مصباح السعادة في شرح النهج البلاغة المجلد 5

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الموسوي آل طيب، السيد محمدكاظم، 1331-

عنوان العقد:نهج البلاغة. وصف

Nhjol-Balaghah. Commantries

عنوان واسم المؤلف: مصباح السعادة في شرح النهج البلاغة المجلد 5 [علي بن أبي طالب (علیه السلام)]/ مولف السيد محمدكاظم الموسوي آل طيب.

تفاصيل المنشور: قم: دارالتفسیر، 1440ق.= 1397.

مواصفات المظهر:8ج

ISBN:ج.6 978-964-535-716-8 :

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: عربي.

ملاحظة:ج.6 (چاپ اول: 1442 ق = 1399) (فیپا).

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق -- خطب

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- *Public speaking

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق. -- کلمات قصار

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- Quotations

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغة -- النقد والتعليق

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah -- Criticism and interpretation

المعرف المضاف: علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق . نهج البلاغة. وصف

المعرف المضاف:Ali ibn Abi-talib, Imam I Commantries.. Nahjol - Balaghah

ترتيب الكونجرس: BP38/02/م83 1397

تصنيف ديوي: 297/9515

رقم الببليوغرافيا الوطنية:5402095

معلومات التسجيلة الببليوغرافية: FIPA

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

مصباح السعادة في شرح نهج البلاغة الجز خامس

السيّد محمّد كاظم الموسوي آل طيّب

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة (36) ومن خطبة له عليه السلام في تخويف أهل النهروان:

فَأَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ أَنْ تُصْبِحُوا صَرْعَى بِأَثْنَاءِ هَذَا النَّهَرِ وَبِأَهْضَامِ هَذَا الْغَائِطِ

عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا سُلْطَانٍ مُبِينٍ مَعَكُمْ قَدْ طَوَّحَتْ بِكُمُ الدَّارُ وَاحْتَبَلَكُمُ الْمِقْدَارُ وَ قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ هَذِهِ الْحُكُومَةِ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُنَابِذِينَ حَتَّى صَرَفْتُ رَأْيِي إِلَى هَوَاكُمْ وَأَنْتُمْ مَعَاشِرُ أَخِفَّاءُ الْهَامِ سُفَهَاءُ الْأَحْلامِ وَلَمْ آتِ لا أَبَا لَكُمْ بُجْراً وَلا أَرَدْتُ لَكُمْ ضُرّاً.

فَأَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ أَنْ تُصْبِحُوا صَرْعَى بِأَثْنَاءِ هَذَا النَّهَرِ وَبِأَهْضَامِ هَذَا الْغَائِطِ

انّ كلامه عليه السلام هذا مشعر بكونه مأموراً من اللَّه و رسوله بقتالهم وانّ هذا الأخبار منه عليه السلام إنّما كان بعد ما سمعه من النبيّ صلى الله عليه وآله و الأخبار به كثيرة.

منها: عن زيد بن علي، عن أبيه، عن الحسين بن علي، عن أميرالمؤمنين عليهم السلام، قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: يا علي، إن اللَّه (تعالى) أمرني أن أتخذك أخا و وصيا، فأنت أخي و وصيي، و خليفتي على أهلي في حياتي وبعد موتي، من تبعك فقد تبعني، ومن تخلف عنك فقد تخلف عني، ومن كفر بك فقد كفر بي، ومن ظلمك فقد ظلمني. يا علي، أنت مني وأنا منك. يا علي، لو لا أنت لما قوتل أهل النهر.

قال: فقلت: يا رسول اللَّه، ومن أهل النهر؟ قال قوم يمرقون من الإسلام كما

ص: 5

يمرق السهم من الرمية»(1).

وَ مِنْهَا مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ النَّبِيَ صلى الله عليه و آله قَسَمَ يَوْماً قَسْماً فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ تَمِيمٍ اعْدِلْ فَقَالَ: وَ يْحَكَ وَ مَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ.

قِيلَ نَضْرِبُ عُنُقَهُ قَالَ: لا إِنَّ لَهُ أَصْحَاباً يُحَقِّرُ أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ وَ صِيَامَهُ مَعَ صَلاتِهِمْ وَ صِيَامِهِمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ آيتهم (رَئِيسُهُمْ) رَجُلٌ أَدْعَجُ إِحْدَى ثَدْيَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ.

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: إِنِّي كُنْتُ مَعَ عَلِيٍ عليه السلام حِينَ قَتَلَهُمْ فَالْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى بِالنَّهْرَوَانِ فَأُتِيَ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله(2).

عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا سُلْطَانٍ مُبِينٍ مَعَكُمْ

ثمّ انّ قوله عليه السلام هذا اشارة إلى انّ القتل بما هو هو ليس ممدوحاً بل يكون مذموماً لقوله تعالى: «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»(3)الّا أن يكون فيه نفع في الآخرة وهو لا يكون إلّا فيما إذا كان الانسان على بصيرة في دينه ليكون من المجاهدين في سبيل اللَّه ومصداقاً لقوله تعالى: «وَ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»(4).

ص: 6


1- الأمالي للطوسي: 200، م 7، ح 43؛ بحار الأنوار: 33/325، ح 570.
2- الخرائج والجرائح: 1/68، ش 127؛ بحار الأنوار: 33/326، ش 572.
3- سورة البقرة: 195.
4- سورة آل عمران: 195.

قَدْ طَوَّحَتْ بِكُمُ الدَّارُ وَ احْتَبَلَكُمُ...

قَدْ طَوَّحَتْ بِكُمُ الدَّارُ وَ احْتَبَلَكُمُ الْمِقْدَارُ وَ قَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ هَذِهِ الْحُكُومَةِ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ المخالفين الْمُنَابِذِينَ حَتَّى صَرَفْتُ رَأْيِي إِلَى هَوَاكُمْ وَ أَنْتُمْ مَعَاشِرُ أَخِفَّاءُ الْهَامِ سُفَهَاء

تذييلات

الأوّل: في ذكر ما ورد من أخبار النبيّ صلى الله عليه و آله لقتال الخوارج و كفرهم من طريق الخاصّة و العامّة:

ذكر الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث في مسنده المسمى بالسنن يرفعه إلى أبي سعيد الخدري و أنس بن مالك أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال سيكون في أمتي اختلاف و فرقة قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية(1)هم شر الخلق طوبى لمن قتلهم و قتلوه يدعون إلى كتاب اللَّه و ليسوا منه في شي ء من قاتلهم كان أولى باللَّه منهم(2).

و نقل مسلم بن حجاج في صحيحه و وافقه أبو داود بسند هما عن زيد بن وهب أنّه كان في الجيش الذي كانوا مع علي عليه السلام فقال علي عليه السلام أيها الناس إني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن ليس قرآنكم إلى قرآنهم بشي ء و لا صلاتكم إلى صلاتهم بشي ء و لا صيامكم إلى صيامهم بشي ء يقرؤون

ص: 7


1- قال الجزري: في حديث الخوارج: يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية أي يجوزونه و يخرقونه و يتعدونه كما يخرق السهم المرمى به و يخرج منه و قد تكرر في الحديث، و منه حديث على: امرت بقتال المارقين يعني الخوارج.
2- كشف الغمة: 1/128؛ بحار الأنوار: 33/329، ح 574.

القرآن يحسبون أنه لهم و هو عليهم لا تجاوز قراءتهم تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم لنكلوا عن العمل و آية ذلك أن فيهم رجلا له عضد ليس له ذراع على عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض فتذهبون إلى معاوية و أهل الشام و يتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم و أموالكم و اللَّه إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم فإنهم قد سفكوا الدم الحرام وأغاروا على سرج (سرح) الناس فسيروا (فتسيروا)(1).

عن عبداللَّه بن أبي أوفى قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: «الخوارج كلاب أهل النار»(2).

و من تفسير القشيري و إبانة العكبري عن سفيان عن الأ عمش عن سلمة عن كهيل عن أبي الطفيل أنه سأل ابن الكواء أمير المؤمنين عليه السلام عن قوله تعالى: «قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً»(3)الآية فقال عليه السلام: «إنهم أهل حروراء.

ثم قال: «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»(4)في قتال علي بن أبي طالب «أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فلا يقيم لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً * ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا»(5)بولاية علي واتخذوا آيات القرآن ورسلي يعني: محمدا صلى الله عليه و آله هزوا

ص: 8


1- كشف الغمة: 1/128؛ بحار الأنوار: 33/329/574.
2- الأمالي للطوسي: 487، م 17، ح 37؛ بحار الأنوار: 33/326، ح 571.
3- سورة الكهف: 103.
4- سورة الكهف: 104.
5- سورة الكهف: 105-106.

واستهزؤوا بقوله: ألا من كنت مولاه فعلي مولاه و أنزل في أصحابه: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ»(1)»الآية فقال ابن عباس نزلت: في أصحاب الجمل.

و عن تفسير الفلكي أبو أمامة قال النبي صلى الله عليه و آله في قوله تعالى: «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ»(2)الآية هم الخوارج(3).

قال المعتزلي: قد تظاهرت الأخبار حتى بلغت حد التواتر بما وعد اللَّه تعالى قاتلي الخوارج من الثواب على لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله(4).

و في الصحاح المتفّق عليها أن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بينا هو يقسم قسما جاء رجل من بني تميم يدعى ذا (ذو) الخويصرة فقال: اعدل يا محمّد فقال صلى الله عليه و آله: «قد عدلت»فقال له ثانية: اعدل يا محمّد فإنّك لم تعدل فقال صلى الله عليه و آله: «ويلك و من يعدل إذا لم أعدل»فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول اللَّه ائذن لي أضرب عنقه فقال: دعه فسيخرج من ضئضئ(5)هذا قوم يمرقون(6)من الدين كما يمرق السهم من الرمية ينظر أحدكم إلى نصله(7)فلا يجد شيئا فينظر إلى نضيه(8)فلا يجد شيئاً ثمّ ينظر

ص: 9


1- سورة البقرة: 277.
2- سورة آل عمران: 106.
3- مناقب آل أبي طالب عليه السلام: 3/186؛ بحار الأنوار: 33/326، ح 573.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/265.
5- ضئضئ هذا، أي من جنس هذا؛ يقال: فلان من ضئضئ صدق، و من محتد صدق، وفي مركب صدق.
6- قال المبرد: «يقال: مرق السهم من الرمية؛ إذا نفذ منها، وأكثر ما يكون ذلك ألا يعلق به من دمها شي ء».
7- النصل: حديدة السهم والسيف.
8- النضى ء على «فعيل»:القدح (بكسر فسكون)؛ وهو السهم قبل أن ينصل ويريش.

إلى القذذ(1)فكذلك سبق الفرث والدم(2)يخرجون على حين فرقة من الناس تحتقر صلاتكم في جنب صلاتهم و صومكم عند صومهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم آيتهم(3)رجل أسود أو قال أدعج(4)مخدج(5)اليد إحدى يديه كأنها ثدي امرأة أو بضعة تدردر(6).(7)

وفي بعض الصحاح أنرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهقال لأبي بكر و قد غاب الرجل عن عينه قم إلى هذا فاقتله فقام ثم عاد وقال وجدته يصلي فقال لعمر مثل ذلك فعاد و قال وجدته يصلي فقال لعلي عليه السلام مثل ذلك فعاد فقال لم أجده فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لو قتل هذا لكان أول فتنة و آخرها أما إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم. الحديث(8).

وفي مسند أحمد بن حنبل عن مسروق قال قالت لي عائشة إنك من ولدي و من أحبهم إلي فهل عندك علم من المخدج فقلت نعم قتله علي بن أبي طالب على نهر يقال لأعلاه تامرا(9)ولأسفله النهروان بين لخاقيق وطرفاء(10)

ص: 10


1- القذذ: جمع قذة؛ و هي ريشة السهم.
2- الضمير عائد على السهم؛ والكلام على التشبيه والاستعارة التمثيلية؛ ضربه صلى اللَّه عليه و آله و سلم مثلاً لخروجهم من الدين، لم يعلق بقلوبهم منه شي ء.
3- ذكروا أنه حرقوص بن زهير؛ كان صحابيا أمد به عمر المسلمين الذين نازلوا الأهواز، ثم كان مع على فى صفين؛ ثم صار خارجيا عليه، فقتل. تاج العروس: 4/379.
4- الدعج: شدة سواد العين مع اتساعها.
5- مخدج اليد، من أخدجه اللَّه؛ إذا نقص عضوا منه.
6- تدردر؛ قال ابن الأثير في النهاية: 2/19:«تدردر؛ أي ترجرج؛ تجي ء وتذهب، والأصل تتدردر، فحذف إحدى التاءين تخفيفا».
7- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/265؛ بحار الأنوار: 33/339.
8- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/265؛ بحار الأنوار: 33/339.
9- تامرا؛ ضبطه ياقوت: «بفتح الميم و تشديد الراء و القصر»، و قال «نهر واسع يخرج من جبال شهرزور و الجابل المجاورة لها».
10- لخاقيق: جمع لخقوق، وهو ضيق في الأرض، والطرفاء: شجر من الحمض، واحدته طرفاء.

قالت ابغني(1)على ذلك بينة فأقمت رجالا شهدوا عندها بذلك قال فقلت لها سألتك بصاحب القبر ما الذي سمعت من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فيهم فقالت نعم سمعته يقول إنهم شر الخلق و الخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة و أقربهم عند اللَّه وسيلة(2).

الثاني

لمّا أراد عليّ عليه السلام أن يبعث أبا موسى للحكومة أتاه رجلان من الخوارج زرعة بن البرج الطائي و حرقوص بن زهير السعدي فقالا له: لا حكم إلّا للَّه، فقال عليّ عليه السلام: «لا حكم إلّا للَّه»و قال حرقوص بن زهير: تب من خطيئتك و ارجع عن قضيّتك و اخرج بنا إلى عدوّنا نقاتلهم حتّى نلقي ربّنا.

فقال عليّ عليه السلام: «قد أردتكم على ذلك فعصيتوني و قد كتبنا بيننا و بين القوم كتاباً و شرطنا شروطاً و أعطينا عليها عهوداً و قد قال اللَّه تعالى: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ»(3)».

فقال حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب عنه، فقال عليّ عليه السلام: «ما هو ذنب ولكنّه عجز عن الرأي و قد نهيتكم»فقال زرعة: يا علي لئن لم تدع تحكيم الرجال لأقاتلنّك أطلب وجه اللَّه تعالى فقال عليّ عليه السلام: «بؤسا لك ما أشقاك كأنّي بك قتيلاً تسفي عليك الرياح».

ص: 11


1- ابغني: أي أطلبني.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/267؛ بحار الأنوار: 33/339.
3- سورة النحل: 91.

قال: وددت لو كان ذلك فخرجا من عنده يحكمان.

و خطب عليّ ذات يوم فحكمت المحكمة في جوانب المسجد فقال عليّ اللَّه أكبر كلمة حقّ أريد بها باطل إن سكتوا غممناهم و إن تكلّموا حججناهم وإن خرجوا علينا قاتلناهم.

فوثب يزيد بن عاصم المحاربي فقال: الحمد للَّه غير مودع ربّنا ولا مستغن عنه اللهمّ إنّنا نعوذ بك من إعطاء الدنيّة في ديننا فان اعطاء الدنية في الدين ادهان في أمر اللَّه وذلّ راجع بأهله إلى سخط اللَّه يا علي أباالقتل تخوّفنا أما واللَّه إنّي لأرجو أن نضربكم بها عمّا قليل غير مصفحات ثمّ لتعلم أيّنا أولى بها صليّا.

ثمّ خرج هو وأخوة له ثلاثة فأصيبوا مع الخورج بالنهر وأصيب أحدهم بعد ذلك بالنخيلة.

ثمّ خطب عليّ عليه السلام يوماً آخر فقال رجل فقال: لا حكم إلّا للَّه ثمّ توالي عدّة رجال يحكمون فقال علي اللَّه أكبر كلمة حقّ أريد بها باطل أمّا إن لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا لانمنعكم مساجد اللَّه أن تذكروا فيها اسمه و لا نمنعكم الفي ء مادامت أيديكم مع أيدينا و لا نقاتلكم حتّى تبدأونا وإنّما فيكم أمر اللَّه ثمّ رجع إلى مكانه من الخطبة(1).

ثمّ أنّ الخوارج لقي بعضهم بعضا واجتمعوا في منزل عبداللَّه بن وهب الراسبي فخطبهم و زهدهم في الدنيا و أمرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثمّ قال: اخرجوا بنا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال أو إلى بعض هذه المدائن منكرين لهذه البدع المضلّة.

ص: 12


1- الكامل لابن الاثير: 3/334.

فقال له حرقوص بن زهير: إنّ المتاع بهذه الدنيا قليل وإن الفراق لها وشيك فلا تدعونّكم زينتها و بهجتها إلى المقام بها ولا تلفتنّكم (ولا تمنعكم) عن طلب الحقّ و إنكار الظلم ف «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ»(1).

فقال حمزة بن سنان الأسدي: يا قوم إنّ الرأي ما رأيتم فولوّا أمركم رجلاً منكم فإنّكم لابدّ لكم من عماد وسناد وراية تحفون بها و ترجعون إليها فعرضوها على زيد بن حصين الطائي فأبى و عرضوا على حرقوص بن زهير فأبى و على حمزة بن سنان و شريح بن أوفى العبسي فأبيا فعرضوها على عبداللَّه بن وهب فقال: هاتوها أما واللَّه لا آخذها رغبة في الدنيا ولا أدعها فرقا من الموت فبايعوه لعشر خلون من شوال وكان يقال له ذو الثفنات.

ثمّ اجتمعوا في منزل شريح بن أوفى العبسي فقال ابن وهب اشخصوا بنا إلى بلدة نجتمع فيها لانقاذ حكم الحق فإنّكم أهل الحقّ.

قال شريح نخرج إلى المدائن فننزلها ونأخذها بأبوابها و نخرج منها سكانها و نبعث إلى إخواننا من أهل البصرة فيقدمون علينا فقال زيد بن حصين إنّكم إن خرجتم مجتمعين أتبعتم ولكن اخرجوا وحدانا مستخفّين فأمّا المدائن فإنّ بها من يمنعكم ولكن سيروا حتّى ننزل جسر النهروان وتكاتبوا إخوانكم من أهل البصرة قالوا هذا الرأي.

و كتب عبداللَّه بن وهب إلى من بالبصرة منهم يعلمونهم ما اجتمعوا عليه و يحثّونهم على اللحاق بهم و سير الكتاب إليهم فأجابوه أنّهم على اللحاق به فلمّا عزموا على المسير تعبدوا ليلتهم وكانت ليلة الجمعة ويوم الجمعة وساروا يوم

ص: 13


1- سورة النحل (16):128.

السبت فخرج شريح بن أوفى العبسي و هو يتلو قول اللَّه تعالى: «فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ»إلى «سَوَاءَ السَّبِيلِ»و خرج معهم طرفة بن عدي بن حاتم الطائي فاتبعه أبوه فلم يقدر عليه فانتهى إلى المدائن ثمّ رجع فلمّا بلغ ساباط لقيه عبداللَّه بن وهب الراسبي في نحو عشرين فارساً فأراد عبداللَّه قتله فمنعه عمرو بن مالك التيهاني وبشر بن زيد البولاني و أرسل عدي إلى سعد بن مسعود عامل علي على المدائن يحذّره أمرهم فأخذ أبواب المدائن و خرج في الخيل و استخلف بها ابن أخيه المختار بن أبي عبيد و سار في طلبهم فأخبر عبداللَّه بن وهب خبره فرابأ طريقه وسار على بغداد ولحقهم سعد بن مسعود بالكرخ في خمسمائة فارس عند المساء فانصرف إليهم عبداللَّه في ثلاثين فارساً فاقتتلوا ساعة وامتنع القوم منهم.

و قال أصحاب سعد لسعد: ما تريد من قتال هؤلاء ولم يأتك فيهم أمر خلّهم فليذهبوا واكتب إلى أميرالمؤمنين فان أمرك باتباعهم اتبعتهم و إن كفاكهم غيرك كان في ذلك عافية لك فأبى عليهم فلمّا جنّ عليهم الليل خرج عبداللَّه بن وهب فعبر دجلة إلى أرض جوخى و سار إلى النهروان فوصل إلى أصحابه و قد أيسوا منه و قالوا إن كان هلك وليّنا الأمر زيد بن حصين أو حرقوص بن زهير.

و سار جماعة من أهل الكوفة يريدون الخوارج ليكونوا معهم فردّهم أهلوهم كرها منهم القعقاع بن قيس الطائي عم الطرماح بن حكيم و عبداللَّه بن حكيم بن عبدالرحمن البكائي، وبلغ عليّاً أنّ سالم بن ربيعة العبسي يريد الخروج فأحضره عنده و نهاه فانتهى(1).

و لمّا خرجت الخوارج من الكوفة أتى عليّاً أصحابه و شيعته فبايعوه وقالوا

ص: 14


1- الكامل لابن الاثير: 3/335.

نحن أولياء من و اليت و أعداء من عاديت فشرط لهم فيه سنّة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فجاءه ربيعة بن أبي شدّاد الخثعمي و كان شهد معه الجمل وصفّين و معه راية خثعم فقال عليه السلام له: بايع على كتاب اللَّه و سنّة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال ربيعة على سنّة أبي بكر وعمر.

قال له عليّ عليه السلام: ويلك لو أنّ أبابكر و عمر عملا بغير كتاب وسنّة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لم يكونا على شي ء من الحقّ فبايعه فنظر إليه عليّ وقال: أما و اللَّه لكأنّي بك و قد نفرت مع هذه الخوارج فقتلت و كأنّي بك و قد وطئتك الخيل بحوافرها فقتل يوم النهر مع خوارج البصرة.

و أمّا خوارج البصرة فانّهم اجتمعوا في خمسمائة رجل و جعلوا عليهم مسعر بن فدكي التميمي فعلم بهم ابن عبّاس فاتبعهم أبا الأسود الدؤلي فلحقهم بالجسر الأكبر فتواقفوا حتّى حجز بينهم الليل وأدلج مسعر بأصحابه وأقبل يعترض الناس و على مقدّمته الأشرس بن عوف الشيباني وسار حتّى لحق بعبداللَّه بن وهب بالنهر.

فلمّا خرجت الخوارج و هرب أبو موسى إلى مكّة وردّ علي عليه السلام ابن عبّاس إلى البصرة قام في الكوفة فخطبهم فقال: «الحمد للَّه وإن أتى الدهر بالخطب الفادح و الحدثان الجليل وأشهد أن لا إله إلّا اللَّه وانّ محمّداً رسول اللَّه»(أقول: قد مرّ ذكر الخطبة مع شرحها - المؤلّف -).

ثمّ قال عليه السلام: «ألا إنّ هذا الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما و أحييا ما أمات القرآن و اتبع كلّ واحد منهما هواه بغير هدى من اللَّه فحكما بغير حجّة بيّنة و لا سنّة ماضية و اختلفا في حكمهما و کلا هما

ص: 15

لم يرشد فبرئ اللَّه منهما ورسوله و صالح المؤمنين استعدّوا و تاهبوا للمسير إلى الشام وأصبحوا في معسكرهم إن شاء اللَّه يوم الاثنين».

ثمّ نزل وكتب إلى الخوارج بالنهر:

«بسم اللَّه الرحمن الرحيم من عبداللَّه علي أميرالمؤمنين إلى زيد بن حصين وعبداللَّه بن وهب و من معهما من الناس أمّا بعد فإن هذين الرجلين اللذين ارتضيناهما حكمين قد خالفا كتاب اللَّه واتبعا هواهما بغير هدى من اللَّه فلم يعملا بالسنّة و لم ينفذا القرار حكما فبرئ اللَّه منهما و رسوله و المؤمنون فإذا بلغكم كتابي هذا فأقبلوا إلينا فإنّا سائرون إلى عدوّنا و عدوّكم و نحن على الامر الأوّل الذي كنّا عليه».

فكتبوا إليه: أمّا بعد فإنّك لم تغضب لربّك و إنّما غضبت لنفسك فإن شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك وإلّا فقد نبذناك على سواء إنّ اللَّه لا يحبّ الخائنين.

فلمّا قرأ كتابهم أيس منهم ورأى أن يدعهم ويمضي بالناس حتّى يلقى أهل الشام فيناجزهم فقام في أهل الكوفة فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: «أمّا بعد فإنّه من ترك الجهاد في اللَّه وأدهن في أمره كان على شفا هلكة إلّا أن يتداركه اللَّه بنعمته فاتّقوا اللَّه وقاتلوا من حادّ اللَّه ورسوله وحاول أن يطفئ نور اللَّه فقاتلوا الخاطئين الضالّين القاسطين الذين ليسوا بقرّاء القرآن و لا فقهاء في الدين و لا علماء في التأويل و لا لهذا الأمر بأهل في سابقة الإسلام واللَّه لو ولّوا عليكم لعملوا فيكم بأعمال كسرى وهرقل تيسروا للمسير إلى عدوّكم من أهل المغرب و قد بعثنا إلى إخوانكم من أهل البصرة ليقدموا عليكم فإذا اجتمعتم شخصنا إن شاء اللَّه و لا

ص: 16

حول ولا قوّة إلّا باللَّه»(1).

و كتب إلى ابن عبّاس: «أمّا بعد فإنّا خرجنا إلى معسكرنا بالنخيلة و قد أجمعنا على المسير إلى عدوّنا من أهل المغرب فأشخص إلى الناس حتّى يأتيك رسولي و أقم حتّى يأتيك أمري والسلام عليك».

فقرأ ابن عبّاس الكتاب على الناس وندبهم مع الأحنف بن قيس فشخّص ألف و خمسمائة فاستقلهم عبداللَّه بن عبّاس فخطبهم و قال: يا أهل البصرة أتاني كتاب أميرالمؤمنين فأمرتكم بالنفير إليه فلم يشخص منكم إليه إلّا ألف و خمسمائة و أنتم ستّون ألف مقاتل سوى أبنائكم و عبيدكم ألا انفروا إليه مع جارية بن قدامة السعدي و لا يجعلنّ رجل على نفسه سبيلا فإنّي موقع بكلّ من وجدته متخلّفاً عن دعوته عاصياً لإمامه فلا يلومنّ رجل إلّا نفسه.

فخرج جارية فاجتمع إليه ألف و سبعمائة فوافوا عليّاً و هم ثلاثة آلاف و مائتان فجمع إليه رؤوس أهل الكوفة و رؤوس الأسباع و وجوه الناس فحمد اللَّه و أثنى عليه ثمّ قال: «يا أهل الكوفة أنتم إخواني وأنصاري و أعواني على الحقّ و أصحابي إلى جهاد المحلّين بكم أضرب المدبر وأرجو تمام طاعة المقبل و قد استنفرت أهل البصرة فأتاني منهم ثلاثة آلاف و مائتان فليكتب لي رئيس كلّ قبيلة ما في عشيرته من المقاتلة و أبناء المقاتلة الذين أدركوا القتال و عبدان عشيرته و يرفع ذلك إلينا».

فقام إليه سعد بن قيس الهمداني فقال: يا أميرالمؤمنين سمعاً و طاعة أنّا أوّل الناس أجاب ما طلبت و قام معقل بن قيس وعدي بن حاتم و زياد بن خصفة

ص: 17


1- الكامل لابن الاثير: 3/337.

و حجر بن عدي وأشراف الناس و القبائل فقالوا مثل ذلك و كتبوا إليه ما طلب وأمروا أبناءهم وعبيدهم أن يخرجوا معهم و لا يتخلّف منهم فرفعوا إليه أربعين ألف مقاتل و سبعة عشر ألفاً من الأبناء ممّن أدرك و ثمانية آلاف من مواليهم وعبيدهم و كان جميع أهل الكوفة خمسين (خمساً) وستّين ألفاً سوى أهل البصرة و هم ثلاثة آلاف ومائتا رجل.

و كتب إلى سعد بن مسعود بالمدائن يأمره بإرسال من عنده من المقاتلة.

و بلغ عليّاً أنّ الناس يقولون لو سار بنا إلى قتال هذه الحروريّة فإذا فرغنا منهم توجّهنا إلى قتال المحلين! فقال لهم: «بلغني أنّكم قلتم كيت وكيت و إنّ هؤلاء الخارجين أهم إلينا فدعوا ذكرهم وسيروا إلى قوم يقاتلونكم كيما يكونوا جبّارين ملوكاً و يتّخذون عباد اللَّه خولا».

فناداه الناس أن سر بنا يا أميرالمؤمنين حيث أحببت و قام إليه صيفي بن فسيل الشيباني فقال: يا أميرالمؤمنين نحن حزبك و أنصارك نعادي من عاداك و نشايع من أناب إلى طاعتك من كانوا وأينما كانوا فإنّك إن شاء اللَّه لن تؤتى من قلّة عدد وضعف نيّة أتباع(1).

في كيفيّة قتال الخوارج و بعض احتجاجاته صلوات اللَّه عليه و آله معهم

روى إبراهيم بن الحسن بن ديزيل المحدث في كتاب صفين عن عبد الرحمن بن زياد عن خالد بن حميد المصري عن عمر مولى غفرة قال لما رجع علي عليه السلام من

ص: 18


1- الكامل لابن الاثير: 3/339.

صفين إلى الكوفة أقام الخوارج حتى جموا(1)ثم خرجوا إلى صحراء بالكوفة تسمى حروراء فنادوا لا حكم إلّا للَّه ولو كره المشركون ألا إن عليا ومعاوية أشركا في حكم اللَّه.

فأرسل علي عليه السلام إليهم عبداللَّه بن عباس فنظر في أمرهم و كلمهم ثم رجع إلى علي عليه السلام فقال له: ما رأيت؟ فقال ابن عباس: واللَّه ما أدري ما هم فقال له علي عليه السلام: رأيتهم منافقين؟ قال واللَّه ما سيماهم بسيما المنافقين إن بين أعينهم لأثر السجود و هم يتأولون القرآن، فقال علي عليه السلام: دعوهم ما لم يسفكوا دما أو يغصبوا مالا وأرسل إليهم ما هذا الذي أحدثتم و ما تريدون؟ قالوا: نريد أن نخرج نحن وأنت و من كان معنا بصفين ثلاث ليال ونتوب إلى اللَّه من أمر الحكمين ثم نسير إلى معاوية فنقاتله حتى يحكم اللَّه بيننا و بينه فقال علي عليه السلام: فهلا قلتم هذا حين بعثنا الحكمين وأخذنا منهم العهد وأعطيناهموه أ لا قلتم هذا حينئذ قالوا: كنا قد طالت الحرب علينا واشتد البأس وكثر الجراح وخلا الكراع والسلاح فقال لهم: أفحين اشتد البأس عليكم عاهدتم فلمّا وجدتم الجمام قلتم ننقض العهد إن رسول اللَّه كان يفي للمشركين أفتأمرونني بنقضه.

فمكثوا مكانهم لا يزال الواحد منهم يرجع إلى علي عليه السلام و لا يزال الآخر يخرج من عند علي عليه السلام فدخل واحد منهم على علي عليه السلام بالمسجد والناس حوله فصاح لا حكم إلّا للَّه ولو كره المشركون فتلفت الناس فنادى لا حكم إلّا للَّه ولو كره المتلفتون فرفع علي عليه السلام رأسه إليه فقال: لا حكم إلّا للَّه ولو كره أبو حسن.

ص: 19


1- الجمام، بالفتح: الراحة.

فقال علي عليه السلام إن أبا الحسن لا يكره أن يكون الحكم للَّه ثم قال: حكم اللَّه أنتظر فيكم فقال له الناس: هلا ملت يا أميرالمؤمنين على هؤلاء فأفنيتهم فقال إنهم لا يفنون إنهم لفي أصلاب الرجال و أرحام النساء إلى يوم القيامة(1).

روى أنس بن عياض المدني قال حدثني جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده عليهم السلام: «أن عليا عليه السلام كان يوما يؤم الناس وهو يجهر بالقراءة فجهر ابن الكواء من خلفه «وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ»(2)فلمّا جهر ابن الكواء و هو خلفه بها سكت علي عليه السلام فلما أنهاها ابن الكواء عاد علي عليه السلام فأتم قراءته فلما شرع علي عليه السلام في القراءة أعاد ابن الكواء الجهر بتلك الآية فسكت علي عليه السلام فلم يزالا كذلك يسكت هذا ويقرأ ذاك مرارا حتى قرأ علي عليه السلام «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ»(3)فسكت ابن الكواء و عاد عليه السلام إلى قراءته»(4).

و ذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في التاريخ أن عليا عليه السلام لما دخل الكوفة دخلها معه كثير من الخوارج و تخلف منهم بالنخيلة وغيرها خلق كثير لم يدخلوها فدخل حرقوص بن زهير السعدي وزرعة بن البرج الطائي و هما من رؤوس الخوارج على علي عليه السلام فقال له حرقوص تب من خطيئتك و اخرج بنا إلى معاوية نجاهده فقال له علي عليه السلام إني كنت نهيتكم عن الحكومة فأبيتم ثم الآن تجعلونها ذنبا أما إنها ليست بمعصية ولكنها عجز من الرأي وضعف في التدبير و قد نهيتكم عنه

ص: 20


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/310؛ بحار الأنوار: 33/343، ح 587.
2- سورة الزمر: 65.
3- سورة الروم: 60.
4- الغارات: 2/738؛ بحار الأنوار: 33/344.

فقال زرعة أما واللَّه لئن لم تتب من تحكيمك الرجال لأقتلنك أطلب بذلك وجه اللَّه و رضوانه فقال علي عليه السلام بؤسا لك ما أشقاك كأني بك قتيلا تسفي عليك الرياح قال زرعة وددت أنه كان ذلك.

قال و خرج علي عليه السلام يخطب الناس فصاحوا به من جوانب المسجد لا حكم إلّا للَّه وصاح به رجل [منهم واضع إصبعه في أذنيه فقال]«وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ»(1)فقال له علي عليه السلام: «فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ»(2).(3)

قال أبو العباس: و يقال إن أول من حكم عروة بن أدية وأ دية جدة له جاهلية و هو عروة بن حدير أحد بني ربيعة بن حنظلة و قال قوم أول من حكم رجل من بني محارب بن خصفة بن قيس بن عيلان يقال له سعيد ولم يختلفوا في اجتماعهم على عبداللَّه بن وهب الراسبي وأنه امتنع عليهم وأومأ إلى غيره فلم يقنعوا إلّا به فكان إمام القوم وكان يوصف برأي فأما أول سيف سل من سيوف الخوارج فسيف عروة بن أدية وذاك أنه أقبل على الأشعث فقال له ما هذه الدنية يا أشعث وما هذا التحكيم أ شرط أوثق من شرط اللَّه عز وجل ثم شهر عليه السيف والأشعث مول فضرب به عجز بغلته.

قال أبو العباس: وعروة بن حدير هذا من النفر الذين نجوا من حرب النهروان فلم يزل باقيا مدة من أيام معاوية ثم أتي به زياد ومعه مولى له فسأله عن أبي بكر

ص: 21


1- سورة الزمر: 65.
2- سورة الروم: 60.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد: 2/268؛ بحار الأنوار: 33/345.

و عمر فقال خيرا فقال له فما تقول في أمير المؤمنين عثمان وفي أبي تراب فتولى عثمان ست سنين من خلافته ثم شهد عليه بالكفر وفعل في أمر علي عليه السلام مثل ذلك إلى أن حكم ثم شهد عليه بالكفر ثم سأله عن معاوية فسبه سبا قبيحا ثم سأله عن نفسه فقال له أولك لزنية(1)و آخرك لدعوة وأنت بعد عاص لربك فأمر به فضربت عنقه ثم دعا مولاه فقال له صف لي أموره قال أ أطنب أم أختصر قال بل اختصر قال ما أتيته بطعام بنهار قط ولا فرشت له فراشا بليل قط.

قال أبو العباس: وسبب تسميتهم الحرورية أن عليا عليه السلام لما ناظرهم بعد مناظرة ابن عباس إياهم كان فيما قال لهم أ لا تعلمون أن هؤلاء القوم لما رفعوا المصاحف قلت لكم إن هذه مكيدة ووهن وإنهم لو قصدوا إلى حكم المصاحف لأتوني وسألوني التحكيم أفتعلمون أن أحدا كان أكره للتحكيم مني قالوا صدقت قال فهل تعلمون أنكم استكرهتموني على ذلك حتى أجبتكم إليه فاشترطت أن حكمهما نافذ ما حكما بحكم اللَّه فمتى خالفاه فأنا وأنتم من ذلك برآء وأنتم تعلمون أن حكم اللَّه لا يعدوني قالوا اللهم نعم قال وكان معهم في ذلك الوقت ابن الكواء(2)قال وهذا من قبل أن يذبحوا عبداللَّه بن خباب وإنما ذبحوه في الفرقة الثانية بكسكر(3)فقالوا له: حكمت في دين اللَّه برأينا و نحن مقرون بأنا كنا كفرنا و لكنّا الآن تائبون فأقر بمثل ما أقررنا به وتب ننهض معك إلى الشام فقال أ ما تعلمون أن اللَّه تعالى قد أمر بالتحكيم في شقاق بين الرجل وامرأته فقال سبحانه: «فَابْعَثُوا

ص: 22


1- لزنية، يشير إلى ما كان من أبي سفيان في جاهليته من غشيانه أمه سمية.
2- ابن الكواء، هو عبداللَّه بن الكواء؛ من بنى يشكر بن بكر بن وائل.
3- كسكر: كورة بين الكوفة والبصرة.

حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها»(1)و في صيد أصيب كأرنب يساوي نصف درهم فقال: «يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ»(2)فقالوا له: فإن عمرا لما أبى عليك أن تقول في كتابك هذا ما كتبه عبداللَّه علي أمير المؤمنين محوت اسمك من الخلافة و كتبت علي بن أبي طالب فقد خلعت نفسك فقال لي في رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أسوة حين أبى عليه سهيل بن عمرو أن يكتب هذا كتاب كتبه محمد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سهيل بن عمرو وقال له لو أقررت بأنك رسول اللَّه ما خالفتك ولكني أقدمك لفضلك فاكتب محمد بن عبداللَّه فقال لي: «يا علي امح رسول اللَّه فقلت يا رسول اللَّه لا تشجعني نفسي على محو اسمك من النبوة قال فقضى عليه فمحاه بيده ثم قال: اكتب محمد بن عبداللَّه ثم تبسم إلي وقال يا علي أما إنك ستسام مثلها فتعطي».

فرجع معه منهم ألفان من حروراء وقد كانوا تجمعوا بها فقال لهم علي ما نسميكم ثم قال أنتم الحرورية لاجتماعكم بحروراء(3).

و ذكر أبو العباس أيضا في الكامل أن عليا عليه السلام في أول خروج القوم عليه دعا صعصعة بن صوحان العبدي و قد كان وجهه إليهم وزياد بن النضر الحارثي مع عبداللَّه بن عباس فقال لصعصعة بأي القوم رأيتهم أشد إطافة(4)(أشدّ إطاعة) قال بيزيد بن قيس الأرحبي فركب علي عليه السلام إلى حروراء فجعل يتخللهم حتى صار إلى مضرب يزيد بن قيس فصلى فيه ركعتين ثم خرج فاتكأ على قوسه وأقبل على

ص: 23


1- سورة النساء: 35.
2- سورة المائدة: 95.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/273؛ بحار الأنوار: 33/349.
4- إطافة، مصدر اطاف بالشي ء؛ إذا احاط به.

الناس فقال هذا مقام من فلج فيه فلج(1)يوم القيامة ثم كلمهم وناشدهم فقالوا إنا أذنبنا ذنبا عظيما بالتحكيم وقد تبنا فتب إلى اللَّه كما تبنا نعد لك فقال علي عليه السلام: أنا أستغفر اللَّه من كل ذنب فرجعوا معه و هم ستة آلاف فلمّا استقروا بالكوفة أشاعوا أن عليا عليه السلام رجع عن التحكيم ورآه ضلالا وقالوا إنما ينتظر أمير المؤمنين أن يسمن الكراع(2)وتجبى الأموال ثم ينهض بنا إلى الشام فأتى الأشعث عليا عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين إن الناس قد تحدثوا أنك رأيت الحكومة ضلالا والإقامة عليها كفرا فقام علي عليه السلام يخطب فقال من زعم أني رجعت عن الحكومة فقد كذب و من رآها ضلالا فقد ضل فخرجت حينئذ الخوارج من المسجد فحكمت(3).

قال الشارح المعتزلي: قلت: كلّ فساد كان في خلافة علي عليه السلام و كل اضطراب حدث فأصله الأشعث و لو لا محاقته(4)أمير المؤمنين عليه السلام في معنى الحكومة في هذه المرة لم تكن حرب النهروان ولكان أمير المؤمنين عليه السلام ينهض بهم إلى معاوية ويملك الشام فإنه صلى الله عليه و آله حاول أن يسلك معهم مسلك التعريض والمواربة وفي المثل النبوي صلوات اللَّه على قائله الحرب خدعة.

و ذاك أنهم قالوا له تب إلى اللَّه ممّا فعلت كما تبنا ننهض معك إلى حرب أهل

ص: 24


1- عبارة الكامل: «من فلج فيه فلج يوم القيامة؛ أنشدكم اللَّه، أعلمتم احدا منكم كان أكره للحكومة منى! قالوا: اللهم لا، قال: أفعلمتم أنكم أكرهتموني حتى قبلتها! قالوا: اللهم نعم، قال: فعلام خالفتموني ونابدتموني؟ قالوا: إنا أتينا ذنبا عظيما، فتب إلى اللَّه منه، واستغفره نعد لك، فقال علي...»، والفلج: الظفر والانتصار.
2- الكراع: اسم للخيل.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/278؛ بحار الأنوار: 33/353.
4- المحاقة: أن يقول كل واحد من الطرفين: «أنا أحق»؛ هذا أصلها، والمراد المحاجة والمجادلة.

الشام فقال لهم كلمة مجملة مرسلة يقولها الأنبياء والمعصومون وهي قوله أستغفر اللَّه من كل ذنب فرضوا بها وعدوها إجابة لهم إلى سؤلهم وصفت له عليه السلام نياتهم واستخلص بها ضمائرهم من غير أن تتضمن تلك الكلمة اعترافا بكفر أو ذنب فلم يتركه الأشعث وجاء إليه مستفسرا وكاشفا عن الحال وهاتكا ستر التورية والكناية ومخرجا لها من ظلمة (مشكلة) الإجمال وستر الحيلة إلى تفسيرها بما يفسد التدبير ويوغر الصدور ويعيد الفتنة ولم يستفسره عليه السلام عنها إلّا بحضور من لا يمكنه أن يجعلها معه هدنة على دخن ولا ترقيقا عن صبوح وألجأه بتضييق الخناق عليه إلى أن يكشف ما في نفسه ولا يترك الكلمة على احتمالها ولا يطويها على غرها فخطب بما صدع به عن صورة ما عنده مجاهرة فانتقض ما دبره وعادت الخوارج إلى شبهتها الأولى وراجعوا التحكيم والمروق وهكذا الدول التي تظهر فيها أمارات الانقضاء والزوال يتاح لها أمثال الأشعث من أولي الفساد في الأرض «سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً»(1).(2)

النهروان بفتح النون وضمّها وتثليث الرّاء وهو على ما نقل عن المصباح بلدة تقرب من بغداد أربعة فراسخ(3).

قال أبو العباس: ثمّ مضى القوم إلى النهروان وقد كانوا أرادوا المضي إلى المدائن فمن طريف أخبارهم أنهم أصابوا في طريقهم مسلما ونصرانيا فقتلوا المسلم لأنّه عندهم كافر إذ كان على خلاف معتقدهم واستوصوا بالنصراني وقالوا

ص: 25


1- الأحزاب: 62.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/279؛ بحار الأنوار: 33/353.
3- المصباح المنير: 2/627.

احفظوا ذمة نبيكم(1).

قال أبو العباس: ولقيهم عبداللَّه بن خباب في عنقه مصحف على حمار ومعه امرأته وهي حامل فقالوا له: إن هذا الذي في عنقك ليأمرنا بقتلك فقال لهم ما أحياه القرآن فأحيوه و ما أماته فأميتوه فوثب رجل منهم على رطبة سقطت من نخلة فوضعها في فيه فصاحوا به فلفظها تورعا وعرض لرجل منهم خنزير فضربه فقتله فقالوا هذا فساد في الأرض وأنكروا قتل الخنزير ثم قالوا لابن خباب: حدثنا عن أبيك فقال: إني سمعت أبي يقول: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: «ستكون بعدي فتنة يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه يمسي مؤمنا ويصبح كافرا فكن عبد اللَّه المقتول ولا تكن القاتل».

قالوا فما تقول في أبي بكر وعمر فأثنى خيرا قالوا: فما تقول في علي قبل التحكيم وفي عثمان في السنين الست الأخيرة؟ فأثنى خيرا قالوا فما تقول في علي بعد التحكيم والحكومة؟ قال إنّ عليّاً أعلم باللَّه وأشد توقيا على دينه وأنفذ بصيرة فقالوا: إنك لست تتبع الهدى إنما تتبع الرجال على أسمائهم ثمّ قربوه إلى شاطئ النهر فأضجعوه فذبحوه.

قال أبو العباس وساوموا رجلا نصرانيّاً بنخلة له فقال هي لكم فقالوا ما كنا لنأخذها إلّا بثمن فقال واعجباه أتقتلون مثل عبداللَّه بن خباب ولا تقبلون جنا نخلة إلّا بثمن؟(2)

عن عبداللَّه بن عوف بن الأحمر قال: لمّا أراد أمير المؤمنين عليه السلام المسير إلى

ص: 26


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/280؛ بحار الأنوار: 33/354.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/281؛ بحار الأنوار: 33/354.

النهروان أتاه منجم فقال له: يا أميرالمؤمنين لا تسر في هذه الساعة وسر في ثلاث ساعات يمضين من النهار، فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: «ولِمَ ذاك؟»قال: لأنك إن سرت في هذه الساعة أصابك و أصاب أصحابك أذى و ضر شديد وإن سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت و ظهرت وأصبت كلما طلبت، فقال له أميرالمؤمنين: «تدري ما في بطن هذه الدابة أذكر أم أنثى؟»قال: إن حسبت علمت قال له أميرالمؤمنين عليه السلام: «من صدقك على هذا القول كذب بالقرآن «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»(1)ما كان محمد صلى الله عليه وآله يدعي ما ادعيت أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء والساعة التي من سار فيها حاق به الضر من صدقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة باللَّه عزّ و جلّ في ذلك الوجه وأحوج إلى الرغبة إليك في دفع المكروه عنه و ينبغي له أن يولّيك الحمد دون ربه عز وجل فمن آمن لك بهذا فقد اتخذك من دون اللَّه ندا و ضدا».

ثم قال عليه السلام «اللهمّ لا طير إلّا طيرك و ا ضير إلا ضيرك و لا خير إلّا خيرك ولا إله غيرك»ثم التفت إلى المنجم فقال: «بل نكذبك ونخالفك ونسير في الساعة التي نهيت عنها»(2).

ثم أقبل على الناس فقال: «أيها الناس إيّاكم والتعلّم للنجوم إلّا ما يهتدى به في ظلمات البر والبحر إنّما المنجم كالكاهن والكاهن كالكافر والكافر في النار أما

ص: 27


1- سورة لقمان: 34.
2- الأمالي للصدوق: 415، م 64، ح 16؛ بحار الأنوار: 55/224، ح 4.

واللَّه لئن بلغني أنك تعمل بالنجوم لأخلدنك السجن أبدا ما بقيت ولأحرمنك العطاء ما كان لي من سلطان».

ثم سار في الساعة التي نهاه عنها المنجم فظفر بأهل النهر وظهر عليهم ثم قال: «لو سرنا في الساعة التي أمرنا بها المنجم [لولم نسر في الساعة التي نهاه عنها المنجم] لقال الناس سار في الساعة التي أمر بها المنجم فظفر و ظهر أما إنه ما كان لمحمد صلى الله عليه وآله منجم ولا لنا من بعده حتى فتح اللَّه علينا بلاد كسرى و قيصر أيها الناس توكلوا على اللَّه وثقوا به فإنه يكفي ممن سواه»(1).

و لمّا خرج عليّ عليه السلام و عبر الجسر وسار إليهم، فلقيه منجّم في مسيره فأشار عليه أن يسير وقتا من النهار، فقال له: «إن أنت سرت في غيره لقيت أنت وأصحابك ضرّاً شديداً»فخالفه عليّ وسار في الوقت الذي نهاه عنه، فلمّا فرغ من أهل النهر حمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: لو سرنا في الساعة التي أمر بها المنجّم لقال الجهّال الذين لا يعلمون شيئاً: سار في الساعة التي أمر بها المنجّم فظفر. و كان المنجّم مسافر بن عفيف الأزدي(2).

وروى أبو عبيدة أيضا قال استنطقهم علي عليه السلام بقتل عبداللَّه بن خباب فأقروا به فقال انفردوا كتائب لأسمع قولكم كتيبة كتيبة فتكتبوا كتائب وأقرت كل كتيبة بمثل ما أقرت به الأخرى من قتل ابن خباب و قالوا و لنقتلنك كما قتلناه فقال علي عليه السلام واللَّه لو أقر أهل الدنيا كلهم بقتله هكذا وأنا أقدر على قتلهم به لقتلتهم ثم التفت إلى أصحابه فقال لهم: «شدوا عليهم فأنا أول من يشد عليهم»وحمل بذي الفقار حملة

ص: 28


1- بحار الأنوار: 33/347.
2- الكامل لابن الاثير: 3/343.

منكرة ثلاث مرات كل حملة يضرب به حتى يعوج متنه ثم يخرج فيسويه بركبتيه ثم يحمل به حتى أفناهم(1).

وروى قيس بن سعد بن عبادة أن عليا عليه السلام لما انتهى إليهم قال لهم: «أقيدونا بدم عبداللَّه بن خباب»فقالوا: كلّنا قتله فقال عليه السلام: «احملوا عليهم»(2).

وروى مسلم الضبي عن حبة العرني قال لما انتهينا إليهم رمونا فقلنا لعلي عليه السلام يا أميرالمؤمنين قد رمونا فقال لنا كفوا ثم رمونا فقال لنا عليه السلام كفوا ثم الثالثة فقال الآن طاب القتال احملوا عليهم(3).

روي عن جندب بن زهير الأزدي قال لما فارقت الخوارج عليا عليه السلام خرج إليهم وخرجنا معه فانتهيت إلى عسكرهم فإذا لهم دوي كدوي النحل في قراءة القرآن وفيهم أصحاب البرانس وذوو الثفنات فلما رأيت ذلك دخلني شك فتنحيت ونزلت عن فرسي وركزت رمحي ووضعت ترسي ونثرت عليه درعي وقمت أصلي وأنا أقول في دعائي اللهم إن كان قتال هؤلاء القوم رضا لك فأرني من ذلك ما أعرف به أنه الحق وإن كان لك سخطا فاصرف عني إذ أقبل علي عليه السلام فنزل عن بغلة رسول اللَّه وقام يصلي إذ جاء رجل وقال قطعوا النهر ثم جاء آخر تشتد به دابته وقال قطعوه وذهبوا فقال أمير المؤمنين عليه السلام ما قعطوه ولا يقطعونه وليقتلن دونه عهد من اللَّه و رسوله و قال يا جندب ترى التل (الشك)؟ قلت: نعم قال: «فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حدثني أنهم يقتلون عنده»ثم قال: «أما إنا نبعث إليهم رسولا

ص: 29


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/282؛ بحار الأنوار: 33/355.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/271؛ بحار الأنوار: 33/347.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/271؛ بحار الأنوار: 33/347.

يدعوهم إلى كتاب اللَّه وسنة نبيه فيرشقون وجهه بالنبل وهو مقتول».

قال: فانتهينا إليهم (إلى القوم) فإذا هم في معسكرهم لم يبرحوا ولم يرتحلوا فنادى في الناس فضمهم ثم أتى الصف وهو يقول: «من يأخذ هذا المصحف فيمشي إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى كتاب اللَّه وسنة نبيه وهو مقتول وله الجنة»فما أجابه أحد إلّا شاب من بني عامر بن صعصعة فلمّا رأى حداثة سنه قال: ارجع إلى موقفك، ثمّ أعاد القول فما أجابه أحد إلّا ذلك الشاب فقال: «خذه أما إنك مقتول»فمشى به حتّى إذا دنا من القوم حيث يسمعهم ناداهم فرموا وجهه بالنبل فأقبل علينا ووجهه كالقنفذ فقال علي عليه السلام: «دونكم القوم»فحملنا عليهم قال جندب: ذهب الشكّ عنّي وقتلت بكفي ثمانية(1).

ومن كتاب المناقب: لمّا دخل أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة جاء إليه زرعة بن البزرج الطائي وحرقوص بن زهير التميمي ذو الثدية فقال لا حكم إلّا للَّه فقال عليه السلام كلمة حق يراد بها باطل قال حرقوص فتب من خطيئتك وارجع عن قصتك واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا فقال علي عليه السلام قد أردتكم على ذلك فعصيتموني وقد كتبنا بيننا وبين القوم كتابا وشروطا وأعطينا عليها عهودا ومواثيق و قد قال اللَّه تعالى: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ»الآية(2)فقال حرقوص ذلك ذنب ينبغي أن تتوب عنه فقال علي ما هو ذنب ولكنه عجز من الرأي وضعف في العقل وقد تقدمت فنهيتكم عنه فقال ابن الكواء الآن صح عندنا أنك لست بإمام ولو كنت إماما لما رجعت فقال علي ويلكم قد رجع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عام الحديبية عن قتال أهل مكة.

ص: 30


1- الخرائج والجرائح: 2/755/ح 74؛ بحار الأنوار: 33/385/ح 616.
2- النحل: 91.

ففارقوا أمير المؤمنين عليه السلام وقالوا لا حكم إلّا للَّه ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وكانوا اثني عشر ألفا من أهل الكوفة والبصرة وغيرهما ونادى مناديهم أن أمير القتال شبث بن ربعي وأمير الصلاة عبداللَّه بن الكواء والأمر شورى بعد الفتح و البيعة للَّه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستعرضوا الناس وقتلوا عبداللَّه بن خباب بن الأرت وكان عامله عليه السلام على النهروان.

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: «يا ابن عباس امض إلى هؤلاء القوم فانظر ما هم عليه ولما ذا اجتمعوا»فلمّا وصل إليهم قالوا: ويلك يا ابن عباس أكفرت بربّك كما كفر صاحبك علي بن أبي طالب وخرج خطيبهم عتاب بن الأعور الثعلبي فقال ابن عباس من بنى الإسلام؟ فقال اللَّه ورسوله، فقال: النبي أحكم أموره وبين حدوده أم لا؟ قال: بلى قال: فالنبي بقي في دار الإسلام أم ارتحل؟ قال: بل ارتحل قال: فأمور الشرع ارتحلت معه أم بقيت بعده؟ قال: بل بقيت قال: وهل قام أحد بعده بعمارة ما بناه؟ قال: نعم الذرية والصحابة قال: أفعمروها أو خربوها؟ قال: بل عمروها قال: فالآن هي معمورة أم خراب؟ قال: بل خراب قال: خربها ذريته أم أمته؟ قال: بل أمته قال: وأنت من الذرية أو من الأمة؟ قال: من الأمة قال: أنت من الأمة وخربت دار الإسلام فكيف ترجو الجنة وجرى بينهم كلام كثير.

فحضر أميرالمؤمنين عليه السلام في مائة رجل فلما قابلهم خرج ابن الكواء في مائة رجل فقال عليه السلام أنشدكم اللَّه هل تعلمون حيث رفعوا المصاحف فقلتم نجيبهم إلى كتاب اللَّه فقلت لكم إني أعلم بالقوم منكم وذكر مقاله إلى أن قال فلما أبيتم إلّا الكتاب أشرطت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن وأن يميتا ما أمات القرآن فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكمه وإن أبيا فنحن منه برآء.

ص: 31

فقالوا له: أخبرنا أ تراه عدلا تحكيم الرجال في الدماء؟ فقال: إنا لسنا الرجال حكمنا وإنما حكمنا القرآن والقرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق إنما يتكلم به الرجال قالوا: فأخبرنا عن الأجل لم جعلته فيما بينك وبينهم؟ قال: ليعلم الجاهل ويثبت العالم ولعل اللَّه يصلح في هذه المدة لهذه الأمة وجرت بينهم مخاطبات فجعل بعضهم يرجع فأعطى أمير المؤمنين عليه السلام راية الأمان مع أبي أيوب الأنصاري فناداهم أبو أيوب من جاء إلى هذه الراية أو خرج من بين الجماعة فهو آمن فرجع منهم ثمانية آلاف رجل فأمرهم أمير المؤمنين عليه السلام أن يتميزوا منهم وأقام الباقون على الخلاف وقصدوا إلى النهروان فخطب أمير المؤمنين عليه السلام واستنفرهم فلم يجيبوه فتمثل:

أمرتكم أمري بمنعرج اللوى***فلم تستبينوا النصح إلّا ضحى الغد

ثمّ استنفرهم فنفر ألفا رجل يقدمهم عدي بن حاتم وهو يقول:

إلى شر خلق من شراة تحزبوا***وعادوا إله الناس رب المشارق

فوجّه أمير المؤمنين عليه السلام نحوهم وكتب إليهم على يدي عبداللَّه بن أبي عقب وفيها: والسعيد من سعد به رعيته والشقي من شقيت به رعيته وخير الناس خيرهم لنفسه وشر الناس شرهم لنفسه وليس بين اللَّه وبين أحد قرابة «وكُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ»(1)فلما أتاهم أمير المؤمنين عليه السلام فاستعطفهم فأبوا إلّا قتاله وتنادوا أن دعوا مخاطبة علي وأصحابه وبادروا الجنّة وصاحوا الرواح الرواح إلى الجنة وأميرالمؤمنين يعبئ أصحابه ونهاهم أن يتقدم إليهم أحد فكان أول من خرج أخنس بن العيزار الطائي وجعل يقول:

ص: 32


1- المدثر: 38.

ثمانون من حي جديلة قتلوا***على النهر كانوا يخضبون العواليا

ينادون لا حكم إلّا لربنا***حنانيك فاغفر حوبنا والمساويا(1)

هم فارقوا من جار في اللَّه حكمه***فكل على الرحمن أصبح ثاويا

فقتله أميرالمؤمنين عليه السلام و خرج عبداللَّه بن وهب الراسبي يقول:

أنا ابن وهب الراسبي الشاري***أضرب في القوم لأخذ الثار

حتى تزول دولة الأشرار***ويرجع الحق إلى الأخيار

وخرج مالك بن الوضاح وقال:

إني لبائع ما يفنى بباقية***ولا يريد لدى الهيجاء تربيضا(2)

وخرج إلى أمير المؤمنين عليه السلام الوضاح بن الوضاح من جانب وابن عمه حرقوص من جانب فقتل الوضاح وضرب ضربة على رأس الحرقوص فقطعه ووقع رأس سيفه على الفرس فشرد وأرجله في الركاب حتى أوقعه في دولاب خراب فصارت الحرورية كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.

فكان المقتولون من أصحاب علي عليه السلام رؤبة بن وبر البجلي ورفاعة بن وائل الأرحبي والفياض بن خليل الأزدي وكيسوم بن سلمة الجهني وحبيب بن عاصم الأزدي إلى تمام تسعة وانفلت من الخوارج تسعة كما تقدم ذكره وكان ذلك لتسع خلون من صفر سنة ثمان وثلاثين(3).

و قال ابن طلحة: أن عليا عليه السلام لما عاد من صفين إلى الكوفة بعد إقامة الحكمين

ص: 33


1- الحنان: الرحمة يقال «حنانيك يا رب»أي رحمتك. والحوب: الاثم.
2- ربضه بالمكان: ثبته فيه.
3- مناقب ال ابي طالب عليه السلام: 3/188؛ بحار الأنوار: 33/288، ش 618.

أقام ينتظر انقضاء المدة التي بينه وبين معاوية ليرجع إلى المقاتلة والمحاربة إذ انخزلت طائفة من خاصة أصحابه في أربعة آلاف فارس وهم العباد والنساك فخرجوا من الكوفة وخالفوا عليا عليه السلام وقالوا لا حكم إلّا للَّه ولا طاعة لمن عصى اللَّه وانحاز إليهم نيف عن ثمانية آلاف ممن يرى رأيهم فصاروا اثني عشر ألفا وساروا إلى أن نزلوا بحروراء وأمروا عليهم عبداللَّه بن الكواء فدعا علي عليه السلام عبداللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما فأرسله إليهم فحادثهم وأطال فلم يرتدعوا وقالوا ليخرج إلينا علي بنفسه لنسمع كلامه عسى أن يزول ما بأنفسنا إذا سمعناه فرجع ابن عباس فأخبره فركب في جماعة ومضى إليهم فركب ابن الكواء في جماعة منهم فواقفه.

فقال له علي عليه السلام «يا ابن الكواء إن الكلام كثير فأبرز إلي من أصحابك لأكلمك»فقال: وأنا آمن من سيفك فقال نعم فخرج إليه في عشرة من أصحابه فقال له عليه السلام عن الحرب مع معاوية وذكر له رفع المصاحف على الرماح وأمر الحكمين وقال ألم أقل لكم إن أهل الشام يخدعونكم بها فإن الحرب قد عضتهم فذروني أناجزهم فأبيتم أ لم أرد أن أنصب ابن عمي حكما وقلت إنه لا ينخدع فأبيتم إلّا أبا موسى الأشعري وقلتم رضينا به حكما فأجبتكم كارها ولو وجدت في ذلك الوقت أعوانا غيركم لما أجبتكم وشرطت على الحكمين بحضوركم أن يحكما بما أنزل اللَّه من فاتحته إلى خاتمته والسنة الجامعة وأنهما إن لم يفعلا فلا طاعة لهما علي كان ذلك أ ولم يكن؟

قال ابن الكواء: صدقت قد كان هذا كله فلم لا ترجع الآن إلى محاربة القوم؟ فقال حتى تنقضي المدة التي بيننا وبينهم قال ابن الكواء وأنت مجمع على ذلك قال نعم ولا يسعني غيره فعاد ابن الكواء والعشرة الذين معه إلى أصحاب

ص: 34

علي عليه السلام راجعين عن دين الخوارج وتفرق الباقون وهم يقولون لا حكم إلّا للَّه

و أمروا عليهم عبداللَّه بن وهب الراسبي وحرقوص بن زهير البجلي المعروف بذي الثدية وعسكروا بالنهروان.

وخرج علي فسار حتى بقي على فرسخين منهم وكاتبهم وراسلهم فلم يرتدعوا فأركب إليهم ابن عباس وقال سلهم ما الذي نقموا وأنا أردفك فلا تخف منهم فلما جاءهم ابن عباس قال ما الذي نقمتم من أمير المؤمنين قالوا نقمنا أشياء لو كان حاضرا لكفرناه بها وعلي عليه السلام وراءه يسمع ذلك فقال ابن عباس يا أمير المؤمنين قد سمعت كلامهم وأنت أحق بالجواب.

فتقدم وقال: «أيها الناس أنا علي بن أبي طالب فتكلموا بما نقمتم علي»قالوا: نقمنا عليك أولا أنا قاتلنا بين يديك بالبصرة فلما أظفرك اللَّه بهم أبحتنا ما في عسكرهم ومنعتنا النساء والذرية فكيف حل لنا ما في العسكر ولم يحل لنا النساء؟ فقال لهم علي عليه السلام: «يا هؤلاء إن أهل البصرة قاتلونا وبدؤونا بالقتال فلما ظفرتم اقتسمتم سلب من قاتلكم ومنعتكم من النساء والذرية فإن النساء لم يقاتلن والذرية ولدوا على الفطرة ولم ينكثوا ولا ذنب لهم ولقد رأيترسول اللَّه صلى الله عليه وآلهمن على المشركين فلا تعجبوا إن مننت على المسلمين فلم أسب نساءهم ولا ذريتهم».

وقالوا: نقمنا عليك يوم صفين كونك محوت اسمك من إمرة المؤمنين فإذا لم تكن أميرنا فلا نطيعك ولست أميرا لنا فقال يا هؤلاء إنما اقتديت برسول اللَّه حين صالح سهيل بن عمرو وقد تقدمت قصته.

قالوا: فإنا نقمنا عليك أنك قلت للحكمين انظرا كتاب اللَّه فإن كنت أفضل من

ص: 35

معاوية فأثبتاني في الخلافة فإذا كنت شاكا في نفسك فنحن فيك أشد وأعظم شكا.

فقال عليه السلام: «فإنما أردت بذلك النصفة فإني لو قلت احكما لي وذرا معاوية لم يرض ولم يقبل ولو قال النبي صلى الله عليه وآله لنصارى نجران لما قدموا عليه تعالوا حتى نبتهل وأجعل لعنة اللَّه عليكم لم يرضوا ولكن أنصفهم من نفسه كما أمره اللَّه تعالى فقال: «فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ»(1)فأنصفهم من نفسه فكذلك فعلت أنا ولم أعلم بما أراد عمرو بن العاص من خدعه أبا موسى».

قالوا: فإنا نقمنا عليك أنك حكمت حكما في حق هو لك.

فقال: «إن رسول اللَّه حكم سعد بن معاذ في بني قريظة ولو شاء لم يفعل وأنا اقتديت به فهل بقي عندكم شي ء»فسكتوا وصاح جماعة منهم من كل ناحية التوبة التوبة يا أميرالمؤمنين واستأمن إليه ثمانية آلاف وبقي على حربه أربعة آلاف فأمر عليه السلام المستأمنين بالاعتزال عنه في ذلك الوقت وتقدم بأصحابه حتى دنا منهم.

و تقدم عبداللَّه بن وهب و ذو الثدية حرقوص وقالا ما نريد بقتالنا إياك إلّا وجه اللَّه والدار الآخرة فقال علي عليه السلام: «هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»(2).

ثم التحم القتال بين الفريقين واستعرت الحرب بلظاها وأسفرت عن زرقة صبحها وحمرة ضحاها فتجادلوا وتجالدوا بألسنة رماحها وحداد ظباها فحمل فارس من الخوارج يقال له الأخنس الطائي وكان شهد صفين مع علي عليه السلام فحمل وشق الصفوف يطلب عليا عليه السلام فبدره علي بضربة فقتله.

ص: 36


1- سورة آل عمران: 61.
2- سورة الكهف: 103- 104.

فحمل ذو الثدية ليضرب عليا فسبقه علي عليه السلام وضربه ففلق البيضة ورأسه فحمله فرسه وهو لما به فألقاه في آخر المعركة في جرف دالية(1)على شط النهروان.

و خرج من بعده ابن عمه مالك بن الوضاح وحمل على علي فضربه علي فقتله.

و تقدم عبداللَّه بن وهب الراسبي فصاح يا ابن أبي طالب واللَّه لا نبرح من هذه المعركة أو تأتي على أنفسنا أو نأتي على نفسك فابرز إلي وأبرز إليك وذر الناس جانبا فلما سمع علي عليه السلام كلامه تبسم و قال قاتله اللَّه من رجل ما أقل حياؤه أما إنه ليعلم أني حليف السيف وخدين الرمح(2)ولكنه قد يئس من الحياة وإنه ليطمع طمعا كاذبا ثم حمل على علي عليه السلام فضربه علي وقتله وألحقه بأصحابه القتلى.

واختلطوا فلم يكن إلّا ساعة حتى قتلوا بأجمعهم وكانوا أربعة آلاف. فما أفلت منهم إلّا تسعة أنفس رجلان هربا إلى خراسان إلى أرض سجستان وبها نسلهما ورجلان صارا إلى بلاد عمان وبها نسلهما ورجلان صارا إلى اليمن وبها نسلهما وهم الإباضية ورجلان صارا إلى بلاد الجزيرة إلى موضع يعرف بالسن والبوازيج وإلى شاطئ الفرات وصار آخر إلى تل موزن.

و غنم أصحاب علي عليه السلام غنائم كثيرة وقتل من أصحاب علي عليه السلام تسعة بعدد من سلم من الخوارج وهي من جملة كرامات علي عليه السلام فإنه قال نقتلهم ولا يقتل منا عشرة ولا يسلم منهم عشرة فلما قتلوا قال علي عليه السلام: «التمسوا المخدج»(3)فالتمسوه فلم يجدوه.

ص: 37


1- الجرف - بضمتين - الجانب الذي أكله الماء من حاشية النهر كل ساعة يسقط بعض منه.
2- الخدين: الصاحب. الرفيق. الصديق.
3- المخدج: الناقص الخلقة وهو لقب حرقوص بن زهير وكان ناقص اليد.

فقام علي عليه السلام بنفسه حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض فقال عليه السلام أخروهم فوجدوه ممّا يلي الأرض فكبر علي عليه السلام وقال صدق اللَّه وبلغ رسوله قال أبو الرضي فكأني أنظر إليه حبشي عليه قريطق(1)أحد ثدييه مثل ثدي المرأة عليها شعرات مثل شعرات ذنب اليربوع.

و هذا أبو الرضي هو عباد بن نسيب القيسي تابعي يروي عنه هذا القول أبو داود(2).

و عن أبي نعيم الأصفهاني عن الثوري أن أمير المؤمنين عليه السلام أمر أن يفتش عن المخدج بين القتلى فلم يجدوه فقال رجل واللَّه ما هو فيهم فقال عليه السلام واللَّه ما كذبت ولا كذبت(3).

و عن تاريخ الطبري وإبانة ابن بطة وسنن أبي داود ومسند أحمد عن عبداللَّه بن أبي رافع وأبي موسى و جندب وأبي الوضاح واللفظ له قال علي عليه السلام اطلبوا المخدج فقالوا لم نجده فقال واللَّه ما كذبت ولا كذبت يا عجلان ايتني ببغلةرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهفأتاه بالبغلة فركبها وجال في القتلى ثم قال اطلبوه هاهنا قال فاستخرجوه من تحت القتلى في نهر وطين(4).

و عن تاريخ القمي أنه رجل أسود عليه شعرات عليه قريطق مخدج اليد أحد

ص: 38


1- قريطق - تصغير قرطن - قباء ذو طاق واحد.
2- كشف الغمة: 1/264؛ بحار الأنوار: 33/394، ش 619.
3- مناقب آل ابي طالب عليه السلام: 3/191؛ بحار الأنوار: 33/391.
4- مناقب آل ابي طالب عليه السلام: 3/191؛ بحار الأنوار: 33/392.

ثدييه كثدي المرأة عليه شعيرات مثل ما يكون على ذنب اليربوع(1).(2)

و في رواية أبي داود وابن بطة أنه قال علي عليه السلام: «من يعرف هذا؟»فلم يعرفه أحد فقال رجل: أنا رأيت هذا بالحيرة فقلت: إلى أين تريد فقال: إلى هذه وأشار إلى الكوفة وما لي بها معرفة فقال علي عليه السلام صدق هو من الجان وفي رواية هو من الجن، وفي رواية أحمد قال أبو الوضاح لا يأتينكم أحد يخبركم من أبوه قال فجعل الناس يقول هذا ملك هذا ملك هذا مالك ويقول علي: ابن من؟(3)

وفي مسند الموصلي في حديث من قال من الناس أنه رآه قبل مصرعه فإنه كاذب(4).

و في مسند أحمد بإسناده عن ابن الوضاح أنه قال علي عليه السلام أما إن خليلي أخبرني بثلاثة إخوة من الجن هذا أكبرهم والثاني له جمع كثير والثالث فيه ضعف(5).

و روى إبراهيم بن ديزيل في كتاب صفين عن الأعمش عن زيد بن وهب قال لما شجرهم علي عليه السلام بالرماح قال اطلبوا ذا الثدية فطلبوه طلبا شديدا حتى وجدوه في وهدة من الأرض تحت ناس من القتلى فأتي به وإذا رجل على ثديه مثل سبلات(6)السنور فكبر علي عليه السلام وكبر الناس معه سرورا بذلك(7).

ص: 39


1- اليربوع؛ نوع من الفر قصيراليدين طويل الرجين.
2- مناقب آل ابي طالب عليه السلام: 3/191؛ بحار الأنوار: 33/392.
3- مناقب آل ابي طالب عليه السلام: 3/192؛ بحار الأنوار: 33/392.
4- مناقب آل ابي طالب عليه السلام: 3/192؛ بحار الأنوار: 33/392.
5- مناقب آل ابي طالب عليه السلام: 3/192؛ بحار الأنوار: 33/392.
6- السبلة: ما على الشارب من الشعر، و جمعه سبلات.
7- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/276؛ بحار الأنوار: 33/351.

و روى أيضا عن مسلم الضبي عن حبة العرني قال: كان رجلا أسود منتن الريح له ثدي كثدي المرأة إذا مدت كانت بطول اليد الأخرى وإذا تركت اجتمعت وتقلصت و صارت كثدي المرأة عليها شعرات مثل شوارب الهرة فلما و جدوه قطعوا يده ونصبوها على رمح ثم جعل علي عليه السلام ينادي: صدق اللَّه وبلغ رسوله لم يزل يقول ذلك هو وأصحابه بعد العصر إلى أن غربت الشمس أو كادت(1).

و روى العوام بن حوشب عن أبيه عن جده يزيد بن رويم قال قال علي عليه السلام يقتل اليوم أربعة آلاف من الخوارج أحدهم ذو الثدية فلما طحن القوم ورام استخراج ذي الثدية فأتبعه أمرني أن أقطع له أربعة آلاف قصبة وركب بغلةرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهوقال اطرح على كل قتيل منهم قصبة فلم أزل كذلك وأنا بين يديه وهو راكب خلفي والناس يتبعونه حتى بقيت في يدي واحدة فنظرت إليه وإذا وجهه أربد وإذا هو يقول واللَّه ما كذبت ولا كذبت فإذا خرير ماء عند موضع دالية فقال فتش هذا ففتشته فإذا قتيل قد صار في الماء وإذا رجله في يدي فجذبتها وقلت هذه رجل إنسان فنزل عن البغلة مسرعا فجذب الرجل الأخرى وجررناه حتى صار على التراب فإذا هو المخدج فكبر علي عليه السلام بأعلى صوته ثم سجد فكبر الناس كلهم(2).

الثالث

بعض الأخبار الواردة في ذمّ القاسطين والمارقين والناكثين:

ص: 40


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/276؛ بحار الأنوار: 33/351.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/275؛ بحار الأنوار: 33/352.

منها: عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لِأُمِّ سَلَمَةَ اشْهَدِي عَلَى أَنَّ عَلِيّاً يُقَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ»(1).

و منها: عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عليهما السلام قَالَ: «قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله بِخَمْسَةِ أَسْيَافٍ ثَلاثَةٌ مِنْهَا شَاهِرَةٌ وَسَيْفٌ مِنْهَا مَكْفُوفٌ وَسَيْفٌ مِنْهَا مَغْمُودٌ سَلُّهُ إِلَى غَيْرِنَا وَحُكْمُهُ إِلَيْنَا ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا السَّيْفُ الْمَكْفُوفُ فَسَيْفٌ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ وَالتَّأْوِيلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ بَعْدِي عَلَى التَّأْوِيلِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى التَّنْزِيلِ فَسُئِلَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ خَاصِفُ النَّعْلِ يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ قَاتَلْتُ بِهَذِهِ الرَّايَةِ مَعَ النَّبِيِ صلى الله عليه وآله ثَلاثاً وَ هَذِهِ الرَّابِعَةُ وَاللَّهِ لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّى بَلَغُوا بِنَا السَّعَفَاتِ مِنْ هَجَرَ لَعَلِمْنَا أَنَّا عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ»(2)الْخَبَرَ

ومنها: في الحديث قال عليّ عليه السلام: «أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين»(3).

ومنها: عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ يَقُولُ فِي آخِرِهِ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَا أُمَّ سَلَمَةَ اسْمَعِي وَاشْهَدِي هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخِي فِي الدُّنْيَا وَأَخِي فِي الآْخِرَةِ يَا أُمَّ سَلَمَةَ اسْمَعِي وَاشْهَدِي هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزِيرِي فِي الدُّنْيَا وَوَزِيرِي فِي الآْخِرَةِ يَا أُمَّ سَلَمَةَ اسْمَعِي وَاشْهَدِي هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حَامِلُ لِوَائِي فِي الدُّنْيَا وَحَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ

ص: 41


1- الأمالي للطوسي: 366، م 13، ح 24؛ بحار الأنوار: 33/291، ح 243.
2- بحار الأنوار: 32/293، ح 248.
3- النهاية في غريب الحديث: 5/114.

غَداً فِي الْقِيَامَةِ يَا أُمَّ سَلَمَةَ اسْمَعِي وَاشْهَدِي هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَصِيِّي وَخَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي وَقَاضِي عِدَاتِي وَالذَّائِدُ عَنْ حَوْضِي يَا أُمَّ سَلَمَةَ اسْمَعِي وَاشْهَدِي هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَقَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ وَقَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنِ النَّاكِثُونَ؟ قَالَ الَّذينَ يُبَايِعُونَهُ بِالْمَدِينَةِ وَيَنْكُثُونَهُ بِالْبَصْرَةِ قُلْتُ مَنِ الْقَاسِطُونَ قَالَ مُعَاوِيَةُ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ثُمَّ قُلْتُ مَنِ الْمَارِقُونَ قَالَ أَصْحَابُ النَّهْرَوَانِ»(1).

و منها: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَأَتَى مَنْزِلَ أُمِّ سَلَمَةَ فَجَاءَهُ عَلِيٌ عليه السلام فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: «يَا أُمَّ سَلَمَةَ هَذَا وَاللَّهِ قَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ مِنْ بَعْدِي»(2).

و منها: عَنْ زِرٍّ بن حبيش أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيّاً عليه السلام يَقُولُ: «أَنَا فَقَأْتُ عَيْنَ الْفِتْنَةِ وَلَوْ لا أَنَا مَا قُتِلَ أَهْلُ النَّهْرَوَانِ وَأَهْلُ الْجَمَلِ وَلَوْ لا أَنَّنِي أَخْشَى أَنْ تَتْرُكُوا الْعَمَلَ لَأَنْبَأْتُكُمْ بِالَّذِي قَضَى اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وآله لِمَنْ قَاتَلَهُمْ مُسْتَبْصِراً ضَلالَهُمْ (ضلالتهم) عَارِفاً لِلْهُدَى الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ»(3).

ص: 42


1- معاني الأخبار: 204، ح 1؛ بحار الأنوار: 32/298، ح 258.
2- كشف الغمة: 1/126؛ بحار الأنوار: 32/304، ح 269.
3- خصائص أميرالمؤمنين عليه السلام النسائي: 146؛ بحار الأنوار: 32/304، ح 269.

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة(37) - ومن كلام له عليه السلام يجري مجرى...

اشارة

37 - ومن كلام له عليه السلام يجري مجرى الخطبة وفيه يذكر فضائله عليه السلام قاله بعد وقعة النهروان:

فَقُمْتُ بِالْأَمْرِ حِينَ فَشِلُوا وَتَطَلَّعْتُ حِينَ تَقَبَّعُوا وَنَطَقْتُ حِينَ تَعْتَعُوا وَمَضَيْتُ بِنُورِ اللَّهِ حِينَ وَقَفُوا وَكُنْتُ أَخْفَضَهُمْ صَوْتاً وَأَعْلاهُمْ فَوْتاً فَطِرْتُ بِعِنَانِهَا وَاسْتَبْدَدْتُ بِرِهَانِهَا كَالْجَبَلِ لا تُحَرِّكُهُ الْقَوَاصِفُ وَلا تُزِيلُهُ الْعَوَاصِفُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيَّ مَهْمَزٌ وَلا لِقَائِلٍ فِيَّ مَغْمَزٌ الذَّلِيلُ عِنْدِي عَزِيزٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ لَهُ وَالْقَوِيُّ عِنْدِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ رَضِينَا عَنِ اللَّهِ قَضَاءَهُ وَسَلَّمْنَا للَّهِ ِ أَمْرَهُ أَتَرَانِي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَاللَّهِ لَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ فَلا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ فَنَظَرْتُ فِي أَمْرِي فَإِذَا طَاعَتِي قَدْ سَبَقَتْ بَيْعَتِي وَإِذَا الْمِيثَاقُ فِي عُنُقِي لِغَيْرِي.

قال الصاحب بن عبّاد مخاطباً له عليه السلام مشيراً إلى نحو ما عدّده عليه السلام من صفاته:

أيا ابن عم رسول اللَّه أفضل من***ساد الأنام وساس الهاشمينا

يا بدرة الدين يا فرد الزمان أصخ***لمدح مولى يرى تفضيلكم دينا

هل مثل سيفك في الإسلام لو عرفوا***وهذه الخصلة الغرّاء تكفينا

هل مثل علمك إن زلّوا وإن وهنوا***وقد هديت كما أصبحت تهدينا

هل مثل قولك إذ قالوا مجاهرة***لو لا علي هلكنا في فتاوينا

ص: 43

هل مثل جمعك للقرآن تعرفه***لفظاً ومعنى وتأويلا وتبيينا

هل مثل صبرك إذ خانوا وإذ فشلوا***حتّى جرى ما جرى في يوم صفّينا

هل مثل بذلك للعاني الأسير ولل***-طفل الصغير وقد أعطيت مسكينا(1)

سئل أبو محمد الفضل بن شاذان النيشابوري رحمه الله فقيل له: ما الدليل على إمامة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام؟ فقال: الدليل على ذلك من كتاب اللَّه عزّ وجلّ ومن سنة نبيه صلى الله عليه وآله ومن إجماع المسلمين فأما كتاب اللَّه تبارك و تعالى فقوله عزّ وجلّ «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(2)

فدعانا سبحانه إلى طاعة أولي الأمر كما دعانا إلى طاعة نفسه و طاعة رسوله صلى الله عليه وآله فاحتجنا إلى معرفة أولي الأمر كما وجبت علينا معرفة اللَّه تعالى ومعرفة الرسول عليه وآله السلام فنظرنا في أقاويل الأمة فوجدناهم قد اختلفوا في أولي الأمر وأجمعوا في الآية على ما يوجب كونها في علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: بعضهم أولي الأمر هم أمراء السرايا وقال: بعضهم هم العلماء وقال: بعضهم هم القوام على الناس والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر وقال: بعضهم هم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من ذريته عليهم السلام فسألنا الفرقة الأولى فقلنا لهم أليس علي بن أبي طالب عليه السلام من أمراء السرايا فقالوا بلى فقلنا للثانية ألم يكن عليه السلام من العلماء قالوا بلى فقلنا للثالثة أليس علي عليه السلام قد كان من القوام على الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقالوا بلى فصار أميرالمؤمنين عليه السلام معنيا بالآية باتفاق الأمة واجتماعها وتيقنا ذلك بإقرار المخالف لنا في امامته والموافق عليها فوجب

ص: 44


1- الغدير: 4/56.
2- سورة النساء: 59.

أن يكون إماما بهذه الآية لوجود الاتفاق على أنه معني بها ولم يجب العدول إلى غيره والاعتراف بإمامته لوجود الاختلاف في ذلك وعدم الاتفاق وما يقوم مقامه من البرهان.

و أما السنة فإنا وجدنا النبي صلى الله عليه وآله استقضى عليا عليه السلام على اليمن وأمره على الجيوش وولاه الأموال وأمره بأدائها إلى بني جذيمة الذين قتلهم خالد بن الوليد ظلما واختاره عليه السلام لأداء رسالات اللَّه سبحانه والإبلاغ عنه في سورة براءة واستخلفه عند غيبته على من خلف ولم نجد النبي صلى الله عليه وآله سن هذه السنن في أحد غيره ولا اجتمعت هذه السنن في أحد بعد النبي صلى الله عليه وآله كما اجتمعت في علي عليه السلام وسنة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بعد موته واجبة كوجوبها في حياته وإنما يحتاج الأمة إلى الإمام بهذه الخصال التي ذكرناها فإذا وجدناها في رجل قد سنها الرسول صلى الله عليه وآله فيه كان أولى بالإمامة ممن لم يسن النبي فيه شيئا من ذلك.

و أما الإجماع فإن إمامته ثبتت من جهته من وجوه منها أنهم قد أجمعوا جميعا أن عليا عليه السلام قد كان إماما ولو يوما واحدا ولم يختلف في ذلك أصناف أهل الملّة ثم اختلفوا فقالت طائفة كان إماما في وقت كذا دون وقت كذا وقالت طائفة بل كان إماما بعد النبي صلى الله عليه وآله في جميع أوقاته ولم يجتمع الأمة على غيره أنه كان إماما في الحقيقة طرفة عين والإجماع أحق أن يتبع من الخلاف.

و منها: أنهم أجمعوا جميعا على أن عليا عليه السلام كان يصلح للإمامة وأن الإمامة تصلح لبني هاشم واختلفوا في غيره وقالت طائفة لم تكن تصلح لغير علي بن أبي طالب عليه السلام ولا تصلح لغير بني هاشم والإجماع حق لا شبهة فيه والاختلاف لا حجة فيه.

ص: 45

و منها: أنهم أجمعوا على أن عليا عليه السلام كان بعد النبي صلى الله عليه وآله ظاهر العدالة واجبة له الولاية ثمّ اختلفوا فقال قوم انه كان مع ذلك معصوما من الكبائر والضلال وقال آخرون لم يك معصوما ولكن كان عدلا برا تقيا على الظاهر لا يشوب ظاهره الشوائب فحصل الإجماع على عدالته عليه السلام واختلفوا في نفي العصمة عنه ثمّ أجمعوا كلهم جميعاً على أن ابابكر لم يك معصوما واختلفوا في عدالته فقالت طائفة كان عدلاً وقالت أخرى لم يكن عدلاً لأنه اخذ ما ليس له فمن أجمعوا على عدالته واختلفوا في عصمته اولى بالإمامة ممن اختلفوا في عدالته وأجمعوا على نفى العصمة عنه(1).

فَقُمْتُ بِالْأَمْرِ حِينَ فَشِلُوا

انّ يوم أُحد لمّا قتل عليّ عليه السلام أصحاب الألوية، أبصر النبيّ صلى الله عليه وآله جماعة من مشركي قريش. فقال لعليّ عليه السلام: احمل عليهم، فحمل عليهم ففرّق جماعتهم كراراً وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي. فقال جبرئيل عليه السلام: يا رسول اللَّه! انّ هذه للمواساة. فقال النبيّ صلى الله عليه و آله: إنّه منّي وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما، فسمعوا صوتا: لا سيف إلّا ذوالفقار ولا فتى إلّا عليّ(2).

وروى الطبري أيضاً: أنّ أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك، انتهى إلى عمر بن الخطّاب، و طلحة بن عبيداللَّه في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم. فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: قتل محمّد رسول اللَّه. قال: فما تصنعون بالحياة

ص: 46


1- الفصول المختارة: 118؛ بحار الأنوار: 10/374، ش 8.
2- تاريخ الطبري: 2/197، سنة 3.

بعده قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، ثمّ استقبل القوم فقاتل(1)-إلى أن قال: - .

و فشا في الناس أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قد قتل، فقال بعض أصحاب الصخرة: ليت لنا رسولاً إلى عبداللَّه بن ابيّ. فيأخذ لنا أمنة من أبي سفيان. يا قوم انّ محمّداً قد قتل، فارجعوا إلى قومكم قبل أن يأتوكم فيقتلوكم.

قال أنس بن النضر: يا قوم إن كان محمّد قد قتل فإنّ ربّ محمّد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمّد صلى الله عليه و آله. اللهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا يقول هؤلاء، وأبرأ إليك ممّاجاء به هؤلاء ثمّ شدّ بسيفه فقاتل حتّى قتل - إلى أن قال: - فقال اللَّه عزّ وجلّ للذين قالوا: إنّ محمّداً قد قتل فارجعوا إلى قومكم: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً...»(2).(3)

وهو وإن أجمل في الذيل، إلّا أنّ إفصاح الصدر يكفي لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد(4).

وَتَطَلَّعْتُ حِينَ تَقَبَّعُوا

قال القمي: كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العدوي من بني عبد الدار فبرز ونادى يا محمد تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار ونجهزكم بأسيافنا

ص: 47


1- تاريخ الطبري: 2/199، سنة 3.
2- سورة آل عمران: 144.
3- تاريخ الطبري: 2/201، سنة 3.
4- بهج الصباغة: 4/72.

إلى الجنة فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إلي، فبرز إليه أمير المؤمنين عليه السلام - إلى أن قال: -

فقال طلحة: من أنت يا غلام؟ قال: أنا علي بن أبي طالب قال قد علمت يا قضيم أنه لا يجسر علي أحد غيرك - إلى أن قال: - سئل عن أبي عبداللَّه عليه السلام عن معنى قول طلحة بن أبي طلحة لما بارزه علي عليه السلام يا قضيم، قال: إنرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهكان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب واغروا به الصبيان وكانوا إذا خرجرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهيرمونه بالحجارة والتراب فشكا ذلك إلى علي عليه السلام فقال: بأبي أنت وأمّي يا رسول اللَّه إذا خرجت فأخرجني معك فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ومعه أميرالمؤمنين عليه السلام فتعرض الصبيان لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله كعادتهم فحمل عليهم أميرالمؤمنين عليه السلام وكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم فكانوا يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون قضمنا علي قضمنا علي فسمى لذلك «القضيم».

وفرّ يوم أُحد عثمان بن عفّان، ورجلان من الأنصار، حتّى بلغوا الجلعب - جبل بناحية المدينة - فأقاموا به ثلاثاً - الخبر(1).

ولمّا كان يوم الأحزاب، وبرز عمرو بن عبد ود وطلب المبارز مرّة بعد مرّة حتّى بحّ صوته، فتقبعوا وأدخلوا رؤوسهم في أعناقهم كالقنفذ، تطلّع عليه السلام إليه وبادر إلى حربه حتّى قتله(2).

وممّا يدلّ على فشل صحابتهم الذين يبخبخون بهم، وعلى تقبّعهم ما رواه الطبري في الأحزاب عن محمّد بن كعب قال: قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة: يا

ص: 48


1- تاريخ الطبري: 2/203.
2- بهج الصباغة: 4/72.

أبا عبداللَّه رأيتم النبيّ صلى الله عليه وآله و صحبتموه قال: نعم يابن أخي، قال: فكيف كنتم تصنعون. قال: واللَّه لقد رأيتنا مع النبيّ صلى الله عليه وآله بالخندق، وصلّى هويّاً من الليل ثمّ التفت إلينا قال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم يشرط له رسول اللَّه أنّه يرجع أدخله اللَّه الجنّة. قال: فما قام منّا رجل. قال: ثمّ صلّى النبيّ صلى الله عليه وآله هويا من الليل ثمّ التفت إلينا. فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم. ثمّ يرجع ويشرط له رسول اللَّه الرجعة، وأسأل اللَّه أن يكون رفيقي في الجنّة. قال: قام رجل من القوم من شدّة الخوف وشدّة الجوع وشدّة البرد، فلمّا لم يقم أحد دعاني النبيّ صلى الله عليه وآله فلم يكن لي بدّ من القيام حين دعاني. الخبر(1).

و ما رواه في الحديبيّة عن المسوّر قال: لمّا فرغ النبيّ صلى الله عليه وآله من قضيّته قال لأصحابه: قوموا فانحروا ثمّ احلقوا. قال: فواللَّه ما قام منهم رجل حتّى قال ذلك ثلاث مرّات. فلمّا لم يقم أحد قام فدخل على أُمّ سلمة فذكر لها ما لقي من الناس(2).

وروي عن ابن عبّاس قال: حلق يوم الحديبيّة، وقصّر آخرون. فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: يرحم اللَّه المحلّقين قالوا: والمقصّرين يا رسول اللَّه؟ قال صلى الله عليه وآله: يرحم اللَّه المحلّقين، قالوا: والمقصرين يا رسول اللَّه؟ قال: يرحم اللَّه المحلّقين، قالوا: يا رسول اللَّه والمقصّرين؟ قال: يرحم اللَّه المحلّقين والمقصّرين، قالوا: يا رسول اللَّه فلم ظاهرت الترحّم للمحلّقين دون المقصّرين؟ قال: لأنّهم لم يشكّوا(3).

وقصّة شك عمر ذلك اليوم وإنكاره على النبيّ صلى الله عليه وآله معروفة.

ص: 49


1- تاريخ الطبري: 2/244، سنة 5.
2- تاريخ الطبرى: 2/283، سنة 6.
3- تاريخ الطبري: 2/283، سنة 6.

قال الطبري، قال الزهري: ثمّ بعثت قريش سهيل بن عمرو أخا بني عمرو بن لؤي إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وقالوا له: إيت محمّداً فصالحه، ولا يكن في صلحه إلّا أن يرجع عنّا عامه هذا. فواللَّه لا تحدّث العرب أنّه دخل علينا عنوة أبدا. قال: فأقبل سهيل - إلى أن قال: - فلمّا انتهى سهيل إلىرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهتكلّم، فأطال الكلام وتراجعا، ثمّ جرى بينهما الصلح، فلمّا التام الأمر، ولم يبق إلّا الكتاب، وثب عمر. فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر أليس برسول اللَّه؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلامَ نعطي الدنيّة في ديننا - إلى أن قال: - ثمّ أتى النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول اللَّه ألست برسول اللَّه؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أو ليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلامَ نعطىِ الدنيّة في ديننا؟ فقال: أنا عبد اللَّه ورسوله لن أخلف أمره ولن يضيعني(1).

وفي خبر آخر: فقام عمر مغضباً، وقال: واللَّه لو أجد أعواناً ما أعطيت الدنيّة أبداً - إلى أن قال: - فلمّا كان يوم الفتح و أخذرسول اللَّه صلى الله عليه وآله مفتاح الكعبة قال: ادعوا لي عمر فجاء فقال: هذا الذي كنت وعدتكم به(2).

وَنَطَقْتُ حِينَ تَعْتَعُوا

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: ما قدست أمّة لم يؤخذ لضعيفها من قويها بحقّه غير متعتع(3).

ص: 50


1- تاريخ الطبري: 2/280، سنة 6.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12/59، بحار الأنوار: 30/561.
3- الكافي: 5/56، ح 2؛ تهذيب الأحكام: 6/180، ح 20.

جاءت الآثار أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله في بقرة قتلت حمارا فقال أحدهما يا رسول اللَّه بقرة هذا الرجل قتلت حماري فقال رسول اللَّه عليه السلام اذهبا إلى أبي بكر فاسألاه عن ذلك فجاء إلى أبي بكر وقصا عليه قصتهما فقال كيف تركتما رسول اللَّه ص وجئتماني قالا هو أمرنا بذلك فقال لهما بهيمة قتلت بهيمة لا شي ء على ربها.

فعادا إلى النبي صلى الله عليه وآله فأخبراه بذلك فقال لهما امضيا إلى عمر بن الخطاب وقصا عليه قصتكما واسألاه القضاء في ذلك فذهبا إليه و قصا عليه قصتهما فقال لهما كيف تركتما رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وجئتماني قالا هو أمرنا بذلك قال فكيف لم يأمركما بالمصير إلى أبي بكر قالا قد أمرنا بذلك فصرنا إليه فقال ما الذي قال لكما في هذه القضية قالا له كيت وكيت قال ما أرى إلّا ما رأى أبو بكر. فعادا إلى النبي صلى الله عليه وآله فخبراه الخبر فقال اذهبا إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ليقضي بينكما فذهبا إليه فقصا عليه قصتهما فقال عليه السلام: إن كانت البقرة دخلت على الحمار في مأمنه فعلى ربها قيمة الحمار لصاحبه وإن كان الحمار دخل على البقرة في مأمنها فقتلته فلا غرم على صاحبها فعادا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فأخبراه بقضيته بينهما فقال عليه السلام: لقد قضى علي بن أبي طالب بينكما بقضاء اللَّه عز اسمه ثمّ قال الحمد للَّه الذي جعل فينا أهل البيت من يقضي على سنن داود في القضاء(1).

روى عبادة بن الصامت قال عمر: كنا أمرنا إذا اختلفنا في شي ء أن نحكم عليا و لهذا تابعه المذكورون بالعلم من الصحابة نحو سلمان وعمار وحذيفة وأبي ذر وأبي بن كعب وجابر الأنصاري وابن عباس وابن مسعود وزيد بن صوحان ولم

ص: 51


1- الإرشاد: 1/197؛ بحار الأنوار: 40/247.

يتأخر إلّا زيد بن ثابت وأبو موسى و معاذ وعثمان وكلهم معترفون له بالعلم مقرون له بالفضل(1).

روى النقاش في تفسيره قال ابن عباس: علي علم علما علمه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله و رسول اللَّه صلى الله عليه و آله علمه اللَّه فعلم النبي صلى الله عليه وآله من علم اللَّه و علم علي من علم النبي صلى الله عليه وآله وعلمي من علم علي عليه السلام وما علمي وعلم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله في علم علي عليه السلام إلّا كقطرة في سبعة أبحر(2).

وروى الضحاك عن ابن عباس قال: أعطي علي بن أبي طالب عليه السلام تسعة أعشار العلم وإنه لأعلمهم بالعشر الباقي(3).

يحيى بن معين بإسناده عن عطاء بن أبي رياح أنه سئل هل تعلم أحدا بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أعلم من علي فقال لا واللَّه ما أعلمه(4).

وروى الخطيب في الأربعين قال: عمر العلم ستة أسداس لعلي من ذلك خمسة أسداس وللناس سدس ولقد شاركنا في السدس حتّى لهو أعلم به منا(5).

وروى عكرمة عن ابن عباس: إن عمر بن الخطاب قال له: يا أبا الحسن إنّك لتعجل في الحكم والفصل للشي ء إذا سئلت عنه قال: فأبرز علي كفه وقال له: كم هذا؟ فقال عمر: خمسة فقال: عجلت يا أبا حفص قال: لم يخف عَلَيَّ فقال علي:

ص: 52


1- مناقب آل أبي طالب عليهم السلام: 2/30؛ بحار الأنوار: 40/147.
2- مناقب آل أبي طالب عليهم السلام: 2/30؛ بحار الأنوار: 40/147.
3- مناقب آل أبي طالب عليهم السلام: 2/30؛ بحار الأنوار: 40/147.
4- مناقب: 2/30؛ بحار الأنوار: 40/147.
5- مناقب: 2/31؛ بحار الأنوار: 40/147.

وأنا أسرع فيما لا يخفى علي(1).

و قال عمر: أعوذ باللَّه من معضلة ليس لها أبو حسن(2).

روى البلاذري عن عمر: لا أبقاني اللَّه لمعضلة ليس لها أبو الحسن(3).

وقد ظهر رجوعه إلى علي عليه السلام في ثلاث وعشرين مسألة حتّى قال: لو لا علي لهلك عمر(4).

وقال النبيّ صلى الله عليه وآله: أعلم أمّتي من بعدي عليّ بن أبي طالب(5).

سئل النبيّ عن عليّ بن أبي طالب فقال: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي عليّ تسعة أجزاء والناس جزء واحدا(6).

وقد أجمعوا على أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال: أقضاكم عليّ(7).

قال أبوا أمامة: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أعلم بالسنّة والقضاء بعدي عليّ بن أبي طالب(8).

أخبرنا أبو القاسم عبد الواحد بن علي بن العباس البزاز رفعه إلى إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس قال سأل رجل معاوية عن مسألة فقال سل عنها علي بن أبي طالب عليه السلام فإنه أعلم فقال: يا أميرالمؤمنين قولك فيها أحب إلي من قول علي فقال:

ص: 53


1- مناقب: 2/31؛ بحار الأنوار: 40/147.
2- مناقب: 2/31؛ بحار الأنوار: 40/149.
3- أنساب الأشراف: 2/100، ح 29؛ مناقب: 2/31؛ بحار الأنوار: 40/149.
4- مناقب: 2/31؛ بحار الأنوار: 40/149.
5- مناقب: 2/31؛ بحار الأنوار: 40/149.
6- حلية الأولياء 1/64؛ مناقب: 2/32؛ بحار الأنوار: 40/149.
7- مناقب: 2/33؛ بحار الأنوار: 40/150.
8- مناقب: 2/33؛ بحار الأنوار: 40/150.

بئس ما قلت ولؤم ما جئت به لقد كرهت رجلا كانرسول اللَّه صلى الله عليه وآله يغره العلم غرا ولقد قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي ولقد كان عمر بن الخطاب يسأله فيؤخذ عنه ولقد شهدت عمرا إذا أشكل عليه شي ء قال هاهنا علي قم لا أقام اللَّه رجليك ومحا اسمه من الديوان(1).

ومناقب شهد العدو بفضلها***والفضل ما شهدت به الأعداء(2)

وَمَضَيْتُ بِنُورِ اللَّهِ حِينَ وَقَفُوا

عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام: «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ»؟ قال: كذلك اللَّه عزّ وجلّ قال: قلت : «مَثَلُ نُورِهِ»؟ قال لي محمد صلى الله عليه وآله: قلت: «كَمِشْكاةٍ»؟ قال: صدر محمد صلى الله عليه وآله قلت: «فِيها مِصْباحٌ»؟ قال: فيه نور العلم يعني النبوة قلت: «الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ»؟ قال: علم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله صدر إلى قلب علي عليه السلام قلت: «كَأَنَّها»؟ قال: لأي شي ء تقرأ «كَأَنَّها»؟ قلت: وكيف أقرأ جعلت فداك قال: كأنه(3)كوكب دري قلت: «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ»؟ قال: ذلك أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لا يهودي ولا نصراني قلت: «يَكادُ زَيْتُها يُضِي ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ»؟ قال: يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد عليهم السلام من قبل أن ينطق به قلت: «نُورٌ عَلى نُورٍ»؟ قال: الإمام

ص: 54


1- مناقب علي عليه السلام لابن المغازلي: 1/82؛ عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار: 135، ح 199؛ بحار الأنوار: 37/266، ح 40.
2- عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار: 136.
3- لعلّ تذكير الضمير لمناسبة تأويله على ما في هذه الرواية (م).

على أثر الإمام(1).

لما كان حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى أهل مكة يخبرهم بعزيمةرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهعلى فتحها وأعطى الكتاب امرأة سوداء كانت وردت المدينة لتستميح بها الناس، وجعل لها جعلا على أن توصله إلى قوم سمّاهم لها من أهل مكة، وأمرها أن تأخذ على غير الطريق، فنزل الوحي علىرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهبذلك.

فاستدعى النبي صلى الله عليه وآله أميرالمؤمنين عليه السلام وقال له: إن بعض أصحابي قد كتب إلى أهل مكّة يخبرهم بخبرنا، وقد كنت سألت اللَّه أن يعمّي أخبارنا عليهم، والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطريق، فخذ سيفك وألحقها، وانزع الكتاب منها وخلها، ثمّ استدعى الزبير بن العوام، وقال له: امض مع علي في هذا الوجه، فمضيا، وأخذا على غير الطريق، فأدركا المرأة، فسبق إليها الزبير، فسألها عن الكتاب الذي معها. فأنكرت، وحلفت أنه لا شي ء معها، وبكت. فقال الزبير: ما أرى يا أبا الحسن معها كتابا. فارجع بنا إلىرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهلنخبره ببراءة ساحتها. فقال عليه السلام يخبرنيرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهأن معها كتابا، ويأمرني بأخذه منها، وتقول أنت: لا كتاب معها، ثمّ اخترط سيفه، وتقدم إليها فقال: أما واللَّه لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنك. ثمّ لأضربن عنقك.

فقالت: إذا كان لابدّ من ذلك. فأعرض بوجهك عنّي. فأعرض عليه السلام فكشفت قناعها، وأخرجت الكتاب من عقيصتها، فأخذه أميرالمؤمنين عليه السلام وصار به إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله(2).

ص: 55


1- معاني الأخبار: 15، ح 7؛ بحار الأنوار: 4/15، ح 4.
2- الإرشاد: 1/56؛ بحار الأنوار: 21/119، ح 18.

عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: المؤمن ينظر بنور اللَّه(1).

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنوراللَّه(2).

وَكُنْتُ أَخْفَضَهُمْ صَوْتاً

خفض الصوت من ممدوح الصفات، وضدّه من مذمومها. قال تعالى حاكياً عن لقمان لابنه: «وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ»(3).

وَأَعْلاهُمْ فَوْتاً

كانت هند بنت عتبة قد أعطت وحشيّاً عهداً لئن قتلت محمّداً أو عليّاً أو حمزة لأعطيتك رضاك وكان وحشي عبداً لجبير بن مطعم حبشيّاً، فقال وحشي: أمّا محمّد فلا أقدر عليه وأمّا عليّ فرأيته رجلاً حذراً كثير الالتفات فلم أطمع فيه، قال: فكمنت لحمزة إلخ(4).

فَطِرْتُ بِعِنَانِهَا وَاسْتَبْدَدْتُ بِرِهَانِهَا كَالْجَبَلِ لا تُحَرِّكُهُ الْقَوَاصِفُ

أي: الرياح الكاسرة للأشجار.

قوله عليه السلام: «كالجبل لا تحرّكه القواصف، ولا تزيله العواصف».والقواصف واحدها القاصفة: أي الكاسرة من القصف بمعنى: الكسر أو الصوت الشديد،

ص: 56


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2/61، ح 250؛ بحار الأنوار: 64/75، ح 9.
2- بصائر الدرجات: 1/355/ح 4؛ بحار الأنوار: 24/131/ح 18.
3- سورة لقمان: 19.
4- تفسير القمي: 1/116؛ بحار الأنوار: 20/55.

كما في آية «قَاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ»(1)هي التي لها قصف: أي صوت شديد، كأنّها تقصف لأنّها لا تمرّ بشي ء إلّا قصفته؛ والعواصف جمع العاصفة، ومنها آية: «فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً»(2)وهي الرياح الشديد «وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً»(3):أي إن أراد تعصف عصفت، وإن ترخى رخت. ثمّ انّ هذا التمثيل جاء في زيارة يوم توفّي فيه عليه السلام، زاره بها الخضر عليه السلام(4)عرّف الناس بعض ماله من خصائص خصّه اللَّه عزّ وجلّ بها، وبعد ما عرفوه ولا دروا ما هو ومن هو...

إنّ للَّه في معاليك سرّاً***أكثر العالمين ما علموه(5)

فسلام اللَّه عليك غادية ورائحة(6).

وَلا تُزِيلُهُ الْعَوَاصِفُ

أي: الرياح الشديد الناقلة للأشياء من محلّ إلى محلّ آخر.

ولمّا بعثه النبيّ صلى الله عليه وآله لقبض ما صالح عليه أهل نجران، ففعل ورجع، وقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله توجّه وساق البدن، وأشركه عليه السلام في هديه تقدّم عليه السلام على الجيش للقاء النبيّ صلى الله عليه وآله ثمّ عاد إليهم، ووجدهم قد لبسوا الحلل التي كانت معهم فأنكر ذلك عليهم، وانتزعها منهم، وشدّها في الأعدال فاضطغنوا ذلك عليه، فلمّا دخلوا مكّة على النبيّ صلى الله عليه وآله أكثروا الشكاية منه عليه السلام. فأمر النبيّ صلى الله عليه وآله منادياً ينادي في الناس:

ص: 57


1- سورة الإسراء: 69.
2- سورة المرسلات: 2.
3- سورة الأنبياء: 81.
4- بحار الأنوار: 97/367.
5- سفينة البحار: 2/231 نقلاً عن عبدالباقي الأفندي؛ مستدرك سفينة البحار: 7/380.
6- الامثال والحكم المستخرجة من نهج البلاغة للغروي: 335.

«ارفعوا ألسنتكم عن عليّ بن أبي طالب فإنّه خشن في ذات اللَّه - عزّ وجلّ - غير مداهن في دينه»فكفّوا(1).

قال تعالى: «يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ»(2).

و قال تعالى: «فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ»(3).

عن أبي ذررحمه الله قال: أوصانيرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهأن لا أخاف في اللَّه لومة لائم(4).

عن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: لاتأخذكم في اللَّه لومة لائم يكفكم اللَّه من أرادكم وبغى عليكم(5).

قال أبو عبداللَّه عليه السلام إنّ المؤمن أشدّ من زبر الحديد إنّ الحديد إذا أدخل النار تغيّر وإنّ المؤمن لو قتل ثمّ نشر ثمّ قتل لم يتغيّر قلبه(6).

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رقبة تذله(7).

لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيَّ مَهْمَزٌ

قيل لجعفر بن محمد عليه السلام إن قوما هاهنا ينتقصون عليّاً عليه السلام قال: بم ينتقصونه لا أبا لهم وهل فيه موضع نقيصة واللَّه ما عرض لعلي أمران قط كلاهما للَّه طاعة إلّا عمل بأشد هما وأشقهما عليه ولقد كان يعمل العمل كأنه قائم بين الجنة والنار ينظر إلى

ص: 58


1- إرشاد: 1/172 والنقل بالتلخيص؛ بحار الأنوار: 21/384.
2- سورة المائدة: 54.
3- سورة القلم: 8-9.
4- خصال: 2/345، ح 12؛ بحار الأنوار 66/388، ح 56.
5- الأمالي للطوسي: 523، م 18، ح 1157-64؛ بحار الأنوار: 68/360، ح 3.
6- صفات الشيعة: 32، ح 47؛ بحار الأنوار: 64/303 و67/178، ح 42.
7- بحار الأنوار: 64/303.

ثواب هؤلاء فيعمل له وينظر إلى عقاب هؤلاء فيعمل له وإن كان ليقوم إلى الصلاة فإذا قال وجهت وجهي تغير لونه حتّى يعرف ذلك في وجهه ولقد أعتق ألف عبد من كد يده كل منهم يعرق فيه جبينه وتحفى فيه كفه ولقد بشر بعين نبعت في ماله مثل عنق الجزور فقال بشر الوارث بشر ثمّ جعلها صدقة على الفقراء والمساكين وابن السبيل - الخبر -(1).

وَلا لِقَائِلٍ فِيَّ مَغْمَزٌ

إنّما أراد عمر الغمز فيه عليه السلام كباقي ستّة الشورى فلم يجد شيئاً، فاضطر إلى أن يستهجن فضائله عليه السلام فأخرج حسن خلقه عليه السلام في لباس سوء، فسمّاه دعابة وتبعه عمرو بن العاص(2)، وأراد معاوية همزة عليه السلام ففضح نفسه والمؤسّسين له فكتب إليه عليه السلام: «انّك كنت تقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتّى بايعت أبا بكر».

فأجابه عليه السلام: «لقد أردت أن تذمّ فمدحت، وأن تفضح فافتضحت، وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكّاً في دينه ولا مرتاباً بيقينه»(3).

الذَّلِيلُ عِنْدِي عَزِيزٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ لَهُ

قال تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ»(4).

ص: 59


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4/110؛ بحار الأنوار: 34/335 و41/133.
2- بهج الصباغة: 4/78.
3- نهج البلاغة فيض الإسلام: 898، كتاب 28.
4- سورة المائدة: 2.

عن أميرالمؤمنين عليه السلام: إنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول في غير موطن لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القوي غير متتعتع(1).

عن محمّد بن جعفر العقبي رفعه قال: خطب أميرالمؤمنين عليه السلام فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ آدَمَ لَمْ يَلِدْ عَبْداً وَلا أَمَةً وَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَحْرَارٌ... أَلا وَقَدْ حَضَرَ شَيْ ءٌ وَنَحْنُ مُسَوُّونَ فِيهِ بَيْنَ الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ وَأَعْطَى رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ وَجَاءَ بَعْدُ غُلامٌ أَسْوَدُ فَأَعْطَاهُ ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ هَذَا غُلامٌ أَعْتَقْتُهُ بِالْأَمْسِ تَجْعَلُنِي وَإِيَّاهُ سَوَاءً فَقَالَ: إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَمْ أَجِدْ لِوُلْدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَى وُلْدِ إِسْحَاقَ فَضْلاً(2).

روى البغدادي في وفود سورة بنت عمارة الهمدانيّة على معاوية قالت له: لا يزال يقدم علينا من ينوء(3)بعزّك ويبطش بسلطانك فيحصدنا حصد السنبل ويدوسنا دوس البقر(4)ويسومنا(5)الخسيسة ويسلبنا الجليلة هذا بسر بن أرطاة قدم علينا من قبلك فقتل رجالي وأخذ مالي يقول لي: فوهي بما استعصم اللَّه منه وألجأ إليه فيه(6)ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة فإمّا عزلته عنّا فشكرناك وإمّا لا

ص: 60


1- نهج البلاغة فيض الإسلام: 1021، كتاب 53 كتبه عليه السلام للأشتر النخعي، ش 63.
2- الكافي: 8/69، ح 26؛ بحار الأنوار: 32/133، ح 107.
3- ينهض.
4- أي كما تدوس البقر السنبل لفصله الحب منه.
5- يكلفنا.
6- لعلّها تشير إلى ما يروي في بعض الأخبار على ان عمّال معاوية كانوا يكلّفون الناس سب علي للحط من شأن أولاده وشيعته.

فعرفناك فقال معاوية: أتهدّدني بقومك لقد هممت أن أحملك على قتب(1)أشرس فأردك إليه ينفذ فيك حكمه فأطرقت تبكي ثمّ أنشأت تقول:

صلّى الإله على جسم تضمّنه***قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحق لا يبغي به بدلا***فصار بالحق والإيمان مقرونا

قال لها: ومن ذلك؟ قالت: عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: وما صنع بك حتّى صار عندك كذلك؟ قالت: قدمت عليه في رجل ولاه صدقتنا قدم علينا من قبله فكان بيني وبينه ما بين الغث والسمين فأتيت عليّا ًعليه السلام لأشكو إليه ما صنع فوجدته قائماً يصلّي فلمّا نظر إليّ انفتل(2)من صلاته ثمّ قال لي برأفة وتعطف: «ألك حاجة؟»فأخبرته الخبر فبكى ثمّ قال: «اللهمّ انّك أنت الشاهد عليّ و عليهم أنّي لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقّك»ثمّ أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجواب فكتب فيها: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»قد جاءتكم بيّنة من ربّكم فَ «أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا(3)النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا(4)فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ»(5)إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتّى يقدم عليك من يقبضه منك والسلام»فأخذته منه واللَّه ما ختمه بطين ولا خزمه بخزام فقرأته فقال لها معاوية: لقد

ص: 61


1- القتب رحل كالبرذعة بقدر سنام البعير والمراد انّه يحملها على بعير شرس أي صعب الخلق والسير.
2- انصرف.
3- القسط العدل، والبخس، النقص والظلم.
4- تفسدوا.
5- سورة هود: 85-86.

لمظكم(1)ابن أبي طالب الجرأة على السلطان فبطيئا ما تفطمون - الخبر -(2).

وَالْقَوِيُّ عِنْدِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ

قال تعالى: «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا...»(3)

وقال تعالى: «إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(4).

قال صلى الله عليه وآله: إنّ أهون الخلق على اللَّه من ولّى أمر المسلمين فلم يعدل لهم(5).

عن أبي عبداللَّه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: كلّ معروف صدقة والدال على الخير كفاعله واللَّه عزّ وجلّ يحب إغاثة اللهفان(6).

عن مسعدة بن صدقة قال: حدّثني جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهم السلام: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَمَرَهُمْ بِسَبْعٍ: أَمَرَهُمْ بِعِيَادَةِ الْمَرْضَى، وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ، وَتَسْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ، وَإِفْشَاءِ السَّلامِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي(7).

عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام قال: من ردّ على المسلمين عادية ماء أوْ عادية نار أوْ عادية عدو مكابر للمسلمين غفر اللَّه ذنبه(8).

ص: 62


1- من لمظه جعل الماء على شفته.
2- بلاغات النساء: 48.
3- سورة هود: 113.
4- سورة الشورى: 42.
5- بحار الأنوار: 72/352.
6- الكافي: 4/27، ح 4؛ بحار الأنوار: 71/409، ح 10.
7- قرب الإسناد: 71/228؛ بحار الأنوار: 73/2، ح 1.
8- قرب الإسناد: 132، ح 463؛ بحار الأنوار: 72/20، ح 14.

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعِينُ مُؤْمِناً مَظْلُوماً إِلّا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَاعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَنْصُرُ أَخَاهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى نُصْرَتِهِ إِلّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ(1).

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: جَوْرُ سَاعَةٍ فِي حُكْمٍ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ مَعَاصِي سِتِّينَ سَنَةً(2).

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَخْذُلُ أَخَاهُ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى نُصْرَتِهِ إِلّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ(3).

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إنَّ اللَّهَ عزّ وجلّ أوحى إلى نبيّ مِنْ أنبِيَائِهِ فِي مَمْلَكَةِ جَبَّارٍ مِنَ الْجَبَّارِينَ أَنِ ائْتِ هَذَا الْجَبَّارَ فَقُلْ لَهُ إِنَّنِي لَمْ أَسْتَعْمِلْكَ عَلَى سَفْكِ الدِّمَاءِ وَاتِّخَاذِ الْأَمْوَالِ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلْتُكَ لِتَكُفَّ عَنِّي أَصْوَاتَ الْمَظْلُومِينَ فَإِنِّي لَمْ أَدَعْ ظُلامَتَهُمْ وَإِنْ كَانُوا كُفَّاراً(4).

و قال النبيّ صلى الله عليه وآله: من مشى مع ظالم فقد أجرم(5).

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: أُقْعِدَ رجلٌ مِنَ الأحبار فِي قَبْرِهِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّا جَالِدُوكَ مِائَةَ جَلْدَةٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لا أُطِيقُهَا فَلَمْ يَفْعَلُوا بِهِ حَتَّى انتَهوا إِلَى جَلْدَة وَاحِدَةٍ فَقَالُوا لَيْسَ مِنْهَا بُدَّ قَالَ: فَبِمَا تَجْلِدُونِيهَا؟ قَالُوا نَجْلِدُكَ بِأَنَّكَ صَلَّيْتَ يَوْماً بِغَيْرِ وُضُوءٍ وَمَرَرْتَ عَلَى ضَعِيفٍ فَلَمْ تَنْصُرْهُ، قال: فَجَلَدُوهُ جَلْدَةً مِنْ عَذَابِ

ص: 63


1- ثواب الأعمال: 147؛ بحار الأنوار: 72/20، ح 17.
2- جامع الأخبار للشعيري: 154؛ بحار الأنوار: 72/352، ح 61.
3- ثواب الأعمال: 148؛ بحار الأنوار: 72/20، ح 17.
4- الكافي: 2/333، ح 14؛ بحار الأنوار: 14/464، ح 36.
5- جامع الأخبار للشعيري: 155؛ بحار الأنوار: 72/377.

اللَّهِ تَعَالَى فَامْتَلأَ قَبْرُهُ نَارا(1).

عن أبي عبداللَّه عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَادَى مُنَادٍ أَيْنَ الظَّلَمَةُ وَأَعْوَانُ الظَّلَمَةِ مَنْ لاقَ لَهُمْ دَوَاةً أَوْ رَبَطَ لَهُمْ كِيساً أَوْ مَدَّ لَهُمْ مَدَّةً احْشُرُوهُ مَعَهُمْ(2).

هذا كلّه بالنسبة إلى عامّة المكلّفين ومنهم الأُمراء والحكّام وأمّا بالنسبة إلى خصوص الأُمراء والحكّام فقد وردت أيضاً روايات فانّ الأمر فيهم أشدّ من غيرهم لقوله صلى الله عليه وآله: كلّكم راع وكلّكم مسئول عن رعيّته(3).

عن زيد الشحّام قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام يقول: مَنْ تَوَلَّى أَمْراً مِنْ أُمُورِ النَّاسِ فَعَدَلَ وَفَتَحَ بَابَهُ وَرَفَعَ سِتْرَهُ وَنَظَرَ فِي أُمُورِ النَّاسِ كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُؤْمِنَ رَوْعَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ(4).

عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: صنفان من أُمّتي إذا صلحا صلحت أُمّتي وإذا فسدا فسدت أُمّتي: الأُمراء والقرّاء(5).

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: ثَلاثَةٌ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَثَلاثَةٌ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ النَّارَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَأَمَّا الَّذِينَ يُدْخِلُهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَإِمَامٌ عَادِلٌ وَتَاجِرٌ صَدُوقٌ وَشَيْخٌ أَفْنَى عُمُرَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا الثَّلاثَةُ الَّذِينَ يُدْخِلُهُمُ النَّارَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَإِمَامٌ جَائِرٌ وَتَاجِرٌ كَذُوبٌ وَشَيْخٌ زَانٍ(6).

ص: 64


1- علل الشرايع: 1/309، ح 1؛ بحار الأنوار: 6/221، ح 18.
2- جامع الأخبار للشعيري: 155؛ بحار الأنوار: 72/372، ح 17.
3- جامع الأخبار للشعيري: 119؛ بحار الأنوار: 72/38.
4- الأمالي للصدوق: 245، م 43، ح 2؛ بحار الأنوار: 72/340، ح 18.
5- الأمالي للصدوق: 366، م 58، ح 10؛ بحار الأنوار: 72/340، ح 20.
6- الخصال: 1/80، ح 1؛ بحار الأنوار: 72/337، ح 5.

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: من ولّى شيئاً من أُمور المسلمين فضيّعهم ضيّعه اللَّه تعالى(1).

عَن رسول اللَّه أنّه قال: رَجُلانِ لا تَنَالُهُمَا شَفَاعَتِي صَاحِبُ سُلْطَانٍ عَسُوفٍ غَشُومٍ وَغَالٍ فِي الدِّينِ مَارِقٌ(2).

عن ابن بريدة، عن أبيه، عن النبيّ صلى الله عليه وآله قال: لا يؤمر رجل على عشرة فما فوقهم إلّا جي ء به يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه، فإن كان محسناً فكّ عنه، وإن كان مسيئاً زيد غلا إلى غلّه(3).

أخذ عليّ عليه السلام رجلا من بني أسد في حد فاجتمع قومه ليكلّموا فيه وطلبوا إلى الحسن أن يصحبهم فقال: ائتوه فهو أعلى بكم عينا فدخلوا عليه وسألوه فقال: لا تسألوني شيئا أملك إلّا أعطيتكم فخرجوا يرون أنهم قد أنجحوا فسألهم الحسن فقالوا: أتينا خير مأتي وحكوا له قوله فقال: ما كنتم فاعلين إذا جلد صاحبكم فاصنعوه فأخرجه علي فحدّه ثمّ قال: هذا واللَّه لست أملكه(4).

عن فضيل بن الجعد قال: آكد الأسباب في تقاعد العرب عن أميرالمؤمنين عليه السلام أمر المال فإنّه لم يكن يفضل شريفاً على مشروف ولا عربيّاً على عجميّ ولا يصانع الرؤساء وأمراء القبائل كما يصنع الملوك ولا يستميل أحداً إلى نفسه وكان معاوية بخلاف ذلك(5).

ص: 65


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 260؛ بحار الأنوار: 72/345، ح 41.
2- الخصال: 1/63، ح 93؛ بحار الأنوار: 25/269، ح 13.
3- الأمالي للطوسي: 264، م 10، ح 485-23؛ بحار الأنوار: 7/211، ح 106.
4- مناقب آل أبي طالب عليهم السلام: 2/147؛ بحار الأنوار: 41/9.
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/197؛ بحار الأنوار: 29/493.

عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: خلا عمر لبعض شأنه وقال أمسك علي الباب فطلع الزبير فكرهته حين رأيته فأراد أن يدخل فقلت: هو على حاجة فلم يلتفت إلي وأهوى ليدخل فوضعت يدي في صدره فضرب أنفي فأدماه ثمّ رجع فدخلت على عمر فقال ما بك قلت الزبير.

فأرسل إلى الزبير فلمّا دخل جئت فقمت لأنظر ما يقول له فقال: ما حملك على ما صنعت أدميتني للناس فقال الزبير يحكيه ويمطط في كلامه أدميتني أتحتجب عنا يابن الخطاب فقال عمر كالمعتذر إني كنت في بعض شأني.

قال أسلم فلمّا سمعته يعتذر إليه يئست من أن يأخذ لي بحقي منه. فخرج الزبير فقال عمر إنّه الزبير وآثاره ما تعلم(1).

وفي عيون ابن قتيبة: تنازع إثنان، أحدهما سلطاني والآخر سوقي، فضربه السلطاني فصاح واعمراه، ورفع خبره إلى المأمون، فأمر بإدخاله عليه، قال: من أين أنت؟ قال: من أهل فامية(2)، فقال: إنّ عمر كان يقول: من كان جاره نبطياً واحتاج إلى ثمنه فليبعه فإن كنت تطلب سيرة عمر فهذا حكمه(3).

رَضِينَا عَنِ اللَّهِ قَضَاءَهُ وَسَلَّمْنَا للَّهِ ِ أَمْرَهُ

قيل: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مرّ بقوم فقال لهم: ما أنتم؟ فقالوا: مؤمنون فقال: ما علامة إيمانكم؟ قالوا: نصبر على البلاء ونشكر عند الرخاء ونرضى بمواقع القضاء فقال:

ص: 66


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12/45.
2- فامية: قلعة من أعمال حلب، وقد يزاد فيها الألف فيقال: أفامية. وفيات الأعيان: 3/318.
3- عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري: 1/451.

مؤمنون بربّ الكعبة. وفي خبر آخر أنّه قال: حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء(1).

عن عبد اللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إن اللَّه بعدله وقسطه وعلمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضا عن اللَّه عزّ وجلّ وجعل الهم والحزن في الشك والسخط فارضوا عن اللَّه وسلموا لأمره(2).

عن أبي حمزة الثمالي عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: الصَّبْرُ وَالرِّضَا عَنِ اللَّهِ رَأْسُ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَنْ صَبَرَ وَرَضِيَ عَنِ اللَّهِ فِيمَا قَضَى عَلَيْهِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ لَمْ يَقْضِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ إِلّا مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ(3).

وقال موسى عليه السلام: يا رب دلّني على أمر فيه رضاك قال تعالى: إنّ رضاي في رضاك بقضائي(4).

قال أبو عبداللَّه عليه السلام: قال اللَّه عزّ وجلّ: عبدي المؤمن لا أصرفه في شي ء إلّا جعلته خيراً له فليرض بقضائي وليصبر على بلائي وليشكر نعمائي أكتبه يا محمّد من الصدّيقين عندي(5).

وقال النبيّ صلى الله عليه وآله: إذا أحب اللَّه عبد ابتلاه فإن صبر اجتباه فإن رضي اصطفاه(6).

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِاللَّهِ أَرْضَاهُمْ بِقَضَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ(7).

ص: 67


1- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام: 229؛ بحار الأنوار: 79/137.
2- التمحيص: 59، ح 124؛ بحار الأنوار: 68/152، ح 59.
3- الكافي: 2/60، ح 3؛ بحار الأنوار: 69/334، ح 20.
4- مسكّن الفؤاد: 11؛ بحار الأنوار: 79/143.
5- الكافي: 2/61، ح 6؛ بحار الأنوار: 69/330، ح 13.
6- مسكّن الفؤاد: 84؛ بحار الأنوار: 79/142، ح 26.
7- الكافي: 2/60، ح 2؛ بحار الأنوار: 69/333، ح 19.

وقال صلى الله عليه وآله: أَعْطُوا اللَّهَ الرِّضَا مِنْ قُلُوبِكُمْ تظفروا بثواب (يُثِبْكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى) فَقْرِكِم(1).

وقال أيضاً: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَنْبَتَ اللَّهُ تَعَالَى لِطَائِفَةٍ مِنْ أُمَّتِي أَجْنِحَةً فَيَطِيرُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَى الْجِنَانِ يَسْرَحُونَ فِيهَا وَيَتَنَعَّمُونَ كَيْفَ شَاءُوا فَتَقُولُ لَهُمُ الْمَلائِكَةُ هَلْ رَأَيْتُمُ الْحِسَابَ فَيَقُولُونَ مَا رَأَيْنَا حِسَاباً فَيَقُولُونَ هَلْ جُزْتُمُ الصِّرَاطَ فَيَقُولُونَ مَا رَأَيْنَا صِرَاطاً فَيَقُولُونَ هَلْ رَأَيْتُمْ جَهَنَّمَ فَيَقُولُونَ مَا رَأَيْنَا شَيْئاً فَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ مِنْ أُمَّةِ مَنْ أَنْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص فَيَقُولُونَ نَشَدْنَاكُمُ اللَّهَ حَدِّثُونَا مَا كَانَتْ أَعْمَالُكُمْ فِي الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ خَصْلَتَانِ كَانَتَا فِينَا فَبَلَّغَنَا اللَّهُ هَذِهِ الدَّرَجَةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ فَيَقُولُونَ وَمَا هُمَا؟ فَيَقُولُونَ كُنَّا إِذَا خَلَوْنَا نَسْتَحِي أَنْ نَعْصِيَهُ وَنَرْضَى بِالْيَسِيرِ مِمَّا قُسِمَ لَنَا فَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ حَقٌّ لَكُمْ هَذَا(2).

عن عليّ بن هاشم بن البريد عن أبيه قال: قال لي عليّ بن الحسين عليهما السلام: الزُّهْدُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ أَعْلَى دَرَجَةِ الزُّهْدِ أَدْنَى دَرَجَةِ الْوَرَعِ وَأَعْلَى دَرَجَةِ الْوَرَعِ أَدْنَى دَرَجَةِ الْيَقِينِ وَأَعْلَى دَرَجَةِ الْيَقِينِ أَدْنَى دَرَجَةِ الرِّضَا(3).

أَتَرَانِي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّه ِ صلى الله عليه وآله

اعلم انّ في هذا الكلام تعريض على غيره من الخلفاء حيث انّهم لم يبالوا في أن يكذبوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كحديث: نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه

ص: 68


1- مجموعة ورّام: 1/230؛ بحار الأنوار: 79/143.
2- مجموعة ورّام: 1/230؛ بحار الأنوار: 100/25، ح 31.
3- الكافي: 2/62، ح 10؛ بحار الأنوار: 69/334، ح 22.

صدقة(1).وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّء مقعده من النار(2)وأمثال ذلك كثيرة كحديث تحريم النبيّ المتعة في الحجّ وغيره(3)مع انّه من المبدعات في عهد عمر بن الخطّاب.

وكقول سمرة بن جندب بأمر معاوية بن أبي سفيان في تفسير الآية الشريفة: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ»(4)الآية، حيث قال انّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: هذه الآية نزلت في مدح عبدالرحمن بن ملجم (لعنة اللَّه عليه) قاتل عليّ بن أبي طالب(5).

وكقول معاوية في زياد والحاقه بأبي سفيان وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الولد للفراش وللعاهر الحجر(6)وأمّا معاوية فقد قلّب الحكم وقال الولد للعاهر وللفراش الحجر(7)ونسبه إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأمثال ذلك كثيرة ألا ترى انّ بني أُميّة وعلمائهم قد نقلوا عن النبيّ صلى الله عليه وآله انّه قال: من تولّى أمر أُمّتي ثلاثة أيّام فلا تضرّه المعصية أبداً وإن بلغت ما بلغت(8)والمجعولات كثيرة.

ص: 69


1- تفسير الرازي: 9/210؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 20/20؛ اثباة الهداة بالنصوص والمعجزات: 3/385، ح 158.
2- مسند أحدم: 1/78؛ المسترشد في إمامة عليّ بن أبي طالب عليه السلام: 175؛ بحار الأنوار: 2/160، ح 10.
3- تفسير الرازي: 5/167 و10/50؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12/251؛ نهج الحق وكشف الصدق: 535.
4- سورة البقرة: 207.
5- الغارات: 2/840؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4/73؛ بحار الأنوار: 33/215.
6- الكافي: 2/495؛ بحار الأنوار: 101/64، ح 12؛ عمدة القاري للعيني: 23/261.
7- مروج الذهب: 3/8؛ رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال) مع تعليقات ميرداماد الاسترآبادي: 1/256.
8- مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة: 6/233.

وَاللَّهِ لَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ فَلا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ

أمّا الخاصّة فقولا واحداً اتّفقوا على كونه عليه السلام اوّل من آمن باللَّه ورسوله بلا خلاف بينهم فيه ولنشير إلى بعض الأخبار الواردة:

قال الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام: أَوَّلُ جَمَاعَةٍ كَانَتْ أَنَّ رَسُولَ اللَّه ِ صلى الله عليه وآله كَانَ يُصَلِّي وَأَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مَعَهُ إِذْ مَرَّ أَبُو طَالِبٍ بِهِ وَجَعْفَرٌ مَعَهُ قَالَ: يَا بُنَيَّ صَلِّ جَنَاحَ ابْنِ عَمِّكَ فَلَمَّا أَحَسَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله تَقَدَّمَهُمَا وَانْصَرَفَ أَبُو طَالِبٍ مَسْرُورا(1).

عن أبي جعفرعليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إن أمتي عرضت علي في الميثاق، فكان أول من آمن بي عليّ، وهو أول من صدّقني حين بعثت، وهو الصديق الأكبر، والفاروق يفرق بين الحق والباطل(2).

عن عليّ عليه السلام: إنّي كُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ إِسْلاماً بُعِثَ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَصَلَّيْتُ مَعَهُ يَوْمَ الثَّلاثَاءِ وَبَقِيتُ مَعَهُ أُصَلِّي سَبْعَ سِنِينَ حَتَّى دَخَلَ نَفَرٌ فِي الْإِسْلام(3).

عن أبي سخيلة، قال: حججت أنا وسلمان فنزلنا بأبي ذر، فكنا عنده ما شاء اللَّه، فلمّا حان منّا خفوف قلت: يا أبا ذر، إنّي أرى أمورا قد حدثت، وأنا خائف أن يكون في الناس اختلاف، فإن كان ذلك، فما تأمرني قال: الزم كتاب اللَّه و علي بن أبي طالب عليه السلام، واشهد أني سمعترسول اللَّه صلى الله عليه وآلهيقول: علي أوّل من آمن بي، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو الفاروق يفرق بين الحق

ص: 70


1- الأمالي للصدوق: 508، م 76، ح 4؛ بحار الأنوار: 35/68، ح 2.
2- تفسير العيّاشي: 2/41، ح 115؛ بحار الأنوار: 17/154، ح 62.
3- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام: 429؛ بحار الأنوار: 17/239، ح 2.

والباطل(1).

عن سلمان قال: إنّ أول هذه الأمة ورودا على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أولها إسلاما علي بن أبي طالب(2).

عن ابن عبّاس انّه قال: أوّل من آمن (أسلم) برسول اللَّه صلى الله عليه و آله من الرجال عليّ عليه السلام ومن النساء خديجة(3).

عن ابن عبّاس قال: قال أبو موسى: عليّ أوّل من أسلم(4).

عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَسَلْمَانَ قَالا: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَقَالَ: هَذَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي، وَأَوَّلُ مَنْ يُصَافِحُنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ وَفَارُوقُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَيَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ(5).

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَتَكُونُ فِتْنَةٌ فَإِنْ أَدْرَكَهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِخَصْلَتَيْنِ كِتَابِ اللَّهِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ هَذَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي وَأَوَّلُ مَنْ يُصَافِحُنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ فَارُوقُ هَذِهِ الْأُمَّةِ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَهُوَ يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَالُ يَعْسُوبُ الظَّلَمَةِ وَهُوَ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ وَهُوَ بَابِيَ الَّذِي أُوتَى مِنْهُ(6).

وأمّا الروايات العاميّة أيضاً كثيرة ونشير إلى شطر منها:

ص: 71


1- الأمالي للطوسي: 250، م 9، ح 444-36؛ بحار الأنوار: 38/210، ح 9.
2- فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام: 22، ح 14؛ بحار الأنوار: 38/211، ح 12.
3- الأمالي للطوسي: 259، م 10، ح 467-5؛ بحار الأنوار: 38/211، ح 12.
4- الأمالي للطوسي: 274، م 10، ح 522-60؛ بحار الأنوار: 38/211، ح 13.
5- اثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: 3/101، ح 394؛ بحار الأنوار: 38/213، ح 15.
6- اليقين باختصاص مولانا عليّ عليه السلام: 500، ش 204؛ بحار الأنوار: 38/214، ح 18.

جامع الترمذي ومسند أبي يعلي الموصلي عن أنس وتاريخ الطبري عن جابر قالا: بعث النبيّ صلى الله عليه وآله يوم الاثنين وصلّى عليّ عليه السلام يوم الثلاثاء(1).

وروى الثعلبي في تفسيره في تفسير قوله تعالى: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»(2)عن عباد بن عبداللَّه قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول: أنا عبد اللَّه وأخو رسول اللَّه وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلّا كذّاب مفتر صلّيت قبل الناس بسبع سنين(3).

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ سبع سنين لأنّه لم يكن من الرجال غيره(4).

عن أبي رافع قال: صلّى النبيّ صلى الله عليه وآله أوّل يوم الإثنين وصلّت خديجة آخر يوم الإثنين و صلّى عليّ يوم الثلاثاء من الغد و صلّى مستخفياً قبل أن يصلّي مع النبيّ أحد سبع سنين وأشهرا(5).

عن ابن عبّاس قال: أوّل من أسلم من الناس بعد خديجة عليّ عليه السلام.

قال: ولبعض أهل الكوفة في أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أيّام صفّين:

أنت الإمام الذي نرجوا بطاعته***يوم النشور من الرحمن غفرانا

أوضحت من ديننا ما كان مشتبها***جزاك ربّك عنّا فيه احسانا

نفسي الفداء لخير الناس كلّهم***بعد النبيّ علي الخير مولانا

ص: 72


1- مناقب آل أبي طالب عليه السلام: 2/14؛ بحار الأنوار: 38/258.
2- سورة الواقعة: 10-11.
3- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف: 1/20، ح 12؛ بحار الأنوار: 38/253، ح 49.
4- ينابيع المودّة لذوي القربى للقندوزي: 1/190، ح 3؛ كنز الفوائد: 1/272؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 42/28؛ بحار الأنوار: 22/302.
5- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: 2/185، ح 820؛ بحار الأنوار: 38/245.

أخي النبيّ ومولى المؤمنين معاً***وأوّل الناس تصديقاً وإيمانا(1)

عن عبداللَّه قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول: صلّيت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثلاث سنين قبل أن يُصلّي معه أحد من الناس(2).

عبداللَّه عن حبّة العرني قال عليّ عليه السلام: «اللهمّ أنّي لا أعرف أنّ عبداً لك من هذه الأُمّة عبدك قبل نبيّك - قال ذلك ثلاث مرّات - ثمّ قال: لقد صلّيت قبل أن يصلّي أحد(3).

روى الشافعي ابن المغازلي في تفسير قوله تعالى: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ»(4)عن ابن عبّاس قال: سبق يوشع بن نون إلى موسى عليه السلام وصاحب يس إلى عيسى وسبق عليّ بن أبي طالب أميرالمؤمنين عليه السلام إلى محمّد صلى الله عليه وآله(5).

عن سلمان رحمه الله قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أوّل الناس وروداً عليّ الحوض أوّلهم إسلاماً عليّ بن أبي طالب(6).

الثعلبي: بسنده عن عفيف الكندي قال: كنت تاجراً فقدمت مكّة أيّام الحج

ص: 73


1- المناقب للموفّق الخوارزمي: 58؛ شواهد التنزيل: 1/125؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: 3/21.
2- مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام لابن المغازلي: 162، ح 204؛ عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار لابن البطريق: 62، ح 72.
3- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 66/313؛ القول المسدّد في مسند أحمد لابن حجر: 102؛ ينابيع المودّة للقندوزي: 1/191، ح 10.
4- سورة الواقعة: 10.
5- مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام لابن المغازلي: 251، ح 317؛ شواهد التنزيل: 2/292، ح 924؛ الطرائف: 1/20، ح 11.
6- مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام لابن المغازلي: 34، ح 22؛ ينابيع المودّة للقندوزي: 1/192، ح 13؛ شرح احقاق الحق: 15/360.

فنزلت في دار العبّاس بن عبدالمطلب، فبينا أنا والعبّاس إذ جاء رجل شاب استقبل الكعبة، وجاءه غلام فقام عن يمينه، وجاءت امرأة فقامت خلفه، فركعوا وسجدوا، ثمّ رفعوا رؤوسهم، فقلت: يا عبّاس أمر عظيم.

فقال: أمر عظيم، هذا محمّد ابن أخي يقول: إنّ اللَّه بعثه رسولاً، وإنّ كنوز كسرى وقيصر ستفتح على يدي من آمن به، وهذا الغلام ابن أخي عليّ بن أبي طالب، وهذه زوجته خديجة بنت خويلد.

وأيضاً هذا الحديث أي حديث «عفيف الكندي»في كتاب الإصابة، وفي ذخائر العقبى مذكور(1).

عن أبي معمّر قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «صلّت الملائكة عليّ و على عليّ سبع سنين وذلك انّه لم ترفع شهادة أن لا إله إلّا اللَّه إلى السماء إلّا منّي ومن علي(2).

عن عبداللَّه بن مسعود قال إن أول شي ء علمته من أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أني قدمت مكة في عمومة لي فأرشدونا على العباس بن عبد المطلب، فانتهينا إليه وهو جالس إلى زمزم فجلسنا إليه، فبينا نحن عنده، إذ أقبل رجل من باب الصفا، معه مراهق أو محتلم تقفوه امرأة قد سترت محاسنها، حتّى قصدوا نحو الحجر فاستلمه، ثمّ استلم الغلام، ثم استلمته المرأة، ثم طاف بالبيت سبعا، والغلام والمرأة يطوفان معه فقلنا: يا أبا الفضل إن هذا الدين لم نكن نعرفه فيكم أو شي ء حدث؟

ص: 74


1- مناقب عليّ بن أبي طالب لابن المغازلي: 34، ح 22؛ ينابيع المودّة للقندوزي: 1/192، ح 13؛ شرح إحقاق الحق: 15/360.
2- مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام لابن المغازلي: 33، ح 19؛ كشف الغمّة (ط - القديمة): 1/79؛ بحار الأنوار: 38/239.

قال: هذا ابن أخي محمد بن عبداللَّه، والغلام علي بن أبي طالب، والمرأة امرأته خديجة بنت خويلد، ما على وجه الأرض أحد يعبد اللَّه تعالى بهذا الدين إلّا هؤلاء الثلاثة(1).

عن سلمة بن كهيل، عن حبّة العرني قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول: أنا أوّل من أسلم(2).

عن أبي رافع قال: صلّى النبي صلى الله عليه وآله أوّل يوم الإثنين وصلّت خديجة آخر يوم الإثنين وصلّى علي يوم الثلاثاء من الغد وصلى مستخفياً قبل أن يصلّي مع النبي صلى الله عليه وآله [أحد] سبع سنين وأشهراً(3).

عن أبي ذر قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول لعليّ: أنت أوّل من آمن بي وأنت أوّل من يصافحني يوم القيامة وأنت الصدّيق الأكبر وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحقّ والباطل وأنت يعسوب المسلمين والمال يعسوب الكفّار(4).

و في المناقب: عن أبي الزبير المكّي عن جابر بن عبداللَّه رضي اللَّه عنهما قال: كنّا عند النبيّ صلى الله عليه وآله فأقبل عليّ فقال: قد أتاكم أخي، ثمّ التفت إلى الكعبة فمسّها بيده، ثمّ قال: والذي نفسي بيده أنّ هذه وشيعته هم الفائزون يوم القيامة.

ثمّ قال: انّه أوّلكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد اللَّه و أقومكم بأمر اللَّه، وأعدلكم في الرعيّة، وأقسمكم بالسويّة، وأعظمكم عند اللَّه مزية.

قال: فنزلت «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ»(5)، قال:

ص: 75


1- المناقب للموفق الخوارزمي: 56، ح 21؛ كشف الغمّة: 1/83؛ بحار الأنوار: 38/248.
2- المناقب للخوارزمي: 57، ح 23.
3- المناقب للخوارزمي: 57، ح 24؛ كشف الغمّة: 1/84؛ بحار الأنوار: 38/245.
4- مناقب عليّ بن أبي طالب عليه السلام لأحمد بن موسى بن مردويه الاصفهاني: 66، ح 37؛ أعلام الورى بأعلام الهدى (ط - القديمة): 183؛ بحار الأنوار: 38/213.
5- سورة البيّنة: 7.

فكان الصحابة إذا قيل: علي قالوا: قد جاء خير البريّة(1).

و في المناقب: بالاسناد عن أبي الزبير المكّي عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إنّ اللَّه - تبارك وتعالى - اصطفاني واختارني وجعلني رسولاً وأنزل عليّ سيّد الكتب. فقلت: إلهي وسيّدي إنّك أرسلت موسى إلى فرعون فسألك أن تجعل معه أخاه هارون وزيراً يشدّ به عضده ويصدق به قوله، وإنّي أسألك يا سيّدي وإلهي أن تجعل لي من أهلي وزيراً تشدّ به عضدي، فاجعل لي عليّاً وزيراً وأخا، واجعل الشجاعة في قلبه وألبسه الهيبة على عدوّه، وهو أوّل من آمن بي وصدّقني، وأوّل من وحّد اللَّه معي، وإنّي سألت ذلك ربّي عزّ وجلّ فأعطانيه، فهو سيّد الأوصياء، اللحوق به سعادة، والموت في طاعته شهادة، واسمه في التوراة مقرون إلى اسمي، وزوجته الصديقة الكبرى ابنتي، وابناه سيّدا شباب أهل الجنّة ابناي، وهو وهما والأئمّة من بعدهم حجج اللَّه على خلقه بعد النبيين، وهم أبواب العلم في أُمّتي، من تبعهم نجا من النار، ومن اقتدى بهم هدى إلى صراط مستقيم، لم يهب اللَّه محبّهم لعبد إلّا أدخله اللَّه الجنّة(2).

ثمّ قال: قال الحسن بن علي عليه السلام في خطبة كما تقدّمت فكان أبي أوّلهم ايماناً فهو سابق السابقين و فضّل اللَّه السابقين على المتأخّرين، كذلك فضّل سابق السابقين على السابقين(3).

روي أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام كان جالساً في بعض مجالسه بعد رجوعه من

ص: 76


1- ينابيع المودّة للقندوزي: 1/196، ح 27.
2- ينابيع المودّة للقندوزي: 1/197، ح 28.
3- ينابيع المودّة للقندوزي: 1/42، ح 20.

نهروان(1)فجرى الكلام حتّى قيل له لِمَ لا حاربت أبا بكر وعمر كما حاربت طلحة والزبير ومعاوية؟

فقال عليه السلام: إِنِّي كُنْتُ لَمْ أَزَلْ مَظْلُوماً مُسْتَأْثَراً عَلَى حَقِّي(2)فَقَامَ إِلَيْهِ أَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِمَ لَمْ تَضْرِبْ بِسَيْفِكَ وَتَطْلُبَ بِحَقِّكَ فَقَالَ يَا أَشْعَثُ قَدْ قُلْتَ قَوْلاً فَاسْمَعِ الْجَوَابَ وَعِهْ وَاسْتَشْعِرِ الْحُجَّةَ إِنَّ لِي أُسْوَةً بِسِتَّةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَوَّلُهُمْ نُوحٌ عليه السلام حَيْثُ قَالَ: «أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ»(3)فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ قال هذا لِغَيْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ وَإِلّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ وثَانِيهِمْ لُوطٌعليه السلام حَيْثُ قَالَ: «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ»(4)فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ قَالَ هذا لِغَيْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ وَإِلّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ وَثَالِثُهُمْ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ عليه السلام حَيْثُ قَالَ: «وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ»(5)فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ قَالَ هَذا لِغَيْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ وَإِلّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ وَرَابِعُهُمْ مُوسَى عليه السلام حَيْثُ قَالَ: «فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ»(6)فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ قَالَ هَذَا لِغَيْرِ

ص: 77


1- النهروان: وهي ثلاث نهروانات، أعلى وأوسط وأسفل، وهو: كورة واسعة أسفل من بغداد من شرقي تامرا، منحدراً إلى واسط، فيها عدّة بلاد متوسّط منها اسكاف وجرجرايا، والصافية، وديرقنى وغير ذلك. مراصد الاطّلاع، ج 3، ص 1407.
2- استأثر بالشي ء على الغير: استبدّ به وخصّ به نفسه.
3- سورة القمر: 10.
4- سورة هود: 80.
5- سورة مريم: 48.
6- سورة الشعراء: 21.

خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ وَإِلّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ وَخَامِسُهُمْ أَخُوهُ هَارُونُ حَيْثُ قَالَ: «ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي»(1)فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ قَالَ هذا لِغَيْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ وَإِلّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ وَسَادِسُهُمْ أَخِي مُحَمَّد ٌصلى الله عليه وآله سَيِّدُ الْبَشَرِ حَيْثُ ذَهَبَ إِلَى الْغَارِ وَنَوَّمَنِي عَلَى فِرَاشِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْغَارِ لِغَيْرِ خَوْفٍ فَقَدْ كَفَرَ وَإِلّا فَالْوَصِيُّ أَعْذَرُ فَقَامَ إِلَيْهِ النَّاسُ بِأَجْمَعِهِمْ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُكَ وَنَحْنُ الْمُذْنِبُونَ التَّائِبُونَ وَقَدْ عَذَرَكَ اللَّهُ(2).

وعن أحمد بن همام قال أتيت عبادة بن الصامت في ولاية أبي بكر فقلت يا عبادة أكان الناس على تفضيل أبي بكر قبل أن يستخلف فقال يا أبا ثعلبة إذا سكتنا عنكم فاسكتوا ولا تبحثونا فو اللَّه لعلي بن أبي طالب كان أحق بالخلافة من أبي بكر كما كانرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهأحق بالنبوة من أبي جهل قال وأزيدكم إنا كنا ذات يوم عندرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهفجاء علي عليه السلام وأبو بكر وعمر إلى بابرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهفدخل أبو بكر ثمّ دخل عمر ثم دخل علي عليه السلام على أثرهما فكأنما سفي على وجه رسول اللَّه الرماد ثمّ قال يا علي أيتقدمانك هذان وقد أمرك اللَّه عليهما؟ فقال أبو بكر نسيت يا رسول اللَّه و قال عمر سهوت يا رسول اللَّه فقال رسول اللَّه ما نسيتما ولا سهوتما وكأني بكما قد سلبتماه ملكه وتحاربتما عليه و أعانكما على ذلك أعداء اللَّه وأعداء رسوله وكأني بكما قد تركتما المهاجرين والأنصار يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف على الدنيا ولكأني بأهل بيتي وهم المقهورون المشتتون في أقطارها وذلك لأمر قد قضي ثمّ بكىرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهحتّى سالت دموعه ثم قال يا علي الصبر الصبر حتّى ينزل الأمر ولا حول ولا قوة إلّا باللَّه العلي العظيم فإن لك من الأجر في كل يوم ما لا يحصيه كاتباك فإذا أمكنك الأمر فالسيف السيف القتل القتل حتّى يفيئوا إلى أمر اللَّه وأمر رسوله فإنك على الحق ومن ناواك على الباطل

ص: 78


1- سورة الأعراف: 150.
2- الإحتجاج: 1/189؛ بحار الأنواتر: 29/417، ح 1.

و كذلك ذريتك من بعدك إلى يوم القيامة(1).

وروى المدائنِي عن عبداللَّه بن جنادة قال: قَدِمْتُ مِنَ الْحِجَازِ أُرِيدُ الْعِرَاقَ فِي أَوَّلِ إِمَارَةِ عَلِيٍ عليه السلام فَمَرَرْتُ بِمَكَّةَ فَاعْتَمَرْتُ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِذْ نُودِيَ الصَّلاةَ جَامِعَةً فَاجْتَمَعَ النَّاسُ وَخَرَجَ عَلِيٌ عليه السلام مُتَقَلِّداً سَيْفَهُ فَشَخَصَتِ الْأَبْصَارُ نَحْوَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى رَسُولِهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمَّا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ قُلْنَا نَحْنُ أَهْلُهُ وَوَرَثَتُهُ وَعِتْرَتُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ دُونَ النَّاسِ لا يُنَازِعُنَا سُلْطَانَهُ أَحَدٌ وَلا يَطْمَعُ فِي حَقِّنَا طَامِعٌ إِذَا تَنَزَّى لَنَا قَوْمُنَا فَغَصَبُونَا سُلْطَانَ نَبِيِّنَا فَصَارَتِ الْإِمْرَةُ لِغَيْرِنَا وَصِرْنَا سُوقَةً يَطْمَعُ فِينَا الضَّعِيفُ وَيَتَعَزَّزُ عَلَيْنَا الذَّلِيلُ فَبَكَتِ الْأَعْيُنُ مِنَّا لِذَلِكَ وَخَشُنَتِ الصُّدُورُ وَجَزِعَتِ النُّفُوس - الخبر(2).

عن الكرخي قال: قَالَ رَجُلٌ لأَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: أَلَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ قَوِيّاً فِي بَدَنِهِ قَوِيّاً فِي أَمْرِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: بَلَى. قَالَ: فَمَا مَنَعَهُ أَنْ يَدْفَعَ أَوْ يَمْتَنِعَ؟ قَالَ: قَدْ سَأَلْتَ فَافْهَمِ الْجَوَابَ مَنَعَ عَلِيّاً مِنْ ذَلِكَ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ. فَقَالَ: وَأَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ فَقَرَأَ: «لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً»، إِنَّهُ كَانَ للَّهِ َ وَدَائِعُ مُؤْمِنُونَ فِي أَصْلابِ قَوْمٍ كَافِرِينَ وَمُنَافِقِينَ، فَلَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِيَقْتُلَ الآْبَاءَ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَدَائِعُ، فَلَمَّا خَرَجَتْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ ظَهَرَ وَقَتَلَهُ، وَكَذَلِكَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ لَنْ يَظْهَرْ أَبَداً حَتَّى يَخْرُجَ وَدَائِعُ اللَّهِ فَإِذَا خَرَجَتْ يَظْهَرُ عَلَى مَنْ يَظْهَرُ فَيَقْتُلُهُ(3).

ص: 79


1- الإحتجاج: 1/196؛ بحار الأنوار: 29/424، ح 10.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/307؛ بحار الأنوار: 32/61، ح 42.
3- تفسير القمي: 2/316؛ بحار الأنوار: 29/428، ح 13.

قال الخوئي: هذا هو التأويل، وتنزيله أنّه لو تميّز هؤلاء الذين كانوا بمكّة من المؤمنين والمؤمنات وزالوا من الكفّار لعذّبنا الذين كفروا، بالسيف والقتل بأيديكم(1).

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُنْدَبٍ، عَنْ أَبِيهِ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَقَدْ بُويِعَ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَوَجَدْتُهُ مُطْرِقاً كَئِيباً، فَقُلْتُ لَهُ مَا أَصَابَكَ جُعِلْتُ فِدَاكَ مِنْ قَوْمِكَ. فَقَالَ صَبْرٌ جَمِيلٌ. فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَاللَّهِ إِنَّكَ لَصَبُورٌ.

قَالَ فَأَصْنَعُ مَا ذَا. قُلْتُ: تَقُومُ فِي النَّاسِ وَتَدْعُوهُمْ إِلَى نَفْسِكَ وَتُخْبِرُهُمْ أَنَّكَ أَوْلَى بِالنَّبِيِ صلى الله عليه وآله وَبِالْفَضْلِ وَالسَّابِقَةِ، وَتَسْأَلُهُمُ النَّصْرَ عَلَى هَؤُلاءِ الْمُتَظَاهِرِينَ عَلَيْكَ، فَإِنْ أَجَابَكَ عَشَرَةٌ مِنْ مِائَةٍ شَدَّدْتَ بِالْعَشَرَةِ عَلَى الْمِائَةِ، فَإِنْ دَانُوا لَكَ كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْتَ، وَإِنْ أَبَوْا قَاتِلْهُمْ، فَإِنْ ظَهَرْتَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ سُلْطَانُ اللَّهِ الَّذِي آتَاهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وآله وَكُنْتَ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ، وَإِنْ قُتِلْتَ فِي طَلَبِهِ قُتِلْتَ إِنِ شَاءَ اللَّهُ شَهِيداً، وَكُنْتَ أَوْلَى بِالْعُذْرِ عِنْدَ اللَّهِ، لأَنَّكَ أَحَقُّ بِمِيرَاثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله.

فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أَتَرَاهُ يَا جُنْدَبُ كَانَ يُبَايِعُنِي عَشَرَةٌ مِنْ مِائَةٍ فَقُلْتُ أَرْجُو ذَلِكَ.

فَقَالَ: لَكِنِّي لا أَرْجُو، وَلا مِنْ كُلِّ مِائَةٍ اثْنَانِ وَسَأُخْبِرُكَ مِنْ أَيْنَ ذَلِكَ، إِنَّمَا يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَى قُرَيْشٍ، وَإِنَّ قُرَيْشاً يَقُولُ إِنَّ آلَ مُحَمَّدٍ يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلاً عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ، وَأَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ هَذَا الْأَمْرِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ، وَأَنَّهُمْ إِنْ وَلَّوْهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ هَذَا السُّلْطَانُ إِلَى أَحَدٍ أَبَداً، وَمَتَى كَانَ فِي غَيْرِهِمْ تَدَاوَلُوهُ بَيْنَهُمْ، وَلا وَاللَّهِ لا

ص: 80


1- منهاج البراعة للخوئي: 4/124.

تَدْفَعُ إِلَيْنَا هَذَا السُّلْطَانَ قُرَيْشٌ أَبَداً طَائِعِينَ.

قال: فَقُلْتُ لَهُ: أَفَلا أَرْجِعُ فَأُخْبِرَ النَّاسَ بِمَقَالَتِكَ هَذِهِ، وَأَدْعُوَهُمْ إِلَى نَصْرِكَ فَقَالَ يَا جُنْدَبُ لَيْسَ ذَا زَمَانُ ذَاكَ.

قَالَ جُنْدَبٌ: فَرَجَعْتُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْعِرَاقِ، فَكُنْتُ كُلَّمَا ذَكَرْتُ مِنْ فَضْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام شَيْئاً زَبَرُونِي وَنَهَرُونِي حَتَّى رُفِعَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِي إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، فَبَعَثَ إِلَيَّ فَحَبَسَنِي حَتَّى كُلِّمَ فِيَّ فَخَلَّى سَبِيلِي(1).

حدّثنا مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيِ رضى الله عنه قال: حدّثنا أبو سعيد الحسين بن علي العدويّ قال: حدّثنا الهيثم بن عبداللَّه الرماني قال: سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا عليه السلام فَقُلْتُ لَهُ: يَابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام لِمَ لَمْ يُجَاهِدْ أَعْدَاءَهُ خَمْساً وَعِشْرِينَ سَنَةً بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ثُمَّ جَاهَدَ فِي أَيَّامِ وِلايَتِهِ فَقَالَ لأَنَّهُ اقْتَدَى بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي تَرْكِ جِهَادِ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَبِالْمَدِينَةِ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْراً وَذَلِكَ لِقِلَّةِ أَعْوَانِهِ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ عَلِيٌ عليه السلام تَرَكَ مُجَاهَدَةَ أَعْدَائِهِ لِقِلَّةِ أَعْوَانِهِ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا لَمْ تَبْطُلْ نُبُوَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مَعَ تَرْكِهِ الْجِهَادَ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْراً فَكَذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ إِمَامَةُ عَلِيٍ عليه السلام مَعَ تَرْكِهِ لِلْجِهَادِ خَمْساً وَعِشْرِينَ سَنَةً إِذا كَانَتِ الْعِلَّةُ الْمَانِعَةُ لَهُمَا وَاحِدَةً(2).

عَن أميرالمؤمنين عليه السلام: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّه ِ صلى الله عليه وآله عَهِدَ إِلَيَّ عَهْداً فَقَالَ: يَابْنَ أَبِي طَالِبٍ لَكَ وِلايَتِي فَإِنْ وَلَّوْكَ فِي عَافِيَةٍ وَرَجَعُوا عَلَيْكَ بِالرِّضَا فَقُمْ بِأَمْرِهِمْ ، وَإِنِ

ص: 81


1- الأمالي للطوسي: 234، م 9، ح 415-7؛ بحار الأنوار: 29/432، ح 17.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2/81، ح 16؛ بحار الأنوار: 29/435، ح 22.

اخْتَلَفُوا عَلَيْكَ فَدَعْهُمْ وَمَا هُمْ فِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَجْعَلُ لَكَ مَخْرَجا(1).

عَن سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلالِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي وَصِيَّتِهِ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: يَا عَلِيُّ إِنَّ قُرَيْشاً سَتَظَاهَرُ عَلَيْكَ وَتَجْتَمِعُ كَلِمَتُهُمْ عَلَى ظُلْمِكَ وَقَهْرِكَ فَإِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَجَاهِدْهُمْ وَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ يَدَكَ وَاحْقِنْ دَمَكَ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ وَرَاءِكَ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَك(2).

وَمن كِتَابُ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلالِيِّ قَالَ: كُنَّا جُلُوساً حَوْلَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَحَوْلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوِ اسْتَنْفَرْتَ النَّاسَ؟ فَقَامَ وَخَطَبَ وَقَالَ: أَمَا إِنِّي قَدِ اسْتَنْفَرْتُكُمْ فَلَمْ تَنْفِرُوا، وَدَعَوْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا، فَأَنْتُمْ شُهُودٌ كَغُيَّابٍ، وَأَحْيَاءٌ كَأَمْوَاتٍ، وَصُمٌّ ذَوُو أَسْمَاعٍ، أَتْلُو عَلَيْكُمُ الْحِكْمَةَ وَأَعِظُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ الشَّافِيَةِ الْكَافِيَةِ، وَأَحُثُّكُمْ عَلَى جِهَادِ أَهْلِ الْجَوْرِ، فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ كَلامِي حَتَّى أَرَاكُمْ مُتَفَرِّقِينَ حَلَقاً شَتَّى تَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَارَ، وَتَضْرِبُونَ الْأَمْثَالَ، وَتَسْأَلُونَ عَنْ سِعْرِ التَّمْرِ وَاللَّبَنِ.

تَبَّتْ أَيْدِيكُمْ لَقَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى الْحَرْبِ وَالاسْتِعْدَادِ لَهَا وَأَصْبَحَتْ قُلُوبُكُمْ فَارِغَةً مِنْ ذِكْرِهَا، شَغَلْتُمُوهَا بِالْأَبَاطِيلِ وَالْأَضَالِيلِ، ويحكم اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ، فَوَ اللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلّا ذَلُّوا، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَظُنُّ أَنْ تَفْعَلُوا حَتَّى يَفْعَلُوا.

ثُمَّ وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُهُمْ فَلَقِيتُ اللَّهَ عَلَى بَصِيرَتِي وَيَقِينِي، وَاسْتَرَحْتُ مِنْ مُقَاسَاتِكُمْ وَمُمَارَسَتِكُمْ، فَمَا أَنْتُمْ إِلّا كَإِبِلٍ جَمَّةٍ ضَلَّ رَاعِيهَا، فَكُلَّمَا ضُمَّتْ مِنْ جَانِبٍ انْتَشَرَتْ مِنْ جَانِبٍ، كَأَنِّي بِكُمْ وَاللَّهِ فِيمَا أَرَى لَوْ قَدْ حُمِّسَ الْوَغَى وَاحْمَرَّ

ص: 82


1- المسترشد في إمامة عليّ بن أبي طالب عليه السلام: 417؛ بحار الأنوار: 30/15.
2- الغيبة للطوسي: 193؛ بحار الأنوار: 29/437، ح 28.

الْمَوْتُ قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الرَّأْسِ وَانْفِرَاجَ الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا لا تَمْنَعُ مِنْهَا.

قَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: فَهَلّا فَعَلْتَ كَمَا فَعَلَ ابْنُ عَفَّانَ؟ فَقَالَ عليه السلام: أَو كما فَعَلَ ابْنُ عَفَّانَ رَأَيْتُمُونِي فَعَلْتُ أَنَا عَائِذٌ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مَا تَقُولُ يَابْنَ قَيْسٍ، وَاللَّهِ إِنَّ الَّتِي فَعَلَ ابْنُ عَفَّانَ لَمَخْزَاةٌ لِمَنْ لا دِينَ لَهُ وَلا وَثِيقَةَ مَعَهُ، فَكَيْفَ أَفْعَلُ ذَلِكَ وَأَنَا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي، وَالْحُجَّةُ فِي يَدِي، وَالْحَقُّ مَعِي وَاللَّهِ إِنَّ امْرَأً أَمْكَنَ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَجُزُّ لَحْمَهُ، وَيَفْرِي جِلْدَهُ، وَيَهْشِمُ عَظْمَهُ، وَيَسْفِكُ دَمَهُ، وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَمْنَعَهُ لِعَظِيمِ وِزْرِهِ، ضَعِيفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ(1)، فَكُنْتَ أَنْتَ ذَاكَ يَابْنَ قَيْسٍ.

فَأَمَّا أَنَا فَوَ اللَّهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ بِيَدِي ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيِّ تَطِيرُ لَهُ فِرَاشُ الْهَامِ، وَتَطِيحُ مِنْهُ الْأَكُفُّ وَالْمَعَاصِمُ، وَيَفْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَشَاءُ، وَيْلَكَ يَابْنَ قَيْسٍ إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَمُوتُ كُلَّ مَيْتَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَقْتُلُ نَفْسَهُ، فَمَنْ قَدَرَ عَلَى حَقْنِ دَمِهِ ثُمَّ خَلَّى عَمَّنْ يَقْتُلُهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسِهِ.

وَيلكَ يَابْنَ قَيْسٍ إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَشَرُّهَا وَأَبْغَضُهَا وَأَبْعَدُهَا مِنْهُ السَّامِرَةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا قِتَالَ وَكَذَبُوا، قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِقِتَالِ هؤلاء الْبَاغِينَ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَكَذَلِكَ الْمَارِقَةُ.

فَقَالَ ابْنُ قَيْسٍ وَغَضِبَ مِنْ قَوْلِهِ فَمَا مَنَعَكَ يَابْنَ أَبِي طَالِبٍ حِينَ بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ أَخُو بَنِي تَيْمٍ وَأَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَخُو بَنِي أُمَيَّةَ بَعْدَهُمْ أَنْ تُقَاتِلَ وَتَضْرِبَ بِسَيْفِكَ؟ وَأَنْتَ لَمْ تَخْطُبْنَا خُطْبَةً مُذْ كُنْتَ قَدِمْتَ الْعِرَاقَ إِلّا قُلْتَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ

ص: 83


1- ضعيف عقله.

عَنِ الْمِنْبَرِ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ، وَمَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَمَا مَنَعُكَ أَنْ تَضْرِبَ بِسَيْفِكَ دُونَ مَظْلِمَتِكَ.

فقَالَ له عليه السلام: يَابْنَ قَيْسٍ اسْمَعِ الْجَوَابَ، لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ ذَلِكَ الْجُبْنُ وَلا كَرَاهَةٌ لِلِقَاءِ رَبِّي، وَأَنْ لا أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِي مِنَ الدُّنْيَا وَالْبَقَاءِ فِيهَا، وَلَكِنْ مَنَعَنِي مِنْ ذَلِكَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَعَهْدُهُ إِلَيَّ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِمَا الْأُمَّةُ صَانِعَةٌ بي بَعْدَهُ فَلَمْ أَكُ بِمَا صَنَعُوا حِينَ عَايَنْتُهُ بِأَعْلَمَ بِهِ وَلا أَشَدَّ اسْتِيقَاناً مِنِّي بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، بَلْ أَنَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَشَدُّ يَقِيناً مِنِّي بِمَا عَايَنْتُ وَشَهِدْتُ، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَعْهَدُ إِلَيَّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ؟ قَالَ صلى الله عليه وآله إِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ وَجَاهِدْهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ يَدَكَ وَاحْقِنْ دَمَكَ حَتَّى تَجِدَ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ وَكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّتِي أَعْوَاناً.

وَأَخْبَرَنِي صلى الله عليه وآله أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَخْذُلُنِي وَتُبَايِعُ غَيْرِي، وَأَخْبَرَنِي صلى الله عليه وآله أَنِّي مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، وَأَنَّ الْأُمَّةَ سَيَصِيرُونَ بَعْدَهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ وَمَنْ تَبِعَهُ وَالْعِجْلِ وَمَنْ تَبِعَهُ، إِذْ قَالَ لَهُ مُوسَى: «يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي»(1)«قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي»(2).

وَإِنَّمَا يَعْنِي أَنَّ مُوسَى أَمَرَ هَارُونَ حِينَ اسْتَخْلَفَهُ عَلَيْهِمْ إِنْ ضَلُّوا فَوَجَدَ أَعْوَاناً أَنْ يُجَاهِدَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَعْوَاناً أَنْ يَكُفَّ يَدَهُ وَيَحْقِنَ دَمَهُ وَلا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، وَإِنِّي

ص: 84


1- سورة طه: 92-94.
2- سورة الأعراف: 150.

خَشِيتُ أَنْ يَقُولَ لي ذَلِكَ أَخِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لِمَ فَرَّقْتَ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي؟ وَقَدْ عَهِدْتُ إِلَيْكَ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً أَنْ تَكُفَّ يَدَكَ وَتَحْقِنَ دَمَكَ وَدَمَ أَهْلِكَ وَشِيعَتِكَ.

فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مَالَ النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَبَايَعُوهُ وَأَنَا مَشْغُولٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِغُسْلِهِ ودَفنه، ثُمَّ شُغِلْتُ بِالْقُرْآنِ فَ آلَيْتُ يَمِيناً بِالْقُرْآنِ أَنْ لا أَرْتَدِيَ إِلّا لِلصَّلاةِ حَتَّى أَجْمَعَهُ فِي كِتَابٍ فَفَعَلْتُ، ثُمَّ حَمَلْتُ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ وَأَخَذْتُ بِيَدِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ فَلَمْ أَدَعْ أَحَداً مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَأَهْلِ السَّابِقَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلّا نَاشَدْتُهُمُ اللَّهَ في حَقِّي وَدَعَوْتُهُمْ إِلَى نُصْرَتِي، فَلَمْ يَسْتَجِبْ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ إِلّا أَرْبَعَةُ رَهْطٍ الزُّبَيْرُ وَسَلْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَصُولُ بِهِ وَلا أَقْوَى بِهِ.

أَمَّا حَمْزَةُ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَأَمَّا جَعْفَرٌ فَقُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ، وَبَقِيتُ بَيْنَ جِلْفَيْنِ خَائِفَيْنِ ذَلِيلَيْنِ حَقِيرَيْنِ الْعَبَّاسِ وَعَقِيلٍ، وَكَانَا قَرِيبَيْ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، فَأَكْرَهُونِي وَقَهَرُونِي، فَقُلْتُ كَمَا قَالَ هَارُونُ لأَخِيهِ «ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي»(1)فَلِي بِهَارُونَ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، وَلِي بِعَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ.

قَالَ الْأَشْعَثُ: كَذَلِكَ صَنَعَ عُثْمَانُ اسْتَغَاثَ بِالنَّاسِ وَدَعَاهُمْ إِلَى نُصْرَتِهِ فَلَمْ يَجِدْ أَعْوَاناً فَكَفَّ يَدَهُ حَتَّى قُتِلَ مَظْلُوماً. قَالَ وَيْلَكَ يَابْنَ قَيْسٍ إِنَّ الْقَوْمَ حِينَ قَهَرُونِي وَاسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي وَلَوْ قَالُوا لِي نَقْتُلَنَّكَ الْبَتَّةَ لامْتَنَعْتُ مِنْ قَتْلِهِمْ إِيَّايَ، وَلَوْ لَمْ أَجِدْ غَيْرَ نَفْسِي وَحْدِي، وَلَكِنْ قَالُوا إِنْ بَايَعْتَ كَفَفْنَا عَنْكَ وَأَكْرَمْنَاكَ وَقَرَّبْنَاكَ وَفَضَّلْنَاكَ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ قَتَلْنَاكَ، فَلَمَّا لَمْ أَجِدْ أَحَداً بَايَعْتُهُمْ، وَبَيْعَتِي لَهُمْ لَمَّا لا حَقَّ

ص: 85


1- سورة الأعراف: 150.

لَهُمْ فِيهِ لا يُوجِبُ لَهُمْ حَقّاً وَلا يَلْزَمُنِي رِضاً.

وَلَوْ أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا قَالَ لَهُ النَّاسُ اخْلَعْهَا وَنَكُفَّ عَنْكَ خَلَعَهَا لَمْ يَقْتُلُوهُ، وَلَكِنَّهُ قَالَ لا أَخْلَعُهَا. قَالُوا فَإِنَّا قَاتِلُوكَ، فَكَفَّ يَدَهُ عَنْهُمْ حَتَّى قَتَلُوهُ، وَلَعَمْرِي لَخَلْعُهُ إِيَّاهَا كَانَ خَيْراً لَهُ، لأَنَّهُ أَخَذَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ، وَادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ، وَتَنَاوَلَ حَقَّ غَيْرِهِ.

وَيْلَكَ يَابْنَ قَيْسٍ إِنَّ عُثْمَانَ لا يَعْدُو أَنْ يَكُونَ أَحَدَ رَجُلَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ دَعَا النَّاسَ إِلَى نُصْرَتِهِ فَلَمْ يَنْصُرُوهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ دَعَوْهُ إِلَى أَنْ يَنْصُرُوهُ فَنَهَاهُمْ عَنْ نُصْرَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْهَى الْمُسْلِمِينَ عَنْ أَنْ يَنْصُرُوا إِمَاماً هَادِياً مُهْتَدِياً لَمْ يُحْدِثْ حَدَثاً وَلَمْ يُؤْوِ مُحْدِثاً، وَبِئْسَ مَا صَنَعَ حِينَ نَهَاهُمْ، وَبِئْسَ مَا صَنَعُوا حِينَ أَطَاعُوهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا لَمْ يَرَوْهُ أَهْلاً لِنُصْرَتِهِ لِجَوْرِهِ وَحُكْمِهِ بِخِلافِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَدْ كَانَ مَعَ عُثْمَانَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَمَوَالِيهِ وَأَصْحَابِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلافِ رَجُلٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِمْ لَفَعَلَ وَلَمْ يَنْهَهُمْ عَنْ نُصْرَتِهِ، وَلَوْ كُنْتُ وَجَدْتُ يَوْمَ بُويِعَ أَخُو تَيْمٍ أَرْبَعِينَ رَجُلاً مُطِيعِينَ لي لَجَاهَدْتُهُمْ، فَأَمَّا يَوْمَ بُويِعَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ فَلا، لأَنِّي كُنْتُ بَايَعْتُ وَمِثْلِي لا يَنْكُثُ بَيْعَتَه(1).

وَيْلَكَ يَابْنَ قَيْسٍ كَيْفَ رَأَيْتَنِي صَنَعْتُ حِينَ قُتِلَ عُثْمَانُ وَوَجَدْتُ أَعْوَاناً؟ هَلْ رَأَيْتَ مِنِّي فَشَلاً أَوْ جُبْناً، أَوْ تَقْصِيراً فِي وَقْعَتِي يَوْمَ الْبَصْرَةِ وَهُمْ حَوْلَ جَمَلِهِمُ الْمَلْعُون مَنْ مَعَهُ، الْمَلْعُون مَنْ قُتِلَ حَوْلَهُ، الْمَلْعُون مَنْ رَكِبَهُ، الْمَلْعُونِ مَنْ بَقِيَ بَعْدَهُ لا تَائِباً وَلا مُسْتَغْفِراً فَإِنَّهُمْ قَتَلُوا أَنْصَارِي، وَنَكَثُوا بَيْعَتِي، وَمَثَّلُوا بِعَامِلِي، وَبَغَوْا عَلَيَّ، وَسِرْتُ إِلَيْهِمْ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفاً وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ آلافٍ وَهُمْ نَيِّفٌ

ص: 86


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: 2/661، ح 12؛ بحار الأنوار: 29/465، ح 55.

عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةً عَلَى خَمْسِينَ أَلْفاً فَنَصَرَنِيَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَقَتَلَهُمْ بِأَيْدِينَا وَشَفَى صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ. وَكَيْفَ رَأَيْتَ يَابْنَ قَيْسٍ وَقْعَتَنَا بِصِفِّينَ، وَمَا قَتَلَ اللَّهُ مِنْهُمْ بِأَيْدِينَا خَمْسِينَ أَلْفاً فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ إِلَى النَّارِ - وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى زِيَادَةً عَلَى سَبْعِينَ أَلْفاً - وَكَيْفَ رَأَيْتَنَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ إِذْ لَقِيتُ الْمَارِقِينَ وَهُمْ مُسْتَبْصِرُونَ مُتَدَيِّنُونَ قَدْ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا «وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»(1)فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ إِلَى النَّارِ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ وَلَمْ يَقْتُلُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَشَرَةً.

وَيْلَكَ يَابْنَ قَيْسٍ هَلْ رَأَيْتَ لِي لِوَاءً رُدَّ أَوْ رَايَةً رُدَّتْ إِيَّايَ تُعَيِّرُ يَابْنَ قَيْسٍ. وَأَنَا صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي جَمِيعِ مَوَاطِنِهِ وَمَشَاهِدِهِ، وَالْمُتَقَدِّمُ إِلَى الشَّدَائِدِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلا أَفِرُّ وَلا أَلُوذُ وَلا أَعْتَلُّ وَلا أَنْحَازُ وَلا أَمْنَحُ الْيَهُودَ دُبُرِي، إِنَّهُ لا يَنْبَغِي لِلنَّبِيِّ وَلا لِلْوَصِيِّ إِذَا لَبِسَ لامَتَهُ وَقَصَدَ لِعَدُوِّهِ أَنْ يَرْجِعَ أَوْ يَنْثَنِيَ حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يَفْتَحَ اللَّهُ لَهُ.

يَابْنَ قَيْسٍ هَلْ سَمِعْتَ لِي بِفِرَارٍ قَطُّ أَوْ نَبْوَةٍ؟

يَابْنَ قَيْسٍ أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ وَجَدْتُ يَوْمَ بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ الَّذِي عَيَّرْتَنِي بِدُخُولِي فِي بَيْعَتِهِ أَرْبَعِينَ رَجُلاً كُلُّهُمْ عَلَى مِثْلِ بَصِيرَةِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ وَجَدْتُ لَمَا كَفَفْتُ يَدِي، وَلَنَاهَضْتُ الْقَوْمَ، وَلَكِنْ لَمْ أَجِدْ خَامِساً.

قَالَ الْأَشْعَثُ وَمَنِ الْأَرْبَعَةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام؟

قَالَ: سَلْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ وَالزُّبَيْرُ بْنُ صَفِيَّةَ قَبْلَ نَكْثِهِ بَيْعَتِي، فَإِنَّهُ بَايَعَنِي مَرَّتَيْنِ، أَمَّا بَيْعَتُهُ الْأُولَى الَّتِي وَفَى بِهَا فَإِنَّهُ لَمَّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ أَتَانِي أَرْبَعُونَ رَجُلاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَبَايَعُونِي وَفِيهِمُ الزُّبَيْرُ، فَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصْبِحُوا عِنْدَ بَابِي

ص: 87


1- سورة الكهف: 104.

مُحَلِّقِينَ رُءُوسَهُمْ عَلَيْهِمُ السِّلاحُ، فَمَا وَافَى مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلا صَبَّحَنِي مِنْهُمْ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ سَلْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ وَالزُّبَيْرُ، وَأَمَّا بَيْعَتُهُ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ أَتَانِي هُوَ وَصَاحِبُهُ طَلْحَةُ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ فَبَايَعَانِي طَائِعِينَ غَيْرَ مُكْرَهِينَ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ دِينِهِمَا مُرْتَدِّينَ نَاكِثِينَ مُكَابِرِينَ مُعَانِدِينَ حَاسِدِينَ، فَقَتَلَهُمَا اللَّهُ إِلَى النَّارِ، وَأَمَّا الثَّلاثَةُ سَلْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ فَثَبَتُوا عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وَمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام حَتَّى لَقُوا اللَّهَ، يَرْحَمُهُمُ اللَّهُ.

يَابْنَ قَيْسٍ فَوَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أُولَئِكَ الْأَرْبَعِينَ الَّذِينَ بَايَعُونِي وَفَوْا لِي وَأَصْبَحُوا عَلَى بَابِي مُحَلِّقِينَ قَبْلَ أَنْ تَجِبَ لِعَتِيقٍ فِي عُنُقِي بَيْعَةٌ لَنَاهَضْتُهُ وَحَاكَمْتُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْ وَجَدْتُ قَبْلَ بَيْعَةِ عُثْمَانَ أَعْوَاناً لَنَاهَضْتُهُمْ وَحَاكَمْتُهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّ ابْنَ عَوْفٍ جَعَلَهَا لِعُثْمَانَ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَأَمَّا بَعْدَ بَيْعَتِي إِيَّاهُمْ فَلَيْسَ إِلَى مُجَاهَدَتِهِمْ سَبِيلٌ.

فَقَالَ الْأَشْعَثُ وَاللَّهِ لَئِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ لَقَدْ هَلَكَتِ الْأُمَّةُ غَيْرَكَ وَغَيْرَ شِيعَتِكَ فَقَالَ إِنَّ الْحَقَّ وَاللَّهِ مَعِي يَابْنَ قَيْسٍ كَمَا أَقُولُ، وَمَا هَلَكَ مِنَ الْأُمَّةِ إِلّا النَّاصِبِينَ وَالْمُكَاثِرِينَ وَالْجَاحِدِينَ وَالْمُعَانِدِينَ، فَأَمَّا مَنْ تَمَسَّكَ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِقْرَارِ بِمُحَمَّدٍ وَالْإِسْلامِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمِلَّةِ، وَلَمْ يُظَاهِرْ عَلَيْنَا الظَّلَمَةَ، وَلَمْ يَنْصِبْ لَنَا الْعَدَاوَةَ، وَشَكَّ فِي الْخِلافَةِ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَهْلَهَا وَوُلاتَهَا، وَلَمْ يَعْرِفْ لَنَا وَلايَةً، وَلَمْ يَنْصِبْ لَنَا عَدَاوَةً، فَإِنَّ ذَلِكَ مُسْلِمٌ مُسْتَضْعَفٌ يُرْجَى لَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ وَيُتَخَوَّفُ عَلَيْهِ ذُنُوبُهُ.

قَالَ أَبَانٌ قَالَ سُلَيْمُ بْنُ قَيْسٍ فَلَمْ يَبْقَ يَوْمَئِذٍ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍ عليه السلام أَحَدٌ إِلّا تَهَلَّلَ وَجْهُهُ وَفَرِحَ بِمَقَالَتِهِ، إِذْ شَرَحَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام الْأَمْرَ وَبَاحَ بِهِ، وَكَشَفَ الْغِطَاءَ، وَتَرَكَ التَّقِيَّةَ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْقُرَّاءِ مِمَّنْ كَانَ يَشُكُّ فِي الْمَاضِينَ وَيَكُفُّ عَنْهُمْ وَيَدَعُ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمْ وَرِعاً وَتَأَثُّماً إِلّا اسْتَيْقَنَ وَاسْتَبْصَرَ وَحَسُنَ وَتَرَكَ الشَّكَّ َ

ص: 88

الْوُقُوفَ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ حَوْلَهُ أَتَى بَيْعَتَهُ عَلَى وَجْهِ مَا بُويِعَ عُثْمَانُ وَالْمَاضُونَ قَبْلَهُ إِلّا رُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ وَضَاقَ بِهِ أَمْرُهُ، وَكَرِهَ مَقَالَتَهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ اسْتَبْصَرَ عَامَّتُهُمْ وَذَهَبَ شَكُّهُمْ.

قَالَ أَبَانٌ، عَنْ سُلَيْمٍ فَمَا شَهِدْتُ يَوْماً قَطُّ عَلَى رُءُوسِ الْعَامَّةِ أَقَرَّ لأَعْيُنِنَا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمَّا كَشَفَ لِلنَّاسِ مِنَ الْغِطَاءِ، وَأَظْهَرَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، وَشَرَحَ فِيهِ مِنَ الْأَمْرِ، وَأَلْقَى فِيهِ التَّقِيَّةَ وَالْكِتْمَانَ، وَكَثُرَتِ الشِّيعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مُذْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَتَكَلَّمُوا وَقَدْ كَانُوا أَقَلَّ أَهْلِ عَسْكَرِهِ، وَصَارَ النَّاسُ يُقَاتِلُونَ مَعَهُ عَلَى عِلْمٍ بِمَكَانِهِ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَصَارَتِ الشِّيعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَجَلَّ النَّاسِ وَأَعْظَمَهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى جُلُّ النَّاسِ وَأَعْظَمُهُمْ وَذَلِكَ بَعْدَ وَقْعَةِ النَّهْرَوَانِ، وَهُوَ يَأْمُرُ بِالتَّهْيِئَةِ وَالْمَسِيرِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ قُتِلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، قَتَلَهُ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ غِيلَةً وَفَتْكاً(1)، وَقَدْ كَانَ سَيْفُهُ مَسْمُوماقَبْلَ ذَلِكَ(2).

فَنَظَرْتُ فِي أَمْرِي فَإِذَا طَاعَتِي قَدْ سَبَقَتْ بَيْعَتِي وَإِذَا الْمِيثَاقُ فِي عُنُقِي لِغَيْرِي

روى الطبري أنّه عليه السلام قال يوم الشورى: «فنحن بيت النبوّة، ومعدن الحكمة، وأمان أهل الأرض، ونجاة لمن طلب لنا حقّ إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل ولو طال السرى. لو عهد إلينا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عهداً لأنفذنا عهده، ولو

ص: 89


1- قال في النهاية 3-409: الإيمان قيد الفتك. الفتك: أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار غافل فيشدّ عليه فيقتله، والغيلة: أن يخدعه ثمّ يقتله في موضع خفي.
2- كتاب سليم بن قيس الهلالي: 2/667، ح 12؛ بحار الأنوار: 29/469، ح 55.

قال لنا قولاً لجادلنا عليه حتّى نموت، لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق»الخبر(1).

و في خبر المدائني المتقدّم: «وأيم اللَّه لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعود الكفر ويبور الدين، لكنّا على غير ما كنّا لهم»الخبر(2).

وسأل الباقلاني المفيد عن علّة سكوته فقال له: أوّلاً إنّ الإمام المعصوم من الخطأ والزلل لا اعتراض عليه في قيامه وقعوده، وثانياً: نعلم في الجملة أنّ قعوده لمصلحة أُبيّن بعض وجوهها وهو: انّه عليه السلام علم أنّ في المخالفين من يرجع عن الباطل إلى الحق بعد مدّة فكان ترك قتله مصلحة، ويمكن أن يكون علم أنّ في ظهورهم مؤمنين لا يجوز اجتياحهم فكان في ترك قتلهم مصلحة، ويمكن أن يكون أنّه شفقة منه على ولده وشيعته أن يصطلموا(3)فينقطع نظام الإمامة(4).

هذا، ويناسب كلامه عليه السلام في العنوان كلام ابنه الحسن عليه السلام لمّا أرسله عليه السلام مع عمّار إلى الكوفة لمّا أراد حرب البصرة.

روى أبو مخنف عن عبدالرحمن بن أبي ليلى أنّ الحسن عليه السلام قال بعد حمده تعالى: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا جِئْنَا نَدْعُوكُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَإِلَى أَفْقَهِ مَنْ تَفَقَّهَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْدَلِ مَنْ تُعَدِّلُونَ وَأَفْضَلِ مَنْ تُفَضِّلُونَ وَأَوْفَى مَنْ تُبَايِعُونَ مَنْ لَمْ يُعْيِهِ الْقُرْآنُ وَلَمْ تُجَهِّلْهُ السُّنَّةُ وَلَمْ تَقْعُدْ بِهِ السَّابِقَةُ إِلَى مَنْ قَرَّبَهُ اللَّهُ إِلَى رَسُولِهِ قَرَابَتَيْنِ قَرَابَةَ الدِّينِ وَقَرَابَةَ الرَّحِمِ إِلَى مَنْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى كُلِّ مَأْثُرَةٍ إِلَى مَنْ كَفَى اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ وَالنَّاسُ مُتَخَاذِلُونَ فَقَرُبَ مِنْهُ وَهُمْ مُتَبَاعِدُونَ وَصَلَّى مَعَهُ وَهُمْ مُشْرِكُونَ

ص: 90


1- تاريخ الطبري: 3/300.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/307؛ بحار الأنوار: 32/61، ح 42.
3- أي يستأصلوا ويبادوا.
4- مسئلتان في النصّ على عليّ عليه السلام: 2/24.

وَقَاتَلَ مَعَهُ وَهُمْ مُنْهَزِمُونَ وَبَارَزَ مَعَهُ وَهُمْ مُجْمِحُونَ (محجمون) وَصَدَّقَهُ وَهُمْ مُكَذِّبُونَ إِلَى مَنْ لَمْ تُرَدَّ لَهُ رَايَةٌ وَلا تُكَافِئْ لَهُ سَابِقَةٌ وَهُوَ يَسْأَلُكُمُ النَّصْرَ وَيَدْعُوكُمْ إِلَى الْحَقِّ»(1).

ص: 91


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 14/11؛ بحار الأنوار: 32/87.

بسم الرحمن الرحیم

الخطبة(38)-ومن خطبة له عليه السلام:

اشاره

وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْحَقَّ فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا الْيَقِينُ وَدَلِيلُهُمْ سَمْتُ الْهُدَى وَأَمَّا أَعْدَاءُ اللَّهِ فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا الضَّلالُ وَدَلِيلُهُمُ الْعَمَى فَمَا يَنْجُو مِنَ الْمَوْتِ مَنْ خَافَهُ وَلا يُعْطَى الْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّهُ.

ومن خطبة له عليه السلام: وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْحَقَ

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: حلال بيّن و حرام بيّن و شبهات بين ذلك(1).

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في حديث طويل: الأُمور ثلاثة: أمر تبين لك رشده فاتبعه و أمر تبين لك غيه فاجتنبه وأمر اختلف فيه فرده إلى اللَّه عزّ وجلّ(2).

وإنّما سمّيت الشبهة شبهة لانّها تُشبه الحق أي: ليس بحق وإنّما هي شبيهة بالحق كقول الخوارج «لا حكم إلّا للَّه»فانّ أصله كلمة حقّ، فقال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام لصاحبي سجنه: «مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للَّهِ ِ...»(3)وعن يعقوب عليه السلام لبنيه:

ص: 92


1- الكافي: 1/68؛ وسائل الشيعة: 27/157، ح 33472-9.
2- الخصال: 1/153، ح 189؛ بحار الأنوار: 2/258، ح 1.
3- سورة يوسف: 40.

«وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْ ءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ...»(1)وإرشاداً لنبيّه صلى الله عليه وآله إلى جواب المشركين: «قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ...»(2).

فانّ لفظهم ذاك اللفظ مع تبديل حرف نفي بنفي، إلّا أنّ المعنى من المعنى بمراحل، فإنّ المراد من الآيات من سابقها ولاحقها معلوم، ففي الأوّل أنّ الحكم في العبادة ليس لغير اللَّه، وفي الثاني أنّ القضاء والقدر ليس إلّا بيده تعالى وفي الثالث أنّ الوقت الذيّ ينزل فيه العذاب ليس تعيينه لغير اللَّه.

والخوارج أرادوا بكلامهم أنّه لا يجوز أن يحكم غير اللَّه من مقتضى آيات القرآن بأنّه هل يجب أن يكون المتصدّي لأمر الخلافة عليّاً أم يجوز أن يكون معاوية(3).

اعلم أنّ أوّل شبهة وقعت في الخليقة شبهة إبليس، ومصدرها استبداده بالرأي في مقابلة النص(4)-إلى أن قال: في بيان أوّل شبهة وقعت في الملّة الإسلاميّة: - وإن خفي علينا ذلك في الأُمم السالفة لتمادي الزمان فلم يخف أنّ شبهات الملّة الإسلاميّة نشأ كلّها من شبهات منافقي زمن النبيّ صلى الله عليه وآله، إذ لم يرضوا بحكمه فيما يأمر وينهى وشرعوا فيما لا مسرح للفكر فيه ولا مسرى، وسألوا عمّامنعوا من الخوض فيه و السؤال عنه، وجادلوا بالباطل فيما لا يجوز الجدال فيه اعتبر حديث

ص: 93


1- سورة يوسف: 67.
2- سورة الأنعام: 57.
3- بهج الصباغة: 14/190.
4- الملل والنحل للشهرستاني: 1/16.

ذي الخويصرة التميمي إذ قال: اعدل يا محمّد فإنّك لم تعدل. حتّى قال صلى الله عليه وآله: إن لم أعدل فمن يعدل(1)إلى أن قال: وأمّا الاختلافات الواقعة في حال مرض النبيّ صلى الله عليه وآله وبعد وفاته بين الصحابة فهي اختلافات اجتهاديّة كما قيل - إلى أن قال: - فأوّل تنازع في مرضه صلى الله عليه وآله فيها رواه محمّد بن إسماعيل البخاري باسناده عن عبداللَّه بن العبّاس قال: لمّا اشتدّ بالنبيّ مرضه الذي مات فيه قال: «ايتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعدي»، فقال عمر: إنّ رسول اللَّه قد غلبه الوجع حسبنا كتاب اللَّه. وكثر اللغط فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: قوموا عنّي لا ينبغي عندي التنازع.

قال ابن عبّاس: الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله(2).

إلى أن قال: الخلاف الثاني في مرضه قال النبيّ صلى الله عليه وآله: جهّزوا جيش أُسامة لعن اللَّه من تخلّف عنها. فقال قوم: يجب علينا امتثال أمره. وأُسامة قد برز من المدينة، وقال قوم قد اشتدّ مرض النبيّ فلا تسع قلوبنا مفارقته والحال هذه فنصبر حتّى نبصر أيّ شي ء يكون من أمره(3).

قال الشهرستاني: وإنّما أوردت هذين التنازعين لأنّ المخالفين ربما عدوا ذلك من المخالفات المؤثّرة في أمر الدين، وهو كذلك وإن كان الغرض كلّه اقامة مراسم الشرع في حال تزلزل القلوب(4).

ثمّ إنّ الشهرستاني لم يستقص جميع شبهاتهم واعتراضاتهم على النبيّ صلى الله عليه وآله، ومنها اعتراضهم في تأمير زيد بن حارثة مولاه عليهم أوّلاً، ثمّ تأمير ابنه أُسامة

ص: 94


1- الملل والنحل للشهرستاني: 1/21.
2- الملل و النحل للشهرستاني: 1/21.
3- الملل والنحل للشهرستاني: 1/23.
4- الملل والنحل للشهرستاني: 1/23.

عليهم ثانياً، ففي (طبقات كاتب الواقدي): لما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة (11) أمر النبيّ صلى الله عليه وآله بالتهيّؤ لغزو الروم، فلمّا كان من الغد دعا أُسامة بن زيد فقال: سر إلى موضع مقتل أبيك فلمّا كان يوم الأربعاء بدى ء بالنبيّ صلى الله عليه وآله فحم وصدع، فلمّا أصبح يوم الخميس عقد لأُسامة بيده لواء فخرج معقوداً بلوائه فدفعه إلى بريدة بن الخصيب وعسكر بالجرف، فلم يبق من وجوه المهاجرين الأوّلين والأنصار إلّا انتدب في تلك فيهم أبو بكر وعمر بن الخطّاب وأبو عبيدة بن الجرّاح وسعد بن أبي وقّاص وسعيد بن زيد، فتكلّم قوم وقالوا: استعمل هذا الغلام على المهاجرين الأوّلين. فغضب النبيّ صلى الله عليه وآله غضباً شديداً فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة، فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: «أمّا بعد أيّها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أُسامة، ولئن طعنتم في إمارتي أُسامة لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وأيم اللَّه إن كان للإمارة خليقاً وإنّ ابنه من بعده لخليق للإمارة»(1).

فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا الْيَقِينُ وَدَلِيلُهُمْ سَمْتُ الْهُدَى

قال تعالى: «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى»(2).

عَنْ عِيسَى بْنِ دَاوُدَ النَّجَّارِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى»(3)قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّبِعُوا هُدَى اللَّهِ تَهْتَدُوا وَتَرْشُدُوا وَهُوَ هُدَايَ وَهُدَايَ وَهُدَى

ص: 95


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: 2/189.
2- سورة طه: 123.
3- سورة طه: 121.

عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام (وهداي هدى علي بن أبي طالب خ ل) فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاهُ فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ مَوْتِي فَقَدِ اتَّبَعَ هُدَايَ وَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَقَدِ اتَّبَعَ هُدَى اللَّهِ وَ مَنِ اتَّبَعَ هُدَى اللَّهِ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى(1).

قال أبو نوح: كنت في خيل عليّ عليه السلام وهو واقف بين جماعة من همدان وحمير وغيرهم من أفنان قحطان إذا أنا برجل من أهل الشام يقول: من دلّ على الحميري أبي نوح، فقلنا: من تريد؟ قال: الكلاعي أبا نوح. قلت: قد وجدته فمن أنت؟ قال: أنا ذو الكلاع سر إليّ. فقلت له: معاذ اللَّه أن أسير إليك إلّا في كتيبة. قال: فسر فلك ذمّة اللَّه وذمّة رسوله وذمّة ذي الكلاع حتّى ترع إلى خيلك فإنّما أريد أن أسألكم عن أمر تمارينا فيه في حديث حدّثناه عمرو بن العاص في إمارة عمر. قال أبو نوح: وما هو؟ قال: ذو الكلاع حدّثنا أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال: «يلتقي أهل الشام وأهل الحقّ (العراق) وفي إحدى الكتيبتين الحقّ وإمام الهدى ومعه عمّار بن ياسر»قال أبو نوح: واللَّه إنّه لفينا.

قال: أجاد هو في قتالنا قال أبو نوح: نعم وربّ الكعبة لهو أشدّ على قتالكم منّي، ولوددت أنّكم خلق واحد فذبحته وبدأت بك قبلهم وأنت ابن عمّي - إلى أن قال: - فسار أبو نوح معه حتّى أتى عمرو بن العاص وهو عند معاوية وحوله الناس، فقال ذوالكلاع لعمرو بن العاص: هل لك في رجل ناصح لبيب شفيق يخبرك عن عمّار لا يكذبك؟ قال: من هو؟ قال: ابن عمّي هذا وهو من أهل الكوفة. فقال عمرو: إنّي لأرى عليك سيماء أبي تراب. قال أبو نوح: عليّ سيماء محمّد صلى الله عليه وآله وأصحابه وعليك سيماء أبي جهل وسيماء فرعون، الخبر(2).

ص: 96


1- تأويل الآيات: 314؛ بحار الأنوار: 24/149، ح 30.
2- وقعة صفّين: 333.

وَأَمَّا أَعْدَاءُ اللَّهِ فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا الضَّلالُ وَدَلِيلُهُمُ الْعَمَى

قال تعالى: «وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ»(1).

وقال تعالى: «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ»(2).

وقال تعالى: «وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ»(3)

وقال تعالى: «وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى»(4)الآية.

وقال تعالى: «أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى»(5)الآية.

وقال تعالى: «وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ»(6).

قال تعالى: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى»(7).

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّه عليه السلام فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً»(8)قال: قَالَ يَعْنِي بِهِ وَلايَةَ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، قُلْتُ: «وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى»(9)قَالَ: يَعْنِي أَعْمَى الْبَصَرِ فِي الآْخِرَةِ أَعْمَى الْقَلْبِ فِي

ص: 97


1- سورة الرعد: 14.
2- سورة النور: 40.
3- سورة الحج: 46.
4- سورة فصّلت: 44.
5- سورة الرعد: 19.
6- سورة فاطر: 19.
7- سورة طه: 124-126.
8- سورة طه: 124.
9- سورة طه: 124.

الدُّنْيَا عَنْ وَلايَةِ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ: وَهُوَ مُتَحَيِّرٌ فِي الْقِيَامَةِ يَقُولُ: «لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها»(1)قَالَ: الآْيَاتُ الْأَئِمَّةُ عليهم السلام «فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى»يَعْنِي: تَرَكْتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُتْرَكُ فِي النَّارِ كَمَا تَرَكْتَ الْأَئِمَّةَ عليهم السلام فَلَمْ تُطِعْ أَمْرَهُمْ وَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُم(2).

قال عمرو بن العاص لعمّار بن ياسر: علامَ تقاتلنا، أولسنا نعبد إلهاً واحداً، ونصلّي قبلتكم وندعو دعوتكم ونقرأ كتابكم ونؤمن برسولكم؟ قال عمّار: الحمد للَّه الذي أخرجها من فيك، إنّها القبلة والدين وعبادة الرحمن والكتاب، لي ولأصحابي دونك ودون أصحابك. سأخبرك على ما قاتلتك وأصحابك:

أمرني النبيّ صلى الله عليه وآله أن أقاتل الناكثين وقد فعلت، وأمرني أن أقاتل القاسطين وأنتم هم، وأمّا المارقين فما أدري أدركهم أم لا، ألم تعلم أيّها الأبتر ألَسْت تعلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال لعليّ عليه السلام: «من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه»وأنا مولى اللَّه و رسوله و عليّ بعده وليس لك مولى.

قال له عمرو: ولم تشتمني ولست أشتمك؟ قال عمّار: بِمَ تشتمني أتستطيع أن تقول إنّي عصيت اللَّه و رسوله يوماً؟ قال: إنّ فيك لمسبات غير ذلك. فقال: ان الكريم من أكرمه اللَّه، كنت وضيعاً فرفعني ومملوكاً فأعتقني وضعيفاً فقوّاني وفقيراً فأغناني. قال عمرو: فما ترى في قتل عثمان؟ قال: فتح لكم باب كلّ سوء. قال عمرو: فعليّ قتله. قال عمّار: بل اللَّه ربّ عليّ قتله و عليّ معه. قال عمرو: أكنت فيمن قتله؟ قال: كنت مع من قتله وأنّا اليوم أقاتل معهم. قال عمرو: فلِمَ قتلتموه؟

ص: 98


1- سورة طه: 125-126.
2- الكافي: 1/435، ح 92؛ بحار الأنوار: 24/348، ح 60.

قال عمّار: أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه. قال عمرو: ألا تسمعون قد اعترف بقتل عثمان. قال عمّار: وقد قال قبلك فرعون لقومه: ألا تسمعون(1).

عن السدي عن يعقوب بن الأوسط قال: احتجّ رجلان بصفّين في سلب عمّار وفي قتله، فأتيا عبداللَّه بن عمرو بن العاص قال لهما: ويحكما اخرجا عنّي فإنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال: «ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار قاتله وسالبه في النار»قال السدي: فبلغني أنّ معاوية قال: إنّما قتله من أخرجه يخدع بذلك طغام أهل الشام(2).

وإلى الفريقين أشير في قوله عزّ وجلّ: «أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ»قال عليّ بن إبراهيم في تفسيره: جاهلاً عن الحق والولاية فهديناه إليها؛ «وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ»قال: النور الولاية «كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا»يعني في ولاية غير الأئمّة عليهم السلام «كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(3)،(4).

عَنْ بُرَيْدٍ الْعِجْلِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ»قَالَ الْمَيْتُ الَّذِي لا يَعْرِفُ هَذَا الشَّأْنَ قَالَ أَتَدْرِي مَا يَعْنِي مَيْتاً قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ لا قَالَ الْمَيْتُ الَّذِي لا يَعْرِفُ شَيْئاً فَأَحْيَيْنَاهُ بِهَذَا الاْمْرِ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ قَالَ إِمَاماً يَأْتَمُّ بِهِ قَالَ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها قَالَ كَمَثَلِ هَذَا الْخَلْقِ الَّذِينَ لا يَعْرِفون الْإِمَامَ(5).

ص: 99


1- وقعة صفّين: 338.
2- وقعة صفّين: 342؛ بحار الأنوار: 33/32.
3- سورة الأنعام: 122.
4- تفسير القمي: 1/215؛ بحار الأنوار: 23/309، ح 8.
5- 5 تفسير العيّاشي: 1/375، ح 89؛ بحار الأنوار: 23/310، ح 13.

وفي قوله: «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ»قال الصادق عليه السلام يَعْنِي: مِنْ ظُلُمَاتِ الذُّنُوبِ إِلَى نُورِ التَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ لِوَلايَتِهِمْ كُلَّ إِمَامٍ عَادِلٍ مِنَ اللَّهِ وَقَالَ: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ»إِنَّمَا عَنَى بِهَذَا أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى نُورِ الْإِسْلامِ فَلَمَّا أَنْ تَوَلَّوْا كُلَّ إِمَامٍ جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ خَرَجُوا بِوَلايَتِهِمْ إِيَّاهُ مِنْ نُورِ الْإِسْلامِ إِلَى ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ فَأَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمُ النَّارَ مَعَ الْكُفَّارِ فَ «أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ»(1).

وإلى الفرقة الأولى خاصّة وقعت الاشارة في قوله سبحانه: «فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا»قَالَ ابو خَالِدٍ سألت أبا جعفر عليه السلام عن هذه الآية فقال عليه السلام: يا أبا خالد النُّورُ وَاللَّهِ الاْئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ وَاللَّهِ نُورُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ وَهُمْ وَاللَّهِ نُورُ اللَّهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الاْرْضِ وَاللَّهِ يَا أَبَا خَالِدٍ لَنُورُ الْإِمَامِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْوَرُ مِنَ الشَّمْسِ الْمُضِيئَةِ بِالنَّهَارِ وَهُمْ وَاللَّهِ يُنَوِّرُونَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ وَيَحْجُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نُورَهُمْ عَمَّنْ يَشَاءُ فَتُظْلَمُ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهِ يَا أَبَا خَالِدٍ لا يُحِبُّنَا عَبْدٌ وَيَتَوَلَّانَا حَتَّى يُطَهِّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ وَلا يُطَهِّرُ اللَّهُ قَلْبَ عَبْدٍ حَتَّى يُسَلِّمَ لَنَا وَيَكُونَ سِلْماً لَنَا فَإِذَا كَانَ سِلْماً لَنَا سَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْ شَدِيدِ الْحِسَابِ وَآمَنَهُ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ الاْكْبَرِ(2).

وإلى الفرقة الثانية خاصّة أشيرت في قوله سبحانه: «فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ»فقد روى عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ»

ص: 100


1- الكافي: 1/375، ح 3؛ بحار الأنوار: 23/323، ح 39.
2- الكافي: 1/194؛ بحار الأنوار: 23/308، ح 5.

قَالَ: أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ وَالاْئِمَّةُ «وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ»قَالَ: فُلانٌ وَفُلانٌ «فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ»اصحابهم واهل ولايتهم «فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»وَهُمْ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ وَالاْئِمَّةُ عليهم السلام(1).

فَمَا يَنْجُو مِنَ الْمَوْتِ مَنْ خَافَهُ

قال تعالى: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(2).

وقال تعالى: «أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ»(3).

وقال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ»(4).

وقال تعالى: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ»(5).

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: أَخْبَرَنِي جَبْرَئِيلُ عليه السلام أَنَّ مَلَكاً مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ فَتُعُتِّبَ عَلَيْهِ فَأُهْبِطَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الاْرْضِ فَأَتَى إِدْرِيسَ عليه السلام فَقَالَ: إِنَّ لَكَ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةً فَاشْفَعْ لِي عِنْدَ رَبِّكَ فَصَلَّى ثَلاثَ لَيَالٍ لا يَفْتُرُ وَصَامَ أَيَّامَهَا لا يُفْطِرُ ثُمَّ طَلَبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي السَّحَرِ فِي الْمَلَكِ فَقَالَ الْمَلَكُ إِنَّكَ قَدْ أُعْطِيتَ سُؤْلَكَ وَقَدْ أُطْلِقَ لِي جَنَاحِي وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُكَافِيَكَ فَاطْلُبْ إِلَيَّ حَاجَةً فَقَالَ تُرِينِي مَلَكَ الْمَوْتِ لَعَلِّي آنَسُ بِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ يَهْنِئُنِي مَعَ ذِكْرِهِ

ص: 101


1- مناقب آل أبي طالب عليه السلام: 4/421؛ تأويل الآيات: 106؛ بحار الأنوار: 23/208، ح 12.
2- سورة الجمعة: 8.
3- سورة النساء: 78.
4- سورة آل عمران: 185.
5- سورة الرحمن: 26.

شَيْ ءٌ فَبَسَطَ جَنَاحَهُ ثُمَّ قَالَ ارْكَبْ فَصَعِدَ بِهِ يَطْلُبُ مَلَكَ الْمَوْتِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَقِيلَ لَهُ اصْعَدْ فَاسْتَقْبَلَهُ بَيْنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ فَقَالَ الْمَلَكُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ مَا لِي أَرَاكَ قَاطِباً(1)قَالَ الْعَجَبُ إِنِّي تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ حَيْثُ أُمِرْتُ أَنْ أَقْبِضَ رُوحَ آدَمِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ فَسَمِعَ إِدْرِيسُ عليه السلام فَامْتَعَضَ(2)فَخَرَّ مِنْ جَنَاحِ الْمَلَكِ فَقُبِضَ رُوحُهُ مَكَانَهُ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا»(3).(4)

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: جاء جبرئيل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: يا محمّد عش ما شئت فإنّك ميّت وأحبب ما شئت فإنّك مفارقه واعمل ما شئت فإنّك لاقيه(5).

وَلا يُعْطَى الْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّهُ

قال تعالى: «فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ»(6).

وقال تعالى: «مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ»(7)الآية.

وقال تعالى: «وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى»(8).

وقال تعالى: «وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»(9)، وغيرها من الآيات.

ص: 102


1- القطب: العبوس.
2- معض من الأمر - كفرح -: غضب وشقّ عليه، فهو ماعض ومعض وأمعضه ومعضه تمعيضاً فامتعض. (القاموس).
3- سورة مريم: 57.
4- الكافي: 3/257، ح 26؛ مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 14/255، ح 26.
5- الكافي: 3/255، ح 17؛ بحار الأنوار: 68/267، ح 14.
6- سورة الحاقة: 8.
7- سورة النحل: 96.
8- سورة النجم: 50-51.
9- سورة الرحمن: 27.

قال في الديوان المنسوب إليه عليه السلام:

أرى الدنيا ستؤذن بانطلاق***مشمرة على قدم وساق

فلا الدنيا بباقية لحى***ولا حى على الدنيا بباق(1)

وقال أيضاً:

حياتك أنفاس تعد فكلّما***مضى نفس انتقضت به جزءا

ويحييك ما يفنيك في كلّ حالة***ويحدوك حاد ما يريد بك الهزءا

فتصبح في نفس وتمسى بغيرها

ومالك من عقل تحسّ به رزءا(2)

وقال أيضاً:

الموت لا والدا يبقى ولا ولدا***هذا السبيل إلى أن ترى أحدا

كان النبيّ ولم يخلد لأمّته***لو خلّد اللَّه خلقاً قبله خلدا

للموت فينا سهام غير خاطئة***من فاته اليوم سهم لم يفته غدا(3)

ص: 103


1- ديوان أميرالمؤمنين عليه السلام: 294.
2- ديوان أميرالمؤمنين عليه السلام: 235.
3- ديوان أميرالمؤمنين عليه السلام: 152.

بسم الرحمن الرحیم

الخطبة(39)- ومن خطبة له عليه السلام:

اشارة

مُنِيتُ بِمَنْ لا يُطِيعُ إِذَا أَمَرْتُ وَلا يُجِيبُ إِذَا دَعَوْتُ لا أَبَا لَكُمْ مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ رَبَّكُمْ أَمَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ وَلا حَمِيَّةَ تُحْمِشُكُمْ أَقُومُ فِيكُمْ مُسْتَصْرِخاً وَأُنَادِيكُمْ مُتَغَوِّثاً فَلا تَسْمَعُونَ لِي قَوْلاً وَلا تُطِيعُونَ لِي أَمْراً حَتَّى تَكَشَّفَ الأُمُورُ عَنْ عَوَاقِبِ الْمَسَاءَةِ فَمَا يُدْرَكُ بِكُمْ ثَارٌ وَلا يُبْلَغُ بِكُمْ مَرَامٌ دَعَوْتُكُمْ إِلَى نَصْرِ إِخْوَانِكُمْ فَجَرْجَرْتُمْ جَرْجَرَةَ الْجَمَلِ الْأَسَرِّ وَتَثَاقَلْتُمْ تَثَاقُلَ النِّضْوِ الْأَدْبَرِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْكُمْ جُنَيْدٌ مُتَذَائِبٌ ضَعِيفٌ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ

هذه الخطبة خطب عليه السلام بها في فتح مصر وقتل محمّد بن أبي بكر.

عن أبي مخنف، عن جندب، عن عبداللَّه بن فقيم، عن الحارث بن كعب: أنّ عليّاً عليه السلام قام في الناس فقال: «أمّا بعد، فإنّ هذا صريخ محمّد بن أبي بكر وإخوانكم من أهل مصر، وقد سار إليهم ابن النابغة عدوّ اللَّه و وليّ من عادى اللَّه، فلا يكوننّ أهل الضلال إلى باطلهم، والركون إلى سبيل الطاغوت، أشدّ اجتماعاً منكم على حقّكم هذا، فانّهم قد بدؤكم وإخوانكم بالغزو فاعجلوا إليهم بالمواساة والنصر، عباد اللَّه إنّ مصر أعظم من الشام وأكثر خيراً وخير أهلا، فلا تغلبوا على أهل مصر فإنّ بقاء مصر في أيديكم عزّ لكم وكبت لعدوّكم، أخرجوا إلى الجرعة - بين الحيرة والكوفة - فوافوني بها هناك غداً».

ص: 104

فلمّا كان من الغد خرج يمشي فنزلها بكرة، فأقام بها حتّى انتصف النهار يومه ذلك فلم يوافه منهم واحد فرجع، فلمّا كان من العشي بعث إلى أشراف الناس، فدخلوا عليه القصر وهو حزين كئيب فقال:

«الحمد للَّه على ما قضى من أمري وقدّر من فعلي، وابتلاني بكم أيّتها الفرقة ممّن لا يطيع إذا أمرت، ولا يجيب إذا دعوت، لا أب لغيركم ما تنتظرون بنصركم والجهاد على حقّكم الموت والذلّ لكم في هذه الدنيا على غير الحق فواللَّه لئن جاء الموت - وليأتين - ليفرقنّ بيني وبينكم وأنا لصحبتكم قال وبكم غير ضنين، للَّه أنتم لا دين يجمعكم ولا حميّة تحميكم إذا أنتم سمعتم بعدوّكم يرد بلادكم ويشنّ الغارة عليكم، أو ليس عجباً أنّ معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتّبعونه على غير عطاء ولا معونة، ويجيبونه في السنة مرّتين والثلاث إلى أيّ وجه شاء، وأنا أدعوكم - وأنتم أولو النهي وبقيّة الناس على المعونة - فتقومون عنّي وتعصونني وتختلفون عليّ»، إلى أن قال عليه السلام بعد ذكر مجي ء الخبر بقتل محمّد بن أبي بكر وفتح مصر وخطبته الناس واخبارهم بذلك: «إنّي واللَّه ما ألوم فسي على التقصير وإنّي لمقاساة الحرب مجدّ خبير، وإنّي لأقدم على الأمر وأعرف وجه الحزم وأقوم فيكم بالرأي المصيب، فأستصرخكم معلنا وأناديكم نداء المستغيث معرباً، فلا تسمعون لي قولاً ولا تطيعون لي أمراً حتّى تصير بي الأُمور إلى عواقب المساءة فأنتم القوم لا يدرك بكم الثأر ولا ينقض بكم الأوتار، دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة، فتجرجرتم جرجرة الجمل الأشدق، وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليس له نيّة في جهاد العدوّ ولا اكتساب الأجر، ثمّ خرج إليّ

ص: 105

منكم جنيد متذائب «كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ»(1)فافّ لكم»(2).

ومثله الثقفي في (غاراته)(3)ورواه ابن بكار في (موفقياته) عن محمّد بن الضحّاك عن أبيه: أنّ ابن غزية الأنصاري - ثمّ النجاري - قدم على علي عليه السلام من مصر، وقدم عليه عبدالرحمن بن شبيب الفزاري من الشام وكان عيناً لعليّ عليه السلام بها، فأمّا الأنصاري فكان مع محمّد بن أبي بكر، وحدّثه الفزاري: إنّه لم يخرج من الشام حتّى قدمت الرسل البشرى من قبل عمرو بن العاص تترى، يتبع بعضها بعضا بفتح مصر وقتل محمّد بن أبي بكر، حتّى آذن معاوية بقتله على المنبر.

وقال له عليه السلام: ما رأيت سرور قوم قط أظهر من سرور رأيته بالشام حين أتاهم قتل محمّد بن أبي بكر. فقال له عليه السلام: حزننا على قتله على قدر سرورهم بقتله، لا بل يزيد أضعافاً. وحزن على قتله حزناً شديداً حتّى رئي في وجهه وتبيّن فيه، وقام على المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال عليه السلام: أَلا وَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ قَدِ اسْتُشْهِدَ رَحمَة اللَّهِ عليه وَعِنْدَ اللَّهِ نَحْتَسِبُهُ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ مَا عَلِمْتُ يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ وَيَعْمَلُ لِلْجَزَاءِ وَيُبْغِضُ شَكْلَ الْفَاجِرِ وَيُحِبُّ سَمْتَ الْمُؤْمِنِ وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَلُومُ نَفْسِي عَلَى تَقْصِيرٍ وَلا عَجْزٍ وَإِنِّي لِمُقَاسَاةِ الْحَرْبِ مُجِدٌّ بَصِيرٌ إِنِّي لأُقْدِمُ عَلَى الْحَرْبِ وَأَعْرِفُ وَجْهَ الْحَزْمِ وَأَقُومُ بِالرَّأْيِ الْمُصِيبِ فَأَسْتَصْرِخُكُمْ مُعْلِناً وَأُنَادِيكُمْ مُسْتَغِيثاً فَلا تَسْمَعُونَ لِي قَوْلاً وَلا تُطِيعُونَ لِي أَمْراً حَتَّى تَصِيرَ الْأُمُورُ إِلَى عَوَاقِبِ الْمَسَاءَةِ وَأَنْتُمُ الْقَوْمُ لا يُدْرَكُ بِكُمُ الثَّأْرُ وَلا يُنْقَصُ بِكُمُ الْأَوْتَارُ دَعَوْتُكُمْ إلَى غِيَاثِ إِخْوَانِكُمْ مُنْذُ بِضْعٍ وَخَمْسِينَ لَيْلَةً فَجَرْجَرْتُمْ عَلَيَّ جَرْجَرَةَ الْجَمَلِ الْأَسَرِّ وَتَثَاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ

ص: 106


1- سورة الأنفال: 6.
2- تاريخ الطبري: 4/81، سنة 38.
3- الغارات (ط - القديمة): 1/194.

تَثَاقُلَ مَنْ لا نِيَّةَ لَهُ فِي الْجِهَادِ وَلا رَأْيَ لَهُ فِي اكْتِسَابِ الْأَجْرِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْكُمْ جُنَيْدٌ مُتَذَائِبٌ ضَعِيفٌ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ فَأُفٍّ لَكُمْ ثُمَّ نَزَلَ فَدَخَلَ رَحْلَهُ(1).

وقد ذكر الشارح المعتزلي صورة هذه القضيّة على وجه آخر نقلاً منه عن كتاب الغارات ولا بأس بنقله.

قال هذا الكلام خطب به أميرالمؤمنين عليه السلام في غارة النعمان بن بشير الأنصاري على عين التمر(2)ذكر صاحب الغارات أن النعمان بن بشير قدم هو وأبو هريرة على علي عليه السلام من عند معاوية بعد أبي مسلم الخولاني يسألانه أن يدفع قتلة عثمان إلى معاوية ليقيدهم بعثمان لعل الحرب أن تطفأ ويصطلح الناس وإنما أراد معاوية أن يرجع مثل النعمان وأبي هريرة من عند علي عليه السلام إلى الناس وهم لمعاوية عاذرون ولعلي لائمون وقد علم معاوية أن عليا لا يدفع قتلة عثمان إليه فأراد أن يكون هذان يشهدان له عند أهل الشام بذلك وأن يظهر عذره فقال لهما ائتيا عليا فانشداه اللَّه وسلاه باللَّه لما دفع إلينا قتلة عثمان فإنه قد آواهم ومنعهم ثمّ لا حرب بيننا وبينه فإن أبى فكونوا شهداء اللَّه عليه.

وأقبلا على الناس فأعلماهم ذلك فأتيا إلى علي عليه السلام فدخلا عليه فقال له أبو هريرة يا أبا حسن إن اللَّه قد جعل لك في الإسلام فضلا وشرفا أنت ابن عم محمدرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهوقد بعثنا إليك ابن عمك معاوية يسألك أمرا تسكن به هذه الحرب ويصلح اللَّه تعالى ذات البين أن تدفع إليه قتلة عثمان ابن عمه فيقتلهم به ويجمع اللَّه

ص: 107


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/91؛ بحار الأنوار: 33/564.
2- عين التمر: بلدة في طرف البادية: على غربي الفرات.

تعالى أمرك وأمره ويصلح بينكم وتسلم هذه الأمة من الفتنة والفرقة ثمّ تكلم النعمان بنحو من ذلك.

فقال لهما دعا الكلام في هذا حدثني عنك يا نعمان أنت أهدى قومك سبيلا يعني الأنصار قال لا قال فكل قومك قد اتبعني إلّا شذاذا منهم ثلاثة أو أربعة أفتكون أنت من الشذاذ فقال النعمان أصلحك اللَّه إنما جئت لأكون معك وألزمك وقد كان معاوية سألني أن أؤدي هذا الكلام ورجوت أن يكون لي موقف اجتمع فيه معك وطمعت أن يجري اللَّه تعالى بينكما صلحا فإذا كان غير ذلك رأيك فأنا ملازمك وكائن معك.

فأمّا أبو هريرة فلحق بالشام وأقام النعمان عند علي عليه السلام فأخبر أبو هريرة معاوية بالخبر فأمره أن يعلم الناس ففعل وأقام النعمان بعده شهرا ثمّ خرج فارا من علي عليه السلام حتّى إذا مر بعين التمر أخذه مالك بن كعب الأرحبي وكان عامل علي عليه السلام عليها فأراد حبسه وقال له: ما مر بك بيننا؟ قال: إنما أنا رسول بلغت رسالة صاحبي ثم انصرفت فحبسه وقال كما أنت حتّى أكتب إلى علي فيك فناشده وعظم عليه أن يكتب إلى علي فيه فأرسل النعمان إلى قرظة بن كعب الأنصاري وهو كاتب عين التمر يجبي خراجها لعلي عليه السلام فجاءه مسرعا فقال لمالك بن كعب: خل سبيل ابن عمي يرحمك اللَّه فقال: يا قرظة اتق اللَّه ولا تتكلم في هذا فإنه لو كان من عباد الأنصار ونساكهم لم يهرب من أمير المؤمنين إلى أمير المنافقين.

فلم يزل به يقسم عليه حتّى خلى سبيله وقال له يا هذا لك الأمان اليوم والليلة وغدا واللَّه إن أدركتك بعدها لأضربن عنقك فخرج مسرعا لا يلوي على شي ء وذهبت به راحلته فلم يدر أين يتسكع من الأرض ثلاثة أيام لا يعلم أين هو فكان النعمان

ص: 108

يحدث بعد ذلك يقول واللَّه ما علمت أين أنا حتّى سمعت قول قائلة تقول وهي تطحن:

شربت مع الجوزاء كأسا روية***وأخرى مع الشعرى إذا ما استقلت

معتقة كانت قريش تصونها***فلما استحلوا قتل عثمان حلت

فعلمت أني عند حي من أصحاب معاوية وإذا الماء لبني القين فعلمت أني قد انتهيت إلى الماء.

ثمّ قدم على معاوية فخبره بما لقي ولم يزل معه مصاحبا لم يجاهد عليا ويتتبع قتلة عثمان حتّى غزا الضحاك بن قيس أرض العراق ثمّ انصرف إلى معاوية وقد كان معاوية قال قبل ذلك بشهرين أو ثلاثة أما من رجل أبعث به بجريدة خيل حتّى يغير على شاطئ الفرات فإن اللَّه يرعب بها أهل العراق فقال له النعمان فابعثني فإن لي في قتالهم نية وهوى وكان النعمان عثمانيا قال فانتدب على اسم اللَّه فانتدب وندب معه ألفي رجل وأوصاه أن يتجنب المدن والجماعات وألا يغير إلّا على مصلحة وأن يعجل الرجوع.

فأقبل النعمان بن بشير حتّى دنا من عين التمر وبها مالك بن كعب الأرحبي الذي جرى له معه ما جرى ومع مالك ألف رجل وقد أذن لهم فرجعوا إلى الكوفة فلم يبق معه إلّا مائة أو نحوها فكتب مالك إلى علي عليه السلام أما بعد فإن النعمان بن بشير قد نزل بي في جمع كثيف فرأيك سددك اللَّه تعالى وثبتك والسلام.

فوصل الكتاب إلى علي عليه السلام فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: اخرجوا هداكم اللَّه إلى مالك بن كعب أخيكم فإن النعمان بن بشير قد نزل به في جمع من أهل الشام ليس بالكثير فانهضوا إلى إخوانكم لعل اللَّه يقطع بكم من الكافرين طرفا ثمّ نزل.

ص: 109

فلم يخرجوا فأرسل إلى وجوههم وكبرائهم فأمرهم أن ينهضوا ويحثوا الناس على المسير فلم يصنعوا شيئا واجتمع منهم نفر يسير نحو ثلاثمائة فارس أو دونها فقام عليه السلام فقال ألا إني منيت بمن لا يطيع - إلى آخر الفصل(1).

ثمّ نزل فدخل منزله فقام عدي بن حاتم فقال هذا واللَّه الخذلان، على هذا بايعنا أمير المؤمنين؟ ثمّ دخل إليه فقال يا أمير المؤمنين إن معي من طيئ ألف رجل لا يعصونني فإن شئت أن أسير بهم سرت قال ما كنت لأعرض قبيلة واحدة من قبائل العرب للناس ولكن اخرج إلى النخيلة فعسكر بهم وفرض علي عليه السلام لكل رجل سبعمائة فاجتمع إليه ألف فارس عدا طيئا أصحاب عدي بن حاتم. وورد على علي عليه السلام الخبر بهزيمة النعمان بن بشير ونصرة مالك بن كعب فقرأ الكتاب على أهل الكوفة وحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ نظر إليهم وقال هذا بحمد اللَّه وذم أكثركم.

فأما خبر مالك بن كعب مع النعمان بن بشير قال عبد اللَّه بن حوزة الأزدي: كنت مع مالك بن كعب حين نزل بنا النعمان بن بشير وهو في ألفين وما نحن إلّا مائة فقال لنا قاتلوهم في القرية واجعلوا الجدر في ظهوركم «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»(2)، واعلموا أن اللَّه تعالى ينصر العشرة على المائة والمائة على الألف والقليل على الكثير ثمّ قال إن أقرب من هاهنا إلينا من شيعة أمير المؤمنين وأنصاره وعماله قرظة بن كعب ومخنف بن سليم فاركض إليهما فأعلمهما حالنا.

فمررت بقرظة فقال: إنما أنا صاحب خراج وليس عندي من أعينه به فمضيت

ص: 110


1- الغارات (ط - القديمة): 2/307؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/301؛ بحار الأنوار: 34/31، ش 905.
2- سورة البقرة: 195.

إلى مخنف بن سليم فأخبرته الخبر فسرح معي عبد الرحمن بن مخنف في خمسين رجلا وقاتل مالك بن كعب النعمان وأصحابه إلى العصر فأتيناه وقد كسر هو وأصحابه جفون سيوفهم واستقبلوا الموت فلو أبطأنا عنهم هلكوا فما هو إلّا أن رآنا أهل الشام وقد أقبلنا عليهم فأخذوا ينكصون عنهم ويرتفعون ورآنا مالك وأصحابه فشدوا عليهم حتّى دفعوهم عن القرية فاستعرضناهم فصرعنا منهم رجالا ثلاثة وارتفع القوم عنا وظنوا أن وراءنا مددا ولو ظنوا أنه ليس غيرنا لأقبلوا علينا ولأهلكونا وحال الليل بيننا وبينهم فانصرفوا إلى أرضهم وكتب مالك بن كعب إلى علي عليه السلام أما بعد فإنه نزل بنا النعمان بن بشير في جمع من أهل الشام كالظاهر علينا وكان عظم أصحابي متفرقين وكنا للذي كان منهم آمنين فخرجنا إليهم رجالا مصلتين فقاتلناهم حتّى المساء واستصرخنا مخنف بن سليم فبعث إلينا رجالا من شيعة أمير المؤمنين وولده فنعم الفتى ونعم الأنصار كانوا، فحملنا على عدونا وشددنا عليهم فأنزل اللَّه علينا نصره وهزم عدوه وأعز جنده والحمد للَّه رب العالمين والسلام عليك يا أميرَالمؤمنين ورحمة اللَّه وبركاته(1).

ترجمة النعمان بن بشير

النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي وأّمّه عمرة بنت رواحة أخت عبداللَّه بن رواحة ولد في السنة الأولى للهجرة وكان أوّل مولود للأنصار بعد الهجرة كما كان عبداللَّه بن الزبير أوّل أولاد المهاجرين بعد الهجرة وكان النعمان من جملة من لم يبايع الإمام عليّ وقد كان عثماني الهوى وعند ما قتل عثمان أخذ

ص: 111


1- الغارات: 2/314؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/304؛ بحار الأنوار: 34/33.

قميصه وأصابع زوجته نائلة فلحق بالشام وسلّمهم لمعاوية الذي رفعهم أمام أهل الشام وأخذ يحرّك عواطفهم للثأر له من الإمام عليّ الخليفة الشرعي وهناك رواية ينقلها ابن أبي الحديد في شرحه(1)عن صاحب الغارات ننقلها مع التحفّظ عليها بل استبعادها عن مثل النعمان الذي لم يبايع عليّاً بل هرب بقميص عثمان وأصابع نائلة إلى معاوية تقول الرواية: إنّ النعمان بن بشير قدم هو وأبو هريرة على عليّ عليه السلام من عند معاوية بعد أبي مسلم الخولاني... ثمّ ورد الخبر عليه بهزيمة النعمان بن بشير ونصرة مالك بن كعب... وفي مقابل هذه اليد البيضاء عند معاوية كافأه بولاية الكوفة حيث نصبه أميراً عليها سنة 59 وقد تزوّج بنائلة بنت عمارة الكلابيّة بعد أن طلّقها معاوية وتزويجها حبيب بن مسلمة الفهري وطلاقها منه وقد كان على الكوفة حتّى كتب أهلها إلى الحسين يستقدمونه إليهم... وقد التحق بالشام عند ما ولى يزيد لابن زياد الكوفة وقد أرسله يزيد إلى أهل المدينة حيث كانت تعيش الغليان وكان عبداللَّه بن حنظلة غسيل الملائكة يحدّثهم بأفعال يزيد القبيحة وسيّئاته ويدعوهم إلى الثورة عليه.

فجاء النعمان ليهدأ المدينة وكان الأنصار فيها فأتى قومه وأمرهم بلزوم الطاعة وخوفهم الفتنة وقد كان بالشام عند قدوم السبايا والرؤوس إليها ولمّا مات يزيد بن معاوية واستخلف معاوية بن يزيد عن قرب دعا النعمان إلى ابن الزبير ثمّ دعا إلى نفسه فواقعه مروان بن الحكم بعد أن واقع الضحّاك بن قيس فقتل النعمان بن بشير وذلك سنة خمس وستّين(2).

ص: 112


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/301.
2- شرح نهج البلاغة للسيّد عبّاس الموسوي: 1/306.

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ فُرَاتٍ الْجَرْمِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ عَلِيٌ عليه السلام فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي دَعَوْتُكُمْ إِلَى الْحَقِّ فَتَوَلَّيْتُمْ عَنِّي وَضَرَبْتُكُمْ بِالدِّرَّةِ فَأَعْيَيْتُمُونِي. أَمَا إِنَّهُ سَيَلِيكُمْ بَعْدِي وُلاةٌ لا يَرْضَوْنَ مِنْكُمْ بِذَلِكَ حَتَّى يُعَذِّبُونَكُمْ بِالسِّيَاطِ وَالْحَدِيدِ، فَأَمَّا أَنَا فَلا أُعَذِّبُكُمْ بِهِمَا، إِنَّهُ مَنْ عَذَّبَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا عَذَّبَهُ اللَّهُ فِي الآْخِرَةِ، وَآيَةُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَكُمْ صَاحِبُ الْيَمَنِ حَتَّى يَحُلَّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَيَأْخُذَ الْعُمَّالَ وَعُمَّالَ الْعُمَّالِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ(1)، وَيَقُومُ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتَ فَانْصُرُوهُ، فَإِنَّهُ دَاعٍ إِلَى الْحَق.

قَالَ فَكَانَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ هُوَ زَيْدٌ عليه السلام(2).

و من خطبة له عليه السلام: مُنِيتُ بِمَنْ لا يُطِيعُ إِذَا أَمَرْتُ وَلا يُجِيبُ إِذَا دَعَوْتُ

قال يزيد بن الصعق لبني سليم حين صنعوا بسيّدهم العباس ما صنعوا - وكانوا توجّوه وملّكوه فلمّا خالفهم في بعض الامر وثبوا عليه لقلّة رهطه -:

وان اللَّه ذاق حلوم قيس***فلمّا ذاق خفّتها قلاها

رآها لا تطيع لها أميراً***فخلّاها تردّد في خلاها(3)

لا أَبَا لَكُمْ مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ رَبَّكُمْ

انّ في كلامه هذا حثّ على الجهاد وترغيب وتحريص على نصرة الدين

ص: 113


1- يوسف بن عمرو الثقفي والي الكوفة لهشام بن عبدالملك ولّاه بعد عزله خالد بن عبداللَّه القسري وهو الذي قتل زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام.
2- الغارات: 2/316؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/306؛ بحار الأنوار: 34/34.
3- الحيوان للجاحظ: 5/15.

وقددلّت الآيات على وجوب نصرة اللَّه ورسوله.

منها: قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ»(1)أي إن تنصرو دين اللَّه.

ومنها: قوله تعالى: «ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ»(2)الآية.

ومنها: قوله تعالى: «فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ»(3)الآية.

ومنها: قوله تعالى: «وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»(4).

ومنها: قوله تعالى: «لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ»(5)وكثير من الآيات.

وأمّا قوله عليه السلام: ما تنتظرون بنصركم، فهو كقوله تعالى: «مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ»(6).

أَ مَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ وَلا حَمِيَّةَ تُحْمِشُكُمْ

حاصل كلامه عليه السلام انّ الدين والحميّة العربيّة والغريزة الانسانيّة توجبان الوحدة بين الأفراد واعانة المظلوم والفرار عن الظالم ودفعه في صورة التمكّن والقدرة

ص: 114


1- سورة محمّد: 7.
2- سورة آل عمران: 81.
3- سورة الأعراف: 157.
4- الحج: 40.
5- الحشر: 8.
6- سورة الصافّات: 25.

وهكذا الأمر بالنسبة إلى الأحرار فانّ الحريّة مانعة عن الذلّة والنكبة كما قال الحسين عليه السلام مخاطباً لأهل الكوفة: يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم(1).

ص: 115


1- اللهوف: 120؛ بحار الأنوار: 45/51.

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة(40)- ومن كلام له عليه السلام في الخوارج لما سمع قولهم «لا حكم إلّا للَّه»قَالَ عليه السلام:

اشارة

كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا البَاطِلٌ نَعَمْ إِنَّهُ لا حُكْمَ إِلّا للَّهِ ِ وَلَكِنَّ هَؤُلاءِ يَقُولُونَ لا إِمْرَةَ إِلّا للَّهِ ِ وَإِنَّهُ لا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ وَيُبَلِّغُ اللَّهُ فِيهَا الْأَجَلَ وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيْ ءُ وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا سَمِعَ تَحْكِيمَهُمْ قَالَ حُكْمَ اللَّهِ أَنْتَظِرُ فِيكُمْ وَقَالَ أَمَّا الإِمْرَةُ الْبَرَّةُ فَيَعْمَلُ فِيهَا التَّقِيُّ وَأَمَّا الإِمْرَةُ الْفَاجِرَةُ فَيَتَمَتَّعُ فِيهَا الشَّقِيُّ إِلَى أَنْ تَنْقَطِعَ مُدَّتُهُ وَتُدْرِكَهُ مَنِيَّتُهُ

روى عن عبداللَّه بن صالح، عن يحيى بن آدم، عن رجل، عن مجالد، عن الشعبي قال: بعث عليّ عليه السلام عبداللَّه بن عبّاس إلى الحررويّة - إلى أن قال: - ثمّ خرجوا فتوافوا بالنهروان، وأقبلوا يحكمون، فقال عليّ عليه السلام: «إنّ هؤلاء يقولون: لا إمرة ولابدّ من أمير يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع الفاجر، ويبلغ الكتاب الأجل، وإنّها لكلمة حقّ يعتزون بها الباطل، فإن تكلّموا حججناهم، وإن سكتوا غممناهم»(1).

ص: 116


1- أنساب الأشراف: 2/360، ش 433.

وروى عن بكر بن الهيثم، عن أبي الحكم، عن معمّر، عن الزهري في خبر: فاذا صلّى عليّ عليه السلام وخطب حكموا، فيقول عليّ عليه السلام: «كلمة حقّ يعتزى بها باطل»(1).

وروى عن عبّاس بن هشام، عن أبيه، عن أبي مخنف، عن ابن أبي جرّة الحنفي: أنّ عليّاً عليه السلام خرج ذات يوم فخطب، فإنّه لفي خطبته إذ حكمت المحكمة في جوانب المسجد، فقال عليّ عليه السلام: «كلمة حقّ يعزى بها - أو قال: يراد بها باطل - نعم إنّه لا حكم إلّا للَّه، ولكنّهم يقولون: إنّه لا إمرة، ولابدّ من أمير يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع الفاجر، فإن سكتوا تركناهم - أو قال: عذرناهم - وإن تكلّموا حججناهم، وإن خرجوا علينا قاتلناهم(2).

و من كلام له عليه السلام في الخوارج لما سمع قولهم «لا حكم إلّا للَّه»

قيل: إنّ أوّل من حكم من الخوارج عروة بن أدية، وقيل: بل سعيد، رجل من بني محارب بن خصفة بن قيس عيلان، وقيل: بل الحجاج بن عبداللَّه المعروف بالبرك، وهو الذي ضرب معاوية على أليته وأول من حكم بين الصفين رجل من بني يشكر قتل رجلاً من أصحابه عليه السلام غيلة، ثمّ مرق بين الصفين وحكم وحمل على أهل الشام، فكثروه فرجع وحمل على أصحابه عليه السلام، فخرج إليه رجل من همدان فقتله فقال شاعر همدان:

وما كان أغنى اليشكري عن التي***تصلى بها جمرا من النار حاميا(3)

ص: 117


1- أنساب الأشراف: 2/355، ش 426.
2- أنساب الأشراف: 2/352، ش 423.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/277؛ بهج الصباغة: 10/399.

قال عليه السلام: كلمةُ حقٍ

قال عليه السلام كلمةُ حقٍّ يُرادُ بِهَا بَاطِلٌ

أي: قولهم «لا حكم إلّا للَّه» ورد في القرآن كراراً، قال تعالى: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ»(1).

وقال تعالى: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ...»(2).

وقال تعالى: «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ»(3).

وقال تعالى: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»(4).

يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ

روى الطبري: أنّه عليه السلام خرج ذات يوم يخطب إذ حكمت المحكمة في جوانب المسجد فقال عليّ عليه السلام: «اللَّه أكبر، كلمة حقّ يراد بها باطل، إن سكتوا عممناهم، وإن تكلّموا حججناهم، وإن خرجوا علينا قاتلناهم»فوثب يزيد بن عاصم المحاربي وقال: اللهمّ إنّا نعوذ بك من إعطاء الدنية في ديننا - إلى أن قال: - ثمّ خرج هو وإخوة له ثلاثة، فاصيبوا مع الخوارج بالنهر، واصيب أحدهم بعد ذلك بالنخيلة(5).

وروى الخطيب في أبي قتادة الأنصاري عنه: أنّه لمّا فرغنا من قتال أهل النهروان قفلت، ومعي ستّون أو سبعون من الأنصار، فبدأت بعايشة فقالت: قصّ

ص: 118


1- سورة يوسف: 40.
2- سورة يوسف: 67.
3- سورة الأنعام: 57.
4- سورة المائدة: 45.
5- تاريخ الطبري: 4/53.

عليّ القصّة، فقلت: تفرّقت المحكمة وهم نحو من اثني عشر ألفاً ينادون: لا حكم إلّا للَّه، فقال عليّ عليه السلام: «كلمة حقّ يراد بها باطل»-إلى أن قال: - فقالت عايشة: ما يمنعني ما بيني وبين عليّ أن أقول الحقّ، سمعت النبيّ صلى الله عليه وآله يقول: «تفترق أُمّتي على فرقتين، تمرق بينهما فرقة محلّقة رؤوسهم، محفّون شواربهم، ازرهم إلى أنصاف سوقهم، يقرؤون القرآن لا يتجاوز تراقيهم، يقتلهم أحبّهم إليّ وأحبّهم إلى اللَّه تعالى».

فقلت لعايشة: فأنت تعلمين هذا، فلِمَ الذي كان منك؟ قالت: يا أبا قتادة، كان أمر اللَّه قدراً مقدوراً، وللقدر أسباب(1).

وروى في عبيداللَّه بن أبي رافع عنه: أنّ الحروريّة لمّا خرجت فقالت: «لا حكم إلّا للَّه»قال عليّ عليه السلام: «كلمة حقّ اريد بها باطل، إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وصف لي ناساً، إنّي لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون الحق بألسنتهم لا يجاوز هذا - وأشار إلى حلقه - وهم من أبغض خلق اللَّه إليه وفيهم أسود إحدى يديه كأنّها طبي شاة أو حلمة ثدي. فلمّا قتلهم قال: انظروا، فنظروا فلم يجدوا شيئاً، فقال: ارجعوا فواللَّه ما كذبت ولا كذبت - مرّتين أو ثلاثاً - فوجدوه في خربة(2).

ثمّ إنّ المصنّف إنّما قال: إنّه عليه السلام قال قوله: «كلمة حقّ يراد بها باطل»لمّا سمع قول الخوارج: (لا حكم إلّا للَّه). مع أنّه لم ينحصر به، فقاله عليه السلام لما دعا أهل الشام أصحابه إلى حكم القرآن، ففي (صفين نصر): لما رفع أهل الشام المصاحف يدعون إلى حكم القرآن، قال عليّ عليه السلام «عباد اللَّه أنا أحقّ

ص: 119


1- تاريخ بغداد: 1/171.
2- تاريخ بغداد: 10/304.

من أجاب إلى كتاب اللَّه، ولكنّ معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إنّي أعرف بهم منكم، صحبتهم أطفالاً وصحبتهم رجالاً، فكانوا شرّ أطفال وشرّ رجال، إنّها كلمة حق يراد بها باطل، إنّهم واللَّه ما رفعوها لكم إلّا خديعة ومكيدة، اعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة، قد بلغ الحق مقطعه ولم يبق إلّا أن يقطع دابر الذين ظلموا».

فجاءته زهاء عشرين ألفاً مقنعين في الحديد، شاكي السلاح، سيوفهم على عواتقهم، وقد أسودت وجوههم من السجود، فنادوه باسمه: أجب القوم إلى كتاب اللَّه إذا دعيت إليه، وإلّا قتلناك كما قتلنا ابن عفّان(1).

وخطب الحجّاج، فلمّا توسّط كلامه سمع تكبيراً عالياً من ناحية السوق، فقطع خطبته ثمّ قال: يا أهل العراق، يا أهل الشقاق، يا بني اللكيعة، وعبيد العصا، وبني الإماء، إنّي لأسمع تكبيراً ما يراد به اللَّه، وإنّما يراد به الشيطان(2).

نَعَمْ إِنَّهُ لا حُكْمَ إِلّا للَّهِ ِ

فهو كلمة حقّ وكلام صدق.

وَلَكِنَّ هَؤُلاءِ يَقُولُونَ لا إِمْرَةَ إِلّا للَّهِ ِ

لم أقف على من روى أنّه عليه السلام قال: إن الخوارج أرادوا بقولهم: (لا حكم إلّا للَّه):

ص: 120


1- وقعة صفّين: 489؛ بحار الأنوار: 32/532.
2- الكامل في اللغة والادب: 1/215.

(لا إمرة إلّا للَّه) سوى المبرّد في كامله مرفوعاً، وتبعه ابن عبد ربّه في عقده(1).

فقال الأوّل: لمّاسمع عليّ عليه السلام نداءهم: لا حكم إلّا للَّه قال: «كلمة عادلة يراد بها جور، إنّما يقولون: لا إمارة، ولابدّ من إمارة برّة أو فاجرة(2).

وقال الثاني: لمّا سمع عليّ عليه السلام نداءهم قال: «كلمة حقّ يراد بها باطل، وإنّما مذهبهم ألّا يكون أمير، ولابد من أمير، برّاً كان أو فاجراً»(3).

ومعلوم بالدراية أنّهم أرادوا بقولهم: «لا حكم إلّا للَّه»عدم صحّة حكمية أبي موسى وعمرو بن العاص، لا عدم إمارة أمير، قال يحيى بن معين: حدّثنا وهب بن جابر، عن الصلت بن بهرام قال: لما قدم عليّ عليه السلام الكوفة جعلت الحروريّة تناديه وهو على المنبر: جزعت من البليّة، ورضيت بالقضيّة، وقبلت الدنيّة، لا حكم إلّا للَّه. فيقول عليه السلام: «حكم اللَّه أنتظر فيكم»فيقولون: «وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ»(4).(5)

وعن شقيق بن سلمة: أنّ الأشعث خرج في الناس بكتاب الصلح يعرضه على الناس، ويمرّ به على صفوف أهل الشام فرضوا به، ثمّ مرّ به على صفوف أهل العراق وراياتهم، حتّى مرّ برايات عنزة، وكان معه عليه السلام منهم بصفين أربعة آلاف مجفف(6)فلمّا مرّ بهم الأشعث فقرأه عليهم، قال فتيان منهم: لا حكم إلّا للَّه، ثمّ حملا

ص: 121


1- بهج الصباغة: 10/403.
2- الكامل في اللغة والأدب: 3/152.
3- العقد الفريد: 2/232.
4- سورة الزمر: 65.
5- مروج الذهب ومعادن الجوهر: 2/395.
6- المجفف: لابس التجفاف، وأصله ما يجلل به الفرس من سلاح وآلة تقية الجراحة.

على أهل الشام بسيوفهما حتّى قتلا على باب رواق معاوية، وهما أول من حكم، وكانا أخوين، ثمّ مر الأشعث بالصحيفة على مراد، فقال صالح بن شقيق وكان من رؤسائهم:

ما لعلي في الدماء قد حكم***لو قاتل الأحزاب يوما ما ظلم

لا حكم إلّا للَّه ولو كره المشركون ثمّ مرّ على رايات بني راسب فقرأها عليهم، فقالوا: لا حكم إلّا للَّه، لا نرضى ولا نحكّم الرجال في دين اللَّه، ثمّ مرّ على رايات بني تميم فقرأها عليهم، فقال رجل منهم: لا حكم إلّا للَّه، يقضي بالحقّ وهو خير الفاصلين. وخرج عروة بن أدية أخو مرداس، فقال: أتحكمون الرجال في أمر اللَّه، لا حكم إلّا للَّه، فأين قتلانا يا أشعث ثمّ شدّ بسيفه ليضرب به الأشعث فأخطأه، فانطلق إلى علي عليه السلام فقال له: قد عرضت الحكومة عليهم فقالوا جميعا: قد رضينا، حتّى مررت برايات بني راسب، ونبذ من الناس سواهم، قالوا: لا نرضى لا حكم إلّا للَّه. قال: دعهم. فما راعه إلّا نداء الناس من كل جهة: لا حكم إلّا للَّه الحكم للَّه لا لك يا علي، لا نرضى بأن يحكم الرجال في دين اللَّه، إن اللَّه قد أمضى حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا في حكمنا عليهم، وقد كانت زلّة منّا حين رضينا بالحكمين، فرجعنا وتبنا، فارجع أنت كما رجعنا، وإلّا برئنا منك.

فقال علي عليه السلام: ويحكم أبعد الرضا والعهد نرجع أوليس اللَّه تعالى قال: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1)وقال: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ»(2)فأبى علي عليه السلام أن يرجع وأبت

ص: 122


1- سورة المائدة: 1.
2- سورة النحل: 91.

الخوارج إلّا تضليل التحكيم(1).

مع أنّ نصب الناس أميراً لهم أمر فطري للبشر لا ينكره أحد: مبتدع وغيره، وكيف، والخوارج أنفسهم - من أوّلهم إلى آخرهم - كانوا يجعلون امراء لأنفسهم حتّى يجمع كلمتهم ففي الطبري: أنّ عليّاً لمّا بعث أبا موسى لإنفاذ الحكومة، لقيت الخوارج بعضها بعضا، فقال عبداللَّه بن وهب الراسبي: «أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا»(2).

فقال حمزة بن سنان الأسدي: الرأي ما رأيتم، فولّوا أمركم رجلاً منكم، فإنّه لابدّ لكم من عماد وسناد وراية تحفون بها، فبايعوا عبداللَّه بن وهب وسار إلى النهروان، فقالوا: إن هلك وليّنا الأمر زيد بن حصين أو حرقوص بن زهير.

وأمّا خوارج البصرة فاجتمعوا في خمسمائة رجل، وجعلوا عليهم مسعر بن فدكي التميمي، وأقبل يعترض الناس - وعلى مقدمته الأشرس بن عوف الشيباني - حتّى لحق عبداللَّه بالنهر(3).

وَإِنَّهُ لا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ...

وَإِنَّهُ لا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ وَيُبَلِّغُ اللَّهُ فِيهَا الْأَجَلَ وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيْ ءُ وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ وَيُؤْخَذُ

قال النبيّ صلى الله عليه وآله: إنّ اللَّه ليؤيّد هذا الدين بقوم لا خلاق لهم وبالرجل الفاجر(4).

ص: 123


1- وقعة صفّين: 512؛ بحار الأنوار: 32/544، ش 455.
2- سورة النساء: 75.
3- تاريخ الطبري: 4/54-56.
4- تاريخ الطبري: 4/54-56.

المؤمن في أمرة الفاجر إمّا أن يكون منزوياً في زوايا الخمول مشتغلاً بالرياضيّات النفسانيّة والعبادات والنسك في الخلوات غير معاشر لأبناء زمانه أو سلطان وقته وإمّا أن لا يكون منزوياً بل كان معاشراً لهم مجالساً معهم قائماً بالأمر بالمعروف وناهياً عن المنكر ولو كان هذا بلغ ما بلغ حتّى السب والضرب والقتل علماً أو ظنّاً منه انّ هذه الرويّة أصلح للدين وأنفع للمسلمين وفي كلا المسلكين يصدق انّه يعمل ونحن نذكر بعض الروايات الواردة في الباب من الطرفين:

فمن الأوّل: عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام في حديث طويل انّه عليه السلام قال: يَا هِشَامُ الصَّبْرُ عَلَى الْوَحْدَةِ عَلامَةُ قُوَّةِ الْعَقْلِ فَمَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اعْتَزَلَ أَهْلَ الدُّنْيَا وَالرَّاغِبِينَ فِيهَا وَرَغِبَ فِيمَا عِنْدَ رَبِّهِ وَكَانَ اللَّه أُنْسَهُ فِي الْوَحْشَةِ وَصَاحِبَهُ فِي الْوَحْدَةِ وَغِنَاهُ فِي الْعَيْلَةِ وَمُعِزَّهُ فِي غَيْرِ عَشِيرَةٍ(1).

وعن أميرالمؤمنين عليه السلام: طُوبَى لِمَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ، وَأَكَلَ كَسرَتَهُ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ وَكَانَ مِنْ نَفْسِهِ فِي تَعَب وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ(2).

قال الصادق عليه السلام: اطلب السلامة أينما كنت وفي أيّ حال كنت لدينك وقلبك وعواقب أُمورك من اللَّه عزّ وجلّ(3).

وروى سفيان الثوري قال: قصدت جعفر بن محمد عليه السلام فأذن لي بالدخول فوجدته في سرداب ينزل عشر مرقاة فقلت: يا ابن رسول اللَّه أنت في هذا المكان مع حاجة الناس إليك فقال: يا سفيان فسد الزمان وتنكر الإخوان وتقلب الأعيان فاتخذنا الوحدة سكنا أمعك شي ء تكتب؟ قلت: نعم فقال: اكتب شعرا:

ص: 124


1- الكافي: 1/17، ح 12؛ بحار الأنوار: 75/301، ح 1.
2- غرر الحكم: 433، ش 48؛ بحار الأنوار: 66/381، ح 40.
3- مصباح الشريعة: 109؛ بحار الأنوار: 72/400، ح 41.

لا تجزعن لوحدة وتفرد***ومن التفرد في زمانك فازدد

فسد الإخاء فليس ثمة أخوة***إلّا التملق باللسان وباليد

و إذا نظرت جميع ما بقلوبهم***أبصرت سم نقيع ثمّ الأسود

فإذا فتشت ضميره من قلبه***وافيت عنه مرارة لا تنفد(1)

وعن أميرالمؤمنين عليه السلام: مداومة الذكر خلصان الأولياء ملازمة الخلوة دأب الصلحاء(2).

ومن الثاني: عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عليه السلام فَإِذَا بِمَوْلًى لِعَبْدِاللَّهِ النَّجَاشِيِّ قَدْ وَرَدَ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَأَوْصَلَ إِلَيْهِ كِتَابَهُ فَفَضَّهُ وَقَرَأَهُ فَإِذَا أَوَّلُ سَطْرٍ فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَ سَيِّدِي وَمَوْلايَ وَجَعَلَنِي مِنْ كُلِّ سُوءٍ فِدَاهُ وَلا أَرَانِي فِيهِ مَكْرُوهاً فَإِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ واعْلَمْ سَيِّدِي وَمَوْلايَ أَنِّي بُلِيتُ بِوِلايَةِ الْأَهْوَازِ فَإِنْ رَأَى سَيِّدِي أَنْ يَحُدَّ لِيَ حَدّاً أَوْ يُمَثِّلَ لِي مِثَالاً لأَسْتَدِلَّ بِهِ عَلَى مَا يُقَرِّبُنِي إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى رَسُولِهِ وَيُلَخِّصَ فِي كِتَابِهِ مَا يَرَى لِيَ الْعَمَلَ بِهِ وَفِيمَا أَبْذُلُهُ وَأَبْتَذِلُهُ وَأَيْنَ أَضَعُ زَكَاتِي وَفِيمَنْ أَصْرِفُهَا وَبِمَنْ آنَسُ وَإِلَى مَنْ أَسْتَرِيحُ وَبِمَنْ أَثِقُ وَآمَنُ وَأَلْجَأُ إِلَيْهِ فِي سِرِّي فَعَسَى أَنْ يُخَلِّصَنِي اللَّهُ بِهِدَايَتِكَ وَدَلالَتِكَ فَإنَّكَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَأَمِينُهُ فِي بِلادِهِ ولا زَالَتْ نِعْمَتُهُ عَلَيْكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ فَأَجَابَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ جاملك (حَاطَكَ) اللَّهُ بِصُنْعِهِ وَلَطَفَ بِكَ بِمَنِّهِ وَكَلَأَكَ بِرِعَايَتِهِ فَإِنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ جَاءَ إِلَيَّ رَسُولُكَ بِكِتَابِكَ فَقَرَأْتُهُ وَفَهِمْتُ جَمِيعَ مَا ذَكَرْتَهُ وَسَأَلْتَ عَنْهُ

ص: 125


1- إرشاد القلوب للديلمي: 1/99؛ مستدرك الوسائل: 11/390، ح 13344.
2- غرر الحكم: 704، ش 45 و46.

وَزَعَمْتَ أَنَّكَ بُلِيتَ بِوِلايَةِ الْأَهْوَازِ فَسَرَّنِي ذَلِكَ وَسَاءَنِي وَسَأُخْبِرُكَ بِمَا سَاءَنِي مِنْ ذَلِكَ وَمَا سَرَّنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا سُرُورِي بِوِلايَتِكَ فَقُلْتُ عَسَى أَنْ يُغِيثَ اللَّهُ بِكَ مَلْهُوفاً خَائِفاً مِنْ أَوْلِيَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وَيُعِزَّ بِكَ ذَلِيلَهُمْ وَيَكْسُوَ بِكَ عَارِيَهُمْ وَيُقَوِّيَ بِكَ ضَعِيفَهُمْ وَيُطْفِئَ بِكَ نَارَ الْمُخَالِفِينَ عَنْهُمْ وَأَمَّا الَّذِي سَاءَنِي مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ أَدْنَى مَا أَخَافُ عَلَيْكَ تَغَيُّرُكَ بِوَلِيٍّ لَنَا فَلا تَشِمُ رائحة حَظِيرَةَ الْقُدْسِ فَإِنِّي مُخَلِّصٌ لَكَ جَمِيعَ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ إِنْ أَنْتَ عَمِلْتَ بِهِ وَلَمْ تُجَاوِزْهُ رَجَوْتُ أَنْ تَسْلَمَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى(1).

عن علي بن جعفر قال سمعت أخي موسى بن جعفر عليه السلام يقول: من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع إبلاغها، أثبت اللَّه عزّ وجلّ قدميه على الصراط(2).

ورَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الرِّضَا عليه السلام قَالَ: إِنَّ للَّهِ ِ بِأَبْوَابِ السَّلاطِينِ مَنْ نَوَّرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَجْهَهُ بِالْبُرْهَانِ وَمَكَّنَ لَهُ فِي الْبِلادِ لِيَدْفَعَ بِهِ عَنْ أَوْلِيَائِهِ وَيُصْلِحَ بِهِ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ إِلَيْهِ يَلْجَأُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الضَّرَرِ وَيَفْزَعُ ذُو الْحَاجَةِ مِنْ شِيعَتِنَا وَبِهِ يُؤْمِنُ اللَّهُ تَعَالَى رَوْعَتَهُمْ فِي دَارِ الظَّلَمَةِ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا وَأُولَئِكَ أُمَنَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ أُولَئِكَ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ يَزْهَرُ نُورُهُمْ لأَهْلِ السَّمَاوَاتِ كَمَا تَزْهَرُ الْكَوَاكِبُ الدُّرِّيَّةُ لأَهْلِ الْأَرْضِ وَأُولَئِكَ مِنْ نُورِهِمْ تُضِي ءُ الْقِيَامَةُ خُلِقُوا وَاللَّهِ لِلْجَنَّةِ وَخُلِقَتِ الْجَنَّةُ لَهُمْ فَهَنِيئاً لَهُمْ مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ شَاءَ لَيَنَالُ هَذَا كُلَّهُ قَالَ قُلْتُ بِمَا ذَا جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ قَالَ تَكُونُ مَعَهُمْ فَتَسُرُّنَا بِإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ شِيعَتِنَا(3).

ص: 126


1- كشف الريبة: 86؛ بحار الأنوار: 74/189، ح 11.
2- مسائل عليّ بن جعفر ومستدركاتها: 342، ح 842؛ قرب الاسناد (ط - الحديثة): 298، ح 1174؛ بحار الأنوار: 72/384، ح 2.
3- اعلام الدين في صفات المؤمنين للديلمي: 271؛ بحار الأنوار: 72/384، ح 4.

قال عليّ عليه السلام لنرسا الذي أسند أهل السواد أمرهم إليه: أَخْبِرْنِي عَنْ مُلُوكِ فَارِسَ كَمْ كَانُوا قَالَ كَانَتْ مُلُوكُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَمْلَكَةِ الآْخِرَةِ اثْنَيْنِ وَثَلاثِينَ مَلِكاً قَالَ فَكَيْفَ كَانَتْ سِيرَتُهُمْ قَالَ مَا زَالَتْ سِيرَتُهُمْ فِي عِظَمِ أَمْرِهِمْ وَاحِدَةً حَتَّى مَلَّكْنَا كِسْرَى بْنَ هُرْمُزَ فَاسْتَأْثَرَ بِالْمَالِ وَالْأَعْمَالِ وَخَالَفَ أَوَّلِينَا وَأَخْرَبَ الَّذِي لِلنَّاسِ وَعَمَّرَ الَّذِي لَهُ وَاسْتَخَفَّ بِالنَّاسِ وَأَوْغَرَ نُفُوسَ فَارِسَ حَتَّى ثَارُوا إِلَيْهِ فَقَتَلُوهُ فَأَرْمَلَتْ نِسَاؤُهُ وَيَتِمَ أَوْلادُهُ فَقَالَ عليه السلام يَا نَرْسَا إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْخَلْقَ بِالْحَقِّ وَلا يَرْضَى مِنْ أَحَدٍ إِلّا بِالْحَقِّ وَفِي سُلْطَانِ اللَّهِ تَذْكِرَةٌ مِمَّا خَوَّلَ اللَّهُ وَإِنَّهَا لا تَقُومُ مَمْلَكَةٌ إِلّا بِتَدْبِيرٍ وَلا بُدَّ مِنْ إِمَارَة(1).

وعن أميرالمؤمنين عليه السلام: أسد حطوم خير من سلطان ظلوم وسلطان ظلوم خير من فتن تدوم(2).

وعن الصادق عليه السلام في قصّة إبراهيم عليه السلام: لمّا خرج سائراً بجميع ما معه خرج الملك القبطي يمشي خلف إبراهيم عليه السلام اعظاماً له، فأوحى اللَّه تعالى: ألّا تمش قدّام الجبار المتسلّط وامش خلفه، وعظّمه وهيّبه، ولابدّ للناس من إمرة في الأرض، برّة أو فاجرة(3).

وعن ابن مقفّع: السلطان وما للناس من كثرة المنافع وكثرة المضار، كالشمس في النهار، و فساد الرعيّة بلا سلطان، كفاسد الجسم بلا روح(4).

ص: 127


1- وقعة صفّين: 14؛ بحار الأنوار: 32/358، ش 338.
2- كنز الفوائد: 1/136؛ بحار الأنوار: 72/359، ش 74.
3- الكافي: 8/372، ح 560؛ بحار الأنوار: 12/47، ح 38.
4- بهج الصباغة: 10/406.

وقال الأفوه بن مالك الأودي(1):

لا يصلح الناس فوضى لاسراة لهم***ولا سراة إذا جهّالهم سادوا

تهد الأمور بأهل الرأي ما صلحت***فان تولّت فبالأشرار تنقاد

والبيت لا يبتني إلّا له عمد***ولا عماد إذا لم ترش أوتاد

فإن تجمع أوتاد وأعمدة***فقد بلغوا الأمر الذي كادوا(2)

هذا وفي المروج عن يحيى بن أكثم: دخل بعض الصوفيّة على المأمون فقال له: هذا المجلس الذي قد جلسته أباجتماع من المسلمين عليك أم بالمغالبة لهم بسلطانك؟ قال: لا بأحدهما، وإنّما كان يتولّى أمر المسلمين سلطان قبلي أحمده المسلمون، إمّا على رضا وإمّا على كره، فعقد لي ولآخر معي ولاية هذا الأمر بعده في أعناق من حضر، فأعطوا ذلك إمّا طائعين أو كارهين، فمضى الذي عقد له معي، فلمّا صار إليّ علمت أنّى أحتاج إلى اجتماع كلمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على الرضا، ثمّ نظرت فرأيت أنّي متى تخلّيت عن المسلمين، اضطرب حبل الاسلام وانتقضت أطرافه، وغلب الهرج والفتنة ووقع التنازع، فتعطّلت أحكام اللَّه سبحانه، ولم يحجّ أحد بيته ولم يجاهد في سبيله ولم يكن له سلطان يجمعهم ويسوسهم، وانقطعت السبل ولم يؤخذ لمظلوم من ظالم، فقمت بهذا الأمر حياطة للمسلمين ومجاهداً لعدوّهم، وضابطاً لسبلهم، وآخذاً على أيديهم إلى أن يجتمع المسلمون على رجل، تتفق كلمتهم عليه - على الرضا - به

ص: 128


1- هو صلاءة بن عمرو بن مالك، والافوه لقب، كان من سادات العرب في الجاهليّة، وكان شاعراً فحلاً وفارساً مغواراً، وذا رأي وحزم عاش مائتين وثلاثين سنة ومات سنة 570م.
2- كنز الفوائد: 2/128؛ بهج الصباغة: 10/406.

فاسلّم الأمر إليه وأكون كرجل من المسلمين، وأنت أيّها الرجل رسولي إلى جماعة المسلمين، فمتى اجتمعوا على رجل ورضوا به خرجت إليه من هذا الأمر. فقال ذاك الرجل: السلام عليكم. وقام فذهب، فبعث المأمون في أثره فانتهى الرسول إلى مسجد فيه خمسة عشر رجلاً مثله، فقالوا له: لقيته؟ قال: نعم، ذكر أنّه ناظر في أُمور المسلمين إلى أن تأمن سبلهم ولا يعطل الأحكام، فإذا رضي المسلمون برجل يسلم الأمر إليه، فقالوا: ما نرى بهذا بأساً.

فقال المأمون: كفينا مؤونتهم بأيسر الخطب(1).

حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ

عن المدائني: قدم قادم على معاوية بن أبي سفيان فقال له معاوية: هل من مغرّبة خبر؟ قال: نعم، نزلت بماء من مياه الأعراب فبينا أنا عليه أورد أعرابي إبله فلمّا شربت ضرب على جنوبها وقال: عليك زيادا. فقلت له: ما أردت بهذا؟ قال: هي سدى، ما قام لي بها راع مذ ولي زياد(2).

وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ

عن الشعبي قال: قال الحجّاج: دلّوني على رجل للشرط(3)، فقيل: أيّ الرجال تريد؟ فقال: أريده دائم العبوس طويل الجلوس سمين الأمانة أعجف الخيانة لا

ص: 129


1- مروج الذهب: 3/432.
2- عيون الأخبار لابن قتيبة: 1/62.
3- الشرط: جمع شرطي بفتح الراء وسكونها.

يحنق في الحق على جرّة(1)يهون عليه سبال الأشراف في الشفاعة، فقيل له: عليك بعبدالرحمن بن عبيد التميمي.

فأرسل إليه يستعمله، فقال له: لست أقبلها إلّا أن تكفيني عيالك وولدك وحاشيتك، قال: يا غلام! ناد الناس: من طلب إليه منهم (من ولدي وحاشيتي) حاجة فقر برئت منه الذمّة.

قال الشعبي: فواللَّه ما رأيت صاحب شرطة قطّ مثله، كان لا يحبس إلّا في دين، وكان إذا أتى برجل قد نقب على قوم وضع منقبته(2)في بطنه حتّى تخرج من ظهره، وإذا أتى بنبّاش حفر له قبراً فدفنه فيه، وإذا أتى برجل قاتل بحديدة أو شهر سلاحاً قطع يده، وإذا أتى برجل قد أحرق على قوم منزلهم أحرقه، وإذا أتى برجل يشكّ فيه وقد قيل إنّه لص ولم يكن منه شي ء ضربه ثلاثمائة سوط.

قال: فكان ربما أقام أربعين ليلة لا يؤتى بأحد فضمّ إليه الحجّاج شرطة البصرة مع شرطة الكوفة(3).

قول المصنّف:

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّه ُ عليه السلام لَمَّا سَمِعَ تَحْكِيمَهُمْ قَالَ حُكْمَ اللَّهِ أَنْتَظِرُ فِيكُمْ

أنّ المسعودي(4)رواه عن الصلت بن بهرام، ورواه الطبري(5)عن أبي كريب

ص: 130


1- أحنق الرجل يحنق: حقد حقداً لا ينحلّ. والجرّة: الرعيّة.
2- نقب على القوم ينقب: صار نقيباً عليهم. والمنقبة: آلة النقب.
3- عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري: 1/69.
4- مروج الذهب: 2/395.
5- تاريخ الطبري: 4/54.

باسناده قال: جعل عليّ عليه السلام يقلّب بيديه يقول هكذا وهو على المنبر، فقال حكم اللَّه عزّ وجلّ ينتظر فيكم - مرّتين - ان لكم عندنا ثلاثاً لا نمنعكم: صلاة في هذا المسجد ولا نمنعكم نصيبكم من هذا الفي ء ما كانت أيديكم مع أيدينا ولا نقاتلكم حتّى تقاتلونا.

ورواه ابن ديزيل في (صفينه)، هكذا قال: لما رجع علي عليه السلام من صفين إلى الكوفة أقام الخوارج حتّى جموا ثمّ خرجوا إلى صحراء بالكوفة تسمى حروراء فنادوا: لا حكم إلّا للَّه ولو كره المشركون، ألا إن عليّا ومعاوية أشركا في حكم اللَّه.

فأرسل علي عليه السلام إليهم ما هذا الذي أحدثتم، وما تريدون؟ قالوا: نريد أن نخرج نحن وأنت ومن كان معنا بصفين ثلاث ليال، ونتوب إلى اللَّه من أمر الحكمين، ثمّ نسير إلى معاوية فنقاتله حتّى يحكم اللَّه بيننا وبينه، فقال علي عليه السلام: هذا حيث بعثنا الحكمين وأخذنا منهم العهد وأعطيناهموه، هلا قلتم هذا قبل قالوا كنا قد طالت الحرب علينا واشتدّ البأس وكثر الجراح وحلا الكراع والسلاح.

فقال لهم: أفحين اشتد البأس عليكم عاهدتم، فلمّا وجدتم الجمام قلتم: ننقض العهد، إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان يفي للمشركين، أفتأمرونني بنقضه، فمكثوا مكانهم لا يزال الواحد منهم يرجع إلى عليّ عليه السلام، ولا يزال الآخر يخرج من عند علي عليه السلام، فدخل واحد منهم على علي عليه السلام بالمسجد والناس حوله فصاح: لا حكم إلّا للَّه ولو كره المشركون، فَتَلَفَّتَ الناسُ فنادى: لا حكم إلّا للَّه ولو كره المتلفِّتون.

فرفع علي عليه السلام رأسه إليه فقال: لا حكم إلّا للَّه ولو كره أبو حسن.

فقال: إنّ أبا الحسن لا يكره أن يكون الحكم للَّه، ثمّ قال: حكم اللَّه أنتظر فيكم(1).

ص: 131


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/310؛ بحار الأنوار: 33/343، ش 587.

وَقَالَ أَمَّا الإِمْرَةُ الْبَرَّةُ...

وَقَالَ أَمَّا الإِمْرَةُ الْبَرَّةُ فَيَعْمَلُ فِيهَا التَّقِيُّ وَأَمَّا الإِمْرَةُ الْفَاجِرَةُ فَيَتَمَتَّعُ فِيهَا الشَّقِيُّ إِلَى أَنْ تَنْقَطِعَ مُدَّتُهُ وَتُدْرِكَهُ مَنِيَّتُهُ

لمّا أراد عمرو اللحوق بمعاوية قال لغلامه وردان: أرحل أحط يا وردان فقال له وردان: إن شئت أنبأتك بما نفسك، اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك، فقلت: علي معه الآخرة في غير دنيا، وفي الآخرة عوض الدنيا، ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة، وليس في الدنيا عوض من الآخرة، فأنت واقف بينهما.

قال عمرو: ما أخطأت فما ترى؟ قال: أرى أن تقيم في بيتك، فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك.

فقال عمرو: آلآن وقد شهدت العرب مسيري إلى معاوية فارتحل(1).

ص: 132


1- وقعة صفّين: 36؛ بحار الأنوار: 32/371، ش 343.

بسم الرحمن الرحیم

الخطبة(41)- ومن خطبة له عليه السلام:

اشارة

إِنَّ الْوَفَاءَ تَوْأَمُ الصِّدْقِ وَلا أَعْلَمُ جُنَّةً أَوْقَى مِنْهُ وَلا يَغْدِرُ مَنْ عَلِمَ كَيْفَ الْمَرْجِعُ وَلَقَدْ أَصْبَحْنَا فِي زَمَانٍ قَدِ اتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ الْغَدْرَ كَيْساً وَنَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إِلَى حُسْنِ الْحِيلَةِ، مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لا حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ

ومن خطبة له عليه السلام: إِنَّ الْوَفَاءَ تَوْأَمُ الصِّدْقِ

قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1).

أي بالعهود، قال ابن عبّاس: والمراد بها العهود التي أخذ اللَّه سبحانه على عباده بالايمان به وطاعته فيما أحلّ لهم أو حرّم عليهم، وفي رواية أُخرى قال: ما هو أحلّ وحرّم وما فرض وما حدّ في القرآن كلّه، أي فلا تتعدوا ولا تنكثوا، وقيل: المراد العقود التي يتعاقدها الناس بينهم(2).

وقال تعالى: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ»(3).

ص: 133


1- سورة المائدة: 1.
2- مجمع البيان: 3/233.
3- سورة النحل: 91.

وقال تعالى: «وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(1).

قال الطبرسي: أي لا تخالفوا عهد اللَّه بسبب شي ء يسير تنالوه من حطام الدنيا فتكونوا قد بعتم عظيم ما عند اللَّه بالشي ء الحقير(2).

وقال تعالى: «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا».

قال في مجمع البيان: إذا وعد بشي ء وفي به ولم يخلف، قال ابن عبّاس: إنّه واعد رجلاً أن ينتظره في مكان ونسي الرجل فانتظره سنة حتّى أتاه الرجل.

وعن الكافي عن الصادق والعيون عن الرضا عليه السلام ما في معناه والإسماعيل ابن حزقيل وقيل إسماعيل بن إبراهيم، والأوّل رواه أصحابنا عن أبي عبداللَّه عليه السلام(3).

ولعلّ أراد بهذه الرواية ما رواه الصدوق باسناه عن الصادق عن آبائه عليهم السلام، قالَ رَسُولَ اللَّه: إِنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ صَدَقَةُ اللِّسَانِ تَحْقُنُ بِهِ الدِّمَاءَ وَتَدْفَعُ بِهِ الْكَرِيهَةَ وَتَجُرُّ الْمَنْفَعَةَ إِلَى أَخِيكَ الْمُسْلِمِ ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وآله: إِنَّ عَابِدَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي كَانَ أَعْبَدَهُمْ كَانَ يَسْعَى فِي حَوَائِجِ النَّاسِ عِنْدَ الْمَلِكِ وَإِنَّهُ لَقِيَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ حِزْقِيلَ فَقَالَ لا تَبْرَحْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ يَا إِسْمَاعِيلُ فَسَهَا عَنْهُ عِنْدَ الْمَلِكِ فَبَقِيَ إِسْمَاعِيلُ إِلَى الْحَوْلِ هُنَاكَ فَأَنْبَتَ اللَّهُ لإِسْمَاعِيلَ عُشْباً فَكَانَ يَأْكُلُ مِنْهُ وَأَجْرَى لَهُ عَيْناً وَأَظَلَّهُ بِغَمَامٍ فَخَرَجَ الْمَلِكُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى التَّنَزُّهِ وَمَعَهُ الْعَابِدُ فَرَأَى إِسْمَاعِيلَ فَقَالَ إِنَّكَ لَهَاهُنَا يَا إِسْمَاعِيلُ

ص: 134


1- سورة النحل: 95.
2- مجمع البيان: 6/592.
3- مجمع البيان: 6/800.

فَقَالَ لَهُ قُلْتَ لا تَبْرَحْ فَلَمْ أَبْرَحْ فَسُمِّيَ صَادِقَ الْوَعْدِ قَالَ وَكَانَ جَبَّارٌ مَعَ الْمَلِكِ فَقَالَ أَيُّهَا الْمَلِكُ كَذَبَ هَذَا الْعَبْدُ قَدْ مَرَرْتُ بِهَذِهِ الْبَرّيَّةِ فَلَمْ أَرَهُ هَاهُنَا فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ إِنْ كُنْتَ كَاذِباً نَزَعَ اللَّهُ صَالِحَ مَا أَعْطَاكَ قَالَ فَتَنَاثَرَتْ أَسْنَانُ الْجَبَّارِ فَقَالَ الْجَبَّارُ إِنِّي كَذَبْتُ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ الصَّالِحِ فَأَطْلُبُ يَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ أَسْنَانِي فَإِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ فَطَلَبَ إِلَيْهِ الْمَلِكُ فَقَالَ إِنِّي أَفْعَلُ قَالَ السَّاعَةَ قَالَ لا وَأَخَّرَهُ إِلَى السَّحَرِ ثُمَّ دَعَا ثُمَّ قَالَ يَا فَضْلُ إِنَّ أَفْضَلَ مَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ بِالْأَسْحَارِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»(1).(2)

وقال تعالى: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا»(3).

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنَانِ فَمُؤْمِنٌ صَدَقَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَوَفَى بِشَرْطِهِ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَذَلِكَ الَّذِي لا تُصِيبُهُ أَهْوَالُ الدُّنْيَا وَلا أَهْوَالُ الآْخِرَةِ وَذَلِكَ مِمَّنْ يَشْفَعُ وَلا يُشْفَعُ لَهُ وَمُؤْمِنٌ كَخَامَةِ الزَّرْعِ تَعْوَجُّ أَحْيَاناً وَتَقُومُ أَحْيَاناً فَذَلِكَ مِمَّنْ تُصِيبُهُ أَهْوَالُ الدُّنْيَا وَأَهْوَالُ الآْخِرَةِ وَذَلِكَ مِمَّنْ يُشْفَعُ لَهُ وَلا يَشْفَعُ(4).

عن محمّد بن سليمان عن أبيه قال: كنت عند أبي عبداللَّه عليه السلام إذ دخل أبو بصير وقد خفره النفس فلمّا أخذ مجلسه قال له أبو عبداللَّه عليه السلام: يا أبا محمّد ما هذا النفس العالي؟ فقال: جعلت فداك يابن رسول اللَّه كبر سنّي ودقّ عظمي واقترب أجلي مع

ص: 135


1- سورة الذاريات: 18.
2- قصص الأنبياء للراوندي: 189، ش 235؛ بحار الأنوار: 13/389، ح 4.
3- سورة الأحزاب: 23.
4- الكافي: 2/248، ح 1؛ بحار الأنوار: 64/189.

أنّني ليس أدري ما أرد عليه من أمر آخرتي، فقال أبو عبداللَّه عليه السلام: يا أبا محمّد لقد ذكركم اللَّه في كتابه فقال: «مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا»(1)إنّكم وفيتم بما أخذ اللَّه عليه ميثاقكم من ولايتنا وإنّكم لم تبدلوا بنا غيرنا(2).

وقال تعالى: «وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا»(3).

وقال تعالى: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ»(4).

وقال تعالى: «وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا»(5)الآية.

ومنها قوله تعالى: «يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ»(6)الآية.

وقال تعالى: «لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ

ص: 136


1- سورة الأحزاب: 23.
2- الكافي: 8/34، ح 6؛ بحار الأنوار: 65/49، ح 93.
3- سورة الإسراء: 34.
4- سورة النحل: 91.
5- سورة الأنعام: 152.
6- سورة البقرة: 40.

وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا»(1).

وقال تعالى: «الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ»(2).

وقال تعالى: «وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ»(3).

وقال تعالى: «بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ»(4).

وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ»(5).

وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا»(6).

وأمثال ذلك من الآيات الواردة.

وأمّا الأخبار والآثار:

اعلم انّ الوفاء والصدق من جنود العقل كما أنّ الغدر والكذب من جنود الجهل على ما ورد في رواية الكافي باسناده عن ابن مهران عن أبي عبداللَّه عليه السلام(7).

عن أبي مالك قال: قلت لعليّ بن الحسين عليه السلام أخبرني بجميع شرائع الدين قال: قول الحقّ والحكم بالعدل والوفاء بالعهد(8).

ص: 137


1- سورة البقرة: 177.
2- سورة الرعد: 20.
3- سورة المؤمنون: 8.
4- سورة آل عمران: 76.
5- سورة الصف: 2-3.
6- سورة الفتح: 10.
7- الكافي: 1/23، ح 14.
8- الخصال: 1/113، ح 90؛ بحار الأنوار: 72/92، ح 1.

عن الحسين بن مصعب الهمداني قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: ثلاثة لا عذر لأحد فيها: أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر والوفاء بالعهد إلى البرّ والفاجر وبرّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين(1).

عن عنبسة بن مصعب قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: ثلاث لم يجعل اللَّه لأحد من الناس فيهنّ رخصة: برّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين ووفاء بالعهد للبرّ والفاجر وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر(2).

عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من عامل الناس فلم يظلمهم وحدّثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممّن كملت مروته وظهرت عدالته ووجبت أخوته وحرمت غيبته(3).

عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أقربكم غداً منّي في الموقف أصدقكم للحديث، وآداكم للأمانة، وأوفاكم بالعهد، وأحسنكم خلقا، وأقربكم من الناس(4).

عن الرضا عليه السلام قال: إنّا أهل بيت نرى ما وعدنا علينا ديناً كما صنع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله(5).

قَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: تَقْبَلُوا لِي سِتَّ خِصَالٍ أَتَقَبَّلُ لَكُمُ الْجَنَّةَ: إِذَا حَدَّثْتُمْ فَلا تَكْذِبُوا وَإِذَا وَعَدْتُمْ فَلا تُخْلِفُوا وَإِذَا اؤْتُمِنْتُمْ فَلا تَخُونُوا وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَاحْفَظُوا ُ

ص: 138


1- الكافي: 5/132، ح 1؛ بحار الأنوار: 71/70، ح 46.
2- الخصال: 1/128، ح 129؛ بحار الأنوار: 71/70، ح 47.
3- الخصال: 1/208، ح 28؛ بحار الأنوار: 67/1، ح 1.
4- الأمالي للطوسي: 229، م 8-53؛ بحار الأنوار: 66/375، ح 22.
5- مشكاة الأنوار: 173؛ بحار الأنوار: 72/97، ح 22.

فرُوجَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَلْسِنَتَكُمْ(1).

عن شعيب العقرقوفي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر فليف إذا وعد(2).

عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: عِدَةُ الْمُؤْمِنِ أَخَاهُ نَذْرٌ لا كَفَّارَةَ لَهُ فَمَنْ أَخْلَفَ فَبِخُلْفِ اللَّهِ بَدَأَ وَلِمَقْتِهِ تَعَرَّضَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ»(3).(4)

عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَعَدَ رَجُلاً إِلَى صَخْرَةٍ فَقَالَ أَنَا لَكَ هَاهُنَا حَتَّى تَأْتِيَ قَالَ فَاشْتَدَّتِ الشَّمْسُ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّكَ تَحَوَّلْتَ إِلَى الظِّلِّ قَالَ قَدْ وَعَدْتُهُ إِلَى هَاهُنَا وَإِنْ لَمْ يَجِئْ كَانَ مِنْهُ الْمَحْشَرُ(5).

عن أميرالمؤمنين عليه السلام: الأمانة والوفاء صدق الأفعال(6).

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَيَابَةَ قَالَ: لَمَّا هَلَكَ أَبِي سَيَابَةُ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ إِخْوَانِهِ إِلَيَّ فَضَرَبَ الْبَابَ عَلَيَّ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِ فَعَزَّانِي وَقَالَ لِي: هَلْ تَرَكَ أَبُوكَ شَيْئاً؟ فَقُلْتُ لَهُ: لا، فَدَفَعَ إِلَيَّ كِيساً فِيهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقَالَ لِي أَحْسِنْ حِفْظَهَا وَكُلْ فَضْلَهَا فَدَخَلْتُ إِلَى أُمِّي وَأَنَا فَرِحٌ فَأَخْبَرْتُهَا فَلَمَّا كَانَ بِالْعَشِيِّ أَتَيْتُ صَدِيقاً كَانَ لأَبِي فَاشْتَرَى لِي بَضَائِعَ

ص: 139


1- مشكاة الأنوار: 173؛ بحار الأنوار: 72/97، ذ ح 22.
2- الكافي: 2/364، ح 2؛ وسائل الشيعة 12/165، ح 15965-2.
3- سورة الصف: 2-3.
4- الكافي: 2/363، ح 1؛ وسائل الشيعة: 12/165، ح 15966-3.
5- علل الشرايع: 1/78، ح 4؛ بحار الأنوار: 72/95، ح 13.
6- تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: 251، ش 5220.

سَابِرِيٍّ وَجَلَسْتُ فِي حَانُوتٍ فَرَزَقَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ فِيهَا خَيْراً كَثِيراً وَحَضَرَ الْحَجُّ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي فَجِئْتُ إِلَى أُمِّي وَقُلْتُ لَهَا إِنَّهَا قَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِي أَنْ أَخْرُجَ إِلَى مَكَّةَ فَقَالَتْ لِي فَرُدَّ دَرَاهِمَ فُلانٍ عَلَيْهِ فَهَاتِهَا وَجِئْتُ بِهَا إِلَيْهِ فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ فَكَأَنِّي وَهَبْتُهَا لَهُ فَقَالَ لَعَلَّكَ اسْتَقْلَلْتَهَا فَأَزِيدَكَ قُلْتُ لا وَلَكِنْ قَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِيَ الْحَجُّ فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ شَيْئُكَ عِنْدَكَ ثُمَّ خَرَجْتُ فَقَضَيْتُ نُسُكِي ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَدَخَلْتُ مَعَ النَّاسِ عَلَى أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام وَكَانَ يَأْذَنُ إِذْناً عَامّاً فَجَلَسْتُ فِي مَوَاخِيرِ النَّاسِ وَكُنْتُ حَدَثاً فَأَخَذَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ وَيُجِيبُهُمْ فَلَمَّا خَفَّ النَّاسُ عَنْهُ أَشَارَ إِلَيَّ فَدَنَوْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ لِي: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَيَابَةَ فَقَالَ لِي مَا فَعَلَ أَبُوكَ؟ فَقُلْتُ: هَلَكَ قَالَ: فَتَوَجَّعَ وَتَرَحَّمَ قَالَ: ثُمَّ الَ لِي: أَفَتَرَكَ شَيْئاً؟ قُلْتُ: لا قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ حَجَجْتَ؟ قَالَ: فَابْتَدَأْتُ فَحَدَّثْتُهُ بِقِصَّةِ الرَّجُلِ قَالَ: فَمَا تَرَكَنِي أَفْرُغُ مِنْهَا حَتَّى قَالَ لِي: فَمَا فَعَلْتَ فِي الْأَلْفِ؟ قَالَ: قُلْتُ: رَدَدْتُهَا عَلَى صَاحِبِهَا قَالَ: فَقَالَ لِي: قَدْ أَحْسَنْتَ وَقَالَ لِي: أَلا أُوصِيكَ؟ قُلْتُ: بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ فَقَالَ: عَلَيْكَ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ تَشْرَكُ النَّاسَ فِي أَمْوَالِهِمْ هَكَذَا وَجَمَعَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ قَالَ: فَحَفِظْتُ ذَلِكَ عَنْهُ فَزَكَّيْتُ ثَلاثَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ(1).

و من حكم أميرالمؤمنين عليه السلام وترغيبه وترهيبه و وعظه:

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْمَكْرَ وَالْخَدِيعَةَ فِي النَّارِ فَكُونُوا مِنَ اللَّهِ عَلَى وَجَلٍ وَمِنْ صَوْلَتِهِ عَلَى حَذَرٍ(2)اِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى لِعِبَادِهِ بَعْدَ إِعْذَارِهِ وَإِنْذَارِهِ اسْتِطْرَاداً وَاسْتِدْرَاجاً مِنْ

ص: 140


1- الكافي: 5/134، ح 9؛ بحار الأنوار: 47/384، ح 107.
2- الصولة: السطوة والقدرة.

حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ(1)وَلِهَذَا يَضِلُّ سَعْيُ الْعَبْدِ حَتَّى يَنْسَى الْوَفَاءَ بِالْعَهْدِ وَيَظُنَّ أَنَّهُ قَدْ أَحْسَنَ صُنْعاً وَلا يَزَالُ كَذَلِكَ فِي ظَنٍّ وَرَجَاءٍ وَغَفْلَةٍ عَمَّا جَاءَهُ مِنَ النَّبَإِ يَعْقِدُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَقْدَ وَيُهْلِكُهُا بِكُلِّ الْجَهْدِ وَهُوَ فِي مُهْلَةٍ مِنَ اللَّهِ عَلَى عَهْدٍ يَهْوِي مَعَ الْغَافِلِينَ وَيَغْدُو مَعَ الْمُذْنِبِينَ وَيُجَادِلُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَسْتَحْسِنُ تَمْوِيهَ الْمُتْرَفِينَ(2)فَهَؤُلاءِ قَوْمٌ شَرَحَتْ قُلُوبُهُمْ بِالشُّبْهَةِ وَتَطَاوَلُوا عَلَى غَيْرِهِمْ بِالْفِرْيَةِ(3)وَحَسِبُوا أَنَّهَا للَّهِ ِ قُرْبَةٌ وَذَلِكَ لأَنَّهُمْ عَمِلُوا بِالْهَوَى وَغَيَّرُوا كَلامَ الْحُكَمَاءِ وَحَرَّفُوهُ بِجَهْلٍ وَعَمًى وَطَلَبُوا بِهِ السُّمْعَةَ وَالرِّيَاءَ(4)بِلا سَبِيلٍ قَاصِدَةٍ وَلا أَعْلامٍ جَارِيَةٍ وَلا مَنَارٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَمَدِهِمْ وَإِلَى مَنْهَلِهِمْ وَارِدُوهُ(5)وَحَتَّى إِذَا كَشَفَ اللَّهُ لَهُمْ عَنْ ثَوْبِ سِيَاسَتِهِمْ(6)وَاسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ جَلابِيبِ غَفْلَتِهِمْ اسْتَقْبَلُوا مُدْبِراً وَاسْتَدْبَرُوا مُقْبِلاً فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا أَدْرَكُوا مِنْ أُمْنِيَّتِهِمْ وَلا بِمَا نَالُوا مِنْ طَلِبَتِهِمْ وَلا مَا قَضَوْا مِنْ وَطَرِهِمْ وَصَارَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَبَالاً فَصَارُوا يَهْرُبُونَ مِمَّا كَانُوا يَطْلُبُونَ(7)وَإِنِّي أُحَذِّرُكُمْ هَذِهِ الْمَزَلَّةَ وَآمُرُكُمْ

ص: 141


1- الاستدراج: الارتقاء من درجة إلى درجة. وأيضاً: الخدعة. واستدراج اللَّه العبد انّه كلّما جدّد خطيئة جدّد له نعمة وأنساه الاستغفار فيأخذه قليلاً قليلاً. قال اللَّه تعالى: «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ»الأعراف: 182.
2- التمويه: التلبيس والممزوج من الحق والباطل. والمترف: المتنعّم والذي يترك ويصنع ما يشاء ولا يمنع.
3- تطاول عليه: اعتدى وترفع عليه. والفرية: بالكسر: القذف والكذبة العظيمة التي يتعجّب منها.
4- السمعة - بالضمّ -: ما يسمع، يقال: «فعله رئاء وسمعة»أي ليراه الناس ويسمعوه.
5- المنار - بالفتح -: ما يجعل في الطريق للاهتداء. والمنهل: المورد وموضع الشرب على الطريق ويسمّى أيضاً المنزل الذي في المفاوز على طريق المسافر لأن فيه ماء.
6- في بعض النسخ «عن جزاء معصيتهم».
7- الأمنيّة: البغية وما يتمنى. والطلبة - بالكسر -: الاسم من المطالبة. وبالفتح - المرة والوطر - بفتحتين: الحاجة.

بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي لا يَنْفَعُ غَيْرَهُ فَلْيَنْتَفِعْ بِنَفْسِهِ إِنْ كَانَ صَادِقاً عَلَى مَا يُجَنُّ ضَمِيرُهُ(1)فَإِنَّمَا الْبَصِيرُ مَنْ سَمِعَ وَتَفَكَّرَ وَنَظَرَ وَأَبْصَرَ وَانْتَفَعَ بِالْعِبَرِ وَسَلَكَ جَدَداً وَاضِحاً(2)يَتَجَنَّبُ فِيهِ الصَّرْعَةَ فِي الْمهَوَى وَيَتَنَكَّبُ طَرِيقَ الْعَمَى وَلا يُعِينُ عَلَى فَسَادِ نَفْسِهِ الْغُوَاةَ بِتَعَسُّفٍ فِي حَقٍّ أَوْ تَحْرِيفٍ فِي نُطْقٍ أَوْ تَغْيِيرٍ فِي صِدْقٍ وَلا قُوَّةَ إِلّا بِاللَّه(3)، الحديث.

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إنّ اللَّه أخذ من شيعتنا الميثاق كما أخذ على بني آدم حيث يقول عزّ وجلّ: «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى»فمن وفا لنا وفا اللَّه له بالجنّة(4).

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يجي ء كلّ غادر يوم القيامة بإمام مائل شدقه حتّى يدخل النار(5).

ذكر أبو عبيدة معمّر بن المثنى في كتابه المترجم بالديباج: أوفياء العرب فعد السمو أل بن عادياء الغساني، والحارث بن ظالم المرى، وعمير بن سلمى الحنفي. ولم يذكر هانئاً وهو أعظم العرب وفاء، وأعزهم جوارا، وأمنعهم جارا، لأنّه عرض نفسه وقومه للحتوف، ونعمهم للزوال، وحرمهم للسبي، ولم يخفر أمانته، ولا ضيع وديعته(6).

ص: 142


1- في بعض النسخ «فلينتفع بتقية إن كان صادقاً على ما يحن ضميره».
2- الجدد - بفتحتين - : الأرض الصلبة المستوية التي يسهل المشي فيها. ويتنكب: عدل وتجنب. والغواة - بالضمّ - : جمع غاوى اسم فاعل من غوى.
3- تحف العقول: 154؛ بحار الأنوار: 74/406، ح 38.
4- بصائر الدرجات: 1/25، ح 20؛ بحار الأنوار: 2/190، ح 24.
5- الكافي: 2/337، ح 2؛ بحار الأنوار: 7/201، ح 82.
6- التنبيه والاشراف للمسعودي: 209.

ويقال: «أوفى من الحرث بن ظالم»كان من وفائه أنّ عيّاض بن ديهث مرّ برعاء الحرث وهم يسقون، فسقى فقصر رشاؤه فاستعار من أرشية الحرث فوصل رشائه فأروى إبله، فأغار عليه بعض حشم النعمان فاطردوا إبله، فصاح عيّاض يا «حار»يا جاراه فقال له الحرث: ومتى كنت جارك؟ قال: وصلت رشائي برشائك فسقيت إبلي وأغير عليها، أفلا تشدّ ما وهي من أديمك - يريد أنّ الحارث قتل خالد بن جعفر بن كلاب في جوار الأسود ابن المنذر - فقال الحرث: هل تعدون الحلبة إلى نفسي فأرسلها مثلاً - أي: إنّك لا تهلك إلّا نفسي إن قتلتها - فتدبّر النعمان كلمته فردّ على عياض أهله وماله، وقال الفرزدق في ذلك، يضرب مثلاً لسليمان بن عبدالملك حين وفي ليزيد بن المهلب:

لعمري لقد أوفى وزاد وفاؤه***على كلّ حال جار آل المهلّب

كما كان أوفى إذ ينادي ابن ديهث***وصرمته كالمغنم المتنهّب

فقام أبو ليلى إليه ابن ظالم***وكان متى ما يسلل السيف يضرب(1)

ويقال «أوفى من الحرث بن عبادة»أسر عدي بن ربيعة في يوم قضة ولم يعرفه، فقال له: دلّني على عديّ. فقال له: إن أنا دللتك عليه تؤمنني؟ قال: نعم، فقال: أنا عديّ، فخلّاه وقال:

لهف نفسي على عديّ وقد***أشعب للموت واحتوته اليدان(2)

و«أوفى من السموأل»استودعه امرؤ القيس لما أراد الخروج إلى قيصر دروعا، فلمّا مات امرؤ القيس غزاه ملك من ملوك الشام، فتحرّز منه السموأل

ص: 143


1- مجمع الأمثال للميداني: 2/339.
2- مجمع الأمثال للميداني: 2/340.

فأخذ الملك ابنا له - وكان خارجاً من الحصن - فصاح به: هذا ابنك في يدي وامرؤ القيس ابن عمّي ومن عشيرتي، فإن دفعت إليّ الدروع وإلّا ذبحت ابنك. قال: أجّلني، فأجّله، فجمع أهل بيته ونساءه فشاورهم فكلّ أشار إليه أن يدفع الدروع ويستنقذ ابنه، فأشرف عليه وقال: ليس إلى دفع الدروع سبيل، فاصنع ما أنت صانع، فذبح الملك ابنه وهو مشرف ينظر إليه، ثمّ انصرف الملك بالخيبة فوافى السموأل بالدروع الموسم فدفعها إلى ورثة امرؤ القيس وقال:

وفيت بأدرع الكندي إنّي***إذا ما خان أقوام وفيت

وقالوا إنّه كنز رغيب***ولا واللَّه أغدر ما مشيت

بنى لي عادياً حصناً حصيناً***وبئراً كلّما شئت استقيت(1)

«أوفى من عوف بن محلم وابنته خماعة»غزا مروان القرظ - سمّي القرظ لأنّه كان يغزو اليمن وهي منابت القرظ - بكر بن وائل فقصوا أثر جيشه فأسره رجل منهم وهو لا يعرفه، فأتى به أُمّه فقالت له: إنّك لتختال بأسيرك كأنّك جئت بمروان القرظ. فقال لها مروان: وما ترتجين من فدائه؟ قالت: مئة بعير. قال: ذلك لك على أن تؤدّيني إلى خماعة بنت عوف بن محلم، وكان السبب في ذلك أن خماعة كانت امرأة ليث بن مالك، ولمّا مات ليث أخذت بنو عبس ماله وأهله، وكان الذي أصاب أهله خماعة عمرو بن قارب وذؤاب بن أسماء، فسألها مروان القرظ: من أنت؟ قالت: خماعة بنت عوف، فانتزعها من عمرو وذؤاب - لأنّه كان رئيس القوم - وقال لها: غطّي وجهك حتّى أردّك إلى أبيك، وقيل: اشتراها منهما بمائة من الإبل، فحملها إلى عكاظ، فلمّا انتهى إلى منازل بني شيبان قالت: هذه منازل قومي

ص: 144


1- مجمع الأمثال للميداني: 2/336.

وهذه قبّة أبي. قال: فانطلقي إلى أبيك، وقال:

رددت على عوف خماعة بعد ما***خلاها ذؤاب غير خلوة خاطب

فمضت به إلى عوف وكان عمرو بن هند وجد على مروان في أمر فآلى أن لا يعفو عنه حتّى يضع يده في يده، فبعث عمرو إلى عوف أن يأتيه به، فقال: قد أجارته ابنتي وليس إليه سبيل، فقال عمرو: قد آليت كذا وكذا. فقال عوف: يضع يده في يدك على أن تكون يدي بينهما فأجابه عمرو إلى ذلك(1).

وَلا أَعْلَمُ جُنَّةً أَوْقَى مِنْهُ

أنّ النعمان بن المنذر كان قد جعل له يومين يوم بؤس من صادفه فيه قتله وأرداه ويوم نعيم من لقيه فيه أحسن إليه وأغناه. وكان رجل من طي قد رماه حادث دهره بسهام فاقته وفقره فأخرجته الفاقة من محل استقراره ليرتاد شيئاً لصبيته وصغاره فبينما هو كذلك إذ صادفه النعمان في بؤسه فلمّا رآه الطائي علم أنّه مقتول وأنّ دمه مطلول فقال: حيّا اللَّه الملك إنّ لي صبيّة صغاراً وأهلاً جياعاً وقد أرقت ماء وجهي في حصول شي ء من البلغة لهم وقد أقدمني سوء الحظ على الملك في هذا اليوم العبوس وقد قربت من مقرّ الصبية والأهل وهم على شفا تلف من الطوى ولن يتفاوت الحال في قتلي بين أوّل النهار وآخره فإن رأى الملك أن يأذن لي في أن أوصل إليهم هذا القوت وأوصي بهم أهل المروءة من الحي لئلّا يهلكوا ضياعاً ثمّ أعود إلى الملك وأسلم نفسي لنفاذ أمره. فلمّا سمع النعمان صورة مقاله وفهم حقيقة حاله ورأى تلهفه على ضياع أطفاله رقّ له ورثى لحاله غير أنّه

ص: 145


1- مجمع الأمثال للميداني: 2/337.

قال له: لا آذن لك حتّى يضمنك رجل معنا فإن لم ترجع قتلناه وكان شريك بن علي بن شرحبيل نديم النعمان معه فالتفت الطائي إلى شريك وقال له: [من م. الرمل]

يا شريك بن عدي***ما من الموت انهزام

من الأطفال ضعاف***عدموا طعم الطعام

بين رجوع وانتظار***وافتقارا وسقام

يا أخا كلّ كريم***أنت من قوم كرام

يا أخا النعمان جد***لي بضمان والتزام

ولك اللَّه بأنّي***راجع قبل الظلام

فقال شريك بن عدي: أصلح اللَّه الملك عليّ ضمانه فمرّ الطائي مسرعاً وصار النعمان يقول لشريك: إن صدر النهار قد ولى ولم يرجع وشريك يقول: ليس للملك عليّ سبيل حتّى يأتي المساء فلمّا قرب المساء قال النعمان لشريك: قد جاء وقتك قم فتأهب للقتل. فقال شريك: هذا شخص قد لاح مقبلاً وأرجو أن يكون الطائي فإن لم يكن فأمر الملك ممتثل، قال: فبينما هم كذلك وإذ بالطائي قد اشتدّ عدوه في سيره مسرعاً حتّى وصل. فقال: خشيت أن ينقضي النهار قبل وصولي. ثمّ وقف قائماً وقال: أيّها الملك مر بأمرك فأطرق النعمان ثمّ رفع رأسه وقال: واللَّه ما رأيت أعجب منكما أمّا أنت يا طائي فما تركت لأحد في الوفاء مقاماً يقوم فيه ولا ذكراً يفتخر به وأمّا أنت يا شريك فما تركت لكريم سماحة يذكر بها في الكرماء، فلا أكون أنا ألأم الثلاثة ألا وأنّي قد رفعت يوم بؤسي ء عن الناس ونقضت عادتي كرامة لوفاء الطائي وكرم شريك، فقال له النعمان: ما حملك على الوفاء وفيه

ص: 146

إتلاف نفسك؟ فقال: ديني فمن لا وفاء فيه لا دين له، فأحسن إليه النعمان ووصله بما أغناه(1).

وفي الطبري: حبس ابن زياد فيمن حبس مرداس بن اديه، فكان السجّان يرى عبادته واجتهاده وكان يأذن له في الليل فينصرف، فإذا طلع الفجر أتاه حتّى يدخل السجن، وكان صديق لمرداس يسامر ابن زياد، فذكر ابن زياد ليلة الخوارج، فعزم على قتلهم إذا أصبح فانطلق صديق مرداس إلى منزل مرداس، فأخبرهم وقال: أرسلوا إليه في السجن فليعهد فإنّه مقتول فسمع ذلك مرداس وبلغ الخبر صاحب السجن، فبات بليلة سوء إشفاقا من أن يعلم الخبر مرداس فلا يرجع، فلمّا كان الوقت الذي كان يرجع فيه إذا به قد طلع فقال له السجّان: هل بلغك ما عزم عليه الأمير؟ قال: نعم، قال: ثمّ غدوت، قال: نعم ولم يكن جزاؤك مع احسانك أن تعاقب بسببي، وأصبح عبيداللَّه فجعل يقتل الخوارج ثمّ دعا بمرداس، فلمّا حضر وثب السجّان - وكان ظئرا لعبيداللَّه - فأخذ بقدمه ثمّ قال: هب لي هذا، وقصّ عليه قصّته، فوهبه له وأطلقه(2).

وَلا مَا يَغْدِرُ مَنْ عَلِمَ كَيْفَ الْمَرْجِعُ

أي: كيف مرجع الغادر في الدنيا من الخزي وفي الآخرة من العقاب، أمّا خزي الدنيا: لما قوي أمر بني العبّاس وظهر، قال مروان بن محمّد لعبدالحميد بن يحيى كاتبه: إنّا نجد في الكتب أنّ هذا الأمر زائل عنّا لا محالة، وسيضطرّ إليك هؤلاء

ص: 147


1- المستطرف في كلّ فن مستظرف للأبشيهي: 1/327.
2- تاريخ الطبري: 4/232، سنة 58.

القوم - يعني ولد العبّاس - فصر إليهم فإنّي لأرجو أن تتمكّن منهم فتنفعني في مخلّفي وفي كثير من أُموري، فقال له: وكيف لي بعلم الناس جميعاً أنّ هذا على رأيك وكلّهم يقول: إنّي غدرت بك وصرت إلى عدوّك وأنشد:

أسرّ وفاء ثمّ أظهر غدرة***فمن لي بعذر يوسع الناس ظاهره

ثمّ قال له عبدالحميد: إنّ الذي أمرتني به أنفع الأمرين لك، وأقبحهما بي(1).

نزل أنيس بن مرّة بن مرداس السلمي في صرم من بني سليم بعتيبة بن الحرث فشدّ على أموالهم فأخذها وربط رجالها حتّى افتدوا فقال عبّاس بن مرداس عم أنيس:

كثر الضجاج وما سمعت بغادر***كعتيبة بن الحرث بن شهاب

ملكت حنظلة الدباءة كلّها***ودنست آخر هذه الأحقاب(2)

انّ رجلاً من العماليق يسمّى بعرقوب أتاه أخ له يسأله فقال له عرقوب: إذا اطلعت هذه النخلة فلك طلعها فلمّا أطلعت أتاه للعدة فقال: دعها حتّى تصير بلحا، فلمّا أبلحت قال: دعها حتّى تصير زهوا، فلمّا زهت قال: دعها حتّى تصير رطبا، فلمّا أرطبت قال: دعها حتّى تصير تمرا، فلمّا أتمرت عمد إليها عرقوب من الليل فجدها ولم يعط أخاه شيئاً فصار مثلاً في الخلف وفيه يقول الأشجعي:

وعدت وكان الخلف منك سجيّة***مواعيد عرقوب أخا بيثرب(3)

وقال الشاعر:

ص: 148


1- التذكرة الحمدونيّة لابن حمدون: 3/10، ش 10.
2- مجمع الأمثال للميداني: 2/11.
3- مجمع الأمثال للميداني: 2/267.

غدرت بأمر كنت أنت جذبتنا***إليه وبئس الشيمة الغدر بالعهد(1)

ونقل أنّه لمّا حلف محمّد الامين للمأمون في بيت اللَّه الحرام وهما وليّا عهد طالبه جعفر بن يحيى أن يقول خذلني اللَّه إن خذلته فقال ذلك ثلاث مرّات فقال الفضل بن الربيع: قال لي الأمين في ذلك الوقت عند خروجه من بيت اللَّه: يا أبا العبّاس أجد في نفسي انّ أمري لا يتمّ فقلت له: ولِمَ ذلك أعزّ اللَّه الأمير؟ قال: لأنّي كنت أحلف وأنا أنوي الغدر وكان كذلك لم يتمّ أمره(2).

وورد في أخبار العرب أن الضيزن بن معاوية بن قضاعة كان ملكاً بين دجلة والفرات وكان له هناك قصر مشيّد يعرف بالجوسق وبلغ ملكه الشام فأغار على مدينة سابور في الأكتاف فأخذها وأخذ أخت سابور وقتل منهم خلقاً كثيراً ثمّ إنّ سابور جمع جيوشاً وسار إلى ضيزن فأقام على الحصن أربع سنين لا يصل منه إلى شي ء ثمّ إنّ النضيرة بنت الضيزن عركت أي حاضت فخرجت من الربض وكانت من أجمل أهل دهرها وكذلك كانوا يفعلون بنسائهم إذا حضن وكان سابور من أجمل أهل زمانه فرآها ورأته فعشقها وعشقته وأرسلت إليه تقول: ما تجعل لي إن دللتك على ما تهدم به هذه المدينة وتقتل أبي، فقال: أحكمك؟ فقالت: عليك بحمامة مطوقة ورقاء فاكتب عليها بحيض جارية ثمّ أطلقها فإنّها تقعد على حائط المدينة فتتداعى المدينة كلّها وكان ذلك طلسماً لا يهدمها إلّا هو ففعل ذلك فقالت له: وأنا أسقي الحرس الخمر فإذا صرعوا فاقتلهم ففعل ذلك فتداعت المدينة وفتحها سابور عنوة وقتل الضيزن واحتمل ابنته النضيرة وأعرس بها فلمّا دخل بها

ص: 149


1- المستطرف في كلّ فنّ مستظرف للأبشيهي: 1/343.
2- المستطرف في كلّ فنّ مستظرف للأبشيهي: 1/343.

لم تزل ليلتها تتضرّر وتتململ في فراشها وهو من حرير محشو بريش النعام فالتمس ما كان يؤذيها فإذا هو ورقة آس التصقت بعكنتها وأثرت فيها وقيل: كان ينظر إلى مخ عظمها من صفاء بشرتها ثمّ إنّ سابور بعد ذلك غدر بها وقتلها.

وقيل: إنّه أمر رجلاً فركب فرساً جموحاً وضفر غدائرها بذنبه ثمّ استركضه فقطعها قطعاً قطعه اللَّه ما أغدره(1).

وورد أن ازدجرد بن سابور لمّا خاف على ولده بهرام وكان قبله لا يعيش له ولد سأل عن منزل صحيح مري ء فدلّ على ظهر الجزيرة فدفع ابنه بهرام إلى النعمان وهو عامله على أرض العرب وأمره أن يبني له جوسقاً فامتثل أمره وبنى له جوسقاً كأحسن ما يكون وكان الذي بنى الجوسق رجلاً يقال له سنمار فلمّا فرغ من بنائه عجبوا من حسنه فقال: لو علمت أنّكم توفوني أجرته لبنيته بناء يدور مع الشمس حيث دارت فقالوا: وإنّك لتبني أحسن من هذا ولم تبنه ثمّ أمر به فطرح من أعلى الجوسق فتقطع فكانت العرب تقول: جزاني جزاء سنمار(2).

وفيه قال الشاعر:

جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر***وحسن فعل كما يجزي سنمّار(3)

وورد أيضاً جعل المنصور العهد إلى عيسى بن موسى ثمّ غدر به وأخّره وقدم المهدي عليه فقال عيسى:

أينسى بنو العبّاس ذبي عنهم***بسيفي ونار الحرب زاد سعيرها

ص: 150


1- المستطرف في كلّ فن مستظرف للأبشيهي: 1/344.
2- المستطرف في كلّ فن مستظرف للأبشيهي: 1/344.
3- تاج العروس من جواهر القاموس: 6/551.

فتحت لهم شرق البلاد وغربها***فذل معاديها وعز نصيرها

أقطع أرحاماً على عزيزة***وأبدي مكيدات لها وأثيرها

فلمّا وضعت الامر في مستقره***ولاحت له شمس تلالأ نورها

دفعت عن الأمر الذي استحقه***وأوسق أوساقاً من الغدر عيرها(1)

و خرج قوم لصيد فطردوا ضبعة حتّى ألجأوها إلى خباء أعرابي فأجارها وجعل يطعمها ويسقيها فبينما هو نائم ذات يوم إذ وثب عليه فبقرت بطنه وهربت فجاء ابن عمّه يطلبه فوجده ملقى فتبعها حتّى قتلها وأنشد يقول:

ومن يصنع المعروف مع غير أهله***يلاقي كما لاقى مجير أم عامر

أعد لها لما استجار ببيته***أحاليب ألبان اللقاح الدوائر

وأسمنها حتّى إذا ما تمكّنت***فرته بأنياب لها وأظافر

فقل لذوي المعروف هذا جزاء من***يجود بمعروف على غير شاكر(2)

وحكى بعضهم قال: دخلت البادية فإذا أنا بعجوز بين يديها شاة مقتولة وإلى جانبها جرو ذئب. فقالت: أتدري ما هذا؟ فقلت: لا، قالت: هذا جرو ذئب أخذناه صغيراً وأدخلناه بيتنا وربّيناه فلمّا كبر فعل بشاتي ما ترى وأنشدت:

بقرب شويهتي وفجعت قومي***وأنت لشاتنا ابن ربيب

غذيت بدرها ونشأت معها***فمن أنبأك أن أباك ذيب

إذا كان الطباع طباع سوء***فلا أدب يفيد ولا أديب(3)

ص: 151


1- المستطرف في كلّ فن مستظرف للأبشيهي: 1/344.
2- المستطرف في كلّ فن مستظرف للأبشيهي: 1/345.
3- المستطرف في كلّ فن مستظرف للأبشيهي: 1/345.

واما العقاب الآخرة:

عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْكُوفَةِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ لا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ كُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ أَلا إِنَّ لِكُلِّ غُدَرَةٍ فُجَرَةً وَلِكُلِّ فُجَرَةٍ كُفَرَةً أَلا وَإِنَّ الْغَدْرَ وَالْفُجُورَ وَالْخِيَانَةَ فِي النَّارِ(1).

وزاد النهج: ولكلّ غادر لواء يعرف به يوم القيامة(2).

ذُكِرَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عِنْدَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ عليه السلام وَمَا الْمُغِيرَةُ إِنَّمَا كَانَ إِسْلامُهُ لِفَجْرَةٍ وَغَدْرَةٍ غَدَرَهَا بِنَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَهَرَبَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَالْعَائِذِ بِالْإِسْلامِ، وَاللَّهِ مَا رَأَى عَلَيْهِ أَحَدٌ مُنْذُ ادَّعَى الْإِسْلامَ خُضُوعاً وَلا خُشُوعا(3).

وقال عليه السلام في مروان لمّا أخذ أسيراً وكلّمه الحسنان عليهما السلام في أن يبايعه: لا حَاجَةَ لِي فِي بَيْعَتِهِ إِنَّهَا كَفٌّ يَهُودِيَّةٌ لَوْ بَايَعَنِي بِيَدِهِ لَغَدَرَ بِسَبَّتِهِ أَمَا إِنَّ لَهُ إِمْرَةً كَلَعْقَةِ الْكَلْبِ أَنْفَهُ وَهُوَ أَبُو الْأَكْبُشِ الْأَرْبَعَةِ وَسَتَلْقَى الْأُمَّةُ مِنْهُ وَمِنْ وُلْدِهِ يَوْماً أَحْمَرَ(4).

قال عليه السلام للأشعث: وان امرأ دلّ على قومه السيف، وساق إليهم الحتف، لحريّ أن يمقته الأقرب، ولا يأمنه الأبعد.

قال الرضي: وكان قومه بعد ذلك يسمّونه «عرف النار»وهو اسم للغادر عندهم(5).

عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَرْيَتَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ

ص: 152


1- الكافي: 2/338، ح 6؛ بحار الأنوار: 41/129، ح 38.
2- نهج البلاغة لفيض الإسلام: 648، خ 191.
3- الغارات (ط - القديمة): 2/354؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4/80.
4- نهج البلاغة لفيض الإسلام: 170، ح 72.
5- نهج البلاغة لفيض الإسلام: 76، ح 19.

لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَلِكٌ عَلَى حِدَةٍ اقْتَتَلُوا ثُمَّ اصْطَلَحُوا ثُمَّ إِنَّ أَحَدَ الْمَلِكَيْنِ غَدَرَ بِصَاحِبِهِ فَجَاءَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَغْزُوَمَعَهُمْ تِلْكَ الْمَدِينَةَ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: لا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْدِرُوا وَلا يَأْمُرُوا بِالْغَدْرِ وَلا يُقَاتِلُوا مَعَ الَّذِينَ غَدَرُوا وَلَكِنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدُوهُمْ وَلا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ مَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ(1).

عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال النبيّ صلى الله عليه وآله ليس منّا من غشّ مسلماً أو ضرّه أوماكره(2).

عن أميرالمؤمنين عليه السلام انّه قال: المؤمن لا يغشّ أخاه ولا يخونه ولا يخذله ولا يتّهمه ولا يقول له أنا منك بري ء(3).

وَلَقَدْ أَصْبَحْنَا فِي زَمَانٍ قَدِ اتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ الْغَدْرَ كَيْساً

عن عمرو بن العلاء: كانت بنو سعد بن تميم أغدر العرب، وكانو يسمّون الغدر في الجاهليّة كيسان(4)فقيل فيهم:

إذا كنت في سعد وخالك منهم***غريبا فلا يغررك خالك من سعد

إذا ما دعوا كيسان كانت كهولهم***إلى الغدر أولى من شبابهم المرد(5)

وقال الأخطل في نابغة بني جعدة:

ص: 153


1- الكافي: 2/337، ح 4؛ بحار الأنوار: 72/289، ح 13.
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2/29، ح 26؛ بحار الأنوار: 72/285، ح 5.
3- الخصال: 2/622؛ بحار الأنوار: 10/100.
4- تاريخ الطبري: 5/275؛ بهج الصباغة: 8/198.
5- لسان العرب: 4/408.

قبيلة يرون الغدر مجدا***ولا يدرون ما نقل الجفان

قالوا: أشار إلى قتل ورد والرقاد الجعديين لشراحيل الجعفي غدرا(1).

وقال أبو إسحاق: سمعت معاوية بالنخيلة يقول: ألا إنّ كلّ شي ء أعطيته الحسن بن عليّ تحت قدميّ هاتين. قال أبو إسحاق: وكان واللَّه غدّاراً(2).

هذا، وفي عيون ابن بابويه عن محمّد بن يحيى الصولي: إنّ العبّاس بن الأحنف خال جدّه قال في جدّته لأبيه المسمّاة بغدر:

يا غدر زيّن باسم الغدر(3)

وَنَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إِلَى...

وَنَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إِلَى حُسْنِ الْحِيلَةِ مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَيَنْتَهِزُ

في زيارته عليه السلام الغديريّة: وَكَمْ مِنْ أَمْرٍ صَدَّكَ عَنْ إِمْضَاءِ عَزْمِكَ فِيهِ التُّقَى وَاتَّبَعَ غَيْرُكَ فِي مِثْلِهِ الْهَوَى فَظَنَّ الْجَاهِلُونَ أَنَّكَ عَجَزْتَ عَمَّا إِلَيْهِ انْتَهَى ضَلَّ وَاللَّهِ الظَّانُّ لِذَلِكَ وَمَا اهْتَدَى وَلَقَدْ أَوْضَحْتَ مَا أَشْكَلَ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ تَوَهَّمَ وَامْتَرَى(4)بِقَوْلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ(5)وَدُونَهَا حَاجِزٌ مِنْ تَقْوَى اللَّهِ فَيَدَعُهَا

ص: 154


1- معجم ما استعجم للبكري الأندلسي: 1/183-184.
2- مقاتل الطالبيين: 45.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2/179، ش 3.
4- المرية: الجدل.
5- عن الجزري: الحول: ذو التصرّف والاحتيال في الأُمور، والقلب الرجل العارف بالأُمور الذي قد ركب الصعب والذلول وقلبها ظهرا وبطنا، وكان محتالاً في أُموره حسن التقلّب.

رَأْيَ الْعَيْنِ وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لا جَرِيحَةَ (حريجة ن ل)(1)لَهُ فِي الدِّينِ صَدَقْتَ، وَخَسِرَ الْمُبْطِلُون(2).

عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَنْ كَانَ مُسْلِماً فَلا يَمْكُرُ وَلا يَخْدَعُ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَبْرَئِيلَ يَقُولُ إِنَّ الْمَكْرَ وَالْخَدِيعَةَ فِي النَّارِ ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّ مُسْلِماً وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ خَانَ مُسْلِماً(3).

ص: 155


1- كذا في النسخ بتقديم الجيم على الحاء، ويمكن أن يكون تصغير الجرح، أي لا يرى أمراً من الأُمور جارحاً في دينه، أو معناه الضيق، والظاهر أنّ الصواب ما في نهج البلاغة: «ينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين»بتقديم الحاء على الجيم، ومعناه أي ليس بذي حرج. والتحرّج التأثّم، والحريجة: التقوى.
2- المزار الكبير لابن المشهدي: 275؛ بحار الأنوار: 97/365، ح 6.
3- الأمالي للصدوق: 270، م 46، ح 5؛ بحار الأنوار: 72/284، ح 2.

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة(42) - ومن خطبة له عليه السلام:

اشارة

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ...

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ فَأَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَةَ أَلا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ حَذَّاءَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلّا صُبَابَةٌ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ اصْطَبَّهَا صَابُّهَا أَلا وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ كُلَّ وَلَدٍ سَيُلْحَقُ بِأَبِيهِ (بأمه خ ل) يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ وَغَداً حِسَابٌ وَلا عَمَلَ

عن عمر بن سعد بن أبي الصيد الأسدي عن الحارث بن حصيرة عن عبد الرحمن بن عبيد بن أبي الكنود وغيره قالوا: لما قدم علي بن أبي طالب من البصرة إلى الكوفة يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة مضت من رجب سنة ست وثلاثين وقد أعز اللَّه نصره وأظهره على عدوه ومعه أشراف الناس وأهل البصرة استقبله أهل الكوفة وفيهم قراؤهم وأشرافهم فدعوا له بالبركة وقالوا يا أمير المؤمنين أين تنزل أ تنزل القصر؟ فقال: لا ولكنّي أنزل الرحبة فنزلها وأقبل حتّى دخل المسجد الأعظم فصلّى فيه ركعتين ثمّ صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه وصلى على رسوله وقال: أمّا بعد يا أهل الكوفة فإن لكم في الإسلام فضلا ما لم تبدلوا وتغيروا دعوتكم إلى الحق فأجبتم وبدأتم بالمنكر فغيرتم ألا إن فضلكم فيما بينكم وبين

ص: 156

اللَّه في الأحكام والقسم فأنتم أسوة من أجابكم ودخل فيما دخلتم فيه ألا إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة والآخرة ترحلت مقبلة ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل الحمد للَّه الذي نصر وليه(1)الخبر.

ومن كلام له عليه السلام:

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى

قال تعالى: «فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى»(2).

مجامع الهوى خمسة أُمور: جمعها قوله سبحانه:

«اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ»(3).

والأعيان التي تحصل منها هذه الخمسة سبعة جمعها قوله سبحانه:

«زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ»(4).

ص: 157


1- وقعة صفّين: 3؛ بحار الأنوار: 32/354، ح 337.
2- سورة النازعات: 37-41.
3- سورة الحديد: 20.
4- سورة آل عمران: 14.

قال تعالى: «وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ»(1)الآية.

وقال تعالى: «وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ»(2).

وقال تعالى: «وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ»(3).

وقال تعالى: «قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ»(4).

وقال تعالى: «قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(5).

وقال تعالى: «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ»(6).

وقال تعالى: «أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ»(7).

ص: 158


1- سورة المؤمنون: 71.
2- سورة البقرة: 120.
3- سورة البقرة: 145.
4- سورة الأنعام: 56.
5- سورة القصص: 49-50.
6- سورة محمّد صلى الله عليه وآله: 14.
7- سورة محمّد صلى الله عليه وآله: 16.

وَطُولُ الْأَمَلِ

قال تعالى: «ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ»(1).

في الحديث القدسي: يَا مُوسَى لا تُطَوِّلْ فِي الدُّنْيَا أَمَلَكَ فَيَقْسُوَ قَلْبُكَ وَقَاسِي الْقَلْبِ مِنِّي بَعِيدٌ(2).

و في النبويّ المعروف قال صلى الله عليه وآله: يَا أَبَا ذَرٍّ إِيَّاكَ وَالتَّسْوِيفَ بِأَمَلِكَ فَإِنَّكَ بِيَوْمِكَ وَلَسْتَ بِمَا بَعْدَهُ فَإِنْ يَكُنْ غَدٌ لَكَ فَكُنْ فِي الْغَدِ كَمَا كُنْتَ فِي الْيَوْمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَدٌ لَكَ لَمْ تَنْدَمْ عَلَى مَا فَرَّطْتَ فِي الْيَوْمِ يَا أَبَا ذَرٍّ كَمْ مِنْ مُسْتَقْبِلٍ يَوْماً لا يَسْتَكْمِلُهُ وَمُنْتَظِرٍ غَداً لا يَبْلُغُهُ يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ نَظَرْتَ إِلَى الْأَجَلِ وَمَصِيرِهِ لأَبْغَضْتَ الْأَمَلَ وَغُرُورَهُ يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ وَإِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالصَّبَاحِ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ قَبْلَ سُقْمِكَ وَمن حَيَاتِكَ قَبْلَ مَوْتِكَ فَإِنَّكَ لا تَدْرِي مَا اسْمُكَ غَدا(3).

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لعبداللَّه بن عمر: إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح وخذ من حياتك لموتك ومن صحتك لسقمك فإنك يا عبد اللَّه ما تدري ما اسمك غدا(4).

روى أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ اشْتَرَى وَلِيدَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلَى شَهْرٍ فَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَقَالَ: أَلا تَعْجَبُونَ مِنْ أُسَامَةَ الْمُشْتَرِي إِلَى شَهْرٍ إِنَّ أُسَامَةَ لَطَوِيلُ الْأَمَلِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا طَرَفَتْ عَيْنَايَ إِلّا ظَنَنْتُ أَنَّ شُفْرَيَّ لا يَلْتَقِيَانِ حَتَّى يَقْبِضَ اللَّهُ رُوحِي

ص: 159


1- سورة الحجر: 3.
2- الكافي: 8/42، ح 8؛ بحار الأنوار: 74/31، ح 7.
3- الأمالي للطوسي: 526، م 19، ح 1162-1؛ بحار الأنوار: 74/75، ح 3.
4- مجموعة ورّام: 1/271.

وَلا رَفَعْتُ طَرْفِي وَظَنَنْتُ أَنِّي خَافِضُهُ حَتَّى أُقْبَضَ وَلا تَلَقَّمْتُ لُقْمَةً إِلّا ظَنَنْتُ أَنْ لا أُسِيغَهَا أَنْحَصِرُ بِهَا مِنَ الْمَوْتِ ثُمَّ قَالَ يَا بَنِي آدَمَ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فَعُدُّوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْمَوْتَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ «إِنَّمَا تُوعَدُونَ لآَتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ»(1).(2)

و قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أكلكم يحب أن يدخل الجنة قالوا نعم يا رسول اللَّه قال قصروا من الأمل وثبتوا آجالكم بين أبصاركم واستحيوا من اللَّه حق الحياء(3).

وعن أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله خطّ خطّاً وقال: هذا الإنسان، وخط إلى جنبه وقال: هذا أجله، وخطّ آخر بعيداً منه فقال: هذا الأمل، فبينما هو كذلك إذ جاءه الأقرب(4).

وفي رواية: انّه اجتمع عبدان من عباد اللَّه فقال أحدهما للآخر: ما بلغ من قصر أملك؟ فقال: أملي إذا أصبحت أن لا أمسى، وإذا أمسيت أن لا أصبح، فقال: انّك لطويل الأمل، أمّا أنا فلا أؤمّل أن يدخل لي نفس إذا خرج، ولا يخرج لي نفس إذا دخل(5).

و في الصحيفة السجّاديّة على منشئها آلاف السلام والتحيّة: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْفِنَا طُولَ الْأَمَلِ ، وَ قَصِّرْهُ عَنَّا بِصِدْقِ الْعَمَلِ حَتَّى لا نُؤَمِّلَ اسْتِتْمَامَ سَاعَةٍ بَعْدَ سَاعَةٍ، وَلا اسْتِيفَاءَ يَوْمٍ بَعْدَ يَوْمٍ، وَلا اتِّصَالَ نَفَسٍ بِنَفَسٍ، وَلا لُحُوقَ قَدَمٍ بِقَدَمٍ، وَسَلِّمْنَا مِنْ غُرُورِهِ، وَآمِنَّا مِنْ شُرُورِه(6).

ص: 160


1- سورة الأنعام: 134.
2- روضة الواعظين (ط - القديمة): 2/437؛ بحار الأنوار: 70/166، ح 27.
3- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام: 1/272.
4- رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين عليه السلام: 5/345.
5- رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين عليه السلام: 5/346.
6- الصحيفة السجّاديّة: 172، د40.

فامّا اتباع الهوى فيصلّ عن الحق اما الآيات فمنها:

قال تعالى لداود: «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ»(1)الآية.

وقال لنبيّه صلى الله عليه وآله: «ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ»(2).

وقال تعالى: «وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا»(3).

وقال تعالى: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا»(4).

وقال تعالى: «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا»(5).

وقال تعالى: «فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى»(6).

ص: 161


1- سورة ص: 26.
2- سورة الجاثية: 18-19.
3- سورة النساء: 37.
4- سورة الكهف: 28.
5- سورة مريم: 59.
6- سورة طه: 16.

وأمّا الأخبار فمنها:

قال النبيّ صلى الله عليه وآله: أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك(1).

عن أبي محمّد الوابشي قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: احذروا أهوائكم كما تحذرون أعدائكم، فليس شي ء أعدى للرجال، من اتباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم(2).

رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله رَجُلٌ اسْمُهُ مُجَاشِعٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وآله: مَعْرِفَةُ النَّفْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى مُوَافَقَةِ الْحَقِّ؟ قَالَ: مُخَالَفَةُ النَّفْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى رِضَاءِ الْحَقِّ؟ قَالَ صلى الله عليه وآله: سَخَطُ النَّفْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى وَصْلِ الْحَقِّ؟ فَقَالَ صلى الله عليه وآله: هِجْرَ النَّفْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى طَاعَةِ الْحَقِّ؟ قَالَ: عِصْيَانُ النَّفْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى ذِكْرِ الْحَقِّ؟ قَالَ صلى الله عليه وآله: نِسْيَانُ النَّفْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى قُرْبِ الْحَقِّ؟ قَالَ صلى الله عليه وآله: التَّبَاعُدُ مِنَ النَّفْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى أُنْسِ الْحَقِّ؟ قَالَ صلى الله عليه وآله: الْحشَةُ مِنَ النَّفْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إِلَى ذَلِكَ؟ قَالَ صلى الله عليه وآله: الاسْتِعَانَةُ بِالْحَقِّ عَلَى النَّفْسِ(3).

كان أبو عبداللَّه عليه السلام يقول: لا تدع النفس وهواها فان هواها في رداها وترك النفس وما تهوى أذاها وكف النفس عمّا تهوى دواها(4).

ص: 162


1- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام: 59؛ بحار الأنوار: 67/64، ح 1.
2- الكافي: 2/335، ح 1؛ بحار الأنوار: 67/82، ح 17.
3- عوالي اللئالي: 1/246، ح 1؛ بحار الأنوار: 67/72، ح 23.
4- الكافي: 2/336، ح 4؛ بحار الأنوار: 67/89، ح 20.

و قال صلى الله عليه وآله: من غلب علمه هواه فهو علم نافع ومن جعل شهوته تحت قدميه فرّ الشيطان من ظله(1).

عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود لم يره(2).

قال ابن أبي الحديد: إذا تأملت هلاك من هلك من المتكلمين كالمجبرة والمرجئة مع ذكائهم وفطنتهم واشتغالهم بالعلوم عرفت أنه لا سبب لهلاكهم إلّا هوى الأنفس وحبهم الانتصار للمذهب الذي قد ألفوه وقد رأسوا بطريقه وصارت لهم الأتباع والتلامذة وأقبلت الدنيا عليهم وعدهم السلاطين علماء ورؤساء فيكرهون نقض ذلك كله وإبطاله ويحبون الانتصار لتلك المذاهب والآراء التي نشئوا عليها وعرفوا بها ووصلوا إلى ما وصلوا إليه بطريقها ويخافون عار الانتقال عن المذهب وأن يشتفي بهم الخصوم ويقرعهم الأعداء ومن أنصف علم أن الذي ذكرناه حق(3).

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: ثلاث مهلكات شحّ مطاع وهوى متّبع واعجاب المرء بنفسه(4).

وفي ذيل الخطبة على رواية سليم وإنّما ابتداء وقوع الفتن أهواء تتّبع وأحكام تبتدع يخالف فيها حكم اللَّه يتولّى فيها رجال رجلا(5).

ص: 163


1- جامع الأخبار للشعيري: 100؛ بحار الأنوار: 67/71، ح 21.
2- الخصال: 1/2، ح 2؛ بحار الأنوار: 67/74، ح 1.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/319.
4- عدّة الداعي: 235؛ بحار الأنوار: 69/321، ح 37.
5- كتاب سليم بن قيس الهلالي: 2/719.

وفي الديوان المنسوب إلى اميرالمؤمنين عليه السلام:

تؤمل في الدنيا طويلاً ولا تدري***إذا جنّ ليل هل تعيش إلى فجر

فكم من صحيح مات من غير علّة***وكم من مريض عاش دهراً إلى دهر

وكم من فتى يمسي ويصبح آمنا***وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري(1)

وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَةَ

قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ»(2).

وقال تعالى: «فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا»(3)الآية.

وقال تعالى: «فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ»(4)

أَلا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ حَذَّاءَ

قال ابن أبي الحديد في الحديث المرفوع: أيّها الناس انّ الأعمال تطوي والأعمار تفنى والأبدان تبلى في الثرى وانّ الليل والنهار يتراكضان تراكض الفرقدين يقرّبان كلّ بعيد ويخلقان كلّ جديد وفي ذلك ما ألهى عن الأمل واذكرك بحلول الأجل(5).

ص: 164


1- ديوان أميرالمؤمنين عليه السلام: 196.
2- سورة ص 26.
3- سورة الأعراف: 51.
4- سورة الأعراف: 165.
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/320.

أَلا وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ

وحيث انّ: من مات قد قامت قيامته(1).

والموت في غاية القرب منّا فالآخرة قد أقبلت إلينا ولو أريد بالآخرة الساعة فهي أيضاً في غاية القرب منّا، قال تعالى: «كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا»(2).

وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا

عن النبيّ صلى الله عليه وآله: إذا دعيتم إلى العرسات فأبطئوا فإنّها تذكر الدنيا وإذا دعيتم إلى الجنائز فأسرعوا فانّها تذكر الآخرة(3).

قال تعالى: «يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ»(4).

فَإِنَّ كُلَّ وَلَدٍ سَيُلْحَقُ بِأَبِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لعليّ بن أبي طالب: «إذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسماء أُمّهاتهم إلّا شيعتك فانّهم يدعون بأسماء آبائهم لطيب مولدهم»(5).

ص: 165


1- بحار الأنوار: 58/7.
2- سورة النازعات: 46.
3- قرب الاسناد (ط - الحديثة): 86؛ بحار الأنوار: 69/296، ح 20.
4- سورة غافر: 39.
5- شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار عليهم السلام: 495، ح 1426؛ بشارة المصطفى (ط - القديمة): 2/14.

وَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ وَغَداً حِسَابٌ وَلا عَمَلَ

قد دلّت الآيات والأخبار عليه:

أمّا الآيات:

فمنها قوله تعالى: «وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ»(1).

ومنها قوله تعالى: «لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ»(2)الآية.

ومنها قوله تعالى: «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ»(3).

ومنها قوله تعالى: «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ»(4).

ومنها قوله تعالى: «وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا»(5)الآية.

ومنها قوله تعالى: «ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ»(6)الآية.

ومنها قوله تعالى: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»(7).

ص: 166


1- سورة البقرة: 281.
2- سورة البقرة: 284.
3- سورة الأنبياء: 1.
4- سورة السجدة: 25.
5- سورة الطلاق: 8.
6- سورة الغاشية: 26.
7- سورة التكاثر: 8.

ومنها قوله تعالى: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»(1).

ومنها قوله تعالى: «يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ»(2)الآية.

ومنها قوله تعالى: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ»(3)الآية.

ومنها قوله تعالى: «فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(4).

ومنها قوله تعالى: «وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ»(5).

ومنها قوله تعالى: «لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(6).

ومنها قوله تعالى: «وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(7)

ص: 167


1- سورة الزلزلة: 7-8.
2- سورة التوبة: 105.
3- سورة التوبة: 105.
4- سورة الأنعام: 132.
5- سورة البقرة: 134.
6- سورة البقرة: 134.
7- سورة الأنعام: 108.

ومنها قوله تعالى: «فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(1).

ومنها قوله تعالى: «وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ»(2)الآية.

والآيات كثيرة.

ومن الاخبار الواردة في المقام:

عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: لا يَزُولُ قَدَمُ عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ وَعَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ مَالِهِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ حُبِّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ(3).

عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحَاسِبُ كُلَّ خَلْقٍ إِلّا مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ لا يُحَاسَبُ وَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ(4).

عن النبيّ صلى الله عليه وآله: أَنَّهُ يُفْتَحُ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ عُمُرِهِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ خِزَانَةً عَدَدَ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَخِزَانَةٌ يَجِدُهَا مَمْلُوءَةً نُوراً وَسُرُوراً فَيَنَالُهُ عِنْدَ مُشَاهَدَتِهَا مِنَ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ مَا لَوْ وُزِّعَ عَلَى أَهْلِ النَّارِ لأَدْهَشَهُمْ عَنِ الْإِحْسَاسِ بِأَلَمِ النَّارِ وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي أَطَاعَ فِيهَا رَبَّهُ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ خِزَانَةٌ أُخْرَى فَيَرَاهَا مُظْلِمَةً مُنْتِنَةً مُفْزِعَةً فَيَنَالُهُ عِنْدَ مُشَاهَدَتِهَا مِنَ الْفَزَعِ وَالْجَزَعِ مَا لَوْ قُسِمَ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ لَنُغِّصَ عَلَيْهِمْ نَعِيمُهَا وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي عَصَى فِيهَا رَبَّهُ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ خِزَانَةٌ أُخْرَى فَيَرَاهَا فَارِغَةً لَيْسَ فِيهَا مَا يَسُرُّهُ وَلا مَا يَسُوؤُهُ وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي نَامَ فِيهَا أَوِاشْتَغَلَ فِيهَا بِشَيْ ءٍ مِنْ مُبَاحَاتِ الدُّنْيَا فَيَنَالُهُ مِنَ الْغَبْنِ وَالْأَسَفِ عَلَى فَوَاتِهَا حَيْثُ

ص: 168


1- سورة السجدة: 19.
2- سورة سبأ: 33.
3- تفسير القمي: 2/19؛ بحار الأنوار: 7/259، ح 3.
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2/34؛ ح 16؛ بحار الأنوار: 7/360، ح 7.

كَانَ مُتَمَكِّناً مِنْ أَنْ يَمْلأَهَا حَسَنَاتٍ مَا لا يُوصَفُ وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: «ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ»(1).

في الطبري: جاء عابس بن أبي شبيب الشاكري ومعه شوذب مولى شاكر فقال: يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟ قال: ما أصنع؟ أقاتل معك دون ابن بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حتّى أقتل، قال: ذلك الظنّ بك إمالا فتقدّم بين يدي أبي عبداللَّه حتّى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه وحتّى أحتسبك أنا فإنّه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به منّي بك لسرّني أن يتقدّم بين يديّ حتّى أحتسبه فإنّ هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكلّ ما قدرنا عليه فإنّه لا عمل بعد اليوم وإنّما هو الحساب(2).

عن الضحّاك المشرفي قال: قال العبّاس بن عليّ لأخيه من أبيه وأمّه عبداللَّه بن عليّ تقدّم بين يديّ حتّى أراك (قتيلاً) وأحتسبك. إلخ(3).

ص: 169


1- سورة التغابن: 9.
2- تاريخ الطبري: 4/338، سنة 61.
3- مقاتل الطالبيين: 54؛ بحار الأنوار: 45/38.

بسم الرحمن الرحیم

الخطبة(43) - ومن كلام له عليه السلام وقد أشار عليه أصحابه...

اشارة

43 - ومن كلام له عليه السلام وقد أشار عليه أصحابه بالاستعداد للحرب بعد إرساله جرير بن عبد اللَّه البجلي إلى معاوية:

إِنَّ اسْتِعْدَادِي لِحَرْبِ أَهْلِ الشَّامِ وَجَرِيرٌ عِنْدَهُمْ إِغْلاقٌ لِلشَّامِ وَصَرْفٌ لِأَهْلِهِ عَنْ خَيْرٍ إِنْ أَرَادُوهُ وَلَكِنْ قَدْ وَقَّتُّ لِجَرِيرٍ وَقْتاً لا يُقِيمُ بَعْدَهُ إِلّا مَخْدُوعاً أَوْ عَاصِياً وَالرَّأْيُ عِنْدِي مَعَ الْأَنَاةِ فَأَرْوِدُوا وَلا أَكْرَهُ لَكُمُ الإِعْدَادَ وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هَذَا الْأَمْرِ وَعَيْنَهُ وَقَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَبَطْنَهُ فَلَمْ أَرَ لِي فِيهِ إِلّا الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ بِمَا جَاءَ مُحَمَّدٌ ص إِنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَى النَّاسِ وَالٍ أَحْدَثَ أَحْدَاثاً وَأَوْجَدَ النَّاسَ مَقَالاً فَقَالُوا ثُمَّ نَقَمُوا فَغَيَّرُوا

و من كلام له عليه السلام وقد أشار عليه أصحابه بالاستعداد للحرب

إنّما أشار عليه بذلك منهم الأشتر، وعديّ بن حاتم، وشريح بن هانئ، وأمّا باقيهم فأشاروا عليه بترك الاستعداد.

ذكروا أنّ عليّاً استشار الناس، فأشاروا عليه بالمقام بالكوفة عامه ذلك، غير الأشتر النخعي، وعدي بن حاتم، وشريح بن هانئ، فإنّهم قاموا إلى عليّ فتكلّموا بلسان واحد، فقالوا: إنّ الذين أشاروا عليك بالمقام، إنّما خوّفوك بحرب الشام، وليس في حربهم شي ء أخوف من الموت ونحن نريده.

ص: 170

فقال عليه السلام لهم: إن استعدادي لحرب أهل الشام، وجرير عندهم إغلاق للشام، وصرف لأهله عن خير إن أرادوه، ولكنّي قد وقّت لنا وقتاً لا يقيم بعده إلّا أن يكون مخدوعاً أو عاصياً، ولا أكره لكم الإعداد(1).

بعد إرساله جرير بن عبد اللَّه البجلي إلى معاوية

إِنَّ اسْتِعْدَادِي لِحَرْبِ أَهْلِ الشَّامِ وَجَرِيرٌ عِنْدَهُمْ إِغْلاقٌ لِلشَّامِ وَصَرْفٌ لِأَهْلِهِ عَنْ خَيْرٍ إِنْ أَرَادُوهُ

ان استعداده عليه السلام إنّما كان بشخوصه مع أصحابه إلى الشام للحرب، كما عرفت من موجب قوله عليه السلام ذاك الكلام وهو قول الأشتر وعديّ وشريح له عليه السلام: ليس في حرب الشام شي ء أخوف من الموت ونحن نريده»(2).ومعلوم أنّ ذلك كان صرفاً لأهلها عن خير إن أرادوه.

وأمّا إعداد أصحابه فإنّما هو بتهيّئة أسباب الحرب من الخيل والأسلحة، ولم يعلم من التهيئة لذلك أنّه عليه السلام أراد حربهم لكونه أعمّ(3).

أنّ عليّاً قدم من البصرة إلى الكوفة بعد انقضاء أمر الجمل كاتب إلى العمّال فكتب إلى جرير بن عبداللَّه البجلي وكان عاملاً لعثمان على ثغر همدان كتاباً مع زجر بن قيس، فلمّا قرأ جرير الكتاب قام فقال: أيها الناس هذا كتاب أميرالمؤمنين وهو المأمون على الدين والدنيا وقد كان من أمره وأمر عدوه ما

ص: 171


1- الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري، تحقيق الزيني: 1/85.
2- الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري، تحقيق الزيني: 1/85.
3- بهج الصباغة: 9/165.

يحمد اللَّه عليه، وقد بايعه الناس الأولون من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، ولو جعل هذا الأمر شورى بين المسلمين كان أحقّهم بها ألا وإن البقاء في الجماعة والفناء في الفرقة، وإنّ عليّاً حاملكم على الحق ما استقمتم، فإن ملتم أقام ميلكم. فقال الناس: سمعا وطاعة رضينا رضينا، فأجاب جرير إلى عليّ جواب كتابه بالطاعة(1).

ثمّ أقبل جرير سائراً من ثغر همدان حتّى ورد على علي عليه السلام بالكوفة فبايعه ودخل فيما دخل فيه الناس من طاعة علي واللزوم لأمره(2).

فلمّا أراد عليّ أن يبعث إلى معاوية رسولا قال له جرير: ابعثني يا أميرالمؤمنين إليه فأدعوه على أن يسلم لك الأمر ويجامعك على الحق على أن يكون أميرا من أمرائك وأدعو أهل الشام إلى طاعتك فجلهم قومي وأهل بلادي وقد رجوت ألّا يعصوني، فقال له الأشتر: لا تبعثه ولا تصدقه فو اللَّه إنّي لأظنّ هواه هواهم ونيّته نيّتهم، فقال له عليه السلام: دعه حتّى ننظر ما يرجع به إلينا، فبعثه علي عليه السلام وقال له حين أراد أن يبعثه إن حولي من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من أهل الرأي والدين من قد رأيت وقد اخترتك لقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فيك إنك من خير ذي يمن ائت معاوية بكتابي فإن دخل فيما دخل فيه المسلمون وإلّا فانبذ إليه وأعلمه أني لا أرضى به أميرا، وأن العامة لا ترضى به خليفة.

فانطلق جرير حتّى أتى الشام ونزل بمعاوية، فدخل عليه فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال: أمّا بعد يا معاوية فإنه قد اجتمع لابن عمك أهل الحرمين وأهل المصرين

ص: 172


1- وقعة صفّين: 16؛ بحار الأنوار: 32/360، ش 339.
2- وقعة صفّين: 20؛ بحار الأنوار: 32/361، ش 339.

وأهل الحجاز وأهل اليمن وأهل مصر وأهل العروض، وعمان وأهل البحرين واليمامة فلم يبق إلّا أهل هذه الحصون التي أنت فيها لو سال عليها سيل من أوديته غرقها وقد أتيتك أدعوك إلى ما يرشدك ويهديك إلى مبايعة هذا الرجل.

و دفع إليه كتاب علي عليه السلام وفيه:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم أمّا بعد فإنّ بيعتي لزمتك بالمدينة وأنت بالشام لأنّه بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بويعوا عليه فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإذا اجتمعوا على رجل فسمّوه إماما كان ذلك للَّه رضا فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردوه إلى ما خرج منه فإن أبى قاتلوه على اتباعه «غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ»(1)وولاه اللَّه ما تولى ويصله «جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً»(2)وإنّ طلحة والزبير بايعاني ثمّ نقضا بيعتي وكان نقضهما كردهما فجاهدتهما على ذلك «حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ»(3)فادخل فيما دخل فيه المسلمون فإن أحبّ الأمور إلي فيك العافية إلّا أن تتعرّض للبلاء فإن تعرّضت له قاتلتك واستعنت اللَّه عليك وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس وحاكم القوم إلي أحملك وإيّاهم على كتاب اللَّه فأمّا تلك التي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدني أبرأ قريش من دم عثمان واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحلّ لهم الخلافة ولا تعرض فيهم الشورى وقد أرسلت إليك وإلى من قبلك جرير

ص: 173


1- سورة النساء 115.
2- سورة النساء: 115.
3- سورة التوبة: 48.

بن عبداللَّه وهو من أهل الإيمان والهجرة فبايع و«لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ»(1).(2)

و يأتي ذكر هذا الكتاب أيضاً في باب المختار من كتبه عليه السلام إن شاء اللَّه.

فلما قرأ الكتاب قام جرير فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال:

أيها الناس إنّ أمر عثمان قد أعيا من شهده فما ظنّكم بمن غاب عنه، وإن الناس بايعوا عليّا غير واتر ولا موتور، وكان طلحة والزبير ممّن بايعه ثمّ نكثا بيعته على غير حدث ألا وإنّ هذا الدين لا يحتمل الفتن، ألا وإن العرب لا يحتمل السيف، وقد كانت بالبصرة أمس ملحمة أن يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للناس، وقد بايعت العامّة عليّاً ولو ملكنا اللَّه أمورنا لم نختر لها غيره ومن خالف هذا استعتب فادخل يا معاوية فيما دخل فيه الناس.

فإن قلت استعملني عثمان ثمّ لم يعزلني، فإن هذا أمر لو جاز لم يقم للَّه دين وكان لكل امرئ ما في يديه ولكن اللَّه جعل للآخر من الولاة حق الأوّل(3).

وجعل الأمور موطأة وحقوقا ينسخ بعضها بعضا، ثمّ قعد.

فقال معاوية: انظر وننظر واستطلع رأي أهل الشام.

فمضت أيّام وأمر معاوية مناديا ينادى الصلاة جامعة فلمّا اجتمع الناس صعد المنبر وقال بعد كلام طويل:

أيها الناس قد علمتم أنّي خليفة أميرالمؤمنين عمر بن الخطاب وخليفة أميرالمؤمنين عثمان بن عفان عليكم، وأنّي لم أقم رجلا منكم على خزاية قط،

ص: 174


1- سورة الكهف: 39.
2- وقعة صفّين: 27؛ بحار الأنوار: 32/366، ش 341.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/77.

وأني وليّ عثمان وقد قتل مظلوما واللَّه تعالى يقول: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً»(1)وأنا أحبّ أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان.

فقام أهل الشام بأجمعهم فأجابوا إلى الطلب بدم عثمان، وبايعوه على ذلك وأوثقوا له على أن يبذلوا بين يديه أموالهم وأنفسهم حتّى يدركوا بثأره أو يفنى اللَّه أرواحهم.

قال نصر: فلما أمسى معاوية اغتمّ بما هو فيه وجنّه الليل وعنده أهل بيته واستحثه جرير بالبيعة فقال:

يا جرير إنّها ليست بخلسة وإنّه أمر له ما بعده فابلغ (فابلع خ ل) ريقي ودعا ثقاته فأشار عليه أخوه بعمرو بن العاص، وقال له إنه من قد عرفت، وقد اعتزل أمر عثمان في حياته وهو لأمرك أشد اعتزالا إلّا أن يثمن له دينه(2).

وروي أنّه عليه السلام لمّا أراد بعثه قال جرير: واللَّه يا أميرالمؤمنين ما أدّخرك من نصري شيئا وما أطمع لك في معاوية.

فقال عليه السلام: قصدي حجّة أقيمها ثمّ كتب معه فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام إلى آخر ما مرّ برواية نصر بن مزاحم.

فأجابه معاوية: أمّا بعد فلعمري لو بايعك القوم الّذين بايعوك وأنت بري ء من دم عثمان كنت كأبي بكر وعمر وعثمان ولكنّك أغريت بعثمان وخذلت عنه الأنصار فأطاعك الجاهل وقوي بك الضعيف وقد أبى أهل الشام إلّا قتالك حتّى

ص: 175


1- سورة الإسراء: 33.
2- وقعة صفّين: 30-33؛ بحار الأنوار: 32/368-371، ش 341 و342.

تدفع إليهم قتلة عثمان فإن فعلت كانت شورى بين المسلمين ولعمري ما حجّتك عليّ كحجّتك على طلحة والزبير لأنّهما بايعاك ولم أبايعك ولا حجّتك على أهل الشام كحجّتك على أهل البصرة لأنّهم أطاعوك ولم يطعك أهل الشام فأمّا شرفك في الإسلام وقرابتك من النبيّ صلى الله عليه وآله وموضعك من قريش فلست أدفعه.

وكتب في آخر الكتاب قصيدة كعب بن جعيل:

أرى الشام يكره أهل العراق***وأهل العراق لها كارهونا(1)

ويروى أنّ الكتاب الّذي كتبه عليه السلام مع جرير كانت صورته: أنّي قد عزلتك ففوّض الأمر إلى جرير والسلام.

وقال لجرير: صن نفسك عن خداعه فإن سلّم إليك الأمر وتوجّه إليّ فأقم أنت بالشّام وإن تعلّل بشي ء فارجع فلمّا عرض جرير الكتاب على معاوية تعلّل بمشاورة أهل الشام وغير ذلك فرجع جرير وكتب معاوية في أثره في ظهر كتاب عليّ عليه السلام: من ولّاك حتّى تعزلني والسلام(2).

وقد ذكرنا في شرح الخطبة السادسة والعشرين رواية استدعائه عمرو بن العاص وما شرط له من ولاية مصر واستقدامه شرجيل بن السمط ودسس الرجال عليه يغرونه بعليّ عليه السلام ويشهدون عنده أنّه قتل عثمان حتّى ملئوا قلبه وصدره حقداً بما لا حاجة إلى اعادته.

فخرج شرحبيل فأتى حصين بن نمير فقال: ابعث إلى جرير فليأتنا فبعث إليه

ص: 176


1- حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة: 3/88؛ شرح نهج البلاغة لابن ميثم: 2/110؛ بحار الأنوار: 32/393، ش 365.
2- حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة: 1/288؛ شرح نهج البلاغة لابن ميثم: 2/111؛ بحار الأنوار: 32/394، ش 366.

حصين أن زرنا فإن عندنا شرحبيل بن السمط فاجتمعا عنده فتكلم شرحبيل فقال: يا جرير أتيتنا بأمر ملفف(1)لتلقينا في لهوات الأسد وأردت أن تخلط الشام بالعراق وأطريت عليا(2)وهو قاتل عثمان واللَّه سائلك عما قلت يوم القيامة فأقبل عليه جرير فقال: يا شرحبيل أما قولك إني جئت بأمر ملفف فكيف يكون أمرا ملففا وقد اجتمع عليه المهاجرون والأنصار وقوتل على رده طلحة والزبير وأمّا قولك إني ألقيتك في لهوات الأسد ففي لهواتها ألقيت نفسك وأما خلط العراق بالشام فخلطها على حق خير من فرقتها على باطل وأما قولك إن عليّاً قتل عثمان فو اللَّه ما في يديك من ذلك إلّا القذف (الرجم) بالغيب من مكان بعيد ولكنك ملت إلى الدنيا وشي ء كان في نفسك على زمن سعد بن أبي وقاص(3).

فبلغ معاوية قول الرجلين فبعث إلى جرير وزجره وكتب جرير إلى شرحبيل أبياتا يعظه فيها فذعر شرحبيل وفكر وقال: هذا نصيحة لي في ديني لا واللَّه لا اعجل في هذا الأمر لشي ء وكان يحول عن نصر معاوية فلفف معاوية له الرجال يدخلون إليه ويخرجون ويعظمون عنده قتل عثمان، حتّى أعادوا رأيه وشحذوا عزمه، ثمّ حثّه معاوية على السير في مداين الشام والنداء فيها انّ عليّاً قتل عثمان وأنّه يجب على المسلمين أن يطلبوا بدمه، فسار شرحبيل فبدء بأهل حمص فأجابه الناس كلّهم إلّا نساكاً من أهل حمص، فإنهم قاموا إليه فقالوا: بيوتنا قبورنا ومساجدنا وأنت أعلم بما ترى وجعل شرحبيل يستنهض مدائن الشام حتّى

ص: 177


1- اللفف: ما لففوا من هاهنا وهاهنا، كما يلفف الرجل شهادة الزور. لسان العرب: 9/319. وفيه أيضاً: أحاديث ملففة: أي أكاذيب مزخرفة. لسان العرب: 10/331.
2- قال ابن منظور: أطرأ القوم: مدحهم، نادرة، والأعرف بالياء. لسان العرب: 1/114.
3- وقعة صفّين: 47؛ بحار الأنوار: 22/377، ش 366.

استفرغها لا يأتي على قوم إلّا قبلوا ما أتاهم به فآيس جرير عند ذلك من معاوية ومن عوام أهل الشام(1).

وَلَكِنْ قَدْ وَقَّتُّ لِجَرِيرٍ وَقْتاً لا يُقِيمُ بَعْدَهُ إِلّا مَخْدُوعاً

ذكروا أنّ معاوية قال لجرير: إنّي قد رأيت رأياً. قال جرير: هات. قال: اكتب إلى عليّ أن يجعل لي الشام ومصر (جباية)، فإن حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده في عنقه بيعة، وأسلم إليه الأمر، واكتب إليه بالخلافة. قال جرير: اكتب ما شئت. وإنّما أراد معاوية في طلبه الشام ومصر ألّا يكون لعليّ في عنقة بيعة، وأن يخرج نفسه ممّا دخل فيه الناس، فكتب إلى عليّ عليه السلام يسأله ذلك، فلمّا أتى عليّاً عليه السلام كتاب معاوية عرف أنّها خدعة منه. فكتب إلى جرير: أمّا بعد، فإنّ معاوية إنّما أراد بما طلب ألّا يكون لي في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحبّ، وقد كان المغيرة بن شعبة أشار عليّ وأنا بالمدينة أن أستعمله على الشام، فأبيت ذلك عليه، ولم يكن اللَّه ليراني أن أتّخذ المضلّين عضدا، فإن بايعك الرجل، وإلّا فأقبل(2).

أَوْ عَاصِياً

في حديث صالح بن صدقة قال: أبطأ جرير عند معاوية حتّى اتّهمه الناس و قال عليّ عليه السلام: قد وقت لجرير وقتاً لا يقيم بعده إلّا مخدوعاً أو عاصياً، وأبطأ على عليّ حتّى آيس منه(3).

ص: 178


1- وقعة صفّين: 48-52؛ بحار الأنوار: 22/377، ش 366.
2- الإمامة والسياسة لابن قتيبة: 1/86.
3- وقعة صفّين: 55؛ بحار الأنوار: 32/378، ش 348.

وفي حديث محمد وصالح بن صدقة قالا: وكتب علي إلى جرير: أمّا بعد فإذا أتاك كتابي فاحمل معاوية على الفصل ثمّ خيره وخذه بالجواب بين حرب مخزية أو سلم محظية، فإن اختار الحرب فانبذ إليه، وإن اختار السلم فخذ بيعته والسلام.

ويأتي ذكر هذا الكتاب من السيّد في باب المختار من كتبه.

قال: فلمّا انتهى الكتاب إلى جرير أتى معاوية فأقرأه الكتاب فقال له: يا معاوية إنّه لا يطبع على قلب إلّا بذنب، ولا يشرح صدر إلّا بتوبة، ولا أظن قلبك إلّا مطبوعا أراك قد وقفت بين الحق والباطل كأنك تنتظر شيئا في يدي غيرك.

فقال معاوية: ألقاك بالفيصل أول مجلس إن شاء اللَّه(1).

فلما بايع معاوية أهل الشام وذاقهم قال: يا جرير الحق بصاحبك وكتب إليه بالحرب وكتب في أسفل كتابه بقول كعب بن جعيل:

أرى الشام تكره ملك العراق***وأهل العراق لها كارهونا

وقد مرّ تمام ذلك الشعر في شرح الكلام الثلاثين(2)

قال عوانة: لما قدم جرير على علي عليه السلام واخبره خبر معاوية واجتماع اهل الشام معه على قتاله وانهم يبكون على عثمان ويقولون: انّ عليّاً قتله وآوى قتلته، وانهم لا ينتهون عنه حتى يقتلهم أو يقتلوه، فقال الاشتر لعلي عليه السلام: قد كنت نهيتك ان تبعث جريراً، واخبرتك بعداوته وغشّه، ولو كنت بعثتني كان خيراً من هذا الذي أقام عنده حتى لم يدع بابا يرجوفتحه الّا فتحه، ولا بابا يخاف منه إلّا أغلقه.

فقال له جرير: لو كنت ثمّ لقتلوك، لقد ذكروا أنّك من قتلة عثمان، فقال الأشتر:

ص: 179


1- وقعة صفّين: 55؛ بحار الأنوار: 32/378، ش 349.
2- وقعة صفّين: 56؛ بحار الأنوار: 32/378، ش 350.

واللَّه يا جرير، لو أتيتهم لم يعيني جوابهم، ولحملت معاوية على خطّة أعجله فيها عن الفكر، ولو أطاعني فيك أميرالمؤمنين لحبسك وأشباهك في محبس لا تخرجون منه حتّى تستقيم هذه الأُمور. فخرج جرير إلى قرقيسيا وكتب إلى معاوية، فكتب إليه معاوية يأمره بالقدوم عليه(1).

وقال نصر بن مزاحم: لمّا رجع جرير إلى عليّ كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية فاجتمع جرير والأشتر عند عليّ عليه السلام فقال الأشتر: أما واللَّه يا أميرالمؤمنين لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيراً لك من هذا الذي أرخى من خناقه وأقام عنده حتّى لم يدع باباً يرجو روحه(2)(فتحه ن ل) إلّا فتحه أو يخاف غمّه إلّا سدّه فقال جرير واللَّه لو أتيتهم لقتلوك وخوفه بعمرو وذي الكلاع وحوشب ذي ظليم(3)وقد زعموا أنّك من قتلة عثمان.

فقال الأشتر: لو أتيته واللَّه يا جرير لم يعيني جوابها ولم يثقل علي محملها ولحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر قال فأتهم إذاً، قال الآن وقد أفسدتهم ووقع بينهم الشر.

وقال نصر: وروى الشعبي قال: اجتمع جرير والأشتر عند علي عليه السلام فقال الأشتر: أليس قد نهيتك يا أميرالمؤمنين أن تبعث جريرا وأخبرتك بعداوته وغشّه وأقبل الأشتر بشتمه ويقول يا أخا بجيلة إن عثمان اشترى منك دينك بهمدان واللَّه ما أنت بأهل أن تمشي فوق الأرض حيا إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم ثمّ رجعت إلينا من عندهم تهدّدنا بهم وأنت واللَّه منهم ولا أرى سعيك إلّا لهم

ص: 180


1- تاريخ الطبري: 3/561.
2- روحه، أي ما فيه من روح. والروح، بالفتح: الراحة.
3- ظليم، بهيئة التصغير، كما في القاموس، وهو حوشب بن طخمة.

ولئن أطاعني فيك أميرالمؤمنين ليحبسنك وأشباهك في محبس لا تخرجون منه حتّى تستبين هذه الأمور ويهلك اللَّه الظالمين(1).

قال جرير: وددت واللَّه إنك كنت مكاني بعثت إذا واللَّه لا ترجع، قال: فلمّا سمع جرير ذلك من قوله فارق عليّاً عليه السلام فلحق بقرقيسيا، ولحق به أناس من قسر من قومه فلم يشهد صفّين من قسر غير تسعة عشر رجلاً، ولكن شهدها من أحمس سبعمائة رجل(2)وخرج علي عليه السلام إلى دار جرير فهدمه وهدم دور قوم ممّن خرج معه حيث فارق عليّاً(3).

وروى الحارث بن حصين أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله دفع إلى جرير بن عبد اللَّه نعلين من نعاله وقال: احتفظ بهما فإن ذهابهما ذهاب دينك.

فلمّا كان يوم الجمل ذهبت إحداهما فلمّا أرسله علي عليه السلام إلى معاوية ذهبت الأخرى ثمّ فارق عليا واعتزل الحرب(4).

قال إسماعيل بن جرير: هدم عليّ دارنا مرّتين(5).

ترجمة جرير بن عبداللَّه البجلي

جرير بن عبداللَّه بن جابر بن مالك بن نضرة بن ثعلبة بن جشم بن عوف بن خزيمة بن حرب بن عليّ البجلي يكنّى أبا عمرو قيل أبا عبداللَّه الصحابي الشهير.

ص: 181


1- وقعة صفّين: 60؛ بحار الأنوار: 32/381، ش 352.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/116.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/118.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4/75.
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4/74.

جزم ابن عبدالبرّ بأنّه أسلم قبل وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله بأربعين يوماً وهو غلط وان النبيّ صلى الله عليه وآله قال له استنصت الناس في حجّة الوداع وجزم الواقدي أنّه وفد على النبيّ في شهر رمضان سنة عشر(1).

وذكر الشيخ الطوسي في رجاله أنّه من أصحاب الرسول فقال: جرير بن عبداللَّه أبو عمرو ويقال أبو عباللَّه البجلي سكن الكوفة وقدم الشام برسالة أميرالمؤمنين عليه السلام إلى معاوية وأسلم في السنة التي قبض فيها النبيّ صلى الله عليه وآله وقيل أن طوله كان ستّة أذرع(2).

وفي حواشي الخلاصة للشهيد الثاني - أقول - إنّ إرسال أميرالمؤمنين وإن دلّ على مدحه أوّلاً، لكن مفارقته له ولحوقه بمعاوية ثانياً كما هو معلوم مشهور يدفع هذا المدح ويخرجه من هذا القسم وسيرته، وتخريب عليّ داره بالكوفة بعد لحوقه بمعاوية (لعنة اللَّه عليه) مشهورة(3).

وفي منتهى المقال قلت: وكذلك ما روي من أنّ مسجده بالكوفة من المساجد المحدثة فرحاً بقتل الحسين عليه السلام(4).

ومن المحتمل بنى مسجده بالكوفة محبوه لموته قبل شهادة مولانا الحسين أرواحنا فداه وكذلك انحرافه عن أهل البيت عليهم السلام، وروايته عن النبيّ صلى الله عليه وآله رؤية اللَّه سبحانه(5).

وخلط في عقله في آخر عمره(6).

ص: 182


1- الإصابة: 1/581-582، ش 1138.
2- رجال الطوسي: 1/33، ش 148-16.
3- رسائل الشهيد الثاني (ط - ج) - الشهيد الثاني: 2/929، ش 86.
4- الكافي: 3/490، ح 2 و3؛ تهذيب الأحكام: 3/250، ح 687.
5- صحيح البخاري: 1/143 و8/179؛ صحيح مسلم النيسابوري: 2/113.
6- منتهى المقال: 2/226.

درجة عداوته مع أميرالمؤمنين عليه السلام

عن الأصبغ قال أمرنا أمير المؤمنين عليه السلام بالمسير من الكوفة إلى المدائن فسرنا يوم الأحد وتخلف عنا عمرو بن حريث والأشعث بن قيس وجرير بن عبد اللَّه البجلي مع خمسة نفر فخرجوا إلى مكان بالحيرة يقال له الخورنق والسدير وقالوا إذا كان يوم الجمعة لحقنا عليا قبل أن يجمع الناس فصلينا معه فبيناهم جلوس وهم يتغدون إذ خرج عليهم ضب فاصطادوه فأخذه عمرو بن حريث فبسط كفه فقال بايعوا هذا أمير المؤمنين فبايعه الثمانية ثمّ أفلتوه وارتحلوا وقالوا إن علي بن أبي طالب يزعم أنه يعلم الغيب فقد خلعناه وبايعنا مكانه ضبا فقدموا المدائن يوم الجمعة فدخلوا المسجد وأمير المؤمنين عليه السلام يخطب على المنبر فقال عليه السلام إن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أسر إلي حديثا كثيرا في كل حديث باب يفتح كل باب ألف باب إن اللَّه تعالى يقول في كتابه العزيز «يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ»(1)وأنا أقسم باللَّه ليبعثن يوم القيامة ثمانية نفر من هذه الأمة إمامهم ضب ولو شئت أن أسميهم لفعلت(2)الخبر.

ثمّ إنّه بعد رجوعه إلى العراق لم يطل به المقام حتّى هرب إلى معاوية أو إلى قرقيسيا وهي أيضاً من البلدان الخاضعة لسلطان معاوية وتوفّي سنة إحدى وخمسين وقيل أربع وخمسين(3).

ص: 183


1- سورة الإسراء: 71.
2- الخرائج والجرائح: 2/746، ح 64؛ مناقب آل أبي طالب عليهم السلام: 2/261؛ بحار الأنوار: 41/286.
3- شرح نهج البلاغة لسيّد عبّاس الموسوي: 1/325.

وَالرَّأْيُ عِنْدِي مَعَ الْأَنَاةِ فَأَرْوِدُوا

عن أبي جعفر الثاني عن آبائه عليهم السلام قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: التدبير قبل العمل يؤمنك من الندم(1).

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يا أبا ذر لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق(2).

عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: مع التثبت تكون السلامة (مع التدبير) ومع العجلة تكون الندامة ومن ابتدأ بعمل في غير وقته كان بلوغه في غير حينه(3).

وروى انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أوصى إلى رجل وقال له فانّي اوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته فان يك رشداً فامضه، وإن يك غيّاً فانته عنه(4).

وفيما أوصى به أميرالمؤمنين عليه السلام عند وفاته انهاك عن التسرّع بالقول والفعل(5).

عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إنّما أهلك الناس العجلة ولو أنّ الناس تثبتوا لم يهلك أحد(6).

عن أبي النعمان عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: الأناة من اللَّه والعجلة من الشيطان(7).

ص: 184


1- الأمالي للصدوق: 447، م 68، ح 9؛ بحار الأنوار: 68/338، ح 1.
2- معاني الأخبار: 335؛ بحار الأنوار: 67/304، ح 16.
3- الخصال: 1/100، ح 52؛ بحار الأنوار: 68/338، ح 3.
4- الكافي: 8/150، ح 130؛ بحار الأنوار: 68/339، ح 4.
5- الأمالي للمفيد: 221، م 26، ح 1؛ بحار الأنوار: 42/203، ح 7.
6- المحاسن: 1/215، ح 100؛ بحار الأنوار: 68/340، ح 11.
7- المحاسن: 1/215، ح 101؛ بحار الأنوار: 68/340، ح 12.

وَلا أَكْرَهُ لَكُمُ الإِعْدَادَ

قال تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ»(1)الآية.

وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هَذَا الْأَمْرِ وَ عَيْنَهُ

الأنف قد يجي ء في قبال العين - كما هنا - وقد يجي ء في مقابل الذنب، كقول الشاعر:

قوم هم الأنف، والأذناب غيرهم***ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا(2)

وقال عليه السلام نظير هذا الكلام لأبي مسلم الخولاني لمّا جاء بكتاب معاوية إليه، ففي (أخبار الطوال) قال أبو مسلم له عليه السلام: ادفع إلينا قتلة عثمان، وأنت أميرنا، فإن خالفنا (خالفك) أحد من الناس كانت أيدينا لك ناصرة فقال عليه السلام له: «إنّي ضربت أنف هذا الأمر وعينه، فلم يستقم دفعهم إليك ولا إلى غيرك»(3).

وَقَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَبَطْنَهُ فَلَمْ أَرَ لِي فِيهِ إِلّا الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ

خرج رجل من أهل الشام ينادي بين الصفين: يا أبا الحسن يا علي ابرز إلي قال: فخرج إليه علي حتّى إذا اختلف أعناق دابتيهما بين الصفين فقال: يا علي إن لك قدما في الإسلام وهجرة فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء وتأخير هذه الحروب حتّى ترى من رأيك؟ فقال له علي: وما ذاك؟ قال:

ص: 185


1- سورة الأنفال: 60.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 18/286 (القائل: الحطيئة).
3- الأخبار الطوال لابن قتيبة: 162-163.

ترجع إلى عراقك فنخلي بينك وبين العراق ونرجع إلى شامنا فتخلي بيننا وبين شامنا فقال له علي: لقد عرفت إنّما عرضت هذا نصيحة وشفقة ولقد أهمني هذا الأمر وأسهرني وضربت أنفه وعينيه فلم أجد إلّا القتال أو الكفر بما أنزل اللَّه على محمد صلى الله عليه وآله إن اللَّه تبارك وتعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم(1).

وكيف يترك عليه السلام قتالهم وكان اللَّه تعالى عيّنه على لسان نبيّه صلى الله عليه وآله لقتال الناكثين والقاسطين والمارقين(2)، والقاسطون: معاوية وأهل الشام.

وأمره اللَّه تعالى بجهاد المنافقين عوضا عن نبيّه صلى الله عليه وآله حيث كان نفس نبيّه صلى الله عليه وآله بقوله تعالى: «...وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ...»(3)، وقد قال جلّ وعلا لنبيّه صلى الله عليه وآله: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ...»(4)ولم يجاهد النبيّ صلى الله عليه وآله غير الكفّار، فلابدّ أنّه صلّى اللَّه عليه وآله فوّض إليه جهاد المنافقين. ومعاوية وأصحابه كانوا رؤوس المنافقين(5).

عن مجاهد عن ابن عبّاس قال: لمّا نزلت «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ...»قال النبيّ صلى الله عليه وآله: لأجاهدنّ العمالقة - يعني الكفّار والمنافقين - فأتاه جبرئيل عليه السلام و ال: أنت أو علي(6).

ص: 186


1- وقعة صفين: 474؛ بحار الأنوار: 32/526، ش 442.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/207.
3- سورة آل عمران: 61.
4- سورة التوبة: 73.
5- بهج الصباغة: 9/169.
6- الأمالي للطوسي: 502، م 18، ح 1100-7؛ بحار الأنوا: 32/292، ح 247.

عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ: بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله بِخَمْسَةِ أَسْيَافٍ ثَلاثَةٌ مِنْهَا شَاهِرَةٌ وَسَيْفٌ مِنْهَا مَكْفُوفٌ وَسَيْفٌ مِنْهَا مَغْمُودٌ سَلُّهُ إِلَى غَيْرِنَا وَحُكْمُهُ إِلَيْنَا ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا السَّيْفُ الْمَكْفُوفُ فَسَيْفٌ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ وَالتَّأْوِيلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ»(1)فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ بَعْدِي عَلَى التَّأْوِيلِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى التَّنْزِيلِ فَسُئِلَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله مَنْ هُوَ؟ فَقَالَ خَاصِفُ النَّعْلِ يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ قَاتَلْتُ بِهَذِهِ الرَّايَةِ مَعَ النَّبِيِ صلى الله عليه وآله ثَلاثاً وَهَذِهِ الرَّابِعَةُ وَاللَّهِ لَوْ ضرَبُونَا حَتَّى بَلَغُوا بِنَا السَّعَفَاتِ مِنْ هَجَرَ لَعَلِمْنَا أَنَّا عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ(2)الْخَبَرَ.

قال عليّ عليه السلام: أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين(3).

عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَهُوَ نَائِمٌ أَوْ يُوحَى إِلَيْهِ وَإِذَا حَيَّةٌ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ فَكَرِهْتُ أَنْ أَقْتُلَهَا فَأُوقِظَهُ فَاضْطَجَعْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيَّةِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهَا سُوءٌ يَكُونُ لِي دُونَهُ فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَتْلُو هَذِهِ الآْيَةَ: «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ»(4)ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي أَكْمَلَ لِعَلِيٍّ مِنَّتَهُ وَهَنِيئاً لِعَلِيٍّ بِتَفْضِيلِ اللَّهِ إِيَّاهُ ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَآنِي إِلَى جَانِبِهِ فَقَالَ مَا أَضْجَعَكَ هَاهُنَا يَا أَبَا رَافِعٍ

ص: 187


1- الحجرات: 9.
2- الكافي: 5/10، ح 2؛ بحار الأنوار: 32/292، ح 248.
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2/61، ح 241؛ بحار الأنوار: 29/434، ح 20.
4- المائدة: 55.

فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَ الْحَيَّةِ فَقَالَ: قُمْ إِلَيْهَا فَاقْتُلْهَا فَقَتَلْتُهَا ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِيَدِي فَقَالَ: يَا أَبَا رَافِعٍ كَيْفَ أَنْتَ وَقَوْمٌ يُقَاتِلُونَ عَلِيّاً [وَ] هُوَ عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ يَكونُ حقاً فِي اللَّهِ جِهَادُهُمْ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ جِهَادَهُمْ فَبِقَلْبِهِ فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ شَيْ ءٌ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ لِي إِنْ أَدْرَكْتُهُمْ أَنْ يُعِينَنِيَ اللَّهُ وَيُقَوِّيَنِي عَلَى قِتَالِهِمْ فَقَالَ: اللّهُمَّ إِنْ أَدْرَكَهُمْ فَقَوِّهِ وَأَعِنْهُ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى أَمِينِي عَلَى نَفْسِي وَأَهْلِي فَهَذَا أَبُو رَافِعٍ أَمِينِي عَلَى نَفْسِي.

قَالَ عَوْنُ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ: فَلَمَّا بُويِعَ عَلِيٌ عليه السلام وَخَالَفَهُ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ وَسَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ إِلَى الْبَصْرَةِ قَالَ أَبُو رَافِعٍ: هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: سَيُقَاتِلُ عَلِيّاً قَوْمٌ يَكُونُ حَقّاً فِي اللَّهِ جِهَادُهُمْ.

فَبَاعَ أَرْضَهُ بِخَيْبَرَ وَدَارَهُ ثُمَّ خَرَجَ مَعَ عَلِيٍ عليه السلام وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَهُ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَقَالَ: الْحَمْدُ للَّهِ ِ لَقَدْ أَصْبَحْتُ وَلا أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي لَقَدْ بَايَعْتُ الْبَيْعَتَيْنِ بَيْعَةَ الْعَقَبَةِ وَبَيْعَةَ الرِّضْوَانِ وَصَلَّيْتُ الْقِبْلَتَيْنِ وَهَاجَرْتُ الْهِجَرَ الثَّلاثَ قُلْتُ: وَمَا الْهِجَرُ الثَّلاثُ؟ قَالَ: هَاجَرْتُ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ (رحمه اللَّه) إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَهَاجَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِلَى الْمَدِينَةِ وَهَذِهِ الْهِجْرَةُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام إِلَى الْكُوفَةِ فَلَمْ يَزَلْ مَعَ عَلِيٍّ حَتَّى اسْتُشْهِدَ عَلِيٌّ فَرَجَعَ أَبُو رَافِعٍ إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ الْحَسَنِ عليه السلام وَلا دَارَ لَهُ بِهَا وَلا أَرْضَ فَقَسَمَ لَهُ الْحَسَنُ دَارَ عَلِيٍّ بِنِصْفَيْنِ وَأَعْطَاهُ سِنْخَ (سنح) أَرْضٍ أَقْطَعَهُ إِيَّاهَا فَبَاعَهَا عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَسَبْعِينَ أَلْفاً(1).

ص: 188


1- رجال النجاشي: 4؛ بحار الأنوار: 32/305، ش 270.

نسب معاوية وأسلافه وحالاته

نحن نتكلّم أوّلاً في نسب معاوية ثمّ في أسلافه ثمّ في حالاته وما ورد فيه فيقع البحث في أُمور:

الأمر الأوّل في البحث عن نسبه:

قال الشارح المعتزلي في شرحه: هو أبو عبدالرحمن، معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي. وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي وهي أم أخيه عتبة بن أبي سفيان.

فأما يزيد بن أبي سفيان و محمد بن أبي سفيان وعنبسة بن أبي سفيان وحنظلة بن أبي سفيان وعمرو بن أبي سفيان فمن أمهات شتى.

وأبو سفيان هو الذي قاد قريشا في حروبها إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو رئيس بني عبد شمس بعد قتل عتبة بن ربيعة ببدر ذاك صاحب العير وهذا صاحب النفير وبهما يضرب المثل فيقال للخامل لا في العير ولا في النفير(1).

وإنما كان أبو سفيان صاحب العير لأنه هو الذي قدم بالعير التي رام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله و أصحابه أن يعترضوها وكانت قادمة من الشام إلى مكة تحمل العطر والبر فنذر بهم أبو سفيان فضرب وجوه العير إلى البحر فساحل بها حتّى أنقذها منهم وكانت وقعة بدر العظمى لأجلها لأن قريشا أتاهم النذير بحالها وبخروج النبي صلى الله عليه وآله بأصحابه من المدينة في طلبها لينفروا وكان رئيس الجيش النافر لحمايتها عتبة بن ربيعة بن شمس جد معاوية لأمّه(2).

ص: 189


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/334؛ بحار الأنوار: 33/200، ش 489.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/335.

قال ابن أبي الحديد: وكانت هند تذكر في مكّة بفجور وعهر(1).

وقال الزمخشري: كان معاوية يعزى إلى أربعة إلى مسافر بن أبي عمرو وإلى عمارة بن الوليد بن المغيرة وإلى العباس بن عبد المطلب وإلى الصباح مغن كان لعمارة بن الوليد قال وكان أبو سفيان دميما قصيرا وكان الصباح عسيفا(2) لأبي سفيان شابا وسيما فدعته هند إلى نفسها فغشيها.

وقالوا: إن عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضا وقالوا: إنها كرهت أن تدعه في منزلها فخرجت إلى أجياد فوضعته هناك وفي هذا المعنى يقول حسان أيام المهاجاة بين المسلمين والمشركين في حياة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قبل عام الفتح:

لمن الصبي بجانب البطحاء***في الترب ملقى غير ذي مهد

نجلت به(3)بيضاء آنسة***من عبد شمس صلته الخد(4)

الأمر الثاني: في بيان بعض ما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله والأئمّة المعصومين عليهم السلام في لعنه والبرائة منه.

عَنْ عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ الْبَجَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فَلَمَّا نَظَرَ عَلِيٌ عليه السلام إِلَى رَايَاتِ مُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ قَالَ وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا أَسْلَمُوا وَلَكِنِ اسْتَسْلَمُوا وَأَسَرُّوا الْكُفْرَ فَلَمَّا وَجَدُوا عَلَيْهِ أَعْوَاناً رَجَعُوا إِلَى عَدَاوَتِهِم مِنّا(5).

ص: 190


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/336؛ بحار الأنوار: 33/200، ش 489.
2- العسيف: الأجير.
3- نجلت به: ولدته. وصلتة الخد، الصلت: الأملس.
4- ربيع الأبرار: 4/275؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/336؛ بحار الأنوار: 33/201، ش 489.
5- وقعة صفّين: 215؛ بحار الأنوار: 33/186، ح 458.

عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِذَا رَأَيْتُمْ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ وَإِذَا رَأَيْتُمُ الْحَكَمَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ وَلَوْ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَاقْتُلُوه(1).

وروى صاحب كتاب الغارات عن الأعمش عن أنس بن مالك قال سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: سيظهر على الناس رجل من أمتي عظيم السرم واسع البلعوم يأكل ولا يشبع يحمل وزر الثقلين يطلب الإمارة يوما فإذا أدركتموه فابقروا بطنه قال: وكان في يد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قضيب قد وضع طرفه في بطن معاوية(2).

عن عبداللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري فاضربوا عنقه. قال الحسن فما فعلوا ولا أفلحوا(3).

عن الحسن قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه. قال: فحدّثني بعضهم قال: قال أبو سعيد الخدري: فلم نفعل ولم نفلح(4).

عن عبداللَّه بن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يموت معاوية على غير الإسلام(5).

وعن عبداللَّه بن عمر قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه وآله فسمعته يقول: يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت حين يموت وهو على غير سنّتي. فشقّ عليّ ذلك وتركت أبي يلبس ثيابه ويجي ء فطلع معاوية(6).

ص: 191


1- الأصول الستّة عشر (ط - دار الحديث): 145، ش (53)19؛ بحار الأنوار: 33/196، ح 481.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4/108، ح 461.
3- وقعة صفّين: 216؛ بحار الأنوار: 33/186، ح 461.
4- وقعة صفّين: 216؛ بحار الأنوار: 33/186، ح 462.
5- وقعة صفّين: 217؛ بحار الأنوار: 33/187، ح 464.
6- وقعة صفّين: 219؛ بحار الأنوار: 33/189، ح 471.

عن جابر بن عبداللَّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يموت معاوية على غير ملّتي(1).

وروى أحمد بن أبي طاهر في كتاب الملوك أنّ معاوية سمع المؤذّن يقول أشهد أن لا إله إلّا اللَّه فقالها فقال أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه فقال للَّه أبوك يابن عبداللَّه لقد كنت عالي الهمّة ما رضيت لنفسك إلّا أن يقرن اسمك باسم ربّ العالمين(2).

وقال في موضع آخر معاوية عند أصحابنا مطعون في دينه منسوب إلى الإلحاد(3).

مِنْ كِتَابِ الْمُوَفَّقِيَّاتِ لِلزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ رِجَالِهِ قَالَ قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَفَدْتُ مَعَ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَكَانَ أَبِي يَأْتِيهِ فَيَتَحَدَّثُ مَعَهُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ إِلَيَّ فَيَذْكُرُ مُعَاوِيَةَ وَيَذْكُرُ عَقْلَهُ وَيُعْجَبُ بِمَا يَرَى مِنْهُ إِذْ جَاءَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَأَمْسَكَ عَنِ الْعَشَاءِ وَرَأَيْتُهُ مُغْتَمّاً فَانْتَظَرْتُهُ سَاعَةً وَظَنَنْتُ أَنَّهُ لِشَيْ ءٍ حَدَثَ فِينَا وَفِي عَمَلِنَا فَقُلْتُ مَا لِي أَرَاكَ مُغْتَمّاً مُنْذُ اللَّيْلَةِ فَقَالَ يَا بُنَيَّ جِئْتُ مِنْ عِنْدِ أَخْبَثِ النَّاسِ قُلْتُ وَمَا ذَاكَ قَالَ قُلْتُ لَهُ وَخَلَوْتُ بِهِ إِنَّكَ قَدْ بَلَغْتَ سِنّاً فَلَوْ أَظْهَرْتَ عَدْلاً وَبَسَطْتَ خَيْراً فَإِنَّكَ قَدْ كَبِرْتَ وَلَوْ نَظَرْتَ إِلَى إِخْوَتِكَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَوَصَلْتَ أَرْحَامَهُمْ فَوَ اللَّهِ مَا عِنْدَهُمُ الْيَوْمَ شَيْ ءٌ تَخَافُهُ فَقَالَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ مَلِكَ أَخُو تَيْمٍ فَعَدَلَ وَفَعَلَ مَا فَعَلَ فَوَ اللَّهِ مَا عَدَا أَنْ هَلَكَ فَهَلَكَ ذِكْرُهُ إِلّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ مَلِكَ أَخُو بَنِي عَدِيٍّ فَاجْتَهَدَ وَشَمَّرَ عَشْرَ سِنِينَ فَوَ اللَّهِ مَا عَدَا أَنْ هَلَكَ فَهَلَكَ ذِكْرُهُ إِلّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ عُمَرُ ثُمَّ مَلِكَ عُثْمَانُ فَهَلَكَ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي مِثْلِ نَسَبِهِ وَفَعَلَ مَا فَعَلَ وَعُمِلَ بِهِ مَا

ص: 192


1- وقعة صفّين: 217؛ بحار الأنوار: 33/187، ح 465.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 10/101؛ بحار الأنوار: 33/202، ش 490.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 10/101؛ بحار الأنوار: 33/202.

عُمِلَ فَوَ اللَّهِ مَا عَدَا أَنْ هَلَكَ فَهَلَكَ ذِكْرُهُ وَذِكْرُ مَا فُعِلَ بِهِ وَإِنَّ أَخَا بَنِي هَاشِمٍ يُصَاحُ بِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ فَأَيُّ عَمَلٍ يَبْقَى بَعْدَ هَذَا لا أُمَّ لَكَ لا وَاللَّهِ إِلّا دَفْناً دَفْناً(1).

قال المجلسي قدس سره: أي أقتلهم وأدفنهم دفنا أو أدفن وأخفي ذكرهم وفضائلهم وهو أظهر(2).

المحاضرات عن الراغب قال أميرالمؤمنين عليه السلام: لا يموت ابن هند حتّى يعلق الصليب في عنقه وقد رواه الأحنف بن قيس وابن شهاب الزهري والأعثم الكوفي وأبو حيان التوحيدي وأبو الثلاج في جماعة فكان كما قال عليه السلام(3).

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: أَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ وَمُعَاوِيَةُ يَتْبَعُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: اللَّهُمَّ الْعَنِ التَّابِعَ وَالْمَتْبُوعَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْأُقَيْعِسِ قَالَ ابْنُ الْبَرَاءِ لأَبِيهِ مَنِ الْأُقَيْعِسُ قَالَ مُعَاوِيَةُ(4).

قال الصدوق قدس سره: الأقيعس تصغير الأقعس وهو الملتوي العنق(5).

عن ابن عمر: ايم اللَّه ما يمنعني أن أحدثكم ما سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال فيه، رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أرسل إليه يدعوه وكان يكتب بين يديه فجاء الرسول فقال

ص: 193


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 5/129؛ كشف الغمّة (ط - القديمة): 1/418؛ بحار الأنوار: 33/169، ش 443.
2- بحار الأنوار: 33/170.
3- مناقب آل أبي طالب عليهم السلام: 2/259؛ بحار الأنوار: 33/161، ح 424.
4- وقعة صفّين: 217؛ معاني الأخبار: 345، ح 1؛ بحار الأنوار: 33/164، ح 431.
5- معاني الأخبار: 345.

هو يأكل فأعاد عليه الرسول الثالثة (ثانية وثالثة) فقال: هو يأكل فقال صلى الله عليه وآله: لا أشبع اللَّه بطنه فهل ترونه يشبع.

قال: وخرج معاوية من فج قال: فنظر اليه رسول اللَّه وإلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه أحدهما قائد والآخر سائق فلمّا نظر إليهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: اللهمّ العن القائد والسائق والراكب قلنا: أنت سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله؟ قال: نعم وإلّا فصمتا أذناي كما عميتا عيناي(1).

عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَ صلى الله عليه وآله يَقُولُ: مِنْ شَرِّ خَلْقِ اللَّهِ خَمْسَةٌ إِبْلِيسُ وَابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَدَّهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَرَجُلٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يُبَايَعُ عَلَى كُفْرٍ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَمَّا رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ يُبَايَعُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ ذَكَرْتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَلَحِقْتُ بِعَلِيٍ عليه السلام فَكُنْتُ مَعَهُ(2).

قال الفيروزآبادي لد بالضم قرية بفلسطين يقتل عيسى عليه السلام الدجّال عند بابها(3).

عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: إِنَّ مُعَاوِيَةَ أَوَّلُ مَنْ عَلَّقَ عَلَى بَابِهِ مِصْرَاعَيْنِ بِمَكَّةَ - إلى أن قال: - وَكَانَ مُعَاوِيَةُ صَاحِبَ السِّلْسِلَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ»(4)وَكَانَ فِرْعَوْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ(5).

ص: 194


1- وقعة صفّين: 220؛ بحار الأنورا: 33/190، ح 472 و473.
2- الخصال: 1/319، ح 104؛ بحار الأنوار: 33/167، ح 437.
3- بحار الأنوار: 33/167.
4- سورة الحاقّة: 32-33.
5- الكافي: 4/243، ح 1؛ بحار الأنوار: 33/170، ح 448.

عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَاحِبُ السِّلْسِلَةِ وَهُوَ فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ(1).

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ فِي تَابُوتٍ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَوْ لا كَلِمَةُ فِرْعَوْنَ «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى»(2)مَا كَانَ أَحَدٌ أَسْفَلَ مِنْ مُعَاوِيَةَ(3).

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا بَيْنَ تَابُوتِ مُعَاوِيَةَ وَتَابُوتِ فِرْعَوْنَ إِلّا دَرَجَةٌ وَمَا انْخَفَضَتْ تِلْكَ الدَّرَجَةُ إِلّا لأَنَّهُ قَالَ: «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى»(4).

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ تَابُوتَ مُعَاوِيَةَ فِي النَّارِ فَوْقَ تَابُوتِ فِرْعَوْنَ وَذَلِكَ بِأَنَّ فِرْعَوْنَ قَالَ: «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى»(5).

هنا لا بأس ما أورده الطبري عن المعتضد العبّاسي في لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر وكذلك ما روى عن أبي عبداللَّه الحسين في مطاعنه ومفاسده تأييداً لما ذكرناه وتشييداً لما اصّلناه مضافاً إلى ما في هذه المكتوبات والتوقيعات من الحقائق التي لا توجد في غيرها.

أمّا مكتوب المعتضد فقد روى الطبري: في هذه السنة [284] عزم المعتضد على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر وأمر بإنشاء كتاب يقرأ على الناس فخوفه عبيد اللَّه بن سليمان اضطراب العامّة وأنّه لا يأمن أن تكون فتنة فلم يلتفت إليه فكان أول شي ء بدأ به المعتضد من ذلك بالتقدم إلى العامّة بلزوم أعمالهم وترك الاجتماع والقضيّة (العصبية) والشهادات عند السلطان إلّا أن يسألوا بمنع

ص: 195


1- تأويل الآيات الظاهرة: 694؛ بحار الأنوار: 33/170، ح 446.
2- النازعات: 24.
3- وقعة صفّين: 217؛ بحار الأنوار: 33/187، ح 463.
4- وقعة صفّين: 217؛ بحار الأنوار: 33/188، ح 467.
5- وقعة صفّين: 219؛ بحار الأنوار: 33/189، ح 470.

القصاص عن القعود على الطرقات وأنشأ هذا الكتاب وعملت به نسخ قرئت بالجانبين من مدينة السلام في الأرباع والمحال والأسواق يوم الأربعاء لست بقين من جمادى الأولى من هذه السنة ثمّ منع يوم الجمعة لأربع بقين منها ومنع القصاص من القعود في الجانبين ومنع أهل الحلق في الفتيا أو غيرهم من القعود في المسجدين ونودي في المسجد الجامع بنهي الناس عن الاجتماع وغيره وبمنع القصاص وأهل الحلق من القعود ونودي إن الذمة قد برئت ممن اجتمع من الناس في مناظرة أو جدال وتقدم إلى الشراب الذين يسقون الماء في الجامعين ألا يترحموا على معاوية ولا يذكروه بخير وكانت عادتهم جارية بالترحم عليه وتحدث الناس أن الكتاب الذي قد أمر المعتضد بإنشائه بلعن معاوية يقرأ بعد صلاة الجمعة على المنبر فلمّا صلّى الناس بادروا إلى المقصورة ليسمعوا قراءة الكتاب فلم يقرأ(1).(2)

ص: 196


1- تاريخ الطبري: 8/182؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 15/171؛ بحار الأنوار: 33/203، ش 493.
2- ثمّ إنّ الطبري ذكر قبل الكتاب بعد قوله: «فلمّا صلّى الجمعة بادروا إلى المقصورة ليسمعوا قراءة الكتاب فلم يقرأ»ما نصّه: فذكر أنّ المعتضد أمر بإخراج الكتاب الذي كان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية، فأخرج له من الديوان فأخذ من جوامعه نسخة هذا الكتاب، وذكر أنّها نسخة الكتاب الذي أنشئ للمعتضد باللَّه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، الحمد للَّه العليّ العظيم، الحليم الحكيم، العزيز الرحيم، المتفرّد بالوحدانيّة، الباهر بقدرته الخالق بمشيئته وحكمته، الذي يعلم سوابق [أسرار - خ] الصدور، وضمائر القلوب، لا يخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات العلى ولا في الأرضين السفلى قد أحاط بكلّ شي ء علما وأحصى كلّ شي ء عددا، وضرب [وجعل - خ] لكلّ شي ء أمدا، وهو العليم الخبير، والحمد للَّه الذي برأ خلقه لعبادته، وخلق عباده لمعرفته، على سابق علمه في طاعة مطيعهم وماضي أمره في عصيان عاصيهم، فبين لهم ما يأتون وما يتّقون، ونهج لهم سبل النجاة، وحذّرهم مسالك الهلكة، وظاهر عليهم الحجّة وقدم إليهم المعذرة، واختار لهم دينه الذي ارتضى لهم وأكرمهم به، وجعل المعتصمين بحبله والمتمسّكين بعروته أولياءه وأهل طاعته، والمعاندين عنه والمخالفين له أعداءه وأهل معصيته، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة وإنّ اللَّه لسميع عليم؛ والحمد للَّه الذي اصطفى محمّداً رسوله من جميع بريّته واختاره لرسالته وابتعثه بالهدى والدين المرتضى إلى عباده أجمعين، وأنزل عليه الكتاب البين المستبين، وتأذّن له بالنصر والتمكين، وأيّده بالعزّ والبرهان المتين فاهتدى به من اهتدى، واستنقذ به من استجاب له من العمى وأضلّ من أدبر وتولّى حتّى أظهر اللَّه أمره وأعزّ نصره وقهر من خالفه، وأنجز له ما وعده، وختم به رسله [رسالته - خ] وقبضه مؤدّياً لأمره مبلّغاً لرسالته ناصحاً لأُمّته، مرضيّاً مهتدياً إلى أكرم مآب المنقلبين وأعلى منازل أنبيائه المرسلين وعباده الفائزين، فصلّى اللَّه عليه أفضل صلاة وأتمّها وأجلها وأعظمها وأزكاها وأطهرها وعلى آله الطيّبين. والحمد للَّه الذي جعل أميرالمؤمنين وسلفه الراشدين المهتدين ورثة خاتم النبيّين وسيّد المرسلين والقائمين بالدين والمقوّمين لعباده المؤمنين والمستحفظين ودائع الحكمة ومواريث النبوّة، والمستخلفين في الأُمّة، والمنصورين بالعز والمنعة والتأييد والغلبة حتّى يظهر اللَّه دينه على الدين كلّه ولو كره المشروكون. وقد انتهى إلى أميرالمؤمنين ما عليه جماعة من العامة من شبهة قد دخلتهم في أديانهم وفساد قد لحقهم في معتقدهم. تاريخ الطبري: 8/183. قال المجلسي قدس سره: جميع ما ذكره المعتضد في مقدّمة كتابه حقّ غير هذا الذيل الذي ذكره حول سلفه فإن كلّه باطل وبعض سلفه كالمنصور والرشيد والمتوكّل لم يكونوا أقل ضلالة من معاوية بل بعضهم كان أعتى وأطغى منه، ومن أراد أن يعرف شيئاً يسيراً من تورّط هؤلاء في الطغيان فعليه بكتاب أنساب الأشراف. بحار الأنوار: 33/204، تعليقة 1.

وقيل إن عبيداللَّه بن سليمان صرفه عن قراءته وأنه أحضر يوسف بن يعقوب القاضي وأمره أن يعمل الحيلة في إبطال ما عزم المعتضد عليه فمضى يوسف فكلّم المعتضد في ذلك وقال له: إنّي أخاف أن تضطرب العامّة ويكون منها عند سماعها هذا الكتاب حركة فقال: إن تحركت العامّة أو نطقت وضعت السيف فيها فقال: يا

ص: 197

أميرالمؤمنين فما تصنع بالطالبيين الذين يخرجون في كل ناحية ويميل إليهم خلق كثير لقرابتهم من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وما في هذا الكتاب من إطرائهم أو كما قال وإذا سمع الناس هذا كانوا إليهم أميل وكانوا هم أبسط ألسنة وأثبت حجة منهم اليوم فأمسك المعتضد فلم يرد إليه جوابا ولم يأمر بعد ذلك في الكتاب بشي ء(1).

وكان من جملة الكتاب بعد أن قدم حمد اللَّه والثناء عليه والصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله: أما بعد فقد انتهى إلى أميرالمؤمنين ما عليه جماعة العامّة من شبهة قد دخلتهم في أديانهم وفساد قد لحقهم في معتقدهم وعصبية قد غلبت عليها أهواؤهم ونطقت بها ألسنتهم على غير معرفة ولا روية قد قلدوا فيها قادة الضلالة بلا بينة ولا بصيرة وخالفوا السنن المتبعة إلى الأهواء المبتدعة قال اللَّه تعالى: «وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ»(2).

خروجا عن الجماعة ومسارعة إلى الفتنة وإيثارا للفرقة وتشتيتا للكلمة وإظهارا لموالاة من قطع اللَّه عنه الموالاة وبتر منه العصمة وأخرجه من الملة وأوجب عليه اللعنة وتعظيما لمن صغر اللَّه حقه وأوهن أمره وأضعف ركنه من بني أمية الشجرة الملعونة ومخالفة لمن استنقذهم اللَّه به من الهلكة وأسبغ عليهم به النعمة من أهل بيت البركة والرحمة «وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»(3).

فأعظم أميرالمؤمنين ما انتهى إليه من ذلك ورأى ترك إنكاره حرجا عليه في

ص: 198


1- تاريخ الطبري: 8/189؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 15/172؛ بحار الأنوار: 33/204.
2- سورة القصص: 50.
3- سورة البقرة: 105.

الدين وفسادا لمن قلده اللَّه أمره من المسلمين وإهمالا لما أوجبه اللَّه عليه من تقويم المخالفين وتبصير الجاهلين وإقامة الحجة على الشاكين وبسط اليد على المعاندين وأمير المؤمنين يخبركم معاشر المسلمين أن اللَّه جل ثناؤه لما ابتعث محمدا صلى الله عليه وآله بدينه وأمره أن يصدع بأمره بدأ بأهله وعشيرته فدعاهم إلى ربه وأنذرهم وبشرهم ونصح لهم وأرشدهم فكان من استجاب له وصدق قوله واتبع أمره نفر يسير من بني أبيه من بين مؤمن بما أتى به من ربه وناصر لكلمته وإن لم يتبع دينه إعزازا له وإشفاقا عليه فمؤمنهم مجاهد ببصيرته وكافرهم مجاهد بنصرته وحميته يدفعون من نابذه ويقهرون من عابه وعانده ويتوثقون له ممن كانفه وعاضده ويبايعون له من سمح له بنصرته ويتجسسون أخبار أعدائه ويكيدون له بظهر الغيب كما يكيدون له برأي العين حتّى بلغ المدى وحان وقت الاهتداء فدخلوا في دين اللَّه وطاعته وتصديق رسوله والإيمان به بأثبت بصيرة وأحسن هدى ورغبة فجعلهم اللَّه أهل بيت الرحمة وأهل بيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا معدن الحكمة وورثة النبوة وموضع الخلافة أوجب اللَّه لهم الفضيلة وألزم العباد لهم الطاعة(1).

ص: 199


1- هذا هو الصواب، وفي أصولي: «فجعلهم اللَّه أهل بيت الرحمة وأهل بيت الدين [الذين خ ]أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ومعدن الحكمة...»ومعلوم أنّ بني عبّاس من جدّهم إلى المعتضد كاتب هذه الرسالة لم يكونوا على هذه الأوصاف وكان جدّهم العبّاس وابنه حبر الأُمّة عبداللَّه لم يريا أنفسهم أهلاً للخلافة ولا رآهم الناس أهلاً لها، ولهذا قال العبّاس بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله لعليّ عليه السلام: هلم أبايعك... وأيضاً لم ير أبوبكر وعمر وعثمان للعبّاس وبنيه سهماً في الخلافة. وأمّا أحفاد العبّاس بل وكثير من أبنائه فكانوا أهل لهو وتورّط في الشهوات ومعدن الرجس والقسوة والتوغّل في ملاذ الدنيا والركون إليها وقد بلغوا أقصى حدّ الظلم والعدوان، وسير إجمالي في سيرة المنصور والرشيد والمتوكّل يوضح ما أشرنا إليه كالشمس في رابعة النهار!! أهؤلاء أهل بيت الرحمة؟ فمن أهل بيت القسوة والجفوة؟ أهؤلاء أذهب اللَّه عنهم الرجس؟ أهؤلاء معدن الحكمة؟ فمن معدن الجهالة والسفاهة؟ أهؤلاء ورثة النبوّة وموضع الخلافة؟ فمن ورثة الطغيان والإلحاد؟ وأيّ فضيلة كانت فيهم غير النسب، ونسب عمّه أبي لهب كان أقرب من نسبهم ولم يفده شيئاً، وكيف ألزم اللَّه طاعتهم على العباد وكانوا طغى العباد، وأظلم الظالمين واللَّه تعالى يقول: «لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»سورة البقرة: 124. بحار الأنوار: 33/206.

وكان ممن عانده وكذبه وحاربه من عشيرته العدد الكثير والسواد الأعظم يتلقونه بالضرر والتثريب ويقصدونه بالأذى والتخويف وينابذونه بالعداوة وينصبون له المحاربة ويصدون عنه من قصده وينالون بالتعذيب من اتبعه وكان أشدهم في ذلك عداوة وأعظمهم له مخالفة أولهم في كل حرب ومناصبة ورأسهم في كل إجلاب وفتنة لا يرفع على الإسلام راية إلّا كان صاحبها وقائدها ورئيسها أبا سفيان بن حرب صاحب أحد والخندق وغيرهما وأشياعه من بني أمية الملعونين في كتاب اللَّه ثمّ الملعونين على لسان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في مواطن عدة لسابق علم اللَّه فيهم وماضي حكمه في أمرهم وكفرهم ونفاقهم فلم يزل لعنه اللَّه يحارب مجاهدا ويدافع مكايدا ويجلب منابذا حتّى قهره السيف وعلا أمر اللَّه وهم كارهون فتعوذ بالإسلام غير منطو عليه وأسر الكفر غير مقلع عنه فعرفه بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقبله وقبل ولده على علم منه بحاله وحالهم ثمّ أنزل اللَّه تعالى كتابا فيما أنزله على رسوله يذكر فيه شأنهم(1)وهو قوله تعالى: «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي

ص: 200


1- في تاريخ الطبري: فممّا لعنهم اللَّه به على لسان نبيّه صلى الله عليه وآله وأنزل به كتاباً قوله: «وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً»[سورة الإسراء: 60] ولا اختلاف بين أحد أنّه أراد بها بني أُميّة.

الْقُرْآنِ»ولا خلاف بين أحد في أنه تعالى وتبارك أراد بها بني أمية.

ومما ورد من ذلك في السنة ورواه ثقات الأمة قول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فيه وقد رآه مقبلاً على حمار ومعاوية يقوده ويزيد يسوقه: لعن اللَّه الراكب والقائد والسائق.

ومنه ما روته الرواة عنه من قوله يوم بيعة عثمان تلقفوها يا بني عبد شمس تلقف الكرة فو اللَّه ما من جنة ولا نار وهذا كفر صراح يلحقه اللعنة من اللَّه كما لحقت «الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ»(1).

ومنه ما يروى من وقوفه على ثنية أحد من بعد ذهاب بصره وقوله لقائده هاهنا رمينا محمدا وقتلنا أصحابه(2).

ومنها: الكلمة التي قالها للعباس قبل الفتح وقد عرضت عليه الجنود لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما فقال له العباس ويحك إنه ليس بملك إنها النبوة.

ومنها: قوله يوم الفتح وقد رأى بلالا على ظهر الكعبة يؤذن ويقول أشهد أن محمدا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لقد أسعد اللَّه عتبة بن ربيعة إذ لم يشهد هذا المشهد(3).

ومنها: الرؤيا التي رآها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فوجم لها قالوا فما رئي بعدها ضاحكا رأى نفرا من بني أمية ينزون على منبره نزوة القردة(4).

ص: 201


1- سورة المائدة: 78.
2- تاريخ الطبري: 8/185؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 15/174؛ بحار الأنوار: 33/207.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 15/175؛ بحار الأنوار: 33/208.
4- في تاريخ الطبري: 8/185: ومنه الرؤيا التي رآها النبيّ صلى الله عليه وآله فوجم لها فمارئى ضاحكاً بعدها فأنزل اللَّه: «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ [وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ]»(الاسراء: 60).

ومنها: طرد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الحكم بن أبي العاص لمحاكاته إياه في مشيته وألحقه اللَّه بدعوة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله آفة باقية حين التفت إليه فرآه يتخلج يحكيه فقال كن كما أنت فبقي على ذلك سائر عمره.

هذا إلى ما كان من مروان ابنه في افتتاحه أول فتنة كانت في الإسلام واحتقابه(1)كل حرام سفك فيها أو أريق بعدها.

ومنها: ما أن زل اللَّه تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله: «لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»(2)قالوا ملك بني أمية.

ومنها: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله دعا معاوية ليكتب بين يديه فدافع بأمره واعتل بطعامه فقال صلى الله عليه وآله: لا أشبع اللَّه بطنه فبقي لا يشبع وهو يقول واللَّه ما أترك الطعام شبعا ولكن إعياء.

ومنها: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال يطلع من هذا الفج رجل من أمتي يحشر على غير ملتي فطلع معاوية.

ومنها: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه.

ومنها: الحديث المشهور المرفوع أنه صلى الله عليه وآله قال: إن معاوية في تابوت من نار في أسفل درك من جهنم ينادي يا حنان يا منان فيقال له: «آلآْنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ»(3)

ومنها: افتراؤه بالمحاربة لأفضل المسلمين في الإسلام مكانا وأقدمهم إليه

ص: 202


1- والاحتقاب: الارتكاب.
2- سورة القدر: 3.
3- سورة يونس: 91.

سبقا وأحسنهم فيه أثرا وذكرا علي بن أبي طالب ينازعه حقه بباطله ويجاهد أنصاره بضلاله أعوانه ويحاول ما لم يزل هو وأبوه يحاولانه من إطفاء نور اللَّه وجحود دينه «وَيَأْبَى اللَّهُ إِلّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ»ويستهوي أهل الجهالة ويموه لأهل الغباوة بمكره وبغيه الذين قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الخبر عنهما فقال لعمار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار مؤثرا للعاجلة كافرا بالآجلة خارجا من ربقة (طريقة) الإسلام مستحلا للدم الحرام حتّى سفك في فتنته وعلى سبيل غوايته وضلالته دماء ما لا يحصى عدده من أخيار المسلمين الذابين عن دين اللَّه والناصرين لحقه مجاهدا في عداوة اللَّه مجتهدا في أن يعصى اللَّه فلا يطاع وتبطل أحكامه فلا تقام ويخالف دينه فلايدان وأن تعلو كلمة الضلال وترتفع دعوة الباطل وكلمة اللَّه هي العليا ودينه المنصور وحكمه النافذ وأمره الغالب وكيد من عاداه وحاده المغلوب الداحض حتّى احتمل أوزار تلك الحروب وما تبعها وتطوق تلك الدماء وما سفك بعدها وسن سنن الفساد التي عليه إثمها وإثم من عمل بها وأباح المحارم لمن ارتكبها ومنع الحقوق أهلها وغرته الآمال واستدرجه الإمهال وكان مما أوجب اللَّه عليه به اللعنة قتله من قتل صبرا(1)من خيار

ص: 203


1- في تاريخ الطبري: ثمّ ممّا أوجب اللَّه له به اللعنة قتله من قتل صبراً من خيار الصحابة و التابعين وأهل الفضل والديانة، مثل عمرو بن الحمق وحجر بن عدي فيمن قتل [من ]أمثالهم في أن تكون له العزّة والملك والغلبة، وللَّه العزّة والملك والقدرة واللَّه عزّ وجلّ يقول: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً»سورة النساء: 93.

الصحابة والتابعين وأهل الفضل والدين مثل عمرو بن الحمق الخزاعي وحجر بن عدي الكندي فيمن قتل من أمثالهم على أن تكون له العزة والملك والغلبة ثمّ ادعاؤه زياد ابن سمية أخا ونسبته إياه إلى أبيه واللَّه تعالى يقول: «ادْعُوهُمْ لآِبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ»(1)ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: ملعون من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه(2)وقال: الولد للفراش وللعاهر الحجر فخالف حكم اللَّه تعالى ورسوله جهارا وجعل الولد لغير الفراش والحجر لغير العاهر فأحل بهذه الدعوة من محارم اللَّه ورسوله في أم حبيبة أم المؤمنين وفي غيرها من النساء من شعور ووجوه قد حرمها اللَّه وأثبت بها من قربى قد أبعدها اللَّه ما لم يدخل الدين خلل مثله ولم ينل الإسلام تبديل يشبهه(3).

ومن ذلك إيثاره لخلافة اللَّه على عباده ابنه يزيد السكير الخمير صاحب الديكة والفهود والقردة وأخذ البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعد والإخافة والتهديد والرهبة وهو يعلم سفهه ويطلع على رهقه وخبثه ويعاين سكراته وفعلاته وفجوره وكفره فلما تمكن قاتله اللَّه فيما تمكن منه وعصى اللَّه ورسوله فيه طلب بثارات المشركين وطوائلهم عند المسلمين فأوقع بأهل المدينة

ص: 204


1- سورة الأحزاب: 5.
2- في تاريخ الطبري: وممّا استحقّ به اللعنة من اللَّه ورسوله ادّعاؤه زياد بن سميّة، جرأة على اللَّه واللَّه يقول: «ادْعُوهُمْ لآِبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ»و رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: ملعون من ادّعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه.
3- تاريخ الطبري: 8/186؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 15/176؛ بحار الأنوار: 33/210.

في وقعة الحرة الوقعة التي لم يكن في الإسلام أشنع منها ولا أفحش فشفى بذلك عند نفسه غليله وظن أنه قد انتقم من أولياء اللَّه وبلغ الثأر لأعداء اللَّه فقال مجاهرا بكفره ومظهرا لشركه:

ليت أشياخي ببدر شهدوا***جزع الخزرج من وقع الأسل

هذا قول من لا يرجع إلى اللَّه ولا إلى دينه ولا إلى رسوله ولا إلى كتابه ولا يؤمن باللَّه وبما جاء من عنده.

ثم أغلظ ما انتهك وأعظم ما اجترم سفكه دم الحسين بن علي عليهما السلام مع موقعه من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل والشهادة له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة اجتراء على اللَّه وكفرا بدينه وعداوة لرسوله ومجاهرة لعترته واستهانة لحرمته كأنما يقتل منه ومن أهل بيته قوما من كفرة الترك والديلم ولا يخاف من اللَّه نقمة ولا يراقب منه سطوة فبتر اللَّه عمره وأخبث (اجتث) أصله وفرعه وسلبه ما تحت يده وأعد له من عذابه وعقوبته ما استحقه من اللَّه بمعصيته.

هذا إلى ما كان من بني مروان من تبديل كتاب اللَّه وتعطيل أحكام اللَّه واتخاذ مال اللَّه بينهم دولا وهدم بيت اللَّه واستحلالهم حرمه ونصبهم المجانيق عليه ورميهم بالنيران إياه لا يألون له إحراقا وإخرابا ولما حرم اللَّه منه استباحة وانتهاكا ولمن لجأ إليه قتلا وتنكيلا ولمن أمنه اللَّه به إخفاقة وتشريدا حتّى إذا حقت عليهم كلمة العذاب واستحقوا من اللَّه الانتقام وملئوا الأرض بالجور والعدوان وعموا عباد بلاد اللَّه بالظلم والاقتسار وحلت عليهم السخطة ونزلت بهم من اللَّه السطوة

ص: 205

أتاح اللَّه لهم من عترة نبيه وأهل وراثته ومن استخلصه منهم لخلافته مثل ما أتاح من أسلافهم المؤمنين وآبائهم المجاهدين لأوائلهم الكافرين فسفك اللَّه به دماءهم ودماء آبائهم مرتدين كما سفك بآبائهم مشركين وقطع اللَّه دابر الذين ظلموا والحمد للَّه رب العالمين.

أيها الناس إن اللَّه إنما أمر ليطاع ومثل ليتمثل وحكم ليفعل قال اللَّه سبحانه وتعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً»(1)وقال: «أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللّاعِنُونَ»(2).

فالعنوا أيها الناس من لعنه اللَّه ورسوله وفارقوا من لا تنالون القربة من اللَّه إلّا بمفارقته اللهم العن أبا سفيان بن حرب بن أمية ومعاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وولده وولد ولده اللهم العن أئمة الكفر وقادة الضلال وأعداء الدين ومجاهدي الرسول ومعطلي الأحكام ومبدلي الكتاب ومنتهكي الدم الحرام اللهم إنا نبرأ إليك من موالاة أعدائك ومن الإغماض لأهل معصيتك كما قلت: «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»(3).

أيها الناس اعرفوا الحق تعرفوا أهله وتأملوا سبل الضلالة تعرفوا سابلها فقفوا عند ما وقفكم اللَّه عليه وانفذوا كما أمركم اللَّه به وأميرالمؤمنين يستعصم باللَّه لكم ويسأله توفيقكم ويرغب إليه في هدايتكم واللَّه حسبه وعليه توكله

ص: 206


1- سورة البقرة: 159.
2- سورة البقرة: 159.
3- سورة المجادلة: 22.

ولا قوة إلّا باللَّه العلي العظيم(1).(2)

في كتاب سليم بن قيس الهلالي عن أبان بن أبي عيّاش عنه أنّه قال: دعا معاوية قراء أهل الشام وقضاتهم فأعطاهم الأموال وبثهم في نواحي الشام ومدائنها يروون الروايات الكاذبة ويضعون لهم الأصول الباطلة ويخبرونهم بأن عليا عليه السلام قتل عثمان ويتبرأ من أبي بكر وعمر وأن معاوية يطلب بدم عثمان ومعه أبان بن عثمان وولد عثمان حتّى استمالوا أهل الشام واجتمعت كلمتهم ولم يزل معاوية على ذلك عشرين سنة ذلك عمله في جميع أعماله حتّى قدم عليه طغام الشام وأعوان الباطل المنزلون له بالطعام والشراب يعطيهم الأموال ويقطعهم القطائع ويطعمهم الطعام والشراب حتّى نشأ عليه الصغير وهرم عليه الكبير وهاجر

ص: 207


1- في تاريخ الطبري بعده زيادة هكذا نصّها: يا أيّها النّاس اعرفوا الحق تعرفوا أهله، وتأمّلوا سبل الضلالة تعرفوا سابلها، فإنّه إنّما يبيّن عن الناس أعمالهم، ويلحقهم بالضلال والصلاح آباؤهم فلا يأخذكم في اللَّه لومة لائم، ولا يملين بكم عن دين اللَّه استهواء من يستهويكم وكيد من يكيدكم وطاعة من تخرجكم طاعته إلى معصية ربّكم. أيّها الناس بنا هداكم اللَّه ونحن المستحفظون فيكم أمر اللَّه، ونحن ورثة رسول اللَّه والقائمون بدين اللَّه، فقفوا عند ما نفقكم عليه، وانفذوا لما نأمركم به، فإنّكم ما أطعتم خلفاء اللَّه وأئمّة الهدى على سبيل الايمان والتقوى وأميرالمؤمنين يستعصم اللَّه لكم ويسأله توفيقكم ويرغب إلى اللَّه في هدايتكم لرشدكم وفي حفظ دينه عليكم حتّى تلقوه به مستحقّين طاعته، مستحقبين لرحمته، واللَّه حسب أميرالمؤمنين فيكم وعليه توكّله، وباللَّه على ما قلّده من أُموركم استعانته ولا حول لأميرالمؤمنين ولا قوّة إلّا باللَّه، والسلام عليكم وكتب أبوالقاسم عبيداللَّه بن سليمان في سنة أربع وثمانين ومائتين.
2- تاريخ الطبري: 8/189؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 15/179؛ بحار الأنوار: 33/213.

عليه الأعرابي وترك أهل الشام لعن الشيطان وقالوا لعن علي وقاتل عثمان فاستقر على ذلك جهلة الأمة وأتباع أئمة الضلالة والدعاة إلى النار فحسبنا اللَّه ونعم الوكيل(1).

وعن أبان، عن سليم قال: كان لزياد ابن سمية كاتب يتشيع وكان لي صديقا فأقرأني كتابا كتبه معاوية إلى زياد جواب كتابه إليه أما بعد فإنّك كتبت إلي تسألني عن العرب من أكرم منهم ومن أهين ومن أقرب ومن أبعد ومن آمن منهم ومن أحذر وفي رواية أخرى: ومن أومن منهم ومن أخيف وأنا يا أخي أعلم الناس بالعرب انظر إلى هذا الحي من اليمن فأكرمهم في العلانية وأهنهم في السر فإني كذلك أصنع بهم أقرب مجالسهم وأهينهم في الخلاء إنّهم أسوأ الناس عندي حالاً ويكون فضلك وعطائك لغيرهم سرّاً منهم وانظر إلى ربيعة بن نزار فأكرم أمراءهم وأهن عامتهم فإن عامتهم تبع لأشرافهم وساداتهم وانظر إلى مضر فاضرب بعضها ببعض فإن فيهم غلظة وكبرا ونخوة شديدة فإنك إذا فعلت ذلك وضربت بعضهم ببعض كفاك بعضهم بعضا ولا ترض بالقول منهم دون الفعل ولا بالظن دون اليقين وانظر إلى الموالي ومن أسلم من الأعاجم فخذهم بسنة عمر بن الخطاب فإن في ذلك خزيهم وذلهم أن تنكح العرب فيهم ولا ينكحوهم وأن يرثوهم [ترثهم] العرب ولا يرثو العرب وأن تقصر بهم في عطائهم وأرزاقهم وأن يقدموا في المغازي يصلحون الطريق ويقطعون الشجر ولا يؤم أحد منهم العرب في صلاة ولا يتقدم أحد منهم في الصف الأول إذا حضرت العرب إلّا أن يتموا الصف ولا تول أحدا منهم ثغرا من ثغور المسلمين ولا مصرا من أمصارهم ولا يلي أحد منهم قضاء

ص: 208


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: 2/738؛ بحار الأنوار: 33/261، ش 534.

المسلمين ولا أحكامهم فإن هذه سنة عمر فيهم وسيرته فلعمري لو لا ما صنع هو وصاحبه وقوتهما وصلابتهما في دين اللَّه لكنا وجميع هذه الأمة لبني هاشم الموالي ولتوارثوا الخلافة واحدا بعد واحد كما يتوارث أهل كسرى وقيصر ولكن اللَّه أخرجها من بني هاشم وصيرها إلى بني تيم بن مرة ثمّ خرجت إلى بني عدي بن كعب وليس في قريش حيان أقل وأذل منهما ولا أنذل فأطمعنا فيها وكنا أحق منهما ومن عقبهما لأن فينا الثروة والعز ونحن أقرب إلى رسول اللَّه في الرحم منهما ثمّ نالها صاحبنا عثمان بشورى ورضا من العامة بعد شورى ثلاثة أيام بين الستة ونالها من نالها قبله بغير شورى فلما قتل عثمان مظلوما نلناها به لأن من قتل مظلوما فقد جعل اللَّه لوليه سلطانا ولعمري يا أخي لو أن عمر سن دية المولى نصف دية العربي لكان أقرب إلى التقوى ولو وجدت السبيل إلى ذلك ورجوت أن تقبله العامة لفعلت ولكني قريب عهد بحرب فأتخوف فرقة الناس واختلافهم علي وبحسبك ما سنه عمر فيهم فهو خزي لهم وفي رواية أخرى: يا أخي لو أنّ عمر سن دية الموالي على النصف من دية العرب فذلك أقرب للتقوى لما كان للعرب فضل على العجم فإذا جاءك كتابي هذا فأذل العجم وأهنهم وأقصهم ولا تستعن بأحد منهم ولا تقض لهم حاجة فو اللَّه إنك لابن أبي سفيان خرجت من صلبه وقد كنت حدثتني وأنت يا أخي عندي صدوق إنك قرأت كتاب عمر إلى الأشعري بالبصرة وكنت يومئذ كاتبه وهو عامل بالبصرة وأنت أنذل الناس عنده وأنت يومئذ ذليل النفس تحسب أنك مولى لثقيف ولو كنت تعلم يومئذ يقينا كيقينك اليوم أنك ابن أبي سفيان لأعظمت نفسك وأنفت أن تكون كاتبا لدعي الأشعريين وأنت تعلم ونحن نعلم يقينا أن أبا سفيان كان يحذو حذو أمية بن عبد شمس وحدثني ابن أبي

ص: 209

معيط أنك أخبرته أنك قرأت كتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري وبعث إليه بحبل طوله خمسة أشبار وقال له اعرض من قبلك من أهل البصرة فمن وجدته من الموالي ومن أسلم من الأعاجم قد بلغ خمسة أشبار فقدمه فاضرب عنقه فشاورك أبو موسى في ذلك فنهيته وأمرته أن يراجع فراجعه وذهبت بالكتاب إلى عمر وإنما صنعت ما صنعت تعصبا للموالي وأنت يومئذ تحسب أنك ابن عبيد ثقيف فلم تزل تلتمس حتّى رددته عن رأيه وخوفته فرقة الناس فرجع وقلت له ما يؤمنك وقد عاديت أهل هذا البيت أن يثوروا إلى علي فينهض بهم فيزيل ملكك فكف عن ذلك وما أعلم يا أخي ولد مولود من آل أبي سفيان أعظم شؤما عليهم منك حين رددت عمر عن رأيه ونهيته عنه وخبرني أن الذي صرفت به عن رأيه في قتلهم أنك قلت إنك سمعت علي بن أبي طالب يقول لتضربنكم الأعاجم على هذا الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا وقال ليملأن اللَّه أيديكم من الأعاجم ثمّ ليصيرن أشداء لا يفرون فليضربن أعناقكم وليغلبنكم على فيئكم فقال لك عمر قد سمعت ذلك عن رسول اللَّه فذاك الذي حملني على الكتاب إلى صاحبك في قتلهم وقد كنت عزمت على أن أكتب إلى عمالي في سائر الأمصار بذلك فقلت لعمر لا تفعل يا أميرالمؤمنين فإنك لن تأمنهم أن يدعوهم علي إلى نصرته وهم كثير وقد علمت شجاعة علي وأهل بيته وعداوته لك ولصاحبك فرددته عن ذلك فأخبرتني أنك لم ترده عن ذلك إلّا عصبية وأنك لم ترجع عن رواية (رأيه) جبنا وحدثتني أنك ذكرت ذلك لعلي بن أبي طالب في إمارة عثمان فأخبرك أن أصحاب الرايات السود وفي رواية أخرى وخبرتني أنّك سمعت عليّاً في إمارة عثمان يقول: إنّ أصحاب الرايات السود التي تقبل من خراسان هم الأعاجم وأنهم الذين يغلبون

ص: 210

بني أميّة على ملكهم ويقتلونهم تحت كلّ كوكب فلو كنت يا أخي لم تردّ عمر عن ذلك لجرت سنّة ولاستأ صلهم اللَّه وقطع أصلهم وإذن لانتست به الخلفاء بعده(1)حتّى لا يبقى منهم شعر ولا ظفر ولا نافخ نار فإنّهم آفة الدين فما أكثر ما قد سنّ عمر في هذه الأمّة بخلاف سنّةرسول اللَّه صلى الله عليه وآله فتابعه الناس عليها وأخذوا بها فتكون هذه مثل واحدة منهنّ فمنهنّ تحويله المقام عن الموضع الذي وضعه فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وصاع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ومده وحين غيّره وزاد فيه ونهيه الجنب عن التيمّم وأشياء كثيرة شتّى أكثر من ألف باب أعظمها وأحبّها إلينا وأقرّها لأعيننا زيله الخلافة عن بني هاشم وعن أهلها ومعدنها لأنّها لا تصلح إلّا لهم ولا تصلح الأرض إلّا بهم فإذا قرأت كتابي هذا فاكتم ما فيه ومزّقه قال فلمّا قرأ زياد الكتاب ضرب به الأرض ثمّ أقبل إليّ فقال ويلي ممّا خرجت وفيما دخلت كنت من شيعة آل محمّد فدخلت في شيعة آل الشيطان وحزبه وفي شيعته من يكتب مثل هذا الكتاب إنّما واللَّه مثلي كمثل إبليس أبى أن يسجد لآدم كبرا وكفرا وحسدا قال سليم فلم أمس حتّى نسخت كتابه فلمّا كان الليل دعا بالكتاب فمزّقه وقال لا يطّلعنّ أحد من الناس على ما في هذا الكتاب ولم يعلم أنّي نسخته(2).

لا يذهب عليك انّ معاوية كان لم يعرف عليّاً وسجاياه وفضائله ومناقبه بل هو كان من أعرف الناس بحقّه عليه السلام وانّه جامع لكمالات الإنسانيّة بحيث لا يمكن قياس أحد إليه وانّه أعطم الناس قدراً وأجلّهم شأناً وأقربهم إلى اللَّه ورسوله واليقهم بالخلافة والزعامة لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله على الأُمّة إلّا انّ حبّ الرياسة منعه عن

ص: 211


1- لانتست به الخلفاء: اقتدت به وجعلوه أسوة.
2- كتاب سليم بن قيس الهلالي: 2/738، ح 23؛ بحار الأنوار: 33/261.

قول الحقّ والعمل به لأنّ حبّ الشي ء يعمي ويصمّ كما هو شأن كثير من أمثاله.

[اعترف معاوية بفضل عليّ عليه السلام وأبيات محمّد بن عبداللَّه الحميري في فضل عليّ عليه السلام].

أخبرنا الشيخ أبو عبد اللَّه أحمد بن محمد بن شهريار الخازن بمشهد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في شوال سنة اثنتي عشرة وخمسمائة قال: حدّثني الشيخ أبو عبداللَّه محمد بن الحسن الخزاعي قال: حدّثنا أبو الطيب علي بن محمد بن بنان قال: حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد السكري من كتابه قال: حدّثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق ببغداد من كتابه قال: حدّثنا محمّد بن دينار الضبي قال: حدّثنا عبداللَّه بن الضحاك قال: حدّثنا هشام بن محمّد عن أبيه قال: اجتمع الطرماح وهشام المرادي ومحمد بن عبد اللَّه الحميري عند معاوية بن أبي سفيان فأخرج بدرة فوضعها بين يديه وقال يا معشر شعراء العرب قولوا قولكم في علي بن أبي طالب ولا تقولوا إلّا الحق وأنا نفي من صخر بن حرب إن أعطيت هذه البدرة إلّا من قال الحق في علي فقام الطرماح وتكلم في علي عليه السلام ووقع فيه فقال معاوية اجلس فقد عرف اللَّه نيتك وعرف مكانك ثمّ قام هشام المرادي فقال أيضا ووقع فيه فقال معاوية اجلس فقد عرف اللَّه مكانكما فقال عمرو بن العاص لمحمد بن عبد اللَّه الحميري وكان خاصا به تكلم ولا تقل إلّا الحق ثمّ قال يا معاوية قد آليت أن لا تعطي هذه البدرة إلّا لمن قال الحق في علي، قال نعم أنا نفي من صخر بن حرب إن أعطيتها منهم إلّا من قال الحق في علي فقام محمد بن عبد اللَّه فتكلم ثم قال:

ص: 212

بحق محمد قولوا بحق***فإن الإفك من شيم اللئام

أبعد محمد بأبي وأمي***رسول اللَّه ذي الشرف الهمام

أليس علي أفضل خلق ربي***وأشرف عند تحصيل الأنام

ولايته هي الإيمان حقا***فذرني من أباطيل الكلام

وطاعة ربنا فيها وفيها***شفاء للقلوب من السقام

علي إمامنا بأبي وأمي***أبو الحسن المطهر من حرام

إمام هدى آتاه اللَّه علما***به عرف الحلال من الحرام

ولو أني قتلت النفس حبا***له ما كان فيها من أثام

يحل النار قوما أبغضوه***وإن صلوا وصاموا ألف عام

ولا واللَّه لا تزكو صلاة***بغير ولاية العدل الإمام

أميرالمؤمنين بك اعتمادي***وبالغر الميامين اعتصامي

فهذا القول لي دين وهذا***إلى لقياك يا رب كلامي

برئت من الذي عادى عليا***وحاربه من أولاد الحرام

تناسوا نصبه في يوم خم***من الباري ومن خير الأنام

برغم الأنف من يشنأ كلامي***علي فضله كالبحر طامي

وأبرأ من أناس أخروه***وكان هو المقدم بالمقام

علي هزم الأبطال لما***رأوا في كفه ذات الحسام

عَلى آل الرسول صلاة ربي***صلاة بالكمال وبالتمام

فقال معاوية: أنت أصدقهم قولاً فخذ هذه البدرة(1).

ص: 213


1- بشارة المصطفى (ط - القديمة): 2/10؛ بحار الأنوار: 33/258، ش 531.

قصّة دارميّة الحجونيّة مع معاوية

سهل بن أبي سهل التميمي عن أبيه قال: سئل معاوية عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل بالحجون، يقال له دارميّة الحجونيّة، فأخبر بسلامتها، فبعث إليها فجي ء بها، قال: أتدرين لم بعثت إليك؟

قالت: لا يعلم الغيب إلّا اللَّه قال: بعثت إليك لأسألك: علام أحببت عليّاً وأبغضتني وواليته وعاديتني؟ قالت: أو تعفيني؟ قال: لا أعفيك قالت: أما إذا أبيت فإنّي أحببت عليا على عدله في الرعية، وقسمته بالسوية، وأبغضتك على قتالك من هو أولى منك بالأمر، وطلبك ما ليس لك بحق وواليت عليّاً على ما عقد له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من الولاية وعلى حبه للمساكين وإعظامه لأهل الدين وعاديتك على سفكك الدماء وجورك في القضاء وحكمك في الهوى(1).

وفود أروى بنت عبدالمطلب على معاوية

العبّاس بن بكّار قال: حدّثني عبداللَّه بن سليمان المدني وأبو بكر الهذلي، أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب دخلت على معاوية فلمّا رآها معاوية قال: كيف كنت بعدنا؟

فقالت: بخير لقد كفرت النعمة وأسأت لابن عمّك الصحبة وتسمّيت بغير اسمك وأخذت غير حقّك من غير دين كان منك ولا من آبائك ولا سابقة لك في الإسلام بعد أن كفرتم برسول اللَّه صلى الله عليه وآله فأتعس اللَّه منكم الجدود وأضرع (اصعر) منكم

ص: 214


1- العقد الفريد: 1/352؛ بلاغات النساء: 105؛ الطرائف: 1/27؛ بحار الأنوار: 33/260، ش 532.

الخدود وردّ الحق إلى أهله ولو كره المشركون وكانت كلمتنا هي العليا ونبيّنا صلى الله عليه وآله هو المنصور فوليتم علينا من بعده فأصبحتم تحتجون بقرابتكم من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ونحن أقرب إليه منكم وأولى بهذا منكم فكنّا فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون وكان علي بن أبي طالب عليه السلام بعد نبينا صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون من موسى فغايتنا الجنة وغايتكم النار(1).

قَدْ كَانَ عَلَى النَّاسِ وَالٍ أَحْدَثَ أَحْدَاثاً

كتب عليّ عليه السلام إلى أهل مصر لمّا ولّى قيس بن سعد بن عبادة عليهم كتاباً - إلى أن قال فيه بعد ذكر أبي بكر وعمر: - ثمّ ولّى بعدهما وال فأحدث أحداثاً، فوجدت الأُمّة عليه مقالا فقالوا، ثمّ نقموا عليه فغيّروا، ثمّ جاءوني فبايعوني(2).

المقصود من هذا الوالي هو عثمان بن عفّان.

وأمّا أحداثه:

أنّه ولّى أمور المسلمين من لا يصلح لذلك ولا يؤتمن عليه، ومن ظهر منه الفسق والفساد، ومن لا علم له، مراعاة لحرمة القرابة، وعدولا عن مراعاة حرمة الدين والنظر للمسلمين، حتّى ظهر ذلك منه وتكرّر، وقد كان عمر حذّره من ذلك حيث وصفه بأنّه كلّف بأقاربه، وقال له إذا وليت هذا الأمر فلا تحمل بني أبي معيط على رقاب الناس فوقع منه ما حذّره إيّاه، وعوتب عليه فلم ينفع العتب، وذلك

ص: 215


1- العقد الفريد: 1/357؛ بلاغات النساء: 43؛ الطرائف: 1/28؛ بحار الأنوار: 33/260، ش 533.
2- تاريخ الطبري: 3/550، سنة 36.

نحو استعماله الوليد بن عقبة(1)وتقليده إيّاه حتّى ظهر منه شرب الخمر، واستعماله سعيد بن العاص حتّى ظهرت منه الأمور التي عندها أخرجه أهل الكوفة، وتوليته عبد اللَّه بن أبي سرح وعبد اللَّه بن عامر بن كريز، حتّى روي عنه في أمر ابن أبي سرح أنّه لما تظلّم منه أهل مصر وصرفه عنهم بمحمد بن أبي بكر كاتبه بأن يستمر على ولايته وأبطن خلاف ما أظهر، وهذه طريقة من غرضه خلاف الدين. وروي أنّه كاتبه بقتل محمد بن أبي بكر وغيره ممّن يرد عليه، وظفر بذلك الكتاب، ولذلك عظم التظلّم من بعد وكثر الجمع، وكان ذلك سبب الحصار والقتل، وحتّى كان من أمر مروان وتسلّطه عليه و على أموره ما قتل بسببه(2).

ومنها: رده الحكم بن أبي العاص بعد نفي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إياه وإباحة دمه متى دخل دار الإسلام وإقرار المتقدمين ذلك النفي وإدخاله المدينة على مراغمة من بني هاشم وسائر المسلمين واتخاذ ابنه مروان بطانة وبسط يده في أمور المسلمين وإعطاؤه خمس إفريقية مع ظهور حاله وسوء رأيه في الإسلام وأهله.

ومنها: تقليده المشهورين بالفسق والتهمة على الإسلام أمور المسلمين كالوليد بن عقبة بن أبي معيط المشهود له ولسائر نسله بالنار للإخوة التي بينهما على الكوفة وتوقفه عن عزله مع ظهور فساده في الولاية ومجاهرته بالفسق وتوقفه عن إقامة الحد عليه مع إقامة الشهادة بشرب الخمر وإتيانه المسجد وصلاته بالناس وهو سكران وتقليد سعيد بن العاص بعد عزله الوليد وإقراره على الولاية مع عظيم

ص: 216


1- هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط أخو عثمان لأُمّه، وأمُمهما أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس. ولّاه عثمان الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقّاص، ثمّ عزله عنها بعد أن ثبت عليه شرب الخمر في خبر مشهور. الإصابة 3/601.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/11؛ بحار الأنوار: 31/149.

الشكاية لجوره وقبيح سيرته وقوله إنما هذا السواد بستان لقريش إلى أن أخرجه المسلمون منها قسرا مراغمة لعثمان ورده بعد ذلك واليا عليهم ومنعهم له من دخول الكوفة بالاضطرار وتقليد عبد اللَّه بن عامر بن كريز على البصرة للخولة التي بينهما وعبد اللَّه بن أبي سرح على مصر للرضاعة التي بينهما ويعلى بن أمية ويقال ابن منية على اليمن وأسيد بن الأخنس بن الشريق على البحرين لكونه ابن عمته(1).

ومنها: استخفافه بعليّ عليه السلام حين أنكر عليه تكذيب أبي ذرّ. ومنها عزل عبد اللَّه بن الأرقم عن بيت المال لما أنكر عليه إطلاق الأموال لبني أميّة بغير حقّ.

ومنها: قوله لعبد الرحمن بن عوف: يا منافق، وهو الذي اختاره وعقد له.

ومنها: حرمانه عائشة وحفصة ما كان أبو بكر وعمر يعطيانهما، وسبّه لعائشة وقوله: وقد أنكرت عليه الأفاعيل القبيحة لئن لم تنتهي لأدخلنّ عليك الحجرة سودان الرجال وبيضانها.

ومنها: هدر دم الهرمزان وجفينة قتيلي ابن عمر واعتذاره من ذلك بأن الناس قريبو عهد بقتل أبيه.

ومنها: حماية الكلاء وتحريمه على المسلمين وتخصصه به ومنع غلمانه الناس منه وتنكيلهم بمن أراده.

ومنها: ضربه عبداللَّه بن حذيفة بن اليمان حتّى مات من ضربه لإنكاره عليه ما يأتيه غلمانه إلى المسلمين في رعي الكلاء.

ومنها: أكله الصيد وهو محرم مستحلا وصلاته بمنى أربعا وإنكاره متعة الحج

ص: 217


1- تقريب المعارف: 229؛ بحار الأنوار: 31/261.

مع إجماع الأمة على خلاف ما فعل.

ومنها: ضربه عبد الرحمن بن حنبل الجمحي وكان بدريا مائة سوط وحمله على جمل يطاف به في المدينة لإنكاره عليه الأحداث وإظهاره عيوبه في الشعر وحبسه بعد ذلك موثقا بالحديد حتّى كتب إلى علي وعمار من الحبس.

فلم يزل عليّ عليه السلام بعثمان يكلّمه حتّى خلّى سبيله على أن لا يساكنه بالمدينة، فسيّره إلى خيبر، فأنزله قلعة بها تسمّى القموص، فلم يزل بها حتّى ناهض المسلمون عثمان وساروا إليه من كلّ بلد، فقال في الشعر

لو لا عليّ فإنّ اللَّه أنقذني***على يديه من الأغلال والصفد

نفسي فداء علي إذ يخلّصني***من كافر بعد ما أغضى على صمد

ومنها: تسيير حذيفة بن اليمان إلى المدائن حين أظهر ما سمعه من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فيه وأنكر أفعاله فلم يزل يعرض بعثمان حتّى قتل.

ومنها: نفي الأشتر ووجوه أهل الكوفة عنها إلى الشام حين أنكروا على سعيد بن العاص ونفيهم من دمشق إلى حمص.

ومنها: معاهدته لعلي عليه السلام ووجوه الصحابة على الندم على ما فرط منه والعزم على ترك معاودته ونقض ذلك والرجوع عنه مرة بعد مرة وإصراره على ما ندم منه وعاهد اللَّه تعالى وأشهد القوم على تركه من الاستئثار بالفي ء وبطانة السوء وتقليد الفسقة أمور المسلمين.

ومنها: كتابه إلى ابن أبي سرح بقتل رؤساء المصريين والتنكيل بالأتباع وتخليدهم الحبس لإنكارهم ما يأتيه ابن أبي سرح إليهم ويسير به فيهم من الجور الذي اعترف به وعاهد على تغييره.

ص: 218

ومنها: تعريضه نفسه ومن معه من الأهل والأتباع للقتل ولا يعزل ولاة السوء.

ومنها: استمراره على الولاية مع إقامته على المنكرات الموجبة للفسخ وتحريم التصرف في أمر الأمة وذلك تصرف قبيح لكونه غير مستحق عندهم مع ثبوت الفسق(1).

ومنها: كان الأشعث بن قيس والياً على أذربيجان طول ولاية عثمان، وكانت ولايته ممّا عتب الناس فيه على عثمان، لأنّه ولّاه عند مصاهرته إيّاه، وتزويج ابنة الأشعث من ابنه(2).

وفي الطبري: أنّ أوّل من زاد النداء الثالث يوم الجمعة على الزوراء عثمان(3).

وفي الطبري أيضاً - بعد ذكر كتاب عثمان إلى أهل مكّة مع ابن عبّاس لمّا ولّاه الموسم بعد حصره، وعدّه في كتابه ما طعنوا عليه وما أجابهم، إلى أن ذكر - قالوا: كتاب اللَّه يتلى، فقلت: فليتله من تلاه غير غال فيه بغير ما أنزل اللَّه في الكتاب(4).

وهو دالّ على أنّه منع من تلاوة مقدار من كتاب اللَّه بشبهة كونه من غير القرآن.

وعن الزهري: أنّ عثمان كان يأخذ من الخيل الزكاة، فأنكر ذلك من فعله، وقالوا: قال النبيّ صلى الله عليه وآله: عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق(5).

وكان عبداللَّه بن سعد بن أبي سرح أخا عثمان من الرضاعة وعامله على المغرب، فغزا إفريقيّة سنة سبع وعشرين فافتتحها، وكان معه مروان فابتاع خمس

ص: 219


1- تقريب المعارف: 230؛ بحار الأنوار: 31/262.
2- أخبار الطوال لابن قتيبة: 156.
3- تاريخ الطبري: 3/430، سنة 35.
4- تاريخ الطبري: 3/463، سنة 35.
5- أنساب الأشراف: 5/513، ش 1330.

الغنيمة بمائة ألف دينار أو مائتي ألف دينار، فكلّم عثمان فوهبها له، فأنكر الناس ذلك على عثمان(1).

وعن ابن عبّاس: كان ممّا أنكروا على عثمان أنّه ولّى الحكم بن العاص صدقات قضاعة، فبلغت ثلاثمائة ألف درهم، فوهبها له حين أتاه بها(2).

وقال أبو مخنف والواقدي في روايتهما: أنكر الناس على عثمان إعطاءه سعيد بن العاص مائة ألف درهم(3).

وقال أبو مخنف في اسناده: أنكر الناس على عثمان - مع ما أنكر - ان حمى الحمى، وأن أعطى زيد بن ثابت مائة ألف درهم، من ألف ألف درهم حملها أبو موسى الأشعري، وقال له: هذا حقّك، فقال: أسلم بن أوس الساعدي وهو الذي منع من دفن عثمان في البقيع:

دعوت اللعين فأدنيته***خلافاً لسنّة من قد مضى

وأعطيت مروان خمس العباد***ظلما لهم وحميت الحمى

ومال أتاك به الأشعري***من الفي ء أنهبته من ترى(4)

وقال سعيد بن المسيّب: أمر عثمان بذبح الحمام، وقال: إنّ الحمام قد كثر في بيوتكم حتّى كثر الرمي ونالنا بعضه. فقال الناس: يأمرنا بذبح الحمام وقد آوى طرداء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله(5).

ص: 220


1- أنساب الأشراف: 5/514، ش 1335.
2- أنساب الأشراف: 5/515، ش 1338.
3- أنساب الأشراف: 5/515، ش 1339.
4- أنساب الأشراف: 5/526، ش 1370.
5- أنساب الأشراف: 5/514، ش 1333.

وقال ابن عمر: صلّيت بمنى مع النبيّ صلى الله عليه وآله ركعتين، ومع أبي بكر وعمر وعثمان صدرا من خلافته، ثمّ أتمّها أربعا، فتكلّم الناس في ذلك فأكثروا، وسئل أن يرجع عن ذلك، فلم يرجع(1).

وأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله إذا خرج للصلاة أذّن المؤذّن ثمّ يقيم، وكذلك كان الأمر على عهد أبي بكر وعمر وفي صدر من أيّام عثمان، ثمّ إنّ عثمان نادى النداء الثالث في السنة السابعة، فعاب الناس ذلك وقالوا: بدعة(2).

وفي خلفاء ابن قتيبة - بعد ذكر خطبة لأميرالمؤمنين عليه السلام في التحريض على جهاد معاوية -: ثمّ قام أبو أيّوب الأنصاري فقال: إنّ أميرالمؤمنين - أكرمه اللَّه - قد أسمع من كانت له أذن واعية، وقلب حفيظ، إنّ اللَّه قد أكرمكم به كرامة ما قبلتموها حقّ قبولها، حيث نزل بين أظهركم ابن عمّ الرسول، وخير المسلمين وأفضلهم وسيّدهم بعده، يفقهكم في الدين، ويدعوكم إلى جها المحلّين، فواللَّه لكأنّكم صمّ لا تسمعون - إلى أن قال: - أليس إنّما عهدكم بالجور والعدوان أمس، وقد شمل العباد، وشاع في الإسلام، فذو حقّ محروم، ومشتوم عرضه، ومضروب ظهره، وملطوم وجهه، وموطوء بطنه، وملقى بالعراء، فلمّا جاءكم أميرالمؤمنين عليه السلام صدع بالحقّ، ونشر العدل، وعمل بالكتاب فاشكروا نعمة اللَّه عليكم، ولا تتولّوا مجرمين(3).

وفيه: ذكروا أنّه اجتمع ناس من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وكتبوا كتاباً ذكروا فيه ما

ص: 221


1- أنساب الأشراف: 5/527، ش 1372.
2- أنساب الأشراف: 5/528، ش 1374.
3- الإمامة والسياسة، تحقيق الزيني: 1/131.

خالف عثمان من سنّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسنّة صاحبيه، وما كان من هبته خمس إفريقيّة لمروان وفيه حقّ اللَّه ورسوله، ومنهم ذوو القربى واليتامى والمساكين، وما كان من تطاوله في البنيان حتّى عدّوا سبع دور بناها بالمدينة: داراً لنائلة، وداراً لعائشة ابنته، وغيرهما من أهله وبناته، وبناء (بنيان) مروان القصود بذي خشب، وعمارة الأموال بها من الخمس الواجب للَّه ولرسوله، وما كان من افشائه العمل والولايات في أهله وبني عمّه من بني اميّة، أحداث وغلمة لا صحبة لهم من الرسول، ولا تجربة لهم بالأُمور، وما كان من الوليد بن عقبة بالكوفة إذ صلّى بهم الصبح - وهو أمير عليها - سكران أربع ركعات، ثمّ قال لهم: إن شئتم أن أزيدكم ركعة (صلاة) زدتكم، وتعطيله إقامة الحدّ عليه، وتأخيره ذلك عنه، وتركه المهاجرين والأنصار لا يستعملهم على شي ء ولا يستشيرهم، واستغنى برأيه عن رأيهم، وما كان من الحمى الذي حمى حول المدينة، وما كان من إدراره القطائع والأرزاق والأعطيات على أقوام بالمدينة ليست لهم صحبة من النبيّ صلى الله عليه وآله، ثمّ لا يغزون ولا يذبّون، وما كان من مجاوزته الخيزران إلى السوط، وإنّه أوّل من ضرب بالسياط ظهور الناس، وإنّما كان ضرب الخليفتين قبله بالدرّة والخيزران.

ثمّ تعاهد القوم ليدفعنّ الكتاب في يد عثمان، وكان ممّن حضر الكتاب عمّار والمقداد، وكانوا عشرة، فلمّا خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلى عثمان والكتاب في يد عمّار جعلوا يتسلّلون عن عمّار، حتّى بقي وحده، فمضى حتّى جاء دار عثمان، فاستأذن عليه، فأذن له، فدخل عليه وعنده مروان وأهله من بني أُميّة، فدفع إليه الكتاب فقرأه، فقال له: أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: نعم، قال: ومن كان معك؟ قال: معني نفر تفرّقوا فرقا منك، قال: ومن هم؟ قال: لا أخبرك بهم، قال: فلم

ص: 222

اجترأت عليّ من بينهم؟ فقال مروان: إنّ هذا العبد الأسود - يعني عمّاراً - قد جرّأ عليك الناس، وإنّك إن قتلته نكلت به من ورائه، قال عثمان: اضربو، فضربوه وضربه عثمان معهم حتّى فتقوا بطنه، فغشي عليه، فجرّوه حتّى طرحوه على باب الدار، فأمرت به أُمّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله، فأدخل منزلها... ثمّ خرج عثمان إلى المسجد، فإذا هو بعليّ عليه السلام وهو شاكّ معصوب الرأس، فقال عثمان: واللَّه يا أبا الحسن، ما أدري أشتهي موتك أم حياتك فواللَّه لئن متّ ما أحبّ أن أبقى بعدك، لأنّي لا أجد منك خلفا، ولئن بقيت لا أعدم طاغياً يتّخذك سلما وعضدا، ويعدّك كهفا وملجأ، لا يمنعني منه إلّا مكانه منك، ومكانك منه - إلى أن قال -: فقال عليّ عليه السلام: إنّ في ما تكلّمت به جوابا، ولكنّي عن جواك مشغول بوجعي، وأنا أقول كما قال العبد الصالح: «... فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ»(1).(2)

عن عبدالملك بن ميسرة عن النزّال بن سبرة، قال: كنّا مع حذيفة في البيت فقال له عثمان: يا أبا عبداللَّه، ما هذا الذي يبلغني عنك؟ قال: ما قلته، فقال له عثمان: أنت أصدقهم وأبرّهم، فلمّا خرج قلت: يا أبا عبداللَّه، ألم تقل: ما قلت قلت: بلى، ولكن اشترى ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كلّه(3).

وفي تاريخ اليعقوبي: نقم الناس على عثمان بعد ولايته بستّ سنين، وتكلّم فيه من تكلّم، وقالوا: آثر القرباء، وحمى الحمى، وبنى الدار، واتّخذ الضياع والأموال بمال اللَّه والمسلمين، ونفى أبا ذرّ صاحب الرسول، وعبدالرحمن بن حنبل، وآوى

ص: 223


1- سورة يوسف: 18.
2- الإمامة والسياسة: 1/35.
3- حلية الأولياء: 1/279.

الحكم بن أبي العاص، وولّى الوليد بن عقبة الكوفة، فأحدث في الصلاة ما أحدث، فلم يمنعه ذلك من إعادته إيّاه، وأجاز الرجم، وذلك أنّه كان رجم امرأة من جهينة دخلت على زوجها، فولدت لستّة أشهر، فأمر عثمان برجمها، فلمّا اخرجت دخل عليه عليّ بن أبي طالب عليه السلام فقال: إنّ اللَّه تعالى يقول: «... وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا...»(1)وقال في رضاعه: «... حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ...»(2).فأرسل عثمان في أثر المرأة، فوجدت قد رجمت فماتت، فاعترف الرجل بالولد(3).

وفيه: وكتب في جمع المصاحف من الآفاق حتّى جمعها، ثمّ سلقها بالماء الحارّ والخلّ وقيل: أحرقها، فلم يبق مصحف إلّا فعل به ذلك خلا مصحف ابن مسعود وكان ابن مسعود بالكوفة، فامتنع أن يدفع مصحفه إلى عبداللَّه بن عامر، فكتب إليه عثمان: أن أشخصه فدخل المسجد وعثمان يخطب، فقال عثمان: إنّه قد قدمت عليكم دابّة سوء. فتكلّم ابن مسعود بكلام غليظ فأمر به عثمان، فجرّ برجله حتّى كسر له ضلعان، فتكلّمت عائشة، وقالت قولا كثيرا.

فأقام ابن مسعود مغاضباً لعثمان حتّى توفّي، وصلّى عليه عمّار، وكان عثمان غائباً فستر أمره، فلمّا انصرف رأى القبر، فقال: قبر من هذا؟ قيل: قبر عبداللَّه بن مسعود، قال: فكيف دفن قبل أن أعلم؟ فقالوا: وليّ أمره عمّار، وذكر أنّه أوصى ألّا يخبر به، ولم يلبث إلّا يسيراً حتّى مات المقداد، فصلّى عليه عمّار، وكان أوصى إليه، ولم يؤذن به عثمان، فاشتدّ غضب عثمان على عمّار، وقال: ويلي على إبن

ص: 224


1- سورة الأحقاف: 15.
2- سورة البقرة: 233.
3- تاريخ اليعقوبي: 2/173.

السوداء أما لقد كنت به عليما(1).

قال الشارح المعتزلي: قرئ كتاب الإستيعاب على شيخنا عبد الوهاب بن سكينة المحدث وأنا حاضر فلمّا انتهى القارئ إلى هذا الخبر قال أستاذي عمر بن عبداللَّه الدباس وكنت أحضر معه سماع الحديث لتقل الشيعة بعد هذا ما شاءت فما قال المرتضى والمفيد إلّا بعض ما كان حجر والأشتر يعتقدانه في عثمان ومن تقدمه فأشار الشيخ إليه بالسكوت(2).

ومنها: ان عثمان حمى الحمى عن المسلمين، مع أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله جعلهم شرعا سواء في الماء والكلاء.

روى المرتضى عن الواقدي باسناده قال: كان عثمان يحمي الربذة والشرف والنقيع، فكان لا يدخل الحمى بعير له ولا فرس ولا لبني أميّة، حتّى كان آخر الزمان، فكان يحمي الشرف لإبله، وكانت ألف بعير، ولإبل الحكم بن أبي العاص، ويحمي الربذة لإبل الصدقة، ويحمي النقيع لخيل المسلمين وخيله وخيل بني أميّة(3).

ومنها: أنّه أعطى من بيت المال الصدقة المقاتلة وغيرها، وذلك ممّا لا يحلّ في الدين لأنّ المال الذي جعل اللَّه له جهة مخصوصة لا يجوز العدول به عن تلك الجهة.

ومنها: أنّه ضرب عبداللَّه بن مسعود حتّى كسر بعض أضلاعه(4)وقد رووا في

ص: 225


1- تاريخ اليعقوبي: 2/170.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 15/101؛ بحار الأنوار: 42/178.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/39؛ بحار الأنوار: 31/227.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/40؛ بحار الأنوار: 31/187.

فضله في صحاحهم أخباراً كثيرة.

قال المرتضى رحمه الله في الشافي: قد روى كلّ من روى السيرة على اختلاف طرقهم أن ابن مسعود كان يقول: ليتني وعثمان برمل عالج يحثو علي وأحثو عليه حتّى يموت الأعجز مني ومنه.

وكان يقول في كل يوم جمعة بالكوفة جاهرا معلنا أن أصدق القول كتاب اللَّه وأحسن الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وإنما كان يقول ذلك معرضا بعثمان حتّى غضب الوليد بن عقبة من استمرار تعريضه ونهاه عن خطبته هذه فأبى أن ينتهي فكتب إلى عثمان فيه فكتب عثمان يستقدمه عليه(1).

وروى الواقديّ بإسناده، وغيره، أنّ عثمان لمّا استقدمه المدينة دخلها ليلة جمعةٍ، فلمّا علم عثمان بدخوله، قال أيّها النّاس إنّه قد طرقكم اللّيلة دويبةٌ من تمرٍ على طعامه تقي ء وتسلح(2).فقال ابن مسعودٍ: لست كذلك، ولكنّي صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوم بدر، وصاحبه يوم أحد، وصاحبه يوم بيعة الرضوان، وصاحبه يوم الخندق، وصاحبه يوم حنينٍ.

قال: وصاحت عائشة: أيا عثمان! أتقول هذا لصاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله؟! فقال عثمان: اسكتي. ثمّ قال لعبد اللَّه بن زمعة بن الأسود: أخرجه إخراجاً عنيفاً، فأخذه ابن زمعة فاحتمله حتّى جاء به باب المسجد، فضرب به الأرض فكسر ضلعاً من

ص: 226


1- الشافي: 4/279؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/41؛ بحار الأنوار: 31/187.
2- في الشافي: يقي ء ويسلح. والسلح: التغوّط، وغرض عثمان أنّ ابن مسعود كذئب صغير قد مرّت الدويبة على طعامه فأفسدته عليه وتقيّأ وتغوّط فيه، فاجتنبوه لئلّا يفسد عليكم عيشكم.

أضلاعه. فقال ابن مسعود قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان(1).

ومنها أنّه جمع الناس على قراءة زيد بن ثابت خاصّة وأحرق المصاحف وأبطل ما لا شكّ أنّه منزل من القرآن وأنّه مأخوذ من الرسول، ولو كان ذلك حسنا لسبق إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله(2).

والطعن في ذلك من وجهين: أحدهما أن جمع الناس على قراءة زيد إبطال للقرآن المنزل وعدول عن الراجح إلى المرجوح في اختيار زيد من جملة قرّاء القرآن بل هو رد صريح لقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: نزل القرآن على سبعة أحرف كلّها كاف شاف على ما ورد في صحاح أخبارهم(3).الثاني أن إحراق المصاحف الصحيحة استخفاف بالدين محادة للَّه ربّ العالمين(4).

ومنها أنّه أقدم على عمّار بن ياسر بالضرب حتّى حدث به فتق، ولهذا صار أحد من ظاهر المتظلمين من أهل الأمصار على قتله وكان يقول قتلناه كافراً(5).

قال المرتضى رحمه الله: ضرب عمّار ممّا لم يختلف فيه الرواة وإنّما اختلفوا في سببه، فروى عبّاس بن هشامٍ الكلبيّ، عن أبي مخنف في إسناده أنّه كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حليّ وجوهر، فأخذ منه عثمان ما حلّى به بعض أهله فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك وكلّموه فيه بكلّ كلام شديد حتّى غضب فخطب، وقال: لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفي ء وإن رغمت أنوف أقوام. فقال له عليّ عليه السلام: إذا

ص: 227


1- الشافي: 4/281؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/43؛ بحار الأنوار: 31/188.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/46؛ بحار الأنوار: 31/205.
3- تفسير الصافي: 1/59؛ صحيح البخاري: 6/100.
4- بحار الأنوار: 31/206.
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/47؛ نهج الحق وكشف الصدق: 296.

تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه. فقال عمّار أشهد واللَّه أن أنفي أوّل راغم من ذلك، فقال عثمان: أعليّ يابن ياسر وسميّة تجتري؟ خذوه، فأخذوه، ودخل عثمان فدعا به وضربه حتّى غشي عليه، ثمّ أخرج فحمل إلى منزل أمّ سلمة فلم يصلّ الظّهر والعصر والمغرب، فلمّا أفاق توضّأ وصلّى. وقال الحمد للَّه، ليس هذا أوّل يوم أوذينا في اللَّه.

فقال هشام بن الوليد بن المغيرة المخزوميّ وكان عمّار حليفا لبني مخزوم: يا عثمان أمّا عليّ عليه السلام فاتّقيته، وأمّا نحن فاجترأت علينا وضربت أخانا حتّى أشفيت به على التّلف، أما واللَّه لئن مات لأقتلنّ به رجلا من بني أميّة عظيم الشّأن. فقال عثمان: وإنّك هاهنا يابن القسريّة. قال: فإنّهما قسريّتان وكانت أمّ هشام وجدّته قسريّتين من بجيلة، فشتمه عثمان وأمر به فأخرج، وأتي به أمّ سلمة فإذا هي قد غضبت لعمّار، وبلغ عائشة ما صنع بعمّار فغضبت وأخرجت شعراً من شعر رسول اللَّه ونعلاً من نعاله وثوبا من ثيابه، وقالت ما أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم، وهذا ثوبه وشعره ونعله لم يبل(1).

وروى آخرون أنّ السّبب في ذلك أنّ عثمان مرّ بقبر جديد، فسأل عنه، فقيل عبداللَّه بن مسعود، فغضب على عمّار لكتمانه إيّاه موته إذ كان المتولّي للصلاة عليه والقيام بشأنه فعندها وطئ عثمان عمّارا حتّى أصابه الفتق(2).

وروى آخرون أنّ المقداد وطلحة والزّبير وعمّارا وعدّة من أصحاب رسول اللَّه كتبوا كتاباً عدّدوا فيه أحداث عثمان وخوّفوه ربّه، وأعلموه أنّهم واثبوه إن لم يقلع،

ص: 228


1- أنساب الأشراف: 5/537، ش 1382؛ الشافي: 4/289؛ بحار الأنوار: 31/193.
2- أنساب الأشراف: 5/539، ش 1384؛ الشافي: 4/290؛ بحار الأنوار: 31/194.

فأخذ عمّار الكتاب فأتاه به فقرأ منه صدرا، فقال عثمان أعليّ تقدم من بينهم. فقال لأنّي أنصحهم لك. قال: كذبت يا ابن سميّة، فقال: أنا واللَّه ابن سميّة وأنا ابن ياسر، فأمر عثمان غلمانه له فمدّوا بيديه ورجليه ثمّ ضربه عثمان برجليه وهي في الخفّين على مذاكيره فأصابه الفتق، وكان ضعيفاً كبيراً فغشي عليه(1).

وقال المحدّث المجلسي: وعندي أنّ السبب الحامل لعثمان على ما صنع بعمّار هو أنّ عمّارا كان من المجاهرين بحبّ عليّ عليه السلام، وأنّ من غلبه على الخلافة غاصب لها، فحملته عداوته لأميرالمؤمنين عليه السلام وحبّه للرئاسة على إهانته وضربه حتّى حدث به الفتق وكسر ضلعا من أضلاعه(2).

ومنها: ما صنع بأبي ذر من الاهانة والضرب والاستخفاف مع علوّ شأنه وتقدّمه في الإسلام حتّى سيّره إلى الربذة ونفاه(3).

ومنها تعطيله الحدّ الواجب على عبيداللَّه بن عمر بن الخطّاب، فانّه قتل الهرمزان بعد اسلامه بتهمة أنّه أغرى أبا لؤلؤة إلى قتل أبيه عمر، فلم يقده عثمان به وقد كان أميرالمؤمنين يطلبه(4).

وروى أنّه لمّا ولى الخلافة أراد قتله فهرب منه إلى معاوية بالشام(5).

ومنها: وهو اجمالي قالي وهو أنّه لو لم يقدم عثمان على أحداث يوجب خلعه والبراءة منه لوجب على الصحابة أن ينكروا على من قصده من البلاد متظلّما، وقد

ص: 229


1- أنساب الأشراف: 5/539، ش 1383؛ الشافي: 4/290؛ بحار الأنوار: 31/194.
2- بحار الأنوار: 31/197.
3- بحار الأنوار: 31/174؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/52.
4- بحار الأنوار: 31/224؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/59.
5- بحار الأنوار: 31/227.

عملنا أنّ بالمدينة قد كان كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار ولم ينكروا على القوم بل أسلموه ولم يدفعوا عنه، بل أعانوا قاتليه ولم يمنعوا من قتله، وحصره ومنع الماء عنه وهذا من أقوى الدليل على تصديق الصحابة للمطاعن فيه وبراءتهم منه ولو لم يكن في أمره إلّا ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: اللَّه قتله وأنا معه مريدا بذلك رضائهما به لكفى هذا كلّه مضافاً إلى أنّهم تركوه بعد قتله ثلاثة أيّام على المزابل لم يدفنوه وهو من أدلّ الدلائل على رضاهم بقتله(1).

ويناسب المقام حكاية ظريفة روى إنّ ابن الجوزي قال يوماً على منبره سلوني قبل أن تفقدوني فسألته امرأة عمّا روي أن عليّاً عليه السلام سار في ليلة إلى سلمان فجهّزه ورجع، فقال: روي ذلك، قالت فعثمان ثم ثلاثة أيام منبوذا في المزابل وعليّ حاضر؟ قال: نعم، قالت: فقد لزم الخطأ لأحدهما، فقال: إن كنت خرجت من بيتك بغير إذن بعلك فعليك لعنة اللَّه، وإلّا فعليه، فقالت: خرجت عائشة إلى حرب علي عليه السلام بإذن النبي أو لا؟ فانقطع ولم يحر جواباً(2).

ومنها: جرأته على الرسول صلى الله عليه وآله ومضادته له، قال السدي في تفسير قوله تعالى: «وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً»(3)انّه لمّا توفي أبو سلمة وعبداللَّه بن حذافة وتزوج رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بامرأتيهما أمّ سلمة وحفصة قال طلحة وعثمان: أينكح محمّد نسائنا إذا متنا ولا ننكح نسائه إذا مات، واللَّه لو قد مات لقد أجلنا على نسائه بالسهام وكان طلحة يريد عائشة وعثمان يريد أمّ سلمة فأنزل اللَّه تعالى:

ص: 230


1- بحار الأنوار: 31/161.
2- الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم: 1/218؛ بحار الأنوار: 29/647.
3- سورة الأحزاب: 53.

«وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً»(1)وأنزل اللَّه تعالى: «إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيماً»(2)وأنزل: «إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالآْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِينا»(3).

ومنها: عدم اذعانه بقضاءرسول اللَّه صلى الله عليه وآله، عن السدي في تفسير قوله تعالى: «وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ»(4)الآيات. قال السدي: نزلت هذه في عثمان بن عفان، قال: لما فتح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بني النضير فغنم أموالهم فقال عثمان لعلي: ائت رسول اللَّه فأسأله أرض كذا وكذا، فإن أعطاكها فأنا شريكك فيها وآتيه أنا فأسأله فإن أعطانيها فأنت شريكي فسأله عثمان أولا فأعطاه إياها فقال له علي أشركني فأبى عثمان، فقال بيني وبينك رسول اللَّه فأبى أن يخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وآله فقيل له: لِمَ لَم تنطلق معه إلى النبي؟ فقال: هو ابن عمّه فأخاف أن يقضي له فنزل قوله تعالى: «وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ»(5)إلى قوله تعالى «بَلْ أُولئِكَ هُمُ

ص: 231


1- سورة الأحزاب: 53.
2- سورة الأحزاب: 54.
3- سورة الأحزاب: 57.
4- سورة النور: 47-50.
5- سورة النور: 48.

الظَّالِمُونَ»(1)فلمّا بلغ عثمان ما أنزل اللَّه فيه أتى النبي فأقر لعلي بالحق.

ومنها: انّه زعم أنّ في المصحف لحنا، فقد حكى في البحار من كشف الحق عن تفسير الثعلبي في قوله تعالى: «إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ»(2)قال: قال عثمان: إنّ في المصحف لحنا فقيل له ألا تغيره؟ فقال: دعوه فلا يحلل حراماً ولا يحرم حلالاً.

ومنها: تقديمه الخطبتين في العيدين، وكون الصلاة مقدمة على الخطبتين قبل عثمان ممّا تظافرت به الأخبار العاميّة(3)وأخبار أهل البيت في ذلك أيضاً بالغة حدّ الاستفاضة وقال العلّامةرحمه الله في محكي المنتهى: لا نعرف في ذلك خلافاً إلّا من بني أميّة(4).

وعن محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: الصلاة قبل الخطبتين وكان أوّل من أحدثها بعد الخطبة عثمان لما أحدث احداثه كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس ليرجعوا فلمّا رأى ذلك قدم الخطبتين واحتبس الناس للصلاة(5).

ومنها أنّه لم يتمكّن من الاتيان بالخطبة، فقد روى في البحار من روضة الأحباب أنّه لمّا كان أوّل جمعةٍ من خلافته صعد المنبر فعرضه العيّ فعجز عن أداء الخطبة فتركها، فقال بسم اللَّه الرحمن الرحيم أيّها النّاس سيجعل اللَّه بعد عسر يسرا وبعد عيّ نطقا، وإنّكم إلى إمام فعّال أحوج منكم إلى إمام قوّال، أقول قولي واستغفر اللَّه لي ولكم، فنزل، قال وفي رواية أنّه قال: الحمد للَّه، وعجز عن الكلام،

ص: 232


1- سورة النور: 50.
2- سورة طه: 63.
3- بحار الأنوار: 31/240.
4- بحار الأنوار: 31/241.
5- تهذيب الأحكام: 3/287، ح 860-16؛ بحار الأنوار: 31/241.

وفي رواية أنّه قال أوّل كلّ مركب صعب، وإنّ أبا بكر وعمر كانا يعدّان لهذا المقام مقالا وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل، وإن أعش فآتكم الخطبة على وجهها، ويعلم اللَّه إن شاء اللَّه تعالى(1).

فانّ الظاهر من الرواية أنّ الخطبة كانت خطبة الجمعة الواجبة وأنّ عثمان لما حصر وعرضه العي ترك الخطبة ولم يأمر أحداً بالقيام بها وإقامة الصلاة وإلّا لرووه فالأمر في ذلك ليس مقصوراً على العجز والقصور، بل فيه ارتكاب المحظور فيكون أوضح في الطعن(2).

ومنها: قلّة اعتنائه بالشريعة، وقد قال المجلسي رحمه الله: أنّ مرويّاته في كتب الجمهور مع حرص أتباعه من بني أميّة والمتأخّرين عنهم على إظهار فضله لم يزد على مائة وستة وأربعين. وقد رووا عن أبي هريرة خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثا، وذلك إمّا لغلبة الغباوة حيث لم يأخذ في طول الصحبة إلّا نحوا ممّا ذكر، أو لقلّة الاعتناء برواية كلام الرسول وكلاهما يمنعان عن استيهال الخلافة والإمامة(3).

وَأَوْجَدَ النَّاسَ مَقَالاً فَقَالُوا ثُمَّ نَقَمُوا فَغَيَّرُوا

في الطبري في جهاد هاشم المرقال يوم صفّين مع جمع من القرّاء: فإنّهم لكذلك إذ خرج عليهم فتى شابّ وهو يقول:

ص: 233


1- بحار الأنوار: 31/246.
2- بحار الأنوار: 31/246.
3- بحار الأنوار: 31/252.

أنا ابن أرباب الملوك غسّان***والدائن اليوم بدين عثمان

إنّي أتاني خبر فأشجان***أنّ عليّاً قتل ابن عفّان

ثمّ يشدّ فلا ينثني حتّى يضرب بسيفه، ثمّ يشتم ويلعن ويكثر الكلام، فقال له هاشم: يا عبد اللَّه إنّ هذا الكلام بعده الخصام، وإنّ هذا القتال بعده الحساب، فاتّق اللَّه فإنّك راجع إلى اللَّه فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به، قال: فإنّي أقاتلكم لأنّ صاحبكم لا يصلّي كما ذكر لي، وأنتم لا تصلّون أيضاً، وأقاتلكم لأنّ صاحبكم قتل خليفتنا، وأنتم أردتموه على قتله، فقال له هاشم: وما أنت وابن عفّان إنّما قتله أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله وأبناء أصحابه وقرّاء الناس، حين أحدث الأحداث، وخالف حكم الكتاب، وهم أهل الدين، وأولى بالنظر في أُمور الناس منك ومن أصحابك - إلى أن قال: - وأمّا قولك: إنّ صاحبنا لا يصلّي، فهو أوّل من صلّى، وأفقه خلق اللَّه في دين اللَّه، وأولى بالرسول، وأمّا كلّ من ترى معي فكلّهم قارئ لكتاب اللَّه لا ينام الليل تهجّداً(1).

وفي الطبري أيضاً: كان ابتداء الجرأة على عثمان أنّ إبلاً من إبل الصدقة قدمت على عثمان، فوهبها لبعض ولد الحكم بن أبي العاص، فبلغ ذلك عبدالرحمن بن عوف، فأخذها (فأخذاها) وقسّمها بين الناس وعثمان في داره، فكان ذلك أوّل وهن دخل عليه(2).

وفيه وقيل: بل كان أوّل وهن دخل عليه أنّ عثمان مرّ بجبلة بن عمرو

ص: 234


1- تاريخ الطبري: 4/31، سنة 37.
2- تاريخ الطبري: 3/399، سنة 35.

الساعدي، وهو في نادي قومه وفي يده جامعة(1)، فسلّم عثمان، فردّ القوم عليه، فقال لهم جبلة: لم تردّون على رجل فعل كذا وفعل كذا ثمّ قال لعثمان: واللَّه لأطرحنّ هذه الجامعة في عنقك أو لتتركنّ بطانتك هذه الخبيثة، مروان وابن عامر وابن أبي سرح، منهم من نزل القرآن بذمّه ومنهم من أباح النبيّ صلى الله عليه وآله دمه(2).

وفيه وقيل: إنّه خطب يوماً، وبيده عصا كان النبيّ صلى الله عليه وآله وأبوبكر وعمر يخطبون عليها، فأخذها جهجاه الغفاري من يده، وكسرها على ركبته، فلمّا تكاثرت أحداثه كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة وغيرهم الى من بالآفاق: إنّكم إن كنتم تريدون الجهاد فهلمّوا إلينا، فانّ دين محمّد صلى الله عليه وآله قد أفسده خليفتكم(3).

وفي العقد: قال ابن دأب: لمّا أنكر الناس على عثمان ما أنكروا، من تأمير الأحداث من أهل بيته بني أُميّة على الجلّة الأكابر من أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله، قالوا لعبدالرحمن بن عوف: هذا عملك واختيارك لأُمّة محمّد صلى الله عليه وآله قال: لم أظنّ هذا به(4).

وفيه: قال أبو سعيد الخدري: إنّ ناساً كانوا عند فسطاط عائشة وأنا معهم بمكّة، فمرّ بنا عثمان، فما بقي أحد من القوم إلّا لعنه غيري، وكان فيهم رجل من أهل الكوفة، كان عثمان أجرأ عليه منه على غيره، فقال له: يا كوفيّ، أتشتمني فلمّا قدم المدينة كان يتهدّده، فقيل له: عليك بطلحة. فانطلق معه حتّى دخل على عثمان، فقال عثمان: واللَّه لأجلدنّه مائة سوط. قال طلحة: واللَّه لا تجلدنّه مائة سوط إلّا أن

ص: 235


1- الجامعة: الغلّ لأنّها تجمع اليدين إلى العنق. لسان العرب: 8/59.
2- تاريخ الطبري: 3/399، سنة 35.
3- تاريخ الطبري: 3/400-401، سنة 35.
4- العقد الفريد: 5/55.

يكون زانياً. قال: واللَّه لأحرمنّة عطاءه. قال: اللَّه يرزقه(1).

وفيه: نظر ثابت بن عبداللَّه بن الزبير إلى أهل الشام فقال: إنّي لأبغض هذه الوجوه، فقال له سعيد بن عمرو بن عثمان: تبغضهم لأنّهم قتلوا أباك؟ قال: صدقت، ولكنّ المهاجرين والأنصار قتلوا أباك(2).

وفي خلفاء لابن قتيبة في حصار عثمان: فقام الأشتر وقال لطلحة: تبعثون إلينا وجاءنا رسولكم بكتابكم، وها هو ذا، وأخرج كتاباً فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، من المهاجرين الأوّلين وبقيّة الشورى، إلى من بمصر من الصحابة والتابعين، أمّا بعد، أن تعالوا إلينا، وتداركوا خلافة رسول اللَّه قبل أن يسلبها أهلها، فإنّ كتاب اللَّه قد بدّل، وسنّة رسوله قد غيّرت، وأحكام الخليفتين قد بدّلت، فننشد اللَّه من قرأ كتابنا من بقيّة أصحاب الرسول والتابعين بإحسان، إلّا أقبل إلينا، وأخذ الحقّ لنا، وأعطاناه، فأقبلوا إلينا إن كنتم تؤمنون باللَّه واليوم الآخر، وأقيموا الحقّ على المنهاج الواضح، الذي فارقتم عليه نبيّكم صلى الله عليه وآله، وفارقكم عليه الخلفاء، غلبنا على حقّنا، واستولي على فيئنا، وحيل بيننا وبين أمرنا، وكانت الخلافة بعد نبيّنا خلافة نبوّة ورحمة، وهي اليوم ملكا عضوضا(3)، من غلب على شي ء أكله. فبكى طلحة، فقال الأشتر: لمّا حضرنا أقبلتم تعصرون أعينكم، واللَّه لا نفارقه حتّى نقتله - إلى أن قال: - وذكروا أنّ أهل مصر جاءوا يشكون عاملهم ابن أبي سرح، فكتب إليه عثمان يتهدّده فيه، فأبى ابن أبي سرح أن يقبل ما نهاه عنه عثمان، وضرب بعض

ص: 236


1- العقد الفريد: 5/56.
2- العقد الفريد: 4/110.
3- ملك عضوض، لاصق بأصحابه يصعب خلعهم منه، أو شديد قوي على الناس.

من أتاه به من قبل عثمان من أهل مصر حتّى قتله، فخرج من أهل مصر سبعمائة رجل، فنزلوا في المسجد، وشكوا إلى أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله في مواقيت الصلاة ما صنع بهم ابن أبي سرح، فقام طلحة وتكلّم بكلام شديد، وأرسلت عائشة إلى عثمان فقالت له: قد تقدّم إليك أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله، وسألوك عزل هذا الرجل، فأبيت إلّا واحدة، فهذا قد قتل منهم رجلاً، فأنصفهم من عاملك.

و دخل عليه عليّ عليه السلام وكان متكلّم القوم، فقال له: إنّما يسألونك رجلاً مكان رجل وقد ادّعوا قبله دما، فاعزله عنهم واقض بينهم، فإن وجب لهم عليه حقّ، فأنصفهم منه. فقال: اختاروا رجلاً أولّيه عليهم. فقالوا: استعمل محمّد بن أبي بكر. فكتب عهده، وولّاه، فخرج وخرج معه عدد من المهاجرين والأنصار، ينظرون في ما بين أهل مصر وابن أبي سرح، حتّى إذا كانو على مسيرة ثلاث ليال من المدينة، فإذا هم بغلام أسود على بعير يخبط البعير، كأنّه رجل يطلب أو يطلب، فقال له أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله: ما قصّتك وما شأنك كأنّك طالب أوهارب؟ فقال: إنّي غلام عثمان وجّهني إلى عامل مصر. فقال له رجل: هذا عامل مصر معنا، قال: ليس هذا اريد فاخبر محمّد بن أبي بكر بأمره، فبعث في طلبه، فجي ء به إليه، فقال له: غلام من أنت؟ فأقبل مرّة يقول: غلام مروان، ومرّة يقول: غلام عثمان، حتّى عرفه رجل أنّه لعثمان، فقال له محمّد: إلى من أرسلك؟ قال: إلى عامل مصر. قال: بماذا؟ أما معك كتاب؟ قال: لا: ففتّشوه فلم يجدوا معه كتاباً، وكانت معه إداوة قد يبست(1)، فيها شي ء يتقلقل، فحرّكوه ليخرج فلم يخرج، فشقّوا إداوته، فإذا فيها كتاب من

ص: 237


1- الإداوة سقاء من جلد يوضع فيه الماء ويسمّى المطهرة لأن صاحبها يتطهّر بما فيها من الماء ومعنى قد يبسب: قد جفت لعدم وضع الماء فيها مدّة طويلة.

عثمان إلى ابن أبي سرح، فجمع محمّد بن أبي بكر من كان معه من المهاجرين والأنصار، وفكّ الكتاب بمحضر منهم، فقرأه فإذا فيه: إذا أتاك محمّد بن أبي بكر وفلان وفلان وفلان فاقتلهم، وأبطل كتابهم، وقرّ على عملك حتّى يأتيك رأيي.

فلمّا رأوا الكتاب فزعوا منه، ورجعوا إلى المدينة، وختم محمّد بن أبي بكر الكتاب بخواتم النفر الذين كانوا معه، ودفعه إلى رجل منهم، ثمّ قدموا المدينة، فجمعوا طلحة والزبير وعليّاً وسعدا، ومن كان من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله، ثمّ فكّوا الكتاب بمحضر منهم، وأخبرهم بقصّة الغلام، وأقرأهم الكتاب، فلم يبق أحد من المدينة إلّا حنق(1)على عثمان. وقام أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله فلحقوا بمنازلهم، وحصر الناس عثمان وأحاطوا به(2)

ص: 238


1- حنق: حقد وغضب.
2- الإمامة والسياسة، تحقيق الزيني: 1/37-40.

الخطبة(44)- ومن كلام له عليه السلام لما هرب...

اشارة

44- ومن كلام له عليه السلام لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية، وكان قد ابتاع سبي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين عليه السلام وأعتقهم، فلما طالبه بالمال خاس به وهرب إلى الشام

قَبَّحَ اللَّهُ مَصْقَلَةَ فَعَلَ فِعْلَ السَّادَةِ وَفَرَّ فِرَارَ الْعَبِيدِ فَمَا أَنْطَقَ مَادِحَهُ حَتَّى أَسْكَتَهُ وَلا صَدَّقَ وَاصِفَهُ حَتَّى بَكَّتَهُ وَلَوْ أَقَامَ لَأَخَذْنَا مَيْسُورَهُ وَانْتَظَرْنَا بِمَالِهِ وُفُورَهُ

و من كلام له عليه السلام لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية

مصقلة بفتح الميم وهو مصقلة بن هبيرة فإنّ إبن الكلبي قد ذكره في جمهرة النسب فقال هو مصقلة بن هبيرة بن شبل بن يثربي بن امرئ القيس بن ربيعة بن مالك بن ثعلبة بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن عليّ بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان(1).

ص: 239


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/127.

ولّاه الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام على أردشير خرة(1).

ذكروا أنّه قام إلى عليّ عليه السلام وجوه بكر بن وائل فقالوا: إنّ نعيما أخا مصقلة يستحي منك بما صنع مصقلة، وقد أتانا اليقين أنّه لا يمنع مصقلة من الرجوع إليك إلّا الحياء، ولم يبسط منذ فارقنا لسانه، ولا يده، فلو كتبنا إليه كتاباً وبعثنا من قبلنا، فانّا نستحي أن يكون فارقنا مثل مصقلة من أهل العراق إلى معاوية. فقال عليّ عليه السلام: اكتبوا، فكتبوا: أمّا بعد فقد علمنا أنّك لم تلحق بمعاوية رضى بدينه، ولا رغبة في دنياه، ولم يعطفك عن عليّ عليه السلام طعن فيه، ولا رغبة عنه، ولكن توسّطت أمرا، فقوّيت فيه الظنّ، وأضعفت فيه الرجاء. فكان أولاهما عندك أن قلت أفوز بالمال، وألحق بمعاوية، ولعمرنا ما استبدلت الشام بالعراق، ولا السكاسك(2)بربيعة، ولا معاوية بعليّ عليه السلام، ولا أصبت دنيا تهنأ بها، ولا حظّاً تحسد عليه، وإنّ أقرب ما يكون مع اللَّه أبعد ما يكون مع معاوية فارجع إلى مصرك فقد اغتفر لك أمبرالمؤمنين عليه السلام الذنب، واحتمل الثقل، واعلم أنّ رجعتك اليوم خير منها غدا، وكانت أمس خيراً منها اليوم، وإن كان عليك حياء من الرجوع إلى الحقّ فما أنت فيه أعظم، فقبّح اللَّه أمراً ليس فيه دنيا ولا آخرة.

فكتب مصقلة إليهم: جاءني كتابكم وإنّي أخبركم أنّ من لم ينفعه القليل لم ينفعه الكثير، وقد علمتم الأمر الذي قطعني من عليّ، وأضافني إلى معاوية وقد علمت أني لو رجعت إلى عليّ وإليكم لكان ذنبي مغفوراً، ولكنّي أذنبت إلى عليّ عليه السلام وصحبت معاوية، فلو رجعت إلى عليّ أحدثت عيبا وأحييت عارا، وكنت بين

ص: 240


1- شرح نهج البلاغة لسيّد عبّاس الموسوي: 1/328.
2- السكاسك: حي من اليمن جدّهم سكسك بن أشرس.

لائمين أوّلهما خيانة، وآخرهما غدر، ولكنّي اقيم بالشام فان غلب معاوية فداري العراق، وإن غلب عليّ فداري أرض الروم فأمّا الهوى فإليكم طائر، وكانت فرقتي عليّاً على بعض العذر أحبّ إليّ من فرقتي معاوية ولا عذر لي. فرجع الرسول بالكتاب فأقرأه عليّاً، فقال: كفّوا عن صاحبكم فليس براجع حتّى يموت(1).

وفي بلدان للبلاذري: ولّى معاوية مصقلة طبرستان وجميع أهلها حرب وضمّ إليه عشرة آلاف - ويقال عشرين ألفاً - فكاده العدو وأروه الهيبة له حتّى توغّل بمن معه في البلاد فلمّا جاوزوا المضائق، أخذها العدوّ عليهم، وهدّوا الصخور من الجبال على رؤوسهم فهلك ذلك الجيش أجمع، وهلك مصقلة فضرب الناس به المثل فقالوا: «حتّى يرجع مصقلة من طبرستان»(2).

وكان قد ابتاع سبي بني ناجية

نسب بني ناجية

في الأغاني: وناجية أمهم بنت جرم بن ربان وهو علاف، وهو أول من اتخذ الرحال العلافية. فنسبت إليه، واسم ناجية ليلى وإنما سميت ناجية لأنها سارت في مفازة معه. فعطشت فاستسقته ماء. فقال لها: الماء بين يديك وهو يريها السراب حتّى جاءت الماء فشربت وسميت ناجية(3).

وأما القول في نسب بني ناجية فإنّهم ينسبون أنفسهم إلى سامة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وقريش تدفعهم عن هذا النسب ويسمونهم بني ناجية وهي أمهم وهي امرأة سامة بن لؤي بن

ص: 241


1- الإمامة والسياسة، تحقيق الزيني: 1/80-81.
2- فتوح البلادان للبلاذري: 2/411.
3- الأغاني: 10/384.

غالب ويقولون إن سامة خرج إلى ناحية البحرين مغاضبا لأخيه كعب بن لؤي في مماظة(1)كانت بينهما فطأطأت ناقته رأسها لتأخذ العشب فعلق بمشفرها أفعى ثمّ عطفت على قتبها فحكته به فدب الأفعى على القتب حتّى نهش ساق سامة فقتله، وكانت معه امرأته ناجية فلمّا مات تزوجت رجلا في البحرين فولدت منه الحارث ومات أبوه وهو صغير فلمّا ترعرع طمعت أمه أن تلحقه بقريش فأخبرته أنه ابن سامة بن لؤي بن غالب فرحل من البحرين إلى مكّة ومعه أمه فأخبر كعب بن لؤي أنه ابن أخيه سامة فعرف كعب أمه ناجية فظن أنه صادق في دعواه فقبله ومكث عنده مدة حتّى قدم مكّة ركب من البحرين فرأوا الحارث فسلّموا عليه وحادثوه فسألهم كعب بن لؤي من أين يعرفونه فقالوا هذا ابن رجل من بلدنا يعرف بفلان وشرحوا له خبره فنفاه كعب عن مكّة ونفى أمّه فرجعا إلى البحرين فكانا هناك وتزوّج الحارث فأعقب هذا العقب(2).

وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: عمّي سامة لم يعقب(3).

عن هشام بن محمّد الكلبي عن أبيه عن عدّة عن عليّ عليه السلام قال: سامة حق، أمّا العقب فليس له، وقال قوم: كان لناجية ولد من غير سامة، وكان سامة متبنّياً له

ص: 242


1- المماظة: المخاصمة والمنازعة.
2- الأغاني: 10/382؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/120.
3- الأغاني: 10/383.

فنسب إليه، فالعقب لذلك الولد(1).

وفي الأغاني في مروان بن أبي حفصة: علي بن الجهم خطب امرأة من قريش، فلم يزوّجوه، وبلغ المتوكّل ذلك فسأل عن السبب فحدّث بقصّة بني سامة بن لؤي، وأنّ أبا بكر وعمر لم يدخلاهم في قريش، وأن عثمان أدخلهم فيها، وأن عليّاً عليه السلام أخرجهم منها فارتدّوا وأنه قتل من ارتدّ منهم، وسبى بقيتهم، فباعهم من مصقلة بن هبيرة، فضحك المتوكل، وبعث إلى علي بن الجهم فأحضره وأخبره بما قال القوم، وكان فيهم مروان بن أبي حفصة - وكان المتوكل يغريه بعلي بن الجهم وهجائه - فقال:

إنّ جهما حين تنسبه***ليس من عجم ولا عرب

لجّ في شتمي بلا سبب***سارق للشعر والنسب

من أناس يدّعون أبا***ما له في الناس من عقب

فغضب علي بن الجهم، ولم يجبه لأنّه كان يستحقره فأومأ إليه المتوكّل أن يزيده فقال:

أأنتم يا ابن جهم من قريش***وقد باعوكم ممّن تريد

أترجو أن تكاثرنا جهارا***بأصلكم(2)وقد بيع الجدود(3)

ولمّا أخذ بنو ناجية يوم الجمل بخطام جمل عايشة قالت لهم: صبراً فإنّي أعرف فيكم شمائل قريش(4).

ص: 243


1- أنساب الأشراف للبلاذري: 1/46-47.
2- بنسبتكم خ ل.
3- الأغاني: 33/155؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/126.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/265.

وفي مروج المسعودي: أبي كثير من الناس كون بني ناجية من ولد سامة وقالوا: إنّ سامة ما أعقب. قال عليّ بن محمّد بن جعفر العلوي في من انتمى إلى سامة بن لؤي:

وسامة منّا فأمّا بنوه***فأمرهم عندنا مظلم

اناس أتونا بأنسابهم***خرافة مضطجع يحلم

وقلنا لهم مثل قول الوصي***وكلّ أقاويله محكم

إذا ما سئلت فلم تدر ما***تقول، فقل: ربّنا أعلم

ولست ترى أحداً منهم إلّا منحرفاً عن عليّ عليه السلام، وبلغ من انحراف علي بن الجهم الناجي أنّه كان يلعن أباه فسئل عن ذلك فقال بتسميته إيّاي عليّاً(1).

وسمع أبو العيناء علي بن الجهم يوماً يطعن على أميرالمؤمنين عليه السلام فقال له: أنا أدري لِمَ تطعن عليه، فقال له: أتعني قصّة بيعة أهلي من مصقلة؟ قال: لا أنت أوضع من ذلك ولكن لأنّه قتل الفاعل فعل قوم لوط والمفعول به وأنت أسفلهما(2)وفيه يقول البحتري:

إذا ما حصلت عليا قريش***فلا في العير أنت ولا النفير

و لو أعطاك ربك ما تمنى***لزاد الخلق في عظم الأيور

علام هجوت مجتهدا عليّا***بما لفّقت من كذب وزور

أما لك في استك الوجعاء شغل***يكفّك عن أذى أهل القبور(3)

ص: 244


1- مروج الذهب للمسعودي: 2/407-408.
2- الأغاني: 10/385.
3- الأغاني: 10/384.

وأدخلهم الزبير بن بكار في قريش لمخالفة فعل أميرالمؤمنين عليه السلام لاجماعهم على بغضه حسب المشهور من مذهب الزبير(1).

قال المحقّق التستري قدس سره: وسبقه في ذلك عمّه مصعب الزبيري، ولابدّ أنّهما قلّدا خالة جدّهما عائشة باشتراك بغضهم له عليه السلام مثل بني ناجية(2).

قال مصعب في نسب قريشه: عبد البيت بن الحارث بن سامة، هم الذين قتلهم عليّ، وكان رئيسهم الخرّيت(3).

وأمّا قصّة بني ناجية هي انّه لمّا بايع أهل البصرة عليا عليه السلام بعد الهزيمة دخلوا في الطاعة غير بني ناجية فإنّهم عسكروا فبعث إليهم علي عليه السلام رجلا من أصحابه في خيل ليقاتلهم فأتاهم فقال: ما بالكم عسكرتم وقد دخل الناس في الطاعة غيركم؟ فافترقوا ثلاث فرق فرقه قالوا: كنّا نصارى فأسلمنا ودخلنا فيما دخل فيه الناس من الفتنة ونحن نبايع كما بايع الناس فأمرهم فاعتزلوا وفرقة قالوا: كنا نصارى ولم نسلم وخرجنا مع القوم الذين كانوا خرجوا قهرونا فاخرجونا كرها فخرجنا معهم فهزموا فنحن ندخل فيما دخل الناس فيه ونعطيكم الجزية كما أعطيناهم فقال لهم: اعتزلوا فاعتزلوا، وفرقة قالوا: كنّا نصارى فأسلمنا فلم يعجبنا الإسلام فرجعنا إلى النصرانيّة فنحن نعطيكم الجزية كما أعطاكم النصارى فقال لهم: توبوا وارجعوا إلى الإسلام فأبوا فقتل مقاتليهم وسبى ذراريهم وقدم بهم على علي عليه السلام(4).

ص: 245


1- الأغاني: 10/384.
2- بهج الصباغة: 5/491.
3- سب قريش: 1/437؛ بهج الصباغة: 5/491.
4- الغارات (ط - القديمة): 1/220؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/127؛ بحار الأنوار: 34/42.

عن عبداللَّه بن قعين الأزدي قال: كان الخريت بن راشد (الناجي أحد بني ناجية) قد شهد مع علي عليه السلام صفين فجاء إلى علي عليه السلام في ثلاثين من أصحابه يمشي بينهم حتّى قام بين يدي علي عليه السلام فقال له: واللَّه (لا واللَّه خ ل) لا أطيع أمرك ولا أصلّي خلفك وإنّي غدا لمفارق لك قال: وذاك بعد وقعة صفين وبعد تحكيم الحكمين فقال له عليّ عليه السلام: ثكلتك أمك إذا تنقض عهدك وتعصي ربك ولا تضر إلّا نفسك أخبرني لم تفعل ذلك؟ قال: لأنّك حكمت في الكتاب وضعفت عن الحق إذ جد الجد وركنت إلى القوم الذين ظلموا أنفسهم فأنا عليك رادّ وعليهم ناقم ولكم جميعا مباين(1).

فقال له علي عليه السلام: ويحك هلم إلي أدارسك(2)وأناظرك في السنن وأفاتحك أمورا من الحق أنا أعلم بها منك فلعلّك تعرف ما أنت الآن له منكر وتبصر ما أنت الآن عنه عم وبه جاهل.

فقال الخريت: فإنّي غاد عليك غدا فقال له علي عليه السلام اغد ولا يستهوينك الشيطان(3)ولا يتقحمن بك رأي السوء ولا يستخفنك الجهلاء الذين لا يعلمون فو اللَّه إن استرشدتني واستنصحتني وقبلت مني لأهدينك سبيل الرشاد.

فخرج الخريت من عنده منصرفا إلى أهله.

قال عبداللَّه بن قعين فعجلت في أثره مسرعا وكان لي من بني عمه صديق فأردت أن ألقى ابن عمه في ذلك فأعلمه بما كان من قوله لأميرالمؤمنين وما ردّ

ص: 246


1- مباين: مفارق.
2- المدارسة أن يقرأ كلّ واحد منهما على الآخر والمراد هنا المذاكرة، والمناظرة: المحاورة والمجادلة.
3- استهواه الشيطان: ذهب بهواه وعقله وحيره.

عليه وآمر ابن عمه أن يشتد بلسانه عليه وأن يأمره بطاعة أميرالمؤمنين ومناصحته ويخبره أن ذلك خير له في عاجل الدنيا وآجل الآخرة.

قال: فخرجت حتّى انتهيت إلى منزله وقد سبقني فقمت عند باب داره وفي داره رجال من أصحابه(1)لم يكونوا شهدوا معه دخوله على أميرالمؤمنين عليه السلام فو اللَّه ما رجع ولا ندم على ما قال لأميرالمؤمنين وما ردّ عليه ثمّ (ولكنه خ ل) قال لهم: يا هؤلاء إني قد رأيت أن أفارق هذا الرجل وقد فارقته على أن أرجع إليه من غد ولا أرى إلّا مفارقة فقال له أكثر أصحابه: لا تفعل حتّى تأتيه فإن أتاك بأمر تعرفه قبلت منه وإن كانت الأخرى فما أقدرك على فراقه فقال لهم: نعم ما رأيتم.

قال: ثمّ استأذنت عليهم فأذنوا لي فأقبلت على ابن عمه وهو مدرك بن الريان الناجي وكان من كبراء العرب فقلت له إن لك على حقا لإخائك وودك ولحق المسلم على المسلم إن ابن عمك كان منه ما قد ذكر لك فأخل به واردد عليه رأيه وعظم عليه ما أتى (ما أبى خ ل) واعلم أنني خائف إن فارق أميرالمؤمنين أن يقتلك ونفسه وعشيرته فقال: جزاك اللَّه خيراً من أخ إن اراد صاحبي فراق أميرالمؤمنين فارقته وخالفته وأنا بعد خال به ومشير عليه بطاعة أميرالمؤمنين ومناصحته والإقامة معه وفي ذلك حظّه ورشده فقمت من عنده وأردت الرجوع إلى علي عليه السلام لأعلمه الذي كان ثمّ اطمأننت إلى قول صاحبي فرجعت إلى منزلي فبت ثم أصبحت فلما ارتفع النهار أتيت أميرالمؤمنين عليه السلام فجلست عنده ساعة وأنا أريد أن أحدثه بالذي كان من قوله لي على خلوة فأطلت الجلوس ولا يزداد الناس إلّا كثرة فدنوت منه فجلست وراءه فأصغى إلي برأسه فأخبرته بما سمعته

ص: 247


1- ش «عند باب دار فيها رجال من أصحابه».

من الخريت (من الحديث خ ل) وما قلت لابن عمه وما رد علي(1).

فقال عليه السلام: دعه فإن قبل الحق ورجع عرفنا له ذلك وقبلناه منه وإن أبى طلبناه.

فقلت: يا أميرالمؤمنين فلم لا تأخذه الآن فتستوثق منه؟ فقال: إنا لو فعلنا هذا بكل من نتهمه من الناس ملأنا السجون منهم ولا أراني يسعني الوثوب على الناس والحبس لهم وعقوبتهم حتّى يظهروا لنا الخلاف.

قال: فسكت عنه وتنحيت فجلست مع أصحابي ثمّ مكثت ما شاء اللَّه معهم.

ثمّ قال لي عليّ عليه السلام: ادن منّي، فدنوت منه ثمّ قال لي مسرا: اذهب إلى منزل الرجل فاعلم ما فعل فإنّه قل يوم لم يكن يأتيني فيه إلّا قبل هذه الساعة.

قال: فأتيت إلى منزله فإذا ليس في منزله منهم ديار فدرت على أبواب دور أخرى كان فيها طائفة أخرى من أصحابه فإذا ليس فيها داع ولا مجيب فأقبلت إلى عليّ عليه السلام فقال لي حين رآني: أأمنوا فقطنوا(2)أم جبنوا فظعنوا؟ قلت: لا بل ظعنوا قال: أبعدهم اللَّه كما بعدت ثمود أما واللَّه لو قد أشرعت لهم الأسنة وصبت على هامهم السيوف لقد ندموا إن الشيطان قد استهواهم فأضلهم وهو غدا متبرئ منهم ومخل عنهم.

فقام إليه زياد بن خصفة(3)فقال: يا أمير المؤمنين إنّه لو لم يكن من مضرة هؤلاء إلّا فراقهم إيّانا لم يعظم فقدهم علينا فنأسى عليهم(4)فإنهم قلّما يزيدون في عددنا

ص: 248


1- الغارات: 1/220؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/128؛ بحار الأنوار: 33/406، ش 628.
2- قطنوا: أقاموا، قطن بالمكان أقام به وتوطنه فهو قاطن.
3- هو زياد بن خصفة التميمي.
4- نأسي عليهم: نأسف.

لو أقاموا معنا ولقلّما ينقصون من عددنا بخروجهم منّا ولكنّا نخاف أن يفسدوا علينا جماعة كثيرة ممن يقدمون عليهم من أهل طاعتك فأذن لي في اتباعهم حتّى أردهم عليك إن شاء اللَّه.

فقال له عليه السلام: اخرج في آثارهم راشدا، فلمّا ذهب ليخرج قال له عليه السلام: وهل تدري أين توجه القوم؟ قال: لا واللَّه ولكنّي أخرج فأسأل وأتبع الأثر، فقال له عليّ عليه السلام: اخرج رحمك اللَّه حتّى تنزل دير أبي موسى(1)ثمّ لا تبرحه حتّى يأتيك أمري فإنهم إن كانوا قد خرجوا ظاهرين بارزين للناس في جماعة فإن عمالي ستكتب إلي بذلك وإن كانوا متفرقين مستخفين فذلك أخفى لهم وسأكتب إلى من حولي من عمالي فيهم.

فكتب نسخة واحدة وأخرجها إلى العمال:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم من عبد اللَّه علي أميرالمؤمنين إلى من قرأ كتابي هذا من العمال أما بعد فإن رجالا لنا عندهم بيعة خرجوا هرابا فنظنهم وجّهوا نحو بلاد البصرة فاسأل عنهم أهل بلادك واجعل عليهم العيون في كل ناحية من أرضك ثمّ اكتب إلي بما ينتهي إليك عنهم والسلام.

فخرج زياد بن خصفة حتّى أتى داره فجمع أصحابه فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا بعد يا معشر بكر بن وائل فإنّ أميرالمؤمنين ندبني(2)لأمر من أموره مهم له وأمرني بالانكماش(3)فيه بالعشيرة حتّى آتي أمره وأنتم شيعته وأنصاره وأوثق حي

ص: 249


1- دير أبي موسى هو من الكوفة على فرسخين (وقعة صفّين: 134).
2- ندبني: دعاني فأجبته.
3- النكماش - هنا - الاسراع.

من أحياء العرب في نفسه فانتدبوا معي في هذه الساعة وعجلوا.

قال: فو اللَّه ما كان إلّا ساعة حتّى اجتمع إليه منهم مائة رجلا ونيف(1)وعشرون أو ثلاثون، فقال: اكتفينا لا نريد أكثر من هؤلاء.

قال: فخرج زياد حتّى قطع الجسر ثمّ أتى دير أبي موسى فنزله فأقام به بقية يومه ذلك ينظر أمر أميرالمؤمنين عليه السلام(2).

ثمّ جاء كتاب من قرظة بن كعب بن عمرو الأنصاري إلى أمير المؤمنين عليه السلام أخبره فيه أن خيلا مرت بنا من قبل الكوفة متوجهة نحو نفر(3)وأن رجلا من دهاقين(4)أسفل الفرات قد أسلم وصلى يقال له: زادان فروخ(5)أقبل من قبل إخوان (اخوال له) له بناحية نفر فلقوه فقالوا له: أمسلم أنت أم كافر؟ قال: قال: بل مسلم قالوا: ما قولك في علي بن أبي طالب؟ قال: قولي فيه خير أقول إنه أميرالمؤمنين و وصي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسيد البشر(6)فقالوا له: كفرت يا عدو اللَّه ثمّ حملت عليه

ص: 250


1- النيف الزيادة ولا تستعمل إلّا فيما زاد على العقد فيقال: عشرة ونيف - بالتشديد والتخفيف - إلى أن يبلغ العقد الثاني فيقال: عشرون ونيف وهكذا.
2- الغارات: 1/223؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/129؛ بحار الأنوار: 33/407.
3- ونفر - بكسر أوّله وتشديد ثانيه وفتحة - بلدة أو قرية على نهر البرس من بلاد الفرس (انظر معجم البلدان).
4- دهاقين - جمع دهقان بضمّ الدال وكسرها - رئيس الإقليم فارسية.
5- قال في سفينة البحار في «زدن»زادان كان من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام وقتل تحت رايته ثمّ انتقل أولاده إلى قزوين، وفي قزوين قبيلة تعرف بالزادانيّة فيهم أئمّة كبار من المتقدّمين والمتأخّرين.
6- يشير إلى قول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: (عليّ خير البشر فمن امترى فقد كفر) وامترى: شكّ. أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد 7/421 وفي رواية: (علي خير البشر من شكّ فقد كفر) رواه المناوي في كنوز الحقائق: 92 وقال: أخرجه أبو يعلي.

عصابة منهم فقطعوه بأسيافهم وأخذوا معه رجلا من أهل الذمة يهوديا فقالوا له: ما دينك؟ قال: يهودي: فقالوا خلوا سبيل هذا لا سبيل لكم عليه فأقبل إلينا ذلك الذمي فأخبرنا هذا الخبر وقد سألت عنهم فلم يخبرني عنهم أحد بشي ء فليكتب إلي أميرالمؤمنين فيهم برأيه أنتهي إليه والسلام.

فكتب إليه علي عليهما السلام: أما بعد فقد فهمت كتابك وما ذكرت من أمر العصابة التي مرت بعملك فقتلت المرء المسلم وأمن عندهم المخالف المشرك وإن أولئك قوم استهواهم الشيطان فضلوا كالذين «حَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا»(1)ف «أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ»(2)يوم تختبر أحوالهم (اعمالهم) فالزم عملك وأقبل على خراجك فإنك كما ذكرت في طاعتك ونصيحتك والسلام(3).

قال: وكتب علي عليه السلام إلى زياد بن خصفة مع عبداللَّه بن وال التميمي وفيه: أما بعد فقد كنت أمرتك أن تنزل دير أبي موسى حتّى يأتيك أمري وذلك أني لم أكن علمت (لأعلم خ لا) أين توجه القوم وقد بلغني أنهم أخذوا نحو قرية من قرى السواد(4)يقال لها نفر فاتبع آثارهم وسل عنهم فإنهم قد قتلوا رجلا مسلما من أهل السواد مصلّيا فإذا أنت لحقتهم فارددهم إلي فإن أبوا فناجزهم واستعن باللَّه عليهم فإنهم قد فارقوا الحق وسفكوا الدم الحرام وأخافوا السبيل والسلام.

قال عبداللَّه بن وال: فأخذت الكتاب منه عليه السلام ومضيت إلى زياد فلمّا وصل

ص: 251


1- سورة المائدة: 71.
2- سورة مريم: 38.
3- الغارات: 1/227؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/131؛ بحار الأنوار: 33/408.
4- سواد الكوفة: نخيلها وأشجارها سمي بذلك لخضرة أشجاره حيث ترى من بعيد كأنّها سوداء.

الكتاب إليه خرجنا حتّى أتينا الموضع الذي كانوا فيه (به خ ل) فسألنا عنهم فقيل لنا: إنّهم قد أخذوا نحو المدائن(1)فلحقناهم وهم نزول بالمدائن وقد أقاموا بها يوما وليلة وقد استراحوا وأعلفوا دوابهم فهم جامون(2)مريحون وأتيناهم فلمّا رأونا وثبوا على خيولهم واستووا عليها وجئنا حتّى انتهينا إليهم فواقفناهم فنادانا صاحبهم الخريت بن راشد: يا عميان القلوب والأبصار أمع اللَّه أنتم ومع كتابه وسنة نبيه أم مع القوم الظالمين؟ فقال له زياد بن خصفة: لا بل واللَّه نحن مع اللَّه وكتابه وسنة رسوله وابن عم رسوله. فقال لنا الخريت: أخبروني ما تريدون؟ فقال له زياد: وكان مجربا(3)رفيقا قد ترى ما بنا من النصب واللغوب والذي جئنا له لا يصلحه الكلام علانية على رؤوس أصحابك ولكن انزلوا وننزل ثمّ نخلو جميعا فنذاكر أمرنا وننظر فيه فإن رأيت فيما جئنا له حظا لنفسك قبلته وإن رأيت فيما أسمع منك أمرا أرجو فيه العافية لنا ولك لم أردده (لم أرده خ ل) عليك فقال له الخريت: انزل فنزل ثمّ أقبل إلينا زياد فقال: انزلوا على هذا الماء فأقبلنا حتّى

ص: 252


1- المدائن - جمع مدينة - سمّيت بذلك لأنّها كانت مدنا كل واحدة منها إلى جنب الأخرى، قال ابن عبدالحق في المراصد: «والمدائن في وقتنا هذا - يعني في القرن الثامن الهجري -: بليدة صغيرة في الجانب الغربي من دجلة وقد خربت الآن وأهلها كلّهم روافض، وفي الجانب الشرقي الايوان وقبل سلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان يقصدهما الناس في كلّ سنة للزيارة في شعبان»انتهى كلامه، وقوله: كلّهم روافض يعنى شيعة، واليوم على العكس كلّهم من أهل السنّة إلّا ما ندر. هذا وفي تاريخ الطبري 5/118 في حوادث سنة 18«المذار»بدل المدائن في الموضعين، والمذار كما في المراصد بالفتح و آخره راء بلدة في ميسان بين واسط والبصرة.
2- جامون: مستريحون من الجمام - بالفتح - وهو الراحة.
3- محربا»المحرب - بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الراء - الشجاع.

انتهينا إلى الماء فنزلنا به فما هو إلّا أن نزلنا فتفرقنا ثمّ تحلقنا(1)عشرة عشرة وتسعة وثمانية وسبعة يضعون طعامهم بين أيديهم فيأكلون ثمّ يقومون إلى ذلك الماء فيشربون فقال لنا زياد: علقوا على خيولكم فعلقنا عليها مخاليها(2)ووقف زياد في خمسة فوارس أحدهم عبد اللَّه بن وال فوقف بيننا وبين القوم فانطلق القوم فتنحوا ناحية فنزلوا وأقبل إلينا زياد فلما رأى تفرقنا وتحلقنا قال: سبحان اللَّه أنتم أصحاب حرب واللَّه لو أن هؤلاء القوم جاءوكم الساعة على هذه الحال ما أرادوا من غرتكم(3)أفضل من حالكم التي أنتم عليها عجلوا قوموا إلى خيولكم (خيلكم خ ل) فأسرعنا وتحشحشنا(4)فمنا من يتوضأ ومنا من يشرب ومنا من يسقي فرسه حتّى إذا فرغنا من ذلك كله أتينا زيادا وإذا في يده عرق ينهش فنهشه(5)نهشتين أو ثلاثا ثمّ أتى بإداوة فيها ماء(6)فشرب ثم ألقى العرق من يده ثم قال: يا هؤلاء إنا قد لقينا العدو وإن القوم لفي عدتكم - وساق الحديث إلى أن قال: - ودعا زياد بن خصفة صاحبهم الخريت فقال له: اعتزل فلننظر في أمرنا فأقبل إليه في خمسة نفر فقلت لزياد: أدعو لك ثلاثة نفر من أصحابنا حتّى نلقاهم في عددهم فقال: ادع من أحببت منهم فدعوت له ثلاثة فكنا خمسة وهم خمسة، فقال له زياد: ما الذي

ص: 253


1- تحلقنا: صرنا حلقا حلقا أي حذار أن يجتمعوا فيفاجئهم العدو.
2- المخالي - جمع مخلاة - وهي ما يجعل فيها العليق أي العلق من شعيرة ونحوه ويعلّق في عنق الدابّة.
3- الغرة - بالكسر - الغفلة.
4- التحشّش: التحرّك للنهوض.
5- ينهشه فنهش منه»والعرق - بالفتح ثمّ السكون - العظم الذي قد هبر ولم يبق عليه إلّا قليلاً من اللحم، والنهش: الأخر بمقدم الأسنان.
6- الإداوة - بكسر الهمزة - المطهرة.

نقمت على أميرالمؤمنين وعلينا إذ فارقتنا؟ فقال له الخريت: لم أرض بصاحبكم إماما ولم أرض بسيرتكم سيرة فرأيت أن أعتزل وأكون مع من يدعو إلى الشورى من الناس فإذا اجتمع الناس على رجل هو لجميع الأمة رضى كنت مع الناس، فقال له زياد: ويحك وهل يجتمع الناس على رجل منهم يداني عليا صاحبك الذي فارقته علما باللَّه وبكتابه وسنة رسوله مع قرابته منه صلى الله عليه وآله وسابقته في الإسلام؟ فقال له الخريت: ذلك ما أقول لك فقال له زياد ففيم قتلت ذلك الرجل المسلم(1)؟ فقال له الخريت: ما أنا قتلته إنما قتلته طائفة من أصحابي فقال له زياد: فادفعهم إلي، فقال له الخريت: ما إلى ذلك سبيل فقال له زياد: وكذلك أنت فاعل قال: هو ما تسمع.

قال: فدعونا أصحابنا ودعا الخريت أصحابه ثمّ اقتتلنا فواللَّه ما رأيت قتالاً مثله منذ خلقني اللَّه لقد تطاعنا بالرماح حتّى لم يبق في أيدينا رمح ثمّ اضطربنا بالسيوف حتّى انحنت وعقرت(2)عامة خيلنا وخيلهم وكثرت الجراح فيما بيننا وبينهم وحال الليل بيننا وبينهم وقد واللَّه كرهونا وكرهناهم وقد جرح زياد وجرحت ثمّ انا بتنا في جانب وتحوا فمكثوا ساعة من الليل ثمّ انّهم مضوا وذهبوا فأصبحنا فوجدناهم قد ذهبوا فواللَّه ما كرهنا ذلك فمضينا حتّى أتينا البصرة وبلغنا أنّهم أتوا الأهواز فنزلوا في جانب منها فتلاحق بهم ناس من أصحابهم نحو مائتين كانوا معهم بالكوفة ولم يكن معهم من القوّة ما ينهضهم معهم حتّى نهضوا فاتبعوهم من بعد فلحقوهم بأرض أهواز فأقاموا معهم.

قال: وكتب زياد بن خصفة إلى عليّ عليه السلام بالقصّة وانّهم ذهبوا إلى الأهواز ونحن

ص: 254


1- يعني زادان فروخ.
2- عقرت: جرحت: أو قطعت قوائمها.

بالبصرة نداوي جراحنا وننتظر أمرك رحمك اللَّه والسلام.

قال: فلمّا أتاه الكتاب قرأه على الناس فقام إليه معقل بن قيس الرياحي(1)وقال: أصلحك اللَّه يا أميرالمؤمنين إنما كان ينبغي أن يكون مكان كل رجل من هؤلاء الذين بعثتهم في طلبهم عشرة من المسلمين.

فقال له علي عليه السلام: تجهز يا معقل إليهم وندب معه ألفين من أهل الكوفة فيهم يزيد بن المغفل(2)وكتب إلى عبد اللَّه بن العباس بالبصرة: أما بعد فابعث رجلا من قبلك صليبا(3)شجاعا معروفا بالصلاح في ألفي رجل من أهل البصرة فليتبع معقل بن قيس فإذا خرج من أرض البصرة فهو أمير أصحابه حتّى يلقى معقلا فإذا لقيه فمعقل أمير الفريقين فليسمع منه وليطعه ولا يخالفه ومُر زياد بن خصفة فليقبل إلينا فنعم المرء زياد ونعم القبيل قبيله والسلام.

قال: وكتب علي عليه السلام إلى زياد بن خصفة: أما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت به الناجي وأصحابه الذين «طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ»(4)«زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ

ص: 255


1- معقل بن قيس التميمي الرياحي عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام وقال ابن الحديد في شرح نهج البلاغة م 3/414:«كان معقل بن قيس من رجال الكوفة وأبطالها وله رئاسة وقدم، أوفده عمّار بن ياسر إلى عمر بن الخطاب مع الهرمزان بفتح تستر، وكان من شيعة عليّ عليه السلام ووجّهه إلى بني ناجية فقتل منهم وسبى، وحارب المستورد بن علفة الخارجي من تيم الرباب فقتل كلّ منهما صاحبه بدجلة»وفي الاشتقاق لابن دريد: 186: أن المستورد هذا أخو قطام التي أغرت ابن ملجم بقتل أميرالمؤمنين عليه السلام.
2- ظ «يزيد بن معقل»وكذلك في ش وكلاهما مجهولان ولا يعقل أن يراد به يزيد بن المغفل الشهيد بصفين مع عليّ عليه السلام لتقدّم صفين على واقعة بني ناجية واحتمل السيّد المحدّث رحمه الله أنّه عبداللَّه بن يزيد بن المغفل الذي يأتي ذكره في غارة سفيان بن عوف الغامدي.
3- الصليب: الشديد.
4- سورة التوبة: 93.

أَعْمَالَهُمْ»(1)فهم حيارى عمون وهم «يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً»(2)ووصفت ما بلغ بك وبهم الأمر فأما أنت وأصحابك فلله سعيكم وعليه جزاؤكم وأيسر ثواب اللَّه للمؤمن خير له من الدنيا التي يقبل الجاهلون بأنفسهم عليها «مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(3)وأما عدوكم الذين لقيتموهم فحسبهم بخروجهم من الهدى وارتكابهم في الضلالة وردهم الحق وجماحهم في التيه «فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ»(4)ودعهم «فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ»(5)ف «أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ»(6)فكأنك بهم عن قليل بين أسير وقتيل فأقبل إلينا أنت وأصحابك مأجورين فقد أطعتم وسمعتم وأحسنتم البلاء والسلام.

قال: ونزل الناجي جانبا من الأهواز واجتمع إليه علوج من أهلها كثير ممن أراد كسر الخراج(7)ومن اللصوص وطائفة أخرى من الأعراب ترى رأيه (رأيهم خ ل).

قال عبداللَّه بن قعين: كنت أنا وأخي كعب بن قعين في ذلك الجيش مع معقل بن قيس فلمّا أراد الخروج أتى عليّاً عليه السلام فودعه فقال له علي عليه السلام: يا معقل اتق اللَّه ما استطعت فإنها وصية اللَّه للمؤمنين لا تبغ على أهل القبلة ولا تظلم أهل الذمة ولا

ص: 256


1- سورة الأنفال: 48.
2- سورة الكهف: 104.
3- النحل: 96.
4- سورة الأنعام: 112.
5- سورة البقرة: 15.
6- سورة مريم: 38.
7- الغارات (ط - القديمة): 1/228؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/132؛ بحار الأنوار: 33/409.

تتكبر فإن اللَّه لا يحب المتكبرين. فقال معقل: اللَّه المستعان فقال: خير مستعان، ثمّ قام فخرج وخرجنا معه حتّى نزل الأهواز فأقمنا ننتظر أهل البصرة فأبطئوا علينا فقام معقل فقال: يا أيها الناس إنا قد انتظرنا أهل البصرة وقد أبطئوا علينا وليس بنا بحمد اللَّه قلة ولا وحشة إلى الناس فسيروا بنا إلى هذا العدو القليل الذليل فإني أرجو أن ينصركم اللَّه وأن يهلكهم فقام إليه أخي كعب بن قعين فقال: أصبت إن شاء اللَّه، رأينا رأيك وإني لأرجو أن ينصرنا اللَّه عليهم وإن كانت الأخرى فإن في الموت على الحق لتعزية عن الدنيا فقال معقل: سيروا على بركة اللَّه فسرنا فو اللَّه ما زال معقل بن قيس لي ولأخي مكرما موادا ما يعدل بنا أحداً من الجند. قال: فو اللَّه ما سرنا يوماً وإذا برجل أتانا وفي يده صحيفة من عبداللَّه بن عباس إلى معقل بن قيس امره فيه بالوقوف في مكانه حتّى يقدم عليه بعثه الذي وجهه إليه من البصرة تحت راية خالد بن معدان الطائي وهو من أهل الدين والصلاح فاسمع منه وأعرف ذلك له فاقمنا حتّى قدم علينا خالد وسلّم عليه صاحبنا بالأمرة واجتمعنا جميعاً في عسكر واحد(1).

ثم خرجنا إلى الناجي وأصحابه فأخذوا يرتفعون نحو جبال رامهرمز يريدون قلعة بها حصينة وجاءنا أهل البلد فأخبرونا بذلك فخرجنا في آثارهم نتبعهم فلحقناهم وقد دنوا من الجبل فصففنا لهم ثمّ أقبلنا نحوهم فجعل معقل على ميمنته يزيد بن المغفل الأزدي وعلى ميسرته منجاب بن راشد الضبي من بني السيد من أهل البصرة فوقف الخريت بن راشد الناجي فيمن معه من العرب فكانوا ميمنة

ص: 257


1- الغارات (ط - القديمة): 1/236؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/137؛ بحار الأنوار: 33/411.

وجعل أهل البلد والعلوج ومن أراد كسر الخراج وجماعة من الأكراد ميسرة.

قال: وسار فينا معقل يحرضنا ويقول لنا: يا عباد اللَّه لا تبدئوا القوم وغضوا الأبصار وأقلوا الكلام ووطنوا أنفسكم على الطعن والضرب وأبشروا في قتالهم بالأجر العظيم إنما تقاتلون مارقة مرقت وعلوجا منعوا الخراج ولصوصا وأكرادا انظروني (فما تنتظرون خ ل) فإذا حملت فشدوا شدة رجل واحد قال: فمرّ في الصف كلّه يقول لهم هذه المقالة حتّى إذا مرّ بالناس كلّهم أقبل فوقف وسط الصف في القلب ونظرنا إليه ما يصنع فحرك رأيته تحريكتين ثمّ حمل في الثالثة وحملنا معه جميعا فو اللَّه ما صبروا لنا ساعة واحدة حتّى ولوا وانهزموا وقتلنا سبعين عربيا من بني ناجية ومن بعض من اتبعه من العرب وقتلنا نحو ثلاثمائة من العلوج والأكراد.

قال كعب بن قعين: ونظرت فيمن قتل من العرب فإذا صديقي مدرك بن الريان(1)قتيلا وخرج الخريت منهزما حتّى لحق بسيف من أسياف(2)البحر وبها جماعة من قومه كثير فما زال يسير فيهم ويدعوهم إلى خلاف علي عليه السلام ويزين لهم فراقه ويخبرهم أن الهدى في فراقه وحربه ومخالفته حتّى اتبعه منهم ناس كثير وأقام معقل بن قيس بأرض الأهواز وكتب إلى أميرالمؤمنين عليه السلام معي بالفتح وكان في الكتاب بسم اللَّه الرحمن الرحيم لعبد اللَّه علي أميرالمؤمنين من معقل بن قيس سلام عليك فإني أحمد إليك اللَّه الذي لا إله إلّا هو أما بعد فإنا لقينا المارقين وقد استظهروا علينا بالمشركين فقتلنا منهم ناسا كثيرا ولم نتعد فيهم سيرتك فلم نقتل

ص: 258


1- انّه من كبراء العرب.
2- السيف - بالكسر -: ساحل البحر أو كلّ ساحل.

منهم مدبرا ولا أسيرا ولم ندفف (نذفف خ ل) منهم على جريح(1)وقد نصرك اللَّه والمسلمين والحمد للَّه رب العالمين.

قال: فقدّمت بالكتاب (فلمّا قدمت بالكتاب عليه قرأه) فقرأه أميرالمؤمنين على أصحابه واستشارهم في الرأي فاجتمع رأي عامتهم على قول واحد فقالوا: يا أميرالمؤمنين نرى أن تكتب إلى معقل بن قيس أن يتبع آثارهم ولا يزال في طلبهم حتّى يقتلهم أو ينفيهم من أرض الإسلام فكتب إليه عليّ عليه السلام: أما بعد فالحمد للَّه على تأييد أوليائه وخذلان أعداءه جزاك اللَّه والمسلمين خيرا فقد أحسنتم البلاء وقضيتم ما عليكم فأسأل عن أخي بني ناجية فإن بلغك أنه قد استقر في بلد من البلادان فسر إليه حتّى تقتله أو تنفيه فإنّه (لم يزل خ ل) لن يزال للمسلمين عدوا وللقاسطين وليا ما بقي والسلام.

قال فسأل معقل عن مسيره والمكان الذي انتهى إليه فنبئ بمكانه بسيف البحر بفارس وأنه قد رد قومه عن طاعة علي عليه السلام وأفسد من قبله من عبد القيس ومن والاهم من سائر العرب وكان قومه قد منعوا الصدقة عام صفين ومنعوها في ذلك العام أيضا فسار إليهم معقل بن قيس في ذلك الجيش من أهل الكوفة وأهل البصرة فأخذوا على أرض فارس حتّى انتهوا إلى أسياف البحر فلمّا سمع الخريت بن راشد بمسيره أقبل على من كان معه من أصحابه ممن يرى رأي الخوارج فأسر إليهم أني أرى رأيكم فإن عليّاً لم ينبغي له أن يحكم الرجال في دين اللَّه وقال لمن يرى رأي عثمان أنا على رأيكم وقد قتل عثمان مظلوما معقولا وقال لمن منع الصدقة شدوا أيديكم على صدقاتكم ثمّ صلوا بها أرحامكم وعودوا بها إن شئتم

ص: 259


1- ذفف على الجريح: أجهز عليه.

على فقرائكم فأرضى كل طائفة بضرب من القول وكان فيهم نصارى كثير وقد كانوا أسلموا فلما اختلف الناس (فلما رأوا ذلك الإختلاف) قالوا واللَّه لديننا الذي خرجنا منه خير وأهدى من دين هؤلاء الذين لا ينهاهم دينهم عن سفك الدماء وإخافة السبل فرجعوا إلى دينهم.

فلقى الخريت أولئك فقال ويحكم إنه لا ينجيكم من القتل إلّا الصبر لهؤلاء القوم وقتالهم أتدرون ما حكم علي فيمن أسلم من النصارى ثمّ رجع إلى النصرانيّة لا واللَّه لا يسمع له قولا ولا يرى له عذراً ولا يقبل منه توبة ولا يدعوه إليها وإن حكمه فيه أن يضرب عنقه ساعة يستمكن منه فما زال حتّى خدعهم وجاءه من كان من بني ناجية في تلك الناحية ومن غيرهم فاجتمع إليه ناس كثير وكان منكرا داهيا.

قال: فلمّا رجع معقل قرأ على أصحابه كتابا من علي عليه السلام فيه: بسم اللَّه الرحمن الرحيم من عبد اللَّه علي أميرالمؤمنين إلى من قرئ عليه كتابي هذا من المسلمين والمؤمنين والمارقين والنصارى والمرتدين سلام على من اتبع الهدى وآمن باللَّه ورسوله وكتابه والبعث بعد الموت وافيا بعهد اللَّه ولم يكن من الخائنين أما بعد فإنّي أدعوكم إلى كتاب اللَّه وسنّة نبيه وأن أعمل فيكم بالحق وبما أمر اللَّه تعالى به في كتابه فمن رجع منكم إلى رحله وكفّ يده واعتزل هذا المارق (الفاسق) الهالك المحارب الذي حارب اللَّه ورسوله والمسلمين وسعى في الأرض فسادا فله الأمان على ماله ودمه ومن تابعه على حربنا والخروج من طاعتنا استعنا باللَّه عليه وجعلنا اللَّه بيننا وبينه وكفى باللَّه وليا والسلام(1).

ص: 260


1- الغارات (ط - القديمة): 1/238؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/138؛ بحار الأنوار: 33//411.

قال: فأخرج معقل رأية أمان فنصبها وقال من أتاها من الناس فهو آمن إلّا الخريت وأصحابه الذين نابذوا أوّل مرّة فتفرق عن الخريت كلّ من كان معه من غير قومه وعبأ معقل أصحابه ثمّ زحف بهم نحوه وقد حضر مع الخريت جميع قومه مسلمهم ونصرانيهم ومانعو الصدقة منهم فجعل مسلميهم ميمنة والنصارى ومانعي الصدقة ميسرة.

وسار معقل يحرض الناس فيما بين الميمنة والميسرة ويقول: أيها الناس ما تدرون ممّا سيق (ما سبق خ ل) إليكم في هذا الموقف من الأجر العظيم إن اللَّه ساقكم إلى قوم منعوا الصدقة وارتدوا عن الإسلام ونكثوا البيعة ظلما وعدوانا إني شهيد لمن قتل منكم بالجنة ولمن عاش بأن اللَّه يقر عينه بالفتح والغنيمة، ففعل ذلك حتّى مرّ بالناس أجمعين ثمّ إنه وقف في القلب برايته فحملت الميمنة عليهم ثمّ الميسرة وثبتوا لهم وقاتلوا قتالاً شديدا، ثمّ حمل هو وأصحابه عليهم فصبروا لهم ساعة.

ثمّ إن النعمان بن صهبان أبصرت بالخريت فحمل عليه وضربه فصرعه عن فرسه ثمّ نزل إليه وقد جرحه فاختلف بينهما ضربات (ضربتان خ ل) فقتله النعمان بن صهبان وقتل معه في المعركة سبعون ومائة من أصحابه وذهب الباقون في الأرض يمينا وشمالا وبعث معقل الخيل إلى رحالهم فسبى من أدرك منهم فسبى رجالا ونساء وصبيانا ثمّ نظر فيهم فمن كان مسلما فخلاه وأخذ بيعته وخلى سبيل عياله ومن كان ارتد عن الإسلام فعرض عليه الرجوع إلى الإسلام وإلّا القتل فأسلموا فخلى سبيلهم وسبيل عيالاتهم إلّا شيخا منهم نصرانيا لم يرجع فقتل وجمع الناس فقالوا ردّوا ما عليكم في هذه السنين من الصدقة فأخذ من المسلمين

ص: 261

عقالين(1)وعمد إلى النصارى وعيالاتهم فاحتملهم معه، وأقبل المسلمون الذين كانوا معهم يشيعونهم، فأمر معقل بردهم فلمّا ذهبوا لينصرفوا تصايحوا ودعا الرجال والنساء بعضهم إلى بعض، قال: فلقد رحمتهم رحمة ما رحمتها أحدا قبلهم ولا بعدهم.

وكتب معقل إلى أميرالمؤمنين عليه السلام أما بعد فإني أخبر أميرالمؤمنين عن جنده وعن عدوه إنا رفعنا إلى عدونا بأسياف البحر فوجدنا بها قبائل ذات جد وعدد وقد جمعوا لنا فدعوناهم إلى الجماعة والطاعة وإلى حكم الكتاب والسنة وقرأنا عليهم كتاب أمير المؤمنين ورفعنا لهم راية أمان فمالت إلينا منهم طائفة وثبتت طائفة أخرى فقبلنا من التي أقبلت وصمدنا إلى التي أدبرت فضرب اللَّه وجوههم ونصرنا عليهم فأما من كان مسلما فإنا مننا عليه وأخذنا بيعته لأميرالمؤمنين وأخذنا منهم الصدقة التي كانت عليهم وأما من ارتد فعرضنا عليهم الرجوع إلى الإسلام وإلّا قتلنا فرجعوا إلى الإسلام غير رجل واحد فقتلناه وأما النصارى فإنا سبيناهم وأقبلنا لهم (بهم خ ل) ليكونوا نكالا لمن بعدهم من أهل الذمة لكي لا يمنعوا الجزية ولكي لا يجترئوا على قتال أهل القبلة وهم للصغار والذلة أهل، رحمك اللَّه يا أميرالمؤمنين وأوجب لك جنات النعيم والسلام.

من عامل أميرالمؤمنين عليه السلام وأعتقهم

يعنى أمير جنده معقل بن قيس؛

ثم أقبل - معقل - بالأسارى حتّى مرّ على مصقلة بن هبيرة الشيباني وهو عامل

ص: 262


1- العقال: ككتاب - زكاة عام للإبل.

لعلي عليه السلام على أردشيرخرة(1)وهم خمسمائة إنسان فبكى إليه النساء والصبيان وصاح الرجال: يا أبا الفضل يا حامل الثقل (الثقيل خ ل) ومأوى الضعيف وفكاك العناة(2)امنن علينا فاشترنا وأعتقنا فقال مصقلة: اقسم باللَّه لأتصدقنّ عليهم إنّ اللَّه يجزي المتصدّقين فبلغ قوله معقلاً فقال: واللَّه لو أني أعلم أنّه قالها توجعا لهم ووجدا وإزراء على (عليكم) لضربت عنقه ولو كان في ذلك فناء بني تميم وبكر بن وائل.

ثم إن مصقلة بن هبيرة بعث ذهل بن الحارث الذهلي(3)إلى معقل فقال: يبيعني نصارى بني ناجية فقال: نعم أبيعكم بألف ألف درهم فأبى عليه فلم يزل يراوده حتّى باعه إياهم بخمسمائة ألف درهم ودفعهم إليه وقال له: عجل بالمال إلى أميرالمؤمنين فقال مصقلة: أنا باعث الآن بصدر(4)منه ثمّ أبعث بصدر آخر ثم كذلك حتّى لا يبقى منه شي ء إن شاء اللَّه.

قال: وأقبل معقل إلى علي عليه السلام فأخبره بما كان منه في ذلك فقال له علي عليه السلام: أحسنت وأصبت ووفقت.

ص: 263


1- أردشير خرة - بالفتح ثمّ السكون وفتح الدال المهملة وكسر الشين المعجمة وياء ساكنة وراء وخاء معجمة مضمومة وراء مشدّدة مفتوحة وهاء - هو اسم مركب معناه بهاء أردشير وهي من أجل كورفارس. معجم البلدان: 1/146.
2- العناة - جمع عاني - وهو - هنا -: الأسير.
3- ذهل بن الحارث الذهلي قتله الخوارج في دخول شبيب الخارجي الكوفة وقد وجدوه منصرفاً من مسجد قومه وكان يصلّي فيه ويطيل الصلاة فشدّوا عليه فقال: اللهمّ إنّي أشكو إليك هؤلاء وظلمهم وجهلهم، اللهمّ إنّي عنهم ضعيف فانتصر لي منهم، فضربوه حتّى قتلوه. انظر: تاريخ الطبري: 5/71، حوادث سنة 76.
4- الصدر: الطائفة من الشي ء.

قال: وانتظر علي عليه السلام مصقلة أن يبعث إليه بالمال فأبطأ به فبلغ عليا عليه السلام أن مصقلة خلى سبيل الأسارى (خلى الأسارى خ ل) ولم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشي ء فقال: ما أرى مصقلة إلّا قد حمل حمالة(1)لا أراكم إلّا سترونه عن قريب مبلدحا(2)(عن قريب ليس ببلدة خ ل) ثمّ كتب إليه: أما بعد فإن من أعظم الخيانة خيانة الأمة وأعظم الغش على أهل المصر غش الإمام وعندك من حق المسلمين خمسمائة ألف درهم فابعث إلي بها حين يأتيك رسولي وإلّا فأقبل إلي حين تنظر في كتابي فإني قد تقدمت إلى رسولي ألا يدعك ساعة واحدة تقيم بعد قدومه عليك إلّا أن تبعث بالمال والسلام.

قال: وكان الرسول أبا حرة الحنفي فقال له أبو حرة: إن تبعث بهذا المال وإلّا فاشخص معي إلى أميرالمؤمنين فلما قرأ كتابه أقبل حتّى نزل بالبصرة وكان العمال يحملون المال من كور البصرة إلى ابن عباس فيكون ابن عباس هو الذي يبعث به إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فقال له: نعم أنظرني أياما ثمّ أقبل من البصرة حتّى أتى عليا عليه السلام بالكوفة فأقره علي عليه السلام أياما لم يذكر له شيئا ثمّ سأله المال فأدى إليه مائتي ألف درهم وعجز عن الباقي ولم يقدر عليه(3).

وعن أبي الصلت عن ذهل بن الحارث قال: دعاني مصقلة إلى رحله فقدم عشاءً فطعمنا منه ثمّ قال: واللَّه إن أميرالمؤمنين عليه السلام يسألني هذا المال و واللَّه لا أقدر عليه فقلت له: لو شئت لا يمضي عليك جمعة حتّى تجمع هذا المال فقال: واللَّه ما

ص: 264


1- الحمالة - بالفتح -: ما يتحمله الإنسان عن غيره من دية أو غرامة.
2- المبلدح: الذي يعد ولا ينجز العدة.
3- الغارات (ط - القديمة): 1/242؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/141؛ بحار الأنوار: 33/414.

كنت لأحملها قومي ولا أطلب فيها إلى أحد. ثمّ قال: أما واللَّه لو أن ابن هند يطالبني بها أو ابن عفان لتركها لي ألم تر إلى ابن عفان حيث أطعم الأشعث بن قيس مائة ألف درهم من خراج آذربيجان(1)في كل سنة فقلت: إن هذا لا يرى ذلك الرأي وما هو بتارك لك شيئا فسكت ساعة وسكت عنه فما مكث ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتّى لحق بمعاوية فبلغ ذلك عليا عليه السلام فقال: ما له؟ ترحه اللَّه فعل فعل السيد وفر فرار العبيد وخان خيانة الفاجر أما إنه لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه فإن وجدنا له شيئا أخذناه وإن لم نقدر له على مال تركناه ثمّ سار إلى داره فهدمها.

وكان أخوه نعيم بن هبيرة الشيباني شيعيا ولعلي عليه السلام مناصحا فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من نصارى تغلب يقال له حلوان: أما بعد فإني كلمت معاوية فيك فوعدك الكرامة ومناك الإمارة فأقبل ساعة تلقى رسولي إن شاء اللَّه والسلام.

فلمّا وصل الكوفة علم به علي عليه السلام فأخذ النصراني(2)فقطع يده فمات فكتب نعيم إلى أخيه مصقلة جواب كتابه شعرا يتضمن امتناعه وتعييره:

لا ترميني هداك اللَّه معترضا***بالظن منك فما بالي وحلوانا

ص: 265


1- آذربيجان، قيل: هو اسم مركب من «آذر»وهو اسم النار بالفهلوية و«بيكان»معناه الحافظ والخازن. قال ياقوت في المعجم: «فكأن معناه بيت النار أو خازن النار وهذا أشبه بالحق وأحرى به لأن بيوت النار في هذه الناحية كانت كثيرة جداً»وجاء في لسان العرب: جعله ابن جني مركباً، قال: «هذا اسم خمسة موانع من الصرف وهي: التعريف: والتأنيث، والمعجمة، والتركيب، والألف والنون»انظر معجم البلدان: 1/128.
2- في الطبري وشرح النهج والبحار: «فأخذه مالك بن كعب الأرحبي فسرح به إلى عليّ عليه السلام فأخذ كتابه فقرأه ثمّ قدمه».

ذاك الحريص على ما نال من طمع***وهو البعيد فلا يورثك(1)أحزانا

ما ذا أردت إلى إرساله سفها***ترجو سقاط امرئ لم يلف وسنانا

عرضته لعلي إنه أسد***يمشي العرضنة من آساد خفانا(2)

قد كنت في منظر عن ذا ومستمع(3)أي كنت تكره ارتكاب مثل هذا لغيرك فكيف رطت فيه نفسك.(4)أي تحييهم بالذكر الحسن حيث يقال ان فاعل هذا من اولئك فسيدل بالفرع على الأصل.(5)يقال: قرع سنه ندما حك بعض أسنانه ببعض حتّى سمع لها صرير من شدّة الندم.$***ما ذا تقول وقد كان الذي كانا

أصبحت تبغضك الأحياء قاطبة***لم يرفع اللَّه بالبغضاء إنسانا

فلمّا وقع (بلغ) الكتاب إليه علم أن النصراني قد هلك ولم يلبث التغلبيون إلّا قليلا حتّى بلغهم هلاك صاحبهم فأتوا فقالوا: أنت أهلكت صاحبنا فإما أن تحييه وإما أن تديه(6)فقال: أما أن أحييه فلا أستطيع وأما أن أديه فنعم فوداه(7).

ص: 266


1- فلا يحزنك خ ل.
2- يمشي العرضنة والعرضني: أي في مشيته بغي من نشاطه ونظر إليه عرضنة أي بمؤخر عينه، وخفان: مأسدة قرب الكوفة.
3- يقال: فلان في منظر ومستمع أي في محل يروق الناظر، ويعجب السامع والمراد كنت في أيّ كنت في خصب ودعة فما دعاك لما فعلت.$***تحمي العراق وتدعى خير شيبانا حتّى تقحمت أمرا كنت تكرهه***للراكبين له سرا وعلانا
4- لو كنت أديت مال اللَّه مصطبرا***للحق أحييت أحيانا وموتانا
5- لكن لحقت بأهل الشام ملتمسا***فضل ابن هند وذاك الرأي أشجانا فاليوم تقرع سن العجز من ندم
6- تديه: تدفع ديته.
7- الغارات (ط - القديمة): 1/248؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/145؛ بحار الأنوار: 33/417.

عن بن أبي يوسف عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال: قيل لعلي عليه السلام حين هرب مصقلة: اردد الذين سبوا ولم تستوف أثمانهم في الرق فقال: ليس ذلك في القضاء بحق قد عتقوا إذ أعتقهم الذي اشتراهم وصار مالي دينا على الذي اشتراهم(1).

فلما طالبه بالمال خاس به وهرب إلى الشام

قال مصقلة لمّا هرب منه عليه السلام ولحق بمعاوية:

وفارقت خير الناس بعد محمد***لمال قليل لا محالة ذاهب(2)

قَبَّحَ اللَّهُ مَصْقَلَةَ فَعَلَ فِعْلَ السَّادَةِ وَفَرَّ فِرَار...َ

قَبَّحَ اللَّهُ مَصْقَلَةَ فَعَلَ فِعْلَ السَّادَةِ وَفَرَّ فِرَارَ الْعَبِيدِ فَمَا أَنْطَقَ مَادِحَهُ حَتَّى أَسْكَتَهُ وَلا صَدَّقَ وَاصِفَهُ حَتَّى بَكَّتَهُ وَلَوْ أَقَامَ لَأَخَذْنَا مَيْسُورَهُ وَانْتَظَرْنَا بِمَالِهِ وُفُورَهُ

فقال عليّ عليه السلام: قبّح اللَّه مصقلة، فعل فعل السيّد وفرّ فرار العبد، ولو أقام ورأيناه قد عجز لم نأخذه بشي ء.

وأجاز عتق من أعتق ففتّش عليّ عليه السلام دار مصقلة فوجد فيها سلاحاً فقال:

أرى حربا مفرّقة وسلما***وعهدا ليس بالعهد الوثيق

ثمّ هدمها، فقال يحيى بن منصور:

ص: 267


1- الغارات (ط - القديمة): 1/250؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/147؛ بحار الأنوار: 33/417.
2- مروج الذهب للمسعودي: 2/408.

قضى وطرا منها عليّ فأصبحت***إمارته فيها أحاديث كاذب

فبناها له معاوية بعد وقال مصقلة حين لحق بمعاوية:

تركت نساء الحيّ بكر بن وائل***وأعتقت سبيا من لؤيّ بن غالب

وفارقت خير الناس بعد محمّد***لمال قليل لا محالة ذاهب(1)

ص: 268


1- جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري: 1/362.

بسم الرحمن الرحیم

الخطبة (45) ومن خطبة له عليه السلام:

اشارة

الْحَمْدُ للَّهِ ِ غَيْرَ مَقْنُوطٍ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلا مَخْلُوٍّ مِنْ نِعْمَتِهِ وَلا مَأْيُوسٍ مِنْ مَغْفِرَتِهِ وَلا مُسْتَنْكَفٍ عَنْ عِبَادَتِهِ الَّذِي لا تَبْرَحُ مِنْهُ رَحْمَةٌ وَلا تُفْقَدُ لَهُ نِعْمَةٌ وَالدُّنْيَا دَارٌ مُنِيَ لَهَا الْفَنَاءُ وَلِأَهْلِهَا مِنْهَا الْجَلاءُ وَهِيَ حُلْوَةٌ خَضْرَاءُ وَقَدْ عَجِلَتْ لِلطَّالِبِ وَالْتَبَسَتْ بِقَلْبِ النَّاظِرِ فَارْتَحِلُوا مِنْهَا بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ وَلا تَسْأَلُوا فِيهَا فَوْقَ الْكَفَافِ وَلا تَطْلُبُوا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنَ الْبَلاغِ

ومن خطبة له عليه السلام: الْحَمْدُ للَّهِ ِ غَيْرَ مَقْنُوطٍ مِنْ رَحْمَتِهِ

قال تعالى: «كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ»(1)

وقال تعالى: «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ»(2)

وقال تعالى: «رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً»(3)

وقال تعالى: «فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ»(4)

ص: 269


1- سورة الأنعام: 54.
2- سورة الأعراف: 156.
3- سورة غافر: 7.
4- سورة الأنعام: 147.

وقال تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»(1)

وقال تعالى: «وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ»(2)

عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن للَّه مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وأخر اللَّه تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة(3).

روي عن النبي صلى الله عليه وآله لما قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولخرجتم إلى الصعدات تلدمون صدوركم وتجأرون إلى ربكم، فهبط جبرئيل عليه السلام فقال: إنّ ربّك يقول: لم تقنط عبادي؟ فخرج عليهم ورجاهم وشوقهم(4).

عَنْ جُنْدَبٍ الْغِفَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ: إِنَّ رَجُلاً قَالَ يَوْماً وَاللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ ذَا الَّذِي تَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لا أَغْفِرَ لِفُلانٍ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَ المتألي بِقَوْلِهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ(5).

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَبْعَثُ اللَّهُ الْمُقْنِطِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُغَلَّبَةً وُجُوهُهُمْ يَعْنِي غَلَبَةَ السَّوَادِ عَلَى الْبَيَاضِ فَيُقَالُ لَهُمْ هَؤُلاءِ الْمُقْنِطُونَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى(6).

وفي الخبر أنّ رجلاً من بني إسرائيل كان يقنط الناس ويشدّد عليهم قال:

ص: 270


1- سورة الزمر: 53.
2- سورة حجر: 56.
3- الطرائف: 2/322.
4- المحجّة البيضاء 7/254؛ جامع السعادات: 1/225.
5- الأمالي للطوسي: 58، م 2، ح 84-53؛ بحار الأنوار: 6/4، ح 3.
6- النوادر للراوندي: 18؛ بحار الأنوار: 69/338، ح 3.

فيقول اللَّه تعالى يوم القيامة: اليوم أويسك من رحمتي كما كنت تقنط عبادي منها(1).

ومنها: ما روى عن أميرالمؤمنين عليه السلام حيث قال لرجل أخرجه الخوف إلى القنوط لكثرة ذنوبه: أيا هذا يأسك من رحمة اللَّه أعظم من ذنوبك. انتهى

وَلا مَخْلُوٍّ مِنْ نِعْمَتِهِ

قال تعالى: «وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ»(2).

وقال تعالى: «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً»(3).

وقال تعالى: «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا»(4).

وَلا مَأْيُوسٍ مِنْ مَغْفِرَتِهِ

قال تعالى «وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ»(5).

وقال تعالى «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ»(6).

ص: 271


1- المحجّة البيضاء: 7/254؛ جامع السعادات: 1/225.
2- سورة النحل: 53.
3- سورة لقمان: 20.
4- سورة النحل: 18.
5- سورة يوسف: 87.
6- سورة النساء: 48.

وقال تعالى «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(1).

عن الصادق عليه السلام أنّه قال: اليأس من روح اللَّه أشدّ برداً من الزمهرير(2).

وقال أميرالمؤمنين عليه السلام لرجل أخرجه الخوف إلى القنوط لكثرة ذنوبه: يا هذا يأسك من رحمة اللَّه أعظم من ذنوبك(3).

وفي الحديث: ليغفرنّ اللَّه تعالى يوم القيامة مغفرة ما خطرت قط على قلب أحد، حتّى أن إبليس ليتطاول لها رجاء أن تصيبه(4).

وورد في دعاء الاستقالة عن الذنوب من الصحيفة السجّاديّة وهو قوله عليه السلام: أَنْتَ الَّذِي وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً وَأَنْتَ الَّذِي جَعَلْتَ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ فِي نِعَمِكَ سَهْماً وَأَنْتَ الَّذِي عَفْوُهُ أَعْلَى مِنْ عِقَابِه(5).

وَلا مُسْتَنْكَفٍ عَنْ عِبَادَتِهِ

قال تعالى: «وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ»(6).

ص: 272


1- سورة العنكبوت: 23.
2- الخصال: 2/348، ح 21؛ بحار الأنوار: 69/338، ح 1.
3- المحجّة البيضاء: 7/253؛ جامع السعادات: 1/225.
4- المحجّة البيضاء: 7/264؛ رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين عليه السلام: 3/113.
5- الصحيفة السجاديّة: 78/165.
6- سورة الأنبياء: 19.

وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ»(1).

وقال تعالى: «لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً للَّهِ ِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً»(2).

قال عليه السلام: كفى بي فخراً أن أكون لك عبدا(3).

وفي الحديث القدسي: عبدي أطعني أجعلك مثلي(4).

الَّذِي لا تَبْرَحُ مِنْهُ رَحْمَةٌ وَلا تُفْقَدُ لَهُ نِعْمَةٌ

قال تعالى: «وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ»(5).

ص: 273


1- سورة الأعراف: 206.
2- سورة النساء: 172-173.
3- مجموعة ورّام: 2/111؛ بحار الأنوار: 38/340، ح 14.
4- الجواهر السنيّة للحرّ العاملي: 361.
5- سورة النحل: 80-81.

وقال تعالى: «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا»(1).

وَالدُّنْيَا دَارٌ مُنِيَ لَهَا الْفَنَاءُ

قال تعالى: «وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ»(2).

وقال تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ»(3).

وقال تعالى: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ»(4).

وقال تعالى: «كُلُّ شَيْ ءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ»(5).

وَلِأَهْلِهَا مِنْهَا الْجَلاءُ

وقال تعالى: «وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا»(6).

قالوا: ساكنها راحل وأنفاسه رواحل وأيّامها مراحل، أشبه شي ء بظلّ الغمام وأضغاث الأحلام(7).

ص: 274


1- سورة النحل: 18.
2- سورة الكهف: 45.
3- سورة العنكبوت: 57؛ سورة آل عمران: 185؛ سورة الأنبياء: 35.
4- سورة الرحمن: 26.
5- سورة القصص: 88.
6- سورة الحشر: 3.
7- بهج الصباغة: 11/388.

وَهِيَ حُلْوَةٌ

في الذوق الفاسد، كذوق المريض، ومرّة في الذوق الصحيح كذوق السالم.

خَضْرَاءُ

في ظاهر المرأى وسوداء في المعنى.

وَقَدْ عَجِلَتْ لِلطَّالِبِ وَالْتَبَسَتْ بِقَلْبِ النَّاظِرِ

«وقد عجّلت للطالب»الإنسان عجول، والدنيا عاجلة، والعجول طالب العاجلة، قال تعالى: «كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآْخِرَةَ»(1)و قال تعالى: «إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا»(2)لكن العاجلة خزف والآجلة جوهر ولا يختار الخزف وان كان عاجلاً على الجوهر وان كان آجلاً الّا مغفل قال تعالى:«مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا* وَمَنْ أَرَادَ الآْخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا»(3).

ص: 275


1- القيامة: 20-21.
2- سورة الدهر: 27.
3- سورة الإسراء: 18-20.

وَالْتَبَسَتْ بِقَلْبِ النَّاظِرِ

أي: اشتبهت فظنّها خيراً مع كونها شرّاً، كأعمى أضلّ عصاه فوقعت يده على حيّة أسكنها البرد، فظنّها عصا حسنة.

قال تعالى: «كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ»(1).

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي خُطْبَتِهِ: لا تَكُونُوا مِمَّنْ خَدَعَتْهُ الْعَاجِلَةُ وَغَرَّتْهُ الْأُمْنِيَّةُ فَاسْتَهْوَتْهُ الْخُدْعَةُ فَرَكَنَ إِلَى دَارِ سَوْءٍ سَرِيعَةِ الزَّوَالِ وَشِيكَةِ الانْتِقَالِ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ فِي جَنْبِ مَا مَضَى إِلّا كَإِنَاخَةِ رَاكِبٍ أَوْ صَرِّ حَالِبٍ(2)فَعَلَى مَا تَعْرُجُونَ وَمَا ذَا تَنْتَظِرُونَ فَكَأَنَّكُمْ وَاللَّهِ وَمَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ وَمَا تَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنَ الآْخِرَةِ لَمْ يَزَلْ فَخُذُوا أُهْبَةً لازوفَ(3)لِنَقْلِهِ (أهبة لا زوال لنقله) وَأَعِدُّوا الزَّادَ لِقُرْبِ الرِّحْلَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ امْرِئٍ [عَلَى] مَا قَدَّمَ قَادِمٌ وَعَلَى مَا خَلَّفَ نَادِمٌ(4).

وفي قصة يوذاسف وبلوهر: في ملك عارف مرّ على عارفين عليهما لباس خلق، فنزل عن مركبه احتراماً لهما، وأنكر ذلك وزراؤه الجاهلون، فأراد تنبيههم على صواب عمله، فأمر الملك بأربعة توابيت فصنعت له من خشب فطلى تابوتين منها بالذهب وتابوتين بالقار فلما فرغ منها ملأ تابوتي القار ذهبا وياقوتا

ص: 276


1- سورة الحديد: 20.
2- صر الحالب الناقة: عادة عندهم يصرون ضرع الناقة الحلوب إذا أرسلوها إلى المرعى فإذا راحت إليهم عشياً حلوا الصرار وحلبوها. لسان العرب - صرر - 1/451.
3- يقال أزف شخوص فلان أزفاً وأزوفا: أي قرب. مجمع البحرين - أزف - 5/23.
4- اعلام الدين في صفات المؤمنين: 340، ح 27؛ بحار الأنوار: 74/183.

وزبرجدا وملأ تابوتي الذهب جيفا ودما وعذرة وشعرا، ثمّ جمع الوزراء والأشراف الذين ظن أنهم أنكروا صنيعه بالرجلين، فعرض عليهم التوابيت الأربعة وأمرهم بتقويمها، فقالوا: أما في مبلغ علمنا فتابوتا الذهب لا ثمن لهما لفضلهما، وتابوتي القار لا ثمن لهما لرذالتهما، فقال الملك: نعم هذا لعلمكم، ثمّ أمر بتابوتي القار فنزعت عنهما صفائحهما فأضاء البيت بما فيهما من الجواهر فقال: هذان مثل الرجلين الذين ازدريتم ظاهرهما ولباسهما، وهما مملوّان علما وحكمة وصدقا وبرّا وسائر مناقب الخير الذي هو أفضل من الياقوت واللؤلؤ والجوهر والذهب. ثم أمر بتابوتي الذهب فنزع عنهما أثوابهما فاقشعر القوم من سوء منظرهما وتأذوا بريحهما ونتنهما فقال الملك: وهذان مثل القوم المتزينين بظاهر الكسوة واللباس وأجوافهما مملوّة جهالة وعمى وكذبا وجورا وسائر أنواع الشر التي هي أفظع وأشنع وأقذر من الجيف(1).

فَارْتَحِلُوا مِنْهَا بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ

قال تعالى: «لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ»(2).

وقال تعالى: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ»(3).

وقال تعالى: «وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ»(4).

وقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ

ص: 277


1- كمال الدين وتمام النعمة: 2/592؛ بحار الأنوار: 75/397-398.
2- سورة آل عمران: 92.
3- سورة فاطر: 10.
4- سورة الحشر: 18.

يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ»(1).

وقال تعالى: «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ»(2).

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ شَمِّرُوا فَإِنَّ الْأَمْرَ جَدٌّ وَتَأَهَّبُوا فَإِنَّ الرَّحِيلَ قَرِيبٌ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ السَّفَرَ بَعِيدٌ وَخَفِّفُوا أَثْقَالَكُمْ فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ عَقَبَةً كَئُوداً وَلا يَقْطَعُهَا إِلّا الْمُخِفُّونَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أُمُوراً شِدَاداً وَأَهْوَالاً عِظَاماً وَزَمَاناً صَعْباً يَتَمَلَّكُ فِيهِ الظَّلَمَةُ وَيَتَصَدَّرُ فِيهِ الْفَسَقَةُ وَيُضَامُ فِيهِ الآْمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَضْطَهِدُ فِيهِ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَأَعِدُّوا لِذَلِكَ الْإِيمَانَ وَعَضُّوا عَلَيْهِ بِالنَّوَاجِذِ وَالْجَئُوا إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَأَكْرِهُوا عَلَيْهِ النُّفُوسَ تُفْضُوا إِلَى النَّعِيمِ الدَّائِمِ(3).

وَلا تَسْأَلُوا فِيهَا فَوْقَ الْكَفَافِ

قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»(4).

وقال تعالى: «أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ»(5).

ص: 278


1- سورة المؤمنون: 57-61.
2- سورة البقرة: 197.
3- اعلام الدين في صفات المؤمنين: 343، ح 33؛ بحار الأنوار: 74/186.
4- سورة المائدة: 87.
5- سورة المؤمنون: 55-56.

وقال تعالى: «كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى»(1).

وقال تعالى: «أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ إلى قوله: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»(2).

عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ مِنْ أَغْبَطِ أَوْلِيَائِي عِنْدِي رَجُلاً خَفِيفَ الْحَالِ ذَا حَظٍّ مِنْ صَلاةٍ أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ بِالْغَيْبِ وَكَانَ غَامِضاً فِي النَّاسِ جُعِلَ رِزْقُهُ كَفَافاً فَصَبَرَ عَلَيْهِ عُجِّلَتْ مَنِيَّتُهُ فَقَلَّ تُرَاثُهُ وَقَلَّتْ بَوَاكِيهِ(3).

عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: طُوبَى لِمَنْ أَسْلَمَ وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافاً(4).

عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: اللَّهُمَّ ارْزُقْ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ وَمَنْ أَحَبَّ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ الْعَفَافَ وَالْكَفَافَ وَارْزُقْ مَنْ أَبْغَضَ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ الْمَالَ وَالْوَلَدَ(5).

عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِرَاعِي إِبِلٍ فَبَعَثَ يَسْتَسْقِيهِ فَقَالَ: أَمَّا مَا فِي ضُرُوعِهَا فَصَبُوحُ الْحَيِّ(6)وَأَمَّا مَا فِي آنِيَتِنَا فَغَبُوقُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوُلْدَهُ ثُمَّ مَرَّ بِرَاعِي غَنَمٍ فَبَعَثَ إِلَيْهِ يَسْتَسْقِيهِ فَحَلَبَ لَهُ مَا فِي

ص: 279


1- سورة العلق: 6-8.
2- سورة التكاثر: 1-8.
3- الكافي: 2/140، ح 1؛ بحار الأنوار: 69/57، ح 1.
4- الكافي: 2/140، ح 2؛ بحار الأنوار: 69/59، ح 14.
5- الكافي: 2/140، ح 3؛ بحار الأنوار: 94/59، ح 14.
6- الصبوح: ما يشرب بالغاة والغبوق ما يشرب بالعشي.

ضُرُوعِهَا وَأَكْفَأَ(1)مَا فِي إِنَائِهِ فِي إِنَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِشَاةٍ وَقَالَ: هَذَا مَا عِنْدَنَا وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ نَزِيدَكَ زِدْنَاكَ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ الْكَفَافَ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعَوْتَ لِلَّذِي رَدَّكَ بِدُعَاءٍ عَامَّتُنَا نُحِبُّهُ وَدَعَوْتَ لِلَّذِي أَسْعَفَكَ بِحَاجَتِكَ(2)بِدُعَاءٍ كُلُّنَا نَكْرَهُهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى(3)اللَّهُمَّ ارْزُقْ مُحَمَّداً وَآلَ مُحَمَّدٍ الْكَفَافَ(4).

عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ

عليه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَحْزَنُ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنُ إِنْ قَتَّرْتُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَقْرَبُ لَهُ مِنِّي وَيَفْرَحُ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنُ إِنْ وَسَّعْتُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَبْعَدُ لَهُ مِنِّي(5).

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يا أبا ذر إني قد دعوت اللَّه جلّ ثناؤه أن يجعل رزق من يحبّني الكفاف وأن يعطي من يبغضني كثرة المال والولد(6).

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآلهلِأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ فِي غَنَمِهِ فَقَالَ: قَدْ كَثُرَ الْغَنَمُ وَوَلَدَتْ فَقَالَ

صلى الله عليه وآله: تُبَشِّرُنِي بِكَثْرَتِهَا مَا قَلَّ وَكَفَى مِنْهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى وروى وطوبى لمن آمن وكان عيشه كفافاً(7).

عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ِ صلى الله عليه وآله: مَنْ أَصْبَحَ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ آمِناً فِي سَرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا خِيرَتْ لَهُ الدُّنْيَا يَا ابْنَ جُعْشُمٍ يَكْفِيكَ مِنْهَا مَا سَدَّ

ص: 280


1- أكفأ أي قلب وكب. في القاموس كفأه كمنعه: صرفه وكبه وقلبه كاكفاء.
2- أسعفك بحاجتك أي قضاها لك.
3- ألهى أي شغل عن اللَّه وعن عبادته.
4- الكافي: 2/141، ح 4؛ بحار الأنوار: 69/61، ح 4.
5- الكافي: 2/141، ح 5؛ بحار الأنوار: 69/61، ح 5.
6- الأمالي للطوسي: 533، م 19، ح 1؛ بحار الأنوار: 74/81.
7- الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: 366؛ بحار الأنوار: 69/66، ح 20.

جَوْعَتَكَ وَوَارَى عَوْرَتَكَ فَإِنْ يَكُنْ بَيْتٌ يَكُنُّكَ فَذَاكَ وَإِنْ يَكُنْ دَابَّةٌ تَرْكَبُهَا فَبَخْ بَخْ وَإِلّا فَالْخُبْزُ وَمَاءُ الْجَرَّةِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ حِسَابٌ عَلَيْكَ أَوْ عَذَاب(1).

عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أتاني ملك فقال: يا محمّد إنّ ربّك يقرئك السلام ويقول: إن شئت جعلت لك بطحاء(2)مكّة ذهباً قال: فرفعت رأسي إلى السماء وقلت: يا ربّ أشبع يوماً فأحمدك وأجوع يوماً فأسألك(3).

عن صحيح مسلم عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: اللهمّ اجعل رزق محمّد قوتاً، وعنه أيضاً اللهمّ اجعل رزق محمّد كفافاً(4).

عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى مُوسَى يَا مُوسَى لا تَفْرَحْ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَلا تَدَعْ ذِكْرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ تُنْسِي الذُّنُوبَ وَتَرْكُ ذِكْرِي يُقْسِي الْقُلُوب(5).

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّمَا أتخَوْفُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي ثَلاثُ خِصَالٍ أَنْ يَتَأَوَّلُوا الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ(6)أَوْ يَتَّبِعُوا زَلَّةَ الْعَالِمِ أَوْ يَظْهَرَ فِيهِمُ الْمَالُ حَتَّى يَطْغَوْا

ص: 281


1- الأمالي للصدوق: 385، م 61، ح 3؛ بحار الأنوار: 69/65، ح 17.
2- البطحاء أصله المسيل الواسع فيه دقاق الحصى، وهو موضع بعينه قرب من ذي قار. وبطحاء مكّة ممدود. المراصد.
3- الأمالي للمفيد: 124، م 15، ح 1؛ بحار الأنوار: 69/64، ح 13.
4- بحار الأنوار: 69/60.
5- الكافي: 2/497، ح 7؛ بحار الأنوار: 69/63، ح 9.
6- التأويل ارجاع الكلام وصرفه عن معناه الظاهري إلى معنى أخفى منه مأخوذ من آل يئول إذا رجع وصار إليه واعلم أنّ التأويل غير جائز في مذهبنا وبابه مسدود إلّا عن أهله وهم الراسخون في العلم، والمراد بهم الأئمّة المعصومون عليهم السلام.

وَيَبْطَرُوا وَسَأُنَبِّئُكُمُ الْمَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا الْقُرْآنُ فَاعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ وَآمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ وَأَمَّا الْعَالِمُ فَانْتَظِرُوا فَيْئَهُ وَلا تَتَّبِعُوا زَلَّتَهُ(1)وَأَمَّا الْمَالُ فَإِنَّ الْمَخْرَجَ مِنْهُ شُكْرُ النِّعْمَةِ وَأَدَاءُ حَقِّهِ(2).

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: خَمْسٌ مَنْ لَمْ يَكُنَّ فِيهِ لَمْ يَتَهَنَّأِ بالْعَيْش الصِّحَّةُ وَالْأَمْنُ وَالْغِنَى وَالْقَنَاعَةُ وَالْأَنِيسُ الْمُوَافِقُ(3).

عن أميرالمؤمنين عليه السلام: من اقتنع بالكفاف أداه إلى العفاف(4).

عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍ عليهم السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَنْ رَضِيَ مِنَ اللَّهِ بِالْقَلِيلِ مِنَ الرِّزْقِ رَضِيَ اللَّهُ مِنْهُ بِالْقَلِيلِ مِنَ الْعَمَلِ(5).

قَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: مَنْ رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا يُجْزِيهِ كَانَ أَيْسَرُ مَا فِيهَا يَكْفِيهِ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا يُجْزِيهِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْ ءٌ يَكْفِيهِ(6).

عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: كَانَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ: ابْنَ آدَمَ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ مِنَ الدُّنْيَا مَا يَكْفِيكَ فَإِنَّ أَيْسَرَ مَا فِيهَا يَكْفِيكَ وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تُرِيدُ مَا لا يَكْفِيكَ فَإِنَّ كُلَّ مَا فِيهَا لا يَكْفِيكَ(7).

ص: 282


1- أي فانتظروا رجوعه عن الزلّة إلى الحق والاستقامة.
2- الخصال: 1/164، ح 216؛ بحار الأنوار: 2/42، ح 8.
3- المحاسن: 1/9، ح 25؛ بحار الأنوار: 66/360، ح 63.
4- غرر الحكم: 634، ش 1081.
5- الأمالي للطوسي: 405، م 14، ح 907-55؛ بحار الأنوار: 69/64، ح 15.
6- الكافي: 2/140، ح 11؛ بحار الأنوار: 70/178، ح 23.
7- الكافي: 2/138، ح 6؛ بحار الأنوار: 70/176، ح 18.

وَلا تَطْلُبُوا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنَ الْبَلاغِ

قال تعالى: «قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ»(1).

وقال تعالى: «نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ»(2).

وقال تعالى: «هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»(3)

وقال تعالى: «أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ»(4).

وقال تعالى: «وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ»(5).

وقال تعالى: «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ»(6).

وقال تعالى: «قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ»(7).

وقال تعالى: «قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ»(8).

وقال تعالى: «لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ»(9).

وقال تعالى: «وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ»(10).

ص: 283


1- سورة سبأ: 24.
2- سورة الزخرف: 32.
3- سورة فاطر: 3.
4- سورة الملك: 31.
5- سورة العنكبوت: 60.
6- سورة الروم: 37.
7- سورة سبأ: 36.
8- سورة سبأ: 39.
9- سورة الشورى: 12.
10- سورة الشورى: 27.

وقال تعالى: «وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ»(1).

وقال تعالى: «وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا»(2).

عن أبي جعفرعليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من أراد أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد اللَّه أوثق منه بما في يد غيره(3).

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَوْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليهما السلام قَالَ: مَنْ قَنِعَ بِمَا رَزَقَهُ اللَّهُ فَهُوَ مِنْ أَغْنَى النَّاس(4).

عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ قَالَ: شَكَا رَجُلٌ إِلَى أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام أَنَّهُ يَطْلُبُ فَيُصِيبُ وَلا يَقْنَعُ وَتُنَازِعُهُ نَفْسُهُ إِلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ وَقَالَ: عَلِّمْنِي شَيْئاً أَنْتَفِعْ بِهِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: إِنْ كَانَ مَا يَكْفِيكَ يُغْنِيكَ فَأَدْنَى مَا فِيهَا يُغْنِيكَ وَإِنْ كَانَ مَا يَكْفِيكَ لا يُغْنِيكَ فَكُلُّ مَا فِيهَا لا يُغْنِيكَ(5).

قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: لا تَحْرِصْ عَلَى شَيْ ءٍ لَوْ تَرَكْتَهُ لَوَصَلَ إِلَيْكَ وَكُنْتَ عِنْدَ اللَّهِ مُسْتَرِيحاً مَحْمُوداً بِتَرْكِهِ وَمَذْمُوماً بِاسْتِعْجَالِكَ فِي طَلَبِهِ وَتَرْكِ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَالرِّضَى بِالْقِسْمِ فَإِنَّ الدُّنْيَا خَلَقَهَا اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ ظِلِّكَ إِنْ طَلَبْتَهُ أَتْعَبكَ وَلا تَلْحَقُهُ أَبَداً وَإِنْ تَرَكْتَهُ تَبِعَكَ وَأَنْتَ مُسْتَرِيحٌ(6).

وَقَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: الْحَرِيصُ مَحْرُومٌ وَهُوَ مَعَ حِرْمَانِهِ مَذْمُومٌ فِي أَيِّ شَيْ ءٍ كَانَ

ص: 284


1- سورة الذاريات: 22.
2- سورة هود: 6.
3- الكافي: 2/139، ح 8؛ بحار الأنوار: 70/177، ح 20.
4- الكافي: 2/139، ح 9؛ بحار الأنوار: 70/178، ح 21.
5- الكافي: 2/139، ح 10؛ بحار الأنوار: 70/178، ح 22.
6- مصباح الشريعة: 117، الباب الخامس والخمسون في الحرص؛ بحار الأنوار: 70/165، ح 26.

وَكَيْفَ لا يَكُونُ مَحْرُوماً وَقَدْ فَرَّ مِنْ وَثَاقِ اللَّهِ وَخَالَفَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ»(1)وَالْحَرِيصُ بَيْنَ سَبْعِ آفَاتٍ صَعْبَةٍ فِكْرٍ يَضُرُّ بَدَنَهُ وَلا يَنْفَعُهُ وَهَمٍّ لا يَتِمُّ لَهُ أَقْصَاهُ وَتَعَبٍ لا يَسْتَرِيحُ مِنْهُ إِلّا عِنْدَ الْمَوْتِ وَيَكُونُ عِنْدَ الرَّاحَةِ أَشَدَّ تَعَباً وَخَوْفٍ لا يُورِثُهُ إِلّا الْوُقُوعَ فِيهِ وَحُزْنٍ قَدْ كَدِرَ عَلَيْهِ عَيْشُهُ بِلا فَائِدَةٍ وَحِسَابٍ لا يُخَلِّصُهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِلّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ وَعِقَابٍ لا مَفَرَّ لَهُ مِنْهُ وَلا حِيلَةَ وَالْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ يُمْسِي وَيُصْبِحُ فِي كَنَفِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مِنْهُ فِي عَافِيَتِهِ وَقَدْ عَجَّلَ اللَّهُ كِفَايَتَهُ وَهَيَّأَ لَهُ مِنَ الدَّرَجَاتِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ وَالْحِرْصُ (مَا يَجْرِي فِي مَنَافِذِ غَضَبِ اللَّهِ وَمَا لَمْ يُحْرَمِ الْعَبْدُ الْيَقِينَ لا يَكُونُ حَرِيصاً وَالْيَقِينُ أَرْضُ الْإِسْلامِ وَسَمَاءُ الْإِيمَان(2).

قال النبيّ صلى الله عليه وآله: يَا عَلِيُّ مَا أَحَدٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالآْخِرِينَ إِلّا وَهُوَ يَتَمَنَّى يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُ لَمْ يُعْطَ مِنَ الدُّنْيَا إِلّا قُوتا.

يَا عَلِيُّ إِنَّ الدُّنْيَا لَوْ عَدَلَتْ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَنَاحَ بَعُوضَةٍ لَمَا سَقَى الْكَافِرَ مِنْهَا شَرْبَةً مِنْ مَاء(3).

وقال أبو العتاهية:

حسبك مما تبتغيه القوت***ما أكثر القوت لمن يموت

الفقر فيما جاوز الكفافا***من اتقى اللَّه رجا وخافا(4)

ص: 285


1- سورة الروم: 40.
2- نفس المصدر السابق.
3- من لا يحضره الفقيه: 4/363؛ بحار الأنوار: 54/74.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/340.

وكان مع الرشيد في سفر، فجلس الرشيد في الطريق في ظلّ ميل، فقال له:

وما تصنع بالدنيا***وظلّ الميل يكفيكا(1)

اعلم ان المستفاد من شرح البحراني قدس سره ان هذه الخطبة ملتقطة من خطبة طويلة خطب عليه السلام بها يوم الفطر رواها الصدوق قدس سره في الفقيه فقال:

خَطَبَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَوْمَ الْفِطْرِ فَقَالَ: الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ لا نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا نَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ وَلِيّاً وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ كَذَلِكَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ وَاعْمُمْنَا بِمَغْفِرَتِكَ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي لا مَقْنُوطٌ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلا مَخْلُوٌّ مِنْ نِعْمَتِهِ وَلا مُؤْيَسٌ مِنْ رَوْحِهِ وَلا مُسْتَنْكِفٌ عَنْ عِبَادَتِهِ الَّذِي بِكَلِمَتِهِ قَامَتِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَاسْتَقَرَّتِ الْأَرْضُ الْمِهَادُ وَثَبَتَتِ الْجِبَالُ الرَّوَاسِي وَجَرَتِ الرِّيَاحُ اللَّوَاقِحُ وَسَارَ فِي جَوِّ السَّمَاءِ السَّحَابُ وَقَامَتْ عَلَى حُدُودِهَا الْبِحَارُ وَهُوَ إِلَهٌ لَهَا وَقَاهِرٌ يَذِلُّ لَهُ الْمُتَعَزِّزُونَ وَيَتَضَاءَلُ لَهُ الْمُتَكَبِّرُونَ(2)وَيَدِينُ لَهُ طَوْعاً وَكَرْهاً الْعَالَمُونَ نَحْمَدُهُ كَمَا حَمِدَ نَفْسَهُ وَكَمَا هُوَ أَهْلُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ يَعْلَمُ مَا تُخْفِي النُّفُوسُ وَمَا تُجِنُّ الْبِحَارُ وَمَا تَوَارَى مِنْهُ ظُلْمَةٌ وَلا تَغِيبُ عَنْهُ غَائِبَةٌ

ص: 286


1- بهج الصباغة: 11/391 والبيت منسوب إلى الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام.
2- رجل ضئيل الجسم أي نحيف، والتضاؤل التصاغر.

وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ مِنْ شَجَرَةٍ وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتٍ إِلّا يَعْلَمُهَا لا إِلَهَ إِلّا هُوَ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ وَيَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ الْعَامِلُونَ وَأَيَّ مَجْرًى يَجْرُونَ وَإِلَى أَيِّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ وَنَسْتَهْدِي اللَّهَ بِالْهُدَى وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَنَبِيُّهُ وَرَسُولُهُ إِلَى خَلْقِهِ وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ وَأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ رِسَالاتِ رَبِّهِ وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ الْحَائِدِينَ عَنْهُ الْعَادِلِينَ بِهِ(1)وَعَبَدَ اللَّهَ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ، أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي لا تَبْرَحُ مِنْهُ نِعْمَةٌ وَلا تَنْفَدُ مِنْهُ رَحْمَةٌ وَلا يَسْتَغْنِي الْعِبَادُ عَنْهُ وَلا يَجْزِي أَنْعُمَهُ الْأَعْمَالُ الَّذِي رَغَّبَ فِي التَّقْوَى وَزَهَّدَ فِي الدُّنْيَا وَحَذَّرَ الْمَعَاصِيَ وَتَعَزَّزَ بِالْبَقَاءِ وَذَلَّلَ خَلْقَهُ بِالْمَوْتِ وَالْفَنَاءِ وَالْمَوْتُ غَايَةُ الْمَخْوقِينَ وَسَبِيلُ الْعَالَمِينَ وَمَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْبَاقِينَ لا يُعْجِزُهُ إِبَاقُ الْهَارِبِينَ وَعِنْدَ حُلُولِهِ يَأْسِرُ أَهْلَ الْهَوَى يَهْدِمُ كُلَّ لَذَّةٍ وَيُزِيلُ كُلَّ نِعْمَةٍ وَيَقْطَعُ كُلَّ بَهْجَةٍ وَالدُّنْيَا دَارٌ كَتَبَ اللَّهُ لَهَا الْفَنَاءَ وَلِأَهْلِهَا مِنْهَا الْجَلاءَ فَأَكْثَرُهُمْ يَنْوِي بَقَاءَهَا وَيُعَظِّمُ بِنَاءَهَا وَهِيَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَقَدْ عَجِلَتْ لِلطَّالِبِ وَالْتَبَسَتْ بِقَلْبِ النَّاظِرِ وَيَضَنُّ ذُو الثَّرْوَةِ الضَّعِيفَ وَيَجْتَوِيهَا الْخَائِفُ الْوَجِلُ(2)فَارْتَحِلُوا مِنْهَا يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ وَلا تَطْلُبُوا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنَ الْقَلِيلِ وَلا تَسْأَلُوا مِنْهَا فَوْقَ الْكَفَافِ وَارْضَوْا مِنْهَا بِالْيَسِيرِ وَلا تَمُدُّنَّ أَعْيُنَكُمْ مِنْهَا إِلَى مَا مُتِّعَ الْمُتْرَفُونَ بِهِ وَاسْتَهِينُوا بِهَا وَلا تُوَطِّنُوهَا وَأَضِرُّوا بِأَنْفُسِكُمْ فِيهَا وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ وَالتَّلَهِّيَ وَالْفَاكِهَاتِ(3)فَإِنَّ فِي ذَلِكَ غَفْلَةً وَاغْتِرَاراً أَلا إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَنَكَّرَتْ وَأَدْبَرَتْ

ص: 287


1- الحيد: الميل، وحاد عن الشي ء يحيد حيدا: مال عنه وعدل. والعادلين به أي الذين يعدلون به تعالى غيره أي يساوونه ويشاركونه.
2- يجتويها أي يكره المقام بها واجتوى البلد: كره المقام به، فالخوف من اللَّه سبحانه أو القيامة.
3- الفكاهة - بالضم -: المزاح.

وَاحْلَوْلَتْ(1)وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ أَلا وَإِنَّ الآْخِرَةَ قَدْ رَحَلَتْ فَأَقْبَلَتْ وَأَشْرَفَتْ وَآذَنَتْ بِاطِّلاعٍ أَلا وَإِنَّ الْمِضْمَارَ الْيَوْمَ وَالسِّبَاقَ غَداً أَلا وَإِنَّ السُّبْقَةَ الْجَنَّةُ وَالْغَايَةَ النَّارُ(2)ألا فَلا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ يَوْمِ مَنِيَّتِهِ أَلا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ وَفَقْرِهِ جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَخَافُهُ وَيَرْجُو ثَوَابَهُ أَلا وَإِنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لَكُمْ عِيداً وَجَعَلَكُمْ لَهُ أَهْلاً فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ وَادْعُوهُ يَسْتَجِبْ لَكُمْ وَأَدُّوا فِطْرَتَكُمْ فَإِنَّهَا سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ وَفَرِيضَةٌ وَاجِبَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَلْيُؤَدِّهَا كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ عَنْهُ وَعَنْ عِيَالِهِ كُلِّهِمْ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ وَحُرِّهِمْ وَمَمْلُوكِهِمْ عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ صَاعاً مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ وَأَطِيعُوا اللَّهَ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَأَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ إِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحِجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ َالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى نِسَائِكُمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ فِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنْ قَذْفِ الْمُحْصَنَةِ وَإِتْيَانِ الْفَاحِشَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَبَخْسِ الْمِكْيَالِ وَنَقْصِ الْمِيزَانِ

ص: 288


1- احلولت افعيعال من الحلول أي انقضت، والايذان الاعلام والمراد سرعة تصرّف الدنيا وتطرق النقص والفناء إلى متاعها والوداع بالكسر أو بفتح الواو اسم من التوديع.
2- المضمار: مدة تضمير الفرس وموضعه أيضاً وهو أن تعلفه حتى يسمن ثم ترده الى القوت وذلك في اربعين يوما، والسباق: المسابقة وليس جمعاً للسبقة بالضم أي الذي يسبق اليه كما توهم. والسبقة - بضم السين وسكون الموحدة - الخطر أي المال الذي يوضع بين أهل السباق. وقوله «الغاية النار»أي منتهى سعى العصاة إليها. وقال السيد الرضي رحمه الله في قوله عليه السلام «ان السبقة الجنة والغاية النار»:خالف بين اللفظين لاختلاف المعنيين ولم يقل: السبقة النار كما قال «السبقة الجنة»لان الاستباق انما يكون الى امر محبوب وغرض مطلوب وهذه صفة الجنة وليس هذا المعنى - موجودا فى النار - نعوذ باللَّه منها - فلم يجز ان يقول والسبقة النار بل قال: والغاية النار، لان الغاية ينتهي اليها من لا يسرة الانتهاء، ومن يسره ذلك فصلح أن يعبر بها عن الامرين معاً فهي في هذا الموضع كالمصير والمآل قال اللَّه تعالى: «قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ».

وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ عَصَمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالتَّقْوَى وَجَعَلَ الآْخِرَةَ خَيْراً لَنَا وَلَكُمْ مِنَ الْأُولَى إِنَّ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ وَأَبْلَغَ مَوْعِظَةِ الْمُتَّقِينَ كِتَابُ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.«قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَد»(1).(2)

ص: 289


1- سورة الإخلاص: 1-4.
2- من لا يحضره الفقيه: 1/514، ح 1482؛ بحار الأنوار: 88/29، ح 8.

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة (46) ومن كلام له عليه السلام عند عزمه على المسير إلى الشام

اشارة

اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَأَنْتَ الْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ وَلا يَجْمَعُهُمَا غَيْرُكَ لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ لا يَكُونُ مُسْتَصْحَباً وَالْمُسْتَصْحَبُ لا يَكُونُ مُسْتَخْلَفاً

وابتداء هذا الكلام مروي عنرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهوقد قفاه أميرالمؤمنين عليه السلام بأبلغ كلام وتممه بأحسن تمام من قوله «ولا يجمعهما غيرك»إلى آخر الفصل

و من كلام له عليه السلام عند عزمه على المسير إلى الشام

قال نصر: لما وضع علي عليه السلام رجله في ركاب دابته يوم خرج من الكوفة إلى صفين قال: «بسم اللَّه»فلمّا جلس على ظهرها قال: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ»(1)، ثمّ قال: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، إلخ(2).

ص: 290


1- سورة الزخرف: 13-14.
2- وقعة صفّين: 132.

اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ

قال تعالى: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ»(1).

وقال تعالى: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ»(2).

وقال تعالى: «فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ»(3).

وقال تعالى: «وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ»(4).

وقال تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: «وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ»(5).

اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَأَنْتَ الْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ

عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَا اسْتَخْلَفَ عَبْدٌ عَلَى أَهْلِهِ بِخِلافَةٍ أَفْضَلَ مِنَ رَكْعَتَيْنِ يَرْكَعُهُمَا إِذَا أَرَادَ سَفَراً يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ نَفْسِي وَأَهْلِي وَمَالِي وَدِينِي وَدُنْيَايَ وَآخِرَتِي وَأَمَانَتِي وَخَوَاتِيمَ عَمَلِي إِلّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا سَأَلَ(6)

ص: 291


1- سورة الناس: 1.
2- سورة الفلق: 1.
3- سورة النحل: 98.
4- سورة المؤمنون: 97.
5- سورة الدخان: 20.
6- الكافي: 3/480، ح 1؛ بحار الأنوار: 73/244، ح 27.

وَلا يَجْمَعُهُمَا غَيْرُكَ لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ لا يَكُونُ مُسْتَصْحَباً وَالْمُسْتَصْحَبُ لا يَكُونُ مُسْتَخْلَفاً

«ولا يجمعها غيرك»من المخلوقين «لأن المستخلف»في الأهل «لا يكون مستصحبا»في السفر «والمستصحب»مع المسافر «لا يكون مستخلفا»في أهله، لاستحالة كون جسم في مكانين، وأمّا اللَّه تعالى فالسماء والأرض والمشرق والمغرب عنده سواء قال تعالى: «وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ»(1)وقال تعالى: «فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ»(2)وقال تعالى: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ»(3).

قول المصنّف: «وابتداء هذا الكلام»من أوّله إلى «وأنت الخليفة في الأهل»مروي عنرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهلكن مع زيادة ونقصان، ففي (مجازات) المصنّف: ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله: «اللهمّ إنّا نعوذ بك من عثاء السفر وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، وسوء المنظر في الأهل والمال»وقال المصنّف ثمّة: والحور بعد الكور أي انتشار الأُمور بعد انضمامها وانفراجها بعد التيامها، وذلك مأخوذ من حور العمامة بعد كورها، وهو نقضها بعد ليّها ونشرها بعد طيّها(4)، قاله صلى الله عليه وآله - كما في السيرة - في

ص: 292


1- سورة الحديد: 4.
2- سورة البقرة: 115.
3- سورة المجادلة: 7.
4- المجازات النبويّة: 142.

رجوعه من غزوة بني لحيان لمّا خرج إليهم لطلب ثأر أصحاب الرجيع(1)«وقد قفّاه عليه السلام»أي: أتبعه «بأبلغ كلام وتمّمه بأحسن تمام، من قوله لا يجمعهما غيرك إلى آخر الفصل»«والمستصحب لا يكون مستخلفا».

لكن روى الكلام عنه عليه السلام في ذهابه إلى صفين وفيه قفّاه عليه السلام بما قال وفي إيابه من صفين، وفيه زاد قبله شيئاً، قال نصر: قال عبدالرحمن بن جندب لما أقبل عليّ عليه السلام من صفّين أقبلنا معه، فأخذ طريقاً غير طريقنا الذي أقبلنا فيه، فقال «آئبون عائدون، لربّنا حامدون، اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في المال والأهل(2).

تكملة

أمّا النقل فمن الكتاب:

قال تعالى: «قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ»(3).

وقال تعالى: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ»(4).

وقال تعالى: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»(5).

ص: 293


1- السيرة النبويّة: 2/280.
2- وقعة صفّين: 528.
3- سورة الفرقان: 77.
4- سورة غافر: 60.
5- سورة البقرة: 186.

قال أحمد بن فهد الحلّي: اعلم أنّ هذه الآية قد دلّت على أمور: الأوّل: تعريضه(1)تعالى لعباده بسؤاله بقوله: وإذا سألك عبادي عنّي فانّي قريب.

الثاني: غاية عنايته بمسارعة إجابته ولم يجعل الجواب موقوفاً على تبليغ الرسول بل قال فإنّي قريب ولم يقل قل لهم إنّي قريب.

الثالث: خروج هذا الجواب بالفاء المقتضي للتعقيب بلا فصل.

الرابع: تشريفه تعالى لهم بردّ الجواب بنفسه لينبّه بذلك على كمال منزلة الدعاء وشرفه عنده تعالى ومكانه منه.

قال الباقر عليه السلام لي ولا تمل(2)من الدعاء فإنّه من اللَّه بمكان(3).(4)وقال عليه السلام لبريد بن معاوية بن وهب وقد سأله كثرة القراءة أفضل أم كثرة الدعاء؟ فقال عليه السلام: كثرة الدعاء أفضل ثمّ قرأ: قل ما يعبأ بكم ربّي لو لا دعاؤكم(5).

الخامس: دلّت هذه الآية على أنّه تعالى لا مكان له إذ لو كان له مكان لم يكن قريباً من كلّ من يناجيه.

السادس: أمره تعالى لهم بالدعاء في قوله: فليستجيبوا لي أي فليدعوني.

السابع: قوله تعالى: وليؤمنوا بي وقال الصادق عليه السلام: «أي وليتحقّقوا أنّي قادر على إعطائهم ما سألوه»(6)فأمرهم باعتقادهم قدرته على إجابتهم.

ص: 294


1- التعريض خلاف التصريح وهو الايماء والتلويح.
2- مللته ومللت منه: ضجرت (المجمع).
3- قوله: بمكان أي قدر ومنزلة.
4- الكافي: 2/488، ح 1؛ بحار الأنوار: 90/367، ح 1.
5- مجمع البيان: 7/285؛ وسائل الشيعة: 7/31، ح 8630-6.
6- مجمع البيان: 2/500؛ تفسير الصافي: 1/223.

وفيه فائدتان إعلامهم بإثبات صفة القدرة له وبسط رجائهم في وصولهم إلى مقترحاتهم(1)وبلوغ مراداتهم ونيل سؤالاتهم فانّ الإنسان إذا علم قدرة معامله ومعاوضه على دفع عوضه كان ذلك داعياً له إلى معاملته ومرغباً له في معاوضته كما أنّ علمه بعجزه عنه على الضد من ذلك ولهذا تراهم يجتنبون معاملة المفلس.

الثامن: تبشيره تعالى لهم بالرشاد(2)الذي هو طريق الهداية المؤدّى إلى المطلوب فكأنّه بشّرهم بإجابة الدعاء.

ومثله قول الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام: من تمنّى شيئاً وهو للَّه رضى لم يخرج من الدنيا حتّى يعطاه(3)ويروي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله، وقال عليه السلام: إذا دعوت فظن حاجتك بالباب(4).(5)

فان قلت: نحن نرى كثيراً من الناس يدعون اللَّه فلا يجيبهم فما معنى قوله: اجيب دعوة الداع إذا دعان وبعبارة أخرى إنّه سبحانه وعد إجابة الدعاء وخلف الوعد عليه تعالى محال لأنّه كذب قبيح في حقّه عزّ وجلّ.

فجوابه: انّه ليس أحد يدعو اللَّه على ما توجبه الحكمة إلّا أجابه اللَّه فانّ الداعي إذا دعاه يجب أن يسأل ما فيه صلاح له في دينه ولا يكون فيه مفسدة له ولا لغيره ويشترط ذلك بلسانه أو ينويه بقلبه فاللَّه سبحانه يجيبه إذا اقتضت المصلحة إجابته أو يؤخّر الإجابة إن كان المصلحة في التأخير وإذا قيل إن ما تقتضيه الحكمة لابدّ

ص: 295


1- اقترحت عليه شيئاً: سألته إيّاه من غير روية.
2- الرشد: هو خلاف العمى والضلال (المجمع).
3- جامع الأخبار للشعيري: 112؛ وسائل الشيعة: 1/54، ح 110-18.
4- بحار الأنوار: 90/305.
5- عدّة الداعي: 19.

أن يفعله فما معنى الدعاء وإجابته فجوابه أنّ الدعاء عبادة في نفسها يعبد اللَّه سبحانه بها لما في ذلك من إظهار الخضوع والانقياد إليه سبحانه وأيضاً فانه لا يمتنع أن يكون وقوع ما سأله إنما صار مصلحة بعد الدعاء ولا يكون مصلحة قبل الدعاء ففي الدعاء هذه الفائدة(1).

وقال الشارح البحراني: سبب اجابة الدعاء هو توافي الأسباب، وهو أن يتوافى دعاء رجل مثلاً فيما يدعو فيه وساير أسباب وجود ذلك الشي ء معاً عن الباري تعالى لحكمة الهيّة على ما قدر وقضى، ثمّ الدعاء واجب وتوقّع الاجابة واجب، فان انبعاثنا للدعاء سببه من هناك، ويصير دعانا سبباً للاجابة وموافاة الدعاء لحدوث الأمر المدعو لأجله هما معلولا علة واحدة وقد يكون أحدهما بواسطة الآخر، وإذا لم يستجب الدعاء لداع وإن كان يرى أنّ الغاية التي يدعو لأجلها نافعة فالسبب في عدم الاجابة أنّ الغاية النافعة ربما لا تكون نافعة بحسب نظام الكل بل بحسب مراده فلذلك تتأخّر إجابة الدعاء أو لا يستجاب له، وبالجملة قد يكون عدم الاجابة لفوات شرط من شروط ذلك المطلوب حال الدعاء واعلم أنّ النفس الزكيّة عند الدعاء قد يفيض عليها من الأوّل قوّة تصير بها مؤثّرة في العناصر فتطاوعها متصرّفة على ارادتها فيكون ذلك إجابة للدعاء، فانّ العناصر موضوعة لفعل النفس فيها واعتبار ذلك في أبداننا فانّا ربما تخيّلنا شيئاً فتتغيّر أبداننا بحسب ما تقتضيه أحوال نفوسنا وتخييلاتها وقد يمكن أن تؤثّر النفس في غير بدنها كما تؤثّر في بدنها، وقد تؤثّر في نفس غيرها وقد يستجيب اللَّه لتلك النفس إذا دعت فيما تدعوا فيه إذا كانت الغاية التي تطلبها بالدعا نافعة

ص: 296


1- مجمع البيان: 2/500.

بحسب نظام الكل(1).

ومن السنّة:

فَعَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ عَنْ أَبِيهِ قال: قلت لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أي العبادة أفضل؟ فقال عليه السلام: ما من شي ء افضل عند اللَّه عزوجل من أن يسئل ويطلب ما عنده: وَمَا أَحَدٌ أَبْغَضَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّنْ يَسْتَكْبِرُ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْأَلُ مَا عِنْدَهُ(2).

وعَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: «إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ»(3)قَالَ: هُوَ الدُّعَاءُ وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ الدُّعَاءُ قُلْتُ: «إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ»(4)قَالَ: الْأَوَّاهُ هُوَ الدَّعَّاءُ(5).

عَنِ ابْنِ الْقَدَّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأَرْضِ الدُّعَاءُ وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ الْعَفَافُ قَالَ وَكَانَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام رَجُلاً دَعَّاءً(6).

عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّه ِ عليه السلام: الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي الآْيَة ادْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلا تَقُلْ إِنَّ الْأَمْرَ قَدْ فُرِغَ مِنْه(7).

عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: الدُّعَاءُ كَهْفُ الْإِجَابَةِ كَمَا

ص: 297


1- شرح نهج البلاغة لابن ميثم: 2/122.
2- الكافي: 2/466، ح 2؛ بحار الأنوار: 90/294، ح 23.
3- سورة غافر: 60.
4- سورة التوبة: 114.
5- الكافي: 2/466، ح 1؛ عدّة الداعي: 39.
6- الكافي: 2/467، ح 8؛ بحار الأنوار: 90/297، ح 24.
7- الكافي: 2/467، ح 7.

أَنَّ السَّحَابَ كَهْفُ الْمَطَرِ(1).

وعن هشام بن سالم قال: قال أبو عبداللَّه عليه السلام: هل تعرفون طول البلاء من قصره؟ قلنا: لا، قال: إذا ألهم أحدكم الدعاء عند البلاء فاعلموا أنّ البلاء قصير(2).

وَعَنْ أَبِي وَلّادٍ قَالَ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام: مَا مِنْ بَلاءٍ يَنْزِلُ عَلَى عَبْدٍ مُؤْمِنٍ فَيُلْهِمُهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الدُّعَاءَ إِلّا كَانَ كَشْفُ ذَلِكَ الْبَلاءِ وَشِيكاً(3)وَمَا مِنْ بَلاءٍ يَنْزِلُ عَلَى عَبْدٍ مُؤْمِنٍ فَيُمْسِكُ عَنِ الدُّعَاءِ إِلّا كَانَ ذَلِكَ الْبَلاءُ طَوِيلاً فَإِذَا نَزَلَ الْبَلاءُ فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ(4).

عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: الدُّعَاءُ سِلاحُ الْمُؤْمِنِ وَعَمُودُ الدِّينِ وَنُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ(5).

قَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: الدُّعَاءُ مَفَاتِيحُ النَّجَاحِ وَمَقَالِيدُ الْفَلاح(6).

عَنِ النَّبِيِ صلى الله عليه وآله: افْزَعُوا إِلَى اللَّهِ فِي حَوَائِجِكُمْ وَالْجَئُوا إِلَيْهِ فِي مُلِمَّاتِكُمْ وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ وَادْعُوهُ فَإِنَّ الدُّعَاءَ مُخُّ(7)الْعِبَادَةِ وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَدْعُو اللَّهَ إِلّا اسْتَجَابَ له فَإِمَّا أَنْ يُعَجِّلَهُ لَهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ يُؤَجِّلَ لَهُ فِي الآْخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ مَا دَعَا مَا لَمْ يَدْعُ بِمَأْثَمٍ(8).

ص: 298


1- الكافي: 2/471، ح 1؛ بحار الأنوار: 90/295.
2- الكافي: 2/471، ح 1؛ بحار الأنوار: 90/381، ح 7.
3- أي سريعا.
4- الكافي: 2/471، ح 2؛ بحار الأنوار: 90/298، ح 28.
5- الكافي: 2/468، ح 1؛ بحار الأنوار: 90/294.
6- الكافي: 2/468، ح 2؛ بحار الأنوار: 90/341.
7- أي خالصها.
8- عدّة الداعي: 40؛ بحار الأنوار: 90/302، ح 39.

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إِنَّ أَعْجَزَ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ الدُّعَاء(1).

وعن النبيّ صلى الله عليه وآله: ألا أدلكم على أبخل الناس وأكسل الناس وأسرق الناس وأجفى الناس وأعجز الناس؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه قال: أما أبخل الناس فرجل يمر بمسلم ولم يسلم عليه وأما أكسل الناس فعبد صحيح فارغ لا يذكر اللَّه بشفة ولا بلسان وأما أسرق الناس فالذي يسرق من صلاته تلف كما تلف الثوب الخلق فيضرب بها وجهه وأما أجفى الناس فرجل ذكرت بين يديه فلم يصل علي وأما أعجز الناس فمن عجز عن الدعاء(2).

وقال النبي صلى الله عليه وآله: أفضل العبادة الدعاء فإذا أذن اللَّه للعبد في الدعاء فتح له باب الرحمة إنه لن يهلك مع الدعاء أحد(3).

عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: رَجُلانِ افْتَتَحَا الصَّلاةَ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ فَتَلا هَذَا الْقُرْآنَ فَكَانَتْ تِلاوَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ دُعَائِهِ وَدَعَا هَذَا أَكْثَرَ فَكَانَ دُعَاؤُهُ أَكْثَرَ مِنْ تِلاوَتِهِ ثُمَّ انْصَرَفَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ قَالَ: كُلٌّ فِيهِ فَضْلٌ كُلٌّ حَسَنٌ قُلْتُ: إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ كُلّاً حَسَنٌ وَأَنَّ كُلّاً فِيهِ فَضْلٌ فَقَالَ: الدُّعَاءُ أَفْضَلُ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ»(4)هِيَ وَاللَّهِ الْعِبَادَةُ هِيَ وَاللَّهِ أَفْضَلُ هِيَ وَاللَّهِ أَفْضَلُ أَلَيْسَتْ هِيَ الْعِبَادَةَ هِيَ وَاللَّهِ الْعِبَادَةُ هِيَ وَاللَّهِ الْعِبَادَةُ أَلَيْسَتْ

ص: 299


1- الأمالي للمفيد: 317، م 38، ح 2؛ بحار الأنوار: 90/291، ح 11.
2- عدّة الداعي: 41؛ مستدرك الوسائل: 3/38، ح 2961.
3- مجموعة ورّام: 2/237؛ بحار الأنوار: 90/302.
4- سورة غافر: 60.

هِيَ أَشَدَّهُنَّ هِيَ وَاللَّهِ أَشَدُّهُنَّ هِيَ وَاللَّهِ أَشَدُّهُنَّ(1).

عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى آدَمَ عليه السلام أَنِّي سَأَجْمَعُ لَكَ الْكَلامَ فِي أَرْبَعِ كَلِمَاتٍ قَالَ يَا رَبِّ وَمَا هُنَّ قَالَ وَاحِدَةٌ لِي وَوَاحِدَةٌ لَكَ وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّاسِ قَالَ يَا رَبِّ بَيِّنْهُنَّ لِي حَتَّى أَعْلَمَهُنَّ قَالَ أَمَّا الَّتِي لِي فَتَعْبُدُنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً وَأَمَّا الَّتِي لَكَ فَأَجْزِيكَ بِعَمَلِكَ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ وَأَمَّا الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَعَلَيْكَ الدُّعَاءُ وَعَلَيَّ الْإِجَابَةُ وَأَمَّا الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّاسِ فَتَرْضَى لِلنَّاسِ مَا تَرْضَى لِنَفْسِكَ وَتَكْرَهُ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ(2).

وَمِنْ كِتَابِ الدُّعَاءِ، لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ في حَديثٍ مَرفوع قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلانِ كَانَا يَعْمَلانِ عَمَلاً وَاحِداً فَيَرَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَوْقَهُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ بِمَا أَعْطَيْتَهُ وَكَانَ عَمَلُنَا وَاحِداً فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَأَلَنِي وَلَمْ تَسْأَلْنِي ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وآله: أسألُوا اللَّهَ وَأَجْزِلُوا فَإِنَّهُ لا يَتَعَاظَمُهُ شَيْ ءٌ(3).

ومنه أيضاً برواية مرفوعة قَالَ: قَالَ النبيّ صلى الله عليه وآله: لَيَسْأَلُنَّ اللَّهَ أَوْ لَيَقْضِيَنَّ عَلَيْكُمْ إِنَّ للَّهِ ِ عِبَاداً يَعْمَلُونَ فَيُعْطِيهِمْ وَآخَرِينَ يَسْأَلُونَهُ صَادِقِينَ فَيُعْطِيهِمْ ثُمَّ يَجْمَعُهُمْ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ الَّذِينَ عَمِلُوا رَبَّنَا عَمِلْنَا فَأَعْطَيْتَنَا فَبِمَا أَعْطَيْتَ هَؤُلاءِ فَيَقُولُ: هَؤُلاءِ عِبَادِي أَعْطَيْتُكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَمْ أَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً وَسَأَلَنِي هَؤُلاءِ فَأَعْطَيْتُهُمْ وَهُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ(4).

ص: 300


1- فلاح السائل ونجاح المسائل: 30؛ بحار الأنوار: 81/223، ح 9.
2- الكافي: 2/146، ح 13؛ بحار الأنوار: 72/38، ح 35.
3- عدّة الداعي: 42؛ بحار الأنوار: 8/221، ح 216.
4- عدّة الداعي: 42؛ بحار الأنوار: 8/221، ح 217.

وعن الصادق عليه السلام قال لميسر بن عبدالعزيز: يَا مُيَسِّرُ ادْعُ اللَّه وَلا تَقُلْ إِنَّ الْأَمْرَ(1)قَدْ فُرِغَ مِنْهُ إِنَّ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْزِلَةً لا تُنَالُ إِلّا بِمَسْأَلَةٍ وَلَوْ أَنَّ عَبْداً سَدَّ فَاهُ وَلَمْ يَسْأَلْ لَمْ يُعْطَ شَيْئاً فَسَلْ تُعْطَ يَا مُيَسِّرُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابٍ يُقْرَعُ إِلّا يُوشِكُ أَنْ يُفْتَحَ لِصَاحِبِهِ(2).

ص: 301


1- والنهي عن هذا القول يحتمل الوجهين: أحدهما بطلانه فإنّه قول اليهود وبعض الحكماء، بل لابدّ من الإيمان بالبداء. الثاني أن يكون المراد بالفراغ من الأمر تعلّق علمه سبحانه بما هو كائن وهذا الكلام صحيح لكن ذلك لا يمنع الأمر بالدعاء والإتيان به وترتب الثواب عليه فالمراد بالنهي عن هذا القول جعل ذلك مانعاً عن الدعاء وسبباً للاعتقاد بعدم فائدته (مرآة).
2- الكافي: 2/466، ح 3؛ عدّة الداعي: 29.

بسم الرحمن الرحیم

الخطبة (47) ومن كلام له عليه السلام في ذكر الكوفة:

اشارة

كَأَنِّي بِكِ يَا كُوفَةُ تُمَدِّينَ مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ تُعْرَكِينَ بِالنَّوَازِلِ وَتُرْكَبِينَ بِالزَّلازِلِ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِكِ جَبَّارٌ سُوءاً إِلّا ابْتَلاهُ اللَّهُ بِشَاغِلٍ وَرَمَاهُ [أو رَماهُ] بِقَاتِلٍ

و من كلام له عليه السلام في ذكر الكوفة: كَأَنِّي بِكِ يَا كُوفَةُ

قال ابن الكلبي: سمّيت الكوفة كوفة بجبل صغير في وسطها كان يقال له: كوفان، وعليه اختطّت مهرة موضعها، وقيل: سمّيت بموضعها لأنّ كلّ رملة يخالطها حصباء تسمّى كوفة، وقيل: لأنّ جبل ساتيد ما يحيط بها كالكفاف عليها، وقيل: لاجتماع الناس بها من قولهم «تكوّف الرمل» وقيل: لاستدارتها من قولهم رأيت كوفانا وكوفانا للرملة المستديرة، وقال بشر القرشي: كان قدر الكوفة ستّة عشر ميلاً وثلثي ميل(1)وكان ظهر الكوفة يدعى خدّ العذراء ينبت الخزامى، والأقحوان، والشيح، والقيصوم، والشقائق(2).

لمّا فرغ الحجّاج من دير الجماجم وفد على عبدالملك ومعه أشراف أهل

ص: 302


1- معجم البلدان: 4/490-492.
2- فتوح البلدان: 1/273.

الكوفة والبصرة فتذاكروا البلدان. فقال محمّد بن عمير بن عطارد: إنّ الكوفة أرض ارتفعت عن البصرة وحرّها وعمقها، وسفلت عن الشام، ووبائها، وجاوزها الفرات فعذب ماؤها، وطاب ثمرها إذا أتتنا الشمال ذهبت مسيرة شهر على مثل رضراض الكافور، وإذا هبّت الجنوب جاءتنا ريح السواد وورده ويا سمينه واترنجه ماؤنا عذب وعيشنا خصب فقال خالد بن صفوان: نحن أوسع منهم برية، وأسرع منهم في السريّة، وأكثر منهم قندا، وعاجا، وساجا. ماؤنا صفو، وخيرنا عفو لا يخرج من عندنا إلّا قائد أو سائق أو ناعق. فقال الحجّاج: إنّي بالبلدين خبير وقد وطئتهما جميعا.

فقال له عبدالملك: قل فأنت عندنا مصدّق، فقال: أمّا البصرة فعجوز شمطاء، دفراء بخراء، اوتيت من كلّ حليّ وزينة، وأمّا الكوفة فشابة حسناء جميلة لا حليّ لها ولا زينة فقال عبدالملك: فضّلت الكوفة على البصرة(1).

وأمّا قول زياد «لو ضلّت البصرة لجعلت الكوفة لمن دلّني عليها(2)فعصبية.

ولمّا أراد عمر طواف البلدان بعد طاعون عمواس قال: أشيروا عليّ فقال له عليّ عليه السلام: إنّ الكوفة للهجرة بعد الهجرة، وإنّما هي لقبّة الإسلام ليأتينها يوم لا يبقى مسلم إلّا وحنّ عليها، ولينتصرنّ بأهلها كما انتصر بالحجارة من قوم لوط(3).

سار عليّ عليه السلام من البصرة إلى الكوفة، فلمّا أشرف عليها قال: ويحك يا كوفان ما أطيب هواءك وأغذى تربتك، الخارج منك بذنب والداخل إليك برحمة لا تذهب

ص: 303


1- مروج الذهب: 3/151؛ معجم البلدان: 4/492.
2- البلدان: 233؛ معجم البلدان: 1/437.
3- الكامل: 2/561، سنة 17؛ تاريخ الطبري: 3/160، سنة 17.

الأيّام والليالي حتّى يجي ء إليك كلّ مؤمن ويبغض المقام بك كلّ فاجر وتعمرين حتّى أنّ الرجل من أهلك ليبكر إلى الجمعة فلا يلحقها من بعد المسافة(1).

وكان عليّ عليه السلام يقول: الكوفة كنز الإيمان وحجّة الإسلام وسيف اللَّه ورمحه يضعه حيث يشاء والذي نفسي بيده لينتصرنّ اللَّه بأهلها في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز وكان إذا أشرف على الكوفة قال:

يا حبّذا مقامنا بالكوفة***أرض سواء سهلة معروفة

تعرفها جمالنا العلوفة

وكان سلمان الفارسي يقول: أهل الكوفة أهل اللَّه وهي قبّة الإسلام(2).

وقال عليّ عليه السلام - وأشار إلى قبر عظيم في النخيلة يدفن اليهود موتاهم حوله - ما يقول الناس فيه؟ فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍ عليه السلام: يَقُولُونَ هَذَا قَبْرُ هُودٍ النَّبِيِ عليه السلام لَمَّا أَنْ عَصَاهُ قَوْمُهُ جَاءَ فَمَاتَ هَاهُنَا قَالَ عليه السلام: كَذَبُوا لأَنَّا أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُمْ هَذَا قَبْرُ يَهُودَا بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بَكْرِ يَعْقُوبَ ثُمَّ قَالَ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ مَهَرَةٍ(3)قَالَ فَأُتِيَ بِشَيْخٍ كَبِيرٍ فَقَالَ: أَيْنَ مَنْزِلُكَ؟ قَالَ: عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ قَالَ: أَيْنَ مِنَ الْجَبَلِ الْأَحْمَرِ؟ قَالَ: قَرِيب مِنْهُ قَالَ: فَمَا يَقُولُ قَوْمُكَ فيه؟ قَالَ: يَقُولُونَ قَبْرُ سَاحِرٍ قَالَ: كَذَبُوا ذَاكَ قَبْرُ هُودٍ وَهَذَا قَبْرُ يَهُودَا بْنِ يَعْقُوبَ يُحْشَرُ مِنْ ظَهْرِ الْكُوفَةِ سَبْعُونَ أَلْفاً عَلَى غُرَّةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ(4).

وقال ابن أبي الحديد: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: الكوفة مدينتنا ومقرّ شيعتنا،

ص: 304


1- الأخبار الطوال لابن قتيبة الدينوري: 152.
2- معجم البلدان: 4/492-493.
3- مهرة، بالفتح، ابن حيدان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وهم حي من اليمن.
4- وقعة صفّين: 126.

يحشر من ظهرها يوم القيامة سبعون ألفاً وجوههم على صورة القمر(1).

وورد في مسجد الكوفة فضائل: روى حبّة العرني قال: كنت جالساً عند عليّ عليه السلام فأتاه رجل فقال: يا أميرالمؤمنين هذه راحلتي وزادي أريد هذا البيت - يعني بيت المقدس - فقال عليه السلام: كُلْ زَادَكَ وَبِعْ رَاحِلَتَكَ وَعَلَيْكَ بِهَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْكُوفَةِ فَإِنَّهُ أَحَدُ الْمَسَاجِدِ الْأَرْبَعَةِ رَكْعَتَانِ فِيهِ تَعْدِلُ عَشْراً فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ وَالْبَرَكَةُ مِنْهُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ مِيلاً مِنْ حَيْثُ مَا أَتَيْتَهُ وَقَدْ تُرِكَ مِنْ أُسِّهِ أَلْفُ ذِرَاعٍ وَفِي زَاوِيَتِهِ فَارَ التَّنُّورُ وَعِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الْخَامِسَةِ صَلَّى إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عليه السلام وَقَدْ صَلَّى فِيهِ أَلْفُ نَبِيٍّ وَأَلْفُ وَصِيٍّ وَفِيهِ عَصَا مُوسَى وَشَجَرَةُ يَقْطِينٍ وَفِيهِ هَلَكَ يَغُوثُ وَيَعُوقُ وَهُوَ الْفَارُوقُ وَمِنْهُ مَسِير لجَبَل الْأَهْوَازِ وَفِيهِ مُصَلَّى نُوحٍ عليه السلام وَيُحْشَرُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُونَ أَلْفاً لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ، وَوَسَطُهُ عَلَى رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَفِيهِ ثَلاثُ أَعْيُنٍ مِنَ الجَنَّة تُذْهِبُ الجْسَ وَتُطَهِّرُ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ عَلِمَ النَّاسُ مَا فِيهِ من الفضل لَأَتَوْهُ وَلَوْ حَبْواً(2).

ورواه ابن قتيبة مختصراً، وفيه «فيه ثلاث أعين أنبتت بالضغث تذهب الرجس، وتطهّر المؤمنين: عين من لبن، وعين من دهن، وعين من ماء، جانبه الأيمن ذكر، وجانبه الأيسر مكر، ولو يعلم الناس ما فيه من الفضل لأتوه ولو حبوا».

وقوله عليه السلام: «أنبتت بالضغث»أحسبه أراد الضغث الذي ضرب أيّوب أهله، والعين التي ظهرت لما ركض بالأرض رجله، وقوله عليه السلام: «في جانبه الأيمن ذكر»

ص: 305


1- بهج الصباغة: 5/558؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/198.
2- معجم البلدان: 4/492؛ تاريخ الكوفة: 21.

أي صلاة، وقوله: «في جانبه الأيسر مكر»أراه أراد المكر باللوذ به حين قتل في المسجد(1).

وقال السيّد الحميري:

لعمرك ما من مسجد بعد مسجد***بمكّة ظهر أو مصلّى بيثرب

بشرق ولا غرب علمنا مكانه***من الأرض معموراً ولا متجنّب

بأبين فضلا من مصلّى مبارك***بكوفان رحب ذي أواس ومخصب

مصلّى به نوح تأثل وابتنى***به ذات حيزوم وصدر محنّب

وفار به التنّور ماء وعنده***له قيل أيا نوح في الفلك فاركب

وباب أميرالمؤمنين الذي به***ممرّ أميرالمؤمنين المهذّب(2)

تُمَدِّينَ مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِ

عكاظ على ما روي اسم سوق للعرب بناحية مكّة كانوا يجتمعون بها في كل سنة يقيمون شهرا ويبيعون ويتفاخرون ويتناشدون شعرا قال أبو ذؤيب:

إذا بني القباب على عكاظ***وقام البيع واجتمع الألوف

فلما جاء الإسلام هدم ذلك السوق وأكثر ما كان يباع بها الأديم فنسب الأديم إليها وقيل أديم العكاظي(3).

ص: 306


1- غريب الحديث لابن قتيبة: 1/352.
2- معجم البلدان: 4/493.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/197؛ شجرة طوبى لشيخ محمّد مهدي الحائري: 1/13.

تُعْرَكِينَ بِالنَّوَازِلِ وَتُرْكَبِينَ بِالزَّلازِلِ

لا بأس بالاشارة إلى شطر ممّا وقع بعده عليه السلام بها تأييداً لما اخبر عليه السلام به وشاهداً على صدقه فنقول: لمّا دخلت سنة أربعين من الهجرة النبويّة قتل عليّ عليه السلام في هذه السنة وذلك انّه عليه السلام في صبيحة التاسع عشر من شهر رمضان ضربه ابن ملجم المرادي لعنه اللَّه تعالى على رأسه الشريف بعد رفعه الرأس عن السجدة الأولى أو الثانية على اختلاف فيه في صلاة الفريضة في المحراب ومات عليه السلام في ليلة احدى وعشرين من هذا الشهر ودفن بالغريّ قريباً من الكوفة المشهور الآن بالنجف وفّقنا اللَّه لزيارة قبره عليه السلام فيه ومزاره مشهور(1).

قال ابن الأثير: ولمّا بلغ قتله عليه السلام عائشة قالت:

فألقت عصاها واستقرّ بها النوى***كما قرّ عينا بالأياب المسافر

ثمّ قالت عائشة من قتله؟ فقيل لها: رجل من مراد فقالت:

فان يك تائباً فلقد نعاه***لغيّ ليس في فيه التراب

فقالت زينب بنت أبي سلمة: أتقولين هذا لعليّ؟ فقالت: انّني أنسى فاذا نسيت فذكّروني(2).

فلمّا قتل عليه السلام قال أبو الأسود الدئلي فيه أبياتاً وكتب بها إلى معاوية بن أبي سفيان لعنه اللَّه تعالى وهي هذه:

ألا أبلغ معاوية ابن حرب***فلا قرّت عيون الشامتينا

أفي شهر الصيام فجعتمونا***بخير الناس طرّاً أجمعينا

ص: 307


1- بحار الأنوار: 42/244-296.
2- الكامل لابن الأثير: 2/394.

قتلتم خير من ركب المطايا***ورحلها ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال ومن حذاها***ومن قراء المثاني والمبينا

إذا استقبلت وجه أبي حسين***رأيت البدر راع الناظرينا

لقد علمت قريش حيث كانت***بأنك خيرها حسبا ودينا(1)

وكانت مدّة خلافته عليه السلام خمس سنين إلّا ثلاثة أشهر(2)وكان عمره عليه السلام ثلاثاً أو خمساً وستّين سنة وهو الأشهر(3).

ثمّ بعد شهادته عليه السلام بويع الحسن بن عليّ عليه السلام(4)إلّا انّ أصحابه لم يراعوا عهدهم وبيعتهم له عليه السلام لكون أكثرهم من المنافقين المنابذين الذين قد حكى اللَّه تعالى عنهم في كتابه حيث قال: «وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ»(5)فلا جرم صالح عليه السلام معاوية ابن أبي سفيان على الشروط والعهود المذكورة في التواريخ ولكنّه لكونه من الغدّارين بل المشركين لم يف بها أبداً(6)ومن نكث فانّما ينكث على نفسه «فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ»(7)، «وَسَيَعْلَمُ

ص: 308


1- تاريخ الطبري: 4/116.
2- مجمع البحرين: 5/55.
3- كشف الغمّة (ط - القديمة): 1/436.
4- بحار الأنوار: 43/362.
5- بحار الأنوار: 44/23.
6- سورة البقرة: 14-16.
7- سورة الفتح: 10.

الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»(1)واختلفوا في مدّة خلافته عليه السلام بعد أبيه فقيل خمسة أشهر ونصف وقيل ستّة وقيل سبعة(2).

فلمّا تمّ الأمر لمعاوية لعنه اللَّه فعل ما فعل بالمسلمين من الظلم والشناعة واحياء المنكرات فيهم وقتلهم ونهبهم وأمثال ذلك ولا نريد الآن أن نبيّن أعماله وأفعاله في حكومته وخلافته لأنّه يستدعي كتاباً مستقلاً مضافاً إلى خروجه عن مورد البحث فعلاً فانّ الأهمّ للبحث هو ما وقع بعد شهادة أميرالمؤمنين على أهل الكوفة لأنّ كلامنا يدور مداره.

حكومة المغيرة

فأوّل من ولّاه معاوية على الكوفة مغيرة بن شعبة لعنه اللَّه(3)وهو من أعداء اللَّه وأعداء رسوله وأهل بيته(4)وهو الذي كان ضرب فاطمة بنت رسول اللَّه حين هجم الناس على بيته بأمر من عمر بن الخطّاب(5)وهو الذي كان مشهوراً بالزنا في الجاهليّة(6)والإسلام كما مرّ منّا سابقاً قصّة أبي بكرة مع المغيرة في حضور عمر بن الخطّاب وادرائه الحدّ عن المغيرة لمواخاة ومحبّته وقعت بينهما في الجاهليّة والإسلام مع انّه كان محكوماً بالرجم(7).

ص: 309


1- سورة الشعراء: 227.
2- تاريخ الطبري: 4/125؛ أُسد الغابة: 2/14.
3- الغارات (ط - القديمة): 2/444.
4- الغارات (ط - القديمة): 2/354.
5- الاحتجاج: 1/278؛ بحار الأنوار: 43/297، ح 28.
6- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12/239؛ بحار الأنوار: 30/648.
7- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12/231؛ بحار الأنوار: 30/639.

وهو الذي منع الناس عن بيعة عليّ وقتالهم معه في حرب الجمل وصفّين وقد ذكرنا قصّة تقاعده عن البيعة وأمره الناس بالكوفة على خلاف عليّ واتّهامه عليه بأنّه قاتل عثمان وأمثال ذلك وبالجملة كونه من أعداء أميرالمؤمنين(1)بل من أعداء اللَّه ورسوله وانّه من الوضّاعين والمكذّبين على رسول اللَّه والمفترين عليه ممّا لا خلاف فيه(2)ولأجل هذا بعد ما أراد عليه السلام الكوفة فرّ منها وحاله معلوم فانّه من الأرجاس.

فمكث مغيرة والياً عليها من سنة احدى واربعين وهي عام الجماعة(3)إلى سنة خمسين وكانت مدّة ولايته عليها لمعاوية تسع سنين وفي هذه المدّة قتل خلقاً كثيراً من شيعة عليّ وهو الذي سبّ أميرالمؤمنين وخالفه في حياته وبعد مماته(4).

وتوفّي وهو ابن سبعين سنة وقيل كان موته سنة إحدى وخمسين وقيل سنة تسع وأربعين(5).

حكومة زياد

فلمّا مات المغيرة استعمل معاوية زياداً على الكوفة [والبصرة] وهو أوّل من جمعا له فلمّا وليها سار إليها واستخلف علي البصرة سمرة بن جندب وكان زياد يقيم بالكوفة ستّة أشهر وبالبصرة ستّة أشهر فلمّا وصل الكوفة خطبهم فحصب وهو

ص: 310


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4/69.
2- بصائر الدرجات: 1/238، ح 12.
3- الاستيعاب: 3/1418.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4/69.
5- الكامل: 3/461.

على المنبر فجلس حتّى أمسكوا ثمّ دعا قوماً من خاصّته فأمرهم، فأخذوا أبواب المسجد ثمّ قال: ليأخذ كلّ رجل منكم جليسه ولا يقولون لا أدري من جليسي، ثمّ أمر بكرسي فوضع على باب المسجد فدعاهم أربعة أربعة يحلفون ما منّا من حصبك فمن حلف خلاه ومن لم يحلف حبسه حتّى صار إلى ثلاثين وقيل إلى ثمانين فقطع أيديهم على المكان وكان أوّل قتيل قتله زياد بالكوفة أوفي بن الحصن وكان بلغه عنه شي ء فطلبه فهرب فعرض الناس [زياد]، فمرّ به فقال: من هذا؟ قال: أوفي بن حصن، فقال زياد: أتتك بخائن رجلاه وقال له: ما رأيك في عثمان؟ قال: ختنرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهعلى ابنتيه، قال: فما تقول في معاوية؟ قال: جواد حليم، قال: فما تقول فيّ؟ قال: بلغني أنّك قلت بالبصرة واللَّه لآخذنّ البرئ بالسقيم والمقبل بالمدبر، قال: قد قلت ذاك، قال: خبطتها خبط عشواء! فقال زياد: ليس بالنفاخ بشر الزمرة! فقتله.

ولما قدم زياد الكوفة قال له عمّارة بن عقبة بن أبي معيط إنّ عمرو بن الحمق يجمع إليه شيعة أبي تراب فأرسل إليه زياد ما هذه الجماعات عندك؟ من أرادك أو أردت كلامه ففي المسجد وقيل الذي سعى بعمرو يزيد بن رويم فقال له زياد: قد أشطت به ولو علمت أن مخ ساقه قد سال من بغضي ما هجته حتّى يخرج عليّ فاتّخذ زياد المصورة حين حصب.

فلمّا استخلف زياد سمرة على البصرة أكثر القتل فيها فقال ابن سيرين: قتل سمرة في غيبة زياد هذه ثمانية آلاف فقال له زياد: أتخاف أن تكون قتلت بريئاً؟ فقال: لو قتلت معهم مثلهم ما خشيت. وقال أبو السوار العدوي:

قتل سمرة من قومي في غداة واحدة سبعة وأربعين كلّهم قد جمع القرآن وركب

ص: 311

سمرة يوماً فلقي أوائل خيله رجلا فتقلوه، فمرّ به سمرة وهو يتشحّط في دمه فقال: ما هذا؟ فقيل: أصابه أوائل خيلك، فقال: إذا سمعتم بنا قد ركبنا فاتّقوا أسنتنا(1).

ذكر مقتل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق وأصحابهما

ومن الحوادث الواقعة فيها في سنة احدى وخمسين قتل حجر بن عدي وأصحابه، وسبب ذلك أنّ معاوية استعمل المغيرة بن شعبة على ما قدمناه على الكوفة سنة إحدى وأربعين فلمّا أمره عليها دعاه وقال له: أمّا بعد فإنّ لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعليم وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتماداً على بصرك (أمرك) ولست تاركاً إيصاءك بخصلة لا تترك شتم علي وذمّه والترحّم على عثمان والاستغفار له والعيب لأصحاب علي والاقصاء لهم والإطراء بشيعة عثمان والإدناء لهم فقال له المغيرة: المغيرة قد جربت وجربت وعملت قبلك لغيرك فلم يذممني وستبلو فتحمد أو تذم فقال: بل نحمد إن شاء اللَّه تعالى.

فأقام المغيرة عاملاً على الكوفة وهو أحسن شي ء سيرة غير أنّه لا يدع شتم علي والوقوع فيه والدعاء لعثمان والاستغفار له فإذا سمع ذلك حجر بن عدي قال: بل إيّاكم ذمّ اللَّه ولعن! ثمّ قام وقال: أنا أشهد أن من تذمون أحق بالفضل ومن تزكون أولى بالذم فيقول له المغيرة يا حجر اتّق هذا السلطان وغضبه وسطوته فإن غضب السلطان يهلك أمثالك ثمّ يكفّ عنه ويصفح.

فلمّا كان آخر إمارته قال في علي وعثمان ما كان يقوله له فقام حجر فصاح

ص: 312


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3/461.

صيحة بالمغيرة سمعها كلّ من بالمسجد وخارجاً منه وقال له: مر لنا أيّها الانسان بأرزاقنا فقد حبستها عنّا وليس ذلك لك وقد أصبحت مولعاً بذمّ أميرالمؤمنين.

فقام أكثر من ثلثي الناس يقولون صدق حجر وبر، مر لنا بأرزاقنا فإن ما أنت عليه لا يجدي علينا نفعاً وأكثروا من هذا القول وأمثاله فنزل المغيرة فاستأذن عليه قومه ودخلوا وقالوا علام تترك هذا الرجل يجترئ عليك في سلطانك ويقول لك هذه المقالة فيوهن سلطانك ويسخط عليك أميرالمؤمنين معاوية؟ فقال لهم المغيرة: إنّي قد قتلته سيأتي من بعدي أمير بحسبه مثلي فيصنع به ما ترونه يصنع بي فيأخذه ويقتله! إني قد قرب أجلي ولا أحبّ أن أقتل خيار أهل هذا المصر فيسعدوا وأشقى ويعز في الدنيا معاوية ويشقى في الآخرة المغيرة.

ثمّ توفي المغيرة وولى زياد فقام في الناس فخطبهم عند قدومه ثمّ ترحم على عثمان وأثنى على أصحابه ولعن قاتليه فقام حجر ففعل كما كان يفعل بالمغيرة ورجع زياد إلى البصرة واستخلف على الكوفة عمرو بن حريث فبلغه أن حجراً يجتمع إليه شيعة علي ويظهرون لعن معاوية والبراءة منه وانهم حصبوا عمرو بن حريث، فشخص زياد الى الكوفة حتى دخلها فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه وحجر (ليس) جالس في المسجد ثمّ قال: أما بعد فان غب البغي والغي وخيم إن هؤلاء جموا فأشروا وأمنوني فاجترأوا علي اللَّه وأيم اللَّه لئن لم تستقيموا لأداوينكم بدوائكم ولست بشي ء إن لم أمنع الكوفة من حجر وأدعه مكالا لمن بعده ويل أمك يا حجر سقط العشاء بك علي سرحان وأرسل إلى حجر يدعوه وهو بالمسجد فلمّا أتاه رسول زياد يدعوه قال أصحابه: لا تأته ولا كرامة فرجع الرسول فأخبر زيادا فأمر أصحاب شرطته وهو شدّاد بن الهيثم الهلالي أن يبعث

ص: 313

إليه جماعة ففعل فسبّهم أصحاب حجر فرجعوا وأخبروا زياداً فجمع أهل الكوفة وقال: تشجون بيد وتأسون بأخرى أبدانكم معي وقلوبكم مع حجر الأحمق هذا واللَّه من دحسكم واللَّه لتظهرنّ لي براءتكم أو لآتينّكم بقوم أقيم بهم أودكم وصعركم! فقالوا معاذ اللَّه أن يكون لنا رأي إلّا طاعتك وما فيه رضاك. قال: فليقم كلّ رجل منكم فليدع من عند حجر من عشيرته وأهله ففعلوا وأقاموا أكثر أصحابه عنه وقال زياد لصاحب شرطته: انطلق إلى حجر فإن تبعك فاتني به وإلّا فشدّوا عليهم بالسيوف حتّى تأتوني به.

فأتاه صاحب الشرطة يدعوه، فمنعه أصحابه من إجابته فحمل عليهم فقال أبو العمرطة الكندي لحجر: إنّه ليس معك من معه سيف غيري وما يغني عنك سيفي قم فالحق بأهلك يمنعك قومك زياد ينظر إليهم وهو على المنبر وغشيهم أصحاب زياد وضرب رجل من الحمراء رأس عمرو بن الحمق بعموده فوقع وحمله أصحابه إلى الأزد فاختفى عندهم حتّى خرج وانحاز أصحاب حجر إلى أبواب كندة وضرب بعض اشرطة يد عائذ بن حملة التميمي وكسر نابه وأخذ عموداً من بعض الشرط فقاتل به وحمي حجراً وأصحابه حتّى خرجوا من أبواب كندة وأتى حجر بغلته وقال له أبو العمرطة: اركب فقد قتلتنا ونفسك وحمله حتّى أركبه وركب أبو العمرطة فرسه ولحقه يزيد بن طريف المسلي فضرب أبا العمرطة على فخذه بالعمود وأخذ أبو العمرطة سيفه فضرب به رأسه فسقط ثمّ برئ وله يقول عبداللَّه بن همام السلولي:

ألؤم ابن لؤم ما عدا بك حاسرا***إلى بطل ذي جرأة وشكيم

معاود ضرب الدارعين بسيفه***على الهام عند الروع غير لئيم

ص: 314

إلى فارس الغارين يوم تلاقيا***بصفين قرم خير نجل قروم

حسبت ابن برصاء الحتار قتاله***قتالك زيداً يوم دار حكيم(1)

وكان ذلك السيف أوّل سيف ضرب به في الكوفة في اختلاف بين الناس، ومضى حجر وأبو العمرطة إلى دار حجر واجتمع إليهما ناس كثير ولم يأته من كندة كثير أحد فأرسل زياد وهو على المنبر مذحج وهمدان إلى جبانة كندة وأمرهم أن يأتوه بحجر وأرسل سائر أهل اليمن إلى جبانة الصائدين وأمرهم أن يمضوا إلى صاحبهم حجر فيأتوه به ففعلوا فدخل مذحج وهمدان إلى جبانة كندة فأخذوا كلّ من جدوا فأثنى عليهم زياد.

فلمّا رأى حجر قلّة من معه أمرهم بالانصراف وقال لهم: لا طاقة لكم بمن اجتمع عليكم وما أحبّ أن تهلكوا فخرجوا فأدركهم مذحج وهمدان فقاتلوهم وأسروا قيس بن يزيد ونجا الباقون فأخذ حجر طريقاً إلى بني حوت فدخل دار رجل منهم يقال له سليم بن يزيد، وأدركه الطلب فأخذ سليم سيفه ليقاتل، فبكى بناته فقال حجر: بئسما أدخلت علي بناتك إذاً! قال: واللَّه لا تؤخذ من داري أسيراً ولا قتيلاً وأنا حي فخرج حجر من خوخة في داره فأتى النخع فنزل دار عبداللَّه بن الحارث أخي الأشتر فأحسن لقاءه فبينما هو عنده قيل له إن الشرط تسأل عنك في النخع وسبب ذلك أن أمة سوداء لقيتهم فقالت: من تطلبون؟ قالوا: حجر بن عدي. فقالت: هو في النخع.

فخرج حجر من عنده فأتي الأزد فاختفى عند ربيعة بن ناجد.

فلمّا أعياهم طلبه دعا زياد محمّد بن الأشعث وقال له: واللَّه لتأتيني به أو

ص: 315


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3/472.

لأقطعنّ كلّ نخلة لك وأهدم دورك ثمّ لا تسلم منّي حتّى أقطعك إربا إربا. فاستملهم فأهمله ثلاثاً وأحضر قيس بن يزيد أسيراً فقال له زياد: لا بأس عليك قد عرفت رأيك في عثمان وبلائك مع معاوية بصفّين وإنّك إنّما قاتلت مع حجر حمية وقد غفرتها لك ولكن إئتني بأخيك عمير فاستأمن له منه على ماله ودمه فأمنه فأتاه به وهو جريح فأثقله حديداً وأمر الرجال أن يرفعوه ويلقوه ففعلوا ذلك به مراراً، فقال قيس بن يزيد لزياد: ألم تؤمنه؟ قال: بلى قد أمنته على دمه ولست أهريق له دماً ثمّ ضمنه وخلى سبيله.

ومكث حجر بن عدي في بيت ربيعة يوماً وليلة فأرسل إلى محمّد بن الأشعث يقول له ليأخذ له من زياد أماناً حتّى يبعث به إلى معاوية فجمع محمّد جماعة منهم: جرير بن عبداللَّه وحجر بن يزيد، وعبداللَّه بن الحارث أخو الأشتر، فدخلوا على زياد فاستأمنوا له على أن يرسله إلى معاوية، فأجابهم، فأرسلوا إلى حجر بن عدي فحضر عند زياد، فلمّا رآه قال: مرحبا بك أبا عبدالرحمن حرب أيام الحرب وحرب وقد سالم الناس على أهلها تجني براقش، فقال حجر: ما خلعت طاعة ولا فارقت جماعة وإنّي على بيعتي فأمر به إلى السجن فلمّا ولى قال زياد: واللَّه لأحرصنّ على قطع خيط رقبته وطلب أصحابه فخرج عمرو بن الحمق حتّى أتى الموصل ومعه رفاعة بن شدّاد فاختفيا بجبل هناك فرفع خبرهما إلى عامل الموصل فسار إليهما فخرجا إليه فأمّا عمرو فكان قد استسقى بطنه ولم يكن عنده امتناع وأمّا رفاعة فقد كان شاباً قوياً فركب فرسه ليقاتل عن عمرو، فقال له عمرو: ما ينفعني قتالك عنّي انج بنفسك! فحمل عليهم فأفرجوا له فنجا وأخذ عمرو أسيراً فسألوه من أنت؟ فقال: من إن تركتموه كان أسلم لكن وإن قتلتموه كان أضر

ص: 316

عليكم ولم يخبرهم فبعثوه إلى عامل الموصل وهو عبدالرحمن بن عثمان الثقفي الذي يعرف بابن أم الحكم وهو ابن أخت معاوية فعرفه فكتب فيه إلى معاوية فكتب إليه أنّه زعم طعن عثمان تسع طعنات بمشاقص معه فأطعنه كما طعن عثمان فأخرج طعن فمات في الأولى منهنّ أو الثانية.

وجدّ زياد في طلب أصحاب حجر فهربوا وأخذ من قدر عليه منهم فأتى بقبيصة بن ضبيعة العبسي بأمان فحبسه وجاء قيس بن عباد الشيباني إلى زياد فقال له: إن أمرأ منا يقال له: صيفي من رؤوس أصحاب حجر فبعث زياد فأتي به فقال: يا عدوّ اللَّه ما تقول في أبو تراب؟ فقال: ما أعرف أبا تراب، فقال: ما أعرفك به! أتعرف عليّ بن أبي طالب؟ فقال: نعم قال: فذاك أبو تراب، قال: كلا ذاك أبو الحسن والحسين فقال له صاحب الشرطة: يقول الأمير هو أبو تراب وتقول لا! قال: فإن كذب الأمير أكذب أنا وأشهد على باطل كما شهد فقال له زياد: وهذا أيضاً علي بالعصا فأتي بها فقال: ما تقول في عليّ؟ قال: أحسن قول، قال: اضربوه فضربوه حتّى لصق بالأرض، ثمّ قال: أقلعوا عنه ما قولك في عليّ؟ قال: واللَّه لو شرّحتني بالمواسي ما قلت فيه إلّا ما سمعت منّي قال: لتلعننه أو لأضربنّ عنقك! قال: لا أفعل فأوثقوه حديداً وحبسوه.

قيل: وعاش قيس بن عباد حتّى قاتل مع ابن الأشعث في مواطنه ثمّ دخل الكوفة فجلس في بيته فقال حوشب للحجّاج إنّ هنا أمرأ صاحب فتن لم تكن فتنة بالعراق إلّا وثب فيها وهو ترابي يلعن عثمان وقد خرج مع ابن الأشعث حتّى هلك وقد جاء فجلس في بيته فبعث إليه الحجّاج فقتله(1).

ص: 317


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3/475.

زياد وعبداللَّه بن خليفة الطائي

وأرسل زياد إلى عبداللَّه بن خليفة الطائي فتواري فبعث إليه الشرط فأخذوه فخرجت أخته النوار فحرضت طيئا فثاروا بالشرط وخلصوه فرجعوا إلى زياد فأخبروه فأخذ عدي بن حاتم وهو في المسجد فقال: أئتني بعبداللَّه! قال: وما حاله؟ فأخبره فقال: لا علم لي بهذا! قال: لتأتيني به قال: لا آتيك به أبدا لآتيك بابن عمّي تقتله! واللَّه لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه! فأمر به إلى السجن فلم يبقى بالكوفة يمني ولا ربعي إلاّ كلّم زياداً وقالوا تفعل هذا بعدي بن حاتم صاحب رسول اللَّه صلى الله عليهوآله؟ فقال: فإنّي أخرجه على شرط أن يخرج ابن عمّه عنّي فلا يدخل الكوفة مادام لي سلطان فأجابوه إلى ذلك وأرسل عدي إلى عبداللَّه يعرفه ما كان وأمره أن يلحق بجبلي طي ء فخرج إليهما وكان يكتب إلى عدي ليشفع فيه ليعود إلى الكوفة وعدي يمينه فممّا كتب إليه يعاتبه ويرثى حجراً وأصحابه قوله من قصيدة أوّلها:

تذكرت ليلى والشبيبة أعصرا***وذكر الصبا برح على من تذكرا

والقصيدة طويلة، فمات عبداللَّه بالجبلين قبل موت زياد(1).

زياد وابن عفيف الخثعمي

ثمّ أتى زياد بكريم بن عفيف الخثعمي من أصحاب حجر بن عدي فقال: ما اسمك؟ قال: كريم بن عفيف، قال: ما أحسن اسمك واسم أبيك وأسوأ عملك ورأيك! فقال له: أما واللَّه إنّ عهدك برأيي منذ قريب.

ص: 318


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3/478.

ثمّ جمع زياد من أصحاب عدي اثنى عشر رجلاً في السجن ثمّ دعا رؤساء الارباع يومئذٍ وهم عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان وقيس بن الوليد على ربع ربيعة وكندة وأبا بردة بن أبي موسى على ربع مذحج وأسد فشهد هؤلاء أن حجراً جمع إليه الجموع وأظهر شتم الخليفة ودعا إلى حربه وزعم أن هذا الأمر لا يصلح إلّا في آل أبي طالب ووثب بالمصر وأخرج عامل الخليفة وأظهر عذر أبي تراب والترحم عليه والبراءة من عدوّه وأهل حربه وأنّ هؤلاء النفر الذين معه هو (هم) رؤوس أصحابه على مثل رأيه وأمره ونظر زياد في شهادة الشهود وقال: إنّي لأحبّ أن يكونوا أكثر من أربعة فدعا الناس ليشهدوا عليه فشهد إسحاق وموسى ابنا طلحة بن عبيداللَّه والمنذر بن الزبير وعمّارة بن عقبة بن أبي معيط وعمرو بن سعد بن أبي وقّاص وغيرهم وكتب في الشهود شريح بن الحارث القاضي، ثمّ دفع زياد حجر بن عدي وأصحابه إلى وائل بن حجر الحضرمي وكثير بن شهاب وأمرهما أن يسرا بهم إلى الشام فخرجوا عشية فلمّا بلغوا الغريين لحقهم شريح بن هانئ وأعطى وائلاً كتاباً وقال: أبلغه معاوية فأخذه وساروا حتّى انتهوا بهم إلى مرج عذراء عند دمشق، فبعث معاوية إلى وائل بن حجر وكثير بن شهاب فأدخلهما وأخذا كتابهما فقرأه ودفع إليه كتاب شريح بن هانئ فإذا فيه بلغني أن زياداً كتب شهادتي وإن شهادتي على حجر أنّه ممّن يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويديم الحج والعمرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حرام الدم والمال فان شئت فاقتله وإن شئت فدعه. فقال معاوية: ما أرى هذا إلّا قد خرج نفسه من شهادتكم وحبس القوم بمرح عذراء(1).

ص: 319


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3/482.

ثمّ ساق الحديث إلى أن قال: ولمّا قدّموهم ليقتلوهم قالوا لهم قبل القتل إنّا أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من عليّ واللعن له فان فعلتم تركناكم وإن أبيتم قتلناكم فقالوا: لسنا فاعلي ذلك فقتلوا جميعاً إلّا عبدالرحمن بن حسان العنزي وكريم الخثعمي قالا ابعثوا بنا إلى معاوية فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته فاستأذنوا معاوية فيها فاذن باحضارهما فدخلا عليه.

قال الخثعمي: اللَّه اللَّه يا معاوية فانّك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة ثمّ مسئول عمّا أردت بسفك دمائنا فقال له: ما تقول في عليّ؟ قال: أقول فيه قولك: قال: اتبرّء من دين عليّ الذي يدين اللَّه به؟ فسكت وقال شمر بن عبداللَّه من بني قحافة ابن خثعم فاستوهبه فوهبه له على أن لا يدخل الكوفة فاختار الموصل وكان يقول: لو مات معاوية قدمت الكوفة فمات قبل معاوية بشهر.

ثمّ قال معاوية لعبدالرحمن بن حسان يا أخا ربيعة ما تقول في عليّ؟ قال: دعني ولا تسألني فهو خير لك، قال: واللَّه لا أدعك، قال: اشهد انّه كان من الذاكرين للَّه تعالى كثيراً ومن الآمرين بالحقّ والقائمين بالقسط والعافين عن الناس. قال: فما قولك في عثمان؟ قال هو أوّل من فتح أبواب الظلم واغلق أبواب الحقّ، قال: قتلت نفسك، قال: بل إيّاك قتلت، فردّه معاوية إلى زياد وأمره أن يقتله شرّ قتله فدفنه زياد لعنه اللَّه حيّاً(1)وكانت عدّتهم أربعة عشر رجلاً في هذه الوقعة المؤلمة وهم: حجر بن عدي الكندي والأرقم بن عبداللَّه الكندي وشريك بن شدّاد الحضرمي وصيفي بن فسيل الشيباني وقبيصة بن ضبيعة العبسي وكريم بن عفيف

ص: 320


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3/485.

الخثعمي وعاصم بن عوف البجلي وورقاء بن سمي البجلي وكدام بن حيان وعبدالرحمن بن حسان العنزيين ومحرز بن شهاب التميمي وعبداللَّه بن حوية السعدي التميمي وعتبة بن الأخنس من سعد بن بكر وسعد بن نمران الهمداني.

قيل قتل منهم سبعة وخلّوا سبيل الباقي بشفاعة أقربائهم وقيل غير ذلك فهذه الواقعة احدى النوازل بها(1).

ولمّا بلغ الحسن البصري قتل حجر وأصحابه قال: أصلّوا عليهم وكفّنوهم ودفّنوهم واستقبلوا بهم القبلة؟ قالوا: نعم قال: حجّوهم وربّ الكعبة ولمّا بلغ حجر إلى المقتل وقتل على ما مرّ وبلغ خبره عائشة أرسلت عبدالرحمن بن الحرث إلى معاوية وقال له أين غاب عنك حلم أبي سفيان قال حين غاب عنّي مثلك من حلماء قومي وحملني ابن سميّة فاحتملت، وقيل انّها ارسلت إليه لتشفّع في حجر وأصحابه فقتلوا قبل وصول قاصدها إليه(2)ولأجل هذا قالت عائشة لولا انّا لم نغيّر شيئاً إلّا صارت بنا الأمور إلى ما هو أشدّ منه لغيّرنا قتل حجر اما واللَّه إن كان ما علمت لمسلما حجّاجا معتمرا(3).

وكان الناس يقولون أوّل ذلّ دخل الكوفة موت الحسن بن علي وقتل حجر ودعوة زياد(4).

ثمّ انّ زياداً لعنه اللَّه قد توفّي سنة ثلاث وخمسين من الهجرة بخروج طاعونة على اصبع يمينه فمات منها ولما حضرته الوفاة قال له ابنه عبيداللَّه لعنه اللَّه: قد

ص: 321


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3/483.
2- الغارات: 2/811؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: 6/220.
3- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3/486.
4- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3/487.

هيّأت لك ستّين ثوباً أكفنك بها، فقال له: يا بنيّ قد دنا من أبيك لباس هو خير من لباسه أو سلب سريع فمات ودفن بالثوية إلى جانب الكوفة، فلمّا بلغ موته ابن عمر قال: اذهب ابن سميّة لا الآخرة أدركت ولا الدنيا بقيت عليك.

وكان مولده سنة إحدى من الهجرة قال مسكين الدارمي يرثيه:

رأيت زيادة الإسلام ولت***جهارا حين ودعنا زياد

فقال الفرزدق يجيبه:

أمسكين أبكي اللَّه عينيك إنّما***جرى في ضلال دمعها فتحدرا

بكيت امرأ من أهل ميسان كافرا

ككسري على عداته أو كقصيرا

أقول له لما لما أتاني نعيه***به لا بظبي بالصريمة أعفرا(1)

وبعد موت معاوية وزياد وصلت النوبة إلى النازلة الثانية بكوفة وهي بدئت بخلافة يزيد وحكومة عبيداللَّه.

النازلة الثانية ولاية ابن زياد عليها

لمّا مات معاوية وصلت النوبة في الظلم والتعدّي إلى ابنه السكّير الخمير الذي كان يلبس الحرير ويضرب بالطنابير أعني يزيد بن معاوية ظاهراً ويزيد ابن أبيه واقعاً وكفره والحاده وزندقته اشهر واعرف من كفر ابليس لعنة اللَّه عليه وعلى من سلّطه على رقاب المسلمين آمين ربّ العالمين.

وكان سبب ولاية عبيداللَّه على الكوفة على ما ذكره المورّخون هو انّه لمّا خرج الحسين من المدينة إلى مكّة ومن مكّة إلى العراق وكان عليه السلام قد بعث إليهم أعني أهل

ص: 322


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3/493.

الكوفة ابن عمّه مسلم بن عقيل جواباً لمرسلاتهم إليه.

ولمّا وصل مسلم الكوفة كان النعمان بن بشير والياً عليها من قبل يزيد بن معاوية ونعمان كان ممّن يحبّ العافية فقام إليه عبداللَّه بن مسلم بن سعيد الحضرمي حليف بني اميّة انّه لا يصلح ما ترى إلّا الغشم انّ هذا الذي أنت عليه رأى المستضعفين فقال أكون من المستضعفين في طاعة اللَّه احبّ إليّ من أن أكون من الأعزّين في معصيته.

فكتب عبداللَّه بن مسلم إلى يزيد يخبره بقدوم مسلم بن عقيل الكوفة ومبايعة الناس له ويقول له إن كان لك في الكوفة حاجة فابعث اليها رجلاً قويّاً ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوّك فانّ النعمان رجل ضعيف أو هو يتضعّف وكان هو أوّل من كتب إليه، ثمّ كتب إليه عمّارة بن الوليد بن عقبة وعمر بن سعد بن أبي وقّاص بنحو ذلك فلمّا اجتمعت الكتب عند يزيد دعا سرجون مولى معاوية فأقرأه الكتب واستشاره فيمن يولّيه الكوفة وكان يزيد عاتباً على عبيداللَّه بن زياد فقال له سرجون: أرأيت لو نشر لك معاوية كنت تأخذ برأيه؟ قال: نعم فاخرج عهد عبيداللَّه على الكوفة وقال: هذا رأي معاوية ومات وقد أمر بهذا الكتاب فأخذ يزيد برأيه وجمع الكوفة والبصرة لعبيداللَّه - كما كان معاوية قد جمعها لأبيه زياد بن سميّة -.

فلمّا وصل كتابه إلى عبيداللَّه وهو بالبصرة أمر بالتجهيز ليبرز من الغد ثمّ خطب الناس وقال: امّا بعد، فواللَّه ما بي تقرن الصعبة وما يقعقع لي بالشنان وانّي لنكل لمن عاداني ومسلم لمن حاربني وانصف القارة من راماها يا أهل البصرة انّ أميرالمؤمنين قد ولّاني الكوفة وانا غاد إليها بالغداوة وقد استخلفت عليكم أخي

ص: 323

عثمان بن زياد فايّاكم الخلاف والأرجاف من اللَّه لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنّه وعريفه ووليّه ولآخذنّ الأدنى بالأقصى حتّى تستقيموا ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاق وانّي أنا ابن زياد اشبهته من بين من وطئ الحصى فلم ينتزعني شبه خال ولا ابن عمّ(1).

ثمّ خرج عن البصرة ومعه مسلم بن عمر الباهلي وشريك بن الأعور الحارثي وحشمه وأهل بيته وكان شريك شيعيّاً حتّى دخل الكوفة وقد ذكر المورّخون كيفيّة دخوله الكوفة وقولهم له مرحبا بك يابن رسول اللَّه وهو لا يكلّمهم ثمّ خطبهم وقال: امّا بعد، فانّ أميرالمؤمنين ولّاني مصركم وثغركم وفيئكم وأمرني بانصاف مظلومكم واعطائ محرومكم وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم وبالشدّة على مريبكم وعاصيكم وانا متّبع فيكم أمره ومنفذ فيكم عهده فانّا لمحسنكم كالوالد البر ولمطيعكم كالأخ الشفيق وسيفي وسوطي على من ترك أمري وخالف عهدي فليبق أمري على نفسه، ثمّ نزل عن المنبر، فأخذ العرفاء والناس أخذاً شديداً وقال: اكتبوا لي الغرباء ومن فيكم من طلبه أميرالمؤمنين ومن فيكم من الحروريّة وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق فمن كتبهم إليّ فبرى ء ومن لم يكتب لنا أحداً فليضمن لنا ما في عرافته أن لا يخالفنا فيهم مخالف، ولا يبغى علينا منهم باغ فمن لم يفعل فبرئت منه الذمّة وحلال لنا دمه وماله وايّما عريف وجد في عرافته من بغية أميرالمؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره والغيت تلك العرافة من العطا وسير إلى موضع لعمّان الزرارة فلمّا سمع مسلم بن عقيل عليه السلام بمقالته خرج من دار المختار وأتى دار هاني بن عروة المرادي فدخل بابه

ص: 324


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 4/17-24.

واستدعى هانئاً فخرج إليه فلمّا رآه كره مكانه فقال له مسلم أتيتك لتجيرني وتضيفني فقال له هاني لقد كلّفتني شططا ولو لا دخولك داري لأحببت أن تنصرف عنّي غير انّه يأخذني من ذلك ذمام ادخل فآواه فاختلف الشيعة إليه في دار هاني(1).

ثمّ دعا ابن زياد مولى له وأعطاه ثلاثة آلاف درهم وقال له اطلب مسلم بن عقيل وأصحابه وألفهم وأعطهم هذا المال وأعلمهم أنّك منهم واعلم أخبارهم ففعل ذلك وأتى مسلم بن عوسجة الأسدي بالمسجد فسمع الناس يقولون هذا يبايع للحسين وهو يصلّي فلمّا فرغ من صلاته قال له يا عبداللَّه إنّي امرؤ من أهل الشام أنعم اللَّه عليّ بحبّ أهل هذا البيت وهذه ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنّه قدم الكوفة يبايع لابن بنترسول اللَّه صلى الله عليه وآلهوقد سمعت نفراً يقولون أنّك تعلم أمر هذا البيت واني أتيتك لتقبض المال وتدخلني على صاحبك أبايعه وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائي إيّاه فقال: لقد سرّني لقاؤك إيّاي(2)-إلى أن قال صاحب التاريخ - واختلف إليه أيّاماً ليدخله على مسلم، ثمّ نقل قصّة مرض هاني بن عروة وشريك بن الأعور وعيادة عبيداللَّه لهما والقصّة طويلة لا حاجة لنا في ذكرها - إلى أن قال: - وكان هاني قد انقطع عن عبيداللَّه بعذر المرض وساق الكلام إلى أن قال فدخل القوم على ابن زياد وهاني معهم فلمّا رآه ابن زياد قال لشريح القاضي اتتك بخائن رجلاه فلمّا دنى منه قال عبيداللَّه:

اريد حياته ويريد قتلي***عذيرك من خليلك من مراد

ص: 325


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 4/24.
2- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 4/25.

وكان ابن زياد مكرماً له فقال هانئ: وما ذاك؟ فقال: يا هانئ ما هذه الأمور التي تربص في دارك وطال بينهما النزاع فدعا ابن زياد مولاه ذاك العين فجاء حتّى وقف بين يديه وقال ما قال ثمّ قال له ابن زياد: واللَّه لا تفارقني أبداً حتّى تأتيني به قال: لا آتيك بضيفي تقتله أبداً واللَّه لو كنت واحداً ليس لي ناصر لم أدفعه حتّى أموت دونه.

فقال ابن زياد: واللَّه لتأتيني به أو لأضربنّ عنقك، قال: اذن واللَّه تكثر البارقة حول دارك وهو يرى أن عشيرته ستمنعه فقال أبالبارقة تخوّفني؟

فأخذ عبيداللَّه قضيبه ولم يزل يضرب أنفه وجبينه وخدّه حتّى كسر أنفه وسيل الدماء على ثيابه ونثر لحم خدّيه وجبينه على لحيته حتّى كسر القضيب ثمّ أمر به فألقي في بيت وأغلق عليه(1).

وبالجملة قتل عبيداللَّه هانياً ومسلماً ومن كان معهما وبعث برأس الهاني والمسلم إلى يزيد بن معاوية، ثمّ انّه لم يقنع بقتلهما ومن معهما من أصحابهما بل قتل الحسين عليه السلام وأصحابه وأنصاره عطشاناً وايّة بليّة ورزيّة كانت في الإسلام، والمسلمين أشدّ وأعظم من قتله وسلبه ونهبه عليه السلام بأيدي أهل الكوفة ثمّ ورود أهل بيته عليه السلام اسارى مع الرؤوس على القناة في مجلسه الكثيف وحيث انّ شهادته عليه السلام من أشهر القضايا في العالم الاسلامي وأعظم الدواهي الواقعة في الاسلام فلا نحتاج إلى شرحها لأنّ العلماء من الخاصّة والعامّة بل ومن غير المسلمين كتبوا فيها كتبا مفصّلة وحكموا بكفر ابن زياد وزندقته وكذلك من أمره بها ومن تابعه فيها فلولا في الاسلام بعد أميرالمؤمنين نازلة إلّا هذه لكفى في صدق قوله عليه السلام

ص: 326


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 4/26-29.

وتعركين بالنوازل وقد روى انّ هذه الواقعة الهائلة انّما وقعت بسيوف أهل الكوفة لا غيرها لم يكن فيها بصري ولا شامّي ولا من غيرهما من البلاد فهذه هي النازلة الثانية الواقعة بها وهي أعظمها وأشدّها.

النازلة الثالثة: ولاية الحجّاج عليها

اعلم انّ الحجّاج بن يوسف الثقفي لعنه اللَّه كان من عمّال عبدالملك بن مروان ومشيّدي خلافته وسلطنته وهو في دولته كزياد بن أبيه في دولة معاوية وعبيداللَّه بن زياد في خلافة يزيد فهؤلاء الثلاثة لم يكن لهم نظير في الإسلام في اشاعة الظلم ووضع السيف على المخالفين لهؤلاء الخلفاء الكفرة الفسقة، امّا زياد وابنه عبيداللَّه فقد عرفتهما، وأمّا الحجّاج وهو شرّهم وأخبثهم وأسفكهم بل لا يبعد القول بكونه شرّ الناس أجمعين فمجمل القول فيه هو انّ عبدالملك بن مروان لما تقمّص بقميص الخلافة بعد أبيه وكان في الحجاز عبداللَّه بن الزبير بن العوّام مدّعيا للخلافة ومستولياً على الحجاز والعراق واليمن وسائر البلاد إلّا الشام وهو مقيم بمكّة المكرّمة لائذاً بالبيت عائذاً ملتجأ إليه وقد ولّى على البصرة أخاه مصعب بن الزبير واستولى على الكوفة في خلافته المختار بن أبي عبيدة الثقفي فأمر أخاه المصعب بالحرب معه فوقع القتال بين الفريقين وقتل مختار واستولى ابن الزبير على الكوفة أيضاً.

فلمّا وصلت النوبة إلى عبدالملك وأراد القتال مع ابن الزبير واستشار فيه أصحابه فخالفه بعضهم ووافقه بعض آخر ولمّا عزم على المسير إلى العراق، ودّع زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية فبكت وبكى جواريها فقال:

ص: 327

إذا ما أراد الغزو لم يثن همّه***حصان عليها عقد درّ يزينها

نهته فلمّا لم تر النهي عاقه***بكت وبكى ممّا عناها فطينها

فسار عبدالملك إلى العراق فلمّا بلغ مصعباً مسيره وهو بالبصرة قصد الكوفة وجعل ابراهيم بن الأشتر على مقدّمته وسار حتّى نزل باخمرا وأمّا عبدالملك فجعل على مقدمته أخاه محمّد بن مروان وخالد بن عبداللَّه بن اسيد فنزلوا بقرقيسا.

فلمّا وقع الحرب بين الفريقين واقتتلوا قتالاً شديداً قتل مصعب بن الزبير وانهزم أصحابه لترك الناس مصعباً وخذلانهم إيّاه وغدرهم به كما هو شأن أهل الكوفة فقطع ابن ظبيان رأسه وحمله إلى عبدالملك فألقاه بين يديه وأنشد يقول:

نعاطي الملوك الحقّ ما قسطولنا***وليس علينا قتلهم بمحرّم

فلمّا رأى عبدالملك الرأس سجد قال ابن ظبيان لقد هممت أن أقتل عبدالملك وهو ساجد فأكون قد قتلت ملكي العرب وارحت الناس منهما وقال عبدالملك لقد هممت أن أقتل ابن ظبيان فأكون قد قتلت افتك الناس بأشجع الناس(1).

وبالجملة بعد ما استولى على العراق فأوّل من ولّاه على الكوفة قطن ابن عبداللَّه الحارثي، ثمّ عزله فاستعمل عليها أخاه بشر بن مروان(2)وفيه قال الشاعر:

قد استوى بشر على العراق***من غير سيف ودم مهراق(3)

فلمّا فرغ عبدالملك عن العراق رجع إلى الشام وأراد الحجاز وبعث إليه

ص: 328


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 4/323-329 ملخصاً.
2- تاريخ الطبري: 5/12.
3- شذرات الذهب: 1/79.

الحجّاج بن يوسف الثقفي في ألفين وقيل في ثلاثة آلاف من أهل الشام لقتال ابن الزبير وكان السبب فيه انّ الحجّاج قال لعبدالملك قد رأيت في المنام انّي أخذت عبداللَّه بن الزبير فسلخته فابعثني إليه وولّني قتاله، فبعثه وكتب معه أماناً لابن الزبير ومن معه إن أطاعوا فسار في جمادي الأولى سنة اثنين وسبعين ولم يعرض للمدينة ونزل الطائف وكان يبعث الخيل إلى عرفة ويبعث ابن الزبير أيضاً فيقتتلون بعرفة فتنهزم خيل ابن الزبير في كلّ ذلك وتعود خيل الحجّاج بالظفر(1).

ثمّ كتب الحجّاج إلى عبدالملك يستأذنه في دخول الحرم وحصر ابن الزبير ويخبره بضعفه وتفرّق أصحابه ويستمدّه، فكتب عبدالملك إلى طارق يأمره باللحاق بالحجّاج، فقدم المدينة في ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين، وأخرج عامل ابن الزبير عنها وجعل عليها رجلاً من أهل الشام اسمه ثعلبة، فكان ثعلبة يخرج المخّ وهو على منبر النبيّ صلى الله عليه وآله، ثمّ يأكله ويأكل عليه التمر ليغيظ أهل المدينة، وكان مع ذلك شديداً على أهل الزبير، وقدم طارق على الحجّاج بمكّة في سلخ ذي الحجّة في خمسة آلاف.

وأمّا الحجّاج فإنّه قدم مكّة في ذي القعدة وقد أحرم بحجّة، فنزل بئر ميمون، وحجّ بالناس تلك السنة الحجّاج، إلّا أنّه لم يطف بالكعبة ولا سعى بين الصفا والمروة، منعه ابن الزبير من ذلك، فكان يلبس السلاح ولا يقرب النساء ولا الطيب إلى أن قتل ابن الزبير، ولم يحجّ ابن الزبير ولا أصحابه لأنّهم لم يقفوا بعرفة ولم يرموا الجمار (بالحجار)، ونحر ابن الزبير بدنة بمكّة.

ولمّا حصر الحجّاج ابن الزبير نصب المنجنيق على أبي قبيس ورمى به الكعبة،

ص: 329


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 4/349

وكان عبدالملك ينكر ذلك أيّام يزيد بن معاوية، وذلك لأن يزيد بن معاوية بعث جيشاً إلى المدينة في وقعة الحرّة ففعلوا بها ما فعلوا ثمّ أمرهم بالسير إلى مكّة لقتال ابن الزبير وكان الأمير على الجيش مسلم بن عقبة لعنه اللَّه ثمّ انّه مات بقرب مكّة وأمّر على الجيش بعده حصين بن النمير السكوني فدخل مكّة ونصب المنجنيق وفعل ما فعل من سوء الأفعال وقبائح الأعمال إلّا انّه لم يظفر بابن الزبير لموت يزيد في الأثناء(1)ولمّا بلغ الخبر إلى عبدالملك وهو بالشام أنكره على يزيد وقال ما قال ثمّ لمّا وصلت النوبة إليه ووجّه الحجّاج إلى مكّة ورمى الحجّاج الكعبة لم ينكر عليه بل كان يشوّقه ويؤيّده وبالجملة منع الناس من أعمالهم وطوافهم حتّى قالوا: خذل في دينه.

وحجّ ابن عمر تلك السنة فأرسل إلى الحجّاج: أن اتّق اللَّه واكفف (عن) هذه الحجارة عن الناس فإنّك في شهر حرام وبلد حرام وقد قدمت وفود اللَّه من أقطار الأرض ليؤدّوا فريضة اللَّه ويزدادوا خيرا، وإنّ المنجنيق قد منعهم عن الطواف (طواف)، فاكفف، فلمّا فرغوا من طواف الزيارة نادى منادي الحجّاج: انصرفوا إلى بلادكم فإنّا نعود بالحجارة على ابن الزبير الملحد.

وأوّل ما رمي بالمنجنيق إلى الكعبة أرعدت السماء وأبرقت وعلا صوت الرعد على الحجارة فأعظم ذلك أهل الشام وأمسكوا أيديهم، فأخذ الحجّاج حجر المنجنيق بيده فوضعه فيه ورمى به معهم، فلمّا أصبحوا جاءت الصواعق فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلا، فانكسر أهل الشام، فقال الحجّاج لهم: يا أهل الشام لا تنكروا هذا، فإنّي ابن تهامة وهذه صواعقها وهذا الفتح قد حضر فأبشروا فلمّا كان ا

ص: 330


1- مشاهير علماء الأمصار لابن حبّان: 39؛ أخبار مكّة وما جاء فيها من الآثار: 1/202.

لغد جاءت الصاعقة فأصابت من أصحاب ابن الزبير عدّة فقال الحجّاج: ألا ترون أنّهم يصابون وأنتم على الطاعة وهم على خلافها؟(1)

وبالجملة كان الوضع على هذا المنوال حتّى غلت الأسعار عند ابن الزبير وأصاب الناس مجاعة شديدة لكونهم محصورين حتّى ذبح ابن الزبير فرسه وقسّم لحمها في أصحابه وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم والمدّ من الذرّة بعشرين درهماً وانّ بيوت ابن الزبير لمملوه قمحاً وشعيراً وذرّة وتمرا ولا ينفق منها إلّا ما يمسك الرمق ويقول انفس أصحابي قويّة ما لم يفن فتفرّق لاناس عنه وخرجوا إلى الحجّاج بالأمان خرج من عنده نحو عشرة آلاف وكان ممّن فارقه ابناه حمزة وحبيب أخذا لأنفسهما أماناً فقال عبداللَّه لإبنه الزبير خذ لنفسك أماناً كما فعل أخواك فواللَّه انّي لاحبّ بقائكم فقال: ما كنت لأرغب بنفسي عنك فصبر معه فقتل(2).

ثمّ انّ ابن الزبير بعد ما تفرّق منه أصحابه لم يزل كان يقاتلهم ويبارزهم حتّى قتل يوم الثلاثاء من جمادي الآخرة وله ثلاث وسبعون سنة وتولّى قتله رجل من مراد وحمل رأسه إلى الحجّاج فسجد ووفد السكوني والمرادي إلى عبدالملك بالخير فأعطى كلّ واحد منهما خمسمائة دينار ثمّ بعث الحجّاج برأسه ورأس عبداللَّه بن صفوان ورأس عمارة بن عمرو بن حزم إلى المدينة ثمّ ذهب بها إلى عبدالملك بن مروان وأخذ جثّته فصلبها على الثنيّة اليمنى بالحجون فاستأذنته أُمّه في تكفينه ودفنه فأبى ووكّل بالخشبة من يحرسها وكتب إلى عبدالملك يخبره بصلبه فكتب إليه يلومه ويقول: الا خلّيت بينه وبين أُمّه فأذن لها الحجّاج فدفنته في الحجون.

ص: 331


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 4/350.
2- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 4/351-352.

وقد نقل أرباب السير انّ ابن الزبير كان قبله بأيّام يستعمل الصبر والمسك لئلّا ينتن لعلمه بأنّه بعد القتل يصلب فلمّا صلبت ظهرت منه رائحة المسك فقيل انّ الحجّاج صلب معه كلباً ميّتاً فغلب على ريح المسك وقيل بل صلب معه سنورا وقيل غير ذلك وهذا منه ليس ببعيد(1)وكان ابن الزبير رجلاً شجاعاً قتل أبوه الزبير في وقعة الجمل وأُمّه أسماء ذات النطاقين بنت أبي بكر إلّا انّه كان شديد البغض لآل محمّد صلى الله عليه وآله وقد نقلوا عنه انه خطب الناس في ايام خلافته اربعين صباحا ولم يصل على محمد صلى الله عليه وآله في خطبته ولم يذكره فيها قيل له فيه قال: لئلّا تعجبوا بأنفسهم ولم يكن لأحد هذه السجيّة غيره وكانت مدّة خلافته تسع سنين(2).

إذا عرفت شطراً من فجائع الحجّاج وقبائح أعماله فلنرجع إلى ما نحن بصدده من كونه والياً على الكوفة من قبل عبدالملك وإنّما ذكرنا ما ذكرناه لتعلم من أين صار الحجّاج والياً على الكوفة ولِمَ ولّاه عبدالملك على العراقين كما سلكنا هذا المسلك في اخويه زياد بن أبيه وعبيداللَّه بن زياد وذلك لأنّ القارئ يحتاج إلى ما ذكرناه ونقلناه فنقول لمّا قتل ابن الزبير بالحجاز واستولى عبدالملك عليه أيضاً ولّى الحجّاج على المدينة كان الحجّاج والياً عليها من قبله وكان ظالماً سفّاكاً ولم يزل الحجّاج والياً على المدينة، حتّى دخلت سنة خمس وسبعين من الهجرة النبويّة صلى الله عليه وآله(3).

ثمّ انّ عبدالملك لعنه اللَّه ولّاه العراق في هذه السنة دون خراسان وسجستان،

ص: 332


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 4/356.
2- تاريخ اليعقوبي: 2/261؛ الأنساب للسمعاني: 2/286؛ الكامل في التاريخ لابن الأثير: 4/359.
3- تاريخ الطبري: 5/35.

فأرسل إليه عبدالملك بعهده على العراق وهو بالمدينة وأمره بالمسير إلى العراق، فسار في اثني عشر راكباً على النجائب حتّى دخل الكوفة حين انتشر النهار فجأة، وقد كان بشر بعث المهلّب إلى الخوارج، فبدأ الحجّاج بالمسجد فصعد المنبر وهو متلثّم بعمامة خزّ حمراء فقال: عليّ بالناس، فحسبوه وأصحابه خارجيّة، فهمّوا به وهو جالس على المنبر ينتظر اجتماعهم، فاجتمع الناس وهو ساكت قد أطال السكوت، فتناول محمّد بن عمير حصباء وأراد [أن] يحصبه بها (به) وقال: قاتله اللَّه ما أغباه وأذمّه! واللَّه إنّي لأحسب خبره كروائه.

فلمّا تكلّم الحجّاج جعلت الحصباء تنثر من يده وهو لا يعقل به قال: ثمّ كشف الحجّاج عن وجهه وقال:

أنا ابن جلا وطلّاع الثنايا***متى أضع العمامة تعرفوني

أما واللَّه إنّي لأحمل الشرّ محمله وأحذوه بنعله (آخذه بفعله) وأجزيه بمثله، وإنّي لأرى رؤساء قد أينعت وقد حان قطافها، إنّي لأنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى قد شمّرت عن ساقها تشميرا وقال:

هذا أوان الحرب فاشتدّي زيم***قد لفّها الليل بسوّاق حطم

ليس براعي إبل ولا غنم***ولا بجزّاز على ظهر (لحم) وضم

ثمّ قال:

قد لفّها الليل بعصلبيّ***أروع خرّاج من الدّويّ

مهاجر ليس بأعرابيّ***ليس أوان بكرة الخلاط

جاءت به والقلص الأعلاط***تهوي هويّ سابق الغطاط(1)

ص: 333


1- سائق الغطاط.

إنّي واللَّه يا أهل العراق ما أغمز كتغماز (ما أغمزه بتغماز) التين، ولا يقعقع لي بالشنان، ولقد فررت عن ذكائ، وجريت إلى الغاية القصوى.

ثمّ قرأ: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ»(1).وأنتم اولئك وأشباه أولئك، إنّ أميرالمؤمنين عبدالملك نثر كنانته فعجم عيدانها فوجدني أمرّها عودا وأصلبها مكسرا فوجّهني إليكم ورمى بي في نحوركم، فإنّكم أهل بغي وخلاف وشقاق ونفاق، فإنّكم طالما أوضعتم في الشكّ وسننتم سنن الغيّ فاستوثقوا واستقيموا، فواللَّه لأذيقنّكم الهوان ولأمرينّكم به حتّى تدرّوا، ولألحونّكم لحو العود، ولأعصبنّكم عصب السلمة حتّى تذلّوا، ولأضربنّكم ضرب غرائب الابل حتّى تذروا العصيان وتنقادوا، ولأقرعنّكم قرع المروة حتّى تلينوا، إنّي واللَّه ما أعد إلّا وفيت، ولا أخلق إلّا فريت، فإيّاي وهذه الجماعات (الجمعات) فلا يركبنّ رجل إلّا وحده، أقسم باللَّه لتقبلنّ (لتقلبنّ) على الإنصاف، ولتدعنّ الإرجاف، وقيلا وقالا وما تقول وما يقول وأخبرني فلان، أو لأدعنّ لكلّ رجل منكم شغلا في جسده! فيم أنت وذاك؟ واللَّه لتستقيمنّ على الحقّ أو لأضربنّكم بالسيف ضربا يدع النساء أيامى، والولدان يتامى، حتّى تذروا السمهى (السهمي) وتقلعوا عن ها وها (هواها)، ألا إنّه ساغ لأهل المعصية معصيتهم ما جبي في ء (جي ء فيئي) ولاقوتل عدّو ولعطّلت الثغور، ولولا أنّهم يغزون كرها ما غزوا طوعا! وقد بلغني رفضكم المهلّب وإقبالكم على مصركم عاصين مخالفين، وإنّي أقسم باللَّه لا أجد أحداً من عسكره بعد ثلاثة إلّا ضربت عنقه وأنهبت داره!

ص: 334


1- سورة النحل: 112.

ثمّ أمر بكتاب عبدالملك فقرئ على أهل الكوفة، فلمّا قال القارئ: أمّا بعد، سلام عليكم فإنّي أحمد اللَّه إليكم، قال له: اقطع، ثمّ قال: يا عبيد العصا يسلّم عليكم أميرالمؤمنين فلا يردّ رادّ منكم السلام! أما واللَّه لأؤدّبنّكم غير هذا الأدب! ثمّ قال للقارئ: اقرأ، فلمّا قرأ سلام عليكم قالوا بأجمعهم: سلام اللَّه على أميرالمؤمنين ورحمة وبركاته.

ثمّ دخل منزله لم يزد على ذلك، ثمّ دعا العرفاء وقال: ألحقوا الناس بالمهلّب وائتوني بالبرائات بموافاتهم ولا تغلقنّ أبواب الجسر ليلاً ولا نهاراً حتّى تنقضي هذه المدّة.

فلمّا كان اليوم الثالث سمع تكبيراً في السوق فخرج حتّى جلس على المنبر فقال: يا أهل العراق وأهل الشقاق والنفاق ومساوئ الأخلاق! إنّي سمعت تكبيراً ليس بالتكبير الذي يراد به وجه اللَّه ولكنّه التكبير الذي يراد به الترهيب، وقد عرفت أنّها عجاجة تحتها قصف، يا بني اللكيعة وعبيد العصا وأبناء الأيامى ألا يربع (يرجع) رجل منكم على ظلعه (ظلفه) ويحسن حقن دمه، ويعرف موضع قدمه! فأقسم باللَّه لأوشك أن أوقع بكم وقعة تكون نكالا لما قبلها وأدبا لما بعدها.

فقام عمير بن ضابئ الحنظليّ التميميّ فقال: أصلح اللَّه الأمير، أنا في هذا البعث وأنا شيخ كبير عليل وابني هذا أشب منّي.

فقال الحجّاج: هذا خير لنا من أبيه، ثمّ قال: ومن أنت؟ قال: أنا عمير بن ضابئ، قال: أسمعت كلامنا بالأمس؟ قال: نعم، قال: ألست الذي غزا عثمان بن عفّان؟ قال:بلى، قال: يا عدوّ اللَّه؟ أفلا إلى عثمان بعثت بدلا؟ وما حملك على ذلك؟ قال: إنّه حبس أبي وكان شيخاً كبيراً، قال: أولست القائل:

ص: 335

هممت ولم أفعل وكدت وليتني***تركت على عثمان تبكي حلائله

إنّي لأحسب انّ في قتلك صلاح المصرين وأمر به فضربت رقبته وأنهب ماله .

وقيل: إنّ عنبسة بن سعيد بن العاص قال للحجّاج: أتعرف هذا؟ قال: لا، قال: هذا أحد قتلة عثمان، فقال الحجّاج: أي عدوّ اللَّه! أفلا إلى أميرالمؤمنين بعثت بديلاً؟ ثمّ أمر به فضربت عنقه، وأمر منادياً فنادى: ألا إنّ عمير بن ضابئ أتى بعد ثلاثة وكان سمع النداء فأمرنا بقتله، ألا إنّ ذمّة اللَّه بريئة ممّن لم يأت الليلة من (إلى) جند الهلب.

فخرج الناس فازدحموا على الجسر، وخرج العرفاء إلى المهلّب، وهو برامهرمز، فأخذوا كتبه بالموافاة، فقال المهلّب: قدم العراق اليوم رجل ذكر، اليوم قوتل العدوّ.

فلمّا قتل الحجّاج عميراً لقي إبراهيم بن عامر الأسديّ عبداللَّه بن الزبير فسأله عن الخبر فقال:

أقول لإبراهيم لمّا لقيته***أرى الأمر أضحى منصبا متشعّبا

تجهّز وأسرع فالحق الجيش لا أرى***سوى الجيش إلّا في المهالك مذهّبا

تخيّر فإمّا أن تزور ابن ضابئ***عميرا وإمّا أن تزور المهلّبا

هما خطّتا خسف نجاؤك منهما***وركوبك حوليّاً من الثلج أشهبا

فحال ولو كانت خراسان دونه***رآها مكان السوق أو هي أقربا

فكائن ترى من مكره الغزو مسمرا***تحمّم حنو السرج حتّى تحنّبا(1)

ص: 336


1- الكامل 4/374-379.

قال الشعبي: كان الرجل إذا أخلّ بوجهه الذي يكتب إليه زمن عمر وعثمان وعليّ، نزعت عمامته ويقام للناس ويشهر أمره فلمّا ولّى مصعب قال: ما هذا بشي ء وأضاف إليه حلق الرؤوس واللحى، فلمّا ولّى بشر بن مروان زاد فيه فصار يرفع الرجل عن الأرض ويسمر في يديه مسماران في حائط فربّما مات وربّما خرق المسمار كفّه فسلم فقال الشاعر فيه:

لو لا مخافة بشر أو عقوبته***وان ينوط في كفّي مسمار

إذا لعطّلت ثغرى ثمّ زرتكم***انّ المحبّ لمن يهواه زوّار

فلمّا ولى الحجّاج قال هذا لعب اضرب عنق من بخل مكانه في الثغر(1).

ثمّ انّ الحجّاج كان من أخبث الناس وأرذلهم وأسفكهم وقد ذكروا انّه احصى من قتله الحجّاج صبراً فكانوا مائة ألف وعشرين ألفاً وقد روى انّه مرّ بخالد بن يزيد بن معاوية وهو يخطر في مشيته فقال رجل لخالد من هذا؟ قال خالد: بخّ بخُ هذا عمرو بن العاص فسمعها الحجّاج ورجع وقال واللَّه ما يسرّني انّ العاص ولدني ولكنّي ابن الأشياخ من ثقيف والعقائل من قريش وأنا الذي ضربت بسيفي هذا مائة ألف كلّهم يشهد انّ أباك كان يشرب الخمر ويضمر الكفر ثمّ ولّى وهو يقول بخّ بخّ عمرو بن العاص فهو قد اعترف في بعض أيّامه بمائة ألف قتيل على ذنب واحد(2).

ولاسيّما في الكوفة فانّه قتل كثيراً من أهلها من غير جرم وذنب وقد روى انّه قد احصى من حبسه في السجن فكانوا تسعين ألفاً ولم يثبت لهم ذنب أصلاً

ص: 337


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 4/379.
2- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 4/587.

وهوالذي قال لأهل السجن حين رأى انّهم يضجّون: «اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ»(1).(2)وحكاياته مشهورة.

قال الشافعيّ: بلغني أنّ عبدالملك بن مروان قال للحجّاج: ما من أحد إلّا وهو عارف بعيوب نفسه، فعب نفسك ولا تخبأ منها شيئاً. قال: يا أميرالمؤمنين أنا لجوج حقود، فقال له عبدالملك: إذا بينك وبين إبليس نسب، فقال: إنّ الشيطان إذا رآني سالمني.

قال الحسن: سمعت عليّاً على المنبر يقول: اللهمّ ائتمنتهم فخافوني، ونصحتهم فغشّوني، اللهمّ فسلّط عليهم غلام ثقيف يحكم في دمائهم وأموالهم بحكم الجاهليّة! فوصفه وهو يقول: الزيال، مفجر الأنهار، يأكل خضرتها ويلبس فروتها.

قال الحسن: هذه واللَّه صفة الحجّاج.

(الحسن هذه هو الحسن البصري المشهور).

قال حبيب بن أبي ثابت: قال عليّ لرجل: لا تموت حتّى تدرك فتى ثقيف قيل له: يا أميرالمؤمنين ما فتى ثقيف؟ قال: ليقالنّ له يوم القيامة اكفنا زاوية من زوايا جهنّم، رجل يملك عشرين أو بضعا وعشرين سنة لا يدع للَّه معصية إلّا ارتكبها حتّى لو لم تبق إلّا معصية واحدة وبينه وبينها باب مغلق لكسره حتّى يرتكبها، يقتل بمن أطاعه من عصاه(3).

وقد روينا ما روينا عن الكامل، صدّق ولي اللَّه سلام اللَّه عليه.

ص: 338


1- سورة المؤمنون: 108.
2- مروج الذهب: 3/166-167.
3- الكامل في التاريخ لابن الأثير: 4/586.

وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِكِ جَبَّارٌ سُوءاً إِلّا ابْتَلاهُ اللَّهُ بِشَاغِلٍ وَرَمَاهُ بِقَاتِلٍ

عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى اخْتَارَ مِنَ الْبُلْدَانِ أَرْبَعَةً فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ فَالتِّينُ الْمَدِينَةُ وَالزَّيْتُونُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ وَطُورُ سِينِينَ الْكُوفَةُ وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ مَكَّة(1).

قال المجلسي قدس سره: لعلّه إنّما كنى عن المدينة بالتين لوفوره وجودته فيها أو لكونها من أشارف البلاد كما أن التين من أفاضل الثمار كما سيأتي وكنى عن الكوفة بطور سينين لأن ظهرها وهو النجف كان محل مناجاة سيد الأوصياء كما أن الطور كان محل مناجاة الكليم أو لأن الجبل الذي سأل عليه موسى الرؤية فتقطع وقع جزء منه هناك كما ورد في بعض الأخبار أو أنه لما أراد ابن نوح أن يعتصم بهذا الجبل تقطع فصار بعضها في طور سيناء أو أنه هو طور سيناء حقيقة وغلط فيه المفسرون واللغويون(2)، كَمَا رَوَى الشَّيْخُ فِي التَّهْذِيبِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: كَانَ فِي وَصِيَّةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنْ أَخْرِجُونِي إِلَى الظَّهْرِ فَإِذَا تَصَوَّبَتْ أَقْدَامُكُمْ وَاسْتَقْبَلَتْكُمْ رِيحٌ فَادْفِنُونِي وَهُوَ أَوَّلُ طُورِ سَيْنَاءَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ(3).

عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ وَجَلَسْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَسَأَلْنَا مَنْ أَنْتُمْ؟ قُلْنَا: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ

ص: 339


1- الخصال: 1/225، ح 58؛ معاني الأخبار: 364، ح 1؛ بحار الأنوار: 57/205، ح 2.
2- بحار الأنوار: 57/205.
3- تهذيب الأحكام: 6/34، ح 69-13؛ بحار الأنوار: 57/205، ح 1.

أَكْثَرُ مُحِبّاً لَنَا مِنَ أهل الْكُوفَةِ ثُمَّ هَذِهِ الْعِصَابَةُ خَاصَّةً إِنَّ اللَّهَ هَدَاكُمْ لأَمْرٍ جَهِلَهُ النَّاسُ أَحْبَبْتُمُونَا وَأَبْغَضَنَا النَّاسُ وَصَدَّقْتُمُونَا وَكَذَّبَنَا النَّاسُ وَاتَّبَعْتُمُونَا وَخَالَفَنَا النَّاسُ فَجَعَلَ اللَّهُ مَحْيَاكُمْ مَحْيَانَا وَمَمَاتَكُمْ مَمَاتَنَا(1).

قال ابن أبي الحديد: قال جعفر بن محمّد عليه السلام: الكوفة تربة تحبّنا ونحبّها اللهمّ ارم من رماها، وعاد من عاداها(2).

قال: وقال المنصور لجعفر بن محمد عليه السلام: لقد هممت أن أبعث إلى الكوفة من ينقض منازلها ويجمر نخلها، ويستصفي أموالها، ويقتل أهل الريبة منها، فأشر عليّ فقال: إن المرء ليقتدي بسلفه، ولك أسلاف ثلاثة: سليمان أعطي فشكر، وأيوب ابتلي فصبر، ويوسف قدر فغفر، فاقتد بأيهم شئت، فصمت قليلا ثمّ قال: قد غفرت.

قال: وفي (منتظم ابن الجوزي): لمّا حصب أهل الكوفة زياداً وهو يخطب، قطع أيدي ثمانين منهم وهمّ أن يخرّب دورهم فجمعهم حتّى ملأ بهم المسجد والرحبة ليعرضهم على البراءة من عليّ عليه السلام وعلم أنّهم سيمتنعون فيحتجّ بذلك على استيصالهم، وإخراب بلدهم.

قال عبد الرحمن بن السائب الأنصاري: فإنّي لمع نفر من قومي والناس يومئذ في أمر عظيم إذ هومت تهويمه فرأيت شيئا أقبل طويل العنق مثل عنق البعير أهدر أهدل فقلت: ما أنت قال: أنا النقاد ذو الرقبة بعثت إلى صاحب هذا القصر، فاستيقظت فزعا، فقلت لأصحابي: هل رأيتم ما رأيت؟ قالوا: لا فأخبرتهم. وخرج علينا خارج من القصر، فقال: انصرفوا فإن الأمير يقول لكم: إنّي عنكم اليوم

ص: 340


1- الأمالي للطوسي: 678، م 37، ح 1440-19؛ بحار الأنوار: 57/222، ح 53.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/198؛ بحار الأنوار: 57/210.

مشغول، وإذا بالطاعون قد ضربه فكان يقول: إني لأجد في جسدي حر النار حتّى مات، فقال عبد الرحمن بن السائب:

ما كان منتهيا عما أراد بنا***حتّى تناوله النقاد ذو الرقبة

فاثبت الشق منه ضربة عظمت***كما تناول ظلما صاحب الرحبة

قال: يعني بصاحب الرحبة أميرالمؤمنين عليه السلام لأنّه كان يجلس معظم زمانه في رحبة المسجد يحكم بين الناس(1).

قال أبوالحسن الكيدري في شرحه: فمن الجبابرة الذين ابتلاهم اللَّه بشاغل فيها زياد وقد جمع الناس في المسجد ليلعن عليّاً صلوات اللَّه عليه فخرج الحاجب وقال: انصرفوا فإنّ الأمير مشغول عنكم وقد أصابه الفالج في هذه الساعة وابنه عبيد اللَّه بن زياد وقد أصابه الجذام والحجاج بن يوسف وقد تولّدت الحيّات في بطنه حتّى مات وعمر بن هبيرة وابنه يوسف وقد أصابهما البرص وخالد القسري وقد حبس فطولب حتّى مات جوعا.

وأمّا الذين رماهم اللَّه بقاتل فعبيداللَّه بن زياد ومصعب بن الزبير وأبو السرايا وغيرهم قتلوا جميعا ويزيد بن المهلب قتل على أسوء حال هذا(2).

وروى أنّ زياداً كان أحضر قوماً بلغه أنّهم شيعة لعليّ عليه السلام ليدعوهم إلى سبّه والبراءة منه، أو يضرب أعناقهم - وكانوا سبعين رجلاً - فصعد المنبر، وجعل يتكلّم بالوعيد والتهديد فنام بعض القوم - وهو جالس - فقال له بعض أصحابه: تنام وقد أحضرت لتقتل فقال: من عمود إلى عمود فرقان لقد رأيت في نومتي هذه عجبا،

ص: 341


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/198.
2- شرح نهج البلاغة للمجلسي: 1/168؛ حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة: 1/296.

رأيت رجلاً أسود يضرب رأسه السقف دخل المسجد، فقلت: من أنت يا هذا؟ فقال: النقّاد ذو الرقبة (داق الرقبة) قلت: وأين تريد؟ قال: أدقّ عنق هذا الجبّار الذي يتكلّم على هذه الأعواد.

فبينا زياد يتكلّم على المنبر، إذ قبض على إصبعه ثمّ صاح: يدي وسقط عن المنبر مغشياً عليه فادخل القصر، وقد طعن في خنصره اليمنى، فأحضر الطبيب، وقال له: اقطع يدي، قال: أخبرني عن الوجع الذي تجده في يدك أو في قلبك؟ قال: في قلبي، قال: فعش سويا.

فلمّانزل به الموت كتب إلى معاوية إنّي كتبت وأنا في آخر يوم من الدنيا وأوّل يوم من الآخرة(1).

وقال أبو مخنف: لمّا قتل يوسف بن عمر، زيدَ بن علي أقبل حتّى دخل الكوفة، فصعد المنبر فقال: يا أهل المدرة الخبيثة إنّي واللَّه ما تقرن بي الصعبة، ولا يقعقع لي بالشنان، ولا اخوّف بالذئب، هيهات حبيت بالساعد الأشد أبشروا يا أهل الكوفة بالصغار والهوان، لا عطاء لكم عندنا ولا رزق، ولقد هممت أن أخرب بلادكم ودوركم وأحرمكم أموالكم أما واللَّه ما علوت منبري إلّا أسمعتكم ما تكرهون عليه فانّكم أهل بغي وخلاف، ما منكم إلّا من حارب اللَّه ورسوله إلّا حكيم بن شريك المحاربي، ولقد سألت الخليفة أن يأذن لي فيكم ولو أذن لقتلت مقاتلتكم وسبيت ذراريكم(2).

عن ابن عيّاش: أنّ أهل الكوفة لا تزال الجماعة منهم قد طعنوا على عاملهم

ص: 342


1- تاريخ اليعقوبي: 2/235.
2- تاريخ الطبري: 5/507، سنة 123.

وتظلموا على أميرهم وتكلّموا كلاماً فيه طعن على سلطانهم فرفع ذلك إلى المنصور فقال للربيع: اخرج إلى من بالباب من أهل الكوفة فقل لهم إنّ الخليفة يقول لكم: لئن اجتمع اثنان منكم في موضع لأحلقنّ رؤوسهما ولحاهما، ولأضربنّ ظهورهما فالزموا منازلكم وأبقوا على أنفسكم فخرج إليهم الربيع بهذه الرسالة فقال له ابن عيّاش: يا شبه عيسى بن مريم - وكان الربيع لم يعرف له أب - أبلغ الخليفة عنّا كما أبلغتنا عنه فقل له: واللَّه ما لنا بالضرب طاقة فأمّا حلق اللحى فاذا شئت - وكان ابن عيّاش منتوفا - فأبلغه فضحك وقال: قاتله اللَّه ما أدهاه وأخبثه(1).

ص: 343


1- تاريخ الطبري: 6/322، سنة 158.

بسم الرحمن الرحیم

الخطبة (48) ومن خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام:

اشارة

الْحَمْدُ للَّهِ ِ كُلَّمَا وَقَبَ لَيْلٌ وَغَسَقَ وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ كُلَّمَا لاحَ نَجْمٌ وَخَفَقَ وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ غَيْرَ مَفْقُودِ الإِنْعَامِ وَلا مُكَافَإِ الإِفْضَالِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَعَثْتُ مُقَدِّمَتِي وَأَمَرْتُهُمْ بِلُزُومِ هَذَا الْمِلْطَاطِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرِي وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَقْطَعَ هَذِهِ النُّطْفَةَ إِلَى شِرْذِمَةٍ مِنْكُمْ مُوَطِّنِينَ أَكْنَافَ دِجْلَةَ فَأُنْهِضَهُمْ مَعَكُمْ إِلَى عَدُوِّكُمْ وَأَجْعَلَهُمْ مِنْ أَمْدَادِ الْقُوَّةِ لَكُمْ

قال السيد الشريف: أقول: يعني عليه السلام بالملطاط السمت الذي أمرهم بلزومه وهو شاطئ الفرات، ويقال: ذلك الشاطئ البحر، وأصله ما استوى من الأرض ويعني بالنطفة ماء الفرات، وهو من غريب العبارات وأعجبها.

و من خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام: الْحَمْدُ للَّهِ ِ كُلَّمَا وَقَبَ لَيْلٌ وَغَسَقَ

قال تعالى: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»(1).

ص: 344


1- سورة القصص: 72-73.

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: الشكر للنعم اجتناب المحارم، وتمام الشكر قول العبد الحمد للَّه ربّ العالمين(1).

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: لا إله إلّا اللَّه نصف الميزان والحمد للَّه تملأه(2).

عن السكوني عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من ظهرت عليه النعمة فليكثر ذكر الحمد للَّه(3).

وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ كُلَّمَا لاحَ نَجْمٌ وَخَفَقَ

قال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ»(4).

وقال تعالى: «وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(5).

تنبيه: اعلم انّ فيما ذكره عليه السلام نكات ودقائق: احداها: في اختياره الليل والنجم على سائر الأشياء وذلك لكثرة استعمالها في القرآن الكريم كقوله تعالى: «وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ»(6).

وقال تعالى: «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا»(7).

ص: 345


1- مشكاة الأنوار: 31؛ بحار الأنوار: 90/214.
2- الأمالي للمفيد: 266، م 29، ح 1؛ بحار الأنوار: 90/194، ح 9.
3- الكافي: 8/93، ح 65؛ بحار الأنوار: 92/296، ح 10.
4- سورة الأنعام: 97.
5- سورة النحل: 16.
6- سورة الانشقاق: 16-17.
7- سورة الشمس: 4.

وقال تعالى: «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى»(1).

وقال تعالى: «وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى»(2).

وقال تعالى: «وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ»(3).

وأمثال ذلك من الآيات التي تقرّب مائة آية.

وقال تعالى: «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى»(4).

وقال تعالى: «وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(5).

وقال تعالى: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا»(6)الآية.

وقوله: «فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ»(7).

قوله: «وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ»(8)وأمثالهما من الآيات.

وثانيها: انّ فيهما خصوصيّة ليست في غيرهما.

امّا الليل فلكونه ظرفاً للأذكار والأوراد والتهجّد وكأنّه معدّ لها قال اللَّه تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ النُّجُومِ»(9).

ص: 346


1- سورة الليل: 1.
2- سورة الضحى: 1-2.
3- سورة المدّثّر: 33.
4- سورة النجم: 1.
5- سورة النحل: 16.
6- سورة الأنعام: 97.
7- سورة المرسلات: 8.
8- سورة التكوير: 2.
9- سورة الطور: 49.

وقال تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا»(1).

وقال تعالى: «وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا»(2).

وقال تعالى: «أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ»(3).

وأمّا النجم فلكونه سبباً للاهتداء والارشاد.

كقوله تعالى: «وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(4).

وقوله: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ»(5).

وثالثها: انّ الليل له فضل على النهار.

كقوله تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»(6)

وقوله تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ»(7).

وقوله تعالى: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»(8).

وقوله تعالى: «وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»(9).

ص: 347


1- سورة الانسان: 26.
2- الاسراء: 79.
3- سورة الزمر: 9.
4- سورة النحل: 16.
5- سورة الأنعام: 97.
6- سورة القدر: 1-3.
7- سورة الدخان: 3.
8- سورة الإسراء: 1.
9- سورة الأعراف: 142.

وقوله تعالى: «وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»(1).

وقوله تعالى: «قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً»(2).

وقوله تعالى: «وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ»(3).

وأمثالها من الآيات التي دلّت على فضيلة الليل.

وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ غَيْرَ مَفْقُودِ الإِنْعَامِ وَلا مُكَافَإِ الإِفْضَالِ

في مناجات عليّ بن الحسين عليهما السلام: الهي... فَكَيْفَ لِي بِتَحْصِيلِ الشُّكْرِ وَشُكْرِي إِيَّاكَ يَفْتَقِرُ إِلَى شُكْرٍ فَكُلَّمَا قُلْتُ لَكَ الْحَمْدُ وَجَبَ عَلَيَّ لِذَلِكَ أَنْ أَقُولَ لَكَ الْحَمْد(4).

عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى عليه السلام: يَا مُوسَى اشْكُرْنِي حَقَّ شُكْرِي فَقَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ أَشْكُرُكَ حَقَّ شُكْرِكَ وَلَيْسَ مِنْ شُكْرٍ أَشْكُرُكَ بِهِ إِلّا وَأَنْتَ أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ قَالَ يَا مُوسَى الآْنَ شَكَرْتَنِي حِينَ عَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ مِنِّي(5).

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَعَثْتُ مُقَدِّمَتِي

بعثهم عليه السلام من النخيلة، وهم زياد بن النضر في ستّة آلاف وشريح بن هاني في

ص: 348


1- سورة البقرة: 51.
2- سورة مريم: 10.
3- سورة الفجر: 1-2.
4- بحار الأنوار: 91/146.
5- الكافي: 2/98، ح 27؛ بحار الأنوار: 68/36، ح 22.

ستّة آلاف وقال لهما: اعلما أنّ مقدّمة القوم عيونهم، وعيون المقدّمة طلائعهم، فإيّاكما أن تسأما عن توجيه الطلائع، ولا تسيروا بالكتائب والقبائل من لدن مسيركما إلى نزولكما إلّا بتعبية وحذر(1).

وَأَمَرْتُهُمْ بِلُزُومِ هَذَا الْمِلْطَاطِ

أي شاطئ الفرات.

حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرِي

قد كان زياد بن النضر وشريح بن هاني - وكان عليّ عليه السلام سرحهما مقدّمة له - أخذا على شاطئ الفرات من قبل البر ممّا يلي الكوفة حتّى بلغا عانات، فبلغهما أخذ عليّ عليه السلام طريق الجزيرة، وعلى أنّ معاوية قد أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقباله، فقالا: واللَّه ما هذا برأي أن نسير وبيننا وبين أميرالمؤمنين عليه السلام هذا البحر، وما لنا خير في أن نلقى جموع الشام في قلّة من العدد منقطعين عن المدد فذهبوا ليعبروا من عانات، فمنعهم أهلها وحبسوا عنهم السفن، فأقبلوا راجعين حتّى عبروا من هيت، ولحقوا عليّاً عليه السلام بقرية دون قرقيا، فلمّا لحقوا عليّاً عليه السلام عجب وقال: مقدّمتي تأتي من ورائي فقال له زياد وشريح ما جرى فقال: قد أصبتما رشدكما فلمّا عبروا الفرات قدّمهما أمامه نحو معاوية فلقيهما أبو الأعور السلمي في جنود من الشام وهو على مقدّمة معاوية، فدعواه إليه عليه السلام، فأبى فكتبا إليه بذلك(2).

ص: 349


1- الأخبار الطوال: 166.
2- تاريخ الطبري: 3/564.

وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَقْطَعَ هَذِهِ النُّطْفَةَ إِلَى شِرْذِمَةٍ مِنْكُمْ مُوَطِّنِينَ أَكْنَافَ دِجْلَةَ فَأُنْهِضَهُمْ مَعَكُمْ إِلَى عَدُوِّكُمْ

روى نصر بن مزاحم عن عبدالرحمن بن عبيد بن أبي الكنود، قال: لمّا أراد عليّ عليه السلام الشخوص من النخيلة قام في الناس لخمس مضين من شوال يوم الأربعاء فقال: الحمد للَّه غير مفقود النعم (معقود النعم) ولا مكافأ الافضال، وأشهد ألا إله إلّااللَّه، ونحن على ذلكم من الشاهدين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم أما بعد ذلكم فإنّي قد بعثت مقدماتي وأمرتهم بلزوم هذا الملطاط، حتّى يأتيهم أمري، فقد أردت أقطع هذه النطفة إلى شرذمة منكم موطنين بأكناف دجلة، فأنهضهم معكم إلى أعداء اللَّه إن شاء اللَّه وقد أمرت على المصر عقبة بن عمرو الأنصاري ولم آلكم ولا نفسي فإياكم والتخلف والتربص فإني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي وأمرته ألا يترك متخلفا إلّا ألحقه بكم عاجلا إن شاء اللَّه.

فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال: يا أميرالمؤمنين واللَّه لا يتخلف عنك إلّا ظنين ولا يتربص بك إلّا منافق فأمر مالك بن حبيب أن يضرب أعناق المتخلفين قال علي قد أمرته بأمري وليس مقصرا في أمري إن شاء اللَّه(1).

وكيف كان فقال مالك بن حبيب وهو على شرطة علي وهو آخذ بعنان دابته عليه السلام: يا أميرالمؤمنين أتخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد والقتال وتخلفني في حشر الرجال فقال له علي إنهم لن يصيبوا من الأجر شيئا إلّا كنت شريكهم فيه وأنت هاهنا أعظم غناء منك عنهم لو كنت معهم فقال سمعا وطاعة يا أمير المؤمنين(2).

ص: 350


1- وقعة صفّين: 131.
2- وقعة صفّين: 133؛ بحار الأنوار: 32/422، ح 387.

وَأَجْعَلَهُمْ مِنْ أَمْدَادِ الْقُوَّةِ لَكُمْ

عَنِ الْحَسَنِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيّاً عليه السلام أَتَى كَرْبَلاءَ فَوَقَفَ بِهَا فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ كَرْبَلاءُ فَقَالَ: ذَاتُ كَرْبٍ وَبَلاءٍ ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مَكَانٍ فَقَالَ: هَاهُنَا مَوْضِعُ رِحَالِهِمْ وَمُنَاخُ رِكَابِهِمْ ثُمَّ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مَوضع آخَرَ فَقَالَ: هَاهُنَا مهرَاقُ دِمَائِهِم(1).

ثمّ الظاهر أنّ المراد (بشرذمة منهم موطنين أكناف دجلة): أهل المدائن، فروى نصر بن مزاحم: فسار عليه السلام حتّى انتهى إلى مدينة بهرسير، وإذا رجل من أصحابه يقال له جرير بن سهم بن طريف من بني ربيعة ينظر إلى آثر كسرى ويتمثّل بقول الأسود بن يعفر:

جرت الرياح على مكان ديارهم***فكأنما كانوا على ميعاد

فقال عليّ عليه السلام له: ألا قلت: «كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ»(2).

إنّ هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا مورثين، ولم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية، إيّاكم وكفر النعم لا تحلّ بكم النقم ثمّ قال: انزلوا بهذه النجوة(3).

قال نصر: فأمر الحرث الأعور فصاح في أهل المدائن كان من المقاتلة فليواف

ص: 351


1- وقعة صفّين: 142؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/171؛ بحار الأنوار: 32/420، ح 385.
2- سورة الدخان: 25-29.
3- النجوة: المكان المرتفع. ح: «الفجوة»والفجوة: ما اتسع من الأرض، وقيل ما اتسع منها وانخفض.

أميرالمؤمنين صلاة العصر فوافوه في تلك الساعة فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال:

فانّي قد تعجّبت من تخلّفهم عن دعوتكم، وانقطاعكم من أهل مصركم في هذه المساكن الظالم أهلها الهالك أكثر ساكنها، لا معروف تأمرون به، ولا منكر تنهون عنه قالوا: يا أميرالمؤمنين إنّا كنّا ننتظر أمرك مرنا بما أحببت، فسار وخلف عليهم عدي بن حاتم فأقام عليهم ثلاثاً، ثمّ خرج في ثمانمائة رجل منهم وخلف ابنه زيداً بعده فلحقه في أربعمائة رجل منهم(1)وهؤلاء هم الذين جعلهم من أمداد القوّة لجيشه، هذا.

ومِن عجائب ما روي عنه عليه السلام، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ قَالَ: قَدِمَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام الْمَدَائِنَ فَنَزَلَ بِإِيوَانِ كِسْرَى وَكَانَ مَعَهُ دُلَفُ بْنُ مُجِيرٍ فَلَمَّا صَلَّى قَامَ وَقَالَ لِدُلَفَ: قُمْ مَعِي وَكَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ سَابَاطَ فَمَا زَالَ يَطُوفُ مَنَازِلَ كِسْرَى وَيَقُولُ لِدُلَفَ كَانَ لِكِسْرَى فِي هَذَا الْمَكَانِ كَذَا وَكَذَا وَيَقُولُ دُلَفُ هُوَ وَاللَّهِ كَذَلِكَ فَمَا زَالَ كَذَلِكَ حَتَّى طَافَ الْمَوَاضِعَ وأخبر عن جميع ما كان فيها (بِجَمِيعِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ) وَدُلَفُ يَقُولُ يَا سَيِّدِي وَمَوْلايَ كَأَنَّكَ وَضَعْتَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسَاكِنَ ثُمَّ نَظَرَ عليه السلام إِلَى جُمْجُمَةٍ نَخِرَةٍ فَقَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ خُذْ هَذِهِ الْجُمْجُمَةَ ثُمَّ جَاءَ عليه السلام إِلَى الْإِيوَانِ وَجَلَسَ فِيهِ وَدَعَا بِطَشْتٍ فِيهِ مَاءٌ فَقَالَ لِلرَّجُلِ دَعْ هَذِهِ الْجُمْجُمَةَ فِي الطَّشْتِ ثُمَّ قَالَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ يَا جُمْجُمَةُ لَتُخْبِرِينِي مَنْ أَنَا وَمَنْ أَنْتِ فَقَالَتِ الْجُمْجُمَةُ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ أمَّا أَنْتَ فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَسَيِّدُ الْوَصِيِّينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَأَمَّا أَنَا فَعَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَمَةِ اللَّهِ كِسْرَى أَنُوشِيرَوَانُ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام كَيْفَ حَالُكِ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي كُنْتُ مَلِكاً عَادِلاً شَفِيقاً عَلَى الرَّعَايَا رَحِيماً لا أَرْضَى بِظُلْمٍ وَلَكِنْ كُنْتُ عَلَى دِينِ

ص: 352


1- وقعة صفّين: 142؛ بحار الأنوار: 32/422، ش 387 و388.

الْمَجُوسِ وَقَدْ وُلِدَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله فِي زَمَانِ مُلْكِي فَسَقَطَ مِنْ شُرُفَاتِ قَصْرِي ثَلاثٌ وَعِشْرُونَ شُرْفَةً لَيْلَةَ وُلِدَ فَهَمَمْتُ أَنْ أُومِنَ بِهِ مِنْ كَثْرَةِ مَا سَمِعْتُ مِنَ الزِّيَادَةِ مِنْ أَنْوَاعِ شَرَفِهِ وَفَضْلِهِ وَمَرْتَبَتِهِ وَعِزِّهِ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِنْ شَرَفِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَكِنِّي تَغَافَلْتُ عَنْ ذَلِكَ وَتَشَاغَلْتُ عَنْهُ فِي الْمُلْكِ فَيَا لَهَا مِنْ نِعْمَةٍ وَمَنْزِلَةٍ ذَهَبَتْ مِنِّي حَيْثُ لَمْ أُومِنْ به فَأَنَا مَحْرُومٌ مِنَ الْجَنَّةِ بِعَدَمِ إِيمَانِي بِهِ وَلَكِنِّي مَعَ هَذَا الْكُفْرِ خَلَّصَنِيَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عَذَابِ النَّارِ بِبَرَكَةِ عَدْي وَإِنْصَافِي بَيْنَ الرَّعِيَّةِ وَأَنَا فِي النَّارِ وَالنَّارُ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ فَوَا حَسْرَتَى لَوْ آمَنْتُ به لَكُنْتُ مَعَكَ يَا سَيِّدَ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وَيَا أَمِيرَ (أميرالمؤمنين) أُمَّتِهِ قَالَ فَبَكَى النَّاسُ وَانْصَرَفَ الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ أَهْلِ سَابَاطَ إِلَى أَهْلِهِمْ وَأَخْبَرُوهُمْ بِمَا كَانَ وَبِمَا جَرَى من الجمجمة فَاضْطَرَبُوا وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ الْمُخْلِصُونَ مِنْهُمْ: إِنَّ أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام عَبْدُ اللَّهِ وَوَلِيُّهُ وَوَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ هُوَ النَّبِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ هُوَ الرَّبُّ وَهُوَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ سَبَأٍ وَأَصْحَابُهُ وَقَالُوا لَوْ لا أَنَّهُ الرَّبُّ كَيْفَ يُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ فَسَمِعَ بِذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَضَاقَ صَدْرُهُ وَأَحْضَرَهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ غَلَبَ عَلَيْكُمُ الشَّيْطَانُ إِنْ أَنَا إِلّا عَبْدُاللَّهِ أَنْعَمَ عَلَيَّ بِإِمَامَتِهِ وَوَلايَتِهِ وَوَصِيَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وآله فَارْجِعُوا عَنِ الْكُفْرِ فَأَنَا عَبْدُاللَّهِ وَابْنُ عَبْدِهِ وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله خَيْرٌ مِنِّي وَهُوَ أَيْضاً عَبْدُ اللَّهِ وَإِنْ نَحْنُ إِلّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ فَخَرَجَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْكُفْرِ وَبَقِيَ قَوْمٌ عَلَى الْكُفْرِ مَا رَجَعُوا فَأَلَحَّ عَلَيْهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِالرَّجُوعِ فَمَا رَجَعُوا فَأَحْرَقَهُمْ بِالنَّارِ وَتَفَقمِنْهُمْ قَوْمٌ فِي الْبِلادِ وَقَالُوا لَوْ لا أَنَّ فِيهِ الرُّبُوبِيَّةَ مَا كَانَ أَحْرَقَنَا فِي النَّارِ فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخِذْلانِ(1).

وجاء عليّ عليه السلام حتّى مرّ بالأنبار فاستقبله بنو خشنوشك دهاقنتها. فلما استقبلوه

ص: 353


1- الفضائل لابن شاذان القمي: 70؛ بحار الأنوار: 41/213، ح 27.

نزلوا ثمّ جاءوا يشتدون معه قال: ما هذه الدواب التي معكم؟ وما أردتم بهذا الذي صنعتم؟ قالوا: أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء وأما هذه البراذين فهدية لك وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاما وهيأنا لدوابكم علفا كثيرا قال: أما هذا الذي زعمتم أنه منكم خلق تعظمون به الأمراء فو اللَّه ما ينفع هذا الأمراء وإنكم لتشقون به على أنفسكم وأبدانكم فلا تعودوا له وأما دوابكم هذه فإن أحببتم أن نأخذها منكم فنحسبها من خراجكم أخذناها منكم وأما طعامكم الذي صنعتم لنا فإنا نكره أن نأكل من أموالكم شيئا إلّا بثمن قالوا يا أمير المؤمنين نحن نقومه ثمّ نقبل ثمنه قال إذا لا تقومونه قيمته نحن نكتفي بما دونه قالوا يا أمير المؤمنين فإن لنا من العرب موالي ومعارف فتمنعنا أن نهدي لهم وتمنعهم أن يقبلوا منا قال كل العرب لكم موال وليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم وإن غصبكم أحد فأعلمونا قالوا يا أمير المؤمنين إنا نحب أن تقبل هديتنا وكرامتنا قال لهم ويحكم نحن أغنى منكم فتركهم ثمّ سار(1).

قال أبو سعيد التيمي المعروف بعقيصا: كنا مع علي في مسيره إلى الشام حتّى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد قال عطش الناس واحتاجوا إلى الماء فانطلق بنا علي حتّى أتى بنا على صخرة ضرس من الأرض كأنها ربضة عنز فأمرنا فاقتلعناها فخرج لنا ماء فشرب الناس منه وارتووا قال ثمّ أمرنا فأكفأناها عليه قال وسار الناس حتّى إذا مضينا قليلا قال علي عليه السلام منكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه؟ قالوا نعم يا أمير المؤمنين قال فانطلقوا إليه قال فانطلق منا

ص: 354


1- وقعة صفّين: 143؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/203؛ بحار الأنوار: 32/424، ش 388.

رجال ركبانا ومشاة فاقتصصنا الطريق إليه حتّى انتهينا إلى المكان الذي نرى أنه فيه قال فطلبناها فلم نقدر على شي ء حتّى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منا فسألناهم أين الماء الذي هو عندكم؟ قالوا ما قربنا ماء قالوا بلى إنا شربنا منه قالوا أنتم شربتم منه؟ قلنا نعم قال صاحب الدير ما بني هذا الدير إلّا بذلك الماء وما استخرجه إلّا نبي أو وصي نبي(1).

وفي البحار عن البرقي روى عن شيوخه عمّن خبرهم قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام نُرِيدُ صِفِّينَ فَمَرَرْنَا بِكَرْبَلاءَ فَقَالَ عليه السلام: أَتَدْرُونَ أَيْنَ هَاهُنَا؟ وَاللَّهِ مَصَارِعُ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابُهُ ثُمَّ سِرْنَا يَسِيراً فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَاهِبٍ فِي صَوْمَعَةٍ وَقَدْ تَقَطَّعَ النَّاسُ مِنَ الْعَطَشِ فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَذَلِكَ أَنَّهُ أَخَذَ طَرِيقَ الْبَرِّ وَتَرَكَ الْفُرَاتَ عِيَاناً فَدَنَا مِنَ الرَّاهِبِ وَهَتَفَ بِهِ فَأَشْرَفَ مِنْ صَوْمِعَتِهِ فَقَالَ: يَا رَاهِبُ هَلْ قُرْبَ قَائِمِكَ مَاءٌ؟ فَقَالَ: لا فَسَارَ قَلِيلاً ثُمَّ نَزَلَ بِمَوْضِعٍ فِيهِ رَمْلٌ فَأَمَرَ النَّاسَ فَنَزَلُوا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَبْحَثُوا ذَلِكَ الرَّمْلَ فَأَصَابُوا تَحْتَهُ صَخْرَةً بَيْضَاءَ فَاقْتَلَعَهَا أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِيَدِهِ وَدَحَاهَا وَإِذَا تَحْتَهَا مَاءٌ أَرَقُّ مِنَ الزُّلالِ وَأَعْذَبُ مِنْ كُلِّ مَاءٍ فَشَرِبُوا وَارْتَوَوْا وَحَمَلُوا مِنْهُ وَرَدَّ الصَّخْرَةَ وَالرَّمْلَ كَمَا كَانَ قَالَ فَسِرْنَا قَليلاً وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ مَكَانَ الْعَيْنِ فَقَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِحَقِّي عَلَيْكُمْ إِلّا رَجَعْتُمْ إِلَى مَوْضِعِ الْعَيْنِ فَنَظَرْتُمْ هَلْ تَقْدِرُونَ عَلَيْهَا فَرَجَعَ النَّاسُ يَقْفُونَ الْأَثَرَ إِلَى مَوْضِعِ الرَّمْلِ فَبَحَثُوا ذَلِكَ الرَّمْلَ فَلَمْ يُصِيبُوا الْعَيْنَ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لا وَاللَّهِ مَا أَصَبْنَاهَا وَلا نَدْرِي أَيْنَ هِيَ قَالَ فَأَقْبَلَ الرَّاهِبُ فَقَالَ أَشْهَدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أَبِي أَخْبَرَنِي عَنْ جَدِّي وَكَانَ مِنْ حَوَارِيِّ عِيسَى عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ تَحْتَ هَذَا الرَّمْلِ عَيْناً

ص: 355


1- وقعة صفّين: 144؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3/204.

مِنْ مَاءٍ أَبْيَضَ مِنَ الثَّلْجِ وَأَعْذَبَ مِنْ كُلِّ مَاءِ عَذْبٍ لا يَقَعُ عَلَيْهِ إِلّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَخَلِيفَتُهُ وَالْمُؤَدِّي عَنْهُ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَصْحَبَكَ فِي سَفَرِكَ هَذَا فَيُصِيبَنِي مَا أَصَابَكَ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ فَقالَ لَهُ خَيْراً وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ وَقَالَ عليه السلام: يَا رَاهِبُ الْزَمْنِي وَكُنْ قَرِيباً مِنِّي فَفَعَلَ فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْهَرِيرِ وَالْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاضْطَرَبَ النَّاسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ قُتِلَ الرَّاهِبُ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ لأَصْحَابِهِ: انْهَضُوا بِنَا فَادْفِنُوا قَتْلاكُمْ وَأَقْبَلَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَطْلُبُ الرَّاهِبَ حَتَّى وَجَدَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ بِيَدِهِ فِي لَحْدِهِ ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَإِلَى مَنْزِلِهِ وَزَوْجَتِهِ الَّتِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهَا(1).

ثمّ مضى أمير المؤمنين حتّى نزل بأرض الجزيرة فاستقبله بنو تغلب والنمر بن قاسط بالجزيرة قال قال علي ليزيد بن قيس الأرحبي يا يزيد بن قيس قال لبيك يا أميرالمؤمنين قال هؤلاء قومك من طعامهم فاطعم ومن شرابهم فاشرب(2).

ثمّ سار حتّى أتى الرقة وجل أهلها عثمانية فروا من الكوفة برأيهم واهوائهم إلى معاوية فأغلقوا أبوابها دونه وتحصنوا وكان أميرهم سماك بن مخرقة الأسدي بالرقة في طاعة معاوية وقد كان فارق علياعليه السلام في نحو من مائة رجل من بني أسد ثمّ كاتب معاوية وأقام بالرقة حتّى لحق به سبعمائة رجل(3).

عن مسلم الملائي عن حبة عن علي قال: لما نزل عليّ الرقة نزل بمكان يقال له بليخ على جانب الفرات فنزل راهب هناك من صومعته فقال لعلي: إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى ابن مريم أعرضه عليك قال علي عليه السلام: نعم

ص: 356


1- بحار الأنوار: 41/264.
2- وقعة صفّين: 145؛ بحار الأنوار: 32/426، ش 389.
3- وقعة صفّين: 146؛ بحار الأنوار: 32/426، ش 389.

فما هو؟ قال الراهب بسم اللَّه الرحمن الرحيم الذي قضى فيما قضى وسطر فيما سطر أنه باعث في الأميين رسولا منهم ... يعلمهم الكتاب والحكمة ويدلهم على سبيل اللَّه لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح أمته الحمادون الذين يحمدون اللَّه على كل نشز وفي كل صعود وهبوط(1)تذل ألسنتهم(2)بالتهليل والتكبير والتسبيح وينصره اللَّه على كل من ناواه فإذا توفاه اللَّه اختلفت أمته ثمّ اجتمعت فلبثت بذلك ما شاء اللَّه ثم اختلفت فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقضي بالحق ولا يرتشي في الحكم(3)الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح والموت أهون عليه من شرب الماء على الظمأ يخاف اللَّه في السر وينصح له في العلانية ولا يخاف اللَّه لومة لائم من أدرك ذلك النبي صلى الله عليه وآله من أهل هذه البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنة ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره فإن القتل معه شهادة ثم قال له فأنا مصاحبك غير مفارقك حتّى يصيبني ما أصابك قال فبكى علي ثمّ قال الحمد للَّه الذي لم يجعلني عنده منسيا الحمد للَّه الذي ذكرني في كتب الأبرار ومضى الراهب معه وكان فيما ذكروا يتغدى مع علي ويتعشى حتّى أصيب يوم صفين فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم قال علي اطلبوه فلما وجدوه صلى عليه السلام عليه ودفنه وقال هذا منا أهل البيت واستغفر له مرارا(4).

ص: 357


1- النشز، بالفتح والتحريك: المتن المرتفع من الأرض. والصعود والهبوط، بفتح أوّلهما: ما ارتفع وما انخفض من الأرض.
2- يذل، من الذل، بالكسر والضم، وهو اللين.
3- ح: «ولا يركس الحكم».والركس: رد الشي ء مقلوباً.
4- وقعة صفّين: 147؛ بحار الأنوار: 32/426، ش 389.

مسير معقل بن قيس إلى الرقّة

نصر عمر عن رجل وهو أبو مخنف عن نمير بن وعلة عن أبي الوداك أن عليا بعث من المدائن معقل بن قيس الرياحي في ثلاثة آلاف رجل وقال له: خذ على الموصل ثمّ نصيبين ثم القنى بالرقة فإني موافيها، ثمّ مضوا حتّى أتوا عليها بالرقّة(1).

عن عبداللَّه بن عمار بن عبد يغوث أن عليا قال لأهل الرقة: اجسروا لي جسرا لكي أعبر من هذا المكان إلى الشام فأبوا وقد كانوا ضموا السفن عندهم فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج وخلف عليه الأشتر فناداهم فقال: يا أهل هذا الحصن إني أقسم باللَّه لئن مضى أميرالمؤمنين ولم تجسروا له عند مدينتكم حتّى يعبر منها لأجردن فيكم السيف ولأقتلن مقاتلتكم ولأخرجن أرضكم ولآخذن أموالكم فلقي بعضهم بعضا فقالوا إن الأشتر يفي بما يقول وإن عليا خلفه علينا ليأتينا منه الشر فبعثوا إليه أنا ناصبون لكم جسرا فأقبلوا فأرسل الأشتر إلى علي عليه السلام فجاء ونصبوا له الجسر فعبر الأثقال والرجال ثمّ أمر الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس حتّى لم يبق أحد من الناس إلّا عبر ثمّ إنه عبر آخر الناس رجلا(2).

ص: 358


1- وقعة صفين: 148؛ بحار الأنوار: 32/428، ش 390.
2- وقعة صفّين: 151؛ بحار الأنوار: 32/430، ش 391.

بسم الرحمن الرحیم

الخطبة (49) ومن خطبة له عليه السلام:

اشارة

الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ الْأَمُوُرِ وَدَلَّتْ عَلَيْهِ أَعْلامُ الظُّهُورِ وَامْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ الْبَصِيرِ فَلا عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ وَلا قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلا شَيْ ءَ أَعْلَى مِنْهُ وَقَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلا شَيْ ءَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلا اسْتِعْلاؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَلا قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِي الْمَكَانِ بِهِ لَمْ يُطْلِعِ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ وَلَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلامُ الْوُجُودِ عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُهُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ وَالْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً

و من خطبة له عليه السلام: الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ الْأَمُوُرِ

أمّا الآيات فمنها:

قوله تعالى: «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً»(1).

وقوله تعالى: «أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»(2).

وقوله تعالى: «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ

ص: 359


1- سورة الجن: 26.
2- سورة الحج: 70.

بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عِلْماً»(1).

وقوله تعالى: «يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ»(2).

وقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»(3).

وقوله تعالى: «اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ»(4).

وقوله تعالى: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ»(5).

وقوله تعالى: «قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(6).

وقوله تعالى: «وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ»(7).

وقوله تعالى: «وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ»(8).

وقوله تعالى: «وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ»(9).

ص: 360


1- سورة الطلاق: 12.
2- سورة الحج: 76.
3- سورة لقمان: 34.
4- سورة الرعد: 8.
5- سورة الأنعام: 59.
6- سورة الفرقان: 6.
7- سورة النمل: 25.
8- سورة النور: 29.
9- سورة الأنعام: 3.

وقوله تعالى: «أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ»(1).

وقوله تعالى: «لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ»(2).

وقوله تعالى: «وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى»(3).

يعني لا تجهد نفسك برفع الصوت فانّك وإن لم تجهر علم اللَّه السر وأخفى من السر، قال الطبرسي: اختلفوا فيما هو أخفى من السر فقيل: السر ما حدث به العبد غيره في خفية وأخفى منه ما أضمره في نفسه ما لم يحدث به غيره، وقيل: السر ما أضمره العبد في نفسه وأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد، وروى عن السيدين الباقر والصادق عليهما السلام: السر ما أخفيته في نفسك وأخفى ما خطر ببالك ثمّ أنسيته(4).وأمثالها من الآيات.

وأمّا الأخبار الواردة في الباب فكثيرة جدّاً إلّا انّه لا نحتاج إلى ذكرها بعد صراحة الآيات ودلالتها على المدّعى.

وَدَلَّتْ عَلَيْهِ أَعْلامُ الظُّهُورِ

قال تعالى: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ

ص: 361


1- سورة التوبة: 78.
2- سورة النحل: 23.
3- سورة طه: 7.
4- مجمع البيان: 7/6.

السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»(1).

وقال تعالى: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ»(2).

وقال تعالى: «أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْ ءٍ»(3).

قال الشاعر:

وفي كلّ شي ء له آية***تدلّ على أنّه واحد(4).

وهنا طريقة أُخرى وهو الاستدلال بالفعل على الفاعل وإليه الاشارة في حديث الزنديق فانّه بعد ما سأل أبا عبداللَّه عليه السلام عن دليل التوحيد وأجاب عنه عليه السلام فكان من سؤاله أن قال: فما الدّليل عليه أي على وجوده تعالى؟ فقال أبو عبداللَّه عليه السلام: وجود الأفاعيل دلت على أن صانعاً صنعها، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أنّ له بانياً وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده، قال: فما هو: قال شي ء بخلاف الأشياء(5).

قال تعالى: «وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ *وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ»(6).

وفي كلام سيّد الشهداء أبي عبداللَّه الحسين صلوات اللَّه على جدّه وأبيه وأُمّه

ص: 362


1- سورة البقرة: 164.
2- سورة فصّلت: 53.
3- سورة الأعراف: 185.
4- تفسير القمي: 2/267.
5- الكافي: 1/81، ح 5.
6- سورة الذاريات: 20-21.

وأخيه و عليه وبنيه في دعاء عرفة: مَتَى غِبْتَ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ وَمَتَى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الآْثَارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْكَ عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَرَاكَ ولا تزال عَلَيْهَا رَقِيبا(1).

وَامْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ الْبَصِيرِ

قال تعالى: «لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»(2).

وقالت تعالى حكاية عن قوم موسى: «وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ»(3).

وقال تعالى: «وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ»(4).

وقال تعالى: «يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ»(5).

عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: ذَاكَرْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فِيمَا يَرْوُونَ مِنَ الرُّؤْيَةِ فَقَالَ الشَّمْسُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْكُرْسِيِّ وَالْكُرْسِيُّ جُزْءٌ مِنْ

ص: 363


1- إقبال الأعمال (ط - القديمة): 1/349؛ بحار الأنوار: 64/142.
2- سورة الأنعام: 103.
3- سورة البقرة: 55.
4- سورة الأعراف: 143.
5- سورة النساء: 153.

سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْعَرْشِ وَالْعَرْشُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْحِجَابِ وَالْحِجَابُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ السِّتْرِ فَإِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فَلْيَمْلَئُوا أَعْيُنَهُمْ مِنَ الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ (حجاب)(1).

عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عليه السلام أَسْأَلُهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ فَكَتَبَ: لا تَجُوزُ الرُّؤْيَةُ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ هَوَاءٌ لَمْ يَنْفُذْهُ الْبَصَرُ فَإِذَا انْقَطَعَ الْهَوَاءُ عَنِ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ لَمْ تَصِحَّ الرُّؤْيَةُ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الاشْتِبَاهُ لأَنَّ الرَّائِيَ مَتَى سَاوَى الْمَرْئِيَّ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ بَيْنَهُمَا فِي الرُّؤْيَةِ وَجَبَ الاشْتِبَاهُ وَكَانَ ذَلِكَ التَّشْبِيهُ لأَنَّ الْأَسْبَابَ لا بُدَّ مِنِ اتِّصَالِهَا بِالْمُسَبَّبَاتِ(2).

عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ بَيْنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ذِعْلِبٌ ذُو لِسَانٍ بَلِيغٍ فِي الْخُطَبِ شُجَاعُ الْقَلْبِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ وَيْلَكَ يَا ذِعْلِبُ مَا كُنْتُ أَعْبُدُ رَبّاً لَمْ أَرَهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ رَأَيْتَهُ قَالَ وَيْلَكَ يَا ذِعْلِبُ لَمْ تَرَهُ الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْأَبْصَارِ وَلَكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْإِيمَان(3).

وروى عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام أنّه سَأَلَهُ مُحَمَّدٌ الْحَلَبِيُّ فَقَالَ لَهُ: هَلْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله رَبَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ رَآهُ بِقَلْبِهِ فَأَمَّا رَبُّنَا جَلَّ جَلالُهُ فَلا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ وَلا يُحِيطُ بِهِ أَسْمَاعُ السَّامِعِينَ(4).

ص: 364


1- الكافي: 1/98، ح 8؛ بحار الأنوار: 4/44، ح 22؛ الفصول المهمّة في أُصول الأئمّة (تكملة الوسائل): 1/179، ح 124.
2- الكافي: 1/97، ح 4؛ بحار الأنوار: 4/34، ح 13.
3- الكافي: 1/138، ح 4؛ بحار الأنوار: 4/52، ح 26.
4- الأمالي للمرتضى: 1/149؛ بحار الأنوار: 4/54، ح 30.

عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْكَرْخِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِلصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام: إِنَّ رَجُلاً رَأَى رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَنَامِهِ فَمَا يَكُونُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: ذَلِكَ رَجُلٌ لا دِينَ لَهُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا يُرَى فِي الْيَقَظَةِ وَلا فِي الْمَنَامِ وَلا فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآْخِرَةِ(1).

عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ عليه السلام عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ يُرَى فِي الْمَعَادِ؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً يَا ابْنَ الْفَضْلِ إِنَّ الْأَبْصَارَ لا تُدْرِكُ إِلّا مَا لَهُ لَوْنٌ وَكَيْفِيَّةٌ وَاللَّهُ خَالِقُ الْأَلْوَانِ وَالْكَيْفِيَّةِ(2).

وقال المفيد: لا يصح رؤية الباري سبحانه بالأبصار وبذلك شهد العقل ونطق القرآن وتواتر الخبر عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله و عليه جمهور أهل الإمامة وعامة متكلميهم إلّا من شذ منهم لشبهة عرضت له في تأويل الأخبار(3).

وأما المثبتون فاحتجوا بقوله تعالى: «وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ»(4)بأن موسى عليه السلام سأل الرؤية ولو امتنع كونه تعالى مرئيا لما سأل.

والجواب عنه من وجوه ونذكر بعضها:

منها: انّ هذا السؤال انّما كان بسبب قومه لا لنفسه لأنّه عليه السلام كان عالما بامتناعها لقوله تعالى في موضع آخر: «يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ

ص: 365


1- الأمالي للصدوق: 610، م 89، ح 5؛ بحار الأنوار: 4/32، ح 7.
2- الأمالي للصدوق: 410، م 64، ح 3؛ بحار الأنوار: 4/31، ح 5.
3- أوائل المقالات للشيخ المفيد: 57.
4- سورة الأعراف: 143.

فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً»(1)وهذا أظهر الوجوه في الجواب واختاره السيد الأجل المرتضى في كتابي تنزيه الأنبياء وغرر الفوائد وأيده بوجوه: الأوّل: ما ذكرناه في قوله تعالى: «يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ»الآية.

الثاني: قوله تعالى: «وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ»(2).

الثالث: أن موسى عليه السلام أضاف ذلك إلى السفهاء قال اللَّه تعالى: «فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا»الآية، واضافة ذلك إلى السفهاء تدل على أنه كان بسببهم ومن أجلهم حيث سألوا ما لا يجوز عليه تعالى(3).

عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ: حَضَرْتُ مَجْلِسَ الْمَأْمُونِ وَعِنْدَهُ الرِّضَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى عليه السلام فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَلَيْسَ مِنْ قَوْلِكَ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ قَالَ بَلَى فَسَأَلَهُ عَنْ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَكَانَ فِيمَا سَأَلَ أَنْ قَالَ لَهُ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي»(4)كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلِيمُ اللَّهِ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عليه السلام لا يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ لا يَجُوزُ عَلَيْهِ الرُّؤْيَةُ حَتَّى يَسْأَلَهُ هَذَا السُّؤَالَ فَقَالَ الرِّضَا عليه السلام إِنَّ كَلِيمَ اللَّهِ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عليه السلام عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اعز (منزه خ ل) أَنْ يُرَى بِالْأَبْصَارِ وَلَكِنَّهُ

ص: 366


1- سورة النساء: 153.
2- سورة البقرة: 55.
3- تنزيه الأنبياء: 76؛ الأمالي للمرتضى (غرر الفوائد ودرر القلائد): 216.
4- سورة الأعراف: 143.

لَمَّا كَلَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَرَّبَهُ نَجِيّاً رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَلَّمَهُ وَقَرَّبَهُ وَنَاجَاهُ فَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَسْمَعَ كَلامَهُ كَمَا سَمِعْتَ وَكَانَ الْقَوْمُ سَبْعَمِائَةِ أَلْفِ رَجُلٍ فَاخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ أَلْفاً ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعَةَ آلافٍ ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعَمِائَةٍ ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِ رَبِّهِ فَخَرَجَ بِهِمْ إِلَى طُورِ سَيْنَاءَ فَأَقَامَهُمْ فِي سَفْحِ(1)الْجَبَلِ وَصَعِدَ مُوسَى عليه السلام إِلَى الطُّورِ وَسَأَلَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُكَلِّمَهُ وَيُسْمِعَهُمْ كَلامَهُ فَكَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَسَمِعُوا كَلامَهُ مِنْ فَوْقُ وَأَسْفَلُ وَيَمِينُ وَشِمَالُ وَوَرَاءُ وَأَمَامُ(2)لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحْدَثَهُ فِي الشَّجَرَةِ(3)وَجَعَلَهُ مُنْبَعِثاً مِنْهَا حَتَّى سَمِعُوهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكبِأَنَّ هَذَا الَّذِي سَمِعْنَاهُ كَلامُ اللَّهِ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَلَمَّا قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ الْعَظِيمَ وَاسْتَكْبَرُوا وَعَتَوْا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ صَاعِقَةً فَأَخَذَتْهُمْ بِظُلْمِهِمْ فَمَاتُوا فَقَالَ مُوسَى يَا رَبِّ مَا أَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا رَجَعْتُ إِلَيْهِمْ وَقَالُوا إِنَّكَ ذَهَبْتَ بِهِمْ فَقَتَلْتَهُمْ لأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ صَادِقاً فِيمَا ادَّعَيْتَ مِنْ مُنَاجَاةِ اللَّهِ إِيَّاكَ فَأَحْيَاهُمُ اللَّهُ وَبَعَثَهُمْ مَعَهُ فَقَالُوا إِنَّكَ لَوْ سَأَلْتَ اللَّهَ أَنْ يُرِيَكَ تَنْظُرُ إِلَيْهِ لأَجَابَكَ وَكُنْتَ تُخْبِرُنَا كَيْفَ هُوَ فَنَعْرِفُهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ فَقَالَ مُوسَى عليه السلام يَا قَوْمِ إِنَّ اللَّهَ لا يُرَى بِالْأَبْصَارِ وَلا كَيْفِيَّةَ لَهُ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ بِ آيَاتِهِ وَيُعْلَمُ بِأَعْلامِهِ فَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَسْأَلَهُ فَقَالَ مُوسَى عليه السلام يَا رَبِّ إِنَّكَ قَدْ سَمِعْتَ مَقَالَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِصَلاحِهِمْ فَأَوْحَى اللَّهُ جَلَّ جَلالُهُ إِلَيْهِ يَا مُوسَى اسْأَلْنِي مَا سَأَلُوكَ فَلَنْ أُؤَاخِذَكَ بِجَهْلِهِمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ مُوسَى عليه السلام رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ

ص: 367


1- أي أسفله حيث يسيح فيه الماء سفح الدمع: سال، يتعدى ولا يتعدى.
2- وذلك لعدم كونه تعالى في جهة.
3- خ «الزيتونة».

تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ وَهُوَ يَهْوِي فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ بآية من آيَاتِهِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ يَقُولُ رَجَعْتُ إِلَى مَعْرِفَتِي بِكَ عَنْ جَهْلِ قَوْمِي وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ بِأَنَّكَ لا تُرَى، الخبر(1).

فَلا عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ وَلا قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ

قال ابن أبي الحديد: وقد روي هذا الكلام على وجه آخر، قالوا في الخطبة: فلا قلب من لم يره ينكره ولا عين من أثبته تبصره(2).

قال المحقّق التستري: هو أنسب جدّا، فالإنكار ينسب إلى القلب والإبصار إلى العين، والأوّل عكسه، ولا يصحّ إلّا بتأوّل(3).

عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَضَرْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا جَعْفَرٍ أَيَّ شَيْ ءٍ تَعْبُدُ قَالَ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ رَأَيْتَهُ قَالَ بَلْ لَمْ تَرَهُ الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الْأَبْصَارِ وَلَكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ لا يُعْرَفُ بِالْقِيَاسِ وَلا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ وَلا يُشَبَّهُ بِالنَّاسِ مَوْصُوفٌ بِالآْيَاتِ مَعْرُوفٌ بِالْعَلامَاتِ لا يَجُورُ فِي حُكْمِهِ ذَلِكَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلّا هُوَ قَالَ فَخَرَجَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ»(4).(5)

ص: 368


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام: 1/200، ح 1؛ بحار الأنوار: 11/80، ح 8.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/217.
3- بهج الصباغة: 1/168.
4- سورة الأنعام: 124.
5- الكافي: 1/97، ح 5.

عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ: «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ»(1)قَالَ: إِحَاطَةُ الْوَهْمِ أَلا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: «قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ»(2)لَيْسَ يَعْنِي بَصَرَ الْعُيُونِ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ لَيْسَ يَعْنِي مِنَ الْبَصَرِ بِعَيْنِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها لَيْسَ يَعْنِي عَمَى الْعُيُونِ إِنَّمَا عَنَى إِحَاطَةَ الْوَهْمِ كَمَا يُقَالُ فُلانٌ بَصِيرٌ بِالشِّعْرِ وَفُلانٌ بَصِيرٌ بِالْفِقْهِ وَفُلانٌ بَصِيرٌ بِالدَّرَاهِمِ وَفُلانٌ بَصِيرٌ بِالثِّيَابِ اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُرَى بِالْعَيْنِ(3).

عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ اللَّهِ هَلْ يُوصَفُ فَقَالَ أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَ: أَمَا تَقْرَأُ قَوْلَهُ تَعَالَى: «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ»(4)قُلْتُ: بَلَى قَالَ: فَتَعْرِفُونَ الْأَبْصَارَ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَ: مَا هِيَ؟ قُلْتُ: أَبْصَارُ الْعُيُونِ فَقَالَ: إِنَّ أَوْهَامَ الْقُلُوبِ أَكْبَرُ مِنْ أَبْصَارِ الْعُيُونِ فَهُوَ لا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَوْهَامَ(5).

قال المحدّث المجلسي في مرآة العقول: والمراد بأوهام القلوب إدراك القلوب باحاطتها به، ولما كان إدراك القلوب بالاحاطة لما لا يمكن أن يحاط به وهماً عبّر عليه السلام عنه بأوهام القلوب(6).

ص: 369


1- سورة الأنعام: 103.
2- سورة الأنعام: 104.
3- الكافي: 1/99، ح 9.
4- سورة الأنعام: 103.
5- الكافي: 1/99، ح 10.
6- مرآة العقول: 1/341.

سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلاشَيْ ءَ أَعْلَى مِنْهُ وَقَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلاشَيْ ءَ أَقْرَبُ مِنْهُ

حتّى إنّ المحتضر مع قرب أقاربه منه - ذاك الحين - واجتماعهم حوله، هو تعالى أقرب إليه منهم، حتّى يتوفى تعالى نفسه: «فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ»(1)وحتّى إنّ الأجزاء الباطنيّة للانسان مع كونها في غاية القرب من صاحبها هو تعالى أقرب إليه منها قال تعالى: «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ»(2).وقال تعالى: «يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ»(3).

وقال تعالى: «فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ»(4).

فَلا اسْتِعْلاؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَلا قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِي الْمَكَانِ بِهِ

عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَهُ قَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لا يَنْزِلُ وَلا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَنْزِلَ إِنَّمَا مَنْظَرُهُ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ سَوَاءٌ لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ قَرِيبٌ وَلَمْ يَقْرُبْ مِنْهُ بَعِيدٌ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى شَيْ ءٍ بَلْ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَهُوَ ذُو الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم(5).

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

ص: 370


1- سورة الواقعة: 83-85.
2- سورة ق: 16.
3- سورة الأنفال: 24.
4- سورة البقرة: 186.
5- الكافي: 1/125، ح 1؛ بحار الأنوار: 3/311، ح 5.

«الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى»(1)فَقَالَ: اسْتَوَى فِي كُلِّ شَيْ ءٍ فَلَيْسَ شَيْ ءٌ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْ ءٍ لَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ بَعِيدٌ وَلَمْ يَقْرُبْ مِنْهُ قَرِيبٌ اسْتَوَى فِي كُلِّ شَيْ ءٍ(2).

عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلّا هُوَ سادِسُهُمْ»(3)فَقَالَ: هُوَ وَاحِدٌ وَاحِدِيُّ الذَّاتِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ وَبِذَاكَ وَصَفَ نَفْسَهُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ مُحِيطٌ بِالْإِشْرَافِ وَالْإِحَاطَةِ وَالْقُدْرَةِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ بِالْإِحَاطَةِ وَالْعِلْمِ لا بِالذَّاتِ لأَنَّ الْأَمَاكِنَ مَحْدُودَةٌ تَحْوِيهَا حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ فَإِذَا كَانَ بِالذَّاتِ لَزِمَهَا الْحَوَايَةُ(4).

لَمْ يُطْلِعِ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ وَلَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ

قال تعالى: «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»(5).

قال الصادق عليه السلام للمفضل بن عمر: إن العقل يعرف الخالق من جهة توجب عليه الإقرار ولا يعرفه بما يوجب له الإحاطة بصفته فإن قالوا فكيف يكلف العبد الضعيف معرفته بالعقل اللطيف ولا يحيط به قيل لهم إنما كلف العباد من ذلك ما في طاقتهم أن يبلغوه وهو أن يوقنوا به ويقفوا عند أمره ونهيه ولم يكلفوا الإحاطة بصفته كما أن الملك لا يكلف رعيته أن يعلموا أطويل هو أم قصير وأبيض هو أم

ص: 371


1- سورة طه: 5.
2- الكافي: 1/128، ح 8؛ بحار الأنوار: 3/337، ح 48.
3- سورة المجادلة: 7.
4- الكافي: 1/127، ح 5؛ بحار الأنوار: 3/322، ح 19.
5- سورة الزمر: 67.

أسمر وإنما يكلفهم الإذعان لسلطانه والانتهاء إلى أمره ألا ترى أن رجلا لو أتى باب الملك فقال أعرض علي نفسك حتّى أتقصى معرفتك وإلّا لم أسمع لك كان قد أحل نفسه بالعقوبة فكذا القائل إنه لا يقر بالخالق سبحانه حتّى يحيط بكنهه متعرضا لسخطه(1).

عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عليه السلام أَنَّ رَجُلاً قَالَ لأَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام هَلْ تَصِفُ رَبَّنَا نَزْدَادُ لَهُ حُبّاً وَبِهِ مَعْرِفَةً؟ فَغَضِبَ وَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ فِيمَا قَالَ عَلَيْكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بِمَا دَلَّكَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ صِفَتِهِ وَتَقَدَّمَكَ فِيهِ الرَّسُولُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ فَائْتَمِّ بِهِ وَاسْتَضِئْ بِنُورِ هِدَايَتِهِ فَإِنَّمَا هِيَ نِعْمَةٌ وَحِكْمَةٌ أُوتِيتَهَا فَخُذْ مَا أُوتِيتَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَمَا كَلَّفَكَ الشَّيْطَانُ عليه (علمه) مِمَّا لَيْسَ عَلَيْكَ فِي الْكِتَابِ فَرْضُهُ وَلا فِي سُنَّةِ الرَّسُولِ وَأَئِمَّةِ الْهُدَى أَثَرُهُ فَكِلْ عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ وَلا تُقَدِّرْ عَظَمَةَ اللَّهِ عَلَى قَدْرِ عَقْلِكَ فَتَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ وَاعْلَمْ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هُمُ الَّذِينَ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ عَنِ الاقْتِحَامِ عَلَى السُّدَدِ الْمَضْرُوبَةِ دُونَ الْغُيُوبِ إِقْرَاراً بِجَهْلِ مَا جَهِلُوا تَفْسِيرَهُ مِنَ الْغَيْبِ الْمَحْجُوبِ فَقَالُوا آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ اعْتِرَافَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَمْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْماً وَسَمَّى تَرْكَهُمُ التَّعَمُّقَ فِيمَا لَمْ يُكَلِّفْهُمُ الْبَحْثَ عَنْ كُنْهِهِ (عنه) رُسُوخاً(2).

عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: يَا زِيَادُ إِيَّاكَ وَالْخُصُومَاتِ فَإِنَّهَا تُورِثُ الشَّكَّ وَتَحْبِطُ الْعَمَلَ وَتُرْدِي صَاحِبَهَا وَعَسَى أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالشَّيْ ءِ فَلا يُغْفَرَ لَهُ إِنَّهُ كَانَ فِيمَا مَضَى قَوْمٌ تَرَكُوا عِلْمَ مَا وُكِّلُوا بِهِ وَطَلَبُوا عِلْمَ مَا كُفُوهُ حَتَّى انْتَهَى

ص: 372


1- توحيد المفضّل: 177؛ بحار الأنوار: 3/147.
2- تفسير العيّاشي: 1/163، ح 5؛ بحار الأنوار: 3/257، ح 1.

كَلامُهُمْ إِلَى اللَّهِ فَتَحَيَّرُوا حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُدْعَى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ فَيُجِيبُ مِنْ خَلْفِهِ وَيُدْعَى مِنْ خَلْفِهِ فَيُجِيبُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى حَتَّى تَاهُوا فِي الْأَرْضِ(1).

عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام إِيَّاكُمْ وَالتَّفَكُّرَ فِي اللَّهِ فَإِنَّ التَّفَكُّرَ فِي اللَّهِ لا يَزِيدُ إِلّا تَيْهاً إِنَّ اللَّهَ لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَلا يُوصَفُ بِمِقْدَارٍ(2).

عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ لَيْسَ للَّهِ ِ عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يَعْرِفُوا وَلِلْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ وَللَّهِ ِ عَلَى الْخَلْقِ إِذَا عَرَّفَهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا(3).

عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ عليه السلام يَقُولُ إِنَّ أَمْرَ اللَّهِ كُلَّهُ عَجِيبٌ إِلّا أَنَّهُ قَدِ احْتَجَّ عَلَيْكُمْ بِمَا قَدْ عَرَّفَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ(4).

يعني ان معرفة ذاته وصفاته الحقيقيّة كما هي فوق ادراك كلّ أحد، تكل العقول والأذهان وتبهر الألباب عن كنه جلاله وغور عزّه وكماله، إلّا انّه مع ذلك لكلّ أحد نصيب عن لوامع اشراقات نوره قلّ أو كثر، فله الحجّة على كلّ أحد بما عرفه من آيات وجوده ودلائل صنعه وجوده فوقع التكليف بمقتضى المعرفة والعمل بموجب العلم(5).

عَنْ جَمِيلٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ إِذَا انْتَهَى الْكَلامُ إِلَى اللَّهِ فَأَمْسِكُوا وَتَكَلَّمُوا فِيمَا دُونَ الْعَرْشِ وَلا تَكَلَّمُوا فِيمَا فَوْقَ الْعَرْشِ فَإِنَّ قَوْماً تَكَلَّمُوا فِيمَا فَوْقَ الْعَرْشِ فَتَاهَتْ عُقُولُهُمْ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ يُنَادَى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ فَيُجِيبُ مِنْ خَلْفِهِ وَيُنَادَى مِنْ

ص: 373


1- الكافي: 1/92، ح 4؛ بحار الأنوار: 3/259، ح 3.
2- الأمالي للصدوق: 417، م 65، ح 3؛ بحار الأنوار: 3/259، ح 4.
3- الكافي: 1/164، ح 1.
4- الكافي: 1/86، ح 3.
5- شرح أُصول الكافي للصدرا: 3/71.

خَلْفِهِ فَيُجِيبُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْه(1).

عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ قَالَ رَجُلٌ عِنْدَهُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ أَيِّ شَيْ ءٍ فَقَالَ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام حَدَّدْتَهُ فَقَالَ الرَّجُلُ كَيْفَ أَقُولُ قَالَ قُلْ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ(2).

عن سهل بن زياد قال كتبت إلى أبي محمد عليه السلام سنة خمس وخمسين ومائتين قد اختلف يا سيدي أصحابنا في التوحيد منهم من يقول هو جسم ومنهم من يقول هو صورة فإن رأيت يا سيدي أن تعلمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه فعلت متطولا على عبدك فوقع عليه السلام بخطه سألت عن التوحيد وهذا عنكم معزول(3)اللَّه تعالى واحد أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد خالق وليس بمخلوق يخلق تبارك وتعالى ما يشاء من الأجسام وغير ذلك ويصور ما يشاء وليس بمصور جل ثناؤه وتقدست أسماؤه وتعالى عن أن يكون له شبيه هو لا غيره(4)«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»(5).(6)

فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلامُ الْوُجُودِ عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ

قال تعالى: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ

ص: 374


1- تفسير القمي: 1/26؛ بحار الأنوار: 3/259، ح 6.
2- الكافي: 1/117، ح 8؛ بحار الأنوار: 90/219، ح 2.
3- أي البحث عن ذاته تعالى وأنّها ما هي لأنّه خارج عن طوق المخلوق فيقع في الباطل كما وقع كثير، بل صفوه بصفاته ودلوا عليه بآياته.
4- اما عطف على هو أي هو ليس كمثله شي ء لا غيره لأن غيره من المخلوق لا الأمثال، أو خبر له أي هو لا يكون غيره بل مباين له بالذات والصفات.
5- سورة الشورى: 11.
6- التوحيد للصدوق: 101، ح 14؛ بحار الأنوار: 3/260، ح 10.

لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ»(1).

وقال تعالى: «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ للَّهِ ِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ»(2).

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ كَفَى لأُولِي الْأَلْبَابِ بِخَلْقِ الرَّبِّ الْمُسَخِّرِ(3)وَمُلْكِ(4)الرَّبِّ الْقَاهِرِ وَجَلالِ الرَّبِّ الظَّاهِرِ وَنُورِ الرَّبِّ الْبَاهِرِ(5)وَبُرْهَانِ الرَّبِّ الصَّادِقِ وَمَا أَنْطَقَ بِهِ أَلْسُنَ الْعِبَادِ وَمَا أَرْسَلَ بِهِ الرُّسُلَ وَمَا أَنْزَلَ عَلَى الْعِبَادِ دَلِيلاً عَلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلّ(6).

قال صدرا الشيرازي في شرح الحديث: ذكر عليه السلام ثمانية أمور كلّ منها كاف لذوي العقول دليلاً على وجود الرب أحدها خلقه المسخّر له وثانيها ملكه القاهر على كلّ مالك ومملوك وثالثها جلاله الظاهر من عظائم الخلقة وبدايع الفطرة كالأجرام العالية والنفوس وغيرها ورابعها نوره الغالب على نور كلّ ذي نور وحس كلّ ذي حس وشعور وخامسها برهانه الصادق وهو وجود آياته الكاينة

ص: 375


1- سورة العنكبوت: 61.
2- سورة العنكبوت: 63.
3- التسخير: التذليل. والمسخر: اسم فاعل مجرور صفة للرب أو الخلق، أو اسم مفعول مجرور صفة للخلق، أو منصوب مفعولا للخلق، ولكنّه بعيد. والخلق بمعنى الإيجاد، أو المخلوق، أو التقدير. انظر: الصحاح: 2/680 (سخر)؛ شرح المازندراني: 3/71؛ مرآة العقول: 1/276.
4- الملك: العز والسلطنة، والملك: مصدر، وقد شاع استعماله فيما يملك. وجاز الكل هنا. انظر شرح المازندراني: 3/71؛ مرآة العقول: 1/277.
5- الباهر: المضي ء، أو الغالب. يقال: بهر القمر: أضاء حتّى غلب ضوؤه الكواكب وبهر فلان أترابه: غلبهم حسنا. انظر: الصحاحّ 2/599 (بهر).
6- الكافي: 1/81، ح 6.

في السموات والأرض وسادسها ما أنطق به ألسن العباد من العلوم والمعارف وغيرهما وسابعها ما أرسل به الرسل من الشرايع والأحكام والسياسات والحدود وثامنها ما أنزل على العباد من الصحايف الالهيّة والكتاب السماويّة(1).

عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَسِّنٍ الْمِيثَمِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي مَنْصُورٍ الْمُتَطَبِّبِ فَقَالَ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي قَالَ كُنْتُ أَنَا وَابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ الْمُقَفَّعِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ تَرَوْنَ هَذَا الْخَلْقَ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مَوْضِعِ الطَّوَافِ مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ أُوجِبُ لَهُ اسْمَ الْإِنْسَانِيَّةِ إِلّا ذَلِكَ الشَّيْخُ الْجَالِسُ يَعْنِي أَبَا عَبْدِاللَّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عليه السلام فَأَمَّا الْبَاقُونَ فَرَعَاعٌ وَبَهَائِمُ(2) َقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ: وَكَيْفَ أَوْجَبْتَ هَذَا الاسْمَ لِهَذَا الشَّيْخِ دُونَ هَؤُلاءِ قَالَ لأَنِّي رَأَيْتُ عِنْدَهُ مَا لَمْ أَرَهُ عِنْدَهُمْ فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ لا بُدَّ مِنِ اخْتِبَارِ مَا قُلْتَ فِيهِ مِنْهُ قَالَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْمُقَفَّعِ لا تَفْعَلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْكَ مَا فِي يَدِكَ (3)فَقَالَ: لَيْسَ ذَا رَأْيَكَ وَلَكِنْ تَخَافُ أَنْ يَضْعُفَ رَأْيُكَ عِنْدِي فِي إِحْلالِكَ إِيَّاهُ الْمَحَلَّ الَّذِي وَصَفْتَ فَقَالَ ابْنُ الْمُقَفَّعِ أَمَّا إِذَا تَوَهَّمْتَ عَلَيَّ هَذَا فَقُمْ إِلَيْهِ وَتَحَفَّظْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الزَّلَلِ وَلا تَثْنِي عِنَانَكَ إِلَى اسْتِرْسَالٍ(4)فَيُسَلِّمَكَ إِلَى عِقَالٍ(5)وَسِمْهُ مَا لَكَ أَوْ عَلَيْكَ قَالَ فَقَامَ ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ وَبَقِيتُ أَنَا

ص: 376


1- شرح أصول الكافي للصدرا: 3/42.
2- الرعاع بالمهملات وفتح أوّله: الاحداث الطغام الرذال (فى).
3- أي من العقائد.
4- ولا تثنى: نفي في معنى النهي وفي توحيد الصدوق لا تثن بصيغة النهي وهو أظهر وعلى التقديرين مشتق من الثنى وهو العطف والميل أي: لا ترخ عنانك إليك بأن تميل إلى الرفق والاسترسال والتساهل فتقبل منه بعض ما يلقى إليك. (آت).
5- فيسلمك: من التسليم أو الإسلام. إلى عقال: وهي ككتاب ما يشدّ به يد البعير أي يعقلك بتلك المقدّمات التي تسلمت منه بحيث لا يبقى لك مفر كالبعير المعقول. وسمه ما لك أو عليك: على صيغة الأمر أي اجعل على ما تريد أن تتكلّم علامة لتعلم أيّ شي ء لك أو عليك ونقل عن الشيخ البهائي قدس سره: انّه من السوم من سام البائع السلعة يسوم سوما إذا عرضها على المشتري وسامها المشتري بمعنى استامها الضمير راجع إلى الشيخ على طريق الحذف والايصال والموصول مفعوله. (آت).

وَابْنُ الْمُقَفَّعِ جَالِسَيْنِ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْنَا ابْنُ أَبِي الْعَوْجَاءِ قَالَ وَيْلَكَ يَا ابْنَ الْمُقَفَّعِ مَا هَذَا بِبَشَرٍ وَإِنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا رُوحَانِيٌّ يَتَجَسَّدُ إِذَا شَاءَ ظَاهِراً وَيَتَرَوَّحُ إِذَا شَاءَ بَاطِناً فَهُوَ هَذَا فَقَالَ لَهُ وَكَيْفَ ذَلِكَ قَالَ جَلَسْتُ إِلَيْهِ فَلَمَّا لَمْ يَبْقَ عِنْدَهُ غَيْرِي ابْتَدَأَنِي فَقَالَ إِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَقُولُ هَؤُلاءِ وَهُوَ عَلَى مَا يَقُولُونَ(1)يَعْنِي أَهْلَ الطَّوَافِ فَقَدْ سَلِمُوا وَعَطِبْتُمْ وَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَقُولُونَ وَلَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ فَقَدِ اسْتَوَيْتُمْ وَهُمْ فَقُلْتُ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَأَيَّ شَيْ ءٍ نَقُولُ وَأَيَّ شَيْ ءٍ يَقُولُونَ مَا قَوْلِي وَقَوْلُهُمْ إِلّا وَاحِدٌ فَقَالَ وَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُكَ وَقَوْلُهُمْ وَاحِداً وَهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ لَهُمْ مَعَاداً وَثَوَاباً وَعِقَاباً وَيَدِينُونَ بِأَنَّ فِي السَّمَاءِ إِلَهاً وَأَنَّهَا عُمْرَانٌ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ السَّمَاءَ خَرَابٌ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ قَالَ فَاغْتَنَمْتُهَا(2)مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ مَا مَنَعَهُ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُونَ أَنْ يَظْهَرَ لِخَلْقِهِ وَيَدْعُوَهُمْ إِلَى عِبَادَتِهِ حَتَّى لا يَخْتَلِفَ مِنْهُمُ اثْنَانِ وَلِمَ احْتَجَبَ عَنْهُمْ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمُ الرُّسُلَ وَلَوْ بَاشَرَهُمْ بِنَفْسِهِ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ فَقَالَ لِي وَيْلَكَ وَكَيْفَ احْتَجَبَ عَنْكَ مَنْ أَرَاكَ قُدْرَتَهُ فِي نَفْسِكَ نُشُوءَكَ وَلَمْ تَكُنْ وَكِبَرَكَ بَعْدَ صِغَرِكَ وَقُوَّتَكَ بَعْدَ ضَعْفِكَ وَضَعْفَكَ بَعْدَ قُوَّتِكَ وَسُقْمَكَ بَعْدَ صِحَّتِكَ وَصِحَّتَكَ بَعْدَ سُقْمِكَ وَرِضَاكَ بَعْدَ

ص: 377


1- اعترض (ع) الجملة الحالية بين الشرط والجزاء للإشارة إلى ما هو الحق ولئلّا يتوهّم انّه عليه السلام في شك من ذلك وقوله: «يعنى...»كلام ابن أبي العوجاء. (آت) وعطبتم أي هلكتم. (فى).
2- أي أعددت أقواله غنيمة إذ من مدعياته انفتح لي باب المناظرة معه عليه السلام.

غَضَبِكَ وَغَضَبَكَ بَعْدَ رِضَاكَ وَحُزْنَكَ بَعْدَ فَرَحِكَ وَفَرَحَكَ بَعْدَ حُزْنِكَ وَحُبَّكَ بَعْدَ بُغْضِكَ وَبُغْضَكَ بَعْدَ حُبِّكَ وَعَزْمَكَ بَعْدَ أَنَاتِكَ وَأَنَاتَكَ بَعْدَ عَزْمِكَ وَشَهْوَتَكَ بَعْدَ كَرَاهَتِكَ وَكَرَاهَتَكَ بَعْدَ شَهْوَتِكَ وَرَغْبَتَكَ بَعْدَ رَهْبَتِكَ وَرَهْبَتَكَ بَعْدَ رَغْبَتِكَ وَرَجَاءَكَ بَعْدَ يَأْسِكَ وَيَأْسَكَ بَعْدَ رَجَائِكَ وَخَاطِرَكَ(1)بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي وَهْمِكَ وَعُزُوبَ مَا أَنْتَ مُعْتَقِدُهُ عَنْ ذِهْنِك(2).وما زال يعدد علي قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها حتّى ظننت أنّه سيظهر فيما بيني وبينه(3).

ومن الشواهد على ما ذكره عليه السلام من إقرار قلب ذي الجحود: أنّ كلّ جاحد إذا انقطع رجاؤه عن الأسباب الظاهريّة، وصار إلى الاضطرار يتوجّه إلى مبدئه بلا اختيار «فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا»(4)«فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ»(5).

روى أنّ زنديقاً دخل على الصادق عليه السلام فسأله عن الدليل على اثبات الصانع فأعرض عليه السلام عنه ثمّ التفت إليه وسأله من أين أقبلت وما قصّتك؟ فقال الزنديق: إنّي كنت مسافراً في البحر فعصفت علينا الريح وتقلبت بنا الأمواج فانكسرت سفينتنا فتعلقت بساجة منها ولم يزل الموج يقلبها حتّى قذفت بي إلى الساحل فنجوت عليها.

ص: 378


1- الخاطر من الخطور وهو حصول الشي ء مشعوراً به في الذهن. (آت).
2- حاصل استدلاله عليه السلام انك لما وجدت في نفسك آثار القدرة التي ليست من مقدوراتك ضرورة علمت أن لها بارئا قادرا وكيف يكون غائباً عن الشخص من لا يخلو الناس ساعة عن آثر كثيرة تصل منه إليه. (آت).
3- الكافي: 1/74، ح 2؛ بحار الأنوار: 3/42، ح 18.
4- سورة الروم: 30.
5- سورة العنكبوت: 65.

فقال عليه السلام: أرأيت الذي كان قلبك إذا انكسرت السفينة وتلاطمت عليكم الأمواج فزعاً عليه مخلصاً له في التضرّع طالباً منه النجاة فهو إلهك فاعترف الزنديق بذلك وحسن اعتقاده وذلك من قوله تعالى: «وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ»(1).(2)

وحتّى إنّ عمرو بن العاص الذي عادى النبيّ صلى الله عليه وآله إلى أن فتح النبيّ صلى الله عليه وآله مكّة فاستسلم ولم يسلم وأسرّ كفره، ثمّ عادى أميرالمؤمنين عليه السلام إلى شهادته، كان مقرّاً بأنّ ما قدّر اللَّه تعالى يقع، ولو على خلاف الأسباب الظاهريّة.

قال نصر: انّ معاوية لمّا أعطى عمرو بن العاص مصر ليعينه على أميرالمؤمنين عليه السلام وكتب له كتاباً وكتب فيه: على أن لا ينقض شرط طاعة وكتب عمرو على ألا تنقض طاعة شرطا وكايد كل واحد منهما صاحبه.

وكان مع عمرو ابن عم له فتى شاب وكان داهيا حليما فلما جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتى وقال ألا تخبرني يا عمرو بأي رأي تعيش في قريش أعطيت دينك ومنيت دنيا غيرك أترى أهل مصر وهم قتلة عثمان يدفعونها إلى معاوية وعلي حي وتراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه في الكتاب فقال له عمرو يا ابن الأخ إن الأمر للَّه دون علي ومعاوية(3).

ص: 379


1- سورة الإسراء: 67.
2- الوافي: 1/477.
3- وقعة صفّين: 40؛ بحار الأنوار: 32/375، ش 345.

تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُهُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ وَالْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً

قال تعالى: «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»(1).

و قال تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»(2).

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ قَالَ سَأَلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الصَّادِقَ عليه السلام فَقَالَ لَهُ أَخْبِرْنِي أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ تَوْحِيدُكَ لِرَبِّكَ قَالَ فَمَا أَعْظَمُ الذُّنُوبِ قَالَ تَشْبِيهُكَ لِخَالِقِكَ(3).

عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عليه السلام فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّي دَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ(4)وَأَصْحَابِهِ فَسَمِعْتُ بَعْضَهُمْ يَقُولُ إِنَّ للَّهِ ِ وَجْهاً كَالْوُجُوهِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ لَهُ يَدَانِ وَاحْتَجُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ هُوَ كَالشَّابِّ مِنْ أَبْنَاءِ ثَلاثِينَ سَنَةً فَمَا عِنْدَكَ فِي هَذَا يَا ابْنَ رَسولِ اللَّهِ قَالَ وَكَانَ مُتَّكِئاً فَاسْتَوَى جَالِساً وَقَالَ اللَّهُمَّ عَفْوَكَ عَفْوَكَ ثُمَّ قَالَ يَا يُونُسُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ للَّهِ ِ وَجْهاً كَالْوُجُوهِ فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ للَّهِ ِ جَوَارِحَ كَجَوَارِحِ الْمَخْلُوقِينَ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ فَلا تَقْبَلُوا شَهَادَتَهُ وَلا تَأْكُلُوا ذَبِيحَتَهُ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَصِفُهُ

ص: 380


1- سورة الأنعام: 91.
2- سورة الشورى: 11.
3- الأمالي للطوسي: 687، م 39، ح 1485-1؛ بحار الأنوار: 3/287، ح 1.
4- أحد الأئمّة الأربعة للعامة، حكى عن ابن النديم في فهرسه أنّه قال: مالك بن أنس بن أبي عامر من حمير، وعداده في بني تميم بن مرّة من قريش، وحمل به ثلاثين سنين! وكان شديد البياض إلى الشفرة، طويلاً عظيم الهامة أصلع الرأس، يلبس الثياب العدنيّة الجياد ويكثر حلق شاربه ولا يغير شيبه، وكان يأتي المسجد ويشهد الصلوات ويعود المرضى ويقضي الحقوق، ثمّ ترك الجلوس في المسجد وكان يصلّي في منزله وترك اتباع الجنائز فكان يعاتب على ذلك وكان يقول: ليس يقدر كلّ أحد يقول عذره، وكان فقيه الحجاز وسيّدها في وقته، توفي سنة تسع وسبعين ومائة، وهو ابن خمس وثمانين ودفن بالبقيع.

الْمُشَبِّهُونَ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ فَوَجْهُ اللَّهِ أَنْبِيَاؤُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ(1)وَقَوْلُهُ خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ الْيَدُ الْقُدْرَةُ كَقَوْلِهِ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ فِي شَيْ ءٍ أَوْ عَلَى شَيْ ءٍ أَوْ يَحُولُ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَى شَيْ ءٍ أَوْ يَخْلُو مِنْهُ شَيْ ءٌ أَوْ يَشْتَغِلُ بِهِ شَيْ ءٌ فَقَدْ وَصَفَهُ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ وَاللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ لا يُقَاسُ بِالْقِيَاسِ وَلا يُشَبَّهُ بِالنَّاسِ لا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ وَلا يَشْتَغِلُ بِهِ مَكَانٌ قَرِيبٌ فِي بُعْدِهِ بَعِيدٌ فِي قُرْبِهِ ذَلِكَ اللَّهُ رَبُّنَا لا إِلَهَ غَيْرُهُ فَمَنْ أَرَادَ اللَّهَ وَأَحَبَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ وَمَنْ أَحَبَّهُ بِغَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ فَاللَّهُ مِنْهُ بَرِي ءٌ وَنَحْنُ مِنْهُ بُرَءَاءُ(2).

عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّه ِ عليه السلام قَالَ مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا يُشْبِهُ شَيْئاً وَلا يُشْبِهُهُ شَيْ ءٌ وَكُلُّ مَا وَقَعَ فِي الْوَهْمِ فَهُوَ بِخِلافِهِ(3).

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: سُبْحَانَ مَنْ لا يَعْلَمُ أَحَدٌ كَيْفَ هُوَ إِلّا هُوَ «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»(4)لا يُحَدُّ وَلا يُحَسُّ وَلا يُجَسُّ ولا يمس وَلا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَلا الْحَوَاسُّ وَلا يُحِيطُ بِهِ شَيْ ءٌ وَلا جِسْمٌ وَلا صُورَةٌ وَلا تَخْطِيطٌ وَلا تَحْدِيدٌ(5).

عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ قَالَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍ عليه السلام يَا جَابِرُ مَا أَعْظَمَ فِرْيَةَ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى اللَّهِ عزّوجل يَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيْثُ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ وَضَعَ قَدَمَهُ عَلَى صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَقَدْ وَضَعَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ قَدَمَهُ عَلَى حَجَرٍ فَأَمَرَنَا

ص: 381


1- لأنّ العباد يتوجّهون بهم إلى اللَّه تعالى واللَّه تعالى يخاطب العباد ويواجههم بهم عليهم السلام.
2- كفاية الأثر: 255؛ بحار الأنوار: 3/287، ح 2.
3- التوحيد للصدوق: 80، ح 36؛ بحار الأنوار: 3/299، ح 30.
4- سورة الشورى: 11.
5- التوحيد للصدوق: 98، ح 4؛ بحار الأنوار: 3/301، ح 35.

اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ نَتَّخِذَهَ مُصَلًّى يَا جَابِرُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا نَظِيرَ لَهُ وَلا شَبِيهَ، تَعَالَى عَنْ صِفَةِ الْوَاصِفِينَ وَجَلَّ عَنْ أَوْهَامِ الْمُتَوَهِّمِينَ وَاحْتَجَبَ عَنْ عَيْنِ النَّاظِرِينَ وَلا يَزُولُ مَعَ الزَّائِلِينَ وَلا يَأْفِلُ مَعَ الآْفِلِينَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(1).

عن هشام بن المشرقي عن أبي الحسن الخراساني عليه السلام قال إن اللَّه كما وصف نفسه أحد صمد نور، ثمّ قال «بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ» فقلت له أفله يدان هكذا وأشرت بيدي إلى يده فقال لو كان هكذا كان مخلوقا(2).

في جواب سؤال الزنديق برواية هشام عن الصادق عليه السلام: لا جِسْمٌ وَلا صُورَةٌ وَلا يُحَسُّ وَلا يُجَسُّ وَلا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ لا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ وَلا تَنْقُصُهُ الدُّهُورُ وَلا تُغَيِّرُهُ الْأَزْمَانُ(3).

عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلالُهُ مَا آمَنَ بِي مَنْ فَسَّرَ بِرَأْيِهِ كَلامِي وَمَا عَرَفَنِي مَنْ شَبَّهَنِي بِخَلْقِي وَمَا عَلَى دِينِي مَنِ اسْتَعْمَلَ الْقِيَاسَ فِي دِينِي(4).

عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ إِلَهِي بَدَتْ قُدْرَتُكَ وَلَمْ تَبْدُ هيبتك (هَيْئَتُهُ) فَجَهِلُوكَ وَبِهِ قَدَّرُوكَ وَالتَّقْدِيرُ عَلَى غَيْرِ مَا بِهِ وَصَفُوكَ وَإِنِّي بَرِي ءٌ يَا إِلَهِي مِنَ الَّذِينَ بِالتَّشْبِيهِ طَلَبُوكَ لَيْسَ كَمِثْلِكَ شَيْ ءٌ إِلَهِي وَلَنْ يُدْرِكُوكَ وَظَاهِرُ مَا بِهِمْ مِنْ نِعَمِكَ دَلِيلُهُمُ عَلَيْكَ لَوْ عَرَفُوكَ وَفِي خَلْقِكَ يَا إِلَهِي

ص: 382


1- التوحيد للصدوق: 179، ح 13؛ بحار الأنوار: 3/329، ح 31.
2- تفسير العيّاشي: 1/330، ح 145؛ بحار الأنوار: 3/291، ح 7.
3- الكافي: 1/81، ح 5؛ بحار الأنوار: 3/291، ح 8.
4- الأمالي للصدوق: 6، م 2، ح 3؛ بحار الأنوار: 2/297، ح 16.

مَنْدُوحَةٌ أَنْ يَتَنَاوَلُوكَ بَلْ سَوَّوْكَ بِخَلْقِكَ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَعْرِفُوكَ وَاتَّخَذُوا بَعْضَ آيَاتِكَ رَبّاً فَبِذَلِكَ وَصَفُوكَ تَعَالَيْتَ رَبِّي عَمَّا بِهِ الْمُشَبِّهُونَ نَعَتُوكَ(1).

عَنْ يَاسِرٍ الْخَادِمِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَمَنْ نَسَبَ إِلَيْهِ مَا نَهَى عَنْهُ فَهُوَ كَافِرٌ(2).

عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهَمَذَانِيِّ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى الرَّجُلِ عليه السلام أَنَّ مَنْ قِبَلَنَا مِنْ مَوَالِيكَ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي التَّوْحِيدِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ جِسْمٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ صُورَةٌ فَكَتَبَ عليه السلام بِخَطِّهِ سُبْحَانَ مَنْ لا يُحَدُّ وَلا يُوصَفُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أَوْ قَالَ الْبَصِيرُ(3).

عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا عليه السلام يَقُولُ: مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَمَنْ وَصَفَهُ بِالْمَكَانِ فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ نَسَبَ إِلَيْهِ مَا نَهَى عَنْهُ فَهُوَ كَاذِبٌ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآْيَةَ: «إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ»(4).(5)

عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَمَنْ أَنْكَرَ قُدْرَتَهُ فَهُوَ كَافِرٌ(6).

روي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخَزَّازِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالا دَخَلْنَا عَلَى أَبِي

ص: 383


1- الأمالي للصدوق: 609، م 89، ح 2؛ بحار الأنوار: 3/293، ح 14.
2- كشف الغمّة (ط - القديمة): 2/284؛ بحار الأنوار: 3/293، ح 16.
3- التوحيد للصدوق: 100، ح 9؛ بحار الأنوار: 3/294، ح 17.
4- سورة النحل: 105.
5- التوحيد للصدوق: 69، ح 25؛ بحار الأنوار: 3/299، ح 28.
6- التوحيد للصدوق: 76، ح 31؛ بحار الأنوار: 3/299، ح 29.

الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام فَحَكَيْنَا لَهُ أَنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله رَأَى رَبَّهُ فِي صُورَةِ الشَّابِّ الْمُوَفَّقِ(1)فِي سِنِّ أَبْنَاءِ ثَلاثِينَ سَنَةً - إلى أن قال - فَخَرَّ سَاجِداً للَّهِ ِ(2)ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ مَا عَرَفُوكَ وَلا وَحَّدُوكَ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَصَفُوكَ سُبْحَانَكَ لَوْ عَرَفُوكَ لَوَصَفُوكَ بِمَا وَصَفْتَ بِهِ نَفْسَكَ سُبْحَانَكَ كَيْفَ طَاوَعَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يُشَبِّهُوكَ بِغَيْرِكَ اللَّهُمَّ لا أَصِفُكَ إِلّا بِمَا وَصَفْتَ بِهِ نَفْسَكَ وَلا أُشَبِّهُكَ بِخَلْقِكأَنْتأَهْلٌ لِكُلِّ خَيْرٍ فَلا تَجْعَلْنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ مَا تَوَهَّمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَتَوَهَّمُوا اللَّهَ غَيْرَهُ ثُمَّ قَالَ نَحْنُ آلُ مُحَمَّدٍ النَّمَطُ الْأَوْسَطُ الَّذِي لا يُدْرِكُنَا الْغَالِي وَلا يَسْبِقُنَا التَّالِي يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله حِينَ نَظَرَ إِلَى عَظَمَةِ رَبِّهِ كَانَ فِي هَيْئَةِ الشَّابِّ الْمُوَفَّقِ وَسِنِّ أَبْنَاءِ ثَلاثِينَ سَنَةً يَا مُحَمَّدُ عَظُمَ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ فِي صِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَنْ كَانَتْ رِجْلاهُ فِي خُضْرَةٍ قَالَ ذَاكَ مُحَمَّدٌ كَانَ إِذَا نَظَرَ إِلَى رَبِّهِ بِقَلْبِهِ جَعَلَهُ فِي نُورٍ مِثْلِ نُورِ الْحُجُبِ حَتَّى يَسْتَبِينَ لَهُ مَا فِي الْحُجُب(3).

عَنْ دَاوُدَ الرَّقِّيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: «وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ»(4)فَقَالَ لِي: مَا يَقُولُونَ؟ قُلْتُ: يَقُولُونَ إِنَّ الْعَرْشَ كَانَ عَلَى الْمَاءِ وَالرَّبُّ

ص: 384


1- الموفق الذي وصل في الشباب إلى الكمال وجمع بين تمام الخلقة وكمال المعنى في الجمال أو الذي هيأت له أسباب الطاعة والمبادة (فى).
2- لما سمع عليه السلام مقالتهم الناشئة عن عدم العرفان وجرأتهم في حقّ اللَّه الصادرة عن الجهل والعصيان سقط ساجداً للَّه تعظيماً له واستبعاداً عمّا وقع منهم من الاجترائ والافتراء في حقّه تعالى وتحاشيا عن ذلك ثمّ سبّحه تعالى تنزيهاً له وتقديساً ثمّ تعجّب من انسلاخ نفوسهم عمّا فطرهم اللَّه عليه من التوحيد ثمّ خاطب اللَّه وناداه ببراءة نفسه القدسيّة عن مثل ما يصفه المشبهون.
3- الكافي: 1/100، ح 3؛ ومجمع البحرين: 5/247.
4- سورة هود: 7.

فَوْقَهُ فَقَالَ عليه السلام فَقَدْ كَذَبُوا، مَنْ زَعَمَ هَذَا فَقَدْ صَيَّرَ اللَّهَ مَحْمُولاً وَوَصَفَهُ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ وَأَلْزَمَهُ أَنَّ الشَّيْ ءَ الَّذِي يَحْمِلُهُ أَقْوَى مِنْه(1).

وأمّا قوله تعالى: «الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى»(2).فهو من قبيل قول الشاعر:

قد استوى بشر على العراق***من غير سيف ودم مهراق(3)

في كون المراد به مجرّد الاستيلاء والسلطة.

هذا وفي الكامل: وفي سنة 323 خرج توقيع الراضي الخليفة بما يقرأ على الحنابلة، ينكر عليهم فعلهم ويوبّخهم باعتقاد التشبيه وغيره، فمنه: تارة أنّكم تزعمون أنّ صورة وجوهكم القبيحة السمجة على مثال ربّ العالمين وهيئتكم الرذلة على هيئته وتذكرون الكف والأصابع والرجلين والنعلين المذهّبين، والشعر القطط والصعود إلى السماء والنزول إلى الدنيا تبارك اللَّه عمّا يقول الظالمون والجاحدون علوّاً كبيرا(4).

والأصل في زعمهم قول النبيّ صلى الله عليه وآله: فانّ اللَّه تعالى خلق آدم على صورته(5)والضمير في صورته راجع إلى رجل سبّه من قال النبيّ صلى الله عليه وآله له ذلك، فتوهموا رجوعه إلى اللَّه، روى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ؟ فَقَالَ: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ لَقَدْ حَذَفُوا أَوَّلَ الْحَدِيثِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مَرَّ بِرَجُلَيْنِ يَتَسَابَّانِ فَسَمِعَ

ص: 385


1- الكافي: 1/132، ح 7؛ بحار الأنوار: 54/95، ح 80.
2- سورة طه: 5.
3- لسان العرب: 14/414.
4- الكامل لابن الأثير: 8/308، سنة 323.
5- مسند أحمد بن حنبل: 2/244؛ صحيح مسلم النيسابوري: 8/32.

أَحَدَهُمَا يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: قَبَّحَ اللَّهُ وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَنْ يُشْبِهُكَ فَقَالَ عليه السلام: يَا عَبْدَ اللَّهِ لا تَقُلْ هَذَا لأَخِيكَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ(1).

وفي الكامل أيضاً في سنة 458: ذكر أنّ فيه توفي أبو يعلي الحنبلي مصنّف كتاب (الصفات) أتى فيه بكلّ عجيبة وفيه التجسيم وكان ابن تميم الحنبلي يقول: لقد خرى أبو يعلي على الحنابلة خربة لا يغسلها ماء(2).

هذا، ونوّع ابن أبي الحديد القول بالتشبيه من قائليه أحد عشر نوعاً: كونه تعالى جسماً وجوهراً وذا أعضاء وذا جهة وكونه عرضا ومحلّا لشي ء آخر ومتّحداً بغيره، وكونه ذا أعراض ولون، وذا شهوة ونفرة، وذا تناه وكونه مرئياً ونقل في كلّ نوع أباطيل من قائليه إلّا أنّ في نقله الغثّ والسمين، فنسب إلى جمع من أجلّة الشيعة أضاليل(3)، كما نقل ما لا ينبغي نقله من ترّهات قصص العامّة، مثل ما نقل عن قاصّ طبري: أنّ في القيامة يخفى اللَّه يزيد بن معاوية تحت قوائم عرشه من فاطمة، ويرغّبها في العفو عنه بارائته لها قدمه المجروحة من سهم نمرود وعفوه عنه(4)، ونقل عن معاذ العنبري أنّ له جميع الأعضاء حتّى الفرج(5).تعالى اللَّه عمّا يقولون علوّاً كبيراً.

ص: 386


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام: 1/119، ح 12؛ بحار الأنوار: 4/14، ح 1.
2- الكامل لابن الأثير: 10/52، سنة 458.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/323.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/227.
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/224.

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة (50): ومن كلام له عليه السلام:

اشارة

إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اللَّهِ وَيَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالاً عَلَى غَيْرِ دِينِ اللَّهِ فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَيَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنى

و من كلام له عليه السلام: إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ

قال اللَّه تعالى «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ»(1).

وقال اللَّه تعالى «وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ»(2).

وقال اللَّه تعالى «وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ»(3).

ص: 387


1- سورة العنكبوت: 1-3.
2- سورة الأنعام: 53.
3- سورة الدخان: 17.

وقال اللَّه تعالى «وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً»(1).

إنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع كفتنة الاجتماع في السقيفة طلبا للرئاسة فقال المغيرة بن شعبة لأبي بكر وعمر: وسعوها في قريش تتسع، أتريدون أن تجمعوا من أهل هذا البيت بيت هاشم خيل حلبة أي بتصدي علي للأمر بعد محمّد(2).

وكلامه عليه السلام وإن كان بعد وقوع فتنة الخوارج إلّا انّه بيّن بدء فتنهم فلو لم يكن يوم السقيفة لم تحصل فتنة الخوارج، لأنّها حصلت بسبب قيام معاوية في قباله عليه السلام وقيام معاوية مع محاربته للَّه ولرسوله حتّى أسر فأظهر إسلاما وأسرّ كفره كان بواسطة قيام عثمان بأمر الخلافة، وقيام عثمان به مع عدم سابقة له أيّام النبيّ صلى الله عليه وآله إلّا حمايته عن أعداء اللَّه وأعداء رسوله ذويه وبني أبيه كان بتدبير عمر له لما كان كتب في غشوة أبي بكر استخلافه لعمر، وإن كان أبوبكر بعد افاقته أمضاه له طوعاً وكرها(3).

وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ

فأوصياء الأنبياء في كلّ عصر كانوا في بيوتهم ومن جنسهم «ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ»(4).

وأنكر الذين في قلوبهم مرض ذلك، فقال عمر لابن عبّاس اعتذاراً عن صرف

ص: 388


1- سورة طه: 40.
2- السقيفة وفدك: 68؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/43.
3- تاريخ الطبري: 2/618؛ الكامل لابن الأثير: 2/425.
4- سورة آل عمران: 34.

الأمر عنه عليه السلام: إنّ قومك كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوّة فتكونوا عليهم جحفا(1).(2)

يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اللَّهِ

أليس تعالى قال في كتابه: «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ»(3).

وقال تعالى: «أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ»(4).

وقد قضى اللَّه تعالى ولايته عليه السلام في قوله جلّ وعلا: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ»(5).

وقد قضى رسوله صلى الله عليه وآله ولايته عليه السلام بعد تقريرهم بأنّه أولى بهم من أنفسهم بأنّه من كان هو أولى به بنفسه فعليّ أولى به من نفسه في المتواتر عنه صلى الله عليه وآله، وقد قال تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِيناً»(6).

وأمّا قول فاروقهم: إنّ قومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة والنبوّة فهل كانت

ص: 389


1- جحفا جحفا، أي فخرا فخرا وشرفا شرفا. النهاية لابن الأثير: 1/145.
2- السقيفة وفدك: 52؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/58.
3- سورة القصص: 68.
4- سورة القلم: 37-38.
5- سورة المائدة: 55-56.
6- سورة الأحزاب: 36.

النبوّة بأيديهم حتّى تكون الخلافة بأيديهم فيكرهوا جمعهما لهم، وقد أجابه ابن عبّاس عن قوله بقوله جلّ وعلا: «ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ»(1).(2)وقوله تعالى: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً»(3).

وَيَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالاً عَلَى غَيْرِ دِينِ اللَّهِ

قال أبو بكر يوم السقيفة للناس: إنّما أدعوكم إلى أبي عبيدة أو عمر كلاهما قد رضيت لكم ولهذا الأمر وكلاهما له أهل. فقالا له: ما ينبغي لأحد من الناس أن يكون فوقك يا أبا بكر، أنت صاحب الغار ثاني اثنين وأمرك النبي بالصلاة(4).

فهذ هذا من دين اللَّه أن يجعلوا خلافةرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهنهبة بينهم، أليس من قواعد أهل العالم أن يكون خليفة كلّ شخص أن يخرج عن عهدة ما خرج ذاك الشخص عنه وحينئذٍ وكما هو تعالى أعلم حيث يجعل رسالته يكون هو أعلم حيث يجعل خلافة رسوله وأين اولئك الأجلاف عن مقامه صلى الله عليه وآله.

فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ

قال ابن قتيبة بعد ذكر طلب الأنصار كون الأمر لهم لأن بواسطتهم تمكّن

ص: 390


1- سورة محمّد: 9.
2- السقيفة وفدك: 129.
3- سورة النساء: 54.
4- الإمامة والسياسة (تحقيق الزيني): 1/14؛ السقيفة وفدك: 59؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/7.

النبيّ صلى الله عليه وآله من نشر الإسلام أو كون الأمر بينهم وبين قريش لئلّا يبغي بعضهم على بعض، قام أبو بكر وقال: إنّ اللَّه بعث محمّداً رسولاً إلى خلقه وشهيداً على أُمّته ليعبدوا اللَّه ويوحّدوه وهم إذ ذاك يعبدون آلهة شتّى يزعمون أنّها شافعة وعليهم بالغة نافعة، وإنّما كانت حجارة منحوتة وخشبا منجورة، فاقرؤا إن شئتم: «إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ»(1)«وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ»(2)«مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى»(3) فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخصّ اللَّه المهاجرين الأولين بتصديقه والايمان به والمواساة والصبر معه على الشدّة من قومهم وإذلالهم وتكذيبهم إيّاهم وكلّ الناس مخالف عليهم يزرؤهم فلم يستوحشوا من قلّة عددهم وإزراء الناس لهم واجتماع قومهم عليهم، فهم أوّل من عبداللَّه في الأرض وأوّل من آمن باللَّه تعالى ورسوله، وهم أولياؤه وعشيرته وأحقّ الناس بالأمر من بعده، لا ينازعهم فيه إلّا ظالم(4).

فترى مزج الباطل كونه ولي الأمر بحق أعمال النبيّ صلى الله عليه وآله وعشيرته، ولم يكن مصداق ذلك بتمام معنى الكلمة إلّا أميرالمؤمنين عليه السلام وأين كان هو وصاحبه يوم نزل «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(5)فجمع النبي بني عبدالمطلب وهم أربعون وقال

ص: 391


1- سورة الأنبياء: 98.
2- سورة يونس: 18.
3- سورة الزمر: 3.
4- الإمامة والسياسة (تحقيق الزيني): 1/14.
5- سورة الشعراء: 214.

لهم: من يؤازرني حتّى يكون خليفتي فلم يجبه إلّا أميرالمؤمنين عليه السلام(1).

ولم يجبهم الأنصار بذلك لأنّهم لمّا شاهدوا الأحوال في مرض النبيّ صلى الله عليه وآله ومنعه من وصيّته ومخالفته في تجهيز جيش اسامة وعلموا بارادة قريش تصديهم للسلطان، وكانوا يعرفون عاقبة ذلك وما يرد عليهم من الإذلال والمهانة كما كان النبيّ أيضاً أخبرهم قبل بذلك وكانوا واترين لقريش المؤلّفة الطلقاء الذين كان أبوبكر وعمر مستظهرين بهما وعلموا أنّهم لا يرضون بتأمير أميرالمؤمنين عليه السلام أصلاً أعرضوا عن جوابهم بذلك وجدوا أن يكونوا هم المتصدّين أو شركاء.

ولم يحضر أميرالمؤمنين عليه السلام لاشتغاله بتجهيز النبيّ صلى الله عليه وآله وكانوا انتهزوا الفرصة في ذلك بأخذ البيعة من الناس وإتمام الأمر لهم ثمّ أحضروه للبيعة فقال عليه السلام - كما في (خلفاء ابن قتيبة) - لهم: أنا أحقّ بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحججتم عليهم بالقرابة من النبيّ وتأخذوه منّا أهل البيت غصبا(2).

حتّى أن بشير بن سعد الخزرجي والد النعمان بن بشير الذي كان أوّل من بايع أبا بكر حتّى قبل عمر حسداً لابن عمّه سعد بن عبادة لئلّا ينال الرئاسة، لمّا سمع كلامه عليه السلام بما مرّ قال له: لو كان هذا الكلام سمعه الأنصار منك قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلفت عليك.

فقال عليه السلام له: أفكنت أدع رسول اللَّه صلى الله عليه وآلهفي بيته لا أدفنه وأخرج انازع الناس بسلطانه وقالت له فاطمة صلوات اللَّه عليها: ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له

ص: 392


1- الإرشاد: 1/49؛ كشف اليقين: 40؛ بحار الأنوار: 18/181، ح 11.
2- الإمامة والسياسة (تحقيق الزيني): 1/18.

ولقد صنعوا ما اللَّه حسيبهم وطالبهم(1).

وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ

رووا عن ابن عبّاس قال: كنت عند عمر فتنفّس نفسا ظننت أنّ أضلاعه قد انفرجت، فقلت له: ما أخرج هذا النفس منك إلّا هم شديد، قال: اي واللَّه يابن عبّاس، إنّي افتكرت فلم أدر فيمن أجعل هذا الأمر بعدي. ثمّ قال: لعلّك ترى صاحبك لها أهلا. قلت: وما يمنعه من ذلك من جهاده وسابقته وقرابته وعلمه؟ قال: صدقت ولكنّه امرؤ فيه دعابة(2).

عن ابن عباس قال: إني لأماشي عمر إذ قال لي: يا ابن عباس ما أظن صاحبك إلّا مظلوما قلت في نفسي واللَّه لا يسبقني بها فقلت يا أمير المؤمنين فاردد ظلامته فانتزع يده من يدي ومضى وهو يهمهم ساعة ثمّ وقف فلحقته فقال يا ابن عباس ما أظنهم منعهم منه إلّا انهم استصغروه فقلت في نفسي هذه واللَّه شر من الأولى فقلت واللَّه ما استصغره اللَّه حين أمره أن يأخذ سورة براءة من صاحبك قال فأعرض عني وأسرع، فرجعت(3).

وعن ابن عباس قال: خرجت اريد عمر - إلى أن قال: - فقال عمر: إن صاحبكم إن ولي هذا الأمر أخشى عجبه بنفسه أن يذهب به فليتني أراكم بعدي قلت يا أمير المؤمنين إن صاحبنا ما قد علمت أنه ما غيّر ولا بدّل ولا أسخط رسول

ص: 393


1- الإمامة والسياسة (تحقيق الزيني): 1/16 و16.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/326.
3- السقيفة وفدك: 70؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/45؛ كشف الغمّة (ط - القديمة): 1/419؛ بحار الأنوار: 40/125، ح 14.

اللَّه صلى الله عليه وآله أيام صحبته له. قال فقطع علي الكلام فقال ولا في ابنة أبي جهل لما أراد أن يخطبها على فاطمة. قلت قال اللَّه تعالى: «وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً»إنّ صاحبنا لم يعزم على سخط رسول اللَّه صلى الله عليه وآلهولكن الخواطر التي لا يقدر أحد على دفعها عن نفسه وربما كان من الفقيه في دين اللَّه العالم العامل بأمر اللَّه. فقال يا ابن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها معكم حتّى يبلغ قعرها فقد ظن عجزا(1).

وعن ابن عبّاس أيضاً قال: دخلت على عمر في أول خلافته فقال: كيف خلفت ابن عمك فظننته يعنى عبداللَّه بن جعفر قلت خلفته يلعب مع أترابه قال: إنما عنيت عظيمكم أهل البيت قلت خلفته يمتح بالغرب(2)على نخيلات من فلان وهو يقرأ القرآن قال يا عبد اللَّه عليك دماء البدن إن كتمتنيها هل بقي في نفسه شي ء من أمر الخلافة؟ قلت: نعم قال: أيزعم أنرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهنص عليه؟ قلت: نعم وأزيدك سألت أبي عما يدعيه فقال: صدق فقال عمر: لقد كان منرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهفي أمره ذرو(3)من قول لا يثبت حجة ولا يقطع عذرا ولقد كان يربع في أمره وقتا ما ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا وحيطة على الإسلام لا ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا ولو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها فعلمرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهأني علمت ما في نفسه فأمسك(4).

فترى هذا المعاند ينسب تارة إليه عليه السلام الدعابة وأخرى صغر السن وتارة العجب بنفسه وأخرى عدم رضاء قريش به.

ص: 394


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12/50.
2- الغرب: الدلو.
3- ذرو: طرف.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12/20؛ كشف الغمّة (ط - القديمة): 1/419؛ بحار الأنوار: 3/555.

وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ

قال ابن أبي الحديد: كلامه عليه السلام حق، فإن الذين ضلوا من مقلدة اليهود والنصارى وأرباب المقالات الفاسدة من أهل الملة الإسلامية إنما ضل أكثرهم بتقليد الأسلاف وإنما قلدهم الأتباع لما شاهدوا من إصلاح ظواهرهم ورفضهم الدنيا وإقبالهم على العبادة وتمسكهم بالدين وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وصلابتهم في عقائدهم فاعتقد الأتباع والقرون التي جاءت بعدهم أن هؤلاء يجب اتباعهم وأن مخالفهم مبتدع ووقع الضلال والغلط بذلك لأن الباطل استتر وانغمر بما مازجه من الحق الغالب الظاهر المشاهد عيانا أو الحكم للظاهر ولولاه لما تروج الباطل ولا كان له قبول أصلا(1).

وَيَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنى

وهم طالبوا الحق لا بالتقليد والعصبيّة. قال جلّ وعلا: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا»(2).

رَوَى سُلَيْمُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ لِي مُعَاوِيَةُ: مَا أَشَدَّ تَعْظِيمَكَ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ مَا هُمَا بِخَيْرٍ مِنْكَ وَلا أَبُوهُمَا بِخَيْرٍ مِنْ أَبِيكَ وَلَوْلا أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لَقُلْتُ مَا أُمُّكَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِدُونِهَا قَالَ: فَغَضِبْتُ مِنْ مَقَالَتِهِ وَأَخَذَنِي مَا لا أَمْلِكُ فَقُلْتُ: أَنْتَ

لَقَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ بِهِمَا وَبِأَبِيهِمَا

ص: 395


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/242.
2- سورة العنكبوت: 69.

وَأُمِّهِمَا بَلَى وَاللَّهِ هُمَا خَيْرٌ مِنِّي وَأَبُوهُمَا خَيْرٌ مِنْ أَبِي وَأُمُّهُمَا خَيْرٌ مِنْ أُمِّي وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ فِيهِمَا وَفِي أَبِيهِمَا وَأَنَا غُلامٌ فَحَفِظْتُهُ مِنْهُ وَوَعَيْتُهُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَلَيْسَ فِي الْمَجْلِسِ غَيْرُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ عليه السلام وَابْنِ جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَخِيهِ الْفَضْلِ هَاتِ مَا سَمِعْتَ فَوَ اللَّهِ مَا أَنْتَ بِكَذَّابٍ فَقَالَ إِنَّهُ أَعْظَمُ مِمَّا فِي نَفْسِكَ قَالَ وَإِنْ كَانَ أعْظَمَ مِنْ أُحُدٍ وَحَرَّى فَآتهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ لا أُبَالِي أَمَّا إِذَا قَتَلَ اللَّهُ طَاغِيَتَكُمْ وَفَرَّقَ جَمْعَكُمْ وَصَارَ الْأَمْرُ فِي أَهْلِهِ وَمَعْدِنِهِ فَلا نُبَالِي مَا قُلْتُمْ وَلا يَضُرُّنَا مَا ادَّعَيْتُمْ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ أَنَا أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مَنْ كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَأَنْتَ يَا أَخِي أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ وَعَلِيٌّ بَيْنَ يَدَيْهِ عليه السلام فِي الْبَيْتِ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعُمَرُ [عمرو] بن أُمِّ سَلَمَةَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَفِي الْبَيْتِ فَاطِمَةُ عليه السلام وَأُمُّ أَيْمَنَ وَأَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله عَلَى عَضُدِهِ وَأَعَادَ مَا قَالَ فِيهِ ثَلاثاً ثُمَّ نَصَّ بِالْإِمَامَةِ عَلَى الْأَئِمَّةِ تَمَامَ الاثْنَيْ عَشَرَ عليه السلام ثُمَّ قَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَلأُمَّتِي اثْنَا عَشَرَ إِمَامَ ضَلالَةٍ كُلُّهُمْ ضَالٌّ مُضِلٌّ عَشَرَةٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَرَجُلانِ مِنْ قُرَيْشٍ وِزْرُ جَمِيعِ الاثْنَيْ عَشَرَ وَمَا أَضَلُّوا فِي أَعْنَاقِهِمَا ثُمَّ سَمَّاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَسَمَّى الْعَشَرَةَ مَعَهُمَا قَالَ فَسَمِّهِمْ لَنَا قَالَ فُلانٌ وَفُلانٌ وَفُلانٌ وَصَاحِبُ السِّلْسِلَةِ وَابْنُهُ مِنْ آلِ أَبِي سُفْيَانَ وَسَبْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَوَّلُهُمْ مَرْوَانُ قَالَ مُعَاوِيَةُ لَئِنْ كَانَ مَا قُلْتَ حَقّاً لَقَدْ هَلَكْتُ وَهَلَكَتِ الثَّلاثَةُ قَبْلِي وَجَمِيعُ مَنْ تَوَلّاهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأةِ وَلَقَدْ هَلَكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالتَّابِعِينَ غَيْرَكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَشِيعَتَكُمْ قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ فَإِنَّ الَّذِي قُلْتُ وَاللَّهِ حَقٌّ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ مُعَاوِيَةُ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَقُولُ ابْنُ جَعْفَرٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - وَمُعَاوِيَةُ بِالْمَدِينَةِ أَوَّلَ سَنَةٍ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ

ص: 396

النَّاسُ بَعْدَ قَتْلِ عَلِيٍ عليه السلام - أَرْسِلْ إِلَى الَّذِينَ سَمَّى فَأَرْسَلإِلَى عُمَرَ [عمرو] بْنِ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُسَامَةَ فَشَهِدُوا جَمِيعاً أَنَّ الَّذِي قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ حَقٌّ قَدْ سَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله كَمَا سَمِعَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْفَضْلِ وَابْنِ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُسَامَةَ فَقَالَ كُلُّكُمْ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ؟ قَالُوا نَعَمْ قَالَ مُعَاوِيَةُ فَإِنَّكُمْ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَتَدَّعُونَ أَمْراً عَظِيماً وَتَحْتَجُّونَ بِحُجَّةٍ قَوِيَّةٍ فَإِنْ كَانَتْ حَقّاً فَإِنَّكُمْ لَتَصْبِرُونَ (لَتَبصرُونَ) عَلَى أَمْرٍ وَتَسْتُرُونَهُ وَالنَّاسُ فِي غَفْلَةٍ وَعَمًى وَلَئِنْ كَانَ مَا تَقُولُونَ حَقّاً لَقَدْ هَلَكَتِ الْأُمَّةُ وَرَجَعَتْ عَنْ دِينِهَا وَكَفَرَتْ بِرَبِّهَا وَجَحَدَتْ نَبِيَّهَا إِلّا أَنْتُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِكُمْ فَأُولَئِكَ قَلِيلٌ فِي النَّاسِ فَأَقْبَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ قَالَ اللَّهُ تعالى: «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ»(1)وَقَالَ: «وَقَلِيلٌ ما هُمْ»(2)وَمَا تَعْجَبْ مِنِّي يَا مُعَاوِيَةُ اعْجَبْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ السَّحَرَةَ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ «فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ»(3)فَآمَنُوا بِمُوسَى وَصَدَّقُوهُ ثُمَّ سَارَ بِهِمْ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَقْطَعَهُمُ الْبَحْرَ وَأَرَاهُمُ الْعَجَائِبَ وَهُمْ مُصَدِّقُونَ بِمُوسَى وَبِالتَّوْرَاةِ يُقِرُّونَ لَهُ بِدِينِهِ ثُمَّ مَرُّوا بِأَصْنَامٍ تُعْبَدُ فَقَالُوا: «يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ»(4)وَعَكَفُوا عَلَى الْعِجْلِ جَمِيعاً غَيْرَ هَارُونَ فَقَالُوا: «هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى»(5)وَقَالَ لَهُمْ مُوسَى بَعْدَ ذَلِكَ: «ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ»(6)فَكَانَ مِنْ

ص: 397


1- سورة سبأ: 13.
2- سورة ص: 24.
3- سورة طه: 72.
4- سورة الأعراف: 138.
5- سورة طه: 88.
6- سورة المائدة: 21.

جَوَابِهِمْ مَا قَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ مُوسَى عليه السلام «رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ»(1)فَمَا اتِّبَاعُ هَذِهِ الْأُمَّةِ رِجَالاً سَوَّدُوهُمْ وَأَطَاعُوهُمْ لَهُمْ سَوَابِقُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَمَنَازِلُ قَرِيبَةٌ مِنْهُ وَأَصْهَارٌ مُقِرِّينَ بِدِينِ مُحَمَّدٍ وَبِالْقُرْآنِ حَمَلَهُمُ الْكِبْرُ وَالْحَسَدُ أَنْ خَالَفُوا إِمَامَهُمْ وَوَلِيَّهُمْ بِأَعْجَبَ مِنْ قَوْمٍ صَاغُوا مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً ثُمَّ عَكَفُوا عَلَيْهِ يَعْبُدُونَهُ وَيَسْجُدُونَ لَهُ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَاجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ كُلُّهُمْ غَيْرَ هَارُونَ وَحْدَهُ وَقَدْ بَقِيَ مَعَ صَاحِبِنَا الَّذِي هُوَ مِنْ نَبِيِّنَا بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ نَاسٌ سَلْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ وَالْمِقْدَادُ وَالزُّبَيْرُ ثُمَّ رَجَعَ الزُّبَيْرُ وَثَبَتَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةُ مَعَ إِمَامِهِمْ حَتَّى لَقُوا اللَّهَ وَتَتَعَجَّبُ يَا مُعَاوِيَةُ أَنْ سَمَّى اللَّهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَاحداً بَعْدَ وَاحِدٍ قَدْ نَصَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله بِغَدِيرِ خُمٍّ وَفِي غَيْرِ مَوْطِنٍ وَاحْتَجَّ بِهِمْ عَلَيْهِمْ وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِمْ وَأَخْبَرَ أَنَّ أَوَّلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ فِيهِمْ وَوَصِيُّهُ وَقَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله جَيْشاً يَوْمَ مُؤْتَةَ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بجَعْفَرٌ فَإِنْ هَلَكَ فَزَيْدٌ فَإِنْ هَلَكَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقُتِلُوا جَمِيعاً أَفَتَرَاهُ يَتْرُكُ الْأُمَّةَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ مَنِ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ لِيَخْتَارُوا هُمْ لأَنْفُسِهِمُ الْخَلِيفَةَ كَانَ رَأْيُهُمْ لأَنْفُسِهِمْ أَهْدَى لَهُمْ وَأَرْشَدَ مِنْ رَأْيِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَمَا رَكِبَ الْقَوْمُ مَا رَكِبُوا إِلّا بَعْدَ مَا بَيَّنَهُ وَمَا تَرَكَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي عَمًى وَلا شُبْهَةٍ فَأَمَّا مَا قَالَ الرَّهْطُ الْأَرْبَعَةُ الَّذِينَ تَظَاهَرُوا عَلَى عَلِيٍ عليه السلام وَكَذَبُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ النُّبُوَّةَ وَالْخِلافَةَ فَقَدْ شَبَّهُوا عَلَى النَّاسِ بِشَهَادَتِهِمْ وَكَذِبِهِمْ وَمَكْرِهِمْ قَالَ مُعَاوِيَةُ مَا تَقُولُ يَا حَسَنُ قَالَ يَا مُعَاوِيَةُ قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْعَجَبُ مِنْكَ يَا مُعَاوِيَةُ وَمِنْ قِلَّةِ حَيَائِكَ وَمِنْ

ص: 398


1- سورة المائدة: 25.

جرْأَتِكَ عَلَى اللَّهِ حِينَ قُلْتَ قَدْ قَتَلَ اللَّهُ طَاغِيَتَكُمْ وَرَدَّ الْأَمْرَ إِلَى مَعْدِنِهِ فَأَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ مَعْدِنُ الْخِلافَةِ دُونَنَا؟ وَيْلٌ لَكَ يَا مُعَاوِيَةُ وَلِلثَّلاثَةِ قَبْلَكَ الَّذِينَ أَجْلَسُوكَ هَذَا الْمَجْلِسَ وَسَنُّوا لَكَ هَذِهِ السُّنَّةَ لأَقُولَنَّ كَلاماً مَا أَنْتَ أَهْلُهُ وَلَكِنِّي أَقُولُ لِيَسْمَعَهُ بَنُو أَبِي هَؤُلاءِ حَوْلِي إِنَّ النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى أُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَيْسَ بَيْنَهُمْ اخْتِلافٌ فِيهَا وَلا تَنَازُعٌ وَلا فُرْقَةٌ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَعَبْدُهُ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَحِجِّ الْبَيْتِ ثُمَّ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ الَّتِي لا تُحْصَى وَلا يَعُدُّهَا إِلّا اللَّهُ وَاجْتَمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْكَذِبِ وَالْقَطِيعَةِ وَالْخِيَانَةِ وَأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْ مَعَا صِي اللَّهِ لا تُحْصَى وَلا يَعُدُّهَا إِلّا اللَّهُ وَاخْتَلَفُوا فِي سُنَنٍ اقْتَتَلُوا فِيهَا وَصَارُوا فِرَقاً يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَهِيَ الْوَلايَةُ وَيَبْرَأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَيَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً أَيُّهُمْ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِهَا إِلّا فِرْقَةٌ تَتَّبِعُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله فَمَنْ أَخَذَ بِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْقِبْلَةِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ اخْتِلافٌ وَرَدَّ عِلْمَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ إِلَى اللَّهِ سَلِمَ وَنَجَا بِهِ مِنَ النَّارِ وَدَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَمَنَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِأَنْ نَوَّرَ قَلْبَهُ بِمَعْرِفَةِ وُلاةِ الْأَمْرِ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ وَمَعْدِنِ الْعِلْمِ أَيْنَ هُوَ فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ سَعِيدٌ وَللَّهِ ِ وَلِيٌّ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً عَلِمَ حَقّاً فَقَالَ فَغَنِمَ أَوْ سَكَتَ فَسَلِمَ نَحْنُ نَقُولُ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنَّا وَإِنَّ الْخِلافَةَ لا تَصْلُحُ إِلّا فِينَا وَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَنَا أَهْلَهَا فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله وَإِنَّ الْعِلْمَ فِينَا وَنَحْنُ أَهْلُهُ وَهُوَ عِنْدَنَا مَجْمُوعٌ كُلُّهُ بِحَذَافِيرِهِ وَإِنَّهُ لا يَحْدُثُ شَيْ ءٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى أَرْشُ الْخَدْشِ إِلّا وَهُوَ عِنْدَنَا مَكْتُوبٌ بِإِمْلاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَخَطِّ عَلِيٍ عليه السلام بِيَدِهِ وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنَّا حَتَّى أَنْتَ يَا ابْنَ هِنْدٍ تَدَّعِي ذَلِكَ وَتَزْعُمُ أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إِلَى أَبِي أَنِّي أُرِيدُ أَنْ أَكْتُبَ الْقُرْآنَ فِي مُصْحَفٍ فَابْعَثْ إِلَيَّ بِمَا كَتَبْتَ مِنَ الْقُرْآنِ فَأَتَاهُ فَقَالَ

ص: 399

تَضْرِبُ وَاللَّهِ عُنُقِي قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ قَالَ وَلِمَ؟ قَالَ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: «وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»(1)قَالَ إِيَّايَ عَنَى وَلَمْ يَعْنِكَ وَلا أَصْحَابَكَ فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ (يا خ ل) ابْنَ أَبِي طَالِبٍ تحسب (يَحْسَبُ) أَنَّ أَحَداً لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمٌ غيرك (غَيْرَهُ) مَنْ كَانَ يَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئاً فَلْيَأْتِنِي به فَإِذَا جَاءَ رَجُلٌ فَقَرَأَ شَيْئاً مَعَهُ فِيهِ آخَرُ كَتَبَهُ وَإِلّا لَمْ يَكْتُبْهُ ثُمَّ قَالُوا قَدْ ضَاعَ مِنْهُ قُرْآنٌ كَثِيرٌ بَلْ كَذَبُوا وَاللَّهِ بَلْ هُوَ مَجْمُوعٌ مَحْفُوظٌ عِنْدَ أَهْلِهِ ثُمَّ أَمَرَ عُمَرُ قُضَاتَهُ وَوُلاتَهُ اجتهدوا (أَجْهِدُوا) آرَاءَكُمْ وَاقْضُوا بِمَا تَرَوْنَ أَنَّهُ الْحَقُّ فَلا يَزَالُ هُوَ وَبَعْضُ وُلاتِهِ قَدْ وَقَعُوا فِي عَظِيمَةٍ فَيُخْرِجُهُمْ مِنْهَا أَبِي لِيَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِهَا فَتَجْتَمِعُ الْقُضَاةُ عِنْدَ خَلِيفَتِهِمْ وَقَدْ حَكَمُوا فِي شَيْ ءٍ وَاحِدٍ بِقَضَايَا مُخْتَلِفَةٍ فَأَجَازَهَا لَهُمْ لأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُؤْتِهِ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ وَزَعَمَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْ مُخَالِفِينَا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقِبْلَةِ أَنَّهم مَعْدِنُ الْخِلافَةِ وَالْعِلْمِ دُونَنَا فَنَسْتَعِينُ بِاللَّهِ عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا وَجَحَدَنا حَقَّنَا وَرَكِبَ رِقَابَنَا وَسَنَّ لِلنَّاسِ عَلَيْنَا مَا يَحْتَجُّ بِهِ مِثْلُكَ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ إِنَّمَا النَّاسُ ثَلاثَةٌ مُؤْمِنٌ يَعْرِفُ حَقَّنَا وَيُسَلِّمُ لَنَا وَيَأْتَمُّ بِنَا فَذَلِكَ نَاجٍ مُحِبٌّ للَّهِ ِ وَلِي (ولنا) وَنَاصِبٌ لَنَا الْعَدَاوَةَ يَتَبَرَّأُ مِنَّا وَيَلْعَنُنَا وَيَسْتَحِلُّ دِمَاءَنَا وَيَجْحَدُ حَقَّنَا وَيَدِينُ اللَّهَ بِالْبَرَاءَةِ مِنَّا فَهَذَا كَافِرٌ مُشْرِكٌ فَاسِقٌ وَإِنَّمَا كَفَرَ وَأَشْرَكَ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُ كَمَا سَبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَرَجُلٌ آخِذٌ بِمَا لا يُخْتَلَفُ فِيهِ وَرَدَّ عِلْمَ مَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ إِلَى اللَّهِ مَعَ وَلايَتِنَا وَلا يَأْتَمُّ بِنَا وَلا يُعَادِينَا وَلا يَعْرِفُ حَقَّنَا فَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ وَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ فَهَذَا مُسْلِمضَعِيفٌ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ أَمَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ غَيْرَ

ص: 400


1- سورة آل عمران: 7.

الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَابْنِ جَعْفَرٍ فَإِنَّهُ أَمَرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِأَلْفِ أَلْفِ دِرْهَمٍ(1).

تكملة:

رواه الكليني مع زيادات في كتاب الروضه: عن عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلالِيِّ قَالَ خَطَبَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِ صلى الله عليه وآله ثُمَّ قَالَ أَلا إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ خَلَّتَانِ (خصلتان) اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ أَمَّا اتِّبَاعُ الْهَوَى فَيَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الآْخِرَةَ أَلا إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَرَحَّلَتْ مُدْبِرَةً وَإِنَّ الآْخِرَةَ قَدْ تَرَحَّلَتْ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآْخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ وَإِنَّ غَداً حِسَابٌ وَلا عَمَلَ وَإِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ مِنْ أَهْوَاءٍ تُتَّبَعُ وَأَحْكَامٍ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ يَتَوَلَّى فِيهَا رِجَالٌ رِجَالاً أَلا إِنَّ الْحَقَّ لَوْ خَلَصَ لَمْ يَكُنِ اخْتِلافٌ وَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ لَمْ يُخَفْ عَلَى ذِي حِجًى لَكِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَيُجَلَّلانِ مَعاً فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَنَجَا الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنَى إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَبَسَتْكُمْ فِتْنَةٌ يَرْبُو فِيهَا الصَّغِيرُ وَيَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ يَجْرِي النَّاسُ عَلَيْهَا وَيَتَّخِذُونَهَا سُنَّةً فَإِذَا غُيِّرَ مِنْهَا شَيْ ءٌ قِيلَ قَدْ غُيِّرَتِ السُّنَّةُ وَقَدْ أَتَى النَّاسُ مُنْكَراً ثُمَّ تَشْتَدُّ الْبَلِيَّةُ وَتُسْبَى الذُّرِّيَّةُ وَتَدُقُّهُمُ الْفِتْنَةُ كَمَا تَدُقُّ النَّارُ الْحَطَبَ وَكَمَا تَدُقُّ الرَّحَى بِثِفَالِهَا وَيَتَفَقَّهُونَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ لِغَيْرِ الْعَمَلِ

ص: 401


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: 2/834، ح 42؛ الاحتجاج: 2/285؛ بحار الأنوار: 44/97، ح 9.

وَيَطْلُبُونَ الدُّنْيَا بِأَعْمَالِ الآْخِرَةِ ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَخَاصَّتِهِ وَشِيعَتِهِ فَقَالَ قَدْ عَمِلَتِ الْوُلاةُ قَبْلِي أَعْمَالاً خَالَفُوا فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مُتَعَمِّدِينَ لِخلافِهِ نَاقِضِينَ لِعَهْدِهِ مُغَيِّرِينِ لِسُنَّتِهِ وَلَوْ حَمَلْتُ النَّاسَ عَلَى تَرْكِهَا وَحَوَّلْتُهَا إِلَى مَوَاضِعِهَا وَإِلَى مَا كَانَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ص لَتَفَرَّقَ عَنِّي جُنْدِي حَتَّى أَبْقَى وَحْدِي أَوْ قَلِيلٌ مِنْ شِيعَتِيَ الَّذِينَ عَرَفُوا فَضْلِي وَفَرْضَ إِمَامَتِي مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَمَرْتُ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام فَرَدَدْتُهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهُ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَرَدَدْتُ فَدَكاً إِلَى وَرَثَةِ فَاطِمَةَ عليه السلام وَرَدَدْتُ صَاعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله كَمَا كَانَ وَأَمْضَيْتُ قَطَائِعَ أَقْطَعَهَا رَسُولُ اللَّه ِ صلى الله عليه وآله لأَقْوَامٍ لَمْ تُمْضَ لَهُمْ وَلَمْ تُنْفَذْ وَرَدَدْتُ دَارَ جَعْفَرٍ إِلَى وَرَثَتِهِ وَهَدَمْتُهَا مِنَ الْمَسْجِدِ(1)وَرَدَدْتُ قَضَايَا مِنَ الْجَوْرِ قُضِيَ بِهَا(2)وَنَزَعْتُ نِسَاءً تَحْتَ رِجَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَرَدَدْتُهُنَّ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ(3)وَاسْتَقْبَلْتُ بِهِنَّ الْحُكْمَ فِي الْفُرُوجِ وَالْأَحْكَامِ وَسَبَيْتُ ذَرَارِيَّ بَنِي تَغْلِبَ(4)وَرَدَدْتُ مَا قُسِمَ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ وَمَحَوْتُ دَوَاوِينَ

ص: 402


1- كأنّهم غصبوها وادخلوها في المسجد. (فى).
2- ذلك كقضاء عمر بالعول والتعصيب في الارث وكقضائه بقطع السارق من معصم الكف ومفصل ساق الرجل خلافاً لما أمر به النبيّ صلى الله عليه وآله من ترك الكف والعقب وانفاذه في الطلاق الثلاث المرسلة ومنعه من بيع أمّهات الأولاد وإن مات الولد وقال: هذا رأي رأيته فأمضاه على الناس إلى غير ذلك من قضاياه وقضايا الآخرين. (فى).
3- كمن طلقت بغير شهود وعلى غير طهر كما ابدعوه ونفذوه وغير ذلك. (فى).
4- لأن عمر رفع عنهم الجزية فيهم ليسوا بأهل ذمّة فيحلّ سبي ذراريهم كما روى عن الرضا عليه السلام أنّه قال: إنّ بني تغلب من نصارى العرب أنفوا واستنكفوا من قبول الجزية وسألوا عمر أن يعفيهم عن الجزية ويؤدّوا الزكاة مضاعفاً فخشى أن يلحقوا بالروم فصالحهم على أن صرف ذلك عن رؤوسهم وضاعف عليهم الصدقة فرضوا بذلك وقال محيي السنّة (البغوي) روى أنّ عمر بن الخطاب رام نصارى العرب على الجزية فقالوا: نحن عرب لا نؤدّي ما يؤدّي العجم ولكن خذ منّا كما يأخذ بعضكم من بعض يعنون الصدقة فقال عمر: هذا فرض اللَّه على المسلمين قالوا: فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية فراضاهم على أن ضعف عليهم الصدقة. (آت).

الْعَطَايَا(1)وَأَعْطَيْتُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله(2)يُعْطِي بِالسَّوِيَّةِ وَلَمْ أَجْعَلْهَا دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَأَلْقَيْتُ الْمَسَاحَةَ(3)وَسَوَّيْتُ بَيْنَ الْمَنَاكِحِ(4)وَأَنْفَذْتُ خُمُسَ الرَّسُولِ كَمَا

ص: 403


1- أشار بذلك إلى ما ابتدعه عمر في عهده من وضعه الخراج على أرباب الزراعات والصناعات والتجارات لأهل العلم وأصحاب الولايات والرئاسات والجند وجعل ذلك عليهم بمنزلة الزكاة المفروضة دون دواوين وأثبت فيها أسماء هؤلاء وأسماء هؤلاء وأثبت لكلّ رجل من الأصناف الأربعة ما يعطى من الخراج الذي وضعه على الأصناف الثلاثة وفضل في الاعطاء بعضهم على بعض ووضع الدواوين على يد شخص سماه صاحب الديوان وأثبت له أجرة من ذلك الخراج وعلى هذه البدعة جرت سلاطين الجور وحكّامهم إلى الآن ولم يكن شي ء من ذلك على عهدرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهولا على عهد أبي بكر وإنّما الخراج للإمام فيما يختصّ به من الأراضي خاصّة يصنع به ما يشاء. (فى).
2- أي لا أجعله لقوم دون قوم حتّى يتداولوه بينهم ويحرموا الفقراء.
3- إشارة إلى ما عدّه الخاصّة والعامّة من بدع عمر أنّه قال: ينبغي مكان هذا العشر ونصف العشر دراهم نأخذها من أرباب الاملاك فبعث إلى البلدان من مسح على أهلها فألزمهم الخراج فأخذ من العراق يوماً يليها ما كان أخذه منهم ملوك الفرس على كلّ جريب درهماً واحداً وقفيزاً من أصناف الحبوب وأخذ من مصر ونواحيها ديناراً وإردبا عن مساحة جريب كما كان يأخذ منهم ملوك الاسكندريّة وقد روى محيي السنّة وغيره عن علمائهم عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: «منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مدها ودينارها ومنعت مصر اردبها ودينارها»والاردب لأهل مصر أربعة وستون منّا وفسّره أكثرهم بأنّه قد محى ذلك شريعة الإسلام وكان أوّل بلد مسحه عمر بلد الكوفة وتفصيل الكلام في ذكر هذه البدع موكول إلى الكتب المبسوطة التي دوّنها أصحابنا لذلك كالشافي للسيّد المرتضى. (آت).
4- بأن يزوج الشريف والوضيع كما فعلهرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهوزوج بنت عمّه مقداداً (آت). أو إشارة إلى ما ابتدعه عمر من منعه غير قريش أن يتزوّج في قريش ومنعه العجم من التزويج في العرب. (فى).

أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَفَرَضَهُ(1)وَرَدَدْتُ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِلَى مَا كَانعَلَيْهِ(2)وَسَدَدْتُ مَا فُتِحَ فِيهِ مِنَ الْأَبْوَابِ وَفَتَحْتُ مَا سُدَّ مِنْهُ وَحَرَّمْتُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَحَدَدْتُ عَلَى النَّبِيذِ(3)وَأَمَرْتُ بِإِحْلالِ الْمُتْعَتَيْنِ(4)وَأَمَرْتُ بِالتَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَائِزِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ(5)وَأَلْزَمْتُ النَّاسَ الْجَهْرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(6)وَأَخْرَجْتُ مَنْ أُدْخِلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي مَسْجِدِهِ مِمَّنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَخْرَجَهُ وَأَدْخَلْتُ مَنْ أُخْرِجَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مِمَّنْ كَانَ

ص: 404


1- إشارة إلى منع عمر أهل البيت خمسهم كما يأتي بيانه في آخر هذه الخطبة. (فى).
2- يعني أخرجت منه ما زادوه فيه «وسددت ما فتح فيه من الأبواب»إشارة إلى ما نزل به جبرئيل عليه السلام من اللَّه سبحانه من أمره النبيّ صلى الله عليه وآله بسدّ الأبواب من مسجده إلّا باب علي وكأنّهم قد عكسوا الأمر بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله. (فى).
3- إشارة إلى ما ابتدعه عمر من اجازته المسح على الخفّين في الوضوء ثلاثاً للمسافر ويوماً وليلة للمقيم وقد روت عائشة عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: «أشدّ الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره. «وحددت على النبيذ»وذلك أنّهم استحلوه. (فى).
4- يعنى متعة النساء ومتعة الحج، قال عمر: متعتان كانتا على عهدرسول اللَّه صلى الله عليه وآلهوأنا أحرمهما وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج. (فى).
5- وذلك أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان يكبر على الجنائز خمسا، لكن الخليفة الثاني راقه أن يكون التكبير في الصلاة عليها أربعاً فجمع الناس على الأربع، نص على ذلك جماعة من أعلام الأمة كالسيوطي (نقلاً عن العسكري) حيث ذكر أوليات عمر من كتابه (تاريخ الخلفاء) وابن الشحنة حيث ذكر وفاة عمر سنة 23 من كتابه (روضة المناظر) المطبوع في هامش تاريخ ابن الأثير وغيرهما من أثبات المتتبعين. (نقل عن كتاب النص والاجتهاد ص 152).
6- وذلك انّهم يتخافتون بها أو يسقطونها في الصلاة. (فى).

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَدْخَلَهُ(1)وَحَمَلْتُ النَّاسَ عَلَى حُكْمِ الْقُرْآنِ وَعَلَى الطَّلاقِ عَلَى السُّنَّةِ(2)وَأَخَذْتُ الصَّدَقَاتِ عَلَى أَصْنَافِهَا وَحُدُودِهَا(3)وَرَدَدْتُ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ وَالصَّلاةَ إِلَى مَوَاقِيتِهَا وَشَرَائِعِهَا وَمَوَاضِعِهَا(4)وَرَدَدْتُ أَهْلَ نَجْرَانَ إِلَى مَوَاضِعِهِمْ(5)

ص: 405


1- لعلّ المراد اخراجهما حيث دفنا والمراد باخراج الرسول إيّاهما سد بابهما عن المسجد. «وأدخلت من أخرج»لعل المراد به نفسه عليه السلام وباخراجه سد بابه وبادخاله فتحه. (فى).
2- وذلك أنّهما خالفوا القرآن في كثير من الأحكام منها وجوب الاشهاد على الطلاق وعدم وجوبه على النكاح فانّهم عكسوا الأمر في ذلك وأبطلوا عدّة من أحكام الطلاق وابدعوا فيه بآرائهم. (فى).
3- أي أخذتها من أجناسها التسعة وهي الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والغنم والبقر فانّهم أوجبوها في غير ذلك وتفصيل الكلام توجد في كتب القوم. و قوله عليه السلام: «وحدودها»أي نصابها.
4- ذلك أنّهم خالفوا في كثير منها كإبداعهم في الوضوء مسح الاذنين وغسل الرجلين والمسح على العمامة والخفين وانتقاضه بملامسة النساء ومس الذكر وأكل ما مسته النار وغير ذلك ممّا لا ينقضه وكإبداعهم الوضوء مع غسل الجنابة واسقاط الغسل في التقاء الختانين من غير انزال واسقاطهم من الأذان «حي على خير العمل»وزيادتهم فيه «الصلاة خير من النوم»وتقديمهم التسليم على التشهّد الأوّل في الصلاة مع أن الفرض من وضعه التحليل منها وابداعهم وضع اليمين على الشمال فيها وحملهم الناس على الجماعة في النافلة و على صلاة الضحى وغير ذلك. (فى). راجع اثبات كلّ ذلك كتاب الشافي للسيّد المرتضى رحمه الله وكتاب النص والاجتهاد للعلاّمة العاملي.
5- نجران - بالفتح ثمّ السكون وآخره نون - وهو في عدّة مواضع: منها نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكّة وبها كان خبر الاخدود وإليها تنسب كعبة نجران وكانت ربيعة بها أساقفة مقيمون منهم السيّد والعاقب اللذين جاءا إلى النبيّ صلى الله عليه وآله في أصحابهما ودعاهم إلى المباهلة وبقوا بها حتّى أجلاهم عمر ونجران أيضاً موضع على يومين من الكوفة - إلى آخر ما قاله الحموي في مراصد الاطّلاع: 3/1359 - وفي كيفيّة اجلاء عمر إيّاهم وسببه راجع فتوح البلدان للبلاذري: 70-75.

وَرَدَدْتُ سَبَايَا فَارِسَ وَسَائِرِ الْأُمَمِ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله إِذاً لَتَفَرَّقُوا عَنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ أَمَرْتُ النَّاسَ أَنْ لا يَجْتَمِعُوا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلّا فِي فَرِيضَةٍ وَأَعْلَمْتُهُمْ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ فِي النَّوَافِلِ بِدْعَةٌ فَتَنَادَى بَعْضُ أَهْلِ عَسْكَرِي مِمَّنْ يُقَاتِلُ مَعِي يَا أَهْلَ الْإِسْلامِ غُيِّرَتْ سُنَّةُ عُمَرَ يَنْهَانَا عَنِ الصَّلاةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تَطَوُّعاً وَلَقَدْ خِفْتُ أَنْ يَثُورُوا فِي نَاحِيَةِ جَانِبِ عَسْكَرِي(1)مَا لَقِيتُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْفُرْقَةِ وَطَاعَةِ أَئِمَّةِ الضَّلالَةِ وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ وَأَعْطَيْتُ(2)مِنْ ذَلِكَ سَهْمَ ذِي الْقُرْبَى الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ»(3)فَنَحْنُ وَاللَّهِ عَنَى بِذِي الْقُرْبَى الَّذِي قَرَنَنَا اللَّهُ بِنَفْسِهِ وَبِرَسُولِه ِ صلى الله عليه وآله(4)فَقَالَ تَعَالَى: «فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ»فِينَا خَاصَّةً «كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ»فِي ظُلْمِ آلِ مُحَمَّدٍ «إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ»(5)لِمَنْ ظَلَمَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ لَنَا وَغِنًى أَغْنَانَا اللَّهُ بِهِ وَوَصَّى بِهِ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وآله وَلَمْ يَجْعَلْ لَنَا فِي سَهْمِ الصَّدَقَةِ نَصِيباً أَكْرَمَ اللهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وآله وَأَكْرَمَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ أَنْ يُطْعِمَنَا مِنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ فَكَذَّبُوا اللَّهَ وَكَذَّبُوا رَسُولَهُ وَجَحَدُوا كِتَابَ اللَّهِ النَّاطِقَ بِحَقِّنَا وَمَنَعُونَا فَرْضاً فَرَضَهُ اللَّهُ لَنَا، مَا لَقِيَ أَهْلُ

ص: 406


1- يثوروا أىِ يهيجوا. وقوله: «ما لقيت من هذه الأُمّة»كلام مستأنف للتعجّب.
2- رجوع إلى الكلام السابق ولعلّ التأخير من الرواة. (آت).
3- سورة الأنفال: 41. وصدر الآية: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُممِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ للَّهِ ِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ...»إلخ.
4- لأن سهمهم دائم قائم لهم إلى يوم القيامة كما كان للَّه ولرسوله وأمّا اليتيم إذا انقطع يتمه ليس له سهم وكذلك أخويه.
5- الحشر: 7. وصدر الآية: «مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ...»إلخ.

بَيْتِ نَبِيٍّ مِنْ أُمَّتِهِ مَا لَقِينَا بَعْدَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وآله وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ(1).

إلى هنا انتهى الجزء الخامس وأسأل اللَّه أن يوفّقني بمنّه لإتمام هذا الشرح انّه سميع الدعاء قريب مجيب

الحمدالله رَبِّ الْعَالَمِينَ

وَ صَلَّی اللَّهُ عَلَی سَيِّدِنا محمد و علی آله الطیبین الطاهرین

و اللَّعْنِ الدَّائِمِ عَلِيِّ أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ الی یوم الدین

ص: 407


1- الكافي: 8/58، ح 21.

مصادر الكتاب

القرآن الکریم

1 - إثباة الهداة بالنصوص والمعجزات: محمّد بن حسن، الشيخ حرّ العاملى، (المتوفى 1104 ق)، 5 مجلد، الأعلمي، بيروت، الأولى 1425.

2 - الاحتجاج على اهل اللجاج: ابو منصور احمد بن على بن ابى طالب طبرسى، 2 مجلد، مترجم: بهراد جعفرى، دار الكتب الاسلامية، طهران 1387 ش.

3 - الاحتجاج على أهل اللجاج: احمد بن على، طبرسى، (المتوفى 588ق)، 2 مجلد، مصحح: محمد باقر خرسان، نشر مرتضى، مشهد، الأولى 1403ق.

4 - الأخبار الطوال: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفى 276ق)، دار إحياء الكتب العربي، القاهرة، الطبعة الأولى 1960م.

5 - أخبار مكّة وما جاء فيها من الآثار: محمّد بن عبداللَّه الأزرقي، (المتوفى نحو 250ق)، انتشارات الشريف الرضي، قم، الأولى 1411ق 1369ش.

6- الارشاد في معرفة حجج اللَّه على العباد: محمّد بن محمّد المفيد، (المتوفّى 413ق)، المصحّح: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، المؤتمر للشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.

ص: 408

7 - ارشاد القلوب الى الصواب للديلمى: حسن بن محمد ديلمى، (المتوفى 841ق)، 2 مجلد، الشريف الرضى، قم، الأولى 1412ق.

8 - الاستيعاب: ابن عبدالبر، القرن الخامس، تحقيق: علي محمّد البجاوى، بيروت، دار الجيل، الأولى 1412ق، 1992م.

9 - اسد الغابة: ابن الأثير، (المتوفّى 630ق)، دار الكتاب العربي بيروت، لبنان، توضيحات: نشر إسماعيليان، طهران.

10 - الاصابة: أحمد بن علي بن حجر العسقلانى، (المتوفى 852ق): تحقيق: عادل أحمد، 8 مجلد، دار الكتب العلميّة، بيروت، الأولى 1415ق 1995م.

11 - الاصول الستة عشر: مصحح: ضياءالدين محمودى ونعمت اللَّه جليلى ومهدى غلامعلى، مؤسسة دار الحديث الثقافية، قم، الأولى 1423ق.

12 - اعلام الدين فى صفات المؤمنين: حسن بن محمد ديلمى، (المتوفى 841ق)، 1 مجلد، الناشر والمصحح: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1408ق.

13 - اعلام الورى باعلام الهدى (ط القديمة): فضل بن حسن طبرسى، (المتوفى 548ق)، 1 مجلد، اسلامية، تهران، الثالثة 1390ق.

14 - الأغاني: ابن الفرج الاصفهاني، (المتوفّى 356)، 25 جلد، دار إحياء التراث العربي.

15 - اقبال الاعمال (ط - القديمة): ابن طاووس، على بن موسى، (المتوفى 664ق)، 2 مجلد، دار الكتب الاسلامية، طهران، الثانية 1409ق.

16 - الأمالي (للصدوق): محمد بن على بن بابويه، (المتوفى 381ق)، الأعلمى بيروت، الخامسة 1400ق - 1362ش.

ص: 409

17 - الأمالي (للطوسي): محمد بن الحسن طوسى، (المتوفى 460ق)، 1 مجلد، دار الثقافه، قم، الأولى 1414ق.

18 - الأمالي (للمرتضى): على بن حسين، علم الهدى، (المتوفى 436ق)، 2 مجلد، مصحح: محمد ابوالفضل، ابراهيم، دار الفكر العربى، قاهره، الأولى 1988م.

19 - الأمالي (للمفيد): محمد بن محمد، مفيد، (المتوفى 413ق)، 1 مجلد، مصحح: حسين استاد ولى وعلى اكبر غفارى، مؤتمر الشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.

20 - الامامة والسياسة: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفّى 276ق)، تحقيق: الزيني، مؤسّسة الحلبى وشركاه للنشر والتوزيع.

21 - الأمثال والحكم المستخرجة من نهج البلاغة: محمّد غروي، معاصر، 1 مجلد، مؤسسة النشر الاسلامى، قم 1365.

22 - الأنساب: السمعاني، (المتوفى 562ق)، دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع، 5 مجلد، بيروت، لبنان، الأولى 1408ق.

23 - أنساب الأشراف: أحمد بن يحيى بن جابر البلاذرى، (المتوفى 279ق)، تحقيق: سهيل زكار، رياض، زركلى، 13 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الأولى.

24 - اوائل المقالات: الشيخ المفيد، (المتوفى 413ق)، دار المفيد للطباعة والنشر والتوريع، بيروت، لبنان، الثانية 1414ق 1993.

25 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار: محمّد باقر بن محمّد تقى مجلسى، (المتوفى 1110ق)، 111 مجلد، دار احياء التراث العربي، الثانية 1403ق.

ص: 410

26 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى: عماد الدين أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبرى الآملي، (المتوفى 553ق)، 1 مجلد، المكتبة الحيدرية، نجف الأشرف، الثانية 1383ق.

27 - بصائر الدرجات في فضائل آل محمد عليهم السلام: محمد بن حسن صفار، (المتوفى 290ق)، مصحح: محسن بن عباسعلي كوچه باغي، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي، قم، الثانية 1404ق.

28 - بلاغات النساء: ابن طيفور، (المتوفى 380ق)، مكتبة بصيرتي، قمّ المقدّسة.

29 - البلدان: أحمد بن محمّد الهمذاني (ابن الفقيه الهمذاني)، (المتوفى 340ق)، عالم الكتب للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الأولى 1416/1996م.

30 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: محمّد تقي الشيخ الشوشتري، (المتوفى 1415ق - 1374ش)، مؤسّسة نشر أمير كبير، الأولى 1376 شمسى.

31 - تاج العروس من جواهر القاموس: محمّد مرتضى حسينى زبيدى، (المتوى 1205ق)، تحقيق: على هلالى وسيرى على، 20 مجلد، دار الفكر، بيروت، الأولى 1414ق.

32 - تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، (المتوفى 463ق)، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1417ق - 1997 م.

33 - تاريخ الكوفة: السيد حسين البراقى نجفى، (المتوفى 1332)، انتشارات المكتبة الحيدرية، الأولى.

ص: 411

34 - تاريخ الطبرى: محمد بن جرير الطبري، 6 مجلد، (المتوفى 310ق)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.

35 - تاريخ مدينة دمشق: ابن عساكر، (المتوفى 571ق)، 70 مجلد، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، مطبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، چاپ 1415ق.

36 - تاريخ يعقوبى: أحمد بن أبى يعقوب المعروف باليعقوبى، (المتوفى بعد 292)، بيروت، دار صادر، بى تا.

37 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: علي الاسترآبادي، (المتوفى 940ق)، مصحح: حسين استاد ولي، مؤسسة النشر الاسلامى، قم، الأولى 1409ق.

38 - تحف العقول: حسن بن علي، ابن شعبة الحرّاني، (المتوفى قرن 4)، 1 مجلد، مصحح: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الثانية 1404ق - 1363ش.

39 - التذكرة الحمدونيّة: ابن حمدون، (المتوفى 562ق) 10 مجلد، تحقيق: احسان عبّاس، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، الأولى 1996م.

40 - تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: تميمى آمدي، عبدالواحد بن محمد، (المتوفى 550ق)، 1 مجلد، دفتر تبليغات، ايران، قم، الأوّل 1366ش.

41- تفسير الرازي: فخرالدين الرازي، (المتوفى 606ق)، 32 مجلد، مكتبة أهل البيت عليهم السلام.

42 - تفسير الصافي: محمّد بن شاه مرتضى فيض كاشاني، (المتوفى 1091ق)، مكتبة الصدر، طهران، الثانية 1415ق.

ص: 412

43 - تفسير العياشي: محمّد بن مسعود العياشي، (المتوفى 320ق)، 2 مجلد، مصحح: السيّد هاشم رسولى المحلّاتى، المطبعة العلمية، طهران، الأولى 1380 ق.

44 - تفسير القمي: علي بن ابراهيم القمي، (المتوفى القرن 3 الهجري)، مصحح: السيّد طيّب موسوى الجزائري، 2 مجلد، دار الكتاب، قم، الثالثة 1404ق.

45 - التفسير المنسوب الى الامام الحسن العسكري عليه السلام: الشهادة 260 ق)، 1 مجلد، مصحح: مدرسة الإمام المهدي عليه السلام، قم، الأولى 1409ق.

46- تقريب المعارف: تقى بن نجم، ابو الصلاح الحلبى، (المتوفى 447ق)، مصحح: تبريزيان (الحسون)، 1 مجلد، الهادى، قم، الاولى 1404ق.

47 - التمحيص: ابن همام اسكافى، (المتوفى 336ق)، مدرسة الامام المهدى عليه السلام، قم، الأولى 1404ق.

48 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام: ورام بن أبي فراس، مسعود بن عيسى، (المتوفى 605ق)، 2 مجلد، مكتبة الفقيه، قم، الأولى 1410ق.

49 - التنبيه والاشراف: المسعودي، (المتوفى 346ق)، دار صعب، بيروت - لبنان.

50 - تنزيه الأنبياء عليهم السلام: علم الهدى، علي بن حسين، (المتوفى 436ق)، 1 مجلد، دار الشريف الرضي، قم، الأولى 1377ش.

51 - التوحيد (للصدوق): محمّد بن علي، ابن بابويه، (المتوفى 381ق)، 1 مجلد، مصحح: هاشم الحسيني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1398ق.

52 - توحيد المفضل: مفضل بن عمر، (المتوفى 148ق)، 1 مجلد، داورى، ايران، قم، الثالثة، بى تا.

ص: 413

53 - تهذيب الأحكام: محمد بن الحسن، طوسى، (المتوفى 460ق)، 10 مجلد، مصحح: حسن الموسوى خرسان، دار الكتب الاسلامية، تهران، الرابعة 1407ق.

54 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: محمد بن علي الصدوق، ابن بابويه، (المتوفى 381ق)، دار الشريف الرضي للنشر، قم، الثانية 1406ق.

55 - جامع الأخبار (للشعيرى): محمد بن محمد شعيرى، (المتوفى القرن 6)، مطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، الأولى.

56 - جامع السعادات: ملا محمد مهدى النراقي، (المتوفى 1209ق)، 3 مجلد، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف.

57- جمهرة الأمثال: أبو هلال الحسن بن عبداللَّه العسكري، (المتوفى نحو 395ق)، 2 مجلد، دار الفكر، بيروت.

58 - الجواهر السنية فى الأحاديث القدسيّة: محمّد بن حسن شيخ حرّ العاملي، (المتوفى 1104ق)، 1 مجلد، انتشارات دهقان، طهران، الثالثة 1380ش.

59 - حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة: قطب الدين محمّد بن حسين بيهقي كندري، (قرن 6)، 2 مجلد، بنياد نهج البلاغه، انتشارات عطارد، الأولى 1375ش.

60 - حلية الأولياء: أبو نعيم أحمد بن عبداللَّه الاصبهاني، (المتوفى 430ق)، 10 مجلد، السعادة، بجوار محافظة مصر، 1394ق 1974م.

61 - الحيوان: عمرو بن بحر الشهير بالجاحظ، (المتوفى 255ق)، 7 مجلّد، دار الكتب العلميّة، بيروت، الثانية 1424ق.

ص: 414

62 - الخرائج والجرائح: سعيد بن هبة اللَّه، قطب الدين الراوندي، (المتوفى 573ق)، المصحح والناشر: مؤسسة الامام المهدي عليه السلام، 3 مجلد، قم، الأولى 1409ق.

63 - الخصال: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: على اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1362ش.

64 - خصائص أميرالمؤمنين عليه السلام: النسائى (المتوفى 303ق)، تحقيق: محمد هادى الأمينى، مكتبة نينوى الحديثة، طهران.

65 - ديوان أميرالمؤمنين عليه السلام: ميبدى، حسين بن معين الدين، (المتوفى 911ق)، 1 مجلد، دار نداء الإسلام للنشر، قم، الأوّل 1411ق.

66 - ربيع الأبرار ونصوص الأخبار: الزمخشرى، (المتوفى 538ق)، تحقيق: عبدالأمير مهنا، 5 مجلد، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت، الأولى 1412ق 1992م.

67 - رجال الطوسى: محمد بن حسن الطوسى، (المتوفى 460ق) مصحّح: جواد قيومى اصفهانى، 1 مجلد: مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجامعة المدرسين بقمّ المقدّسة، قم، الثانية 1373ش.

68 - رجال الكشى (مع تعليقات ميرداماد الاسترآبادى): محمّد بن عمر كشى، (المتوفى النصف الأوّل من القرن الرابع)، 2 مجلد، مصحّح: رجائى، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1363ش.

69 - رجال النجاشي: النجاشي، أحمد بن علي (المتوفى 450ق)، 1 مجلد، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرّسين بقم المشرّفة، قم، 1365 ش.

ص: 415

70 - رسائل الشهيد الثاني (ط - ج): الشهيد الثاني، (ش 965ق)، 2 مجلد، مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي، الأولى 1421ق 1379ش.

71 - روضة الواعظين وبصيرة المتعظين: محمّد بن أحمد، فتال النيشابوري، (المتوفى 508ق)، 2 مجلد، النشر الرضي، قم، الأولى 1375ش.

72 - رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين عليه السلام: سيد عليخان بن احمد، الكبير المدني، (المتوفى 1120ق)، 7 مجلد، مصحح: محسن الحسيني الأميني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1409ق.

73 - سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار: الشيخ عبّاس القمي، (المتوفى 1359ق)، الأسوة، قم، الأولى 1414ق.

74 - السقيفة وفدك: الجوهرى، (المتوفى 323ق)، شركة الكتبى للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الثانية 1413ق 1993م.

75 - السيرة النبوية: ابن هشام الحميري، (المتوفى 218ق)، 1 مجلد، تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده، القاهرة، 1383ق - 1963م.

76 - الشافى فى الامامة: الشريف المرتضى، (المتوفى 436ق)، 4 مجلد، مؤسسة اسماعيليان، قم، الثانية 1410ق.

77 - شجرة طوبى: الشيخ محمّد مهدي الحائري، (المتوفى 1369ق)، 2 مجلد، منشورات المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، الخامسة محرّم الحرام 1385.

ص: 416

78 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب: عبدالحي العكري الدمشقي (ابن العماد الحنبلي)، (المتوفى 1089)، دار احياء التراث، بيروت، 8 مجلد.

79 - شرح احقاق الحق: السيّد المرعشي، 33 مجلد، تعليق: السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي، تصحيح: السيّد إبراهيم الميانجي، منشورات مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي، قم.

80 - شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهارعليهم السلام: ابن حيون، نعمان بن محمّد، (المتوفى 363ق)، 3 مجلد، جامعه مدرسين، قم 1409ق.

81 - شرح أصول الكافي (صدرا): محمّد بن ابراهيم، صدرالدين الشيرازي، 4 مجلد (المتوفى 1050ق)، مصحح: محمد الخواجوي، مؤسسة مطالعات وتحقيقات فرهنگى طهران، الأولى 1383ش.

82 - شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): ميثم بن علي بن ميثم البحراني، (قرن 7)، 5 مجلد، مكتبة نشر الكتاب، الثانية 1362 ش.

83 - شرح نهج البلاغة (المجلسي): 3 مجلد، سازمان چاپ وانتشارات وزارت فرهنگ وارشاد اسلامى، الأولى 1366ش.

84 - شرح نهج البلاغة: السيّد عبّاس علي الموسوي، معاصر، 5 مجلد، دار الرسول الأكرم، دار المحجّة البيضاء، بيروت، الأولى 1376.

85 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: عبدالحميد بن هبة اللَّه، ابن أبي الحديد، (المتوفى 656ق)، مصحح: محمد ابوالفضل، ابراهيم، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي، قم، الأولى 1404ق.

ص: 417

86 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: عبيداللَّه بن عبداللَّه الحسكاني، (المتوفى 490 ق)، 2 مجلد، مصحح: محمد باقر المحمودي، التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الاسلامي، مجمع احياء الثقافة الاسلامية، طهران، الأولى 1411ق.

87 - صحيح البخاري: محمّد بن إسماعيل البخاري، (المتوفى 256ق)، 8 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401ق - 1981م.

88 - صحيح مسلم: مسلم النيسابوري، (المتوفى 261ق)، 1 مجلد، دار الفكر، بيروت.

89 - الصحيفة السجادية: امام علي بن الحسين عليه السلام، (الشهادة 94 يا 95ق)، مكتبة نشر الهادي، قم، الأولى 1376ق.

90 - الصراط المستقيم إلى مستحقى التقديم: على بن محمّد عاملى نباطى، (المتوفى 877ق)، 3 مجلد، المكتبة الحيدريّة، الأولى 1384ق.

91 - صفات الشيعة: ابن بابويه، محمد بن على، (المتوفى 381ق)، 1 مجلد، الأعلمي، طهران، الأولى 1362ش.

92 - الطبقات الكبرى: ابن سعد، (المتوفى 230)، 8 مجلد، دار صادر، بيروت.

93 - الطرائف في معرفة مذهب الطوائف: علي بن موسى، ابن طاووس، 2 مجلد، (المتوفى 664ق)، مصحح: على عاشور، خيام، قم، الأولى 1400ق.

94 - عدّة الداعي ونجاح الساعي: احمد بن محمد، ابن فهد حلي، (المتوفى 841ق)، مصحّح: احمد الموحدي القمي، 1 مجلد، دار الكتب الاسلاميّة، الأولى 1407ق.

95 - العقد الفريد: شهاب الدين احمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسى، (المتوفى 328ق)، 8 مجلد، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1404ق.

ص: 418

96 - علل الشرايع: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، 2 مجلّد مكتبة الداوري، قم الأولى 1385ش.

97 - عمدة عيون صحاح الأخبار فى مناقب امام الأبرار: ابن البطريق، (المتوفى 600ق)، مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرفة، جمادي الأولى 1407ق.

98 - عمدة القاري: العتيبي (المتوفى 855ق)، 25 مجلد، بيروت، دار احياء التراث العربي.

99 - عوالى اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية: محمد بن زين الدين، ابن ابي جمهور، (المتوفى: زنده در سال 901ق)، 4 مجلد، مصحح: مجتبى العراقي، دار سيد الشهداء للنشر، قم، الأولى 1405ق.

100 - عيون الأخبار: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفى 276ق)، 3 مجلد، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية، بيروت، الثالثة 1414ق - 2003م.

101 - عيون أخبار الرضا عليه السلام: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: مهدي اللاجوردي، 2 مجلّد، جهان، طهران، الأولى 1378ق.

102 - الغارات: ابراهيم ثقفى، (المتوفى 283ق)، تحقيق: جلال الدين حسينى ارموى، طهران، انجمن آثار ملى، 1353ش.

103 - الغدير: الشيخ الأمينى، (المتوفى 1392ق)، 11 مجلد، دار الكتاب العربى، بيروت، الثالثة 1387ق 1967م.

ص: 419

104 - غرر الحكم ودرر الكلم: عبدالواحد بن محمد تميمي آمدي، (المتوفى 550ق)، 1 مجلد، دار الكتاب الاسلامي، قم، الثانية 1410ق.

105 - الغريب الحديث: الحربي، (المتوفى 285)، 3 مجلد، دار المدينة للطباعة والنشر والتوزيع، جدّة، الأولى 1405.

106- الغيبة: الطوسي محمّد بن الحسن، (المتوفى 460ق)، 1 مجلد، دار المعارف الإسلاميّة، ايران، قم، الأولى 1411ق.

107 - فتوح البلدان: احمد بن يحيى بن جابر (البلاذرى)، (المتوفى 279)، تحقيق: صلاح الدين المنجد، مكتبة النهضة المصريّة، القاهرة، 1956م.

108 - الفصول المختارة: محمّد بن محمّد، المفيد، (المتوفى 413ق)، 1 مجلد، مصحح: علي الميرشريفي، مؤتمر الشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.

109 - الفصول المهمّة في اصول الأئمّة (تكملة الوسائل): شيخ حر عاملى، محمد بن حسن، (المتوفى 1104ق)، 3 مجلد، مؤسسة معارف اسلامى امام رضا عليه السلام، قم، الأولى، 1418ق.

110 - الفضائل: ابن شاذان قمى، ابو الفضل شاذان بن جبرئيل، (المتوفى حدود 600ق)، 1 مجلد، رضى، قم، الثانية 1363ش.

111 - فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام: احمد بن محمّد، ابن عقدة الكوفي، (المتوفى 332ق)، 1 مجلد، دليلنا، ايران، قم، الأولى 1424ق.

112 - الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام: منسوب به على بن موسى امام هشتم عليه السلام، (203ق)، 1 مجلد، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث، الأولى 1406ق.

ص: 420

113- فلاح السائل ونجاح المسائل: ابن طاووس، على بن موسى، (المتوفى 664ق)، 1 مجلد، بوستان كتاب، قم، الأولى 1406ق.

114 - قرب الاسناد (الطبعة الحديثة): عبداللَّه بن جعفر الحميري، نيمه دوم قرن 3ق)، المصحح والناشر: مؤسسه آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1413ق.

115 - قصص الأنبياء (للراوندي): سعيد بن هبة اللَّه، قطب الدين الراوندي، (المتوفى 573ق)، مصحح: غلامرضا العرفانيان اليزدي، مركز پژوهش هاى اسلامى، مشهد، الأولى 1409.

116 - القول المسدد في مسند احمد:: ابن حجر، (المتوفى 852ق)، عالم الكتب، الأولى 1404ق - 1984م.

117 - الكافى: (ط. اسلاميّة) محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني، (المتوفى 329ق)، مصحح: على اكبر الغفاري ومحمد الآخوندي، 8 جلد، دار الكتب الاسلاميّة، طهران، الرابعة 1407ق.

118 - الكامل: عبداللَّه بن عدى الجرجانى، (المتوفى 365ق)، تحقيق: يحيى مختار غزاوى، 7 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الثالثة، محرم 1409ق 1988م.

119 - الكامل في التاريخ: ابن الأثير، (المتوفى 630ق)، 12 مجلد، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، 1386ق - 1966م.

120 - الكامل فى اللغة والأدب: محمد بن يزيد المبرد، (المتوفى 285ق)، محقق: محمد ابوالفضل ابراهيم، 4 مجلد، دار الفكر العربى، قاهرة، الثالثة 1417ق.

ص: 421

121 - كتاب سليم بن قيس: سليم بن قيس الهلالى، (المتوفى 76ق)، مصحح: انصارى زنجانى، محمد خوئينى، 2 مجلد، الهادى، قم، الاولى 1405ق.

122 - كشف الريبة: زين الدين بن على، الشهيد الثانى، (المتوفى 966ق)، 1 مجلد، دار المرتضوى للنشر، بى جا، الثالثة 1390ق.

123 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة (ط. القديمة)، يوسف: على بن عيسى الاربلي، (المتوفى: 692ق)، مصحّح: سيّد هاشم الرسولي المحلاتي، بني هاشمي، 2 مجلد، تبريز، الأولى 1381ق.

124 - كشف اليقين في فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام: علامه حلى، حسن بن يوسف بن مطهر، (المتوفى 726ق)، 1 مجلد، وزارت ارشاد، تهران، الأولى 1411ق.

125- كفاية الأثر في النص على الأئمّة الاثنى عشرعليهم السلام: علي بن محمد، الخزاز الرازي، (المتوفى قرن 4، 1 مجلد، مصحح: عبداللطيف الحسيني الكوهكمري، بيدار، قم، 1401ق.

126 - كمال الدين وتمام النعمة: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: علي اكبر الغفاري، 2 مجلد، الإسلامية، طهران، الثانية 1395ق.

127 - كنز الفوائد: محمد بن علي الكراجكى، (المتوفى 449ق)، 2 مجلد، مصحح: عبداللَّه نعمه، دار الذخائر، قم، الأولى 1410ق.

128 - لسان العرب: محمّد بن المكرّم، ابن منظور، (المتوفى 711ق)، 15 مجلد، مصحح: جمال الدين، الميردامادي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الثالثة 1414ق.

ص: 422

129 - اللهوف: ابن طاووس، علي بن موسى، (المتوفى 664ق)، 1 مجلد، جهان، طهران.

130- المجازات النبويّة: شريف الرضي، محمد بن حسين، (المتوفى 406ق)، 1 مجلد، دار الحديث، قم، الأولى 1422ق 1380ش.

131- مجمع الأمثال: الميدانى، (المتوفى 518ق)، 2 مجلد، المعاونية الثقافية للآستانة الرضوية المقدسة، آذر 1366ش.

132- مجمع البحرين: فخرالدين بن محمد، الطريحي، (المتوفى 1085ق)، 6 مجلد، مصحح: احمد الحسيني الاشكوري، المرتضوي، طهران، الثالثة 1375ش.

133 - مجمع البيان فى تفسير القرآن: فضل بن حسن الطبرسى، (المتوفى 548ق)، 10 مجلد، ناصر خسرو، طهران، الثالثة 1372.

134 - المحاسن: احمد بن محمد بن خالد البرقي، (المتوفى 274ق يا 280ق)، 2 مجلد، مصحح: جلال الدين، المحدث، دار الكتب الاسلامية، قم، الثانية 1371ق.

135 - المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء: الفيض الكاشاني، (المتوفى 1091ق)، 8 مجلد، تحقيق: علي اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الثالثة.

136- مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول: محمّد باقر بن محمد تقى المجلسي، (المتوفى 1110ق)، 26 مجلد، مصحح: السيّد هاشم الرسولي المحلاتي، دار الكتب الاسلامية، طهران، الثانية 1404ق.

137 - مراصد الاطّلاع على أسماء الأمكنة والبقاع: القطيعى البغدادى، (المتوفى 739ق) 3 مجلد، دار الجيل، بيروت، الأولى 1412ق.

ص: 423

138 - مروج الذهب ومعادن الجوهر: المسعودي، (المتوفى 346ق)، منشورات دار الهجره، قم 1404ق - 1363ش - 1984م.

139 - مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها: عريضى، على بن جعفر، (المتوفى 220ق)، 1 مجلد، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى، 1409ق.

140 - مسئلتان في النص على عليّ عليه السلام: الشيخ المفيد، (المتوفى 413ق)، 2 مجلد، دار المفيد، بيروت، لبنان، الثانية 1414ق / 1993م.

141 - مستدرك سفينة البحار: الشيخ علي النمازي الشاهرودي، (المتوفى 1405ق)، 10 مجلد، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، 1419 ق.

142 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: حسين بن محمد تقي، النوري، (المتوفى 1320ق)، 28 مجلد، مصحح ومؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1408ق.

143 - المسترشد في إمامة علي بن أبى طالب عليه السلام: محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي الكبير، (المتوفى 326ق)، 1 مجلد، مصحح: احمد المحمودي، كوشانپور، قم، الأولى 1415ق.

144 - المستطرف في كلّ فنّ مستظرف: الابشيهي، (المتوفى 850ق)، 2 مجلد، دار مكتبة الهلال.

145 - مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد: زين الدين على شهيد الثاني (المتوفى 966ق)، 1 مجلد، قم، بصيرتى، بى تا، الأولى.

146 - مسند أحمد: أحمد بن حنبل، (المتوفى 241ق)، 6 مجلد، دار صادر، بيروت.

ص: 424

147 - مشاهير علماء الأمصار: ابن حبان، (المتوفى 354ق)، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المصورة، الأولى 1411ق.

148 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: طبرسي، علي بن حسن، (المتوفى 600ق)، 1 مجلد، المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، الثانية 1385ق 1344ش.

149 - مصباح الشريعة: منسوب به امام صادق عليه السلام (م 148ق)، الأعلمى، بيروت، الأولى 1400ق.

150 - مصباح المنير: أحمد بن محمّد الفيومي، (المتوفى 770ق)، 2 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر.

151 - معانى الأخبار: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: على اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، الأولى، قم 1403ق.

152 - معجم البلدان: الحموي، (المتوفى 626ق)، 1 مجلد، دار احياء التراث العربي، بيروت - لبنان، 1399ق - 1979م.

153 - معجم ما استعجم: البكري الأندلسي، (المتوفى 487ق)، 4 مجلد، عالم الكتب، بيروت، لبنان، الثالثة 1403ق / 1983م.

154 - مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة: السيّد محمّد تقي النقوي القايني الخراساني، معاصر، 7 مجلد، مكتبة المصطفوى، طهران.

155 - مقاتل الطالبيين: ابو الفرج الاصفهانى، (المتوفى 356ق)، تحقيق: سيد أحمد صقر، بيروت، دار المعرفة، بى تا.

ص: 425

156 - الملل والنحل: الشهرستانى، (المتوفى 548)، تحقيق: محمد سيد كيلانى، 2 مجلد، دار المعرفة، بيروت، لبنان.

157 - مناقب آل أبي طالب عليهم السلام: محمّد بن على بن شهر آشوب المازندراني، (المتوفى 588ق)، 4 مجلد، العلّامة، قم، الأولى 1379ش.

158 - مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام: ابن المغازلي، (المتوفى 483ق)، النشر سبط النبى صلى الله عليه وآله، مطبعة سبحان، الأولى 1426ق - 1384 ش.

159 - مناقب علي بن ابي طالب عليه السلام وما نزل من القرآن في علي عليه السلام: احمد بن موسى بن مردويه الاصفهانى، (المتوفى 410ق)، تحقيق: عبدالرزاق محمد حسين حرز الدين، دار الحديث، الثانية 1424ق 1382 ش.

160 - المناقب: الموفق الخوارزمى، (المتوفى 568ق)، تحقيق: الشيخ مالك محمودى، مؤسسة سيّد الشهداءعليه السلام، مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، ربيع الثانى 1414ق.

161 - منتهى المقال في أحوال الرجال: مازندرانى حائرى، محمد بن اسماعيل، (المتوفى 1216ق)، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، ايران، الأولى 1416ق.

162 - من لا يحضره الفقيه: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: علي اكبر الغفارى، 4 مجلد، مؤسسة النشر الإسلامي، الثانية، قم 1413ق.

163 - منهاج البراعة: الميرزا حبيب اللَّه الهاشمي الخوئي، (المتوفى 1324ق)، 22 مجلد، مصحح: علي العاشور، دار احياء التراث العربى للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الأولى 1429ق - 2008 م.

ص: 426

164 - نسب قريش: مصعب بن عبداللَّه الزبيري، (المتوفى 236ق)، 1 مجلد، دار المعارف، القاهرة، الثالثة.

165 - النهاية في غريب الحديث والأثر: مبارك بن محمد، ابن الأثير الجزري، (المتوفى 606ق)، 5 مجلد، مصحح: محمود محمد الطناحي، اسماعيليان، قم، الرابعة 1367ش.

166 - نهج الحق وكشف الصدق: حسن بن يوسف، العلّامة الحلّي، (المتوفى 726ق)، 1 مجلد، دار الكتاب اللبناني، بيروت، الأولى 1982 م.

167 - وسائل الشيعة: محمد بن حسن، شيخ حر العاملي، (المتوفى 1104ق)، مصحح: مؤسسه آل البيت عليهم السلام، 30 مجلد، الأولى 1409ق.

168 - وقعة صفين: نصر بن مزاحم المنقري، (المتوفى 212ق)، 1 مجلد: مصحح: عبدالسلام محمد، هارون، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى، الأولى 1404ق.

169 - النوادر: راوندى كاشانى، فضل اللَّه بن على، (المتوفى 570ق)، 1 مجلد، دار الكتاب، قم، بى تا.

170 - نهج البلاغة (فيض الإسلام): حاج سيد علينقى فيض الاسلام، انتشارات فيض الاسلام، چاپخانه احمدى، انتشار زمستان 1370.

172 - اليقين: علي بن موسى، ابن طاووس، (المتوفى 664ق)، مصحح: الأنصاري الزنجاني الخوئيني، اسماعيل، دار الكتاب، قم، الأولى 1413.

173 - ينابيع المودة لذوي القربى: القندوزي، (المتوفى 1294ق)، 3 مجلد، تحقيق: سيد على جمال اشرف الحسينى، دار الاسوة للطباعة والنشر، الأولى 1416ق.

ص: 427

المحتويات

الخطبة (36) ومن خطبة له عليه السلام في تخويف أهل النهروان

(5-42)

فَأَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ أَنْ تُصْبِحُوا صَرْعَى بِأَثْنَاءِ هَذَا النَّهَرِ وَبِأَهْضَامِ هَذَا الْغَائِطِ ...5

عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا سُلْطَانٍ مُبِينٍ مَعَكُمْ... 6

قَدْ طَوَّحَتْ بِكُمُ الدَّارُ وَاحْتَبَلَكُمُ الْمِقْدَارُ وَقَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ هَذِهِ الْحُكُومَةِ ...7

فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ المخالفين الْمُنَابِذِينَ حَتَّى صَرَفْتُ رَأْيِي إِلَى هَوَاكُمْ وَأَنْتُمْ... 7

مَعَاشِرُ أَخِفَّاءُ الْهَامِ سُفَهَاءُ الْأَحْلامِ وَلَمْ آتِ لا أَبَا لَكُمْ بُجْراً وَلا أَرَدْتُ لَكُمْ ضُرّاً... 7

تذييلات... 7

الثاني... 11

في كيفيّة قتال الخوارج وبعض احتجاجاته صلوات اللَّه عليه وآله معهم... 18

الثالث...40

ص: 428

37- ومن كلام له عليه السلام يجري مجرى الخطبة وفيه يذكر فضائله عليه السلام قاله بعد وقعة النهروان

(43-91)

فَقُمْتُ بِالْأَمْرِ حِينَ فَشِلُوا... 46

وَتَطَلَّعْتُ حِينَ تَقَبَّعُوا... 47

وَنَطَقْتُ حِينَ تَعْتَعُوا... 50

وَمَضَيْتُ بِنُورِ اللَّهِ حِينَ وَقَفُوا... 54

وَكُنْتُ أَخْفَضَهُمْ صَوْتاً... 56

وَأَعْلاهُمْ فَوْتاً 56...

فَطِرْتُ بِعِنَانِهَا وَاسْتَبْدَدْتُ بِرِهَانِهَا كَالْجَبَلِ لا تُحَرِّكُهُ الْقَوَاصِفُ ...56

وَلا تُزِيلُهُ الْعَوَاصِفُ ...57

لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيَّ مَهْمَزٌ ...58

وَلا لِقَائِلٍ فِيَّ مَغْمَزٌ ...59

الذَّلِيلُ عِنْدِي عَزِيزٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ لَهُ ...59

وَالْقَوِيُّ عِنْدِي ضَعِيفٌ حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُ ...62

رَضِينَا عَنِ اللَّهِ قَضَاءَهُ وَسَلَّمْنَا للَّهِ ِ أَمْرَهُ... 66

أَتَرَانِي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ...68

وَاللَّهِ لَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ فَلا أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ... 70

فَنَظَرْتُ فِي أَمْرِي فَإِذَا طَاعَتِي قَدْ سَبَقَتْ بَيْعَتِي وَإِذَا الْمِيثَاقُ فِي عُنُقِي لِغَيْرِي... 89

ص: 429

38 - ومن خطبة له عليه السلام

(92-103)

ومن خطبة له عليه السلام: وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْحَقَّ ...92

فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا الْيَقِينُ وَدَلِيلُهُمْ سَمْتُ الْهُدَى ...95

وَأَمَّا أَعْدَاءُ اللَّهِ فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا الضَّلالُ وَدَلِيلُهُمُ الْعَمَى ...97

فَمَا يَنْجُو مِنَ الْمَوْتِ مَنْ خَافَهُ... 101

وَلا يُعْطَى الْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّهُ... 102

39 - ومن خطبة له عليه السلام

(104-115)

و من خطبة له عليه السلام: مُنِيتُ بِمَنْ لا يُطِيعُ إِذَا أَمَرْتُ وَلا يُجِيبُ إِذَا دَعَوْتُ... 113

لا أَبَا لَكُمْ مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ رَبَّكُمْ ...113

أَ مَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ وَلا حَمِيَّةَ تُحْمِشُكُمْ 114

40 - ومن كلام له عليه السلام في الخوارج لما سمع قولهم «لا حكم إلّا للَّه» قَالَ عليه السلام

(116-132)

و من كلام له عليه السلام في الخوارج لما سمع قولهم «لا حكم إلّا للَّه»...117

قال عليه السلام: كلمةُ حقٍّ ...118

ص: 430

يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ ...118

نَعَمْ إِنَّهُ لا حُكْمَ إِلّا للَّهِ ِ...120

وَلَكِنَّ هَؤُلاءِ يَقُولُونَ لا إِمْرَةَ إِلّا للَّهِ ِ...120

وَإِنَّهُ لا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ وَيُبَلِّغُ اللَّهُ فِيهَا الْأَجَلَ وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيْ ءُ وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ 123

حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ 129

وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ 129

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ عليه السلام لَمَّا سَمِعَ تَحْكِيمَهُمْ قَالَ حُكْمَ اللَّهِ أَنْتَظِرُ فِيكُمْ 130

وَقَالَ أَمَّا الإِمْرَةُ الْبَرَّةُ فَيَعْمَلُ فِيهَا التَّقِيُّ وَأَمَّا الإِمْرَةُ الْفَاجِرَةُ فَيَتَمَتَّعُ فِيهَا الشَّقِيُّ إِلَى أَنْ تَنْقَطِعَ مُدَّتُهُ وَتُدْرِكَهُ مَنِيَّتُهُ 132

41 - ومن خطبة له عليه السلام

(133-155)

ومن خطبة له عليه السلام: إِنَّ الْوَفَاءَ تَوْأَمُ الصِّدْقِ... 133

وَلا أَعْلَمُ جُنَّةً أَوْقَى مِنْهُ... 145

وَلا مَا يَغْدِرُ مَنْ عَلِمَ كَيْفَ الْمَرْجِعُ... 147

وَلَقَدْ أَصْبَحْنَا فِي زَمَانٍ قَدِ اتَّخَذَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ الْغَدْرَ كَيْساً... 153

ص: 431

وَنَسَبَهُمْ أَهْلُ الْجَهْلِ فِيهِ إِلَى حُسْنِ الْحِيلَةِ مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ قَدْ يَرَى الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِيلَةِ وَدُونَهَا مَانِعٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ فَيَدَعُهَا رَأْيَ عَيْنٍ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَيَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لا حَرِيجَةَ لَهُ فِي الدِّينِ 154

42 - ومن خطبة له عليه السلام

(156-169)

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى... 157

وَطُولُ الْأَمَلِ... 159

وَأَمَّا طُولُ الْأَمَلِ فَيُنْسِي الْآخِرَةَ... 164

أَلا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ وَلَّتْ حَذَّاءَ ...164

أَلا وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ... 165

وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا... 165

فَإِنَّ كُلَّ وَلَدٍ سَيُلْحَقُ بِأَبِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ...165

وَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ وَغَداً حِسَابٌ وَلا عَمَلَ... 166

ص: 432

43 - ومن كلام له عليه السلام وقد أشار عليه أصحابه بالاستعداد للحرب بعد إرساله جرير بن عبد اللَّه البجلي إلى معاوية

(170-238)

و من كلام له عليه السلام وقد أشار عليه أصحابه بالاستعداد للحرب... 170

بعد إرساله جرير بن عبد اللَّه البجلي إلى معاوية ...171

إِنَّ اسْتِعْدَادِي لِحَرْبِ أَهْلِ الشَّامِ وَجَرِيرٌ عِنْدَهُمْ إِغْلاقٌ لِلشَّامِ وَصَرْفٌ لِأَهْلِهِ عَنْ خَيْرٍ إِنْ أَرَادُوهُ ...171

وَلَكِنْ قَدْ وَقَّتُّ لِجَرِيرٍ وَقْتاً لا يُقِيمُ بَعْدَهُ إِلّا مَخْدُوعاً أَوْ عَاصِياً... 178

وَالرَّأْيُ عِنْدِي مَعَ الْأَنَاةِ فَأَرْوِدُوا... 184

وَلا أَكْرَهُ لَكُمُ الإِعْدَادَ ...185

وَلَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هَذَا الْأَمْرِ وَعَيْنَهُ ...185

وَقَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَبَطْنَهُ فَلَمْ أَرَ لِي فِيهِ إِلّا الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ... 185

قَدْ كَانَ عَلَى النَّاسِ وَالٍ أَحْدَثَ أَحْدَاثاً... 215

وَأَوْجَدَ النَّاسَ مَقَالاً فَقَالُوا ثُمَّ نَقَمُوا فَغَيَّرُوا ...233

ص: 433

44 - ومن كلام له عليه السلام لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية، وكان قد ابتاع سبي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين عليه السلام وأعتقهم، فلما طالبه بالمال خاس به وهرب إلى الشام

(239-268)

و من كلام له عليه السلام لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية... 239

وكان قد ابتاع سبي بني ناجية ...241

فلما طالبه بالمال خاس به وهرب إلى الشام... 267

قَبَّحَ اللَّهُ مَصْقَلَةَ فَعَلَ فِعْلَ السَّادَةِ وَفَرَّ فِرَارَ الْعَبِيدِ فَمَا أَنْطَقَ مَادِحَهُ حَتَّى أَسْكَتَهُ وَلا صَدَّقَ وَاصِفَهُ حَتَّى بَكَّتَهُ وَلَوْ أَقَامَ لَأَخَذْنَا مَيْسُورَهُ وَانْتَظَرْنَا بِمَالِهِ وُفُورَهُ ...267

الخطبة (45) ومن خطبة له عليه السلام

(269-289)

ومن خطبة له عليه السلام: الْحَمْدُ للَّهِ ِ غَيْرَ مَقْنُوطٍ مِنْ رَحْمَتِهِ... 269

وَلا مَخْلُوٍّ مِنْ نِعْمَتِهِ... 271

وَلا مَأْيُوسٍ مِنْ مَغْفِرَتِهِ ...271

وَلا مُسْتَنْكَفٍ عَنْ عِبَادَتِهِ... 272

الَّذِي لا تَبْرَحُ مِنْهُ رَحْمَةٌ وَلا تُفْقَدُ لَهُ نِعْمَةٌ... 273

وَالدُّنْيَا دَارٌ مُنِيَ لَهَا الْفَنَاءُ ...274

ص: 434

وَلِأَهْلِهَا مِنْهَا الْجَلاءُ... 274

وَهِيَ حُلْوَةٌ ...275

خَضْرَاءُ... 275

وَقَدْ عَجِلَتْ لِلطَّالِبِ وَالْتَبَسَتْ بِقَلْبِ النَّاظِرِ... 275

وَالْتَبَسَتْ بِقَلْبِ النَّاظِرِ ...276

فَارْتَحِلُوا مِنْهَا بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ الزَّادِ... 277

وَلا تَسْأَلُوا فِيهَا فَوْقَ الْكَفَافِ... 278

وَلا تَطْلُبُوا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنَ الْبَلاغِ... 283

الخطبة (46) ومن كلام له عليه السلام عند عزمه على المسير إلى الشام

(290-301)

و من كلام له عليه السلام عند عزمه على المسير إلى الشام... 290

اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ... 291

اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَأَنْتَ الْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ ...291

وَلا يَجْمَعُهُمَا غَيْرُكَ لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ لا يَكُونُ مُسْتَصْحَباً وَالْمُسْتَصْحَبُ لا يَكُونُ مُسْتَخْلَفاً ...292

ص: 435

الخطبة (47) ومن كلام له عليه السلام في ذكر الكوفة

(303-343)

و من كلام له عليه السلام في ذكر الكوفة: كَأَنِّي بِكِ يَا كُوفَةُ... 302

تُمَدِّينَ مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ ...306

تُعْرَكِينَ بِالنَّوَازِلِ وَتُرْكَبِينَ بِالزَّلازِلِ ...307

إنّي لأحب انّ في قتلك صلاح المصرين وأمر به فضربت رقبته وأنهب ماله ...336

وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ بِكِ جَبَّارٌ سُوءاً إِلّا ابْتَلاهُ اللَّهُ بِشَاغِلٍ وَرَمَاهُ بِقَاتِلٍ... 339

الخطبة (48) ومن خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام

(344-358)

و من خطبة له عليه السلام عند المسير إلى الشام: الْحَمْدُ للَّهِ ِ كُلَّمَا وَقَبَ لَيْلٌ...344

وَغَسَقَ... 344

وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ كُلَّمَا لاحَ نَجْمٌ وَخَفَقَ... 345

وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ غَيْرَ مَفْقُودِ الإِنْعَامِ وَلا مُكَافَإِ الإِفْضَالِ... 348

أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَعَثْتُ مُقَدِّمَتِي... 348

وَأَمَرْتُهُمْ بِلُزُومِ هَذَا الْمِلْطَاطِ... 349

حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرِي... 310

ص: 436

وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَقْطَعَ هَذِهِ النُّطْفَةَ إِلَى شِرْذِمَةٍ مِنْكُمْ مُوَطِّنِينَ أَكْنَافَ دِجْلَةَ فَأُنْهِضَهُمْ مَعَكُمْ إِلَى عَدُوِّكُمْ... 350

وَأَجْعَلَهُمْ مِنْ أَمْدَادِ الْقُوَّةِ لَكُمْ... 351

الخطبة (49) ومن خطبة له عليه السلام

(359-386)

و من خطبة له عليه السلام: الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ الْأَمُوُرِ... 359

وَدَلَّتْ عَلَيْهِ أَعْلامُ الظُّهُورِ...361

وَامْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ الْبَصِيرِ 363

فَلا عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ وَلا قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ... 368

سَبَقَ فِي الْعُلُوِّ فَلاشَيْ ءَ أَعْلَى مِنْهُ وَقَرُبَ فِي الدُّنُوِّ فَلاشَيْ ءَ أَقْرَبُ مِنْهُ... 370

فَلا اسْتِعْلاؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَلا قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِي الْمَكَانِ بِهِ... 370

لَمْ يُطْلِعِ الْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ وَلَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ ...371

فَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلامُ الْوُجُودِ عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي الْجُحُودِ ...374

تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُهُ الْمُشَبِّهُونَ بِهِ وَالْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً... 380

ص: 437

الخطبة (50): ومن كلام له عليه السلام

(387-407)

و من كلام له عليه السلام: إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ... 387

وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ... 388

يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اللَّهِ ...389

وَيَتَوَلَّى عَلَيْهَا رِجَالٌ رِجَالاً عَلَى غَيْرِ دِينِ اللَّهِ ...390

فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ... 390

وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ... 393

وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي... 395

الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ ...395

وَيَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنى...395

المصادر... 408

المحتويات... 428

ص: 438

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.