مصباح السعادة في شرح النهج البلاغة المجلد 4

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الموسوي آل طيب، السيد محمدكاظم، 1331-

عنوان العقد:نهج البلاغة. وصف

Nhjol-Balaghah. Commantries

عنوان واسم المؤلف: مصباح السعادة في شرح النهج البلاغة المجلد 4 [علي بن أبي طالب (علیه السلام)]/ مولف السيد محمدكاظم الموسوي آل طيب.

تفاصيل المنشور: قم: دارالتفسیر، 1440ق.= 1397.

مواصفات المظهر:8ج

ISBN:ج.6 978-964-535-716-8 :

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: عربي.

ملاحظة:ج.6 (چاپ اول: 1442 ق = 1399) (فیپا).

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق -- خطب

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- *Public speaking

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق. -- کلمات قصار

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- Quotations

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغة -- النقد والتعليق

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah -- Criticism and interpretation

المعرف المضاف: علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق . نهج البلاغة. وصف

المعرف المضاف:Ali ibn Abi-talib, Imam I Commantries.. Nahjol - Balaghah

ترتيب الكونجرس: BP38/02/م83 1397

تصنيف ديوي: 297/9515

رقم الببليوغرافيا الوطنية:5402095

معلومات التسجيلة الببليوغرافية: FIPA

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 2

مصباح السعادة في شرح نهج البلاغة السيّد محمّد كاظم الموسوي آل طيّب

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

24 - ومن خطبة له عليه السلام:

اشارة

وَلَعَمْرِي مَا عَلَيَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ وَخَابَطَ الْغَيَّ مِنْ إِدْهَانٍ وَلا إِيهَانٍ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ مِنَ اللَّهِ وَامْضُوا فِي الَّذِي نَهَجَهُ لَكُمْ وَقُومُوا بِمَا عَصَبَهُ بِكُمْ فَعَلِيٌّ ضَامِنٌ لِفَلْجِكُمْ آجِلاً إِنْ لَمْ تُمْنَحُوهُ عَاجِلاً.

يمكن أن يكون قاله عليه السلام لمّا أراد المسير إلى معاوية ابتداء أو ثانياً، ويمكن الاستيناس للأوّل بما عن عبدالرحمن بن عبيد بن أبي الكنود قال: أنّ عليّاًعليه السلام لمّا أراد المسير إلى الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار، فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال: «إِنَّكُمْ مَيَامِينُ الرَّأْيِ، مَرَاجِيحُ الْحِلْمِ، مَقَاوِيلُ بِالْحَقِّ، مُبَارِكُوا الفِعل وَالْأَمْرِ وَقَدْ أَرَدْنَا الْمَسِيرِ إِلَى عَدُوِّنَا وَعَدُوِّكُمْ فَأَشِيرُوا عَلَيْنَا بِرَأْيِكُم.

فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص وقال: أنا بالقوم جد خبير، هم لك ولأشياعك أعداء، وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء، وهم مقاتلوك ومجاهدوك لا يبقون جهدا، مشاحة على الدنيا، وضنّا بما في أيديهم منها، وليس لهم إربة غيرها إلّا ما يخدعون به الجهال من الطلب بدم عثمان.

وقام عمّار وقال له عليه السلام: إن استطعت ألّا تقيم يوما واحدا، فأشخص بنا قبل استعار نار الفجرة، واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة، وادعهم إلى رشدهم.

وقام قيس بن سعد بن عبادة وقال له: انكمش بنا إلى عدونا، ولا تعرج، فواللَّه لجهادهم أحبّ إليّ من جهاد الترك والروم، لإدهانهم في دين اللَّه، واستذلالهم أولياء اللَّه من أصحاب محمّد صلّى اللَّه عليه وآله، من المهاجرين والأنصار

ص: 5

والتابعين بإحسان، فإذا غضبوا على رجل حبسوه، أو ضربوه، أو حرموه، أو سيّروه، وفيئنا لهم حلال، ونحن لهم فيما يزعمون قطين. يعني: رقيق(1).

ويمكن الاستيناس للثاني بما في (خلفاء ابن قتيبة): أنّه عليه السلام لمّا آيس من رجوع الخوارج، رأى أن يدعهم ويمضي بالناس إلى معاوية، فقام خطيبا وقال: أمّا بعد، فانّ من ترك الجهاد، وداهن في أمر اللَّه، كان على شفا هلكة، إلّا أن يتداركه اللَّه برحمته، فاتّقوا اللَّه عباد اللَّه. قاتلوا من حادّ اللَّه وحاول أن يطفى ء نور اللَّه، قاتلوا الخاطئين القائلين لأولياءاللَّه، المحرّفين لدين اللَّه، الذين ليسوا بقرّاء الكتاب، ولا فقهاء في الدين، ولا علماء بالتأويل، ولا لهذا الأمر بأهل في دين، ولا سابقة في الاسلام واللَّه لو ولوا عليكم لعملوا فيكم بعمل كسرى وقيصر(2).

ومن خطبة له عليه السلام: وَلَعَمْرِي مَا عَلَيَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ وَخَابَطَ الْغَيَّ مِنْ إِدْهَانٍ وَلا إِيهَانٍ

قال تعالى لنبيّه صلى الله عليه وآله: «وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ»(3).

ولذلك أوحى اللَّه عزّ وجلّ إلى شعيب النبيّ صلى الله عليه وآله: أَنِّي مُعَذِّبٌ مِنْ قَوْمِكَ مِائَةَ أَلْفٍ أَرْبَعِينَ أَلْفاً مِنْ شِرَارِهِمْ وَسِتِّينَ أَلْفاً مِنْ خِيَارِهِمْ فَقَالَ عليه السلام: يَا رَبِّ هَؤُلاءِ الْأَشْرَارُ فَمَا بَالُ الْأَخْيَارِ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ دَاهَنُوا أَهْلَ الْمَعَاصِي وَلَمْ يَغْضَبُوا لِغَضَبِي(4).

ص: 6


1- وقعة صفّين: 92.
2- الامامة والسياسة (الخلفاء): 1/124.
3- سورة القلم: 9.
4- الكافي: 5/56، ح 1؛ بحار الأنوار: 12/386، ح 12.

فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ

اشارة

أمرعليه السلام بالتقوى تبعاً لقرآن الكريم حيث أمرنا اللَّه تعالى فيه بالتقوى في آيات كثيرة نشير إلى بعض منها:

فمنها قوله تعالى: «الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ»(1).

ومنها قوله تعالى: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ ِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ»(2)

ومنها قوله تعالى: «وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ»(3).

ومنها قوله تعالى: «نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ»(4).

ومنها قوله تعالى: «وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ

ص: 7


1- سورة البقرة: 194.
2- سورة البقرة: 196.
3- سورة البقرة: 203.
4- سورة البقرة: 223.

سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ»(1).

ومنها قوله تعالى: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ»(2).

ومنها قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»(3).

ومنها قوله تعالى: «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»(4).

ومنها قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(5).

ومنها قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ

ص: 8


1- سورة البقرة: 231.
2- سورة البقرة: 233.
3- سورة آل عمران: 102.
4- سورة آل عمران: 123.
5- سورة التوبة: 119.

تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ»(1).

ومنها قوله تعالى: «وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ»(2).

ومنها قوله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللَّهَ»(3).

هذه شرذمة من الآيات الواردة في الأمر بالتقوى وما لم نذكره أكثر ممّا ذكرناه جدّاً.

وأمّا الأخبار فكثيرة قد ذكرنا شطراً منها في شرح قوله عليه السلام: «أَلا وَإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ»، وسبق منّا هناك ما يناسب التقوى الّا انّ الحوالة بأسرها توجب الملالة فلابدّ لنا من الاشارة إلى بعض ما ورد فيها ممّا لم نذكره هناك:

في بيان معنى التقوى لغة وشرعاً ومايترتّب عليه من الثمرات الدنيويّة والأُخرويّة

التقوى في اللغة الاتقاء وهو اتّخاذ الوقاية، وفي العرف هي الاحتراز بطاعة اللَّه عن عقوبته(4).

وقال بعض العلماء: هي بحسب العرف الشرعي تعود إلى خشية الحقّ سبحانه المستلزمة للاعراض عن كلّ ما يوجب الالتفات عنه من متاع الدنيا وزينتها

ص: 9


1- سورة المائدة: 2.
2- سورة المائدة: 88.
3- سورة المائدة: 96.
4- رياض السالكين: 3/385.

وتنحية ما دون وجهه عن جهة القصد(1).

وأنّ الصادق عليه السلام سئل عن تفسير التقوى فقال عليه السلام: «أن لا يَفْقِدُكَ اللَّهُ حَيْثُ أَمَرَكَ وَلا يَرَاكَ حَيْثُ نَهَاك»(2).

وقال بعض العارفين: إنّ خيرات الدنيا والآخرة جمعت تحت لفظة واحدة وهي التقوى انظر إلى ما في القرآن الكريم من ذكرها، فكم علق عليها من خير ووعد لها من ثواب وأضاف إليها من سعادة دنيويّة وكرامة أُخرويّة(3).

وفي عدّة الداعي(4): هي العدة الكافية في قطع الطريق إلى الجنة بل هي الجنة الواقية من متالف الدنيا والآخرة وهي الممدوحة بكل لسان والمشرفة لكل إنسان ولقد شحن بمدحها القرآن وكفاها شرفا قوله تعالى: «وَللَّهِ ِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ» ولو كان في العالم خصلة أصلح للعبد وأجمع للخير وأعظم في القدر وأولى بالإيجال وأنجح للآمال من هذه الخصلة التي هي التقوى لكان اللَّه سبحانه أوحى بها عباده لمكان حكمته ورحمته، فلما أوصى بهذه الخصلة الواحدة جمع الأولين والآخرين واقتصر عليها علم أنها الغاية التي لا يتجاوز عنها ولا مقتصر دونها. والقرآن مشحون بمدحها وعد في مدحها خصالا:

الأول: المدحة والثناء «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ»(5).

ص: 10


1- شرح نهج البلاغة لابن ميثم: 1/299.
2- عدّة الداعي: 303.
3- رياض السالكين: 3/386.
4- عدّة الداعي: 303.
5- سورة آل عمران: 186.

الثاني: الحفظ والتحصين من الأعداء «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً»(1).

الثالث: التأييد والنصر «أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ»(2).

الرابع: إصلاح العمل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ»(3).

الخامس: غفران الذنوب «وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ»(4).

السادس: محبة اللَّه «بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ»(5).

السابع: قبول الاعمال «إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(6).

الثامن: الإكرام «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ»(7).

التاسع: البشارة عند الموت «الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآْخِرَةِ»(8).

العاشر: النجاة من النار «ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا»(9).

ص: 11


1- سورة آل عمران: 120.
2- سورة البقرة: 194.
3- سورة الأحزاب: 70 - 71.
4- سورة آل عمران: 31؛ سورة الأحزاب: 71.
5- سورة آل عمران: 76.
6- سورة المائدة: 27.
7- سورة الحجرات: 13.
8- سورة يونس: 63 - 64.
9- سورة مريم: 72.

الحادي عشر: الخلود في الجنة «أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ»(1).

الثاني عشر: تيسير الحساب «وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ»(2).

الثالث عشر: النجاة من الشدائد والرزق الحلال «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْ ءٍ قَدْراً»(3).

فانظر ما جمعت هذه الخصلة الشريفة من السعادات فلا تنس نصيبك منها

وَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ من اللَّهِ

فرار العبد إلى اللَّه تعالى

اعلم أنّ فرار العبد إلى اللَّه تعالى على مراتب:

فاوليها: الفرار عن بعض آثاره إلى بعض كما يفرك من أثر غضبه إلى أثر رحمته كما قال تعالى حكاية عن المؤمنين في التضرّع إليه: «رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا»(4). فكأنّهم لم يروا إلاّ اللَّه وأفعاله ففرّوا إلى اللَّه من بعضها إلى بعض.

الثانية: أن يفنى العبد عن مشاهدة الأفعال ويترقّى في درجات القرب والمعرفة إلى مصادر الأفعال، وهي الصفات فيفرّ من بعضها إلى بعض كما ورد عن زين العابدين عليه السلام: «اللّهمّ اجْعَلْنِي أُسْوَةَ مَنْ قَدْ أَنْهَضْتَهُ بِتَجَاوُزِكَ عَنْ مَصَارِعِ الْخَاطِئِينَ،

ص: 12


1- سورة آل عمران: 133.
2- سورة الأنعام: 69.
3- سورة الطلاق: 2 - 3.
4- سورة البقرة: 286.

وَخَلَّصْتَهُ بِتَوْفِيقِكَ مِنْ وَرَطَاتِ الْمُجْرِمِينَ، فَأَصْبَحَ طَلِيقَ عَفْوِكَ مِنْ إِسَارِ سُخْطِك»(1) والعفو والسخط صفتان فاستعاذ باحداهما من الأخرى.

الثالثة: أن يترقّى عن مقام الصفات إلى ملاحظة الذات فيفرّ منها إليها كقوله تعالى: «لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ»(2) وكالوارد في الدعاء في القيام إلى الصلاة: منك وبك ولك وإليك(3) أي منك بدء الوجود، وبك قيامه، ولك ملكه، وإليك رجوعه. ثمّ أكّد ذلك بقوله: لا ملجأ ولا منجا ولا مفرّ منك إلّا اليك(4).

وقد جمع الرسول صلى الله عليه وآله هذه المراتب حين أمر بالقرب في قوله تعالى: «وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ»(5) وقال في سجوده: أعوذ بعفوك من عقابك(6) وهو كلام من شاهد فعل اللَّه فاستعاذ ببعض أفعاله من بعض، والعفو كما يراد به صفة العافي كذلك قد يراد به الأثر الحاصل عن صفة ا لعفو في المعفوّ عنه كالخلق والصنع، ثمّ لمّا قرب فغنى عن مشاهدة الأفعال وتترقّى إلى مصادرها وهي الصفات قال: وأعوذ برضاك من سخطك(7) وهما صفتان، ثمّ لمّا رأى ذلك نقصاناً في التوحيد اقترب وترقّى عن مقام مشاهدة الصفات إلى ملاحظة الذات فقال: وأعوذ بك منك(8) وهذا فرار إليه منه مع قطع النظر عن الأفعال والصفات، وهو أوّل مقام الوصول إلى ساحل العزّة.

ص: 13


1- الصحيفة السجّاديّة: 171، د39.
2- سورة التوبة: 118.
3- فقه الرضاعليه السلام: 104؛ من لا يحضره الفقيه: 1/304، ش 916؛ بحار الأنوار: 81/206.
4- نفس المصدر.
5- العلق: 19.
6- اقبال الأعمال (ط - القديمة): 2/702؛ بحار الأنوار: 95/417، ح 14.
7- نفس المصدر.
8- نفس المصدر.

ثمّ للسباحة في لجّة الوصول درجات اخر لا تتناهى. ولذلك لمّا ازداد صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قربا قال: لا احصي ثناء عليك(1) فكان ذلك حذفاً لنفسه عن درجة الاعتبار في ذلك المقام واعترافاً منه بالعجز عن الاحاطة بما له من صفات الجلال ونعوت الكمال، وكان قوله بعد ذلك: أنت كما أثنيت على نفسك(2) كمالا للإخلاص وتجريداً للكمال المطلق(3).

وامضوا في الذي نهجه لكم وقوموا بما عصبة بكم فعليّ ضامن لفلجكم آجلاً إن لم تمنحوه عاجلا

عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري قال: كنا جلوسا عند رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذ أقبل علي بن أبي طالب، فلمّا نظر إليه النبي صلى الله عليه وآله قال: قد أتاكم أخي. ثم التفت إلى الكعبة فقال: ورب هذه البنية إن هذا وشيعته [هم] الفائزون يوم القيامة(4).

ص: 14


1- العدد القويّة لدفع المخاوف اليوميّة: 23؛ بحار الأنوار: 94/228، ح 16.
2- نفس المصدر.
3- شرح نهج البلاغة لابن ميثم: 2/14.
4- شواهد التنزيل (الحاكم الحسكاني): 2/467، ش 1139؛ تذكرة الخواص: 1/274.

بسم اللها لرحمن الرحیم

25 - ومن خطبة له عليه السلام وقد تواترت عليه الأخبار...

اشارة

25 - ومن خطبة له عليه السلام وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد، وقدم عليه عاملاه على اليمن، وهما عبيداللَّه بن عبّاس وسعيد بن نمران لمّا غلب عليهما بسر بن أبي أرطاة، فقام عليه السلام على المنبر ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد، ومخالفتهم له

مَا هِيَ إِلّا الْكُوفَةُ أَقْبِضُهَا وَأَبْسُطُهَا إِنْ لَمْ تَكُونِي إِلّا أَنْتِ تَهُبُّ أَعَاصِيرُكِ فَقَبَّحَكِ اللَّهُ وَتَمَثَّلَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ:

لَعَمْرُ أَبِيكَ الْخَيْرِ يَا عَمْرُو إِنَّنِي

عَلَى وَضَرٍ مِنْ ذَا الإِنَاءِ قَلِيلِ

ثُمَّ قَالَ عليه السلام: أُنْبِئْتُ بُسْراً قَدِ اطَّلَعَ الْيَمَنَ وَإِنِّي وَاللَّهِ لأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ وَبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ فِي الْحَقِّ وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ فِي الْبَاطِلِ وَبِأَدَائِهِمُ الْأَمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وَخِيَانَتِكُمْ وَبِصَلاحِهِمْ فِي بِلادِهِمْ وَفَسَادِكُمْ فَلَوِ ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْبٍ لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلاقَتِهِ اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِي وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرّاً مِنِّي اللَّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ أَمَا وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُمْ أَلْفَ فَارِسٍ مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ.

ص: 15

هُنَالِكَ لَوْ دَعَوْتَ أَتَاكَ مِنْهُمْ * فَوَارِسُ مِثْلُ أَرْمِيَةِ الْحَمِيمِ

ثُمَّ نَزَلَ عليه السلام مِنَ الْمِنْبَرِ.

وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد

نسب معاوية

عن إبراهيم بن محمّد الثقفي عن يوسف بن كليب المسعودي، عن الحسن بن حمّاد الطائي، عن عبد الصمد البارقي، قال: قدم عقيل على عليّ عليه السلام وهو جالس في صحن مسجد الكوفة فقال: السلام عليك يا أميرالمؤمنين ورحمة اللَّه وبركاته قال: وعليك السلام يا أبا يزيد ثمّ التفت إلى الحسن بن عليّ عليه السلام فقال: قم وأنزل عمّك، فذهب به وأنزله وعاد إليه فقال له اشتر له قميصاً جديداً ورداءً جديداً وإزاراً جديداً ونعلاً جديداً فغدا على عليٍ عليه السلام في الثياب فقال: السلام عليك يا أميرالمؤمنين قال: وعليك السلام يا أبا يزيد قال: يا أميرالمُؤمنين ما أراك أصبت من الدنيا شيئا إلّا هذه وإنّي لا ترضى نفسي من خلافتك بما رضيت به لنفسك. فقال: يا أبا يزيد يخرج عطائي فادفعه إليك.

فارتحل عن عليّ إلى معاوية فلمّا سمع به معاوية نصب كراسيّه وأجلس جلسائه فورد عليه فأمر له بمأة ألف درهم فقبضها فقال له معاوية: أخبرني عن العسكرين فقال: مررت بعسكر عليّ بن أبي طالب فاذا ليل كليل النبيّ ونهار كنهار النبيّ إلّا أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ليس في القوم، ومررت بعسكرك فاستقلني قوم من المنافقين ممّن نفر برسول اللَّه ليلة العقبة.

فقال: من هذا الذي عن يمينك يا معاوية؟ قال: هذا عمرو بن العاص قال:

ص: 16

هذا الذي اختصم فيه ستّة نفر فغلب عليه جرارها فمن الآخر؟ قال: الضحّاك بن قيس الفهري قال: أما واللَّه لقد كان أبوه جيّد الأخذ لعسب(1) التيؤس خسيس النفس.

فمن هذا الآخر؟ قال: أبو موسى الأشعري قال: هذا ابن المراقة السراقة.

فلمّا رأى معاوية أنّه قد أغضب جلسائه قال: يا أبا يزيد ما تقول فيّ؟ قال: دع عنك قال: لتقولنّ قال: أتعرف حمامة؟ قال: ومن حمامة؟ قال: أخبرتك، ومضى عقيل فأرسل معاوية إلى النسابة فقال: أخبرني من حمامة؟ قال: اعطني الأمان على نفسي وأهلى فأعطاه قال: حمامة جدّتك وكانت بغيّة في الجاهليّة لها راية تؤتى(2) قال الشيخ: قال أبو بكر بن زنين هي أمُ أمّ أبي سفيان(3).

ومعاوية هو أبو عبدالرحمان معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن اميّة بن عبد شمس بن عبد مناف، وأُمّه هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، وأبو سفيان هو الذي قاد قريشاً في حروبها إلى النبيّ صلى الله عليه وآله(4) وكانت هند تذكر في مكّة بفجور وعهر(5).

وقال الزمخشري: كان معاوية يغرى إلى أربعة: إلى مسافر بن أبي عمرو، وإلى عمارة بن الوليد بن المغيرة، وإلى العبّاس بن عبدالمطلب، وإلى الصبّاح مغنّ كان لعمارة بن الوليد(6).

ص: 17


1- العسب: ضراب الفحل.
2- الغارات (ط - الحديثة): 1/64؛ شرح نهج البلاغة: 2/124؛ بحار الأنوار: 33/199.
3- الغارات (ط - الحديثة): 1/65.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/334.
5- نفس المصدر: 1/336.
6- ربيع الأبرار ونصوص الأخبار (الزمخشري): 4/275.

قال وقد كان أبو سفيان دميما قصيراً وكان الصباح عسيفا(1) لأبي سفيان شابا وسيما فدعته هند إلى نفسها فغشيها.

وقالوا إن عتبة بن أبي سفيان من الصباح أيضاً وقالوا إنّها كرهت أن تدعه في منزلها فخرجت إلى أجياد فوضعته هناك وفي هذا المعنى يقول حسان أيّام المهاجاة بين المسلمين والمشركين في حياة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قبل عام الفتح:

لمن الصبي بجانب البطحا * في الترب ملقى غير ذي مهد

نجلت به بيضاء آنسة * من عبد شمس صلتة الخد(2)

و ولي معاوية اثنتين وأربعين سنة منها اثنتان وعشرون سنة ولي فيها إمارة الشام منذ مات أخوه يزيد بن أبي سفيان بعد خمس سنين من خلافة عمر إلى أن قتل أميرالمؤمنين علي عليه السلام في سنة أربعين ومنها عشرون سنة خليفة إلى أن مات في سنة ستين.

وكان معاوية على أس(3) الدهر مبغضا لعلي عليه السلام شديد الانحراف عنه وكيف لا يبغضه وقد قتل أخاه حنظلة يوم بدر وخاله الوليد بن عتبة وشرك عمه في جده وهو عتبة أو في عمه وهو شيبة على اختلاف الرواية وقتل من بني عمه عبد شمس نفرا كثيرا من أعيانهم وأماثلهم ثم جاءت الطامة الكبرى واقعة عثمان فنسبها كلها إليه بشبهة إمساكه عنه وانضواء كثير من قتلته إليه عليه السلام فتأكدت البغضة وثارت الأحقاد وتذكرت تلك الترات الأولى حتّى أفضى الأمر إلى ما أفضى إليه.

ص: 18


1- عسف فلانا أي استخدمه.
2- ربيع الأبرار: 4/276؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/336.
3- أس الدهر؛ بفتح الهمزة أو ضمها أو كسرها: قدم الدهر ووجهه.

وقد كان معاوية مع عظم قدر علي ع في النفوس واعتراف العرب بشجاعته وأنه البطل الذي لا يقام له يتهدده وعثمان بعد حي بالحرب والمنابذة ويراسله من الشام رسائل خشنة(1).

ثم قال: ومعاوية مطعون في دينه عند شيوخنا يرمى بالزندقة وقد ذكرنا في نقض السفيانية على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ما رواه أصحابنا في كتبهم الكلاميّة عنه من الإلحاد والتعرض لرسول اللَّه ص وما تظاهر به من الجبر والإرجاء ولو لم يكن شي ء من ذلك لكان في محاربته الإمام ما يكفي في فساد حاله لاسيّما على قواعد أصحابنا وكونهم بالكبيرة الواحدة يقطعون على المصير إلى النار والخلود فيها إن لم تكفّرها التوبة(2).

في سنة (39) كان تفريق معاوية جيوشه في أطراف عليّ عليه السلام فوجّه النعمان بن بشير في ألفين إلى عين التمر، وبعث سفيان بن عوف في ستّة آلاف إلى هيت والأنبار والمدائن، ووجّه عبداللَّه بن مسعدة الفزاري في ألف وسبعمائة رجل إلى تيماء، ووجّه الضحّاك بن قيس إلى واقصة والأعراب والثعلبيّة والقطقطانة(3).

وقدم عليه عاملاه على اليمن

الأوّل على صنعاء اليمن، والثاني على جند اليمن وجند أعظم من صنعاء.

ص: 19


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/338.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/340.
3- تاريخ الطبري: 5/133 - 135.

وهما عبيداللَّه بن عبّاس

كان عبيداللَّه أصغر من أخيه عبداللَّه بسنة، استعمله عليّ عليه السلام على اليمن وأمّره على الموسم، فحجّ بالناس سنة ست وثلاثين وسنة سبع وثلاثين، وكان أحد الأجواد وكان يقال: من أراد الجمال والفقه والسخاء فليأت دار العبّاس الجمال للفضل والفقه لعبداللَّه والسخاء لعبيداللَّه(1) وعبيداللَّه هو الذي ترك عسكر الحسن عليه السلام ولحق بمعاوية.

وسعيد بن نمران

كان سعيد من سبعة من أصحاب حجر نجوا من القتل، استشفع له إلى معاوية حمزة بن مالك، لكون كلّ منهما من همدان، فوهبه له.

ولمّا أقبل الأعور الذي بعثه معاوية لقتل حجر وأصحابه، قال كريم بن عفيف الخثعمي حين رأى الأعور مقبلاً: يقتل نصفنا وينجو نصفنا فقال سعدى بن نمران: اللهم اجعلني ممّن ينجو وأنت عنّي راض(2).

وكان سعيد كاتباً لعلي عليه السلام(3).

لمّا غلب عليهما بسر بن أبي أرطاة

وقال ابن عبدالبرّ: بسر بن ارطاة بن أبي أرطاة عويمر بن عمران من عامر بن لؤي(4).

ص: 20


1- الاستيعاب: 3/1009 - 1010.
2- تاريخ الطبري: 5/274.
3- الاستيعاب: 2/626، ش 992.
4- الاستيعاب: 1/157، ش 174.

وذكر ابن الكلبي في (صفينه): أنّ بسراً بارز عليّاًعليه السلام فطعنه عليّ عليه السلام فصرعه فكفّ عنه، كما عرض له عليه السلام مع عمرو بن العاص، قال الحارث بن النضر السهمي:

أفي كل يوم فارس ليس ينتهي * وعورته وسط العجاحة باديه

يكف لها عنه علي سنانه * ويضحك منه في الخلاء معاوية

بدت أمس من عمرو فقنع رأسه * وعورة بسر مثلها حذو حاذيه

فقولا لعمرو ثم بسر ألا انظرا * سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيه

ولا تحمدا الّا الحيا وخصاكما * هما كانتا واللَّه للنفس واقيه(1)

وعن أبي مخنف: لمّا توجّه بسر بن أرطاة إلى اليمن هرب عبيداللَّه، فأتى بسر بابني عبيداللَّه فذبحهما، فنال أُمّهما من ذلك أمر عظيم فأنشأت تقول:

يا من أحسّ بابنيّ اللذين هما * سمعي وعقلي فقلبي اليوم مزدهف

حدثت بسرا وما صدقت ما زعموا * من فعلهم ومن الإثم الذي اقترفوا

أنحى على ودجي ابني مرهفة * مشحوذة وكذاك الإثم يقترف

ثمّ وسوست فكانت تقف في الموسم تنشد هذا الشعر، وتهيم على وجهها(2).

قال الأصمعي: سمع رجل من أهل اليمن - وقد قدم مكّة - امرأة عبيداللَّه تندب ابنيها اللذين قتلهما بسر بن أرطاة بقولها: «يا من أحس...» فرقّ لها واتّصل ببسر حتّى وثق به، ثمّ احتال لقتل ابنيه فخرج بهما إلى وادي أوطاس، فقتلهما وهرب، وقال:

يا بسر بسر بني أرطاة ما طلعت * شمس النهار ولا غابت على الناس

ص: 21


1- الاستيعاب: 1/165؛ وقعة صفين: 461.
2- الاستيعاب: 1/159.

خير من الهاشميين الذين هم * عين الهدى وسمام الأسوق القاس

ماذا أردت إلى طفلي مولّهة * تبكي وتنشد من اثكلت في الناس

إمّا قتلتهما ظلماً فقد شرقت * من صحابيك قناتي يوم أوطاس

فاشرب بكأسهما ثكلى كما شربت * أُمّ الصبيين أو ذاق ابن عبّاس(1)

وكان عليّ عليه السلام حين أتاه خبر قتل بسر ابني عبيداللَّه دعا على بسر فقال: اللهمّ اسلبه دينه وعقله. فخرف حتّى ذهل عقله وكان لا يفارقه السيف، فجعل له سيف من خشب، وجعل في يديه زقّ منفوخ كلّما تخرّق أبدل، فلم يزل يضرب ذلك الزقّ بذلك السيف حتّى مات ذاهل العقل يلعب بخرئه، وربّما كان يتناول ثمّ يقبل على من يراه فيقول: انظروا كيف يطعمني هذان الغلامان ابنا عبيداللَّه. وكان ربّما شدّت يداه إلى وراء منعا من ذلك، فأنجى ذات يوم في مكانه ثمّ أهوى بفيه فتناول منه، فبادروا إلى منعته فقال: أنتم تمنعونني وعبدالرحمن وقثم ابني عبيداللَّه يطعماني. مات في أيّام الوليد بن عبدالملك(2).

وقد كان عبيداللَّه دخل يوماً على معاوية وعنده بسر بن أرطاة، فقال له عبيداللَّه: أنت قاتل الصبيين؟ قال: نعم. قال: واللَّه لوددت أنّ الأرض انبتتني عندك يومئذٍ. فقال له بسر: قد أنبتتك الساعة. فقال عبيداللَّه: ألا سيف فقال: هاك سيفي. فلمّا أهوى عبيداللَّه إلى السيف ليتناوله قبض معاوية على يد عبيداللَّه قبل أن يقبض على السيف، ثمّ أقبل على بسر فقال: أخزاك اللَّه من شيخ كبرت وذهل عقلك، تعمد إلى رجل موتور من بني هاشم فتدفع إليه سيفك إنّك لغافل عن قلوب

ص: 22


1- الأغاني: 16/448، الغارات (ط - القديمة): 2/421 تعليقة 1.
2- مروج الذهب: 3/163.

بني هاشم، واللَّه لو تمكن من السيف لبدأ بي قبلك. قال عبيداللَّه: ذلك واللَّه أردت(1).

ذكر أرباب السير أن الذي هاج معاوية على تسريح بسر إلى اليمن: أنّ قوماً بصنعاء كانوا من شيعة عثمان يعظمون قتله، ولكن لم يكن لهم رأس فبايعوا لعلي عليه السلام على ما في أنفسهم، وعامله عليه السلام على صنعاء يومئذ عبيداللَّه وعلى الجند سعيد بن نمران، فلما اختلف الناس عليه بالعراق، وقتل محمد بن أبي بكر بمصر وكثرت غارات أهل الشام تكلموا ودعوا إلى الطلب بدم عثمان فبلغ ذلك عبيداللَّه فأرسل إلى وجوههم فقال: ما هذا الذي بلغني عنكم؟ قالوا: إنّا لم نزل ننكر قتل عثمان ونرى مجاهدة من سعى عليه فحبسهم فكتبوا إلى من بالجند من أصحابهم، فثاروا بسعيد وأخرجوه من الجند وأظهروا أمرهم، وخرج إليهم من كان بصنعاء وانضم إليهم كلّ من كان على رأيهم، ولحق بهم قوم لم يكونوا على رأيهم لكن أرادوا منع الصدقة، فالتقى عبيداللَّه وسعيد فقال عبيداللَّه لسعيد: لقد اجتمع هؤلاء وإنّهم لنا لمقاربون، وإن قاتلناهم لا ندري على من تكون الدبرة فهلمّ لنكتب إلى أميرالمؤمنين عليه السلام بخبرهم فكتبا ذلك، فكتب عليه السلام إليهما: أتاني كتابكما تذكران خروج هذه الخارجة وتعظّمان من شأنها صغيرا، وتكثّران من عددها قليلا، وقد علمت أنّ نخب أفئدتكما وصغر أنفسكما وعدم ثبات رأيكما وسوء تدبيركما هو الذي أفسد عليكما من لم يكن عليكما فاسدا، وجرّا عليكما من كان عن لقائكما جبانا، فإذا قدم رسولي عليكما فامضيا إلى القوم حتّى تقرءا عليهم كتابي، وتدعواهم إلى حظهم وتقوى ربهم، فإن أجابوا حمدنا اللَّه وقبلناهم، وإن حاربوا

ص: 23


1- مروج الذهب: 3/162؛ الأغاني: 16/448.

استعنا باللَّه عليهم ونابذناهم على سواء، إن اللَّه لا يحب الخائنين.

قالوا: وقال عليه السلام ليزيد بن قيس الأرحبي: ألا ترى إلى ما صنع قومك؟

فقال: إن ظنّي بقومي لحسن في طاعتك، فإن شئت خرجت إليهم فكفيتهم، وإن شئت كتبت إليهم فتنظر ما يجيبونك وكتب عليه السلام إليهم من عبداللَّه علي أميرالمؤمنين إلى من شاقّ وغدر من أهل الجند وصنعاء، أما بعد، فإنّي أحمد اللَّه الذي لا إله الّا هو الذي لا يعقب له حكم، ولا يرد له قضاء ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين، وقد بلغني تجرّيكم وشقاقكم وإعراضكم عن دينكم بعد الطاعة وإعطاء البيعة، فسألت أهل الدين الخالص والورع الصادق واللب الراجح، عن بدء محرككم وما نويتم به وما أحمشكم له، فحدثت عن ذلك بما لم أر لكم في شي ء منه عذرا مبينا، ولا مقالا جميلا، ولا حجة ظاهرة، فإذا أتاكم رسولي فتفرقوا وانصرفوا إلى رحالكم، أعف عنكم وأصفح عن جاهلكم وأحفظ قاصيكم وأعمل فيكم بحكم الكتاب، فإن لم تفعلوا فاستعدوا لعدو من جيش جمّ الفرسان، عظيم الأركان يقصد لمن طغى وعصى فتطحنوا كطحن الرحى، فمن أحسن فلنفسه «وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ»(1).

ووجه الكتاب مع رجل من همدان فقدم عليهم بالكتاب فلم يجيبوه إلى خير، فقال لهم: إنّي تركت أميرالمؤمنين عليه السلام يريد أن يوجّه إليكم يزيد بن قيس الأرحبي في جيش كثيف، فلم يمنعه إلّا انتظار جوابكم فقالوا: نحن سامعون مطيعون إن عزل عنا هذين الرجلين: عبيداللَّه وسعيدا. فرجع الهمداني وأخبره عليه السلام.

قالوا وكتبت تلك العصابة - حين جاءها كتاب علي عليه السلام - إلى معاوية يخبرونه، وكتبوا في كتابهم

ص: 24


1- سورة فصّلت: 46.

معاوي الّا تسرع السير نحونا * نبايع عليا أو يزيد اليمانيا

فلمّا قدم كتابهم دعا بسر بن أبي أرطاة - وكان قاسي القلب فظّا غليظاً سفّاكا للدماء، لا رأفة عنده ولا رحمة - فأمره أن يأخذ طريق الحجاز والمدينة ومكّة حتّى ينتهي إلى اليمن، وقال له: لا تنزل على بلد أهله على طاعة عليّ الّا بسطت عليهم لسانك، حتّى يروا أنّهم لا نجاء لهم وأنك محيط بهم، ثمّ اكفف عنهم وادعهم إلى البيعة لي، فمن أبى فاقتله، واقتل شيعة عليّ حيث كانوا(1).

عن أبي الوداك قال: كنت عند علي عليه السلام حين قدم عليه سعيد بن نمران الكوفة فعتب عليه وعلى عبيداللَّه ألا يكونا قاتلا بسرا فقال سعيد: واللَّه قاتلت ولكنّ ابن عبّاس خذلني وأبى أن يقاتل، ولقد خلوت به حين دنا منّا بسر فقلت: إنّ ابن عمّك لا يرضى منّي ومنك إلّا بالجدّ في قتالهم وما نعذر، قال: لا واللَّه ما لنا بهم طاقة ولا يدان، فقمت في الناس وقلت: يا أهل اليمن من كان في طاعتنا وعلى بيعة أميرالمؤمنين فإليّ إليّ فأجابني منهم عصابة فقاتلت بهم قتالا ضعيفا وتفرق الناس عنّي وانصرفت(2).

عن الكلبي: أنّ بسرا لمّا خرج من المدينة إلى مكّة قتل في طريقه رجالا وأخذ أموالاً، وبلغ أهل مكّة خبره فتنحى عنها عامّة أهلها، وتراضى الناس بشيبة بن عثمان أميرا لمّا خرج قثم بن العباس - عامل عليّ عليه السلام - عنها هارباً فدخل مكة وخطبهم وقال: الحمد للَّه الذي أعزّ دعوتنا وأذل عدوّنا بالقتل والتشريد، هذا ابن أبي طالب بناحية العراق في ضنك وضيق قد ابتلاه اللَّه بخطيئته

ص: 25


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/3.
2- الغارات: 2/619.

وأسلمه بجريرته، فتفرّق عنه أصحابه ناقمين عليه وولي الأمر معاوية الطالب بدم عثمان فبايعوا.

ووجه رجلا من قريش إلى تبالة(1) وبها قوم من شيعة علي عليه السلام، وأمر بقتلهم فأخذهم وكلّم فيهم وقيل له: هؤلاء قومك فكفّ عنهم حتّى نأتيك بكتاب من بسر بأمانهم فحبسهم وخرج منيع(2) الباهلي من عندهم إلى بسر وهو بالطائف يستشفع إليه فيهم، فتحمّل عليه بقوم من الطائف فكلّموه فيهم وسألوه الكتاب بإطلاقهم، فوعدهم ومطلهم بالكتاب حتّى ظن أنّه قد قتلهم القرشي المبعوث لقتلهم، وأنّ كتابه لا يصل إليهم حتّى يقتلوا، ثمّ كتب لهم، فأتى منيع منزله وكان قد نزل على امرأة بالطائف ورحله عندها، فلم يجدها في منزلها فوطأ على ناقته بردائه وركب، فسار يوم الجمعة وليلة السبت لم ينزل عن راحلته قط فأتاهم ضحوة وقد أخرج القوم ليقتلوا واستبطئ كتاب بسر فيهم، فقدّم رجل منهم فضربه شامي فانقطع سيفه، فقال الشاميون بعضهم لبعض: شيموا سيوفكم حتّى تلين فهزوها. وتبصر منيع الباهلي بريق السيوف فألمع بثوبه، فقال القوم: هذا راكب عنده خير فكفوا. وقام به بعيره فنزل عنه وجاء على رجليه يشدو، فدفع الكتاب إليهم فأطلقوا. وكان الرجل المقدّم الذي ضرب بالسيف فانكسر السيف: أخاه(3).

وخرج بسر من الطائف حتّى مرّ ببني كنانة وفيهم ابنا عبيداللَّه بن العباس

ص: 26


1- في مراصد الاطّلاع: «تبالة بالفتح موضع ببلاد اليمن».
2- لم نجد رجلاً بهذا العنوان في كتب الرجال ومن المحتمل أن يكون المراد به منيع بن رقاد [أو زياد] المستشهد مع سيّد الشهداءعليه السلام المعدود من أصحابه في رجال الشيخ رحمه الله فانظر تنقيح المقال وجامع الرواة.
3- الغارات: 2/608.

وأُمّهما وكان عبيداللَّه قد جعل ابنيه عند رجل من بني كنانة فلمّا انتهى بسر إليهما أراد أن يقتلهما فلمّا رأى ذلك الكنانيّ دخل بيته وأخذ السيف وخرج إليه فقال له بسر: ما كنا أردنا قتلك فلم عرّضت نفسك للقتل؟ قال: أقتل دون جاري أعذر لي عند اللَّه والناس. ثم شدّ على أصحاب بسر بالسيف حاسرا وهو يرتجز:

آليت لا يمنع حافات الدار * ولا يموت مصلتا دون الجار

الّا فتى أروع غير غدار

فضارب بسيفه حتّى قتل، ثم قدمّ الغلامان فقتلا، فخرج نسوة من بني كنانة فقالت امرأة منهن: هذه الرجال تقتلها، فما بال الولدان فواللَّه ما كانوا يقتلون في جاهلية ولا إسلام، واللَّه إنّ سلطانا لا يشتدّ إلّا بقتل الضرع الضعيف والشيخ الكبير، ورفع الرحمة وقطع الأرحام، لسلطان سوء. فقال بسر: واللَّه لهممت أن أضع فيكن السيف. قالت: واللَّه إنه لأحبّ إليّ إن فعلته(1).

وأتى نجران فقتل عبداللَّه بن عبد المدان وكان صهراً لعبيداللَّه بن العبّاس، وقتل ابنه مالكا ثم جمعهم وقام فيهم وقال: يا أهل نجران يا معشر النصارى وإخوان القرود أما واللَّه إن بلغني عنكم ما أكره، لأعودنّ عليكم بالتي تقطع النسل وتهلك الحرث وتخرب الديار.

ثم سار حتّى أتى (بلغ) أرحب فقتل أبا كرب وكان يتشيع، ويقال: إنّه سيّد من كان بالبادية من همدان، فقدّمه فقتله.

وأتى صنعاء وقد خرج عنها عبيداللَّه واستخلف عليها عمرو بن أراكة الثقفي، فمنع بسرا من دخولها وقاتله، فقتله بسر ودخل فقتل منها قوما، وأتاه وفد مأرب

ص: 27


1- الغارات: 2/614.

فقتلهم، فلم ينج منهم إلّا رجل واحد ورجع إلى قومه وقال: «أنعى قتلانا شيوخا وشبانا»(1).

ثمّ خرج من صنعاء فأتى حبسان - وهم شيعة عليّ عليه السلام - فقاتلهم وقاتلوه فهزمهم وقتلهم قتلا ذريعا.

ثمّ رجع إلى صنعاء فقتل بها مائة شيخ من أبناء فارس، لأنّ ابني عبيداللَّه كانا مستترين في بيت امرأة من أبناء فارس تعرف بابنة بزرج(2).

وكان الذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفا، وحرق قوماً بالنار(3).

ذكر أبو عمرو الشيباني أنّ بسراً في هذه الخرجة أغار على همدان وقتل وسبي نساءهم، فكن أوّل مسلمات سبين في الإسلام(4).

وعن أبي الرباب وصاحب له: أنّهما سمعا أبا ذر يتعوّذ في صلاة صلّاها، فسألناه مم تعوذت؟ فقال: من يوم البلاء ويوم العورة - إلى أن قال - وأمّا يوم العورة فإنّ نساء من المسلمات يسبين فيكشف عن سوقهن، فأيتهنّ كانت أعظم ساقاً اشتريت على عظم ساقها، فدعوت اللَّه ألّا يدركني هذا الزمان، ولعلّكما تدركانه. قالا: فقتل عثمان ثمّ أرسل معاوية بسراً إلى اليمن، فسبى نساء من المسلمات فأقمن في السوق(5).

وممّا كان في سنة أربعين توجيه معاوية بسرا في ثلاثة آلاف من المقاتلة إلى

ص: 28


1- الغارات: 2/616.
2- الغارات: 2/620.
3- الغارات: 2/639.
4- الاستيعاب: 1/161.
5- الاستيعاب: 1/161.

الحجاز فذكر عن زياد البكائي عن عوانة قال: أرسل معاوية بعد تحكيم الحكمين بسرا - وهو رجل من بني عامر بن لؤي - في جيش فسار حتّى قدم المدينة، وعامل عليّ عليه السلام على المدينة يومئذٍ أبو أيّوب ففرّ وأتى الكوفة، فصعد بسر منبر المدينة ونادى: يا دينار يا نجار يا زريق شيخي شيخي عهدي به بالأمس فأين هو - يعني عثمان -.

ثم: قال: يا أهل المدينة لو لا ما عهد إليّ معاوية ما تركت بها محتلما إلّا قتلته. ثمّ بايع أهل المدينة، وأرسل إلى بني سلمة فقال: ما لكم عندي أمان حتّى تأتوني بجابر بن عبداللَّه. فانطلق جابر إلى أُمّ سلمة وقال لها: ماذاترين، خشيت أن اقتل وهذه بيعة ضلالة قالت: أرى أن تبايع. فإنّي قد أمرت ابني عمر بن أبي سلمة أن يبايع، وأمرت ختني عبداللَّه بن زمعة أن يبايع. فأتاه جابر فبايعه، وهدم بسر دوراً بالمدينة ثمّ مضى حتّى أتى مكّة - إلى أن قال - ولقى بسر ثقل عبيداللَّه باليمن فذبح ابنيه، وقيل: وجدهما عند رجل من بني كنانة من أهل البادية، فلمّا أراد قتلهما قال الكناني: إن كنت قاتلهما فاقتلني معهما.

قال: أفعل. فبدأ به ثمّ بهما، وقيل: إنّ الكناني قاتل عنهما حتّى قتل.

وقتل في مسيره ذلك جماعة كثيرة من شيعة عليّ عليه السلام باليمن وبلغ عليّاًعليه السلام خبر بسر فوجّه جارية بن قدامة في ألفين، ووهب بن مسعود في ألفين، فسار جارية حتّى أتى نجران فحرق بها وأخذ ناساً من شيعة عثمان فقتلهم، وهرب بسر وأصحابه منه واتبعهم حتّى بلغ مكّة، فقال لهم: بايعونا.

فقالوا: قد هلك أميرالمؤمنين فلمن نبايع؟(1)

ص: 29


1- تاريخ الطبري: 5/139.

ومضى بسر من المدينة إلى مكّة فقتل نفراً من آل أبي لهب، ثمّ أتى السراة فقتل من بها من أصحابه، وأتى نجران فقتل عبداللَّه بن عبدالمدان الحارثي وابنه، وكانا من أصهار عبيداللَّه بن عبّاس(1) - إلى أن قال - فسرّح عليّ عليه السلام جارية بن قدامة السعدي في طلبه فخرج مسرعاً، فلمّا وصل المدينة انتهى إليه قتل عليّ عليه السلام ومعه الحسن عليه السلام، فركب في السلاح ودعا أهل المدينة إلى البيعة للحسن عليه السلام فامتنعوا، فقال: واللَّه لتبايعنّ ولو باستاهكم.

فلمّا رأى أهل المدينة ذلك بايعوا الحسن عليه السلام - الخبر(2).

قال الكلبي وأبو مخنف: ولمّا تثاقل أصحابه عن الخروج في أثر بسر بن ارطاة فأجابه إلى ذلك جارية بن قدامة السعدي فبعثه في ألفين فشخص إلى البصرة ثمّ أخذ طريق الحجاز حتّى قدم اليمن وسأل عن بسر فقيل: أخذ في بلاد بني تميم فقال: خذ في ديار قوم يمنعون أنفسهم.

وبلغ بسرا مسير جارية فانحدر إلى اليمامة وأغذ جارية بن قدامة السير ما يلتفت إلى مدينة مرّ بها ولا أهل حصن ولا يعرج على شي ء إلاّ أن يرمل بعض أصحابه من الزاد فيأمر أصحابه بمواساته أو يسقط بعير رجل أو تحفى دابته فيأمر أصحابه بأن يعقّبوه حتّى انتهوا إلى أرض اليمن فهربت شيعة عثمان حتّى لحقوا بالجبال واتبعهم شيعة عليّ وتداعت عليهم من كلّ جانب وأصابوا منهم وصمد نحو بسر وبسر بين يديه يفرّ من جهة إلى جهة أخرى حتّى أخرجه من أعمال عليّ عليه السلام كلّها. فلمّا فعل به ذلك أقام جارية بحرس نحوا من شهر حتّى استراح

ص: 30


1- الأغاني: 16/444.
2- الأغاني: 16/447.

وأراح أصحابه ووثب الناس ببسر في طريقه لمّا انصرف من بين يدي جارية لسوء سيرته وفظاظته وظلمه وغشمه وأصاب بنو تميم ثقلا من ثقله في بلاده.

فلمّا وصل بسر معاوية قال: أحمد اللَّه يا أميرالمؤمنين إنّي سرت في هذا الجيش أقتل عدوك ذاهبا جائيا لم ينكب رجل منهم نكبة فقال معاوية: اللَّه قد فعل ذلك لا أنت.

وكان الذي قتل بسر في وجهه ذلك ثلاثين ألفا وحرق قوما بالنار(1).

روى أنّه دعا علي عليه السلام على بسر فقال: اللّهمّ إنّ بسرا باع دينه بالدنيا وانتهك محارمك وكانت طاعة مخلوق فاجر آثر عنده ممّا عندك اللّهمّ فلا تمته حتّى تسلبه عقله ولا توجب له رحمتك ولا ساعة من نهار، اللّهمّ العن بسرا وعمروا ومعاوية وليحلّ عليهم غضبك ولتنزل بهم نقمتك وليصبهم بأسك ورجزك لا تردّه عن القوم المجرمين.

فلم يلبث بسر بعد ذلك إلّا يسيرا حتّى وسوس وذهب عقله فكان يهذي بالسيف ويقول أعطوني سيفا أقتل به لا يزال يردّد ذلك حتّى اتّخذ له سيف من خشب وكانوا يدنون منه المرفقة فلا يزال يضربها حتّى يغشى عليه فلبث كذلك إلى أن مات(2) عليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين.

وفي المروج: مات ذاهل العقل يلعب بخرئه وربما كان يتناول منه ثمّ يقبل على من يراه فيقول: انظروا كيف يطعمني هذان الغلامان ابنا عبيداللَّه؟ وكان ربما شدت يداه إلى وراء منعاً من ذلك، فأنجى ذات يوم في مكانه، ثمّ أهوى بفيه فتناول منه:

ص: 31


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/16؛ بحار الأنوار: 34/10.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد: 2/18 ، بحار الأنوار : 34/11.

فبادروا إلى منعه، فقال: أنتم تمنعونني وعبدالرحمن وقثم يطعمانني(1).

فقام عليه السلام على المنبر ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد، ومخالفتهم له في الرأي

عن يزيد بن جابر الأزدي قال: سمعت عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري يحدث في خلافة عبدالملك قال: لمّا دخلت سنة أربعين تحدّث الناس بالشام أن عليا يستنفر الناس بالعراق فلا ينفرون، وتذاكروا أن قد اختلفت أهواؤهم ووقعت الفرقة بينهم، فقمت في نفر من أهل الشام إلى الوليد بن عقبة فقلنا له: إن الناس لا يشكّون في اختلاف الناس على عليّ بالعراق، فادخل إلى صاحبك فمره فليسر بنا إليهم قبل أن يجتمعوا بعد تفرقهم، أو يصلح لصاحبهم ما قد فسد عليه من أمره. فقال: لقد قاولته في ذلك وراجعته حتّى لقد برم بي، وايم اللَّه على ذلك ما أدع أن أبلغه ما مشيتم إلي فيه.

فدخل عليه فخبّره بمجيئنا إليه ومقالتنا له، فأذن لنا فدخلنا عليه فقلنا: هذا خبر في الناس سائر فشمّر واهتبل الفرصة، فإنّك لا تدري متى تقدر على عدوك.

فقال: إن هؤلاء الذين تذكرون تفرّقهم على صاحبهم واختلاف أهوائهم لم يبلغ ذلك عندي بهم أن أكون أطمع في استئصالهم، وأن أسير إليهم مخاطرا بجندي لا أدري عليّ تكون الدائرة أم لي؟ فإياكم واستبطائي فإني آخذ بهم في وجه هو أرفق بكم، وأبلغ في هلاكهم، قد شننت عليهم الغارات من كل جانب، فخيلي مرّة بالجزيرة ومرّة بالحجاز، وقد فتح اللَّه ما بين ذلك مصر، عزّ بفتحها ولينا وأذل به عدوّنا فأشراف أهل العراق لمّا يرون من حسن صنيع اللَّه لنا يأتوننا على قلائصهم

ص: 32


1- مروج الذهب: 3/163.

في كلّ أيام، وهذا ممّا يزيدكم وينقصهم ويقويكم ويضعفهم، فلا تعجلوا فإني لو رأيت فرصة لاهتبلتها. فخرجنا من عنده ونحن نعرف الفضل فيما ذكر. وبعث عند خروجنا من عنده إلى بسر وقال له: تمرّ بالمدينة(1) - إلى أن قال - فقال الوليد: أشرنا على معاوية برأينا أن يسير إلى الكوفة، فبعث الجيش إلى المدينة، فمثلنا ومثله كما قال الأول: أريها السهى وتريني القمر(2). فبلغ ذلك معاوية وقال واللَّه لقد هممت بمساءة هذا الأحمق الذي لا يدري ولا يحسن سياسة الأمور(3).

مَا هِيَ إِلّا الْكُوفَةُ أَقْبِضُهَا وَأَبْسُطُهَا

مراده عليه السلام: أنّ استيلائه التام منحصر بالكوفة مركزه، كما يشهد له قوله عليه السلام بعد: «إن لم تكوني إلّا أنت فقبحك اللَّه» ولذا كان معاوية لا يجسر أن يغير عليها، كما في باقي البلاد ممّا بيده عليه السلام.

انْ لَمْ تَكُونِي إِلّا أَنْتِ

بعث معاوية بعد تحكيم الحكمين بسر بن أرطاة والضحّاك بن قيس الفهري وغيرهما كلّا في جيش، وأمرهم أن يسيروا في البلاد فيقتلوا كلّ من وجدوه من

ص: 33


1- الغارات (ط - الحديثة): 2/589.
2- في الصحاح «السها كوكب خفي في بنات نعش الكبرى والناس يمتحنون به ابصارهم وفي المثل: اريها السها وترينى القمر» قال الزمخشري في المستقصي: «اريها السها وترينى القمر هو كوكب صغير خفي في نجوم بنات نعش واصله ان رجلاً كان يكلم امرأة بالخفى الغامض من الكلام وهي تكلمه بالواضح البين، فضرب السها والقمر مثلاً لكلامه وكلامها، يضرب لمن اقترح على صاحبه شيئاً فأجابه بخلاف مراده (الغارات ط - الحديثة: 2/601/ تعليقة 1).
3- الغارات: 2/600.

شيعته عليه السلام وأصحابه، وأن يغيّروا على ساير اعماله ويقتلوا أصحابه، ولا يكفّوا أيديهم عن النساء والصبيان(1).

تهب أعاصيرك فقبّحك اللَّه وتمثّل بقول الشاعر:

لعمر أبيك الخير يا عمرو إنّني * على وضر من ذا الإناء قليل

ثُمَّ قَالَ عليه السلام: أُنْبِئْتُ بُسْراً قَدِ اطَّلَعَ الْيَمَنَ وَإِنِّي وَاللَّهِ لأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ

لمّا قتل عثمان خرجت الركبان إلى الشام بقتله، فبينما معاوية إذ أقبل رجل متلفف فكشف عن وجهه وخاطبه بالامرة وقال: أتعرفني؟ قال: نعم، أنت الحجّاج بن خزيمة، فأين تريد؟ قال: إليك القربان أنعى إليك ابن عفّان، إنّك تقوى على عليّ بدون ما يقوى به عليك، لأنّ معك قوم لا يقولون إذا قلت ولا يسألون إذا امرت، وأنّ مع عليّ قوم يقولون إذا قال ويسألون إذا أمر، فقليل ممّن معك خير من كثير ممّن معه(2).

وكتب ابن عامر إلى معاوية في حثّه على الطلب بدم عثمان: إنّ الناس في هذا الأمر تسعة لك، وواحد عليك(3).

وَبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ فِي الْحَقِّ وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ فِي الْبَاطِلِ

بويع معاوية على الخلافة، فبايعه الناس على كتاب اللَّه وسنّة نبيّه فأقبل مالك

ص: 34


1- الأغاني: 16/444.
2- وقعة صفّين: 77.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 10/242.

بن هبيرة الكندي فقال خطيباً - وكان غائباً من البيعة - فقال لمعاوية: أخرجت هذا الملك وأفسدت الناس وجعلت للسفهاء مقالا، وقد علمت العرب أنّا حيّ فعال ولسنا بحي مقال، وأنّا نأتي بعظيم فعالنا على قليل مقالنا، فأبسط يدك ابايعك على ما أحببنا وكرهنا. فكان أوّل العرب بايع عليها.

وقال الزبرقان السكوني في ذلك:

معاوي أخذت الخلافة بالتي * شرطت فقد بوّى لك الملك مالك

ببيعة فصل ليس فيها غميزة * ألا كلّ ملك ضمّه الشرط هالك

وكانت كبيت العنكبوت مذبذبا * فأصبح محجوباً عليه الأرائك

وأصبح لا يرجوه راج لعلّة * ولا تنتحى فيه الرجال الصعالك

وما خير ملك يا معاوي مخدج * تجرّع فيه الغيظ والوجه حالك

إذا شاء ردته السكون وحمي * وهمدان والحي الخفاف السكاسك(1)

وَبِأَدَائِهِمُ الْأَمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وَخِيَانَتِكُمْ وَبِصَلاحِهِمْ فِي بِلادِهِمْ وَفَسَادِكُمْ

قال معاوية أعنت على عليّ بأربع: كنت رجلاً أكتم سرّي وكان رجلا ظهرة، وكنت في أطوع جند وأصلحه وكان في أخبث جند وأعصاه، وتركته وأصحابه الجمل، وقلت: إن ظفروا به كانوا أهون عليّ منه، وإن ظفر بهم اعتدت بها عليه في دينه، وكنت أحب إلى قريش منه، فيالك من جامع إلي ومفرّق عنه(2).

وبعث عليّ عليه السلام في اجتماع الحكمين أربعمائة رجل عليهم شريح بن هاني

ص: 35


1- وقعة صفين: 80.
2- الاستيعاب: 3/1422 والكامل للمبرد: 2/228.

الحارثي، وبعث معهم ابن عبّاس وهو يصلّي بهم ويلي أمورهم، وأبو موسى معهم، وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام حتّى توافوا بدومة الجندل، فكان معاوية إذا كتب إلى عمرو جاء الرسول وذهب لا يدري بما جاء به ولا بما رجع به، ولا يسأله أهل الشام عن شي ء، وإذا جاء رسول عليّ عليه السلام جاؤوا إلى ابن عبّاس فسألوه: ما كتب إليك فان كتم ظنوا به الظنون، وقالوا: ما نراه إلّا كتب بكذا وكذا. فقال لهم ابن عبّاس: أما ترون رسول معاوية يجي ء لا يعلم بما جاء به ويرجع لا يعلم بما رجع به، ولا يسمع لهم صياح ولا لغط، وأنتم عندي كلّ يوم تظنّون بي الظنون(1).

فَلَوِ ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْبٍ

أي: قدح من خشب مقعّر.

لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلاقَتِهِ

بالكسر أي حبله.

اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِي وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي

لمّا قرب أن يغلب أبو السرايا على هرثمة صاح هرثمة: يا أهل الكوفة إن أحببتم إخراج الأمر من ولد العبّاس، انصبوا إمامكم واتفقوا معنا نتناظر فيه، ولا تقتلونا وأنفسكم. فأمسك أهل الكوفة عن الحرب فغضب أبو السرايا وقال لهم: إنّ

ص: 36


1- تاريخ الطبري: 5/67.

هذه حيلة منهم فاحملوا عليهم. فقالوا: لا يحلّ لنا قتالهم، فقال: يا أهل الكوفة يا قتلة عليّ وخذلة الحسين إنّ المغتر بكم لمغرور، وإنّ المعتمد على نصركم لمخذول، وإنّ الذليل لمن اعززتموه، واللَّه ما حمد عليّ أمركم في حمده ولا رضي مذهبكم، ولقد حكّمكم فحكمتم عليه، وائتمنكم وخنتم أمانته، ووثق بكم فحلتم عن ثقته ثمّ لم تنفكّوا عليه مختلفين ولطاعته ناكثين، إن قام قعدتم وإن قعد قمتم، وإن تقدّم تأخّرتم وإن تأخّر تقدّمتم خلافاً عليه وعصياناً لأمره، حتّى سبقت فيكم دعوته وخذلكم اللَّه بخذلانكم إيّاه(1).

فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ

قال أبو صالح الحنفي: رأيت عليّاًعليه السلام يخطب وقد وضع المصحف على رأسه، حتّى رأيت الورق يتقعقع على رأسه وهو يقول: اللهمّ قد منعوني ما فيه فأعطني ما فيه. اللهمّ قد أبغضتهم وأبغضوني ومللتهم وملوني، وحملوني على غير خلقي وطبيعتي، وأخلاق لم تكن تعرف لي. اللهمّ فأبدلني بهم خيرا...(2).

وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرّاً مِنِّي

في (تنبيه البكري) على (أوهام القالي)(3) قال أبو العبّاس: كان عليّ عليه السلام يأخذ البيعة على أصحابه فجعلوا يقولون: نعام - يريدون نعم - فقال عليّ عليه السلام: إنّ النعام

ص: 37


1- مقاتل الطالبيين: 443.
2- الغارات: 2/458.
3- التنبيه على أوهام القالي في أماليه: أبو عبيد عبداللَّه بن عبدالعزيز بن محمّد البكري.

والباقر في الصحراء لكثير، ما لكم أبدلكم اللَّه منّي من هو شرّ لكم منّي، وأبدلني اللَّه منكم من هو خير لي منكم(1).

وفي خطبة أبي السرايا المتقدّمة: اما واللَّه لاستبدلن بكم قوما يعرفون اللَّه حق معرفته، ويحفظون محمّداً صلّى اللَّه عليه وآله في عترته - ثمّ قال -:

ومارست أقطار البلاد فلم أجد * لكم شبها في ما وطئت من الأرض

خلافا وجهلا وانتشار عزيمة * ووهنا وعجزا في الشدائد والخفض

لقد سبقت فيكم إلى الحشر دعوة * فلا عنكم راض ولا فيكم مرضي

سابعد داري من قلى عن دياركم * فذوقوا إذا ولّيت عاقبة البغض(2)

وروى: أنّه عليه السلام قال بعد قوله: «وأبدلهم بي شرّاً منّي»: «اللهمّ عجّل عليهم بالغلام الثقفي الذيّال الميّال، يأكل خضراها ويلبس فرواها ويحكم فيها بحكم الجاهليّة، لا يقبل من محسنها ولايتجاوز عن مسيئها» يعني عليه السلام: الحجّاج. وما كان الحجّاج ولد يومئذٍ(3).

روى إنّ اليوم الذي دعا عليهم فيه بهذا الدعاء ولد فيه الحجّاج بن يوسف، وروى أنّه ولد بعد ذلك اليوم بأوقات يسيرة وفعله بأهل الكوفة مشهور حتّى قيل لو جاءت كلّ امّة بخبيثها وفاسقها وفاجرها وجئنا بالحجّاج وحده لزدنا عليهم(4).

ص: 38


1- بهج الصباغة: 10/477، الأمالي مع كتاب «التنبيه مع أوهام أبي على»: 724.
2- مقاتل الطالبيين: 444.
3- مروج الذهب: 3/142.
4- منهاج البراعة للخوئي: 3/358.

أنّ أمّ الحجّاج ولدته لا دبر له فثقب له دبر وأبي أن يقبل الثدي(1).

وفي الحديث أنّ ابليس تصوّر لهم بصورة الحارث بن كلدة فقال: اذبحوا له تيساً والعقوه من دمه واطلوا به وجهه وبدنه ففعلوا به ذلك فقبل الثدي فلأجل ذلك كان لا يصبر عن سفك الدماء وكان يخبر عن نفسه أنّ أكبر لذّاته في سف الدماء وارتكاب أمور لا يقدر عليها غيره(2).

واحصى من قتل بأمره سوى من قتل في حروبه فكانوا مائة ألف وعشرين ألفاً ووجد في سجنه خمسون ألف رجل وثلاثون ألف امرأة ولم يجب على أحد منهم قتل ولا قطع وكان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد لا سقف له(3) فاذا أوى المسجونون إلى الجدران يستظلّون بها من حرّ الشمس رمتهم الحرس بالحجارة، وكان طعامهم خبز الشعير مخلوطاً بالملح والرماد(4).

ومن أعجب ما روى أنّه وجد على منبره مكتوباً: «قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ»(5) فكتب تحته: «قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»(6).(7)

ص: 39


1- مروج الذهب: 3/125؛ حياة الحيوان (دميرى): 1/241؛ مجمع البحرين: 2/286.
2- مروج الذهب: 3/125؛ حياة الحيوان (دميرى): 1/241؛ مجمع البحرين: 2/286.
3- مروج الذهب: 3/166؛ حياة الحيوان (دميرى): 1/246؛ مجمع البحرين: 2/287.
4- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك (ابن الجوزي): 6/342؛ مجمع البحرين: 2/287.
5- سورة الزمر: 8.
6- سورة آل عمران: 119.
7- المستطرف في كلّ فن مستظرف (الابشيهي): 1/109.

اللَّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ

أي: كما يذاب فيه. اقتدى عليه السلام في الدعاء عليهم بنبيين: نوح عليه السلام حيث قال: «رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً»(1). وموسى عليه السلام حيث قال: «رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ»(2).

أَمَا وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُمْ أَلْفَ فَارِسٍ مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ

قال رجل من بني العنبر:

فليت لي بهم قوما إذا ركبوا * شنّوا الإغارة فرساناً وركبانا

لا يسألون أخاهم حين يندبهم * في النائبات على ما قال برهانا

لكن يطيرون أشتاتاً إذا فزعوا * وينفرون إلى الغارات وحدانا

ومن هذه الأبيات:

لو كنت من مازن لم تستبح إبلي * بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا

إذن لقام بنصري معشر خشن * عند الكريهة(3) إن ذو لوثة لانا

قوم إذا الشرّ أبدى ناجذيه لهم * طاروا إليه زرافات ووحدانا

لكنّ قومي وإن كانوا ذوي عدد * ليسوا من الشرّ في شي ء وإن هانا

يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة * ومن إساءة أهل السوء إحسانا

كأنّ ربك لم يخلق لخشيته * سواهم من جميع الناس إنسانا(4)

ص: 40


1- سورة نوح: 26.
2- سورة يونس: 88.
3- الحفيظة.
4- شرح ديوان الحماسة للتبريزي: 1/4، «ابوزكريا التبريزي» بهج الصباغة: 10/479.

بنو مالك من كنانة بطن، منهم: جندل الطعان، ومن ولد جندل الطعان ربيعة بن مكدم، وهو أشجع بيت في العرب، وفيهم يقول عليّ عليه السلام لأهل الكوفة: «وددت واللَّه أنّ لي بمائة ألف منكم ثلاثمائة من فراس بن غنم بن ثعلبة»(1).

قالت امرأة من غامد في هزيمة ربيعة بن مكدم لغامد وحده:

ألا هل أتاها على نايها * بما فضحت قومها غامد

تمنيتم مائتي فارس * فردكم فارس واحد

فليت لنا بارتباط الخيول * ضانا لها حالب قاعد(2)

وربيعة بن مكدم هو الذي قالوا فيه: هو حامى الظعن حيّاً وميّتاً ولم يحم ميت الحريم غيره، عرض له فرسان من بني سليم ومعه ظعائن من أهله يحميهم وحده، فطاعنهم فرماه أحدهما بسهم أصاب قلبه، فنصب رمحه في الأرض واعتمد عليه وهو ثابت في سرجه، وأشار إلى الظعائن بالرواح فسرن حتّى بلغن بيوت الحي، وبنو سليم قيام بإزائه لا يقدمون عليه ويظنّونه حيّا حتّى قال قائل منهم: إنّي لا أراه إلّا ميّتا ولو كان حيّا لتحرّك. فرموا فرسه بسهم فوثيت فوقع، وفاتتهم الظعائن(3).

هنالك لو دعوت أتاك منهم * فوارس مثل أرمية الحميم

قال ابن أبي الحديد: البيت لأبي جندب الهذلي، وأول الأبيات:

ص: 41


1- العقد الفريد: 1/105.
2- البيان والتبيين للجاحظ: 137.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/342.

ألا يا أم زنباع أقيمي * صدور العيس نحو بني تميم(1)

ثُمَّ نَزَلَ عليه السلام مِنَ الْمِنْبَرِ

اشارة

في تاريخ أعثم: لمّا أنّبهم عليه السلام فلم يجيبوه قال لهم: إنّي وإيّاكم كنوح وقومه كما حكى تعالى عنه: «رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَاراً»(2) مالكم صموت كالحوت « إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ »(3).(4)

تكملة

وله عليه السلام خطبة أُخرى في مسير بسر إلى اليمن رواها المفيدرحمه الله في الإرشاد فقال:

وَمِنْ كَلامِهِ عليه السلام فِي اسْتِنْفَارِ الْقَوْمِ وَاسْتِبْطَائِهِمْ عَنِ الْجِهَادِ، وَقَدْ بَلَغَهُ مَسِيرُ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ إِلَى الْيَمَنِ:

أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّ أَوَّلَ رَفَثِكُمْ وَبَدْءَ نَقْضِكُمْ، ذَهَابُ أُولِي النُّهَى وَأَهْلِ الرَّأْيِ مِنْكُمُ، الَّذِينَ كَانُوا يَلْقَوْنَ فَيَصْدُقُونَ، وَيَقُولُونَ فَيَعْدِلُونَ، وَيُدْعَوْنَ فَيُجِيبُونَ. وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ دَعَوْتُكُمْ عَوْداً وَبَدْءاً، وَسِرّاً وَجَهْراً، وَفِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْغُدُوِّ وَالآْصَالِ، مَا يَزِيدُكُمْ دُعَائِي إِلّا فِرَاراً وَإِدْبَاراً. مَا تَنْفَعُكُمُ الْعِظَةُ وَالدُّعَاءُ إِلَى الْهُدَى وَالْحِكْمَةِ وَإِنِّي لَعَالِمٌ بِمَا يُصْلِحُكُمْ وَيُقِيمُ لِي أَوَدَكُمْ، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لا أُصْلِحُكُمْ بِفَسَادِ نَفْسِي.

ص: 42


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/348.
2- سورة نوح: 5 - 6.
3- الانفال: 22.
4- بهج الصباغة: 10/483.

وَلَكِنْ أَمْهِلُونِي قَلِيلاً فَكَأَنَّكُمْ وَاللَّهِ بِامْرِئٍ قَدْ جَاءَكُمْ، يَحْرُمُكُمْ وَيُعَذِّبُكُمْ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ كَمَا يُعَذِّبُكُمْ. إِنَّ مِنْ ذُلِّ الْمُسْلِمِينَ وَهَلاكِ الدِّينِ، أَنَّ بني أَبِي سُفْيَانَ يَدْعُو الْأَرْذَالَ الأشرار فَيُجَابُ، وَأَدْعُوكُمْ وَأَنْتُمُ الْأَفْضَلُونَ الْأَخْيَارُ فَتُرَاوِغُونَ وَتُدَافِعُونَ. مَا هَذَا بفِعْلَ الْمُتَّقِينَ(1).

والظاهر انّ هذه الخطبة كانت في أوّل مسير بسر وخطبة المتن في آخره.

ص: 43


1- الإرشاد: 1/22؛ بحار الأنوار: 34/151، ش 962؛ الغارات: 2/624.

بسم الله الرحمن الرحیم

26 - ومن خطبة له عليه السلام:

اشارة

إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ وَفِي شَرِّ دَارٍ مُنِيخُونَ بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ وَحَيَّاتٍ صُمٍّ تَشْرَبُونَ الْكَدِرَ وَتَأْكُلُونَ الْجَشِبَ وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ الْأَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ وَالْآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ.

ومنها:

فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلّا أَهْلُ بَيْتِي فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ وَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى وَشَرِبْتُ عَلَى الشَّجَا وَصَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ الْكَظَمِ وَعَلَى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ الْعَلْقَمِ.

ومنها:

وَلَمْ يُبَايِعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ عَلَى الْبَيْعَةِ ثَمَناً فَلا ظَفِرَتْ يَدُ الْبَائِعِ وَخَزِيَتْ أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا وَأَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا وَعَلا سَنَاهَا وَاسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى النَّصْرِ.

الأصل فيه ما رواه ابن قتيبة في (خلفائه)، والكليني في (رسائله)، وإبراهيم الثقفي في (غاراته)، وكون سببها سؤال الناس له بعد انقضاء أمر النهروان عن رأيه في أبي بكر وعمر وعثمان.

قال الأوّل: دخل حجر بن عدي وعمرو بن الحمق وعبداللَّه بن وهب الراسبي عَلَى علي عليه السلام، فسألوه عن الثلاثة، فقال: إنّي مخرج إليكم كتاباً أنبّئكم فيه ما

ص: 44

سألتموني عنه، فاقرؤوه على شيعتي، فأخرج إليهم كتاباً فيه: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ وَشَهِيداً عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَنْتُمْ يا مَعَاشِرَ الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ عَلَى غَير دِينٍ وَفِي شَرِّ دَارٍ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَتَقْتُلُونَ أَوْلادَكُمْ وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ وَتَأْكُلُونَ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَبَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله إِلَيْكُم(1).

وقال الثاني: كتب أميرالمؤمنين عليه السلام كتاباً بعد منصرفه من النهران وأمر أن يقرأ على الناس - إلى أن قال: - بَعَثَ مُحَمَّداً صَلَّى صلى الله عليه وآله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَنْتُمْ - مَعَاشِرَ الْعَرَبِ - عَلَى شَرِّ حَالٍ ، يَغْذُو أَحَدُكُمْ كَلْبَهُ، وَيَقْتُلُ وَلَدَهُ، وَيُغِيرُ عَلَى غَيْرِهِ، فَيَرْجِعُ وَقَدْ أُغِيرَ عَلَيْهِ، تَأْكُلُونَ الْعِلْهِزَ وَالْهَبِيدَ وَالْمَيْتَةَ وَالدَّمَ، مُنِيخُونَ عَلَى أَحْجَارٍ خَشِنٍ وَأَوْثَانٍ مُضِلَّةٍ، تَأْكُلُونَ الطَّعَامَ الْجَشِبَ، وَتَشْرَبُونَ الْمَاءَ الآْجِنَ، تُسَافِكُونَ دِمَاءَكُمْ، وَيَسْبِي بَعْضُكُمْ بَعْضا(2)

وقال الثالث: خطب عليّ عليه السلام بعد فتح مصر وقتل محمّد بن أبي بكر، فقال: أَمّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ، وَشَهِيداً عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنْتُمْ - مَعَاشِرَ الْعَرَبِ - يَوْمَئِذٍ عَلَى شَرِّ دِينٍ، وَفِي شَرِّ دَارٍ، مُنِيخُونَ عَلَى حِجَارَةٍ خَشِنٍ، وَحيات صُمٍّ، وَشَوْكٍ مَبْثُوثٍ فِي الْبِلادِ، تَشْرَبُونَ الْمَاءَ الْخَبِيثَ، وَتَأْكُلُونَ الطَّعَامَ الْجَشِبَ، وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ، وَتَقْتُلُونَ أَوْلادَكُمْ، وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ، وَتَأْكُلُونَ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ، سُبُلُكُمْ خَائِفَةٌ، وَالْأَصْنَامُ فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ، وَلا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ، فَمَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ

ص: 45


1- الإمامة والسياسة لابن قتيبة (تحقيق الزيني): 1/133.
2- كشف المحجة لثمرة المهجة لابن طاووس: 173.

بِمُحَمَّدٍصلى الله عليه وآله، فَبَعَثَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ، فَعَلَّمَكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، وَالْفَرَائِضَ وَالسُّنَّةَ، وَأَمَرَكُمْ بِصِلَةِ أَرْحَامِكُمْ، وَحَقْنِ دِمَائِكُمْ، وَصَلاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها، وَأَنْ تُوفُوا بِالْعَهْدِ، وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها، وَأَنْ تَعَاطَفُوا وَتَبَارُّوا، وَتَبَاذَلُوا وَتَرَاحَمُوا، وَنَهَاكُمْ عَنِ التَّنَاهُبِ، وَالتَّظَالُمِ وَالتَّحَاسُدِ وَالتَّبَاغِي وَالتَّقَاذُفِ، وَعَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَبَخْسِ الْمِكْيَالِ، وَنَقْصِ الْمِيزَانِ، وَتَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ فِي مَا تَلا عَلَيْكُمْ أَنْ لا تَزْنُوا وَلا تَرْبُوا، وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً، وَ«أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها»(1) «وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ»(2) «وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ»(3) وَكُلُّ خَيْرٍ يُدْنِي إِلَى الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ أَمَرَكُمْ بِهِ، وَكُلُّ شَرٍّ يُدْنِي إِلَى النَّارِ وَيُبَاعِدُ عنَ الْجَنَّةِ نَهَاكُمْ عَنْه...(4).

إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ

قال تعالى: «وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»(5).

وقال تعالى: «وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً»(6).

ص: 46


1- سورة النساء: 58.
2- سورة البقرة: 60.
3- سورة البقرة: 190.
4- الغارات (ط - القديمة): 1/198؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/94.
5- سورة الرعد: 7.
6- سورة الإسراء: 105.

وقال تعالى: «إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً»(1).

وقال تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً»(2).

وقال تعالى: «أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ»(3).

وقال تعالى: «تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً»(4).

وقال تعالى: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ»(5).

وقال تعالى: «قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ»(6).

وقال تعالى: «قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ»(7).

حدّثنا حفص الكناني قال سمعت عبداللَّه بن بكير الدجاني [الأرجاني] قال: قال لي الصادق جعفر بن محمدعليه السلام: أخبرني عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كان عاما للناس بشيراً ا ليس قد قال اللَّه في محكم كتابه: «وَما أَرْسَلْناكَ إِلّا كَافَّةً لِلنَّاسِ»، لأهل الشرق والغرب وأهل السماء والأرض من الجن والإنس هل بلغ رسالته إليهم كلهم؟ قلت لا أدري، قال يا ابن بكير إن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لم يخرج من المدينة فكيف بلغ أهل الشرق والغرب؟ قلت لا أدري، قال إن اللَّه تعالى أمر جبرئيل فاقتلع الأرض بريشة من جناحه ونصبها لمحمدصلى الله عليه وآله فكانت بين يديه مثل راحته في كفه ينظر إلى أهل الشرق والغرب؟ ويخاطب كل قوم بألسنتهم ويدعوهم إلى اللَّه وإلى

ص: 47


1- سورة الأحزاب: 45.
2- سورة سبأ: 28.
3- سورة يونس: 2.
4- سورة الفرقان: 1.
5- سورة ص: 65.
6- سورة الأحقاف: 9.
7- سورة الملك: 26.

نبوته بنفسه فما بقيت قرية ولا مدينة الّا ودعاهم النبي صلى الله عليه وآله بنفسه(1).(2)

عن أبي حمزة الثمالي قال سمعت عليّ بن الحسين عليه السلام يقول: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُصَافِحَهُ مِائَةُ أَلْفِ نَبِيٍّ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ نَبِيٍّ فَلْيَزُرْ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍ عليه السلام ليلة النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَإِنَّ المَلَائِكَةَ وأَرْوَاحَ النَّبِيِّينَ يَسْتَأْذِنُونَ اللَّهَ تَعَالَى فِي زِيَارَتِهِ فَيُؤْذَنُ لَهُمْ فَطُوبى لِمَن صَافَحَهُم وَصَافَحُوه مِنْهُمْ خَمْسَةٌ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ المُرسَلِين نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٌصلى الله عليه وآله قُلتُ: لِمَ سمُوا أُولُوا العَزْم؟ قَالَ: لِأَنَّهُم بُعِثُوا إلى شَرقِها وَغَربِها وَجِنِّهَا وَإِنْسِها(3).

وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ

قال تعالى: «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ»(4).

وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ

في الأديان الباطلة.

قال تعالى: «وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ»(5).

ص: 48


1- لعلّ المراد من تبليغه الناس كلّهم معنى، ورد مثله في حقّ إبراهيم عليه السلام أيضاً من انّه أمر أن ينادي بالحج فصعد ركناً من البيت ونادى: ألا هلم الحج فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء، فلبوا: لبّيك داعي اللَّه، لبّيك داعي اللَّه، ويشبهه أيضاً ما ورد من روايات الذر راجع.
2- تفسير القمي: 2/202؛ بحار الأنوار: 18/188، ح 20.
3- اقبال الأعمال (ط - القديمة): 2/710؛ بحار الأنوار: 11/58، ح 61.
4- سورة الأنعام: 124.
5- سورة الجاثية: 24.

وقال تعالى: «وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ»(1).

قال المغيرة بن زرارة الأسدلي ليزدجرد في القادسيّة: كان ديننا أن يقتل بعضنا بعضا، ويغير بعضنا على بعض، وأن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حيّة كراهة أن تأكل من طعامه(2).

وفي عنوان أديان العرب في الجاهليّة: كانت النصرانيّة في ربيعة وغسّان وبعض قضاعة، وكانت اليهوديّة في حمير وبني كنانة وبني الحرث بن كعب وكندة، وكانت المجوسيّة في تميم، ومنهم حاجب ابن زرارة، وكان تزوّج ابنته ثمّ ندم، ومنهم الأقرع بن حابس، وكانت الزندقة في قريش أخذوها من الحيرة، وكان بنو حنيفة اتّخذوا في الجاهليّة إلهاً من حيس (أي: تمر يخلط بسمن وأقط، فيعجن شديداً ثمّ يندر منه نواه) فعبدوه دهراً طويلاً، ثمّ أصابتهم مجاعة، فأكلوه، فقال رجل من بني تميم:

أكلت حنيفة ربّها * زمن التقحّم والمجاعة

لم يحذروا من ربّهم * سوء العواقب والتباعه(3)

وفي السبائك: ديانات العرب كانت متباينة مختلفة، فصنف منهم قالوا بالدهر، وصنف أقرّوا بالمبدأ وأنكروا المعاد، وقالوا:... «مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ»(4)، وصنف عبدوا الأصنام، وصنف عبدوا الملائكة، وصنف عبدوا الجنّ، وصنف يميل

ص: 49


1- سورة يس: 78 - 79.
2- تاريخ الطبري: 3/18، سنة 14.
3- المعارف لابن قتيبة: 621.
4- سورة يس: 78.

إلى اليهوديّة، وصنف إلى النصرانيّة، وصنف إلى الصابئة، ويعتقدون أنّ الكواكب فعّالة بأنفسها(1).

وروى: أنّ النكاح كان في الجاهليّة على أربعة أنحاء، فكان منها: نكاح اليوم.

والثاني: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسّها أبداً حتّى يتبيّن حملها من ذلك الرجل الّذي تستبضع منه، فاذا تبيّن حملها أصابها زوجها إن أحبّ، وإنّما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، فكان هذا النكاح يسمّى نكاح الاستبضاع.

والثالث: يجتمع الرهط دون العشرة، فيدخلون على المرأة كلّهم يصيبها، فاذا حملت ووضعت ومرّ ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتّى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفت الّذي كان من أمركم، وقد ولدت وهو ابنك يا فلان، فتسمّى من أحبّت منهم باسمه، فيلحق به ولدها.

والرابع: يجتمع الناس الكثير لا تمتنع ممّن جاءها، وهنّ البغايا، كنّ ينصبن على أبوابهنّ رايات يكن علما لمن أرادهنّ دخل عليهنّ، فإذا حملت فوضعت، جمعوا لها ودعوا لهم القافة، ثمّ ألحقوا ولدها بالّذي يرون، فالتاطه، ودعي ابنه لا يمتنع من ذلك. فلمّا بعث اللَّه محمّدصلى الله عليه وآله هدم نكاح أهل الجاهلية كلّه إلّا نكاح أهل الإسلام اليوم(2).

قال المحقّق التستري رحمه الله: ومن الثالث كان تكوّن عمرو بن العاص، ومن الرابع

ص: 50


1- سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب للسويدي: 435. والنقل بتلخيص.
2- سنن أبي داوود: 1/507، ح 2272.

تكوّن زياد بن أبيه، لكن معاوية الحقه بأبيه أبي سفيان عن هواه لا بطريقة الجاهليّة عن حكم القافة، ولا بسنّة الإسلام بكونه للفراش عبيد(1).

وَفِي شَرِّ دَارٍ مُنِيخُونَ

قال المغيرة ليزدجرد: وأمّا منازلنا فإنّما هي ظهر الأرض(2).

بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ وَحَيَّاتٍ صُمٍ

قال البحراني: ووصفها بالصمّ لأنّ حيّات تلك الأرض على غاية من القوّة وحدّة السموم لاستيلاء الحرارة واليبس عليها(3).

وقال ابن أبي الحديد: والحيّة الصمّاء أدهى من التي ليست بصمّاء لأنّها لا تنزجر بالصوت(4).

وفي (السير): قال رجل: كنت بالبادية، فرأيت ناساً حول نار فسألت عنهم، فقالوا: صادوا حيّات فهم يشتوونها، فأتيتهم فرأيت رجلاً منهم قد أخرج حيّة من الجمر ليأكلها، فامتنعت عليه، فجعل مدّها، فما صرفت بصري عنه حتّى صرع، فمات(5).

وقال ابن قتيبة: جي ء إلى المتوكّل بأسود من بعض البوادي، يأكل الأفاعي

ص: 51


1- بهج الصباغة: 2/159.
2- تاريخ الطبري: 3/18، سنة 14.
3- شرح نهج البلاغة لابن ميثم: 2/24.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/19.
5- عيون الأخبار لابن قتيبة: 3/235.

وهي حيّة، يتلقّاها بالنهش من جهة رؤوسها، ويأكل ابن عرس وهو حيّ ويتلقّاه بالأكل من جهة الرأس(1).

تَشْرَبُونَ الْكَدِرَ

لأن غالب مياه العرب هو الغدران والآبار أمّا الغدران فأصلها ماء المطر ينزل على الأودية السبخة والقفار الملحة فيسيل حتّى يقع في تلك الغدران فيكون مرّاً ملحاً أجاجاً ثمّ يتكدّر ويتعفّن من طول الزمان ووقوع الشمس عليها وتأثّره بها وأمّا الآبار فمضافاً إلى وقوع ماء المطر الموصوف فيها ربما تنزل العشاير حولها وينيخون أباعرهم هنالك فيثور الرياح البار «أبوال ظ» الأباعر وأرواثها وساير كثافات القوم بعد ارتحالهم من ذلك المكان حتّى تقع على تلك الآبار فيكون مياهها كثيفاً كدرا(2).

قال الجاحظ: كان للعرب شرب مجدوح، وهو إذا بلغ العطش منهم المجهود نحروا الإبل وتلقّوا دمائها بالجفان كيلا يضيع من دمائها شي ء، فإذا برد الدم ضربوه بأيديهم، وجدحوه بالعيدان جدحا، حتّى ينقطع فيعتزل ماؤه من ثفله، كما يخلص الزبد بالمخض والجبن بالأنفحة، فيتصافنون ذلك الماء، ويبتلعون به حتّى يخرجوا من المفازة. قال: ولهم شرب غضّ وهو عصارة الفرث إذا أصابهم العطش في المفاوز(3).

ص: 52


1- تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة: 315.
2- منهاج البراغة للخوئي: 3/364.
3- البخلاء للجاحظ: 278.

وفي (بلدان الحموي): سلاح: ماء لبني كلاب شبكة ملحة لا يشرب منها أحد إلّا سلح(1).

وَتَأْكُلُونَ الْجَشِبَ

وقال رجل من أهل المدينة لأعرابيّ: ما تأكلون وما تعافون قال له الأعرابي نأكل كلّ ما دبّ وهبّ إلاّ امّ حبين (هي دويبة على خلقة الحرباء عريضة الصدر عظيمة البطن وقيل هي انثر الحرباء) قال المدني تهنّى امّ حبين العافية(2).

وقال المغيرة الأسيدي ليزدجرد: كنّا نأكل ا لخنافس والجعلان والعقارب والحيّات(3).

قوله عليه السلام في رواية الكليني: «تأكلون العلهز والهبيد»(4).

قال الجاحظ: العلهز: القردان ترضّ وتعجن بالدم(5).

وقال أبو عبيدة: الهبيد: حبّ الحنظل زعموا أنّه يعالج حتّى يمكن أكله(6).

والهبيد: كان طعام عمر في الجاهليّة، فقالوا: ذكر عمر خشونة مطعمه وملبسه في صباه فقال: لقد رأيتني مرّة وأختالي نرعى على أبوينا ناضحا - أي بعير السقي - قد ألبستنا أمّنا نقبتها - النقبة: قطعة من ثوب قدر السراويل، يجعل لها حجزة

ص: 53


1- معجم البلدان للحموي: 3/233.
2- عيون الأخبار لابن قتيبة: 3/232؛ البخلاء للجاحظ: 285.
3- تاريخ الطبري: 3/18، سنة 14.
4- كشف المحجّة: 174 نقلاً عن رسائل الكليني.
5- البخلاء للجاحظ: 279.
6- لسان العرب: 3/431، مادة (هبد).

محيطة من غير نيفق، ويشدّ حجزة السراويل - وزوّدتنا من الهبيد - فنخرج بناضحنا، فإذا طلعت الشمس ألقيت النقبة إلى أختي وخرجت أسعى عرياناً، فنرجع إلى أُمّنا وقد جعل لنا لفيتة - أي: ضربا من الطبيخ كالحساء من ذلك الهبيد - فيا خصباه. ذكروا ذلك في غريب حديث عمر(1).

وقال الحموي: كان لقضاعة ولخم وجذام وأهل الشام صنم يقال له: الأقيصر، وكانوا يحجّون إليه ويلحقون رؤوسهم عنده، فكان كلّما حلق رجل منهم رأسه ألقى مع كلّ شعرة قرّة من دقيق - وهي قبضة - وكانت هوازن تنتابهم في ذلك الإبّان، فإن أدركه الهوازني قبل أن يلقي القرّة على الشعر، قال: أعطنيه - يعني الدقيق - فإنّي من هوازن ضارع، وإن فاته أخذ ذلك الشعر بما فيه من القمل والدقيق فخبزه وأكله. فقال معاوية الجرمي في أبيات:

ألم تر جرما أنجدت وأبوكم

مع القمل في حفر الأقيصر(2) شارع(3)

وقال أبو عبيدة: دخلت على رؤبة بن العجّاج وهو يجيل جرذاناً على النار، فقلت: أتأكلها؟ قال: نعم، انّها خير من دجاجكم، إنّها تأكل البرّ والتمر(4).

قيل: كانت العرب لم تعرف طيبات الأطعمة إنّما كان طعامهم اللحم يطبخ بالماء والملح حتّى أدرك معاوية فاتّخذ ألوان الأطعمة(5).

ص: 54


1- النهاية: 5/102 و239؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 12/20.
2- الأقيصر: صنم للعرب.
3- معجم البلدان للحموي: 1/238.
4- الشعر والشعراء لابن قتيبة: 2/579، ح 1039.
5- محاضرات الادباء: 1/722.

قال أبو بردة: كانوا يقولون: من أكل الخبز سمن، فلمّا فتحنا خيبراً جهضناهم عن خبزهم فقعدت عليه آكل وأنظر في اعطافي هل سمنت(1).

وقال خالد بن عمير العددي: شهدت فتح الاملة فاصبنا سفينة مملوّة جوزا فقال رجل، ما هذه الحجارة؟ ثمّ كسر واحدة فقال: طعام طيب(2) وقال بعضهم: أصابوا جربا من الكافور فخالوها الملح فذاقوه فقالوا لا ملوحة لهذا الملح ففطن ناس من أهل الخبرة فجعلوا يعطونهم جراباً من ملح ويأخذون جراباً من الكافور وقدم إلى أعرابي خبز عليه لحم فأكل اللحم وترك الخبز وقال: خذوا الطبق، وكان بنو أسد يأكلون الكلاب ولذلك قال الفرزدق:

إذا اسدي جاع يوماً ببلدة * وكان سمينا كلبه فهو أكله

وقال بعضهم نزلت برجل فأضافني فأتى بحيّة مشويّة شواها فأطعمنيها ثمّ أتى بماء منتن فسقانيه فلمّا أردت الارتحال قال: ألا قمت لطعام طيب وماء نمير؟

وكان أحدهم يتناول الشعر المحلوق فيجعله في جفنة من الدقيق ثمّ يأكله مع ما فيه من القمل ولذلك قال شاعرهم:

بني أسد جاءت بكم قملية * بها باطن من داء سوء وظاهر

ومن طعامهم الفظ وهو ماء الكرش وقيل لأعرابي: ما تأكلون؟ فقال: نأكل ما دب ودرج إلّا ام حبين فقال:

لتهن ام حبين العافية وقال أبو نواس:

ص: 55


1- السنن الكبرى للبيهقي: 9/60؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 62/96، محاضرات الادباء: 1/722.
2- الروض المعطار في خبر الاقطار: 8، محاضرات الأدباء: 1/722.

ولا تأخذ عن الاعراب طعما * ولا عيشا فيشهم جديب

وكان روبة يأكل الفار فقيل له: أَلا تستقذره؟ فقال: هو واللَّه لا يأكل إلاّ فاخرات متاعنا وبنو تميم يعيّرون بأكل الضب قال أبو نواس في هجوهم:

إذا ما تميمي أتاك مفاخرا * فقل عد عن ذا كيف أكلك للضبّ

قال الأصمعي دنوت من بعض الأخبية في البادية فسقيت لبنا في إناء فلمّا شربته قلت هل كان هذا إلاّ إناء «الاناء» نظيفا؟ فقيل: نعم إنّا نأكل منه في النهار ونبول فيه بالليالي فاذا أصبحنا سقينا فيه الكلب فلحسه ونقاه، فقلت: لعنك اللَّه ولعن هذه النظافة(1).

وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ

بغير الحق.

وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ

حتّى كانوا يقتلون أولادهم خشية إملاق قال تعالى: «وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ»(2).

ويئدون بناتهم لئلّا تصير إلى قبيلة أُخرى.

قال تعالى: «وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ»(3).

ص: 56


1- محاضرات الادباء: 1/722 - 723.
2- سورة الأنعام: 151.
3- سورة التكوير: 8.

قال تعالى: «وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ»(1).

قال ابن عبّاس المرأة إذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة وقعدت على رأسها فان ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة وإن ولدت غلاماً حبسته(2).

الْأَصْنَامُ

قيل: الصنم ما كان له جسم أو صورة، فإن لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن(3).

فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ

وفي سيرة ابن هشام: اللّات بيت لثقيف بالطائف ويعظّمونه تعظيم الكعبة.

قال ضرار بن الخطاب الفهري:

وفرّت ثقيف إلى لاتها

بمنقلب الخائب الخاسر(4)

وفيه: قال ابن إسحاق: واتّخذ أهل كلّ دار في دارهم صنماً يعبدونه، فإذا أراد الرجل منهم سفراً تمسّح به حين يركب، فكان ذلك آخر ما يصنع حين يتوجّه إلى سفره، وإذا قدم من سفره تمسّح به، فكان ذلك أوّل ما يبدأ به قبل أن يدخل على

ص: 57


1- سورة النحل: 58 - 59.
2- مجمع البيان: 10/674؛ بحار الأنوار: 7/93.
3- النهاية لابن الأثير: 3/57.
4- السيرة النبويّة: 1/31.

أهله، فلمّا بعث اللَّه تعالى رسوله محمّداًصلى الله عليه وآله بالتوحيد قالت قريش: «أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْ ءٌ عُجَابٌ»(1).(2)

وقالوا: لمّا ولّت خزاعة أمر البيت، وكان أوّل من ولى عمر بن لحي، بعث العرب على عبادة التماثيل، وأكثر من نصب الأصنام حول الكعبة(3).

وقالوا: كان ودّ لكلب بدومة الجندل، وسواع لهذيل برها، ونسر لحمير، ويغوث لهمدان، واللّات لثقيف، والعزّى لكنانة وقريش ومضر كلّها وبعض بني سليم، والسعير لعنزة، وعوص لبكر بن وائل.

قال الأعشى:

حلفت بمائرات حول عوص * وأنصاب تركن لدى السعير

ومناة بالمشلّل لغسّان والأوس والخزرج، وكان هبل لقريش خاصّة على ظهر الكعبة، وأساف ونائلة على الصفا والمروة(4).

وعن تهذيب الأزهري: الدوّار: صنم كانت العرب تنصبه يجعلون موضعاً حوله يدورون به، واسم ذلك الصنم والموضع الدوّار، ومنه قول امرى ء القيس:

فعنّ لنا سرب كأنّ نعاجه * عذارى دوار في ملاء مذيّل(5)

وفي القاموس: الضمار ككتاب: صنم عبده العبّاس بن مرداس ورهطه(6)،

ص: 58


1- سورة ص: 5.
2- السيرة النبويّة لابن هشام: 1/54.
3- مروج الذهب: 2/29.
4- رسائل الشريف المرتضى: 3/228؛ بهج الصباغة: 2/163.
5- لسان العرب لابن منظور: 4/297.
6- القاموس المحيط: 2/76 مادة (ضمر).

ورضا: صنم كان لطيّ، وبه سمّي جدّ زيد الخيل: عبد رضا(1)، وسواع: بالضم والفتح - وقرأ به الخليل - صنم عبد في زمن نوح عليه السلام، فدفنه الطوفان، فاستثاره إبليس فعبد وصار لهذيل(2).

وفي المعجم: لمّا قتلت بنو أسد حجرا، وخرج ابنه امرؤ القيس في طلب ثأره، مرّ بتبالة وبها صنم للعرب تعظّمه يقال له: ذو الخلصة، فاستقسم عنده بقداحه، وهي ثلاثة: الآمر والناهي والمتربّص، فأجالها فخرج الناهي، فجمعها وكسرها وضرب بها وجه الصنم، وقال: مصصت بظر أمّك، لو قتل أبوك ما نهيتني، وقال:

لو كنت يا ذا الخلص الموتورا * مثلي وكان شيخك المقبورا

لو تنه عن قتل العداة زورا

ثمّ خرج فظفر ببني أسد، وقتل قاتل أبيه وأهل بيته، وألبسهم الدروع البيض محماة وكحّلهم بالنار ويقال: إنّه ما استقسم عند ذي الخلصة بعدها أحد بقدح حتّى جاء الاسلام وهدم(3).

وقالوا: كان لأهيب بن سماع صنم يقال له: راقب، واستعان به الحرث المصطلقي في حربه، فعقر له عقيرة ليستخيره (لأستخبره) في أمره، فسمع منه صوتاً هائلاً، فصار سبب هدايته، وله قصّة طويلة(4).

وكان عمرو بن الجموع الأنصاري سيّداً من سادات بني سلمة، وكان قد اتّخذ في داره صنماً من خشب يقال له: مناف، يعظّمه ويطهّره، فلمّا أسلم فتيان بني

ص: 59


1- القاموس المحيط: 4/335 مادة (رضا) ونص ما جاء فيه: «رضا: بيت صنم لربيعة».
2- القاموس المحيط: 3/42 مادة (سوع).
3- معجم البلدان للحموي: 2/384.
4- كنز الفوائد لأبي الفتح الكراجكي: 1/215 و بحار الأنوار: 21/375.

سلمة، كانوا يدخلون بالليل على صنمه فيحملونه، ويطرحونه في بعض حفر بني سلمة، وفيها عذر بني سلمة منكّساً على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال: ويلكم من عدا على إلهنا هذه الليلة ثمّ يغدو فيلتمسه، فإذا وجده غسله وطيّبه، ثمّ يقول: واللَّه لو أعلم من يصنع بك هذا لأخزينّه. يفعلون به ذلك كلّ ليلة، فلمّا ألحّوا عليه جاء بسيفه فعلّقه عليه، ثمّ قال له: إن كان فيك خير فهذا السيف معك. فلمّا أمسى عدوا عليه وأخذوا السيف من عنقه، ثمّ أخذوا كلبا ميّتاً فقرنوه معه بحبل ثمّ ألقوه في بئر من آبار بني سلمة فيها عذر الناس، وغدا عمرو يبتغيه حتّى وجده مقروناً بكلب فأبصر رشده، وكلّم من أسلم من قومه، فأسلم وقال:

تاللَّه لو كنت إلها لم تكن * أنت وكلب وسط بئر في قرن(1)

وعن أبي رجاء العطاردي: بعث النبيّ صلى الله عليه وآله ونحن على ماء لنا، وكان لنا صنم مدوّر، فحملناه على قتب، وانتقلنا من ذلك الماء إلى غيره، فمررنا برملة، فانسلّ الحجر فوقع في رمل فغاب فيه، فلمّا رجعنا إلى الماء فقدنا الحجر، فرجعنا في طلبه، فإذا هو في رمل قد غاب فيه فاستخرجناه. فقلت: إنّ إلها لم يمنَع من تراب يغيب فيه لإله سوء، وإنّ العنز لتمنع حياها بذنبها. فكان ذلك أوّل إسلامي، فرجعت إلى المدينة، وقد توفّي النبيّ صلى الله عليه وآله(2).

وقالوا: كان لسعد العشيرة صنم يقال له: فرّاض، ويقال لسادنه يقال له: ابن وقشة، وكان له رئي يخبره بما يكون، فأتاه فقال له: «اسمع العجب العجاب، بعث أحمد بالكتاب، بمكّة لا يجاب».

ص: 60


1- السيرة النبويّة لابن هشام: 2/309؛ اسد الغابة لابن الأثير: 4/93.
2- حلية الأولياء لأبي نعيم: 2/305.

فحكى ابن وقشة ذلك لرجل من قومه، فلمّا سمع الرجل بخروج النبيّ صلى الله عليه وآله قام إلى الصنم فحطّمه، ثمّ أتى النبيّ صلى الله عليه وآله فأسلم، وقال:

تبعت رسول اللَّه إذ جاء بالهدى * وخلّفت فرّاضاً بأرض هوان

شددت عليه شدّة فتركته * كأن لم يكن والدهر ذو حدثان

ولمّا رأيت اللَّه أظهر دينه * أحببت رسول اللَّه حين دعاني

فمن مبلغ سعد العشرية أنّني * شريت الذي يبقى بآخر فان(1)

وقالوا: كان لبني عذرة صنم يقال له: حمام، وكان في بني هند بن حزام، وسادنه رجل منهم يقال له: طارق.

فلمّا بعث النبيّ صلى الله عليه وآله سمعوا منه صوتاً يقول: يا بني هند بن حزام، ظهر الحقّ وأودى حمام، ودفع الشرك الإسلام، ففزعوا. ثمّ سمعوا بعد أيّام صوتاً يقول: يا طارق بعث النبيّ الصادق بوحي ناطق. صدع صادع بأرض تهامه، لناصريه السلامة، ولخاذليه الندامة. هذا الوداع منّي إلى يوم القيامة. ثمّ وقع الصنم لوجهه. فأتى زمل العذري ونفر من قومه إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وأخبروه بما سمعوا فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: ذاك كلام مؤمن من الجنّ. فأسلموا، وقال زمل:

إليك رسول اللَّه أعملت نصّها

أكلّفها حزناً وفوزاً من الرمل(2)

وقالوا: كان لجهينة صنم، فرأى سادنه في النوم من يقول: تقشّعت الظلماء، وسطع الضياء، وبعث خاتم الأنبياء. أقبل حقّ فسطع، ودمغ باطل فانقمع. فكسر

ص: 61


1- كنز الفوائد للكراجكي: 1/207؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: 1/342؛ بحار الأنوار: 18/102.
2- كنز الفوائد للكراجكي: 1/209؛ بحار الأنوار: 18/102.

الصنم ولحق بالنبيّ صلى الله عليه وآله، وقال:

شهدت بأنّ اللَّه حقّ وأنّني * لآلهة الأحجار أوّل تارك

وشمّرت عن ساق الازار مهاجرا * إليك أجوب الوعث بعد الدكادك

فبعثه النبيّ صلى الله عليه وآله إلى قومه، فأسلموا إلّا رجلا منهم كذّبه، فقال له: أمرّ اللَّه عيش الأكذب منّي ومنك، وأبكم لسانه، وأكمه إنسانه. فما مات حتّى عمّي وافتقر وأبكم(1).

وفي الأسد: كان لأحمر بن سواء السدوسي صنم يعبده، فألقاه في بئر ثمّ أتى النبيّ صلى الله عليه وآله فبايعه(2).

وفيه: كان اسم راشد بن حفص ظالما، وقيل: غاويا. فسمّاه النبيّ صلى الله عليه وآله راشدا، وكان سادن صنم بني سليم يدعى سواعا فكسره(3).

وأنّه لمّا فتح النبيّ صلى الله عليه وآله مكّة كان فيها ثلاثمائة وستّون صنماً بعضها مشدود ببعض بالرصاص، فأنفذ أبو سفيان من ليلة مناة إلى الحبشة، ومنها إلى الهند فهيّؤوا لها داراً من مغناطيس، فتعلّقت في الهواء إلى أيّام محمود بن سبكتكين، فلمّا غزاها أخذها وكسرها، ونقلها إلى اصفهان وجعلت تحت مارّة الطريق(4).

وفي الكامل الجزري في فتح مكّة: وكان على الكعبة ثلاثمائة وستّون صنماً، وكان بيد النبيّ صلى الله عليه وآله قضيب، فكان يشير به إلى الأصنام وهو يقرأ... «جَاءَ الْحَقُّ

ص: 62


1- كنز الفوائد للكراجكي: 1/209؛ بحار الأنوار: 18/103.
2- اسد الغابة: 1/54.
3- اسد الغابة: 2/149.
4- المناقب لابن شهر آشوب: 1/209.

وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً»(1)، فلا يشير إلى صنم منها إلّا سقط لوجهه(2).

وعن أبي مريم قال: قال عليّ عليه السلام: انطلق بي النبيّ صلى الله عليه وآله إلى الأصنام، فقال: اجلس، فجلست إلى جنب الكعبة، ثمّ صعد النبيّ صلى الله عليه وآله على منكبي، ثمّ قال: انهض بي إلى الصنم، فنهضت به، فلمّا رأى ضعفي تحته، قال: اجلس، فجلست وأنزلته عنّي، وجلس لي النبيّ صلى الله عليه وآله، ثمّ قال لي: يا علي اصعد إلى منكبي، فصعدت على منكبيه، ثمّ نهض بي النبيّ صلى الله عليه وآله، فلمّا نهض بي خيّل لي أنّي لو شئت نلت السماء، وصعدت على الكعبة، وتنحّي النبيّ صلى الله عليه وآله فألقيت صنمهم الأكبر صنم قريش، وكان من نحاس موتّدا بأوتاد من حديد إلى الأرض، فقال لي النبيّ صلى الله عليه وآله: عالجه، فعالجته، فما زلت أعالجه والنبيّ صلى الله عليه وآله يقول: إيه إيه إيه، فلم أزل أعالجه حتّى استمكنت منه، فقال: «دقه» فدققته، وكسرته ونزلت(3).

ولمّا أراد النبيّ صلى الله عليه وآله السير إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة الدوسي يهدمه، وأمره أن يستمدّ قومه ويوافيه بالطائف، فخرج سريعاً إلى قومه فهدم ذا الكفين، وجعل يحش النار في وجهه ويحرقه ويقول:

يا ذا الكفّين لست من عبّادكا * ميلادنا أقدم من ميلادكا

إنّي حششت النار في فؤادكا(4)

ولمّا وفد خولان على النبيّ صلى الله عليه وآله وأسلموا قال لهم: ما فعل عمّ أنس - صنم لهم -

ص: 63


1- سورة الإسراء: 81.
2- الكامل لابن أثير: 2/252، سنة 8.
3- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 13/304/ش 7282.
4- الطبقات لابن سعد: 2/157.

قالوا: بشرّ وعرّ، أبدلنا اللَّه به ما جئت به، ولو قد رجعنا إليه هدمناه، فلمّا رجعوا فلم يحلّوا عقدة حتّى هدموه(1).

ومن سرايا النبيّ صلى الله عليه وآله سريّة خالد بن الوليد بعد فتح مكّة لهدم العزّى ببطن نخلة، وسريّة عمرو بن العاص لهدم سواع برهاط من بلاد هذيل في شهر رمضان سنة ثمان(2).

ومن سرايا النبيّ صلى الله عليه وآله سريّة عليّ عليه السلام لهدم الفلس صنم طيّ، وكان مقلّداً بسيفين أهداهما إليه الحارث بن أبي شمر، وهما مخذم ورسوب، وفيهما يقول علقمة:

مظاهر سربالي حديد عليهما * عقيلا سيوف مخذم ورسوب

فأتى بهما النبيّ صلى الله عليه وآله(3).

وأنّ جذيمة الأبرش اتّخذ صنمين يقال لهما: الضيزنان، ومكانهما بالحيرة معروف، وكان يستسقي بهما، ويستنصر بهما على العدو، فغزا أيادا، فبعثوا قوما، فسقوا سدنة الصنمين الخمر وسرقوهما، فبعثوا إلى جذيمة: إنّ صنميك أصبحا فينا، زهدا فيك ورغبة فينا، فإن أوثقت لنا أن لا تغزونا رددناهما إليك(4).

ورووا عن هشام الكلبي في قصّة أساف ونافلة: أنّ أسافاً كان رجلاً من جرهم يقال له: أساف بن يعلي، وأنّ نائلة كانت بنت زيد من جرهم، وكان يتعشّقها بأرض اليمن، فأقبلا حاجّين فدخلا الكعبة، فوجدا غفلة من الناس وخلوة في البيت، ففجر بها في البيت فمسخا، فأصبحوا فوجدوهما مسخين فوضعا عند

ص: 64


1- الطبقات لابن سعد: 1/324.
2- أنساب الأشراف للبلاذري: 1/381، ش 814 و815.
3- أنساب الأشراف للبلاذري: 1/382، ش 822.
4- تاريخ الطبري: 1/440.

الكعبة ليتّعظ بهما الناس، فلمّا طال مكثهما وعبدت الأصنام عبدا معها فكانوا ينحرون ويذبحون عندهما إلى أن كسرهما النبيّ صلى الله عليه وآله يوم الفتح في ما كسر من الأصنام(1) ولكن في خبر مسعدة أنّهما كانا شابّين صبيحين، وكان بأحدهما تأنيث، وكانا يطوفان بالبيت فصادفا من البيت خلوة، فأراد أحدهما صاحبه، ففعل، فمسخهما اللَّه تعالى، فقالت قريش: لو لا أنّ اللَّه رضي أن يعبد هذان معه ما حوّلهما عن حالهما(2).

وَالْآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ

«والآثام بكم معصوبة» أي: مشدودة، يقال: عصب رأسه بعصابة. كانوا يزنون، ويشربون، ويسرقون، ويقامرون، قال ابن قتيبة: إنّه لمّا رحل الأعشى - وهو ابن قيس قتيل الجوع - إلى النبيّ صلى الله عليه وآله في صلح الحديبيّة، فسأله أبو سفيان عن وجهه الّذي يريد، فقال: أردت محمّداً. قال: إنّه يحرم عليكم الخمر، والزنا، والقمار. قال: أمّا الزنا فقد تركني ولم أتركه، وأمّا الخمر فقد قضيت منها وطرا، وأمّا القمار فلعلّي أصيب منه عوضا(3).

وقالوا: ان عمرو بن كلثوم، وزهير بن جناب، وعامر ملاعب الأسنّة ممّن غضبوا فشربوا خمرهم صرفاً حتّى ماتوا(4).

وقيل لحنظلة بن الشرقي: ما أدنى آثامك ليلة الدير قال: نزلت بديرانية، فأكلت

ص: 65


1- معجم البلدان للحموي: 1/170.
2- الكافي (ط - الإسلاميّة): 4/546، ح 29، بحار الأنوار: 3/249/ح 3.
3- الشعر والشعراء: 1/250، ش 433.
4- الشعر والشعراء: 1/367، ش 647.

عندها طفشليا - أي: مرقا - بلحم خنزير، وشربت من خمرها، وزنيت بها، وسرقت كأسها ومضيت(1).

وجعل عمرو بن لحي الخزاعي فتح باب الكعبة وغلفه إلى أبي غبشان الخزاعي، فباعه أبو غبشان من قصيّ ببعير وزقّ خمر، فقال شاعر:

إذا افتخرت خزاعة في قديم * وجدنا فخرها شرب الخمور

وباعت كعبة الرحمن جهراً * بزقّ بئس مفتخر الفخور(2)

وقالوا: كان سبب الفجار الثاني من الفجار الأربعة أنّ فتية من قريش قعدوا إلى امرأة من بني عامر بن صعصعة بسوق عكاظ، وعليها برقع، وهي في درع فضل، فأعجبهم ما رأوا من هيئتها، فسألوها أن تسفر عن وجهها، فأبت عليهم، فأتى أحدهم من خلفها، فشدّ ذيلها بشوكة إلى ظهرها، وهي لا تدري، فلمّا قامت تقلص الدرع عن دبرها، فضحكوا وقالوا: منعتنا النظر إلى وجهها، فقد رأينا دبرها. فنادت المرأة يا آل عامر فتثاور الناس، ووقع يوم الفجار الثاني(3).

وقصة ذات النحيين التي يضرب بها المثل، ويقال: اشغل من ذات النحيين ، معروفة كانت امرأة من تيم اللَّه بن ثعلبة تبيع السمن، فأتاها خوّات بن جبير الانصاري ليتباع منها سمنا، فلم ير عندها احداً فطمع فيها وساومها، فحلت نحيا فنظر إليه ثم قال: امسكيه حتى انظر إلى غيره فامسكته وقال: حلّي نحيا آخر، ففعلت ونظر إليه فقال: اريد غير هذا، امسكيه شرد بعيري. ففعلت، فلمّا شغلت

ص: 66


1- الشعر والشعراء: 1/376، ش 659.
2- مروج الذهب: 2/31.
3- نهاية الأرب في فنون الأدب (النويري): 15/424.

يديها ساورها، فلم تقدر على دفعه حتى قضى ما أراد وهرب فقال:

شغلت يديها اذا اردت خلاطها * بنحيين من سمن ذوي عجرات

فأخرجته ريّان ينطف رأسه * من الرامل المذموم بالمقرات

ثمّ أسلم وشهد بدراً، فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله: كيف شراؤك يا خوّات وتبسّم. فقال: رزق اللَّه خيرا، وأعوذ باللَّه من الحور بعد الكور.

وفي رواية قال له النبيّ صلى الله عليه وآله: ما فعل بعيرك أشرد عليك فقال: أمّا منذ عقله الإسلام فلا(1).

وخوّات هذا هو الذي شهد حفر الخندق، وكان في ذاك الوقت لم يحلّ الإفطار في ليالي شهر رمضان بعد صلاة العشاء والنوم فنام ليلة ولم يفطر، فانتبه وقد حرّم عليه الأكل، ولمّا أصبح وحفر غشي عليه، فرقّ له النبيّ صلى الله عليه وآله، وأنزل تعالى به: «وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ»(2).(3)

ولألفهم واعتيادهم بالآثام سألت هذيل النبيّ صلى الله عليه وآله أن يحلّ لهم الزنا، فقال حسّان:

سألت هذيل رسول اللَّه فاحشة * ضلّت هذيل بما سألت ولم تصب(4)

وسألت بنو عمرو بن عمير من ثقيف وبنو المغيرة من مخزوم النبيّ صلى الله عليه وآله أن يحلّ لهم الربا، فنزلت كما في (أسباب نزول الواحدي) آية «وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ

ص: 67


1- مجمع الأمثال (الميداني): 1/390؛ الاستيعاب: 2/456؛ اسد الغابة: 2/125.
2- سورة البقرة: 187.
3- الكافي (ط - الإسلاميّة): 4/98، ح 4؛ بحار الأنوار: 20/267، ح 21.
4- أنساب الأشراف: 11/257؛ اسد الغابة: 5/282.

كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ»(1).(2)

وعن الباقرعليه السلام: إنّ ناساً أتوا النبيّ صلى الله عليه وآله بعد ما أسلموا، فقالوا: يا رسول اللَّه أيؤخذ الرجل منّا بما كان عمل في الجاهليّة بعد إسلامه؟ فقال لهم النبيّ صلى الله عليه وآله: من حسن اسلامه وصحّ يقين إيمانه لم يأخذه اللَّه تعالى بما عمل في الجاهليّة، ومن سخف إسلامه، ولم يصحّ يقين إيمانه أخذه اللَّه تعالى بالأوّل والآخر(3).

قال المحقّق التستري رحمه الله: ومصداق الأوّل خوّات المتقدّم صاحب ذات النحيين، ومصداق الثاني المغيرة بن شعبة، غدر في جاهليّته بجمع فقتلهم وأخذ أموالهم، وصار في إسلامه سبباً لتصدي الرجلين الأجنبيين لخلافة النبيّ صلى الله عليه وآله، وصار سبباً لاستلحاق معاوية زياداً به، واستخلافه ابنه السكّير القمّير، كما أنّ جمعاً أسلموا لو كانوا بقوا على شركهم كانوا أهون عذاباً، وهم الذين عملوا مع أهل بيت نبيّهم ما عملوا «وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً»(4).(5)

ومنها: فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلّا أَهْلُ ....

ومنها: فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلّا أَهْلُ بَيْتِي فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ وَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى وَشَرِبْتُ عَلَى الشَّجَا وَصَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ الْكَظَمِ وَعَلَى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ الْعَلْقَمِ

اختلفت الروايات في قصّة السقيفة فالذي تقوله الشيعة وقد قال قوم من

ص: 68


1- سورة البقرة: 287 - 279.
2- أسباب النزول للواحدي: 93.
3- الكافي (ط - الإسلاميّة): 2/461، ح 1؛ بحار الأنوار: 67/177، ح 37.
4- سورة الإسراء: 82.
5- بهج الصباغة: 2/173.

المحدّثين بعضه ورووا كثيراً منه أنّ عليّاًعليه السلام امتنع من البيعة حتّى أخرج كرها وأن الزبير بن العوام امتنع من البيعة وقال لا أبايع الّا عليّاًعليه السلام وكذلك أبو سفيان بن حرب وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس والعبّاس بن عبد المطلب وبنوه وأبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب وجميع بني هاشم وقالوا إنّ الزبير شهر سيفه فلما جاء عمر ومعه جماعة من الأنصار وغيرهم قال في جملة ما قال خذوا سيف هذا فاضربوا به الحجر ويقال إنه أخذ السيف من يد الزبير فضرب به حجرا فكسره وساقهم كلّهم بين يديه إلى أبي بكر فحملهم على بيعته ولم يتخلف إلّا عليّ عليه السلام وحده فإنّه اعتصم ببيت فاطمةعليها السلام فتحاموا إخراجه منه قسرا فقامت فاطمةعليها السلام إلى باب البيت فأسمعت من جاء يطلبه فتفرقوا وعلموا أنه بمفرده لا يضر شيئا فتركوه.

وقيل انّهم أخرجوه فيمن أخرج وحمل إلى أبي بكر فبايعه.

وقد روى أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري كثيراً من هذا(1).

فأمّا حديث التحريق وما جرى مجراه من الأُمور الفظيعة وقول من قال إنّهم أخذوا عليّاًعليه السلام يقاد بعمامته والناس حوله فأمر بعيد والشيعة تنفرد به على أن جماعة من أهل الحديث قد رووا نحوه وسنذكر ذلك.

وقال أبو جعفر إنّ الأنصار لمّا فاتها ما طلبت من الخلافة قالت أو قال بعضها لا نبايع إلّا عليّاً وذكر نحو هذا عليّ بن عبدالكريم المعروف بابن الأثير الموصلي في تاريخه(2).

ص: 69


1- تاريخ الطبري: 3/203 وما بعدها.
2- الكامل لابن الأثير: 2/220 وما بعدها.

فأمّا قوله لم يكن لي معين إلّا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت فقول ما زال عليّ عليه السلام يقوله ولقد قاله عقيب وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال لو وجدت أربعين ذوي عزم لقاتلت؛ ذكر ذلك نصر بن مزاحم في كتاب صفين وذكر كثير من أرباب السيرة.

وعن سلمان الفارسيّ، والمقداد، وأبي ذرّ، قالوا: إنّ رجلا فاخر علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: يا علي، فاخر أهل الشرق والغرب العرب والعجم فأنت أقربهم نسباً، وابن عم رسول اللَّه، وأكرمهم نفسا وأكرمهم (في البحار: أعلاهم) رفعة، وأكرمهم ولدا، وأكرمهم أخا، وأكرمهم عمّا، وأعظمهم حلما، واعظهم حكماً، وأقدمهم سلما، واكثرهم علماً، وأعظمهم غنى في نفسك ومالك وأنت أقرأهم لكتاب اللَّه عزّ وجلّ، وأعلاهم نسبا، وأشجعهم في لقاء الحرب قلبا، وأجودهم كفا، وأزهدهم في الدنيا، وأشهدهم جهادا، وأحسنهم خلقا، وأصدقهم لسانا، وأحبهم إلى اللَّه وليّاً (واليّ).

وستبقى بعدي ثلاثين سنة تعبد اللَّه وتصبر على ظلم قريش لك ثمّ تجاهدهم في سبيل اللَّه إذا وجدت أعوانا فتقاتل على تأويل القرآن، كما قاتلت على تنزيله، ثم تقتل شهيدا وتخضب لحيتك من دم رأسك، قاتلك يعدل عاقر ناقة صالح في البغضاء للَّه والبعد من اللَّه.

يا علي، إنّك بعدي مغلوب، فاصبر في الأذى في اللَّه، وفيّ محتسبا، أجرك غير ضائع، فجزاك اللَّه عن الإسلام خيراً بعدي(1).

ص: 70


1- الروضة في فضائل أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهما السلام لابن شاذان القمي: 145، ح 126؛ بحار الأنوار: 29/461، ح 49.

وعن إسحاق بن موسى(1) عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام قال:

خطب أميرالمؤمنين عليه السلام خطبة بالكوفة فلمّا كان في آخر كلامه قال: أَلا وَإِنِّي لَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ وَمَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فَقَامَ أَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ لَمْ تَخْطُبْنَا خُطْبَةً مُنْذُ قَدِمْتَ الْعِرَاقَ إِلّا وَقُلْتَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ، فَمَا زِلْتُ مَظْلُوماً مُنْذُ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَلَمَّا وَلِيَ تَيْمٌ(2) وَعَدِيٌّ(3)، أَلّا ضَرَبْتَ بِسَيْفِكَ دُونَ ظُلامَتِكَ.

فَقَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ: يَا ابْنَ الْخَمَّارَةِ قَدْ قُلْتَ قَوْلاً فَاسْمَعْ منّي، وَاللَّهِ مَا مَنَعَنِي الجُبن ولا كراهِية الموت ولا مَنعني ذَلِكَ إِلّا عَهْدُ أَخِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، أَخْبَرَنِي وَقَالَ لِي: يَا أَبَا الْحَسَنِ إِنَّ الْأُمَّةَ سَتَغْدِرُ بِكَ وَتَنْقُضُ عَهْدِي، وَإِنَّكَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَعْهَدُ إِلَيَّ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتَ أَعْوَاناً فَبَادِرْ إِلَيْهِمْ وَجَاهِدْهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَجِدْ أَعْوَاناً فَكُفَّ يَدَكَ وَاحْقِنْ دَمَكَ حَتَّى تَلْحَقَ بِي مَظْلُوماً.

فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ اشْتَغَلْتُ بِدَفْنِهِ وَالْفَرَاغِ مِنْ شَأْنِهِ، ثُمَّ آلَيْتُ يَمِيناً(4) أَنِّي لا أَرْتَدِي إِلّا لِلصَّلاةِ حَتَّى أَجْمَعَ الْقُرْآنَ، فَفَعَلْتُ، ثُمَّ أَخَذْتُهُ

ص: 71


1- إسحاق بن موسى عدّه الشيخ في أصحاب الإمام الرضاعليه السلام وكان يلقّب بالامين كما في عمدة الطالب وتوفّي سنة 240 كما في منتهى الآمال للشيخ عبّاس القمي.
2- تيم: في قريش رهط أبي بكر وهو تيم بن مرّة.
3- عدي: قبيلة من قريش وهم رهط عمر بن الخطّاب.
4- آليت: أقسمت.

وَجِئْتُ بِهِ فَأَعرَضتهُ عَلَيْهِم قَالوا لا حاجَةَ لَنَا بِهِ ثمّ أَخَذتُ بِيَدِ فَاطِمَةَ وَابْنَيَّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ثُمَّ دُرْتُ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ وَأَهْلِ السَّابِقَةِ فَنَاشَدْتُهُمْ حَقِّي وَدَعَوْتُهُمْ إِلَى نَصْرِي، فَمَا أَجَابَنِي مِنْهُمْ إِلّا أَرْبَعَةُ رَهْطٍ سَلْمَانُ وَعَمَّارٌ وَالْمِقْدَادُ وَأَبُو ذَرٍّ، وَذَهَبَ مَنْ كُنْتُ أَعْتَضِدُ بِهِمْ عَلَى دِينِ اللَّهِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَبَقِيتُ بَيْنَ خَفِيرَتَيْنِ قَرِيبَيِ الْعَهْدِ بِجَاهِلِيَّةٍ عَقِيلٍ وَالْعَبَّاسِ.

فَقَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ: كَذَلِكَ كَانَ عُثْمَانُ لَمَّا لَمْ يَجِدْ أَعْوَاناً كَفَّ يَدَهُ حَتَّى قُتِلَ.

فَقَالَ لَهُ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ: يَا ابْنَ الْخَمَّارَةِ لَيْسَ كَمَا قِسْتَ، إِنَّ عُثْمَانَ لَمَّا جَلَسَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ، وَارْتَدَى بِغَيْرِ رِدَائِهِ، وَصَارَعَ الْحَقَّ فَصَرَعَهُ الْحَقُّ، وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ لَوْ وَجَدْتُ يَوْمَ بُويِعَ أَخُو تَيْمٍ أَرْبَعِينَ رَهْطاً لَجَاهَدْتُهُمْ فِي اللَّهِ إِلَى أَنْ أُبْلِيَ عُذْرِي.

ثُمَّ قَال: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الْأَشْعَثَ لا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، وَإِنَّهُ أَقَلُّ فِي دِينِ اللَّهِ مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ(1).(2)

وأمّا الذي يقوله جمهور المحدّثين وأعيانهم فانّه عليه السلام امتنع من البيعة ستّة أشهر ولزم بيته فلم يبايع حتّى ماتت فاطمةعليها السلام فلمّا ماتت بايع طوعاً.

وفي صحيحي مسلم والبخاري: كانت وجوه الناس إليه وفاطمة باقية بعد فلمّا ماتت فاطمةعليها السلام انصرفت وجوه الناس عنه وخرج من بيته فبايع أبا بكر وكانت مدة بقائها بعد أبيهاعليها السلام ستة أشهر(3).

ص: 72


1- العفطة من الشاة: كالعطاس من الإنسان.
2- الاحتجاج على أهل اللجاج للطبرسي: 1/190؛ بحار الأنوار: 29/419، ح 2.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/21؛ بحار الأنوار: 28/310، ش 51.

وروى أحمد بن عبد العزيز قال: لما بويع لأبي بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى علي وهو في بيت فاطمة فيتشاورون ويتراجعون أمورهم فخرج عمر حتّى دخل على فاطمةعليها السلام وقال: يا بنت رسول اللَّه ما من أحد من الخلق أحب إلينا من أبيك وما من أحد أحب إلينا منك بعد أبيك وايم اللَّه ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم فلما خرج عمر جاؤوها فقالت تعلمون أن عمر جاءني وحلف لي باللَّه إن عدتم ليحرقن عليكم البيت وايم اللَّه ليمضين لما حلف له فانصرفوا عنا راشدين فلم يرجعوا إلى بيتها وذهبوا فبايعوا لأبي بكر(1).

ومن كتاب معاوية المشهور إلى علي عليه السلام: وأعهدك أمس تحمل قعيدة بيتك ليلا على حمار ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع أبو بكر فلم تدع أحدا من أهل بدر والسوابق إلّا دعوتهم إلى نفسك ومشيت إليهم بامرأتك وأدليت إليهم بابنيك واستنصرتهم على صاحب رسول اللَّه فلم يجبك منهم إلّا أربعة أو خمسة ولعمري لو كنت محقّا لأجابوك ولكنّك ادّعيت باطلا وقلت ما لا يعرف ورمت ما لا يدرك ومهما نسيت فلا أنسى قولك لأبي سفيان لما حركك وهيجك لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم فما يوم المسلمين منك بواحد(2).

روى أبو بكر أحمد بن عبد العزيز عن حباب بن يزيد عن جرير بن المغيرة أن سلمان والزبير والأنصار كان هواهم أن يبايعوا علياعليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله فلما بويع أبو بكر قال سلمان أصبتم الخبرة وأخطأتم المعدن(3).

ص: 73


1- السقيفة وفدك: 38؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/45؛ بحار الأنوار: 28/313.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/47؛ بحار الأنوار: 28/313.
3- السقيفة وفدك: 43؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/49؛ بحار الأنوار: 28/313.

وعن حبيب بن أبي ثابت قال: قال سلمان يومئذ أصبتم ذا السن منكم وأخطأتم أهل بيت نبيكم لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم اثنان ولأكلتموها رغدا(1).

وروي أيضا عن غسان بن عبد الحميد قال: لمّا أكثر في تخلف علي عليه السلام عن بيعة أبي بكر واشتد أبو بكر وعمر عليه في ذلك خرجت أم مسطح بن أثاثة فوقفت عند القبر وقالت:

كانت أمور وأبناء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل قومك فاشهدهم ولا تغب(2)

وروي أيضا منه عن أبي الأسود قال: غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة وغضب علي عليه السلام والزبير فدخلا بيت فاطمةعليها السلام معهما السلاح فجاء عمر في عصابة منهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش وهما من بني عبد الأشهل فصاحت فاطمةعليها السلام وناشدتهم اللَّه فأخذوا سيفي علي والزبير فضربوا بهما الجدار حتّى كسروهما ثم أخرجهما عمر يسوقهما حتّى بايعا ثم قام أبو بكر فخطب الناس واعتذر إليهم وقال: إنّ بيعتي كانت فلتة وقى اللَّه شرّها وخشيت الفتنة وايم اللَّه ما حرصت عليها يوما قط ولقد قلّدت أمرا عظيما ما لي به طاقة ولا يدان ولوددت أن أقوى الناس عليه مكاني وجعل يعتذر إليهم فقبل المهاجرون عذره إلى آخر ما رواه(3).

ص: 74


1- السقيفة وفدك: 43؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/49؛ بحار الأنوار: 28/314.
2- السقيفة وفدك: 43؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/50؛ بحار الأنوار: 28/314.
3- السقيفة وفدك: 44؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/50؛ بحار الأنوار: 28/314.

وقد روي بإسناد آخر ذكره أن ثابت بن قيس بن شماس كان مع الجماعة الذين حضروا مع عمر في بيت فاطمةعليها السلام وثابت هذا أخو بني الحارث بن الخزرج(1).

وروي أيضاً أنّ محمّد بن مسلمة كان معهم وأنّ محمداً هو الذي كسر سيف الزبير(2).

وعن سلمة بن عبد الرحمن قال: لمّا جلس أبو بكر على المنبر كان علي عليه السلام والزبير وناس من بني هاشم في بيت فاطمة فجاء عمر إليهم فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقنّ البيت عليكم فخرج الزبير مصلتا سيفه فاعتنقه رجل من الأنصار وزياد بن لبيد فبدر السيف فصاح به أبو بكر وهو على المنبر اضرب به الحجر فدق به قال أبو عمرو بن حماس فلقد رأيت الحجر فيه تلك الضربة ويقال هذه ضربة سيف الزبير ثم قال أبو بكر: دعوهم فسيأتي اللَّه بهم قال: فخرجوا إليه بعد ذلك فبايعوه.

وقد روى الجوهري في رواية أخرى: أن سعد بن أبي وقاص كان معهم في بيت فاطمةعليها السلام والمقداد بن الأسود أيضا وأنهم اجتمعوا على أن يبايعوا علياعليه السلام فأتاهم عمر ليحرق عليهم البيت فخرج إليه الزبير بالسيف وخرجت فاطمةعليها السلام تبكي وتصيح فنهنهت من الناس وقالوا ليس عندنا معصية ولا خلاف في خير اجتمع عليه الناس وإنما اجتمعنا لنؤلف القرآن في مصحف واحد ثم با

ص: 75


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/50؛ بحار الأنوار: 28/315.
2- السقيفة وفدك: 45؛ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/51؛ بحار الأنوار: 28/315.

يعوا أبا بكر فاستمر الأمر واطمأن الناس(1).

وقد روى الجوهري أيضاً عن داود بن المبارك قال: أتانا عبداللَّه بن موسى بن عبداللَّه بن حسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب ونحن راجعون من الحج في جماعة فسألناه عن مسائل وكنت أحد من سأله فسألته عن أبي بكر وعمر فقال: اجيبك بما أجاب به جدّي عبداللَّه بن الحسن بن الحسن فانّه سئل عنهما فقال: كانت أمنا فاطمة عليها السلام صدّيقة ابنة نبي مرسل فماتت وهي غضباء على قوم فنحن غضاب لغضبها(2).

وروى أيضاً باسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام، عن ابن عبّاس قال: قَالَ لِي عُمَرُ: أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كَانَ صَاحِبُكَ أَوْلَى النَّاسِ بِالْأَمْرِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِلّا أَنَّا خِفْنَاهُ عَلَى اثْنَتَيْنِ، قُلْتُ: مَا هُمَا؟ قَالَ: خَشِينَاهُ عَلَى حَدَاثَةِ سِنِّهِ وَحُبِّهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ(3).

وعن الشعبي قال: سأل أبو بكر فقال: أين الزبير؟ فقيل عند علي وقد تقلد سيفه فقال: قم يا عمر، قم يا خالد بن الوليد انطلقا حتّى تأتياني بهما، فانطلقا فدخل عمر وقام خالد على باب البيت من خارج فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ فقال: نبايع عليّا فاخترطه عمر فضرب به حجرا فكسره ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعه وقال: يا خالد دونكه فأمسكه ثم قال لعليّ: قم فبايع لأبي بكر فتلكأ واحتبس فأخذ بيده وقال: قم فأبى أن يقوم فحمله ودفعه كما دفع الزبير فأخرجه ورأت فاطمة ما صنع بهما فقامت على باب الحجرة وقالت: يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول اللَّه واللَّه لا أكلم عمر حتّى ألقى اللَّه إلى آخر ما رواه(4).

ص: 76


1- السقيفة وفدك: 50؛ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/56؛ بحار الأنوار: 28/315.
2- السقيفة وفدك: 72؛ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/49؛ بحار الأنوار: 28/316.
3- السقيفة وفدك: 52؛ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/57؛ بحار الأنوار: 28/316.
4- السقيفة وفدك: 51؛ وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/57.

ومنها: وَلَمْ يُبَايِعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ عَلَى...

ومنها: وَلَمْ يُبَايِعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ عَلَى الْبَيْعَةِ ثَمَناً فَلا ظَفِرَتْ يَدُ الْبَائِعِ وَخَزِيَتْ أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا وَأَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا وَعَلا سَنَاهَا وَاسْتَشْعِرُوا

اعلم أنّ هذا الفصل من كلامه بيان لحال عمرو بن العاص مع معاوية (و) يقول إنّ عمرواً (لم يبايع) لمعاوية (حتّى شرط أن يؤتيه) معاوية (على البيعة) مصر طعمة و(ثمناً فلا ظفرت) ولا فازت (يد البايع) وهو عمرو في بيعته بالثمن أو بما يأمله (وخزيت أمانة المبتاع) وهو معاوية وقال الشارح المعتزلي: البايع معاوية والمبتاع هو عمرو، ولعلّه نظر إلى أن معاوية باع مصر له ببيعته ولكنّه خلاف ظاهر الكلام حيث إنّه عليه السلام جعل البيعة مثمناً فيكون مصر ثمناً فالأظهر ما ذكرناه.

اعلم أنّ كيفيّة تلك المبايعة على ما رواه المحدّث العلّامة المجلسي والشارح المعتزلي جميعاً من كتاب الصفين لنصر بن مزاحم مع إسقاط الزوايد منّا هو أنّه عليه السلام حين قدم الكوفة بعد فراغه من قتال الناكثين كتب إلى معاوية كتاباً على ما يأتي ذكره في الكتاب في باب المختار من كتبه إن شاء اللَّه يدعوه فيه إلى البيعة وأرسل جرير بن عبداللَّه البجلي رسولاً إليه مع كتابه فقدم عليه به الشام فقرأه واغتم بما فيه وذهبت به أفكاره كل مذهب وطاول جريراً بالجواب عن الكتاب حتّى كلم قوماً من أهل الشام في الطلب بدم عثمان فأجابوه وبايعوه على ذلك وأوثقوا له على أن يبذلوا أنفسهم وأموالهم أو يدركوا ثاره أو يفنى اللَّه أرواحهم.

فلمّا أمسى معاوية اغتمّ بما هو فيه واستحثه جرير بالبيعة فقال: يا جرير إنها ليست بخلسة وإنّه أمر له ما بعده فابلغني ريقي حتّى أنظر، ودعا ثقاته فقال له أخوه عتبة بن أبي سفيان: استغن بعمرو بن العاص فانّه من قد علمت في دهائه

ص: 77

ورأيه وقد اعتزل أمر عثمان في حياته وهو لامرك أشدّ اعتزالاً إلّا أن يثمن له دينه فسيبيعك فانّه صاحب دنيا(1).

روى أنّ معاوية ذات يوم جمع أهله وعشيرته وأظهر له مكنون خاطره وانّه بصدد تحصيل الخلافة والحكومة بأيّ وجه اتّفق واستشارهم في ذلك الأمر، فقال له عتبة ابن أبي سفيان نعم المقصد مقصدك إلّا انّه لا يتمّ إلّا باستعانتك من عمرو بن العاص واستمدادك من مكره وحيلته فانّه من فرسان هذا الأمر ولا يدانيه فيه أحد من العرب.

فقال لأخيه: نعم الرأي رأيك إلّا انّ عمروا هواه مع عليّ وأنا أخاف ان دعوته إلى نفسي لا يوافقني عليه.

قال له أخوه حنظلة: انّ عمرواً لم يكن من أبناء الدّين ولكنّه من أبناء الدّنيا وانّه من الّذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة فاجبه بكلّ ما يرتضيه من الدرهم والدينار والمقام وغيرها.

فكتب معاوية إليه وهو في فلسطين لأنّه سار عن المدينة قبل أن يقتل عثمان نحوه وسبب ذلك على ما في الكامل انّه لمّا احيط بعثمان خرج عنها وسار معه ابناه عبداللَّه ومحمّد فسكن فلسطين فمرّ به راكب من المدينة فقال عمرو ما اسمك؟ قال: حصيرة. قال عمرو: حصر الرجل. وما الخبر؟ قال: تركت عثمان محصوراً.

ثمّ مرّ به راكب آخر بعد أيّام فقال له عمرو ما اسمك؟ قال: قتال. قال: قتل الرجل فما الخبر؟ قال: قتل عثمان.

ص: 78


1- وقعة صفّين: 27؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/75؛ بحار الأنوار: 32/366، ش 341.

ثمّ مرّ به راكب آخر بعد أيّام، فقال له عمر ما اسمك؟ قال: حرب، قال عمرو: ليكون حرب وقال له: ما الخبر؟ قال: بايع الناس عليّاً، فقال: فسلم ابن زنباع يا معشر العرب كان بينكم وبين العرب باب فكسر فاتّخذوا باباً غيره فقال عمرو: ذلك الّذي نريده انتهى(1).

فلمّا وصل إليه الكتاب وهو هذا: من معاوية بن أبي سفيان خليفة عثمان بن عفان إمام المسلمين وخليفة رسول رب العالمين ذي النورين ختن المصطفى على ابنتيه وصاحب جيش المعسرة وبئر رومة المعدوم الناصر الكثير الخاذل المحصور في منزله المقتول عطشا وظلما في محرابه المعذب بأسياف الفسقة إلى عمرو بن العاص صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وثقته وأمير عسكره بذات السلاسل المعظم رأيه المفخم تدبيره.

أمّا بعد فلن يخفى عليك احتراق قلوب المؤمنين وفجعتهم بقتل عثمان وما ارتكبه جاره بغيا وحسدا وامتناعه عن نصرته وخذلانه إياه حتّى قتل في محرابه فيا لها مصيبة عمت الناس وفرضت عليهم طلب دمه من قتله [قتلته] وأنا أدعوك إلى الحظ الأجزل من الثواب والنصيب الأوفر من حسن المآب بقتال من آوى قتلة عثمان.

فكتب إليه عمروبن العاص من عمرو بن العاص صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد وصل كتابك فقرأته وفهمته فأمّا ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقي والتهور في الضلالة معك وإعانتي إياك على

ص: 79


1- تاريخ الطبري: 3/558 سنة 36؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: 55/28؛ مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة: 5/204.

الباطل واختراط السيف في وجه علي بن أبي طالب عليه السلام وهو أخو رسول اللَّه ووصيه ووارثه وقاضي دينه ومنجز وعده وزوج ابنته سيدة نساء أهل الجنة وأبو السبطين سيدي شباب أهل الجنة وأما قولك إنك خليفة عثمان فقد صدقت ولكن تبين اليوم عزلك من خلافته وقد بويع لغيره فزالت خلافتك وأما ما عظمتني به ونسبتني إليه من صحبة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأنّي صاحب جيشه فلا أغتر بالتزكية ولا أميل بها عن الملّة.

وأما ما نسبت أبا الحسن أخا رسول اللَّه ووصيه إلى البغي والحسد لعثمان وسمّيت الصحابة فسقة وزعمت أنّه أشلاهم على قتله فهذا كذب وغواية ويحك يا معاوية أما علمت أنّ أبا الحسن بذل نفسه بين يدي رسول اللَّه وبات على فراشه وهو صاحب السبق إلى الإسلام والهجرة وقال فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: هو مني وأنا منه وهو مني بمنزلة هارون من موسى الّا أنه لا نبي بعدي.

وقال فيه يوم الغدير: من كنت مولاه فعليّ مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.

وقال فيه يوم حنين [خيبر]: لأعطين الراية غدا رجلا يحب اللَّه ورسوله ويحبه اللَّه ورسوله.

وقال فيه يوم الطير: اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك فلمّا دخل قال وإلي وإلي.

وقال فيه يوم النضير: عليّ إمام البررة وقاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله.

وقال فيه: علي وليكم بعدي.

وأكّد القول عَلَيّ وعليك وعلى جميع المسلمين.

ص: 80

وقال: إنّي مخلف فيكم الثقلين كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي.

وقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها.

وقد علمت يا معاوية ما أنزل اللَّه من الآيات المتلوات في فضائله التي لا يشركه فيها أحد كقوله تعالى: «يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً»(1) «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(2) «أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ»(3) «رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ»(4) «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى»(5).

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أما ترضى أن يكون سلمك سلمي وحربك حربي وتكون أخي وولييّ في الدنيا والآخرة يا أبا الحسن من أحبّك فقد أحبّني ومن أبغضك فقد أبغضني ومن أحبّك أدخله اللَّه الجنة ومن أبغضك أدخله اللَّه النار.

وكتابك يا معاوية الذي هذا جوابه ليس ممّا ينخدع به من له عقل ودين والسلام(6).

ثمّ انّ معاوية كتب إليه كتاباً آخر وهو:

أمّا بعد فإنّه كان من أمر عليّ وطلحة والزبير ما قد بلغك وقد سقط إلينا مروان

ص: 81


1- سورة الإنسان: 7.
2- سورة المائدة: 55.
3- سورة هود: 17.
4- سورة الأحزاب: 23.
5- سورة الشورى: 23.
6- كشف الغمّة في معرفة الأئمّة (ط - القديمة): 1/255؛ بحار الأنوار: 33/51، ش 395.

بن الحكم في نفر من أهل البصرة وقدم علينا جرير بن عبداللَّه في بيعة عليّ وقد حبست نفسي عليك حتّى تأتيني فأقبل أذاكرك أُمورا لا تعدم صلاح مغبتها إن شاء اللَّه.

فلما قدم الكتاب على عمرو استشار ابنيه عبداللَّه ومحمّداً فقال: ما تريان؟ فقال عبداللَّه: أرى أن نبيّ اللَّه قبض وهو عنك راض والخليفتان من بعده، وقتل عثمان وأنت عنه غائب فقر في منزلك فلست مجعولا خليفة ولا تزيد (تريد) على أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة أوشكتما أن تهلكا فتستويا (فتسويا خ ل) في عقابها وقال محمد: أرى أنّك شيخ قريش وصاحب أمرها وأن تصرم هذا الأمر وأنت فيه غافل تصاغر أمرك فالحق بجماعة أهل الشام وكن يدا من أيديها طالبا بدم عثمان فإنه سيقوم بذلك بنو أمية.

فقال عمرو: أما أنت يا عبداللَّه فأمرتني بما هو خير لي في ديني، وأنت يا محمد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي وأنا ناظر فيه فلمّا جَنّه الليل رفع صوته ينشد أبياتاً في ذلك ردّدها فقال عبداللَّه: ترحل الشيخ.

ودعا عمرو غلاما له يقال له وردان وكان داهيا ماردا فقال: أرحل يا وردان، ثم قال: احطط يا وردان ثم قال: ارحل يا وردان احطط يا وردان فقال له وردان: خلطت أبا عبداللَّه أما إنك إن شئت أنبأتك بما نفسك قال: هات ويحك قال:

اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك فقلت: علي معه الآخرة في غير دنيا وفي الآخرة عوض من الدنيا، ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة وليس في الدنيا عوض من الآخرة فأنت واقف بينهما قال: فإنّك واللَّه ما أخطأت فما ترى يا وردان؟ قال أرى أن تقيم في بيتك فإن ظهر أهل الدين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم

ص: 82

يستغنوا عنك قال الآن لما شهدت (شهرت خ ل) العرب مسيري إلى معاوية. فارتحل وهو يقول:

يا قاتل اللَّه وردانا وقدحته * أبدى لعمرك ما في النفس وردان

لما تعرضت الدنيا عرضت لها * بحرص نفسي وفي الأطباع إدهان

نفس تعف وأخرى الحرص يغلبها * والمرء يأكل تبنا وهو غرثان

أما علي فدين ليس يشركه * دنيا وذاك له دنيا وسلطان

فاخترت من طمعي دنيا على بصر * وما معي بالذي أختار برهان

وسار حتّى قدم إلى معاوية وعرف حاجة معاوية إليه فباعده من نفسه وكايد كلّ واحد منهما صاحبه فقال له معاوية يوم دخل عليه: أبا عبداللَّه طرقتنا في ليلتنا هذه ثلاثة أخبار ليس منها ورد ولا صدر قال: وما ذاك؟ قال: منها أن محمد بن أبي حذيفة قد كسر سجن مصر فخرج هو وأصحابه وهو من آفات هذا الدين، ومنها أن قيصر زحف بجماعة الروم إلي ليغلب على الشام، ومنها أن عليا نزل الكوفة متهيئا للمسير إلينا.

فقال عمرو: كلّ ما ذكرت عظيما أما ابن أبي حذيفة فما يتعاظمك من رجل خرج في أشباهه أن تبعث إليه خيلا تقتله أو تأتيك به وإن فاتك لا يضرك وأما قيصر فاهد له الوصايف وآنية الذهب والفضة وسله الموادعة فإنّه إليها سريع، وأمّا علي فلا واللَّه يا معاوية ما تسوي العرب بينك وبينه في شي ء من الأشياء وإن له في الحرب لحظا ما هو لأحد من قريش وإنه لصاحب ما هو فيه إلّا أن تظلمه.

وروى عمر بن سعد بإسناده قال معاوية لعمرو: يا أبا عبداللَّه إنّي أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى ربه وشقّ عصا المسلمين وقتل الخليفة وأظهر الفتنة

ص: 83

وفرق الجماعة وقطع الرحم، قال عمرو: إلى جهاد من؟ قال: علي قال عمرو: واللَّه يا معاوية ما أنت وعلي بعكمي بعير(1) ما لك هجرته ولا سابقته ولا صحبته ولا جهاده ولا فقهه ولا علمه وواللَّه إن له مع ذلك جدا وجدودا وحظا وحظوة وبلاء من اللَّه حسنا فما تجعل لي إن شايعتك على حربه وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر قال: حكمك قال: مصر طعمة قال: فتلكأ(2) عليه معاوية.

قال: إني أكره أن يتحدّث العرب عنك أنك إنّما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا.

قال: دعني عنك قال معاوية: إنّي لو شئت أن أخدعك لفعلت.

قال: مثلي يخدع؟ قال له: ادن منّي أسارّك. فدنا منه عمرو ليسارّه، فعض معاوية أذنه، وقال: هذه خدعة، هل ترى في بيتك أحدا غيري وغيرك فأنشأ عمرو يقول:

معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل * بذلك دنيا فانظرن كيف تصنع

فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة * أخذت بها شيخا يضر وينفع

وما الدين والدنيا سواء وإنني * لآخذ ما تعطي ورأسي مقنع

ولكنّني أغضي الجفون وإنني * لأخدع نفسي والمخادع يخدع

وأعطيك أمرا فيه للملك قوة * وإني به إن زلت النعل أصرع

وتمنعني مصرا وليست برغبة * وإني بذا الممنوع قدما لمولع

ص: 84


1- يقال: هما كعكمى البعير، للرجلين يتساويان في الشرف. والعكمان: عدلان يشدان على جنبي الهودج بثوب.
2- تلكا أي ماطل في الجواب.

قال له معاوية: ألم تعلم أنّ مصرا مثل العراق قال: بلى ولكنّها إنّما تكون لي إذا كانت لك وإنما تكون لك إذا غلبت عليا على العراق.

قال: فدخل عتبة بن أبي سفيان فقال: أما ترضى أن تشتري عمروا بمصر إن هي صفت لك فليتك لا تغلب على الشام فقال معاوية: يا عتبة بت عندنا الليلة.

قال: فلمّا جنّ الليل على عتبة رفع صوته يسمع معاوية بأبيات يحثّه فيها على ارضاء عمرو فلمّا سمع معاوية ذلك أرسل إلى عمرو وأعطاها إيّاه، فقال عمرو: ولي اللَّه عليك بذلك شاهد؟ قال: نعم لك اللَّه عَلَيّ بذلك إن فتح اللَّه واعطاها ايّاه علينا الكوفة.

فقال عمرو: «واللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ».

فخرج عمرو من عنده فقال له ابناه: ما صنعت؟ قال أعطانا مصر طعمة قالا: وما مصر في ملك العرب قال: لا أشبع اللَّه بطونكما إن لم تشبعكما مصر قال فأعطاها إيّاه(1).

وكتب له معاوية بمصر كتاباً وكتب على أن لا ينقض شرط طاعته فكتب عمرو أن لا ينقض طاعته شرطاً وكايد كل منهما صاحبه.

وكان مع عمرو ابن عم له فتى شاب وكان داهيا فلمّا جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتى وقال: ألا تخبرني يا عمرو بأيّ رأي تعيش في قريش أعطيت دينك ومنيت دنيا غيرك أترى أهل مصر وهم قتلة عثمان يدفعونها إلى معاوية وعلي حي؟ وأتراها إن صارت لمعاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه في

ص: 85


1- وقعة صفّين: 34؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/61، بحار الأنوار: 32/370، ش 343.

الكتاب؟ فقال عمرو: يا ابن الأخ إن الأمر للَّه دون علي ومعاوية وأنشد الفتى في ذلك شعرا فقال له عمرو: يابن عم لو كنت مع علي وسعني بيتي ولكني الآن مع معاوية فقال له الفتى: إنّك إن لم ترد معاوية لم يردك ولكنّك تريد دنياه ويريد دينك.

وبلغ معاوية قول الفتى فطلبه فهرب ولحق بعلي فحدّثه بأمر عمرو ومعاوية قال: فسرّ ذلك عليّا وقرّبه قال: وغضب مروان وقال: ما بالي لا أشتري كما اشترى عمرو فقال له معاوية: إنما نبتاع الرجال لك(1)

فلمّا بلغ عليّاً ما صنعه معاوية وعمرو قال:

يا عجبا لقد سمعت منكرا * كذبا على اللَّه يشيب الشعرا

يسترق السمع ويغشى البصرا * ما كان يرضى أحمد لو خبرا

أن يقرنوا وصيه والأبترا(2) * شاني الرسول واللعين الأخزرا

كلاهما في جنده قد عسكرا * قد باع هذا دينه فأفجرا(3)

من ذا بدنيا بيعه قد خسرا * بملك مصر إن أصاب الظفرا(4)

فلما كتب الكتاب قال معاوية لعمرو: ما ترى؟ قال: أمض الرأي الأول فبعث مالك بن هبيرة الكندي في طلب محمّد بن أبي حذيفة فأدركه فقتله، وبعث إلى قيصر بالهدايا فوادعه، ثم قال: ما ترى في علي؟ قال: إنه قد أتاك في طلب البيعة

ص: 86


1- وقعة صفّين: 40؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/67، بحار الأنوار: 32/374.
2- يعني بالأبتر العاص بن وائل، والد عمرو بن العاص، وفيه نزل قول اللَّه: «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» وبالأخزر عمرو بن العاص، وكأنّه كان أخزر ينظر بمؤخر عينيه.
3- أفجر: كذبك أو عصى، أو كفر ومثله فجر.
4- وقعة صفّين: 42؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/69.

خير أهل العراق ومن عند خير الناس في أنفس الناس ودعواك أهل الشام إلى رد هذه البيعة خطر شديد، ورأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي وهو عدو لجرير المرسل إليك فابعث إليه ووطن له ثقاتك فليفشوا في الناس أن عليّاً قتل عثمان وليكونوا أهل رضا عند شرحبيل فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب وإن تعلّقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشي ء أبدا.

فكتب إلى شرحبيل أن جرير بن عبداللَّه قدم علينا من عند عليّ بن أبي طالب بأمر مفظع فاقدم.

ودعا معاوية يزيد بن أسد وبسر بن أرطاة وعمرو بن سفيان ومخارق بن الحارث الزبيدي وحمزة بن مالك وحابس بن سعد الطائي وهؤلاء رؤوس قحطان واليمن وكانوا ثقات معاوية وخاصته وبني عم شرحبيل بن السمط فأمرهم أن يلقوه ويخبروه أن عليا قتل عثمان.

فلمّا قدم كتاب معاوية على شرحبيل وهو بحمص استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه، فقام إليه عبد الرحمن بن غنم الأزدي وهو صاحب معاذ بن جبل وختنه وكان أفقه أهل الشام، فنهاه عن المسير إلى معاوية ووعظه ونهاه أيضاً عياض اليماني وكان ناسكاً فأبى شرحبيل إلّا أن يسير إلى معاوية فلمّا قدم تلقاه الناس فأعظموه ودخل على معاوية.

فقال له معاوية: يا شرحبيل ان جرير بن عبداللَّه يدعونا إلى بيعة عليّ وعليّ خير الناس لو لا أنّه قتل عثمان وحبست نفسي عليك وإنّما أنا رجل من أهل الشام أرضى ما رضوا وأكره ما كرهوا فقال شرحبيل: أخرج وانظر، فلقاه هؤلاء النفر الموطئون له فكلّهم أخبره أنّ عليّاً قتل عثمان، فرجع مغضبا إلى معاوية فقال:

ص: 87

يا معاوية أبى الناس إلّا أن عليّاً قتل عثمان، واللَّه إن بايعت له لنخرجنك من شامنا أو لنقتلنك.

فقال معاوية ما كنت لأخالف عليكم ما أنا إلّا رجل من أهل الشام.

قال: فَردّ هذا الرجل إلى صاحبه إذن فعرف معاوية أن شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق وأنّ الشام كله مع شرحبيل (وعند ذلك استعد للقتال) وكتب إلى علي عليه السلام ما ستعرفه إن شاء اللَّه(1).

وفيه: أنّ معاوية طلب من عمرو أن يسوي له صفوف أهل الشام، فقال له عمرو: على أنّ لي حكمي إن قتل عليّ بن أبي طالب، واستوسقت لك البلاد. فقال: أليس حكمك في مصر؟ قال: وهل مصر تكون عوضاً عن الجنّة؟ وقتل ابن أبي طالب ثمناً لعذاب النار الذي لا «لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ»(2) فقال له معاوية: إنّ لك حكمك إن قتل، رويدا لا يسمع أهل الشام كلامك(3).

وفيه: جاء رجل إلى عمّار فقال له: إنّ صلاتنا واحدة وكتابنا واحد ورسولنا واحد.

فقال له عمّار: هل تعرف الراية السوداء في مقابلتي إنّها راية عمرو بن العاص قاتلتها مع النبيّ صلى الله عليه وآله ثلاث مرّات، وهذه الرابعة، ما هي بخيرهن ولا أبرهن، بل شرّهن وأفجرهن(4).

ص: 88


1- وقعة صفّين: 44؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/70؛ بحار الأنوار: 32/376.
2- سورة الزخرف: 75.
3- وقعة صفّين: 237؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 5/189.
4- وقعة صفّين: 321؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 5/257؛ بحار الأنوار: 32/492، ش 424.

وَأَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا

أي: استعدادها، والأصل فيه قوله تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ»(1).

وَاسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ

أي: اجعلوه شعاراً لكم كالثوب الملصق بالبدن فانّه

فَإِنَّهُ

أي: الصبر.

أَدْعَى إِلَى النَّصْرِ

«قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ للَّهِ ِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»(2).

عن أميرالمؤمنين عليه السلام: بشّر نفسك إذا صبرت بالنجح والظفر(3).

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَقُومُ عُنُقٌ مِنَ النَّاسِ فَيَأْتُونَ بَابَ الْجَنَّةِ فَيَضْرِبُونَهُ فَيُقَالُ لَهُمْ مَنْ أَنْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ نَحْنُ أَهْلُ الصَّبْرِ فَيُقَالُ لَهُمْ عَلَى مَا صَبَرْتُمْ فَيَقُولُونَ كُنَّا نَصْبِرُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَنَصْبِرُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ

ص: 89


1- سورة الأنفال: 60.
2- سورة الأعراف: 128.
3- غرر الحكم ودرر الكلم: 313، ش 26؛ شرح آقا جمال خوانسارى بر غرر الحكم: 3/267، ش 4447.

صَدَقُوا أَدْخِلُوهُمُ الْجَنَّةَ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ»(1).(2)

روي أنّ الأشعث بن قيس دخل على أميرالمؤمنين عليه السلام بصفّين وهو قائم يصلّي ظهيرة فقال:

قلت: يا أميرالمؤمنين أدؤوب بالليل [و] دؤوب بالنهار؟ [قال:] فانسل من صلاته وهو يقول هذه الأبيات:

اصبر على تعب الإدلاج والسهر * وبالرواح على الحاجات والبكر(3)

إنّي وجدت وفي الأيّام تجربة * للصبر عاقبة محمودة الأثر

وقل من جد في أمر يطالبه * فاستصحب الصبر إلّا فاز بالظفر(4)

هذه المقطوعات الثلاث التي مرّ ذكرها وشرحها هي من خطبة مفصّلة نذكرها بتمامها، كما ذكرها العلّامة المجلسى وابن أبي الحديد:

أنّه دخل عمرو بن الحمق وحجر بن عدي وحبة العرني والحارث الأعور وعبد اللَّه بن سبإ على أميرالمؤمنين عليه السلام بعد ما افتتحت مصر، وهو مغموم حزين فقالوا له: بيّن لنا ما قولك في أبي بكر وعمر؟ فقال لهم: هل فرغتم لهذا وهذه مصر قد افتتحت وشيعتي بها قد قتلت، أنا مخرج إليكم كتابا أخبركم فيه عما سألتم، وأسألكم أن تحفظوا من حقّي ما ضيّعتم، فاقرؤوه على شيعتي، وكونوا على الحق

ص: 90


1- سورة الزمر: 10.
2- الكافي (ط - الإسلاميّة): 2/74، ح 4؛ بحار الأنوار: 67/101، ح 5.
3- والإدلاج: السير بالليل. والبكر: جمع البكرة.
4- بحار الأنوار: 34/411، ش 28.

أعوانا، وهذه نسخة الكتاب: من عبداللَّه عليّ أميرالمؤمنين إلى من قرأ كتابي هذا من المؤمنين والمسلمين:

السلام عليكم، فإنّي أحمد إليكم اللَّه الذي لا إله إلّا هو، أما بعد: فإنّ اللَّه بعث محمّدا نذيراً للعالمين وأمينا على التنزيل، وشهيدا على هذه الأمة، وأنتم معشر العرب يومئذ على شر دين، وفي شر دار، منيخون على حجارة خشن، وجنادل صم، وشوك مبثوث في البلاد، تشربون الماء الخبيث، وتأكلون الطعام الجشب، وتسفكون دماءكم، وتقتلون أولادكم، وتقطعون أرحامكم، وتأكلون أموالكم بينكم بالباطل، سبلكم خائفة، والأصنام فيكم منصوبة، والآثام بكم معصوبة، ولا يؤمن أكثرهم باللَّه إلّا وهم مشركون.

فمنّ اللَّه عزّوجل عليكم بمحمدصلى الله عليه وآله فبعثه إليكم رسولا من أنفسكم وقال فيما أنزل من كتابه: «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ»(1) وقال: «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ»(2) وقال: «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ»(3). وقال: «ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»(4) فكان الرسول إليكم من أنفسكم بلسانكم فعلّمكم الكتاب والحكمة، والفرائض والسنّة، وأمركم بصلة أرحامكم، وحقن دمائكم، وصلاح ذات البين، وأن تؤدوا الأمانات إلى

ص: 91


1- سورة الجمعة: 2.
2- سورة التوبة: 128.
3- سورة آل عمران: 164.
4- سورة الحديد: 21.

أهلها وأن توفوا بالعهد، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وأمركم أن تعاطفوا، وتباروا وتباشروا وتباذلوا وتراحموا ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد والتباغي والتقاذف وعن شرب الخمر وبخس المكيال ونقص الميزان تقدم إليكم فيما تلى عليكم: ألا تزنوا ولا تربوا ولا تأكلوا أموال اليتامى ظلما وأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ولا تعثوا في الأرض مفسدين، ولا تعتدوا إن اللَّه لا يحب المعتدين فكلّ خير يدني إلى الجنة ويباعد من النار أمركم به وكل شر يدني من النار ويباعد من الجنّة نهاكم عنه فلمّا استكمل مدّته من الدنيا توفّاه اللَّه سعيدا حميدا فيالها مصيبة خصت الأقربين، وعمّت جميع المسلمين، ما أصيبوا بمثلها، قبلها، ولن يعاينوا بعدها أختها فلمّا مضى لسبيله صلى الله عليه وآله تنازع المسلمون الأمر من بعده.

فو اللَّه ما كان يلقى في روعي ولا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الأمر بعد محمّدصلى الله عليه وآله عن أهل بيته ولا أنهم ينحّوه عنّي من بعده فما راعني إلّا انثيال الناس على أبي بكر، وإجفالهم إليه ليبايعوه، فأمسكت يدي، ورأيت أني أحق بمقام محمّدصلى الله عليه وآله وملّة محمّد في الناس ممّن تولّى الأمر بعده، فلبثت بذاك ما شاء اللَّه حتّى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام تدعو إلى محق دين اللَّه وملّة محمّدصلى الله عليه وآله، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما وهدما تكون المصيبته بهما أعظم علي من فوات ولاية أموركم التي هي متاع أيام قلائل، ثم يزول كما يزول السراب، وكما ينقشع السحاب فتولّى أبو بكر تلك الأمور، وسدّد وبسّ، وقارب واقتصد، فصحبته مناصحا، وأطعته فيما أطاع اللَّه فيه جاهدا، وما طمعت أن لو حدث به حدث وأنا حي أن يرد إلي الأمر الذي بايعته فيه طمع

ص: 92

مستيقن، ولا يئست منه يأس من لا يرجوه، ولو لا خاصة ما كان بينه وبين عمر لظننت أن لا يدفعها عنّي، فلما احتضر بعث إلى عمر فولاه، فسمعنا وأطعنا، وناصحنا، وتولى عمر... فلمّا احتضر قلت في نفسي: لن يعتدّ لها عنّي، وليس يدافعها عنّي، فجعلني سادس ستة، فما كانوا لولاية أحد أشدّ كراهيّة منهم لولايتي عليهم، فكانوا يسمعوني عند وفاة الرسول أحاجّ أبا بكر وأقول: «يا معشر قريش: إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، أ ما كان فينا من يقرأ القرآن ويعرف السنة ويدين بدين الحق» فخشي القوم إن أنا ولّيت عليهم أن لا يكون لهم من الأمر نصيب ما بقوا فأجمعوا إجماعا واحدا فصرفوا الولاية إلى عثمان، وأخرجوني منها رجاء أن ينالوها ويتداولها، إذ يئسوا أن ينالوها من قبلي ثم قالوا: هلم فبايع، وإلّا جاهدناك. فبايعت مستكرها، وصبرت محتسبا فقال قائلهم: يا ابن أبي طالب إنّك على هذا الأمر لحريص. فقلت: أنتم أحرص منّي وأبعد، أأنا أحرص أنا الذي طلبت تراثي وحقّي الذي جعلني اللَّه ورسوله أولى به إذ تضربون وجهي دونه، وتحولون بيني وبينه فبهتوا واللَّه لا يهدي القوم الظالمين.

اللهمّ إنّي أستعديك على قريش، فإنّهم قطعوا رحمي وأصغوا إنائي، وصغّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي حقّاً كنت أولى به منهم فسلبونيه ثمّ قالوا: ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه.

فاصبر كمدا، أو مت أسفا وحنقا فنظرت فإذا ليس معي رافد، ولا ذاب ولا ناصر ولا مساعد إلّا أهل بيتي فضننت بهم عن المنية، فأغضيت على القذى، وتجرعت ريقي من الشجى وصبرت من كظم الغيظ على أمرّ من العلقم والم للقلب من حز الشفار حتّى إذا نقمتم على عثمان، أتيتموه فقتلتموه، ثم جئتموني

ص: 93

لتبايعوني، فأبيت عليكم، وأمسكت يدي، فنازعتموني ودافعتموني، وبسطتم يدي فكففتها، ومددتم يدي فقبضتها، وازدحمتم عليّ حتّى ظننت أن بعضكم قاتل بعض أو أنكم قاتلي، فقلتم: بايعنا لا نجد غيرك ولا نرضى إلّا بك فبايعنا لا نفترق ولا تختلف كلمتنا فبايعتكم، ودعوت الناس إلى بيعتي فمن بايع طوعا قبلته منه ومن أبى لم أكرهه وتركته فبايعني فيمن بايعني طلحة والزبير ولو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما فما لبثنا إلّا يسيرا حتّى بلغني أنّهما خرجا من مكّة متوجهّين إلى البصرة في جيش ما منهم رجل إلّا قد أعطاني الطاعة وسمح لي بالبيعة. فقدما على عاملي، وخزّان بيت مالي وعلى أهل مصر الذين كلّهم على بيعتي وفي طاعتي فشتّتوا كلمتهم وأفسدوا جماعتهم. ثم وثبوا على شيعتي من المسلمين فقتلوا طائفة منهم غدرا وطائفة صبرا، وطائفة غضبوا للَّه ولي فشهروا سيوفهم، وضربوا بها حتّى لقوا اللَّه صادقين، فو اللَّه لو لم يصيبوا منهم إلّا رجلاً واحداً متعمّدين لقتله لحل لي به قتل ذلك الجيش بأسره، فدع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بها عليهم وقد أدال اللَّه منهم، فبعدا للقوم الظالمين ثمّ إنّي نظرت في أهل الشام، فإذا أعراب أحزاب وأهل طمع جفاة طغاة يجتمعون في كلّ أدب (أوب) من كان ينبغي أن يؤدب أو يولي عليه ويؤخذ على يديه ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ولا التابعين بإحسان فسرت إليهم فدعوتهم إلى الطاعة والجماعة فأبوا إلّا شقاقا وفراقا ونهضوا في وجوه المسلمين ينظمونهم بالنبل ويشجرونهم بالرماح فهناك نهدت إليهم بالمسلمين فقاتلتهم فلمّا عضهم السلاح ووجدوا ألم الجراح رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها فأنبأتكم أنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن وأنّهم قد رفعوها غدرا ومكيدة وخديعة ووهنا وضعفا فامضوا على حقّكم وقتالكم فأبيتم عليّ وقلتم اقبل منهم فإن أصابوا إلى ما في

ص: 94

الكتاب جامعونا على ما نحن عليه من الحق وإن أبوا كان أعظم لحجّتنا عليهم فقبلت منكم وكففت عنهم إذ ونيتم وأبيتم وكان الصلح بينكم وبينهم على رجلين يحييان ما أحيى القرآن ويميتان ما أمات القرآن فاختلف رأيهما وتفرّق حكمهما ونبذا حكم القرآن وخالفا ما في الكتاب فجنّبهما اللَّه السداد ودلاهما في الضلال، فنبذا حكمهما وكانا أهله فانخزلت فرقة منا فتركناهم ما تركونا حتّى إذا عتوا في الأرض يقتلون و يفسدون أتيناهم فقلنا ادفعوا لنا قتلة إخواننا ثم كتاب اللَّه بيننا وبينكم قالوا: كلّنا قتلهم وكلّنا استحل دمائهم ودمائكم وشدت علينا خيلهم ورجالهم فصرعهم اللَّه مصرع الظالمين فلمّا كان ذلك من شأنهم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوّكم فقلتم: كلّت سيوفنا ونفدت نبالنا ونصلت أسنّة رماحنا فارجع بنا إلى مصرنا لنستعد بأحسن عدّتنا وإذا رجعت زدت في مقاتلتنا عدة من هلك منا وفارقنا فإن ذلك أقوى لنا على عدوّنا فأقبلت بكم حتّى إذا ظللتم على الكوفة أمرتكم أن تنزلوا بالنخيلة وأن تلزموا معسكركم وأن تضموا قواصيكم وأن توطنوا على الجهاد أنفسكم ولا تكثروا زيارة أبنائكم ونسائكم، فإن أصحاب الحرب المصابرون واهل التشمير فيها الذين لا ينوحون من سهر ليلهم ولا ظمإ نهارهم ولا خمص بطونهم ولا نصب ابدانهم فنزلت طائفة منكم معي معذرة ودخلت طائفة منكم المصر عاصية، فلا من بقي منكم ثبت وصبر ولا من دخل المصر عاد إلي ورجع فنظرت إلى معسكري وليس فيه خمسون رجلا فلمّا رأيت ما أتيتم دخلت إليكم فما قدر لي أن تخرجوا إلى يومنا هذا فما تنتظرون أما ترون أطرافكم قد انتقصت؟ وإلى مصركم قد فتحت؟ وإلى شيعتي بها قد قتلت؟ وإلى مسالحكم تغرى؟ وإلى بلادكم تغزى؟ وأنتم ذوو عدد كثير وشوكة وبأس شديد، فما بالكم للَّه أنتم من أين تؤتون وما لكم تسحرون وأنّى تؤفكون ولو أنكم عزمتم

ص: 95

وأجمعتم لم تراموا ألا إنّ القوم قد اجتمعوا، وتناشبوا وتناصحوا وأنتم قد ونيتم وتغاششتم وافترقتم، ما أنتم إن أتممتم عندي على هذا بمنقذين، فانتهوا عمّا نهيتم، واجمعوا على حقّكم وتجرّدوا لحرب عدوّكم، قد بدت الرغوة من التصريح، وقد بيّن الصبح لذي عينين، إنّما تقاتلون الطلقاء وأبناء الطلقاء، وأولي الجفاء، ومن أسلم كرها، فكان لرسول اللَّه أنف الإسلام كلّه حربا، أعداء اللَّه والسنة والقرآن، وأهل البدع والأحداث، ومن كانت بوائقة تتقى، وكان على الإسلام وأهله مخوفا، آكلة الرشا وعبدة الدنيا لقد أنهي إلي أن ابن النابغة لم يبايع (معاوية) حتّى أعطاه وشرط به أن يؤتيه ما هي أعظم ممّا في يده من سلطانه، ألا صفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا، وخزيت أمانة هذا المشتري بنصرة فاسق غادر بأموال المسلمين، وإنّ فيهم لمن قد شرب فيهم الخمر، وجلد الحدّ، يعرف بالفساد في الدين، والفعل السيئ وإن فيهم لمن لم يسلم حتّى رضخ له رضيخة فهؤلاء قادة القوم، ومن تركت ذكر مساويه من قادتهم مثل من ذكرت منهم، بل هو شر منهم، ويودّ هؤلاء الذين ذكرت لو ولوا عليكم، فأظهروا فيكم الكفر والفساد والفجور والتسلط بالجبرية، واتّبعوا الهوى وحكموا بغير الحق.

ولأنتم على ما كان فيكم من تواكل وتخاذل خير منهم، وأهدى سبيلا، فيكم العلماء والفقهاء والنجباء والحكماء، وحملة الكتاب، والمتهجدون بالأسحار وعمّار المساجد بتلاوة القرآن أفلا تسخطون وتهتمون أن ينازعكم الولاية عليكم سفهاؤكم والأشرار الأرذال منكم فاسمعوا قولي هداكم اللَّه اذا قلت وأطيعوا أمري إذا أمرت، فو اللَّه لئن أطعتموني لا تغوون، وإن عصيتموني لا ترشدون، خذوا للحرب أهبتها، وعدوا لها عدّتها، فقد شبت نارها، وعلا شنارها،

ص: 96

وتجرد لكم فيها الفاسقون كي يعذّبوا عباد اللَّه ويطفئوا نور اللَّه ألا إنه ليس أولياء الشيطان من أهل الطمع والجفاء والكبر بأدنى في الجد في غيهم وضلالهم وباطلهم من أولياء اللَّه من أهل البر والزهادة، والإخبات بالجد في حقهم، وطاعة ربهم، ومناصحة إمامهم.

إني واللَّه لو لقيتهم فردا وهم مل ء الأرض ما باليت، ولا استوحشت، وإني من ضلالتهم التي هم فيها، والهدى الذي نحن عليه لعلى ثقة وبينة، ويقين وبصيرة وإني إلى لقاء ربّي لمشتاق ولحسن ثوابه لمنتظر، ولكن أسفا يعتريني وحزنا يخامرني أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال اللَّه دولا، وعباد اللَّه خولا، والفاسقين حزبا وايم اللَّه لو لا ذلك ما أكثرت تأنيبكم وتأليبكم وتحريضكم، ولتركتكم إذ ونيتم وأبيتم حتّى ألقاهم بنفسي متى حمّ لي لقاؤهم فو اللَّه إني لعلى الحق وإني للشهادة لمحب فانفروا خفافا وثقالا، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل اللَّه، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، ولا تثاقلوا إلى الأرض فتقروا بالخسف، وتبوّؤا بالذل ويكن نصيبكم الأخسر إن أخا الحرب اليقظان الأرق من نام لم نيم عنه، ومن ضعف أودى، ومن ترك الجهاد فى اللَّه كان كالمغبون المهين.

اللهمّ اجمعنا وإيّاهم على الهدى وزهدنا وإياهم في الدنيا واجعل الآخرة خيراً لنا ولهم من الأولى والسلام(1).

ص: 97


1- الغارات (ط - القديمة): 1/198؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/94؛ بحار الأنوار: 33/566.

بسم الله الرحمن الرحیم

27 - ومن خطبة له عليه السلام:

اشارة

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ...

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللَّهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ وَهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى وَدِرْعُ اللَّهِ الْحَصِينَةُ وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَشَمِلَهُ الْبَلاءُ وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالإِسْهَابِ وَأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ وَسِيمَ الْخَسْفَ وَمُنِعَ النَّصَفَ.

أَلا وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً وَسِرّاً وَإِعْلاناً وَقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلّا ذَلُّوا فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ وَقَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلائِدَهَا وَرُعَاثَهَا مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلّا بِالِاسْتِرْجَاعِ وَالِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً فَيَا عَجَباً عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلا تُغِيرُونَ وَتُغْزَوْنَ وَلا تَغْزُونَ وَيُعْصَى اللَّهُ وَتَرْضَوْنَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ

ص: 98

عَنَّا الْحَرُّ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ.

يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلا رِجَالَ حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً وَاللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَأَعْقَبَتْ سَدَماً قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلانِ حَتَّى قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَلَكِنْ لا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ للَّهِ ِ أَبُوهُمْ وَهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي؟ لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ وَهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ وَلَكِنْ لا رَأْيَ لِمَنْ لا يُطَاعُ.

عن أبي الكنود قال: حدّثني سفيان بن عوف الغامدي قال: دعاني معاوية فقال: إنّي باعثك في جيش كثيف ذي أداة وجلادة فالزم لي جانب الفرات حتّى تمرّ بهيت(1) فتقطعها فإن وجدت بها جنداً فأغر عليهم وإلّا فامض حتّى تغير على الأنبار فإن لم تجد بها جندا فامض حتّى تغير على المدائن ثم أقبل إلي واتق أن تقرب الكوفة واعلم أنّك إن أغرت على أهل الأنبار وأهل المدائن فكأنّك أغرت على أهل الكوفة إن هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترهب قلوبهم وتجرئ كل من كان له هوى منهم ويرى فراقهم وتدعو إلينا كل من كان يخاف الدوائر وخرب كل ما مررت به من القرى وأقتل كل من لقيت ممن ليس هو على رأيك وأحرب الأموال(2) فإنه شبيه بالقتل

ص: 99


1- هيت: مدينة عراقيّة على شاطئ الفرات قال في مراصد الاطّلاع: «هيت بالكسر وآخره تاء سمّيت باسم بانيها وهو هيت البندي ويقال البلندي على الفرات فوق الأنبار ذات نخل كثير وخيرات واسعة».
2- أحرب الأموال أي أسلبها.

وهو أوجع للقلوب(1).

قال فخرجت من عنده فعسكرت وقام معاوية في الناس خطيبا فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فانتدبوا مع سفيان بن عوف فإنه وجه عظيم فيه أجر عظيم سريعة فيه أوبتكم إن شاء اللَّه ثم نزل.

قال فو اللَّه الذي لا إله إلّا هو ما مرت بي ثلاثة حتّى خرجت في ستة آلاف ثم لزمت شاطئ الفرات فأغذذت(2) السير حتّى أمر بهيت فبلغهم أني قد غشيتهم فقطعوا الفرات فمررت بها وما بها عريب(3) كأنها لم تحلل قط فوطئتها حتّى مررت بصندوداء فتنافروا فلم ألق بها أحدا فمضيت حتّى أفتتح الأنبار وقد أنذروا بي فخرج إلي صاحب المسلحة فوقف لي فلم أقدم عليه حتّى أخذت غلمانا من أهل القرية فقلت لهم: خبروني كم بالأنبار من أصحاب علي؟ قالوا: عدة رجال المسلحة خمسمائة ولكنّهم قد تبدّدوا ورجعوا إلى الكوفة ولا ندري الذي يكون فيها فيها قد يكون مائتي رجل. قال فنزلت فكتبت أصحابي كتائب(4) ثم أخذت أبعثهم إليه كتيبة بعد كتيبة فيقاتلونهم واللَّه ويصبرون لهم ويطاردونهم في الأزقة فلمّا رأيت ذلك أنزلت إليهم نحوا من مائتين ثم أتبعتهم الخيل فلمّا مشت إليهم الرجال(5) وحملت عليهم الخيل فلم يكن إلّا قليلا حتّى تفرّقوا وقتل صاحبهم في

ص: 100


1- قال عليّ عليه السلام: «ينام الرجل على الثكل ولا ينام على الحرب».
2- فاغذذت: سرت سيرا حثيثا.
3- ما بها عريب: أي ما بها أحد.
4- كتائب جمع كتيبة وهي القطعة من الجيش والجماعة من الفرسان.
5- الرجال - هنا - جمع الراجل وهو من ليس له ظهر يركبه ضدّ الفارس.

رجال من أصحابه وأتيناه في نيف(1) وثلاثين رجلا فحملنا ما كان في الأنبار من أموال أهلها ثم انصرفت فو اللَّه ما غزوت غزوة أسلم ولا أقر للعيون ولا أسر للنفوس منها وبلغني واللَّه إنها أفزعت الناس فلما أتيت معاوية فحدثته الحديث على وجهه قال كنت واللَّه عند ظنّي بك لا تنزل في بلد من بلداني إلّا قضيت فيه مثل ما يقضي فيه أميره وإن أحببت توليته وليتك وأنت أمين أينما كنت من سلطاني وليس لأحد من خلق اللَّه عليك أمر دوني.

قال فو اللَّه ما لبثنا إلّا يسيرا حتّى رأيت رجال أهل العراق يأتوننا على الإبل هرابا من عسكر علي عليه السلام(2).

عن محمّد بن مخنف أنّ سفيان بن عوف لمّا أغار على الأنبار قدم علج من أهلها على عليّ عليه السلام فأخبره الخبر فصعد المنبر فقال:

أيها الناس إن أخاكم البكري قد أصيب بالأنبار وهو معتز لا يخاف(3) ما كان، فاختار ما عند اللَّه على الدنيا فانتدبوا إليهم حتّى تلاقوهم فإن أصبتم منهم طرفا أنكلتموهم(4) عن العراق أبدا ما بقوا ثم سكت عنهم رجاء أن يجيبوه أو يتكلموا أو يتكلم متكلم منهم بخير فلم ينبس(5) أحد منهم بكلمة فلما رأى صمتهم على ما في

ص: 101


1- النيف - بتشديد الياء وتخفيفها أيضاً - وهو كلّ ما زاد على العقد إلى أن يبلغ العقد الثاني، ولا تستعمل «نيف» إلّا مع عقد، فيقال: عشرة ونيف، ومائة ونيف، وألف ونيف وهكذا ولكن لا يقال: خمسة عشر ونيف.
2- الغارات (ط - القديمة): 2/320؛ بحار الأنوار: 34/52.
3- كذا في شرح النهج لكن في الأصل: «مغتر لا يخال» وفي البحار: «وهو معتز لا يظن» و«لا يخال» في المعنى نظير «لا يظنّ».
4- يقال: أنكله أي دفعه.
5- يقال نبس نبسا - بفتح النون - نبسة - بضمّها - ينبس: تكلّم فاسرع، وأكثر ما يستعمل في النفي.

أنفسهم نزل فخرج يمشي راجلا حتّى أتى النخيلة والناس يمشون خلفه حتّى أحاط به قوم من أشرافهم فقالوا: ارجع يا أميرالمؤمنين نحن نكفيك فقال: ما تكفونني ولا تكفون أنفسكم فلم يزالوا به حتّى صرفوه إلى منزله فرجع وهو واجم كئيب.

ودعا سعيد بن قيس الهمداني(1) فبعثه من النخيلة بثمانية آلاف وذلك أنه أخبر أن القوم جاؤوا في جمع كثيف فقال له: إني قد بعثتك في ثمانية آلاف فاتبع هذا الجيش حتّى تخرجه من أرض العراق فخرج على شاطئ الفرات في طلبه حتّى إذا بلغ عانات(2) سرح أمامه هانئ بن الخطاب الهمداني فاتبع آثارهم حتّى إذا بلغ أداني أرض قنسرين(3) وقد فاتوه ثم انصرف.

قال: فلبث علي عليه السلام ترى فيه الكآبة والحزن حتّى قدم عليه سعيد بن قيس فكتب كتابا وكان في تلك الأيام عليلا فلم يطق (فلم يقو) على القيام في الناس بكل ما أراد من القول فجلس بباب السدة(4) التي تصل إلى المسجد ومعه الحسن

ص: 102


1- سعيد بن قيس الهمداني من كبار التابعين ورؤسائهم وزهادهم، وكان سيّد همدان وعظيمها، والمطاع فيها، من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام وقد مدحه مراراً، وله مواقف مشهورة بصفّين وغيرها قال في تنقيح المقال: «مات - على ما ببالي - بعد عام الصلح بزمن يسير». انظر رجال الكشي: 69؛ جامع الرواة: 1/361.
2- في مراصد الاطّلاع: «عانات قرى بالفرات وجزائر وهي آلوس وسالوس وناووس».
3- في مراصد الاطّلاع: «قنسرين بكسر أوّله وفتح ثانيه وتشديده وقد كسره قوم ثمّ سين مهملة مدينة بينها وبين حلب مرحلة كانت عامرة آهلة فلمّا غلب الروم على حلب في سنة احدى وخمسين وثلاثمائة خاف أهل قنسرين وجلوا عنها وتفرّقوا في البلاد ولم يبق بها إلّا خان تنزله القوافل».
4- السدة بالضم والتشديد كالصفة أو كالسقيفة فوق باب الدار ليقيها من المطر، وقيل هي الباب نفسه، وقيل هي الساحة بين يديه. مجمع البحرين: 3/67.

والحسين عليهما السلام وعبداللَّه بن جعفر بن أبي طالب فدعا سعدا(1) مولاه فدفع الكتاب إليه فأمره أن يقرأه على الناس فقام سعد بحيث يسمع علي قراءته وما يرد عليه الناس ثم قرأ الخطبة هذه: أمّا بعد فانّ الجهاد باب من أبواب الجنّة...(2).

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللَّهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ

وقد وردت الآيات والأخبار في مدحه والحثّ عليه، أمّا الآيات:

منها قوله تعالى «لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً»(3).

ومنها قوله تعالى «فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً»(4).

ومنها قوله تعالى «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ»(5).

ومنها قوله تعالى «وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ»(6).

ص: 103


1- هو سعد بن الحارث الخزاعي مولى أميرالمؤمنين عليه السلام، له ادراك وكان على شرطة أميرالمؤمنين عليه السلام بالكوفة وكان مناديه في الناس لما يريده وولاه على اذربيجان وانضمّ بعد أميرالمؤمنين عليه السلام إلى الحسن ثمّ إلى الحسين وخرج معه إلى مكّة ثمّ إلى كربلاء واستشهد بين يديه (نقله السيّد المحدّث رحمه الله عن تنقيح المقال) (الغارات (ط - القديمة): 2/325/تعليقة 6).
2- الغارات (ط - الحديثة): 2/470؛ بحار الأنوار: 34/54.
3- سورة النساء: 95.
4- سورة الفرقان: 52.
5- سورة التحريم: 9.
6- سورة الحج: 78.

ومنها قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ» الآية(1).

ومنها قوله تعالى «تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» الآية(2).

ومنها قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ» الآية(3).

ومنها قوله تعالى «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا» الآية(4).

ومنها قوله تعالى «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ»(5)

ومنها قوله تعالى «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ»(6).

وأمّا الآثار:

عن جعفر بن محمّد عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حملة القرآن عرفاء أهل الجنّة والمجاهدون في سبيل اللَّه

ص: 104


1- سورة المائدة: 54.
2- سورة الصف: 11.
3- سورة البقرة: 218.
4- سورة الأنفال: 74.
5- سورة آل عمران: 142.
6- سورة التوبة: 111 - 112.

قوادها والرسل سادة أهل الجنّة»(1).

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض»(2).

وعن أبي بصير قال: قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام: أي الجهاد أفضل؟ قال: «من عقر جواده وأهريق دمه في سبيل اللَّه»(3).

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «دعا موسى وأمن هارون وأمنت الملائكة فقال اللَّه سبحانه وتعالى استقيما فقد أجيبت دعوتكما ومن غزا في سبيلي استجبت له كما استجبت لكما إلى يوم القيامة»(4).

وعن جعفر بن محمّد عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ عليهم السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إن أبخل الناس من بخل بالسلام وأجود الناس من جاد بنفسه وماله في سبيل اللَّه تعالى»(5).

وعن عليّ بن الحسين عن أبيه عليهم السلام عن أبي ذرّ في حديث: أنّه قال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في مرض وفاته: «ومن ختم له بجهاد في سبيل اللَّه ولو قدر فواق ناقة دخل الجنّة»(6).

وعن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهم السلام: «أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال: فوق كلّ بر برّ حتّى يقتل

ص: 105


1- الجعفريّات (الأشعثيّات): 76؛ مستدرك الوسائل: 11/7؛ ح 12275.
2- الكافي (ط - الإسلاميّة): 5/4، ح 5ؤحار الأنوار: 97/25، ح 22.
3- الكافي (ط - الإسلاميّة): 5/54، ح 7.
4- النوادر للراوندي: 20؛ مستدرك الوسائل: 11/7، ح 12276.
5- الجعفريّات (الأشعثيّات): 76؛ النوادر للراوندي: 20؛ بحار الأنوار: 97/15، ح 37.
6- الجعفريّات (الأشعثيّات): 212؛ بحار الأنوار: 79/167، ح 2؛ مستدرك الوسائل: 11/8، ح 12279.

الرجل في سبيل اللَّه عزّوجلّ فإذا قتل في سبيل اللَّه فليس فوقه بر(1).

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: خيول الغزاة في الدنيا خيولهم في الجنّة»(2).

عن جابر عن أبي جعفرعليه السلام قال: «أتى رجل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال: انّي راغب نشيط في الجهاد قال: فجاهد في سبيل اللَّه فانّك إن تقتل كنت حيّاً عند اللَّه ترزق، وإن متّ فقد وقع أجرك على اللَّه وإن رجعت خرجت من الذنوب إلى اللَّه هذا تفسير: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً»(3).(4)

وقال صلى الله عليه وآله: «مثل المجاهدين في سبيل اللَّه كمثل القائم القانت لا يزال في صومه وصلاته حتّى يرجع إلى أهله».

وقال: «إذا خرج الغازي من عتبة بابه بعث اللَّه ملكا بصحيفة سيّئاته فطمس سيّئاته».

وقال صلى الله عليه وآله: «من كبر تكبيرة في سبيل اللَّه فواق ناقة وجبت له الجنّة».

وقال صلى الله عليه وآله: «لا يجمع اللَّه كافراً وقاتله في النار».

وقال صلى الله عليه وآله: «لا يجتمع غبار في سبيل اللَّه ودخان في جهنّم».

وقال صلى الله عليه وآله: «السيوف مفاتيح الجنّة»(5).

وقال صلى الله عليه وآله: «ما من أحد يدخل الجنّة فيتمنّى أن يخرج منها إلّا الشهيد فإنّه

ص: 106


1- الخصال: 1/9، ح 31؛ بحار الأنوار: 97/10؛ ح 14.
2- الكافي (ط - الإسلاميّة): 5/3، ح 3؛ بحار الأنوار: 97/15، ح 33.
3- سورة آل عمران: 169.
4- تفسير العيّاشي: 1/206، ح 152؛ بحار الأنوار: 97/14، ح 29.
5- مستدرك الوسائل: 1/13، ح 12293.

يتمنّى أن يرجع فيقتل عشر مرّات ممّا يرى من كرامة اللَّه»(1).

وعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنّه قال: «ما من قطرة أحبّ إلى اللَّه من قطرة دم في سبيل اللَّه أو قطرة دمع في جوف الليل من خشية اللَّه»(2).

وعن أبي جعفرعليه السلام قال: الخير كلّه في السيف وتحت السيف وفي ظلّ السيف».

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: انّ جبرئيل أخبرني بأمر قرت به عيني وفرح به قلبي قال: يا محمّد من غزا غزاة في سبيل اللَّه من أمّتك فما أصابه قطرة من السماء أو صداع إلاّ كانت له شهادة»(3).

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: للجنّة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلّدون بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحّب بهم»(4).

والروايات من طرق الشيعة في فضل الجهاد أكثر من أن تحصى وكفاك شاهداً على اهميّة الجهاد كونه كتاباً مستقلّاً في الفقه الإسلامي.

ومن الاثار من طريق العامّة أيضاً كثيرة ولنذكر بعضا منها تكميلاً للبحث وتتميماً للغرض:

منها: عن النبيّ صلى الله عليه وآله: «ما من قطرة أحبّ إلى اللَّه من قطرة دم في سبيله أو قطرة دمع في جوف ليل من خشيته».

ومنها: ما رواه فيه أيضاً عنه صلى الله عليه وآله انّه قال: «انّ الجنّة تحت ظلال السيوف».

ص: 107


1- مستدرك الوسائل: 11/13، ح 12294.
2- دعائم الإسلام: 1/343؛ بحار الأنوار: 97/50، ح 29.
3- الكافي (ط - الإسلاميّة): 5/8، ح 8؛ بحار الأنوار: 97/8، ح 5.
4- الكافي (ط - الإسلاميّة): 5/2، ح 8؛ بحار الأنوار: 97/8، ح 6.

ومنها: ما رواه فيه أيضاً عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حين انتهينا إلى خيبر: «اللَّه اللَّه اكبر خربت خيبر انّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين».

وأيضاً عنه عليه السلام: «(لغدوة) لغزوة في سبيل اللَّه أو روحة خير من الدنيا وما فيها».

وروى عن ابن مسعود انّ أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر لها قناديل معلّقة بالعرش تسرح من الجنّة حيث شائت ثمّ تأوى إلى تلك القناديل.

وعن فضالة بنت عبيد رفعه عنه عليه السلام قال: «كلّ ميّت يختم على عمله إلّا المرابط فانّه ينمى له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتنة القبر.

وعن سهل بن حنيف رفعه قال عليه السلام: «من سأل اللَّه الشهادة بصدق بلغه اللَّه منازل الشهداء وإن مات على فراشه»(1).

والجهاد معاملة ثمنها الجنّة، وقبالتها الكتب السماويّة، ومسجلها هو تعالى عزّ اسمه، قال سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(2).

اعلم انّ الجهاد على أقسام:

فمنها: جهاد العدو أعني جهاد المسلمين مع الأعداء من الكفّار والمشركين الذين ليسوا من أهل الذمّة كغزوات الرسول صلى الله عليه وآله مع أهل المشركين وهم على صنفين: أهل الكتاب، وغير أهل الكتاب.

ص: 108


1- المستطرف في كلّ فن مستظرف: 1/354.
2- سورة التوبة: 111.

أمّا الصنف الأوّل: أعني أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فيجب جهادهم بالكتاب والسنّة والاجماع من الفقهاء ولا يطلب منهم إلّا أحد الأمرين إمّا الإسلام، أو الجزية فان أسلموا فلا بحث وان امتنعوا وبذلوا الجزية أخذت منهم وأقرّوا على دينهم بلا خلاف.

أمّا الكتاب فقوله تعالى: «قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ»(1).

وأمّا السنّة: فقد روى انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كتب إلى أهل مكّة: «أسلموا وإلّا نابذتكم بحرب» فكتبوا إلى النبيّ صلى الله عليه وآله: ان خذ منّا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان فكتب النبيّ صلى الله عليه وآله: «انّي لست آخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب»، الحديث(2).

أمّا الصنف الثاني: أعني من ليس لهم كتاب ولا شبهة كتاب من سائر فرق الكفّار كعبدة الأصنام والشمس والقمر والنجوم وأمثال ذلك فهؤلاء يجب قتالهم إلى أن يسلموا أو يقتلوا ولا تقبل منهم الجزية لقوله تعالى: «فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ»(3) الآية.

وقوله تعالى: «فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ»(4) ولم يذكر الجزية.

ص: 109


1- سورة التوبة: 29.
2- الكافي: 3/567، ح 4؛ بحار الأنوار: 14/463، ح 28.
3- سورة التوبة: 5.
4- سورة محمّد: 4.

ومنها: الجهاد على البغاة، جمع باغ وهو من خرج على الإمام المعصوم من الأئمّة.

أقول: أمّا القسمين الأوّلين من الأقسام الثلاثة للجهاد فلا كلام لنا فيهما فعلا ولا كلامه عليه السلام أيضاً ينظر إليهما في الخطبة وذلك لأنّ السبب في صدور الخطبة منه عليه السلام هو الحثّ على الجهاد مع معاوية وأصحابه كما عرفته مفصّلاً وعليه فالبحث انّما يدور على القسم الأخير منها وهو الجهاد مع البغاة فانّ من خرج على الإمام المعصوم يجب على المسلمين ردعه ودفعه حتّى يفي ء إلى أمر اللَّه إذا كانت شرائط الجهاد موجودة وما نحن فيه من هذا القبيل(1).

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «انّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل» فسئل من هو؟ قال صلى الله عليه وآله: «خاصف النعل» يعني أميرالمؤمنين قال عمّار بن ياسر قاتلت بهذه الرواية مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثلاثاً وهذه الرابعة ولو ضربونا حتّى يبلغونا السعفات من هجر لعلمنا انّا على الحقّ وانّهم على الباطل(2).

وأمّا قوله صلى الله عليه وآله: «انّ الجهاد باب من أبواب الجنّة»، فهو مقتبس من قول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حيث قال: «جاهدوا في اللَّه القريب والبعيد في الحضر والسفر فانّ الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه اللَّه لأوليائه وانّه ينجى صاحبه من الهمّ والغمّ»(3).

وقال صلى الله عليه وآله: «ألا وانّ الجهاد باب

ص: 110


1- مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة: 5/245.
2- تفسير القمي: 2/231؛ الكافي: 5/11، ح 2؛ بحار الأنوار: 32/293، ح 248.
3- عوالي اللئالي: 1/88، ح 20؛ مستدرك الوسائل: 11/21، ح 12323.

من أبواب الجنّة فتحه اللَّه لأوليائه»(1).

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: للجنّة باب يقال له باب المجاهدين يمضون إليه فإذا هو مفتوح وهم متقلّدون بسيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحّب بهم»(2).

وروى جاء رجل إلى أميرالمؤمنين فقال له عليه السلام: هؤلاء القوم الذين نقاتلهم الدعوة واحدة والرسول واحد، والصلاة واحدة والحج واحد فبم نسمّيهم؟ قال عليه السلام: «سمّهم بما سمّاهم اللَّه في كتابه أما سمعته تعالى يقول: «تِلْك الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ»(3) الآية فلمّا وقع الاختلاف كنا أولى باللَّه وبدينه وبالنبي صلى الله عليه وآله وبالكتاب وبالحقّ فنحن الذين آمنوا وهم الذين كفروا وشاء اللَّه منّا قتالهم فقاتلناهم بمشيئته وأمره وإرادته»(4).

وعن أبي جعفرعليه السلام أنّه ذكر الذين حاربهم عليّ عليه السلام فقال: «أما إنّهم أعظم جرما ممّن حارب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله» قيل له: وكيف ذلك يا ابن رسول اللَّه؟ قال: «أولئك كانوا جاهلية وهؤلاء قرؤوا القرآن وعرفوا أهل الفضل فأتوا ما أتوا بعد البصيرة»(5).

وعن تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي باسناده عن أبي جعفرعليه السلام قال: «قال أميرالمؤمنين عليه السلام: يا معشر المسلمين «فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ

ص: 111


1- مستدرك الوسائل: 11/21، ح 12325.
2- الكافي (ط - الإسلاميّة): 5/2، ح 2؛ بحار الأنوار: 8/186، ح 153.
3- سورة البقرة: 253.
4- الأمالي للمفيد: 101، م 12، ح 3؛ مناقب لابن شهر آشوب: 3/218؛ بحار الأنوار: 32/319 ح 290.
5- مناقب لابن شهر آشوب: 3/218؛ بحار الأنوار: 32/322، ح 293.

يَنْتَهُونَ»(1)، ثم قال عليه السلام: هؤلاء القوم هم وربّ الكعبة يعني أهل صفّين والبصرة والخوارج»(2).

وعنه عليه السلام انّه قال يوم صفّين: «اقتلوا بقية الأحزاب وأولياء الشيطان اقتلوا من يقول كذب اللَّه ورسوله»(3).

وعلى أيّ حال لا شكّ في كون معاوية وأصحابه من البغاة التي يجب الجهاد معهم قربة إلى اللَّه ولذلك أمرعليه السلام أصحابه بالجهاد غير مرّة وقد روى انّه عليه السلام قال: «قاتلوا أهل الشام مع كلّ إمام بعدي»(4).

وَهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى

أشارعليه السلام إلى قوله تعالى: «يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ»(5).

فانّ المقصود من لباس التقوى هنا لباس الحرب أي الدرع والمغفر والآلات التي يتّقى بها من العدو، روي ذلك عن زيد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام(6).

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إنّ اللَّه عزّ وجلّ بعث رسوله بالإسلام إلى الناس عشر

ص: 112


1- سورة التوبة: 12.
2- تفسير فرات الكوفي: 163، ح 204؛ بحار الأنوار: 32/322، ح 294.
3- دعائم الإسلام: 1/390؛ مستدرك الوسائل: 11/66، ح 12441.
4- الغارات (ط - القديمة): 2/397؛ بحار الأنوار: 97/42، ح 52؛ مستدرك الوسائل: 11/68، ح 12446.
5- سورة الأعراف: 26.
6- تفسير مجمع البيان: 4/632.

سنين فأبوا أن يقبلوا حتّى أمره بالقتال فالخير في السيف وتحت السيف والأمر يعود كما بدأ»(1).

وَدِرْعُ اللَّهِ الْحَصِينَةُ وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ

عن ابن محبوب رفعه قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: «إنّ اللَّه عزّ وجلّ فرض الجهاد وعظمه وجعله نصره وناصره واللَّه ما صلحت دنيا ولا دين إلاّ به»(2).

فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ...

فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَشَمِلَهُ الْبَلاءُ وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالإِسْهَابِ وَأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ وَسِيمَ الْخَسْفَ وَمُنِعَ النَّصَفَ

قال تعالى: «ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ»(3) وقال تعالى: «ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(4) وقال تعالى: «قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا»(5) وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ» الآية(6) وقال تعالى: «إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» الآية(7) وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا

ص: 113


1- الكافي: 5/7، ح 7.
2- الكافي: 5/8، ح 11؛ بحار الأنوار: 32/116، ح 93.
3- التوبة: 25.
4- التوبة: 27.
5- الأحزاب: 16.
6- التوبة: 38.
7- التوبة: 39.

لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ»(1) والآيات كثيرة.

بعض الأخبار الواردة الدالّ على تحريم الفرار من الزحف إلّا ما استثنى فنقول:

منها: في حديث مالك بن أعين قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: «وليعلم المنهزم بأنّه مسخط ربّه وموبق نفسه إنّ في الفرار موجدة اللَّه والذل اللازم والعار الباقي وفساد العيش عليه وإن الفار لغير مزيد في عمره ولا محجوز بينه وبين يومه ولا يرضي ربه ولموت الرجل محقا قبل إتيان هذه الخصال خير من الرضا بالتلبيس بها والإقرار عليها»(2).

ومنها: عن محمّد بن سنان انّ أبا الحسن الرضاعليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: «حَرَّمَ اللَّهُ الْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْوَهْنِ فِي الدِّينِ وَالاسْتِخْفَافِ بِالرُّسُلِ وَالْأَئِمَّةِ الْعَادِلَةِعليهم السلام وَتَرْكِ نُصْرَتِهِمْ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَالْعُقُوبَةِ لَهُمْ عَلَى إِنْكَار مَا دُعُوا إِلَيْهِ مِنَ الْإِقْرَارِ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَإِظْهَارِ الْعَدْلِ وَتَرْكِ الْجَوْرِ وَإِمَاتَةِ الْفَسَادِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ جُرْأَةِ الْعَدُوِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَكُونُ فِي ذَلِك مِنَ السَّبْيِ وَالْقَتْلِ وَإِبْطَالِ دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْفَسَادِ»(3).

ومنها: عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال أميرالمؤمنين عليه السلام لأصحابه: إذا لقيتم عدوّكم في الحرب فأقلّوا الكلام وذكروا اللَّه عزّ وجلّ ولا تولّوهم الأدبار

ص: 114


1- الانفال: 15 - 16.
2- الكافي: 5/41، ح 4؛ بحار الأنوار: 32/494، ح 426.
3- عيون أخبار الرضاعليه السلام: 2/92، ح 1؛ بحار الأنوار: 6/98، ح 2.

فتسخطوا اللَّه تبارك وتعالى وتستوجبوا غضبه»(1).

ومنها: عن أميرالمؤمنين عليه السلام انّه قال: «الفرار عن الزحف من الكبائر»(2).

ومنها: عن عمران بن حصين قال: لمّا تفرّق الناس عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في يوم أُحد جاء عليّ عليه السلام متقلدا سيفه حتّى قام بين يديه فرفع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله رأسه إليه فقال له: «ما لك لم تفرّ مع الناس؟» فقال: «يا رسول اللَّه أأرجع كافرا بعد إسلامي»(3).

ومنها: عن أبي أُسامة زيد الشحّام عن أبي الحسن عليه السلام في حديث أنّه قال في قوله تعالى: «إِلّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ»(4) قال: «مُتَطَرِّداً يُرِيدُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَمُتَحَيِّزاً يَعْنِي مُتَأَخِّراً إِلَى أَصْحَابِهِ مِنْ غَيْرِ هَزِيمَةٍ فَمَنِ انْهَزَمَ حَتَّى يَجُوزَ صَفَّ أَصْحَابِهِ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ»(5).

فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَشَمِلَهُ الْبَلاءُ وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «من ترك الجهاد ألبسه اللَّه ذلّا في نفسه وفقراً في معيشته ومحقاً في دينه»(6).

ص: 115


1- الكافي: 5/42، ح 5؛ بحار الأنوار: 33/452، ح 673.
2- دعائم الإسلام: 1/370؛ هداية الأُمّة إلى أحكام الأئمّةعليهم السلام: 5/523، ح 37؛ مستدرك الوسائل: 11/71، ح 12454.
3- الإرشاد: 1/85؛ بحار الأنوار: 20/85.
4- سورة الأنفال: 16.
5- تفسير العيّاشي: 2/51، ح 31؛ مستدرك الوسائل: 11/72، ح 12457.
6- الكافي: 5/2، ح 2؛ بحار الأنوار: 97/9، ح 6.

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال النبيّ صلى الله عليه وآله: اغزوا تورثوا أبنائكم مجدا»(1).

وذكر مؤرخ السدوسي أنّ أعشى همدان كان في حرب ابن الأشعث شديد التحريض على الحجّاج، فجال أهل العراق جولة ثمّ غاروا، فنزل الأعشى عن سرجه ونزعه عن فرسه، ونزع درعه فوضعها فوق السرج، ثمّ جلس عليها فأحدث والناس يرونه، ثمّ أقبل عليهم فقال لهم: لعلّكم أنكرتم ما صنعت قالوا: أو ليس هذا موضع نكير؟ فقال: كلّكم سلح في سرجه ودرعه خوفاً وفرقا، ولكنّكم سترتموه وأظهرته(2).

ونسب بعضهم هذا العمل إلى ابن حلّزة اليشكري(3).

فقوله عليه السلام: رغبة عنه اشارة إلى ما استثنى منه كما إذا كان فرار المسلم من ثلاثة في الحرب

فقد روى عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه قال: «من فرّ من اثنين فقد فرّو من فَرَّ مِنْ ثلاثة لم يكن فارّاً لأنّ اللَّه عزّ وجلّ افترض على المسلمين أن يقاتلوا مثلى أعدادهم من المشركين(4).

وعن الحسين بن صالح، قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول كان عليّ عليه السلام يقول من فرّ من رجلين في القتال من الزحف فقد فرّ من الزحف ومن فرّ من ثلاثة رجال في

ص: 116


1- الكافي: 5/8، ح 12.
2- الأغاني لأبي الفرج الاصفهاني: 6/333.
3- بهج الصباغة: 10/501.
4- دعائم الاسلام: 1/370؛ مستدرك الوسائل: 11/69/ ح 12448.

القتال من الزحف فلم يفرّ(1).

وعن عليّ بن ابراهيم في قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ»(2) الآية قال كان الحكم في أول النبوّة في أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أنّ الرجل الواحد وجب عليه أن يقاتل عشرة من الكفّار، فإن هرب منهم فهو الفارّ من الزحف والمائة يقاتلون ألفا ثمّ علم اللَّه أن فيهم ضعفا لا يقدرون على ذلك فأنزل اللَّه: «الآْنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ»(3) الآية ففرض اللَّه عليهم أن يقاتل رجل من المؤمنين رجلين من الكفّار فإن فرّ منهما فهو الفار من الزحف، فإن كانوا ثلاثة من الكفّار وواحد من المسلمين ففرّ المسلم منهم فليس هو الفار من الزحف(4).

وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالإِسْهَابِ

يصير مصداقاً لقوله تعالى: «لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا»(5). وقوله تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ»(6).

ص: 117


1- تفسير العياشي: 2/68، ح 78 وبحار الأنوار: 97/34، ح 16 ومستدرك الوسائل: 11/69، ح 12449.
2- سورة الأنفال: 65.
3- سورة الأنفال: 66.
4- تفسير القمي: 1/479 وبحار الأنوار: 97/30 ح 1 ومستدرك الوسائل: 11/69، ح 12450.
5- سورة الأعراف: 179.
6- سورة يس: 9.

أَلا وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً وَسِرّاً وَإِعْلاناً

هو نظير قول نوح عليه السلام: «رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَاراً»(1).

وَقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ

ومن أمثالهم: تغد به قبل أن يتعشى بك(2).

فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلّا....

فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلّا ذَلُّوا فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ وَقَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ

الانبار مدينة على الفرات في غربي بغداد بينها عشرة فراسخ(3).

وعن جندب بن عفيف قال: واللَّه إني لفي جند الأنبار مع أشرس (حسان) بن حسان البكري إذ صبحنا سفيان بن عوف في كتائب تلمع الأبصار منها فهالونا واللَّه وعلمنا إذ رأيناهم أنه ليس لنا بهم طاقة ولا يد فخرج إليهم صاحبنا وقد تفرّقنا فلم يلقهم نصفنا وايم اللَّه لقد قاتلناهم فأحسنا قتالهم واللَّه حتى كرهونا ثم نزل صاحبنا وهو يتلو قوله تعالى: «فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً»(4) ثم قال لنا: من كان لا يريد لقاء اللَّه ولا يطيب نفسا بالموت فليخرج عن القرية ما دمنا نقاتلهم فإن قتالنا إياهم شاغل لهم عن طلب هارب ومن أراد ما عند اللَّه فما عند اللَّه خير للأبرار ثم نزل في ثلاثين رجلا قال فهممت

ص: 118


1- سورة نوح: 5.
2- مجمع الامثال للميداني: 1/146.
3- معجم البلدان للحموي: 1/257.
4- سورة الأحزاب: 23.

واللَّه بالنزول معه ثمّ إن نفسي أبت واستقدم هو وأصحابه فقاتلوا حتى قتلوا رحمهم اللَّه(1).

وكان أوّل من عمّرها سابور ذو الاكتاف ثمّ جدّدها السفاح، فتحت أيّام أبي بكر على يد خالد(2).

قال أحمد بن يحيى بن جابر: مرّ عليّ عليه السلام بالأنبار فخرج إليه أهلها بالهدايا إلى معسكره فقال: اجمعوا الهدايا واجعلوها باجا واحداً، ففعلوا فسمي موضع معسكره بالأنبار الباج إلى الآن(3).

وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَأَزَالَ....

وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ

فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلائِدَهَا وَرُعَاثَهَا

حجلها: أي خلخالها.

وقلبها: بالضم السوار.

وقلائدها: جمع قلادة.

ورعاثها: جمع (رعثة) القرط.

مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلّا بِالِاسْتِرْجَاعِ

أي قوله: «إِنَّا للَّهِ ِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»(4).

ص: 119


1- الغارات (ط - القديمة): 2/323؛ بحار الأنوار: 34/53.
2- بهج الصباغة: 10/504.
3- معجم البلدان للحموي: 1/313.
4- سورة البقرة: 156.

والِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلاً...

والِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً

قال تعالى: «وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ»(1).

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إن اللَّه بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها فلمّا انتهيا إلى المدينة وجدا رجلا يدعو اللَّه ويتضرّع إليه فقال أحد الملكين لصاحبه: أما ترى هذا الداعي؟ فقال: قد رأيته ولكن أمضي لما أمرني به ربّي فقال: لا ولكن لا أحدث شيئا حتّى أراجع إلى ربّي فعاد إلى اللَّه تبارك وتعالى فقال: يا رب إنّي انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعوك ويتضرّع إليك فقال: امض لما أمرتك فإن ذلك رجل لم يتغير وجهه غضبا لي قط(2).

وممّن مات أسفا مروان بن عبدالملك بن مروان، حجّ مروان مع أخيه الوليد - وهو خليفة - فلمّا كانا بوادي القرى جرى بينهما محاورة فغضب الوليد فامصه، فتفوّه مروان بالردّ عليه فأمسك عمر بن عبدالعزيز على فيه فمنعه من ذلك، فقال مروان لعمر: قتلتني رددت غيظي في جوفي. فما راحوا من وادي القرى حتّى دفنوه(3)

ص: 120


1- سورة التوبة: 92.
2- الكافي: 5/58، ح 8؛ بحار الأنوار: 97/86، ح 40.
3- نسب قريش لمصعب الزبيري: 162.

فَيَا عَجَباً عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ اجْتِمَاعُ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقُكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ

قال ابن قتيبة بعد ذكر هزيمة زحر بن قيس من قبله عليه السلام للضحّاك بن قيس من قبل معاوية: أنّ معاوية جمع الناس وقال لهم: أتاني خبر من ناحية من نواحي، أمر شديد. فقالوا: لسنا في شي ء ممّا أتاك، إنّما علينا السمع والطاعة. وبلغ عليّاًعليه السلام قول معاوية وقول أهل الشام، فأراد أن يعلم ما رأي أهل العراق فجمعهم فقال: أيّها الناس انّه أتاني خبر من ناحية من نواحي. فقال ابن الكوّاء وأصحابه: إنّ لنا في كلّ أمر رأيا في ما أتاك، فأطلعنا عليه حتّى نشير عليك. فبكى عليه السلام ثمّ قال: ظفر واللَّه ابن هند باجتماع أهل الشام له، واختلافكم عليّ، واللَّه ليغلبنّ باطله حقّكم، إنّما أتاني أنّ زحر بن قيس ظفر بالضحاك وقطع الميرة، وأتى معاوية هزيمة صاحبه فقال: يا أهل الشام، إنّه أتاني أمر شديد. فقلّدوه أمرهم، واختلفتم عليّ(1).

وقال النجاشي:

كفى حزنا أنّا عصينا إمامنا * عليّاً وأنّ القوم طاعوا معاوية

وأنّ لأهل الشام في ذلك فضلهم * علينا بما قالوه فالعين باكيه

أيعصى إمام أوجب اللَّه حقّه * علينا وأهل الشام طوع لطاغيه(2)

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ»(3).

ص: 121


1- الامامة والسياسة (تحقيق الزيني): 1/95.
2- وقعة صفين: 453.
3- كفاية الأثر: 20؛ بحار الأنوار: 28/368.

فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً...

فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلا تُغِيرُونَ وَتُغْزَوْنَ وَلا تَغْزُونَ وَيُعْصَى اللَّهُ وَتَرْضَوْنَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ (الصّيف) قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَ

عن المنهال بن عمرو(1) عن قيس بن السكن أنه قال: سمعت عليّاًعليه السلام يقول: ونحن بمسكن(2): «يا معشر المهاجرين «ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ»(3)» فبكوا وقالوا: البرد شديد وكان غزاتهم في البرد فقال عليه السلام: «إن القوم يجدون البرد كما تجدون» قال: فلم يفعلوا وأبوا فلمّا رأى ذلك منهم قال: «أف لكم إنها سنة جرت عليكم»(4).

وعن فرقد البجلي عنه عليه السلام في كلام له عليه السلام: «إن قلت لكم: انفروا إلى عدوكم، قلتم: القر يمنعنا. أفترون عدوكم لا يجدون القر كما تجدونه؟ ولكنّكم أشبهتم قوما قال لهم النبيّ صلى الله عليه وآله: انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فقال كبراؤهم: «لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ» فقال اللَّه لنبيه: «قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُون»(5).

ص: 122


1- المنهال بن عمرو الكوفي مولى بني أسد كوفي وفي تقريب التهذيب 2/278 «صدوق وربما وهم» وعده الشيخ في رجاله من أصحاب الحسين والسجاد والباقر والصادق عليهم السلام.
2- مسكن - كمسجد - موضع قريب من أوانا على نهر الدجيل عند دير الجاثليق (معجم البلدان: 5/127).
3- سورة المائدة: 21.
4- الغارات (ط - القديمة): 1/17؛ بحار الأنوار: 34/46.
5- التوبة: 81.

یا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلا رِجَالَ

يروى أنّ رجلا من الخوارج يوم سلى، حمل على رجل من أصحاب المهلب فطعنه، فلمّا خالطه الرمح صاح: يا أمّاه. فصاح به المهلب: لا كثّر اللَّه بمثلك المسلمين. فضحك الخارجي وقال:

أمك خير لك مني صاحبا * تسقيك محضا وتعل رائبا(1)

وكانت هند بنت عتبة يوم أُحد في وسط العسكر، فكلّما انهزم رجل من قريش رفعت إليه ميلا ومكحلة وقالت له: إنّما أنت امرأة فاكتحل بهذا(2).

وقتل رجل من مازن سعد العشيرة أخا عمرو بن معديكرب، وطلبوا من عمرو قبول الدية لكون القاتل سكران، فقبل عمرو فقالت اخته كبشة:

فان أنتم لم تقتلوا واتديتمو * فمشّوا باذان النعام المصلم

ولا تشربوا إلّا فضول نسائكم * إذا أنهلت أعقابهنّ من الدم

فأكبّ عمرو بالغارة عليهم فأوجع فيهم(3).

وكان عمليق الطمسي أمر ألّا تزوّج بكر من جديس حتّى يفترعها هو قبل زوجها ليلة زفافها فلمّا تزوّجت الشموس - وهي عفيرة بنت عباد، أُخت الأسود الذي وقع إلى جبل طي، فقتله طي وسكنوا الجبل من بعده - انطلقوا بها إلى عمليق فافترعها، فخرجت إلى قومها في دماء شاقة درعها من قبل ومن دبر والدم يسيل، وهي في أقبح منظر، وهي تقول:

ص: 123


1- شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد: 4/154.
2- تفسير القمي: 1/116؛ بحار الأنوار: 20/55.
3- خزانة الأدب للبغدادي: 6/327.

أيجمل ما يؤتى إلى فتياتكم * وأنتم رجال فيكم عدد النمل

ولو أنّنا كنّا رجالاً وكنتم * نساء لكنّا لا نقرّ بذا الفعل

وإن أنتم لم تغضبوا بعد هذه * فكونوا نساء لا تعاب من الكحل

ودونكم طيب العروس فإنّما * خلقتم لأثواب العروس وللنسل

فبعدا وسحقا للذي ليس دافعا * ويختال يمشي بيننا مشية الفحل(1)

حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ

قال المبرّد(2): نسبهم عليه السلام في قوله هذا إلى ضعف النساء، قال تعالى: «أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ»(3).

لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً وَاللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَأَعْقَبَتْ سَدَماً

وفي الخبر - بعد ذكر إعطاء محمّد بن الأشعث الأمان لمسلم وتسليمه - : قال مسلم له: إني أراك واللَّه ستعجز عن أماني، فهل عندك خير تستطيع أن تبعث من عندك رجلا إلى الحسين عليه السلام يقول له: ارجع بأهل بيتك ولا يغررك أهل الكوفة، فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل، إنّ أهل الكوفة كذّبوك وكذّبوني وليس لمكذوب رأي(4).

ص: 124


1- الأغاني: 11/112.
2- الكامل في اللغة والأدب: 1/26.
3- سورة الزخرف: 18.
4- الارشاد: 2/59؛ بحار الأنوار: 44/353؛ تاريخ الطبري: 4/280.

قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَشَحَنْتُمْ ....

قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلانِ حَتَّى قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَ

قد بلغ عليّاًعليه السلام عن اناس من قريش ممّن قعد عن بيعته ونافق في خلافته كلام كثير، فقال عليه السلام: «وقد زعمت قريش أنّ ابن أبي طالب شجاع ولكن لا علم له بالحروب، تربت أيديهم وهل فيهم أشدّ مراساً لها منّي؟ لقد نهضت فيها وما بلغت الثلاثين، وها أنا ذا قد أربيت على نيف وستّين»(1).

وهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً وَأَقْدَمُ فِيهَا...

وهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ وَهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ

أنّ الكليني والصدوق والمفيد والجاحظ أيضاً رووه كذلك.

قال المجلسي رحمه الله: وكان النبيّ صلى الله عليه وآله إذا خرج من بيته (في مكّة) تبعه أحداث المشركين يرمونه بالحجارة حتّى أدموا كعبه وعرقوبيه(2) فكان عليّ يحمل عليهم فينهزمون فنزل: «كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ»(3).(4)

ولكن المسعودي رواه: «وما بلغت الثلاثين» والظاهر صحّته، فأوّل حروبه عليه السلام الرسميّة حرب بدر، وكانت في السنة الثانية من الهجرة وكان عليه السلام وقت البعثة ابن عشر على الأصحّ، وكان مقام النبيّ صلى الله عليه وآله بمكّه قبل الهجرة ثلاث عشرة سنة.

ص: 125


1- مروج الذهب: 2/403.
2- العرقوب: عصب غليظ فوق العقب.
3- سورة المدثر: 50 - 51.
4- بحار الأنوار: 41/62.

وَلَكِنْ لا رَأْيَ لِمَنْ لا يُطَاعُ

اشارة

قال أبو الطيّب المتنبي:

الرأي قبل شجاعة الشجعان * هو أوّل وهي المحلّ الثاني

وهما إذا اجتمعا لنفس مرّة(1) * بلغت من العلياء كلّ مكان

لو لا العقول لكان أدنى ضيغم * أدنى إلى شرف من الإنسان(2)

قيل: وإنّما قال أعداؤه لا رأي له لأنّه كان متقيّدا بالشريعة لا يرى خلافها ولا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه وقد قال عليه السلام: «لو لا الدين والتقى لكنت أدهى العرب»(3)، وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوفقه سواء أكان مطابقا للشرع أم لم يكن، هذا(4).

عن أبي جعفر الباقرعليه السلام قال: «بينما أميرالمؤمنين يتجهّز إلى معاوية ويحرض الناس على قتاله إذ اختصم إليه رجلان في فعل فعجل أحدهما في الكلام وزاد فيه فالتفت إليه أميرالمؤمنين عليه السلام فقال له: اخسأ، فإذا رأسه رأس الكلب، فبهت من حوله وأقبل الرجل بإصبعه المسبحة يتضرع إلى أميرالمؤمنين ويسأله الإقالة فنظر إليه وحرك شفتيه فعاد كما كان خلقا سويا، فوثب إليه بعض أصحابه وقال له يا أميرالمؤمنين هذه القدرة لك كما رأينا وأنت تجهز إلى معاوية فما بالك لا تكفيناه ببعض ما أعطاك اللَّه من هذه القدرة؟

فأطرق قليلا ورفع رأسه إليهم فقال: والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو شئت أن

ص: 126


1- النفس المرة: القوية الشديدة. من قوله تعالى: «ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى».
2- شرح نهج البلاغة: 18/136.
3- الأربعين (محمّد طاهر القمي الشيرازي): 422.
4- شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد: 1/28؛ بحار الأنوار: 41/150.

أضرب برجلي هذه القصيرة في طول هذه الفيافي والفلوات والجبال والأودية حتى أضرب صدر معاوية على سريره فأقبله على أُمّ رأسه لفعلت، ولو أقسمت على اللَّه عزّ وجلّ أن أوتي به قبل أن أقوم من مجلسي هذا أو قبل أن يرتد إليّ أحد منكم طرفه لفعلت، ولكنّا كما وصف اللَّه في كتابه: «عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ»(1).(2)

وعن ميثم التمّار قال: خطب لنا أميرالمؤمنين عليه السلام في جامع الكوفة فأطال خطبته وأعجب الناس تطويلها وحسن وعظها وترغيبها وترهيبها، إذ دخل نذير من ناحية الأنبار مستغيثا يقول: اللَّه اللَّه يا أميرالمؤمنين في رعيتك وشيعتك، هذه خيل معاوية قد شنّت علينا الغارات في سواد الفرات ما بين هيت والأنبار.

فقطع أميرالمؤمنين عليه السلام الخطبة وقال: ويحك بعض خيل معاوية قد دخل الدسكرة التي تلي جدران الأنبار فقتلوا فيها سبع نسوة وسبعة من الأطفال ذكراناً وسبعة إناثاً وشهروا بهم ووطئوهم بحوافر خيلهم وقالوا هذه مراغمة لأبي تراب.

فقام إبراهيم بن الحسن الأزدي بين يدي المنبر فقال: يا أميرالمؤمنين هذه القدرة التي رأيت بها وأنت على منبرك إن في دارك خيل معاوية ابن آكلة الأكباد وما فعل بشيعتك ولم تعلم بها هذا فلم تقصيرك عن معاوية.

فقال له: ويحك يا إبراهيم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة، فصاح الناس من جوانب المسجد: يا أميرالمؤمنين فإلى متى يهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة؟ وشيعتك تهلك، فقال عليه السلام لهم: ليقضي اللَّه أمرا كان مفعولا.

ص: 127


1- سورة الانبياء: 26 - 27.
2- الهداية الكبرى: 124؛ ارشاد القلوب: 2/272؛ بحار الأنوار: 33/280، ح 545.

فصاح زيد بن كثير المرادي وقال: يا أميرالمؤمنين تقول بالأمس وأنت تجهز إلى معاوية وتحرضنا على قتاله ويحتكم إليك الرجلان في الفعل فتعمل (فيعجل ظ) عليك أحدهما الكلام فتجعل رأسه رأس الكلب فيستجير بك فترده بشرا سويا.

ونقول لك: ما بال هذه القدرة لا تبلغ معاوية فتكفينا شره فتقول لنا:

وفالق الحبة وبارئ النسمة لو شئت أن أضرب برجلي هذه القصيرة صدر معاوية وأقلبه على أم رأسه لفعلت، فما بالك لا تفعل ما تريد أن تضعف نفوسنا فنشك فيك فندخل النار.

فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: لأفعلن ذلك ولأعجلنه على ابن هند، فمد رجله على منبره فخرجت عن أبواب (ديوان) المسجد وردها إلى فخذه وقال: معاشر الناس أقيموا تاريخ الوقت وأعلموه فقد ضربت برجلي هذه الساعة صدر معاوية فقلبته عن سريره على أم رأسه فظن أنه قد أحيط به، فصاح يا أميرالمؤمنين فأين النظرة؟ فرددت رجلي عنه.

وتوقع الناس ورودا بخبر من الشام وعلموا أن أميرالمؤمنين عليه السلام لا يقول إلّا حقّا فوردت الأخبار والكتب بتاريخ تلك الساعة بعينها من ذلك اليوم بعينه أنّ رجلا جاءت من ناحية الكوفة ممدودة متّصلة فدخلت من ديوان (ايوان) معاوية والناس ينظرون حتّى ضربت صدره، فقلبته عن سريره على أم رأسه فصاح: يا أميرالمؤمنين وأين النظرة؟ و ردت تلك الرجل عنه، وعلم الناس ما قال أميرالمؤمنين إلّا حقا(1).

ص: 128


1- الهداية الكبرى: 125؛ إرشاد القلوب: 2/272؛ بحار الأنوار: 33/281، ح 546.

تكملة:

انّ هذه الخطبة من خطبه المشهورة، وأنّها ممّا رواها جماعة من العامة والخاصّة، ولمّا كانت رواية الصدوق مخالفة لرواية السيّد في بعض فقراتها أحببنا ايرادها بسند الصدوق أيضاً ازدياداً للبصيرة فأقول:

عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضى الله عنه، عن عبدالعزيز بن يحيى الجلودي، عن هشام بن علي ومحمّد بن زكريا الجوهري عن ابن عائشة بإسناد ذكره أن عليّاًعليه السلام انتهى إليه(1) أنّ خيلا لمعاوية وردت الأنبار فقتلوا عاملا له يقال له: حسان بن حسان فخرج مغضبا يجر ثوبه حتى أتى النخيلة وأتبعه الناس فرقي رباوة(2) من الأرض فحمد اللَّه وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال:

«أمّا بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنّة فتحه اللَّه لخاصّة أوليائه وهو لباس التقوى ودرع اللَّه الحصينة وجنته الوثيقة فمن تركه رغبة عنه ألبسه اللَّه ثوب الذل وسيماء(3) الخسف وديث الصغار(4) وقد دعوتكم إلى حرب هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً وسرّاً وإعلاناً وقلت لكم: اغزوهم من قبل أن يغزوكم فو الذي نفسي بيده ما غزي قوم قط في عقر ديارهم إلّا ذلوا فتواكلتم وتخاذلتم وثقل عليكم قولي واتخذتموه وراءكم ظهريا حتى شنت عليكم الغارات هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار وقتلوا حسان بن حسان ورجالا منهم كثيرا ونساء، والذي نفسي بيده لقد بلغني أنّه كان يدخل على المرأة المسلمة والمعاهدة فتنتزع أحجالهما ورعثهما

ص: 129


1- انتهى اليه الخبر: بلغه.
2- الرباوة: بتثليث الراء المهملة - ما ارتفع من الأرض.
3- السيما - مقصورا وممدوا -: الهيئة والعلامة.
4- الخسف والصغار: الذل، وفي أكثر النسخ «بالصغار».

ثم انصرفوا موفورين لم يكلّم أحد منهم كلما، فلو أن امرأ مسلما مات من دون هذا أسفا ما كان عندي فيه ملوما بل كان عندي به جديرا.

يا عجبا كل العجب من تظافر هؤلاء القوم على باطلهم وفشلكم عن حقّكم إذا قلت لكم اغزوهم في الشتاء قلتم هذا أوان قر وصر، وإذا قلت لكم اغزوهم في الصيف قلتم هذه حمارة القيظ أنظرنا ينصرم الحر عنا، فإذا كنتم من الحر والبرد تفرون فأنتم واللَّه من السيف أفر.

يا أشباه الرجال ولا رجال ويا طغام الأحلام(1) ويا عقول ربات الحجال(2) واللَّه لقد أفسدتم علي رأيي بالعصيان ولقد ملأتم جوفي غيظا حتّى قالت قريش إن ابن أبي طالب شجاع ولكن لا رأي له في الحرب، للَّه درهم ومن ذا يكون أعلم بها وأشد لها مراسا مني، فو اللَّه لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ولقد نيفت اليوم على الستين ولكن لا رأي لمن لا يطاع» يقولها ثلاثا.

فقام إليه رجل ومعه أخوه فقال يا أميرالمؤمنين أنا وأخي هذا كما قال اللَّه عزّ وجلّ حكاية عن موسى «رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلّا نَفْسِي وَأَخِي»(3) فمرنا بأمرك فو اللَّه لننتهين إليه ولو حال بيننا وبينه جمر الغضا(4) وشوك القتاد فدعا له بخير ثم قال عليه السلام: وأين تقعان ممّا أريد ثم نزل عليه السلام(5).

ص: 130


1- أي ضعاف العقول.
2- كناية عن النساء.
3- المائدة: 25.
4- الجمر: النار المتقدة: والغضا: شجر من الاثل خشبه صلب جدا ويبقى جمره زمانا طويلا لا ينطفئ.
5- معاني الأخبار: 309، ح 1؛ بحار الأنوار: 34/142، ح 957.

وذكر أنّ القائم إليه العارض نفسه عليه جندب بن عفيف الأزدي هو وابن أخ له يقال له عبدالرحمن بن عبداللَّه بن عفيف(1).

وقال عليه السلام لمّا بلغه إغارة أصحاب معاوية على الانبار فخرج بنفسه ماشياً حتّى أتى النخيلة وأدركه الناس وقالوا يا أميرالمؤمنين نحن نكفيكهم فقال عليه السلام: «واللَّه ما تكفونني أنفسكم فكيف تكفونني غيركم»(2).

قالوا: إنّ قواً اغير عليهم فاستصرخوا بني عمّهم، فأبطأوا عنهم حتّى اسروا وذهب بهم ثمّ جاؤوا يسألون عنهم، فقيل لهم: «أسائر اليوم وقد زال الظهر» فصار مثلاً، أي: تطمع وقد بان اليأس(3).

ص: 131


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/89.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 19/145.
3- مجمع الأمثال للميداني: 1/348.

بسم الله الرحمن الرحیم

28 - ومن خطبة له عليه السلام:

اشارة

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلاعٍ أَلا وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارَ وَغَداً السِّبَاقَ وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ وَالْغَايَةُ النَّارُ أَ فَلا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ أَ لا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ أَلا وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ وَلَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ وَمَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَضَرَّهُ أَجَلُهُ أَلا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ أَلا وَإِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَلا كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا أَلا وَإِنَّهُ مَنْ لا يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ وَمَنْ لا يَسْتَقِيمُ بِهِ الْهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلالُ إِلَى الرَّدَى أَلا وَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ وَدُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً.

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ

انّه قدتواترت الآيات والآثار في ذمّ الدنيا وعدم اعتبارها وانّه لا ينبغي للعاقل الرّكون عليها.

فمن الآيات:

قوله تعالى: «أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ

ص: 132

الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ»(1).

ومنها: «زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(2) الآية.

ومنها: «ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ»(3).

ومنها: «مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ»(4) الآية.

ومنها: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ»(5) الآية.

ومنها: «قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى»(6) الآية.

ومنها: «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ»(7) الآية.

ومنها: «وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا»(8) الآية.

ومنها: «فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ»(9).

ومنها: «يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ»(10).

ومنها: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا»(11) الآية.

ص: 133


1- سورة البقرة: 86.
2- سورة البقرة: 212.
3- سورة آل عمران: 14.
4- سورة آل عمران: 152.
5- سورة آل عمران: 185.
6- سورة النساء: 77.
7- سورة الانعام: 32.
8- سورة الانعام: 70.
9- سورة لقمان: 33.
10- سورة الروم: 7.
11- سورة فاطر: 5.

والآيات في ذمّ الدنيا كثيرة.

وأمّا الأخبار:

فمن الخاصّة والعامّة كثيرة ونشير إلى طرف منها:

منها: قوله صلى الله عليه وآله: «لو كانت الدنيا تعدل عند اللَّه مثل جناح بعوضة ما أعطى كافراً ولا منافقاً منها شيئاً»(1).

ومنها: قوله صلى الله عليه وآله: «الدنيا ملعونة ما فيها إلّا ما كان للَّه منها»(2).

وقوله صلى الله عليه وآله: «الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر»(3).

وقال صلى الله عليه وآله: «من أصبح والدنيا أكبر همّه فليس من اللَّه في شي ء وألزم قلبه أربع خصال هما لا ينقطع عنه أبداً وشغلاً لا ينفرج منه أبداً وفقراً لا يبلغ غناه أبداً وأملا لا يبلغ منتهاه أبدا»(4).

ومنها قوله صلى الله عليه وآله: «يا عجبا كلّ العجب للمصدّق بدار الخلود وهو يسعى لدار الغرور»(5).

ومنها قوله صلى الله عليه وآله: «لتأتينّكم بعدي دنيا تأكل ايمانكم كما تأكل النار الحطب»(6).

وقوله صلى الله عليه وآله: «حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة»(7).

ومنها قوله صلى الله عليه وآله: «من أحبّ دنياه أضرّ بآخرته ومن أحبّ آخرته أضرّ بدنياه

ص: 134


1- تحف العقول: 40؛ بحار الأنوار: 74/142، ح 32.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 19/330؛ نهج الفصاحة: 489، ش 1604.
3- معاني الأخبار: 289، ح 3؛ بحار الأنوار: 6/154، ح 9.
4- مجموعة ورّام: 1/130.
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 19/330؛ نهج الفصاحة: 799، ش 3203.
6- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 19/289.
7- إرشاد القلوب للديلمي: 1/21؛ بحار الأنوار: 51/258.

فآثروا ما يبقى على ما يفنى»(1).

ومنها قوله صلى الله عليه وآله: «انّ اللَّه لم يخلق خلقاً أبغض إليه من الدنيا وانّه لم ينظر إليها منذ خلقها»(2).

ومنها: عَنِ الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ: «مَا مِنْ عَمَلٍ بَعْدَ مَعْرِفَةِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَمَعْرِفَةِ رَسُولِهِ ص أَفْضَلَ مِنْ بُغْضِ الدُّنْيَا وَإِنَّ لِذَلِكَ لَشُعَباً كَثِيرَةً وَلِلْمَعَاصِي شُعَب فَأَوَّلُ مَا عُصِيَ اللَّهُ بِهِ الْكِبْرُ وَهِيَ مَعْصِيَةُ إِبْلِيسَ حِينَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ثمّ الْحِرْصُ وَهِيَ مَعْصِيَةُ آدَمَ وَحَوَّاءَ حِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا: «وَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ»(3) فَأَخَذَا مَا لا حَاجَةَ بِهِمَا إِلَيْهِ فَدَخَلَ ذَلِكَ عَلَى ذُرِّيَّتِهِمَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يَطْلُبُ ابْنُ آدَمَ مَا لا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ ثُمَّ الْحَسَدُ وَهِيَ مَعْصِيَةُ ابْنِ آدَمَ حَيْثُ حَسَدَ أَخَاهُ فَقَتَلَهُ فَتَشَعَّبَ مِنْ ذَلِكَ حُبُّ النِّسَاءِ وَحُبُّ الدُّنْيَا وَحُبُّ الرِّئَاسَةِ وَحُبُّ الرَّاحَةِ وَحُبُّ الْكَلامِ وَحُبُّ الْعُلُوِّ وَالثَّرْوَةِ فَصِرْنَ سَبْعَ خِصَالٍ فَاجْتَمَعْنَ كُلُّهُنَّ فِي حُبِّ الدُّنْيَا فَقَالَ الْأَنْبِيَاءُ وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَالدُّنْيَا دُنْيَاءَانِ دُنْيَا بَلاغٍ وَدُنْيَا مَلْعُونَةٍ»(4).

ومنها: عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: «فِي مُنَاجَاةِ مُوسَى عليه السلام يَا مُوسَى إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ عُقُوبَةٍ عَاقَبْتُ فِيهَا آدَمَ عِنْدَ خَطِيئَتِهِ وَجَعَلْتُهَا مَلْعُونَةً مَلْعُونٌ مَا

ص: 135


1- مجموعة ورّام: 1/128؛ نهج الفصاحة: 763، ش 2985.
2- إحياء العلوم: 3/203.
3- سورة البقرة: 35.
4- الكافي (ط - الاسلامية): 2/3107، ح 8؛ بحار الأنوار: 70/19، ح 9.

فِيهَا إِلّا مَا كَانَ فِيهَا لِي يَا مُوسَى إِنَّ عِبَادِيَ الصَّالِحِينَ زَهِدُوا فِي الدُّنْيَا بِقَدْرِ عِلْمِهِمْ وَسَائِرَ الْخَلْقِ رَغِبُوا فِيهَا بِقَدْرِ جَهْلِهِمْ وَمَا مِنْ أَحَدٍ عَظَّمَهَا فَقَرَّتْ عَيْنَاهُ فِيهَا وَلَمْ يُحَقِّرْهَا أَحَدٌ إِلّا انْتَفَعَ بِهَا»(1).(2)

ومنها: عَنْ مُهَاجِرٍ الْأَسَدِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: «مَرَّ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام عَلَى قَرْيَةٍ قَدْ مَاتَ أَهْلُهَا وَطَيْرُهَا وَدَوَابُّهَا فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَمُوتُوا إِلّا بِسَخْطَةٍ(3) وَلَوْ مَاتُوا مُتَفَرِّقِينَ لَتَدَافَنُوا فَقَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُحْيِيَهُمْ لَنَا فَيُخْبِرُونَا مَا كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فَنَجْتَنِبَهَا فَدَعَا عِيسَى عليه السلام رَبَّهُ فَنُودِيَ مِنَ الْجَوِّ أَنْ نَادِهِمْ فَقَامَ عِيسَى عليه السلام بِاللَّيْلِ عَلَى شَرَفٍ مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ: يَا أَهْلَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ فَأَجَابَهُ مِنْهُمْ مُجِيبٌ لَبَّيْكَ يَا رُوحَ اللَّهِ وَكَلِمَتَهُ فَقَالَ: وَيَحْكُمْ مَا كَانَتْ أَعْمَالُكُمْ قَالَ: عِبَادَةُ الطَّاغُوتِ وَحُبُّ الدُّنْيَا مَعَ خَوْفٍ قَلِيلٍ وَأَمَلٍ بَعِيدٍ وَغَفْلَةٍ فِي لَهْوٍ وَلَعِبٍ فَقَالَ: كَيْفَ كَانَ حُبُّكُمْ لِلدُّنْيَا؟ قَالَ: كَحُبِّ الصَّبِيِّ لِأُمِّهِ إِذَا أَقْبَلَتْ عَلَيْنَا فَرِحْنَا وَسررْنَا وَإِذَا أَدْبَرَتْ عَنَّا بَكَيْنَا وَحَزِنَّا قَالَ: كَيْفَ كَانَتْ عِبَادَتُكُمْ لِلطَّاغُوتِ؟ قَالَ: الطَّاعَةُ لِأَهْلِ الْمَعَاصِي قَالَ: كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِكُمْ؟ قَالَ: بِتْنَا لَيْلَةً فِي عَافِيَةٍ وَأَصْبَحْنَا فِي الْهَاوِيَةِ فَقَالَ: وَمَا الْهَاوِيَةُ؟ فَقَالَ: سِجِّينٌ قَالَ: وَمَا سِجِّينٌ؟ قَالَ: جِبَالٌ مِنْ جَمْرٍ تُوقَدُ عَلَيْنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ: فَمَا قُلْتُمْ وَمَا قِيلَ لَكُمْ؟ قَالَ: قُلْنَا رُدَّنَا إِلَى الدُّنْيَا فَنَزْهَدَ فِيهَا قِيلَ لَنَا كَذَبْتُمْ قَالَ: وَيْحَكَ كَيْفَ لَمْ يُكَلِّمْنِي غَيْرُكَ مِنْ بَيْنِهِمْ؟ قَالَ: يَا رُوحَ اللَّهِ إِنَّهُمْ

ص: 136


1- ما من أحد عظمها ففرت عيناه فيها» أي عظمها وتعلق قلبه بها تصير سببا لبعده عن اللَّه. ولا تبقى الدنيا له فيخسر الدنيا والآخرة ومن حقرها تركها ولم يأخذ منها إلّا ما يصير سببا لتحصيل الآخرة فينتفع بها في الدارين (آت).
2- الكافي (ط - الاسلامية): 2/317، ح 9؛ بحار الأنوار: 13/339، ح 14.
3- بسخطة» السخط بالتحريك وبضم أوله وسكون ثانيه: الغضب.

مُلْجَمُونَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ بِأَيْدِي مَلائِكَةٍ غِلاظٍ شِدَادٍ وَإِنِّي كُنْتُ فِيهِمْ وَلَمْ أَكُنْ مِنْهُمْ فَلَمَّا نَزَلَ الْعَذَابُ عَمَّنِي مَعَهُمْ فَأَنَا مُعَلَّقٌ بِشَعْرَةٍ عَلَى شَفِيرِ(1) جَهَنَّمَ لا أَدْرِي أكَبْكَبُ فِيهَا أَمْ أَنْجُو مِنْهَا فَالْتَفَتَ عِيسَى عليه السلام إِلَى الْحَوَارِيِّينَ فَقَالَ: يَا أَوْلِيَاءَ اللَّهِ أَكْلُ الْخُبْزِ الْيَابِسِ بِالْمِلْحِ الْجَرِيشِ(2) وَالنَّوْمُ عَلَى الْمَزَابِلِ خَيْرٌ كَثِيرٌ مَعَ عَافِيَةِ الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ»(3).

ومنها: عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍعليه السلام قَالَ: «قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليهما السلام: إِنَّ الدُّنْيَا قَدِ ارْتَحَلَتْ مُدْبِرَةً وَإِنَّ الآْخِرَةَ قَدِ ارْتَحَلَتْ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآْخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا أَلا وَكُونُوا مِنَ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا الرَّاغِبِينَ فِي الآْخِرَةِ أَلا إِنَّ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا اتَّخَذُوا الْأَرْضَ بِسَاطاً وَالتُّرَابَ فِرَاشاً وَالْمَاءَ طِيباً وَقُرِّضُوا مِنَ الدُّنْيَا تَقْرِيضاً(4) أَلا وَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى الْجَنَّةِ سَلا عَنِ الشَّهَوَاتِ وَمَنْ أَشْفَقَ مِنَ النَّارِ رَجَعَ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ وَمَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا هَانَتْ عَلَيْهِ الْمَصَائِبُ أَلا إِنَّ للَّهِ ِ عِبَاداً كَمَنْ رَأَى أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ مُخَلَّدِينَ وَكَمَنْ رَأَى أَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ مُعَذَّبِينَ شُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ وَقُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ أَنْفُسُهُمْ عَفِيفَةٌ وَحَوَائِجُهُمْ خَفِيفَةٌ صَبَرُوا أَيَّاماً قَلِيلَةً فَصَارُوا بِعُقْبَى رَاحَةٍ طَوِيلَةٍ أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ تَجْرِي دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ وَهُمْ يَجْأَرُونَ(5) إِلَى رَبِّهِمْ يَسْعَوْنَ فِي

ص: 137


1- شفير جهنم: طرفه.
2- في القاموس جرش الشى لم ينعم دقه فهو جريش وفي الصحاح ملح جريش لم يطيب. قوله: «مع عافية الدنيا» أي في الدنيا من تشويق البال وفي الآخرة من العذاب.
3- الكافي: 2/318، ح 11؛ بحار الأنوار: 70/10، ح 3.
4- القرض: القطع أي قطعوا أنفسهم من الدنيا تقطيعا باقلاع قلوبهم عنها (في).
5- أي يتضرّعون: جأر إلى اللَّه أي تضرّع.

فَكَاكِ رِقَابِهِمْ وَأَمَّا النَّهَارَ فَحُلَمَاءُ عُلَمَاءُ بَرَرَةٌ أَتْقِيَاءُ كَأَنَّهُمْ الْقِدَاحُ قَدْ بَرَاهُمُ(1) الْخَوْفُ مِنَ الْعِبَادَةِ يَنْظُرُ إِلَيْهِمُ النَّاظِرُ فَيَقُولُ مَرْضَى وَمَا بِالْقَوْمِ مِنْ مَرَضٍ أَمْ خُولِطُوا(2) فَقَدْ خَالَطَ الْقَوْمَ أَمْرٌ عَظِيمٌ مِنْ ذِكْرِ النَّارِ وَمَا فِيهَا»(3).

ومنها: قوله صلى الله عليه وآله: «احذروا الدنيا فانّها أسحر من هاروت وماروت»(4).

ومنها: قوله صلى الله عليه وآله: «حقّ على اللَّه ألّا يرفع شيئاً من الدنيا إلّا وضعه»(5)

ومنها: قوله صلى الله عليه وآله: «فواللَّه ما الفقر أخشى عليكم ولكنّي أخشى عليكم أن تبسط لكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها(6) كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم»(7).

ومنها: «قال عيسى بن مريم عليه السلام: من ذا الذي يبنى على أمواج البحر داراً تلكم چاپ

ص: 138


1- القداح بالكسر: السهم بلا ريش ولا نصل، شبههم في نحافة ابدانهم بالاسهم، ثمّ ذكر ما يستعمل في السهم أعني البرى وهو النحت من العبادة أي من كثرتها إن تعلق بقوله: «كأنّهم القداح» أو من قلتها إن تعلّق بالخوف (في).
2- قوله: «أم خولطوا» أي أو يقول: خولطوا ويحتمل أن يكون قوله: «مرضى» على الاستفهام وقوله: «أم خولطوا» معادلا له من كلام الناظر فاعترض جوابه عليه السلام بين أجزاء كلامه والحاصل أنهم لما كانوا لشدة اشتغالهم بحب اللَّه وعبادته واعتزالهم عن عامة الخلق ومباينه أطوارهم لاطوارهم وأقوالهم لاقوالهم ويسمعون منهم ما هو فوق إدراكهم وعقولهم فتارة ينسبونهم إلى المرض الروحاني وهو الجنون واختلاط العقل بما يفسده وتارة إلى المرض الجسماني فأجاب عن الأول بالنفي المطلق وعن الثاني بأن المخالطة متحققة لكن لا بما يفسده العقل بل بما يكمله من خوف النار وحب الملك الغفار (آت).
3- الكافي (ط - الاسلامية): 2/132، ح 15؛ بحار الأنوار: 70/43، ح 18.
4- مجموعة ورّام: 1/131.
5- شرح فارسي شهاب الأخبار: 360، ش 717؛ بحار الأنوار: 60/14.
6- التنافس في الشي ء: الرغبة فيه.
7- مجموعة ورّام: 1/132.

الدنيا فلا تتّخذوها قرارا»(1).

ومنها: «انّ النبيّ صلى الله عليه وآله مرّ على مزبلة فوقف عليها وقال هلمّوا إلى الدنيا وأخذ خرقا قد بليت على تلك المزبلة وعظاما قد نخرت فقال هذه الدنيا»(2).

ومنها: عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلّما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتّى يقتله»(3).

قال عليه الصلاة والسلام في الديوان المنسوب إليه:

رأيت الدهر مختلفا يدور * فلا حزن يدوم ولا سرور

وقد بنت الملوك به قصورا * فما بقي الملوك ولا القصور(4)

وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلاعٍ

دلّت على الآخرة الآيات والأخبار بل وضرورة المذاهب والملل.

فمن الآيات قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ»(5).

ومنها قوله تعالى: «قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً»(6) الآية.

ومنها قوله تعالى: «مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ»(7) الآية.

ص: 139


1- مجموعة ورّام: 1/76؛ بحار الأنوار: 14/326، ح 41.
2- مجموعة ورّام: 1/128.
3- الكافي: 2/136، ح 24؛ بحار الأنوار: 70/79، ح 40.
4- ديوان المنسوب الى أميرالمؤمنين عليه السلام: 196.
5- سورة البقرة: 4.
6- سورة البقرة: 94.
7- سورة آل عمران: 152.

ومنها قوله تعالى: «وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ»(1) الآية.

ومنها قوله تعالى: «قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى»(2) الآية.

ومنها قوله تعالى: «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا»(3) الآية.

ومنها قوله تعالى: «تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ»(4) الآية.

ومنها قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ»(5) الآية.

ومنها قوله تعالى: «يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ»(6) الآية.

ومنها قوله تعالى: «وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ»(7).

ومنها قوله تعالى: «وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى»(8).

ومنها قوله تعالى: «وَلَلآْخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى»(9).

ومنها قوله تعالى: «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً»(10) الآية.

ص: 140


1- سورة آل عمران: 176.
2- سورة النساء: 77.
3- سورة الاعراف: 169.
4- سورة الأنفال: 67.
5- سورة التوبة: 38.
6- سورة إبراهيم: 27.
7- سورة النحل: 30.
8- سورة الأعلى: 17.
9- سورة الضحى: 4.
10- سورة آل عمران: 30.

وأمّا الأخبار والآثار الواردة فيها من العامّة والخاصّة فهي فوق حدّ الاحصاء وسيأتي في تضاعيف الكتاب ما يناسبها ويوضحها حقّ الايضاح إن شاء اللَّه تعالى.

قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بنيّ إنّك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد(1).

وقال أبو الحسن الثالث عليه السلام: «الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون»(2).

وفي الحديث القدسي: «يابن آدم الموت يكشف أسرارك والقيامة يتلو أخبارك والكتاب يهتك أستارك» الحديث(3).

أَلا وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارَ وَغَداً السِّبَاقَ

الأصل في كلامه عليه السلام قوله تعالى: «سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»(4).

وقوله تعالى: «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا»(5) الآية.

وقوله تعالى: «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ»(6).

ص: 141


1- تفسير القمى: 2/163؛ بحار الأنوار: 13/418، ح 12.
2- تحف العقول: 483؛ بحار الأنوار: 75/366، ح 1.
3- منهاج البراعة للخويي قدس سره: 4/6.
4- سورة الحديد: 21.
5- سورة البقرة: 148.
6- سورة المائدة: 48.

وعن أبي عبدالرحمن السلمي قال: جمعت مع حذيفة بالمدائن فسمعته يقول: إنّ اللَّه تعالى يقول: «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ»(1) ألا وانّ القمر انشقّ على عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وأنّ الساعة اقتربت، ألا انّ المضمار اليوم والسبق غداً. قال: فقلت لأبي: غدا تجري الخيل؟ قال: انّك لغافل أما سمعته يقول السابق من سبق إلى الجنّة...(2).

وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ وَالْغَايَةُ النَّارُ

كانت السبقة عند بني أُميّة مائة ناقة حمراء ولا يمنعون أحداً قاد إليهم فرساً فأرسل الوليد بن عبدالملك في الحلبة العظمى فلمّا مدّت الحبال في صدور الخيل جاءت عجوز من بني نمير تقود فرساً لها وعليها غرارة وهي تقول:

فتاتنا المنسوبة الكريمة * ميمونة الطلعة لا مشؤومة

ثمّ قالت للوليد: ادخل فرسي، قال: أدخلوها قال: ما هذه الغرارة على عنقك قالت: فيها عقل السبقة، قال: انّك لواثقة بفرسك، قالت: ثقتي بهذه صيّرني تحت هذه، قال: فجاءت فرسها سابقة فأخذت المائة قال: فالنسل من خيلها معروف يقال لها خيل العجوز(3).

أَ فَلا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ

استدلّ له بقوله تعالى: «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ

ص: 142


1- سورة القمر: 1.
2- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 1/216.
3- بلاغات النساء: 222.

يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ»(1).

وقال تعالى: «وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ»(2).

وعن جابر عن أبي جعفرعليه السلام قال: سمعته يقول: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له»(3).

أَ لا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ

قال اللَّه تعالى: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ»(4).

وقال اللَّه تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا»(5) الآية.

وقال اللَّه تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ»(6) الآية.

وقال اللَّه تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ»(7) الآية.

وقال اللَّه تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ»(8) الآية.

ص: 143


1- سورة النساء: 17 - 18.
2- سورة هود: 3.
3- الكافي (ط - الاسلامية): 2/435، ح 10؛ بحار الأنوار: 6/41، ح 75.
4- سورة الزلزلة: 7 - 8.
5- سورة فصلت: 46.
6- سورة الزمر: 41.
7- سورة الفتح: 10.
8- سورة المائدة: 105.

وقال اللَّه تعالى: «وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»(1).

وقال اللَّه تعالى: «أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ»(2).

وقال اللَّه تعالى: «أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ»(3).

قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ

البؤس شدّة الحاجة وهو كناية عن «يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»(4) وعن يوم «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ»(5) وهو يوم القيامة.

وفي (المعارف) كان لنعمان بن منذر يومان يوم بؤس ويوم نعيم، وكان إذا ركب يوم بؤسه يقتل من يلقاه ويغري بدمه الغريّين، وأتاه عبيد بن الأبرص الشاعر يمتدحه يوم بؤسه ولم يعلم أنّه يوم بؤسه فقتله(6).

ص: 144


1- سورة المنافقون: 10 - 11.
2- سورة الزمر: 56.
3- سورة الزمر: 58.
4- سورة الشعراء: 88 - 89.
5- سورة عبس: 34 - 36.
6- المعارف لابن قتيبة: 649.

أَلا وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ

قال تعالى: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً»(1) الآية.

وقال تعالى: «وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ»(2) الآية.

وقال تعالى: «وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْ ءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ»(3) الآية.

وقال تعالى: «قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(4).

وقال تعالى: «أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ»(5) الآية.

فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ وَلَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ وَمَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَضَرَّهُ أَجَلُهُ

قال النبيّ صلى الله عليه وآله: «ما من عبد إلّا وله ثلاثة أخلّاء فأمّا خليل فيقول: ما أنفقت فلك وما أمسكت فليس لك فذلك ماله وأمّا خليل فيقول: أنا معك فإذا أتيت باب الملك

ص: 145


1- سورة الحديد: 20.
2- سورة الأعراف: 34.
3- سورة القصص: 88.
4- سورة الجمعة: 8.
5- سورة النساء: 78.

ذهبت وتركتك فذاك أهله وحشمه وأمّا خليل فيقول: أنا معك حيث دخلت وحيث خرجت فذاك عمله»(1).

في الخبر عن الرضاعليه السلام:

انّك في دار لها مدّة * يقبل فيها عمل العامل

ألا ترى الموت محيطا بها * يكذب فيها أمل الآمل

تعجّل الذنب لما تشتهي * وتأجل التوبة في قابل

والموت يأتي أهله بغتة * ما ذاك فعل الحازم العاقل(2)

وقريب من هذا المضمون قوله عليه السلام: «الناس في الدنيا عاملان عامل في الدنيا للدنيا قد شغلته دنياه عن آخرته يخشى على من يخلف الفقر ويأمنه على نفسه فيفني عمره في منفعة غيره وآخر عمل في الدنيا لما بعدها فجاءه الذي له من الدنيا بغير عمل فأصبح ملكا عند اللَّه لا يسأل شيئاً يمنعه»(3).

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «شيئان يكرههما ابن آدم يكره الموت والموت راحة للمؤمن من الفتنة ويكره قلّة المال وقلّة المال أقلّ للحساب»(4).

قيل للحسن بن علي عليهما السلام: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا بَالُنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ وَلا نُحِبُّهُ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّكُمْ أَخْرَبْتُمْ آخِرَتَكُمْ وَعَمَرْتُمْ دُنْيَاكُمْ وَأَنْتُمْ تَكْرَهُونَ النُّقْلَةَ مِنَ الْعُمْرَانِ إِلَى الْخَرَابِ»(5).

ص: 146


1- معدن الجواهر ورياض الخواطر: 31.
2- عيون أخبار الرضاعليه السلام: 2/176، ش 3؛ بحار الأنوار: 70/95، ش 77.
3- خصائص الأئمّة: 98؛ أعلام الدين في صفات المؤمنين: 296.
4- الخصال: 1/74، ح 115؛ بحار الأنوار: 6/128، ح 13.
5- معاني الأخبار: 390، ح 29؛ بحار الأنوار: 44/110، ح 1.

وعن أبي جعفرعليه السلام قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: النَّاسُ اثْنَانِ وَاحِدٌ أَرَاحَ وَآخَرُ اسْتَرَاحَ فَأَمَّا الَّذِي اسْتَرَاحَ فَالْمُؤْمِنُ إِذَا مَاتَ اسْتَرَاحَ مِنَ الدُّنْيَا وَبَلائِهَا وَأَمَّا الَّذِي أَرَاحَ فَالْكَافِرُ إِذَا مَاتَ أَرَاحَ الشَّجَرَ وَالدَّوَابَّ وَكَثِيراً مِنَ النَّاسِ»(1).

لا شكّ في انّ الموت راحة للمؤمن إنّما الكلام في انّ أيّ الأعمال يوجب الراحة عند الموت وبعد الموت.

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَوْماً فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ عَجَائِبَ قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا رَأَيْتَ حَدِّثْنَا بِهِ فِدَاكَ أَنْفُسُنَا وَأَهْلُونَا وَأَوْلادُنَا فَقَالَ: «رَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي وَقَدْ أَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ لِيَقْبِضَ رُوحَهُ فَجَاءَهُ بِرُّهُ بِوَالِدَيْهِ فَمَنَعَهُ مِنْهُ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي قَدْ بُسِطَ عَلَيْهِ عَذَابُ الْقَبْرِ فَجَاءَهُ وُضُوؤُهُ فَمَنَعَهُ مِنْهُ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي قَدِ احْتَوَشَتْهُ الشَّيَاطِينُ فَجَاءَهُ ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَنَجَّاهُ مِنْ بَيْنِهِمْ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي قَدِ احْتَوَشَتْهُ مَلائِكَةُ الْعَذَابِ فَجَاءَتْهُ صَلاتُهُ فَمَنَعَتْهُ مِنْهُمْ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي يَلْهَثُ عَطَشاً كُلَّمَا وَرَدَ حَوْضاً مُنِعَ منه فَجَاءَهُ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَسَقَاهُ وَأَرْوَاهُ ورأيت رجلاً مِنْ أُمَّتِي قد احتوشته ملائكة العذاب فجائته صلاته فمنعته منهم. وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي وَالنَّبِيُّونَ حَلَقاً حَلَقاً كُلَّمَا أَتَى حَلْقَةً طُرِدَ فَجَاءَهُ اغْتِسَالُهُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَجْلَسَهُ إِلَى جَنْبِي وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ ظُلْمَةٌ وَمِنْ خَلْفِهِ ظُلْمَةٌ وَعَنْ يَمِينِهِ ظُلْمَةٌ وَعَنْ شِمَالِهِ ظُلْمَةٌ وَمِنْ تَحْتِهِ ظُلْمَةٌ مُسْتَنْقِعاً فِي الظُّلْمَةِ فَجَاءَهُ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ فَأَخْرَجَاهُ مِنَ الظُّلْمَةِ وَأَدْخَلاهُ النُّورَ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي يُكَلِّمُ الْمُؤْمِنِينَ فَلا يُكَلِّمُونَهُ فَجَاءَهُ صِلَتُهُ لِلرَّحِمِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ كَلِّمُوهُ فَإِنَّهُ كَانَ وَاصِلاً لِرَحِمِهِ فَكَلَّمَهُ الْمُؤْمِنُونَ

ص: 147


1- الخصال: 1/38، ح 21؛ بحار الأنوار: 6/151، ح 1.

وَصَافَحُوهُ وَكَانَ مَعَهُمْ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي يَتَّقِي وَهَجَ النِّيرَانِ وَشَرَرَهَا بِيَدِهِ وَوَجْهِهِ فَجَاءَتْهُ صَدَقَتُهُ فَكَانَتْ ظِلّاً عَلَى رَأْسِهِ وَسِتْراً عَلَى وَجْهِهِ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي قَدْ أَخَذَتْهُ الزَّبَانِيَةُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَجَاءَهُ أَمْرُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُهُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَخَلَّصَاهُ مِنْ بَيْنِهِمْ وَجَعَلاهُ مَعَ مَلائِكَةِ الرَّحْمَةِ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيْهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَحْمَةِ اللَّهِ حِجَابٌ فَجَاءَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي قَدْ هَوَتْ صَحِيفَتُهُ قِبَلَ شِمَالِهِ فَجَاءَهُ خَوْفُهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَخَذَ صَحِيفَتَهُ فَجَعَلَهَا فِي يَمِينِهِ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي قَدْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَجَاءَهُ أَفْرَاطُهُ في صَلاته فَثَقلت مَوَازِينَهُ [فَجَاءَهُ أَفْرَاطُهُ فَثَقَّلُوا مَوَازِينَهُ] وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي قَائِماً عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَجَاءَهُ إفراطه في صلاته فَثَقُلَت مَوازينُهُ رَجَاؤُهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَاسْتَنْقَذَهُ مِنْ ذَلِكَ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي قَدْ هَوَى فِي النَّارِ فَجَاءَتْهُ دُمُوعُهُ الَّتِي بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ فَاسْتَخْرَجَتْهُ مِنْ ذَلِكَ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي عَلَى الصِّرَاطِ يَرْتَعِدُ كَمَا تَرْتَعِدُ السَّعَفَةُ فِي يَوْمِ رِيحٍ عَاصِفٍ فَجَاءَهُ حُسْنُ ظَنِّهِ بِاللَّهِ فَسَكَنَ رَعْدَتُهُ وَمَضَى عَلَى الصِّرَاطِ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي عَلَى الصِّرَاطِ يَزْحَفُ أَحْيَاناً وَيَحْبُو أَحْيَاناً وَيَتَعَلَّقُ أَحْيَاناً فَجَاءَتْهُ صَلاتُهُ عَلَيَّ فَأَقَامَتْهُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَمَضَى عَلَى الصِّرَاطِ وَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي انْتَهَى إِلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ كُلَّمَا انْتَهَى إِلَى بَابٍ أُغْلِقَ دُونَهُ فَجَاءَتْهُ شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ صَادِقاً بِهَا فَفَتَحَتْ لَهُ الأبْوَابُ وَدَخَلَ الْجَنَّةَ»(1).

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: أَرْضُ الْقِيَامَةِ نَارٌ مَا خَلا ظِلَّ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّ صَدَقَتَهُ تُظِلُّهُ»(2).

ص: 148


1- الأمالي للصدوق: 230، م 41، ح 1؛ بحار الأنوار: 7/290، ح 1.
2- الكافي (ط - الاسلامية): 4/3، ح 6؛ ثواب الأعمال: 140؛ بحار الأنوار: 7/291، ح 2.

وعن أيّوب بن نوح قال: سمعت أبا جعفرعليه السلام يقول: «مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبِي بِطُوسَ غَفَرَ اللَّه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نُصِبَ لَهُ مِنْبَرٌ بِحِذَاءِ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله حَتَّى يَفْرُغَ اللَّهُ مِنْ حِسَابِ الْخَلائِقِ»(1).

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «من زوّج عزباً كان ممّن ينظر اللَّه إليه يوم القيامة»(2).

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «أربعة ينظر اللَّه عزّ وجلّ إليهم يوم القيامة: من أقال نادماً أو أغاث لهفان أو اعتق نسمة أو زوّج عزبا»(3).

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: من وقّر ذا شيبة في الإسلام آمنه اللَّه عزّ وجلّ من فزع يوم القيامة»(4).

وعن النبيّ صلى الله عليه وآله قال: «من عرضت له فاحشة أو شهوة فاجتنبها من مخافة اللَّه عزّ وجلّ حرّم اللَّه عليه النار وآمنه من الفزع الأكبر»(5).

أَلا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ

مدح تعالى أنبيائه فقال فيهم: «فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ»(6)،

ص: 149


1- كامل الزيارات: 304، ح 3؛ بحار الأنوار: 99/40، ح 42.
2- تهذيب الأحكام (تحقيق خرسان): 7/404، ح 26؛ بحار الأنوار: 7/298، ح 47.
3- الخصال: 1/224، ح 55؛ بحار الأنوار: 7/299، ح 48.
4- الكافي (ط - الاسلامية): 2/658، ح 3؛ بحار الأنوار: 7/302، ح 53.
5- من لا يحضره الفقيه: 4/14؛ بحار الأنوار: 7/303، ح 60.
6- سورة الأنبياء: 90.

وذمّ اناسا لا يعرفونه الّا في الرهبة فقال: «وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(1).

وقال سبحانه: «وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ»(2).

وقال تعالى: «قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ»(3).

وقال تعالى: «وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ»(4).

وقال تعالى: «وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُوراً»(5).

وقال تعالى: «قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى»(6).

وقال تعالى: «وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ»(7) الآية.

وقال تعالى: «فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا»(8) الآية.

ص: 150


1- سورة يونس: 12.
2- سورة فصّلت: 51.
3- سورة الأنعام: 63 - 64.
4- سورة النحل: 53.
5- سورة الإسراء: 67.
6- سورة طه: 45.
7- سورة الزمر: 8.
8- سورة الزمر: 49.

وقال تعالى: «لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ»(1).

وقال تعالى: «وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي»(2) الآية.

وقال تعالى: «إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً»(3).

وقال تعالى: «فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى»(4).

وقال تعالى: «كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى»(5).

أَلا وَإِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَلا كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا

اشارة

الآيات الواردة في الجنّة وانّ دخولها فيها لا يمكن إلّا بالأعمال فكثيرة.

منها قوله تعالى: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ»(6) الآية.

ومنها قوله تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ

ص: 151


1- سورة فصّلت: 49.
2- سورة فصّلت: 50.
3- سورة المعارج: 19 - 21.
4- سورة النازعات: 37 - 39.
5- سورة العلق: 6 - 7.
6- سورة البقرة: 25.

فِيهَا خَالِدُونَ»(1).

ومنها قوله تعالى: «وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ ِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ»(2) الآية.

ومنها قوله تعالى: «قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ»(3).

ومنها قوله تعالى: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ»(4).

ومنها قوله تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ»(5) الآية.

ومنها قوله تعالى: «وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً»(6).

ومنها قوله تعالى: «مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا»(7) الآية.

ص: 152


1- سورة البقرة: 82.
2- سورة البقرة: 111 - 112.
3- سورة آل عمران: 15.
4- سورة آل عمران: 133.
5- سورة النساء: 57.
6- سورة النساء: 124.
7- سورة الرعد: 35.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَقِيَ بِلالاً مُؤَذِّنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَسَأَلَهُ فِيمَا سَأَلَهُ عَنْ وَصْفِ بِنَاءِ الْجَنَّةِ قَالَ: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ: «إِنَّ سُورَ الْجَنَّةِ لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ يَاقُوتٍ وَمِلاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ وَشُرَفُهَا الْيَاقُوتُ الْأَحْمَرُ وَالْأَخْضَرُ وَالْأَصْفَرُ قُلْتُ فَمَا أَبْوَابُهَا قَالَ أَبْوَابُهَا مُخْتَلِفَةٌ بَابُ الرَّحْمَةِ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ» قُلْتُ: فَمَا حَلْقَتُهُ؟ قَالَ: وَيْحَكَ كُفَّ عَنِّي فَقَدْ كَلَّفْتَنِي شَطَطاً قُلْتُ: مَا أَنَا بِكَافٍّ عَنْكَ حَتَّى تُؤَدِّيَ إِلَيَّ مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي ذَلِكَ قَالَ: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «أَمَّا بَابُ الصَّبْرِ فَبَابٌ صَغِيرٌ مِصْرَاعٌ وَاحِدٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ لا حَلَقَ لَهُ وَأَمَّا بَابُ الشُّكْرِ فَإِنَّهُ مِنْ يَاقُوتَةٍ بَيْضَاءَ لَهَا مِصْرَاعَانِ مَسِيرَةُ مَا بَيْنَهُمَا خَمْسُمِائَةِ عَامٍ لَهُ ضَجِيجٌ وَحَنِينٌ يَقُولُ اللَّهُمَّ جِئْنِي بِأَهْلِي قُلْتُ هَلْ يَتَكَلَّمُ الْبَابُ قَالَ نَعَمْ يُنْطِقُهُ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ وَأَمَّا بَابُ الْبَلاءِ قُلْتُ أَ لَيْسَ بَابُ الْبَلاءِ هُوَ بَابَ الصَّبْرِ؟ قَالَ لا، قُلْتُ فَمَا الْبَلاءُ؟ قَالَ الْمَصَائِبُ وَالْأَسْقَامُ وَالْأَمْرَاضُ وَالْجُذَامُ وَهُوَ بَابٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ صَفْرَاءَ مِصْرَاعٌ وَاحِدٌ، مَا أَقَلَّ مَنْ يَدْخُلُ مِنْهُ قُلْتُ رَحِمَكَ اللَّهُ زِدْنِي وَتَفَضَّلْ عَلَيَّ فَإِنِّي فَقِيرٌ قَالَ يَا غُلامُ لَقَدْ كَلَّفْتَنِي شَطَطاً أَمَّا الْبَابُ الْأَعْظَمُ فَيَدْخُلُ مِنْهُ الْعِبَادُ الصَّالِحُونَ وَهُمْ أَهْلُ الزُّهْدِ وَالْوَرَعِ وَالرَّاغِبُونَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمُسْتَأْنِسُونَ بِهِ» قُلْتُ: رَحِمَكَ اللَّهُ فَإِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ مَا ذَا يَصْنَعُونَ؟ قَالَ: يَسِيرُونَ عَلَى نَهْرَيْنِ فِي مَصَافَّ فِي سُفُنِ الْيَاقُوتِ مَجَاذِيفُهَا اللُّؤْلُؤُ فِيهَا مَلائِكَةٌ مِنْ نُورٍ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ خُضْرٌ شَدِيدَةٌ خُضْرَتُهَا قُلْتُ رَحِمَكَ اللَّهُ هَلْ يَكُونُ مِنَ النُّورِ أَخْضَرُ قَالَ: إِنَّ الثِّيَابَ هِيَ خُضْرٌ وَلَكِنْ فِيهَا نُورٌ مِنْ نُورِ رَبِّ الْعَالَمِينَ جَلَّ جَلالُهُ يَسِيرُونَ عَلَى حَافَتَيْ ذَلِكَ النَّهَرِ قُلْتُ: فَمَا اسْمُ ذَلِكَ النَّهَرِ؟ قَالَ: جَنَّةُ الْمَأْوَى قُلْتُ: هَلْ وَسَطُهَا غَيْرُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ جَنَّةُ عَدْنٍ وَهِيَ فِي

ص: 153

وَسَطِ الْجِنَانِ فَأَمَّا جَنَّةُ عَدْنٍ فَسُورُهَا يَاقُوتٌ أَحْمَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ قُلْتُ: فَهَلْ فِيهَا غَيْرُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ قُلْتُ: وَكَيْفَ سُورُهَا؟ قَالَ: وَيْحَكَ كُفَّ عَنِّي حَيَّرْتَ عَلَى قَلْبِي قُلْتُ: بَلْ أَنْتَ الْفَاعِلُ بِي ذَلِكَ مَا أَنَا بِكَافٍّ عَنْكَ حَتَّى تُتِمَّ لِيَ الصِّفَةَ وَتُخْبِرَنِي عَنْ سُورِهَا قَالَ: سُورُهَا نُورٌ فَقُلْتُ وَالْغُرَفُ الَّتِي هِيَ فِيهَا قَالَ: هِيَ مِنْ نُورِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قُلْتُ: زِدْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ قَالَ: وَيْحَكَ إِلَى هَذَا انْتَهَى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله طُوبَى لَكَ إِنْ أَنْتَ وَصَلْتَ إِلَى بَعْضِ هَذِهِ الصِّفَةِ وَطُوبَى لِمَنْ يُؤْمِنُ بِهَذَا الْخَبَرِ(1).

وأمّا الآيات الواردة في النار أيضاً كثيرة ولنشير إلى بعضها منها:

منها قوله تعالى: «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»(2).

ومنها قوله تعالى: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»(3).

ومنها قوله تعالى: «أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ»(4)

ومنها قوله تعالى: «وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً»(5).

ص: 154


1- الأمالي للصدوق: 213، م 38، ح 1؛ بحار الأنوار: 8/116، ح 1.
2- سورة البقرة: 24.
3- سورة البقرة: 29.
4- سورة البقرة: 86.
5- سورة النساء: 115.

ومنها قوله تعالى: «أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً»(1).

ومنها قوله تعالى: «سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا»(2) الآية.

ومنها قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(3).

ومنها قوله تعالى: «وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ»(4).

الجنّة والنار مخلوقتان الآن

الآيات الصريحة في ذلك:

منها قوله تعالى: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى»(5).

ومنها: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ»(6) الآية.

ومنها: «سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ

ص: 155


1- سورة النساء: 121.
2- سورة التوبة: 95.
3- سورة يونس: 7 - 8.
4- سورة ابراهيم: 15 - 16.
5- سورة النجم: 13 - 15.
6- سورة آل عمران: 133.

وَالْأَرْضِ»(1) الآية.

وفي حقّ النار:

ومنها: «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا... أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ»(2).

قوله تعالى: «وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ»(3).

وأمّا الأخبار الواردة في الباب فكثيرة:

منها: ما رواه أبو الصلت الهروي عن الرِّضَاعليه السلام قال: قلت له: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ أَ هُمَا الْيَوْمَ مَخْلُوقَتَانِ؟ فَقَالَ عليه السلام: «نَعَمْ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَرَأَى النَّارَ لَمَّا عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ» قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنَّ قَوْماً يَقُولُونَ إِنَّهُمَا الْيَوْمَ مُقَدَّرَتَانِ غَيْرُ مَخْلُوقَتَيْنِ فَقَالَ عليه السلام: «مَا أُولَئِكَ مِنَّا وَلا نَحْنُ مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ خَلْقَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَقَدْ كَذَّبَ النَّبِيَ صلى الله عليه وآله وَكَذَّبَنَا وَلَيْسَ مِنْ وَلايَتِنَا عَلَى شَيْ ءٍ وَيخلّد فِي نَارِ جَهَنَّم»(4).

ومنها عن عليّ بن إبراهيم قال: حَدَّثني أَبِي عَنْ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ قَصْراً مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ يُرَى دَاخِلُهَا مِنْ خَارِجِهَا وَخَارِجُهَا مِنْ دَاخِلِهَا مِنْ ضِيَائِهَا وَفِيهَا بَيْتَانِ دُرٌّ وَزَبَرْجَدٌ فَقُلْتُ يَا جَبْرَئِيلُ لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ؟ فَقَالَ: هَذَا لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَتَهَجَّدَ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَام»(5).

ص: 156


1- سورة الحديد: 21.
2- سورة البقرة: 24.
3- سورة الشعراء: 91.
4- عيون اخبار الرضاعليه السلام: 1/116، ح 3؛ بحار الأنوار: 4/4، ح 4.
5- مجمع البحرين: 6/228؛ بحار الأنوار: 8/176، ح 129 وبحار الأنوار: 90/168/ح 4.

ومنها: عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِعليه السلام قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص حَيْثُ أُسْرِيَ بِهِ إلى السمآء لَمْ يَمُرَّ بِخَلْقٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إِلّا رَأَى مِنْهُ مَا يُحِبُّ مِنَ الْبِشْرِ وَاللُّطْفِ وَالسُّرُورِ بِهِ حَتَّى مَرَّ بِخَلْقٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئاً فَوَجَدَهُ قَاطِباً عَابِساً فَقَالَ يَا جَبْرَئِيلُ مَا مَرَرْتُ بِخَلْقٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إِلّا رَأَيْتُ الْبِشْرَ وَاللُّطْفَ وَالسُّرُورَ مِنْهُ إِلّا هَذَا، فَمَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ هَكَذَا خَلَقَهُ رَبُّهُ قَالَ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَطْلُبَ إِلَيْهِ أَنْ يُرِيَنِي النَّارَ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام: إِنَّ هَذَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَقَدْ سَأَلَنِي أَنْ أَطْلُبَ إِلَيْكَ أَنْ تُرِيَهُ النَّارَ قَالَ: فَأَخْرَجَ لَهُ عُنُقاً مِنْهَا فَرَآهَا فَلَمَّا أَبْصَرَهَا لَمْ يَكُنْ ضَاحِكاً حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ»(1).

ومنها: ما رواه باسناده عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ مِثْلَهُ وَفِيهِ: «وَقَدْ سَأَلَنِي أَنْ أَسْأَلَكَ أَنْ تُرِيَهَا إِيَّاهُ قَالَ فَكَشَفَ لَهُ طَبَقاً مِنْ أَطْبَاقِهَا قَالَ فَمَا افْتَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ضَاحِكاً حَتَّى مَاتَ»(2).

ومنها: عن أبي جعفرعليه السلام: «لا وَاللَّهِ مَا خَلَتِ الْجَنَّةُ مِنْ أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ مُنْذُ خَلَقَهَا وَلا خَلَتِ النَّارُ مِنْ أَرْوَاحِ الْكُفَّارِ وَالْعُصَاةِ مُنْذُ خَلَقَهَا عَزَّ وَجَل»(3).

ومنها: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ يَهُودِيَّانِ فَسَأَلا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقَالا: أَيْنَ تَكُونُ الْجَنَّةُ وَأَيْنَ تَكُونُ النَّارُ؟ قَالَ: «أَمَّا الْجَنَّةُ فَفِي السَّمَاءِ وَأَمَّا النَّارُ فَفِي الْأَرْض»(4).

ومنها: عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَال: «مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً إِلّا جَعَلَ لَهُ فِي

ص: 157


1- الأمالي للصدوق: 600، م 87، ح 6؛ بحار الأنوار: 8/284، ح 9.
2- الزهد: 100، ح 271؛ بحار الأنوار: 8/284، ح 9.
3- الخصال: 2/359، ح 45؛ بحار الأنوار: 8/133، ح 37.
4- الخصال: 2/597، ح 1؛ بحار الأنوار: 8/128، ح 28.

الْجَنَّةِ مَنْزِلاً وَفِي النَّارِ مَنْزِلاً فَإِذَا سَكَنَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ نَادَى مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَشْرِفُوا فَيُشْرِفُونَ عَلَى النَّارِ وَتُرْفَعُ لَهُمْ مَنَازِلُهُمْ فِيهَا ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ مَنَازِلُكُمُ الَّتِي لَوْ عَصَيْتُمُ اللَّهَ دَخَلْتُمُوهَا قَالَ عليه السلام فَلَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ فَرَحاً لَمَاتَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَرَحاً لِمَا صُرِفَ عَنْهُمْ مِنَ الْعَذَابِ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ النَّارِ ارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ فَيَرْفَعُونَ رُؤُوسَهُمْ فَيَنْظُرُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ فَيُقَالُ لَهُمْ هَذِهِ مَنَازِلُكُمُ الَّتِي لَوْ أَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ دَخَلْتُمُوهَا قَالَ عليه السلام فَلَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ حُزْناً لَمَاتَ أَهْلُ النَّارِ حُزْناً فَيُورِثُ هَؤُلاءِ مَنَازِلَ هَؤُلاء ويورث هؤلاء منازل هؤلاء»(1).

ومنها: عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فَقَرَأَ رَجُلٌ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ فَقَالَ الرَّجُلُ: وَمَا الْفَلَقُ؟ قَالَ: «صَدْعٌ فِي النَّارِ فِيهِ سَبْعُونَ أَلْفَ دَارٍ فِي كُلِّ دَارٍ سَبْعُونَ أَلْفَ بَيْتٍ فِي كُلِّ بَيْتٍ سَبْعُونَ أَلْفَ أَسْوَدَ فِي جَوْفِ كُلِّ أَسْوَدَ سَبْعُونَ أَلْفَ جَرَّةِ سَمٍّ لا بُدَّ لِأَهْلِ النَّارِ أَنْ يَمُرُّوا عَلَيْهَا»(2).

ومنها: عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام فِي خَبَرِ الْمِعْرَاجِ قَالَ: «قَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: سَمِعْتُ صَوْتاً أَفْزَعَنِي فَقَالَ لِي جَبْرَئِيلُ: أَ تَسْمَعُ يَا مُحَمَّدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: هَذِهِ صَخْرَةٌ قَذَفْتُهَا عَنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ مُنْذُ سَبْعِينَ عَاماً فَهَذَا حِينَ اسْتَقَرَّتْ قَالُوا فَمَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله حَتَّى قُبِضَ قَالَ عليه السلام: فَصَعِدَ جَبْرَئِيلُ وَصَعِدْتُ حَتَّى دَخَلْتُ سَمَاءَ الدُّنْيَا فَمَا لَقِيَنِي مَلَكٌ إِلّا وَهُوَ ضَاحِكٌ مُسْتَبْشِرٌ حَتَّى لَقِيَنِي مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ لَمْ أَرَ أَعْظَمَ خَلْقاً مِنْهُ كَرِيهُ الْمَنْظَرِ ظَاهِرُ الْغَضَبِ فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالُوا مِنَ الدُّعَاءِ إِلّا أَنَّهُ لَمْ يَضْحَكْ وَلَمْ أَرَ فِيهِ مِنَ الاسْتِبْشَارِ مَا رَأَيْتُ مِمَّنْ ضَحِكَ مِنَ الْمَلائِكَةِ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جَبْرَئِيلُ

ص: 158


1- تفسير القمى: 2/89؛ بحار الأنوار: 8/287، ح 19.
2- معاني الأخبار: 227، ح 1؛ بحار الأنوار: 8/287، ح 17.

فَإِنِّي قَدْ فَزِعْتُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ تَفْزَعَ مِنْهُ فَكُلُّنَا يَفْزَعُ مِنْهُ إِنَّ هَذَا مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ لَمْ يَضْحَكْ قَطُّ وَلَمْ يَزَلْ مُنْذُ وَلّاهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ يَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ غَضَباً وَغَيْظاً عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ بِهِ مِنْهُم»(1).

والروايات في الباب مِنَ الخاصّة والعامّة كثيرة كلّها تدلّ على كون الجنّة والنار مخلوقتين الآن.

كيفيّة الجنّة والنار وأحوالهما

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: «لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ قَالَ لِي جَبْرَئِيلُ عليه السلام: قَدْ أَمَرْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَنْ تعْرَضَ عَلَيْكَ قَالَ: فَرَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَمَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ وَرَأَيْتُ النَّارَ وَمَا فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ (الأليم) وَالْجَنَّةُ لهَا ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْهَا أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ كُلُّ كَلِمَةٍ منها خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لِمَنْ يَعْلَمُ وَيَعْمَلُ بِهَا وَلِلنَّارِ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ عَلَى كُلِّ بَابٍ مِنْهَا ثَلاثُ كَلِمَاتٍ كُلُّ كَلِمَةٍ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لِمَنْ يَعْلَمُ وَيَعْمَلُ بِهَا فَقَالَ لِي جَبْرَئِيلُ عليه السلام: اقْرَأْ يَا مُحَمَّدُ مَا عَلَى الْأَبْوَابِ فَقَرَأْتُ ذَلِكَ أَمَّا أَبْوَابُ الْجَنَّةِ:

فَعَلَى أَوَّلِ بَابٍ مِنْهَا مَكْتُوبٌ: لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ لِكُلِّ شَيْ ءٍ حِيلَةٌ وَحِيلَةُ الْعَيْشِ أَرْبَعُ خِصَالٍ الْقَنَاعَةُ وَبَذْلُ الْحَقِّ وَتَرْكُ الْحِقْدِ وَمُجَالَسَةُ أَهْلِ الْخَيْرِ.

وَعَلَى الْبَابِ الثَّانِي مَكْتُوبٌ: لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ لِكُلِّ شَيْ ءٍ حِيلَةٌ وَحِيلَةُ السُّرُورِ فِي الآْخِرَةِ أَرْبَعُ خِصَالٍ مَسْحُ رُؤُوسِ الْيَتَامَى وَالتَّعَطُّفُ عَلَى الْأَرَامِلِ وَالسَّعْيُ فِي حَوَائِجِ الْمُؤْمِنِينَ وَالتَّفَقُّدُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.

ص: 159


1- تفسير القمي: 2/5؛ بحار الأنوار: 8/291، ح 30.

وَعَلَى الْبَابِ الثَّالِثِ مَكْتُوبٌ: لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ لِكُلِّ شَيْ ءٍ حِيلَةٌ وَحِيلَةُ الصِّحَّةِ فِي الدُّنْيَا أَرْبَعُ خِصَالٍ قِلَّةُ الْكَلامِ وَقِلَّةُ الْمَنَامِ وَقِلَّةُ الْمَشْيِ وَقِلَّةُ الطَّعَامِ.

وَعَلَى الْبَابِ الرَّابِعِ مَكْتُوبٌ: لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيُكْرِمْ وَالِدَيْهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ يَسْكُتُ.

وَعَلَى الْبَابِ الْخَامِسِ مَكْتُوبٌ: لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ مَنْ أَرَادَ أَنْ لا يُظْلَمَ فَلا يَظْلِمْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ لا يُشْتَمَ فَلا يَشْتِمْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ لا يُذَلَّ فَلا يُذِلَّ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَمْسِكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ فَلْيَقُلْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ.

وَعَلَى الْبَابِ السَّادِسِ مَكْتُوبٌ: لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ قَبْرُهُ وَسِيعاً فَسِيحاً فَلْيَبْنِ الْمَسَاجِدَ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ لا تَأْكُلَهُ الدِّيدَانُ تَحْتَ الْأَرْضِ فَلْيَسْكُنِ [فليكنس] الْمَسَاجِدَ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ طَرِيّاً مُطِرّاً لا يَبْلَى فَلْيَكْنُسِ [فليسكن] الْمَسَاجِدَ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرَى مَوْضِعَهُ فِي الْجَنَّةِ فَلْيَكْسُ الْمَسَاجِدَ بِالْبُسُطِ.

وَعَلَى الْبَابِ السَّابِعِ مَكْتُوبٌ: لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ بَيَاضُ الْقَلْبِ فِي أَرْبَعِ خِصَالٍ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَشِرَاءِ الْأَكْفَانِ [وأسر الكفار ]وَرَدِّ الْقَرْضِ.

وَعَلَى الْبَابِ الثَّامِنِ مَكْتُوبٌ: لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ مَنْ

ص: 160

أَرَادَ الدُّخُولَ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ فَلْيَتَمَسَّكْ بِأَرْبَعِ خِصَالٍ السَّخَاءِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكَفِّ عَنْ أَذَى عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى.

ثُمَ رَأَيْتُ عَلَى أَبْوَابِ النَّارِ مَكْتُوباً عَلَى الْبَابِ الْأَوَّلِ ثَلاثَ كَلِمَاتٍ: مَنْ رَجَا اللَّهَ سَعِدَ وَمَنْ خَافَ اللَّهَ أَمِنَ وَالْهَالِكُ الْمَغْرُورُ مَنْ رَجَا غَيْرَ اللَّهِ وَخَافَ سِوَاهُ.

وَعَلَى الْبَابِ الثَّانِي: مَنْ أَرَادَ أَنْ لا يَكُونَ عُرْيَاناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلْيَكْسُ الْجُلُودَ الْعَارِيَةَ فِي الدُّنْيَا ومَنْ أَرَادَ أَنْ لا يَكُونَ عَطْشَاناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَلْيَسْقِ الْعِطَاشَ فِي الدُّنْيَا مَنْ أَرَادَ أَنْ لا يَكُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَائِعاً فَلْيُطْعِمِ الْبُطُونَ الْجَائِعَةَ فِي الدُّنْيَا.

وَعَلَى الْبَابِ الثَّالِثِ مَكْتُوبٌ: لَعَنَ اللَّهُ الْكَاذِبِينَ لَعَنَ اللَّهُ الْبَاخِلِينَ لَعَنَ اللَّهُ الظَّالِمِينَ.

وَعَلَى الْبَابِ الرَّابِعِ مَكْتُوبٌ: ثَلاثُ كَلِمَاتٍ أَذَلَّ اللَّهُ مَنْ أَهَانَ الْإِسْلامَ أَذَلَّ اللَّهُ مَنْ أَهَانَ أَهْلَ الْبَيْتِ أَذَلَّ اللَّهُ مَنْ أَعَانَ الظَّالِمِينَ عَلَى ظُلْمِهِمْ لِلْمَخْلُوقِينَ.

وَعَلَى الْبَابِ الْخَامِسِ مَكْتُوبٌ: ثَلاثُ كَلِمَاتٍ لا تَتَّبِعُوا الْهَوَى فَالْهَوَى يُخَالِفُ [مجانب] الْإِيمَانَ وَلا تُكْثِرْ مَنْطِقَكَ فِيمَا لا يَعْنِيكَ فَتَسْقُطَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَلا تَكُنْ عَوْناً لِلظَّالِمِينَ.

وَعَلَى الْبَابِ السَّادِسِ مَكْتُوبٌ: أَنَا حَرَامٌ عَلَى الْمُجْتَهِدِينَ أَنَا حَرَامٌ عَلَى الْمُتَصَدِّقِينَ أَنَا حَرَامٌ عَلَى الصَّائِمِينَ.

وَعَلَى الْبَابِ السَّابِعِ مَكْتُوبٌ: ثَلاثُ كَلِمَاتٍ حَاسِبُوا نُفُوسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَوَبِّخُوا نُفُوسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوَبَّخُوا وَادْعُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ تَرِدُوا عَلَيْهِ وَلا تَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ»(1).

ص: 161


1- الروضة في فضائل أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهما السلام (لابن شاذان القمي): 175؛ بحار الأنوار: 8/144، ح 67.

وعن أبي جعفرعليه السلام قال: «أَحْسِنُوا الظَّنَّ بِاللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ عَرْضُ كُلِّ بَابٍ مِنْهَا مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً»(1).

عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقرعليه السلام قال: «قَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: طُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ أَصْلُهَا فِي دَارِ النَّبِيِ صلى الله عليه وآله وَلَيْسَ مِنْ مُؤْمِنٍ إِلّا وَفِي دَارِهِ غُصْنٌ مِنْهَا لا تَخْطُرُ عَلَى قَلْبِهِ شَهْوَةُ شَيْ ءٍ إِلّا أَتَاهُ بِهِ ذَلِكَ الْغُصْنُ وَلَوْ أَنَّ رَاكِباً مُجِدّاً سَارَ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ مَا خَرَجَ مِنْهَا وَلَوْ طَارَ مِنْ أَسْفَلِهَا غُرَابٌ مَا بَلَغَ أَعْلاهَا حَتَّى يَسْقُطَ هَرِماً أَلا فَفِي هَذَا فَارْغَبُوا»(2).

وعن عطيّة عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «مَكْتُوبٌ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَخُو رَسُولِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ»(3).

وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍ عليهم السلام قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا خَلَقَ الْجَنَّةَ خَلَقَهَا مِنْ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَجَعَلَ حِيطَانَهَا الْيَاقُوتَ وَسَقْفَهَا الزَّبَرْجَدَ وَحَصْبَاءَهَا اللُّؤْلُؤَ(4) وَتُرَابَهَا الزَّعْفَرَانَ وَالْمِسْكَ الْأَزْفَرَ فَقَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي فَقَالَتْ: لا إِلَهَ إِلّا أَنْتَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قَدْ سَعِدَ مَنْ يَدْخُلُنِي فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: بِعِزَّتِي وَعَظَمَتِي وَجَلالِي وَارْتِفَاعِي لا يَدْخُلُهَا مُدْمِنُ خَمْرٍ وَلا سِكِّيرٌ(5) وَلا

ص: 162


1- تفسير الصافي: 4/332؛ بحار الأنوار: 8/131، ح 32.
2- الخصال: 2/483، ح 56؛ الامالي للصدوق: 221/م 39/ح 7؛ بحار الأنوار: 8/131، ح 33.
3- الأمالي للصدوق: 75، م 18، ح 1؛ بحار الأنوار: 8/131، ح 34.
4- في نسخة: وحصاها اللؤلؤ.
5- توضيح: السكّير بالكسر وتشديد الكاف الكثير السكر والفرق بينه وبين المدمن إما بكون المراد بالخمر ما يتخذ من العنب وبالسكير من يسكر من غيره أو بكون المراد بالمدمن أعم ممن يسكر.

قَتَّاتٌ(1) وَهُوَ النَّمَّامُ وَلا دَيُّوثٌ وَهُوَ الْقَلْطَبَانُ وَلا قَلّاعٌ وَهُوَ الشُّرْطِيُّ وَلا زَنُّوقٌ وَهُوَ الْخُنْثَى وَلا خَيُّوفٌ وَهُوَ النَّبَّاشُ وَلا عَشَّارٌ وَلا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلا قَدَرِيٌّ»(2).

وَعَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: قُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ خَوِّفْنِي فَإِنَّ قَلْبِي قَدْ قَسَا فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ اسْتَعِدَّ لِلْحَيَاةِ الطَّوِيلَةِ فَإِنَّ جَبْرَئِيلَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِ صلى الله عليه وآله وَهُوَ قَاطِبٌ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ يَجِي ءُ وَهُوَ مُتَبَسِّمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: يَا جَبْرَئِيلُ جِئْتَنِي الْيَوْمَ قَاطِباً فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ قَدْ وُضِعَتْ مَنَافِخُ النَّارِ فَقَالَ: وَمَا مَنَافِخُ النَّارِ يَا جَبْرَئِيلُ؟ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِالنَّارِ فَنُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى ابْيَضَّتْ ثُمَّ نُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى احْمَرَّتْ ثُمَّ نُفِخَ عَلَيْهَا أَلْفَ عَامٍ حَتَّى اسْوَدَّتْ فَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الضَّرِيعِ قَطَرَتْ فِي شَرَابِ أَهْلِ الدُّنْيَا لَمَاتَ أَهْلُهَا مِنْ نَتْنِهَا وَلَوْ أَنَّ حَلْقَةً وَاحِدَةً مِنَ السِّلْسِلَةِ الَّتِي طُولُهَا سَبْعُونَ ذِراعاً وُضِعَتْ عَلَى الدُّنْيَا لَذَابَتِ الدُّنْيَا مِنْ حَرِّهَا وَلَوْ أَنَّ سِرْبَالاً مِنْ سَرَابِيلِ أَهْلِ النَّارِ عُلِّقَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَمَاتَ أَهْلُ الدُّنْيَا مِنْ رِيحِهِ ووهجه قَالَ فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ ص وَبَكَى جَبْرَئِيلُ فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمَا مَلَكاً فَقَالَ لَهُمَا إِنَّ رَبَّكُمَا يُقْرِئُكُمَا السَّلامَ وَيَقُولُ قَدْ أَمِنْتُكُمَا أَنْ تُذْنِبَا ذَنْباً أُعَذِّبُكُمَا عَلَيْهِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع فَمَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ص جَبْرَئِيلَ مُتَبَسِّماً بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ إِنَّ أَهْلَ النَّارِ يُعَظِّمُونَ النَّارَ وَإِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يُعَظِّمُونَ الْجَنَّةَ وَالنَّعِيمَ وَإِنَّ اهل جَهَنَّمَ إِذَا دَخَلُوهَا هَوَوْا فِيهَا مَسِيرَةَ سَبْعِينَ عَاماً فَإِذَا بَلَغُوا

ص: 163


1- من القت وهو الكذب، وسمى النمام قتاتا لانه يزور الحديث ويحسنها ويبلغها على جهة الكذب والفساد.
2- الخصال: 2/436/ح 22؛ بحار الأنوار: 5/10/ح 15.

أَعْلاهَا قُمِعُوا بِمَقَامِعِ الْحَدِيدِ وَأُعِيدُوا فِي دَرَكِهَا فَهَذِهِ حَالُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ «كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ»(1) ثُمَّ تُبَدَّلُ جُلُودُهُمْ جلوداً غَيْرَ الْجُلُودِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع حَسْبُكَ يا ابامحمد، قُلْتُ حَسْبِي حَسْبِي(2).

وحيث انّ الآيات والأخبار في الجنّة والنار وأحوالهما من النعيم والعذاب أكثر من أن تحصى فلا حاجة إلى اطالة الكلام بها.

موجبات الدخول إلى الجنّة والفرار من النار

الايمان والعمل الصالح يوجب الدخول في الجنّة.

الآيات الواردة في المقام كلّها أو جلّها مصدّر بقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ» وما يفيد هذا المعنى كقوله تعالى: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»(3).

وقوله تعالى: «وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ»(4) الآية.

وقوله تعالى: «وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا ... قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(5).

ص: 164


1- الحج: 22.
2- تفسير القمي: 2/81؛ بحار الأنوار: 8/280، ح 1.
3- سورة البقرة: 25.
4- سورة آل عمران: 133.
5- سورة المائدة: 27.

وقوله تعالى: «قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي»(1) الآية.

وقوله تعالى: «فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ»(2) الآية.

وقوله تعالى: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا»(3) الآية.

وقوله تعالى: «وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا»(4) الآية.

ان العمل الصالح الصادق على أفراده ومصاديقه من قبيل الوجود المقول على أفراده ومصاديقه بالتشكيك.

عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفاً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا لا يَسْكُنُهَا مِنْ أُمَّتِي إِلّا مَنْ أَطَابَ الْكَلامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَفْشَى السَّلامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَام»(5).

وعَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ آبائِهِ عَنْ عَلِيّ عليه السلام: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ أَعْلاهَا الْحُلَلُ وَمِنْ أَسْفَلِهَا خَيْلٌ بُلْقٌ مُسْرَجَةٌ مُلْجَمَةٌ ذَوَاتُ أَجْنِحَةٍ لا تَرُوثُ وَلا تَبُولُ فَيَرْكَبُهَا أَوْلِيَاءُ اللَّهِ فَتَطِيرُ بِهِمْ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاؤُوا فَيَقُولُ الَّذِينَ أَسْفَلُ مِنْهُمْ يَا

ص: 165


1- سورة المائدة: 119.
2- سورة المائدة: 85.
3- سورة الأعراف: 96.
4- سورة إبراهيم: 23.
5- الأمالي للصدوق: 328، م 53، ح 5؛ وسائل الشيعة: 12/60/ح 15646 - 7؛ بحار الأنوار: 8/118، ح 5.

رَبَّنَا مَا بَلَّغَ بِعِبَادِكَ هَذِهِ الْكَرَامَةَ فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ جَلالُهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ اللَّيْلَ وَلا يَنَامُونَ وَيَصُومُونَ النَّهَارَ وَلا يَأْكُلُونَ وَيُجَاهِدُونَ الْعَدُوَّ وَلا يَجْبُنُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَلا يَبْخَلُون»(1).

وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيٍ عليهم السلام قَالَ: «إِنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ بَابٌ يَدْخُلُ مِنْهُ النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ وَبَابٌ يَدْخُلُ مِنْهُ الشُّهَدَاءُ وَالصَّالِحُونَ وَخَمْسَةُ أَبْوَابٍ يَدْخُلُ مِنْهَا شِيعَتُنَا وَمُحِبُّونَا فَلا أَزَالُ وَاقِفاً عَلَى الصِّرَاطِ أَدْعُو وَأَقُولُ رَبِّ سَلِّمْ شِيعَتِي وَمُحِبِّي وَأَنْصَارِي وَمَنْ تَوَلانِي فِي دَارِ الدُّنْيَا فَإِذَا النِّدَاءُ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكَ وَشُفِّعْتَ فِي شِيعَتِكَ وَيَشْفَعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْ شِيعَتِي وَمَنْ تَوَلّانِي وَنَصَرَنِي وَحَارَبَ مَنْ حَارَبَنِي بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ فِي سَبْعِينَ أَلْفاً مِنْ جِيرَانِهِ وَأَقْرِبَائِهِ وَبَابٌ يَدْخُلُ مِنْهُ سَائِرُ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ مِقْدَارُ ذَرَّةٍ مِنْ بُغْضِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ»(2).

وَعَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا قيعان [قِيعَاناً] يَقَقٍ [يَقَقَا(3)] وَرَأَيْتُ فِيهَا مَلائِكَةً يَبْنُونَ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ وَرُبَّمَا أَمْسَكُوا فَقُلْتُ لَهُمْ: مَا بَالُكُمْ رُبَّمَا بَنَيْتُمْ وَرُبَّمَا أَمْسَكْتُمْ؟ فَقَالُوا: حَتَّى تَجِيئَنَا النَّفَقَةُ فَقُلْتُ: وَمَا نَفَقَتُكُمْ؟ فَقَالُوا: قَوْلُ الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ للَّهِ ِ وَلا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، فَإِذَا قَالَ: بَنَيْنَا وَإِذَا أَمْسَكَ أَمْسَكْنَا»(4).

قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: «قَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ فِي الْجَنَّةِ عَمُوداً مِنْ

ص: 166


1- الزهد للحسين بن سعيد كوفي أهوازي: 101، ح 274؛ بحار الأنوار: 8/118، ح 4.
2- الخصال: 2/408، ح 6؛ بحار الأنوار: 8/39، ح 19.
3- قيعان جمع قاع أرض سهلة. يقق محركة ككتف شديد البياض.
4- تفسير القمي: 2/53؛ بحار الأنوار: 18/409، ح 120.

يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ قَصْرٍ فِي كُلِّ قَصْرٍ سَبْعُونَ أَلْفَ غُرْفَةٍ خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُتَحَابِّينَ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِي اللَّهِ» الْخَبَرَ(1).

عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ عَنْ عَلِيٍ عليهم السلام قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا خَلَقَ الْجَنَّةَ خَلَقَهَا مِنْ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَجَعَلَ حِيطَانَهَا الْيَاقُوتَ وَسَقْفَهَا الزَّبَرْجَدَ وَحَصْبَاءَهَا اللُّؤْلُؤَ وَتُرَابَهَا الزَّعْفَرَانَ وَالْمِسْكَ الْأَزْفَرَ فَقَالَ لَهَا تَكَلَّمِي فَقَالَتْ لا إِلَهَ إِلّا أَنْتَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ قَدْ سَعِدَ مَنْ يَدْخُلُنِي فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ بِعِزَّتِي وَعَظَمَتِي وَجَلالِي وَارْتِفَاعِي لا يَدْخُلُهَا مُدْمِنُ خَمْرٍ وَلا سِكِّيرٌ وَلا قَتَّاتٌ وَهُوَ النَّمَّامُ وَلا دَيُّوثٌ وَهُوَ الْقَلْطَبَانُ وَلا قَلّاعٌ وَهُوَ الشُّرْطِيُّ وَلا زَنُّوقٌ وَهُوَ الْخُنْثَى وَلا خَيُّوفٌ وَهُوَ النَّبَّاشُ وَلا عَشَّارٌ وَلا قَاطِعُ رَحِمٍ وَلا قَدَرِيٌّ»(2).

وقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: «عَلَيْكَ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ بِيَدِهِ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ وَجَعَلَ مِلاطَهَا الْمِسْكَ وَتُرَابَهَا الزَّعْفَرَانَ وَحَصْبَاءَهَا(3) اللُّؤْلُؤَ وَجَعَلَ دَرَجَاتِهَا عَلَى قَدْرِ آيَاتِ الْقُرْآنِ فَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ قَالَ لَهُ اقْرَأْ وَارْقَ وَمَنْ دَخَلَ مِنْهُمُ الْجَنَّةَ لَمْ يَكُنْ أحد فِي الْجَنَّةِ أَعْلَى دَرَجَةً مِنْهُ مَا خَلا النبيين والصديقين «النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ»(4).

وَعَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍ عليهم السلام عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ عليها السلام عَنْ أَبِيهَا وعمها الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍ عليهما السلام قَالا: «حَدَّثَنَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: لَمَّا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ رَأَيْتُ فِيهَا شَجَرَةً تَحْمِلُ

ص: 167


1- الخصال: 2/239، ح 13؛ بحار الأنوار: 8/132، ح 35.
2- الخصال: 2/436، ح 22؛ بحار الأنوار: 5/10، ح 15.
3- حصاها.
4- تفسير القمي: 2/259؛ بحار الأنوار: 89/198، ح 8.

الْحُلِيَّ وَالْحُلَلَ أَسْفَلُهَا خَيْلٌ بُلْقٌ وَأَوْسَطُهَا حُورٌ عِينٌ وَفِي أَعْلاهَا الرِّضْوَانُ قُلْتُ يَا جَبْرَئِيلُ لِمَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةُ قَالَ هَذِهِ لابْنِ عَمِّكَ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَإِذَا أَمَرَ اللَّهُ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ يُؤْتَى بِشِيعَةِ عَلِيٍّ حَتَّى يَنْتَهِيَ بِهِمْ إِلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَيَلْبَسُونَ الْحُلِيَّ وَالْحُلَلَ وَيَرْكَبُونَ الْخَيْلَ الْبُلْقَ وَيُنَادِي مُنَادٍ هَؤُلاءِ شِيعَةُ عَلِيٍ عليه السلام صَبَرُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى الْأَذَى فَحُبُوا فِي هَذَا الْيَوْمَ بِهَذَا»(1).

عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: «إِنَّ للجنّة إحدى وَسَبْعِينَ بَاباً يَدْخُلُ مِنْ سَبْعِينَ مِنْهَا شِيعَتِي وَأَهْلُ بَيْتِي وَمِنْ بَابٍ وَاحِدٍ سَائِرُ النَّاسِ»(2).

عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا عِبَادِيَ الصِّدِّيقِينَ تَنَعَّمُوا بِعِبَادَتِي فِي الدُّنْيَا فَإِنَّكُمْ تَتَنَعَّمُونَ بِهَا فِي الآْخِرَةِ»(3).

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في حديث طويل: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا كَانَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ أَمَرَ بِأَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتُفَتَّحُ وَيَأْمُرُ شَجَرَةَ طُوبَى فَتُطْلِعُ أَغْصَانَهَا عَلَى هَذِهِ الدُّنْيَا [ثمّ يأمر بأبواب النار فتفتح، ويأمر شجرة الزقّوم فتطلع أغصانها على هذه الدنيا ]ثُمَّ يُنَادِي مُنَادِي رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ يَا عِبَادَ اللَّهِ هَذِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةِ طُوبَى فَتَعَلَّقُوا بِهَا تُؤَدِّكُمْ إِلَى الْجِنَانِ وَهَذِهِ أَغْصَانُ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهَا لا تَؤَدِّيكُمْ إِلَى الْجَحِيمِ».

ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وآله: «فَوَ الَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيّاً إِنَّ مَنْ تَعَاطَى بَاباً مِنَ الْخَيْرِ والبر فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِ شَجَرَةِ طُوبَى فَهُوَ مُؤَدِّيهِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَنْ

ص: 168


1- اليقين باختصاص مولانا على عليه السلام بامرة المؤمنين: /251ح 14؛ بحار الأنوار: 27/120، ح 101.
2- مناقب لابن شهر آشوب: 2/154؛ بحار الأنوار: 8/139، ح 55.
3- الكافي (ط - الاسلامية): 2/83، ح 2؛ بحار الأنوار: 8/155، ح 93.

تَعَاطَى بَاباً مِنَ الشَّرِّ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِ الزَّقُّومِ فَهُوَ مُؤَدِّيهِ إِلَى النَّارِ».

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: «فَمَنْ تَطَوَّعَ للَّهِ ِ بِصَلاةٍ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ. وَمَنْ صامَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.

وَمَنْ عَفَا عَنْ مَظْلِمَةٍ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ وَمَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَالْوَالِدِ وَوَلَدِهِ، وَالْقَرِيبِ وَقَرِيبِهِ، وَالْجَارِ وَجَارِهِ، وَالْأَجْنَبِيِّ وَأَجْنَبِيِّهِ، فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.

وَمَنْ خَفَّفَ عَنْ مُعْسِرٍ مِنْ دَيْنِهِ أَوْ حَطَّ(1) عَنْهُ فَقَطْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.

وَمَنْ نَظَرَ فِي حِسَابِهِ فَرَأَى دَيْناً عَتِيقاً قَدْ يَئِسَ مِنْهُ صَاحِبُهُ فَأَدَّاهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.

وَمَنْ كَفَلَ يَتِيماً فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.

وَمَنْ كَفَّ سَفِيهًا عَنْ عِرْضِ مُؤْمِنٍ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.

وَمَنْ قَرَأَ القُرآن أوْ شَيْئاً مِنْهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.

وَمَنْ قَعَدَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَلِنَعْمَائِهِ يَشْكُرُهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.

وَمَنْ عَادَ مَرِيضاً فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.

وَمَنْ شَيَّعَ فِيهِ جَنَازَةً فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.

وَمَنْ عَزَّى فِيهِ مُصَاباً فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.

وَمَنْ بَرَّ فِيهِ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.

وَمَنْ كَانَ أَسْخَطَهُمَا قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ فَأَرْضَاهُمَا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ.

وَكَذَلِكَ مَنْ فَعَلَ شَيْئاً مِنْ سَائِرِ أَبْوَابِ الْخَيْرِ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْنٍ».

ص: 169


1- حطّ الشي ء: تركه.

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: «وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيّاً، وان من تعاطى بابا من الشر والعصيان في هذا اليوم فقد تعلق بغصن من اغصان شجرة الزقوم فهو مؤديه إلى النار، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: «وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ نَبِيّاً فَمَنْ قَصَّرَ فِي صَلاتِهِ الْمَفْرُوضَةِ وَضَيَّعَهَا فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.

[ومن كان عليه فرض صوم ففرط فيه وضيّعه، فقد تعلّق بغصن منه].

وَمَنْ جَاءَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَقِيرٌ ضَعِيفٌ يَشْكُو إِلَيْهِ (يعرف) سُوءَ حَالِهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِ حَالِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ وَيَقُومُ مَقَامَهُ فَتَرَكَهُ يُضَيَّعُ وَيَعْطَبُ وَلَمْ يَأْخُذْ بِيَدِهِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.

وَمَنِ اعْتَذَرَ إِلَيْهِ مُسِي ءٌ فَلَمْ يَعْذِرْهُ ثُمَّ لَمْ يَقْتَصِرْ بِهِ عَلَى قَدْرِ عُقُوبَةِ إِسَاءَتِهِ بَلْ أَرْبَى عَلَيْهِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.

وَمَنْ أَفْسَدَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ أَوِ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ أَوِ الْأَخِ وَأَخِيهِ أَوِ الْقَرِيبِ وَقَرِيبِهِ أَوْ بَيْنَ جَارَيْنِ أَوْ خَلِيطَيْنِ أَوْ أَجْنَبِيَّيْنِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.

وَمَنْ شَدَّدَ عَلَى مُعْسِرٍ وَهُوَ يَعْلَمُ إِعْسَارَهُ فَزَادَ غَيْظاً وَبَلاءً فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.

وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَكَسَرَهُ(1) عَلَى صَاحِبِهِ وَتَعَدَّى عَلَيْهِ حَتَّى أَبْطَلَ دَيْنَهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.

وَمَنْ جَفَا يَتِيماً وَآذَاهُ وَتَهَضَّمَ(2) مَالَهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.

وَمَنْ وَقَعَ فِي عِرْضِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ وَحَمَلَ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.

وَمَنْ تَغَنَّى بِغِنَاءٍ حَرَامٍ يَبْعَثُ فِيهِ عَلَى الْمَعَاصِي فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.

ص: 170


1- الكسر - من الحساب - ما لا يبلغ سهما تاما. والكسر: الجزء.
2- اي: غصب.

وَمَنْ قَعَدَ يُعَدِّدُ قَبَائِحَ أَفْعَالِهِ فِي الْحُرُوبِ وَأَنْوَاعَ ظُلْمِهِ لِعِبَادِ اللَّهِ فَافْتَخَرَ بِهَا فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.

وَمَنْ كَانَ جَارُهُ مَرِيضاً فَتَرَكَ عِيَادَتَهُ اسْتِخْفَافاً بِحَقِّهِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.

وَمَنْ مَاتَ جَارُهُ فَتَرَكَ تَشْيِيعَ جَنَازَتِهِ تَهَاوُناً بِهِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.

وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ مُصَابٍ وَجَفَاهُ إِزْرَاءً(1) عَلَيْهِ وَاسْتِصْغَاراً لَهُ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.

وَمَنْ عَقَّ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.

وَمَنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ عَاقّاً لَهُمَا فَلَمْ يُرْضِهِمَا فِي هَذَا الْيَوْمِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْهُ.

وَكَذَا مَنْ فَعَلَ شَيْئاً مِنْ سَائِرِ أَبْوَابِ الشَّرِّ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْنٍ مِنْه» الحديث(2).

وَقَالَ الْإِمَامُ عليه السلام: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: مَنْ رَعَى حَقَّ قَرَابَاتِ أَبَوَيْهِ أُعْطِيَ فِي الْجَنَّةِ أَلْفَ دَرَجَةٍ بُعْدُ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ حُضْرُ الْفَرَسِ الْجَوَادِ الْمُضَمَّرِ مِائَةَ سَنَةٍ إِحْدَى الدَّرَجَاتِ مِنْ فِضَّةٍ وَالْأُخْرَى مِنْ ذَهَبٍ وَالْأُخْرَى مِنْ لُؤْلُؤٍ وَالْأُخْرَى مِنْ زُمُرُّدٍ وَالْأُخْرَى مِنْ زَبَرْجَدٍ وَالْأُخْرَى مِنْ مِسْكٍ وَالْأُخْرَى مِنْ عَنْبَرٍ وَالْأُخْرَى مِنْ كَافُورٍ وَتِلْكَ الدَّرَجَاتُ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ وَمَنْ رَعَى حَقَّ قُرْبَى مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ أُوتِيَ مِنْ فَضائلِ الدَّرَجَاتِ وَزِيَادَةِ الْمَثُوبَاتِ عَلَى قَدْرِ زِيَادَةِ فَضْلِ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ عَلَى أَبَوَيْ نَسَبِهِ»(3).

ص: 171


1- ازدرى واستزرى الرجل: احتقره واستخف به.
2- تفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام: 645، ح 14؛ بحار الأنوار: 8/166، ح 111.
3- تفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام: 333، ح 202؛ بحار الأنوار: 71/90، ح 8.

وَقَالَ الصَّادِقُ عليه السلام: «عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبٌ الْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَالصَّدَقَةُ بِعَشَرَة»(1).

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ عَنِ النَّبِيِ صلى الله عليه وآله: فِي خُطْبَةٍ طَوِيلَةٍ قَالَ: «مَنْ عَمِلَ فِي تَزْوِيجٍ بَيْنَ مُؤْمِنَيْنِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا زَوَّجَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَلْفَ امْرَأَةٍ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ كُلُّ امْرَأَةٍ فِي قَصْرٍ مِنْ دُرٍّ وَيَاقُوتٍ وَمَنْ بَنَى مَسْجِداً فِي الدُّنْيَا بَنَى اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ شِبْرٍ مِنْهُ أَوْ بِكُلِّ ذِرَاعٍ مَسِيرَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ عَامٍ مَدِينَةً مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَدُرٍّ وَيَاقُوتٍ وَزُمُرُّدٍ وَزَبَرْجَدٍ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ قَصْرٍ فِي كُلِّ قَصْرٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ دَارٍ فِي كُلِّ دَارٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ بَيْتٍ فِي كُلِّ بَيْتٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ سَرِيرٍ عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ زَوْجَةٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَلِكُلِّ زَوْجَةٍ أَلْفُ أَلْفِ وَصِيفٍ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ وَصِيفَةٍ فِي كُلِّ بَيْتٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ مَائِدَةٍ عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ قَصْعَةٍ فِي كُلِّ قَصْعَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ لَوْنٍ مِنَ الطَّعَامِ وَيُعْطِي اللَّهُ وَلِيَّهُ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يَأْتِي عَلَى تِلْكَ الْأَزْوَاجِ وَعَلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ وَعَلَى ذَلِكَ الشَّرَابِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَمَنْ تَوَلَّى أَذَانَ مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ اللَّهِ فَأَذَّنَ فِيهِ وَهُوَ يُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ ثَوَابَ أَرْبَعِينَ أَلْفَ أَلْفِ صِدِّيقٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ أَلْفِ شَهِيدٍ وَأَدْخَلَ فِي شَفَاعَتِهِ أَرْبَعِينَ أَلْفَ أَلْفِ أَمَةٍ فِي كُلِّ أَمَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ رَجُلٍ وَكَانَ لَهُ جَنَّةٌ مِنَ الْجَنَّاتِ فِي كُلِّ جَنَّةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ مَدِينَةٍ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ قَصْرٍ فِي كُلِّ قَصْرٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ دَارٍ فِي كُلِّ دَارٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ بَيْتٍ فِي كُلِّ بَيْتٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ سَرِيرٍ عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ زَوْجَةٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ كُلُّ بَيْتٍ مِنْهَا مِثْلُ الدُّنْيَا أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ مَرَّةٍ لِكُلِّ زَوْجَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ وَصِيفٍ وَأَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ وَصِيفَةٍ فِي كُلِّ بَيْتٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ

ص: 172


1- تفسير القمي: 2/159؛ بحار الأنوار: 100/138، ح 2.

مَائِدَةٍ عَلَى كُلِّ مَائِدَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ قَصْعَةٍ فِي كُلِّ قَصْعَةٍ أَرْبَعُونَ أَلْفَ أَلْفِ نَوْعٍ مِنَ الطَّعَامِ لَوْ نَزَلَ بِهِ الثَّقَلانِ لَكَانَ لَهُمْ فِي أَدْنَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهَا مَا شَاؤُوا مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَالثِّمَارِ وَالتُّحَفِ وَالطَّرَائِفِ وَالْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ كُلُّ بَيْتٍ يُكْتَفَى بِمَا فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَمَّا فِي الْبَيْتِ الآْخَرِ»(1).(2)

وَقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «إِنَّ لِلْجَنَّةِ بَاباً يُدْعَى الرَّيَّانَ لا يَدْخُلُ مِنْهُ إِلّا الصَّائِمُونَ»(3).

عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: «إِنَّ لِلْجَنَّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ الْمَعْرُوفُ لا يَدْخُلُهُ إِلّا أَهْلُ الْمَعْرُوف»(4).

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍعليه السلام قَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً إِلَى الْجَنَّةِ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ وَإِنَّ أَوَّلَ أَهْلِ النَّارِ دُخُولاً أَهْلُ الْمُنْكَرِ»(5).

عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: «إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَيَذْهَبُ إِلَى الْجَنَّةِ فَيُمَهِّدُ لِصَاحِبِهِ كَمَا يَبْعَثُ الرَّجُلُ غُلاماً فَيُفْرِشُ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ: «أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ»(6)»(7).

وأمّا الأُمور التي توجب الاتيان بها الدخول في النار فلا حاجة لنا إلى بسط

ص: 173


1- هذه آخر رواية رواها الصدوق في عقاب الأعمال وهي آخر خطبة خطبها النبيّ صلى الله عليه وآله بالمدينة حتّى لحق صلى اللَّه عليه وآله باللَّه تعالى.
2- بحار الأنوار: 8/192، ح 173؛ ثواب الأعمال: 288.
3- معاني الأخبار: 409، ح 90؛ بحار الأنوار: 8/194، ح 31.
4- الكافي: 4/30، ح 4؛ بحار الأنوار: 8/156، ح 96.
5- الزهد: 31، ح 77؛ بحار الأنوار: 8/197، ح 190.
6- سورة الروم: 44.
7- الأمالي للمفيد: 195، م 23، ح 26؛ بحار الأنوار: 8/197، ح 189.

الكلام فيه وذلك لأنّ الجنّة والنار تتقابلان تقابل التضادّ فاذا جاء أحدهما ذهب الآخر لا محالة، والأعمال الموجبة للدخول فيها أيضاً كذلك فالعمل الذي يقرّب العبد إلى الجنّة يبعّده من النار وبالعكس بالعكس ومع ذلك كلّه لا بأس بالاشارة إلى بعض الآيات والأخبار الواردة في الباب تتميماً للبحث.

قال تعالى: «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ»(1).

وقال تعالى: «وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ»(2).

وأمّا الأخبار:

عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍ عليهم السلام قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: أَرْبَعَةٌ يُؤْذُونَ أَهْلَ النَّارِ عَلَى مَا بِهِمْ مِنَ الْأَذَى يُسْقَوْنَ مِنَ الْحَمِيمِ وَالْجَحِيمِ يُنَادَوْنَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ يَقُولُ أَهْلُ النَّارِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَا بَالُ هَؤُلاءِ الْأَرْبَعَةِ قَدْ آذَوْنَا عَلَى مَا بِنَا مِنَ الْأَذَى فَرَجُلٌ مُعَلَّقٌ عَلَيْهِ تَابُوتٌ مِنْ جَمْرٍ وَرَجُلٌ يَجُرُّ أَمْعَاءَهُ وَرَجُلٌ يَسِيلُ فُوهُ قَيْحاً وَدَماً وَرَجُلٌ يَأْكُلُ لَحْمَهُ فَيُقَالُ لِصَاحِبِ التَّابُوتِ مَا بَالُ الْأَبْعَدِ قَدْ آذَانَا عَلَى مَا بِنَا مِنَ الْأَذَى فَيَقُولُ إِنَّ الْأَبْعَدَ مَاتَ وَفِي عُنُقِهِ أَمْوَالُ النَّاسِ لَمْ يَجِدْ لَهَا أَدَاءً وَلا وَفَاءً ثُمَّ يُقَالُ لِلَّذِي يَجُرُّ أَمْعَاءَهُ مَا بَالُ الْأَبْعَدِ قَدْ آذَانَا عَلَى مَا بِنَا مِنَ الْأَذَى فَيَقُولُ إِنَّ الْأَبْعَدَ كَانَ لا يُبَالِي أَيْنَ أَصَابَ الْبَوْلُ مِنْ جَسَدِهِ ثُمَّ يُقَالُ لِلَّذِي يَسِيلُ فُوهُ قَيْحاً وَدَماً مَا بَالُ الْأَبْعَدِ قَدْ آذَانَا عَلَى مَا بِنَا مِنَ الْأَذَى فَيَقُولُ

ص: 174


1- سورة النساء: 14.
2- سورة الشورى: 20.

إِنَّ الْأَبْعَدَ كَانَ يُحَاكِي يَنْظُرُ إِلَى كُلِّ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ فَيُسْنِدُهَا فَيُحَاكِي بِهَا ثُمَّ يُقَالُ لِلَّذِي يَأْكُلُ لَحْمَهُ مَا بَالُ الْأَبْعَدِ قَدْ آذَانَا عَلَى مَا بِنَا مِنَ الْأَذَى فَيَقُولُ إِنَّ الْأَبْعَدَ كَانَ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ بِالْغِيبَةِ وَيَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ»(1).

وَعَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْحَسَنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرِّضَا، عَنْ أَبِيهِ الرِّضَا، عَنْ أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليّ بن أبي طالبٍ عليه السلام قَالَ: «دَخَلْتُ أَنَا وَفَاطِمَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فَوَجَدْتُهُ يَبْكِي بُكَاءً شَدِيداً فَقُلْتُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الَّذِي أَبْكَاكَ؟ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ رَأَيْتُ نِسَاءً مِنْ أُمَّتِي فِي عَذَابٍ شَدِيدٍ فَأَنْكَرْتُ شَأْنَهُنَّ فَبَكَيْتُ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ عَذَابِهِنَّ وَرَأَيْتُ امْرَأَةً مُعَلَّقَةً بِشَعْرِهَا يَغْلِي دِمَاغُ رَأْسِهَا وَرَأَيْتُ امْرَأَةً مُعَلَّقَةً بِلِسَانِهَا وَالْحَمِيمُ يُصَبُّ فِي حَلْقِهَا وَرَأَيْتُ امْرَأَةً مُعَلَّقَةً بِثَدْييهَا وَرَأَيْتُ امْرَأَةً تَأْكُلُ لَحْمَ جَسَدِهَا وَالنَّارُ تُوقَدُ مِنْ تَحْتِهَا وَرَأَيْتُ امْرَأَةً قَدْ شُدَّ رِجْلاهَا إِلَى يَدَيْهَا وَقَدْ سُلِّطَ عَلَيْهَا الْحَيَّاتُ وَالْعَقَارِبُ وَرَأَيْتُ امْرَأَةً صَمَّاءَ عَمْيَاءَ خَرْسَاءَ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ يَخْرُجُ دِمَاغُ رَأْسِهَا مِنْ مَنْخِرِهَا وَبَدَنُهَا مُتَقَطِّعٌ مِنَ الْجُذَامِ وَالْبَرَصِ وَرَأَيْتُ امْرَأَةً مُعَلَّقَةً بِرِجْلَيْهَا فِي تَنُّورٍ مِنْ نَارٍ وَرَأَيْتُ امْرَأَةً تُقَطَّعُ لَحْمُ جَسَدِهَا مِنْ مُقَدَّمِهَا وَمُؤَخَّرِهَا بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ وَرَأَيْتُ امْرَأَةً يُحْرَقُ وَجْهُهَا وَيَدَاهَا وَهِيَ تَأْكُلُ أَمْعَاءَهَا وَرَأَيْتُ امْرَأَةً رَأْسُهَا رَأْسُ الخِنْزِيرٍ وَبَدَنُهَا بَدَنُ الْحِمَارِ وَعَلَيْهَا أَلْفُ أَلْفِ لَوْنٍ مِنَ الْعَذَابِ وَرَأَيْتُ امْرَأَةً عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ وَالنَّارُ تَدْخُلُ فِي دُبُرِهَا وَتَخْرُجُ مِنْ

ص: 175


1- الأمالي للصدوق: 581، م 85، ح 20؛ بحار الأنوار: 8/280، ح 2.

فِيهَا وَالْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ رَأْسَهَا وَبَدَنَهَا بِمَقَامِعَ(1) مِنْ نَارٍ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ ع حَبِيبِي وَقُرَّةُ عَيْنِي أَخْبِرْنِي مَا كَانَ عَمَلُهُنَّ وَسِيرَتُهُنَّ حَتَّى وَضَعَ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ هَذَا الْعَذَابَ فَقَالَ يَا بِنْتِي أَمَّا الْمُعَلَّقَةُ بِشَعْرِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ لا تُغَطِّي شَعْرَهَا مِنَ الرِّجَالِ وَأَمَّا الْمُعَلَّقَةُ بِلِسَانِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ تُؤْذِي زَوْجَهَا وَأَمَّا الْمُعَلَّقَةُ بِثَدْييهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ تَمْتَنِعُ مِنْ فِرَاشِ زَوْجِهَا وَأَمَّا الْمُعَلَّقَةُ بِرِجْلَيْهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا وَأَمَّا الَّتِي كَانَتْ تَأْكُلُ لَحْمَ جَسَدِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ تُزَيِّنُ بَدَنَهَا لِلنَّاسِ وَأَمَّا الَّتِي شُدَّتْ يَدَاهَا إِلَى رِجْلَيْهَا وَسُلِّطَ عَلَيْهَا الْحَيَّاتُ وَالْعَقَارِبُ فَإِنَّهَا كَانَتْ قَذِرَةَ الْوَضُوءِ قَذِرَةَ الثِّيَابِ وَكَانَتْ لا تَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَلا تَنَتَظَّفُ وَكَانَتْ تَسْتَهِينُ بِالصَّلاةِ وَأَمَّا الْعَمْيَاءُ الصَّمَّاءُ الْخَرْسَاءُ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَلِدُ مِنَ الزِّنَاءِ فَتُعَلِّقُهُ فِي عُنُقِ زَوْجِهَا وَأَمَّا الَّتِي تُقْرَضُ لَحْمُهَا بِالْمَقَارِيضِ فَإِنَّهَا كانت تَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَى الرِّجَالِ وَأَمَّا الَّتِي كَانَتْ تُحْرَقُ وَجْهُهَا وَبَدَنُهَا وَهِيَ تَأْكُلُ أَمْعَاءَهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ قَوَّادَةً وَأَمَّا الَّتِي كَانَ رَأْسُهَا رَأْسَ الخِنْزِيرٍ وَبَدَنُهَا بَدَنَ الْحِمَارِ فَإِنَّهَا كَانَتْ نَمَّامَةً كَذَّابَةً وَأَمَّا الَّتِي كَانَتْ عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ وَالنَّارُ تَدْخُلُ فِي دُبُرِهَا وَتَخْرُجُ مِنْ فِيهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ قَيْنَةً(2) نَوَّاحَةً حَاسِدَةً ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وآله: وَيْلٌ لإمْرَأَةٍ أَغْضَبَتْ زَوْجَهَا وَطُوبَى لإمْرَأَةٍ رَضِيَ عَنْهَا زَوْجُهَا»(3).

وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ عليهم السلام: «أَنَّ عَلِيّاًعليه السلام قَالَ: إِنَّ فِي جَهَنَّمَ رَحًى تَطْحَنُ خمساً أَ فَلا تَسْأَلُونِّي مَا طِحْنُهَا فَقِيلَ لَهُ وَمَا طِحْنُهَا؟ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ،

ص: 176


1- المقمعة كمكنسة: العمود من الحديد «گرز آهن».
2- كانت قينة: أي مغنية.
3- عيون أخبار الرضاعليه السلام: 2/10، ح 24؛ بحار الأنوار: 8/309، ح 75.

قَالَ الْعُلَمَاءُ الْفَجَرَةُ وَالْقُرَّاءُ الْفَسَقَةُ وَالْجَبَابِرَةُ الظَّلَمَةُ وَالْوُزَرَاءُ الْخَوَنَةُ وَالْعُرَفَاءُ الْكَذِبَةُ(1) وَإِنَّ فِي النَّارِ لَمَدِينَةً يُقَالُ لَهَا الْحَصِينَةُ أَ فَلا تَسْأَلُونِّي مَا فِيهَا فَقِيلَ وَمَا فِيهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ فِيهَا أَيْدِي النَّاكِثِينَ»(2).

حضر الحجّاف عند عبدالملك والأخطل حاضر في مجلسه ينشد:

ألا سائل الجحّاف هل هو ثائر * بقتلي أصبت من سليم وعامر

فقال له الحجّاف:

نعم سوف نبكيهم بكلّ مهنّد

ونبكي عميرا بالرماح الخواطر

ثمّ قال له: ظننت يابن النصرانيّة انّك لم تكن لتجترئ عليّ، ولو رأيتني لك مأسوراً - وأوعده - فما برح الأخطل حتّى حمّ فقال له عبدالملك: أنا جراك منه قال هذا أجرتني منه يقظان فمن يجيرني منه نائماً فجعل عبدالملك يضحك(3).

وكان عبيداللَّه بن الحرّ الجعفي محبوساً عند ابن زياد فكلّمه الأحنف بن قيس فأطلقه فقال للأحنف: ما أدري ما أكافئك به إلّا أن أقتلك فتدخل الجنّة وأدخل النار فضحك الأحنف وقال: لا حاجة لي في مكافأتك يابن أخي(4).

أَلا وَإِنَّهُ مَنْ لا يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ

قال تعالى: «أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً

ص: 177


1- العرفاء: جمع عريف وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم.
2- تخصيص الأيدي إنّما هو لوقوع عقد البيعة بها.
3- الأغاني: 12/416.
4- أنساب الأشراف للبلاذري: 12/337.

رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ»(1).

وَمَنْ لا يَسْتَقِيمُ بِهِ الْهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلالُ إِلَى الرَّدَى أَلا وَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ وَدُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ

قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ»(2).

وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ»(3) الآية.

وقال تعالى: «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى»(4) الآية.

وقال تعالى: «يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»(5).

وقال تعالى: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلًا»(6).

وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى

بعض الآيات والأخبار الواردة في ذمّها:

ص: 178


1- سورة الرعد: 17.
2- سورة الإنشقاق: 6.
3- سورة الحشر: 18.
4- سورة البقرة: 197.
5- سورة الشعراء: 88 - 89.
6- سورة الكهف: 46.

فمن الآيات الواردة فيه:

قوله تعالى: «وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً»(1).

وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا... فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا»(2).

وقوله تعالى: «وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ»(3) الآية.

وقوله تعالى: «وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً»(4).

وقوله تعالى: «فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى»(5).

وقوله تعالى: «فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(6).

وقوله تعالى: «بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ»(7).

وقوله تعالى: «وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ»(8) الآية.

ص: 179


1- سورة النساء: 27.
2- سورة النساء: 135.
3- سورة الأعراف: 176.
4- سورة الكهف: 28.
5- سورة طه: 16.
6- سورة القصص: 50.
7- سورة الروم: 29.
8- ص: 26.

وقوله تعالى: «أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ»(1).

وقوله تعالى: «وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ ... أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ»(2) الآية.

وقوله تعالى: «وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ»(3).

وقوله تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى»(4).

ومن الأخبار الواردة فيه:

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعود لم يره»(5).

وعن أبي جعفرعليه السلام قال: «إنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول: بجلالي وجمالي وبهائي وعلائي وارتفاعي لا يؤثر عبد هواي على هواه إلّا جعلت غناه في نفسه وهمّه في آخرته وكففت عنه ضيعته وضمنت السماوات والأرض رزقه وكنت له من وراء تجارة كلّ تاجر...»(6).

وعن جابر بن عبداللَّه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «إنّ أخوف ما أخاف على أُمّتي الهوى وطول الأمل أمّا الهوى فإنّه يصدّ عن الحقّ وأمّا طول الأمل فينسى الآخرة»(7).

ص: 180


1- سورة الجاثية: 23.
2- سورة محمّد: 16.
3- سورة القمر: 3.
4- سورة النازعات: 40 - 41.
5- تحف العقول: 49؛ بحار الأنوار: 74/153، ح 119.
6- الخصال: 1/3، ح 5؛ بحار الأنوار: 67/75، ح 2.
7- الخصال: 1/51، ح 62؛ بحار الأنوار: 67/75، ح 3.

وعن جعفر بن محمّدعليه السلام قال: «إنّي لأرجو النجاة لهذه الأُمّة لمن عرف حقّنا منهم إلّا لأحد ثلاثة صاحب سلطان جائر وصاحب هوى والفاسق المعلن»(1).

وعن الصادق جعفر بن محمّد، عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: «أشجع الناس من غلب هواه»(2).

وقال زيد بن صوحان: يا أميرالمؤمنين أيّ سلطان أغلب وأقوى؟ قال عليه السلام: «الهوى»(3).

وقال الجوادعليه السلام: «من أطاع هواه أعطى عدوّه مناه وقال عليه السلام: راكب الشهوات لا يستقال له عثرة»(4).

وعن أبي محمّد الوابشي قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «احذروا أهوائكم كما تحذرون أعدائكم فليس شي ء أعدى للرجال من اتّباع أهوائهم وحصائد ألسنتهم»(5).

وعن عبدالرحمن بن الحجّاج قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: «اتّق المرتقى السهل إذا كان منحدره وعرا» وقال: كان أبو عبداللَّه عليه السلام يقول: «لا تدع النفس وهواها فإن هواها في رداها وترك النفس وما تهوى أذاها وكفّ النفس عمّا تهوى دواها»(6).

ص: 181


1- الخصال: 1/119، ح 107؛ بحار الأنوار: 70/355، ح 64.
2- من لا يحضره الفقيه: 4/395، ح 5840؛ بحار الأنوار: 74/112، ح 2.
3- فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام لابن عقدة: 119؛ بحار الأنوار: 67/76، ح 6.
4- الدرة الباهرة من الاصداف الطاهرة (ط - القديمة): 40؛ بحار الأنوار: 67/78، ح 11.
5- الكافي: 2/335، ح 1؛ تفسير نور الثقلين: 5/508، ح 49.
6- الكافي: 2/336، ح 4؛ بحار الأنوار: 67/89، ح 20.

وَطُولُ الْأَمَلِ

اشارة

قال تعالى: «ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ»(1).

وأمّا الأخبار:

فمنها: عن أنس بن مالك أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال: «يهلك أو قال يهرم ابن آدم ويبقى منه اثنتان الحرص والامل»(2).

كما ورد في حديث آخر: «يشيب ابن آدم ويشبّ فيه خصلتان الحرص وطول الامل»(3).

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «يا عليّ أنهاك عن ثلاث خصال عظام: الحسد والكذب والحرص»(4).

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «لا يؤمن رجل فيه الشح والحسد والجبن ولا يكون المؤمن جباناً ولا شحيحاً ولا حريصاً»(5).

وعن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «من تعلّق قلبه بالدنيا تلّق قلبه بثلاث خصال: همّ لا يفنى وأمل لا يدرك ورجاء لا ينال»(6).

وعن السكوني عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ عليه السلام قال: «من أطال أمله ساء عمله»(7).

ص: 182


1- سورة الحجر: 3.
2- الخصال: 1/73، ح 113؛ بحار الأنوار: 70/161، ح 8.
3- بحار الأنوار: 70/22.
4- مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: 310؛ بحار الأنوار: 66/370.
5- صفات الشيعة: 37، ح 59؛ بحار الأنوار: 70/161، ح 10.
6- الكافي: 2/320، ح 17؛ بحار الأنوار: 70/24، ح 16.
7- الخصال: 1/15، ح 52؛ بحار الأنوار: 70/164، ح 19.

وعن فاطمة بنت الحسين عن أبيهاعليهما السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: إنّ صلاح أوّل هذه الأُمّة بالزهد واليقين وهلاك آخرها بالشحّ والأمل»(1).

وعن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ عليهم السلام، عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال: «يا عليّ أربع خصال من الشقاء: جمود العين وقساوة القلب وبُعد الأمل(2) وحبّ البقاء»(3).

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام، عن أبيه عليه السلام قال: «قال عليّ عليه السلام: لو رأى العبد أجله وسرعته إليه لأبغض الأمل وطلب الدنيا»(4).

وفي ما أوصى النبيّ صلى الله عليه وآله به أميرالمؤمنين عليه السلام عند وفاته: «قصّر الأمل، واذكر الموت، وازهد في الدنيا فإنّك رهن موت وغرض بلاء وصريع سقم»(5).

وروي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أخذ ثلاثة أعواد فغرس عوداً بين يديه والآخر إلى جنبه وأمّا الثالث فأبعده وقال: «هل تدرون ما هذا»؟ قالوا: اللَّه ورسوله أعلم، قال: «هذا الإنسان وهذا الأجل وهذا الأمل يتعاطاه ابن آدم ويختلجه الأجل دون الأمل»(6).

ص: 183


1- الأمالي للصدوق: 227، م 40، ح 7؛ بحار الأنوار: 67/173، ح 24.
2- قال صلى الله عليه وآله: الأمل رحمة لأُمّتي، ولولا الأمل ما أرضعت أُمّ ولداً ولا غرس غارس شجراً (نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: 21، ح 51 وبحار الأنوار: 74/173) أصل الأمل لازم لبقاء نظام الوجود إذ لولاه لما أرضعت والدة ولدها ولا غرس شخص شجرة ولا يتعب التاجر نفسه لريح وانما المذموم بعده لانه يقتضي الحرص على الدنيا وجمعها وعدم التوجه لما ينفع في الآخرة. ولذلك أناط الحكم ببعده وطوله.
3- الخصال: 1/243، ح 97؛ بحار الأنوار: 67/52، ح 12.
4- الزهد: 81، ح 217؛ بحار الأنوار: 10/368، ح 14.
5- الأمالي للطوسي: 7، م 1، ح 8؛ بحار الأنوار: 6/132، ح 29.
6- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعرف بمجموعة ورّام: 1/272.

وقال النبيّ صلى الله عليه وآله: «وليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب»(1).

ذكر الموت يقصّر الأمل ويدفع طوله

قال النبيّ صلى الله عليه وآله: «اذكروا هادم اللذات»، قيل: وما هو يا رسول اللَّه؟، فقال صلى الله عليه وآله: «الموت، فما ذكره عبد على الحقيقة في سعة إلّا ضاقت عليه الدنيا ولا في شدّة إلّا اتّسعت عليه»(2).

وقال النبيّ صلى الله عليه وآله: «تحفة المؤمن الموت»(3).

وقال صلى الله عليه وآله: «الموت كفّارة لكلّ مسلم» وقيل له: هل يحشر مع الشهداء أحد؟ قال صلى الله عليه وآله: «نعم، من يذكر الموت في اليوم والليلة عشرين مرّة» وقال صلى الله عليه وآله: «اكثروا من ذكر الموت فانّه يمحصّ الذنوب ويزهّد فى الدنيا» وقال صلى الله عليه وآله: «كفى بالموت واعظا»(4).

وعن أبي جعفرعليه السلام قال: «قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله الموت الموت ألا ولابدّ من الموت جاء الموت بما فيه، جاء بالروح والراحة والكرة(5) المباركة إلى جنّة عالية لأهل دار الخلود الذين كان لها سعيهم، وفيها رغبتهم»... وقال: «إذا استحقّت ولاية اللَّه

ص: 184


1- شرح فارسي شهاب الأخبار: 323، ح 530؛ إرشاد القلوب للديلمي: 1/18.
2- مصباح الشريعة: 171؛ بحار الأنوار: 6/133؛ مستدرك الوسائل: 2/105، ح 1551.
3- المجازات النبويّة: 299، ش 254؛ الدعوات للراوندي: 235، ح 648؛ بحار الأنوار: 79/171، ح 4.
4- مجموعه ورام: 1/268 - 269.
5- في الوافي: «والكرة: الرجعة، وفي تعبيره صلى الله عليه وآله عن مجي ء الموت بالكرة إشارة إلى أن كل انتقال للإنسان من حال إلى حال فوقه كأنه موت عن الأول وحياة في الآخرة.

والسعادة جاء الأجل بين العينين(1) وذهب الأمل وراء الظهر وإذا استحقّت ولاية الشيطان(2) والشقاوة جاء الأمل بين العينين وذهب الأجل وراء الظهر»(3).

وقال الصادق عليه السلام: «ذكر الموت يميت الشهوات في النفس ويقطع منابت الغفلة ويقوي القلب بمواعد اللَّه تعالى ويرق الطبع ويكسر أعلام الهوى ويطفئ نار الحرص ويحقر الدنيا وهو معنى ما قال النبيّ صلى الله عليه وآله فكر ساعة خير من عبادة سنة وذلك عند ما تحلّ أطناب خيام الدنيا وتشدها بالآخرة ولا يسكن (ولا يشكّ) نزول الرحمة عند ذكر الموت بهذه الصفة ومن لا يعتبر بالموت وقلّة حيلته وكثرة عجزه وطول مقامه في القبر وتحيره في القيامة فلا خير فيه»(4).

فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً

اشارة

قال تعالى: «عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً»(5).

ص: 185


1- مجي ء الأجل بين العينين كناية عن تذكر الموت. وذهاب الامل وراء الظهر كناية عن عدم الاعتماد على العمر وعدم الالتفات إلى مشتهيات الدنيا وترك الرغبة فيها وكذا بالعكس. (آت)
2- لعلّ معناه ان من استحق ولاية اللَّه جعل الأجل نصب عينيه ونبذ الأمل وراء ظهره ومن استحقّ ولاية الشيطان حاله على عكس ذلك واللَّه اعلم.
3- الكافي: 3/257، ح 27.
4- مصباح الشريعة: 171؛ بحار الأنوار: 6/133، ح 32.
5- سورة المائدة: 105.

تكملة

لما كان رواية الارشاد مختلفة لرواية السيّد أحببنا ذكرها، قال في الارشاد: من كلام لأميرالمؤمنين عليه السلام ما اشتهر بين العلماء وحفظه ذوو الفهم والحكماء:

«أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ وَإِنَّ الآْخِرَةَ قَدْ أَظلَتْ وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلَاعٍ أَلا وَإِنَّ الْمِضْمَارَ الْيَوْمَ وَغَداً السِّبَاقَ وَالسُّبْقَةُ الْجَنَّةُ وَالْغَايَةُ النَّارُ أَلا وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ مَهَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ يَحُثُّهُ عَجَلٌ فَمَنْ أَخْلَصَ للَّهِ ِ عَمَلَهُ لَمْ يَضُرَّهُ أَمَلُهُ وَمَنْ بَطَأَ بِهِ عَمَلُهُ فِي أَيَّامِ مَهَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَضَرَّهُ أَمَلُهُ أَلا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ فَإِنْ نَزَلَتْ بِكُمْ رَغْبَةٌ فَاشْكُرُوا اللَّهَ وَأَجْمِعُوا مَعَهَا رَهْبَةً وَإِنْ نَزَلَتْ بِكُمْ رَهْبَةٌ فَاذْكُرُوا اللَّهَ وَأَجْمِعُوا مَعَهَا رَغْبَةً فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَأَذَّنَ لِلْمُحْسِنِينَ بِالْحُسْنَى وَلِمَنْ شَكَرَهُ بِالزِّيَادَةِ وَلا كَسْبَ خَيْرٌ مِنْ كَسْبٍ لِيَوْمٍ تدَّخِرُ فِيهِ الذَّخَائِرُ وَتُجْمَعُ فِيهِ الْكَبَائِرُ وَتُبْلَى فِيهِ السَّرَائِرُ وَإِنِّي لَمْ أَرَ مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَلا مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا أَلا وَإِنَّهُ مَنْ لا يَنْفَعُهُ الْيَقِينُ يَضُرُّهُ الشَّكُّ وَمَنْ لا يَنْفَعُهُ حَاضِرُ لُبِّهِ وَرَأْيِهِ فَغَائِبُهُ عَنْهُ أَعْجَزُ أَلا وَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ وَدُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أتخوفُ عَلَيْكُمُ اثْنَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى وَطُولُ الْأَمَلِ لِأَنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى يَصُدُّ عَنِ الْحَقِّ وَطُولَ الْأَمَلِ ينْسى الآْخِرَةَ أَلا وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَرَحَّلَتْ مُدْبِرَةً وَإِنَّ الآْخِرَةَ قَدْ تَرَحَّلَتْ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا إِنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ أَبْنَاءِ الآْخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ وَغَداً حِسَابٌ وَلا عَمَلَ»(1).

ص: 186


1- الارشاد: 1/235.

بسم الله الرحمن الرحیم

29 - ومن خطبة له عليه السلام:

اشارة

أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ كَلامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ تَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ كَيْتَ وَكَيْتَ فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَادِ مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ وَلا اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ وَسَأَلْتُمُونِي التَّطْوِيلَ دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ لا يَمْنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ وَلا يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلّا بِالْجِدِّ أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ؟ وَمَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ؟ الْمَغْرُورُ وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَاللَّهِ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ أَصْبَحْتُ وَاللَّهِ لا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ وَلا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ وَلا أُوعِدُ الْعَدُوَّ بِكُمْ مَا بَالُكُمْ؟ مَا دَوَاؤُكُمْ؟ مَا طِبُّكُمْ؟ الْقَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ أَ قَوْلاً بِغَيْرِ عِلْمٍ؟ وَغَفْلةً مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ؟ وَطَمَعاً فِي غَيْرِ حَقٍّ؟!

أنّ السّبب في هذه الخطبة هو غارة الضحّاك بن قيس بعد قصّة الحكمين وعزمه على المسير إلى الشام وذلك على ما في كتاب الغارات لإبراهيم بن محمّد الثقفي باختصار منّا هو:

أنّ معاوية لمّا بلغه أنّ عليّاً بعد واقعة الحكمين تحمل(1) إليه مقبلاً هاله ذلك

ص: 187


1- تحمل: وضع أحماله على الدواب تهيأ للمسير.

فخرج من دمشق معسكراً وبعث إلى كور الشام فصاح فيها أنّ عليّاً قد سار إليكم فاجتمع إليه الناس من كلّ كورة وأرادوا المسير إلى صفّين.

فمكثوا يجيلون الرأى يومين أو ثلاثة حتّى قدمت عليهم عيونهم أنّ عليّاً اختلف عليه أصحابه ففارقته منهم فرقة أنكرت أمر الحكومة وأنه قد رجع عنكم إليهم فكثر سرور الناس بانصرافه عنهم وما ألقي من الخلاف بينهم. فلم يزل معاوية معسكرا في مكانه منتظرا لما يكون من علي وأصحابه وهل يقبل علي بالناس أم لا؟ فما برح معاوية حتّى جاءه الخبر أنّ عليّاً قد قتل تلك الخوارج وأراد بعد قتلهم أن يقبل إليه بالناس وأنّهم استنظروه ودافعوه فسرّ بذلك هو ومن قبله من الناس(1).

فعند ذلك دعا معاوية الضحّاك بن قيس الفهري وقال له: سر حتّى تمرّ بناحية الكوفة وترتفع عنها ما استطعت فمن وجدته من الأعراب في طاعة عليّ فأغر عليه وإن وجدت له مسلحة أو خيلا فأغر عليهما وإذا أصبحت في بلدة فأمس في أخرى ولا تقيمنّ لخيل بلغك أنّها قد سرحت إليك لتلقاها فتقاتلها، فسرّحه فيما بين ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف جريدة خيل(2)، فأقبل الضحّاك يأخذ الأموال ويقتل من لقي من الأعراب حتى مر بالثعلبية(3) فأغار خيله على الحاج فأخذ أمتعتهم ثم أقبل مقبلا(4) فلقي عمرو بن عميس بن مسعود الذهلي وهو ابن أخ

ص: 188


1- الغارات (ط - القديمة): 2/288؛ بحار الأنوار: 34/28/ ش 904.
2- الجريدة - كسفينة - الفرسان الذين لا رجالة بينهم.
3- الثعلبية - كما في القاموس - موضع بطريق مكّة، وفي مراصد الاطّلاع: من منازل طريق مكّة قد كانت قرية فخربت وهي مشهورة.
4- مقبلا: متوجها والكلمة في ظ فقط.

عبداللَّه بن مسعود صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقتله في طريق الحاج عند القطقطانة(1) وقتل معه ناسا من أصحابه.

فخرج عليّ عليه السلام إلى الناس وهو يقول على المنبر: «يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ اخْرُجُوا إِلَى الْعَبْدِ الصَّالِحِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْسٍ وَإِلَى جُيُوشٍ لَكُمْ قَدْ أُصِيبَ مِنْهُمْ طَرَفٌ، اخْرُجُوا فَقَاتِلُوا عَدُوَّكُمْ، وَامْنَعُوا حَرِيمَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. فَرَدُّوا عَلَيْهِ رَدّاً ضَعِيفاً وَرَأَى مِنْهُمْ عَجْزاً وَفَشَلاً فَقَالَ وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُلِّ مِائَةٍ مِنْكُمْ رَجُلاً مِنْهُمْ، وَيْحَكُمْ اخْرُجُوا مَعِي، ثُمَّ فِرُّوا عَنِّي إن بَدَا لَكُمْ، فَوَ اللَّهِ مَا أَكْرَهُ لِقَاءَ رَبِّي عَلَى نِيَّتِي وَبَصِيرَتِي، وَفِي ذَلِكَ رَوْحٌ لِي عَظِيمٌ، وَفَرَجٌ مِنْ مُنَاجَاتِكُمْ»(2).

ولمّا رأى تثاقل أصحابه وتقاعدهم عنه خطبهم بهذه الخطبة فقال: «أيّها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهوائهم».

أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ

كتب عبداللَّه بن حسن إلى زيد بن عليّ لمّا أراد الخروج: يابن عمّ، انّ أهل الكوفة نفخ العلانية، خور السريرة، هوج في الرخاء، جزع في اللقاء، تقدمهم ألسنتهم، ولا تشايعهم قلوبهم، لا يبيتون بعده في الأحداث ولا ينيؤون بدولة مرجوة(3).

ص: 189


1- القطقطانة - كما في القاموس بضمهما أي القافين - مواضع الأخيرة بالكوفة كانت سجن النعمان - بن المنذر وضبطها ياقوت في معجم البلدان كذلك ألّا أنه قال بعد ذلك «ورواه بالفتح موضع قرب الكوفة من جهة البرية بالطف» وهي من المنازل التي نزلها الحسين عليه السلام في طريقه إلى كربلاء.
2- الغارات (ط - القديمة): 2/292؛ بحار الأنوار: 34/30، ش 904.
3- تاريخ الطبري: 7/169، سنة 121.

كَلامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ

كان لأبي حيّة النميري سيف ليس بينه وبين الخشبة فرق، وكان يسمّيه لعاب المنيّة، قال جار له: أشرفت عليه ليلة وقد انتضاه وشمّر وهو يقول: أيّها المغترّ بنا والمجتري علينا، بئس واللَّه ما اخترت لنفسك، خير قليل وسيف صقيل، لعاب المنيّة الذي سمعت به مشهور ضربته، ولا تخاف نبوته، أخرج بالعفو عنك وإلّا دخلت بالعقوبة عليك، إنّي واللَّه إن أدع قيساً تملأ الأرض خيلاً ورجلاً، يا سبحان اللَّه ما أكثرها وأطيبها ثمّ فتح الباب فاذا كلب قد خرج، فقال: الحمد للَّه الذي مسخك كلباً وكفاني حرباً(1).

وكان بالبصرة شيخ من بني نهشل يقال له: عروة بن مرثد، ويكنّى أبا الأغرّ، ينزل ببني أخت له في سكة بني مازن، وبنو اخته من قريش، فخرج رجالهم إلى ضياعهم في شهر رمضان، وخرج النساء يصلين في مسجدهم فلم يبق في الدار إلّا الإماء فدخل كلب يعتس(2) فرأى بيتا مفتوحا فدخله وانصفق الباب، فسمع الحركة بعض الاماء فظنّوا أنّ لصاً دخل الدار، فذهبت إحداهن إلى أبي الأغر فأخبرته، فقال أبو الأغر: ما يبتغي اللص ثمّ أخذ عصاه فجاء فوقف على باب البيت وقال إيه يا ملامان(3) أما واللَّه إنّك بي لعارف، فهل أنت الّا من لصوص بني مازن، شربت حامضا خبيثا حتّى إذا دارت القدوح في رأسك منتك نفسك الأماني وقلت: أطرق ديار بني عمرو والرجال خلوف والنساء يصلين في مسجدهن

ص: 190


1- عيون الأخبار لابن قتيبة: 1/260.
2- اعتسّ الكلب: طاف بالليل، ومنه المثل: كلب اعتس خير من كلب ربض، يضرب في التشويق إلى السعى والكسب.
3- يا ملامان: أي يا لئيم.

فأسرقهم. سوأة لك، واللَّه ما يفعل هذا ولد الأحرار، وايم اللَّه لتخرجنّ أو لأهتفنّ هتفة مشؤومة يلتقي فيها الحيان: عمرو وحنظلة، وتجي ء سعد بعدد الحصى وتسيل عليك الرجال من هاهنا وهاهنا، ولئن فعلت لتكوننّ أشأم مولود. فلمّا رأى أنّه لا يجيبه أحدأخذ باللين فقال: اخرج بأبي وأُمّي، أنت مستور، إنّي واللَّه ما أراك تعرفني ولو عرفتني لقنعت بقولي واطمأننت إلي أنا - فديتك - أبو الأغر النهشلي، وأنا خال القوم وجلدة بين أعينهم لا يعصونني، ولن تضار الليلة فأخرج فأنت في ذمّتي، وعندي قوصرتان أهداهما إليّ ابن أختي البار الوصول، فخذ إحداهما فانتبذها حلالا من اللَّه ورسوله. وكان الكلب إذا سمع الكلام أطرق، وإذا سكت وثب يريغ المخرج، فتهاتف أبو الأغر ثم تضاحك وقال: يا ألأم الناس وأوضعهم، لا أرى إلّا أنّي لك الليلة في واد وأنت في واد، أقلّب السوداء والبيضاء فتصيح وتطرق وإذا سكت عنك وثبت تريغ الخروج، واللَّه لتخرج أو لألجنّ عليك البيت فلما طال وقوفه جائت إحدى الإماء فقالت: اعرابي مجنون واللَّه ما أرى في البيت شيئاً، فدفعت الباب فخرج الكلب شدا، وحاد عنه أبو الأغر ساقطا على قفاه(1).

تَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ كَيْتَ وَكَيْتَ فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَادِ

هجا دعبل المطلب بن عبداللَّه وكان والياً على المصر، فقال:

تعلّق مصر بك المخزيات * وتبصق في وجهك الموصل

وعاديت قوماً فما ضرّهم * وشرّفت قوماً فلم ينبلوا

شعارك عند الحروب النجا * وصاحبك الأخور الأفشل

ص: 191


1- عيون الأخبار لابن قتيبة: 1/259.

فأنت إذا ما التقوا آخر * وأنت إذا ما انهربوا أوّل(1)

ولبعضهم: ما فيهم إلّا مشغول بنفسه، منكب على مجلس انسه، يرى السلامة غنيمة، وإذا عنّ له وصف الحرب لم يسأل إلّا عن طرق الهزيمة، أموال تنهب وممالك تذهب، لا يبالون بما سلبوا، وهم كما قيل: إن قاتلوا قتلوا أو طاردوا طردوا أو حاربوا حربوا أو غالبوا غلبوا(2).

لمّا توجّه الخوارج إلى الكوفة وخالطوا سوادها في أيّام القباع - وكان جباناً - تثاقل عن الخروج، فذمره(3) إبراهيم بن الأشتر ولامه الناس، فخرج متحاملاً حتّى أتى النخيلة ففي ذلك يقول الشاعر:

إن القباع سار سيرا نكرا * يسير يوما ويقيم شهرا

أيضاً:

إنّ القباع سار سيرا ملسا(4)

بين دباها ودبيري(5) خمسا

وجعل يعد الناس بالخروج ولا يخرج، والخوارج يعيثون حتى أخذوا امرأة فقتلوا أباها بين يديها ثم ارادوا قتلها - وكانت جميلة - فقالت: أتقتلون «مَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ»(6) فقال أحدهم: دعوها، فقالوا له: قد فتنتك. ثم قدّموها فقتلوها.

ص: 192


1- الأغاني: 20/322.
2- تاريخ الخلفاء (جلال الدين السيوطي): 514.
3- ذمره، أي حضه مع لوم ليجد.
4- قيل: الملس السير السهل والشديد، فهو من الأضداد (لسان العرب: 6/222).
5- دبيري ودهابا، بفتح الدال فيهما: قريتان من نواحي بغداد.
6- سورة الزخرف: 18.

ثمّ قدّموا أُخرى فقتلوها، وهم بإزاء القباع والجسر معقود بينهم، وهو في ستة آلاف والمرأة تستغيث، والناس ينفلتون إلى الخوارج والقباع يمنعهم، فلمّا خاف أن يعصوه أمر بقطع الجسر، وأقام بين دباها ودبيري خمسة أيّام والخوارج بقربه، وهو يقول للناس في كلّ يوم: إذا لقيتم العدو غدا فأثبتوا أقدامكم واصبروا فإنّ الحرب أوّلها الترامي، ثم إشراع الرماح ثم سلّة السيوف، فثكلت رجلا أُمّه فرّ من الزحف. فقال بعضهم - لما أكثر عليهم - : أمّا الصفة فقد سمعناها، فمتى يقع الفعل فأخذت الخوارج حاجتهم وكان شأن البقاع التحصّن منهم(1).

وبعث المهلّب إلى عبدالرحمن بن محمّد بن الأشعث أن يخندق وعلى أصحابه من الخوارج، فأجابه: أنّهم أهون عليه من ضرطة الجمل، فبيّته قطري فقتل من أصحابه خمسمائة وفرّ لا يلوي على أحد(2) فقالوا فيه:

تركت ولداننا تدمى نحورهم * وجئت منهزماً يا ضرطة الجمل(3)

و: فرّ اميّة بن عبداللَّه بن خالد بن اسيد من أبي فديك الخارجي، فسار من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيّام، فقال يوماً: سرت على فرسي من البحرين إلى البصرة في المهرجان في ثلاثة أيّام. فقال له بعضهم: فلو ركبت في النيروز لسرت إليها في يوم واحد(4).

وأتى الحجّاج بدواب من دواب اميّة هذا، وقد وسم على أفخاذها: «عده» فأمر أن يكتب تحت «عده» «للفرار»(5). وقال الشاعر فيه:

ص: 193


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4/163.
2- تاريخ الطبري: 5/18، سنة 72.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4/189.
4- التذكرة الحمدونيّة: 2/496، ش 1226.
5- عيون الأخبار لابن قتيبة: 1/265.

إذا صوّت العصفور طار فؤاده * وليث حديد الناب عند الثرائد(1)

وفي الأغاني في خروج عبداللَّه بن يحيى طالب الحق زمن مروان الحمار، وتوجيهه جيشاً من مكّة إلى المدينة، قال رجل من قريش: لو شاء أهل الطائف لكفونا أمر هؤلاء لكنّهم داهنوا، واللَّه إن ظفرنا لنسيرنّ إلى أهل الطائف فلنسبينّهم. ثمّ قال: من يشتري منّي سبي أهل الطائف فلمّا انهزم الناس رجع ذاك القرشي في أوّل المنهزمين، فدخل منزله وأراد أن يقول لجاريته: اغلقي الباب، فقال لها: «غاق باق». دهشا، ولم تفهم الجارية قوله حتّى أومأ إليها بيده فأغلقت الباب، فلقّبه أهل المدينة بذلك: (غاق باق)(2).

وفي (محاسن الجاحظ) في الشجاعة والضدّ قيل: هو أجبن من المنزوف ضرطا، وكان من حديثه أنّ نسوة من العرب لم يكن لهنّ رجل، فتزوّجت واحدة منهنّ برجل كان ينام إلى الضحى، فإذا انتبه ضربنه وقلن له: قم فاصطبح. فيقول: «لو لعادية نبهتني». أي: خيل عادية عليكنّ مغيرة، فأدحضها عنكنّ. ففرحن وقلن: إنّ صاحبنا لشجاع. ثمّ قلن: تعالين نجرّبه، فأتينه كما كنّ يأتينه فأيقظنه فقال: لو لعادية نبّهتني. فقلن له: نواصي ا لخيل معك. فجعل يقول: الخيل الخيل. ويضرط حتّى مات(3).

وفيه: قال الحجّاج لحميد الأرقط - وقد أنشده قصيدة يصف فيها الحرب - : يا حميد هل قاتلت قطّ؟ قال: لا أيّها الأمير إلّا في النوم. قال: وكيف كانت وقعتك؟ قال: انتبهت وأنا منهزم(4).

ص: 194


1- عيون الأخبار لابن قتيبة: 1/258.
2- الأغاني لأبي الفرج الاصفهاني: 23/167.
3- المحاسن والأضداد للجاحظ: 115؛ مجمع الأمثال: 1/188.
4- المحاسن والمساوي: 209.

مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ وَلا اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ

كان عليه السلام لمّا فرغ من أهل النهروان قال لهم: «إنّ اللَّه قد أحسن بكم وأعزّ نصركم، فتوجّهوا من فوركم هذا إلى عدوّكم. فقالوا: نفدت نبالنا وكلّت سيوفنا ونصلت أسنّة رماحنا(1).

قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ»(2). وقال تعالى: «وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا»(3).

دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ

«ذي الدين» أي المديون. «المطول» أي المماطل.

مواعيد عرقوب معروفة. كان عرقوب من العماليق فأتاه أخوه يسأله، فقال: إذا أطلعت هذه النخلة فلك طلعها.

فأتاه للعدة، فقال له: دعها حتّى تصير بلحا. فلمّا أبلحت قال له: حتّى تصير رطبا. فلمّا أرطبت قال له: حتّى تصير تمرا. فلمّا أتمرت عمد إليها فجزّها ولم يعطه شيئاً(4).

ص: 195


1- الغارات (ط - القديمة): 1/16؛ بحار الأنوار: 34/46.
2- سورة التوبة: 38.
3- النساء: 75.
4- لسان العرب: 1/595.

لا يَمْنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ وَلا يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلّا بِالْجِدِّ أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ وَمَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ

كتب عدي بن ارطاة عمر بن عبدالعزيز يخبره بسوء طاعة أهل الكوفة، فوقع في كتابه: لا تطلب طاعة من خذل عليّاًعليه السلام وكان إماماً مرضيّا(1).

وشكا عامل الكوفة إلى الحجّاج من أهلها، فوقع: ما ظنّك بقوم قتلوا من كانوا يعبدونه(2).

الْمَغْرُورُ وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ

قد ورد في ذمّ الغرور ما لا يخفى على أهله من الآيات والأخبار كيف لا وهو منبع كلّ هلكه وامّ كلّ شقاوة. قال اللَّه سبحانه: «فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ»(3).

وقال اللَّه تعالى: «يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى»(4) الآية.

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «حبّذا نوم الأكياس وفطرهم كيف يغبنون سهراً لحمقى واجتهادهم ولمثقال ذرّة من صاحب تقوى ويقين أفضل من مل ء الأرض عبادة من المغترّين»(5).

ص: 196


1- العقد الفريد: 4/291.
2- العقد الفريد: 4/300.
3- سورة لقمان: 33، سورة فاطر: 5.
4- سورة الحديد: 14.
5- شرح أُصول الكافي (صدرا): 1/525.

وقال الصادق: «المغرور في الدنيا مسكين وفي الآخرة مغبون لأنّه باع الأفضل بالأدنى ولا تعجب من نفسك فربّما اغتررت بمالك وصحّة جسمك لعلّك أن تبقى» الحديث بطوله(1).

الْمَغْرُورُ - الحقيقي - وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ

لمّا مات المنذر بن ساوي بعد النبيّ صلى الله عليه وآله بقليل، ارتدّ من بالبحرين من قيس بن ثعلبة، وارتدّ ربيعة وأمّروا عليهم ابنا للنعمان بن المنذر، وكان يسمّى الغرور، فلمّا ظهر المسلمون عليهم قال: لست بالغرور ولكنّي المغرور(2).

وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَاللَّهِ....

وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَاللَّهِ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ أَصْبَحْتُ وَاللَّهِ لا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ وَلا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ وَلا أُوعِدُ الْعَدُوَّ بِكُمْ مَا بَالُكُمْ مَا دَوَاؤُكُمْ

مَا طِبُّكُمْ

أي علاجكم.

وقيل: انّ الطبّ بمعنى العادة على حدّ قوله:

فما ان طبّنا جبن ولكن * منايانا ودولة آخرينا

ص: 197


1- مصباح الشريعة: 142 / الباب السابع والستون؛ بحار الأنوار: 49/319، ح 33.
2- فتوح البلدان للبلاذري: 1/102؛ تاريخ الطبري: 2/521، سنة 11.

الْقَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ

قال الشاعر:

قاتلوا القوم يا خزاع ولا * يدخلكم من قتالهم فشل(1)

القوم أمثالكم لهم شعر * في الرأس لا ينشرون ان قتلوا

أَ قَوْلاً بِغَيْرِ عِلْمٍ

قال سبحانه: «لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ»(2).

وَغَفْلةً مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ وَطَمَعاً فِي غَيْرِ حَقٍ

اشارة

روى أنّ عليّاً دعا حجر بن عدي الكندي بعد غارة الضحّاك فعقد له على أربعة ألف فخرج حجر حتّى مرّ بالسماوة(3) وهي أرض كلب فلقى بها امرء القيس بن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم الكلبي وهم أصهار الحسين بن علي بن أبي طالب فكانوا ولائه في الطريق وعلى المياه فلم يزل في أثر الضحّاك حتّى لقاه بناحية ترمد(4) فواقعه فاقتتلوا ساعة فقتل من أصحاب الضحّاك تسعة عشر رجلاً، وقتل من أصحاب حجر رجلان وحجز الليل بينهما، فمضى الضحّاك فلمّا أصبحوا لم يجدوا له ولا لأصحابه أثراً، وكان الضحّاك يقول بعد، أنا ابن قيس أنا

ص: 198


1- الفشل: الجبن والضعف.
2- سورة الصف: 2 - 3.
3- المراد بالسماوة - هنا - ماء لكلب.
4- تدمر مدينة قديمة مشهورة في برية الشام.

أبو انيس أنا قاتل عمرو بن عميس(1).

تكملة

اعلم انّ هذه الخطبة مرويّة بطرق متعدّدة، والمستفاد من الارشاد انّها من الخطبة السابعة والعشرين ملتقطة من خطبة طويلة له عليه السلام ولا بأس بذكر تلك الرواية زيادة للبصيرة.

قال في الارشاد: ومن كلام له عليه السلام يجري مجرى الاحتجاح مشتملاً على التوبيخ لأصحابه على تثاقلهم عن قتال معاوية والتفنيد متضمّناً للوم والوعيد.

«أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي اسْتَنْفَرْتُكُمْ لِجِهَادِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ فَلَمْ تَنْفِرُوا، وَأَسْمَعْتُكُمْ فَلَمْ تُجِيبُوا، وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَلَمْ تَقْبَلُوا، شُهُودٌ كَالْغُيَّبِ. أَتْلُو عَلَيْكُمُ الْحِكْمَةَ فَتُعْرِضُونَ عَنْهَا، وَأَعِظُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ الْبَالِغَةِ فَتَتَفَرقُونَ (فَتَنْفِرقُونَ) عَنْهَا، كَأَنَّكُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ وَأَحُثُّكُمْ عَلَى جِهَادِ أَهْلِ الْجَوْرِ فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ قَوْلِي، حَتَّى أَرَاكُمْ مُتَفَرِّقِينَ أَيَادِيَ سَبَا، تَرْجِعُونَ إِلَى مَجَالِسِكُمْ، تَتَرَبَّعُونَ حَلَقاً، تَضْرِبُونَ الْأَمْثَالَ، وَتُنْشِدُونَ الْأَشْعَارَ، وَتَجَسَّسُونَ الْأَخْبَارَ، حَتَّى إِذَا تَفَرَّقْتُمْ تَسْأَلُونَ عَنِ الْأَسْعَارِ. جَهْلَةً مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، وَغَفْلَةً مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ، وَتَتَبُّعاً (تثبطا) مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ. وَنَسِيتُمُ الْحَرْبَ وَالاسْتِعْدَادَ لَهَا، فَأَصْبَحَتْ قُلُوبُكُمْ فَارِغَةً مِنْ ذِكْرِهَا، شَغَلْتُمُوهَا بِالْأَعَالِيلِ وَالْأَضَالِيلِ. فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ وَكَيْفَ (ومالي) لا أَعْجَبُ مِنِ اجْتِمَاعِ قَوْمٍ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَخَاذُلِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ.

ص: 199


1- الغارات (ط - القديمة): 2/293.

يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ أَنْتُمْ كَأُمِّ مُجَالِدٍ، حَمَلَتْ فَأَمْلَصَتْ(1)، فَمَاتَ قَيِّمُهَا، وَطَالَ تأَيِّمُهَا، وَوَرِثَهَا أَبْعَدُهَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمُ الْأَعْوَرَ الْأَدْبَرَ(2) جَهَنَّمَ الدُّنْيَا، لا يُبْقِي وَلا يَذَرُ، وَمَنْ بَعْدَهُ النَّهَّاسُ(3) الْفَرَّاسُ، الْجَمُوعُ الْمَنُوعُ.

ثُمَّ لَيَتَوَارَثَنَّكُمْ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ عِدَّةٌ، مَا الآْخَرُ بِأَرْأَفَ بِكُمْ مِنَ الْأَوَّلِ، مَا خَلا رَجُلاً وَاحِداً(4) بَلاءٌ قَضَاهُ اللَّهُ (فما قضاه اللَّه) عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، لا مَحَالَةَ كَائِنٌ، يَقْتُلُونَ خِيَارَكُمْ، وَيَسْتَعْبِدُونَ أَرْذَالَكُمْ، وَيَسْتَخْرِجُونَ كُنُوزَكُمْ وَذَخَائِرَكُمْ مِنْ جَوْفِ حِجَالِكُمْ(5)، نَقِمَةً بِمَا ضَيَّعْتُمْ مِنْ أُمُورِكُمْ وَصَلاحِ أَنْفُسِكُمْ وَدِينِكُمْ.

يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، لِتَكُونُوا مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ، وَلِتُنْذِرُوا بِهِ مَنِ اتَّعَظَ وَاعْتَبَرَ، كَأَنِّي بِكُمْ تَقُولُونَ: إِنَّ عَلِيّاً يَكْذِبُ كَمَا قَالَتْ قُرَيْشٌ لِنَبِيِّهَا وَسَيِّدِهَا نَبِيِّ الرَّحْمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ صلى الله عليه وآله حَبِيبِ اللَّهِ.

فَيَا وَيْلَكُمْ، فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ؟ أَعَلَى اللَّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَوَحَّدَهُ، أَمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَنَصَرَهُ،. كَلّا وَلَكِنَّهَا لَهْجَةُ خُدْعَةٍ كُنْتُمْ عَنْهَا أَغْبِيَاءَ (أغنياء)، وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهَا بَعْدَ حِينٍ، وَذَلِكَ إِذَا صَيَّرَكُمْ إِلَيْهَا جَهْلُكُمْ، وَلا

ص: 200


1- املصت المرة بولدها أسقطت.
2- يعني: الحجّاج بن يوسف.
3- النهاس اللحم اخذه بمقدم الاسنان ونهس الحية لسعها وفرس الاسد فريسته دق عنقها والمراد بالنهاس الفراس، اما هشام بن عبدالملك لاشتهاره بالبخل أو سليمان بن عبدالملك فانه الذي قنيت له الخلافة بعد وفات الحجاج بقليل بحار.
4- عمر بن عبدالعزيز.
5- الحجال: جمع حجلة، وهي بيت يزين بالثياب والأسرة والستور، يهيأ للعروس.

يَنْفَعُكُمْ عِنْدَهَا عِلْمُكُمْ. فَقُبْحاً لَكُمْ يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلا رِجَالَ، حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ. أَمَا وَاللَّهِ أَيُّهَا الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ، الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ، الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ مَا أَعَزَّ اللَّهُ نَصْرَ مَنْ دَعَاكُمْ، وَلا اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ، وَلا قَرَّتْ عَيْنُ مَنْ آوَاكُمْ (أراكم)، كَلامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ، وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمْ عَدُوَّكُمُ الْمُرْتَابَ.

يَا وَيْحَكُمْ، أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ وَمَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ الْمَغْرُورُ وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ، وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَازَ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ. أَصْبَحْتُ لا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ، وَلا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ، فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَأَعْقَبَنِي بِكُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْكُمْ، وَأَعْقَبَكُمْ بِي مَنْ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ مِنِّي.

إِمَامُكُمْ يُطِيعُ اللَّهَ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ، وَإِمَامُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللَّهَ وَهُمْ يُطِيعُونَهُ، وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَنِي بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ، فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةً مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي وَاحِداً مِنْهُمْ وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ، وَلَمْ تَعْرِفُونِي، فَإِنَّهَا مَعْرِفَةٌ جَرَتْ نَدَماً لَقَدْ وَرَّيْتُمْ(1) صَدْرِي غَيْظاً، وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ أَمْرِي بِالْخِذْلانِ وَالْعِصْيَانِ، حَتَّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ عَلِيّاً رَجُلٌ شُجَاعٌ لَكِنْ لا عِلْمَ لَهُ بِالْحُرُوبِ.

للَّهِ ِ دَرُّهُمْ هَلْ كَانَ فِيهِمْ أَحَدٌ أَطْوَلُ لَهَا مِرَاساً مِنِّي وَأَشَدُّ لَهَا مُقَاسَاةً لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ، ثُمَّ هَا أَنَا قَدْ ذَرَّفْتُ (نيفت) عَلَى السِّتِّينَ، وَلَكِنْ لا أَمْرَ لِمَنْ لا يُطَاعُ.

أَمَا وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ رَبِّي قَدْ أَخْرَجَنِي مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ إِلَى رِضْوَانِهِ، وَأَنَّ الْمَنِيَّةَ لَتَرْصُدُنِي(2)، فَمَا يَمْنَعُ أَشْقَاهَا أَنْ يَخْضِبَهَا وَنَزَّلَ (ترك) [ عَلَيْهِ السَّلَامُ ]يَدَهُ عَلَى

ص: 201


1- ورى القيح جوفه يريه وريا أكله والاسم الورى بالتحريك بحار.
2- رصده رقبه والرصيد الرقيب بحار.

رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عَهْد عَهِدَهُ إِلَيَّ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ، وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى، وَنَجَا مَنِ اتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى.

يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً، وَسِرّاً وَإِعْلاناً، وَقُلْتُ لَكُمُ: اغْزُوهُمْ (قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ) فَإِنَّهُ مَا غُزِيَ قَوْمٌ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلّا ذَلُّوا. فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ، وَثَقُلَ عَلَيْكُمْ قَوْلِي، وَاسْتَصْعَبَ عَلَيْكُمْ أَمْرِي، وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ، وَظَهَرَتْ فِيكُمُ الْفَوَاحِشُ وَالْمُنْكَرَاتُ، تُمْسِيكُمْ وَتُصْبِحُكُمْ كَمَا فعلَ بِأَهْلِ الْمَثُلاتِ مِنْ قَبْلِكُمْ، حَيْثُ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الْجَبَابِرَةِ الْعُتَاةِ الطُّغَاةِ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ(1) الْغُوَاةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: «يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ»(2).

أَمَّا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَقَدْ حَلَّ بِكُمُ الَّذِي تُوعَدُونَ. عَاتَبْتُكُمْ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ بِمَوَاعِظِ الْقُرْآنِ فَلَمْ أَنْتَفِعْ بِكُمْ، وَأَدَّبْتُكُمْ بِالدِّرَّةِ فَلَمْ تَسْتَقِيمُوا لِي، وَعَاقَبْتُكُمْ بِالسَّوْطِ الَّذِي يُقَامُ بِهِ الْحُدُودُ فَلَمْ تَرْعَوُوا(3)، وَلَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الَّذِي يُصْلِحُكُمْ هُوَ السَّيْفُ. وَمَا كُنْتُ مُتَحَرِّياً صَلَاحَكُمْ بِفَسَادِ نَفْسِي، وَلَكِنْ سَيُسَلَّطُ عَلَيْكُمْ بعدي سُلْطَانٌ صَعْبٌ، لا يُوَقِّرُ كَبِيرَكُمْ، وَلا يَرْحَمُ صَغِيرَكُمْ، وَلا يُكْرِمُ عَالِمَكُمْ، وَلا يَقْسِمُ الْفَيْ ءَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَكُمْ، وَلَيَضْرِبَنَّكُمْ وَلَيُذِلَنَّكُمْ، وَلَيَجمرَنِّكُمْ(4) فِي الْمَغَازِي، وَيَقْطَعَنَّ سُبُلَكُمْ، وَلَيَحْجُبَنَّكُمْ عَلَى بَابِهِ حَتَّى يَأْكُلَ قَوِيُّكُمْ ضَعِيفَكُمْ، ثُمَّ لا يُبَعِّدُ اللَّهُ إِلّا مَنْ

ص: 202


1- وردت (المستضعفين) بفتح العين وكسرها في النسخ وفي بعض الهوامش: المستضعفون هم المعاقبون بالذبح والقتل. وفي بعضها: المستضعف: المستكبر.
2- سورة البقرة: 49.
3- الارعواء: الكف والانزجار، وقيل: هو الندم والانصراف عن الشي ء والترك له.
4- التجمير: ترك العسكر في وجه العدو.

ظَلَمَ. وَلَقَلَّ مَا أَدْبَرَ شَيْ ءٌ فَأَقْبَلَ، إِنِّي لَأَظُنُّكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ، وَمَا عَلَيَّ إِلّا النُّصْحُ لَكُمْ.

يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ مُنِيتُ مِنْكُمْ بِثَلاثٍ وَاثْنَتَيْنِ صُمٌّ ذَوُو أَسْمَاعٍ، وَبُكْمٌ ذَوُو أَلْسُنٍ، وَعُمْيٌ ذَوُو أَبْصَارٍ. لا إِخْوَانُ صِدْقٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَلا إِخْوَانُ ثِقَةٍ عِنْدَ الْبَلاءِ.

اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِي، وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي. اللَّهُمَّ لا تُرْضِ عَنْهُمْ أَمِيراً، وَلا تُرْضِهِمْ عَنْ أَمِيرٍ، وَأَمِثْ قُلُوبَهُمْ كَما يُمَاثِ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ. أَمَا وَاللَّهِ لَوْ [كُنْتُ ]أَجِدُ بُدّاً مِنْ كَلَامِكُمْ وَمُرَاسَلَتِكُمْ مَا فَعَلْتُ، وَلَقَدْ عَاتَبْتُكُمْ فِي رُشْدِكُمْ حَتَّى سَئِمْتُ الْحَيَاةَ، كُلِّ ذَلِكَ تَرْجِعُونَ بِالْهُزْءِ (بالهذر) مِنَ الْقَوْلِ، فِرَاراً مِنَ الْحَقِّ، وَإِلْحَاداً إِلَى الْبَاطِلِ الَّذِي لا يُعِزُّ اللَّهُ بِأَهْلِهِ الدِّينَ.

وَإِنِّي لَأَعْلَمُ بِكُمْ أَنَّكُمْ لا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ. كُلَّمَا أَمَرْتُكُمْ بِجِهَادِ عَدُوِّكُمْ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ، وَسَأَلْتُمُونِيَ التَّأْخِيرَ دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ. إِنْ قُلْتُ لَكُمْ فِي الْقَيْظِ: سِيرُوا، قُلْتُمْ الْحَرُّ شَدِيدٌ. وَإِنْ قُلْتُ لَكُمْ سِيرُوا فِي الْبَرْدِ. قُلْتُمْ الْقَرُّ شَدِيدٌ. كُلُّ ذَلِكَ فِرَاراً عَنِ الْحَرْبِ (عن الجنّة)، إِذَا كُنْتُمْ عَنِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ تَعْجِزُونَ، فَأَنْتُمْ عَنْ حَرَارَةِ السَّيْفِ أَعْجَزُ وَأَعْجَزُ. فَإِنَّا للَّهِ ِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ.

يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ قَدْ أَتَانِيَ الصَّرِيخُ (الصريح(1)) يُخْبِرُنِي أَنَّ أخا غَامِدٍ قَدْ نَزَلَ الْأَنْبَارَ عَلَى أَهْلِهَا لَيْلًا فِي أَرْبَعَةِ آلافٍ، فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُغَارُ عَلَى الرُّومِ وَالْخَزَرِ، فَقَتَلَ بِهَا عَامِلِي ابْنَ حَسَّانَ، وَقَتَلَ مَعَهُ رِجَالاً صَالِحِينَ ذَوِي فَضْلٍ وَعِبَادَةٍ وَنَجْدَةٍ، بَوَّأَ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَإِنَّهُ أَبَاحَهَا.

ص: 203


1- الصريح في أكثر النسخ بالحاء المهملة وهو الرجل خالص النسب وكل خالص صريح والاظهر إنه بالخاء المعجمة كما في الارشاد اي المستغيث أو من يطلب الاغاثة بحار.

وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الْعُصْبَةَ(1) مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، كَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهَدَةِ، فَيَهْتِكُونَ سِتْرَهَا، وَيَأْخُذُونَ الْقِنَاعَ مِنْ رَأْسِهَا، وَالْخُرْصَ(2) مِنْ أُذُنِهَا، وَالْأَوْضَاحَ(3) مِنْ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا وَعَضُدَيْهَا، وَالْخَلْخَالَ وَالْمِئْزَرَ عَنْ سُوقِهَا، فَمَا تَمْتَنِعُ إِلّا بِالإسْتِرْجَاعِ وَالنِّدَاءِ «يَا لَلْمُسْلِمِينَ» فَلَا يُغِيثُهَا مُغِيثٌ وَلا يَنْصُرُهَا نَاصِرٌ، فَلَوْ أَنَّ مُؤْمِناً مَاتَ مِنْ دُونِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ عِنْدِي مَلُوماً بَلْ كَانَ عِنْدِي بَارّاً مُحْسِناً.

وَا عَجَباً كُلَّ الْعَجَبِ مِنْ تَظَافُرِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ، وَفَشَلِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ قَدْ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى وَلا تَرْمُونَ، وَتُغْزَوْنَ وَلا تَغْزُونَ، وَيَعْصى اللَّهَ وَتَرْضَوْنَ، فَتَرِبَتْ أَيْدِيكُمْ يَا أَشْبَاهَ الْإِبِلِ غَابَ عَنْهَا رُعَاتُهَا، كُلَّمَا اجْتَمَعَتْ مِنْ جَانِبٍ تَفَرَّقَتْ مِنْ جَانِبٍ(4).

ص: 204


1- العصبة من الرجال ما بين العشرة إلى الاربعين بحار.
2- الخرص: الحلقة من الذهب والفضة. «الصحاح - خرص - 3: 1036».
3- الأوضاح: حلي من الفضة. «الصحاح - وضح - 416».
4- الارشاد: 1/278.

بسم الله الرحمن الرحیم

30 - ومن كلام له عليه السلام في معنى قتل عثمان:

اشارة

لَوْ أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قَاتِلاً أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ لَكُنْتُ نَاصِراً غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ خَذَلَهُ مَنْ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ وَمَنْ خَذَلَهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَأَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ اسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الْأَثَرَةَ وَجَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الْجَزَعَ وَللَّهِ ِ حُكْمٌ وَاقِعٌ فِي الْمُسْتَأْثِرِ وَالْجَازِعِ.

ومن كلام له عليه السلام في معنى قتل عثمان:

لَوْ أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قَاتِلاً أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ لَكُنْتُ نَاصِراً

ان اصحاب أميرالمؤمنين كانوا فرقتين احداهما اعتقدوا أن عثمان قتل مظلوما ويتولاه ويتبر من أعدائه، والاخرى وهم جمهور أهل الحرب وأهل العناء والبأس اعتقدوا أن عثمان قتل لأحداث أوجبت عليه القتل، ومنهم من يصرح بتكفيره وكل من هاتين الفرقتين تزعم أن عليا موافق له على رأيه وكان عليه السلام يعلم أنه متى وافق إحدى الطائفتين باينته الأخرى وأسلمته وتولت عنه وخذلته فكان يستعمل في كلامه ما يوافق كل واحدة من الطائفتين(1) .

ولأجل اشتباه كلامه على السامعين قال كعب بن جعيل شاعر الشام الأبيات

ص: 205


1- مناقب آل ابى طالب عليه السلام : 2/144 و بحار الأنوار : 31/505 .

التي منها:

أرى الشام تكره اهل العراق * وأهل العراق لهم كارهونا

وكل لصاحبه مبغض * يرى كل ما كان من ذاك دينا

إذا ما رمونا رميناهم * ودناهم مثل ما يقرضونا

وقالوا علي إمام لنا * وقلنا رضينا ابن هند رضينا

وقالوا نرى أن تدينوا لنا * فقلنا ألا لا نرى أن تدينا

ومن دون ذلك خرط القتاد * وطعن وضرب يقر العيونا

وكل يسر بما عنده * يرى غث ما في يديه سمينا

وما في على لمستعتب * يقال سوى ضمه المحدثينا

واريثاره اليوم أهل الذنوب * ورفع القصاص عن القاتلينا

اذا سئل عنه حذا شبهة * وعمى الجواب على السائلينا

فليس براض ولا ساخط * ولا في النهاة ولا الآمرينا

ولا هو ساء ولا سره * ولا بد من بعض ذا أن يكونا(1)

خرج جرير البجليّ أيّام كونه بالشام لمّا بعثه عليّ عليه السلام إلى معاوية لأخذ البيعة يتجسّس الأخبار، فإذا هو بغلام (يتغنّى) على قعود له، وهو يقول:

حكيم وعمّار الشجا ومحمّد * وأشترو المكشوح جرّوا الدواهيا(2)

وقد كان فيها للزيبر عجاجة * وصاحبه الأدنى أشاب النواصيا

ص: 206


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/127.
2- حكيم بن جبلة بن حصن العبدي، كان عثمان بعثه إلى السند: ثم نزل البصرة، وقتل بها يوم الجمل. وعمار بن ياسر، ومحمد بن أبي بكر؛ والأشتر: مالك بن الحارث. والمكشوح المرادي، واسمه هبيرة بن هلال، ونسبه في بجيلة.

فأمّا عليّ فاستغاث ببيته * فلا آمر فيها ولم يك ناهيا

فقال له جرير: يابن أخي، من أنت؟ قال: أنا غلام من قريش، وأصلي من ثقيف، أنا ابن المغيرة بن الأخنس، قتل أبي مع عثمان يوم الدار. فعجب جرير من قوله، وكتب بشعره إلى عليّ عليه السلام، فقال عليّ عليه السلام: واللَّه ما أخطأ الغلام شيئاً(1).

وقال حسّان بن ثابت لعليّ: إنّك تقول: ما قتلت عثمان ولكن خذلته، ولم آمر به ولكن لم أنه عنه. فالخاذل شريك القاتل، والساكت شريك القاتل.

وأخذ معنى كلام حسّان، كعب بن جعيل التغلبي - وكان مع معاوية في صفّين - فقال:

وما في عليّ لمستحدث * مقال سوى عصمة المحدّثينا

وايثاره لأهالي الذنوب * ورفع القصاص عن القاتلينا

إذا سئل عنه زوى وجهه * وعمّى الجواب على السائلينا

فليس براض ولا ساخط * ولا في النهاة ولا الآمرينا

ولا هو ساء «ساه» ولا سرّه * ولابدّ من بعض ذا أن يكونا(2)

ولمّا اخبر عمرو بن العاص وهو بفلسطين، أنّ عثمان قد قتل، وأنّ الناس بايعوا عليّاًعليه السلام قال: فما فعل عليّ في قتلة عثمان؟ قيل له: دخل عليه الوليد بن عقبة، فسأله عن قتله، فقال: ما أمرت ولا نهيت، ولا سرّني ولا ساءني.

قال: فما فعل بقتلته؟ فقيل له: آواهم. فقال عمرو: خلط واللَّه أبو الحسن.

ثمّ كتب عمرو إلى سعد بن أبي وقّاص يسأله عن قتل عثمان، ومن قتله؟ فكتب

ص: 207


1- وقعة صفين: 54.
2- العقد الفريد: 5/47.

إليه سعد: انّك سألتني عن قتل عثمان، وإنّي أخبرك أنّه قتل بسيف سلّته عائشة، وصقله طلحة، وسمّه ابن أبي طالب وسكت الزبير بلسانه وأشار بيده، وأمسكنا نحن، ولو شئنا دفعنا عنه(1).

وقال العتبى: قال رجل من بني ليث: لقيت سعداً، فقلت له: من قتل عثمان؟ قال: سيف سلّته عائشة، وشحذه طلحة وسمّه عليّ(2).

وقال أبو ثور: كنت فيمن حاصر عثمان، فكنت آخذ سلاحي وأضعه، وعليّ عليه السلام ينظر إلي لا يأمرني ولا ينهاني، فلمّا كانت البيعة له، خرجت في أثره(3).

وطلب معاوية من عبيداللَّه بن عمر أن يشهد على عليّ عليه السلام بقتل عثمان، فقام وقال:

ولكنّه قد قرّب القوم جهده * ودبّوا حواليه دبيب العقارب

فما قال أحسنتم ولا قد أسأتم * وأطرق إطراق الشجاع المواثب(4)

وعن قيس بن رافع قال: قال زيد بن ثابت: رأيت عليّاً مضطجعاً في المسجد، فقلت له: إنّ الناس يرون أنّك لو شئت رددت الناس عن عثمان. فجلس ثمّ قال: واللَّه ما أمرتهم بشي ء ولا دخلت في شي من شأنهم.

فأتيت عثمان فأخبرته، فقال:

ص: 208


1- الإمامة والسياسة (تحقيق الزيني): 1/47 - 48.
2- العقد الفريد: 5/46.
3- الإمامة والسياسة (تحقيق الزيني): 1/48.
4- وقعة صفين: 82 - 84.

وحرّق قيس عليّ البلاد

حتّى إذا اضطرمت أحجما (أجذما)(1)

وعن الواقدي، عن الحكم بن الصلت، عن محمّد بن عمّار، عن أبيه، قال: رأيت عليّاًعليه السلام على منبر النبيّ صلى الله عليه وآله حين قتل عثمان، وهو يقول: ما أحببت قتله ولا كرهته، ولا أمرت به ولا نهيت عنه(2).

وعن أبي خلدة (جلدة) قال: سمعت عليّاًعليه السلام وهو يخطب فذكر عثمان وقال: واللَّه الذي لا إله إلّا هو ما قتلته، ولا مالأت على قتله، ولا سائني(3).

هذا، ولعلّ قوله عليه السلام في قتل عثمان: «ما أمرت ولا نهيت، ولا رضيت ولا سخطت» في قبال قول أبي سفيان لمّا مثلت امرأته هند بعمّه حمزة في أُحد، فأشرف أبو سفيان على المسلمين وقال: «أما إنّها قد كانت فيكم مثلة ما أمرت بها ولا نهيت عنها، ولا سرّتني ولا سائتني»(4).

هذا، وفي المروج: لمّا قتل الأمين قيل لزبيدة: ما يجلسك وقد قتل ابنك فقالت: وما أصنع فقيل: تخرجين فتطلبين بثأره كما خرجت عائشة تطلب بدم عثمان. فقالت: اخسأ لا أمّ لك، ما للنساء وطلب الثأر ثمّ أمرت بثيابها فسوّدت، ولبست مسحا من شعر، ودعت بدواة وقرطاس، وكتب إلى المأمون ما لقت من طاهر، وقتله لابنها. فلمّا قرأ المأمون كتابها قال: اللهمّ إنّي أقول كما قال أميرالمؤمنين

ص: 209


1- العقد الفريد: 5/49.
2- الشافي في الإمامة: 4/307 - 308.
3- الشافي في الإمامة: 4/308.
4- بهج الصباغة: 9/190.

عليّ عليه السلام لمّا بلغه قتل عثمان: واللَّه ما أمرت به ولا نهيت عنه...(1).

غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ خَذَلَهُ مَنْ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ وَمَنْ خَذَلَهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي

في بهج الصباغة: «فمن نصره» كان مروان بن الحكم، والمغيرة بن الأخنس ونظراؤهما من المنافقين، و«من خذله» كان منهم أجلّاء المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، فناصره لا يمكنه لوضوح فسقه ادّعاء كونه خيراً من خاذله، كما أنّ خاذله لثبوت تديّنه لا يمكنه الإقرار على نفسه بكون ناصره خيراً منه.

وهذا الكلام ككلامه الأوّل المشتمل على عدم نهيه عليه السلام عن قتله، مع كونه عليه السلام آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر باتّفاق المؤالف والمخالف دالّ على إباحة قتله، فان حقّ الأُمور وباطلها يعلمان من متصدّيها، فإذا كان ناصره لا يستطيع أن يدّعي تلك الدعوى، وخاذله لا يستطيع أن يقرّ ذاك الإقرار، يفهم أنّ جواز قتله كان بمثابة من الوضوح الذي لا يعتريه مرية، وكيف لا وقاتلوه من الأجلّة الذين اعترف المخالف بجلالهم، مثل عمّار الذي يكفي في جلاله قول النبيّ صلى الله عليه وآله المتواتر فيه: «عمّار تقتله الفئة الباغية»(2) وقد أقرّ عمّار بأنّه من قتلته، وأنّهم قتلوه لأنّه أراد أن يغيّر دين اللَّه(3).(4)

وقال ابن قتيبة: لمّا أرسل عليّ عليه السلام عمّاراً إلى الكوفة لنفر الناس إليه قال عمّار:

ص: 210


1- مروج الذهب ومعادن الجوهر: 3/415.
2- وقعة صفين: 324 و326، تفسير المنسوب الى الإمام الحسن العسكري عليه السلام: 625 و...
3- وقعة صفين: 338 - 339.
4- بهج الصباغة: 9/193.

يا أهل الكوفة إن كان غاب عنكم أنباؤنا فقد انتهت إليكم أُمورنا، إنّ قتلة عثمان لا يعتذرون من قتله إلى الناس، ولا ينكرون ذلك، وقد جعلوا كتاب اللَّه بينكم وبين محاجّيهم، فبكتابه أحيا اللَّه من أحيا، وأمات من أمات(1).

ومن قتلته محمّد بن أبي بكر، وفي الطبري: أنّ معاوية بن خديج لمّا قال لمحمّد بن أبي بكر: أقتلك بعثمان، قال له محمّد: إنّ عثمان عمل بالجور، ونبذ حكم القرآن، وقد قال تعالى: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»(2).، فنقمنا ذلك عليه فقلناه(3).

ومن قتلته عمرو بن الحمق الخزاعي: وفي الطبري: جلس عمرو بن الحمق على صدر عثمان وبه رمق، فطعنه تسع طعنات، وقال: فأمّا ثلاث منهنّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه للَّه، وأمّا ستّ فإنّي طعنتهنّ إيّاه لما كان في صدري عليه(4).

وكان عليه السلام مدافعاً عن قتلة عثمان، فلمّا قام أبو مسلم الخولاني(5) في قرّاء الشام إلى معاوية - كما في (صفين نصر) - وقال له: علامَ تقاتل عليّاً وليس لك مثل

ص: 211


1- الإمامة والسياسة (تحقيق الزيني): 1/64.
2- سورة المائدة: 47.
3- تاريخ الطبري: 4/79، سنة 38.
4- تاريخ الطبري: 3/424، سنة 35.
5- هو عبداللَّه بن ثوب احد الزهاد الثمانية، تابعي، أصله من اليمن، أدرك الجاهلية وأسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله ولم يره، فقدم المدينه في خلافة أبي بكر، وهاجر إلى الشام، توفى سنة 62 هجري ودفن في داريا بدمشق وكان للعامّة فيه اعتقاد عظيم، ولكنّه من أعوان معاوية وسيّى ء الرأى في علي عليه السلام، روى عن الفضل بن شاذان أنه قال عند ذكره للزهاد الثمانية: وأمّا أبومسلم فانّه كان فاجرا مرائيا وكان صاحب معاوية وهو الذي كان يحث الناس على قتال علي عليه السلام. حلية الأولياء: 5/120، الأعلام للزركلي: 4/75؛ رجال الكشي - إختيار معرفة الرجال (مع تعليقات مير داماد الأستر آبادي): 1/313.

صحبته ولا قرابته ولا سابقته؟ قال: لست أدّعي ذلك، ولكن ألستم تعلمون أنّ عثمان قتل مظلوماً فليدع إلينا قتلته فنقتلهم به، ولا قتال بيننا وبينه... إلى أن قال: فقال أبو مسلم لعليّ عليه السلام: قد رأيت قوماً ما لك معهم أمر.

قال: وما ذاك؟ قال: بلغ القوم أنّك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان فضجّوا واجتمعوا، ولبسوا السلاح، وزعموا أنّهم كلّهم قتلة عثمان. فقال له عليّ عليه السلام: واللَّه ما أردت أن أدفعهم إليك طرفة عين، لقد ضربت هذا الأمر أنفه وعينيه، ما رأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك ولا إلى غيرك. فخرج أبو مسلم وهو يقول: الآن طاب الضرّاب(1).

وروى الطبري: أنّ عثمان نبذ ثلاثة لا يدفن ثمّ إنّ حكيم بن حزام، وجبير بن مطعم كَلّما عليّاًعليه السلام في دفنه، وطلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك، ففعل. فلمّا سمع الناس بذلك قعدوا إليه في الطريق بالحجارة، وخرج به ناس يسير من أهله، وهم يريدون به حائطاً بالمدينة، يقال له: حش كوكب(2)، كانت اليهود تدفن موتاهم فيه، فلمّا خرج على الناس رجموا سريره، وهمّوا بطرحه، فبلغ ذلك عليّاًعليه السلام، فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفّنّ عنه، ففعلوا، فانطلق به حتّى دفن في حشّ كوكب. فلمّا ظهر معاوية على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتّى أفضى به إلى البقيع، وأمر الناس أن يدفنوا حوله حتّى اتّصل بمقابر المسلمين(3).

ص: 212


1- وقعة صفين: 85 - 86 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 15/73 - 75؛ بحار الأنوار: 33/108 - 109، ش 408.
2- قال ياقوت الحموي في معجم البلدان 2/262: حش كوكب موضع عند بقيع الغرقد اشتراء عثمان بن عفان وزاده في البقيع، ولما قتل القى فيه ثم دفن في جنبه.
3- تاريخ الطبري: 3/438، سنة 35.

وفي الطبري: قال أبو كرب عامل عثمان على بيت المال: إنّ عثمان دفن بين المغرب والعتمة، لم يشهد جنازته إلّا مروان وثلاثة من مواليه وابنته الخامسة، فناحت (ابنته) فأخذ الناس الحجارة، وقالوا: نعثل نعثل وكادت ترجم(1).

وفي الطبري: كان قتل معه عبداه نجيح وصبيح، فجرّا بأرجلهما فرمي بهما على البلاط، فأكلتهما الكلاب، ولم يغسل عثمان ولا غلاماه، ولمّا وضع ليصلّي عليه، جاء نفر من الأنصار يمنعونهم الصلاة عليه(2).

إنّ معاوية سأل النعمان بن بشير أن يخرج إلى قيس بن سعد بن عبادة فيعاتبه ويسأله السلم فخرج النعمان حتى وقف بين الصفين فقال: يا قيس أنا النعمان بن بشير فقال قيس: هيه يابن بشير فما حاجتك؟ قال النعمان: يا قيس ألستم معشر الأنصار تعلمون أنّكم أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار وقتلتم أنصاره يوم الجمل وإقحمتم خيولكم على أهل الشام بصفّين فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليّا لكانت واحدة بواحدة ولكنّكم خذلتم حقا ونصرتم باطلا ثمّ لم ترضوا أن تكونوا كالناس حتّى أعلمتم في الحرب ودعوتم إلى البراز ثمّ لم ينزل بعلي أمر قطّ إلّا وهونتم عليه المصيبة ووعدتموه الظفر وقد أخذت الحرب منّا ومنكم ما قد رأيتم فاتّقوا اللَّه في البقية.

فضحك قيس ثم قال: ما كنت أراك يا نعمان تجترئ على هذه المقالة إنّه لا ينصح أخاه من غشّ نفسه وأنت واللَّه الغاشّ الضالّ المضلّ وأما ذكرك عثمان فإن كانت الأخبار تكفيك فخذها مني واحدة قتل عثمان من لست خيرا منه وخذله من

ص: 213


1- تاريخ الطبري: 3/439، سنة 35.
2- تاريخ الطبري: 3/440، سنة 35.

هو خير منك الخبر(1).

وكيف لم يكن مباح الدم وشهد حجر بن عديّ وأصحابه الذين قالوا: لو لم يكن في معاوية إلّا قتله لهم لكفاه في هلاكته بذلك.

ففي الطبري - بعد ذكر بعث زياد بهم إلى الشام، وبعث معاوية جمعاً لقتلهم - قال أصحاب معاوية لحجر وأصحابه: يا هؤلاء، رأيناكم البارحة قد أطلتم الصلاة، وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا: هو أوّل من جار في الحكم، وعمل بغير الحقّ(2).

وقال في عبدالرحمن العنزي الذي كان أحد أصحاب حجر ولم يقتله معاوية معهم، بل ردّه إلى زياد فدفنه حيّاً بقسّ الناطف. قال معاوية له: إيه يا أخا ربيعة، ما قولك في عليّ؟ قال: دعني ولا تسألني فإنّه خير لك. قال: واللَّه لا أدعك حتّى تخبرني. قال: أشهد أنّه كان من الذاكرين اللَّه كثيراً، ومن الآمرين بالحقّ، والقائمين بالقسط، والعافين عن الناس. قال: فما قولك في عثمان؟ قال: هو أوّل من فتح باب الظلم، وارتجّ أبواب الحقّ. قال معاوية: قتلت نفسك، قال: بل إيّاك قتلت(3).

وكيف لم يكن تضادّه عليه السلام مع عثمان واضحاً، وكان نافع بن هلال الجمليّ من أصحاب الحسين عليه السلام يقاتل يوم الطفّ ويقول - كما في الطبري - : أنا الجمليّ أنا على دين عليّ. فخرج إليه مزاحم بن حريث من أصحاب إبن سعد وقال: أنا على دين عثمان. فقال له نافع: أنت على دين شيطان(4).

ص: 214


1- وقعة صفين: 448؛ بحار الأنوار: 32/517.
2- تاريخ الطبري: 4/205.
3- تاريخ الطبري: 4/206.
4- تاريخ الطبري: 4/331.

وكيف لم يكن بطلان أمر عثمان واضحاً وقد باهل أصحاب الحسين عليه السلام أصحاب ابن سعد في ذلك ففي الطبري: قال عفيف بن زهير - وهو ممّن شهد مقتل الحسين عليه السلام - : خرج يزيد ابن معقل من أصحاب ابن سعد فقال لبرير بن حضير من أصحاب الحسين عليه السلام كيف ترى اللَّه صنع بك قال: صنع اللَّه واللَّه بى خيرا، وصنع بك شرّا. قال له يزيد: كذبت، وقبل اليوم ما كنت كذّابا، فهل تذكر وأنا أماشيك في بني لوذان وأنت تقول: إنّ عثمان كان على نفسه مسرفاً، وإنّ معاوية ضالّ مضلّ، وإنّ إمام الهدى والحقّ عليّ بن أبي طالب فقال له برير: أشهد أنّ هذا رأيي وقولي. فقال له يزيد: فإنّي أشهد أنّك من الضالّين. فقال له برير: هل لك أن أباهلك(1)، ولندع اللَّه أن يلعن الكاذب وأن يقتل المبطل، ثمّ نخرج للمبارزة قال: نعم. فخرجا فرفعا أيديهما يدعوانه أن يلعن الكاذب، وأن يقتل المحقّ المبطل، ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه، فاختلفا ضربتين، فضرب يزيد بريرا ضربة خفيفة لم تضرّه شيئاً، وضربه برير ضربة قدّت المغفر، وبلغت الدماغ، فخرّ كأنّما هوى من حالق، وإنّ سيف برير لثابت في رأسه، فكأنّي أنظر إليه ينضنضه(2) من رأسه. الخ(3).

وفي الطبري أيضاً: لمّا جي ء برأس الحسين عليه السلام إلى عبيداللَّه بن زياد، دعا عبدالملك بن أبي الحارث السلميّ، وقال له: انطلق حتّى تأتي المدينة على عمرو بن سعيد بن العاص - وكان يومئذٍ أمير المدينة - فبشّره بقتل الحسين.

قال: فدخلت على عمرو فقال: ما وراءك؟ قلت: ما سرّ الأمير، قتل الحسين.

ص: 215


1- معنى المباهلة أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شي ء فيقولوا: لعنة اللَّه على الظالم منا (لسان العرف: 11/72، مادة بهل).
2- ينضنضه: يحركه.
3- وقعة الطف: 221؛ تاريخ الطبري: 4/328.

قال: ناد بقتله. فناديت لم أسمع واللَّه واعية مثل واعية نساء بني هاشم في دورهنّ على الحسين، فقال عمرو متمثّلاً ببيت عمرو بن معدى كرب وضحك:

عجّت نساء بني زياد عجّة

كعجيج نسوتنا غداة الأرنب(1)

ثمّ قال: هذه واعية بواعية عثمان(2).

وَأَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ اسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الْأَثَرَةَ وَجَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الْجَزَعَ

«وأنا جامع لكم أمره» من طرفه وطرفكم.

«استأثر فأساء الأثرة» فكان عثمان خصّ أقاربه بولاية البلاد حتّى عزل عمرو بن العاص، فطلّق عمرو لذلك أخته أُمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وحرّض الناس عليه. ولمّا سمع خبر قتله قال: أنا أبو عبداللَّه، إذا حككت قرحة نكأتها(3)، إن كنت لا حرّض عليه، حتّى انّي لا حرّض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل. فقال له سلامة بن روح: يا معشر قريش، إنّه كان بينكم وبين العرب باب وثيق فكسرتموه، فما حملكم على ذلك فقال: أردنا أن نخرج الحقّ من خاصرة (حافرة) الباطل، وأن يكون الناس في الحقّ شرعاً سواء(4).

«وجزعتم فأسأتم الجزع» لأنّهم منعوه الماء في حياته، ومنعوا من دفنه بعد

ص: 216


1- الارنب وقعة كانت لبني زبيد علي بني زياد من بني الحارث (تاريخ الطبري: 4/357) وفي رواية لسان العرب: بني زبيد بدل بني زياد والارنب: موضع (لسان العرب: 1/435) مادة: رنب).
2- تاريخ الطبري: 4/356.
3- نكأت القرحة (أنكؤها) مهموز بفتحتين قشرتها (مصباح المنير: 2/625).
4- تاريخ الطبري: 3/392؛ شرح نجهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/144.

قتله. ولا يجوز منع الماء من أحد(1). ويجب مواراة أموات جميع الناس المسلم وغيره(2).

وإنّما الأصل في قوله عليه السلام: «وأسأتم الجزع» لأنّ عمدة الجازعين وهم قريش وفي رأسهم طلحة من تيم، والزبير من أسد لم يقتلوه غضبا للَّه بل لهوى أنفسهم، لأنّه لم يولّهم وولّى بني أبيه.

وفي المروج: حجّ عبدالملك في بعض أعوامه، فأمر للناس بالعطاء، فخرجت بدرة مكتوب عليها «من الصدقة» فأبى أهل المدينة من قبولها وقالوا: إنّما كان عطاؤنا من الفي ء. فقال عبدالملك وهو على المنبر: يا معشر قريش، مثلنا ومثلكم أنّ أخوين خرجا مسافرين، فنزلا في ظلّ شجرة تحت صفاة، فلمّا دنا الرواح خرجت إليهما من تحت الصفاة حيّة تحمل ديناراً فألقته إليهما، فقالا: إنّ هذا لمن كنز، فأقاما عليها ثلاثة أيّام، كلّ يوم تخرج إليهما ديناراً، فقال أحدهما لصاحبه: إلى متى ننتظر هذه الحيّة ألا نقتلها ونحفر هذا الكنز فنأخذه فنهاه أخوه، وقال: ما تدري لعلّك تعطب ولا تدرك المال. فأبى عليه، وأخذ فأسا وصرد الحيّة حتّى خرجت، فضربها ضربة جرحت رأسها ولم تقتلها، فثارت الحيّة فقتلته، ورجعت إلى حجرها، فقام أخوه فدفنه، وأقام حتّى إذا كان الغد خرجت الحيّة معصوباً رأسها ليس معها شي ء، فقال لها: يا هذه، إنّي واللَّه ما رضيت ما أصابك، ولقد نهيت أخي عن ذلك، فهل لك أن نجعل اللَّه بيننا أن لا تضرّيني ولا أضرّك، وترجعين إلى

ص: 217


1- ولذا بعث أميرالمؤمنين عليه السلام الماء إلى عثمان حين منع الماء، أُنظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/148، وقعة جمل: 19.
2- بهج الصباغة: 9/206.

ما كنت عليه؟ قالت الحيّة: لا.

قال: ولِمَ ذلك؟ قالت: لأنّي أعلم أنّ نفسك لا تطيب لي أبداً، وأنت ترى قبر أخيك، ونفسي لا تطيب لك أبداً وأنا أذكر هذه الشجّة، وأنشدهم - أي عبدالملك - شعر النابغة في ذلك:

فقالت أره (أرى) قبراً تراه مقابلي

وضربة فاس فوق رأسي فاغرة (فاقرة)

يا معشر قريش، ولّاكم عمر فكان فظّاً غليظاً مضيّقاً عليكم، فسمعتم له وأطعتم، ثمّ ولّاكم عثمان فكان سهلاً فعدوتم عليه فقتلتموه، وبعثنا عليكم مسلماً يوم الحرّة فقتلناكم، فنحن نعم يا معشر قريش، أنّكم لا تحبّوننا أبداً.

وأنتم تذكرون يوم الحرّة ونحن لا نحبّكم أبداً ونحن نذكر قتل عثمان(1).

وَللَّهِ ِ حُكْمٌ وَاقِعٌ فِي الْمُسْتَأْثِرِ وَالْجَازِعِ

اشارة

وفي الأغاني: كان حسّان بن ثابت والنعمان بن بشير وكعب بن مالك عثمانيّة، يقدّمون بني أُميّة على بني هاشم، ويقولون: الشام خير من المدينة. واتّصل بهم أنّ ذلك قد بلغ عليّاًعليه السلام، فدخلوا عليه، فقال له كعب: أخبرنا عن عثمان، أقتل ظالماً، فنقول بقولك (أم قتل مظلوماً، فنقول بقولنا)، ونكلك إلى الشبهة فيه، والعجب من تيقّننا وشكّك، وقد زعمت العرب أنّ عندك علم ما اختلفنا فيه، فهاته نعرفه.

فقال لهم عليّ عليه السلام: لكم عندي ثلاثة أشياء: استأثر عثمان فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع، وعند اللَّه ما تختلفون فيه إلى يوم القيامة. فقالوا: لا

ص: 218


1- مروج الذهب: 3/121.

ترضى بهذا العرب، ولا تعذرنا فيه (به). فقال لهم عليّ: أتردّون عليّ بين ظهراني المسلمين، بلا بيّنة صادقة، ولا حجّة واضحة اخرجوا عنّي، فلا تجاوروني في بلد أنا فيه أبداً. فخرجوا من يومهم، فساروا حتّى أتوا معاوية، فقال: لكم الكفاية أو الولاية. فأعطى حسّاناً ألف دينار، وكعباً ألف دينار، وولّى النعمان حمصا(1).

وقال كعب بن مالك الأنصاري لعليّ عليه السلام: بلغك عنّا أمر لو كان غيرك لم يحتمله ولو كان غيرنا لم يقم معك عليه، وما في الناس من هو أعلم منك، وفي الناس من نحن أعلم منه، أوضَحُ العلم ما وقف على لسان، وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان، ونحن أعرف بقدر عثمان من قاتليه، وأنت أعلم بهم وبخاذليه، فإن قلت: «إنّه قتل ظالماً» قلنا: بقولك، وإن قلت: «إنّه قتل مظلوماً» قلنا بقولنا، وإن وكلتنا إلى الشبهة آيسنا بعدك من إصابة البيّنة. فقال عليه السلام: عندي في عثمان وفيكم. استأثر فأساء الأثرة وجزعتم فأسأتم الجزع، وللَّه عزّ وجلّ حكم واقع في المستأثر والجازع(2).

وهوعليه السلام وإن أجمل في جواب أولئك العثمانيّة لكون سؤالهم في غير الموقع، إلّا أنّه بيّن بأفعاله من إيوانه قاتليه، ودفاعه عنهم، وبأقواله كما مرّ من قوله عليه السلام للخولاني: «إنّي ضربت هذا الأمر أنفه وعينه، فرأيت أنّه ما ينبغي لي أن أدفع قتلته إلى أحد(3).

وقوله عليه السلام لقرّاء الشام والعراق لمّا قالوا له: «إنّ معاوية يقول: إن كنت صادقاً

ص: 219


1- الأغاني: 16/420.
2- نثر الدر (منصور بن الحسين الرازي): 1/191؛ نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: 10/227، ش 541.
3- وقعة صفين: 86؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 15/75.

أنّك ما أمرت بقتل عثمان، ولا مالأت على قتله، فادفع إلينا قتلته أو أمكنّا منهم»: تأوّل القوم عليه القرآن، وقتلوه في سلطانه وليس على أضرابهم (ضربهم) قود(1)، أنّه كان مباح الدم، وبه صرّح شيعته عمّار وغيره(2).

وفي فواتح الميبدي: روى إبراهيم النخعي وأبو العالية أنّ قوله تعالى: «ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ»(3) في شأن المسلمين، وناظر إلى قتل عثمان وحرب صفين. وقوله تعالى: «فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ»(4) تفصيل اولئك الفرق(5).

تذييل

في الاشارة إلى كيفيّة قتل عثمان إجمالاً على ما رواه في شرح المعتزلي من الواقدي والطبري وهو أنّه أحدث أحداثاً مشهورة نقمها الناس عليه من تأمير بني أُميّة ولاسيّما الفسّاق وأرباب السفه وقلّة الدين، وإخراج مال الفي ء إليهم وما جرى في أمر عمّار وأبي ذرّ وعبداللَّه بن مسعود وغير ذلك من الأمور التي جرت في أواخر خلافته، فلمّا دخلت سنة خمس وثلاثين كاتب أعداء عثمان وبني أميّة في البلاد وحرّض بعضهم بعضا على خلعه من الخلافة وعزل عمّا له من الأمصار

ص: 220


1- وقعة صفين: 189.
2- وقعة صفين: 319 و339.
3- سورة الزمر: 31.
4- سورة الزمر: 32 - 33.
5- بهج الصباغة: 9/209.

فخرج ناس من مصر وكانوا في ألفين، وخرج ناس من أهل الكوفة في ألفين، وخرج ناس من أهل البصرة وأظهروا أنّهم يريدون الحج، فلمّا كانوا من المدينة على ثلاث تقدّم أهل البصرة فنزلوا ذا خشب(1) وكان هواهم في طلحة، وتقدم أهل الكوفة فنزلوا الأعوص(2) وكان هواهم في الزبير، وجاء أهل مصر فنزلوا المروة(3) وكان هواهم في علي عليه السلام، ودخل ناس منهم إلى المدينة يخبرون ما في قلوب الناس لعثمان فلقوا جماعة من المهاجرين والأنصار ولقوا أزواج النبي صلى الله عليه وآله وقالوا: إنما نريد الحج ونستعفي من عمّالنا.

ثمّ لقي جماعة من المصريين عليا وهو متقلّد سيفه عند أحجار الزيت(4) فسلموا عليه وعرضوا عليه أمرهم فصاح بهم وطردهم وقال: لقد علم الصالحون أنّ جيش المروة وذي خشب والأعوص ملعونون على لسان محمدصلى الله عليه وآله فانصرفوا عنه، وأتى البصريون طلحة فقال لهم مثل ذلك، وأتى الكوفيون الزبير فقال لهم مثل ذلك، فتفرقوا وخرجوا عن المدينة إلى أصحابهم.

فلما أمن أهل المدينة منهم واطمأنوا إلى رجوعهم لم يشعروا إلّا والتكبير في نواحي المدينة وقد نزلوها وأحاطوا بعثمان ونادى مناديهم: يا أهل المدينة من كف يده عن الحرب فهو آمن.

فحصروه في منزله إلّا أنّهم لم يمنعوا الناس من كلامه ولقائه، فجاءهم جماعة من رؤساء المهاجرين وسألوهم ما شأنهم؟ فقالوا: لا حاجة لنا في هذا الرجل

ص: 221


1- ذوخشب: واد على مسيرة ليلة من المدينة.
2- أعوص: موضع قرب المدينة على أميال منها.
3- المروة: جبل بمكّة ينتهى إليه السعي من الصفا.
4- أحجار الزيت: موضع بالمدينة.

ليعتزلنا لنولّي غيره لم يزيدوهم على ذلك.

وخرج عثمان يوم الجمعة فصلّى بالناس وقام على المنبر فقال: يا هؤلاء اللَّه اللَّه فو اللَّه إنّ أهل المدينة يعلمون أنكم ملعونون على لسان محمدصلى الله عليه وآله فامحوا الخطأ بالصواب.

فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال: نعم أنا أعلم ذلك فأقعده حكيم بن جبلة البصري، وقام زيد بن ثابت فأقعده قتيرة بن وهب المصري.

و ثار القوم فحصبوا الناس حتّى أخرجوهم من المسجد وحصبوا عثمان حتّى صرع عن المنبر مغشيا عليه فأدخل داره. وأقبل علي وطلحة والزبير فدخلوا على عثمان يعودونه من صرعته وعند عثمان نفر من بني أُميّة منهم مروان بن الحكم فقالوا لعلي: أهلكتنا وصنعت هذا الذي صنعت واللَّه إن بلغت هذا الأمر الذي تريده لنمرنّ عليك الدنيا فقام مغضبا وخرج الجماعة الذين حضروا معه إلى منازلهم.

ثمّ إنّ أهل المدينة تفرّقوا عنه ولزموا بيوتهم لا يخرج أحد منهم إلّا بسيفه يمتنع به فكان حصاره أربعين يوما(1).

وفي رواية الطبري: فما نزل القوم ذا خشب يريدون قتل عثمان إن لم ينزع عمّا يكرهون وعلم عثمان ذلك جاء إلى منزل علي فدخل وقال: يا ابن عمّ إنّ قرابتي قريبة وقد جاء ما ترى من هؤلاء القوم وهم مصبحي ولك عند الناس قدر وهم يسمعون منك وأحب أن تركب إليهم فتردهم عنّي فإن في دخولهم علي وهنا لأمري وجرأة علي.

فقال عليه السلام: على أي شي ء أردهم؟ قال: على أن أصير إلى ما أمرت به ورأيت في،

ص: 222


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/140.

فقال علي عليه السلام: إنّي قد كلمتك مرّة بعد أخرى فكلّ ذلك تخرج وتقول وتعد ثمّ ترجع وهذا من فعل مروان ومعاوية وابن عامر وسعيد بن العاص فإنّك أطعتهم وعصيتني.

قال عثمان: فإنّي أعصيهم وأطيعك، فأمر علي عليه السلام الناس أن يركبوا معه فركب ثلاثون رجلا من المهاجرين والأنصار فأتوا المصريّين فكلّموهم فكان الذي يكلّمهم علي عليه السلام ومحمد بن مسلمة فسمعوا منهما ورجعوا أصحابهم يطلبون مصر.

ورجع علي عليه السلام حتّى دخل على عثمان فأشار عليه أن يتكلم بكلام يسمعه الناس منه ليسكنوا إلى ما يعدهم به من النزوع، وقال: إن البلاد قد تمخضت عليك ولا آمن أن يجي ء ركب من جهة أخرى فتقول لي يا علي اركب إليهم فإن لم أفعل قد قطعت رحمك واستخففت بحقك.

فخرج عثمان فخطب الخطبة التي نزع فيها وأعطى الناس من نفسه التوبة وقال لهم: أنا أوّل من اتّعظ وأستغفر اللَّه وأتوب إليه فمثلي نزع وتاب فإذا نزلت فليأتني أشرافكم فليروا رأيهم، وليذكر كل واحد ظلامته لأكشفها وحاجته لأقضيها فو اللَّه لئن ردّني الحق عبدا لأستن بسنة العبيد، ولأذلن ذلّ العبيد، وما عن اللَّه مذهب إلّا إليه واللَّه لأعطينكم الرضا ولأنحين مروان وذويه ولا أحتجب عنكم.

فلمّا نزل وجد مروان وسعيدا ونفرا من بني أُمية في منزله قعودا لم يكونوا شهدوا خطبته ولكنها بلغتهم.

فلمّا جلس قال مروان: يا أميرالمؤمنين أأتكلم؟ فقالت نائلة امرأة عثمان: لا بل تسكت فأنتم واللَّه قاتلوه وموتوا أطفاله إنّه قد قال مقالة لا ينبغي أن ينزع عنها، فقال لها مروان: وما أنت وذاك؟ واللَّه لقد مات أبوك وما يحسن أن يتوضأ، فقالت:

ص: 223

مهلا يا مروان عن ذكر أبي إلّا بخير واللَّه لو لا أن أباك عمّ عثمان وأنّه يناله غمّه وعيبه لأخبرتك بما لا أكذب فيه عليه، فأعرض عنه عثمان.

ثم عاد فقال: أأتكلم أم أسكت؟ فقال: تكلم، فقال: واللَّه لوددت أن مقالتك هذه كانت وأنت ممتنع منيع فكنت أوّل من رضي بها وأعان عليها، ولكنّك قلت وقد بلغ الحزام الطبيّين وجاوز السيل الزبى، واللَّه لإقامة على خطيئة تستغفر اللَّه منها أجمل من توبة تخوف عليها ما زدت على أن جرأت عليك الناس.

فقال عثمان قد كان من قولي ما كان، وإن الفائت لا يرد ولم آل خيرا.

فقال مروان: إنّ الناس قد اجتمعوا ببابك أمثال الجبال، قال: ما شأنهم؟ قال: أنت دعوتهم إلى نفسك، فهذا يذكر مظلمة وهذا يطلب مالا وهذا يسأل نزع عامل من عمالك عنه وهذا ما جنيت على خلافتك، ولو استمسكت وصبرت كان خيراً لك، قال: فاخرج أنت إلى الناس فكلّمهم فإنّي أستحيي أن أكلّمهم وأردهم.

فخرج مروان إلى الناس وقد ركب بعضهم بعضا، فقال: ما شأنكم قد اجتمعتم كأنّكم جئتم لنهب، شاهت الوجوه أتريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا، اعزبوا عنّا واللَّه إن رمتمونا لنمرن عليكم ما حلا ولنحلنّ بكم ما لا يسرّكم ولا تحمدوا فيه رأيكم، ارجعوا إلى منازلكم، فإنا واللَّه غير مغلوبين على ما في أيدينا.

فرجع الناس خائبين يشتمون عثمان ومروان وأتى بعضهم علياعليه السلام فأخبره الخبر، فأقبل علي على عبدالرحمن بن الأسود بن عبد يغوث الزهري، فقال أحضرت خطبة عثمان؟ قال: نعم، قال: أحضرت مقالة مروان للناس؟ قال: نعم.

ص: 224

فقال عليه السلام: أي عباد اللَّه، يا للَّه للمسلمين إنّي قعدت في بيتي، قال لي تركتني وخذلتني وإن تكلمت فبلغت له ما يريد جاء مروان ويلعب به حتّى قد صار سيقة له يسوقه حيث يشاء بعد كبر السن وقام مغضبا من فوره حتّى دخل على عثمان، فقال عليه السلام له: أما يرضى مروان منك إلّا أن يحرفك عن دينك وعقلك فأنت معه كجمل الظعينة يقاد حيث يسار به، واللَّه ما مروان بذي رأي في دينه ولا عقله، وإنّي لأراه يوردك ثمّ لا يصدرك وما أنا عائد بعد مقامي هذا لمعاتبتك أفسدت شرفك وغلبت على رأيك ثم نهض.

فدخلت نائلة فقالت: قد سمعت قول علي لك وإنّه ليس براجع إليك ولا معاود لك وقد أطعت مروان يقودك حيث يشاء، قال: فما أصنع؟ قالت: تتقي اللَّه وتتبع سنّة صاحبيك، فإنّك متى أطعت مروان قتلك، وليس لمروان عند الناس قدر ولا هيبة ولا محبّة وإنّما تركك الناس لمكانه، وإنّما رجع عنك أهل مصر لقول علي عليه السلام، فأرسل إليه فاستصلحه، فإنّ له عند الناس قدما وإنّه لا يعصى، فأرسل إلى علي فلم يأته وقال: قد أعلمته أني غير عائد(1).

وعن عبداللَّه بن أبي بكر، عن أبي جعفرعليه السلام، قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، قال: لمّا نزل المصريون بعثمان بن عفان في مرتهم الثانية، دعى مروان بن الحكم فاستشاره، فقال له: إنّ القوم ليس هم لأحد أطوع منهم لعلي بن أبي طالب عليه السلام، وهو أطوع الناس في الناس، فابعثه إليهم فليعطهم الرضا، وليأخذ لك عليهم الطاعة، ويحذرهم الفتنة.

فكتب عثمان إلى علي بن أبي طالب عليه السلام: سلام عليك، أما بعد، قد جاز السيل

ص: 225


1- تاريخ الطبري: 3/393؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/144.

الزبى(1)، وبلغ الحزام الطبيين(2)، وارتفع أمر الناس بي فوق قدره، وطمع في من كان يعجز عن نفسه، فاقبل عليّ وتمثل:

فإن كنت مأكولا فكن خير آكل * إلّا فأدركني ولما أمزق والسلام

فجاءه علي عليه السلام فقال: يا أبا الحسن، ائت هؤلاء القوم، فادعهم إلى كتاب اللَّه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله. فقال: نعم، إن أعطيتني عهد اللَّه وميثاقه على أن تفي لهم بكل شي ء أعطيته عنك، فقال: نعم. فأخذ عليه عهدا غليظا ومشى إلى القوم، فلمّا دنا منهم، قالوا وراءك(3). قال: لا، قالوا: وراءك، قال: لا.

فجاء بعضهم ليدفع في صدره، فقال القوم بعضهم لبعض: سبحان اللَّه، أتاكم ابن عم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يعرض كتاب اللَّه، اسمعوا منه واقبلوا، قالوا تضمن لنا كذلك. قال: نعم.

فأقبل معه أشرافهم ووجوههم حتّى دخلوا على عثمان فعاتبوه، فأجابهم إلى ما أحبّوا، فقالوا: اكتب لنا على هذا كتاباً وليضمن عليّ عنك ما في الكتاب. قال اكتبوا أنّى شئتم، فكتبوا بينهم:

بسم اللَّه الرحمن الرحيم. هذا ما كتب عبداللَّه عثمان بن عفان أميرالمؤمنين لمن

ص: 226


1- الزبي هي جمع الزبية وهي الزابية وهي الرابية التي لا يعلوها الماء وقيل إنّما أراد الحفرة للسبوع ولا تحفر إلّا في مكان عال من الأرض لئلّا يبلغه السيل وهو مثل يضرب للأمر بما تجاوز الحدّ ويتفاقم وقال الأطبّاء واحدها طبي بالضم والكسر وقيل يقال: لموضع الاخلاف من الخيل والسباع اطباء كما يقال لذوات الخف والظلف خلف وضرع وقوله وبلغ الحزام الطبيين كناية عن المبالغة في تجاوزه حد الشر والاذى لان الحزام إذا انتهى إلى الطبيّين فقد إنتهى إلى بعد غايته فكيف إذا جاوزه منه (النهاية: 2/295؛ لسان العرب: 14/353).
2- أي اشتدّ الأمر وتفاقم.
3- وراءك: اسم فعل بمعنى ارجع أو تأخر.

نقم عليه من المؤمنين والمسلمين أن لكم علي أن أعمل بكتاب اللَّه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله، وأن المحروم يعطى، وأن الخائف يؤمن، وأن المنفي يرد، وأن المبعوث لا يجمر(1)، وأن الفي ء لا يكون دولة بين الأغنياء، وعليّ بن أبي طالب عليه السلام ضامن للمؤمنين والمسلمين على عثمان الوفاء لهم على ما في هذا الكتاب. شهد الزبير بن العوام، وطلحة بن عبيداللَّه، وسعد بن مالك، وعبداللَّه بن عمر، وأبو أيوب بن زيد. وكتب في ذي القعدة سنة خمس وعشرين (سنة خمس وثلاثين)(2).

فأخذوا الكتاب ثم انصرفوا، فلما نزلوا أيلة، إذا هم براكب فأخذوه، فقالوا من أنت؟ قال: أنا رسول عثمان إلى عبداللَّه بن سعد. قال بعضهم لبعض: لو فتشناه لئلّا يكون قد كتب فينا، ففتشوه فلم يجدوا معه شيئا.

فقال كنانة بن بشر التجيبي: انظروا إلى أدواته(3)، فإنّ للناس حيلا، فإذا قارورة مختومة بموم(4)، فإذا فيها: كتاب إلى عبداللَّه بن سعد إذا جاءك كتابي هذا، فاقطع أيدي الثلاثة مع أرجلهم. فلما قرؤوا الكتاب رجعوا حتى أتوا عليّا (عليه السلام)، فأتاه فدخل عليه، فقال استعتبك القوم فأعتبتهم، ثم كتبت كتابك هذا، نعرفه الخط الخط والخاتم الخاتم فخرج عليّ (عليه السلام) مغضبا وأقبل الناس عليه، فخرج سعد من المدينة فلقيه رجل، فقال: يا أبا إسحاق أين تريد؟ قال: إني قد فررت بديني من مكّة إلى المدينة، وأنا اليوم أهرب بديني من المدينة إلى مكّة.

ص: 227


1- جمر: الجيش: حبسهم في أرض العدو ولم يقفلهم من الثغر، وفي الحديث: «لا تجمروا الجيش فتفتنوهم.
2- ما في القوسين: أنساب الأشراف: 5/553.
3- الإدواة: إناء صغير من جلد.
4- الموم: الشمع.

وقال الحسن بن علي لعليّ عليهما السلام حين أحاط الناس بعثمان: اخرج من المدينة واعتزل، فإن الناس لابدّ لهم منك، وإنّهم ليأتونك ولو كنت بصنعاء اليمن، وأخاف أن يقتل هذا الرجل وأنت حاضره.

فقال: يا بني، أخرج عن دار هجرتي، وما أظن أحدا يجترئ على هذا القول كلمة.

وقام كنانة بن بشر، فقال: يا عبد اللَّه، أقم لنا كتاب اللَّه، فإنّا لا نرضى بالقول دون الفعل، قد كتبت وأشهدت لنا شهوداً، وأعطيتنا عهد اللَّه وميثاقه، فقال: ما كتبت بينكم كتابا.

فقام إليه المغيرة بن الأخنس، فضرب بكتابه وجهه، وخرج إليهم عثمان ليكلمهم، فصعد المنبر، فرفعت عائشة قميص رسول اللَّه صلى الله عليه وآله، ونادت: أيها الناس، هذا قميص رسول اللَّه لم يبل، وقد غيرت سنته، فنهض الناس، وكثر اللغط(1)، وحصبوا عثمان حتّى نزل من المنبر، فدخل بيته.

فكتب نسخة واحدة إلى معاوية وعبداللَّه بن عامر: أما بعد، فإنّ أهل السفه والبغي والعدوان من أهل العراق ومصر والمدينة أحاطوا بداري، ولن يرضيهم منّي دون خلعي أو قتلي، وأنا ملاق اللَّه قبل أن أتابعهم على شي ء من ذلك، فأعينوني.

فلمّا بلغ كتابه ابن عامر قام وقال: أيها الناس، إنّ أميرالمؤمنين عثمان ذكر أن شرذمة من أهل مصر والعراق نزلوا بساحته، فدعاهم إلى الحقّ فلم يجيبوا، فكتب إليّ أن أبعث إليه منكم ذوي الرأي والدين والصلاح، لعلّ اللَّه أن يدفع عنه ظلم الظالمين وعدوان المعتدين فلم يجيبوه إلى الخروج.

ص: 228


1- اللغط: صوت وضجة لا يفهم معناها. (النهاية: 4/257).

ثمّ إنه قيل لعلي عليه السلام: إنّ عثمان قد منع الماء، فأمر بالروايا فعكمت(1)، وجاء للناس علي عليه السلام فصاح بهم صيحة فانفرجوا، فدخلت الروايا، فلما رأى علي عليه السلام اجتماع الناس دخل على طلحة بن عبيداللَّه وهو متكئ على وسائد، فقال: إنّ هذا الرجل مقتول فامنعوه، فقال: أما واللَّه دون أن تعطي بنو أُمية الحقّ من أنفسها(2).

وفي شرح المعتزلي عن الطبري عن عبداللَّه بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال: دخلت على عثمان فأخذ بيدي فأسمعني كلام من على بابه من الناس فمنهم من يقول: ما تنتظرون به، ومنهم من يقول: لا تعجلوا فعساه ينزع ويراجع، فبينا نحن إذ مرّ طلحة فقام إليه ابن عديس البلوي فناجاه ثمّ رجع ابن عديس فقال لأصحابه: لا تتركوا أحدا يدخل إلى عثمان ولا يخرج من عنده، قال لي عثمان هذا ما أمر به طلحة، اللهم اكفني طلحة فإنّه حمل هؤلاء القوم وأكبّهم علي، واللَّه إني لأرجو أن يكون منها صفرا وأن يسفك دمه قال فأردت أن أخرج فمنعوني حتّى أمرهم محمّد بن أبي بكر فتركوني أخرج(3).

قال الطبري: فلمّا طال الأمر وعلم المصريّون أنّهم قد أجرموا إليه جرما كجرم القتل وأنّه لا فرق بين قتله وبين ما أتوا إليه وخافوا على نفوسهم من تركه حيّاً راموا الدخول عليه من باب داره، فأغلقوا الباب، وقام رجل من أسلم يقال له: نيار بن عياض وكان من الصحابة فنادى عثمان وأمره أن يخلع نفسه، فبينا هو يناشده ويسومه خلع نفسه رماه كثير بن الصلت الكندي وكان من أصحاب عثمان من أهل الدار بسهم فقتله.

ص: 229


1- عكم الشي ء: شده.
2- الأمالي للطوسي: 712، م 43، ح 1؛ بحار الأنوار: 31/485، ح 8.
3- تاريخ الطبري: 3/411، سنة 35؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/155.

فصاح المصريون وغيرهم عند ذلك: ادفعوا إلينا قاتل ابن عياض لنقتله به، فقال عثمان: لم أكن لأدفع إليكم رجلا نصرني وأنتم تريدون قتلي، فثاروا إلى الباب فأغلق دونهم فجاؤوا بنار فأحرقوه وأحرقوا السقيفة التي عليه.

وخرج مروان بسيفه يجالد الناس فضربه رجل من بني ليث على رقبته فأثبته(1) وقطع إحدى علباويه(2) فعاش مروان بعد ذلك أوقص(3).

وقتل المغيرة بن الأخنس وهو يحامي عن عثمان بالسيف.

واقتحم القوم الدار ودخل كثير منهم الدور المجاورة لها وتسوروا من دار عمرو بن حزم إليها حتّى ملئوها وغلب الناس على عثمان وندبوا رجلاً لقتله، فدخل إليه البيت فقال له: اخلعها وندعك فقال: ويحك واللَّه ما كشفت عن امرأة في جاهلية ولا إسلام ولا تعينت(4) ولا تمنيت ولا وضعت يميني على عورتي منذ بايعت رسول اللَّه ولست بخالع قميصا كسانيه اللَّه حتّى يكرم أهل السعادة ويهين أهل الشقاوة.

فخرج عنه فقالوا له: ما صنعت؟ قال: إني لم أستحل قتله فأدخلوا إليه رجلا من الصحابة فقال له: لست بصاحبي إن النبي صلى الله عليه وآله دعا لك أن يحفظك يوم كذا ولن تضيع فرجع عنه.

ص: 230


1- أثبته: جعله ثابتا في مكانه لا يتحرك من أثر الجراحة.
2- علباوان: مثنى علباء؛ وهي عصب العنق.
3- الوقص: قصر العنق.
4- تعين الرجل: تأني ليصيب شيئاً بعينه.

فأدخلوا إليه رجلا من قريش فقال له: إن رسول اللَّه استغفر لك يوم كذا فلن تقارف دما حراما فرجع عنه.

فدخل عليه محمّد بن أبي بكر وفي رواية الواقدي انّه أوّل من دخل عليه فقال له عثمان: ويحك أعَلَى اللَّه تغضب هل لي إليك جرم إلّا أنّي أخذت حق اللَّه منك، فأخذ محمد بلحيته وقال: أخزاك اللَّه يا نعثل(1)، قال: لست بنعثل، لكنّي عثمان وأميرالمؤمنين، فقال: ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان، فقال عثمان: يا ابن أخي دعها من يدك فما كان أبوك ليقبض عليها، فقال: لو عملت ما عملت في حياة أبي لقبض عليها والذي أريد بك أشد من قبضي عليها فقال: أستنصر اللَّه عليك وأستعين به فتركه وخرج.

وقيل: بل طعن جبينه بمشقص(2) كان في يده فثار سودان بن حمران وأبو حرب الغافقي وقتيرة بن وهب السكسكي فضربه الغافقي بعمود كان في يده وضرب المصحف برجله وكان في حجره فنزل بين يديه وسال عليه الدم، وجاء سودان ليضربه بالسيف فأكبت عليه امرأته نائلة واتقت السيف بيدها وهي تصرخ فنفح أصابعها فأطنها(3) فولت فغمز بعضهم أوراكها وقال: إنها لكبيرة العجز وضرب سودان عثمان فقتله.

وقيل: بل قتله كنانة بن بشر التجيبي، وقيل بل قتيرة بن وهب، ودخل غلمان عثمان ومواليه فضرب أحدهم عنق سودان فقتله، فوثب قتيرة بن وهب على ذلك الغلام فقتله، فوثب غلام آخر على قتيرة فقتله، ونهبت دار عثمان وأخذ ما على نسائه وما كان في بيت المال.

ص: 231


1- نعثل: رجل من أهل مصر كان طويل اللحية؛ قيل: إنّه كان يشبه عثمان، هذا قول أبي عبيد، وشاتمو عثمان يسمونه نعثلاً (لسان العرب: 11/670).
2- المشقص، كمنبر: نصل عريض.
3- اطنها: قطعها.

وكان فيه غرارتان دراهم ووثب عمرو بن الحمق على صدر عثمان وبه رمق فطعنه تسع طعنات وقال: أمّا ثلاث منها فإنّي طعنتهن للَّه تعالى وأما ست منها فلما كان في صدري عليه وأرادوا قطع رأسه فوقعت عليه زوجتاه فصحن وضربن الوجوه فقال ابن عديس: اتركوه.

وأقبل عمير بن الصبائي فوثب عليه فكسر ضلعين من أضلاعه وقال له سجنت أبي حتّى مات في السجن.

وكان قتله يوم الثامن عشر من ذي الحجة من سنة خمسين وثلاثين، وكان عمره ستّاً وثمانين سنة ودفن في حش كوكب(1) بعد ثلاثة أيّام باذن عليّ عليه السلام(2).

ص: 232


1- اسم يهودي كان بالمدينة.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/155.

بسم الله الرحمن الرحیم

31 - ومن كلام له عليه السلام لابن عبّاس لمّا أرسله إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل:

اشارة

لا تَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ يَرْكَبُ الصَّعْبَ وَيَقُولُ هُوَ الذَّلُولُ وَلَكِنِ الْقَ الزُّبَيْرَ فَإِنَّهُ أَلْيَنُ عَرِيكَةً فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ ابْنُ خَالِكَ: عَرَفْتَنِي بِالْحِجَازِ وَأَنْكَرْتَنِي بِالْعِرَاقِ فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا؟

ومن كلام له عليه السلام لابن عبّاس لمّا أرسله إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل

روى الزبير بن بكار في الموفقيّات(1) قال: لمّا سار علي عليه السلام إلى البصرة بعث ابن عبّاس فقال ائت الزبير فاقرأ عليه السلام وقل: له يا أبا عبداللَّه كيف عرفتنا بالمدينة وأنكرتنا بالبصرة؟ فقال ابن عباس: أفلا آتي طلحة؟ قال: لا إذن تجده عاقصا قرنه في حزن يقول هذا سهل.

قال: فأتيت الزبير فوجدته في بيت يتروح في يوم حار وعبداللَّه ابنه عنده فقال مرحبا بك يا ابن لبابة أجئت زائرا أم سفيرا؟ قلت: كلا، إنّ ابن خالك يقرأ عليك

ص: 233


1- كتاب الموفقيات في الأخبار؛ ألفه الزبير بن بكار للموفق باللَّه؛ وكان الزبير بن بكار علّامة نسّابة أخباريّا؛ وكتبه في الأنساب عليها الاعتماد. توفّي سنة 256. معجم الأدباء 11: 161.

السلام ويقول لك يا أبا عبداللَّه كيف عرفتنا بالمدينة وأنكرتنا بالبصرة؟ فقال:

علقتهم أني خلقت عصبه * قتادة تعلقت بنشبه(1).

لن أدعهم حتى أؤلف بينهم فقال لم أقله(2).

وروي عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه عليهم السلام قال: «سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ تِلْكَ الرِّسَالَةِ؟ فَقَالَ: بَعَثَنِي فَأَتَيْتُ الزُّبَيْرَ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ مَا تُرِيدُ

ص: 234


1- وفي حديث الزبير بن العوام لما أقبل نحو البصرة وسئل عن وجهه فقال: علقتهم أني خلقت عصبه * قتادة ملوية بنشبه قال شمر : و بلغنی ان بعض العرب قال : غلبتهم انی خاقت عصبه * قتاده ملویة بنشبه قال: والعصبه نبات یلتوی علی الشجر؛ وهو اللبلاب والنشبه من الرجال : الذی اذا علق بشیء لم یکد یفارقه. ویقال للرجال الشدید المراس : قتادة لویت بعصبه والمعنی : خلقت عصبه للخصوصی فوض العصبه موضع العلقه ثم شبه نفسه فی تعلقه و تشبثه بهم بالقتاده اذا استظهرت فی تعلقها و استمسک بنشبه . ای شدید النشوب (لسان العرب : 608/1)
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/169 - 170.

كَأَنَّهُ يَقُولُ الْمُلْكَ وَلَمْ يَزِدْنِي عَلَى ذَلِكَ فَرَجَعْتُ إِلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ فَأَخْبَرْتُهُ»(1).

وروى محمّد بن إسحاق الكلبيّ، عن ابن عباس قال: قلت الكلمة للزبير، فلم يزدني على أن قال: قل له:

إنا مع الخوف الشديد لنطمع.

وسئل ابن عبّاس عمّا يعني بقوله هذا، فقال: يقول: إنّا على الخوف لنطمع أن نلي من الأمر ما وليتم.

وقال قوم: أراد إنّا مع الخوف من اللَّه لنطمع أن يغفر لنا هذا الذنب(2).

ورواه الجاحظ في بيانه: قال عبداللَّه بن مصعب: أرسل عليّ عليه السلام لمّا قدم البصرة ابن عبّاس وقال له: ايت الزبير ولا تأت طلحة، فإنّ الزبير ألين، وانّك تجد طلحة كالثور عاقصاً قرنه يركب الصعوبة ويقول هي السهل، فأقرئه السلام وقل له: يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق، فما عدا ممّا بدا لك.

قال: فأتيت الزبير، فقال: مرحبا بابن لبابة، أزارئراً أم سفيراً؟ قلت: كلّ ذلك. وأبلغته ما قال عليّ عليه السلام، فقال الزبير: أبلغه السلام وقل له: بيننا وبينك عهد خليفة ودم خليفة واجتماع ثلاثة وانفراد واحد وام مبرورة ومشاورة العشيرة ونشر المصاحف، فنحلّ ما أحلّت ونحرّم ما حرّمت(3).

لا تَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ

عن مثالب هشام الكلبي - كما في الطرائف - : كانت لامّه صعبة راية بمكّة

ص: 235


1- بحار الأنوار: 32/76/ ذ ح 49؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/165، ح 1.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/165.
3- البيان والتبيين: 3/151.

واستبضعت بأبي سفيان فوقع عليها وتزوّجها عبيداللَّه بن عثمان بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم، فجاءت بطلحة لستّة أشهر، فاختصم أبو سفيان وعبيداللَّه في طلحة، فجعلا أمرهما إلى امّه فالحقته بعبيداللَّه، فقيل لها: كيف تركت أبا سفيان؟ فقالت: يد عبيداللَّه طلقة ويد أبي سفيان كزّة.

فقال حسّان:

فيا عجبا من عبد شمس وتركها * أخاها زنا بابعد ريش القوادم

وكان أبوه يلعب به ويتخنث(1).

فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ

شاة عقصاء إذا كانت منقلبة القرن(2).

وفي الأساس: في قرن الشاة عقص أي التواء، وهي عقصاء القرن(3). هذا.

وفي ميزان الذهبي في ثور بن يزيد الذي كان يرى القدر: حكى عن ابن أبي رواد أنّه كان يقول إذا أتاه من يريد الشام: «إنّ بها ثورا فاحذر لا ينطحك بقرنيه». وسئل سفيان عنه فقال: خذوا عنه واتّقوا قرنيه(4).

يَرْكَبُ الصَّعْبَ وَيَقُولُ هُوَ الذَّلُولُ

قال ابن قتيبة: كلّم عليّ طلحة والزبير قبل القتال، فقال لهما: استحلفا عايشة

ص: 236


1- الطرائف: 2/495 - 496.
2- جمهرة اللغة: 2/1172.
3- أساس البلاغة للزمخشري: 646.
4- ميزان الإعتدال: 1/374.

بحقّ اللَّه وبحقّ رسوله عليها أربع خصال أن تصدق فيها: هل تعلم رجلاً من قريش أولى منّي باللَّه ورسوله وإسلامي قبل كافّة الناس أجمعين، وكفايتي رسول اللَّه كفّار العرب بسيفي ورمحي وعلى أنّي لم أستكره أحداً على بيعة وعلى أنّي ألم أكن أحسن قولاً منكما في عثمان فأجابه طلحة جواباً غليظاً، ورقّ له الزبير. ثمّ رجع عليّ عليه السلام إلى أصحابه فقالوا: بِمَ كلمت الرجلين؟ فقال عليه السلام: إنّ شأنهما لمختلف، أمّا الزبير فقاده اللحاج ولن يقاتلكم، وأمّا طلحة فسألته عن الحقّ فأجابني بالباطل، ولقيته باليقين ولقيني بالشكّ، فواللَّه ما نفعه حقّي ولا ضرّني باطله، مقتول غداً في الرعيل الأوّل(1).

وقد وصفه عمر لمّا عيّنه للشورى مع عيبه فقال: أمّا أنّي أعرفك منذ اصيبت إصبعك يوم أُحد بالبأو(2) الذي حدث لك، ولد بات النبيّ صلى الله عليه وآله ساخطاً عليك للكلمة التي قلتها يوم انزلت آية الحجاب(3).

قال الحاجظ: أشار عمر إلى أنّ طلحة لمّا انزلت آية الحجاب، قال بمحضر ممّن نقل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله: ما الذي يغنيه حجابهنّ اليوم وسيموت غداً فننكحهنّ(4).

وفي المروج: سار أهل الجمل في ستمائة راكب نحو البصرة، فانتهوا في الليل إلى ماء لبني كلاب يعرف بالحوأب، فنبحت كلابهم على الركب، فقالت عائشة: ما اسم هذا الموضع؟ فقال سائق جملها: الحوأب، فاسترجعت وذكرت ما قيل لها في ذلك، فقالت: ردّوني، فقال ابن الزبير: واللَّه ما هذا بحوأب، ولقد غلط فيما أخبرك

ص: 237


1- الإمامة والسياسة (تحقيق الزيني): 1/67.
2- البأو: الكبر والفخر. ونقل صاحب اللسان عن الفقهاء: «في طلحة بأواء».
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/185.
4- شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد: 1/186.

به. وكان طلحة في ساقة الناس فلحقها فأقسم أن ذلك ليس بالحوأب، وشهد معها خمسون، فكان ذلك أوّل شهادة زور اقيمت في الإسلام(1).

وَلَكِنِ الْقَ الزُّبَيْرَ فَإِنَّهُ أَلْيَنُ عَرِيكَةً

أي: طبيعة.

قال قتادة: سار عليّ عليه السلام من الزاوية يريد طلحة والزبير وعائشة، وساروا من الفرضة يريدون عليّاًعليه السلام، فالتقوا عند موضع قصر عبيداللَّه بن زياد في النصف من جمادي الآخرة سنة (36)، فلمّا ترائى الجمعان خرج الزبير على فرس عليه سلاح، فقيل لعليّ عليه السلام: هذا الزبير، أما إنّه أحرى الرجلين إن ذكر باللَّه أن يذكر، وخرج طلحة فخرج إليهما عليّ عليه السلام فدنا منهم حتّى اختلفت أعناق دوابهم فقال عليّ عليه السلام لهما: لعمري لقد أعددتما سلاحاً وخيلاً ورجالاً، إن كنتما أعددتما عند اللَّه عذراً فاتّقيا اللَّه سبحانه ولا تكونا «وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ»(2)، ألم أكن أخاكما في دينكما تحرمان دمي واحرم دماءكما فهل من حدث أحل لكما دمي. قال طلحة: ألّبت الناس على عثمان. فقال له عليّ عليه السلام: «يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ»(3)، يا طلحة تطلب بدم عثمان فلعن اللَّه قتلة عثمان. يا زبير أتذكر يوم مررت مع النبيّ صلى الله عليه وآله في بني غنم فنظر إليّ النبيّ صلى الله عليه وآله وضحك وضحكت إليه، فقلت

ص: 238


1- مروج الذهب: 2/357.
2- سورة النمل: 92.
3- سورة النور: 25.

أنت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه. فقال لك النبيّ صلى الله عليه وآله: صه، إنّه ليس به زهو، ولتقاتلنّه وأنت له ظالم فقال: اللهمّ نعم، ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا، واللَّه لا اقاتلك أبداً.

فانصرف عليّ عليه السلام إلى أصحابه فقال: أمّا الزبير فقد أعطى اللَّه عهداً ألّا يقاتلكم، فرجع الزبير إلى عائشة فقال: ما كنت في موطن منذ عقلت إلّا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا. قالت: فما تريد أن تصنع؟ قال: أريد أن أدعهم وأذهب. فقال له ابنه: جمعت بين هذين الغارين، حتّى إذا حدّد بعهضم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب، أحسست رايات ابن أبي طالب، وعلمت أنّها تحملها فتية أنجاد. قال: إنّي حلفت ألّا أقاتله - وأحفظه ما قال ابنه له - كفّر عن يمينك وقاتل. فدعا بغلام يقال له مكحول فأعتقه.

فقال عبدالرحمن التميمي:

لم أر كاليوم أخا إخوان * أعجب من مكفّر الأيمان

بالعتق في معصية الرحمن(1)

قال المحقّق التستري رحمه الله: قوله عليه السلام في الخبر: يا طلحة تطلب بدم عثمان فلعن اللَّه قتلة عثمان أراد: (منّي ومنكم يا طلحة والزبير وعايشة) فلعنهم اللَّه بما لا يستطيعون إنكاراً ولا اعتراضا، لا إنّه لعن جميع قتلته، كما لا يخفى(2).

وقد وصفه عمر يوم الشورى بقوله له: أمّا أنت يا زبير فوعق لقس(3)، مؤمن

ص: 239


1- تاريخ الطبري: 3/513.
2- بهج الصباغة: 10/37.
3- الوعق: الضجر المتبرم، واللقس: من لا يستقيم على وجه.

الرضا، كافر الغضب، يوما إنسان، ويوما شيطان، ولعلّها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير. أفرأيت إن أفضت إليك فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطانا إماماً، ومن يكون يوم تغضب إماماً(1).

وقال الشارح المعتزلي: برز علي عليه السلام بين الصفين حاسرا وقال ليبرز إلي الزبير فبرز إليه مدججا فقيل لعائشة قد برز الزبير إلى علي عليه السلام فصاحت وا زبيراه فقيل لها: لا بأس عليه منه إنه حاسر والزبير دارع(2) فقال له: ما حملك يا أبا عبداللَّه على ما صنعت؟ قال: أطلب بدم عثمان قال: «أنت وطلحة وليتماه وإنّما نوبتك من ذلك أن تقيد به نفسك وتسلّمها إلى ورثته». ثم قال: «نشدتك اللَّه أتذكر يوم مررت بي ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله متكئ على يدك وهو جاء من بني عمرو بن عوف فسلّم عليّ وضحك في وجهي فضحكت إليه لم أزده على ذلك فقلت لا يترك ابن أبي طالب يا رسول اللَّه زهوه فقال لك: مه إنه ليس بذي زهو أما إنك ستقاتله وأنت له ظالم» فاسترجع الزبير وقال: لقد كان ذلك ولكن الدهر أنسانيه ولأنصرفنّ عنك فرجع فأعتق عبده سرجس تحللا (محللا ن ل) من يمين لزمته في القتال ثمّ أتى عائشة فقال لها: إنّي ما وقفت موقفا قطّ ولا شهدت حربا إلّا ولي فيه رأي وبصيرة إلّا هذه الحرب وإنّي لعلى شكّ من أمري وما أكاد أبصر موضع قدمي. فقالت له: يا أبا عبداللَّه أظنّك فرقت سيوف ابن أبي طالب إنها واللَّه سيوف حداد معدة للجلاد تحملها فئة أنجاد ولئن فرقتها لقد فرقها الرجال قبلك، قال: كلّا ولكنّه ما قلت لك ثم انصرف(3).

ص: 240


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 1/185.
2- الحاسر: من لا درع له ولا جنة، والدارع: لابس الدرع.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/167.

وروى فروة بن الحارث التميمي قال: كنت فيمن اعتزل عن الحرب بوادي السباع(1) مع الأحنف بن قيس وخرج ابن عمّ لي يقال له الجون مع عسكر البصرة فنهيته فقال: لا أرغب بنفسي عن نصرة أُمّ المؤمنين وحواري رسول اللَّه فخرج معهم وإنّي لجالس مع الأحنف يستنبئ الأخبار إذا بالجون بن قتادة ابن عمّي مقبلا فقمت إليه واعتنقته وسألته عن الخبر فقال: أخبرك العجب خرجت وأنا لا أريد أن أبرح الحرب حتّى يحكم اللَّه بين الفريقين فبينا أنا واقف مع الزبير إذ جاءه رجل فقال أبشر أيّها الأمير فإنّ عليّاً لمّا رأى ما أعد اللَّه له من هذا الجمع نكص على عقبيه وتفرّق عنه أصحابه وأتاه آخر فقال له مثل ذلك فقال الزبير ويحكم أبو حسن يرجع واللَّه لو لم يجد إلّا العرفج لدب إلينا فيه ثمّ أقبل رجل آخر فقال: أيها الأمير إنّ نفراً من أصحاب عليّ فارقوه ليدخلوا معنا منهم عمّار بن ياسر فقال الزبير: كلّا وربّ الكعبة إنّ عمّارا لا يفارقه أبدا فقال الرجل: بلى واللَّه مرارا فلمّا رأى الزبير أن الرجل ليس براجع عن قوله بعث معه رجلا آخر وقال: اذهبا فانظرا فعادا وقالا: إن عمارا قد أتاك رسولا من عند صاحبه قال جون: فسمعت واللَّه الزبير يقول: وا انقطاع ظهراه وا جدع أنفاه وا سواد وجهاه ويكرّر ذلك مرارا ثمّ أخذته رعدة شديدة فقلت: واللَّه إن الزبير ليس بجبان وإنّه لمن فرسان قريش المذكورين وإنّ لهذا الكلام لشأنا ولا أريد أن أشهد مشهدا يقول أميره هذه المقالة فرجعت إليكم(2).

ص: 241


1- وادي السابع: موضع بين البصرة ومكّة.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/167.

فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ ابْنُ خَالِكَ

كان عليه السلام كالنبيّ عليه السلام ابن خال الزبير لأبيه، فكانت صفيّة أُمّ الزبير من أُمّ حمزة دون أبي طالب وعبداللَّه، وكان الزبير يعدّ أوّلا من الهاشميّين من قبل أُمّه - وإن كان أسدياً أبا - لكونه معه عليه السلام يوم السقيفة حتّى نشأ ابنه عبداللَّه المبغض له عليه السلام من قبل أُمّه أسماء بنت أبي بكر.

وروى أبو مخنف: أنّ أبا الأسود أتى الزبير في الجمل فقال له: عهد الناس بك يوم بويع أبوبكر آخذ بقائم سيفك تقول: لا أحد أولى بهذا الأمر من ابن أبي طالب، وأين هذا المقام من ذاك فذكر له الزبير دم عثمان، فقال له أبو الأسود: أنت وصاحبك ولّيتماه فيما بلغنا. فقال له: فاذهب إلى طلحة فاسمع ما يقول لك. فذهب إليه فوجدوه سادراً في غيّه مصرّاً على الحرب والفتنة(1).

عبّرعليه السلام بقوله: «ابن خالك» استعطافاً، فقالوا نظير قول هارون «قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ»(2).

عَرَفْتَنِي بِالْحِجَازِ وَأَنْكَرْتَنِي بِالْعِرَاقِ

حيث بايعه بالحجاز ونصب له الحرب بالعراق.

هذا وقال البحتري في عتاب ابن بسطام:

فكنّا بالشام أخال خيرا * لرعي الودّ منّا بالعراق

وهجا بعض الشعراء المازني فقال:

ص: 242


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/226.
2- سورة طه: 94.

وفتى من مازن ساد أهل البصر

أُمّه معرفة وأبوه نكره(1)

وفي الأغاني: استأذن أبو العتاهيّة على عمرو بن مسعدة فحجب، فكتب إليه أبياتاً منها:

قد كان وجهي لديك معرفة

فاليوم أضحى حرفاً من النكرة(2)

فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا

أي: جاوز.

«ممّا بدا» أي: ابتدأت به إن كان الأصل فيه الهمز، أو ظهر لك أوّلاً إن كان معتلا.

وروى أنّه عليه السلام أرسل ابن عبّاس إلى عايشة وقال له قل لها: «إنّك كنت أشدّ الناس على عثمان، فما عدا ممّا بدا»(3).

وروى أنّ عرار بن أدهم الشامي لمّا دعا في صفّين العبّاس بن ربيعة الهاشمي إلى البراز، فبرز إليه وضربه ضربة خرّ لوجهه وكبّر الناس تكبيرة ارتجّت لها الأرض، سأل عليه السلام عن المبارز فقيل له: العبّاس بن ربيعة ابن أخيكم. فقال عليه السلام له: «ألم أنهك وابن عبّاس أن تخلا بمركز كما أو تباشرا حرباً فما عدا ممّا بدا» قال العبّاس: فادعى إلى البراز فلا اجيب(4)؟

ص: 243


1- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: 4/154.
2- الأغاني: 4/274.
3- الجمل للمفيدرحمه الله: 316.
4- عيون الأخبار لابن قتيبة: 1/275.

بسم الله الرحمن الرحیم

32 - ومن خطبة له عليه السلام:

اشارة

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا فِي دَهْرٍ عَنُودٍ وَزَمَنٍ كَنُودٍ يُعَدُّ فِيهِ الْمُحْسِنُ مُسِيئاً وَيَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً لا نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا وَلا نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا وَلا نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً حَتَّى تَحُلَّ بِنَا.

فَالنَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ مِنْهُمْ مَنْ لا يَمْنَعُهُ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِلّا مَهَانَةُ نَفْسِهِ وَكَلالَةُ حَدِّهِ وَنَضِيضُ وَفْرِهِ وَمِنْهُمْ الْمُصْلِتُ لِسَيْفِهِ وَالْمُعْلِنُ بِشَرِّهِ وَالْمُجْلِبُ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ وَأَوْبَقَ دِينَهُ لِحُطَامٍ يَنْتَهِزُهُ أَوْ مِقْنَبٍ يَقُودُهُ أَوْ مِنْبَرٍ يَفْرَعُهُ وَلَبِئْسَ الْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً وَمِمَّا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ عِوَضاً وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَلا يَطْلُبُ الْآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا قَدْ طَامَنَ مِنْ شَخْصِهِ وَقَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْأَمَانَةِ وَاتَّخَذَ سِتْرَ اللَّهِ ذَرِيعَةً إِلَى الْمَعْصِيَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُلْكِ ضُئُولَةُ نَفْسِهِ وَانْقِطَاعُ سَبَبِهِ فَقَصَرَتْهُ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ فَتَحَلَّى بِاسْمِ الْقَنَاعَةِ وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَرَاحٍ وَلا مَغْدًى.

وَبَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ وَأَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْمَحْشَرِ فَهُمْ بَيْنَ شَرِيدٍ نَادٍّ وَخَائِفٍ مَقْمُوعٍ وَسَاكِتٍ مَكْعُومٍ وَدَاعٍ مُخْلِصٍ وَثَكْلانَ مُوجَعٍ قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ التَّقِيَّةُ وَشَمِلَتْهُمُ الذِّلَّةُ فَهُمْ فِي بَحْرٍ أُجَاجٍ أَفْوَاهُهُمْ ضَامِزَةٌ

ص: 244

وَقُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ قَدْ وَعَظُوا حَتَّى مَلُّوا وَقُهِرُوا حَتَّى ذَلُّوا وَقُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا.

فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِكُمْ أَصْغَرَ مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ وَقُرَاضَةِ الْجَلَمِ وَاتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ وَارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ.

قال المصنّف: هذه الخطبة ربما نسبها من لا علم له إلى معاوية وهي من كلام أمير المؤمنين عليه السلام الذي لا يشك فيه وأين الذهب من الرغام؟ وأين العذب من الأجاج؟ وقد دل على ذلك الدليل الخريت ونقده الناقد البصير عمرو بن بحر الجاحظ فإنه ذكر هذه الخطبة في كتاب البيان والتبيين وذكر من نسبها إلى معاوية ثم قال: هي بكلام علي عليه السلام أشبه وبمذهبه في تصنيف الناس وبالإخبار عما هم عليه من القهر والإذلال ومن التقية والخوف أليق قال: ومتى وجدنا معاوية في حال من الأحوال يسلك في كلامه مسلك الزهاد ومذاهب العباد؟

أَصْبَحْنَا فِي دَهْرٍ عَنُودٍ

عند عن الطريق: عدل. لابن لنكك البصري:

نحن واللَّه في زمان غشوم * لو رأيناه في المنام فزعنا

يصبح الناس فيه من سوء حال * حقّ من مات منهم أن يهنّا(1)

عن الريّان بن الصلت قال: أنشدني الرضاعليه السلام لعبد المطلب:

يعيب الناس كلّهم زمانا * وما لزماننا عيب سوانا

ص: 245


1- معجم الأدباء (ياقوت الحموي): 19/7.

نعيب زماننا والعيب فينا * ولو نطق الزمان بنا هجانا

وإنّ الذئب يترك لحم ذئب * ويأكل بعضنا بعضاً عيانا(1)

وَزَمَنٍ كَنُودٍ

رجل كنود: كافر النعمة، وأرض كنود: لا تنبت شيئا. لابن لنكك البصري:

يا زمانا ألبس الأحرار ذلّا ومهانة

لست عندي بزمان إنّما أنت زمانه(2)

يُعَدُّ فِيهِ الْمُحْسِنُ مُسِيئاً

قال تعالى: «الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ»(3) الآية.

وقال تعالى: «فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ»(4).

وقال تعالى: «فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ»(5) الآية

ص: 246


1- عيون أخبار الرضاعليه السلام: 2/177، ح 5؛ بحار الأنوار: 49/111، ح 8.
2- معجم الأدباء (ياقوت الحموي): 19/9.
3- سورة التوبة: 79.
4- سورة النمل: 56.
5- سورة هود: 27.

وَيَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً

قال تعالى: «وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً»(1).

لا نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا

قال تعالى: «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً»(2) الآية.

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «الْعِلْمُ مَقْرُونٌ إِلَى الْعَمَلِ فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ وَمَنْ عَمِلَ عَلِمَ وَالْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلّا ارْتَحَلَ عَنْهُ»(3).

جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَسَأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ فَأَجَابَ ثُمَّ عَادَ لِيَسْأَلَ عَنْ مِثْلِهَا فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: «مَكْتُوبٌ فِي الْإِنْجِيلِ لا تَطْلُبُوا عِلْمَ مَا لا تَعْلَمُونَ وَلَمَّا تَعْمَلُوا بِمَا عَلِمْتُمْ فَإِنَّ الْعِلْمَ إِذَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ لَمْ يَزْدَدْ صَاحِبُهُ إِلّا كُفْراً وَلَمْ يَزْدَدْ مِنَ اللَّهِ إِلّا بُعْداً»(4).

قال أميرالمؤمنين عليه السلام: «إِنَّ الْعَالِمَ الْعَامِلَ بِغَيْرِهِ كَالْجَاهِلِ الْحَائِرِ الَّذِي لا يَسْتَفِيقُ عَنْ جَهْلِهِ بَلْ قَدْ رَأَيْتُ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ أَعْظَم»(5).

عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت أميرالمؤمنين عليه السلام يحدّث عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال في كلام له: «الْعُلَمَاءُ رَجُلانِ رَجُلٌ عَالِمٌ آخِذٌ بِعِلْمِهِ فَهَذَا نَاجٍ وَعَالِمٌ تَارِكٌ

ص: 247


1- سورة الإسراء: 60.
2- سورة الجمعة: 5.
3- الكافي: 1/44، ح 2؛ بحار الأنوار: 2/40، ح 71.
4- منية المريد: 146؛ بحار الأنوار: 14/319، ح 19.
5- الكافي (ط - الاسلامية): 1/45، ح 6؛ بحار الأنوار: 2/39، ح 69.

لِعِلْمِهِ فَهَذَا هَالِكٌ وَإِنَّ أَهْلَ النَّارِ لَيَتَأَذَّوْنَ مِنْ رِيحِ الْعَالِمِ التَّارِكِ لِعِلْمِهِ وَإِنَّ أَشَدَّ (الناس) أَهْلِ النَّارِ نَدَامَةً وَحَسْرَةً رَجُلٌ دَعَا عَبْداً إِلَى اللَّهِ فَاسْتَجَابَ لَهُ وَقَبِلَ مِنْهُ فَأَطَاعَ اللَّهَ فَأَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَأَدْخَلَ الدَّاعِيَ النَّارَ بِتَرْكِهِ عِلْمَهُ وَاتِّبَاعِهِ الْهَوَى»(1).

قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «إِنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُحِبُّ أَنْ يَخْزُنَ عِلْمَهُ وَلا يُؤْخَذَ عَنْهُ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الْأَوَّلِ مِنَ النَّارِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ إِذَا وُعِظَ أنفَ(2) وَإِذَا وَعَظَ عَنَّفَ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الثَّانِي مِنَ النَّارِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَرَى أَنْ يَضَعَ الْعِلْمَ عِنْدَ ذَوِي الثَّرْوَةِ وَالشَّرَفِ وَلا يَرَى لَهُ فِي الْمَسَاكِينِ وَضْعاً فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الثَّالِثِ مِنَ النَّارِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَذْهَبُ فِي عِلْمِهِ مَذْهَبَ الْجَبَابِرَةِ وَالسَّلاطِينِ فَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ شَيْ ءٌ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ قُصِّرَ فِي شَيْ ءٍ مِنْ أَمْرِهِ غَضِبَ(3) فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الرَّابِعِ مِنَ النَّارِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَطْلُبُ أَحَادِيثَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِيَغْزُرَ بِهِ عِلْمُهُ وَيَكْثُرَ بِهِ حَدِيثُهُ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ الْخَامِسِ مِنَ النَّارِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ لِلْفُتْيَا وَيَقُولُ سَلُونِي وَلَعَلَّهُ لا يُصِيبُ حَرْفاً وَاحِداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُتَكَلِّفِينَ فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ السَّادِسِ مِنَ النَّارِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَتَّخِذُ عِلْمَهُ مُرُوءَةً وَعَقْلاً(4) فَذَاكَ فِي الدَّرْكِ السَّابِعِ مِنَ النَّارِ»(5).

عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: « قالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وآله: إِذَا ظَهَرَ الْعِلْمُ وَاحْتُرِزَ الْعَمَلُ وَائْتَلَفَتِ الْأَلْسُنُ وَاخْتَلَفَتِ الْقُلُوبُ وَتَقَاطَعَتِ الْأَرْحَامُ

ص: 248


1- الكافي: 1/44، ح 1؛ بحار الأنوار: 2/106، ح 2.
2- من إذا وعظ - على المجهول - أنف» أي استكبر عن قبول الوعظ «وإذا وعظ - على المعلوم - عنف» أي جاوز الحد، والعنف ضد الرفق.
3- أو قصر» على المجهول من باب التفعيل أي ان وقع التقصير من أحد في شي ء من أمره كالكرامة والاحسان إليه غضب.
4- يتخذ علمه مروءة وعقلا» أي يطلب العلم ويبذله ليعده الناس من أهل المروءة والعقل.
5- الخصال: 2/352، ح 33؛ بحار الأنوار: 2/108، ح 11.

هُنَالِكَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ»(1).

قال أميرالمؤمنين عليه السلام: «رُبَّ عَالِمٍ قَدْ قَتَلَهُ جَهْلُهُ وَعِلْمُهُ مَعَهُ لا يَنْفَعُهُ»(2).

وَلا نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا

قال تعالى: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(3).

قال الباقرعليه السلام: «أَلا إِنَّ مِفْتَاحَ الْعِلْمِ السُّؤَالُ وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

شِفَاءُ الْعَمَى طُولُ السُّؤَالِ وَإِنَّمَا

تَمَامُ الْعَمَى طُولُ السُّكُوتِ عَلَى الْجَهْل(4)

قال لي أبو عبداللَّه عليه السلام: «اغْدُ عَالِماً أَوْ مُتَعَلِّماً أَوْ أَحِبَّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَلا تَكُنْ رَابِعاً فَتَهْلِكَ بِبُغْضِهِمْ»(5).

عن مسعدة بن زياد قال: سمعت جعفر بن محمّدعليه السلام وقد سئل عن قوله تعالى:«فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ»(6) فقال: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: عَبْدِي أَكُنْتَ عَالِماً فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَهُ أَ فَلا عَمِلْتَ بِمَا عَلِمْتَ وَإِنْ قَالَ كُنْتُ جَاهِلاً قَالَ لَهُ أَ فَلا تَعَلَّمْتَ حَتَّى تَعْمَلَ فَيَخْصِمُه فَتِلْكَ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ»(7).

عن أميرالمؤمنين عليه السلام: «... وَإِنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ أَوْجَبُ عَلَيْكُمْ مِنْ طَلَبِ الْمَالِ إِنَّ

ص: 249


1- ثواب الأعمال: 242؛ بحار الأنوار: 2/109، ح 13.
2- نهج البلاغة (فيض الاسلام): الحكمة 104؛ بحار الأنوار: 2/110.
3- سورة الأنبياء: 7.
4- كفاية الأثر: 252؛ بحار الأنوار: 36/359، ح 228.
5- الكافي: 1/34، ح 3؛ بحار الأنوار: 1/194، ح 11.
6- سورة الأنعام: 149.
7- الأمالي للمفيد: 227، م 26/ج 6؛ بحار الأنوار: 1/177، ح 58.

الْمَالَ مَقْسُومٌ مَضْمُونٌ لَكُمْ قَدْ قَسَمَهُ عَادِلٌ بَيْنَكُمْ وَضَمِنَهُ وَسَيَفِي لَكُمْ وَالْعِلْمُ مَخْزُونٌ عِنْدَ أَهْلِهِ وَقَدْ أُمِرْتُمْ بِطَلَبِهِ مِنْ أَهْلِهِ(1) فَاطْلُبُوهُ»(2).

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله: أُفٍّ لِرَجُلٍ لا يُفَرِّغُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ لِأَمْرِ دِينِهِ فَيَتَعَاهَدُهُ وَيَسْأَلُ عَنْ دِينِه»(3).

عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ لَطَلَبُوهُ وَلَوْ بِسَفْكِ الْمُهَجِ وَخَوْضِ اللُّجَجِ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْحَى إِلَى دَانِيَالَ أَنَّ أَمْقَتَ عَبِيدِي إِلَيَّ الْجَاهِلُ الْمُسْتَخِفُّ بِحَقِّ أَهْلِ الْعِلْمِ التَّارِكُ لِلاقْتِدَاءِ بِهِمْ وَأَنَّ أَحَبَّ عَبِيدِي إِلَيَّ التَّقِيُّ الطَّالِبُ لِلثَّوَابِ الْجَزِيلِ اللّازِمُ لِلْعُلَمَاءِ التَّابِعُ لِلْحُلَمَاءِ الْقَابِلُ عَنِ الْحُكَمَاء»(4).

قال الإمام عليه السلام: «دَخَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقَالَ له أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام «يَا جَابِرُ قِوَامُ هَذِهِ الدُّنْيَا بِأَرْبَعَةٍ عَالِمٌ يَسْتَعْمِلُ عِلْمَهُ وَجَاهِلٌ لا يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَتَعَلَّمَ وَغَنِيٌّ جَوَادٌ بِمَعْرُوفِهِ وَفَقِيرٌ لا يَبِيعُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِه»(5).

عن النبيّ صلى الله عليه وآله: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عُتَقَاءِ اللَّهِ مِنَ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى الْمُتَعَلِّمِينَ فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ مُتَعَلِّمٍ يَخْتَلِفُ إِلَى بَابِ الْعَالِمِ إِلّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ عِبَادَةَ سَنَةٍ وَبَنَى اللَّهُ بِكُلِّ قَدَمٍ مَدِينَةً فِي الْجَنَّةِ وَيَمْشِي عَلَى الْأَرْض»(6) الحديث.

ص: 250


1- يعني الأنبياء والأئمّة عليهم السلام والعلماء الذين اخذوا منهم (آت).
2- الكافي (ط - الاسلامية): 1/30، ح 4؛ بحار الأنوار: 1/175، ح 41.
3- الكافي: 1/40، ح 5.
4- الكافي: 1/35، ح 5؛ بحار الأنوار: 1/185، ح 109.
5- تفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام: 402، ح 274؛ بحار الأنوار: 1/178، ح 59.
6- منية المريد: 100؛ بحار الأنوار: 1/184، ح 95.

وقوله صلى الله عليه وآله: «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ فَهُوَ كَالصَّائِمِ نَهَارَهُ الْقَائِمِ لَيْلَهُ وَإِنَّ بَاباً مِنَ الْعِلْمِ يَتَعَلَّمُهُ الرَّجُلُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبُو قُبَيْسٍ ذَهَباً فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»(1).

وقوله صلى الله عليه وآله: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُرِيدُ إِلّا لِيَتَعَلَّمَ خَيْراً أَوْ لِيُعَلِّمَهُ كَانَ لَهُ أَجْرُ مُعْتَمِرٍ تَامَّ الْعُمْرَة»(2) الحديث.

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «النَّاسُ يَغْدُونَ عَلَى ثَلاثَةٍ عَالِمٍ وَمُتَعَلِّمٍ وَغُثَاءٍ فَنَحْنُ الْعُلَمَاءُ وَشِيعَتُنَا الْمُتَعَلِّمُونَ وَسَائِرُ النَّاسِ غُثَاءٌ»(3).

وَلا نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً حَتَّى تَحُلَّ بِنَا

القارعة: الشديدة من الشدائد، ولذا سمّيت بها القيامة. وعن النبيّ صلى الله عليه وآله: «شيّبتني قوارع القرآن»(4).

وَالنَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ

المراد الناس المذمومون.

مِنْهُمْ مَنْ لا يَمْنَعُهُ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِلّا مَهَانَةُ نَفْسِهِ وَكَلالَةُ حَدِّهِ وَنَضِيضُ وَفْرِهِ وَمِنْهُمْ الْمُصْلِتُ لِسَيْفِهِ

ومهانة نفسه: حقارتها.

ص: 251


1- منية المريد: 100؛ بحار الأنوار: 1/184، ح 96.
2- منية المريد: 106؛ بحار الأنوار: 1/185، ح 105.
3- بصائر الدرجات: 1/8، ح 3؛ بحار الأنوار: 1/187، ح 1.
4- أساس البلاغة للزمخشري: 760.

قالوا: لمّا أرادوا البيعة لمروان بعد يزيد قام روح بن زنباع فقال: تذكرون عبداللَّه بن عمر وصحبته ولكنّه رجل ضعيف مهين وليس مثله بصاحب الأمة(1).

وَكَلالَةُ حَدِّهِ

من كلّ السيف: إذا لم يقطع.

وَنَضِيضُ وَفْرِهِ

من نضّ الماء: سال قليلاً قليلاً، وسقاء أوفر: لم ينقص من أديمه شي ء، وهذا الصنف هم الأكثرون من الناس، وفي طبعهم الفساد في الأرض، إلّا أنّ مهانة نفسه وقلّة ماله تمنعانه ممّا في باطنه، فان صار يوماً ذا مكنة ورياسة يظهر مكنونه ويعلم خبثه، كالحجّاج في أوّل أمره لما كان معلما بالطائف وآخره لما يلحق بعبدالملك(2).

قال تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ»(3).

وَمِنْهُمْ الْمُصْلِتُ لِسَيْفِهِ

أي: المجرّد له من غمده. خرج عبداللَّه بن عليّ على المنصور في أهل

ص: 252


1- تاريخ الطبري: 4/404، سنة 65.
2- بهج الصباغة: 8/148.
3- سورة البقرة: 204 - 205.

خراسان، فخشي من جيش العراق ألّا يناصحوه فأمر صاحب شرطته فقتل منهم نحواً من سبعة عشر ألفاً(1).

وقتل مصعب بن الزبير من المستسلمين من عسكر المختار سبعة آلاف صبراً، فقال له ابن عمر: أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة عش ما استطعت.

فقال مصعب: إنّهما كانوا كفرة سحرة - سمّوهم كفرة سحرة لمّا طالبوا بدم ابن بنت نبيّهم صلى الله عليه وآله - فقال له ابن عمر: واللَّه لو قتلت عدّتهم غنما من تراث أبيك لكان ذلك سرفا(2).

وَالْمُعْلِنُ بِشَرِّهِ

عن النبيّ صلى الله عليه وآله: «يا عليّ شرّ الناس من أكرمه الناس اتّقاء شرّه»(3).

وَالْمُجْلِبُ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ

والاجلاب كذلك كناية عن صرف غاية جهده، والخيل: الفرسان والرجل: الرجالة، قال تعالى في الشيطان: «وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ»(4) الآية.

ص: 253


1- البداية والنهاية لابن كثير: 10/66 - 67 وتاريخ الطبري: 6/124 سنة 137.
2- تاريخ الطبري: 4/574، سنة 67.
3- مكارم الأخلاق: 433؛ بحار الأنوار: 74/46.
4- سورة الإسراء: 64.

قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ

أي: أعذها وجعل لها علامة يعرفونه بها.

وَأَوْبَقَ دِينَهُ

أي: أهلكه.

لِحُطَامٍ يَنْتَهِزُهُ

أي: يغتنمه، والحطام: ما تكسّر من اليبس.

أَوْ مِقْنَبٍ يَقُودُهُ

المقنب: ما بين الثلاثين إلى الأربعين من الخيل(1).

عن ابن حاطب أنّه ذكر ابن الزبير فقال: طالما حرص على الامارة. أتى النبيّ صلى الله عليه وآله بلص فأمر بقتله، فقيل له: إنّه سرق. فقال: اقطعوه. ثمّ أتى به بعد إلى أبي بكر وقد سرق - وقد قطعت قوائمه - فقال: ما أجد لك شيئاً إلّا ما قضى فيك النبيّ يوم أمر بقتلك، فانّه كان أعلم بك، ثمّ أمر بقتله أغيلمة من أبناء المهاجرين أنا فيهم. فقال ابن الزبير: أمّروني عليكم فأمّرناه علينا ثمّ انطلقنا به فقتلناه(2).

أَوْ مِنْبَرٍ يَفْرَعُهُ

أي: يصعده، للفرزدق في فقيمي صار أميراً وكان أسود دميماً قصيراً:

ص: 254


1- لسان العرب: 1/690 «مادة قنب».
2- اسد الغابة: 1/322.

بكى المنبر الشرقي إذ قام فوقه * خطيب فقيميّ قصير الدوارج(1)

وفي ديوان البحتري في مدح المعتزّ وهجو المستعين:

بكى المنبر الشرقي إذ خار فوقه * على الناس ثور قد تدلّت غباغبه(2)

ولمّا ولّى سعيد بن العاص الكوفة بعد الوليد بن عقبة الذي صلّى الصبح أربعاً في سكره، أبى أن يصعد المنبر حتّى يغسل، وقال: إنّ الوليد كان رجساً نجسا(3).

وَلَبِئْسَ الْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً وَمِمَّا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ عِوَضاً

قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ»(4) الآية.

وقال تعالى: «بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ»(5) الآية.

وقال تعالى: «أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ»(6).

وقال تعالى: «مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً»(7).

ص: 255


1- البيان والتبيين للجاحظ: 353.
2- تاريخ الطبري: 7/497، سنة 252.
3- مروج الذهب: 2/336.
4- سورة التوبة: 111.
5- سورة البقرة: 90.
6- سورة البقرة: 84.
7- سورة الإسراء: 18 - 19.

وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَلا يَطْلُبُ الْآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «مَنْ أَرَادَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِالْقَلِيلِ مِنْ عَمَلِهِ أَظْهَرَ اللَّهُ لَهُ أَكْثَرَ مِمَّا أَرَادَ وَمَنْ أَرَادَ النَّاسَ بِالْكَثِيرِ مِنْ عَمَلِهِ فِي تَعَبٍ مِنْ بَدَنِهِ وَسَهَرٍ مِنْ لَيْلِهِ أَبَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلّا أَنْ يُقَلِّلَهُ فِي عَيْنِ مَنْ سَمِعَهُ»(1).

أظهر ابن الزبير الزهد في الدنيا والعبادة مع الحرص على الخلافة وقال: إنّما بطني شبر فما عسى أن يسع ذلك من الدنيا، وأنا العائذ بالبيت والمستجير بالرب، وكثرت أذيته لبني هاشم مع شحّه بالدنيا على سائر الناس، فقال أبو حرّة:

لو كان بطنك شبراً قد شبعت وقد * أفضلت فضلاً كثيراً للمساكين

فيا راكبا إما عرضت فبلغن * كبير بني العوام إن قيل من تعني

تخبّر من لاقيت أنّك عائذ * وتكثر قتلا بين زمزم والركن

وفيه يقول أيضاً الضحّاك بن فيروز الديلمي:

تخبّرنا أن سوف تكفيك فبضة * وبطنك شبر أو أقلّ من الشبر

وأنت إذا ما نلت شيئاً قضمته * كما قضمت نار الغضا حطب السدر(2)

قَدْ طَامَنَ مِنْ شَخْصِهِ

أي: سكن منه.

ص: 256


1- الكافي: 3/296، ح 13؛ المحاسن: 1/255، ح 284؛ بحار الأنوار: 69/299، ح 35.
2- مروج الذهب: 3/75.

وَقَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ

الخطوة بالضم ما بين القدمين(1).

وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ

أي: رفع منه.

مَرَّ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَرَأَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ كَثِيرَةُ الْقِيمَةِ حِسَانٌ فَقَالَ: وَاللَّهِ لآَتِيَنَّهُ وَلَأُوَبِّخَنَّهُ فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا لَبِسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مِثْلَ هَذَا اللِّبَاسِ وَلا عَلِيٌ عليه السلام وَلا أَحَدٌ مِنْ آبَائِكَ فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله فِي زَمَانِ قَتْرٍ مُقْتِرٍ وَكَانَ يَأْخُذُ لِقَتْرِهِ وَاقْتِدَارِهِ وَإِنَّ الدُّنْيَا بَعْدَ ذَلِكَ أَرْخَتْ عَزَالِيَهَا فَأَحَقُّ أَهْلِهَا بِهَا أَبْرَارُهَا ثُمَّ تَلا: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ»(2) فَنَحْنُ أَحَقُّ مَنْ أَخَذَ مِنْهَا مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ غَيْرَ أَنِّي يَا ثَوْرِيُّ مَا تَرَى عَلَيَّ مِنْ ثَوْبٍ إِنَّمَا أَلْبَسُهُ لِلنَّاسِ» ثُمَّ اجْتَذَبَ يَدَ سُفْيَانَ فَجَرَّهَا إِلَيْهِ ثُمَّ رَفَعَ الثَّوْبَ الْأَعْلَى وَأَخْرَجَ ثَوْباً تَحْتَ ذَلِكَ عَلَى جِلْدِهِ غَلِيظاً فَقَالَ: «هَذَا أَلْبَسُهُ لِنَفْسِي وَمَا رَأَيْتَهُ لِلنَّاسِ» ثُمَّ جَذَبَ ثَوْباً عَلَى سُفْيَانَ أَعْلاهُ غَلِيظٌ خَشِنٌ وَدَاخِلُ ذَلِكَ ثَوْبٌ لَيِّنٌ فَقَالَ: «لَبِسْتَ هَذَا الْأَعْلَى لِلنَّاسِ وَلَبِسْتَ هَذَا لِنَفْسِكَ تَسُرُّهَا»(3).

وأنّ الحسن عليه السلام قال: «إنّ قوماً جعلوا تواضعهم في ثيابهم وكبرهم في

ص: 257


1- الصحاح: 6/2328.
2- سورة الأعراف: 32.
3- الكافي: 6/442/ح 8؛ بحار الأنوار: 47/360، ح 71.

صدورهم، حتّى لصاحب المدرعة بمدرعته أشدّ فرحاً من صاحب المطرف بمطرفه(1).

ولبعضهم:

يرى الناس الهيئة كالامسيح بن مريم * وفي ثوبه المسيّح(2) أو هو أغدر

أغرّكم منه تقلّص ثوبه * وذلك حبّ تحته الفخّ فاحذروا(3).

وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْأَمَانَةِ

عن عبداللَّه بن سنان قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «بَيْنَا أَنَا فِي الطَّوَافِ وَإِذَا بِرَجُلٍ يَجْذِبُ ثَوْبِي وَإِذَا هُوَ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ الْبَصْرِيُّ فَقَالَ يَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ تَلْبَسُ مِثْلَ هَذِهِ الثِّيَابِ وَأَنْتَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعَ الْمَكَانِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ مِنْ عَلِيٍّ ع فَقُلْتُ ثَوْبٌ فُرْقُبِيٌّ(4) اشْتَرَيْتُهُ بِدِينَارٍ وَكَانَ عَلِيٌّ ع فِي زَمَانٍ يَسْتَقِيمُ لَهُ مَا لَبِسَ فِيهِ وَلَوْ لَبِسْتُ مِثْلَ ذَلِكَ اللِّبَاسِ فِي زَمَانِنَا لَقَالَ النَّاسُ هَذَا مُرَاءٍ مِثْلُ عَبَّاد»(5).

وَاتَّخَذَ سِتْرَ اللَّهِ ذَرِيعَةً إِلَى الْمَعْصِيَةِ

قال تعالى: «يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا

ص: 258


1- البيان والتبيين للجاحظ: 462.
2- اي الشيطان.
3- يتيمة الدهر (عبدالملك الثعالبي النيسابوري): 5/203.
4- الفرقبى ثوب مصرى ابيض من كتان منسوب إلى فرقوب مع حذف الواو، وهو موضع قريباً من مصر.
5- الكافي (ط - الاسلامية): 6/443، ح 9؛ بحار الأنوار: 47/361، ح 72.

لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً»

لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً»(1).

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «كَانَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ: لا تُبْدِيَنَّ عَنْ وَاضِحَةٍ(2) وَقَدْ عَمِلْتَ الْأَعْمَالَ الْفَاضِحَةَ وَلا يَأْمَنِ الْبَيَاتَ مَنْ عَمِلَ السَّيِّئَاتِ(3)»(4).

وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُلْكِ ضُئُولَةُ نَفْسِهِ

أي: حقارتها.

وَانْقِطَاعُ سَبَبِهِ

أي: وسيلته ووصلته.

فَقَصَرَتْهُ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ

أي: لم يقدر على طلب امارة لضوؤولته.

فَتَحَلَّى بِاسْمِ الْقَنَاعَةِ

أي: جعل اسم القناعة حلية له.

ص: 259


1- سورة النساء: 108.
2- الابداء: الاظهار وتعديته بعن لتضمين معنى الكشف وفي القاموس والمصباح الواضحة: الأسنان تبدو عند الضحك وفي القاموس فضحه كمنعه: كشف مساويه أي لا تضحك ضحكا يبدو به اسنانك ويكشف عن سرور قلبك (آت).
3- المراد بالبيات نزول الحوادث عليه ليلا، أو غفلة وان كان بالنهار.
4- الكافي (ط - الاسلامية): 2/269، ح 5؛ بحار الأنوار: 70/317، ح 4.

وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ

أي: جعل لباس أهل الزهادة زينة له.

وأنت بالليل ذئب لا حريم له * وبالنهار على سمت ابن سيرين(1)

وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَرَاحٍ وَلا مَغْدًى

كناية عن أنّه ليس من الزهد والقناعة في شي ء، كما أن قولهم «ما ترك فلان من أبيه مغدى ولا مراحا»(2) كناية عن كمال شباهته به، والمراد بالصنف الأخير الذي ذكره عليه السلام: الصوفيّة الضالّة المضلّة كعمرو بن عبيد والثوري(3).

وَبَقِيَ رِجَالٌ

غير الأصناف المذمومين، وهم الذين لا أثر لسوء الزمان فيهم لكونهم عارفين باللَّه تعالى وبجلاله، وبفناء هذه الدنيا، وأنّهم لدار أُخرى وهم شيعته عليه السلام.

غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ

قال تعالى: «وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ»(4).

وَأَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْمَحْشَرِ

اشارة

وهول االمطلع، أي: صبّها.

ص: 260


1- البيان والتبيين للجاحظ: 473.
2- لسان العرب: 2/465، مادة روح.
3- بهج الصباغة: 8/153.
4- سورة المؤمنون: 60.

روى «أنّ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ عَقَبَةً لا يَجُوزُهَا إِلّا الْبَكَّاؤُونَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ»(1).

قال الإمام الصادق عليه السلام: «كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلّا ثَلاث عُيُون: عَيْن غُضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ، وَعَيْن سَهِرَتْ فِي طاعة اللَّهِ، وَعَيْن بَكَتْ فِي جَوفِ اللِّيلِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ»(2).

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «مَا مِنْ شَيْ ءٍ إِلّا وَلَهُ كَيْلٌ أَوْ وَزْنٌ إِلّا الدموع فَإِنَّ الْقَطْرَةَ مِنْها تُطْفِئُ بِحَاراً مِنَ نار وإذا اغرورقت العين بمائها لم يرهق وجهه قتر ولا ذلة فإذا فاضت حرمه اللَّه على النار وَلَوْ أَنَّ بَاكِياً بَكَى فِي أُمَّةٍ لَرُحِمُوا»(3).

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْداً نَصَبَ فِي قَلْبِهِ نَائِحَةً مِنَ الْحُزْنِ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ كُلَّ قَلْبٍ حَزِينٍ وَإِنَّهُ لا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تعالى حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ إِلَى الضَّرْعِ وإنَّهُ لا يَجتمع غبار في سبيل اللَّه ودُخان جَهنَّم في مِنْخَري المؤمن أبدا. وَإِذَا أَبْغَضَ اللَّهُ عَبْداً جَعَلَ فِي قَلْبِهِ مِزْمَاراً مِنَ الضَّحِكِ وَإِنَّ الضَّحِكَ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ»(4).

إنّ أبا ذر بكى من خشية اللَّه حتّى اشتكى عينيه فخافوا عليهما فقيل له يا أبا ذرّ لو دعوت اللَّه في عينيك فقال إنّي عنهما لمشغول وما عناني أكثر فقيل له: وما شغلك عنهما؟ قال: العظيمان الجنّة والنار(5).

ص: 261


1- عدّة الداعي: 169؛ مجموعة ورّام: 2/159؛ بحار الأنوار: 14/165، ح 4.
2- عدّة الداعي: 169؛ بحار الأنوار: 97/50، ح 32.
3- مجموعه ورّام: 2/202؛ بحار الأنوار: 90/331، ح 14.
4- عدّة الداعي: 168؛ أعلام الدين في صفات المؤمنين: 276.
5- رجال الكشي (مع تعليقات ميرداماد الاسترآبادي): 1/121؛ مجموعة ورّام: 2/19.

تذييل

لا يخفى عليك انّ الخوف منزل من منازل الدين ومقام من مقامات الموقنين وهو أفضل الفضائل النفسانيّة والآيات والأخبار الدالّة عليه أكثر من أن تحصى.

أمّا الآيات:

قال تعالى: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»(1) الآية.

وقال تعالى: «هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ»(2).

وقال تعالى: «رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ»(3).

وقال تعالى: «وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»(4)

وقال تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ»(5) الآية.

وقال تعالى: «سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى»(6).

وقال تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى»(7).

وقال تعالى: «وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ»(8).

ص: 262


1- سورة فاطر: 28.
2- سورة الأعراف: 154.
3- سورة البيّنة: 8.
4- سورة آل عمران: 175.
5- سورة الأنفال: 2.
6- سورة الأعلى: 10.
7- سورة النازعات: 40 - 41.
8- سورة الرحمن: 46.

وأمّا الأخبار فكثيرة:

منها: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلالِي لا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَلا أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ فَإِذَا آمَنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا آمَنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَة»(1).

وعن صلى الله عليه وآله: «رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»(2).

عن الهيثم بن واقد قال: سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول: «مَنْ خَافَ اللَّهَ أَخَافَ اللَّهُ مِنْهُ كُلَّ شَيْ ءٍ وَمَنْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ أَخَافَهُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ شَيْ ء»(3).

قال النبي صلى الله عليه وآله: «مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَخْرُجُ مِنْ عَيْنَيْهِ مِثْلُ رَأْسِ الذُّبَابَةِ مِنَ الدُّمُوعِ فَيُصِيبُ حَرَّ وَجْهِهِ إِلّا حَرَّمَ اللَّهُ عَليه النَّارِ»(4).

ومن دعائه عليه السلام: «اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي عَيْنَيْنِ هَطَّالَتَيْن»(5).

عن النبيّ صلى الله عليه وآله قال: «مَا مِنْ قَطْرَةٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَطْرَةِ دَمْعٍ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ قَطْرَةِ دَمٍ أُهَرِيقَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»(6).

فَهُمْ بَيْنَ شَرِيدٍ نَادٍّ

الشريد: الطريد، ونادّ من «ندّ» إذا انفرد وذهب على وجهه.

ص: 263


1- الخصال: 1/79، ح 127؛ بحار الأنوار: 67/379، ح 28.
2- من لا يحضره الفقيه: 4/376، ح 5766؛ بحار الأنوار: 73/133، ح 43.
3- الكافي: 2/68، ح 3؛ بحار الأنوار: 66/406، ح 114.
4- إرشاد القلوب (للديلمي): 1/97؛ مستدرك الوسائل: 11/246، ح 12887.
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/191؛ مستدرك الوسائل: 11/240، ح 12860.
6- بحار الأنوار: 79/138.

عن أبي إسحاق الهمداني قال: اجتمع نفر بالكوفة يطعنون على عثمان - من أشراف أهل العراق - مالك الأشتر، وثابت بن قيس النخعي، وكميل بن زياد الأزدي، وعروة بن الجعد، وعمرو بن الحمق الخزاعي، فكتب سعيد بن العاص إلى عثمان يخبره بأمرهم، فكتب إليه أن سيّرهم إلى الشام وألزمهم الدروب(1).

وروى خبراً آخر عن الواقدي وزاد فيهم صعصعة بن صوحان، وفي خبره أنّ معاوية كتب إلى عثمان بعد تسيير سعيد لهم إلى الشام: إنّي لست آمن إن أقاموا وسط أهل الشام أن يغروهم بسحرهم فارددهم إلى مصرهم.

فكتب عثمان إلى معاوية بردّهم إلى سعيد بالكوفة، فكتب سعيد إلى عثمان يضجّ منهم، فكتب عثمان إليه أن سيّرهم إلى عبدالرحمن بن خالد بن الوليد بحمص، وكتب عثمان إلى الأشتر وأصحابه: إنّي سيّرتكم إلى حمص فإذا أتاكم كتابي هذا فانصرفوا إليها فانّكم لستم تألون الإسلام وأهله شرا.

فلمّا قرأ الأشتر الكتاب قال: اللهمّ أسوأنا نظرا للرعيّة وأعملنا فيهم بالمعصية فعجّل له النقمة(2).

وروى الواقدي عن صهبان مولى الأسلميّين قال: رأيت أبا ذر يوم أدخل على عثمان فقال له عثمان: أنت الذي فعلت وفعلت؟ فقال أبو ذر: نصحتك فاستغششتني، ونصحت صاحبك فاستغشني.

قال عثمان: كذبت ولكنّك تريد الفتنة، قد أنغلت الشام علينا - إلى أن قال - قال عثمان: أشيروا عليّ في هذا الشيخ الكذّاب، أضربه أو أحبسه أو أقتله، فانّه قد

ص: 264


1- تاريخ الطبري: 3/367.
2- تاريخ الطبري: 4/323 - 326، سنة 33.

فرّق جماعة المسلمين، أو أنفيه من أرض الإسلام.

فَتَكَلَّمَ عَلِيٌ عليه السلام وَكَانَ حَاضِراً فَقَالَ: أُشِيرُ عَلَيْكَ بِمَا قَالَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ «وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ»(1) فأجابه عثمان بجواب غليظ، وأجابه علي عليه السلام بمثله...(2).

أَخْمَلَتْهُمُ التَّقِيَّةُ

عن أميرالمؤمنين عليه السلام في احتجاجه على بعض أصحابه من الشيعة ومنه: «وَآمُرُكَ أَنْ تَسْتَعْمِلَ التَّقِيَّةَ فِي دِينِكَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلّ يَقُولُ: «لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ ءٍ إِلّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً»(3) وَقَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي تَفْضِيلِ أَعْدَائِنَا إِنْ أَلْجَأَكَ الْخَوْفُ إِلَيْهِ وَفِي إِظْهَارِ الْبَرَاءَةِ إِنْ حَمَلَكَ الْوَجَلُ عَلَيْهِ وَفِي تَرْكِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ إِنْ خَشِيتَ عَلَى حُشَاشَتِكَ(4) الآْفَاتِ وَالْعَاهَاتِ فَإِنَّ تَفْضِيلَكَ أَعْدَاءَنَا علينا عِنْدَ خَوْفِكَ لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّنَا وَإِنَّ إِظْهَارَكَ بَرَاءَتَكَ مِنَّا عِنْدَ تَقِيَّتِكَ لا يَقْدَحُ فِينَا وَلا يَنْقُصُنَا وَلَئِنْ تَبْرَأْت مِنَّا سَاعَةً بِلِسَانِكَ وَأَنْتَ مُوَالٍ لَنَا بِجَنَانِكَ لِتُبْقِيَ عَلَى نَفْسِكَ رُوحَهَا الَّتِي بِهَا قِوَامُهَا - إلى أن قال عليه السلام: - وَإِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ أَنْ تَتْرُكَ التَّقِيَّةَ الَّتِي أَمَرْتُكَ بِهَا فَإِنَّكَ شَائِطٌ بِدَمِكَ وَدِمَاءِ إِخْوَانِكَ مُعَرِّضٌ لِنِعْمَتِكَ وَنِعْمهِمْ لِلزَّوَالِ مُذِلٌّ لك ولَهُمْ فِي أَيْدِي أَعْدَاءِ دِينِ اللَّهِ وَقَدْ أَمَرَكَ اللَّهُ بِإِعْزَازِهِمْ فَإِنَّكَ إِنْ خَالَفْتَ وَصِيَّتِي كَانَ ضَرَرُكَ عَلَى إِخْوَانِكَ

ص: 265


1- سورة غافر: 28.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 8/259؛ بحار الأنوار: 22/417.
3- آل عمران: 28.
4- الحشاشة: بقية الروح في المريض.

وَنَفْسِكَ أَشَدَّ مِنْ ضَرَرِ المَنَاصِب (النَّاصِبِ) لَنَا الْكَافِرِ بِنَا»(1).

عن أبي الصباح قال: واللَّه لقد قال لي جعفر بن محمّدعليه السلام: «مَا صَنَعْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ أَوْ حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ يَمِينٍ فِي تَقِيَّةٍ فَأَنْتُمْ مِنْهُ فِي سَعَةٍ»(2).

قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «التَّقِيَّةُ فِي كُلِّ شَيْ ءٍ إِلّا فِي شُرْبِ النَّبِيذِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ(3)»(4).

فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِكُمْ أَصْغَرَ مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ وَقُرَاضَةِ الْجَلَمِ

قيل إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله مرّ على سخلة منبوذة على ظهر الطريق فقال: «أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَيِّنَةً عَلَى أَهْلِهَا فَوَ اللَّهِ انّ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ عَلَى أَهْلِهَا»، ثمّ قال صلى الله عليه وآله: «الدُّنْيَا دَارُ مَنْ لا دَارَ لَهُ وَمَالُ مَنْ لا مَالَ لَهُ وَلَهَا يَجْمَعُ مَنْ لا عَقْلَ لَهُ وَشَهَوَاتِهَا يَطْلُبُ مَنْ لا فَهْمَ لَهُ وَعَلَيْهَا يُعَادِي مَنْ لا عِلْمَ لَهُ وَعَلَيْهَا يَحْسُدُ مَنْ لا فِقْهَ لَهُ وَلَهَا يَسْعَى مَنْ لا يَقِينَ لَهُ»(5).

وقال صلى الله عليه وآله: «من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من اللَّه في شي ء وألزم قلبه أربع

ص: 266


1- الإحتجاج على أهل اللجاج: 1/239؛ بحار الأنوار: 10/74.
2- الكافي: 7/442، ح 15؛ بحار الأنوار: 26/173، ح 43.
3- ذلك لعدم مس الحاجة الى التقية فيهما لانه يمكن الاحتراز عنهما بأن لا يشرب النبيذ لان الشافعي يحرمه. ولا يمسح الخفين لانه بدعة حدثت بعد ثبوت حكم المسح على الرجلين بنص القرآن اذ لا خفاء في أن الخف غير الرجل، على أنه يمكنه أن ينزعه ويمسحه ثم يغسله. كما يظهر من بعض الروايات. راجع الوسائل، ج 1، ص 65 باب وجوب المسح على الرجلين.
4- الخصال: 1/22، ح 79؛ بحار الأنوار: 72/394، ح 9.
5- روضة الواعظين: 2/448؛ بحار الأنوار: 70/122.

خصال هما لا ينقطع عنه أبدا وشغلا لا ينفرج منه أبدا وفقرا لا يبلغ غناه أبدا وأملا لا يبلغ منتهاه أبدا»(1).

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «مَنْ أَصْبَحَ وَالدُّنْيَا أَكْبَرُ هَمِّهِ شَتَّتَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَكَانَ فَقْرُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلّا مَا قُدِّرَ لَهُ وَمَنْ كَانَتِ الآْخِرَةُ أَكْبَرَ هَمِّهِ كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ ضِيقَهُ وَجَمَعَ لَهُ أَمْرَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ»(2).

وَاتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ وَارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ

«كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ»(3).

روي: أَنَّ عِيسَى عليه السلام كُوشِفَ بِالدُّنْيَا فَرَآهَا فِي صُورَةِ عَجُوزٍ هَتْمَاءَ(4) عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ زِينَةٍ فَقَالَ لَهَا كَمْ تَزَوَّجْتِ فَقَالَتْ لا أُحْصِيهِمْ قَالَ وَكُلُّهُمْ مَاتَ عَنْكِ أَوْ كُلُّهُمْ طَلَّقَوكِ قَالَتْ بَلْ كُلَّهُمْ قَتَلْتُ فَقَالَ عِيسَى عليه السلام: بُؤْساً لِأَزْوَاجِكِ الْبَاقِينَ كَيْفَ لا يعتبرون بأزواجك الماضين كيف تهلكينهم وَاحِداً وَاحِداً وَلَمْ يَكُونُوا مِنْكِ عَلَى حَذَرٍ(5).

ص: 267


1- مجموعة ورّام: 1/130.
2- الزهد: 49، ح 132؛ بحار الأنوار: 70/126، ح 123.
3- الدخان: 25 - 29.
4- الهتماء: مؤنث الاهتم وهو الذي سقط مقدم أسفانه.
5- مجموعة ورّام: 1/146؛ بحار الأنوار: 14/328، ح 55.

بسم الله الرحمن الرحیم

33 - ومن خطبة له عليه السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة:

اشارة

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِذِي قَارٍ وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي: مَا قِيمَةُ هَذِهِ النَّعْلِ؟ فَقُلْتُ: لا قِيمَةَ لَهَا، فَقَالَ عليه السلام: وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً، ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ:

إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً وَلا يَدَّعِي نُبُوَّةً فَسَاقَ النَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ وَبَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ وَاطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا حَتَّى تَوَلّتْ بِحَذَافِيرِهَا مَا ضعفت (عَجَزْتُ) وَلا جَبُنْتُ وَإِنَّ مَسِيرِي هَذَا لِمِثْلِهَا فَلَأَنْقُبَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى يَخْرُجَ الْحَقُّ مِنْ جَنْبِهِ (من خاصرته خ ل) مَا لِي وَلِقُرَيْشٍ وَاللَّهِ لَقَدْ قَاتَلْتُهُمْ كَافِرِينَ وَلأُقَاتِلَنَّهُمْ مَفْتُونِينَ وَإِنِّي لَصَاحِبُهُمْ بِالْأَمْسِ كَمَا أَنَا صَاحِبُهُمُ الْيَوْمَ.

ومن خطبة له عليه السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة:

ص: 268

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِذِي قَارٍ

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِذِي قَارٍ(1) وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي: مَا قِيمَةُ هَذِهِ النَّعْلِ؟ فَقُلْتُ: لا قِيمَةَ لَهَا

وكان عليه السلام يخصف نعله كالنبيّ صلى الله عليه وآله، يخصف عليه السلام نعله ونعل النبيّ، وحديث «خاصف النعل» فيه مشهور.

روى الخطيب - مع نصبه - في ربعي بن حراش الذي قال فيه: تابعي ثقة، ويقال أنّه لم يكذب كذبة قط ونقل شاهداً في ذلك مسنداً عنه قال: سمعت عليّاًعليه السلام وهو بالمدائن قال: جاء سهيل بن عمرو إلى النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: إنّه قد خرج إليك ناس من أرقائنا ليس بهم الدين تعبّدا فارددهم علينا، فقال أبوبكر وعمر: صدق، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله: لن تنتهوا معشر قريش حتّى يبعث اللَّه عليكم رجلاً امتحن اللَّه قلبه بالايمان، يضرب رقابكم وأنتم مجفلون عنه إجفال النعم، فقال أبو بكر: أنا هو؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو؟ قال: لا، ولكنّه خاصف النعل، وفي كفّ عليّ نعل يخصفها للنبيّ صلى الله عليه وآله(2).

وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلّا أَنْ أُقِيمَ حَقّا...

وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً وَلا يَدَّعِي نُبُوّ

ظاهر العبارة ارادة العموم وانّ الكتاب الذي كان بأيدي اليهود والنصارى حين بعثه لم يكن بالتوراة والإنجيل المنزل من السماء، لمكان التحريف والتغيير الذي

ص: 269


1- موضع بين الكوفة وواسط. (القاموس) وقريب من البصرة.
2- تاريخ بغداد (للخطيب البغدادي): 8/432.

وقع فيهما كما يشهد به قوله تعالى: «وَإِنَّ مِنْهُمْ(1) لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»(2).

قال أبو علي الطبرسي في مجمع البيان: قيل: نزلت في جماعة من أحبار اليهود كتبوا بأيديهم ما ليس في كتاب اللَّه من نعت (بعث خ ل) النبيّ وغيره وأضافو إلى كتاب اللَّه، وقيل: نزلت في اليهود والنصارى حرّفوا التوراة والإنجيل وضربوا كتاب اللَّه بعضه ببعض والحقوا به ما ليس منه وأسقطوا منه الدين الحنيف عن ابن عبّاس(3).

قال تعالى: «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْ ءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً»(4) الآية.

فَسَاقَ النَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ وَبَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ

تشخيص موضع النجاة وتمييزه عن غيره أمر لا يمكن تحصيله إلّا منه صلى الله عليه وآله.

قال تعالى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ»(5) الآية.

وقال تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»(6) الآية.

ص: 270


1- أي من أهل الكتاب وهو عطف على قوله ومن أهل الكتاب إلخ مجمع البيان.
2- سورة آل عمران: 78.
3- مجمع البيان: 2/780؛ بحار الأنوار: 9/71.
4- سورة الأنعام: 91.
5- سورة آل عمران: 31.
6- سورة الأحزاب: 21.

وقال تعالى: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»(1) الآية.

وغير ذلك من الآيات.

فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ وَاطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ أَمَا...

اشارة

فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ وَاطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا مَا ضعفت (عَجَزْتُ) وَلا جَبُنْتُ وَإِنَّ مَسِيرِي هَذَا لِمِثْلِهَا فَلَأَنْقُبَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى يَخْرُجَ الْحَقُّ مِنْ ج

قال تعالى: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً»(2).

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَ صلى الله عليه وآله قَالَ لَهُ: «يَا عَلِيُّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَتَبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْجِهَادَ فِي الْفِتْنَةِ مِنْ بَعْدِي كَمَا كَتَبَ عَلَيْهِمُ الْجِهَادَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ مَعِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْفِتْنَةُ الَّتِي كُتِبَ عَلَيْنَا فِيهَا الْجِهَادُ قَالَ فِتْنَةُ قَوْمٍ يَشْهَدُونَ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِسُنَّتِي وَطَاعِنُونَ فِي دِينِي(3) فَقُلْتُ فَعَلامَ نُقَاتِلُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ يَشْهَدُونَ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ عَلَى إِحْدَاثِهِمْ فِي دِينِهِمْ وَفِرَاقِهِمْ لِأَمْرِي وَاسْتِحْلالِهِمْ دِمَاءَ عِتْرَتِي»(4).

ص: 271


1- سورة الحشر: 7.
2- سورة النساء: 53.
3- إشارة إلى فتنة الناكثين والقاسطين والمارقين.
4- الأمالي للمفيد: 288، م 34، ح 7؛ وسائل الشيعة: 15/82/ح 20029 - 7؛ بحار الأنوار: 32/297، ح 257.

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لأُمّ سلمة: «اشْهَدِي عَلَى أَنَّ عَلِيّاً يُقَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ»(1).

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ» قَالَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله: «لَأُجَاهِدَنَّ الْعَمَالِقَةَ يَعْنِي الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ أَنْتَ أَوْ عَلِي»(2).

عن أبي عبداللَّه عن أبيه عليهما السلام: «بَعَثَ اللَّه محمّداً بِخَمسة أسياف ثلاثة منها شاهِرَة وسيف منها مَكفُوف وسيف منها سلّة إلى غيرنا وحكمه اليه»، ثمّ قال: «أمَّا السَّيْفُ الْمَكْفُوفُ فَسَيْفٌ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ وَالتَّأْوِيلِ قَالَ اللَّهُ تَعالى: «وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ»(3) فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُقَاتِلُ بَعْدِي عَلَى التَّأْوِيلِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى التَّنْزِيلِ فَسُئِلَ النَّبِيُ صلى الله عليه وآله مَنْ هُوَ؟ فَقالَ خَاصِفُ النَّعْلِ يَعْنِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ» فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: قَاتَلْتُ بِهَذِهِ الرَّايَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ثَلاثاً وَهَذِهِ الرَّابِعَةُ وَاللَّهِ لَوْ ضَرَبُونَا حَتَّى يَبْلُغُوا بِنَا السَّعَفَاتِ مِنْ هَجَرَ لَعَلِمْنَا أَنَّا عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِل الخبر(4).

قال عليّ عليه السلام «أُمِرْتُ بِقِتَالِ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِين»(5).

عن ابن عبّاس: أَنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يَقُولُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ

ص: 272


1- الأمالي للطوسي: 366، م 13، ح 24؛ بحار الأنوار: 32/291، ح 243.
2- الأمالي للطوسي: 502، م 18، ح 7؛ بحار الأنوار: 32/292، ح 247.
3- سورة الحجرات: 9.
4- تفسير القمي: 2/320؛ بحار الأنوار: 32/292، ح 248.
5- المسترشد في إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام: 269، ح 79؛ بحار الأنوار: 29/434، ح 19.

عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: «وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ»(1) وَاللَّهِ لا نَنْقَلِبُ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ، وَاللَّهِ لَئِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ لَأُقَاتِلَنَّ عَلَى مَا قَاتَلَ عَلَيْهِ حَتَّى أَمُوتَ، واللَّه إنّي أَخُوهُ وَابْنُ عَمِّهِ وَوَارِثُهُ، فَمَنْ أَحَقُّ بِهِ مِنِّي(2).

فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ وَاطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا...

عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَهُوَ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ فِيكُمْ رَجُلاً يُقَاتِلُ النَّاسَ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى تَنْزِيلِهِ وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَشْهَدُونَ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ فَيَكْبُرُ قَتْلُهُمْ عَلَى النَّاسِ حَتَّى يَطْعَنُوا عَلَى وَلِيِّ اللَّهِ وَيَسْخَطُوا عَمَلَهُ كَمَا سَخِطَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ خَرْقَ السَّفِينَةِ وَقَتْلَ الْغُلامِ وَإِقَامَةَ الْجِدَارِ وَكَانَ خَرْقُ السَّفِينَةِ وَقَتْلُ الْغُلامِ وَإِقَامَةُ الْجِدَارِ للَّهِ ِ رِضًا وَسَخِطَ ذَلِكَ مُوسَى عليه السلام»(3).

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وَقَدِ انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِهِ فَدَفَعَهَا إِلَى عَلِيٍ عليه السلام يُصْلِحُهَا ثُمَّ جَلَسَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرُ فَقَالَ: «إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ يُقَاتِلُ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ النَّاسَ عَلَى تَنْزِيلِهِ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لا» فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «لا وَلَكِنَّهُ خَاصِفُ النَّعْلِ» قَالَ: فَأَتَيْنَا عَلِيّاًعليه السلام نُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ بِهِ رَأْساً فَكَأَنَّهُ قَدْ سَمِعَهُ قَبْلُ(4).

ص: 273


1- سورة آل عمران: 144.
2- الأمالي للطوسي: 502، م 18، ح 6؛ بحار الأنوار: 32/294، ح 253.
3- تفسير فرات الكوفي: 200، ح 262؛ بحار الأنوار: 32/295، ح 255.
4- الأمالي للطوسي: 254، م 9، ح 50؛ بحار الأنوار: 32/296، ح 256.

جريان حكم المسلمين على البغاة في زمان الهدنة

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: إِنَّ النَّاسَ يَرْوُونَ أَنَّ عَلِيّاًعليه السلام قَتَلَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ وَتَرَكَ أَمْوَالَهُمْ فَقَالَ: «إِنَّ دَارَ الشِّرْكِ يَحِلُّ مَا فِيهَا وَإِنَّ دَارَ الْإِسْلامِ لا يَحِلُّ مَا فِيهَا» فَقَالَ: «إِنَّ عَلِيّاًعليه السلام إِنَّمَا مَنَّ عَلَيْهِمْ كَمَا مَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَإِنَّمَا تَرَكَ عَلِيٌ عليه السلام لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَكُونُ لَهُ شِيعَةٌ وَأَنَّ دَوْلَةَ الْبَاطِلِ سَتَظْهَرُ عَلَيْهِمْ فَأَرَادَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ فِي شِيعَتِهِ وَقَدْ رَأَيْتُمْ آثَارَ ذَلِكَ هُوَ ذَا يُسَارُ فِي النَّاسِ بِسِيرَةِ عَلِيٍ عليه السلام وَلَوْ قَتَلَ عَلِيٌ عليه السلام أَهْلَ الْبَصْرَةِ جَمِيعاً وَاتَّخَذَ أَمْوَالَهُمْ لَكَانَ ذَلِكَ لَهُ حَلالاً لَكِنَّهُ مَنَّ عَلَيْهِمْ لِيُمَنَّ عَلَى شِيعَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ(1).

عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: «قال مروان بن الحكم: لما هزمنا علي عليه السلام بالبصرة ردّ على الناس أموالهم من أقام بينة أعطاه ومن لم يقم بيّنة حلفه قال: فقال له قائل: يا أمير المؤمنين اقسم الفي ء بيننا والسبي قال: فلمّا أكثروا عليه قال: أيكم يأخذ أم المؤمنين في سهمه فكفوا»(2).

عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: «مَالُ النَّاصِبِ وَكُلُّ شَيْ ءٍ يَمْلِكُهُ حَلالٌ لَكَ إِلّا امْرَأَتَهُ فَإِنَّ نِكَاحَ أَهْلِ الشِّرْكِ جَائِزٌ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ: لا تَسُبُّوا أَهْلَ الشِّرْكِ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ نِكَاحاً وَلَوْ لا أَنَّا نَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَالرَّجُلُ مِنْكُمْ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَمِائَةِ أَلْفٍ مِنْهُمْ لَأَمَرْنَاكُمْ بِالْقَتْلِ لَهُمْ وَلَكِنَّ ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ»(3).

ص: 274


1- علل الشرايع: 1/154، ح 1؛ بحار الأنوار: 33/442، ح 653.
2- قرب الاسناد (ط - الحديثة): 132، ح 461؛ علل الشرايع: 2/603، ح 69؛ بحار الأنوار: 33/441، ح 648.
3- تهذيب الأحكام: 6/387، ح 275؛ وسائل الشيعة: 15/80، ح 20024 - 2.

عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ عليه السلام يَقُولُ: «لَسِيرَةُ عَلِيٍ عليه السلام فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ كَانَتْ خَيْراً لِشِيعَتِهِ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ إِنَّهُ عَلِمَ أَنَّ لِلْقَوْمِ دَوْلَةً فَلَوْ سَبَاهُمْ لَسُبِيَتْ شِيعَتُهُ» قُلْتُ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْقَائِمِ عليه السلام يَسِيرُ بِسِيرَتِهِ؟ قَالَ: «لا إِنَّ عَلِيّاًعليه السلام سَارَ فِيهِمْ بِالْمَنِّ لِلْعِلْمِ مِنْ دَوْلَتِهِمْ وَإِنَّ الْقَائِمَ عَجَّلَ اللَّهُ فَرَجَهُ يَسِيرُ فِيهِمْ بِخِلافِ تِلْكَ السِّيرَةِ لِأَنَّهُ لا دَوْلَةَ لَهُم»(1).

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍعليه السلام عَنِ الْقَائِمِ إِذَا قَامَ بِأَيِّ سِيرَةٍ يَسِيرُ فِي النَّاسِ؟ فَقَالَ: «بِسِيرَةِ مَا سَارَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله حَتَّى يُظْهِرَ الْإِسْلامَ» قُلْتُ: وَمَا كَانَتْ سِيرَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله؟ قَالَ: «أَبْطَلَ مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِالْعَدْلِ وَكَذَلِكَ الْقَائِمُ إِذَا قَامَ يُبْطِلُ مَا كَانَ فِي الْهُدْنَةِ مِمَّا كَانَ فِي أَيْدِي النَّاسِ وَيَسْتَقْبِلُ بِهِمُ الْعَدْلَ»(2).

وروى عن عليّ عليه السلام أنه سئل عن الذين قاتلهم من أهل القبلة أكافرون هم؟ قال: «كفروا بالأحكام وكفروا بالنعم كفرا ليس ككفر المشركين الذين دفعوا النبوة ولم يقروا بالإسلام ولو كانوا كذلك ما حلت لنا مناكحتهم ولا ذبائحهم ولا مواريثهم فهم وإن كانوا غير مشركين على الجملة كما قال علي عليه السلام فإنهم لم يتعلقوا من الإسلام إلّا باسمه إقرارا بألسنتهم حل بذلك الإقرار مناكحتهم ومواريثهم»(3).

هذا الخبر مرويّ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قد رواه كثير من المحدّثين: عَنْ عَلِيٍ عليه السلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ لَهُ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَيْكَ جِهَادَ الْمَفْتُونِينَ كَمَا كَتَبَ عَلَيَّ جِهَادَ

ص: 275


1- الكافي: 5/33، ح 4؛ بحار الأنوار: 33/442، ح 651.
2- تهذيب الأحكام: 6/154، ح 270 - 1؛ بحار الأنوار: 52/381، ح 192.
3- دعائم الإسلام: 1/388؛ مستدرك الوسائل: 11/66، ح 12440.

الْمُشْرِكِينَ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْفِتْنَةُ الَّتِي كُتِبَ عَلَيَّ فِيهَا الْجِهَادُ؟ قَالَ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِلسُّنَّةِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلامَ أُقَاتِلُهُمْ وَهُمْ يَشْهَدُونَ كَمَا أَشْهَدُ؟ قَالَ عَلَى الْإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ وَمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ كُنْتَ وَعَدْتَنِي الشَّهَادَةَ فَاسْأَلِ اللَّهَ أَنْ يُعَجِّلَهَا لِي بَيْنَ يَدَيْكَ قَالَ فَمَنْ يُقَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ؟ أَمَا إِنِّي وَعَدْتُكَ بِالشَّهَادَةِ وَتُسْتَشْهَدُ يُضْرَبُ عَلَى هَذِهِ فَتُخْضَبُ هَذِهِ فَكَيْفَ صَبْرُكَ إِذاً؟ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ ذَا بِمَوْطِنِ صَبْرٍ هَذَا مَوْطِنُ شُكْرٍ قَالَ أَجَلْ أَصَبْتَ فَأَعِدَّ لِلْخُصُومَةِ فَإِنَّكَ مُخَاصَمٌ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ بَيَّنْتَ لِي قَلِيلاً فَقَالَ إِنَّ أُمَّتِي سَتُفْتَنُ مِنْ بَعْدِي فَتَتَأَوَّلُ الْقُرْآنَ وَتَعْمَلُ بِالرَّأْيِ وَتَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ بِالنَّبِيذِ وَالسُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ وَالرِّبَا بِالْبَيْعِ وَتُحَرِّفُ الْكِتَابَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَتَغْلِبُ كَلِمَةَ الضَّلالِ فَكُنْ حِلْسَ (جليس) بَيْتِكَ حَتَّى تُقَلِّدَهَا فَإِذَا قَلَّدْتَهَا جَاشَتْ عَلَيْكَ الصُّدُورُ وَقُلِبَتْ لَكَ الْأُمُورُ تُقَاتِلُ حِينَئِذٍ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ كَمَا قَاتَلْتُ عَلَى تَنْزِيلِهِ فَلَيْسَتْ حَالُهُمُ الثَّانِيَةُ بِدُونِ حَالِهِمُ الْأُولَى فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِأَيِّ الْمَنَازِلِ أُنْزِلَ هَؤُلاءِ الْمَفْتُونِينَ مِنْ بَعْدِكَ أَ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ أَمْ بِمَنْزِلَةِ رِدَّةٍ فَقَالَ بِمَنْزِلَةِ فِتْنَةٍ يَعْمَهُونَ فِيهَا إِلَى أَنْ يُدْرِكَهُمُ الْعَدْلُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ يُدْرِكُهُمُ الْعَدْلُ مِنَّا أَمْ مِنْ غَيْرِنَا فَقَالَ بَلْ مِنَّا بِنَا فَتَحَ اللَّهُ وَبِنَا يَخْتِمُ وَبِنَا أَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ الْقُلُوبِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَبِنَا يُؤَلِّفُ بَيْنَ الْقُلُوبِ بَعْدَ الْفِتْنَةِ فَقُلْتُ الْحَمْدُ للَّهِ ِ عَلَى مَا وَهَبَ لَنَا مِنْ فَضْلِهِ»(1).

تبصرة

روى أبو مخنف عن الكلبي، عن أبي صالح، عن زيد بن علي، عن ابن عباس

ص: 276


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 9/206؛ بحار الأنوار: 32/308، ح 274.

قال: لما نزلنا مع علي عليه السلام ذا قار قلت: يا أمير المؤمنين ما أقل من يأتيك من أهل الكوفة فيما أظن؟ فقال: «واللَّه ليأتيني منهم ستة آلاف وخمسمائة وستون رجلا لا يزيدون ولا ينقصون».

قال ابن عباس: فدخلني واللَّه من ذلك شك شديد في قوله وقلت في نفسي: واللَّه إن قدموا لأعدنهم.

قال أبو مخنف فحدث ابن إسحاق عن عمه عبد الرحمن بن يسار قال نفر إلى علي عليه السلام إلى ذي قار من الكوفة في البحر والبر ستة آلاف وخمسمائة وستون رجلا أقام علي بذي قار خمسة عشر يوما حتى سمع صهيل الخيل وشحيح البغال حوله قال: فلما سار بهم منقلة(1) قال ابن عباس: واللَّه لأعدنهم فإن كانوا كما قال وإلّا أتممتهم من غيرهم فإن الناس قد كانوا سمعوا قوله قال فعرضتهم فو اللَّه ما وجدتهم يزيدون رجلا ولا ينقصون رجلا فقلت اللَّه أكبر صدق اللَّه ورسوله ثم سرنا(2).

وفي الدرّ النظيم في مناقب الأئمّةعليهم السلام: فقال عليه السلام: «والذي بعث محمّداً بالحقّ لتأتيني منهم ستّة آلاف وخمسمائة وستّون رجلاً لا يزيدون ولا ينقصون رجلا.

قال: فدخلني من ذلك شك شديد وعظم علي، فقلت في نفسي: واللَّه لئن قدموا لأعدنهم، فلمّا وردوا قعدت على الجسر لاعتبار ما قاله علي عليه السلام، فوجدتهم كما قال ستّة آلاف وخمسمائة وستّين رجلاً لا يزيدون ولا ينقصون، فعجبت من ذلك

ص: 277


1- المنقلة: مرحلة السفر.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/187.

وذكرته لعليّ عليه السلام وسألته من أين علم ذلك؟ فذكر أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أخبره بذلك(1).

قال الشارح المعتزلي: فلمّا قدم أهل الكوفة على علي عليه السلام سلّموا عليه وقالوا: الحمد للَّه يا أميرالمؤمنين الذي اختصنا بموازرتك وأكرمنا بنصرتك قد أجبناك طائعين غير مكرهين فمرنا بأمرك.

قال: فقام فحمد اللَّه وأثنى عليه وصلى على رسوله وقال: «مرحبا بأهل الكوفة...» فأمرهم بالرحيل إلى البصرة(2).

وَإِنِّي لَصَاحِبُهُمْ بِالْأَمْسِ كَمَا أَنَا صَاحِبُهُمُ الْيَوْمَ

اشارة إلى عدم تغير حالته عن التي بها قاتلهم كافرين، وفيه تهديد لهم وتذكير لشدة بأسه وسطوته وشجاعته ، هذا .

وزاد ابن أبي الحديد بعده «واللَّه ما تنقم منا قريش إلّا أنّ اللَّه اختارنا عليهم، فادخلنا هم في حيّزنا فكانوا كما قال الاول:

ادمت لعمري شريك المحض صابحا * واكلك بالزبد المقشرة البجرا

ونحن وهبنالك العلاء ولم تكن * عليّا وحطنا حولك الجردو السّمرا(3)

وقال ابن ميثم: قد نقل في بعض النسخ في تمام هذه الخطبة «لتضجّ قريش ضجيجها ان تكن فينا النبوّة والخلافة واللَّه ما أتينا إليهم الّا إنّا اجترأنا عليهم»(4).

ص: 278


1- الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم: 346.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/188.
3- شرح نهج البلاغة لابن ابى الحديد: 2/185.
4- شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): 2/75.

قال المفيد رحمه الله: هذه الخطبة خطب عليه السلام بها لمّا نزل الزبدة في توجهه إلى البصرة، فلقيه بها آخر الحاج، فاجتمعوا ليسمعوا من كلامه وهو في خبائه، قال ابن عبّاس: فأتيته فوجته يخصف فعلا فقلت له: نحن إلى ان تصلح أمرنا أحوج إلى ما تصنع، فلم يكلمني حتى فرغ من نعله، ثم ضمّها إلى صاحبتها. وقال لي: قوّمها. فقلت: ليس لها قيمة، قال: على ذلك، قلت: كسر درهم، قال: واللَّه لهما احبّ اليّ من امركم هذا الّا ان اقيم حقّاً أو أدفع باطلا، قلت : انّ الحاجّ اجتمعوا ليسمعوا من كلامك. فتأذن لي في أن أتكلم فان كان حسنا كان منك وإن كان غير ذلك كان منّي، قال: لا، أنا أتكلّم. ثم وضع يده على صدري وكان ششن الكفين فآلمني ثم قام فاخذت بثوبه وقلت: نشدتك اللَّه والرحم قال: لا تنشدني ثم خرج فاجتمعوا عليه فحمداللَّه وأثنى عليه ثم قال: اما بعد فإنّ اللَّه بعث محمّداًصلى الله عليه وآله وليس في العرب احد يقرأ كتاباً ولا يدعى نبوّة، فساق الناس الى منجاتهم ام واللَّه مازلت في ساقتها - إلى آخر ما مر(1).

ص: 279


1- الإرشاد: 1/247.

بسم الله الرحمن الرحیم

34 - ومن خطبة له عليه السلام في استنفار الناس إلى أهل الشام:

اشارة

أُفٍّ لَكُمْ لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَكُمْ «أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ»(1) عِوَضاً؟ وَبِالذُّلِّ مِنَ الْعِزِّ خَلَفاً؟ إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي غَمْرَةٍ وَمِنَ الذُّهُولِ فِي سَكْرَةٍ يُرْتَجُ عَلَيْكُمْ حَوَارِي فَتَعْمَهُونَ فَكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ فَأَنْتُمْ لا تَعْقِلُونَ مَا أَنْتُمْ لِي بِثِقَةٍ سَجِيسَ اللَّيَالِي وَمَا أَنْتُمْ بِرُكْنٍ يُمَالُ بِكُمْ وَلا زَوَافِرُ عِزٍّ يُفْتَقَرُ إِلَيْكُمْ مَا أَنْتُمْ إِلّا كَإِبِلٍ ضَلَّ رُعَاتُهَا فَكُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ انْتَشَرَتْ مِنْ آخَرَ لَبِئْسَ لَعَمْرُ اللَّهِ سُعْرُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ تُكَادُونَ وَلا تَكِيدُونَ وَتُنْتَقَصُ أَطْرَافُكُمْ فَلا تَمْتَعِضُونَ لا يُنَامُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ فِي غَفْلَةٍ سَاهُونَ غُلِبَ وَاللَّهِ الْمُتَخَاذِلُونَ وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ بِكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى وَاسْتَحَرَّ الْمَوْتُ قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الرَّأْسِ وَاللَّهِ إِنَّ امْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ وَيَهْشِمُ عَظْمَهُ وَيَفْرِي جِلْدَهُ لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ ضَعِيفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ أَنْتَ فَكُنْ ذَاكَ إِنْ شِئْتَ فَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيَّةِ تَطِيرُ مِنْهُ فَرَاشُ الْهَامِ وَتَطِيحُ السَّوَاعِدُ وَالْأَقْدَامُ وَيَفْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ ما يَشاءُ

ص: 280


1- سورة التوبة: 38.

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ وَالنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ وَالإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ وَالطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ.

ومن خطبة له عليه السلام في استنفار الناس إلى أهل الشام

رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ خَطَبَ بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ أَمْرِ الْخَوَارِجِ، بِالنَّهْرَوَانِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحْسَنَ نَصْرَكُمْ ، فَتَوَجَّهُوا مِنْ فَوْرِكُمْ هَذَا إِلَى عَدُوِّكُمْ مِنَ أَهْلِ الشَّامِ».

فَقَالُوا لَهُ: قَدْ نَفِدَتْ نِبَالُنَا، وَكَلَّتْ سُيُوفُنَا، ارْجِعْ بِنَا إِلَى مِصْرِنَا لِنُصْلِحَ عُدَّتَنَا، وَلَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ فِي عَدَدِنَا مِثْلَ مَنْ هَلَكَ مِنَّا لِنَسْتَعِينَ بِهِ.

فَأَجَابَهُمْ: «يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ»»(1).

فَتَلَكَّئُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا: إِنَّ الْبَرْدَ شَدِيدٌ.

فَقَالَ [لَهُمْ]: «إِنَّهُمْ يَجِدُونَ الْبَرْدَ كَمَا تَجِدُونَ»، ثُمَّ تَلا قَوْلَهُ تَعَالَى: «قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ»(2).

فَقَامَ نَاسٌ مِنْهُمْ وَاعْتَذَرُوا بِكَثْرَةِ الْجِرَاحِ فِي النَّاسِ، وَطَلَبُوا [مِنْهُ] أَنْ يَرْجِعَ بِهِمْ

ص: 281


1- سورة المائدة: 21.
2- سورة المائدة: 22.

إِلَى الْكُوفَةِ أَيَّاماً ثُمَّ يَخْرُجُ [بِهِمْ] فَرَجَعَ بِهِمْ غَيْرَ رَاضٍ [بِمَا اقْتَرَحُوا] وَأَنْزَلَهُمُ النُّخَيْلَةَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَلْزَمُوا مُعَسْكَرَهُمْ، وَيُقِلُّوا زِيَارَةَ أَهْلِهِمْ، فَلَمْ يَقْبَلُوا وَدَخَلُوا الْكُوفَةَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَعَهُ إِلّا قَلِيلٌ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ دَخَلَ الْكُوفَةَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسِ اسْتَعِدُّوا لِقِتَالِ عَدُوٍّ فِي جِهَادِهِمُ الْقُرْبَةُ إِلَى اللَّهِ، وَدَرْكُ الْوَسِيلَةِ عِنْدَهُ، قَوْمٍ حَيَارَى عَنِ الْحَقِّ لا يُبْصِرُونَهُ، مُوزَعِينَ بِالْجَوْرِ وَالظُّلْمِ لا يَعْدِلُونَ بِهِ، وَجُفَاةٍ عَنِ الْكِتَابِ، نُكُبٍ عَنِ الدِّينِ، يَعْمَهُونَ فِي الطُّغْيَانِ، وَيَتَسَكَّعُونَ فِي غَمْرَةِ الضَّلالَةِ، «فَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ»(1)، «وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً»(2). فَتَرَكَهُمْ أَيَّاماً ثُمَّ خَطَبَهُمْ بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ(3).

أُفٍّ لَكُمْ لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَكُمْ «أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ»

قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ»(4).

وقال تعالى أيضاً فيها: «فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ»(5).

ص: 282


1- سورة الأنفال: 60.
2- سورة النساء: 81.
3- بحار الأنوار: 34/75؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/192 و194.
4- سورة التوبة: 38.
5- سورة التوبة: 83.

ترجيح الحيوة الدّنيا على الحياة الآخرة أمر مذموم شرعاً ولذلك ورد القرآن والآثار في ذمّ من كان كذلك أمّا الآيات:

منها قوله تعالى: «فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ»(1).

ومنها قوله تعالى: «زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا»(2) الآية.

ومنها قوله تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»(3) الآية.

ومنها قوله تعالى: «ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ»(4).

ومنها قوله تعالى: «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ»(5).

ومنها قوله تعالى: «مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى»(6) الآية

ومنها قوله تعالى: «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ»(7) الآية.

ص: 283


1- سورة البقرة: 200.
2- سورة البقرة: 212.
3- سورة البقرة: 217.
4- سورة آل عمران: 14.
5- سورة آل عمران: 185.
6- سورة النساء: 77.
7- سورة الانعام: 32.

ومنها قوله تعالى: «وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا»(1) الآية.

ومنها قوله تعالى: «الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا» الآية.(2)

ومنها قوله تعالى: «فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ»(3).

ومنها قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا»(4) الآية.

ومنها قوله تعالى: «الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ»(5).

ومنها قوله تعالى: «ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ»(6) الآية.

والآيات الواردة في ذمّ الدنيا وحبّها ومدح الآخرة كثيرة كما لا يخفى على المتأمّل المتتبع.

وأمّا الأخبار فأيضاً كثيرة:

منها: قوله صلى الله عليه وآله: «الدنيا ملعونة ملعون ما منها إلّا ما كان للَّه منها»(7).

ومنها: قال صلى الله عليه وآله: «الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر»(8).

ص: 284


1- سورة الأنعام: 70.
2- سورة الأعراف: 51.
3- سورة التوبة: 38.
4- سورة يونس: 7.
5- سورة ابراهيم: 2.
6- سورة النحل: 107.
7- نهج الفصاحة: 489، ح 1604؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 19/330.
8- تحف العقول: 53؛ بحار الأنوار: 64/238، ح 56.

ومنها: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: «لو كانت الدنيا تعدل عند اللَّه جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء»(1).

ومنها: قال صلى الله عليه وآله: «من أصبح والدنيا أكبر همّه فليس من اللَّه في شي ء وألزم قلبه أربع خصال هما لا ينقطع عنه أبدا وشغلا لا ينفرج منه أبدا وفقرا لا يبلغ غناه أبدا وأملا لا يبلغ منتهاه أبدا»(2).

ومنها: قوله صلى الله عليه وآله: «يا عجبا كلّ العجب للمصدّق بدار الخلود وهو يسعى لدار الغرور»(3).

وَبِالذُّلِّ مِنَ الْعِزِّ خَلَفاً

كان أهل العراق أعزاء قبل رجوعهم من صفّين، وصاروا أذلّاء بعده بتركهم القتال مع أهل الشام.

إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي غَمْرَةٍ

قال تعالى: «فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ»(4) الآية.

ص: 285


1- عوالى اللئالي: 4/81، ح 85؛ نهج الفصاحة: 650، ح 2347.
2- مجموعة ورّام: 1/130.
3- مجموعة ورّام: 1/128؛ شرح فارسى شهاب الأخبار: 289، ح 428.
4- سورة الأحزاب: 19.

وَمِنَ الذُّهُولِ فِي سَكْرَةٍ يُرْتَجُ عَلَيْكُمْ حَوَارِي فَتَعْمَهُونَ

قال تعالى: «يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ»(1).

وَكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ فَأَنْتُمْ لا تَعْقِلُونَ

انّ الفاء في قوله «فكأنّ» للتفريع أو الجزاء للشرط وفيه اشارة على الأوّل إلى ما قاله تبارك وتعالى في وصف المنافقين:

«وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ»(2) الآية.

وأمّا على الثاني أعني الجزاء فالمعنى انّ لازم هذا الرويّة الرديّة وجزائها هو عدم البصيرة في أمر الدّين والدنيا قال اللَّه تعالى: «وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا»(3).

مَا أَنْتُمْ لِي بِثِقَةٍ سَجِيسَ اللَّيَالِي

أي طوال الدهر، قال الشاعر:

هنالك لا أرجو حياة تسرني * سجيس الليالي مبسلا بالجرائر(4)

ص: 286


1- سورة الحج: 2.
2- سورة الأعراف: 179.
3- سورة الإسراء: 72.
4- أساس البلاغة: 286.

وَمَا أَنْتُمْ بِرُكْنٍ يُمَالُ بِكُمْ

قالوا في قوله تعالى: «أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ»(1) أي عزِ ومنعة، وركن الشي ء جانبه الأقوى(2).

وَلا زَوَافِرُ عِزٍّ يُفْتَقَرُ إِلَيْكُمْ

لمّا كان الحجّاج يقاتل شبيب الخارجي، وأمدّه عبدالملك بسفيان بن الأبرد الكلبي قام الحجّاج على المنبر وقال: يا أهل الكوفة، لا أعزّ اللَّه من أراد بكم العزّ، ولا نصر من أراد بكم النصر، أخرجوا عنّا ولا تشهدوا معنا قتال عدوّنا، الحقوا بالحيرة فانزلوا مع اليهود والنصارى(3).

مَا أَنْتُمْ إِلّا كَإِبِلٍ ضَلَّ رُعَاتُهَا فَكُلَّمَا جُمِعَتْ ....

مَا أَنْتُمْ إِلّا كَإِبِلٍ ضَلَّ رُعَاتُهَا فَكُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ انْتَشَرَتْ مِنْ آخَرَ لَبِئْسَ لَعَمْرُ اللَّهِ سُعْرُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ تُكَادُونَ وَلا تَكِيدُونَ وَتُنْتَقَصُ أَطْرَافُكُمْ فَلا تَمْتَعِضُونَ لا يُنَامُ عَنْكُمْ وَأَنْت

عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَرْيَتَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَلِكٌ عَلَى حِدَةٍ اقْتَتَلُوا ثُمَّ اصْطَلَحُوا ثُمَّ إِنَّ أَحَدَ الْمَلِكَيْنِ غَدَرَ بِصَاحِبِهِ فَجَاءَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَغْزُوَمَعَهُمْ تِلْكَ الْمَدِينَةَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام: «لا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْدِرُوا وَلا يَأْمُرُوا بِالْغَدْرِ وَلا يُقَاتِلُوا مَعَ الَّذِينَ غَدَرُوا»(4).

ص: 287


1- سورة هود: 80.
2- بهج الصباغة: 10/525.
3- الكامل لابن الاثير: 4/425.
4- الكافي: 2/337، ح 4.

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله: يَجِي ءُ كُلُّ غَادِرٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِمَامٍ مَائِلٍ شِدْقُهُ حَتَّى يَدْخُلَ النَّارَ»(1).

عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: قَالَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالْكُوفَةِ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ لَوْ لا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ كُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ أَلا إِنَّ لِكُلِّ غُدَرَةٍ فُجَرَةً وَلِكُلِّ فُجَرَةٍ كُفَرَةً أَلا وَإِنَّ الْغَدْرَ وَالْفُجُورَ وَالْخِيَانَةَ فِي النَّارِ»(2).

عَنْ عَدِيٍّ وَكَانَ مَعَ أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي حُرُوبِهِ أَنَّ أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام قَالَ فِي يَوْمَ الْتَقَى هُوَ وَمُعَاوِيَةُ بِصِفِّينَ وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ لِيُسْمِعَ أَصْحَابَهُ: «وَاللَّهِ لَأَقْتُلَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابَهُ» ثُمَّ يَقُولُ فِي آخِرِ قَوْلِهِ: «إِنْ شَاءَ اللَّهُ» يَخْفِضُ بِهَا صَوْتَهُ وَكُنْتُ قَرِيباً مِنْهُ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ حَلَفْتَ عَلَى مَا فَعَلْتَ ثُمَّ اسْتَثْنَيْتَ فَمَا أَرَدْتَ بِذَلِكَ؟ فَقَالَ لِي: «إِنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ وَأَنَا عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ كَذُوبٍ فَأَرَدْتُ أَنْ أُحَرِّضَ أَصْحَابِي عَلَيْهِمْ كَيْلا يَفْشَلُوا(3) وَكَيْ يَطْمَعُوا فِيهِمْ فَأَفْقَهُهُمْ يَنْتَفِعُ بِهَا بَعْدَ الْيَوْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ لِمُوسَى عليه السلام حَيْثُ أَرْسَلَهُ إِلَى فِرْعَوْنَ: «فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى»(4) وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لا يَتَذَكَّرُ وَلا يَخْشَى وَلَكِنْ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَحْرَصَ لِمُوسَى عليه السلام عَلَى الذَّهَابِ»(5).

ص: 288


1- الكافي: 2/337، ح 2.
2- الكافي: 2/338، ح 6.
3- الفشل: الفزع والجين والضعف.
4- سورة طه: 44.
5- الكافي: 7/460، ح 1.

وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ بِكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى وَاسْتَحَرَّ الْمَوْتُ قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الرَّأْسِ

قال ابن أبي الحديد: معنى انفراج الرأس: أي كما ينفلق الرأس، فيذهب نصفه يمنة ونصفه شامة. وقال الراوندي: معناه انفراج من أدنى رأسه إلى غيره ثمّ حرف رأسه عنه(1).

وقال ابن ميثم: انفراج الرّأس مثل، قيل أوّل من تكلم به أكثم بن ضيفي في وصيّته لبنيه: لا تنفرجوا عند الشدائد انفراج الرأس، فإنّكم بعد ذلك لا تجتمعون على عزّ.

قال ابن دريد: معناه أنّ الرأس إذا انفرج عن البدن لا يعود إليه.

وقال المفضل: الرأس اسم رجل ينسب إليه قرية من قرى الشّام يقال لها: بيت الرأس، يباع فيه الخمر. قال حسّان:

كأنّ سبيئة من بيت رأس * يكون مزاجها عسلاً وماءً

وهذا الرجل قد انفرج عن قومه ومكانه فلم يعد، فضرب به المثل.

وقيل: معناه أنّ الرأس إذا انفرج بعض عظامه كان بعيدا عن الالتئام.

وقيل: معناه انفراج المرأة عن رأس ولدها حالة الوضع، كما في قوله عليه السلام في موضع آخر: «انفراج المرأة عن قبلها»(2).

قال المحقق التستري: الأصل قول ابن دريد، وأمّا ما عن المفضّل فيختلف تعريفاً وتنكيراً، وأمّا الأخير فيردّه أنّ الثقفي والقتيبي جمعا بينهما في روايتيهما(3).

ص: 289


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/191.
2- شرح نهج البلاغة لابن ميثم: 2/80.
3- بهج الصباغة: 10/527.

وَاللَّهِ إِنَّ امْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ وَيَهْشِمُ عَظْمَهُ وَيَفْرِي جِلْدَهُ لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ ضَعِيفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ

قال الحرسيّ: استثرنا من مزرعة في بلاد الشام رجلين يذريان حنطة، أحدهما أصيفر أحيمش(1)، والآخر مثل الجمل عظما، فقاتلنا الأصيفر بالمذرى(2) لا تدنو منه دابة إلاّ نخس أنفها وضربها حتّى شقّ علينا فقتل، ولم نصل إلى الآخر حتّى مات فرقا(3) فأمرت بهما فبقرت بطونهما فإذا فؤاد الضخم يابس مثل الحشفة(4)، وإذا فؤاد الأصيفر مثل فؤاد الجمل يتخضخض في مثل كوز من ماء(5).

واخرج شبيب الخارجي من الماء - بعد غرقه - فشقّ بطنه واخرج فؤاده، فاذا هو مثل الكوز، فجعلوا يضربون به الأرض فينزو(6).

أَنْتَ فَكُنْ ذَاكَ إِنْ شِئْتَ

أنّ المخاطب له عليه السلام بهذا الكلام الأشعث بن قيس لمّا قام إليه في خطبته تلك وقال له: هلّا فعلت كما فعل عثمان فزجره عليه السلام وقال له: «إنّ الذي فعل لمخزاة على من لا دين له ولا حجّة معه، فكيف وأنا على بيّنة من ربّي والحقّ معي واللَّه ان امرأ يمكّن عدوّه...(7)

ص: 290


1- أحيمش: مصغر أحمش، وهو دقيق الساقين.
2- المذرى والمذراة: خشبة ذات أطراف كالأصابع يذرّى بها الطعام وتنقّى بها الأكداس، والجمع مذار.
3- مات فرقا: مات فزعا.
4- الحشفة: أُصول الزرع، والجمع حشاف.
5- عيون الأخبار (لابن قتيبة الدينوري): 1/265.
6- عيون الأخبار لابن قتيبة: 1/267.
7- الغارات: 2/495.

فَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيَّةِ

أي سيوف منسوبة إلى مشارف قرية بها تعمل السيوف.

تَطِيرُ مِنْهُ فَرَاشُ الْهَامِ وَتَطِيحُ السَّوَاعِدُ وَالْأَقْدَامُ

ممّن لم يمكن عدوّه من نفسه المختار، ففي (الطبري) ان المختار لمّا حوصر خرج في تسعة عشر رجلاً فقال لهم: أتؤمنوني وأخرج إليكم فقالوا: لا إلّا على الحكم. فقال: لا احكّمكم في نفسى أبداً. فضارب بسيفه حتّى قتل، وقد كان قال لأصحابه - حين أبوا أن يتابعوه على الخروج معه - : إذا أنا خرجت إليهم فقتلت لم تزدادوا إلّا ضعفا وذلا فإن نزلتم على حكمهم وثب أعداؤكم الذين قد وترتموهم، فقال كلّ رجل منهم لبعضكم: هذا عنده ثأري. فيقتل وبعضكم ينظر إلى مصارع بعض فتقولون: يا ليتنا أطعنا المختار وعملنا برأيه، ولو أنّكم خرجتم كنتم إن أخطأتم الظفر متّم كراما، وإن هرب منكم هارب فدخل في عشيرته يكن أذلّ من على ظهر الأرض - فكان كما قال - ولمّا كان الغد من قتل المختار قال بجير المسلي من أصحابه لباقيهم: يا قوم قد كان صاحبكم بالأمس أشار عليكم بالرأي فما أطعتموه، يا قوم إنّكم إن نزلتم على حكم القوم ذبحتم كما تذبح الغنم، أخرجوا بأسيافكم حتّى تموتوا كراما. فقالوا: لقد أمرنا بهذا من كان أطوع عندنا فعصيناه. فأمكنوا من أنفسهم ونزلوا إلى الحكم، فبعث مصعب إليهم عباد الحبطي فكان هو يخرجهم مكتّفين - إلى أن قال: - فقال بجير لمصعب: إنّ حاجتي إليك ألّا أقتل مع هؤلاء، إنّي أمرتهم أن يخرجوا مع أسبافهم فيقاتلوا حتّى يموتوا كراماً فعصوني. فقدّم فقتل، وقال مسافر بن سعيد بن نمران لمصعب لمّا أبى إلّا قتلهم: قبّح اللَّه قوماً

ص: 291

أمرتهم أن يخرجوا ليلاً على حرس سكّة من هذه السكك، فنطردهم ثمّ نلحق بعشائرنا فعصوني حتّى حملوني على أن أعطيت التي هي أنقص وأدنى، وأبوا إلّا أن يموتوا ميتة العبيد، فأنا أسألك ألّا تخلط دمي بدمائهم. فقدّم فقتل ناحية(1).

وفيه: لمّا حمل عبدالجبّار الأزدي إلى المنصور بعد خروجه عليه قال له: قتلة كريمة قد تركتها وراءك يابن اللخناء(2).

وفيه: إنّ معديكرب بن ذي يزن لمّا استجار بكسرى لينصره حتّى يخرج الحبشة من بلاده، أمر بمن كان في سجنه فاحصوا فبلغوا ثمانمائة، فقوّد عليهم قائداً من أساورته يقال له: وهرز، كان كسرى يعدله بألف أسوار، وأمر بحملهم في ثماني سفائن في كلّ سفينة مائة، فغرقت سفينتان وسلمت ست فخرجوا ساحل حضرموت، وسار إليهم مسروق بن أبرهة في مائة ألف من الحبشة وحمير والأعراب، ونزل وهرز على سيف البحر وجعل البحر وراء ظهره، فلمّا نظر مسروق الحبشي إلى قلّتهم طمع فيهم فأرسل إلى وهرز: ما جاء بك وليس معك إلّا من أرى ومعي من ترى لقد غررت بنفسك وأصحابك فإن أحببت أذنت لك فرجعت، وإن أحببت ناجزتك الساعة، وإن أحببت أجّلتك حتّى تنظر أمرك. فرأى وهرز أنّه لا طاقة له بهم فقال: بل تضرب بيني وبينك أجلاً - إلى أن قال: - فلمّا انقضى الأجل إلّا يوما أمر بالسفن التي كانوا فيها فاحرقت بالنار، وأمر بما كان معهم من فضل كسوة فاحرق، ولم يدع منه إلّا ما كان على أجسادهم، ثمّ دعا بكلّ زاد معهم فقال لأصحابه: كلوا هذا الزاد. فأكلوا فلمّا انتهوا أمر بفضله فالقي في

ص: 292


1- تاريخ الطبري: 4/570.
2- تاريخ الطبري: 6/330.

البحر، ثمّ قام فيهم خطيباً فقال: أمّا أن أحرقتم سفنكم فأردت أنّه لا سبيل لكم إلى بلادكم أبداً، وأمّا أن أحرقت من ثيابكم فإنّه كان يغيظني إن ظفروا بكم أن يصير ذلك اليهم، وأمّا ما ألقيت من زادكم في البحر فإنّي كرهت أن يطمع أحد منكم أن يكون معه زاد يعيش به يوماً واحدا، فإن كنتم تقاتلون معي وتصبرون أعلمتموني ذلك، وإن كنتم لا تفعلون اعتمدت على سيفي هذا حتّى يخرج من ظهري، فإنّي لم أكن أمكّنهم من نفسي أبدا. فقالوا: بل نقاتل معك حتّى نموت عن آخرنا أو نظفر.

فلمّا كان صبح اليوم الذي انقضى فيه الأجل عبّأ أصحابه وجعل البحر خلفه، وأقبل عليهم يحضّهم على الصبر ويعلمهم أنّهم معه بين خلتين: إمّا ظفروا بعدوّهم وإمّا ماتوا كراما، وأمرهم أن تكون قسيهم موترة وقال: إذا أمرتكم أن ترموا فارموهم رشقا بالبنجكان - ولم يكن أهل اليمن رأوا النشّاب قبل ذلك - وأقبل مسروق في جمع لا يرى طرفاه على فيل، وعلى رأسه تاج بين عينيه ياقوتة حمراء مثل البيضة لا يرى أنّ دون الظفر شيئاً، وكان وهرز قد كلّ بصره، فقال: أروني عظيمهم. فقالوا: هو صاحب الفيل. ثمّ لم يلبث مسروق أن نزل فركب فرسا، فقالوا: قد ركب فرسا. فقال: ارفعوا لي حاجبي.

وكان قد سقطا على عينيه من الكبر، فرفعوهما بعصابة ثمّ أخرج نشابه فوضعها في كبد قوسه وقال: أشيروا لي إلى مسروق. فأشاروا حتّى أثبته ثمّ قال: ارموا فرموا. ونزع في قوسه حتّى إذا ملأها سرّح النشابة فأقبلت كأنّها رشا حتّى صكت جبهته فسقط عن دابّته، وقتل في ذلك الرشق منهم جماعة كثيرة، وانقضّ صفّهم لمّا رأوا صاحبهم صريعاً فلم يكن دون الهزيمة شي ء، وغنم من عسكرهم ما لا

ص: 293

يحصى، وجعل الأسوار يأخذ من الحبشة من حمير والأعراب الخمسين والستين فيسوقهم مكتفّين(1).

وَيَفْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ ما يَشاءُ

قد قيل في التشجيع نظما ونثرا عربيّاً وفارسيّاً وأكثروا، وأحسن ما قيل في ذلك أبيات الفردوسي المعروف بالفارسيّة التي منها:

اگر جز بكام من آيد جواب

من و گرز و ميدان و افراسياب

ولمّا سمعه السلطان محمود الغزنوي قال: لمن هذا البيت الذي يقطر منه ماء الشجاعة إلّا انّه - لعمري - أين ذلك البيت من كلامه عليه السلام: «إن امرؤ يمكّن عدوّه - إلى - ويفعل اللَّه بعد ذلك ما يشاء(2).

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ وَالنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ

وجه معاوية عبداللَّه بن مسعدة الفزاري في ألف وسبعمائة رجل إلى تيماء وأمره أن يصدق من مرّ به من أهل البوادي وأن يقتل من امتنع من عطائه صدقة ماله ثمّ يأتي مكّة والمدينة والحجاز يفعل ذلك واجتمع إليه بشر كثير من قومه فلمّا بلغ ذلك عليّاً وجّه المسيب بن نجبة الفزاري فسار حتّى لحق ابن مسعدة بتيماء

ص: 294


1- تاريخ الطبري: 1/562.
2- بهج الصباغة: 10/533.

فاقتتلوا ذلك اليوم حتّى زالت الشمس قتالاً شديداً وحمل المسيّب على ابن مسعدة فضربه ثلاث ضربات كلّ ذلك لا يلتمس قتله ويقول له النجاء النجاء فدخل ابن مسعدة وعامّة من معه الحصن وهرب الباقون نحو الشام وانتهب الأعراب إبل الصدقة التي كانت مع ابن مسعدة وحصره ومن كان معه المسيّب ثلاثة أيّام ثمّ ألقى الحطب على الباب وألقى النيران فيه حتّى احترق فلمّا أحسوا بالهلاك أشرفوا على المسيّب فقالوا يا مسيّب قومك فرق لهم وكره هلاكهم فأمر بالنار فأطفئت وقال لأصحابه قد جائتني عيون فأخبروني أن جندا قد أقبل إليكم من الشام فانضموا في مكان واحد فخرج ابن مسعدة في أصحابه ليلاً حتّى لحقوا بالشام فقال له عبدالرحمن بن شبيب سر بنا في طلبهم فأبى المسيّب ذلك عليه فقال له غششت أميرالمؤمنين وداهنت في أمرهم(1).

وَالإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ

إلى هذا أشار القرآن الكريم بقوله: «أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ»(2).

وَالطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ

اشاره

قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(3).

ص: 295


1- تاريخ الطبري: 4/103.
2- سورة الأحقاف: 31.
3- سورة النساء: 59.

تنبيه

قيل: آكد الأسباب في تقاعد العرب عن أميرالمؤمنين عليه السلام أمر المال فإنّه لم يكن يفضل شريفا على مشروف ولا عربيّا على عجمي ولا يصانع الرؤساء وأمراء القبائل كما يصنع الملوك ولا يستميل أحدا إلى نفسه وكان معاوية بخلاف ذلك فترك الناس عليّا والتحقوا بمعاوية فشكا علي عليه السلام إلى الأشتر تخاذل أصحابه وفرار بعضهم إلى معاوية فقال الأشتر: يا أميرالمؤمنين إنا قاتلنا أهل البصرة بأهل البصرة وأهل الكوفة ورأي الناس واحد وقد اختلفوا بعد وتعادوا وضعفت النية وقل العدد وأنت تأخذهم بالعدل وتعمل فيهم بالحق وتنصف الوضيع من الشريف فليس للشريف عندك فضل منزلة على الوضيع فضجت طائفة ممن معك من الحق إذ عموا به واغتموا من العدل إذ صاروا فيه ورأوا صنائع معاوية عند أهل الغناء والشرف فتاقت أنفس الناس إلى الدنيا وقل من ليس للدنيا بصاحب وأكثرهم يجتوي(1) الحق ويشتري الباطل ويؤثر الدنيا فإن تبذل المال، يا أميرالمؤمنين تمل إليك أعناق الرجال وتصف نصيحتهم لك وتستخلص ودهم صنع اللَّه لك يا أمير المؤمنين وكبت أعداءك وفض جمعهم وأوهن كيدهم وشتت أمورهم «إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»(2).

فقال عليّ عليه السلام: «أما ما ذكرت من عملنا وسيرتنا بالعدل فإن اللَّه عزّ وجلّ يقول: «مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلّامٍ لِلْعَبِيدِ»(3) وأنا من أن

ص: 296


1- قال في مجمع البحرين 1 - 92: اجتويت البلد: كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة.
2- سورة هود: 111.
3- سورة فصّلت: 46.

أكون مقصرا فيما ذكرت أخوف وأما ما ذكرت من أن الحق ثقل عليهم ففارقونا لذلك فقد علم اللَّه أنهم لم يفارقونا من جور ولا لجئوا إذ فارقونا إلى عدل ولم يلتمسوا إلّا دنيا زائلة عنهم كأن قد فارقوها وليسألن يوم القيامة أ للدنيا أرادوا أم للَّه عملوا وأما ما ذكرت من بذل الأموال واصطناع الرجال فإنه لا يسعنا أن نؤتي امرأ من الفي ء أكثر من حقه وقد قال اللَّه سبحانه وتعالى وقوله الحق: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ»(1) وقد بعث اللَّه محمداصلى الله عليه وآله وحده فكثره بعد القلة وأعز فئته بعد الذلة وإن يرد اللَّه أن يولينا هذا الأمر يذلل لنا صعبه ويسهل لنا حزنه وأنا قابل من رأيك ما كان للَّه عز وجل رضا وأنت من آمن الناس عندي وأنصحهم لي وأوثقهم في نفسي إن شاء اللَّه»(2).

ويؤيّد ذلك ما روى عن عليّ بن إبراهيم عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: «إِنَّ مَوْلًى لِأَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام سَأَلَهُ مَالاً فَقَالَ يَخْرُجُ عَطَائِي فَأُقَاسِمُكَ هُوَ فَقَالَ لا أَكْتَفِي وَخَرَجَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَوَصَلَهُ فَكَتَبَ إِلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يُخْبِرُهُ بِمَا أَصَابَ مِنَ الْمَالِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَا فِي يَدِكَ مِنَ الْمَالِ قَدْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ قَبْلَكَ وَهُوَ صَائِرٌ إِلَى أَهْلِهِ بَعْدَكَ وَإِنَّمَا لَكَ مِنْهُ مَا مَهَّدْتَ لِنَفْسِكَ فَ آثِرْ نَفْسَكَ عَلَى صَلاحِ وُلْدِكَ فَإِنَّمَا أَنْتَ جَامِعٌ لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَسَعِدَ بِمَا شَقِيتَ وَإِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَشَقِيَ بِمَا جَمَعْتَ لَهُ وَلَيْسَ مِنْ هَذَيْنِ أَحَدٌ بِأَهْلٍ أَنْ تُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِكَ وَلا تُبَرِّدَ لَهُ عَلَى ظَهْرِكَ فَارْجُ لِمَنْ مَضَى رَحْمَةَ اللَّهِ وَثِقْ لِمَنْ بَقِيَ بِرِزْقِ اللَّهِ»(3).

ص: 297


1- سورة البقرة: 249.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/197؛ بحار الأنوار: 29/493.
3- الكافي: 8/72، ح 28؛ بحار الأنوار: 33/285، ح 548.

وَعَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْعَقَبِيِّ رَفَعَهُ قَالَ: خَطَبَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ آدَمَ لَمْ يَلِدْ عَبْداً وَلا أَمَةً وَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَحْرَارٌ وَلَكِنَّ اللَّهَ خَوَّلَ بَعْضَكُمْ بَعْضاً فَمَنْ كَانَ لَهُ بَلاءٌ فَصَبَرَ فِي الْخَيْرِ فَلا يَمُنَّ بِهِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَلا وَقَدْ حَضَرَ شَيْ ءٌ وَنَحْنُ مُسَوُّونَ فِيهِ بَيْنَ الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ فَقَالَ مَرْوَانُ لِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ مَا أَرَادَ بِهَذَا غَيْرَكُمَا قَالَ فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ وَأَعْطَى رَجُلاً مِنَ الْأَنْصَارِ ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ وَجَاءَ بَعْدُ غُلامٌ أَسْوَدُ فَأَعْطَاهُ ثَلاثَةَ دَنَانِيرَ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ هَذَا غُلامٌ أَعْتَقْتُهُ بِالْأَمْسِ تَجْعَلُنِي وَإِيَّاهُ سَوَاءً فَقَالَ إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَمْ أَجِدْ لِوُلْدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَى وُلْدِ إِسْحَاقَ فَضْلا»(1).

وعن حبيب بن أبي ثابت أنّه قال: قال عبداللَّه بن جعفر بن أبي طالب لعليّ عليه السلام: يا أميرالمؤمنين لو أمرت لي بمعونة أو نفقة فواللَّه ما عندي إلّا أن أبيع بعض علوفتي (وفي البحار: دابّتي) قال له: «لا واللَّه ما أجد لك شيئاً إلّا أن تأمر عمّك أن يسرق فيعطيك»(2).

وروى علي بن محمد بن أبي يوسف المدائني أن طائفة من أصحاب علي عليه السلام مشوا إليه فقالوا: يا أميرالمؤمنين أعط هذه الأموال وفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم واستمل من تخاف خلافه من الناس وفراره وإنما قالوا له ذلك لما كان معاوية يصنع في المال فقال لهم: «أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور لا واللَّه لا أفعل ما طلعت شمس وما لاح في السماء نجم واللَّه لو كان

ص: 298


1- الكافي: 8/69، ح 26؛ بحار الأنوار: 33/133، ح 107.
2- الغارات: 1/43؛ بحار الأنوار: 29/495.

المال لي لواسيت بينهم فكيف وإنما هي أموالهم ثم سكت طويلا واجما» ثم قال: «الأمر أسرع من ذلك» قالها: ثلاثا(1).

تكملة

وروى عن الكاتب، عن الزعفراني، عن الثقفي، عن محمد بن إسماعيل، عن زيد بن المعدل، عن يحيى بن صالح، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن جندب بن عبداللَّه الأزدي قال: سمعت أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول لأصحابه وقد استنفرهم أياما إلى الجهاد فلم ينفروا: «أيها الناس إني قد استنفرتكم فلم تنفروا ونصحت لكم فلم تقبلوا فأنتم شهود كأغياب [كغياب] وصم ذوو أسماع أتلو عليكم الحكمة وأعظكم بالموعظة الحسنة وأحثكم على جهاد عدوكم الباغين فما آتي على آخر منطقي حتى أراكم متفرقين أيادي سبا(2) فإذا أنا كففت عنكم عدتم إلى مجالسكم حلقا عزين(3) تضربون الأمثال وتتناشدون الأشعار وتسألون عن الأخبار قد نسيتم الاستعداد للحرب وشغلتم قلوبكم بالأباطيل تربت أيديكم(4) اغزوا القوم من قبل أن يغزوكم فو اللَّه ما غزي قوم قط

ص: 299


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/203؛ الغارات: 1/75؛ بحار الأنوار: 34/208، ح 985.
2- قالوا: ان سبأ هو أبو عرب اليمن كان له عشرة أولاد، جعل منهم ستة يمينا له، وأربعة شمالا تشبيها لهم باليدين، ثم تفرق أولئك الاولاد أشد التفرق.
3- الحلق - بفتح الحاء، وكسرها، وفتح اللام - جمع حلقة، وقال الجوهري: «العزة الفرقة من الناس، ومنه قوله تعالى: «عن اليمين وعن الشمال عزين» قال الأصمعي: يقال: في الدار عزون أي اصناف من الناس».
4- قال في الأقرب: «تربت يداك» هذه من الكلمات التي جاءت عن العرب، صورتها - الدعاء ولا يراد بها الدعاء بل المراد الحث والتحريض ومنه «فعليك بذات الدين تربت يداك» وفي الصحاح «وهو على الدعاء أي لا أصبت خيرا» والأول هو الصواب.

في عقر ديارهم إلّا ذلوا وايم اللَّه ما أراكم تفعلون حتى يفعلوا ولوددت أني لقيتهم على نيتي وبصيرتي فاسترحت من مقاساتكم فما أنتم إلّا كإبل جمة ضلت راعيها(1) فكلّما ضمت من جانب انتشرت من جانب آخر واللَّه لكأني بكم لو حمس الوغى وأحم البأس(2) قد انفرجتم عن علي بن أبي طالب انفراج الرأس وانفراج المرأة عن قبلها»(3).

فقام إليه الأشعث بن قيس الكندي فقال له: يا أميرالمؤمنين فهلا فعلت كما فعل ابن عفان(4) فقال عليه السلام له: يا عرف النار(5) ويلك إن فعل ابن عفان لمخزاة على من

ص: 300


1- في بعض النسخ: «أضل راعيها». قال في البحار: «قال ابن السكيت: أضللت بعيري إذا ذهب منك، وضللت المسجد والدار إذا لم تعرف موضعهما، وفي الحديث لعلى أضل اللَّه، يريد أضل عنه أي أخفى عليه». وقوله «انتشرت من جانب» في اللغة: انتشرت الإبل: تفرقت عن غرة من راعيها.
2- حمس: كفرح - اشتد. والوغى: الحرب، وأصلها الأصوات والجلبة وسميت الحرب نفسها وغى لما فيها من ذلك. وحم الشي ء وأحم: قدر، وأحمه أمر: أهمه، وأحم خروجنا: دنا، وفي سائر الروايات: «وحمى البأس»، وحمى الشمس أو النار: اشتد حرهما.
3- أي كما ينفلق الرأس فلا يلتئم. وهو مثل لشدة التفرق. قيل: أول من تكلم به أكثم بن صيفي في وصية له: يا بنى لا تتفرجوا عند الشدائد انفراج الرأس - الخ. «وانفراج المرأة عن قبلها» أي وقت الولادة، أو عند ما يشرع عليها سلاح. وفيه كناية عن العجز والدناءة في العمل والتفرق عند هجوم الاعداء.
4- أي سيرته في تقسيم الأموال واختصاصه إياها ببعض دون بعض.
5- لعله عليه السلام: شبهه بعرف الديك [وهي لحمة مستطيلة في أعلى رأس الديك] - لكونه رأسا فيما يوجب دخول النار، أو المعنى أنك من القوم الذين يتبادرون دخول النار من غير روية كقوله تعالى: «والمرسلات عرفا» (البحار)، وفي التاج «عرف - الأرض» ما ارتفع منها، كأن المراد شعلة النار.

لا دين له ولا حجّة معه فكيف وأنا على بينة من ربي والحق في يدي واللَّه إن امرأ يمكن عدوه من نفسه يخذع لحمه ويهشم عظمه ويفري(1) جلده ويسفك دمه لضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره(2) أنت فكن كذلك إن أحببت فأمّا أنا فدون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفي(3) يطير منه فراش الهام وتطيح منه الأكف والمعاصم(4) ويفعل اللَّه بعد ما يشاء».

فقام أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد صاحب منزل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال: أيها الناس إن أميرالمؤمنين قد أسمع من كانت له أذن واعية وقلب حفيظ إن اللَّه قد أكرمكم بكرامة لم تقبلوها حق قبولها إنه ترك بين أظهركم ابن عم نبيكم وسيد المسلمين من بعده يفقهكم في الدين ويدعوكم إلى جهاد المحلين فكأنكم صم لا تسمعون أو على قلوبكم غلف مطبوع عليها فأنتم لا تعقلون أ فلا تستحيون عباد اللَّه أ ليس إنما عهدكم بالجور والعدوان أمس قد شمل البلاء وشاع في البلاد فذو حق محروم وملطوم وجهه وموطوء بطنه وملقى بالعراء تسفى عليه الأعاصير(5)

ص: 301


1- خذع اللحم وما لا صلابة فيه - كمنع -: خرزه وقطعه في مواضع - (القاموس)، وهشم الشي ء: كسره، وفرى الشي ء: قطعه وشقه، مزقه.
2- يعني القلب وما يتبعه من الاوعية الدموية، والجوانح: الضلوع تحت الترائب. وفي نسخة «جوارح صدره».
3- المشرفي - بفتح الميم والزاء - سيوف منسوبة إلى مشارف اليمن. وفي نسخة «ضربا بالمشرفى».
4- فراش الهام: العظام الرقيقة التي تلى القحف. وتطيح: نسقط. والمعاصم: جمع المعصم وهو موضع السوار من الساعد وقيل: اليد.
5- سفت الريح التراب: ذرته أو حملته. والاعصار: ريح ترتفع بتراب بين السماء والأرض والجمع: أعاصير.

لا يكنه من الحر والقر وصهر الشمس والضح(1) إلّا الأثواب الهامدة(2) وبيوت الشعر البالية حتى جاءكم اللَّه(3) بأمير المؤمنين عليه السلام فصدع بالحق ونشر العدل وعمل بما في الكتاب يا قوم فاشكروا نعمة اللَّه عليكم ولا تولوا مدبرين «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ»(4) اشحذوا السيوف واستعدوا لجهاد عدوكم فإذا دعيتم فأجيبوا وإذا أمرتم فاسمعوا وأطيعوا وما قلتم فليكن وما أمرتم فكونوا بذلك من الصادقين(5).

ص: 302


1- القر - بالضم - البرد. وصهر الشمس: حرارتها. والضح - بالكسر - الشمس وضوؤها.
2- الهمود - الموت، وتقطع الثوب من طول الطى، والهامد البالي المسود المتغير.
3- أي من اللَّه تعالى عليكم بوجوده وقبوله ملتمسكم. وفي الغارات: «حباكم اللَّه»، وحبا فلان فلانا كذا وبكذا: أعطاه، وحباه عن كذا: منعه.
4- الأنفال: 21.
5- الأمالي للمفيد: 145، م 18، ح 6؛ بحار الأنوار: 34/156، ح 968.

بسم الله الرحمن الرحیم

الخطبة (35) ومن خطبة له عليه السلام بعد التحكيم:

اشاره

الْحَمْدُ للَّهِ ِ وَإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ وَالْحَدَثِ الْجَلِيلِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ غَيْرُهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وآله.

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ تُورِثُ الْحَيْرَةَ وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي وَنَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ وَالْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ فَكُنْتُ أَنَا وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ:

أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى * فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلّا ضُحَى الْغَدِ

و من خطبة له عليه السلام بعد التحكيم

الْحَمْدُ للَّهِ ِ وَإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ وَالْحَدَثِ الْجَلِيلِ

إنّما قال عليه السلام ذلك، لأنّه يجب حمده تعالى على كلّ حال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَمْرٌ يَسُرُّهُ قَالَ الْحَمْدُ للَّهِ ِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَمْرٌ يَغْتَمُّ بِهِ قَالَ الْحَمْدُ للَّهِ ِ عَلَى كُلِّ حَالٍ»(1).

ص: 303


1- الكافي: 2/97، ح 19؛ بحار الأنوار: 68/33، ح 14.

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ غَيْرُهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وآله

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ تُورِثُ الْحَيْرَةَ وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ

قال سبيع لأهل اليمامة: يا بني حنيفة، بُعداً كما بعدت عاد وثمود، أما واللَّه أنبأتكم بالأمر قبل وقوعه كأنّي أسمع جرسه وأبصر غيبه ولكنّكم أبيتم النصيحة فاجتنيتم الندم، وأصبحتم وفي أيديكم من تكذيبي التصديق ومن تهمتي الندامة، وأصبح في يدي من هلاككم البكاء ومن ذلّكم الجزع، وأصبح ما فات غير مردود وما بقي غير مأمون. وإنّي لمّا رأيتكم تتّهمون النصيح وتسفّهون الحليم استشعرت منكم اليأس وخفت عليكم البلاء(1).

وفي الطبري - في قصّة خروج ابن الأشعث على الحجّاج - كتب المهلب إلى الحجاج : إنّ أهل العراق قد أقبلوا إليك وهم مثل السيل المنحدر من علّ، ليس يردّه شي ء حتّى ينتهي إلى قراره وانّ لأهل العراق شرّة في أوّل مخرجهم، وصبابة إلى أبنائهم ونسائهم، فليس شي ء يردّهم حتّى يسقطوا إلى أهليهم، ويشمّوا أولادهم، ثمّ واقفهم عندها.

فلمّا قرأ كتابه قال: فعل اللَّه به وفعل، لا واللَّه ما لي نظر، ولكن لابن عمّه نصح.

وعزم على استقبال ابن الأشعث، فسار بأهل الشام حتّى نزل تستر، وقدّم بين يديه مطهر بن الحر العكي، وعبداللَّه بن رميثة الطائي، فجاؤوا حتّى انتهوا إلى دجيل، وقد قطع ابن الأشعث خيلاً له عليها عبداللَّه بن أمان الحارثي في ثلاثمائة

ص: 304


1- عيون الأخبار (لابن قتيبة الدينوري): 1/89.

فارس، وكانت مسلحة له وللجند، فلمّا انتهى إليه مطهر أمر ابن رميثة فأقدم عليهم فهزمت خيله حتّى انتهت إليه، وجرح أصحابه، وأقحم أصحاب ابن الأشعث خيولهم دجيل، وهزموا العكي والطائي في يوم الأضحى سنة (81) وقتلوهم قتلاً ذريعاً وأتت الحجّاج الهزيمة وهو يخطب، فقال: ارتحلوا إلى البصرة. وحين صدم تلك الصدمة دعا بكتاب المهلب فقرأه، ثمّ قال: للَّه أبوه أي صاحب حرب هو أشار علينا بالرأي ولكنّا لم نقبل(1).

وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي وَنَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ

لما حصلت الحسرة والندامة.

وقصير هذا هو قصير بن سعد مولى جزيمة الأبرش من ملوك العرب.

روى انّ جذيمة قتل أبا الزبا ملكة الجزيرة، فبعث إليه عن حين ليتزوج بها خدعة وسألته القدوم عليها فأجابها إلى ذلك وخرج في ألف فارس وخلف باقي جنوده مع ابن أخته عمرو بن عدي، وأشار قصير إلى جزيمة لا يتوجّه إليها فلم يقبل رأيه فلمّا قرب جزيمة من الجزيرة استقبله جنود الزباء بالعدّة ولم ير منهم إكراماً له فأشار قصير إليه بالرجوع عنها وقال: إنّها امرأة ومن شأن النساء الغدر فلم يقبل فلما دخل عليها غدرت به وقتلته فعند ذلك قال قصير: لا يطاع لقصير أمر فيضرب به المثل لكل ناصح عصي وهو مصيب في رأيه(2).

ص: 305


1- تاريخ الطبري: 5/149.
2- بحار الأنوار: 33/322.

«لو كان يطاع لقصير أمر» مثل تمثّل عليه السلام به، والأصل فيه كما في الطبري: أنّ جذيمة الأبرش - وكان من أفضل ملوك العرب رأيا، وأبعدهم مغارا، وأشدّهم نكاية وكان أوّل من استجمع له الملك بأرض العراق، وكان به برص، فهابت العرب أن تنسبه إليه إعظاماً له، فقال: جذيمة الوضاح، وجذيمة الأبرش.

وكانت منازله بين الحيرة والأنبار، وبقة وهيت وناحيتها، وعين التمر وأطراف البر إلى الغمير، والقطقطانة وخفية وما والاها - غيرا عمرو بن ظرب ملك الشام، فقتله، فملك بعده ابنته الزباء، فأجمعت لغزو جذيمة تطلب بثار أبيها، فقالت لها أختها - وكانت ذات رأي دهاء: إن ظفرت أصبت ثارك، وإن قتلت ذهب ملكك، ولا تدرين لمن تكون العاقبة فانصرفت عن هذا الرأي، فأتت أمرها من وجوه الخدع والمكر، فكتبت إلى جذيمة تدعوه إلى نفسها وملكها، وأن يصل بلاده ببلادها، وأنّها لم تجد ملك النساء إلّا إلى قبيح في السماع، وضعف في السلطان، وأنّها لم تجد لنفسها كفواً غيره، فأقبل إليّ فأجمع ملكي إلى ملكك، وصل بلادي ببلادك، وتقلّد أمري مع أمرك.

فلمّا انتهى كتابها إلى جذيمة استخفه ما دعته إليه، ورغب في ما أطمعته فيه، وجمع إليه أهل النهي من ثقاته، وهو بالبقة من شاطئ الفرات، فعرض عليهم ما دعته إليه فصوبوا ذلك كلّهم إلّا قصيراً - وهو قصير بن سعد بن عمرو بن جذيمة بن قيس بن ربي بن نمارة بن لخم - وقال: «رأي فاتر وغدر حاضر» فذهبت مثلاً.

فنازعوه الرأي فقال: «إنّي لأرى أمراً ليس بالخسا ولا الزكا» فذهبت مثلاً.

وقال لجذيمة: اكتب إليها، فإن كانت صادقة فلتقبل إليك، وإلّا لم تمكنها من نفسك وقد قتلت أباها، فلم يوافق جذيمة رأي قصير، فقال قصير:

ص: 306

إنّي امرؤ لا يميل العجز ترويتي * إذا أتت دون شي ء مرة الوذم

فقال جذيمة: «ولكنّك امرؤ رأيك في الكن لا في الضح» فذهبت مثلاً.

فدعا جزيمة ابن اخته عمرو بن عدي، فاستشاره فشجّعه على المسير، وقال: إنّ نمارة قومي مع الزباء، ولو قدروا لصاروا معك. فأطاعه وعصى قصيراً، فقال قصير: «لا يطاع لقصير أمر». فاستخلف على ملكه عمرو بن عدي، وسار في وجوه من أصحابه، فأخذ على الفرات من الجانب الغربي، فلمّا نزل الفرضة دعا قصيراً، فقال: ما الرأي؟ قال: «ببقة تركت الرأي» فذهبت مثلاً.

واستقبلته رسل الزباء بالهدايا والألطاف، فقال: يا قصير كيف ترى؟ قال: «خطر يسير في خطب كبير» فذهبت مثلا.

وقال له: ستلقاك الخيول، فإن سارت أمامك فإن المرأة صادقة، وإن أخذت جنبيك وأحاطت بك من خلفك فانّ القوم غادرون، فاركب العصا - وكانت عصا فرساً لجذيمة لا تجارى - فإنّي راكبها ومسايرك عليها. فلقيته الخيول والكتائب، فحالت بينه وبين العصا، فركبها قصير، ونظر إليه جذيمة موليا على متنها، فقال: «ويل امه حزما على ظهر العصا» فذهبت مثلا.

فقال: «يا ضل ما تجري به العصا».

وجرت به إلى غروب الشمس ثمّ نفقت وقد قطعت أرضاً بعيدة فبنى عليها برجا يقال له: برج العصا. وسار جذيمة وقدأحاطت به الخيول حتّى دخل على الزباء، فلمّا رأته تكشفت، فإذا هي مضفورة الأسب، فقالت: يا جذيمة «أ دأب عروس ترى» فذهبت مثلاً. وقالت: إنّي انبئت أن دماء الملوك شفاء من الكلب.

ثمّ أجلسته على نطع، وأمرت بطست من ذهب فأعدته له وسقته من الخمر

ص: 307

حتّى أخذت مأخذها منه، وأمرت براهشيه فقطعا، وقد قيل لها: إن قطر من دمه شي ء في غير السطت طلب بدمه. وكانت الملوك لا تقتل بضرب العنق إلّا في القتال تكرمة للملك.

فلمّا ضعفت يداه سقطتا فقطر من دمه، فقالت: لا تضيعوا دم الملك. فقال: «دعوا دما ضيعه أهله» فذهبت مثلا.

فهلك جذيمة واستنشفت الزباء دمه، فجعلته في برس قطن في ربعة لها. وخرج قصير من الحي الذي هلكت العصا بين أظهرهم، حتّى قدم على عمرو بن عدي بالحيرة، فقال له: «أداثر أم ثائر» قال: «ثائر سائر» فذهبت مثلا.

فقال له قصير: «تهيّأ ولا تطل دم خالك».

قال: وكيف لي بها وهي «امنع من عقاب الجو» فذهبت مثلاً.

وكانت اتّخذت نفقا من مجلسها الذي كانت تجلس فيه إلى حصن لها داخل مدينتها، وقالت ان فجأني أمر دخلت النفق إلى حصني. فقال له قصير: اجدع أنفي واضرب ظهري، ودعني وإيّاها.

فقال عمرو: ما أنا بفاعل ذلك وما أنت بذلك بمستحقّ منّي. فقال قصير: «خلّ عنّي إذن وخلاك ذم» فذهبت مثلا.

فقال له عمرو: فأنت أبصر. فجدع قصير أنفه وأثر بظهره، فقالت العرب: «لمكر ما جدع قصير أنفه».

ثمّ خرج كأنّه هارب، وأظهر أن عمرا فعل به ذلك، وأنّه يزعم أنّه مكر بخاله جذيمة، وغرّه من الزبا.

فسار حتّى قدم على الزباء فقيل لها: إنّ قصيراً بالباب. فأمرت به فادخل عليها

ص: 308

فاذا أنفه قد جدع، وظهره قد ضرب، فقالت: ما الذي أرى بك يا قصير؟ فقال: زعم عمرو بن عدي أنّي غررت خاله، وزيّنت له المسير إليك وغششته ومالأتك عليه، ففعل بي ماترين، فأقبلت إليك وعرفت أنّى لا أكون مع أحد هو أثقل عليه منك. فأكرمته، وأصابت عنده بعض ما أرادت من الرأي والمعرفة بأُمور الملوك. فلمّا عرف أنّها قد ثقّت به قال: إنّ لي بالعراق أموالاً كثيرة، وبها طرائف وثياب وعطر، فابعثيني إلى العراق لأحمل مالي، وأحمل إليك من بزوزهاو وطرائف ثيابها، وصنوف ما يكون بها من الأمتعة والطيب والتجارات، فتصيبين في ذلك أرباحاً عظاما، وبعض ما لا غنى بالملوك عنه. فلم يزل يزيّن لها ذلك حتّى سرحته ودفعت معه عيرا، وقالت له: بع ما جهّزناك به، وابتع لنا من طرائف ما يكون بها. فسار قصير حتّى قدم العراق وأتى الحيرة متنكرا، فدخل على عمرو بن عدي فأخبره بالخبر، وقال: جهّزني بالبز والطرف والأمتعة، لعلّ اللَّه يمكن منها فتصيب ثأرك. فجهّزه بصنوف الثياب وغيرها، فرجع بذلك كلّه إلى الزباء فأعجبها ما رأت، وازدادت به ثقة. ثمّ جهّزته بعد ذلك بأكثر ممّا في المرّة الأُولى، فسار حتّى قدم العراق، ولقي عمرو بن عدي، وحمل من عنده ما ظنّ أنّه موافق لها، ولم يدع طرفة قدر عليها إلّا حملها، ثمّ عاد الثالثة، وقال لعمرو: اجمع لي ثقات أصحابك وجندك، وهيّئ لهم الغرائر والمسوح - وقصير أوّل من عمل الغرائر - واحمل كلّ رجلين على بعير في غرارتين، واجعل معقد رؤوس الغرائر من باطنها، فإذا دخلوا مدينة الزباء أقمتك على باب نفقها، وأخرجت الرجال من الغرائر فصاحوا بأهل المدينة، فمن قاتلهم قتلوه، وإن أقبلت الزباء تريد النفق جللتها بالسيف. ففعل عمرو ما قال، ثمّ وجّه إلى الزبا العير عليها الرجال وأسلحتهم، فلمّا كانوا قريباً من

ص: 309

مدينتها تقدّم قصير إليها، فبشّرها واعلمها كثرة ما حمل إليها من الثياب والطرائف، وسألها أن تخرج فتنظر إلى قطارات تلك الإبل، وقال لها: «إنّي جئت بما صاء وصمت» فذهبت مثلا.

وكان قصير يكمن النهار ويسير الليل، وهو أوّل من فعل ذلك فخرجت، فأبصرت الإبل تكاد قوائمها تسوخ في الأرض من ثقل أحمالها، فقالت: يا قصير:

ما للجمال مشيها وئيدا * أجندلا يحملن أم حديدا

أم صرفانا بارداً شديدا * أم الرجال جثما قعودا

فدخلت الإبل المدينة حتّى كان آخرها، نخس بواب نبطي بمنخسته الغرائر التي تليه، فأصابت خاصرة الرجل الذي فيها، فضرط، فقال: «بشقا بسقا» - يعني في الجوالق شر - فذهبت مثلا.

فلمّا توسّطت الإبل المدينة انيخت، ودلّ قصير عمرا على باب النفق، وخرجت الرجال من الغرائر، وصاحوا بأهل المدينة، ووضعوا فيهم السيف وقام عمرو على باب النفق، وأقبلت الزباء مولّية مبادرة لتدخل النفق فأبصرت عمرا قائماً - وكان المصوّرون صوّروا لها صورته قبل، لأن كاهنتها أخبرتها أنّه قاتلها - فمصّت خاتمها، وكان فيه سم وقالت: «بيدي لا بيدك يا عمرو» فذهبت مثلا.

وتلقّاها عمرو، فجلّلها بالسيف فقتلها.

والمثل بعدم إطاعة أمر قصير كما تمثّل عليه السلام به معروف، قال نهشل بن حري التميمي:

ومولى عصاني واستبدّ برأيه * كما لم يطع بالبقتين قصير

فلمّا تيقّن غبّ أمري وأمره * وولّت بأعجاز الأُمور صدور

ص: 310

تمنّى بئيسا أن يكون أطاعني * وقد حدثت بعد الأُمور أُمور(1)

حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ فَكُنْتُ أَنَا وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ

فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ وَالْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ

في قضايا أبي السرايا في خروج علي بن محمّد بن جعفر أيّام المأمون وقتاله مع عسكر المأمون وعليهم هرثمة بن أعين - ان هرثمة صاح: يا أهل الكوفة عَلامَ تسفكون دماءنا ودماءكم إن كان قتالكم كراهيّة لإمامنا فهذا منصور بن المهدي رضا لنا ولكم نبايعه، وإن أحببتم إخراج الأمر من ولد العبّاس فانصبّوا إمامكم، واتّفقوا معنا ليوم الإثنين نتناظر فيه ولا قتلونا وأنفسكم.

فأمسك أهل الكوفة أصحاب أبي السرايا عن الحملة، فناداهم أبو السرايا: ويحكم إنّ هذه حيلة من هؤلاء لما أيقنوا بالهلاك، فاحملوا عليهم، فامتنعوا وقالوا: لا يحلّ لنا قتالهم، وقد أجابوا.

فغضب أبو السرايا، ولمّا كان يوم الجمعة خطب وقال: يا أهل الكوفة يا قتلة علي عليه السلام ويا خذلة الحسين عليه السلام إنّ المغتر بكم لمغرور، وإنّ المعتمد على نصركم لمخذول، وإنّ الذليل لمن أعززتموه، واللَّه ما خمد عليّ عليه السلام أمركم في حمده، ولا رضى مذهبكم في رضاه، ولقد حكمكم فحكمتم عليه، وائتمنكم فخنتم أمانته، ووثق بكم فحلتم عن ثقته، ثمّ لم تنفكّوا عليه مختلفين، ولطاعته ناكثين، إن قام قعدتم، وإن قعد قمتم، وإن تقدّم تأخّرتم، وإن تأخّر تقدّمتم خلافاً عليه، وعصياناً لأمره، حتّى سبقت فيكم دعوته، وخذلكم اللَّه بخذلانكم إيّاه، أي عذر لكم في الهرب عن عدوّكم، والنكول عمّن لقيتم وقد عبّروا خندقكم، وعلوا قبائلكم،

ص: 311


1- تاريخ الطبري: 1/444؛ بهج الصباغة: 10/328.

ينتهبون أموالكم ويستباحون حريمكم هيهات لا عذر لكم إلّا العجز والمهانة والرضا بالصغار والذلّة، إنّما أنتم كفي ء الظل، وتهزمكم الطبول بأصواتها، ويملأ قلوبكم الخرق بسوادها. أما واللَّه لأستبدلنّ بكم قوماً يعرفون اللَّه حقّ معرفته، ويحفظون محمّداًصلى الله عليه وآله في عترته. قال:

ومارست أقطار البلاد فلم أجد * لكم شبها في ما وطئت من الأرض

خلافاً وجهلاً وانتشار عزيمة * ووهنا وعجزا في الشدائد والخفض

لقد سبقت فيكم إلى الحشر دعوة * فلا فيكم راض ولا فيكم مرضي

سأبعد داري عن قلى من دياركم * فذوقوا إذا ولّيت عاقبة النقض(1)

أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرِجِ اللِّوَى * فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلّا ضُحَى الْغَدِ

اشاره

أخو هوازن صاحب الشعر هو دريد بن الصمة وقبله:

نصحت لعارض وأصحاب عارض * ورهط بني السوداء والقوم شهدي

فقلت لهم ظنّوا بألفي مدجج * سراتهم في الفارسي المسرد

وبعده:

فلمّا عصوني كنت منهم وقد أرى * غوايتهم وأنّني غير مهتد

وهل (ما) أنا إلّا من غزية إن غوت * غويت وإن ترشد غزية أرشد(2)

ص: 312


1- مقاتل الطالبيين: 443.
2- الأغاني: 10/246 - 247.

وقصّة دريد في هذه القصيدة: أنّ أخاه عبداللَّه بن الصمة غزا بني بكر بن هوازن فغنم منهم واستاق إبلهم فلما كان بمنعرج اللوى قال: واللَّه لا أبرح حتى أنحر النقيعة وهي ما ينحر من النهب قبل القسمة فقال أخوه: لا تفعل فإن القوم في طلبك وأبى عليه وأقام ونحر النقيعة وبات فلمّا أصبح هجم القوم عليه وطعن عبداللَّه بن الصمة فاستغاث بأخيه دريد فنهنه عنه القوم حتى طعن هو أيضا وصرع وقتل عبداللَّه وحال الليل بين القوم فنجا دريد بعد طعنات وجراح فأنشد القصيدة(1).

وعن نصر بن مزاحم في كتاب الصفين أنّه بعد روايته هذه الخطبة مثل ما رواه السيّد زاد في آخرها:

ألا إنّ هذين الرجلين اللذين اخترتموهما قد نبذا حكم الكتاب، وأحييا ما أمات واتبع كل واحد منهما هواه وحكم بغير حجة ولا بينة ولا سنة ماضية واختلفا فيما حكما فكلاهما لم يرشد اللَّه، فاستعدوا للجهاد وتأهبوا للمسير وأصبحوا في معسكركم يوم كذا(2).

قضيّة صفّين

قال ابن الأثير في كامله انّه لمّا عاد عليّ عليه السلام من البصرة بعد فراغه من الجمل قصد الكوفة وأرسل إلى جرير بن عبداللَّه البجلي وكان عاملاً على همدان استعمله عثمان وإلى الأشعث بن قيس وكان على آذربايجان استعمله عثمان أيضاً يأمرهما بأخذ البيعة والحضور عنده فلمّا حضرا عنده أراد عليّ عليه السلام أن يرسل

ص: 313


1- بحار الأنوار: 33/323.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/259.

رسولاً إلى معاوية قال جرير: أرسلني إليه فانّه لي ودّ فقال الأشتر: لا تفعل فانّ هواه مع معاوية فقال عليّ: دعه حتّى ننظر ما الذي يرجع إلينا به فبعثه وكتب معه كتاباً إلى معاوية يعلمه فيه باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته ونكث طلحة والزبير وحربه إيّاهما ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار من طاعته.

فسار جرير إلى معاوية فلمّا قدم عليه ماطله واستنظره واستشار عمروا فأشار عليه أن يجمع أهل الشام ويلزم عليّاً دم عثمان ويقاتله بهم ففعل معاوية ذلك وكان اهل الشام لما قدم عليهم النعمان بن بشير بقميص عثمان الذي قتل فيه مخضوباً بالدم باصابع زوجته نائلة اصبعان منها وشي ء من الكفّ واصبعان مقطوعتان من أُصولهما ونصف الإبهام، وضع معاوية القميص على المنبر وجمع الاجناد إليه فبكوا على القميص مدّة وهو على المنبر والأصابع معلّقة فيه واقسم رجال من أهل الشام أن لا يمسّهم الماء إلّا للغسل من الجنابة وأن لايناموا على الفراش حتّى يقتلوا قتلة عثمان ومن قام دونهم قتلوه فلمّا عاد جرير إلى أميرالمؤمنين عليه السلام وأخبره خبر معاوية واجتماع أهل الشام معه على قتاله وأنّهم يبكون على عثمان ويقولون انّ عليّاً قتله وآوى قتلته وانّهم لا ينتهون عنه حتّى يقتلهم أو يقتلوه قال الأشتر لعليّ: قد كنت نهيتك أن ترسل جريراً وأخبرتك بعداوته وغشّه ولو كنت أرسلتني لكان خيراً من هذا الذي أقام عنده حتّى لم يدع باباً يرجو فتحه إلّا فتحه ولا بابا يخاف منه إلّا أغلقه.

فقال جرير: لو كنت ثمّ لقتلوك لقد ذكروا انّك من قتلة عثمان، فقال الأشتر: واللَّه لو اتيتهم لم يعييني جوابهم ولحملت معاوية على خطته اعجله فيها عن الفكر ولو

ص: 314

أطاعني فيك أميرالمؤمنين لحبستك وأشباهك حتّى يستقيم هذا الأمر فخرج جرير إلى قرقيسا وكتب إلى معاوية فكتب إليه معاوية يأمره بالقدوم عليه(1).

وقيل كان الذي حمل معاوية على رد جرير البجلي غير مقضي الحاجة شرحبيل بن السمط الكندي.

وكان سبب ذلك إنّ شرحبيل كان قد سيّره عمر بن الخطاب إلى العراق إلى سعد بن أبي وقّاص وكان معه فقدمه سعد وقرّبه فحسده الأشعث بن قيس الكندي لمنافسة بينهما فوفد جرير البجلي على عمر فقال له الأشعث: إن قدرت أن تنال شرحبيل عند عمر فافعل فلمّا قدم على عمر سأله عمر عن الناس فأحسن الثناء على سعد قال وقد قال شعرا:

ألا ليتني والمرء سعد بن مالك * وزبرا وابن السمط في لجّة البحر

فيغرق أصحابي وأخرج سالما * على ظهر قرقور أنادي أبا بكر

فيكتب عمر إلى سعد يأمره بارساله زبرا وشرحبيلا إليه فأرسلهما فأمسك زبرا بالمدينة وسير شرحبيلا إلى الشام فشرف وتقدم وكان أبوه السمط من غزة الشام فلمّا قدم جرير بكتاب علي إلى معاوية في البيعة انتظر معاوية قدوم شرحبيل فلمّا قدم عليه أخبره معاوية بما قدم فيه جرير فقال كان أميرالمؤمنين عثمان خليفتنا فإن قويت على الطلب بدمه وإلّا فاعتزلنا فانصرف جرير فقال النجاشي:

شرحبيل ما للدين فارقت أمرنا * ولكن لبغض المالكي جرير

وقولك ما قد قلت عن أمر أشعث * فأصبحت كالحادي بغير بعير

(جرير بن عبداللَّه بن جابر بن مالك فنسب إلى جدّه مالك).

ص: 315


1- الكامل لابن اثير: 3/276.

وخرج علي فعسكر بالنخيلة وتخلّف عنه نفر من أهل الكوفة منهم:

مرّة الهمداني ومسروق أخذا أعطياتهما وقصدا قزوين فأمّا مسروق فانّه كان يستغفر اللَّه من تخلّفه عن عليّ بصفّين وقدم عليه عبداللَّه بن عبّاس فيمن معه من أهل البصرة وبلغ ذلك معاوية فاستشار عمرا فقال أما إذا سار علي فسر إليه بنفسك ولا تغب عنه برأيك ومكيدتك فتجهّز معاوية وتجهّز الناس وحضهم عمرو وضعف عليا وأصحابه وقال: إن أهل العراق قد فرقوا جمعهم ووهنوا شوكتهم وفلوا حدّهم وأهل البصرة مخالفون لعليّ بمن قتل منهم وقد تفانت صناديدهم وصناديد أهل الكوفة يوم الجمل وإنّما سار علي في شرذمة قليلة وقد قتل خليفتكم واللَّه اللَّه في حقّكم إن تضيعوه وفي دمكم إن تطلبوه وكتب معاوية إلى أهل الشام وعقد لواء لعمرو ولواء لابنيه عبداللَّه ومحمّد ولواء لغلامه وردان وعقد علي لواء لغلامه قنبر(1).

فقال عمرو:

هل يغنين وردان عني قنبرا * أو تغني السكون عني حميرا

فبلغ ذلك عليّاً فقال:

لأصبحنّ العاصي ابن العاصي * سبعين ألفاً عاقدي النواصي

مجنبين الخيل بالقلاص * مستحقبين حاق الدلاص

فلمّا سمع معاوية ذلك قال: ما أرى عليّاً إلّا وقد وفي ذلك وسار معاوية وتأني في مسيره فلمّا رأى ذلك الوليد بن عقبة بعث إليه يقول:

ألا أبلغ معاوية بن حرب * فإنّك من أخي ثقة مليم

ص: 316


1- الكامل لابن اثير: 3/277.

قطعت الدهر كالسدم المعني * تهدر في دمشق فما تريم

وإنّك والكتاب إلى علي * كدابغة وقد حلم الأديم

يمنيك الامارة كلّ ركب * لانقاض العراق بها رسيم

وليس أخو الترات بمن تواني * ولكن طالب الترة الغشوم

ولو كنت القتيل وكان حيا * لجرد لا ألف ولا غشوم

ولا نكل عن الأتار حتّى * يبي ء بها ولا برم جثوم

وقومك بالمدينة قد أبيروا * فهم صرعى كأنّهم الهشيم

فكتب إليه معاوية:

ومستعجب ما يرى من أناتنا * ولو زينته الحرب لم يترمرم

وبعث علي زياد بن النضر الحارثي طليعة في ثمانية آلاف وبعث مع شريح بن هانئ أربعة آلاف وسار علي من النخيلة وأخذ معه من بالمدائن من المقاتلة وولى علي المدائن سعد بن مسعود عمّ المختار بن أبي عبيد الثقفي لما سار علي كان معه نابغة بني جعدة فحدا به يوماً فقال:

قد علم المصران والعراق * أنّ عليّاً فحلها العتاق

أبيض جحجاح له رواق * إن الأولي جاروك لا أفاقوا

لكم سباق ولهم سباق * قد علمت ذلكم الرفاق

ووجه علي من المدائن معقل بن قيس في ثلاثة ألف وأمره أن يأخذ على الموصل حتّى يوافيه على الرقّة فلمّا وصل إلى الرقّة قال لأهلها ليعملوا له جسراً يعبر عليه إلى الشام فأبوا وكانوا قد ضمّوا سفنهم إليهم فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج وخلف عليهم الأشتر فناداهم الأشتر وقال أقسم اللَّه لئن لم تعملوا

ص: 317

جسراً يعبر عليه أميرالمؤمنين لأجردن فيكم السيف ولأقتلنّ الرجال ولآخذنّ الأموال فلقي بعضهم بعضا وقالوا انّه الأشتر وإنّه قمن أن يفي لكم بما حلف عليه أو يأتي بأكثر منه فنصبوا له جسراً وعبر عليه علي وأصحابه وازدحموا عليه فسقطت قلنسوة عبداللَّه بن أبي الحصين الأزدي فنزل فأخذها ثمّ ركب وسقطت قلنسوة عبداللَّه بن الحجّاج الأزدي فنزل فأخذها ثمّ قال لصاحبه:

فان يك ظنّ الزاجري الطير صادقا * كما زعموا أقتل وشيكا ويقتل

فقال ابن أبي الحصين ما شي ء أحبّ إليّ ممّا ذكرت فقتلا جميعاً بصفّين(1).

ولمّا بلغ عليّ الفرات دعا زياد بن النضر الحارثي وشريح بن هانئ فسرحهما أمامه في اثني عشر ألفاً نحو معاوية على حالهما التي خرجا عليها من الكوفة وكان سبب عودهما إليه أنّهما حيث سيّرهما علي من الكوفة أخذا على شاطئ الفرات ممّا يلي البر فلمّا بلغا عانات بلغهما أنّ معاوية قد أقبل في جنود الشام فقالا: لا واللَّه ما هذا لنا برأي نسير وبيننا وبين المسلمين وأميرالمؤمنين هذا البحر وما لنا خير في أن نلقي جنود الشام لقلّة من معنا فذهبوا ليعبروا من عانات فمنعهم أهلها فرجعوا فعبروا من هيت فلحقوا علياً دون قرقيسيا فلمّا لحقوا عليّاً قال مقدمتي تأتيني من ورائي فأخبره شريح وزياد بما كان فقال سددتما فلمّا عبر الفرات سيرهما أمامه فلمّا انتهيا إلى سور الروم لقيهما أبو الأعور السلمي في جند من أهل الشام فأرسلا إلى عليّ فأعلماه فأرسل علي إلى الأشتر وأمره بالسرعة وقال له: إذا قدمت فأنت عليهم وإيّاك أن تبدأ القوم بقتال إلّا أن يبدؤوك حتّى تلقاهم فتدعوهم وتسمع منهم ولا يحملك بغضهم على قتالهم قبل دعائهم

ص: 318


1- الكامل لابن اثير: 3/279.

والإعذار إليهم مرّة بعد مرّة واجعل على ميمنتك زيادا وعلى ميسرتك شريحا ولا تدن منهم دنو من يريد أن ينشبّ الحرب ولا تباعد منهم تباعد من يهاب البأس حتّى أقدم عليك فإنّي حثيث المسير في أثرك إن شاء اللَّه تعالى. وكتب علي إلى شريح وزياد بذلك وأمرهما بطاعة الأشتر.

فسار الأشتر حتّى [إذا] قدم عليهم واتبع ما أمره وكفّ عن القتال ولم يزالوا متوافقين حتّى كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور السلمي فثبتوا له واضطربوا ساعة ثمّ انصرف أهل الشام وخرج إليهم من الغد هاشم بن عتبة المرقال وخرج إليه أبو الأعور فاقتتلوا يومهم وصبر بعضهم لبعض ثمّ انصرفوا وحمل عليهم الأشتر وقال أروني أبا الأعور وتراجعوا ووقف أبو الأعور وراء المكان الذي كان فيه أوّل مرّة وجاء الأشتر فصفّ أصحابه بمكان أبي الأعور بالأمس فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي: انطلق إلى أبي الأعور فادعه إلى البراز فقال: إلى مبارزتي أو مبارزتك؟ فقال الأشتر:

لو أمرتك بمبارزته لفعلت؟ قال: نعم واللَّه لو أمرتني أن أعترض صفّهم بسيفي لفعلت فدعا له وقال إنّما تدعوه لمبارزتي. فخرج إليهم فقال أمنوني فإنّي رسول فأمنوه فانتهى إلى أبي الأعور وقال له إنّ الأشتر يدعوك إلى أن تبارزه فسكت طويلاً ثمّ قال إن خفّة الأشتر وسوء رأيه حملاه على إجلاء عمال عثمان عن العراق وتقبيح محاسنه وعلى أن سار إليه في داره حتّى قتله فأصبح متعبا بدمه لا حاجة لي في مبارزته قال له الرسول: قد قلت فاسمع منّي أجبك قال: لا حاجة لي في جوابك اذهب عنّي فصاح به أصحابه فانصرف عنه ورجع إلى الأشتر فأخبره فقال لنفسه نظر فوقفوا حتّى حجز الليل بينهم وعاد الشاميون من الليل.

ص: 319

وأصبح على غدوة عند الأشتر وتقدّم الأشتر ومن معه فانتهى إلى معاوية فواقفه ولحق بهم علي فتواقفوا طويلا.

ثمّ أنّ عليّاً طلب لعسكره موضعاً ينزل فيه وكان معاوية قد سبق فنزل منزلاً اختاره بسيطا واسعاً أفيح وأخذ شريعة الفرات وليس في ذلك الصقع شريعة غيرها وجعلها في حيزة وبعث عليها أبا الأعور السلمي يحميها ويمنعها فطلب أصحاب علي شريعة غيرها فلم يجدوا فأتوا عليا فأخبروه بفعلهم وبعطش الناس فدعا صعصعة بن صوحان فأرسله إلى معاوية يقول له إنا سرنا مسيرنا هذا ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار إليكم فقدمت إلينا خيلك ورجالك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك ونحن من رأينا الكف حتّى ندعوك ونحتجّ عليك وهذه أخرى قد فعلتموها منعتم الناس عن الماء والناس غير منتهين فابعث إلى أصحابك فليخلوا بين الناس وبين الماء وليكفوا لننظر فيما بيننا وبينكم وفيما قدمنا له فان أردت أن نترك ما جئنا له ونقتتل على الماء حتّى يكون الغالب هو الشارب فعلنا(1).

فقال معاوية لأصحابه: ما ترون؟ فقال الوليد بن عقبة وعبداللَّه بن سعد امنعهم الماء كما منعوه ابن عفّان اقتلهم عطشا قتلهم اللَّه فقال عمرو بن العاص خل بين القوم وبين الماء وإنّهم لن يعطشوا وأنت ريان ولكن بغير الماء فانظر فيما بينك وبين اللَّه فأعاد الوليد وعبداللَّه بن سعد (والصحيح بن أبي السرح) مقالتهما وقالا امنعهم الماء إلى الليل فانّهم إن لم يقدروا عليه رجعوا وكان رجوعهم هزيمة امنعهم الماء منعهم اللَّه [إيّاه] يوم القيامة.

قال صعصعة: إنّما يمنعه اللَّه الفجرة وشربة الخمر لعنك اللَّه ولعن هذا الفاسق

ص: 320


1- الكامل لابن الاثير: 3/281.

يعني الوليد بن عقبة فشتموه وهدّدوه.

وقد قيل إن الوليد وابن أبي سرح لم يشهدا صفين.

فرجع صعصعة فأخبره بما كان وأن معاوية قال سيأتيكم رأيي، فسرب الخيل إلى أبي الأعور ليمنعهم الماء فلمّا سمع علي ذلك قال قاتلوهم على الماء فقال الأشعث بن قيس الكندي أنا أسير إليهم فلمّا دنوا منهم ثاروا في وجوههم فرموهم بالنبل فتراموا ساعة ثمّ تطاعنوا بالرماح ثمّ ساروا إلى السيوف فاقتتلوا ساعة وأرسل معاوية يزيد بن أسد البجلي القسري جد خالد بن عبداللَّه القسري في الخيل إلى أبي الأعور فأقبلوا فأرسل علي شبث بن ربعي الرياحي فازداد القتال فأرسل معاوية عمرو بن العاس في جند كثير فأخذ يمد أبا الأعور ويزيد بن أسد وأرسل علي الأشتر في جمع عظيم وجعل يمدّ الأشعث وشيئا فاشتدّ القتال فقال عبداللَّه بن عوف الأزدي الأحمري:

خلو لنا ماء الفرات الجاري * أو أثبتوا لجحفل الجرار

لكلّ قوم مستميت ثاري(1) * مطاعن برمحه كرار

ضراب هامات العدى مغوار * لم يخش غير الواحد القهّار

وقاتلوهم حتّى خلوا بينهم وبين الماء وصار في أيدي أصحاب عليّ فقالوا: واللَّه لا نسقيه أهل الشام فأرسل علي إلى أصحابه أن خذوا من الماء حاجتكم وخلوا عنهم فانّ اللَّه نصركم ببغيهم وظلمهم ومكث علي يومين لا يرسل إليهم أحداً ولا يأتيه أحد.

ثمّ أنّ عليّاً دعا أبا عمرو وبشير بن عمرو بن محصن الأنصاري وسعيد بن قيس

ص: 321


1- شاري.

الهمداني وشبث بن ربعي التميمي فقال لهم ائتوا هذا الرجل وادعوه إلى اللَّه وإلى الطاعة والجماعة فقال له شبث: يا أميرالمؤمنين ألا تطمعه في سلطان توليه إيّاه أو منزلة تكون له بها أثرة عندك إن هو بايعك؟ قال: انطلقوا إليه واحتجّوا عليه وانظروا ما رأيه وهذا في أوّل ذي الحجّة فأتوه فدخلوا عليه فابتدأ بشير بن عمرو الأنصاري فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال يا معاوية إنّ الدنيا عنك زائلة وإنّك راجع إلى الآخرة إنّ اللَّه محاسبك بعملك ومجازيك عليه وإنّي أنشدك اللَّه أن لا تفرق جماعة هذه الأُمّة وأن لا تسفك دماءها بينها.

فقطع عليه معاوية الكلام وقال: هلا أوصيت بذلك صاحبك فقال له أبو عمرو إنّ صاحبي ليس مثلك إنّ صاحبي أحقّ البريّة كلّها بهذا الأمر في الفضل والدين والسابقة في الإسلام والقرابة بالرسول قال فماذا يقول؟ قال: يأمرك بتقوى اللَّه وأن تجيب ابن عمّك إلى ما يدعوك إليه من الحق فانّه أسلم لك في دنياك وخير لك في عاقبة أمرك.

قال معاوية ونترك دم ابن عفّان لا واللَّه لا أفعل ذلك أبدا.

قال: فذهب سعيد بن قيس يتكلّم فبادره شبث بن ربعي فحمد اللَّه وأثنى عليه ثمّ قال: يا معاوية قد فهمت ما رددت على ابن محصن إنّه واللَّه لا يخفى علينا ما تطلب إنّك لم تجد شيئاً تستغوي به الناس وتستميل به أهوائهم وتستخلص به طاعتهم إلّا قولك قتل إمامكم مظلوما فنحن نطلب بدمه فاستجاب لك سفهاء طغام وقد علمنا أنّك أبطأت عنه بالنصر وأحببت له القتل لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب ورب متمني أمر وطالبه يحول اللَّه دونه وربما أوتي المتمني أمنيته وفوق أمنيته وواللَّه ما لك في واحدة منهما خير وواللَّه ان أخطأك ما ترجو إنك لشر

ص: 322

العرب حالا ولئن أصبت ما تتمناه لا تصيبه حتّى تستحق من ربك صلى النار فاتق اللَّه يا معاوية ودع ما أنت عليه ولا تنازع الأمر أهله.

قال معاوية: أما بعد فان أوّل ما عرفت به سفهك وخفّة حلمك ان قطعت على هذا الحسيب الشريف سيّد قومه منطقة ثمّ اعترضت بعد فيما لا علم لك به فقد كذبت ولؤمت أيّها الأعرابي الجلف الجاف (الجاني) في كلّ ما ذكرت ووصفت، انصرفوا من عندي فليس بيني وبينكم إلّا السيف وغضب وخرج القوم فقال له شبث بن ربعي أتهول بالسيف أقسم باللَّه لنجعلنها إليك، فأتوا عليّاً فأخبروه بذلك.

فأخذ علي يأمر الرجل ذا الشرف فيخرج ومعه جماعة من أصحابه ويخرج إليه آخر من أصحاب معاوية ومعه جماعة فيقتتلان في خيلهما ثمّ ينصرفان وكرهوا أن يلقوا جمع أهل العراق بجمع أهل الشام لما خافوا أن يكون فيها من الاستئصال والهلاك فكان علي يخرج مرّة الأشتر ومرّة حجر بن عدي الكندي ومرّة شبث بن ربعي ومرّة خالد بن المعمر ومرّة زياد بن النضر الحارثي ومرّة زياد بن خصفة التيمي ومرّة سعيد بن قيس الهمداني ومرّة معقل بن قيس الرياحي ومرّة قيس بن سعد الأنصاريّ وكان الأشتر أكثرهم خروجا وكان معاوية يخرج إليهم عبدالرحمن بن خالد بن الوليد وأبو الأعور السلمي وحبيب بن مسلمة الفهري وابن ذي الكلاع الحميري وعبيداللَّه بن عمر بن الخطّاب وشرحبيل بن السمط الكندي وحمزة بن مالك الهمذاني فاقتتلوا أيّام ذي الحجّة كلّها وربما اقتتلوا في اليوم الواحد مرّتين(1).

ثمّ قال: في هذه السنة (سنة سبع وثلاثين) في المحرم منها جرت موادعة بين

ص: 323


1- الكامل لابن الاثير: 3/284.

علي ومعاوية توادعا على ترك الحرب بينهما حتّى ينقضي المحرم طمعاً في الصلح واختلفت بينهم الرسل فبعث علي عدي بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبي وشبث بن ربعي وزياد بن خصفة.

فتكلّم عدي بن حاتم فحمد اللَّه وقال: أمّا بعد فانّا أتيناك ندعوك إلى أمر يجمع اللَّه به كلمتنا وأمتنا ونحقن به الدماء ونصلح ذات البين إن ابن عمّك سيّد المسلمين أفضلها سابقة وأحسنها في الإسلام أثرا وقد استجمع له الناس ولم يبقى أحد غيرك وغير من معك فأحذر يا معاوية لا يصيبك وأصحابك مثل يوم الجمل فقال له معاوية كأنّك إنّما جئت متهدّداً ولم تأت مصلحاً هيهات يا عدي كلّا واللَّه إنّي لإبن حرب لا يقعقع له بالشنان وإنّك واللَّه من المجلبين على عثمان وإنّك من قتلته وإنّي لأرجو أن تكون ممّن يقتله اللَّه به.

فقال له شبث وزياد بن خفصة جواباً واحداً: أتيناك فيما يصلحنا وإيّاك فأقبلت تضرب لنا الأمثال دع ما لا ينفع وأجبنا فيما يعمّ نفعه وقال يزيد بن قيس إنّا لم نأت إلاّ لنبلغك ما أرسلنا به إليك ونؤدّي عنك ما سمعنا منك.

ولن ندع أن ننصح لك وأن نذكر ما يكون به الحجّة عليك ويرجع إلى الألفة والجماعة إن صاحبنا من قد عرف المسلمون فضله ولا يخفى عليك فاتّق اللَّه يا معاوية ولا تخالفه فإنا واللَّه ما رأينا في الناس رجلاً قط أعمل بالتقوى ولا أزهد في الدنيا ولا أجمع لخصال الخير كلّها منه.

فقال معاوية: أمّا بعد فإنّكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة فأمّا الجماعة التي دعوتم إليها فمعنا هي وأمّا الطاعة لصاحبكم فإنّا لا نراها لأن صاحبكم قتل خليفتنا وفرّق جماعتنا وآوى ثارنا وصاحبكم يزعم أنّه لم يقتله فنحن لا نرد

ص: 324

عليه ذلك فليدفع إلينا قتلة عثمان لنقتلهم ونحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة.

فقال شبث بن ربعي: أسرك يا معاوية أن تقتل عمّاراً فقال وما يمنعني من ذلك لو تمكنت من ابن سميّة لقتلته بمولى عثمان فقال شبث والذي لا إله غيره لا تصل إلى ذلك حتّى تذر الهام عن الكواهل وتضيق الأرض والفضاء عليك فقال معاوية لو كان ذلك لكانت عليك أضيق.

وتفرّق القوم عن معاوية وبعث معاوية إلى زياد بن خصفة فخلا به وقال له يا أخا ربيعة إنّ عليّاً قطع أرحامنا وقتل إمامنا وآوى قتلة صاحبنا وإنّي أسألك النصر عليه بعشيرتك ثمّ لك عهد اللَّه وميثاقه اني اوليك إذا ظهرت أي المصريين أحببت فقال زياد: أما بعد فانّي على بيّنة من ربّي وما أنعم اللَّه عليّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين وقام فقال معاوية لعمرو بن العاص ليس نكلّم رجلاً منهم فيجيب إلى خير ما قلوبهم إلّا كقلب واحد.

وبعث معاوية إلى علي حبيب بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد بن الأخنس فدخلوا عليه فحمد اللَّه حبيب وأثنى عليه ثمّ قال أمّا بعد فان عثمان كان خليفة مهديا يعمل بكتاب اللَّه وينيب إلى أمره فاستثقلتم حياته واستبطأتم وفاته فعدوتم عليه فقتلتموه فادفع إلينا قتلة عثمان إن زعمت أنّك لم تقتله [نقتلهم به]، ثمّ اعتزل أمر الناس فيكون أمرهم شورى بينهم يولونه من أجمعوا عليه.

فقال له عليّ عليه السلام: ما أنت لا أم لك والعزل وهذا الأمر؟ اسكت [فإنّك] لست هناك ولا بأهل له.

فقال: واللَّه لتريني بحيث تكره فقال له علي عليه السلام: وما أنت؟ لا أبقى اللَّه عليك إن

ص: 325

أبقيت علينا اذهب فصوب وصعد ما بدا لك وقال شرحبيل ما كلامي إلّا مثل كلام صاحبي فهل عندك جواب غير هذا؟ فقال علي ليس عندي جواب غيره.

ثمّ حمد اللَّه وأثنى عليه وقال عليه السلام ما ذكره في الكامل: أمّا بعد فانّ اللَّه تعالى بعث محمّداً بالحق فأنقذ به من الضلالة والهلكة وجمع به من الفرقة ثمّ قبضه اللَّه تعالى إليه فاستخلف الناس أبا بكر واستخلف أبو بكر عمر فأحسنا السيرة وعدلا وقد وجدنا عليهما أن توليا الأُمور ونحن آل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فغفرنا ذلك لهما وولى الناس عثمان فعمل بأشياء عابها الناس فساروا إليه فقتلوه ثمّ أتاني الناس وأنا معتزل أُمورهم فقالوا لي نبايع فأبيت فقالوا نبايع فان الأُمّة لا ترضى إلّا بك وإنّا نخاف إن لم تفعل أن يتفرّق الناس فبايعتهم فلم يرعني إلّا شقاق رجلين قد بايعاني وخلاف معاوية الذي لم يجعل له سابقة في الدين ولا سلف صدق في الإسلام، طليق بن طليق، حزب من الأحزاب، لم يزل حربا للَّه ورسوله هو وأبوه حتّى دخلا في الإسلام كارهين ولا عجب إلّا من اختلافكم معه وانقيادكم له وتتركون آل بيت نبيّكم الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم ألا إنّي أدعوكم إلى كتاب اللَّه وسنّة نبيّه وإماتة الباطل وإحياء الحق ومعالم الدين أقول قولي هذا واستغفر اللَّه لي وللمؤمنين.

فقالا: تشهد ان عثمان قتل مظلوماً؟ فقال لهما: لا أقول إنّه قتل مظلوماً ولا ظالماً، قالا: فمن لم يزعم أنّه قتل مظلوماً فنحن منه براء وانصرفا، فقال [عليّ]عليه السلام: (إنّك لا تسمع الموتى)، إلى قوله: (فهم مسلمون).

ثمّ قال لأصحابه: لا يكن هؤلاء في الجد في ضلالهم أجد منكم في الجد في حقّكم وطاعة ربّكم(1).

ص: 326


1- الكامل لابن الاثير: 3/289.

فلمّا انسلخ (الأشهر الحرم) المحرّم أمر عليّ عليه السلام منادياً فنادى يا أهل الشام يقول لكم أميرالمؤمنين قد استدمتكم لتراجعوا الحق وتنيبوا إليه فلم تنتهوا عن طغيانكم ولم تجيبوا إلى الحق وإنّي قد نبذت إليكم على سواء إنّ اللَّه لا يحبّ الخائنين.

فاجتمع أهل الشام إلى أمرائهم ورؤسائهم وخرج معاوية وعمر يكتبان الكتائب ويعبيان الناس وكذلك فعل أميرالمؤمنين وقال للناس لاتقاتلوهم حتّى يقاتلوكم فأنتم بحمد اللَّه على حجّة وترككم قتالهم حجّة أخرى فاذا هزمتموهم فلا تقتلوا مدبرا ولا تجهزوا على جريح ولا تكشفوا عورة ولا تمثلوا بقتيل وإذا وصلتم إلى رجال القوم فلا تهتكوا سترا ولا تدخلوا داراً ولا تأخذوا شيئاً من أموالهم ولا تهيجوا امرأة وإن شتمن أعراضكم وسبين أمراءكم وصلحاءكم فإنهنّ ضعاف القوي والأنفس وكان يقول بهذا المعنى لأصحابه في كلّ موطن وحرض أصحابه فقال عليه السلام: عباد اللَّه اتّقوا اللَّه وغضّوا الأبصار واخفضوا الأصوات وأقلّوا الكلام ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجاولة والمزاولة والمناضلة والمعانقة والمكادمة والملازمة «فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(1)، «وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»(2). اللهمّ ألهمهم الصبر وأنزل عليهم النصر وأعظم لهم الأجر!

وأصبح علي فجعل على خيل الكوفة الأشتر وعلى جند البصرة سهل بن حنيف وعلى رجّالة الكوفة عمّار بن ياسر وعلى رجّالة البصرة قيس بن سعد وأعطى

ص: 327


1- سورة الأنفال: 45.
2- سورة الأنفال: 46.

الراية هاشم بن عتبة المرقال وجعل مسعر بن فدكي على قرّاء الكوفة وأهل البصرة.

وبعث معاوية على ميمنته ابن ذي الكلاع الحميري وعلى ميسرته حبيب بن مسلمة الفهري وعلى مقدمته أبا الأعور السلمي وعلى خيل دمشق عمرو بن العاص وعلى رجالة دمشق مسلم بن عقبة المري وعلى الناس كلّهم الضحّاك بن قيس وبايع رجال من أهل الشام على الموت فعقلوا أنفسهم بالعمائم وكانوا خمسة صفوف وخرجوا أوّل يوم من صفر فاقتتلوا وكان على الذين خرجوا من أهل الكوفة الأشتر وعلى من خرج من أهل الشام حبيب بن مسلمة فاقتتلوا يومهم هذا قتالاً شديداً معظم النهار ثمّ تراجعوا وقد انتصف بعضهم من بعض.

ثمّ خرج في اليوم الثاني هاشم بن عتبة في خيل ورجال وخرج من أهل الشام أبو الأعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك ثمّ انصرفوا.

وخرج في اليوم الثالث عمّار بن ياسر وخرج إليه عمرو بن العاص فاقتتلوا أشدّ قتال وقال عمّار: يا أهل العراق أتريدون أن تنظروا إلى من عادى اللَّه ورسوله وجاهدهما وبغي على المسلمين وظاهر المشركين؟

فلمّا رأى اللَّه يعزّ دينه ويظهر رسوله أتى النبي صلى الله عليه وآله وهو فيما نرى راهب غير راغب ثمّ قبض النبي صلى الله عليه وآله فواللَّه إن زال بعده معروفاً بعداوة المسلم واتباع المجرم فاثبتوا له وقاتلوه.

وقال عمّار لزياد بن النضر وهو على الخيل احمل على أهل الشام فحمل وقاتله الناس وصبروا له وحمل عمّار فأزال عمرو بن العاص عن موضعه وبارز يومئذٍ زياد بن النضر أخاه لأُمّه واسمه عمرو بن معاوية من بني المنتفق فلمّا التقيا

ص: 328

تعارفا فانصرف كلّ واحد منهما عن صاحبه وتراجع الناس.

وخرج من الغد محمّد بن علي وهو ابن الحنفيّة وخرج إليه عبيداللَّه بن عمر بن الخطّاب في جمعين عظيمين فاقتتلوا أشدّ القتال وأرسل عبيداللَّه إلى ابن الحنفيّة يدعوه إلى المبارزة فخرج إليه فحرّك على دابته وردّ ابنه وبرز علي إلى عبيداللَّه فرجع عبيداللَّه وقال محمّد لأبيه لو تركتني لرجوت قتله وقال يا أميرالمؤمنين وكيف تبرز إلى هذا الفاسق واللَّه انّي لأرغب بك عن أبيه فقال علي يا بني لا تقل في أبيه إلّا خيراً وتراجع الناس.

وخرج عبداللَّه بن عبّاس في اليوم الخامس وخرج إليه الوليد بن عقبة فاقتتلوا قتالاً شديداً فسبّ الوليد بني عبدالمطلب فطلبه ابن عبّاس ليبارزه فأبى وقاتل ابن عبّاس قتالاً شديداً وخرج في اليوم السادس قيس بن سعد الأنصاري وخرج إليه ابن ذي الكلاع الحميري فاقتتلوا قتالاً شديداً ثمّ انصرفوا ثمّ عاد يوم الثلاثاء وخرج الأشتر وخرج إليه حبيب فاقتتلوا قتالاً شديداً وانصرفوا عند الظهر(1).

ثمّ انّ عليّاً قال: حتّى متى لا نناهض هؤلاء القوم بأجمعنا فقام في الناس عشيّة الثلاثاء ليلة الأربعاء خطيباً فحمد اللَّه وأثنى عيه فقال: «الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي لا يُبْرِمُ مَا نَقَضَ وما ابرم لم ينقضه الناقضون ولو شاء اللَّه ما اختلف اثنان من خلقه ولا اختلفت الأمة في شي ء ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله وقد ساقنا وهؤلاء القوم الأقدار فنحن بمرأى من ربّنا ومسمع فلو شاء اللَّه عجل النقمة وكان مِنْهُ التَّغْيِيرُ حَتَّى يُكَذِّبَ اللَّهُ الظَّالِمَ وَيُعْلِمَ الْحَقَّ أَيْنَ مَصِيرُهُ وَلَكِنَّهُ جَعَلَ الدُّنْيَا دَارَ الْأَعْمَالِ وَجَعَلَ الآْخِرَةَ دَارَ الْجَزَاءِ وَالْقَرَارِ «لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ

ص: 329


1- الكامل لابن الاثير: 3/293.

الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى»(1) أَلا إِنَّكُمْ لاقُو القوم (الْعَدُوِّ) غَداً إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَطِيلُوا اللَّيْلَةَ الْقِيَامَ وَأَكْثِرُوا تِلاوَةَ الْقُرْآنِ وَاسْأَلُوا اللَّهَ الصَّبْرَ وَالنَّصْرَ وَالْقَوْهُمْ بِالْجِدِّ وَالْحَزْمِ وَكُونُوا صَادِقِينَ». فقام القوم يصلحون سلاحهم فمرّ بهم كعب بن جعيل فقال:

أصبحت الأُمّة في أمر عجب

والملك مجموع غدا لمن غلب

فقلت قولا صادقاً غير كذب

إن غدا تهلك أعلام العرب

وعبا على الناس ليلته حتّى الصباح وزحف بالناس وخرج إليه معاوية في أهل الشام فسأل علي عن القبائل من أهل الشام فعرف مواقفهم قال للأزد اكفونا الأزد وقال لخثعم اكفونا خثعم وأمر كلّ قبيلة أن تكفيه أختها من الشام إلاّ أن تكون قبيلة ليس منها بالشام أحد فيصرفها إلى قبيلة أُخرى من الشام ليس بالعراق منهم أحد مثل بجيلة لم يكن بالشام منهم إلّا القليل صرفهم إلى لخم.

فتناهض الناس يوم الأربعاء فاقتتلوا قتالاً شديداً ثمّ انصرفوا عند المساء وكلّ غير غالب.

فلمّا كان يوم الخميس صلّى علي عليه السلام بغلس وخرج بالناس إلى أهل الشام فرحف إليهم وزحفوا معه، وكان على ميمنة علي عبداللَّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعلى ميسرته عبداللَّه بن عبّاس والقراء مع ثلاثة نفر عمّار وقيس بن سعد وعبداللَّه بن بديل والناس على راياتهم ومراكزهم وعلي عليه السلام في القلب في أهل المدينة بين أهل الكوفة والبصرة وأكثر من معه من أهل المدينة الانصار ومعه عدد من خزاعة وكنانة وغيرهم من أهل المدينة، ورفع معاوية قبّة عظيمة فالقى عليها الثياب وبايعه أكثر أهل الشام على الموت وأحاط بقبّته خيل دمشق وزحف

ص: 330


1- سورة النجم: 31.

عبداللَّه بن بديل في الميمنة نحو حبيب بن مسلمة وهو في ميسرة معاوية فلم يزل يحوزه ويكشف خيله حتّى اضطرّهم إلى قبّة معاوية عند الظهر وحرّض عبداللَّه بن بديل أصحابه فقال: ألا إنّ معاوية ادّعى ما ليس له ونازع الحق أهله وعاند من ليس مثله وجادل بالباطل ليدحض به الحق وصال عليكم بالأعراب والأحزاب الذين قد زيّن لهم الضلالة وزرع في قلوبهم حبّ الفتنة ولبس عليهم الأمر وزاد عليهم الأمر وزادهم رجسا إلى رجسهم، فقاتلوا الطغام الجفاة ولا تخشوهم «قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ»(1).

وحرّض علي أصحابه فقال في كلام له: «فَسَوُّوا صُفُوفَكُمْ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ وَأَخِّرُوا الْحَاسِرَ وَعَضُّوا عَلَى الأضراس (النَّوَاجِدِ) فَإِنَّهُ أَنْبَأُ لِلسُّيُوفِ عَلَى الْهَامِ والتووا في الأطراف فانه اصون للأسنة (وَالْتَوُوا عَلَى أَطْرَافِ الرِّمَاحِ فَإِنَّهُ أَمْوَرُ لِلْأَسِنَّةِ) وَغُضُّوا الْأَبْصَارَ فَإِنَّهُ أَرْبَطُ لِلْجَأْشِ وَأَسْكَنُ لِلْقُلُوبِ وَأَمِيتُوا الْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ وَألوي بِالْوَقَارِ وَلا تَمِيلُوا بِرَايَاتِكُمْ وَلا تُزِيلُوهَا وَلا تَجْعَلُوهَا إِلّا بايدي شُجْعَانِكُم، واستعينوا بالصدق والصبر فإنّ بعد الصبر ينزل عليكم النصر».

وقام يزيد بن قيس الأرحبي يحرّض الناس فقال إن المسلم من سلم في دينه ورأيه وإنّ هؤلاء القوم واللَّه لا يقاتلونا على اقامة دين ضيعناه واحياء حقّ أمتناه إن يقاتلوننا إلّا على هذه الدنيا ليكونوا جبّارين فيها ملوكاً فلو ظهروا عليكم لا أراهم اللَّه ظهوراً ولا سروراً ألزموكم بمثل سعيد والوليد وابن عامر السفيه الضال

ص: 331


1- سورة التوبة: 14.

يجيز أحدهم بمثل ديته ودية أبيه وجدّه في جلسة ثمّ يقول هذا لي ولا إثم عليّ كأنّما أعطى تراثه عن أبيه وأُمّه وإنّما هو مال اللَّه أفاءه علينا بأرماحنا وسيوفنا فقاتلوا عباد اللَّه القوم الظالمين فانّهم إن يظهروا عليكم يفسدوا عليكم دينكم ودنياكم وهم من قد عرفتم وخبرتم واللَّه ما ازدادوا إلى يومهم إلّا شرّا(1).

وقاتلهم عبداللَّه بن بديل في الميمنة قتالاً شديداً حتّى انتهى إلى قبّة معاوية وأقبل الذين تبايعوا على الموت إلى معاوية فأمرهم أن يصمدوا لابن بديل في الميمنة وبعث إلى حبيب بن مسلمة في الميسرة فحمل بهم وبمن كان معه على ميمنة الناس فهزمهم وانكشف أهل العراق من قبل الميمنة حتّى لم يبق منهم إلّا ابن بديل في مائتين أو ثلاثمائة من القرّاء قد أسند بعضهم إلى بعض وانجفل الناس، وأمر على سهل بن حنيف فاستقدم فيمن كان معه من أهل المدينة فاستقبلتهم جموع لأهل الشام عظيمة فاحتملتهم حتّى أوقفتهم في الميمنة وكان فيما بين الميمنة إلى موقف علي في القلب أهل اليمن فلمّا انكشفوا انتهت الهزيمة إلى علي فانصرف علي يمشي نحو الميسرة فانكشفت عنه مضر من الميسرة وثبتت ربيعة وكان الحسن والحسين ومحمّد بنو علي معه حين قصد الميسرة والنبل يمرّ بين عاتقيه ومنكبيه وما من بنيه أحد إلّا يقيه بنفسه فيردّه فبصر به أحمر مولى أبي سفيان أو عثمان فأقبل نحوه فخرج إليه كيسان مولى علي فاختلفا بينهما ضربتان فقتله أحمر فأخذ علي بجيب درع أحمر فجذبه وحمله على عاتقه ثمّ ضرب به الأرض فكسر منكبيه وعضديه ودنا منه أهل الشام فما زاده قربهم إلّا إسراعاً فقال له ابنه الحسن ما ضرك لو سعيت حتّى تنتهي إلى هؤلاء القوم من أصحابك فقال: يا

ص: 332


1- الكامل لابن الاثير: 3/295.

بني إنّ لأبيك يوماً لا يعدوه ولا يبطى ء به عنه السعي ولا يعجل به إليه المشي ء وإنّ أباك واللَّه لا يبالي أ وقع على الموت أم وقع الموت عليه.

فلمّا وصل إلى ربيعة نادى بصوت عالي كغير المكترث لما فيه الناس لمن هذه الرايات؟ قالوا رايات ربيعة قال بل رايات عصم اللَّه أهلها فصبرهم وثبت أقدامهم وقال للحضين بن المنذر يا فتى ألا تدنى رايتك هذه ذراعاً؟ قال: بلى واللَّه عشرة أذرع فأدناها حتّى قال: حسبك مكانك ولما انتهى علي إلى ربيعة تنادوا بينهم يا ربيعة إن أصيب فيكم أميرالمؤمنين وفيكم رجل حي افتضحتم في العرب فقاتلوا قتالاً شديداً ما قاتلوا مثله فلذلك قال علي:

لمن راية سوداء يخفق ظلها * إذا قيل قدما حضين تقدّما

ويقدمها في الموت حتّى يزيرها * حياض المنايا تقطر الموت والدما

أذقنا ابن حرب طعننا وضرابنا * بأسيافنا حتى تولّى وأحجما

جزى اللَّه قوماً صابروا في لقائهم * لدى الموت قوماً ما أعف وأكرما

وأطيب أخباراً وأكرم شيمة * إذا كان أصوات الرجال تغمغما

ربيعة أعني أنّهم أهل نجدة * وبأس إذا لاقوا خميسا عرمرما(1)

ومرّ به الأشتر وهو يقصد الميسرة والأشتر يركض نحو الفزع قبل الميمنة فقال له علي: يا مالك قال: لبّيك يا أميرالمؤمنين قال: أئت هؤلاء القوم فقل لهم أين فراركم من الموت الذي لن تعجزوه إلى الحياة التي لا تبقى لكم فمضى الأشتر فاستقبل الناس منهزمين فقال لهم ما قال علي ثمّ قال: أيّها الناس أنا الأشتر إلى فأقبل إليه بعضهم وذهب البعض فنادى أيّها الناس ما أقبح ما قاتلتم مذ اليوم

ص: 333


1- الكامل لابن الاثير: 3/298.

أخلصوا لي مذحجا فأقبلت مذحج إليه فقال لهم: ما أرضيتم ربّكم ولا نصحتم له في عدوّكم وكيف ذلك وأنتم أبناء الحرب وأصحاب الغارات وفتيان الصباح وفرسان الطراد وحتوف الأقران ومذحج الطعان الذين لم يكونوا يسبقون بثأرهم ولا تطل دماؤهم وما تفعلون هذا اليوم فانّه مأثور بعده فانصحوا وأصدقوا عدوّكم اللقاء فانّ اللَّه مع الصادقين والذي نفسي بيده ما من هؤلاء وأشار إلى أهل الشام رجل على مثل جناح بعوضة من دين أجلوا اسواد وجهي يرجع فيه دمه عليكم بهذا السواد الأعظم فان اللَّه [لو] قد فضه فتبعه من بجانبيه قالوا تجدنا حيث أحببت فقصد نحو عظمهم ممّا يلي الميمنة يزحف إليهم ويردّهم واستقبله شباب من همدان وكانوا ثمانمائة مقاتل يومئذٍ وكانوا صبروا في الميمنة حتّى أصيب منهم ثمانون ومائة رجل وقتل منهم أحد عشر رئيساً كان أوّلهم ذؤيب بن شريح ثمّ شرحبيل ثمّ مرثد ثمّ هبيرة ثمّ يريم ثمّ سمير أولاد شريح فقتل ثمّ أخذ الراية عميرة ثمّ الحارث ابنا بشير فقتلا جميعاً ثمّ أخذ الراية سفيان وعبداللَّه وبكر بنو زيد فقتلوا جميعاً، ثمّ أخذ الراية وهب بن كريب فانصرف هو وقومه وهم يقولون ليت لنا عدّتنا من العرب يحالفوننا على الموت ثمّ نرجع فلا ننصرف أو نقتل أو نظفر فسمعهم الأشتر يقولون هذا فقال لهم: أنا أحالفكم على أن لا نرجع أبداً حتّى نظفر أو نهلك فوقفوا معه وفي هذا قال كعب بن جعيل:

وهمدان زرق تبتغي من تحالف

وزحف الأشتر نحو الميمنة وثاب إليه الناس وتراجعوا من أهل البصرة وغيرهم فلم يقصد كتيبة إلّا كشفها ولا جمعا إلّا جازه وردّه فانّه كذلك إذ مرّ به

ص: 334

زياد بن النضر الحارثي يحمل إلى العسكر(1).

ثمّ أطال الكلام في المقال بما لا مزيد عليه إلى أن قال:

وخرج عمّار بن ياسر على الناس فقال اللهمّ إنّك تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته اللهمّ إنّك تعلم أنّي لو أعلم أنّ رضاك في أن أضع ظبّة سيفي في بطني ثمّ أنحني عليها حتّى تخرج من ظهري لفعلته وإنّي لا أعلم اليوم عملاً هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ولو أعلم عملاً هو أرضى لك منه لفعلته واللَّه إنّي لأرى قوماً ليضربنّكم ضرباً يرتاب منه المبطلون وأيم اللَّه لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا سفعات هجر لعلمت أنا على الحق وأنّهم على الباطل.

ثمّ قال: من يبتغي رضوان اللَّه ربّه ولا يرجع إلى مال ولا ولد فأتاه عصابة فقال: اقصدوا بنا هؤلاء القوم الذين يطلبون دم عثمان واللَّه ما أرادوا الطلب بدمه ولكنّهم ذاقوا الدنيا واستحبوها وعلموا أنّ الحقّ إذا لزمهم حال بينهم وبين ما يتمرّغون فيه منها ولم يكن لهم سابقة يستحقّون بها طاعة الناس والولاية عليهم فخدعوا أتباعهم وقالوا إمامنا قتل مظلوماً ليكونوا بذلك جبابرة ملوكاً فبلغوا ما ترون فلو لا هذا ما تبعهم من الناس رجلان اللهمّ إن تنصرنا فطالما نصرت وإن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم.

ثمّ مضى ومعه تلك العصابة فكان لا يمرّ بواد من أودية صفّين إلّا تبعه من كان هناك من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله ثمّ جاء هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص وهو المرقال وكان صاحب راية عليّ وكان أعور فقال يا هاشم أعور وجبنا لا خير في أعور لا يغشى البأس اركب يا هاشم فركب ومضى معه وهو يقول:

ص: 335


1- الكامل لابن الاثير: 3/300.

أعور يبغي أهله محلا * قد عالج الحياة حتّى ملأ

لابدّ أن يفل أو يفلا * يتلهم بذي الكعوب تلأ

وعمّار يقول تقدّم يا هاشم الجنّة تحت ظلال السيوف والموت تحت أطراف الأسل وقد فتحت أبواب السماء وتزيّنت الحور العين:

اليوم ألقى الأحبّة * محمّداً وحزبه

وتقدّم حتّى دنا من عمرو بن العاص فقال له: يا عمرو بعت دينك بدنياك بمصر تبّاً لك فقال له: لا ولكن أطلب بدم عثمان قال: أنا أشهد على علمي فيك أنّك لا تطلب بشي ء من فعلك وجه اللَّه وإنّك إن لم تقتل اليوم تمت غداً فانظر إذا أعطى الناس على قدر نيّاتهم ما نيّتك لقد قاتلت صاحب هذه الراية ثلاثاً مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وهذه الرابعة ما هي بأبر وأتقى ثمّ قال عمّار فلم يرجع وقتل(1).

وقال حبّة بن جوين العرني: قلت لحذيفة بن اليمان: حدّثنا فانا نخاف الفتن فقال: عليكم بالفئة التي فيها ابن سمية فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال: تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق وإن آخر رزقه ضياح من لبن وهو الممزوج بالماء من اللبن.

قال حبة فشهدته يوم قتل يقول ائتوني بآخر رزق لي من الدنيا فأتي بضياح من لبن في قدح أروح له حلقة حمراء فما أخطأ حذيفة مقياس شعره فقال:

اليوم ألقى الأحبة * محمدا وحزبه

واللَّه لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنّنا على الحق وأنّهم على الباطل ثمّ قتل، قتله أبو الغازية واجتز رأسه ابن جوى السكسكي وقيل قتله غيره.

وكان ذي الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لعمار بن

ص: 336


1- الكامل لابن الاثير: 3/308.

ياسر: تقتلك الفئة الباغية وآخر شربة تشربها ضياح من لبن فكان ذو الكلاع يقول لعمرو ما هذا ويحك يا عمرو فيقول عمرو إنّه سيرجع إلينا فقتل ذو الكلاع قبل عمّار مع معاوية وأصيب عمّار بعده مع علي فقال عمرو لمعاوية ما أدري بقتل أيّهما أنا أشدّ فرحا بقتل عمّار أو بقتل ذي الكلاع واللَّه لو بقي ذو الكلاع بعد قتل عمّار لمال بعامّة أهل الشام إلى علي فأتى جماعة إلى معاوية كلّهم يقول أنا قتلت عمّاراً فيقول عمرو فما سمعته يقول فيخلطون فأتاه ابن حوي فقال أنا قتلته فسمعته يقول:

اليوم ألقى الأحبّة * محمّداً وحزبه

فقال له عمرو: أنت صاحبه ثمّ قال رويدا واللَّه ما ظفرت يداك ولقد أسخطت ربّك.

قيل: إنّ أبا الغازية قتل عمّارا وعاش إلى زمن الحجّاج ودخل عليه فأكرمه الحجّاج وقال له: أنت قتلت ابن سميّة؟ يعني عمّاراً قال: نعم. فقال: من سرّه أن ينظر إلى عظيم الباع يوم القيامة فلينظر إلى هذا الذي قتل ابن سميّة ثمّ سأله أبو الغازية حاجته فلم يجبه إليها فقال نوطئ لهم الدنيا ولا يعطونا منها ويزعم أني عظيم الباع يوم ا لقيامة [فقال الحجّاج]: أجل واللَّه من كان ضرسه مثل أحد وفخذه مثل جبل ورقان ومجلسه مثل المدينة والربذة إنّه لعظيم الباع يوم القيامة واللَّه لو أنّ عمّاراً قتله أهل الأرض كلّهم لدخلوا كلّهم النار.

وقال عبدالرحمن السلمي: لما قتل عمّار دخلت عسكر معاوية لأنظر هل بلغ منهم قتل عمّار ما بلغ منّا وكنّا إذا تركنا القتال تحدّثوا إلينا وتحدّثنا إليهم فاذا معاوية وعمرو وأبو الأعور وعبداللَّه بن عمرو يتسايرون فأدخلت فرسي بينهم

ص: 337

لئلّا يفوتني ما يقولون فقال عبداللَّه لأبيه: يا أبت هذا الرجل في يومكم هذا وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ما قال، قال: وما قال؟ قال ألم يكن المسلمون ينقلون في بناء مسجد النبي صلى الله عليه وآله لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فغشى عليه فأتاه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: ويحك يابن سميّة الناس ينقلون لبنة لبنة وأنت تنقل لبنتين لبنتين رغبة في الأجر وأنت ذلك تقتلك الفئة الباغية فقال عمرو لمعاوية: أما تسمع ما يقول عبداللَّه؟ قال: وما يقول؟ فأخبره فقال معاوية أنحن قتلناه إنّما قتله من جاء به.

«فعلى قول معاوية كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قاتل حمزة لا الوحشيّ لأنّه صلى الله عليه وآله قد جاء بعمّه يوم الأُحد للقتال مع المشركين»(1).

قال: فخرج الناس من فساطيطهم وأخبيتهم يقولون إنّما قتل عمّاراً من جاء به فلا أدري من كان أعجب أهو أم هم.

فلمّا قتل عمّار قال علي لربيعة وهمدان: أنتم درعي ورمحي فانتدب له نحو من اثنى عشر وتقدّمهم علي على بغلة فحملوا معه حملة رجل واحد فلم يبق لأهل الشام صف إلّا انتقض وقتلوا كلّ من انتهوا إليه حتّى بلغوا معاوية وعلي عليه السلام يقول:

أقتلهم ولا أرى معاوية * الجاحظ العين العظيم الحاوية

ثمّ نادى معاوية فقال: علامَ يقتل الناس بيننا هلم أحاكمك إلى اللَّه فأينا قتل صاحبه استقامت له الأُمور فقال له عمرو أنصفك فقال له معاوية ما أنصفت إنّك لتعلم أنّه لم يبرز له أحد إلّا قتله فقال له عمر: ما يحسن بك ترك مبارزته؟ فقال له معاوية: طمعت فيها بعدي وكان أصحاب علي قد وكّلوا به رجلين يحافظانه لئلّا

ص: 338


1- مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة: 6/117.

يقاتل وكان يحمل إذا غفلا فلا يرجع حتّى يخضب سيفه وإنّه حمل مرّة فلم يرجع حتّى انثني سيفه فألقاه إليهم وقال لو لا أنّه أنثني ما رجعت إليكم فقال الأعمش لأبي عبدالرحمن هذا واللَّه ضرب غير مرتاب فقال أبو عبدالرحمن سمع القوم شيئاً فأدوه ما كانوا بكاذبين.

وأسر معاوية جماعة من أصحاب علي فقال له عمرو اقتلهم فقال عمرو بن أوس الأودي: لا تقتلني فإنّك خالي قال من أين أنا خالك ولم يكن بيننا وبين أود مصاهرة؟ قال: إن أخبرتك فهو أماني عندك؟ قال: نعم قال: أليست أختك أُمّ حبيبة زوج النبيّ صلى الله عليه وآله؟ قال: بلى قال: فإنّي ابنها وأنت أخوها فأنت خالي فقال معاوية ما له للَّه أبوه أما كان في هؤلاء من يفطن لها غيره وخلى سبيله.

وكان قد أسر علي عليه السلام أسارى كثيرة فخلّى سبيلهم فجاؤوا معاوية وإنّ عمراً ليقول له وقد أسر أيضاً أسارى كثيرة اقتلهم فلمّا وصل أصحابهم قال معاوية يا عمرو لو أطعناك في هؤلاء الأسارى لوقعنا في قبيح من الأمر وخلّى سبيل من عنده(1).

وأمّا هاشم بن عتبة فإنّه دعا الناس عند المساء وقال: ألا من كان يريد اللَّه والدار الآخرة فإلي فأقبل إليه ناس كثير فحمل على أهل الشام مرارا ويصبرون له وقاتل قتالاً شديداً وقال لأصحابه: لا يهولنّكم ما ترون من صبرهم فواللَّه ما هو إلّا حميّة العرب وصبرها تحت راياتهم وإنّهم لعلى الضلال وإنّكم لعلى الحق ثمّ حرض أصحابه وحمل في عصابة من القرّاء فقاتل قتالاً شديداً حتّى رأوا بعض ما يسرّون به فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم شاب وهو يقول:

ص: 339


1- الكامل لابن الاثير: 3/310.

أنا ابن أرباب الملوك غسان * والدائن اليوم بدين عثمان

نبأنا قرّاؤنا بما كان * أنّ عليّاً قتل ابن عفّان

ثمّ يحمل فلا يرجع حتّى يضرب بسيفه ويشتم ويلعن فقال له هاشم: يا هذا إنّ هذا الكلام بعده الخصام وإن هذا القتال بعده الحساب فاتّق اللَّه فإنّه سائلك عن هذا الموقف وما أردت به قال فإنّي أقاتلكم لأن صاحبكم لا يصلّي وأنتم لا تصلّون وإنّ صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم ساعدتموه على قتله فقال له هاشم: ما أنت وعثمان قتله أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأبناء أصحابه وقرّاء الناس وهم أهل الدين والعلم وماأهملوا أمر هذا الدين طرفة عين وأمّا قولك إنّ صاحبنا لا يصلّي فإنّه أوّل من صلّى وأفقه خلق اللَّه في دين اللَّه وأولى بالرسول صلى الله عليه وآله وأمّا كلّ من ترى معي فكلّهم قارئ لكتاب اللَّه لا ينام الليل تهجّداً فلا يغوينّك هؤلاء الأشقياء فقال الفتى فهل لي من توبة؟ قال: نعم تب إلى اللَّه يتب عليك فإنّه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات فرجع الفتى فقال له أهل الشام خدعك العراقي؟ فقال: كلّا ولكن نصح لي وقاتل هاشم وأصحابه قتالاً شديداً حتّى رأوا الظفر فأقبلت عليهم عند المغرب كتيبة لتنوخ فقاتلهم هاشم وهو يقول:

أعور يبغي أهله محلا * لابدّ أن يفل أو يفلا

قد عالج الحياة حتّى ملا * يتلهم بذي الكعوب تلا

فقتل يومئذٍ تسعة أو عشرة وحمل عليه الحارث بن المنذر التنوخي فطعنه فسقط فأرسل إليه علي أن قدم لواءك فقال لرسوله انظر إلى بطني فاذا هو [قد ]انشقّ فقال الحجّاج بن غزية الأنصاري:

فان تفخروا بابني بديل وهاشم * فنحن قتلنا ذا الكلاع وحوشبا

ص: 340

ونحن تركنا عند معترك القنا * أخاك عبيداللَّه لحما ملحبا

ونحن أحطنا بالبعير وأهله * ونحن سقيناك سماما مقشبا(1)

ومرّ عليّ بكتيبة من أهل الشام فرآهم لا يزولون وهم غسان فقال إنّ هؤلاء لا يزولون إلّا بطعن وضرب يفلق الهام ويطيح العظام تسقط منه المعاصم والأكف وحتّى يقرع جباههم بعمد الحديد أين أهل النصر والصبر طلّاب الأجر فأتاه عصابة من المسلمين فدعا ابنه محمّداً فقال له: تقدّم نحو هذه الراية مشيا رويدا على هيئتك حتّى إذا أشرعت في صدورهم الرماح فأمسك حتّى يأتيك أمري ففعل وأعدّ لهم علي مثلهم وسيّرهم إلى ابنه محمّد وأمره بقتالهم فحملوا عليهم فأزالوهم عن مواقفهم وأصابوا منهم رجالاً ومرّ الأسود بن قيس المرادي بعبداللَّه بن كعب المرادي وهو صريع فقال عبداللَّه: يا أسود! فقال: لبّيك وعرفه وقال له عزّ عليّ مصرعك ثمّ نزل إليه وقال له: إن كان جارك ليأمن بوائقك وإن كنت لمن الذاكرين اللَّه كثيراً أوصني رحمك اللَّه فقال أوصيك بتقوى اللَّه وأن تناصح أميرالمؤمنين وأن تقاتل معه المحلّين حتّى تظهر أو تلحق باللَّه وأبلغه عنّي السلام وقل له قاتل على المعركة حتّى تجعلها خلف ظهرك فانّه من أصبح غداً والمعركة خلف ظهره كان العالي ثمّ لم يلبث أن مات فأقبل الأسود إلى علي فأخبره فقال: رحمه اللَّه جاهد عدوّنا في الحياة ونصح لنا في الوفاة.

وقيل إنّ الذي أشار على أميرالمؤمنين علي بهذا عبدالرحمن بن الحنبل الجمحي قال: فاقتتل الناس تلك الليلة كلّها إلى الصباح وهي ليلة الهرير فتطاعنوا حتّى تقصفت الرماح وتراموا حتّى نفد النبل وأخذوا السيوف وعلي يسير فيما بين

ص: 341


1- الكامل لابن الاثير: 3/313.

الميمنة والميسرة ويأمر كلّ كتيبة أن تقدم على التي تليها فلم يزل يفعل ذلك حتّى أصبح والمعركة كلّها خلف ظهره والأشتر في الميمنة وابن عبّاس في الميسرة وعلي في القلب والناس يقتتلون من كلّ جانب وذلك يوم الجمعة وأخذ الأشتر يزحف بالميمنة ويقاتل فيها وكان قد تولّاها عشية الخميس وليلة الجمعة إلى ارتفاع الضحى ويقول لأصحابه ازحفوا قيد هذا الرمح وهو يزحف بهم نحو أهل الشام فإذا فعل ذلك بهم قال ازحفوا قيد هذا القوس فإذا فعلوا سألهم مثل ذلك حتّى مل أكثر الناس الإقدام فلمّا رأى الأشتر ذلك قال أعيذكم باللَّه أن ترضوا الغنم سائر اليوم ثمّ دعا بفرسه فركبه وترك رايته مع حيان بن هوذة النخعي وخرج يسير في الكتائب ويقول من يشتري نفسه ويقاتل مع الأشتر [حتّى] يظهر أو يلحق باللَّه فاجتمع إليه ناس كثير فيهم حيّان بن هوذة النخعي وغيره فرجع إلى المكان الذي فيه وقال لهم شدّوا شدّة فدا لكم خالي وعمّي ترضون بها الرب وتعزون بها الدين ثمّ نزل وضرب وجه دابته وقال لصاحب رايته أقدم بها وحمل على القوم وحملوا معه فضرب أهل الشام حتّى انتهى بهم إلى عسكرهم ثمّ قاتلوه عند العسكر قتالاً شديداً وقتل صاحب رايته ولمّا رأى علي الظفر من ناحيته أمدّه بالرجال، فقال عمرو بن العاص لوردان مولاه أتدري ما مثلي ومثلك ومثل الأشتر؟ قال: لا قال: كالأشقر إن تقدم عقر وإن تأخّر عقر لئن تأخّرت لأضربنّ عنقك قال: أما واللَّه يا أبا عبداللَّه لأوردنّك حياض الموت ضع يدك على عاتقي ثمّ جعل يتقدّم ويتقدّم ويقول: لأوردنّك حياض الموت واشتدّ القتال(1).

ص: 342


1- الكامل لابن الاثير: 3/314.

قصّة التحكيم والحكمين وحكمهما بالجور رأي العين

قال الشارح: الذي دعا إلى التحكيم طلب أهل الشام له واعتصامهم به من سيوف أهل العراق فقد كانت أمارات القهر والغلبة لاحت ودلائل النصر والظفر وضحت، فعدل أهل الشام عن القراع إلى الخداع وكان ذلك برأي عمرو بن العاص، وهذه الحال وقعت عقيب ليلة الهرير(1) التي يضرب بها المثل(2).

قال نصر بن مزاحم وهو ثقة ثبت صحيح النقل غير منسوب إلى هوى ولا إدغال وهو من رجال أصحاب الحديث: حدثنا عمرو بن شمر قال: حدّثني أبو ضرار قال: حدّثني عمّار بن ربيعة قال: غلس علي عليه السلام بالناس صلاة الغداة يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وقيل عاشر شهر صفر ثم زحف إلى أهل الشام بعسكر العراق والناس على راياتهم وأعلامهم وزحف إليهم أهل الشام وقد كانت الحرب أكلت الفريقين ولكنّها في أهل الشام أشدّ نكاية وأعظم وقعا فقد ملوا الحرب وكرهوا القتال وتضعضعت أركانهم.

قال: فخرج رجل من أهل العراق على فرس كميت ذنوب(3) عليه السلاح لا يرى منه إلّا عيناه وبيده الرمح فجعل يضرب رؤوس أهل العراق بالقناة ويقول: سووا صفوفكم رحمكم اللَّه حتى إذا عدل الصفوف والرايات استقبلهم بوجهه وولى أهل الشام ظهره ثم حمد اللَّه وأثنى عليه وقال الحمد للَّه الذي جعل فينا ابن عم نبيّه أقدمهم هجرة وأولهم إسلاما سيف من سيوف اللَّه على أعدائه فانظروا إذا

ص: 343


1- من هرير الفرسان بعضهم على بعض كما تهر السباع؛ وهو صوت دون النباح.
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/206.
3- الذنوب: الفرس الوافر الذنب.

حمي الوطيس(1) وثار القتام(2) وتكسر المران(3) وجالت الخيل بالأبطال فلا أسمع إلّا غمغمة أو همهمة فاتبعوني وكونوا في أثري.

ثمّ حمل على أهل الشام فكسر فيهم رمحه ثمّ رجع فإذا هو الأشتر.

قال: وخرج رجل من أهل الشام فنادى بين الصفين يا أبا الحسن يا علي ابرز إلي فخرج إليه علي عليه السلام حتى اختلفت أعناق دابتيهما بين الصفين فقال: إنّ لك يا علي تقدّما في الإسلام والهجرة فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء وتأخّر هذه الحروب حتّى ترى رأيك؟ قال عليّ عليه السلام: وما هو؟ قال: ترجع إلى عراقك فنخلي بينك وبين العراق ونرجع نحن إلى شامنا فتخلي بيننا وبين الشام فقال علي عليه السلام: قد عرفت ما عرضت إنّ هذه لنصيحة وشفقة ولقد أهمّني هذا الأمر وأسهرني وضربت أنفه وعينه فلم أجد إلّا القتال أو الكفر بما أنزل اللَّه على محمّد إن اللَّه تعالى ذكره لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر فوجدت القتال أهون علي من معالجة في الأغلال في جهنم.

قال: فرجع الرجل (الشاميّ) وهو يسترجع وزحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل والحجارة حتى فنيت ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت واندقت ثم مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيوف وعمد الحديد فلم يسمع السامعون إلّا

ص: 344


1- الوطيس في الأصل: التنور، أو حفرة تحتفر ويختبز فيها ويشوى، وقيل: الوطيس: شي ء يتخذ مثل التنور يختبز فيه؛ وقيل: هي تنور من حديد وبه شبه حر الحرب، وحمى الوطيس، مثل يضرب للأمر إذا اشتد. اللسان (8: 142).
2- القتام: الغبار.
3- المران: جمع مرانة؛ وهي الرماح الصلبة اللدنة.

وقع الحديد بعضه على بعض لهو أشد هولا في صدور الرجال من الصواعق ومن جبال تهامة يدك بعضها بعضا وانكسفت الشمس بالنقع وثار القتام والقسطل(1) وضلت الألوية والرايات وأخذ الأشتر يسير فيما بين الميمنة والميسرة فيأمر كل قبيلة أو كتيبة من القراء بالإقدام على التي تليها فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد من صلاة الغداة من اليوم المذكور إلى نصف الليل لم يصلوا للَّه صلاة فلم يزل الأشتر يفعل ذلك حتى أصبح والمعركة خلف ظهره وافترقوا عن سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم وتلك الليلة وهي ليلة الهرير المشهورة وكان الأشتر في ميمنة الناس وابن عباس في الميسرة وعلي عليه السلام في القلب والناس يقتتلون. ثم استمر القتال من نصف الليل الثاني إلى ارتفاع الضحى والأشتر يقول لأصحابه وهو يزحف بهم نحو أهل الشام ازحفوا قيد رمحي هذا ويلقي رمحه فإذا فعلوا ذلك قال ازحفوا قاب هذا القوس(2) إذا فعلوا ذلك سألهم مثل ذلك حتى مل أكثر الناس من الإقدام فلما رأى ذلك قال أعيذكم باللَّه أن ترضعوا الغنم سائر اليوم ثم دعا بفرسه وركز رايته وكانت مع حيان بن هوذة النخعي وسار بين الكتائب وهو يقول: ألا من يشتري نفسه للَّه ويقاتل مع الأشتر حتى يظهر أو يلحق باللَّه فلا يزال الرجل من الناس يخرج إليه فيقاتل معه(3).

قال نصر وحدثني عمرو قال حدثني أبو ضرار قال حدثني عمار بن ربيعة قال: مرّ بي الأشتر فأقبلت معه حتى رجع إلى المكان الذي كان به فقام في أصحابه

ص: 345


1- القسطل: الغبار.
2- القاب: ما بين المقبض واسية، والقوس: يذكر ومؤنث.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/206.

فقال شدوا فدا لكم عمي وخالي شدة ترضون بها اللَّه وتعرزون بها الدين إذا أنا حملت فاحملوا(1) ثم نزل وضرب وجه دابته وقال لصاحب رايته أقدم فتقدم(2) بها ثم شد على القوم وشد معه أصحابه فضرب أهل الشام حتى انتهى بهم إلى معسكرهم فقاتلوا عند المعسكر قتالا شديدا وقتل صاحب رايتهم وأخذ علي عليه السلام لما رأى الظفر قد جاء من قبله يمده بالرجال.

وروى نصر عن رجاله قال لما بلغ القوم إلى ما بلغوا إليه قام علي عليه السلام خطيبا فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال:

أيّها الناس قد بلغ بكم الأمر وبعدوكم ما قد رأيتم ولم يبق منهم إلّا آخر نفس وإن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم ما بلغنا وأنا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى اللَّه.

قال فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص وقال يا عمرو إنما هي الليلة حتى يغدو علي علينا بالفيصل فما ترى.

قال إن رجالك لا يقومون لرجاله ولست مثله هو يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره أنت تريد البقاء وهو يريد الفناء وأهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم وأهل الشام لا يخافون عليا إن ظفر بهم ولكن ألق إلى القوم أمرا إن قبلوه اختلفوا وإن ردوه اختلفوا ادعهم إلى كتاب اللَّه حكما فيما بينك وبينهم فإنك بالغ به حاجتك في القوم وإني لم أزل أؤخر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه.

فعرف معاوية ذلك وقال له صدقت.

ص: 346


1- وقعة صفين: «فإذا شدت فشدوا».
2- صفين: «فأقدم بها».

قال نصر: وحدّثنا عمرو بن شمر عن جابر بن عمير الأنصاري قال: واللَّه لكأنّي أسمع عليا يوم الهرير وذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بينها وبين عك ولخم و جذام والأشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي حتى استقلت الشمس وقام قائم الظهر(1) وعلي عليه السلام يقول لأصحابه حتى متى نخلي بين هذين الحيين قد فنيا وأنتم وقوف تنظرون أ ما تخافون مقت اللَّه ثم انفتل إلى القبلة ورفع يديه إلى اللَّه عز وجل ونادى يا اللَّه يا رحمان يا رحيم يا واحد يا أحد يا صمد يا اللَّه يا إله محمد اللهم إليك نقلت الأقدام وأفضت القلوب ورفعت الأيدي ومدت الأعناق وشخصت الأبصار وطلبت الحوائج اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا وكثرة عدونا وتشتت أهوائنا «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ»(2) سيروا على بركة اللَّه ثم نادى لا إله إلّا اللَّه واللَّه أكبر.

قال: فلا والذي بعث محمدا بالحق نبيا ما سمعنا رئيس قوم منذ خلق اللَّه السموات والأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب إنه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا

فيقول معذرة إلى اللَّه وإليكم من هذا لقد هممت أن أفلقه(3) ولكن يحجزني عنه أنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: «لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا علي» وأنا أقاتل به دونه صلى الله عليه وآله.

قال: فكنا نأخذه فنقومه ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض الصف فلا

ص: 347


1- صفين: «من حين استقلت الشمس حتى قام قائم الظهيرة» واستقلت الشمس: ارتفعت.
2- سورة الأعراف: 89.
3- صفين: «اصقله».

واللَّه ما ليث بأشد نكاية منه في عدوه عليه السلام(1).

ولنعم ما قيل في وصف حاله عليه السلام في ليلة هذا اليوم وهي ليلة الهرير:

فَمَا لَقِيَ عليه السلام شُجَاعاً إِلّا أَرَاقَ دَمَهُ وَلا بَطَلاً إِلّا زَلْزَلَ قَدَمَهُ وَلا مُرِيداً إِلّا أَعْدَمَهُ وَلا قَاسِطاً إِلّا قَصَرَ عُمُرَهُ وَأَطَالَ نَدَمَهُ وَلا جُمِعَ نِفَاقٌ إِلّا فَرَّقَهُ وَلا بِنَاءُ ضَلالٍ إِلّا هَدَمَهُ وَكَانَ كُلَّمَا قَتَلَ فَارِساً أَعْلَىَ بِالتَّكْبِيرِ فَأَحْصَيْتُ تَكْبِيرَاتِهِ لَيْلَةَ الْهَرِيرِ فَكَانَتْ خَمْسَمِائَةٍ وَثَلاثاً وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً بِخَمْسِمِائَةٍ وَثَلاثَةٍ وَعِشْرِينَ قَتِيلاً مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ.

وَقِيلَ إِنَّهُ فَتَقَ نَيْفَقَ(2) دِرْعِهِ لِثِقَلِ مَا كَانَ يَسِيلُ مِنَ الدَّمِ عَلَى ذِرَاعِهِ وَقِيلَ إِنَّ قَتْلاهُ عُرِفُوا فِي النَّهَارِ فَإِنَّ ضَرَبَاتِهِ كَانَتْ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ إِنْ ضَرَبَ طُولاً قَدَّ أَوْ عَرْضاً قَطَّ وَكَانَتْ كَأَنَّهَا مِكْوَاةٌ بِالنَّارِ(3)

قال نصر: فحدّثنا عمرو بن شمر عن جابر قال: سمعت تميم بن حذيم يقول: لمّا أصبحنا من ليلة الهرير نظرنا فإذا أشباه الرايات أمام أهل الشام في وسط الفيلق حيال موقف علي ومعاوية فلما أسفرنا إذا هي المصاحف قد ربطت في أطراف الرماح وهي عظام مصاحف العسكر وقد شدوا ثلاثة أرماح جميعا وربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشرة رهط.

قال نصر: وقال أبو جعفر وأبو الطفيل: استقبلوا عليّاً بمائة مصحف ووضعوا في

ص: 348


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/209.
2- نيفق كحيدر جاى بندازار وشلوار ومانند آن معرب نيفه وبكسر النون عند العامة منتهى الارب. نيفق الدرع: الموضع المتسع منه.
3- كشف الغمة: 1/253؛ بحار الأنوار: 32/600.

كل مجنبة(1) مائتي مصحف فكان جميعها خمسمائة مصحف.

قال أبو جعفر: ثم قام الطفيل بن أدهم حيال علي عليه السلام وقام أبو شريح الجذامي حيال الميمنة وقام ورقاء بن المعمر حيال الميسرة ثم نادوا: يا معشر العرب اللَّه اللَّه في النساء والبنات والأبناء من الروم والأتراك وأهل فارس غدا إذا فنيتم اللَّه اللَّه في دينكم هذا كتاب اللَّه بيننا وبينكم.

فقال علي عليه السلام: اللهم إنك تعلم أنهم ما الكتاب يريدون فاحكم بيننا وبينهم إنك أنت الحكم الحق المبين.

فاختلف أصحاب علي عليه السلام في الرأي فطائفة قالت القتال وطائفة قالت المحاكمة إلى الكتاب ولا يحل لنا الحرب وقد دعينا إلى حكم الكتاب فعند ذلك بطلت الحرب ووضعت أوزارها.

قال نصر: وحدّثنا عمرو بن شمر عن جابر قال: حدّثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين قال: لما كان اليوم الأعظم قال أصحاب معاوية واللَّه لا نبرح اليوم العرصة حتى نموت أو يفتح لنا وقال أصحاب علي عليه السلام لا نبرح اليوم العرصة حتى نموت أو يفتح لنا فبادروا القتال غدوة في يوم من أيام الشعرى(2) طويل شديد الحرّ فتراموا حتى فنيت النبال وتطاعنوا حتى تقصفت الرماح ثم نزل القوم عن خيولهم ومشى بعضهم إلى بعض بالسيوف حتى كسرت جفونها وقام الفرسان في الركب ثم اضطربوا بالسيوف وبعمد الحديد فلم يسمع السامعون إلّا تغمغم القوم وصليل الحديد في الهام وتكادم الأفواه وكسفت الشمس وثار القتام وضلت

ص: 349


1- المجنبة، بكسر النون المشددة: ميمنة الجيش وميسرته.
2- الشعري كوكب نير يقال له المرزم يطلع بعد الجوزاء، وطلوعه في شدة الحر. (اللسان).

الألوية والرايات ومرت مواقيت أربع صلوات ما يسجد فيهن للَّه إلّا تكبيرا ونادت المشيخة في تلك الغمرات يا معشر العرب اللَّه اللَّه في الحرمات من النساء والبنات قال جابر فبكى أبو جعفر وهو يحدثنا بهذا الحديث.

قال نصر: وأقبل الأشتر على فرس كميت محذوف وقد وضع مغفره على قربوس السرج وهو ينادي اصبروا يا معشر المؤمنين فقد حمي الوطيس ورجعت الشمس من الكسوف واشتد القتال وأخذت السباع بعضها بعضا فهم كما قال الشاعر:

مضت واستأخر القرعاء عنها * وخلي بينهم إلّا الوريع

قال: يقول واحد لصاحبه في تلك الحال: أي رجل هذا لو كانت له نيّة فيقول له صاحبه: وأي نية أعظم من هذه ثكلتك أمّك وهبلتك إن رجلا كما ترى قد سبح في الدم وما أضجرته الحرب وقد غلت هام الكماة من الحر وبلغت القلوب الحناجر وهو كما تراه جذعا(1) يقول هذه المقالة اللهم لا تبقنا بعد هذا(2).

قال نصر: وروى الشعبي عن صعصعة قال: وقد كان الأشعث بن قيس بدر منه قول ليلة الهرير نقله الناقلون إلى معاوية فاغتنمه وبنى عليه تدبيره.

ص: 350


1- هذا هو الظاهر المذكور في طبعة مصر من كتاب صفين وشرح ابن أبي الحديد أي هو نشيط ومجد فى حربه وجهاده مع المنافقين والباغين كنشاط الشاب الحدث السن في بداية عمله وابتداء شغله. وأصل الجذع - على زنة سبب - الاخذ في الشى ء حديثاً. والمراد هنا لازم هذا المعنى أي انه نشيط يعمل بقوة واستعجال كأنه بدأ بالأمر الآن. وأيضاً «الجذع»: الشاب الحدث الصغير السن أو يصح هاهنا إرادة هذا أيضاً كلازمه. وفي طبع الكمباني من البحار: «وهو كما ترى جذع...».
2- وقعة صفين: 478؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/211؛ بحار الأنوار: 32/529، ش 446.

وذلك أنه خطب أصحابه من كندة تلك الليلة فقال في خطبته:

قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي وما قد فني فيه من العرب فو اللَّه لقد بلغت من السن ما شاء اللَّه أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قط ألا فليبلغ الشاهد الغائب إنا نحن إن تواقفنا غدا إنه لفناء العرب وضيعة الحرمات أما واللَّه ما أقول هذه المقالة جزعا عن الحرب ولكنّي رجل مسن أخاف على النساء والذراري غدا إذا فنينا ونحو ذلك ممّا يخذلهم عن القتال.

فلمّا بلغ ذلك معاوية قال: أصاب ورب الكعبة فدبر تلك الليلة ما دبر من رفع المصاحف على الرماح، فأقبلوا بالمصاحف ورفعوها في رؤوس الرماح وقد قلدوها الخيل ومصحف دمشق الأعظم يحمله عشرة رجال على رؤوس الرماح وهم ينادون كتاب اللَّه بيننا وبينكم.

قال: فجاء عدي فقال: يا أمير المؤمنين إنه لم يصب منا عصبة إلّا وقد أصيب منهم مثلها، وكل مقروح ولكنّا أمثل بقية منهم وقد جزع القوم وليس بعد الجزع إلّا ما نحب فناجزهم.

وقام الأشتر (في الشرح المعتزلي: عمرو بن الحمق) فقال: يا أميرالمؤمنين إنّا واللَّه ما أجبناك ولا نصرناك على الباطل ولا أجبنا إلّا اللَّه ولا طلبنا إلّا الحق، ولو دعانا غيرك إلى ما دعوتنا إليه لاستشرى(1) فيه اللجاج وطالت فيه النجوى وقد بلغ الحق مقطعه وليس لنا معك رأي.

فقام الأشعث بن قيس مغضبا فقال: يا أمير المؤمنين إنا لك اليوم على ما كنا عليه أمس وليس آخر أمرنا كأوله وما من القوم أحد أحنى على أهل العراق ولا

ص: 351


1- استشرى: اشتد.

أوتر لأهل الشام مني فأجب القوم إلى كتاب اللَّه عز وجل فإنك أحق به منهم وقد أحب الناس البقاء وكرهوا القتال.

فقال علي عليه السلام: هذا أمر ينظر فيه. فتنادى الناس من كل جانب الموادعة.

فقال علي عليه السلام: أيها الناس إني أحق من أجاب إلى كتاب اللَّه ولكن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وابن أبي سرح وابن مسلمة ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن إني أعرف بهم منكم صحبتهم صغارا ورجالا فكانوا شر صغار وشر رجال ويحكم إنها كلمة حق يراد بها باطل إنهم ما رفعوها أنهم يعرفونها ولا يعملون بها ولكنها الخديعة والوهن والمكيدة أعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعه ولم يبق إلّا أن يقطع دابر الذين ظلموا.

فجاءه من أصحابه زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد شاكي السلاح سيوفهم على عواتقهم وقد اسودت جباههم من السجود يتقدمهم مسعر بن فدكي وزيد بن حصين وعصابة من القراء الذين صاروا خوارج من بعد فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين: يا علي أجب القوم إلى كتاب اللَّه إذ دعيت إليه وإلّا قتلناك كما قتلنا ابن عفان فو اللَّه لنفعلنها إن لم تجبهم.

فقال لهم: ويحكم أنا أول من دعا إلى كتاب اللَّه وأول من أجاب إليه وليس يحل لي ولا يسعني في ديني أن أدعى إلى كتاب اللَّه فلا أقبله إني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم القرآن فإنّهم قد عصوا اللَّه فيما أمرهم ونقضوا عهده ونبذوا كتابه ولكني قد أعلمتكم أنهم قد كادوكم وأنهم ليس العمل بالقرآن يريدون.

قالوا: فابعث إلى الأشتر ليأتينك وقد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير أشرف على عسكر معاوية ليدخله.

ص: 352

قال نصر: فحدّثني فضيل بن خديج عن رجل من النخع قال سأل مصعب إبراهيم بن الأشتر عن الحال كيف كانت فقال كنت عند علي عليه السلام حين بعث إلى الأشتر ليأتيه وقد كان الأشتر أشرف على معسكر معاوية ليدخله فأرسل إليه علي عليه السلام يزيد بن هانئ أن ائتني به فأتاه فأبلغه فقال له الأشتر: ائته فقل له ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقفي إني قد رجوت الفتح فلا تعجلني.

فرجع يزيد إلى علي عليه السلام فأخبره فما هو إلّا أن انتهى إلينا حتى ارتفع الرهج(1) وعلت الأصوات من قبل الأشتر وظهرت دلائل الفتح والنصر لأهل العراق ودلائل الخذلان والإدبار على أهل الشام.

فقال القوم لعلي عليه السلام: واللَّه ما نراك أمرته إلّا بالقتال قال أ رأيتموني ساررت رسولي إليه أ ليس إنما كلمته على رؤوسكم علانية وأنتم تسمعون؟ قالوا: فابعث إليه فليأتك وإلّا فو اللَّه اعتزلناك.

فقال عليه السلام: ويحك يا يزيد قل له أقبل إلي فإن الفتنة قد وقعت فأتاه فأخبره فقال الأشتر: أبرفع هذه المصاحف؟ قال نعم قال أما واللَّه لقد ظننت أنها حين رفعت ستوقع خلافا وفرقة إنها مشورة ابن النابغة ثم قال ليزيد بن هانئ ويحك أ لا ترى إلى الفتح ألا ترى إلى ما يلقون أ لا ترى الذي يصنع اللَّه لنا أ ينبغي أن ندع هذا وننصرف عنه؟

فقال له يزيد: أتحب أنك ظفرت هاهنا وأن أمير المؤمنين بمكانه الذي هو فيه يفرج عنه ويسلم إلى عدوه قال سبحان اللَّه لا واللَّه لا أحب ذلك قال فإنهم قد قالوا

ص: 353


1- الرهج ويحرك الغبار.

له وحلفوا عليه لترسلن إلى الأشتر فليأتينك أو لنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا عثمان أو لنسلمنك إلى عدوك.

فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم فصاح: يا أهل الذل والوهن أ حين علوتم القوم وظنوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها وقد واللَّه تركوا ما أمر اللَّه به فيها وتركوا سنة من أنزلت عليه فلا تجيبوهم أمهلوني فواقا فإني قد أحسست بالفتح قالوا لا نمهلك قال فأمهلوني عدوة الفرس فإني قد طمعت في النصر قالوا إذن ندخل معك في خطيئتك.

قال فحدثوني عنكم وقد قتل أماثلكم وبقي أراذلكم متى كنتم محقين؟ أحين كنتم تقتلون أهل الشام فأنتم الآن حين أمسكتم عن قتالهم مبطلون أم أنتم الآن في إمساككم عن القتال محقون فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم وأنهم خير منكم في النار.

قالوا: دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في اللَّه وندع قتالهم في اللَّه إنا لسنا نطيعك فاجتنبنا(1) فقال: خدعتم واللَّه فانخدعتم ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم يا أصحاب الجباه السود كنا نظن صلاتكم زهادة في الدنيا وشوقا إلى لقاء اللَّه فلا أرى فراركم إلّا إلى الدنيا من الموت ألا فقبحا يا أشباه النيب(2) الجلالة ما أنتم براءين بعدها عزا أبدا فابعدوا كما بعد القوم الظالمون. فسبوه وسبهم وضربوا بسياطهم وجه دابته وضرب بسوطه وجوه دوابهم وصاح بهم علي عليه السلام فكفوا.

وقال الأشتر: يا أميرالمؤمنين احمل الصف على الصف تصرع القوم فتصايحوا

ص: 354


1- اجتنبه وتجنبه وتجانبه بعد منه.
2- النبوب والانيب الناقة المسنة.

أن أمير المؤمنين قد قبل الحكومة ورضي بحكم القرآن فقال الأشتر إن كان أميرالمؤمنين قد قبل ورضي فقد رضيت بما يرضي به أميرالمؤمنين، فأقبل الناس يقولون قد قبل أميرالمؤمنين قد رضي أميرالمؤمنين وهوعليه السلام ساكت لا يبض(1) بكلمة مطرق إلى الأرض.

ثم قال فسكت الناس كلهم.

فقال عليه السلام: أيها الناس إن أمري لم يزل معكم على ما أحب إلى أن أخذت منكم الحرب وقد واللَّه أخذت منكم وتركت وأخذت من عدوكم فلم تترك وإنها فيهم أنكى وأنهك ألا إني كنت أمس أميرالمؤمنين فأصبحت اليوم مأمورا، وكنت ناهيا فأصبحت منهيا، وقد أحببتم البقاء وليس لي أن أحملكم على ما تكرهون، ثم قعد.

ثمّ تكلّم رؤساء القبائل فكل قال ما يراه ويهواه إما من الحرب أو من السلم(2).

قال نصر: ثمّ إن أهل الشام لما أبطأ عنهم علم حال أهل العراق هل أجابوا إلى الموادعة أم لا جزعوا فقالوا يا معاوية ما نرى أهل العراق أجابوا إلى ما دعوناهم إليه فأعدها جذعة(3) فإنّك قد غمرت بدعائك القوم وأطمعتهم فيك.

فدعا معاوية عبداللَّه بن عمرو بن العاص فأمره أن يكلم أهل العراق ويستعلم له ما عندهم فأقبل حتى إذا كان بين الصفين نادى يا أهل العراق أنا عبداللَّه بن عمرو

ص: 355


1- لا يبض بكلمة: لا يتكلم.
2- وقعة صفين: 480؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/214؛ بحار الأنوار: 32/531، ش 449.
3- أعدها جذعة؛ أي ابدأ بها مرة أخرى. وفي اللسان: «وإذ طفئت حرب» بين قوم فقال بعضهم: «إن شئتم أعدناها جذعة، أي أول ما يبتدأ منها». وفى الأصول «خدعه» والصواب ما أثبت من كتاب صفين.

بن العاص إنه قد كانت بيننا وبينكم أمور للدين أو الدنيا فإن تكن للدين فقد واللَّه أعذرنا وأعذرتم وإن تكن للدنيا فقد واللَّه أسرفنا وأسرفتم وقد دعوناكم إلى أمر لو دعوتمونا إليه لأجبناكم فإن يجمعنا وإياكم الرضا فذاك من اللَّه فاغتنموا هذه الفرصة عسى أن يعيش فيها المحتزق(1) وينسى فيها القتيل فإن بقاء المهلك بعد الهالك قليل.

فأجابه سعد بن قيس الهمداني فقال: أمّا بعد يا أهل الشام إنه قد كانت بيننا وبينكم أمور حامينا (حاسبنا) فيها على الدين والدنيا وسميتموها غدرا وسرفا وقد دعوتمونا اليوم إلى ما قاتلناكم عليه أمس ولم يكن ليرجع أهل العراق إلى عراقهم و أهل الشام إلى شامهم بأمر أجمل من أن يحكم فيه بما أنزل اللَّه سبحانه [فالأمر في أيدينا دونكم وإلّا فنحن نحن وأنتم أنتم]. فقام الناس إلى علي عليه السلام فقالوا له: أجب القوم إلى المحاكمة(2).

قال نصر: فجاء الأشعث إلى علي عليه السلام فقال: يا أميرالمؤمنين ما أرى الناس إلّا قد رضوا وسرهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد ونظرت ما الذي يسأل.

قال عليه السلام: فأته إن شئت فأتاه فسأله يا معاوية لأي شي ء رفعتم هذه المصاحف قال لنرجع نحن وأنتم إلى ما أمر اللَّه به فيها فابعثوا رجلا منكم ترضون به ونبعث منا رجلا ونأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب اللَّه ولا يعدوانه ثم نتبع ما اتفقا عليه.

ص: 356


1- في ج: «المحتزق» وفي حواشيها: «الحرق، محركة: الدهش من الخوف».
2- وقعة صفين: 482؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/220.

فقال الأشعث: هذا هو الحق. وانصرف إلى علي عليه السلام فأخبره فبعث علي عليه السلام قراء من أهل العراق وبعث معاوية قراء من أهل الشام فاجتمعوا بين الصفين ومعهم المصحف فنظروا فيه وتدارسوا واجتمعوا على أن يحيوا ما أحيا القرآن ويميتوا ما أمات القرآن ورجع كل فريق إلى أصحابه.

فقال أهل الشام: إنا قد رضينا واخترنا عمرو بن العاص وقال الأشعث والقراء الذين صاروا خوارج فيما بعد قد رضينا نحن واخترنا أبا موسى الأشعري فقال لهم علي عليه السلام: فإني لا أرضى بأبي موسى ولا أرى أن أوليه فقال الأشعث وزيد بن حصين ومسعر بن فدكي في عصابة من القراء: إنّا لا نرضى إلّا به فإنه قد كان حذرنا ما وقعنا فيه.

فقال علي عليه السلام: فإنه ليس لي برضا وقد فارقني وخذل الناس عني وهرب مني حتى أمنته بعد أشهر ولكن هذا ابن عباس أوليه ذلك قالوا واللَّه ما نبالي أ كنت أنت أو ابن عباس ولا نريد إلّا رجلا هو منك ومن معاوية سواء ليس إلى واحد منكما أدنى من الآخر قال علي عليه السلام فإني أجعل الأشتر.

فقال الأشعث: وهل سعر الأرض علينا إلّا الأشتر وهل نحن إلّا في حكم الأشتر قال علي عليه السلام وما حكمه؟ قال حكمه أن يضرب بعضنا بعضا بالسيف حتّى يكون ما أردت وما أراد.

قال نصر: وحدّثنا عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال: لمّا أراد الناس عليا أن يضع الحكمين قال لهم إن معاوية لم يكن ليضع لهذا الأمر أحدا هو أوثق برأيه ونظره من عمرو بن العاص وإنه لا يصلح للقرشي إلّا مثله فعليكم بعبد اللَّه بن العباس فارموه به فإن عمرا لا يعقد عقدة إلّا حلها عبداللَّه

ص: 357

ولا يحل عقدة إلّا عقدها ولا يبرم أمرا إلا نقضه ولا ينقض أمرا إلا أبرمه.

فقال الأشعث: لا واللَّه لا يحكم فينا مضريان حتى تقوم الساعة ولكن اجعل رجلا من أهل اليمن إذ جعلوا رجلا من مضر فقال علي عليه السلام إني أخاف أن يخدع يمنيكم فإن عمرا ليس من اللَّه في شي ء إذا كان له في أمر هوى فقال الأشعث واللَّه لأن يحكما ببعض ما نكره وأحدهما من أهل اليمن أحب إلينا من أن يكون بعض ما نحب في حكمهما وهما مضريان.

قال نصر: فقال علي عليه السلام: قد أبيتم إلّا أبا موسى قالوا نعم قال فاصنعوا ما شئتم فبعثوا إلى أبي موسى وهو بأرض من أرض الشام يقال لها «عرض»(1) قد اعتزل القتال فأتاه مولى له فقال: إن الناس قد اصطلحوا فقال: الحمد للَّه رب العالمين قال: وقد جعلوك حكما فقال: إنا للَّه وإنا إليه راجعون.

فجاء أبو موسى حتى دخل عسكر علي عليه السلام وجاء الأشتر عليّاً فقال: يا أمير المؤمنين ألزني(2) بعمرو بن العاص فو الذي لا إله غيره لئن ملأت عيني منه لأقتلنه.

وجاء الأحنف بن قيس عليّاً فقال: يا أميرالمؤمنين إنك قد رميت بحجر(3) الأرض ومن حارب اللَّه ورسوله أنف(4) الإسلام وإني قد عجمت(5) هذا الرجل

ص: 358


1- عرض: بلد بين تدمر ورصافة الشام.
2- أي الصقني به وألزمني إياه.
3- في اللسان: 5/237: «ويقال: رمى فلان بحجر الأرض؛ إذا رمى بداهية من الرجال؛ وفي حديث الأحنف بن قيس: أنه قال لعلي حين سمى معاوية أحد الحكمين عمرو بن العاص: إنك قد رميت بحجر الأرض...».
4- أنف كل شي ء: أوله؛ يقال: سار في أنف النهار؛ أي أوله.
5- عجمتك الأمور أي جربتك من العجم وهو العص يقال عجمت العود إذا عصمت لتنظر أصلب هو أم رخو، نهاية.

يعني أبا موسى وحلبت أشطره(1) فوجدته كليل الشفرة(2) قريب القعر وانه لا يصلح لهؤلاء القوم إلّا رجل يدنو منهم حتى يكون في أكفهم ويتباعد منهم حتى يكون بمنزلة النجم منهم فإن شئت أن تجعلني حكما فاجعلني وإن شئت أن تجعلني ثانيا أو ثالثا فإن عمرا لا يعقد عقدة إلّا حللتها ولا يحل عقدة إلّا عقدت لك أشد منها.

فعرض علي عليه السلام ذلك على الناس فأبوه وقالوا لا يكون إلّا أبا موسى.

قال نصر: فبعث أيمن بن خزيم الأسدي وكان م * من الضلال رموكم بابن عباس

للَّه در أبيه أيما رجل * ما مثله لفصال الخطب في الناس

لكن رموكم بشيخ من ذوي يمن * لا يهتدي ضرب أخماس لأسداس

إن يخل عمرو به يقذفه في لجج * يهوي به النجم تيسا بين أتياس(3)

أبلغ لديك عليا غير عاتبه * قول امرئ لا يرى بالحق من باس

ما الأشعري بمأمون أبا حسن * فاعلم هديت وليس العجز كالرأس

فاصدم بصاحبك الأدنى زعيمهم * إن ابن عمك عباس هو الآسي

فلما بلغ الناس هذا الشعر طارت أهواء قوم من أولياء علي عليه السلام وشيعته إلى ابن عبّاس وأبت القراء إلّا أبا موسى(4).

ص: 359


1- اشطر جمع الشطر وهو خلف الناقة يقال حلب فلان الدهر شطره اى اختبر صروفه من خيره وشره نشبيها بحلب جميع اخلاف الناقة.
2- السكين العظيم.
3- اتياس جمع تيس الذكر من الظباء والمعز والوعول ق.
4- وقعة صفين: 498؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/227؛ بحار الأنوار: 32/539.

قال نصر: فلمّا رضي أهل الشام بعمرو وأهل العراق بأبي موسى أخذوا في سطر كتاب الموادعة وكانت صورته: هذا ما تقاضى عليه علي أمير المؤمنين ومعاوية بن أبي سفيان فقال معاوية بئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته وقال عمرو: بل نكتب اسمه واسم أبيه إنما هو أميركم فأما أميرنا فلا فلما أعيد عليه الكتاب أمر بمحوه.

فقال الأحنف: لا تمح اسم أمير المؤمنين عنك فإني أتخوف إن محوتها ألا ترجع إليك أبدا فلا تمحها.

فقال علي عليه السلام إن هذا اليوم كيوم الحديبية حين كتب الكتاب عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله هذا ما صالح عليه محمد رسول اللَّه سهيل بن عمرو فقال سهيل لو أعلم أنك رسول اللَّه لم أقاتلك ولم أخالفك إني إذا لظالم لك إن منعتك أن تطوف ببيت اللَّه الحرام وأنت رسوله ولكن اكتب من محمد بن عبداللَّه فقال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يا علي إني لرسول اللَّه وأنا محمد بن عبداللَّه ولن يمحو عني الرسالة كتابي لهم من محمد بن عبداللَّه فاكتبها وامح ما أراد محوه أما إن لك مثلها(1) ستعطيها وأنت مضطهد(2).

قال نصر: وقد روي أن عمرو بن العاص عاد بالكتاب إلى علي عليه السلام فطلب منه أن يمحو اسمه من إمرة المؤمنين فقص عليه وعلى من حضر قصة صلح الحديبية قال إن ذلك الكتاب أنا كتبته بيننا وبين المشركين واليوم أكتبه إلى أبنائهم كما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كتبه إلى آبائهم شبها ومثلا.

فقال عمرو سبحان اللَّه أتشبهنا بالكفار ونحن مسلمون فقال علي عليه السلام.

ص: 360


1- أي مثل هذه القضية.
2- ضهده كمنعه قهره كاضطهده ق.

يا ابن النابغة ومتى لم تكن للكافرين وليا وللمسلمين عدوا فقام عمرو وقال: واللَّه لا يجمع بيني وبينك مجلس بعد اليوم فقال علي أما واللَّه إني لأرجو أن يظهر اللَّه عليك وعلى أصحابك وجاءت عصابة قد وضعت سيوفها على عواتقها فقالوا يا أمير المؤمنين مرنا بما شئت فقال لهم سهل بن حنيف أيها الناس اتهموا(1) رأيكم فلقد شهدنا صلح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوم الحديبية ولو نرى قتالا لقاتلنا.

قال نصر: وقد روى أبو إسحاق الشيباني قال قرأت كتاب الصلح عند سعيد بن أبي بردة في صحيفة صفراء عليها خاتمان خاتم من أسفلها وخاتم من أعلاها على خاتم علي عليه السلام محمد رسول اللَّه وعلى خاتم معاوية محمد رسول اللَّه وقيل لعلي عليه السلام حين أراد أن يكتب الكتاب بينه وبين معاوية وأهل الشام أ تقر أنهم مؤمنون مسلمون؟

فقال علي عليه السلام: ما أقر لمعاوية ولا لأصحابه أنهم مؤمنون ولا مسلمون ولكن يكتب معاوية ما شاء بما شاء ويقر بما شاء لنفسه ولأصحابه ويسمي نفسه بما شاء وأصحابه فكتبوا: هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان قاضى علي بن أبي طالب على أهل العراق ومن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين وقاضى معاوية بن أبي سفيان على أهل الشام ومن كان معه من شيعته من المؤمنين والمسلمين إننا ننزل عند حكم اللَّه تعالى وكتابه ولا يجمع بيننا إلّا إياه وإن كتاب اللَّه سبحانه وتعالى بيننا من فاتحته إلى خاتمته نحيي ما أحيا القرآن ونميت ما أمات القرآن فإن وجد الحكمان ذلك في كتاب اللَّه اتبعاه وإن لم يجداه أخذا بالسنة العادلة غير المفرقة والحكمان عبداللَّه بن قيس وعمرو بن العاص.

ص: 361


1- تهم الدهن واللحم تغير أي غيّروا رأيكم منه.

وقد أخذ الحكمان من علي ومعاوية ومن الجندين أنهما آمنان على أنفسهما وأموالهما وأهلهما والأمة لهما أنصار وعلى الذي يقضيان عليه وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين عهد اللَّه أن يعملوا بما يقضيان عليه ممّا وافق الكتاب والسنة وإن الأمن والموادعة ووضع السلاح متفق عليه بين الطائفتين إلى أن يقع الحكم وعلى كل واحد من الحكمين عهد اللَّه ليحكمن بين الأمة بالحق لا بالهوى.

وأجل الموادعة سنة كاملة فإن أحب الحكمان أن يعجلا الحكم عجلاه وإن توفي أحدهما فلأمير شيعته أن يختار مكانه رجلا لا يألو الحق والعدل وإن توفي أحد الأميرين كان نصب غيره إلى أصحابه ممن يرضون أمره ويحمدون طريقته اللهم إنا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة وأراد فيها إلحادا وظلما.

قال نصر: هذه رواية محمد بن علي بن الحسين عليه السلام والشعبي وروى جابر عن زيد بن الحسن بن الحسن زيادات على هذه النسخة - إلى أن قال: - وشهد فيه من أصحاب علي عليه السلام عشرة ومن أصحاب معاوية عشرة وتاريخ كتابته لليلة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين(1).

قال نصر: وحدثنا عمرو بن سعيد قال حدثني أبو جناب عن ربيعة الجرمي قال: لما كتبت الصحيفة دعي لها الأشتر ليشهد مع الشهود عليه فقال لا صحبتني يميني ولا نفعني بعدها الشمال إن كتب لي في هذه الصحيفة اسم على صلح أو الموادعة، أولست على بينة من أمري ويقين من ضلالة عدوي أ ولستم قد رأيتم الظفر إن لم تجمعوا على الخور(2) فقال له رجل من الناس: واللَّه ما رأيت ظفرا ولا

ص: 362


1- وقعة صفين: 504 - 511؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/232 - 236؛ بحار الأنوار: 32/541 - 544.
2- الخور بالتحريك: الضعف ق.

خورا هلم فأشهد على نفسك وأقرر بما كتب في هذه الصحيفة فإنه لا رغبة لك عن الناس فقال: بلى واللَّه إن لي لرغبة عنك في الدنيا للدنيا وفي الآخرة للآخرة ولقد سفك اللَّه بسيفي هذا دماء رجال ما أنت عندي بخير منهم ولا أحرم دما.

قال نصر: وكان الرجل هو الأشعث بن قيس قال فكأنما قصع على أنه الحميم ثم قال الاشتر: ولكنّي قد رضيت بما يرضى به أمير المؤمنين ودخلت فيما دخل فيه وخرجت ممّا خرج منه فإنه لا يدخل إلّا في الهدى والصواب.

قال نصر: فحدّثنا عمر بن سعد عن أبي جناب الكلبي عن إسماعيل بن شفيع عن سفيان بن سلمة قال: فلمّا تم الكتاب وشهدت فيه الشهود وتراضى الناس خرج الأشعث ومعه ناس بنسخة الكتاب يقرؤها على الناس ويعرضها عليهم.

فمرّ به على صفوف من أهل الشام وهم على راياتهم فأسمعهم إياه فرضوا به ثم مرّ به على صفوف من أهل العراق وهم على راياتهم فأسمعهم إياه فرضوا به حتى مرّ برايات عنزة وكان معه عليه السلام منهم أربعة ألف فلمّا مر بهم الأشعث يقرأ عليهم قال فتيان منهم: لا حكم إلّا للَّه ثم حملا على أهل الشام بسيوفهما فقاتلا حتى قتلا على باب رواق معاوية.

ثمّ مرّ بهما على مراد فقال صالح بن شقيق وكان من رؤوسهم:

لا حكم إلّا للَّه ولو كره المشركون، ثمّ مرّ على رايات بني راسب فقرأها عليهم فقال رجل منهم: لا حكم إلّا للَّه لا نرضى ولا نحكم الرجال في دين اللَّه، ثمّ مرّ على رايات تميم فقرأها عليهم فقال رجل منهم: لا حكم إلّا للَّه يقضي بالحق وهو خير الفاصلين وخرج عروة التميمي فقال: أتحكمون الرجال في أمر اللَّه لا حكم

ص: 363

إلّا للَّه فأين قتلانا يا أشعث؟ ثمّ شد بسيفه ليضرب به الأشعث فأخطأه وضرب عجز دابته ضربة خفيفة.

فانطلق الأشعث إلى علي عليه السلام فقال: يا أميرالمؤمنين إني عرضت الحكومة على صفوف أهل الشام وأهل العراق فقالوا جميعا رضينا حتى مررت برايات بني راسب ونبذ من الناس سواهم فقالوا لا نرضى لا حكم إلّا للَّه فمل (فلنحمل) بأهل العراق وأهل الشام عليهم حتى يقتلهم فقال: هل هي غير راية أو رايتين ونبذ من الناس قال: لا قال: فدعهم(1).

قال نصر: فظنّ علي عليه السلام أنهم قليلون لا يعبأ بهم فما راعه إلّا نداء الناس من كل جهة ومن كل ناحية لا حكم إلّا للَّه الحكم للَّه يا علي لا لك لا نرضى بأن يحكم الرجال في دين اللَّه إن اللَّه قد أمضى حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا تحت حكمنا عليهم، وقد كنّا زللنا وأخطأنا حين رضينا بالحكمين وقد بان لنا زللنا وخطؤنا فرجعنا إلى اللَّه وتبنا فارجع أنت يا علي كما رجعنا وتب إلى اللَّه كما تبنا وإلّا برئنا منك.

فقال علي عليه السلام: ويحكم أ بعد الرضا والميثاق والعهد نرجع أ ليس اللَّه تعالى قد قال: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(2) وقال: «وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً»(3) فأبى علي أن يرجع وأبت الخوارج إلّا تضليل التحكيم والطعن فيه فبرئت من علي عليه السلام وبرئ علي عليه السلام منهم.

ص: 364


1- وقعة صفين: 511؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/236؛ بحار الأنوار: 32/544، ش 455.
2- سورة المائدة: 1.
3- سورة النحل: 91.

قال نصر: وحدثني عمر بن نمير بن وعلة عن أبي الوداك قال لما تداعى الناس إلى المصاحف وكتبت صحيفة الصلح والتحكيم قال علي عليه السلام إنما فعلت ما فعلت لما بدا فيكم من الخور والفشل عن الحرب فجاءت إليه همدان كأنها ركن حصير فيهم سعيد بن قيس وابنه عبدالرحمن غلام له ذؤابة فقال سعيد ها أنا ذا وقومي لا نرد أمرك فقل ما شئت نعمله، فقال: أما لو كان هذا قبل سطر الصحيفة لأزلتهم عن عسكرهم أو تنفرد سالفتي(1) قبل ذلك ولكن انصرفوا راشدين.

قال نصر: وروى الشعبي أن علياعليه السلام قال يوم صفين حين أقر الناس بالصلح: إنّ هؤلاء القوم لم يكونوا لينيبوا إلى الحق ولا ليجيبوا إلى كلمة سواء حتى يرموا بالمناسر(2) تتبعها العساكر وحتى يرجموا بالكتائب تقفوها الجلائب(3)، وحتّى يجر ببلادهم الحميس(4) يتلوه الحميس، وحتّى يدعق(5) الخيول في نواحي أرضهم وبأحناء مشاربهم ومسارحهم وحتى تشن عليهم الغارات من كل فج وحتى يلقاهم قوم صدق صبر لا يزيدهم هلاك من هلك من قتلاهم وموتاهم في سبيل اللَّه إلّا جدا في طاعة اللَّه وحرصا على لقاء اللَّه.

ولقد كنا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأخوالنا وأعمامنا لا

ص: 365


1- السالفة: صفحة العنق، وهما سالفتان من جانبيه. وكنى بانفرادها عن الموت لأنها لا تنفرد عما يليها إلّا بالموت وقيل: أراد حتى يفرق بين رأسي وجسدي (النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/390).
2- المنسر هو قطعة من الجيش تمر قدام الجيش الكثير ق.
3- الجلايب والجلوبة ذكور الابل التي يحمل عليه متاع القوم الجمع والواحد سواء ق.
4- الحميس بالحاء المهملة وبالخاء المعجمة الجيش لانقسامه على خمس: القلب والميمنة والميسرة والمقدمة والمؤخرة.
5- العدق الوطى ء ق.

يزيدنا ذلك إلّا إيمانا وتسليما ومضيا على أمض الألم وجدا على جهاد العدو والاستقلال بمبارزة الأقران.

ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهما أيهما يسقي صاحبه كأس المنون فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا فلما رآنا اللَّه صدقا صبرا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر ولعمري لو كنا نأتي مثل الذي أتيتم ما قام الدين ولا عز الإسلام(1).

وروى نصر عن عمرو بن شمر عن فضيل بن خديج قال: قيل لعلي عليه السلام لما كتبت الصحيفة أن الأشتر لم يرض بما في الصحيفة ولا يرى إلّا قتال القوم فقال علي عليه السلام: بلى إن الأشتر ليرضى إذا رضيت وقد رضيت ورضيتم ولا يصلح الرجوع بعد الرضا ولا التبديل بعد الإقرار إلّا أن يعصى اللَّه أو يتعدى ما في كتابه، وأما الذي ذكرتم من تركه أمري وما أنا عليه فليس من أولئك ولا أعرفه على ذلك وليت فيكم مثله اثنين بل ليت فيكم مثله واحدا يرى في عدوي مثل رأيه إذا (إذن) لخفت مئونتكم علي ورجوت أن يستقيم لي بعض أودكم.

قال نصر: ثمّ انّ الناس أقبلوا على قتلاهم فدفنوهم(2).

وروى الشعبي عن زياد بن النضر: أنّ عليّاًعليه السلام بعث أربعمائة عليهم شريح بن هانئ ومعه عبداللَّه بن عباس يصلي بهم (ويلي أمورهم) ومعهم أبو موسى الأشعري وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة، ثمّ إنهم خلوا بين الحكمين

ص: 366


1- وقعة صفين: 513؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/238؛ بحار الأنوار: 32/545/ ش 455.
2- وقعة صفين: 521؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/240؛ بحار الأنوار: 32/547/ ش 459.

فكان رأي عبداللَّه بن قيس (أبو موسى) في عبداللَّه بن عمر بن الخطاب وكان يقول واللَّه إن استطعت لأحيين سنة عمر.

قال نصر: وفي حديث محمّد بن عبيد اللَّه عن الجرجاني قال لما أراد أبو موسى المسير قام إليه شريح بن هانئ فأخذ بيده وقال يا أبا موسى إنك قد نصبت لأمر عظيم لا يجبر صدعه ولا تستقال فتنته، ومهما تقل من شي ء عليك أو لك يثبت حقه وتر (ترى) صحته وإن كان باطلا وإنه لا بقاء لأهل العراق إن ملكهم معاوية، ولا بأس على أهل الشام إن ملكهم على عليه السلام.

وقد كانت منك تثبيطة أيام الكوفة والجمل فإن تشفعها بمثلها يكن الظن بك يقينا والرجاء منك يأسا فقال أبو موسى: ماينبغي لقوم اتّهموني ان يرسلوني لا دفع عنهم باطلا أو أجر إليهم حقا(1).

وروى المدائني في كتاب صفين قال: لما أجمع أهل العراق على طلب أبي موسى وأحضروه للتحكيم على كره من علي عليه السلام أتاه عبداللَّه بن العباس وعنده وجوه الناس وأشرافهم فقال له: يا أبا موسى إن الناس لم يرضوا بك ولم يجتمعوا عليك لفضل لا تشارك فيه وما أكثر أشباهك من المهاجرين والأنصار والمتقدمين قبلك ولكن أهل العراق أبوا إلّا أن يكون الحكم يمانيا ورأوا أن معظم أهل الشام يمان وايم اللَّه إني لأظن ذلك شرا لك ولنا، فإنّه قد ضم إليك داهية(2) العرب، وليس في معاوية خلة يستحق بها الخلافة، فإن تقذف بحقك على باطله تدرك

ص: 367


1- وقعة صفين: 533؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/244؛ بحار الأنوار: 33/297/ ش 553.
2- المراد بالداهية عمرو بن العاص قال في القاموس الدها النكر وجودة والادب ورجل داهي وذو داهية منه.

حاجتك منه وإن يطمع باطله في حقك يدرك حاجته منك.

واعلم يا أبا موسى أن معاوية طليق الإسلام وأن أباه رأس الأحزاب وأنه يدعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة فإن زعم لك أن عمر وعثمان استعملاه فلقد صدق استعمله عمر وهو الوالي عليه بمنزلة الطبيب يحميه ما يشتهي ويؤجره ما يكره ثم استعمله عثمان برأي عمر وما أكثر من استعملا ممن لم يدع الخلافة.

واعلم أن لعمرو مع كل شي ء يسرك خبيئا يسوءك ومهما نسيت فلا تنس أن عليا بايعه القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان وأنها بيعة هدى وأنه لم يقاتل إلّا العاصين والناكثين.

فقال أبو موسى: رحمك اللَّه واللَّه ما لي إمام غير علي عليه السلام وإني لواقف عند ما رأى وإن حق اللَّه أحب إلي من رضا معاوية وأهل الشام وما أنت وأنا إلّا باللَّه(1).

قال نصر: وكان النجاشي الشاعر صديقا لأبي موسى فكتب إليه يحذره من عمرو بن العاص:

يؤمل أهل الشام عمرا وإنني * لآمل عبداللَّه عند الحقائق

وإن أبا موسى سيدرك حقنا * إذا ما رمى عمرا بإحدى البوائق

وللَّه ما يرمى العراق وأهله * به منه إن لم يرمه بالصواعق

فكتب إليه أبو موسى إني لأرجو أن ينجلي هذا الأمر وأنا فيه على رضا اللَّه سبحانه.

قال نصر: ثمّ إن شريح بن هانئ جهز أبا موسى جهازا حسنا وعظم أمره في الناس ليشرف في قومه فقال الأعور الشني في ذلك يخاطب شريحا:

ص: 368


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/246؛ بحار الأنوار: 33/298.

زففت ابن قيس زفاف العروس * شريح إلى دومة الجندل

و في زفك الأشعري البلاء * وما يقض من حادث ينزل

و ما الأشعري بذي إربة * ولا صاحب الخطة الفيصل

و لا آخذا حظ أهل العراق * ولو قيل ها خذه لم يفعل

يحاول عمرا وعمرو له * خدائع يأتي بها من علي

فإن يحكما بالهدى يتبعا * وإن يحكما بالهوى الأميل

يكونا كتيسين في قفرة * أكيلي نقيف من الحنظل(1)

فقال شريح: واللَّه لقد تعجلت رجال مساءتنا في أبي موسى وطعنوا عليه بأسوإ الطعن وظنوا فيه ما اللَّه عصمه منه إن شاء اللَّه(2).

قال نصر: وكان آخر من ودع أبا موسى الأحنف بن قيس أخذ بيده ثم قال له: يا أبا موسى اعرف خطب هذا الأمر واعلم أن له ما بعده وأنك إن أضعت العراق فلا عراق، اتّق اللَّه فإنّها تجمع لك دنياك وآخرتك وإذا لقيت غدا عمرا فلا تبدأه بالسلام فإنّها وإن كانت سنة إلّا أنّه ليس من أهلها، ولا تعطه يدك فإنّها أمانة وإياك أن يقعدك على صدر الفراش فإنّها خدعة ولا تلقه إلّا وحده، واحذر أن يكلمك في بيت فيه مخدع تخبأ لك فيه الرجال والشهود.

ثمّ أراد أن يبور(3) ما في نفسه لعلي عليه السلام فقال له: فإن لم يستقم لك فيه الرضا بعلي فليختر أهل العراق من قريش الشام من شاؤوا أو فليختر أهل الشام من قريش العراق من شاؤوا.

ص: 369


1- التيس، هنا: الذكر من الظباء. والنقيف: المنقوف، الذي يكسر ليستخرج حبه.
2- وقعة صفين: 534؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/247.
3- يبلو»، وهما بمعنى.

فقال أبو موسى: قد سمعت ما قلت ولم ينكر ما قاله من زوال الأمر عن علي.

فرجع الأحنف إلى علي عليه السلام فقال له: أخرج أبو موسى واللَّه زبدة سقائه في أوّل مخضه لا أرانا إلّا بعثنا رجلا لا ينكر خلعك فقال علي عليه السلام: اللَّه غالب على أمره.

قال نصر: وشاع وفشا أمر الأحنف وأبي موسى في الناس فبعث الصلتان العبدي وهو بالكوفة إلى دومة الجندل بهذه الأبيات:

لعمرك لا ألفي مدى الدهر خالعا * عليا بقول الأشعري ولا عمرو

فإن يحكما بالحق نقبله منهما * وإلّا أثرناها كراغية البكر

ولسنا نقول الدهر ذاك إليهما * وفي ذاك لو قلناه قاصمة الظهر

ولكن نقول الأمر والنهي كله* إليه وفي كفيه عاقبة الأمر

وما اليوم إلّا مثل أمس وإننا * لفي وشل الضحضاح(1) أو لجة البحر

قال: فلما سمع الناس قول الصلتان شحذهم ذلك على أبي موسى واستبطأه القوم وظنّوا به الظنون ومكث الرجلان بدومة الجندل لا يقولان شيئا(2).

قال نصر: وقد كان الأجناد(3) أبطأت على معاوية فبعث إلى رجال من قريش كانوا كرهوا أن يعينوه في حربه إن الحرب قد وضعت أوزارها، والتقى هذان الرجلان في دومة الجندل فاقدموا علي فأتاه عبداللَّه بن الزبير وعبداللَّه بن عمر بن الخطاب والمغيرة بن شعبة فقال له: يا مغيرة ما ترى؟ قال: يا معاوية لو وسعني أن أنصرك لنصرتك ولكن علي أن آتيك بأمر الرجلين فرحل حتى أتى دومة الجندل،

ص: 370


1- الماء اليسير والوشل الماء القليل.
2- وقعة صفين: 536؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/249.
3- وقعة صفين «الأخبار».

فدخل على أبي موسى، فقال: يا أبا موسى ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر وكره الدماء؟ قال: أولئك خير الناس خفت ظهورهم من دمائهم وخمصت بطونهم من أموالهم.

ثم أتى عمرا فقال: يا أبا عبداللَّه ما تقول فيمن اعتزل هذا الأمر وكره الدماء؟ قال: أولئك شرار الناس لم يعرفوا حقا ولم ينكروا باطلا فرجع المغيرة إلى معاوية فقال له: قد ذقت الرجلين أما عبداللَّه بن قيس فخالع صاحبه وجاعلها لرجل لم يشهد هذا الأمر وهواه في عبداللَّه بن عمر، وأما عمرو بن العاص فهو صاحب (صاحبك) الذي تعرف، وقد ظن الناس أنه يرومها لنفسه وأنه لا يرى أنك أحق بهذا الأمر منه.

قال نصر: في حديث عمرو بن شمر قال أقبل أبو موسى على عمرو فقال: يا عمرو هل لك في أمر هو للأمة صلاح ولصلحاء الناس رضا نولي هذا الأمر عبداللَّه بن عمر بن الخطاب الذي لم يدخل في شي ء من هذه الفتنة ولا هذه الفرقة قال: وكان عبداللَّه بن عمرو بن العاص وعبداللَّه بن الزبير قريبين يسمعان هذا الكلام.

فقال عمرو: فأين أنت يا أبا موسى عن معاوية، فأبى عليه أبو موسى.

فقال عمرو: ألست تعلم أن عثمان قتل مظلوما؟ قال: بلى أشهد، ثم قال: فما يمنعك من معاوية وهو ولي عثمان وقد قال اللَّه تعالى: «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً»(1) ثم إن بيت معاوية من قريش ما قد علمت فإن خشيت أن يقول الناس ولى معاوية وليست له سابقة فإن لك حجة أن تقول وجدته ولي عثمان الخليفة المظلوم والطالب بدمه الحسن السياسة الحسن التدبير وهو أخو أم

ص: 371


1- سورة الإسراء: 33.

حبيبة أم المؤمنين وزوج النبي صلى الله عليه وآله وقد صحبه وهو أحد الصحابة.

ثم عرض له بالسلطان فقال له: إن هو ولي الأمر أكرمك كرامة لم يكرمك أحد قط مثلها.

فقال أبو موسى: اتق اللَّه يا عمرو أما ما ذكرت من شرف معاوية فإن هذا الأمر ليس على الشرف يولاه أهله لو كان على الشرف كان أحق الناس بهذا الأمر أبرهة بن الصباح إنما هو لأهل الدين والفضل مع أني لو كنت أعطيه أفضل قريش شرفا لأعطيته علي بن أبي طالب وأما قولك إن معاوية ولي عثمان فوله هذا الأمر فإني لم أكن أوليه إياه لنسبته من عثمان، وأدع المهاجرين الأولين، وأمّا تعريضك لي بالإمرة والسلطان فو اللَّه لو خرج لي من سلطانه ما وليته وما كنت أرتشي في اللَّه ولكنّك إن شئت أحيينا سنة عمر بن الخطاب.

قال نصر: وحدّثني عمر بن سعد عن أبي جناب أن أبا موسى قال غير مرة:

واللَّه إن استطعت لأحيين اسم عمر بن الخطاب، قال فقال عمرو بن العاص: إن كنت إنما تريد أن تبايع ابن عمر لدينه فما يمنعك من ابني عبداللَّه، وأنت تعرف فضله وصلاحه، فقال: إن ابنك لرجل صدق ولكنك قد غمسته في هذه الفتنة(1).

قال نصر: وروى عن النضر بن صالح قال: كنت مع شريح بن هانئ في غزوة سجستان فحدّثني أن علياعليه السلام أوصاه بكلمات إلى عمرو بن العاص وقال له قل لعمرو إذا لقيته إن عليّا يقول لك: إن أفضل الخلق عند اللَّه من كان العمل بالحق أحب إليه وإن نقصه وإن أبعد الخلق من اللَّه من كان العمل بالباطل أحب إليه وإن زاده، واللَّه يا عمرو إنّك لتعلم أين موضع الحق فلم تتجاهل؟ أبأن أوتيت طمعا

ص: 372


1- وقعة صفين: 539؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/251؛ بحار الأنوار: 33/299.

يسيرا صرت للَّه ولأوليائه عدوا؟ فكان واللَّه ما قد أوتيت قد زال عنك، فلا تكن للخائنين خصيما ولا للظالمين ظهيرا، أما إني أعلم أن يومك الذي أنت فيه نادم هو يوم وفاتك وسوف تتمنى أنك لم تظهر لي عداوة ولم تأخذ على حكم اللَّه رشوة.

قال شريح: فأبلغته ذلك يوم لقيته فتمعر وجهه قال: ومتى كنت قابلا مشورة علي أو منيبا إلى رأيه أو معتمداً (معتدا) بأمره، فقلت: وما يمنعك يا ابن النابغة أن تقبل من مولاك وسيد المسلمين بعد نبيهم مشورته، لقد كان من هو خير منك أبو بكر وعمر يستشيرانه ويعملان برأيه، فقال: إن مثلي لا يكلم مثلك، فقلت: بأي أبويك ترغب عن كلامي بأبيك الوشيظ(1) أم بأمك النابغة فقام من مكانه وقمت.

قال نصر: وروى أبو جناب الكلبي أن عمرا وأبا موسى لما التقيا بدومة الجندل أخذ عمرو يقدم أبا موسى في الكلام ويقول: إنك صحبت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قبلي وأنت أكبر مني سنّا فتكلم أنت ثم أتكلم أنا فجعل ذلك سنة وعادة بينهما، وإنما كان مكرا وخديعة واغترارا له أن يقدمه فيبدأ بخلع علي ثم يرى رأيه.

وقال ابن ديزيل في كتاب صفين: أعطاه عمرو صدر المجلس وكان لا يتكلم قبله، وأعطاه التقدم في الصلاة وفي الطعام لا يأكل حتى يأكل وإذا خاطبه فإنما يخاطبه بأجل الأسماء ويقول له يا صاحب رسول اللَّه حتى اطمأن إليه وظن أنه لا يغشه.

قال نصر: فلمّا انمخضت الزبدة بينهما قال له عمرو أخبرني ما رأيك يا أبا موسى؟ قال: أرى أن أنخلع (أخلع) هذين الرجلين ونجعل الأمر شورى بين

ص: 373


1- الوشيظ كامير الاتباع والخدام والاجلاف ولفيف من الناس ليس اصلهم واحداً وهم وشيظة في قومهم حشوفيهم، ق.

المسلمين يختارون من شاؤوا، فقال عمرو: الرأي واللَّه ما رأيت، فأقبلا إلى الناس وهم مجتمعون فتكلم أبو موسى فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: إن رأيي ورأي عمرو قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح اللَّه به شأن هذه الأمة فقال عمرو صدق.

ثمّ قال له: تقدّم يا أبا موسى فتكلم، فقام ليتكلم فدعاه ابن عباس فقال له: ويحك واللَّه إني لأظّنه خدعك إن كنتما قد اتّفقتما على رأي فقدمه قبلك ليتكلّم به ثم تكلّم أنت بعده فإنه رجل غدّار ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه فإذا قمت به في الناس خالفك، وكان أبو موسى رجلا مغفلا، فقال: إيها عنك إنا قد اتفقنا.

فتقدّم أبو موسى فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها ولا ألم لشعثها من أن يبتز(1) أمورها وقد أجمع رأيي ورأي صاحبي على خلع علي ومعاوية وأن يستقبل هذا الأمر فيكون شورى بين المسلمين يولون أمورهم من أحبوا، وإني قد خلعت عليا ومعاوية فاستقبلوا أموركم وولوا من رأيتموه لهذا الأمر أهلا ثمّ تنحى.

فقام عمرو بن العاص في مقامه فحمد اللَّه وأثنى عليه ثم قال: إن هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه وأنا أخلع صاحبه كما خلعه وأثبت صاحبي في الخلافة فإنّه ولي عثمان والطالب بدمه وأحق الناس بمقامه.

فقال له أبو موسى: ما لك لا وفّقك اللَّه قد غدرت وفجرت، إنّما مثلك كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث.

فقال له عمرو: إنّما مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا.

ص: 374


1- أي النزع واخذ الشي ء بجفاء وقهر ق.

وحمل شريح بن هانئ على عمرو فقنعه بالسوط وحمل ابن عمرو على شريح فقنعه بالسوط وقام الناس فحجزوا بينهما فكان شريح يقول بعد ذلك ما ندمت على شي ء ندامتي ألا أكون ضربت عمرا بالسيف بدل السوط أتى الدهر بما أتى به والتمس أصحاب علي عليه السلام أبا موسى فركب ناقته ولحق بمكّة وكان ابن عبّاس يقول:

قبح اللَّه أبا موسى لقد حذرته وهديته إلى الرأي فما عقل وكان أبو موسى يقول: لقد حذرني ابن عباس غدرة الفاسق ولكني اطمأننت إليه وظننت أنه لا يؤثر شيئا على نصيحة الأمة(1).

قال نصر: ورجع عمرو إلى منزله من دومة الجندل فكتب إلى معاوية بهذه الأبيات:

أتتك الخلافة مزفوفة * هنيئا مريئا تقر العيونا

تزف إليك زفاف العروس * بأهون من طعنك الدارعينا

و ما الأشعري بصلد الزناد * ولا خامل الذكر في الأشعرينا

و لكن أتيحت له حية * يظل الشجاع لها مستكينا

فقالوا وقلت وكنت امرأ * أجهجه بالخصم حتى يلينا

فخذها ابن هند على بعدها * فقد دافع اللَّه ما تحذرونا

و قد صرف اللَّه عن شامكم * عدوا مبينا وحربا زبونا

قال نصر: فقام سعد بن قيس الهمداني فقال: واللَّه لو اجتمعتما على الهدى ما زدتمانا على ما نحن الآن عليه وما ضلالكما بلازم لنا وما رجعتما إلّا بما بدأتما

ص: 375


1- وقعة صفين: 542؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/254؛ بحار الأنوار: 33/300.

به، وإنا اليوم لعلى ما كنا عليه أمس.

وقام كردوس بن هانئ مغضبا فقال:

ألا ليت من يرضى من الناس كلهم * بعمرو وعبداللَّه في لجة البحر

رضينا بحكم اللَّه لا حكم غيره * وباللَّه ربا والنبي وبالذكر

وبالأصلع الهادي علي إمامنا * رضينا بذاك الشيخ في العسر واليسر

رضينا به حيا وميتا وإنه * إمام هدى في الحكم والنهي والأمر

فمن قال لا قلنا بلى إن أمره * لأفضل ما نعطاه في ليلة القدر

وما لابن هند بيعة في رقابنا * وما بيننا غير المثقفة(1) السمر

وضرب يزيل الهام عن مستقره * وهيهات هيهات الرضا آخر الدهر

أبت لي أشياخ الأراقم سبة * أسب بها حتى أغيب في القبر

وتكلّم جماعة أُخرى بمثل كلامه في الرضا بخلافة عليّ عليه السلام وإنكار خلافة معاوية وحكم الحكمين(2).

قال نصر: وكان علي عليه السلام لما سمع ما خدع به عمرو أبا موسى غمّه ذلك وسائه وخطب الناس فقال: الحمد للَّه وإن أتى الدهر بالخطب الفادح إلى آخر ما مرّ في الكتاب مع الزيادة التي ذكرناها.

قال نصر: فكان علي عليه السلام بعد الحكومة إذا صلى الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة قال: اللهمّ العن معاوية وعمرا وأبا موسى وحبيب بن مسلمة وعبدالرحمن

ص: 376


1- ثقفة تثقيفا سواه والرياح المثقفة المسواة منه.
2- وقعة صفين: 547؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/256؛ بحار الأنوار: 33/302.

بن خالد والضحاك بن قيس والوليد بن عقبة(1).

وروى ابن ديزيل أيضا أن أبا موسى كتب من مكّة إلى علي عليه السلام: أمّا بعد فقد بلغني أنك تلعنني في الصلاة ويؤمن خلفك الجاهلون وإني أقول كما قال موسى عليه السلام «رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ»(2).(3)

إلى هنا انتهى الجزء الرابع وأسأل اللَّه أن يوفّقني بمنّه

لإتمام هذا الشرح انّه سميع الدعاء قريب مجيب

الحمدلله رب العالمین

وصلی الله علی سیدنا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین

واللعن الدائم علی اعدائهم اجکعین الی یوم الدین

ص: 377


1- وقعة صفين: 552؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/260؛ بحار الأنوار: 33/303.
2- سورة القصص: 17.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 2/260؛ بحار الأنوار: 33/303.

مصادر الكتاب

القرآن الکریم

1 - الاحتجاج على اهل اللجاج: ابو منصور احمد بن على بن أبي طالب طبرسى، 2 مجلد، مترجم: بهراد جعفرى، دار الكتب الاسلامية، طهران 1387 ش.

2 - احياء العلوم: أبو حامد محمّد الغزالي، (المتوفى 505ق)، دار المعرفة، بيروت، 4 مجلد.

3 - الأربعين: محمّد طاهر القمي الشيرازي، (المتوفى: 1098ق)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، الأولى 1418ق.

4 - الارشاد في معرفة حجج اللَّه على العباد: محمّد بن محمّد المفيد، (المتوفّى 413ق)، المصحّح: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، المؤتمر للشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.

5 - ارشاد القلوب الى الصواب للديلمى: حسن بن محمد ديلمى، (المتوفى 841ق)، 2 مجلد، الشريف الرضى، قم، الأولى 1412ق.

6 - اساس البلاغة: محمود بن عمر زمخشرى، (المتوفى 583ق)، 1 مجلد، دار صادر، يروت، الأولى 1979م.

7 - اسباب نزول الآيات: الواحدي النيسابوري، (المتوفّى 468ق)، مؤسّسة الحلبي للنشر والتوزيع، القاهرة، 1388ق 1968م.

ص: 378

8 - الاستيعاب: ابن عبدالبر، القرن الخامس، تحقيق: علي محمّد البجاوى، بيروت، دار الجيل، الأولى 1412ق، 1992م.

9 - اسد الغابة: ابن الأثير، (المتوفّى 630ق)، دار الكتاب العربي بيروت، لبنان، توضيحات: نشر إسماعيليان، طهران.

10 - الأعلام: خيرالدين الزركلى، (المتوفى 1410ق)، 8 مجلد، دار العلم للملايين، الخامسة 1980م.

11 - اعلام الدين فى صفات المؤمنين: حسن بن محمد ديلمى، (المتوفى 841ق)، 1 مجلد، الناشر والمصحح: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1408ق.

12 - الأغاني: أبو الفرج الاصفهاني (المتوفى 356ق)، 25 مجلد، نشر دار إحياء التراث العربي.

13 - اقبال الأعمال (ط - القديمة): علي بن موسى ابن طاووس، (المتوفى 664ق)، 2 مجلد، دار الكتب الاسلاميّة، طهران، الثانية 1409ق.

14 - الأمالي ( للصدوق ) : محمد بن على بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، الأعلمى بيروت ، الخامسة 1400ق - 1362ش .

15 - الأمالي ( للطوسي ) : محمد بن الحسن طوسى ، ( المتوفى 460ق ) ، 1 مجلد ، دار الثقافه ، قم ، الأولى 1414ق .

16 - الأمالي ( للمفيد ) : محمد بن محمد ، مفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : حسين استاد ولى وعلى اكبر غفارى ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .

17 - الإمامة والسياسة: ابن قتيبة الدينوري، تحقيق الزيني، (المتوفى 276ق)، 2 مجلد، مؤسّسة الحلبي والشركاء للتشر والتوزيع.

ص: 379

18 - أنساب الأشراف: أحمد بن يحيى البلاذري (المتوفى 279ق)، 13 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، الأُولى.

19 - بحار الأنوار الجامعة لدرر اخبار الأئمّة الأطهار: محمّد باقر بن محمّد تقى مجلسى، (المتوفى 1110ق)، 111 مجلد، دار احياء التراث العربي، الثانية 1403ق.

20 - البخلاء: الجاحظ، (المتوفى 255ق)، دار ومكتبة الهلا، بيروت، 2004م.

21 - البداية والنهاية: ابن كثير، (المتوفى 774م)، 14 مجلد، دار احيارء التراث العربي بيروت، لبنان، 1408 ق 1988م.

22 - بصائر الدرجات في فضائل آل محمد عليهم السلام: محمد بن حسن صفار، (المتوفى 290ق)، مصحح: محسن بن عباسعلي كوچه باغي، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي، قم، الثانية 1404ق.

23 - بلاغات النساء: ابن طيفور، (المتوفى 380ق)، مكتبة بصيرتي، قمّ المقدّسة.

24 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: محمّد تقي الشيخ الشوشتري، (المتوفى 1415ق - 1374ش)، مؤسّسة نشر أمير كبير، الأولى 1376 شمسى.

25 - البيان والتبيين: الجاحظ، (المتوفى 255ق)، المكتبة التجاريّة الكبرى لصاحبها مصطفى محمّد، مصر، الأولى 1345ق 1926م.

26 - تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، (المتوفى 463ق)، تحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1417ق - 1997 م.

27 - تاريخ الخلفاء: جلال الدين السيوطي (المتوفى 911ق)، مطابع معتوق اخوان،بيروت.

28 - تاريخ الطبرى: محمد بن جرير الطبري، 6 مجلد، (المتوفى 310ق)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.

29 - تاريخ مدينة دمشق: ابن عساكر، (المتوفى 571ق)، 70 مجلد، تحقيق: علي

ص: 380

شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، مطبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، چاپ 1415ق.

30 - تأويل مختلف الحديث: ابن قتيبة الدينورى، (المتوفى 276ق)، دار الكتاب العلميّة، بيروت.

31 - تحف العقول: حسن بن علي، ابن شعبة الحرّاني، (المتوفى قرن 4)، 1 مجلد، مصحح: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الثانية 1404ق - 1363ش.

32 - التذكرة الحمدونيّة: ابن حمدون، (المتوفى 562ق) 10 مجلد، تحقيق: احسان عبّاس، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، الأولى 1996م.

33 - تذكرة الخواص: سبط ابن جوزى، (المتوفى 654ق)، 1 مجلد، منشورات الشريف الرضى، قم، 1418ق 1376ش.

34 - تفسير الصافي: محمّد بن شاه مرتضى فيض كاشاني، (المتوفى 1091ق)، مكتبة الصدر، طهران، الثانية 1415ق.

35 - تفسير العياشي: محمّد بن مسعود العياشي، (المتوفى 320ق)، 2 مجلد، مصحح: السيّد هاشم رسولى المحلّاتى، المطبعة العلمية، طهران، الأولى 1380 ق.

36 - تفسير فرات الكوفي: فرات بن ابراهيم كوفي، (المتوفى 307ق)، 1 مجلد، مصحح: محمد كاظم، مؤسسة الطبع والنشر في وزارة الارشاد الاسلامي، طهران، الأولى 1410ق.

37 - تفسير القمي: علي بن ابراهيم القمي، (المتوفى القرن 3 الهجري)، مصحح: السيّد طيّب موسوى الجزائري، 2 مجلد، دار الكتاب، قم، الثالثة 1404ق.

38 - التفسير المنسوب الى الامام الحسن العسكري عليه السلام: الشهادة 260 ق)، 1 مجلد، مصحح: مدرسة الإمام المهدي عليه السلام، قم، الأولى 1409ق.

ص: 381

39 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام: ورام بن أبي فراس، مسعود بن عيسى، (المتوفى 605ق)، 2 مجلد، مكتبة الفقيه، قم، الأولى 1410ق.

40 - التنبيه على أوهام أبي علي في أماليه: عبداللَّه الأندلسي، (المتوفى 487ق)، مطبعة دار الكتب المصريّة بالقاهرة، 1 مجلد، الثانية 2000م.

41 - تهذيب الأحكام: محمد بن الحسن، طوسى، (المتوفى 460ق)، 10 مجلد، مصحح: حسن الموسوى خرسان، دار الكتب الاسلامية، تهران، الرابعة 1407ق.

42 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: محمد بن علي الصدوق، ابن بابويه، (المتوفى 381ق)، دار الشريف الرضي للنشر، قم، الثانية 1406ق.

43 - جامع الرواة: محمّد علي الأردبيلي، (المتوفى 1101ق)، 2 مجلد، مكتبة المحمّدي.

44 - الجعفريّات (الأشعثيّات): محمّد بن محمّد بن الأشعث، (المتوفى قرن 4)، 1 مجلد، مكتبة النينوى الحديثة، طهران، الأولى.

45 - الجمل والنصرة لسيّد العترة في حرب البصرة: محمّد بن محمّد المفيد، (المتوفى 413ق)، تحقيق: على مير شريفى، المؤتمر للشيخ المفيد، قم، الأولى 1413ق.

46 - جمهرة اللغة: أبوكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي، (المتوفى 321ق)، 3 مجلد، دار العلم للملايين، بيروت، الأولى 1987م.

47 - حلية الأولياء: أبو نعيم أحمد بن عبداللَّه الاصبهاني، (المتوفى 430ق)، 10 مجلد، السعادة، بجوار محافظة مصر، 1394ق 1974م.

48 - حياة الحيوان الكبرى: كمال الدين دميرى، (المتوفى 808ق)، 2 مجلد، دار ومكتبة الهلال، بيروت.

49 - الخرائج والجرائح: سعيد بن هبة اللَّه، قطب الدين الراوندي، (المتوفى 573ق)،

ص: 382

المصحح والناشر: مؤسسة الامام المهدي عليه السلام، 3 مجلد، قم، الأولى 1409ق.

50 - خزانة الأدب: البغدادي، (المتوفى 1093ق)، 11 مجلد، تحقيق: محمّد نبيل طريفى، دار الكتب العلميّة، بيروت، الأولى 1998م.

51 - خصائص الأئمّةعليهم السلام (خصائص أميرالمؤمنين عليه السلام): محمد بن حسين، الشريف الرضي، (المتوفى 406ق)، 1 مجلد، مصحح: محمد هادي الأميني، منشورات العتبة الرضويّة، مشهد، الأولى 1406ق.

52 - خصائص اميرالمؤمنين عليه السلام: النسائى (المتوفى 303ق)، تحقيق: محمد هادى الأمينى، مكتبة نينوى الحديثة، طهران.

53 - الخصال: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: على اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1362ش.

54 - الدرّ النظيم في مناقب الأئمّة اللهاميم: يوسف بن حاتم شامي، (المتوفى قرن 7)، 1 مجلد، جامعة المدرّسين، قم، الأولى 1420ق.

55 - الدرّة الباهرة من الأصداف الطاهرة (ط - القديمة):: محمّد بن مكّي، شهيد الأوّل، (المتوفى 786ق)، 1 مجلد، انتشارات زائر قم، الأولى 1379ش.

56 - دعائم الاسلام وذكر الحلال والحرام: نعمان بن محمد مغربى، ابن حيون، (المتوفى 363ق)، 2 مجلد، مصحح: الفيضي، آصف، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الثانية 1385ق.

57 - الدعوات للراوندي، سلوة الحزين: سعيد بن هبة اللَّه، قطب الدين الراوندي، (المتوفى 573ق)، 1 مجلد، انتشارات مدرسة الإمام المهدي عليه السلام، قم، الأولى 1407ق.

ص: 383

58 - ديوان المنسوب الى أميرالمؤمنين عليه السلام: حسين بن معين الدين ميبدى، (المتوفى 911ق)، 1 مجلد، دار نداء الاسلام للنشر، قم، الأولى 1411ق.

59- ربيع الأبرار ونصوص الأخبار: الزمخشرى، (المتوفى 538ق)، تحقيق: عبدالأمير مهنا، 5 مجلد، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات، بيروت، الأولى 1412ق 1992م.

60 - رجال الكشي - اختيار معرفة الرجال: محمّد بن عمر الكشي، (المتوفى النصف الأوّل من القرن 4ق)، 1 مجلد، مصحح: محمّد حسن الطوسي، حسن المصطفوي، مؤسسه النشر لجامعة مشهد، الأولى 1409ق.

61 - رجال الكشى (مع تعليقات ميرداماد الاسترآبادى): محمّد بن عمر كشى، (المتوفى النصف الأوّل من القرن الرابع)، 2 مجلد، مصحّح: رجائى، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1363ش.

62 - رسائل الشريف المرتضى: الشريف المرتضى، (المتوفى 817ق)، 4مجلد، دار القرآن الكريم، قم، 1405ق.

63 - الروض المعطار في خبر الاقطار: محمد بن عبدالمنعم الحميري، (المتوفى 900ق)، مكتبة لبنان، الثانية، 1984م.

64 - الروض المعطار في خبر الاقطار: ابوعبداللَّه محمد بن عبداللَّه الحميري (المتوفى 900 ق)، 1 مجلد، الناشر: مؤسسة ناصر للثقافة بيروت، الثانية 1980 م.

65 - الروض المعطار في خبر الأقطار: أبو عبداللَّه محمّد بن عبداللَّه الحميري (المتوفى 900 ق)، 1 مجلد، الناشر: مؤسسة ناصر للثقافة - بيروت، الثانية 1980م.

66- الروضة في فضائل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام: ابوالفضل شاذان بن جبرئيل، ابن شاذان قمي، (المتوفى حدوداً 600ق)، 1 مجلد، مكتبة الأمين، ايران، قم 1423ق.

ص: 384

67 - روضة الواعظين وبصيرة المتعظين: محمّد بن أحمد، فتال النيشابوري، (المتوفى 508ق)، 2 مجلد، النشر الرضي، قم، الأولى 1375ش.

68 - رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين عليه السلام: سيد عليخان بن احمد، الكبير المدني، (المتوفى 1120ق)، 7 مجلد، مصحح: محسن الحسيني الأميني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الأولى 1409ق.

69 - الزهد: حسين بن سعيد، كوفى اهوازى، (المتوفى القرن الثالث)، مصحّح: غلامرضا عرفانيان يزدى، 1 مجلد، المطبعة العلميّة، قم، الثانية 1402ق.

70 - سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب: محمّد امين البغدادي الشهير بالسويدي، محبين، الأولى 1383ش، دار احياء العلوم، بيروت.

71 - السقيفة وفدك: الجوهرى، (المتوفى 323ق)، شركة الكتبى للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الثانية 1413ق 1993م.

72 - سنن ابي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني، (المتوفى 275ق)، 2 مجلد، تحقيق: سعيد محمد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الأولى 1410ق - 1990م.

73 - السنن الكبرى: احمد بن الحسين البيهقى، (المتوفى 458ق)، 10 مجلد.

74 - السيرة النبوية: ابن هشام الحميري، (المتوفى 218ق)، 1 مجلد، تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد، مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده، القاهرة، 1383ق - 1963م.

75 - الشافي في الامامة: الشريف المرتضى، (المتوفى 436ق)، 4 مجلد، مؤسسة إسماعيليان، قم، الثانتية 1410ق.

ص: 385

76 - شرح آقا جمال خوانسارى بر غرر الحكم ودرر الكلم: آقا جمال خوانسارى، محمّد بن حسين، (المتوفى 1125ق)، 7 مجلد، دانشگاه طهران، الرابعة 1366ش.

77 - شرح اصول الكافي (صدرا): محمّد بن ابراهيم، صدرالدين الشيرازي، 4 مجلد (المتوفى 1050ق)، مصحح: محمد الخواجوي، مؤسسة مطالعات وتحقيقات فرهنگى طهران، الأولى 1383ش.

78 - شرح ديوان الحماسة للتبريزي: ابوزكريا يحيى بن على الشيباني التبريزي (المتوفى: 502 ق) 1 مجلد، دارالقلم، بيروت.

79 - شرح فارسى شهاب الأخبار (كلمات قصار پيامبر خاتم صلى الله عليه وآله): محمّد بن سلامة، قضاعي، (المتوفى 454ق)، 1 مجلد، مركز انتشارات علمى وفرهنگى، ظهران، الأولى 1361ش.

80 - شرح نهج البلاغة (ابن ميثم): ميثم بن علي بن ميثم البحراني، (قرن 7)، 5 مجلد، مكتبة نشر الكتاب، الثانية 1362 ش.

81 - شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: عبدالحميد بن هبة اللَّه، ابن أبي الحديد، (المتوفى 656ق)، مصحح: محمد ابوالفضل، ابراهيم، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي، قم، الأولى 1404ق.

82 - الشعر والشعراء: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفى 276ق)، دار الحديث، القاهرة، 2 مجلد، 1427ق - 2006م.

83 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: عبيداللَّه بن عبداللَّه الحسكاني، (المتوفى 490 ق)، 2 مجلد، مصحح: محمد باقر المحمودي، التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الاسلامي، مجمع احياء الثقافة الاسلامية، طهران، الأولى 1411ق.

ص: 386

84 - الصحاح: الجوهري، (المتوفى 393ق)، 6 مجلد، تحقيق: احمد عبدالغفور العطار، دار العلم للملايين، بيروت، الرابعة 1407ق - 1987م.

85 - الصحيفة السجادية: امام علي بن الحسين عليه السلام، (الشهادة 94 يا 95ق)، مكتبة نشر الهادي، قم، الأولى 1376ق.

86 - صفات الشيعة: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، 1 مجلد، اعلمى، تهران، الأولى 1362ش.

87 - الطبقات الكبرى: ابن سعد، (المتوفى 230)، 8 مجلد، دار صادر، بيروت.

88 - الطرائف في معرفة مذهب الطوائف: علي بن موسى، ابن طاووس، 2 مجلد، (المتوفى 664ق)، مصحح: على عاشور، خيام، قم، الأولى 1400ق.

89 - العدد القوية لدفع المخاوف اليومية: رضى الدين على بن يوسف بن المطهر (اخو العلّامة الحلّي)، (المتوفى 703ق)، مصحّح: مهدى رجائى ومحمود مرعشى، 1 مجلد، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى، قم، الاولى 1408ق.

90 - عدّة الداعي ونجاح الساعي: احمد بن محمد، ابن فهد حلي، (المتوفى 841ق)، مصحّح: احمد الموحدي القمي، 1 مجلد، دار الكتب الاسلاميّة، الأولى 1407ق.

91 - العقد الفريد: شهاب الدين احمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسى، (المتوفى 328ق)، 8 مجلد، دار الكتب العلمية، بيروت، الأولى 1404ق.

92 - علل الشرايع: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، 2 مجلّد مكتبة الداوري، قم الأولى 1385ش.

93 - عوالى اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية: محمد بن زين الدين، ابن ابي جمهور، (المتوفى: زنده در سال 901ق)، 4 مجلد، مصحح: مجتبى العراقي، دار سيد الشهداء للنشر، قم، الأولى 1405ق.

ص: 387

94 - عيون الأخبار: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفى 276ق)، 3 مجلد، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية، بيروت، الثالثة 1414ق - 2003م.

95 - عيون اخبار الرضاعليه السلام: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: مهدي اللاجوردي، 2 مجلّد، جهان، طهران، الأولى 1378ق.

96 - الغارات (ط - القديمة): ابراهيم بن محمّد بن سعيد بن هلال ثقفى، (المتوفى 283ق)، 2 مجلد، دار الكتاب الاسلامي، قم، الأولى 1410ق.

97 - الغارات (ط - الحديثة): ابراهيم ثقفى، (المتوفى 283ق)، تحقيق: جلال الدين حسينى ارموى، طهران، انجمن آثار ملى، 1353ش.

98 - غرر الحكم ودرر الكلم: عبدالواحد بن محمد تميمي آمدي، (المتوفى 550ق)، 1 مجلد، دار الكتاب الاسلامي، قم، الثانية 1410ق.

99 - فتوح البلدان: احمد بن يحيى بن جابر (البلاذرى)، (المتوفى 279)، تحقيق: صلاح الدين المنجد، مكتبة النهضة المصريّة، القاهرة، 1956م.

100 - فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام: احمد بن محمّد، ابن عقدة الكوفي، (المتوفى 332ق)، 1 مجلد، دليلنا، ايران، قم، الأولى 1424ق.

101 - فقه الرضاعليه السلام: علي بن بابويه القمي، (المتوفى 329ق)، المؤتمر العالمي للإمام الرضاعليه السلام، مشهد المقدسة، الأولى 1406ق.

102 - القاموس المحيط: الفيروزآبادي، (المتوفى 817ق)، 4مجلد.

103 - قرب الاسناد (طبعة الحديثة): عبداللَّه بن جعفر الحميري، نيمه دوم قرن 3ق)، المصحح والناشر: مؤسسه آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1413ق.

ص: 388

104 - الكافى: (ط. اسلاميّة) محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني، (المتوفى 329ق)، مصحح: على اكبر الغفاري ومحمد الآخوندي، 8 جلد، دار الكتب الاسلاميّة، طهران، الرابعة 1407ق.

105 - الكامل: عبداللَّه بن عدى الجرجانى، (المتوفى 365ق)، تحقيق: يحيى مختار غزاوى، 7 مجلد، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، الثالثة، محرم 1409ق 1988م.

106 - كامل الزيارات: جعفر بن محمد، ابن قولويه، (المتوفى 367ق)، 1 مجلد، مصحح: عبدالحسين الأميني، دار المرتضويه، النجف الأشرف، الأولى 1356ش.

107 - الكامل في التاريخ: ابن الأثير، (المتوفى 630ق)، 12 مجلد، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت، 1386ق - 1966م.

108 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة (ط. القديمة)، يوسف: على بن عيسى الاربلي، (المتوفى: 692ق)، مصحّح: سيّد هاشم الرسولي المحلاتي، بني هاشمي، 2 مجلد، تبريز، الأولى 1381ق.

109 - كشف المحجة لثمرة المهجة: السيد بن طاووس، (المتوفى 664ق)، 1 مجلد، بوستان كتاب، قم، الثانية 1375ش.

110 - كفاية الأثر في النص على الأئمّة الاثنى عشرعليهم السلام: علي بن محمد، الخزاز الرازي، (المتوفى قرن 4، 1 مجلد، مصحح: عبداللطيف الحسيني الكوهكمري، بيدار، قم، 1401ق.

111 - كنز الفوائد: محمد بن علي الكراجكى، (المتوفى 449ق)، 2 مجلد، مصحح: عبداللَّه نعمه، دار الذخائر، قم، الأولى 1410ق.

ص: 389

112 - لسان العرب: محمّد بن المكرّم، ابن منظور، (المتوفى 711ق)، 15 مجلد، مصحح: جمال الدين، الميردامادي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الثالثة 1414ق.

113 - المجازات النبويّة: محمد بن حسين شريف الرضي، (المتوفى 406ق)، 1 مجلد، دار الحديث، قم، الأولى 1422ق - 1380ش.

114 - مجمع الأمثال: الميدانى، (المتوفى 518ق)، 2 مجلد، المعاونية الثقافية للآستانة الرضوية المقدسة، آذر 1366ش.

115 - مجمع البحرين: فخرالدين بن محمد، الطريحي، (المتوفى 1085ق)، 6 مجلد، مصحح: احمد الحسيني الاشكوري، المرتضوي، طهران، الثالثة 1375ش.

116 - مجمع البيان فى تفسير القرآن: فضل بن حسن الطبرسى، (المتوفى 548ق)، 10 مجلد، ناصر خسرو، طهران، الثالثة 1372.

117 - مجموعة ورّام (ترجمة تنبيه الخواطر): مسعود بن عيسى، ورام بن أبي فراس، (المتوفى 605ق)، 1 مجلد، بنياد پژوهش هاى اسلامى آستان 118 - المحاسن: احمد بن محمد بن خالد البرقي، (المتوفى 274ق يا 280ق)، 2 مجلد، مصحح: جلال الدين، المحدث، دار الكتب الاسلامية، قم، الثانية 1371ق.

119 - المحاسن والأضداد: الجاحظ، (المتوفى 255ق)، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1423ق.

120 - المحاسن والمساوى: ابراهيم بن محمّد البيهقي، (المتوفى نحو 320ه).

ص: 390

121 - محاضرات الادباء: ابوالقاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الاصفهاني (المتوفى 502 ق) 2 مجلد، الناشر: شركة دارالارقم - بيروت ، الاولى 1420 ق.

122 - محاضرات الأدباء: ابوالقاسم الحسين بن محمّد، المعروف بالراغب الاصفهانى (المتوفى 502 ق)، 2 مجلد، الناشر: شركة دار الأرقم - بيروت، الأولى 1420ق.

123 - محاضرات الادباء ومحاورات الشعراء والبلغاء: حسين بن محمد، راغب اصفهانى 2 مجلد، بيروت، لبنان 1420.

124 - مراصد الاطّلاع على اسماء الأمكنة والبقاع: القطيعى البغدادى، (المتوفى 739ق) 3 مجلد، دار الجيل، بيروت، الأولى 1412ق.

125 - مروج الذهب ومعادن الجوهر: المسعودي، (المتوفى 346ق)، منشورات دار الهجره، قم 1404ق - 1363ش - 1984م.

126 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: حسين بن محمد تقي، النوري، (المتوفى 1320ق)، 28 مجلد، مصحح ومؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى 1408ق.

127 - المسترشد في امامة علي بن ابى طالب عليه السلام: محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي الكبير، (المتوفى 326ق)، 1 مجلد، مصحح: احمد المحمودي، كوشانپور، قم، الأولى 1415ق.

128 - المستطرف في كلّ فن مستظرف: الابشيهي، (المتوفى 850ق)، 2 مجلد، دار ومكتبة الهلال، بيروت.

129 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار: على بن حسن طبرسى، (المتوفى 600ق)، 1 مجلد، المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، الثانية 1385ق - 1344ش.

ص: 391

130 - مصباح الشريعة (ترجمة المصطفوى): منسوب به امام صادق عليه السلام: (م 148ق)، الأعلمي، بيروت، الأولى 1400ق.

131 - مصباح المتهجّد: محمّد بن الحسن الطوسي، (المتوفى 460ق)، 2 مجلد، مؤسسة فقه الشيعة، بيروت، الأولى 1411ق.

132 - المصباح المنير: أحمد بن محمّد الفيومي، (المتوفى 770ق)، 2 مجلد، مؤسسة دار الهجرة، قم، الثانية 1414ق.

133 - المعارف: ابن قتيبة الدينوري، (المتوفى 276ق)، تحقيق: دكتور ثروت عكاشه، دار المعارف بمصر، مطابع دار المعارف بمصر، الثانية 1969م.

134 - معانى الأخبار: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: على اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، الأولى، قم 1403ق.

135 - معجم الأدباء: ياقوت الحموى، (المتوفى 626ق)، 20 جزء في 10 مجلدات، دار الفكر، بيروت، الثالثة 1400 ق.

136 - معجم البلدان: الحموي، (المتوفى 626ق)، 1 مجلد، دار احياء التراث العربي، بيروت - لبنان، 1399ق - 1979م.

137 - معدن الجواهر ورياض الخواطر: محمّد بن علي الكراجكي، (المتوفى 449ق)، 1 مجلد، المكتبة المرتضويّة، طهران، الثانية 1394ق - 1353ش.

138 - مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة: السيّد محمّد تقي النقوي القايني الخراساني، معاصر، 7 مجلد، مكتبة المصطفوى، طهران.

139 - مقاتل الطالبيين: ابو الفرج الاصفهانى، (المتوفى 356ق)، تحقيق: سيد أحمد صقر، بيروت، دار المعرفة، بى تا.

ص: 392

140 - مكارم الأخلاق: حسن بن فضل، الطبرسي، (المتوفى قرن 6)، الشريف الرضي، قم، الرابعة 1412ق - 1370ش.

141 - مناقب آل ابي طالب عليهم السلام: محمّد بن على بن شهر آشوب المازندراني، (المتوفى 588ق)، 4 مجلد، العلّامة، قم، الأولى 1379ش.

142 - المنتظم في تاريخ الاُمم والملوك: ابن الجوزى، (المتوفى 597ق)، 2 مجلد، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الأولى 1412ق 1992م.

143 - من لا يحضره الفقيه: محمّد بن علي بن بابويه، (المتوفى 381ق)، مصحّح: علي اكبر الغفارى، 4 مجلد، مؤسسة النشر الإسلامي، الثانية، قم 1413ق.

144 - منهاج البراعة: الميرزا حبيب اللَّه الهاشمي الخوئي، (المتوفى 1324ق)، 22 مجلد، مصحح: علي العاشور، دار احياء التراث العربى للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الأولى 1429ق - 2008 م.

145 - منية المريد: الشهيد الثانى، (ش 965ق)، تحقيق: رضا المختارى، مكتب الأعلام الاسلامى، الأولى 1409ق 1368ش.

146 - ميزان الاعتدال: الذهبى، (المتوفى 748ق)، 4 مجلد، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.

147 - نثر الدر في المحاضرات: منصور بن الحسين الرازي، (المتوفى 421ق)، عدد الأجزاء: 7 * 4، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الأولى 1424ق - 2004م.

148 - نسب قريش: مصعب الزبيري، (المتوفى 236ق)، 1 مجلد، دار المعارف، القاهرة، الثالثة.

ص: 393

149 - النوادر للراوندي: فضل اللَّه بن علي، راوندي كاشاني، (المتوفى 570ق)، 1 مجلد، دار الكتاب، ايران، قم، بى تا، الأولى.

150 - نهاية الأرب في فنون الأدب: النويري، (المتوفى 733ق)، 33 مجلد، وزارة الثقافة والارشاد القومي المؤسّسة المصريّة العامّة.

151 - النهاية في غريب الحديث والأثر: مبارك بن محمد، ابن الأثير الجزري، (المتوفى 606ق)، 5 مجلد، مصحح: محمود محمد الطناحي، اسماعيليان، قم، الرابعة 1367 ش.

152 - نهج البلاغة (فيض الاسلام): حاج سيد علينقى فيض الاسلام، انتشارات فيض الاسلام، چاپ مكرر، چاپخانه احمدى.

153 - نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: محمّد باقر محمودى، معاصر، 8 مجلد، سازمان چاپ وانتشارات وزارت فرهنگ وارشاد اسلامى، تهران، الأولى 1376ش.

154 - نهج الفصاحة: كلمات القصار للنبى الأكرم صلى الله عليه وآله، دنياى دانش، طهران، الرابعة 1382ش.

155 - الوافي: محمد محسن بن شاه مرتضى، الفيض الكاشاني، (المتوفى 1091ق)، 26 مجلد، مكتبة الإمام اميرالمؤمنين عليه السلام، اصفهان، الأولى 1406ق.

156 - وسائل الشيعة: محمد بن حسن، شيخ حر العاملي، (المتوفى 1104ق)، مصحح: مؤسسه آل البيت عليهم السلام، 30 مجلد، الأولى 1409ق.

157 - وقعة صفين: نصر بن مزاحم المنقري، (المتوفى 212ق)، 1 مجلد: مصحح: عبدالسلام محمد، هارون، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى، الأولى 1404ق.

ص: 394

158 - وقعة الطفّ: لوط بن يحيى أبو مخنف الكوفي، (المتوفى 158ق)، 1 مجلد، جامعة المدرسين ايران، قم، الثالثة 1417ق.

159 - هداية الأمّة الى احكام الأئمّة: الحرّ العاملى (المتوفى 1104ق)، 8 مجلد، مجمع البحوث الاسلاميّة، مشهد، ايران، الأولى 1414ق.

160 - الهداية الكبرى: حسين بن حمدان الخصيبي، (المتوفى 334ق)، 1 مجلد، البلاغ، بيروت، 1419ق.

161 - يتيمة الدهر: عبدالملك الثعالبي النيسابوري، (المتوفى 429ق)، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الأولى 1403ق - 1983م.

162 - اليقين باختصاص مولانا علي عليه السلام بامرة المؤمنين: ابن طاووس، على بن موسى (المتوفى 664ق)، 1 مجلد، دار الكتاب، ايران، قم، الأولى 1413ق.

ص: 395

المحتويات

24 - ومن خطبة له عليه السلام

( 5 - 14 )

ومن خطبة له عليه السلام: وَلَعَمْرِي مَا عَلَيَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ وَخَابَطَ الْغَيَّ مِنْ إِدْهَانٍ وَلا إِيهَانٍ 6

فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ 7

في بيان معنى التقوى لغة وشرعاً ومايترتّب عليه من الثمرات الدنيويّة والأُخرويّة 9

وَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ من اللَّهِ 12

فرار العبد إلى اللَّه تعالى 12

وامضوا في الذي نهجه لكم وقوموا بما عصبة بكم فعليّ ضامن لفلجكم آجلاً إن لم تمنحوه عاجلا 14

ص: 396

25 - ومن خطبة له عليه السلام وقد تواترت عليه

الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد، وقدم عليه عاملاه على اليمن،

وهما عبيداللَّه بن عبّاس وسعيد بن نمران لمّا غلب عليهما بسر بن

أبي أرطاة، فقام عليه السلام على المنبر ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد،

ومخالفتهم له في الرأي، فقال:

( 15 - 43 )

وقد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلاد 16

نسب معاوية 16

وقدم عليه عاملاه على اليمن 19

وهما عبيداللَّه بن عبّاس 20

وسعيد بن نمران 20

لمّا غلب عليهما بسر بن أبي أرطاة 20

فقام عليه السلام على المنبر ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد، ومخالفتهم له في الرأي 32

مَا هِيَ إِلّا الْكُوفَةُ أَقْبِضُهَا وَأَبْسُطُهَا 33

إِنْ لَمْ تَكُونِي إِلّا أَنْتِ 33

ثُمَّ قَالَ عليه السلام: أُنْبِئْتُ بُسْراً قَدِ اطَّلَعَ الْيَمَنَ وَإِنِّي وَاللَّهِ لأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ 34

وَبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ فِي الْحَقِّ وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ فِي الْبَاطِلِ 34

وَبِأَدَائِهِمُ الْأَمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وَخِيَانَتِكُمْ وَبِصَلاحِهِمْ فِي بِلادِهِمْ وَفَسَادِكُمْ 35

فَلَوِ ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْبٍ 36

ص: 397

لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلاقَتِهِ 36

اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِي وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي 36

فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ 37

وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرّاً مِنِّي 37

اللَّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ 40

أَمَا وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُمْ أَلْفَ فَارِسٍ مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ 40

ثُمَّ نَزَلَ عليه السلام مِنَ الْمِنْبَرِ 42

تكملة 42

26 - ومن خطبة له عليه السلام

( 44 - 97 )

إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ 46

وَأَمِيناً عَلَى التَّنْزِيلِ 48

وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ عَلَى شَرِّ دِينٍ 48

وَفِي شَرِّ دَارٍ مُنِيخُونَ 51

بَيْنَ حِجَارَةٍ خُشْنٍ وَحَيَّاتٍ صُمٍّ 51

تَشْرَبُونَ الْكَدِرَ 52

وَتَأْكُلُونَ الْجَشِبَ 53

وَتَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ 56

وَتَقْطَعُونَ أَرْحَامَكُمْ 56

ص: 398

الْأَصْنَامُ 57

فِيكُمْ مَنْصُوبَةٌ 57

وَالْآثَامُ بِكُمْ مَعْصُوبَةٌ 65

ومنها: فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلّا أَهْلُ بَيْتِي فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ وَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى وَشَرِبْتُ عَلَى الشَّجَا وَصَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ الْكَظَمِ وَعَلَى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ الْعَلْقَمِ 68

ومنها: وَلَمْ يُبَايِعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ عَلَى الْبَيْعَةِ ثَمَناً فَلا ظَفِرَتْ يَدُ الْبَائِعِ وَخَزِيَتْ أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا وَأَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا وَعَلا سَنَاهَا وَاسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى النَّصْرِ 77

وَأَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا 89

وَاسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ 89

فَإِنَّهُ 89

أَدْعَى إِلَى النَّصْرِ 89

27 - ومن خطبة له عليه السلام

( 98 - 131 )

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَتَحَهُ اللَّهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ 103

وَهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى 112

وَدِرْعُ اللَّهِ الْحَصِينَةُ وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ 113

ص: 399

فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَشَمِلَهُ الْبَلاءُ وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالإِسْهَابِ وَأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ وَسِيمَ الْخَسْفَ وَمُنِعَ النَّصَفَ 113

فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللَّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ وَشَمِلَهُ الْبَلاءُ وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ 115

فقوله عليه السلام: رغبة عنه اشارة إلى ما استثنى منه كما إذا كان فرار المسلم من ثلاثة في الحرب 116

وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالإِسْهَابِ 117

أَلا وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لَيْلاً وَنَهَاراً وَسِرّاً وَإِعْلاناً 118

وَقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ 118

فَوَاللَّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلّا ذَلُّوا فَتَوَاكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ وَهَذَا أَخُو غَامِدٍ وَقَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ 118

وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلُبَهَا وَقَلائِدَهَا وَرُعَاثَهَا 119

مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلّا بِالِاسْتِرْجَاعِ 119

وَالِاسْتِرْحَامِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً 120

فَيَا عَجَباً عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ اجْتِمَاعُ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقُكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ 121

ص: 400

فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلا تُغِيرُونَ وَتُغْزَوْنَ وَلا تَغْزُونَ وَيُعْصَى اللَّهُ وَتَرْضَوْنَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ (الصّيف) قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ 122

يَا أَشْبَاهَ الرِّجَالِ وَلا رِجَالَ 123

حُلُومُ الْأَطْفَالِ وَعُقُولُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ 124

لَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَرَكُمْ وَلَمْ أَعْرِفْكُمْ مَعْرِفَةً وَاللَّهِ جَرَّتْ نَدَماً وَأَعْقَبَتْ سَدَماً 124

قَاتَلَكُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً وَشَحَنْتُمْ صَدْرِي غَيْظاً وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلانِ حَتَّى قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ وَلَكِنْ لا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ للَّهِ ِ أَبُوهُمْ 125

وهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ وَهَا أَنَا ذَا قَدْ ذَرَّفْتُ عَلَى السِّتِّينَ 125

وَلَكِنْ لا رَأْيَ لِمَنْ لا يُطَاعُ 126

تكملة 129

28 - ومن خطبة له عليه السلام

( 132 - 186 )

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَدْبَرَتْ وَآذَنَتْ بِوَدَاعٍ 132

وَإِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ أَقْبَلَتْ وَأَشْرَفَتْ بِاطِّلاعٍ 139

ص: 401

أَلا وَإِنَّ الْيَوْمَ الْمِضْمَارَ وَغَداً السِّبَاقَ 141

وَالسَّبَقَةُ الْجَنَّةُ وَالْغَايَةُ النَّارُ 142

أَ فَلا تَائِبٌ مِنْ خَطِيئَتِهِ قَبْلَ مَنِيَّتِهِ 142

أَ لا عَامِلٌ لِنَفْسِهِ قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ 143

قَبْلَ يَوْمِ بُؤْسِهِ 144

أَلا وَإِنَّكُمْ فِي أَيَّامِ أَمَلٍ مِنْ وَرَائِهِ أَجَلٌ 145

فَمَنْ عَمِلَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ نَفَعَهُ عَمَلُهُ وَلَمْ يَضْرُرْهُ أَجَلُهُ وَمَنْ قَصَّرَ فِي أَيَّامِ أَمَلِهِ قَبْلَ حُضُورِ أَجَلِهِ فَقَدْ خَسِرَ عَمَلُهُ وَضَرَّهُ أَجَلُهُ 145

أَلا فَاعْمَلُوا فِي الرَّغْبَةِ كَمَا تَعْمَلُونَ فِي الرَّهْبَةِ 149

أَلا وَإِنِّي لَمْ أَرَ كَالْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا وَلا كَالنَّارِ نَامَ هَارِبُهَا 151

الجنّة والنار مخلوقتان الآن 155

كيفيّة الجنّة والنار وأحوالهما 159

موجبات الدخول إلى الجنّة والفرار من النار 164

أَلا وَإِنَّهُ مَنْ لا يَنْفَعُهُ الْحَقُّ يَضُرُّهُ الْبَاطِلُ 177

وَمَنْ لا يَسْتَقِيمُ بِهِ الْهُدَى يَجُرُّ بِهِ الضَّلالُ إِلَى الرَّدَى أَلا وَإِنَّكُمْ قَدْ أُمِرْتُمْ بِالظَّعْنِ وَدُلِلْتُمْ عَلَى الزَّادِ 178

وَإِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ اثْنَتَانِ اتِّبَاعُ الْهَوَى 178

وَطُولُ الْأَمَلِ 182

ذكر الموت يقصّر الأمل ويدفع طوله 184

فَتَزَوَّدُوا فِي الدُّنْيَا مِنَ الدُّنْيَا مَا تَحْرُزُونَ بِهِ أَنْفُسَكُمْ غَداً 185

ص: 402

تكملة 186

29 - ومن خطبة له عليه السلام: 187

أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ 189

كَلامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلابَ وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ 190

تَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ كَيْتَ وَكَيْتَ فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَادِ 191

مَا عَزَّتْ دَعْوَةُ مَنْ دَعَاكُمْ وَلا اسْتَرَاحَ قَلْبُ مَنْ قَاسَاكُمْ أَعَالِيلُ بِأَضَالِيلَ 195

دِفَاعَ ذِي الدَّيْنِ الْمَطُولِ 195

لا يَمْنَعُ الضَّيْمَ الذَّلِيلُ وَلا يُدْرَكُ الْحَقُّ إِلّا بِالْجِدِّ أَيَّ دَارٍ بَعْدَ دَارِكُمْ تَمْنَعُونَ وَمَعَ أَيِّ إِمَامٍ بَعْدِي تُقَاتِلُونَ 196

الْمَغْرُورُ وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ 196

الْمَغْرُورُ - الحقيقي - وَاللَّهِ مَنْ غَرَرْتُمُوهُ 197

وَمَنْ فَازَ بِكُمْ فَقَدْ فَازَ وَاللَّهِ بِالسَّهْمِ الْأَخْيَبِ وَمَنْ رَمَى بِكُمْ فَقَدْ رَمَى بِأَفْوَقَ نَاصِلٍ أَصْبَحْتُ وَاللَّهِ لا أُصَدِّقُ قَوْلَكُمْ وَلا أَطْمَعُ فِي نَصْرِكُمْ وَلا أُوعِدُ الْعَدُوَّ بِكُمْ مَا بَالُكُمْ مَا دَوَاؤُكُمْ 197

مَا طِبُّكُمْ 197

الْقَوْمُ رِجَالٌ أَمْثَالُكُمْ 198

أَ قَوْلاً بِغَيْرِ عِلْمٍ 198

وَغَفْلةً مِنْ غَيْرِ وَرَعٍ وَطَمَعاً فِي غَيْرِ حَقٍّ 198

تكملة 199

ص: 403

30 - ومن كلام له عليه السلام في معنى قتل عثمان

( 205 - 232 )

لَوْ أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قَاتِلاً أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ لَكُنْتُ نَاصِراً 205

غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ خَذَلَهُ مَنْ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ وَمَنْ خَذَلَهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي 210

وَأَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ اسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الْأَثَرَةَ وَجَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الْجَزَعَ 216

وَللَّهِ ِ حُكْمٌ وَاقِعٌ فِي الْمُسْتَأْثِرِ وَالْجَازِعِ 218

تذييل 220

31 - ومن كلام له عليه السلام لابن عبّاس لمّا أرسله إلى الزبير

يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل

( 233 - 243 )

ومن كلام له عليه السلام لابن عبّاس لمّا أرسله إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل 233

لا تَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ 235

فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ 236

يَرْكَبُ الصَّعْبَ وَيَقُولُ هُوَ الذَّلُولُ 236

وَلَكِنِ الْقَ الزُّبَيْرَ فَإِنَّهُ أَلْيَنُ عَرِيكَةً 238

فَقُلْ لَهُ: يَقُولُ لَكَ ابْنُ خَالِكَ 242

عَرَفْتَنِي بِالْحِجَازِ وَأَنْكَرْتَنِي بِالْعِرَاقِ 242

فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا 243

ص: 404

32 - ومن خطبة له عليه السلام

( 244 - 267 )

أَصْبَحْنَا فِي دَهْرٍ عَنُودٍ 245

وَزَمَنٍ كَنُودٍ 246

يُعَدُّ فِيهِ الْمُحْسِنُ مُسِيئاً 246

وَيَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً 247

لا نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا 247

وَلا نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا 249

وَلا نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً حَتَّى تَحُلَّ بِنَا 251

وَالنَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ 251

مِنْهُمْ مَنْ لا يَمْنَعُهُ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِلّا مَهَانَةُ نَفْسِهِ وَكَلالَةُ حَدِّهِ وَنَضِيضُ وَفْرِهِ وَمِنْهُمْ الْمُصْلِتُ لِسَيْفِهِ 251

وَكَلالَةُ حَدِّهِ 252

وَنَضِيضُ وَفْرِهِ 252

وَمِنْهُمْ الْمُصْلِتُ لِسَيْفِهِ 252

وَالْمُعْلِنُ بِشَرِّهِ 253

وَالْمُجْلِبُ بِخَيْلِهِ وَرَجِلِهِ 253

قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ 254

وَأَوْبَقَ دِينَهُ 254

لِحُطَامٍ يَنْتَهِزُهُ 254

ص: 405

أَوْ مِقْنَبٍ يَقُودُهُ 254

أَوْ مِنْبَرٍ يَفْرَعُهُ 254

وَلَبِئْسَ الْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً وَمِمَّا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ عِوَضاً 255

وَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ وَلا يَطْلُبُ الْآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا 256

قَدْ طَامَنَ مِنْ شَخْصِهِ 256

وَقَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ 257

وَشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ 257

وَزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْأَمَانَةِ 258

وَاتَّخَذَ سِتْرَ اللَّهِ ذَرِيعَةً إِلَى الْمَعْصِيَةِ 258

وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُلْكِ ضُئُولَةُ نَفْسِهِ 259

وَانْقِطَاعُ سَبَبِهِ 259

فَقَصَرَتْهُ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ 259

فَتَحَلَّى بِاسْمِ الْقَنَاعَةِ 259

وَتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ 260

وَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَرَاحٍ وَلا مَغْدًى 260

وَبَقِيَ رِجَالٌ 260

غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ 260

وَأَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْمَحْشَرِ 260

تذييل 262

فَهُمْ بَيْنَ شَرِيدٍ نَادٍّ 263

ص: 406

أَخْمَلَتْهُمُ التَّقِيَّةُ 265

فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِكُمْ أَصْغَرَ مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ وَقُرَاضَةِ الْجَلَمِ 266

وَاتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ وَارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ 267

33 - ومن خطبة له عليه السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة

( 268 - 279 )

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام بِذِي قَارٍ وَهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي: مَا قِيمَةُ هَذِهِ النَّعْلِ؟ فَقُلْتُ: لا قِيمَةَ لَهَا 269

وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداًصلى الله عليه وآله وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً وَلا يَدَّعِي نُبُوَّةً 269

فَسَاقَ النَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ وَبَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ 270

فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ وَاطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ أَمَا وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا مَا ضعفت (عَجَزْتُ) وَلا جَبُنْتُ وَإِنَّ مَسِيرِي هَذَا لِمِثْلِهَا فَلَأَنْقُبَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى يَخْرُجَ الْحَقُّ مِنْ جَنْبِهِ مَا لِي وَلِقُرَيْشٍ وَاللَّهِ لَقَدْ قَاتَلْتُهُمْ كَافِرِينَ وَلأُقَاتِلَنَّهُمْ مَفْتُونِينَ 271

جريان حكم المسلمين على البغاة في زمان الهدنة 274

تبصرة 276

وَإِنِّي لَصَاحِبُهُمْ بِالْأَمْسِ كَمَا أَنَا صَاحِبُهُمُ الْيَوْمَ 278

ص: 407

34 - ومن خطبة له عليه السلام في استنفار الناس إلى أهل الشام

( 280 - 302 )

ومن خطبة له عليه السلام في استنفار الناس إلى أهل الشام 281

أُفٍّ لَكُمْ لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَكُمْ «أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ» 282

وَبِالذُّلِّ مِنَ الْعِزِّ خَلَفاً 285

إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي غَمْرَةٍ 285

وَمِنَ الذُّهُولِ فِي سَكْرَةٍ يُرْتَجُ عَلَيْكُمْ حَوَارِي فَتَعْمَهُونَ 286

وَكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ فَأَنْتُمْ لا تَعْقِلُونَ 286

مَا أَنْتُمْ لِي بِثِقَةٍ سَجِيسَ اللَّيَالِي 286

وَمَا أَنْتُمْ بِرُكْنٍ يُمَالُ بِكُمْ 287

وَلا زَوَافِرُ عِزٍّ يُفْتَقَرُ إِلَيْكُمْ 287

مَا أَنْتُمْ إِلّا كَإِبِلٍ ضَلَّ رُعَاتُهَا فَكُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ انْتَشَرَتْ مِنْ آخَرَ لَبِئْسَ لَعَمْرُ اللَّهِ سُعْرُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ تُكَادُونَ وَلا تَكِيدُونَ وَتُنْتَقَصُ أَطْرَافُكُمْ فَلا تَمْتَعِضُونَ لا يُنَامُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ فِي غَفْلَةٍ سَاهُونَ غُلِبَ وَاللَّهِ الْمُتَخَاذِلُونَ 287

وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ بِكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى وَاسْتَحَرَّ الْمَوْتُ قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الرَّأْسِ 289

وَاللَّهِ إِنَّ امْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ وَيَهْشِمُ عَظْمَهُ وَيَفْرِي جِلْدَهُ لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ ضَعِيفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ 290

أَنْتَ فَكُنْ ذَاكَ إِنْ شِئْتَ 290

فَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيَّةِ 291

ص: 408

تَطِيرُ مِنْهُ فَرَاشُ الْهَامِ وَتَطِيحُ السَّوَاعِدُ وَالْأَقْدَامُ 291

وَيَفْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ ما يَشاءُ 294

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ وَالنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ 294

وَالإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ 295

وَالطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ 295

تنبيه 296

تكملة 299

الخطبة (35) ومن خطبة له عليه السلام بعد التحكيم

( 303 - 377 )

و من خطبة له عليه السلام بعد التحكيم 303

الْحَمْدُ للَّهِ ِ وَإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ وَالْحَدَثِ الْجَلِيلِ 303

وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ غَيْرُهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وآله 304

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ تُورِثُ الْحَيْرَةَ وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ 304

وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي وَنَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ 305

فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ وَالْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ 311

ص: 409

حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ فَكُنْتُ أَنَا وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ 312

أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرِجِ اللِّوَى فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلّا ضُحَى الْغَدِ 312

قضيّة صفّين 313

قصّة التحكيم والحكمين وحكمهما بالجور رأي العين 343

المصادر 378

المحتويات 396

ص: 410

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.