مصباح السعادة في شرح النهج البلاغة المجلد 3

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الموسوي آل طيب، السيد محمدكاظم، 1331-

عنوان العقد:نهج البلاغة. وصف

Nhjol-Balaghah. Commantries

عنوان واسم المؤلف: مصباح السعادة في شرح النهج البلاغة المجلد 3 [علي بن أبي طالب (علیه السلام)]/ مولف السيد محمدكاظم الموسوي آل طيب.

تفاصيل المنشور: قم: دارالتفسیر، 1440ق.= 1397.

مواصفات المظهر:8ج

ISBN:ج.6 978-964-535-716-8 :

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: عربي.

ملاحظة:ج.6 (چاپ اول: 1442 ق = 1399) (فیپا).

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق -- خطب

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- *Public speaking

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق. -- کلمات قصار

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- Quotations

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغة -- النقد والتعليق

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah -- Criticism and interpretation

المعرف المضاف: علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق . نهج البلاغة. وصف

المعرف المضاف:Ali ibn Abi-talib, Imam I Commantries.. Nahjol - Balaghah

ترتيب الكونجرس: BP38/02/م83 1397

تصنيف ديوي: 297/9515

رقم الببليوغرافيا الوطنية:5402095

معلومات التسجيلة الببليوغرافية: FIPA

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

مصباح السعادة في شرح نهج البلاغة الجزء الثالث

السيّد محمّد كاظم الموسوي آل طيّب

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

4 - ومن خطبة له عليه السلام:

اشارة

بِنَا اهْتَدَيْتُمْ فِي الظَّلْمَاءِ وَ تَسَنَّمْتُمْ الْعَلْيَاءِ وَ بِنَا أَفْجَرْتُمْ عَنِ السِّرَارِ وُقِرَ سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ الْوَاعِيَةَ وَ كَيْفَ يُرَاعِي النَّبْأَةَ مَنْ أَصَمَّتْهُ الصَّيْحَةُ ؟ رُبِطَ جَنَانٌ لَمْ يُفَارِقْهُ الْخَفَقَانُ مَا زِلْتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ الْغَدْرِ وَ أَتَوَسَّمُكُمْ بِحِلْيَةِ الْمُغْتَرِّينَ حَتَّى سَتَرَنِي عَنْكُمْ جِلْبَابُ الدِّينِ وَ بَصَّرَنِيكُمْ صِدْقُ النِّيَّةِ أَقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سُنَنِ الْحَقِّ فِي جَوَادِّ الْمَضَلَّةِ حَيْثُ تَلْتَقُونَ وَ لا دَلِيلَ وَ تَحْتَفِرُونَ وَ لا تُمِيهُونَ الْيَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ الْعَجْمَاءَ ذَاتَ الْبَيَانِ عَزَبَ رَأْيُ امْرِئٍ تَخَلَّفَ عَنِّي مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ لَمْ يُوجِسْ مُوسَى علیه السلام خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ بَلْ أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ الْجُهَّالِ وَ دُوَلِ الضَّلالِ الْيَوْمَ تَوَافَقْنَا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ مَنْ وَثِقَ بِمَاءٍ لَمْ يَظْمَأْ .

روى أنّ هذه الخطبة خطب بها أميرالمؤمنين علیه السلام بعد قتل طلحة والزبير(1) .

بِنَا اهْتَدَيْتُمْ

اشارة

عن الفضيل قال : سألت أبا عبداللَّه علیه السلام عن قول اللَّه تبارك وتعالى : ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ )(2) قال : « كلّ إمام هادٍ للقرن الذي هو فيهم »(3) .

عن أبي جعفر علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ : ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ )(4)

ص: 5


1- شرح نهج البلاغة ( ابن ميثم ) : 1/270 .
2- سورة الرعد : 7 .
3- بصائر الدرجات : 1/30 ، ح 6 ؛ الكافي 1/191 ح 1 ؛ بحار الأنوار : 23/33 ، ح 4 .
4- سورة الرعد : 7 .

فقال : رسول اللَّه صلی الله علیه وآله المنذر ولكلّ زمان منّا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبيّ اللَّه ثمّ الهداة من بعده عليّ ثمّ الأوصياء واحد بعد واحد(1) .

وعن أبي جعفر علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ : ( إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ )(2) قال : « رسول اللَّه المنذر وعليّ الهادي »(3) .

عن عبداللَّه بن سنان قال : سألت أبا عبداللَّه علیه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ : ( وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ )(4) قال : « هم الأئمّة »(5) .

في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر علیه السلام في قوله : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ )(6) : « فأمّا من يهدي إلى الحقّ فهم محمّد وآل محمّد من بعده ، وأمّا من لا يهدي إلّا أن يُهدى ، فهو من خالف من قريش وغيرهم أهل بيته من بعده »(7) .

عن المعلّى بن خنيس عن أبي عبداللَّه علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ : ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ )(8) « يعني من يتّخذ دينه رأيه بغير هدى أئمّة من أئمّة الهدى »(9) .

ص: 6


1- الكافي : 1/191 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 16/358 ، ح 50 .
2- سورة الرعد : 7 .
3- بصائر الدرجات : 1/30 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 35/402 ، ح 17 .
4- سورة الأعراف : 181 .
5- الكافي : 1/414 ، ح 13 ؛ بحار الأنوار : 24/1 ، ب 146 ، ح 17 .
6- سورة يونس : 35 .
7- تفسير القمّي : 1/312 ؛ بحار الأنوار 9/213 ، ح 91 .
8- سورة القصص : 50 .
9- بصائر الدرجات : 1/13 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 2/302 ، ح 35 .

عن عيسى بن داود النجّار عن أبي الحسن موسى بن جعفر علیه السلام قال : « إنّه سأل أباه عن قول اللَّه عزّوجلّ : ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى )(1) قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : يا أيّها الناس اتّبعوا هدى اللَّه تَهتدوا وتُرشدوا وهو هُداي وهداي وهدى علي بن أبي طالب فمن اتّبع هداه في حياتي وبعد موتي فقد اتّبع هداي ومن اتّبع هداي فقد اتّبع هدى اللَّه ومن اتّبع هدى اللَّه فلا يضلّ ولا يشقى »(2) .

قال المفضّل : سمعت الصادق علیه السلام يقول : « بلية الناس علينا عظيمة إن دعوناهم لم يجيبونا وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا »(3) .

عن زياد بن مطرف قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من أراد أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي وهو قضيب من قضبانه غرسه بيده وهي جنّة الخلد فليتولّ عليّاً وذريّته من بعده فانّهم لن يخرجوه من باب هدى ولن يدخلوه في باب ضلال »(4) .

روى عن أبي حنيفة النعمان بن ثابت قال : لو لا جعفر بن محمد ما علم الناس مناسك حجّهم(5) .

لقى مسلم مولى أبي عبداللَّه علیه السلام صدقة الأحدب وقد قدم من مكّة فقال له مسلم : الحمد للَّه الذي يسّر سبيلك وهدى دليلك وأقدمك بحال عافية وقد قضى

ص: 7


1- سورة طه : 123 .
2- تأويل الآيات : 314 ؛ بحار الأنوار : 24/149 ، ح 30 .
3- من لا يحضره الفقيه : 4/405 ، ح 5875 ؛ بحار الأنوار : 36/253 ، ح 26 .
4- بصائر الدرجات في فضائل آل محمد صلی الله علیه وآله : 1/51 ، ح 13 ؛ بحار الأنوار : 36/248 ، ح 63 .
5- من لا يحضره الفقيه : 2/519 ذيل ح 3112 .

الحجّ وأعان على السعة فقبل اللَّه منك وأخلف عليك نفقتك وجعلها حجّة مبرورة ولذنوبك طهوراً فبلغ ذلك أبا عبداللَّه علیه السلام فقال له : « كيف قلت لصدقة فأعاد عليه » فقال له : من علمك هذا فقال : جعلت فداك مولاي أبو الحسن علیه السلام فقال له : « نعم ما تعلمت إذا لقيت أخا من إخوانك فقل له هكذا فانّ الهدى بنا هدى وإذا لقيت هؤلاء فقل لهم ما يقولون »(1) .

الأئمّة من آل محمّد : هم نور اللَّه إلى يوم القيامة

عن أبي خالد الكابلي قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قوله : ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا )(2) فقال : « يا أبا خالد ! النور واللَّه الأئمّة من آل محمّد صلی الله علیه وآله إلى يوم القيامة ، وهم واللَّه نور اللَّه الذي أنزل ، وهم واللَّه نور اللَّه في السماوات والأرض ، يا أبا خالد ! لنور الامام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار ، وهم واللَّه ينوّرون قلوب المؤمنين ، ويحجب اللَّه نورهم عمّن يشاء فتظلم قلوبهم ، واللَّه يا أبا خالد ! لا يحبّنا عبد ويتولّانا حتّى يطهر اللَّه قلبه ولا يطهّر اللَّه قلب عبد حتّى يسلم لنا ويكون سلما لنا ، فاذا كان سلما لنا سلّمه اللَّه من شديد الحساب ، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر »(3) .

قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « إنّ اللَّه قال في كتابه : ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى

ص: 8


1- تهذيب الأحكام : 5/444 ، ح 1547 - 193 .
2- سورة التغابن : 8 .
3- تفسير القمّي : 2/371 ، بحار الأنوار : 23/308 ، ح 5 .

الظُّلُمَاتِ )(1) فالنور هم آل محمّد : والظلمات عدوّهم »(2) .

عن ابن عبّاس 2 في قول اللَّه تبارك وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ ) قال الحسن والحسين ( وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ )(3) قال : أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام(4) .

في تفسير القمي : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ )(5) قال : النجوم آل محمد صلی الله علیه وآله(6) .

عن عكرمة وسُئل عن قول اللَّه تعالى : ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا )(7) قال : والشمس وضحاها هو محمّد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله والقمر إذا تلاها أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام والنهار إذا جلّاها آل محمّد الحسن والحسين 8 والليل إذا يغشاها بنو اُميّة(8) .

أبو الورد عن أبي جعفر علیه السلام في قوله : ( وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ )(9) قال : « نحن النجم»(10) .

ص: 9


1- سورة البقرة : 257 .
2- تفسير العيّاشي : 1/139 ، ش 461 ؛ بحار الأنوار : 23/310 ، ح 12 .
3- سورة الحديد : 28 .
4- تفسير فرات الكوفي : 468 ، ش 612 ؛ بحار الأنوار : 23/317 ، ح 26 .
5- سورة الحديد : 28 .
6- تفسير القمي : 1/211 ؛ بحار الأنوار : 24/76 ، ح 15 .
7- سورة الشمس : 1 - 4 .
8- تفسير فرات الكوفي : 561 ، ش 717 ؛ بحار الأنوار : 24/78 ، ح 20 .
9- سورة النحل : 16 .
10- مناقب ابن شهر آشوب : 4/178 ؛ بحار الأنوار : 24/82 ، ح 28 .

قال صلی الله علیه وآله : « أنا الشمس وعلي كلاقمر وأهل بيتي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم »(1) .

قال النبي صلی الله علیه وآله : « النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض »(2) .

الاعتقاد بالولاية شرط في استحقاق الثواب

عن عبداللَّه بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبداللَّه علیه السلام انّي أخالط الناس فيكثر عجبى من أقوام لا يتولّونكم ويتولّون فلاناً وفلاناً لهم أمانة وصدق ووفاء وأقوام يتولّونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق قال : فاستوى أبو عبداللَّه علیه السلام جالساً وأقبل عليّ كالمغضب ثمّ قال : « لا دين لمن دان بولاية إمام جائر ليس من اللَّه ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من اللَّه » قلت : لا دين لاُولئك ولا عتب على هؤلاء ؟ قال : « نعم لا دين لاُولئك ولا عتب على هؤلاء » ثمّ قال : « أما تسمع لقول اللَّه عزوجل : ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )(3) يعني من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كلّ امام عادل من اللَّه » ثمّ قال : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ) فأيّ نور يكون للكافر فيخرج منه إنّما عني بهذا أنّهم كانوا على نور الاسلام فلمّا تولّوا كلّ إمام جائر ليس من اللَّه خرجوا بولايتهم إيّاهم من نور

ص: 10


1- عوالي اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة : 4/86 ، ح 100 ؛ اثباة الهداة : 2/249 ، ح 863 .
2- علل الشرايع : 1/123 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 23/19 ، ح 14 .
3- سورة البقرة : 257 .

الاسلام إلى ظلمات الكفر فأوجب اللَّه لهم النار مع الكفار فقال : ( أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )(1) » .

عن سعيد بن أبي الأصبغ قال : سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام وهو يسأل عن مستقر ومستودع قال : « مستقر في الرحم ومستودع في الصلب ، وقد يكون مستودع الايمان ثمّ ينزع منه . ولقد مشى الزبير في ضوء الإيمان ونوره حين قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حتّى مشى بالسيف وهو يقول : لا نبايع إلّا عليّاً »(2) .

عن جعفر بن مروان ، قال : إنّ الزبير اخترط سيفه يوم قبض النبي صلی الله علیه وآله وقال : لا أغمده حتّى ابايع لعلي ، ثمّ اخترط سيفه فضارب عليّاً 6 ، فكان ممّن أعير الإيمان فمشى في ضوء نوره ، ثمّ سلبه اللَّه إيّاه(3) .

وبنا انفجرتم عن السرار

قال تعالى : ( أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ )(4) .

قال تعالى : ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ )(5) .

ص: 11


1- غيبة النعماني : 132 ، ح 14 ؛ بحار الأنوار : 23/322 ، ح 39 .
2- تفسير العياشي : 1/371 ، ح 71 ، بحار الأنوار 32/122 ، ح 96 .
3- تفسير العيّاشي : 1/371 ، ح 70 ؛ البرهان في تفسير القرآن : 2/459 ، ش 3593/5 ؛ بحار الأنوار : 32/122 ، ح 95 .
4- سورة الزمر : 23 .
5- الزخرف : 43 - 44 .

مازلت انتظر بكم عواقب الغدر واتوسمكم بحيلة المفترين

دخل الزبير وطلحة على علي علیه السلام فاستأذناه في العمرة فقال : ما العمرة تريدان فحلفا له باللَّه أنّهما ما يريدان غير العمرة فقال لهما ما العمرة تريدان وإنّما تريدان الغدرة ونكث البيعة فحلفا باللَّه ما الخلاف عليه ولا نكث بيعة يريدان وما رأيهما غير العمرة قال لهما : فاعيدا البيعة لي ثانية فأعاداها بأشد ما يكون من الأيمان والمواثيق فأذن لهما فلمّا خرجا من عنده قال لمن كان حاضراً واللَّه لا ترونهما إلّا في فتنة يقتتلان فيها قالوا يا أميرالمؤمنين فمر بردهما عليك قال : ( لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا )(1) (2) .

وبصرنيكم صدق النية

قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « اتقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور اللَّه »(3) .

عن أبي الحسن الرضا علیه السلام أنّه قال : « لنا أعين لا تشبه أعين الناس وفيها نور وليش للشيطان فيه شرك »(4) .

سئل عن مولانا الرضا علیه السلام : ما وجه إخباركم بما في قلوب الناس ؟ قال علیه السلام له : « أما بلغك قول الرسول صلی الله علیه وآله اتّقوا فراسة المؤمن فانّه ينظر بنور اللَّه ؟ قال : بلى ، قال : وما من مؤمن إلّا وله فراسة ينظر بنور اللَّه على قدر إيمانه ومبلغ استبصاره وعلمه وقد جمع اللَّه للأئمّة منّا ما فرّقه في جميع المؤمنين وقال عزّوجلّ في

ص: 12


1- سورة الأنفال : 42 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/232 ؛ بحار الأنوار 32/6 ، ش 1 .
3- الكافي : 1/218 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 24/131 ، ح 18 .
4- بصائر الدرجات : 1/419 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 24/126 ، ح 3 .

محكم كتابه : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ )(1) فأوّل المتوسمين رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ثمّ أميرالمؤمنين علیه السلام من بعده ثمّ الحسن والحسين والأئمّة من وُلد الحسين : إلى يوم القيامة »(2) .

عن أبي جعفر علیه السلام قال : « ليس مخلوق إلّا وبين عينيه مكتوب أنّه مؤمن أو كافر وذلك محجوب عنكم وليس بمحجوب من الأئمّة من آل محمّد صلی الله علیه وآله ليس يدخل عليهم أحد إلّا عرفوه هو مؤمن أو كافر » ثمّ تلا هذه الآية : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) فهم المتوسِّمون(3) .

عن أبي جعفر علیه السلام قال : « بينا أميرالمؤمنين علیه السلام في مسجد الكوفة إذ جاءت امرأة تستعدي على زوجها فقلت ج فقضى ج لزوجها عليها فغضبت فقالت واللَّه ما الحقّ فيما قضيت وما تقضي بالسويّة ولا تعدل في الرعيّة ولاقضيتك عند اللَّه بالمرضيّة فنظر إليها مليّاً ثمّ قال لها : كذبت يا جرية يا بذيّة يا سلسع أي التي لا تحبل من حيث تحبل النساء قالت : فولّت المرأة هاربة تولول وتقول : ويلي ويلي لقد هتكت يابن أبي طالب سرّاً كان مستوراً ، قال : فلحقها عمرو بن حريث فقال لها : يا أمة اللَّه لقداستقبلت عليّاً علیه السلام بكلام سررتني ثمّ إنّه نزغك بكلمة فولّيت عنه هاربة تولولين قال ج قالت ج : إنّ عليّاً واللَّه أخبرني بالحق وبما أكتمه من زوجي منذ ولى عصمتي ومن أبوي فرجع عمرو إلى أميرالمؤمنين علیه السلام فأخبره بما قالت له المرأة وقال له فبما تقول ما نعرفك بالكهانة قال له : يا عمرو ويلك إنّها ليست

ص: 13


1- سورة الحجر : 75 .
2- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 2/200 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار 24/128 ، ح 13 .
3- بصائر الدرجات : 1/354 ، ح 1 ؛ بحار الأوار : 24/130 ، ح 16 .

بالكهانة شي ء ولكنّ اللَّه خلق الأرواح قبل الأبدان بألفي عام فلمّا ركب الأرواح في أبدانها كتب بين أعينهم مؤمن أم كافر وما هم به مبتلون وما هم عليه من سي ء من أعمالهم وحسنة في قدر اُذن الفارة ثمّ أنزل بذلك قراناً على نبيه فقال ان في ذلك لايات للمتوسمين وكان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله هو المتوسم ثمّ انا من بعده والأئمّة من ذرّيتي من بعدي هم المتوسمون فلمّا تأمّلتها عرفت ما عليها بسيماها»(1) .

عن عبدالكريم يعني ابن كثير قال : حججت مع أبي عبداللَّه علیه السلام فلمّا صرنا في بعض الطريق صعد على جبل فأشرف فنظر إلى الناس فقال : « ما أكثر الضجيج وأقلّ الحجيج » فقال له داود الرقي : يابن رسول اللَّه هل يستجيب اللَّه دعاء هذا الجمع الذي أرى ؟ قال : « ويحك يا أبا سليمان إنّ اللَّه لا يغفر أن يشرك به ، الجاحد لولاية علي كعابد وثن » قال : قلت : جعلت فداك هل تعرفوت محبّكم ومبغضكم ؟ قال : « ويحك يا أبا سليمان إنّه ليس من عبد يولد إلّا كتب بين عينيه مؤمن أو كافر إنّ الرجل ليدخل إلينا بولايتنا وبالبراءة من أعدائنا فنرى مكتوباً بين عينيه مؤمن أو كافر وقال اللَّه عزّوجلّ : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ )(2) نعرف عدوّنا من وليّنا »(3) .

قال النبي صلی الله علیه وآله : « لو لا انّ الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات »(4) .

ص: 14


1- بصائر الدرجات : 1/354 ، ح 2 ؛ الاختصاص : 302 ؛ بحار الأنوار : 24/126 ، ح 6 و24/129 ، ح 14 .
2- سورة الحجر : 75 .
3- بصائر الدرجات : 1/358 ، ح 15 ؛ الاختصاص : 303 ؛ بحار الأنوار : 24/124 ، ح 1 .
4- بحار الأنوار : 60/332 .

أقمت لكم على سنن الحق في جواد المضلة

قال عبداللَّه بن مسعود : خطّ لنا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله خطا ثمّ قال : هذا سبيل اللَّه ثمّ خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثمّ قال : « هذه سبل وعلى كلّ سبيل منها شيطان يدعو الناس إليه » ثمّ تلا قوله تعالى :

( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )(1) (2) .

عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )(3) قال : « ذاك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأميرالمؤمنين علیه السلام والأوصياء من بعدهم »(4) .

ويبيّن ذلك في المثل المشهور عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله روى أنّه قال : « ضرب اللَّه مثلاً صراطاً مستقيماً وعلى جنبتي الصراط سور فيه أبواب مفتّحة وعلى تلك الأبواب ستور مرخاة وعلى رأس الصراط داع يقول : ادخلوا الصراط ولا تعرجوا ، قال : فالصراط هو الإسلام والستور حدود اللَّه والأبواب المفتّحة محارم اللَّه وذلك الداعي هو القرآن »(5) .

ص: 15


1- سورة الأنعام : 153 .
2- مسند أحمد : 1/435 ؛ سنن الدارمي : 1/67 .
3- سورة يوسف : 108 .
4- الكافي : 1/425 ، ح 66 ؛ بحار الأنوار : 24/21 ، ح 42 .
5- شرح نهج البلاغة ( ابن ميثم ) 1/273 ؛ مسند أحمد : 4/182 .

ما شككت في الحقّ مذ أريته

هذا الكلام تعريض بالمتقدّمين عليه :

نقل عن أبي بكر أنّه تمنّى في حال احتضاره سؤال النبيّ صلی الله علیه وآله : هل كان له حقّ في الخلافة أم لا ؟ في السقيفة : فوددت أنّي سألته صلی الله علیه وآله هذا الأمر فكنّا لا ننازعه أهله(1) وفليتني سألته صلی الله علیه وآله لمن هذا الأمر من بعده فلا ينازعه فيه أحد(2) .

قال المحقّق التستري ؛ : ونقلوا عن عمر انّه لمّا اشير عليه بنصب ابنه بعده قال : إن كان له فيها حقّ فحسب آل الخطاب بشخصه ، وإن لم يكن له حقّ فلم يتحمّل مظلمة ابنه زائدة على مظلمته(3) .

كما انّه أقرّ أنّه شكّ في حقيّة الاسلام ، وحقيّة النبي صلی الله علیه وآله يوم الحديبيّة(4) .

وقال أميرالمؤمنين علیه السلام في حقّ نفسه : « لو كشف الغطاء ماازددت يقينا »(5) .

روى صدر الأئمّة أخطب خوارزم أبو المؤيّد موفّق بن أحمد من أعيان العلماء عند العامّة في كتاب الفضائل باسناده عن ابن عبّاس في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) الآيه(6) قال : هو عليّ بن أبي طالب علیه السلام(7) .

ص: 16


1- السقيفة وفدك ( الجوهري ) : 43 .
2- الامامة والسياسة : 1/36 ؛ تاريخ الطبري : 2/620 سنة 13 .
3- بهج الصباغة : 3/12 ؛ وقريب منها في تاريخ الطبري : 3/292 سنة 23 ؛ الامامة والسياسة ( تحقيق الزيني ) : 1/29 .
4- جامع البيان للطبري : 26/129 ؛ المعجم الكبير للطبراني : 20/14 ؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر : 57/229 ؛ الدرّ المنثور : 6/77 .
5- إرشاد القلوب ( ديلمي ) : 2/212 .
6- سورة التوبة : 119 .
7- غاية المرام : 3/50 .

وعنه أيضاً بسند آخر عن ابن عبّاس في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) الآيه قال : هو عليّ بن أبي طالب(1) .

إبراهيم بن محمّد الحمويني من أعيان علماء العامّة باسناده عن أبي صالح بن عبّاس في هذه الآية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) قال : مع عليّ بن أبي طالب(2) .

أبو نعيم أحمد بن عبداللَّه بن اسحق بن موسى بن مهران الاصفهاني في كتابه باسناده عن ابن عبّاس في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) قال : هو عليّ بن أبي طالب علیه السلام(3) .

أبو نعيم هذا عن جعفر بن محمّد في قوله عزّوجلّ : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) قال : محمّد وعلي 8(4) .

ابن شهر آشوب من طريق العامّة باسناده عن ابن عمر في هذه الآية قال : أمر الصحابة أن يخافوا اللَّه ثمّ قال : ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) يعني محمّد وأهل بيته(5) .

عن أحمد بن محمّد قال : سألت الرضا عن قول اللَّه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) قال : « الصادقون الأئمّة الصدّيقون بطاعتهم »(6) .

ص: 17


1- غاية المرام : 3/50 .
2- غاية المرام : 3/50 .
3- غاية المرام : 3/50 .
4- غاية المرام : 51 .
5- غاية المرام : 51 .
6- بصائر الدرجات : 1/31 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 24/31 ، ح 5 .

عن بريد العجلي قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قول اللَّه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) قال : « إيّانا عنى »(1) .

عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) قال : « مع عليّ بن أبي طالب علیه السلام »(2) .

وروى المدائني قال : لقى عمرو بن العاص الحسن علیه السلام في الطواف فقال له : يا حسن زعمت أنّ الدين لا يقوم إلّا بك وبأبيك فقد رأيت اللَّه أقامه بمعاوية فجعله راسياً بعد ميله وبينا بعد خفائه أفرضى اللَّه بقتل عثمان أو من الحق أن تطوف بالبيت كما يدور الجمل بالطحين عليك ثياب كغرقئ(3) البيض وأنت قاتل عثمان واللَّه إنّه لألم للشعث وأسهل للوعث أن يوردك معاوية حياض أبيك .

فقال الحسن علیه السلام : « إنّ لأهل النار علامات يعرفون بها إلحاداً لأولياء اللَّه وموالاة لأعداء اللَّه واللَّه إنّك لتعلم أنّ عليّاً لم يرتب في الدين ولا يشكّ في اللَّه ساعة ولا طرفة عين قطّ وأيم اللَّه لتنتهينّ يابن أم عمرو أو لأنفذن حضينك بنوافذ أشدّ من القعضبية(4) فإيّاك والتهجم علي فاني من قد عرفت لست بضعيف الغمزة ولا هش المشاشة(5) ولا مرئ المأكلة وإنّي من قريش كواسطة القلادة يعرف حسبي ولا أدعى لغير أبي وأنت من تعلم ويعلم الناس تحاكمت فيك رجال قريش فغلب عليك جزاروها الأمهم حسبا وأعظمهم لؤما فإيّاك عنّي فإنّك رجس

ص: 18


1- بصائر الدرجات : 1/31 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 24/31 ، ح 3 .
2- الأمالي للطوسي : 255 ، م 9 ، ح 461 - 53 ؛ بحار الأنوار : 35/414 ، ح 11 .
3- الغرقئ : القشرة الملتزمة ببياض البيض .
4- القعضبية : الأسنة ، منسوبة إلى قضيب اسم رجل كان يعمل الأسنّة في الجاهليّة .
5- المشاش في الأصل : رؤوس العظام .

ونحن أهل بيت الطهارة أذهب اللَّه عنّا الرجس وطهّرنا تطهيرا فأقحم عمرو وانصرف كئيبا(1).

لم يوجس موسى خيفة على نفسه ، أشفق من غلبة الجهّال ودول الضلال

قال تعالى : ( قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى )(2) .

اليوم توافقنا على سبيل الحقّ والباطل

قال عمّار بن ياسر : واللَّه لو ضربونا حتّى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنّا على الحق وهم على الباطل(3) .

عن النبي صلی الله علیه وآله أنّه قال : « عليّ مع الحقّ والحقّ مع علي يدور معه حيث ما دار »(4) .

عن خيثمة عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعته يقول : « نحن جنب اللَّه ونحن صفوته ونحن خيرته ونحن مستودع مواريث الأنبياء ونحن اُمناء اللَّه ونحن حجّة اللَّه ونحن أركان الايمان ونحن دعائم الاسلام ونحن من رحمة اللَّه على خلقه ونحن الذين بنا يفتح اللَّه وبنا يختم ونحن أئمّة الهدى ونحن مصابيح الدجى ونحن منار

ص: 19


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16/27 ؛ بحار الأنوار : 44/102 .
2- سورة طه : 65 - 68 .
3- وقعة صفّين : 341 ؛ الكافي 5/12 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 22/324 ، ح 21 .
4- بحار الأنوار : 28/368 .

الهدى ونحن السابقون ونحن الآخرون ونحن العلم المرفوع للخلق ، من تمسّك بنا لحق ومن تخلّف عنّا غرق ونحن قادة الغرّ المحجّلين ونحن خيرة اللَّه ونحن الطريق وصراط اللَّه المستقيم إلى اللَّه » الحديث(1) .

عن أبي بريدة في قوله اللَّه تعالى : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قال : صراط محمّدٍ وآله(2) .

ومن تفسير وكيع بن الجراح عن سفيان الثوري عن السدي عن أسباط ومجاهد عن عبداللَّه بن عبّاس في قوله : ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قال : قولوا معاشر العباد أُرشِدْنا إلى حبّ النبيّ وأهل بيته(3) .

حدّثني أبي عن حماد عن أبي عبداللَّه علیه السلام في قوله : ( الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) قال : « هو أميرالمؤمنين علیه السلام ومعرفته ، والدليل على أنّه أميرالمؤمنين قوله : ( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ )(4) وهو أميرالمؤمنين علیه السلام في اُمّ الكتاب وفي قوله الصراط المستقيم »(5) .

عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : سألته عن قول اللَّه عزّوجلّ : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا )(6) قال : « هو واللَّه عليّ علیه السلام هو واللَّه الميزان والصراط المستقيم»(7) .

ص: 20


1- بصائر ا لدرجات 1/63 ، ح 10 ؛ بحار الأنوار : 26/228 ، ح 10 .
2- شواهد التنزيل : 1/74 ، ح 86 ؛ بحار الأنوار : 24/16 ، ح 19 .
3- مناقب لابن شهر آشوب : 3/73 ؛ بحار الأنوار : 24/16 ، ح 18 .
4- سورة الزخرف : 4 .
5- تفسير القمّي : 1/28 ؛ بحار الأنوار : 89/229 ، ح 5 .
6- سورة الأنعام : 153 .
7- مختصر البصائر : 212 ؛ تفسير نور الثقلين : 1/779 ، ح 346 .

عن أبي جعفر علیه السلام قال : « أوحى اللَّه إلى نبيّه ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )(1) قال : إنّك على ولاية عليّ وعليّ هو الصراط المستقيم »(2) .

من وثق بماء لم يظمأ

وفي معناه قول النبي الأكرم صلی الله علیه وآله : « اللهمّ إن لم يكن بك علي غضب فلا ابالي»(3) .

وكتب الامام علیه السلام فيما كتب إلى معاوية : « وما على المسلم من غضاضة(4) في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكّاً في دينه ولا مرتاباً في يقينه»(5) .

والحمد للَّه ربّ العالمين وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين

ص: 21


1- سورة الزخرف : 43 .
2- بصائر الدرجات : 1/71 ، ح 7 ؛ بحار الأنوار 35/369 ، ح 13 .
3- البرهان في تفسير القرآن : 4/113 .
4- جاء في مجمع البحرين 4 - 218 : غضاضة . . أي ذلّة ومنقصة .
5- الاحتجاج : 1/178 ؛ بحار الأنوار : 33/59 ، ح 398 .

بسم الله الرحمن الرحیم

5-ومن کلام له علیه السلام لما قبض رسول الله...

اشارة

5-ومن کلام له علیه السلام لما قبض رسول الله صلی الله علیه وآله وخاطبه العباس و ابو سفیان بن حرب فی ان یبایعاله بالخلافه:

أَيُّهَا النَّاسُ شُقُّوا أَمْوَاجَ الْفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ وَ عَرِّجُوا عَنْ طَرِيقِ الْمُنَافَرَةِ وَ ضَعُوا تِيجَانَ الْمُفَاخَرَةِ أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاحٍ أَوِ اسْتَسْلَمَ فَأَرَاحَ هَذَا مَاءٌ آجِنٌ وَ لُقْمَةٌ يَغصُّ بِهَا آكِلُهَا وَمُجْتَنِي الثَّمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كَالزَّارِعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ.

فَإِنْ أَقُلْ يَقُولُوا حَرَصَ عَلَى الْمُلْكِ وَ إِنْ أَسْكُتْ يَقُولُوا جَزِعَ مِنَ الْمَوْتِ هَيْهَاتَ بَعْدَ اللَّتَيَّا وَ الَّتِي وَ اللَّهِ لابْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ بَلِ انْدَمَجْتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِهِ لاضْطَرَبْتُمْ اضْطِرَابَ الْأَرْشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ الْبَعِيدَةِ .

في الشرح : لما قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله واشتغل علي علیه السلام بغسله ودفنه وبويع أبو بكر خلا الزبير وأبو سفيان وجماعة من المهاجرين بعبّاس وعلي علیه السلام لإجالة الرأي وتكلّموا بكلام يقتضي الاستنهاض والتهييج فقال العبّاس 2 : قد سمعنا قولكم فلا لقلّة نستعين بكم ولا لظنّة نترك آراءكم فأمهلونا نراجع الفكر فإن يكن لنا من الإثم مخرج يصر بنا وبهم الحق صرير الجدجد(1) ونبسط إلى المجد أكفا لا نقبضها أو نبلغ المدى وإن تكن الأخرى فلا لقلّة في العدد ولا لوهن في الأيد واللَّه

ص: 22


1- الجدجد : دويبة كالجندب .

لو لا أنّ الإسلام قيد الفتك لتدكدكت جنادل صخر يسمع اصطكاكها من المحل العلى .

فحل علي علیه السلام حبوته وقال : « الصبر حلم والتقوى دين والحجّة محمّد والطريق الصراط أيّها الناس شقّوا أمواج الفتن . . . » الخطبة ثمّ نهض فدخل إلى منزله وافترق القوم(1) .

وقال البحراني : روى أنّه لمّا تمّ في سقيفة بني ساعدة لأبي بكر أمر البيعة أراد أبو سفيان بن حرب أن يوقع الحرب بين المسلمين ليقتل بعضهم بعضا ، فيكون في ذلك دمار الدين واندراسه ، فمشى إلى عبّاس بن عبدالمطّلب فقال له : يا أبا الفضل إنّ هؤلاء القوم قد ذهبوا بهذا الأمر من بني هاشم ، وجعلون في رذل تيم وأنّه ليحكم فينا غداً هذا الفظ الغليظ من بني عدي قم بنا حتّى ندخل على عليّ ونبايعه بالخلافة ، فأنت عم رسول اللَّه وأنا رجل مقبول القول في قريش ، فان دافعونا عن ذلك قاتلناهم قتلاً شديداً وقتلناهم إلى آخرهم .

فأتيا أميرالمؤمنين علیه السلام ، وقال له أبو سفيان : يا أبا الحسن لا تغافل عن هذا الأمر ، متى كنّا تبعا لتيم الأرذال ، وكان عليّ علیه السلام يعلم أنّه لا يقول ذلك غضبا لدين اللَّه(2) بل للفساد الذي زآه في نفسه فأجابه علیه السلام بقوله : . . .

أَيُّهَا النَّاسُ شُقُّوا أَمْوَاجَ الْفِتَنِ

عن أبي مويهبة مولى النبي صلی الله علیه وآله قال : بعثنى النبي صلی الله علیه وآله من جوف الليل . فقال لى :

ص: 23


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/218 ؛ بحار الأنوار 28/328 ، ش 55 .
2- شرح نهج البلاغة ( ابن ميثم ) : 1/276 ؛ بحار الأنوار : 28/234 .

« يا أبا مويهبة إنّي قد أمرت ان استغفر لأهل البقيع . فانطلق معى . » فانطلقت معه . فلمّا وقف بين أظهرهم قال : « السلام عليكم أهل المقابر . ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أوّلها ، الآخرة شرّ من الاولى » - إلى أن قال - ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف فبدى ء النبي صلی الله علیه وآله بوجعه الّذي قبض فيه(1) .

بِسُفُنِ النَّجَاةِ

عن المغرور بن سويد قال : أخذ أبوذر بحلقة الباب فقال : أنا أبوذر من عرفنى فقد عرفنى ومن لم يعرفنى فأنا جندب ، سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « إنّما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح في قومه ، من تخلّف عنها هلك ، ومن ركبها نجا »(2)

عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلی الله علیه وآله قال : « إني أوشك أن ادعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب اللَّه عزوجلّ وعترتي كتاب اللَّه حبل ممدود بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض فانظروا بما ذا تخلفوني فيهما »(3) .

أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاحٍ أَوِ اسْتَسْلَمَ فَأَرَاحَ

عن اميرالمؤمنين علیه السلام : « ولو كنت وجدت يوم بويع أخو تيم أربعين رجلاً

ص: 24


1- تاريخ طبرى : 2/432/سنه 11 ؛ سيره ابن هشام : 4/1056 .
2- تقريب المعارف : 269 ؛ بحار الأنوار : 31/277 ؛ المعارف لابن قتيبة : 252 .
3- كمال الدين وتمام النعمة : 1/235 ، ح 46 ؛ بحار الأنوار : 23/147 ، ح 109 ؛ الطبقات الكبرى لابن سعد : 2/194 .

مطيعين لي لجاهدتهم »(1) .

قيل لعلى بن ميثم لم قعد ( على علیه السلام ) عن قتالهم ؟ قال كما قعد هارون عن السامرى وقد عبدوا العجل قيل فكان ضعيفا قال كان ( على علیه السلام ) كهارون حيث يقول يا : ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي )(2) وكنوح إذ قال ( أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ )(3) وكلوط إذ قال ( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ )(4) وسأل أبو حنيفة الطاقي(5) فقال لم لم يطلب على بحقه بعد وفاة الرسول صلی الله علیه وآله إن كان له حق قال خاف أن يقتله الجن كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة . وقال ضرار لهشام بن الحكم ألا دعا على الناس عند وفاة النبي صلی الله علیه وآله إلى الائتمام به إن كان وصيا قال لم يكن واجبا عليه لأنه قد دعاهم إلى موالاته والائتمام به النبي صلی الله علیه وآله يوم الغدير ويوم تبوك وغيرهما فلم يقبلوا منه ولو كان ذلك جائزا لجاز على آدم أن يدعو إبليس إلى السجود له بعد إذ دعاه ربه إلى ذلك ثم إنه صبر ( كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ )(6) ، (7) .

زرارة بن أعين قال : قلت لأبي عبداللَّه علیه السلام : ما منع أميرالمؤمنين علیه السلام أن يدعو الناس إلى نفسه ويجرد في عدوّه سيفه فقال « لخوف أن يرتدّوا فلا يشهدوا أنّ

ص: 25


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي : 2/667 ؛ بحار الأنوار : 29/469 .
2- سورة الاعراف : 150 .
3- سورة القمر : 10 .
4- سورة هود : 80 .
5- المراد منه مؤمن الطاق أو صاحب الطاق : محمّد بن النعمان رضوان اللَّه عليه .
6- سورة الاحقاف : 35 .
7- مناقب لابن شهر آشوب : 1/270 ؛ بحار الأنوار : 29/442 ، ش 36 .

محمّداً رسول اللَّه صلی الله علیه وآله »(1) .

مُجْتَنِي الثَّمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كَالزَّارِعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ

ونظير ما ذكره علیه السلام في عدم المصلحة لقيامه ذاك الوقت ما ذكره الامام الصادق علیه السلام لمّا استنهضوه في اوّل أمر العباسيّة .

لما قتل ابراهيم الإمام خاف ابو سلمة وزير العباسية انتفاض الأمر وفساده عليه ، فبعث بمحمد بن عبد الرحمن بن أسلم ، وكتب معه كتابين على نسخة واحدة إلى أبي عبداللَّه جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالب : وإلى أبي محمد عبداللَّه بن الحسن يدعو كل واحد منهما إلى الشخوص إليه ليصرف الدعوة إليه ، ويجتهد في بيعة أهل خراسان له ، وقال للرسول : العجل العجل ، فلا تكونن كوافد عاد ، فقدم محمد بن عبدالرحمن المدينة على أبي عبداللَّه جعفر بن محمد فلقيه ليلاً ، فلما وصل إليه أعلمه أنه رسول أبي سلمة ، ودفع اليه كتابه ، فقال له أبو عبداللَّه : وما أنا وأبو سلمة ؟ وأبو سلمة شيعة لغيري ، قال : انى رسول ، فتقرأ كتابه وتجيبه بما رأيت ، فدعا أبو عبداللَّه بسراج ثم أخذ كتاب أبي سلمة فوضعه على السراج حتى احترق ، وقال للرسول : عرف صاحبك بما رأيت ، ثم أنشأ يقول علیه السلام متمثلاً بقول الكميت بن زيد :

أيا موقداً ناراً لغيرك ضوؤها * ويا حاطباً في غير حبلك تحطب

فخرج الرسول من عنده وأتى عبداللَّه بن الحسن فدفع اليه الكتاب فقبله وقرأه وابتهج به ، فلما كان من غد ذلك اليوم الذي وصل اليه فيه الكتاب ركب عبداللَّه

ص: 26


1- مناقب لابن شهر آشوب : 1/372 ؛ بحار الأنوار : 29/445 .

حماراً حتى أتى منزل أبي عبداللَّه جعفر بن محمد الصادق علیه السلام ، فلما رآه أبو عبداللَّه أكبر مجيئه ، وكان أبو عبداللَّه أسنَّ من عبداللَّه ، فقال له : يا أبا محمد أمر ما أتى بك ؟ قال : نعم وهو أجل من أن يوصف ، فقال : وما هو يا أبا محمد ؟ قال : هذا كتاب أبي سلمة يدعونى الى ما أقبله ، وقد قدمت عليه شيعتنا من أهل خراسان ، فقال له أبو عبداللَّه : يا أبا محمد ، ومتى كان أهل خراسان شيعة لك ؟ أنت بعثت أبا مسلم الى خراسان ؟ وأنت أمرته بلبس السواد ؟ وهؤلاء الذين قدموا العراق أنت كنت سبب قدومهم أو وَجَّهت فيهم ؟ وهل تعرف منهم أحداً ؟ فنازعه عبداللَّه بن الحسن الكلام . . . فقال علیه السلام له : « ولقد كتب إلىَّ أبو سلمة بمثل ما كتب به إليك ، فلم يجد رسوله عندي ما وجد عندك ، ولقد أحرقت كتابه من قبل أن أقرأه » ، فانصرف عبداللَّه من عند جعفر علیه السلام مغضباً ، ولم ينصرف رسول أبي سلمة إليه إلى أن بويع السفاح بالخلافة(1) .

فَإِنْ أَقُلْ يَقُولُوا حَرَصَ عَلَى الْمُلْكِ

قال عمر لعلي علیه السلام : وما يمنعنى منك يا على إلّا حرصك عليها ، وإنّك أحرى القوم إن وليتها ، أن تقيم على الحقّ المبين والصراط المستقيم(2) .

وقال أميرالمؤمنين علیه السلام في أهل الشورى : « فأجمعوا إجماعا واحدا . فصرفوا الولاية إلى عثمان وأخرجوني منها ، رجاء أن ينالوها ويتداولوها إذ يئسوا أن ينالوا من قبلي » . ثم قالوا : هلمّ فبايع . وإلّا جاهدناك . فبايعت مستكرها ،

ص: 27


1- مروج الذهب : 3/253 .
2- الامامة والسياسة ( تحقيق الزيني ) : 1/29 .

وصبرت محتسبا . فقال قائلهم : يا ابن أبي طالب إنّك على هذا الأمر لحريص . فقلت : « أنتم أحرص منّي وأبعد ، أ أنا احرص اذا طلبت تراثي ، وحقّي الّذي جعلني اللَّه ورسوله أولى به ، أم أنتم إذ تضربون وجهي دونه ، وتحولون بيني وبينه فبهتوا واللَّه لا يهدي القوم الظالمين »(1) .

وَ إِنْ أَسْكُتْ يَقُولُوا جَزِعَ مِنَ الْمَوْتِ

قال الصادق جعفر بن محمد علیه السلام : « إنّ رضا الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط وكيف تسلمون ممّا لم يسلم منه أنبياء اللَّه ورسله وحجج اللَّه : . . . ألم ينسبوه صلی الله علیه وآله يوم بدر إلى أنّه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء حتّى أظهره اللَّه عزّوجلّ على القطيفة وبرّأ نبيّه صلی الله علیه وآله من الخيانة وأنزل بذلك في كتابه - ( وَمَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَغُلَّ )(2) ألم ينسبوه إلى أنّه صلی الله علیه وآله ينطق عن الهوى في ابن عمّه عليّ علیه السلام حتّى كذّبهم اللَّه عزّوجلّ فقال سبحانه ( وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى )(3) ، (4) » .

وقال الشاعر ، وربّما ينسب إليه علیه السلام .

قيل إنّ الاله ذو ولد * وقيل إنّ الرسول قد كهنا

ما نجا اللَّه والرسول معا * من لسان الورى فكيف أنا(5)

روى أنّ لقمان الحكيم قال لولده في وصيّته : لا تعلّق قلبك برضا الناس

ص: 28


1- الغارات للثقفى : 1/307 ؛ الامامة والسياسة ( تحقيق الزيني ) : 1/134 .
2- سورة آل عمران : 161 .
3- سورة النجم : 3 - 4 .
4- الأمالي للصدوق : 103 ، م 22 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 67/2 ، ح 4 .
5- منهاج البراعة ( خوئى ) : 3/140 .

ومدحهم وذمّهم فإنّ ذلك لا يحصل ولو بالغ الانسان في تحصيله بغاية قدرته فقال : ولده ما معناه أحبّ أن أرى لذلك مثالاً أو فعالاً أو مقالاً فقال له : أخرج أنا وأنت فخرجا ومعهما بهيمة فركبه لقمان وترك ولده يمشي وراءه فاجتازوا على قوم فقالوا : هذا شيخ قاسى القلب قليل الرحمة يركب هو الدابّة وهو أقوى من هذا الصبيّ ويترك هذا الصبيّ يمشي وراءه وإنَّ هذا بئس التدبير فقال لولده : سمعت قولهم وإنكارهم لركوبي ومشيك فقال : نعم فقال : اركب أنت يا ولدي حتّى أمشى أنا فركب ولده ومشى لقمان فاجتازوا على جماعة أخرى فقالوا : هذا بئس الوالد وهذا بئس الولد أمّا أبوه فإنّه ما أدّب هذا الصبيّ حتّى يركب الدابة ويترك والده يمشي وراءه والوالد أحقّ بالاحترام والركوب وأمّا الولد فإنّه عقّ والده بهذه الحال فكلاهما أساءا في الفعال . فقال لقمان لولده : سمعت . فقال : نعم فقال : نركب معا الدابّة فركبا معاً فاجتازا على جماعة فقالوا : ما في قلب هذين الراكبين رحمة ولا عندهم من اللَّه خير يركبان معا الدابّة يقطعان ظهرها ويحملانها ما لا تطيق لو كان قد ركب واحد ومشى واحد كان أصلح واجود فقال : سمعت فقال : نعم فقال : هات حتّى نترك الدابّة تمشى خالية من ركوبنا فساقا الدابّة بين أيديهما وهما يمشيان فاجتازا على جماعة فقالوا : هذا عجيب من هذين الشخصين يتركان دابّة فارغة تمشى بغير راكب ويمشيان وذمّوهما على ذلك كما ذمّوهما على كلّ ما كان فقال لولده :ترى في تحصيل رضاهم حيلة لمحتال فلا تلتفت إليهم واشتغل برضا اللَّه جلّ جلاله ففيه شغل شاغل وسعادة وإقبال في الدنيا ويوم الحساب والسؤال(1) .

ص: 29


1- فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين ربّ الأرباب : 307 ؛ بحار الأنوار : 13/433 ، ش 27 .

بَعْدَ اللَّتَيَّا وَ الَّتِي

أصله أنّ رجلا تزوّج امرأة قصيرة سيّئة الخلق . فقاسى منها شدائد . فطلّقها ، وتزوّج طويلة . فقاسى منها اضعاف ما قاسى من القصيرة فطلّقها ، وقال بعد اللتيا والّتى لا أتزوّج أبدا فصار ذلك مثلا(1) .

وَ اللَّهِ لابْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ

انّه علیه السلام متفرد بذلك لأن الاخبار وردت بان الانبياء حتى ابراهيم علیه السلام كانوا متوحشين من الموت .

قال يونس بن ظبيان حدّثني الصادق عن أبيه عن عليّ بن الحسين عن أبيه عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : « لمّا أراد اللَّه تبارك وتعالى قبض روح إبراهيم علیه السلام أهبط إليه ملك الموت فقال : السلام عليك يا إبراهيم قال : وعليك السلام يا ملك الموت أ داعٍ أم ناعٍ قال : بل داعٍ يا إبراهيم فأجب قال إبراهيم علیه السلام : فهل رأيت خليلاً يميت خليله قال فرجع ملك الموت حتّى وقف بين يدى اللَّه جلّ جلاله فقال : إلهي قد سمعت ما قال خليلك إبراهيم فقال اللَّه جلّ جلاله : يا ملك الموت اذهب إليه وقل له هل رأيت حبيباً يكره لقاء حبيبه إنّ الحبيب يحبّ لقاء حبيبه »(2) .

عن عبداللَّه بن سنان عن الصادق علیه السلام - في خبر - قال له علیه السلام ابن شبرمة ما تقول يا أبا عبداللَّه في شي ء سألني عنه الامير - أي عيسى بن موسى العباسي - فلم يكن عندي فيه شي ء فقال : « وما هو » ؟ قال : سألني عن أوّل كتاب كتب في الأرض

ص: 30


1- مجمع الامثال ( الميداني ) : 1/97 .
2- الأمالي للصدوق : 197 ، م 36 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 6/127 ، ح 8 .

قال : نعم إنّ اللَّه عزّوجلّ عرض على آدم علیه السلام ذرّيّته عرض العين(1) في صور الذرّ نبيّاً فنبيّاً وملكاً فملكاً ومؤمناً فمؤمناً وكافراً فكافراً فلمّا انتهى إلى داود علیه السلام قال : من هذا الّذي نبّأته وكرّمته وقصّرت عمره قال فأوحى اللَّه عزّوجلّ إليه هذا ابنك داود عمره أربعون سنة وإنّي قد كتبت الآجال وقسمت الأرزاق وأنا أمحو ما أشاء وأثبت وعندي أمّ الكتاب فإن جعلت له شيئاً من عمرك ألحقت له قال : يا ربّ قد جعلت له من عمري ستّين سنةً تمام المائة قال فقال اللَّه عزّوجلّ لجبرئيل وميكائيل وملك الموت اكتبوا عليه كتاباً فإنّه سينسى قال : فكتبوا عليه كتابا وختموه بأجنحتهم من طينة علّيّين قال : فلمّا حضرت آدم الوفاة أتاه ملك الموت فقال آدم : يا ملك الموت ما جاء بك قال : جئت لأقبض روحك قال : قد بقى من عمري ستّون سنة فقال : إنّك جعلتها لابنك داود قال ونزل عليه جبرئيل وأخرج له الكتاب فقال أبو عبداللَّه علیه السلام : فمن أجل ذلك إذا خرج الصكّ(2) على المديون ذلّ المديون فقبض روحه(3) (4) .

ص: 31


1- أي بحيث رآهم بالعين . ( آت ) .
2- الصك : كتاب الإقرار بالمال أو غير ذلك .
3- قال العلّامة المجلسيّ ؛ : في هذا الخبر اشكال من وجهين أحدهما لاختلاف الوارد في هذه القضية في المدة التي وهبها ففي بعضها ستّون وفي بعضها أربعون وفي بعضها خمسون وثانيها مخالفته لاصول الشيعة من جواز السهو على الأنبياء : وإن قلنا بعدم النسيان فيلزم الانكار والجحد مع العلم وهو أشكل إلّا أن يقال : إنّه علیه السلام لم ينه ولم يجحد وانما سأل ورجا أن يكون له ما قرر له اولا من العمر مع أن الاسهاء قد جوزه الصدوق عليهم : ولا يبعد حمله على التقية لاشتهار هذه القصة بين العامّة رواه الترمذي وغيره من رواتهم ( آت ) .
4- الكافي : 7/378 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 11/258 ، ح 1 .

واما هو علیه السلام ، عن حبّة العرني قال : لمّا نزل على الرقّة نزل بمكانٍ يقال له بليخٌ على جانب الفرات فنزل راهبٌ هناك من صومعته فقال لعليّ : إنّ عندنا كتاباً توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى ابن مريم أعرضه عليك قال عليّ : « نعم فما هو ؟ » قال الراهب : بسم اللَّه الرحمن الرحيم الّذي قضى فيما قضى وسطر فيما سطر أنّه باعثٌ في الاُمّيّين رسولاً منهم . . . يعلّمهم الكتاب والحكمة ويدلّهم على سبيل اللَّه لا فظٌّ ولا غليظٌ ولا صخّابٌ في الأسواق ولا يجزى بالسّيّئة السيّئة ولكن يعفو ويصفح اُمّته الحمّادون الّذين يحمدون اللَّه على كلّ نشز وفي كلّ صعودٍ وهبوطٍ(1) تذلّ ألسنتهم(2) بالتّهليل والتكبير والتسبيح وينصره اللَّه على كل من ناواه فإذا توفّاه اللَّه اختلفت اُمّته ثمّ اجتمعت فلبثت بذلك ما شاء اللَّه ثمّ اختلفت فيمرّ رجل من اُمّته بشاطى ء هذا الفرات يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويقضى بالحقّ ولا يرتشى في الحكم ، الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح ، والموت أهون عليه من شرب الماء على الظمأ(3) (4) .

ومثله علیه السلام كانت سيدة النساء صلوات اللَّه عليها ، عن عايشة قالت : انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله دعا ابنته فاطمة 3 فسارّها فبكت ثمّ سارّها فضحكت فقالت عايشة فقلت لفاطمة ما هذا الّذى سارّك به رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فبكيت ثمّ سارّك فضحكت ؟ فقالت فاطمة « أخبرنى بموته فبكيت ثمّ سارّني فاخبرني أني أوّل من يتبعه من

ص: 32


1- النشز ، بالفتح والتحريك : المتن المرتفع من الأرض . والصعود والهبوط ، بفتح أولهما : ما ارتفع وما انخفض من الأرض .
2- يذل ، من الذل ، بالكسر والضم ، وهو اللين .
3- العطش .
4- وقعة صفين : 147 ؛ بحار الأنوار : 32/436 ، ح 389 .

أهله فضحكت »(1) .

و كذلك كان باقي أئمتنا : ، قال الحسين علیه السلام يوم الطف لبعض اصحابه وكان تعجب من عدم مبالاته بالموت - قال بعضهم لبعضٍ : انظروا إليه لا يبالي بالموت - : « ما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّ إلى الجنان الواسعة والنعم الدائمة »(2) .

وقال محمّد بن عليّ علیه السلام قيل لعليّ بن الحسين علیه السلام ما الموت ؟ قال : « للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة(3) وفكّ قيود وأغلال ثقيلة والإستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح وأوطإ المراكب وآنس المنازل »(4) .

بَلِ انْدَمَجْتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِهِ لاضْطَرَبْتُمْ اضْطِرَابَ الْأَرْشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ الْبَعِيدَةِ

قال أمير المؤمنين علیه السلام : « لو دخلت على عامّة شيعتي الّذين بهم أقاتل ، الّذين اقرّوا بطاعتى وسمّوني أميرالمؤمنين واستحلّوا جهاد من خالفني فحدّثتهم شهراً ( شطرا خ ل ) ببعض ما أعلم من الحقّ في الكتاب الّذي نزل به جبرئيل على محمّد صلی الله علیه وآله جوببعض ما سمعت من رسول اللَّه صلی الله علیه وآلهج لتفرّقوا عنّي حتّى أبقى في عصابة حقّ قليلة . . . إنّ أمرنا صعب مستصعب لا يعرفه ولا يقرّ به إلّا ثلاثة ملك

ص: 33


1- عمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب الامام الابرار : 385 ، ح 763 ؛ صحيح مسلم : 7/142 .
2- اعتقاد الامامية ( للصدوق ؛ ) : 52 ؛ بحار الأنوار : 44/297 ، ح 2 .
3- ثوب وسخ : علاه الدرن لقلة تعهده بالماء . و« قمل » أي كثر فيه القمل وهو دويبة معروفة .
4- معاني الأخبار : 289 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 6/155 ، ح صلی الله علیه وآله .

مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن نجيب امتحن اللَّه قلبه للإيمان »(1) .

وإلى هذا يشير سيّدنا الإمام السجّاد زين العابدين علیه السلام بقوله :

إنّي لأكتم من علمي جواهره * كيلا يرى الحقّ ذو جهل فيفتتنا

وقد تقدّم في هذا أبو حسن * إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا

فربّ جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي : أنت ممّن بعبد الوثنا

ولا ستحلّ رجال مسلمون دمى * يرون أقبح ما يأتونه حسنا(2)

عن أبي داود قال : كنّا يوما عند شعبة وفي البيت جراب معلّق في السقف . فقال أترون ذلك الجراب واللَّه لقد كتبت فيه عن الحكم عن ابن أبي ليلي عن علي - كرم اللَّه وجهه - عن النبي صلی الله علیه وآله ما لو حدّثتكم به لرقصتم ، واللَّه لا حدّثتكموه(3) .

عن عبداللَّه سليمان قال سمعت أبا جعفر علیه السلام وعنده رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الأعمى وهو يقول إنّ الحسن البصرى يزعم أنّ الّذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار فقال أبو جعفر علیه السلام « فهلك إذاً مؤمن آل فرعون وما زال العلم مكتوماً منذ بعث اللَّه نوحا علیه السلام فليذهب الحسن يميناً وشمالاً فواللَّه ما يوجد العلم إلّا هاهنا »(4) .

قال سلمان : لو حدّثت الناس بكلّ ما أعلم لقالوا : رحم اللَّه قاتل سلمان(5) .

ص: 34


1- كتاب سليم بن قيس : 2/563 ؛ بحار الأنوار : 53/70 .
2- مشارق أنوار اليقين في أسرار أميرالمؤمنين علیه السلام : 7 ؛ الوافي : 1/11 ؛ رياض الأبرار في مناقب الأئمّة الأبرار : 1/21 .
3- حلية الأولياء : 7/157 ؛ تاريخ بغداد : 9/261 .
4- بصائر الدرجات : 1/9 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 2/90 ، ح 16 .
5- عيون الأخبار ( لابن قتيبة الدينوري ) : 2/143 ؛ تاريخ مدينة دمشق ( إبن عساكر ) : 21/424 .

عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال خطب سلمان فقال : « ألا أيّها الناس اسمعوا من حديثى ثمّ اعقلوه عنّي ! قد أوتيت العلم كثيراً ولو أخبرتكم بكلّ ما أعلم لقالت طائفة مجنون وقالت طائفة أخرى اللهمّ اغفر لقاتل سلمان . ألا إنّ لكم منايا تتبعها بلايا ، فإنّ عند عليّ علیه السلام علم المنايا وعلم الوصايا وفصل الخطاب على منهاج هارون بن عمران ، قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أنت وصيّي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى ، ولكنّكم أصبتم سنة الأوّلين وأخطأتم سبيلكم ، والّذي نفس سلمان بيده لتركبنّ طبقاً عن طبق سنّة بني إ سرائيل القذّة بالقذّة . أما واللَّه لو ولّيتموها عليّاً لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم ، فأبشروا بالبلاء واقنطوا من الرجاء ونابذتكم ( انذرتكم ) على سواء وانقطعت العصمة فيما بينى وبينكم من الولاء »(1) .

سئل عليّ علیه السلام عن أبي ذرّ فقال ذلك رجل وعى علما عجز عنه الناس ثمّ أوكأ عليه ولم يخرج شيئا منه(2) .

ص: 35


1- رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) : 21 ، ح 47 ؛ بحار الأنوار 22/387 ، ح 29 .
2- بحار الأنوار : 22/420 ؛ الاستيعاب : 1/255 ، ش 339 .

بسم الله الرحمن الرحیم

6 - ومن كلام له علیه السلام لمّا اشير عليه بألّا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال

اشارة

وَ اللَّهِ لا أَكُونُ كَالضَّبُعِ تَنَامُ عَلَى طُولِ اللَّدْمِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا وَ يَخْتِلَهَا رَاصِدُهَا وَ لَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْهُ وَ بِالسَّامِعِ الْمُطِيعِ الْعَاصِيَ الْمُرِيبَ أَبَداً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا .

قول المصنف « لمّا اشير عليه علیه السلام بألّا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال » اختلف في المشير عليه بذلك ، فروت العامّة كونه ابنه الحسن علیه السلام ، وروت الخاصّة كونه اسامة .

اما الاول : فهو ما ذكره الشارح المعتزلي ( ج 1 ، ص 226 ) ، ولكن الذي ذكره من الموضوعات المجعولات لوجوه عديدة لا يخفى .

واما الثاني : فروى المفيد انه لما جاء كتاب الى اميرالمؤمنين علیه السلام يخبره بخبر طلحة والزبير وعايشة دعا ابن عبّاس ومحمّد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر وسهل بن حنيف وأخبرهم بالكتاب و بما عليه القوم من المسير فقال محمّد بن أبي بكر ما يريدون يا أمير المؤمنين ؟ فتبسّم علیه السلام وقال : « يطلبون بدم عثمان » فقال محمّد واللَّه ما قتل عثمان غيرهم ثمّ قال أمير المؤمنين « اشيروا علىّ بما اسمع منكم

ص: 36

القول فيه » فقال عمّار بن ياسر الرأى المسير ( ان نسير ) إلى الكوفة فإنّ أهلها شيعة وقد انطلق هؤلاء القوم إلى البصرة وقال ابن عبّاس الرأى عندي يا أمير المؤمنين أن تقدّم رجلاً ( رجالا ) إلى الكوفة فيبايعوا ( فيبايعون ) لك - إلى أن قال - فبينما هم في ذلك إذ دخل عليهم أسامة بن زيد بن حارثة وقال لأمير المؤمنين علیه السلام فداك أبي وأمّي لا تسر سيرا واحدا و انطلق إلى ينبع وخلف على المدينة رجلا وأقم بمالك فإنّ العرب لهم جولة ثمّ يصيرون إليك فقال له إبن عبّاس إنّ هذا القول منك يا أسامة إن كان على غير غلّ(1) في صدرك فقد أخطأت وجه الرأى فيه ليس هذا برأي بصير ، يكون واللَّه كهيئة الضبع في مغارتها فقال أسامة فما الرأى ؟ قال ما أشرت به أو ما رآه أمير المؤمنين لنفسه . ثمّ نادى أمير المؤمنين علیه السلام في الناس : تجهّزوا(2) .

واختلف المؤرخون في المكان الّذي خطب الامام فيه بهذه الخطبة فبعضهم روى انّه علیه السلام خطب بها في مكة . وبعضهم في الربذة وبعضهم في ذي قار واللَّه العالم .

وَ لَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ الْمُدْبِر...

وَ لَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْهُ وَ بِالسَّامِعِ الْمُطِيعِ الْعَاصِيَ الْمُرِيبَ أَبَداً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ص

ص: 37


1- الغلّ : الغشّ والعداوة والضغن والحقد والحسد ، غلّ صدره : إذا كان ذا غشّ أو ضغن وحقد » لسان العرب ج 11 ص 499 ( غلل ) .
2- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة : 239 .

وَ لَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْهُ . . .

قال أمير المؤمنين علیه السلام في اثناء كلام له : « وهذا طلحة والزبير ليسا من أهل النبوّة ولا من ذرّيّة الرسول حين رأيا أنّ اللَّه قد ردّ علينا حقّنا بعد أعصر فلم يصبرا حولا واحدا ولا شهرا كاملا حتّى وثبا على دأب الماضين قبلهما ليذهبا بحقّى ويفرقّا جماعة المسلمين عنّي ثمّ دعا عليهما(1) »

تنبيهان

الاول : في ذكر نسب طلحة والزبير

اما طلحة : ذكر أبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب الكلبيّ من علماء الجمهور أن من جملة البغايا وذوات الرايات صعبة بنت الحضرمي وكانت لها راية بمكّة واستصغت بأبي سفيان فوقع عليها أبو سفيان وتزوّجها عبيداللَّه بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم فجاءت بطلحة عبيداللَّه لستّة أشهر فاختصم أبو سفيان وعبيداللَّه في طلحة فجعلا أمرهما إلى صعبة فألحقته بعبيداللَّه فقيل لها كيف تركت أبا سفيان فقالت يد عبيداللَّه طلقة ويد أبي سفيان بكرة وقال وممّن كان يلعب به ويتخنّث أبو طلحة(2) .

واما الزبير : قال مؤلف كتاب إلزام النواصب وصاحب تحفة الطالب قد ورد أن العوام كان عَبْداً لخويلد ثم أعتقه وتبنّاه(3) ولم يكن من قريش وذلك أن العرب في الجاهلية كان إذا كان لأحدهم عبد وأراد أن ينسب إلى نفسه ويلحق به نسبه

ص: 38


1- الإرشاد : 1/249 ؛ الأحتجاج : 1/162 ؛ بحار الأنوار : 32/115 ، ح 91 .
2- نهج الحق وكشف الصدق : 356 ؛ بحار الأنوار : 31/647 ، ش 179 .
3- أي : أخذه ابنا له .

أعتقه وزوجه كريمة من العرب فيلحق بنسبه وكان هذا من سنن العرب .

ويصدق ذلك شعر عدي بن حاتم في عبداللَّه بن الزبير بحضرة معاوية وعنده جماعة قريش وفيهم عبداللَّه بن الزبير فقال عبداللَّه لمعاوية يا أمير المؤمنين ذرنا نكلم عديا فقد زعم أن عنده جوابا فقال إني أحذركموه فقال لا عليك دعنا وإياه فرضى معاوية فقال يا أبا طريف متى فقئت عينك فقال يوم فر أبوك وقتل شر قتلة وضربك الأشتر على استك فوقعت هاربا من الزحف وأنشد يقول

أما وأبي يا ابن الزبير لو أنني * لقيتك يوم الزحف رمت مدى شحطا

وكان أبي في طي ء وأبو أبي * صحيحين لم ينزع عروقهما القبطا

قال معاوية قد حذرتكموه فأبيتم . وقوله : صحيحين لم ينزع عروقهما القبطا

تعريض بابن الزبير بأن أباه وأبا أبيه ليسا بصحيحي النسب وأنهما من القبط ولم يستطع إبن الزبير إنكار ذلك في مجلس معاوية(1) .

الثاني : في سبب نقض طلحة والزبير بيعته علیه السلام

في الشرح لابن أبي الحديد : لما بويع على علیه السلام كتب إلى معاوية « أمّا بعد فإن الناس قتلوا عثمان عن غير مشورة مني وبايعوني عن مشورة منهم واجتماع فإذا أتاك كتابي فبايع لى وأوقد إلى أشراف أهل الشام قبلك ، فلما قدم رسوله على معاوية وقرأ كتابه بعث رجلا من بني عميس وكتب معه كتابا إلى الزبير بن العوام وفيه : بسم اللَّه الرحمن الرحيم لعبداللَّه الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي

ص: 39


1- الزام النواصب ( ابن صلاح البحراني ) : 174 ؛ بحار الأنوار : 32/219 .

سفيان سلام عليك ، أما بعد فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا(1) كما يستوسق الجلب فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب فإنّه لا شي ء بعد هذين المصرين ، وقد بايعت لطلحة بن عبيداللَّه من بعدك فأظهرا الطلب بدم عثمان وادعوا الناس إلى ذلك وليكن منكما الجد والتشمير أظفركما اللَّه وخذل مناوئكما » .

فلما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سر به وأعلم به طلحة وأقرأه إياه فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية وأجمعا عند ذلك على خلاف علي علیه السلام .

قال الشارح : جاء الزبير وطلحة إلى علي علیه السلام بعد البيعة بأيام فقالا له : يا أمير المؤمنين قد رأيت ما كنا فيه من الجفوة في ولاية عثمان كلها وعلمت رأى عثمان كان في بني أمية وقد ولاك اللَّه الخلافة من بعده فولنا بعض أعمالك . فقال علیه السلام لهما : « ارضيا بقسم اللَّه لكما حتّى أرى رأيي واعلما أني لا أشرك في أمانتي إلّا من أرضي بدينه وأمانته من أصحابي ومن قد عرفت دخيلته » .

فانصرفا عنه وقد دخلهما اليأس فاستأذناه في العمرة(2) .

وروي عن إبن عبّاس ؛ أنّه قال : كنت قاعدا عند علي علیه السلام حين دخل عليه طلحة والزبير فاستأذناه في العمرة فأبى أن يأذن لهما وقال قد اعتمرتما فأعادا عليه الكلام فأذن لهما ثمّ التفت إليّ فقال « واللَّه ما يريدان العمرة وإنّما يريدان الغدرة - قلت له فلا تأذن لهما فرّدهما ثمّ قال لهما واللَّه ما تريدان العمرة وما تريدان إلّا نكثاً لبيعتكما وفرقة لأمّتكما فحلفا له فأذن لهما ثمّ التفت إليّ فقال واللَّه

ص: 40


1- استجمعوا وانضموا .
2- شرح نهج البلاغة : 1/230 .

ما يريان العمرة » قلت فلم أذنت لهما ؟ قال « حلفا لي باللَّه قال فخرجا إلى مكّة فدخلا على عايشة فلم يزالا بها حتّى أخرجاها »(1) .

وذكر أبو مخنف في كتاب الجمل أن عليا علیه السلام خطب لما سار الزبير وطلحة من مكة ومعهما عايشة يريدون البصرة فقال أيها الناس إن عايشة سارت إلى البصرة ومعها طلحة والزبير وكل منهما يرى الأمر له دون صاحبه أمّا طلحة فإبن عمها وأما الزبير فختنها واللَّه لو ظفروا بما أرادوا ولن ينالوا ذلك أبدا ليضربن أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شديد واللَّه إن راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة ولا تحل عقدة إلّا في معصية اللَّه وسخطه حتّى تورد نفسها ومن معها موارد الهلكة إي واللَّه ليقتلن ثلثهم وليهربن ثلثهم وليتوبن ثلثهم وإنّها الّتي تنبحها كلاب الحوأب وإنّهما ليعلمان أنّهما مخطئان وربّ عالم قتله جهله ومعه علمه لا ينفعه و ( حَسْبُنَا اللَّهَ ُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )(2) فقد قامت الفتنة فيها الفئة الباغية أين المحتسبون أين المؤمنون ما لي ولقريش أمّا واللَّه لقد قتلتهم كافرين ولأقتلنهم مفتونين وما لنا إلى عايشة من ذنب إلّا أنا أدخلناها في حيزنا واللَّه لأبقرن الباطل حتى يظهر الحقّ من خاصرته(3) .

ص: 41


1- الاحتجاج : 1/161 ؛ بحار الأنوار : 32/97 ، ح 68 .
2- سورة آل عمران : 173 .
3- شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : 1/233 .

بسم الله الرحمن الرحیم

7 - ومن خطبة له علیه السلام :

اشارة

اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لِأَمْرِهِمْ مِلاكاً وَ اتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً فَبَاضَ وَ فَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ وَ دَبَّ وَ دَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ وَ نَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِهِ وَ نَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ(1) .

أخذه منه علیه السلام الحجّاج فخطب بها بعد دير الجماجم فقال : « يا أهل العراق إنّ الشيطان قد استبطنكم فخالط اللحم والدم والعصب والمسامع والأطراف والأعضاء والشغاف ، ثمّ أفضى إلى الأمخاخ والأصماخ ، ثمّ ارتفع فعشّش ثمّ باض وفرّخ ، فحشاكم نفاقا وشقاقا وأشعركم خلافا ، واتخذتموه دليلا تتّبعونه وقائدا تطيعونه ومؤامرا تستشيرونه ، فكيف تنفعكم تجربة وتعظكم وقعة ، أو يحجزكم إ سلام أو ينفعكم بيان ، ألستم أصحابي بالأهواز . . . »(2) .

اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لِأَمْرِهِمْ مِلاكاً

قال سبحانه : ( اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ )(3) .

ص: 42


1- بحار الأنوار : 34/211 .
2- البيان والتبيين ( الجاحظ ) ط . مصر : 286 ؛ أنساب الأشراف : 7/344 ؛ تاريخ مدينة دمشق : 12/132 .
3- سورة الأعراف : 30 .

وقال تعالى : ( إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ )(1) .

وقال تعالى : ( إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ )(2) .

وقال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً )(3) .

في صفين نصر بن مزاحم : حمل شمر بن عبداللَّه الخثعميّ من أهل الشام على أبي كعب رأس خثعم الكوفة فطعنه فقتله ثمّ انصرف يبكي ويقول : رحمك اللَّه يا أبا كعب لقد قتلتك في طاعة قوم أنت أمس بي رحما منهم وأحبّ إليّ نفسا منهم ولكن واللَّه ما أدري ما أقول ولا أرى الشيطان إلّا قد فتننا ولا أرى قريشا إلّا قد لعبت بنا(4) .

وفي تاريخ إبن الأثير : دخل منذر بن سعيد البلّوطيّ ، قاضي قضاة الأندلس ( المتوفى سنة 366 ) يوما على عبد الرحمن الناصر ، صاحب الأندلس ، بعد أن فرغ من بناء « الزهراء » وقصورها ، وقد قعد في قبّة مزخرفة بالذهب ، والبناء البديع الّذي لم يسبق إليه ، ومعه جماعة من الأعيان ، فقال عبد الرحمن الناصر : هل بلغكم أنّ أحدا بني مثل هذا البناء ؟ فقال له الجماعة : لم نر ، ولم نسمع بمثله ، وأثنوا ، وبالغوا ، والقاضي مطرق ، فاستنطقه عبد الرحمن ، فبكى القاضي ، وانحدرت دموعه على لحيته ، وقال : واللَّه ما كنت أظنّ أنّ الشيطان ، أخزاه اللَّه تعالى ، يبلغ منك هذا المبلغ ، ولا أن تمكّنه من قيادك هذا التمكين ، مع ما آتاك اللَّه ،

ص: 43


1- سورة الأعراف : 27 .
2- سورة النحل : 100 .
3- سورة النساء : 119 .
4- وقعة صفين : 257 ؛ بحار الأنوار : 32/473 ، ش 411 .

وفضّلك به ، حتّى أنزلك منازل الكافرين .

فقال له عبد الرحمن : انظر ما تقول ، وكيف أنزلني منزل الكافرين ؟

فقال : قال تعالى : ( وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً ) ، إلى قوله ( وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ )(1) .

فوجم عبد الرحمن وبكى ، وقال : . . . أكثر اللَّه في المسلمين مثلك(2) .

وَ اتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً

قال تعالى :

( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الْخَاسِرُونَ )(3) .

عن محمّد بن عيسى ، قال : كتب إلىّ أبو الحسن العسكريّ ابتداء منه ، « لعن اللَّه القاسم اليقطينيّ ولعن اللَّه عليّ بن حسكة القمّيّ ، إنّ شيطانا تراءى للقاسم فيوحى إليه زخرف القول غرورا »(4) .

عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ بيانا جبناناج والسريّ وبزيعا لعنهم اللَّه تراءى لهم الشيطان في أحسن ما يكون صورة آدميّ من قرنه إلى سرّته »(5) .

ص: 44


1- سورة الزخرف : 33 - 35 .
2- الكامل ( إبن أثير ) : 8/674 .
3- سورة المجادلة : 19 .
4- رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال): 518 ، ش 996 ؛ بحار الأنوار : 25/316 ، ش 81.
5- رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) : 304 ، ش 547 ؛ بحار الأنوار : 25/295 ، ش 54 .

فَبَاضَ وَ فَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ

عن زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعته يقول كان الحجاج ابن الشيطان يباضع ذي الردهة ، ثم قال : « إن يوسف دخل على أم الحجاج فأراد أن يصيبها ، فقالت : أ ليس إنما عهدك بذلك الساعة فأمسك عنها فولدت الحجاج »(1) .

عن زرارة قال كان يوسف أبو الحجاج صديقا لعلي بن الحسين علیه السلام وأنه دخل على امرأته فأراد أن يضمها - أعني أم الحجاج قال : فقالت له : أ ليس إنما عهدك بذاك الساعة قال فأتى علي بن الحسين فأخبره فأمره أن يمسك عنها فأمسك عنها فولدت بالحجاج وهو إبن شيطان ذي الردهة(2) .

في المروج : ولد الحجاج بن يوسف مشوها لا دبر له ، فثقب عن دبره ، وأبى أن يقبل ثدي أمه أو غيرها ، فأعياهم أمره ، فيقال : إن الشيطان تصور لهم في صورة الحارث بن كلدة ، فقال : ما خبركم ؟ فقالوا : ابن ولد ليوسف . . . فقال : اذبحوا جديا أسود وأولغوه دمه ، فإذا كان في اليوم الثاني فافعلوا به كذلك ، فإذا كان في اليوم الثالث فاذبحوا له تيسا أسود وأولغوه دمه ، ثم اذبحوا له أسود سالخا - أي الأسود من الحيات - فأولغوه دمه واطلو به وجهه ، فإنّه يقبل الثدى في اليوم الرابع ، قال : ففعلوا به ذلك ، فكان بعد لا يصبر عن سفك الدماء(3) .

عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « الآباء ثلاثة آدم ولد مؤمنا والجانّ ولد مؤمنا وكافرا وإبليس ولد كافرا وليس فيهم نتاج إنّما يبيض ويفرخ

ص: 45


1- تفسير العياشي : 2/301 ، ح 110 ؛ بحار الأنوار : 60/256 ، ح 124 .
2- تفسير العياشي : 2/299 ، ح 103 .
3- مروج الذهب : 3/125 ؛ بحار الأنوار : 31/528 ح 33 .

وولده ذكور ليس فيهم إناث »(1) .

عن زيد بن عليّ عن آبائه : قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله « إنّ اللَّه تعالى حين أمر آدم أن يهبط هبط آدم وزوجته وهبط إبليس ولا زوجة له وهبطت الحيّة ولا زوج لها فكان أوّل من يلوط بنفسه إبليس فكانت ذرّيّته من نفسه وكذلك الحيّة وكانت ذرّيّة آدم من زوجته فأخبرهما أنّهما عدوّان لهما »(2) .

وَ دَبَّ وَ دَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ

روى زكريّا بن يحيى القطّان عن فضيل بن الزبير عن أبي الحكم قال : سمعت مشيختنا وعلماءنا يقولون خطب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام فقال في خطبته « سلوني قبل أن تفقدوني فو اللَّه لا تسألونّي عن فئة تضلّ مائة وتهدي مائة إلّا نبّأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة » فقام إليه رجل فقال أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر فقام أمير المؤمنين علیه السلام وقال : « واللَّه لقد حدّثني خليلي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بما سألت عنه وإنّ على كلّ طاقة شعر في رأسك ملكا يلعنك وعلى كلّ طاقة شعر في لحيتك شيطانا يستفزّك وإنّ في بيتك لسخلا يقتل ابن رسول اللَّه وآية ذلك مصداق ما خبّرتك به ولو لا أنّ الّذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ولكن آية ذلك ما نبّأت به عن لعنتك وسخلك الملعون » وكان إبنه في ذلك الوقت صبيّا صغيرا يحبو فلمّا كان من أمر الحسين علیه السلام ما كان تولّى قتله وكان الأمر كما قال أمير المؤمنين علیه السلام(3) .

ص: 46


1- الخصال : 1/152 ، ح 186 ؛ بحار الأنوار : 11/111 ، ح 26 .
2- علل الشرايع : 2/547 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 11/237 ، ح 19 .
3- الإرشاد : 1/330 ؛ بحار الأنوار : 44/258 ، ح 7 .

في البحار الأنوار : السائل هو ابو الحصين تميم بن أسامة بن زهير بن دريد التميمي(1) .

فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ وَ نَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ

روى عامر عن النبي صلی الله علیه وآله : « إن الشيطان يأتي القوم في صورة الرجل يعرفون وجهه ولا يعرفون نسبه فيحدثهم فيقولون حدثنا فلان ما اسمه ؟ ليس يعرفونه »(2) .

عن بريد العجلي قال : سألت أبا عبداللَّه علیه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ ( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ )(3) قال : « هم سبعة : المغيرة بن سعيد ، وبيان ، وصائد النهدي ، والحارث الشامي ، وعبداللَّه بن الحارث ، وحمزة بن عمارة البربري ، وأبو الخطاب »(4) .

عن أبي عبداللَّه علیه السلام وذكر الغلاة ، فقال : « إنّ فيهم من يكذب حتّى أنّ الشيطان ليحتاج إلى كذبه »(5) .

عن زرارة ، قال قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « أخبرني عن حمزة أ يزعم أن أبي آتيه ؟ » قلت نعم ، قال : « كذب واللَّه ما يأتيه إلّا المتكوّن ، إنّ إبليس سلّط شيطانا يقال له

ص: 47


1- بحار الأنوار : 40/192 .
2- الإستيعاب ( في عامر بن عبدة ) : 2/795 .
3- سورة الشعراء : 221 - 222 .
4- رجال الكشي ( مع تعليقات مير داماد ) : 2/577 ، ح 511 ؛ الخصال : 2/402 ، ح 111 ؛ بحار الأنوار : 25/270 ، ح 16 .
5- رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) : 297 ، ح 526 ؛ بحار الأنوار : 25/296 ، ح 56 .

المتكوّن يأتي الناس في أيّ صورة شاء ، إن شاء في صورة صغيرة وإن شاء في صورة كبيرة ، ولا واللَّه ما يستطيع أن يجي ء في صورة أبي علیه السلام »(1) .

عن الصادق علیه السلام قال لأصحاب أبي الخطاب : « إنّ شيطانا يقال له المذهب يأتي في كلّ صورة إلّا أنّه لا يأتي في صورة نبيّ ولا وصيّ نبيّ ، ولا أحسبه إلّا وقد ترأى لصاحبكم . . . »(2) .

فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ

عن الصادق علیه السلام : « إنّ إبليس إتّخذ عرشا فيما بين السماء والأرض ، واتّخذ زبانية(3) كعدد الملائكة فإذا دعا رجلا فأجابه ووطى ء عقبه وتخطّت إليه الأقدام ، تراءى له إبليس ورفع إليه(4) » .

أتى الفرزدق الحسن البصري فقال : إنّي قد هجوت إبليس فاسمع . فقال : لا حاجة لنا بما تقول . قال : لتسمعن أو لاخرجن فأقول : إن الحسن ينهى عن هجاء إبليس ، فقال الحسن : أسكت فإنّك عن لسانه تنطق(5) .

عن محمّد بن مسلم قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « إنّ العبد يوقظ ثلاث مرّات من الليل فإن لم يقم أتاه الشيطان فبال في أذنه »(6) .

ص: 48


1- رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) : 300 ، ح 537 ؛ بحار الأنوار : 69/214 ، ح 4 .
2- رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) : 293 ، ح 516 ؛ بحار الأنوار : 25/326 ، ح 94 .
3- من الزين وهو الدفع ، تطلق على الشرط والملائكة الموكلين على النار .
4- رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) : 303 ، ح 546 ؛ بحار الأنوار : 25/282 ، ح 27 .
5- مستدرك أعيان الشيعه : 3/299 ؛ أنساب الأشراف : 12/76 ؛ الأغاني : 21/199 .
6- الكافي : 3/446 ، ح 18 ؛ بحار الأنوار : 80/115 ، ح 33 .

عن إ سحاق بن جرير قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول إنّ شيطاناً يقال له القفندر إذا ضرب في منزل الرجل أربعين صباحا بالبربط ودخل عليه الرجال وضع ذلك الشيطان كلّ عضو منه على مثله من صاحب البيت ثمّ نفخ فيه نفخة فلا يغار بعد هذا حتّى تؤتى نساؤه فلا يغار(1) .

عن أبي داود المسترقّ قال : من ضرب في بيته بربط أربعين يوما سلّط اللَّه عليه شيطانا يقال له القفندر فلا يبقى عضوا من أعضائه إلّا قعد عليه فإذا كان كذلك نزع منه الحياء ولم يبال ما قال ولا ما قيل فيه(2) .

كان محمد بن سعد بن أبي وقاص - وهو أخو عمر إبن سعد - يلقب ظل الشيطان لقصره(3) .

عن الحسن بن عليّ بن يقطين عن أبي جعفر علیه السلام قال : « من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق يؤدّي عن اللَّه عزّوجلّ فقد عبداللَّه وإن كان الناطق يؤدّي عن الشيطان فقد عبد الشيطان »(4) .

عن أبي عبداللَّه عن آبائه علیه السلام أنّ النبيّ صلی الله علیه وآله قال لأصحابه : « ألا أخبركم بشي ء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم كما تباعد المشرق من المغرب » قالوا بلى قال : « الصوم يسوّد وجهه والصدقة تكسر ظهره والحبّ في اللَّه والموازرة على العمل الصالح يقطع دابره والاستغفار يقطع وتينه ولكلّ شي ء زكاة وزكاة الأبدان الصيام »(5) .

ص: 49


1- الكافي : 5/536 ، ح 5 ؛ وسائل الشيعة : 17/312 ، ح 22626 - 1 .
2- الكافي : 6/434 ، ح 17 ؛ وسائل الشيعة : 17/313 ، ح 22627 - 2 .
3- تقريب التهذيب : 2/79 ، ش 5923 .
4- الكافي : 6/434 ، ح 24 ؛ تحف العقول : 456 ؛ بحار الأنوار : 2/94 ح 30 .
5- الكافي : 4/62 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 66/380 ، ح 39 .

بسم الله الرحمن الرحیم

8 - ومن كلام له علیه السلام : يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك :

اشارة

يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بَايَعَ بِيَدِهِ وَ لَمْ يُبَايِعْ بِقَلْبِهِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْبَيْعَةِ وَ ادَّعَى الْوَلِيجَةَ فَلْيَأْتِ عَلَيْهَا بِأَمْرٍ يُعْرَفُ وَ إِلّا فَلْيَدْخُلْ فِيمَا خَرَجَ مِنْهُ .

یزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بَايَعَ بِيَدِهِ وَ لَمْ يُبَايِعْ بِقَلْبِهِ . . .

في الشرح : لما خرج الزبير وطلحة من المدينة إلى مكة لم يلقيا أحدا إلّا وقالا له ليس لعلي في أعناقنا بيعة وإنّما بايعناه مكرهين فبلغ عليّا علیه السلام قولهما فقال : « أبعدهما اللَّه وأغرب(1) دارهما أما واللَّه لقد علمت أنّهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم واللَّه ما العمرة يريدان ولقد أتياني بوجهي فاجرين ورجعا بوجهي غادرين ناكثين واللَّه لا يلقيانني بعد اليوم إلّا في كتيبة خشناء(2) يقتلان فيها أنفسهما فبعدا لهما وسحقا »(3) .

روى نصر بن مزاحم(4) أنّ أمير المؤمنين علیه السلام حين وقع القتال وقتل طلحة -

ص: 50


1- يقال : أغرب داره : أبعدها .
2- كتيبة خشناء ، أي كثيرة السلاح خشنته .
3- شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : 1/232 .
4- نصر بن مزاحم المنقريّ العطار ، أبو الفضل كوفي مستقيم الطريقة صالح الأمر ، غير أنّه يروي عن الضعفاء ، كتبه حسان كما في خلاصة العلّامة .

تقدّم على بغلة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الشهباء بين الصفّين فدعا الزبير فدنا إليه حتّى اختلف أعناق دابّتيهما فقال : « يا زبير أنشدك باللَّه أ سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول إنّك ستقاتل عليّا وأنت له ظالم ؟ » قال : نعم ، قال : « فلم جئت ؟ » قال : جئت لأصلح بين الناس فأدبر الزبير وهو يقول :

ترك الأمور الّتي تخشى عواقبها * للَّه أجمل في الدنيا وفي الدين

أتى عليّ بأمر كنت أعرفه * قد كان عمر أبيك الخير مذ حين

فقلت حسبك من عذل أبا حسن * بعض الّذي قلت هذا اليوم يكفيني

فاخترت عارا على نار مؤجّجة * أنّى يقوم لها خلق من الطين

نبّئت طلحة وسط النقع منجدلا * مأوى الضيوف ومأوى كلّ مسكين

قد كنت أنصر أحيانا وينصرنى * في النائبات ويرمى من يراميني

حتّى ابتلينا بأمر ضاق مصدره * فاصبح اليوم ما يعنيه يعنيني

قال وأقبل الزبير على عايشة فقال يا أمّه ما لي في هذا بصيرة وإنّى منصرف فقالت عايشة يا أبا عبداللَّه أ فررت من سيوف إبن أبي طالب فقال إنّها واللَّه طوال حداد تحملها فتية أنجاد(1) ثمّ خرج راجعا فمرّ بوادي السباع وفيه الأحنف بن قيس قد اعتزل من بني تميم فأخبر الأحنف بإنصرافه فقال ما أصنع به إن كان الزبير ألقى بين غارتين من المسلمين وقتل أحدهما بالآخر ثمّ هو يريد اللحاق بأهله فسمعه إبن جرموز فخرج هو ورجلان معه وقد كان لحق بالزّبير رجل من كليب ومعه غلامه فلمّا أشرف ابن جرموز وصاحباه على الزبير فحرّك الرجلان رواحلهما وخلّفا الزبير وحده فقال لهما الزبير ما لكما هم ثلاثة ونحن ثلاثة فلمّا

ص: 51


1- انجاد : أشداء شجعان .

أقبل إبن جرموز قال له الزبير إليك عنّي فقال إبن جرموز يا أبا عبداللَّه إنّي جئتك لأسألك عن أمور الناس ، قال : تركت الناس يضرب بعضهم وجوه بعضهم بالسّيف قال : إبن جرموز أخبرني عن أشياء أسألك عنها قال : هات ، قال : أخبرني عن خذلك عثمان وعن بيعتك عليّا وعن نقضك بيعته وعن إخراجك عايشة وعن صلاتك خلف إبنك وعن هذا الحرب الّتي جنيتها وعن لحوقك بأهلك . فقال : أمّا خذلي عثمان فأمر قدّم اللَّه فيه الخطيئة وأخّر فيه التوبة - وأمّا بيعتي عليّا فلم أجد منها بدّا إذ بايعه المهاجرون والأنصار وأمّا نقضي بيعته فإنّما بايعته بيدي دون قلبي وأمّا إخراجي أمّ المؤمنين فأردنا أمرا وأراد اللَّه أمرا غيره وأمّا صلاتي خلف إبني فإنّ خالته قدّمته فتنحّى إبن جرموز عنه وقال قتلني اللَّه إن لم أقتلك(1) .

وفي شرح المعتزلي بعد ما ذكر سؤال إبن جرموز وجواب الزبير قال : فسار إبن جرموز معه وكلّ واحد منهما يتّقى الآخر فلمّا حضرت الصلاة قال الزبير : يا هذا إنا نريد أن نصلّى .

فقال إبن جرموز : وأنا أريد ذلك فقال الزبير : فتؤمنى وأؤمنك ، قال : نعم فثنى الزبير رجله وأخذ وضوءه فلمّا قام إلى الصلاة شد إبن جرموز عليه فقتله وأخذ رأسه وخاتمه وسيفه وحثا عليه ترابا يسيرا ورجع إلى الأحنف فأخبره فقال : واللَّه ما أدري أسأت أم أحسنت إذهب إلى علي علیه السلام فأخبره فجاء إلى علي علیه السلام فقال للآذن قل له عمرو بن جرموز بالباب ومعه رأس الزبير وسيفه فأدخله وفي كثير من الروايات أنّه لم يأت بالرأس بل بالسيف فقال له : وأنت قتلته ، قال : نعم ، قال علیه السلام : « واللَّه ما كان إبن صفية جبانا ولا لئيما ولكن الحين ومصارع السوء » ثمّ

ص: 52


1- الإحتجاج : 1/162 ؛ بحار الأنوار : 32/198 ، ح 148 .

قال علیه السلام : « ناولني سيفه فناوله فهزه وقال : سيف طالما جلى به الكرب عن وجه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله » فقال إبن جرموز : الجائزة يا أمير المؤمنين ، فقال : « أمّا إنّي سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : بشر قاتل إبن صفية بالنار » ، فخرج إبن جرموز خائبا وقال :

أتيت عليّا برأس الزبير * أبغي به عنده الزلفة

فبشّر بالنّار يوم الحساب * فبئست بشارة ذي التحفة

فقلت له إن قتل الزبير * لو لا رضاك من الكلمة

فإن ترض ذاك فمنك الرضا * وإلّا فدونك لي حلقة

وربّ المحلّين والمحرمّين * وربّ الجماعة والألفة

لسيان عندي قتل الزبير * وضرطة عنز بذي الجحفة

ثم خرج إبن جرموز على علي علیه السلام مع أهل النهر فقتله معهم فيمن قتل(1) .

وكان قتله في جمادي الأولى سنة ست وثلاثين ، وله ست أو سبع وستون سنة(2) .

ص: 53


1- شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : 1/235 .
2- الإصابة : 2/460 ، ش 2796 .

بسم الله الرحمن الرحیم

9 - ومن كلام له علیه السلام :

اشارة

وَ قَدْ أَرْعَدُوا وَ أَبْرَقُوا وَ مَعَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْفَشَلُ وَ لَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى نُوقِعَ وَ لا نُسِيلُ حَتَّى نُمْطِرَ .

روى المفيد : وبلغ أمير المؤمنين علیه السلام لغط(1) القوم وإجتماعهم على حربه فقام في الناس خطيبا . . . ثمّ قال « أيّها الناس إنّ طلحة والزبير قدما البصرة وقد إجتمع أهلها على طاعة اللَّه وبيعتي فدعواهم إلى معصية اللَّه وخلافي فمن أطاعهما منهم فتنوه ومن عصاهما قتلوه وقد كان من قتلهما حكيم بن جبلة ما بلغكم وقتلهما السبابجة وفعالهما ( فعلهما ) بعثمان بن حنيف ما لم يخف عليكم وقد كشفوا الآن القناع وآذنوا بالحرب وقام طلحة بالشّتم والقدح في أديانكم وقد أرعد وصاحبه وأبرقا وهذان امرءان ( امران ) معهما الفشل » - إلى أن قال - « ولسنا نرعد حتّى نوقع ولا نسيل حتّى نمطر وقد خرجوا من هدى إلى ضلال ، دعوناهم إلى الرضا ، ودعونا إلى السخط ، فحلّ لنا ولكم ردّهم إلى الحقّ والقتال ، وحلّ لهم بقصاصهم القتل ، وقد واللَّه مشوا إليكم ضراراً وأذاقوكم أمسّ من الجمر(2) فإذا لقيتم القوم

ص: 54


1- اللغط : الأصوات المبهمة المختلطة والجلبة لا تفهم . وقيل : هو الكلام الّذي لا يبين ، يقال : سمعت لغط القوم » لسان العرب ج 7 ص 391 ( لغط ) .
2- الجمر : النار المتّقدة ، واحدته : جمرة » لسان العرب ج 4 ص 144 ( جمر ) .

غدا فاغدوا في الدعاء وأحسنوا في التقيّة و( اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ )(1) ، ( وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )(2) » .

فقام إليه حبيب بن يساف(3) حتّى وقف بين يديه وقال :

أبا حسن أيقظت من كان نائما

وما كلّ من يدعى إلى الحقّ يسمع(4)

عن إبن محبوب رفعه أنّ أمير المؤمنين علیه السلام خطب يوم الجمل وقال : « وقد كنت وما أهدّد بالحرب ولا أرهب بالضّرب أنصف القارة من راماها فلغيري فليبرقوا وليرعدوا فأنا أبو الحسن الّذي فللت حدّهم وفرّقت جماعتهم »(5) .

وَ مَعَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْفَشَلُ

أي الجبن .

روى الوافديّ قال حدّثني عبداللَّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام عن أبيه قال : لمّا سمع أبي أصوات الناس يوم الجمل وقد إرتفعت فقال لإبنه محمّد ما يقولون ؟ قال : يقولون يا ثارات عثمان ، قال : فشدّ عليه وأصحابه يهشّون(6)

ص: 55


1- سورة الأعراف : 128 .
2- سورة الأنفال : 46 .
3- في النسخ الثلاث : حكيم بن مناف ، والتصحيح من الفتوح م 1 ص 469 ؛ ومناقب آل أبي طالب ج 3 ص 152 ؛ بحارالأنوار ج 32 ص 121 .
4- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة : 331 .
5- الكافي : 5/53 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 32/193 ، ح 142 .
6- الهشّ والهشيش من كلّ شي ء : ما فيه رخاوة ولين ، ورجل هشّ وهشيش : بشّ مهتر مسرور . قال الأصبعيّ : رجل هشّ : إذا هشّ إلى إخوانه » لسان العرب ج 6 ص 363 - 364 ( هشش ) .

في وجهه يقولون الشمس إرتفعت الشمس إرتفعت وهو يقول « الصبر أبلغ في الحجّة » .

ثمّ قام خطيبا يتوكّأ على قوس عربيّة وقال : « أمّا بعد فإنّ الموت طالب حثيث(1) لا يفوته الهارب ولا يعجزه فاقدموا ولا تنكلوا(2) وهذه الأصوات الّتي تسمعونها من عدوّكم فشل واختلاف(3) » .

وكما أنّ الإرعاد والإبراق والصياح والجلبة علامة الفشل ، كذلك السكوت والصمت علامة الإطمينان بالغلبة - ولمّا بعث قريش يوم بدر عمرو بن وهب الجمحي ليرى عسكر النبيّ صلی الله علیه وآله صعد وصوب ثم رجع إليهم وقال : نواضح يثرب قد حملت السمّ الناقع ، أما ترونهم خرسى لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي ما لهم ملجأ إلّا سيوفهم(4) .

وَ لَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى نُوقِعَ وَ لا نُسِيلُ حَتَّى نُمْطِرَ

عن معاذ بن عبيداللَّه التميميّ قال لمّا قدمنا البصرة مع عايشة وأقمنا ندعو الناس إلى نصرتنا - إلى أن قال - وتقدّم عليّ والراية بين كتفيه وجرّد سيفه وضرب رجلا فأبان زنده ثمّ إنتهى إلى الجمل وقد اجتمع الناس حوله واختلطوا وأحدقوا به من كلّ جانب وناحية واستجنّ الناس تحت بطان الجمل فانظر واللَّه إلى

ص: 56


1- الحثيث : السريع ، الجادّ في أمره » المعجم الوسيط ج 1 ص 155 ( حثث ) .
2- نكل عن العدو ينكل : أي جبن » لسان العرب ج 11 ص 677 ( نكل ) .
3- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة : 357 .
4- تفسير القمّي : 1/262 ؛ البرهان في تفسير القرآن : 2/653 ؛ جواهر التاريخ ( السيرة النبويّة ) : 2/25 .

عليّ علیه السلام يصيح بمحمّد بن أبي بكر « اقطع البطان » وأرى عليّا قد قتل ممّن أخذ بخطام الجمل عشرة بيده وكلّما قتل رجلا مسح سيفه بثيابه ثمّ جاوزه حتّى صرنا في أيديهم كأنّنا غنم نساق فانصرمنا ( فانصرفنا ) حينئذ أمرنا وتلاومنا وندمنا(1) .

وفي خلفاء إبن قتيبة : شق علي علیه السلام في عسكر القوم يطعن ويقتل ، ثم خرج وهو يقول : الماء الماء ، فأتاه رجل بإداوة فيها عسل فقال له : يا أمير المؤمنين ، أما الماء فإنّه لا يصلح لك في هذا المقام ، ولكن أذوقك هذا العسل فقال : هات فحسا (ع) منه حسوة ، ثم قال : إن عسلك لطائفى ، قال الرجل : لعجبا منك واللَّه يا أمير المؤمنين ، لمعرفتك الطائفى من غيره في هذا اليوم ، وقد بلغت القلوب الحناجر . فقال له علي علیه السلام : « إنّه واللَّه يابن أخي ما ملأ صدر عمك شي ء قط ، ولا هابه شي ء ثم أعطى الراية لإبنه » ، وقال : « هكذا فاصنع »(2) .

وروي أنّ كاتب حدود الروم كتب إلى المعتصم أنّ أبا قيس الرومي حاكم قلعة عمورية أمسك أمرأة من المسلمين يعذّبها وهي تصيح وا محمّداه وا معتصماه وأبو قيس يستهزء بها ويقول : إنّ المعتصم يركب مع جنوده على خيل بلق يأتي إلى ويستخرجك من عذابي ، فلمّا ورد عليه الكتاب كان خادمه معه قدح من ماء السكر يشربه المعتصم ، فقال له : احفظ هذا ولا تناولنيه إلّا في بيت المرأة المسلمة ، فخرج من سرّ من رأى وأمر بعساكره أن لا يركب إلّا من عنده فرس أبلق فاجتمع عنده ثمانون ألفا يركوبن خيلا بلقا ، وكان المنجّمون أشاروا عليه بأن لا يسافر وأن قلعة عمورية لا تفتح على يديه .

ص: 57


1- الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة : 373 .
2- الإمامة والسياسة ( تحقيق الزيني ) : 1/70 .

فقال إنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : « من صدّق منجّما فقد كذب ما أنزل اللَّه على محمّد(1) فسار إلى القلعة وحصرها مدّة وكان الشتاء في غاية البرد » فخرج المعتصم يوما من خيمته ووجد العسكر واقفا من شدّة البرد لا يقدرون على رمى السهام ، فأمر بمأتى قوس وركب إلى حصار القلعة بنفسه فلمّا رآه جنوده ركضوا على القلعة من أطرافها وفتحوها فسأل عن المرأة فدلوه عليها واعتذر لديها ، وقال : إنّك ندبتنى من عمورية وسمعتك من سامرا وقلت : لبّيك ، فها أنا ركبت على الخيل البلق واخذت بطلامتك ، ثمّ أمر خادمه باحضار ماء السكر فشربه وقال : الآن طاب الشراب واحتوى على ما فيها من الأموال وقتل ثلاثين ألف أو أزيد(2) .

ص: 58


1- المعتبر للمحقّق : 2/688 .
2- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ( خوئي ) : 3/160 .

بسم الله الرحمن الرحیم

10 - ومن خطبة له علیه السلام وهي الخطبة العاشرة :

اشارة

أَلا وَ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ وَ اسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَ رَجِلَهُ وَ إِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي وَ لا لُبِّسَ عَلَيَّ وَ ايْمُ اللَّهِ لأُفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ لا يَصْدُرُونَ عَنْهُ وَ لا يَعُودُونَ إِلَيْهِ .

وَ اسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَ رَجِلَهُ

قال تعالى : ( وَاسْتَفْزِزْ مَنْ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً )(1) .

بحار الأنوار ( ط . - بيروت ) ج 60 ، 175 باب 3 إبليس لعنه اللَّه وقصصه وبدء خلقه ومكايده ومصايده وأحوال ذريته والاحتراز عنهم أعاذنا اللَّه من شرورهم . . . ص : 131 .

عن إبن عبّاس أنّه قال كلّ راكب أو راجل في معصية اللَّه فهو من خيل إبليس وجنوده ويدخل فيه كلّ راكب وماش في معصية اللَّه فخيله ورجله كلّ من شاركه

ص: 59


1- سورة الأسراء : 64 .

في الدعاء إلى المعصية(1) .

وَ إِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي

قال تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي )(2) .

عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي ) ، قال : « ذاك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأمير المؤمنين علیه السلام والأوصياء من بعدهم »(3) .

وقال تعالى : ( بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ )(4) .

عن أبي الحسن الرضا علیه السلام أنّه قال : « لنا أعين لا تشبه أعين الناس وفيها نور وليس للشيطان فيه شرك »(5) .

عن أبي عبداللَّه علیه السلام أن في الإمام آيه للمتوسمين ، وهو السبيل المقيم ينظر بنور اللَّه وينطق عن اللَّه - لا يعزب عليه جعنه ج شي ء ممّا أراد(6) .

عن أبي جعفر علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ )(7) قال : « هم الأئمّة قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللَّه في قوله

ص: 60


1- بحار الأنوار : 60/175 .
2- سورة يوسف : 108 .
3- الكافي 1/425 ، ح 66 ؛ بحار الأنوار 24/21 ، ح 42 .
4- سورة القيامة : 14 .
5- بصائر الدرجات : 1/419 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 24/126 ، ح 3 .
6- تفسير العياشي : 2/248 ، ح 31 ؛ بحار الأنوار : 24/126 ، ح 5 .
7- سورة الحجر : 75 .

( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) »(1) .

عن سلمان الفارسيّ 2 قال سمعت أمير المؤمنين علیه السلام يقول في قول اللَّه عزّوجلّ « ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ) فكان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يعرف الخلق بسيماهم وأنا بعده المتوسّم والأئمّة من ذرّيّتي المتوسّمون إلى يوم القيامة »(2)

ص: 61


1- بصائر الدرجات : 1/355 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 24/131 ، ح 18 .
2- بصائر الدرجات : 1/357 ، ح 13 ؛ بحار الأنوار : 17/147 ، ح 42 .

بسم الله الرحمن الرحیم

11 - ومن كلام له علیه السلام لإبنه محمد بن الحنفية - لمّا أعطاه الراية

يوم الجمل

تَزُولُ الْجِبَالُ وَ لا تَزُلْ عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ أَعِرِ اللَّهَ جُمْجُمَتَكَ تِدْ فِي الْأَرْضِ قَدَمَكَ ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى الْقَوْمِ وَ غُضَّ بَصَرَكَ وَ اعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ .

تَزُولُ الْجِبَالُ وَ لا تَزُلْ

الأصل في كلامه علیه السلام قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ )(1) .

أَعِرِ اللَّهَ جُمْجُمَتَكَ

بعث علیه السلام إلى ولده محمّد إبن الحنفية ، وكان صاحب رايته : أحمل على القوم ، فأبطأ محمّد بحملته ، وكان بإزائه قوم من الرماة ينتظر نفاد سهامهم ، فأتاه علي علیه السلام فقال : « هلا حملت » ، فقال : لا أجد متقدّما إلّا علي سهم أو سنان ، وإنّي منتظر نفاد سهامهم وأحمل ، فقال علیه السلام له : « أحمل بين الأسنة ، فإن للموت عليك جنّة »(2) .

ص: 62


1- سورة الصف : 4 .
2- مروج الذهب : 2/366 .

تِدْ فِي الْأَرْضِ قَدَمَكَ

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )(1) .

ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى الْقَوْمِ

اشارة

قال أمير المؤمنين علیه السلام : « من أكثر النظر في العواقب لم يشجع »(2) .

خروج عايشة من البصرة

خرجت عايشة من البصرة ، وقد بعث أمير المؤمنين علیه السلام معها على أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر وثلاثين رجلا وعشرين امرأة من ذوات الدين من عبد القيس وهمدان وغيرهما ، ألبسهن العمائم وقلدهن السيوف ، وقال لهن : « لا تعلمن عايشة أنكن نسوة وتلثّمن كأنكن رجال وكن اللاتي تلين خدمتها وحملها » فلمّا أتت المدينة قيل لها : كيف رأيت مسيرك ؟ قالت : بعث علي بن أبي طالب علیه السلام معي رجالا أنكرتهم فعرفها النسوة أمرهن(3) .

وقال اليعقوبي : وجه علیه السلام معها سبعين إمرأة من عبد القيس في ثياب الرجال ، حتّى وافوا بها المدينة(4) .

وقيل : مع ثلاثين إمرأة .

ص: 63


1- سورة الأنفال : 45 .
2- العقد الفريد : 1/89 ؛ التذكرة الحمدونية : 2/397 .
3- مروج الذهب : 2/370 .
4- تاريخ يعقوبي : 2/183 .

تبصرة

في نسب محمّد بن الحنفية من قبل أمّه والإشارة إلى بعض اوصافه ومناقبه

اقول : إ سمه محمّد وكنيته أبو القاسم برخصة من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ولم يرخّص في حقّ غيره أن يكنّي به كما عن إبن خلّكان في تاريخه .

وأمّه ، خولة بنت جعفر إبن قيس من قبيلة بني حنيفة وهي سبب إ شتهاره بإبن الحنفية .

في الشرح : أم محمّد 2 خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل . واختلف في أمرها .

فقال قوم إنّها سبية من سبايا الردة قوتل أهلها على يد خالد بن الوليد في أيام أبي بكر لمّا منع كثير من العرب الزكاة وارتدت بنو حنيفة وأدعت نبوة مسيلمة وانّ أبا بكر دفعها إلى علي علیه السلام من سهمه في المغنم .

وقال قوم منهم أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني هي سبية في أيّام رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بعث رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عليّا إلى اليمن فأصاب خولة في بني زبيد وقد ارتدوا مع عمرو بن معديكرب وكانت زبيد سبتها من بني حنيفة في غارة لهم عليهم فصارت في سهم علي علیه السلام فقال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « إن ولدت منك غلاما فسمه بإ سمي وكنه بكنيتي فولدت له بعد موت فاطمة 3 محمدا فكنّاه أبا القاسم » .

وقال قوم وهم المحقّقون وقولهم الأظهر إن بني أسد أغارت على بني حنيفة في خلافة أبي بكر فسبوا خولة بنت جعفر وقدموا بها المدينة فباعوها من علي علیه السلام ،

ص: 64

وبلغ قومها خبرها فقدموا المدينة على علي علیه السلام فعرفوها وأخبروه بموضعها منهم فأعتقها ومهرها وتزوجها فولدت له محمّدا فكنّاه أبا القاسم .

وهذا القول هو إختيار أحمد بن يحيى البلاذري في كتابه المعروف بتاريخ الأشراف(1) .

ولد في سنة ستّة عشر من الهجرة ومات في ربيع الأوّل من سنة أحد وثمانين وقيل أربع وثمانين بعد الهجرة وقد مضى من عمره خمس وستّين سنة(2) .

وروى عن جاحظ انّه قال وامّا محمّد بن حنفيّة فقد اقرّ الصادر والوارد ، والحاضر والبادي انّه كان واحد دهره ورجل عصره وكان أتمّ الناس تماما وكمالا انتهي(3) .

أقول : بعد أخويه الحسن والحسين 8 .

حدّث النوفلي في كتابه في الأخبار عن الوليد بن هشام المخزومي ، قال : خطب إبن الزبير فنال من علي ، فبلغ ذلك إبنه محمّد بن الحنفية فجاء حتّى وضع له كرسي قدامه ، فعلاه ، وقال : يا معشر قريش ، شاهت الوجوه ! أ ينتقص علي وأنتم حضور ؟ إنّ عليّا كان سهما صادقا أحد مرامي اللَّه على اعدائه يقتلهم لكفرهم ويهوّعهم مآكلهم ، فثقل عليهم ، فرموه بقرفة الأباطيل ، فإن تكن لنا في الأيّام دولة ننثر عظامهم ونحسر عن أجسادهم ، والأبدان يومئذ بالية ، ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا

ص: 65


1- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 3/176 ؛ بحار الأنوار : 42/99 ؛ أنساب الأشراف للبلاذري : 2/200 .
2- مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة : 4/126 .
3- كشف الغمة : 1/31 .

أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ )(1) ، فعاد إبن الزبير إلى خطبته ، وقال : عذرت بني الفواطم يتكلّمون فما بال إبن الحنفية ؟ فقال محمد : يا إبن أم رومان ، وما لي لا أتكلم ؟ أ ليست فاطمة بنت محمّد صلی الله علیه وآله حليلة أبي وأم إخوتي ؟ أو ليست فاطمة بنت أسد بن هاشم جدتي ؟ أو ليست فاطمة بنت عمرو بن عائذ جدة أبي ؟ أما واللَّه لو لا خديجة ينت خويلد ما تركت في بني أسد عظما إلّا هشمته(2) .

قال في الشرح : كان علي علیه السلام يقذف بمحمّد في مهالك الحرب ويكفّ حسنا وحسينا عنها وقيل لمحمد لم يغرر بك أبوك في الحرب ولا يغرر بالحسن والحسين 8 فقال : « إنّهما عيناه وأنا يمينه فهو يدفع عن عينيه بيمينه »(3) .

وقال : « لمّا تقاعس محمّد يوم الجمل عن الحملة وحمل علي علیه السلام بالرّاية فضعضع أركان عسكر الجمل دفع إليه الراية وقال امح الأولى بالأخرى وهذه الأنصار معك .

وضم إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع من الأنصار كثير منهم من أهل بدر فحمل حملات كثيرة أزال بها القوم عن مواقفهم وأبلى بلاء حسنا فقال خزيمة بن ثابت لعلي علیه السلام أما إنّه لو كان غير محمّد اليوم لافتضح ولئن كنت خفت عليه الحين وهو بينك وبين حمزة وجعفر لمّا خفناه عليه وإن كنت اردت أن تعلمه الطعان فطالما علمته الرجال .

وقالت الأنصار يا أمير المؤمنين علیه السلام لو لا ما جعل اللَّه تعالى للحسن والحسين

ص: 66


1- سورة الشعراء : 227 .
2- مروج الذهب : 3/80 .
3- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 1/244 ؛ بحار الأنوار : 42/99 .

لما قدمنا على محمّد أحدا من العرب فقال علي علیه السلام : « أين النجم من الشمس والقمر أمّا إنّه قد أغنى وأبلى وله فضله ولا ينقص فضل صاحبيه عليه وحسب صاحبكم ما انتهت به نعمة اللَّه تعالى إليه » ، فقالوا يا أمير المؤمنين علیه السلام : إنّا واللَّه لا نجعله كالحسن والحسين ولا نظلمهما له ولا نظلمه لفضلهما عليه حقّه . فقال علي علیه السلام : « أين يقع ابني من ابني بنت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله » فقال خزيمة بن ثابت فيه :

محمّد ما في عودك اليوم وصمة

ولا كنت في الحرب الضروس معردا(1)

أبوك الّذي لم يركب الخيل مثله

علي وسمّاك النبي محمّدا

فلو كان حقا من أبيك خليفة

لكنت ولكن ذاك ما لا يرى بدا

وأنت بحمداللَّه أطول غالب(2)

لسانا وأنداها بما ملكت يدا

وأقربها من كل خير تريده

قريش وأوفاها بما قال موعدا

وأطعنهم صدر الكمي برمحه

وأكساهم للهام عضبا مهندا

ص: 67


1- معرد : منهزم .
2- غالب : يقصد به ذرّية غالب بن فهر بن مالك .

سوى أخويك السيدين كلاهما

إمام الورى والداعيان إلى الهدى

أبى اللَّه أن يعطى عدوّك مقعدا

من الأرض أو في الأوج مرقى ومصعدا(1)

دعا أمير المؤمنين علیه السلام محمّد بن الحنفيّة يوم الجمل فأعطاه رمحه وقال له :

« إقصد بهذا الرمح قصد الجمل » فذهب فمنعوه بنو ضبّة فلمّا رجع إلى والده انتزع الحسن رمحه من يده وقصد قصد الجمل وطعنه برمحه ورجع إلى والده وعلى رمحه أثر الدم فتمعّر(2) وجه محمّد من ذلك فقال أمير المؤمنين علیه السلام لا تأنف فإنّه إبن النبيّ صلی الله علیه وآله وأنت إبن علي علیه السلام(3) .

عن المفضّل بن عمر عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : لمّا حضرت الحسن بن عليّ علیه السلام الوفاة قال : « يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمنا من غير آل محمّد : » فقال : اللَّه تعالى ورسوله وإبن رسوله أعلم به منّي ، قال : « أدع لي محمّد بن عليّ » فأتيته فلمّا دخلت عليه قال : « هل حدّث إلّا خير » ، قلت : أجب أبا محمّد . فعجّل على شسع نعله فلم يسوّه وخرج معي يعدو فلمّا قام بين يديه سلّم . فقال له الحسن بن عليّ علیه السلام : « إجلس فإنّه ليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيا به الأموات ويموت به الأحياء كونوا أوعية العلم ومصابيح الهدى فإنّ ضوء النهار بعضه أضوأ من بعض أ ما علمت أنّ اللَّه جعل ولد إبراهيم علیه السلام أئمّة وفضّل بعضهم على بعض

ص: 68


1- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 1/245 ؛ بحار الأنوار : 42/100 .
2- تمعر وجهه بعين المهملة : تغير وعلته صفرة أو زالت نضارته .
3- مناقب آل ابي طالب : 4/21 ؛ بحار الأنوار : 32/187 ، ح 137 .

وآتي داود زبورا وقد علمت بما استأثر به محمّدا صلی الله علیه وآله - يا محمّد بن عليّ إنّي أخاف عليك الحسد وإنّما وصف اللَّه به الكافرين فقال اللَّه عزّوجلّ - ( كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ )(1) ولم يجعل اللَّه عزّوجلّ للشيطان عليك سلطانا يا محمّد بن عليّ ألا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك ؟ » قال : بلى ، قال : « سمعت أباك علیه السلام يقول يوم البصرة من أحبّ أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبرّ محمّدا ولدي يا محمّد بن عليّ لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك يا محمّد بن عليّ أ ما علمت أنّ الحسين بن عليّ علیه السلام بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي وعنداللَّه جلّ اسمه في الكتاب وراثة من النبي صلی الله علیه وآله أضافها اللَّه عزّوجلّ له في وراثة أبيه وأمّه فعلم اللَّه أنّكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمّدا صلی الله علیه وآله واختار محمّد عليّا علیه السلام واختارني عليّ علیه السلام بالإمامة واخترت أنا الحسين علیه السلام » ، فقال له محمّد بن عليّ أنت إمام وأنت وسيلتي إلى محمّد صلی الله علیه وآله واللَّه لوددت أنّ نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام ألا وإنّ في رأسي كلاما لا تنزفه الدلاء ( 2 ) ولا تغيّره نغمة الرياح كالكتاب المعجم في الرقّ المنمنم(2) أهمّ بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل أو ما جاءت به الرسل وإنّه لكلام يكلّ به لسان الناطق ويد الكاتب حتّى لا يجد قلما ويؤتوا بالقرطاس حمما(3) فلا يبلغ إلى فضلك وكذلك يجزي اللَّه المحسنين ولا قوّة إلّا باللَّه - الحسين أعلمنا علما وأثقلنا حلما وأقربنا من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله رحما كان فقيها

ص: 69


1- سورة البقرة : 109 .
2- النزف : النزح ، والنغمة : الصوت ، والمنمنم : المزين .
3- الحمم : الرماد : وهو كناية عن تفسخها .

قبل أن يخلق وقرأ الوحي قبل أن ينطق ولو علم اللَّه في أحد خيرا ما اصطفى محمّدا صلی الله علیه وآله فلمّا اختار اللَّه محمّدا واختار محمّد عليّا واختارك عليّ إماما واخترت الحسين سلّمنا ورضينا من هو بغيره يرضى ومن غيره كنّا نسلم به من مشكلات أمرنا(1) .

وعن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام يذكر فيه كيفيّة دفن الحسن علیه السلام بعد ما ذكر منع عايشة من دفنه عند النبيّ صلی الله علیه وآله وإحتجاج الحسين علیه السلام عليها قال : ثمّ تكلّم محمّد بن الحنفيّة وقال يا عايشة يوما على بغل ويوما على جمل فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم ، قال : فأقبلت عليه فقالت : يا إبن الحنفيّة هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك ؟ فقال لها الحسين علیه السلام : « وأنّى تبعدين محمّدا من الفواطم فو اللَّه لقد ولدته ثلاث فواطم - فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم وفاطمة بنت أسد بن هاشم وفاطمة بنت زائدة بن الأصمّ إبن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر الحديث »(2) .

عن أبي عبيدة وزرارة جميعا عن أبي جعفر علیه السلام قال : لمّا قتل الحسين علیه السلام أرسل محمّد بن الحنفيّة إلى علي بن الحسين علیه السلام فخلا به فقال له يا إبن أخي قد علمت أنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله دفع الوصيّة والإمامة من بعده إلى أمير المؤمنين علیه السلام ثمّ إلى الحسن علیه السلام ثمّ إلى الحسين علیه السلام وقد قتل أبوك رضي اللَّه وصلّى على روحه ولم يوص وأنا عمّك وصنو أبيك وولادتي من عليّ علیه السلام في سنّي وقديمي أحقّ بها منك في حداثتك فلا تنازعني في الوصيّة والإمامة ولا تحاجّني فقال له عليّ بن

ص: 70


1- الكافي : 1/300 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 44/174 ، ح 2 .
2- الكافي : 1/303 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 44/143 ، ح 9 .

الحسين علیه السلام : « يا عمّ اتّق اللَّه ولا تدّع ما ليس لك بحقّ ( إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ )(1) إنّ أبي يا عمّ صلوات اللَّه عليه أوصى إلىّ قبل أن يتوجّه إلى العراق وعهد إلىّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة وهذا سلاح رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عندي فلا تتعرّض لهذا فإنّي أخاف عليك نقص العمر وتشتّت الحال إنّ اللَّه عزّوجلّ جعل الوصيّة والإمامة في عقب الحسين علیه السلام فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتّى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك » قال أبوجعفر علیه السلام وكان الكلام بينهما بمكّة فانطلقا حتّى أتيا الحجر الأسود فقال عليّ بن الحسين علیه السلام لمحمّد بن الحنفيّة : « إبدأ أنت فابتهل إلى اللَّه عزّوجلّ وسله أن ينطق لك الحجر » ثمّ سل فابتهل محمّد في الدعاء وسأل اللَّه ثمّ دعا الحجر فلم يجبه فقال عليّ بن الحسين علیه السلام : « يا عمّ لو كنت وصيّا وإماما لأجابك » قال له محمّد فادع اللَّه أنت يا إبن أخي وسله فدعا اللَّه عليّ بن الحسين علیه السلام بما أراد ثم قال : « أسألك بالّذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأصياء وميثاق الناس أجمعين لمّا أخبرتنا من الوصيّ والإمام بعد الحسين بن عليّ علیه السلام » قال فتحرّك الحجر حتّى كاد أن يزول عن موضعه ثمّ أنطقه اللَّه عزّوجل بلسان عربيّ مبين . فقال : اللهمّ إنّ الوصيّة والإمامة بعد الحسين بن عليّ علیه السلام إلى عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب وإبن فاطمة بنت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . قال فأنصرف محمّد بن عليّ وهو يتولّى عليّ بن الحسين علیه السلام(2) .

ص: 71


1- سورة هود : 46 .
2- الكافي : 1/348 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 46/111 ، ح 2 .

وَ اعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ

قال تعالى : ( إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهَ ُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ )(1) .

حمل محمد ، فشك بين الرماح والنشاب فوقف ، فأتاه علي فضربه بقائم سيفه ، وقال : « أدركك عرق من أمك ، وأخذ الراية وحمل ، وحمل الناس معه ، فما كان القوم إلّا كرماد إ شتدّت به الريح في يوم عاصف »(2) .

روى محمّد بن عبداللَّه عن عمرو بن دينار قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام لإبنه محمّد « خذ الراية وامض » وعليّ علیه السلام خلفه فناداه « يا أبا القاسم » فقال لبّيك يا أبت ، فقال : « يا بنىّ لا يستفزّك(3) ماترى قد حملت الراية وأنا أصغر منك فما استفزّني عدوّي وذلك أنّني لم ألق أحدا إلّا حدّثتني نفسي بقتله فحدّث نفسك بعون اللَّه بظهورك عليهم ولا يخذلك ضعف النفس باليقين فإنّ ذلك أشدّ الخذلان » ، قال : فقلت : يا أبت أرجو أن أكون كما تحبّ إن شاء اللَّه ، قال : « فالزم رايتك فإذا إختلطت الصفوف قف في مكانك وبين أصحابك فإن لم تر أصحابك(4) فسيرونك » قال : واللَّه إنّي لفي وسط أصحابي فصاروا كلّهم خلفي وما بيني وبين القوم أحد يردّهم عنّي وأنا أريد أن أتقدّم في وجوه القوم فما شعرت إلّا بأبي من خلفي قد جرّد سيفه وهو يقول « لا تقدّم حتّى أكون أمامك » فتقدّم علیه السلام بين يدىّ يهرول ومعه طائفة من أصحابه فضربوا الّذين في وجهه حتّى أنهضوهم ولحقتهم بالرّاية فوقفوا وقفة وإختلط الناس وركدت السيوف ساعة فنظرت إلى أبي يفرّج

ص: 72


1- سورة آل عمران : 160 .
2- مروج الذهب : 2/366 .
3- استفزّه الخوف : استخفّه » لسان العرب ج 5 ، ص 391 ( فزز ) .
4- ط + فاعلم أنّهم .

الناس يمينا وشمالا ويسوقهم أمامه فأردت أن أجول فكرهت خلافه ووصيّته لي : « لا تفارق الراية حتّى إنتهى إلى الجمل وحوله أربعة آلاف مقاتل من بني ضبّة والأزد وتميم وغيرهم وصاح « اقطعوا البطان » فأسرع محمّد بن أبي بكر ؛ فقطعه واطّلع على الهودج »(1) .

قال إبن جريج : لمّا ردّ علي علیه السلام الراية إلى إبنه محمّد قال له : « أحسن حملها وتوسّط أصحابك ولا تخفض عاليها وإجعلها مستشرفة يراها أصحابك » ففعلت ما قال لي فقال عمّار بن ياسر « يا أبا القاسم ما أحسن ما حملت الراية اليوم » فقال له أمير المؤمنين علیه السلام : « بعد ما ذا ؟ ! » فقال عمّار : ما العلم إلّا بالتّعلّم(2) .

عن المدائني والواقدي : زحف علي علیه السلام نحو الجمل بنفسه ودفع الراية إلى محمّد وقال أقدم بها حتّى تركزها في عين الجمل ولا تقفن دونه فتقدّم محمّد فرشقته السهام فأنفذ إليه علي علیه السلام إليه يستحثه ويأمره بالمناجزة فلمّا أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن وقال له « أقدم لا أم لك » فكان محمّد إذا ذكر ذلك يبكي ويقول لكأني أجد ريح نفسه في قفاي واللَّه لا أنسى أبدا فتناول الراية منه بيده اليسرى وذو الفقار مشهور في يمني يديه ثمّ حمل فغاص في عسكر الجمل ثمّ رجع وقد إنحني سيفه فأقامه بركبته فقال له أصحابه وبنوه والأشتر وعمّار نحن نكفيك يا أمير المؤمنين فلم يجب أحدا منهم ولا ردّ إليهم بصره وظلّ ينحطّ(3) ويزأر زئير الأسد حتّى فرق(4) من حوله وتبادروه وإنّه

ص: 73


1- الجمل والنصرة : 368 .
2- الجمل والنصرة : 361 .
3- ينحط : يزفر .
4- فرق ، من باب تعب ؛ أي خاف .

لطامح ببصره نحو عسكر البصرة لا يبصر من حوله ولا يرد حوارا ثمّ دفع الراية إلى إبنه محمّد ثمّ حمل حملة ثانية وحده فدخل وسطهم فضربهم بالسّيف قدما قدما والرجال تفرّ من بين يديه وتنحاز عنه يمنة ويسرة حتّى خضب الأرض بدماء القتلى ثمّ رجع وقد انحني سيفه فأقامه بركبته فاعصوصب(1) به أصحابه وناشدوه اللَّه في نفسه وفي الإسلام وقالوا : إنّك إن تصب يذهب الدين فقال علیه السلام :

« واللَّه ما أريد بما ترون إلّا وجه اللَّه والدار الآخرة » ثمّ قال لمحمّد ابنه هكذا تصنع يا ابن الحنفية فقال الناس من الّذي يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين علیه السلام(2) .

وروى الواقدي عن ابن الحنفية قال : فالتقينا وأبي ( خلفي ) بين كتفي يقول : « يا بنيّ تقدّم ! » فقلت : « ما أجد متقدّما إلّا على الأسنّة »(3) ، فغضب أبي علیه السلام وقال : « أقول لك تقدّم فتقول على الأسنّة ثق - باللَّه - يا بنيّ وتقدّم بين يديّ على الأسنّة » وتناول الراية منّي وتقدّم يهرول بها فأخذتني حدّة فلحقته وقلت أعطني الراية فقال لي : « خذها » وقد عرفت ما وصف لي ، ثمّ تقدّم بين يديّ وجرّد سيفه وجعل يضرب به . . . فرمقت لصوت ( لضرب ) أبي ولحظته فإذا هو يورد السيف ويصدره ولا أرى فيه دما وإذا هو يسرع إصداره فيسبق الدم - إلى أن قال - فصاح أبي علیه السلام « يا إبن أبي بكر اقطع البطان »(4) فقطعه وألقى ( تلقوا ) الهودج فكأنّ واللَّه

ص: 74


1- إعصوصبوا به : إستجمعوا والتفوا حوله .
2- شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : 1/257 .
3- السنان : نصل الرمح . والجمع : أسنّة » القاموس ص 559 ( سنن ) .
4- البطان : حزام الرحل والقتب ، وقيل : هو للبعير كالحزام للدابة » لسان العرب ج 13 ص 56 ( بطن ) .

الحرب جمرة صبّ عليها الماء(1) .

قصّة الجمل إجمالا بما يناسب المقام

من كتاب « جمل أنساب الأشراف » أنّه زحف عليّ بالنّاس غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادي الآخرة سنة ستّ وثلاثين وعلى ميمنته الأشتر وسعيد بن قيس وعلى ميسرته عمّار وشريح بن هاني وعلى القلب محمّغد بن أبي بكر وعديّ بن حاتم وعلى الجناح زياد بن كعب وحجر بن عديّ وعلى الكمين عمرو بن الحمق وجندب بن زهير وعلى الرجّالة أبو قتادة الأنصاريّ وأعطى رايته محمّد بن الحنفيّة ثمّ أوقفهم من صلاة الغداء إلى صلاة الظهر يدعوهم ويناشدهم ويقول لعايشة إنّ اللَّه أمرك أن تقرّى في بيتك فاتّقي اللَّه وإرجعي ويقول لطلحة والزبير خبأتما نساءكما وأبرزتما زوجة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وإ ستفززتماها(2) فيقولان إنّما جئنا للطلب بدم عثمان وأن يردّ الأمر شورى وألبست عايشة درعا وضربت على هودجها صفائح الحديد وألبس الهودج درعا وكان الهودج لواء أهل البصرة وهو على جمل يدعى عسكرا(3) .

إبن مردويه في كتاب الفضائل من ثمانية طرق أنّ أمير المؤمنين علیه السلام قال للزبير : « أ ما تذكر يوما كنت مقبلا بالمدينة تحدّثني إذ خرج رسول اللَّه فرآك معي وأنت تبسّم إلىّ فقال لك يا زبير أ تحبّ عليّا فقلت وكيف لا أحبّه وبيني وبينه من

ص: 75


1- الجمل والنصرة : 360 .
2- استفزه : استخفه وأخرجه من داره .
3- مناقب آل أبي طالب : 3/153 ؛ بحار الأنوار 32/172 ، ح 132 .

النسب باللَّه المودّة في اللَّه ما ليس لغيره ، فقال : إنّك ستقاتله وأنت ظالم عليه فقلت أعوذ باللَّه من ذلك » ، وقد تظاهرت الروايات أنّه قال علیه السلام إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله قال لك : « يا زبير تقاتله ظلما وضرب كتفك » ، قال اللهمّ نعم قال : « أ فجئت تقاتلني » ، فقال أعوذ باللَّه من ذلك ، ثمّ قال أمير المؤمنين علیه السلام : « دع هذا بايعتني طائعا ثمّ جئت محاربا فما عدا ممّا بدا » ، فقال : لا جرم واللَّه لا قاتلتك(1) .

حلية الأولياء قال عبد الرحمن بن أبي ليلي فلقيه عبداللَّه إبنه فقال : جبنا جبنا ، فقال : يا بنىّ قد علم الناس أنّي لست بجبان ولكنّي ذكّرني عليّ شيئا سمعته من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فحلفت أن لا أقاتله فقال دونك غلامك فلان أعتقه كفّارة ليمينك(2) .

نزهة الأبصار عن إبن مهدي أنّه قال همام الثقفي :

أ يعتق مكحولا(3) ويعصي نبيه * لقد تاه عن قصد الهدى ثمة عوق

لشتان ما بين الضلالة والهدى * وشتان من يعصي الإله ويعتق

وفي رواية قالت عايشة لا واللَّه بل خفت سيوف إبن أبي طالب أما إنّها طوال حداد تحملها سواعد أنجاد ولئن خفتها فلقد خافها الرجال من قبلك فرجع إلى القتال فقيل لأمير المؤمنين علیه السلام إنّه قد رجع فقال : دعوه فإنّ الشيخ محمول عليه ثمّ قال : « أيّها الناس غضّوا أبصاركم وعضّوا على نواجذكم وأكثروا من ذكر ربّكم وإيّاكم وكثرة الكلام فإنّه فشل ونظرت عايشة إليه هو يجول بين الصفّين » فقالت :

ص: 76


1- مناقب : 3/154 ؛ بحار الأنوار : 32/173 ، ح 132 .
2- نفس المصدر فيهما .
3- إسم غلام الزبير.

أنظروا إليه كأنّ فعله فعل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يوم بدر أما واللَّه ما ينتظر بك إلّا زوال الشمس فقال عليّ علیه السلام : « يا عايشة ، ( عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ )(1) » ، فجدّ الناس في القتال فنهاهم أمير المؤمنين علیه السلام وقال : « اللهمّ إنّي أعذرت وأنذرت فكن لى عليهم من الشاهدين » ثمّ أخذ المصحف وطلب من يقرأ عليهم : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا )(2) الآية ، فقال مسلم المجاشعيّ : ها أنا ذا فخوفّه بقطع يمينه وشماله وقتله . فقال لا عليك يا أمير المؤمنين علیه السلام فهذا قليل في ذات اللَّه فأخذه ودعاهم إلى اللَّه فقطعت يده اليمنى فأخذه بيده اليسرى فقطعت فأخذه بأسنانه فقتل فقالت أمّه :

يا ربّ إنّ مسلما أتاهم * بمحكم التنزيل إذ دعاهم

يتلو كتاب اللَّه لا يخشاهم * فزمّلوه زمّلت لحاهم(3)

فقال علیه السلام : « ألآن طاب الضراب » وقال لمحمّد بن الحنفيّة والراية في يده « يا بنىّ تزول الجبال ولا تزل عضّ ناجذك أعر اللَّه جمجمتك تد في الأرض قدميك إرم ببصرك أقصى القوم وغضّ بصرك واعلم أنّ النصر من اللَّه » ثمّ صبر سويعة فصاح الناس من كلّ جانب من وقع النبال فقال علیه السلام : « تقدّم يا بنىّ » فتقدّم وطعن طعنا منكرا وقال علیه السلام :

أطعن بها طعن أبيك تحمد * لا خير في حرب إذا لم توقد

ص: 77


1- سورة المؤمنون : 40 .
2- سورة الحجرات : 9 .
3- جمع لحية .

بالمشرفيّ(1) والقنا المسدّد * والضرب بالخطّيّ(2) والمهنّد

فأمر الأشتر أن يحمل فحمل وقتل هلال بن وكيع صاحب ميمنة الجمل وكان زيد يرتجز ويقول ديني ديني وبيعي بيعي وجعل مخنف بن مسلم يقول :

قد عشت يا نفس وقد غنيت * دهرا وقبل اليوم ما عييت

وبعد ذا لا شكّ قد فنيت * أ ما مللت طول ما حييت

فخرج عبداللَّه بن اليثربيّ قائلا : * يا ربّ إنّي طالب أبا الحسن

ذاك الّذي يعرف حقّا بالفتن * فبرز إليه عليّ علیه السلام قائلا :

إن كنت تبغي أن ترى أبا الحسن * فاليوم تلقاه ملبّا فاعلمن

وضربه ضربة مجرفة(3) فخرج بنو ضبّة وجعل يقول بعضهم :

نحن بنو ضبّة أعداء علي * ذاك الّذي يعرف فيهم بالوصيّ

وكان عمرو بن اليثربيّ يقول :

إن تنكروني فأنا إبن اليثربي * قاتل عليّا يوم هند الجمل

ثمّ إبن صوحان على دين عليّ

فبرز إليه عمّار قائلا :

لا تبرح العرصة يا إن اليثربي * إثبت أقاتلك على دين علي

ص: 78


1- المشرفية سيوف نسبت إلى مشارف وهي قرى من أرض العرب تدنو من الريف ذكره الجوهري وقال المهند السيف المطبوع من حديد الهند ، بحار الأنوار .
2- والخط موضع باليمامة تنسب إليه الرماح الخطية لأنّها تحمل من بلاد الهند فتقوم به ، بحار الانوار .
3- جرفه جرفا وجرفة ذهبت به كله ، ق

وأرداه عن فرسه وجرّ برجله إلى عليّ علیه السلام فقتله بيده فخرج أخوه قائلا :

أضربكم ولو أرى عليّا * عمّمته أبيض مشرفيّا

وأسمر عنطنطا(1) خطّيّا * أبكي عليه الولد والوليّا

فخرج عليّ متنكّرا وهو يقول :

يا طالبا في حربه عليّا * يمنعه أبيض مشرفيّا

اثبت ستلقاه بها مليّا * مهذّبا سميدعا كميّا(2)

فضربه فرمى نصف رأسه فناداه عبداللَّه بن خلف الخزاعيّ صاحب منزل عايشة بالبصرة أ تبارزني ؟ فقال علیه السلام : ما أكره ذلك ولكن ويحك يا إبن خلف ما راحتك في القتل وقد علمت من أنا فقال : ذرني من بذخك(3) يا إبن أبي طالب ثمّ قال :

إن تدن منّي يا عليّ فترا * فإنّني دان إليك شبرا

بصارم يسقيك كأسا مرّا * ها إنّ في صدري عليك وترا(4)

فبرز إليه عليّ علیه السلام قائلا :

يا ذا الّذي يطلب منّي الوترا * إن كنت تبغي أن تزور القبرا

حقّا وتصلي بعد ذاك جمرا * فادن تجدني أسدا هزبرا

ص: 79


1- الأسمر : الرمح . وعنطنط : الطويل .
2- السميدع بالفتح السيد الموطوء الأكتاف والكمي الشجاع المتكمي في سلاحه ، ق . السميدع : السيّد الشريف السخى والشجاع . مناقب .
3- البذخ : التكبّر .
4- الوتر : الإنتقام .

أصعطك اليوم ذعافا صبرا(1)

فضربه فطيّر جمجمته فخرج مازن الضبّيّ قائلا :

لا تطعموا في جمعنا المكلّل * الموت دون الجمل المجلّل

فبرز إليه عبداللَّه بن نهشل قائلا :

إن تنكروني فأنا إبن نهشل * فارس هيجاء وخطب فيصل

فقتله وكان طلحة يحثّ الناس ويقول عباداللَّه الصبر الصبر في كلام له ، وعن البلاذري(2) أن مروان بن الحكم قال واللَّه ما أطلب ثاري بعثمان بعد اليوم أبدا فرمى طلحة بسهم فأصاب ركبته والتفت إلى أبان بن عثمان وقال لقد كفيتك أحد قتلة أبيك . معارف القتيبي أن مروان قتل طلحة يوم الجمل بسهم فأصاب ساقه .

الحميري :

واختل من طلحة المزهو حبته * سهم بكف قديم الكفر غدار

في كفّ مروان مروان اللعين أرى * رهط الملكوك ملوكا غير أخيار

وله :

واغتر طلحة عند مختلف القنا * عبد الذراع شديد أصل المنكب

فاختل حبة قلبه بمدلق * ريان من دم جوفه المتصبب

في مارقين من الجماعة فارقوا * باب الهدى وجبا الربيع المخضب

وحمل أمير المؤمنين علیه السلام في بني ضبّة فما رأيتهم إلّا كرماد اشتدّت به الريح في يوم عاصف فانصرف الزبير فتبعه عمرو بن جرموز وجزّ رأسه وأتى به إلى أمير

ص: 80


1- اصعطه : ادخله في انفه . والذعاف : السم الذي يقتل من ساعته .
2- أنساب الأشراف : 2/245 ، ش 303 .

المؤمنين علیه السلام القصّة(1) .

فقالوا : يا عايشة قتل طلحة والزبير وجرح عبداللَّه بن عامر من يدي عليّ فصالحي عليّا فقالت كبر عمرو عن الطوق(2) وجلّ أمر عن العتاب ثمّ تقدّمت فحزن عليّ علیه السلام وقال : ( إِنَّا للَّهِ َِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) فجعل يخرج واحد بعد واحد ويأخذ الزمام حتّى قتل جقطع ج ثمان وتسعون رجلا ثمّ تقدّمهم كعب بن سور الأزديّ وهو يقول :

يا معشر الناس عليكم أمّكم * فإنّها صلاتكم وصومكم

والحرمة العظمى الّتي تعمّكم * لا تفضحوا اليوم فداكم قومكم

فقتله الأشتر فخرج إبن جفير الأزديّ يقول :

قد وقع الأمر بما لم يحذر * والنبل يأخذن وراء العسكر

وأمّنا في خدرها المشمّر

فبرز إليه الأشتر قائلا :

إ سمع ولا تعجل جواب الأشتر * واقرب تلاق كأس موت أحمر

ينسيك ذكر الجمل المشمّر

فقتله ثمّ قتل عمر الغنويّ وعبداللَّه بن عتّاب بن أسيد ثمّ جال في الميدان جولا وهو يقول :

نحن بنو الموت به غذّينا

ص: 81


1- مناقب آل ابي طالب : 3/154 ؛ بحار الأنوار : 32/173 ، ح 132 .
2- كبر عمرو عن الطوق : أي لم يبق للصلح مجال . وهذه العبارة من الأمثال وعمرو هذا هو عمرو بن عدي وقصّته بتفصيلها مذكورة في القاموس في مادّة ( طوق ) ومن شاء الإطّلاع عليه فليراجع .

فخرج إليه عبداللَّه بن الزبير فطعنه الأشتر وأرداه وجلس على صدره ليقتله فصاح عبداللَّه أقتلوني ومالكا واقتلوا مالكا معي فقصد إليه من كلّ جانب فخلّاه وركب فرسه فلمّا رأوه راكبا تفرّقوا عنه وشدّ رجل من الأزد على محمّد بن الحنفيّة وهو يقول : يا معشر الأزد كرّوا فضربه إبن الحنفيّة فقطع يده فقال : يا معشر الأزد فرّوا ،

فخرج الأسود بن البختريّ السلميّ قائلا :

إرحم إلهي الكلّ من سليم * وانظر إليه نظرة الرحيم

فقتله عمرو بن الحمق فخرج جابر الأزديّ قائلا :

يا ليت أهلي من عمّار حاضري * من سادة الأزد وكانوا ناصري

فقتله محمّد بن أبي بكر وخرج عوف القينيّ قائلا :

يا أمّ يا أمّ خلا منّي الوطن * لا أبتغي القبر ولا أبغي الكفن -

فقتله محمّد بن الحنفيّة ، فخرج بشر الضبيّ قائلا :

ضبّة أبدي للعراق عمعمة * وأضرمي الحرب العوان المضرمة(1)

فقتله عمّار وكانت عايشة تنادي بأرفع صوت أيّها الناس عليكم بالصّبر فإنّما يصبر الأحرار فأجابها كوفيّ :

يا أمّ يا أمّ عققت فاعلموا * والأمّ تغذوا ولدها وترحم

أ ما ترى كم من شجاع يكلم * وتجتلي هامته والمعصم

وقال آخر :

قلت لها وهي على مهوات * إنّ لنا سواك أمّهات

ص: 82


1- عمعم الرجل : كثر جيشه . والحرب العوان : أشد الحروب .

في مسجد الرسول ثاويات

فقال الحجّاج بن عمر الأنصاري :

يا معشر الأنصار قد جاء الأجل * إنّي أرى الموت عيانا قد نزل

فبادروه نحو أصحاب الجمل * ما كان في الأنصار جبن وفشل

فكلّ شي ء ما خلا اللَّه جلل(1)

وقال خزيمة بن ثابت :

لم يغضبوا للَّه إلّا للجمل * والموت خير من مقام في خمل

والموت أحرى من فرار وفشل * والقول لا ينفع إلّا بالعمل

وقال شريح بن هاني :

لا عيش إلّا ضرب أصحاب الجمل - * ما إن لنا بعد عليّ من بدل -

وقال هاني بن عروة المذحجي

يا لك حربا جثّها جمالها * قائدة ينقصها ضلالها

هذا عليّ حوله أقيالها(2)

وقال سعيد بن قيس الهمداني :

قل للوصيّ اجتمعت قحطانها * إن يك حرب أضرمت نيرانها

وقال عمّار :

إنّي لعمّار وشيخي ياسر * صاح كلانا مؤمن مهاجر

طلحة فيها والزبير غادر * والحقّ في كفّ عليّ ظاهر

ص: 83


1- الجلل : الحقير .
2- الأقيال جمع القيل بالفتح : الرئيس .

وقال الأشتر :

هذا عليّ في الدجى مصباح * نحن بذا في فضله فصاح

وقال عديّ بن حاتم :

أنا عديّ ونماني حاتم * هذا عليّ بالكتاب عالم

لم يعصه في الناس إلّا ظالم

وقال عمرو بن الحمق :

هذا عليّ قائد نرضى به * أخو رسول اللَّه في أصحابه

من عوده النامي ومن نصابه

وقال رفاعة بن شدّاد البجلي :

إنّ الّذين قطعوا الوسيلة * ونازعوا على عليّ الفضيلة

في حربه كالنّعجة الأكيلة

وشكّت السهام الهودج حتّى كأنّه جناح نسر أو شوك قنفذ فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « ما أراه يقاتلكم غير هذا الهودج إعقروا الجمل » . وفي رواية أخرى عرقبوه ، فإنّه شيطان ، وقال لمحمّد بن أبي بكر : « أنظر إذا عرقب الجمل فأدرك أختك فوارها فعرقب رِجْل منه فدخل تحته رجل ضبّيّ » ثمّ عرقب جرجل ج أخرى جمنه ج عبد الرحمن فوقع على جنبه فقطع عمّار نسعهُ فأتاه عليّ ودقّ رمحه على الهودج وقال : يا عايشة أ هكذا أمرك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أن تفعلي ؟ فقالت : يا أبا الحسن ظفرت فأحسن وملكت فأسجع(1) ، فقال عليّ لمحمّد بن أبي بكر : « شأنك وأختك فلا يدنو أحد منها سواك » ، فقال محمّد : فقلت لها : ما فعلت

ص: 84


1- ملكت فاسجع : أي قدرت فسهل وأحسن العفو . النهاية : 2/342 ، سجع .

بنفسك عصيت ربّك وهتكت سترك ثمّ أبحت حرمتك وتعرّضت للقتل فذهب بها إلى دار عبداللَّه بن خلف الخزاعيّ فقالت : أقسمت عليك أن تطلب عبداللَّه بن الزبيرجريحا كان أو قتيلا .

فقال : إنّه كان هدفا للأشتر فانصرف محمّد إلى العسكر فوجده ، فقال : إجلس يا ميشوم جمشئوم ج أهل بيته ، فأتاها به فصاحت وبكت ثمّ قالت : يا أخي إ ستأمن له من عليّ علیه السلام ، فأتى محمّد أمير المؤمنين علیه السلام فاستأمن له منه فقال علیه السلام : « أمنته وأمنت جميع الناس » . وكانت وقعة الجمل بالخريبة ووقع القتال بعد الظهر وانقضى عند المساء فكان مع أمير المؤمنين علیه السلام عشرون ألف رجل منهم البدريّون ثمانون رجلا وممّن بايع تحت الشجرة مائتان وخمسون ومن الصحابة ألف وخمسمائة رجل ، وكانت عايشة في ثلاثين ألف جألفاج أو يزيدون منها المكّيّون ستّ مائة رجل ، قال قتادة : قتل يوم الجمل عشرون ألفا وقال الكلبيّ : قتل من أصحاب عليّ علیه السلام ألف راجل وسبعون فارسا ، منهم زيد بن صوحان وهند الجمليّ وأبو عبداللَّه العبديّ وعبداللَّه بن رقيّة . وقال أبو مخنف والكلبيّ : قتل من أصحاب الجمل من الازد خاصّة أربعة آلاف رجل ، و من بني عديّ ومواليهم تسعون رجلا ، ومن بني بكر بن وائل ثمانمائة رجل ، ومن بني حنظلة تسعمائة رجل ، ومن بني ناجية أربعمائة رجل ، والباقي من أخلاط الناس إلى تمام تسعة آلاف إلّا تسعين رجلا والقرشيّون منهم طلحة والزبير وعبداللَّه بن عتّاب بن أسيد وعبداللَّه بن حكيم بن حزام وعبداللَّه بن شافع بن طلحة ومحمّد بن طلحة وعبداللَّه بن أبي بن خلف الجمحيّ وعبد الرحمن بن معدّ وعبداللَّه بن معدّ . وعرقب الجمل أوّلا أمير المؤمنين علیه السلام ، ويقال المسلم بن عدنان ، ويقال رجل من الأنصار ، ويقال رجل

ص: 85

ذهليّ ، وقيل لعبد الرحمن بن صرد التنوخيّ لم عرقبت الجمل ؟ فقال :

عقرت ولم أعقر بها لهوانها * عليّ ولكنّي رأيت المهالكا

إلى قوله :

فيا ليتني عرقبته قبل ذلكا(1)

ص: 86


1- المناقب : 3/158 ؛ بحار الأنوار : 32/178 ، ح 132 .

بسم الله الرحمن الرحیم

12 - ومن كلام له علیه السلام لمّا أظفره اللَّه بأصحاب الجمل ، وقد قال له بعض أصحابه :

اشارة

وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلاناً كَانَ شَاهِدَنَا - لِيَرَى مَا نَصَرَكَ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِكَ - فَقَالَ لَهُ علیه السلام : أَ هَوَى أَخِيكَ مَعَنَا ؟ فَقَالَ نَعَمْ - قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا - وَ لَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هَذَا أَقْوَامٌ فِي أَصْلابِ الرِّجَالِ - وَ أَرْحَامِ النِّسَاءِ - سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ وَ يَقْوَى بِهِمُ الإِيمَانُ .

وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلاناً كَانَ شَاهِدَنَا . . .

روي نظيره عنه علیه السلام في أهل النهروان لمّا أظفره اللَّه بهم : عن محمّد بن الحسن بن شمّون البصريّ عن عبداللَّه بن عمرو بن الأشعث عن عبداللَّه بن حمّاد الأنصاري عن الصباّح بن يحيى المزنّي عن الحارث بن حصيرة عن الحكم بن عيينة قال : لمّا قتل أمير المؤمنين علیه السلام الخوارج يوم النهروان قام إليه رجل - وذكر حبّه شهود رجال لم يشهدوا - فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لقد شهدنا في هذا الموقف أناس لم يخلق اللَّه آباءهم ولا أجدادهم بعد » ، فقال الرجل : وكيف شهدنا قوم لم يخلقوا ؟ قال : « بلى قوم يكونون في آخر الزمان يشركوننا فيما نحن فيه وهم يسلّمون لنا فأولئك شركاؤنا فيما كنّا فيه حقّا حقّا »(1) .

ص: 87


1- المحاسن : 1/261/322 ؛ بحار الأنوار 52/131 ، ح 32 .

لمّا اظفره اللَّه بأصحاب الجمل

عن أبي بصير قال قال أبو عبداللَّه علیه السلام « لمّا التقى أمير المؤمنين علیه السلام وأهل البصرة نشر الراية راية رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فزلزلت أقدامهم فما اصفرّت الشمس حتّى قالوا آمنّا يا ابن أبي طالب فعند ذلك قال لا تقتلوا الأسرى ولا تجهزوا الجرحى ولا تتبعوا مولّيا ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ولمّا كان يوم صفّين سألوه نشر الراية فأبى عليهم فتحمّلوا عليه بالحسن والحسين 8 وعمّار بن ياسر 2 فقال للحسن يا بنىّ إنّ للقوم مدّة يبلغونها وإنّ هذه راية لا ينشرها بعدي إلاّ القائم علیه السلام »(1) .

عن سعيد عن قتادة قال : قتل يوم الجمل مع عايشة عشرون ألفا منهم ثمانمائة من بني ضبة ، وقتل من أصحاب عليّ علیه السلام خمسمائة رجل لم يعرف إلّا علباء بن الهيثم(2) وهند الجملي(3) .

وكانت الوقعة في الموضع المعروف بالخريبة ، وذلك يوم الخميس لعشر خلون من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين(4) .

وكانت الحرب أربع ساعات من النهار ، فروى بعضهم أنّه قتل في ذلك اليوم نيف وثلاثون ألفا . ثمّ نادى منادي علي علیه السلام : ألا لا يجهز على جريح - الخ -(5) .

وروي الواقدي عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال : كنت أنا وألأسود

ص: 88


1- الغيبة ( للنعماني ) : 307 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 32/210 ، ح 165 .
2- عمار بن الحرث السدوسي ( بهج الصباغة : 10/166 ) .
3- العقد الفريد : 5/74 .
4- مروج الذهب : 2/368 .
5- تاريخ اليعقوبي : 2/183 .

بن أبي البختري وعبداللَّه بن الزبير(1) قد تواعدنا وتعاهدنا بالبصرة لئن لقينا القوم لنموتنّ أو لنقتلنّ عليّا - إلى أن قال - فأنظر إلى علي قد انتهى إلى الجمل وسيفه يرعف دما وهو واضعه على عاتقه وهو يصبح بمحمّد بن أبي بكر « اقطع البطان » فكانت الهزيمة(2) .

وَ قَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ - وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي ...

وَ قَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ - وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلاناً كَانَ شَاهِدَنَا - لِيَرَى مَا نَصَرَكَ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِكَ - فَقَالَ لَهُ علیه السلام : أَ هَوَى أَخِيكَ مَعَنَا فَقَالَ نَعَمْ - قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا

أنّه علیه السلام قال بعد ظفره بأهل النهروان : « ولقد شهدنا اُناس باليمن » ، قالوا : كيف فقال علیه السلام : « هواهم معنا »(3) .

قال حبة العرني : قسم علي علیه السلام بيت مال البصرة على أصحابه خمسمائة خمسمائة وأخذ خمسمائة درهم كواحد منهم فجاءه إنسان لم يحضر الوقعة فقال يا أمير المؤمنين كنت شاهدا معك بقلبي وإن غاب عنك جسمي فأعطني من الفى ء شيئا فدفع إليه الّذي أخذه لنفسه(4) .

ورواه المروج هكذا : دخل علي بيت مال البصرة في جماعة من المهاجرين والأنصار ، فنظر إلى ما فيه من العين والورق فجعل يقول : « يا صفراء ، غرّى غيري ويا بيضاء غرّى غيري » ، وأدام النظر إلى المال مفكرا ، ثمّ قال : « إقسموه بين

ص: 89


1- والزبير ( بهج الصباغة : 10/166 ) .
2- الجمل والنصرة : 375 .
3- بهج الصباغة : 10/167 ؛ خصائص أميرالمؤمنين ( للنسائي ) : 144 .
4- شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : 1/250 .

أصحابي ومن معي خسمائة خمسمائة » ، ففعلوا ، فما نقص درهم واحد ، وعدد الرجال اثنا عشرا ألفا ، وقبض ما كان في معسكرهم من سلاح ودابّة ومتاع وآلة وغير ذلك فباعه وقسمه بين أصحابه ، وأخذ لنفسه كما أخذ لكلّ واحد ممّن معه من أصحابه وأهله وولده خمسمائة درهم ، فأتاه رجل من أصحابه فقال : يا أمير المؤمنين إنّي لم آخذ شيئا ، وخلّفني عن الحضور كذا ، وأدلّي بعذر ، فأعطاه الخمسمائة الّتي كانت له(1) .

قال غندر : حدّثنا شعبة بن عمرو بن مرّة قال : سمعت عبداللَّه بن سلمة - وكان مع عليّ علیه السلام يوم الجمل - والحرث بن سويد - وكان مع طلحة والزبير - وتذاكرا وقعة الجمل ، فقال الحرث : واللَّه ما رأيت مثل يوم الجمل ، لقد أشرعوا رماحهم في صدورنا ، ولو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت ، فو اللَّه لوددت أنّي لم أشهد ذلك اليوم ، وإنّي أعمى مقطوع اليدين والرجلين . فقال عبداللَّه بن سلمة : واللَّه ما يسّرني أنّي غبت عن ذلك اليوم ولا عن مشهد شهده عليّ علیه السلام بحمر النعم(2) .

وفي كتابه علیه السلام إلى أهل مصر وإلى محمّد بن أبي بكر : « إنّ اللَّه عزّوجلّ يعطي العبد على جقدرج نيّته ، وإذا أحبّ الخير وأهله ولم يعمله كان إن شاء اللَّه كمن عمله ، فإنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال حين رجع من تبوك : لقد كان بالمدينة أقوام ما سرتم من مسير ولا هبطتم من واد إلّا كانوا معكم ، ما حبسهم إلّا المرض يقول : كانت لهم نيّة »(3) .

ص: 90


1- مروج الذهب : 2/371 .
2- العقد الفريد : 5/75 .
3- الغارات : 1/299 ؛ بحار الأنوار : 33/542 .

قال معاوية لزرقاء الهمدانية - بعد أن كتب إلى عامله بإيفادها وذكره لها حضّها في صفّين عليه وخطبها في ذلك - : واللَّه يا زرقاء لقد شركت عليّا في كل دم سفكه . فقالت : أحسن اللَّه بشارتك مثلك من بشر بخير وسر جليسه . فقال لها معاوية : وقد سرّك ذلك ؟ قالت : نعم واللَّه لقد سرّني قولك ، فأنّى بتصديق الفعل . فقال لها معاوية : واللَّه لوفاؤكم لعليّ بعد موته أعجب إليّ من حبّكم له في حياته(1) .

قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من شهد أمرا فكرهه كان كمن غاب عنه ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده »(2) .

عن عبد السلام بن صالح الهرويّ قال قلت لإبي الحسن عليّ بن موسى الرضا علیه السلام : يا ابن رسول اللَّه ما تقول في حديث روى عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « إذا خرج القائم قتل ذراريّ قتلة الحسين علیه السلام بفعال آبائها » ، فقال علیه السلام : « هو كذلك » ، فقلت : فقول اللَّه عزّوجلّ ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )(3) ما معناه ؟ فقال : « صدق اللَّه في جميع أقواله لكنّ ذراريّ قتلة الحسين يرضون أفعال آبائهم ويفتخرون بها ومن رضى شيئا كان كمن أتاه ولو أنّ رجلا قتل في المشرق فرضى بقتله رجل في المعرب لكان الراضي عنداللَّه شريك القاتل وإنّما يقتلهم القائم إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم »(4) .

ص: 91


1- التذكرة الحمدونية : 5/186 ، ش 533 ؛ بلاغات النساء : 52 .
2- تحف العقول : 456 ؛ بحار الأنوار : 97/81 ، ح 38 .
3- سورة الأنعام : 164 .
4- علل الشرايع : 1/229 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 45/295 ، ح 1 .

وَ لَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هَذَا أَقْوَامٌ فِي أَصْلابِ الرِّجَالِ - وَ أَرْحَامِ النِّسَاءِ - سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ وَ يَقْوَى بِهِمُ الإِيمَانُ

منهم السيّد الحميري حيث يقول :

إنّي أدين بما دان الوصيّ به * وشاركت كفّه كفى بصفينا

في سفك ما سفكت منها إذا احتضروا * وأبرز اللَّه للقسط الموازينا

تلك الدماء معا يا ربّ في عنقي * ثمّ اسقني مثلها آمين آمينا(1)

وأيضا في العقد : هو رأس الشيعة وكانت الشيعة من تعظيمها له تلقى له وسادا بمسجد الكوفة(2) فينشدهم .

وقال بعض الشيعة :

إنّي أدين بحبّ آل محمّد * وبني الوصيّ شهودهم والغيب

وأنا البرى ء من الزبير وطلحة * ومن الّتي نبحت كلام الحوأب(3)

سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ وَ يَقْوَى بِهِمُ الإِيمَانُ

اشارة

قال سبط الجوزي : أنشدنا أبو عبد اللَّه محمّد بن عبد اللَّه البندنيجي البغدادي ، قال : أنشدنا بعض مشايخنا أنّ إبن الهبارية الشاعر اجتاز بكربلاء فجعل يبكي على الحسين علیه السلام وقال :

أ حسين والمبعوث جدّك بالهدى * قسما يكون الحقّ عند مسائلي

ص: 92


1- العقد الفريد : 3/239 ( دار الكتاب العلمية - بيروت ) .
2- العقد الفريد : 5/91 ( دار الكتاب العلمية - بيروت ) .
3- العقد الفريد : 5/79 ( دار الكتاب العلمية - بيروت ) .

لو كنت شاهد كربلا لبذلت في * تنفّس كربك جهد بذل الباذل

وسقيت حد السيف من أعدائكم * عللا وحدّ السمهري الذابل

لكنّني أخّرت عنك لشقوتي * فبلا بلى بين الغرى وبابل

هبني حرمت النصر من أعدائكم * فأقلّ من حزن ودمع سائل

ثمّ نام في مكانه فرأى النبيّ صلی الله علیه وآله في المنام فقال له : « يا فلان جزاك اللَّه عنّي خيرا ، أبشر فإن اللَّه قد كتبك ممّن جاهد بين يدي الحسين »(1) .

كان بالمدينة رجل ناصبيّ ثمّ تشيّع بعد ذلك فسئل عن الّسبب في ذلك فقال رأيت في منامي عليّا علیه السلام يقول لي : « لو حضرت صفّين مع من كنت تقاتل » ، فأطرقت أفكّر فقال علیه السلام : « يا خسيس هذه مسألة تحتاج إلى هذا الفكر العظيم أعطوا قفاه » ، فصفعت(2) حتّى إنتبهت وقد ورم قفاى فرجعت عمّا كنت عليه(3) .

عن أبي هريرة قال النبيّ صلی الله علیه وآله : « ليرعفنّ جبّار من جبابرة بني أميّة على منبري هذا فرئى عمرو بن سعيد بن العاص سال رعافه »(4) .

ولّي يزيد عثمان بن محمّد بن أبي سفيان الثقفي على المدينة ومكّة وعلى الموسم ، فلمّا استوى على المنبر رعف فقال رجل مستقبله : جئت واللَّه بالدّم ، فتلقاه رجل آخر بعمامته فقال : مه واللَّه عم الناس ، ثمّ قام يخطب فتناول عصا لها شعبتان - فقال : مه شعب واللَّه أمر الناس(5) .

ص: 93


1- تذكرة الخواص : 2/227 ؛ بحار الأنوار : 45/256 مع تعليقته .
2- صفعه : ضرب قفاه بجميع كفّه .
3- مناقب : 2/344 ؛ بحار الأنوار : 42/7 ، ح علیه السلام .
4- مناقب : 1/110 ؛ بحار الأنوار : 18/133 .
5- الإمامة والسياسة ( تحقيق : الزيني ) : 1/176 .

تنبيه

فيما قاله علیه السلام لطلحة حين وقوفه عليه بعد ما وضعت الحرب أوزارها :

روى أنّه علیه السلام لمّا مرّ على طلحة من بين القتلي قال : « أقعدوه » فأقعد ، فقال « إنّه كانت لك سابقة من رسول اللَّه لكنّ الشيطان دخل في منخريك فأوردك النار » وروى أنّه علیه السلام مرّ عليه فقال « هذا ناكث بيعتي والمنشى ء للفتنة في الأمّة والمجلب علىّ الداعي إلى قتلي وقتل عترتي أجلسوا طلحة » فأجلس ، فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « يا طلحة بن عبيداللَّه قد وجدت ما وعدني ربّي حقّا فهل وجدت ما وعدك ربّك حقّا ؟ » ثمّ قال : « أضجعوا طلحة » وسار ، فقال له بعض من كان معه : يا أمير المؤمنين أتكلّم طلحة بعد قتله ؟ فقال : « أما واللَّه سمع كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يوم بدر » وهكذا فعل علیه السلام بكعب بن شور القاضي لمّا مرّ به قتيلا وقال : « هذا الّذي خرج علينا في عنقه مصحف - يزعم أنّه ناصر أمّه(1) يدعو الناس إلى ما فيه وهو لا يعلم ما فيه ثمّ استفتح وخاب كلّ جبّار عنيد أما إنّه دعا اللَّه أن يقتلني فقتله اللَّه »(2) .

روي خالد بن مخلّد عن زياد بن المنذر عن أبي جعفر عن آبائه : قال مرّ أمير المؤمنين علیه السلام على طلحة وهو صريع فقال : « أجلسوه » فأجلس فقال : « أم واللَّه لقد كانت لك صحبة ولقد شهدت وسمعت ورأيت ولكن الشيطان أزاغك وأمالك فأوردك جهنم »(3) .

ص: 94


1- أي ناصر عائشة .
2- الإحتجاج : 1/163 ؛ بحار الأنوار : 32/200 ، ح 150 .
3- الكافية في إبطال الخاطئة : 25 ، ح 25 ؛ بحار الأنوار : 32/201 ، ح 152 .

وفي الشرح : عن أصبغ بن نباتة أنّه لمّا إنهزم أهل البصرة ركب علي علیه السلام بغلة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الشهباء وكانت باقية عنده وسار في القتلى يستعرضهم فمرّ بكعب بن سور القاضي قاضي البصرة وهو قتيل فقال : « أجلسوه » فأجلس فقال له : « ويلمك كعب بن سور لقد كان لك علم لو نفعك ولكنّ الشيطان أضلّك فأزلك فعجلك إلى النار أرسلوه » ثمّ مرّ بطلحة بن عبيداللَّه قتيلا فقال : « أجلسوه » فأجلس قال أبو مخنف في كتابه فقال : « ويلمك طلحة لقد كان لك قدم لو نفعك ولكنّ الشيطان أضلّك فأزلك فعجلك إلى النار »(1) .

قال الشارح بعد ذكر ذلك : وأمّا أصحابنا فيروون غير ذلك ، يروون أنّه علیه السلام قال له لمّا أجلسوه : « أعزز على أبا محمّد أن أراك معفرا تحت نجوم السماء وفي بطن هذا الوادي أ بعد جهادك في اللَّه وذبك عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله » فجاء إليه إنسان فقال : أشهد يا أمير المؤمنين لقد مررت عليه بعد أن أصابه السهم وهو صريع فصاح بي فقال من أصحابِ من أنت ؟ فقلت : من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام ، فقال : امدد يدك لأبايع لأمير المؤمنين علیه السلام ، فمددت إليه يدي فبايعني لك فقال علي علیه السلام : « أبى اللَّه أن يدخل طلحة الجنّة إلّا وبيعتي في عنقه »(2) .

وأنت خبير بان مبايعته لمن يبايع أمير المؤمنين علیه السلام في تلك الحال الّتي كان عليها صريعا بين القتلى آيسا من الحياة لا يكفى في رفع العقاب وإ ستحقاق الثواب قال سبحانه : ( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهَ ُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهَ ُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ

ص: 95


1- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 1/248 .
2- نفس المصدر .

يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً )(1) بل توبته في تلك الحال على تسليم كون تلك المبايعة منه توبة إنّما هي مثل توبة فرعون الّتي لم تنجه من عذاب ربّه كما قال تعالى : ( فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ * أَالْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ )(2)(3) .

لطيفة مناسبة للمقام

كان الشيخ أبو عبداللَّه محمّد بن النعمان 2 من أهل عكبراء وانحدر مع أبيه إلى بغداد وبدأ بقراءة العلم على أبي عبداللَّه المعروف بجعل بدرب رياح ثمّ قرأ من بعده على أبي ياسر غلام أبي الحبيش بباب خراسان فقال له أبو ياسر : لم لا تقرأ على عليّ بن عيسى الرمّانيّ الكلام وتستفيد منه فقال : ما أعرفه ولا لي به أنس فأرسل معي من يدلّني عليه ، قال : ففعل ذلك وأرسل معي من أوصلني إليه ، فدخلت عليه والمجلس غاصّ بأهله وقعدت حيث إنتهى بي المجلس وكلّما خفّ الناس قربت منه فدخل إليه داخل ، فقال : بالباب إنسان يؤثر الحضور بمجلسك وهو من أهل البصرة ، فقال : أ هو من أهل العلم ؟ فقال : غلام لا أعلم إلّا أنّه يؤثر الحضور بمجلسك ، فأذن له فدخل عليه فأكرمه وطال الحديث بينهما فقال الرجل

ص: 96


1- سورة النساء : 17 - 18 .
2- سوره يونس : 90 - 91 .
3- منهاج البراعة : 3/184 .

لعليّ بن عيسى : ما تقول في يوم الغدير والغار ، فقال : أمّا خبر الغار فدراية وأمّا خبر الغدير فرواية والرواية لا توجب ما توجب الدراية ، قال : فانصرف البصريّ ولم يحر جوابا يورد إليه ، قال المفيد 2 : فتقدّمت فقلت : أيّها الشيخ مسألة : فقال : هات مسألتك ، فقلت : ما تقول فيمن قاتل الإمام العادل ؟ فقال : يكون كافرا ثمّ استدرك فقال : فاسقا ، فقلت ، ما تقول في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام ؟ فقال : إمام ، فقلت : ما تقول في يوم الجمل وطلحة والزبير ؟ قال : تابا ، قلت : أمّا خبر الجمل فدراية وأمّا خبر التوبة فرواية ، فقال لي : أ كنت حاضرا وقد سألني البصريّ ؟ فقلت : نعم ، قال : رواية برواية ودراية بدراية ، قال : بمن تعرف وعلى من تقرأ ، قلت : أعرف بابن المعلّم وأقرأ على الشيخ أبي عبداللَّه الجعلّي ، فقال : موضعك ودخل منزله وخرج ومعه رقعة قد كتبها وألصقها وقال لي : أوصل هذه الرقعة إلى أبي عبداللَّه فجئت بها إليه فقرأها ولم يزل يضحك هو ونفسه ثمّ قال لي : أيّ شيّ جرى لك في مجلسه فقد وصّاني بك ولقّبك المفيد فذكرت له المجلس بقصّته فتبسّم(1) .

ص: 97


1- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر ( مجموعة ورام ) : 2/302 .

بسم الله الرحمن الرحیم

13 - ومن كلام له علیه السلام في ذمّ أهل البصرة وأهلها

اشارة

كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ وَ أَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ رَغَا فَأَجَبْتُمْ وَ عُقِرَ فَهَرَبْتُمْ أَخْلاقُكُمْ دِقَاقٌ وَ عَهْدُكُمْ شِقَاقٌ وَ دِينُكُمْ نِفَاقٌ وَ مَاؤُكُمْ زُعَاقٌ وَ الْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ وَ الشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَ مِنْ تَحْتِهَا وَ غَرِقَ مَنْ فِي ضِمْنِهَا وَ فِي رِوَايَةٍ وَ ايْمُ اللَّهِ لَتَغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ وَ فِي رِوَايَةٍ كَجُؤْجُؤِ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ .

ومن كلامه له علیه السلام في ذمّ أهل البصرة

عن أبي فاختة مولى أم هانى ء قال : كنت عند علي علیه السلام فأتاه رجل عليه زى السفر ، فقال : يا أمير المؤمنين إنّي أتيتك من بلدة ما رأيت لك بها محبّا ، قال : « من أين أتيت ؟ » ، قال : من البصرة ، قال علیه السلام : « أما إنّهم لو يستطيعون أن يحبّوني لأحبّوني إنّي وشيعتي في ميثاق اللَّه لا يزاد فينا رجل ولا ينقص إلى يوم القيامة »(1) .

روى أبو غسّان البصري قال : بنى عبيداللَّه بن زياد أربعة مساجد بالبصرة تقوم

ص: 98


1- الغارات : 2/554 ، شرح نهج البلاغة ( لابن أبي الحديد ) : 4/94 ؛ بحار الأنوار : 34/293 .

على بغض عليّ بن أبي طالب علیه السلام والوقيعة فيه ، مسجد بني عدي ، ومسجد بني مجاشع ، ومسجد كان في العلّافين على وجه ( في الغارات : على فرضة ) البصرة ، ومسجد في الأزد(1) .

كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ

عن أبي بكرة قال : لقد نفعني اللَّه بكلمة أيّام الجمل لمّا بلغ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أنّ فارسا ملّكوا إبنة كسرى فقال صلی الله علیه وآله : « لن يفلح قوم ولّوا أمرهم إمراة »(2) .

روى الواقديّ قال : حدّثني معمّر بن راشد عن عمرو بن عبيد عن الحسن البصريّ قال : أقبل أبو بكرة يريد أن يدخل مع طلحة والزبير في أمرهما فلمّا رأى عايشة تدبّره برأيها رجع عنهما فقيل له : ما لك لم تدخل معهما ؟ فقال : رأيت إمرأة تدبّر أمورهم وقد سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول وقد ذكر ملكة سبإ « لا أفلح قوم تدبّرهم إمرأة » فكرهت الدخول معهم(3) .

وقد روى هذا الخبر على صورة أخرى « أنّ قوما يخرجون بعدي في فئة رأسها إمرأة لا يفلحون أبدا »(4) فأنصرف .

وقد ذكر المدائني أنّه رأى بالبصرة رجلا مصطلم الأذن ، فسأله عن قصّته ، فذكّر أنّه خرج يوم الجمل ينظر إلى القتلى ، فنظر إلى رجل منهم يخفض رأسه ويرفعه وهو يقول :

ص: 99


1- بحار الأنوار : 34/293 ؛ الغارات : 558 .
2- عمدة عيون صحاح الأخبار : 455 ، ح 949 ؛ بحار الأنوار : 32/194 ، ح 143 .
3- الجمل للمفيد : 297 ، ح 14 .
4- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 6/227 .

لقد أوردتنا حومة الموت أمّنا * فلم تنصرف إلّا ونحن رواء

أطعنا بني تيم لشقوة جدّنا * وما تيم إلّا أعبد وإماء

فقلت : سبحان اللَّه ! أ تقول هذا عند الموت ؟ قل لا إله إلّا اللَّه ، فقال : يا إبن اللخناء ، أيّاي تأمر بالجزع عند الموت ؟ فوليت عنه متعجّبا منه ، فصاح بي ادن منّي ولقّني الشهادة، فصرت إليه ، فلمّا قربت منه استدناني ، ثمّ التقم أذني فذهب بها ، فجعلت ألعنه وأدعو عليه ، فقال : إذا صرت إلى أمّك فقالت : من فعل هذا بك ؟ فقل عمير بن الأهلب الضبى مخدوع المرأة الّتي أرادت أن تكون أمير المؤمنين(1) .

وفي الطبري : أطافت ضبة والأزد بعايشة يوم الجمل ، وإذا رجال من الأزد يأخذون بعر الجمل فيفتونه ويشمونه ، ويقولون : بعر جمل أمنا ريحه ريحه المسك(2) .

وروى الواقدي أنّ أمير المؤمنين علیه السلام لمّا فرغ من قسمة المال قام خطيباً فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال : - مشيرا إلى عايشة - « وما كانت واللَّه على القوم إلّا أشام من ناقة الحجر »(3) .

وروى أنّ عليّا علیه السلام كتب بعد الفتح كتابا إلى أهل الكوفة وفيه « فما كانت ناقة الحجر بأشأم منها على أهل ذاك المصر مع ما جاءت به من الحوب(4) الكبير »(5) .

ص: 100


1- مروج الذهب : 2/370 .
2- تاريخ الطبري : 4/523 ، سنة 36 .
3- الجمل للمفيد : 402 .
4- الحوب : الاثم . قال عزّوجلّ : ( إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا ) ( سورة النساء : 2 ) . مفردات ألفاظ القرآن : 261 .
5- الجمل : 403 ؛ بحار الأنوار : 32/253 ، ش 198 .

وقال النبي صلی الله علیه وآله لعايشة : « يا حميراء كأنّي بك ينبحك كلاب الحوأب تقاتلين عليّا وأنت له ظالمة »(1) .

عن سالم بن مكرم عن أبيه قال سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول في قوله عزّوجلّ ( كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ) قال : هي الحميراء(2) .

علي بن طاهر بن زيد يقول : لمّا أرادوا دفنه - الحسن علیه السلام عند النبي صلی الله علیه وآله - ركبت عايشة بغلا واستنفرت بني أميّة مروان بن الحكم ( وإ ستعونت بني أميّة ومروان ) ، ومن كان هناك منهم ومن حشمهم ، وهو ( قول ) القائل : « فيوما على بغل ، ويوما على جمل »(3) .

وقيل إنّ عايشة ركبت بغلة شهباء ، وقالت : بيتي لا آذن فيه لأحد ، فأتاها القاسم بن محمّد بن أبي بكر ، فقال لها : يا عمة ! ما غسلنا رءوسنا من يوم الجمل الأحمر ، أ تريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء(4) ؟

وَ أَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ

كان جمل عايشة راية عسكر البصرة قتلوا دونه كما تقتل الرجال تحت

ص: 101


1- العقد الفريد : 5/79 .
2- تأويل الآيات : 422 ؛ بحار الأنوار : 32/286 ، ح 239 .
3- مقاتل الطالبيين : 82 .
4- تاريخ اليعقوبي : 2/225 .

راياتها(1) .

أعطى يعلى بن منية عايشة جملا إ سمه عسكر إ شتراه بمائتي دينار ويقال إ شتراه بثمانين دينارا فركبته وقيل كان جملها لرجل من عرينة قال العرنيّ بينما : أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقال : أ تبيع جملك قلت : نعم ، قال : بكم ؟ قلت : بألف درهم ، قال : أ مجنون أنت ؟ قلت : ولم واللَّه ما طلبت عليه أحدا إلّا أدركته ولا طلبني وأنا عليه أحد إلّا فتّه ، قال : لو تعلم لمن نريده إنّما نريده لأمّ المؤمنين عايشة ، فقلت : خذه بغير ثمن ، قال : بل إرجع معنا إلى الرحل فنعطيك ناقة ودراهم ، قال : فرجعت وأعطوني ناقة مهريّة وأربعمائة درهم أو ستّمائة(2) .

لمّأ عزمت عايشة على الخروج إلى البصرة طلبوا لها بعيرا أيدا يحمل هودجها فجاءهم يعلي بن أمية ببعيره المسمىّ عسكرا وكان عظيم الخلق شديدا فلمّا رأته أعجبها وأنشأ الجمال يحدّثها بقوّته وشدّته ويقول في أثناء كلامه عسكر فلمّا سمعت هذه اللفظة إ سترجعت وقالت ردوّه لا حاجة لي فيه وذكرت حيث سئلت أن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ذكر لها هذا الإسم ونهاها عن ركوبه وأمرت أن يطلب لها غيره فلم يوجد لها ما يشبهه فغير لها بجلال غير جلاله وقيل لها قد أصبنا لك أعظم منه خلقا وأشدّ قوّة وأتيت به فرضيت(3) .

عن النبيّ صلی الله علیه وآله قال لنسائه : « أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب يقتل حولها قتلى كثير ، وتنجو بعد ما كادت » . وهذا الحديث من أعلام نبوّته صلی الله علیه وآله(4) . قلت : ومن

ص: 102


1- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 1/252 .
2- الكامل : 3/210 ؛ بحار الأنوار : 32/145 ، ش 117 .
3- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 6/224 ؛ بحار الأنوار : 32/138 ، ش 112 .
4- الإستيعاب : 4/185 ، ش 4029 ؛ بحار الأنوار : 22/235 .

أعلام إمامته علیه السلام(1) .

عن الحسن بن حمّاد ، بلغ به ، قال : كان سلمان إذا رأى الجمل الّذي يقال له عسكر يضربه ، فيقال له يا أبا عبداللَّه ما تريد من هذه البهيمة فيقول ما هذا بهيمة ولكن هذا عسكر بن كنعان الجنّيّ ،يا أعرابيّ لا ينفق عليك هاهنا ولكن اذهب به إلى الحوأب فإنّك تعطى به ما تريد(2) .

عن أبي جعفر علیه السلام قال : « إ شتروا عسكرا بسبعمائة درهم وكان شيطانا »(3) .

رَغَا فَأَجَبْتُمْ

قال المدائني والواقدي : ما حفظ رجز قط أكثر من رجز قيل يوم الجمل وأكثره لبني ضبة والأزد الّذين كانوا حول الجمل يحامون عنه ولقد كانت الرءوس تندر(4) عن الكواهل والأيدي تطيح من المعاصم وأقتاب(5) البطن تندلق من الأجواف وهم حول الجمل كالجراد الثابتة لا تتحلحل ولا تتزلزل حتّى لقد صرخ علیه السلام بأعلى صوته : « ويلكم إعقروا الجمل فإنّه شيطان » ، ثمّ قال إعقروه وإلّا فنيت العرب لا يزال السيف قائما وراكعا حتّى يهوى هذا البعير إلى الأرض فصمدوا له حتّى عقروه فسقط وله رغاء شديد فلمّا برك كانت الهزيمة(6) .

ص: 103


1- بهج الصباغة : 5/509 .
2- رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) : 13 ، ح 30 ؛ بحار الأنوار : 32/147 ، ح 121 .
3- رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) : 13/31 ؛ بحار الأنوار : 32/147 ، 122 .
4- تندر : تقطع .
5- الأقتاب : الأمعاء ، واحدة قتب ، محركة أو بكسر فسكون .
6- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 1/253 .

قالوا استدار الجمل كما تدور الرحى وتكاثفت الرجال من حوله واشتدّ رغاؤه واشتدّ زحام الناس عليه ونادى الحتات المجاشعي أيّها الناس أمّكم أمّكم(1) .

ثمّ تقدّم عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس وهو من أشراف قريش وكان إ سم سيفه ولول فارتجز فقال :

أنا إبن عتاب وسيفي ولول * والموت دون الجمل المجلّل

فحمل عليه الأشتر فقتله(2) .

قالوا وأخذ خطام الجمل سبعون من قريش قتلوا كلّهم ولم يكن يأخذ بخطام الجمل أحد إلّا سالت نفسه أو قطعت يده(3) .

وتناول عبداللَّه بن أبزى خطام الجمل وكان كلّ من أراد الجدّ في الحرب وقاتل قتال مستميت يتقدّم إلى الجمل فيأخذ بخطامه ثمّ شدّ على عسكر علي علیه السلام وقال :

أضربهم ولا أرى أبا حسن * ها إن هذا حزن من الحزن

فشدّ عليه علي أمير المؤمنين علیه السلام بالرّمح فطعنه فقتله وقال قد رأيت أبا حسن فكيف رأيته وترك الرمح فيه(4) .

وَ عُقِرَ فَهَرَبْتُمْ

قال أبو مخنف وحدّثنا مسلم الأعور عن حبّة العرني قال : فلمّا رأى علي علیه السلام أنّ الموت عند الجمل وأنّه ما دام قائما فالحرب لا تطفأ وضع سيفه على عاتقه

ص: 104


1- نفس المصدر : 1/262 .
2- شرح نهج البلاغة ( لابن أبي الحديد ) : 1/264 .
3- نفس المصدر : 1/265 .
4- نفس المصدر : 1/256 .

وعطف نحوه وأمر أصحابه بذلك ومشي نحوه والخطام مع بني ضبة فاقتتلوا قتالا شديدا واستحرّ القتل في بني ضبة فقتل منهم مقتلة عظيمة وخلص علي علیه السلام في جماعة من النخع وهمدان إلى الجمل فقال لرجل من النخع إ سمه بجير دونك الجمل يا بجير فضرب عجز الجمل بسيفه فوقع لجنبه وضرب بجرانه الأرض وعجّ عجيجا لم يسمع بأشدّ منه فما هو إلّا أن صرع الجمل حتّى فرّت الرجال كما يطير الجراد في الريح الشديدة الهبوب وإحتملت عايشة بهودجها فحملت إلى دار عبداللَّه بن خلف وأمر علي علیه السلام بالجمل أن يحرق ثمّ يذري في الريح ، وقال علیه السلام : « لعنه اللَّه من دابّة فما أشبهه بعجل بني إ سرائيل » ثمّ قرأ ( وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً )(1) (2) .

وروى منصور بن أبي الأسود عن مسلم الأعور عن حبّة العرنيّ قال واللَّه إنّي لأنظر إلى الرجل الّذي ضرب الجمل ضربة على عجزه فسقط لجنبه فكأنّي أسمع عجيج الجمل وما سمعت قطّ عجيجا أشدّ منه ، قال ولمّا عقر الجمل : إنقطع بطان الهودج فزال عن ظهر الجمل فانفضّ أهل البصرة منهزمين وجعل عمّار بن ياسر ومحمّد بن أبي بكر يقطعان الحقب(3) والأنساع(4) واحتملاه أيّ الهودج فوضعاه على الأرض فأقبل عليّ بن أبي طالب علیه السلام حتّى وقف عليها وهي في هودجها

ص: 105


1- سورة طه : 97 .
2- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 1/265 .
3- الحقب : حبل يشدّ به رحل البعير إلى بطنه كي لا يتقدّم إلى كاهله ، وهو غير الحزام » المصباح المنير ، 2/143 ( حقب ) .
4- النسع : سير يضفر هيئة أعنّة النعال تشدّ به الرحال ، والجمع أنساع » لسان العرب ج 8 ص 352 ( نسع ) .

فقرع الهودج بالرّمح وقال : « يا حميراء أ رسول اللَّه أمرك بهذا المسير ؟ »(1) .

ثمّ نادى منادي أمير المؤمنين علیه السلام : « عليكم بالبعير فإنّه شيطان » قال فعقره رجل برمحه وقطع إحدى يديه رجل آخر فبرك ورغا وصاحت عايشة صيحة شديدة فولّي الناس منهزمين(2) .

وفي الإحتجاج : وتولّى محمّد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر رحمة اللَّه عليهما عقره بعد طول دمائه(3) .

وروى أنّه كلّما بتر منه قائمة من قوائمه ثبت على أخرى(4) .

وفي الشرح : تقصد أهل الكوفة قصد الجمل والرجال دونه كالجبال كلّما خفّ قوم جاء أضعافهم فنادي علي علیه السلام : « ويحكم إرشقوا الجمل بالنّبل إعقروه لعنه اللَّه » فرشق بالسّهام فلم يبق فيه موضع إلّا أصابه النبل وكان مجففا(5) فتعلّقت السهام به فصار كالقنفذ ونادت الأزد وضبة يا لثارات عثمان فاتّخذوها شعارا ونادي أصحاب علي علیه السلام يا محمّد فاتّخذوها شعارا وإختلط الفريقان ونادي علي علیه السلام بشعار رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يا منصور أمِتْ »(6) وهذا في اليوم الثاني من أيّام الجمل فلمّا دعا بها تزلزلت أقدام القوم وذلك وقت العصر بعد أن كانت الحرب من وقت الفجر .

ص: 106


1- الجمل : 382 .
2- الأمالي للمفيد : 59 ، م 7 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 32/187 ، ح 136 .
3- الإحتجاج : 1/164 ؛ بحار الأنوار : 32/201 ، ح 153 .
4- الإحتجاج : 1/164 ؛ بحار الأنوار : 32/201 ، ح 153 .
5- كان مجففا ، أي ألبس التجفاف ، وهو آلة الحرب توضع على الفرس .
6- هو أمر بالموت ، والمراد به التفاؤل بالنّصر بعد الأمر بالإماتة ، مع حصول الغرض . النهاية لإبن الأثير 4/371 .

قال الواقدي وقد روي أنّ شعاره علیه السلام كان في ذلك اليوم « حم لا ينصرون اللهمّ أنصرنا على القوم الناكثين » ثمّ تحاجز الفريقان والقتل فاش فيهما إلّا أنّه في أهل البصرة أكثر وأمارات النصر لائحة لعسكر الكوفة ثمّ تواقفوا في اليوم الثالث فبرز أوّل الناس عبداللَّه بن الزبير - الخ -(1) .

أَخْلاقُكُمْ دِقَاقٌ

قدم شريك القاضي بالبصرة فأبى أن يحدّثهم فاتّبعوه حين خرج ، وجعلوا يرجمونه بالحجارة في السفينة ، وهو يقول لهم : يا أبناء الظؤرات ، ويا أبناء السنائخ لا سمعتم منّي حرفا(2) .

في الحديث أنّ رجلا قال له : يا رسول اللَّه إنّي أحبّ أن أنكح فلانة إلّا أنّ في أخلاق أهلها دقّة ، فقال له : « إيّاك وخضراء الدمن إيّاك والمرأة الحسناء في منبت السوء »(3)

وَ دِينُكُمْ نِفَاقٌ

اشارة

لمّا إرتدّ عيينة بن حصن الفزازي ، وتبع طليحة الأسدي فأسر وأدخل المدينة فكان الصبيان يقولون له : يا عدوّ اللَّه أكفرت بعد إيمانك فيقول : ما آمنت باللَّه طرفة عين(4) .

ص: 107


1- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 1/262 .
2- تاريخ بغداد : 9/292 .
3- الكافي : 5/332 ، ح 4 ؛ شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 1/252 ؛ بحار الأنوار : 32/246 .
4- أسد الغابة : 4/167 ؛ الكامل : 2/348 .

قال تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ )(1) .

وقال تعالى : ( أَلَمْ تَرى إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً )(2) .

وقال تعالى : ( الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً )(3) .

وقال تعالى : ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ )(4) .

وقال تعالى : ( وَعَدَ اللَّهَ ُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ )(5) .

وقوله تعالى : ( لِيُعَذِّبَ اللَّهَ ُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ )(6) .

وقال تعالى : ( يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا )(7) .

وقال تعالى : ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ )(8) .

وقال تعالى : ( بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً )(9) .

وقال تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ) والآيات في ذمّ المنافقين كثيرة(10) .

ص: 108


1- سورة النساء : 145 .
2- سورة الحشر : 11 .
3- سورة التوبة : 97 .
4- سورة التوبة : 67 .
5- سورة التوبة : 68 .
6- سورة الأحزاب : 73 .
7- سورة الحديد : 13 .
8- سورة الأحزاب : 12 .
9- سورة النساء : 138 .
10- سورة النساء : 140 .

وأمّا الأخبار

منها : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله « من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار »(1) .

ومنها : وعن النبي صلی الله علیه وآله : « تجدون من شرّ عباد اللَّه يوم القيامة ذا الوجهين الّذي يأتي هؤلاء بحديث هؤلاء وهؤلاء بحديث هؤلاء » وفي حديث آخر الّذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه(2) .

ومنها : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يجي ء يوم القيامة ذو الوجهين دالعا لسانه في قفاه وآخر من قدّامه يتلهبا جيتلهّبان ج نارا حتّى يلهبا جسده ثمّ يقال له هذا الّذي كان في الدنيا ذا وجهين ولسانين يعرف بذلك يوم القيامة »(3) .

ومنها : مكتوب في التوراة : تطلب الأمانة والرجل مع صاحبه بشفتين مختلفتين ، يهلك اللَّه يوم القيامة كلّ شفتين مختلفتين(4) .

ومنها : قال اللَّه تبارك وتعالى لعيسى إبن مريم علیه السلام : يا عيسى ليكن لسانك في السرّ والعلانية لسانا واحدا وكذلك قلبك إنّي أحذّرك نفسك وكفى بي خبيرا لا يصلح لسانان في فم واحد ولا سيفان في غمد واحد ولا قلبان في مصدر واحد وكذلك الأذهان(5) .

ومنها : عن أبي جعفر علیه السلام قال : « بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين

ص: 109


1- الخصال : 1/38 ، ح 18 ؛ بحار الأنؤار 72/204 ، ح 7 .
2- كشف الريبة : 48 .
3- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 269 ؛ بحار الأنوار : 7/218 ، ح 131 .
4- الجواهر السنية : 160 ، ش 116 .
5- الكافي : 2/343 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 72/206 ، ح 14 .

يطري أخاه شاهدا ويأكله غائبا إن أعطى حسده وإن ابتلي خذله »(1) .

ومنها : عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا علیه السلام قال : كتبت إليه أسأله عن مسألة - فكتب إليّ أنّ اللَّه يقول : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهَ ُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً )(2) ليسوا من عترة وليسوا من المؤمنين ، وليسوا من المسلمين ، يظهرون الإيمان ويسرّون الكفر والتكذيب لعنهم اللَّه(3) .

ومنها : محمّد بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمّد عن آبائه : قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « خلّتان لا تجتمعان في منافق فقة في الإسلام وحسن سمت(4) في الوجه »(5) .

ومنها : قال الصادق علیه السلام : « أربع من علامات النفاق قساوة القلب وجمود العين والإصرار على الذنب والحرص على الدنيا »(6) .

ومنها : عن عبّاد بن صهيب قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « لا يجمع اللَّه لمنافق ولا فاسق حسن السمت والفقه وحسن الخلق أبدا »(7) .

ص: 110


1- الكافي : 2/343 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 72/206 ، ح 13 .
2- سورة النساء : 142 - 143 .
3- تفسير العياشي : 1/282 ، ح 294 ؛ بحار الأنوار : 69/175 ، ح 1 .
4- السمت - بالفتح - : هيئة أهل الخير والصلاح .
5- الأمالي للمفيد : 274 ، م 32 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 69/176 ، ح 2 .
6- الإختصاص : 228 ؛ بحار الأنوار : 69/176 ، ح 4 .
7- الخصال : 1/127 ، ح 126 ؛ بحار الأنوار : 2/15 ، ح 31 .

وأنت ترى انّ هذه العلامات كلّها موجودة في أهل البصرة ولهذا وقعوا في الضلالة والغواية في الدنيا والآخرة وبئس المصير .

وَ مَاؤُكُمْ زُعَاقٌ

قال رجل من الكوفة لرجل من البصرة : ماؤكم كدر زهك زفر ، وماؤنا أصحّ للأجسام من ماء دجلة فإنّ ماءها يقطّع شهوة الرجال ، ويذهب بصهيل الخيل ، وإن لم يتدسم النازلون علهيا أصابهم قحول في عظامهم ، ويبس في جلودهم ، وإذا كان فضيلة مائنا على دجلة فما ظنّك بفضيلته على ماء البصرة ، وهو يختلط بماء البحر ، ومن الماء المستنقع في أصول القصب والهروي(1) .

الْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ وَالشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ

لمشاركته إيّاهم في الذنوب أو يراها ولا ينكرها

ففي الخبر عن مهاجر الأسديّ عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « مرّ عيسى بن مريم علیه السلام على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوابّها فقال أما إنّهم لم يموتوا إلّا بسخطة ولو ماتوا متفرّقين لتدافنوا فقال الحواريّون : يا روح اللَّه وكلمته أدع اللَّه أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبها فدعا عيسى علیه السلام ربّه فنودي من الجوّ أن نادهم فقام عيسى علیه السلام باللّيل على شرف من الأرض فقال : يا أهل هذه القرية فأجابه منهم مجيب لبّيك يا روح اللَّه وكلمته فقال : ويحكم ما كانت أعمالكم ؟ قال : عبادة الطاغوت وحبّ الدنيا مع خوف قليل وأمل بعيد وغفلة في

ص: 111


1- مروج الذهب : 3/331 - 332 .

لهو ولعب ، فقال : كيف كان حبّكم للدنيا ؟ قال : كحبّ الصبيّ لأمّه إذا أقبلت علينا فرحنا وسررنا وإذا أدبرت عنّا بكينا وحزنّا ، قال : كيف كانت عبادتكم للطاغوت ؟ قال : الطاعة لأهل المعاصي ، قال : كيف كان عاقبة أمركم ؟ قال : بتنا ليلة في عافية وأصبحنا في الهاوية ، فقال : وما الهاوية ؟ فقال : سجّين ، قال : وما سجّين ؟ قال جبال من جمر توقد علينا إلى يوم القيامة ، قال : فما قلتم وما قيل لكم ؟ قال : قلنا ردّنا إلى الدنيا فنزهد فيها ، قيل لنا : كذبتم ، قال ويحك كيف لم يكلّمني غيرك من بينهم ؟ قال : يا روح اللَّه إنّهم ملجمون بلجام من نار بأيدي ملائكة غلاظ شداد وإنّي كنت فيهم ولم أكن منهم فلمّا نزل العذاب عمّني معهم فأنا معلّق بشعرة على شفير جهنّم(1) لا أدري أكبكب فيها أم أنجو منها فالتفت عيسى علیه السلام إلى الحوارييّن فقال : يا أولياء اللَّه أكل الخبز اليابس بالملح الجريش(2)النوم على المزابل خير كثير مع عافية الدنيا والآخرة »(3) .

الْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ وَالشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ

عن أبي حمزة عن أبي جعفر علیه السلام قال سمعته يقول : « إنّه ما من سنة أقلّ مطرا من سنة ولكنّ اللَّه يضعه حيث يشاء إنّ اللَّه عزّوجلّ إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدّر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم وإلى الفيافي والبحار(4) والجبال وإنّ اللَّه ليعذّب الجعل في حجرها(5) بحبس المطر عن الأرض الّتي هي

ص: 112


1- شفير جهنّم : طرفه .
2- في القاموس جرش الشي ء لم ينعم دقّه فهو جريش وفي الصحاح ملح جريش لم يطيب . قوله « مع عافية الدنيا » أي في الدنيا من تشويش البال وفي الآخرة من العذاب .
3- الكافي : 2/318 ، ح 11 ؛ بحار الأنوار : 70/10 ، ح 3 .
4- الفيافي : البراري الواسعة جمع فيفاء . والفيف . المكان المستوي أو المفازة لا ماء فيها .
5- الجعل كصرد : دويبة .

بمحلّها بخطايا من بحضرتها وقد جعل اللَّه لها السبيل في مسلك سوى محلّة أهل المعاصي » قال ثمّ قال أبو جعفر علیه السلام : « فاعتبروا يا أولي الأبصار »(1) .

وعن أبي حمزة عن عليّ بن الحسين 8 في حديث طويل قال : « إيّاكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين ومجاورة الفاسقين إحذروا فتنتهم وتباعدوا من ساحتهم »(2) .

روى محمّد بن مسلم قال مرّ بي أبو جعفر علیه السلام وأنا جالس عند القاضي بالمدينة فدخلت عليه من الغد فقال لي : « ما مجلس رأيتك فيه أمس ؟ » قال قلت له : جلعت فداك إنّ هذا القاضي بي مكرم فربّما جلست إليه ، فقال لي : « وما يؤمنك أن تنزل اللعنة فتعمّك معه » ، وفي خبر آخر فتعمّ من في المجلس(3) .

عن الجعفري(4) قال سمعت أبا الحسن علیه السلام يقول : « ما لي رأيتك عند عبد الرحمن بن يعقوب ؟ » فقال : إنّه خالي ، فقال : « إنّه يقول في اللَّه قولا عظيما يصف اللَّه ولا يوصف فإمّا جلست معه وتركتنا وإمّا جلست معنا وتركته » ، فقلت : هو يقول ما شاء أيّ شي ء عليّ منه إذا لم أقل ما يقول ، فقال أبو الحسن علیه السلام : « أ ما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعا أ ما علمت بالّذي كان من أصحاب

ص: 113


1- الكافي : 2/272 ، ح 15 ؛ بحار الأنوار : 70/329 ، ح 12 .
2- الكافي : 8/16 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 75/151 ، ح 11 . ( الساحة : الناحية )
3- من لا يحضره الفقيه : 3/5 ، ح 3224 ؛ وسائل الشيعة ( ط . جديد ) : 27/219 ، ح 1 و2 .
4- الجعفري هو أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري وهو من أجلة أصحابنا ويقال : إنّه لقى الرضا إلى آخر الأئمّة : وأبو الحسن يحتمل الرضا والهادي 8 ويحتمل أن يكون سليمان بن جعفر الجعفري كما صرّح به في مجالس المفيد . و« يقول » أيّ الرجل و« فقال » أيّ ذلك الرجل وكونه كلام بكر والضمير للجعفري بعيد وفي المجالس : « يقول لأبي » وهو أظهر ويؤيّد الأوّل .

موسى علیه السلام وكان أبوه من أصحاب فرعون فلمّا لحقت خيل فرعون موسى تخلّف عنه ليعظ أباه فيلحقه بموسى فمضى أبوه وهو يراغمه(1) حتّى بلغا طرفا من البحر فغرقا جميعا فأتى موسى علیه السلام الخبر فقال : هو في رحمة اللَّه ولكنّ النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمّن قارب المذنب دفاع »(2) .

قال أمير المؤمنين علیه السلام : « هي مسكن الجن الخارج منها برحمة والداخل إليها بذنب أما إنّها لا تذهب الدنيا حتّى يجي ء إليها كلّ فاجر ويخرج منها كلّ مؤمن »(3) .

نقل : ضاقت على النضر بن شميل اللغوي النحوي الأديب الأسباب في البصرة . فعزم على الخروج إلى خراسان . فشيّعه من أهل البصرة نحو ثلاثة آلاف من المحدّثين ، والفقهاء واللغويين ، والنحاة ، والأدباء . فجلس لوداعهم بالمربد ، وقال : يا أهل البصرة لو وجدت عندكم كيلجة من الباقلاء ما فارقتكم ، فلم يكن فيهم واحد يتكفّل له ذلك فسار إلى مرو ، وأقام بها فأثرى(4) .

كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَذَابَ

في حديث أنس : البصرة إحدى المؤتفكات فأنزل في ضواحيها ، وإيّاك والمملكة ، قال شمر : أراد بالمملكة وسطها(5) .

عن أنس بن مالك عن النبيّ صلی الله علیه وآله : « إنّ الناس يمصّرون أمصارا ، وإن مصرا منها

ص: 114


1- المراغمة : الهجران والتباعد والمغاضبة ، أي يبالغ في ذكر ما يبطل مذهبه ويذكر ما يغضبه ( آت ) .
2- الكافي : 2/374 ح 2 ؛ بحار الأنوار : 71/200 ، ح 39 .
3- الجمل : 422 .
4- معجم الأدباء ( نشر بيروت ) : 19/238 .
5- لسان العرب : 10/495 .

يقال له البصرة أو البصيرة فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإيّاك وسباخها ، وكلاءها ، وسوقها ، وباب امرائها وعليك بضواحيها فإنّه يكون بها خسف ، وقذف ، ورجف ، وقوم يبيتون يصبحون قردة وخنازير »(1) .

كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَ مِنْ تَحْتِهَا وَ غَرِقَ مَنْ فِي ضِمْنِهَا

أما إخباره علیه السلام أن البصرة تغرق عدا المسجد الجامع بها فقد رأيت من يذكر أن كتب الملاحم تدلّ على أنّ البصرة تهلك بالماء الأسود ينفجر من أرضها فتغرق ويبقى مسجدها ، والصحيح أنّ المخبر به قد وقع فإنّ البصرة غرقت مرّتين مرّة في أيّام القادر باللَّه ومرّة في أيّام القائم بأمر اللَّه غرق بأجمعها ولم يبق منها إلّا مسجدها الجامع بارزا بعضه كجؤجؤ الطائر حسب ما أخبر به أمير المؤمنين علیه السلام جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس ومن جهة الجبل المعروف بجبل السنام وخربت دورها وغرق كل ما في ضمنها وهلك كثير من أهلها .

وأخبار هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة يتناقلها خلفهم عن سلفهم(2) .

ص: 115


1- سنن أبي داود ( مجلدين ) : 2/315 ، ح 4307 .
2- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 1/253 .

هذا ، وإختلف في موضع قتل هابيل ، حكى محمّد بن جرير قال جعفر الصادق علیه السلام : « بالبصرة في موضع المسجد الأعظم »(1) .

عن أبي عبداللَّه علیه السلام : « ما من مسجد بني إلّا على قبر نبيّ أو وصيّ نبيّ قتل فأصاب تلك البقعة رشّة من دمه »(2) .

وَ فِي رِوَايَةٍ وَ ايْمُ اللَّهِ لَتَغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ وَ فِي رِوَايَةٍ كَجُؤْجُؤِ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ

اشارة

أنّ جارية بن قدامة لمّا حرّق بالبصرة إبن الحضرمي الّذي قدم بها من قبل معاوية ، ودفع غائلته ، وكتب زياد - وكان خليفة إبن عبّاس عليها يومئذ - إلى أمير المؤمنين علیه السلام بذلك مع ظبيان مع عمّارة . قال علیه السلام لظبيان : « أنّها أوّل القرى خرابا ، إمّا غرقا وإمّا حرقا حتّى يبقى مسجدها كجؤجؤ سفينة » ، ثمّ قابل لظبيان : « أين منزلك منها ؟ » فقلت : مكان كذا ، فقال علیه السلام : « عليك بضواحيها ، عليك بضواحيها »(3) .

تنبيهان

الأوّل : عن إبن عبّاس 2 قال : لمّا فرغ عليّ علیه السلام من قتال أهل البصرة وضع قتبا على قتب(4) ثمّ صعد عليه فخطب فحمد اللَّه وأثنى عليه فقال : « يا أهل البصرة يا

ص: 116


1- تفسير الثعلبي : 4/51 .
2- الكافي : 3/370 ، ح 14 ؛ بحار الأنوار : 14/463 ، ح 31 .
3- الغارات ( ط . الحديثة ) : 2/410 ؛ بحار الأنوار : 34/357 .
4- القتب - بالتّحريك - رحل البعير .

أهل المؤتفكة(1) يا أهل الداء العضال(2) أتباع البهيمة(3) - يا جند المرأة(4) رغا فأجبتم(5) وعقر فهربتم ماؤكم زعاق(6) ودينكم نفاق وأخلاقكم دقاق » ثمّ نزل يمشي بعد فراغه من خطبته فمشينا معه فمرّ بالحسن البصريّ وهو يتوضّأ فقال : « يا حسن أسبغ الوضوء » ، فقال : يا أمير المؤمنين لقد قتلت بالأمس أناسا يشهدون أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله يصلّون الخمس ويسبغون الوضوء ، فقال له أمير المؤمنين علیه السلام : « فقد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدوّنا ؟ »

فقال : واللَّه لأصدقنّك يا أمير المؤمنين علیه السلام لقد خرجت في أوّل يوم فاغتسلت وتحنّطت وصببت عليّ سلاحي وأنا لا أشكّ في أنّ التخلّف عن أمّ المؤمنين عايشة هو الكفر فلمّا انتهيت إلى موضع من الخريبة ناداني مناد يا حسن إلى أين ؟ إرجع فإنّ القاتل والمقتول في النار فرجعت ذعرا وجلست في بيتي فلمّا كان في اليوم الثاني لم أشكّ أنّ التخلّف عن أمّ المؤمنين عايشة هو الكفر فتحنّطت وصببت عليّ سلاحي - وخرجت أريد القتال حتّى أنتهيت إلى موضع من الخريبة فناداني مناد من خلفي يا حسن ألى أين ؟ إرجع مرّة بعد أخرى فإنّ القاتل والمقتول في النار ،

ص: 117


1- المؤتفكة : المنقلبة قال تعالى - في قرى قوم لوط الّتى إنقلبت بأهلها - : والمؤتفكة أهوى ، وفي الحديث : البصرة إحدى المؤتفكات .
2- الداء العضال - بعين مضمومة - : المرض الصعب الشديد الّذي يعجز عنه الطبيب .
3- يريد : الجمل الّذي ركبته عايشة .
4- يريد عايشة .
5- رغا فأجبتم أيّ الجمل رغا والرغاء - كغراب - : صوت ذوات الخف وقد رغا البعير يرغو رغاء إذا ضجّ ورغت الناقة صوتت فهي راغية .
6- الزعاق - كغراب - : الماء المرّ الغليظ الّذي لا يطاق شربه .

قال عليّ علیه السلام : « صدقك أ فتدري من ذلك المنادي ؟ » ، قال : لا ، قال علیه السلام : « ذاك أخوك إبليس وصدقك أنّ القاتل والمقتول منهم(1) في النار » ، فقال الحسن البصريّ : الآن عرفت يا أمير المؤمنين أنّ القوم هلكي(2) .

ومنها : عليّ بن إبراهيم القمي في تفسير قوله تعالى : ( وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى )(3) قال : المؤتفكة البصرة والدليل على ذلك قول أمير المؤمنين علیه السلام : « يا أهل البصرة ويا أهل المؤتفكة يا جند المرأة وأتباع البهيمة ، رغا فأجبتم ، وعقر فهربتم ، ماؤكم زعاق(4) ، وأحلامكم جأخلاقكم ج رقاب وفيكم ختم النفاق ، ولعنتم على لسان سبعين نبيّا ، إنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أخبرني - أنّ جبرئيل علیه السلام أخبره أنّه طوى له الأرض - فرأى البصرة أقرب الأرضين من الماء وأبعدها من السماء - وفيها تسعة أعشار الشرّ والداء العضال ، المقيم فيها مذنب ، والخارج منها جمتدارك ج برحمة ، وقد إئتفكت بأهلها مرّتين ، وعلى اللَّه تمام الثالثة وتمام الثالثة في الرجعة »(5) .

قال في مجمع البيان : ( المؤتفكة ) المنقلبة وهي الّتي صار أعلاها أسفلها وأسفلها أعلاها وأهوى أي أنزل بها في الهواء(6) .

وقال : « والمؤتفكة » يعني قرى قوم لوط المخسوفة « أهوى » أي أسقط أهواها

ص: 118


1- أي : القاتل والمقتول من أصحاب الجمل في النار .
2- الإحتجاج : 1/171 ؛ بحار الأنوار : 32/225 ، ح 175 .
3- سورة النّجم : 53 .
4- ائتفك البلد انقلب ، المؤتفكات : الرياح تختلف مهابّا ، رغا البعير : صوّت ، زعاق : مالح وهذه حال البصرة في ذاك العصر وإن كانت آثارها الطبيعة عامّة في كلّ زمان . ج . ز
5- تفسير القمي : 2/339 ؛ بحار الأنوار 32/226 ، ح 176 .
6- مجمع البيان : 9/303 .

جبرائيل بعد أن رفعها(1) هذا تنزيل الآية الشريفة وما رواه القمي ؛ تأويلها .

وقال القمي ؛ في تفسير قوله تعالى : ( وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ )(2) المؤتفكات البصرة والخاطئة فلانة(3) .

عن محمّد البرقيّ عن سيف بن عميرة عن أخيه عن منصور بن حازم عن حمران قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقرأ وجاء فرعون ومن قبله والمتؤفكات بالخاطئة ، قال : « وجاء فرعون يعني الثالث ومن قبله الأوّلين والمؤتفكات أهل البصرة بالخاطئة الحميراء »(4) .

وجاء في بيان المجلسي ؛ : وأمّا تأويل الّذي ذكره عليّ بن إبراهيم فقد رواه مؤلّف تأويل الآيات الباهرة بإ سناده عن حمران ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقرأ : « وجاء فرعون ؛ يعني الثالث ، ومن قبله ؛ يعني الأوّلين ، والمؤتفكات ؛ أهل البصرة ، بالخاطئة ( الحاقة : 9 ) ؛ الحميراء فالمراد بمجي ء الأوّلين والثالث بعايشة أنّهم أسّسوا لها بما فعلوا من الجور على أهل البيت : أساسا به تيسّر لها الخروج والإعتداء على أمير المؤمنين علیه السلام ، ولو لا ما فعلوا لم تكن تجترى ء على ما فعلت »(5) .

قال المجلسي ؛ : روى كمال الدين بن ميثم البحرانيّ(6) مرسلا أنّه لمّا فرغ

ص: 119


1- نفس المصدر : 9/305 .
2- سورة الحاقة : 9 .
3- تفسير القمي : 2/383 ؛ بحار الأنوار : 32/227 ، ح 177 .
4- تأويل الآيات : 689 ؛ بحار الأنوار : 30/260 ، ح 123 .
5- بحار الأنوار : 31/639 .
6- روى إبن ميثم الحديث إلى قوله « وآجامها قصورا » في أوّل شرح المختار : ( 13 ) من نهج البلاغة : ج 1 ، ص 289 ط 2 ، ثمّ شرح مفرات الخطبة ثمّ ذكر قسما آخر منها في ص 292 من ج 1 ، ثمّ ذكر قسما كبيرا في شرح المختار : ( 99 ) من نهج البلاغة في ج 3 ص 16 ، ط 2 ، وقد جمعها المصنّف العلامة وذكرها هاهنا بتمامها .

أمير المؤمنين علیه السلام من أمر الحرب لأهل الجمل أمر مناديا ينادي في أهل البصرة أنّ الصلاة الجامعة لثلاثة أيّام من غد إن شاء اللَّه ولا عذر لمن تخلّف إلّا من حجّة أو علّة فلا تجعلوا على أنفسكم سبيلا فلمّا كان اليوم الّذي إجتمعوا فيه خرج علیه السلام فصلّى بالنّاس الغداة في المسجد الجامع فلمّا قضى صلاته قام فأسند ظهره إلى حائط القبلة عن يمين المصلّى فخطب الناس فحمد اللَّه وأثنى عليه بما هو أهله وصلّى على النبيّ صلی الله علیه وآله واستغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات ثمّ قال : « يا أهل البصرة يا أهل المؤتفكة وائتفكت بأهلها ثلاثا وعلى اللَّه تمام الرابعة ، يا جند المرأة وأعوان البهيمة رغا فأجبتم وعقر فانهزمتم أخلاقكم دقاق ودينكم نفاق وماؤكم زعاق بلادكم أنتن بلاد اللَّه تربة وأبعدها من السماء ، بها تسعة أعشار الشرّ المحتبس فيها بذنبه والخارج منها بعفو اللَّه ، كأنّي أنظر إلى قريتكم هذه وقد طبّقها الماء حتّى ما يرى منها إلّا شرف المسجد كأنّه جؤجؤ طير في لجّة بحر » . فقام إليه الأحنف بن قيس فقال له : يا أمير المؤمنين ومتى يكون ذلك ؟ قال : « يا أبا بحر إنّك لن تدرك ذلك الزمان وإنّ بينك وبينه لقرونا ولكن ليبلغ الشاهد منكم الغائب عنكم لكي يبلغوا إخوانهم إذا هم رأوا البصرة قد تحوّلت أخصاصها دورا وآجامها قصورا فالهرب الهرب فإنّه لا بصيرة لكم يومئذ » ، ثمّ إلتفت عن يمينه فقال : « كم بينكم وبين الأبلّة ؟ » فقال له المنذر بن الجارود : فداك أبي وأمّي أربعة فراسخ ، قال له : « صدقت فو الّذي بعث محمّدا صلی الله علیه وآله وأكرمه بالنّبوّة

ص: 120

وخصّه بالرّسالة وعجّل بروحه إلى الجنّة لقد سمعت منه كما تسمعون منّي أن قال لي : يا عليّ هل علمت أنّ بين الّتي تسمّى البصرة والّتي تسمّى الأبلّة أربعة فراسخ وسيكون الّتي تسمّى الأبلّة موضع أصحاب العشور ويقتل في ذلك الموضع من أمّتي سبعون ألفا شهيدهم يومئذ بمنزلة شهداء بدر » .

فقال له المنذر : يا أمير المؤمنين ومن يقتلهم فداك أبي وأمّي ؟ قال : « يقتلهم إخوان الجنّ وهم جيل كأنّهم الشياطين سود ألوانهم منتنة أرواحهم شديد كلبهم قليل سلبهم طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه ، ينفر لجهادهم في ذلك الزمان قوم هم أذلّة عند المتكبّرين من أهل الزمان ، مجهولون في الأرض معروفون في السماء تبكي السماء عليهم وسكّانها والأرض وسكّانها » ، ثمّ هملت(1) عيناه بالبكاء ثمّ قال : « ويحك يا بصرة ويلك يا بصرة من جيش لا رهج(2) له ولا حسّ » ، فقال له المنذر : يا أمير المؤمنين وما الّذي يصيبهم من قبل الغرق ممّا ذكرت وما الويح وما الويل ؟ فقال : « هما بابان فالويح باب الرحمة والويل باب العذاب يا إبن الجارود نعم تارات عظيمة ، منها عصبة تقتل بعضها بعضا ، ومنها فتنة تكون بها إخراب منازل وخراب ديار وإنتهاك أموال وقتل رجال وسباء نساء يذبحن ذبحا ، يا ويل أمرهنّ حديث عجيب ، منها أن يستحلّ بها الدجّال الأكبر الأعور الممسوح العين اليمنى والأخرى كأنّها ممزوجة بالدّم لكأنّها في الحمرة علقة ناتي(3) الحدقة كهيئة حبّة العنب الطاّفية على الماء فيتّبعه من أهلها عدّة من

ص: 121


1- هلمت : أي فاضت .
2- رهج : غبار .
3- ناتي ء : المرتفع .

قتل بالأبلّة من الشهداء أناجيلهم في صدورهم يقتل من يقتل ويهرب من يهرب ثمّ رجف ثمّ قذف ثمّ خسف ثمّ مسخ ثمّ الجوع الأغبر ثمّ الموت الأحمر وهو الغرق ، يا منذر إنّ للبصرة ثلاثة أسماء سوى البصرة في الزبر الأوّل لا يعلمها إلّا العلماء منها الخريبة ومنها تدمر ومنها المؤتفكة ، يا منذر والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو أشاء لأخبرتكم بخراب العرصات عرصة عرصة متى تخرب ومتى تعمر بعد خرابها إلى يوم القيامة وإنّ عندي من ذلك علما جمّا وإن تسألوني تجدوني به عالما لا أخطى ء منه علما ولا دافئا(1) ولقد إ ستودعت علم القرون الأولى وما هو كائن إلى يوم القيامة » ، ثمّ قال : « يا أهل البصرة إنّ اللَّه لم يجعل لأحد من أمصار المسلمين خطّة شرف ولا كرم إلّا وقد جعل فيكم أفضل ذلك وزادكم من فضله بمنّه ما ليس لهم أنتم أقوم الناس قبلة قبلتكم على المقام حيث يقوم الإمام بمكّة ، وقارؤكم أقرأ الناس ، وزاهدكم ازهد الناس ، وعابدكم أعبد الناس ، وتاجركم أتجر الناس وأصدقهم في تجارته ، ومتصدّقكم أكرم الناس صدقة ، وغنيّكم أشدّ الناس بذلا وتواضعا وشريفكم أحسن الناس خلقا ، وأنتم أكرم الناس جوارا وأقلّهم تكلّفا لما لا يعنيه وأحرصهم على الصلاة في جماعة ، ثمرتكم أكثر الثمار ، وأموالكم أكثر الأموال وصغاركم أكيس الأولاد ، ونساؤكم أقنع النساء وأحسنهنّ تبعّلا ، سخّر لكم الماء يغدو عليكم ويروح ، صلاحا لمعاشكم والبحر سببا لكثرة أموالكم فلو صبرتم واستقمتم لكانت شجرة طوبى لكم مقيلا وظلّا ظليلا وغير أنّ حكم اللَّه فيكم ماض وقضاءه نافذ لا معقّب لحكمه وهو سريع الحساب يقول اللَّه : ( وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ

ص: 122


1- دافن الأمر : داخلة .

ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً )(1) وأقسم لكم يا أهل البصرة ما الّذي إبتدأتكم به من التوبيخ إلّا تذكير وموعظة لما بعد لكي لا تسرّعوا إلى الوثوب في مثل الّذي وثبتم وقد قال اللَّه لنبيّه صلوات اللَّه عليه وآله ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ )(2) ولا الّذي ذكرت فيكم من المدح والتطرية بعد التذكير والموعظة رهبة منّي لكم ولا رغبة في شي ء ممّا قبلكم فإنّي لا أريد المقام بين أظهركم إن شاء اللَّه لأمور تحضرني قد يلزمنى القيام بها فيما بيني وبين اللَّه لا عذر لي في تركها ولا علم لكم بشي ء منها حتّى يقع ممّا أريد أن أخوضها مقبلا ومدبرا ، فمن أراد أن يأخذ بنصيبه منها فليفعل ، فلعمري إنّه للجهاد الصافي صفّاه لنا كتاب اللَّه ولا الّذي أردت به من ذكر بلادكم موجدة منّي عليكم لما شاققتموني غير أنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال لي يوما وليس معه غيري : إنّ جبرئيل الروح الأمين حملني على منكبه الأيمن حتّى أراني الأرض ومن عليها وأعطاني أقاليدها وعلّمني ما فيها وما قد كان على ظهرها وما يكون إلى يوم القيامة ولم يكبر ذلك عليّ كما لم يكبر على أبي آدم علّمه الأسماء كلّها ولم يعلمها الملائكة المقرّبون ، وإنّي رأيت بقعة على شاطى ء البحر تسمّى البصرة ، فإذا هي أبعد الأرض من السماء وأقربها من الماء وإنّها لأسرع الأرض خرابا وأخشنها ترابا وأشدّها عذابا ، ولقد خسف بها في القرون الخالية مرارا وليأتينّ عليها زمان وإنّ لكم يا أهل البصرة وما حولكم من القرى من الماء ليوما عظيما بلاؤه وإنّي لأعرف موضع منفجره من قريتكم هذه ، ثمّ أمور قبل ذلك تدهمكم أخفيت عنكم وعلمناه فمن خرج منها عند دنوّ غرقها فبرحمة من اللَّه

ص: 123


1- سورة الأسرا : 58 .
2- سورة الذّاريات : 55 .

سبقت له ومن بقي فيها غير مرابط بها فبذنبه وما اللَّه بظلّام للعبيد » .

فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة ومن أهل الفرقة ومن أهل البدعة ومن أهل السنّة ؟ فقال علیه السلام : « إذا سألتني فافهم عنّي ولا عليك أن لا تسأل أحدا بعدي ، أمّا أهل الجماعة فأنا ومن اتّبعني وإن قلّوا وذلك الحقّ عن أمر اللَّه و أمر رسوله صلی الله علیه وآله ، وأمّا أهل الفرقة فالمخالفون لي ولمن اتّبعني وإن كثروا ، وأمّا أهل السنّة فالمستمسكون بما سنّة اللَّه لهم ورسوله وإن قلّوا ، وأمّا أهل البدعة فالمخالفون لأمر اللَّه ولكتابه ورسوله العاملون برأيهم وأهوائهم وإن كثروا وقد مضى الفوج الأوّل وبقيت أفواج وعلى اللَّه قصمها وإ ستيصالها عن جدد الأرض » وباللَّه التوفيق(1) ،(2) .

ولعلّ تمام الخطبة ما في « الإحتجاج » عن يحيى بن عبداللَّه بن الحسن عن أبيه عبد اللَّه بن الحسن قال : كان أمير المؤمنين علیه السلام يخطب بالبصرة بعد دخوله بأيّام ، فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني من أهل الجماعة ومن أهل الفرقة - إلى أن قال - وإ ستيصالها عن جدد الأرض فقام إليه عمّار فقال : يا أمير المؤمنين إنّ الناس يذكرون ألفى ء ويزعمون أنّ من قاتلنا فهو وماله وولده فى ء لنا .

فقام إليه رجل من بكر بن وائل ويدعى عبّاد بن قيس ، وكان ذا عارضة ولسان شديد فقال : يا أمير المؤمنين واللَّه ما قسمت بالسّويّة ولا عدلت بالرّعيّة ، فقال علیه السلام : « ولم ويحك ؟ »

ص: 124


1- الظاهر أنّ جملة : « وباللَّه التوفيق » من كلام إبن ميثم ؛ ، وليست من كلام أمير المؤمنين وجزء للخطبة كما يؤيّد ذلك عدم وجودها في كتاب الإحتجاج وكنز العمّال .
2- بحار الأنوار : 32/253 ، ش 199 .

قال : لأنّك قسمت ما في العسكر وتركت الأموال والنساء والذريّة ، فقال علیه السلام : « أيّها الناس من كانت به جراحة فليداوها بالسّمن » ، فقال عبّاد : جئنا نطلب غنائمنا فجاءنا بالتّرّهات ، فقال له أمير المؤمنين علیه السلام : « إن كنت كاذبا فلا أماتك اللَّه حتّى يدركك غلام ثقيف » ، قيل : ومن غلام ثقيف ؟ فقال علیه السلام : « رجل لا يدع للَّه حرمة إلّا إنتهكها » ، فقيل : أ فيموت أو يقتل ؟ فقال : « يقصمه قاصم الجبّارين بموت فاحش يحترق منه دبره لكثرة ما يجري من بطنه ، يا أخا بكر أنت إمرؤ ضعيف الرأي ، أ وما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير ، وأنّ الأموال كانت لهم قبل الفرقة وتزوّجوا على رشدة وولدوا على فطرة ، وإنّما ما حوى عسكركم وما كان في دورهم فهو ميراث ، فإن عدا أحد منهم أخذناه بذنبه ، وإن كفّ عنّا لم نحمل عليه ذنب غيره .

يا أخا بكر لقد حكمت فيهم بحكم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في أهل مكة ، فقسم ما حوى العسكر ولم يتعرّض لما سوى ذلك ، وإنّما اتّبعت أثره حذو النعل بالنّعل .

يا أخا بكر أما علمت أنّ دار الحرب يحلّ ما فيها ، وأنّ دار الهجرة يحرم ما فيها إلّا بالحقّ فمهلا مهلا رحمكم اللَّه ، فإن لم تصدّقوني وأكثرتم عليّ وذلك أنّه تكلّم في هذا غير واحد ، فأيّكم يأخذ عائشة بسهمه ؟ » ، فقالوا : يا أمير المؤمنين أصبت وأخطأنا وعلمت وجهلنا فنحن نستغفر اللَّه تعالى ، ونادى الناس من كلّ جانب أصبت يا أمير المؤمنين أصاب اللَّه بك الرشاد والسداد .

فقام عبّاد فقال : أيّها الناس إنّكم واللَّه لو اتبعتموه وأطعتموه لن يضلّ بكم عن منهل نبيّكم حتّى قيد شعرة وكيف لا يكون ذلك وقد إ ستودعه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله علم المنايا والقضايا وفصل الخطاب على منهاج هارون علیه السلام وقال له : « أنت منّي بمنزلة

ص: 125

هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدى » ، فضلا خصّه اللَّه به وإكراما منه لنبيّه صلی الله علیه وآله حيث أعطاه ما لم يعط أحدا من خلقه » .

ثمّ قال أمير المؤمنين علیه السلام : « أنظروا رحمكم اللَّه ما تؤمرون فامضوا له ، فإنّ العالم أعلم بما يأتي به من الجاهل الخسيس الأخسّ فإنّي حاملكم إن شاء اللَّه إن اطعتموني على سبيل النجاة وإن كان فيه مشقّة شديدة ومرارة عديدة والدنيا حلوة الحلاوة لمن اغترّ بها من الشقاوة والندامة عمّا قليل ، ثمّ إنّي أخبركم أنّ جيلا من بني إ سرائيل أمرهم نبيّهم أن لا يشربوا من النهر فلجّوا في ترك أمره فشربوا منه إلّا قليل جقليلاج منهم ، فكونوا رحمكم اللَّه من أولئك الّذين أطاعوا نبيّهم ولم يعصوا ربّهم ، وأمّا عايشة فأدركها رأي النساء ولها بعد ذلك حرمتها الأولى والحساب على اللَّه يعفو عمّن يشاء ويعذّب من يشاء »(1) .

الثاني : في الإشارة إلى جملة من الآيات والأخبار الواردة في نهي عايشة عن الخروج إلى القتال وما فيها الإشارة إلى تعدّيها عن حدود اللَّه وعمّا أوجباه في حقّها فنقول(2) :

عن حمّاد عن حريز قال سألت أبا عبداللَّه علیه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ : ( يَا نِسَاءَ النَّبِىِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ )(3) ، قال « الفاحشة الخروج بالسّيف »(4) .

عن عبداللَّه بن مسعود : إنّ يوشع بن نون وصيّ موسى عاش بعد موسى ثلاثين

ص: 126


1- الإحتجاج : 1/168 ؛ بحار الأنوار : 32/221 ، ح 173 .
2- منهاج البراعة : 6/317 .
3- سورة الأحزاب : 30 .
4- تفسير القمي : 2/193 ؛ بحار الأنوار : 22/199 ، ح 16 .

سنة وخرجت عليه صفراء بنت شعيب زوجة موسى علیه السلام فقالت : أنا أحقّ منك بالأمر فقاتلها فقتل مقاتليها وأسرها فأحسن أسرها وإنّ إبنة أبي بكر ستخرج على عليّ في كذا وكذا ألفا من أمّتي فتقاتله فيقتل مقاتليها ويأسرها فيحسن أسرها

وفيها أنزل اللَّه عزّوجلّ ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )(1) يعني صفراء بنت شعيب(2) .

عن أبي عبداللَّه علیه السلام عن أبيه في هذه الآية ( وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) قال : « أي سيكون جاهليّة أخرى »(3) .

إبن عبّاس لمّا علم اللَّه أنّه ستجري حرب الجمل قال لأزواج النبيّ ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) وقال تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِىِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ )(4) في حربها مع عليّ علیه السلام(5) .

روى الشعبي(6) عن عبد الرحمن بن مسعود العبدي قال : كنت بمكّة مع عبداللَّه بن الزبير وطلحة والزبير فأرسلا عبداللَّه بن الزبير فقالا له إنّ عثمان قتل مظلوما وإنّا نخاف أمر أمّة محمّد صلی الله علیه وآله أن يختلّ فإن رأت عايشة أن تخرج معنا لعلّ اللَّه أن

ص: 127


1- سورة الأحزاب : 33 .
2- كمال الدين وتمام النعمة : 1/27 ؛ بحار الأنوار : 22/512 ، ح 12 .
3- تفسير القمي : 2/193 ؛ بحار الأنوار : 22/189 ، ح 1 .
4- سورة الأحزاب : 30 .
5- مناقب : 3/148 ؛ بحار الأنوار : 32/283 .
6- الشعبي - بفتح الأوّل وسكون الثاني - : أبو عمر عامر بن شراحيل الكوفيّ ينسب إلى شعب بطن من همدان . يعد من كبّار التابعين وجلتهم ، وكان فقيها شاعرا روى عن خمسين ومائة من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كذا عن السمعاني . مات فجأة بالكوفة سنة 104 ويظهر من إبن خلّكان أنّ الشعبي كان قاضيا على الكوفة . الكنى والألقاب : ج 2 ص 327/328 .

يرتق بها فتقا ويشعب بها صدعا ، فخرجنا نمشي حتّى إنتهينا إليها فدخل عبداللَّه بن الزبير في سترها وجلست على الباب فأبلغها ما أرسلا به إليها فقالت : سبحان اللَّه ، ما أمرت بالخروج وما تحضرني من أمّهات المؤمنين إلّا أمّ سلمة فإن خرجت خرجت معها فرجع إليهما فبلّغهما ذلك ، فقالا : إرجع إليها فلتأتها فهي أثقل عليها منّا فرجع إليها فبلّغها فأقبلت حتّى دخلت أمّ سلمة فقالت أمّ سلمة : مرحبا بعايشة واللَّه ما كنت لي بزوّارة فما بدا لك ؟ قدم طلحة والزبير فخبرا أنّ أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوما فصرخت أمّ سلمة صرخة أسمعت من في الدار فقالت : يا عايشة بالأمس أنت تشهدين عليه بالكفر وهو اليوم أمير المؤمنين قتل مظلوما ؟ فما تريدين ؟ قالت : تخرجين معنا فعلّ اللَّه أن يصلح بخروجنا أمر أمّة محمّد صلی الله علیه وآله قالت : يا عايشة تخرجين وقد سمعت من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ما سمعنا ، نشدتك باللَّه يا عايشة الّذي يعلم صدقك إن صدقت أ تذكرين يوما كان نوبتك من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فصنعت حريرة في بيتي فأتيته بها وهو صلی الله علیه وآله يقول : « واللَّه لا تذهب الليالي والأيّام حتّى تتنابح كلاب ماء بالعراق يقال له : الحوأب ، إمرأة من نسائي في فئة باغية فسقط الإناء من يدي » فرفع رأسه إليّ وقال : « ما بالك يا أمّ سلمة ؟ » فقلت : يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ألا يسقط الإناء من يدي وأنت تقول ما تقول ؟ ما يؤمنني أن أكون هي أنا ؟ فضحكت أنت فالتفت إليك فقال صلی الله علیه وآله : « ممّا تضحكين يا حميراء الساقين ؟ » إنّي أحسبك هي ، ونشدتك باللَّه با عايشة أ تذكرين ليلة أسرى بنا مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من مكان كذا وكذا هو بيني وبين عليّ بن أبي طالب علیه السلام يحدّثنا فأدخلت جملك فحال بينه وبين عليّ علیه السلام فرفع مقرعة كانت معه يضرب بها وجه جملك وقال : « أما واللَّه ما يومه منك بواحدة ، أما إنّه لا يبغضه إلّا منافق كذّاب »

ص: 128

، وأنشدك باللَّه أ تذكرين مرض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الّذي قبض فيه فأتاه أبوك يعوده ومعه عمر وقد كان عليّ بن أبي طالب علیه السلام يتعاهد ثوب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ونعله وخفّه ويصلح ما وهي منها ، فدخل قبل ذلك فأخذ نعل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهي حضرميّة فهو يخصفها خلف البيت فاستأذنا عليه فأذن لهما فقالا : يا رسول اللَّه كيف أصبحت ؟

قال : « أصبحت أحمد اللَّه » ، قالا : لا بدّ من الموت ، قال : « أجل لا بدّ من الموت » ، قالا : يا رسول اللَّه فهل إ ستخلفت أحدا ؟ قال : « ما خليفتي فيكم إلّا خاصف النعل » ، فخرجا فمرّا على عليّ بن أبي طالب علیه السلام وهو يخصف نعل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كلّ ذلك تعرفينه يا عايشة وتشهدين عليه .

ثمّ قالت أمّ سلمة : يا عايشة أنا أخرج على عليّ علیه السلام بعد الّذي سمعته من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟ فرجعت عايشة إلى منزلها فقالت : يا ابن الزبير أبلغهما أنّي لست بخارجة من بعد الّذي سمعت من أمّ سلمة ، فرجع فبلّغهما ، قال : فما انتصف الليل حتّى سمعت رغاء إبلهما ترتحل فارتحلت معهما(1) .

وعن جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام عن أبيه عن آبائه عن عليّ علیه السلام قال : « كنت أنا ورسول اللَّه صلی الله علیه وآله في المسجد بعد أن صلّى الفجر ثمّ نهض ونهضت معه وكان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إذا أراد أن يتّجه إلى موضع أعلمني بذلك - وكان إذا أبطأ في ذلك الموضع صرت إليه لأعرف خبره لأنّه لا يتصابر قلبي على فراقه ساعة واحدة ، فقال لي : أنا متّجه إلى بيت عايشة . فمضى صلی الله علیه وآله ومضيت إلى بيت فاطمة الزهراء 3 . فلم أزل مع الحسن والحسين فأنا وهي مسروران بهما ثمّ إنّي نهضت وسرت إلى باب عايشة فطرقت الباب فقالت : من هذا ؟ فقلت لها : أنا عليّ ، فقالت : إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله

ص: 129


1- الإحتجاج : 1/165 ؛ بحار الأنوار : 32/149 ، ح 124 .

راقد . فانصرفت ثمّ قلت النبيّ صلی الله علیه وآله راقد وعايشة في الدار ، فرجعت وطرقت الباب فقالت لي : من هذا ؟ فقلت لها : أنا عليّ ، فقالت : إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله على حاجة فانثنيت مستحييا من دقّ الباب ووجدت في صدري ما لا أستطيع عليه صبرا فرجعت مسرعا فدققت الباب دقّا عنيفا ، فقالت لي عايشة : من هذا ؟ فقلت : أنا عليّ فسمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : يا عايشة إفتحى له الباب ففتحت ودخلت ، فقال لي : إقعد يا أبا الحسن أحدّثك بما أنا فيه أو تحدّثني بإبطائك عنّي ؟ فقلت : يا رسول اللَّه حدّثني فإنّ حديثك أحسن . فقال صلی الله علیه وآله : يا أبا الحسن كنت في أمر كتمته من ألم الجوع فلمّا دخلت بيت عايشة وأطلت القعود ليس عندها شى ء تأتي به فمددت يدي وسألت اللَّه القريب المجيب فهبط علىّ حبيبي جبرئيل 3 ومعه هذا الطير ووضع إصبعه على طائر بين يديه ، فقال : إنّ اللَّه عزّوجلّ أوحى إليّ أن آخذ هذا الطير وهو أطيب طعام في الجنّة فآتيك به يا محمّد ، فحمدت اللَّه عزّوجلّ كثيرا ، وعرج جبرئيل فرفعت يدي إلى السماء ، فقلت : اللهمّ يسّر عبدا يحبّك ويحبّني يأكل معي من هذا الطير فمكثت مليّا فلم أر أحدا يطرق الباب فرفعت يدي ثمّ قلت اللهمّ يسّر عبدا يحبّك ويحبّني وتحبّه وأحبّه يأكل معي من هذا الطير فسمعت طرق الباب وإرتفاع صوتك فقلت لعايشة : أدخلي عليّا فدخلت ، فلم أزل حامدا للَّه حتّى بلغت إليّ إذ كنت تحبّ اللَّه وتحبّني ويحبّك اللَّه وأحبّك ، فكلّ يا عليّ ، فلمّا أكلت أنا والنبي الطائر قال لي : يا عليّ حدّثني فقلت : يا رسول اللَّه لم أزل منذ فارقتك أنا وفاطمة والحسن والحسين مسرورين جميعا ثمّ نهضت أريدك فجئت فطرقت الباب فقالت لي عايشة : من هذا ؟ فقلت : أنا عليّ ، فقالت : إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله راقد ، فانصرفت . فلمّا أن صرت إلى بعض الطريق الّذي سلكته رجعت

ص: 130

فقلت : النبيُّ صلی الله علیه وآله راقد وعايشة في الدار لا يكون هذا فجئت فطرقت الباب فقالت لي : من هذا ؟ فقلت لها : أنا عليّ ، فقالت : إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله على حاجة . فانصرفت مستحييا . فلمّا إنتهيت إلى الموضع الّذي رجعت منه أوّل مرّة وجدت في قلبي ما لا أستطيع عليه صبرا وقلت النبيّ صلی الله علیه وآله على حاجة وعايشة في الدار . فرجعت فدققت الباب الدقّ الّذي سمعته فسمعتك يا رسول اللَّه وأنت تقول لها : أدخلي عليّا ، فقال النبيّ صلی الله علیه وآله : أبي اللَّه إلّا أن يكون الأمر هكذا يا حميراء ما حملك على هذا ؟

قالت : يا رسول اللَّه إ شتهيت أن يكون أبي يأكل من هذا الطير . فقال لها : ما هو بأوّل ضغن بينك وبين عليّ وقد وقفت جعلى ما في قلبك ج لعليّ إن شاء اللَّه لتقاتلنّه . فقالت : يا رسول اللَّه وتكون النساء يقاتلن الرجال ؟

فقال لها : يا عايشة إنّك لتقاتلين عليّا ويصحبك ويدعوك إلى هذا نفر من أهل بيتي وأصحابي(1) فيحملونك عليه وليكوننّ في قتالك له أمر يتحدّث به الأوّلون و الآخرون وعلامة ذلك أنّك تركبين الشيطان ثمّ تبتلين قبل أن تبلغي إلى الموضع الّذي يقصد بك إليه فتنبح عليك كلاب الحوأب فتسألين الرجوع فتشهد عندك قسامة أربعين رجلا ما هي كلاب الحوأب فتنصرفين(2) إلى بلد أهله أنصارك وهو أبعد بلاد على الأرض من السماء وأقربها إلى الماء ولترجعنّ وأنت صاغرة غير بالغة ما تريدين ويكون هذا الّذي يردّك مع من يثق به من أصحابه وإنّه لك خير

ص: 131


1- يريد بأهل بيته المعنى العام لأهل بيت الرجل أي : أقاربه والمقصود هنا هو « الزبير بن العوام » وليس المقصود من أهل البيت المعنى الخاص المقصور على الخمسة من أصحاب الكساء ، الّذين أذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا .
2- وفي نسخة « فتنصيرين » بدل تنصرفين .

منك له ولينذرنّك بما يكون الفراق بيني وبينك في الآخرة ، وكلّ من فرّق عليّ بيني وبينه بعد وفاتي ففراقه جائز . فقالت : يا رسول اللَّه ليتني متّ قبل أن يكون ما تعدني ، فقال لها : هيهات هيهات والّذي نفسي بيده ليكوننّ ما قلت حقّ كأنّي أراه . ثمّ قال صلی الله علیه وآله لي : قم يا عليّ فقد وجبت صلاة الظهر حتّى آمر بلالا بالأذان . فأذّن بلال وأقام وصلّى وصلّيت معه ولم يزل في المسجد »(1) .

روى عن الباقر علیه السلام أنّه قال : « لمّا كان يوم الجمل وقد رشق هودج عايشة بالنّبل ، قال أمير المؤمنين علیه السلام : واللَّه ما أراني إلّا مطلّقها فأنشد اللَّه رجلا سمع من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : يا عليّ أمر نسائي بيدك من بعدي لمّا قام فشهد فقال : فقام ثلاثة عشر رجلا فيهم بدريّان فشهدوا أنّهم سمعوا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول لعليّ بن أبي طالب علیه السلام : يا عليّ أمر نسائي بيدك من بعدي ، قال : فبكت عايشة عند ذلك حتّى سمعوا بكاءها »(2) .

وعن الحسن بن حمّاد عن زياد بن المنذر عن الأصبغ بن نباته قال : لمّا عقر الجمّل وقف علي علیه السلام على عايشة فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ قالت : ذيت وذيت ، فقال : أمّا والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لقد ملأت أذنيك من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهو يلعن أصحاب الجمل وأصحاب النهروان أمّا أحياؤهم فيقتلون في الفتنة وأمّا أمواتهم ففي النار على ملّة اليهود(3) ، إلى غير ذلك ممّا رواها الأصحاب .

ص: 132


1- الإحتجاج : 1/197 ؛ بحار الأنوار : 38/348 ، ح 1 .
2- الإحتجاج : 1/164 ؛ بحار الأنوار : 32/201 ، ح 154 .
3- الكافئة : 34 ، ح 35 ؛ بحار الأنوار : 32/285 ، ح 234 .

بسم الله الرحمن الرحیم

14 - ومن كلام له علیه السلام في مثل ذلك

اشارة

أَرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَاءِ بَعِيدَةٌ مِنَ السَّمَاءِ خَفَّتْ عُقُولُكُمْ وَ سَفِهَتْ حُلُومُكُمْ فَأَنْتُمْ غَرَضٌ لِنَابِلٍ وَ أُكْلَةٌ لِآكِلٍ وَ فَرِيسَةٌ لِصَائِلٍ

أَرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَاءِ بَعِيدَةٌ مِنَ السَّمَاءِ

قال في الشرح : إنّ أرباب علم الهيئة وصناعة التنجيم يذكرون أن أبعد موضع في الأرض عن السماء الأبلة(1) وذلك موافق لقوله علیه السلام . ومعنى البعد عن السماء هاهنا هو بعد تلك الأرض المخصوصة عن دائرة معدّل النهار والبقاع والبلاد تختلف في ذلك وقد دلّت الأرصاد والآلات النجومية على أن أبعد موضع في المعمورة عن دائرة معدّل النهار هو الأبلة والأبلة هي قصبة البصرة ، وهذا الموضع من خصائص أمير المؤمنين علیه السلام لأنّه أخبر عن أمر لا تعرفه العرب ولا تهتدي إليه وهو مخصوص بالمدقّقين من الحكماء وهذا من أسراره وغرائبه البديعة(2) .

ص: 133


1- الأبلة بضمّ أوّله وثانيه وتشديد اللّام وفتحها : بلدة على شاطى ء دجلة البصرة العظمى ، في زاوية الخليج الّذي يدخل إلى مدينة البصرة ؛ وهي أقدم من البصرة . مراصد الإطّلاع 1 : 18 .
2- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 1/268 .

خَفَّتْ عُقُولُكُمْ وَ سَفِهَتْ حُلُومُكُمْ

أنّ قوما أتوا الصادق علیه السلام يسألونه عن الحديث : فقال لرّجل منهم : هل سمعت الحديث من غيري ؟ قال : نعم . وحدّثه بأحاديث موضوعة عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمّد . فقال علیه السلام له : « من أيّ البلاد أنت ؟ » قال : من أهل البصرة ، قال علیه السلام « هذا الّذي تحدّث عنه وتذكر إ سمه جعفر بن محمّد هل تعرفه ؟ » قال : لا ، قال : « فهل سمعت منه شيئا قط ؟ » قال : لا ، قال : « فهذه الأحاديث عندك حقّ ؟ » قال : نعم . قال : « فمتى سمعتها ؟ » قال : لا أحفظ إلّا انّها أحاديث أهل مصرنا منذ دهر لا يمترون فيها . فقال علیه السلام له : « لو رأيت هذا الرجل الّذي تحدّث عنه فقال لك : هذه الّتي ترويها عنّي كذب ولا أعرفها ولم أحدّث بها ، هل كنت تصدّقه ؟ » قال : لا ، قال علیه السلام : « ولم ؟ » قال : لأنّه شهد على قوله رجال لو شهد أحدهم على عتق رجل لجازقوله - إلى أن قال - قال علیه السلام : « أعجب حديثهم عندي الكذب عليّ والحكاية عنّي ما لم أقل وقولهم لو أنكر الأحاديث ما صدّقناه . ما لهؤلاء ؟ لا أمهل اللَّه لهم ، إنّ عليّا علیه السلام لمّا أراد الخروج من البصرة قام على أطرافها وقال : لعنك اللَّه يا أنتن الأرض ترابا ، وأسرعها خرابا ، وأشدّها عذابا . فيك الداء الدويّ . قيل : ما هو ؟ قال : كلام القدر الّذي فيه الفرية على اللَّه ، وبغضنا أهل البيت ، وإ ستحلالهم الكذب علينا . . . »(1) .

ص: 134


1- رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) : 393 ، ح 741 ( مع تلخيص ) ؛ بحار الأنوار : 47/354 ، ح 64 .

بسم الله الرحمن الرحیم

15 - ومن كلام له علیه السلام فيما ردّه على المسلمين من قطائع عثمان :

وَ اللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ...

وَ اللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ وَمُلِكَ بِهِ الإِمَاءُ لَرَدَدْتُهُ فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً وَ مَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ

هذه الخطبة ذكرها الكلبي مروية مرفوعة إلى أبي صالح عن إبن عبّاس رضى اللَّه عنهما أنّ عليّا علیه السلام خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة فقال : « ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان وكلّ مال أعطاه من مال اللَّه فهو مردود في بيت المال فإنّ الحقّ القديم لا يبطله شي ء ولو وجدته وقد تزوّج به النساء وفرق في البلدان لرددته إلى حاله ( على حاله ) فإنّ في العدل سعة ومن ضاق عنه الحقّ فالجور عليه أضيق » .

قال الكلبي : ثمّ أمر علیه السلام بكلّ سلاح وجد لعثمان في داره ممّا تقوى به على المسلمين فقبض و أمر بقبض نجائب كانت في داره من إبل الصدقة فقبضت وأمر بقبض سيفه ودرعه وأمر ألّا يعرض لسلاح وجد له لم يقاتل به المسلمون وبالكفّ عن جميع أمواله الّتي وجدت في داره وفي غير داره وأمر أن ترتجع الأموال الّتي

ص: 135

أجاز بها عثمان حيث أصيبت أو أصيب أصحابها .

فبلغ ذلك عمرو بن العاص وكان بأيلة من أرض الشام أتاها حيث وثب الناس على عثمان فنزلها فكتب إلى معاوية : ما كنت صانعا فاصنع إذ قشرك إبن أبي طالب من كلّ مال تملكه كما تقشر عن العصا لحاها .

وقال الوليد بن عقبة وهو أخو عثمان من أمّه يذكر قبض على علیه السلام نجائب عثمان وسيفه وسلاحه :

بني هاشم ردّوا سلاح إبن أختكم * ولا تنهبوه لا تحلّ مناهبه

بني هاشم كيف الهوادة بيننا * وعند على درعه ونجائبه

بني هاشم كيف التودّد منكم * وبز إبن أروى فيكم وحرائبه(1)

بني هاشم إلّا تردّوا فإنّنا * سواء علينا قاتلاه وسالبه

بني هاشم إنّا وما كان منكم * كصدع الصفا لا يشعب الصدع شاعبه

قتلتم أخي كيما تكونوا مكانه * كما غدرت يوما بكسرى مرازبه

فأجابه عبداللَّه بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب بأبيات طويلة من جملتها :

فلا تسألونا سيفكم إن سيفكم * أضيع وألقاه لدى الروع صاحبه

وشبهته كسرى وقد كان مثله * شبيها بكسرى هدبه وضرائبه

أي كان كافرا كما كان كسرى كافرا . * وكان المنصور إذا أنشد هذا الشعر يقول لعن اللَّه الوليد هو الّذي فرق بين بني مناف بهذا الشعر(2) .

ص: 136


1- البز : متاع البيت من الثياب . والحرائب : جمع حريبة ؛ وهو مال الرجل الّذي يقوم به أمره .
2- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 1/269 .

وفي الجمل للمفيد :

فلا تسألونا سيفكم إنّ سيفكم * أضيع وألقاه لدى الروع صاحبه

وشبّهته كسرى وقد كان مثله * شبيها بكسرى هديه وضرائبه

سلوا أهل مصر عن سلاح ابن أختنا * فهم سلبوه سيفه وحرائبه

وكان وليّ الأمر بعد محمّد * عليّ وفي كلّ المواطن صاحبه

عليّ وليّ اللَّه أظهر دينه * وأنت مع الأشقين فيما تحاربه

وأنت امرؤ من أهل صفواء نازح * فما لك فينا من حميم تعاتبه

وقد أنزل الرحمن أنّك فاسق * فيما لك في الإسلام سهم تطالبه(1)

وفي تاريخ اليعقوبي : بايع الناس - بعد عثمان عليّا علیه السلام - إلّا ثلاثة نفر من قريش : مروان بن الحكم ، وسعيد بن العاص ، والوليد بن عقبة ، وكان لسان القوم . فقال : يا هذا إنّك قد وترتنا جميعا ، أمّا أنا فقتلت أبي صبرا يوم بدر ، وأمّا سعيد فقتلت أباه يوم بدر ، وكان أبوه من نور قريش ، وأمّا مروان فشتمت أباه وعبت على عثمان حين ضمّه إليه - إلى أن قال - فتبايعنا على أن تضع عنّا ما أصبنا وتعفى لنا عمّا في أيدينا ، وتقتل قتلة صاحبنا . فغضب عليّ وقال : « أما ما ذكرت من وترى إيّاكم ، فألحق وتركم ، وأمّا وضعي عنكم ما أصبتم ، فليس لي أن أضع حقّ اللَّه تعالى ، وأمّا إعفائي عمّا في أيديكم فما كان للَّه وللمسلمين فالعدل يسعكم ، وأمّا قتلي قتلة عثمان ، فلو لزمني قتلهم اليوم لزمني قتالهم غدا ، ولكن لكم أن أحملكم على كتاب اللَّه وسنّة نبيّه ، فمن ضاق عليه الحقّ ، فالباطل عليه أضيق ، وإن شئتم فألحقوا بملاحقكم »(2) .

ص: 137


1- الجمل : 210 .
2- تاريخ اليعقوبي : 2/178 .

16 - ومن خطبة له علیه السلام لمّا يوبع بالمدينة :

اشارة

ذِمَّتِي بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ - إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ الْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْمَثُلاتِ - حَجَزَتْهُ التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ - أَلا وَ إِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّكُم صلی الله علیه وآله وَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً - وَ لَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً وَ لَتُسَاطُنَّ سَوْطَ الْقِدْرِ - حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاكُمْ وَ أَعْلاكُمْ أَسْفَلَكُمْ - وَ لَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا - وَ لَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا وَ اللَّهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً وَ لا كَذَبْتُ كِذْبَةً - وَ لَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وَ هَذَا الْيَوْمِ - أَلا وَ إِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا - وَ خُلِعَتْ لُجُمُهَا فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي النَّارِ - أَلا وَ إِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا - وَ أُعْطُوا أَزِمَّتَهَا فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ - حَقٌّ وَ بَاطِلٌ وَ لِكُلٍّ أَهْلٌ - فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ - وَ لَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ فَلَرُبَّمَا وَ لَعَلَّ وَ لَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيْ ءٌ فَأَقْبَلَ

قال الشريف : أقول : إنّ في هذا الكلام الأدنى من مواقع الإحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان ، وإن حظّ العجب منه أكثر من حظّ العُجب به ، وفيه مع الحال الّتي وصفنا زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان ، ولا يطّلع فجّها إنسان ، ولا يعرف ما أقول إلّا من ضرب في هذه الصناعة بحقّ ، وجرى فيها على عرق ، وما يعقلها إلّا العالمون .

ص: 138

إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ الْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْمَثُلاتِ

قال تعالى : ( تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا )(1) .

وقال تعالى : ( وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ )(2) .

وقال اللَّه تعالى : ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ )(3) .

وقال اللَّه تعالى : ( كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً )(4) .

وقال اللَّه تعالى : ( فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )(5) .

وقال أيضا : ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِاُوْلِي الْأَلْبَابِ )(6) .

عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « تمثّلت الدنيا لعيسى علیه السلام في صورة إمرأة زرقاء فقال لها : كم تزوّجت ، قالت : كثيرا ، قال : فكلّ طلّقك ؟ قالت : بلى جبل ج كلّا قتلت ، قال : فويح أزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بالماضين »(7) .

ص: 139


1- سورة الأعراف : 101 .
2- سورة هود : 120 .
3- سورة يوسف : 2 .
4- سورة طه : 99 .
5- سورة الأعراف : 176 .
6- سورة يوسف : 111 .
7- الزهد : 48 ، ح 129 ؛ بحار الأنوار : 14/330 ، ح 66 .

حَجَزَتْهُ التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ

أنّ الصادق علیه السلام سئل عن تفسير التقوى فقال علیه السلام : « أن لا يفقدك اللَّه حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك »(1) .

وعن فضيل بن عياض عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قلت له من الورع من الناس فقال : « الّذي يتورّع من محارم اللَّه ويجتنب هؤلاء وإذا لم يتّق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه »(2) .

وعن عمر بن حنظلة عنه علیه السلام أيضا في حديث قال : « وإنّما الأمور ثلاثة أمر بيّن رشده فيتّبع وأمر بيّن غيّه فيجتنب وأمر مشكل يردّ علمه إلى اللَّه وإلى رسوله قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ومن أخذ بالشّبهات ارتكبت المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم »(3) .

وعن النعمان بن بشير على منبر الكوفة ، فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال : سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « إنّ لكلّ ملك حمى ، وإنّ حمى اللَّه حلاله وحرامه والمشتبهات بين ذلك ، كما لو أنّ راعيا رعى إلى جانب الحمى لم تثبت غنمه أن تقع في وسطه ، فدعوا المشتبهات »(4) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « أورع الناس من وقف عند الشبهة أعبد الناس من أقام الفرائض أزهد الناس من ترك الحرام أشدّ الناس إجتهادا من ترك الذنوب »(5) .

ص: 140


1- عدّة الداعي : 303 ؛ بحار الأنوار : 67/285 .
2- معاني الأخبار : 252 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 67/303 ، ح 15 .
3- الكافي : 1/68 ، ح 10 ؛ بحار الأنوار : 2/221 .
4- الأمالي للطوسي : 381 ، م 13 ، ح 818 - 69 ؛ بحار الأنوار : 2/259 ، ح 6 .
5- الخصال : 1/16 ، ح 56 ؛ بحار الأنوار : 67/305 ، ح 25 .

وقد نهى اللَّه تعالى في كتابه عن الأخذ بالمشتبهات حيث قال : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهَ ُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ )(1) .

أَلا وَ إِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيِّكُم صلی الله علیه وآله

هذا الكلام يدلّ على أنّ الإمامة كالنّبوّة ، وأنّه علیه السلام مثل النبيّ صلی الله علیه وآله في إمتحان اللَّه تعالى الخلق به . ففي بعثة النبيّ صلی الله علیه وآله سبق جمع كانوا قصّروا ، وقصّر جمع كانوا سبقوا . فاليهود كانوا يبشّرون الناس بظهور النبيّ الخاتم ، ويوعدون الأوس والخزرج به ، فلمّا بعث النبيّ صلی الله علیه وآله كفر به اليهود ، وآمن به الأوس والخزرج كما ورد في تفسير قوله تعالى : ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهَ ُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهَ ُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ )(2) .

وكان أميّة بن أبي الصلت ، وعبداللَّه بن جحش ، وأبو عامر الأوسي ممّن آمن باللَّه في الجاهليّة ، ولكن في الإسلام كفروا ، وكذلك بليّة الناس وإمتحانهم كانت

ص: 141


1- سورة آل عمران : علیه السلام .
2- سورة البقرة : 89 - 90 .

تعود عند قيام كلّ إمام من أئمّة الهدى : قال النوبختي في ( فرقه ) : فلمّا قتل علي علیه السلام إفترقت الفرقة الّتي ثبتت على إمامته ، وانّها فرض من اللَّه تعالى ورسوله فصاروا فرقا ثلاثا : فرقة قالت : إنّ عليّا علیه السلام لم يقتل ولم يمت ، ولا يقتل ولا يموت حتّى يملأ الأرض عدلا وقسطا وهي السبائيّة ، وفرقة قالت : بإمامة محمّد بن الحنفيّه لأنّه كان صاحب راية أبيه يوم البصرة دون أخويه وهي الكيسانيّة ، وفرقة لزمت القول بإمامة الحسن علیه السلام ثمّ بعده بإمامة الحسين علیه السلام حتّى قتل فحارب فرقة من أصحابه ، وقالت : إختلف فعل الحسن علیه السلام وفعل الحسين علیه السلام لأنّه إن كان الّذي فعله الحسن حقّا واجبا صوابا من موادعته مع معاوية مع كثرة أنصاره فما فعله الحسين من محاربة يزيد مع قلّة أنصاره كان باطلا ، وإن كان ما فعله الحسين حقّا صوابا فقعود الحسن كان باطلا فشكّوا في إمامة ورجعوا .

وإختلف القائلون بإمامته بعد أبيه وأخيه . فقالت فرقة بإمامة عليّ بن الحسين علیه السلام ، وفرقة قالت : إنقطعت الإمامة بعد الحسين علیه السلام انّما كانوا ثلاثة مسمّين بأسمائهم استخلفهم النبيّ صلی الله علیه وآله ، وفرقة قالت : إنّ الإمامة صارت بعد الحسين علیه السلام في ولد الحسن والحسين 8 ، من قام منهم ودعا إلى نفسه فهو الإمام وهو السرّحوبية .

ولمّا توفّى عليّ بن الحسين علیه السلام قال القائلون بإمامته بإمامة إبنه الباقر علیه السلام غير نفر يسير أصحاب عمر بن رباح .

ولمّا توفّى الباقر علیه السلام قالت فرقة بإمامة محمّد بن عبداللَّه المحض ، وهم المغيرية ، وقالت فرقة منهم بإمامة إبنه الصادق علیه السلام .

ولمّا توفّى الصادق علیه السلام إفترقت شيعته ستّ فرق ، فرقة قالت : إنّه لم يمت ولا

ص: 142

يموت وهم الناووسيّة ، وفرقة قالت : الإمام بعده إبنه إ سماعيل ، وانّه لم يمت في حياة أبيه ، وفرقة قالت : الإمام بعده محمّد بن إ سماعيل لأنّ إ سماعيل مات في حياته وهم المباركيّة ، وقالت فرقة : إنّ الإمام بعد محمّد بن جعفر وهم السمطيّة ، وقالت فرقة منهم : إنّ الإمام بعده إبنه عبداللَّه الأفطح وهم الفطحيّة ، وقالت فرقة : إنّ الإمام بعده إبنه الكاظم علیه السلام .

ولمّا توفّى الكاظم علیه السلام صارت الشيعة خمس فرق ، فرقة قالت : إنّ الإمام بعده إبنه الرضا علیه السلام ، وهم القطعيّة ، لأنّها قطعت بوفاة أبيه ، وقالت فرقة : إنّ الكاظم علیه السلام لم يمت وإنّه إختفى ، وبعضهم قال : مات ورجع ، وبعضهم قال : لا يرجع إلّا وقت قيامه ، وبعضهم قال : مات ورفعه اللَّه ، وينزل عند قيامه . وكلّهم الواقفة ، وفرقة قالت : غاب ، وإ ستخلف محمّد بن بشير إلى أن يرجع وهم البشيريّة .

ولمّا مات الرضا علیه السلام قالت فرقة : إنّ الإمام بعده إبنه الجواد علیه السلام ، وفرقة قالت : أخوه أحمد لكون الجواد علیه السلام إذ ذاك إبن سبع .

ولمّا توفّى الجواد علیه السلام قالت شيعته بإمامة إبنه الهادي علیه السلام سوى شرذمة قالوا بإمامة أخيه موسى بن محمّد مدّة ثمّ رجعوا إليه علیه السلام .

ولمّا توفّى الهادي علیه السلام قالت فرقة : إنّ الإمام بعده إبنه محمّد ، وإنّه لم يمت في حياة أبيه ، وقالت فرقة ، إنّ الإمام بعده الحسن إبنه علیه السلام ، وقال نفر يسير بإمامة أخيه جعفر .

ولمّا توفّى الحسن علیه السلام إفترق أصحابه أربع عشرة فرقة ، الأولى : أنّه لم يمت ، والثانية : أنّه مات وعاش ، والثالثة : أنّ الإمام بعده أخوه جعفر منه ، والرابعة : أنّه

ص: 143

جعفر من قبل أبيه - إلخ(1) .

كما أنّه تعود بليّة الناس عند قيام القائم علیه السلام . فعن الصادق علیه السلام : « إذا خرج القائم علیه السلام خرج من هذا الأمر من كان يرى أنّه من أهله ، ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر »(2) .

كما أنّ بليّة الناس في أمير المؤمنين علیه السلام كانت مرّتين : وقت قيامه كما قاله هنا ، وبعد وفاة النبيّ صلی الله علیه وآله وبيعة أبي بكر(3) .

حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاكُمْ وَ أَعْلاكُمْ أَسْفَلَكُمْ

عن أبي عبداللَّه علیه السلام أنّه قال : « واللَّه لتكسرنّ تكسّر الزجاج وإنّ الزجاج ليعاد فيعود كما كان واللَّه لتكسّرنّ تكسّر الفخّار فإنّ الفخّار ليتكسّر فلا يعود كما كان واللَّه لتغربلنّ و واللَّه لتميّزنّ و واللَّه لتمحّصنّ حتّى لا يبقى منكم إلّا الأقلّ »(4) .

وعن أبي جعفر علیه السلام أنّه قال : « لتمحّصنّ يا شيعة آل محمّد تمحيص الكحل في العين وإنّ صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا ويمسى وقد خرج منها ويمسى على شريعة من أمرنا ويصبح وقد خرج منها »(5) .

وعن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال : « كونوا كالنّحل في الطير ليس شي ء من الطير

ص: 144


1- فرق الشيعة للحسن بن موسى النوبختي ؛ بهج الصباغة : 4/520 .
2- الغيبة للنعماني : 317 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 52/364 ، ح 137 .
3- بهج الصباغة : 4/523 .
4- الغيبة للنعماني : 207 ، ح 13 .
5- نفس المصدر : 206 ، ح 12 .

إلّا وهو يستضعفها ولو علمت الطير ما في أجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك(1) خالطوا الناس بألسنتكم وأبدانكم وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم(2) فو الّذي نفسي بيده ما ترون ما تحبّون حتّى يتفل بعضكم في وجوه بعض وحتّى يسمّى بعضكم بعضا كذّابين وحتّى لا يبقى منكم أو قال من شيعتي إلّا كالكحل في العين والملح في الطعام(3) وسأضرب لكم مثلا وهو مثل رجل كان له طعام فنقّاه وطيّبه ثمّ أدخله بيتا وتركه فيه ما شاء اللَّه ثمّ عاد إليه فإذا هو قد أصابه السوس(4) فأخرجه ونقّاه وطيّبه ثمّ أعاده إلى البيت فتركه ما شاء اللَّه ثمّ عاد إليه فإذا هو قد أصابته طائفة من السوس فأخرجه ونقّاه وطيّبه وأعاده ولم يزل كذلك حتّى بقيت منه رزمة كرزمة الأندر لا يضرّه السوس شيئا وكذلك أنتم تميّزون حتّى لا يبقى منكم إلّا عصابة لا تضرّها الفتنة شيئا » .(5) ،(6) .

وَ لَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا

قال الفضل بن شاذان : إنّ من السابقين الّذين رجعوا إلى أمير المؤمنين علیه السلام أبو الهيثم بن التيّهان وأبو أيّوب وخزيمة بن ثابت وجابربن عبداللَّه وزيد بن أرقم وأبو سعيد الخدريّ وسهل بن حنيف والبراء بن مالك وعثمان بن حنيف وعبادة بن

ص: 145


1- أي لم تفعل بها ما تفعل من عدم التّعرّض لها .
2- هذا معنى قولهم « كن في الناس ولا تكن مع الناس » .
3- التشبيه من حيث القلّة ، فكما أنّ الملح في الطعام بالنّسبة إلى موادّه الآخر أقلّ كذلك أنتم بالنسبة إلى باقي الناس .
4- السوس : العثّ وهو دود يقع في الصوف والخشب والثياب والبر ونحوها فيفسدها .
5- الظاهر أنّ المراد بالفتنة الغيبة وطول مدّتها مع تظاهر الزمان على معتقديها .
6- الغيبة للنعماني : 209 ، ح 17 ؛ بحار الأنوار : 52/115 ، ح 37 .

الصامت ثمّ ممّن دونهم قيس بن سعد بن عبادة وعديّ بن حاتم وعمرو بن الحمق وعمران بن الحصين وبريدة الأسلميّ وبشر كثير(1) ،(2) .

وَ لَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا كالزّبير

عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : «ما زال الزبير منّا أهل البيت حتّى نشأ إبنه عبداللَّه بن الزبير ، ولقد حلق رأسه وهو يقول : لا نبايع إلّا عليّا ، قال : ولقد أخذ عمر سيفه فكسّره بين حجرين »(3) .

وكان يعدّ في عداد الهاشميين ولكن بعد قيامه علیه السلام بالأمر كان أوّل من نكث بيعته مع صاحبه طلحة ، وقال علیه السلام : « ما زال الزبير منّا أهل البيت حتّى نشأ إبنه المشئوم عبداللَّه(4) » أي : عبداللَّه ابن الزبير .

كما أنّ تميم البصرة كانوا في حرب الجمل معه علیه السلام ، وأزدها مع عائشة ، وفي فتنة ابن الحضرمي الّذي بعثه معاوية إلى البصرة صاروا بالعكس(5) .

وَ اللَّهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً وَ لا كَذَبْتُ كِذْبَةً

عن أبي جحيفة قال علي علیه السلام حين فرغنا من الحرورية : « إنّ فيهم رجلا محدجا ليس في عضده عظم أو في عضدة حلمة كحلمة الثدى عليها شعرات طوال

ص: 146


1- إنّ البشر بمعنى الجمع وكثير صفته . واللَّه اعلم .
2- رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) : 78 .
3- الأصول الستّة عشر : 151 ، ش 61 .
4- نهج البلاغة ( فيض الإسلام ) : كلمات القصار ش 444 .
5- بهج الصباغة : 4/525 .

عقف فالتمسوه » . فلم يوجد ، وأنا في من يلتمس ، فما رأيت عليّا علیه السلام جزع جزعا قطّ أشدّ من جزعه يومئذ . فقالوا : ما نجده يا أمير المؤمنين ، قال : « ويلكم ما إ سم هذا المكان ؟ » ، قالوا : النهروان . قال : « كذبتم » . إنّه لفيهم - إلى أن قال - فالتمسناه في ساقية . فوجدناه فجئنا به . فنظرت إلى عضده ليس فيها عظم ، وعليها حلمة كحلمة ثدى المرأة عليها شعرات طوال عقف(1) .

وروى عن أبي الأحوص قال : كنّا مع علي علیه السلام يوم النهروان ، فجاءت الحرورية فكانت من وراء النهر ، فقال علي علیه السلام : « واللَّه لا يقتل اليوم رجل من وراء النهر » ثمّ نزلوا فقالوا لعليّ : قد نزلوا قال : « واللَّه لا يقتل اليوم رجل من وراء النهر » . فأعادوا عليه هذه المقالة - ثلاثا - كلّ ذلك يقول لهم على مثل قوله الأوّل .

فقالت الحرورية بعضهم لبعض : يرى على أنّا نخافه ، فأجازوا فقال على لأصحابه : « لا تحرّكوهم حتّى يحدثوا حدّثا » - إلى أن قال بعد ذكر إخراجهم عبداللَّه بن خباب من منزله على شطّ النهر ، وذبحهم له كالشّاة وسيلان دمه في الماء كالشّراك ما اختلط ، وطلبه منهم قاتله ، وجوابهم أنّ كلّهم قاتله - فقال علي علیه السلام لأصحابه : « دونكم القوم ، فما لبثوا أن قتلوهم » . فقال علي علیه السلام : « أطلبوا في القوم رجلا يده كثدي المرأة فطلبوه » . فقالوا : ما وجدنا . فقال : « واللَّه ما كذبت ولا كذبت ، وإنّه لفي القوم » - الخبر(2) .

ص: 147


1- تاريغ بغداد : 1/213 .
2- تاريخ بغداد : 1/219 .

وَ لَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وَ هَذَا الْيَوْمِ

عن إبن عبّاس في قوله تعالى : ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِىُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهَ ُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ )(1) . قال : أسرّ إلى حفصة أن أبا بكر وإلى الأمر بعده ، وأنّ عمر واليه بعد أبي بكر ، فأخبرت بذلك عائشة(2) .

وأمّا الدليل على بطلان أمرهما :

كان أبو بكر تمنى في حال احتضاره في ما تمنى : وودت أنّي كنت سألته في من هذا الأمر ، فلا ينازع الأمر أهله(3) .

وقال عمر يوما والناس حوله : واللَّه ما أدري أ خليفة أنا أم ملك فإن كنت ملكا فقد ورطت في أمر عظيم(4) .

وقد روى أبو أحمد العسكريّ أنّ عمر كان يخرج مع الوليد بن المغيرة في تجارة للوليد إلى الشام وعمر يومئذ إبن ثماني عشرة سنة ، وكان يرعى للوليد إبله ، ويرفع أحماله ، ويحفظ متاعه فلمّا كان بالبلقاء لقيه رجل من علماء الروم ، فجعل ينظر إليه ، ويطيل النظر لعمر ، ثمّ قال : أظنّ اسمك يا غلام - عامرا أو عمران أو نحو ذلك ؟ قال : إ سمي عمر .

ص: 148


1- سورة التحريم : 3 - 4 .
2- أنساب الأشراف : 1/424 .
3- مروّج الذهب : 2/302 .
4- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 12/66 .

قال : إكشف عن فخذيك ، فكشف ، فإذا على أحدهما شامة سوداء في قدر راحة الكفّ ، فسأله أن يكشف عن رأسه ، فإذا هو أصلع ، فسأله أن يعتمد بيده ، فاعتمد ، فإذا أعسر أيسر . فقال له : أنت ملك العرب . قال : فضحك عمر مستهزئا ، فقال : أ وتضحك ؟ وحقّ مريم البتول أنت ملك العرب وملك الروم والفرس ، فتركه عمر وانصرف مستهينا بكلامه ، فكان عمر يحدّث بعد ذلك ، ويقول : تبعني ذلك الرومي راكب حمار فلم يزل معي حتّى باع الوليد متاعه وابتاع بثمنه عطرا وثيابا ، وقفل(1) ،(2) .

وعن إبن عبّاس قال سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ وهو الإمام والخليفة من بعدي »(3) .

قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يا عليّ أنا صاحب التنزيل وأنت صاحب التأويل »(4) .

وعن أبي ذرّ الغفاريّ 2 قال كنت مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهو ببقيع الفرقد فقال : « والّذي نفسي بيده إنّ فيكم رجلا يقاتل الناس على تأويل القرآن كما قاتلت المشركين على تنزيله وهم في ذلك يشهدون أن لا إله إلّا اللَّه وما يؤمن أكثرهم باللَّه إلّا وهم مشركون فيكبر قتلهم على الناس حتّى يطعنوا على وليّ اللَّه ويسخطوا عمله »(5) .

عن الشعبي ، عن أبي الطفيل : قال قال علي علیه السلام بالرّبذة لمّا أراد البصرة :

ص: 149


1- قفل : أي رجع .
2- بحار الأنوار : 31/110 .
3- كفاية الأثر : 20 ؛ بحار الأنوار : 36/287 ، ح 109 .
4- الأمالي للصدوق : 332 ، م 53 ، ح 13 ؛ بحار الأنوار : 39/93 ، 3 .
5- تفسير فرات الكوفي : 200 ، ح 262 ، بحار الأنوار : 32/295 ، ح 255 .

« يأتيكم من الكوفة إثنا عشر ألف رجل ورجل ، فقعدت على نجفه ذي قار ، فأحصيتهم فما زادوا رجلا ، ولا نقصو رجلا »(1) .

أَلا وَ إِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا - وَ خُلِعَتْ لُجُمُهَا فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي النَّارِ -

عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « كان أبي علیه السلام يقول ما من شي ء أفسد للقلب من خطيئة إنّ القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتّى تغلب عليه فيصيّر أعلاه أسلفه »(2) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ - ( فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ )(3) فقال : « ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنّه يصيّرهم إلى النار »(4) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « كان أمير المؤمنين علیه السلام يقول لا تبدين عن واضحة وقد عملت الأعمال الفاضحة ولا يأمن البيات(5) من عمل السيّئات »(6) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « من همّ بسيّئة فلا يعملها فإنّه ربّما عمل العبد السيّئة فيراه الربّ تبارك وتعالى فيقول وعزّتي وجلالي لاأغفر لك بعد ذلك أبدا »(7) .

وعن أبي الحسن علیه السلام قال : « حقّ على اللَّه أن لا يعصى في دار إلّا أضحاها(8)

ص: 150


1- تاريخ الطبري : 4/500 .
2- الكافي : 2/268 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 70/312 ، ح 1 .
3- سورة البقرة : 175 .
4- الكافي : 2/268 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 70/313 ، ح 2 .
5- المراد بالبيات نزول الحوادث عليه ليلاً ، أو غفلة وإن كان بالنهار .
6- الكافي : 2/269 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 70/317 ، ح 4 .
7- الكافي : 2/272 ، ح 17 ؛ بحار الأنوار : 70/331 ، ح 14 .
8- أضحاها : أي أظهرها ، كناية عن تخريبها وهدمها .

للشمس حتّى تطهّرها »(1) .

وعن العبّاس بن هلال الشاميّ مولى لأبي الحسن موسى علیه السلام قال سمعت الرضا علیه السلام يقول : « كلّما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث اللَّه لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون »(2) .

وعن إبن عرفة عن أبي الحسن علیه السلام قال : « إنّ للَّه عزّوجلّ في كلّ يوم وليلة مناديا ينادي مهلا مهلا عباد اللَّه عن معاصي اللَّه فلولا بهائم رتّع وصبية رضّع وشيوخ ركّع لصبّ عليكم العذاب صبّا ترضّون به رضّا »(3) .

وعن أبي حمزة عن أبي جعفر علیه السلام قال سمعته يقول : « إنّه ما من سنة أقلّ مطرا من سنة ولكنّ اللَّه يضعه حيث يشاء إنّ اللَّه عزّوجلّ إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدّر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم وإلى الفيافي والبحار والجبال وإنّ اللَّه ليعذّب الجعل في جحرها بحبس المطر عن الأرض الّتي هي بمحلّها بخطايا من بحضرتها وقد جعل اللَّه لها السبيل في مسلك سوى محلّة أهل المعاصي »(4) .

وعن الرضا علیه السلام قال : « أوحى اللَّه عزّوجلّ إلى نبيّ من الأنبياء إذا أطعت رضيت وإذا رضيت باركت وليس لبركتي نهاية وإذا عصيت غضبت وإذا غضبت لعنت ولعنتي تبلغ السابع من الورى »(5) .

ص: 151


1- الكافي : 2/272 ، ح 18 ؛ بحار الأنوار : 70/331 ، ح 15 .
2- الكافي : 2/275 ، ح 29 ؛ بحار الأنوار : 70/343 ، ح 26 .
3- الكافي : 2/276 ، ح 31 ؛ بحار الأنوار : 70/344 ، ح 28 .
4- الكافي : 2/272 ، ح 15 ؛ بحار الأنوار : 70/329 ، ح 12 .
5- الكافي : 2/275 ، ح 26 ؛ بحار الأنوار : 70/341 ، ح 23 .

وعن سدير قال : سأل رجل أبا عبداللَّه علیه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ - ( فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ )(1) فقال : « هؤلاء قوم كانت لهم قرى متّصلة ينظر بعضهم إلى بعض وأنهار جارية وأموال ظاهرة فكفروا نعم اللَّه عزّوجلّ وغيّروا ما بأنفسهم من عافية اللَّه فغيّر اللَّه ما بهم من نعمة - و( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ )(2) ، ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ )(3) فغرّق قراهم وخرّب ديارهم وأذهب أموالهم وأبدلهم مكان جنّاتهم ( جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَىْ ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ )(4) ثمّ قال : ( ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ )(5) »(6) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « يقول اللَّه عزّوجلّ إذا عصاني من عرفني سلّطت عليه من لا يعرفني »(7) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ الرجل ليذنب الذنب فيحرم صلاة الليل وإنّ عمل السيّى ء أسرع في صاحبه من السكّين في اللحم »(8) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « إنّ العبد ليحبس على ذنب من

ص: 152


1- سورة سبا : 19 .
2- سورة الرعد : 11 .
3- سورة سبا : 16 .
4- سورة سبا : 16 .
5- سورة سبا : 17 .
6- الكافي : 2/274 ، ح 23 ؛ بحار الأنوار : 70/334 ، ح 20 .
7- الكافي : 2/276 ، ح 30 ؛ بحار الأنوار : 70/343 ، ح 27 .
8- المحاسن : 1/115 ، ح 119 ؛ بحار الأنوار : 70/358 ، ح 74 .

ذنوبه مائة عام وإنّه لينظر إلى أزواجه في الجنّة يتنعّمن »(1) .

وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « ما من عبد إلّا وفي قلبه نكتة بيضاء فإذا أذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء فإن تاب ذهب ذلك السواد وإن تمادي في الذنوب زاد ذلك السواد حتّى يغطّى البياض فإذا غطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا وهو قول اللَّه عزّوجلّ - ( كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )(2) »(3) .

وقال تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )(4) .

وقال تعالى : ( الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ )(5) .

وقال تعالى : ( بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )(6) .

وقال تعالى : ( فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ )(7) .

وقال تعالى : ( وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهَ ُ عَلِيماً حَكِيماً )(8) .

ص: 153


1- الكافي : 2/272 ، ح 19 ؛ بحار الأنوار : 70/331 ، ح 16 .
2- سورة المطفّفين : 14 .
3- الكافي : 2/273 ، ح 20 ؛ بحار الأنوار : 70/332 ، ح 17 .
4- سورة الأعراف : 35 .
5- سورة الأعراف : 51 .
6- سورة البقرة : 81 .
7- سورة النساء : 62 .
8- سورة النساء : 111 .

وقال تعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ )(1) .

وقال تعالى : ( وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ )(2) ، وقال ( لَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ )(3) .

وقال تعالى : ( فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ )(4) .

وقال تعالى : ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهَ ُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ* ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(5) .

وقال تعالى : ( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(6) .

وقال تعالى : ( إِلَّا بَلَاغاً مِنْ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ )(7) .

عن عبدا للَّه بن مسكان عمّن ذكره عن أبي عبداللَّه علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ ( فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ )(8) فقال ما أصبرهم على فعل

ص: 154


1- سورة المائدة : 78 .
2- سورة الأنعام : 120 .
3- سورة الأنعام : 147 .
4- سورة الأعراف : 166 .
5- سورة الأنفال : 52 - 53 .
6- سورة النمل : 90 .
7- سورة الجن : 23 .
8- سورة البقرة : 175 .

ما يعلمون(1) أنّه يصيّرهم إلى النار(2) .

وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « الذنوب كلّها شديدة وأشدّها ما نبت عليه اللحم والدم لأنّه إمّا مرحوم وإمّا معذّب والجنّة لا يدخلها إلّا طيّب »(3) .

وعن أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال سمعته يقول : « إتّقوا المحقّرات من الذنوب فإنّ لها طالبا يقول أحدكم أذنب وأستغفر اللَّه الحديث »(4) .

وعن أبي بصير قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « إذا أذنب الرجل خرج في قلبه نكتة سوداء فإن تاب انمحت وإن زاد زادت حتّى تغلب على قلبه فلا يفلح بعدها أبدا »(5) .

وعن الصادق علیه السلام جعفر بن محمّد عن أبيه عن آبائه : قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « عجب لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء كيف لا يحتمى من الذنوب مخافة النار »(6) .

وعن أبي عبداللَّه الصادق علیه السلام قال : « كان أبي علیه السلام يقول ما شي ء أفسد للقلب من الخطيئة إنّ القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتّى تغلب عليه فيصير أسفله أعلاه وأعلاه أسفله »(7) .

وعن الصادق علیه السلام قال : « قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من يطع الشيطان يعص اللَّه ومن

ص: 155


1- في بعض النسخ جما يعملون ج
2- الكافي : 2/268 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 70/313 ، ح 2 .
3- الكافي : 2/270 ، ح 7 ؛ بحار الأنوار : 70/317 ، ح 5 .
4- الكافي : 2/270 ، ح 10 ؛ بحار الأنوار : 70/321 ، ح 8 .
5- الكافي : 2/271 ، ح 13 ؛ بحار الأنوار : 70/327 ، ح 10 .
6- الأمالي للصدوق : 180 ، م 34 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 70/347 ، ح 34 .
7- الأمالي للصدوق : 397 ، م 62 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار : 70/348 ، ح 37 .

يعص اللَّه يعذّبه اللَّه »(1) .

أَلا وَ إِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا - وَ أُعْطُوا أَزِمَّتَهَا فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ

اشارة

قال تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى )(2) .

قال الصادق علیه السلام : « التقوى على ثلثة أوجه : تقوى باللَّه ( وفي اللَّه ) وهو ترك - الحلال فضلا عن الشبهة ، وهو تقوى خاصّ الخاص . وتقوى من اللَّه تعالى وهو - ترك الشبهات فضلا عن الحرام ، وهو تقوى الخاص . وتقوى من خوف النار والعقاب وهو ترك الحرام ، وهو تقوى العام . ومثل التقوى كماء يجري في نهر ، ومثل هذه الطبقات الثلاث في معني التقوى كأشجار مغروسة على حافة ذلك النهر من كلّ لون وجنس ، وكلّ شجرة منها يستمص الماء من ذلك النهر على قدر جوهره وطعمه ولطافته وكثافته . ثمّ منافع الخلق من ذلك الأشجار والثمار على قدرها وقيمتها . قال اللَّه تعالى - ( صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ )(3) فالتّقوى للطاعات كالماء للأشجار ، ومثل طبايع الأشجار والثمار في لونها وطعمها مثل مقادير الإيمان ، فمن كان أعلا درجة في الإيمان وأصفى جوهرا بالرّوح ، كان أتقى ، ومن كان أتقى كانت عبادته أخلص وأطهر ، ومن كان كذلك كان من اللَّه أقرب ، وكلّ عبادة مؤسّسة على غير التقوى

ص: 156


1- الأمالي للصدوق : 488 ، م 74 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 70/348 ، ح 39 .
2- سورة النازعات : 40 - 41 .
3- سورة الرعد : 4 .

فهي هباء منثور . قال اللَّه تعالى - ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ )(1) وتفسير التقوى : ترك ما ليس بأخذه بأس حذرا ممّا به البأس ، وهو الحقيقة : طاعة بلا عصيان وذكر بلا نسيان وعلم بلا جهل مقبول غير مردود »(2) .

قال تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهَ ُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ )(3) .

آثار وفوائد التقوى

إ ستوجب من اللَّه المحبّة(4) كما قال تعالى : ( بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ )(5) وكفى به فخرا للمؤمنين ، والولاية لقوله تعالى : ( إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ )(6) وكفى لهم بها عزّى وشرفا كفاية .

ومعيّة اللَّه سبحانه بلا نهاية كما قال اللَّه تعالى : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )(7) . وذلك مقام لا يساوي ، ويصير من وفد الرحمن فيستوفي فيه الرحمة العامّة الشاملة فيتّصف بها كما قال اللَّه : ( يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ

ص: 157


1- سورة التوبة : 109 .
2- مصباح الشريعة ( ترجمه مصطفوى ) : 366 ؛ بحار الأنوار : 67/295 ، ح 41 .
3- سورة المائدة : 93 .
4- مفتاح السعادة : 4/241 - 244 .
5- سورة آل عمران : 76 .
6- سورة الجاثية : 19 .
7- سورة البقرة : 194 .

وَفْداً* وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً )(1) .

ويستحقّ الرحمة لقوله تعالى : ( وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )(2) .

وقال اللَّه تعالى : ( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً )(3) .

والفلاح لقوله تعالى : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )(4) .

ودفع الخوف والحزن - لقوله : ( يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )(5) .

والنجاة من سجّين ودار البعد لقوله تعالى : ( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً )(6) .

وحصول الفرقان وتكفير السيّئات وغفران الذنوب لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهَ ُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )(7) .

وقال : ( ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ )(8) .

وإ ستحقاق البشارة في الدنيا والآخره لقوله تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ

ص: 158


1- سورة مريم 85 - 86 .
2- سورة الأنعام : 155 .
3- سورة النساء : 129 .
4- سورة آل عمران : 130 .
5- سورة الأعراف : 35 .
6- سورة مريم : 72 .
7- سورة الأنفال : 29 .
8- سورة الطلاق : 5 .

* لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )(1) .

ويستوجب المخرج من كلّ ضنك والرزق من حيث لا يحتسب لقوله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ )(2) .

والأهليّة للدخول في الجنّة لقوله تعالى : ( مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ )(3) .

وقال : ( قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً * لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْئُولاً )(4) .

وقال : ( وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ )(5) .

وقال : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ )(6) .

وقال تعالى : ( وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا

ص: 159


1- سورة يونس : 63 - 64 .
2- سورة الطلاق : 2 - 3 .
3- سورة الرعد : 35 .
4- سورة الفرقان : 15 .
5- سورة الزمر : 33 - 34 .
6- سورة آل عمران : 133 .

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهَ ُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(1) .

وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ )(2) .

وقال : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ )(3) .

ويستحقّ الكرامة - لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )(4) .

والبركة من السماء والأرض لقوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ )(5) .

وقبول الأعمال لقوله تعالى : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهَ ُ مِنْ الْمُتَّقِينَ )(6) وقوله : ( وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ )(7) .

والفوز - لقوله تعالى : ( إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً )(8) .

والمقام الأمين لقوله تعالى : ( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ )(9) .

ص: 160


1- سورة النحل : 30 - 32 .
2- سورة الحجر : 45 - 46 .
3- سورة القمر : 54 - 55 .
4- سورة الحجرات : 13 .
5- سورة الأعراف : 96 .
6- سورة المائدة : 27 .
7- سورة الحج : 37 .
8- سورة النبأ : 31 .
9- سورة الدخان : 51 .

وعدّها اللَّه تعالى من محكمات الأمور حيث يقول : ( لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ )(1) .

وسبباً للأجر العظيم حيث يقول : ( فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ )(2) .

وسبباً لدفع كيد الأعداء حيث يقول : ( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً )(3) .

وخصّ بها أولو الألباب حيث يقول : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ )(4) .

عن أبي جعفر علیه السلام قال : « كان أمير المؤمنين علیه السلام يقول لا يقلّ عمل مع تقوى وكيف يقلّ ما يتقبّل »(5) .

وعن مفضّل بن عمر قال : كنت عند أبي عبداللَّه علیه السلام فذكرنا الأعمال فقلت أنا ما أضعف عملي فقال : « مه إ ستغفر اللَّه » ثمّ قال لي : « إنّ قليل العمل مع التقوى خير من كثير العمل بلا تقوى » قلت : كيف يكون كثير بلا تقوى ؟ قال : « نعم مثل الرجل يطعم طعامه ويرفق جيرانه ويوطّى ء رحله(6) فإذا إرتفع له الباب من الحرام دخل فيه فهذا العمل بلا تقوى ويكون الآخر ليس عنده فإذا إرتفع له الباب من الحرام لم

ص: 161


1- سورة آل عمران : 186 .
2- سورة آل عمران : 179 .
3- سورة آل عمران : 120 .
4- سورة المائدة : 100 .
5- الكافي : 2/75 ، ح 5 ؛ وسائل الشيعة : 15/240 ، ح 20383 - 1 ؛ بحار الأنوار : 75/135 .
6- كناية عن كثرة الضيافة وقضاء حوائج المؤمنين بكثرة الواردين إلى منزله ( لح ) .

يدخل فيه »(1) .

وعن يعقوب بن شعيب قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « ما نقل اللَّه عزّوجلّ عبدا من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى إلّا أغناه من غير مال وأعزّه من غير عشيرة وآنسه من غير بشر »(2) .

وعن يزيد بن عبداللَّه عمّن حدّثه قال : كتب أبوجعفر علیه السلام إلى سعد الخير : « بسم اللَّه الرحمن الرحيم * أمّا بعد فإنّي أوصيك بتقوى اللَّه فإنّ فيها السلامة من التلف والغنيمة في المنقلب ، إنّ اللَّه عزّوجلّ يقى بالتّقوى عن العبد ما عزب عنه عقله ويجلى بالتّقوى عنه عماه وجهله وبالتّقوى نجا نوح ومن معه في السفينة وصالح ومن معه من الصاعقة وبالتّقوى فاز الصابرون ونجت تلك العصب من المهالك ولهم إخوان على تلك الطريقة يلتمسون تلك الفضيلة الحديث »(3) .

وقال النبيّ صلی الله علیه وآله : « من إتّقى اللَّه عاش قويّا وسار في بلاد عدوّه آمنا »(4) .

وعن أمير المؤمنين علیه السلام قال : « نَسَخَ قولُهُ تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ )(5) قولُهُ تعالى ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )(6) »(7) .

وإ سحاق بن موسى ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن محمّد بن عليّ ، عن عليّ بن الحسين ، عن الحسين بن عليّ ، عن أمير المؤمنين : ، قال : « قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله :

ص: 162


1- الكافي : 2/76 ، ح 7 ؛ بحار الأنوار : 67/104 ، ح 7 .
2- الكافي : 2/76 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 67/282 ، ح 1 .
3- الكافي : 8/52 ، ح 16 ؛ بحار الأنوار : 75/358 ، ح 2 .
4- دعوات ( للراوندي ) : 292 ، ح 38 ؛ بحار الأنوار : 67/283 ، ح 5 .
5- سورة آل عمران : 102 .
6- سورة التغابن : 16 .
7- بحار الأنوار : 67/283 ، ح 3 .

المتّقون سادة ، والفقهاء قادة ، والجلوس إليهم عبادة »(1) .

وعن أبي عبداللَّه الصادق علیه السلام عن آبائه قال : « قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : من أحبّ أن يكون أكرم الناس فليتّق اللَّه ومن أحبّ أن يكون أتقى الناس فليتوكّل على اللَّه »(2) .

وعن الوليد بن العبّاس قال : سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « الحسب الفعال والشرف المال والكرم التقوى »(3) .

عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنّة فيضربونه ، فيقال لهم من أنتم ؟ فيقولون نحن أهل الصبر ، فيقال لهم على ما صبرتم ؟ فيقولون كنّا نصبر على طاعة اللَّه ونصبر عن معاصي اللَّه فيقول اللَّه عزّوجلّ صدقوا أدخلوهم الجنّة وهو قول اللَّه عزّوجلّ : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )(4) »(5) .

وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « أعينونا بالورع فإنّه من لقي اللَّه عزّوجلّ منكم بالورع كان له عنداللَّه فرجا وإنّ اللَّه عزّوجلّ يقول : ( وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهَ ُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً )(6) فمنّا النبيّ ومنّا الصدّيق والشهداء والصالحون »(7) .

ص: 163


1- الأمالي للطوسى : 225 ، م 8 ، ح 392 - 42 ؛ بحار الأنوار : 1/201 ، ح 9 .
2- الأمالي للصدوق : 305 ، م 50 ، ح 11 ؛ بحار الأنوار : 67/291 ، ح 30 .
3- معاني الأخبار : 405 ، ح 76 ؛ بحار الأنوار : 67/292 ، ح 32 .
4- سورة الزمر : 10 .
5- الكافي : 2/75 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 66/362 .
6- سورة النساء : 69 .
7- الكافي : 2/78 ، ح 12 ؛ بحار الأنوار : 67/301 ، ح 11 .

حَقٌّ وَ بَاطِلٌ

قد تواتر قول النبيّ صلی الله علیه وآله : « عليّ مع الحقّ ، والحقّ مع عليّ ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض يوم القيامة »(1) .

وَ لِكُلٍّ أَهْلٌ

قال تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهَ ُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ )(2) .

فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ

قال أمير المؤمنين علیه السلام : « أيّها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله فإنّ الناس إجتمعوا على مائدة شبعها قصير وجوعها طويل »(3) .

وخرج عليّ علیه السلام يحمل فاطمة بنت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على دابّة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول اللَّه ، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل(4) ، وما أجابه أحد مع سماعهم أقوال النبيّ صلی الله علیه وآله فيه وفيها 8 ، ولمّا خرجت بنت أبي بكر على أمير المؤمنين علیه السلام أجابها آلاف من الناس مع قول اللَّه عزّوجلّ فيها : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )(5) .

ص: 164


1- تاريخ بغداد : 14/322 ، ش 7643 ؛ الجمل للمفيد : 433 .
2- سورة محمّد : 3 .
3- نهج البلاغة ( فيض الإسلام ) : 649 ، خ 192 ؛ بحار الأنوار : 64/158 ، ح 1 .
4- الإمامة والسياسة : 1/29 ؛ بحار الأنوار : 28/355 .
5- سورة الأحزاب : 33 .

وَ لَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ فَلَرُبَّمَا وَ لَعَلَ

قال تعالى : ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ )(1) .

وكما في زمن سليمان وذي القرنين

وَ لَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيْ ءٌ فَأَقْبَلَ

اشارة

قد روي أنّ أمير المؤمنين علیه السلام لمّا إجتمعوا أليه بالكوفة فسألوه أن ينصب لهم إماما يصلّي بهم نافلة شهر رمضان زجرهم وعرفهم أنّ ذلك خلاف السنّة فتركوه وإجتمعوا لأنفسهم وقدّموا بعضهم فبعث إليهم إبنه الحسن علیه السلام فدخل عليهم المسجد ومعه الدرة فلمّا رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا وا عمراه(2) .

روي الكليني تمام الخطبة عن عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن إبن محبوب عن عليّ بن رئاب ويعقوب السرّاج عن أبي عبداللَّه علیه السلام أنّ أمير المؤمنين علیه السلام لمّا بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر فقال : « الحمد للَّه الّذي علا فاستعلى ودنا فتعالى وإرتفع فوق كّل منظر وأشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله خاتم النبيّين وحجّه اللَّه على العالمين مصدّقا للرسل الأوّلين وكان بالمؤمنين رءوفا رحيما فصلّى اللَّه وملائكته عليه وعلى آله أمّا بعد أيّها الناس فإنّ البغي يقود أصحابه إلى النار وإنّ أوّل من بغى على اللَّه جلّ ذكره - عناق بنت آدم وأوّل قتيل قتله اللَّه عناق وكان مجلسها جريبا جمن الأرض ج في جريب وكان لها عشرون إصبعا في كلّ إصبع ظفران مثل المنجلين(3) فسلّط اللَّه عزّوجلّ عليها

ص: 165


1- سورة البقرة : 249 .
2- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 12/283 ؛ بحار الأنوار : 31/7 .
3- المنجل - كمنبر - : ما يحصد به .

أسدا كالفيل وذئبا كالبعير ونسرا مثل البغل فقتلوها وقد قتل اللَّه الجبابرة على أفضل أحوالهم وآمن ما كانوا وأمات هامان - وأهلك فرعون وقد قتل عثمان ألا وإنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللَّه نبيّه صلی الله علیه وآله والّذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة ولتغربلنّ غربلة ولتساطنّ سوطة القدر(1) حتّى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم وليسبقنّ سابقون كانوا قصّروا وليقصّرنّ سابقون كانوا سبقوا واللَّه ما كتمت وشمة(2) ولا كذبت كذبة ولقد نبّئت بهذا المقام وهذا اليوم ألا وإنّ الخطايا خيل شمس(3) حمل عليها أهلها وخلعت لجمها فتقحّمت بهم في النار ألا وإنّ التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها وأعطوا أزمّتها فأوردتهم الجنّة وفتحت لهم أبوابها ووجدوا ريحها وطيبها وقيل لهم أدخلوها بسلام آمنين ألا وقد سبقني إلى هذا الأمر من لم أشركه فيه ومن لم أهبه له ومن ليست له منه نوبة(4) إلّا بنبيّ صلی الله علیه وآله يبعث ألا ولا نبيّ بعد محمّد صلی الله علیه وآله أشرف منه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم حقّ وباطل ولكلّ أهل فلئن أمر الباطل لقديما فعل(5) ولئن قلّ الحقّ فلربّما ولعلّ ولقلّما أدبر شي ء فأقبل ولئن ردّ عليكم أمركم أنّكم سعداء وما عليّ إلّا الجهد وإنّي

ص: 166


1- لتبلبلن أي لتخلطن ، تبلبلت الألسن أي إختلطت والبلبلة أيضا الهم والحزن ووسوسة الصدر . ولتغربلن من الغربال الّذي يغربل به الدقيق والغربلة أيضا : القتل . والسوط : التخليط والمسوط والمسواط : خشبة يحرّك بها ما في القدر ليختلط .
2- الوشمة : المرّة، يقال : ما عصيت فلانا وشمة أيّ طرفة عين وفي بعض النسخ بالمهملة وهي العلامة .
3- خيل الشمس - بالضّمّ - جمع شموس وهي الدابّة الّتي تمنع ظهرها ولا تطيع راكبها وهو مقابل الذلول .
4- في بعض النسخ جتوبةج .
5- أمر - كفرح - أمرا وأمرة : كثر .

لأخشى أن تكونوا على فترة ملتم عنّي ميلة كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ولو أشاء لقلت عفا اللَّه عمّا سلف سبق فيه الرجلان وقام الثالث كالغراب همّه بطنه ويله لو قصّ جناحاه وقطع رأسه كان خيرا له شغل عن الجنّة والنار أمامه ثلاثة وإثنان خمسة ليس لهم سادس ملك يطير بجناحيه ونبيّ أخذ اللَّه بضبعيه(1) وساع مجتهد وطالب يرجو ومقصّر في النار اليمين والشمال مضلّة والطريق الوسطى هي الجادّة عليها يأتي(2) الكتاب وآثار النبوّة هلك من إدّعى وخاب من إفترى إنّ اللَّه أدّب هذه الأمّة بالسّيف والسوط وليس لأحد عند الإمام فيهما هوادة(3) فاستتروا في بيوتكم .

وأصلحوا ذات بينكم والتوبة من ورائكم من أبدى صفحته للحقّ هلك(4) ، (5) .

ص: 167


1- أي عضديه . يعني أنّ عباد اللَّه المكلّفين على خمسة أقسام : ملك يطير . . . إلخ .
2- في بعض النسخ : جباقي الكتاب ج وفي بعضها : جما في الكتاب ج .
3- الهوادة : السّكون والرّخصة والمحاباة .
4- صفحة كلّ شي ء وجهه ، يعني من كاشف الحقّ مخاصما له هلك هلاكا أخرويّا وهي كلمة جارية مجرى المثل . ( في ) .
5- الكافي : 8/67 ، ح 23 ؛ بحار الأنوار : 29/584 ، ح 17 .

ورُوِيَ بعد قوله علیه السلام : « من أبدى صفحته للحقّ هلك » : « ألا وإنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان أو مال أخذه من بيت مال المسلمين فهو مردود عليهم في بيت مالهم ولو وجدته قد تزوّج به النساء وفرّق في البلدان فإنّه من لم يسعه الحقّ فالباطل أضيق عليه »(1) .

وأمات هامان - وأهلك فرعون

كناية عن الأوّل والثاني كما في قوله تعالى : ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ )(2) .

على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم

هذا مأخوذ من قوله سبحانه : ( أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهَ ُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )(3) .

شُغِلَ مَنِ الْجَنَّةُ وَ النَّارُ أَمَامَهُ سَاعٍ سَرِيعٌ نَجَا وَ طَالِبٌ بَطِي ءٌ رَجَا وَ مُقَصِّرٌ فِي النَّارِ هَوَى الْيَمِينُ وَ الشِّمَالُ مَضَلَّةٌ وَ الطَّرِيقُ الْوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ عَلَيْهَا بَاقِي الْكِتَابِ وَ آثَارُ النُّبُوَّةِ وَ مِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ وَ إِلَيْهَا مَصِيرُ الْعَاقِبَةِ هَلَكَ مَنِ ادَّعَى وَ خابَ مَنِ افْتَرى مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ وَ كَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَلّا يَعْرِفَ قَدْرَهُ لا يَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ أَصْلٍ وَ لا يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ فَاسْتَتِرُوا فِي بُيُوتِكُمْ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَ التَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ وَ لا يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلّا رَبَّهُ وَ لا يَلُمْ لائِمٌ إِلّا نَفْسَهُ

شُغِلَ مَنِ الْجَنَّةُ وَ النَّارُ أَمَامَهُ

عن أبي عبد اللَّه عن أبيه علیه السلام قال : « بكى أبوذرّ ؛ من خشية اللَّه عزّوجلّ حتّى

ص: 168


1- بحار الأنوار : 32/16 ؛ شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 1/269 .
2- سورة القصص : 5 - 6 .
3- سورة التوبة : 109 .

إ شتكى بصره فقيل له يا أباذرّ لو دعوت اللَّه أن يشفى بصرك فقال إنّي عنه لمشغول وما هو من أكبر همّي قالوا وما يشغلك عنه قال العظيمتان الجنّة والنار »(1) .

وعن زرارة قال قال أبو جعفر علیه السلام : « لا تنسوا الموجبتين أو قال عليكم بالموجبتين في دبر كلّ صلاة » ، قلت : وما الموجبتان ؟ قال : « تسأل اللَّه الجنّة وتعوذ باللَّه من النار »(2) .

وفي ( الطبري ) - بعد ذكر أنّ الحرّ سأل إبن سعد هل أنت مقاتل الحسين فقال له : نعم - أنّ الحرّ أخذ يدنو من الحسين علیه السلام قليلا قليلا . فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بن أوس : ما تريد أ تريد أن تحمل فسكت وأخذه مثل العرواء . فقال له المهاجر : واللَّه إنّ أمرك لمريب . واللَّه ما رأيت منك في موقف قطّ مثل شي ء أراه الآن ، ولو قيل لي : من أشجع أهل الكوفة ما عدوتك . فما هذا الّذي أرى منك ؟ قال : إنّي واللَّه أخيّر نفسي بين الجنّة والنار ، وواللَّه لا أختار على الجنّة شيئا ، ولو قطّعت وحرّقت . ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين علیه السلام(3) .

وعن مفضّل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه عن جدّه علیه السلام قال سئل الحسين بن عليّ علیه السلام فقيل له كيف أصبحت يا إبن رسول اللَّه ؟ قال : « أصبحت ولي ربّ فوقي والنار أمامي والموت يطلبني والحساب محدق بي وأنا مرتهن بعملي لا أجد ما أحبّ ولا أدفع ما أكره والأمور بيد غيري فإن شاء عذّبني وإن شاء عفى عنّي فأيّ فقير أفقر منّي ؟ »(4) .

ص: 169


1- الخصال : 1/40 ، ح 25 ؛ بحار الأنوار : 22/431 ، ح 40 .
2- الكافي : 3/343 ، ح 19 ؛ معاني الأخبار : 183 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 83/26 ، ح 28 .
3- تاريخ الطبري : 4/324 .
4- الأمالي ( للصدوق ) : 609 ، م 89 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 75/116 ، ح 1 .

سَاعٍ سَرِيعٌ نَجَا

قال تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ )(1) .

وَ طَالِبٌ بَطِي ءٌ رَجَا

قال تعالى : ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ )(2) .

وقال تعالى : ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهَ ُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(3) .

وقال تعالى : ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِاَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهَ ُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )(4) .

وَ مُقَصِّرٌ فِي النَّارِ هَوَى

قال تعالى : ( بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )(5) .

ص: 170


1- سورة المؤمنون : 58 - 61 .
2- سورة فاطر : 32 .
3- سورة التوبة : 102 .
4- سورة التوبة : 106 .
5- سورة البقرة : 81 .

الْيَمِينُ وَ الشِّمَالُ مَضَلَّةٌ وَ الطَّرِيقُ الْوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ

عن بريد العجلّي قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ - ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )(1) فكان جوابه - « ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ )(2) ( وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً ) يقولون لأئمّة الضلالة والدعاة إلى النار - هؤلاء أهدى من آل محمّد سبيلا ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهَ ُ وَمَنْ يَلْعَنْ اللَّهَ ُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً )(3) »(4) .

وعن بريد العجلي عن أبي جعفر علیه السلام قال : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ - وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ )(5) قال : « أ تدري ما يعني ب ( صِرَاطِي مُسْتَقِيماً ) ؟ » قلت : لا ، قال : « ولاية علي والأوصياء » ، قال : وتدري ما يعني ( فَاتَّبِعُوهُ ) قال : قلت : لا قال : « يعني عليّ بن أبي طالب علیه السلام » ، قال : « وتدري ما يعني ( وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) » قلت : لا ، قال : « ولاية فلان وفلان واللَّه » ، قال : « وتدري ما يعني ( فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ) » قلت : لا ، قال : « يعني سبيل علي علیه السلام »(6) .

وعن محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي علیه السلام قال : قلت : ( أَفَمَنْ يَمْشِي

ص: 171


1- سورة النساء : 59 .
2- سورة النساء : 51 .
3- سورة النساء : 52 .
4- الكافي : 205/1 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 23/289 ، ح 17 .
5- سورة الأنعام : 153 .
6- تفسير العياشي : 1/383 ، ح 125 ؛ بحار الأنوار : 35/371 ، ح 16 .

مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )(1) قال : « إنّ اللَّه ضرب مثل من حاد عن ولاية عليّ كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره وجعل من تبعه سويّا على صراط مستقيم والصراط المستقيم أمير المؤمنين علیه السلام »(2) . وعن إبن عبّاس كان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يحكم وعليّ بين يديه مقابلته ورجل عن يمينه ورجل عن شماله فقال اليمين والشمال مضلّة والطريق المستوي الجادّة ثمّ أشار بيده وإنّ صراط عليّ مستقيم ، فاتّبعوه(3) .

وحدّثني أبي عن الحسن بن محبوب عن عليّ بن رئاب قال قال لي أبو عبداللَّه علیه السلام : « نحن واللَّه سبيل اللَّه الّذي أمر اللَّه بإتّباعه - ونحن واللَّه الصراط المستقيم - ونحن واللَّه الّذين أمر اللَّه العباد بطاعتهم - فمن شاء فليأخذ هنا ، ومن شاء فليأخذ هناك - لا يجدون واللَّه عنّا محيصا »(4) .

وعن رزين بن حبيش قال سمعت عليّا علیه السلام يقول : « إنّ العبد إذا دخل حفرته أتاه ملكان إ سمهما منكر ونكير فأوّل من يسألانه عن ربّه ثمّ عن نبيّه ثمّ عن وليّه فإن أجاب نجا وإن عجز عذّباه » ، فقال له رجل : جماج لمن عرف ربّه ونبيّه ولم يعرف وليّه ؟ فقال : « ( مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهَ ُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً )(5) ، ذلك لا سبيل له وقد قيل للنبيّ صلی الله علیه وآله من الوليّ يا نبيّ اللَّه ؟ قال : وليّكم في هذا الزمان عليّ علیه السلام ومن بعده وصيّه ولكلّ زمان عالم يحتجّ

ص: 172


1- سورة الملك : 22 .
2- الكافي : 1/433 ؛ بحار الأنوار : 24/337 .
3- مناقب : 3/74 ؛ بحار الأنوار : 35/366 .
4- تفسير القمي : 2/66 ؛ بحار الأنوار : 24/14 ، ح 12 .
5- سورة النساء : 143 .

اللَّه به لئلّا يكون كما قال الضلّال قبلهم حين فارقتهم أنبياؤهم ( رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى )(1) تمام ضلالتهم جهالتهم بالآيات وهم الأوصياء فأجابهم اللَّه ( فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِىِّ وَمَنْ اهْتَدَى )(2) فإنّما كان تربّصهم أن قالوا نحن في سعة عن معرفة الأوصياء حتّى نعرف إماما فعرّفهم اللَّه بذلك والأوصياة أصحاب الصراط وقوف عليه لا يدخل الجنّة إلّا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلّا من أنكرهم وأنكروه لأنّهم عرفاء اللَّه عرّفهم عليهم عند أخذ المواثيق عليهم ووصفهم في كتابه فقال جلّ وعزّ : ( وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلّاً بِسِيمَاهُمْ )(3) هم الشهداء على أوليائهم والنبيّ الشهيد عليهم أخذ لهم مواثيق العباد بالطّاعة وأخذ النبيّ صلی الله علیه وآله عليهم المواثيق بالطّاعة فجرت نبّوته عليهم وذلك قول اللَّه ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيداً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً )(4) »(5) .

وعن أبي جعفر علیه السلام في قوله : ( )(6) قال : « عليّ صاحب الصراط السويّ ومن إهتدى أي إلى ولايتنا أهل البيت »(7) .

ص: 173


1- سورة طه : 134 .
2- سورة الأعراف : 46 .
3- سورة الأعراف : 46 .
4- سورة النساء : 41 - 42 .
5- بصائر الدرجات : 1/498 ؛ بحار الأنوار : 6/233 ، ح 46 .
6- سورة طه : 135 .
7- تأويل الآيات : 317 ؛ بحار الأنوار : 24/150 ، ح 33 .

عَلَيْهَا بَاقِي الْكِتَابِ

قال تعالى : ( الْحَمْدُ للَّهِ َِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّماً لِيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً )(1) .

وَ آثَارُ النُّبُوَّةِ

قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ )(2) .

وَ مِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ وَ إِلَيْهَا مَصِيرُ الْعَاقِبَةِ

قال تعالى : ( يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ )(3) .

وقال تعالى : ( إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ )(4) .

عن جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال قال : « يا جابر إذا كان يوم القيامة جمع اللَّه عزّوجلّ الأوّلين والآخرين لفصل الخطاب دعي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ودعي أمير المؤمنين علیه السلام فيكسى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حلّة خضراء تضي ء ما بين المشرق والمغرب ويكسى عليّ علیه السلام مثلها ويكسى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حلّة ورديّة يضي ء لها ما بين المشرق والمغرب

ص: 174


1- سورة الكهف : 1 - 2 .
2- سورة الجمعة : 2 .
3- سورة الأعراف : 157 .
4- سورة الغاشية : 25 - 26 .

ويكسى عليّ علیه السلام مثلها ثمّ يصعدان عنها ثمّ يدعى بنا فيدفع إلينا حساب الناس فنحن واللَّه ندخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار »(1) .

وعن سماعة قال : كنت قاعدا مع أبي الحسن الأوّل علیه السلام فقال علیه السلام : « يا سماعة إلينا إياب هذا الخلق وعلينا حسابهم فما كان لهم من ذنب بينهم وبين اللَّه عزّوجلّ حتمنا على اللَّه في تركه لنا فأجابنا إلى ذلك وما كان بينهم وبين الناس إ ستوهبناه منهم وأجابوا إلى ذلك وعوّضهم اللَّه عزّوجلّ »(2) .

ويحتمل أن يكون المراد من قوله علیه السلام : « وإليها مصير العاقبة » الولاية كما دلت عليه الأخبار الواردة في تفسير قوله سبحانه : ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ )(3) .

عن إبن عبّاس قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « إذا كان يوم القيامة أقف أنا وعليّ بن أبي طالب على الصراط بيد كلّ واحد منّا سيف فما يمرّ أحد إلّا سألناه عن ولاية عليّ بن أبي طالب فمن كانت معه وإلّا ضربنا عنقه وألقيناه في النار وذلك قوله تعالى ( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا يَتَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمْ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ )(4) »(5) .

ص: 175


1- الكافي : 8/159 ، ح 154 ؛ بحار الأنوار : 7/337 ، ح 24 .
2- الكافي : 8/162 ، ح 167 ؛ بحار الأنوار : 8/57 ، ح 71 .
3- سورة الصافّات : 24 .
4- سورة الصافّات : 24 - 26 .
5- بشارة المصطفى : 2/185 ؛ بحار الأنوار : 24/273 ، ح 56 .

هَلَكَ مَنِ ادَّعَى وَ خابَ مَنِ افْتَرى

عن يونس بن ظبيان قال قال أبو عبداللَّه علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ - ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ جأَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ ج )(1) - قال : « من زعم أنّه إمام وليس بإمام »(2) .

وعن أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً - أَوْ قَالَ أُوحِىَ إِلَىَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَىْ ءٌ - وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهَ ُ )(3) قال : « من إدّعى الإمامة دون الإمام علیه السلام »(4) .

وعن عبداللَّه بن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « ثلاثة ( لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )(5) من إدّعى إمامة من اللَّه ليست له ومن جحد إماما من اللَّه ، ومن قال : إنّ لفلان وفلان في الإسلام نصيبا »(6) .

وعن محمّد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : « إنّ أئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين اللَّه والحقّ قد ضلّوا بأعمالهم الّتي يعملونها - ( كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَىْ ءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ )(7) »(8) .

ص: 176


1- سورة الزمر : 60 .
2- الغيبة للنعماني : 111 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 25/113 ، ح 13 .
3- سورة الأنعام : 93 .
4- تفسير العياشي : 1/370 ، ح 61 ؛ بحار الأنوار : 25/113 ، ح 12 .
5- سورة آل عمران : 77 .
6- تفسير العياشي : 1/178 ، ح 64 ؛ بحار الأنوار : 25/112 ، ح 10 .
7- سورة إبراهيم : 18 .
8- المحاسن : 1/93 ، ح 48 ؛ بحار الأنوار : 25/110 ، ح 2 .

مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ

في الحديث أنّ الصادق علیه السلام سئل عن الخلفاء الأربعة بعد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : ما بال الشيخين قد إنتظمت لهما أمور الخلافة وجرت على أيديهم فتوح البلاد من غير معارضة أحد من المسلمين وما بال عثمان وأمير المؤمنين علیه السلام لم تنتظم لهما أمور الخلافة بل قام المسلمون على عثمان وحصروه في داره وقتلوه وسط بيته وأمّا أمير المؤمنين علیه السلام فثارت الفتن في زمن خلافته حتّى قاتل الناكثين وهم أهل البصرة ، والقاسطين وهم أهل الشام ، والمارقين وهم الخوارج ، فأجاب علیه السلام : « إنّ أمور ملك الدنيا والخلافة فيها لا تجرى بباطل بحت ولا بحقّ خالص بل تجري بحقّ وباطل ممزوجين فأمّا عثمان فأراد أن يجري أمور الخلافة بمحض البالطل ، فلم يتمّ له الأمر وأمّا أمير المؤمنين علیه السلام فأراد أن يجري إحكامها على الطريقة المستقيمة ، والسنن النبويّة فلم يحصل له ما أراد وأمّا الشيخان ، فأخذا قبضة من الحقّ وقبضة من الباطل فجرت لهما الأمور كما أرادا »(1) .

لا يَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ أَصْلٍ

قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ )(2) .

وقال تعالى : ( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً )(3) .

ص: 177


1- زهر الربيع : 408 .
2- سورة الطلاق : 2 - 3 .
3- سورة مريم : 71 - 72 .

وَ لا يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ

قال تعالى : ( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً )(1)

وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ

قال اللَّه تعالى : ( فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ )(2) .

وقال تعالى : ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )(3) .

وقال تعالى : ( وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِاَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ )(4) .

وقال تعالى : ( وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ )(5) .

وقال تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ للَّهِ َِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ )(6) .

وقال تعالى : ( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا )(7) .

ص: 178


1- سورة مريم : 63 .
2- سورة البقرة : 182 .
3- سورة الشورى : 40 .
4- سورة البقرة : 224 .
5- سورة النساء : 128 .
6- سورة الأنفال : 1 .
7- سورة الحجرات : 9 .

وقال تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ يِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ )(1) .

عن حبيب الأحول قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « صدقه يحبّها اللَّه إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا وتقارب بينهم إذا تباعدوا »(2) .

وعن هشام بن سالم عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « لأن أصلح بين إثنين أحبّ إليّ من أن أتصدّق بدينارين »(3) .

وعن مفضّل قال قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « إذا رأيت بين إثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي »(4) .

وعن أبي حنيفة سابق الحاجّ قال : مرّ بنا المفضّل وأنا وختني نتشاجر في ميراث فوقف علينا ساعة ثمّ قال لنا تعالوا إلى المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة درهم فدفعها إلينا من عنده حتّى إذا إ ستوثق كلّ واحد منّا من صاحبه قال : أما إنّها ليست من مالي ولكن أبو عبداللَّه علیه السلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابنا من شي ء أن أصلح بينهما وأفتديها من ماله فهذا من مال أبي عبداللَّه علیه السلام(5) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « المصلح ليس بكاذب »(6) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ ( وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِاَيْمَانِكُمْ أَنْ

ص: 179


1- سورة الحجرات : 10 .
2- الكافي : 2/209 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 73/44 ، ح 6 .
3- الكافي : 2/209 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 73/44 ، ح 7 .
4- الكافي : 2/209 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 73/44 ، ح 8 .
5- الكافي : 2/209 ، ح 4 ، بحار الأنوار : 73/45 ، ح 9 .
6- الكافي : 2/210 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 73/46 ، ح 10 .

تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ) قال : « إذا دعيت بين إثنين فلا تقل على يمين ألّا أفعل »(1) .

وعن معاوية بن وهب أو معاوية بن عمّار عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال علیه السلام : « نعم إنّ المصلح ليس بكذّاب إنّما هو الصلح ليس بكذب »(2) .

وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « كلّ الكذب مكتوب كذبا لا محالة إلّا أن يكذب الرجل في الحرب فإنّ الحرب خدعة أو يكون بين رجلين شحناء فيصلح بينهما أو يحدّث إمرأته يرضيها »(3) .

قال اللَّه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً )(4) .

وقال تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ . . . وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )(5) .

وقال تعالى : ( وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ )(6) .

وقال تعالى : ( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا . . . فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ )(7) .

وقال تعالى : ( وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ

ص: 180


1- الكافي : 2/210 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 73/46 ، ح 11 .
2- الكافي : 2/210 ، ح 7 ؛ بحار الأنوار : 73/48 ، ح 12 .
3- بحار الأنوار : 69/254 .
4- سورة التحريم : 8 .
5- سورة النور : 31 .
6- سورة هود : 90 .
7- سورة هود : 61 .

مِدْرَاراً )(1) .

وقال تعالى : ( وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً )(2) .

وقال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ )(3) .

وقال تعالى : ( أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهَ ُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(4) .

وقال تعالى : ( أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ )(5) .

شرايط التوبة وآدابها

قال أمير المؤمنين علیه السلام لقائل قال بحضرته أستغفر اللَّه ثكلتك أمّك أ تدري ما الإستغفار ؟ إنّ الإستغفار درجة العلّيّين وهو إ سم واقع على ستّة معان أوّلها الندم على ما مضى والثاني العزم على ترك العود إليه أبدا والثالث أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى اللَّه أملس ليس عليك تبعة والرابع أن تعمد إلى كلّ فريضة عليك ضيّعتها فتؤدّي حقّها والخامس أن تعمد إلى اللحم الّذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتّى يلصق الجلد وينشأ بينهما لحم جديد والسادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول أستغفر اللَّه(6) .

ص: 181


1- سورة هود : 52 .
2- سورة هود : 3 .
3- سورة البقرة : 54 .
4- سورة المائدة : 74 .
5- سورة التوبة : 126 .
6- روضة الواعظين : 479 ؛ بحار الأنوار : 6/36 ، ح 59 .

وقال النبيّ صلی الله علیه وآله : « التائب إذا لم يستبن عليه أثر التوبة فليس بتائب يرضى الخصماء ويعيد الصلوات ويتواضع بين الخلق ويتّقي نفسه عن الشهوات ويهزّل رقبته بصيام النهار ويصفّر لونه بقيام الليل ويخمص بطنه بقلّة الأكل ويقوّس ظهره من مخافة النار ويذيب عظامه شوقا إلى الجنة ويرقّ قلبه من هول ملك الموت ويخفّف جلده على بدنه بتفكّر الآخرة فهذا أثر التوبة وإذا رأيتم العبد على هذه الصفة فهو تائب ناصح لنفسه »(1) .

في كيفيّة التوبة

أمّا الآيات :

فمنها - قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً )(2) .

ومنها - قوله تعالى : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً )(3) .

ومنها - قوله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً )(4) .

ومنها - قوله تعالى : ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً )(5) .

ص: 182


1- جامع الأخبار ( للشعيري ) : 87 ؛ بحار الأنوار : 6/35 ، ح 51 .
2- سورة التحريم : 8 .
3- سورة النساء : 31 .
4- سورة الزمر : 53 .
5- سورة النساء : 110 .

ومنها - قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهَ ُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ )(1) .

وأمّا الأخبار :

فمنها عن أبي جعفر علیه السلام قال : « سئل النبيّ صلی الله علیه وآله عن خيار العباد فقال الّذين إذا أحسنوا إ ستبشروا وإذا أساءوا إ ستغفروا وإذا أعطوا شكروا وإذا إبتلوا صبروا وإذا غضبوا غفروا »(2) .

ومنها عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « ما من مؤمن يقترف في يوم وليلة أربعين كبيرة فيقول وهو نادم أستغفر اللَّه الّذي ( لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ )(3) بديع الّسماوات والأرض ذا الجلال والإكرام وأسأله أن يتوب عليّ إلّا غفرها اللَّه له »(4) .

ومنها قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « إنّ اللَّه إذا أراد بعبد خيرا فأذنب ذنبا أتبعه بنقمة ويذكّره الإستغفار وإذا أراد بعبد شرّا فأذنب ذنبا أتبعه بنعمة لينسيه الإستغفار ويتمادي بها وهو قول اللَّه عزّوجلّ - ( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ )(5) بالنّعم عند المعاصي »(6) .

ومنها عن أبي عبداللَّه علیه السلام عن آبائه : قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « لكلّ داء دواء ودواء

ص: 183


1- سورة آل عمران : 135 .
2- الكافي : 2/240 ، ح 31 ؛ بحار الأنوار : 66/305 ، ح 26 .
3- سورة البقرة : 255 .
4- الخصال : 2/540 ، ح 12 ؛ بحار الأنوار : 84/1 ، ح 2 .
5- سورة الأعراف : 182 .
6- الكافي : 2/452 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 5/217 ، ح 9 .

الذنوب الإستغفار »(1) .

ومنها عن عبداللَّه بن محمد الجعفي قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : « كان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله والاستغفار - حصنين لكم من العذاب ، فضمى أكبر الحصنين وبقي الإستغفار ، فأكثروا منه فإنّه منجاة للذنوب ، وإن شئتم فاقرءوا ( وَمَا كَانَ اللَّهَ ُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهَ ُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )(2) »(3) .

ومنها عن جعفر الصادق عن أبيه عن آبائه : قال : « قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : طوبى لمن وجد في صحيفته يوم القيامة تحت كلّ ذنب أستغفر اللَّه »(4) .

ومنها عن جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال سمعته يقول : « التائب من الذنب كمن لا ذنب له والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزى ء »(5) .

ومنها عن أبي جعفر علیه السلام قال : « واللَّه ما ينجو من الذنب إلّا من أقرّ به »(6) .

وقال أبو جعفر علیه السلام : « كفى بالنّدم توبة »(7) .

ومنها عن معاوية بن عمّار قال : سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « إنّه واللَّه ما خرج عبد من ذنب بإصرار وما خرج عبد من ذنب إلّا بإقرار »(8) .

ص: 184


1- ثواب الأعمال : 164 ؛ بحار الأنوار : 90/279 ، ح 11 .
2- سورة الأنفال : 33 .
3- تفسير العياشي : 2/54 ، ح 44 ؛ بحار الأنوار : 90/281 ، ح 20 .
4- ثواب الأعمال : 165 ؛ بحار الأنوار : 90/280 ، ح 15 .
5- الكافي : 2/435 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 6/41 ، ح 75 .
6- الكافي : 2/426 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 6/38 ، ح 66 .
7- الكافي : 2/426 ذيل ح 1 ؛ بحار الأنوار : 6/20 ، ح 9 .
8- الكافي : 2/427 ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة : 16/59/20976 - 3 .

ومنها عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : « لا شفيع أنجح من التوبة »(1) .

ومنها عن موسى بن جعفر علیه السلام : « من سرّته حسنته وساءته سيّئته فهو مؤمن فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة وكان ظالما واللَّه تعالى ذكره يقول - ( مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ )(2) » فقلت له يا ابن رسول اللَّه وكيف لا يكون مؤمنا من لم يندم على ذنب يرتكبه ؟ فقال : « يا أبا أحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم أنّه سيعاقب عليها إلّا ندم على ما إرتكب ومتى ندم كان تائبا مستحقّا للشفاعة ومتى لم يندم عليها كان مصرّا والمصرّ لا يغفر له لأنّه غير مؤمن بعقوبة ما إرتكب ولو كان مؤمنا بالعقوبة لندم وقد قال النبيّ صلی الله علیه وآله : لا كبيرة مع الإستغفار ولا صغيرة مع الإصرار وأمّا قول اللَّه عزّوجلّ : ( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ ارْتَضَى ) فإنّهم لا يشفعون إلّا لمن إرتضى اللَّه دينه والدين الإقرار بالجزاء على الحسنات والسيّئات فمن إرتضى اللَّه دينه ندم على ما إرتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيامة »(3) .

ومنها قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أيّها الناس توبوا إلى اللَّه توبة نصوحا قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا وأصلحوا بينكم وبين ربّكم تسعدوا وأكثروا من الصدقة ترزقوا »(4) الحديث .

وقال صلی الله علیه وآله : « إذا أذنب العبد كان نقطة سوداء على قلبه فإن هو تاب وأقلع وإ ستغفر صفا قلبه منها وإ هو لم يتب ولم يستغفر كان الذنب على الذنب والسواد على السواد

ص: 185


1- تحف العقول : 90 ؛ بحار الأنوار : 6/19 ، ح 6 .
2- سورة غافر : 18 .
3- التوحيد للصدوق : 408 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 8/351 ، ح 1 .
4- إرشاد القلوب للديلمي : 1/45 .

حتّى يغمر القلب فيموت بكثرة غطاء الذنوب عليه وذلك قوله تعالى : ( بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )(1) »(2) .

ومنها قال النبيّ صلی الله علیه وآله : « من أعطى أربعا لم يحرم أربعا من أعطى الإستغفار لم يحرم المغفرة ومن أعطى الشكر لم يحرم الزيادة ومن أعطى التوبة لم يحرم القبول ومن أعطى الدعاء لم يحرم الإجابة »(3) .

وقال صلی الله علیه وآله : « أكثروا من الإستغفار فإنّ اللَّه عزّوجلّ لم يعلّمكم الإستغفار إلّا وهو يريد أن يغفر لكم »(4) .

التائب وأقسامه

قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أ تدرون من التائب ؟ » فقالوا : اللهمّ لا قال إذا تاب العبد ولم يرض الخصماء فليس بتائب ومن تاب ولم يغيّر مجلسه وطعامه فليس بتائب ومن تاب ولم يغيّر رفقاءه فليس بتائب ومن تاب ولم يزد في العبادة فليس بتائب ومن تاب ولم يغيّر لباسه فليس بتائب ومن تاب ولم يغيّر فراشه ووسادته فليس بتائب ومن تاب ولم يفتح قلبه ولم يوسّع كفّه فليس بتائب ومن تاب ولم يقصّر أمله ولم يحفظ لسانه فليس بتائب ومن تاب ولم يقدّم فضل قوته من يديه فليس بتائب وإذا إ ستقام على هذه الخصال فذاك التائب(5) .

ص: 186


1- سورة المطفّفين : 14 .
2- إرشاد القلوب للديلمي : 1/46 .
3- تحف العقول : 41 ؛ بحار الأنوار : 74/144 ، ح 38 .
4- مجموعة ورام : 1/5 .
5- جامع الأخبار للشعيري : 88 ؛ بحار الأنوار : 6/35 ، ح 52 .

وَ لا يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلّا رَبَّهُ

قال جلّ وعلا : ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً * مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ )(1) .

وَ لا يَلُمْ لائِمٌ إِلّا نَفْسَهُ

قال تعالى : ( هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِىَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهَ ُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )(2) .

وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ )(3) الآية .

وقوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً )(4) .

وقوله تعالى : ( بَلْ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ )(5) الآية .

وقوله تعالى : ( فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهَ ُ لِيَظْلِمَهُمْ

ص: 187


1- سورة النساء : 78 - 79 .
2- سورة النحل : 33 .
3- سورة آل عمران : 135 .
4- سورة النساء : 64 .
5- سورة الروم : 29 .

وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )(1) .

وقوله تعالى : ( وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )(2) .

وقوله تعالى : ( سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ )(3) .

وقوله تعالى : ( مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمْ اللَّهَ ُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )(4) .

وقوله تعالى : ( مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنْ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ )(5) .

ص: 188


1- سورة العنكبوت : 40 .
2- سورة النحل : 118 .
3- سورة الأعراف : 177 .
4- سورة آل عمران : 117 .
5- سورة النساء : 79 .

بسم الله الرحمن الرحیم

17 - و من كلام له علیه السلام في صفة من يتصدى للحكم بين الأمة وليس لذلك بأهل :

اشارة

إنَّ أَبْغَضَ الْخَلائِقِ إِلَى اللَّهِ رَجُلانِ - رَجُلٌ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ - فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ - مَشْغُوفٌ بِكَلامِ بِدْعَةٍ وَ دُعَاءِ ضَلالَةٍ - فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ - مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَ بَعْدَ وَفَاتِهِ - حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ وَ رَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ الأُمَّةِ - عَادٍ فِي أَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ - قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِماً وَ لَيْسَ بِهِ - بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ - حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ وَ اكْتَنَزَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ - جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ - فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ - هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثّاً مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ - فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ - لا يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ - فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ - وَ إِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ - جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالاتٍ عَاشٍ رَكَّابُ عَشَوَاتٍ - لَمْ يَعَضَّ عَلَى الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ - يَذْرُو الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمَ - لا مَلِيٌّ وَ اللَّهِ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ - وَلا هُوَ أهلٌ لِما فَوَّضَ إليه ( وَ لا أَهْلٌ لِمَا قُرِّظَ بِهِ ) لا يَحْسَبُ الْعِلْمَ فِي شَيْ ءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ - وَ لا يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَباً لِغَيْرِهِ - وَ إِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ - لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ - تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ - وَ تَعَجُّ مِنْهُ الْمَوَارِيثُ ، إِلَى اللَّهِ أَشْكُو - مِنْ مَعْشَرٍ يَعِيشُونَ جُهَّالاً وَ يَمُوتُونَ ضُلَّالاً - لَيْسَ فِيهِمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاوَتِهِ - وَ لا

ص: 189

سِلْعَةٌ أَنْفَقُ بَيْعاً - وَ لا أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ - وَ لا عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَ لا أَعْرَفُ مِنَ الْمُنْكَرِ

إنَّ أَبْغَضَ الْخَلائِقِ إِلَى اللَّهِ رَجُلانِ رَجُلٌ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ

عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « سمعت أمّ سلمة النبيّ صلی الله علیه وآله يقول في دعائه : اللهمّ ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا »(1) .

وقال أبو جعفر علیه السلام كان من دعاء أمير المؤمنين علیه السلام : « إلهي كفى بي عزّا أن أكون لك عبدا وكفى بي فخرا أن تكون لي ربّا »(2) .

قال النبيّ صلی الله علیه وآله : « اللهمّ . . . وانّك أن تكلني إلى نفسي تقرّبني من الشرّ وتباعدني من الخير »(3) .

فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ

قال تعالى : ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ )(4) .

مَشْغُوفٌ

قال تعالى : ( قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً )(5) .

ص: 190


1- تفسير القمي : 2/75 ؛ بحار الأنوار : 14/384 .
2- كنز الفوائد : 1/386 ؛ بحار الأنوار : 91/94 ، ح 10 .
3- تفسير الصافي : 3/296 ، ذ آية 87 سورة مريم ؛ تفسير نور الثقلين : 3/362 .
4- سورة النحل : 9 .
5- سورة يوسف : 30 .

بِكَلامِ بِدْعَةٍ

عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار »(1) .

وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أبى اللَّه لصاحب البدعة بالتّوبة » قيل يا رسول اللَّه وكيف ذلك ؟ قال : « إنّه قد أشرب قلبه حبّها »(2) .

وَ دُعَاءِ ضَلالَةٍ

قال اللَّه تعالى : ( لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ ) الآية(3) .

وقال تعالى : ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً بَعِيداً )(4) .

وقال تعالى : ( قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ ) الآية(5) .

وقال تعالى : ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ ) الآية(6) .

ص: 191


1- الكافي : 1/57 ، ح 12 ؛ بحار الأنوار : 30/358 .
2- الكافي : 1/54 ، ح 4 ؛ علل الشرائع : 2/492 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 2/296 ، ح 14 .
3- سورة الرعد : 14 .
4- سورة النساء : 136 .
5- سورة المائدة : 60 .
6- سورة القصص : 50 .

فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ

الفتنة تارة يراد بها - الإختبار والإمتحان وتارة يراد بها الفساد وقد أشار اللَّه تعالى الى المعنيين في كتابة : أمّا الأوّل - فقوله تعالى ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ )(1) أي لا يختبرون ولا يمتحنون .

وقوله - ( وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ )(2) أي إختبرناه .

وقوله - ( وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ )(3) أي إختبرناهم .

وقوله - ( قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمْ السَّامِرِىُّ )(4) أي إختبرناهم .

ومن الثاني قوله تعالى : ( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ ) ، الآية(5) أي الفساد .

وقوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ ) ، الآية(6) . أيّ الفساد .

ص: 192


1- سورة العنكبوت : 2 .
2- سورة ص : 34 .
3- سورة الدخان : 17 .
4- سورة طه : 85 .
5- سورة البقرة : 191 .
6- سورة آل عمران : 7 .

وقوله تعالى : ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) ، الآية(1) . أيّ إتّقوا فسادا .

وقوله تعالى : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للَّهِ َِ ) ، الآية(2) . أيّ الفساد .

وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ ) ، الآية(3) . والآيات في المعنيين كثيرة(4) .

قال صلی الله علیه وآله : « من أتى ذا بدعة فعظّمه فإنّما يسعى في هدم الإسلام »(5) .

ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ

قال علي علیه السلام : « ما إبتدع أحد بدعة إلّا ترك بها سنّة(6) »(7) .

وعن يونس بن عبد الرحمن قال : قلت لأبي الحسن الأوّل علیه السلام بما أوحّد اللَّه ؟ فقال : « يا يونس لا تكوننّ مبتدعا من نظر برأيه هلك ومن ترك أهل بيت نبيّه صلی الله علیه وآله ضلّ ومن ترك كتاب اللَّه وقول نبيّه

ص: 193


1- سورة الأنفال : 25 .
2- سورة الأنفال : 39 .
3- سورة الأنفال : 73 .
4- مفتاح السعادة : 4/346 .
5- الكافي : 1/54 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 2/304 ، ح 45 .
6- قوله : « ترك بها سنة . . . » لأنّه لمّا كان في كلّ مسألة بيان من الشارع وحكم فيها فمن قال فيها بما لم يكن في الشرع وإبتدع شيئا ، ترك به سنّة وحكما من أحكامه . رفيع - ؛ . الوافي : 1/260 .
7- الوافي : 1/260 ، ح 201 .

كفر »(1) .

وعن أبي الحسن موسى علیه السلام قال : « لعن اللَّه أبا حنيفة كان يقول عليّ وقلت أنا وقالت الصحابة وقلت ( هذا ) »(2) .

وروى ان أبا حنيفة قال : خالفت جعفر بن محمد - الإمام الصادق علیه السلام - في جميع ما قاله ، ولم أدر أنّه يغمض عينيه في السجود أو يفتحها ، ففتحت واحدة وغمضت أخرى(3) .

مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَ بَعْدَ وَفَاتِهِ

قال تعالى : ( وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ )(4) .

قال أبو جعفر علیه السلام : « من أفتى الناس برأيه فقد دان اللَّه بما لا يعلم ومن دان اللَّه بما لا يعلم فقد ضادّ اللَّه حيث أحلّ وحرّم فيما لا يعلم »(5) .

وعن قتيبة قال : سأل رجل أبا عبداللَّه علیه السلام عن مسألة فأجابه فيها فقال الرجل : أ رأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها ؟ فقال له : « مه ما أجبتك فيه من شي ء فهو عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لسنا من أ رأيت في شي ء »(6) .

ص: 194


1- الكافي : 1/56 ، ح 10 .
2- الكافي : 1/57 ، ح 13 .
3- قاموس الرجال ( التستري ) : 10/376 .
4- سورة يس : 12 .
5- قرب الاسناد ( ط - الحديثة ) : 12 ، ح 36 ؛ الكافي : 1/58 ، ذيل ح 17 ؛ بحار الأنوار : 2/299 ، ح 24 .
6- الكافي : 1/58 ، ح 21 ؛ بحار الأنوار : 2/173 ، ح 6 .

حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ

قال تعالى : ( وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ . . . )(1) .

قول النبيّ صلی الله علیه وآله : « . . . ومن سن سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة »(2) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « كان رجل في الزمن الأوّل طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها وطلبها من حرام فلم يقدر عليها فأتاه الشيطان فقال له يا هذا إنّك قد طلبت الدنيا من حلال فلم تقدر عليها وطلبتها من حرام فلم تقدر عليها أ فلا أدلّك على شي ء تكثر به دنياك ويكثر به تبعك ؟ قال : بلى ، قال : تبتدع دينا وتدعو إليه الناس . ففعل فاستجاب له الناس فأطاعوه وأصاب من الدنيا . ثمّ إنّه فكّر . فقال : ما صنعت إبتدعت دينا ودعوت الناس . ما أرى لي توبة إلّا جأن ج آتي من دعوته إليه فأردّه عنه فجعل يأتي أصحابه الّذين أجابوه . فيقول : إنّ الّذي دعوتكم إليه باطل وإنّما إبتدعته . فجعلوا يقولون كذبت وهو الحقّ ولكنّك شككت في دينك . فرجعت عنه فلمّا رأى ذلك عمد إلى سلسلة فوتد لها وتداً ثمّ جعلها في عنقه وقال لا أحلّها حتّى يتوب اللَّه تعالى عليّ . فأوحى اللَّه تعالى إلى نبيّ من الأنبياء قل لفلان وعزّتي لو دعوتني حتّى تنقطع أوصالك ما إ ستجبت لك حتّى تردّ من مات إلى دعوته إليه فيرجع عنه »(3) .

ص: 195


1- سورة العنكبوت : 13 .
2- الفصول المختارة : 136 ؛ تفسير نور الثقلين : 1/73 ، ح 163 .
3- علل الشرايع : 2/492 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 2/297 ، ح 15 .

رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ

قال تعالى : ( كُلُّ امْرِءٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ )(1) .

وقال تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه )(2) .

وقال تعالى : ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ )(3) .

عن النبيّ صلی الله علیه وآله قال : « أيّما داع دعا إلى الهدى فأتّبع فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شي ء وأيّما داع دعا إلى ضلالة واتّبع فإنّ عليه مثل أوزار من إتّبعه من غير أن ينقص من أوزارهم شي ء »(4) .

مسعدة بن صدقة قال : حدّثني جعفر بن محمّد ، عن أبيه علیه السلام : أنّ عليّا علیه السلام قال : « من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس ، ومن دان اللَّه بالرّأي لم يزل دهره في إرتماس »(5) .

وَ رَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ الأُمَّةِ - عَادٍ فِي أَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ

قد روى أنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتّى يروىّ أنّ هذه الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا

ص: 196


1- سورة الطور : 21 .
2- سورة الزلزلة : 7 - 8 .
3- سورة النحل : 25 .
4- مجموعة ورام : 2/127 ؛ تفسير نور الثقلين : 3/49 ، ح 62 .
5- قرب الأسناد ( ط - الحديثة ) : 11 / ح 35 ؛ بحار الأنوار : 2/299 ، ح 23 .

وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهَ ُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ )(1) وأنّ الآية الثانية نزلت في إبن ملجم وهي قوله تعالى : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ )(2) فلم يقبل فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل فبذل له أربعمائة ألف فقبل وروي ذلك(3) .

عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ

قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « شرار علماء أمّتنا المضلّون عنّا ، القاطعون للطرق إلينا ، المسمّون أضدادنا بأسمائنا ، الملقّبون أضدادنا بألقابنا ، يصلّون عليهم وهم للّعن مستحقّون ، ويلعنوننا ونحن بكرامات اللَّه مغمورون ، وبصلوات اللَّه وصلوات ملائكته المقرّبين علينا - عن صلواتهم علينا - مستغنون »(4) .

وقيل لأمير المؤمنين علیه السلام : من خير خلق اللَّه بعد أئمّة الهدى ومصابيح الدجى ؟ قال : « العلماء إذا صلحوا » .

قيل : فمن شرّ خلق اللَّه بعد إبليس وفرعون ونمرود ، وبعد المتّسمين بأسمائكم والمتلقّبين بألقابكم ، والآخذين لأمكنتكم ، والمتأمّرين في ممالككم ؟

قال : « العلماء إذا فسدوا ، هم المظهرون للأباطيل ، الكاتمون للحقائق ، وفيهم قال اللَّه

ص: 197


1- سورة البقرة : 204 - 205 .
2- سورة البقرة : 207 .
3- شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : 3/74 .
4- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري علیه السلام : 301/ح 143 ؛ الاحتجاج : 4582 ؛ بحار الأنوار : 2/89 ، ذ ح 12 .

عزّوجلّ : ( أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهَ ُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا(1) ) » الآية(2) .

قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِماً وَ لَيْسَ بِهِ

قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « سيأتي على أمّتي زمان لا يبقى من القرآن إلّا رسمه ومن الإسلام إلّا إ سمه يسمّون به وهم أبعد الناس منه ، مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى ، فقهاء ذلك الزمان شرّ فقهاء تحت ظلّ السماء ، منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود »(3) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا » قيل يا رسول اللَّه وما دخولهم في الدنيا ؟ قال : « إتّباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم »(4) .

وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من تعلّم علما ليماري به السفهاء ويباهي به العلماء ويصرف به الناس إلى نفسه يقول أنا رئيسكم فليتبوّأ مقعده من النار » ثمّ قال : « إنّ الرئاسة لا تصلح إلّا لأهلها فمن دعا الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه لم ينظر اللَّه إليه يوم القيامة »(5) .

ص: 198


1- سورة البقرة : 159 - 160 .
2- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري علیه السلام : 302/ح 144 ؛ بحار الأنوار : 2/89 ذ ح 12 .
3- ثواب الأعمال : 253 ؛ بحار الأنوار : 2/109 ، ح 14 .
4- الكافي : 1/46 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 2/110 ، ح 15 .
5- الإختصاص : 251 ؛ بحار الأنوار : 2/110 ، ح 16 .

بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ

قال اللَّه تعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً )(1) .

عن ميمون بن عبداللَّه ، قال ، أتى قوم أبا عبداللَّه علیه السلام يسألونه الحديث من الأمصار ، وأنا عنده ، فقال لي : « أ تعرف أحدا من القوم » قلت : لا ، فقال : « فكيف دخلوا عليّ ؟ » قلت : هؤلاء قوم يطلبون الحديث من كلّ وجه لا يبالون ممّن أخذوا الحديث ، فقال لرجل منهم : هل سمعت من غيري من الحديث قال : نعم ، قال : فحدّثني ببعض ما سمعت . . . قال حدّثني سفيان الثوريّ ، عن جعفر بن محمّد قال : النبيذ كلّه حلال إلّا الخمر ، ثمّ سكت ، فقال أبو عبداللَّه علیه السلام : « زدنا ! » قال حدّثني سفيان عمّن حدّثه عن محمّد بن عليّ أنّه قال : من لا يمسح على خفّيه فهو صاحب بدعة ، ومن لم يشرب النبيذ فهو مبتدع ، ومن لم يأكل الجرّيث وطعام أهل الذمّة وذبائحهم فهو ضالّ ، أمّا النبيذ فقد شربه عمر نبيذ زبيب فرشّحه بالماء ، وأمّا المسح على الخفّين : فقد مسح عمر على الخفّين ثلاثا في السفر ويوما وليلة في الحضر ، وأمّا الذبائح : فقد أكلها عليّ علیه السلام . . . فقال له أبو عبداللَّه علیه السلام زدنا ! قال حدّثني سفيان الثوريّ ، عن محمّد بن المنكدر ، أنّه رأى عليّا علیه السلام على منبر الكوفة وهو يقول : لئن أتيت برجل يفضّلني على أبي بكر وعمر لأجلّدنّه حدّ المفتري ، فقال أبو عبداللَّه علیه السلام « زدنا ! » فقال حدّثني سفيان ، عن جعفر ، أنّه قال حبّ أبي بكر وعمر إيمان . . . قال له أبو عبداللَّه علیه السلام : « زدنا ! » قال حدّثني نعيم بن عبداللَّه ، عن جعفر بن محمّد ، أنّه قال : ودّ عليّ بن أبي طالب أنّه بنخيلات ينبع يستظلّ بظلّهنّ

ص: 199


1- سورة الجمعة : 5 .

ويأكل من حشفهنّ(1) ولم يشهد يوم الجمل ولا النهروان ، وحدّثني به سفيان ، . . . قال له أبو عبداللَّه علیه السلام : « زدنا ! » قال : حدّثني سفيان الثوريّ ، عن جعفر بن محمّد ، أنّ عليّا علیه السلام لمّا قتل أهل صفّين ، بكى عليهم ثمّ قال : جمع اللَّه بيني وبينهم في الجنّة .

فقال له أبو عبداللَّه علیه السلام : « من أيّ البلاد أنت ؟ » قال : من أهل البصرة ، قال : « فهذا الّذي تحدّث عنه وتذكر إ سمه جعفر بن محمّد ، تعرفه ؟ » قال : لا ، قال : « فهل سمعت منه شيئا قطّ ؟ » قال : لا ، قال : « فهذه الأحاديث عندك حقّ ؟ » قال : نعم ، قال : « فمتى سمعتها ؟ » قال : لا أحفظ ، قال : إلّا أنّها أحاديث أهل مصرنا منذ دهر لا يمترون فيها ، قال له أبو عبداللَّه علیه السلام : « لو رأيت هذا الرجل الّذي تحدّث عنه ، فقال لك هذه الّتي ترويها عنّي كذب لا أعرفها ولم أحدّث بها ، هل كنت تصدّقه ؟ » قال لا ، قال : « لم ؟ » قال : لأنّه شهد على قوله رجال لو شهد أحدهم على عتق ( عنق ) رجل لجاز قوله(2) .

حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ وَ اكْتَنَزَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ

كما ذكر علیه السلام في آخر هذه الخطبة المرويّة من الطبرسي والمفيد : هذا عذب فرات فاشربوا - فاستعار علیه السلام لعلوم آل محمّد : بالعذب الفرات - وهذا ملح اجاج فاجتنبوا - واستعار لعلوم غيرهم بالملح الأُجاج -(3) .

ص: 200


1- الحشف بالتحريك : أردأ التمر .
2- رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) : 393/ح 741 ؛ بحار الأنوار : 47/354 ، ح 64 .
3- الإرشاد : 1/233 ؛ الاحتجاج : 1/263 .

جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ

اشارة

عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إتّقوا الحكومة فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبيّ أو وصيّ نبيّ »(1) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال أمير المؤمنين علیه السلام لشريح : « يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ أو شقيّ »(2) .

وروى محمّد بن مسلم قال مرّ بي أبو جعفر علیه السلام وأنا جالس عند القاضي بالمدينة فدخلت عليه من الغد فقال لي : « ما مجلس رأيتك فيه أمس ؟ » قال قلت له : جعلت فداك إنّ هذا القاضي بي مكرم فربّما جلست إليه ، فقال لي : « وما يؤمنك أن تنزل اللعنة فتعمّك معه »(3) .

وقال الصادق علیه السلام : « إنّ النواويس(4) شكت إلى اللَّه عزّوجلّ شدّة حرّها فقال لها عزّوجلّ أسكتي فإنّ مواضع القضاء أشدّ حرّا منك »(5) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد في الجنّة رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم فهو في النار ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنّة »(6) .

ص: 201


1- الكافي : 7/406 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة : 27/17 ، ح 33092 - 3 .
2- الكافي : 7/406 ، ح 2 ؛ من لا يحضره الفقيه : 3/5 ، ح 3223 .
3- من لا يحضره الفقيه : 3/5 ، ح 3224 ؛ الكافي : 7/410 ، ح 1 .
4- النواويس جمع ناووس : مقبرة النصارى وموضع بجهنّم .
5- من لا يحضره الفقيه : 3/6 ، ح 3226 .
6- الكافي : 7/407 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 75/247 .

وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من اللَّه لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه »(1) .

وعن مفضّل بن مزيد قال قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « أنهاك عن خصلتين ، فيهما هلك الرجال أن تدين اللَّه بالباطل وتفتي الناس بما لا تعلم »(2) .

وعن أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام وحكم عن إبن أبي يعفور عن أبي عبداللَّه علیه السلام قالا : « من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللَّه عزّوجلّ ممّن له سوط أو عصا فهو كافر بما أنزل اللَّه عزّوجلّ على محمّد صلی الله علیه وآله »(3) .

وعن أبي بصير بن علي عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « سمعته يقول من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللَّه - فهو كافر باللَّه العظيم »(4) .

وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من حكم في درهمين بحكم جور ثمّ جبر عليه كان من أهل هذه الآية - ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهَ ُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ) »(5) فقلت : وكيف يجبر عليه فقال يكون له سوط وسجن فيحكم عليه فإذا رضي بحكومته وإلّا ضربه بسوطه وحبسه في سجنه(6) .

وعن معاوية بن وهب قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « أيّ قاض قضى بين إثنين فأخطأ سقط أبعد من السماء »(7) .

ص: 202


1- المحاسن : 1/205 ، ح 60 ؛ بحار الأنوار : 2/118 ، ح 23 .
2- الخصال : 1/52 ، ح 65 ؛ بحار الأنوار : 2/114 ، ح 5 .
3- الكافي : 7/407 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة : 27/31 ، ح 33136 - 1 .
4- تفسير العياشي : 1/323 ، ح 122 ؛ بحار الأنوار : 101/266 ، ح 15 .
5- سورة المائدة : 44 .
6- الكافي : 7/408 ، ح 3 ؛ وسائل الشيعة : 27/32 ، 33138 - 3 .
7- الكافي : 7/408 ، ح 4 ؛ وسائل الشيعه : 27/32 ، 33139 - 4 .

وعن النبيّ صلی الله علیه وآله قال : « ومن لم يحكم بما أنزل اللَّه كان كمن شهد شهادة زور ويقذف به في النار ويعذّب بعذاب شاهد الزور »(1) .

جواز حكم قاضي التحكيم

عن أبي خديجة قال قال لي أبو عبداللَّه علیه السلام : « إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور ولكن أنظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا فاجعلوه بينكم ، فإنّي قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه »(2) .

وقال النبيّ صلی الله علیه وآله : « من حكم بين الإثنين فتراضيا به فلم يعدل فعليه لعنة اللَّه »(3) .

وقال الصادق علیه السلام لعمر إبن حنظلة : « أنظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فارضوا به حكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما بحكم اللَّه قد إ ستخفّ وعلينا ردّ والرادّ علينا الرادّ على اللَّه وهو على حدّ الشرك باللَّه »(4) .

فان نَزلَت بِهِ إِحدَى الْمُبهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشواً رَثّاًمِن رَأيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ

قال تعالى : ( وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )(5) .

ص: 203


1- ثواب الأعمال : 288 ؛ بحار الأنوار : 73/367 .
2- الكافي : 7/412 ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة : 27/13 ، ح 33083 - 5 .
3- كشف اللثام ( ط - ج ) : 10/6 .
4- الكافي : 7/412 ، ح 5 .
5- سورة آل عمران : 75 .

وقال تعالى : ( وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) ، الآية(1) .

وقال تعالى : ( الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ )(2) .

وقال تعالى : ( وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )(3) الآية .

وقال تعالى : ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ )(4) .

وقال تعالى : ( ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ )(5) .

وقال تعالى : ( إِنْ هِىَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ ) ، الآية(6) .

وقال تعالى : ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ) ، الآية(7) .

وقال تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ) ، الآية(8) .

الآيات الدالة على نهي الأخذ بغير علم في الأحكام الشرعيّة كثيرة وفيما ذكرناه كفاية .

وأمّا الأخبار : فمنها عن عليّ بن أبي طالب علیه السلام قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من

ص: 204


1- سورة آل عمران : 78 .
2- سورة المجادلة : 2 .
3- سورة يونس : 60 .
4- سورة الأنعام : 116 .
5- سورة ص : 27 .
6- سورة النجم : 23 .
7- سورة الزمر : 60 .
8- سورة الأنعام : 21 .

أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السموات والأرض »(1) .

ومنها عن أبي جعفر علیه السلام قال : « من أفتى الناس بغير علم ولا هدى لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه »(2) .

ومنها قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « إتّقوا تكذيب اللَّه » قيل : يا رسول اللَّه وكيف ذاك ؟ قال : « يقول أحدكم قال اللَّه فيقول اللَّه كذبت لم أقله أو يقول لم يقل اللَّه فيقول اللَّه عزّوجلّ كذبت قد قلته »(3) .

ومنها عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « الكذب على اللَّه وعلى رسوله وعلى الأوصياء : من الكبائر »(4) .

ومنها قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من قال عَلَيّ ما لم أقل فليتبوّأ مقعده من النار »(5) .

ومنها عن الرضا علیه السلام قال : « واللَّه ما أحد يكذب علينا إلّا ويذيقه اللَّه حرّ الحديد »(6) .

ومنها عن أبي جميلة قال سمعت عليّا علیه السلام على منبر الكوفة يقول : « أيّها الناس ثلاث لا دين لهم لا دين لمن دان بجحود آية من كتاب اللَّه ولا دين لمن دان بفرية باطل على اللَّه ولا دين لمن دان بطاعة من عصى اللَّه تبارك وتعالى »(7) .

ص: 205


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 2/46 ، ح 173 ؛ بحار الأنوار : 2/115 ، ح 12 ؛ تفسير نور الثقلين : 2/26 ، ح 94 .
2- الكافي : 1/42 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 2/118 ، ح 23 .
3- معاني الأخبار : 390 ، ح 31 ؛ بحار الأنوار : 2/117 ، ح 16 .
4- تفسير العياشي : 1/238 ، ح 106 ؛ بحار الأنوار : 76/14 ، ذيل ح 19 .
5- ثواب الأعمال : 268 ؛ بحار الأنوار : 2/117 ، ذ ح 17 .
6- رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) : 555 ، ح 1048 ؛ بحار الأنوار : 2/117 ، ح 18 .
7- المحاسن : 1/5 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار : 2/117 ، ح 9 .

ومنها عن زرارة بن أعين قال : قلت لأبي عبداللَّه علیه السلام ما حقّ اللَّه على خلقه ؟ قال علیه السلام : « حقّ اللَّه على خلقه أن يقولوا بما يعلمون ويكفّوا عمّا لا يعلمون فإذا فعلوا ذلك فقد واللَّه أدّوا إليه حقّه »(1) .

ومنها عن مفضّل بن يزيد قال قال لي أبو عبداللَّه علیه السلام : « أنهاك عن خصلتين فيهما هلاك الرجال أنهاك أن تدين اللَّه بالباطل وتفتي الناس بما لا تعلم »(2) .

ومنها عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إيّاك وخصلتين مهلكتين أن تفتي الناس برأيك وأن تقول ما لا تعلم »(3) .

ومنها عن عبد الرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا عبداللَّه علیه السلام عن مجالسة أصحاب الرأي فقال : « جالسهم وإيّاك وخصلتين تهلك فيهما الرجال أن تدين بشي ء من رأيك وتفتي الناس بغير علم »(4) .

ومنها عن أبي جعفر علیه السلام قال : « لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا لم يجحدوا ولم يكفروا »(5) .

ومنها عن جعفر بن محمّد علیه السلام أنّه قال : « نهى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عن الحكم بالرّأي والقياس وقال إنّ أوّل من قاس إبليس ومن حكم في شي ء من دين اللَّه برأيه خرج من دين اللَّه »(6) .

ص: 206


1- المحاسن : 1/204 ، ح 53 ؛ بحار الأنوار : 2/118 ، ح 20 .
2- الكافي : 1/42 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 2/114 ، ح 5 .
3- المحاسن : 1/205 ، ح 55 ؛ بحار الأنوار : 2/118 ، ح 21 .
4- المحاسن : 1/205 ، ح 56 ؛ بحار الأنوار : 2/118 ، ح 22 .
5- المحاسن : 1/216 ، ح 103 ؛ بحار الأنوار : 2/120 ، ح 31 .
6- دعائم الإسلام : 2/535 ، ح 1901 ؛ مستدرك الوسائل : 17/253 ، ح 21266 - 2 .

ومنها قال النبيّ صلی الله علیه وآله : « من أفتى بفتيا من غير تثبّت وفي لفظ بغير علم فإنّما إثمه على من أفتاه »(1) .

ومنها : أيّها الناس إتّقوا اللَّه ولا تفتوا الناس بما لا تعلمون(2) .

ومنها قال النبي صلی الله علیه وآله : « تعمل هذه الأمّة برهة بالكتاب وبرهة بالسّنّة وبرهة بالقياس فإذا فعلوا ذلك فقد ضلّوا »(3) .

وعن إبن شبرمة(4) قال : ما ذكرت حديثا سمعته عن جعفر بن محمّد صلی الله علیه وآله إلّا كاد أن يتصدّع قلبي قال حدّثني أبي عن جدّي عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : « إبن شبرمة وأقسم باللَّه ما كذب أبوه على جدّه ولا جدّه على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : من عمل بالمقاييس فقد هلك وأهلك ومن أفتى الناس بغير علم وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك »(5) .

ومنها قال صلی الله علیه وآله : « إيّاكم وأصحاب الرأي فإنّهم أعيتهم السنن أن يحفظوها فقالوا بالحلال والحرام برأيهم فأحلّوا ما حرّم اللَّه وحرّموا ما أحلّه اللَّه فضلّوا وأضلّوا » .(6)

ومنها قول رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « ستفترق أمّتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فتنة

ص: 207


1- منية المريد : 281 ؛ بحار الأنوار : 2/123 ، ح 47 .
2- الأصول الستة عشر ( ط . دار الشبستري ) : 38 ؛ بحار الأنوار : 2/113 ، ح 1 .
3- عوالي اللئالي : 4/64 ، ح 18 ؛ بحار الأنوار : 2/308 ، ح 67 .
4- بضمّ المعجمة وسكون الموحّدة وضمّ الراء وقيل بفتح المعجمة - وربما يكسر - وسكون الموحّدة وضمّ الراء ، وهو عبداللَّه بن شبرمة الكوفيّ كان قاضيا لأبي جعفر المنصور على سواد الكوفة وكان شاعرا .
5- الكافي : 1/43 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار : 47/49 ، ح 79 .
6- عوالي اللئالي : 4/65 ، ح 21 ؛ بحار الأنوار : 2/308 ، ح 68 .

على أمّتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحرّمون الحلال ويحلّلون الحرام »(1) .

ومنها روي عن سلمان الفارسيّ ؛ أنّه قال : ما هلكت أمّة حتّى قاست في دينها(2) .

ومنها عن المعلّي بن خنيس عن أبي عبداللَّه علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ : ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنْ اللَّهِ )(3) يعني من يتّخذ دينه رأيه بغير هدى أئمّة من أئمّة الهدى(4) .

ومنها عن عكرمة قال قال الحسين بن عليّ علیه السلام : « من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في الإرتماس مائلا عن المنهاج ظاعنا في الإعوجاج ضالّا عن السبيل قائلا غير الجميل الخبر »(5) .

ومنها عن محمّد بن حكيم قال قلت لأبي عبداللَّه علیه السلام : إنّ قوماً من أصحابنا قد تفّقهوا وأصابوا علما ورووا أحاديث فيرد عليهم الشي ء فيقولون فيه برأيهم ؟ فقال : « لا وهل هلك من مضى إلّا بهذا وأشباهه »(6) .

روي أبو نعيم - انّ أبا حنيفة وعبداللَّه إبن أبي شبرمة وإبن أبي ليلى دخلوا على جعفر إبن محمّد علیه السلام فقال : « لإبن أبي ليلى من هذا الّذي معك ؟ » قال رجل له بصر ونفاذ في الدين . قال علیه السلام : « لعلّه يقيس أمر الدين برأيه » قال : نعم . فقال ( الإمام )

ص: 208


1- كنز الفوائد : 2/209 ؛ بحار الأنوار : 2/312 .
2- كنز الفوائد : 2/210 ؛ مستدرك الوسائل : 17/257 ، ح 21277 - 13 .
3- سورة القصص : 50 .
4- بصائر الدرجات : 1/13 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 2/302 ، ح 35 .
5- التوحيد للصدوق : 80/35 ؛ بحار الأنوار : 2/302 ، ح 34 .
6- المحاسن : 1/212 ، ح 88 ؛ بحار الأنوار : 2/305 ، ح 50 .

جعفر لأبي حنيفة « ما اسمك ؟ » قال : نعمان . قال : « ما أراك تحسّن شيئا ، ثمّ جعل يوجّه إليه أسئلته » ، فكان جواب أبي حنيفة عدم الجواب عنها ، فأجابه الإمام عنها .

ثمّ قال : « يا نعمان حدّثني أبي عن جدّي انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : من قاس أمر الدين برأيه إبليس » .

قال اللَّه تعالى له : أسجد لآدم ، فقال : ( أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) ، فمن قاس الدين برأيه قرنه اللَّه تعالى يوم القيامة بإبليس لأنّه إتّبعه بالقياس .

قال إبن بشرمة : ثمّ قال جعفر : « أيّهما أعظم قتل النفس أو الزنا ؟ » قال أبو حنيفة : قتل النفس .

قال الصادق علیه السلام : « فإنّ اللَّه عزّوجلّ قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلّا أربعة » .

ثمّ قال علیه السلام : « أيّهما أعظم الصلوة أم الصوم ؟ » قال أبو حنيفة : الصلوة .

قال الصادق علیه السلام : « فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلوة ؟ فكيف ويحك يقوم لك قياسك ؟ إتّق اللَّه ولا تقس الدين برأيك »(1) .

وفي المستدرك قال علیه السلام : « إتّق اللَّه يا عبداللَّه فإنّما نحن وأنت غدا ومن خالفنا بين يدي اللَّه عزّوجلّ ونقول قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وتقول أنت وأصحابك سمعنا ورأينا فيفعل بنا وبكم ما شاء اللَّه عزّوجلّ »(2) .

ص: 209


1- توضيح الرشاد في تاريخ حصر الإجتهاد : 37 ؛ حلية الأولياء : 3/196 .
2- مستدرك الوسائل : 17/262 ، 21288 - 24 .

وفي أبي حنيفة وأصحابه من أهل الرأي والقياس قال مساور وهو من شعراء عصره قال :

كنّا من الدين قبل اليوم في سعة * حتّى بلينا بأصحاب المقائيس

قاموا من السوق إذ قامت مكاسبهم * فاستعملو الرأي بعد الجهد والبؤس

فلقيه أبو حنيفة فقال له : هجوتنا يا مساور نحن نرضيك فوصله بدراهم فقال مساور :

إذا ما الناس يوما قايسونا * بآبدة من الفتيا طريفة

أتيناهم بمقياس صحيح * قلّاد من طراز أبي حنيفة

إذا سمع الفقيه بها وعاها * وأثبتها بجبر من صحيفة(1)

وأبو حنيفة كان من أصحاب الرأي والقياس وقيل هو أوّل من قاس في الإسلام(2) كما انّ إبليس أوّل من قاس في الخلق .

وقال أبو صالح الفراء سمعت يوسف إبن أسباط يقول ردّ أبو حنيفة على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أربعمائة حديث أو أكثر ، قلت له : يا أبا محمّد تعرفها ؟ قال : نعم .

قلت : فأخبرني بشي ء منها . فقال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « للفرس سهمان وللرجل سهم » ، قال أبو حنيفة : أنا لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن ، وأشعر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأصحابه البدن ، وقال أبو حنيفة : الاشعار مثلة .

وقال صلی الله علیه وآله : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا » ، وقال أبو حنيفة : إذا وجب البيع فلا خيار .

ص: 210


1- العقد الفريد : 6/153 ؛ عيون الأخبار ( لابن قتيبة ) : 2/155 .
2- تحف العقول : ذ 411 ؛ بحار الأنوار : 75/ ذ 322 .

وكان النبيّ صلی الله علیه وآله يقرع بين نسائه إذا أراد أن يخرج إلى سفر وأقرع أصحابه وقال أبو حنيفة : القرعة قمار(1) .

فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ

قال اللَّه تبارك وتعالى : ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ )(2) .

لا يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ - فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ - وَ إِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ

عن أبي عبداللَّه علیه السلام عن آبائه : قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح »(3) .

وعن طلحة بن زيد قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « العامل على غير بصيرة كالسّائر على غير الطريق ولا يزيده سرعة السير من الطريق إلّا بعدا »(4) .

وقال أمير المؤمنين علیه السلام : « المتعبّد على غير فقه كحمار الطاحونة يدور ولا يبرح وركعتان من عالم خير من سبعين ركعة من جاهل لأنّ العالم تأتيه الفتنة فيخرج منها بعلمه وتأتي الجاهل فينسفه نسفا وقليل العمل مع كثير العلم خير من

ص: 211


1- تاريخ بغداد : 13/390 ، ش 19 ؛ ربيع الأبرار ( للزمخشري ) : 4/20 .
2- سورة العنكبوت : 41 .
3- المحاسن : 1/198 ، ح 23 ؛ بحار الأنوار : 1/208 ، ح 7 .
4- الأمالى للصدوق : 421/ م 65 ، ح 18 ؛ بحار الأنوار : 1/206 ، ح 1 .

كثير العمل مع قليل العلم والشكّ والشبهة »(1) .

وقال الصادق علیه السلام : « أحسنوا النظر فيما لا يسعكم جهله وأنصحوا لأنفسكم وجاهدوا في طلب ما لا عذر لكم في جهله فإنّ لدين اللَّه أركانا لا ينفع من جهلها شدّة إجتهاده في طلب ظاهر عبادته ولا يضرّ من عرفها فدان به حسن إقتصار ولا سبيل لأحد إلى ذلك إلّا بعون من اللَّه عزّوجلّ »(2) .

جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالاتٍ عَاشٍ رَكَّابُ عَشَوَاتٍ

قال يحيى بن مخنف : جاء رجل من أهل المشرق إلى أبي حنيفة بكتاب وهو بمكّة ، فعرضه عليه وكان قد جمعه ممّا سمعه منه ، فرجع عن ذلك أبو حنيفة ، فوضع الرجل التراب على رأسه ثمّ قال : يا معاشر الناس أتيت هذا الرجل عام أوّل فأفتاني هذا الكتاب ، فهرقت به الدماء وأبحت به الفروح ، ثمّ رجع عنه الآن . فقال أبو حنيفة : هذا رأى رأيته ، وقد رجعت عنه .

فقال له الرجل : فتؤمنني ألا ترى من قابل شيئا آخر ؟ قال : لا أدري كيف يكون هذا .

قال الرجل : لكنّي أدري أن من أخذ عنك فهو ضالّ(3) .

وقال الجاحظ : قال إبراهيم : رويتم عن إ سماعيل عن الشعبي أن قوما سألوا زيد بن ثابت عن شي ء فأفتاهم فكتبوه ، فقال : وما يدريكم لعلّي قد أخطأت وإنّما

ص: 212


1- الإختصاص : 245 ؛ بحار الأنوار : 1/208 ، ح 10 .
2- كنز الفوائد : 2/33 ؛ بحار الأنوار : 1/209 ، ح 12 .
3- المسائل الصاغانية ( الشيخ المفيد ) : 145 ؛ تأويل مختلف الحديث ( إبن قتيبة الدينوري ) : 51 .

إجتهدت لكم برأيي .

ورويتم عن المغيرة عن إبراهيم : أنّ عمر بن الخطّاب قضى بقضاء فقال له رجل : أصبت واللَّه ، فقال : وما يدريك أنّي أصبت ، واللَّه ما يدري عمر أ أصاب أم أخطأ .

ورويتم عن عمر وعن طاوس أنّ إبن عمر سئل عن شي ء فقال : لا أدري ، فإن شئت أخبرتك بالظّنّ .

قال إبراهيم : فقد أقرّ القوم على أنفسهم أنّهم بالظّنّ كانوا يريقون الدماء ، وبالظّنّ كانوا يبيحون الفروج ، وبالظّنّ يحكمون في الأموال ، وبالظّنّ يوجبون العبادات ، وقد نهي اللَّه عزّوجلّ العباد أن يحكموا بالظّنّ ويشهدوا به ، فقال تعالى : ( إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )(1) وأمر بالعلم واليقين فخالف القوم ذلك وعلموا أنّ الناس لهم منقادون وأنّهم ما قالوا من شي ء فهو حتم لا مردّ له .

قال إبراهيم : وإذا كان هذا المذهب موجودا في الأكابر والأصاغر من السلف فما ظنّك بالتّابعين ؟ ثمّ ما ظنّك بالفرق الّتي بينهم وإذا كان هذا ما أقرّوا به على أنفسهم فما لم يقرّوا به ورأوا ستره أكثر(2) .

لَمْ يَعَضَّ عَلَى الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ

قال بعضهم في وصف بعض : كان يغلط في علمه من وجوه أربعة : يسمع غير ما

ص: 213


1- سورة الزخرف : 86 .
2- الفصول المختارة : 209 .

يقال له ، ويحفظ غير ما يسمع ، ويكتب غير ما يحفظ ، ويحدّث بغير ما يكتب(1) .

وقال بعضهم : رأيت إبن الجصاص يقبل المصحف ويبكي ، فقلت له : ما يبكيك ؟ فقال : أكلت اليوم مخيضا وبصلا مع النساء ، ثمّ نظرت في المصحف فرأيته فيه : وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَخِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ . فتعجّبت من قدرة اللَّه كيف بيّن كلّ شي ء في القرآن حتّى المخيض وأكله مع النساء(2) .

وحكى أبو الحسين إبن الراوندي قال : مررت بشيخ جالس وبيده مصحف ، وهو يقرأ وَللَّهِ َِ مِيزَابُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، فقلت : وما يعني ميزاب السموات والأرض ؟ قال : هذا المطر الّذي ترى . فقلت : ما يكون التصحيف إلّا إذا كان مثلك يقرأ ، يا هذا إنّما هو ( مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ) . فقال : أنا من أربعين سنة أقرؤها هكذا(3) .

وقال مساور العزاف في أهل القياس :

وكنّا من الدين قبل اليوم في سعة * حتّى بلينا بأصحاب المقاييس

قاموا من السوق إذ قلت مكاسبهم * فاستعملوا الرأي بعد الجهد والبؤس

فلقيه أبو حنيفة وقال له : هجوتنا نحن نرضيك ، فبعث إليه بدراهم ، فكفّ عنه وقال :

إذا ما الناس يوما قايسونا * بمسألة من الفتيا ظريفة

أتيناهم بمقياس صحيح * بديع من طراز أبي حنيفة

ص: 214


1- عيون الأخبار ( إبن قتيبة ) : 2/146 .
2- التذكرة الحمدونيّة ( إبن حمدون ) : 3/274 ، ش 816 ؛ غرر الخصائص الواضحة : 1/283 .
3- أعيان الشيعة : 3/205 .

إذا سمع الفقيه بها وعاها *وأثبتها بحبر في صحيفة(1)

يَذْرُو الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمَ

إنّ سلمان كان يقول للناس : هربتم من القرآن إلى الأحاديث ، وجدتم كتاباً رقيقا ( رفيعا خ ل ) حوسبتم فيه على النقير والقطمير والفتيل وحبّة خردل فضاق ذلك عليكم وهربتم إلى الأحاديث الّتي إتّسعت عليكم(2) .

لا مَلِيٌّ وَ اللَّهِ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ - وَ لا أَهْلٌ لِمَا قُرِّظَ بِهِ

قدم إلى أبي يوسف مسلم قتل ذميا ، فأمر أن يقاد به ، ووعدهم ليوم ، وأمر بالقاتل فحبس ، فلمّا كان في اليوم الّذي وعدهم ، حضر أولياء الذمي وجي ء بالمسلم القاتل ، فلمّا همّ أبو يوسف أن يقول : أقيدوه ، رأى رقعة قد سقطت ، فتناولها صاحب الرقاع وخنسها ، فقال : ما هذه الّتي خنستها ؟ فدفعها إليه ، فإذا فيها أبيات شعر قالها أبو المضرجي شاعر ببغداد :

يا قاتل المسلم بالكافر * جرت وما العادل كالجائر

يا من ببغداد وأطرافها * من فقهاء الناس أو شاعر

جار على الدين أبو يوسف * إذ يقتل المسلم بالكافر

فاسترجعوا وإبكوا على دينكم * وإصطبروا فالأجر للصابر

فأمر بالقمطر ، فشدّ وركب إلى الرشيد ، فحدّثه بالقصّة وإقرأه الرقعة ، فقال له

ص: 215


1- العقد الفريد : 6/153 .
2- رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) : 18/ ح 42 ؛ بحار الأنوار : 22/385 ، ح 25 .

الرشيد : إذهب فاحتل ، فلمّا عاد أبو يوسف إلى دار ه، وجاءه أولياء الذمي يطالبونه بالقود ، قال لهم : إيتوني بشاهدين عدلين إن صاحبكم كان يؤدّي الجزية(1) .

وروي أنّ يحيى إبن أكثم قاضي القضاة لمّا أنكر فضل الإمام الجواد وعلمه علیه السلام ، وأنّه لا يليق بما راه المأمون في حقّه لكونه صغير السن فأنّه علیه السلام كان يومئذ إبن تسع سنين وأشهر فقال المأمون - وهو كان يعرف فضله وعلمه - ليحيى ومن تبعه : إن شئتم فامتحنو أبا جعفر حتّى يتبيّن لكم ما وصفته علیه السلام به . قالوا له : قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بإمتحانه فخلّ بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي ء من فقه الشريعة فإن أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا إعتراض في أمره وظهر للخاصّة والعامّة سديد رأى أمير المؤمنين وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه . فقال لهم المأمون شأنكم وذاك متى أردتم ، فخرجوا من عنده وأجمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم وهو يومئذ قاضي القضاء ( الزمان خ ل ) على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك وعادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما للإجتماع فأجابهم إلى ذلك وإجتمعوا في اليوم الّذي إتّفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن أكثم وأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر علیه السلام دست(2) وتجعل له فيه مسورتان(3) ففعل ذلك وخرج أبو جعفر علیه السلام وهو يومئذ إبن تسع سنين وأشهر فجلس بين المسورتين وجلس يحيى

ص: 216


1- تاريخ بغداد : 14/255 .
2- أي جانب من البيت ، وهي فارسية معرّبة .
3- في هامش « ش » : المسورة : متّكأ من أدم .

بن أكثم بين يديه . . . فقال يحيى بن أكثم للمأمون : يأذن لي أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر ؟ فقال له المأمون : إ ستأذنه في ذلك ؟ فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال : أ تأذن لي جعلت فداك في مسألة ؟ فقال له أبو جعفر علیه السلام : « سل إن شئت » ، قال يحيى : ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا ؟ فقال له أبو جعفر علیه السلام : « قتله في حلّ أو حرم ؟ عالما كان المحرم أم جاهلا ؟ قتله عمدا أو خطأ ؟ حرّا كان المحرم أم عبدا ؟ صغيرا كان أم كبيرا ؟ مبتدئا بالقتل أم معيدا ؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها ؟ من صغار الصيد كان أم كبارها ؟ مصرّا على ما فعل أو نادما ؟ في الليل كان قتله الصيد أم نهارا ؟ محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرما ؟ » فتحيّر يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والإنقطاع ولجلج حتّى عرف جماعة أهل المجلس أمره . . . قال المأمون لأبي جعفر علیه السلام : إن رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه فيما فصّلته من وجوه قتل المحرم الصيد لنعلمه ونستفيده . فقال أبو جعفر علیه السلام : « نعم إنّ المحرم إذا قتل صيدا في الحلّ وكان الصيد من ذوات الطير وكان من كبارها فعليه شاة فإن كان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا وأذا قتل فرخا في الحلّ فعليه حمل قد فطم من اللبن وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ ، وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة وإ كان نعامة فعليه بدنة وإن كان طبيا فعليه شاة فإ قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدى فيه وكان إحرامه للحجّ نحره بمنى وإن كان إحرامه للعمرة نحره بمكّة وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء وفي العمد له المأثم وهو موضوع عنه في الخطإ ، والكفّارة على الحرّ في نفسه وعلى السيّد في عبده والصغير لا كفّارة عليه وهي على الكبير واجبة والنادم يسقط بندمه

ص: 217

عنه عقاب الآخرة والمصرّ يجب عليه العقاب في الآخرة » فقال له المأمون : أحسنت أبا جعفر أحسن اللَّه إليك ، فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك ، فقال أبو جعفر ليحيى : « أسألك ؟ » قال : ذلك إليك جعلت فداك ، فإن عرفت جواب ما تسألني عنه وإلّا إ ستفدته منك ، فقال له أبو جعفر علیه السلام : « خبّرني عن رجل نظر إلى إمرأة في أوّل النهار فكان نظرة إليها حراما عليه ، فلمّا إرتفع النهار حلّت له ، فلمّا زالت الشمس حرمت عليه ، فلمّا كان وقت العصر حلّت له ، فلمّا غربت الشمس حرمت عليه ، فلمّا دخل عليه وقت العشاء الآخرة حلّت له ، فلمّا كان إنتصاف الليل حرمت عليه ، فلمّا طلع الفجر حلّت له ، ما حال هذه المرأة وبما ذا حلّت له وحرمت عليه ؟ » فقال له يحيى بن أكثم : لا واللَّه ما أهتدي إلى جواب هذا السؤال ولا أعرف الوجه فيه ، فإن رأيت أن تفيدناه . فقال له أبو جعفر علیه السلام : « هذه أمة لرجل من الناس نظر إليها أجنبيّ في أوّل النهار فكان نظره إليها حراما عليه فلمّا إرتفع النهار إبتاعها من مولاها فحلّت له فلمّا كان الظهر أعتقها فحرمت عليه فلمّا كان وقت العصر تزوّجها فحلّت له فلمّا كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلّت له فلمّا كان نصف الليل طلّقها واحدة فحرمت عليه فلمّا كان عند الفجر راجعها فحلّت له » .

قال فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته فقال لهم : هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب أو يعرف القول فيما تقدّم من السؤال ؟

قالوا : لا واللَّه إنّ أمير المؤمنين أعلم وما رأى(1) .

ولتوضيح المقام نذكر لك قضيّة من قضايا قاضي القضاة أبو البختري لتعرف

ص: 218


1- الإرشاد : 2/282 ؛ بحار الأنوار : 50/75 ، ح 3 .

أهليّته لهذه المنزلة ، وهي انّ الرشيد قد أعطى ليحيى إبن عبداللَّه إبن الحسن إبن الحسن إبن أبي طالب علیه السلام كتاب الأمان ثمّ أراد إبطاله فسئل محمّد إبن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة . . . فقال : هذا أمان صحيح ودمه حرام ، فدفع الكتاب إلى الحسن إبن زياد فقال : بصوت ضعيف : أمان .

فدخل أبو البختري ، وهب إبن وهب القاضي وأخرج من خفّه سكّينا فقطع الكتاب من غير أن يسأل عنه وقال هذا أمان مفسوخ وكتاب فاسد ودمه في عنقي ، وبإرتكابه هذه الجريمة وإراقته دما طاهراً لحفيد من احفاد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله نال درجة الرقى في مناصب الدولة وخطا خطوات واسعة ، إذ قال له الرشيد عند صدور هذه الفتيا : أنت قاضي القضاة وأنت أعلم بذلك وإجازه الرشيد بألف ألف وستّمائة ألف درهم ، فها هو قد أصبح بعد إن كان واحدا من القضاة رئيسهم الأوّل ومرجعهم الأعلى تناط به أمورهم(1) .

قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من مدح سلطانا جائرا وتخفّف وتضعضع له طمعا فيه كان قرينه إلى النار »(2) .

وقال صلی الله علیه وآله : إذا مدح الفاجر إهتزّ العرش وغضب الرب(3) .

وقال صلی الله علیه وآله : أحثوا في وجوه المدّاحين التراب(4) .

ص: 219


1- الإمام الصادق علیه السلام والمذاهب الأربعة ( أسد حيدر ) : 1/307 ؛ مفتاح السعادة : 4/424.
2- الأمالي للصدوق : 426/م 66 / ح 1 ؛ بحار الأنوار : 72/369 ، ح 3 .
3- تحف العقول : 46 ؛ بحار الأنوار : 74/150 ، ح 84 .
4- الأمالي للصدوق : 426/ م 66 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 70/294 ، ح 1 .

لا يَحْسَبُ الْعِلْمَ فِي شَيْ ءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ

كان الأوزاعي يقول : أنا لا ننقم على أبي حنيفة الرأي ، وإنّنا كلّنا نرى ، ولكنّا ننقم عليه أنّه يجي ء بالحديث عن النبيّ صلی الله علیه وآله فيخالفه إلى غيره(1) .

وقال حماد بن زيد : شهدت أبا حنيفة وقد سئل عن محرم لم يجد أزارا ، فلبس سراويل ، فقال عليه الفدية ، فقلت : سبحان اللَّه ، حدّثنا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن إبن عبّاس قال : سمعت النبيّ صلی الله علیه وآله في المحرم إذا لم يجد ازارا لبس سراويل ، وإذا لم يجد نعلين لبس خفين . فقال : دعنا من حديث النبيّ حدّثنا حمّاد بن أبي مسلم عن إبراهيم النخعي قال : عليه الكفّارة(2) .

وَ لا يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَباً لِغَيْرِهِ

روى أبو عاصم عن أبي عوانة قال : كنت عند أبي حنيفة ، فسئل عن رجل سرق وديا ، فقال : عليه القطع . فقلت : حدّثنا يحيى بن سعيد عن محمّد بن يحيى عن رافع إبن خديج قال : قال النبيّ صلی الله علیه وآله : لا قطع في ثمر ولا كثر . قال : ما بلغني هذا . قلت : فالرّجل الّذي أفتيته ردّه . فقال : دعه فقد جرت به البغال الشهب(3) .

وَ إِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ - لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ

قال حجّاج : سألت قيس الربيع عن أبي حنيفة ، فقال : أنا من أعلم الناس به ،

ص: 220


1- تأويل مختلف الحديث : 52 .
2- نفس المصدر : 52 .
3- نفس المصدر : 52 .

كان أعلم الناس بما لم يكن ، وأجهلهم بما كان(1) .

وإنّ هشام بن عبد الملك حجّ في خلافة عبد الملك والوليد فطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام فنصب له منبر فجلس عليه وأطاف به أهل الشام فبينا هو كذلك إذ أقبل عليّ بن الحسين علیه السلام وعليه إزار ورداء من أحسن الناس وجها وأطيبهم رائحة بين عينيه سجّادة كأنّها ركبة عنز فجعل يطوف بالبيت فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحّى الناس حتّى يستلمه هيبة له وإجلالا فغاظ هشاما فقال رجل من أهل الشام لهشام : من هذا الّذي قد هابه الناس هذه الهيبة وأفرجوا له عن الحجر ؟ فقال هشام : لا أعرفه لأن لا يرغب فيه أهل الشام ، فقال الفرزدق وكان حاضرا : لكنّي أعرفه ، فقال الشاميّ : من هو يا أبا فراس ؟ فقال :

هذا الّذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا إبن خير عباد اللَّه كلّهم * هذا التقيّ النقيّ الطاّهر العلم

هذا عليّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله والده * أمسى بنور هداه تهتدي الظلم(2)

إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمي إلى ذروة العزّ الّتي قصرت * عن نيلها عرب الإسلام والعجم

يكاد يمسكه عرفان راحته * ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

يغضي حياء ويغضى من مهابته * فما يكلّم إلّا حين يبتسم(3)

ينشقّ نور الدجى عن نور غرّته * كالشّمس تنجاب عن إشراقها الظلم(4)

ص: 221


1- تاريخ بغداد : 13/406 ، ش 62 .
2- وفي بعض النسخ جأمست بنور هداه تهتدي الأمم ج .
3- الاغضاء : أدناه الجفون ، وأغضى على الشي ء : سكت .
4- إنجابت السحابة : إنكشفت .

هذا إبن فاطمة إن كنت جاهله * بجدّه أنبياء اللَّه قد ختموا

هذا إبن فاطمة الغرّاء نسبته *في جنّة الخلد يجري بإ سمه القلم

اللَّه فضّله قدما وشرّفه * جرى بذلك له في لوحة القلم

من جدّه دان فضل الأنبياء له * وفضل أمّته دانت لها الأمم

من معشر حبّهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم

يستدفع السوء والبلوى بحبّهم * ويستزاد به الإحسان والنعم

مقدّم بعد ذكر اللَّه ذكرهم * في كلّ بدء ومختوم به الكلم

إن عدّ أهل التقى كانوا أئمّتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم * ولا يدانيهم قوم وإن كرموا

يأبى لهم أن يحلّ الذمّ ساحتهم * خيم كريم وأيد بالنّدى هضم(1)

لا ينقص العسر شيئا من أكفّهم * سيّان ذلك إن أثروا وإن عدموا

أيّ الخلائق ليست في رقابهم * لأوّليّة هذا أو له نعم

من يعرف اللَّه يعرف أوّليّة ذا * والدين من بيت هذا ناله الأمم

قال فذهب هشام وأمر بحبس الفرزدق فحبس بعسفان بين مكّة والمدينة الخبر(2) .

ص: 222


1- الخيم : السجيّة والطبيعة . « هضم » - ككتب - جمع هضوم ، يقال : يد هضوم أي جواد بما فيها .
2- الإختصاص : 191 ؛ بحار الأنوار : 46/124 ، ح 17 .

تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ - وَ تَعَجُّ مِنْهُ الْمَوَارِيثُ

لا شكّ في حرمة قتل النفس إذا كان بغير الحقّ :

قال تعالى : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا ) الآية(1) .

وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً ) الآية(2) .

وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ )(3) .

وقال تعالى : ( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ )(4) .

وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَ ) الآية(5) .

وقال تعالى : ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا ) الآية(6) .

ولا شكّ أن تضييع الحقوق المالية وغيرها أيضا حرام محرم :

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ ) الآية(7) .

روى إبن المبارك عن أبي حنيفة ان أمرأة شكت إليه زوجها ، وآثرت فراقه ، فقال لها : إرتدّى ، فيزول النكاح(8) .

ص: 223


1- سورة النساء : 93 .
2- سورة النساء : 92 .
3- سورة آل عمران : 21 .
4- سورة المائدة : 30 .
5- سورة الفرقان : 68 .
6- سورة الأنعام : 151 .
7- سورة النساء : 29 .
8- الخلاف للطوسي : 4/491 .

وقال علي بن عاصم : قال أبو حنيفة لزوج امرأة - في قصّة معروفة - قبّل أمّها بشهوة ، فإن نكاح زوجتك ينفسخ(1) .

وقال محمّد بن الحسن : لو أنّ رجلا حضر عند الحاكم ، فادّعى « إنّ فلانة زوجتي » وهو يعلم أنّه كاذب ، وشهد له بذلك شاهدان زورا ، وهما يعلمان ذلك ، فحكم له الحاكم بذلك ، حلّت له ظاهرا وباطنا(2) .

وكذلك على قولهم : لو أنّ رجلا تزوّج بإمرأة جميلة ، فرغب فيها أجنبي قبل دخول زوجها بها ، فأتى هذا الأجنبي الحاكم ، فادّعى انّها زوجته ، وإن زوجها طلّقها قبل الدخول بها وتزوّج بها ، وشهد له بذلك شاهدا زورا ، فحكم الحاكم بذلك ، نفذ حكمه ، وحرمت على الأوّل ظاهرا وباطنا ، وحلّت للمحتال ظاهرا وباطنا(3) .

وجاء إ سماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة إلى أبي بكر بن عيّاش ، فضرب إبن عيّاش يده على ركبة إ سماعيل ثمّ قال : كم من فرج حرام أباحه جدّك(4) .

وفيه عن خالد بن يزيد بن أبي مالك قال : أحلّ أبو حنيفة الزنا ، وأهدر الدماء ، أمّا الدماء فقال لو أنّ رجلا ضرب رجلا بحجر عظيم فقتله ، كان على العاقلة دية ، وتكلّم - ولم يحسن النحو - فقال : لو ضربه بأباقبيس كان على العاقلة - إلخ(5) .

ولمّا مدح مساور أبا حنيفة بما مرّ في شرح « لم يعضّ على العلم » أجابه بعضهم

ص: 224


1- الخلاف للطوسي : 4/492 .
2- الخلاف للطوسي : 4/493 .
3- الخلاف للطوسي : 4/493 .
4- تاريخ البغداد : 13/410، 81 .
5- تاريخ البغداد : 13/413 ، ش 100 .

فقال :

إذا ذو الرأي خاصم في قياس * وجاء ببدعة هنة سخيفة

أتيناهم بقول اللَّه فيها * وآثار مبرزة شريفة

فكم من فرج محصنة عفيف * أحلّ حرامه بأبي حنيفة(1)

أحلّ أبو حنيفة بنت صلب * تكون من الزنا عرسا صحيحة(2)

ولمّا عزل إ سماعيل بن حمّاد عن البصرة ، شيّعوه فقالوا : عففت عن أموالنا وعن دمائنا . فقال لهم : وعن أبنائكم - يعرض بيحيى إبن أكثم في اللواط(3) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام : « في مثل هذا القضاء وشبهه تحبس السماء ماءها وتمنع الأرض بركتها ( بركاتها خ ل يب ) »(4) .

إِلَى اللَّهِ أَشْكُو - مِنْ مَعْشَرٍ يَعِيشُونَ جُهَّالاً وَ يَمُوتُونَ ضُلَّالاً

عن سعيد بن أبي الخضيب البجلّي قال : كنت مع إبن أبي ليلى مزاملة حتّى جئنا ألى المدينة فبينا نحن في مسجد الرسول صلی الله علیه وآله إذ دخل جعفر بن محمّد علیه السلام فقلت لإبن أبي ليلى : تقوم بنا إليه ، فقال : وما نصنع عنده ، فقلت : نسائله ونحدّثه ، فقال : قم . فقمنا إليه فساءلني عن نفسي وأهلي ثمّ قال : من هذا معك ؟ فقلت إبن أبي ليلى قاضي المسلمين ، فقال له : أنت إبن أبي ليلى قاضي المسلمين ؟ قال : نعم ، قال تأخذ مال هذا فتعطيه هذا وتقتل وتفرّق بين المرء وزوجه لا تخاف في ذلك

ص: 225


1- تاريخ بغداد : 13/410 ، ش 80 ؛ عيون الأخبار لإبن قتيبة : 2/155 .
2- بهج الصباغة : 7/321 ؛ عيون الأخبار لإبن قتيبة : 2/156 .
3- تاريخ بغداد : 6/243 .
4- الكافي : 5/291 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 47/376 ، ح 98 .

أحدا ؟ قال : نعم ، قال : فبأيّ شي ء تقضي ؟ قال : بما بلغني عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعن عليّ علیه السلام وعن أبي بكر وعمر ، قال : فبلغك عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أنّه قال : « إنّ عليّا علیه السلام أقضاكم ؟ » قال نعم ، قال : « فكيف تقضي بغير قضاء عليّ علیه السلام وقد بلغك هذا ؟ » فما تقول . . . إذا أخذ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بيدك فأوقفك بين يدي ربّك . فقال : يا ربّ إنّ هذا قضى بغير ما قضيت . قال : فاصفرّ وجه إبن أبي ليلى(1) .

عن عقبة بن خالد قال قال لي أبو عبداللَّه علیه السلام : « لو رأيت غيلان بن جامع وإ ستأذن عليّ فأذنت له » فلمّا جلس قال : أصلحك اللَّه أنا غيلان بن جامع المحاربيّ قاضي إبن هبيرة قال : قلت : يا غيلان ما أظنّ إبن هبيرة وضع على قضائه إلّا فقيها ، قال : أجل ، قلت : يا غيلان تجمع بين المرء وزوجه ؟ قال : نعم ، قلت : وتفرّق بين المرء وزوجه ؟ قال : نعم ، قلت : وتقتل ؟ قال : نعم ، قلت : وتضرب الحدود ؟ قال : نعم ، قلت : وتحكم في أموال اليتامى ؟ قال : نعم ، قلت : وبقضاء من تقضي ؟ قال : بقضاء عمر وبقضاء إبن مسعود وبقضاء إبن عبّاس وأقضي من قضاء أمير المؤمنين بالشّي ء ، قال : قلت : يا غيلان أ لستم يا أهل العراق وتروون أنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال - « عليّ أقضاكم ؟ » فقال : نعم ، قال : قلت : « . . . فكيف تقول إذا جمع اللَّه الأوّلين والآخرين في صعيد ثمّ وجدك قد خالفت قضاء رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعليّ علیه السلام » ؟ قال : فأقسم باللَّه لجعل ينتحب(2) ، قلت : أيّها الرجل إقصد لسانك(3) .

ص: 226


1- الكافي : 7/408 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 47/334 ، ح 1 .
2- النحب : البكاء كالنّحيب وقد نحب - كمنع - وانتحب ( القاموس ) وفي بعض النسخ جلشأنك ج .
3- الكافي : 7/429 ، ح 13 .

ومن ذلك ما ذكره الثعلبي في كتاب يتيمة الدهر : إنّ عمرو بن العاص غير الخاتم من يمينه إلى شماله ، فاقتدى العامة به إلى يومنا هذا .

وقال السلامي في كتاب السيف : انّ النبيّ صلی الله علیه وآله والخلفاء كانوا يتختمون في أيمانهم ، فنقلها معاوية إلى اليسار ، وأخذ الناس بذلك . وذكر غير الثعلبي في ذلك شعرا :

سنّ التختم في اليمين محمّد * للقائلين بدعوة الإخلاص

وسعى إبن هند في إزالة رسمه * وأعانه في ذلك إبن العاص(1)

لَيْسَ فِيهِمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاوَتِهِ

قال أبو سالم الدبّاغ : رأيت النبيّ صلی الله علیه وآله في المنام ، فقلت : أقرأ عليك يا رسول اللَّه . فقال : نعم ، فاستفتحت وإ ستعذت ، وقرأت عليه فاتحة الكتاب ، وعشرين آية من أوّل سورة البقرة ، فلم يردّ على شيئا ، فقلت : يا رسول اللَّه لم تردّ عليّ شيئا أحبّ أن تأخذ علىّ كما أنزل . فقال : لو أخذت عليك كما أنزل رجمك الناس بالحجارة(2) .

وَ لا سِلْعَةٌ أَنْفَقُ بَيْعاً - وَ لا أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ

إنّ عائشة لمّا كتبت إلى زيد بن صوحان « ثبّط الناس عن عليّ » كتب إليها أنّك أمرت بأمر وأمرنا بغيره ، أمرت أن تقرى في بيتك ، وأمرنا أن نقاتل الناس حتّى لا

ص: 227


1- الطرائف للسيّد بن طاووس : 2/532 .
2- حلية الأولياء : 10/347 .

تكون فتنة ، فتركت ما أمرت به ، وكتبت تنهانا عمّا أمرنا به(1) .

وأقبل زيد ومعه كتاب من عائشة إليه خاصّة ، وكتاب منها إلى أهل الكوفة عامّة تثبطهم عن نصرة علي علیه السلام ، وتأمرهم بلزوم الأرض . فقال : أيّها الناس أنظروا إلى هذه أمرت أن تقرّ في بيتها ، وأمرنا نحن أن نقاتل حتّى لا تكون فتنة ، فأمرتنا بما أمرت به ، وركبت ما أمرنا به .

فقال إليه شبث بن ربعي فقال له : وما أنت وذاك أيّها العمّاني ، سرقت أمس بجلولاء ، فقطعك اللَّه وتسبّ أمّ المؤمنين(2) .

أنظروا إلى أن أمهم أمرت بالمنكر ، ونهت عن المعروف ، وحرّفت الكتاب ، وابنها شبث الجافي الجلف وقاتل الحسين علیه السلام أنكر على زيد إنكاره عليها مخالفة كتاب اللَّه ، وكان زيد قطع يده في سبيل اللَّه تعالى ، فسمّى الخبيث قطع يده في سبيل اللَّه سرقة ، وكان النبيّ صلی الله علیه وآله قد أخبر زيدا بأن يده تقطع في سبيل اللَّه ، ثمّ يتبع اللَّه آخر جسده بأوّله(3) ، وصار كما قال ، فاستشهد في الجمل ، وقال قبل قتله : ما أراني إلّا مقتولا رأيت يدي نزلت من السماء وهي تستشيلني - أفّ لهم ولدينهم(4) .

وقال الشافعي : نظرت في كتب لأصحاب أبي حنيفة ، فإذا فيها مائة وثلاثون ورقة ، فعددت منها ثمانين ورقة خلاف الكتاب والسنّة(5) .

ص: 228


1- العقد الفريد : 1/67 .
2- تاريخ الطبري : 3/498 ، سنة 36 .
3- الطبقات الكبرى : 6/176 ؛ أسد الغابة : 2/234 .
4- المعارف : 402 ؛ بهج الصباغة : 7/323 .
5- تاريخ بغداد : 13/412 ، ش 90 .

وعن الحسن : كتب زياد إلى الحكم بن عمرو الغفّاري وهو على خراسان ان معاوية كتب إلى ان تصطفى له البيضاء والصفراء ، فلا تقسم بين الناس ذهبا ولا فضّة ، فكتب إليه الحكم : إنّي وجدت كتاب اللَّه قبل كتاب معاوية . ثمّ قال للناس : أغدوا على مالكم ، فقسمه بينهم ، ثمّ قال : اللهمّ إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك - فمات بخراسان بمرو(1) .

وعن سديف مولى اللهبيين انّه كان يقول : اللهمّ إ شتريت المعازف والملاهي بسهم اليتيم والأرملة ، وحكم في أبشار المسلمين أهل الذمّة ، وتولّى القيام بأمورهم فاسق كلّ محلّه . اللهمّ وقد إ ستحصد زرع الباطل ، وبلغ نهايته ، وإجتمع طريده ، اللهمّ فأتح له يدا من الحقّ حاصدة تبدد شمله ، وتفرّق أمره(2) .

وذكر رجل قوما فقال : يصومون عن المعروف ويفطرون على الفحشاء(3) .

وعن الحلبيّ قال : سألت أبا عبداللَّه علیه السلام عن الحجّ ، فقال : « تمتّع » ثمّ قال : « إنّا إذا وقفنا بين يدي اللَّه عزّوجلّ قلنا يا ربّ أخذنا بكتابك وسنّة نبيّك وقال الناس رأينا برأينا »(4) .

وقال الرضا علیه السلام : إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله قال : قال اللَّه جلّ جلاله : « ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي »(5) .

ص: 229


1- الإستيعاب : 1/357 .
2- عيون الأخبار ( لإبن قتيبة ) : 1/145 .
3- نفس المصدر : 4/109 .
4- الكافي : 4/292 ، ح 9 ؛ وسائل الشيعة : 11/244 ح 14698 - 17 .
5- الإحتجاج : 2/410 ؛ بحار الأنوار : 3/291 ، ح 9 .

وقال النبيّ صلی الله علیه وآله : « من فسّر القرآن برأيه فليتبوّء مقعده من النار »(1) .

وعن عوانة : خطبنا عتبة بن النهاس العجلي ، فقال : ما أحسن ما قال تعالى في كتابه :

ليس حيّ على المنون بباق * غير وجه المسبح الخلّاق

فقمت إليه فقلت : أيّها الرجل إنّ اللَّه عزّوجلّ لم يقل هذا ، إنّما قاله عدي إبن زيد ، فنزل عن المنبر(2) .

وَ لا عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَ لا أَعْرَفُ مِنَ الْمُنْكَرِ

قال تعالى في كتابه : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ ) الآية(3) .

عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : قال النبيّ صلی الله علیه وآله : « كيف بكم إذا . . . ولم تنهوا عن المنكر ؟ » فقيل له : ويكون ذلك يا رسول اللَّه ؟ فقال : « نعم وشرّ من ذلك كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟ » فقيل له يا رسول اللَّه ويكون ذلك ؟ قال : « نعم وشرّ من ذلك كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا ؟ »(4) .

وقال النبيّ صلی الله علیه وآله : « لا يعذّب اللَّه ، الخاصّة بذنوب العامّة حتّى يرى المنكر بين

ص: 230


1- زبدة التفاسير : ( مقدّمة ) / 10 ؛ تفسير الصافي : 1/35 .
2- معجم الأدباء ( الحموي ) : 16/137 .
3- سورة آل عمران: 110 .
4- الكافي : 5/59 ، ح 14 ؛ بحار الأنوار : 97/74 ، ح 14 .

أظهرهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه »(1) .

وفي مسند إبن حنبل قال أنس : ما أعرف اليوم شيئا ممّا كنّا عليه على عهد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، قلنا : فالصّلاّة ؟ قال : أو لم يضعوا فيها ما قد علمتم(2) ؟

ص: 231


1- إحياء العلوم : 2/308 .
2- الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم : 3/84 .

بسم الله الحرمن الرحیم

18 - ومن كلام له علیه السلام في ذمّ إختلاف العلماء في الفتيا :

اشارة

تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ الْقَضِيَّةُ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ - فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِهِ - ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ - فَيَحْكُمُ فِيهَا بِخِلافِ قَوْلِهِ - ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْقُضَاةُ بِذَلِكَ عِنْدَ الإِمَامِ الَّذِي اسْتَقْضَاهُمْ - فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً وَ إِلَهُهُمْ وَاحِدٌ - وَ نَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ وَ كِتَابُهُمْ وَاحِدٌ - أَ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعالى بِالِاخْتِلافِ فَأَطَاعُوهُ - أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً نَاقِصاً - فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ - أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى - أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً تَامّاً - فَقَصَّرَ الرَّسُولُ صلی الله علیه وآله عَنْ تَبْلِيغِهِ وَ أَدَائِهِ - وَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ - وقال : وَ فِيهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْ ءٍ - وَ ذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً - وَ أَنَّهُ لا اخْتِلافَ فِيهِ - فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ - لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً - وَ إِنَّ الْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ وَ بَاطِنُهُ عَمِيقٌ - لا تَفْنَى عَجَائِبُهُ وَ لا تَنْقَضِي غَرَائِبُهُ وَ لا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلّا بِهِ

تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ الْقَضِيَّةُ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ . . .

حجّ الأعمش من الكوفة : ومالك بن أنس من المدينة ، وعثمان البتي من البصرة ، فجلسوا في المسجد الحرام يفتون ويخالف بعضهم بعضا ، فقال رجل للأعمش : أ تخالف أهل المدينة ؟ فقال : قديما ما إختلفنا وإيّاهم ، فرضينا بعلمائنا ورضوا بعلمائهم(1) .

ص: 232


1- تاريخ بغداد : 8/162 ، ذ ش 4271 .

تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ الْقَضِيَّةُ فِي حُكْمٍ...

تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ الْقَضِيَّةُ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ - فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِهِ - ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ - فَيَحْكُمُ فِيهَا بِخِلافِ قَوْلِهِ

عن عبد الوارث بن سعيد ، قال : قدمت مكّة فوجدت فيها أبا حنيفة وإبن أبي ليلى وإبن شبرمة ، فسألت أبا حنيفة فقلت : ما تقول في رجل باع بيعا وشرط شرطا قال : البيع باطل والشرط باطل ، ثمّ أتيت إبن أبي ليلى فسألته ، فقال : البيع جائز والشرط باطل ، ثمّ أتيت إبن شبرمة فسألته ، فقال : البيع جائز والشرط جائز ، فقلت : سبحان اللَّه ثلاثة من فقهاء أهل العراق إختلفتم عليّ في مسألة واحدة ، فأتيت أبا حنيفة فأخبرته ، فقال : ما أدري ما قالا ، حدّثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه ، أنّ النبيّ صلی الله علیه وآله نهى عن بيع وشرط ، البيع باطل والشرط باطل ، ثمّ أتيت إبن أبي ليلى فأخبرته ، فقال : ما أدري ما قالا ، حدّثني هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : أمرني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أن أشتري بريرة فأعتقها ، البيع جائز والشرط باطل ، ثمّ أتيت إبن شبرمة فأخبرته ، فقال : ما أدري ما قالا : حدّثني مسعر بن كدام ، عن محارب بن دثار ، عن جابر بن عبداللَّه : قال بعت النبيّ صلی الله علیه وآله ناقة شرط لي جلابها إلى المدينة ، البيع جائز والشرط جائز(1) .

ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْقُضَاةُ بِذَلِكَ عِنْدَ الإِمَامِ الَّذِي اسْتَقْضَاهُمْ - فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً

عن إ سماعيل الأسدي عن أيّوب عن محمّد قال : سألت عبيدة عن شي ء من ( ميراث ) الجدّ ، فقال : ما تريد إليه ، لقد حفظت فيه مائة قضيّة عن عمر . قلت : كلّها

ص: 233


1- الأمالي للطوسي : 390 / م 14 ، ح 856 - 4 ؛ بحار الأنوار : 100/135 ، ح 1 .

عن عمر ؟ قال : كلّها عن عمر(1) .

وَ إِلَهُهُمْ وَاحِدٌ - وَ نَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ وَ كِتَابُهُمْ وَاحِدٌ

عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبداللَّه علیه السلام إنّ الناس يقولون إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف . فقال : « كذبوا أعداء اللَّه ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد »(2) .

أَ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالِاخْتِلافِ فَأَطَاعُوهُ - أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ

قال تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا )(3) .

قال تعالى : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )(4) .

وقال تعالى : ( وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ )(5) الآية .

أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً نَاقِصاً - فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ

قال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ

ص: 234


1- الطبقات ( إبن سعد ) : 2/336 .
2- الكافي : 2/630 ، ح 13 ؛ البرهان في تفسير القرآن : 1/47 ح 156/18 ؛ تفسير نور الثقلين : 1/168 ، ح 573 .
3- سورة آل عمران : 103 .
4- سورة آل عمران : 19 .
5- سورة البقرة : 253 .

الْإِسْلَامَ دِيناً )(1) .

ولكن روي الخطيب عن يوسف بن أسباط قال : قال أبو حنيفة : لو أدركني النبيّ وأدركته لأخذ بكثير من قولي(2) .

وعن أبي إ سحاق الفزاري : سألت أبا حنيفة عن مسألة فأجاب فيها ، فقلت له : انّ هذا يروى فيه عن النبيّ صلی الله علیه وآله كذا وكذا . فقال : حكّ هذا بذنب خنزير(3) .

وعن بشر بن مفضّل : قلت لأبي حنيفة انّ النبيّ صلی الله علیه وآله قال : « البيعان بالخيار ما لم يفترقا » . فقال : هذا رجز(4) .

وعن يحيى بن آدم : ذكر لأبي حنيفة انّ النبيّ صلی الله علیه وآله قال : « الوضوء نصف الإيمان » . فقال : لتتوضّأ مرّتين حتّى تستكمل الإيمان .

قال يحيى : ومعني الحديث : يعني نصف الصلاة لأنّه تعالى سمّى الصلاة إيمانا في قوله ( وَمَا كَانَ اللَّهَ ُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ )(5) يعني صلاتكم وقال النبيّ صلی الله علیه وآله : « لا تقبل صلاة إلّا بطهور »(6) .

وعن الفضل بن موسى السيناني قال أبو حنيفة : من أصحابي من يبول قلتين ، يردّ على النبيّ صلی الله علیه وآله قوله : إذا كان الماء قلّتين لم ينجس(7) .

وعن يوسف بن أسباط : ردّ أبو حنيفة على النبيّ صلی الله علیه وآله أربعمائة حديث أو أكثر ،

ص: 235


1- سورة المائدة : 3 .
2- تاريخ بغداد : 13/386 ، ش 3 .
3- تاريخ بغداد : 13/387 ، ش 6 .
4- تاريغ بغداد : 13/387 ، ش 9 .
5- سورة البقرة : 143 .
6- تاريخ بغداد : 13/388 ، ش 14 .
7- تاريخ بغداد : 13/389 ، ش 16 .

قيل له : مثل ما قال النبيّ صلی الله علیه وآله : « للفرس سهمان ، وللرجل سهم » ، وقال أبو حنيفة ، أنا لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم مؤمن . وأشعر النبيّ البدن ، وقال أبو حنيفة : الأشعار مثلة ، وقال : البيعان بالخيار ما لم يتفرّقا ، وقال أبو حنيفة : إذا وجب البيع فلا خيار ، وكان النبيّ صلی الله علیه وآله يقرع بين نسائه أذا أراد أن يخرج في سفر ، وقال أبو حنيفة : القرعة قمار(1) .

أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى

قال تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )(2) .

أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً تَامّاً - فَقَصَّرَ الرَّسُولُ صلی الله علیه وآله عَنْ تَبْلِيغِهِ وَ أَدَائِهِ - وَ اللَّهُ

سُبْحَانَهُ يَقُولُ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ وَقال : فِيهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْ ءٍ

قال تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَىْ ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )(3) .

وقال تعالى : ( وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )(4) .

عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ اللَّه تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كلّ شي ء حتّى واللَّه ما ترك اللَّه شيئا يحتاج إليه العباد حتّى لا يستطيع عبد يقول لو كان هذا

ص: 236


1- تاريخ بغداد : 13/390 ، ش 19 .
2- سورة القصص : 68 .
3- سورة النحل : 89 .
4- سورة الأنعام : 59 .

أنزل في القرآن - إلّا وقد أنزله اللَّه فيه »(1) .

وعن حماد اللحام قال : قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « نحن واللَّه نعلم ما في السماوات وما في الأرض - وما في الجنّة وما في النار وما بين ذلك » ، قال : فبهت أنظر إليه ، فقال : « يا حماد إن ذلك في كتاب اللَّه ثلاث مرّات - » قال : ثمّ تلا هذه الآية ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلَاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَىْ ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ )(2) إنّه من كتاب اللَّه فيه تبيان كلّ شي ء(3) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام يقول : « إنّي لأعلم ما في السماوات وأعلم ما في الأرضيين وأعلم ما في الجنّة وأعلم ما في النار وأعلم ما كان وما يكون » ثمّ مكث هنيئة فرأى أنّ ذلك كبر على من سمعه فقال : « علمت من كتاب اللَّه إنّ اللَّه يقول فيه تبيان كلّ شي ء »(4) .

وعن عبد الأعلى بن أعين قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « أنا أعلم كتاب اللَّه وفيه بدء الخلق وما هو كائن إلى يوم القيامة وفيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر الجنّة وخبر النار وخبر ما كان وخبر ما هو كائن أعلم ذلك كما أنظر إلى كفّي إنّ اللَّه يقول فيه تبيان كلّ شي ء »(5) .

وعن أبي الجارود قال قال أبو جعفر علیه السلام : « إذا حدّثتكم بشي ء فاسألوني عن

ص: 237


1- الكافي : 1/59 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 89/81 ، ح 9 .
2- سورة النحل : 89 .
3- تفسير العياشي : 2/266 ، ح 57 ؛ بحار الأنوار : 89/101 ، ح 77 .
4- بصائر الدرجات : 1/128 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 89/86 ، ح 21 .
5- الكافي : 1/61 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 89/98 ، 68 .

كتاب اللَّه » ثمّ قال في حديثه : « إنّ اللَّه نهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال » فقالوا : يا ابن رسول اللَّه : أين هذا من كتاب اللَّه ؟ قال : « إنّ اللَّه عزّوجلّ يقول في كتابه ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ ) الآية(1) وقال : ( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهَ ُ لَكُمْ قِيَاماً )(2) وقال ( لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ )(3) »(4) .

وقال تعالى : ( لَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَىَّ )(5) .

عن أحمد بن الحسن الميثمي(6) أنّه سئل الرضا علیه السلام يوما وقد إجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في الشي ء الواحد فقال علیه السلام : « إنّ اللَّه عزّوجلّ حرّم حراما وأحلّ حلالا وفرض فرائض فما جاء في تحليل ما حرّم اللَّه أو تحريم ما أحلّ اللَّه أو دفع فريضة في كتاب اللَّه رسمها بين قائم بلا ناسخ نسخ ذلك فذلك ممّا لا يسع الأخذ به لأنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لم يكن ليحرم ما أحلّ اللَّه ولا ليحلّل ما حرّم اللَّه ولا ليغيّر فرائض اللَّه وأحكامه كان في ذلك كلّه متّبعا مسلّما مؤدّيا عن اللَّه وذلك قول اللَّه عزّوجلّ ( إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَىَّ )(7) فكان علیه السلام متّبعا للَّه مؤدّيا عن اللَّه ما أمره به من

ص: 238


1- سورة النساء : 114 .
2- سورة النساء : 5 .
3- سورة المائدة : 101 .
4- الكافي : 5/300 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 46/303 ، ح 50 .
5- سورة الأنعام : 50 .
6- الميثمي لعلّه منسوب إلى ميثم التمّار صاحب أمير المؤمنين علیه السلام .
7- سورة الأنعام : 50 .

تبليغ الرسالة »(1) .

وَ ذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً - وَ أَنَّهُ لا اخْتِلافَ فِيهِ - فَقَالَ سُبْحَانَهُ

وَ ذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً - وَ أَنَّهُ لا اخْتِلافَ فِيهِ - فَقَالَ سُبْحَانَهُ ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً )(2)

قال تعالى : ( قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً )(3)

وَ إِنَّ الْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ وَ بَاطِنُهُ عَمِيقٌ

عن أبي جعفر علیه السلام أنّه قال : « ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّه جمع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء »(4) .

وعن حمّاد بن عثمان قال قلت لأبي عبداللَّه علیه السلام إنّ الأحاديث تختلف عنكم ، قال فقال : « إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف وأدنى ما للإمام أن يتفي على سبعة وجوه » ثمّ قال : « ( هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )(5)(6) .

وقال أبو عبداللَّه علیه السلام : « يا جابر إنّ للقرآن بطنا وللبطن ظهرا » ثمّ قال : « يا جابر وليس شي ء أبعد من عقول الرجال منه ، إنّ الآية لتتزّل أوّلها في شي ء - وأوسطها

ص: 239


1- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 2/20 ، ح 45 ؛ بحار الأنوار : 2/233 ، ح 15 .
2- سورة النساء : 82 .
3- سورة الأسراء : 88 .
4- بصائر الدرجات : 1/193 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 89/88 ، ح 26 .
5- سورة ص : 39 .
6- الخصال : 2/358 ، ح 43 ؛ بحار الأنوار : 89/49 ، ح 10 .

في شي ء وآخرها في شي ء ، وهو كلام متّصل يتصرّف على وجوه »(1) .

وعن الفضيل بن يسار قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن هذه الرواية « ما في القرآن آية إلّا ولها ظهر وبطن ، وما فيه حرف إلّا وله حدّ ولكلّ حدّ مطلع » ما يعني بقوله لها ظهر وبطن . قال : « ظهره وبطنه تأويله منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد ، يجري كما تجري الشمس والقمر كلّما جاء منه شي ء وقع قال اللَّه تعالى ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهَ ُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ )(2) نحن نعلمه »(3) .

وعن جابر قال سألت أبا جعفر علیه السلام عن شي ء في تفسير القرآن فأجابني ، ثمّ سألته ثانية فأجابني بجواب آخر - فقلت : جعلت فداك - كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم - فقال علیه السلام لي : « يا جابر إن للقرآن بطنا ، وللبطن ظهرا ، يا جابر وليس شي ء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ، إنّ الآية لتكون أوّلها في شي ء وآخرها في شي ء - وهو كلام متّصل يتصرّف على وجوه »(4) .

وعن حمران بن أعين قال سألت أبا جعفر علیه السلام عن ظهر القرآن وبطنه فقال : « ظهره الّذين نزل فيهم القرآن وبطنه الّذين عملوا بمثل أعمالهم يجري فيهم ما نزل في أولئك »(5) .

وقال عمّار حين نظر إلى راية عمرو بن العاص : واللَّه إن هذه الراية قاتلتها

ص: 240


1- تفسير العياشي : 1/11 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 89/94 ، ح 45 .
2- سورة آل عمران : 7 .
3- تفسير العياشي : 1/11 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 89/94 ، ح 47 .
4- تفسير العياشي : 1/12 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 89/95 ، ح 48 .
5- معاني الأخبار : 259 / ح 1 ؛ بحار الأنوار : 89/83 ، ح 14 .

ثلاث عركات وما هذه بأرشدهنّ ثمّ قال عمّار :

نحن ضربناكم على تنزيله * فاليوم نضربكم على تأويله

ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحقّ ألى سبيله *

ثمّ إ ستسقى وقد إ شتدّ ظمؤه فأتته إمراة طويلة اليدين واللَّه ما أدري أ عسّ معها أم إداوة فيها ضياح من لبن(1) ؟ فقال حين شرب :

الجنّة تحت الأسنّة * اليوم ألقى الأحبّة

محمّد وحزبه(2)

قال إبن السكّيت(3) لأبي الحسن علیه السلام : لماذا بعث اللَّه موسى بن عمران علیه السلام بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر وبعث عيسى بآلة الطبّ وبعث محمّدا صلی الله علیه وآله وعلى جميع الأنبياء بالكلام والخطب ؟ فقال أبو الحسن علیه السلام : « إنّ اللَّه لمّا بعث موسى علیه السلام

ص: 241


1- الضيّاح ، بالفتح : اللبن الرقيق الكثير الماء .
2- وقعة صفّين : 340 .
3- إبن السكّيت - بكسر السين وشدّ الكاف - هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الدورقي الأهوازي الشيعي أحد أئمّة اللغة والأدب ، ذكره كثير من المؤرّخين وأثنوا عليه وكان ثقة جليلا من عظماء الشيعة ويعد من خواصّ الإمامين التقيين 8 وكان حامل لواء علم العربية والأدب والشعر واللغة والنحو ، له تصانيف كثيرة مفيدة منها كتاب تهذيب الألفاظ وكتاب إصلاح المنطق قتله المتوكّل في خامس شهر رجب سنة 244 وسببه أنّ المتوكّل قال له يوما : أيّما أحبّ إليك إبناي هذان أيّ المعتز والمؤيّد أم الحسن والحسين 8 ؟ فقال إبن السكّيت : واللَّه إن قنبرا خادم عليّ بن أبي طالب خير منك ومن أبنيك . فقال المتوكّل للأتراك : سلوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات ، وقيل : أثنى على الحسن والحسين 8 ولم يذكر إبنيه فأمر المتوكّل الأتراك فداسوا بطنه فحمل إلى داره فمات بعد غد ذلك اليوم رحمة اللَّه عليه .

كان الغالب على أهل عصره السحر فأتاهم من عنداللَّه بما لم يكن في وسعهم مثله وما أبطل به سحرهم وأثبت به الحجّة عليهم وإنّ اللَّه بعث عيسى علیه السلام في وقت قد ظهرت فيه الزمانات(1) وإحتاج الناس إلى الطبّ فأتاهم من عنداللَّه بما لم يكن عندهم مثله وبما أحيا لهم الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن اللَّه وأثبت به الحجّة عليهم وإنّ اللَّه بعث محمّدا صلی الله علیه وآله في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام وأظنّه قال الشعر فأتاهم من عنداللَّه من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم وأثبت به الحجّة عليهم » . قال فقال إبن السكّيت : تاللَّه ما رأيت مثلك قطّ فما الحجّة على الخلق اليوم ؟ قال فقال علیه السلام : « العقل يعرف به الصادق على اللَّه فيصدّقه والكاذب على اللَّه فيكذّبه » ، قال فقال إبن السكّيت : هذا واللَّه هو الجواب(2) .

وعن الرضا عن أبيه موسى بن جعفر علیه السلام إنّ رجلا سأل أبا عبداللَّه علیه السلام ما بال القرآن لا يزداد عند النشر والدراسة ألّا غضاضة ؟ فقال : « لأنّ اللَّه لم ينزله لزمان دون زمان ولا للناس دون ناس فهو في كلّ زمان جديد وعند كلّ قوم غضّ إلى يوم القيامة »(3) .

وَ لا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلّا بِهِ

عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في خطبة بمنى أو بمكّة : « يا أيّها الناس ما جاءكم عنّي يوافق القرآن

ص: 242


1- الزمانات » الآفات الواردة على بعض الأعضاء فيمنعها عن الحركة كالفالج واللقوة ، ويطلق المزمن على مرض طال زمانه .
2- الكافي : 1/24 ، ح 20 ؛ بحار الأنوار : 17/210 ، ح 15 .
3- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 2/87 ، ح 32 ؛ بحار الأنوار : 17/213 ، ح 18 .

فأنا قلته - وما جاءكم عنّي لا يوافق القرآن فلم أقله »(1) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام عن آبائه : قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أيّها الناس إنّكم في دار هدنة(2)وأنتم على ظهر سفر والسير بكم سريع وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كلّ جديد ويقرّبان كلّ بعيد ويأتيان بكلّ موعود فأعدّوا الجهاز لبعد المجاز » قال فقام المقداد بن الأسود فقال يا رسول اللَّه وما دار الهدنة ؟ قال : « دار بلاغ وإنقطاع فإذا إلتبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفّع وماحل مصدّق(3) ومن جعله أمامه قادة إلى الجنّة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار وهو الدليل يدلّ على خير سبيل وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل وهو الفصل ليس بالهزل وله ظهر وبطن فظاهره حكم وباطنه علم ظاهره أنيق وباطنه عميق له نجوم وعلى نجومه نجوم(4) .

لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة(5) فليجل جال بصره وليبلغ الصفة نظره ينج من

ص: 243


1- تفسير العياشي: 1/8 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 2/244 ، ح 49 .
2- الهدنة : السكون والصلح والموادعة بين المسلمين والكفّار وبين كلّ متحاربين .
3- شافع مشفّع أي مقبول الشفاعة . ويقال : محل به إذا سعى به إلى السلطان وهو ماحل ومحول وفي الدعاء « فلا تجعله ماحلا مصدّقا » ولعلّه من هنا قيل في معناه : يمحل بصاحبه أي يسعى به إذا لم يتّبع ما فيه إلى اللَّه تعالى .
4- الأنق : الفرح والسرور قد أنق بالكسر يأنق الشي ء أحبّه وأنيق أي حسن معجب وقوله : « له نجوم وعلى نجومه نجوم » أي آيات تدلّ على أحكام اللَّه تهتدي بها وفيه آيات تدلّ على هذه الآيات وتوضيحها انّ المراد بالنّجوم الثالث السنة فانّ السنّة توضيح القرآن أو الأئمّة : العالمون بالقرآن وفي بعض نسخ الحديث وبعض نسخ الكتاب جله تخوم وعلى تخومه تخوم ج والتخوم - على ما قيل - : جمع تخم بمعني منتهى الشي ء .
5- في بعض النسخ جودليل المعرفةج أي لمن عرف كيفية التعرف وإشارات القرآن ونكات بيانه ويعلم معاريضه .

عطب(1) ويتخلّص من نشب(2) فإنّ التفكّر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنّور فعليكم بحسن التخلّص وقلّة التربّص »(3) ، (4) .

وعن الحارث الأعور قال : دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب علیه السلام فقلت : يا أمير المؤمنين إنّا أذا كنّا عندك - سمعنا الّذي نسد به ديننا ، وإذا خرجنا من عندك سمعنا أشياء مختلفة مغموسة - لا ندري ما هي ؟ قال : « أ وقد فعلوها ؟ » قال : قلت : نعم - قال : سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « أتاني جبرئيل فقال : يا محمّد سيكون في أمّتك فتنة ، قلت : فما المخرج منها ؟ فقال : كتاب اللَّه فيه بيان ما قبلكم من خبر ، وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، من ولاه من جبّار فعمل بغيره قصمه اللَّه(5) ومن التمس الهدى في غيره أضلّه اللَّه - وهو حبل اللَّه المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم لا تزيغه الأهوية ، ولا تلبسه الألسنة ولا يخلق على الردّ ولا ينقضي عجائبه - ولا يشبع منه العلماء جهو الذي ج لم تكنه الجن - إذا سمعته أن قالوا : ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ )(6) ، من قال به صدّق ، ومن عمل به أجر ، ومن اعتصم به ( هُدِىَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )(7) ، هو الكتاب العزيز الّذي ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا

ص: 244


1- العطب : الهلاك .
2- النشب في الشي ء إذا وقع فيما لا مخلص له منه .
3- التربّص : الإنتظار .
4- الكافي : 2/598 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 74/134 ، ح 56 .
5- أي : أهلكه .
6- سورة الجن : 1 - 2 .
7- سورة آل عمران : 101 .

مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )(1) »(2)

وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله القرآن هدي من الضلالة ، وتبيان من العمى ، وإ ستقالة من العثرة ، ونور من الظلمة ، وضياء من الأحزان ، وعصمة من الهلكة ، ورشد من الغواية وبيان من الفتن ، وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة وفيه كمال دينكم فهذه صفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله للقرآن ، وما عدل أحد عن القرآن إلّا إلى النار(3) .

وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « إنّ هذا القرآن هو النور المبين ، والحبل المتين ، والعروة الوثقى ، والدرجة العليا ، والشفاء الأشفى ، والفضيلة الكبرى ، والسعادة العظمى ، من إ ستضاء به نوّره اللَّه ، ومن إعتقد به في أموره عصمه اللَّه ، ومن تمسّك به أنقذه اللَّه ، ومن لم يفارق أحكامه رفعه اللَّه ، ومن إ ستشفى به شفاه اللَّه ، ومن آثره على ما سواه هداه اللَّه ، ومن طلب الهدى في غيره أضلّه اللَّه ، ومن جعله شعاره ودثاره أسعده اللَّه ، ومن جعله إمامه الّذي يقتدي به ومعوّله الّذي ينتهي إليه ، أدّاه اللَّه إلى جنّات النعيم ، والعيش السليم »(4) .

وعن أبي جعفر علیه السلام قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يا معاشر قرّاء القرآن إتّقوا اللَّه عزّوجلّ فيما حمّلكم من كتابه فإنّي مسئول وإنّكم مسئولون إنّي مسئول عن تبليغ الرسالة وأمّا أنتم فتسألون عمّا حمّلتم من كتاب اللَّه وسنّتي »(5) .

ص: 245


1- سورة فصّلت : 42 .
2- تفسير العياشي : 1/3 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 89/24 ، ح 25 .
3- تفسير العياشي : 1/5 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 89/26 ، ح 28 .
4- التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري علیه السلام : 499 / ح 297 ؛ بحار الأنوار : 89/31 ، ح 34 .
5- الكافي : 2/606 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار : 7/283 ، ح 8 .

وروّينا عن عمرو بن أذينة وكان من أصحاب أبي عبداللَّه جعفر بن محمّد صلی الله علیه وآله أنّه قال : دخلت يوما على عبد الرحمن بن أبي ليلى بالكوفة وهو قاض فقلت : أردت أصلحك اللَّه أن أسألك عن مسائل وكنت حديث السنّ فقال : سل يا إبن أخي عمّا شئت ، قلت : أخبرني عنكم معاشر القضاة ترد عليكم القضيّة في المال والفرج والدم فتقضي أنت فيها برأيك ثمّ ترد تلك القضيّة بعينها على قاضي مكّة فيقضي فيها بخلاف قضيّتك ثمّ ترد على قاضي البصرة وقاضي اليمن وقاضي المدينة فيقضون فيها بخلاف ذلك ثمّ تجتمعون عند خليفتكم الّذي إ ستقصاكم فتخبرونه بإختلاف قضاياكم فيصوّب رأى واحد منكم وإلهكم واحد ونبيّكم واحد ودينكم واحد أ فأمركم اللَّه عزّوجلّ بالإختلاف فأطعتموه أم نهاكم عنه فعصيتموه أم كنتم شركاء اللَّه في حكمه فلكم أن تقولوا وعليه أن يرضى أم أنزل اللَّه دينا ناقصا فاستعان بكم في إتمامه أم أنزل اللَّه تامّا فقصّر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عن أدائه أم ما ذا تقولون فقال : من أين أنت يا فتى ؟ قلت من أهل البصرة ، قال : من أيّها ؟ قلت : من عبد القيس ، قال : من أيّهم ؟ قلت : من بني أذينة ، قال : ما قرابتك من عبد الرحمن بن أذينة ؟ قلت : هو جدّي فرحّب بي وقرّبني وقال : أي فتى لقد سألت فغلّظت وإنهمكت فتعوّصت وسأخبرك إن شاء اللَّه أمّا قولك في إختلاف القضايا فإنّه ما ورد علينا من أمر القضايا ممّا له في كتاب اللَّه أصل أو في سنّة نبيّه صلی الله علیه وآله فليس لنا أن نعدو الكتاب والسنّة وأمّا ما ورد علينا ممّا ليس في كتاب اللَّه ولا في سنّة نبيّه فإنّا نأخذ فيه برأينا ، قلت : ما صنعت شيئا لأنّ اللَّه عزّوجلّ يقول : ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَىْ ءٍ )(1) وقال فيه : ( تِبْيَاناً لِكُلِّ شَىْ ءٍ )(2) أ رأيت لو أنّ

ص: 246


1- سورة الأنعام : 38 .
2- سورة النحل : 89 .

رجلا عمل بما أمر اللَّه به وإنتهى عمّا نهى اللَّه عنه أ بقي للَّه شي ء يعذّبه عليه إن لم يفعله أو يثيبه عليه إن فعله ؟ قال : وكيف يثيبه على ما لم يأمره به أو يعاقبه على ما لم ينهه عنه ؟ قلت : وكيف يرد عليك من الأحكام ما ليس له في كتاب اللَّه أثر ولا في سنّة نبيّه خبر ؟ قال : أخبرك يا إبن أخي حديثا حدّثناه بعض أصحابنا يرفع الحديث إلى عمر بن الخطّاب أنّه قضى قضيّة بين رجلين ، فقال له : أدنى القوم إليه مجلسا أصبت يا أمير المؤمنين فعلاه عمر بالدّرّة وقال ثكلتك أمّك واللَّه ما يدري عمر أصاب أم أخطأ إنّما هو رأي إجتهدته فلا تزكّونا في وجوهنا قلت : أ فلا أحدّثك حديثا ؟ قال : وما هو ؟ قلت : أخبرني أبي عن أبي القاسم العبديّ عن أبان عن عليّ بن أبي طالب علیه السلام أنّه قال : « القضاة ثلاثة هالكان وناج فأمّا الهالكان فجائر جار متعمّدا ومجتهد أخطأ والناجي من عمل بما أمر اللَّه به » فهذا نقض حديثك يا عمّ ، قال : أجل واللَّه يا إبن أخي فتقول : أنت إنّ كلّ شي ء في كتاب اللَّه عزّ وجلّ ، قلت : اللَّه قال ذلك وما من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي إلّا وهو في كتاب اللَّه عزّوجلّ عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله ولقد أخبرنا اللَّه فيه بما لا نحتاج إليه فكيف بما نحتاج إليه قال : كيف قلت ، قلت : قوله : ( فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا )(1) قال فعند من يوجد علم ذلك ؟ قلت عند من عرفت ، قال : وددت لو أنّي عرفته فأغسل قدميه وآخذ عنه وأتعلّم منه ، قلت : أناشدك اللَّه هل تعلم رجلا كان إذا سأل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله شيئا أعطاه وإذا سكت عنه إبتدأه ؟ قال : نعم ذلك عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، قلت : فهل علمت أنّ عليّا سأل أحدا بعد رسول

ص: 247


1- سورة الكهف : 42 .

اللَّه صلی الله علیه وآله عن حلال أو حرام ؟ قال : لا ، قلت : هل علمت أنّهم كانوا يحتاجون إليه ويأخذون عنه ؟ قال : نعم ، قلت : فذلك عنده ، قال : فقد مضى فأين لنا به ؟ قلت : تسأل في ولده فإنّ ذلك العلم عندهم ، قال : وكيف لي بهم ؟ قلت أرأيت قوما كانوا بمفازة من الأرض ومعهم أدلّا فوثبوا عليهم فقتلوا بعضهم وجافوا بعضهم فهرب وإ ستتر من بقي لخوفهم فلم يجدوا من يدلّهم فتاهوا في تلك المفازة حتّى هلكوا ما تقول فيهم قال إلى النار وإصفرّ وجهه وكانت في يده سفرجلة فضرب بها الأرض فتهشّمت وضرب بين يديه وقال : ( إِنَّا للَّهِ َِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ )(1) ، (2) .

ص: 248


1- سورة البقرة : 156 .
2- دعائم الإسلام : 1/92 ؛ بحار الأنوار : 101/270 ، ذ ح 3 .

بسم الله الرحمن الرحیم

19 - ومن كلام له علیه السلام قاله للأشعث بن قيس ....

اشارة

19 - ومن كلام له علیه السلام قاله للأشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة يخطب ، فمضى في بعض كلامه شي ء إعترضه الأشعث فيه فقال : يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك . فخفض علیه السلام إليه بصره ثمّ قال :

مَا يُدْرِيكَ مَا عَلَيَّ مِمَّا لِي

عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ لَعْنَةُ اللّاعِنِينَ - حَائِكٌ ابْنُ حَائِكٍ مُنَافِقٌ ابْنُ كَافِرٍ - وَ اللَّهِ لَقَدْ أَسَرَكَ الْكُفْرُ مَرَّةً وَ الإِسْلامُ أُخْرَى - فَمَا فَدَاكَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَالُكَ وَ لا حَسَبُكَ - وَ إِنَّ امْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ السَّيْفَ - وَ سَاقَ إِلَيْهِمُ الْحَتْفَ - لَحَرِيٌّ أَنْ يَمْقُتَهُ الْأَقْرَبُ وَ لا يَأْمَنَهُ الْأَبْعَدُ

ومن كلام له علیه السلام قاله للأشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة يخطب

روي عن الحسن بن عليّ علیه السلام في خبر « إنّ الأشعث بن قيس الكنديّ بنى في داره مئذنة فكان يرقى إليها إذا سمع الأذان في أوقات الصلوات في مسجد جامع الكوفة فيصيح من على مئذنته يا رجل إنّك لكاذب ساحر - يعني أمير المؤمنين - وكان أبي يسمّيه عنق النار » وفي رواية عرف النار فيسأل عن ذلك فقال : « إنّ الأشعث إذا حضرته الوفاة دخل عليه عنق من النار ممدودة من السماء فتحرقه فلا يدفن إلّا وهو فحمة سوداء فلمّا توفّى نظر سائر من حضر إلى النار وقد دخلت

ص: 249

عليه كالعنق الممدود حتّى أحرقته وهو يصيح ويدعو بالويل والثبور »(1) .

وهو على منبر الكوفة يخطب ، فمضى في بعض كلامه شي ء إعترضه الأشعث فيه فقال : يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك

روي أنّ رجلا من أصحابه قام إليه فقال إنّك نهيتنا عن الحكومة ثمّ أمرتنا بها فما ندري أيّ الأمرين أرشد فصفّق علیه السلام إحدى يديه على الأخرى ثمّ قال : « هذا جزاء من ترك العقدة »(2) وكان مراده علیه السلام هذا جزاؤكم إذ تركتم الرأي والحزم وأصررتم على إجابة القوم ألى التحكيم فظنّ الأشعث أنّه أراد هذا جزائي حيث تركت الرأي والحزم وحكمت لأنّ هذه اللفظة محتملة أ لا ترى أنّ الرئيس إذا شغب عليه جنده وطلبوا منه إعتماد أمر ليس بصواب فوافقهم تسكينا لشغبهم لا إ ستصلاحا لرأيهم ثمّ ندموا بعد ذلك قد يقول هذا جزاء من ترك الرأي وخالف وجه الحزم ويعني بذلك أصحابه وقد يقوله يعني به نفسه حيث وافقهم أمير المؤمنين علیه السلام إنّما عنّي ما ذكرناه دون ما خطر للأشعث(3) .

فخفض علیه السلام إليه بصره ثمّ قال : مَا يُدْرِيكَ مَا عَلَيَّ مِمَّا لِي

قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهَ ُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ )(4) .

ص: 250


1- مناقب ( إبن شهر آشوب ) : 2/263 ؛ بحار الأنوار : 41/306 ، ذ ح 38 .
2- الاحتجاج : 1/185 .
3- شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : 1/296 .
4- سورة البقرة : 159 .

قال أبو الفرج : وقد كان إبن ملجم أتى الأشعث بن قيس في هذه الليلة ( ليلة الجمعة التاسعة عشرة من شهر رمضان ) فخلّا به في بعض نواحي المسجد ومرّ بهما حجر بن عدي فسمع الأشعث وهو يقول لإبن ملجم النجاء النجاء بحاجتك فقد فضحك الصبح قال له حجر : قتلته يا أعور وخرج مبادرا إلى علي علیه السلام وقد سبقه إبن ملجم فضربه فأقبل حجر والناس يقولون قتل أمير المؤمنين علیه السلام(1) .

وحضر الأشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونة إبن ملجم لعنه اللَّه على قتله عليه السلام(2) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ الأشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين علیه السلام وإبنته جعدة سمّت الحسن علیه السلام ومحمّد إبنه شرك في دم الحسين علیه السلام »(3) .

قال أبو الفرج : وللأشعث بن قيس في إنحرافه عن أمير المؤمنين أخبار يطول شرحها ، منها جاء الأشعث إلى على يستأذن عليه فردّه قنبر فأدمى الأشعث أنفه فخرج علي وهو يقول ما لي ولك يا أشعث أما واللَّه لو بعبد ثقيف تمرّست لأقشعرت شعيراتك قيل يا أمير المؤمنين ومن عبد ثقيف قال غلام لهم لا يبقى أهل بيت من العرب إلّا أدخلهم ذلا قيل يا أمير المؤمنين كم يلي أو كم يمكث ؟ قال : « عشرين إن بلغها » .

وقال أبو الفرج : أنّ الأشعث دخل على علي علیه السلام فكلّمه فأغلظ علي علیه السلام فعرض له الأشعث أنّه سيفتك به فقال له علي علیه السلام : « أ بالموت تخوفني أو تهدّدني فو اللَّه ما

ص: 251


1- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 6/117 .
2- الإرشاد للمفيد : 1/19 ؛ بحار الأنوار : 42/230 .
3- الكافي : 8/167 ، ح 187 ؛ بحار الأنوار : 42/228 ، ح 40 .

أبالي وقعت على الموت أو وقع الموت على »(1) .

وجاء رجل إلى أمير المؤمنين علیه السلام فأقرّ بالسّرقة ، فقال له أمير المؤمنين علیه السلام : « أ تقرأ شيئا من كتاب اللَّه عزّوجلّ » ؟ قال : نعم سورة البقرة ، فقال : « قد وهبت يدك لسورة البقرة » فقال الأشعث : أ تعطّل حدّا من حدود اللَّه تعالى ؟ فقال : « وما يدريك ما هذا إذا قامت البيّنة فليس للإمام أن يعفو وإذا أقرّ الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام إن شاء اللَّه عفا وإن شاء قطع »(2) .

ومن ذلك قول الأشعث بن قيس لعليّ بن أبي طالب علیه السلام وأتاه يتخطّى رقاب الناس وعليّ على المنبر فقال : يا أمير المؤمنين غلبتنا هذه الحمراء على قربك ، قال : فركض عليّ المنبر برجله فقال صعصعة بن صوحان العبديّ : ما لنا ولهذا يعني الأشعث ليقولنّ أمير المؤمنين اليوم في العرب قولا لا يزال يذكر ، فقال عليّ :

« من يعذرني من هذه الضياطرة يتمرّغ أحدهم على فراشه تمرّغ الحمار ؛ ويهجّر قوم للذكر ، فيأمرني أن أطردهم ؛ ما اكنت لأطردهم فأكون من الجاهلين ، والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ليضربنّكم على الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا » .

قوله : « الضياطرة واحدهم ضيطر وضيطار وهو الأحمر العضل الفاحش »(3) .

وأنّه علیه السلام خطب بعد قتل الخوارج وحضّ الناس على حرب معاوية ، فتخاذلوا فجعل يؤنّبهم ويشكو من تخاذلهم فقام إليه الأشعث بن قيس الكندي ، فقال : يا

ص: 252


1- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 6/117 .
2- من لا يحضره الفقيه : 4/62 ، ح 5106 .
3- الغارات ( ط . الحديثة ) : 2/829 .

أمير المؤمنين فهلا فعلت كما فعل عثمان ؟ قال له عليّ علیه السلام : « ويلك وما فعل عثمان ، رأيتنى عائذا باللَّه من شرّ ما تقول ، واللَّه إنّ الّذي فعل عثمان لمخزاة على من لا دين له ، ولا حجّة معه ، فكيف وأنا على بيّنة من ربّي ، والحقّ معي ، واللَّه إن امرأ أمكن عدوّه من نفسه ، فنهش عظمه ، وسفك دمه ، لعظيم عجزه ، ضعيف قلبه . أنت يابن قيس فكن ذلك ، فأمّا أنا فواللَّه دون أن أعطى ذلك ضرب بالمشرفي(1) ، يطير له فراش الرأس(2) ، وتطيح منه الأكف والمعاصم ، وتجد به الغلاصم ويفعل اللَّه بعد ذلك ما يشاء »(3) .

ومنها أنّه علیه السلام خطب بعد بيعة الناس له وقال : « سلوني قبل أن تفقدوني ، هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول اللَّه ، هذا ما زقني رسول اللَّه زقا زقا سلوني فإنّ عندي علم الأوّلين والآخرين » - إلى أن قال - فقام إليه الأشعث وقال : كيف تؤخذ الجزية من المجوس ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث إليهم نبيّ ؟ فقال علیه السلام : « بلي يأ أشعث قد أنزل اللَّه عليهم كتابا وبعث إليهم نبيّا وكان لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا بإبنته إلى فراشه » ، الخبر(4) .

عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ

وقد كان النبيّ صلی الله علیه وآله لعنه وسرت اللعنة في أعقابه(5) .

ص: 253


1- المشرفي نسبة إلى مشارف بلد بالشّام ، وفيها تصنع السيوف المشرفية .
2- فراش إلهام في النهج ، يعني العظام الرقيقة الّتي تلي القحف .
3- الإمامة والسياسة : 1/172 .
4- الأمالي للصدوق : 341 / م 65 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 10/118 ، ح 1 .
5- بهج الصباغة : 8/14 .

عن سدير قال : قال لي أبو جعفر علیه السلام : « يا سدير بلغني عن نساء أهل الكوفة جمال وحسن تبعّل فابتغ لي إمرأة ذات جمال في موضع » ، فقلت : قد أصبتها جعلت فداك - فلانة بنت فلان بن محمّد بن الأشعث بن قيس ، فقال لي : « يا سدير إنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لعن قوما فجرت اللعنة في أعقابهم إلى يوم القيامة وأنا أكره أن يصيب جسدي جسد أحد من أهل النار »(1) .

وروي الكشي : إنّ رجلين من ولد الأشعث إ ستأذنا على أبي عبداللَّه ! فلم يأذن لهما ، فقلت : إنّ لهما ميلا ومودّة لكم ، فقال : « إنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لعن أقواما فجرى اللعن فيهم وفي أعقابهم إلى يوم القيامة »(2) .

حتّى إنّ مسجده كان ملعونا : عن أبي جعفر علیه السلام قال : « إنّ بالكوفة مساجد ملعونة ومساجد مباركة » - إلى أن قال - وأمّا المساجد الملعونة - فمسجد ثقيف ومسجد الأشعث - الخبر(3) .

وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « جدّدت أربعة مساجد بالكوفة فرحا لقتل الحسين علیه السلام مسجد الأشعث » - الخبر -(4) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ أمير المؤمنين علیه السلام نهى بالكوفة عن الصلاة في خمسة مساجد - مسجد الأشعث بن قيس ومسجد جرير بن عبداللَّه البجلّي ومسجد سماك بن مخرمة ومسجد شبث بن ربعيّ ومسجد التيم »(5) .(6)

ص: 254


1- الكافي : 5/569 ، ح 56 ؛ وسائل الشيعة : 20/247 ح 25551 - 1 .
2- رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) : 413 / ح 777 .
3- الكافي : 3/489 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 97/438 ، ح 10 .
4- الكافي : 3/490 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 45/189 ، ح 35 .
5- الكافي : 3/490 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 97/438 ، ح 12 .
6- لا يقال : هذه المساجد قد احدثت بعد أميرالمؤمنين علیه السلام كما يشعر به خبر عبيس ، عن سالم المتقدّم من أن بنائها إنّما يكون فرحاً بقتل الحسين علیه السلام ، فكيف يستقيم نهيه عن الصلاة فيها ؟ لأنّا نقول : تجديدها ومرمتها إنّما يكون فرحاً بقتله كما يدلّ عليه قوله في الخبر المتقدّم جددت أربعة مساجد فيكون قديمة موجودة في عصر أميرالمؤمنين علیه السلام ويمكن أن يقال : انّه نهى عن الصلاة فيها بعد ما أحدثت فيكون هذا من جملة اخباره علیه السلام بالأُمور الغيبة وأمثال هذا قد صدرت عنه علیه السلام كثيراً . ( كذا في هامش المطبوع ) .

وَ لَعْنَةُ اللّاعِنِينَ

كان المسلمون يلعنون الأشعث ، ويلعنه الكافرون أيضا وسبايا قومه(1) .

حَائِكٌ ابْنُ حَائِكٍ

والمراد بهما ، إمّا معناهما الحقيقي :

روى أهل السيرة أنّ الأشعث خطب إلى علي علیه السلام إبنته فزبره وقال : يا إبن الحائك أ غرّك إبن أبي قحافة(2) .

وكان المغيرة والأشعث وجرير يوما متواقفين بالكوفة بالكناسة ، فطلع عليهم أعرابي ، فقال لهم المغيرة : دعوني أحرّكه . قالوا : لا تفعل ، فإنّ للأعراب جوابا يؤثر . قال : لا بدّ . قالوا : فأنت أعلم . فقال له : يا أعرابي هل تعرف المغيرة بن شعبة ؟ قال : نعم أعرفه أعور زانيا ، فوجم ثمّ تجلد فقال : هل تعرف الأشعث بن قيس ؟ قال : نعم ذاك رجل لا يعرى قومه ، قال : وكيف ذلك ؟ قال : لأنّه حائك إبن حائك(3) .

وفي رواية قال لعليّ علیه السلام الأشعث بن قيس : ما أحسبك عرفتني يا أمير

ص: 255


1- تاريخ الطبري : 2/548 ، سنة 11 .
2- شرح نهج البلاغة ( لابن أبي الحديد ) : 4/75 .
3- الأغاني : 16/327 .

المؤمنين ؟ قال : « بلى وإنّي لأجد بنّة الغزل منك - أي ريح الغزل - رماه بالحياكة » ،

قيل : كان أبو الأشعث يولع بالنّساجة(1) .

وفي حديث عليّ علیه السلام قال للأشعث بن قيس : « إنّ أبا هذا كان ينسج الشمال بيمينه وفي رواية ينسج الشمال باليمين »(2) .

وإمّا معناهما المجازي : وهو حائك الكذب على اللَّه ورسوله ووليّه كما هو شأن المنافق والكافر .

عن أحمد ، عن بعض أصحابه رفعه إلى أبي عبداللَّه علیه السلام قال : ذكر الحائك عند أبي عبداللَّه علیه السلام أنّه ملعون فقال : « إنّما ذلك الّذي يحوك الكذب على اللَّه وعلى رسوله صلی الله علیه وآله »(3) .

وروى شيخنا بهاء الملّة والدين أنّه دخل رجل إلى مسجد الكوفة وكان إبن عبّاس مع أمير المؤمنين علیه السلام يتذاكران العلم فدخل الرجل ولم يسلّم وكان أصلع الرأس من أوحش ما خلق اللَّه ( تعالى ) وخرج أيضا ولم يسلّم فقال أمير المؤمنين : « يا إبن عبّاس أتّبع هذا الرجل وأسأله ما حاجته ومن أين وإلى أين ؟ » فأتى وسأله فقال : أنا من خراسان وأبي من القيروان وأمّي من أصفهان ، قال : وإلى أين تطلب ؟ قال : البصرة في طلب العلم ، قال إبن عبّاس فضحكت من كلامه فقلت له : يا هذا تترك عليّا جالسا في المسجد وتذهب إلى البصرة في طلب العلم

ص: 256


1- النهاية ( لابن الأثير ) : 1/157 .
2- النهاية : 2/502 .
3- وسائل الشيعة : 12/248 ، ح 16220 - 2 ؛ الكافي : 2/340 ، ح 10 ؛ بحار الأنوار : 69/249 ، ح 13 .

والنبيّ صلی الله علیه وآله قال : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد العلم فليأت المدينة من بابها » فسمعني عليّ علیه السلام وأنا أقول له ذلك ، فقال : يا إبن عبّاس : أسأله ما تكون صنعته ، فسألته ، فقال : إنّي رجل حائك ، فقال علیه السلام : « صدق واللَّه حبيبي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حيث قال : « يا عليّ إيّاك والحائك فأنّ اللَّه نزع البركة من أرزاقهم في الدنيا وهم الأرذلون » » ثمّ قال إبن عبّاس أ تدري ما فعل الحيّاك في الأنبياء والأوصياء : من عهد آدم إلى يومنا هذا فقال : اللَّه ورسوله وإبن عمّ رسوله أعلم فقال علیه السلام : « معاشر الناس من أراد أن يسمع حديث الحائك فعليه بمعاشرة الديلم » .

ألا ومن مشي مع الحائك قتّر عليه رزقه ومن أصبح به حفي فقلت : يا أمير المؤمنين ولم ذلك قال : « لأنّهم سرقوا ذخيرة نوح ، وقدر شعيب ، ونعلي شيث ، وجبّة آدم ، وقميص حوّاء ، ودرع داود ، وقميص هود ، ورداء صالح ، وشملة إبراهيم ، ونخوة إ سحاق ، وقدر يعقوب ومنطقة يوشع ، وسروال زليخا ، وأزار أيّوب ، وحديد داود ، وخاتم سليمان ، وعمّامة إ سماعيل وغزل سارة ، ومغزل هاجر ، وفصيل ناقة صالح ، وإطفئوا سراج لوط ، وألقوا الرمل في دقيق شعيب ، وسرقوا حمار العزيز ، وعلّقوه في السقف ، وحلفوا أنّه لا في الأرض ولا في السماء ، وسرقوا مرود الخضر ، ومصلّى زكريّا ، وقلنسوة يحيى ، وفوطة يونس ، وشاة إ سماعيل ، وسيف ذي القرنين ، ومنطقة أحمد ، وعصى موسى ، وبرد هارون ، وقصعة لقمان ، ودلو المسيح ، واسترشدتهم مريم فدلّوها على غير الطريق وسرقوا ركاب النبيّ صلی الله علیه وآله ، وخطام الناقة ، ولجام فرسي وقرط خديجة ، قرطي فاطمة ونعل الحسن ومنديل الحسين وقماط إبراهيم وخمار فاطمة وسراويل أبي طالب ،

ص: 257

وقميص العبّاس ، وحصير حمزة ، ومصحف ذي النون ، ومقراض إدريس ، وبصقوا في الكعبة ، وبالوا في زمزم ، وطرحوا الشوك ، والعثار في طريق المسلمين ، وهم شعبة البلاء ، وسلاح الفتنة ، ونسّاج الغيبة ، وأنصار الخوارج واللَّه ( تعالى ) نزع البركة من بين أيديهم بسوء أعمالهم ، وهم الّذين ذكرهم اللَّه ( تعالى ) في محكم كتابه العزيز بقوله : ( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ )(1) وهم الحاكة والحجّام فلا تخالطوهم ولا تشاركوهم فقد نهى اللَّه ( تعالى ) عنهم »(2) .

وقال كعب : لا تستشيروا الحاكة ، فإنّ اللَّه سلبهم عقولهم ، ونزع البركة من كسبهم(3) .

وفي ( تفسير القمي ) في قوله تعالى : ( وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ )(4) - إنّ النخلة كانت نخلة يابسة ، فإ ستقبل مريم الحاكة على بغال شهب - وكانت الحياكة أنبل صناعة في ذلك الزمان - فقالت لهم : أين النخلة اليابسة ، فاستهزءوا بها وزجروها ، فقالت لهم : جعل اللَّه كسبكم بورا ، وجعلكم في الناس عارا ، ثمّ إ ستقبلها قوم من التجّار ، فدلّوها على النخلة اليابسة ، فقالت لهم : جعل اللَّه البركة في كسبكم ، وأحوج الناس إليكم(5) .

وذكروا انّ رجلا قال للأعمش : ما تقول في الصلاة خلف الحائك فقال : لا بأس

ص: 258


1- سورة النمل : 48 .
2- زهر الربيع : 353 .
3- عيون الأخبار ( إبن قتيبة ) : 1/87 .
4- سورة مريم : 25 .
5- تفسير القمي : 2/49 ؛ بحار الأنوار : 14/209 ح 6 .

بها على غير الوضوء . قال : فما تقول في شهادته فقال : تقبل مع شهادة عدلين(1) .

مُنَافِقٌ ابْنُ كَافِرٍ

قال اللَّه تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً )(2) .

وقال تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ) الآية(3) .

وقال تعالى : ( بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً )(4) .

وقال تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهَ ُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً )(5) .

وقال تعالى : ( وَعَدَ اللَّهَ ُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِىَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهَ ُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ )(6) .

وقال تعالى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ )(7) .

ص: 259


1- تاريخ الإسلام ( للذهبي ) : 9/163 ؛ التذكرة الحمدونيّة ( ابن حمدون ) : 3/275 ، ش 820 .
2- سورة النساء : 145 .
3- سورة النساء : 140 .
4- سورة النساء : 138 .
5- سورة النساء : 61 .
6- سورة التوبة : 68 .
7- سورة التّوبة : 101 .

وقال تعالى : ( وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ ) الآية(1) .

وقال تعالى : ( إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهَ ُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهَ ُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ )(2) . والآيات في ذمّ المنافقين كثيرة ولا حاجة إلى إ ستيفائها بعد ما أنزل اللَّه في الكتاب منهم سورة مستقلّة مضافا إلى آيات كثيرة في سائر السور .

وأمّا الأخبار فيهم أيضا كثيرة ولنشير إلى شطر منها :

قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار »(3) .

وعنه صلی الله علیه وآله : « تجدون من شرّ عباد اللَّه يوم القيامة ذا الوجهين الّذي يأتي هؤلاء بحديث هؤلاء وهؤلاء بحديث هؤلاء » : وفي حديث آخر الّذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه(4) .

وعن زيد بن عليّ عن أبيه عن جدّه عن عليّ علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يجي ء يوم القيامة ذو الوجهين دالعا لسانه في قفاه وآخر من قدّامه يلتهبان نارا حتّى يلهبا جسده ثمّ يقال له هذا الّذي كان في الدنيا ذا وجهين وذا لسانين يعرف بذلك يوم القيامة »(5) .

ص: 260


1- سورة الفتح : 6 .
2- سورة المنافقين : 1 .
3- الخصال : 1/38 ، ح 18 ؛ بحار الأنوار : 72/204 ، ح علیه السلام .
4- كشف الريبة : 48 .
5- الخصال : 1/37 ، ح 16 ؛ بحار الأنوار : 72/203 ، ح 5 .

وقيل مكتوب في التوراة بطلت الأمانة والرجل مع صاحبه بشفتين مختلفتين(1) .

وقيل مكتوب في التوراة : تطلب الأمانة والرجل مع صاحبه بشفتين مختلفتين ، يهلك اللَّه يوم القيامة كلّ شفتين مختلفتين(2) .

وقال اللَّه تبارك وتعالى لعيسى إبن مريم علیه السلام : يا عيسى ليكن لسانك في السرّ والعلانية لسانا واحدا وكذلك قلبك إنّي أحذّرك نفسك وكفى بي خبيرا لا يصلح لسانان في فم واحد ولا سيفان في غمد واحد ولا قلبان في صدر واحد وكذلك الأذهان(3) .

وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين يطرى أخاه(4) شاهدا ويأكله غائبا إن أعطي حسده وإن ابتلي خذله »(5) .

وعن جعفر بن محمّد عن آبائه : قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « خلّتان لا تجتمعان في منافق : فقه في الإسلام وحسن سمت في الوجه »(6) .

وقال الصادق علیه السلام : « أربع من علامات النفاق : قساوة القلب وجمود العين والإصرار على الذنب والحرص على الدنيا »(7) .

وعن عبّاد بن صهيب قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « لا يجمع اللَّه لمنافق ولا

ص: 261


1- كشف الريبة : 49 .
2- الجواهر السنية : 160 / ش 116 .
3- الكافي : 2/343 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 72/206 ، ح 14 .
4- يطري أخاه » أي : يحسن الثناء عليه .
5- الكافي : 2/343 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 72/206 ، ح 13 .
6- الأمالي للمفيد : 274 / م 32 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 1/169 ، ح 18 .
7- الاختصاص : 228 ؛ بحار الأنوار : 69/176 ، ح 4 .

لفاسق حسن السمت والفقر وحسن الخلق أبدا »(1) .

وعن محمّد بن الفضيل قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام أسأله عن مسألة فكتب إلى - « ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهَ ُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً )(2) ليسوا من الكافرين وليسوا من المؤمنين وليسوا من المسلمين يظهرون الإيمان ويصيرون إلى الكفر والتكذيب لعنهم اللَّه »(3) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « ما زاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو عندنا نفاق »(4) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « ثلاث من كن فيه كان منافقا وإن صام وصلّى وزعم أنّه مسلم : من إذا إئتمن خان وإذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف إنّ اللَّه عزّوجلّ قال في كتابه ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ )(5) وقال ( أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ )(6) وفي قوله عزّوجلّ - ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً )(7) » ، (8) .

ص: 262


1- التمحيص : 66 / ح 155 ؛ بحار الأنوار : 69/176 ، ح 5 .
2- سورة النساء : 142 - 143 .
3- الكافي : 2/395 ، ح 2 .
4- الكافي : 2/396 ، ح 6 .
5- سورة الأنفال : 58 .
6- سورة النور : 7 .
7- سورة مريم : 54 .
8- الكافي : 2/290 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 69/108 ح 8 .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « مثل المنافق مثل جذع النخل أراد صاحبه أن ينتفع به في بعض بنائه فلم يستقم له في الموضع الّذي أراد فحوّله في موضع آخر فلم يستقم له فكان آخر ذلك أن أحرقه بالنّار »(1) .

وعن عليّ بن الحسين علیه السلام قال : « إنّ المنافق ينهى ولا ينتهي ويأمر بما لا يأتي وإذا قام إلى الصلاة إعترض » قلت : يابن رسول اللَّه وما الإعتراض ؟ قال : « الإلتفات وإذا ركع ربض يمسي وهمّه العشاء وهو مفطر ويصبح وهمّه النوم ولم يسهر إن حدّثك كذبك وإن إئتمنته خانك وإن غبت إغتابك وإن وعدك أخلفك »(2) .

روى يحيى البرمكيّ عن الأعمش : أنّ جريرا والأشعث خرجا إلى الجبّان بالكوفة ، فمرّ بهما ضبّ يعدو وهما في ذمّ عليّ علیه السلام ، فنادياه يا أبا حسل ! هلمّ يدك نبايعك بالخلافة . فبلغ عليّا علیه السلام قولهما فقال : « إنّهما يحشران يوم القيامة وإمامهما ضبّ »(3) .

وقال أبو بكر في إحتضاره : واللَّه ما آسى إلّا على ثلاث فعلتهنّ ليتني كنت تركتهنّ وثلاث تركتهنّ ليتني فعلتهنّ - إلى أن قال - ليتني كنت حين أتيت بالأشعث أسيرا قتلته ولم إ ستحيه ، فإنّي سمعت منه وأراه لا يرى غيّا ولا شرّا إلّا أعان عليه(4) ، وكان أبو بكر عفا عنه وزوّجه بنته .

وفي قصّة التحكيم ، قال الأشعث وأولئك الّذين صاروا خوارج بعد : فإنّا قد

ص: 263


1- الكافي : 2/396 ، ح 5 .
2- الكافي : 2/396 ، ح 3 .
3- بحار الأنوار : 34/288 .
4- الإمامة والسيّاسة : 1/36 .

رضينا بأبي موسى . قال علي علیه السلام : « إنّكم عصيتموني في أوّل الأمر ، فلا تعصوني الآن ، إنّي لا أرى أن أولى أبا موسى » . فقال الأشعث ونفران : لا نرضى إلّا به ، فإنّه كان يحذّرنا ما وقعنا فيه . قال علي علیه السلام : « ليس أبو موسى لي بثقة قد فارقني وخذل الناس عنّي ، ولكن هذا إبن عبّاس نوليه ذلك »، قالوا : ما نبالي كنت أنت أم إبن عبّاس ، لا نريد إلّا رجلا هو منك ومن معاوية سواء . فقال علي علیه السلام : « فإنّي أجعل الأشتر » . فقال الأشعث : وهل نحن إلّا في حكم الأشتر ؟ قال علي علیه السلام : « وما حكمه » ؟ قال الأشعث : إن يضرب بعضنا بعضا بالسّيوف حتّى يكون ما أردت وأراد ، قال : فهل أبيتم إلّا أبا موسى . قالوا : نعم : قال : فاصنعوا ما أردتم(1) - إلى أن قال - عن عمّاره بن ربيعه الجرمي ، قال : لمّا كتبت الصحيفة دعى لها الأشتر فقال : « لا صحبتني يميني ، ولا نفعتني بعدها شمالي ، إن خطّ لي في هذه الصحيفة إ سم على صلح ولا موادعه أو لست على بيّنه من ربّي ، ومن ضلال عدوّي ! أو لستم قد رأيتم الظفر لو لم تجمعوا على الجور » ! فقال له الأشعث بن قيس : إنّك واللَّه ما رأيت ظفرا ولا جورا ، هلمّ إلينا فإنّه لا رغبه بك عنّا ، فقال : « بلى واللَّه لرغبه بي عنك في الدنيا للدنيا والآخرة للآخرة ، ولقد سفك اللَّه عزّوجلّ بسيفي هذا دماء رجال ما أنت عندي خير منهم ، ولا أحرم دما » ، قال عمّاره : فنظرت إلى ذلك الرجل وكأنّما قصع على أنفه الحمم - يعني الأشعث(2) . ويكفي في نفاقه شركته في دم أمير المؤمنين علیه السلام كما مرّ من مساعدته إبن ملجم(3) وأمّا كفر أبيه فهو

ص: 264


1- تاريخ الطبري : 5/51 .
2- تاريخ الطبري : 5/54 .
3- بهج الصباغة : 8/19 .

مسلّم عند الكل(1) .

وفي ( تاريخ الطبري ) - في قصّة من قتله مصعب من أصحاب المختار بعد قتله - ثمّ مرّ عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث بعبد اللَّه بن قراد من أصحاب المختار - وكان أخرج مكتفا فقال : قدّموه إليّ أضرب عنقه . فقال له عبداللَّه : أنا على دين جدّك الّذي آمن ثمّ كفر ، إن لم أكن ضربت أباك بسيفي حتّى فاظ(2) .

وَ اللَّهِ لَقَدْ أَسَرَكَ الْكُفْرُ مَرَّةً وَ الإِسْلامُ أُخْرَى

اشارة

فأمّا الأسر الّذي أشار أمير المؤمنين علیه السلام إليه في الجاهلية فقد ذكره إبن الكلبي في جمهرة النسب فقال : إن مرادا لمّا قتلت قيسا الأشج خرج الأشعث طالبا بثأره فخرجت كندة متساندين على ثلاثة ألوية ، على أحد الألوية كبس بن هانى ء بن شرحبيل ، وعلى أحدها القشعم ، وعلى أحدها الأشعث فأخطئوا مرادا ولم يقعوا عليهم ووقعوا على بني الحارث بن كعب ، فقتل كبس والقشعم وأسرّ الأشعث ففدى بثلاثة آلاف بعير لم يفد بها عربي بعده ولا قبله ، فقال في ذلك عمرو بن معديكرب الزبيدي :

فكان فداؤه ألفى بعير * وألفا من طريفات وتلد

وأمّا الأسر الثاني في الإسلام

فإنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لمّا قدمت كندة حجاجا قبل الهجرة عرض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله

ص: 265


1- مفتاح السعادة : 4/508 .
2- تاريخ الطبري : 6/108 سنة 67 .

نفسه عليهم كما كان يعرض نفسه على أحياء العرب ، فدفعه بنو وليعة من بني عمرو بن معاوية ولم يقبلوه ، فلمّا هاجر صلی الله علیه وآله وتمهّدت دعوته وجاءته وفود العرب جاءه وفد كندة فيهم الأشعث وبنو وليعة ، فأسلموا فأطعم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بني وليعة طمعة من صدقات حضرموت ، وكان قد إ ستعمل على حضرموت زياد بن لبيد البياضي الأنصاري فدفعها زياد إليهم فأبوا أخذها وقالوا : لا ظهر لنا(1) فابعث بها إلى بلادنا على ظهر من عندك ، فأبى زياد وحدث بينهم وبين زياد شركاد يكون حربا ، فرجع منهم قوم إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وكتب زياد إليه صلی الله علیه وآله يشكوهم ، وفي هذه الوقعة كان الخبر المشهور عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال لبني وليعة : « لتنتهنّ يا بني وليعة أو لأبعثنّ عليكم رجلا عديل نفسي يقتل مقاتلتكم ويسبي ذراريكم » ، قال عمر بن الخطّاب : فما تمنيت الإمارة إلّا يومئذ وجعلت أنصب له صدري رجاء أن يقول : هو هذا ، فأخذ بيد علي علیه السلام وقال : « هو هذا »(2) .

ثمّ كتب لهم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إلى زياد فوصلوا إليه بالكتاب وقد توفى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وطار الخبر بموته إلى قبائل العرب فارتدّت بنو وليعة وغنت بغاياهم وخضبن له أيديهنّ ، فأمر أبو بكر زيادا على حضرموت وأمره بأخذ البيعة على أهلها وإ ستيفاء صدقاتهم فبايعوه إلّا بني وليعة ، فلمّا خرج ليقبض الصدقات من بني عمرو بن معاوية أخذ ناقة لغلام منهم يعرف بشيطان بن حجر - وكانت صفية(3) نفيسة إ سمها شذرة - فمنعه الغلام عنها وقال : خذ غيرها فأبى زياد ذلك

ص: 266


1- الظهر : الركاب التي تحمل الأمتعة في السفر ، سمّيت بذلك لحملها إيّاها على ظهورها .
2- شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : 1/293 ؛ بحار الأنوار : 40/75 ، ش 112 .
3- الصفية : الناقة الغزيرة اللبن .

ولج ، فاستغاث شيطان بأخيه العداء بن حجر ، فقال لزياد : دعها وخذ غيرها ، فأبى زياد ذاك ولجّ الغلامان في أخذها ولجّ زياد فهتف الغلامان مسروق بن معديكرب ، فقال مسروق لزياد : أطلقها ، فأبى ... ثمّ قام فأطلقها فاجتمع إلى زياد بن لبيد أصحابه وإجتمع بنو وليعة وأظهروا أمرهم فبيتهم زياد وهم غارون فقتل منهم جمعا كثيرا ونهب وسبى ولحق فلهم بالأشعث بن قيس فاستنصروه ، فقال : لا أنصركم حتّى تملكوني عليكم ، فملكوه وتوجّوه كما يتوجّ الملك من قحطان فخرج إلى زياد في جمع كثيف . وكتب أبو بكر إلى المهاجر بن أبي أميّة وهو على صنعاء أن يسير بمن معه إلى زياد ، فاستخلف على صنعاء وسار إلى زياد ، فلقوا الأشعث فهزموه وقتل مسروق ولجأ الأشعث والباقون إلى الحصن المعروف بالنّجير(1) فحاصرهم المسلمون حصارا شديدا حتّى ضعفوا ، ونزل الأشعث ليلا إلى المهاجر وزياد فسألهما الأمان على نفسه حتّى يقدما به على أبي بكر فيرى فيه رأيه على أن يفتح لهم الحصن ويسلم إليهم من فيه .

وقيل بل كان في الأمان عشرة من أهل الأشعث .

فأمناه وأمضيا شرطه ففتح لهم الحصن فدخلوه وإ ستنزلوا كلّ من فيه وأخذوا أسلحتهم وقالوا للأشعث : أعزل العشرة ، فعزلهم فتركوهم وقتلوا الباقين وكانوا ثمانمائة ، وقطعوا أيدي النساء اللواتي شمتن برسول اللَّه صلی الله علیه وآله وحملوا الأشعث إلى أبي بكر موثقا في الحديد هو والعشرة(2) .

وقيل : إنّه لمّا حاصره المسلمون وقومه بعث إلى زياد يطلب منه الأمان لأهله

ص: 267


1- كذا ضبطه صاحب مراصد الإطّلاع بالتّصغير ، وقال : « حصن باليمن قرب حضرموت » .
2- شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : 1/294 .

ولبعض قومه ، وكان من غفلته أنّه لم يطلب لنفسه بالتّعيين فلمّا نزل أسره زياد وبعث به إلى أبي بكر فسأل أبا بكر أن يستبقيه لحربه(1) .

فعفا عنه وعنهم وزوّجه أخته أمّ فروة بنت أبي قحافة(2) .

وممّا يدلّ على عدم مراعاته لقواعد الدين أنّه بعد خروجه من مجلس عقده بأمّ فروه أصلت سيفه في أزّقة المدينة ، وعقر كلّ بعير رآه وذبح كلّ شاة إ ستقبلها للناس والتجأ إلى دار من دور الأنصار فصاح به الناس من كلّ جانب وقالوا : قد إرتدّ الأشعث مرّة ثانية فأشرف عليهم من السطح وقال : يا أهل المدينة إنّي غريب ببلدكم وقد أولمت بما نحرت وذبحت فليأكل كلّ إنسان منكم ما وجد وليغد إليّ من كان له علىّ حقّ حتّى ارضيه وفعل ذلك فلم يبق دار من دور المدينة إلّا وقد أوقد فيها بسبب تلك الجهلة فضرب أهل المدينة به المثل ، وقالوا : أو لم من الأشعث ، وفيه قال الشاعر :

لقد أولم الكنديّ يوم ملاكه

وليمة حمّال لثقل العظائم(3)

وقال الأصبغ بن حرمة متسخطا لهذه المصاهرة :

أتيت بكندي قد إرتدّ وانتهى * إلى غاية من نكث ميثاقه كفرا

فكان ثواب النكث إحياء نفسه * وكان ثواب الكفر تزويجه البكرا

ولو أنّه يأبى عليك نكاحها * وتزويجها منه لأمهرته مهرا

ولو أنّه رام الزيادة مثلها * لأنكحته عشرا وأتبعه عشرا

ص: 268


1- شرح نهج البلاغة ( إبن ميثم ) : 1/325 .
2- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 1/296 .
3- شرح نهج البلاغة ( إبن ميثم ) : 1/325 .

فقل لأبي بكر : لقد شنت بعدها * قريشا ، وأخملت النباهة والذكرا

أ ما كان في تيم بن مرة واحد * تزوّجه لو لا أردت به الفخرا

ولو كنت لمّا أن أتاك قتلته * لأحرزتها ذكرا وقدّمتها ذخرا

فأضحى يرى ما قد فعلت فريضة * عليك فلا حمدا حويت ولا أجرا(1)

وبعد ذلك تندم أبو بكر ممّا فعل : من قبول توبة الأشعث المرتد ، وتزويجه أخته أمّ فروة وأظهر الندم لعبد الرحمن بن عوف ، لمّا جاءه عبد الرحمن عائدا له فقال في كلام طويل : أما إنّي لا آسى من الدنيا إلّا على ثلاث فعلتها وودت أنّي تركتها وثلاث تركتها وودت أنّي فعلتها وثلاث وددت أنّي كنت سألت عنهنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أمّا الّتي وددت أنّي تركتها فوددت أنّي لم أكن كشفت بيت فاطمة وإن كان أعلن ( علّق خ ل ) علىّ الحرب وددت أنّي لم أكن أحرقت الفجاءة وأنّي قتلته سريحا أو أطلقته نجيحا وددت أنّي يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين عمر أو أبي عبيدة فكان أميرا وكنت وزيرا وأمّا الّتي تركتها فوددت أنّي فعلتها فوددت أنّي يوم أتيت بالأشعث أسيرا كنت ضربت عنقه فإنّه يخيّل لي(2) أنّه لم ير صاحب شرّ إلّا أعانه(3) .

فَمَا فَدَاكَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَالُكَ وَ لا حَسَبُكَ

لا يريد علیه السلام به الفداء الحقيقي فإنّ الأشعث فدى في الجاهلية بفداء يضرب به

ص: 269


1- الغدير : 7/175 ؛ مجمع الأمثال ( الميداني ) : 2/341 .
2- أي : أظن .
3- الخصال : 1/171 ، ح 228 ؛ بحار الأنوار : 30/123 ، ح 2 .

المثل فقال أغلى فداء من الأشعث وسنذكره وإنّما يريد ما دفع عنك الأسر مالك ولا حسبك(1) .

وانّما قال علیه السلام « فما فداك من واحدة منهما ما لك ولا حسبك » لأنّ ذوي الكمال يمنعهم كمالهم من أسرهم أو أخذ الفدية منهم .

ولقد أسر متمّم بن نويرة ، ففداه جمال أخيه مالك ومقاله ، ففي الأغاني : دخل متمّم على عمر ، فقال له عمر : ما أرى في أصحابك مثلك . فقال : أما واللَّه انّي مع ذلك لأركب الجمل الثفال واعتقل الرمح الشطون ، ولقد أسرتني بنو تغلب في الجاهلية ، فبلغ ذلك أخي مالكا ، فجاء ليفديني منهم ، فلمّا رآه القوم أعجبهم جماله ، وحدّثهم فأعجبهم حديثه ، فأطلقوني له بغير فداء(2) .

وَ إِنَّ امْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ السَّيْفَ - وَ سَاقَ إِلَيْهِمُ الْحَتْفَ - لَحَرِيٌّ أَنْ يَمْقُتَهُ الْأَقْرَبُ وَ لا يَأْمَنَهُ الْأَبْعَدُ

أشار علیه السلام بعمله مع قومه حيث فتح باب حصن النجير لزياد البياضي والمهاجر حتّى قتلا من فيه .

وفي ( الطبرى ) كان المسلمون يلعنون الأشعث ويلعنه الكافرون أيضا وسبايا قومه وسمّاه نساء قومه عرف النار وهو إ سم للغادر عندهم(3) .

ص: 270


1- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 1/292 .
2- الأغاني : 15/206 .
3- تاريخ الطبري : 2/548 ؛ الكامل لابن الأثير : 2/382 .

بسم الله الرحمن الرحیم

20 - ومن خطبة له علیه السلام :

فَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ - لَجَزِعْتُمْ وَ وَهِلْتُمْ وَ سَمِعْتُمْ وَ أَطَعْتُمْ

اشارة

وَ لَكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا - وَ قَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ الْحِجَابُ - وَ لَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ وَ أُسْمِعْتُمْ إِنْ سَمِعْتُمْ - وَ هُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ - وَ بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ لَقَدْ يجَاهَرَتْكُمُ الْعِبَرُ - وَ زُجِرْتُمْ بِمَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ - وَ مَا يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ بَعْدَ رُسُلِ السَّمَاءِ إِلّا الْبَشَرُ

فَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ - لَجَزِعْتُمْ وَ وَهِلْتُمْ وَ سَمِعْتُمْ وَ أَطَعْتُمْ

فَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ . . .

قال اللَّه تعالى في كتابه : ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(1) .

عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ الميّت إذا حضره الموت أوثقه ملك الموت ولو لا ذلك ما إ ستقرّ »(2) .

وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « فو الّذي نفس محمّد بيده لو يرون مكانه ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميّتهم وليبكوا [لبكوا] على نفوسهم حتّى حمل الميّت على نعشه

ص: 271


1- سورة الجمعة : 8 .
2- الكافي : 3/250 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 6/166 ، ح 37 .

وترفرف روحه فوق النعش وهو ينادي يا أهلي ويا ولدي لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي جمعت المال من حلّه وغير حلّه ثمّ خلّفته لغيري فالمهنا لهم والتبعة علىّ فاحذروا مثل ما حلّ بي »(1) .

وسئل أبو عبداللَّه علیه السلام عن المصلوب يصيبه عذاب القبر فقال : « إنّ ربّ الأرض هو ربّ الهواء فيوحي اللَّه عزّوجلّ إلى الهواء فيضغطه ضغطة أشدّ من ضغطة القبر »(2) .

وروي : أنّ يحيى بعد لبسه برنس الصوف ، ومدرعة الشعر وإقباله على العبادة حتّى أكلت المدرعة من الشعر لحمه فنظر ذات يوم إلى ما قد نحل من جسمه فبكى فأوحى اللَّه عزّوجلّ إليه يا يحيى أ تبكي ممّا قد نحل من جسمك وعزّتي وجلالي لو اطّلعت إلى النار إطّلاعة لتدرّعت مدرعة الحديد فضلا عن المنسوج فبكى حتّى أكلت الدموع لحم خدّيه وبدا للناظرين أضراسه(3) .

ما يرى الإنسان عند الموت

فمن الآيات

أمّا المؤمنون

قال تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )(4) .

ص: 272


1- معاني الأخبار ( للشعيري ) : 170 ؛ بحار الأنوار : 6/161 ، ح 28 .
2- الكافي : 3/241 ، ح 17 ؛ بحار الأنوار : 6/266 ، ذ ح 112 .
3- الأمالي للصدوق : 28 / م 8 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 14/165 ، ح 4 .
4- سورة يونس : 63 - 64 .

وقال تعالى : ( تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ ) الآية(1) .

وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهَ ُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ )(2) .

وقال تعالى : ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي )(3) .

وقال تعالى : ( فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ )(4) .

وقال تعالى : ( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ )(5) .

وقال تعالى : ( وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِىَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ )(6) .

ص: 273


1- سورة الأحزاب : 44 .
2- سورة فصّلت : 30 .
3- سورة الفجر : 27 - 30 .
4- سورة الواقعة : 83 - 94 .
5- سورة ق : 19 .
6- سورة المنافقون : 10 .

وأمّا الكفّار

قال تعالى : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ )(1) .

وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً )(2) .

وأمّا الأخبار

عن الحسن بن عليّ عن أبيه جعن جدّه ج الرضا عن أبيه موسى بن جعفر علیه السلام قال قيل للصادق علیه السلام : صف لنا الموت . قال : « للمؤمن كاطيب ريح يشمّه فينعس(3) لطيبه وينقطع التعب والألم كلّه عنه وللكافر كلسع(4) الأفاعيّ ولدغ العقارب وأشدّ » ، قيل : فإنّ قوما يقولون إنّه أشدّ من نشر بالمناشر وقرض بالمقاريض ورضخ(5) بالأحجار وتدوير قطب الأرحية على لأحداق . قال : « كذلك هو على بعض الكافرين والفاجرين أ لا ترون منهم من يعاين تلك الشدائد فذلكم الّذي هو أشدّ من هذا الأمر عذاب الآخرة فإنّه أشدّ من عذاب الدنيا » ، قيل فما بالنا نرى

ص: 274


1- سورة الأنفال : 50 .
2- سورة النساء : 97 .
3- من النّعاس يقال له بالفارسية « پينكى » . وفي نسخة : « فتنفّس » .
4- لسعته العقرب والحية تلسعه لسعا : لدغته ملسوع ولسيع ، وقيل : اللسع بالأبر واللدغ بالفم .
5- رضخت الحصى والنوى : كسرته ، يقال : رضخت رأس الحيّة بالحجارة .

كافرا يسهل عليه النزع فينطفي وهو يحدّث ويضحك ويتكلّم وفي المؤمنين أيضا من يكون كذلك وفي المؤمنين والكافرين من يقاسي عند سكرات الموت هذه الشدائد . فقال : « ما كان من راحة للمؤمن هناك فهو تعجيل ثواب وما كان من شديد فتمحيصه(1) من ذنوبه ليرد الآخرة نقيّا نظيفا مستحقّا للثواب الأبد لا مانع له دونه ، وما كان من سهولة هناك على الكافر فليوفّى أجر حسناته في الدنيا ليرد الآخرة وليس له إلّا ما يوجب عليه العذاب وما كان من شدّة على الكافر هناك فهو إبتداء عذاب اللَّه له ذلكم بأنّ اللَّه عدل لا يجور »(2) .

وعن محمّد بن عليّ عن أبيه الرضا عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن عليّ عن أبيه عليّ بن الحسين عن أبيه الحسين علیه السلام قال قيل لأمير المؤمنين علیه السلام : صف لنا الموت ، فقال : « على الخبير سقطتم هو أحد ثلاثة أمور يرد عليه إمّا بشارة بنعيم الأبد وإمّا بشارة بعذاب الأبد وإمّا تحزين وتهويل وأمره مبهم لا يدري من أيّ الفرق هو فأمّا وليّنا المطيع لأمرنا فهو المبشّر بنعيم الأبد وأمّا عدوّنا المخالف علينا فهو المبشّر بعذاب الأبد وأمّا المبهم أمره الّذي لا يدرى ما حاله فهو المؤمن المسرف على نفسه لا يدرى ما يئول إليه حاله يأتيه الخبر مبهما مخوفا ثمّ لن يسوّيه اللَّه عزّوجلّ بأعدائنا لكن يخرجه من النار بشفاعتنا فاعملوا وأطيعوا لا تتّكلوا ولا تستصغروا عقوبة اللَّه عزّوجلّ فإنّ من المسرفين من لا تلحقه شفاعتنا إلّا بعد عذاب ثلاثمائة ألف سنة »(3) .

ص: 275


1- محص الشي ء : نقصه ، يقال : محص اللَّه عن فلان ذنوبه .
2- عيون أخبار الرضا علیه السلام : 1/274 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار : 6/152 ، ح 6 .
3- معاني الأخبار : 288 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 6/153 ، ح 9 .

وقال محمّد بن عليّ علیه السلام قيل لعليّ بن الحسين علیه السلام : ما الموت ؟ قال : « للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة وفكّ قيود وأغلال ثقيلة والإستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح وأوطإ المراكب وآنس المنازل وللكافر كخلع ثياب فاخرة والنقل عن منازل أنيسة والإستبدال بأوسخ الثياب وأخشنها وأوحش المنازل وأعظم العذاب »(1) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « لو أنّ مؤمنا أقسم على ربّه أن لا يميته ما أماته أبدا ولكن إذا كان ذلك أو إذا حضر أجله بعث اللَّه عزّوجلّ إليه ريحين ريحا يقال لها المنسية وريحا يقال لها المسخية فأمّا المنسية فإنّها تنسيه أهله وماله وأمّا المسخية فإنّها تسخي نفسه عن الدنيا حتّى يختار ما عنداللَّه »(2) .

وعن محمّد بن سليمان الديلميّ قال حدّثنا أبي قال سمعت الإفريقيّ يقول سألت أبا عبداللَّه علیه السلام عن المؤمن أ يستكره على قبض روحه ؟ قال : « لا واللَّه » ، قلت : وكيف ذاك ؟ قال : « لأنّه إذا حضره ملك الموت علیه السلام جزع فيقول له ملك الموت لا تجزع فو اللَّه لأنا [أنا] أبرّ بك وأشفق [عليك] من والد رحيم لو حضرك افتح عينيك فانظر [وانظر] قال ويتهلّل [يتمثّل] له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمّة من بعدهم وفاطمة عليهم [الصلاة و] السلام والتحيّة والإكرام قال فينظر إليهم فيستبشر بهم فما رأيت شخصته تلك ؟ » قلت : بلى ، قال : « فإنّما ينظر إليهم » قال قلت جعلت فداك قد يشخص المؤمن والكافر ؟ قال : « ويحك إنّ الكافر يشخص منقلبا إلى خلفه لأنّ ملك الموت إنّما يأتيه ليحمله من

ص: 276


1- معاني الأخبار : 289 / ح 4 ؛ بحار الأنوار : 6/155 ، ذ ح 9 .
2- الكافي : 3/127 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 6/153 ، ح 7 .

خلفه والمؤمن ينظر أمامه وينادي روحه مناد من قبل ربّ العزّة من بطنان العرش فوق الأفق الأعلى ويقول يا أيّتها النفس المطمئنّة إلى محمّد وآله إرجعي إلى ربّك راضية مرضيّة . فادخلي في عبادي وادخلي جنّتي . فيقول ملك الموت : إنّي قد أمرت أن أخيّرك الرجوع إلى الدنيا والمضيّ جقال ج فليس شي ء أحبّ إليه من إ سلال جانسلال ج(1) روحه »(2) .

وسئل الحسن بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام : ما الموت الّذي جهلوه ؟ قال علیه السلام : « أعظم سرور يرد على المؤمنين إذ نقلوا عن دار النكد إلى نعيم الأبد وأعظم ثبور يرد على الكافرين إذ نقلوا عن جنّتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد »(3) .

وعن ياسر الخادم قال سمعت أبا الحسن الرضا علیه السلام يقول : « إنّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد ويخرج من بطن أمّه فيرى الدنيا ويوم يموت فيرى الآخرة وأهلها ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في دار الدنيا وقد سلّم اللَّه عزّوجلّ على يحيى في هذه الثلاثة المواطن وآمن روعته فقال : ( وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً ) »(4) وقد سلّم عيسى إبن مريم علیه السلام على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال : ( وَالسَّلَامُ عَلَىَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً )(5) ، (6) .

ص: 277


1- من سل الشي ء : إذا إنتزعه وأخرجه برفق .
2- تفسير فرات الكوفي : 554 / ح 709 ؛ بحار الأنوار : 6/163 ، ح 32 .
3- معاني الأخبار : 288 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 6/154 ، ذ ح 9 .
4- سورة مريم : 15 .
5- سورة مريم : 33 .
6- الخصال : 1/107 ، ح 71 ؛ بحار الأنوار : 6/158 ، ح 18 .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام : « أنّ أمير المؤمنين علیه السلام إ شتكى عينه فعاده النبيّ صلی الله علیه وآله فإذا هو يصيح فقال النبي صلی الله علیه وآله : أ جزعا ام وجعا(1) فقال : يا رسول اللَّه ما وجعت وجعا قطّ أشدّ منه ، فقال : يا عليّ إنّ ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر نزل معه سفّود(2) من نار فينزع روحه به فتصيح جهنّم ، فاستوى عليّ علیه السلام جالسا فقال : يا رسول اللَّه أعد عليّ حديثك فلقد أنساني وجعي ما قلت ثمّ قال : هل يصيب ذلك أحدا من أمّتك ؟ قال صلی الله علیه وآله : نعم حاكم جائر وآكل مال اليتيم ظلما وشاهد زور »(3) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ عيسى إبن مريم جاء إلى قبر يحيى بن زكريّا علیه السلام وكان سأل ربّه أن يحييه له فدعاه فأجابه وخرج إليه من القبر فقال له : ما تريد منّي ؟ فقال له : أريد أن تؤنسني كما كنت في الدنيا ، فقال له : يا عيسى ما سكنت عنّي حرارة الموت وأنت تريد أن تعيدني إلى الدنيا وتعود علىّ حرارة الموت فتركه فعاد ألى قبره »(4) .

وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « إنّ فتية من أولاد ملوك بني إ سرائيل كانوا متعبّدين وكانت العباد في أولاد ملوك بني إ سرائيل وإنّهم خرجوا يسيرون في البلاد ليعتبروا فمرّوا بقبر على ظهر الطريق قد سفى عليه السافي(5) ليس يبيّن منه إلّا رسمه فقالوا لو دعونا اللَّه الساعة فينشر لنا صاحب هذا القبر فساءلناه كيف وجد طعم الموت فدعوا اللَّه وكان دعاؤهم الّذي دعوا اللَّه به أنت إلهنا يا ربّنا ليس لنا إله

ص: 278


1- يعني صياحك من الجزع وعدم الصبر أو من شدّة الوجع ؟
2- السفّود - كتنّور - بالتّشديد - : الحديدة الّتي يشوى بها اللحم .
3- الكافي : 3/253 ، ح 10 ؛ بحار الأنوار : 6/170 ، ح 46 .
4- الكافي : 3/260 ، ح 37 ؛ بحار الأنوار : 6/170 ، ح 47 .
5- سفت الريح التراب إذا ذرته وحملته .

غيرك والبديع الدائم غير الغافل والحيّ الّذي لا يموت لك في كلّ يوم شأن تعلم كلّ شي ء بغير تعليم انشر لنا هذا الميّت بقدرتك ، قال : فخرج من ذلك القبر رجل أبيض الرأس واللحية ينفض رأسه من التراب فزعا شاخصا بصره إلى السماء فقال لهم : ما يوقفكم على قبري ؟ فقالوا : دعوناك لنسألك كيف وجدت طعم الموت ؟ فقال لهم : لقد سكنت في قبري تسعا وتسعين سنة ما ذهب عنّي ألم الموت وكربه ولا خرج مرارة طعم الموت من حلقي ، فقالوا له : متّ يوم متّ وأنت على ما نرى أبيض الرأس واللحية ؟ قال : لا ولكن لمّا سمعت الصيحة اخرج اجتمعت تربة عظامي إلى روحي فبقيت فيه فخرجت فزعا شاخصا بصري مهطعا(1) إلى صوت الداعي فابيضّ لذلك رأسي ولحيتي »(2) .

ما يرى الإنسان بعد الموت

أمّا المؤمن :

فالآيات : قوله تعالى : ( وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ )(3) .

ومنها - ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهَ ُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ

ص: 279


1- مهععا أي مقبلا خائفا .
2- الكافي : 3/260 ، ح 38 ؛ بحار الأنوار : 6/171 ، ح 48 .
3- سورة البقرة : 154 .

لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ )(1) .

ومنها - ( يُثَبِّتُ اللَّهَ ُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) الآية(2) .

وأمّا الأخبار الوارده فيه :

فمنها - سئل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كيف يتوفّى ملك الموت المؤمن ؟ فقال : « إنّ ملك الموت ليقف من المؤمن عند موته موقف العبد الذليل من المولى فيقوم وأصحابه لا يدنون منه حتّى يبدأه بالتّسليم ويبشّره بالجنّة »(3) .

وقال أمير المؤمنين علیه السلام : « إنّ إبن آدم إذا كان في آخر يوم من أيّام الدنيا وأوّل يوم من أيّام الآخرة مثّل له ماله وولده وعمله فيلتفت إلى ماله فيقول واللَّه إنّي كنت عليك حريصا شحيحا(4) فما لي عندك ؟ فيقول : خذ منّي كفنك ، قال فيلتفت إلى ولده فيقول واللَّه إنّي كنت لكم محبّا وإنّي كنت عليكم محاميا فماذا لي عندكم ؟ فيقولون نؤدّيك إلى حفرتك نواريك فيها ، قال فيلتفت إلى عمله فيقول : واللَّه إنّي كنت فيك لزاهدا وإن كنت علىّ لثقيلا فماذا عندك ؟ فيقول : أنا قرينك في قبرك ويوم نشرك حتّى أعرض أنا وأنت على ربّك ، قال : فإن كان للَّه وليّا أتاه أطيب الناس ريحا وأحسنهم منظرا وأحسنهم رياشا(5) فقال : أبشر بروح وريحان وجنّة نعيم ومقدمك خير مقدم فيقول له : من أنت ؟ فيقول : أنا عملك الصالح إرتحل من

ص: 280


1- سورة آل عمران : 169 - 171 .
2- سورة إبراهيم : 27 .
3- من لا يحضره الفقيه : 1/135 ، ح 365 ؛ بحار الأنوار : 6/167 ، ح 38 .
4- الشح : البخل .
5- الرياش - بكسر الراء المهملة - : اللباس الفاخر .

الدنيا إلى الجنّة وإنّه ليعرف غاسله ويناشد حامله أن يعجّله فإذا أدخل قبره أتاه ملكا القبر يجرّان أشعارهما ويخدّان الأرض بأقدامهما أصواتهما كالرّعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف فيقولان له من ربّك وما دينك ومن نبيّك ؟ فيقول : اللَّه ربّي وديني الإسلام ونبييّ محمّد صلی الله علیه وآله فيقولان له ثبّتك اللَّه فيما تحبّ وترضى وهو قول اللَّه عزّوجلّ - ( يُثَبِّتُ اللَّهَ ُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ )(1) ثمّ يفسحان له في قبره مدّ بصره ثمّ يفتحان له بابا إلى الجنّة ثمّ يقولان له نم قرير العين نوم الشابّ الناعم فإنّ اللَّه عزّوجلّ يقول - ( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً )(2) » ، (3) .

وقال أبو عبداللَّه علیه السلام : « إنّ المؤمنين إذا أخذوا مضاجعهم أصعد اللَّه بأرواحهم إليه فمن قضى له عليه الموت جعله في رياض الجنّة في كنوز رحمته ونور عزّته وإن لم يقدّر عليه الموت بعث بها مع أمنائه من الملائكة إلى الأبدان الّتي هو فيها »(4) .

وعن أبي بصير عن أحدهما علیه السلام قال : « إذا مات العبد المؤمن دخل معه في قبره ستّة صور فيهنّ صورة هي أحسنهنّ وجها وأبهاهنّ هيئة وأطيبهنّ ريحا وأنظفهنّ صورة ، قال فيقف صورة عن يمينه وأخرى عن يساره وأخرى بين يديه وأخرى خلفه وأخرى عند رجليه ويقف الّي هي أحسنهنّ فوق رأسه فإن أتى عن يمينه

ص: 281


1- سورة إبراهيم : 27 .
2- سورة الفرقان : 24 . وقوله : « مستقرّا » أي مكانا يستقرّ فيه وقوله : « مقيلا » من القيلولة وهي عند العرب الإستراحة نصف النهار .
3- الكافي : 3/231 ، ح 1 ؛ تفسير القمّي : 1/369 .
4- المحاسن : 1/178 ، ح 163 ؛ بحار الأنوار : 6/234 ، ح 47 .

منعته الّتي عن يمينه ثمّ كذلك إلى أن يؤتى من الجهات الستّ قال فتقول أحسنهنّ صورة : من أنتم جزاكم اللَّه عنّي خيرا ، فتقول الّتي عن يمين العبد أنا الصلاة وتقول الّتي عن يساره أنا الزكاة وتقول الّتي بين يديه أنا الصيام وتقول الّتي خلفه أنا الحجّ والعمرة وتقول الّتي عند رجليه أنا برّ من وصلت من إخوانك ثمّ يقلن من أنت ؟ فأنت أحسننا وجها وأطيبنا ريحا وأبهانا هيئة ، فتقول : أنا الولاية لآل محمّد صلی الله علیه وآله »(1) .

ما يراه الكافر عند موته وبعده .

فمن الآيات :

قوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِي * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )(2) .

وقوله تعالى : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )(3) .

وقوله تعالى : ( قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ )(4) .

وقوله تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ

ص: 282


1- المحاسن : 1/288 ، ح 432 ؛ بحار الأنوار : 6/234 ، ح 50 .
2- سورة المؤمنون : 99 - 100 .
3- سورة طه : 124 .
4- سورة غافر : 11 .

فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ )(1) .

وقوله تعالى : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً ) الآية(2) .

وقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ )(3) .

وقوله تعالى : ( إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ . . . )(4) .

ومن الأخبار الواردة فيه :

قال أبو جعفر علیه السلام قال النبي صلی الله علیه وآله : « أنّ الكافر يضرب ضربة ما خلق اللَّه شيئا إلاّ سمعها ويذعر لها إلّا الثقلين » الحديث(5) .

وقال أمير المؤمنين في حديث نقلنا شطرا منه - ممّا يراه الؤمن بعد موته - ما هذا لفظه : « وإن كان لربّه عدوّا فإنّه يأتيه أقبح من خلق اللَّه زيّا ورؤيا وأنتنه ريحا فيقول له أبشر بنزل من حميم وتصلية جحيم(6) وإنّه ليعرف غاسله ويناشد حملته أن يحبسوه فإذا أدخل القبر أتاه ممتحنا القبر فألقيا عنه أكفانه ثمّ يقولان له من ربّك وما دينك ومن نبيّك ؟ فيقول : لا أدرى فيقولان لا دريت ولا هديت فيضربان

ص: 283


1- سورة هود : 106 - 107 .
2- سورة غافر : 46 .
3- سورة البيّنة : 6 .
4- سورة النبأ : 40 .
5- الكافي : 3/233 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 6/226 ، ح 28 .
6- النزل : ما يعد للضيف النازل على الإنسان من الطعام والشراب والحميم ما يسقى منه أهل النار . والتصلية : التلويح على النار وفي مجمع البيان وتصلية جحيم إدخال نار عظيم .

يافوخه(1) بمرزبة معهما ضربة ما خلق اللَّه عزّوجلّ من دابة إلّا وتذعر لها ما خلا الثقلين(2) ثمّ يفتحان له بابا إلى النار ثمّ يقولان له - إلى أن قال علیه السلام - حتّى إنّ دماغه ليخرج من بين ظفره ولحمه ويسلّط اللَّه عليه حيّات الأرض وعقاربها » الحديث(3) .

وعن موسى بن جعفر عن أبيه الصادق جعفر بن محمّد علیه السلام أنّه قال : « إذا مات المؤمن شيّعه سبعون ألف ملك إلى قبره » - وساق الحديث إلى أن قال علیه السلام - « وإذا مات الكافر شيّعه سبعون ألفا من الزبانية إلى قبره وإنّه ليناشد حامليه بصوت يسمعه كلّ شي ء إلّا الثقلان ويقول ( لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً)(4) فأكون من المؤمنين ويقول ( ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ )(5) فتجيبه الزبانية ( كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ )(6) أنت قائلها ويناديهم ملك لو ردّ لعاد نهي عنه فإذا أدخل قبره وفارقه الناس أتاه منكر ونكير في أهول صورة فيقيمانه ثمّ يقولان له من ربّك وما دينك ومن نبيّك ؟ فيتلجلج لسانه ولا يقدر على الجواب فيضربانه ضربة من عذاب اللَّه يذعر لها كلّ شي ء ثمّ يقولان له من ربّك وما دينك ومن نبيّك ؟ فيقول لا أدري فيقولان له لا دريت ولا هديت ولا أفلحت ثمّ يفتحان له بابا إلى النار وينزلان إليه

ص: 284


1- ياخوفه » - بالياء المثناة التحتانية وآخره خاء مجمة - : الموضع الّذي يتحرّك من رأس الطفل إذا كان قريب العهد من الولادة . والمرزبة - بتّشديد الباء وتخفيفها - : عصا كبيرة من حديد تتّخذ لتكسير المدر .
2- تذعر أي تفزع . والثقلين : الجنّ والإنس .
3- الكافي : 3/232 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 6/225 ، ح 26 .
4- سورة الزّمر : 58 .
5- سورة المؤمنون : 99 - 100 .
6- سورة المؤمنون : 100 .

الحميم من جهنّم وذلك قول اللَّه عزّوجلّ - ( وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ )(1) يعني في القبر ( وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ )(2) يعني في الآخرة »(3) .

وعن الصادق علیه السلام - في خبر في سؤال الملكين بعد ذكر سؤال المؤمن قال : « فينادي مناد من السماء كذب عبدي(4) أفرشوا له في قبره من النار وألبسوه من ثياب النار وإفتحوا له بابا إلى النار حتّى يأتينا وما عندنا شرّ له فيضربانه بمرزبة ثلاث ضربات ليس منها ضربة إلّا يتطاير قبره نارا لو ضرب بتلك المرزبة جبال تهامة(5) لكانت رميما وقال أبو عبداللَّه علیه السلام ويسلّط اللَّه عليه في قبره الحيّات تنهشه نهشا والشيطان يغمّه غمّا قال ويسمع عذابه من خلق اللَّه إلّا الجنّ والإنس قال وإنّه ليسمع خفق نعالهم(6) ونقض أيديهم وهو قول اللَّه عزّوجلّ - ( يُثَبِّتُ اللَّهَ ُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهَ ُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهَ ُ مَا يَشَاءُ ) »(7) .

وَ لَكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا

قال علیه السلام : « ويسمع عذابه من خلق اللَّه إلّا الجنّ والإنس »(8) .

ص: 285


1- سورة الواقعة : 92 - 93 .
2- سورة الواقعة : 94 .
3- الأمالي للصدوق ؛ : 290 / م 48 ، ح 12 ؛ بحار الأنوار : 6/222 ، ح 22 .
4- أي كذب ولم يعتقد ذلك ولم يسمعه بقلبه . ( في ) .
5- تهامة أي مكّة شرّفها اللَّه تعالى .
6- الخفق : صوت النعل .
7- الكافي : 3/240 ، ح 12 ؛ بحار الأنوار : 6/264 ، ح 108 .
8- الكافي : 3/240 ، ح 12 ؛ بحار الأنوار : 6/265 ، ح 108 .

وَ قَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ الْحِجَابُ

قال تعالى : ( فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ )(1) .

دخل أرطاة بن سهيّة على عبد الملك ، فقال له : كيف حالك - وقد كان أسنّ - فقال : ضعفت أوصالي ، وقلّ مالي ، وقلّ منّي ما كنت أحبّ كثرته وكثر منّي ما كنت أحبّ قلّته . قال : فكيف أنت في شعرك ؟ فقال : واللَّه ما أطرب ، ولا أغضب ، ولا أرغب ، ولا أرهب وما يكون الشعر إلّا من نتائج هذه الأربع ، وعلى أنّي القائل :

رأيت المرء تأكله الليالي * كأكل الأرض ساقطة الحديد

وما تبغي المنيّة حين تأتي * على نفس إبن آدم من مزيد

وأعلم أنّها ستكرّ حتّى * توفّى نذرها بأبي الوليد

فارتاع عبد الملك ثمّ قال : بل توفّى نذرها بك ويلك مالي ولك . فقال : لا ترع ، فإنّما عنيت نفسي وكان أرطأة يكنّى أبا الوليد ، فسكن عبد الملك ، ثمّ إ ستعبر باكيا ثمّ قال : أما واللَّه على ذلك ، لتلمّنّ بي(2) ، (3) .

وهذا الكلام يدلّ على صحة القول بعذاب القبر وأصحابنا كلّهم يذهبون إليه وإن شنع عليهم أعداؤهم من الأشعرية وغيرهم بجحده .

ويمكن أن يعنى به ما كان علیه السلام يقوله عن نفسه إنّه لا يموت ميّت حتّى يشاهده علیه السلام حاضرا عندهو والشيعة تذهب إلى هذا القول وتعتقده .

وتروي عنه علیه السلام شعرا قاله للحارث الأعور الهمداني :

ص: 286


1- سورة ق : 22 .
2- لتلمّنّ بي : أي لتنزلنّ بي .
3- الأغاني : 13/23 .

يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه وأعرفه * بعينه وإ سمه وما فعلا

أقول للنار وهي توقد للعرض * ذريه لا تقربى الرجلا

ذرية لا تقربيه إن له * حبلا بحبل الوصيّ متّصلا

وأنت يا حار إن تمت ترني * فلا تخف عثرة ولا زللا

أسقيك من بارد على ظمإ * تخاله في الحلاوة العسلا

وليس هذا بمنكر إن صحّ أنّه علیه السلام قاله عن نفسه ففي الكتاب العزيز ما يدلّ على أنّ أهل الكتاب لا يموت منهم ميّت حتّى يصدق بعيسى إبن مريم علیه السلام وذلك قوله تعالى : ( وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً )(1) قال كثير من المفسّرين : معني ذلك أن كلّ ميّت من اليهود وغيرهم من أهل الكتب السالفة إذا إحتضر رأى المسيح عيسى عنده فيصدق به من لم يكن في أوقاف التكليف مصدّقا به(2) .

ولكن لم يرو الشيعة نفس الشعر له علیه السلام بل مضمونه ، وانّما نظّم الحميري مضمون كلامه علیه السلام فعن الأصبغ : أنّ الحارث دخل عليه علیه السلام وكانت له منه منزلة ، فقال علیه السلام له : « وأبشّرك يا حارث تعرفني عند الممات ، وعند الصراط ، وعند الحوض ، وعند المقاسمة » ، قال : وما المقاسمة ؟ قال علیه السلام : « مقاسمة النار ، أقول : هذا وليّي فاتركيه ، وهذا عدوّي فخذيه » . ثمّ قال جميل : وأنشدني السيّد الحميري في ما تضمّنه هذا الخبر - ثمّ نقل أبياته وأوّلها :

ص: 287


1- سورة النساء : 159 .
2- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 1/298 .

قول عليّ لحارث عجب * كم ثمّ أعجوبة له حملا

يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا

وأنت عند الصراط تعرفني * فلا تخف عثرة ولا زللا

أسقيك من بارد على ظمأ * تخاله في الحلاوة العسلا(1)

وقال الشيخ ؛ : إعتقادنا في المساءلة في القبر أنّها حقّ لا بدّ منها ، فمن أجاب بالصّواب فاز بروح وريحان في قبره ، وبجنّة نعيم في الآخرة ، ومن لم يأت بالصّواب فله نزل من حميم في قبره وتصلية جحيم في الآخرة .

وأكثر ما يكون عذاب القبر من النميمة ، وسوء الخلق ، والإستخفاف بالبول .

وأشدّ ما يكون عذاب القبر على المؤمن مثل إختلاج العين أو شرطة حجام ويكون ذلك كفّارة لمّا بقي عليه من الذنوب الّتي لم تكفّرها الهموم والغموم والأمراض وشدّة النزع عند الموت ، فإنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كفّن فاطمة بنت أسد في قميصه بعد ما فرغ النساء من غسلها ، وحمل جنازتها على عاتقه فلم يزل تحت جنازتها حتّى أوردها قبرها ، ثمّ وضعها ودخل القبر وإضطجع فيه ، ثمّ قام فأخذها على يديه ووضعها في قبرها ، ثمّ إنكبّ عليها يناجيها طويلا ويقول لها : إبنك إبنك ، ثمّ خرج وسوّى عليها التراب ، ثمّ إنكبّ على قبرها ، فسمعوه وهو يقول : « اللهمّ إنّي إ ستودعتها إيّاك » ثمّ إنصرف .

فقال له المسلمون : يا رسول اللَّه ، إنّا رأيناك صنعت اليوم شيئا لم تصنعه قبل اليوم ؟

فقال : « اليوم فقدت برّ أبي طالب ، إنّها كانت يكون عندها الشي ء فتؤثرني به

ص: 288


1- الأمالي للمفيد : 6 / م 1 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 6/179 ، ح 7 .

على نفسها وولدها . وإنّي ذكرت يوم القيامة يوما وأنّ الناس يحشرون عراة ، فقالت : وا سوأتا ، فضمنت لها أن يبعثها اللَّه كاسية . وذكرت ضغطة القبر ، فقالت : وا ضعفاه ، فضمنت لها أن يكفيها اللَّه ذلك . فكفّيتها بقميصي وإضطجعت في قبرها لذلك ، وإنكببت عليها فلقّنتها ما تسأل عنه .

وإنّما سئلت عن ربّها فقالت اللَّه ، وسئلت عن نبيّها فأجابت « 1 » ، وسئلت عن وليّها وإمامها فارتجّ عليها ، فقلت لها : إبنك ، إبنك »(1) .

وَ لَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ

الإبصار قد يجي ء بمعني البصيرة كما في قوله تعالى : ( فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً )(2) وقد يجي ء بمعني الرؤية بالبصر كما في هذا المورد .

وَ أُسْمِعْتُمْ إِنْ سَمِعْتُمْ - وَ هُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ

قال تعالى : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ )(3) .

وفي الخبر إنّ شابّا من الأنصار كان يأتي عبداللَّه بن عبّاس وكان عبداللَّه يكرمه ويدنيه فقيل له إنّك تكرم هذا الشابّ وتدنيه وهو شابّ سوء يأتي القبور فينبشها باللّيالي ، فقال عبداللَّه بن عبّاس إذا كان ذلك فأعلموني ، قال فخرج الشابّ في

ص: 289


1- إعتقادات الإمامية للصدوق : 58 ؛ بحار الأنوار 6/279 .
2- سورة النمل : 13 .
3- سورة المائدة : 92 .

بعض الليالي يتخلّل القبور فأعلم عبداللَّه بن عبّاس بذلك فخرج لينظر ما يكون من أمره ووقف ناحية ينظر إليه من حيث لا يراه الشابّ قال فدخل قبرا قد حفر ثمّ إضطجع في اللحد ونادي بأعلى صوته يا ويحي إذا دخلت لحدي وحدي ونطقت الأرض من تحتي فقالت لا مرحبا بك ولا أهلا قد كنت أبغضك وأنت على ظهري فكيف وقد صرت في بطني بل ويحي إذا نظرت إلى الأنبياء وقوفا والملائكة صفوفا فمن عدلك غدا من يخلّصني ومن المظلومين من يستنقذني ومن عذاب النار من يجيرني ؟ عصيت من ليس بأهل أن يعصي عاهدت ربّي مرّة بعد أخرى فلم يجد عندي صدقا ولا وفاء وجعل يردّد هذا الكلام ويبكي فلمّا خرج من القبر إلتزمه إبن عبّاس وعانقه ثمّ قال له : نعم النبّاش نعم النبّاش ما أنبشك للذنوب والخطايا ثمّ تفرّقا(1) .

وَ بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ لَقَدْ جَاهَرَتْكُمُ الْعِبَرُ

قال اللَّه تعالى : ( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )(2) .

وقال تعالى : ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )(3) .

وقال تعالى : ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِاُوْلِي الْأَلْبَابِ )(4) .

ص: 290


1- الأمالي : 331 / م 53 ، ش 11 ؛ بحار الأنوار : 6/131 ، ش 24 .
2- سورة آل عمران : 137 .
3- سورة الأنعام : 11 .
4- سورة يوسف : 111 .

وقال تعالى : ( وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )(1) .

وقال تعالى : ( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ )(2) .

وقال تعالى : ( أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهَ ُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )(3) .

وقال تعالى : ( وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ )(4) .

وقال تعالى : ( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ )(5) .

وقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِاَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنْ اللَّهِ فَأَتَاهُمْ اللَّهَ ُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ )(6) .

وقال تعالى : ( لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )(7) .

ص: 291


1- سورة العنكبوت : 35 .
2- سورة العنكبوت : 43 .
3- سورة الروم : 9 .
4- سورة الصافّات : 137 - 138 .
5- سورة الدخان : 25 - 29 .
6- سورة الحشر : 2 .
7- سورة الحشر : 21 .

عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : كان أمير المؤمنين علیه السلام يقول « نبّه بالتّفكّر قلبك وجاف عن الليل جنبك واتّق اللَّه ربّك »(1) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « أفضل العبادة إدمان التفكّر في اللَّه وفي قدرته »(2) .

وعن الصادق علیه السلام قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أغفل الناس من لم يتّعظ بتغيّر الدنيا من حال إلى حال »(3) .

وعن إ سماعيل بن بشر بن عمّار قال كتب هارون الرشيد إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عظني وأوجز . قال : فكتب علیه السلام إليه : « ما من شي ء تراه عينك إلّا وفيه موعظة »(4) .

وقال الصادق علیه السلام : « إعتبروا بما مضى من الدنيا هل بقي على أحد أو هل فيها باق من الشريف والوضيع والغنيّ والفقير والوليّ والعدوّ فكذلك ما لم يأت منها بما مضى أشبه من الماء بالماء قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : كفى بالموت واعظا وبالعقل دليلا وبالتقوى زادا وبالعبادة شغلا وباللَّه مونسا وبالقرآن بيانا »(5) .

ولمّا توجّه عليّ علیه السلام إلى صفّين إنتهى إلى ساباط - المدائن - ثمّ إلى مدينة بهرسير وإذا رجل من أصحابه يقال له حريز بن سهم من بني ربيعة ينظر إلى آثار كسرى وهو يتمثّل بقول إبن يعفر التميمي :

جرت الرياح على مكان ديارهم * فكأنّما كانوا على ميعاد

ص: 292


1- الكافي : 2/54 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 68/318 ، ح 1 .
2- الكافي : 2/55 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 68/321 ، ح 3 .
3- الأمالي للصدوق ؛ : 20 / م 6 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 70/88 ، ح 55 .
4- الأمالي للصدوق ؛ : 509 / م 76 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 68/324 ، ح 14 .
5- مصباح الشريعة : 113 ؛ بحار الأنوار : 68/325 ، ح 20 .

فقال عليّ علیه السلام أفلا قلت : « ( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمْ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ )(1) إنّ هؤلاء كانوا وارثين فأصبحوا موروثين إنّ هؤلاء لم يشكروا النعمة فسلبوا دنياهم بالمعصية إيّاكم وكفر النعم لا تحلّ بكم النقم »(2) .

قال المسعوديّ في مروج الذهب ، سعي إلى المتوكّل بعليّ بن محمّد الجواد علیه السلام - وساق الحديث إلى أن - قال المتوكّل : أنشدني شعرا فقال علیه السلام : « إنّي قليل الرواية للشعر » فقال : لا بدّ فأنشده علیه السلام وهو جالس عنده

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم * غلب الرجال فلم تنفعهم القلل

وإ ستنزلوا بعد عزّ من معاقلهم * وأسكنوا حفرا يا بئسما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد دفنهم* أين الأساور والتيجان والحلل

أين الوجوه الّتي كانت منعّمة * من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود تقتتل

قد طال ما أكلوا دهرا وقد شربوا * وأصبحوا اليوم بعد الأكل قد أكلوا(3)

وَ زُجِرْتُمْ بِمَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ

قال اللَّه تعالى : ( وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ

ص: 293


1- سورة الدخان : 25 - 29 .
2- وقعة صفّين : 142 ؛ بحار الأنوار : 89/299 ، ش 2 .
3- مروج الذهب : 4/11 ؛ بحار الأنوار : 50/211 .

النُّذُرُ ) إلى قوله تعالى : ( وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ )(1) .

وقال تعالى : ( كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ )(2) .

وقال تعالى : ( وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ )(3) . والآيات في هذا الباب كثيرة .

عن وهب قال لمّا تمّ لهود علیه السلام أربعون سنة أوحى اللَّه إليه أن ائت قومك فادعهم إلى عبادتي وتوحيدي فإن أجابوك زدتهم قوّة وأموالا فبينا هم مجتمعون إذ أتاهم هود ( فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) فقالوا : يا هود لقد كنت عندنا ثقة أمينا . قال : فإنّي رسول اللَّه إليكم دعوا عبادة الأصنام . فلمّا سمعوا ذلك منه بطشوا به وخنقوه وتركوه كالميّت فبقي يومه وليلته مغشيّا عليه فلمّا أفاق قال : يا ربّ إنّي قد عملت وقد ترى ما فعل بي قومي . فجاء جبرئيل علیه السلام فقال : يا هود إنّ اللَّه تعالى يأمرك أن لا تفتر عن دعائهم وقد وعدك أن يلقى في قلوبهم الرعب فلا يقدرون على ضربك بعدها فأتاهم هود فقال لهم : قد تجبرتم في الأرض وأكثرتم الفساد . فقالوا : يا هود أترك هذا القول فإنّا إن بطشنا بك الثانية نسيت الأولى فقال دعوا هذا وإرجعوا إلى اللَّه وتوبوا إليه . فلمّا رأى القوم ما لبسهم من الرعب علموا أنّهم لا يقدرون على ضربه الثانية فاجتمعوا بقوّتهم فصاح بهم هود علیه السلام صيحة فسقطوا لوجوههم ثمّ قال : يا قوم قد تماديتم في الكفر كما تمادى قوم نوح علیه السلام

ص: 294


1- سورة القمر : 4 - 32 .
2- سورة القمر : 33 .
3- سورة القمر : 36 .

وخليق أن أدعو عليكم كما دعا نوح على قومه الحديث(1) .

وكذلك قوم صالح وقوم نوح ولم يكن ما وقع عليهم إلّا لعدم مبالاتهم بالنّذر .

قال اللَّه تعالى : ( أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ )(2) .

وقال تعالى : ( أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) الآيات(3) .

وَ مَا يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ بَعْدَ رُسُلِ السَّمَاءِ إِلّا الْبَشَرُ

قال تعالى : ( وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِىَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ )(4) .

وقال اللَّه تبارك وتعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )(5) .

أقول : ندبة جليلة مطابقة المضامين لهذه الخطبة الشريفة لسبطه الأجل زين العابدين وسيّد الساجدين سلام اللَّه عليهما من ربّ العالمين مضافا إلى ما فيها من المواعظ الحسنة والفوائد الجمّة وهي ما رواها شاكر بن غنيمة بن أبي الفضل عن عبد الجبّار الهاشمي قال : سمعت هذه الندبة من الشيخ أبي بشر بن أبي طالب

ص: 295


1- قصص الأنبياء للراوندي : 92 ؛ بحار الأنوار : 11/361 ، ح 21 .
2- سورة الفجر : 6 - 7 .
3- سورة الفيل .
4- سورة الأنعام : 8 - 9 .
5- سورة الكهف : 110 .

الكندي يرويها عن أبي عيينة الزهري قال : كان عليّ بن الحسين علیه السلام يناجي ويقول : « قل لمن قلّ عزاؤه ، وطال بكاؤه ، ودام عناؤه ، وبان صبره ، وتقسم فكره ، وإلتبس عليه أمره ، من فقد الأولاد ، ومفارقة الآباء والأجداد ، والإمتعاض بشماتة الحسّاد : ( أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ )(1) » شعر :

تعزّ فكل للمنيّة ذائق * وكلّ إبن أنثى للحياة مفارق

فعمر الفتى للحادثات ذريئة * تناهبه ساعاتها والدقايق

كذا تتفانى واحد بعد واحد * وتطرقنا بالحادثات الطوارق

فحسّن الأعمال ، وجمّل الأفعال ، وقصّر الآمال الطوال ، فما عن سبيل المنية مذهب ، ولا عن سيف الحمام مهرب ، ولا إلى قصد النجاة مطلب ، فيا أيّها الإنسان المتسخّط على الزمان ، والدهر الخوّان ، مالك والخلود إلى دار الأحزان ، والسكون إلى دار الهوان ، وقد نطق القرآن بالبيان الواضح في سورة الرحمن : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )(2) شعر :

وفيم وحتّى م الشكاية والردى * جموح لآجال البريّة لاحق

فكلّ إبن أنثى هالك وإبن هالك * لمن ضمّنته غربها والمشارق

فلا بدّ من إدراك ما هو كائن * ولا بدّ من إتيان ما هو سابق

فالشّباب للهرم ، والصحّة للسقم والوجود للعدم ، وكلّ حيّ لا شكّ مخترم ، بذلك جرى القلم ، على صفحة اللوح في القدم ، فما هذا التلهّف والندم ؟ وقد خلت من قبلكم الأمم شعر :

ص: 296


1- سورة الفجر : 6 - 7 .
2- سورة الرحمن : 26 - 27 .

أ ترجو نجاة من حياة سقيمة * وسهم المنايا للخليقة راشق

سرورك موصول بفقدان لذّة * ومن دون ما تهواه تأتي العوائق

وحبّك للدنيا غرور وباطل * وفي ضمنها للراغبين البوائق

أ في الحياة طمع ؟ أم إلى الخلود نزع ؟ أم لما فات مرتجع ؟ ورحي المنون دائرة ، وأفراسها غائرة ، وسطواتها قاهرة ، فقرب الزاد ، ليوم المعاد ، ولا تتوطّ على غير مهاد وتعمّد الصواب ، وحقّق الجواب ، فلكلّ أجل كتاب ، يمحو اللَّه ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب شعر :

فسوف تلاقي حاكما ليس عنده * سوى العدل لا يخفى عليه المنافق

يميّز أفعال العباد بلطفه * ويظهر منه عند ذاك الحقائق

فمن حسنت أفعاله فهو فايز * ومن قبحت أفعاله فهو زاهق

أين السلف الماضون ؟ والأهلون والأقربون ؟ والأوّلون والآخرون ؟ والأنبياء والمرسلون ؟ طحنتهم واللَّه المنون ، وتوالت عليهم السنون ، وفقدتهم العيون ، وإنّا إليهم صائرون ، فإنّا للَّه وإنّا إليه راجعون شعر :

إذا كان هذا نهج من كان قبلنا * فإنّا على آثارهم نتلاحق

فكن عالما ان سوف تدرك من مضى * ولو عصمتك الراسيات الشواهق

فما هذه دارالمقامةفاعملن «فاعلمن» * ولو عمّر الإنسان ما ذرّ شارق

أين من شقّ الأنهار ؟ وغرس الأشجار وعمر الديار ؟ ألم تمح منهم الآثار ؟ وتحلّ بهم دار البوار ؟ فاخش الجوار ، فلك اليوم بالقوم إعتبار ، فإنّما الدنيا متاع والآخرة هي دار القرار شعر :

تخرّمهم ريب المنون فلم تكن * لتنفعهم جنّاتهم والحدائق

ص: 297

ولا حملتهم حين ولّوا بجمعهم * نجائبهم والصافنات السوابق

وراحوا عن الأموال صفرا وخلّفوا * ذخايرهم بالرّغم منهم وفارقوا

أين من بني القصور والدساكر ؟ وهزم الجيوش والعساكر ؟ وجمع الأموال والذخائر ؟ وحاز الآثام والجرائر ؟ أين الملوك والفراعنة ؟ والأكاسرة والسياسنة ؟ أين العمّال والدهاقنة ؟ أين ذووا النواحي والرساتيق ؟ والأعلام والمناجيق ، والعهود والمواثيق شعر :

كأن لم يكونوا أهل عزّ ومنعة * ولا رفعت أعلامهم والمناجق

ولا سكنوا تلك القصور الّتي بنوا * ولا أخذت منهم بعهد مواثق

وصاروا قبورا دارسات وأصبحت * منازلهم تسفى عليه الخوافق

ما هذه الحيرة والسبيل واضح ؛ والمشير ناصح ، والصواب لائح ، عقلت فاغفلت ، وعرفت فانكرت ، وعلمت فاهملت ، هذا هو الداء الّذي عزّ دواؤه ، والمرض الّذي لا يرجى شفاؤه ، والأمل الّذي لا يدرك إنتهاؤه ، أ فأمنت الأيّام ؛ وطول الأسقام ، ونزول الحمّام ، واللَّه يدعو إلى دار السلام شعر :

لقد شقيت نفس تتابع غيّها * وتصدف عن إرشادها وتفارق

وتأمّل ما لا يستطاع بحيلة(1)

وتعصيك إن خالفتها وتشاقق * وتصغى إلى قول الغويّ وتنثنى

وتعرض عن تصديق من هو صادق * فيا عاقلا راحلا ، ولبيبا جاهلا ، ومتيقّظا غافلا ، أتفرح بنعيم زائل ، وسرور حائل ، ورفيق خاذل ، فيا أيّها المفتون بعمله ، الغافل عن حلول أجله ، والخائض في بحار زلله ، ما هذا التقصير وقد وخطك القتير ، ووافاك النذير ، وإلى اللَّه المصير

ص: 298


1- بحمله . خ .

شعر :

طلابك أمر لا يتمّ سروره * وجهدك بإ ستصحاب من لا يوافق

وأنت كمن يبني بناء وغيره * يعاجله في هدمه ويسابق

وينسج آمالا طوالا بعيدة * ويعلم أنّ الدهر للنسج خارق

ليست الطريقة لمن ليس له الحقيقة ، ولا يرجع خليقة : إلى كم تكدح ولا تقنع ؟ وتجمع ولا تشبع ؛ وتوفر لما تجمع ، وهو لغيرك مودع ، ما ذا الرأى العازب ، والرشد الغايب ، والأمل الكاذب ، ستنقل عن القصور ، ورباب الخدور ، والجذل والسرور إلى ضيق القبور ، ومن دار الفناء إلى دار الحبور ، ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ )(1) ، وما الحياة الدنيا إلّا متاع الغرور ، شعر :

فعالك هذا غرّة وجهالة * وتحسب يا ذا الجهل أنّك حاذق

تظنّ بجهل منك أنّك راتق * وجهلك بالعقبى لدينك فاتق

توخّيك من هذا أدلّ دلالة * وأوضح برهانا بأنّك مائق

عجبا لغافل عن صلاحه ، مبادر إلى لذّاته وأفراحه ، والموت طريده « في خ » مسائه وصباحه فيا قليل التحصيل ، ويا كثير التعطيل ، ويا ذا الأمل الطويل ، ( أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ )(2) ، بناؤك للخراب ، ومالك للذهاب ، و أجلك إلى إقتراب شعر :

وأنت على الدنيا حريص مكاثر * كأنّك منها بالسّلامة واثق

تحدّثك الاطماع أنّك للبقا * خلقت وأنّ الدهر خلّ موافق.

ص: 299


1- سورة آل عمران : 185 .
2- سورة الفيل : 1 .

كأنّك لم تبصر اناسا ترادفت * عليهم بأسباب المنون اللواحق

هذه حالة من لا يدوم سروره ، ولا تتمّ أموره ، ولا يفّك أسيره ، أتفرح بمالك ونفسك وولدك وغرسك « عرسك » ، وعن قليل تصير إلى رمسك ، وأنت بين طيّ ونشر ، وغنى وفقر ، ووفاء وغدر ، فيا من القليل لا يرضيه ، والكثير لا يغنيه ، اعمل ما شئت أنّك ملاقيه ، ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ )(1) شعر :

سيقفر بيت كنت فرحة أهله * ويهجر مثواك الصديق المصادق

وينساك من صافيته وألّفته * ويجفوك ذو الودّ الصحيح الموافق

على ذا مضى الناس إجتماع وفرقة * وميت ومولود وقال ووامق

أفّ لدنيا لا يرقى سليمها ، ولا يصحّ سقيمها ، ولا يندمل كلومها ، وعودها كاذبة ، وسهامها صائبة ، وآمالها خائبة ، لا تقيم على حال ، ولا تمتّع بوصال ، ولا تسرّ بنوال شعر :

وتلك لمن يهوى هواها مليكة * تعبّده أفعالها والطرائق

يسرّ بها من ليس يعرف غدرها * ويسعى إلى تطلابها ويسابق

إذا عدلت جارت على أثر عدلها * فمكروهة أفعالها والخلائق

فيا ذا السطوة والقدرة ، والمعجب بالكثرة ، ما هذه الحيرة والفترة ، لك فيمن مضى عبرة ، وليؤذن الغافلوان عمّا إليه يصيرون ، إذا تحقّقت الظنون ، وظهر السرّ المكنون وتندمون حين لا تقالون ، ثمّ إنّكم بعد ذلك لميّتون شعر :

سيندم فعّال على سوء فعله * ويزداد منه عند ذاك التشاهق

ص: 300


1- سورة عبس : 34 - 37 .

إذا عاينوا من ذى الجلال إقتداره * وذو قوّة من كان قد ما يداقق

هنالك تتلو كلّ نفس كتابها * فيطفو ذو عد ويرسب فاسق

إلى كم ذا التشاغل بالتّجارة والأرباح ؟ إلى كم ذا التهور بالسّرور والأفراح ؟ وحتّام التغرير بالسّلامة في مراكب النياح ؟ من ذا الّذي سالمه الدهر فسالم ( فسلم ) ، ومن ذا الّذي تاجره الزمان فغنم ، ومن ذا الّذي إ سترحم الأيّام فرحم ، إعتمادك على الصحة والسلامة خرق ، وسكونك إلى المال والولد حمق ، والإغترار بعواقب الأمور خلق ، فدونك وحزم الأمور ، والتيقظ ليوم النشور ، وطول اللبث في صفحات القبور ، فلا تغرّنّكم الحياة الدنيا ولا يغرّنّكم باللَّه الغرور شعر :

فمن صاحب الأيّام سبعين حجّة * فلذّاتها لا شكّ منه طوالق

فعقبى حلاوات الزمان مريرة * وإن عذبت حينا فحينا خرابق

ومن طرفته الحادثات بويلها * فلا بدّ أن تاتيه فيها الصواعق

فما هذه الطمأنينة وأنت مزعج ؟ وما هذه الولوج وأنت مخرج ؟ جمعك إلى تفريق ورفوك ( وفرّك خ ) إلى تمزيق ، وسعتك إلى ضيق ، فيا أيّها المفتون ، والطامع بما لا يكون ، ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ) شعر :

ستندم عند الموت شرّ ندامة * إذا ضمّ أعضاك الثرى والمطابق

وعاينت أعلام المنيّة والردى * ووافاك ما تبيضّ منه المفارق

وصرت رهينا في ضريحك مفردا * وباعدك الجار القريب الملاصق

فيا من عدم رشده ، وجار قصده ، ونسى ورده ، إلى متى تواصل بالذّنوب وأوقاتك محدودة ، وأفعالك مشهودة ، أ فتعول على الإعتذار ،

ص: 301

وتهمل الأعذار والإنذار ، وأنت مقيم على الإصرار ، ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ) شعر :

إذا نصب الميزان للفصل والقضا * وإبليس محجاج واخرس ناطق

واجّجت النيران وإ شتدّ غيظها * إذا فتحت أبوابها والمغالق

وقطّعت الأسباب من كلّ ظالم * يقيم على اسراره وينافق

فقدّم التوبة ، وإغسل الحوبة ، فلا بدّ أن تبلغ إليك النوبة ، وحسن العمل قبل حلول الأجل وإنقطاع الأمل ، فكلّ غائب قادم ، وكلّ عريب عازم ( وكلّ غريب غارم خ ) ، وكلّ مفرط نادم ، فاعمل للخلاص قبل القصاص ، والأخذ النواص شعر :

فإنّك مأخوذ بما قد جنيته * وإنّك مطلوب بما أنت سارق

وذنبك إن أبغضته فمعانق * ومالك ان أحببته فمفارق

فقارب وسدّد وإتّق اللَّه وحده * ولا تستقلّ الزاد فالموت طارق

( وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ )(1) ، (2) .

ص: 302


1- سورة البقرة : 281 .
2- منهاج البراعة : 3/294 . ( بنقل از معالم العبر في إستدراك البحار السابع عشر = محدّث نورى ) ؛ بلاغة الإمام علي بن الحسين علیه السلام : 84 .

بسم الله الرحم نالرحیم

21 - ومن خطبة له عليه السلام :

اشارة

فَإِنَّ الْغَايَةَ أَمَامَكُمْ وَ إِنَّ وَرَاءَكُمُ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ - تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ

فَإِنَّ الْغَايَةَ أَمَامَكُمْ

عن علي علیه السلام : « الموت غاية المخلوقين »(1) .

وَ إِنَّ وَرَاءَكُمُ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ

قال تعالى : ( أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )(2) .

وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْ ءٌ عَظِيمٌ )(3) .

وقال تعالى : ( وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً )(4) .

ص: 303


1- مصباح المتهجّد : 2/660 ؛ بحار الأنوار : 88/30 ، ح 8 .
2- سورة يوسف : 107 .
3- سورة الحج : 1 .
4- سورة الحج : 55 .

وقال تعالى : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ )(1) .

وقال تعالى : ( وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ )(2) .

وقال تعالى : ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً )(3) .

وقال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ )(4) .

وقال تعالى : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ )(5) .

وقال تعالى : ( إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ )(6) .

وقال تعالى : ( لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا )(7) الآية .

وقال تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا )(8) الآية .

وقال تعالى : ( وَللَّهِ َِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ )(9) .

ص: 304


1- سورة الروم : 14 .
2- سورة الروم : 55 .
3- سورة الأنعام : 31 .
4- سورة سباء : 3 .
5- سورة غافر : 46 .
6- سورة فصّلت : 47 .
7- سورة الشورى : 17 - 18 .
8- سورة الجاثية : 32 .
9- سورة الجاثية : 27 .

وقال تعالى : ( اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ )(1) .

وقال تعالى : ( بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ )(2) .

قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لعبداللَّه بن عمر : « إذا أصبحت فلا تحدّث نفسك بالمساء وأذا أمسيت فلا تحدّث نفسك بالصّباح وخذ من حياتك لموتك ومن صحّتك لسقمك فإنّك يا عبداللَّه ما تدري ما اسمك غدا »(3) .

وقال سلمان الفارسيّ 2 ثلاث أعجبتني حتّى أضحكتني : مؤمّل الدنيا والموت يطلبه وغافل وليس بمغفول عنه وضاحك مل ء فيه لا يدري أ ساخط ربّ العالمين عليه أم راض عنه(4) .

تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا

روي انّ سلمان الفارسي لمّا بعث إلى المدائن ركب حماره وحده فأتّصل بالمداين خبر قدومه فاستقبله أصناف الناس على طبقاتهم فلمّا رأوه قالوا : أيّها الشيخ إبن خلفت قال : ومن أميركم ، قالوا : الأمير سلمان الفارسي ؛ صاحب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فقال : لا أعرف الأمير وأنا سلمان ولست بأمير ، فترجلوا له وقادوا إليه المراكب والجنائب ، فقال : انّ حماري هذا خير لي وارفق . فلمّا دخل البلد أرادوا أن ينزلوه دار الإمارة . قال : كيف أنزل دار الإمارة ولست بأمير فنزل على حانوت في السوق ، فقال : ادعوا لي صاحب الحانوت فاستاجر منه وجلس هناك

ص: 305


1- سورة القمر : 1 .
2- سورة القمر : 46 .
3- مجموعة ورام : 1/271 ؛ بحار الأنوار : 74/181 .
4- مجموعة ورام : 1/273 .

يقضي بين الناس وكان معه وطاء يجلس عليه ومطهرة يتطهّر بها للصلوة وعكازة يعتمد عليها في المشي فاتّفق انّ سيلا وقع في البلد وإرتفع صياح الناس بالويل والعويل يقولون وا أهلاه ووا ولداه وامالاه ، فقام سلمان ووضع وطائه في عاتقه وأخذ مطهرته وعكازته بيده وإرتفع على الصعيد وقال : هكذا ينجو المخفّفون يوم القيامة(1) .

وقيل إنّ سلمان الفارسيّ 2 لمّا مرض مرضه الّذي مات فيه أتاه سعد يعوده فقال : كيف تجدك يا أبا عبداللَّه ؟ فبكى فقال : ما يبكيك ؟ فقال : واللَّه ما أبكي حرصا على الدنيا ولا حبّا لها ولكنّ أمير المؤمنين علیه السلام عهد إلينا عهدا فقال : ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب فأخشى أن يكون قد جاوزنا أمره وهذه الأساود(2) حولي وليس حوله إلّا مطهرة وإجّانة وجفنة(3) .

وقيل دخل رجل على سلمان فلم يجد في بيته إلّا سيفا ومصحفا فقال له : ما في بيتك إلّا ما أرى . قال : إنّ أمامنا عقبه كئودا فإنّا قد قدّمنا متاعنا إلى المنزل أوّلا فأوّلا ، وقال وقع حريق بالمدائن فأخذ سلمان سيفه ومصحفه وخرج من البلد وقال هكذا ينجو المخفّون(4) .

ودخل قوم على سلمان وهو أمير المدائن وهو يعمل الخوص فقيل له : لم تعمل هذا وأنت أمير يجرى عليك رزق ؟ فقال : إنّي أحبّ أن آكل من عمل يدي(5) .

ص: 306


1- الأنوار النعمانية : 1/43 .
2- جمع الأسودة وهي جمع السواد ضدّ البياض وأُريد بها الأعيان من الأدوات والأثاث .
3- مجموعة ورام : 2/215 .
4- مجموعة ورام : 2/218 .
5- الإستيعاب : 2/635 .

وعن الحسن قال : كان عطاء سلمان خمسة آلاف وكان على ثلاثين ألفا من الناس يخطب في عبائة يفترش نصفها ويلبس نصفها وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف(1) يده(2) .

وعن إبن أبي يعفور عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ فقراء المسلمين يتقلّبون في رياض الجنّة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا » ثمّ قال : « سأضرب لك مثل ذلك إنّما مثل ذلك مثل سفينتين مرّ بهما على عاشر فنظر في إحداهما فلم ير فيها شيئا فقال أسربوها ونظر في الأخرى فإذا هي موقورة فقال إحبسوها »(3) .

وعن سعدان قال قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « إنّ اللَّه عزّوجلّ يلتفت - يوم القيامة إلى فقراء المؤمنين شبيها بالمعتذر إليهم فيقول وعزّتي وجلالي ما أفقرتكم في الدنيا من هوان بكم عليّ ولترونّ ما أصنع بكم اليوم فمن زوّد أحدا منكم في دار الدنيا معروفا فخذوا بيده فأدخلوه الجنّة قال فيقول رجل منهم يا ربّ إنّ أهل الدنيا تنافسوا في دنياهم فنكحوا النساء ولبسوا الثياب اللينة وأكلوا الطعام وسكنوا الدور وركبوا المشهور من الدواب(4) فأعطني مثل ما أعطيتهم فيقول تبارك وتعالى لك ولكلّ عبد منكم مثل ما أعطيت أهل الدنيا منذ كانت الدنيا إلى أن إنقضت الدنيا سبعون ضعفا »(5) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إذا كان يوم القيامة قام عنق من الناس حتّى يأتوا

ص: 307


1- السفيف كأمير ؛ سف الخوص أي نسجه ( القاموس ) .
2- تاريخ مدينة دمشق : 21/434 .
3- الكافي : 2/260 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 69/6 ، ح 4 .
4- أي الّتي إشتهرت بالنّفاسة . والمشهور : المعروف المكان والنبيه .
5- الكافي : 2/261 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار : 69/11 ، ح 11 .

باب الجنّة فيضربوا باب الجنّة فيقال لهم من أنتم ؟ فيقولون : نحن الفقراء ، فيقال لهم: أقبل الحساب ؟ فيقولون : ما أعطيتمونا شيئا تحاسبونا عليه ، فيقول اللَّه عزّوجلّ : صدقوا أدخلواالجنّة »(1) .

فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ

عن عجلان أبي صالح قال قال لي أبو عبداللَّه علیه السلام : « يا أبا صالح عجب لقوم حبس أوّلهم عن آخرهم ثمّ نودي فيهم الرحيل وهم يلعبون »(2) .

وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : سألت أبا عبداللَّه علیه السلام عن أرواح المؤمنين فقال : « في حجرات في الجنّة يأكلون من طعامها ويشربون من شرابها ويقولون ربّنا أقم الساعة لنا وأنجز لنا ما وعدتنا وألحق آخرنا بأوّلنا »(3) .

وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « سألته عن أرواح المشركين فقال في النار يعذّبون يقولون ربّنا لا تقم لنا الساعة ولا تنجز لنا ما وعدتنا ولا تلحق آخرنا بأوّلنا »(4) .

ص: 308


1- الكافي : 2/264 ، ح 19 ؛ بحار الأنوار : 69/25 ، ح 21 .
2- الكافي : 3/258 ، ح 29 ؛ وسائل الشيعة : 3/229 ، ح 3482 - 1 ؛ بحار الأنوار : 68/266 ، ح 10 .
3- الكافي : 3/244 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 6/269 ، ح 122 .
4- الكافي : 3/245 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 6/270 ، ح 126 .

بسم الله الرحمن الرحیم

22 - ومن خطبة له عليه السلام :

اشارة

أَلا وَ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ذَمَّرَ حِزْبَهُ وَ اسْتَجْلَبَ جَلَبَهُ - لِيَعُودَ الْجَوْرُ إِلَى أَوْطَانِهِ وَ يَرْجِعَ الْبَاطِلُ إِلَى نِصَابِهِ - وَ اللَّهِ مَا أَنْكَرُوا عَلَيَّ مُنْكَراً - وَ لا جَعَلُوا بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ نَصِفاً

وَ إِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً هُمْ تَرَكُوهُ وَ دَماً هُمْ سَفَكُوهُ - فَلَئِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ لَهُمْ لَنَصِيبَهُمْ مِنْهُ - وَ لَئِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُونِي فَمَا التَّبِعَةُ إِلّا عِنْدَهُمْ - وَ إِنَّ أَعْظَمَ حُجَّتِهِمْ لَعَلَى أَنْفُسِهِمْ - يَرْتَضِعُونَ أُمّاً قَدْ فَطَمَتْ وَ يُحْيُونَ بِدْعَةً قَدْ أُمِيتَتْ - يَا خَيْبَةَ الدَّاعِي مَنْ دَعَا وَ إِلامَ أُجِيبَ - وَ إِنِّي لَرَاضٍ بِحُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَ عِلْمِهِ فِيهِمْ -

فَإِنْ أَبَوْا أَعْطَيْتُهُمْ حَدَّ السَّيْفِ - وَ كَفَى بِهِ شَافِياً مِنَ الْبَاطِلِ وَ نَاصِراً لِلْحَقِّ - وَ مِنَ الْعَجَبِ بَعْثُهُمْ إِلَيَّ أَنْ أَبْرُزَ لِلطِّعَانِ وَ أَنْ أَصْبِرَ لِلْجِلادِ - هَبِلَتْهُمُ الْهَبُولُ - لَقَدْ كُنْتُ وَ مَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ وَ لا أُرْهَبُ بِالضَّرْبِ - وَ إِنِّي لَعَلَى يَقِينٍ مِنْ رَبِّي وَ غَيْرِ شُبْهَةٍ مِنْ دِينِي

ص: 309

أَلا وَ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ذَمَّرَ حِزْبَهُ وَ اسْتَجْلَبَ جَلَبَهُ لِيَعُودَ الْجَوْرُ إِلَى أَوْطَانِهِ وَ يَرْجِعَ الْبَاطِلُ إِلَى نِصَابِهِ

قال صلی الله علیه وآله : « من أعان ظالما سلّطه اللَّه عليه »(1) .

وقال صلی الله علیه وآله : « من أحبّ حجرا حشر معه »(2) .

وَ اللَّهِ مَا أَنْكَرُوا عَلَيَّ مُنْكَراً

لمّا أشرف المغيرة مع سعيد بن العاص على طلحة والزبير وعايشة ومن معهم أقبل المغيرة عليهم وقال : أيّها الناس إن كنتم إنّما خرجتم مع أمّكم فارجعوا بها خيرا لكم ، وإن كنتم غضبتم لعثمان فرؤساؤكم قتلوا عثمان ، وإن كنتم نقمتم على عليّ شيئا فبيّنوا ما نقمتم عليه ، أنشدكم اللَّه فتنتين في عام واحد(3) .

وَ لا جَعَلُوا بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ نَصِفاً

قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « سيّد الأعمال ثلاث خصال : إنصافك من نفسك ومواساة الأخ في اللَّه وذكر اللَّه تعالى على كلّ حال »(4) .

وقال صلی الله علیه وآله : « لا يستكمل العبد الإيمان حتّى يكون فيه ثلاث خصال : الإنفاق

ص: 310


1- الخرايج والجرايح : 3/1058 ؛ بحار الأنوار : 89/172 .
2- الإثنا عشرية ( الحرّ العاملي ) : 154 .
3- الإمامة والسياسة : 1/82 .
4- روضة الواعظين : 2/390 ؛ مستدرك الوسائل : 5/285 ، ح 5865 - 5 .

من الإقتار والإنصاف من نفسه وبذل السلام »(1) .

وكان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول في آخر خطبته : « طوبى لمن طاب خلقه وطهرت سجيّته وصلحت سريرته وحسنت علانيته وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله وأنصف الناس من نفسه »(2) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من واسى الفقير من ماله وأنصف الناس من نفسه فذلك المؤمن حقّا »(3) .

وقال عن أبي جعفر علیه السلام « قال أميرالمؤمنين علیه السلام : ألا إنّه من ينصف الناس من نفسه ، لم يزده اللَّه إلّا عزّا »(4) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من يضمن لي أربعا بأربعة أبيات في الجنّة أنفق ولا تخف فقرا وأنصف الناس من نفسك وأفش السلام في العالم واترك المراء وإن كنت محقّا »(5) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « من أنصف الناس من نفسه رضي به حكما لغيره »(6) .

ص: 311


1- نهج الفصاحة : 2544 .
2- الكافي : 2/144 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 72/30 ، ح 22 .
3- الكافي : 2/147 ، ح 17 ؛ بحار الأنوار : 72/40 ، ح 39 .
4- الكافي : 2/144 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 72/33 ، ح 25 ؛ هداية الأُمّة إلى أحكام الائمّة : : ج - 5/546 ، ح 214 .
5- الزهد : 4 / ح 3 ؛ الكافي : 4/44 ، ح 10 ؛ بحار الأنوار : 66/390 ، ح 61 .
6- الكافي : 2/146 ، ح 12 ؛ بحار الأنوار : 72/37 ، ح 34 .

وَ إِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً هُمْ تَرَكُوهُ وَ دَماً هُمْ سَفَكُوهُ

إنّ عايشة حرّضت الناس على قتل عثمان بالمدينة وقالت اقتلوا نعثلا قتل اللَّه نعثلا(1) .

وقالوا أوّل من سمّى عثمان نعثلا عايشة والنعثل الكثير شعر اللحية والجسد وكانت تقول أقتلوا نعثلا قتل اللَّه نعثلا(2) .

وقال علیه السلام - في روايه أبي مخنّف - اللهمّ إنّ طلحة نكث بيعتي وألّب على عثمان حتّى قتله ثمّ عضهني به ورماني اللهمّ فلا تمهله(3) .

ولمّا حاصر أهل الكوفة وأهل مصر عثمان ليلا ونهارا ، كان طلحة يحرّض الفريقين جميعا على عثمان ويقول لهم : إنّ عثمان لا يبالي ما حصرتموه وهو يدخل إليه الطعام والشراب ، فامنعوه الماء أن يدخل عليه(4) .

وروي أبو جعفر الطبري في تاريخه أنّ عليّا علیه السلام كان في ماله بخيبر لمّا أراد الناس حصر عثمان فقدم المدينة والناس مجتمعون على طلحة في داره فبعث عثمان إليه يشكو أمر طلحة فقال علیه السلام : « أنا أكفيكه » فانطلق إلى دار طلحة وهي مملوّة بالنّاس فقال له : « يا طلحة ما هذا الأمر الّذي صنعت بعثمان » ؟ فقال طلحة : يا أبا الحسن أبعد أن مسّ الحزام الطبيين . فانصرف عليّ علیه السلام إلى بيت المال فأمر بفتحه فلم يجدوا المفتاح فكسّر الباب وفرّق ما فيه على الناس فانصرفوا من عند

ص: 312


1- كشف الغمّة ( ط . القديمة ) : 1/238 ؛ الفتوح لإبن اعثم : 2/421 ؛ بحار الأنوار : 32/126 .
2- شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : 6/215 .
3- شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : 1/306 ؛ بحار الأنوار : 32/61 ، ش 41 .
4- الإمامة والسياسة ( تحقيق الزيني ) : 1/40 .

طلحة حتّى بقي وحده فسرّ عثمان بذلك ، وجاء طلحة إلى عثمان فقال له : يا أمير المؤمنين إنّي أردت أمرا فحال اللَّه بيني وبينه وقد جئتك تائبا ، فقال : واللَّه ما جئت تائبا ولكن جئت مغلوبا ، اللَّه حسيبك يا طلحة ، وروي أنّ الزبير لمّا برز لعليّ علیه السلام يوم الجمل قال له : « ما حملك يا أبا عبداللَّه على ما صنعت » ؟ قال : أطلب بدم عثمان ، فقال له : « أنت وطلحة وليّتماه وإنّما توبتك من ذلك أن تقدّم نفسك وتسلّمها إلى ورثته »(1) .

فَلَئِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ لَهُمْ لَنَصِيبَهُمْ مِنْهُ

روي أنّ عثمان قال : ويلي على إبن الحضرمية يعني طلحة أعطيته كذا وكذا بهارا(2) ذهبا وهو يروم دمي يحرض على نفسي .

روي الناس الّذين صنفوا في واقعة الدار أن طلحة كان يوم قتل عثمان مقنعا بثوب قد إ ستتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسّهام .

ورووا أيضا أنّه لمّا إمتنع على الّذين حصروه الدخول من باب الدار حملهم طلحة إلى دار لبعض الأنصار فأصعدهم إلى سطحها وتسوّروا منها على عثمان داره فقتلوه .

ورووا أيضا أن الزبير كان يقول أقتلوه فقد بدل دينكم فقالوا : إنّ إبنك يحامي عنه بالباب ، فقال : ما أكره أن يقتل عثمان ولو بدى ء بابني إن عثمان لجيفه على

ص: 313


1- شرح نهج البلاغة ( لابن ميثم ) : 1/335 ؛ بحار الأوار : 32/57 ؛ تاريخ الطبري : 3/453 .
2- البهار : الحمل ، قيل : هو ثلاثمائة رطل بالقبطة .

الصراط غدا(1) .

وعن عبد الرحمن بن ابزي قال : رأيت اليوم الّذي دخل فيه على عثمان ، فدخلوا من دار عمرو بن حزم من خوخة هناك ، فواللَّه ما نسيت أن خرج سودان بن حمران يقول : أين طلحة ، قد قتلنا إبن عفان(2) .

وَ لَئِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُونِي فَمَا التَّبِعَةُ إِلّا عِنْدَهُمْ - وَ إِنَّ أَعْظَمَ حُجَّتِهِمْ لَعَلَى أَنْفُسِهِمْ

تكلّم الزبير في ملأ من قريش فقال : هذا جزاؤنا من علىّ ، قمنا له في أمر عثمان حتّى أثبتنا عليه الذنب وسببنا له القتل ، وهو جالس في بيته وكفى الأمر ، فلمّا نال بنا ما أراد جعل دوننا . . .(3) .

وروي سليمان بن عبداللَّه بن عويمر الأسلمي قال قال إبن الزبير : سمعت عمّارا يقول لأصحابنا ما تريدون وما تطلبون ؟ فناديناه نطلب بدم عثمان فإن خلّيتم بيننا وبين قتلته رجعنا عنكم ، فنادانا عمّار : قد فعلنا ، هذه عائشة وطلحة والزبير قتلوه عطشا فابدءوا بهم فإذا فرغتم منهم تعالوا إلينا نبذل لكم الحقّ ، فأسكت واللَّه أصحاب الجمل كلّهم(4) .

ص: 314


1- شرح نهج البلاغة ( إبن أبي الحديد ) : 9/35 .
2- تاريخ الطبري : 3/411 ، سنة 35 .
3- الإمامة والسياسة ( تحقيق الزيني ) : 1/51 .
4- الجمل للمفيد : 365 .

يَرْتَضِعُونَ أُمّاً قَدْ فَطَمَتْ

قام عثمان بن حنيف عامل علي علیه السلام على البصرة - لمّا سمع بدنوّ طلحة والزبير - فقال : أيّها الناس إنّما بايعتم اللَّه ، ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً )(1) واللَّه لو علم علي علیه السلام أنّ أحدا أحقّ بهذا الأمر منه ما قبله ، وما به إلى أحد من الصحابة حاجة وما بأحد عنه غنى ، ولقد شاركهم في محاسنهم وما شاركوه في محاسنه ، ولقد بايعه هذان الرجلان وما يريدان اللَّه ، فاستعجلا الفطام قبل الرضاع ، والرضاع قبل الولادة والولادة قبل الحمل(2) .

وَ يُحْيُونَ بِدْعَةً قَدْ أُمِيتَتْ

قالا - طلحة والزبير - له علیه السلام : إنّا بايعناك على أنّا شركاؤك في الأمر . وقال طلحة بعد قول الزبير المتقدّم : ما اللوم إلّا لنا ، إنّا كنّا ثلاثة من أهل الشورى - أي : هما مع سعد - كرهه أحدنا وبايعناه ، وأعطيناه ما في أيدينا ومنعنا ما في يده ، فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا(3) .

يَا خَيْبَةَ الدَّاعِي مَنْ دَعَا

أتى طلحة والزبير عبداللَّه بن خلف فقال لهما : إنّه ليس أحد من أهل الحجاز

ص: 315


1- سورة الفتح : 10 .
2- الإمامة والسياسه ( تحقيق الزيني ) : 1/60 .
3- الإمامة والسياسة ( تحقيق الزيني ) : 1/51 .

كان منه في عثمان شي ء إلّا وقد بلغ أهل العراق ، وقد كان منكما في عثمان من التخليب والتأليب ما لا يدفعه جحود ، ولا ينفعكما فيه عذر ، وأحسن الناس فيكما قولا من أزال عنكما القتل وألزمكما الخذل ، وقد بايع الناس عليّا بيعة عامّة ، والناس لاقوكما غدا ، فما تقولون ؟ فقال طلحة : ننكر القتل ونقرّ بالخذل ، ولا ينفع الإقرار بالذّنب إلّا مع الندم عليه ، ولقد ندمنا على ما كان منّا . وقال الزبير نقول : بايعنا عليّا والسيف على أعناقنا ، حين تواثب الناس بالبيعة إليه دون مشورتنا ، ولم نصب لعثمان خطأ فتجب علينا الديّة ، ولا عمدا فيجب علينا القصاص . فقال عبداللَّه بن خلف : عذركما أشدّ من ذنبكما(1) .

وجاء جارية بن قدامة إلى عايشة فقال لها : لقتل عثمان كان أهون علينا من خروجك من بيتك على هذا الجمل الملعون(2) .

وَ إِلى أُجِيبَ

روي عبداللَّه بن رباح مولى الأنصار عن عبداللَّه بن زياد مولى عثمان بن عفان قال : خرج عمّار بن ياسر يوم الجمل إلينا فقال - : يا هؤلاء على أيّ شي ء تقاتلونا ؟ فقلنا نقاتلكم على أن عثمان قتل مؤمنا ، فقال عمّار : نحن نقاتلكم على أنّه قتل كافرا ، قال وسمعت عمّارا يقول واللَّه لو ضربتمونا حتّى نبلغ سعفات هجر لعلمنا أنا على الحقّ وأنّكم على الباطل وسمعته يقول واللَّه ما نزل تأويل هذه الآية - ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهَ ُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ

ص: 316


1- الإمامة والسياسة ( تحقيق الزيني ) : 1/59 .
2- الإمامة والسياسة ( تحقيق الزيني ) : 1/65 .

وَيُحِبُّونَهُ )(1) - إلّا اليوم(2) .

وقال عمرو بن العاص لعمّار : أكنت فيمن قتل عثمان ؟ قال : كنت مع من قتله وأنا اليوم أقاتل معهم . فقال عمرو : فلم قتلتموه ؟ قال عمّار : أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه . فقال عمرو لمن معه : ألا تسمعون ، قد إعترف بقتل عثمان ، قال عمّار : وقد قالها فرعون قبلك لقومه : ( أَلَا تَسْتَمِعُونَ )(3) ، (4) .

وذكروا : أنّ عبداللَّه بن عامر لحق بالشّام ولم يأت معاوية ، فبعث إليه معاوية أن يأتيه وألحّ عليه ، فكتب إليه إبن عامر : أخبرك أنّي أقحمت طلحة والزبير إلى البصرة ، وأنا أقول : إذا رأى الناس أمّ المؤمنين مالوا إليها ، وإن فرّ الناس لم يفرّ الزبير ، وإن غدر الناس لم يغدر مروان . فغضبت عايشة ورجع الزبير وقتل مروان طلحة وذهب مالي بما فيه ، والناس أشباه ، واليوم كأمس . فكتب معاوية إليه : فإنّك قلّدت أمر دينك قتلة عثمان ، وأنفقت مالك لعبداللَّه بن الزبير وآثرت العراق على الشام ، فأخرجك اللَّه من الحرب صفر اليدين ، ليس لك حظّ الحقّ ولا ثار القتيل(5) .

وَ إِنِّي لَرَاضٍ بِحُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَ عِلْمِهِ فِيهِمْ

روى الواقديّ قال حدّثني عبداللَّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام

ص: 317


1- سورة المائدة : 54 .
2- الجمل للمفيد : 366 .
3- سورة الشعراء : 25 .
4- وقعة صفّين : 338 - 339 .
5- الإمامة والسياسة ( الزيني ) : 1/81 .

عن أبيه قال : « لمّا سمع أبي أصوات الناس يوم الجمل وقد إرتفعت » فقال لإبنه محمّد : « ما يقولون » ؟ قال : يقولون : يا ثارات عثمان ، فقال علیه السلام : « فقاتلوهم صابرين محتسبين فإنّ الكتاب معكم والسنّة معكم ومن كانا معه فهو القوي »(1) .

فَإِنْ أَبَوْا أَعْطَيْتُهُمْ حَدَّ السَّيْفِ

قال محمّد بن عليّ ؛ : رمقت لصوت ( لضرب خ ل ) أبي ولحظته فإذا هو يورد السيف ويصدره ولا أرى فيه دما وإذا هو يسرع إصداره فيسبق الدم وأحدقنا بالجمل وصار القتال حوله واضطربنا أشدّ إضطراب رآه راء حتّى ظننت أنّه القتل فصاح أبي علیه السلام : « يا إبن أبي بكر إقطع البطان »(2) فقطعه وألقى ( تلقوا خ ل ) الهودج فكأنّ واللَّه الحرب جمرة صبّ عليها الماء(3) .

روى إبراهيم بن نافع عن سعيد بن أبي هند قال أخبرني أصحابنا ممّن حضر القتال يوم البصرة أنّ عليّا قاتل يومئذ أشدّ القتال وسمعوه وهو يقول : « تبارك الّذي أذن لهذه السيوف تصنع ما تصنع »(4) .

وفي ( الطبري ) - في عنوان كثرة قتلى يوم الجمل - قال الزبير بن الحريث : قلت لأبي لبيد : لم تسبّ عليّا ، قال : ألا أسبّ رجلا قتل منّا ألفين وخمسمائة ،

ص: 318


1- الجمل للمفيد : 357 .
2- البطان : حزام والقتب ، وقيل : هو للبعير كالحزام للدابّة » لسان العرب ج 13 ص 56 ( بطن ) .
3- الجمل للمفيد : 360 .
4- الجمل للمفيد : 361 .

والشمس ها هنا(1) .

وَ كَفَى بِهِ شَافِياً مِنَ الْبَاطِلِ وَ نَاصِراً لِلْحَقِ

عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « لا يقيم الناس إلّا السيف »(2) .

وقال أمير المؤمنين علیه السلام : « واللَّه لا ينيب بهم إلى الحقّ إلّا السيف »(3) .

وَ مِنَ الْعَجَبِ بَعْثُهُمْ إِلَيَّ أَنْ أَبْرُزَ لِلطِّعَانِ وَ أَنْ أَصْبِرَ لِلْجِلادِ...

وَ مِنَ الْعَجَبِ بَعْثُهُمْ إِلَيَّ أَنْ أَبْرُزَ لِلطِّعَانِ وَ أَنْ أَصْبِرَ لِلْجِلادِ - هَبِلَتْهُمُ الْهَبُولُ - لَقَدْ كُنْتُ وَ مَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ وَ لا أُرْهَبُ بِالضَّرْبِ وَ إِنِّي لَعَلَى يَقِينٍ مِنْ رَبِّي وَ غَيْرِ شُبْهَةٍ مِنْ دِينِي

عن أمير المؤمنين علیه السلام : « لوكشف الغطاء ما إزددت يقينا »(4) .

وقال علیه السلام : « لم أعبد ربّا لم أره »(5) .

اليقين أفضل الكمالات النفسيّة

قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من أقلّ ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر ومن أعطي حظّه منهما لم يبال ما فاته من قيام الليل وصيام النهار »(6) .

ص: 319


1- تاريخ الطبري : 3/547 سنة 36 .
2- الكافي : 5/2 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 97/صلی الله علیه وآله ، ح 10 .
3- الإرشاد : 1/258 ؛ بحار الأنوار : 31/358 ، ح 13 .
4- مناقب آل أبي طالب علیه السلام : 2/38 ؛ بحار الأنوار : 84/304 .
5- شرح أصول الكافي ( صدرا ) : 1/331 ؛ الوافي : 11/26 .
6- مسكن الفؤاد : 41 ؛ بحار الأنوار : 79/137 .

وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « اليقين الإيمان كلّه »(1) .

وقال صلی الله علیه وآله : « ما من آدميّ إلّا وله ذنوب وخطايا يقترفها فمن كانت سجيّته العقل جوج غريزته اليقين لم تضرّه ذنوبه » قيل كيف ذاك يا رسول اللَّه ؟ قال : « لأنّه كلّما أخطأ لم يلبث أن يتدارك ذلك بتوبة وندامة على ما كان منه فيمحو ذنوبه(2) ويبقى له فضل يدخل به الجنّة »(3) .

وعن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « إنّ العمل الدائم القليل على اليقن أفضل عنداللَّه من العمل الكثير على غير يقين »(4) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام : « إنّ اللَّه بعدله وقسطه جعل الروح والراحة في اليقين والرضا وجعل الهمّ والحزن في الشكّ والسخط »(5) .

وفي وصيّة لقمان لإبنه : يا بنيّ لا يستطاع العمل إلّا باليقين ولا يعمل المرء إلّا بقدر يقينه ولا يقصّر عامل حتّى ينقص يقينه(6) .

وروي انّ سعد بن معاذ دخل على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فقال صلی الله علیه وآله : « كيف أصبحت يا سعد ؟ » فقال : بخير يا رسول اللَّه ، أصبحت باللَّه مؤمنا .

وَ مِنَ الْعَجَبِ بَعْثُهُمْ إِلَيَّ أَنْ أَبْرُزَ لِلطِّعَانِ . . .

فقال يا سعد : انّ لكلّ قول حقيقة ، فما مصداق ما تقول ؟ قال : يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ما أصبحت فظننت انّي أمسى ولا أمسيت فظننت انّي أصبح ولا مددت خطوة

ص: 320


1- مجموعة ورام : 1/40 ؛ إرشاد القلوب ( للديلمي ) : 1/127 .
2- مجموعة ورام : 1/62 .
3- شرح نهج البلاغة إبن أبي الحديد : 20/40 .
4- الكافي : 2/57 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 67/147 ، ح 8 .
5- الكافي : 2/57 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 67/143 ، ح 7 .
6- المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء ( الفيض الكاشاني ) : 1/151 .

فظننت انّي اتبعها بأخرى وكأنّي بكلّ أمّة جائية وبكلّ أمّة تدعى إلى كتابها معها كتابها ونبيّها امامها تدعى إلى حسابها وكأنّي بأهل الجنّة وهم يتنعّمون وبأهل النار وهم معذّبون . فقال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يا سعد عرفت فالزم »(1) .

وقال الصادق علیه السلام : « اليقين يوصل العبد إلى كلّ حال سنيّ ومقام عجيب كذلك أخبر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عن عظم شأن اليقين حين ذكر عنده أنّ عيسى علیه السلام كان يمشي على الماء فقال صلی الله علیه وآله : لو زاد يقينه لمشى على الهواء »(2) .

وعن إ سحاق بن عمّار قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول إنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله صلّى بالنّاس الصبح فنظر إلى شابّ في المسجد وهو يخفق ويهوي(3) برأسه مصفرّا لونه قد نحف جسمه وغارت عيناه في رأسه فقال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « كيف أصبحت يا فلان » ؟ قال أصبحت يا رسول اللَّه موقنا فعجب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من قوله(4) وقال : « إنّ لكلّ يقين حقيقة فما حقيقة يقينك » ؟ فقال : إنّ يقيني يا رسول اللَّه هو الّذي أحزنني وأسهر ليلي وأظمأ هواجري فعزفت نفسي عن الدنيا وما فيها(5) حتّى كأنّي أنظر إلى عرش ربّي وقد نصب للحساب وحشر الخلائق لذلك وأنا فيهم وكأنّي أنظر إلى أهل الجنّة يتنعّمون في الجنّة ويتعارفون وعلى الأرائك متّكئون وكأنّي أنظر إلى أهل النار وهم فيها معذّبون مصطرخون وكأنّي الآن أسمع زفير

ص: 321


1- إرشاد القلوب ( للديلمي ) : 1/246 الباب الثامن والثلاثون وفي بعض النسخ الباب السابع والثلاثون (1/124) .
2- مصباح الشريعة : 177 ( الباب الرابع والثمانون في اليقين ) ؛ بحار الأنوار : 67/179 ، ح 45 .
3- يقال خفق برأسه إذا أخذته سنة من النعاس فمال رأسه دون سائر جسده ( لح ) .
4- لأنّه أخبر بشي ء نادر الوقوع موجب لحمده وإستحسانه صلی الله علیه وآله ( لح ) .
5- الهاجرة : نصف النهار عند زوال الشمس . وعزفت نفسي عنه أي زهدت فيه .

النار يدور في مسامعي فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لأصحابه : « هذا عبد نوّر اللَّه قلبه بالإيمان » ثمّ قال له : « الزم ما أنت عليه » الحديث(1) .

وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال لي : « ما من شي ء إلّا وله حدّ » قال فقلت : وما حدّ التوكلّ ؟ قال : « اليقين » قلت : فما حدّ اليقين ؟ قال : « أن لا تخاف مع اللَّه شيئا »(2) .

وعن الوشّاء عن أبي الحسن علیه السلام قال سمعته يقول : « الإيمان فوق الإسلام بدرجة والتقوى فوق الإيمان بدرجة واليقين فوق التقوى بدرجة وما قسم في الناس شي ء أقلّ من اليقين »(3) .

وفي رواية أخرى قال الراوي فأيّ شي ء اليقين ؟ قال : « التوكّل على اللَّه والتسليم للَّه والرضا بقضاء اللَّه والتفويض إلى اللَّه »(4) .

ص: 322


1- الكافي : 2/53 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 67/15صلی الله علیه وآله ، ح 17 .
2- الأصول الستّة عشر : 104 ؛ مستدرك الوسائل : 11/215 ، ح 12780 - 2 ؛ الكافي : 2/57 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 67/142 .
3- الكافي : 2/51 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 67/136 ، ح 2 .
4- الكافي : 2/52 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 67/138 ، ح 4 .

بسم الله الرحمن الرحیم

23 - ومن خطبة له عليه السلام :

اشارة

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأَمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ - كَقَطَرَاتِ الْمَطَرِ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا قُسِمَ لَهَا - مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ - فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ لِأَخِيهِ غَفِيرَةً - فِي أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ - فَلا تَكُونَنَّ لَهُ فِتْنَةً - فَإِنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَةً تَظْهَرُ - فَيَخْشَعُ لَهَا إِذَا ذُكِرَتْ وَ يُغْرَى بِهَا لِئَامُ النَّاسِ - كَانَ كَالْفَالِجِ الْيَاسِرِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ - مِنْ قِدَاحِهِ تُوجِبُ لَهُ الْمَغْنَمَ وَ يُرْفَعُ بِهَا عَنْهُ الْمَغْرَمُ - وَ كَذَلِكَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ الْبَرِي ءُ مِنَ الْخِيَانَةِ - يَنْتَظِرُ مِنَ اللَّهِ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ - إِمَّا دَاعِيَ اللَّهِ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لَهُ - وَ إِمَّا رِزْقَ اللَّهِ فَإِذَا هُوَ ذُو أَهْلٍ وَ مَالٍ - وَ مَعَهُ دِينُهُ وَ حَسَبُهُ - وَ إِنَّ الْمَالَ وَ الْبَنِينَ حَرْثُ الدُّنْيَا - وَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ حَرْثُ الْآخِرَةِ - وَ قَدْ يَجْمَعُهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَقْوَامٍ - فَاحْذَرُوا مِنَ اللَّهِ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ - وَ اخْشَوْهُ خَشْيَةً لَيْسَتْ بِتَعْذِيرٍ - وَ اعْمَلُوا فِي غَيْرِ رِيَاءٍ وَ لا سُمْعَةٍ - فَإِنَّهُ مَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ اللَّهِ يَكِلْهُ اللَّهُ لِمَنْ عَمِلَ لَهُ - نَسْأَلُ اللَّهَ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَ مُعَايَشَةَ السُّعَدَاءِ - وَ مُرَافَقَةَ الْأَنْبِيَاءِ -

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لا يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ - وَ إِنْ كَانَ ذَا مَالٍ عَنْ عِشيرَتِهِ - وَ دِفَاعِهِمْ عَنْهُ بِأَيْدِيهِمْ وَ أَلْسِنَتِهِمْ - وَ هُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً مِنْ وَرَائِهِ وَ أَلَمُّهُمْ لِشَعَثِهِ - وَ أَعْطَفُهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ نَازِلَةٍ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ - وَ لِسَانُ الصِّدْقِ يَجْعَلُهُ اللَّهُ لِلْمَرْءِ فِي النَّاسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْمَالِ يَورّثُهُ غَيْرُهُ -

و منها : أَلا لا يَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ الْقَرَابَةِ يَرَى بِهَا الْخَصَاصَةَ - أَنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لا يَزِيدُهُ إِنْ أَمْسَكَهُ - وَ لا يَنْقُصُهُ إِنْ أَهْلَكَهُ - وَ مَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ - فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ - وَ تُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ - وَ مَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِهِ الْمَوَدَّةَ

ص: 323

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأَمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ - كَقَطَرَاتِ الْمَطَرِ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا قُسِمَ لَهَا - مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ

قال تعالى : ( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )(1) .

وقال تعالى : ( وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ * وَإِنْ مِنْ شَىْ ءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ )(2) .

وقال تعالى : ( يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً )(3) .

وقال تعالى : ( قُلْ اللهمّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْ ءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَىَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَىِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )(4) .

ص: 324


1- سورة الزخرف : 32 .
2- سورة الحجر : 20 - 21 .
3- سورة الشورى : 49 - 50 .
4- سورة آل عمران : 26 - 27 .

وقال تعالى : ( اللَّهَ ُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ )(1) .

فَإذَا رَأى أحَدُكُم لأخِيهِ غَفِيرَةً فِي أهلٍ أو مَالٍ أو نَفسٍ فَلا تَكُونَنَّ لَهُ فِتنَة

عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « إنّ الحسد يأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب »(2) .

قال تعالى : ( وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى )(3) .

وقال صلی الله علیه وآله : « إذا كان يوم القيامة أنبت اللَّه تعالى لطائفة من أمّتي أجنحة فيطيرون من قبورهم إلى الجنان يسرعون فيها ويتنعّمون كيف شاءوا فتقول لهم الملائكة هل رأيتم الحساب فيقولون ما رأينا حسابا فيقولون هل جزتم الصراط فيقولون ما رأينا صراطا فيقولون هل رأيتم جهنّم فيقولون ما رأينا شيئا فيقول الملائكة من أمّة من أنتم ؟ فيقولون من أمّة محمّد صلی الله علیه وآله فيقولون نشدناكم اللَّه حدّثونا ما كانت أعمالكم في الدنيا فيقولون خصلتان كانتا فينا فبلّغنا اللَّه تعالى هذه المنزلة بفضل رحمته فيقولون وما هما ؟ فيقولون كنّا إذا خلونا نستحيي أن نعصيه ونرضى باليسير ممّا قسم لنا فيقول الملائكة حقّ لكم هذا »(4) .

فَإِنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَةً تَظْهَرُ - فَيَخْشَعُ لَهَا إِذَا ذُكِرَتْ

مرّ مالك بن الريب بليلي الأخيلية فجلس إليها يحادثها طويلا وأنشدها ،

ص: 325


1- سورة الرّعد : 26 .
2- الكافي : 2/306 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 70/244 ، ح 2 .
3- سورة طه : 131 .
4- مسكن الفؤاد : 84 ؛ بحار الأنوار : 100/25 ، ح 31 .

فأقبلت عليه وأعجبت به حتّى طمع في وصلها ثمّ إذا هو بفتى قد جاء إليها كأنّه نصل سيف فجلس إليها فأعرضت عن مالك وتهاونت به حتّى كأنّه عندها عصفور ، وأقبلت على صاحبها مليّا من نهارها فغاظه ذلك من فعلها وأقبل على الرجل فقال : من أنت ؟ فقال ، توبة بن الحميّر . فقال : هل لك في المصارعة ؟ قال : وما دعاك إلى ذلك وأنت ضيفنا وجارنا ؟ قال : لا بدّ منه . فظنّ أنّ ذلك لخوفه منه فازداد لجاجا ، فقام توبة فصارعه فصرعه ، فلمّا سقط مالك إلى الأرض ضرط ضرطة هائلة ، فضحكت ليلى منه وإ ستحى مالك ، فاكتتب بخراسان وقال : لا أقيم في بلد العرب أبدا وقد تحدّثت عنّي بهذا الحديث ، فلم يزل بخراسان حتّى مات فقبره هناك معروف(1) .

وكان المخبّل السعدي خطب ألى الزبرقان بن بدر أخته خليدة فمنعه ثمّ زوّجها بآخر فقال المخبّل :

فأنكحته رهوا كأنّ عجانها

مشقّ إهاب أوسع السلخ ناجله(2)

ثمّ مرّ المخبل بعد ما أسن وضعف بصره بخليدة فأنزلته وقرّبته وأكرمته ووهبت له وليدة قالت له : إنّي آثرتك بها يا أبا يزيد فاحتفظ بها . فقال : ومن أنت حتّى أعرفك وأشكرك . قالت : لا عليك . قال : بلى واللَّه . قالت : أنا بعض من هتكت بشعرك ظلما أنا خليدة بنت بدر . فقال : وا سوأتاه منك فإنّي أستغفر اللَّه وأستقيلك ، ثمّ قال :

لقد ضلّ حلمي في خليدة إنّني * سأعتب نفسي بعدها وأتوب

ص: 326


1- الأغاني : 22/472 .
2- الأغاني : 13/132 .

فأقسم بالرّحمن إنّي ظلمتها * وجرت عليها والهجاء كذوب(1)

وَ تُغْرَى بِهَا لِئَامُ النَّاسِ

إجتاز القاضي التنوخي يوما في بعض الدروب فسمع إمرأة تقول لأخرى : كم عمر بنتك يا أختي فقالت لها : رزقتها يوم شهر بالقاضي التنوخي وضرب بالسّياط فرفع رأسه إليها وقال : يا بظراء صار صفعي تاريخك وما وجدت تاريخا غيره(2) .

ودخل أعرابي على المساور الضبي وهو بندار الرى(3) فسأله فلم يعطه شيئا فقال :

أتيت المساور في حاجة * فما زال يسعل حتّى ضرط

وحكّ قفاه بكرسوعه * ومسّح عثنونه وإمتخط(4)

فأمسك عن حاجتي خيفة * لاخرى تقطّع شرج السفط(5)

فأقسم لو عدت في حاجتي * للطخ بالسّلح وشي ء النمط(6)

وقال غلطنا حساب الخراج * فقلت من الضرط جاء الغلط

فكان العامل ( مساور ) كلّما ركب صاح به الصبيان : « من الضرط جاء الغلط » فهرب من غير عزل إلى بلاد أصبهان(7) .

ص: 327


1- الأغاني : 13/135 .
2- معجم الأدباء ( ياقوت الحموي ) : 14/113 .
3- البندار : الحافظ ، والرى : موضع في العراق .
4- الكرسوع : طرف الزند الّذي يلي الختصر ، والعثنون : الأنف .
5- شرج السفط : كناية عن الأست .
6- السلح : النجو والغائط ، والنمط : الفراش .
7- عيون الأخبار لإبن قتيبة : 3/173 .

كَانَ كَالْفَالِجِ الْيَاسِرِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ - مِنْ قِدَاحِهِ تُوجِبُ لَهُ الْمَغْنَمَ وَ يُرْفَعُ بِهَا عَنْهُ الْمَغْرَمُ

وَ كَذَلِكَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ الْبَرِي ءُ مِنَ الْخِيَانَةِ - يَنْتَظِرُ مِنَ اللَّهِ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ - إِمَّا دَاعِيَ اللَّهِ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لَهُ

كَانَ كَالْفَالِجِ الْيَاسِرِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ . . .

قال تعالى : ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )(1) .

وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهَ ُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ *نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ )(2) .

ولمّا إنتهى الحسين علیه السلام إلى عذيب الهجانات(3) فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم ، ومعهم دليلهم الطرماح بن عدي على فرسه ، فلمّا إنتهوا إلى الحسين علیه السلام إنشدوه هذه الأبيات :

يا نقتي لا تذعري من زجري * وشمّري قبل طلوع الفجر

بخير ركبان وخير سفر * حتّى تحلّي بكريم النجر

أتى به اللَّه لخير أمر * ثمّة أبقاه بقاء الدهر

ص: 328


1- سورة النحل : 32 .
2- سورة فصّلت : 30 - 32 .
3- العذيب بالتّصغير واد لبني تميم ، وهو حدّ السواد أيّ العراق ، وكانت فيه مسلحة للفرس ، بينه وبين القادسيّة ستّ أميال ، وكانت حيل النعمان ملك الحيرة ترعى فيه فقيل عذيب الهجانات ، جمع الهجين بمعنى ذي الدم الخليط .

فقال الحسين علیه السلام : « أما واللَّه إنّي لأرجو أن يكون خيرا ما أراد اللَّه بنا قتلنا أم ظفرنا »(1) !

وَ إِمَّا رِزْقَ اللَّهِ فَإِذَا هُوَ ذُو أَهْلٍ وَ مَالٍ - وَ مَعَهُ دِينُهُ وَ حَسَبُهُ

أنّ الصادق علیه السلام قال لسفيان الثوري وأصحابه الصوفية - لمّا رأى عليه ثيابا بيضا كأنّها غرقى البيض وأنكره - فيما ردّ عليه : إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله قال : « ما عجبت من شي ء كعجبي من المؤمن إنّه إن قرّض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيرا له وإن ملك ما بين مشارق الأرض ومغاربها كان خيرا له وكلّ ما يصنع اللَّه عزّوجلّ به فهو خير له . . . وأخبروني أين أنتم عن سليمان بن داود علیه السلام حيث سأل اللَّه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه اللَّه جلّ إ سمه ذلك وكان يقول الحقّ ويعمل به . . . وداود النبيّ صلی الله علیه وآله قبله في ملكه وشدّة سلطانه ، ثمّ يوسف النبيّ علیه السلام حيث قال لملك مصر - ( اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ )(2) . . . ثمّ ذو القرنين عبد أحبّ اللَّه فأحبّه اللَّه وطوى له الأسباب(3) وملكه مشارق الأرض ومغاربها وكان يقول الحقّ ويعمل به ثمّ لم نجد أحدا عاب ذلك عليه »(4) .

وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « كان في بني إ سرائيل رجل عابد وكان محارفا(5) لا

ص: 329


1- وقعة الطف : 173 .
2- سوره يوسف : 55 .
3- أي جمع له أسباب الملك وما يوصله إليه من العلم والقدرة والآلة . ( آت )
4- الكافي : 5/65 - 70 / ح 1 ؛ بحار الأنوار : 47/232 - 237 - ح 22 .
5- المحارف - بفتح الراء - هو المحروم المحدود الّذي إذا طلب فلا يرزق وهو خلاف المبارك .

يتوجّه في شي ء فيصيب فيه شيئا فأنفقت عليه إمرأته حتّى لم يبق عندها شي ء فجاعوا يوما من الأيّام فدفعت إليه نصلا من غزل(1) وقالت له ما عندي غيره إنطلق فبعه وإ شتر لنا شيئا نأكله فانطلق بالنّصل الغزل ليبيعه فوجد السوق قد غلقت ووجد المشترين قد قاموا وإنصرفوا فقال لو أتيت هذا الماء فتوضّأت منه وصببت عليّ منه وإنصرفت فجاء إلى البحر وإذا هو بصيّاد قد ألقى شبكته فأخرجها وليس فيها إلّا سمكة رديّة قد مكثت عنده حتّى صارت رخوة منتنة فقال له بعني هذه السمكة وأعطيك هذا الغزل تنتفع به في شبكتك قال : نعم فأخذ السمكة ودفع إليه الغزل وإنصرف بالسّمكة ألى منزله فأخبر زوجته الخبر فأخذت السمكة لتصلحها فلمّا شقّتها بدت من جوفها لؤلؤة فدعت زوجها فأرته إيّاها فأخذها فانطلق بها إلى السوق فباعها بعشرين ألف درهم وإنصرف إلى منزله بالمال فوضعه فإذا سائل يدقّ الباب ويقول يا أهل الدار تصدّقوا رحمكم اللَّه على المسكين فقال له الرجل : أدخل فدخل ، فقال له : خذ إحدى الكيسين فأخذ إحداهما وإنطق فقالت له إمرأته : سبحان اللَّه بينما نحن مياسير إذ ذهبت بنصف يسارنا فلم يكن ذلك بأسرع من أن دقّ السائل الباب ، فقال له الرجل : أدخل فدخل فوضع الكيس في مكانه ثمّ قال كل هنيئا مريئا إنّما أنا ملك من ملائكة ربّك إنّما أراد ربّك أن يبلوك فوجدك شاكرا ثمّ ذهب »(2) .

ص: 330


1- النصل : الغزل قد خرج من المغزل . ( القاموس ) .
2- الكافي : 8/385 ، ح 585 ؛ بحار الأنوار : 14/497 ، ح 21 .

إِنَّ الْمَالَ وَ الْبَنِينَ حَرْثُ الدُّنْيَا

قال تعالى : ( الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )(1) .

من قبائل مذحج سعد العشيرة بن مالك بن أدد ، وإنّما سمّي سعد العشيرة لأنّه لم يمت حتّى ركب معه من ولده وولد ولده ثلاثمائة رجل(2) .

وَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ حَرْثُ الْآخِرَةِ

قال تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ )(3) .

وقال تعالى : ( فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ )(4) .

وقال تعالى : ( وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً )(5) .

وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )(6) .

وقال تعالى : ( مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ) الآية(7) .

ص: 331


1- سورة الكهف : 46 .
2- العقد الفريد : 3/341 .
3- سورة الشورى : 20 .
4- سورة التوبة : 38 .
5- سورة الكهف : 46 .
6- سورة البقرة : 62 .
7- سورة المائدة : 69 .

وقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) الآية(1) .

وقال تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى )(2) .

وقال تعالى : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً )(3) .

وقال تعالى : ( مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) الآية(4) .

وأمّا الأخبار منها عن الصادق علیه السلام أنّه قال : « الكلم الطيّب قول المؤمن « لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه عليّ وليّ اللَّه وخليفة رسول اللَّه » » وقال : « والعمل الصالح الإعتقاد بالقلب - إنّ هذا هو الحقّ من عنداللَّه - لا شكّ فيه من ربّ العالمين »(5) .

ومنها : ورد في تفسير قوله تعالى : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) قال كلمة الإخلاص والإقرار بما جاء من عنداللَّه من الفرائض والولاية ترفع العمل الصالح إلى اللَّه(6) .

وعن داود بن فرقد قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « إنّ العمل الصالح ليذهب إلى الجنّة فيسهّل لصاحبه كما يبعث الرجل غلاما فيفرش له ثمّ قرأ أمّا الّذين آمنوا وعملوا الصالحات فلأنفسهم يمهدون »(7) .

ص: 332


1- سورة النحل : 97 .
2- سورة الكهف : 88 .
3- سورة الكهف : 110 .
4- سورة غافر : 40 .
5- تفسير القمي : 2/208 ؛ بحار الأنوار : 66/64 ، ذ ح 10 .
6- تفسير القمي : 2/208 ؛ بحار الأنوار : 66/64 ، ح 10 .
7- الزهد : 21 / ح 46 ؛ بحار الأنوار : 68/187 ، ح 49 .

وعن يعقوب بن ميثم التمّار مولى عليّ بن الحسين 8 قال : دخلت على أبي جعفر علیه السلام فقلت له : جعلت فداك يا إبن رسول اللَّه ، إنّي وجدت في كتب أبي أنّ عليّا علیه السلام قال لأبي ميثم : إنّي سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهو يقول : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ )(1) ثمّ إلتفت إليّ وقال : « هم واللَّه أنت وشيعتك يا عليّ ، وميعادك وميعادهم الحوض غدا ، غرّا محجّلين ، مكتحلين متوّجين » الحديث(2) .

وَ قَدْ يَجْمَعُهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَقْوَامٍ

قال تعالى : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا )(3) .

كان أبو عبداللَّه علیه السلام إذا رأى إ سحاق بن عمّار وإ سماعيل بن عمّار ، قال : « وقد يجمعهما الأقوام ، يعني الدنيا والآخرة »(4) .

فَاحْذَرُوا مِنَ اللَّهِ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ

قال تعالى : ( لَا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَىْ ءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهَ ُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ

ص: 333


1- سورة البيّنة : علیه السلام .
2- الأمالي للطوسي : 405 / م 14 ، ح 909 - 57 ؛ بحار الأنوار : 65/25 ، ح 46 .
3- سورة البقرة : 201 - 202 .
4- رجال الكشي ( اختيار معرفة الرجال ) : 402 / ش 752 ؛ مستدرك الوسائل : 13/18 ، ح 14610 - 1 .

الْمَصِيرُ )(1) .

وقال تعالى : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهَ ُ نَفْسَهُ وَاللَّهَ ُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ )(2) .

وقال تعالى : ( فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )(3) .

لمّا عاد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من تبوك إلى المدينة قدم عليه عمرو بن معديكرب فقال له النبيّ صلی الله علیه وآله : « أسلم يا عمرو يؤمنك اللَّه من الفزع الأكبر » ، فقال يا محمّد وما الفزع الأكبر ؟ فإنّي لا أفزع ، فقال : « يا عمرو إنّه ليس ممّا تحسب وتظنّ إنّ الناس يصاح بهم صيحة واحدة فلا يبقى ميّت إلّا نشر ولا حيّ إلّا مات إلّا ما شاء اللَّه ثمّ يصاح بهم صيحة أخرى فينشر من مات ويصفّون جميعا وتنشقّ السماء وتهدّ الأرض وتخرّ الجبال وتزفر النيران وترمي بمثل الجبال شررا فلا يبقى ذو روح إلّا انخلع قلبه وذكر ذنبه وشغل بنفسه إلّا ما شاء اللَّه »(4) .

وَ اخْشَوْهُ خَشْيَةً لَيْسَتْ بِتَعْذِيرٍ

عن جعفر ، عن أبيه علیه السلام ، « أنّ اللَّه تبارك وتعالى أنزل كتابا من كتبه على نبيّ من أنبيائه ، وفيه :

إنّه سيكون خلق من خلقي ، يلحسون الدنيا بالدّين ، يلبسون مسوك الضأن

ص: 334


1- سورة آل عمران : 28 .
2- سورة آل عمران : 30 .
3- سورة النور : 63 .
4- إرشاد للمفيد : 1/158 ؛ بحار الأنوار : 7/110 ، ح 38 .

على قلوب كقلوب الذئاب أشدّ مرارة من الصبر ، ألسنتهم أحلى من العسل ، وأعمالهم الباطنة أنتن من الجيف . أبي يغترّون ؟ ! أم إيّاي يخدعون ؟ أم عليّ يتجبّرون ؟ ! فبعزّتي حلفت لأبعثنّ لهم فتنة تطأ في خطامها حتّى تبلغ أطراف الأرض ، تترك الحكيم فيها حيران »(1) .

وَاعمَلُوا فِي غَيرِ ريَاءٍ وَلاسُمعَةٍ فَانَّهُ مَن يَعمَل لِغَيرِ اللَّهِ يَكِلهُ اللَّهُ لِمَن عَمِلَ لَه

اشارة

قال تعالى : ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ )(2) .

وقال تعالى : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ )(3) .

وقال تعالى : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )(4) .

عن أبي عبداللَّه علیه السلام أنّه قال لعبّاد بن كثير البصريّ في المسجد : « ويلك يا عبّاد والرياء فإنّه من عمل لغير اللَّه وكله اللَّه إلى من عمل له »(5) .

وعن عليّ بن سالم قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « قال اللَّه عزّوجلّ : أنا خير

ص: 335


1- قرب الأسناد : 28 / ح 93 ؛ بحار الأنوار : 70/371 ، ح 4 .
2- سورة الماعون : 4 - 6 .
3- سورة النساء : 142 .
4- سورة الكهف : 110 .
5- الكافي : 2/293 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 69/266 ، ح 1 .

شريك من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلّا ما كان لي خالصا »(1) .

وفي حديث آخر : « إنّي أغنى الشركاء فمن عمل عملا ثم أشرك فيه غيري - فأنا منه بري ء وهو للّذي أشرك به دوني »(2) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ - ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً )(3) قال : « الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه اللَّه إنّما يطلب تزكية الناس - يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الّذي أشرك بعبادة ربّه » ثمّ قال : « ما من عبد أسرّ خيرا فذهبت الأيّام أبدا حتّى يظهر اللَّه له خيرا وما من عبد يسرّ شرّا فذهبت الأيّام أبدا حتّى يظهر اللَّه له شرّا »(4) .

وقال أبو عبداللَّه علیه السلام في قوله تعالى : ( بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ )(5) « يا أبا حفص ما يصنع الإنسان أن يتقرّب إلى اللَّه عزّوجلّ بخلاف ما يعلم اللَّه تعالى - إنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كان يقول من أسرّ سريرة ردّاه اللَّه رداءها إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ »(6) .

وعن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه علیه السلام عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « إجتنبوا الرياء فإنّه شرك باللَّه إنّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء يا كافر يا فاجر يا غادر يا خاسر حبط عملك وبطل أجرك ولا خلاق لك اليوم فالتمس أجرك ممّن كنت

ص: 336


1- الكافي : 2/295 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار : 69/288 ، ح 9 .
2- عدّه الداعي : 217 ؛ بحار الأنوار : 69/304 ، ذ ح 51 .
3- سورة الكهف : 110 .
4- الكافي : 2/293 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 69/281 ، ح 4 و81/348 .
5- سورة القيامة : 14 - 15 .
6- الكافي : 2/294 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 69/285 ، ح 6 .

تعمل له »(1) .

وقال علیه السلام : « ليست الصلاة قيامك وقعودك إنّما الصلاة إخلاصك وأن تريد بها اللَّه وحده »(2) .

وعن النبيّ صلی الله علیه وآله : « إنّ أوّل ما يدعى يوم القيامة رجل جمع القرآن ورجل قاتل في سبيل اللَّه ورجل كثير المال فيقول اللَّه عزّوجلّ للقارى ء : أ لم أعلّمك ما أنزلت على رسولي ؟ فيقول : بلى يا ربّ ، فيقول : ما عملت به فيما علّمت ؟ فيقول : يا ربّ قمت به في آناء الليل وأطراف النهار ، فيقول اللَّه تعالى : كذبت وتقول الملائكة كذبت ويقول اللَّه تعالى : إنّما أردت أن يقال فلان قارى فقد قيل ذلك ،

ويؤتى بصاحب المال فيقول اللَّه تعالى أ لم أوسع عليك حتّى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ فيقول : بلى يا ربّ ، فيقول : فما عملت فيما آتيتك ، قال : كنت أصل الرحم وأتصدّق ، فيقول اللَّه : كذبت وتقول الملائكة كذبت ويقول اللَّه سبحانه : بل أردت أن يقال فلان جواد وقد قيل ذلك ،

ويؤتى بالّذي قتل في سبيل اللَّه فيقول اللَّه تعالى ما فعلت ؟ فيقول : أمرت بالجهاد في سبيل اللَّه فقالت حتّى قتلت ، فيقول اللَّه : كذبت وتقول الملائكة كذبت ويقول اللَّه تعالى : بل أردت أن يقال فلان جرى شجاع فقد قيل ذلك » ثمّ قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أولئك خلق اللَّه تسعر بهم نار جهنّم »(3) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « ما يصنع أحدكم أن يظهر حسنا ويسرّ سيّئا أ ليس

ص: 337


1- الأمالي للصدوق : 581 / م 85 ، ح 22 ؛ بحار الأنوار : 69/295 ، ح 19 .
2- شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : 1/325 .
3- الأنوار النعمانية : 2/254 ؛ بحار الأنوار : 69/305 ، ذ ح 52 .

يرجع إلى نفسسه فيعلم أنّ ذلك ليس كذلك واللَّه عزّوجلّ يقول - ( بَلْ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ) - إنّ السريرة إذا صحّت قويت العلانية »(1) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم طمعا في الدنيا لا يريدون به ما عند ربّهم يكون دينهم رياء لا يخالطهم خوف يعمّهم اللَّه بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم »(2) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « من أراد اللَّه بالقليل من عمله أظهر اللَّه له أكثر ممّا أراده به ومن أراد الناس بالكثير من عمله في تعب من بدنه وسهر من ليله أبى اللَّه إلّا أن يقلّله في عين من سمعه »(3) .

وعن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن آبائه : قال قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يؤمر برجال إلى النار فيقول اللَّه عزّوجلّ جلاله لمالك قل للنار لا تحرقي لهم أقداما فقد كانوا يمشون إلى المساجد ولا تحرقي لهم أوجها فقد كانوا يسبغون الوضوّ ولا تحرقي لهم أيديا فقد كانوا يرفعوها جيرفعونهاج بالدّعاء ولا تحرقي لهم ألسنا فقد كانوا يكثرون تلاوة القرآن . قال فيقول لهم خازن النار : يا أشقياء ما كان حالكم ؟ قالوا كنّا نعمل لغير اللَّه تعالى فقيل لنا خذوا ثوابكم ممّن عملتم له »(4) .

وعن السكونيّ عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال قال النبيّ صلی الله علیه وآله : « إنّ الملك ليصعد بعمل

ص: 338


1- الكافي : 2/295 ، ح 11 ؛ بحار الأنوار : 69/289 ، ح 11 .
2- الكافي : 2/296 ، ح 14 ؛ بحار الأنوار : 69/290 ، ح 14 .
3- المحاسن : 1/255 ، ح 284 ؛ بحار الأنوار : 69/299 ، ح 35 .
4- علل الشرايع : 2/465 - 466 ، ح 18 ؛ بحار الأنوار : 69/296 ، ح 21 .

العبد مبتهجا به(1) فإذا صعد بحسناته يقول اللَّه عزّوجلّ إجعلوها في سجّين(2) إنّه ليس إيّاي أراد بها »(3) .

وعن عليّ بن عقبة عن أبيه قال سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : « إجعلوا أمركم هذا للَّه ولا تجعلوه للناس فإنّه ما كان للَّه فهو للَّه وما كان للناس فلا يصعد إلى اللَّه »(4) .

وروى الشيخ أبو محمّد جعفر بن أحمد بن عليّ القمّيّ نزيل الريّ في كتابه المنبى ء عن زهد النبيّ صلی الله علیه وآله عن عبد الواحد عمّن حدّثه عن معاذ بن جبل قال : قلت حدّثنى بحديث سمعته من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وحفظته من دقّة ما حدّثك به ، قال : نعم وبكى معاذ ثمّ قال : بأبي وأمّي حدّثني وأنا رديفه قال بينا نحن نسير إذ رفع بصره إلى السماء فقال : « الحمد للَّه الّذي يقضي في خلقه ما أحبّ » ثمّ قال : « يا معاذ » قلت : لبّيك يا رسول اللَّه إمام الخير ونبيّ الرحمة ، قال : « أحدّثك ما حدّث نبيّ أمّته إن حفظته نفعك عيشك وإن سمعته ولم تحفظه إنقطعت حجّتك عنداللَّه » ثمّ قال : « إنّ اللَّه خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السماوات فجعل في كلّ سماء ملكا قد جلّلها بعظمته وجعل على كلّ باب من أبواب السماوات ملكا بوّابا فتكتب الحفظة عمل العبد من حين يصبح إلى حين يمسي ثمّ ترتفع الحفظة بعمله وله نور كنور الشمس حتّى إذا بلغ سماء الدنيا فتزكّيه وتكثّره فيقول الملك قفوا وإضربوا

ص: 339


1- الإبتهاج : السرور . وقوله « يصعد بعمل العبد » أي يشرع في الصعود وقوله « فإذا صعد » أي تمّ صعوده ووصل إلى موضع يعرض فيه الأعمال على اللَّه تعالى ، وقوله « بحسناته » من قبيل وضع المظهر موضع المضمر ، تصريحا بأنّ العمل من جنس الحسنات ( آت ) .
2- أي اثبتوا تلك الأعمال ، أو الّتي تزعمون أنّها حسنات في ديوان الفجّار الّذي هو في سجّين كما قال تعالى : ( كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ )
3- الكافي : 2/294 ، ح 7 ؛ بحار الأنوار : 69/287 ، ح 7 .
4- الكافي : 2/293 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 69/281 ، ح 2 .

بهذا العمل وجه صاحبه أنا ملك الغيبة فمن إغتاب لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري أمرني بذلك ربّي » قال صلی الله علیه وآله : « ثمّ تجي ء الحفظة من الغد ومعهم عمل صالح فتمرّ به وتزكّيه وتكثّره حتّى يبلغ السماء الثانية فيقول الملك الّذي في السماء الثانية قفوا وإضربوا بهذا العمل وجه صاحبه إنّما أراد بهذا عرض الدنيا أنا صاحب الدنيا لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري » قال صلی الله علیه وآله : « ثمّ تصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا بصدقة وصلاة فتعجب به الحفظة وتجاوزه إلى السماء الثالثة فيقول الملك قفوا وإضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وظهره أنا ملك صاحب الكبر فيقول إنّه عمل وتكبّر فيه على الناس في مجالسهم أمرني ربّي أن لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري » قال : « وتصعد الحفظة بعمل العبد يزهر كالكوكب الدرّيّ في السماء له دويّ بالتّسبيح والصوم والحجّ فتمرّ به إلى ملك السماء الرابعة فيقول لهم الملك : قفوا وإضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وبطنه أنا ملك العجب إنّه كان يعجب بنفسه وإنّه عمل وأدخل نفسه العجب أمرني ربّي لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري » قال صلی الله علیه وآله : « وتصعد الحفظة بعمل العبد كالعروس المزفوفة إلى أهلها فتمرّ به إلى ملك السماء الخامسة بالجهاد والصلاة والصدقة ما بين الصلاتين ولذلك العمل رنين كرنين الإبل عليه ضوء كضوء الشمس فيقول الملك قفوا أنا ملك الحسد وإضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وإحملوا على عاتقه إنّه كان يحسد من يتعلّم أو يعمل للَّه بطاعته وإذا رأى لأحد فضلا في العمل والعبادة حسده ووقع فيه فيحملونه على عاتقه ويلعنه عمله » قال : « وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وحجّ وعمرة فيتجاوز إلى السماء السادسة فيقول الملك قفوا أنا صاحب الرحمة إضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وإطمسوا عينيه لأنّ صاحبه لم يرحم شيئا

ص: 340

إذا أصاب عبدا من عباد اللَّه ذنبا جذنب ج للآخرة أو ضرا جضرّج في الدنيا شمت به أمرني ربّي أن لا أدع عمله يجاوزني » قال : « وتصعد الحفظة بعمل العبد بفقه وإجتهاد وورع وله صوت كالرّعد وضوء كضوء البرق ومعه ثلاثة آلاف ملك فتمرّ به إلى ملك السماء السابعة فيقول الملك قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه أنا ملك الحجاب أحجب كلّ عمل ليس للَّه إنّه أراد رفعه عند القوّاد وذكرا في المجالس وصيتا في المدائن أمرني ربّي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري ما لم يكن للَّه خالصا » قال : « وتصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا به من صلاة وزكاة وصيام وحجّ وعمرة وحسن خلق وصمت وذكر كثير تشيّعه ملائكة السماوات والملائكة السبعة بجماعتهم فيطوف الحجب كلّها حتّى يقوموا بين يديه سبحانه فيشهدوا له بعمل ودعاء يقول اللَّه أنتم حفظة عمل عبدي وأنا رقيب على ما في نفسه إنّه لم يردني بهذا العمل ، عليه لعنتي فتقول الملائكة عليه لعنتك ولعنتنا » قال : ثمّ بكى معاذ قال قلت : يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ما أعمل ؟ قال : « إقتد بنبيّك يا معاذ في اليقين » قال قلت : أنت رسول اللَّه وأنا معاذ ، قال صلی الله علیه وآله : « إن كان في عملك تقصير يا معاذ فاقطع لسانك عن إخوانك وعن حملة القرآن ولتكن ذنوبك عليك لا تحمّلها على إخوانك ولا تزكّ نفسك بتذميم إخوانك ولا ترفع نفسك بوضع إخوانك ولا تراء بعملك ولا تدخل من الدنيا في الآخرة ولا تفحّش في مجلسك لكي يحذروك بسوء خلقك ولا تناج مع رجل وأنت مع آخر ولا تتعظّم على الناس فينقطع عنك خيرات الدنيا ولا تمزّق الناس فتمزّقك كلاب أهل النار قال اللَّه تعالى : ( وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً )(1) أ فتدري ما الناشطات ؟ كلاب أهل النار تنشط اللحم

ص: 341


1- سورة النازعات : 2 .

والعظم » قلت : ومن يطيق هذه الخصال ؟ قال : « يا معاذ أما إنّه يسير على من يسّره اللَّه عليه » قال : « وما رأيت معاذا يكثر تلاوة القرآن كما يكثر تلاوة هذا الحديث »(1) .

وعن الصادق علیه السلام : « من عمل حسنة سرّا كتبت له سرّا فإذا أقرّ بها محيت وكتبت جهرا فإذا أقرّ بها ثانيا محيت وكتبت رياء »(2) .

وفي مجموعة ورام : قال النبيّ صلی الله علیه وآله حين سأله رجل يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : فيم النجاة ؟ فقال : « أن لا يعمل العبد بطاعة اللَّه يريد بها الناس » .

وقال صلی الله علیه وآله : « إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر » قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول اللَّه ؟ قال : « الرياء يقول اللَّه عزّوجلّ يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم إذهبوا إلى الّذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء » ؟

وقال النبيّ صلی الله علیه وآله : « إنّ اللَّه لا يقبل عملا فيه مثقال ذرّة من رياء » .

وقال النبيّ صلی الله علیه وآله : « إنّ في ظلّ العرش يوم لا ظلّ إلّا ظلّه رجلا يتصدّق بيمينه فيكاد أن يخفيها عن شماله ولذلك ورد أنّ فضل عمل السرّ على عمل الجهر سبعين ضعفا » .

وقال صلی الله علیه وآله : « إنّ المرائي ينادي يوم القيامة يا فاجر يا غادر يا مرائي ضلّ عملك وحبط أجرك إذهب فخذ أجرك ممّن كنت تعمل له ورأى بعضهم رجلا يتطأطأ رقبته فقال يا صاحب الرقبة إرفع رقبتك ليس الخشوع في الرقاب وإنّما

ص: 342


1- عدّة الداعي : 242 ؛ بحار الأنوار : 81/352 ، ح 2 .
2- عدّة الداعي : 235 ؛ بحار الأنوار : 69/324 ، ذ ح 5 .

الخشوع في القلوب ورأى بعضهم رجلا في المسجد فبكى في سجوده فقال أنت أنت لو كان هذا في بيتك » .

وقال أمير المؤمنين علیه السلام : « للمرائي ثلاث علامات يكسل إذا كان وحده وينشط إذا كان في الناس ويزيد في العمل إذا أثني عليه وينقص إذا ذم » .

وسئل بعضهم فقال أحدنا يصطنع المعروف يحبّ أن يحمد به أو يؤجر فقال له أ تحبّ أن تمقت ؟ فقال : لا ، قال : فإذا عملت للَّه عملا فأخلصه .

ويقال إنّهم كانوا يراءون بما يعملون فصاروا اليوم يراءون بما لا يعملون .

وقال عكرمة : إن اللَّه يعطي العبد على نيّته ما لا يعطيه على عمله لأنّ النيّة لا رياء فيها(1) .

وعن محمّد بن عرفة قال قال لي الرضا علیه السلام : « ويحك يا إبن عرفة إعملوا لغير رياء ولا سمعة فإنّه من عمل لغير اللَّه وكله اللَّه إلى ما عمل ويحك ما عمل أحد عملا إلّا ردّاه اللَّه إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ »(2) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « من أظهر للناس ما يحبّ اللَّه وبارز اللَّه بما يكرهه جيكره ج لقي اللَّه وهو له ماقت »(3) .

وقال أبو عبداللَّه علیه السلام : « ما على أحدكم لو كان على قلّة جبل حتّى ينتهي إليه أجله أتريدون تراءون الناس إنّ من عمل للناس كان ثوابه على الناس ومن عمل

ص: 343


1- مجموعة ورام : 1/186 ؛ بحار الأنوار : 69/303 - 304 ، ح 50 - 51 ؛ عدّة الداعي : 228 .
2- الكافي : 2/294 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 69/284 ، ح 5 .
3- الزهد : 69 / ح 184 ؛ بحار الأنوار : 68/366 ، ح 15 .

للَّه كان ثوابه على اللَّه إنّ كلّ رياء شرك »(1) .

وقال أبو عبداللَّه علیه السلام : « كلّ رياء شرك إنّه من عمل للناس كان ثوابه على الناس ومن عمل للَّه كان ثوابه على اللَّه »(2) .

وعن النبيّ صلی الله علیه وآله قال : « إنّ النار وأهلها يعجّون من أهل الرياء » فقيل : يا رسول اللَّه كيف تعجّ النار ؟ قال : « من حرّ النار الّتي يعذّبون بها »(3) .

علاج الرياء

روي أنّ رجلا من بني إ سرائيل قال لأعبدنّ اللَّه عبادة أذكر بها - فمكث مدّة مبالغا في الطاعات وجعل لا يمرّ بملإ من الناس إلّا قالوا متصنّع مراء فأقبل على نفسه وقال قد أتعبت نفسك وضيّعت عمرك في لا شي ء فينبغي أن تعمل للَّه سبحانه فغير نيّته وأخلص عمله للَّه تعالى فجعل لا يمرّ بملإ من الناس إلّا قالوا ورع تقي(4) .

وكان عيسى علیه السلام يقول للحواريّين : إذا صام أحدكم صوما فليدهّن رأسه ولحيته ويمسح شفتيه بالزّيت لئلّا يرى الناس أنّه صائم وإذا أعطى بيمينه فليخف عن شماله وإذا صلّى فليرخ ستر بابه فإنّ اللَّه يقسم الثناء كما يقسم الرزق(5) .

وقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « إنّ في ظلّ العرش ثلاثة يظلّهم اللَّه بظلّه يوم لا ظلّ إلّا

ص: 344


1- علل الشرايع : 2/560 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 69/296 ، ح 23 .
2- الكافي : 2/293 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 69/281 ، ح 3 .
3- بحار الأنوار : 69/305 ، ذ ح 52 .
4- عدّة الداعي : 230 ؛ بحار الأنوار : 68/304 ، ذ ح 51 .
5- مجموعة ورّام : 1/187 ؛ عدّة الداعي : 234 ؛ بحار الأنوار : 67/250 ، ذ ح 25 .

ظلّه رجلان تحابّا في اللَّه وإفترقا عليه ورجل تصدّق بيمينه صدقة فأخفاها عن شماله ورجل دعته إمرأة ذات جمال فقال إنّي أخاف اللَّه ربّ العالمين »(1) .

وتوصل عبداللَّه بن الزبير إلى إمرأة عبداللَّه بن عمر وهي أخت المختار بن أبي عبيد الثقفي في أن تكلّم بعلها عبداللَّه بن عمر أن يبايعه فكلمته في ذلك وذكرت صلاته وقيامه وصيامه ، فقال لها : أ ما رأيت البغلات الشهب الّتي كنّا نراها تحت معاوية بالحجر إذا قدم مكة ؟ قالت : بلى ، قال : فإيّاها يطلب إبن الزبير بصومه وصلاته(2) .

وذكروا أن رجلا من قريش قال لأشعب الطمّاع : ما شكرت معروفي عندك . فقال له : إن معروفك كان من غير محتسب فوقع عند غير شاكر(3) .

نَسْأَلُ اللَّهَ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَ مُعَايَشَةَ السُّعَدَاءِ - وَ مُرَافَقَةَ الْأَنْبِيَاءِ

إ شارة إلى قوله تعالى : ( وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهَ ُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً )(4) .

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لا يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ - وَ إِنْ كَانَ ذَا مَالٍ عَنْ عِشِرَتِهِ

قال عليّ علیه السلام : « من يطل هن أبيه ينتطق به ، أي : من كثر بنو أبيه يتقوّى بهم »(5) .

ص: 345


1- عدّة الداعي : 234 .
2- شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : 1/326 .
3- عيون الأخبار لإبن قتيبة : 3/184 .
4- سورة النّساء : 69 .
5- تاج العروس من جواهر القاموس : 13/459 .

وَ دِفَاعِهِمْ عَنْهُ بِأَيْدِيهِمْ وأَلسِنَتِهِمْ

كان مهلهل صار إلى قبيلة من اليمن يقال لهم جنب فخطبوا إليه فزوّجهم وهو كاره لإغترابه عن قومه ، ومهروا إبنته أدما ، فقال :

أنكحها فقدها الأراقم(1) في * جنب وكان الحباء من أدم

لو بأبانين(2) جاء يخطبها * رمّل ما(3) أنف خاطب بدم(4)

وَ هُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً مِنْ وَرَائِهِ ژ

قال الشيباني : لمّا نزل محمّد بن أبي بكر مصر وصيّر إليه معاوية لعنه اللَّه عليه معاوية إبن خديج الكندي وتفرّق عن محمّد من كان معه فتغيّب دلّ عليه فأخذه وضرب عنقه وبعث برأسه إلى معاوية وكان أوّل رأس طيف به في الإسلام .

وكان محمّد إبن جعفر إبن طالب معه فاستجار باخواله من خثعم فغيّبوه وكان سيّد خثعم يومئذ رجلا في ظهره بزخ من كسر اصابه فكان إذا مشي ظنّ الجاهل انّه يتبختر في مشيّته فذكر لمعاوية انّه عنده فقال له أسم إلينا هذا الرجل فقال : إبن اختنا لجاء الينا لنحقن دمه فدعه عنك ، قال معاوية : واللَّه لا أدعه حتّى تأتيني به ، قال : لا واللَّه لا آتيك به ، قال : كذبت واللَّه لتأتيني به انّك ما علمت لأوره(5) قال :

ص: 346


1- الأراقم : حيّ من تغلب .
2- أَبانان : جبلان في البادية ، وقيل : هما جبلان أحدهما أسود والآخر أبيض ، فالأبيض لبني أسد ، والأسود لبني فزارة ، بينهما نهر يقال له الرمة ، بتخفيف الميم ، وبينهما نحو من ثلاثة أميال وهو إسم علم لهما .
3- ما ، زائدة .
4- عيون الأخبار لإبن قتيبة : 3/103 .
5- اوره : أي أحمق .

أجل انّي لاوره حين أقاتلك على إبن عمّك لأحقن دمه وأقدم إبن عمّى دونه تسفك دمه فسكت معاوية لعنه اللَّه وخلّى بينه وبينه(1) .

وَ أَلَمُّهُمْ لِشَعَثِهِ - وَ أَعْطَفُهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ نَازِلَةٍ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ

قال عليّ علیه السلام : « عشيرة الرجل خير للرجل من الرجل للعشيرة إنّ كفّ عنهم يدا واحدة كفّوا عنه أيديا كثيرة مع مودّتهم وحفاظهم ونصرتهم ، إنّ الرجل ليغضب للرجل لا يعرفه إلّا بنسبه . وسأتلوا عليكم في ذلك آيات من كتاب اللَّه عزّوجلّ فيما حكاه عن لوط : ( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ )(2) يعني العشيرة ولم يكن للوط عشيرة ، فو الّذي نفسي بيده ما بعث اللَّه نبيّا من بعد إلّا في ثروة من قومه ومنعة من عشيرته ، ثمّ ذكر شعيبا إذ قال له قومه ( إِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ )(3) وكان مكفوفا ، واللَّه ما هابوا إلّا عشيرته »(4) .

وفي ( الطبري ) - بعد ذكر قتل أصحاب معاوية لحجر وستة من أصحابه - فقال عبد الرحمن بن حسان العنزي وكريم بن عفيف الخثعمي : إبعثوا بنا إلى معاوية فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته ، فبعثوا إلى معاوية يخبرونه بمقالتهما فأجاز ، فأدخلا عليه فقال معاوية للخثعمي : ما تقول في عليّ ؟ قال : أقول فيه قولك ، أتبرّأ من دين عليّ الّذي كان يدين اللَّه به ، فسكت معاوية وكره أن يجيبه فقال شمر بن عبداللَّه من بني قحافة : هب لي إبن عمّي . فقال : هو لك .

ص: 347


1- العقد الفريد : 1/123 .
2- سورة هود : 80 .
3- سورة هود : 91 .
4- العقد الفريد : 2/208 فضل العشيرة .

قال : فخلّى سبيله على أن لا يدخل الكوفة ما كان له سلطان . فقال له : تخيّر بلدا ، فاختار الموصل ، وكان يقول : لو قد مات معاوية قدمت المصر ، فمات قبل معاوية بشهر ، ثمّ أقبل معاوية على العنزي فقال له : يا أخا ربيعة ما قولك في عليّ ؟ قال : دعني ولا تسألني . قال : لا أدعك . قال : أشهد أنّه كان من الذاكرين اللَّه كثيرا ومن الآمرين بالحقّ والقائمين بالقسط . قال : فما قولك في عثمان ؟ قال : هو أوّل من فتح باب الظلم وأرتج أبواب الحقّ . قال : قتلت نفسك . قال بل إيّاك قتلت « ولا ربيعة بالوادي » ، قال ذلك لأنّ شمر الخثعمي كلّم معاوية في كريم الخثعمي ولم يكن له أحد من قومه يكلّمه فيه ، فبعث به إلى زياد وقال له : إنّ هذا شرّهم فاقتله شرّ قتلة ، فدفنه زياد حيّا بقسّ الناطف(1) ، (2) .

وفيه : كان عبداللَّه بن خليفة الطائي شهد مع حجر فطلبه زياد فتوارى ، فبعث إليه الشرط فأخذوه فقالت أخته : يا معشر طيّ أ تسلمون سنانكم ولسانكم عبداللَّه بن خليفة فشدّ الطائيّون عليهم وإنتزعوه ، فرجعوا إلى زياد فأخبروه فوثب على عدي بن حاتم وهو في المسجد فقال : إئتنى بإبن خليفة .

فقال : هذا شي ء كان في الحيّ لا علم لي به . قال : واللَّه لتأتينّي به . قال : أجيئك بإبن عمّي تقتله ، واللَّه لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه ، فأمر به إلى السجن فلم يبق بالكوفة يماني ولا ربعي إلّا أتاه وكلّمه وقالوا تفعل هذا بعدي بن حاتم صاحب النبيّ صلی الله علیه وآله قال : فإنّي أخرجه على أن يخرج إبن عمّه عنّي فلا يدخل الكوفة ما دام لي بها سلطان . فقال عديّ لعبد اللَّه : إنّ هذا لجّ في أمرك فالحقّ

ص: 348


1- قس الناطف : موضع قرب الكوفة .
2- تاريخ الطبري : 4/206 ( ط . بيروت ) .

بالجبلّين(1) .

وروى أبو عبيدة قال كان الفرزدق لا ينشد بين يدي الخلفاء والأمراء إلّا قاعدا فدخل على سليمان بن عبدالملك يوما فأنشده شعرا فخر فيه بآبائه وقال من جملته :

تاللَّه ما حملت من ناقة رجلا

مثلي إذا الريح لفتني على الكور

فقال سليمان هذا المدح لي أم لك ؟ قال : لي ولك يا أمير المؤمنين فغضب سليمان وقال : قم فأتمم ولا تنشد بعده إلّا قائما ، فقال الفرزدق : لا واللَّه أو يسقط إلى الأرض أكثري شعرا ، فقال سليمان : ويلي على الأحمق إبن الفاعلة لا يكنّي وإرتفع صوته فسمع الضوضاء بالباب ، فقال سليمان : ما هذا قيل بنو تميم على الباب قالوا لا ينشد الفرزدق قائما وأيدينا في مقابض سيوفنا قال : فلينشد قاعدا(2) .

وَلِسَانُ الصِّدقِ يَجعَلُهُ اللَّهُ لِلمَرْءِ فِي النَّاسِ خَيرٌ لَهُ مِنَ المَالِ يَورِثُهُ غَيرَهُ

قال إبراهيم علیه السلام : ( وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ )(3) أي : ثناء حسنا ، وقال تعالى في نوح وإبراهيم وموسى وهارون وإلياس : ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ

ص: 349


1- تاريخ الطبري : 4/209 .
2- شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد : 16/128 .
3- سورة الشعراء : 84 .

عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ )(1) ، ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ )(2) ، ( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ )(3) أي : تركنا قول « سلام عليهم » في الآخرين .

وعن أبي كهمس قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « إذا أتيت عبداللَّه بن أبي يعفور فأقرئه السلام وقل له إنّ جعفر بن محمّد يقول لك : أنظر ما بلغ به عليّ علیه السلام عند رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فالزمه فإنّ عليّا علیه السلام إنّما بلغ ما بلغ به عند رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بصدق الحديث وأداء الأمانة »(4) .

وعن ربيع بن سعد قال : قال لي أبو جعفر علیه السلام : « يا ربيع إنّ الرجل ليصدق حتّى يكتبه اللَّه صدّيقا »(5) .

وقال المبرد - في الكامل - قال معاوية لإبن الأشعث بن قيس : ما كان جدّك قيس بن معد يكرب أعطى الأعشى ؟ فقال : أعطاه مالا وظهرا ورقيقا وأشياء أنسيتها . فقال معاوية : لكن ما أعطاكم الأعشى لا ينسى(6) .

ومنها : أَلا لا يَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ الْقَرَابَةِ يَرَى بِهَا الْخَصَاصَةَ - أَنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لا يَزِيدُهُ إِنْ أَمْسَكَهُ - وَ لا يَنْقُصُهُ إِنْ أَهْلَكَهُ

اشارة

عن إبن أبي نصر قال : قرأت في كتاب أبي الحسن الرضا إلى أبي جعفر 8 يا أبا جعفر بلغني أن الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير فإنّما ذلك من بخل

ص: 350


1- سورة الصافّات : 78 - 79 .
2- سورة الصافّات : 108 - 109 .
3- سورة الصافّات : 129 - 130 .
4- الكافي : 2/104 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 68/4 ، ح 5 .
5- الكافي : 2/105 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 68/6 ، ح 8 .
6- الأعلام ( خير الدين الزركلي ) : 5/208 .

منهم لئلّا ينال منك أحد خيرا وأسألك بحقّي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلّا من الباب الكبير فإذا ركبت فليكن معك ذهب وفضّة ثمّ لا يسألك أحد شيئا إلّا أعطيته ومن سألك من عمومتك أن تبرّه فلا تعطه أقلّ من خمسين دينارا والكثير إليك ومن سألك من عمّاتك فلا تعطها أقلّ من خمسة وعشرين دينارا والكثير إليك إنّي إنّما أريد بذلك أن يرفعك اللَّه فأنفق ولا تخش من ذي العرش إقتارا(1) .

وعن الحسين بن أيمن عن أبي جعفر علیه السلام قال قال : « يا حسين أنفق وأيقن بالخلف من اللَّه فإنّه لم يبخل عبد ولا امة بنفقة فيما يرضي اللَّه عزّوجلّ إلّا أنفق أضعافها فيما يسخط اللَّه عزّوجلّ »(2) .

وعن أبي جعفر علیه السلام قال : « إنّ الشمس لتطلع ومعها أربعة أملاك ملك ينادي يا صاحب الخير أتمّ وأبشر وملك ينادي يا صاحب الشرّ انزع وأقصر وملك ينادي أعط منفقا خلفا وآت ممسكا تلفا وملك ينضحها بالماء ولولا ذلك إ شتعلت الأرض »(3) .

فوائد صلة الرحم

وقال أمير المؤمنين علیه السلام : « البركة في مال من آتى الزكاة وواسي المؤمنين ووصل الأقربين »(4) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام : « صلة الأرحام تحسن الخلق وتسمح الكفّ وتطيب

ص: 351


1- الكافي : 4/43 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 93/121 ، ح 24 .
2- الكافي : 4/43 ، ح 7 ؛ وسائل الشيعة : 21/548 ، ح 27834 - 6 .
3- الكافي : 4/42 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة : 21/547 ، ح 27829 - 1 .
4- تحف العقول : 172 ؛ بحار الأنوار : 74/413 ، ح 38 .

النفس وتزيد في الرزق وتنسى في الأجل »(1) .

وقال أبو عبداللَّه علیه السلام : « صلة الرحم وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار »(2) .

وعن إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبداللَّه علیه السلام : « ما نعلم شيئاً يزيد في العمر إلّا صلة الرحم حتّى انّ الرجل يكون أجله ثلاث سنين فيكون وَصولاً للرحم فيزيد اللَّه في عمره ثلاثين سنة فيجعلها ثلاثاً وثلاثين سنة ، ويكون أجله ثلاثاً وثلاثين سنة ، فيكون قاطعاً للرحم فينقصه اللَّه ثلاثين سنة ويجعل أجله إلى ثلاث سنين »(3) .

والروايات في هذا الباب كثيرة ، وفيما رويناه كفاية إن شاء اللَّه .

وَ مَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ - فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ - وَ تُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ

اشارة

عن صعصعة بن صوحان : قال : عادني عليّ أمير المؤمنين علیه السلام في مرض ، ثمّ قال : « أنظر فلا تجعلن عيادتي إيّاك فخرا على قومك ، فإذا رأيتهم في أمر فلا تخرج منه ، فإنّه ليس بالرّجل غناء عن قومه ، إذا خلع منهم يدا واحدة يخلعون منه أيديا كثيرة ، فإذا رأيتهم في خير فأعنهم عليه ، وإذا رأيتهم في شرّ فلا تخذلنّهم ، وليكن تعاونكم على طاعة اللَّه ، فإنّكم لن تزالوا بخير ما تعاونتم على طاعة اللَّه ( تعالى ) ، وتناهيتم عن معاصيه »(4) .

ص: 352


1- الكافي : 2/151 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 71/114 ، ح 74 .
2- الكافي : 2/152 ، ح 14 ؛ بحار الأنوار : 71/120 ، ح 82 .
3- الكافي : 2/152 ، ح 17 ؛ بحار الأنوار : 71/121 ، ح 85 .
4- الأمالي للطوسي : 347 / م 12 ، ح 717 - 57 ؛ بحار الأنوار : 70/290 ، ح 11 .

وعن أبي جعفر علیه السلام قال قال أبو ذرّ 2 سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « حافتا الصراط - يوم القيامة الرحم والأمانة فإذا مرّ الوصول للرحم المؤدّي للأمانة نفذ إلى الجنّة وإذا مرّ الخائن للأمانة القطوع للرحم لم ينفعه معهما عمل وتكفّأ به الصراط في النار »(1) .

وَ مَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِهِ الْمَوَدَّةَ

قال تعالى : ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ )(2) .

عن أبي جعفر علیه السلام قال : « لمّا خرج أمير المؤمنين علیه السلام يريد البصرة نزل بالرّبذة(3) فأتاه رجل من محارب فقال يا أمير المؤمنين إنّي تحمّلت في قومي حمالة(4) وإنّي سألت في طوائف منهم المواساة والمعونة فسبقت إليّ ألسنتهم بالنّكد(5) فمرهم يا أمير المؤمنين بمعونتي وحثّهم على مواساتي فقال : أين هم ؟ فقال هؤلاء فريق منهم حيث ترى قال فنص(6) راحلته فادّلفت كأنّها

ص: 353


1- الكافي : 2/152 ، ح 11 ؛ بحار الأنوار : 8/67 ، 9 .
2- سورة آل عمران : 159 .
3- الربذة محرّكة موضع قرب المدينة ، مدفن أبي ذر الغفّاري . ومحارب : قبيلة ( في ) .
4- الحمالة بالفتح : ما يتحمّله الإنسان من غيره من دية أو غرامة ، مثل أن يقع حرب بين فريقين تسفك فيها الدماء فيدخل بينهم رجل فيتحمّل ديات القتلى ليصلح ذات البين . والتحمّل أن مجملها عنهم على نفسه ( آت ) .
5- أي بالشدّة والغلظ والعسر ( الح ) .
6- بالنّون والصاد المهملة أي حركها وإستقصى سيرها ( في ) .

ظليم(1) فادّلف بعض أصحابه في طلبها فلأْيا بلأْي ما لحقت(2) فانتهى إلى القوم فسلّم عليهم وسألهم ما يمنعهم(3) من مواساة صاحبهم ؟ فشكوه وشكاهم فقال أمير المؤمنين علیه السلام : « وصل امرؤ عشيرته(4) فإنّهم أولى ببرّه وذات يده ووصلت العشيرة أخاها إن عثر به دهر وأدبرت عنه دنيا فإنّ المتواصلين المتباذلين مأجورون وإنّ المتقاطعين المتدابرين موزورون » قال ثمّ بعث راحلته وقال : « حل »(5) ، (6) .

إلى هنا انتهى الجزء الثالث وأسأل اللَّه أن يوفّقني بمنّه

لإتمام هذا الشرح انّه سميع الدعاء قريب مجيب

الحمدالله رب العالمین

وصلی الله علی سیدنا محمد وعلی آله الطاهرین

ص: 354


1- أي مشت مشي المقيد وفوق الدّبيب كأنّها الذّكر من النّعام « فأدلف » أي تقدّم . « في طلبها » أي في طلب الرّاحلة وقيل : أي الجماعة المشهودين ، أو طلب بقية القوم والحاقهم بالمشهودين ( في ) .
2- اللأي كالسعي : الإبطاء والإحتباس وما مصدرية يعني فأبطا عليه السلام وإحتبس بسبب إبطاء لحوق القوم وفي بعض النسخ « فلايا » على التثنية بضمّ الرجل معه عليه السلام ، أو بالنّصب على المصدر ( في ) .
3- ما» إستفهامية وضمير الغائب في يمنعهم وصاحبهم لتغليب بيان الحكاية على زمان المحكي.
4- وصل امرؤ » أمر في صورة الخبر وكذا قوله : « وصلت العشيرة » والنكرة هنا للعموم نحوها في قولهم : « أنجز حرّ ما وعد » ( آت ) .
5- حل » في أكثر النسخ بالحاء المهملة : زجر للناقة إذا حثثتها على السير . وقيل : هو بالتّشديد أي حلّ العذاب على أهل البصرة لأنّه كان متوجّها إليهم ولا يخفى ما فيه وفي بعض النسخ بالخاء المعجمة أي خلّ سبيل الراحلة ، كأن السائل كان آخذا بغرز راحلته وهو المسموع عن المشايخ - رضي اللَّه عنهم - ( آت ) .
6- الكافي : 2/153 ، ح 18 ؛ بحار الأنوار : 32/132 ، ح 106 .

المصادر الکتاب

1 - إثباة الهداة بالنصوص والمعجزات : محمّد بن حسن ، الشيخ حرّ العاملى ، ( المتوفى 1104 ق ) ، 5 مجلد ، الأعلمي ، بيروت ، الأولى 1425 .

2- الاثنا عشريّة : الحرّ العاملى ، ( المتوفى 1104ق ) ، دار الكتب العلميّة ، قم .

3 - الاحتجاج على اهل اللجاج : ابو منصور احمد بن على بن ابى طالب طبرسى ، 2 مجلد ، مترجم : بهراد جعفرى ، دار الكتب الاسلامية ، طهران 1387 ش .

4 - الاحتجاج على أهل اللجاج : احمد بن على ، طبرسى ، ( المتوفى 588ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : محمد باقر خرسان ، نشر مرتضى ، مشهد ، الأولى 1403ق .

5 - احياء العلوم : أبو حامد محمّد الغزالي ، ( المتوفى 505ق ) ، دار المعرفة ، بيروت ، 4 مجلد .

6 - الاختصاص : محمد بن محمد المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، مصحح : على اكبر غفارى ومحمود حرمى زرندى ، المؤتمر العالمى للالفية الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .

ص: 355

7- الارشاد في معرفة حجج اللَّه على العباد : محمّد بن محمّد المفيد ، ( المتوفّى 413ق ) ، المصحّح : مؤسّسة آل البيت : ، المؤتمر للشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .

8- ارشاد القلوب الى الصواب للديلمى : حسن بن محمد ديلمى ، ( المتوفى 841ق ) ، 2 مجلد ، الشريف الرضى ، قم ، الأولى 1412ق .

9 - الاستيعاب : ابن عبدالبر ، القرن الخامس ، تحقيق : علي محمّد البجاوى ، بيروت ، دار الجيل ، الأولى 1412ق ، 1992م .

10 - اسد الغابة : ابن الأثير ، ( المتوفّى 630ق ) ، دار الكتاب العربي بيروت ، لبنان ، توضيحات : نشر إسماعيليان ، طهران .

11 - الاصابة : أحمد بن علي بن حجر العسقلانى ، ( المتوفى 852ق ) : تحقيق : عادل أحمد ، 8 مجلد ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الأولى 1415ق 1995م .

12 - الاصول الستة عشر : مصحح : ضياءالدين محمودى ونعمت اللَّه جليلى ومهدى غلامعلى ، مؤسسة دار الحديث الثقافية ، قم ، الأولى 1423ق .

13 - اعتقادات الامامية ( للصدوق ) محمد بن على بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الثانية 1414ق .

14 - الأعلام : خيرالدين الزركلى ، ( المتوفى 1410ق ) ، 8 مجلد ، دار العلم للملايين ، الخامسة 1980م .

15 - أعيان الشيعة : السيّد محسن الأمين ، ( المتوفى 1371ق ) ، 10 مجلد ، تحقيق : حسن الأمين ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، لبنان .

ص: 356

16 - الأغاني : ابن الفرج الاصفهاني ، ( المتوفّى 356 ) ، 25 جلد ، دار إحياء التراث العربي .

17 - الزام الناصب : ابن صلاح البحرانى ( المتوفى ق 9 ) ، تحقيق : الشيخ عبدالرضا النجفي ، الأولى 1420ق .

18 - الأمالي ( للصدوق ) : محمد بن على بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، الأعلمى بيروت ، الخامسة 1400ق - 1362ش .

19 - الأمالي ( للطوسي ) : محمد بن الحسن طوسى ، ( المتوفى 460ق ) ، 1 مجلد ، دار الثقافه ، قم ، الأولى 1414ق .

20 - الأمالي ( للمفيد ) : محمد بن محمد ، مفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : حسين استاد ولى وعلى اكبر غفارى ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .

21 - الامام الصادق علیه السلام والمذاهب الأربعة : أسد حيدر ، 8 مجلد ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، لبنان .

22 - الامامة والسياسة : ابن قتيبة الدينوري ، ( المتوفّى 276ق ) ، تحقيق : الزيني ، مؤسّسة الحلبى وشركاه للنشر والتوزيع .

23 - الامامة والسياسة المعروف بتاريخ الخلفاء : ابن قتيبة دينورى ، القرن الثالث ، تحقيق : على شيرى ، دار الأضواء ، بيروت ، الأولى 1410ق - 1990م .

24 - أنساب الأشراف : أحمد بن يحيى بن جابر البلاذرى ، ( المتوفى 279ق ) ، تحقيق : سهيل زكار ، رياض ، زركلى ، 13 مجلد ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الأولى .

ص: 357

25 - الأنوار النعمانيّة : السيّد نعمة اللَّه بن عبداللَّه الجزائرى ، ( المتوفى 1112ق ) ، 4 مجلد ، دار القارى ، بيروت ، الأولى 1429ق .

26 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار : محمّد باقر بن محمّد تقى مجلسى ، ( المتوفى 1110ق ) ، 111 مجلد ، دار احياء التراث العربي ، الثانية 1403ق .

27 - البرهان فى تفسير القرآن : سيد هاشم بن سليمان بحراني ، ( المتوفى 1107ق ) ، 5 مجلد ، مصحح : قسم الدراسات الاسلامية لمؤسسة البعثة ، مؤسسة البعثة ، قم ، الأولى 1374 ش .

28 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى : عماد الدين أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبرى الآملي ، ( المتوفى 553ق ) ، 1 مجلد ، المكتبة الحيدرية ، نجف الأشرف ، الثانية 1383ق .

29 - بصائر الدرجات في فضائل آل محمد : : محمد بن حسن صفار ، ( المتوفى 290ق ) ، مصحح : محسن بن عباسعلي كوچه باغي ، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي ، قم ، الثانية 1404ق .

30 - بلاغات النساء : ابن طيفور ، ( المتوفى 380ق ) ، مكتبة بصيرتي ، قمّ المقدّسة .

31 - بلاغة الامام على بن الحسين علیه السلام : جعفر عباس الحائرى ، دار الحديث للطباعة والنشر ، قم ، الأولى 1425ق 1383ش .

32 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة : محمّد تقي الشيخ الشوشتري ، ( المتوفى 1415ق - 1374ش ) ، مؤسّسة نشر أمير كبير ، الأولى 1376 شمسى .

ص: 358

33 - البيان والتبيين : الجاحظ ، ( المتوفى 255ق ) ، المكتبة التجاريّة الكبرى لصاحبها مصطفى محمّد ، مصر ، الأولى 1345ق 1926م .

34 - تأويل مختلف الحديث : ابن قتيبة الدينورى ، ( المتوفى 276ق ) ، دار الكتاب العلميّة ، بيروت .

35 - تاج العروس من جواهر القاموس : محمّد مرتضى حسينى زبيدى ، ( المتوى 1205ق ) ، تحقيق : على هلالى وسيرى على ، 20 مجلد ، دار الفكر ، بيروت ، الأولى 1414ق .

36 - تاريخ الاسلام : الذهبي ، ( المتوفى 748ق ) ، 52 مجلد ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، الأولى 1407ق 1987م .

37 - تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي ، ( المتوفى 463ق ) ، تحقيق : مصطفى عبدالقادر عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الأولى 1417ق - 1997 م .

38 - تاريخ الطبرى : محمد بن جرير الطبري ، 6 مجلد ، ( المتوفى 310ق ) ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت .

39 - تاريخ الطبرى : ابو جعفر محمد بن جرير الطبرى ، ( المتوفى 310ق ) ، تحقيق : محمّد ابوالفضل إبراهيم ، 11 مجلد ، بيروت ، دار التراث ، الثانية 1387ق 1967م .

40- تاريخ مدينة دمشق : ابن عساكر ، ( المتوفى 571ق ) ، 70 مجلد ، تحقيق : علي شيري ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، مطبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، چاپ 1415ق .

41 - تاريخ يعقوبى : أحمد بن أبى يعقوب المعروف باليعقوبى ، ( المتوفى بعد 292 ) ، بيروت ، دار صادر ، بى تا .

ص: 359

42 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة : علي الاسترآبادي ، ( المتوفى 940ق ) ، مصحح : حسين استاد ولي ، مؤسسة النشر الاسلامى ، قم ، الأولى 1409ق .

43 - تحف العقول : حسن بن علي ، ابن شعبة الحرّاني ، ( المتوفى قرن 4 ) ، 1 مجلد ، مصحح : علي أكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الثانية 1404ق - 1363ش .

44 - التذكرة الحمدونيّة : ابن حمدون ، ( المتوفى 562ق ) 10 مجلد ، تحقيق : احسان عبّاس ، دار صادر للطباعة والنشر ، بيروت ، الأولى 1996م .

45- تذكرة الخواص : سبط ابن جوزى ، ( المتوفى 654ق ) ، 1 مجلد ، منشورات الشريف الرضى ، قم ، 1418ق 1376ش .

46- تفسير الصافي : محمّد بن شاه مرتضى فيض كاشاني ، ( المتوفى 1091ق ) ، مكتبة الصدر ، طهران ، الثانية 1415ق .

47 - تفسير الثعلبى ( الكشف والبيان عن تفسير القرآن ) : الثعلبي ، ( المتوفى 427ق ) ، تحقيق : أبى محمد بن عاشور ، 5 مجلد ، دار احياء التراث العربى ، بيروت ، الأولى 1422ق 2002م .

48 - تفسير العياشي : محمّد بن مسعود العياشي ، ( المتوفى 320ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : السيّد هاشم رسولى المحلّاتى ، المطبعة العلمية ، طهران ، الأولى 1380 ق .

49 - تفسير فرات الكوفي : فرات بن ابراهيم كوفي ، ( المتوفى 307ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : محمد كاظم ، مؤسسة الطبع والنشر في وزارة الارشاد الاسلامي ، طهران ، الأولى 1410ق .

ص: 360

50 - تفسير القمي : علي بن ابراهيم القمي ، ( المتوفى القرن 3 الهجري ) ، مصحح : السيّد طيّب موسوى الجزائري ، 2 مجلد ، دار الكتاب ، قم ، الثالثة 1404ق .

51 - تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب اللَّه العزيز المحكم : السيد حيدر الآملي ، 2 مجلد ، تحقيق : السيد محسن الموسوي التبريزي ، مؤسسة الثقافي والنشر نور على نور ، الثالثة 1428 .

52 - التفسير المنسوب الى الامام الحسن العسكري علیه السلام : الشهادة 260 ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : مدرسة الإمام المهدي علیه السلام ، قم ، الأولى 1409ق .

53 - تفسير نور الثقلين عبد علي بن جمعة الحويزي ، ( المتوفى 1112ق ) ، 5 مجلدات ، اسماعيليان ، قم ، الرابعة 1415ق .

54 - تقريب التهذيب : ابن حجر ، ( المتوفى 852ق ) ، 2 مجلد ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الثانية 1415ق - 1995م .

55 - تقريب المعارف : تقى بن نجم ، ابو الصلاح الحلبى ، ( المتوفى 447ق ) ، مصحح : تبريزيان ( الحسون ) ، 1 مجلد ، الهادى ، قم ، الاولى 1404ق .

56 - التمحيص : ابن همام اسكافى ، ( المتوفى 336ق ) ، مدرسة الامام المهدى علیه السلام ، قم ، الأولى 1404ق .

57 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام : ورام بن أبي فراس ، مسعود بن عيسى ، ( المتوفى 605ق ) ، 2 مجلد ، مكتبة الفقيه ، قم ، الأولى 1410ق .

58 - التوحيد ( للصدوق ) : محمّد بن علي ، ابن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : هاشم الحسيني ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الأولى 1398ق .

ص: 361

59 - توضيح الرشاد فى تاريخ حصر الاجتهاد : آقا بزرگ الطهرانى ، ( المتوفى 1389ق ) ، تحقيق : محمد على الأنصارى ، 1401ق .

60 - تهذيب الأحكام : محمد بن الحسن ، طوسى ، ( المتوفى 460ق ) ، 10 مجلد ، مصحح : حسن الموسوى خرسان ، دار الكتب الاسلامية ، تهران ، الرابعة 1407ق .

61 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : محمد بن علي الصدوق ، ابن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، دار الشريف الرضي للنشر ، قم ، الثانية 1406ق .

62 - جامع الأخبار ( للشعيرى ) : محمد بن محمد شعيرى ، ( المتوفى القرن 6 ) ، مطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، الأولى .

63 - جامع البيان عن تأويل آى القرآن : محمّد بن جرير الطبرى ، ( المتوفى 310ق ) ، 30 مجلد ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، 1415ق 1995م .

64 - الجمل والنصرة لسيّد العترة في حرب البصرة : محمّد بن محمّد المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، تحقيق : على مير شريفى ، المؤتمر للشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .

65 - جواهر التاريخ ( السيرة النبويّة ) : الشيخ على الكورانى العاملى ، معاصر ، 3 مجلد ، باقيات ، الأولى 1430 .

66 - الجواهر السنية فى الأحاديث القدسيّة : محمّد بن حسن شيخ حرّ العاملي ، ( المتوفى 1104ق ) ، 1 مجلد ، انتشارات دهقان ، طهران ، الثالثة 1380ش .

67 - حلية الأولياء : أبو نعيم أحمد بن عبداللَّه الاصبهاني ، ( المتوفى 430ق ) ، 10 مجلد ، السعادة ، بجوار محافظة مصر ، 1394ق 1974م .

68 - الخرائج والجرائح : سعيد بن هبة اللَّه ، قطب الدين الراوندي ، ( المتوفى 573ق ) ، المصحح والناشر : مؤسسة الامام المهدي علیه السلام ، 3 مجلد ، قم ، الأولى 1409ق .

ص: 362

69 - الخصال : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : على اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الأولى 1362ش .

70 - الخلاف : الشيخ الطوسى ، ( المتوفى 460ق ) ، 6 مجلد ، مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ، 1414ق .

71 - دعائم الاسلام وذكر الحلال والحرام : نعمان بن محمد مغربى ، ابن حيون ، ( المتوفى 363ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : الفيضي ، آصف ، مؤسسة آل البيت : ، قم ، الثانية 1385ق .

72 - الدعوات للراوندي ، سلوة الحزين : سعيد بن هبة اللَّه ، قطب الدين الراوندي ، ( المتوفى 573ق ) ، 1 مجلد ، انتشارات مدرسة الإمام المهدي علیه السلام ، قم ، الأولى 1407ق.

73 - ربيع الأبرار ونصوص الأخبار : الزمخشرى ، ( المتوفى 538ق ) ، تحقيق : عبدالأمير مهنا ، 5 مجلد ، مؤسسة الأعلمى للمطبوعات ، بيروت ، الأولى 1412ق 1992م .

74 - رجال الكشي - اختيار معرفة الرجال : محمّد بن عمر الكشي ، ( المتوفى النصف الأوّل من القرن 4ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : محمّد حسن الطوسي ، حسن المصطفوي ، مؤسسه النشر لجامعة مشهد ، الأولى 1409ق .

75 - رجال الكشى ( مع تعليقات ميرداماد الاسترآبادى ) : محمّد بن عمر كشى ، ( المتوفى النصف الأوّل من القرن الرابع ) ، 2 مجلد ، مصحّح : رجائى ، مؤسسة آل البيت : ، قم ، الأولى 1363ش .

ص: 363

76 - روضة الواعظين وبصيرة المتعظين : محمّد بن أحمد ، فتال النيشابوري ، ( المتوفى 508ق ) ، 2 مجلد ، النشر الرضي ، قم ، الأولى 1375ش .

77 - رياض الأبرار فى مناقب الأئمّة الأبرار : سيد نعمة اللَّه بن عبداللَّه الجزائرى ، ( المتوفى 1112ق ) ، 3 مجلد ، مؤسسة التاريخ العربى ، بيروت ، الأولى 1427ق 2006م .

78 - زبدة التفاسير : الملا فتح اللَّه الكاشانى ، ( المتوفى 988ق ) ، 7 مجلد ، مؤسسة المعارف الاسلاميّة ، قم ، الأولى 1423ق .

79 - الزهد : حسين بن سعيد ، كوفى اهوازى ، ( المتوفى القرن الثالث ) ، مصحّح : غلامرضا عرفانيان يزدى ، 1 مجلد ، المطبعة العلميّة ، قم ، الثانية 1402ق .

80 - زهر الربيع : السيّد نعمة اللَّه بن عبداللَّه الجزائرى ، ( المتوفى 1112ق ) ، 1 مجلد ، مؤسسة العالميّة للتجليد ، بيروت ، الأولى 1421ق .

81 - السقيفة وفدك : الجوهرى ، ( المتوفى 323ق ) ، شركة الكتبى للطباعة والنشر ، بيروت ، لبنان ، الثانية 1413ق 1993م .

82 - سنن أبي داود : سليمان بن الأشعث السجستاني ، ( المتوفى 275ق ) ، 2 مجلد ، تحقيق : سعيد محمد اللحام ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، الأولى 1410ق - 1990م .

83 - سنن الدارمى : عبداللَّه بن الرحمن الدارمى ، ( المتوفى 255ق ) ، 2 مجلد ، مطبعة الاعتدال ، دمشق 1349 .

ص: 364

84 - السيرة النبوية : ابن هشام الحميري ، ( المتوفى 218ق ) ، 1 مجلد ، تحقيق : محمد محي الدين عبدالحميد ، مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده ، القاهرة ، 1383ق - 1963م .

85 - شرح أصول الكافي ( صدرا ) : محمّد بن ابراهيم ، صدرالدين الشيرازي ، 4 مجلد ( المتوفى 1050ق ) ، مصحح : محمد الخواجوي ، مؤسسة مطالعات و تحقيقات فرهنگى طهران ، الأولى 1383ش .

86 - شرح نهج البلاغة ( ابن ميثم ) : ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، ( قرن 7 ) ، 5 مجلد ، مكتبة نشر الكتاب ، الثانية 1362 ش .

87 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : عبدالحميد بن هبة اللَّه ، ابن أبي الحديد ، ( المتوفى 656ق ) ، مصحح : محمد ابوالفضل ، ابراهيم ، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي ، قم ، الأولى 1404ق .

88 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل : عبيداللَّه بن عبداللَّه الحسكاني ، ( المتوفى 490 ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : محمد باقر المحمودي ، التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الاسلامي ، مجمع احياء الثقافة الاسلامية ، طهران ، الأولى 1411ق .

89 - الصحاح : الجوهري ، ( المتوفى 393ق ) ، 6 مجلد ، تحقيق : احمد عبدالغفور العطار ، دار العلم للملايين ، بيروت ، الرابعة 1407ق - 1987م .

90 - صحيح مسلم : مسلم النيسابوري ، ( المتوفى 261ق ) ، 1 مجلد ، دار الفكر ، بيروت .

91 - الصراط المستقيم إلى مستحقى التقديم : على بن محمّد عاملى نباطى ، ( المتوفى 877ق ) ، 3 مجلد ، المكتبة الحيدريّة ، الأولى 1384ق .

ص: 365

92 - الطبقات الكبرى : ابن سعد ، ( المتوفى 230 ) ، 8 مجلد ، دار صادر ، بيروت .

93 - الطرائف في معرفة مذهب الطوائف : علي بن موسى ، ابن طاووس ، 2 مجلد ، ( المتوفى 664ق ) ، مصحح : على عاشور ، خيام ، قم ، الأولى 1400ق .

94 - عدّة الداعي ونجاح الساعي : احمد بن محمد ، ابن فهد حلي ، ( المتوفى 841ق ) ، مصحّح : احمد الموحدي القمي ، 1 مجلد ، دار الكتب الاسلاميّة ، الأولى 1407ق.

95 - العقد الفريد : شهاب الدين احمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسى ، ( المتوفى 328ق ) ، 8 مجلد ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الأولى 1404ق .

96 - علل الشرايع : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، 2 مجلّد مكتبة الداوري ، قم الأولى 1385ش .

97 - عمدة عيون صحاح الأخبار فى مناقب امام الأبرار : ابن البطريق ، ( المتوفى 600ق ) ، مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرفة ، جمادي الأولى 1407ق .

98 - عوالى اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية : محمد بن زين الدين ، ابن ابي جمهور ، ( المتوفى : زنده در سال 901ق ) ، 4 مجلد ، مصحح : مجتبى العراقي ، دار سيد الشهداء للنشر ، قم ، الأولى 1405ق .

99 - عيون الأخبار : ابن قتيبة الدينوري ، ( المتوفى 276ق ) ، 3 مجلد ، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية ، بيروت ، الثالثة 1414ق - 2003م .

100 - عيون أخبار الرضا علیه السلام : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : مهدي اللاجوردي ، 2 مجلّد ، جهان ، طهران ، الأولى 1378ق .

ص: 366

101 - الغارات : ابراهيم ثقفى ، ( المتوفى 283ق ) ، تحقيق : جلال الدين حسينى ارموى ، طهران ، انجمن آثار ملى ، 1353ش .

102 - غاية المرام : السيّد هاشم البحرانى ، ( المتوفى 1107ق ) ، تحقيق : السيّد على عاشور ، 7 مجلد .

103 - الغدير : الشيخ الأمينى ، ( المتوفى 1392ق ) ، 11 مجلد ، دار الكتاب العربى ، بيروت ، الثالثة 1387ق 1967م .

104 - غرر الخصائص الواضحة : ابو اسحاق برهان الدين محمد المعروف بالوطواط ، ( المتوفى 718ق ) ، 1 مجلد ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الأولى 1429ق 2008م .

105 - الغيبة ( للنعماني ) : ابن ابي زينب ، محمد بن ابراهيم ، ( المتوفى 360ق ) ، مصحح : على اكبر الغفاري ، نشر صدوق ، طهران ، الأولى 1397ق .

106 - فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب : علي بن موسى ، ابن طاووس ، ( المتوفى 664ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : حامد خفاف ، مؤسسه آل البيت : ، قم ، الأولى 1409ق .

107- الفتوح : ابو محمد احمد بن الأعثم الكوفي ، ( المتوفى 1314 ، تحقيق : على الشيري ، چاپ بيروت ، دار الأضواء ، الأولى 1411ق - 1991م .

108 - فرق الشيعة : الحسن بن موسى النوبختى .

109 - الفصول المختارة : محمّد بن محمّد، المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : علي الميرشريفي ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .

110 - قرب الاسناد (الطبعة الحديثة) : عبداللَّه بن جعفر الحميري ، نيمه دوم قرن 3ق ) ، المصحح والناشر : مؤسسه آل البيت : ، قم ، الأولى 1413ق .

ص: 367

111 - قصص الأنبياء (للراوندي) : سعيد بن هبة اللَّه ، قطب الدين الراوندي ، ( المتوفى 573 ق ) ، مصحح : غلامرضا العرفانيان اليزدي ، مركز پژوهش هاى اسلامى ، مشهد ، الأولى 1409 .

112، دار الكتب الاسلاميّة ، طهران ، الرابعة 1407ق .

113 - الكافية فى ابطال توبة الخاطئة ( الكافئة : محمّد بن محمّد المفيد ، ( المتوفى 1413ق ) ، مصحّح : زمانى نژاد ، 1 مجلد ، المؤتمر للشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق 1372ش .

114 - الكامل : عبداللَّه بن عدى الجرجانى ، ( المتوفى 365ق ) ، تحقيق : يحيى مختار غزاوى ، 7 مجلد ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، الثالثة ، محرم 1409ق 1988م .

115 - الكامل في التاريخ : ابن الأثير ، ( المتوفى 630ق ) ، 12 مجلد ، دار صادر للطباعة والنشر ، بيروت ، 1386ق - 1966م .

116- كتاب سليم بن قيس : سليم بن قيس الهلالى ، ( المتوفى 76ق ) ، مصحح : انصارى زنجانى ، محمد خوئينى ، 2 مجلد ، الهادى ، قم ، الاولى 1405ق .

117 - كشف الريبة : زين الدين بن على ، الشهيد الثانى ، ( المتوفى 966ق ) ، 1 مجلد ، دار المرتضوى للنشر ، بى جا ، الثالثة 1390ق .

ص: 368

118 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ( ط . القديمة ) ، يوسف : على بن عيسى الاربلي ، ( المتوفى : 692ق ) ، مصحّح : سيّد هاشم الرسولي المحلاتي ، بني هاشمي ، 2 مجلد ، تبريز ، الأولى 1381ق .

119 - كشف اللئام ( ط - ج ) : الفاضل الهندى ، ( المتوفى 1137ق ) ، 11 مجلد ، مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجماعة المدرسين بقمّ المشرّفة .

120 - كفاية الأثر في النص على الأئمّة الاثنى عشر : : علي بن محمد ، الخزاز الرازي ، ( المتوفى قرن 4 ، 1 مجلد ، مصحح : عبداللطيف الحسيني الكوهكمري ، بيدار ، قم ، 1401ق .

121 - كمال الدين وتمام النعمة : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : علي اكبر الغفاري ، 2 مجلد ، الإسلامية ، طهران ، الثانية 1395ق .

122 - كنز الفوائد : محمد بن علي الكراجكى ، ( المتوفى 449ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : عبداللَّه نعمه ، دار الذخائر ، قم ، الأولى 1410ق .

123 - الكنى والألقاب : الشيخ عبّاس القمّى ، ( المتوفى 1359ق ) 3 مجلد ، مكتبة الصدر ، طهران .

124 - لسان العرب : محمّد بن المكرّم ، ابن منظور ، ( المتوفى 711ق ) ، 15 مجلد ، مصحح : جمال الدين ، الميردامادي ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الثالثة 1414ق .

125 - مجمع الأمثال : الميدانى ، ( المتوفى 518ق ) ، 2 مجلد ، المعاونية الثقافية للآستانة الرضوية المقدسة ، آذر 1366ش .

ص: 369

126 - مجمع البحرين : فخرالدين بن محمد ، الطريحي ، ( المتوفى 1085ق ) ، 6 مجلد ، مصحح : احمد الحسيني الاشكوري ، المرتضوي ، طهران ، الثالثة 1375ش .

127 - مجمع البيان فى تفسير القرآن : فضل بن حسن الطبرسى ، ( المتوفى 548ق ) ، 10 مجلد ، ناصر خسرو ، طهران ، الثالثة 1372 .

128 - المحاسن : احمد بن محمد بن خالد البرقي ، ( المتوفى 274ق يا 280ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : جلال الدين ، المحدث ، دار الكتب الاسلامية ، قم ، الثانية 1371ق .

129 - المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء : الفيض الكاشاني ، ( المتوفى 1091ق ) ، 8 مجلد ، تحقيق : علي اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الثالثة .

130 - مختصر البصائر : حسن بن سليمان بن محمّد الحلّي ، ( المتوفى القرن الثامن ) ، 1 مجلد ، مؤسسة النشر الاسلامي ، قم ، الأولى 1421ق .

131- مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول : محمّد باقر بن محمد تقى المجلسي ، ( المتوفى 1110ق ) ، 26 مجلد ، مصحح : السيّد هاشم الرسولي المحلاتي ، دار الكتب الاسلامية ، طهران ، الثانية 1404ق .

132 - مراصد الاطّلاع على أسماء الأمكنة والبقاع : القطيعى البغدادى ، ( المتوفى 739ق ) 3 مجلد ، دار الجيل ، بيروت ، الأولى 1412ق .

133- مروج الذهب ومعادن الجوهر : المسعودي ، ( المتوفى 346ق ) ، منشورات دار الهجره ، قم 1404ق - 1363ش - 1984م .

134 - المسائل الصاغانيّة : الشيخ المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، تحقيق : السيّد محمّد القاضي ، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الثانية 1414ق 1993م .

ص: 370

135 - مستدركات أعيان الشيعة : حسن الأمين ، ( المتوفى 399ق ) ، 7 مجلد ، دار التعارف للمطبوعات ، المكتب شارع سوريا ، 1409ق 1989م .

136 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل : حسين بن محمد تقي ، النوري ، ( المتوفى 1320ق ) ، 28 مجلد ، مصحح و مؤسسة آل البيت : ، قم ، الأولى 1408ق .

137 - مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد : زين الدين على شهيد الثاني ( المتوفى 966ق ) ، 1 مجلد ، قم ، بصيرتى ، بى تا ، الأولى .

138 - مسند أحمد : أحمد بن حنبل ، ( المتوفى 241ق ) ، 6 مجلد ، دار صادر ، بيروت .

139 - مشارق أنوار اليقين في أسرار أميرالمؤمنين علیه السلام : رجب بن محمّد ، حافط البرسي ، ( المتوفى 813 ق ) ، تحقيق : على عاشور ، 1 مجلد ، أعلمى ، بيروت ، الأولى 1422ق .

140 - المصباح المنير : أحمد بن محمّد الفيومي ، ( المتوفى 770ق ) ، 2 مجلد ، مؤسسة دار الهجرة ، قم ، الثانية 1414ق .

141 - مصباح الشريعة ( ترجمة المصطفوى ) : منسوب به امام صادق علیه السلام : ( م 148ق ) ، 1 مجلد ، انحمن اسلامى حكمت وفلسفه ايران ، طهران ، 1360ش .

142 - مصباح الشريعة : منسوب به امام صادق علیه السلام ( م 148ق ) ، الأعلمى ، بيروت ، الأولى 1400ق .

143- مصباح المتهجّد : محمّد بن الحسن الطوسي ، ( المتوفى 460ق ) ، 2 مجلد ، مؤسسة فقه الشيعة ، بيروت ، الأولى 1411ق .

144 - معانى الأخبار : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : على اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، الأولى ، قم 1403ق .

ص: 371

145 - المعتبر : المحقّق الحلّي ، ( المتوفى 676ق ) ، 2 مجلد ، مؤسسة سيّد الشهداء علیه السلام ، قم .

146- معجم الأدباء : ياقوت الحموى ، ( المتوفى 626ق ) ، 7 مجلد ، دار الغرب الاسلامى ، بيروت ، الأولى 1414 ق 1993م .

147 - مععم الكبير : الطبراني، ( المتوفى 360ق ) ، دار احياء التراث العربي، 20 مجلّد .

148 - مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة : السيّد محمّد تقي النقوي القايني الخراساني ، معاصر ، 7 مجلد ، مكتبة المصطفوى ، طهران .

149 - مفردات الفاظ القران : حسين بن محمد ، الراغب الاصفهاني ، ( المتوفى 401ق ) ، 1 مجلد ، دار القلم ، الدار الشامية ، بيروت ، الأولى 1412ق .

150 - مقاتل الطالبيين : ابو الفرج الاصفهانى ، ( المتوفى 356ق ) ، تحقيق : سيد أحمد صقر ، بيروت ، دار المعرفة ، بى تا .

151 - مناقب آل أبي طالب : : محمّد بن على بن شهر آشوب المازندراني ، ( المتوفى 588ق ) ، 4 مجلد ، العلّامة ، قم ، الأولى 1379ش .

152 - من لا يحضره الفقيه : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : علي اكبر الغف،ارى ، 4 مجلد ، مؤسسة النشر الإسلامي ، الثانية ، قم 1413ق .

153 - منهاج البراعة : الميرزا حبيب اللَّه الهاشمي الخوئي ، ( المتوفى 1324ق ) ، 22 مجلد ، مصحح : علي العاشور ، دار احياء التراث العربى للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الأولى 1429ق - 2008 م .

154 - منية المريد : الشهيد الثانى ، ( ش 965ق ) ، تحقيق : رضا المختارى ، مكتب الأعلام الاسلامى ، الأولى 1409ق 1368ش .

ص: 372

155 - النهاية في غريب الحديث والأثر : مبارك بن محمد ، ابن الأثير الجزري ، ( المتوفى 606ق ) ، 5 مجلد ، مصحح : محمود محمد الطناحي ، اسماعيليان ، قم ، الرابعة 1367 ش .

156 - نهج الحق وكشف الصدق : حسن بن يوسف ، العلّامة الحلّي ، ( المتوفى 726ق ) ، 1 مجلد ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، الأولى 1982 م .

157 - نهج الفصاحة : كلمات القصار للنبى الأكرم صلی الله علیه وآله ، دنياى دانش ، طهران ، الرابعة 1382ش .

158 - هداية الأمّة إلى أحكام الأئمّة : الحرّ العاملى ( المتوفى 1104ق ) ، 8 مجلد ، مجمع البحوث الاسلاميّة ، مشهد ، ايران ، الأولى 1414ق .

159 - الوافي : محمد محسن بن شاه مرتضى ، الفيض الكاشاني ، ( المتوفى 1091ق ) ، 26 مجلد ، مكتبة الإمام اميرالمؤمنين علیه السلام ، اصفهان ، الأولى 1406ق .

160- وسائل الشيعة : محمد بن حسن ، شيخ حر العاملي ، ( المتوفى 1104ق ) ، مصحح : مؤسسه آل البيت : ، 30 مجلد ، الأولى 1409ق .

161 - وقعة صفين : نصر بن مزاحم المنقري ، ( المتوفى 212ق ) ، 1 مجلد : مصحح : عبدالسلام محمد ، هارون ، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى ، الأولى 1404ق .

ص: 373

المحتويات

4 - ومن خطبة له علیه السلام

( 5 - 21 )

بِنَا اهْتَدَيْتُمْ 5

الأئمّة من آل محمّد : هم نور اللَّه إلى يوم القيامة 8

الاعتقاد بالولاية شرط في استحقاق الثواب 10

وبنا انفجرتم عن السرار 11

مازلت انتظر بكم عواقب الغدر واتوسمكم بحيلة المفترين 12

وبصرنيكم صدق النية 12

أقمت لكم على سنن الحق في جواد المضلة 15

ما شككت في الحقّ مذ أريته 16

لم يوجس موسى خيفة على نفسه ، أشفق من غلبة الجهّال ودول الضلال 19

اليوم توافقنا على سبيل الحقّ والباطل 19

من وثق بماء لم يظمأ 21

ص: 374

5 - ومن كلام له علیه السلام لمّا قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وخاطبه العبّاس

وأبو سفيان بن حرب في أن يبايعا له بالخلافة

( 22 - 35 )

أَيُّهَا النَّاسُ شُقُّوا أَمْوَاجَ الْفِتَنِ 23

بِسُفُنِ النَّجَاةِ 24

أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاحٍ أَوِ اسْتَسْلَمَ فَأَرَاحَ 24

مُجْتَنِي الثَّمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كَالزَّارِعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ 26

فَإِنْ أَقُلْ يَقُولُوا حَرَصَ عَلَى الْمُلْكِ 27

وَ إِنْ أَسْكُتْ يَقُولُوا جَزِعَ مِنَ الْمَوْتِ 28

بَعْدَ اللَّتَيَّا وَ الَّتِي 30

وَ اللَّهِ لابْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ 30

بَلِ انْدَمَجْتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِهِ لاضْطَرَبْتُمْ اضْطِرَابَ الْأَرْشِيَةِ فِي الطَّوِيِّ الْبَعِيدَةِ 33

6 - ومن كلام له علیه السلام لمّا اشير عليه بألّا يتبع طلحة والزبير ولا يرصد لهما القتال

( 36 - 41 )

وَ لَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى الْحَقِّ الْمُدْبِرَ عَنْهُ وَ بِالسَّامِعِ الْمُطِيعِ الْعَاصِيَ الْمُرِيبَ أَبَداً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ مُنْذُ قَبَضَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا 37

تنبيهان 38

ص: 375

الاول : في ذكر نسب طلحة والزبير 38

الثاني : في سبب نقض طلحة والزبير بيعته علیه السلام 39

7 - ومن خطبة له علیه السلام

( 42 - 49 )

اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لِأَمْرِهِمْ مِلاكاً 42

وَ اتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً 44

فَبَاضَ وَ فَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ 45

وَ دَبَّ وَ دَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ 46

فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ وَ نَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ 47

فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ 48

8 - ومن كلام له علیه السلام : يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك

( 50 - 53 )

يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بَايَعَ بِيَدِهِ وَ لَمْ يُبَايِعْ بِقَلْبِهِ . . . 50

9 - ومن كلام له علیه السلام

( 54 - 58 )

وَ مَعَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْفَشَلُ 55

وَ لَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى نُوقِعَ وَ لا نُسِيلُ حَتَّى نُمْطِرَ 56

ص: 376

10 - ومن خطبة له علیه السلام وهي الخطبة العاشرة

( 59 - 61 )

وَ اسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَ رَجِلَهُ 59

وَ إِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي 60

11 - ومن كلام له علیه السلام لإبنه محمد بن الحنفية - لمّا أعطاه الراية

( 62 - 86 )

يوم الجمل 62

تَزُولُ الْجِبَالُ وَ لا تَزُلْ 62

أَعِرِ اللَّهَ جُمْجُمَتَكَ 62

تِدْ فِي الْأَرْضِ قَدَمَكَ 63

ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى الْقَوْمِ 63

خروج عايشة من البصرة 63

تبصرة 64

وَ اعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ 72

قصّة الجمل إجمالا بما يناسب المقام 75

12 - ومن كلام له علیه السلام لمّا أظفره اللَّه بأصحاب الجمل ، وقد قال له بعض أصحابه

( 87 - 97 )

وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلاناً كَانَ شَاهِدَنَا . . . 87

ص: 377

لمّا اظفره اللَّه بأصحاب الجمل 88

وَ قَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ - وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلاناً كَانَ شَاهِدَنَا - لِيَرَى مَا نَصَرَكَ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِكَ - فَقَالَ لَهُ علیه السلام : أَ هَوَى أَخِيكَ مَعَنَا فَقَالَ نَعَمْ - قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا 89

وَ لَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هَذَا أَقْوَامٌ فِي أَصْلابِ الرِّجَالِ - وَ أَرْحَامِ النِّسَاءِ - 92

سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ وَ يَقْوَى بِهِمُ الإِيمَانُ 92

تنبيه 94

لطيفة مناسبة للمقام 96

13 - ومن كلام له علیه السلام في ذمّ أهل البصرة وأهلها

( 98 - 132 )

كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ 99

وَ أَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ 101

رَغَا فَأَجَبْتُمْ 103

وَ عُقِرَ فَهَرَبْتُمْ 104

أَخْلاقُكُمْ دِقَاقٌ 107

وَ دِينُكُمْ نِفَاقٌ 107

وأمّا الأخبار 109

وَ مَاؤُكُمْ زُعَاقٌ 111

الْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ وَالشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ 111

لمشاركته إيّاهم في الذنوب أو يراها ولا ينكرها 111

ص: 378

كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَ مِنْ تَحْتِهَا وَ غَرِقَ مَنْ فِي ضِمْنِهَا 115

وَ فِي رِوَايَةٍ وَ ايْمُ اللَّهِ لَتَغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ وَ فِي رِوَايَةٍ كَجُؤْجُؤِ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ 116

تنبيهان 116

14 - ومن كلام له علیه السلام في مثل ذلك

( 133 - 134 )

أَرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَاءِ بَعِيدَةٌ مِنَ السَّمَاءِ 133

خَفَّتْ عُقُولُكُمْ وَ سَفِهَتْ حُلُومُكُمْ 134

15 - ومن كلام له علیه السلام فيما ردّه على المسلمين من قطائع عثمان

( 135 - 137 )

وَ اللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ . . . 135

16 - ومن خطبة له علیه السلام لمّا يوبع بالمدينة

( 138 - 188 )

إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ الْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْمَثُلاتِ 139

حَجَزَتْهُ التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ 140

أَلا وَ إِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيِّكُم 9 141

ص: 379

حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاكُمْ وَ أَعْلاكُمْ أَسْفَلَكُمْ 144

وَ لَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا 145

وَ لَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا كالزّبير 146

وَ اللَّهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً وَ لا كَذَبْتُ كِذْبَةً 146

وَ لَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وَ هَذَا الْيَوْمِ 148

أَلا وَ إِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وَ خُلِعَتْ لُجُمُهَا فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي النَّارِ 150

أَلا وَ إِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا - وَ أُعْطُوا أَزِمَّتَهَا فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ 156

آثار وفوائد التقوى 157

حَقٌّ وَ بَاطِلٌ 164

وَ لِكُلٍّ أَهْلٌ 164

فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ 164

وَ لَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ فَلَرُبَّمَا وَ لَعَلَّ 165

وَ لَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيْ ءٌ فَأَقْبَلَ 165

وأمات هامان - وأهلك فرعون 168

على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم 168

شُغِلَ مَنِ الْجَنَّةُ وَ النَّارُ أَمَامَهُ 168

سَاعٍ سَرِيعٌ نَجَا 170

وَ طَالِبٌ بَطِي ءٌ رَجَا 170

وَ مُقَصِّرٌ فِي النَّارِ هَوَى 170

ص: 380

الْيَمِينُ وَ الشِّمَالُ مَضَلَّةٌ وَ الطَّرِيقُ الْوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ 171

عَلَيْهَا بَاقِي الْكِتَابِ 174

وَ آثَارُ النُّبُوَّةِ 174

وَ مِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ وَ إِلَيْهَا مَصِيرُ الْعَاقِبَةِ 174

هَلَكَ مَنِ ادَّعَى وَ خابَ مَنِ افْتَرى 176

مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ 177

لا يَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ أَصْلٍ 177

وَ لا يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ 178

وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ 178

شرايط التوبة وآدابها 181

في كيفيّة التوبة 182

التائب وأقسامه 186

وَ لا يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلّا رَبَّهُ 187

وَ لا يَلُمْ لائِمٌ إِلّا نَفْسَهُ 187

17 - و من كلام له علیه السلام في صفة من يتصدى للحكم بين الأمة وليس لذلك بأهل

( 189 - 231 )

إنَّ أَبْغَضَ الْخَلائِقِ إِلَى اللَّهِ رَجُلانِ رَجُلٌ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ 190

فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ 190

مَشْغُوفٌ 190

ص: 381

بِكَلامِ بِدْعَةٍ 191

وَ دُعَاءِ ضَلالَةٍ 191

فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ 192

ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ 193

مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَ بَعْدَ وَفَاتِهِ 194

حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ 195

رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ 196

وَ رَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ الأُمَّةِ - عَادٍ فِي أَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ 196

عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ 197

قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِماً وَ لَيْسَ بِهِ 198

بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ 199

حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ وَ اكْتَنَزَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ 200

جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ 201

جواز حكم قاضي التحكيم 203

فان نَزلَت بِهِ إِحدَى الْمُبهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشواً رَثّاًمِن رَأيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ 203

فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ 211

لا يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ - فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ - وَ إِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ 211

جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالاتٍ عَاشٍ رَكَّابُ عَشَوَاتٍ 212

لَمْ يَعَضَّ عَلَى الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ 213

ص: 382

يَذْرُو الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمَ 215

لا مَلِيٌّ وَ اللَّهِ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ - وَ لا أَهْلٌ لِمَا قُرِّظَ بِهِ 215

لا يَحْسَبُ الْعِلْمَ فِي شَيْ ءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ 220

وَ لا يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَباً لِغَيْرِهِ 220

وَ إِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ - لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ 220

تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ - وَ تَعَجُّ مِنْهُ الْمَوَارِيثُ 223

إِلَى اللَّهِ أَشْكُو - مِنْ مَعْشَرٍ يَعِيشُونَ جُهَّالاً وَ يَمُوتُونَ ضُلَّالاً 225

لَيْسَ فِيهِمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاوَتِهِ 227

وَ لا سِلْعَةٌ أَنْفَقُ بَيْعاً - وَ لا أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ 227

وَ لا عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَ لا أَعْرَفُ مِنَ الْمُنْكَرِ 230

18 - ومن كلام له علیه السلام في ذمّ إختلاف العلماء في الفتيا

( 232 - 248 )

تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ الْقَضِيَّةُ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ - فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِهِ - ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ - فَيَحْكُمُ فِيهَا بِخِلافِ قَوْلِهِ 233

ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْقُضَاةُ بِذَلِكَ عِنْدَ الإِمَامِ الَّذِي اسْتَقْضَاهُمْ - فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً 233

وَ إِلَهُهُمْ وَاحِدٌ - وَ نَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ وَ كِتَابُهُمْ وَاحِدٌ 234

أَ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالِاخْتِلافِ فَأَطَاعُوهُ - أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ 234

أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً نَاقِصاً - فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ 234

أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى 236

ص: 383

أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً تَامّاً - فَقَصَّرَ الرَّسُولُ صلی الله علیه وآله عَنْ تَبْلِيغِهِ وَ أَدَائِهِ - وَ اللَّهُ 236

سُبْحَانَهُ يَقُولُ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ - وَقال : فِيهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْ ءٍ 236

وَ ذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً - وَ أَنَّهُ لا اخْتِلافَ فِيهِ - فَقَالَ سُبْحَانَهُ 239

وَ إِنَّ الْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ وَ بَاطِنُهُ عَمِيقٌ 239

وَ لا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلّا بِهِ 242

19 - ومن كلام له علیه السلام قاله للأشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة يخطب ،

فمضى في بعض كلامه شي ء إعترضه الأشعث فيه فقال :

يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك . فخفض علیه السلام إليه بصره ثمّ قال

( 249 - 270 )

مَا يُدْرِيكَ مَا عَلَيَّ مِمَّا لِي 250

عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ 253

وَ لَعْنَةُ اللّاعِنِينَ 255

حَائِكٌ ابْنُ حَائِكٍ 255

مُنَافِقٌ ابْنُ كَافِرٍ 259

وَ اللَّهِ لَقَدْ أَسَرَكَ الْكُفْرُ مَرَّةً وَ الإِسْلامُ أُخْرَى 265

وأمّا الأسر الثاني في الإسلام 265

فَمَا فَدَاكَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَالُكَ وَ لا حَسَبُكَ 269

وَ إِنَّ امْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ السَّيْفَ - وَ سَاقَ إِلَيْهِمُ الْحَتْفَ - لَحَرِيٌّ أَنْ يَمْقُتَهُ الْأَقْرَبُ وَ لا يَأْمَنَهُ الْأَبْعَدُ 270

ص: 384

20 - ومن خطبة له علیه السلام

( 271 - 302 )

فَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ - لَجَزِعْتُمْ وَ وَهِلْتُمْ وَ سَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ 271

ما يرى الإنسان عند الموت 272

فمن الآيات 272

أمّا المؤمنون 272

وأمّا الكفّار 274

وأمّا الأخبار 274

ما يرى الإنسان بعد الموت 279

وَ لَكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا 285

وَ قَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ الْحِجَابُ 286

وَ لَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ 289

وَ أُسْمِعْتُمْ إِنْ سَمِعْتُمْ - وَ هُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ 289

وَ بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ لَقَدْ جَاهَرَتْكُمُ الْعِبَرُ 290

وَ زُجِرْتُمْ بِمَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ 293

وَ مَا يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ بَعْدَ رُسُلِ السَّمَاءِ إِلّا الْبَشَرُ 295

21 - ومن خطبة له علیه السلام

( 303 - 308 )

فَإِنَّ الْغَايَةَ أَمَامَكُمْ 303

ص: 385

وَ إِنَّ وَرَاءَكُمُ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ 303

تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا 305

فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ 308

22 - ومن خطبة له علیه السلام

( 309 - 322 )

أَلا وَ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ذَمَّرَ حِزْبَهُ وَ اسْتَجْلَبَ جَلَبَهُ لِيَعُودَ الْجَوْرُ إِلَى أَوْطَانِهِ وَ يَرْجِعَ الْبَاطِلُ إِلَى نِصَابِهِ 310

وَ اللَّهِ مَا أَنْكَرُوا عَلَيَّ مُنْكَراً 310

وَ لا جَعَلُوا بَيْنِي وَ بَيْنَهُمْ نَصِفاً 310

وَ إِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً هُمْ تَرَكُوهُ وَ دَماً هُمْ سَفَكُوهُ 312

فَلَئِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ لَهُمْ لَنَصِيبَهُمْ مِنْهُ 313

وَ لَئِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُونِي فَمَا التَّبِعَةُ إِلّا عِنْدَهُمْ - وَ إِنَّ أَعْظَمَ حُجَّتِهِمْ لَعَلَى أَنْفُسِهِمْ 314

يَرْتَضِعُونَ أُمّاً قَدْ فَطَمَتْ 315

وَ يُحْيُونَ بِدْعَةً قَدْ أُمِيتَتْ 315

يَا خَيْبَةَ الدَّاعِي مَنْ دَعَا 315

وَ إِلى أُجِيبَ 316

وَ إِنِّي لَرَاضٍ بِحُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَ عِلْمِهِ فِيهِمْ 317

فَإِنْ أَبَوْا أَعْطَيْتُهُمْ حَدَّ السَّيْفِ 318

وَ كَفَى بِهِ شَافِياً مِنَ الْبَاطِلِ وَ نَاصِراً لِلْحَقِّ 319

ص: 386

وَ مِنَ الْعَجَبِ بَعْثُهُمْ إِلَيَّ أَنْ أَبْرُزَ لِلطِّعَانِ وَ أَنْ أَصْبِرَ لِلْجِلادِ - هَبِلَتْهُمُ الْهَبُولُ - لَقَدْ كُنْتُ وَ مَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ وَ لا أُرْهَبُ بِالضَّرْبِ وَ إِنِّي لَعَلَى يَقِينٍ مِنْ رَبِّي وَغَيْرِ شُبْهَةٍ مِنْ دِينِي 319

اليقين أفضل الكمالات النفسيّة 319

23 - ومن خطبة له علیه السلام

( 323 - 354 )

أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْأَمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ - كَقَطَرَاتِ الْمَطَرِ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا قُسِمَ لَهَا - مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ 324

فَإذَا رَأى أحَدُكُم لأخِيهِ غَفِيرَةً فِي أهلٍ أو مَالٍ أو نَفسٍ فَلا تَكُونَنَّ لَهُ فِتنَة 325

فَإِنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَةً تَظْهَرُ - فَيَخْشَعُ لَهَا إِذَا ذُكِرَتْ 325

وَ تُغْرَى بِهَا لِئَامُ النَّاسِ 327

كَانَ كَالْفَالِجِ الْيَاسِرِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ - مِنْ قِدَاحِهِ تُوجِبُ لَهُ الْمَغْنَمَ وَيُرْفَعُ بِهَا عَنْهُ الْمَغْرَمُ 328

وَ كَذَلِكَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ الْبَرِي ءُ مِنَ الْخِيَانَةِ - يَنْتَظِرُ مِنَ اللَّهِ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ - إِمَّا دَاعِيَ اللَّهِ فَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لَهُ 328

وَ إِمَّا رِزْقَ اللَّهِ فَإِذَا هُوَ ذُو أَهْلٍ وَ مَالٍ - وَ مَعَهُ دِينُهُ وَ حَسَبُهُ 329

إِنَّ الْمَالَ وَ الْبَنِينَ حَرْثُ الدُّنْيَا 331

وَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ حَرْثُ الْآخِرَةِ 331

وَ قَدْ يَجْمَعُهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِأَقْوَامٍ 333

فَاحْذَرُوا مِنَ اللَّهِ مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِهِ 333

ص: 387

وَ اخْشَوْهُ خَشْيَةً لَيْسَتْ بِتَعْذِيرٍ 334

وَاعمَلُوا فِي غَيرِ ريَاءٍ وَلاسُمعَةٍ فَانَّهُ مَن يَعمَل لِغَيرِ اللَّهِ يَكِلهُ اللَّهُ لِمَن عَمِلَ لَه 335

علاج الرياء 344

نَسْأَلُ اللَّهَ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَ مُعَايَشَةَ السُّعَدَاءِ - وَ مُرَافَقَةَ الْأَنْبِيَاءِ 345

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لا يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ - وَ إِنْ كَانَ ذَا مَالٍ عَنْ عِشِرَتِهِ 345

وَ دِفَاعِهِمْ عَنْهُ بِأَيْدِيهِمْ وأَلسِنَتِهِمْ 346

وَ هُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً مِنْ وَرَائِهِ ژ 346

وَ أَلَمُّهُمْ لِشَعَثِهِ - وَ أَعْطَفُهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ نَازِلَةٍ إِذَا نَزَلَتْ بِهِ 347

وَلِسَانُ الصِّدقِ يَجعَلُهُ اللَّهُ لِلمَرْءِ فِي النَّاسِ خَيرٌ لَهُ مِنَ المَالِ يَورِثُهُ غَيرَهُ 349

ومنها : أَلا لا يَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ الْقَرَابَةِ يَرَى بِهَا الْخَصَاصَةَ - أَنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لا يَزِيدُهُ إِنْ أَمْسَكَهُ - وَ لا يَنْقُصُهُ إِنْ أَهْلَكَهُ 350

فوائد صلة الرحم 351

وَ مَنْ يَقْبِضْ يَدَهُ عَنْ عَشِيرَتِهِ - فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْهُ عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ - وَ تُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْهُ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ 352

وَ مَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُهُ يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِهِ الْمَوَدَّةَ 353

المصادر 355

المحتويات 374

ص: 388

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.