعنون أمير المؤمنين علیه السلام ونكثنا بيعته من غير حدث والله لقد ظهر علينا فما رأينا قط أكرم سيرة منه ولا أحسن عفوا بعد رسول الله صلی الله علیه واله وسلم؛ فقوموا (تعالوا) حتى ندخل عليه ونعتذر إليه مما صنعناه قال فصرنا إلى بابه فاستأذناه فأذن لنا فلما مثلنا بين يديه جعل متکلمنا يتكلم.

فقال علیه السلام: أنصتوا أكفكم إنما أنا بشر مثلكم فإن قلت حقا فصدقوني وإن قلت باطلا فردوا علي أنشدكم الله أتعلمون أن رسول الله صلی الله علیه واله وسلم لما قبض كنت أنا أولى الناس به وبالناس من بعده قلنا اللهم نعم قال فعدلتم عني و بایعتم أبا بكر فأمسكت ولم أحب أن أشق عصا المسلمين وأفرق بين جماعتهم ثم إن أبا بكر جعلها لعمر من بعده فكففت ولم أهج الناس وقد علمت أني كنت أولى الناس بالله وبرسوله وبمقامه فصبرت حتى قتل عمر وجعلني سادس ستة فكففت ولم أحب أن أفرق بين المسلمين ثم بایعتم عثمان فطعنتم عليه فقتلتموه وأنا جالس في بيتي فأتيتموني و بایعتموني كما بایعتم أبا بكر وعمر فما بالكم وفيتم لهما ولم تفوالي؟

ص: 232


1- الجمل للمفيد: 413.

وما الذي منعكم من نكث بيعتهما ودعاكم إلى نكث بيعتي فقلنا له کن یا أمير المؤمنین کالعبد الصالح يوسف إذ قال: «لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ»(1) فقال علیه السلام: لا تثريب عليكم اليوم وإن فيكم رجلا لو با یعني بيده لنكث بأسته يعني مروان بن الحكم.(2)

هذا، وكما أطلق علیه السلام مروان بعد أسره مع عداوته تلك، أطلق الولید بن عقبة مع کونه مثل مروان في العداوة له.

حکی أبو حاتم عن أبي عبيدة قال: أتى علي علیه السلام بالوليد بن عقبة يوم الجمل أسيرا، فقال لما رآه:

هنيدة قد حللت بدار قوم *** هم الأعداء والأكباد سود

هم إن يظفروا بي يقتلوني *** وإن أظفر فليس لهم جلود

فقال الوليد: أنشدك الله يا أمير المؤمنين في دمي، فخلى عنه.(3)

فَقَالَا لَهُ يُبَايِعُكَ يَا أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ علیه السُّلَّامَ: أَوََلَمْ يُبَايِعْنِي بَعْدَ قَتَلَ عُثْمَانٌ

بايع الناس بعد عثمان عليا علیه السلام إلا ثلاثة من قریش: مروان وسعيد بن العاص و الوليد بن عقبة - وكان لسان القوم - فقال الوليد لها علیه السلام: يا هذا إنك قد وترتنا جميعا. أما أنا فقتلت أبي صبر يوم بدر، وأنا سعيد فقتلت أباه يوم بدر، وأما مروان فشتمت أباه، وعبت على عثمان حین ضمه إليه - إلى أن قال : فقال الوليد: تبايعنا على أن تضع عنا ما أصبنا، وتعفى لنا عما في أيدينا، وتقتل قتلة صاحبنا.

ص: 233


1- يوسف: 92.
2- الجمل للمفيد: 416.
3- شرح إحقاق الحق:293/32.

فغضب علي علیه السلام وقال: أما ما ذكرت من وتري إياكم، فالحق و تركم، وأما وضعي عنكم ما أصبتم فليس لي أن أضيع حق الله ، وأما إعفائي عما في أيديكم فما كان الله وللمسلمين فالعدل يسعكم، وأما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم اليوم لزمني قتالهم غدا، ولكن لكم أن أحملكم على كتاب الله، وسنة نبيه، فمن ضاق عليه الحق فالباطل عليه أضيق، وإن شئتم فالحقوابملاحقكم. فقال مروان: بل نبايعك، ونقيم معك فترى ونرى.(1)

لَا حَاجَةٌ لِي فِي بَيْعَتِهِ إِنَّهَا كَفُّ یهُودیَة لُؤ بَايَعَنِي بِكَفِّهِ لِغَدْرٍ بِسَبَّتِهِ

أي: با سته. في خبر (الخرائج) المتقدم: «قال أمير المؤمنين علیه السلام تبايع؟ قال: نعم وفي النفس ما فيها قال: الله أعلم بما في القلوب.

فلما بسط يده ليبايعه أخذكفه عن كف مروان فنترها وقال: لا حاجة لي فيها،إنها كف يهودية لوبايعني بيده عشرين مرة لنكث باسته»(2)

وقد عرفت من خبر أبي مخنف: وإن الله إن فيكم رجلا لو بايعني بيده لنكث باسته»(3)

ومن خبر الواقدي: «و ایم الله إن فيكم من لا ابالي بايعني بكفه أو باسته، ولئن با يعني لینکثن»(4)

قال ابن أبي الحديد: كان الغادر من العرب إذا عزم على الغدر بعد عهده حبق استهزاء .(5)

ص: 234


1- تاريخ اليعقوبي :178/2.
2- الخرائج والجرائح:197/1.
3- الجمل للمفيد: 417.
4- الجمل للمفید: 413.
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:147/6.

قال علیه السلام ذلك لأنه يعرف ضميره، وكيف كان يفي ببيعته، وقد كان كتب إلى معاوية، ويعلى بن منبة قبل قتل عثمان «وإني خائف إن قتل - يعني عثمان - أن تكون - أي الخلافة - من بني أمية بمناط الثريا إن لم نصر کرصيف الأساس المحكم ولئن وهي عمود البيت لتتداعين جدرانه والذي عيب عليه إطعامكما الشام واليمن ولا شك أنكما تابعاه إن لم تحذرا وأما أنا فمساعف كل مستشير ومعين كل مستصرخ ومجيب كل داع أتوقع الفرصة فأثب وثبة الفهد أبصر غفلة مقتنصة».(1)

وكتب إلى معاوية بعد قتل عثمان - مشيرة إليها علیه السلام وأصحابه - ولقد طويت أديمهم على نغل يحلم منه الجلد كذبت نفس الظان بنا ترك المظلمة، وحب الهجوع إلا تهويمة الراكب العجل - إلى أن قال - : وكتابي إليك وأنا كحرباء السبسب في الهجير ترقب عين الغزالة.(2)هذا.

وقال الأخطل وكان شاعرا نصرانيا، ومن المنقطعين إلى بني أمية في بشر بن مروان:

فلا تجعلني يابن مروان کامرئ *** غلت في هوى آل الزبير مراجله

يبايع بالكف التي قد عرفتها *** وفي قلبه ناموسه وغوائله(3)

ص: 235


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 10 / 234.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:241/10.
3- بهج الصباغة: 5/ 600.

أَمَّا إِنَّ لَهُ إِمْرَةٌ

قال ابن أبي الحديد: وروى هذه الخبر من طرق كثيرة ورويت فيه زيادة هكذا:

«ويحمل راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه، وإن له إمرة كلعقة الكلب أنفه»(1)

وقال الشاعر في امارة مروان، وقد عرفت أنه كان يلقب بخيط الباطل:

لحا الله قوما أمروا خيط باطل *** على الناس يعطي من يشاء ويمنع(2)

وقد وقعت إمارته كما أخبرعلیه السلام قال المسعودي: أراد مروان بعد موت یزید أن يلحق بابن الزبير فمنعه من ذلك عبیدالله بن زياد عند لحاقه بالشام وقال له: إنك شیخ بني عبد مناف - إلى أن قال-: قال عمرو بن سعيد الأشدق لمروان أدعوا الناس إليك، وآخذها لك على أن يكون لي من بعدك.

فقال مروان: بل بعد خالد بن یزید بن معاوية فرضي الأشدق بذلك، ودعا الناس إلى بيعة مروان فأجابوا، وكانت أيامه تسعة أشهر وأيام قلائل(3) - وقيل ثمانية أشهر(4) ؛ وقيل ستة أشهر وقيل أربعة أشهر وعشرة أيام(5) - واختلف في سبب وفاته فمنهم من رأى أنه مات مطعونا، ومنهم من رأى أنه مات حتف أنفه، ومنهم من رأى أن فاختة بنت أبي هاشم بن عتبة - أم خالد بن يزيد - هي التي قتلته، وذلك أن مروان حين أخذ البيعة لنفسه ولخالد بن يزيد بعده، وعمرو بن سعید بعد خالد؛ ثم بدا له في ذلك فجعلها لابنه عبد الملك بعده ثم لابنه عبد العزيز، ودخل عليه خالد بن يزيد فكلمه وأغلظ له؛ فغضب من ذلك، وقال: أتكلمني يابن الرطبة

ص: 236


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:146/6.
2- الصحاح للجوهري:1126/3.
3- بحار الأنوار:235/32.
4- بهج الصباغة:601/5.
5- بحار الأنوار:235/32.

- وكان مروان قد تزوج بامه فاختة ليذله بذلك ويضع منه - فدخل خالد على امه فقبح لها تزوجها بمروان، وشكا إليها ما نزل به منه فقالت: لا يعيبك بعدها، فمنهم من رأى أنها وضعت على نفسه وسادة، وقعدت فوقها مع جواريها حتى مات، ومنهم من رأى أنها أعدت له لبنا مسموما فلما دخل عليها ناولته إياه فشربه فلما استقر في جوفه وقع يجود بنفسه، وأمسك لسانه فحضره عبد الملك وغيره من ولده، فجعل مروان يشير إلى ام خالد برأسه - يخبرهم أنها قتلته - وام خالد تقول: بأبي أنت حتى عند النزع لم تشتغل عتي انه يوصيكم بي.(1)

كَلُعْقَةِ الْكَلْبِ أَنْفِهِ

فقد عرفت أن إمرته كانت تسعة أشهر أو ثمانية أشهر.

هذا، وكان ابن همام حين حصر ابن مطيع في القصر فتدلی منه مع ناس تدلوا أيضا فقال:

لما رأيت القصر أغلق بابه*** وتعلقت همدان بالأسباب

ورأيت أفواه الأزقة حولنا*** ملئت بكل هراوة وذياب

ورأيت أصحاب الدقيق كأنهم*** حول البيوت ثعالب الأسراب

أيقنت أن إمارة ابن مضارب *** لم تبق منها قيس أثر ذباب(2)

ومما قيل في قصر المدة قول ابن عباس في مدة امارة عائشة في الجمل.

قال ابن عباس لها - بعد هزيمتها - إن أمير المؤمنين يأمرك أن ترجعي إلى بلدك الذي خرجت منه. قالت: رحم الله أمير المؤمنين إنما كان عمر بن الخطاب فقال لها

ص: 237


1- مروج الذهب:85/3- 89 .
2- أنساب الأشراف:396/6.

بل علي بن أبي طالب فقالت: أبيت أبيت فقال لها: ما كان آباؤك إلا فواق ناقة بكيئة ثم صرت ما تحلين، ولا تمرين ولا تأمرين، ولا تنهين فبكت حتى علا نشيجها.(1)

وَهُوَ أَبُو اِلْأَكَبْشَ الْأَرْبِعةِ

في إعلام الوری عن ابن مرهب - بعد ذکر ورود مروان على معاوية، و ترکه حاجة له - فورد ابنه عبد الملك إلى معاوية فكلمه فلما أدبر عبد الملك قال (معاوية الابن عباس وكان عنده): أنشدك الله يابن عباس أما تعلم أن النبي صلی الله علیه واله وسلم ذكر هذا فقال: أبو الجبابرة الأربعة قال ابن عباس: اللهم نعم.(2)

وقال مصعب الزبيري: زعموا أن عبد الملك بن مروان رأى في منامه أنه بال في المحراب أربع مرات فدت من سأل سعيب بن المسيب - وكان يعتبر الرؤيا - فقال: يملك من صلبه أربعة فكان آخرهم هشام .(3)

وقال ابن أبي الحديد: فسروا الأكبش الأربعة بني عبد الملك الوليد، و سلیمان، ويزيد، وهشام ولم يل الخلافة من بني أمية، ولا من غيرهم أربعة إخوة إلا هؤلاء ويجوز عندي أن یرید علیه السلام ولد مروان لصلبه عبد الملك وعبد العزيز وبشر و محمد وكانواكباشا أبطالأ أنجاد ولي عبد الملك الخلافة، وولي بشر العراق، وولي محمد الجزيرة، وولي عبد العزيز مصر ولكل منهم آثار مشهورة.(4)

وكان لمروان ولد آخر أحمق، معاوية بن مروان، وهو الذي قال للطحان:

ص: 238


1- العقد الفرید:76/5- 77.
2- اعلام الوری بأعلام الهدی (ط - القديمة): 35.
3- حياة الحيوان للدميري:107/1.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:147/6.

أرأيت إن قام حمارك وحرك رأسه ليصوت جلجله ما علمك فقال: ومن له بمثل عقل الأمير.(1)

والأظهر ما عليه الأكثر من كون المراد بني عبد الملك الأربعة الذين ولو الخلافة، وكيف كان فمروان كان أبا عشرة.(2)

هذا، وولي الخلافة في الأخوين المسترشد، والمقتفي ابنا المستظهر، والهادي والرشید ابنا المهدي، والواثق والمتوكل ابنا المعتصم، وفي الاخوة الثلاثة، الأمين والمأمون والمعتصم بنو هارون، والمكتفي والمقتدر والقاهر بنو المعتضد، والراضي والمتقي والمطيع بنو المقتدر، وأما أربعة إخوة فليس إلا الوليد و سلیمان، ويزيد وهشام بنو عبد الملك.(3)

وكما أخبرعلیه السلام بهؤلاء الأكبش الأربعة أخبرعلیه السلام أن كبشأ آخر -وهو ابن الزبير-يستحل حرمة الكعبة.

قال عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديان: سمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين علیه السلام يوم التروية بين الحجر والباب: إن شئت أن تقيم أقمت. فولیت هذا الأمر فآزرناك، وساعدناك، ونصحنا لك، وبايعناك. فقال علیه السلام: «إن أبي حدثني أن بها كبشأ يستحل حرمتها فما أحب أن أكون ذلك الكبش»(4) ؛ ويأتي خبر النبي صلی الله علیه واله وسلم في ولد أبي العاص جد مروان كعثمان.

ص: 239


1- عيون الأخبار لابن قتيبة:50/2 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:162/18.
2- اعلام الوری: 35.
3- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم :313/17؛ الكامل لابن الأثير:78/9.
4- تاريخ الطبري:288/4، سنة 60.

وَتَلَقَّى الْأُمَّةُ مِنْهُ وَمِنْ وَلَدِهِ يَؤُمَّا أحْمَرُ

وفي خبر الخرائج المتقدم - بعد قوله علیه السلام في مروان: لو بايعني بيده عشرين مرة النكث باسته - ثم قال علیه السلام: هيه يا ابن الحكم خفت على رأسك أن تقع في هذه المعمعة كلا والله حتى يخرج من صلبك فلان، وفلان يسومون هذه الامة خسفا، ويسقونهم كأسا مصبرة.(1)

وقال ابن أبي الحديد «وفي الاستيعاب» نظر علي علیه السلام يوما إلى مروان فقال له: ويل لك وويل لأمة محمد منك ومن بنيك، اذا شاب صدغاك»(2) والموجود في (الاستیعاب) «ويلك وویل امة محمد منك، ومن بنيك إذا ساءت در عك»(3)

ويقال لمروان وولده: بنو الزرقاء - وزرقاء بنت موهب جدة مروان لأبیه کانت من ذوات الرايات في البغاء - قال ابن الأشعث - لما أجمع أهل العراق على خلع عبد الملك بدير الجماجم - إن بني مروان يعيرون بالزرقاء والله ما لهم نسب أصح منه إلا أن بني أبي العاص أعلاج من أهل صفورية.(4)

قال مروان لمعاوية لما عزله عن الامارة: رويدا رويدا، فقد بلغ بنو الحكم وبنو بنیه نیفا وعشرين، وإنما هي أيام قلائل حتى يكملوا أربعين ثم يعلم امرؤ ما يكون منهم حينئذ ثم هم للجزاء بالحسني والسوء بالمرصاد.

قال أبو الفرج: هذا رمز إلى قول النبي صلی الله علیه واله وسلم: «إذا بلغ بنو أبي العاص أربعين رجلا اتخذوا مال الله دولا وعباد الله خولا» فكان بنو أبي العاص یذکرون أنهم سیلون

ص: 240


1- الخرائج والجرائح:197/1 ، ح 35؛ بحار الأنوار:298/41، ح 26.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 150/6.
3- الاستيعاب لابن عبد البر:1388/3.
4- الكامل لابن الأثير:471/4.

أمر الأمة إذا بلغوا هذه العدة. فغضب معاوية وقال: یابن الوزغ لست هناك، فقال مروان: هو ما قلت لك، وإني الآن لأبو عشرة، وأخو عشرة، وعم عشرة، وقد کاد ولد أبي أن يكملوا العدة - يعني أربعين - ولو قد بلغوها لعلمت أين تقع مني. فانخذل معاوية.

وقال الأحنف لمعاوية: ما رأيت لك سقطة مثلها ما هذا الخضوع لمروان وأي شيء يكون منه ومن بني أبيه إذا بلغوا أربعين وما الذي تخشاه منهم فقال: إن الحكم بن أبي العاص كان أحد من قدم مع أم حبيبة لما زفت إلى النبي صلی الله علیه واله وسلم وهو يتولى نقلها إليه، فجعل النبي صلی الله علیه واله وسلم يحد النظر إليه قيل له: لقد أحددت النظر إلى الحكم. فقال: «ذاك رجل إذا بلغ بنو أبيه ثلاثين أو أربعين ملكوا الأمر من بعدي» فوالله لقد تلقاها مروان من عين صافية.

فقال له الأحنف: رویدا لا يسمع هذا منك أحد. فإنك تضع من قدرك وقدر ولدك بعدك، وإن يقض الله أمرا یكن. فقال له معاوية: اكتمها علي. فقد لعمرك صدقت ونصحت.(1)

اشتکی عمرو بن عثمان فكان العواد يدخلون عليه فيخرجون، ويتخلف عنده مروان فيطيل فأنكرت ذلك رملة بنت معاوية امرأة عمرو فخرقت كوة فاستمعت على مروان فاذا هو يقول: ما أخذ هؤلاء – يعني حرب بن امية-الخلافة إلا باسم أبيك فما يمنعك أن تنهض بحقك فلنحن أكثر منهم رجالا منا فلان، ومنهم فلان - وعدد فضول رجال أبي العاص على رجال بني حرب - فلما برأعمرو تجهز للحج، و تجهزت رملة في جهازه. فلما خرج عمرو خرجت رملة إلى أبيها بالشام

ص: 241


1- الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني:177/13.

فأخبرته وقالت له: ما زال يعد فضل رجال أبي العاص على بني حرب حتى عد ابني عثمان وخالدا ابني عمرو فتمنيت أنهما ماتا فکتب معاوية إلى مروان:

أو اضع رجل فوق اخرى يعدنا *** عديد الحصى ما أن تزال تكاثر

وامكم تزجي توأما لبعلها *** وام أخیکم نزرة الولد عاقر

اشهد يا مروان أني سمعت النبي صلی الله علیه واله وسلم يقول: «إذا بلغ ولد الحكم ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا، ودين الله دخلا، وعباد الله خولا» فكتب إليه مروان: أما بعد یا معاوية فإنی أبو عشرة، وأخو عشرة، وعم عشرة.(1)

ثم الخبر عن النبي صلی الله علیه واله وسلم ورد تارة في الحكم أبي مروان كما عرفته من معاوية على رواية مصعب الزبيري، واخرى في أبي العاص جده كما عرفت من خبر أبي الفرج الأصبهاني، والثاني يشمل عثمان أيضا، وقد استند إليه أبوذر في قباله، وقد شهد له أيضا الدراية.

ولقد لقيت الامة منه، ومن ولده يوما أحمر كما قال علیه السلام فكان مروان وابنه عبد الملك سببا لغلبة مسلم بن عقبة يوم الحرة على أهل المدينة، وفعله تلك الشنائع التي لم تكن بعد واقعة الطف أشنع منها، فكتب مسلم بن عقبة إلى يزيد يشكره ويشكر ابنه.(2)

ولما حضر ابنه عبد الملك الوفاة قال لابنه الوليد: لا تعصر على عينيك كالأمة الوكساء إذا أدليتني في حفرتي اخرج إلى الناس، والبس لهم جلد النمر، واقعد على المنبر، وادع الناس إلى بيعتك، فمن مال بوجهه عنك فقل له بالسيف كذا. فلما

ص: 242


1- نسب قریش:109/1.
2- الامامة والسياسة ( تحقيق الزيني ): 1/ 185؛ بهج الصباغة:607/5.

توفي دعا الوليد إلى البيعة فلم يختلف عليه أحد، وكان أول ما ظهر من أمره أن أمر بهدم كل دار من دار أبيه إلى قبره فهدمت من ساعتها وسويت بالأرض لئلا يعرج بسرير عبد الملك يمينا وشمالا.(1)

ولقى النبي صلی الله علیه واله وسلم من أبيه الحكم ما لقي من محاكاته له في مشيته و تجسسه أخباره لأعدائه حتى ألجأه إلى نفيه إلى الطائف، ولقي الناس منه فكان يثبطهم عن الإسلام.

ففي (العقد) قال مروان الحويطب بن عبد العلای - وكان كبيرا مستا - تأخر إسلامك أيها الشيخ حتی سبقك الأحداث.

فقال: الله المستعان، والله لقد هممت بالإسلام غير مرة كل ذلك يعوقني عنه أبوك وينهاني ويقول: تضع من قدرك تترك دين آبائك لدين محدث، وتصير تابعا.(2)

ولقى الناس من ولد ابنه الأربعة ما لقوا لاسيما الأول منهم الوليد کان جباراعنيدا والأخير هشام كان فظا غليظا شحيحا.

قال المسعودي: كان هشام بن عبد الملك أحول خشنا فظا غليظا يجمع الأموال، ويعتر الأرض، ويستجيد الخيل، وأقام الحبلة فاجتمع له فيها من خیله وخیل غيره أربعة آلاف فرس، ولم يعرف ذلك في جاهلية ولا في إسلام لأحد من الناس وسلك الناس جميعا في أيامه مذهبه ومنعوا ما في أيديهم فقل الإفضال وانقطع الرفد، ولم ير زمان أصعب من زمانه (3)وعرض يوم الجند بحمص فمر به

ص: 243


1- الامامة والسياسة ( تحقیق الزینی):47/2.
2- العقد الفريد:119/4.
3- مروج الذهب: 205/3 .

رجل من أهل حمص وهو على فرس نفور فقال له هشام: ما حملك على أن تربط فرسا نفورا فقال الحمصي: لا والرحمن الرحيم ما هو بنفور ولكنه أبصر حولتك فظن أنه عين غزوان البيطار - وكان غزوان نصرانيا ببلاد حمص كأنه هشام في حولته وكشفته - فقال له هشام: تن فعليك وعلى فرسك لعنة الله.(1)

ولقد أخبرعلیه السلام به بالخصوص ففي إخباره علیه السلام عنه: «و الذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إن من ورائكم الأعور الأدبر، جهنم الدنيا لا تبقي ولا تذر»(2)

وكان كما قال علیه السلام: حريصا على جمع أموال الناس فكان يأخذ ضياع الناس وعقارهم ونفائسهم وقد عرفت كونه أعور أحول.

وأخبر علیه السلام بالوليد بن یزید ابن ثالثهم ففي الارشاد بعد ما مر «ومن بعده النهاس الفراس»(3)أمانهاسيته، فقالوا: إن ابن عائشة القرشي غناه:

إني رأيت صبيحة النحر*** حورا نفین عزيمة الصبر

مثل الكواكب في مطالعها *** عند العشاء أطفن بالبدر

وخرجت أبغي الأجر محتسبا *** فرجعت موقورا من الوزر

فقال له الوليد: أحسنت والله يا أميري أعد بحق عبد شمس فأعاد فجعل يتخطى من أب إلى أب، ويأمره بالاعادة حتى بلغ نفسه فقال: أعد بحياتي: فأعاد فقام الوليد إليه فأكب عليه، ولم يبق عضوا من أعضائه إلا قبله وأهوى إلى أيره فجعل ابن عائشة يضم ذكره بين فخذيه فقال له الوليد: والله لا زلت حتى أقبله فقبل رأسه وقال: واطرباه واطرباه ونزع ثيابه فالقاها على ابن عائشة وبقي مجردا

ص: 244


1- مروج الذهب:209/3.
2- الارشاد:278/1 ؛ بحار الأنوار:136/34.
3- المصدر نفسه.

إلى أن أتوه بثياب غيرها ودعا له بألف دينار وحمله على بغلة وقال: اركبها على بساطي وانصرف فقد تركتني على أحر من جمر الغضى.(1)

وأما فراسیته: كان الوليد مغرى بالخيل وحبها، وجمعها وإقامة الحلبة وكان السندي فرسه جواد زمانه وكان يسابق به في أيام هشام وكان يقصر عن فرس هشام المعروف بالزائد، وأجرى الخيل بالرصافة، وأقام الحلبة، وهي يومئذ ألف قارح، ووقف بها ينتظر الرائد ومعه سعید بن عمرو بن سعید بن العاص، وكان له فيها جواد يقال له الوضاح (المصباح)، وخشي الوليد أن تسبق فرس سعيد، فركض فرسه حتى ساوى الوضاح فقذف بنفسه عليه، ودخل سابقا فكان الوليد أول من فعل ذلك.(2)

ولقد أخبرعلیه السلام بعمر بن عبد العزيز منهم وكونه من بين ولد مروان أخف وطأة فقال علیه السلام في خطبته: «ثم ليتوارثنكم من بني أمية عدة ما الآخر بأرأف بكم من الأول ما خلا رجلا واحدا»(3)

هذا، وأخبرعلیه السلام عمر بن سعد بقتله ابنه الحسین علیه السلام.

قال ابن سیرین: قال علي علیه السلام العمر بن سعد: «كيف أنت إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار فتختار النار»(4)

أشارعلیه السلام إلى تخییر ابن زیاد له بين رده کتاب عهده على الري أو خروجه إلى قتال الحسین علیه السلام وقتله، فاختار الثاني وقال في ذلك:

ص: 245


1- مروج الذهب:215/3.
2- مروج الذهب:217/3.
3- الارشاد:279/1؛ بحار الأنوار:136/34.
4- الكامل لابن الأثير:242/4.

أ أترك ملك الري والري رغبتي (منيتي) *** أم أرجع مذموما بقتل حسین

وفي قتله النار التي ليس دونها *** حجاب وملك الري قرة عيني(1)

هذا ونقل ابن أبي الحديد عند قوله علیه السلام: «أما إنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلغوم» عن الإسكافي أن رأس الحسين علیه السلام لما وصل إلى المدينة كان مروان أميرها، فحمل الرأس على يديه، وقال:

یا حبذا بردك في اليدين*** وحمزة تجري على الخدين

كأنما بت بمسجدين

ثم رمى بالرأس نحو قبر النبي صلی الله علیه واله وسلم؛ وقال: يا محمد يوم بيوم بدر.

ثم قال ابن أبي الحديد: مروان لم يكن أمير المدينة يومئذ بل كان أميرها عمرو بن سعيد بن العاص، ولم يحمل إليه الرأس، وإنما كتب إليه عبيد الله بن زیاد يبشره بقتل الحسین علیه السلام فقرأ كتابه على المنبر، وأنشد الرجز المذكور وأومأ إلى القبر: يوم بيوم بدر فأنكر عليه قوله قوم من الأنصار. ذكر ذلك أبو عبيدة في كتاب المثالب.(2)

قال التستري علیه السلام: رد إبن أبي الحديد وهم، فإن مراد الاسكافي لم يكن بعد القتل من کوفة من ابن زیاد بل بعد ذلك بارسال يزيد من الشام قال كاتب الواقدي: إن رأس الحسين علیه السلام دفن بالمدينة عند أمه.(3)

ص: 246


1- مناقب آل أبي طالب علیه السلام:98/4 ؛ کشف الغمة (ط - القديمة):48/2.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد71/4- 72.
3- تذکرة الخواص:206/2.

وذكر الشعبي أن مروان كان بالمدينة فأخذ الرأس و ترکه بین یدیه و تناول أرنبة أنفه وقال: «يا حبذا الرجز - والله لكأني أنظر إلى أيام عثمان ...»(1)

وإخبار ابن زیاد کتابة عمرو بن سعيد والي المدينة بقتل الحسين علیه السلام لم ينحصر نقله بأبي عبيدة بل ذكره الطبري وغيره .(2)

ص: 247


1- تذکرة الخواص:206/2- 207.
2- تاريخ الطبري:354/6، سنة 61.

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة (73) : ومن خطبة له علیه السلام لماعزموا على بيعة عثمان.

اشارة

لَقَدْ عَلِمْتُم أنّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِن غَيْرِي وواللَّهِ لا سَلِمْنَ مَا سَلِمتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ ولَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلاَّ عَلَى خَاصِّهِ اِلْتِمَاساً لاجْرِ ذَلِكَ وَ فَضْلِهِ وَ زُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِهِ

قال المحدث المجلسي: في هذا الكلام دلالة على أن خلافة غيره جور مطلقا وأن التسليم على التقدير المفروض وهو سلامة أمور المسلمين وإن لم يتحقق الفرض لرعاية مصالح الاسلام والتقنية انتهى.(1)

ومن كلام علیه السلام لما عزموا على بيعة عثمان

قال علیه السلام لهم بعد أن بايع عبد الرحمن والحاضرون عثمان و تلکا هوعلیه السلام عن البيعة: إن لنا حقا إن نعطه نأخذه وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال السري.

ثم قال لهم: أنشدكم الله فيكم أحد آخی رسول الله صلی الله علیه واله وسلم بينه وبين نفسه حيث آخي بين بعض المسلمين وبعض غيري؟ فقالوا: لا فقال: أفيكم أحد قال له رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: من کنت مولاه فهذا مولاه غيري؟ فقالوا: لا فقال: أفيكم أحد قال له

ص: 248


1- بحارالأنوار:612/29.

رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: أنت منی بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي غيري؟ قالوا: لا قال: أفيكم من اؤتمن على سورة براءة وقال له رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: إنه لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل متي غيري؟ قالوا: لا قال: ألا تعلمون أن أصحاب رسول الله صلی الله علیه واله وسلم فروا عنه في ماقط الحرب في غير موطن وما فررت قط قالوا: بلى قال: ألا تعلمون أني أول الناس إسلاما؟ قالوا: بلى قال: فأينا أقرب إلى رسول الله صلی الله علیه واله وسلم نسبا؟ قالوا: أنت فقطع عليه عبد الرحمن بن عوف کلامه وقال: يا علي قد أبی الناس إلا على عثمان فلا تجعلين على نفسك سبيلا ثم قال: يا أبا طلحة ما الذي أمرك به عمر؟ قال: أن أقتل من شق عصا الجماعة فقال عبد الرحمن لعلي: بایع اذن وإلا كنت متبعا غير سبيل المؤمنين وأنفذنا فيك ما أمرنا به فقال لقد: علمتم أني أحق بها من غيري والله لأسلمن...

الفصل إلى آخره ثم مد يده فبايع.(1)

لِقَدَّ عَلِمْتُم أَنِّيَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي

حيث أقروا بمقاماته، ومقالات النبي صلی الله علیه واله وسلم فيه من كونه کنفسه أولى بهم من أنفسهم، وأنه من النبي صلی الله علیه واله وسلم بمنزلة هارون من موسى وغير ذلك مما مر في مناشداته إلا انهم لم يكونوا يريدون العمل بالحق ولا فهم من هو أحق ولذا قطع ابن عوف كلامه علیه السلام وقال له: إن الناس - ومراده ابن أبي السرح الذي نزل القرآن بكفره،(2)

ص: 249


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:167/7.
2- قال تعالى:«وَمَنْ أَظْلَمَ مِمَّنِ اِفْتَرَى عَلَى اللهِ کذبَا بِا أَوْ قَالُ أَوََحَيٌّ إِلَى وَلَمْ يُوحِ إِلَيْهِ شِئء وَمِنْ قَالِ سَأُنْزِلُ مِثْلُ مَا أَنْزَلَ اللهُ»(الأنعام: 93) فإنها نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح وكان أخا عثمان من الرضاعة.حدثني أبي عن صفوان عن ابن مسکان عن أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن عبد الله بن سعد بن أبي سرح أخا عثمان بن عفان من الرضاعة قدم المدينة وأسلم وكان له خط حسن وكان إذا نزل الوحي على رسول الله صلی الله علیه واله وسلم دعاه فكتب ما يمليه عليه رسول الله صلی الله علیه واله وسلم من الوحي وكان إذا قال له رسول الله صلی الله علیه واله وسلم سميع بصير يكتب سميع عليم وإذا قال والله بما تعملون خبير یکتب بصیر، ويفرق بين التاء والياء وكان رسول الله صلی الله علیه واله وسلم يقول هو واحد، فارتد کافرا ورجع إلى مكة وقال لقريش والله ما يدري محمد ما يقول أنا أقول مثل ما يقول فلا ينكر على ذلك فأنا أنزل مثل ما أنزل الله فأنزل الله على نبيه صلی الله علیه واله وسلم في ذلك «وَمَنْ أَظْلَمَ مِمَّنِ اِفْتَرَى عَلَى اللهِ کذبَا...» فلما فتح رسول الله صلی الله علیه واله وسلم مكة أمر رسول الله صلی الله علیه واله وسلم بقتله، فجاء به عثمان قد أخذ بيده ورسول الله صلی الله علیه واله وسلم في المسجد فقال: يا رسول الله اعف عنه فسكت رسول الله صلی الله علیه واله وسلم ثم أعاد فسكت رسول الله صلی الله علیه واله وسلم ثم أعاد فقال : هو لك ، فلما مر قال رسول الله لأصحابه ألم أقل من رآه فليقتله، فقال رجل كانت عيني إليك يا رسول الله أن تشير إلى فأقتله، فقال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: إن الأنبياء لا يقتلون بالإشارة، فكان من الطلقاء (تفسير القمي:210/1- 211.

والوليد بن عقبة (1) الذي نزل القرآن بفسقه ونظراءهما - أبوا إلا عثمان لأنهم نظروا

ص: 250


1- وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر علیه السلام في قوله: «أَ فَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لاَ يَسْتَوْنَ» (السجدة: 17) قال: فذلك أن علي بن أبي طالب علیه السلام و الوليد بن عقبة بن أبي معيط تشاجرا فقال الفاسق الوليد بن عقبة: أنا والله أبسط منك لسانا وأحد منكم سنانا وأمثل منك جثوا في الكتيبة، قال علي علیه السلام: اسكت فإنما أنت فاسق فأنزل الله «أ فَمِنْ كَانَ مُؤْمِنَا کمن كَانَ فَاسِقَا لَا يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلِهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نَزَلًا بِمَا كَانُوًا یعلمون» فهو علي بن أبي طالب علیه السلام( تفسير القمي: 179/2).وقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي مَارِيَةَ اَلْقِبْطِيَّةِ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ وكان سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عليه واله وسَلَّمَ انَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السلامُ لَيسَ هُوَ مِنْك وإنَّمَا هُوَ مِن جَريحٍ اَلْقِبْطِيِّ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ إِلَيْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ فَغَضِبَ رَسُولُ اَللَّهِ صلي الله عليه واله وسلم وَقَالَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بْنِ السَّيْفِ واثتنِي بِرَأْسِ جَرِيحٍ فَاخَذَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ السَّيْفَ ثُمَّ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ إِذَا بَعَثْتَنِي فِي أَمْرٍ أَكُونُ فِيهِ كالسفود المحْمِيِّ فِي اَلْوَبَرِ فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي أَتَثَبَّتُ فِيهِ أَمْ أَمْضِي عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: بَلْ تثبث فَجَاءَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ إِلَى مَشْرَبَةِ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ فَتَسلق عَلَيْهَا فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْه جَرِيحٌ هَرَبَ مِنهُ وصَعِدَ النَّخْلَةَ فَدَنَا مِنْهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ اِنْزِلْ فَقَالَ لَهُ يَا عَلِيُّ اِتَّقِ اَللَّهَ مَا هَاهُنَا أُناسٌ إِنِّي مجبوب ثُمَّ كَشَفَ عَنْ عَوْرَتِهِ فَإِذَا هُوَ مَجْبُوبٌ فَأَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلي اَللَّهُ عَلَيْهِ واله وسلم فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اَللَّهِ مَا شَأْنُكَ يَا جَرِيحُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ صلي الله عليهِ والِه وسَلِمَ إِنَّ القِبْطَ يَجُبُّونَ حَشَمَهُمْ ومَنْ يَدْخُلُ إِلَى أهَالِيهِم والقِبْطيُّونَ لا يَأنَسُونَ إِلاَّ بِالْقِبْطِيِّينَ فَبَعَثَنِي أَبُوهَا لا دَخَلَ إِلَيْهَا وأَخَدَّ مِهَا وأُونَسَهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز و جَلَّ:« يَا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبّا» الآية( تفسير القمی:318/2).وعن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلی الله علیه واله وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني وليعة قال: وكانت بينه وبينهم شحناء في الجاهلية قال: فلما بلغ إلى بني وليعة استقبلوه لينظروا ما في نفسه قال: فخشي القوم فرجع إلى النبي صلی الله علیه واله وسلم فقال:[يا رسول الله]إن بني وليعة ارادوا قتلي ومنعوا لي [إلي] الصدقة فلما بلغ بني وليعة الذي قال لهم الوليد بن عقبة عند رسول الله صلی الله علیه واله وسلم أتوا رسول الله صلی الله علیه واله وسلم فقالوا: يا رسول الله لقد كذب الوليد ولكن[كان] بيننا وبينه شحناء في الجاهلية فخشينا أن يعاقبنا بالذي بيننا وبينه قال: فقال النبي[رسول الله]: لتنتهن یا بني وليعة أو لأبعثن إليكم [لكم] رجلا عندي کنفسي يقتل مقاتليکم ويسبي ذراریكم هو هذا حيث ترون ثم ضرب بيده على كتف [أمير المؤمنين]علي [بن أبي طالب علیه السلام] وأنزل الله في الوليد آية «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين» ( تفسير الفرات الكوفي: 427؛ بحار الأنوار: 22 /85، ح 36).

الأنفسهم في دنياهم، ولم يكن لهم شغل بالدين، وهدده أيضا بأمر عمر بقتله علیه السلام إن أراد شق عصا الجماعة أي جماعة الكفر والنفاق وأنه علیه السلام إن لم يقبل ذلك كان متبعا غير سبيل المؤمنين: أي بالجبت والطاغوت.

وَ وَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ ما سَلِمَتْ أُمُورُ المُسلِمينَ وَلَم يَكُن فيها جَورٌ إِلاَّ عَلَيَّ خاصَّةً

قال ابن أبي الحديد: هذا الكلام يدل على أنه علیه السلام لم يكن يذهب إلى أن خلافة عثمان كانت تتضمن جورا على المسلمين والإسلام، وإنما تتضمن جورا عليه

ص: 251

خاصة، وأنها وقعت على جهة مخالفة الأولى لا على جهة الفساد الكلي.(1)

ما ذكره من الدلالة غريب فإن معنی کلامه علیه السلام أن باقي الستة الذين عينهم عمر لم يكن عليهم جور لأنهم لا حق لهم في الخلافة ولا استحقاق وعمر ذكرهم بغير حق، وإنما الجور عليه علیه السلام خاصة حيث غصب حقه.

وأما قوله: «لم يكن جورا على الإسلام» فمضحك. إذ مر أبو سفيان أيام عثمان على قبر حمزة فضربه برجله وقال له: يا أبا عمارة قم فانظر أن الدين - الذي كنت تضربنا عليه بالسيف - في يد شباننا يلعبون به(2)وسمعوا ليلة بيعته هاتفا يقول: «يا ناعي الإسلام قم فانعه»(3)

وأما قوله علیه السلام: «ما سلمت أمور المسلمين» فمعناه ما كانت صورة الإسلام على الظاهر محفوظة، وإلا فكيف كانت بيعة عثمان صحيحة وقد أكرهوه على البيعة وأرادوا قتله، وكيف كانت صحيحة وقد تضمنت تلك المفاسد الجليلة من ركوب بني أمية أعداء الدين رقاب الأمة، وأخذ الخلافة بنقض العهد وسل السيف.

وكيف كانت صحيحة وجميع من بايعه من أهل الشورى وغيرهم من المهاجرين والأنصار والتابعين على إباحة قتله فضلا عن وجوب خلعه.

وكيف كانت صحيحة وكل فقرة مما قررها علیه السلام عليهم قبل هذا الكلام من مناشداته الواردة في الروايات دالة على بطلان خلافة الأولين فضلا عن عثمان.(4)

وروي عن أبي الطفيل قال: كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات

ص: 252


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:167/6.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:136/16 ؛ بحار الأنوار:89/33.
3- کشف المحجة لثمرة المهجة: 246 - 247.
4- بهج الصباغة:511/4.

بينهم، فسمعت عليا علیه السلام يقول: بايع الناس أبابكر، وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق به منه فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا أو يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف ثم بايع أبو بكر لعمر وأنا أولى بالأمر منه فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان - الخبر -(1)

ومما ذكر يظهر لك ما في مغالطة ابن أبي الحديد في قوله: «فإن قلت: فهلا سلم إلى معاوية وإلى أصحاب الجمل وأغضى على اغتصاب حقه حفظا للإسلام من الفتنة. قلت: إن الجور الداخل عليه من أصحاب الجمل ومن معاوية وأهل الشام لم يكن مقصورا عليه خاصة بل كان يعم الإسلام والمسلمين جميعا لأنهم لم يكونوا عنده ممن يصلح لرئاسة الأمة و تحمل أعباء الخلافة»(2)

فائه أي فرق بین عثمان ومعاوية، بل كانت أمور المسلمين في زمان معاوية أقرب إلى الصلاح منها في زمان عثمان، لأن معاوية إنما كان ظالما جائرا، ولم يكن مفسدا بخلاف عثمان، ولذا انتقضت عليه الأمور حتى أجهز عليه عمله.

ثم ننشدهم بالله ان الزبير وطلحة، وهما عندهم من حواري النبي صلی الله علیه واله وسلم؛ ومن العشرة المبشرة وممن توفي النبي صلی الله علیه واله وسلم، وهو عنهم راض، ولهما سوابق في أيام النبي صلی الله علیه واله وسلم أي نقص كان لهما عن عثمان بل عن أبي بكر وعمر سوى أنهم نالوها وهما لم ينالاها و الكلام في الاستحقاق لا الاتفاق.(3)

ولما قال عمر لأهل الشورى: أكلكم يطمع بعدي في الخلافة قال له الزبير:

ص: 253


1- مناقب علي بن أبي طالب علیه السلام لابن مردوية: 127، ش 161، المناقب للخوارزمي: 313، ش 314.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:167/7.
3- بهج الصباغة:512/4.

«وما الذي يبعدنا منها وليتها أنت فقمت بها، ولسنا دونك في قريش ولا في السابقة ولا في القرابة».(1)

وإنما الفارق أنه علیه السلام يوم السقيفة ويوم الشوری کان وحده في مقابل سلطنة مستقرة هددوه في الأول بالإحراق والقتل، وفي الثاني بضرب العنق كما أمرهم عمر، ووكل أبا طلحة بذلك لو تخلف متخلف عن دستوره في البيعة لمن ينتخبه ابن عوف، وهو عثمان.

وأما أهل الجمل وأهل الشام فبالعكس كان هوعلیه السلام ذا سلطنة قاهرة أراد الأولون نكثها، والأخيرون التخلف عنها، وكان علیه السلام مكلفا بعدم تخليتهم بعد قدرته.(2)

فقال علیه السلام: «لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها»(3)

وقال علیه السلام أيضا في ذلك: «لم يسعني إلا القتال أو الجحود بما أنزل على محمد صلی الله علیه و آله وسلم»(4)

وقد أبادعلیه السلام الأولين في يوم واحد، وأراد استیصال الآخرين إلا أن الأقدار منعت عن ذلك بامتحان الله تعالى لعباده، سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد الستة الله تبديلا.

ص: 254


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:158/1؛ بحار الأنوار: 31 /387 .
2- بهج الصباغة:4 /513.
3- نهج البلاغة (فيض الاسلام): 52، خ 3.
4- نهج البلاغة (فیض الاسلام): 142، خ 53.

وكما قيل: ان ما ذكره الشارح المعتزلي من التفرقة بين المتخلفين الثلاثة وبين الناكثين والقاسطین بکون جور الأولين مقصورا عليه خاصة وجور الآخرين عاما له وللاسلام والمسلمين، فضعيف جدا كضعف توهمه صلاحية الأولين عنده علیه السلام الرياسة العامة وعدم صلاحية الآخرين لها.

أما أولا فلمنع انحصار جور الأولين فيه خاصة ألم يبعث الأول خالد بن الوليد لعنه الله إلى مالك بن نويرة فقتله وأصحابه وزنی امرئته بمجرد امساكه عن الزكاة ومنع بضعة الرسول من فدك أليس جورا بينا وظلما فاحشا فضلا عن سایر ما صدر عنه؟

أو لم يأمر الثاني باحراق بيت الصديقة ومنعها حقها وأعطى عايشة وحفصة عشرة آلاف درهم في كل سنة وظلم المسلمين في بيت مالهم؟

أولا تنظر إلى الثالث كيف أخرج أبي ذر إلى الربذة وكسر ضلع عبدالله بن المسعود وحمل بني أبي معيط على رقاب الناس وأتلف مال المسلمين وظلمهم في حقهم وقام معه بنو أمية «أبيه» يخضمون مال الله خضم الابل نبتة الربيع؟ ولو لم يكن منهم جور إلا في حقه علیه السلام الكفي في بطلان خلافتهم إذ الجائر لا يكون إماما لقوله تعالى:«لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»(1)

وأما ثانية فلمنع صلاحية الأولين عندها للرياسة، وكيف يتوهم ذلك مع تصريحه في الخطبة الشقشقية وغيرها مما مرت ويأتي بعد ذلك ببطلان خلافتهم واغتصابهم حقه فضلا عما حققنا سابقا في غير موضع فساد خلافتهم وبطلان دعواهم لها.

ص: 255


1- البقرة: 124.

فان قلت: فلم أمسك عنهم ونهض إلى معاوية وأصحاب الجمل؟

قلت: قد بینا جواب ذلك فيما سبق وقلنا إن إمساكه النكير على الأولين لعدم وجود ناصر ومعين له يومئذ ينصره ويحمي له فأمسك عنهم تقية وحقنا لدمه بخلاف يوم الجمل، وصفين كما مر تفصيلا في تنبيهات كلامه السابع والثلاثين، وبالجملة لا ريب في بطلان خلافة الجميع وكون الكل جائرا ظالما في حقه وفي حق المسلمين، غاية الأمر أن معاوية وأصحاب الجمل هتكوا حرمة الإسلام بالمرة وأعلنوا بعداوته علیه السلام و شهر وا سيوفهم عليه، والأولين لم يبلغوا هذه المثابة.

وبهذا كله ظهر فساد ما توهمه أخيرا ونسبه إليها علیه السلام من عدم ذهابه إلى بطلان خلافة عثمان أصلا ورأسا وإنما كان يذهب إلى أنها متضمنة للجور عليه خاصة فافهم جيدا.(1)

ص: 256


1- منهاج البراعة للخوئي:224/5.

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة (74) : ومن كلام له علیه السلام لما بلغه اتهام بني أمية له بالمشاركة في دم عثمان

اشارة

أَ وَلَمَ يُنْهَ بَنِي أُمَيَّةَ عِلْمُهَا بِي عَنْ قَرْفِي أو مَا وَزَعَ الجُهَّالَ سَابِقَتِي عَن تُهَمَتِي ولَمَا وَعَظَهُمُ اللَّهُ بِهِ أَبْلَغُ مِن لِسَانِي أَنَا حَجِيجُ الْمَارِقِينَ وخَصِيمُ النَّاكِثِينَ الْمُرْتَابِينَ وعَلَى كِتَابِ اَللَّهِ تُعْرَضُ اَلْأَمْثَالُ وَ بِمَا فِي اَلصُّدُورِ تُجَازِي اَلْعِبَادَ

و من كلام له عليه السلام لما بلغه اتهام بني أمية له بالمشاركة في دم عثمان

أن عثمان صعد يوم الجمعة المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، فقام رجل، فقال له:أقم کتاب الله، فقال عثمان: اجلس، فجلس حتى قام ثلاثا، فأمر به عثمان فأجلس (فجلس)، فتحاثوا بالحصباء حتى ما ترى السماء، وسقط عثمان عن المنبر، وحمل فأدخل داره مغشيا عليه، ودخل علي عليه السلام عليه وهو مغشي عليه، وبنو أمية حوله، فأقبلت بنو أمية بمنطق واحد، فقالوا: يا علي أهلكتنا و صنعت هذا الصنيع به أما والله لئن بلغت الذي تريد لتمر عليك الدنيا، فقام علي عليه السلام مغضبا.(1)

ص: 257


1- تاريخ الطبري:398/3.

أ وَلَمْ يِنَةَ بُنِّيَّ أُمِّيَّةَ عَلَمِهَا بِي عَنْ قَرَفِيٍّ

قال علي بن الحسين عليه السلام: قال لي مروان: ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم. قلت: فما بالكم تسبونه على المنابر؟ قال: إنه لا يستقيم لنا الأمر إلا بذلك.(1)

أَ وَمَا وَزَعَ اَلْجُهَّالَ سَابِقَتِي عَنْ تُهَمَتِي

ذكروا أن رجلا من همدان يقال له برد قدم على معاوية، فسمع عمرا يقع في علي عليه السلام، فقال له: يا عمرو، إن أشياخنا سمعوا النبي صلی الله علیه و آله وسلم يقول: «من کنت مولاه فعلي مولاه» فحق ذلك أم باطل؟ فقال عمرو: حق، وأنا أزيدك أنه ليس أحد من صحابة النبي صلی الله علیه و آله وسلم له مناقب مثل مناقب علي. ففزع الفتي، فقال عمرو: إنه أفسدها بأمره في عثمان، فقال برد: هل أمر أو قتل؟ قال: لا، ولكته آوی ومنع. قال: فهل بايعه الناس عليها؟ قال: نعم. قال: فما أخرجك من بيعته؟ قال: اتهامي إياه في عثمان. قال له: وأنت أيضا قد اتهمت؟ قال: صدقت، وفيها خرجت إلى فلسطين. فرجع الفتى إلى قومه فقال: إنا أتينا قوما أخذنا الحجة عليهم من أفواههم، علي على الحق فاتبعوه.(2)

وقال ابن أبي الحديد في شرح قوله عليه السلام: «أو لم ينه بني أمية علمها بي...»: علمهم بمنزلته في الدين التي لا منزلة أعلى منها، وما نطق به الكتاب الصادق من طهارته وطهارة بنيه وزوجته، في قوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيَذْهَبُ عَنْكُمِ الرِّجْسَ

ص: 258


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:220/13.
2- الإمامة والسياسة (تحقیق الزيني):97/1.

أهْلُ الْبَيْتِ وَيَطْهَرُكُمْ تَطْهِيرَا»(1)؛ وقول النبي صلی الله علیه و آله وسلم له: «أنت متي بمنزلة هارون من موسی» وترادف الأقوال والأفعال من النبي صلی الله علیه و آله وسلم في أمره التي يضطر معها الحاضرون لها والشاهدون إياها إلى أن مثله عليه السلام لا يجوز أن يسعى في إراقة دم أمير مسلم لم يحدث حدثا يستوجب به إحلال دمه.(2)

قال التستري رحمه الله: غاية ما يستفاد من كلامه عليه السلام أنه لم يشارك في دم عثمان دون ما ذكره من عدم إحلال دمه، وعدم مشاركته عليه السلام أعم من عدم إحلال دمه ولو لم يكن حلال الدم كيف آوى قتلته كما مر من كلام عمرو وكيف لم يعلمه عليه السلام حلال الدم وقد روی نصر بن مزاحم: أن معاوية بعث إلى حبيب بن مسلمة الفهري، وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد السلمي، فدخلوا على عليه السلام - إلى أن قال-: فقال شرحبيل ومعن لعلي عليه السلام: أتشهد أن عثمان قتل مظلوما فقال لهما: إني لا أقول ذلك. قالا: فمن لم يشهد أن عثمان قتل مظلوما فنحن براء منه. ثم قاما فانصرفا فقال علي عليه السلام: «وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ»(3).(4)

وروی نصر أيضا أن عمرو بن العاص قال لعقار: ما ترى في قتل عثمان؟ قال: فتح لكم باب كل سوء. أكنت فيمن قتله؟ قال: كنت فيمن (مع من) قتله وأنا اليوم أقاتل معهم. قال عمرو: فلم قتلتموه؟ قال عمار: أراد أن يغير ديننا فقتلناه فقال عمرو: ألا تسمعون قد اعترف بقتل عثمان. قال عمار: وقد قالها قبلك فرعون إذ

ص: 259


1- الأحزاب: 33.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 169/6- 170.
3- النمل: 80 .
4- وقعة صقين : 200 - 202؛ بحار الأنوار:455/33- 457.

قال لقومه:.. ألا تستمعون... الخبر.(1)

وروی نصر أيضا: أن عمارا قام بصقين فقال: امضوا معي عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه، الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله، إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان، الآمرون بالإحسان. فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم ولو درس هذا الدين لم قتلتموه؟ فقلنا: لإحداثه. فقالوا: إنه ما أحدث شيئا. وذلك لأنه مكنهم من الدنيا فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون انهدت عليهم الجبال. والله ما أظنهم يطلبون دمه إنهم ليعلمون أنه لظالم ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمروها، وعلموا لو أن صاحب الحق لزمهم الحال بينهم وبين ما يأكلون ويرعون فيه منها ولم يكن للقوم سابقة في الإسلام يستحقون بها الطاعة والولاية فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قتل إمامنا مظلوما.

ليكونوا بذلك جبابرة وملوکا...(2)

وعن الزهري: خرج في سنة (31) محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة - وأبوه خال معاوية - مع عبدالله بن سعد، فأظهرا عیب عثمان، وأن دم عثمان حلال، وقالا: استعمل (يعني عثمان) عبد الله بن سعد وهو رجل كان النبي صلی الله علیه و آله وسلم أباح دمه ونزل القرآن بكفره.(3)

وكان محمد بن أبي حذيفة يقول: لقد تركنا خلفنا الجهاد حقا فيقال له: وأي جهاد؟ فيقول: جهاد عثمان، فعل كذا وكذا.(4)

ص: 260


1- وقعة صفين: 338؛ بحار الأنوار: 33/ 30.
2- وقعة صفين : 319؛ بحار الأنوار:489/32، ش 422.
3- تاريخ الطبري:341/3.
4- تاريخ الطبري:341/3.

وروى الطبري: أن من كان بالمدينة من الصحابة كتبوا إلى من بالثغور: أن دین محمدصلی الله علیه و آله وسلم قد أفسد من خلفكم وترك، فهلموا فأقيموا دین محمدصلی الله علیه و آله وسلم فأقبلوا من كل أفق حتى قتلوه.(1)

وروى الطبري أيضا عن أبي کرب عامل عثمان علی بیت ماله: أنه دفن بین المغرب والعتمة. وأنه لم يشهد جنازته إلا مروان و ثلاثة من مواليه وابنته، فرفعت صوتها تندبة، فأخذ الناس الحجارة وقالوا: نعثل وكادت ترجم.(2)

وروى الطبري أيضا: أنه نبذ ثلاثة أيام لا يدفن، وأنهم لم يغسلوه ودفنوه في حش کوکب (3) مقبرة اليهود، وأن معاوية أمر الناس في سلطنته بدفن موتاهم حوله حتى اتصل بمقابر المسلمين.(4)

وبالجملة المعلوم عدم تصديه عليه السلام لقتله، ولا أمره به. وأما رضاه به فأمر واضح، ولذا لم ينه عنه، وقد أقر بذلك عبيد الله بن عمر مع أنه أراد القصاص منه بهر مزان ففر منه إلى معاوية، فروی نصر بن مزاحم: أن عبيد الله بن عمر لما قدم الشام أرسل معاوية إلى عمرو بن العاص فقال: إن الله قد أحيا لك عمر بالشام بقدوم عبید الله، وقد رأيت أن أقيمه خطيبا فيشهد على علي بقتل عثمان.

فقال: الرأي ما رأيت. فبعث إليه فأتي، فقال له معاوية: يا ابن أخ، إن لك اسم أبيك، فانظر بملء عينيك، وتكلم بكل فيك، فأنت المأمون المصدق فاشتم علياء

ص: 261


1- تاريخ الطبري:400/3.
2- تاريخ الطبري:493/3.
3- الحش في اللغة: البستان، وبه سمي المخرج حشا لأنهم كانوا إذا أرادوا الحاجة خرجوا إلى البساتين،وكوكب الذي أضيف إليه إسم رجل من الأنصار: وهو عند بقيع الغرقد، اشتراه عثمان بن عفان و زاده في البقيع، ولما قتل ألقي فيه ثم دفن في جنبه (معجم البلدان للحموي:262/2)
4- تاريخ الطبري:438/3.

وأشهد عليه أنه قتل عثمان. فقال: يا أمير المؤمنين أما شتمه فإنه علي بن أبي طالب، وأته فاطمة بنت أسد بن هاشم فما عسى أن أقول في حسبه. وأما بأسه فهو الشجاع المطرق. وأما أيامه فما قد عرفت. ولكني ملزمه دم عثمان. فقال عمرو: إذا والله قد نكأت القرحة. فلما خرج عبيد الله قال معاوية: أما والله لولا قتله الهرمزان، ومخافة على على نفسه ما أتانا أبدا، ألم تر إلى تقريظه عليا فقال عمرو: یا معاوية إن لم تغلب فاخلب.(1)فخرج حديثه إلى عبيد الله، فلما قام خطيبا تكلم بحاجته، حتى إذا أتى إلى أمر علي عليه السلام أمسك، فقال له معاوية: يابن أخ إنك بين عي أو خيانة فقال:كرهت أن أقطع الشهادة على رجل لم يقتل عثمان، وعرفت أن الناس محتملوها عتي فتركتها فهجره معاوية و استخف بحقه وفسقه.

فقال عبيد الله:

معاوي لم أخرص بخطبة خاطب *** ولم أك عيا في لؤي بن غالب

ولكنني زاولت ن فسا أبية *** على قذف شیخ بالعراقين غائب

وقذفي عليا بابن عفان جهرة *** يجدع بالشحنا أنوف الأقارب

فأما انتقافي أشهد اليوم وثبة *** فلست لكم فيها ابن حرب بصاحب

ولكنه قد قرب القوم جهده *** ودبوا حواليه دبيب العقارب

فما قال أحسنتم ولا قد أسأتم*** وأطرق إطراق الشجاع المواثب(2)

ولم لم يكن مباح الدم عنده عليه السلام كيف طلب بدم الهرمزان - وهرمزان رجل عجمي من عرض المسلمين - من عبيد الله بن عمر في زمان عثمان مع أمان

ص: 262


1- الخلابة: الخديعة باللسان ( الصحاح للجوهري:122/1.
2- وقعة صقين : 82؛ بحار الأنوار:383/32، ش 356.

السلطان له، فخاف منه عبيد الله ففر من المدينة إلى كوفان،(1) ولما بايعه الناس فر إلى الشام عند معاوية، فكيف لم يطلب بدم عثمان في زمان سلطنته وهو عندهم أحد الخلفاء الراشدين.

وروی نصر : ومکث علي عليه السلام- يعني في أول الأمر - يومين لا يرسل إلى معاوية ولا يأتيه من قبل معاوية أحد وجاء عبيد الله بن عمر فدخل على علي عليه السلام في عسکره فقال عليه السلام له: أنت قاتل الهرمزان، وقد كان أبوك فرض له في الديوان، وأدخله في الإسلام فقال له ابن عمر: الحمد لله الذي جعلك تطلبني بدم الهرمزان وأطلبك بدم عثمان بن عفان فقال له علي: لا عليك سيجمعني وإياك الحرب غدا.(2)

ومما يحسم مادة الشغب أنه عليه السلام آوى قاتليه، وكانوا من خواصه.

فَقَالَ نَصْرٌ: خَرَجَ قُرَّاءُ أهْلِ الْعِرَاقِيِّ وَقُرَّاءِ أهْلِ الشَّامِ، فَعَسْكَرُوا فِي نَاحِيَةِ فَصَّيْنِ فِي ثَلَاثِينَ ألْفًا، وَ عَسْكَرُ عَلِيُّ عَلَيْهِ السُّلَّامَ عَلَى الْمَاءِ، وعسکر مُعَاوِيَةَ فُؤق ذَلِكَ، وَمَشَتِ الْقُرَّاءُ فِي مَا بَيْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السُّلَّامَ وَ مُعَاوِيَةٌ، وَفِيهُمْ عبیدَة السَّلْمَانِيَّ، وَعَلْقَمَةَ بْن قِيسَ النُّخُعِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بْن عَتَبَةٍ، وَعُمَّارَ بْن عَبْدِ الْقَيْسِ - وقد كان في بعض تلك السواحل فانصرفوا من عسكر علي عليه السلام- فَدَخَلُوا عَلَى مُعَاوِيَةٍ فَقَالُوا: مَا الَّذِي تَطَلُّبٍ ؟ قَالَ: أَطَلَبَ بِدَمِ عُثْمَانٍ.قَالُوا: مِمَّنْ تَطَلُّبٍ بِدَمِ عُثْمَانٍ ؟ قَالٌ أَطَلَبَهُ مِنْ عَلِيِّ قَالُوا: أَوَلِي قَتْلُهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ، هُوَ قَتْلُهُ وَ آوِي قَاتِلِيهِ. فَاِنْصَرَفُوا مِنْ عِنْدَهُ فَدَخَلُوا عَلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السُّلَّامَ وَقَالُوا: إِنَّ مُعَاوِيَةَ زَعْمِ اِنْكِ قَتَلَتْ عُثْمَانٌ.قَالَ: اللَّهُمُّ كَذِبٍ فِي مَا قَالٍ، لَمْ أَقْتُلْهُ.فَرَجَعُوا إِلَى مُعَاوِيَةٍ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ لَمْ يَكْنِ قَتْلُهُ بِيَدِهِ فَقَدْ أَمْرٌ

ص: 263


1- اسم ارض، وبها سميت الكوفة (العين لخليل الفراهيدي:412/5) کوفان و الكوفة واحد.
2- وقعة صفين: 186.

وَمَالَا.فَرَجَعُوا إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السُّلَّامَ وَقَالُوا: يَزْعَمُ أَنَّكَ إِنَّ لَمْ تَكْنِ قَتَلَتْ بِيَدِكَ فَقَدْ أَمَرَّتْ وَمَالَاتٍ عَلَى قَتْلِهِ.فَقَالَ: اللَّهُمُّ كَذِبٍ فِي مَا قَالٍ.فَرَجَعُوا إِلَى مُعَاوِيَةٍ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ عَلِيًّا يَزْعَمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ.فَقَالَ مُعَاوِيَةٌ: إِنَّ كَانَ صَادِقَا فليمکنا مِنْ قَتَلَتْهُ، فَإِنَّهُمْ فِي عسکره وَ جنډه وَأَصْحَابَهُ وَعَضُدَهُ.فَرَجَعُوا إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السُّلَّامَ قَالُوا: إِنَّ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: إِنَّ كَنَّتْ صَادَقَا فَاِدْفَعْ إِلَيْنَا قَتَلَتْهُ أَوْ أَمْكَنَا بَيْنَهُمْ.فَقَالَ لَهُمْ عَلَى عَلَيْهِ السُّلَّامَ: تَأْوَلُ الْقَوْمُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ وَ وَقَّعَتِ الْفِرْقَةُ، وَقَتَلُوهُ فِي سُلْطَانِهِ وَ لَيْسَ عَلَى ضَرْبِهِمْ قَوَّدَ ...(1)

وإنما جعل معاوية وباقي بني أمية نسبة قتل عثمان إليه سببا لإمامتهم عند أهل الشام الذين قيل في وصفهم: «جفاة طغام عبيد أقزام(2) ولم يكونوا في الحقيقة من فرق الإسلام كالخوارج لبغضهم أهل بیت نبيهم صلی الله علیه واله وسلم، وبغضهم بغضه، ولتركهم مودة قرباه...« قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَی »(3)

وأما أهل الحجاز وأهل العراق - وفيهم كان المهاجرون والأنصار - فكانوا يعلمون أنه لم يكن قاتله، وأنه لو كان قاتله لم يكن ذلك طعنا فيه، لأن عثمان کان يستحق القتل.

فقال الفضل بن عباس في أبياته التي يرد فيها على الولید بن عقبة في قوله:

ألا إن خير الناس بعد ثلاثة*** قتيل التجيبي الذي جاء من مصر

إلى آخر أبياته كما في (الطبري):

ألا إن خير الناس بعد محمد *** وصية النبي المصطفي عند ذي الذكر

ص: 264


1- وقعة صفين : 188؛ بحار الأنوار:449/32، ش 394.
2- نهج البلاغة (فيض الاسلام): 823، خ 238.
3- الشوری: 23.

وأول من صلى وصنو نبيه *** وأول من أردى الغواة لدى بدر

فلو رأت الأنصار ظلم ابن عمكم *** لكانوا من ظلمه حاضري النصر

کفي ذاك عيبا أن يشيروا بقتله *** وأن يسلموه للأحابیش من مصر(1)

وفي قوله عليه السلام: «تأول القوم عليه القرآن» أي: أنهم رأوا أن حكم القران قتل مثله، ولم يقل: إنهم أخطأوا، إشارة إلى صحة عقيدتهم في إباحة قتله.

وفي كتاب نافع إلى ابن الزبير:

لئن کان عثمان قتل مظلوما لقد كفر قاتلوه و خاذلوه، ولئن كان قاتلوه مهتدین ۔ وإنهم لمهتدون - لقد كفر من يتولاه وينصره ويعضده. ولقد علمت أن أباك وطلحة وعليا كانوا أشد الناس عليه في أمره من بين قاتل و خاذل، وأنت تتولى أباك وطلحة وعثمان.(2)

وقال الإسكافي في نقضه على الجاحظ: إن الوليد بن عقبة قال لعلي عليه السلام بعد بيعة الناس له: نبايعك على أن تقتل قتلة عثمان. فقال علي عليه السلام: لو لزمني قتلهم اليوم قتلتهم (لقتلتهم) أمس.(3)

وروی نصر: خرج أبو أمامة الباهلي و أبو الدرداء، فدخلا على معاوية فقالا له: علام تقاتل هذا الرجل فو الله لهو أقدم منك سلما وأحق بهذا الأمر وأقرب من النبي صلی الله علیه واله وسلم فقال: أقاتله على دم عثمان، وإنه آوي قتلته فقولا له: فليقدنا من قتلته، فأنا أول من يبايعه (بايعه) من أهل الشام. فانطلقا إلى علي عليه السلام فأخبراه بقول معاوية، فقال: هم الذين ترون. فخرج عشرون ألفا وأكثرهم مسربلون في الحديد

ص: 265


1- تاريخ الطبري:499/3، سنة 35.
2- الكامل للمبرد:210/3.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:39/7، بحار الأنوار:19/23.

لا يرى منهم إلا الحدق، فقالوا: كلنا قتله، فإن شاءوا فلیر و موا ذلك منا.(1)

وروی نصر أيضا بعد ذکر خروج أمير المؤمنین علیه السلام إلى النخيلة ليخرج إلى الشام: ألبس منبر دمشق قميص عثمان مختضبا بالدم، وحول المنبر سبعون ألف شيخ يبكون حوله، لا تجف دموعهم على عثمان، فخطبهم معاوية وقال: يا أهل الشام، قد كنتم تكذبونني في علي، وقد استبان لکم أمره، والله ما قتل خليفتكم غيره، وهو أمر بقتله وألب الناس عليه، و آوی قتلته، وهم جنده وأنصاره وأعوانه، وقد خرج بهم قاصدا بلادكم لإبادتكم. يا أهل الشام، الله الله في دم عثمان فأنا ولي عثمان وأحق الناس بطلب دمه، وقد جعل الله لولي المظلوم سلطانا فانصروا خليفتكم، فقد صنع القوم به ما تعلمون، قتلوه ظلما وبغيا، وقد أمر الله تعالى بقتال الفئة الباغية حتى تفيء.فأعطوه الطاعة وانقاد واله.(2)

وروی نصر أيضا بعد ذکر مشورة معاوية مع عمرو بن العاص في أمر جرير البجلي الذي بعثه أمير المؤمنین علیه السلام لأخذ البيعة من معاوية: قال عمرو بن العاص المعاوية: إن رأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي، وهو عدو لجرير الذي ارسل إليك، فأرسل إليه، ووطن له ثقاتك فليفشوا في الناس أن عليا قتل عثمان، وليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل، فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب، وإن تعلق بقلب شرحبیل شيء لم يخرجه شيء أبدا (وإن تعلقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشيء أبدا).

فكتب معاوية إلى شرحبيل: «أن جریرا قدم علينا من عند علي بأمر فظيع،

ص: 266


1- وقعة صفين : 190؛ بحارالأنوار:451/32.
2- وقعة صفين : 127.

فأقدم». ودعا معاوية يزيد بن أسيد (أسد) و بسر بن أرطاة، وعمرو بن سفیان، ومخارق بن الحارث، وحمزة بن مالك، وحابس بن سعد الطائي - وهؤلاء رؤساء قحطان واليمن، وكانوا ثقات معاوية وخاصته - وبني عم شرحبيل، فأمرهم أن يلقوه ويخبروه أن عليا قتل عثمان - إلى أن قال : فلما قدم شرحبيل قال له معاوية: إن جریرا يدعونا إلى بيعة علي، وعلي خير الناس لولا أنه قتل عثمان، وقد حبست نفسي عليك، وإنما أنا رجل من أهل الشام أرضي ما رضوا، وأكره ما کرهوا. فقال له شرحبيل: اخرج فانظر. فخرج فلقيه هؤلاء النفر الموطئون له، فكلهم أخبره أن(يخبره بأن)عليا قتل عثمان. فخرج مغضبا إلى معاوية وقال له: أبي الناس إلا أن عليا قتل عثمان، فوالله لئن بايعت له لنخرجتك من الشام أو النقتلك.

قال معاوية: ما كنت لأخالف عليكم، ما أنا إلا رجل من أهل الشام. قال: فرد هذا الرجل إلى صاحبه إذن. فعرف معاوية أن شرحبیل (قد) نفذت بصيرته في حرب أهل العراق، وأن الشام كلها مع شرحبيل.(1)

ولَمَّا وَعَظَهُمُ اللَّهُ بِهِ أبْلَغُ مَنْ لِسَانِي

«ولما وعظهم الله به» في عقوبة التهمة.

«أبلغ من لساني» في بيان شناعتها، قال تعالى:«وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا»(2)

والمراد بما وعظهم الله به الآيات الناهية عن الظن والرادعة عن الغيبة

ص: 267


1- وقعة صفين : 44 - 47.
2- النساء: 112.

والمحذرة من ايذاء المؤمنين مثل قوله تعالى: «يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثمٌ وَلا تَجَسَّسوا وَلا يَغتَب بَعضُكُم بَعضاً أَيُحِبَّ أحَدُكُم أن يَأكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهتُوهُ»(1) وقوله تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤذونَ المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِناتِ بِغَيرِ ما اكتَسَبوا فَقَدِ احتَمَلُوا بُهْتَاناً وإِثماً مُبيناً»(2) وقوله تعالى: «وَلا تَقِفَ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عَلْمٌ»(3) وقوله تعالى: «وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغَنِّي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا»(4)؛ إلى غير ذلك وهو كثير في القرآن.

أَنَا حَجِيجُ الْمارِقِينَ وَخَصيمُ النَّاكِثِينَ اَلْمُرْتَابِينَ

في بيان خطأهم و بطلان أمورهم، قال ابن أبي الحديد: كان علي علیه السلام يكثر من قوله: أنا حجيج المارقين.(5)

وروي عنه علیه السلام أيضا أنه يقول: أنا أول من يجثو بين يدي الله تعالى يوم القيامة للخصومة.(6)

وروي عن النبي صلی الله علیه واله وسلم مثل ذلك مرفوعا.(7)

وإلى تلك المخاصمة اشيرت في قوله تعالى: «هذانِ خَصْمَانِ اِخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ اَلْحَمِيمُ *

ص: 268


1- الحجرات: 12.
2- الأحزاب: 58.
3- الإسراء: 36.
4- النجم: 28.
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:171/6.
6- الأمالي للطوسي: 85، م 3، ح 128 - 37؛ بحار الأنوار:234/39، ح 16.
7- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:170/6.

يَصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطونِهِمْ وَالْجَلُودِ * وَلِهِمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ.»(1)

وعن النضر بن مالك قال: قلت للحسين بن علي بن أبي طالب علیهما السلام : يا أبا عبد الله حدثني عن قول الله عز وجل: «هذانِ خَصْمَانِ اِخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ»(2)

قال: نحن وبنو امية اختصمنا في الله عز وجل قلنا صدق الله وقالوا كذب الله فنحن وإياهم الخصمان يوم القيامة.(3)

وعن مسلم والبخاري في حديث في قوله تعالى: «هذانِ خَصْمَانِ اِخْتَصَمُوا » نزلت في علي وحمزة وعبيدة بن الحارث الذين بارزوا المشركين يوم بدر عتبة وشيبة ابنا ربيعة والولید بن عتبة.(4)

ومن تفسير علي بن إبراهيم في معنى الآية قال: قال يعني الصادق علیه السلام نحن وبنو امية نحن قلنا صدق الله ورسوله، وقال بنو امية كذب الله ورسوله فالذين كفروا يعني بني أمية قطعت لهم ثياب من نار إلى قوله حديد قال: تغشاهم [تشويهم] النار - كالثوب للانسان فتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سر ته - و تتقلص شفته العليا - حتى تبلغ وسط رأسه ولهم مقامع من حديد قال: الأعمدة التي يضربون بها ضربا بتلك الأعمدة .(5)

ومن تفسير الثعلبي في تفسير قوله تعالى: «ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ»(6) قال: روی خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن أبي سعيد الخدري

ص: 269


1- الحج: 19 - 21.
2- الحج: 19.
3- الخصال:43/1، ح 3؛ بحار الأنوار:517/31، ح16.
4- صحيح البخاري:5/5 - 6؛ کشف الغمة:313/1؛ بحار الأنوار:22/36، ح 3 .
5- تفسير القمي:80/2؛ بحار الأنوار:292/8، ح 32.
6- الزمر: 31.

قال: كنا نقول ربنا واحد و نبینا واحد و دیننا واحد فما هذه الخصومة، فلما كان يوم صقين و شد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا: نعم هو هذا.(1)

«وخصيم المرتابين» في إمامتي، روى أبو نعيم: أن النبي صلی الله علیه واله وسلم قال له: يا علي، أخصمك بالنبوة، ولا نبي بعدي، و تخصم الناس بسبع لا يحاجك فيه أحد من قریش، أنت أولهم إيمانا، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسوية، وأعد لهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية.(2)

وعن الرضا عن آبائه علیه السلام قال: قال النبي صلی الله علیه واله وسلم لعلي علیه السلام: أنت خير البشر ولا يشك فيه إلا كافر.(3)

وعن الاعمش عن عطاء قال: سألت عائشة عن علي بن أبي طالب علیه السلام فقالت:ذاك [ذلك] خير البشر ولا يشك فيه إلا كافر.(4)

وعن منصور عن ربعي عن حذيفة أنه سئل عن علي علیه السلام فقال: ذاك [ذلك] خيرالبشر ولا يشك فيه إلا منافق.(5)

وعن حذيفة بن اليماني عن النبي صلی الله علیه واله وسلم أنه قال: علي بن أبي طالب خير البشر ومن أبى فقد كفرة.(6)

وعن جابر بن عبد الله قال: علي خير البشر فمن أبى فقد كفر الخبر .(7)

ص: 270


1- الكشف والبيان عن تفسير القرآن ( تفسير الثعلبي ):235/8.
2- حلية الأولياء:65/1.
3- الأمالي للصدوق: 77، م 18، ح 7؛ بحار الأنوار:4/38، ح 3.
4- الأمالي للصدوق: 76 / م 18 / ح 3؛ بحار الأنوار:7/5/38.
5- الأمالي للصدوق: 77، م18، ح 4 بحار الأنوار:6/38، ح 8.
6- الأمالي للصدوق: 77، م18، ح 5؛ بحار الأنوار:4/38، ح 9.
7- الأمالي للصدوق: 76 - 77، م18، ح 6؛ بحار الأنوار:6/38، ح 10.

وَعَلَى كِتَابِ اَللَّهِ تُعْرَضُ اَلْأَمْثَالُ

عن الصادق علیه السلام: خطب النبي صلی الله علیه واله وسلم بمنى فقال: أيها الناس ما جاءکم عني يوافق

کتاب الله فأنا قلته، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله.(1)

وعنه علیه السلام: قال النبي صلی الله علیه واله وسلم: إن على كل حق حقیقة، وعلى كل صواب نورا، فما

وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه.(2)

وعن عمر بن قيس عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعته يقول: إن الله تبارك وتعالى لم يدع شيئا يحتاج إليه الأمة إلا أنزله في كتابه وبينه لرسوله صلی الله علیه واله وسلم وجعل لكل شيء حدا وجعل عليه دليلا يدل عليه وجعل على من تعدى ذلك الحد حدا.(3)

وعن أبي عبد الله علیه السلام: إن الله تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء حتى - والله -ما ترك الله شيئا يحتاج إليه العباد، حتى لا يستطيع عبد يقول: لو كان هذا أنزل في القرآن إلا وقد أنزله الله فيه.(4)

وعن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر علیه السلام: إذا حدثتكم بشيء فسألوني من كتاب الله ثم قال في بعض حديثه: إن رسول الله صلی الله علیه واله وسلم نهی عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال الحديث بطوله.(5)

وعن المعلی بن خنیس قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله لكن لا تبلغه عقول الرجال.(6)

ص: 271


1- الكافي:69/1 ، ح 5؛ بحار الأنوار:242/2، ح 40.
2- الكافي:69/1، ح 1.
3- الكافي:59/1، ح 2.
4- الكافي:59/1 ، ح 1؛ بحار الأنوار:81/89، ح 9.
5- الكافي:60/1 ، ح 5؛ بحار الأنوار:82/89، ح 12.
6- الكافي:60/1، ح6 : بحار الأنوار:100/89، ح 71.

وعن حماد عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سمعته يقول: ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة.(1)

وعن سماعة عن أبي الحسن موسى علیه السلام قال: قلت له أكل شيء في كتاب الله وسنة نبيه صلی الله علیه واله وسلم أو تقولون فيه؟ قال: بل كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه صلی الله علیه واله وسلم.(2)

ويريد نحو قوله تعالى: «هذانِ خَصْمَانِ اِخْتَصَمُوا»(3) الآية وقوله تعالى:«أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ»(4)

روی من طريق العامة عن ابن عباس في قوله: «أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات» قال: علي وحمزة وعبيدة كالمفسدين في الأرض عتبة و شيبة والوليد بن عتبة أم نجعل المتقين هؤلاء علي وأصحابه کالفجار عتبة و أصحابه، وقوله:«أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ»(5) قال ابن عباس: فالذين آمنوا بنو هاشم وبنو عبد المطلب، والذين اجترحوا السينات بنو عبد شمس.(6)

وقال بعضهم لما كان في أقواله وأفعاله علیه السلام ما يشبه الأمر بالقتل أو فعله فأوقع في نفوس الجهال شبهة القتل نحو ما روي عنه علیه السلام الله قتله وأنا معه وكتخلفه عن الخروج يوم قتل عثمان حسبما تقدم في شرح کلامه التاسع والعشرين فقال علیه السلام: ينبغي أن يعرض ذلك على كتاب الله فان دل على كون شيء من ذلك قتلا فيحكم

ص: 272


1- الكافي :59/2، ح 4.
2- الكافي:62/1، ح10.
3- الحج: 19.
4- ص: 28.
5- الجاثية: 21.
6- البرهان في تفسير القرآن:9744/29/5- 3.

به وإلا فلا ولن يدل عليه أبدا.(1)

قال المحدث العلامة المجلسي: ويحتمل أن يراد بالأمثال الحجج أو الأحاديث كما ذكر في القاموس أي ما احتج به في مخاصمة المارقين و المرتابین وما يحتجون به في مخاصمتي ينبغي عرضها على كتاب الله حتى يظهر صحتهما وفسادهما، أو ما يسندون إلي في أمر عثمان وما يروى في أمري وأمر عثمان يعرض على كتاب الله.(2)

وَ بِمَا فِي الصُّدُورِ تُجَازَى الْعِبَادُ

روي عن رسول الله صلی الله علیه واله وسلم أنه قال: إنما الأعمال بالنيات .(3)

قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم ونياتكم.(4)

قال عمار لعبيدالله بن عمر: بعت دينك من عدو الإسلام وابن عدوه، قال: لا، ولكن أطلب بدم عثمان. فقال له عمار: أشهد على علمي فيك انك لا تطلب بشيء من فعلك وجه الله، وأنك إن لم تقتل اليوم تمت غدا، فانظر إذا أعطي الناس على قدر نياتهم ما نيتك.(5)

تاریخ الخطيب روى الأعمش عن عدي عن زر عن عبيد الله عن علي علیه السلام قال

ص: 273


1- بحار الأنوار:501/31.
2- بحار الأنوار:502/31.
3- دعائم الإسلام:4/1؛ بحار الأنوار:211/67، ح 35.
4- جامع الأخبار للشعيري: 100؛ بحار الأنوار:248/67، ح 21.
5- تاريخ الطبري:27/4- 28.

رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: من لم يقل علي خير البشر فقد کفر.(1)

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: من فضل أحدا من أصحابي علي علي فقد كفر.(2)

وعن محمد الباقرعلیه السلام أنه سئل جابر بن عبدالله الأنصاري عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: ذاك والله أميرالمؤمنين وبوار الكافرين وقاتل القاسطين والناكثين والمارقين فإني سمعت رسول الله صلی الله علیه واله وسلم يقول: علي بعدي خير البشر فمن شك فيه فقد كفر.(3)

ص: 274


1- مناقب آل أبي طالب علیه السلام:70/3؛ بحار الأنوار:9/38.
2- الأمالي للصدوق: 656، م94، ح4 ؛ بحار الأنوار:14/38، ح 19.
3- الفضائل لابن شاذان القمي: 162؛ بحار الأنوار:15/38، ح 23.

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة (75) : ومن خطبة له علیه السلام في الحث على العمل الصالح:

اشارة

رَحِمَ اللَّهُ امراً سَمِعَ حُكْماً فَوُعِي وَدُعِي إلى رَشادٍ قَدنا وَأخَذَ بِحُجْزَةِ هَادٍ فَنَجَا رَاقَبَ رَبَّهُ وَ خافَ ذَنبَهُ قَدَّمَ خَالِصاً وعَمِلَ صَالِحاً اكْتَسَبَ مَذْخُوراً واجْتَنَبَ مَحْذُوراً رَمَى غَرَضاً وأحرَزَ عِوَضاً كابَرَ هَواهُ وَ كَذَّبَ مُناهُ جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجاتِهِ وَالتَّقوى عُدَّةَ وَفَاتِهِ رَكِبَ الطَّريقَةَ الغَرَّاءَ ولَزِمَ المَحَجَّةَ البَيْضاءَ اغْتَنَمَ المَهَلَ وَبَادَرَ الأَجَلَ وُرودٌ مِنَ العَمَلِ.

ومن خطبة له عليه السلام

کل فقرظ من الخطبة وهي عشرون درة يتيمة وجوهرة غالية، روى (روضة الكافي) في خطبة فيها بعض هذه الفقرات مسندة عن أبي جعفر علیه السلام قال: خطب أمير المؤمنین علیه السلام فقال:

اَلْحَمْدُ لِي الخَافِضُ الرَّافِعُ الضَّارُّ النَّافِعُ اَلْجَوَادُ الوَاسِعِ إِلَى أَنْ قَالَ أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ الدُّنيا لَيْسَتْ لَكُمْ بِدَارٍ ولا قَرَارٍ إِنَّمَا أَنْتُمْ فيهَا كَرَكْبٍ عَرَّسُوا فَاِنّا خَوَّ ثُمَّ اِشْتَقَلُوا فَغَدَوْا وَرَاحُوا دَخَلُوا خِفَافاً وَرَّاحُوا خِفَافاً لَم يَجِدوا عَنْ مُضِيٍ نُزوعاً وَلا إِلَى مَا تَرَكُوا رُجُوعاً جَدَّ بِهِمْ فَجِدُّوا وَرَكِنُوا إِلَى الدُّنْيَا مَا اسْتَعِدُّوا حَتَّى إِذَا أُخِذَ بِكَظَمِهِم

ص: 275

وَ خَلَصُوا إِلَى دَارٍ قؤم جَفَّتْ أَقْلامُهُمْ لَم يَبقَ مِنْ أَكْثَرِهِمْ خَبَرٌ ولا اثِرٌ أقَلُّ فِي الدُّنيا لَبَثُهُم وعَجِّلٌ إلى الأَخِرَةِ بَعثُهُمْ فَأصْبَحْتُمْ حُلُولاً في دِيَارِهِم ظاعِنِينَ عَلَى آثَارِهِمْ وَالْمَطَايَا بِكُمْ تَسِيرُ سَيْراً ما فيهِ أينَ وَلا تَفتيرُ نَهارِكُم بِانفُسِكُم دَءُوبِ وَلِيلِكُمْ بِأَرْوَاحِكُمْ ذَهُوبٌ فَاصْبَحْتُمْ تَحْكُونَ مِنْ حَالِهِمْ حَالاً وَتَحتَدونَ مِن مَسلَكِهِم مِثالاً فَلا تُعزّنَّكُم الحَياةِ الدُّنْيَا فَإِنَّمَا أَنْتُمْ فِيهَا سَفْرٌ حُلُولٌ المُؤتُ بِكُم نُزُولٌ تَنَضَّلُ فِيكُمْ مَنَايَاهُ وَتُمضِي بِأخْبارِكُم مَطاياهُ إلى دارِ الثَّوابِ والعِقابِ والْجَزَاءِ والْحِسَابِ فَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأً راقَبَ رَبَّهُ تَنَكَّبَ ذَبَّهُ وَكابِرَ هَواهُ وكَذَّبَ مُنَاهُ امْرَأً زَمَّ نَفْسَهُ مِنَ التَّقْوَى بِزِمَام وَألجَمَها مِن خَشيَةِ رَبِّها بِلِجامٍ فَقَادَهَا إلَى الطَّاعَةِ بِزِمَامِهَا وَقَدَعَهَا عَنِ المَعْصِيَةِ بِلِجَامِها رَافِعاً إلَى الْمَعادِ طَرْفُهُ مُتَوَقِّعاً فِي كُلِّ أَوَانِي حَتْفُهُ دَائِمَ الْفِكْرِ طَوِيلَ اَلسَّهَرِ عَزُوفاً عَنِ الدُّنْيَا أَمَّا كَدُوحاً لآِخِرَتِهِ مُتَحَافِظاً اِمْرَأً جَعَلَ اَلصَّبْرَ مَطِيَّةَ تُجاتِهِ وَالتَّقوى عُدَّةَ وَفاتِهِ ودَوَاءَ أجْوَائِهِ فَاعْتَبَرَ وقَاسٌ وَتَرَكَ الدُّنيا والنَّاسُ يَتَعَلَّمُ لِلتَّفَقُّهِ والسَّدَادِ وقَدْ و قَر قَلْبِهِ ذكَرَ الْمَعَادِ وطَوي مِهادِهِ وَ هَجَرَ وِسَادَهُ مُنْتَصِباً عَلَى أَطْرَافِهِ دَاخِلاً فِي أَعْطَافِهِ خَاشِعاً لِلَّهِ عَزَّ وَجِلٌ يُرَاوِحُ بَيْنَ الوَجهِ والكَفَّينَ خُشُوعٌ في السِّرِّ لِرَبِّهِ لَدَمْعُهُ صَبِيبٌ وَلَقَّبُهُ وَجيبٌ شَدِيدَةٌ أَسْبَالُهُ تر تَعُدُ مِنْ خُؤفِ اَلل عَزَّ وَ جَل أَوْصالِهُ قَد عَظُمَت فيما عِندَ اللَّهِ رَغبَتُهُ وَاشتَدَّت مِنهُ رَهْبَتُهُ رَاضِياً بِالْكَفَافِ مِن أَمْرِهِ يُظْهِرُ دُونَ مَا يَكْتُمُ ويَكْتُفِي بِأَقَلَّ مِمَّا يَعْلَمُ أُولَئِكَ وَدَائِعُ اَللَّهِ فِي بِلاَدٍ وَ المَدْفُوعُ بِهِمْ عَنْ عِبَادِهِ لَوْ أَقْسم أَحَدُهُمْ عَلَى اَللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ لَأَبَرَّهُ أَوْ دَعا عَلَى أَحَدٍ نَصَرَهُ اَللَّهُ يَسْمَعُ إِذَا نَاجَاهُ وَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إذا دَعاهُ جَعَلَ اللَّهُ العاقِبَةَ لِلتَّقْوَى والْجَنَّةَ لِأهْلِهَا مَأْوِي دُعَاؤُهُمْ فِيهَا أَخَسُّ اَلدُّعَاءِ سُبْحَانَكَ اَللَّهُمَّ .(1)

ص: 276


1- الكافي:170/8، ح193.

رَحِمَ اَللَّهُ اِمْرَأً سَمِعَ حُكْماً فَوَعَّى

أي: سمع حكمة من العلوم فحفظها وجعل أذنه وعاء لها، قال تعالى:«فَبَشِّرْ عِبَادِ*الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ»(1)

وَدُعِيَ إِلَى رَشَادٍ فَدَنَا

قال تعالى:«قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ»(2)

وقال تعالى: «وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ»(3)

وقال تعالى:«وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ»(4)

وقال تعالى:«قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا*يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ۖ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا»(5)

وذم تعالی قوم فقال تعالى:«وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا»(6)

وَأَخَذَ بِحَجْزَةٍ هَادٍ فَنَجَا

الهادي في كلامه علیه السلام وإن كان مطلقة إلا أن الأظهر أن المراد به الأئمة الذين

ص: 277


1- الزمر: 17 - 18.
2- يوسف: 108.
3- غافر: 41.
4- النور: 48.
5- الجن : 1- 2.
6- الأعراف: 146.

یهدون بالحق وبه يعدلون، فيكون المراد بالأخذ بحجزتهم المتمسكين بحبل الولاية والمقتبسين من أنوارها، ويدل عليه ما ورد في تفسير قوله تعالى:« إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(1)، بطرق كثيرة أن الهادي هو أمير المؤمنين وولده المعصومون سلام الله عليهم أجمعين.

فمنها: عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علیه السلام قال:قال أمير المؤمنين علیه السلام: فينا نزلت هذه الآية: «اِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»فقال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: أنا المنذر وأنت الهادي يا علي، فما الهادي و النجاة والسعادة إلى يوم القيامة.(2)

ومنها: عن برید بن معاوية، عن أبي جعفر علیه السلام في قول الله:«ِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ ۖ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» فقال: قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: أنا المنذر - وفي كل زمان إمام منا ۔ يهديهم إلى ما جاء به نبي الله صلی الله علیه واله وسلم، والهداة من بعده علي، ثم الأوصياء من بعده واحد بعد واحد، أما والله ما ذهبت منا ولا زالت فينا إلى الساعة، رسول الله المنذر، وبعلي يهتدي المهتدون.(3)

وقال تعالى:«أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ»(4)

روی أن الصادق علیه السلام كان كثيرا ما يقول:

علم المحجة واضح لمریده *** وأرى القلوب عن المحجة في عمي

ص: 278


1- الرعد: 7.
2- تفسير العياشي:203/2، ح 5: البرهان في تفسير القرآن:231/3، ح 5456.
3- تفسير العياشي:204/2، ح 8؛ بحارالأنوار:404/35، ح 23.
4- الأنعام: 90.

ولقد عجبت لهالك ونجاته ***موجودة ولقد عجبت لمن نجا(1)

رَاقَبَ رَبُّهُ

قال تعالى:«إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»(2)

وقال تعالى: «أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ»(3)

قال النبي صلی الله علیه واله وسلم: يا أبا ذر اعبد الله كأنك تراه، فان كنت لا تراه فائه (عز وجل)

يراك.(4)

اعلم ان حقيقة المراقبة أنها حالة للنفس يثمرها نوع من المعرفة، وتثمر أعمالا في الجوارح والقلب: أما الحالة فهي مراعاة القلب للرقيب و اشتغاله به، وأما العلم المثمر لها فهو العلم بأن الله تعالی مطلع على الضمائر والسرائر قائم على كل نفس بما كسبت وأن سر القلوب مكشوف له كظاهر البشرة للخلق بل هو أشد فهذه المعرفة إذا استولت على القلب ولم يبق فيها شبهة فلابد أن تجذبه إلى مراعات الرقيب والموقنون بهذه المعرفة فمنهم الصديقون ومراقبتهم التعظيم والإجلال واستغراق القلب بملاحظة ذلك الجلال والانكسار تحت الهيبة والعظمة بحيث لا يبقى فيه متسع للالتفات إلى الغير أصلا. وهي مراقبة مقصورة على القلب. أما الجوارح فإنها تتعطل عن التلقت إلى المباحات فضلا عن المحظورات، وإذا تحركت بالطاعة كانت کالمستعمل لها فلا تصلح لغيرها ولا يحتاج إلى تدبير في

ص: 279


1- الأمالي للصدوق: 490، م 74؛ بحار الأنوار: 2/ 180، ح 2.
2- النساء: 1.
3- الرعد: 33.
4- الأمالي للطوسي: 526، م19، ح 1162 - 1؛ بحار الأنوار:74/74، ح 3.

ضبطها على سنن السداد، ومن نال هذه الرتبة فقد يغفل عن الخلق حتى لا يبصرهم ولا يسمع أقوالهم. ومثل هذا بمن يحضر في خدمة ملك عظیم فإن بعضهم قد لا يحس بما يجري في حضرة الملك من استغراقه بهيبته، وبمن يشغله أمر مهم يفكر فيه.

وروى: أن يحیی بن زکریا علیه السلام مر بامرأة فدفعها على وجهها. فقيل له: لم فعلت؟ فقال: ما ظننتها إلا جدارا.

الثانية مراقبة الورعين من أصحاب اليمين وهم قوم غلب بعض اطلاع الله تعالى على قلوبهم ولكن لم تدهشهم ملاحظة الجلال بل بقيت قلوبهم على الاعتدال متسعة للتلقت إلى الأقوال والأعمال إلا أنها مع مدارستها للعمل لا تخلو عن المراقبة، وقد غلب الحياء من الله على قلوبهم فلا يقدمون ولا يجمحون إلا عن تثبت فيمتنعون عن كل أمر فاضح في القيامة إذ يرون الله تعالی مشاهدا الأعمالهم في الدنيا كما يرونه في القيامة. ومن كان في هذه الدرجة فيحتاج أن يراقب جميع حركاته وسكناته ولحظاته وجميع اختیاراته ويرصد کل خاطر پسنح له فإن كان إلهي يعجل مقتضاه وإن كانت شيطانيا بادر إلى قمعه و استحيا من ربه ولام نفسه على اتباع هواه فيه وإن شك فيه توقف إلى أن يظهر له بنور الله سبحانه من أي جانب هو كما قال علیه السلام: الهوى شريك العمي. ومن التوفيق التوقف عند الحيرة ولا يهمل شيئا من أعماله وخواطره وإن قل ليسلم من مناقشة الحساب. فقد قال الرسول صلی الله علیه واله وسلم: الرجل ليسئل عن كحل عينيه وعن فتلة الطين بإصبعه وعن لمسه ثوب أخيه.(1)

ص: 280


1- إحياء العلوم:12/15؛ شرح نهج البلاغة (ابن میثم):209/2؛ نور البراهين:124/1.

عن داود الرقي عن أبي عبدالله علیه السلام في قول الله عز وجل: «وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ»قَالَ مِنْ عِلْمِ اَللَّهِ يَرَاهُ وَ يَسْمَعُ مَا يَقُولُ وَ يَعْلَمُ مَا يَعْلَمُهُ مِنْ خَيْرٍ او شَرٍ فيحجرة عَنِ الفَبيحِ مِنَ الاعْمَالِ فَذَلِكَ الَّذِي خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ونَهِيَ النَّفْسِ عَنِ الهُوَي.(1)

وعن الصادق علیه السلام: من أشد ما افترض الله على عباده، ذكره على كل حال، ليس سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر فقط، ولكن إذا ورد عليك شيء من أمر الله أخذت به، وإذا ورد عليك شيء نهى الله عنه تركته.(2)

وَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا جعقر علیه السَّلَامُ يَقُولُ : الْعَبْدُ بَيْنَ ثلاتة بَلَاءٍ وَ قَضَاءٍ وَ نِعْمَةٍ فَعَلَيْهِ فِي الْبَلَاءُ مِنَ اللَّهِ الصَّبْرُ فَرِيضَةً عَلَيْهِ فِي الْقَضَاءِ مِنَ اللَّهِ التَّسْلِيمُ فَرِيضَةً وَ عَلَيْهِ فِي النِّعْمَةِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلِ الشُّكْرُ فَرِيضَةً.(3)

وَ خَافَ ذَنْبِهِ

الخوف: توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة، وأن الطمع توقع محبوب عن أمارة مظنونة، أو معلومة. وإذا علق كل منها بالذوات كما نقول: خفت زیدا، وطمعت فيه فمعناه توقع مكروه أو محبوب يقع من جهته، وإلا فالذوات لا يتعلق بها خوف ولا طمع.

قال بعض العلماء: اعلم أن خوف الخائفين من الله تعالى قد یکون لأمور

ص: 281


1- الكافي :70/2، ح 10؛ بحار الأنوار:346/67، ح 8 .
2- الخصال: 132/1 ، ح 139؛ بحار الأنوار:381/66، ح 42.
3- الخصال: 86/1، ح 17؛ بحار الأنوار:43/68، ح 41.

مكروهة لذاتها، وقد يكون لأمور مكروهة لأدائها إلى ما هو مكروه لذاته.

أما القسم الأول: فمثل أن يتمثل في نفوسهم ما هو المكروه لذاته کسکرات الموت وشدته، أو سؤال القبر أو عذابه، أو هول الموقف بين يدي الله تعالى، والحياء من كشف الستر، والسؤال عن كل صغيرة وكبيرة، أو الخوف من المرور على الصراط وحدته، أو من النار وأهوالها وأغلالها، أو من حرمان الجنة، أو من نقصان الدرجات فيها، أو خوف الحجاب من الله تعالى، وكل هذه الأسباب مكروهة في أنفسها، ويختلف حال السالكين إلى الله فيها، وأعلاها رتبة خوف الفراق والحجاب عن الله عز وجل، وهو خوف العارفين. وما قبل ذلك فهو خوف العابدين والصلحاء والزاهدين.

وأما القسم الثاني: فأقسامه كثيرة كخوف الموت قبل التوبة، أو خوف نقض التوبة، أو خوف الانحراف عن القصد في عبادة الله، أو خوف استيلاء القوى الشهوانية بحسب مجرى العادة في استعمال الشهوات المألوفة، أو خوف تبعات النفس عنده، أو خوف سوء الخاتمة أو خوف سبق الشقاوة في علم الله. وكل هذه ونحوها مخاوف عباد الله الصالحين، وأغلبها على قلوب المتقین خوف الخاتمة فان الأمر فيه خطر (مخطر)... قال بعض أرباب القلوب: إذا سكن الخوف القلب أحرق الشهوة، وطرد عن الغفلة .(1)

قال تعالى: «قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ»(2)

وقال تعالى: «إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا»(3)

ص: 282


1- ریاض السالكين في شرح صحيفة سید الساجدین علیه السلام:326/5.
2- الأنعام: 15.
3- الانسان (دهر): 10.

وقال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴿40﴾فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴿41﴾»(1)

وقال تعالى: «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴿46﴾»(2)

عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال إبليس لعنة الله عليه الجنوده إذا استمکنت من ابن آدم في ثلاث لم أبال ما عمل فإنه غير مقبول منه: إذا استكثر عمله ونسي ذنبه ودخله العجب.(3)

قَدَّمَ خَالِصاً

قال الصادق علیه السلام: العمل الخالص الذي لا تريد أن يمدحك عليه أحد إلا الله(4)وهذا هو معنى الاخلاص قال تعالى: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»(5)

وللقوم في تعريف الاخلاص عبارات فقيل: هو تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين حتى عن ملاحظة النفس فلا يشهد غير الله، وقيل: هو تنزيه العمل عن أن يكون لغير الله فيه نصيب، وقيل: هو إخراج الخلق عن معاملة الحق، وقيل : هو ستر العمل من الخلايق و تصفيته من العلايق، وقيل: إنه لا يريد عامله علیه عوضا في الدارين وهذه درجة رفيعة وإليها أشار أميرالمؤمنين وسيد الموحدين بقوله:

ص: 283


1- النازعات: 40 - 41.
2- الرحمن : 46.
3- الخصال:113/1، ح 81؛ بحار الأنوار:315/69، ح 15.
4- الكافي :69/2، ح 4؛ بحار الأنوار:230/67، ح 6.
5- البينة: 5.

«ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك(1)»(2)

قال تعالى: «هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»(3)

وقال تعالى: «فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»(4)

وقال تعالى: «وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»(5)

وقال تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ»(6)

وقال تعالى: «قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ»(7)

وقال تعالى: «قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي»(8)

وقال تعالى: «إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ»(9)

وقال تعالى: «إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴿40﴾ أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ ﴿41﴾فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ ﴿42﴾فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿43﴾عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴿44﴾يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ ﴿45﴾بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ ﴿46﴾لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ﴿47﴾وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ ﴿48﴾كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ ﴿49﴾»(10)

عن أبي الحسن الرضاعلیه السلام: أن أميرالمؤمنين علیه السلام كان يقول: طوبى لمن أخلص

ص: 284


1- عوالي اللئالي:11/2، ح 18؛ شرح الكافي للمازندرانی:338/11؛ بحار الأنوار:278/69.
2- ریاض السالكين،285/3.
3- غافر: 65.
4- غافر: 14.
5- الأعراف: 29.
6- الزمر: 2.
7- الزمر: 11.
8- الزمر: 14.
9- النساء: 146.
10- الصافات: 40 - 49.

الله العبادة والدعاء ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه ولم يحزن صدره بما أعطي غيره.(1)

وَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ:«لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا»(2)، قَالَ : لَيْسَ يَعْنِي أَكْثَرَ عَمَلًا وَ لکن أَصْوَبَكُمْ عَمَلًا وَ إِنَّمَا الإصابه خَشِيَهُ اللَّهِ وَ النِّيَّةُ الصَّادِقَةُ وَ الْحَسَنَةُ ثُمَّ قَالَ الْإِبْقَاءُ عَلَى الْعَمَلِ حَتَّى يَخْلُصَ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَلِ وَ الْعَمَلُ الْخَالِصُ الَّذِي لَا تُرِيدُ أَنْ یمحمدک عَلَيْهِ أَحَدُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ والنبیة أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ أَلَا وَ إِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْعَمَلُ ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ عزو جَلَّ : «قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ »(3)يعني على نيته.(4)

*وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ علیه السَّلَامُ قَالَ : مَا أَخْلَصَ الْعَبْدُ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ عزو جَلَّ أَرْبَعِينَ يَوْماً أَوْ قَالَ مَا أَجْمَلَ عَبْدُ ذِكْرَ اللَّهِ عزو جَلَّ أَرْبَعِينَ يَوْماً إِلَّا زَهَّدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ فِي الدُّنْيَا وَ بَصَّرَهُ دَاءَهَا وَ دَوَاءَهَا فَأَثْبَتَ الْحِكْمَةَ فِي قَلْبِهِ وَ أَنْطَقَ بِهَا لِسَانَهُ _ الْخَبَرَ _.(5)

وعن أبي عبد الله علیه السلام في قول الله تعالى: «حَنِيفًا مُسْلِمًا»(6)، قال : خالصا مخلصا لا يشوبه شيء.(7)

وقال محمد بن علي علیه السلام: أفضل العبادة الإخلاص .(8)

ص: 285


1- الكافي:16/2، ح 3؛ بحار الأنوار:230/67، ح 5.
2- هود: 7.
3- الإسراء:84.
4- الكافي:16/2، ح 4 بحار الأنوار:230/67، ح 6.
5- الكافي :16/2، ح 6؛ بحار الأنوار:240/67، ح 8.
6- آل عمران: 67.
7- المحاسن:251/1، ح 269؛ بحار الأنوار 67 /227، ح 1.
8- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري علیه السلام: 329، 189؛ بحار الأنوار:245/67،ح 19.

وعن الرضا، عن آبائه علیهم السلام قال: قال أمير المؤمنین علیه السلام: الدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم والعلم كله حجة إلا ما عمل به و العمل كله رياء إلا ما كان مخلصا والإخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له.(1)

وعن علي بن سالم قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: قال الله عز وجل: أنا خير شريك من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلا ما كان لي خالصا.(2)

وَ عَمِلَ صَالِحاً

قال تعالى: «فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا»(3)

وقال تعالى: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ»(4)

وقال تعالى: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ»(5)

وقال تعالى: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»(6)

وقال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً»(7)

ص: 286


1- عيون أخبار الرضاعلیه السلام: 281/1، ح 25؛ بحار الأنوار:242/67، ح 9.
2- الكافي:295/2، ح 9؛ بحار الأنوار:288/69، ح 9.
3- الكهف : 110.
4- الأنبياء: 94.
5- البقرة: 62.
6- المائدة: 69.
7- النحل: 97.

وقال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَی»(1)

وقال تعالى: «إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ»(2)

وقال تعالى: «وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ»(3)

وقال تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا»(4)

اِكْتَسَبَ مَذْخُوراً

قال تعالى: «مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ»(5)

وقال تعالى: «وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(6)

اِجْتَنِبْ مَحْذُوراً

وقال تعالى: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(7)

وقال تعالى :«وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ»(8)

وقال تعالى: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا »(9)

وقال تعالى: «إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا»(10)

ص: 287


1- الكهف : 88.
2- سبأ: 37.
3- الطلاق: 11.
4- فصلت: 46.
5- النحل: 96.
6- المزمل: 20.
7- النور: 63.
8- آل عمران: 30.
9- المائدة : 92.
10- الإسراء: 57.

وقال تعالى: «وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ»(1)

وقال تعالى: «وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴿31﴾الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ»(2)

وقال تعالى: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا ﴿31﴾»(3)

رُمِيَ غَرَضَأ وَأحرَزَ عَوضَأ

قال ابن أبي الحديد: رمی غرضا أي: قصد الحق كمن يرمي غرضا يقصده، لا من يرمي في عمياء لا يقصد شیئا بعينه.(4)

قال التستري رحمه الله: بل كلامه علیه السلام استعارة في تشبیه من استبق إلى الخيرات واستحق الجئات بمن رمي في وقت الرماية، وأصاب الهدف واستحق العوض الذي جعلوه لمصيب الهدف. فالغرض الهدف الذي يرمي فيه وهو مفعول به، وابن أبي الحديد توهمه مفعولا له.(5)

وقال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴿38﴾»(6)

وقال تعالى: «وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا»(7)

وقال تعالى: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴿10﴾أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴿11﴾»(8)

ص: 288


1- الشوری: 37.
2- النجم: 31 - 32.
3- النساء: 31.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 172/6.
5- بهج الصباغة:143/11.
6- المدثر: 38.
7- الكهف: 46.
8- الواقعة: 10- 11.

وقال تعالى:«ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴿32﴾جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴿33﴾وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ﴿34﴾الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴿35﴾»(1)

كَابَرَ هَوَاهُ

قال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ﴿40﴾فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴿41﴾»(2)

وقال تعالى: «فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى»(3)

وقال تعالى: «وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ»(4)

وقال تعالى: «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّه»(5)

وقال تعالى: «قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ»(6)

وقال تعالى: «فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا»(7)

عن الصادق علیه السلام قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام: أشجع الناس من غلب هواه.(8)

وعن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: إن أخوف ما أخاف على أمتی

ص: 289


1- فاطر: 32 - 35.
2- النازعات: 40 - 41.
3- ص: 26.
4- الكهف: 28.
5- القصص :50.
6- الأنعام: 56.
7- النساء: 135
8- معاني الأخبار: 195، ح 1؛ بار الأنوار: 67 /76، ح 5.

الهوى وطول الأمل أما الهوى فانه يصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة.(1)

وعن الصادق علیه السلام قال: إني لأرجو النجاة لهذه الأمة لمن عرف حقنا منهم إلا لأحد ثلاثة صاحب سلطان جائر وصاحب هوى والفاسق المعلن.(2)

وعن أبي محمد الوابشي قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: احذروا أهواء كم كما تحذرون أعداءكم فليس شيء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم.(3)

وَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ یزید ، عَنِ الصَّادِقِ ، عَنْ آبَائِهِ علیهم السَّلَامُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلی اللَّهِ علیه واله وَ سَلِّمْ فِي حَدِيثِ الْمَنَاهِي قَالَ : مَنْ عَرَضَتْ لَهُ الْفَاحِشَةُ أَوْ شَهْوَةُ فَاجْتَنَبَهَا مَخَافَةَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ وَ أَمْنَهُ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَ أَنْجَزَ لَهُ مَا وَعَدَهُ فِي كِتَابِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ أَلَا وَ مَنْ عَرَضَتْ لَهُ دُنْيَا وَ آخِرَةُ فَاخْتَارَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ لَيْسَتْ لَهُ حَسَنَةُ يَتَّقِي بِهَا النَّارَ وَ مَنِ اخْتَارَ الأخرة وَتْرَكَ الدُّنْيَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَ غَفَرَ لَهُ مَسَاوِيَ عَمَلِهِ.(4)

وَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ الصَّادِقِ علیه السَّلَامُ فَقُلْتُ : الملائكه أَفْضَلُ أَمْ بَنُو آدَمَ فَقَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ علیه السَّلَامُ إِنَّ اللَّهَ رکب فِي الْمَلَائِكَةِ عَقْلًا بِلَا شَهْوَةٍ وَ رَكَّبَ فِي البَهائِمِ شَهْوَةً بِلا عَقْلٍ ورَكَّبَ في بَني آدَمَ كِلْتَيْهِمَا فَمَن غَلَبَ عَقْلُهُ شَهْوَتَهُ فَهُوَ خَيْرٌ مِنَ المَلائِكَةِ ومَن غَلَبَ شَهْوَتُهُ عَقَلَهُ

ص: 290


1- الخصال:51/1، ح 62؛ بحار الأنوار:75/76، ح 3.
2- الكافي :128/8، ح 98؛ بحار الأنوار:76/67، ح 4.
3- الكافي :335/2 ، ح 1؛ بحار الأنوار:82/67، ح 17.
4- من لا يحضره الفقيه:14/4؛ بحار الأنوار:333/73.

فَهُوَ شَرُّ مِنَ الْبَهَائِمِ.(1)

وعن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم:

طوبی لمن ترك شهوة حاضرة لموعود لم يره.(2)

وَعن أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرعَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عليه واله وسلم يَقُولُ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ وَعِزَّتي وَجَلالي وَعَظَمَتِي وَكِبرِيائِي وَنُورِي وعَلْؤِي وارْتِفَاعِ مَكَانِي لا يُؤْثِرُ عَبْدٌ هَواهُ علَى هَوايَ إِلاَّ شَتَّتُّ عَلَيهِ أَمْرِهُ ولَبَسْتُ عَلَيْهِ دُنْياهُ وشَغَلْتُ قَلْبَهُ بِهَا وَلَم أُؤتِهِ مِنها إلاّ ما قَدَّرتُ لَهُ وَعِزَّتي وَجَلالِي وَعَظَمَتِي وَنُورِي وَعُلُوِّي وارْتِفَاعِ مَكاني لا يُؤْثِرُ عَبْدٌ هَوَايَ عَلَى هَوَاهُ إِلاَّ اِسْتَحْفَظْتُهُ مَلائِكَتي وَ كَفَّلْتُ السَّماواتِ وَالأرَضينَ رِزْقَهُ وَكُنْتُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَةِ كُلِّ تَاجِرٍ وَ أَتَتْهُ الدُّنْيَا وَ هِيَ رَاغِمَةُ.(3)

وكان علیه السلام يقول:

لاتدع النفس وهواها *** فإن هواهافي رداها

وترك النفس وما تهوى أذاها *** وكف النفس عما تهوي دواها(4)

وَكَذَّبَ مُناهُ

الأن تصديق المني سبب الهلاك. قال تعالى:«يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴿13﴾يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ

ص: 291


1- علل الشرایع : 4/1، ح 1؛ بحار الأنوار:299/75، ح 5.
2- الخصال:2/1، ح 2؛ بحار الأنوار: 67 / 74، ح 1.
3- الكافي:335/2، ح 2، بحار الأنوار: 67 / 85، ح 18.
4- الكافي :336/2 ، ح 4 بحار الأنوار:89/67، ح 20.

مَعَكُمْ»(1)

وفي قوله تعالى: «لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ﴿118﴾وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا ﴿119﴾يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴿120﴾أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا ﴿121﴾»(2)

قال الطبرسي في تفسير قوله: «ولأمنينهم» يعني أمنيتهم طول البقاء في الدنيا فيؤثرون بذلك الدنيا ونعيمها على الآخرة وقيل معناه أقول لهم ليس وراءكم بعث ولا نشر ولا جنة ولا نار ولا ثواب ولا عقاب فافعلوا ما شئتم عن الكلبي وقيل معناه أمنينهم بالأهواء الباطلة الداعية إلى المعصية وأزين لهم شهوات الدنيا وزهراتها وأدعو كلا منهم إلى نوع يميل طبعه إليه فأصده بذلك عن الطاعة وألقيه في المعصية.(3)

عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: من تعلق قلبه بالدنيا تعلق قلبه بثلاث خصال: هم لا يفنی؛ وأمل لا يدرك؛ ورجاء لا ينال.(4)

وعن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي علیه السلام قال: من أطال أمله سیاء عمله.(5)

ص: 292


1- الحدید: 13 - 14.
2- النساء: 118 - 121.
3- تفسير مجمع البيان:173/3.
4- الكافي:320/2، ح 17؛ بحار الأنوار:24/70، ح 16.
5- الخصال:15/1، ح 52؛ بحار الأنوار:163/70، ح 19.

جَعَلَ الصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجَاةُ

قال تعالى: «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ»(1)

وقال تعالى: «وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا»(2)

وقال تعالى: «وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ»(3)

وقال تعالى: «وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ»(4)

وقال تعالى: «فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ»(5)

وقال تعالى: «اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ»(6)

وقال تعالى: «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ»(7)

وقال تعالى: «وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(8)

وقال تعالى: «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ»(9)

وقال تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا»(10)

وقال تعالى: «رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا»(11)

وقال تعالى: «وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ»(12)

وقال تعالى: «الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»(13)

وقال تعالى: «وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(14)

ص: 293


1- الأحقاف: 35.
2- الأنعام: 34.
3- هود: 115.
4- النحل: 127.
5- طه: 130.
6- ص: 17.
7- الروم: 60؛ غافر: 55 و 77.
8- النساء: 25.
9- آل عمران: 186.
10- السجدة: 26.
11- البقرة: 250.
12- البقرة: 177.
13- النحل: 42.
14- النحل: 96.

وقال تعالى: «أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا»(1)

وقال تعالى: «وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَني إِسْرائيلَ بِما صَبَرُوا»(2)

وقال تعالى: «وَ اصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرينَ»(3)

وقال تعالى: «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ»(4)

وقال تعالى: «وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرينَ [155]الَّذينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ [156]أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [157]»(5)

قد قال النبي صلی الله علیه واله وسلم: الصبر نصف الإيمان وقال صلی الله علیه واله وسلم: من اقل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر ومن أعطي حظه منهما لم يبال ما فاته من قيام الليل وصيام النهار الحديث.(6)

وقال صلی الله علیه واله وسلم: الصبر كنز من كنوز الجنة.(7)

وقال صلی الله علیه واله وسلم: أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس.(8)

عن الباقرعلیه السلام قال: الجنة محفوفة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات، فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار.(9)

وعن أبي عبد الله صلى الله عليه وسلم قال:إِذَا دَخَلَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ کانت الصَّلَاةُ عَنْ يَمِينِهِ والزكاه عَنْ يَسَارِهِ وَ الْبِرُّ مُطِلُّ عَلَيْهِ وینتحى الصَّبْرُ ناحیة فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْمَلَكَانِ

ص: 294


1- القصص: 54.
2- الأعراف: 137.
3- الأنفال: 46.
4- الزمر: 10.
5- البقرة: 155 - 157.
6- مسكن الفؤاد: 41؛ بحارالأنوار:137/79.
7- بحار الأنوار:137/79.
8- مسكن الفؤاد:42.
9- الكافي: 89/2 ، ح 7؛ بحار الأنوار:72/68، ح 4.

اللَّذَانِ یلیان مُسَاءَلَتَهُ قَالَ الصَّبْرُ لِلصَّلَاةِ والزکاة وَ الْبِرِّ دونکم صاحبکم فَانٍ عَجَزْتُمْ عَنْهُ فانا دُونَهُ .(1)

وَ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ : قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السَّلَامُ : لَمَّا حَضَرَتْ أَبِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ علیه السَّلَامُ الْوَفَاةُ ضَمَّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَ قَالَ يَا بُنَيَّ أُوصِيكَ بِمَا أَوْصَانِي بِهِ أَبِي حین خضرته الوفاه وَ بِمَا ذَكَرَ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ بِهِ يَا بُنَيَّ اصْبِرْ عَلَى الْحَقِّ وَ إِنْ كَانَ مُرّاً.(2)

وممن يونس بن يعقوب قال: أمرني أبو عبد الله علیه السلام أن آتي المفضل وأعزيه باسماعيل وقال أقري المفضل السلام وقل له إنا قد أصبنا باسماعيل فصبرنا فاصبر كما صبرنا إنا أردنا أمرأ وأراد الله أمرا فسلمنا لأمر الله عز و جل.(3)

عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ علیه السَّلَامُ قَالَ : لَا يَذُوقُ الْمَرْءِ مِنْ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ ثَلَاثُ خِصَالِ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ وَ الصَّبْرُ عَلَى الْمَصَائِبِ وَ حُسْنِ التَّقْدِيرِ فِي الْمَعَاشِ.(4)

عَنْ داؤد بَنِي فَوْقَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ قَالَ : أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ إِنِّي أَنَّما أَبْتَلِيهِ لِمَا هُوَ خیر لَهُ وَ أَزْوِي عَنْهُ لِمَا هُوَ خَيْرُ لَهُ وَ أُعْطِيهِ لِمَا هُوَ خَيْرُ لَهُ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِمَا يَصْلُحُ عَلَيْهِ حَالٍ عبدی الْمُؤْمِنِ فلیرض بِقَضَائِي وليشکر نعماني وَ لْيَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي أَ كَتَبْتُ فِي الصِّدِّيقِينَ إِذَا عَمِلَ بِرِضَايَ وَ أَطَاعَ لِأَمْرِي.(5)

ص: 295


1- الكافي: 2/ 90، ح 8؛ بحار الأنوار:265/6، ح 109.
2- الكافي :91/2 ، ح13؛ بحار الأنوار:76/68، ح 10.
3- الكا، ي:92/2، ح16؛ بحار الأنوار:78/68، ح 13.
4- قرب الاسناد (ط - الحديثة): 95، ح 323؛ بحار الأنوار: 68 / 85، ح 29.
5- الأمالي للمفيد: 94، م 11، ح 2؛ بحار الأنوار: 18 / 94، ح 49.

وعن أبي عبد الله علیه السلام قال: ان العبد المؤمن ليكون له عند الله الدرجة لا يبلغها بعمله فيبتليه الله في جسده أو يصاب بماله أو يصاب في ولده فان هو صبر بلغه الله إياها.(1)

عن الصادق علیه السلام: نحن صبر وشيعتنا أصبر ما لأنا صبرنا بعلم و شیعتنا صبروا على ما لا يعلمون.(2)

وَ عَنْ آدَمَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي عِمْرَانَ الْهِلَالِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ علیه السَّلَامُ يَقُولُ : كَمْ مِنْ صَبْرِ سَاعَةٍ قَدْ أَوْرَثَتْ فَرَحاً طَوِيلًا وَ كَمْ مِنْ لَذَّةِ سَاعَةٍ قَدْ أَوْرَثَتْ حُزْناً طَوِيلًا.(3)

وَ عَنِ ابْنِ مسکان عَنْ أَبِي عبدالله علیه السَّلَامُ قَالَ : اصْبِرُوا عَلَى الْمَصَائِبِ.(4)

وَ عَنْ الرضاعلیه السَّلَامُ قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نادی مُنَادٍ أَيْنَ الصَّابِرُونَ فَيَقُومُ فِئَامٍ مِنَ النَّاسِ ثُمَّ يُنَادِي أَيْنَ المتصبرون فَيَقُومُ فِئَامٍ مِنَ النَّاسِ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا الصَّابِرُونَ وَ مَا المتصبرون قَالَ الصَّابِرُونَ عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ والمتصبرون عَلَى اجْتِنَابِ الْمَحَارِمِ.(5)

وَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ قَالَ : الصَّبْرُ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ فَإِذَا ذَهَبَ الراس ذَهَبَ الْجَسَدُ کذلك إِذَا ذَهَبَ الصَّبْرُ ذَهَبَ الْإِيمَانُ .(6)

ص: 296


1- التمحيص : 58، ح 120؛ بحار الأنوار: 18 / 94، ح 50.
2- تفسير الصافي:68/3؛ بحار الأنوار:84/68، ح 26.
3- الأمالي للمفيد: 42، م5، ح 9، بحار الأنوار:91/68، ح 45.
4- تفسير القمي:129/1؛ بحار الأنوار:220/24، ح 20.
5- تفسير القمي:129/1 ؛ بحار الأنوار:83/68، ح 25.
6- الكافي :87/2، ح 2؛ بحار الأنوار:81/68،ح 17.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالصبر يتوقع الفرج.(1)

وعن النبي صلى الله عليه وسلم: النصر في الصبر.(2)

وقال الأشعث بن قیس: دخلت على أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام فوجدته قد أثر فيه صبره على العبادة الشديدة ليلا ونهارا فقلت: يا أميرالمؤمنين: إلى كم تصبر على مكابدة هذه الشدة فما زادني إلا أن قال: اصبر على مضض الإدلاج في السحر *** وفي الروح إلى الطاعات في البكر

إني رأيت وفي الأيام تجربة *** للصبر عاقبة محمودة الأثر

وقل من جد في أمر يؤمله *** واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر(3)

وعن أبي عبد الله علیه السلام: إن الله تعالى أنعم على قوم فلم یشکروا فصارت عليهم وبالا، و ابتلي قوم بالمصائب فصبروا، فصارت عليهم نعمة.(4)

وعن أبي عبد الله علیه السلام: من ابتلى من المؤمنين ببلاء فصبر عليه، كان له مثل أجرألف شهيد.(5)

وَ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ قَالَ : إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُومُ عُنُقُ مِنَ النَّاسِ فَيَأْتُونَ بَابَ الْجَنَّةِ فَيَضْرِبُونَهُ فَقَالَ لَهُمْ مَنْ أَنْتُمْ فَيَقُولُونَ نَحْنُ أَهْلُ الصَّبْرِ فیقال لَهُمْ عَلَى مَا صَبَرْتُمْ فَيَقُولُونَ کنا تَصْبِرَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَ تَصْبِرُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ صَدَقُوا أَدْخِلُوهُمُ الْجَنَّةَ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ:«إِنَّما يُوَفَّ

ص: 297


1- کنز الفوائد: 1/ 139، بحار الأنوار:96/68، ح 61.
2- المستطرف في كل فن مستظرف:516/2.
3- المستطرف في كل فن مستظرف:516/2.
4- الكافي :62/2، ح 18؛ بحار الأنوار:81/68،ح 18.
5- الكافي:62/2 ، ح 17، بحار الأنوار:78/68، ح 14.

الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ»(1).(2)

وعمرو بن شمر اَلْيَمَانِيُّ يَرْفَعُ اَلْحَدِيثَ إِلَى عَلِيٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسَلَّمَ الصَّبْرَ ثَلاثَةٌ صَبْرٌ عِندَ الْمُصِيبَةِ وصَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ وَصَبْرٌ عَنِ المَعصِيَةِ فَمَنْ صَبَرَ عَلَى اَلْمُصِيبَةِ حَتَّى يَرُدَّهَا بِحُسْنِ عَزَائِهَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثَلَاثَمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ کما بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَ مَنْ صَبَرَ عَلَى الطَّاعَةِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ سِتَّمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ کما بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إِلَى الْعَرْشِ وَ مَنْ صَبَرَ عَنِ المعصیة كَتَبَ اللَّهُ لَهُ تِسْعَمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَةِ إِلَى الدَّرَجَةِ کما بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إِلَى مُنْتَهَى الْعَرْشِ.(3)

وَعَنِ عُثْمَانَ بْنِ عِيسِيٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ اصْبِرُوا عَلَى الدُّنْيَا فَإِنَّمَا هِيَ سَاعَةٌ فَما مَضى مِنهُ فَلا تَجِدُ لَهُ أَلَماً وَلا سُرُوراً وَما لَم يَجِئْ فَلا تَدْرِي مَا هُوَ وَانِماً هِيَ سَاعَتُكَ اَلَّتِي أَنْتَ فِيهَا فَاصْبِرْ فِيهَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ واصْبِرْ فِيهَا عَن مَعْصِيَةِ اللَّهِ.(4)

وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَيَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ زَمَانٌ لا يُنَالُ الْمُلْكُ فِيهِ إِلاَّ بِالْقَتْلِ والتَّجْبِيرِ ولا الغِنَى إِلاَّ بِالغَصبِ وَالبُخلِ وَلا الْمَحَبَّةُ إِلاَّ بِاسْتِخْرَاجِ الدِّينِ وَاتِّبَاعِ الهَوَى فَمَن أَدرَكَ ذَلِكَ اَلزَّمَانِ فَصَبَرَ عَلَى اَلْفَقْرِ وهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْغِنَى وصَبَرَ عَلَى الْبِغْضَةِ وهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَحَبَّةِ وصَبَرَ عَلَى الذُّلِّ وَهُوَ يَقْدِرُ

ص: 298


1- الزمر: 10.
2- الكافي:75/2، ح 4؛ بحار الأنوار:101/7، ح 5.
3- الكافي:91/2، ح 15، بحار الأنوار: 68 /77، ح 12.
4- الكافي :4/454/2:وسائل الشيعة:237/15، ح 20372 - 5.

عَلِيٍ اَلْعِزَّ اتَّاهُ اَللَّهُ ثَوَابَ خَمْسِينَ صِدِّيقاً مِمَّنْ صَدَّقَ بِي.(1)

وَ التَّقْوَى عُدَّةَ وَفَاتِهِ

قال تعالى: «وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى»(2)

بملاحظة أن الزاد لما كان هو الطعام الذي يتخذ للسفر ليتقوى به الطبيعة على الحركات الحسية وكانت تقوى الله مما تقوى به النفس على الوصول إلى حظيرة القدس حسن الاستعارة به عنها لما بين المعنيين من كمال المشابهة و تمامها.

قال بعض العارفين: ليس السفر من الدنيا أهون من السفر في الدنيا وهذا لابد له من زاد وكذلك ذلك بل يزداد، فات زاد الدنيا يخلصك عن عذاب منقطع موهوم وزاد الآخرة ينجيك من عذاب مقطوع معلوم، زاد الدنيا يوصلك إلى متاع الغرور وزاد الآخرة يبلغك دار السرور، زاد الدنيا سبب حظوظ النفس وزاد الآخرة سبب الوصول إلى عتبة الجلال و القدس.(3)

وقال تعالى: «إِنَّ الَّذينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ»(4)

وقال تعالى: «نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ وَ لَكُمْ فيها ما تَشْتَهي أَنْفُسُكُمْ وَ لَكُمْ فيها ما تَدَّعُونَ [31]نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحيمٍ [32]»(5)

ص: 299


1- الكافي :91/2، ح 12؛ بحار الأنوار: 68 / 75، ح 9.
2- البقرة: 197.
3- ریاض السالكين :479/3.
4- فصلت: 30.
5- فصلت: 31 - 32.

رَكِبَ الطَّرِيقَةَ الْغَرَّاءَ

الغرة في الجبهة : بیاض فوق الدرهم، ورجل أغر صبيح أو سيد في قومه.(1)

قال تعالى: «فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى [5]وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى [6]فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى [7]»(2)

وَلَمُ المُحيمَةِ البَيْضاءُ

المحجة: جادة الطريق.(3)

قال تعالى: «وَ أَنَّ هذا صراطي مُسْتَقيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبيلِهِ »(4)

وقال تعالى: «وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »(5)

وقال تعالى: « لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»(6)

وقال تعالى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ اللهُ»(7)

وعن الثمالي، عن أبي عبد الله علیه السلام: هذا صراط علي مستقيم، قال: هو والله علي علیه السلام والله الصراط والميزان.(8)

وعن عبد الله بن سليمان قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام قوله: «قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ

ص: 300


1- المصباح المنير: 2/ 445.
2- الليل: 5- 7.
3- لسان العرب:364/2.
4- الأنعام: 153.
5- الحشر: 7.
6- الأحزاب: 21.
7- آل عمران: 31.
8- بصائر الدرجات:512، ح 25؛ بحار الأوار: 30 /363، ح 2.

مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبيناً»(1)قال: البرهان محمدصلی الله علیه واله وسلم والنور علي علیه السلام قال: قلت: له «صراط مستقیما» قال: الصراط المستقيم علي علیه السلام.(2)

اغْتَنَمَ الْمَهَلِ

عن الصادق علیه السلام: كان أبي يقول: إذا هممت بخير فبادر فإنك لا تدري ما يحدث.(3)

وعن أبي عبد الله علیه السلام: إذا هم أحدكم بخير أو صلة فان عن يمينه وشماله شیطانین فليبادر لا يكفاه عن ذلك.(4)

قال زین العابدین وسید الساجدین علیه السلام في دعاء مكارم الأخلاق من الصحيفة: اللهم صل على محمد و آل محمد ونبهني لذكرك في أوقات الغفلة واستعملني بطاعتك في أيام المهلة وانهج لي إلى محبتك سبيلا سهلة.(5)

وإنما عبر عنها بأيام المهلة لأن العناية الأزلية لما كانت مقتضية لسوق الناقص إلى كماله فاقتضت العناية عدم معاجلة العباد بالعقوبة والسخط والأخذ بالذنوب والمعصية في هذه الحياة الدنيا ليرجعوا إلى التوبة ويراجعوا الانابة فكأنه تعالی أمهلهم مدة حياتهم في الدنيا وأنظر هم طول بقائهم فيها وجعلهم في النظرة والمهلة.(6)

ص: 301


1- النساء: 174.
2- تفسير العياشي: 1/ 285، ح 308؛ بحار الأوار:197/9، ح 47.
3- الكافي:142/2 ، ح 3؛ بحار الأنوار:222/68، ح 32.
4- الكافي :142/2، ح 8؛ بحار الأنوار: 68 /224، ح 37.
5- الصحيفة السجادية: 102،د20، ش 29.
6- ریاض السالكين :431/3؛ منهاج البراعة للخوئي:240/5.

وقال النبي صلی الله علیه واله وسلم: يا أبا ذر اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك و صحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك.(1)

وفي خبر أبي ذر قال: قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: على العاقل أن يكون له ساعات ساعة يناجي فيها ربه عز وجل وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يتفكر فيما صنع الله عز وجل إليه وساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال.(2)

وَ بَادَرَ الْأَجَلِ

قال تعالى: «وَ أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَني إِلى أَجَلٍ قَريبٍ فَأَصَّدَّقَ وَ أَكُنْ مِنَ الصَّالِحينَ [10] وَ لَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها وَ اللهُ خَبيرٌ بِما تَعْمَلُونَ [11]»(3)

وقال تعالى: « وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذالِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [19]»(4)

وَ تَزَوَّدَ مِنَ الْعَمَلِ

عن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: إن الله ثقل الخير على أهل الدنيا كثقله في موازينهم يوم القيامة وإن الله خف الشر على أهل الدنيا كخقته في موازينهم يوم القيامة.(5)

ص: 302


1- الدعوات للراوندي: 113؛ بحار الأنوار:75/74.
2- معاني الأخبار: 334؛ بحار الأنوار:323/68، ح 7.
3- المنافقون: 10- 11.
4- ق: 19.
5- الكافي :143/2، ح 10؛ بحار الأنوار: 68 /225، ح 39.

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة (76) : ومن كلام له علیه السلام وذلك حين منعه سعید بن العاص حقه

اشارة

إنَّ بَنِي أُميَّة ليفوقوننِي تُرَاثَ مُحَمَّدٍ صلَّي اللَّهُ عَلَيه و آله تَفْوِيقاً واللَّهِ لَئِنْ بَقِيتُ لَهُمْ لَأَنْفُضَنَّهُمْ نَفْضَ اللَّحَّامِ الوذَامَ التَّرِبَةَ وَ یروى التُّرَابِ الوذمة وَ هُوَ عَلَى الْقَلْبِ .

قوله علیه السلام: ليفوقونني أي يعطونني من المال قليلا قليلا كفواق الناقة وهو الحلبة الواحدة من لبنها.

و الوذام: جمع وذمة وهي الحزة من الكرش أو الكبد تقع في التراب فتنفض.

روى أبو الفرج باسناد رفعه إلى الحارث بن حبیش قال: بعثني سعيد بن العاص -وهو يوم أمير الكوفة من قبل عثمان - بهدايا إلى المدينة، وبعث معي هدية إلى علي علیه السلام وكتب إليه: إني لم أبعث إلى أحد أكثر مما بعثت به إليك إلا إلى الخليفة. فلما أتيت علياعلیه السلام وقرأكتابه، قال: «لشد ما تحظر علي بنو امية تراث محمد صلی الله عليه و آله و سلم أما والله لئن وليتها لأفضنها نفض القضاب التراب الوذمة».

قال أبو الفرج: وهذا خطأ، إنما هو «الوذام التربية».(1)

ص: 303


1- الأغاني :368/12؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:174/6.

وقد حدثني بذلك أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن أبي زيد عمر بن شبة، بإسناد ذكره في الكتاب: أن سعید بن العاص حيث كان أمير الكوفة بعث مع ابن أبي عائشة مولاه إلى علي علیه السلام بصلة، فقال علي: «والله لا يزال غلام من غلمان بني أمية يبعث إلينا مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه و آله وسلم بمثل قوت الأرملة، والله لئن بقيت لأنفضنها نفض القضاب الوذام التربة»(1).

ثم إن سعید بن العاص هو سعيد بن العاص بن سعید بن العاص بن أمية القرشي الأموي أبو عثمان؛ وأمه أم كلثوم بنت عبدالله بن أبي قيس بن عمرو العامرية ولم يكن للعاص ولد غير سعيد المذكور وكان له يوم مات النبي صلى الله عليه و آله وسلم تسع سنين وقتل أبوه يوم بدر قتله علي علیه السلام(2)استعمله عثمان على الكوفة، ثم عزله عثمان وولي عليها الوليد بن عقبة، فمكث مدة، فشكاه أهل الكوفة فعزله ورد سعيدا، فرده أهل الكوفة، وكتبوا إلى عثمان: لا حاجة لنا في سعيدك ولا في وليدك.

وكان في سعيد تجبر وغلظ وشدة سلطان، فلما اجتمع الناس على معاوية، واستوثق له الأمر ولاه المدينة(3)إلى آخر ما قالوا فيه.

وكان لسعيد بن العاص سبعة بنين: عمرو بن سعيد الأشدق، ومحمد، وعبد الله، ويحيى، وعثمان، وعتبة[عنبسة]، وأبان، وتوقي سعيد بن العاص هذا في خلافة معاوية سنة تسع وخمسين .(4)

ص: 304


1- السقيفة وفدك: 75؛ الأغاني :368/12.
2- الاصابة لابن حجر:90/3؛ ش 3278.
3- الاستیعاب لابن عبد البر:622/2- 623، ش 987.
4- الاستیعاب لابن عبد البر:624/2، ش 987.

إِنَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَيَفُوقُونَنِي

جلس المهدي للمظالم، فتقدم إليه رجل من آل الزبير، فذكر ضيعة اصطفاها عن أبيه بعض ملوك بني أمية، الوليد أم سليمان، فأمر أبا عبيد الله أن يخرج ذکرها من الديوان العتيق، ففعل، فقرأ ذكرها على المهدي. فقال المهدي: يا زبيري، هذا عمر بن عبد العزيز، وهو منکم معشر قريش لم يرد ردها. قال: وكل أفعال عمر ترضى قال: وأي أفعاله لا ترضى قال: منها أنه كان يفرض للسقط (1) من بني أمية في خرقة في الشرف من العطاء، ويفرض للشيخ من بني هاشم في ستين. قال يا معاوية، أكذلك كان يفعل عمر؟ قال: نعم، قال: اردد على الزبيري ضيعته.(2)

تُرَاثَ مُحَمَّدٍ صلی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ تَفْوِيقاً

روی یاقوت الحموي عن جبیر بن مطعم قال: لما قسم النبي صلی الله عليه وآله وسلم سهم ذوي القربي من خيبر على بني هاشم وبني المطلب، مشيت أنا وعثمان إلى النبي صلی الله عليه وآله وسلم فقلنا: هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله به منهم، أرأيت إخواننا (إخوتنا) من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة. فقال: إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد. ثم شبك النبي صلی الله عليه وآله وسلم يديه إحداهما بالأخرى.(3)

وقال الحموي: كان بعد مناف أربعة بنين: هاشم، والمطلب، وعبد شمس أبو أمية، ونوفل. وكان جبير من نوفل، وعثمان من عبد شمس.(4)

ص: 305


1- القاموس المحيط :365/2.
2- تاريخ الطبري:398/6.
3- معجم الأدباء:312/17.
4- معجم الأدباء:312/17.

قال التستري رحمه الله: وكما أن بني هاشم وبني عبدالمطلب لم يفارقا في جاهلية ولا إسلام، كما قال النبي صلی الله عليه وآله وسلم، كذلك بنو عبد شمس وبنو نوفل لم يفارقا فيها كما هو مرمی کلامه.(1)

هذا، وعن ثمامة قال: عرض المأمون يوما للرضاعلیه السلام بالامتنان عليه بأن ولاه العهد، فقال علیه السلام له: إن من أخذ بالنبي صلی الله عليه وآله وسلم لتحقيق أن يعطی به.(2)

وفي وصية المأمون للمعتصم: وصلاة بني عمك من ولد أميرالمؤمنين علي علیه السلام فلا تغفلها في كل سنة عند محلها، فإن حقوقهم تجب من وجوه شتی.(3)

لَأَنْفُضُهُمْ نَفْضَ اَللَّحَّامِ اَلْوِذَامَ اَلتَّرِبَةَ

مراده علیه السلام أخذه من بني أمية بعد عثمان ما أنهبهم من مال الله تعالی.

وقوله علیه السلام: (ليفوقونني) أي: يعطونني من المال قليلا قليلا كفواق الناقة وهو الحلبة الواحدة من لبنها

اشارة

قال الزمخشري: «ما أقام عنده إلا فواق ناقة وفيقة ناقة» أي: قليلا وذلك أن الناقة تحلب في اليوم خمس مرات أو ست مرات، فما اجتمع من الحلبتين فهو فيقة.(4)

والحاصل أن المقصود من هذا الكلام وأمثاله هو اثبات مظلوميته ومظلومية

ص: 306


1- بهج الصباغة:154/9.
2- عيون أخبار الرضاعلیه السلام:144/2، ح 12؛ بحار الأنوار:163/49، ح 2.
3- تاريخ الطبري: 210/7 .
4- أساس البلاغة: 484 - 485.

أهل بيته علیهم السلام من جميع الجهات فان هذا المورد وأمثاله كله من شؤون غصب الخلافة بعد النبي صلی الله عليه وآله وسلم وهذا مما لا شك فيه .

تذنيبان

الأول: في بيان نسب بني أمية
اشارة

قال صاحب الكامل البهائي(1)أن أمية كان غلاما روميا لعبد الشمس فلما ألقاه کیسا فطنا أعتقه و تباه فقيل: امية بن عبد الشمس كما كانوا يقولون قبل نزول الآية: زيد بن محمد، ولذا روى عن الصادقين علیه السلام في قوله تعالى:«الم [1]غُلِبَتِ الرُّومُ [2]»(2)أنهم بنو أمية(3)ومن هنا يظهر نسب عثمان ومعاوية وحسبهما وأنهما لا يصلحان للخلافة لقوله

صلی الله عليه وآله وسلم: «الائمة من قریش(4)»(5)

وقال مؤلف كتاب إلزام النواصب: امية لم يكن من صلب عبد شمس وإنما هو من الروم فاستلحقه عبد شمس فنسب إليه فبنوا امية كلهم ليس من صميم قریش وإنما هم يلحقون بهم ويصدق ذلك قول أمير المؤمنین علیه السلام: إن بني أمية لصاق وليسوا صحيحي النسب إلى عبد مناف ولم يستطيع معاوية إنكار ذلك.(6)

ص: 307


1- تعريب كامل البهائي:350/1.
2- الروم: 1- 2.
3- تأويل الآيات:426.
4- کتاب سلیم بن قیس الهلالي :577/2؛ الكافي:343/8، ح 541.
5- بحار الأنوار:543/31.
6- الزام النواصب بإمامة علي بن أبي طالب علیه السلام: 1/ 180؛ بحار الأنوار:544/31.
أحاديث أهل السنة وبنو أمية

عن جويرية بن أسماء قال: أغلط أبو بكر يوما لأبي سفيان فقال أبو قحافة له:يا أبا بكر؛ لأبي سفيان تقول هذه المقالة؟

قال: يا أبت إن الله رفع بالاسلام بيوتا ووضع، فكان بيتي فيما رفع؛ وبيت أبي سفيان فيما وضع الله.(1)

عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم يقول: أول من يبدل ستتي رجل من بني أمية.(2)

وقال رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم: إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلا وتشريدا،وإن أشد قومنا لنا بغض بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم.(3)

وعن علي علیه السلام قال: لكل أمة آفة و آفة هذه الأمة بنو أمية.(4)

قال المقريزي: فإني كثيرا ما كنت أتعجب من تطاول بني أمية إلى الخلافة مع بعدهم من جذم(5)رسول الله وقرب بني هاشم وأقول: كيف حدثتهم أنفسهم بذلك وأين بنو أمية وبنو مروان بن الحكم طريد رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ولعينه من هذا الحديث مع تحكم العدواوة بين بني أمية وبني هاشم في أيام جاهليتهما، ثم شدة عداوة بني أمية لرسول الله صلی الله عليه وآله وسلم وبمبالغتهم في أذاه، و تماديهم على تكذيبه فيما جاء به منذ بعثه الله عز وجل بالهدى ودين الحق إلى أن فتح مكة شرفها الله تعالى، فدخل من

ص: 308


1- تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر:468/23؛ کنز العمال:299/1، ح 1429.
2- تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر:250/65؛ کنز العمال:167/11، ح 31062.
3- المستدرك للحاكم النيسابوري:487/4؛ کنزالعمال:169/11، ح 310/74
4- الفتن (نعیم بن حماد المروزي): 72؛ کنز العمال:346/11، ح 31755.
5- جذم كل شيء: أصله، والجمع أجذام و جذوم (لسان العرب:88/12).

دخل منهم في الإسلام كما هو معروف مشهور، وأردد قول القائل:

كم من بعيد الدار نال مراده *** و آخر داني الدار وهو بعيد

فلعمري، لا بعد أبعد ما كان بين بني أمية وبين هذا الأمر إذ ليس لبني أمية سبب إلى الخلافة ولا بينهم وبينها نسب إلا أن يقولوا: (إنا من قریش) فيساوون في هذا الاسم قریش الظواهر، لأن قوله صلی الله عليه وآله وسلم: (الأمة من قریش) واقع على كل قرشي.

ومع ذلك فأسباب الخلافة معروفة، وما يدعيه كل جيل معلوم، وإلى كل ذلك قد ذهب الناس، فمنهم من ادعاها لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه باجتماع القرابة والسابقة والوصية بزعمهم.

فان كان الأمر كذلك فليس لبني أمية في شيء من ذلك دعوى عند أحد من أهل القبلة. وإن كانت إنما تنال الخلافة بالوراثة، وتستحق بالقرابة، و تستوجب بحق العصبة، فليس لبني أمية في ذلك متعلق عند أحد من المسلمين.(1)

وأما معاوية

قال معاوية: فإني والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم ولا مسرة بولايتي، ولكني جالدتكم بسيفي هذا مجالدة.(2)

قال الجاحظ: استوى معاوية على الملك، وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سموه عام الجماعة وما كان عام جماعة، بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة، والعام الذي تحلت فيه الامامة ملك كسرویا، والخلافة

ص: 309


1- النزاع والتخاصم (المقریزی): 21 - 28.
2- العقد الفرید:171/4.

غصبا وقيصريا .(1)

دخل على معاوية سعد بن مالك (سعد بن أبي وقاص) فقال: السلام عليك أيها الملك فغضب معاوية.(2)

عن سعید بن جمهان قال: قلت لسفينة: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم،قال: كذب بنو الزرقاء، بل هم ملوك من أشر الملوك، وأول الملوك معاوية.(3)

وكان سعيد بن المسيب يقول: إن معاوية أول من أعاد هذا الامر(4)ملكاه(5).

وكان معاوية يجلس على السرير، والناس تحته، واستصفى أموال الناس، فأخذها لنفسه.(6)

الثاني: في ذكر بعض ما ورد من الآيات والأخبار في لعن بني أمية وكفرهم وإلحادهم

فَقَالَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا لِي أَرَاكَ كَئِيباً حَزِيناً قَالَ يَا جِبْرِيلُ إِنِّي رَأَيْتُ بَنِي أُمَيَّةَ في لَيْلَتِي هَذِهِ يَصْعَدُونَ مِنْبَرِي مِن بَعْدِي وَيُضِلُّونَ النَّاسَ عَنِّي الصِّرَاطَ القَهقَرَى فَقالَ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ نَبِيّاً إِنَّ هَذَا شَيْءٌ مَا اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ فَعَرَجَ إلى السَّمَاءِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ نَزَلَ عَلَيهِ بِأَيٍ مِنَ الْقُرْآنِ يُؤيِسُهُ بِها قال: « أَ فَرَأَيْتَ إِنْ

ص: 310


1- الرسائل للجاحظ:10/2_11.
2- تاريخ اليعقوبي :217/2.
3- تاریخ الخلفاء للسيوطي: 151 - 152.
4- أي الخلافة.
5- تاريخ اليعقوبي:232/2.
6- تاريخ اليعقوبي:232/2.

مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ [205] ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ [206]ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ [207]»(1)وأنزَلَ عَلَيهِ: « إِنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ [1]وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْر [2] لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [3]»(2)جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لِنَبِيِّهِ صلی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ خیرا مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ملک بَنِي امیة.(3)

وفي مفتحح الصحيفة الكاملة السجادية على صاحبها ألف سلام و تحية عن الصادق علیه السلام قال:*إن أبي حدثني، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام أن رسول الله صلی الله عليه و آله أخذته وهو على منبره. فرأى في منامه رجالا ینزون على منبره نز والقردة دون الناس على أعقابهم القهقري. فاستوى رسول الله صلى الله علیه و آله جالسا والحزن يعرف في وجهه. فأتاه جبريل عليه السلام بهذه الآية«وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن و هم ما يزيدهم إلا طغيانا كبير»(4)؛ يعني بني أمية.

قَالَ : يا جِبْرِيلَ أَعْلَى عَهْدِي يَكُونُونَ فِي زمني ؟ قَالَ : لَا ، ولکن تَدُورُ رحی الْإِسْلَامِ مِنْ مهاجرك فَتَلْبَثَ بِذَلِكَ عَشْراً ، ثُمَّ تَدُورُ رَحًى الْإِسْلَامُ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةً وَ ثَلَاثِينَ مِنَ مهاجرك فَتَلْبَثَ بِذَلِكَ خَمْساً ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ رحی ضَلَالَةٍ هِيَ قَائِمَةُ عَلَى قُطْبِهَا ، ثُمَّ مُلْكِ الْفَرَاعِنَةِ.

قَالَ : وَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ« إِنَّا أَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ [1]وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْر [2]لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»(5)تملكها بنو امیة ليس فيها ليلة القدر.(6)

ص: 311


1- الشعراء: 205 - 207.
2- القدر: 1- 3.
3- الكافي :159/4، ح10؛ بحار الأنوار: 28 /77، ح 36.
4- الإسراء: 60.
5- القدر: 1- 3.
6- الصحيفة السجادية: 19 - 20.

وفي مجمع البيان في تفسير قوله تعالى: «وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ»(1)قال: هي كلمة الشرك والكفر وقيل : كل كلام في معصية الله کشجرة خبيثة غير زاكية وهي شجرة الحنظل وقيل: انها شجرة هذه صفتها وهو أنه لا قرار لها في الأرض، وروى أبو الجارود عن أبي جعفرعليه السلام أن هذا مثل بني أمية.(2)

وفيه أيضا في تفسير قوله: « أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَ بِئْسَ الْقَرَارُ»(3)

قال: سأل رجل أمیرالمؤمنین عليه السلام عن هذه الآية؟ فقال: هما الأفجران من قریش بنو أمية وبنو المغيرة، فأما بنو أمية فمتعوا إلى حين وأما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر.(4)

وفي تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى: «الَّذينَ يَتَّخِذُونَ الْکافِرينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنينَ أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَميعاً»(5) قال: نزلت في بني أمية حيث خالفوهم على أن لا يردوا الأمر في بني هاشم.(6)

وفي قوله: « وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنينَ»(7)قال: نزلت في بني أمية ثم قال: «بَلْ بَدا لَهُمْ ما کانُوا

ص: 312


1- إبراهيم: 26.
2- تفسير مجمع البيان:483/6؛ بحار الأنوار:112/9.
3- إبراهيم: 28 - 29.
4- تفسير مجمع البيان:483/6؛ بحار الأنوار:113/9.
5- النساء: 139.
6- تفسير القمي:156/1؛ بحار الأنوار:511/31؛ ح 3.
7- الأنعام: 27.

يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ»(1)قال: من عداوة أمير المؤمنين عليه السلام «بَلْ بَدا لَهُمْ ما کانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَکاذِبُونَ»(2).(3)

وفي قوله تعالى: «إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذينَ کَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ»(4)

عن أبي جعفرعليه السلام قال: نزلت في بني أمية فهم شر خلق الله هم الذين كفروا في باطن القرآن فهم لا يؤمنون.(5)

وعن أبي جعفرعليه السلام أيضا في قوله: «وكذلك حق كلمه تيك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار»(6)يعني بني أمية.(7)

ومن تفسير الثعلبي في قوله تعالى : فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وقطعوا أرحامكم»(8)نزلت في بني أمية وبني هاشم.(9)

وَ عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلِ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ : قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تعالی : « اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ کمشکاۃ » فاطمه عَلَيْهَا السَّلَامُ « فِيها مِصْباحُ » الْحَسَنُ « الْمِصْباحُ فِي زجاجۃ » الحسین « الزُّجاجَةُ كَانَهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌ» فَاطَّمُهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌ بَيْنَ نِسَاءِ أَهْلِ الدُّنْيَا « یوقد مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ » ، إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ « زیتونة لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ » لَا يَهُودِيَّةٍ وَ لَا نَصْرَانِيَّةٍ « يَكادُ زَيْتُها يُضِي ءَ » يکاد الْعِلْمُ يَنْفَجِرُ

ص: 313


1- الأنعام: 28.
2- الأنعام: 28.
3- تفسير القمي:196/1، بحار الأنوار:512/31، ح 4.
4- الأنفال: 55.
5- تفسير القمی:279/1؛ تفسير العياسي:65/2، ح 72.
6- غافر: 6.
7- تفسير القمي:255/2؛ بحار الأنوار:210/24، ح 8.
8- محمد: 22.
9- الكشف والبيان عن تفسير القرآن ( تفسير الثعلبي ):35/9.

بها«وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارُ نُورُ عَلى نُورٍ »إِمَامُ مِنْهَا بَعْدَ إِمَامٍ«يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ»يَهْدِي اللَّهُ لِلْأَمَةِ مَنْ يَشاءُ «وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ » قِلَّةُ : « أَوْ کظلمات » قَالَ : الْأَوَّلُ وَ صَاحِبَهُ « يَغْشاهُ مَوْجُ » الثَّالِثُ « مِنْ فَوْقِهِ مَوْجُ ظُلُمَاتُ » الثَّانِي « بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ » معاويه وَ بَنِي أُمَيَّةَ « إِذا أَخْرَجَ يَدِهِ » المومن فِي ظُلْمَةِ فِتْنَتِهِمْ « كَمْ يَكَدْ یراها وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً » إِمَاماً مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ « فَما لَهُ مِنْ نُورٍ » إِمَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.(1)

هذا، والآيات والروايات في هذا المعنى كثيرة وفيما ذكرناه كفاية لمن اهتدی أو ألقى السمع وهو شهيد.

ص: 314


1- الكافي:195/1، ح 5؛ بحار الأنوار:304/23، ح 1.

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة (77) : من كلمات كان عليه السلام يدعو بها:

اشارة

*اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ عَلَيَّ بِالْمَغْفِرَةِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا وَ أیت مِنْ نَفْسِي وَ لَمْ تَجِدْ لَهُ وَفَاءُ عندی اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إِلَيْكَ بِلِسَانِي ثُمَّ خَالَفَهُ قَلْبِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي رَمَزَاتِ الْأَلْحَاظِ وَ سَقَطَاتِ الْأَلْفَاظِ وَ شَهَوَاتِ الْجَنَانِ وَ هَفَوَاتِ اللِّسَانِ.

من كلمات كان عليه السلام يدعو بها:اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ

عَلَىَّ بِالْمَغْفِرَةِ

قال تعالى :«يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَميعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللَّهُ وَ نَسُوهُ وَ اللَّهُ عَلي کُلِّ شَيْ ءٍ شَهيدٌ»(1)

عَنْ عَلِيٍّ بَيْنَ النُّعْمَانِ يَرْفَعُهُ قَالَ : كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا صَعِدَ الصَّفَا اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي كُلَّ ذَنْبٍ أَذْنَبْتُهُ قَطُّ (2) فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ علی

ص: 315


1- المجادلة: 6.
2- قال في القاموس قط يختص بالنفي ماضيا والعامة تقول لا أفعله قط وهو لحن وفي مواضع من البخاري جاء بعد المثبت منها في صلاة الكسوف أطول صلاة صليتها قط وأثبته ابن مالك في الشواهد لغة قال وهي مما خفي على كثير من النحاة.أقول: فلأمير المؤمنين عليه السلام أسوة بالنبي صلی الله علیه واله وسلم في استعمالها بعد المثبت وهما أفصح الناس صلوات الله عليهما (الوافي:925/13، ح 13459)

بِالْمَغْفِرَةِ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرحیم اللَّهُمَّ افْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْعَلْ بِي مَا أَنْتَ أَهْلُهُ ترحمنی وَ إِنْ تُعَذِّبْنِي فانت غَنِيُّ عَنْ عَذَابِي وَ أَنَا مُحْتَاجُ إِلَى رَحْمَتِكَ فَيَا مَنْ أَنَا مُحْتَاجُ إِلَى رَحْمَتِهِ ارحمنی اللَّهُمَّ لَا تَفْعَلْ بِي مَا أَنَا أَهْلُهُ فَإِنَّك إِنْ تَفْعَلْ بِي ما أَنَا أَهْلُهُ تُعَذِّبْنِي ولَمْ تَظْلِمْنِي أَصْبَحْتُ أتَّقِي عَدْلَك وَلا أَخافُ جَورَكَ فَيا مَن هُوَ عَدْلٌ لا يَجورُ ارحَمني.(1)

ونقل ابن أبي الحديد من أدعية الصحيفة خمسة: الأول: «يا من يرحم من لا يرحمه العباد والثاني: «اللهم يا من برحمته يستغيث المذنبون» والثالث: «ياذا الملك المتأبد بالخلود» و الرابع: «اللهم إني أعوذ بك من هيجان الحرص» والخامس: «الحمد لله بكل ما حمده أدني ملائكته إليه» ثم قال: إنها من دعاء أمير المؤمنين عليه السلام، وكان يدعو بها علي بن الحسين عليه السلام في أدعية الصحيفة.(2)

قال التستري رحمه الله: إن كلمات عترته عليه السلام وعلومهم وإن كانت من كلماته عليه السلام وعلومه، إلا أن أدعية الصحيفة السجادية من إنشاء السجاد نفسه، وعليه أطبقت الإمامية سلفا وخلفا، وإنما نقل كل من البحراني والنوري صحيفة في أدعيته عليه السلام بالأسانيد -كما إن علي بن طاوس عقد في (مهجه) باب لدعواته عليه السلام كذلك.(3)

ص: 316


1- الكافي:432/4، ح 5؛ تهذیب الأحکام:147/5، ح 7.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:187/6_185.
3- بهج الصباغة:4/7.

اَللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ما وَأَيتُ مِن نَفسي وَلَم تَجِدلَهُ وَفَاءٌ عِنْدِي

قال تعالى:«الَّذينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ميثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِکَ هُمُ الْخاسِرُونَ»(1)

وقال تعالى: «وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ کانَ مَسْؤُلاً»(2)

وقال تعالى: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ»(3)

قال الطبرسي في تفسير هذه الآية: قال ابن عباس: الوعد من العهد، وقال المفسرون: العهد الذي يجب الوفاء به والوعد هو الذي يحسن فعله وعاهد الله ليفعلته فائه يصير واجبا عليه، ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها، هذانهي منه سبحانه عن حنث الأيمان وهو أن ينقضها بمخالفة موجبها وارتكاب ما يخالف عقدها، وقوله: بعد توكيدها أي بعد عقدها و ابرامها وتوثيقها باسم الله تعالی وقيل: بعد تشدیدها و تغليظها بالعزم والعقد على اليمين بخلاف لغو اليمين.(4)

وقال تعالى:«وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ»(5)

ص: 317


1- البقرة: 27.
2- الإسراء: 34.
3- النحل: 91
4- تفسیر مجمع البيان:589/6.
5- التوبة: 75 - 77.

اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إِلَيْكَ بِلِسَانِي ثُمَّ خَالَقَهُ قَلْبِي

قال تعالى: «فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا»(1)

وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ»(2)

قال الشاعر:

غاض الوفاء وفاض الغدر واتسعت *** مسافة الخلف بين القول والعمل(3)

اَللَّهُمَّ اِغْفِرِرْمُزَاتِ اَلْأَلْحَاظِ

قال تعالى: «يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ»(4)

وَ سَقَطَاتُ اَلاَلْفَاظِ

قال تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ»(5)

روی عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم واذا رایتم

الرجل لا يبالي ما قال ولا ما قيل له فائه لغية أو شرك شيطان.(6)

ص: 318


1- الكهف : 110.
2- الصف : 2 - 3.
3- منهاج البراعة:191/4.
4- غافر: 19.
5- المؤمنون: 3.
6- الكافي:323/2، ح 2؛ بحار الأنوار:147/74، ح 63.

وشهوات الجنان

بالفتح أي القلب؛ ولا يخلو قلب من شهوة أمور غير مشروعة.

عن أبي محمد الوابشي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: احذروا أهواء كم كما تحذرون أعداءكم فليس شيء أعدى للرجال من اتباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم.(1)

عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: كان أبو عبد الله عليه السلام يقول: لا تدع النفس و هواها، فإن هواها في رادها وترك النفس وما تهوى أذاها وكف النفس عما تهوی دواها.(2)

وَ هَفَوَاتُ اَللِّسَانِ

قال النبي صلی الله علیه واله وسلم: طوبى لمن أنفق فضلات ماله وأمسك فضلات لسانه.(3)

وأن رسول الله صلی الله علیه واله وسلم قال: إن مقعد ملكيك على ثنيتك لسانك قلمهما وريقك مدادهما وأنت تجري فيما لا يعنيك فلا تستحي من الله ولا منهما.(4)

وَعَن أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صلي اللَّهُ عليه واله وسلم يُعَذِّبُ اَللَّهُ اَللِّسَانَ بِعَذَابٍ لاَ يُعَذِّبُ بِهِ شَيئاً مِنَ الجَوارِحِ فيقول أَيْ رَبِّ عَذَّبْتَنِي بِعَذابٍ لَمْ تُعَذِّبْ بِهِ شَيئاً فَيُقَالُ لَهُ خَرَجَتْ مِنْكَ كَلِمَةٌ فَبَلَغَت مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا فسفک بِهَا الدَّمُ الْحَرَامُ وَ انْتُهِبَ بِهَا الْمَالُ الْحَرَامُ وَ انتهک بِهَا الْفَرْجُ الْحَرَامُ وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي لأعذبنک بِعَذَابٍ لَا

ص: 319


1- الكافي :335/2 ، ح 1؛ بحار الأنوار:82/67، ح 17.
2- الكافي :336/2، ح 4؛ بحار الأنوار:89/67، ح 20.
3- جامع الأخبار للشعيري: 94؛ بحار الأنوار:287/68.
4- الكشاف (الزمخشري): 6/4: الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبي ):10/17.

أعذت به شیئا من جوارحک.(1)

ومن غریب ما وقع لأبي يوسف يعقوب المعروف بابن السكيت، وكان من أكابر علماء العربية و عظماء الشيعة، وهو من أصحاب الجواد و الهادي عليه السلام، أنه قال في التحذير من عثرات اللسان:

يصاب الفتى من عثرة بلسانه***وليس يصاب المرء من عثرة الرجل

فعثرته في القول تذهب رأسه *** وعثرته في الرجل تبرأ عن مهل

فاتفق أن المتوكل العباسي ألزمه تأدیب ولديه المعتر و المؤيد، فقال له يوما:أيما أحب إليك ابناي هذان أم الحسن والحسين؟ فقال: والله إن قنبرا خادم علي خير منك ومن ابنيك، فقال المتوكل لأتراكه سلوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات رحمه الله، وذلك لخمس خلون من رجب سنة أربع وأربعين ومائتين.(2)

وَعَن أبي حَمزَةَ عَن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ إِنَّ لِسَانَ ابْنِ آدَمَ يُشْرِفُ عَلَى جَمِيعِ جَوَارِحِهِ كُلَّ صَبَاحٍ فَيَقُولُ كَيْفَ أَصَبْتُمْ فَيَقُولُونَ بِخَيْرٍ إِنْ تَرَكْتَنَا ويَقُولُونَ اللَّهَ اللَّهَ فِينَا وَيُنَاشِدُونَهُ وَيَقولونَ إنَّمَا نُثابُ وَنُعَاقِبُ بِك.(3)

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ : كَانَ بالمدینة رَجُلُ بَطَّالُ يُضْحِكُ أَ لِ المدینة مِنْ كَلَامِهِ فَقَالَ يَؤُمُّ لَهُمْ : قَدْ أعیاني هَذَا الرَّجُلِ يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَمَا يضحكه مِنِّي شئ وَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ أحتال فِي أَنْ أُضْحِكَهُ قَالَ :فمرعلي بْنُ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ذَاتَ يَوْمٍ وَمَعَهُ مُؤْلِيَانِ لَهُ فَجَاءَ ذَلِكَ اَلْبَطَّالُ حَتَّى اِنْتَزَعَ رِدَاءَهُ مِنْ ظَهْرِ واتبَعَه المُؤْليان

ص: 320


1- الكافي :115/2، ح 19؛ بحار الأنوار:304/68، ح80.
2- رياض السالكين :357/3.
3- الاختصاص: 230؛ بحار الأنوار:287/68، ح 44 .

فاسترجا الرداء منه والقياه عليه وهو ممختب لا يرفع طرفه من الأرض ثم قال الموليیه: ما هذا؟ فقالا له: رجل بطال يضحک أهل المدینة ویستطعم منهم بذلك قال: فقولا له: يا ويحك إن لله يؤما یخسر فيه البطالون.(1)

ص: 321


1- الأمالي للمفید: 219، م 25، ح 7؛ بحار الأنوار: 424/68، ح 66.

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة (78): ومن كلام له عليه السلام قاله لبعض أصحابه لما عزم على المسير إلى الخوارج، وقد قال له إِنْ سِرْتَ یا أميرَالمُؤمِنينَ ، فِي هَذَا الْوَقْتِ ، خَشْيَةُ أَلَا تَظْفَرَ بِمُرَادِكَ ، مِنْ طَرِيقِ عِلْمِ النُّجُومِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : أَ تَزْعُمُ أَنَّكَ تَهْدِي إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا صُرِفَ عَنْهُ السُّوءُ تَخَوُّفٍ مِنَ السَّاعَةَ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا حَاقَ بِهِ الضُّرَّ ؟ فَمَنْ صَدَّقَكَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْآنَ وَ اسْتُغْنِيَ عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ فِي نَيْلِ الْمَحْبُوبِ وَ دَفْعِ المکروه وَ تَبْتَغِي فِي قَوْلِكَ لِلْعَامِلِ بِأَمْرِكَ أَنْ يولیك الْحَمْدَ دُونَ رَبِّهِ لِأَنَّكَ بزعمک أَنْتَ هَدَيْتَهُ إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي نَالَ فِيهَا النَّفْعَ وَ أَمِنَ الضُّرَّ.

اشارة

ثم أقبل عليه السلام على الناس فقال:

أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَ تَعَلُّمَ النُّجُومِ إِلَّا مَا يَهْتَدِي بِهِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ فانها تَدْعُو إِلَى الْكِهَانَةِ وَ الْمُنَجِّمُ کالكاهن وَ الْكَاهِنُ كالساجر والساجر کالكافر وَ الْكَافِرُ فِي النَّارِ سِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ.

مستند هذا الكلام روی مختلفاء منها: قال ابن أبي الحديد:

روی ابن دیزیل قال: عزم علي عليه السلام على الخروج من الكوفة إلى الحرورية،(1)

ص: 322


1- الحروية: نسبة إلى حروراء: قرية على ميلين من الكوفة؛ كان اجتماع الخوارج فيها فنسبوا إليها.

وكان في أصحابه منجم، فقال له: يا أمير المؤمنين لا تسر في هذه الساعة، وسر على ثلاث ساعات مضين من النهار، فإنك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصحابك أذي وضر شديد، وإن سرت في الساعة التي أمرتك بها ظفرت بمطلوبك وظهرت وأصبت ما طلبت. فقال له علي عليه السلام: أتدري ما في بطن فرسي هذه أذكر هو أم أنثى؟ قال: إن حسبت علمت فقال علي عليه السلام: من صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ»(1)الآية.

ثم قال عليه السلام: إن محمدا صلی الله علیه واله وسلم ما كان يدعي علم ما ادعیت علمه، أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها وتصرف عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها فمن صدقك بهذا فقد استغني عن الاستعانة بالله جل ذكره في صرف المكروه عنه وينبغي للموقن بأمرك أن يوليك الحمد دون الله جل جلاله لأنك بزعمك هديته إلى الساعة التي يصيب النفع من سار فيها وصرفته عن الساعة التي يحيق السوء بمن سار فيها فمن آمن بك في هذا لم آمن عليه أن يكون من اتخذ من دون الله ضدا وندا، اللهم لا طير إلا طيرك ولا ضر إلا ضرك ولا إله غيرك ثم قال نخالف ونسير في الساعة التي نهيتنا عنها.

ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس إياكم والتعلم للنجوم إلا ما يهتدی به في ظلمات البر والبحر إنما المنجم کالكاهن والكاهن کالكافر والكافر في النار أما والله لئن بلغني أنك تعمل بالنجوم لأخلدنك السجن أبدا ما بقيت ولأحر منك العطاء ما كان لي من سلطان ثم سار في الساعة التي نهاه عنها المنجم فظفر بأهل النهر

ص: 323


1- لقمان: 34.

وظهر عليهم ثم قال لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها المنجم لقال الناس سار في الساعة التي أمر بها المنجم فظفر وظهر أما إنه ما كان لمحمد صلی الله علیه واله وسلم منجم ولا لنا من بعده حتى فتح الله علينا بلاد کسری وقيصر أيها الناس توكلوا على الله وثقوا به فإنه يكفي ممن سواه.(1)

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَوْفِ بُنِّيِّ الْأحْمَرِ قَالَ: لَمَّا أَرَادَ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السُّلَّامَ المسیر إِلَى النَّهْرَوَانُ أَتَاهُ مَنْجَمٌ فَقَالٌ لَهُ يَا أَميرُ المؤمنین لَا تَسُرْ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَ سِرٌّ فِي ثَلاث سَاعَاتٍ يَمْضِينَ مِنَ النَّهَارِ فَقَالَ أَميرُ المؤمنین عَلَيْهِ السُّلَّامَ وَلَمْ ذَاكَ قَالٍ لِأَنَّكَ إِنَّ سُرْتُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ أصابک وَأَصَابَ أصحابک أَذِي وَ ضَرُّ شيدید وَإِنْ سُرْتُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي أمْرتک ظَفِرَتْ وَظَهَرَتْ وَأَصَبْتُ كُلُّ مَا طَلَبَتْ قَالٌ لَهُ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السُّلَّامَ تَدْرِي مَا فِي بَطْنٍ هُوَ الدَّابَّةِ أَذْكُرُ أَمْ أُنْثَى قَالَ : إِنْ حَسَبْتُ عَلِمْتُ قَالَ لَهُ أَمِيرُ المؤمنین عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ صدقک عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَدْ کذب بِالْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «إإِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»(2)مَا کان مُحَمَّدِ صلی اللَّهِ علیه واله وَ سَلَّمَ يَدَّعِي مَا ادَّعَيْتَ أَ تَزْعُمُ أَنَّكَ تَهْدِي إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا صُرِفَ عَنْهُ السُّوءُ وَ السَّاعَةِ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا حَاقَ بِهِ الضُّرُّ مَنْ صَدَّقَكَ بِهَذَا استغنی بِقَوْلِكَ عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ وَ أُحْوِجَ إِلَى الرَّغْبَةِ إِلَيْكَ فِي دَفْعِ الْمَكْرُوهِ عَنْهُ وَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُولِيَكَ الْحَمْدَ دُونَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلٍ فَمَنْ آمَنَ لَكَ بِهَذَا فَقَدِ اتَّخَذَكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ نِدّاً وَ ضِدّاً ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : اللَّهُمَّ لَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ وَ لَا ضَيْرَ إِلَّا ضَيْرُكَ وَ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ وَ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ

ص: 324


1- شرح نهج البلاغة لابن ابی الحدید:296/2.
2- لقمان: 34.

بَلْ نُكَذِّبُكَ وَ نُخَالِفُكَ وَ نَسِيرُ فِي اَلسَّاعَةِ اَلَّتِي نَهَيْتَ عَنْهَا.(1)

وَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ (2) قَالَ : اسْتَقْبَلَ أَمِيرُ المؤمنین عَلَيْهِ السَّلَامُ دِهْقَانَ مِنْ دَهَاقِينُ الْفَرَسِ فَقَالَ لَهُ بَعْدَ التَّهْنِئَةِ : یا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ تتاحست النُّجُومِ الطالعات وَتَتَاحَسَتِ السُّعُودُ بِالنُّحُوسِ وَإِذَا كانَ مِثلُ هذا الْيَوْمِ وَجَبَ عَلَى التَّحْكيمِ الاخْتِفَاءُ ويَؤُمُّكَ هذَا يَؤُمُّ صَعْبٌ قَدِ انْقَلَبَ فِيهِ كَوْكَبَانِ وانْقَدَحَ مِن بُرْجِكَ النَّيرانُ ولَيسَ الحَرْبُ لَكَ بِمَكانٍ

ص: 325


1- الأمالي للصدوق: 415، م 64، ح16؛ بحار الأنوار:224/55، ح 4.
2- سعید بن جبیر - بالجيم المضمومة - بن هشام الأسدي الوالبي مولى بني والبة أصله الكوفة نزل مكة تابعي.عده الشيخ في أصحاب الإمام زین العابدین عليه السلام والعلامة في القسم الأول من خلاصته، روي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: إن سعید بن جبیر کان یأتم بعلي بن الحسين عليه السلام وكان علي عليه السلام يثني عليه، وما كان سبب قتل الحجاج له إلا على هذا الأمر وكان مستقيما، وذکر أنه لما دخل على الحجاج بن يوسف قال له: أنت شقي بن کسیر قال: أمي كانت أعرف باسمي سمتني «سعید بن جبير». قال: ما تقول في أبي بكر وعمر هما في الجنة أو النار؟ قال: لو دخلت الجنة فنظرت إلى أهلها لعلمت من فيها، ولو دخلت النار ورأيت أهلها لعلمت من فيها، قال: فما قولك في الخلفاء ؟ قال: لست عيهم بوكيل، قال: أيهم أحب إليك؟ قال: أرضاهم لخالقي ؛ قال: فأيهم أرضى للخالق؟ قال: علم ذلك عند الذي يعلم سرهم و نجواهم، قال: أبيت أن تصدقني ؟ قال: بل لم أحب أن أكذبك.وكان ثقة مشهورا بالفقه، والزهد والعبادة وعلم التفسير وكان أخذ العلم عن ابن عباس، وكان ابن عباس إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه يقول: أليس فيكم ابن أم الدهماء؟ يعني : سعید بن جبير، وكان يستی جهبذ العلماء (بالكسر - أي النقاد الخبير) وكان يقرأ القرآن في ركعتين ، قيل: وما من أحد على الأرض إلا وهو محتاج إلى علمه. قتله الحجاج سنة «95» وهو ابن «49» سنة ولم يبق بعده الحجاج إلا 15 ليلة، ولم يقتل أحدا بعده لدعائه علیه حين قتله: «اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي».رجال الطوسی: 90؛ العلامة: 79؛ الكشی: 110؛ تهذيب التهذيب:11/4؛ سفينة البحار:621/1.

فَقَالَ أَمِيرُ المومنین عَلَيْهِ السَّلَامُ : وَيْحَكَ يَا وَفْقاً الْمُنْبِئِ بالأثار المحذر مِنِ الْأَقْدَارِ ؟ مَا قُصَّهُ صَاحِبُ اَلْمِيزَانِ ؟ وَقَصَتْ صَاحِبُ السَّرَطَانِ ؟ وَ كَمْ المطالع مِنَ الْأَسَدِ ؟ وَ السَّاعَاتِ مِنْ المحرکات ؟ وَ كَمْ بَيْنَ السَّرَارِيِّ والدراري ؟ قَالَ: أَنَظَرٌ وَأَوْمَأَ بِيدُهُ إِلَى کمه وَأَخْرَجَ مِنْهُ أُسْطُرْلَاَبًا يَنْظُرُ فِيهِ فَتَبْسِمُ عَلَيْهِ السُّلَّامَ فَقَالَ: أَتَدْرِي مَا حَدَثَ البَارِحَةَ وَقَعَ بَيْتٌ بِالصِّينِ وَانْفَرَجَ بُرْجُ مَاجِينَ سَقَطَ سُورُ سَرَانْدِيبَ وانْهَزَمَ بِطرِيقُ الرُّومِ بِأُمْنِيَّةٍ وفَقِد دَيَّانُ الْيَهُودُ بأیْلَة وَهَاجَ النَّمْلُ بَوَادي النَّمْلِ وَ هَلَكُ مَلِكِ إفْرِيقِيَّةِ أکْنت عَالَمًا بِهَذَا قَالٍ لَا يَا أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالِ الْبَارِحَةِ سَعِدَ سَبْعُونَ أَلْفِ عَالَمَ وَوَلَدَ فِي كُلُّ عَالَمِ سَبْعُونَ ألْفًا وَاللَّيْلَةَ یموت مِثْلُهُمْ وَهَذَا مِنْهُمْ وَأَوْمَأَ بِيدُهُ إِلَى سَعْدِ بْن مُسْعِدَةٍ الْحَارِثِيُّ وَكَانَ جَاسُوساً لِلْخَوَارِجِ فِي عَسْكَرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السلام فَظَنَّ اَلْمَلْعُونُ أَنَّهُ يَقُولُ خُذُوهُ فَاخُذْ بِنَفْسِهِ فَمَاتَ فَخَرَّ اَلدِّهْقَانُ سَاجِداً فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَلَم أُرْوِكَ مِنْ عَيْنِ اَلتَّوْفِيقِ؟

قَالَ : بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : أَنَا وَ صَاحِبِي لَا شَرْقِيُّ وَ لَا غَرْبِيَّ ( وَ أَصْحَابِي لَا شرقيون وَ لَا غَرْبِيُّونَ ) نَحْنُ ناشِئَةَ الْقُطْبُ وَ أَعْلَامُ الفلک أَمَّا قَوْلُكَ انقدح مِنْ برجک النِّيرَانِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ تَحْكُمُ بِهِ لِي لَا عَلَى أمَّا نورُهُ وَضياؤُهُ فَعِندي وَأمَّا حَريقُهُ وَلَهبُهُ فَذَهَبَ عَنِّي فَهَذِهِ مَسْأَلُهُ عَمِيقَةُ اَلْحَسَبِهَا إِنْ كُنْتَ حَاسِبا.(1)

وَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ قَالَ : كُنْتُ کثیرا اسایر أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا سَارَ إِلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَلَمَّا قَصْدٍ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ وَ صِرْنَا بِالْمَدَائِنِ وَ کنت يؤمئذ مسايرا لَهُ إِذْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ قؤم مِنْ أَهْلِ الْمَدَائِنِ مِنْ دهاقينهم مَعَهُمْ بَرَاذِينَ قَدْ جَاءُوا بِهَا هَدِيَّةً إِلَيْهِ فقبلها وكَانَ فِيمَنْ تَلَقَّاهُ دِهْقَانٌ مِن دَهاقينِ اَلْمَدَائِنِ يَدَّعِي سَرْسَفِيلَ وَكَانَتِ اَلْفُرْسُ تَحْكُمُ

ص: 326


1- الاحتجاج:239/1؛ بحار الأنوار:221/55، ح 2.

بِرَأْيِهِ فِيمَا مَضَى وَتَرْجِعُ إِلَى قَولِهِ فِيمَا سلف فَلَمَّا بَصُرَ بِأَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِين لِتَرْجِعَ عَمَّا قَصَدْتُ قَالَ وَ لِمَ ذَاكَ يَا دِهْقَانَ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تتا حَسَبَ النُّجُومِ الطَّوَالِعَ فنحس أَصْحَابِ السُّعُودِ وَ سَعْدُ أَصْحابُ النُّحُوسِ وَ لَزِمَ الْحَكِيمِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الاستخفاء ( الاختفاء ) وَ الْجُلُوسِ وَانٍ يؤمک هَذَا يَؤُمُّ مُمِيتُ قَدْ اقْتَرَنَ فِيهِ کوکبان قِتَالَانِ وَ شَرَّفَ فِيهِ بَهْرَامَ فِي بُرْجِ الْمِيزَانِ واتقدحت مِنْ برجک النیران وَ لَيْسَ الْحَرْبِ لَكَ بِمَكَانٍ.

فَتَبَسَّمَ أَمِيرُ المومنین عَلَيْهِ السَّلَامَ ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا الدِّهْقَانِ الْمُنْبِئِ بِالْأَخْبَارِ والمحذر مِنِ الْأَقْدَارِ مَا نَزَلَ الْبَارِحَةَ فِي آخَرَ الْمِيزَانِ وَ أَيُّ نَجْمٍ حَلَّ فِي السَّرَطَانِ قَالَ سَأَنْظُرُ ذلک وَ اسْتَخْرَجَ مِنْ کمه أسطرلابا وتقويما قَالَ لَهُ أَمِيرُ المؤمنین عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْتَ مَسِيرِ الْجَارِيَاتِ ؟ قَالَ : لَا.

قَالَ فَأَنْتَ تَقْضِي عَلَى اَلثَّابِتَاتِ؟ قَالَ : لَا قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ طُولِ الْأَسَدِ وَ تَبَاعُدُهُ مِنْ المطالع وَ الْمُرَاجِعَ وَ مَا الزُّهَرَةِ مِنْ التوابع وَ الْجَوَامِعِ قَالَ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ.

قَالَ: فَمَا بَيْنَ السَّرَارِيِّ إِلَى الدَّرَارِيِّ؟ وَمَا بَيْنَ السَّاعَاتِ إِلَى الْمُعْجِزَاتِ (الْفَجْرَاتُ)؟ وَكُم قَدرُ شُعاعِ الْمُبَدِّرَاتِ (الْمَدَارَاتُ)؟ وَكَمْ تَحَصُّلِ الْفَجْرِ فِي الْغُدُوَّاتِ؟ قَالَ لاَ عِلْمَ لِي بِذَلِكَ.

قَالَ فَهَلْ عَلِمْتَ يَا دَهْقا أَنَّ الملك الْيَوْمَ انْتَقَلَ مِن بَيْتٍ إلى بَيْتٍ بِالصِّينِ وانْقَلَبَ وَ مَاجِينَ واحْتَرَقَ دُورٌ بِالزِّنْجِ وطَفَحَ جُبُّ سَرانديبَ وَتَهدُمُ حِصنَ الأندُلُسِ وَهاجَ نَملَ الشّيح(1)(السيح خ ل) وأنهزم مراق الْهِنْدِيِّ وَ فَقْدُ دیان الْيَهُودِ

ص: 327


1- الشيح: واد باليمامة. مراصد الاطلاع:764/2.

بِأَيلَةَ وهُدِمَ بِطريقُ الرّومِ بِرُومِيَّةَ وَعَمِّيَ راهِبُ عَمورِيَّةَ وسَقَطَتْ شُرُفَاتُ اَلْقُسْطَنْطِينِيَّةِ أَ فَعَالِمٌ أَنْتَ بِهَذِهِ الْحَوَادِثِ ومَا الَّذِي أَحْدَثَهَا شَرْقِيُّهَا أَوْ غَرْبِيُّهَا مِنَ اَلْفَلَكِ قَالَ لاَ عِلْمَ لِي بِذَلِك.

قَالَ وَ بِأَيِّ الكواکب تَقْضِي فِي أَعْلَى الْقُطْبُ وبأیها تنحس مِنْ تنحس قَالَ لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ قَالَ فَهَلْ عَلِمْتَ أَنَّهُ سَعْدُ الْيَوْمَ اثْنَانِ وَ سَبْعُونَ عَالِماً فِي کل عَالِمُ سَبْعُونَ عَالِماً مِنْهُمْ فِي الْبَرِّ وَ مِنْهُمْ فِي الْبَحْرِ وَ بَعْضٍ فِي الْجِبَالِ وَ بَعْضٍ فِي الغِيَاضِ وَ بَعْضٍ فِي الْعُمْرَانِ وَ مَا الَّذِي أسعدهم ؟ قَالَ : لَا عِلْمَ لِي بِذَلِكَ.

قال: یا دهقان أظنك حكمت على اقتران المشتري و زحل لما استنارا لك في الغسق وظهر تلالو شعاع المريخ وتشريقه في السحر وقد سار فاتصل جرمه بجرم تربيع القمر وذلك دليل على استحقاق ألف ألف من البشر کلهم يولدون اليوم والليلة ويموت مثلهم وأشار بيده إلى جاسوس في عسکر لمعاوية قال ويموت هذا فانه منهم فلما قال ذلك ظن الرجل أنه قال خذوه فاخذوه شيء بقلبه وتكسرت نفسه في صدره فمات لوقته فقال علیه السلام یا دهقان ألم أرك غير التقدير في غاية التصوير قال بلى يا أمير المؤمنين قال يا دهقان أنا مخبرك أني وصحبی هؤلاء لا شرقیون ولا غربیون إنما نحن ناشئة القطب وما زعمت أن البارحة انقدح من برجي النيران فقد كان يجب أن تحکم معه لي لأن نوره وضياءه عندي فلهبه ذاهب عني يا دهقان هذه قضيه عيص فاحسبها وولدها إن كنت عالما بالأكوار والأدوار قال لو علمت ذلك لعلمت أنک تحصي عقود القصب في هذه الأجمة.

وَ مَضَى أَمِيرُ المؤمنین علیه السَّلَامُ فَهُزِمَ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ وَ قَتْلُهُمْ وَ عَادَ بِالْغَنِيمَةِ وَ الظُّفُرِ فَقَالَ

ص: 328

الدِّهْقَانِ : لَيْسَ هَذَا الْعِلْمِ بِمَا فِي أَيْدِي أَهْلِ زَمَانِنَا هَذَا عِلْمُ مَادَّتَهُ مِنَ السَّمَاءِ.(1)

ومما هو مستنده غير ما مر ما روي عن عكرمة عن ابن عباس وعن الشعبي عن أبي أراكة ان أمير المومنین علیه السلام لما انصرف من الأنبار أو الكوفة لقتال الخوارج بالنهروان كان معه مسافر بن عوف بن الأحمر وكان ينظر في النجوم فقال العلي علیه السلام: لا تسر في هذه الساعة وسر في ثلاث ساعات من النهار.

قال: ولم؟

قال : لأنك إن سرت الساعة أصابك ومن معك بلاء وشدة، وإن سرت في الساعة الثالثة ظفرت.

فقال علیه السلام: الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون، قال الله تعالى لنبيه: «قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ»(2)

وسمعت رسول الله صلی الله علیه واله وسلم يقول: من صدق منجما أو كاهن كأنما كذب ما أنزل على محمد _وفي رواية فقد کفر_وسمعته يقول: إنما أخاف على أمتي اثنين التصديق بالنجوم و التكذيب بالقدر.

إلى أن قال: من صدقك بهذا القول كذب بالقرآن، قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ»(3)، وما كان محمد يدعي ما ادعیت علمه، فمن صدقك في قولك كان کمن اتخذ من دون الله اندادا، اللهم لا طائر إلا طائرك ولا خير إلا من عندك ولا إله غيرك.

ص: 329


1- دلائل الامامة (ط - الحديثة): 58؛ فرج المهموم في معرفة نهج الحلال من علم النجوم تاریخ علماء النجوم):102؛ بحار الأنوار:229/55، ح 13.
2- الأعراف: 188.
3- لقمان: 34.

ثم قال: یابن الأحمر نكدبك ونخالفك ونسير في الساعة التي نهيت عنها، ثم أقبل على الناس وقال: إياكم وتعلم النجوم إلا ما تهتدون به في ظلمات البر والبحر ، المنجم کافر والكافر في النار، یابن الأحمر والله لئن بلغني انك بعدها تنظر في النجوم و تعمل فيها لأجلدك جلد المفتري، والأخلدنك في الحبس ما بقيت وبقيت، ولأحرمنك العطاء ما عشت وكان لي سلطان.

ثم سارعلیه السلام في الساعة التي نهاه عن السير فيها فظفر بالخوارج و آبادهم.

ثم قال: فتحنا بلاد کسری و قیصر و تبع وحمير وجميع البلدان بغیر قول منجم، أيها الناس تولوا على الله واتقوه واعتمدوا عليه، ألا ترون أنه لو سرنا في الساعة التي أشار إليها المنجم لقال الناس إنما ظفرنا بقول المنجم، فثقوا بالله واعلموا أن هذه النجوم مصابیح جعلت زينة، ورجوما للشياطين، ويهتدي بها في ظلمات البر والبحر، والمنجمون أضداد الرسل يكذبون بما جاءوا به من عند الله لا يرجعون إلى قرآن ولا شرع، إنما يتسترون بالإسلام ظاهرا ويستهزؤن بالنبيين باطنا، فهم الذين قال الله فيهم:«وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ»(1)

وفي رواية: ان ابن أحمر قال له علیه السلام: لا تسر في هذه الساعة. قال علیه السلام: ولم؟ قال: لأن القمر في العقرب. فقال علیه السلام: قمرنا أو قمرهم.(2)

وروى في مسيره علیه السلام إلى النهروان: أتاه مسافر بن عفيف الأزدي، فقال: لا تسر في هذه الساعة، فقال له: ولم؟ أتدري ما في بطن هذه الفرس؟ قال: إن نظرت علمت، فقال علیه السلام: إن من صدقك في هذا القول يكذب بكتاب الله، لأن الله يقول في کتابه:«إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا

ص: 330


1- يوسف: 106.
2- تذکرة الخواص:145/1- 146.

تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»(1)

وتكلم في ذلك بكلام كثير وقال: لئن بلغني انك تنظر في النجوم لأخلدتك في الحبس مادام لی سلطان، فوالله ما كان محمد بمنجم ولاكاهن.(2)

ومن كلام له علیه السلام قاله لبعض أصحابه

قول المصنف: (ومن كلام له علیه السلام قاله لبعض أصحابه) قد عرفت من رواية سبط ابن الجوزي انه كان مسافر بن عوف بن أحمر، ومقتضی رواية المبرد الآتية انه كان عفيف بن قیس، فلابد أن أحدهما تصحيف.

لما عزم على المسير إلى الخوارج

قد عرفت من رواية الصدوق ورواية (تذكرة سبط ابن الجوزي): أن ذلك كان في مسيره علیه السلام إلى خوارج النهروان.

وروی (کامل المبرد) انه كان في مسيره علیه السلام إلى خوارج النخيلة، فقال: لما أراد علي المسير إلى خوارج النخيلة بعد النهروان، وكانوا قد فارقوا عبد الله بن وهب ولجئوا وأقاموا بالكوفة معتزلين ثم ندموا على فراق اخوانهم فسارعلیه السلام إليهم، فقال له عفيف بن قيس: لا تخرج في هذه الساعة فاتها ساعة نحس لعدوك عليك. فقال علیه السلام له: توكلت على الله وحده وعصيت رأي كل متكن أنت تزعم انك تعرف وقت الظفر من وقت الخذلان،«إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ۚ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ

ص: 331


1- لقمان: 34.
2- أنساب الأشراف: 368/2

آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(1)

ثم سار إليهم فطحنهم جميعا ولم يفلت منهم إلا خمسة المستورد من سعد بن زید مناة و ابن جوين الطائي وفروة بن شريك الأشجعي، وهم الذين ذكرهم الحسن البصري، فقال: دعاهم إلى دين الله فجعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا، فسار إليهم أبو الحسن فطحنهم طحنا، وفيهم يقول عمران بن حطان:

اني أدين بما دان الشراة به*** يوم النخيلة عند الجوسق الخرب

وقال الحميري يعارض هذا المذهب:

اني أدين بما دان الوصي به *** يوم النخيلة من قتل المحلينا

وبالذي دان يوم النهروان به *** وشارکت کفه كقي بصفينا

تلك الدماء معا يا رب في عنقي *** ومثلها فاسقني آمين آمينا(2)

وقد قال له إن سرت يا أمير المؤمنين، في هذا الوقت، خشيت ألا تظفر بمرادك، من طريق علم النجوم

عَنْ هِشَامِ الْخَفَّافِ قَالَ : قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ : كَيْفَ بصرک بِالنُّجُومِ ؟ قَالَ : قِلَّةُ : مَا خَلَّفْتُ بِالْعِرَاقِ أَبْصَرَ بِالنُّجُومِ مِنِّي فَقَالَ : كَيْفَ دَوَرَانُ الفلک عِنْدَكُمْ ؟ قَالَ : فاخذت قلنسوتی عَنْ رأسی فادرتها قَالَ : فَقَالَ : إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَقُولُ فَمَا بَالُ بَنَاتِ النَّعْشِ وَ الْجَدْيِ وَ الْفَرْقَدَيْنِ لَا يُرَوْنَ يَدُورُونَ یوما مِنَ الدَّهْرِ فِي الْقِبْلَةِ قَالَ : قِلَّةُ : هَذَا وَ اللَّهِ شئء لَا أَعْرِفُهُ وَ لَا سَمِعْتُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْحِسَابِ یذکره فَقَالَ

ص: 332


1- هود: 56.
2- الكامل للمبرد:174/3.

لِي: كَمِ السكينه مِنَ الزَّهْرَةِ جُزْءًا فِي ضُؤِئهَا قَالَ: قُلْتُ: هَذَا وَاللهَ نَجْمٍ مَا سَمِعَتْ بِهِ وَلَا سَمِعَتْ أحَدَا مِنَ النَّاسِ يذکره فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ فَأَسْقَطْتُمْ نَجْماً بِأَسْرِهِ فعلی مَا تَحْسُبُونَ ثُمَّ قَالَ : فَكَمِ الزُّهَرَةُ مِنَ الْقَمَرِ جُزْءاً فِي ضؤئه قَالَ : قُلت هذا شَيْء لاَ يعلَمُه إلاَّ اَللَّهُ عزّ وجل قَالَ فَكَمِ الْقَمَرُ جُزْءاً مِنَ اَلشَّمْسِ فِي ضَوْئِهَا قَالَ قُلْتُ مَا أَعْرِفُ هَذَا قَالَ صَدَقْتَ ثُمَّ قَالَ مَا بَالُ اَلْعَسْكَرَيْنِ(1) يَلْتَقِيَانِ فِي هَذَا حاسِبٌ وَفِي هَذَا حَاسِبٌ فَيَحْسُبُ هَذَا لِصاحِبِهِ بِالظَّفَرِ ويَحْسُبُ هَذا لِصَاحِبِهِ بِالظَّفرِثِم يَلْتَقِيانِ فَيَهْزِمُ أَحَدُهُمَا اَلْآخَرَ فَأَيْنَ كَانَت اَلنُّحُوسِ قَالَ قُلْتُ لاَ وَاللَّهِ مَا أغله ذلِكَ قال فَقال صَدَقْتَ إنَّ أَصْلَ الحِسابِ حَقٌ وَلكِن لا يَعلَمُ ذلِكَ إلاَّ مَن عَلِمَ مَواليدَ الخَلقِ كُلِّهم.(2)

فَقَالَ علیه السَّلَامُ : أَ تَزْعُمُ أنک تَهْدِي إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا صُرِفَ عَنْهُ السُّوءُ

في السير : لما حاصر المعتصم عمورية قال المنجمون له: انا نجد في كتبنا ان هذه المدينة لا تفتح إلا في وقت ادراك التين والعنب، وبيننا وبين ذلك الوقت أشهر، ويمنعك من المقام البرد والثلج، فأبی أن ينصرف، واكب عليها حتى فتحها، فأبطل ما قالوا.(3)

ص: 333


1- هذا بيان لخطأ المنجمين فان كل منجم يحكم لمن يريد ظفره بالظفر ويزعم أن السعد الذي رآه يتعلق به وهذا لعدم احاطتهم بارتباط النجوم بالأشخاص. (آت)
2- الكافي:351/8، ح 549؛ بحار الأنوار:243/55، ح 24.
3- شذرات الذهب:63/2؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:264/3، تعليقة 2؛ منهاج البراعة:160/3.

وفي ذلك يقول أبو تمام:

السيف أصدق أنباء من الكتب *** في حده الحد بين الجد واللعب

یا یوم وقعة عمورية انصرفت *** عنك المني معسولة الحلب

وقال أيضا:

أين الرواية بل (أو) أين النجوم وما *** صاغوه من زخرف فيها ومن كذب(1)

خالف خالد بن محمد الشعراني المعروف بأبي يزيد واجتمع له نحو عشرة آلافي فارس وراجل، فكتب المقتدر إلى بدر الحمامي في انفاذ جيش إليه، فكتب بدر إليه قبل انفاذ الجيش يرغبه في الطاعة وخوفه وبال المعصية، فأجابه في طالعي كوكب بيباني لابد أن يبلغني غاية ما اريد، فأنفذ بدر جيشأ إليه وأخذ أسيرا فقيل فيه:

يا أبا يزيد قائل البهتان *** لا تغترر بالكوكب البيباني

واعلم بأن القتل غاية جاهل *** باع الهدی بالغي والعصيان(2)

وَ تَخَوُّفٍ مِنَ السَّاعَةَ الَّتِي مَنْ سَارَ فِيهَا حَاقَ بِهِ الضُّرُّ

في حرب عبد الملك ومصعب كان مع عبد الملك منجم، وقد التقى مقدمة مصعب، وعليها إبراهيم بن الأشتر، ومقدمة عبد الملك، وعليها أخوه محمد بن مروان، فأشار المنجم علی عبدالملك ألا يحارب له خيل في ذلك اليوم فإنه منحوس، ولیكن حربه بعد ثلاث أيام، فبعث عبد الملك إلى أخيه ألا يقاتل في ذاك

ص: 334


1- أعيان الشيعة:454/4.
2- صلة تاريخ الطبري: 42.

اليوم، فقال أخوه: انا لا التفت إلى زخاریف منجمك، وقاتل و ظفر.(1)

ولما اعتل الواثق علته التي مات فيها وسقي بطنه أمر بإحضار المنجمين، فأحضروا فيهم الحسن بن الفضل، والفضل بن إسحاق الهاشمي، وإسماعيل بن نوبخت، و محمد بن موسی الخوارزمي المجوسي القطر بلي، وسند صاحب محمد بن الهيثم، وعامة من ينظر في النجوم، فنظروا في علته ونجمه ومولده، فقالوا يعيش دهرا طويلا وقدروا له خمسين سنة مستقبلة، فلم يلبث إلا عشرة أيام حتى مات.

وعولج بالا قعاد في التنور مسخنا، فوجد لذلك خفة، فأمرهم بزيادة الاسخان في الغد وقعد فيه أكثر، فحمي عليه، فأخرج وصير في محفة، فضربت بوجهه، فعلموا انه مات.(2)

فَمَنْ صَدَّقَكَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْآنَ

قال تعالى: «أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ»(3)

وقال تعالى: «قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ»(4)

وقال تعالى: «وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ»(5)

وقال تعالى: «وما كان الله ليطلعكم على الغيب»(6)

وقال تعالى: «قُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ»(7)

ص: 335


1- مروج الذهب:106/3.
2- تاريخ الطبري:338/7– 339، سنة 232.
3- سبأ: 14.
4- الأنعام: 50.
5- الأعراف: 188.
6- البقرة: 179.
7- يونس: 20.

وقال تعالى: «وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ»(1)

وقال تعالى: «قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ۖ لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(2)

وقال تعالى: «عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ»(3)

وقال تعالى: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ»(4)

وقال تعالى: «قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ»(5)

وقال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(6)

وقال تعالى: «إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(7)

وقال تعالى: «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ»(8)

وقال تعالى: «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا»(9)

وقال تعالى: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِنْ رَسُولٍ»(10)

ويمكن حمل الكلام على وجه آخر وهو أن قول المنجم بأن صرف السوء ونزول الضر تابع للساعة سواء قال بأن الأوضاع العلوية مؤثرة تامة في السفليات ولا يجوز تخلف الآثار عنها أو قال بأنها مؤثرات ناقصة ولكن باقي المؤثرات

ص: 336


1- هود: 123.
2- الكهف: 26.
3- المؤمنون: 92.
4- الانعام:59.
5- النمل: 65.
6- فاطر: 38.
7- البقرة: 33.
8- لقمان: 34.
9- آل عمران: 145.
10- الجن : 26 - 27.

أمور لا يتطرق إليها التغير أو قال بأنها علامات تدل على وقوع الحوادث حتما فهو مخالف لما ثبت في الدين من أنه سبحانه يمحو ما يشاء ويثبت وأنه يقبض ويبسط ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولم يفرغ من الأمر وهو تعالی كل يوم في شأن والظاهر من أحوال المنجمين السابقين وكلماتهم جلهم بل كلهم أنهم لا يقولون بالتخلف وقوعا أو إمكانآ فيكون تصديقهم مخالفا لتصديق القرآن وما علم من الدين والايمان من هذا الوجه، ولو كان منهم من يقول بجواز التخلف ووقوعه بقدرة الله و اختياره وأنه تزول نحوسة الساعات بالتوكل والدعاء والتوسل والتصدق وينقلب السعد نحسا والنحس سعدا وبأن الحوادث لا يعلم وقوعها إلا إذا علم أن الله سبحانه لم تتعلق حکمته بتبديل أحكامها كان كلامها علیه السلام مخصوصا بمن لم يكن كذلك فالمراد بقوله صرف عنه السوء وحاق به الضر أي حتما.(1)

واستَغنِي عَنِ الاستِعانِ بِاللَّهِ فِي نَيْلِ الْمَحْبُوبِ وَ دَفْعِ الْمَكْرُوهِ

والقرآن يقول: «وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»(2)

وفي سنة 284 کان المنجمون يوعدون الناس بغرق أكثر الأقاليم وأن اقلیم بابل لا يسلم منه إلا اليسير وأن ذلك يكون بكثرة الأمطار وزيادة المياه في الأنهار والعيون والآبار فقحط الناس فيها فلم يروا فيها من المطر إلا اليسير وغارت المياه في الأنهار والعيون والآبار حتى احتاج الناس إلى الاستسقاء

ص: 337


1- بحار الأنوار:285/55.
2- يونس: 107.

فاستسقوا ببغداد مرات.(1)

وفي الجزري: كان المنجمون قديما وحديثا حكموا في سنة 582 تجتمع الكواكب الخمسة في برج الميزان ويحدث باقترانها رياح شديدة، فلم يكن لذلك صحة ولم يهب من الرياح شيء حتى أن الغلات، الحنطة والشعير تأخر نجازها لعدم هواء يذري به الفلاحون.(2)

ونقله القفطي وقال: قالوا باجتماع الكواكب السبعة وفي رأسهم أبو الفضل الخازمي، وزاد أن الشعراء أكثروا في ذمهم، ومنها قول الواسطي:

قل لأبي الفضل قول معترف *** مضى جمادي وجاءنا رجب

وما جرى زعزع کما حكموا *** ولا بدا كوكب له ذنب

کلا ولا اظلمت ذكاء ولا *** أبدت أذى من ورائها الشهب

فارم بتقويمك الفرات والاسطر *** لاب خير من صفرة الخشب

فليبطل المدعون ما وصفوا *** في كتبهم ولتحرق الكتب(3)

وقتل أبو طالب السميري وزیر محمود السلجوقي في سنة 516 وكان برز مع السلطان ليسير إلى همدان، فدخل الحمام وكان المنجمون يأخذون له الطالع ليخرج، فقالوا هذا وقت جيد وان تأخر يفت طالع السعد، فأسرع وركب وأراد أن يأكل طعاما فمنعوه لأجل الطالع، فخرج وخرج بين يديه الرجالة والخيالة وهو في موكب عظيم، فاجتاز في منفذ ضيق فيه حظائر الشوك، فتقدم أصحابه لضيق الموضع، فوثب عليه باطني وضربه بسكين فوقعت في البغلة وهرب و تبعه الغلمان

ص: 338


1- تاريخ الطبري:192/8، سنة 284.
2- الكامل لابن الأثير:528/11، سنة 582.
3- أخبار العلماء باخبار الحكماء:313/1- 314.

فخلا الموضع فظهر آخر وضربه بسكين في خاصرته وجذبه عن البغلة وضربه عدة ضربات، وعاد أصحاب الوزير وقد ذبح مثل الشاة، فحمل قتيلا وبه نیف وثلاثون جراحة وانتهب ماله وأخذ السلطان خزانته، وكانت زوجته قد خرجت في هذا اليوم في موكب كبير في نحو مائة جارية وجمع من الخدم والجميع بمراكب الذهب، فلما سمعن بقتله عدن حافيات حاسرات وقد تبدلن بالعز هوانا و بالمسرة أحزانا، فسبحان من لا يزول ملكه، وكان ظالما كثير المصادرة للناس سيئ السيرة.(1)

وَ تبتغِي فِي قؤْلِكَ لِلْعَامِلِ بِأَمْرِكَ أنْ يوليك اَلْحَمْدَ دُونَ رَبِّهِ لِأَنَّكَ بِزَعْمِكَ أَنْتَ هَدَيْتَهُ إِلَى السَّاعَةِ الَّتي نَالَ فِيهَا النَّفْعَ وأَمِنِ الضَّر

عَنْ هِشَامِ بْن الْحُكْمِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السُّلَّامَ فِي حَديثٍ: أَنَّ زندیقَا قَالٌ لَهُ: مَا تَقَوُّلٍ فِي عِلْمِ النُّجُومِ ؟ قَالَ: هُوَ عِلمٌ قَلَّتُ مَنافِعُهُ وَكَثُرَت مَضَارُّهُ لا يُدْفَعُ بِهِ الْمَقدورُ وَلا يُتَّقَى بِهِ المَحْذورُ إن خَبَّرَ المُنَجِّمُ بِالبَلاءِ لَمْ يَتَجَهَّ التَّحَرُّزِ مِنَ القَضاءِ وَإن خَبَّرَ هُوَ بِخَيْرٍ لَم يَسْتَطِعْ تَعجيلَهُ وإن حَدَثَ بِهِ سوءٌ لَم يُمكِنهُ صَرفُهُ وَالمُنَجِّمُ يُضادُّ اللَّه فِي عِلْمِهِ بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَرُدُّ قَضَاءَ اللَّهِ مِمَّنْ خَلْقِهِ .(2)

وعن (استخارات ابن طاوس)، عن كتاب محمد بن علي بن محمد مما يدعو الصادق علیه السلام:*اَللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَ أَقْوَاماً يَلْجَئُونَ إِلَى مَطَالِعِ النُّجومِ الأَوقاتِ حَرَكَاتُهُمْ وَ سُكونِهِم وَتَصَرُّفِهِم وَ عَقْدِهِمْ وَخَلَقْتَنِي أَبْرَأُ إِلَيكَ مِنَ اللَّجا إلَيها وَمَن طَلَبَ

ص: 339


1- الكامل لابن الأثير:601/10، سنة 516.
2- الاحتجاج:348/2؛ بحار الأنوار:183/10.

الاخْتِياراتِ بِها وأَتَيَقَّنُ أنَّك لَم تُطْلِعْ أَحَداً عَلَى غَيْبِكَ فِي مَوَاقِعِهَا ولَمْ تُسَهِّلْ لَهُ السَّبِيلَ إلى تَحْصيلِ أَفاعِيلِها وَانكَ قَادِرٌ عَلَى نَقْلِهَا فِي مَدَارَاتِهَا فِي مَسِيرِهَا عَنِ السُّعُودِ الْعَامَّةِ والْخَاصَّةِ إِلى النُّحُوسِ وَ مِنَ اَلنُّحُوسِ الشَّامِلَةِ وَ الْمُفْرَدَةِ إِلَى السُّعُودِ الآنک تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَ تُثْبِتُ وَ عِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ ولانها خَلْقُ مِنْ خَلْقِكَ وَ صَنْعَةُ مِنْ صَنِيعِكَ وَ مَا أَسْعَدَتْ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ وَ اسْتَمَدَّ الاختیار لِنَفْسِهِ وَهْمُ أولئک ، وَ لَا أَشْقَيْتَ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى الْخَالِقِ الَّذِي أَنْتَ.(1)

هذا، وخرج عروة الصعاليك وأصحابه إلى خيبر يمتارون منها، فعشروا خوفا من وباء خيبر، وأبي عروة أن يعشر -والتعشير نهاق الحمير ، وكانوا إذا خافوا وباء مدينة أرادوا دخولها وقفوا على بابها وعشروا كالحمير - فدخلوا وامتاروا ورجعوا، فلما بلغوا إلى روضة الأجداد ماتوا إلا عروة فقال:

وقالوا أحب وانهق لا تضرك خيبر***وذلك من دين اليهود ولوع

العمري لئن عشرت من خشية الردى*** نهاق الحمير انني لجزوع

فلا وألت تلك النفوس ولا أتت *** على روضة الأجداد وهي جميع(2)

وقال أمية بن أبي الصلت و جمع آخر:

عبادك يخطئون وأنت رب ***بکفيك المنايا والحتوم(3)

ص: 340


1- فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب: 198؛ بحار الأنوار:228/55، ح 12.
2- معجم البلدان (الحموي):84/3.
3- لسان العرب:113/12.

ولا انثني من (عن) طيرة عن مريرة *** إذا الأخطب الداعي على الدوح صرصرا(1)،(2)

لا يعلم المرء ماتصحبه إلا *** کواذب مما يخبر الفال

والفال والزجر والكهان کلهم *** مضللون ودون الغيب أقفال(3)

اني بأحكام النجوم مكذب *** المدعيها لائم ومؤنب

الغيب يعلمه المهين وحده *** وعن الخلائق أجمعين مغيب

الله يعطي وهو يمنع قادرا *** فمن المنجم ويحه والكوكب(4)

لست أدري ولا المنجم يدري *** ما يريد القضاء بالانسان

غير اني أقول قول محق *** وأرى الغيب فيه مثل العيان

ان من كان محسنا قابلته *** بجمیل عواقب الإحسان(5)

يا من يقدر أن الدهر ينصره *** بكوكب عاجز، بالله فانتصر

لا تشركن برب العرش تجهله *** کواكبا كلها تجري على قدر

عطارد زهرة والشمس مع زحل *** کالمشتري الفرد والمريخ كالقمر(6)

ولقد غدوت وكنت لا *** أغدو على واق وحاتم(7)

فاذا الاشائم كالایامن *** والأيامن كالأشائم

وكذاك لاخير ولا شر *** على أحد بدائم(8)

ص: 341


1- أي الشقراق.
2- لسان العرب:362/1.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد:374/19.
4- معجم الأدباء:317/16.
5- يتيمة الدهر:17/5؛ معجم الأدباء: 3/ 130.
6- يتيمة الدهر:205/5.
7- الواق: الصرد. و حاتم: الغراب الأسود.
8- تاج العروس:127/16.

ثم أقبل علیه السلام الناس فقال:أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَ تَعَلُّمَ النُّجُومِ

عن أبي الحصين قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: سئل رسول الله صلی الله علیه واله وسلم عن الساعة؟ فقال: عند ایمان بالنجوم و تکذیب بالقدر(1)«و المقصود ان الايمان بالنجوم متضمن للتكذيب بالقدر».

وعن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي علیهم السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: أربعة لا

تزال في أمتي إلى يوم القيامة: الفخر بالأحساب (2)والطعن في الأنساب(3)والاستسقاء بالنجوم(4)والنياحة(5):(6).

وعن الحسين بن علي علیه السلام قال : نهى رسول الله صلی الله علیه واله وسلم عن خصال إلى أن قال: وعن

النظر في النجوم.(7)

وعن نصر بن قابوس قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: المنجم ملعون والكاهن ملعون والساحر ملعون المغنية ملعونة ومن آواها وأكل كسبها ملعون وقال علیه السلام: المنجم کالكاهن والكاهن كالساحر والساحر کالكافر والكافر في النار.(8)

ص: 342


1- الخصال:62/1، ح 87؛ بحار الأنوار:313/6، ح 19.
2- أي الشرف بالآباء والتعاظم بمناقبهم بأن يقول أنا ابن فلان العالم أو فلان الأمير.
3- أي الوقوع فيها بنحو قدح وذم كأن يقول لغيره لست ابن فلان أو ليس فلان شريفا.
4- ای اعتقاد ان نزول المطر بنجم کذا.
5- يعني النياحة بالباطل أو بالتغني ورفع الصوت بند ب الميت و تعدید شمائله وانعقاد مجلس يجتمعون وينوحون على الميت وهو غير ما هو المرسوم اليوم من انعقاد مجلس الترحيم للميت، الذي يجتمعون الناس فيه لتسلية المصاب فهو مستحب كما في جملة من الأخبار.
6- الخصال:226/1، ح 60؛ بحار الأنوار:226/55، ح 6.
7- الخصال:418/2، ح60؛ بحار الأنوار:226/55، ح 7.
8- الخصال:297/1، ح 67؛ بحار الأنوار:226/55، ذ ح 7.

قال الشارح البحراني: الذي يلوح من سر نهي الحكمة النبوية عن تعلم النجوم أمران: الأول: اشتغال متعلمها بها واعتماد كثير من الخلق السامعين لأحكامها فيما يرجون ويخافون عليه فيما يسنده إلى الكواكب والأوقات والاشتغال بالفزع إليه وإلى ملاحظة الكواكب عن الفزع إلى الله والغفلة عن الرجوع إليه فيما يهم من الأحوال وقد علمت أن ذلك يضاد مطلوب الشارع إذ كان غرضه ليس إلا دوام التفات الخلق إلى الله وتذكرهم لمعبودهم بدوام حاجتهم إليه.

الثاني: أن الأحكام النجومية اخبارات عن امور سیکون وهي تشبه الاطلاع على الأمور الغيبية وأكثر الخلق من العوام والنساء والصبيان لا يتميزون بينها وبين علم الغيب والإخبار به فكان تعلم تلك الأحكام والحكم بها سببا لضلال كثير من الخلق وموهنا لاعتقاداتهم في المعجزات أو الإخبار عن الكائنات منها وكذلك في عظمة بارئهم ویشککهم في عموم الآيات الدالة على اختصاص علم الغيب بالله سبحانه، وكان هذين الوجهين هما المقتضیان لتحريم الكهانة والسحر والعزائم ونحوهما.(1)

وكان بکرکر من نواحي العقص ضيعة نفيسة لعلي بن يحيى المنجم، وقصر جليل فيه خزانة كتبه عظيمة يسميها خزانة الحكمة، يقصدها الناس من كل بلد، فيقيمون فيها، ويتعلمون منها صنوف العلم، والنفقة في ذلك من ماله، فقدم أبو معشر المنجم من خراسان يريد الحج، وهو إذ ذاك لا يحسن كبير شيء من النجوم، فوصفت له الخزانة، فمضى إليها، فلما رآها هاله أمرها، فأقام بها، وأضرب عن الحج، وتعلم فيها علم النجوم، وأغرق فيه حتى ألحد، وكان ذلك آخر عهده بالحج

ص: 343


1- شرح نهج البلاغة (ابن میثم):216/2.

وبالدين والإسلام.(1)

إِلاَّ ما يَهْتَدِي بِهِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ

قال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ»(2)

وقال تعالى: «وَعَلَامَاتٍ ۚ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(3)

وقال تعالى: «لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ»(4)

قال الطبرسي: لأن من النجوم ما يكون بين يدي الانسان ومنها ما يكون خلفه ومنها ما يكون عن يمينه ومنها ما يكون عن يساره ويهتدي بها في الأسفار وفي البلاد وفي القبلة وأوقات الليل وإلى الطرق في مسالك البراري والبحار (5)، وقيل أراد الاهتداء به في القبلة، قال ابن عباس: سألت رسول الله صلی الله علیه واله وسلم به عن قوله تعالى: «وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» فقال: الجدي علامة قبلتكم وبه تهتدون في بركم وبحركم.(6)

وهذه الرواية موافقة لما رواه الصدوق مرسلا قال: قال رجل للصادق علیه السلام: أنا أكون في السفر ولا أهتدي إلى القبلة بالليل؟ قال: أتعرف الكوكب الذي يقال له جدي؟ قلت: نعم، قال: اجعله على يمينك وإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك .(7)

وروى أيضأ محمد بن مسلم عن أحدهما علیهم السلام قال: سألته عن القبلة؟ قال: ضع

ص: 344


1- معجم الأدباء:157/15.
2- الأنعام: 97
3- النحل: 16.
4- يونس : 5.
5- تفسير مجمع البيان:525/4.
6- النكت والعيون تفسير الماوردي:183/3.
7- من لا يحضره الفقیه: 1/ 280، ح 860؛ وسائل الشيعة:306/4، ح 5224 - 2.

الجدي في قفاك وصل (1)هذا.

ولا ينحصر جواز تعلمها فيما ذكر بل ربما يجوز التعلم لما يترتب عليها من الأحكام الشرعية المتعلقة بها في أبواب العبادات والمعاملات بل قد يجب لوجوب الحكم المرتب عليها فيجب معرفتها من باب المقدمة مثلا لوجوب معرفة الأوقات الخمسة للصلاة ومعرفة الحول المضروبة للزكاة واتبان الحج والعمرة في الأشهر المعلومات وضبط عدد الحولين لرضاع الحاملات و تعيين أيام العدة للمتوفى عنها زوجها وللحامل و سایر المطلقات، والعلم بما ضربت للدين المؤجل من الأوقات كما اشير إلى ذلك في غير واحدة من الآيات.

قال تعالى: «أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ»(2)

وقال تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ»(3)

وقال تعالى: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَٰلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»(4)

فَإِنَّهَا تَدْعُو إِلَى اَلْكِهَانَةِ

قال المجلسي رحمه الله: هي عمل يوجب طاعة بعض الجان له بحيث يأتيه بالأخبار الغائبة وهو قريب من السحر قيل قد كان في العرب کهنه کشق وسطیح وغيرهما فمنهم من يزعم أن له تابعا من الجن ورئيا يلقي إليه الأخبار ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات و أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو

ص: 345


1- تهذیب الأحکام: 2/ 45، ح 143 - 11؛ وسائل الشيعة:306/4، ح 5223 - 1.
2- الإسراء: 78.
3- البقرة: 189.
4- يونس: 5.

فعله أو حاله وهذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق ومكان الضالة ونحوهما ودعوة علم النجوم إلى الكهانة إما لأنه ينجر أمر المنجم إلى الرغبة في تعلم الكهانة والتكسب به أو ادعاء ما يدعيه الكاهن .(1)

کان سواد بن قارب الدوسي أو السدوسي يتكهن في الجاهلية، ثم أسلم، وقال له عمر يوما :ما فعلت کهانتك يا سواد؟ فغضب وقال: ما کتا نحن وأنت يا عمر من جهلنا، وكفرنا شر منه، فمالك تعيرني بشيء تبت منه.(2)

وفي النهاية: الكاهن: الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار، وقد كان في العرب کهنه کشق وسطیح، فمنهم من يزعم أن له تابعة من الجن يلقي إليه الأخبار، ومنهم من يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو حاله أو فعله، وهذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق و مكان الضالة ونحوهما، وكان يقال لقريظة و النضير الكاهنان وهما قبيلا اليهود بالمدينة، وهم أهل كتاب وفهم وعلم، والعرب تسمى كل من يتعاطی علما دقيقا كاهنا، ومنهم من كان يسمى المنجم والطبيب کاهنا(3).

هذا وفي سنن أبي داود: کان اسامة أسود و زيد أبيض، وروي عن عائشة قالت: دخلت على النبي صلی الله علیه واله وسلم مسرورا وقال: ألم تر أن مجززا المدلجی رأی زیدا وأسامة قد غطيا رأسيهما بقطيفة وبدت أقدامهما، فقال: ان هذه الأقدام بعضها من بعض (4).

ص: 346


1- بحار الأنوار:259/55.
2- الاستیعاب:674/2.
3- النهاية:214/4- 215.
4- سنن أبي داود:505/1، ح 2267.

والمُنَجِّمُ

ذکر محمد بن علي العبدي الخراساني أن القاهر قال له: أنت علامة بأخبار بني العباس، فأخبرني عن المنصور. فقال: كان أول خليفة قرب المنجمين، وعمل بأحكام النجوم، وكان معه نوبخت المجوسي المنجم، وأسلم على يديه، وهو أبو هؤلاء النوبختية، وكان معه إبراهيم الفزاري المنجم صاحب القصيدة في النجوم، وغير ذلك من علوم النجوم وهيئة الفلك، وكان معه علي بن عيسى الاسطرلابي المنجم - إلى أن قال : ثم أفضى الأمر إلى المأمون، فكان في بدء أمره لما غلب عليه الفضل بن سهل وغيره يستعمل النظر في النجوم وقضاياها، وينقاد إلى موجباتها، ويذهب مذاهب من سلف من ملوك ساسان کاردشیر بن بابك، واجتهد في قراءة الكتب القديمة، وأمعن في درسها، وواظب على قراءتها، وبلغ درایتها، فلما كان من الفضل بن سهل ما اشتهر، وقدم العراق، انصرف عن ذلك كله، وأظهر القول بالتوحيد، والوعد والوعيد، وجالس المتكلمين وقرب إليه كثيرا من الجدليين والمناظرین (النظارين)، كأبي الهذيل، والنظام، وغيرهما، وألزم مجلسه الفقهاء، وأهل المعرفة من الأدباء.(1)

كَالْكَاهِنِ

كان سطيح الكاهن - وهو من غسان - يدرج سائر جسده كما يدرج الثوب الأعظم فيه، إلا جمجمة الرأس، وكانت إذا لمست باليد يلين عظمها، وكان شق الكاهن - وكان من ربيعة - في عصره، وكذلك كان سمقلة وزوبعة الكاهنان في

ص: 347


1- مروج الذهب:222/4-227.

عصر واحد (1)وقالوا: يقال لقريظة والنضير الكاهنان.(2)

وفي (تشريف علي بن طاوس) نقلا من (مجموع محمد بن الحسين المرزبان) بعد ذکر ان طريفة بنت الخير من أهل ردمان زوجة عمران بن عامر أخي عمرو بن عامر رأت في منامها أن مأرب يخرب بالغرق، فأتى عليهم السيل العرم - قال: وطريفة هذه لما حضرتها الوفاة تفلت في فم سطیح، فانتقلت کهانتها فيه، وقبرها بأصل عقبة الجحفة.(3)

ومثلا لكاهن العائف والزاجر، وفي (اللباب): اللهبي بالكسر فالسكون نسبة إلى لهب بطن من الأزد، يعرفون بالعيافة وجودة الزجر، وفيهم يقول کثیر:

تيممت لهبا ابتغي العلم عندهم *** وقد رد علم العائفين إلى لهب(4)

وفي الاستیعاب: روينا من وجوه ان عمر كان يرمي الجمرة، فأتاه حجر، فوقع على صلعته، فأدماه و ثمة رجل من بني لهب، فقال الرجل: لا يحج بعدها فقتل عمر بعد رجوعه (5).

والِكاهُنّ كَالسَّاحِرِ

في سنة (35) كثر الطعن على عثمان، وظهر عليه النكير الأشياء ذكروها من فعله، ومن ذلك فعل الوليد بن عقبة عامله على الكوفة في المسجد، كان بلغه عن رجل من اليهود من ساكني قرية من قرى الكوفة مما يلي جسر بابل يقال له

ص: 348


1- مروج الذهب:160/2.
2- النهاية:215/4.
3- التشريف بالمنن في التعريف بالفتن: 354 - 355.
4- اللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير:137/3.
5- الاستیعاب:1151/3- 1152.

زرارة، يعمل أنواعا من الشعبدة والسحر يعرف ببطروني، فأحضره، فأراه في المسجد ضربا من التخاييل - وهو أن أظهر له فيلا عظيما على فرس في صحن المسجد - ثم صار اليهودي ناقة يمشي على جبل، ثم أراه صورة حمار دخل من فيه، ثم خرج من دبره، ثم ضرب عنق رجل، ففرق بين جسده ورأسه، ثم أمر السيف عليه، فقام الرجل - وكان جماعة من أهل الكوفة حضورا منهم جندب بن کعب الأزدي، فجعل يستعيذ بالله من فعل الشيطان، ومن عمل يبعد من الرحمن، وعلم أن ذلك ضرب من التخييل والسحر، فاخترط سیفه، وضرب به اليهودي ضربة أدار رأسه إلى ناحية من بدنه، وقال: جاء الحق وزهق الباطل، أن الباطل كان زهوقا، وقال ان كنت صادقا فأحي نفسك. فأنكر الوليد عليه ذلك، وأراد أن يقيده به، فمنعه الأزد، فحبسه، وأراد قتله غيلة، ونظر السجان إلى قيامه ليلة إلى الصبح، فأطلقه، فقال له: تقتل بي. قال: ليس ذلك بكثير في مرضاة الله، والدفع عن ولي من أولياء الله، فلما أصبح الوليد وقد استعد لقتله لم يجده، فسأل السجان، فأخبره بهر به، فضرب عنق السجان، وصلبه بالكناسة(1).

وروي في خبر آخر: أن الساحر يريهم أنه يدخل في فم الحمار ويخرج من دبره، ويدخل في است الحمار ويخرج من فيه، ويريهم انه يضرب رأس نفسه، فيرمي به، ثم يشتد، فيأخذه، ثم يعيده مكانه-الخبر.(2)

ص: 349


1- مروج الذهب:338/2– 339.
2- الاستیعاب:259/1.

والسَّاحِرُ كالكافِرِ

قال تعالى: «وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ»(1)

وقال تعالى: «فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ»(2)

وقال تعالى: «وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا ۖ إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ۖ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ»(3)

وقال تعالى: «فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ»(4)

وقال تعالى: «فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَىٰ»(5)

وقال تعالى: «أَسِحْرٌ هَٰذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ»(6)

قال المجلسي رحمه الله: والسحر على ما قیل كلام أو كتابة أو رقية أو أقسام وعزايم ونحوها يحدث بسبها ضرر على الغير، ومنه عقد الرجل عن زوجته والقاء البغضاء بين الناس، ومنه استخدام الملائكة والجن واستنزال الشياطين في كشف الغابات وعلاج المصاب واستحضارهم وتلبسهم ببدن صبي أو امرئة وكشف الغايبات على لسانه انتهى.

والظاهر أنه لا يختص بالضرر (7)بل ربما يفعل لعبا أو لإبداء أمر غريب.(8)

قال المجلسي رحمه الله: وقال صاحب العين (9)السحر عمل يقرب إلى الشياطين ومن السحر الأخذة التي تأخذ العين حتى تظن أن الأمر كما ترى وليس الأمر كما ترى

ص: 350


1- الزخرف: 30.
2- يونس: 81.
3- طه: 69.
4- الشعراء: 46.
5- طه: 70.
6- يونس: 77.
7- بحار الأنوار:259/55- 260.
8- منهاج البراعة للخوئي:262/5- 263.
9- كتاب العين للفراهيدي:135/3.

فالسحر عمل خفي لخفاء سببه يصور الشيء بخلاف صورته و يقلبه عن جنسه في الظاهر ولا يقلبه عن جنسه في الحقيقة ألا ترى إلى قوله تعالى: «يخيل إليه من خبرهم انها تسعی»(1).(2)

وعن التبيان قيل في معنى السحر أربعة أقوال:

احدها: أنه خدع ومخاريق و تمويهات لا حقيقة يخيل إلى المسحور أنها حقيقة.

والثاني: أنه أخذ بالعين على وجه الحيلة.

والثالث أنه قلب الحيوان من صورة إلى صورة وإنشاء الأجسام على وجه الاختراع فيمكن الساحر أن يقلب الانسان حمارا وينشي أجساما.

والرابع: أنه ضرب من خدمة الجن.

وأقرب الأقوال الأول لأن كل شيء خرج عن العادة الجارية فانه سحر لا يجوز أن يأتي من الساحر، ومن جوز شیئا من هذا فقد كفر لأنه لا يمكن معذلك العلم بصحة المعجزات الدالة على النبوات لأنه أجاز مثله على جهة الحيلة والسحر.(3)

وفي الرياض: السحر عرف تارة بكلام أو كتابة يحدث بسببه ضرر على من عمل له في بدنه أو عقله ومنه عقد الرجل عن حليلته وإلقاء البغضاء بينهما فقد قال الله تعالى: «فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ»(4).(5)

ص: 351


1- طه: 66.
2- بحار الأنوار:2/60.
3- التبيان في تفسير القران: 1/ 374.
4- البقرة: 102.
5- ریاض المسائل (ط - القديمة):503/1.

الإمام الصادق علیه السلام: قال رسول الله صلی الله علیه واله وسلم: من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذاب

يصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله.(1)

وروى الحسن البصري عن جندب أن النبي صلی الله علیه واله وسلم قال: حد الساحر ضربة بالسيف.(2)

وعن إسحاق بن عمار ان عليا علیه السلام كان يقول: من تعلم شيئا من السحر كان آخرعهده بربه وحده القتل إلا أن يتوب.(3)

وعن إسماعيل بن مسلم السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه علیه السلام قال:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی اللَّهِ علیه واله وَ سَلَّمَ : أَجْرُ المسلمین یقتل وَ سَاحِرُ الْكُفَّارِ لَا يُقْتَلُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ لِمَ لَا يُقْتَلُ سَاحِرُ الْكُفَّارِ قَالَ لِأَنَّ الْكُفْرَ أَعْظَمُ مِنَ السِّحْرِ وَ لَا ن السِّحْرَ وَ الشِّرْكَ مَقْرُونَانِ.

وروي أن توبة الساحر أن يحل ولا يعقد.(4)

وَ الْكَافِرُ فِي النَّارِ

قال تعالى: «زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا»(5)

وقال تعالى: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ»(6)

ص: 352


1- السرائر الحاوي لتحرير الفتاوی:593/3؛ بحار الأنوار:308/2، ح 65.
2- سنن الترمذي :10/3؛ المستدرك للحاكم النيسابوري:360/4.
3- تهذیب الأحکام:148/10، ح 17.
4- علل الشرایع:546/2، ح 1؛ بحار الأنوار:212/76، ح 9.
5- التغابن : 7.
6- التغابن : 10.

وقال تعالى: «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ»(1)

وقال تعالى: «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ»(2)

وقال تعالى: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ»(3)

وقال تعالى: «وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ»(4)

وقال تعالى: «وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا»(5)

وقال تعالى: «وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ»(6)

وقال تعالى: «فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا»(7)

وقال تعالى: «فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ»(8)

وقال تعالى: «مَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ»(9)

وقال تعالى: «لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ»(10)

وقال تعالى: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا»(11)

فينتج المقدمات الثلاث كون المنجم من النار.

ثم لا خلاف أن الاعتقاد بأنها مؤثرات کفر، وهو الذي يشير إليه كلامه علیه السلام، وأما بأنها علامات فخلافي، فالمرتضى في (مسائله السلارية) على انكاره، فقال: ان جریان عادة الله بأن يفعل أفعالا مخصوصة عند طلوع کوکب أو غروبه، أو اتصاله

ص: 353


1- الذاریات: 60.
2- ص: 27.
3- الجاثية: 11.
4- هود: 17.
5- الزمر: 71.
6- الملك : 6.
7- فصلت: 27.
8- الأنفال: 35.
9- يونس: 70.
10- يونس: 4.
11- فاطر: 36.

أو مفارقته، وإن كان جائزا، لكن لا طريق إلى العلم بثبوته، ومن أين لنا أن الله تعالى قد اجرى العادة بأن يكون زحل أو المريخ إذا كان في درجة الطالع كان نحسا، وان المشتري إذا كان كذلك كان سعدا، فان عولوا على التجربة، فلا نسلم صحة التجربة، وقد رأينا خطأكم فيها أكثر من صوابكم، فهلا نسبتم الصحة إذا اتفقت إلى الاتفاق الذي يقع في المخمن والمرجم، فإذا قلتم سبب الخطأ زلل دخل عليه في أخذ الطالع أو تسيير الكواكب، قلنا: ولم لا كانت سبب اصابتهم التخمین.(1)

وقلت لبعض من كان مشغولا بالنجوم:ها هنا شيء قريب في بطلان النجوم، لو فرضنا طريقا يمشي فيه الناس ليلا ونهارا، وفي محجته آبار متقاربة، وبين بعضها وبعضها طريق يحتاج سالكه إلى تأمل، حتى يتخلص من السقوط في تلك الآبار، هل يجوز أن يكون سلامة من يمشي فيه من العميان کالبصراء فقال: لا. قلت: إذا كان هذا محالا فأحيلوا نظيره، فان مثال البصراء هم الذين يعرفون أحكام النجوم من السعد والنحس، ومثال العميان من لا يعرفها، ومثال الطريق الذي فيه الآبار الزمان الذي يمضي عليه الخلق، ومثال آباره محنه، ولو صح النجوم وجب أن تكون سلامة المنجمين أكثر، وقد علمنا أن الحال فيهم غير متفاوتة.(2)

إلى أن قال: من أدل الدليل على بطلان النجوم ان من جملة معجزات الأنبياء علیهم السلام الأخبار عن الغيوب، ولو كان العلم بما يحدث طريقا نجوميا لم يكن معجزا، وقد أجمع المسلمون قديما وحديثا على تكذيب المنجمين، وفي

ص: 354


1- أمالي المرتضی:386/2؛ فرج المهموم: 43 - 46؛ بحار الأنوار:284/55.
2- أمالي المرتضی:387/2؛ بحار الأنوار:284/55.

الروايات عن النبي صلی الله علیه واله وسلم في ذلك ما لا يحصى، وكذلك عن علماء أهل بيته و خیار أصحابه، فأما اصابتهم في الكسوفات فلها أصول صحيحة في الحساب، وليس كذلك ما يدعونه من تأثيرات الكواكب في الخير والشر والنفع والضر.(1)

وابن طاوس علی اثباته صنف فيه كتاب (فرج المهموم في معرفة نهج الحلال في علم النجوم) نقل فيه مقدار من محاجة الصادق علیه السلام لمنجم هندي كما في الرسالة الأهليلجية، وان الهندي قال له: في علم أهل بلاده بالنجوم أن ملوك الهند لا يتخذون إلا الخصيان لأن لكل منهم منجما، فإذا أصبح أتى باب الملك، فقاس الشمس وحسب، فأخبره بما كان في يومه ذاك، وما حدث في ليلته التي كان فيها، فإن كانت امرأة من نسائه قارفت شيئا أخبره به. وان في الهند قوما بمنزلة الخناقين عندكم يقتلون الناس بلا سلاح ولا خنق من النجوم. فقال علیه السلامله: أخبرني من وضع هذا العلم الدقيق؟ قال: الحكماء.(2)

إلى أن قال ابن طاوس بعد ذكر الخبر بطوله: انظر إلى أنه علیه السلام ما أبطل هذا العلم بالكلية، بل جعل الطريق إليه تعریف الله أنبياءه بالوحي، وأصحاب النجوم على اختلاف طبقاتهم اتفقوا على ان هذا العلم من إدريس علیه السلام.(3)

وفي المنتخب من طريق أصحابنا في دعاء كل يوم من رجب «ومعلم إدريس عدد النجوم والحساب والسنين والشهور والأيام».(4)

وفي الجامع الصغير ليونس بن عبدالرحمن باسناده: قلت لأبي عبدالله علیه السلام :

ص: 355


1- أمالي المرتضی:390/2؛ بحار الأنوار:284/55.
2- فرج المهموم: 11 - 12؛ بحار الأنوار:170/3.
3- فرج المهموم: 21 .
4- بحار الأنوار:275/55.

أخبرني عن علم النحوم؟ فقال: هو علم الأنبياء.(1)

وفي كتاب التجمل من أصول أصحابنا عن أبي جعفر علیه السلام: علم نبؤة نوح بالنجوم.(2)

وروى القمي في قوله تعالى: «فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ»(3)آن آزر کان منجما النمرود، فقال له: أني أرى في حساب النجوم انه يجيء في هذا الزمان رجل ينسخ هذا الدين. فقال له: أفولد؟ قال: لا. قال: فينبغي أن يفرق بين الرجال والنساء، ففرق وحملت أم إبراهيم بإبراهيم ولم يبن حملها.(4)

وفي عرائس الثعلبي: ان فرعون رأى في منامه آن نارا قد أقبلت من بیت المقدس، حتى اشتملت على بيوت مصرفا حرقتها وأحرقت القبط، وتركت بني إسرائيل، فدعا فرعون السحرة والكهنة والمعتمرين والمنجمين، وسألهم عن رؤیاه، فقالوا: يولد في بني إسرائيل غلام يسلبك ملكك، ويغلبك على سلطانك.(5)

وفي كتاب نبؤة ابن بابویه: قدم على مریم وفد من علماء المجوس زائرین معظمين لأمر ابنها وقالوا: انا ننظر في النجوم، فلما ولد ابنك طلع بمولده نجم لا يفارقه حتى يرفعه إلى السماء.(6)

ونقل ما في الطبري في مولد النبي صلی الله علیه واله وسلم من ان علماء کسری تسكعوا بعلمهم، فلا

ص: 356


1- فرج المهموم: 22 - 23؛ بحار الأنوار:235/55، ح 15.
2- فرج المهموم: 24؛ بحار الأنوار:235/55.
3- الأنعام: 76.
4- تفسير القمي:206/1 ؛ بحار الأنوار:29/12،ح6.
5- فرج المهموم: 27؛ بحار الأنوار:238/55.
6- فرج المهموم: 28؛ بحار الأنوار:238/55.

يمضي لساحر سحره، ولا لكاهن کهانته، ولا يستقيم لمنجم علم نجومه.(1)

ونقل ما فيه - في ظهور المسلمين على الفرس - بأن رستم لما أمره یزدجرد بالخروج من ساباط بعث إلى أخيه ان السمكة قد کدرت، والنعائم قد حبست، وحسنت الزهرة، واعتدل الميزان، وذهب بهرام، ولا أرى هؤلاء القوم إلا سيظهرون علينا.(2)

ونقل عن كتاب أوصياء علي بن محمد بن زياد الصيمري في مولد الصاحب علیه السلام: انه كان بقم منجمم يهودي موصوف بالحذق، فأحضره أحمد بن إسحاق وقال له: قد ولد مولود في وقت كذا، فخذ الطالع واعمل ميلادا. فأخذ الطالع وعمل عملا له، فقال لأحمد: لا يكون مثل هذا المولد إلا لنبي أو وصي نبي، وان النظر فيه يدلني على انه يملك الدنيا شرقا وغربا، وبرا وبحرا، وسهلا وجبلا،حتى لا يبقى على وجه الأرض أحد إلا دان له. وقال: انه بنفسه طلب ذلك من قدامة بن الأحنف البصري المنجم، فقال مثل ذلك.(3)

ونقل قول المفيد في مقالاته: أما الأحكام على الكائنات بدلالتها، والكلام على مدلول حركاتها، فإن العقل لا يمنع منه، ولسنا ندفع أن يكون تعالى أعلمه بعض أنبيائه، وجعله علما له على صدقه، غير انا لا نقطع عليه، ولا نعتقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية، فأما ما نجده من أحكام المنجمين في هذا الوقت، وإصابة بعضهم فيه، فإنه لا ينكر أن يكون ذلك بضرب من التجربة، وبدلیل عادة،

ص: 357


1- تاريخ الطبري:597/1؛ فرج المهموم: 23.
2- تاريخ الطبري:32/3، سنة 14؛ فرج المهموم: 35.
3- فرج المهموم: 37؛ بحار الأنوار:23/51، ش 34.

وقد تختلف أحيانا، ويخطئ المعتمد عليه كثيرا، ولا تصح إصابته فيه أبدا، لأنه ليس بجار مجری دلائل العقول، ولا براهين الكتاب، وأخبار النبي صلی الله علیه واله وسلم، وهذا مذهب جمهور متکلمي أهل العدل، وإليه ذهب بنو نوبخت من الإمامية، وأبو القاسم وأبو علي من المعتزلة.(1)

ثم نقل كلام المرتضی ورد عليه، ثم نقل خبر الكليني في روضته عن الصادق علیه السلام انه قال لابن سبابة: ضل علماء النجوم، فمنهم من يصيب، ومنهم من يخطئ.(2)

ونقل خبر الروضة أيضأ عنه علیه السلام: ما يعلم النجوم إلا أهل بيت من العرب، وأهل بيت في الهند(3)،وحدثني أن الذين في الهند من أولاد وصي إدريس. ونقل مثله عن أصل ابن أبي عمير.(4)

ونقل خبر أصل معاوية بن حكيم عن الصادق علیه السلام: ان في السماء أربعة نجوم ما يعرفها إلا أهل بيت من العرب، وأهل بيت من الهند، يعرفون منها نجما واحدا، فلذلك قام حسابهم.(5)

ونقل عن أصل عبدالله بن القاسم وكتاب أبي القاسم النيسابوري قال علیه السلام لرجل يماني: أخبرني كم لضوء القمر على ضوء الزهرة؟(6)

ص: 358


1- فرج المهموم: 38؛ بحار الأنوار:279/55.
2- فرج المهموم: 87؛ بحار الأنوار:166/58، ح 17.
3- الكافي:331/8، ح 508؛ فرج المهموم: 87؛ بحار الأنوار:243/55، ح 23.
4- فرج المهموم: 87.
5- فرج المهموم: 91، بحار الأنوار:249/55، ح 31.
6- الخصال:489/2، ح 68؛ فرج المهموم: 92، بحار الأنوار:269/55، ح 56.

وخبر نوادر الحكمة: قال الرضا علیه السلام الحسن بن سهل: كم لنور الشمس على نور القمر فضل (درجة)(1) وخبر دلائل النعماني وواحدة ابن جمهور: ان الفضل بن سهل سأل الرضاعلیه السلام عن تقدم الليل والنهار من جهة الحساب؟ فقال علیه السلام له: ألستم تقولون ان طالع الدنيا السرطان الخبر.(2)

ونقل خبر دلائل الحميري: ان الصادق علیه السلام قال لبياع السابری: تعد الطوالع؟ قال نعم فقال كم تسقي الشمس من نورها القمر. فقال: هذا شيء لم أسمعه. فقال: وكم تسقي الزهرة الشمس من نورها - إلى أن قال - ليس يعلم النجوم إلا أهل بیت من قريش، وأهل بيت من الهند.(3)

ونقل خبر أصل التجمل: ان محمدا وهارون ابني أبي سهل كتبا إلى الصادق علیه السلام: إن أبانا وجدنا كانا ينظران في النجوم، فهل يحل النظر فيه؟ قال: نعم. وروى عنهما خبرا آخر مثله مع زيادة.(4)

وعن الصادق علیه السلام «في يوم نحس مستمر» ان القمر كان منحوس بزحل .(5)

ونقل عن ربيع الزمخشري قال ابن عباس: النجوم علم عجز عنه الناس،ووددت أني علمته.(6)

ونقل من كان منجما من الإمامية كالنوبختية وغيرهم، ونقل عن الفقيه خبره

ص: 359


1- فرج المهموم: 94، بحار الأنوار:245/55، ح 25.
2- تحف العقول: 447 فرج المهموم: 95؛ بحار الأنوار:162/55، ح 20.
3- فرج المهموم: 97 – 98؛ بحار الأنوار:520/55، ح 33.
4- فرج المهموم: 100؛ بحار الأنوار:250/55، ح 35 - 36.
5- تفسير القمي:330/1؛ فرج المهموم: 101؛ بحار الأنوار:251/55، ح 37.
6- فرج المهموم: 112، الدر المنثور:34/3؛ بحار الأنوار: 55 /253، ح 38.

قال ابن أبي عمير : كنت أنظر في النجوم، وأعرف الطالع، فيدخلني من ذلك شيء، فشكوت إلى الكاظم علیه السلام فقال: إذا وقع في نفسك شيء فتصدق على أول مسکین، ثم امض، فإن الله يدفع عنك.

ورواه عن كتاب التجمل وفيه: فشكوت إلى أبي عبد الله علیه السلام.(1)

ثم قال ابن طاوس: لو لم يكن في الشيعة عارف بالنجوم إلا محمد بن أبي عميرلكان حجة في صحتها.(2)

قال التستري: لم يعلم کون ابن أبي عمير فيه هو ابن أبي عمير المعروف، لأن ذاك يروي عن ابن اذينة، ولم يلق الصادق علیه السلام، وهذا روى عنه ابن اذينة وروی عنه علیه السلام.(3)

ونقل رواية الكشي: أن الكاظم علیه السلام لما مات وقف عليه أبو خالد السجستاني،ثم نظر في نجومه، فعلم أنه قد مات، فخالف أصحابه .(4)

وقال في مجموع عتيق: أن بوران بنت الحسن بن سهل برعت في النجوم، فعثرت يوما بقطع على المعتصم سبه الخشب - إلى أن قال: - فخلا المعتصم ذلك اليوم بالحسن، فأشار عليه أن ينتقل من المجلس السقفي إلى مجلس أزجي لا يوجد فيه وزن درهم من الخشب - إلى أن قال: - فجاء خادم، ومعه المشط والمسواك، فقال الحسن للخادم: امتشط بالمشط، واستك بالمسواك. فقال : كيف أتناول الة الخليفة. فقال له المعتصم: ويلك امتثل قوله، ففعل، فسقطت ثناياه،

ص: 360


1- من لا يحضره الفقیه:296/2، ح 2409؛ فرج المهموم: 123 - 126؛ بحار الأنوار:272/55، ح 60.
2- فرج المهموم: 124.
3- بهج الصباغة:179/7.
4- رجال الكشي - اختیار معرفة الرجال: 612، ش 1139؛ فرج المهموم: 131.

ورفع ميتا، ونقله عن وزراء ابن عبدوس .(1)

ونقل أيضا عنه: أن يحيى البرمكي قال: لا يكون هلاك بيتهم إلا بسبب ابنه جعفر، وانه کتب رقعة، وأعطاها إسماعيل بن صبیح کاتبه، وقال له: اكتب فيها «إذا دخلت سنة 187 فكان هارون أوقع بهم تلك السنة».(2)

وانه رأى في النوم أن صائحا يصيح على جانب من الجسر:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا *** أنيس ولم يسمر بمكة سامر

فأجابه هو من الجانب الآخر:

بلی نحن كنا أهلها فأبادنا *** صروف الليالي والجدود العواثر

فانتبه، فلجأ إلى أخذ الطالع، فوقف على انه لابد من انقضاء مدتهم، كان يحكي ذلك لأبي موسى بن صير الوصيف، فما أتم كلامه حتى دخل عليه مسرور الخادم برأس جعفر.(3)

ونقل عن أخبار وزراء عبد الرحمن بن المبارك: ان جعفر البرمكي لماعزم على الانتقال إلى قصره الذي بناه جمع المنجمين لاختيار وقت ينتقل فيه، فاختاروا له وقت من الليل، فلما حضر الوقت خرج على حمار إليه، والطرق خالية، والناس ساکنون، فلما وصل إلى سوق یحیی رأى رجلا ينشد:

يدبر بالنجوم وليس يدري *** ورب النجم يفعل ما يريد

فاستوحش وقال للرجل: ما أردت؟ بهذا قال: شيء عرض لي وجرى على لسانی.(4)

ص: 361


1- فرج المهموم: 137؛ بحار الأنوار:302/55.
2- فرج المهموم: 140؛ بحار الأنوار:302/55.
3- فرج المهموم: 141؛ بحار الأنوار:304/55.
4- فرج المهموم: 148؛ بحار الأنوار:304/55.

ونقل خبر العيون: أن المأمون لما عزم على عقد عهد للرضا علیه السلام قال بعضهم:لأعرفن ما في نفس المأمون، أيحب اتمام الأمر أم لا فكتبت إليه عزم ذو الرئاستين على عقد العهد، والطالع السرطان، وهذا يدل على نكبة المعقود له. فكتب إلي أن وقف أحد على ما عرفتنيه، أو رجع الفضل عن عزمه، علمت انك سببه، فضاقت علي الدنيا، ثم بلغني أن الفضل قد تنبه، ورجع عن عزمه - وكان حسن العلم بالنجوم - فركبت إليه، فقلت له: أتعلم في السماء نجما أسعد من المشتري - الخبر .(1)

وقال: روی محمد بن خالد البرقي في قصص أنبيائه: أن يوشعا لما انتهى إلى البلقاء لما فتح مدائن الشام، فجعلوا يخرجون يقاتلونه، فلا يقتل منهم رجل، فسأل يوشع عن ذلك، فقيل ان في مدينته امرأة منجم تستقبل الشمس بفرجها، ثم تحسب، فتعرض عليها الخيل، فلا تخرج رجلا حضر أجله. فصلی یوشع رکعتین ودعا ربه أن يؤخر الشمس، فاضطرب عليها الحساب، فدخلت في دين يوشع.(2)

ونقل عن نشوار التنوخي حکایات عن (اصابات أبي علي الجبائي): منها: أن ابنه أبا هاشم لما اعتل قلقت اخته، فقيل لها: أليس حكم أبوه انه يعيش نیفا وسبعين سنة شمسية؟ فقالت: بلى ولكن قال ان أفلت من السنة السادسة والأربعين، فمات في تلك العلة.(3)

ومنها: انه اجتاز بدار في «عسکر مکرم»(4) ، فسمع فيها صيحة ولادة، فقال: أن

ص: 362


1- عيون أخبار الرضاعلیه السلام:147/2؛ فرج المهموم: 142؛ بحار الأنوار:132/49، ش 8.
2- فرج المهموم: 143، بحار الأنوار: 55 /256، ح 47.
3- فرج المهموم: 154.
4- من کور الأهواز، بین البصرة وفارس.

صح ما يقول المنجمون فهذا المولود ذو عاهة، ففحص فإذا المولود أحنف.(1)

ومنها: انه في عسکر مکرم أخذ طالع مولود بعض غلمانه، فقال: ان صح التنجيم يموت الولد بعد خمسة عشر يوما، فمات كذلك.(2)

ونقل حکایات عن اصابات أبي معشر: منها: أنه ضربه المستعين أسواطأ لأنه أصاب في شيء، وأخبر به قبل وقته، فكان يقول: أصبت فعوقبت .(3)

ومنها: انه قال: أخذت طالع المعتر والمستعين، فحكمت على المستعين بالخلع والقتل، وللمعتز بالخلافة بعد فتنة وحروب، فكان كما قال.(4)

ومنها: ان الموفق قال له ولمنجم آخر: خذ الطالع في شيء قد أضمرته، فقالا تسألنا عن حمل غير انسي. فقال : هو كذلك فما هو. ففكرا طويلا فقالا: حمل بقرة. قال: هو كذلك فما تلد قالا: ثورا. قال: فما صفته قال أبو معشر: أسود في جبهته بیاض - وقال الآخر أسود في ذنبه بیاض - فقال الموفق: احضروا البقرة، فأحضرت وذبحت فأخرج منه ثور أبيض طرف أنفه، وقد التفت ذنبه فصار على وجهه.(5)

ومنها : أن الموفق قال له ولرفيقه: أي شيء في كمي فقال رفيقه - بعد ما أخذ الزائجة - شيء من الفاكهة، وقال هو شيء من الحيوان. فقال الموفق لرفيقه أصبت، ولأبي معشر أخطأت - ورمی تفاحة من يده - فعاود أبو معشر الزائجة، ثم سعی نحو التفاحة، فأخذها وكسرها، فإذا هي تنثر دودا، فقال: أنا أبو فلان.(6)

ص: 363


1- فرج المهموم: 155.
2- فرج المهموم: 155 - 156.
3- فرج المهموم: 158.
4- فرج المهموم: 158.
5- فرج المهموم: 159.
6- فرج المهموم: 159 - 160.

وعن ربيع الزمخشري: ان امرأة افتقدت خاتمة، فقال أبو معشر: خاتم أخذه الله، فوجدته في أثناء ورق المصحف.(1)

وعن بصائر التوحيدي: قال أبو معشر : حضرت أنا و سلمة والزبادي والهاشمي عند الموفق - وكان الزبادي استاد أهل زمانه في النجوم - فأضمر الموفق شيئا فقال كل منهم شيئا، فقال لهم: أخطأت، ثم قال، هات ما عندك. قلت: أضمرت الله عز وجل. فقال لي: أحسنت والله اني لك هذا قلت: الرأس يرى فعله، ولا يرى نفسه، كان في رابع درجة من الفلك، ولا أعرف له مثلا إلا الله عز وجل، فهو فوق كل ذي سلطان، وليس فوقه شيء.(2)

وعن أسرار أبي سعيد شاذان: قال أبو معشر: نزلت في خان ببعض قرى الري، فصعدت إلى سطح الخان، وأخذت الارتفاع، فاذا الطالع لمسيرهم الثور وفيه المريخ، والقمر في الأسد، فقلت للقافلة: الله الله في أنفسكم لا ترحلوا، فأبوا وذهبوا، فعاد جماعة منهم مجروحین قد قطع عليهم الطريق على فرسخين، فلما رأوني أخذوا الحجارة والعصا، وقالوا: يا ساحر یا کافر أنت قتلتنا وقطعت علينا الطريق، وتناولوني ضربة، فما خلصت منهم إلا بعد جهد، وعاهدت الله ألا أكلم أحد من السوقة في شيء من هذا العلم .(3)

وعن تاریخ محمد بن عبد الملك الهمداني أنه كتب إلى أبي معشر بصورة مولد صاحب الزنج قبل خروجه، فقال: ان كان هذا الولد صحيحا، فائه الرجل الذي ذكر

ص: 364


1- ربيع الأبرار:90/1، ش 35؛ فرج المهموم: 160.
2- البصائر والذخائر :67/3؛ فرج المهموم: 160 - 161.
3- فرج المهموم: 161.

في كتاب الدول، وسيكون من أمر هذا الفتى شيء عظيم من اقدامه على الدماء واخراب المدن.(1)

وعنه: أن صاحب الزنج كان يقول في الليلة التي انقضى أمره: ان مضت هذه الليلة بقيت لأربع عشرة سنة أخرى غير الماضية، كان يقول ذلك من طريق النجوم التي علمها من أبي معشر.(2)

وفي الأسرار: انه على تقدمه في هذه الصناعة كان يصيبه الصرع عند امتلاء القمر في كل شهر مرة.(3)

وعن البصائر: قال يحيى بن أبي منصور: دخلت أنا وجماعة من المنجمين على المأمون، وعنده انسان قد تنبأ ونحن لا نعلم - إلى أن قال: - فقال كل من حضر غيري: كل ما يدعيه صحيح، وله حجة زهرية وعطاردية، فقلت أنا: هو في طلب تصحيح الذي يطلبه، لا ينتظم الذي قالوا، إنما هو ضرب من التزويق والخداع، فقال: الله درك ثم قال : وهذا الرجل يزعم أنه نبي. فقلت: أفمعه شيء يحتج به؟ فقال: نعم معي خاتم ذو فصين ألبسه، فلا يتغير منه شيء، ويلبسه غيري، فيضحك ولا يتمالك حتى ينزعه، ومعي قلم آخذه، فأكتب به، ويأخذه غيري، فلا تنطلق اصبعه. فقلت: هذه الزهرة وعطارد زور عمله بهما، فأمره المأمون أن يفعل ماکان فعل، ففعل، فعلم انه علاج من الطلسمات، فما زال به المأمون حتى تبرأ من دعوى النبوة، ووصف الحيلة التي احتالها في الخاتم والقلم، وكان أعلم الناس

ص: 365


1- فرج المهموم: 162.
2- فرج المهموم: 163.
3- فرج المهموم: 162.

بالنجوم. قال أبو معشر: وهو الذي عمل طلاسم الخنافس في ديور كثيرة. (1)

وعن أسرار أبي معشر: ان فتى من ولد يعقوب بن فرازون النصراني قال لقاسم بن عبدالله وهو ابن ست عشرة سنة - وأبوه متعطل - انك تتقلد الوزارة، فاكتب لي خطا بکذا، وصار كما قال.(2)

وعن نشوار التنوخي: أن أباه حول مولد نفسه في السنة التي مات فيها، فقال النا: هذه سنة قطع على مذهب المنجمين، وقال إذا كان العصر لسبع بقين من الشهر فهي ساعة قطع، فمات كما قال.(3)

وعنه: قال غلام زحل لأبي يوسف اليزيدي - في اليوم الذي عزم فيه الركوب إلى الابلة ليستم فيه على أخيه أبي عبدالله اليزيدي - أيها الأستاذ لا تركب في هذا اليوم، فان تحویله يوجب عليك قطعة بالحديد. فقال: يا فاعل إنما أركب إلى أخي، فممن أخاف، وخرج، فعاد غلام زحل، فأخرج جميع ما كان له في دار أبي يوسف، وقال: هذه الدار بعد ساعة تنهب، ومضى اليزيدي إلى أخيه، فقتله في ذلك اليوم.(4)

وعنه: أن أباه قال: ان اليزيدي لما أنفذه برسالة إلى ابن بویه خرج بطالع، فقالوا اله: بالطريق لص يعرف بالكرخي مستفحل الأمر إلى أن قال: - وجعلت أفكر في الطالع الذي خرجت، والناس قد أبرزوا إلى الشط، وأنا في جملتهم، وهم يفرغون السفن - إلى أن قال: - حين رآني رئيسهم انكب علي يقبل يدي وقال: أنا الصبي

ص: 366


1- البصائر والذخائر:65/3- 66؛ فرج المهموم: 164 - 165.
2- فرج المهموم: 166.
3- فرج المهموم: 167.
4- فرج المهموم: 168.

الذي ربيت في دارك.(1)

وعن کتاب جليس المعافي بن زکریا: ان عبدالله بن محمد بن عبدالله بن طاهر كان ذات ليلة عند أهله فقال: مولدي في السرطان، وطالع السنة السرطان، القمر یکسف الليلة في السرطان، فلما انكسف من القمر ثلثه، قال: ما تقولون في رجل قاعد عندكم يقضي ويمضي، وقد ذهب ثلث عمره، فلما انكسف من القمر ثلثاه عمد إلى جواريه، فأعتق منهن من أحب، وإلى ضياعه فوقف منها ما وقف، فلما انقضى من الثلث الثالث دقيقتان قال لهم: إذا استغرق القمر فامضوا إلى أخي عبيد الله، ثم قام فاغتسل ولبس أكفانه واضطجع، فلما استغرق القمر في الانكساف فاضت نفسه، فانطلقوا إلى أخيه ليعلموه، فإذا هو في طيارة قد سبقهم، فقال لهم: مات أخي؟ قالوا: نعم. فقال: لهم ما زلت آخذ الطالع حتى استغرق الخسوف فعلمت أنه قد قبض وقال:

کسف البدر والأمير جميعا *** فانجلى البدر والأمير عمید

عاود البدر نوره فتجلی *** ونور الأمير ليس يعود(2)

وعن مجموع عتیق: ان الصاحب قال لبدر بن حسنویه يوما انه يموت بعد مائة وثلاثة أيام ويجلس الشاهنشاه له في العزاء سبعة أيام، ويستوزر أبا العباس الضبي، فصار كما قال.(3)

وعن کتاب ملح الحسين بن خالويه: أن ملك الهند الذي كتب إلى عمر بن

ص: 367


1- فرج المهموم: 169.
2- الجليس الصالح والأنيس الناصح:158/1- 159؛ فرج المهموم: 171.
3- فرج المهموم: 178.

عبدالعزيز «من ملك الأملاك الذي في مربطه ألف فیل، و تحته بنات ألف ملك، وله تهران يجيئان له باللؤلؤ والعنبر والكافور» كانت أمه راعية، فأدركها الطلق قبل طلوع الشمس، فمر بها منجم هندي، فقال: ان لم يولد هذا المولود حتى يطلق قرن الشمس ملك الهند. فجمعت المرأة عباءة كانت معها، واستنفرت بها، فلما ذر قرن الشمس قذفت بعباءتها، فولد وبلغ ما قال المنجم.(1)

وعن تاريخ الحاكم النيسابوري: ان سابور ذا الأكتاف مات أبوه هرمز، وهو جنين، وأعلمه المنجمون، انه يولد له ذكر يملك الأرض، فوضع التاج على بطن أمه، وكتب عنه إلى ملوك الآفاق وهو جنين.(2)

وعن خط الشيخ: قال بعضهم حكم المنجمون في سنة 170 ان في ليلة واحدة يموت ملك عظيم، ويقوم ملك کریم، ويولد ملك حكيم، فمات الهادي، وقام الرشيد، وولد المأمون.(3)

وعن تذييل صدقة بن حسن: انه كان لقماج صاحب بلخ منجم يعرف بالعماد، فأخبره ان خراسان تخرب، ويهلك أهلها في العام القابل من قوم بغزنة مما وراء النهر، فصار كما قال، وملك الغز خراسان، وفعلوا بهم كما فعل التتر بعد.(4)

وعن تاريخ الحاكم: ان هارون لما خرج من بغداد ودخل الري، جمع المنجمين، وسألهم النظر في خروجه، فقالوا تهلك بخراسان بقرية يقال لها سناباذ، فسألهم عنها، فقالوا من قرى بيهق، فتنحى عن الطريق، ولم يدخل بيهق، ثم خرج من نيسابور إلى طوس، ونزل قرية حميد الطوسي، فسأل عن اسمها فقيل سناباد،

ص: 368


1- فرج المهموم: 183.
2- فرج المهموم: 184.
3- فرج المهموم: 186.
4- فرج المهموم: 185.

ومرض، فعلم انها تربته.(1)

ونقل ما في اكمال الصدوق في يوذاسف ان أباه جمع المنجمين لتقویم میلاده، فقالوا: يبلغ من الشرف ما لا يبلغه أحد، وانه بعد دعاهم، فقال أحدهم: سیکون هذا إماما.(2)

وعن نشوار التنوخي: ان المعتصم سايره يوما الزيات وابن أبي دؤاد إلى رحبة الجسر، فجعل يضحك ولا شيء يضحکه، فسأله ابن أبي داؤاد فقال: أما إذ سألتماني کان منجم أيام فتنة ابن شكلة يقعد على الطريق، فركبت يوما حمارا متنكرا لبعض شأنی، فرأيت ذلك المنجم، فتطلعت إليه نفسي أن أسأله عن أمر إبراهيم هل يتم له شيء أو يغلب المأمون، فقلت لغلامي: اعظه در همین وقلت له خذ الطالع، ثم قال لي: أنت هاشمي؟ قلت: نعم. قال: فهذا الطالع الأسد، وانه يوجب لك الخلافة، وأنت تفتح الآفاق، وتزيل الممالك، ويعظم جيشك، وتبني بلادا عظيمة - وقص على جميع ما أنا فيه الآن - فقلت له: فهذا السعود، فهل علي من النحوس؟ قال: لا ولكنك إذا ملكت فارقت وطنك، وكثرت أسفارك. قلت: فهل غير هذا؟ قال: نعم، ما شيء أنحس عليك من شيء واحد يكون المتولون عليك في أيام ملكك أصولهم دنية سفلة، فيغلبون عليك، ويكونون أكابر مملكتك. ولما بلغت الرحبة وقعت عيني على موضعه بالطريق، فذكرته، و تأملتكما حولي، وأنتما أكبر أهل مملکتي، وأحدكما ابن زيات، والآخر ابن قیار، وأخذني الضحك إذ ترأس

ص: 369


1- فرج المهموم: 186- 187.
2- كمال الدین و تمام النعمة:584/2؛ فرج المهموم: 188؛ بحار الأنوار: 390/75.

في دولتي أولاد السفل، فانكسروا، وودا انهما لم يسألها عن ضحكه.(1)

وقال: وفي حديث ملوك الفرس ان کسری قال لولده شیرویه: وأما أنت خاصة فان المنجمين قضوا في تولدك انك مزر علينا، وناقض ما أبرمنا، ووجدنا قرمسا ملك الهند كتب إلينا في سنة 36 من ملكنا - إلى أن قال: - وجدناه قد وقع على كتابه إليك بالهندية «اكتم ما فيه» فأمرنا أن يصرف لكل واحد ما بعث إليه من هدية وكتاب، واحتبسنا ما كتبه إليك من أجل التوقيع الذي كان فيه، ودعونا بکاتب هندي، وأمرناه بفض خاتم الكتاب وقراءته، فكان فيه ابشر وقر عينا، فائك متوج في ماه آذار ويوم آذار.(2)

ونقل عن الطبري: ان المنجمين كانوا قد قالوا لأبي مسلم تقتل في الروم، فكان قتله في رومية المدائن.(3)

وعن نشوار التنوخي: ان منجما كان يعبر الرؤياصاح على بابویه -وكان يصيد السمك - فأدخله وقال له: رأيت ليلة كأني جالس أبول، فخرج من ذكري نار عظيمة كالعود، ثم تشعبت يمنة ويسرة، واماما وخلفاء، حتى ملأت الدنيا. فقال له الرجل: لا أفسرها لك بأقل من ألف درهم. فسخر منه وقال له: ويلك نحن فقراء نصطاد سمكا لنأكله، ولكن نعطيك سمكة من أكبر هذه الأسماك - وكان قد صاد مقدار من السمك - فقبل وقال لبویه یکون لك أولاد، ويفترقون في الدنيا، فيملكون، ويعظم سلطانهم قدر ما احتوت النار من الأرض - فصفعوه وقالوا سخرت بنا، وأخذت السمكة حراما، وقال له بويه أنا صياد فقير، وأولادي هؤلاء

ص: 370


1- فرج المهموم: 190- 191.
2- فرج المهموم: 193.
3- فرج المهموم: 194.

-وأشار إلى علي والحسن وأحمد - أي شيء يكون منهم.(1)

وقال: ذكر الزمخشري ان المنصور لما أراد السفر إلى عبد الله بن معاوية الطالبي سأل نوبخت عما يؤول إليه أمره، فقال له: تصير ملك العرب، وينالك في وجهك هذا مكروه، فأخذه سليمان بن حبيب المهلبي، فحبسه.(2)

ونقل عن كتاب المنجمين لمحمود بن الفضل: أن الربيع قال للمنصور: زعم ما شاء الله المنجم أن الذي يحج بالناس في هذه السنة يموت في طريقه، فحج المنصور فمات بذات عرق.(3)

قال التستري رحمه الله: أن كلا من المرتضی وابن طاوس أفرط فيما قال: اما المرتضی فحمله ما تقل من صواب المنجمين فيما اخبروا على الاتفاق غیر صحيح، لأن في أخبارهم ذکر خصوصيات لا يمكن كونها اتفاقا، وانما يمكن حمل مثل أخبارهم بأن المريض الفلاني يموت أو يصح، أو المرأة الفلانية تلد غلام أو جارية، أو في اليوم المعين ينزل المطر أو لا ينزل، وما من هذا القبيل على الاتفاق دون نظير كل ما مر، وكيف يمكن انکار الأمر المتواتر ولو كان إجماليا، فائه وإن لم يكن ما نقل عن كل من المنجمين ثابتا، إلا أن المجموع لا يمكن انکاره، فيمكن أن يجمع من اصاباتهم مجلدات ضخمة، وأما خطؤهم فمن نقص علمهم، لا من عدم صحته رأسا.(4)

وفي أخبار حكماء القفطي: للحسن بن الخصيب كتاب في أحكام النجوم حكم فيه بأحكام لم يصح منها شيء، ومنها انه قال: إذا نزل زحل في دقائق من أول

ص: 371


1- فرج المهموم: 196.
2- فرج المهموم: 210.
3- فرج المهموم: 215
4- بهج الصباغة:187/7.

درجة من الجوزاء يموت ملك مصر في ذاك الأوان. ورأيت هذا في عمري مرتين ولم يصح شيء منها.(1)

وفيه: انه لما قال أبو الفضل الخازمي انه لما اجتمعت الكواكب السبعة في برج الميزان في سنة 582 يحدث هواء شديد يهلك العامر، ووافقه منجموا الأقطار سوی شرف الدولة العسقلاني، فقال: وجدت في اقتران الكواكب والمكافاة ما يدفع ضرر بعضها عن بعض، وشرط أن يكون تلك الليلة التي أنذروا بوقوع الهواء فيها لا يهب فيها نسیم. قال: وعمل الناس السراديب في البلاد السهلية والمغائر في الجبلية، فلما كان الموعد لم يهب نسيم.(2)

كما أن الأخبار أيضا متواترة إجمالا بصحة أصلها، ونقص علم المنجمين، وأما ما قاله من انه لو كانت النجوم تدل على الاصابة لكان المنجمون سالمين فغير صحيح، فعدم سلامتهم لا تدل على عدم اصابتهم، بل على عدم نفع الحذر من الخلاص عن القضاء والقدر، فالحسن بن سهل أراد العمل بعلمه في دفع النحس عن أخيه الفضل، فلم يتيسر له.

فروى العيون عن ياسر الخادم قال: ورد على الفضل کتاب من أخيه الحسن بن سهل إني نظرت في تحويل هذه السنة في حساب النجوم فوجدت أنك تذوق في شهر كذا يوم الأربعاء حر الحديد وحر النار وأرى أنك تدخل أنت والرضا وأمير المؤمنين الحمام في هذا اليوم و تحتجم وتصب الدم على بدنك ليزول نحسه عنك فكتب الفضل بذلك إلى المأمون وسأله أن يدخل الحمام معه وسأل أبا الحسن الرضا ذلك وكتب المأمون إلى الرضا ذلك وسأله فكتب إليه الرضا لست بداخل

ص: 372


1- اخبار العلماء باخبار الحكماء:128/1.
2- اخبار العلماء باخبار الحكماء:313/1.

الحمام غدا ولا أرى لك يا أمير المؤمنين أن تدخل الحمام غدا ولا أرى للفضل أن يدخل الحمام غدا فأعاد إليه الرقعة مرتين فكتب إليه أبو الحسن الرضا علیه السلام لست بداخل الحمام غدا فإني رأيت رسول الله صلی الله علیه واله وسلم في هذه الليلة في النوم يقول لي يا علي لا تدخل الحمام غدا فكتب إليه المأمون يقول: صدقت يا سيدي وصدق رسول الله صلی الله علیه واله وسلم وأنا لست بداخل غدا الحمام و الفضل فهو أعلم وما يفعل.

قال ياسر: فلما أمسينا وغابت الشمس قال لنا الرضاعلیه السلام قولوا: نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة فأقبلنا نقول ذلك فلما صلى الرضاعلیه السلام الصبح قال لنا: قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذا اليوم فما زلنا نقول ذلك فلما كان قريبا من طلوع الشمس قال الرضا علیه السلام: اصعد السطح وأصغ هل تسمع شيئا فلما صعدت سمعت الصيحة والنحيب وكثرة ذلك وإذا بالمأمون قد دخل من الباب الذي كان من داره إلى دار أبي الحسن الرضاعلیه السلام وهو يقول: آجرك الله يا أبا الحسن بالفضل كان دخل الحمام فدخل عليه قوم بالسيوف وقتلوه.(1)

وكان المأمون لا يقيم برقة العراق لأنه سمع من النجوم أن موته بالرقة، فمات برقة الروم، فقال فيه أبو سعيد المخزومي كما في المروج - ومر أن أباه يتحامى عن بیهق فمات بطوس -:

هل رأيت النجوم أغنت عن المأ *** مون شيئا وملکه المانوس

خلفوه بعرصتي طرسوس *** مثل ماخلفوا أباه بطوس(2)

وهل كان منع نمرود وفرعون عن وصول الرجال إلى النساء لما سمعا من

ص: 373


1- عيون أخبار الرضاعلیه السلام:163/2؛ فرج المهموم: 133 - 134؛ بحار الأنوار:168/49.
2- مروج الذهب:485/3.

المنجمين بولادة شخص يكون هلاكهما على يده مغنيا لهما شيئا.

وكذلك منع ابرویز من ولادة يزدجرد، فسمع من المنجمين آن به ينقرض ملكهم ما أفاده شيئا.

قال هشام بن محمد: ولد لكسری ابرویز ثمانية عشر ولدا ذكرا أكبرهم شهریار وكانت شیرین تبنته، فقال المنجمون لکسری: سیولد لبعض ولدك غلام یکون خراب هذا المجلس وذهاب هذا الملك على يديه، وعلامته نقص في بعض بدنه، فحصر ولده لذلك عن النساء، فمكثوا حينا لا يصلون إلى امرأة حتى شكا ذلك شهریار إلى شیرین، وبعث إليها يشكو الشبق، ويسألها أن تدخل عليه امرأة وإلا قتل نفسه، فأرسلت إليه اني لا أصل إلى ادخال النساء عليك إلا أن تكون امرأة لا يؤبه بها ولا يجمل بك أن تمتها فقال لها: لست أبالي ما كانت بعد أن تكون امرأة. فأرسلت إليه بجارية كانت تحجمها وكانت فيما يزعمون من بنات أشرافهم، إلا أن شیرین کانت غضبت عليها في بعض الأمور، فأسلمتها في الحجامين، فلما أدخلتها على شهریار وثب عليها، فحملت یزدجرد، فأمرت بها شیرین، فقصرت حتى ولدت وكتمت أمر الولد خمس سنین. ثم انها رأت من کسری رقة للصبيان حين كبر، فقالت له: هل يسرك أيها الملك أن ترى ولدا لبعض بنيك على ما كان في ذلك من المكروه. فقال: لا أبالي. فأمرت يزدجرد، فطيب وحلي، فأدخلته عليه وقالت له: هذا يزدجرد بن شهریار. فدعا به، فأجلسه في حجره، وقبله، وعطف عليه، وأحبه حبا شديدا، وجعل يبيته معه، فبينا هو يلعب ذات يوم بين يديه إذ ذكر ما قيل، فدعا به، فعراه من ثيابه، واستقبله واستدبره، فاستبان النقص في أحد ورکیه، فاستشاط غضبا واحتمله ليجلد به الأرض، فتعلقت به شیرین وناشدته الله

ص: 374

أن لا يقتله، وقالت له: ان يكن أمر قد حضر في هذا الملك فليس له مرد، فقال: ان هذا هو المشئوم الذي اخبرت عنه، فأخرجيه، فلا انظر إليه، فأمرت به، فحمل إلى سجستان

وقال آخرون بل كان بالسواد عن ظؤرته في قرية يقال لها خمانية، ووثبت فارس علی کسری، فقتلته، وساعدها على ذلك ابنه شیرویه ابن مريم الرومية، وكان ملکه 38 سنة.(1)

وكان مروان الحمار أراد دفع القضاء عنه بالنجوم فلم يتيسر له.

ففي أخبار طوال الدينوري: لما هرب مروان من عساكر أبي مسلم طلبته الخيل، فحال بينها وبينه الليل، فعبر مروان النيل في سفينة، فصار في الجانب الغربي -وكان منجما- فقال لغلامه: آني أن سلمت هذه الليلة رددت خیل خراسان على أعقابها، فقتل في تلك الليلة في النوم.(2)

وكان المنصور جمع عنده المنجمين لدفع القضاء عنه، فلم يتيسر له.

قال الفضل بن الربيع: کنت مع المنصور في السفر الذي مات فيه، فنزل منزلا، فبعث إلي وهو في قبة ووجهه إلى الحائط، فقال: ألم أنهك أن تدع العامة يدخلوا هذه المنازل، فيكتبوا فيها ما لا خير فيه. قلت: وما هو؟ قال: أما ترى على الحائط مکتوبا:

أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت *** سنوك وأمر الله لابد نازل

أباجعفر هل كاهن أو منجم *** يرد قضاء الله أم أنت جاهل

ص: 375


1- تاريخ الطبري:617/1.
2- الأخبار الطوال: 366.

فقلت: والله ما أرى على الحائط شيئا وانه لنقي أبيض، قال: فاذن نفسي نعيت الی.(1)

ومر أن جعفر البرمكي أمر المنجمين لاختيار وقت له لانتقاله إلى قصر له بناه،فانتقل إليه في ذاك الوقت، فسمع من ينشد:

يدبر بالنجوم وليس يدري *** ورب النجم يفعل ما يريد(2)

وقال الأصمعي: وجه إلي الرشيد في ليلة قتل جعفر البرمكي، فقال: قلت شعرا فاسمعه:

لو أن جعفرا أهاب أسباب الردى *** لنجا بمهجته طمر ملجم

ولكان من حذر المنون بحيث لا *** يسمو إليه به العقاب القشعم

لكنه لما تقارب وقته *** لم يدفع الحدثان عنه منجم(3)

وقال منجم ليحیی بن تمیم صاحب افريقية: آن علیه قطعا في يوم الأضحی من سنة 509 فلا يركب إلى المصلی، فلم يخرج وأخرج أولاده وأهل دولته، فلما انقضت الصلاة حضروا عنده للسلام عليه وانصرفوا إلى الطعام، فقام ليحضر معهم فلم يمش غير ثلاث خطی حتى وقع میتا.(4)

وفيه: كان المنجمون يقولون لسعد الدولة المعروف بالطواشي: انك تموت مترديا، حتى انه ولی بیروت وأرضها مفروشة بالبلاط، فقلعه خوفا أن يزلق به فرسه، فأنفذه أمير الجيوش لحرب الفرنج، فانهزم فردی به فرسه فسقط ميتا ولم

ص: 376


1- مروج الذهب:307/3.
2- فرج المهموم: 148؛ بحار الأنوار:304/55.
3- مروج الذهب:380/3.
4- الكامل لابن الأثير:512/10، سنة 509.

ينفعه الحذر مع القدر، كان ذلك في سنة496.(1)

وأما ابن طاوس فزعمه أن اصاباتهم مفيدة، فرد علی المرتضى في قوله بأنه لو كانوا مصيبين كانوا سالمين من الآفات، بأنه ليس كل من عرف علما عمل بعلمه، وخلص نفسه من الردی.

وأورد عليه نقضأ لو أن قائلا قال لك: لو كان العقل موجودا مع الموصوفین به لكان السالمون به من الآفات أضعاف الهالكين مما ليس لها عقول، ونحن نرى الآفات على الفريقين على المناسبة.(2)

فيقال له: إنما الناس لم يعملوا بعلمهم في أمر الدين، وأما فيما كان راجعا إلى دنیاهم فيتهالكون عليه وإنما الجواب الصحيح للمرتضی ما قلنا، ونزيد ان اصابة الآفات لأهل النجوم ولغيرهم على السواء قد يكون لعدم فهم المنجم لقصر علمه،كما عرفت في علة الواثق وقضية الوزير السلجوقي، وقد يكون لكون ما فهمه من النجوم مجملا لا يصل معه إلى المراد، كما في تنحي هارون عن دخول بیهق لئلا يرد في سناباد، و محل قتل أبي مسلم بالروم والرومية، وموت المأمون برقة الروم ورقة العراق.(3)

وكان الفضل بن سهل كثيرا ما يقول في أيام المأمون:

لئن نجوت أو نجت ركائبي *** من غلاب ومن لفيف غالب

اني لنجاء من الكرائب

ولا يدري من غالب، ولا يذهب إلا إلى قريش، حتى دخل عليه غالب الرومي

ص: 377


1- الكامل لابن الأثير:364/10.
2- فرج المهموم: 48 - 49.
3- بهج الصباغة:193/7.

صاحب ركاب المأمون، فقتله، فقال له الفضل: لك مائة ألف دينار. فقال: ليس بأوان تملق، ولا رشوة، وقتله.(1)

وكان في قابوس بن وشمکیر عسف وشدة، فسئمه عسكره، فتغيروا عليه، وحسنوا لابنه منوجهر حتى قبض عليه، وقالوا له: إن لم تقبض عليه قتلناه، وإذا قتلناه فلان منك على نفوسنا، فنحتاج أن نلحقك، فوثب عليه، وقبض عليه، وسجنه في القلعة، ومنعه ما يتدثر به في شدة البرد، فجعل يصيح: أعطوني ولو جل دابة

حتى هلك. وكان حكم على نفسه في النجوم أن منيته على يد ولده، فأبعد ابنه دارا لما كان يراه من عقوقه، وقرب ابنه منوجهر الذي أخذه لما رأى من طاعته له.(2)

ولغلام زحل جمع آخر في صوابهم وخطئهم، ففي أخبار حكماء القفطي:

اجتمع يوما الضميري والنوشنجاني والعروضي والمقدسي وغلام زحل عند أبي سليمان المنطقي، وكل واحد منهم أمام في شأنه وفرد في صناعته، فذكروا علم التجامة وقالوا: هي من العلوم التي لا تجدي، فقالوا وأطالوا، فقال غلام زحل: آن صحتها وبطلانها متعلقان بآثار الفلك، وقد يقتضي شكل الفلك في زمان ألا يصح منها شيء، وان غيص على دقائقها، وبلغ إلى أعماقها، وقد يزول ذلك الشكل، فيجيء زمان لا يبطل منها شيء فيه، وان قورب في الاستدلال، وقد يتحول هذا الشكل في وقت آخر إلى أن يكثر الصواب فيها أو الخطأ ويبقى زمنا.

قال: ومتى وقف الأمر على هذا الحد لم يثبت على قول قضاء ولا وثق بجواب، فقال أبو سليمان المنطقي: هذا أحسن ما يمكن أن يقال في الباب واسم غلام زحل عبيد الله بن الحسن .(3)

ص: 378


1- تاريخ اليعقوبي:452/2.
2- معجم الأدباء:220/16.
3- اخبار العلماء باخبار الحكماء:173/1.

كما أن ما نقل ابن طاوس عن المرتضى انه قال: مما أفحم به القائلون بصحة الأحكام ولم يحصل عنه منهم جواب أنهم إن قيل لهم في شيء بعينه خذوا الطالع واحكموا هل يؤخذ أو يترك فإن حكموا بالأخذ أو بالترك وفعل خلاف ماحكموا به فقد أخطئوا وقد أعضلتهم هذه المسألة والتعريف فالجواب إن هذه المسألة إنما تلزم من يقول إن النجوم علة موجبة فأما من يقول إنها ليست بفاعل مختار بل وراءها فاعل مختار قادر على خراب الفلك إذا شاء وعلى أن يمحو ما يثبت ويثبت ما محا فإنه لا يلزمهم لأنهم يمكنهم أن يقولوا إن النجوم وإن دلت على فعل فإن الله فاعل مختار قادر على الترك والفعل لا يطلع على ما يريده تعالی أحدا.(1)

ليس يصح جوابه، فان المرتضی إنما قال العبد يقدر على خلاف ما أخبروا به، وهو قال إن الله قادر على خلاف ما أخبروا، كما لا يصح سؤال المرتضی فلم یعلم أصابة المنجم إلا بعد وقوع ما أخبر به کموارد اتفقت الموافقة، وأما إذا لم تقع موافقة فيحمل على خطئهم في الحساب، فإنه لا ريب أن خطأهم أكثر من صوابهم، ولو فرض اصابته فالناس لا يقدرون على خلافه.(2)

وفي كتاب النظامي العروضي المترجم بچهار مقاله في الحكاية الثانية من العشر التي نقلها في اصابات المنجمين: ان محمود الغزنوي كان في غزنین جالسا على سطح قصره الذي كان في بستانه الذي كان له ألف شجر، وكان للقصر أربعة أبواب، فقال لأبي ريحان البيروني: احكم من النجوم اني أخرج من أي باب من هذه الأبواب، واكتب ذلك في رقعة، واجعلها تحت فراشي، فأخذ أبو ریحان

ص: 379


1- الأمالي للمر تضی:386/2؛ فرج المهموم: 47.
2- بهج الصباغة:195/7.

الأسطرلاب، وأخذ الارتفاع، و تفكر ساعة، ثم كتب شيئا، وجعله تحت فراش السلطان، فأمر السلطان بإحضار الفعلة، واحداث باب خامس، ففعلوا، وخرج منه، ثم طلب ورقة أبي ريحان، فرأى أنه كتب: ان السلطان لا يخرج من هذه الأبواب، بل من باب آخر يحدثه. فغضب لاصابته، لأنه أراد أخذ الخطأ عليه، فحكم أن يرموه من سطح القصر إلى الأرض ففعلوا.

وكان قنص هناك مشدود على الجدار، فوقع فيه، فخرقه، ووصل إلى الأرض هينا بحيث لم يصله جرح، فلما رأى ذلك السلطان طلبه وقال: هل علمت باسقاطك من القصر؟ قال: نعم. قال: حجتك، فقال: يا غلام ایتني بالتقويم، فأخرج تحويله منه، فرأى أنه كتب في أحكام ذلك اليوم انه يهوی به من موضع مرتفع ولكنه يسلم، فغضب محمود ثانية لإصابته وأمر بحبسه.(1)

ومن إصاباتهم: ذکر أبو سهل بن نوبخت أمرني المنصور لما أراد بناء بغداد بأخذ الطالع، ففعلت، فإذا الطالع في الشمس وهي في القوس، فخبرته بما تدل النجوم عليه من طول بقائها، وكثرة عمارتها، وفقر الناس إلى ما فيها. ثم قلت: وأخبرك خلة أخرى أسرك بها. قال: وما هي؟ قلت: نجد في أدلة النجوم انه لا يموت بها خليفة أبدا حتف أنفه، فتبسم، قال: ولذلك يقول عمارة بن عقیل:

قضى ربها ألا يموت خليفة *** بها انه ما شاء في خلقه يقضي

قال: والمنصور مات وهو حاج، و المهدي بماسبذان، والهادي بعيساباد قرية أو محلة بالجانب الشرقي من بغداد، و الرشید بطوس، وقتل الأمين بالجانب الشرقي، ومات المأمون بالبذندون، ومات المعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر وباقي

ص: 380


1- بهج الصباغة:195/7.

الخلفاء بسامراء، ثم انتقل الخلفاء إلى التاج من شرقي بغداد، وتعطلت مدينة المنصور منهم.(1)

قال التستري رحمه الله: وأخطأ أبو سهل و المنصور في السرور بعدم موت خليفة فيها، فان لفظه کان سرورا، ومعناه كان حزنا، لأن معناه أن خلفاءها يموتون غرباء بعيدين عن دار ملكهم.(2)

سِيرُوا عَلَى اِسْمِ اَللَّهِ

قال الشاعر:

لا يمنعك من بغاء الخير تعقاد التمائم *** ان الاشائم کالأيامن والأيامن کالأشائم(3)

عَنْ عَبْدِ اَلْمَلِكِ بْنِ أعْيَنَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِاَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنِّي قَدِ ابْتُلِيتُ بِهَذَا الْعِلْمِ فَأُرِيدُ الْحَاجَةَ فَإِذَا نَظَرْتُ إِلَى الطَّالِعِ ورَأَيْتُ الطَّالِعَ الشَّرَّ جَلَستُ وَلَم أَذْهَبْ فِيهَا وإِذَا رَأَيْتُ الطَّالِعَ الْخَيْرَ ذَهَبْتُ فِي الْحاجَةِ فَقالَ لي تَفَضَّي؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: أَخَرْقُ كُتُبَكَ.(4)

وفي تاريخ الطبري: نادي علي علیه السلام بالرحيل إلى الخوارج، وخرج، فعبر الجسر، فصلى ركعتين بالقنطرة، ثم نزل دير عبد الرحمن، ثم دير أبي موسى، ثم أخذ على قرية شاهي، ثم على دباها، ثم على شاطئ الفرات، فلقيه في مسيره ذلك

ص: 381


1- معجم البلدان:460/1- 461.
2- بهج الصباغة:198/7.
3- تفسير مجمع البيان:475/1.
4- من لا يحضره الفقيه:267/2؛ ح 2402؛ بحار الأنوار: 55 / 272، ح 59.

منجم أشار عليه بسیر وقت من النهار وقال له: ان سرت في غير ذلك الوقت لقيت أنت وأصحابك ضرا شديدا، فخالفه وسار في الوقت الذي نهاه، فلما فرغ من النهر قال: لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها المنجم لقال الجهال سار في تلك الساعة فظفر.(1)

وفيه: لما أراد علي علیه السلام المسير إلى أهل النهر من الأنبار قدم قیس بن سعد بن عبادة، وأمره أن يأتي المدائن فينزلها حتى يأمره بأمره، ثم جاء مقبلا ووافاه قیس وسعد بن مسعود الثقفي بالنهر - إلى أن قال بعد ذکر اتمامهم علیه السلام الحجة عليهم: - تنادوا لا تكلموهم، فعبأ على الناس، فجعل على ميمنته حجر بن عدي، وعلى میسر ته شبث أو معقل بن قیس الرياحي، وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري، وعلى الرجالة أبا قتادة الأنصاري، وعلى أهل المدينة قیس بن سعد بن عبادة، وعبأت الخوارج، فجعلوا على ميمنتهم زید بن حصين الطائي، وعلی میسر تهم شریح بن أو في العبسي، وعلى خيلهم حمرة بن سنان الأسدي، وعلى الرجالة حرقوص بن زهير السعدي - إلى أن قال: - فوالله ما لبثوهم أن أناموهم.(2)

هذا، ومر امرؤ القيس في مسيره إلى بني أسد ليثأر بأبيه بتبالة(3)، وبها صنم للعرب تعظمه يقال له ذو الخلصة، فاستقسم عنده بقداحه - وهي ثلاثة الآمر والناهي والمتربص - ثم أجالها ، فخرج الناهي، ثم أجالها فخرج الناهي، ثم أجالا فخرج الناهي، فجمعها، وكسرها، وضرب بها وجه الصنم، وقال له: مصصت بظر

ص: 382


1- تاريخ الطبري:61/4، سنة 37.
2- تاريخ الطبري:61/4- 64، سنة 37.
3- تبالة: موضع بين مكة واليمن على مسيرة سبع ليال من مكة.

أمك لو أبوك قتل ما عقتني، ثم خرج فظفر ببني أسد.(1)

وكتبوا من خطئهم ما في التقريب: فتح المعتصم عمورية، وكان المنجمون أجمعوا على أنها لا تفتح في تلك الغزاة، قال أبو تمام:

أين الرواية أو أين النجوم وما *** صاغوه من زخرف فيها ومن كذب(2)

ومن صوابهم ما في حكماء القفطي: حکی ابن نصر الكاتب أن بعضهم خاطر مخرج الضمير المنجم على دنانير في إخراج ما خبأ له، فخرج الضمير الزايجة ولم يزل يقول خبأت جوهرا من جواهر الأرض لا طعم له ولا رائحة. ثم قال: وهو حجر، ثم رمى عمامته عن رأسه ومضى إلى السوق على تلك الحال وعاد وقال خبأت مسنا مثل هذا - ورمی من يده قطعة من مسن - وأخذ الدنانير قلنا لم عدوت مکشوف الرأس قال: دلني کوکب على لون وكوكب آخر على لون غيره و تقابلت الدلالتان فلم تعلق احداهما بالأخرى، ولم أدر إذا ما امتزجا ما اللون الذي يخرج بينهما، وعمی قلبي من الفكر، فكشفت رأسي وعدوت إلى الصباغ وقلت له: إذا مزجت اللون الفلاني باللون الفلاني أي شيء يخرج بينهما قال مسني فقلت هو مسن زجرا و تخمینا، فخرج الحدس صحيحا.(3)

وفي الصحاح: والمسن حجر يحدد به.(4)

وما فيه قال الحسن بن رافع الكاتب: جلست في بعض الدكاكين الشارعة على طريق أحمد بن طولون قبل أن يدخل مصر بساعة، والناس مجتمعون لتأمله عند

ص: 383


1- الأغاني :65/9.
2- تاريخ الإسلام:395/16؛ تاریخ الخلفاء: 362 - 363.
3- اخبار العلماء باخبار الحكماء:250/1.
4- الصحاح للجوهري:2140/5.

دخوله، وجلس معي شاب مکفوف ينسب إلى قبيل صاحب الملاحم المعروف بالمكفوف الملاحمي، فسأله رجل عما يجده في كتبهم له، فقال: هذا رجل صفته كذا وكذا، ويتقلد وولده قريبا من أربعين سنة. فما تم كلامه حتى مر بنا ابن طولون، وكان كما ذكر لم يغادر شيئا منه. واتفق أن نظر بعض المنجمين في مصر طالع الدخول في الاسطرلاب، فكان ثلاث عشرة درجة من برج العقرب، فقال بعض من له يد في الحكم النجومي: هذا طالع من قامت به دولة بني العباس، فان صدق الحكم يملك هذا البلد ويملکه قوم من نسله قرآنین، وهو قريب من أربعين سنة، فعجب الحاضرون من اتفاق القولين في ذلك. وكان الأمر كما قيل، فإنه ملك وولده وولد ولده ثمانية وثلاثين سنة.(1)

ويشهد بصحة هذا العلم في الجملة وعلى أن له أصلا الأخبار والاعتبار.

أما الأخبار فهي كثيرة لا تحصى.

منها روايتا الاحتجاج و البحار السالفتان.

ومنها عن معلی بن خنیس قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن النجوم أحق هي؟ قال: نعم إن الله عز وجل بعث المشتري إلى الأرض في صورة رجل فأخذ رجلا من العجم فعلمه النجوم حتى ظن أنه قد بلغ، ثم قال له: انظر أين المشتري، فقال: ما أراه في الفلك وما أدري أين هو، قال: فنحاه وأخذ بيد رجل من الهند فعلمه حتى ظن أنه قد بلغ، وقال: انظر إلى المشتري أين هو فقال: إن حسابي ليدل على أنك أنت المشتري، وقال فشهق شهقة فمات وورث علمه أهله فالعلم هناك .(2)

ص: 384


1- اخبار العلماء باخبار الحكماء:249/1.
2- الكافي: 330/8 ، ح 507؛ بحار الأنوار:271/55، ح 58.

ومنها: ما في كتاب النجوم عَنِ الرَّيَّانِ بنِ الصَّلتِ وذَكَرَ اجْتِمَاعَ العُلَماءِ بِحَضْرَةِ المَأمونِ وَظُهُورِ حُجَّتِهِ عَلَى جيع الْعُلَمَاءِ وحُضُورُ الصَّبَّاحِ بْنِ نَصْرٍ الهِنْدِيَّ عِندَ مَوْلانَا الرَّضَاعَلَيْهِ السَّلامُ وَسُؤَالَهُ عَنْ مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا سُؤَالُهُ عَنْ عِلْمِ اَلنُّجُومِ فَقَالَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ مَا هَذَا لَفْظُهُ:

هُوَ عِلْمٌ فِي أَصْلِ صَحِيحِ ذَكَرُوا أَنَّ أَوَّلَ مِنْ تَكَلُّمٍ فِي النُّجُومِ إِدْریس وکان ذُو القرنین بِهَا مَاهِرَا وَأَصْلُ هَذَا الْعِلْمِ مِنْ عِنْدَ اللهِ عِزِّ وَجَلٍّ وَيُقَالُ إِنَّ اللهَ بَعْثِ النَّجْمِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ المشتري فِي صُورَةِ رَجُلِ فَاتِيِّ بَلَدِ الْعَجَمِ فَعِلْمِهِمْ فِي حَديثُ طَوِيلُ فَلَمْ يَسْتَكْمِلُوا ذَلِكَ فأتْی بَلَدَ الهنډ فَعَلِمَ رَجُلَا مِنْهُمْ فَمِنْ هُنَاكَ صَارَ عِلْمُ النُّجُومِ بِهَا وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ هُوَ عِلْمٌ مِنْ عِلْمِ اَلْأَنْبِيَاءِ خُصُّوا بِهَا لأسباب شَتي فَلَمْ يَسْتَدْرِكِ الْمُنَجِّمُونَ اَلدَّقِيقَةَ فِيهَا فَشَابُوا اَلْحَقَّ بِالْكَذِب.

هذا آخر لفظ مولانا علي بن موسی الرضا علیه السلام في هذه الرواية الجليلة الأسناد وقوله علیه السلام حجة على العباد، وقوله علیه السلام ذكروا ويقال فان عادته (عادتهم علیه السلام ) عند التقنية من المخالفين والعامة يقول نحو هذا الكلام وتارة يقول كان أبي يقول وتارة روي عن رسول الله صلی الله علیه واله وسلم.(1)

وَمِنْهَا: فِي كِتَابِ النُّجُومِ أَيْضًا وَجَادَّةً فِي كِتَابِ عَتِيقِ عَنْ عَطَاءِ قَالَ: قِيلَ لعلی بْن أَبِي طَالِبُ علیه السُّلَّامَ: هَلْ كَانَ لِلنُّجُومِ أَصْلٌ ؟ قَالَ: نِعْمَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَالٌ لَهُ قَوْمٌ: إِنَّا لَا نُومِنُ بِكَ حَتَّى تَعَلُّمِنَا بَدْءَ الْخَلْقِ وَآجَالِهِ فَأَوْحَى اللهُ عِزُّ وَجَلٌّ إِلَى غَمَامَةٍ فامطرتهم وَاِسْتَنْقَعَ حَوْلَ الْجَبَلِ مَاءَ صَافٍ ثُمَّ أَوْحَى اللهُ عِزِّ وَجَلٍّ إِلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ أَنَّ تَجَرِيَّ فِي ذَلِكَ الْمَاءِ ثُمَّ أَوْحَى اللهُ عِزِّ وَجَلٍّ إِلَى ذَلِكَ النَّبِيِّ أَنَّ

ص: 385


1- فرج المهموم: 94، بحار الأنوار:245/55، ح 26.

يَرْتَقِي هُوَ وُقُومُهُ عَلَى اَلْجَبَلِ فار تَقُوا اَلْجَبَلَ فَقَامُوا عَلَى اَلمَاءِ حَتَّى عَرَفُوا بَدَهَ اَلخَلْقِ وآجالَهُ بِمَجَارِي اَلشَّمْسِ والْقَمَرِ وسَاعَاتِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ وكَانَ أَحَدُهُمْ يَعْلَمُ مَتَى يَمُوتُ وُمْتى يَمْرَضُ مَن ذا الَّذي يُولَدُ لَهُ وَمَن ذَا الَّذي لا يُولَدُ لَهُ فَتَقواكِلُكَ بُرْهَةٌ وَ دَهْرُهُم.

ثُمَّ إ دَاؤُد عليْهِ السَّلامُ قَاتِلُهُمْ عَلَى اَلْكُفْرِ فَاخْرُجُوا إِلَى دَاؤُدٍ فِي الْقِتَالِ مَن لَم يَحضُر أجَلُهُ وَمَن حَضَرَهُ أجَلُهُ خَلَّفُوهُ

فِي بُيُوتِهِمْ فَكَانَ يُقْتَلُ مِنْ أصْحَابِ دَاؤُد عليهِ السَّلامُ وَلا يُقْتَلُ مِن هَؤُلاءِ أَحَدٌ قَالَ دَاوَدَعَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ رَبِّ أُقَاتِلُ عَلَى طَاعَتِكَ وَيُقَاتِلُ هَؤُلاءِ عَلَى مَعْصِيَتِكَ يُقْتَلُ أَصْحَابِي ولا يُقْتَلُ مِن هَؤُلاءِ أَحَدٌ فَأَوْحَى اللَّهُ عز و جل أنِّي كُنْتُ قَد عَلَّمْتُهُم بَدءَ الخَلْقِ وَآجَالَهُ وإنَّما أَخْرَجُوا اِلَيْكَ مَنْ لَمْ يَحضُر أَجَلُهُ ومَنْ حَضَرَ أَجَلُهُ خَلَّفُوهُ فِي بُيُوتِهِمْ فَمِنْ ثَمَّ يُقْتَلُ مِنْ أَصْحَابِك ولا يُقْتَلُ مِنْهُمْ أَحَدٌ قالَ دَاؤُدٌ عَلَيهِ السَّلامُ عَلَى مَاذَا عَلَّمْتُهُم؟

قَالَ تَعَالَى: عَلَى مجاري الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَسَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.

قَالَ: فَدَعَا اللهُ عِزِّ وَجَلٍّ فَحَبَسَ الشَّمْسَ عَلَيْهُمْ فَزَادَ فِي النَّهَارِ وَاِخْتَلَطَتِ الزِّيَادَةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَمْ يَعْرُفُوا قَدْرَ الزِّيَادَةِ فَاِخْتَلَطَ حِسَابُهُمْ.

قَالَ عَلِيُّ علیه السُّلَّامَ: فَمَنْ ثُمَّ كَرْهُ النَّظَرِ فِي عِلْمِ النُّجُومِ.

ورواه فيه أيضا عن الدر المنثور، نعم زاد فيه أن النبي المذكور كان يوشع بن نون.(1)

ومنها: ما رواه یونس بن عبد الرحمن قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام جعلت فداك أخبرني عن علم النجوم ما هو؟ قال علیه السلام: هو علم من علم الأنبياء، قال: فقلت: كان

ص: 386


1- فرج المهموم: 22؛ بحار الأنوار:236/55- 237، ح 17 و 18.

علي بن أبي طالب علیه السلام يعلمه؟ فقال: كان أعلم الناس به.(1)

والأخبار في هذا المعنى كثيرة لا نطيل بذكرها.

وأما الاعتبار فهو إنا قد سمعنا تظافرا بل تواترا وحصل لنا العلم وجدانا بأن من المنجمين من حصل له العلم بجملة من الحوادث الاستقبالية في موارد شتی من طريق النجوم و حكموا فيه فكان حكمه مطابقا للواقع ولا بأس بالاشارة إلى بعض تلك الموارد تأیید او استظهارا.(2)

فمنها: دلالة النجوم على نبؤة نوح ففي كتاب التجمل باسناده عن جمیل، عن زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام عمن ذكره قال: قد كان علم نبؤة نوح بالنجوم .(3)

ومنها: دلالتها على إبراهيم ففي كتاب التجمل:أَنَّ آزَرَ أَباً(4) إبْراهِيمَ عَلَيهِ السَّلاَمُ كَانَ مُنَجِّماً لِنُمرودَ وَلَم يَكُن يَصدُرُ إِلاَّ عَن أمرِهِ فَنَظَرَ لَيلَةً في النُّجومِ فَأَصْبَحَ وَهُوَ يَقُولُ لِنُمْرُودَ لَقَدْ رَأَيْتُ عَجَبٌ قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ رَأَيْتُ مَوْلُوداً يُولَدُ فِي زَمَانِنَا يَكُونُ هَلاَكَتا عَلَى يَدِيهِ وَلَا يَلْبَثُ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يَخْمُلُ بِهِ قَالَ: فَتُعْجِبُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: هَلْ حَمَلَتْ بِهِ النِّسَاءُ ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَحَجَبَ النِّسَاءُ عَنِ اَلرِّجَالِ فَلَمْ يَدَعِ اِمْرَأَةً إِلَّا جَعَلَهَا فِي الْمَدِينَةِ لَا يَخْلُصُ إِلَيْهَا بَعْلُهَا.

ص: 387


1- فرج المهموم: 2؛ بحار الأنوار:235/55، ح 15.
2- منهاج البراعة:285/5.
3- فرج المهموم: 24؛ بحار الأنوار:235/55، ح 16.
4- اختلفوا أن المراد منه هو الوالد أو العم أو الجد الأمي أو الكبير المطاع و منشأ ذلك اختلاف الروايات فمنها ما يتضمن أين آزر كان والده ومنها ما يدل على أنه لم يكن والده وأن والده كان موحدا غير مشرك وما يدل على أن آباء النبي صلی الله علیه واله وسلم كانوا جميعا موحدین غیر مشرکین وورد في عدة روايات أن اسم أبيه «تارح» بالحاء المهملة أو المعجمة (الميزان في تفسير القرآن:162/7).

قال : ووَقَعَ ازْرِ على أهْلِهِ فَعَلِقَت بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَظَنَّ أَنَّهُ صَاحِبُهُ فَأَرْسَلَ إِلَى قَوَابِلِ ذَلِكَ اَلْمزْمَانِ وَ كُن أَعْلَمُ النَّاسِ بِالْجَنِينِ ولا يَكُونُ فِي الرَّحِمِ شَيءٌ إِلاَّ عَرَفْنَهُ وعَلِمْنَ بِهِ فَنَظَرْنَ فَالزَم اللَّهُ عز و جل ما في الرَّحِمِ إلى اَلظَّهْرِ فَقُلْنَ مَا نَرَى فِي بَطْنِهَا شَيْئاً قَالَ وَكَانَ فِيمَا أُوتِيَ مِنَ الْعِلْمِ أَنَّهُ سَيُحْرَقُ بالنارولم يُؤْتَ عِلْمَ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَي سَيُنْجِيهِ مِنْهَا .(1)

قال المجلسي رحمه الله: وقد روي هذا الحديث علي بن إبراهيم في كتاب تفسير القرآن بأبسط من هذه الرواية ورواه أيضا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في الجزء الأول من تاريخه، ورواه أيضأ سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب قصص الأنبياء، ورواه الثعلبي في تفسيره وغيره من العلماء.(2)

ومنها: دلالتها على نبؤة موسی علیه السلام وكتب التواریخ مشحونة بذلك فمن ذلك ما رواه الثعلبي في كتاب العرائس والمجالس قال: إن فرعون رأى في منامه أن نارا قد أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصرفأ حرقتها وأحرقت القبط و ترکت بني إسرائيل فدعا فرعون السحرة والكهنة والمعبرين والمنجمین وسألهم عن رؤياه فقالوا له: إنه يولد في بني إسرائيل غلام يسلبك ملكك ويغلبك علی سلطانك ويخرجك وقومك من أرضك ويذل دينك وقد أظلك زمانه الذي يولد فيه.(3)

ومنها: دلالتها على نبوة عيسی علیه السلام ففي كتاب النبوة لابن بابویه في باب سياقه حدیث عیسی ابن مریم علیه السلام فقال ما هذا لفظه: وقدم عليها وفد من عظماء المجوس

ص: 388


1- الكافي:366/8، ح 558؛ فرج المهموم: 24؛ بحار الأنوار:237/55، ح 19.
2- بحار الأنوار:238/55.
3- فرج المهموم: 27؛ بحار الأنوار:238/55.

زائرین معظمين لأمر ابنها وقالوا إنا قوم ننظر في النجوم فلما ولد ابنك طلع بمولوده نجم من نجوم الملك فنظرنا فيه فإذا ملكه ملك نبوة لا يزول عنه ولا يفارقه حتى يرفعه إلى السماء فيجاور ربه عز وجل ما كانت الدنيا مكانها ثم يصير إلى ملك هو أطول وأبقى مما كان فيه فخرجنا من قبل المشرق حتی رفعنا إلى هذا المكان فوجدنا النجم متطلعا عليه من فوقه فبذلك عرفنا موضعه وقد أهدينا له هدية جعلناها له قربانا لم يقرب مثله لأحد قط وذلك أنا وجدنا هذا القربان يشبه أمره وهو الذهب والمر واللبان لأن الذهب سيد المتاع كله وكذلك ابنك هو سيد الناس ما كان حيا ولأن المر جبار الجراحات وكذلك ابنك يبرئ الله به الجراحات والأمراض والجنون والعاهات كلها ولأن اللبان يبلغ دخانه السماء ولن يبلغها دخان شيء غيره وكذلك ابنك يرفعه الله عز وجل إلى السماء وليس يرفع من أهل زمانه غيره.(1)

ومنها: دلالتها على النبي صلی الله علیه واله وسلم ففي كتاب دلائل النبوة: جمع أبي القاسم الحسين بن محمد السكوني باسناده عن حسان بن ثابت قال: إني والله لغلام يفعاء[ ليفقه ] إبن سبع أو ثمان سنين أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهوديا وهو على أكمة يثرب يصرخ يا معشر اليهود، فلما اجتمعوا قالوا: ويلك ما لك؟ قال: طلع نجم أحمد الذي يبعث به الليلة.

قال: ووجدت كتابا عندنا الآن اسمه كتاب اليد الصيني عمله کشینا ملك الهند يذكر فيه تفصیل دلالة النجوم على نبؤة نبينا محمد صلی الله علیه واله وسلم.(2)

ص: 389


1- فرج المهموم: 28، بحار الأنوار:238/55.
2- فرج المهموم: 29؛ بحار الأنوار:239/55.

ومنها: موارد متفرقة ذكر السيد بن طاوس رحمه الله في رسالته التي دونها في النجوم وذكر جماعة من العلماء المعتنين بهذا العلم العارفین به تأييدا لصحته(1)

قال المجلسي: والسيد الجليل النبيل علي بن طاووس رحمه الله لأنس قليل له بهذا العلم عمل في ذلك رسالة وبالغ في الإنكار على من اعتقد أن النجوم ذوات إرادة أو فاعلة أو مؤثرة واستدل على ذلك بدلائل كثيرة وأيده بكلام جم غفير من الأفاضل إلا أنه أنكر على السيد الأجل المرتضی رحمه الله في تحريمه وذهب إلى أنه من العلوم المباحات وأن النجوم علامات ودلالات على الحادثات لكن يجوز للقادر الحكيم أن يغيرها بالبر والصدقة والدعاء وغير ذلك من الأسباب والدواعي على وفق إرادته وحكمته وجوز تعليم علم النجوم و تعلمه والنظر فيه والعمل به إذا لم يعتقد أنها مؤثرة وحمل أخبار النهي والذم على ما إذا اعتقدت ذلك ثم ذكررحمه الله تأييد الصحة هذا العلم أسماء جماعة من الشيعة كانوا عارفين به .(2)

وممن اشتهر بعلم النجوم من المنسوبين إلى مذهب الإمامية الفضل بن سهل وزير المأمون فروی محمد بن عبدوس الجهشیاري وغيره ما معناه أنه لما وقع بين الأمين والمأمون ما وقع واضطربت خراسان وطلب جند المأمون أرزاقهم وتوجه علي بن عیسی بن ماهان من العراق لحرب المأمون وصعد المأمون إلى منظرة للخوف على نفسه من جنده ومعه الفضل وقد ضاق عليه مجال التدبير وعزم على مفارقة ما هو فيه أخذ الفضل طالعه ورفع أسطرلابه فقال له ما تنزل هذه المنزلة إلا خليفة غالبا لأخيك الأمين فلا تعجل وما زال يسكنه ويثبته حتی ورد عليهم في تلك الساعة رأس ابن ماهان وقد قتله طاهر وثبت ملکه وزال ما

ص: 390


1- فرج المهموم: 30.
2- بحار الأنوار:298/55.

كان يخافه وظفر بالأمان.

وروی خبرا آخر مثل ذلك.(1)

ثم قال: ومن كان عالما بالنجوم من المنسوبين إلى الشيعة الحسن بن سهل ثم ذكر ما أخرجنا من العيون في أبواب تاريخ الرضا علیه السلام من حديث الحمام وقتل الفضل فيه .(2)

والرواية في العيون بسنده عن ياسر الخادم يذكر فيها خروج الرضا علیه السلام والمأمون وذي الرياستين من مرو إلى المدينة وفيها:

وخَرَجَ المَأْمونُ وخَرَجْنَا مَعَ الرِّضَا عليهِ السَّلامُ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ وَ نَحْنُ فِي بَعْضِ اَلْمَنَازِلِ وَرَدَ عَلَى ذِي الرئاستَيْنِ كِتَابٍ مِنْ أَخِيهِ اَلْحَسَنِ بْنِ سَهْلٍ أَنِّي نَظَرْتُ فِي تَحْوِيلِ هَذِهِ اَلسَّنَةِ فِي حِسَابِ اَلنُّجُومِ وَ وَجَدْتُ فِيهِ أَنَّكَ تَذُوقُ في شَهْرِ كَذَا يَؤُمُّ الأربِعاءَ حَرَّ الحَدِيدِ وَ حَرَّ النَّارِ وأَرى أن تَدخُلَ أنتَ وَالرِّضا وَأَميرُ المُؤْمِنِينَ الحَمَّامَ في هَذا اليَومِ فَتَحتَجِمَ فيهِ وَتَصُبَّ اَلدَّمُ عَلَى بَدَنِكَ لِيَزُولَ نَحْسُهُ عَنْكَ.

فَبَعَثَ الْفَضْلُ إِلَى الْمَأْمُونِ وَكُتُبٍ إِلَيْهِ بِذَلِكَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ مَعَهُ وَيَسْأَلُ أَبَا الْحُسْنِ علیه السُّلَّامَ أَيْضًا ذَلِكَ فَكَتَبَ الْمَأْمُونُ إِلَى الرِّضَا علیه السُّلَّامَ رُقْعَةً فِي ذَلِكَ وَسَأَلَهُ فَكَتَبٍّ إِلَيْهِ أَبُو الْحُسْنِ علیه السُّلَّامَ لَسْتَ بِدَاخِلٍ غَدَا الْحَمَامُ وَلَا أَرَى لَكَ يَا أَميرُ المؤمنین أَنَّ تَدْخُلُ الْحَمَامُ غَدَا وَلَا أَرَى لِلْفَضْلِ أَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ غَدَا فَأُعَادُ إِلَيْهِ الرُّقْعَةَ مَرَّتَيْنِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَم السِّتُّ بِدَاخِلٍ غَدا اَلْحَمَّامَ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَالِه وسلمَ فِي اَلنُّؤْمِ فِي هَذِهِ اَللَّيْلَةِ يَقُولُ لِي يَا عَلِيُّ لاَ تَدْخُلِ اَلْحَمَّامَ غَداً فَلاَ أَرَى لَكَ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَلا

ص: 391


1- فرج المهموم: 133؛ بحار الأنوار:301/55.
2- نفس المصدر.

لِلْفَضْلِ أَنَّ تَدْخُلَا الْحَمَامُ غَدَا فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمَأْمُونَ صَدَّقَتْ يَا سَيِّدِي وَصَدَّقَ رَسُولُ اللهِ لَسْتَ بِدَاخِلٍ غَدَا الْحَمَامُ وَالْفَضْلُ وَ أعْلَمُ مَا يَفْعَلُهُ.

قَالَ يَاسِرٌ: فَلَمَّا أَمْسِيِّنَا وَغَابَتِ الشَّمْسُ فَقَالٌ لَنَا الرِّضَا علیه السُّلَّامَ قُولُوا نَعُوذُ بالله مِنْ شَرٍّ مَا يُنْزِلُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَأَقْبَلُنَا تَقُولُ كَذَلِكَ فَلَمَّا الرِّضَا علیه السُّلَّامَ الصُّبْحَ قَالٌ لَنَا قُولُوا نَعُوذُ بالله مِنْ شَرٍّ مَا يُنْزِلُ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَمَا زَلِّنَا نَقُولُ ذَلِكَ.

فَلَمَّا كَانَ قَرِيبَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ الرِّضَا علیه السُّلَّامَ اِصْعَدِ السَّطْحَ فَاِسْتَمَعَ هَلْ تَسَمُّعُ شَيْئًا فَلَمَّا صَعِدَتْ سَمِعَتِ الصَّيْحَةُ «الضجة خ ل» وَالنَّحِيبُ وَكُثْرُ ذَلِكَ فَإذاً بِالْمَأْمُونِ قَدْ دَخَلَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي كَانَ إِلَى دَارِهِ مِنْ دَارٍ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ يَا سَيِّدِي يَا أَبَا اَلْحَسَنِ آجَرَكَ اَللَّهُ فِي اَلْفَضْلِ وَ كان دَخَلَ الْحَمَّامَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ قُؤم بِالسُّيُوفِ فَقَتَلُوهُ وأُخِذَ مَن دَخَلَ عَلَيهِ في الْحَمَّامِ وكَانُوا ثَلاثَةَ نَفَرٍ أحَدُهم ابْنُ خَالَةِ الْفَضلِ ذُو القُلَمَيْنِ قالَ وَاجْتَمَع الْقُوَّادِ والجُنْدِ ومَن كانَ مِن رِجَالِ ذِي الرِّئَاسَتَيْنِ عَلَى بَابِ اَلْمَأْمُونِ فَقَالُوا اغْتالَهُ وَقَتَلَهُ فَلَنَطْبَنَّ بِدَمِهِ.

فَقَالَ اَلْمَأْمُونُ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا سَيِّدِي تَرَى أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِم وَتُفَرِّقَهُم قالَ ياسِرٌ فَرَكِبَ الرِّضا عليهِ السَّلاَمُ وَقَالٌ لِي اِرْكَبْ فَلَمَّا خَرَّجَنَا مِنَ الْبَابِ نَظَرَ الرِّضَا علیه السُّلَّامَ إِلَيْهِمْ وَقَدِ اِجْتَمَعُوا وَجَاءُوا بِالنِّيَرَانِ لِيُحْرِقُوا الْبَابَ فَصَاحٍ بِهُمْ وَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ بِيَدِهِ تُفَرِّقُوا، فَتُفَرِّقُوا.

قَالَ يَاسِرٌ: فَاِقْبَلِ النَّاسَ وَاللهَ يُقْعِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضِ وَمَا أَشَارَ إِلَى أحَدٍ إِلَّا رَكَضَ وَمَرَّ وَلَمْ يَقِفْ بِهِ.(1)

ثم قال السيد: رأيت في كتاب الوزراء جمع عبد الرحمن بن المبارك أنه ذكر

ص: 392


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام:163/2 بحار الأنوار:168/49.

محمد بن سعيد أنه وجد علی کتاب من کتب ذي الرئاستين بخطه هذه السنة الفلانية التي تكون فيها النكبة وإلى الله نرغب في دفعها وإن صح من حساب الفلك شيء فالأمر واقع فيها لا محالة ونسأل الله تعالى أن يختم لنا بخير بمنه وكان يعمل لذي الرئاستين تقويم في كل سنة فيوقع عليه هذا يوم يصلح لكذا ويجنب في هذا اليوم كذا فلما كان في السنة التي قتل فيها عرض عليه اليوم (التقويم) فجعل يوقع فيه ما يصلح حتى انتهى إلى اليوم الذي قتل فيه فقال أف لهذا اليوم ما أشره علي ورمی بالتقويم.

وروي عن أخت الفضل قالت: دخل الفضل إلى أنه في الليلة التي قتل في صبيحتها فقعد إلى جانبها وأقبل يعظها و يعزيها عن نفسه ويذكرها حوادث الدهر وتقضي أمور العباد ثم قبل صدرها و ثديها وودعها وداع المفارق ثم قام فخرج وهو قلق منزعج لما دله عليه الحساب فجعل ينتقل من موضع إلى موضع ومن مجلس إلى مجلس و امتنع عليه النوم فلما كان في السحر قام إلى الحمام وقدر أن يجعل غمه وحرارته وكربه هو الذي دلت عليه النجوم وقدمت له بغلة فركبها وكان الحمام في آخر البستان فکبت به البغلة فسره ذلك وقدر أنها هي النكبة التي كان يتخوفها ثم مشى إلى الحمام ولم يزل حتى دخل الحمام فاغتسل فيه فقتل.(1)

قال: ومن المذكورين بعلم النجوم بوران بنت الحسن بن سهل وجدت في مجموع عتيق أن بوران كانت في المنزلة العليا بأصناف العلم لا سيما في النجوم فإنها برعت فيه وبلغت أقصى نهايته وكانت ترفع الأصطرلاب كل وقت و تنظر إلى مولد المعتصم فعثرت يوما يقطع عليه سببه الخشب.

ص: 393


1- فرج المهموم: 135؛ بحار الأنوار: 55 / 301 - 302

فقالت لوالدها الحسن: انصرف إلى أمير المؤمنين وعرفه أن الجارية فلانة قد نظرت إلى المولد ورفعت الأصطرلاب فدل الحساب والله أعلم أن قطعا يلحق أمير المؤمنين من خشب في الساعة الفلانية من يوم بعينه.

قال الحسن: يا قرة العين يا سيدة الحرائر إن أميرالمؤمنين قد تغير علينا وربما أصغى إلى شيخك بخلاف ما يقتضيه وجه المشورة والنصيحة قالت يا أبت وما عليك من نصيحة إمامك لأنه خطر بروح لا عوض منها فإن قبلها وإلا كنت قد أديت المفروض عليك.

قال: فانصرف الحسن إلى المعتصم وعرفه ما قالت بوران قال المعتصم أيها الحسن أحسن الله جزاءها وجزاءك انصرف إليها وخصها عني بالسلام و اسألها ثانيا واحضر عندي اليوم الذي عينت عليه ولازمني حتى ينصرم اليوم ويذهب فلست أشاركك في هذه المشورة والتدبير أحدا من البشر.

قال: فلما كان صباح ذلك اليوم دخل عليه الحسن فأمر المعتصم حتى خرج كل من في المجلس وخلا إليه وأشار عليه أن ينتقل عن المجلس السقفي إلى مجلس ابن أرخى لا يوجد فيه وزن درهم واحد من الخشب.

وما زال الحسن يحدثه والمعتصم يمازحه وينشطه حتى أظهر النهار وضربت نوبة الصلاة فقام المعتصم ليتوضأ فقال الحسن لا تخرج أمير المؤمنين عن هذا المجلس ويكون الوضوء والصلاة وكل ما تريده فيه حتى ينصرم اليوم.

فجاء خادم ومعه المشط والسواك فقال الحسن للخادم امتشط بالمشط واستك بالسواك فامتنع وقال كيف أتناول الة أمير المؤمنين قال المعتصم ويلك امتثل قول الحسن ولا تخالف ففعل فسقطت ثناياه وانتفخ دماغه وخر مغشيا عليه ورفع ميتا

ص: 394

وقام الحسن ليخرج فاستدعاه المعتصم واحتضنه ولم يفارقه حتى قبل عينيه ورد على بوران أملاكا وضياعا وكان ابن الزيات حلها عنها (سلبها منها) وذكر مثله برواية أخرى.(1)

وروي من كتاب الوزراء لمحمد بن عبدوس عن إسماعيل بن صبيح قال : كنت أكتب يوما بين يدي يحیی بن خالد البرمكي فدخل عليه جعفر بن يحيى فلما رآه صاح و أعرض بوجهه عنه وقطب وكره رؤيته فلما انصرف قلت له: أطال الله بقائك تفعل هذا بابنك وحاله عند أمير المؤمنین حالة لا يقدم عليه ولدا ولا وليا فقال إليك عني أيها الرجل فو الله لا يكون هلاك أهل هذا البيت إلا بسببه.

فلما كان بعد مدة من ذلك دخل عليه أيضا جعفر وأنا بحضرته ففعل مثل ما فعل الأول وأكدت عليه القول فقال أدن مني الدواة فأدنيتها وكتب کلمات يسيرة في رقعة وختمها ودفعها إلي وقال: ليكن عندك فإذا دخلت سنة سبع وثمانين ومائة ومضى فانظر فيها فلما كان في صفر أوقع الرشید بهم فنظرت في الرقعة فكان الوقت الذي ذكره قال إسماعيل وكان يحيى أعلم الناس بالنجوم.(2)

وروي أيضا عن محمد بن عبدوس من كتاب الوزراء عن موسى بن نصر الوصيف عن أبيه قال: غدوت إلى يحیی بن خالد في آخر أمرهم أرید عیادته من علة كان يجدها فوجدت في دهلیزه بغلا مسرجا فدخلت إليه فكان يأنس بي ويفضي إلي بسته فوجدته مفكرا مهموما ورايته مستخليا مشتغلا بحساب النجوم وهو ينظر فيه فقلت له: إني لما رأیت بغلا مسرجا سرني لأني قدرت انصراف العلة

ص: 395


1- فرج المهموم: 137؛ بحار الأنوار:302/55.
2- فرج المهموم: 140؛ بحار الأنوار: 55 /303.

وإن عزمك الركوب ثم قد غمني ما أراه من همك قال: فقال لي: إن لهذا البغل قصة إني رأيت البارحة في النوم كأني راكبه حتى وافیت رأس الجسر من الجانب الأيسر فوقفت فإذا صائح يصيح من الجانب الآخر:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا *** أنيس ولم يسمر بمكة سامر

قال: فضربت يدي على قربوس السرج وقلت:

بلی نحن كنا أهلها فأبادنا *** صروف الليالي والجدود العواثر

ثم انتبهت فلجأت إلى أخذ الطالع فأخذته وضربت الأمر ظهر البطن فوقفت على أنه لا بد من انقضاء مدتنا وزوال أمرنا قال فما كان يكاد يفرغ من كلامه حتى دخل عليه مسرور الخادم بخوان مغطاة وفيها رأس جعفر بن يحيى وقال له يقول لك أمير المؤمنین کیف رأيت نقمة الله في الفاجر فقال له يحيي قل له یا أمير المؤمنين أری أنك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك.(1)

وممن ظهر منه العمل على النجوم البرامكة ذكر عبد الرحمن بن المبارك أن جعفرا لما عزم على الانتقال إلى قصره الذي بناه وجمع المنجمين لاختيار وقت ينتقل فيه فاختاروا له وقتا من الليل فلما حضر الوقت خرج على حمار من الموضع الذي ينزله إلى قصره والطرق خالية والناس ساکنون فلما وصل إلى سوق يحيى رأى رجلا يقول:

يدبر بالنجوم وليس يدري *** ورب النجم يفعل ما يريد

فاستوحش ووقف ودعا بالرجل فقال له أعد علي ما قلت فأعاده فقال ما أردت بهذا؟ قال والله ما أردت به معنی من المعاني لكنه عرض لي وجاء على

ص: 396


1- فرج المهموم: 141؛ بحار الأنوار: 55 /303.

لساني فأمر له بدنانير.(1)

ثم ذكر إصابات كثيرة من المنجمين نقلا من كتبهم ونقل من كتاب ربيع الأبرار أن رجلا أدخل إصبعيه في حلقتي مقراض وقال للمنجم: أي شيء ترى في يدي؟ فقال: خاتمي حديد.(2)

وقال: فقدت في دار بعض الرؤساء مشربة فضة فوجه إلى ابن ماهان يسأله فقال المشربة سرقت نفسهافضحكت منه واغتاظ وقال هل في الدار جارية اسمها فضة أخذت الفضة فكان كما قال .(3)

وقال: سعي بمنجم فأمر بصلبه فقيل له هل رأيت هذا في نجومك؟ فقال: رأيت ارتفاعا ولكن لم أعلم أنه فوق خشبة.(4)

وقال: ومن الملوك المشهورين بعلم النجوم و تقریب أهله المأمون وذكر محمد بن إسحاق أنه كان سبب نقل كتب النجوم وأمثالها من بلاد الروم ونشرها بين المسلمين .(5)

وذكر المسعودي في حديث وفاة المأمون قال: فأمرنا بإحضار جماعة من أهل الموضع فسألهم ما تفسير التديون فقالوا تفسيره مد رجليك فلما سمع المأمون بذلك اضطرب و تطير بهذا الاسم وقال سلوهم ما اسم هذا الموضع بالعربية قالوا اسمه بالعربية الرقة وكان فيما عمل من مولد المأمون أنه يموت بالرقة فلما سمع اسم الرقة عرف أنه الموضع الذي ذكر في مولده وأنه لا يموت إلا بالرقة فمات به

ص: 397


1- فرج المهموم: 148؛ بحار الأنوار:304/55.
2- ربيع الأبرار:86/1؛ فرج المهموم: 192.
3- ربيع الأبرار:86/1؛ فرج المهموم: 192.
4- ربيع الأبرار:87/1؛ فرج المهموم: 192.
5- فرج المهموم: 207؛ بحار الأنوار:305/55.

كما اقتضت دلالة النجوم.(1)

قال الخوئی: فقد بان وظهر منه ومما قدمنا أن الاصابة في النجوم غير عزيزة وإن كان الخطاء فيها كثيرا أيضا إلا أن وقوع الخطاء لا يدل على بطلانها من أصلها وسر کثرة الخطاء هو ما أشرنا إليه سابقا من عسر الضبط والاحاطة بأقطارها.(2)

وإليه الاشارة في خبر عبد الرحمن بن السيابة قال: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللهِ علیه السُّلَّامَ جَعَلَتْ لَكَ الْفِدَاءُ إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إِنَّ النُّجُومَ لَا يَحُلُّ النَّظَرُ فِيهَا وَهِي تُعْجِبُنِي فَإِنَّ كانت تَضُرُّ بدینی فَلَا حَاجَةٌ لِي فِي شَيْءٍ يَضُرُّ بِدِينِيٍّ وَإِنَّ كانت لَا تَضُرْ بدینی فُوَ اللهِ إنْي لِأَشْتَهِيهَا وَأَشْتَهِي النَّظَرَ فِيهَا فَقَالَ: لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ لَا تَضُرْ بدینک ثُمَّ قَالَ: إِنَّكُمْ

تَنظُرونَ في شَيءٍ مِنها كَثِيرُهُ لا يُدرَكُ وَقَليلُهُ لا يُنتَفَعُ بِهِ.(3)

وفي خبر هشام قال : قَالٌ لِي أَبُو عَبْدَاللَّهِ علیه السُّلَّامَ: كَيْفَ بَصَرِكَ بِالنُّجُومِ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا خَلْفُ بِالْعِرَاقِ أَبَصَرٌ بِالنُّجُومِ منِّي فَقَالَ كَيْفَ دَوَرَانُ اَلْفَلَكِ عِنْدَكُمْ قَالَ فَاخَذْتُ قَلَنْسُوَتِي عَنْ رَأْسِي فَأَدَرْتُهَا قَالَ فَقَالَ إِنْ كَانَ اَلْأَمْرُ عَلَى مَا تَقُولُ فَمَا بَالُ بَنَاتِ النَّعْشِ وَالْجَدِي وَالْفَرْقَدَيْنِ لا يُرَوْنَ يَدُورُونَ يَوْماً مِنَ اَلدَّهْرِ فِي اَلْقِبْلَةِ قَالَ قُلْتُ هَذَا وَاللَّهِ شَيْءٍ لا أَعْرِفُهُ ولا سَمِعْتُ أحَداً مِن أَهْلِ اَلْحِسَابِ يَذْكُرُهُ فَقَالَ لِي كَمِ اَلسُّكَيْنَةُ بَيْنَ اَلزُّهَرَةِ جُزْءاً فِي ضُؤْئِهَا قَال: قُلْتُ هَذَا واللَّهِ نَجْمٌ مَا سَمِعْتُ بِهِ ولا سَمِعْتُ أَحَداً مِنَ اَلنَّاسِ يَذْكُرُهُ فَقَالَ سُبْحَانَ اَللَّهِ فأسقطتم نَجْماً بِأَسْرِهِ فَعَلَى مَا تَحْسبون ثم قال فَكَمِ اَلزُّهَرَةُ مِنَ اَلْقَمَرِ جُزْءَأً فِي ضُؤْئِهِ قَالَ قُلْتُ هَذَا شَيْءٌ لاَ

ص: 398


1- مروج الذهب:457/3؛ فرج المهموم: 207.
2- منهاج البراعة للخوئي:297/5.
3- الكافي:195/8، ح 233؛ بحار الأنوار:241/55، ح 21.

يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ : فَكَمِ الْقَمَرُ جُزْءاً مِنَ الشَّمْسِ فِي ضؤئها قَالَ : قِلَّةُ : مَا أَعْرِفُ هَذَا قَالَ : صَدَقْتَ ثُمَّ قَالَ : مَا بَالُ العسکرين يَلْتَقِيَانِ فِي هَذَا حَاسِبُ وَفِيُّ هَذَا حَاسِبُ فیحسب هَذَا لِصَاحِبِهِ بِالظَّفَرِ وَ يَحْسُبُ هَذَا لِصَاحِبِهِ بِالظَّفَرِ ثُمَّ يَلْتَقِيَانِ فَيَهْزِمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فاین کانت النُّحُوسُ قَالَ : فَقُلْتُ : لَا وَ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ ذَلِكَ قَالَ : فَقَالَ : صَدَقْتَ إِنَّ أَصْلَ الْحِسَابِ حَقُّ وَ لَكِنْ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إِلَّا مَنْ عَلِمَ مَوَالِيدَ الْخَلْقِ کلهم.(1)

عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ علیه السَّلَامِ فَقَالَ لَهُ مَرْحَباً يَا سَعْدُ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ بِهَذَا الِاسْمِ سَمَّتْنِي أُمِّي وَ مَا أَقَلَّ مَنْ يَعْرِفُنِي بِهِ فَقَالَ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ علیه السَّلَامَ صَدَقَةُ ياسعد المؤلی فَقَالَ الرَّجُلُ جُعِلْتُ فِدَاكَ بِهَذَا کنت أَلْقَتْ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السَّلَامُ لَا خَيْرَ فِي اللَّقَبِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ :«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»(2)ما صناعتک یا سعد؟ فقال: جعلت فداك إنا أهل بيت ننظر في النجوم لا يقال إن بالیمن أحدا أعلم بالنجوم منا فقال أبو عبد الله علیه السلام كم ضؤ المشتري على ضوء القمر درجه قال الیماني لا أدري قال أبو عبد الله علیه السلام صدقت کم ضؤء المشتري على ضؤء عطاردرجة فقال اليماني لا أدري فقال له أبو عبد الله علیه السلام صدقت فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الإبل فقال الیماني لا أدري فقال له أبو عبد الله علیه السلام صدقت فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت البقر فقال اليماني لا أدري فقال له أبو عبد الله علیه السلام صدقت فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت

ص: 399


1- الكافي :351/8، ح 549؛ بحار الأنوار:243/55، ح 24.
2- الحجرات: 11.

الْكِلَابُ فَقَالَ الْيَمَانِيُّ لَا أَدْرِي فَقَالَ لَهُ أَبُو عبدالله علیه السَّلَامَ صَدَقَةُ فِي قولک لَا أَدْرِي فَمَا زُحَلُ عِندَکّم فّی النَّجْمِ فَقَالَ الیمانی نَجْمٍ نَحْسُ فَقَالَ أَبُو عبدالله علیه السَّلَامُ لَا تَقُلْ هَذَا فانه نَجْمٍ امبرالمومنین صَلَوَاتُ اللَّهِ علیه فَهُوَ نَجْمٍ الاوصیاء علیهم السَّلَامَ وَ هُوَ النَّجْمِ الثَّاقِبِ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَقَالَ الْيَمَانِيِّ فَمَا مَعْنَى الثَّاقِبِ فَقَالَ إِنْ مَطْلَعَهُ فِي السَّمَاءُ السَّابِعَةِ فَإِنَّهُ ثَقَبَ بضؤئه حَتَّى أَضَاءَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَمِنْ ثُمَّ سَمَّاهُ اللَّهُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ.(1)

إلى هنا انتهى الجزء السابع وأسأل الله أن يوفقني بمنه لاتمام هذا الشرح انه سميع الدعاء قريب مجيب.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

وَ صَلی اللهُ عَلی سَیِدَنَا مُحَمَّدٌ وَ عَلی اُلْهُ الطَیِبینَ الطاهِرینَ

وَ اللَّعْنَ الدَّائِمِ عُلی أَعْدَائِهِمْ اُجمَعّینَ اِلی یَومِ الّدینَ

ص: 400


1- الخصال:489/2، ح 68؛ بحار الأنوار:219/55، ح 1.

مصادر الكتاب

القران الکریم

1- الاحتجاج على اهل اللجاج: ابو منصور احمد بن علی بن ابی طالب طبرسی،2مجلد، مترجم: بهراد جعفری، دار الكتب الاسلامية، طهران 1387 ش.

2 - احقال الحق: الشهيد نور الله التستري، (المتوفی 1019).

3 - احیاء العلوم: أبو حامد محمد الغزالي، (المتوفی 505ق)، دار المعرفة، بیروت،4 مجلد.

4 - الأخبار الطوال: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفی 276ق)، القاهرة، الأولى 1960م.

5- اخبار العلماء باخبار الحكماء: القفطی، جمال الدين، (المتوفی 646ق).

6- الاختصاص: محمد بن محمد المفيد، (المتوفی 413ق)، مصحح: علی اکبر غفاری ومحمود حرمی زرندی، المؤتمر العالمي للالفية الشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.

7 - ارشاد القلوب الى الصواب للدیلمی: حسن بن محمد دیلمی، (المتوفی 861ق)، 2مجلد، الشريف الرضی، قم، الأولى 1412 ق.

8- اساس البلاغة: محمود بن عمر زمخشری، (المتوفی 583ق)، 1 مجلد، دار صادر،بیروت، الأولى 1979م.

ص: 401

9- الاستیعاب: ابن عبد البر، القرن الخامس، تحقیق: علي محمد البجاوی، بیروت، دارالجيل، الأولى 1412ق، 1992م.

10 - اسد الغابة: ابن الأثير، (المتوفی 630ق)، دار الكتاب العربی بیروت، لبنان،توضیحات: نشر اسماعیلیان، طهران.

11 - الاصابة: أحمد بن علي بن حجر العسقلانی، (المتوفی 852ق): تحقيق: عادل أحمد، 8 مجلد، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1415ق 1995م.

12 - اعلام الوری باعلام الهدی (ط القديمة): فضل بن حسن طبرسی، (المتوفی 548ق)، 1 مجلد، اسلامية، تهران، الثالثة 1390ق.

13 - أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين، (المتوفی 1371ق)، 10 مجلد، تحقیق: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بیروت، لبنان.

14 - الأغاني: ابن الفرج الاصفهاني، (المتوفى 356)، 25 جلد، دار إحياء التراث العربي.

15- اقبال الأعمال (ط - القديمة): علي بن موسی ابن طاووس، (المتوفی 664ق)، 2مجلد، دار الكتب الاسلامية، طهران، الثانية 1409ق.

16 - الكامل في التاريخ: ابن الأثير، (المتوفی 630ق)، 12 مجلد، دار صادر للطباعة والنشر، بیروت، 1386ق - 1966م.

17 - الزام النواصب بامامة علي بن أبي طالب علیه السلام: الشيخ مفلح بن الحسن الصميري البحراني (ابن صلاح البحراني)، (المتوفى ق 9)، الأولى 1420.

18 - الأمالي (للصدوق): محمد بن علی بن بابویه، (المتوفی 381ق)، الأعلمی بیروت،الخامسة 1400 ق - 1362ش.

ص: 402

19 - الأمالي (للطوسي): محمد بن الحسن طوسی، (المتوفي 460ق)، 1 مجلد، دارالثقافه، قم، الأولى 1414ق. 20 - الأمالي (للمرتضی): علی بن حسین، علم الهدی، (المتوفي 436ق)، 2 مجلد،مصحح: محمد ابوالفضل، ابراهيم، دار الفكر العربی، قاهره، الأولى 1988م.

21- الأمالي (للمفيد): محمد بن محمد، مفید، (المتوفی 413ق)، 1 مجلد، مصحح:حسین استاد ولی و علی اکبر غفاری، مؤتمر الشيخ المفيد، قم، الأولى 1413 ق.

22 - الامامة والسياسة: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفی 276ق)، تحقيق: الزيني، مؤسسةالحلبي وشركاه للنشر والتوزيع.

23 - أنساب الأشراف: أحمد بن يحيى بن جابر البلاذری، (المتوفی 279ق)، تحقيق:سهیل زکار، ریاض، زرکلی، 13 مجلد، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع، بیروت،الأولى.

24- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار: محمد باقر بن محمد تقی مجلسی، (المتوفی 1110 ق)، 111 مجلد، دار احياء التراث العربی، الثانية 1403ق.

25- البرهان في تفسير القرآن: سید هاشم بن سليمان بحرانی، (المتوفی 1107ق)، 5مجلد، مصحح: قسم الدراسات الاسلامية لمؤسسة البعثة، مؤسسة البعثة، قم، الأولى 1374ش.

26- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد صلی الله علیه واله وسلم: محمد بن حسن صفار، (المتوفی 290ق)، مصحح: محسن بن عباسعلی کوچه باغی، مکتبة آية الله المرعشی النجفی،قم، الثانية 1404 ق.

27 - البصائر والذخائر: ابو حيان التوحيدي، 9 مجلد.

ص: 403

28 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: محمد تقي الشيخ الشوشتري، (المتوفی 1415ق - 1374ش)،مؤسسة نشر أمير كبير، الأولى 1376 شمسی.

29 - تاج العروس من جواهر القاموس : محمد مرتضی حسینی زبیدی، (المتوی1205 ق)، تحقيق: على هلالی و سیری علی، 20 مجلد، دار الفکر، بیروت، الأولى 1414ق.

30- تاریخ بغداد: الخطيب البغدادي، (المتوفی 463 ق)، تحقيق: مصطفی عبدالقادرعطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1417ق - 1997 م.

31 - تاریخ الخلفاء: جلال الدين السيوطي، (المتوفی 911ق)، مطابع معتوق اخوان،بيروت.

32- تاريخ الطبری: محمد بن جرير الطبري، 1 مجلد، (المتوفی 310ق)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بیروت. 33 - تاريخ الطبری: ابو جعفر محمد بن جریر الطبری، (المتوفی 310ق)، تحقيق: محمد ابوالفضل إبراهيم، 11 مجلد، بیروت، دار التراث، الثانية 1387ق 1967م.

34- تاريخ مدينة دمشق: ابن عساکر، (المتوفی 571 ق)، 70 مجلد، تحقیق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بیروت، مطبعة دار الفكر للطباعة والنشروالتوزيع، بیروت، چاپ 1415ق.

35- تاريخ اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب المعروف بالیعقوبی، (المتوفی بعد 292)،بیروت، دار صادر، بی تا. 36 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: على الاسترآبادي، (المتوفي 940ق)، مصحح: حسین استاد ولي، مؤسسة النشر الاسلامی، قم، الأولى 1409ق.

ص: 404

37 - التبيان في تفسير القرآن: طوسي، محمد بن الحسن، (المتوفی 460ق)، 10 مجلد،دار إحياء التراث العربی، لبنان، بیروت، الأول.

38 - التذكرة الحمدونية: ابن حمدون، (المتوفی 562 ق) 10 مجلد، تحقیق: احسان عباس، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، الأولى 1996م.

39 - تذكرة الخواص: سبط ابن جوزی، (المتوفی 654ق)، 1 مجلد، منشورات الشريف الرضی، قم، 1418ق 1376ش.

40- تسلية المجالس وزينة المجالس: حسین موسوي، محمد بن ابی طالب (المتوفیق10)، 2 مجلد، مؤسسة المعارف الاسلامية، قم، الأول 1418 ق.

41- التشريف بالمنن في التعريف بالفتن: ابن طاووس، علی بن موسی، (المتوفى664ق)، مؤسسة صاحب الأمر عجل الله فرجه، قم، الأولى 1416ق.

42- تفسير الكبير منهج الصادقین: فتح الله بن شكر الله (المتوفی 988ق)، 10 مجلد،کتابفروشی اسلامیه، ایران، تهران، الأولى.

43 - تعريب كمل البهائي : عماد الدين الطبري، 2 مجلد، المكتبة الحيدرية.

44 - تفسير الثعلبي (الكشف والبيان عن تفسير القرآن): الثعلبی، (المتوفی 427ق)، تحقيق: أبي محمد بن عاشور، 5 مجلد، دار احیاء التراث العربی، بیروت، الأولى1422 ق 2002م.

45 - تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور: جلال الدين السيوطي، (المتوفی 911ق)، 6 مجلد، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.

46 - تفسير الصافي: محمد بن شاه مرتضی فیض کاشاني، (المتوفی 1091 ق)، مكتبة الصدر، طهران، الثانية 1415ق.

ص: 405

47 - تفسير العياشي: محمد بن مسعود العياشي، (المتوفی 320ق)، 2 مجلد، مصحح:السيد هاشم رسولی المحلاتی، المطبعة العلمية، طهران، الأولى 1380 ق.

48- تفسیر فرات الكوفي: فرات بن ابراهیم کوفي، (المتوفی 307ق)، 1 مجلد، مصحح:محمد کاظم، مؤسسة الطبع والنشر في وزارة الارشاد الاسلامي، طهران، الأولى 1410ق.

49 - تفسير القمي: علي بن ابراهيم القمي، (المتوفي القرن 3 الهجري)، مصحح: السيد طيب موسوى الجزائري، 2 مجلد، دار الكتاب، قم، الثالثة 1404ق.

50 - تفسير الكشاف: زمخشری، محمود بن عمر، (المتوفی 538 ق)، 4 مجلد، دار الكتاب العربي، لبنان، بیروت، الثالثة 1407.

51 - التفسير المنسوب الى الامام الحسن العسكري علیه السلام: الشهادة 260 ق)،1 مجلد، مصحح: مدرسة الإمام المهدي علیه السلام، قم، الأولى 1409ق.

52 - تفسير نور الثقلين عبد علي بن جمعة الحويزي، (المتوفی 1112 ق)، 5 مجلدات، اسماعیلیان، قم، الرابعة 1415ق.

53 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورام: ورام بن ابی فراس،مسعود بن عیسی، (المتوفي 605ق)، 2 مجلد، مكتبة الفقيه، قم، الأولى 1410 ق.

54 - تهذیب الأحکام: محمد بن الحسن، طوسی، (المتوفی 460ق)، 10 مجلد، مصحح:حسن الموسوی خرسان، دار الكتب الاسلامية، تهران، الرابعة 1407 ق.

55 - تهذيب التهذيب : ابن حجر، (المتوفی 852ق)، 12 مجلد، دار الفكر، لبنان، بیروت،الأولى 1404ق / 1984م.

56 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: محمد بن على الصدوق، ابن بابویه، (المتوفی381ق)، دار الشريف الرضي للنشر، قم، الثانية 1406 ق.

ص: 406

57- جامع الأخبار (للشعیری): محمد بن محمد شعیری، (المتوفى القرن 6)، مطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، الأولى.

58 - الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبی): القرطبي، (المتوفی 671ق)، تحقيق:مصطفى السقا، 20 مجلد، دار احیاء التراث العربی، بیروت، 1405ق 1985م.

59 - الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي: المعافي بن زکریا، 1 مجلد.

60- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة: محمد بن محمد المفيد، (المتوفی 413ق)، تحقيق: علی میر شریفی، المؤتمر للشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.

61- جمهرة اللغة: أبوكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، (المتوفی 321ق)، 3 مجلد،دار العلم للملايين، بیروت، الأولى 1987م.

62- حاشية محيي الدین شیخ زاده على تفسير القاضي البيضاوي: شیخ زاده، محمد بن مصطفى، (المتوفی 950ق)، 8 مجلد، دار الكتب العلمية، لبنان، بیروت، الأولى 1419ق.

63- حلية الأولياء: أبو نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني، (المتوفی 430ق)، 10 مجلد،السعادة، بجوار محافظة مصر، 1394 ق 1974م.

64- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: أبو نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني، (المتوفی 430ق)، السعادة، بجوار محافظة مصر، 1394ق 1974م.

65 - حياة الحيوان الكبرى : كمال الدین دمیری، (المتوفی 808ق)، 2 مجلد، دار ومكتبةالهلال، بیروت.

66- الخرائج والجرائح: سعيد بن هبة الله، قطب الدين الراوندي، (المتوفی 573 ق)،المصحح والناشر: مؤسسة الامام المهدي علیه السلام، 3 مجلد، قم، الأولى 1409ق.

ص: 407

67 - خصائص الأئمة عليهم السلام (خصائص أمیرالمؤمنین عليه السلام): محمد بن حسین، الشريف الرضي، (المتوفی 406ق)، 1 مجلد، مصحح: محمد هادي الأميني، منشورات العتبة الرضوية، مشهد، الأولى 1406 ق. 68- خصائص اميرالمؤمنين عليه السلام: النسائي (المتوفی 303ق)، تحقيق: محمد هادی الأميني، مكتبة نينوى الحديثة، طهران.

69- الخصال: محمد بن علي بن بابویه، (المتوفی 381ق)، مصحح: علی اکبر الغفاري،مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1362ش.

70- دعائم الاسلام وذكر الحلال والحرام: نعمان بن محمد مغربی، ابن حيون، (المتوفی 362ق)، 2 مجلد، مصحح: الفيضي، آصف، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الثانية1385 ق.

71 - الدعوات للراوندي، سلوة الحزين: سعید بن هبة الله، قطب الدين الراوندي، (المتوفی 573 ق)، 1 مجلد، انتشارات مدرسة الإمام المهدي عليه السلام، قم، الأولى 1407ق.

72 - دلائل الامامة (ط - الحديثة ): الطبري الآملي، محمد بن جریر بن رستم، (المتوفی قرن 5)، 1 مجلد، بعثت، ایران، قم 1413 ق.

73 - ديوان الشريف الرضي: الشريف الرضي، محمد بن حسین، (المتوفی 406ق)،2 مجلد، دار الجبل، بیروت، لبنان، الأول 1415 ق.

74 - ذخائر العقبي: أحمد بن عبدالله الطبري، (المتوفى 194 ق)، مكتبة القدسي، القاهرة 1356.

75 - ربيع الأبرار ونصوص الأخبار: الزمخشری، (المتوفی 538 ق)، تحقيق: عبدالأميرمهنا، 5 مجلد، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات، بیروت، الأولى 1412 ق 1992م.

ص: 408

76 - رجال الطوسی: محمد بن حسن الطوسی، (المتوفی 460ق) مصحح: جواد قیومی اصفهانی، 1 مجلد: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجامعة المدرسین بقم المقدسة،قم، الثانية 1373ش.

77 - رجال العلامة الحلي: العلامة الحلي، حسن بن يوسف بن مطهر ، (المتوفی 726ق)،دار الذخائر، النجف الأشرف، الثانية 1411ق.

78 - رجال الكشي - اختيار معرفة الرجال: محمد بن عمر الكشي، (المتوفى النصف الأول من القرن 4ق)، 1 مجلد، مصحح: محمد حسن الطوسي، حسن المصطفوي،مؤسسه النشر لجامعة مشهد، الأولى 1409ق.

79 - رجال الكشی (مع تعليقات میرداماد الاسترآبادی): محمد بن عمر کشی، (المتوفی النصف الأول من القرن الرابع)، 2 مجلد، مصحح: رجائی، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1363ش.

80 - الرجال لابن داود: حسن بن علی بن داود حتى (حي 707ق)، مصحح: محمد صادق بحر العلوم، 1 مجلد، الجامعة طهران، الأولى 1342ق.

81 - الرسائل: عمرو بن بحر الشهير بالجاحظ، (المتوفی 255ق)، 4 مجلد، مکتبة الخانجي، القاهرة 1384 ق / 1964م.

82 - روضة الواعظين وبصيرة المتعظين: محمد بن أحمد، فتال النيشابوري، (المتوفی508 ق)، 2 مجلد، النشر الرضي، قم، الأولى 1375ش.

83 - رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين عليه السلام: سید علیخان بن احمد،الكبير المدني، (المتوفی 1120 ق)، 7 مجلد، مصحح: محسن الحسيني الأميني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1409ق.

ص: 409

84- ریاض المسائل: السيد علي الطباطبائي، (المتوفی 1231ق)، 16 مجلد، الأولى،رمضان المبارك 1412ق، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

85 - سفينة البحار: القمي، عباس، (المتوفی 1359 ق)، 8 مجلد، اسوة، قم، الأول 1414ق.

86- السقيفة وفدك: الجوهري، (المتوفی 323ق)، شركة الكتبي للطباعة والنشر،بیروت، لبنان، الثانية 1413ق 1993م.

87 - سنن ابن ماجة: محمد بن يزيد القزوینی، (المتوفی 273)، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقی، 2 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

88 - سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني، (المتوفی 275ق)، 2 مجلد،تحقيق: سعيد محمد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الأولى 1410ق - 1990م.

89- سنن الترمذی: الترمذي، (المتوفی 279)، تحقيق: عبدالرحمان محمد، 5 مجلد، دارالفكر للطباعة والتوزيع، بیروت، الثانية 1403ق 1983م.

90 - السنن الكبری: احمد بن الحسين البيهقی، (المتوفی 458ق)، 10 مجلد.

91 - السيرة النبوية: ابن هشام الحميري، (المتوفی 218ق)، 1 مجلد، تحقیق: محمد محي الدين عبد الحميد، مكتبة محمد علي صبيح وأولاده، القاهرة، 1383ق -1963م.

92 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: ابن العماد الحنبلي، (المتوفی 1089 ق)، 8مجلد، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

ص: 410

93 - شرح احقاق الحق: السيد المرعشي، 33 مجلد، تعليق: السيد شهاب الدين المرعشي النجفی، تصحیح: السيد إبراهيم الميانجی، منشورات مكتبة اية الله العظمى المرعشی النجفي، قم.

94 - شرح الكافي - الأصول والروضة: المولى صالح المازندراني، (المتوفی 1081 ق)،12 مجلد، المكتبة الاسلامية، طهران، الأولی، 1382ق.

95 - شرح نهج البلاغة (ابن میثم): میثم بن علي بن میثم البحراني، (قرن 7)،5 مجلد، مکتبة نشر الكتاب، الثانية 1362 ش.

96 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: عبد الحميد بن هبة الله، ابن أبي الحديد،(المتوفی 656ق)، مصحح: محمد ابوالفضل، ابراهیم، مكتبة آية الله المرعشي النجفي،قم، الأولى 1404ق.

97 - الصحاح: الجوهري، (المتوفی 393ق)، 6 مجلد، تحقيق: احمد عبد الغفور العطار،دار العلم للملايين، بيروت، الرابعة 1407 ق - 1981م.

98 - صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري، (المتوفی 256ق)، 8 مجلد، دارالفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401 ق - 1981م.

99 - صحیح مسلم: مسلم النيسابوري، (المتوفی 261ق)، 1 مجلد، دار الفکر، بیروت.

100 - الصحيفة السجادية: امام علی بن الحسين عليه السلام، (الشهادة 94 یا 95ق)، مكتبة نشرالهادي، قم، الأولى 1376ق.

101 - صلة تاريخ الطبري: عريب بن سعد القرطبي، (المتوفی 369 ق)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بیروت، لبنان.

102 - الصواعق المحرقة: أحمد بن حجر، (المتوفی 974ق)، مكتبة القاهرة، الثانية 1385ق/1965م.

ص: 411

103 - الطبقات الکبری: ابن سعد، (المتوفی 230)، 8 مجلد، دار صادر، بیروت.

104 - العقد الفريد: شهاب الدين احمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسي، (المتوفى 238ق)، 8 مجلد، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1404ق.

105 - علل الشرایع: محمد بن علي بن بابویه، (المتوفی 381ق)، 2 مجلد مكتبة الداوري،قم الأولى 1385ش. 106 - عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب امام الأبرار: ابن البطريق، (المتوفی600ق)، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، جمادي الأولى 1407 ق.

107 - عوالی اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية: محمد بن زین الدین، ابن ابي جمهور، (المتوفی: زنده در سال 901ق)، 4 مجلد، مصحح: مجتبي العراقي، دار سید الشهداء للنشر، قم، الأولى 1405ق.

108 - العين: الخليل الفراهيدي، (المتوفی 175 ق)، 8 مجلد، مؤسسة دار الهجرة، الثانية 1410ق.

109 - عيون الأخبار: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفی 276ق)، 3 مجلد، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية، بيروت، الثالثة 1414ق - 2003م.

110 - عيون أخبار الرضاعليه السلام : محمد بن علي بن بابویه، (المتوفی 381ق)، مصحح: مهدي اللاجوردي، 2 مجلد، جهان، طهران، الأولى 1378ق.

111 - الغارات (ط - القديمة ): ابراهیم ثقفی، (المتوفی 283ق)، 2 مجلد، دار الكتاب الاسلامي، قم، الأول 1410 ق.

ص: 412

112 - الغارات (ط - الحديثة ): ابراهیم ثقفی، (المتوفی 283 ق)، تحقيق: جلال الدين حسینی ارموی، طهران، انجمن آثار ملی، 1353ش.

113 - الغدير: الشيخ الأميني، (المتوفی 1392 ق)، 11 مجلد، دار الكتاب العربی، بیروت،الثالثة 1387ق 1967م.

114 - فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب: علي بن موسی، ابن طاووس، (المتوفی 664ق)، 1 مجلد، مصحح: حامد خفاف، مؤسسه آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1409ق.

115 - الفتن: نعیم بن حماد المروزي، (المتوفی 288ق)، دار الفكر، لبنان، بیروت، 1414ق /1993م.

116 - فرائد السمطين: الجويني، ابراهيم بن محمد، (المتوفی 730ق)، مؤسسة المحمودي.

117 - فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في النجف: ابن طاووس، عبدالکریم بن أحمد، (المتوفی 693ق)، 1 مجلد، منشورات الرضي، إيران،قم، الأولي.

118 - فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم: ابن طاووس، علي بن موسی، (المتوفی 664ق)، 1 مجلد، دار الذخائر، قم 1368ق.

119 - الفضائل: ابن شاذان القمي، ابو الفضل شاذان بن جبرئیل، (المتوفی حدود 600ق)،رضي، قم، الثاني 1363ش.

120 - فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام: احمد بن محمد، ابن عقدة الكوفي، (المتوفی 332ق)، 1مجلد، دلیلنا، ایران، قم، الأولى 1424 ق.

121 - القاموس المحيط : الفيروزآبادي، (المتوفی 817ق)، 4 مجلد.

ص: 413

122 - قرب الاسناد (طبعة الحديثة ): عبدالله بن جعفر الحميري، نیمه دوم قرن 3ق)،المصحح والناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1413ق.

123 - قصص الأنبياء (للراوندی): سعيد بن هبة الله، قطب الدين الراوندي، (المتوفي 573ق)، مصحح:غلامرضا العرفانیان اليزدي، مرکز پژوهش های اسلامی، مشهد،الأولى 1409.

124- الكافي: (ط. اسلامية) محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني، (المتوفی 329ق)،مصحح: علی اکبر الغفاري ومحمد الآخوندي، 8 جلد، دار الكتب الاسلامية، طهران، الرابعة 1407ق.

125 - الكامل: عبدالله بن عدي الجرجانی، (المتوفی 365 ق)، تحقيق: یحیی مختارغزاوى، 7 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الثالثة، محرم 1409 ق 1988م.

126- الكامل في اللغة والأدب: محمد بن يزيد المبرد، (المتوفی 285ق)، محقق: محمد ابوالفضل ابراهيم، 4 مجلد، دار الفكر العربي، قاهرة، الثالثة 1417ق.

127 - كتاب سليم بن قيس: سليم بن قيس الهلالي، (المتوفی 76ق)، مصحح: انصاری زنجانی، محمد خوئینی، 2 مجلد، الهادی، قم، الاولى 1405ق.

128 - کشف الغمة في معرفة الأئمة (ط. القديمة)، يوسف: علی بن عیسی الاربلي، (المتوفی: 692ق)، مصحح: سید هاشم الرسولي المحلاتي، بني هاشمي، 2 مجلد،تبریز، الأولى 1381ق.

129 - کشف المحجة لثمرة المهجة: السيد بن طاووس، (المتوفی 664ق)، المطبعةالحيدرية، النجف الأشرف، 1370ق 1950م.

130 - الكشكول للبهائی: محمد بن حسين العاملي، (المتوفی 1031ش)، المترجم، کریم فیضي، نشر العلم، 1387ش.

ص: 414

131 - كمال الدین و تمام النعمة: محمد بن علي بن بابویه، (المتوفی 381ق)، مصحح:على اكبر الغفاري، 2 مجلد، الإسلامية، طهران، الثانية 1395ق.

132 - کنز العرفان في فقه القرآن: المقداد السيوري، (المتوفی826ق)، 2 مجلد، المكتبةالرضوية، طهران، 1343ش /1384ق.

133 - کنز العمال: المتقي الهندي، (المتوفی 975ق) 16 مجلد، مؤسسة الرسالة، بیروت،1409ق 1989م.

134 - کنز الفوائد: محمد بن على الكراجکی، (المتوفی 449 ق)، 2 مجلد، مصحح: عبدالله نعمه، دار الذخائر، قم، الأولى 1410 ق.

135 - اللباب في تهذيب الأنساب: ابن الأثير، (المتوفی 630ق)، دار صادر، بیروت.

136- لسان العرب : محمد بن المكرم، ابن منظور، (المتوفی 711ق)، 15 مجلد، مصحح:جمال الدين، الميردامادي، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع، بیروت، الثالثة1414 ق.

137 - مجالس المؤمنين : الشهيد نور الله التستري، (المتوفی 1019 ق)، 2 مجلد، کتاب فروشی اسلامیه، تهران.

138 - مجمع الأمثال: الميداني، (المتوفی 518 ق)، 2 مجلد، المعاونية الثقافية للآستانة الرضوية المقدسة، آذر 1366 ش.

139 - مجمع البيان في تفسير القرآن: فضل بن حسن الطبرسی، (المتوفی 548ق)، 10مجلد، ناصر خسرو، طهران، الثالثة 1372.

140- المحاسن: احمد بن محمد بن خالد البرقي، (المتوفی 276ق یا 280ق)،2مجلد، مصحح: جلال الدين، المحدث، دار الكتب الاسلامية، قم، الثانية 1371ق.

ص: 415

141- مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول: محمد باقر بن محمد تقي المجلسي،(المتوفی 1110ق)، 26 مجلد، مصحح: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، دار الكتب الاسلامية، طهران، الثانية 1404ق.

142 - مروج الذهب ومعادن الجوهر: المسعودي، (المتوفی 346ق)، منشورات دارالهجره، قم 1404ق - 1363 ش - 1984م.

143- المسائل العكبرية: المفيد، محمد بن محمد، (المتوفی 413ق)، المؤتمر العالمي الألفية الشيخ المفيد، قم، الأول 1413 ق.

144 - المستدرك: الحاكم النيسابوري، (المتوفی 405ق)، 4 مجلد.

145- مستطرفات السرائر: ابن إدريس الحلي، (المتوفی 598 ق)، مؤسسة النشرالاسلامي بقم المشرفة.

146 - المستطرف في كل فن مستظرف: الابشیھی، (المتوفی 850ق)، 2 مجلد، دارومكتبة الهلال، بيروت. 147 - مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد: زين الدين على شهيد الثاني (المتوفي 966ق)، 1 مجلد، قم، بصیرتی، بی تا، الأولى.

148- مسند أحمد: أحمد بن حنبل، (المتوفی 241ق)، 6 مجلد، دار صادر، بیروت.

149- مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: علی بن حسن طبرسی، (المتوفی 600ق)، 1مجلد، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، الثانية 1385 ق - 1344ش.

150 - مصباح الشريعة: منسوب به امام صادق عليه السلام (م 168 ق)، الأعلمی، بیروت، الأولى 1400ق.

ص: 416

151- مصباح الشريعة (ترجمة المصطفوی): منسوب به امام صادق عليه السلام: (م 148 ق)، 1مجلد، انجمن اسلامی حکمت و فلسفه ایران، طهران، 1360ش.

152- المصباح المنير: أحمد بن محمد الفيومي، (المتوفی 770ق)، 2 مجلد، مؤسسة دارالهجرة، قم، الثانية 1414ق.

153- معارج اليقين في أصول الدين: الشيخ محمد السبزواري، (المتوفیق 7)، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، الأولى 1410ق.

154- المعارف: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفی 276 ق)، تحقيق: دكتور ثروت عكاشه، دارالمعارف بمصر، مطابع دار المعارف بمصر، الثانية 1969م.

155- معاني الأخبار: محمد بن علي بن بابویه، (المتوفی 381ق)، مصحح: علی اکبرالغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، الأولى، قم 1403ق.

156- المعتبر: المحقق الحلي، (المتوفی 676ق)، 2 مجلد، مؤسسة سيد الشهداء عليه السلام، قم.

157- معجم الأدباء: ياقوت الحموي، (المتوفی 626ق)، 20 مجلد، دار الغرب الاسلامی،بیروت، الأولى 1414 ق 1993م.

158- معجم البلدان: الحموي، (المتوفی 626ق)، 1 مجلد، دار احیاء التراث العربی،بيروت - لبنان، 1399 ق - 1979م.

159- مقاتل الطالبيين: ابو الفرج الاصفهانی، (المتوفی 356ق)، تحقيق: سيد أحمد صقر،بیروت، دار المعرفة، بی تا.

160- المقنعة: المفید، محمد بن محمد، (المتوفی 413 ق)، 1 مجلد، قم، الأول 1413ق.

161 - مکاتیب الرسول صلی الله علیه واله وسلم: علي الأحمدي الميانجي، (المتوفی 1421 ق)، 3 مجلد،

دار الحدیث، قم، الأولى 1419ق.

ص: 417

162- مكارم الأخلاق: حسن بن فضل، الطبرسي، (المتوفی قرن 6)، الشريف الرضي، قم،الرابعة 1412 ق - 1370ش.

163- الملل والنحل: الشهرستاني، (المتوفی 548)، تحقيق: محمد سید کیلانی، 2 مجلد،دار المعرفة، بیروت، لبنان.

164 - المناقب: الموفق الخوارزمی، (المتوفی 568 ق)، تحقيق: الشيخ مالك محمودی،مؤسسة سيد الشهداء عليهم السلام، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، ربیع الثانی 1414ق.

165- مناقب آل أبي طالب عليه السلام: محمد بن علی بن شهر آشوب المازندراني، (المتوفی558ق)، 4 مجلد، العلامة، قم، الأولى 1379ش.

166- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك: ابن الجوزی، (المتوفی 597 ق)، 2 مجلد، دارالكتب العلمية، بيروت، لبنان، الأولى 1412 ق 1992م.

167- من لا يحضره الفقيه: محمد بن علي بن بابویه، (المتوفی 381ق)، مصحح: علي اکبرالغفاری، 4 مجلد، مؤسسة النشر الإسلامي، الثانية، قم 1413 ق.

168- منهاج البراعة: الميرزا حبیب الله الهاشمي الخوئی، (المتوفی 1324ق)،22مجلد، مصحح: علي العاشور، دار احیاء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بیروت، الأولى 1429 ق - 2008م.

169- المؤمن: حسین بن سعيد الكوفي الأهوازي، (المتوفی قرن سوم، 1 مجلد، مؤسسة الامام المهدي عليه السلام، قم، 1404ق.

170 - النزاع والتخاصم: المقريزي، (المتوفی 845ق)، تحقيق: السيد علي عاشور.

ص: 418

171 - نسب قریش: مصعب الزبيري، (المتوفی 236ق)، 1 مجلد، دار المعارف، القاهرة،الثالثة.

172 - نظم درر السمطين: الشيخ محمد الزرندی، (المتوفی 750ق) الأولى 1377ق1958م.

173 - النكت والعيون تفسير الماوردي: الماوردي، علي بن محمد، (المتوفی 450ق)، 6 مجلد، دار الكتب العلمية، لبنان، بیروت، الأول.

174- نور البراهين: السيد نعمة الله الجزائري، (المتوفی 1112ق)، 2 مجلد، تحقیق: السيد مهدي الرجائي، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1417ق.

175- النهاية في غريب الحديث والأثر: مبارك بن محمد، ابن الأثير الجزري، (المتوفي606ق)، 5 مجلد، مصحح: محمود محمد الطناحي، اسماعیلیان، قم، الرابعة 1367ش.

176 - نهج البلاغة (فيض الإسلام): حاج سید علینقی فیض الاسلام، انتشارات فيض الاسلام، چاپ مکرر، چاپخانه احمدی.

177 - وسائل الشيعة: محمد بن حسن، شیخ حر العاملي، (المتوفی 1104ق)، مصحح:مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 30 مجلد، الأولى 1409 ق.

178 - وقعة صفين: نصر بن مزاحم المنقري، (المتوفی 212ق)، 1 مجلد: مصحح:عبدالسلام محمد، هارون، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، الأولى 1404ق.

179 - يتيمة الدهر: عبد الملك الثعالبي النيسابوري، (المتوفی 429ق)، دار الكتب العلمية،بیروت، لبنان، الأولى 1403ق - 1983م.

ص: 419

محتویات

الخطبة (16): ومن كلام له عليه السلام في معنى الأنصار: قالوا: لما انتهت إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه واله وسلم قال عليه السلام: ماقالت الأنصار؟ قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير قال عليه السلام

(27-5)

ومن كلام له عليه السلام في معنى الأنصار: قالوا: لما انتهت إلى أمير المؤمنین عليه السلام أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه واله وسلم...5

قال عليه السلام: ما قالت الأنصار؟ قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير...15

قال عليه السلام:فَهَلَّا احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ بأثر رَسُولُ اللَّهِ صَلی اللَّهِ عَلیهِ وَ الهِ وَ سَلَّمَ وَصَّى بِأَنْ یُحَسِنَّ إِلَى مُحْسِنِهِمْ وَ تَجَاوَزْ عَنْ مَسیّئَهِم...16

قَالُوا وَمَا فِي هَذَا مِنَ الْحُجَّةِ عَلَيْهُمْ ؟...19

فَقَالَ عَلَيْهَا السَّلَامُ : لَؤ کانَ الْإِمَامَةِ فِيهِمْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ...19

ثُمَّ قَالَ عَلِيُّهُ السُّلَّامَ: فَمَا ذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ ؟ قَالُوا: اِحْتَجَّتْ بِأَنَّهَا شَجَرَةُ الرَّسُولِ صلی اللهَ علیه وَالِهٌ وَسُلَّمٌ...20

فَقَالَ عَلِيُّهُ السُّلَّامَ: اِحْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ وَأَضَاعُوا الثَّمَرَةَ...20

ص: 420

الخطبة (67): ومن كلام له عليه السلام لما قلد محمد بن أبي بكر مصر فملكت عليه فقتل

( 28–65 )

نسب محمد بن أبي بكر وحالاته ...28

هاشم بن عتبة وحالاته...48

ومن كلام له عليه السلام لما قلد محمد بن أبي بكر مصر فملكت عليه فقتل...53

وَقَدْ أَرَدْتُ تُؤَلِيَةّ مِصْرَ هَاشِمَ بْن عَتَبَةٍ...59

وَ لَوْ وَ لَیتِه إِيَّاهَا لِمَا خُلِّيَ لَهُمُ الْعَرْصَةَ...59

وَلَا أَنَهِزُّ هُمِ الْفُرْصَةُ...59

بِلَا ذَمٍّ لِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَلَقَدْ كَانَ إِلَىَّ حَبِيباً وَ كَانَ لِي رَبِیّبَا...59

الخطبة (68): ومن كلام له عليه السلام في توبيخ بعض أصحابه

(78-69)

کَم أَدَارَ یَکُم کَما تَداریُ الْبِكَارُ...67

الْعُمْدَةِ...67

وَ الثِّيَابِ المُتُداعِیَةً...68

کُلَما حیصَت...68

مِنْ جَانِبِ تَهتَکت...68

مِنْ آخَرَ...68

ص: 421

كُلَّمَا أَطَلَّ...69

عَلَيْكُمْ مَنْسَرُ...69

مِنْ مَنَاسِرِ أَهْلِ الشَّامِ أَغْلَقَ كُلُّ رَجُلٍ مِنکُمْ بَابَهُ...69

وَ اِنْجَحَرَ...69

اَلنَّجْحَارُ اَلضَّبَّةُ فِي جُحْرِهَا...69

وَ الضُّبُعُ فِي وِجَارِهَا...70

الذَّلِيلُ وَ اللَّهِ مَنْ نَصَرْتُمُوهُ وَ مَنْ رَمْيِ بکم فَقَدْ رَمْيِ بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ...71

إِنَّكُمْ وَ اللَّهِ لَكَثِيرُ فِي الْبَاحَاتِ قَلِيلُ تَحْتَ الرَّايَاتِ...72

وإنِّي لعالِمٌ بِما يُصْلِحُكُم وَيُقيمُ وَ اُوَدُكُمْ...74

وَلَكِنِّي لا أَرى إِصْلاحَكُم بِافسادِ نَفْسِي...76

أَضْرَعَ اَللَّهُ...77

خُدُودِكُمْ...77

وَ اِتَّعَسْ جُدُودَكُمْ...77

لا تَعْرِفُونَ الحَقَّ كَمَعَرِ فَتكُم الباطِلِ وَلا تُبْطِلُونَ الْبَاطِلَ كَإِبْطَالِكُمُ الحَقَّ...78

الخطبة (69): وقال عليه السلام في سحرة اليوم الذي ضرب فيه

(159-79)

قال الشريف: يعني بالأود الاعوجاج وباللدد الخصام وهذا من أفصح الكلام...79

ص: 422

مَلَكَتْنِي عَيْنِي...83

وَأنَا جالِسٌ فَسَنَحَ لِي...84

رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّي اَللَّهُ عَلَيْهِ وَالِه وسلمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ذَا لَقِيتُ مِن أُمَّتِك مِنَ الأَوَدِ واللَّدِي...84

فَقَال ادْعُ عَلَيْهِمْ فَقُلْ أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِهِم خَيْراً مِنهُم وأبدَلَهُم بي شَرّاً لَهُم مِنّي...85

تذمر الإمام عليه السلام من تفرق أصحابه...87

تذییلات:...88

الأول في كيفية شهاد ته عليه السلام...88

تسلی هم و تسکین فؤاد في أحوال قاتله وكيفية قتله...140

التذييل الثاني في موضع قبره الشريف والاشارة إلى من بناه...144

التذييل الثالث في ذكر نبذ من المعجزات منه ومن قبره الشريف بعد وفاته...147

الخطبة (70): ومن خطبة له عليه السلام في ذم أهل العراق وفيها يوبخهم على ترك القتال والنصر يكاد يتم ثم تكذيبهم له...160

(173-160)

أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ اَلْعِرَاقِ...161

فَإِنَّمَا أَنْتُمْ...162

كَالْمَرْأَةِ اَلْحَامِلِ حَمَلَتْ فَلَمَّا أَتَمَّتْ...162

أَمْلَصَتْ...162

ص: 423

وماتِ قَيِّمِها وِطالُ تَأيُّمِها...162

وُوَرِثَهَا أَبْعَدُهَا...162

أَمَّا واللَّهِ ما أتَيْتُكُم اختِيارَ وَلَكِن جِئْتُ إِلَيكُمْ سَوْقاً...164

وقَدْ بَلَغَنِي أنَّكُمْ تَقُولُونَ عَلِيٌ يَكْذِبُ قَاتَلَكُمُ اَللَّهُ تعالي فِعْلِي مَنْ أَكْذِبُ اِعْلَي...164

اللَّهُ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ أَمْ عَلَى نبیه فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ ...164

كلاَّ واللَّهِ لَكِنَّهَا لَهْجَةٌ عِبْتُم عَنها وَلَمْ تَكُونُوا مِن أهلِها وَيْلَ اُمِّهِ كَيْلاً بِغَيرِ ثَمَنٍ...172

لَو كانَ لَهُ وِعاءٌ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ...172

الخطبة (71): ومن خطبة له عليه السلام علم فيها الناس الصلاة على النبي صلی الله علیه واله وسلم و فیهابیان صفات الله سبحانه وصفة النبي والدعاء له

(174 - 220)

ومن خطبة له عليه السلام علم فيها الناس...175

الصلاة على النبي صلی الله علیه واله وسلم...175

اَللَّهُمَّ دَاحِيَ اَلْمَدْحَؤَاتِ...176

وَ دَاعِمَ...178

اَلْمَسْمُوكَاتُ...178

وَجَابِلُ اَلْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا...178

شَقِيُّهَا وَ سَعِيدُهَا...179

ص: 424

اِجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ وَ نَوَامِيَ بَرَكَاتُكَ عَلَيَّ مُحَمَّدٌ عَبْدُكَ...179

وَ رَسُولُكَ...182

الْخَاتَمُ لِمَا سَبَقَ...183

وَ الْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ...183

وَ الْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ...183

وَ الدَّافِعِ جَيْشَاتِ الْأَبَاطِيلِ...183

وَالدَّامِغُ...184

صُؤُلاَتُ اَلْأَضَالِيلِ...184

كَمَا حَمِّلَ فَاضْطَلَعَ قَائِماً بِأَمْرِكَ مُسْتَوْفِزاً فِي مَرْضَاتِكَ غَيْرَنَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ وَلاَ وَاهٍ فِي عَزْمٍ...184

وَاعِياً لِوَحْيِكَ حَافِظاً لِعَهْدِكَ...185

مَاضِياً عَلَى تَفَّاذِ أَمْرِكَ...185

وَ أَقَامَ بِمُوضِحَاتِ اَلْأَعْلاَمِ وَنِيرَاتِ اَلْأَحْكَامِ...185

فَهُوَ أَمِينُكَ اَلْمَأْمُونُ...186

وَ خَازِنُ عِلْمِكَ اَلْمَخْزُونِ...186

وَ شَهِيدُكَ يَوْمَ اَلدِّينِ...188

وَ بَعِيثُكَ بِالْحَقِّ...195

وَ رَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ...196

ص: 425

اللَّهُمَّ افْسَحْ لَهُ مَفْسَحاً فِي ظِلُّكَ...196

وَ اجْزِهِ مُضَاعَفَاتِ الْخَيْرِ مِنْ فَضْلِكَ...197

اللَّهُمَّ وَ أَعْلِ عَلَى بِنَاءِ الْبَانِينَ بِنَاءَهُ ...197

وَأكرِم لَدَيكَ مَنزِلَتَهُ...198

وَ أَتْمِمْ لَهُ نُورَهُ...198

والْجَزَّهُ مِنِ ابْتِعَاثِك لَهُ مَقْبُولَ الشَّهادَةِ مَرضِيَّ المَقالَةِ ذا مَنطِقٍ عَدلٍ وَ خَطَّةٍ فَصَل...199

اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ فِي بَرْدِ الْعَيْشِ وَ قَرَارِ النِّعْمَةِ...200

وَ مِنِي الشَّهَواتِ وَأَهْوَاءِ اللَّذَّاتِ...200

وَرَخَاءُ اَلدَّعَةِ...201

وَمُنتَهى الطُّمَأنينَةِ...201

وَ تُحَفُّ اَلْكَرَامَةُ...202

تَنْبِيهَاتٌ...204

الخطبة (72): و من كلام له عليه السلام قاله لمروان بن الحكم بالبصرة

(247-221)

قَالُوا أُخِذَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ...221

أَسِيراً يَوْمَ الْجَمَلِ فَاسْتَشْفَعَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ إِلَى أَمِيرِ المؤمنین عليه السلام فَكَلَّمَاهُ فِيهِ فخلی سَبِيلَهُ...230

فَقَالَا لَهُ يُبَايِعُكَ يَا أَمِيرَ المؤمنین قَالَ عَلَيْهَا السَّلَامُ : أَوْلَمَ يبا يَعْنِي بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانُ...233

ص: 426

لاَ حَاجَةَ لِي فِي بَيْعتِه إِنَّهَا كَفٌ يَهُودِيُّهُ لَوْ بَايَعَنِي بِكَفِّهِ لَغَدَرَ بِسُبَّتِهِ...234

أَمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَةً...236

كَلَعْقَةِ اَلْكَلْبِ أَنْفُهُ...237

وَ هُوَ أَبُو الْأَكْبُشِ الْأَرْبَعَةِ...238

وَ سَتَلْقَى الأمه مِنْهُ وَ مِنْ وُلْدِهِ يَوْماً احْمَرَّ...240

الخطبة (73): ومن خطبة له عليه السلام لما عزموا على بيعة عثمان

(259-248)

ومن كلام عليه السلام لما عزموا على بيعة عثمان...248

لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقَّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي...249

وَ وَ اللَّهِ لَأُسَلِّمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ المسلمین وَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرُ إِلَّا عَلَىَّ خَاصَّةً...251

الخطبة (76): ومن كلام له عليه السلام لما بلغه اتهام بني أمية له بالمشاركة في دم عثمان

(257 – 274)

و من كلام له عليه السلام لما بلغه اتهام بني أمية له بالمشاركة في دم عثمان...257

أَ وَ لَمْ يَنْهَ بَنِي أُمَيَّةَ عِلْمُهَا بِي عَنْ قُرْفِي...258

أَ وَمَا وَزَعَ اَلْجُهَّالَ سَابِقَتِي عَنْ تُهَمَتِي...258

وَ لَمَا وَعَظَهُمُ اللَّهُ بِهِ أَبْلَغُ مِنْ لِسانِي...267

ص: 427

أَنَا حَجِيجُ الْمَارِقِينَ وَ خَصِيمُ الناکثین الْمُرْتَابِينَ...268

وَ عَلَيَّ كِتَابُ اَللَّهِ تُغْرَضُ الْأَمْثالَ...271

وَ بِمَا فِي الصُّدُورِ تجازی الْعِبَادِ...273

الخطبة (75): ومن خطبة له عليه السلام في الحث على العمل الصالح

(275 - 302)

ومن خطبة له عليه السلام...275

رَحِمَ اَللَّهُ اِمْرَأً سَمِعَ حُكْماً فَوُعِيَ...277

وَ دَعَى إِلَى رَشَادٍ فَدَنَا...277

وَ أَخَذَ بِحُجْزَةِ هَادٍ فَنَجَا...277

رَاقَبَ رَبَّهُ...279

وَخافَ ذَنبَهُ...281

قَدَّمَ خَالِصاً...283

وَعَمَلَ صالِحاً...286

اِكْتَسَبَ مَذْخُوراً...287

اِجْتَنِبْ مَحْذُوراً...287

رُمِيَ غَرَضاً وَ اُحْرُزْ عِوَضاً...288

كَابَرَ هَوَاهُ...289

ص: 428

وَ كَذَّبَ مُنَاهُ...291

جَعَلَ اَلصَّبْرَ مَطِيَّةَ نَجَاتِهِ...293

وَالتَّقوى عُدَّةُ وَفاتِهِ...299

رَكِبَ اَلطَّرِيقَةَ اَلْغَرَّاءُ...300

وَ لَزِمَ اَلْمَحَجَّةَ اَلْبَيْضَاءَ...300

اِغْتَنَمَ اَلْمَهَلَ...301

وَبَادِرُ اَلْأَجَلِ...302

وَ تَزَوَّدْ مِنَ اَلْعَمَلِ...302

الخطبة (76): ومن كلام له عليه السلام وذلك حين منعه سعید بن العاص حقه

(303 - 314)

انَّ بَنِي أُمَيَّةَ لَيُفُوقُونَنِي...305

تُرَاثَ مُحَمَّدٍ صلی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ تَفْوِيقاً...305

لَأَنْفُضُهُمْ نَفْضَ اَللَّحَّامِ اَلْوِذَامَ اَلتَّرِبَةَ...306

وقوله عليه السلام: (ليفوقونني) أي: يعطونني من المال قليلا قليلا كفواق الناقة، وهو الحلبة الواحدة من لبنها...306

تذنيبان...307

الأول: في بيان نسب بني أمية...307

ص: 429

أحاديث أهل السنة وبنو أمية...308

وأما معاوية...309

الثاني: في ذكر بعض ما ورد من الآيات والأخبار في لعن بني أمية وكفرهم وإلحادهم...310

الخطبة (77): من كلمات كان عليه السلام يدعو بها

(315 -321)

من كلمات كان عليه السلام يدعو بها :اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ...315

عَلَيَّ بِالْمَغْفِرَةِ...315

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا وأیت مِنْ نَفْسِي وَ لَمْ تَجِدْ لَهُ وَفَاءً عِنْدِي...317

اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِي مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إِلَيْكَ بِلِسَانِي ثُمَّ خَالَفَهُ قَلْبِي...318

اللَّهُمُّ اِغْفِرْ لِي رَمْزَاتُ الْأَلْحَاظِ...318

وَسَقْطَاتُ الْأَلْفَاظِ...318

وَشَهْوَاتُ الْجِنَّانِ...319

وَ هَفْوَاتُ اللِّسَانِ...319

ص: 430

الخطبة (78): ومن كلام له عليه السلام قاله لبعض أصحابه لما عزم على المسير إلى الخوارج، وقد قال له إن سرت يا أمير المؤمنين، في هذا الوقت،خشيت ألا تظفر بمرادك، من طريق علم النجوم فقال عليه السلام

(322 - 400)

ومن كلام له عليه السلام قاله لبعض أصحابه...331

لما عزم على المسير إلى الخوارج...331

و قد قال له إن سرت يا أمير المؤمنين، في هذا الوقت، خشيت ألا تظفر بمرادك، من طریق علم النجوم...332

فقال عليه السلام:أَتَزْعَّمُ اِنَّكَ تَهْدِي إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي مِنْ سَارِّ فِيهَا صِرْفُ عَنْهُ السُّوءَ...33

وَ تَخَوُّفٌ مِنَ السَّاعَةِ الَّتِي مِنْ سَارٍّ فِيهَا حَاقَّ بِهِ الضَّرُّ...334

فَمَنْ صَدَّقَكَ بِهَذَا فَقَدْ كَذَّبَ الْقُرْآنُ...335

واسْتُغنِيَ عَنِ الإسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ في نَيْلِ المَحبوبِ وَدَفْعِ المَكرُوهِ...337

وتَبْتَغِي فِي قَوْلِكَ لِلْعَامِلِ بِأَمْرِكَ أَنْ يُوليك الْحَمْدَ دُونَ رَبِّهِ لانَّكَ بِزَعْمِكَ أَنْتَ هَدَيْتَهُ إِلَى السَّاعَةِ الَّتي نالَ فيها النَّفعَ وأَمِنِ الضُّرَّ...339

*ثم أقبل عليه السلام الناس فقال: أَيُّهَا اَلنَّاسُ اَيَّاكُمْ وَ تَعَلَّمِ النُّجُومِ...342

إِلَّا مَا يُهْتَدَى بِهِ فِي بَرٍّ أَوْ بَحْرٌ...344

فَإِنَّهَا تَدْعُو إِلَى اَلْكِهَانَةِ...345

وَ اَلْمُنَجِّمُ...347

ص: 431

كَالْكَاهِنِ...347

وَ اَلْكَاهِنُ كَالسَّاحِرِ...348

وَ اَلسَّاحِرُ كَالْكَافِرِ...350

وَالكافِرُ في النَّارِ...352

سِيرُوا عَلَى اِسْمِ اَللَّهِ...381

المصادر...401

المحتويات...420

ص: 432

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.