مصباح السعادة في شرح النهج البلاغة المجلد 2

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الموسوي آل طيب، السيد محمدكاظم، 1331-

عنوان العقد:نهج البلاغة. وصف

Nhjol-Balaghah. Commantries

عنوان واسم المؤلف: مصباح السعادة في شرح النهج البلاغة المجلد 2 [علي بن أبي طالب (علیه السلام)]/ مولف السيد محمدكاظم الموسوي آل طيب.

تفاصيل المنشور: قم: دارالتفسیر، 1440ق.= 1397.

مواصفات المظهر:8ج

ISBN:ج.6 978-964-535-716-8 :

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: عربي.

ملاحظة:ج.6 (چاپ اول: 1442 ق = 1399) (فیپا).

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق -- خطب

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- *Public speaking

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق. -- کلمات قصار

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- Quotations

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغة -- النقد والتعليق

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah -- Criticism and interpretation

المعرف المضاف: علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق . نهج البلاغة. وصف

المعرف المضاف:Ali ibn Abi-talib, Imam I Commantries.. Nahjol - Balaghah

ترتيب الكونجرس: BP38/02/م83 1397

تصنيف ديوي: 297/9515

رقم الببليوغرافيا الوطنية:5402095

معلومات التسجيلة الببليوغرافية: FIPA

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

1- ومن خطبة له عليه السلام وهي المعروفة بالشقشقية

اشارة

أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابن أبي قُحَّافَة وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ ، وَ لا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً ، وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً ، وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ ، يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ ، وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ ، وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ ، فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى ، وَ فِي الْحَلْقِ شَجاً ، أَرَى تُرَاثِي نَهْباً ، حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ ، فَأَدْلَى بِهَا إِلَى ابن الخطَّاب بَعْدَهُ ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الْأَعْشَى : شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا وَ يَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِر . فَيَا عَجَباً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ ، إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ، لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا، فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ ، يَغْلُظُ كَلْمُهَا ، وَ يَخْشُنُ مَسُّهَا ، وَ يَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا ، وَ الِاعْتِذَارُ مِنْهَا، فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ ، إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ ، وَ إِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ ، فَمُنِيَ النَّاسُ لَعَمْرُ اللَّهِ بِخَبْطٍ وَ شِمَاسٍ ، وَ تَلَوُّنٍ وَ اعْتِرَاضٍ ، فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ ، وَ شِدَّةِ الْمِحْنَةِ ، حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ ، جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ ، فَيَا لَلَّهِ وَ لِلشُّورَى ، مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ ، حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ ، لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَ طِرْتُ إِذْ طَارُوا ، فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ ، وَ مَالَ الْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَ هَنٍ ، إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ، نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَ مُعْتَلَفِهِ ، وَ قَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ خِضْمَةَ الإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ ، إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ ، وَ أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ ، وَ كَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ، فَمَا رَاعَنِي إِلّا وَ النَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ ، يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ، حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ ، وَ شُقَّ عِطْفَايَ،

ص: 5

مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ ، فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَ مَرَقَتْ أُخْرَى وَ قَسَطَ آخَرُونَ ، كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ حيث يَقُولُ : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(1) بَلَى وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَ وَعَوْهَا ، وَ لَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَ رَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا ، أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ ، وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ ، لَوْ لا حُضُورُ الْحَاضِرِ ، وَ قِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ ، وَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَ لا سَغَبِ مَظْلُومٍ ، لأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا ، وَ لأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ .

قَالُوا : وَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ فَنَاوَلَهُ كِتَاباً ، ج قِيلَ إِنَّ فِيهِ مَسَائِلَ كَانَ يُرِيدُ الإِجَابَةَ عَنْهَا ج فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ فِيهِ ، جفَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ ج قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوِ اطَّرَدَتْ خُطْبَتُكَ مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ ، فَقَالَ : هَيْهَاتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَوَاللَّهِ مَا أَسَفْتُ عَلَى كَلامٍ قَطُّ كَأَسَفِي عَلَى هَذَا الْكَلامِ أَلّا يَكُونَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع بَلَغَ مِنْهُ حَيْثُ أَرَادَ .

ص: 6


1- سورة القصص : 83 .

تعريف الخطبة

أقول : ورواها الصدوق - المتوفى : 329 - في علله في باب (122 - باب العلّة التي من أجلها ترك أميرالمؤمنين علیه السلام مجاهدة أهل الخلاف) : عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمّه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن أبي عبداللَّه البرقي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبان بن تغلب عن عكرمة عن ابن عباس(1) .

ورواها في معانيه في «باب معاني خطبة لأميرالمؤمنين علیه السلام» مثله وزاد اسنادا آخر (محمد بن إبراهيم بن إ سحاق الطالقاني 2 قال : حدثنا عبدالعزيز بن يحيى الجلودي قال : حدثنا أبو عبداللَّه احمد بن عمار بن خالد قال : حدثنا يحيى بن عبدالحميد الحماني قال : حدثنا عيسى بن راشد عن علي بن خزيمة عن عكرمة عن ابن عباس(2) .

وقال المفيد في ارشاده : وروى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عباس قال : كنت عند أميرالمؤمنين علیه السلام بالرحبة فذكرت الخلافة وتقدم من تقدم عليه فيها فتنفس الصعداء ثم قال : . . .(3) .

وقال ؛ في جملة : فاما خطبته علیه السلام التي رواها عنه عبداللَّه بن عباس ؛ فهي أشهر من أن ندل عليها ونتحمل لثبوتها وهي التي يقول في أوّلها : أما واللَّه لقد

ص: 7


1- علل الشرائع : 1/150 ، ح 12 .
2- معاني الأخبار : 361 .
3- الإرشاد : 1/287 .

تقمصها ابن أبي قحافة - الخ(1) .

وروى الشيخ ؛ عن الحفار ، قال : حدثنا أبوالقاسم الدعبلي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا أخي دعبل ، قال : حدثنا محمّد بن سلامة الشامي ، عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفر محمّد بن علي 8 ، عن ابن عباس وعن محمد ، عن أبيه ، عن جدّه :، قال : ذكرت الخلافة عند أميرالمؤمنين علیه السلام. . .(2) .

وروى الشيخ قطب الدين الراوندي 1 في شرحه على نهج البلاغة بهذا السند أخبرني أبو نصر الحسن بن محمد بن إبراهيم ، عن الحاجب أبي الوفاء محمد بن بديع والحسين بن أحمد بن بديع والحسين بن أحمد بن عبدالرحمن ، عن الحافظ أبي بكر بن مروديه الإصفهاني ، عن سليان بن أحمد الطبراني ، عن أحمد بن علي الأبّار ، عن إ سحاق بن سعيد أبي سلمة الدمشقي ، عن خليد بن دعلج ، عن عطان جعطاءج بن أبي رياح ، عن ابن عبّاس ، قال : كنا مع علي علیه السلام بالرحبة فجرى ذكر الخلافة ومن تقدّم عليه فيها ، فقال : - إلى آخر الخطبة(3) .

وقال الطبرسي : وروى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عباس قال : كنت عند أميرالمؤمنين علیه السلام بالرحبة فذكرت الخلافة وتقدم من تقدم عليه فتنفس الصعداء ثم قال : اما واللَّه - الخ(4) .

قال المجلسي ؛ : ومن أهل الخلاف رواها ابن الجوزي في مناقبه ، وابن عبد ربّه في الجزء الرابع من كتاب العقد ، وأبو علي الجبائي في كتابه وابن الخشّاب في

ص: 8


1- الجمل : 126 .
2- الأمالي للطوسي : 372 ، ح 803 - 54 .
3- بحارالأنوار : 29/505 .
4- الاحتجاج : 1/191 .

درسه على ما حكاه بعض الأصحاب والحسن بن عبداللَّه بن سعيد العسكري في كتاب المواعظ والزواجر على ما ذكره صاحب الطرائف ، وفسّر ابن الأثير في النهاية لفظ الشقشقة ، ثم قال : ومنه حديث علي علیه السلام في خطبه له : تلك شقشقة هدرت ثم قَرَّت . . . وشرح كثيراً من الفاظها ، وقال الفيروزآبادي في القاموس عند تفسيرها الشقشقة بالكسر شي ء كالرّئة يخرجه البعير من فيه اذاهاج ، والخطبة الشقشقيّة العلوية لقوله لابن عباس لمّا قال لو اطّردت مقالتك من حيث افضيت : يا ابن عباس هيهات تلك شقشقة هدرت ثم قَرَّت(1) .

وقال عبدالحميد بن أبي الحديد ردّاً على من قال : انّها تأليف السيد الرضي : قد وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي امام البغداديين من المعتزلة ، وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدة طويلة ، ووجدت أيضاً كثيراً منها في كتاب أبي جعفر بن قبة أحد متكلمي الإمامية وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب «الإنصاف» . وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي ، ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي ؛ موجوداً . . . ثم حكى عن شيخه مصدّق الواسطي انّه قال : لما قرأت هذه الخطبة على الشيخ أبي محمد عبداللَّه بن أحمد المعروف بابن الخشاب قلت له : أتقول انّها منحولة ؟ فقال : لا واللَّه ، وإني لأعلم انّها كلامه ، كما اعلم انّك مصدّق ، قال : فقلت له : إنّ كثيراً من الناس يقولون انّها من كلام الرضي ، فقال : أنّي للرضي ولغير الرضي هذا النَّفس وهذا الأسلوب ! قد وقفنا على رسائل الرضي ، وعرفنا طريقته وفنّه في الكلام المنثور . . . ثم قال : واللَّه لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب

ص: 9


1- بحارالأنوار : 29/506 - 507 .

صنّفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة ، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها وأعرف خطوط مَنْ هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي(1) .

وربّما تعرف بالمقمصة أيضاً من حيث اشتمالها على قوله علیه السلام : (لقد تقمصها) .

أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابن أبي قَحَّافَة

اشارة

كان أبو قحافة في قريش خاملاً من حيث الشخص ومن حيث العشيرة ، ففي الخبر : لمّا غزا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الطائف رأى قبر أبي احيحة مشرفاً ، فقال أبوبكر : لعن اللَّه صاحب هذا القبر ، فانّه كان ممّن يحاد اللَّه ورسوله ، فقال ابناه عمرو وأبان : لعن اللَّه أبا قحافة ، فانّه كان لا يقرى الضيف ، ولا يرفع الضيم(2) .

وقال صاحب كتاب المثالب المنذر بن هشام بن محمد بن السائب الكلبي وهو من علماءهم فقال في الكتاب المذكور ما هذا لفظه : ومن كان ينادى على طعام ابن جذعان سفيان بن عبدالأسد المخزومي ولده بمكّة ، وأبو قحافة عثمان ابن عمر بن سعد بن تيم ولده بالمدينة ، وفيه يقول امية بن أبي الصلت في مرثية عبداللَّه بن جذعان :

له داع بمكّة مشمعل * وآخر فوق دارته ينادى

. . . فالمشمعل سفيان بن عبدالأسد والآخر أبو قحافة . هذا آخر لفظه .

فهل ترى لأبي قحافة آثار غنى أو ثروة ؟ فمن أين انتقل الغناء إلى أبي بكر

ص: 10


1- شرح النهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/205 .
2- امتاع الاسماع - المقريزي : 14/329 .

حتى صار يغنى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بماله ؟(1)

وفي شرح نهج البلاغة كان جيعني أبو قحافةج أجيراً لابن جدعان على مائدته يطرد عنها الذبان(2) .

وفي المعارف : اسلم أبو قحافة يوم فتح مكّة وأتى به إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وكان رأسه ثغامة(3) . . . وأمرهم أن يغيروا شيبه وبايعه(4) .

ورواه ابن أبي الحديد وزاد انّ النبي صلی الله علیه وآله لما رآه فنفر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله منه ، وقال : غيّروا هذا ، فخضبوه ، ثم جاءوا به مرّة اُخرى ، فاسلم(5) .

وامّا ابن أبي قحافة

روى الزبير ابن بكار ، في الموفقيات : انّ أبا بكر قال في الجاهلية لقيس بن عاصم المنقري : ما حملك على أن وأدت ؟ قال : مخافة أن يخلف عليهنّ مثلك(6) .

وروى الواقدي وغيره : ان عائشة رأت رجلاً من العرب خفيف العارضين ، معروق الخدين ، غائر العينين أجنأ لا يمسك إزاره ، فقالت : ما رأيت أشبه بأبي بكر من هذا(7) .

ص: 11


1- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : السيد ابن طاووس : 2/406 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 13/2علیه السلام5 .
3- نبت جبلي يبيض إذا يبس يقال له بالفارسية : درمنه اسبيد (بهج الصباغة : 5/11).
4- المعارف لابن قتيبة : 167 .
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 13/270 .
6- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 13/177 .
7- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 13/268 .

قال الاسكافي - رداً لقول الجاحظ «كان له جلأبي بكرج وجه عتيق»(1) : فلا نراها دلت على شي ء من الجمال في صفته(2) .

وحيث ان البكر الفتى من الإبل - وبه كنّى أبو بكر - قال أبو سفيان لمّا بويع أبو بكر : يا بني عبد مناف ، أرضيتم أن يلي عليكم أبو فصيل الرذل بن الرذل(3) .

وعن سعيد بن المسيب قال : لما قبض النبي صلی الله علیه وآله ارتجت مكة بنعيه فقال أبو قحافة : ما هذا ؟ قالوا : قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، قال : فمن ولي الناس بعده ؟ قالوا : ابنك . قال : فهل رضيت بنو عبد شمس وبنو المغيرة ؟ قالوا ، نعم - إلى أن قال - ما أعجب هذا الأمر ، تنازعون النبوّة وتسلمون الخلافة أن هذا لشي ء يراد(4) .

وفي كتاب سليم بن قيس قال أميرالمؤمنين علیه السلام لعمر : يا ابن صهاك فليس لنا فيها حق وهي لك ولابن آكلة الذبان ؟ فقال عمر : ان العامة رضوا بصاحبي ولم يرضوا بك فما ذنبي ؟ فقال علي علیه السلام : ولكن اللَّه عزّ وجلّ ورسوله لم يرضيا إلّا بي(5) .

وفي خطبة أميرالمؤمنين علیه السلام الطالوتية قال علیه السلام : واللَّه لو انّ لي رجالاً ينصحون للَّه عزّ وجلّ ولرسوله بعدد هذه الشياه - وكان علیه السلام مرّ على ثلاثين شاة - لَاَزلْتُ ابنَ آكلة الذِبّان عن ملكه(6) .

ص: 12


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 13/267 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 13/268 .
3- الإرشاد : 1/190 ؛ بحارالأنوار : 22/520 .
4- الامالي للمفيد: صلی الله علیه وآله1/ ح علیه السلام/ المجلس العاشر ؛ بحار الأنوار : 2صلی الله علیه وآله/صلی الله علیه وآله4 ح 2 .
5- كتاب سليم بن قيس : 596 ؛ بحارالأنوار : 28/279 .
6- الكافي : 8/33 ، ح 5 ؛ بحارالأنوار : 28/241 .

قال ابن أبي الحديد : اسم أبي بكر القديم عبدالكعبة ، فسمّاه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عبداللَّه ، واختلفوا في عتيق ، فقيل : كان اسمه في الجاهلية ، وقيل : بل سمّاه به رسول اللَّه صلی الله علیه وآله(1) .

وفي بهج الصباغة : قلت : أهل بيته أعرف به ، سئل عبدالرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن اسمه فقال : اسمه عتيق ، كان بنو أبي قحافة معتق وعتّق وعتيق(2) .

ورروى أن أبا قحافة كان بالطائف لما قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وبويع لأبي بكر ، فكتب ابنه إليه كتاباً ، عنوانه «من خليفة رسول اللَّه إلى أبي قحافة» ، أما بعد فان الناس قد تراضوا بي ، فانّي اليوم خليفة اللَّه ، فلو قدمت علينا كان اقر لعينك . قال : فلما قرأ أبو قحافة الكتاب قال للرسول : ما منعكم من علي ؟ قال : هو حدث السن ، وقد أكثر القتل في قريش وغيرها ، وأبوبكر اسن منه . قال أبو قحافة : إن كان الأمر في ذلك بالسن فأنا أحق من أبي بكر ، لقد ظلموا علياً حقه ، وقد بايع له النبي صلی الله علیه وآله وأمرنا ببيعته .

ثم كتب إليه : «من أبي قحافة إلى ابنه أبي بكر» اما بعد فقد أتاني كتابك ، فوجدته كتاب احمق ، ينقض بعضه بعضاً ، مرة تقول : خليفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ومرة تقول : خليفة اللَّه ، ومرّة تقول : تراضي بي الناس ، وهو أمر ملتبس ، فلا تدخلن في أمر يصعب عليك الخروج منه غداً ، ويكون عقباك منه إلى النار والندامة وملامة النفس اللوامة لدى الحساب بيوم القيامة ، فإن للأمور مداخل ومخارج وأنت

ص: 13


1- شرح نهج البلاغة : 1/155 .
2- بهج الصباغة : 5/1علیه السلام .

تعرف من هو أولى بها منك ، فراقب اللَّه ، كانك تراه ولا تدعن صاحبها ، فإن تركها اليوم أخف عليك واسلم لك(1) .

كيفية غصب أهل الخلافة للخلافة

عن أبي المفضل محمد بن عبداللَّه الشيباني باسناده الصحيح عن رجاله ثقة عن ثقة : انّ النبي صلی الله علیه وآله خرج في مرضه الذي توفّى فيه إلى الصلاة متوكّئاً على الفضل بن عباس وغلام له يقال له : «ثوبان» ، وهي الصلاة التي أراد التخلف عنها لثقله ، ثمّ جانه ج حمل على نفسه صلی الله علیه وآله وخرج ، فلمّا صلّى عادَ إلى منزله ، فقال لغلامه : اجلس على الباب ولا تحجب أحداً من الأنصار ، وتجلّاه الغشي وجائت الأنصار فاحدقوا الباب وقالوا : استأذن لنا على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فقال : هو مغشي عليه ، وعنده نساؤُهُ ، فجعلوا يبكون ، فسمع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله البكاء فقال : من هؤلاء ؟ قالوا : الانصار فقال : من هاهنا من أهل بيتي ؟ قالوا : علي والعباس ، فدعاهما وخرج متوكّئا عليهما ، فاستند إلى جذع(2) مِنْ اساطين مسجده - وكان الجذع جريد نخل - فاجتمع الناس وخطب وقال في كلامه :

معاشر الناس انه لم يمت نبي قطّ إلّا خلّف تركه ، وقد خلّفت فيكم الثقلين : كتاب اللَّه وأهل بيتي ، ألا فمن ضيّعهم ضيّعه اللَّه ، ألا وانّ الأنصار كرشي(3) وعيبتي التي آوي إليها . وانّي اوصيكم بتقوى اللَّه والإحسان إليهم ، فاقبلوا من

ص: 14


1- الاحتجاج : 1/8علیه السلام ، ح 41 ؛ بحار الأنوار : 2صلی الله علیه وآله/صلی الله علیه وآله5 .
2- بالكسر : ساق النخلة .
3- كرش الرجل عياله وصغاره وولده ، والعيبة من الرجل موضع سره .

محسنهم وتجاوزا عن مسيئهم .

ثم دعا اُسامة بن زيد فقال : سِرْ على بركة اللَّه والنصر والعافية حيث أمرتك عليه ، وكان صلی الله علیه وآله قد امّره على جماعة من المهاجرين والأنصار ، فيهم أبوبكر وعمر وجماعة من المهاجرين الأوّلين ، وأمره أن يغير(1) على مؤتة ، وادٍ(2) من فلسطين فقال له اسامة : بأبي أنت وأمّي يا رسول اللَّه ، أتأذن لي في المقام ايّاماً حتى يشفيك اللَّه تعالى ؟ فانّي متى خرجت وأنت على هذه الحالة خرجت وفي قلبى منك قرحة .

فقال صلی الله علیه وآله : انفذ يا اسامة لما أمرتك ، فإن القعود عن الجهاد لا يجب في حال من الأحوال .

قال : فبلغ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله انّ الناس قد طعنوا في عمله ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : بلغني إنّكم طعنتم في عمل اسامة وفي عمل أبيه من قبل ، وايم اللَّه انّه لخليق للامارة وانّ أباه كان خليقاً لها وانه وأباه من أحبّ الناس إليّ ، فاُوصيكم به خيراً ، فلئن قلتم في امارته لقد قال قائلكم في امارة أبيه .

ثم دخل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بيته ، وخرج اسامة من يومه حتى عسكر على رأس فرسخ من المدينة ، ونادى منادي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ان لا يتخلف عن اسامة أحد ممّن امّرتُهُ عليه ، فلحق الناس به ، وكان أوّل من سارع إليه ، أبو بكر و عمر وأبو عبيدة بن الجرّاح ، فنزلوا في زقاق(3) واحد مع جملة أهل العسكر .

ص: 15


1- يعبروا» «يغبروا» خ ل .
2- موضعٌ قتل فيه جعفر بن أبي طالب .
3- الزقاق : كغراب السكة من الطريق المنسد ، وفي بعض النسخ : الرقاق : الصحراء الأرض المستوية اللينة التراب تحته صلابة وقيل : التي نضب عنها الماء وقيل : اللينة المتسعة .

قال : وثقل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فجعل الناس ممّن لم يكن في بعث اسامة يدخلون عليه ارسالاً(1) ، وسعد بن عبادة يومئذ شاك(2) ، فكان لا يدخل أحد من الأنصار على النبي صلی الله علیه وآله إلّا انصرف إلى سعيد بن عبادة يعوده .

قال : وقبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وقت الضحى من يوم الإثنين بعد خروج اسامة إلى معسكره بيومين ، فرجع أهل العسكر والمدينة قد رجفت بأهلها ، فاقبل أبوبكر على ناقة جله ج حتى وقف على باب المسجد ، فقال : ايّها الناس ما لكم تموجون ؟ ان كان محمد قد مات فربّ محمدٍ لم يمت (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا)(3) .

قال : ثم اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة ، وجاؤوا به إلى سقيفة بني ساعدة ، فلمّا سمع بذلك عمر أخبر بذلك أبا بكر ، فمضَيا مسرعَيْنِ إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة ابن الجرّاح ، وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار ، وسعدُ بنُ عبادة بينهم مريض ، فتنازعوا الامرَ بينهم ، فآل الامرُ إلى أَنْ قال أبوبكر في آخر كلامه للأنصار : إنّما أدعوكم إلى أبي عبيدة ابن الجرّاح أَوْ إلى عمر ، وكلاهما قد رضيتُ لهذا الأمر وكلاهما أراهما له أهلاً .

فقال عمر وأبو عبيدة : ما ينبغي لنا أن نتقدمك يا أبا بكر جوج أنت اقدمُنا اسلاماً ، وأنت صاحب الغار وثاني اثنين ، فأنت أحق بهذا الأمر وأولى به .

ص: 16


1- أي جماعات متتابعين .
2- الشوكة : داء معروف وحمرة تعلو الجسد .
3- سورة آل عمران : 144 .

فقالت الأنصار : نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منّا ولا منكم فنجعل منّا أميراً ومنكم أميراً ، ونرضى به على انّه إن هلك اخترنا آخَرَ من الأنصار .

فقال أبوبكر - بعد أن مدح المهاجين - : وأنتم يا معشر الأنصار ممّن لا ينكر فضلهم ولا نعمتهم العظيمة في الإسلام ، رضيكم اللَّه انصاراً لدينه وكهفاً لرسوله ، وجعل إليكم مهاجرتَه ، وفيكم محل ازواجه ، فليس أحد من الناس بعد المهاجرين الأوّلين بمنزلتكم ، فهم الأمراء وأنتم الوزراء .

فقا الحباب بن المنذر الأنصاري فقال : يا معشر الأنصار ، أملكوا(1) على أيديكم ، فإنّما الناس في فيئكم وظلالكم ، ولن يجترئ مجتر على خلافكم ولن يصدر الناس الّا عن رأيكم ، وأثنى على الأنصار ثمّ قال : فإن أبى هؤلاء تأميركم عليهم فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ، ولا نقنع بدون أن يكون منّا أمير ومنهم أمير .

فقال عمر بن الخطاب فقال : هيهات ! لا يجتمع سيفان في غمد(2) واحد ، انّه لا ترضى العرب أن تؤمِّركم ونبيّها من غيركم ، ولكن العرب لا تمتنع أن تولّى أمرها من كانت النبوّة فيهم ، وأولوا الأمر منهم ، ولنا بذلك على من خالفنا الحجّة الظاهرة ، والسلطان البيِّن ، فما ينازعنا جفي ج سلطان محمد - ونحن أولياؤه وعشيرته - إلّا مدل بباطل أو متجانف(3) لاثم - أو متورّط في الهلكة ، محبٌّ للفتنة .

فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال : يا معشر الأنصار ! امسكوا على أيديكم ،

ص: 17


1- يقال : املك عليك لسانك أي لا تبحره الا بما يكون لك لا عليك ، نهاية .
2- الغمد : بالكسر : جفن السيف وهو غلافه ، لغة .
3- الجنف : محركة كالجنوف بالضم ، الميل عن الحق ، والجانف المايل ، ق .

ولا تسمعوا مقالة هذا الجاهل وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، وان أَبَوا أن يكون منا أمير ومنهم أمير ، فاجلوهم عن بلادكم ، وتولّوا هذا الأمر عليهم ، فانتم - واللَّه - أحقّ به منهم ، قد دانَ باسيافكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها ، وأنا جُذَيْلها(1) المحكك وعذيقها المرجب(2) ، واللَّه لئن أحد ردّ قولي لاحطمنّ انفه بالسيف !

قال عمربن الخطاب : فلمّا كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام فارغ فانّه جَرَتْ بيني وبينه منازعة في حياة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فنهاني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عن مهاترته ، فحلفت أن لا أكلّمه أبداً .

ثم قال عمر لأبي عبيدة : يا أبا عبيدة ، تكلّم . فقام أبو عبيدة بن الجرّاح وتكلّم بكلام كثير ، ذكر فيه فضائل الانصار ، وكان بشير بن سعد سيّداً من سادات الأنصار ، لمّا رأى اجتماع الأنصار على سعبد بن عبادة لتأميرة ، حَسَدَه وسعى في إفساد الأمر عليه ، وتكلّم في ذلك ورضى بتأمير قريش و حثّ الناس كلّهم - جوج لا سيّما الأنصار - على الرضا بما يفعله المهاجرون .

ص: 18


1- الجذل: واحد الاجذال وهو اصول الحطب العظام ومنه قول حباب بن منذر: انا جذيلها أنا جذيلها المحكك ، والمجازل المنتصب مكان لا يبرح شبه بالجذل الذي ينصب فى المعاطن لتحتك به الإبل الجربي، أراد أن يستغني برأيه وتدابيره، صحاح.
2- في حديث السقيفة : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب . الرجبة أن تعمد النخلة الكريمة ببناء من حجارة أو خشب إذا خيف عليها لطولها وكثرة حملها أن تقع ورجبتها فهي مرجبة ، والعذيق تصغير عذق بالفتح وهي النخلة وهو تصغير عظيم وقد يكون ترجيبها بأن يجعل حولها شوك لئلا يرتقى اليها « النهاية » وترجيبها ضم اعزاقها إلى سعفاتها وشدها بالخوص لئلا تنقضها الريح أو وضع الشوك حولها لئلا يصل إليها آكل ومنه أنا جذيلها المحكك وعزيقها المرجب ، ق .

فقال أبوبكر : هذا عمر و أبو عبيدة شيخان من قريش ، فبايعوا ايّهما شئتم .

فقال عمرو أبو عبيدة : ما نتولّى هذا الأمر عليك ، امدد يدك نبايك . فقال بشير بن سعد : وأنا ثالثكما وكان سيّد الأوس ، وسعد بن عبادة سيّد الخزرج ، فلمّا رأت الأوس صنيع سيدها : « بشير » وما دعت إليه الخزرج من تأمير « سعد » اكبّوا على أبي بكر بالبيعة وتكاثروا على ذلك وتزاحموا ، فجعلوا يطأون سعداً من شدة الزحمة وهو بينهم على فراشته مريض . فقال : قتلتموني . قال عمر : اقتلوا سعداً قتله اللَّه . فوثب فيس بن سعد و أخذ بلحية عمرو قال : واللَّه يا ابن صهاك جالحبشيّةج الجبان ، الفرّار في الحروب ، الليث في الملاء والأمن ، لو حركتْ منه شعرة ما رجعتْ وفي وجهك واضحة .

فقال أبو بكر : مهلا" يا عمر ! مهلا" - فان الرفق ابلغ وأفضل .

فقال سعد : يا ابن صهّاك - و كانت جدّة عمر حبشيّةً - اما واللَّه لو انّ لي قوّة على النهوض لسمعتها منّي في سككها زئيراً ازعجك وأصحابك منها ، ولَالحقتكما بقوم كنتما فيهم اذناباً اذلاء ، تابعين غير متبوعين ، لقد اجترأتما .

ثم قال للخزرج : احملوني من مكان الفتنة ، فحملوه فادخلوه منزله ، فلمّا كان بعد ذلك بعث إليه أبوبكر أن قد بايع الناس فبايِعْ ! فقال : لا و اللَّه حتى أرميكم بكلّ سهم في كنانتي وأخضب منكم سنان رمحي واضربكم بسيفي ما أقلّت يدي فاقاتلكم بمن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي ثم وايم اللَّه لو اجتمع الجنّ والإنس عليّ لما بايعتكما أيّها الغاصبان حتّى اعرض على ربّي واعلم ما حسابي .

فلمّا جاءهم كلامُه قال عمر : لابدّ من بيعته . فقال بشير بن سعد : انّه قد أبى ولجّ وليس بمبايع أو يُقْتَل ، وليس بمقتول حتّى يُقْتَلَ معه الخزرج والأوس ، فاتركوه

ص: 19

فليس تركه بضائر ، فقبلوا قوله وتركوا سعداً . فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم ، ولايقضى بقضائهم ، ولو وجد أعواناً لصال بهم ولقاتلهم . فلم يزل كذلك مدّة ولاية أبي بكر حتّى هلك أبوبكر . ثمّ ولّى عمر فكان كذلك ، فخشى سعد غائلة عمر ، فخرج إلى الشام فمات بحَوْران(1) في ولاية عمر ولم يبايع أحداً .

وكان سبب موته أن رمى بسهم في الليل فقتله ، وزعموا أن الجنّ رموه ، وقيل أيضاً انّ محمّد بن سلمة الأنصاري تولّى ذلك بِجُعْل جُعِلَ له عليه ، ورُوِىَ انه تولّى ذلك المغيرة بن شعبة ، وقيل : خالد بن الوليد .

قال : وبايع جماعة الأنصار ومن حضر من غيرهم ، وعليّ بن أبي طالب علیه السلام مشغول بجهاز رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . فلمّا فرغ من ذلك وصلّى على النبي صلی الله علیه وآله والناس يصلّون عليه - من بايع أبابكر ومن لم يبايع - جلس في المسجد فاجتمع إليه بنو هاشم ومعهم الزبير بن العوام ، واجتمعت بنو أميّه إلى عثمان بن عفّان ، وبنو زهرة إلى عبدالرحمن بن عوف ، فكانوا في المسجد كلُّهم مجتمعين ، إذْ أقبل أبوبكر ومعه عمر وأبو عبيدة بن الجرّاح فقالوا : ما لنا نراكم حلقاً شتّى ؟ ! قوموا فبايعوا أبابكر فقد بايعتْه الأنصار والناس .

فقام عثمان وعبدالرحمن بن عوف ومن معها فبايَعوا ، وانصرف علي وبنو هاشم إلى منزل علي علیه السلام ومعهم الزبير .

قال : فذهب إليهم عمر في جماعة ممّن بايَع ، فيهم اُسَيْد بن حضير وسلمة بن سلامة ، فألفوهم مجتمعين ، فقالوا لهم : بايعوا أبابكر فقد بايَعَه الناسُ ، فوثَبَ الزبيرُ

ص: 20


1- حوران بالفتح : كورة واسعة من اعمال دمشق في القبلة ذات قرى كثيرة ومزارع ، قصبتها بصرى ، ومنها اذرعات وزرع وغيرهما . مراصد الاطّلاع 1 - 435 .

إلى سيفِهِ فقال جلهم ج عمر : عليكم بالكلب العقور فاكفونا شرّه ، فبادر سلمةُ بن سلامة فانتزع السيف من يده فاخذه عمر فضَرَبَ به الأرضَ فكَسَرَه ، و احدقوا بمن كان هناك من بني هاشم ومضوا بجماعتهم إلى أبي بكر ، فلمّا حضروا قالوا : بايعوا أبابكر فقد بايَعَه الناسُ ، وايم اللَّه لئن أبيتم ذلك لنُحاكِمَنَّكم بالسيف .

فلمّا راى ذلك بنو هاشم اقبل رجل رجل فجعل يبايِع حتّى لم يبق ممّن حضر الّا علي بن أبي طالب علیه السلام ، فقالوا له : بايع أبابكر . فقال علي علیه السلام : أنا أحقّ بهذا الأمر منه وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابةِ مِنَ الرسول ، وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً ، ألستم زعمتم للأنصار انّكم أَولى بهذا الأمر منهم لمكانكم من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فأَعطوكم المقادة وسلّموا لكم الامارة ، وأنا احتجُّ عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار ، أنا أَولى برسول اللَّه صلی الله علیه وآله حيّاً وميّتاً ، وأنا وصيّه ووزيره ومستودع سرّه وعلمه ، وأنا الصديق الأكبر والفاروق الأعظم و أوّل من آمن به وصدّقه ، وأحسنكم بلاءً في جهاد المشركين ، وأعرفكم بالكتاب والسنّة ، وأفقهكم في الدين ، وأعلمكم بعواقب الاُمور ، واذربكم لساناً ، وأثبتكم جناناً ، فَعَلامَ تُنازِعونا هذا الأمر ؟ اَنْصِفونا ان كنتم تخافون اللَّه من أنفسكم ، واعرِفُوا لنا الأمر مثل ما عرفتْه الأنصار لكم ، وإلّا فبوءوا بالظلم والعدوان وأنتم تعلمون .

فقال عمر : يا عليّ ! أما لك باهل بيتك اُسوة ؟

فقال عليّ علیه السلام : سلوهم عن ذلك ، فابتدر القوم الذين بايَعوا من بني هاشم فقالوا : واللَّه ما بيعتنا لكم بحجة علىْ عليٍّ ، ومعاذ اللَّه أن نقول : أنا نوازيه في الهجرة وحسن الجهاد والمحل من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ! !

ص: 21

فقال عمر : انك لست متروكاً حتّى تبايع طوعاً أو كُرهاً !

فقال له علي علیه السلام : احْلُبْ حَلْباً لك شطرُهُ ، اُشْدُدْ له اليوم لِيَرُدَّ عليك غداً ، اذاً واللَّه لا اقبل قولك ولا احفل بمقامك ولا ابايع .

فقال أبوبكر : مهلاً يا أبا الحسن ، ما نُشدِّد عليك ولا نكرهُك .

فقام أبو عبيدة بن الجرّاح إلى عليّ علیه السلام فقال له : يا ابن عمٍّ ! لسنا ندفع قرابتك ولا سابقتك ولا علمك ولا نصرتك ، ولكنّك حدث السِّن - وكان لعليٍ علیه السلام يومئذٍ ثلاث وثلاثون سنة - وأبوبكر شيخ مِنْ مشائخ قومك ، وهو احمل لثقل هذا الأمر ، وقد مضى الأمر بما فيه ، فسلّم له ، فان عمّرك اللَّه يسلِّموا هذا الأمر إليك ، ولا يختلف فيك اثنان بعد هذا ، إلّا وأنت به خليق وله حقيق ، ولا تبعث الفتنة في أوانِ الفتنة فقد عرفت ما في قلوب العرب وغيرهم عليك ! .

فقال أميرالمؤمنين علیه السلام : يا معاشر المهاجين والأنصار ، اللَّه اللَّه ! لا تنسوا عهد نبيكم إليكم في أمري ، ولا تخرجوا سلطان محمّد صلی الله علیه وآله مِنْ داره وقعر بيته إلى دوركم وقعر بيوتكم ، ولا تدفعوا أهله عن حقّه ومقامه في الناس .

فواللَّه يا معاشر الجمع ، انّ اللَّه قضى وحَكَمَ ونبيُّهُ أعْلم وانتم تعلمون بأنّا أهل البيت أحقّ بهذا الأمر منكم ، أما كان القارئ منكم لكتاب اللَّه ، الفقيه في دين اللَّه ، المضطلع بامر الرعيّة ؟ واللَّه انّه لفينا لا فيكم ، فلا تتّبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بُعداً ، وتفسدوا قديمَكم بشرٍّ من حديثكم .

فقال بشير بن سعدٍ الأنصاري الذي وَطَّأَ الأمر لأبي بكر ، وقالت جماعة من الأنصار : يا أبا الحسن لو كان هذا الكلام سمعتْه منك الأنصار قيل بيعتها لأبي بكر ما اختلف فيك اثنان .

ص: 22

فقال علي علیه السلام : يا هولاء ! أكنتُ اَدَعُ رسولَ اللَّه مُسَبّحى (1) لا اواريه واَخْرُجُ اُنازِع في سلطانِهِ ؟ واللَّه ما خفت أحداً يسْمُو له وينازعنا أهل البيت فيه ويستحلّ ما استحللتموه ، ولا علمت انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ترك يوم غدير خمٍّ لاحدٍ حجّة ولا لقائل مقالاً ، فانشد اللَّه رجلاً سمع النبيّ صلی الله علیه وآله يوم غدير خمّ يقول : « من كنتُ مولاه فهذا على مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ، وانصر من نصره واخذل من خذله » اَنْ يشهد الآن بما سمع ! !

قال زيد بن أرقم : فشهد اثنا عشر رجلاً بدريّاً بذلك وكنتُ مِمَّن سمع القول من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فكتمت الشهادة يومئذٍ ، فدعا علَىَّ عليٌّ فذهب بَصَري.

قال : وكثر الكلام في هذا المعنى وارتفع الصوت وخِشِيَ عمر أن يصغى الناسُ إلى قولِ عليٍّ فَفَسَخَ المجلس وقال : انّ اللَّه يقلّب القلوبَ ، ولاتزال يا أبا الحسن ترغب عن قول الجماعة ! ! فانصرفوا يومهم ذلك(2) .

وعن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبداللَّه جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام جعلت فداك ، هل كان أحد في أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه جفي ج مجلس رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟ فقال : « نعم ، كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلاً ، من المهاجرين : خالد بن سعيد بن العاص وكان من بني اميّة ، وسلمان الفارسي ؛ ، وأبوذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وعمار بن ياسر ، وبريدة الأسلمي ، ومن الأنصار : أبو الهيثم بن التيهان ، وسهيل وعثمان ابنا حنيف ، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وابيّ بن كعب ، وأبو أيوب الأنصاري - رضي اللَّه

ص: 23


1- مسبحّى :سجيت الميت تسبحية اذا مددت عليه ثوباً .
2- الاحتجاج : 1/70 ، ح 36 ؛ بحارالأنوار : 28/175 ، ح 1 .

عنهم أجمعين - قال : فلمّا صعد أبو بكر المنبر تشاورا بينهم ، فقال بعضهم لبعض : واللَّه لنأتينّه ولننزلنّه عن منبر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، وقال آخرون منهم : واللَّه لئن فعلتم ذلك اذاً اعنتم على أنفسكم فقد قال اللَّه عزّ وجلّ : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )(1) » .

قالوا : فانطَلِقوا بنا إلى أميرالمؤمنين علیه السلام

لنستشيره ونستطلع رأيَه ، فانطلق القوم إلى أميرالمؤمنين باجمعهم فقالوا : يا أميرالمؤمنين ! تركت حقّاً أنت أحقّ به وأولى به من غيرك ، لانّا سمعنا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « علي مع الحق والحقّ مع علي يميل مع الحق كيفما مال » ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فجنئاك نستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا ؟ فقال أميرالمؤمنين علیه السلام : وأيم اللَّه لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلّا حرباً ، ولكنّكم كالملح في الزاد والكحل في العين ، و أيم اللَّه لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين باسيافكم ، مستعدّين للحرب والقتال ، واذاً لأَتَوْنى فقالوا لي : بايِعْ والّا قَتَلْناكَ ، فلابد لي من أن أدفع القوم عن نفسي ، وذلك أن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أوعز إليّ قبل وفاته وقال لي : « يا أبا الحسن انّ الأُمّة ستغدر بك من بعدي تنقض فيك عهدي وإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى وإنّ الأُمّة من بعدي كهارون ومن اتبعه ، والسامري ومن أتّبعه .

فقلت : يا رسول اللَّه ! فما تعهد إلى إذا كان كذلك ؟ فقال : إذ أوجدت اعواناً فبادر إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد اعواناً كفّ يدك واحقن دمَك حتّى تلحق بي مظلوماً » فلمّا تُوفّيَ رسولُ اللَّه صلی الله علیه وآله اشتغلت بغُسله وتكفينه والفراغ من شأنه ، ثم

ص: 24


1- سورة البقرة : 1صلی الله علیه وآله5 .

آليت على نفسي يميناً أن لا ارتدى برداءٍ إلّا للصلاة حتّى اجمع القرآن ، ففعلت ، ثم اخذتُ بيد فاطمة (علیها السلام) وابنيّ الحسن والحسين 8 فدُرتُ على أهل بدر وأهل السابقة ، فناشدتهم حقّي ودعوتُهم إلى نصرتي ، فما اجابني منهم إلّا أربعة رهط : سلمان وعمّار وابوذر و المقداد - رضي اللَّه عنهم - ولقد راودتُ في ذلك بقيّةَ أهل بيتي ، فأَبَوا عليّ إلّا السكوت لما علموا من وغارةِ(1) صدور القوم وبغضهم للَّه ولرسوله ولأهل بيت نبيّه صلی الله علیه وآله ، فانطَلِقوا باجمعكم إلى الرجل فعرِّفوه ما سمعتم من قول نبيّكم صلی الله علیه وآله ليكون ذلك أوكدَ للحجة ، وابلغَ للعُذر ، وأبعدَ لهم من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إذا وَرَدُوا عليه .

فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله - وكان يوم الجمعة - فلمّا صعد أبوبكر المنبر قال المهاجرون للأنصار : تقدّموا وتكلّموا ! فقال الأنصار للمهاجرين : بل تكلّموا وتقدّموا أنتم ! فأن اللَّه عزّ وجلّ بدأ بكم في الكتاب إذ قال اللَّه عزّ و جلّ : لَقَدْ تَابَ اللَّهُ بالنَّبِيِّ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ( الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ )(2) .

قال أبان : فقلت له : يا ابن رسول اللَّه ! انّ العامّة لا تقرء كما عندك .

فقال : « وكيف تقرء يا أبان ؟ قال : قلت : انّها تقرء : لقد تاب اللَّه « على النبيّ » و المهاجرين و الأنصار ، فقال : ويلهم وايّ ذنب كان لرسول اللَّه صلی الله علیه وآله حتّى تاب اللَّه عليه منه ، إنّما تاب اللَّه عزّ و جلّ به على اُمّته ، فاوّلُ من تكلّم به خالد بن سعيد بن العاص ثمّ باقي المهاجرين ثمّ جمن ج بعدهم الأنصار .

ص: 25


1- الوغر : الحقد والضغن والعداوة والتوقد من الغيض .
2- سورة التوبة : 11علیه السلام .

ورُوِيَ انّهم كانوا غيّباً عن وفاة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فقدموا وقد تولّى أبوبكر وهم يومئذٍ اعلام مسجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله .

فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال : اتّق اللَّه يا أبابكر فقد علمتَ انّ رسول اللَّه قال - ونحن محتوشوه(1) يوم بني قريظة حين فتح اللَّه عزّ و جلّ له باب النصر وقد قتل علي بن أبي طالب علیه السلام يومئذٍ عدّة من صناديد رجالهم و اُولي البأس والنجدة منهم - :

يا معاشر المهاجرين والأنصار ، إنّي موصيكم بوصيّة فاحفظوها وجإنّي ج مُودِعكم أمراً فاحفظوه ، ألا انّ علي بن أبي طالب علیه السلام أميركم بعدي وخليفتي فيكم ، بذلك أوصاني ربّي ، ألا وإنكم إن لم تحفظوا فيه وصيّتي وتوازروه وتنصروه اختلفتم في أحكامكم واضطرب عليكم أمرُ دينكم ووليَكم شرارُكم ، ألا وانّ أهل بيتي هم الوارثون لأمري والعالمون بأمر امّتي من بعدي ، اللهمّ من أطاعهم من أمّتي وحفظ فيهم وصيّتي فاحشرهم في زمرتي ، واجعل لهم نصيباً من مرافقتي ، يدركون به نورَ الآخرة ، اللهمّ ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فاحْرِمْهُ الجنّة التي عرضها كعرض السماء والأرض .

فقال له عمر بن الخطاب : اسكت يا خالد ، فلست من أهل المشورة ولا ممّن يُقْتدى برأيه .

قال له خالد : بل اُسْكتْ أنت يا ابن الخطّاب ، فإنّك تنطق على لسانِ غيرك ، وايم اللَّه لقد علمتْ قريش إنّك من ألْأَمِها حسباً واَدْناها منصباً ، واخسِّها قدراً ، وأَخْملها ذكراً ، واقلِّها غناءً عن اللَّه ورسوله ، وانّك لجبان في الحروب {و} بخيل

ص: 26


1- محتوشوه : احتوشت القوم على كذا أي جعلوه وسطهم واحاطوا عليه .

بالمال لئيم العنصر ، مالَكَ في قريش من فخر ولا في الحروب من ذِكر ، وانّك في هذا الأمر بمنزلة الشيطان ( إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ )(1) جقال :ج فابلس(2) عمرو جلس خالد بن سعيد .

ثم قام سلمان الفارسي ؛ : « كرديد و نكرديد » أي فعلتم ولم تفعلوا ، وكان قد امتنع من البيعة قبل ذلك حتّى وُجِئَ عنقه ، فقال : يا أبابكر ! إلى من تسْندُ أمرك إذا نزل بك ما لا تعرفه ؟ وإلى من تفزع إذا سُئِلتَ عمالا تَعْلَمُه ؟ وما عذرك في التقدم على من هو اَعْلَم منك وأقرب إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، واَعْلَم بتاويل كتاب اللَّه عزّ و جلّ سنّة نبيّه صلی الله علیه وآله ، ومن قَدَّمَه النبيّ صلی الله علیه وآله في حياته وأوصاكم به عند وفاته ، فنَبَذتُم قولَه وتَناسيتُم وصيّته وأَخْلَفتم الوعدَ ونَقَضْتُم العهدَ ، وحَلَلْتم العقد الذي كان عقده عليكم من النفوذ تحت راية أُسامة بن زيد حذراً من مثل ما أتيتموه وتنبيهاً للأمّة على عظيم ما اجترمتموه من مخالفة أمره ، فعن قليل يصفو لك الأمر وقد اثقلَكَ الوزر ونُقِلْتَ إلى قبرك وحملتَ معكَ ما كسبتْ يداك ، فلو جانّك ج راجعتَ الحقّ من قريب وتلافَيْتَ نفسك وتُبْتَ إلى اللَّه من عظيم ما اجترمْتَ ، كان ذلك أقرب إلى نجاتك يوم تُفرد في حفرتك ويسلّمُكَ ذوو نصرتك ، فقد سمعتَ كما سمعنا ورايتُ كما رأينا ، فلم يَرْدَعْكَ ذلك عما أنت متشبِّث به من هذا الأمر الذي لا عذر لك في تقلُّدِه ولاحظَّ للدين ولا للمسلمين في قيامك به ، فاللَّه اللَّه في نفسِك ، فقد اَعْذَرَ من أنْذَر ولا تكن كمن ادبر واستكبر .

ص: 27


1- سورة الحشر : 16 - 1علیه السلام .
2- ابلس : أي سَكَتَ .

ثم قال جإليه ج أبوذر الغفاري ؛ فقال : يا معشر قريش ! أصبتم قباحة وتركتم قرابة ، واللَّه لترتَدَنَّ جماعةٌ من العرب ولْتَشكُّنَّ في هذا الدين ، ولو جعلتم الأمر في أهل بيت نبيّكم ما اختلف عليه سيفان ، واللَّه لقد صارت لمن غلب ، ولتطمحنَّ إليها عينُ مَن ليس مِن أهلها ، ولْيُسْفكَنَّ في طلبها دماءٌ كثيرة - فكان كما قال أبوذر - ثم قال : لقد علمتم وعلم خياركم انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : « الأمر جمن ج بعدي لعلي بن أبي طالب علیه السلام ثمّ من بعده لابنيَّ جمنه ج الحسن والحسين ثم للطاهرين من ذرّيّتي » فاطرحتم قول نبيّكم وتناسيتم ما عهد به إليكم ، فاطعتم الدنيا الفانية ، ونسيتم الآخرة الباقية التي لا يهرم شبابها ، و لا يزول نعيمها ولا يحزن أهلها ، ولا يموت سكّانها بالحقير التافة الفاني الزائل ، فكذلك الأمم من قبلكم كفرت بعد انبيائها ونكصت على اعقابها وغيّرت وبدّلت واختلفت ، فساويتموهم حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة ، وعما قليل تذوقون وبال أمركم ، وتجزون بما قدّمت أيديكم وما اللَّه بظلّام للعبيد .

ثم قام المقداد بن الأسود ؛ فقال : يا أبابكر ! ارجع عن ظلمك ، وتُب إلى ربّك واَلْزَمْ بيتك ، وابْكِ على خطيئتك ، وسلّم الأمر لصاحبه الذي هو أولى به منك ، فقد علمت ما عقده رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في عنقك من بيعته ، وأَلْزَمَك من النفوذ تحت راية اسامة بن زيد وهو مولاه ، ونَبَّهَ على بطلان وجوب هذا الأمر لك ولمن عَضَدَك عليه بضمّه لكما إلى عَلَم النفاق ومعدنِ الشنآن والشقاق : عمرو بن العاص الذي انزَل اللَّه على جلسان ج نبيّه صلی الله علیه وآله : ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ )(1) فلا اختلاف بين أهل العلم انّها نزلت في عمرو ، وهو كان اميراً عليكم وعلى سائر المنافقين في الوقت

ص: 28


1- سورة الكوثر : 3 .

الذي انفذه ورسول اللَّه صلی الله علیه وآله في غزاة ذات السلاسل ، وان عَمراً قَلَّدَكُما حرسَ عسكره ، فاين الحرسُ إلى الخلافة ، اتق اللَّه وبادر بالاستقالة قبل فوتها ، فانّ ذلك اسلم لك في حياتك وبعد وفاتك ، ولا تركن إلى دنياك ولا تغرّنّك قريشٌ وغيرُها ، فعن قليل تضمحلّ عنك دنياك ثم تصير إلى ربّك فيجزيك بعملك وقد علمت وتيقّنتَ ان علي بن أبي طالب علیه السلام هو صاحب هذا الأمر بعد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فسلّمه إليه بما جعله اللَّه له ، فانّه اتمّ لسترك واخفّ لوِزْرِك ، فقد واللَّه نصحت لك ان قبلت نُصحي وإلى اللَّه ترجع الاُمور .

ثم قال إليه بريدة الأسلمي ؛ فقال : إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون ! ماذا لقى الحق من الباطل ؟ يا أبابكر أنسيتَ أم تناسيتَ وخدعتَ أم خدعتْكَ نفسُك أم سوّلتْ لك الأِباطيل ؟ أَوَ لم تذكر ما أمرنا به رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من تسمية علي علیه السلام باْمَرةِ المؤمنين والنبيّ صلی الله علیه وآله بين أظهُرِنا ؟ وقوله صلی الله علیه وآله في عدة أوقات : «هذا علي أميرالمؤمنين وقاتل القاسطين » ؟ اتّق اللَّه وتدارك نفسك قبل أن لا تدركها ، وانفذها ممّا يهلكها ، واردد الأمر إلى من هو أحقّ به منك ، ولا تتماد في اغتصابه ، وراجع وأنت تستطيع أن تراجع ، فقد مَحَضْتُك النُصح ودلّلتُك على طريق النجاة ، فلا تكوننَّ ظهيراً للمجرمين ثم قام عمّار بن ياسر ؛ فقال : يا معاشر قريش ويا معاشر المسلمين ! إن كنتم علمتم ، وإلّا فاعلموا انّ أهل بيت نبيّكم أولى به وأحقّ بارثه ، وَأَقْوَمُ باُمور الدين ، وآمن على المؤمنين ، واحفظ لملّته ، وانصح لأمّته ، فمروا صاحبَكم فليردّ الحق إلى أهله قبل أن يضطرب حبلكم ويضعف أمركم ، ويظهر شتاتكم وتعظم الفتنة بكم وتختلفوا فيما بينكم ويطمع فيكم عدوّكم ، فقد علمتم انّ بني هاشم أولى بهذا الأمر منكم ، وعليٌّ أقرب منكم إلى نبيّكم وهو من بينهم وليّكم

ص: 29

بعد اللَّه ورسوله ، وفرق ظاهر قد جعلمتموه وج عرفتموه في حالٍ بعد حالٍ عند سدِّ النبيّ صلی الله علیه وآله أبوابكم التي كانت إلى المسجد كلّها غير بابه ، وايثاره ايّاه بكريمته فاطمة (علیها السلام) دون سائر من خطبها إليه منكم ، وقوله صلی الله علیه وآله : «أنا مدينة العلم وعليٌ بابها ، فمن أراد جالعلم وج الحكمة فليأتها من بابها » وانّكم جميعاً مضطرّون فيما أشكل عليكم من أمور دينكم إليه وهو مستغن جعن دينكم وج عن كلّ أحدٍ منكم إلى ماله من السوابق التي ليست لا فضلكم عند نفسه ، فما بالكم تحيدون عنه وتبتزّون عليّاً حقّه ، وتؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة ، بئس للظالمين بدلاً ، اعطوه ما جعله اللَّه له ولا تتولّوا عنه مدبرين ، ولا ترتدّوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين .

ثم قال إليه أبي بن كعب ؛ فقال : يا أبابكر ! لا تجحد حقاً جعله اللَّه لغيرك ولا تكن أوّل من عصى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في وصيّه وصفيّه وصَدف عن أمره ، واردد الحقّ إلى أهله تسْلِم ، ولا تتماد في غيّك فتندم ، وبادر الانابة يخفّ وزرك ، ولا تخصص بهذا الأمر الذي لم يجعله اللَّه لك نفسك ، فتلقى وبال عملك ، فعن قليل تفارق ما أنت فيه وتصير إلى ربّك ، فيسألك عما جنيت ، وما ربّك بظلّام للعبيد .

ثمّ قام خزيمة بن ثابت ذوالشهادين فقال : أيّها الناس ! ألستم تعلمون انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قبل شهادتي وحدي ولم يرد معي غيري ؟ قالوا : بلى ، قال : فاشهد اني سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « أهل بيتي يُفَرِّقون بين الحق والباطل وهم الأئمّة الذين يقتدى بهم » وقد قلت ما سمعت جوعلمت ج ، وما على الرسول إلّا البلاغ المبين .

ثمّ قام أبو الهيثم بن التيهان ؛ فقال : وأنا أشهد جيا أبابكرج على نبيّنا محمّد صلی الله علیه وآله

ص: 30

انّه أقام عليّاً - يعني في يوم غدير خم - فقالت الأنصار : ما أقامه إلّا للخلافة ، وقال بعضهم : ما اقامه إلّا ليعلم الناس انّه مولى من كان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله مولاه ، وكثر الخوض في ذلك ، فبعثنا رجالاً منّا إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فسألوه عن ذلك فقال صلی الله علیه وآله : قولوا لهم : عليّ ولي المؤمنين بعدي ، وانصحُ الناسِ لأُمتي ، و قد شهدت بما حضرني فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، انّ يوم الفصل كان ميقاتاً .

ثم قام سهل بن حنيف ؛ فحمد اللَّه تعالى واثنى عليه وصلّى على النبيّ محمّد وآله ثمّ قال : يا معاشر قريش ! اشهدوا عليّ انّي أشهد على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وقد رأيته في هذا المكان - يعني في الروضة - وقد أخذ بيد علي بن أبي طالب علیه السلام وهو يقول : أيّها الناس ! هذا علي امامكم من بعدي ، ووصيي في حياتي وبعد وفاتي وقاضي ديني ، ومنجز وعدي ، وأوّل من يصافحني على حوضي ، فطوبى لمن اتّبعه ونصره ، والويل لمن تخلّف عنه و خذله .

وقام معه أخوه عثمان بن حنيف فقال : سمعنا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : أهلُ بيتي نجومُ الأرض ، فلا تتقدموهم وقدِّموهم ، فهم الولاة من بعدي ، فقام إليه رجل فقال : يا رسول اللَّه وأيّ أهل بيتك ؟ فقال : عليّ والطاهرون من وُلده ، و قد بيَّن صلی الله علیه وآله ، فلا تكن يا أبابكر اوّلَ كافر به ، ولا تخونوا اللَّهَ والرسولَ وتخونوا اماناتكم وأنتم تعلمون .

ثمّ قام أبو أيوب الأنصاري 2 فقال : اتقو اللَّهَ عبادَ اللَّه في أهل بيت نبيّكم واردُدُوا إليهم حقّهم الذي جعله اللَّه لهم ، فقد سمعتم مثل ما سمع اخواننا في مقام بعد مقامٍ لنبيّنا محمّد صلی الله علیه وآله ومجلسٍ بعد مجلسٍ يقول : « أهل بيتي أئمّتكم بعدي » ويؤمى إلى علي بن أبي طالب علیه السلام و يقول : « جإنّ ج هذا امير البررة وقاتل الكفرة ،

ص: 31

مخذول من خذله ، منصور من نصره » فتوبوا إلى اللَّه مِنْ ظلمكم ايّاه انّ اللَّه توّاب رحيم ، ولا تتولّوا عنه مدبرين ولا تتولوا عنه معرضين .

قال الصادق جعفر بن محمّد علیه السلام : «فافحم أبوبكر على المنبر حتّى لم يُحِرْ جواباً ، ثم قال : وليتكم ولست بخيركم ، اقيلوني اقيلوني !

فقال له عمر بن الخطاب : انزل عنها يالكع(1) ! إذا كنت لا تقوم بحجج قريش لِمَ أقمت نفسك هذا المقام ؟ ! واللَّهِ هممتُ أن أخلعك واجعلها في سالم مولى أبي حذيفة ! !

قال : فنزل ثمّ أخذ بيده وانطلق جبه ج إلى منزله وبقوا ثلاثة أيّام لا يدخلون مسجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فلمّا كان اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد ومعه ألف رجل ، فقال لهم : ما جلوسكم ! فقد طمع فيها - واللَّه - بنو هاشم ، وجاءهم سالم مول أبي حذيفة ومعه ألف رجل ، وجاءهم معاذ بن جبل ومعه ألف رجل ، فما زال يجتمع إليهم رجل رجل حتّى اجتمع لهم أبعة آلاف رجل ، فخرجوا شاهرين باسيافهم يقدمهم عمر بن الخطّاب حتّى وقفوا بمسجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فقال عمر : واللَّه يا أصحاب عليّ لئن ذهب منكم رجل يتكلم بالذي تكلم بالأمس لنأخذنّ الذي فيه عيناه .

فقام إليه خالد بن سعيد بن العاص وقال : يا ابن صهّاك الحبشية ، أبأسيافكم تهدّدوننا أم بجمعكم تفزعوننا ؟ واللَّه انّ اسيافنا احدّ من أسيافكم وانّا لاكثر منكم وإنْ كنّا قليلين لأنّ حجّةَ اللَّهِ فينا ، واللَّه لَو لا أنّى أعلم انّ طاعة اللَّه ورسوله وطاعة امامي أولى بي لشهرت سيفي ولجاهدتكم في اللَّه إلى أن أبْليَ عذري .

ص: 32


1- اللكع : اللئيم والعبد الأحمق .

قال له أميرالمؤمنين علي علیه السلام : اجلس يا خالد فقد عرف اللَّه لك مقامَك وشكر لك سعيك ، فجلس .

وقام إليه سلمان الفارسى 2 فقال : اللَّه أكبر ، اللَّه أكبر ، سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بهاتين الأذنين والّا صمّتا يقول : « بينما أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب أهل النار يريدون قتله وقتل من معه » فلست اشك الّا وأنّكم هم ! !

قال : فهمّ به عمر بن الخطّاب فوثب إليه أميرالؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام وأخذ بمجامع ثوبه ثمّ جلد به الأرض ، ثمّ قال : يا ابن صهّاك الحبشية ، لو لا كتاب من اللَّه سبق وعهد من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله تقدّم ، لَأريتُك ايُّنا اضعف ناصراً واقلّ عدداً .

ثمّ التفت علیه السلام إلى أصحابه - رضي اللَّه عنهم - فقال : انصرفوا رحمكم اللَّه ، فو اللَّه لا دَخلتُ المسجد إلّا كما دخل أخواي موسى وهارون ، إذ قال له أصحابه : ( فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ )(1) .

ثمّ قال علیه السلام : ولا دخلته إلّا لصلاة أو لزيارة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، أَوْ لقضية اقضيها ، فانّه لا يجوز لحجّة اقامها رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أَن يترك الناسَ في حَيْرَةٍ .

وعن عبداللَّه بن عبدالرحمن قال : ثمّ انّ عمر احتزم بإزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادى : ألا انّ أبا بكر قد بويع له فهلمّوا إلى البيعة ، فينثال الناس فيبايعون ، فعرف انّ جماعة في بيوت مستترون ، فكان يقصدهم في جمع كثير ويكبسهم ويحضرهم في المسجد فيبايعون حتّى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي بن أبي طالب علیه السلام فطالبه بالخروج فأبى ، فدعا عمر بحطب و نار ،

ص: 33


1- سورة المائدة : 24 .

وقال : والذي نفس عمر بيده ليخرجَنَّ أو لاحرقَنَّه على ما فيه ، فقيل له : انّ فاطمة (علیها السلام) بنتَ رسولِ اللَّه صلی الله علیه وآله وولد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وآثار رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فيه ، وانكر الناسُ ذلك من قوله .

فلما عرف انكارهم قال : ما بالكم أَتَرَوْني فعلتُ ذلك ؟ انما اردتُ التهويلَ فَراسَلَهم علي علیه السلام أن ليس إلى خروجي حيلة ، لأنّي في جميع كتاب اللَّه عزّ وجلّ الذي قد نبذتموه وألهَتْكم الدنيا عنه ، وقد حَلَفْتُ أن لا أَخْرُجَ من بيتي ولا اضع ردائي على عاتقي حتّى اجمع القرآن .

قال : وخرجت فاطمة بنتُ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله اليهم فوقفت خلف الباب ثمّ قالت : « لا عهد لي بقوم أَسْوأ مَحضراً منكم ، تركتم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله جنازةً بين ايدينا ، وقطعتم أمركم فيما بينكم جوج لم تُؤمِّرونا ولم تروالنا حقاً ، كانّكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم ، واللَّه لقد عقد له يومئذٍ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء ، ولكنّكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيّكم ، واللَّه حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة»(1) .

وعن أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس قال سمعت سلمان الفارسي قال : لما أن قبض النبي صلی الله علیه وآله وصنع الناس ما صنعوا جاءهم أبوبكر وعمر وأبوعبيدة بن الجراح فخاصموا الأنصار فخصموهم بحجّة علي علیه السلام ، فقالوا : يا معاشر الأنصار ! قريش أحقّ بالأمر منكم لأنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من قريش والمهاجرون خير منكم ، لأنّ اللَّه بدأ بهم في كتابه وفضلهم وقد قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : الأئمّة من قريش .

قال سلمان : فاتيت علياً علیه السلام وهو يغسل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، و قدكان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله

ص: 34


1- الاحتجاج : 1/75 ، ح 37 ؛ بحارالأنوار : 28/18صلی الله علیه وآله ، ح 2 .

أوصى عليّاً علیه السلام أن لا يلي غسله غيره ، فقال : يا رسول اللَّه فمن يعينني على ذلك ؟ فقال صلی الله علیه وآله : جبرائيل . فكان علي علیه السلام لا يريد عضواً إلّا قلب له ، فلما غسله وحنطه وكفنه ادخلني وادخل أباذر والمقداد وفاطمة والحسن والحسين : فتقدّم علي علیه السلام وصففنا خلفه وصلّى عليه وعائشة في الحجرة لا تعلم قد أخذ اللَّه ببصرها ، ثمّ ادخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الأنصار ، فكانوا يدخلون ويدعون ويخرجون(1) حتّى لم يبق أحد شهد من المهاجرين والأنصار إلّا صلّى عليه ، قال سلمان الفارسي : فاخبرت عليّاً علیه السلام وهو يغسل(2) رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بما صنع القوم وقلت : ان أبابكر الساعة لَعَلى منبر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ما يرضون يبايعون بيد واحدة ، وانّهم ليبايعونه بيديه جميعاً بيمينه وشماله .

فقال علي علیه السلام : يا سلمان وهل تدري من أوّل من بايعه عَلى منبر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟

قلت : لا ، إلّا انّي رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار وكان أوّل من بايعه المغيرة بن شعبة ثم بشير بن سعيد ثمّ أبو عبيدة الجراح ثمّ عمر بن اخلطاب ثمّ سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل ، قال علیه السلام : لست أسألك عن هؤلاء ، ولكن هل تدري من أوّل من بايعه حين صعد المنبر ؟ قلت : لا ولكن رأيتُ شيخاً كبيراً يتوكأ على عصاه بين عينيه سجادة شديدة التشمير ، صعد المنبر أوّل من صعد {وخر} وهو يبكى ويقول : الحمد للَّه الذي لم يمتني حتّى رأيتك في هذا المكان ، أبسط يدك ، فبسط يده فبايعه جثمّ قال : يوم كيوم آدم} ثمّ نزل ، فخرج من

ص: 35


1- فيصلون ويخرجون خ » .
2- قلت لعلي علیه السلام حين يغسل خ » .

المسجد ، فقال علي علیه السلام : يا سلمان ! أتدري من هو ؟

قلت : لا ، ولقد ساءتني مقالته ، كانه شامت بموت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله .

قال علي علیه السلام : فان ذلك ابليس جلعنه اللَّه ج أخبرني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ان ابليس ورؤساء اصحابه شهدوا نصب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إياي جيوم ج غدير خم بأمر اللَّه ، وأخبرهم بأنى أولى بهم من أنفسهم ، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ، فاقبل إلى ابليس أبالسته ومردة أصحابه ، فقالوا : انّ هذه الأمّة اُمّة مرحومة معصومة ، فمالك ولا لنا عليهم سبيل ، وقد اعلموا مفزعهم وامامهم بعد نبيّهم ، فانطلق ابليس كثيباً حزيناً ، قال أميرالمؤمنين علیه السلام : أخبرني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله جبعد ذلك ج وقال : يبايع الناس أبابكر في ظلة بني ساعدة بعد تخاصمهم بحقنا وحجّتنا ، ثمّ يأتون المسجد ، فيكون أوّل من يبايعه على منبري ابليس في صورة شيخ كبير مشمر يقول كذا وكذا ، ثمّ يخرج ، فيجمع جاصحابه ج وشياطينه وابالسته ، فيخرون سجداً ، فيقولون : يا سيدنا ، يا كبيرنا ، أنت الذي اخرجت آدم من الجنّة ، فيقول : أي امّة لن تضلّ بعد نبيّها ؟ كلّا ، زعمتم أن ليس لي عليهم جسلطان ولاج سبيل ؟ فكيف رايتموني صنعتُ بهم حين تركوا ما أمرهم اللَّه به جمن طاعته ج ، وأمرهم به رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وذلك قوله تعالى : ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًاً مِنَ الْمُؤمِنين )(1) .

قال سلمان : فلما أن كان الليل حمل علي علیه السلام فاطمة 3 على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين 8 ، فلم يدع أحداً من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلّا اتاه في منزله . فذكرهم حقّه ودعاهم إلى نصرته ، فما استجاب له منهم إلّا أربعة وأربعون رجلاً ، فأمرهم أن يصبحوا {بكرة} ملحقين رؤسهم ، معهم

ص: 36


1- سورة سبأ : 20 .

سلاحهم ليبايعوا على الموت ، فاصبحوا جفلم يواف ج منهم أحد إلّا أربعة ، فقلت لسلمان : من الأربعة ؟ فقال : أنا وأبوذر والمقداد والزبير بن العوام ، ثمّ أتاهم علي علیه السلام من الليلة المقبلة فناشدهم ، فقالوا : نصبحك بكرة ، فما منهم أحد أتاه غيرنا ، ثمّ اتاهم الليلة الثالثة ، فما أتاه غيرنا ، فلما رأى غدرهم وقلة وفائهم له لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه ، فلم يخرج من بيته حتّى جمعه وكان في الصحف والشظاظ والاسيار(1) والرقاع ، فلما جمعه كلّه كتبه [بيده] على تنزيله [وتأويله] والناسخ منه و المنسوخ بعث إليه أبوبكر : ان أخرج فبايع ، فبعث إليه علي علیه السلام : اني لمشغول وقد آليت على نفسي يميناً أن لا أرتدي رداء إلّا للصلاة حتّى أؤلف القرآن واجمعه [فسكتوا عنه أياماً] فجمعه في ثوب واحد وختمه ، ثمّ خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فنادى علي علیه السلام باعلى صوته : يا أيّها الناس ! إنّي لم ازل منذ قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله مشغولاً بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كلّه في هذا الثوب الواحد ، فلم ينزل اللَّه على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله آية إلّا وقد جمعتها ، وليست منه آية إلّا وقد جمعتها ، وليست منه آية إلّا وقد أقرأنيها رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعلمني تأويلها جثمّ قال لهم علي علیه السلام : لئلا تقولوا غدا ( إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ )(2)ج .

ثمّ قال لهم علي علیه السلام : لئلا تقولوا يوم القيامة اني لم أدعكم إلى نصرتي ولم أذكركم حقي ولم ادعكم إلى كتاب اللَّه من فاتحته إلى خاتمته .

فقال عمر : ما أغنانا ما معنا من القرآن عمّا تدعونا إليه .

ص: 37


1- الاسيار : والسير بالفتح الذي يقدمن الجلد والجمع سيور .
2- سورة الأعراف : 1علیه السلام2 .

ثم دخل علي علیه السلام بيته ، وقال عمر لأبي بكر : أرسل إلى علي ، فليبايع فإنا لسنا في شي ء حتّى يبايع ولو قد بايع امناه ، فارسل إليه أبوبكر : اجب خليفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فأتاه الرسول فقال له ذلك ، فقال له علي علیه السلام : سبحان اللَّه ما أسرع ما كذبتم على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله انّه ليعلم جويعلم ج الذين حوله أن اللَّه ورسوله لم يستخلفنا غيري ، وذهب الرسول فاخبره بما قال له ، قال : اذهب فقل له : اجب أميرالمومنين أبابكر ، فأتاه فاخبره بما قال.

فقال له علي علیه السلام : سبحان اللَّه ! ما واللَّه طال العهد فينسى ، فو اللَّه إنّه ليعلم ان هذا الاسم لا يصلح إلّا لي ، و لقد أمره رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهو سابع سبعة فسلموا علي بإمرة المؤمنين ، فاستفهم هو وصاحبه عمر من بين السبعة فقالا : أحقٌّ من اللَّه ورسوله ؟ فقال لهما رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : نعم حقا [حقا] من اللَّه ورسوله انّه أميرالمؤمنين وسيّد المسلمين وصاحب لواء الغر المحجلين ، يقعده اللَّه عزّ وجلّ يوم القيامة على الصراط ، فيدخل أولياءه الجنّة ، واعداءه النار ، فانطلق الرسول فأخبره بما قال ، قال : فسكتوا عنه يومهم ذلك ، فلما كان الليل حمل علي علیه السلام فاطمة (علیها السلام) [على حمار] وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين 8 ، فلم يدع احداً من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إلّا أتاه في منزله ، فناشدهم اللَّه حقّه ودعاهم إلى نصرته ، فما استجاب منهم رجل غيرنا الأربعة ، فانا حلقنا رءوسنا وبذلنا له نصرتا وكان الزبير اشدنا بصيرة في نصرته ، فلما رأى علي علیه السلام خذلان الناس وايّاه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر و طاعتهم له وتعظيمهم ايّاه لزم بيته .

فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك ان تبعث إليه فيبايع ، فانّه لم يبق أحد إلّا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة ، وكان أبوبكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما

ص: 38

وأبعدهما غوراً ، والآخر افظهما [واغلظهما] واجفاهما .

فقال أبوبكر : من نرسل إليه ؟ فقال [عمر] : نرسل إليه قنفذاً - وهو رجل فظ غليظ جاف ، من الطلقاء ، أحدُ بني عدي بن كعب - فارسله وارسل معه أعواناً وانطلق ، فاستأذن على علي علیه السلام ، فأبى أن يأذن لهم ، فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر ، وهما ججالسان ج في المسجد والناس حولهما ، فقالوا : لم يؤذن لنا . فقال عمر : اذهبوا ، فإن أذن لكم وإلّا فادخلوا جعليه ج بغير إذن ، فانطلقوا فاستأذنوا ، فقالت فاطمة (علیها السلام) : أحَرِّج عليكم أن تدخلوا على بيتي جبغير اذن ج ، فرجعوا وثبت قنفذ الملعون ، فقالوا : ان فاطمة قالت : كذا وكذا . فتحرجنا ان ندخل بيتها بغير إذن ، فغضب عمر وقال : ما لنا وللنساء ؟ ثم أمر أناساً حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب وحمل معهم عمر ، فجعلوه حول منزل علي وفاطمة وابنيهما : ، ثمّ نادى عمر حتّى أسمع علياً وفاطمة 8 : واللَّه لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول اللَّه وإلّا أضرمت عليك [بيتك النار] .

فقالت فاطمة (علیها السلام) : يا عمر ! مالنا ولك . فقال : افتحي الباب وإلّا أحرقنا عليكم بيتكم . فقالت : يا عمر أما تتقي اللَّه تدخل على بيتي فأبى أن ينصرف ودعا عمر بالنار ، فاضرمها في الباب ، ثمّ دفعه فدخل فاستقبلته فاطمة (علیها السلام) وصاحت يا أبتاه يا رسول اللَّه ، فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها ، فصرخت يا ابتاه ، فرفع السوط فضرب به ذراعها ، فنادت يا رسول اللَّه لبئس ما خلفك أبوبكر و عمر ، فوثب علي علیه السلام فأخذ بتلابيبه ، ثمّ نتره فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله ، فذكر قول رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وما أوصاه به ، فقال : والذي كرم محمّداً بالنبوّة يا ابن صهّاك لولا كتاب من اللَّه سبق وعهد عهده إليّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لعلمت أنّك لا

ص: 39

تدخل بيتي ، فارسل عمر يستغيث ، قاقبل الناس حتّى دخلوا الدار ، وثار علي علیه السلام إلى سيفه فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوّف أن يخرج علي علیه السلام [اليه] بسيفه ، لما قد عرف من بأسه وشدته . فقال أبوبكر لقنفذ : ارجع فان خرج وإلّا فاقتحم عليه بيته ، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم النار ، فانطلق قنفذ الملعون ، فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن ، وثار علي علیه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه [وكاثروه] وهم كثيرون فتناول بعضهم سيوفهم فكاثروه [وضبطوه] فألقوا في عنقه حبلاً وحالت بينهم وبينه فاطمة (علیها السلام) عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط ، فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته لعنه اللَّه [ولعن من بعث به] ثمّ انطلق بعلي علیه السلام يعتل عتلاً حتّى انتهى به إلى أبي بكر وعمر ، قائم بالسيف على رأسه ، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حصين وبشير بن سعد وسائر الناس [لوس] حول أبي بكر عليهم السلاح ، قال : قلت لسلمان : أدَخَلوا على فاطمة (علیها السلام) بغير إذن ؟ قال : أي واللَّه وما عليها من خمار ، فنادت : وا ابتاه ، وا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، يا ابتاه فلبئس ما خلفك أبوبكر وعمر وعيناك لم تتفقأ في قبرك ، تنادي باعلى صوتها فلقد رأيت أبابكر ومن حوله يبكون [وينتحبون] ، ما فيهم إلّا باك غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة ، وعمر يقول : إنا لسنا من النساء ورأيهنّ في شي ء .

قال : فانتهوا بعلي علیه السلام إلى أبي بكر وهو يقول : اما واللَّه لو وقع سيفي في يدي لعلمتم أنكم لم تصلوا إلى هذا ابداً ، أما واللَّه ما ألوم نفسي في جهادكم ، ولو كنت استمكنت من الأربعين رجلاً لفرقت جماعتكم ، ولكن لعن اللَّه أقواماً بايعوني ثمّ خذلوني ولما أن بصر به أبوبكر صاح خلوا سبيله ، فقال علي علیه السلام : يا أبابكر ما

ص: 40

أسرع ما توثبتم على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، بأي حق وبأي منزلة دعوت الناس إلى بيعتك ، ألم تبايعني بالامس بأمر اللَّه وأمر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟ .

وقد كان قنفذ لعنه اللَّه ضرب فاطمة (علیها السلام) بالسوط حين حالت بينه وبين زوجها ، وارسل إليه عمر إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها ، فألجأها قنفذ لعنه اللَّه إلى عضادة باب بيتها ودفعها ، فكسر ضلعها من جنبها ، فألقت جنيناً من بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت (علیها السلام) من ذلك شهيدة .

قال : ولما انتهى بعلي علیه السلام إلى أبي بكر انتهره عمره وقال له : بايع [ودَعْ عنك هذه الاباطيل] ، فقال له علیه السلام : فان لم افعل فما أنتم صانعون ؟ قالوا : نقتلك ذلا وصغارا . فقال : اذاً تقتلون عبدَ اللَّهِ واخا رسوله صلی الله علیه وآله .

قال أبوبكر : اما عبداللَّه فنعم ، وأما أخو رسول اللَّه فما نقر بهذا .

قال : أتجحدون أن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله آخى بيني وبينه ؟

قال : نعم ، فاعاد ذلك عليهم ثلاث مرات ، ثم اقبل عليهم علي علیه السلام فقال : يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار ، انشدّكم اللَّه أسمعتم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول يوم غدير خم كذا وكذا جوفي غزوة تبوك كذا وكذاج فلم يدع علیه السلام شيئاً قاله فيه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله علانية للعامة إلّا ذكرهم اياه . قالوا : اللهمّ نعم ، فلما تخوف أبوبكر ان ينصره الناس وان يمنعوه بادرهم فقال [له] : كلّ ما قلت حق قد سمعناه بآذاننا [وعرفناه] ووعته قلوبنا ، ولكن قد سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول بعد هذا : أنا أهل بيت اصطفانا اللَّه [واكرمنا] واختار لنا الآخرة على الدنيا وان اللَّه لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوّة والخلافة . فقال علي علیه السلام : هل أحد من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله شهد هذا معك ؟ فقال عمر : صدق خليفة رسول اللَّه قد سمعته منه كما قال ، وقال أبو

ص: 41

عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل [صدق] قد سمعنا ذلك من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . فقال لهم علي علیه السلام : لقد وفيتم بصحيفتكم [الملعونة] التي تعاقدتم عليها في الكعبة : إن قتل اللَّه محمّداً أو مات لتزون هذا الأمر عنّا أهل البيت .

فقال أبوبكر : فما علمك بذلك ؟ ما اطلعناك عليها ؟ فقال علي علیه السلام : أنت يا زبير وأنت يا سلمان وأنت يا أباذر وأنت يا مقداد ، أسألكم باللَّه وبالاسلام [أما] سمعتم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول ذلك وأنتم تسمعون ان فلاناً وفلاناً حتّى عد هؤلاء الخمسة قد كتبوا بينهم كتاباً وتعاهدوا فيه وتعاقدوا [ايمانا] على ما صنعوا [ان قتلت أو مت] ؟ فقالوا : اللهمّ نعم ، قد سمعنا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول ذلك لك ، انهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا وكتبوا بينهم كتاباً ان قتلت أو مت [ان يتظاهروا عليك و] أن يزووا عنك هذا يا علي . قلت : بأبي أنت وأمّي يا رسول اللَّه ! فما تأمرني إذا كان ذلك [أن افعل ؟ فقال : لك] ان وجدت عليهم أعواناً فجاهدهم ونابذهم ، وإن [أنت] لم تجد أعواناً فبايع واحقن دمك .

فقال علي علیه السلام : أما واللَّه لو أن اولئك الأربعين رجلاً الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في اللَّه ، ولكن أما واللَّه لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيامة . و فيما يكذب قولكم على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قوله تعالى : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا )(1) .

فالكتاب البنوة ، والحكمة السنة ، والملك الخلافة ، ونحن آل إبراهيم .

فقام المقداد فقال : يا علي بما تأمرنى ؟ واللَّه ان امرتني لاضربن بسيفي و ان امرتني كففت . فقال علي علیه السلام : كف يا مقداد و اذكر عهد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وما أوصاك

ص: 42


1- سورة النساء : 54 .

به . فقمت وقلت : والذي نفسي بيده لو أني اعلم أني ادفع ضيما وأعزّ للَّه دينا لوضعت سيفي على عنقي ثمّ ضربت به قدما قدما ، أتثبون على أخي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ووصيه وخليفته في أمته وأبي ولده ؟ فأبشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء .

وقام أبوذر فقال : ايّتها الأمّة المتحيرة بعد نبيّها المخذولة بعصيانها ان اللَّه يقول : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )(1) .

وآل محمّد الأخلاف من نوح ، وآل إبراهيم من إبراهيم والصفوة والسلالة من اسماعيل ، وعترة النبي محمّد أهل بيت النبوّة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ، وهم كالسماء المرفوعة والجبال المنصوبة والكعبة المستورة والعين الصافية والنجوم الهادية والشجرة المباركة ، اضاء نورها ، وبورك زيتها ، محمّد خاتم الأنبياء وسيّد ولد آدم ، وعلي وصي الأوصياء وامام المتقين وقائد الغر المحجّلين وهو الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم ووصي محمّد ووارث علمه وأولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم كما قال اللَّه : ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ )(2) ، فقدموا من قدم اللَّه ، وأخِّروا من أخر اللَّه ، واجعلوا الولاية والوراثة لمن جعل اللَّه .

فقام عمر فقال لأبي بكر وهو جالس فوق المنبر : ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك ، أو تأمر به فنضرب عنقه ؟ والحسن والحسين 8 قائمان ، فلمّا سمعا مقالة عمر بَكَيا ، فضمهما علیه السلام إلى صدره فقال : لا

ص: 43


1- سورة آل عمران : 33 .
2- سورة الأحزاب : 6 .

تبكيا ، فو اللَّه لا يقدران على قتل أبيكما ، وأقبلت أم ايمن حاضنة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فقالت : يا أبابكر ! ما اسرع ما أبديتم حسدكم ونفاقكم ، فأمر بها عمر فاخرجت من المسجد ، وقال : ما لنا و للنساء ؟ وقام بريدة الأسلمي وقال : أتثب يا عمر على أخي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأبي ولده ؟ وأنت الذي نعرفك في قريش بما نعرفك ، ألستما قال لكما رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : انطلقا إلى علي وسلما عليه بإمرة المؤمنين ؟ فقلتما : أعن أمر اللَّه وأمر رسوله ؟ قال : نعم .

فقال أبوبكر : قد كان ذلك ، ولكن رسول اللَّه قال بعد ذلك : لا يجتمع لأهل بيتي النبوّة والخلافة . فقال : واللَّه ما قال هذا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . و اللَّه لا سَكَنْتُ في بلدة أنت فيها أمير ، فأمر به عمر فضرب وطرد .

ثمّ قال : قم يا ابن أبي طالب فبايع .

فقال علیه السلام : فان لم أفعل ؟ قال : اذاً واللَّه نضرب عنقك ، فاحتج عليهم ثلاث مرات ، ثم مدّ يده من غير أن يفتح كفه ، فضرب عليها أبوبكر و رضى بذلك منه.

فنادى علي علیه السلام قبل أن يبايع والحبل في عنقه : يا ( ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي )(1) .

وقيل للزبير : بايع ، فأبى ، فوثب إليه عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة في أناس معهم ، فانتزعوا سيفه [من يده] فضربوا به الأرض [حتّى كسروه ثم لبّبوه(2)] . فقال الزبير [وعمر على صدره] : يا ابن صهّاك أما و اللَّه لو ان سيفي في يدي لَحِدْتَ عنّي ، ثمّ بايع .

ص: 44


1- سورة الأعراف : 150 .
2- لببوه : لببه تلبيباً جمع ثيابه عند نحره في الخصومة ثمّره .

قال سلمان : ثمّ اخذوني فوجئوا عنقي حتّى تركوها كالسلعة ، ثمّ اخذوا يدي جوفتلوهاج فبايعت مكرهاً ، ثمّ بايع ابوذر والمقداد مكرهين ، وما بايع أحد من الأمّة مكرها غير علي علیه السلام وأربعتنا ، ولم يكن منا أحد أشد قولاً من الزبير ، فإنه لما بايع قال : يا ابن صهاك ! اما و اللَّه لو لا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم علي ومعي سيفي ، لما أعرف من جبنك ولؤمك ، ولكن وجدت طغاة تقوى بهم وتصول ، فغصب عمرو قال : أتذكر صهاك ؟ فقال : [ومن صهاك] وما يمنعني من ذكرها ؟ قد كانت صهّاك... أُمّه حبشيّة لجدّي عبدالمطّلب ، فولدک اباک الخطاب؟ فوهبها عبدالمطّلب لجدّك فولدته وإنّه لعبد لجدّي الخطّاب ، فاصلح بينهما أبوبكر وكف كلّ واحد منهما عن صاحبه .

قال سليم بن قيس : فقلت لسلمان : أفبايعت أبابكر يا سلمان ولم تقل شيئاً ؟ قال : قد قلت بعد ما بايعت : تبالكم سائر الدهر ، أو تدرون ما صنعتم بأنفسكم ؟ أصبتم وأخطاتم ، اصبتم سنة من كان قبلكم من الفرقة والاختلاف ، وأخطاتم سنة نبيّكم حتّى اخرجتموها من معدنها وأهلها .

فقال عمر : يا سلمان ! أما إذ [بايع صاحبك] و بايعت فقل ما شئت ، وافعل ما بدا لك ، وليقل صاحبك ما بدا له .

قال سلمان : فقلت : سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب [جميع] أمّته إلى يوم القيامة ومثل عذابهم جميعاً .

فقال : قل ما شئت ، أليس قد بايعت و لم يقر اللَّه عينيك بأن يليها صاحبك ! فقلت : أشهد اني قد قرأت في بعض كتب اللَّه المنزلة : انّك باسمك ونسبك وصفتك

ص: 45

باب من أبواب جهنم . فقال لي : قل ما شئت ، أليس قد ازالها اللَّه عن أهل جهذاج البيت الذين اتخذتموهم أرباباً من دون اللَّه ؟ فقلت له : أشهد اني سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول وسألته عن هذه الآية : ( فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ )(1) ، فاخبرني بانّك أنت هو .

فقال عمر : اسكت ، أسكت اللَّه نأمتك أيها العبد يا ابن اللخناء .

فقال علي علیه السلام : أقسمت عليك يا سلمان لما سكت .

فقال سلمان : واللَّه لو لم يأمرني علي علیه السلام بالسكوت لخبرته بكلّ شي ء نزل فيه وكلّ شي ء سمعته من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فيه و في صاحبه .

فلما رآني عمر قد سكت قال لي : انّك له لمطيع مسلم ، فلمّا أن بويع أبوذر و المقداد ولم يقولا شيئاً قال عمر : يا سلمان ! ألاَّ تكفّ كما كفّ صاحباك ؟ واللَّه ما أنت باشدّ حبّاً لأهل هذا البيت منهما و لا أشدّ تعظيماً لحقهم منهما وقد كفّا كما ترى وبايعا .

فقال أبوذر : يا عمر ! أفتعيّرنا بحبّ آل محمّد وتعظيمهم ؟ لعن اللَّه وقد فعل من أبغضهم وافترى عليهم ، وظلمهم حقّهم ، وحمل الناس على رقابهم وردّ هذه الأمّة القهقري على أدبارها .

فقال عمر : آمين لعن اللَّه من ظلمهم حقّهم ، لا و اللَّه ما لهم فيها [من] حقّ وما هم فيها و عرض الناس الّا سواء .

قال أبوذر : فلم خاصمتم الأنصار بحقّهم وحجّتهم ؟

فقال علي علیه السلام لعمر : يا ابن صهاك ، فليس لنا فيها حق وهي لك ولابن آكلة

ص: 46


1- سورة الفجر : 25 - 26 .

الذبان ؟ ! فقال عمر : كف الآن يا أبا الحسن إذ بايعت ، فان العامّة رضوا بصاحبي ولم يرضوا بك ، فما ذنبي ؟ فقال علي علیه السلام : ولكن اللَّه عزّ وجلّ ورسوله لم يرضيا إلّا بي ، فابشر أنت وصاحبك ومن اتبعكما و وازركما بسخط من اللَّه وعذابه خزيه ، ويلك يا ابن الخطاب [لو ترى ماذا جنيت على نفسك] لو تدري ما منه خرجت و فيما دخلت و ماذا جنيت على نفسك وعلى صاحبك .

فقال أبوبكر : يا عمر أما إذ قد بايعنا وأمنّا شره وفتكه وغائلته فدعه يقول ما شاء .

فقال علي علیه السلام : لست بقائل غير شي ء واحد ، أذكركم باللَّه أيّها الأربعة - يعنيني وأباذر والزبير والمقداد - سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : ان تابوتا من نار ، فيه اثنا عشر رجلاً ، ستة من الأولين وستة من الآخرين في جب في قعر جهنم ، في تابوب مقفل ، على ذلك الجب صخرة ، فإذا أراد اللَّه أن يسعر جهنّم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب ، فاستعرت جهنّم من وهج ذلك الجب ومن حرّه .

قال علي علیه السلام : فسألت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله - وأنتم شهود به - عن الأولين ، فقال صلی الله علیه وآله : أمّا الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه ، وفرعون الفراعنة ، والذي حاج إبراهيم في ربّه ، ورجلان من بني إ سرائيل بدّلا كتابهم وغيّروا سنتهم ، أمّا أحدهما فهوّد اليهود ، والآخر نصّر النصارى [وإبليس سادسهم] ، وفي الآخرين الدجّال وهؤلاء الخمسة أصحاب الصحيفة والكتاب وجبتهم وطاغوتهم الذي تعاهدوا عليه وتعاقدوا على عداوتك يا أخي ، وتظاهرون عليك بعدي هذا وهذا حتّى سماهم وعدهم لنا ؟ قال سلمان : فقلنا : صدقت ، نشهد انا سمعنا ذلك من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله .

فقال عثمان : يا أبا الحسن ! أما عندك وعند أصحابك هؤلاء حديث فيّ ؟ فقال

ص: 47

علي علیه السلام : بلى ، سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يلعنك [مرتين] ثمّ لم يستغفر اللَّه لك بعد ما لعنك ، فغضب عثمان ثمّ قال : مالي ومالك ولا تدعني على حال عهد النبيّ ولا بعده ؟

فقال علي علیه السلام : [نعم] فارغم اللَّه أنفك ، فقال عثمان : فواللَّه لقد سمعت من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : انّ الزبير يقتل مرتداً عن الإسلام .

قال سلمان : فقال علي علیه السلام لي فيما بيني وبينه : صدق عثمان ، وذلك انه يبايعني بعد قتل عثمان وينكث بيعتي فيقتل مرتداً .

قال سلمان : فقال علي علیه السلام : ان الناس كلّهم ارتدوا بعد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله غير أربعة ، ان الناس صاروا بعد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بمنزلة هارون ومن تبعه ومنزلة العجل ومن تبعه . فعلي في شبه هارون ، وعتيق في شبه العجل ، وعمر في شبه السامري ، وسمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : ليجيئنّ قوم من أصحابي من أهل العلية والمكانة مني ليمروا على الصراط ، فإذا رأيتهم ورأوني وعرفتهم وعرفوني اختلجوا دوني ، فأقول : أي ربّ أصحابي أصحابي ، فيقال : ما تدري ما أحدثوا بعدك ، انّهم ارتدوا على أربارهم حيث فارقتهم . فاقول : بعداً وسحقاً ، وسمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : لتركبنّ أمتي سنة بني إ سرائيل حذو النعل بالنعل [وحذو] القذة بالقذة ، شبراً بشيرٍ ، وذراعاً بذراع ، وباعاً بباع ، حتّى لو دخلوا جُحراً لدخلوا فيه معهم ، انّ التوراة والقرآن كتبه ملك واحد ، في رقٍ واحد ، بقلم واحد ، وجرت الأمثال والسنن سواء .(1)

عن أبي بكر الحضرمي قال : قال أبو جعفر علیه السلام : ارتد الناس إلّا ثلاثة نفر :

ص: 48


1- كتاب سليم بن قيس : 5علیه السلامعلیه السلام ، ح 4 ؛ بحارالأنوار : 28/261 ، ح 45 .

«سلمان وأبوذر و المقداد . قال : قلت : فعمّار ؟ قال : قد كان جاض جيضة ثمّ رجع ، ثمّ قال : ان أردت الذي لم يشكّ ولم يدخله شي ء فالمقداد ، فأمّا سلمان : فانّه عرض في قلبه عارض ان عند أميرالمؤمنين علیه السلام اسم اللَّه الأعظم ، لو تكلّم به لاخذتهم الأرض ، وهو هكذا ، فلبب ووجئت عنقه حتّى تركت كالسلقة ، فمر به أميرالمؤمنين علیه السلام فقال له : يا أبا عبداللَّه ! هذا من ذاك ، بايع فبايع ، وأمّا أبوذر ، فأمره أميرالمؤمنين علیه السلام بالسكوت ولم يكن يأخذه في اللَّه لومة لائم ، فأبى إلّا أن يتكلّم ، فمرّ به عثمان فأمر به ، ثمّ أناب الناس بعد ، فكان أوّل من أناب أبو ساسان الأنصاري وأبو عمرة وشتيرة وكانوا سبعة ، فلم يكن يعرف حقّ أميرالمؤمنين علیه السلام إلّا هؤلاء السبعة » .(1)

أقول : أبو ساسان اسمه حصين بالحاء المهملة المضمومة والصاد غير المعجمة بن المنذر يكنّى أبا ساسان الرقاشي صاحب راية علي علیه السلام(2) وأبو عمرة من الأنصار أيضاً واسمه ثعلبة بن عمرو(3) .

وشتير بضمّ الشين وفتح التاء المثناة فوق والياء المثناة تحت ساكنة ويقال شمير وهبير وكريب وبريد أخوة قتلوا جبصفين كل واحد يأخذ الراية بعد الآخر حتّى قتلوا ، وبعض ج المصنفين أثبت ستير بالسين المهملة جوهو وهم ج وقد اثبته الشيخ أبو جعفر في باب الشين وأمره ظاهر(4)

وقال الحلّي : هبيره وكريب وبريد وشمير ويقال : شنير ، هؤلاء أخوة من

ص: 49


1- رجال الكشي : 11 ؛ بحار الأنوار : 22/440 ، ح صلی الله علیه وآله ؛ بحار الأنوار : 28/239 ، ح 26 .
2- الخلاصة للحلي : الباب الخامس عشر ، ص 62 ، ش 2 ( رجال العلّامة الحلّي ) .
3- رجال الطوسي : 31 .
4- رجال ابن داوود : 183 ، ش 744 .

أصحاب اميرالمؤمنين علیه السلام ، قتلوا بصفين كلّ واحد يأخذ الراية بعد الآخر حتّى قتلوا(1) .

عن عمرو بن ثابت قال : سمعت أبا عبداللَّه علیه السلام يقول : «انّ النبي صلی الله علیه وآله لما قبض أرتد الناس على أعقابهم كفاراً إلّا ثلاثاً سلمان والمقداد وأبوذر الغفاري ، انّه لما قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله جاء أربعون رجلاً إلى علي بن أبي طالب علیه السلام فقالوا : لا واللَّه ، لا نعطي أحداً طاعة بعدك أبداً ، قال علیه السلام : ولِمَ ؟

قالوا : انا سمعنا من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فيك يوم غديرٍ جخم ج ، قال علیه السلام : وتفعلون ؟ قالوا : نعم ، قال علیه السلام : فأتوني غداً محلقين . قال : فما أتاه إلّا هؤلاء الثلاثة . قال : وجاءه عمّا بن ياسر بعد الظهر فضرب يده على صدره ، ثمّ قال علیه السلام له : مالك أن تستيقظ من نومة الغفلة ؟ ارجعوا فلا حاجة لي فيكم ، أنتم لم تطيعوني في حلق الرأس ، فكيف تطيعوني في قتال جبال الحديد ، ارجعوا فلا حاجة لي فيكم »(2) .

روى عن الباقر علیه السلام « انّ عمر بن الخطاب قال لأبي بكر : اكتب إلى اُسامة بن زيد يقدم عليك ، فان في قدومه قطع الشنيعة عنّا ، فكتب أبوبكر إليه : من أبي بكر خليفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إلى أسامة بن زيد ، أمّا بعد فانظر إذا أتاك كتابي فأقبل إلي أنت ومن معك ، فإن المسلمين قد اجتمعوا علي وولوني أمرهم ، فلا تتخلفن فتعصي ويأتيك مني ما تكره والسلام » .

قال : فكتب أسامة إليه جواب كتابه : « من أسامة بن زيد عامل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على غزوة الشام ، أمّا بعد فقد أتاني منك كتاب ينقض أوّله

ص: 50


1- الخلاصة للحلّي : 8علیه السلام .
2- الاختصاص : 6 ؛ بحارالأنوار : 28/ 25صلی الله علیه وآله ، ح 42 .

آخره ، ذكرت في أوّله انّك خليفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، وذكرت في آخره انّ المسلمين قد اجتمعوا عليك فولوك أمرهم ورضوك . فاعلم انّي ومن معي من جماعة المسلمين والمهاجرين فلا واللَّه ما رضيناك ولا وليناك أمرنا ، وانظر ان تدفع الحقّ إلى أهله ، وتخليهم وايّاه ، فانّهم أحقّ به منك ، فقد علمت ما كان من قول رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في علي يوم الغدير ، فما طال العهد فتنسى ، انظر مركزك ولا تخالف فتعصي اللَّه ورسوله وتعصي من استخلفه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عليك وعلى صاحبك ، ولم يعزلني حتّى قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، وانّك وصاحبك رجعتما وعصيتما ، فاقمتما في المدينة بغير اذن » .

فأراد أبوبكر أن يخلعها من عنقه ، قال : فقال له عمر : لا تفعل ، قميص قمصك اللَّه ، لا تخلعه فتندم ، ولكن ألحّ عليه بالكتب والرسائل ، ومرّ فلاناً وفلاناً أن يكتبوا إلى أسامة أن لا يفرق جماعة المسلمين وأن يدخل معهم فيما صنعوا . قال : فكتب إليه أبوبكر وكتب إليه الناس من المنافقين « ان أرض بما اجتمعنا عليه ، وإيّاك أن تشتمل المسلمين فتنة من قبلك ، فانّهم حديثو عهد بالكفر . قال : فلما وردت الكتب على أسامة انصرف بمن معه حتّى دخل المدينة ، فلمّا رأى اجتماع الخلق على أبي بكر انطلق إلى علي بن أبي طالب علیه السلام ، فقال له : ما هذا ؟ قال له علي علیه السلام : هذا ما ترى . قال له أسامة : فهل بايعته ؟ فقال : نعم يا أسامة . فقال : طائعاً أوْ كارهاً ؟ فقال : لا بل كارهاً .

قال : فانطلق أسامة فدخل على أبي بكر وقال له : السلام عليك يا خليفة المسلمين . قال : فرد عليه أبوبكر وقال : السلام عليك ايّها الأمير(1) .

ص: 51


1- الاحتجاج : 1/8علیه السلام ، ح 40 ؛ بحارالأنوار : 2صلی الله علیه وآله/صلی الله علیه وآله1 ، ح 1 .

وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى

عن عامر الشعبي عن عروة بن الزبير بن العوام قال : لما قال المنافقون : ان أبابكر تقدّم علياً وهو يقول : أنا أولى بالمكان منه ، قام أبوبكر خطيباً فقال : صبراً على من ليس يئول إلى دين ولا يحتجب برعاية ، ولا يرعوي لولاية ، اظهر الإيمان ذلة ، وأسر النفاق غلة ، هؤلاء عصبة الشيطان ، وجمع الطغيان ، يزعمون اني أقول : انّي أفضل من علي ، وكيف أقول ذلك ومالي سابقته ولا قرابته ولا خصوصيته ، وحد اللَّه وأنا ملحده ، و عبده علي قبل أن أعبده ، ووالي الرسول وأنا عدوه ، وسبقني بساعات لو انقطعت لم ألحق ثناؤه ، ولم أقطع غباره ، وانّ علي بن أبي طالب فاز واللَّه من اللَّه بمحبة ، ومن الرسول بقرابة ، ومن الإيمان برتبة ، لو جهد الأوّلون والآخرون إلّا النبيّين لم يبلغوا درجته ، ولم يسلكوا منهجه ، بذل في اللَّه مهجته ، ولابن عمّه مودته ، كاشف الكرب ، ودامغ الريب ، وقاطع السبب إلّا سبب الرشاد وقامع الشرك ، ومظهر ما تحت سويداء حبة النفاق ، محنة(1) لهذا العالم ، لحق قبل أن يلاحق ، وبَرَز قبل أن يسابق ، جمع العلم والحلم والفهم ، فكان جميع الخيرات لقلبه كنوزاً لا يدّخر منها مثقال ذرة إلّا أنفقه في بابه ، من ذا يؤمل أن ينال درجته وقد جعله اللَّه ورسوله للمؤمنين ولياً ، وللنبي وصيّاً ، وللخلافة راعياً ، وبالإمامة قائماً ، أفيغترّ الجاهل بمقام قمته إذ أقامني واطعته إذ أمرني ، سمعت سول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : الحق مع علي وعلي مع الحق ، من أطاع علياً رشد ، ومن عصى علياً فسد ، ومن أحبّه سعد ، ومن أبغضه شَقي ، واللَّه لو لم يحبّ ابن أبي طالب إلّا لأجل انّه لم يواقع للَّه محرما ، ولا عبد من دونه صنماً ، ولحاجة الناس

ص: 52


1- مجنة . خ ل .

إليه بعد نبيّهم ، لكان في ذلك ما يجب . فكيف لأسباب اقلها موجب و أهونها مرغب للرحم الماسة بالرسول ، والعلم بالدقيق والجليل ، والرضا بالصبر الجميل ، والمواساة في الكثير والقليل ، وخلال لا يبلغ عدّها ولا يدرك مجدها ، ودّ المتمنّون أن لو كانوا تراب اقدام ابن أبي طالب .

أليس هو صاحب لواء الحمد والساقي يوم الورود وجامع كلّ كرم وعالم كلّ علم والوسيلة إلى اللَّه وإلى رسوله ؟ !(1)

عن سعيد بن المسيب قال : قلت لسعد بن أبي وقاص : انّي أريد أن أسألك عن شي ء واني اتقيك ، قال : سل عمّا بدا لك فانّما انا عمّك ، قال : قلت : مقام رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فيكم يوم غدير خم قال : نعم ، قام فينا بالظهيرة ، فاخذ بيد علي بن أبي طالب فقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه » ، قال : فقال أبوبكر وعمر : أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كلّ مؤمن ومؤمنة(2) .

عن وهب بن حمزة قال : صحبت عليّاً علیه السلام من المدينة إلى مكّة ، فرأيت منه بعض ما أكره ، فقلت : لئن رجعت إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لاشكونك إليه ، فلمّا قدمت لقيت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فقلت : رأيت من علي كذا و كذا ، فقال : لا تقل هذا ، فهو أولى الناس بعدي(3) .

و لما صرف علي علیه السلام قيس بن سعد بن عبادة عن مصروجّه مكانه محمّد بن أبي بكر ، فلما وصل إليها كتب إلى معاوية كتاباً فيه : من محمّد بن أبي بكر ، إلى الغاوي

ص: 53


1- الاحتجاج : 1/88 ، ح 42 ؛ بحارالأنوار : 29/99 ، ح 1 .
2- بحارالأنوار : 104/11علیه السلام .
3- اُسد الغابة : 5/94 ؛ طرف من الأنباء والمناقب : 429 .

معاوية بن صخر ، أما بعد - إلى أن قال - فكان أوّل من أجاب وأناب ، وآمن وصدّق ، واسلم وسلم ، أخوه وابن عمّه علي بن أبي طالب ، صدقه بالغيب المكتوم ، و آثره على كل حميم ، ووقاه بنفسه كلّ هول ، وحارب حربه ، وسالم سلمه ، فلم يبرح مبتذلاً لنفسه في ساعات الليل والنهار ، والخوف والجوع والخضوع حتّى برز سابقاً ، لا نظير له فيمن اتبعه ، ولا مقارب له في فعله ، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت وهو هو ، أصدق الناس نية ، وأفضل الناس ذريّة ، وخير الناس زوجة ، وأفضل الناس ابن عمّ ، أخوه الشاري بنفسه يوم مؤتة ، وعمّه سيد الشهداء يوم أحد ، وأبوه الذاب عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعن حوزته ، واللعين ابن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول اللَّه صلی الله علیه وآله الغوائل ، وتجهدان في اطفاء نور اللَّه ، تجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال ، وتؤليان عليه القبائل ،و على ذلك مات أبوك ، وعليه خلفته ، والشهيد عليك من تدني ، ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤساء النفاق ، والشاهد لعلي علیه السلام - مع فضله المبين القديم - أنصاره الذين معه وهم الذين ذكرهم اللَّه بفضلهم ، وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار ، وهم معه كتائب وعصائب ، يرون الحق في اتباعه ، والشقاء في خلافه ، فكيف - يا لك الويل - تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ووصيّه وأبو ولده ، أوّل الناس له اتباعاً ، وأقربهم به عهداً ، يخبره بسرّه ، ويطلعه على أمره وأنت عدوّه وابن عدوّه ، فتمتّع في دنياك ما استطعت بباطلك ، وليمددك ابن العاص في غوايتك - إلى أن قال - فكتب إليه معاوية : من معاوية بن صخر ، إلى الزاري على أبيه محمّد بن أبي بكر ، أمّا بعد : فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما اللَّه أهله في عظمته وقدرته وسلطانه ، وما اصطفى به رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، مع كلام كثير ، لك فيه تضعيف ،

ص: 54

ولأبيك فيه تعنيف ، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب ، وقديم سوابقه ، وقرابته إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، ومواساته ايّاه في كلّ هول وخوف ، فكان احتجاجك عليّ وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك ، فاحمد ربّاً صرف هذا الفضل عنك ، وجعله لغيرك ، فقد كنّا - وأبوك فينا - نعرف فضل ابن أبي طالب ، وحقّه لازماً لنا مبروراً علينا ، فلمّا اختار اللَّه لنبيّه صلی الله علیه وآله ما عنده واتم له ما وعده ، وأظهر دعوته ، وأبلج حجّته ، وقبضه اللَّه إليه ، فكان أبوك وفاروقه أوّل من ابتز حقه ، وخالفه على أمره . على ذلك اتفقا واتّسقا ، ثمّ انّهما دَعَواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما ، وتلكأ عليهما ، فهمّا به الهموم ، وأرادا به العظيم ، ثمّ انّه بايع لهما وسلم لهما ، واقاما لا يشتركانه في أمرهما ، ولا يُطلعانه على سرّهما حتّى قبضهما اللَّه ، ثمّ قام ثالثهما عثمان ، فهدى بهديهما ، وسار بسيرهما ، فعبته أنت وصاحبك حتّى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي ، فطلبتماله الغوائل ، وأظهرتما عداوتكما فيه حتّى بلغتما فيه مُناكما ، فخذ حذرك يا ابن أبي بكر ، وقس شبرك بفترك ، يقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال بحلمه ، لا يلين عن قسرٍ قناته ، ولا يدرك ذو مقال أناته ، أبوك مهّد مهاده ، وبنى لملكه وساده ، فإن يك ما نحن فيه صواباً فابوك استبد به ونحن شركاؤه ، ولو لا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ، ولسلّمنا إليه ، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثله ، فعب أباك بما بدا لك أو دَعْ ذلك(1) .

ورواه نصر بن مزاحم ، وفيه : فإن يكن ما نحن فيه صواباً فأبوك أوّله ، وان يكن جوراً فابوك أسسه ونحن شركاؤه ، وبهداه أخذنا ، وبفعله اقتدينا ، ولو لا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا ابن أبي طالب واسلمنا له ، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فاحتذينا

ص: 55


1- مروج الذهب : 3/11 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 3/188 .

بمثاله واقتدينا بفعاله ، فعب أباك ما بدا لك أو دْع(1) .

ومن العجب أن الطبري قال : كرهت ذكرها - يعني هذه المكاتبة - لما فيه ممّا لا يحتمل سماعها العامّة(2) .

وذكر البلاذري في تاريخه قال : لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب ، كتب عبداللَّه بن عمر إلى يزيد بن معاوية ، أمّا بعد : فقد عظمت الرزية وجلّت المصيبة وحدث في الإسلام حدث عظيم ولا يوم كيوم الحسين ، فكتب إليه يزيد : يا احمق فإنا جئنا إلى بيوت متخذة ، وفرش ممهّدة ، ووسائد منضدة ، فقاتلته عليها ، فإن يكن الحق لنا فعن حقنا قاتلنا ، وإن يكن الحقّ لغيرنا فأبوك أوّل من سن هذا وآثر واستأثر بالحق على أهله(3) .

ولما كتب عبيداللَّه بن زياد مع مالك بن النسير البدي الكندي إلى الحرّ : جعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ، نظر إليه أبو الشعثاء الكندي من أصحاب الحسين علیه السلام وقال له : تكلتك اُمّك ! ماذا جئت فيه ؟ قال : و ما جئت فيه ! اطعت امامي ، ووفيت بيعتي ، فقال له أبو الشعثاء : عصيت ربّك ، واطعت امامك في هلاك نفسك ، كسبت العار والنار ، قال اللَّه عزّ وجلّ : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ )(4) (5) .

و عن أبي جعفر علیه السلام في قول اللَّه تبارك وتعالى : ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى

ص: 56


1- وقعة الصفين : 120 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 3/190 .
2- تاريخ الطبري : 3/55علیه السلام/سنة 36 .
3- الطرائف : 1/24علیه السلام ، ح 348 ؛ بحارالأنوار : 45/328 .
4- سورة القصص : 41 .
5- تاريخ الطبري : 4/308 سنة 61 .

السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ )(1) ، قال : « الولاية ، أبَيْنَ أن يحملنها كفراً بها وعناداً ، « وحملها الإنسان » والإنسان الّذي حملها أبو فلان »(2) .

وروى الزبير بن بكار قال : روي محمّد بن إ سحاق : أن أبابكر لما بويع افتخرت تيم بن مرّة قال : وكان عامّة المهاجرين وجل الأنصار لا يشكّون انّ عليّاً علیه السلام هو صاحب الأمر بعد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . فقال الفضل بن العباس : يا معشر قريش وخصوصاً يا بني تيم ، انّكم إنّما أخذتم الخلافة بالنبوّة ونحن أهلا دونكم - إلى أن قال - وأنا لنعلم أن عند صاحبنا عهداً هو ينتهى إليه(3) .

وروي الواقدي في كتاب الشورى عن ابن عبّاس قال : شهدت عتاب عثمان لعلي علیه السلام يوماً - إلى أن قال - قال عثمان لعلي علیه السلام : فإن كنت تزعم أن هذا الأمر جعله رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لك فقد رأيناك حين توفي نازعت ثمّ أقررت - إلى أن قال - فقال له علي علیه السلام : وأمّا عتيق وابن الخطاب فإن كانا أخذا ما جعله رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لي فأنت أعلم بذلك والمسلمون(4) .

أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم القمي عن أبيه عن الزبيري بإ سناد له يرفعه قال : بينا عمر جالس في جماعة من أصحابه ، فتذاكروا الشعر . فقال : من أشعر الناس ؟ فاختلفوا ، فدخل عبداللَّه بن عباس ، فقال عمر : قد جاءكم ابن بجدتها ، واعلم الناس . من أشعر الناس يا ابن عبّاس ؟ قال : زهير بن أبي سلمى المزني ،

ص: 57


1- سورة الأحزاب : علیه السلام2 .
2- بصائر الدرجات : علیه السلام6/ ح 3 ؛ بحارالأنوار : 23/281 ، ح 24 .
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 6/21 ؛ بحارالأنوار : 28/352 .
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : صلی الله علیه وآله/15 .

قال : أنشدني من شعره ، فأنشده :

لو كان يقعد فوق الشمس من كرم * قوم باحسابهم أو مجدهم قعدوا

قوم أبوهم سنان حين ينسبهم * طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا

فقال عمر : قاتله اللَّه يابن عبّاس ، لقد قال كلاماً حسناً ما كان ينبغي أن يكون هذا الكلام إلّا في أهل هذا البيت لقرابتهم من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . فقال له ابن عبّاس : وفقك اللَّه يا أميرالمؤمنين فلم تزل موفقاً . فقال : يا ابن عبّاس ! أتدري ما منع الناس منكم ؟ قال : ما ادري . قال : كرهت قريش أن يولوكم هذا الأمر فتجخفون(1) على الناس جخفاً ، فنظرت قريش لانفسها فاختارت فوفّقت فاصابت انشاء اللَّه .

فقال : يميط أميرالمؤمنين عني الغضب ويسمع كلامي ؟ فقال : هات . قال : أمّا قولك أن قريشاً كرهت ، فإن اللَّه يقول : ( كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ )(2) . وأمّا قولك : انّها نظرت فاختارت فإن اللَّه نظر فاختار من خير خلقه ، فإن كانت قريش نظرت من حيث نظر اللَّه فقد اصابت . قال : فقال عمر : أبت قلوبكم يا بني هاشم لنا إلّا غشّاً لا يزول ، وحقداً لا يحول ، قال : مهلاً يا أميرالمؤمنين لا تنسب قلوب بني هاشم إلى الغش ، فإن قلوب بني هاشم من قلب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، قوم اذهب اللَّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وأمّا قولك : حقداً لا يحول ، فكيف لا يحقد من غصب شيئه ورآه في يد غيره ، قال : فقال : يابن عباس اخرج عني ، فلما خرج ناداه فقال له : امّا اني على ما كان منك لحقّك لراع ، فقال له : انّ لي عليك

ص: 58


1- الجخيف : أن يفتخر الرجل بأكثر ممّا عنده ( لسان العرب : صلی الله علیه وآله/22 ) .
2- سورة محمّد : صلی الله علیه وآله .

وعلي كلِّ مؤمنٍ حقّاً ، فمن عرفه فقد أصاب ومن لم يعرفه فحظه أخطاء .

فقال عمر : للَّه درّ ابن عباس ، واللَّه ما رأيته لاحى رجلاً قط إلّا خصمه(1) .

روي عبداللَّه بن عمر قال : كنت عند أبي يوماً وعنده نفر من الناس ، فجرى ذكر الشعر ، فقال : من أشعر العرب ؟ فقالوا : فلان وفلان ، فطلع عبداللَّه بن عبّاس فسلّم وجلس ، فقال عمر : قد جاءكم الخبير ، من أشعر الناس يا عبداللَّه ؟ قال : زهير بن أبي سلمى . قال : فانشدني ممّا تستجيده له . فقال : يا أميرالمؤمنين انّه مدح قوماً من غطفان ، يقال لهم بنو سنان ، فقال :

لو كان يقعد فوق الشمس من كرم * قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا

قوم أبوهم سنان حين تنسبهم * طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا

أنس إذا أمنوا جن إذا فزعوا * مرزءون بها ليل إذا جهدوا

محسدون على ما كان من نعم * لا ينزع اللَّه منهم ماله حسدوا

فقال عمر : واللَّه لقد أحسن ، و ما أرى هذا المدح يصلح إلّا لهذا البيت من بني هاشم لقرابتهم من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . فقال ابن عبّاس : وفقك اللَّه يا أميرالمؤمنين فلم تزل موفقاً ، فقال : يا ابن عباس أتدري ما منع الناس منكم ؟ قال : لا ، يا أميرالمؤمنين . قال : لكني أدرى . قال : ما هو يا أميرالمومنين ؟ قال : قال : أمّا قول أميرالمؤمنين إن قريشاً كرهت فإن اللَّه تعالى قال لقوم : ( ذَلِكَ كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوّة والخلافة فيجخفوا جخفاً ، فنظرت قريش لنفسها ، فاختارت ووفقت فاصابت . فقال ابن عبّاس : أيميط أميرالمؤمنين عني غضبه فيسمع ؟ قال : قل ما تشآء .

قال : اما قول امیر المومنین ان قریشا الله تعالی قال لقوم (ذلک

ص: 59


1- أخبار الدولة العباسيّة : 32 .

بأنّهُم كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ )(1) . وأمّا قولك : انّا كنّا نجخف ، فلو جخفنا بالخلافة جخفنا بالقرابة ، ولكنّا قوم اخلاقنا مشتقة من خلق رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الذي قال اللَّه تعالى : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )(2) وقال له : ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )(3) .

وأمّا قولك : فإن قريشاً اختارت فإن اللَّه تعالى يقول : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ )(4) ، وقد علمت يا أميرالمؤنين إنّ اللَّه اختار من خلقه لذلك من أختار ، فلو نظرت قريش من حيث نظر اللَّه لها لوفقت وأصابت قريش . فقال عمر : على رِسْلِك يا ابن عبّاس أبت قلوبكم يا بني هاشم إلّا غشّاً في أمر قريش لا يزول ، وحقداً عليها لا يحول . فقال ابن عبّاس : مهلاً يا أميرالمؤمنين ، لا تنسب هاشماً إلى الغش ، فإن قلوبهم من قلب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الذي طهّره اللَّه وزكاه وهم أهل البيت الذين قال اللَّه تعالى لهم : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )(5) ، وأمّا قولك : حقداً ، فكيف لا يحقد من غصب شيئه ويراه في يد غيره ؟

فقال عمر : أمّا أنت يا ابن عباس ، فقد بلغني عنك كلام أكره أن أخبرك به فتزول منزلتك عندي . قال : وما هو يا أميرالمؤمنين ؟ أخبرني به ، فإن يك باطلاً فمثلى أماط الباطل عن نفسه ، وإن يك حقّاً فإن منزلتي عندك لا تزول به . قال : بلغني

ص: 60


1- سورة محمّد : صلی الله علیه وآله .
2- سورة القلم : 4 .
3- سورة الشعراء : 215 .
4- سورة القصص : 68 .
5- سورة الأحزاب : 33 .

أنّك لا تزال تقول : أخذ هذا الأمر منك حسداً وظلماً . قال : أمّا قولك يا أميرالمؤمنين حسداً فقد حسد إبليس آدم فاخرجه من الجنّة فنحن بنو آدم المحسود . وأمّا قولك : ظلماً ، فأميرالمؤمنين يعلم صاحب الحقّ من هو . ثمّ قال : يا أميرالمؤمنين ! ألَمْ تحتج العرب على العجم بحقّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، واحتجت قريش على سائر العرب بحقّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟ فنحن أحقّ برسول اللَّه صلی الله علیه وآله من سائر القريش . فقال له عمر : قم الآن فارجع إلى منزلك فقام فلمّا ولى هتف به عمر أيّها المنصرف إني على ما كان منك لراع حقّك ، فالتفت ابن عباس فقال : إن لي عليك يا أميرالمؤمنين وعلى كلّ المسلمين حقّاً برسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فمن حفظه فحق نفسه حفظ ، ومن أضاعه فحق نفسه أضاع ، ثمّ مضى . فقال عمر لجلسائه : واهاً لابن عباس ، ما رأيته لاحى أحداً قط إلّا خصمه(1) .

وعن ابن عبّاس قال : تفرق الناس ليلة الجابية(2) عن عمر ، فسار كلّ واحد مع ألفه ، ثمّ صادفت عمر تلك الليلة في مسيرنا ، فحادثته فشكى إليّ تخلف على عنه - إلى أن قال - قال عمر : يا ابن عباس ، انّ أوّل من ريثكم عن هذا الأمر أبوبكر ، ان قومكم كرهوا ان يجمعوا لكم الخلافة والنبوّة . قلت : لم ذاك يا أميرالمؤمنين ؟ الم ننلهم خيراً ؟ قال : بلى ، ولكنهم لو فعلوا لكنتم عليهم جحفاً(3) .

وروي الزبير بن بكار في كتاب الموفقيات عن عبداللَّه بن عباس قال : اني لأماشي عمر بن الخطاب في سكة من سكك المدينة ، إذ قال لي : يابن عباس ما

ص: 61


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 12/52 .
2- الجابية : قرية من أعمال دمشق ، ذكر ياقوت ان عمر خطب فيه خطبته المشهورة . معجم البلدان : 2/صلی الله علیه وآله1 .
3- السقيفة وفدك : 52 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 2/5علیه السلام .

أرى صاحبك إلّا مظلوماً ، فقلت في نفسي : واللَّه لا يسبقني بها ، فقلت : يا أميرالمؤمنين فاردد إليه ظلامته ، فانتزع يده من يدي ومضى يهمهم ساعة ثمّ وقف فلحقته ، فقال : يابن عباس ما اظنهم منعهم عنه إلّا انّه استصغره قومه . فقلت في نفسي : هذه شر من الأولى !

فقلت : واللَّه ما استصغره اللَّه ورسوله حين أمراه أن يأخذ براءة من صاحبك . فاعرض عني وأسرع فرجعت عنه(1) .

و كان هشام يقول : ما رأيت مثل مخالفينا ، عمدوا إلى من ولّاه اللَّه من سمائه فعزلوه ، وإلى من عزله من سمائه فولوه(2) .

وقال ابو العباس أحمد بن يحيى ثعلب في كتاب الأمالي : كان عبداللَّه بن عباس عند عمر ، فتنفس عمر نفساً عالياً ، قال ابن عباس : حتّى ظننت ان اضلاعه قد انفرجت . فقلت له : ما أخرج هذا النفس منك يا أميرالمؤمنين إلّا هم شديد .

قال : أي واللَّه يابن عباس ، انّي فكرت فلم أدر فيمن اجعل هذا الأمر بعدي .

ثمّ قال : لعلّك ترى صاحبك لها أهلاً ؟ قلت : وما يمنعه من ذلك مع جهاده وسابقته وقرابته وعلمه ؟ قال : صدقت ، ولكنّه أمرؤ فيه دعابة - إلى أن قال - قال عمر : ان أحراهم ان يحملهم على كتاب ربّهم وسنة نبيّهم لصاحبك ، واللَّه لئن وليها ليحملنهم على المحجة الببضاء والصراط المستقيم(3) .

وعن عبداللَّه بن عمر قال : قال عمر لأهل الشورى : للَّه درّهم أن ولّوها الاصليع

ص: 62


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 12/46 ؛ كشف الغمّة ( ط القديمة ) : 1/41صلی الله علیه وآله ؛ بحار الأنوار : 40/125 .
2- فهرست ابن النديم : ذيل ص 224 ؛ قاموس الرجال : 10/522 ؛ بهج الصباغة : 5/2علیه السلام .
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 6/326 .

كيف يحملهم على الحقّ ولو كان السيف على عنقه . فقلت : أتعلم ذلك منه ولا توليه ؟ قال : إن لم أستخلف فأتركهم فقد تركهم من هو خير منّي(1) .

وروي عن يزيد بن هارون عن العوالم بن حوشب عن إبراهيم التيمي قال : قال لي ابن عباس ونحن بالجابية : لقى أبي ( لقيه ) رجل من أهل الشام فقال : السلام عليك يا أميرالمؤمنين . فقال العباس : لستُ للمؤمنين بامير ، وهو ذاك - وأشار إلى عمر وكان بالقرب - وأنا واللَّه أحقّ بها منه ، فسمعه عمر فقال : أحق واللَّه بها منّي ومنك رجل خلفناه بالمدينة أمس يعني عليّاً علیه السلام(2) .

وعن الأصبغ بن نباتة قال : قال أميرالمؤمنين علیه السلام : « ما بال أقوام غيرّوا سنة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعدلوا عن وصيه ؟ لا يتخوّفون أن ينزل بهم العذاب ؟ ثمّ تلا هذه الآية : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ )(3) ثمّ قال : نحن النعمة التي أنعم اللَّه بها على عباده ، وبنا يفوز من فاز يوم القيامة »(4) .

نقل الصدوق ؛ في معاني أخباره عن الحسن بن عبداللَّه بن سعيد العسكري قال : معنى قوله علیه السلام : « ينحدر عني السيل ولا يرتقى اليّ الطير » انّ الخلافة ممتنعة على غيري لا يتمكن منها ولا يصلح له(5) .

ص: 63


1- الاستيعاب : 3/1130 ؛ العدد القويّة لدفع المخاوف اليوميّة : 252 ؛ بحارالأنوار : 31/364 .
2- الإيضاح للفضل بن شاذان : 1علیه السلام1 ؛ المسترشد في إمامة عليّ بن أبي طالب علیه السلام : 616 ، ح 282 .
3- سورة إبراهيم : 28 .
4- الكافي : 1/21علیه السلام ، ح 1 ؛ تأويل الآيات : 250 ؛ بحار الأنوار : 55/22 ، ح 38 .
5- معاني الأخبار : 362 .

أقول : ما قال العسكري إنّما هو معنى قوله علیه السلام : ان محلى منها محل القطب الرحى .

يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ ، وَ لا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ

قال أبو زيد النحوي الأنصاري : سألت الخليل بن أحمد العروضي فقلت له : لِمَ هجر الناس علياً علیه السلام وقرباه من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قرباه ، وموضعه من المسلمين موضعه ، وعنائه في الإسلام عنائه ؟ فقال : بهر واللَّه نوره أنوارهم ، وغلبهم على صفو كلّ منهل والناس إلى اشكالهم أميل ، اما سمعت قول الأوّل يقول :

وكلّ شكل لشكله ألف

أما ترى الفيل يألف الفيلا(1)

وعن يونس بن حبيب النحوي وكان عثمانيّاً ، قال : قلت للخيل بن أحمد : ما بال أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كانّهم كلّهم بنو أم واحدة وعلي بن أبي طالب من بينهم كانّه ابن علّة ؟ - إلى أن قال - فقال : انّ عليّاً علیه السلام تقدّمهم اسلاماً ، وفاقهم علماً ، وبذّهم(2) شرفاً ، ورجحهم زهداً ، وطالهم جهاداً فحسدوه ، والناس إلى أشكالهم وأشباههم اميل منهم إلى من بان منهم فافهم(3) .

ونقل عن أميرالمؤمنين علیه السلام رجزه في صفين :

أنا علي صاحب الصمصامة * وصاحب الحوض لدى القيامة

ص: 64


1- علل الشرائع : 1/145 ، ح 1 ؛ الأمالي للصدوق : 229 ، م 40 ، ح 14 ؛ بحار الأنوار : 29/479 ، ح 1 .
2- أي غلبهم وفاقهم .
3- الأمالي للطوسي : 608 ، م 28 ، ح 4 ؛ أعلام الدين في صفات المؤمنين : 216 ؛ بحارالأنوار : 40/74 ، ح 111 .

أخو نبيّ اللَّه ذي العلامة * قد قال إذ عممني العمامة

أنت أخي ومعدن الكرامة * ومن له من بعدي الإمامة (1)

فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً

قال المأمون لفقهاء العامّة : قال علي علیه السلام قبض النبي صلی الله علیه وآله وأنا أولى بمجلسه مني بقميصي ، ولكني اشفقت أن يرجع الناس كفاراً(2) .

وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً

قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لعليّ بن أبي طالب : « إنّ الأمّة ستغدر بِكَ بعدي »(3) .

وروي أن الأشعث بن قيس قال له علیه السلام : ما يمنعك يا ابن أبي طالب حين بويع أخو تيم بن مرّة وأخو بنى عدي بن كعب وأخو بنى امّية بعدهما أن تقاتل وتضرب بسيفك وأنت لم تخطبنا خطبة منذ كنت قدمت العراق إلّا وقد قلت فيها قبل أن تنزل عن منبرك : واللَّه انّي لأولى الناس بالناس وما زلت مظلوماً منذ قبض اللَّه محمّداً صلی الله علیه وآله ، فما منعك أن تضرب بسيفك دون مظلمتك ؟ فقال له علي علیه السلام : « يا ابن قيس جقلت فاسمع الجواب ج لم يمنعني من ذلك الجبن ، ولا كراهية للقاء ربي ، وان لا أكون أعلم أن ما عنداللَّه خير لي من الدنيا والبقاء فيها ولكن منعني من ذلك أمر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعهده إلي ، أخبرني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بما الأمّة صانعة بي بعده ، فلم أك

ص: 65


1- الفصول المختارة : 289 ؛ مناقب آل أبي طالب : 1/255 ؛ بحار الأنوار : 34/444 .
2- عيون أخبار الرضا : 2/187 ؛ بحارالأنوار : 4صلی الله علیه وآله/192 .
3- نهج الحق : 330 ؛ بحارالأنوار : 28/75 ، ح 33 .

بما صنعوا حين عاينته باعلم مني ولا أشدّ يقيناً مني به قبل ذلك ، بل أنا بقول رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أشدّ يقيناً مني بما عاينت وشهدت ، فقلت : يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فما تعهد إلى إذا كان ذلك . قال : ان وجدت أعواناً فانبذ إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً فاكفف يدك واحقن دمك حتّى تجد على اقامة الدين وكتاب اللَّه وسنّتي أعواناً ، وأخبرني صلی الله علیه وآله انّ الأمّة ستخذلني وتبايع غيري وتتبع غيري ، وأخبرني صلی الله علیه وآله أنى منه بمنزلة هارون من موسى ، وأن الأمّة سيصيرون من بعده بمنزلة هارون و من تبعه ، والعجل ومن تبعه ، إذ قال له موسى : يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلّوا أن لا تتبعن أفعصيت أمري قال يابن أمّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي انّي خشيت أن تقول فرقت بين بني إ سرائيل ولم ترقب قولي »(1) .

وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ

قال ابن قتيبة : خرج علي - كرم اللَّه وجهه - يحمل فاطمة بنت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على دابّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة . فكانوا يقولون : يا بنت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو انّ زوجك وابن عمّك سبق الينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ، فيقول علي علیه السلام : أفكنت ادع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في بيته لم أدفنه وأخرج انازع الناس سلطانه ؟ فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلّا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما اللَّه حسيبهم وطالبهم(2) .

وفي خطبته علیه السلام الطالوتية : أمّا واللَّه لو كان لي عدّة أصحاب طالوت أو عدّة

ص: 66


1- كتاب سليم بن قيس : 663 ، ح 12 ؛ بحارالأنوار : 2صلی الله علیه وآله/466 .
2- الإمامة والسياسة لابن قتيبة ( تحقيق الزيني ) : 1/1صلی الله علیه وآله ؛ بحارالأنوار : 28/355 ، ح 6صلی الله علیه وآله .

أهل بدر وهم أعداؤكم لضربتكم بالسيف حتّى تئولوا إلى الحق وتنيبوا للصدق - إلى أن قال - واللَّه لو أن لي رجالاً ينصحون للَّه عزّ وجلّ ولرسوله بعدد هذه الشياة - وأشار إلى ثلاثين شاة - لأزلتُ ابنَ آكلة الذبّان عن ملكه - الخبر - (1).

يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ ، وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ

اشارة

قال علیه السلام ذلك لأن أبابكر فعل افعالاً شنيعة حتّى أن بعضها لم يرضها عمر ، منها قتل خالد بن الوليد واليه لمالك بن نويرة بتهمة الإرتداد ، وزِناهُ بامرأته ليلة قتله ، فترك أبوبكر الحدّ والقود عليه ، قال ابن الأثير في كامله : لمّا قدم خالد البطاح بعث سرايا وأمرهم بداعية الإسلام ، وأن يأتوه بكل من لم يجب ، وان امتنع ان يقتلوه - إلى أن قال بعد ذكر قتله مالكاً ووطيه امراته ، وبلوغ خبره إلى المدينة - قال عمر لأبي بكر : انّ سيف خالد فيه رهق ، وأكثر عليه في ذلك . فقال : جهيه ج يا عمر ! تأوّل فاخطاء ، فارفع لسانك عن خالد ، فاني لا أشيم سيفاً سلّه اللَّه على الكافرين .

وودى مالكاً وكتب إلى خالد أن يقدم عليه ، ففعل ودخل المسجد وعليه قباء وقد غرز في عمامته أسهماً ، فقام إليه عمر فنزعها وحطّمها وقال له : قتلت امراً مسلماً ثم نزوت على امرأته ، واللَّه لارجمنّك باحجارك ، وخالد لا يكلّمه يظنّ انّ رأى أبي بكر مثله ، ودخل على أبي بكر فاخبره الخبر واعتذر إليه ، فعذره وتجاوزعنه وعنّفه في التزويج الذي كانت عليه العرب من كراهته ايّام الحرب ، فخرج خالد و عمر جالس فقال : « هلمّ إليّ يا ابن امّ سلمة » . فعرف عمر انّ أبابكر قد رضي عنه ، فلم يكلّمه .

ص: 67


1- الكافي : 8/32-33 ، ح 5 ؛ بحارالأنوار : 28/241 ، ح 2علیه السلام .

وقيل : انّ المسلمين لما غشوا مالكاً وأصحابه ليلا أخذوا السلاح فقالوا : نحن المسلمون . فقال أصحاب مالك : ونحن المسلمون . قالوا لهم : ضعوا السلاح ، فوضعوه ثمّ صلّوا ، وكان يعتذر في قتله انّه قال : ما أخال صاحبكم إلّا قال : كذا وكذا . فقال له : أو ما تعدّه لك صاحبا ؟ ثمّ ضرب عنقه . وقدم متمم بن نويرة على أبي بكر يطلب بدم أخيه ويسأله أن يردّ عليهم سبيهم ، فأمر أبوبكر بردّ السبي وودى مالكاً من بيت المال(1) .

وقال في كامله أيضاً : كان أوّل كتاب كتبه إلى أبي عبيدة بن الجرّاح بتولية جند خالد وبعزل خالد ، لأنّه كان عليه ساخطاً في خلافة أبي بكر كلّها لوقعته بابن نويرة وما كان يعمل في حربه ، وأوّل ما تكلم به عزل خالد وقال : لا يلي لي عملاً أبداً ، وكتب إلى أبي عبيدة : أن اكذب خالد نفسه فهو الأمير على ما كان عليه ، وإن لم يكذب نفسه فأنت الأمير على ما هو عليه ، وانزع عمامته عن رأسه وقاسمه ماله فذكر ذلك لخالد ، فاستشار أخته فاطمة ، وكانت عند الحارث بن هشام ، فقالت له : واللَّه لا يحبّك عمر ابداً وما يريد إلّا أن تكذّب نفسك ثمّ ينزعك ، فقبّل رأسها وقال : صدقت ، فأبى أن يكذب نفسه ، فأمر أبو عبيدة فنزع عمامد خالد - الخ(2) .

وروى أن عمر قال يوماً في خلافته لخالد : يا خالد أنت الذي قتل مالكاً ؟ فقال : ان كنت قتلت مالك بن نويرة لهنات كانت بيني وبينه فقد قتلت لكم سعد بن عبادة لهنات كانت بينكم وبينه(3) .

ص: 68


1- الكامل : 2/358 ؛ تاريخ الطبري : 2/502 ، سنة 11 .
2- الكامل : 2/42علیه السلام .
3- بحارالأنوار : 30/4صلی الله علیه وآله4 .

وفي تاريخ اليعقوبي : لمّا فرغ أبوبكر من صلاته قام متمم جبن نويرةج فاتكأ على قوسه ثمّ قال :

نعم القتيل إذا الرياح تناوحت * خلف البيوت قتلت يا ابن الأزور

ادعوته باللَّه ثمّ غدرته * لو هو دعاك بذمة لم يغدر

فقال(1) ما دعوته ولا غدرت به (2)

ومن الغريب أن مِنْ مسلّماتهم كون خالد سيف اللَّه وصفه النبي صلی الله علیه وآله ولقّبه بذلك لمّا كان بموته إلّا أن اللَّه تعالى الذي يخزي الكاذب فضحهم إذ جعلوا الراوي لذلك أبا قتادة . قال الطبري : قال أبو قتادة : بعث رسول اللَّه صلی الله علیه وآله جيش الأمراء فقال : عليكم زيد بن حارثة ، فإن اصيب فجعفر بن أبي طالب ، فإن اصيب جعفر فعبداللَّه بن رواحة ، فوثب جعفر فقال : يا رسول اللَّه ما كنت اذهب اَنْ تستعمل زيداً عليّ . قال : امض ، فإنّك لا تدري أي ذلك خير ، فانطلقوا - إلى أن قال - أخبركم عن جيشكم - إلى أن قال بعد ذكر الأخبار عن شهادة زيد وجعفر و عبداللَّه بن رواحة - ثمّ اخذ اللواء خالد بن الوليد - ولم يكن من الأمراء ، هو امرّ نفسه - ثمّ قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : اللهمّ انّه سيف من سيوفك ، فأنت تنصره ، فمنذ سمي خالد سيف اللَّه(3) .

مع انّ الطبري نقل عن عروة بن الزبير : قال : لما دنوا(4) من دخول المدينة تلقاهم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله والمسلمون - إلى أن قال - وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون : يا فرّار في سبيل اللَّه . وقالت أم سلمة لامرأة سلمة بن

ص: 69


1- يعني أبوبكر .
2- تاريخ اليعقوبي : 2/132 .
3- تاريخ الطبري : 3/40 .
4- يعني خالد و جيشه .

هشام بن المغيرة : مالي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ومع المسلمين ؟ قالت : واللَّه ما يستطيع أن يخرج ، كلّما خرج صاح الناس : أفررتم في سبيل اللَّه ؟(1)

ونقل أيضاً أن أبا قتادة ممّن شهد لِمالِك بالإسلام وقد كان عاهد اللَّه إلّا يشهد مع خالد بن الوليد حرباً ابداً بعدها(2) .

كما انّهم أنّ النبي صلی الله علیه وآله سمّي أبابكر صديقاً لتصديقه خبر الاسراء(3) ولم يصفوا أميرالمؤمنين علیه السلام بالصديق مع كونه أوّل من صدق النبي صلی الله علیه وآله بالعيان ، فعن ابي أيوب الأنصاري قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ سبع سنين وذاك انّه لم يصل معي رجل غيره(4) .

وعن عباد بن عبداللَّه قال : سمعت عليّاً علیه السلام يقول : أنا عبداللَّه وأخو رسوله صلی الله علیه وآله ، وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلّا كاذب مفتر ، صليت مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قبل الناس بسبع سنين(5) .

وعن أميرالمؤمنين علیه السلام قال : لمّا نزلت هذه الآية علي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ )(6) دعاني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فقال لي : يا علي ، إنّ اللَّه أمرني أن انذر عشيرتي الأقربين ، فضقت بذلك ذرعا ، وعرفت اني متى أباديهم بهذا الأمر

ص: 70


1- تاريخ الطبري : 3/42 .
2- تاريخ الطبري : 3/280 .
3- المعارف : 16علیه السلام .
4- اُسد الغابة : 3/5صلی الله علیه وآله1 .
5- تاريخ الطبري : 2/310 ؛ الكامل : 2/5علیه السلام .
6- سورةالشعراء : 214 .

أرى منهم ما أكره ، فصمت عليه حتّى جائني جبرئيل فقال : يا محمّد انّك الّا تفعل ما تؤمر به يعذبك ربّك ، فاصنع لنا صاعاً من طعام ، واجعل عليه رجل شاة واملأ لنا عسا من لبن ، ثمّ اجمع لي بني عبدالمطلب حتّى أكلمهم ، وأبلغهم ما أمرت به ، ففعلت ما أمرني به ثمّ دعوتهم له ، وهم يومئذ أربعون رجلاً ، يزيدون رجلاًأو ينقصونه ، فيهم اعمامه : أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب ، فلمّا اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم ، فجئت به ، فلما وضعته تناول رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حذية من اللحم ، فشقها باسنانه ، ثمّ القاها في نواحي الصحفة ثمّ قال : خذوا بسم اللَّه ، فأكل القوم حتّى ما لهم بشي ء حاجة ، وما أرى إلّا موضع أيديهم ، وايم اللَّه الذي نفس عليّ بيده وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعم ، ثمّ قال : اسق القوم ، فجئتهم بذلك العس ، فشربوا منه حتّى رووا منه جميعاً ، وايم اللَّه إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله ، فلمّا أراد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أن يكلّمهم بدره أبو لهب إلى الكلام ، فقال : لهدما سحركم صاحبكم ! فتفرق القوم ولم يكلّمهم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . فقال : الغد يا علي ، انّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعت من القول ، فتفرق القوم قبل أن اكلمهم ، فعُدْ لنا من الطعام بمثل ما صنعت ، ثمّ اجمعهم اليّ . قال : ففعلت ، ثمّ جمعتهم ، ثمّ دعاني بالطعام فقربته لهم ، ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا حتّى ما لهم بشي ء حاجة ، ثمّ قال : اسقهم ، فجئتهم بذلك العس ، فشربوا حتّى رووا منه جميعاً ، ثمّ تكلّم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فقال : يا بني عبدالمطلب ، انّي واللَّه ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بافضل ممّا قد جئتكم به ، انّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني اللَّه تعالى أن أدعوكم إليه ، فايّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ قال : فاحجم القوم عنها

ص: 71

جميعاً ، وقلت : وانّي لاحدثهم سناً ، وأرمصهم عيناً ، واعظمهم بطناً ، واحمشهم ساقاً ، أنا يا نبيّ اللَّه أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ، ثمّ قال : انّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له واطيعوا . قال : فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع . وروى خبراً آخر بمضمونه(1) .

الأمر بعد النبي صلی الله علیه وآله إلى اللَّه عزّ وجلّ

عن ابن عبّاس : انّ عامر بن الطفيل جاء إلى النبي صلی الله علیه وآله فقال : ما لي إنْ أسلمت ؟ قال صلی الله علیه وآله : لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين ، قال : تجعل لي الأمر بعدك ؟ قال صلی الله علیه وآله : ليس ذلك اليّ ، إنّما ذاك إلى اللَّه يجعله حيث يشاء(2) .

وعن ابن جرير الطبري : لمّا كان النبي صلی الله علیه وآله يعرض نفسه على القبائل جاء إلى بني كلاب ، فقالوا : نبايعك على أن يكون لنا الأمر بعدك . فقال : الأمر للَّه فإن شاء كان فيكم أو في غيركم ، فمضوا فلم يبايعوه وقالوا : لا نضرب لحربك باسيافنا ثمّ تحكم علينا غيرنا(3) .

وقال محمّد بن مسلم بن شهاب الزهري : انّه صلی الله علیه وآله أتى بني عامر ابن صعصعة فدعاهم إلى اللَّه وعرض عليهم نفسه ، فقال رجل منهم يقال له : بيحرة ابن فراس : واللَّه لو انّي أخذت هذا الفتى من قريش لاكلت به العرب ، ثمّ قال له : أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثمّ أظهرك اللَّه على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟

ص: 72


1- تاريخ الطبري : 2/31صلی الله علیه وآله ؛ المنتظم : 2/366 .
2- تفسير الثعلبي : 5/2علیه السلام6 ؛ سعد السعود للنفوس المنضود : 218 ؛ الطرائف : 2/3صلی الله علیه وآله5 ؛ بحارالأنوار : 21/3علیه السلام2 .
3- مناقب آل أبي طالب : 1/221 ؛ بحارالأنوار : 23/علیه السلام4 ، ح 23 .

قال صلی الله علیه وآله : الأمر إلى اللَّه يصنعه حيث يشاء . قال : فقال له : أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا ظهرت كان الأمر لغيرنا(1) .

فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى

روي الكلبي قال : لما أراد علي علیه السلام المسير إلى البصرة قام فخطب الناس ، فقال بعد أن حمد اللَّه وصلّى على رسوله صلی الله علیه وآله : انّ اللَّه لما قبض نبيّه استاثرت علينا قريش بالأمر ودفعتنا عن حقّ نحن احقّ به من الناس كافة ، فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين ، وسفك دمائهم ، والناس حديثوا عهد بالإسلام ، والدين يمخض مخض الوطب ، يفسده أدنى وهن ، ويعكسه أقل خلف(2) .

فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى

عن حذيفة قال : قلت : يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : هل بعد هذا الخير شرّ ؟

قال : فتنة وشرّ . قال : قلت : يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : هل بعد هذا الشرّ خير ؟

قال : « يا حذيفة ، تعلم كتاب اللَّه واتبع ما فيه » ثلاث مرّار . قال : قلت : يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ! هل بعد هذا الشرّ خير ؟ قال : هدنة على دخن ، وجماعة على أقذاء فيها ، أو فيهم . قلت : يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الهدنة على الدخن ما هي ؟ قال : لا ترجع

ص: 73


1- تاريخ الطبري : 2/84 ؛ سيرة ابن هشام : 2/289 .
2- شرح نهج البلاغة : 1/308 ؛ بحار الأنوار : 32/62 ، ح 43

قلوب أقوام على الذي كانت عليه - الخبر - (1) .

وَ فِي الْحَلْقِ شَجاً

صبر علیه السلام أيّام أبي بكر صبر من في عينه قذى وفي حلقه شجى لما يرى من أمر اختلاط أمور الشريعة غير غصب خلافته . فكان من بدعه أخذه الناس بحمل زكواتهم إليه وترك فقرائهم محتاجين وتسمية من خالفه في ذلك مرتداً ، مع انّ النبي صلی الله علیه وآله أمر بصرف زكوة كلّ موضع إلى محتاجه ، وقد عمل بذلك عمر بن عبدالعزيز ، قال المبارك بن فضالة : كتب عمر بن العزيز إلى عدي بن أرطاة الفزاري عامله على البصرة : امّا بعد فانّى كنت كتبت إلى عمرو بن عبداللَّه أن يقسّم ما وجد بعمان من عشور التمر والحب في فقراء أهلها ، ومن سقط إليها من أهل البادية ، ومن اضافته إليها الحاجة والمسكنة وانقطاع السبيل ، فكتب إليّ انّه سأل عاملك قبله عن ذلك الطعام والتمر ، فذكر انّه قد باعه وحمل إليك ثمنه ، فأردد إلى عمرو ما كان حمل إليك عاملك على عمان من ثمن التمر والحب ليضعه في المواضع التي أمرته بها ويصرفه فيها(2) .

ونقل ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر النقيب : انّ أبابكر يقضى بالقضاء فينقضه عليه اصاغر الصحابة كبلال وصهيب ونحوهما ، قد روى ذلك في عدّة قضايا(3) .

ص: 74


1- سنن أبي داود : 2/301 .
2- فتوح البلدان : 1/صلی الله علیه وآله3 ، ش 238 .
3- شرح نهج البلاغة : 20/2علیه السلام ؛ الإيضاح لفضل بن شاذان : 520 .

وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « لقد قضى أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه بقضية ما قضى بها أحد كان قبله وكانت أوّل قضية قضى بها بعد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وذلك : انّه لمّا قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله واُفضى الأمر إلى أبي بكر اُتى برجل قد شرب الخمر ، فقال له أبوبكر : أشربت الخمر ؟ فقال الرجل : نعم ، فقال : ولِمَ شربتها وهي محرّمة ؟ فقال : انّني لمّا أسلمت ومنزلي بين ظَهْرانَي قوم يشربون الخمر ويستحلّونها ولو اعلم انّها حرام فأجتنبها ، قال : فالتفت أبوبكر إلى عمر فقال : ما تقول يا أبا حفص في أمر هذا الرجل ؟ فقال : معضلة وأبوالحسن لها . فقال أبوبكر : يا غلام ادع لنا عليّاً . قال عمر : بل يُؤتى الحكم في منزله ، فأتوه ومعه سلمان الفارسي ، فأخبره بقصة الرجل . فاقتص عليه قصته ، فقال علي علیه السلام لأبي بكر : إبعث معه من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار ، فمن كان تلا عليه آية التحريم فليشهد عليه ، فإن لم يكن تلا عليه آية التحريم فلا شي ء عليه ، ففعل أبوبكر بالرجل ما قال علي علیه السلام ، فلم يشهد عليه أحد فخلّى سبيله ، فقال سلمان لعلي علیه السلام : لقد أرشدتهم . فقال علي علیه السلام : إنّما أردت أن اُجدّد تأكيد هذه الآية فيّ وفيهم : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ )(1) »(2) .

وعن القاسم بن محمّد بن أبي بكر قال : توفى رجل وترك جدّتين امّ امّه وامّ أبيه ، فورّث أبوبكر أم أمّه وترك الأخرى ، فقال رجل من الأنصار : لقد تركت امرأة لو انّ الجدتين هلكتا وابنهما حي ما ورث من التي ورّثتها شيئاً وورث التي

ص: 75


1- سورة يونس : 35 .
2- الكافي : علیه السلام/24صلی الله علیه وآله ، ح 4 ؛ خصائص الأئمّة : : 81 ؛ بحارالأنوار : 40/2صلی الله علیه وآلهصلی الله علیه وآله ، ح 56 .

تركت أم أبيه فورّثها .

وعن قبيصة بن ذويب قال : جائت الجدّة إلى أبي بكر فقالت : انّ ابن ابني مات فاعطني حقي . فقال : ما اعلم لك في كتاب اللَّه شيئاً ، وسَأَسْألُ الناسَ فسأل . قال : فشهد لها المغيرة بن شعبة فقال : انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أعطاها السدس . فقال : من سمع معك ؟ فقال : محمّد بن مسلمة ، فاعطاها السدس . فجائت امّ الامّ فقالت : ان ابن ابنتي مات فاعطني حقي ، فقال : ما أنت التي شُهِدَ لها انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أعطاها السدس ، فإن اقتسمتموه بينكما فانتم أعلم(1) .

وقال محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد : رووا أنّ أبابكر سئل عن قوله تعالى : ( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا )(2) ، فلم يعرف معنى الأبّ في القرآن ، وقال : أيّ سماء تظلّني وأيّ ارض تقلّني أم كيف اصنع إن قلت في كتاب اللَّه تعالى بما لا أعلم . اما الفاكهة فنعرفها ، واما الأبّ فاللَّه أعلم به ، فبلغ أميرالمؤمنين علیه السلام مقاله في ذلك ، فقال علیه السلام : يا سبحان اللَّه أمّا علم انّ الأبّ هو الكلاء والمرعى وانّ قوله عزّ اسمه ( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا )(3) اعتداد من اللَّه سبحانه بانعامه على خلقه فيما غذاهم به وخلقه لهم ولانعامهم . وسئل أبوبكر عن الكلالة ، فقال : أقول فيها برأيي ، فإن اصبت فمن اللَّه ، وان أخطات فمن نفسي ومن الشيطان . فبلغ ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام فقال : ما اغناه عن الرأى في هذا المكان ، اما علم انّ الكلالة هم الأخوة والأخوات من قبل الأب والأم ومن قبيل الأب على انفراده ومن قبل الأم أيضاً على حدتها ، قال اللَّه

ص: 76


1- تهذيب الأحكام : صلی الله علیه وآله/314 ، ح 48 .
2- و3 - سورة عبس : 31 .
3-

عزّ قائلاً : ( يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ )(1) وقال جلت عظمته : ( وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ )(2) .

وقال : و جائت الرواية : ان بعض احبار اليهود جاء إلى أبي بكر فقال : أنت خليفة نبيّ هذه الأمّة ؟ فقال له : نعم ، فقال : فأنا نجد في التوراة أنّ خلفاء الانبياء اعلم اممهم ، فخبرني عن اللَّه تعالى أين هو ، في السماء أم في الأرض ؟ فقال له أبوبكر : في السماء على العرش . فقال اليهودي : فأرى الأرض خالية منه وأراه على هذا القول في مكان دون مكان . فقال أبوبكر : هذا كلام الزنادقة ، اغرب عني وإلّا قتلتك . فولى الحبر متعجباً يستهزي بالإسلام ، فاستقبله أميرالمؤمنين علیه السلام فقال له : يا يهودي قد عرفت ما سألت عنه وما أجبت به وإنا نقول : ان اللَّه جلّ و عزّ أيّن الأين ، فلا أين له ، وجلّ عن أى يحويه مكان ، وهو في كلّ مكان بغير مماسة ولا مجاورة ، يحيط علماً بما فيها ولا يخلو شي ء منها من تدبيره ، وانّي مخبرك بما جاء في كتاب من كتبكم يصدّق ما ذكرته لك ، فإن عرفته أتؤمن به ؟ قال اليهودي : نعم . قال علیه السلام : ألستم تجدون في بعض كتبكم أن موسى بن عمران علیه السلام كان ذات يوم جالساً إذ جائه ملك من المشرق فقال له موسى : من أين اقبلت ؟ قال : من عند اللَّه عزّ وجلّ ، ثمّ جائه ملك من المغرب فقال له : من أين جئت ؟ قال : من عنداللَّه ، وجائه ملك آخر فقال : قد جئتك من السماء السابعة من

ص: 77


1- سورة النساء : 1علیه السلام6 .
2- سورة النساء : 12 .

عند اللَّه تعالى ، وجائه ملك آخر فقال : قد جئتك من الأرض السابعة السفلى من عند اللَّه عزّ اسمه . فقال موسى علیه السلام : سبحان من لا يخلو منه مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب من مكان ، فقال اليهودي : أشهد أن هذا هو الحق وانّك أحق بمقام نبيّك ممّن استولى عليه(1) .

أَرَى تُرَاثِي نَهْباً

مرّ المغيرة بن شعبة بأبي بكر وعمر وهما جالسان على باب النبي صلی الله علیه وآله حين قبض . فقال : ما يقعدكما ؟ قالا : ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه يعنيان عليّاً . فقال : أتريدون أن تنظروا حبل الحبلة من أهل هذا البيت وسّعوها في قريش تتّسع(2) .

وعن جبير بن مطعم انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لم يقسم لبني عبد الشمس ولا لبني نوفل من الخمس شيئاً ، كما قسم لبني هاشم وبني المطلب ، قال : وكان أبوبكر يقسم الخمس نحو قسم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، غير انّه لم يكن يعطي قربى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كما كان يعطيهم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله(3) .

وعن ابن شهاب أخبرني يزيد بن هرمز ان نجدة الحروري حين حج في فتنة ابن الزبير ارسل إلى ابن عبّاس يسأله عن سهم ذي القربى ، ويقول : لمن تراه ؟ قال ابن عبّاس : لقربى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، قسمه لهم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . وقد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضاً رأيناه دون حقّنا فرددناه عليه وأبينا نقبله(4) .

ص: 78


1- الإرشاد : 1/200 ؛ بحارالأنوار : 40/24علیه السلام ، ح 22 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 6/43 ؛ السقيفة وفدك : 6علیه السلام .
3- سنن أبي داود : 2/26 ، ح 2979 ؛ بحار الأنوار : 29/384 .
4- سنن أبي داود : 2/26 ، ح 2982 ؛ بحار الأنوار : 29/384 .

وعن عبيد بن حنين قال حدثني الحسين بن علي قال : أتيت على عمر بن الخطاب وهو على المنبر ، فصعدت إليه فقلت : انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك . فقال عمر : لم يكن لأبي منبر ، وأخذني واجلسني معه - إلى أن قال - فقال عمر لي : من علمك ؟ فقلت : واللَّه ما علمنيه أحد(1) .

وقال علي بن الحسين علیه السلام : اصبحنا في قومنا مثل بني إ سرائيل في آل فرعون يذبحون أبنائنا ويستحيون نسائنا واصبح خير البريّة بعد محمّد يلعن على المنابر(2) .

وانّ أبا جعفر محمّد بن علي الباقر علیه السلام قال لبعض أصحابه : انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قبض وقد أخبر أنا أولى الناس بالناس ، فتمالأت علينا قريش حتّى أخرجت الأمر عن معدنه ، وأحتجّت على الأنصار بحقّنا وحجّتنا ثمّ تداولتها قريش واحد بعد واحد(3) .

وعن ربيعة بن ناجد انّ رجلاً قال لعلي علیه السلام يا أميرالمؤمنين بم ورثت ابن عمّك دون عمّك ؟ فقال علي علیه السلام : هاؤم - ثلاث مرّات - حتّى أشرأب الناس ونشروا آذانهم ، ثمّ قال : جمع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أو دعا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بني عبد المطلّب منهم رهطه ، كلّهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق ، قال : فصنع لهم مدّا من طعام ، فأكلوا حتّى شبعوا وبقى الطعام كما هو ، كانّه لم يمس ، قال : ثمّ دعا بغمر فشربوا حتّى رووا وبقى الشراب كانّه لم يمس ولم يشربوا ، قال : ثمّ قال : يا بني عبد المطلب

ص: 79


1- تاريخ بغداد : 1/151 .
2- تفسير القمي : 2/134 ؛ بحارالأنوار : 45/81 ، ح 11 .
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 11/43 ؛ بحارالأنوار : 44/68 .

إنّي بعثت إليكم بخاصة والي الناس بعامّة ، وقد رأيتم من هذا الأمر ما قد رأيتم ، فايّكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي ، فلم يقم إليه أحد ، فقمت إليه وكنت أصغر القوم ، قال : فقال : اجلس . قال : ثمّ قال ثلاث مرّات ، كلّ ذلك أقوم إليه ، فيقول لي : اجلس حتّى كان في الثالثة ، فضرب بيده على يدي . قال : فبذلك ورثت ابن عمّى دون عمّى(1) .

وقدم الحتات بن يزيد التميمي على النبي صلی الله علیه وآله في وفد بني تميم فاسلموا وآخي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ، ولما اجتمعت الخلافة لمعاوية قدم عليه الحتات وجارية بن قدامة والاحنف ابن قيس وكلاهما من تميم ، وكان الحتات عثمانياً ، وكان الجارية والاحنف من أصحاب علي علیه السلام ، فاعطاهما معاوية أكثر ممّا اعطى الحتات ، فرجع إليه وقال : فضلت عليّ محرقاً ومخذلاً . قال : اشتريت منهما دينهما ، ووكلتك إلى هواك في عثمان . قال : وأنا أيضاً فاشتر منّي ديني . قيل : انّ الحتات وفد على معاوية فمات عنده ، فورثه معاوية بتلك الأخوة وكان معاوية خليفة فقال الفرزدق - قلت : وكان أيضاً من تميم - في ذلك لمعاوية :

أبوك و عمّي يا معاوي أورثا * تراثاً فيحتاز التراث أقاربه

فما يال ميراث الحتات أكلته * وميراث صخر جامد لك ذائبه(2)

ص: 80


1- تاريخ الطبرى : 2/63 ؛ مناقب آل أبي طالب علیه السلام : 2/25 ؛ بحار الأنوار : 38/222 .
2- اُسد الغابة : 1/3علیه السلامصلی الله علیه وآله .

حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ

اختلفوا في سبب مرضه الذي مات فيه ، وفي اليوم الذي مات فيه . قال أبواليقظان عن سلام بن أبي مطيع : انّه سمّ فمات يوم الأثنين في آخره ، وقال غيره : كان سبب مرضه انّه اغتسل في يوم بارد فحم ومرض خمسة عشر يوماً ، وقال ابن إ سحاق : توفى يوم الجمعة لتسع ليال بقين من جمادي الآخرة سنة ثلاث عشرة ، وكانت ولايته سنتين وثلاثة أشهر وتسع ليال ، وكان أوصى أن تغسله اسماء بنت عميس امرأته(1) .

وفي المسترشد كان يقول في احتضاره : ليتني تبنة في لبنة(2) .

وقال أبوبكر في مرض موته : ليتني تركت بيت عليّ وإن كان أعلن عليّ الحرب(3) .

فَأَدْلَى بِهَا إِلَى ابن الخطَّاب بَعْدَهُ

اشارة

إلى فلان بعده ، كما في (ابن ميثم )(4) أو إلى أبن الخطاب بعده ، كما نقله ابن أبي الحديد(5) ، ورواية المعاني بدّلت الفقرة بقوله : ( عقدها لأخي عدى بعده )(6) .

أمّا الأوّل : عن أبي الخطاب عن أبي عبداللَّه علیه السلام انّه قال : واللَّه ما كنّى اللَّه في

ص: 81


1- المعاف لابن قتيبة : 1علیه السلام0 .
2- المسترشد : 366 .
3- الإمامة والسياسة : 1/24 .
4- شرح نهج البلاغة ( ابن ميثم ) : 1/25علیه السلام .
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/162 .
6- معاني الأخبار : 361 .

كتابه حتّى قال : ( يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا )(1) ، وإنّما هي في مصحف علي علیه السلام : يا ويلتي ليتني لم اتخذ الثاني خليلاً وسيظهر يوماً(2) .

وفي تفسير القمي : وقوله تعالى : ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ ) قال الأوّل : ( يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ) . قال أبو جعفر علیه السلام : يقول : يا ليتني اتخذت مع الرسول عليّاً وليّاً ( يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ) يعني الثاني ( لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ) يعني الولاية ( وَكَانَ الشَّيْطَانُ ) وهو الثاني ( لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا )(3) .(4) .

وفي كتاب الاستدراك : انّ المتوكل قيل له : انّ أبا الحسن يعني علي بن محمّد بن علي الرضا علیه السلام يفسّر قول اللَّه عزّ وجلّ ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ . . . ) الآيتين ، في الأول والثاني . قال : فكيف الوجه في أمره ؟ قالوا : تجمع له الناس وتسأله بحضرتهم ، فانّ فسّرها بهذا كفاك الحاضرون أمره ، وإن فسّرها بخلاف ذلك افتضح عند أصحابه . قال : فوجّه إلى القضاة وبني هاشم والأولياء ، وسُئِل علیه السلام فقال : هذا رجلان كنّى اللَّه عنهما ومُنّ بالستر عليهما ، أفَيُجِبُّ أميرُ المؤمنين ان يكشف ما ستره اللَّه ؟ فقال : لا اُحِبُّ(5) .

وعن ابن عباس قال : لما نزلت : ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ

ص: 82


1- سورة الفرقان : 28 .
2- تأويل الآيات الظاهرة : 3علیه السلام1 ؛ بحارالأنوار : 30/245 ، ح 111 .
3- سورة الفرقان : 2علیه السلام - 2صلی الله علیه وآله .
4- تفسر القمي : 2/113 ؛ بحارالأنوار : 30/14صلی الله علیه وآله ، ح 5 .
5- بحارالأنوار : 30/246 ، ح 113 ؛ رياض الأبرار في مناقب الأئمّة الأطهار : 2/483 .

خَاصَّةً )(1) قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : من ظلم عليّاً مقعدى هذا بعد وفاتي فكانما جحد نبوتي ونبوّة الأنبياء قبلي(2) .

كيفيّة بيعة أميرالمؤمنين علیه السلام

انّ أبابكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي علیه السلام ، فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي ، فأبوا أن يخرجوا ، فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمره بيده لتخرجنّ أو لأحرقنها على من فيها ، فقيل له : يا أبا حفص ! انّ فيها فاطمة ، فقال : وان ، فخرجوا فبايعوا إلّا علياً ، فانّه زعم انّه قال : حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتّى أجمع القرآن ، فوقفت فاطمة 3 على بابها ، فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم ، تركتم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم ، لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقّاً ، فأتى عمر أبابكر ، فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟ فقال أبوبكر : لقنفذ و هو مولى له : اذهب فادع لي عليّاً . قال : فذهب إلى علي فقال له : ما حاجتك ؟ فقال : يدعوك خليفة رسول اللَّه ، فقال علي : لسريع ما كذبتم على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله .

فرجع فابلغ الرسالة ، قال : فبكى أبوبكر طويلاً . فقال عمر الثانية : لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة . فقال أبوبكر لقنفذ : عُد إليه ، فقال له : خليفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يدعوك لبتايع ، فجائه قنفذ فأدى ما أمر به ، فرفع علي صوته فقال : سبحان اللَّه ، لقد ادعي ما ليس له ، فرجع قنفذ فابلغ الرسالة ، فبكى أبوبكر طويلاً ، ثمّ قام عمر ،

ص: 83


1- سورة الأنفال : 25 .
2- شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني : 1/2علیه السلام1 ، ح 26صلی الله علیه وآله ؛ بحارالأنوار : 2علیه السلام/60 .

فمشي معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة ، فدقوا الباب ، فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ! ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة ، فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تنصدع ، وأكبادهم تنفطر ، وبقى عمر ومعه قوم ، فاخرجوا عليّاً ، فمضوا به إلى أبي بكر ، فقالوا له : بايع ، فقال : انّ انا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذا واللَّه الذي لا إله إلّا هو نضرب عنقك . فقال : إذا تقتلون عبداللَّه وأخا رسوله ، قال عمر : أمّا عبداللَّه فنعم ، وأمّا أخو رسوله فلا ، وأبوبكر ساكت لا يتكلّم ، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال : لا أكرهه على شي ء ما كانت فاطمة إلى جنبه ، فلحق على بقبر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يصيح ويبكى ، وينادى : يابن أم انّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ، فقال عمر لأبي بكر : انطلق بنا إلى فاطمة ، فأنا قد اغضبناها ، فانطلقا جميعاً ، فأستأذنا على فاطمة ، فلم تأذن لهما ، فأتيا عليّاً فكلماه ، فادخلهما عليها ، فلمّا قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط ، فسلّما عليها فلم ترد عليها السلام .

فتكلّم أبوبكر فقال : يا حبيبة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : واللَّه ان قرابة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أحبّ إلى من قرابتي ، وإنّك لأحبّ إلي من عائشة ابنتي ، ولَوَددت يوم مات أبوك اني مت ، ولا أبقى بعده ، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وامنعك حقّك وميراثك من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إلّا اني سمعت أباك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : لا نورث ، ما تركناه فهو صدقة ، فقالت : أرأيتكما ان حدثتكما حديثاً عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله تعرفانه وتفعلان به ؟ قالا : نعم . فقالت : نشدتكما اللَّه ألم تسمعا رسول اللَّه يقول : رضا فاطمة من رضاي ، وسخط فاطمة من سخطي ، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد احبّني ، ومن أرضى فاطمة فقد ارضاني ، ومن اسخط فاطمة فقد اسخطني ؟ قالا : نعم

ص: 84

سمعناه من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، قالت : فانّي أشهد اللَّه وملائكته انّكما اسخطتماني وما ارضيتماني ، ولئن لقيت النبي صلی الله علیه وآله لا شكونكما إليه ، فقال أبوبكر : أنا عائذ باللَّه تعالى مني سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبوبكر يبكى حتى كادت نفسه أن تزهق ، وهي تقول : واللَّه لأدعون اللَّه عليك في صلاة أصليها(1) .

وقال النظام - وهو أحد شيوخ المعتزلة واستاد الجاحظ - : انّ النبي صلی الله علیه وآله نصّ على علي علیه السلام في مواضع ، و أظهر اظهاراً لم يشتبه على الجماعة إلّا أن عمر كتم ذلك ، وهو الذي تولى بيعة أبي بكر يوم السقيفة - إلى أن قال - انّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها وكان يصيح « احرقوا دارها بمن فيها » ، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين(2) .

وقال ابن أبي الحديد : وعمر هو الذي شد بيعة أبي بكر ووقم المخالفين فيها ، فكسر سيف الزبير لما جرده ، ودفع في صدر المقداد ، ووطى ء في السقيفة سعد بن عبادة ، وقال : اقتلوا سعداً قتل اللَّه سعداً ، وحطم أنف الحباب بن المنذر الذي قال يوم السقيفة : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، وتوعد من لجأ إلى دار فاطمة 3 من الهاشميين وأخرجهم منها ، ولو لاه لم يثبت لأبي بكر أمر ولا قامت له قائمة(3) .

وروي أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي عن محمّد بن سائب الكلبي وأبي صالح ورواه أيضاً عن رجاله عن زائدة بن قدامة قال : كان جماعة من الاعراب

ص: 85


1- الامامة والسياسة : 1/1صلی الله علیه وآله ؛ بحارالأنوار : /28/356 ، ش 6صلی الله علیه وآله .
2- الملل والنحل : 1/5علیه السلام .
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/1علیه السلام4 .

قد دخلوا المدينة ليتماروا منها ، فشغل الناس عنهم بموت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فشهدوا البيعة وحضروا الأمر ، فانفذ إليهم عمر واستدعاهم ، وقال لهم : خذوا بالحظ والمعونة على بيعة خليفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، واخرجوا إلى الناس واحشروهم ليبايعوا ، فمن امتنع فاضربوا رأسه وحبينه ، قال : فو اللَّه لقد رأيت الأعراب قد تحزّموا وانشحوا بالأزر الصنعانية ، وأخذوا بايديهم الخشب ، وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطا ، وجاءوا بهم مكرهين إلى البيعة(1) .

وقال البراء بن عازب : لم أزل لبني هاشم محبّاً فلمّا قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله خفت ان تتمالا قريش على اخراج هذا الأمر عنهم فاخذني ما يأخذ الوالهة العجول مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فكنت أتردد إلى بني هاشم وهم عند النبي صلی الله علیه وآله في الحجرة ، وأتفقد وجوه قريش فاني كذلك إذ فقدت أبابكر وعمر ، وإذا قائل يقول : القوم في سقيفة بني ساعدة ، وإذا قائل آخر يقول : قد بويع أبوبكر فلم البث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلّا خبطوه وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه ، شاء ذلك أو أبي ، فانكرت عقلي وخرجت أشتدّ حتّى انتهيت إلى بني هاشم ، والباب مغلق ، فضربت عليهم الباب ضرباً عنيفاً وقلت : قد بايع الناس لأبي بكر بن أبي قحافة ، فقال العباس : تربت ايديكم إلى آخر الدهر ، أمّا اني قد أمرتكم فعصيتموني ، فمكثت اكابد ما في نفسي ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأباذر و عبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيهان وحذيفة وعماراً وهم يريدون ان يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين .

ص: 86


1- الجمل : 118 .

وبلغ ذلك أبابكر وعمر فارسلا إلى أبي عبيدة وإلى المغيرة بن شعبة فسألاهما عن الرأي ؟ فقال المغيرة : الرأي أن تلقوا العباس فتجعلوا له ولولده في هذه الأمرة نصيباً ليقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب .

فانطلق أبوبكر و عمر وأبو عبيدة والمغيرة حتّى دخلوا على العباس ، وذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله - إلى أن قال - فقال أبوبكر للعباس : فخلى على الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم متفقين غير مختلفين ، فاختاروني عليهم والياً - إلى أن قال - قال أبوبكر : وما انفك يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين ، يتخذكم لجأ فتكونون حصنه المنيع ، وخطبه البويع فأما دخلتم فيما دخل فيه الناس أو صرفتموهم عمّا مالوا إليه ، فقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيباً ولمن بعدك من عقبك ، إذ كنت عمّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، وان كان المسلمون قدر رأوا مكانك من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ومكان أهلك ، ثمّ عدلوا بهذا الأمر عنكم ، وعلى رسلكم بني هاشم ، فإن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله منّا ومنكم .

فاعترض كلامه عمر وقال : أي واللَّه ، وأخرى أنا لم نأتكم حاجة إليكم ولكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم فيتفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا لأنفسكم ولعامتهم - إلى أن قال - فقال العباس لأبي بكر : فإن كنت برسول اللَّه صلی الله علیه وآله طلبت فحقنا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين فنحن منهم ما تقدّمنا في أمركم فرطاً ، ولا حللنا وسطاً ، ولا نزحنا شحطاً ، فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين فما وجب إذ كنّا كارهين ، وما أبعد قولك انّهم طعنوا من قولك انّهم مالوا إليك ، وأمّا ما بذلت لنا فإن يكن حقّك أعطيتناه فامسكه عليك ، وإن يكن حق المؤمنين فليس لك أن تحكم فيه ، وإن يكن حقّنا لم نرض لك ببعضه دون بعض ، وما أقول

ص: 87

هذا أروم صرفك عمّا دخلت فيه ولكن للحجّة نصيبها من البيان - إلى أن قال - وقال العباس : وأمّا قولك يا عمر : انّك تخاف الناس علينا فهذا الذي قدّمتموه أوّل ذلك - الخ -(1) .

قلنا : إنّ ابن أبي الحديد نقل كلامه علیه السلام « فأدلى بها إلى ابن الخطاب » في السير انّ عمر لما بعث محمّد بن مسلمة إلى عمرو بن العاص ، بمصر لتشطير ماله لمّا كان واليه عليها قال عمرو بن العاص : لعن اللَّه زماناً صرت فيه عاملاً لعمر ، واللَّه لقد رأيت عمرو أباه على كلّ واحد منهما عبائة قطوانية(2) ، لا تجاوز مأبض(3) ركبتيه ، وعلى عنقه حزمة حطب ، والعاص بن وائل في مزررات الديباج(4) .

وقال ابن الأثير : ( كان عمر فى الجاهلية مُبَرْطِشاً ) وهو الساعى بين البايع والمشتري ، شبه الدلال ، ويروي بالسين المهملة بمعناه(5) وذكر ذلك صاحب القاموس وقال : هو - بالمهملة - الذي يكترى للناس الإبل والحمير ويأخذ عليه جعلاً(6) .

وقال ابن أبي الحديد : قدم عمرو بن العاص على عمر وكان والياً لمصر . فقال له : في كم سرت ؟ قال : في عشرين . قال عمر : لقد سرت سير عاشق . فقال عمرو : اني واللَّه ما تأبطتني الإماء ، ولا حملتني في غبرات المآلي - أراد خرق الحيص - قال ابن أبي الحديد : وسألت النقيب أبا جعفر عن هذا الحديث في عمر . فقال :

ص: 88


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/21صلی الله علیه وآله والسقيفة وفدك : 46 .
2- قطوانيّة : منسوبة إلى قطوان ، موضع بالكوفة ، تنسب إليه الأكسية .
3- المأبض : باطن الركبة .
4- بهج الصباغة : 5/6صلی الله علیه وآله ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/1علیه السلام5 .
5- النهاية في غريب الحديث : 1/11صلی الله علیه وآله ؛ بحار الأنوار : 31/112 .
6- بحارالأنوار : 31/112 ؛ المحيط في اللغة : 8/424 .

انّ عمرواً فخر على عمر لأنّ أم الخطاب زنجية وتعرف بباطحلي تسمّى صهّاك(1) .

وذكر أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث : انّ رجلاً أتى عمر يسأله - إلى أن قال - ثمّ أنشأ يحدث عن نفسه فقال : لقد رأيتني واختا لي نرعى على أبوينا ناضحاً لنا ، وقد ألبستنا أمنا نقبتها وزودتنا يمنتيها هبيدا فنخرج بنا ضحنا ، فإذا طلعت الشمس ألقيت النقبة إلى أختي وخرجت أسعى عريان ، فنرجع إلى أمنا وقد جعلت لنا لفيته من ذلك الهبيد(2) فيا خصباه(3) .

وقال ابن أبي الحديد : حج عمر ، فلمّا كان بضجنان(4) قال : أذكر وأنا أرعى ابل الخطاب بهذا الوادي في مدرعة صوف ، وكان فظاً يتعبني إذا عملت ، ويضربني إذا قصّرت(5) .

وذكر مؤلّف كتاب نهاية الطلب الحنبلي : انّ عمر بن الخطاب كان قبل الإسلام نخاس الحمير(6) .

وكان أبو سفيان يكنّى عُمْرَ أبا حجر لبخله كما كان يكنّى أبا بكر بأبي فصيل . فقال لعثمان لمّا ولى : « بأبي أنت انفق ولا تكن كأبي حجر »(7) .

وعن أبي جعفر علیه السلام : انّ صفية بنت عبدالمطلب مات ابن لها ، فاقبلت ، فقال لها

ص: 89


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 12/3صلی الله علیه وآله .
2- الهبيد : حب الحنظل والفيتة : ضرب من البطيخ كالحساء . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 12/130 - 131
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 12/20 .
4- ضجنان : موضع بناحية مكّة .
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 12/64 .
6- الطرائف : 2/468 .
7- السقيفة وفدك : 38 ؛ بهج الصباغة : 5/علیه السلام0 ؛ بحار الأنوار : 22/520 .

الثاني : غطي قرطك فإن قرابتك من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لا تنفعك شيئاً . فقالت له : هل رأيت لي قرطا يا ابن اللخناء ، ثمّ دخلت على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فاخبرته بذلك وبكت . فخرج رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فنادى : الصلاة جامعة . فاجتمع الناس ، فقال : ما بال أقوام يزعمون انّ قرابتي لا تنفع . . . لا يسألني اليوم أحد من أبواه إلّا أخبرته . فقام إليه رجل فقال : من أبي ؟ فقال : أبوك غير الذي تدعى له ، أبوك فلان بن فلان ، فقام آخر فقال : من أبي يا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟ فقال : أبوك الذي تدعى له . ثمّ قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : ما بال الذي يزعم أن قرابتي لا تنفع ، لا يسألني عن أبيه ؟ فقام إليه الثاني فقال له : أعوذ باللَّه من غضب اللَّه وغضب رسوله . اعف عني - الخبر -(1) .

نسب عمر

وفي المستدرك النيسابوري : حدثني مصعب بن عبداللَّه الزبيري : عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدالعزى بن رياح بن عبداللَّه ابن قرط بن رزاح بن عدي واُمّه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة ابن عبداللَّه بن عمر بن مخزوم(2) .

ومن أراد الإطلاع على تفصيل الكلام فليراجع محاله .

وأمّا كونه ( أخا عدي ) كما في رواية معاني الأخبار للخطبة(3) روي انّ أبابكر حض الناس على الجهاد فتثاقلوا ، قال عمر : لو كان عرضا قريباً الآية(4) فقال له خالد بن سعيد بن العاص : يا ابن أم عمر ! ألنا تضرب امثال المنافقين ؟ واللَّه لقد

ص: 90


1- تفسير القمي : 1/188 ؛ بحارالأنوار : صلی الله علیه وآله3/21صلی الله علیه وآله ، ح صلی الله علیه وآله .
2- المستدرك للحاكم النيسابوري : 3/80 .
3- معاني الأخبار : 361 .
4- التوبة : 42 .

اسلمت وانّ لبني عدي صنماً إذا جاعوا أكلوه ، وإذا شبعوا استأنفوه(1) .

وفي تاريخ مدينة دمشق : كانت عبد مناف بن قصي قد كثروا وقلّت عبدالدار بن قصي ،فأرادوا انتزاع الحجابة من بني عبدالدار ، فاختلفت في ذلك قريش ، فكانت طائفة مع بني عبد مناف ، وطائفة مع بني عبدالدار ، فاخرجت أم حكيم البيضاء بنت عبدالمطلب توأمة أبي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله جفتة فيها طيب ، فوضعتها في الحجر ، فقالت : من كان منا فليدخل في هذا الطيب ، فادخلت فيه عبد مناف أيديها وبنو أسد بن عبدالعزى وبنو زهرة وبنو تيم بن مرّة وبنو الحارث بن فهر ، فسمّوا المطيبين . فعمدت بنو سهم بن عمرو ، فنحرت جزوراً وقالوا : من كان معنا فليدخل يده في دم هذا الجزور ، فأدخلت عبدالدار يديها ومخزوم وعدي وجمح وسهم ، فسمّوا الاحلاف ، وقام الأسود بن حارثة فادخل يده في الدم ، ثمّ لعقها فلعقت بنو عدي أيديها ، فسمّوا لعقة الدم(2) .

وقال الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار : أنزل اللَّه في الخمر ثلاث آيات : أوّلها ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ )(3) فكان المسلمون بين شارب وتارك إلى أن شرب رجل ودخل في صلاة فهجر ، فنزلت : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى )(4) فشربها من شرب من المسلمين ، حتّى شربها عمر ، فأخذ لحي بعير فشج رأس عبدالرحمن بن عوف ، ثمّ قعد ينوح على قتلي بدر بشعر الأسود بن عبد يغوث :

ص: 91


1- عين العبرة في غبن العترة : 18 ؛ إثبات الهداة : 3/348 ، ش صلی الله علیه وآله .
2- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر : 58/5.
3- سورة البقرة : 21صلی الله علیه وآله .
4- سورة النساء : 42 .

و كائن بالقليب قليب بدر * من الفتيان والشرب الكرام

أيو عدنا ابن كبشة ان سنحيى * وكيف حياة أصداء وهام

أ يعجز أن يرد الموت عني * وينشرني إذا بليت عظامي

ألا من مبلغ الرحمن عني * باني تارك شهر الصيام

فقل للَّه يمنعني شرابي * وقل للَّه يمنعني طعامي

فبلغ ذلك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فخرج مغضباً يجر ردائه ، فرفع شيئاً في يده ليضربه ، فقال : أعوذ باللَّه من غضب اللَّه وغضب رسوله ، فانزل اللَّه : ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) إلى آخر الآية(1) .(2)

رشا عمر أبابكر بالخلافة

قال أميرالمؤمنين علیه السلام بعد احتجاجه علیه السلام عليهم لمّا جائوا به للبيعة : فانصفونا ان كنتم تؤمنون وإلّا فبؤوا بالظلم وأنتم تعلمون .

فقال له عمر : انّك لست متروكاً حتّى تبايع . فقال له علي علیه السلام : احلب حلباً لك شطره ، واشدد له اليوم أمره يردده عليك غداً(3) .

كيفية عقد أبي بكر الخلافة لعمر

قال ابن أبي الحديد : وروى كثير من الناس : انّ أبابكر لما نزل به الموت دعا

ص: 92


1- المائدة : صلی الله علیه وآله1 .
2- ربيع الأبرار : 5/صلی الله علیه وآله ؛ البرهان في تفسير القرآن : 2/81 ، 2388/علیه السلام .
3- الإمامة والسياسة ( تحقيق : الزيني ) : 1/18 ؛ السقيفة وفدك : 60 ؛ الاحتجاج : 1/علیه السلام4 ؛ بحار الأنوار 28/348 .

عبدالرحمن بن عوف فقال : أخبرني عن عمر . فقال : انّه أفضل من رأيك ج فيه ج إلّا أن فيه غلظة . فقال أبوبكر : ذاك لأنّه يراني رقيقاً ، ولو قد أفضى الأمر إليه لترك كثيراً ممّا هو عليه ، وقد رمقته إذا أنا غضبت على رجل أراني الرضا عنه ، وإذا لنت له أراني الشدة عليه . ثمّ دعا عثمان ابن عفان فقال : أخبرني عن عمر ، فقال : سريرته خير من علانيته ، وليس فينا مثله ، فقال لهما : لا تذكرا ممّا قلت لكما شيئاً ، ولو ترك عمر لما عدوتك يا عثمان ، والخيرة لك ألا تلى من أمورهم شيئاً ، ولوددت انّي كنت من أموركم خلواً ، و كنت فيمن مضى من سلفكم . ودخل طلحة بن عبيداللَّه على أبي بكر ، فقال : انّه بلغني انّك يا خليفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، استخلفت على الناس عمر ، وقد رأيت ما يلقى الناس منه وأنت معه ، فكيف به إذا خلابهم ، وأنت غداً لاق ربك ، فيسألك عن رعيتك ! فقال أبوبكر : أجلسوني ، ثمّ قال : أباللَّه تخوفني ؟ إذا لقيت ربّي فسألني ، قلت : استخلفت عليهم خير أهلك ، فقال طلحة : أعمر خير الناس يا خليفة رسول اللَّه ؟ ! فاشتد غضبه وقال : أي واللَّه ، هو خيرهم وأنت شرّهم ، أما واللَّه لو وليتك لجعلت أنفك في قفاك ، ولرفعت نفسك فوق قدرها ، حتّى يكون اللَّه هو الذي يضعها ! اتيتني وقد دلكت عينك تريد أن تفتنني عن ديني ، وتزيلني عن رأيي ! قم لا أقام اللَّه رجليك ! أما واللَّه لئن عشت فواق ناقة ، وبلغني انّك غمصته فيها ، أو ذكرته بسوء ، لألحقنك بمحمضات قنة(1) ، حيث كنتم تسقون ولا تروون ، وترعون ولا تشبعون ، وأنتم بذلك بجحون(2) راضون ، فقام طلحة فخرج(3) .

ص: 93


1- الموضع الذي ترعى فيه الابل الحمض . وقنة : موضع بعينه .
2- البجح : الفرح والسرور .
3- شرح نهج البلاغة : 1/164 ؛ بحارالأنوار : 30/520 .

ثمّ قال : احضر أبوبكر عثمان - وهو يجود بنفسه - فأمره أن يكتب عهداً ، وقال - اكتب : بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، هذا ما عهد عبداللَّه بن عثمان إلى المسلمين ، أما بعد ، ثم أغمى عليه ، و كتب عثمان : قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ، وافاق أبوبكر فقال : أقرأ فقرأه ، فكبر أبوبكر وسرّ ، وقال : أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي ! قال : نعم ، قال : جزاك اللَّه خيراً عن الاسلام وأهله ، ثم اتم العهد ، وأمر أن يقرأ على الناس ، فقرء عليهم(1) .

قال المجلسي ؛ : انظروا بعين الانصاف إلى الخلافة الكبرى ورئاسة الدين والدنيا ، كيف صارت لعبة للجهّال وخلسة لأهل الغيّ والضلال ، بحيث يلهم بها الفاسق الفاجر اللئيم عثمان و يكتبها برأيه بدون مصلحة الخليفة الخوان ثمّ يمدحه هذا الشقيّ ويشكره ويجزيه خيراً عن الإسلام وأهله ، ولا يقول له : لِمَ اجترأت على هذا الأمر الكبير والخطب الخطير الذي يترتب عليه عظائم الاُمور بمحض رأيك وهواك ؟ مع انّ النبيّ كان لا يجترئ أن يخبر بأدنى حكم بدون الوحي الإلهي .

ويلزم على زعمهم أن يكون أبوبكر وعثمان اشفق على أهل الإسلام والإيمان من الرسول الذي أرسله الرحمن لهداية الإنس والجانّ ، لأنّه صلی الله علیه وآله بزعمهم أهمل امر الأُمّة ، ولم يوص لهم بشي ء ، وهما اشفقا على الأمّة حذراً من ضلالتهم ، فعيّنا لهم جاهلاً شقيّاً فظّاً غليظاً ليدعوا الناس إلى نصبهم وغباوتهم ، ويصرفهم عن أهل بيت نبيّهم صلوات اللَّه عليه .

والعجب من عمر كيف لم يقل لأبي بكر في تلك الحالة التي يغمى عليه فيها

ص: 94


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/165 ؛ بحار الأنوار : 3/51صلی الله علیه وآله .

ساعة ويفيق اُخرى : انّه ليهجر ، ويمنعه من الوصية كما منع نبيّه صلی الله علیه وآله ونسبه إلى الهجر ؟ ! وكيف اجترأ أبوبكر على ربّه في تلك الحالة التي كان يفارق الدنيا ويرد على ربّه تعالى ، فحكم بكون عمر أفضل الصحابة مع كون أميرالمؤمنين علیه السلام بينهم ، وقال فيه نبيّهم : « اللهمّ ائتني باحب خلقك اليك »(1) وسائر ما رووه في صحاحهم فيه علیه السلام ، وأنزله اللَّه فيه صلوات اللَّه عليه ؟ !

وهل يريب لبيب في أن تلك الاُمور المتناقضة والحيل الفاضحة الواضحة لم تكن إلّا لتتميم ما اسّسوه في الصحيفة الملعونة من منع أهل البيت : عن الخلافة والإمامة وحطّهم عن رتبة الرئاسة والزعامة(2) .

ولما كتب أبو بكر عهده قال لعمر : خذ هذا الكتاب وأخرج به إلى الناس ، وأخبرهم انّه عهدي ، وسلهم عن سمعهم وطاعتهم ، فخرج عمر بالكتاب واعلمهم ، فقالوا : سمعاً وطاعة ، فقال له رجل : ما في الكتاب يا أبا حفص ؟ قال : لا أدري ، ولكنّي أول من سمع واطاع . قال : لكني واللَّه أدري ما فيه : أمّرته عام أوّل ، وامّرك العام(3) .

وإنّما رشا عثمان عمر بأن كتب في غشوة أبي بكر اسم عمر في عهده ليردّه إليه بعده . ولقد جزاه عمر بتدبير الشورى ، وجعل عبدالرحمن حكماً ، ولما بايع عبدالرحمن عثمان قال أميرالمؤمنين علیه السلام لعبدالرحمن : واللَّه ما أملت منه إلّا أمل صاحبك من صاحبه ، دقِّ اللَّه بينكما عطر منشم(4) .

ص: 95


1- السنن الكبرى ( النسائي ) : 5/10علیه السلام ، ح 83صلی الله علیه وآله8 ؛ بحارالانوار : 22/339 .
2- بحارالأنوار : 30/523 .
3- الإمامة والسياسة : 1/25 .
4- الجمل : 123 ؛ بحارالانوار : 31/358 .

ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الْأَعْشَى

والأعشى هذا كنيته أبوبصير واسمه ميمون بن قيس بن جندل من قيس بن ثعلبة . وكان أبوه قيس يدعى « قتيل الجوع » وذلك انّه كان في جبل ، فدخل غاراً ، فوقعت صخرة من الجبل ، فسدّت فم الغار ، فمات فيه جوعاً(1) .

وذكر ابن شبة انّ الأعشى وفد إلى النبيّ صلی الله علیه وآله وقد مدحه بقصيدته التي منها :

نبي يرى ما لا ترون و ذكره * اغار لعمري في البلاد وانجدا

فبلغ خبره قريشاً فرصدوه على طريقه وقالوا : هذا صناجة العرب ، فقالوا له : أين أردت أبا بصير ؟ قال : أردت صاحبكم هذا لأسلم . قال : انّه ينهاك عن خلال ويحرمها وكلّها بك رافق ولك موافق . قال : وما هن ؟ فقال أبو سفيان : الزنا ، فقال : لقد تركني الزنا وما تركته ، وماذا ؟ قال : القمار . قال : لعلي ان لقيته اصبت منه عوضاً من القمار ، وماذا ؟ قالوا : الربا ، قال : ما دنت ولا أدنت قط ، قال : وماذا ؟ قال : الخمر ، قال : أوّه أرجع إلى صبابة قد بقيت لي من المهراس(2) فأشربها ، فقال أبو سفيان : أبا بصير هل لك في خير مما هممت به ؟ قال : و ما هو ؟ قال : نحن وهو الآن في هدنة ، فتأخذ مائة من الإبل وترجع إلى بلدك سنتك هذه ، وتنظر ما يصير إليه أمرنا ، فإن ظهرنا عليه كنت قد أخذت خلفا . وإن ظهر علينا أتيته . قال : ما أكره ذاك . فقال أبو سفيان : يا معشر قريش هذا الأعشى ، واللَّه لئن أتى محمّداً واتبعه ليضرمن عليكم نيران العرب بشعره ، فاجمعوا له مائة من الإبل ، ففعلوا

ص: 96


1- خزانة الأدب : 1/181 .
2- المهراس : حجر منقور يسع كثيراً من الماء .

وأخذها وانطلق إلى بلده ، فلما كان بقاع منفوحة(1) رمى به بعيره فقتله(2) .

وفي الصحاح : الأعشى : من يبصر بالنهار ، ولا يبصر بالليل(3) .

شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا وَ يَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِر

هو من قصيدة طويلة له قالها في منافرة علقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل وأولها :

علقم ما أنت إلى عامر * الناقض الاوثار والواتر

وقبل البيت :

وقد أسلى الهم إذ يعتري * بحسرة دو سرة عاقر

زيّافة بالرحل خطارة * تلوي بشرخي ميسة قاتر

شرخا الرحل مقدمه ومؤخره ، والميس شجر يتخذ منه الرحال ورحل قاتر جيد الوقوع على ظهر البعير .

وبعد البيت :

أرمي بها البيداء إذ هجرت * وأنت بين القرو والعاصر

في مجدل شيد بنيانه * يزل عنه ظفر الطائر

وكان حيان وجابر ابنا السمين الحنفيان ، وكان حيان صاحب شراب ومعاقرة خمر وكان نديم الأعشى ، وكان أخوه جابر أصغر سناً معه ، فيقال : ان حيان قال

ص: 97


1- ومنفوحة ، قرية مشهورة من نواحي اليمامة .
2- تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر : 61/328 .
3- الصحاح : 6/242علیه السلام .

للأعشى : نسبتني إلى أخي وهو أصغر سناً مني ، فقال : ان الروي اضطرني إلى ذلك . فقال : واللَّه لا نازعتك كأساً أبدا ما عشت(1).

وحيان كان صاحب حصن باليمامة ، وكان من سادات بنى حنيفة ، مطاعاً في قومه يصله كسرى في كل سنة ، وكان في نعمة ورفاهيّة ، مصونا من وعثاء السفر ، لأنّه ما كان يسافر أبدا ، وكان الاعشى ينادمه(2) .

وأمّا الغرض من التمثيل بالبيت فأفاد السيد المرتضى ؛ : أراد بذلك انّ القوم لما فازوا بمقاصدهم ورجعوا بمطالبهم فظفروا بها وهو في أثناء ذلك كلّه محقق في حقه ، مكذّب في نصيبه كما أشار إليه بقوله : « وفي العين قذى وفي الحق شجى » كان بين حالهم وحاله بعد بعيد ، وافتراق شديد(3) .

وقال بعض الشارحين : المعنى : ما أبعد ما بين يومي على كور الناقة أدأب وانصب وبين يومي منادما حيان أخي جابر في خفض ودعة . فالغرض من التمثيل اظهار البعد بين يومه علیه السلام بعد وفاة الرسول صلی الله علیه وآله مقهوراً ممنوعاً عن حقه وبين يومه في صحبة النبي صلی الله علیه وآله(4) .

فَيَا عَجَباً بَينَا هُوَ يَستَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ ، إِذ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعدَ وَفَاتِهِ

قال أبوبكر : أقيلوني أقيلوني فلست بخيركم وعليّ فيكم(5) .

ص: 98


1- شرح نهج البلاغة : 1/166 .
2- بحارالأنوار : 2صلی الله علیه وآله/51علیه السلام .
3- شرح نهج البلاغة ابن ميثم : 1/25علیه السلام .
4- بحارالأنوار : 2صلی الله علیه وآله/51صلی الله علیه وآله .
5- الطرائف : 2/402 ؛ بحار الأنوار : 10/28 .

قال صاحب « بيت مال العلوم » وصاحب « عقلاء المجانين » : قال أبو الهذيل العلاف : سافرت مع المأمون إلى الرقة ، فبينا أنا أسير في الفرات إذ مررنا بدير . فوصف لي فيه مجنون يتكلّم بالحكمة ، فدخلت الدير وإذا برجل وسيم نظيف فصيح وهو مقيّد ، فسلمت عليه ، فردّ السلام ، ثمّ قال : قلبي يحدثني انّك لست من أهل هذه المدينة القليل عقول أهلها - يعني الرقة - قلت : نعم ، أنا من أهل العراق . فقال : انّي اسألك ، فافهم ما أقول : فقلت : سل . فقال : أخبرني عن النبي صلی الله علیه وآله هل أوصى ؟ قلت : لا ، قال : فكيف ولي أبوبكر مجلسه من غير وصية ؟ فقلت : أختاره المهاجرون والأنصار ، ورضي به الناس . فقال : كيف أجازه المهاجرون وقد قال الزبير بن العوام : لا أبايع إلّا علي بن أبي طالب ، وكذا العباس ، وكيف أختاره الأنصار وقد قالت : منا أمير ومنكم أمير ، وولوا سعد بن عبادة يوم السقيفة ، وقال عمر : اقتلوا سعداً قتله اللَّه ، وكيف تقول : رضي به الناس وقد قال سلمان الفارسي : « كردى نكردى » أي فعلتموها ، فوجئت عنقه ، وقال أبو سفيان بن حرب لعلي علیه السلام : مدّ يدك لا بايعك ، وان شئت ملائتها خيلاً ورجالاً ، ثمّ قعد بنو هاشم عن بيعة أبي بكر ستة أشهر ، فأين الإجماع ؟ ثمّ لمّا ولي أبوبكر الخلافة قال : « ليتكم ولست بخيركم » وكيف يتقدّم المفضول على الفاضل ؟

ولما ولي عمر قال : « وددت انّي كنت شعرة في صدر أبي بكر » ثمّ قال بعد ذلك : « كانت بيعة أبي بكر فلتة » وقي اللَّه الأمّة شرّها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه » ثمّ انّ عمر ردّ السبي الذي سباه خالد بن الوليد في أيّام أبي بكر ، فإن خالداً تزوّج امرأة مالك بن نويرة ، فردّها عمر بعد ما ولدت منه ، ثمّ ولي عمر صهيباً على أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهو عبدالنمر بن قاسط وكلّ هذا تناقض .

ص: 99

وأخبرني : عن عبدالرحمن بن عوف حين ولي عثمان الخلافة وأختاره ، هل ولاه إلّا وهو يعرفه ؟ قلت : لا(1) قال : فقد قال عبدالرحمن بن عوف بعد ذلك : ما كنت أحبّ أن أعيش حتّى يقول لي عثمان : يا منافق ، فمعرفة عثمان عبدالرحمن حين نسبه إلى النفاق كمعرفة عثمان ايّاه إذ ولّاه الخلافة .

وأخبرني : عن عائشة لمّا كانت تحرض الناس على عثمان يوم الدار وتقول : اقتلوا نعثلاً ، قتله اللَّه فقد كفر ، فلمّا ولي علي علیه السلام الخلافة ، قالت : وددت انّ هذه سقطت على هذه - تعني السماء على الأرض - ثمّ خرجت من بيتها تقاتل عليّاً علیه السلام مع طلحة والزبير وتسفك الدم الحرام ، واللَّه تعالى يقول : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى )(2) ، وهذه مخالفة للَّه تعالى ، ولما قتل عثمان جاء المسلمون والصحابة ارسالاً إلى علي علیه السلام ليبايعوه ، فلم يفعل حتّى قالوا له : واللَّه لئن لم تفعل لنلحقنك بعثمان ، فأخبرني : أيّما آكد من ضرب سعداً ووجأ عنق سلمان كمن جاء الناس يكرهونه على البيعة . قال أبو الهذيل : فلم أحر جواباً وسقط في يدي .

قال : في كم يجب القطع في السرقة ؟ قلت : في ربع دينار .

فقال : كم أعطاك هذا الذي جئت معه إلى هيهنا - يعني المأمون - ؟ فقلت : خمسمائة دينار . فقال : يجب أن يقطع أعضاءك بحساب ما أخذت . قلت : ولِم ؟ قال : لانّك سرقت مال المسلمين . فقلت : الخليفة أعطاني من ماله . فقال : وأين ماله ؟ المال للَّه تعالى و لعامة المسلمين ، واللَّه انّك لاحق بهذا السعوط الذي اسعط

ص: 100


1- في بهج الصباغة : « نعم » .
2- سورة الأحزاب : 33 .

به كلّ يوم والقيد منّي . قال : فخرجت من عنده وأنا خجل . فحدّثت المأمون حديثه فاستطرفه وبقى زماناً يستعيده منّي(1) .

ومن تناقضاته كاستقالته لنفسه وعقده لغيره انّه قال للعبّاس : انّ الناس أختاروني والياً . . . وما أنفك يبلغني عن طاعن يقول : الخلاف على عامة المسلمين ، يتخذكم لجأ . فقال له العبّاس : ما أبعد قولك من انّهم طعنوا عليك من قولك انّهم أختاروك ، ومالوا إليك ، وما أبعد تسميتك بخليفة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من قولك : خلّى على الناس أمورهم ليختاروا فاختاروك(2) .

ويا عجبا بينا هو وصاحبه يطعنان على النبي صلی الله علیه وآله في تأمير أسامة عليهما ويتخلّفان عن جيشه مع حث النبي صلی الله علیه وآله عل تجهيزه ، ولعنه المتخلّف عنه ينفذه من قبله باسم اجراء أمر النبي صلی الله علیه وآله ، قال ابن الأثير : ضرب النبي صلی الله علیه وآله بعثاً إلى الشام وأميرهم اسامة بن زيد مولاه ، وأمره أن يوطى الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين فتكلّم المنافقون في أمارته وقالوا : أمّر غلاماً على جلّة المهاجرين والأنصار ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ان تطعنوا في امارته فقد طعنتم في امارة أبيه من قبل ، وانّه لخليق للإمارة ، وكان أبوه خليقاً لها ، وأوعب مع أسامة المهاجرون الأوّلون ، منهم أبوبكر و عمر ، فبينما الناس على ذلك ابتدء برسول اللَّه صلی الله علیه وآله مرضه(3) .

ومعلوم انّ المنافقين لم يكن لهم اعتقاد باللَّه ورسوله ، فكيف يكون لهم اعتقاد

ص: 101


1- تذكرة الخواص لسبط بن جوزي : 63 الباب الرابع في ذكر خلافته علیه السلام ، منشورات الشريف الرضي .
2- تاريخ اليعقوبي : 2/125 .
3- الكامل : 2/31علیه السلام .

بالمهاجرين والأنصار ، وانّ الرجلين إذا كانا في مقام التسليم للَّه ورسوله كيف يغضب لهما غيرهما .

وقال أيضاً - بعد ذكر بيعة أبي بكر وارتداد جمع ، وارادته انقاذ جيش اسامة - قال الناس لأبي بكر : انّ هؤلاء - يعنون جيش اسامة - جند المسلمين والعرب - على ما ترى - قد انتقضت بك ، فلا ينبغي أن تفرق جماعة المسلمين عنك ، فقال أبوبكر : والذي نفسي بيده لو ظننت ان السباع تختطفني لانفذت جيش أسامة كما أمر النبي صلی الله علیه وآله .

فخاطب الناس وأمرهم بالتجهز للغزو ، وان يخرج كلّ من هو من جيش أسامة إلى معسكره بالجرف ، فخرجوا كما أمرهم ، وجيّش أبوبكر من بقي من تلك القبائل التي كانت لهم الهجرة في ديارهم ، فصاروا مسالح حول قبائلهم وهم قليل ، فلمّا خرج الجيش إلى معسكرهم بالجرف وتكاملوا ، أرسل اسامة عمر ابن الخطاب - وكان معه في جيشه - إلى أبي بكر يستأذنه أن يرجع بالناس وقال : انّ معي وجوه الناس وحدّهم ، ولا آمن على خليفة رسول اللَّه وحرم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله والمسلمين ان يتخطفهم المشركون وقال من مع أسامة من الأنصار لعمر بن الخطّاب : انّ أبابكر خليفة رسول اللَّه . ج{فان أبي} إلّا أن نمضي فابلغه عنّا واطلب إليه ان يولّى أمرنا جرجلاًج أقدم سنّاً من أسامة .

فخرج عمر بأمر أسامة إلى أبي بكر ، فأخبره بما قال أسامة ، فقال : لو خطفتني الكلاب والذئاب لا نفذته كما أمر به رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، ولا اردّ قضاء قضى به رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، ولو لم يبق في القرى غيري لا نفذته ، قال عمر : فانّ الأنصار تطلب رجلاً أقدم سنّاً من أسامة ، فوثب أبوبكر وكان جالساً ، وأخذ بلحية عمر وقال : تكلتك

ص: 102

أمّك يا ابن الخطاب ، استعمله رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وتأمرني أن اعز له ؟ ثمّ خرج أبوبكر حتّى أتاهم واشخصهم وشيّعهم ، وهو ماش وأسامة راكب - إلى أن قال - فلما أراد أن يرجع قال لأسامة : ان رأيت أن تعينني بعمر فافعل ، فاذن له - الخ(1) .

أقول : علامات النفاق ظاهرة ، فأين هذا التصلب منه في اجراء حكم النبي صلی الله علیه وآله في وقت حكمه صلی الله علیه وآله ؟ فانّه صلی الله علیه وآله في حيوته حكم بتجهيز جيش أُسامة وهو وصاحبه كانا من جيشه . والإنسان قد يأمر بشي ء لغرض في وقت لا يريده بعد ذلك الوقت لعدم حصول غرضه منه . ومن أين لم يكن غرضه صلی الله علیه وآله من بعث أُسامة في شدة مرضه ولعنه من تخلّف عنه خروج الرجل وخروج صاحبه حين وفاته حتّى لا يبقى في المدينة حين وفاته مخالف لأمير المؤمنين علیه السلام ؟

ومن العجب انّ ابن أبي الحديد قال : ومن الناس من أنكر هذه اللفظة - أي : استقالة أبي بكر - وقال : انّما قال أبوبكر : « وليتكم ولست بخيركم »(2) .

وكيف يقول ابن أبي الحديد ما قال وروي ابن قتيبة مع نصبه استقالة أبي بكر مرّتين ثانيتهما - بعد ذكر عيادته مع صاحبه عمر لسيّدة نساء العالمين وذكر أخذها 3 اقرارهما بقول النبي صلی الله علیه وآله فيها « سخط فاطمة من سخطي وسخطي سخط اللَّه » وذكر قولها 3 لأبي بكر : «واللَّه لادعون اللَّه عليك في كلّ صلاد أصليها - قال : فخرج أبوبكر باكياً وقال : « لا حاجة لي في بيعتكم اقيلوني بيعتي »(3) .

ص: 103


1- الكامل : 2/334 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/16صلی الله علیه وآله .
3- الإمامة والسياسة : 1/20 .

لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا

عن الربيع بن المنذر عن أبيه قال : سمعت الحسن بن علي علیه السلام يقول : انّ أبابكر وعمر عمداً إلى هذا الأمر وهو لنا كلّه فاخذاه دوننا ، وجعلا لنا فيه سهماً كسهم الجدّة ، امّا واللَّه لتهمنهما أنفسهما يوم يطلب الناس فيه شفاعتنا(1) .

فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ

قال الزبير بن بكار : وكان عمر بن الخطاب إذا غضب على واحد من أهله لا يسكن غضبه حتّى يعضّ يده عضّاً شديداً حتّى يدميها(2) .

وكان يقال : درّة عمر أهيب من سيف الحجاج(3) وكان الحجاج يتشبه بزياد وكان زياد يتشبه بعمر(4) .

ولمّا أراد عمر منع زياد عن اقامة الشهادة على المغيرة ، وراه أقبل صاح به صيحة حكاها المشاهد للراوي - كما رواه أبو الفرج اصبهاني - فكاد أن يغشى عليه(5) .

وجعل أبوبكر عمر قاضياً في خلافته ، فمكث سنة لم يخاصم إليه أحد(6) .

وذكر الزبير بن بكار في الموفقيات : انّ سرية جائت لعبدالرحمن أو لعبيد اللَّه

ص: 104


1- الأمالي للمفيد : 48 ، ح 8 ، المجلس 6 ؛ بحارالأنوار : 30/236 ، ح 103 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 6/342 .
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/181 .
4- البداية والنهاية : 9/118 ؛ بهج الصباغة : 5/98 .
5- الأغاني : 16/332 ؛ بهج الصباغة : 5/98 .
6- تاريخ الطبرى : 2/617 .

ابن عمر بن الخطاب اليه تشكوه ، فقالت : يا أميرالمؤمنين ، ألا تعذرني من أبي عيسى ؟ قال : ومن أبو عيسى ؟ قالت : ابنك عبيداللَّه ، قال : ويحك ! وقد تكنى بأبي عيسى ! ثمّ دعاه فقال : إيها التنيت بأبي عيسى !

فحذر وفزع ، وأخذ يده فعضّها ، ثمّ ضربه وقال : ويلك ! وهل لعيسى أب ؟ أتدري ما كني العرب ؟ أبو سلمة ، أبو حنظلة ، أبو عرفطة ، أبو مرّة(1) .

وقال عمرو بن ميمون : شهدت عمر بن الخطاب يوم طعن ، فما منعني أن أكون في الصف الأوّل إلّا هيبته ، فكنت في الصف الذي يليه ، وكان عمر لا يكبر حتّى يستقبل الصف المتقدّم بوجهه ، فان رأى رجلاً متقدّماً من الصف أو متأخراً ضربه بالدرّة ، فذلك الذي منعني من التقدم ، قال : فاقبل لصلاة الصبح ، وكان يغلس(2) بها ، فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة ، فطعنه - الخ -(3) .

وقال ابن قتيبة في « ذكر من كان على دين قبل مبعث النبي صلی الله علیه وآله » : زيد بن عمرو بن نفيل . قال : كان زيد رغب عن عبادة الأوثان وطلب الدين - فاولع به عمر ، وكان ابن عمّه ، وسلّط عليه سفهاء مكّة ، فآذوه ، فخرج إلى الشام(4) - فقتله النصارى بالشام(5) .

{وقال ابن هشام في حديث . . . } وفي - حديث أم عبداللَّه عن اسلام عمر - قال : لها زوجها : اطمعت في إ سلامه ( أي : عمر ) ؟ قالت : نعم . قال : فلا يسلم الذي

ص: 105


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 6/342 .
2- الغلس هو آخر ظلمة الليل .
3- الإمامة والسياسة : 1/39 .
4- بهج الصباغة : 5/صلی الله علیه وآلهصلی الله علیه وآله .
5- المعارف : 59 .

رأيت حتى يسلم حمار الخطاب . قالت : قال ذلك يأساً منه ، لما كان يرى من غلظته وقسوته على ( أهل ) الإسلام(1) .

وروي المجاهد عن ابن عباس قال : سألت عمر عن اسلامه ، فقال : خرجت بعد اسلام حمزة بثلاثة ايام ، فإذا فلان المخزومي - وكان قد أسلم - فقلت : تركت دين آبائك واتبعت دين محمّد ؟ قال : ان فعلت فقد فعله من هو أعظم عليك حقاً مني ! قلت : من هو ؟ قال : اختك وختنك : أي سعيد بن زيد ، قال : فانطلقت فوجدت الباب مغلقاً ، وسمعت همهمة ، ففتح الباب . فدخلت فقلت : ما هذا الذي اسمع ؟ ، قال : ما سمعت شيئاً ، فما زال الكلام بيننا حتّى أخذت برأس ختني فضربته فأدميته - ألخ -(2) .

ومرّ أبوبكر بجارية بني مؤمل - حيّ من بني عدى بن كعب - وكانت مسلمة ، وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام ، وهو يومئذ مشرك ، وهو يضربها حتى إذا ملّ ، قال : انّي اعتذر اليك ، انّي لم اتركك إلّا ملالة ، فتقول : كذلك فعل اللَّه بك(3) .

ومسنداً عن عمر بن الخطاب يقول : مررت بهشام بن حكيم بن حزام وهو يقرء سورة الفرقان في حياة النبي صلی الله علیه وآله ، فإذا هو يقرء على حروف لم يقرئنيها رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فكدت أساوره(4) في الصلاة ، فنظرت حتى سلّم فلبّبته(5) بردائه ، فقلت : من أقرأك هذه السورة ؟ قال : أقرئنيها رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . فقلت له : كذبت ، واللَّه انّ

ص: 106


1- سيرة النبوية لابن هشام : 1/229 .
2- اُسد الغابة : 6/220 .
3- السيرة النبوية لابن هشام : 1/211 .
4- أي ، أخذ برأسه . أو : أواثبه .
5- أي : جمعت عليه ثبابه عند لبته ، واللبة - بفتح اللام وتشديد الباء - موضع النحر .

رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أقرأني هذه السورة التي تقرأها ، فانطلقت أقوده إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فقلت : انّي سمعت هذا يقرء سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها ، فقال النبي صلی الله علیه وآله : أرسله يا عمر ، إقرء يا هشام ، فقرء القرائة التي سمعت ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : هكذا انزلت - الخ -(1) .

وفي الاستيعاب : لمّا خرج بجنازة سعد بن معاذ جعلت اُمّه تبكي ، فقال لها عمر : انظري ما تقولين يا اُمّ سعد ؟

فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « دعها يا عمر ، كل(2) باكية مكثرة إلّا اُمّ سعد ، ما قالت من خير فلن تكذب »(3) .

وعن أبي هريرة قال : كنّا مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في جنازة ، فرأى عمر نساء يبكين فتناولهن ، أو صاح بهنّ ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يا عمر ، دعهنّ ، فانّ العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد قريب »(4) .

ورووا أيضاً ان عمر سمع صوت بكاء في بيت ، فدخل وبيده الدرّة ، فمال عليهم ضرباً حتّى بلغ النائحة ، فضربا حتّى سقط خمارها ، ثمّ قال لغلامه : اضرب النائحة ، ويلك اضربها فانّها النائحة ، لا حرمة لها ، لأنّها لا تبكي بشجوكم ، انّها تهريق دموعها على أخذ دراهمكم ، انّها تؤذي أمواتكم في قبورهم وأحياءكم في دورهم ، انها تنهى عن الصبر وقد أمر اللَّه به ، وتأمر بالجزع وقد نهى اللَّه عنه(5) .

ص: 107


1- اُسد الغابة : 4/623 .
2- في اُسد الغابة : كلّ نائحة تكذب إلّا نائحة سعد . اسد الغابة : 6/248 .
3- الاستيعاب : 4/1906 .
4- سبل الهدى : 8/357 .
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 12/68 .

أقول : أوّلاً « تؤذى أمواتكم » خلاف قوله تعالى : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )(1) وثانياً لم ينته بنهي النبي صلی الله علیه وآله فآذى المصابات المرحومات وكيف وقد أمر النبي صلی الله علیه وآله بالبكاء على عمّه(2) ، وبكى النبي صلی الله علیه وآله نفسه على إبراهيم ابنه وقال صلی الله علیه وآله : « يحزن القلب ، وتدمع العين ، ولا نقول ما يسخط الربّ »(3) ، وكسب النائحة إذا لم يكن من النوح بالباطل حلال .

وقال المدائني : وخطب عمر اُمّ أبان بنت عتبة بن ربيعة ، فكرهته ، وقالت : يغلق بابه ، ويمنع خيره ، ويدخل عابساً ، ويخرج عابساً(4) .

وقال المدائني : وخطب عمر اُمّ كلثوم بنت أبي بكر وهي صغيرة ، وأرسل فيها إلى عايشة ، فقالت : الأمر إليك ، فقالت اُمّ كلثوم : لا حاجة لي فيه ، فأرسلت عائشة إلى عمرو بن العاص فأخبرته ، فقال : اكفيك ، فأتى عمر فقال : بلغني خبر أعيذك باللَّه عنه ، قال : وما هو ؟ قال : خطبت اُمّ كلثوم بنت أبي بكر ، قال : نعم ، أفرغبت بي عنها ، أم رغبت بها عنّي ؟ قال : لا واحدة ، ولكنّها حدثة نشأت تحت كنف عايشة في لين ورفق ، وفيك غلظة ، ونحن نهابك ، وما نقدر أن نردّك عن خلق من أخلاقك ، فكيف بها إن خالفتك في شي ء فسطوت بها ! كنت قد خلّفت أبابكر في ولده بغير ما يحقّ عليك... إلخ(5) .

وعن ابن شهاب قال : دخل رجل على عمر فقال : السلام عليك يا أبا غفر ،

ص: 108


1- سورة فاطر : 18 .
2- شرف النبي 9 : 348 ؛ شرح نهج البلاغة : 15/41 .
3- مسكّن الفؤاد : 103 ؛ بحار الأنوار : 79/90 .
4- تاريخ الطبري : 4/200 ؛ الكامل : 3/55 .
5- تاريخ الطبري : 4/1صلی الله علیه وآلهصلی الله علیه وآله ؛ الكامل : 3/54 .

حفص ، اللَّه لك . فقال عمر : يا أبا حفص غفر اللَّه لك ، فقال الرجل : اصلعتني فرقتك، يقول : افرقتني صلعتك(1) .

وأيضاً تقدّمت امرأة إلى عمر ، فقالت : « يا أبا عمر ، حفص ، اللَّه لك » ، أرادت أن تقول : يا أبا حفص عمرك اللَّه ، فقال عمر : مالك أعقرت ؟ أي : دهشت ، قالت : « صلعتك فرقتك » ، أرادت أن تقول : « فرقت صلعتك »(2) .

ولمّا أتى خالداً كتاب أبي بكر وهو بالحيرة ، يا مره أن يمدّ أهل الشام - قال : هذا عمل الاعيسر بن ام شملة - يعني عمر بن الخطّاب - حسدني أن يكون فتح العراق على يدي(3) .

وقال الفضل بن العبّاس : قال النبي صلی الله علیه وآله في مرضه : « أيّها الناس ! من خشى من نفسه شيئاً فليقم ، ادع له » . فقام رجل فقال : يا رسول اللَّه ما شي ء - أو ان شي ء - إلّا وقد جنيته ، فقام عمر بن الخطاب فقال : فضحك نفسك أيّها الرجل ! فقال النبي صلی الله علیه وآله : « يابن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة ، اللهمّ صيّر أمره إلى الخير »(4) .

واقطع أبو بكر طلحة أرضاً ، وكتب له كتاباً ، واشهد له ناساً فيهم عمر ، فأتى طلحة عمر بالكتاب ليختمه فقال : هذا كلّه لك دون الناس ؟ لا أختم هذا ، فرجع طلحة مغضبا إلى أبي بكر ، فقال : أنت الخليفة أم عمر ؟(5)

ص: 109


1- تاريخ المدينة 2/683 .
2- عيون الأخبار : 1/66 .
3- تاريخ الطبري : 3/415 سنة 13 ؛ الطبقات الكبرى : علیه السلام/379 .
4- تاريخ الطبري : 3/190 سنة 11 ؛ المنتظم : 4/30 .
5- المحاضرات والمحاورات للسيوطي : 120 ؛ كنز العمّال : 12/546 ، ش 35738 .

واقطع أبوبكر لعيينة بن حصين الفزاري قطيعة ، وكتب له بها كتاباً ، فأتى عيينة عمر فأعطاه الكتاب ، فبصق فيه ومحاه(1) .

يَغْلُظُ كَلْمُهَا

لأبي سعيد الخوارزمي في وصف رجل « جعل لسانه سنانه ، وأشفار عينيه الصلبة شفاره ، فاذا تكلّم كلّم بلسانه أكثر ممّا يكلّم بسنانه ، وإذا لمح ببصره جرح القلوب بلحظة أشدّ ممّا يجرح الآذان بلفظه ، يظهر للناس في زي مظلوم وانّه لظالم ، ويشكو إليهم وجع السليم وهو سالم(2) .

وفي لسان العرب في ( كمم ) : يروي عن عمر : انّه رأى جارية متكمكمة ، فسأل عنها ، فقالوا : أمة آل فلان ، فضربها بالدرّة وقال : يا لكعاء ، أتشبهين بالحرائر ؟ أرادوا متكممة فضاعفوا ، وأصله من الكمة وهي القلنسوة ، فشبّه قناعها بها(3) .

وارتدّ أبو شجرة السلمي ، وهو ابن الخنساء ، فانّه كان قد ارتدّ فيمن ارتدّ من سليم وقال أبياتاً منها :

فروّيت رمحي من كتيبة خالد * وانّي لأرجو بعدها أن اعمّرا

ثمّ انّ أبا شجرة أسلم ، فلمّا كان زمن عمر قدم المدينة ، فرأى عمر وهو يقسم في المساكين ، فقال : اعطني فانّي ذو حاجة ، فقال : ومن أنت ؟ فقال : أنا أبو شجرة

ص: 110


1- أدب الكتاب : 211 ؛ كنز العمّال : 12/546 ، ش 35973 .
2- الوافي بالوفيات : 6/132 .
3- لسان العرب : 12/527 .

السلمى ، قال : اي عدوّ اللَّه ، [ لا ] واللَّه ، ألست الذي تقول : « فروّيت رمحي » . . . البيت . وجعل بعلوه بالدرّة في رأسه حتّى سبقه عدوا إلى ناقته ، فركبها ولحق بقومه وقال :

ضنّ علينا أبو حفص بنائله * وكلّ مختبط يوماً له ورق(1)

وقال أبو عمرو : كان سواد بن قارب يتكهّن في الجاهليّة ، وكان شاعراً ثمّ أسلم ، وداعيه عمر يوماً فقال : ما فعلت كَهانتك يا سواد ؟ فغضب وقال : ما كنّا عليه نحن وأنت يا عمر من جهلنا ، وكفرنا شرّ من الكهانة ، فما لك تعيّرني بشي ء تبت منه(2) .

وفي غزوة هوازن ولمّا سمع بهم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بعث إليهم عبداللَّه بن أبي حدرد الأسلمي ، وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتّى يأتيه بخبر منهم ويعلم من علمهم ، فانطلق ابن أبي حدرد ، فدخل فيهم ، فأقام معهم حتّى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، وعلم أمر مالك وأمر هوازن وما هم عليه ، ثمّ أتى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فأخبره الخبر ، فدعا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عمر بن الخطاب ، فأخبره خبر ابن أبي حدرد ، فقال عمر : كذب ! فقال ابن أبي حدرد : ان تكذبني فطالما كذبت بالحق يا عمر !(3)

ص: 111


1- الكامل : 2/351 .
2- الاستيعاب : 2/674 .
3- تاريخ الطبري : 3/علیه السلام2 .

وَ يَخْشُنُ مَسُّهَا

عن الأصمعي قال : كلّم الناس عبدالرحمن بن عوف ان يكلم عمر بن الخطاب في أن يلين لهم ، فانّه قد أخافهم حتّى خاف الابكار في خدورهن ، فكلّمه عبدالرحمن ، فقال عمر : اني لا أجد لهم إلّا ذلك ، واللَّه لو انهم يعلمون ما عندي لأخذوا ثوبي عن عاتقي(1) .

وخطب عثمان ، فقال : لقد عبتم على أشياء ، ونقمتم اُموراً قد أقررتم لابن الخطاب مثلها ، ولكنّه وقمكم وقمعكم(2) ، ولم يجترء أحد يملأ بصره منه ، ولا يشير بطرفه إليه(3) .

ويدلّ على ذلك أيضاً ما روى ان ابن عبّاس لمّا أظهر بطلان مسألة العول بعد موت عمر قيل له : من أوّل من أعال الفرائض ؟ فقال : انّ أوّل من أعال الفريضة عمر بن الخطاب ، فقيل له : هلّا اشرت عليه ؟ فقال : هبته(4) .

وان عمر هو الذي أغلظ على جبلة بن الأيهم حتّى اضطرّه إلى مفارقة دار الهجرة ، بل مفارقة دار الاسلام كلّها ، وعاد مرتدّاً داخلاً في دين النصرانيّة لأجل لطمة لطمها ، وقال جبلة بعد ارتداده متندّماً على ما فعل :

تنصّرت الأشراف من أجل لطمة * وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

فياليت اُمّي لم تلدني وليتني * رجعت إلى القول الذي قاله عمر(5)

ص: 112


1- كنز العمّال : 12/649 ش 35979 .
2- وقمكم : قهركم ، وقمعكم : وقفكم عند حدودكم .
3- الامامة والسياسة ( تحقيق الزيني ) : 1/31 .
4- عوالي اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة : 1/452 ، ح 183 ؛ مستدرك الوسائل : 17/162 ح 3 .
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/183 .

وَ يَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا

لا بأس بالاشارة إلى بعض عثراته ونبذ من جهالاته ويسير من هفواته وزلاته :

منها : قال النظام - وهو أحد شيوخ المعتزلة - تغريب عمر نصر بن الحجاج من المدينة إلى البصرة وايداعه التراويح ونهيه عن متعة الحج ومصادرته العمال ، كلّ ذلك أحدث(1) .

ومنها : قال ابن أبي الحديد : ان نسوة كنّ عند رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قد كثر لغطهن ، فجاء عمر ، فهربْنَ هيبةً له ، فقال لهنّ : يا عديات أنفسهن ، أتهبنني ولا تهبن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟ قلن : نعم ، أنت أغلظ وأفظ(2) .

ومنها : عن ابن عبّاس قال : قدم سلمان من غيبة له ، فتلقّاه عمر ، فقال : أرضاك للَّه عبداً ، قال : فزوّجني ، قال : فسكت عنه ، قال : أترضاني للَّه عبداً ولا ترضاني لنفسك(3) .

ومنها : عن عبداللَّه بن بريدة عن أبيه : ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله اشترى سلمان من قوم من اليهود بكذا وكذا درهما وعلى أن يغرس لهم كذا وكذا من النخل ، يعمل فيها سلمان حتّى تدرك ، فغرس رسول اللَّه صلی الله علیه وآله النخل كلّه إلّا نخلة واحدة غرسها عمر ، فاطعم النخل كلّه إلّا تلك النخلة ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من غرسها ؟ فقالوا : عمر ، فقلعها رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وغرسها ، فأطعمت من عامها(4) .

ومنها : عن أبي بكر بن حزم قال : توضّأ رجل فمسح على خفيه ، فدخل

ص: 113


1- الملل والنحل : 1/57 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/181 .
3- تاريخ مدينة دمشق : 21/427 .
4- الاستيعاب : 2/634 .

المسجد فصلّى ، فجاء علي علیه السلام فوطى على رقبته فقال : « ويلك تصلي على غير وضوء ؟ » ، فقال : أمرني عمر بن الخطاب ، قال : فأخذ بيده فانتهى به إليه ، فقال علیه السلام : « انظر ما يروي هذا عليك » - ورفع صوته - فقال : نعم أنا أمرته ، انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله مسح ، قال علیه السلام : « قبل المائدة أو بعدها ؟ » قال : لا أدري ، قال : « فلم تفتي وأنت لا تدري ، سبق الكتاب الخفين »(1).

ومنها : عن أبي سعيد الخدري قال : خطبنا عمر بن الخطاب فقال : انّي لعلّي أنهاكم عن أشياء تصلح لكم ، وآمركم بأشياء لا تصلح لكم ، وإن مِن آخر القرآن نزولاً آية الربا(2) وانّه قد مات رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ولم يبيّنها لنا(3) .

قال المحقّق التستري : قوله هذا يكذّب قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )(4) .

ص: 114


1- تفسير العيّاشي : 1/297 ح 46 ؛ بحار الأنوار : 77/273 ، ح 27 .
2- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ) البقرة : 278 .
3- الكامل لعبداللَّه بن عدي : 7/132 .
4- سورة المائدة : 3 .

ومنها : قال ابن أبي الحديد : كان الناس بعد وفاة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يأتون الشجرة التي كانت بيعة الرضوان تحتها فيصلّون عندها ، فقال عمر : أراكم أيّها الناس رجعتم إلى العزى ! ألا لا أوتي منذ اليوم بأحد عاد لمثلها إلّا قتلته بالسيف كما يقتل المرتد ، ثمّ أمر بها فقطعت(1) .

قال المحقّق التستري ؛ : وعلى ما رأى تكون الصلاة في مقام إبراهيم علیه السلام رجوعاً إلى اللّات والمناة(2) .

ومنها : قد ذكر أبو نعيم الحافظ ، عن أبي عسيب مولى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : خرج علينا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ليلاً ، فخرجت إليه ، ثمّ مرّ بأبي بكر فدعاه ، فخرج إليه ، ثمّ مرّ بعمر فدعاه ، فخرج إليه ، فانطلق حتّى دخل حائطاً لبعض الانصار ، فقال لصاحب الحائط : « أطعمنا بسراً » فجاء بعذق فوضعه ، فأكلوا ، ثمّ دعا بماء فشرب ، فقال صلی الله علیه وآله : « لتسئلنّ عن هذا يوم القيامة » قال : وأخذ عمر العذق ، فضرب به الأرض حتّى تناثر البسر نحو وجه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، قال : يا رسول اللَّه ، أنا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة ؟ قال : « نعم إلّا من ثلاث : كسرة يسدّ بها جوعته ، أو ثوب يستر به عورته ، أو حجر يأوي فيه من الحرّ والقر »(3) .

ومنها : عن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : « أخّر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ليلة من الليالي العشاء الآخرة ما شاء اللَّه ، فجاء عمر فدقّ الباب ، فقال : يا رسول اللَّه نام النساء ، نام الصبيان ، فخرج رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فقال : ليس لكم أن تؤذوني ولا تأمروني »... إلخ(4) .

ومنها : عن زرارة قال أبو جعفر علیه السلام : « وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم علیه السلام عند جدار البيت ، فلم يزل هناك حتّى حوّله أهل الجاهليّة إلى المكان الذي هو فيه اليوم ، فلمّا فتح النبي صلی الله علیه وآله مكّة ردّه إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم علیه السلام فلم يزل هناك إلى أن ولى عمر بن الخطاب . . . ثمّ ردّه إلى ذلك المكان » [أي مكان أهل الجاهليّة](5) .

ص: 115


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/178 .
2- بهج الصباغة : 5/111 .
3- الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبي ) : 20/176 .
4- تهذيب الأحكام : 2/28 ، ح 32 ؛ بحار الأنوار : 30/265 ، ح 130 .
5- الكافي : 4/223 ، ح 2 ؛ بحار الانوار : 31/33 .

ومنها : روى ابن شاهين باسناده عن ابن اسحاق عن ابن شهاب قال : حدّثت عن المغيرة بن شعبة قال : قدمت على عمر بن الخطاب فوجدته لا يورث الجدتين : اُمّ الاُمّ ولا اُمّ الأب ، قال : فقلت له : قد عرفت خصماء أتوا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يعني في الجدّة ، فورثها ، قال : ووجدته لا يورث الورثة من الدية شيئاً ، فقلت : كان حمل بن مالك بن النابغة الهذلي تحته امرأتان ، احداهما حُبلى وان امرأته الاُخرى قتلت الحبلى ، فرفع أمرهما إلى النبي صلی الله علیه وآله ، فقضى أن يعقل عن القاتلة عصبتها ، وإن يرث المقتولة ورثتها - وذكر الحديث - قال : فأقبل رجل من هذيل يقال له : شريك بن وائلة إلى عمر بن الخطاب ، فقصّ عليه حديث امرأتي حمل بن مالك(1) .

ومنها : كان عمر جعل الثلث للاخوة للاُمّ ، ولم يجعل للاخوّة للأب والاُمّ شيئاً ، فراجعه الاخوة للأب والاُم وقالوا له : هب إن أبانا كان حماراً فأشركنا بقرابة اُمّنا ، فاشرك بينهم ، فسميت الفريضة مشركة(2) .

ومنها ان وفد مصر أتوا عثمان فقالوا له : ادع بالمصحف ، فدعا بالمصحف ، فقالوا له : افتح التاسعة في تاريخ خليفة بن خياط : مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ )(3) قالوا له : قف ، فقالوا له : أرأيت ما حميت من الحمى ؟ اللَّه أذن لك أم على اللَّه تفتري ؟ قال : إن عمر حمى الحمى قبلي لابل

ص: 116


1- اُسد الغابة : 2/372 ، ش 2437 .
2- لسان العرب : 10/449 .
3- سورة يونس : 59 .

الصدقة ، فلمّا ولّيت زادت ابل الصدقة فزدت في الحمى لما زاد في ابل الصدقة(1) .

قال المحقّق التستري ؛ : فعل عمر لم يكن حجّة لعثمان ، والآية تتوجه بعمومها عليهما والزيادة والنقصان لا مدخليّة لهما في المشروعيّة وعدمها(2) .

ومنها عن فاطمة ابنة قيس انّها قالت : طلّقها زوجها ثلاثاً ، فبلغ ذلك إلى النبي صلی الله علیه وآله ، فلم يجعل لها سكنى ولا نفقة - إلى أن قال - فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال عمر : لا ندع كتاب اللَّه بقول امرأة لعلّها نسيت(3) .

قال المحقّق التستري ؛ : قولها لم يكن مخالفاً لكتاب اللَّه تعالى ، لأنّه تعالى إنّما جعل السكنى للرجعيّة لكونها في حكم الزوجة مادامت العدّة باقية ، لا البائنة ، ولكن الرجل لم يفهم الكتاب فردّ السنة(4) .

ومنها : روى عمرو بن ثابت عن أبيه ، عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة قال : اُتي عمر بن الخطاب بامرأة تزوّجها شيخ ، فلمّا أن واقعها مات على بطنها ، فجائت بولد فادعى بنوه انّها فجرت وتشاهدوا عليها ، فأمر بها عمر أن ترجم ، فمرّوا بها على علي بن أبي طالب علیه السلام ، فقالت : يابن عم رسول اللَّه اني مظلومة وهذه حجّتي ، فقال : « هاتي حجّتك » ، فدفعت إليه كتاباً ، فقرأه ، فقال : هذه المرأة تعلمكم بيوم تزوّجها ويوم واقعها وكيف كان جماعه لها ، ردّوا المرأة ، فلمّا كان من الغد دعا علي علیه السلام بصبيان يلعبون أتراب وفيهم ابنها ، فقال لهم : العبوا ، فلعبوا

ص: 117


1- تاريخ الطبري : 4/354 .
2- بهج الصباغة : 5/115 .
3- تاريخ بغداد : 3/284 ، ش 1351 .
4- قاموس الرجال : 12/336 .

حتّى إذا ألهام اللعب ، فصاح بهم ، فقاموا وقام الغلام الذي هو ابن المرأة متّكئاً على راحتيه ، فدعا به علي علیه السلام ، فورّثه من أبيه ، وجلد اخوته المفترين حدّاً حدّاً ، فقال له عمر : كيف صنعت ؟ قال علیه السلام : « عرفت ضعف الشيخ في تكأة الغلام على راحتيه »(1) .

ومنها : روى سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال : أتى عمر بن الخطاب بجارية ، فشهد عليها شهود انّها بغت ، وكان من قصّتها انّها كانت يتيمة عند رجل ، وكان للرجل امرأة ، وكان الرجل كثيراً ما يغيب عن أهله ، فشبّت اليتيمة وكانت جميلة ، فتخوّفت المرأة أن يتزوّجها زوجها إذا رجع إلى منزله ، فدعت بنسوة من جيرانها فأمسكنها ، ثمّ اقتضّتها(2) باصبعها ، فلمّا قدم زوجها سأل امرأته عن اليتيمة ، فرمتها بالفاحشة وأقامت البيّنة من جيرانها على ذلك ، قال : فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب ، فلم يدر كيف يقضي في ذلك ، فقال للرجل : اذهب بها إلى علي بن أبي طالب علیه السلام ، فأتوا عليّاً وقصّوا عليه القصّة ، فقال لامرأة آلرجل : « ألك بيّنة ؟ » قالت : نعم هؤلاء جيراني(3) يشهدون عليها بما أقول ، فأخرج علي علیه السلام السيف من غمده وطرحه بين يديه ، ثمّ أمر بكلّ واحدة من الشهود فأدخلت بيتاً ، ثمّ دعا بامرأة الرجل فأدارها بكلّ وجه ، فأبت أن تزول عن قولها ، فردّها إلى البيت الذي كانت فيه ، ثمّ دعا باحدى الشهود وجثا على ركبتيه وقال لها : « أتعرفيني أنا علي بن أبي طالب وهذا سيفي وقد قالت امرأة الرجل ما قالت

ص: 118


1- من لا يحضره الفقيه : 3/24 ، ح 3254 .
2- اقتضّتها - بالقاف - أي رفعت بكارتها .
3- الصواب : جاراتي .

ورجعت إلى الحق وأعطيتها الأمان ، فاصدقيني وإلّا ملأت سيفي منك » فالتفتت المرأة إلى علي علیه السلام(1) فقالت : يا أميرالمؤمنين الأمان على الصدق ؟ فقال لها علي علیه السلام : « فاصدقي » ، فقالت : لا واللَّه ، ما زنت اليتيمة ولكن امرأة الرجل لمّا رأت حسنها وجمالها وهيئتها خافت فساد زوجها ، فسقتها المسكر ، ودعتنا فامسكناها فاقتضتها باصبعها ، فقال علي علیه السلام : « اللَّه أكبر ، اللَّه أكبر ، أنا أوّل من فرّق بين الشهود إلّا دانيال » ، ثمّ حدّ المرأة حدّ القاذف وألزمها ومن ساعدها على اقتضاض اليتيمة المهر لها أربع مائة درهم ، وفرّق بين المرأة وزوجها ، وزوّجه اليتيمة ، وساق عنه المهر إليها من ماله .

فقال عمر بن الخطّاب : فحدّثنا يا أبا الحسن بحديث دانيال النبي علیه السلام ، فقال : « إنّ دانيال كان غلاماً يتيماً لا أب له ولا اُم ، وانّ امرأة من بني إ سرائيل عجوزاً ضمّته إليها وربّته ، وإن ملكاً من ملوك بني إ سرائيل كان له قاضيان ، وكان له صديق وكان رجلاً صالحاً ، وكانت له امرأة جميلة وكان يأتي الملك فيحدّثه فاحتاج الملك إلى رجل يبعثه في بعض اُموره ، فقال للقاضيين : اختارا لي رجلاً أبعثه في بعض اُموري ، فقالا : فلان ، فوجّهه الملك ، فقال الرجل للقاضيين : اُوصيكما بأمرأتي خيراً ، فقالا : نعم ، فخرج الرجل وكان القاضيان يأتيان باب الصديق ، فعشقا امرأته ، فراوداها عن نفسها ، فأبت عليهما ، فقالا لها : إن لم تفعلي شهدنا عليك عند الملك بالزنا ليرجمك ، فقالت : افعلا ما شئتما ، فأتيا الملك ، فشهدا عليها انّها بغت وكان لها ذكرٌ حسنٌ جميلٌ ، فدخل الملك من ذلك أمر عظيم اشتدّ غمّه وكان بها معجباً ، فقال لهما : انّ قولكما مقبول ، فأجّلوها ثلاثة أيّام ثمّ

ص: 119


1- الصواب : عمر .

ارجموها ، ونادى في مدينته احضروا قتل فلانة العابدة فانّها قد بغت ، وقد شهد عليها القاضيان بذلك ، فأكثر الناس القول في ذلك ، فقال الملك لوزيره : ما عندك في هذا حيلة ؟

فقال : لا واللَّه ، ما عندي في هذا شي ء .

فلمّا كان اليوم الثالث ركب الوزير وهو آخر أيّامها ، فاذا هو بغلمان عراة يلعبون ، وفيهم دانيال ، فقال دانيال : يا معشر الصبيان تعالوا حتّى أكون أنا الملك وتكون أنت يا فلان ، فلانة العابدة ويكون فلان وفلان القاضيين الشاهدين عليها ، ثمّ جمع تراباً وجعل سيفاً من قصبٍ ، ثمّ قال للغلمان : خذوا بيد هذا فنحّوه إلى موضع كذا - والوزير واقف - وخذوا هذا فنحّوه إلى موضع كذا ، ثمّ دعا بأحدهما فقال : قل حقّاً فانّك إن لم تقل حقّاً قتلتك ، قال : نعم - والوزير يسمع : فقال له : بم تشهد على هذه المرأة ؟ قال : أشهد أنّها زنت ، قال : في أيّ يوم ؟ قال : في يوم كذا وكذا ، قال : في أيّ وقت ؟ قال : في وقت كذا وكذا ، قال : في أيّ موضعٍ ؟ قال : في موضع كذا وكذا ، قال : مع من ؟ قال : مع فلان بن فلان ، فقال : ردّوا هذا إلى مكانه ، وهاتوا الآخر ، فردّوه وجاؤوا بالآخر فسأله عن ذلك ، فخالف صاحبه في القول ، فقال دانيال : اللَّه أكبر اللَّه أكبر شهدا عليها بزور ، ثمّ نادى في الغلمان انّ القاضيين شهدا على فلانة بالزور فاحضروا قتلهما ، فذهب الوزير إلى الملك مبادراً ، فأخبره بالخبر فبعث الملك إلى القاضيين فأحضرهما ثمّ فرّق بينهما ، وفعل بهما كما فعل دانيال بالغلامين فاختلفا كما اختلفا ، فنادى في الناس وأمر بقتلهما »(1) .

ومنها : عن إبراهيم بن محمّد الثقفي قال : استودع رجلان امرأة وديعة وقالا

ص: 120


1- من لا يحضره الفقيه : 3/20 ح 3251 .

لها : لا تدفعي إلى واحد منّا حتّى نجتمع عندك ، ثمّ انطلقا فغابا ، فجاء أحدهما إليها وقال : أعطيني وديعتي ، فانّ صاحبي قد مات ، فأبت حتّى كثر اختلافه إليها ، ثمّ أعطته ، ثمّ جاء الآخر فقال : هاتي وديعتي ، قالت : أخذها صاحبك وذكر انّك قدمت ، فارتفعا إلى عمر ، فقال لها عمر : ما أراك إلّا وقد ضمنت ؟ فقالت المرأة اجعل عليّاً علیه السلام بيني وبينه ، فقال له : اقض بينهما ، فقال علي علیه السلام : « هذه الوديعة عندها وقد أمرتماها ألّا تدفعها إلى واحد منكما حتّى تجتمعا عندها ، فائتني بصاحبك ولم يضمنها » ، وقال علي علیه السلام : « إنّما أرادا أن يذهبا بمال المرأة »(1) .

ومنها : ان عمر كان يعسّ بالليل فسمع صوت رجل وامرأة في بيت فارتاب ، فتسوّر الحائط ، فوجه امرأة ورجلاً وعندهما زقّ خمر ، فقال : يا عدوّ اللَّه أكنت ترى انّ اللَّه يسترك وأنت على معصيته ؟ قال : إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث ، قال اللَّه تعالى : ( وَلَا تَجَسَّسُوا )(2) ، وقد تجسست ، وقال : ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا )(3) ، وقد تسوّرت ، وقال : ( فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا )(4) ، وما سلّمت(5) .

ومنها : قال عمر : متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأنا محرمهما ومعاقب عليهما ، متعة النساء ومتعة الحج ، قال ابن أبي الحديد : وهذا الكلام وإن كان ظاهره منكراً فله عندنا مخرج وتأويل(6) .

ص: 121


1- من لا يحضره الفقيه : 3/19 ح 3248 .
2- سورة الحجرات: 12 .
3- سورة البقرة : 189 .
4- سورة النور : 61 .
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/182 .
6- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/182 .

لكن يقال : هو باق على منكريته والتأويل الذي ارتبكوه ممّا لا يسمن ولا يغني من جوع .

ومنها : عن مالك انه بلغه : ان المؤذن جاء إلى عمر بن الخطاب ، يؤذنه لصلاة الصبح ، فوجده نائماً ، فقال : الصلاة خير من النوم ، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح(1) .

ومنها عن سعيد بن جبير قال : جعل ابن عبّاس يبكي ويقول : يوم الخميس وما يوم الخميس ، اشتدّ بالنبي صلی الله علیه وآله وجعه ، فقال : « ائتوني بدواة وصحيفه اكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً » ، فقال بعض من كان عنده : انّ نبيّ اللَّه ليهجر ، فقيل له : ألا نأتيك بما طلبت ؟ قال : « أو بعد ماذا » ، فلم يدع به(2) .

وروى في اسناد آخر : قال ابن عباس : يوم الخميس وما يوم الخميس ؟ قال : اشتدّ برسول اللَّه صلی الله علیه وآله وجعه في ذلك اليوم ، فقال : « ائتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً » ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ تنازع ، فقالوا : ما شأنه أهجر استفهموه فذهبوا يعيدون عليه ، فقال : « دعوني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه »(3) .

ومنها : عن جابر بن عبداللَّه الأنصاري قال : لمّا كان في مرض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الذي توفي فيه دعا بصحيفة ليكتب فيها لاُمّته كتاباً لا يضلّون ولا يضلون ، فكان في البيت لغط وكلام ، وتكلّم عمر بن الخطاب ، فرفضه النبي صلی الله علیه وآله(4) .

ص: 122


1- الموطأ : 1/72 ، ش 8 .
2- الطبقات الكبرى : 2/242 .
3- الطبقات الكبرى : 2/242 .
4- الطبقات الكبرى : 2/243 .

ومنها : عن عبيداللَّه بن عبداللَّه بن عتبة ، عن ابن عبّاس قال : لمّا حضرت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « هلمّ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده » ، فقال عمر : ان رسول اللَّه قد غلبه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب اللَّه ، فاختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ومنهم من يقول : ما قال عمر ، فلمّا كثر اللغط والاختلاف وغموا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فقال : « قوموا عني » ، فقال عبيداللَّه بن عبداللَّه فكان ابن عبّاس يقول : الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم(1) .

وروى عن عمر بن الخطّاب قال : كنّا عند النبي صلی الله علیه وآله وبيننا وبين النساء حجاب ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « ايتوني بصحيفة ودواة اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً » ، فقال النسوة : ائتوا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بحاجته ، قال عمر : فقلت : اسكتن ، فانكن صواحبة إذا مرض عصرتن أعينكن ، وإذا صحّ أخذتن بعنقه ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « هنّ خيرٌ منكم »(2) .

وروى عن ابن عبّاس : ان النبي صلی الله علیه وآله قال في مرضه الذي مات فيه : « ائتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً » ، فقال عمر بن الخطاب : من لفلانة وفلانة مدائن الروم ؟ ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ليس بميّت حتّى نفتتحها ، ولو مات لانتظرناه كما انتظرت بنوإ سرائيل موسى ، فقالت زينب زوج النبي صلی الله علیه وآله : ألا تسمعون النبيّ صلی الله علیه وآله يعهد إليكم ؟ فلغطوا ، فقال صلی الله علیه وآله : « قوموا » فلمّا قاموا قبض

ص: 123


1- الطبقات الكبرى : 2/188 ؛ صحيح البخاري : 5/137 .
2- الطبقات الكبرى : 2/188 .

النبي صلی الله علیه وآله مكانه(1) .

ومنها : انّ عمران بن سوادة قال لعمر : عابت اُمّتك منك أربعاً ، فوضع رأس درته في ذقنه ، ووضع أسفلها على فخذه ، ثمّ قال : هات ، قلت : ذكروا انّك حرمت العمرة في أشهر الحج ، ولم يفعل ذلك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ولا أبو بكر وهي حلال ، قال : هي حلال ، لو أنّهم اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية من حجّهم ، فكانت قائبة قوب عامها فقرع حجهم وهو بهاء من بهاء اللَّه وقد أصبت ، قلت : وذكروا انك حرمت متعة النساء وقد كانت رخصة من اللَّه نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث .

قال : ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أحلّها في زمان ضرورة ، ثمّ رجع الناس إلى السعة ، ثمّ لم أعلم أحداً من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها ، فالان من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد أصبت .

قال : قلت : واعتقت الأمة إن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيّدها ، قال : الحقت حرمة بحرمة ، وما أردت إلّا الخير - إلى أن قال - قلت : وتشكوا منك نهر الرعية وعنف السياق . قال : فشرع الدرّة ثمّ مسحها(2) .

وَ الِاعْتِذَارُ مِنْهَا

اشارة

قال ابن أبي الحديد : وكان عمر يفتى كثيراً بالحكم ثمّ ينقضه ويفتى بضدّه وخلافه ، قضى في الجد مع الاخوة قضايا كثيرة مختلفة ، ثمّ خاف من الحكم في

ص: 124


1- الطبقات الكبرى : 2/188 .
2- تاريخ الطبري : 4/225 سنة 23 .

هذه المسألة ، فقال : من أراد أن يتقحم(1) جراثيم(2) جهنم فليقل في الجد برأيه(3) .

وقال أيضاً : لمّا مات رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وشاع بين الناس موته طاف عمر على الناس قائلا : إنّه لم يمت ولكنّه غاب عنّا كما غاب موسى عن قومه وليرجعن ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنّه مات ، فجعل لا يمرّ بأحد يقول : إنّه مات إلّا ويخبطه ويتوعده حتّى جاء أبوبكر فقال : أيّها الناس من كان يعبد محمّداً فإنّ محمّداً قد مات ومن كان يعبد ربّ محمّد فانّه حيّ لم يمت ثمّ تلا قوله تعالى : ( أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ )(4) ، قالوا : فواللَّه لكان الناس ما سمعوا هذه الآية حتّى تلاها أبوبكر ، وقال عمر : لما سمعته يتلوها هويت إلى الأرض وعلمت ان رسول اللَّه قد مات(5) .

أقول : كيف يجوز أن يكون اماماً واجب الطاعة على جميع الخلق من هذه حاله .

ومنها : ما رواه أيضاً من أنّه : قال مرة لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي صلی الله علیه وآله إلّا ارتجعت ذلك منها ، فقالت له امرأة : ما جعل اللَّه لك ذلك إنّه تعالى قال : ( وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً

ص: 125


1- اقتحم الانسان الأمر العظيم وتقحمه إذا رمى بنفسه من غير رويّة وتبت . النهاية : 4/18 .
2- جرثوم الشي ء أصله وجمعه جراثيم وجرثومة النمل قريته .
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/181 .
4- سورة آل عمران : 144 .
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/178 .

مُبِيناً )(1) فقال : كلّ النساء أفقه من عمر حتّى ربات الحجال ، ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت فاضلت إمامكم ففضلته(2) .

ومنها : ما رواه أيضاً من انّه مرّ يوماً بشاب من فتيان الأنصار وهو ظمآن ، فاستسقاه فجدح(3) له ماء بعسل ، فلم يشربه وقال إن اللَّه تعالى يقول : ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا ) فقال له الفتى : يا أميرالمؤمنين إنّها ليست لك ولا لأحد من هذه القبيلة ، اقرأ ما قبلها ( وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا )(4) فقال عمر كل : الناس أفقه من عمر(5) .

ومنها : انه أمر برجم امرأة حامل . فقال له أميرالمؤمنين علیه السلام : إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها سبيل ، فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر(6) .

ومنها : انّه أمر برجم مجنونة فنبّهه أميرالمؤمنين علیه السلام وقال : « القلم مرفوع عن المجنون حتّى يفيق » ، فقال : لو لا علي لهلك عمر(7).

ومنها : ان عمر أمر أن يؤتى بامرأة لحال اقتضت ذلك وكانت حاملاً ، فانزعجت من هيبته فاجهزت(8) جنياً ، فجمع جمعاً من الصحابة وسألهم ماذا يجب عليه ، فقالوا : أنت مجتهد ( مؤدب - خ ل ) ولا نرى انّه يجب عليك شي ء ،

ص: 126


1- سورة النساء : 20 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/182 .
3- جدح : خلط .
4- سورة الأحقاف : 20 .
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/182 .
6- نهج الحق وكشف الصدق : 277 .
7- نهج الحق وكشف الصدق : 277 .
8- في نسخة : فاجهضت .

فراجع عليّاً علیه السلام في ذلك وأعلمه بما قال بعض الصحابة ، فأنكر ذلك وقال : « إن كان ذلك عن اجتهاد منهم فقد أخطأوا ، وإن لم يكن عن اجتهاد فقد غشّوك ، أرى عليك الغرّة » ، فعندها قال : لا عشت لمعضلة لا تكون لها يا أبا الحسن . ورواه الشارح المعتزلي بتغيير في متنه(1) .

ومنها : عن محمّد بن منصور - واللفظ لأبي العيناء - قال : كنّا مع المأمون في طريق الشام ، فأمر فنودي بتحليل المتعة - إلى أن قال - ويقول - وهو مغتاظ - : « متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعلى عهد أبي بكر ، وأنا أنهى عنهما » ومن أنت يا أحول حتّى تنهى عمّا فعله النبي صلی الله علیه وآله ؟(2)

ومنها : انّ المغيرة بن شعبة تكنى بأبي عيسى ، فقال له عمر : أما يكفيك أن تكنى بأبي عبداللَّه ؟ فقال : انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كناني . فقال : انّ رسول اللَّه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وأنا في جلجتنا(3) : أي ضيق كضيق الحباب(4) .

أقول : مع ان كلّ أحد يعلم ان فعل النبي صلی الله علیه وآله حجّة ليس مراده من قوله : « ان رسول اللَّه قد غفر له » إلّا انّه صلی الله علیه وآله قد أخطأ في فعله وإن ذلك كان ذنباً منه وإن وعده تعالى بالغفران .

ومنها : عن أبي موسى انه أتى عمر فاستأذن ثلاثاً ، فقال : يستأذن أبو موسى ، يستأذن الأشعري ، يستأذن عبداللَّه بن قيس ، فلم يؤذن له ، فرجع ، فبعث إليه عمر : ما ردّك ؟ قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يستأذن أحدكم ثلاثاً ، فان أذن له وإلّا

ص: 127


1- منهاج البراعة للخوئي : 3/6علیه السلام ؛ الإرشاد : 1/204 .
2- تاريخ بغداد : 14/202 .
3- سنن أبي داود 2/469 ، ح 4963 .
4- لسان العرب : 2/224 .

فليرجع » قال : ائتني ببينة على هذا ، فذهب ثمّ رجع ، فقال : هذا أبي ، فقال أبي : يا عمر لا تكن عذاباً على أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله(1) .

وروى في خبر آخر : فانطلق بأبي سعيد ( الخدري ) ، فشهد له ، فقال : أخفى على هذا من أمر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، الهانى الصفق ( السفق ) بالأسواق(2) .

وروى انه ذكر عند عمر بن الخطاب في أيّامه حُلْىُ الكعبة وكثرته ، فقال قوم : لو أخذته فجهّزت به جيوش المسلمين كان أعظم للأجر ، وما تصنع الكعبة بالحلى ؟ فهمّ عمر بذلك ، وسأل عنه أميرالمؤمنين علیه السلام فقال علیه السلام : « ان القرآن أنزل على النبي صلی الله علیه وآله والأموال أربعة : أموال المسلمين فقسّمها بين الورثة في الفرائض ، والفي ء فقسّمه على مستحقّيه ، والخمس فوضعه اللَّه حيث وضعه ، والصدقات فجعلها اللَّه حيث جعلها ، وكان حلى الكعبة فيها يومئذٍ فتركه اللَّه على حاله ، ولم يتركه نسياناً ، ولم يخف عليه مكاناً ، فاقرّه حيث أقرّه اللَّه ورسوله صلی الله علیه وآله » ، فقال له عمر : لولاك لافتضحنا ، وترك الحلى بحاله(3) .

وروى ان عمر بن الخطاب سأل رجلاً : كيف أنت ؟ فقال : من يحب الفتنة ؟ ويكره الحق ، ويشهد على ما لم يره ، فأمر به إلى السجن ، فأمره علي علیه السلام برده ، فقال علیه السلام : « صدق » قال : كيف صدقته ؟ قال علیه السلام : « يجب المال والولد وقد قال اللَّه تعالى : ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ )(4) ، ويكره الموت وهو الحق ، ويشهد انّ محمّداً صلی الله علیه وآله رسول اللَّه ولم يره ، فأمر عمر باطلاقه وقال : ( اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ

ص: 128


1- سنن أبي داود : 2/514 ، ح 5181 .
2- سنن أبي داود : 2/515/5182 .
3- نهج البلاغة باب المختار من حِكَم أميرالمؤمنين علیه السلام : 262 ؛ بحار الأنوار : 30/496 .
4- سورة التغابن : 15 .

رِسَالَتَهُ )(1) » .(2)

وعن زيد بن علي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي علیه السلام قال : « لمّا كان في ولاية عمر ، أتى بامرأة حامل فسألها عمر ، فاعترفت بالفجور ، فأمر بها عمر ج أن ج ترجم ، فلقيها علي بن أبي طالب علیه السلام فقال : ما بال هذه ؟ فقالوا : أمر بها أن ترجم ، فردّها علي علیه السلام فقال ج لعمر ج : « أمرت بها أن ترجم ؟ » فقال : نعم اعترفت عندي بالفجور فقال علیه السلام : « هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها ؟ » ثم قال له علي : « فلعلك انتهرتها أو أخفتها » فقال : قد كان ذلك ، قال : « أو ما سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : لا حدّ على معترف بعد بلاء ، إنه من قيدت أو حبست أو تهددت فلا إقرار له » ، فخلى عمر سبيلها ، ثم قال : عجزت النساء أن تلدن مثل علي بن أبي طالب لو لا علي لهلك عمر(3) .

وفي ( المناقب ) كان الهيثم في جيش ، فلمّا جاءت امرأته بعد قدومه بستة أشهر بولد فأنكر ذلك منها ، وجاء به عمر وقصّ عليه ، فأمر برجمها ، فأدركها علي من قبل أن ترجم ، ثم قال لعمر : « أربع على نفسك إنها صدقت إن اللَّه تعالى يقول : ( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً )(4) وقال : ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ )(5) فالحمل والرضاع ثلاثون شهرا » فقال عمر : لو لا علي لهلك عمر وخلى سبيلها وألحق الولد بالرجل(6) .

ص: 129


1- سورة الأنعام : 124 .
2- شرح احقاق الحق : 17/434 .
3- المناقب للخوارزمي : 81 ، ح 65 ؛ بحار الأنوار : 30/679 .
4- سورة الأحقاف : 15 .
5- سورة البقرة : 233 .
6- المناقب لابن شهر آشوب : 2/365 ؛ بحار الأنوار : 40/232 ، ح 12 .

إلى غير ذلك من الموارد التي يقف عليها المتتبّع ويمكن للقارئ مراجعة : « الامام علي علیه السلام في آراء الخلفاء : صلی الله علیه وآله2 ) ليطلع على الحقائق والمصادر .

الخلافة مختصّة بالأئمّة : ومخصوصة بسراج الاُمّة

إذ هم الذين اتّبعوا آثار النبوّة واقتبسوا أنوار الرسالة وهم المحدّثون المفهمون المؤيّدون بروح القدس ويدلّ عليه ما عن جعيد الهمداني قال : سألت علي بن الحسين علیه السلام بأيّ حكم تحكمون قال علیه السلام : « نحكم بحكمِ آلِ داود ، فان عيينا شيئاً تلقّانا به روح القدس »(1) .

وعن عمّار الساباطي قال : قلت لأبي عبداللَّه علیه السلام : بما تحكمون إذا حكمتم ؟ فقال : « بحكم اللَّه وحكم داود ، فاذا ورد علينا شي ء ليس عندنا تلقّانا به روح القدس »(2) .

وعن علي بن عبدالعزيز عن أبيه قال : قلت لأبي عبداللَّه علیه السلام : جعلت فداك ، ان الناس يزعمون ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وجّه عليّاً علیه السلام إلى اليمن ليقضي بينهم فقال علي علیه السلام : « فما وردت عليَّ قضيّة الّا حكمت فيها بحكم اللَّه وحكم رسوله صلی الله علیه وآله » ، فقال : صدقوا ، قلت : وكيف ذاك ولم يكن اُنزِل القرآن كلّه وقد كان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله غائباً عنه ، فقال : تتلقّاه به روح القدس(3) .

ص: 130


1- بصائر الدرجات : 1/451 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 25/56 ح 1علیه السلام .
2- بصائر الدرجات في فضائل آل 9 : 1/451 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 25/56 ح 18 .
3- بصائر الدرجات 1/452 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 25/57 ح 23 .

فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ

لما قعد عمر في الخلافة أتاه رجل فقال : ادنو منك ؟ فانّ لي حاجة ، قال عمر : لا ، قال الرجل : إذا أذهب فيغنيني اللَّه عنك ، فولّى ذاهباً ، فاتّبعه عمر ببصره ، ثمّ قام فأخذه بثوبه ، فقال له : ما حاجتك ؟ فقال الرجل : بغضك الناس ، وكرهك الناس ، قال عمر : ولم ويحك ؟ قال الرجل : للسانك وعصاك(1) .

وقال ابن قتيبة أيضاً : كان أهل الشام قد بلغهم مرض أبي بكر ، واستبطئوا الخبر ، فقال : إنّا لنخاف أن يكون الخليفة قد مات ، وولّى بعده عمر ، فان كان عمر هو الوالي فليس لنا بصاحب وانا نرى خلعه ، قال بعضهم : فابعثوا رجلاً ترضون عقله ، فانتخبوا لذلك رجلاً ، فقدم على عمر ، وقد كان عمر استبطأ خبر أهل الشام ، فلمّا أتاه قال له : كيف الناس ؟ قال : سالمون صالحون ، وهم كارهون لولايتك ، ومن شرك مشفقون ، فأرسلوني انظر أحلو أنت أم مر ؟... الخ .

ومن المضحك ان ابن قتيبة بعد نقل قضيتين قال : ان عمر دعا لحب الناس له فاستجيب دعائه .

قلت : استجابة دعائه في ذلك كاستجابة دعائه حين موته بعد تعيينه ستّة الشورى ، فقال في دعائه : « اللهمّ ألّفهم واجمعهم على الحقّ ، ولا تردّهم على أعقابهم ، وولّ أمر اُمّة محمّد خيرهم »(2) فاستجيب دعائة وصار الأمر إلى بني اُميّة الذين لا يعتقدون ثواباً ولا عقاباً وكانوا يلعبون بالدين لعب الأطفال بالكرات .

ص: 131


1- الامامة والسياسة : 1/38 .
2- الامامة والسياسة : 1//43 .

إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ

عن عبدالعزيز وسعيد بن هريم انّ محمّداً وإبراهيم ابنا عبداللَّه بن الحسن المثنى كانا عند أبيهما ، فوردت إبل لمحمّد فيها ناقة شرود ، لا يردّ رأسها شي ء ، فجعل إبراهيم يحدّ النظر إليها ، فقال له محمّد : كأنّ نفسك تحدثك انّك رادّها ؟ قال : نعم ، قال : فان فعلت فهي لك ، فوثب إبراهيم فجعل يتغير لها ويتستّر بالابل حتّى إذا أمكنته جاءها ج هايجها - خ ل ج وأخذ بذنبها ، فاحتملته وأدبرت تمخض بذنبها حتّى غاب عن عين أبيه ، فأقبل على محمّد وقال له : قد عرضت أخاك للهكة ، فمكث هويا ثمّ أقبل مشتملاً بازاره حتّى وقف عليهما ، فقال له محمّد : كيف رأيت ؟ زعمت انّك رادّها وحابسها ؟ قال : فألقى ذنبها وقد انقطع في يده ، فقال : ما أعذر من جاء بهذا(1) .

وَ إِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ

ذكر ابن عبد ربّه في المجلّد الثاني من كتاب العقد قال : وخرج عمر بن الخطّاب ويده على المعلّى بن جارود ، فلقيته امرأة من قريش فقالت : يا عمر ! فوقف لها فقالت : كنّا نعرفك مرة عميرا ، ثمّ صرت من بعد عمير عمر ، ثمّ صرت من بعد عمر أميرالمؤمنين ، فاتّق اللَّه يابن الخطّاب وانظر في اُمورك واُمور الناس(2) .

والمرأة هي خولة بنت حكيم(3) التي نزلت فيها ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ

ص: 132


1- مقاتل الطالبيين : 273 .
2- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 468 .
3- بهج الصباغة : 5/142 .

فِي زَوْجِهَا )(1) .

وعن سماك بن حرب : كان عمر اروح(2) - والأروح الذي إذا مشى تتباعد صدور قدميه وتتدانى عقباه(3) - وكان خالد بن الوليد يسميه الأعيسر(4) - والأعسر الذي يعمل بيساره(5) - .

بِخَبْطٍ

خَبْط عشواء : هي الناقة التي في بصرها ضعف تَخْبِط إذا مشت لا تتوقى(6) .

ويقال : « ما له خابط ولا ناطح » أي بعير ولا ثور ، لمن لا شي ء له(7) .

والخبط : ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها(8) .

والرجل كان مختبطاً في الجاهليّة وخابطاً في الاسلام ، أمّا اختباطه في الجاهليّة قال عمر : « لقد رأيتني بهذا الجبل احتطب مرّة واختبط اُخرى » أي أضرب الشجر لينتثر الخبط منه(9) .

وأمّا خبطه في الاسلام عن عبيدة بن عمرو قال : اني لأحفظ عن عمر في الجدّ

ص: 133


1- سورة المجادلة : 1 .
2- الاصابة : 4/485 .
3- تاج العروس : 4/59 ؛ النهاية : 2/275 .
4- تاريخ الطبري : 2/519 .
5- لسان العرب : 4/565 .
6- تاج العروس : 10/233 .
7- تاج العروس من جواهر القاموس : 10/234 .
8- النهاية في غريب الحديث والأثر : 2/7 « مادة : خبط » .
9- النهاية في غريب الحديث والأثر : 2/8 .

مائة قضيّة ، كلّها ينقض بعضها بعضاً(1) مع انّه قال : أجرأكم على الجدّ أجرأكم على النار(2) .

وقال بابنه عبداللَّه لمّا قال له الطبيب لا أرى أن تمسى ؛ ناولني الكتف ، فلو أراد اللَّه أن يمضي ما فيه أمضاه ، فمحاها بيده ، وكان فيها فريضة الجد(3) .

وقال الجاحظ قال إبراهيم : وليس يشبه رأي عمر صنيعه حين خالف اُبي بن كعب عبداللَّه بن مسعود في الصلاة في ثوب واحد ، لأنّه حين بلغه ذلك خرج مغضباً حتّى اسند ظهره إلى حجرة عايشة وقال : اختلف رجلان من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ممّن يؤخذ عنهما ، لا أسمع أحداً يختلف في الحكم بعد مقامي هذا إلّا فعلت به وفعلت ، أفترى ان عمر نسى اختلاف قوله في الأحكام حتّى أنكر ما ظهر من الاختلاف عن الرجلين ؟ كلّا ، ولكنّه كان يناقض ويخبط خبط عشواء(4) .

وفي نيل الأوطار شاطر عمر عمّاله أموالهم(5) .

وفي تاريخ اليعقوبي : شاطر عمر جماعة مِن عماله أموالهم قيل : انّ فيهم سعد بن أبي وقّاص عامله على الكوفة ، وعمرو بن العاص عامله على مصر ، وأبا هريرة عامله على البحرين - إلى أن قال - ويعلي بن منية عامله على اليمن ، وامتنع أبوبكر من المشاطرة وقال : واللَّه لئن كان هذا المال للَّه فما يحل لك أن تأخذ بعضاً

ص: 134


1- السنن الكبرى : 6/245 ؛ فتح الباري : 12/1علیه السلام .
2- الفصول المختارة : 205 .
3- الامامة والسياسة : 1/3صلی الله علیه وآله ؛ أنساب الأشراف : 10/418 ؛ الطبقات الكبرى : 3/260 .
4- الفصول المختارة : 206 .
5- نيل الأوطار : 5/394 .

وتترك بعضاً ، وإن كان لنا فما لك أخذه(1) .

وقال : ولم يكن يموت لمعاوية عامل إلّا شاطر ورثته ماله ، فكان يكلّم في ذلك فيقول : هذه سنّة سنّها عمر بن الخطّاب(2) .

ومن خبطه ، عن ابن عبّاس : انّ النبي صلی الله علیه وآله قال لأصحابه يوم بدر : ( في أوّل الوقعة ) اني عرفت انّ رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً ، لا حاجة لهم بقتالنا ، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله ، من لقي العبّاس بن عبدالمطلب عمّ النبي صلی الله علیه وآله فلا يقتله فانّما اخرج مستكرهاً ، فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة : نقتل آبائنا وأبنائنا واخواننا وعشائرنا ونترك العبّاس ؟ واللَّه لئن لقيته لألحمنه(3) السيف ، قال : فبلغت مقالته رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فقال لعمر بن الخطّاب : أيضرب وجه عم رسول اللَّه بالسيف ؟ فقال عمر : دعني لأضرب عنق أبي حذيفة بالسيف ، فواللَّه لقد نافق(4) .

مع انه بعد ختم بدر جاء عمر نفسه إلى النبي صلی الله علیه وآله وقال له : أطعني فيما أشير به عليك ، فاني لا آلوك نصحاً ، قدم عمك العباس فاضرب عنقه بيدك وقدم عقيلاً إلى علي أخيه يضرب عنقه ، قال : فكره رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ذلك(5) فنسي قول النبي صلی الله علیه وآله في أوّل الواقعة وأراد ضرب عنق أبي حذيفة لأنه لم يكترث بقول النبي صلی الله علیه وآله : « من

ص: 135


1- تاريخ اليعقوبي : 2/15علیه السلام .
2- تاريخ اليعقوبي : 2/222 .
3- لألحمنّه ، أي : لأطعننّ لحمه بالسيف ولأخالطنه ، وقال ابن هشام : لألحمنه بالسيف ، أي لأضربنّه في وجهه . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، 14 ، تعليقة 183 .
4- الطبقات الكبرى : 4/7 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 14/183 .
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 14/183 .

لقي العبّاس عمّ النبي فلا يقتله فانما اخرج مستكرهاً » ، ثمّ يقول للنبي صلی الله علیه وآله : اضرب عنقه .

ويحلف ان أبا حذيفة نافق معه انّه كان مسلماً وإنّما قال ما قال عن العاطفة البشريّة بلا قصد مع ان أبا حذيفة كان في عمره يقول : « واللَّه ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذٍ ولا أزال منها خائفاً »(1) .

ومن خبطه وخبط صاحبه انّهما لم يقبلا قول فاطمة 3 بأنّ النبي صلی الله علیه وآله أعطاها فدك مع ان اللَّه تبارك وتعالى شهد بعصمتها في قوله : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا )(2) وبكونها أقرب الخلق إليه من النساء في قوله تعالى : ( وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ )(3) وانّ النبي صلی الله علیه وآله شهد بجلالها وانّها سيّدة نساء العالمين ورضاها رضاه وسخطها سخطه ولكنّهما يقبلان قول من ادّعى ان النبي صلی الله علیه وآله وعده وعداً .

ففي فتوح البلدان : أمر المأمون بردّ فدك ودفعها إلى ولد فاطمة 3 وكتب بذلك إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة : أمّا بعد فانّ المأمون بمكانه من دين اللَّه ، وخلافه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله والقرابة به أولى من استن سنته ، ونفذ أمره وسلم لمن منحه منحة ، وتصدّق عليه بصدقة ، منحته وصدقته ، وباللَّه توفيقه وعصمته ، وإليه في العمل بما يقربه إليه رغبته ، وقد كان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أعطى فاطمة بنت رسول اللَّه فدك وتصدّق بها عليها ، وكان ذلك أمراً ظاهراً معروفاً ، لا اختلاف فيه بين آل

ص: 136


1- الطبقات الكبرى : 4/7 .
2- سورة الأحزاب : 33 .
3- سورة آل عمران : 61 .

رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، ولم تزل تدعى منه ما هو أولى به من صدق عليه ، فرأى ان يردها إلى ورثتها ويسلّمها إليهم تقرّباً إلى اللَّه تعالى باقامة حقّه وعدله ، وإلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بتنفيذ أمره وصدقته ، فأمر باثبات ذلك في دواوينه والكتاب به إلى عمّاله ، فلان كان ينادي في كلّ موسم بعد أن قبض اللَّه نبيّه صلی الله علیه وآله ان يذكر كلّ من كانت له صدقة أو هبة أو عدة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدته ، ان فاطمة 3 لأولى بأن يصدق قولها فيما جعل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لها ، وقد كتب إلى المبارك الطبري مولاه يأمره بردّ فدك على ورثة فاطمة بنت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله . . . إلخ(1) .

أقول للمأمون : لا تعجب من عملها بأن يقبلا قول كلّ من ادّعى على النبي صلی الله علیه وآله صدقة أو هبة أو عدة ولم يقبلا قول بنتها في ذاك المقام لأنّهما أرادا أن يقولا نحن ننجز عدات النبي صلی الله علیه وآله ونقضي ديونه في مقابل أميرالمؤمنين صلی الله علیه وآله الذي كان مأموراً بذلك من النبي صلی الله علیه وآله ، وبهذا العمل مع بنته صلی الله علیه وآله أرادا أن يستأصلا أهل البيت : كما قال أميرالمؤمنين علیه السلام في شكايته : « بلى كانت في أيدينا فدك - إلى قوله - ونعم الحكم اللَّه »(2) .

ومن خطبه قوله للزبير بعد تعيينه في الشورى وذكر عيوبه أنت « يوما انسان ويوماً شيطان - إلى أن قال - فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطاناً »(3) مع ان أبابكر الذي هو نصبه أقرّ « بأن له شيطاناً يعتريه »(4) وذلك رأى منه عياناً

ص: 137


1- فتوح البلدان : 42 .
2- نهج البلاغة : ومن كتاب له إلى عثمان بن حنيف الأنصاري ؛ بحار الأنوار : 33/473 ، ش 686 .
3- شرح نهج البلاغة : 1/185 .
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 6/20 .

في قصّة مالك بن نويرة وغدر خالد بن الوليد عامله به وقتله له مع اسلامه وزناه بامرأته ومداهنة أبي بكر في ذلك .

ومن خطبه انه يقول لطلحة بعد تعيينه في الشورى : « اما اني أعرفك منذ اصيبت اصبعك يوم اُحد والباو(1) الذي حدث لك ولقد مات رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ساخطاً عليك بالكلمة التي قلتها يوم انزلت آية الحجاب(2) .

قال أبو عثمان الجاحظ : الكلمة المذكورة ، ان طلحة لما أنزلت آية الحجاب قال بمحضر ممّن نقل عنه إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : ما الذي يغنيه حجابهن اليوم وسيموت غداً فنكحهن .

قال أبو عثمان أيضاً : لو قال لعمر قائل : أنت قلت ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله مات وهو راض عن الستة ، فكيف تقول الان لطلحة انه صلی الله علیه وآله مات ساخطاً عليك للكلمة التي قلتها لكان قد رماه بمشاقصه(3) ولكن من الذي يجسر على عمران يقول له ما دون هذا ، فكيف هذا ؟(4)

ومن خبطه عدم تسويته في العطاء مع كونه خلاف الكتاب والسنة ، قال علي علیه السلام لطلحة وزبير : « ألا تخبرانني أدفعتكما عن حق وجب لكما فظلمتكما اياه ؟ » قالا : معاذ اللَّه - إلى أن قال - فقال لهما : « فما الذي كرهتما من أمري حتّى رأيتما خلافي ؟ » قالا : خلافك عمر بن الخطاب في القسم انّك جعلت حقنا في

ص: 138


1- البأو : الكبر والفخر ، ونقل صاحب اللسان عن الفقهاء : « في طلحة بأواء » . شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ( تعليقة ) : 1/185 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/185 .
3- المشاقص : جمع مشقص ، وهو نصل السهم اذا كان طويلاً .
4- شرح نهج البلاغة : 1/186 .

القسم كحق غيرنا - إلى أن قال - فقال علیه السلام لهما : « وأمّا القسم والاسوة : فان ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء ، قد وجدت أنا وأنتما رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يحكم بذلك ، وكتاب اللَّه ناطق به وهو الكتاب الذي ( لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )(1) »(2) .

ومن خبطه مخالفته النبي صلی الله علیه وآله في الصوم في السفر ، وفي بقائه على حج الافراد في حج النبي صلی الله علیه وآله مع أمره الناس بالعدول إلى حج التمتع(3) .

ومن خبطه ردّ شهادة المملوكين عن أبي عبداللَّه علیه السلام : « ان أوّل من ردّ شهادة المملوك عمر بن الخطاب »(4) .

ومن خبطه جمعه الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز ، ذكر أبو هلال العسكري صاحب كتاب الأوائل فقال فيه : ان أوّل من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات عمر بن الخطاب(5) .

وفي الطبري في غزوة حنين قال ابن اسحاق : ولمّا سمع بهم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بعث إليهم عبداللَّه بن أبي حدرد الأسلمي وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتّى يأتيه بخبر منهم ويعلم من علمهم ، فانطلق ابن أبي حدرد فدخل فيهم فأقام معهم حتّى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، وعلم أمر مالك

ص: 139


1- سورة فصلت : 42 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 7/41 .
3- بهج الصباغة : 5/130 .
4- الكافي : علیه السلام/38صلی الله علیه وآله ، ح 2 ؛ تهذيب الأحكام : 6/248 ، ح 38 ؛ الاستبصار : 3/15 ، ح 1 . .
5- الطرائف في معرفة المذاهب : 2/552 .

وأمر هوازن وما هم عليه ثمّ أتى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فأخبره الخبر ، فدعا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عمر بن الخطاب فأخبره خبر ابن أبي حدرد ، فقال عمر : كذب ، فقال ابن أبي حدرد : ان تكذّبني فطالما كذّبت بالحقّ يا عمر(1) .

وفي الاستيعاب : كان أبو خراش الهذلي ممّن يعدو على قدميه فيسبق الخيل(2) فأتاه نفر من أهل اليمن قدموا حجّاجاً ، والماء منهم غير بعيد ، فقال : يا بني عمى ، ما أمسى عندنا ماء ، ولكن هذه برمة وشاة ، فردوا الماء وكلوا شاتكم ، ثم دعوا برمتنا وقربتنا على الماء حتى نأخذها ، فقالوا : لا واللَّه ما نحن سائرين في ليلتنا هذه ، وما نحن ببارحين حيث أمسينا ، فلمّا رأى ذلك أبو خراش أخذ قربة وسعى نحو الماء تحت الليل حتى استقى ، ثم أقبل صادراً ، فنهشته حيّة قبل أن يصل إليهم ، فأقبل مسرعاً حتّى أعطاهم المال وقال : اطبخوا شاتكم وكلوا ، ولم يعلهم ما أصابه ، فباتوا على شاتهم يأكلون حتّى أصبحوا ، وأصبح أبو خراش وهو في الموتى ، فلم يبرحوا حتّى دفنوه فبلغ خبره عمر بن الخطاب ، فغضب غضباً شديداً ، وقال : لو لا أن تكون سنّة لأمرت أن لا يضاف يمان أبداً ، ولكتبت بذلك إلى الآفاق ، ثمّ كتب إلى عامله باليمن بأن يأخذ النفر الذين نزلوا على أبي خراش الهذلي فيلزمهم ديته ، ويؤذيهم بعد ذلك بعقوبة يمسّهم بها جزاء لفعلهم(3) .

وقال الواقدي : أوّل من جمع الناس على امام يصلّي بهم التراويح في شهر

ص: 140


1- تاريخ الطبري : 3/72 .
2- الاستيعاب : 4/1636 .
3- الاستيعاب : 4/1639 .

رمضان وكتب به إلى البلدان وأمرهم به ، عمر(1) .

وقال اليعقوبي : فقيل له في ذلك : ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لم يفعله ، وان أبابكر لم يفعله ، فقال : ان تكن بدعة فما أحسنها من بدعة(2) .

وَ شِمَاسٍ

قال عبدالرحمن بن عوف لعمر : لم تمنعنا من الجهاد ؟ فقال له : لأن اسكت عنك فلا أجيبك خير لك من أن أجيبك ، ثمّ اندفع يحدث عن أبي بكر حتى قال : كانت بيعة أبي بكر فلتة ، وقى اللَّه شرّها ، فمن عاد لمثلها فاقتلوه(3) .

ويقال له : الأصل في خلافتك استخلاف أبي بكر لك ، والأصل في خلافة ذاك بيعته ، فاذا كانت فلتة واستحق من عاد لمثلها القتل ، فبأي سبب تصديت للخلافة(4) .

وعن عبداللَّه بن كعب بن مالك الأنصاري : ان جيشاً من الأنصار كانوا بأرض فارس مع أميرهم ، وكان عمر يعقب الجيوش في كلّ عام ، فشغل عنهم عمر ، فلمّا مرّ الأجل قفل أهل ذلك الثغر ، فاشتدّ عليهم وتواعدهم وهم أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فقالوا : يا عمر ، انك غفلت عنا وتركت فينا الذي أمر به رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من إعقاب بعض الغزية بعضاً(5) .

ص: 141


1- الكامل : 3/59 .
2- تاريخ اليعقوبي : 2/140 .
3- تاريخ اليعقوبي : 2/158 .
4- بهج الصباغة : 5/133 .
5- سنن أبي داود : 2/20 ، ش 2960 .

وعن عبدالرحمن بن أبزي قال : كنت عند عمر ، فجائه رجل فقال : انا نكون بالمكان الشهر والشهرين ، فقال عمر : أما أنا فلم أكن اصلّي حتّى أجد الماء قال : فقال له عمّار : أما تذكر إذ كنت أنا وأنت في الابل فاصابتناجنابة ، فأما أنا فتمعكت ، فأتينا النبي صلی الله علیه وآله فذكرت ذلك له ، فقال : انما كان يكفيك - الخبر(1) .

ورواه باسناد آخر وفيه : « أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمّار ؟ »(2)

وَ تَلَوُّنٍ

في كل وقت كان بلون ، لم يقتصّ من الزبير مع عدم خوفه على كفره ، اقتص من جبلة بن الأيهم من صنايع ملوك الروم مع قرب عهده بالاسلام وانتظار الارتداد منه .

فروى زيد بن أسلم عن أبيه قال : خلا عمر لبعض شأنه وقال : امسك على الباب ، فطلع الزبير ، فكرهته حين رأيته ، فأراد يدخل ، فقلت : هو على حاجة ، فلم يلتفت إليّ وأهوى ليدخل ، فوضعت يدي في صدره ، فضرب أنفي ، فأدماه ، ثمّ رجع ، فدخلت على عمر فقال : ما بك ؟ قلت : الزبير ، فأرسل إلى الزبير ، فلمّا دخل جئت فقمت لأنظر ما يقول له ، فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ أدميتني للناس ، فقال الزبير يحكيه ويمطط في كلامه « أدميتني » أتحتجب عنّا يابن الخطاب ؟ فواللَّه ما احتجب منّي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ولا أبوبكر ، فقال عمر كالمعتذر : اني كنت في بعض شأني ، قال اسلم : فلمّا سمعته يعتذر إليه يئست من أن يأخذ لي

ص: 142


1- سنن أبي داود : 1/81 ، ش 322 .
2- سنن أبي داود : 1/81 ، ش 321 .

بحقي منه ، فخرج الزبير ، فقال عمر : انّه الزبير وآثاره ما تعلم(1) .

قلت : هل يسقط التكليف عمّن كان له آثار وله أن يعمل ما شاء ؟

وانما لم يقتص منه لخوفه من خروجه عليه وتزلزل سلطنته .

وقصّة جبلة في لطمه رجلاً من السوقة في المطاف وأمر عمر باقتصاص الرجل منه وارتداد جبلة لذلك ولحوقه بملوك الروم ثانياً معروفة مع ان النبي صلی الله علیه وآله كان اعطى أبا سفيان ومعاوية والأقرع وعيينة ونظرائهم من المؤلفة من غنائم حنين مأة بعير ، ولم يعط الأنصار شيئاً منها مع سوابقهم في الاسلام ، واعتذر صلی الله علیه وآله إليهم باني تألفت اولئك بما فعلت ووكلتكم إلى ايمانكم .

ومن تلونه انه ضرب ابنه الحدّ ثانياً حتّى انجر إلى هلاكه مع اجراء عمرو بن العاص الحد عليه ، وأبطل حدّ الزنا في المغيرة ، وحدّ شرب الخمر في قدامة بن مظعون(2) .

اما ضربه ابنه أي عبدالرحمن بن عمر فرووا انه شرب فضربه عمرو بن العاص الحدّ في بيته ، فأتاه كتاب عمر « ويحك ! تضرب عبدالرحمن بن عمر في داخل بيتك وتحلق رأسه في داخل بيتك - إلى أن قال - فاذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عبائة على قتب ، حتى يعرف سوء ما صنع » فكتب إليه عمرو بن العاص : « اني ضربته في صحن الدار ، وحلفت باللَّه الذي لا يحلف بأعظم منه انه الموضع الذي اقيم فيه الحدود على المسلم والذمي - إلى أن قالوا - فدخل عليه في عبائة وهو لا يقدر على المشي من مركبه ، فقال : يا عبدالرحمن فعلت وفعلت ! السياط السياط ،

ص: 143


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12/45 .
2- بهج الصباغة : 5/135 .

فكلمه عبدالرحمن بن عوف وقال له : قد اقيم عليه الحدّ مرّة ، فلم يلتفت إليه وزبره ، فأخذته السياط ، وجعل يصيح : أنا مريض وأنت واللَّه قاتلي ! فلم يرق له حتّى استوفى الحد وحبسه ثمّ مرض شهراً ومات(1) .

وأمّا تعطيله حدّ الزنا على المغيرة فعن قتادة : كان المغيرة بن شعبة وهو أمير البصرة يختلف سرّاً إلى امرأة من ثقيف يقال لها الرقطاء فلقيه أبوبكرة يوماً فقال له : أين تريد ؟ قال : أزور آل فلان ، فأخذ بتلابيبه وقال : ان الأمير يزار ولا يزور(2) ، وكانت المرأة التي يأتيها جارة لأبي بكرة ، قال : فبينا أبوبكرة في غرفة له مع اخويه نافع وزياد ورجل آخر يقال له شبل بن معبد وكانت غرفة جارته تلك محاذية غرفة أبي بكرة ، فضربت الريح باب غرفة المرأة ففتحته ، فنظر القوم ، فاذا هم بالمغيرة ينكحها ، فقال أبوبكرة : هذه بليّة ابتليتم بها ، فانظروا ، فنظروا حتّى اثبتوا ، فنزل أبوبكرة ، فجلس حتّى خرج عليه المغيرة من بيت المرأة ، فقال له أبوبكرة : انه قد كان من أمرك ما قد علمت ، فاعتزلنا - إلى أن قال - فجلس عمر ودعا المغيرة والشهود ، فتقدّم أبوبكرة ، فقال له : أرأيته بين فخذيها ؟ قال : نعم ! واللَّه لكأني أنظر إلى تشريم جدري بفخذيها ، فقال له المغيرة : لقد الطفت النظر . فقال له : لم آل أن أثبت ما يخزيك اللَّه به ، فقال له عمر : لا واللَّه حتّى تشهد لقد رأيته يلج فيها كما يلج المرود في المكحلة ، فقال : نعم اشهد على ذلك ، فقال له : اذهب عنك مغيرة ، ذهب ربعك ، ثمّ دعا نافعاً فقال له : على مَ تشهد ؟ قال : على مثل شهادة أبي بكرة ، قال : لا حتّى تشهد انك رأيته يلج فيها ولوج المرود في

ص: 144


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 12/105 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 12/234 .

المكحلة ، فقال : نعم حتى بلغ قذذه ، فقال : اذهب عنك مغيرة ذهب نصفك .

ثمّ دعا الثالث فقال : على مَ تشهد ؟ فقال : على مثل شهادة صاحبي ، فقال له علي بن أبي طالب علیه السلام اذهب عنك مغيرة ذهب ثلاثة أرباعك - إلى أن قال - فلمّا رأى عمر زياداً مقبلاً قال : اني لأرى رجلاً لن يخزي اللَّه على لسانه رجلاً من المهاجرين - إلى أن قال - قال عبدالكريم بن رشيد عن ابن عثمان النهدي : لمّا شهد عند عمر الشاهد الأوّل على المغيرة تغير لذلك لون عمر ، ثمّ جاء آخر فشهد فانكسر لذلك انكساراً شديداً ، ثمّ جاء رجل شاب يخطر بين يديه ، فرفع عمر رأسه إليه وقال له : ما عندك أنت يا سلح العقاب وصاح أبو عثمان صيحة تحكى صيحة عمر ، قال عبدالكريم : لقد كدت أن يغشى عليّ لصيحته .

وقال آخرون : قال المغيرة : فقمت إلى زياد فقلت له : فواللَّه لو كنت بين بطني وبطنها ما رأيت آين سلك ذكري منها ؟ قال : فترنقت عيناه واحمرّ وجهه وقال لعمر : اما ان احق ما حق القوم فليس ذلك عندي ولكني رأيت مجلساً قبيحاً وسمعت نفسا حثيثاً وانبهارا ورأيته متبطنها .

فقال له : أرأيته يدخله كالميل في المكحلة ؟ فقال : لا .

وقال غير هؤلاء : ان زياداً قال له : رأيته رافعاً برجليها ورأيت خصيتين تترددان بين فخذيها ، ورأيت حفزاً شديداً وسمعت نفساً عالياً ، فقال له عمر : أرأيته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة ؟ فقال : لا ، فقال عمر : اللَّه أكبر قم يا مغيرة إليهم فاضربهم - إلى أن قال - فقال أبوبكرة بعد أن ضرب : فاني اشهد ان المغيرة فعل كذا وكذا ، فهمّ عمر بضربه ، فقال له علي علیه السلام : ان ضربته رجمت صاحبك - إلى أن قال - فلمّا ضربوا الحدّ قال المغيرة : اللَّه أكبر الحمد للَّه الذي

ص: 145

أخزاكم ، فقال له عمر : اسكت أخزى اللَّه مكاناً رأوك فيه - إلى أن قال - ووافقت اُمّ جميل التي رمى بها المغيرة عمر بالموسم والمغيرة هناك ، فقال للمغيرة عمر : أتعرف هذه ؟ قال : نعم ، هذه اُمّ كلثوم بنت علي .

فقال له عمر : اتتجاهل علي ، واللَّه ما أظن أبابكرة كذب عليك ، وما رأيتك الا خفت أن أرمى بحجارة من السماء - إلى أن قال - قال أبو جعفر : قال علي بن أبي طالب علیه السلام : « لئن لم ينته المغيرة لاتبعنه أحجاره » .

وقال غيره : لئن أخذت المغيرة لاتبعنه أحجاره - إلى أن قال - ولما شخص المغيرة إلى عمر رأى في طريقه جارية فأعجبته فتزوّجها ، فلمّا قدم بها على عمر قال له : « انك لفارغ القلب طويل الشبق »(1) .

وإنّما أبطل عمر حدّ المغيرة لاحتياجه إليه لدهائه ، وكان المغيرة نفسه يقرّ فلمّا قال أبوبكرة : لكأنّي انظر إلى تشريم جدري بفخذ تلك المرأة قال له المغيرة : « لقد الطفت النظر » ما مرّ وقال لزياد : « واللَّه لو كنت بين بطني وبطنها ما رأيت أين سلك ذكري منها » فأيّ اقرار أصرح من هذا ؟ والعجب ان اقراريه ذينك كانا بمحضر عمر .

ولقد صرّح بابطال عمر الحدّ عمداً سيّد شباب أهل الجنّة ، ومن شهد له القرآن بعصمته ، وكونه أقرب الخلق إليه - جلّ وعلا - كباقي خمسة الكساء الحسن بن علي علیه السلام فقال للمغيرة في مجلس معاوية : « لقد درأ عنك عمر حقّاً اللَّه سائله عنه »(2) .

ص: 146


1- الأغاني : 16/331 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 12/234 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 6/294 .

وقد عرفت قول أميرالمؤمنين علیه السلام لعمر : « ان ضربت ابابكرة رجمت صاحبك » .

وقوله علیه السلام : « لئن لم ينته المغيرة أو لئن أخذت المغيرة لاتبعنه بالحجارة » .

وفي تعبيره علیه السلام عن المغيرة بصاحبك دليل أيضاً على انّ عمر أبطل الحدّ عنه .

وقال عمر لمغيرة : « ما رأيتك إلّا خفت أن أرمي بحجارة من السماء » دال على انه عطّل حدّه عمداً لأن الامام اذا لم يثبت حد عنده على حدّه ليس في تركه مؤاخذة عليه عند اللَّه تعالى بل المؤاخذة عليه في اجرائه ولو مع علمه .

وممّا يشهد على انه عطّل الحدّ رعاية لجانب المغيرة : انه بعد صدور هذا العمل عنه في البصرة ، واشتهاره بين أهلها وخوضهم في ذلك غضب عليه في الظاهر وعزله عنها لكن رفع درجته في الباطن فجعله أمير الكوفة ، فصار ذلك مثلاً بين الناس .

قال ابن قتيبة في عيونه : قال محمّد بن سيرين : كان الرجل يقول : غضب اللَّه عليك كما غضب الخليفة على المغيرة ، عزله عن البصرة واستعمله على الكوفة(1) .

وأمّا تعطيله حدّ الشرب على قدامة بن مظعون - وكانت تحته صفيّة بنت الخطاب اخت عمر بن الخطاب(2) واُخت قدامة تحت عمر(3) - فعن عبداللَّه بن عامر بن ربيعة ان عمر بن الخطاب استعمل قدامة بن مظعون على البحرين وهو

ص: 147


1- عيون الأخبار لابن قتيبة : 1/316 .
2- المستدرك للحاكم النيسابوري 3/379 .
3- شرح مسلم : 5/205 ؛ كشف المشكل ( لابن الجوزي ) : 1/121 .

خال عبداللَّه وحفصة ابني عمر بن الخطاب ، فقدم الجارود سيد عبدالقيس على عمر بن الخطاب من البحرين فقال : ان قدامة شرب فسكر واني رأيت حداً من حدود اللَّه حقا على ان أرفعه إليك ، فقال عمر : من يشهد معك ؟ قال : أبو هريرة ، فدعى أبو هريرة فقال : بِمَ تشهد ؟ فقال : لم أره يشرب ولكني رأيته سكران يقي ء ، فقال عمر : لقد تنطعت في الشهادة ، ثمّ كتب إلى قدامة أن يقدم عليه من البحرين ، فقدم ، فقال الجارود لعمر : أقم على هذا كتاب اللَّه ، فقال عمر : أخصيم أنت أم شهيد ؟ فقال : شهيد ، فقال : قد أدّيت شهادتك فصمت الجارود ، ثمّ غدا على عمر ، فقال : أقم على هذا حدّ اللَّه ، فقال عمر : ما أراك إلّا خصيماً ، وما شهد معك إلّا رجل واحد ، فقال الجارود : إني انشدك اللَّه ، قال عمر : لتمسكن لسانك أو لأسوءنك ، فقال : يا عمر أما واللَّه ما ذلك بالحق أن يشرب الخمر ابن عمك وتسوءني .

فقال أبو هريرة : إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنة الوليد فسلها - وهي إمرأة قدامة - فأرسل عمر إلى هند بنت الوليد ينشدها ، فأقامت الشهادة على زوجها ، فقال عمر لقدامة : اني حادك ، فقال : لو شربت كما يقولون ما كان لكم أن تحدوني ، فقال عمر : لِمَ ؟ قال قدامة : قال اللَّه عزّوجلّ : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا )(1) .(2)

والخبر وان تضمن حده له أخيراً الّا انه لم يحدّه أوّلاً بعد شهادة رجلين بشربه ولم يقل أحد انه يشترط في حدّ الشرب رجلان وامرئة بل اضطر إلى حدّه بعد

ص: 148


1- سورة المائدة : 92 .
2- الاستيعاب : 3/1277 .

شهادة امرأته .

وأمّا قول عمر لقدامة بعد استناده إلى الآية في سقوط الحدّ عنه : « لقد أخطأت في التأويل » فهو قاله بعد ارشاد أميرالمؤمنين علیه السلام له فان قدامة لمّا قال لعمر لا يجب عليّ حدّ بالآية ، بلغ ذلك أميرالمؤمنين علیه السلام فمشى إلى عمر فقال له : « لم تركت اقامة الحدّ على قدامة في شربه الخمر ؟ » فقال له : انه تلا علي الآية وتلاها عمر ، فقال أميرالمؤمنين علیه السلام : « ليس قدامة من أهل هذه الآية ولا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرّم اللَّه عزّوجلّ ، ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يستحلون حراماً ، فاردد قدامة واستتبه ممّا قال ، فان تاب فاقم عليه الحد ، وان لم يتب فاقتله فقد خرج عن الملّة » ، فاستيقظ عمر لذلك ، وعرف قدامة الخبر فاظهر التوبة(1) .

ومن تلونه انّه ردّ على الأنصار في ادّعائهم الأمر لسعد بن عبادة بأن النبي صلی الله علیه وآله قال : « الأئمّة من قريش »(2) ومع ذلك قال بعد جعل الخلافة شورى : « لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً ما جعلتها شورى »(3) فكيف أراد يجعله في غير قريش .

ولكن لا يخفى انهم كانوا يعاملون مع الموالي معاملة العبيد ومع ذلك يجعله في مولى لا في عربي .

قال ابن عبدالبر بعد نقل قول عمر في سالم كما مرّ : « وهذا عندي على انه كان

ص: 149


1- الارشاد : 1/202 - 203 ؛ بحار الأنوار : 40/249 ، ح 23 ؛ بحار الأنوار : 76/159 ، ح 14 .
2- مسند أحمد : 3/129 .
3- اُسد الغابة : 2/246 ؛ الاستيعاب : 2/568 .

يصدر فيها عن رأيه »(1) .

ومنشأ رأي عمر في سالم وإن كان مولى إلّا انّه كان له أثر جليل عنده وعند صاحبه يوم السقيفة وقبله وبعده .

ومن تلونه انه قال لأهل الشورى : « للَّه درهم إن ولّوها الأصلع - يعني أميرالمؤمنين علیه السلام - كيف يحملهم على الحق ، فقال له ابنه عبداللَّه بن عمر : أتعلم ذلك منه ولا توليه ؟ قال : إن لم استخلف فأتركهم فقد تركهم من هو خير مني(2) .

قال المحقّق التستري : يا للَّه للجواب من الرجل ويا للَّه لحمق أصحابه ، فهو الذي أجبر النبي صلی الله علیه وآله على ترك الوصية ، لكن لا غرو قال تعالى في فرعون وقومه : ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ )(3) .

ومن تلونه جعله قول الرجل لامرأته : « أنت طالق ثلاثاً » كتطليقها ثلاث مرّات خلافاً للكتاب والسنّة : أمّا الكتاب ، فقال تعالى : ( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ )(4) - إلى ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ )(5) .(6)

وأمّا السنّة : عن طاوس : انّ رجلاً يقال له أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عبّاس ، قال : أما علمت ان الرجل كان إذا طلّق امرأته ثلاثاً قبل أن يدخل بها

ص: 150


1- الاستيعاب : 2/568 .
2- الكامل ( عبداللَّه بن عدي الجرجاني ) : 5/3علیه السلام ؛ الاستيعاب : 3/1130 .
3- سورة الزخرف : 54 .
4- سورة البقرة : 229 .
5- سورة البقرة : 229 - 230 .
6- بهج الصباغة : 5/142 .

جعلوها واحدة على عهد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأبي بكر وصدراً من إمارة عمر ؟ قال ابن عبّاس : فلمّا ان رأى عمر الناس قد تتابعوا فيها قال اجيزوهن عليهم(1) .

وروى أيضاً خبراً آخر عنه قريباً منه ، وفيه : « وثلاثاً من امارة عمر »(2) .

وَ اعْتِرَاضٍ

الاعتراض : الدخول في الباطل والامتناع من الحق(3) .

ومع ابتلاء الناس به باعتراض أيضاً كما قال علیه السلام : كان هو يفتخر بأنّه يصد الناس عن ذلك ، فكان يقول : « واضرب العروض » أي مَنْ كان كالابل الذي يأخذ يميناً وشمالاً ولا يلزم المحجّة(4) .

روى سنن أبي داود : ان عمر لم يكن يأخذ الجزية من المجوس حتّى شهد عبدالرحمن بن عوف ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أخذها من مجوس هجر(5) .

وعن سعيد بن المسيب : ان اخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسأل أحدهما صاحبه القسمة ، فقال : لئن عدت سألتني القسمة لا أكلمك أبداً ، وكل مالي في رتاج الكعبة .

فقال عمر بن الخطاب : ان الكعبة لغنية عن مالك ، كفّر عن يمينك وكلّم أخاك ، فاني سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب ولا في

ص: 151


1- السنن الكبرى : علیه السلام/338 ؛ سنن أبي داود : 1/490 ، ح 2199 .
2- سنن أبي داود : 1/490 ، ح 2200 .
3- النهاية : 3/216 .
4- النهاية : 3/213 .
5- سنن أبي داود : 2/43 ، ح 3043 ؛ صحيح البخاري : 4/62 .

قطيعة الرحم ولا فيما لا تملك(1) .

فاذا كان النبي صلی الله علیه وآله قال ما نقل فلم أمره بالتكفير ، وقد رووا انّ النبيّ صلی الله علیه وآله قال : « من حلف على يمين « شي ء » فرأى غيرها خيراً منها فليتركها(2) .

وكان عمر يقضي ان في الابهام خمس عشرة ، والوسطى والمسبحة عشراً عشراً وفي التي تلى الخنصر تسعاً وفي الخنصر ستاً حتّى وجد كتاباً عند آل عمرو بن حزم الذي كتبه له النبي صلی الله علیه وآله وفي كلّ اصبع مما هنالك عشرة من الابل فأخذ به(3) .

وعن ابن عبّاس قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « هذه وهذه سواء » يعني الابهام والخنصر(4) .

وعن سعيد بن المسيب : انّ عمر بن الخطاب قضى فيما أقبل من الأسنان بخمسة أبعرة وفي الأضراس بعيراً بعيراً(5) .

وعن ابن عبّاس قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « الأسنان سواء والاصابع سواء »(6) .

وعن عايشة بنت عثمان بعد قتل أبيها : فهلا علنت كلمتكم ، وظهرت حسكتكم ، إذ ابن الخطاب قائم على رؤوسكم ، مائل في عرصاتكم ، يرعد ويبرق بإرعابكم ، ويقمعكم غير حذر من تراجعكم الأماني بينكم ، وهلّا نقمتم عليه عوداً

ص: 152


1- سنن أبي داود : 2/95 ، ح 3272 ؛ المستدرك للحاكم : 4/300 .
2- بهج الصباغة : 5/143 ؛ سنن ابن ماجة : 1/682 ، ح 2111 .
3- كتاب الام : 1/177 .
4- سنن أبي داود : 2/381 ، ح 4558 .
5- المحلى : 10/413 .
6- سنن أبي داود : 2/381 ، ح 4560 .

وبدءً إذ ملك - إلى أن قالت : يحكم في رقابكم وأموالكم كأنّكم عجائز صلع ، وإماء قصح فبدأ معلناً لابن أبي قحافة بإرث نبيّكم على بُعد رحمه ، وضيق بلده ، وقلّة عدده ، فوقى اللَّه شرّها زعم - إلى أن قالت - أو لم يخصم الأنصار بقريش ، ثم حكم بالطاعة لمولى أبي حذافة ، يتمايل بكم يميناً وشمالاً ، قد خطب عقولكم ، واستمهر وجلكم ممتحناً لكم ، ومعترفاً أخطاركم ، وهل تسموا هممكم إلى منازعته ولولا تيك لكان قسمه خسيسا وسعيه تعيسا ، لكن بدر الرأي ، و ثنّى بالقضاء ، و ثلّث بالشورى ، ثمّ غدا سامراً مسلطاً درته على عاتقه ، فتطأطأتم له تطأطأ الحقة ووليتموه أدباركم حتّى علا أكتافكم ، فلم يزل ينعق بكم في كلّ مرتع ، ويشدّ منكم على كل محنق ، لا ينبعث لكم هُتاف ولا يأتلف لكم شهاب ، يهجم عليكم بالسراء ، ويتورط بالحوباء ، عرفتم أو نكرتم لا تألمون ، ولا تستنطقون حتّى إذا عاد الأمر فيكم - إلخ(1) .

وفي عيون الأخبار : تنازع اثنان ، أحدهما سلطاني والآخر سوقي ، فضربه السلطاني فصاح واعمراه ، ورفع خبره إلى المأمون ، فأمر بادخاله عليه ، قال : من أين أنت ؟ قال : من أهل فامية(2) .

قال : ان عمر بن الخطاب كان يقول : من كان جاره نبطياً واحتاج إلى ثمنه فليبعه ، فان كان تطلب سيرة عمر فهذا حكمه فيكم ، وأمر له بألف درهم(3) .

وفي الشرح كان عمر قاعداً والدرة معه والناس حوله إذ أقبل الجارود

ص: 153


1- بلاغات النساء : 68 .
2- فامية : قلعة من اعمال حلب ، وقد يزاد فيها الألف فيقال : أفامية . وفيات الأعيان : 3/318 .
3- عيون الأخبار لابن قتيبة : 1/451 .

العامري ، فقال رجل : هذا سيّد ربيعة ، فسمعها عمر ومن حوله ، وسمعها الجارود ، فلمّا دنا منه خفقه بالدرّة ، فقال : مالي ولك ؟ قال : ويلك سمعتها ، قال : وسمعتها ، فمه ، قال : خشيت أن تخالط القوم ويقال : هذا أمير ، فاحببت أن أطأطئ منك(1) .

وفيه أيضاً رأى عمر ناساً يتبعون اُبي بن كعب ، فرفع عليه الدرة ، فقال له اُبي : اتّق اللَّه ، قال : فما هذه الجموع خلفك(2) .

وفي صحيح مسلم : ان عمر لمّا طعن اُغمي عليه فصيح عليه ، فلمّا أفاق قال : أما علمتم انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : انّ الميّت ليعذب ببكاء الحي(3) .

وعن ابن عمر قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « ان الميت ليعذب ببكاء أهله عليه » فذكر ذلك لعائشة فقالت : وهل تعني ابن عمر إنّما مرّ النبي صلی الله علیه وآله على قبر فقال : « إن صاحب هذا ليعذب وأهله يبكون عليه » ثمّ قرأت : ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى )(4) قال عن أبي معاوية : على قبر يهودي(5) .

وعن عائشة قالت : بلغها ان ابن عمر يحدث عن أبيه « ان الميت يعذب ببكاء أهله عليه » فقالت : هُما وَهَما ، إنّما مرّ النبي صلی الله علیه وآله على رجل من اليهود وهم يكبون على قبره فقال : « انّهم ليبكون عليه وانّ اللَّه يعذّبه في قبره »(6) .

وعن قبيصة بن جابر الأسدي قال : كنت محرماً ، فرأيت ظبياً ، فرميته فاصبت

ص: 154


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 12/73 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 12/68 .
3- صحيح مسلم : 3/41 .
4- سورة الأنعام : 164 .
5- سنن أبي داود : 2/65 ، ح 3129 .
6- الكامل للجرجاني : 2/409 ، ح 528 .

خششاءه يعني أصل قرنه ، فمات ، فوقع في نفسي من ذلك ، فأتيت عمر بن الخطاب أسأله ، فوجدت إلى جنبه رجلاً أبيض ، رقيق الوجه ، وإذا هو عبدالرحمن بن عوف ، فسألت عمر ، فالتفت إلى عبدالرحمن فقال : ما ترى ، شاة تكفيه ؟ قال : نعم ، فأمرني أن أذبح شاة ، فلمّا قمنا من عنده قال صاحب له ان الخليفة لم يحسن أن يفتيك حتّى سأل الرجل ، فسمع عمر بعض كلامه، فعلاه بالدرة ضرباً ، ثمّ أقبل عليّ ليضربني ، فقلت له : انّي لم أقل شيئاً ، إنّما هو قاله ، فتركني(1) .

وعن ربيعة بن أبي عبدالرحمن قال : تقامر رجلان على عهد عمر بديكين ، فأمر عمر بالديكة أن تقتل ، فأتاه رجل من الأنصار فقال : أمرت بقتل أمة من الأمم تسبّح اللَّه تعالى ؟ فأمر بتركها(2) .

ورووا : جاء رجل إلى عمر فقال : ان ضبيعاً التميمي لقينا ، فجعل يسألنا عن تفسير حروف من القرآن فقال : اللهمّ أمكني منه ، فبينا عمر يوماً جالس يغدي الناس إذ جاءه الضبيع وعليه ثياب وعمامة ، فتقدّم فأكل حتى إذا فرغ ، قال لعمر : ما معنى قوله تعالى : ( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا )(3) ؟ فقال عمر : ويحك أنت هو ، فقام إليه فحسر عن ذراعيه ، فلم يزل يجلده حتّى سقطت عمامته ، فاذا له ضفيرتان ، فقال له : والذي نفس عمر بيده لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسك ، ثمّ أمر به فجعل في بيت ، ثمّ كان يخرجه كلّ يوم فيضربه مائة ، فاذا برء أخرجه فضربه مائة أخرى ، ثمّ حمله على قتب وسيره إلى البصرة وكتب إلى أبي

ص: 155


1- السنن الكبرى للبيهقي : 5/181 .
2- الحيوان للجاحظ : 1/195 .
3- سورة الذاريات : 1 - 2 .

موسى يأمره أن يحرّم على الناس مجالسته ، وأن يقوم في الناس خطيباً ثمّ يقول : « ان ضبيعاً قد ابتغى العلم فأخطأه » فلم يزل وضيعاً في قومه وعند الناس حتى هلك وقد كان من قبل سيّد قومه(1) .

وقال أبو عمرو [ الشيباني ] كان حريث بن زيد الخيل شاعراً ، فبعث عمر بن الخطاب رجلاً من قريش يقال له أبو سفيان يستقرء أهل البادية ، فمن لم يقرء شيئاً من القرآن عاقبه ، فأقبل حتّى نزل بمحلّة بني نبهان فاستقرأ ابن عم لزيد الخيل يقال له أوس بن خالد بن زيد ، فلم يقرأ شيئاً ، فضربه فمات ، فأقامت بنته أمّ أوس ج مأتماً ج تندبه ، وأقبل حريث بن زيد الخيل ، فأخبرته ، فأخذ الرمح ، فشدّ على أبي سفيان فطعنه فقتله ، وقتل ناساً من أصحابه ، ثمّ هرب إلى الشام ، وقال في ذلك :

ألا بكّر الناعي بأوس بن خالد * أخي الشتوة الغبراء والزمن المحل

فلا تجزعي يا اُمّ اوس فانّه * يلاقي المنايا كل حاف وذي نعل

فان يقتلوا اوساً عزيزاً فانني * تركت أبا سفيان ملتزم الرحل

ولو لا الأسى ماعشت في الناس بعده * ولكن إذا ما شئت جاوبني مثلي

اصبنا به من خيرة القوم سبعة * كراماً ولم نأكل به حشف النخل(2)

ولعمر اللَّه كان فاروقاً بين الحق والباطل لكن باختياره الباطل أيّ باطل ، وتركه الحق أي حق(3) .

ص: 156


1- شرح نهج البلاغة : 12/102 .
2- الأغاني : 17/173 .
3- بهج الصباغة : 5/148 .

فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ ، وَ شِدَّةِ الْمِحْنَةِ

قال ابن اسحاق : كانت ولاية عمر عشر سنين وستّة أشهر وخمس ليال(1) .

حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ

قال الواقدي : طعن عمر يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي الحجّة ومكث ثلاثة أيّام ، ثمّ توفي لأربع بقين من ذي الحجّة(2) .

سئل هشام بن الحكم ؛ عمّا ترويه العامّة من قول أميرالمؤمنين علیه السلام لمّا قبض عمر وقد دخل عليه وهو مسجّى : لوددتُ أن ألقى اللَّه بصحيفة هذا المسجّى . فقال هشام : هذا حديث غير ثابت ولا معروف الاسناد ، وإنّما حصل من جهة القصاص وأصحاب الطرقات ، ولو ثبت لكان المعنى فيه معروفاً ، وذلك : ان عمر واطأ أبابكر والمغيرة وسالماً مولى أبي حذيفة وأبا عبيدة على كَتب صحيفة بينهم ، يتعاقدون فيها على انّه إذا مات رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لم يورّثوا أحداً من أهل بيته ، ولم يولّوهم مقامه من بعده ، فكانت الصحيفة لعمر إذ كان عماد القوم ، والصحيفة التي ودّ أميرالمؤمنين علیه السلام ورجا أن يلقى اللَّه بها هي هذه الصحيفة فيخاصمه بها ويحتجّ عليه بمتضمنها .

والدليل على ذلك ما روته العامّة عن اُبيّ بن كعب انّه كان يقول في مسجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بعد أن أفضى الأمر إلى أبي بكر بصوت يسمعه أهل المسجد : « ألا هلك أهل العقدة ، واللَّه ما آسى عليهم إنّما آسى على من يضلون من الناس ، فقيل

ص: 157


1- المعارف لابن قتيبة : 183 .
2- المعارف لابن قتيبة : 183 .

له : يا صاحب رسول اللَّه من هؤلاء أهل العقدة وما عقدتهم ؟ فقال : قوم تعاقدوا بينهم إن مات رسول اللَّه لم يورّثوا أحداً من أهل بيته ولا ولّوهم مقامه » ، أما واللَّه لئن عشت إلى يوم الجمعة لأقومنّ فيهم مقاماً ابيّن به للناس أمرهم .

قال : فما أتت عليه الجمعة(1) .

جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ

جعل أميرالمؤمنين علیه السلام في الشورى آخر الستة منهم وبدء فسمّى عثمان بن عفّان ثمّ طلحة بن عبيداللَّه التيمي والزبير بن العوام وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص ثمّ علي بن أبي طالب الهاشمي بعدهم في وصيته(2) .

زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ

تعبيره علیه السلام « بزعم » دال على انّه جعله في اولئك الجماعة ظاهراً وأخرجه منهم باطناً . فقالوا : « زعم مطية الكذب » .

وروى الحارث بن الفضل عن أبي عبداللَّه الأغر ان الزبير قال لابنه يوم الجمل لمّا أراد تركهم ، وقال له ابنه : أحسست برايات ابن أبي طالب ، ويلك لا تدعنا على حال أنت واللَّه قطعت بيننا ، وفرقت الفتنا بما بليت به من هذا المسير - إلى أن قال - فقال له ابنه : افتدع علياً يستولي على الأمر ، وأنت تعلم انه كان أحسن أهل الشورى عند عمر ، ولقد أشار عمر وهو مطعون يقول لأهل الشورى : ويلكم

ص: 158


1- الفصول المختارة : 90 ؛ بحار الأنوار : 10/296 .
2- اثبات الوصيّة : 148 .

أطعموا عليا فيها ، لا يفتق في الاسلام فتقاً عظيماً ، ومنّوه حتّى تجمعوا على رجل سواه(1) .

وفيه انّ أميرالمؤمنين علیه السلام أرسل ابن عبّاس إلى الزبير ليكلّمه إذا لم يكن ابنه بحاضر - إلى أن قال - فقال ابن الزبير لابن عباس : لقد سئل عبدالرحمن بن عوف عن أصحاب الشورى ، فكان صاحبكم أخيبهم عنده ، وما أدخله عمر في الشورى إلّا وهو يعرفه ، ولكن خاف فتقه في الاسلام(2) .

لا يخفى الاسلام الذي خاف عمر فتقه من أميرالمؤمنين علیه السلام إنّما كان خلافته وخلافة صاحبه والأساس الذي أسساه لمن بعدهما ، وإلّا فأميرالمؤمنين علیه السلام كان أسّس الاسلام بعد النبي صلی الله علیه وآله ، وبسيفه قام الاسلام ، وبتركه التعرّض لهم بعد النبي صلی الله علیه وآله لئلّا يرتدّ الناس جميعاً بقي الاسلام ، وهم كانوا لا يبالون أن يمحى الاسلام إذا بقى لهم سلطانهم(3) .

وقال الشعبي : حدّثني من لا اتّهمه من الأنصار - هو سهل بن سعد الأنصاري - قال : مشيت وراء علي بن أبي طالب حيث انصرف من عند عمر ، والعبّاس بن عبدالمطلب يمشي في جانبه ، فسمعته يقول للعبّاس : ذهبت منّا واللَّه ، فقال : كيف علمت ؟ قال : ألا تسمعه يقول : كونوا في جانب الذي فيه عبدالرحمن لأنّه ابن عمّه ( ابن عم سعد ) ، وعبدالرحمن نظير عثمان وهو صهره ، فاذا اجتمع هؤلاء ، فلو ان الرجلين الباقيين كانا معي لم يغنيا عنّي شيئاً ، مع انّي لست أرجوا إلّا أحدهما ،

ص: 159


1- الجمل والنصرة لسيّد العترة في حرب البصرة : 289 .
2- الجمل والنصرة لسيّد العترة في حرب البصرة : 318 .
3- بهج الصباغة : 5/150 .

ومع ذلك أحب عمر أن يعلمنا ان لعبدالرحمن عنده فضلاً علينا ، لعمر اللَّه ما جعل اللَّه ذلك لهم علينا ، كما لم يجعله لأولادهم على أولادنا ، أما واللَّه لئن عمر لم يمت لاذكرته ما أتى إلينا قديماً ، ولا علمته بسوء رأيه فينا ، وما أتى إلينا حديثاً ، ولئن مات - وليموتن - ليجتمعنّ هؤلاء القوم على أن يصرفوا هذا الأمر عنّا ولئن فعلوا - وليفعلنّ - ليرونني حيث يكرهون ، واللَّه ما بي رغبة في السلطان ، ولا حبّ الدنيا ، ولكن لاظهار العدل والقيام بالكتاب والسنّة ، قال : ثمّ التفت فرآني وراءه فعرفت انّه قد ساءه ذلك ، فقلت : لا ترع أبا حسن ، لا واللَّه يستمع أحد الذي سمعت منك في الدنيا ما اصطحبنا فيها ، فواللَّه ما سمعه مني مخلوق حتّى قبض اللَّه عليّاً إلى رحمته(1) .

وروى يحيى بن عبدالحميد الحماني عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي صادق قال : لمّا جعلها عمر شورى في ستّة وقال : إن بايع اثنان لواحد واثنان لواحد فكونوا مع الثلاثة الذين فيهم عبدالرحمن واقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبدالرحمن . خرج أميرالمؤمنين علیه السلام من الدار وهو معتمد على يد عبداللَّه بن العبّاس ، فقال له : يابن عبّاس انّ القوم قد عادوكم بعد نبيّكم كمعاداتهم لنبيّكم صلی الله علیه وآله في حياته ، أم واللَّه لا ينيب بهم إلى الحق إلّا السيف . فقال له ابن عبّاس : وكيف ذاك ؟ قال : أما سمعت قول عمر « إن بايع اثنان لواحد واثنان لواحد فكونوا مع الثلاثة الذين فيهم عبدالرحمن واقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبدالرحمن » ؟ قال ابن عبّاس : بلى ، قال : أفلا تعلم انّ عبدالرحمن ابن عم سعد ، وان عثمان صهر عبدالرحمن ؟ قال : بلى ، قال : فان عمر قد علم ان سعداً وعبدالرحمن وعثمان لا

ص: 160


1- السقيفة وفدك : 82 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 9/50 .

يختلفون في الرأي ، وانّه من بويع منهم كان الاثنان معه ، فأمر بقتل من خالفهم ، ولم يبال أن يقتل طلحة إذا قتلني وقتل الزبير ، أم واللَّه ، لئن عاش عمر لأعرفنّه سوء رأيه فينا قديماً وحديثاً ، ولئن مات ليجمعني وإيّاه يوم يكون فيه فصل الخطاب(1) .

وروى القطب الراوندي : إنّ عمر لمّا قال : كونوا مع الثلاثة التي عبدالرحمن فيها ، قال ابن عبّاس لعليّ علیه السلام : ذهب الأمر منّا ، الرجل يريد أن يكون الأمر في عثمان ، فقال علي علیه السلام : وأنا أعلم ذلك ولكنّي ادخل معهم في الشورى لأنّ عمر قد أهلّني الآن للخلافة وكان قبل ذلك يقول : انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : انّ النبوّة والامامة لا يجتمعان في بيت ، فانا ادخل في ذلك لأظهر للناس مناقضة فعله لروايته(2) .

وفي الطرائف : ذكر عالم من علمائهم يقال قطب الدين الراوندي في كتاب منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة قال : انّ عمر لمّا نصّ على ستّة أنفس استصلحهم للخلافة بعده فقال : إن اختلفوا فالحق في القوم الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف فقال العبّاس لعليّ بن أبي طالب علیه السلام ذهب الأمر منّا لأن عبدالرحمن كانت بينه وبين عثمان مصاهرة واُمور توجب انّه لا يختار عليه أحداً ، فقال علي علیه السلام للعبّاس : أنا أعلم ذلك ولكن أدخل معهم في الشورى لأن عمر استصلحني الآن للأُمّة وكان من قبل يقول : انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : النبوّة والامامة لا يجتمعان في بيت واحد وانّي لأدخل معهم في ذلك ليظهر انّه كذّب نفسه لما رأى

ص: 161


1- الارشاد : 1/285 ؛ بحار الأنوار : 31/357 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/189 .

أوّلاً وذكر مقالة العبّاس مع علي علیه السلام وجوابه أحمد بن أبي طاهر الكاتب(1) .

وفي العقد الفريد - بعد ذكر الشورى - فقال علي علیه السلام لقوم معه من بني هاشم : ان اطيع فيكم قومكم فلن يؤمروكم أبداً . وتلقاه العباس فقال له عدلت عنا . قال له : وما أعلمك ؟ قال : قرن بي عثمان ، ثمّ قال : ثلاثة رجلا وثلاثة رجلا إن رضى فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف ، فسعد لا يخالف ابن عمّه عبدالرحمن وعبدالرحمن صهر عثمان ، لا يختلفون ، فلو كان الآخرين معي ما نفعاني(2) .

وبالجملة إنّما دبّر لعثمان لأنّه كان معهم من يوم أوّل ، قال ابن أبي الحديد : وروى كثير من الناس انّ أبابكر لما نزل به الموت دعا عبدالرحمن بن عوف ، فقال : أخبرني عن عمر ، فقال : انه أفضل من رأيك فيه إلّا انّ فيه غلظة - إلى أن قال - ثمّ دعا عثمان بن عفّان ، فقال : أخبرني عن عمر ، فقال : سريرته خير من علانيته ، وليس فينا مثله ، فقال لهما : لا تذكرا ممّا قلت لكما شيئاً ، ولو تركت عمر لما عدوتك يا عثمان(3) .

ومرّ عن حارثة قال : حججت مع عمر ، فسمعت حادي عمر يحدو : انّ الأمير بعده ابن عفّان(4) .

وبعد طلب الناس كراراً من عمر استخلافه ، وقوله : لو كان أبو عبيدة أو سالم مولى أبي حذيفة حيين استخلفتهما ، قال عمر : قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم ان

ص: 162


1- الطرائف : 2/483 .
2- العقد الفريد : 5/29 .
3- شرح نهج البلاغة : 1/164 .
4- أنساب الأشراف : 2/214 ، ش 268 .

أولى رجلاً أمركم أرجو أن يحملكم على الحق - وأشار إلى علي علیه السلام - ثمّ رأيت ان لا أتحملها حيّاً وميّتاً(1) .

فَيَا ِللَّهِ وَ لِلشُّورَى

روى أبو مخنف ان عماراً قال هذا البيت يوم الشورى :

يا ناعي الاسلام قم فانعه * قد مات عرف وأتى منكر

أما واللَّه لو ان لي أعواناٌ لقاتلتهم ، وقال عمّاراً أيضاً لأميرالمؤمنين علیه السلام : لئن قاتلتهم بواحد لأكونن ثانياً ، فقال علیه السلام : واللَّه ما أجد عليهم أعواناً ، ولا أحب أن أعرضكم لما لا تطيقون(2) .

وذكروا ان زياداً أوفد ابن حصين على معاوية ، فأقام عنده ما أقام ، ثمّ انّ معاوية بعث إليه ليلاً فخلا به ، فقال له : يابن حصين ، قد بلغني ان عندك ذهناً وعقلاً ، فأخبرني عن شي ء أسألك عنه ، قال : سلني عمّا بدا لك .

أخبرني ما الذي شتّت أمر المسلمين وفرّق أهوائهم وخالف بينهم ؟ قال : نعم ، قتل الناس عثمان ، قال : ما صنعت شيئاً ، قال : فمسير على إليك وقتاله إيّاك قال : ما صنعت شيئاً قال : فمسير طلحة والزبير وعائشة وقتال عليّ إيّاهم ، قال : ما صنعت شيئاً ، قال : ما عندي غير هذا قال ، فانا أخبرك انّه لم يتشتّت بين المسلمين ولا فرّق أهوائهم ولا خالف بينهم إلّا الشورى التي جعلها عمر إلى ستّة نفر ، وذلك - إلى أن قال - إذ قدّم النبي صلی الله علیه وآله أبابكر للصلوة فرضوه لأمر دنياهم إذ رضيه صلی الله علیه وآله

ص: 163


1- العقد الفريد : 5/27 .
2- شرح نهج البلاغة : 12/265 .

لأمر دينهم - إلى أن قال - واستخلف عمر ثمّ جعلها عمر شورى بين ستّة نفر ، فلم يكن رجل منهم إلّا رجاها لنفسه ، ورجاها له قومه ، وتطلّعت إلى ذلك نفسه ، ولو أنّ عمر استخلف عليهم كما استخلف أبوبكر ما كان في ذلك اختلاف(1) .

أقول : لكن الأصل الذي أوجب التشتت بين المسلمين وتفريق أهوائهم إنّما هو منع عمر النبي صلی الله علیه وآله عن كتابة وصيّة لاُمّته لا يَضلّون ولا يُضلّون .

فعن جابر بن عبداللَّه الأنصاري قال : لمّا كان في مرض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الذي توفي فيه دعا بصحيفة ليكتب فيها لاُمّته كتاباً لا يَضلّون ولا يُضلّون ، قال : فكان في البيت لغط وكلام ، وتكلّم عمر بن الخطّاب ، قال : فرفضه النبي صلی الله علیه وآله(2) .

وعن ابن عبّاس قال : لما حضرت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : هلمّ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده ، فقال عمر : انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قد غلبه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب اللَّه ، فاختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمّا كثر اللغط والاختلاف وغمّوا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فقال : قوموا عنّي(3) .

وقال جعفر بن مكّي الحاجب قلت لمحمّد بن سليمان حاجب الحجّاب : ما تقول في هذا الاختلاف الواقع في أمر الامامة من مبدء الحال ، وما الذي تظنّه أصله ومنبعه ؟ فقال : لا أعلم لهذا أصلاً إلّا أمرين : أحدهما انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أهمل

ص: 164


1- العقد الفريد : 5/33 .
2- الطبقات الكبرى : 2/243 .
3- الطبقات الكبرى : 2/244 .

أمر الامامة ، فلم يصرّح فيه بأحد بعينه ، وإنّما كان هناك رمز وايماء ، وكناية وتعريض - إلى أن قال - وعادة الملوك إذا تمهّد ملكهم ، وأرادوا العقد لولد من أولادهم أو ثقة من ثقاتهم ، أن يصرّحوا بذكره ، ويخطبوا باسمه على أعناق المنابر ، وبين فواصل الخطب ، ويكتبوا بذلك إلى الآفاق البعيدة عنهم ، والأقطار النائية منهم ، ومن كان منهم ذا سرير وحصن ومدن كثيرة ، ضرب اسمه على صفحات الدنانير والدراهم ، بحيث تزول الشبهة في أمره ، ويسقط الارتياب بحاله ، فليس أمر الخلافة بهيّن ولا صغير ليترك حتّى يصير في مظنة الاشتباه واللبس ، ولعلّه كان لرسول اللَّه صلی الله علیه وآله في ذلك عذر لا نعلمه نحن ، أما خشية من فساد الأمر أو ارجاف المنافقين وقولهم : انها ليس بنبوّة وإنّما هي ملك به أوصى لذريّته وسلالته - إلى أن قال - ولعلّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لم يكن يعلم في مرضه انّه يموت في ذلك المرض - إلى أن قال - يدلّ على ذلك انّه لمّا نوزع في احضار الدواة والكتف ليكتب لهم ما لا يضلون بعده ، غضب وقال : اخرجوا عنّي ، ولم يجمعهم بعد ، بل أرجأ الأمر ارجاء من يرتقب الافاقة ، قال : فبتلك الكنايات المحتملة مثل حديث ( خصف النعل ) و ( منزلة هارون من موسى ) و ( من كنت مولاه ) و ( هذا يعسوب الدين ) و ( لا فتى إلّا علي ) و ( أحبّ خلقك إليك ) وما جرى هذا المجرى ممّا لا يفصل الأمر ، ويقطع العذر ، ويسكت الخصم - إلى أن قال - وأمّا السبب الثاني للاختلاف فهو جعل عمر الأمر شورى في الستّة . . . فبقى في نفس كلّ واحد منهم انّه قد رشّح للخلافة - إلى أن قال - ولم يكن رجاء طلحة والزبير بدون رجاء على ، بل رجائهما كان أقوى ، لأن عليّاً دحضه الأولان ، واسقاطاه وكسرا ناموسه بين الناس ، فصار نسياً منسيّاً - إلى أن قال - ولم يبق له

ص: 165

ممّا يمتّ به إلّا انّه ابن عمّ الرسول وزوج ابنته وأبو سبطيه ، ونسى ما وراء ذلك كلّه ، واتّفق له من بغض قريش وانحرافها ما لم يتّفق لأحد - إلى أن قال - وهما : أي طلحة والزبير عند أنفسهما وعند الناس خليفتان بالقوّة ، لأن عمر نصّ عليهما ، وعمر نافذ الحكم في حياته وبعد وفاته - إلى أن قال - فلمّا فاتت طلحة والزبير فتقا ذلك الفتق العظيم على علي ( من حرب الجمل ) ، ثمّ كانت حرب الجمل مقدّمة وتمهيداً لحرب الصفّين ، فانّ معاوية لم يكن يفعل ما فعل لو لا طمعه بما جرى في البصرة ، ثمّ أوهم أهل الشام انّ عليّاً قد فسق بمحاربة اُمّ المؤمنين ، وانّه قتل طلحة والزبير ، وهما من أهل الجنّة ، فهو من أهل النار... ثمّ نشأ من فساد صفين وضلال معاوية كلّ ما جرى من الفساد والقبيح في أيّام بني اُميّة ، ونشأت فتنة ابن الزبير فرعا من فروع يوم الدار لأن عبداللَّه كان يقول : إنّ عثمان لما أيقن بالقتل نص عليَّ بالخلافة ، ولِيَ بذلك شهود ، ومنهم مروان بن الحكم .

أفلا ترى كيف تسلسلت هذه الاُمور فرعاً على أصل ، وغصناً من شجرة ، وجذوة من ضرام ، هكذا يدور بعضه على بعض وكلّه من الشورى في الستة(1) .

أقول : ويقال للرجل إن كانت تلك الاُمور من النبي صلی الله علیه وآله في أميرالمؤمنين علیه السلام ليست بكافية - لا سيّما قوله « من كنت أولى به من نفسه وماله فعلي أولى به من نفسه وماله » لأن معنى قوله صلی الله علیه وآله « فمن كنت مولاه فعليّ مولاه» بعد قوله صلی الله علیه وآله للناس : « ألست أولى بكم من أنفسكم وأموالكم » ليس إلّا ذلك - لم تكن أدلّة وجود الصانع كافية لأنّها ممّا لم تسكت الخصم الدهريّة والطبيعيّة كما لم تسكت تلك الأمور الخصم العامة وأهل السنّة .

ص: 166


1- شرح نهج البلاغة : 9/26 .

ويقال له : الملوك أهل الدنيا يهيّئون أسباب مقاصدهم بأيّ وسيلة ولو بقتل نفوس وهتك أعراض ، والأنبياء إنّما يكتفون باتمام الحجّة ليهلك من هلك عن بيّنة ، ويحيى من حيّ عن بيّنة .

وكيف يقول : « لم يجمعهم بعد وارجى الامر ارجاء من يرتقب الافاقة » .

مع انّ في ( طبقات ابن سعد ) : انه قيل له صلی الله علیه وآله بعد : ألا نأتيك بما طلبت ؟ قال : أو بعد قول الرجل اني لأهجر(1) .

مع انه لو كان أراد ثانياً لمنعوه فكان عبيداللَّه بن عبداللَّه بن عتبة يقول : كان ابن عبّاس يقول : « الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بين رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وبين أن يكتب ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم »(2) وقال سعيد بن جبير : « كان ابن عبّاس يذكر ذلك ويبكي وكأني إلى دموعه على خدّه كأنّها نظام اللؤلؤ »(3) .

وعن عبدالكريم عتبة الهاشميّ قال : كنت قاعداً عند أبي عبداللَّه علیه السلام بمكّة ، إذ دخل عليه أناس من المعتزلة فيهم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وحفص بن سالم مولى ابن هبيرة وناس من رؤسائهم ، وذلك حدثان(4) قتل الوليد واختلاف أهل الشام بينهم ، فتكلّموا وأكثروا وخطبوا فأطالوا(5) ، فقال لهم أبو عبداللَّه علیه السلام : إنّكم قد أكثرتم عليّ ، فأسندوا أمركم إلى رجلٍ منكم ، وليتكلّم بحججكم ويوجز ،

ص: 167


1- الطبقات الكبرى : 2/242 .
2- صحيح البخاري : 5/138 ؛ صحيح مسلم : 5/76 ؛ البداية والنهاية : 5/271 .
3- تاريخ الطبري : 2/436 .
4- حدثان الأمر : - بكسر الحاء - أوّله وابتداؤه والمراد سنة قتل وليد بن عبدالملك الأموي .
5- يعني أتوا بصنعة الخطابة من الكلام من المظنونات والمقبولات ، أو أتوا بخطبة مشتملة على الحمد والثناء وفي بعض النسخ ( خبطوا فأطالوا ) ولعلّه أصح .

فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيدٍ ، فتكلّم فأبلغ وأطال فكان فيما قال أن قال قد قتل أهل الشام خليفتهم وضرب اللَّه عزّوجلّ بعضهم ببعض(1) وشتّت اللَّه أمرهم ، فنظرنا فوجدنا رجلاً ، له دين وعقل ومروّة وموضع ومعدنٌ للخلافة ، وهو « محمّد بن عبداللَّه بن الحسن » فأردنا أن نجتمع عليه فنبايعه ثمّ نظهر معه ، فمن كان بايعنا فهو منّا ، وكنّا منه ومن اعتزلنا كففنا عنه ، ومن نصب لنا جاهدناه ونصبنا له على بغيه ، وردّه إلى الحقّ وأهله وقد أحببنا أن نعرض ذلك عليك فتدخل معنا فإنّه لا غنى بنا عن مثلك لموضعك ، وكثرة شيعتك ، فلمّا فرغ قال أبو عبداللَّه علیه السلام : أكلّكم على مثل ما قال عمرو ؟ قالوا : نعم فحمد اللَّه وأثنى عليه وصلّى على النبي صلی الله علیه وآله ثمّ قال : إنّما نسخط إذا عصي اللَّه فأمّا إذا أطيع رضينا أخبرني يا عمرو لو أنّ الاُمّة قلّدتك أمرها وولّتك بغير قتال ولا مؤونة وقيل لك : وَلِّها من شئت ، من كنت تولّيها ؟ قال : كنت أجعلها شورى بين المسلمين .

قال علیه السلام : بين المسلمين كلّهم ؟ قال : نعم ، قال علیه السلام : بين فقهائهم وخيارهم ؟ قال : نعم ، قال : قريش وغيرهم ؟ قال : نعم ، قال والعرب والعجم ؟ قال : نعم ، قال : أخبرني يا عمرو أتتولّى أبا بكر وعمر أو تتبرّأ منهما ؟ قال أتولاّهما ، فقال : فقد خالفتهما - إلى أن قال - قد عهد عمر إلى أبي بكر فبايعه ، ولم يشاور فيه أحداً ، ثمّ ردّها أبو بكر عليه ولم يشاور فيه أحداً ، ثمّ جعلها عمر شورى بين ستّة وأخرج منها جميع المهاجرين والأنصار غير أولئك الستّة من قريش ، وأوصى فيهم شيئاً لا أراك ترضى به أنت ولا أصحابك ، إذ جعلتها شورى بين جميع المسلمين ، قال : وما صنع ؟ قال : أمر صهيباً أن يصلّي بالناس ثلاثة أيّام ، وأن يشاور أولئك الستّة

ص: 168


1- كناية عن الخلاف والشقاق بينهم .

ليس معهم أحد إلّا ابن عمر يشاورونه ، وليس له من الأمر شي ء ، وأوصى من بحضرته من المهاجرين والأنصار إن مضت ثلاثة أيّام قبل أن يفرغوا أو يبايعوا رجلاً أن يضربوا أعناق أولئك الستّة جميعاً ، فإن اجتمع أربعة قبل أن تمضي ثلاثة أيّام وخالف اثنان أن يضربوا أعناق الاثنين ، أفترضون بهذا أنتم فيما تجعلون من الشورى في جماعةٍ من المسلمين ؟ قالوا : لا . . . الخبر(1) .

وفي مقاتل أبي الفرج الاصبهاني باسانيد : ان المأمون وجّه إلى جماعة من آل أبي طالب ، فحملهم إليه من المدينة ، وفيهم علي بن موسى الرضا ، فأخذ بهم على طريق البصرة حتّى جاؤه بهم ، وكان المتولى لاشخاصهم المعروف بالجلودي من أهل خراسان ، فقدم بهم على المأمون فأنزلهم داراً ، وأنزل علي بن موسى الرضا داراً ، ووجّه إلى الفضل ابن سهل فأعلمه انّه يريد العقد له ، وأمره بالاجتماع مع أخيه الحسن بن سهل على ذلك ، ففعل واجتمعا بحضرته ، فجعل الحسن يعظم ذلك عليه ، ويعرفه ما في اخراج الأمر من أهله عليه ، فقال له : اني عاهدت اللَّه أن أخرجها إلى أفضل آل أبي طالب إن ظفرت بالمخلوع ، وما أعلم أحداً أفضل من هذا الرجل ، فاجتمعا معه على ما أراد ، فأرسلهما إلى علي بن موسى ، فعرضا ذلك عليه فأبى ، فلم يزالا به وهو يأبى ذلك ويمتنع منه ، إلى أن قال له أحدهما : ان فعلت وإلّا فعلنا بك وصنعنا وتهدّده ، ثمّ قال له أحدهما : واللَّه : أمرني بضرب عنقك إذا خالفت ما يريد ، ثمّ دعا به المأمون ، فخاطبه في ذلك فامتنع ، فقال له : قولاً شبيهاً بالتهدّد ، ثمّ قال له : ان عمر جعل الشورى في ستّة أحدهم جدّك ،

ص: 169


1- الكافي : 5/23 ، ح 1 ؛ الاحتجاج : 2/362 ؛ بحار الأنوار : 31/352 ، ح 5 .

وقال : من خالف فاضربوا عنقه ، ولابدّ من قبول ذلك ، فأجابه(1) .

ولمّا تخلّف ابن الزبير عن بيعة يزيد واستجار بالكعبة جعل الأمر شورى بينه وبين المسور بن مخرمة ومصعب بن عبدالرحمن بن عوف .

وفي ( أنساب البلاذري ) : أصابت المسور شظية من حجر في وجنته ، فتوفي منها يوم جاء نعي يزيد في آخر النهار ، ومات مصعب أو قتل في حصار ابن نمير ، فلمّا شخص ابن نمير ، بويع ابن الزبير(2) .

قال نافع : كنت تحت منبر ابن الزبير يوم دعا إلى نفسه ( بعد يزيد ) وكان قبل ذلك يدعوا إلى الشورى(3) .

وقال أبو حرّة مولى خزاعة :

اخوانكم ان بلاء حل ساحتكم * ولا ترون لنا في غيره سببا

نعاهد اللَّه عهداً لا نخيس به * لن نقبل الدهر شورى بعد من ذهبا(4)

مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ

فان الأوّل وهو صدّيقهم إنّما كانت منقبته منحصرة في كونه صاحب الغار ، وأنّه أمره النبي صلی الله علیه وآله بالصلاة في مرضه ، ولو كان له شي ء آخر لذكره له الثاني لمّا كان يحرّض الناس على بيعته .

مع انّ كلّاً منهما إلى المثلبه أقرب .

ص: 170


1- مقاتل الطالبيين : 375 .
2- أنساب الأشراف : 5/349 ، ش 903 .
3- أنساب الأشراف : 5/351 ، ش 908 .
4- أنساب الأشراف : 5/352 ، ش912 .

أمّا الأولى فتضمن القرآن ايذاء صاحب الغار لنبيّه صلی الله علیه وآله ، وأخرجه من وصف الايمان حيث خصّ انزال السكينة بنبيّة صلی الله علیه وآله مع انّه في آيات اُخر شرك المؤمنين معه في ذلك .

قال عزّ من قائل : ( ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ )(1) وقال تعالى ( فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ )(2) .

وأمّا الثانية : فانّما كانت من قبل بنته ، وخرج النبي صلی الله علیه وآله مع شدّة مرضه متّكئاً على نَفَرَيْنِ لمنعه .

وأمّا هو علیه السلام فمقاماته أكثر من أن تحصى ، وروى أحمد بن الحسن القطان من رجالهم باسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه انّه : لمّا كان من أمر أبي بكر ما كان لم يزل أبو بكر يظهر الانبساط لعلي علیه السلام ، ويرى منه انقباضاً - إلى أن قال - قال علي علیه السلام : أخبرني عن الذي يستحقّ هذا الأمر بما يستحقّه ؟ فقال : بالنصيحة والوفاء ، ورفع المداهنة والمحاباة ، وحسن السيرة ، واظهار العدل ، والعلم بالكتاب والسنّة وفصل الخطاب ، مع الزهد في الدنيا وقلّة الرغبة فيها ، وانصاف المظلوم من الظالم القريب والبعيد ، ثمّ سكت ، فقال علي علیه السلام : أنشدك باللَّه أفي نفسك تجد هذه الخصال أو فيَّ ؟ قال : بل فيك يا أبا الحسن ، قال : فأنشدك باللَّه أنا المجيب لرسول اللَّه صلی الله علیه وآله قبل ذكران المسلمين أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا صاحب الأذان لأهل الموسم ولجميع الاُمّة بسورة براءة أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا وقيت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بنفسي يوم الغار أم أنت ؟ قال : بل

ص: 171


1- سورة سورة التوبة : 26 .
2- سورة الفتح : 26 .

أنت ، قال فأنشدك باللَّه أ لِيَ الولاية من اللَّه مع ولاية رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في آية زكاة الخاتم أم لك ؟ قال : بل لك ، قال : فأنشدك باللَّه أنا المولى لك ولكلّ مسلم بحديث النبيّ صلی الله علیه وآله يوم الغدير أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أ لِيَ الوزارة من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله والمثل من هارون من موسى أم لك ؟ قال : بل لك ، قال فأنشدك باللَّه أ بي برز رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وبأهل بيتي وولدي في مباهلة المشركين من النصارى أم بك وبأهلك وولدك ؟ قال : بل بكم ، قال : فأنشدك باللَّه أ لِيَ ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس أم لك ولأهل بيتك ؟ قال : بل لك ولأهل بيتك ، قال : فأنشدك باللَّه أنا صاحب دعوة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأهلي وولدي يوم الكساء « اللهمّ هؤلاء أهلي إليك ، لا إلى النار » أم أنت ؟ قال : بل أنت وأهلك وولدك ، قال : فأنشدك باللَّه أنا صاحب آية ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً )(1) أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الفتى الذي نودي من السماء « لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا علي » أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي ردّت له الشمس لوقت صلاته فصلّاها ثمّ توارت أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي حباك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله برايته يوم خيبر ففتح اللَّه له أم أنا ؟ قال : بل أنت ،

ص: 172


1- سورة الإنسان : 7 .

قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي نفّست عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كربته وعن المسلمين بقتل عمرو بن عبد ود أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي ائتمنك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على رسالته إلى الجن فأجابت أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي طهّرك رسول صلی الله علیه وآله اللَّه من السفاح من لدن آدم إلى أبيك بقوله : « أنا وأنت من نكاح لا من سفاح من لدن آدم إلى عبدالمطلب » أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا الذي اختارني رسول اللَّه وزوجني ابنته فاطمة 3 وقال : « اللَّه زوجك إياها في السماء » أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا والد الحسن والحسين سبطيه وريحانتيه اللذين قال فيهما : « هذان سيّدان شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما » أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أخوك المزيّن بالجناحين في الجنة ليطير بهما مع الملائكة أم أخي ؟ قال : بل أخوك ، قال : فأنشدك باللَّه أنا ضمنت دين رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وناديت في المواسم بإنجاز موعده أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا الذي دعاه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لطير عنده يريد أكله فقال : « اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليّ وإليك بعدي يأكل معي من هذا الطير » فلم يأته غيري أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا الذي بشّرني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين على تأويل القرآن أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا الذي شهدت آخر كلام رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وولّيت غسله ودفنه أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا الذي دلّ عليه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بعلم القضاء بقوله : « علي أقضاكم » أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنا الذي أمر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أصحابه بالسلام عليه بالامرة في حياته أم أنت ؟ قال : بل أنت ، قال : فانشدك باللَّه أنت الذي سبقت له القرابة من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت حباك اللَّه عزّوجلّ بدينار عند حاجته إليه وباعك جبرئيل وأضفتَ محمّداً صلی الله علیه وآله وأطعمت ولده ؟ قال : فبكى أبو بكر و قال بل أنت ، قال فأنشدك باللَّه أنت الذي حملك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على كتفيه في طرح صنم الكعبة وكسره حتى لو شاء أن ينال أفق السماء لنالها أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت صاحب لوائي في الدنيا

ص: 173

والآخرة » أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي أمر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بفتح بابه في مسجده عند ما أمر بسدّ جميع أبواب أصحابه وأهل بيته وأحلّ له فيه ما أحلّه اللَّه له أم أنا ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي قدّم بين يدي نجوى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله صدقة فناجاه أم أنا إذا عاتب اللَّه عزّوجلّ قوماً فقال : ( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ )(1) الآية ؟ قال : بل أنت ، قال : فأنشدك باللَّه أنت الذي قال فيه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لفاطمة 3 : « زوجتك أوّل الناس إيمانا وأرجحهم إ سلاما » في كلام له أم أنا ؟ قال : بل أنت . . . فلم يزل علیه السلام يعدّ عليه مناقبه التي جعل اللَّه عزّوجلّ له دونه ودون غيره ويقول له أبوبكر : بل أنت ، قال : فبهذا وشبهه يستحق القيام باُمور اُمّة محمّد صلی الله علیه وآله - إلى أن قال - فقال عمر : يا علي دون ما تروم خرط القتاد(2) .

وكيف يعترض الريب فيه علیه السلام مع أحد وهو كنفس النبي صلی الله علیه وآله بشهادة آية « وأنفسنا »(3) ودلالة مستفيضة اتّحاد نوريهما .

قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي اللَّه عزوجل قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق آدم قسم ذلك فيه وجعله جزأين ، فجزء أنا وجزء علي »(4) .

وقال عبداللَّه بن أحمد بن حنبل : قلت لأبي ما تقول في التفضيل ؟ قال في

ص: 174


1- سورة المجادلة : 13 .
2- الخصال : 2/548 ، ح 30 ؛ الاحتجاج : 1/115 ؛ بحار الأنوار : 29/3 .
3- سورة آل عمران : 61 .
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : صلی الله علیه وآله8/1علیه السلام1 ، خ 14 ؛ نظم درر السمطين : علیه السلام ؛ الطرائف : 1/15 ؛ بحار الأنوار : 35/24 ؛ ح 18 .

الخلافة : أبوبكر وعمر وعثمان ، قلت : فعلي ؟ قال : يا بنيّ : علي بن أبي طالب من أهل بيت لا يقاس بهم أحد(1) .

وفي المحاسن في مجلس محمّد بن عايشة بالبصرة قام إليه رجل من وسط الحلقة فقال : يا أبا عبدالرحمن ! من أفضل أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟ فقال : أبوبكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبدالرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجرّاح ، فقال له : فأين علي بن أبي طالب علیه السلام ؟ قال : يا هذا تستفتي عن أصحابه أم عن نفسه ؟ قال : بل عن أصحابه ، قال : انّ اللَّه تبارك وتعالى يقول : ( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ )(2) فكيف يكون أصحابه مثل نفسه ؟(3)

حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ

عثمان وطلحة والزبير وسعد وعبدالرحمن ، عن أبي اسحاق سألت ابن عمر عن عثمان وعلي ، قال : تسألني عن علي ؟ ! فقد رأيت مكانه من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله انّه سدّ أبواب المسجد إلّا باب علي(4) .

ودخل علي علیه السلام على عثمان وعنده جماعة من الناس ، منهم أهل الشورى ، وقد كان بلغه عنهم هنات وقوارض ، فقال لهم : - في جملة كلام - لكنّي أخبركم عن أنفسكم أمّا أنت يا عثمان ففررت يوم حنين ، وتولّيت يوم التقى الجمعان ، وأمّا

ص: 175


1- مناقب الامام أحمد : 219 ؛ مع رجال الفكر : 1/184 .
2- سورة آل عمران : 61 .
3- المحاسن والمساوى : 1/18 .
4- ميزان الاعتدال : 3/64 ش 5610 .

أنت يا طلحة فقلت : إن مات محمّد لتركضن بين خلاخيل نسائه كما ركض بين خلاخيل نسائنا ، وأمّا أنت يا عبدالرحمن ، فصاحب قراريط ، وأمّا أنت يا سعد فتدق عن أن تذكر ، قال : ثمّ خرج ، فقال عثمان : أما كان فيكم أحد يرد عليه ، قالوا : وما منعك من ذلك وأنت أميرالمؤمنين(1) .

وقالت هاشم لاُميّة : قال شاعركم :

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة * ولم نر مهدياً على الجذع يصلب

وقستم بعثمان عليّاً سفاهة * وعثمان خير من علي وأطيب

فروى ان بعض الصالحين من أهل البيت : قال : « اللهمّ إن كان كاذباً فسلّط عليه كلباً من كلابك » فخرج يوماً بسفر له ، فعرض له الأسد فافترسه(2) وتفصيله : جاء رجل إلى عبداللَّه بن جعفر فقال له : يابن رسول اللَّه ، هذا حكيم الكلبي ينشد الناس هجاءكم بالكوفة - وأنشده البيت - فرفع عبداللَّه يديه إلى السماء وهما ينتقضان رعدة فقال : « اللهمّ إن كان كاذباً فسلّط عليه كلباً » ، فخرج حكيم من الكوفة فأدلج ، فافترسه الأسد فأكله ، وأتى البشير عبداللَّه وهو في مسجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فخرّ للَّه تعالى ساجداً وقال : « الحمد للَّه الذي صدقنا وعده »(3) .

وعن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس - وكان قد شهد مقتل الحسين علیه السلام - قال : وخرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة وهو حليف لبني سليمة من عبدالقيس فقال : يا برير بن حضير ! كيف ترى اللَّه صنع بك ؟ قال : صنع اللَّه واللَّه بي

ص: 176


1- السقيفة وفدك : 88 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 9/56 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 15/238 .
3- معجم الأدباء : 3/1196 ش 422 ؛ دلائل الامامة ( ط . الحديثة ) : 253 ، ش 177/13 ؛ بحار الأنوار : 62/72 ، ح 3 .

خيراً ، وصنع اللَّه بك شرّاً ، قال : كذبت وقبل اليوم ما كنت كذّاباً ، هل تذكر وأنا أماشيك في بني لوذان وأنت تقول : « إنّ عثمان بن عفّان كان على نفسه مسرفاً وانّ معاوية بن أبي سفيان ضال مضل ، وان امام الهدى والحق علي بن أبي طالب » فقال له برير : اشهد ان هذا رأيي وقولي ، فقال له يزيد بن معقل : « فانّي اشهد انّك من الضالّين » فقال له برير بن حضير : « هل لك فلأباهلك ولندع اللَّه أن يلعن الكاذب وأن يقتل المبطل ، ثمّ اخرج فلأبارزك ؟ » قال : فخرجا فرفعا أيديهما إلى اللَّه يدعوانه أن يلعن الكاذب وأن يقتل المحق المبطل ، ثمّ برز كلّ واحد منهما لصاحبه ، فاختلفا ضربتين ، فضرب يزيد بن معقل برير بن حضير ضربة خفيفة ، لم تضرّه شيئاً ، وضربه برير بن حضير ضربة قدّت المغفر وبلغت الدماغ ، فخرّ كأنّما هوى من حالق وان سيف ابن حضير لثابت في رأسه ، فكأنّي انظر إليه ينضنضه من رأسه(1) .

لَكِنِّي أَسْفَفتُ إِذ أَسَفُّوا وَ طِرتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ

والذي مال للضغن سعد بن أبي وقّاص ، لأنّه علیه السلام قتل أباه يوم بدر ، وسعد أحد من قعد عن بيعة أميرالمؤمنين علیه السلام عند رجوع الأمر إليه ، كذا قال الراوندي ؛(2) وردّه ابن أبي الحديد(3) بأنّ أبا وقاص - واسمه مالك بن وهيب - مات في الجاهليّة حتف أنفه ، وقال : المراد به طلحة ، وضغنه لأنه تيمي وابن عم أبي بكر ،

ص: 177


1- تاريخ الطبري : 4/328 ، سنة 61 .
2- منهاج البراعة للراوندي : 1/127 .
3- شرح نهج البلاغة : 1/189 .

وكان في نفوس بني هاشم حقد(1) شديد من بني تيم لأجل الخلافة وبالعكس ، والرواية التي جائت بأن طلحة لم يكن حاضراً يوم الشورى - ان صحت - فذو الضغن هو سعد ، لأن اُمّه حمنة بنت سفيان بن اُميّة بن عبدشمس والضغنة التي كانت عنده من قبل أخواله الذين قتلهم علي علیه السلام ، ولم يعرف انّه علیه السلام قتل أحداً من بني زهرة لينسب الضغن إليه(2) .

المراد بالرجل سعد معيناً ولو لم تكن تلك الرواية صحيحة لما في كتاب الشورى والسقيفة عن الشعبي وعن كتاب الحماني عن أبي صادق انه علیه السلام قال : « إن سعداً مع ابن عمّه ابن عوف ، وابن عوف مع صهره عثمان ، فلو فرض كون طلحة والزبير معي ما نفعاني » وزاد في الأخير : « ولم يبال أن يقتل طلحة إذا قتلني وقتل الزبير »(3) (4) .

وقال علي علیه السلام لعمّه : عدل بالأمر عنّي ، قال : وما علمك ، قال : قرن بي عثمان وقال : « كونوا مع الأكثر ، فان رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف » فسعد لا يخالف ابن عمّه عبدالرحمن وعبدالرحمن صهر عثمان ، لا يختلفون ، فيوليها عبدالرحمن عثمان أو يوليها عثمان عبدالرحمن ، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني(5) .

وقال علي علیه السلام لسعد : اسئلك برحم ابني هذا من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وبرحم عمّي

ص: 178


1- في شرح النهج : 1/188 : حنق .
2- بحار الأنوار : 29/533 .
3- الارشاد : 1/286 ؛ بحار الأنوار : 31/358 ، ح 13 .
4- بهج الصباغة : 5/175 .
5- تاريخ الطبري : 3/294 ، سنة 23 .

حمزة منك أن لا تكون مع عبدالرحمن لعثمان ظهيراً عليّ(1) .

وَ مَالَ الْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَ هَنٍ

اشارة

والمراد بالآخر عبدالرحمن بن عوف ، وبصهره عثمان ، فان أخت عثمان لاُمّه أروى بنت كريز ، وهي اُمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط كانت تحت عبدالرحمن .

قال الشعبي : وأدخل أهل الشورى داراً ، فأقبلوا يتجادلون عليها ، وكلّهم بها ضنين ، وعليها حريص ، إمّا لدنيا وإمّا لآخرة ، فلمّا طال ذلك قال عبدالرحمن : من رجل منكم يخرج نفسه عن هذا الأمر ، ويختار لهذه الاُمّة رجلاً منكم ، فان طيبة نفسي أن أخرج منها ، وأختار لكم ، قالوا : قد رضينا إلّا علي بن أبي طالب ، فانّه اتّهمه وقال : أنظر وأرى ، فأقبل أبو طلحة عليه وقال : يا أبا الحسن ! ارض برأي عبدالرحمن ، كان الأمر لك أو لغيرك ، فقال علي علیه السلام : اعطني يا عبدالرحمن موثقاً من اللَّه لتؤثرنّ الحق ، ولا تتبع الهوى ، ولا تمل إلى صهر ولا ذي قرابة ، ولا تعمل إلّا للَّه ، ولا تألو هذه الاُمّة أن تختار لها خيرها - إلى أن قال - فخرج عبدالرحمن ، فمكث ثلاثة أيّام يشاور الناس ، ثمّ رجع واجتمع الناس وكثروا على الباب لا يشكّون انه يبايع علي بن أبي طالب علیه السلام وكان هوى قريش كافة ما عدا بني هاشم في عثمان ، وهوى طائفة من الأنصار مع علي علیه السلام ، وهوى طائفة اُخرى مع عثمان وهي أقل الطائفتين ، وطائفة لا يبالون أيّهما بويع ، قال : فأقبل المقداد بن عمرو والناس مجتمعون فقال : أيّها الناس اسمعوا ما أقول : أنا المقداد بن عمرو ، إنكم إن بايعتم عليّاً سمعنا وأطعنا وإن بايعتم عثمان سمعنا وعصينا - إلى أن قال -

ص: 179


1- تاريخ الطبري : 3/2صلی الله علیه وآله6 ، سنة 23 .

ثمّ أقبل ( عمّار ) على عبداللَّه بن سعد بن أبي سرح فقال : « يا فاسق يا ابن الفاسق ! أأنت ممّن يستنصحه المسلمون أو يستشيرونه في اُمورهم ؟ » وارتفعت الأصوات ، ونادى مناد لا يدري من هو ، فقريش تزعم انّه رجل من بني مخزوم ، والأنصار تزعم انّه رجل طوال آدم مشرف على الناس لا يعرفه أحد منهم(1) : « يا عبدالرحمن ، افرغ من أمرك ، وامض على ما في نفسك فانّه الصواب » .

قال الشعبي : فأقبل عبدالرحمن على علي بن أبي طالب ، فقال : عليك عهد اللَّه وميثاقه ، وأشد ما أخذ اللَّه على النبيين من عهد وميثاق : إن بايعتك لتعملن بكتاب اللَّه وسنّة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر ، فقال علي علیه السلام : « طاقتي ومبلغ علمي وجهد ورأيي » والناس يسمعون ، فأقبل على عثمان ، فقال له : مثل ذلك ، فقال : « نعم ، لا أزول عنه ولا أدع شيئاً منه » ثمّ أقبل على علي علیه السلام فقال له : ذلك ثلاث مرّات ، ولعثمان ثلاث مرّات ، في كلّ ذلك يجيب علي علیه السلام مثل ما كان أجاب به ، ويجيب عثمان بمثل ما كان أجاب به ، فقال : « ابسط يدك يا عثمان » فبسط يده فبايعه ، وقام القوم فخرجوا ، وقد بايعوا إلّا علي بن أبي طالب علیه السلام ، فانّه لم يبايع .

قال : فخرج عثمان على الناس ووجهه متهلل ، وخرج علي وهو كاسف البال مظلم ، وهو يقول : « يابن عوف ليس هذا بأوّل يوم تظاهرتم علينا ، من دفعنا عن حقّنا والاستئثار علينا ، وانّها لسنة علينا ، وطريقة تركتموها »(2) .

وفي أنساب البلاذري : لمّا بايع عبدالرحمن عثمان ، وبايعه أصحاب الشورى

ص: 180


1- أقول : ولابدّ انّه كان ابليس ، وقد كان أوّل من بايع الأوّل على ما ورد عن أهل البيت : . الكافي : 8/343 ، ح 541 .
2- السقيفة وفدك : 83 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 9/51 .

وكان علي قائماً فقعد ، فقال له عبدالرحمن : « بايع وإلّا فضربت عنقك » ولم يكن مع أحد يومئذٍ سيف غيره ، فيقال : انّ عليّاً خرج مغضباً ، فلحبه أصحاب الشورى وقالوا : بايع وإلّا جاهدناك ، فأقبل معهم يمشي حتى بايع عثمان(1) .

وفي خلفاء ابن قتيبة : أخذ عبدالرحمن بيد عثمان وقال له : « لئن بايعتك لتقيمنّ لنا كتاب اللَّه وسنّة رسوله وسنّة صاحبيك ، وشرط عمر أن لا تجعل أحداً من بني اُميّة على رقاب الناس ، فقال عثمان : نعم ، ثمّ أخر بيد علي علیه السلام فقال له : اُبايعك على شرط عمر أن لا تجعل أحداً من بني هاشم على رقاب الناس ، فقال علي عند ذلك : مالَكَ ولهذا اذا قطعتها في عنقي ؟ فانّ عليّ الاجتهاد لاُمّة محمّد صلی الله علیه وآله حيث علمت القوّة والأمانة استعنت بها ، كان في بني هاشم أو غيرهم ، قال عبدالرحمن : لا واللَّه حتّى تعطيني هذا الشرط ، قال علي علیه السلام : « واللَّه ، لا أعطيكه أبداً » فتركه - إلى أن قال - قال عبدالرحمن : « لا تجعل يا علي سبيلاً إلى نفسك ، فانّه السيف لا غير »(2) .

وقال ابن أبي الحديد : - بعد ذكر بيعة عبدالرحمن لعثمان لمّا قبل العمل بسيرة الشيخين - فقال علي علیه السلام : « ليس هذا بأوّل يوم تظاهرتم فيه علينا ، فصبر جميل واللَّه المستعان على ما تصفون ، واللَّه ما ولّيته الأمر إلّا ليرده إليك، واللَّه كلّ يوم في شأن » فقال عبدالرحمن : لا تجعلنّ على نفسك سبيلاً يا علي - يعني أمر عمر أبا طلحة أن يضرب عنق المخالف - فقام علي علیه السلام فخرج ، وقال : « سيبلغ الكتاب أجله » فقال عمّار : « يا عبدالرحمن ! أما واللَّه لقد تركته ، وانّه من الذين يقضون

ص: 181


1- انساب الأشراف : 5/508 ، ش 1311 .
2- الامامة والسياسة : 1/30 .

بالحق وبه كانوا يعدلون » فقال المقداد : « تاللَّه ما رأيت مثل ما أتى إلى أهل هذا البيت بعد نبيّهم ، وا عجبا لقريش ! لقد تركت رجلاً ما أقول ولا أعلم أن أحداً أقضى بالعدل ولا أعلم ولا أتقى منه ! أما واللَّه لو أجد أعواناً ! » فقال عبدالرحمن : اتّق اللَّه يا مقداد ، فانّي خائف عليك الفتنة ، وقال علي علیه السلام : اني لأعلم ما في أنفسهم ، ان الناس ينظرون إلى قريش ، وقريش تنظر في صلاح شأنها ، فتقول : ان ولي الأمر بنو هاشم لم يخرج منهم أبداً ، وما كان في غيرهم فهو متداول في بطون قريش . قال : وقدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان فتلكأ ساعة ، ثمّ بايع(1) .

وقال أبو هلال العسكري في كتاب « الأوائل » : استجيبت دعوة علي علیه السلام في عثمان وعبدالرحمن ، فما ماتا إلّا متهاجرين متعاديين(2) .

دعوة علي علیه السلام في عثمان وعبدالرحمن

ودعائه علیه السلام فيهما انّه قال لهما : دقّ اللَّه بينكما عطر منشم(3) » .

ص: 182


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/194 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/196 .
3- قال الأصمعي : منشم ، بكسر الشين : اسم امرأة كانت بمكّة عطارة ، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيبوا مِن طيبها ، وكانوا إذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فيما بينهم ، فكان يقال : أشأم من عطر منشم ، فصار مثلاً . الصحاح للجوهري : 5/2041 .

قال الشعبي : أتى عبدالرحمن بن عوف بعد بيعة عثمان عليّاً علیه السلام واعتذر إليه وقال : ان عثمان أعطانا يده ويمينه ، ولم تفعل أنت ، فاحببت أن أتوثق للمسلمين ، فجعلتها فيه ، فقال علیه السلام : ايها عنك ! انّما آثرته بها لتنالها بعده ، دقّ اللَّه بينكما عطر منشم(1) .

وقال ابن أبي الحديد : لمّا بنى عثمان قصره طمار بالزوراء ، وصنع طعاماً كثيراً ، ودعا الناس إليه ، كان فيهم عبدالرحمن ، فلمّا نظر للبناء والطعام قال : يابن عفّان لقد صدّقنا عليك ما كنّا نكذّب فيك ، واني استعيذ باللَّه من بيعتك ، فغضب عثمان وقال : أخرجه عنّي يا غلام ، فأخرجوه ، وأمر الناس أن لا يجالسوه(2) .

وفي المعجم : الزوراء : دار عثمان بن عفّان بالمدينة والزوراء موضع عند سوق المدينة قرب المسجد(3) .

سبب العداوة بين عثمان وعبدالرحمن

روى انّ عثمان اعتل علّة اشتدّت به ، فدعا حمران بن أبان ، وكتب عهداً لمن بعده ، وترك موضع الاسم ، ثمّ كتب بيده : عبدالرحمن بن عوف ، وربطه وبعث إلى اُمّ حبيبة بنت أبي سفيان ، فقرأه حمران في الطريق فأتى عبدالرحمن فأخبره ، فقال عبدالرحمن - وغضب غضباً شديداً - : أستعمله علانية ، ويستعملني سرّاً ، ونمى الخبر وانتشر بذلك في المدينة ، وغضب بنو اُميّة - إلى أن قال - فكان سبب العداوة بينه وبين عبدالرحمن بن عوف(4) وذكر الثقفي في تاريخه عن أبي اسحاق قال : ضجّ الناس يوماً حين صلّوا الفجر في خلافة عثمان ، فنادوا بعبدالرحمن بن عوف ، فحوّل وجهه إليهم واستدبر القبلة ، ثمّ خلق قميصه من جنبه فقال : « يا معشر أصحاب محمّد ، يا معشر المسلمين ، اشهد اللَّه واشهدكم اني قد

ص: 183


1- السقيفة وفدك : 87 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 9/55 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/196 .
3- معجم البلدان : 3/156 .
4- تاريخ اليعقوبي : 2/169 .

خلعت عثمان من الخلافة كما خلعت سربالي هذا ، فأجابه مجيب من الصف الأوّل : ( آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )(1) » فنظروا من الرجل ، فاذا هو عليّ بن أبي طالب علیه السلام(2) .

كلام عمر في عبدالرحمن

ومن الغريب انّ عمر قال : سأستخلف النفر الذين توفي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهو عنهم راض - ثمّ ذكر عيب كلّ منهم وقال لعبدالرحمن : « وما يمنعني منك يا عبدالرحمن إلّا انّك فرعون هذه الأُمّة »(3) .

وهو أيضاً قارون هذه الأُمّة فقال ابن قتيبة : وقسم ميراثه على ستّة عشر سهماً ، فبلغ نصيب كلّ امرأة له ثمانين ألف درهم(4) .

وقال المسعودي : قد أتى عثمان بتركة عبدالرحمن بن عوف الزهري من المال فنثرت البدر حتّى حالت بين عثمان وبين الرجل القائم(5).

وروى الواحدي ان قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ )(6) نزلت في نفر من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، منهم عبدالرحمن بن عوف(7) .

ص: 184


1- سورة يونس : 91 .
2- تقريب المعارف : 281 ؛ بحار الأنوار : 31/288 .
3- الامامة والسياسة : 1/28 - 29 .
4- المعارف : 236 .
5- مروج الذهب : 2/340 .
6- سورة سورة النساء : 77 .
7- أسباب النزول الواحدي : 111 .

وقال ابن قتيبة : وكان به ج أي عبدالرحمن ج برش(1) ، فرخص له النبي صلی الله علیه وآله في لبس الحرير لذلك(2) .

وقال الصدوق ؛ : ولم يطلق النبي صلی الله علیه وآله لبس الحرير لأحد من الرجال إلّا لعبدالرحمن بن عوف ، وذلك انّه كان رجلاً قملاً(3) .

وينبغي التذييل بأُمور :

الأوّل : كيفيّة قتل عمر وقاتله :

فقاتله أبولؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة .

ذكر الواقدي قال : أخبرني نافع ، عن أبي نعيم ، عن عامر بن عبداللَّه ابن الزبير ، عن أبيه قال : غدوت مع عمر بن الخطّاب إلى السوق وهو متّكئ على يدي ، فلقيه أبولؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة ، فقال : ألا تكلّم مولاي يضع عنّي من خراجي ؟ قال : كم خراجك ؟ قال : دينار ، قال : ما أرى أن أفعل ، انك لعامل محسن وما هذا بكثير ، ثمّ قال له عمر : ألا تعمل لي رحى ؟ قال : بلى ، فلمّا ولى قال أبولؤلؤة : لأعملنّ لك رحى يتحدّث بها ما بين المشرق والمغرب .

قال : فوقع في نفسي قوله ، قال : فلمّا كان في النداء لصلاة الصبح خرج عمر إلى الناس ، يؤذنهم للصلاة ، قال ابن الزبير : وأنا في مصلاي ، وقد اضطجع له أبولؤلؤة ، فضربه بالسكّين ست طعنات احداهن تحت سرّته وهي قتلته(4) .

وعن عمرو بن ميمون الأودي قال : وجائه بسكين له طرفان ، فلمّا جرح عمر

ص: 185


1- ب : « برص » .
2- المعارف : 235 .
3- من لا يحضره الفقيه : 1/253 ، ح775 .
4- الاستيعاب : 3/1154 .

جرح معه ثلاثة عشر رجلاً في المسجد ، ثمّ أخذ ، فلمّا أخذ قتل نفسه(1) .

وروى أيضاً ان عمر لمّا ضربه أبولؤلؤة بالسكين في بطنه قال : ادعوا لي الطبيب ، فدعى الطبيب ، فقال : أي الشراب أحبّ إليك ؟ قال : النبيذ ، فسقى نبيذاً ، فخرج من بعض طعناته ، فقال الناس : هذا دم صديد ، قال : اسقوني لبناً ، فخرج من الطعنة ، فقال له الطبيب : لا أرى أن تمسى ، فما كنت فاعلاً فافعل وذكر تمام الخبر في الشورى(2) .

قال بعض أصحابنا : ولقد كان يحب أن يلاقى اللَّه سبحانه وبطنه الممزوق ممتلئ من الشراب ، فانظروا يا أُولي الألباب(3) .

الثاني : في ذكر أخبار الشورى من طرق العامّة :

عن عمرو بن ميمون الأودي : انّ عمر بن الخطّاب لمّا طعن قيل له : يا أميرالمؤمنين لو استخلفت ، قال : من استخلف ؟ لو كان أبو عبيدة ابن الجرّاح حيّاً استخلفته ، فان سألني ربّي قلت : سمعت نبيّك يقول : انّه أمين هذه الأُمّة ، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيّاً استخلفته ، ان سألني ربّي قلت : سمعت نبيّك يقول : انّ سالماً شديد الحب للَّه ، فقال له رجل : أدلّك عليه : عبداللَّه بن عمر ، فقال : قاتلك اللَّه ، واللَّه ما أردت اللَّه بهذا ، ويحك كيف استخلف رجلاً عجز عن طلاق امرأته ؟(4) .

وقال ابن أبي الحديد : انّ عمر لمّا طعنه أبو لؤلؤة ، وعلم انّه ميّت ، استشار فيمن

ص: 186


1- الاستيعاب : 3/1155 .
2- الاستيعاب : 3/1154 .
3- منهاج البراعة للخوئي : 3/76 .
4- تاريخ الطبري : 3/292 ؛ الكامل في التاريخ : 3/65 .

يولّيه الأمر بعده ، فاشير عليه بابنه عبداللَّه ، فقال : لاها اللَّه إذا لا يليها رجلان من ولد الخطاب ، حسب عمر ما حمل ، حسب عمر ما احتقب ، لاها اللَّه ! لا أتحملها حيّاً وميّتاً ! ثمّ قال : إنّ رسول اللَّه مات وهو راض عن هذه الستّة من قريش : علي ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وعبدالرحمن بن عوف ، وقد رأيت أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم ، ثمّ قال : إن استخلف فقد استخلف من هو خير منّي - يعني أبا بكر - وإن أترك فقد ترك من هو خير منّي - يعني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله - ثمّ قال : ادعوهم لي ، فدعوهم ، فدخلوا عليه وهو ملقى على فراشه يجود بنفسه ، فنظر إليهم فقال : أكلكم يطمع في الخلافة بعدي ؟ فوجموا ، فقال لهم ثانية ، فأجابه الزبير وقال : وما الذي يبعدنا منها ، وليتها أنت فقمت بها ، ولسنا دونك في قريش ولا في السابقة ولا في القرابة .

قال الشارح :

قال الشيخ أبوعثمان الجاحظ : واللَّه لولا علمه ان عمر يموت في مجلسه ذلك لم يقدم على أن يفوه من هذا الكلام بكلمة ، ولا أن ينبس منه بلفظة ، فقال عمر : أفلا أخبركم عن أنفسكم ! قال : قل ، فإنّا لو استعفيناك لم تعفنا ، فقال : أمّا أنت يا زبير فوعق(1) لقس(2) مؤمن الرضا ، كافر الغضب ، يوماً انسان ويوماً شيطان ، ولعلّها لوأفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مدّ من شعير ! أفرأيت إن أفضت إليك ، فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطاناً ، ومن يكون يوم تغضب ! وما كان اللَّه ليجمع لك أمر هذه الأُمّة وأنت على هذه الصفة .

ص: 187


1- رجل وعق أي سيّئ الخلق .
2- لقس : لقست نفسه إلى شي ء أي نازعت إليه ، واللقس : من لا يستقيم على وجه .

ثمّ أقبل على طلحة - وكان له مبغضاً منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ما قال في عمر - فقال له : أقول أم أسكت ؟ قال : قل ، فانّك لا تقول من الخير شيئاً ، قال : أما انّي أعرفك منذ اصيبت اصبعك يوم أُحد وائياً(1) بالذي حدث لك ، ولقد مات رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ساخطاً عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب .

قال الشارح : قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ : الكلمة المذكورة أن طلحة لمّا انزلت آية الحجاب قال بمحضر ممّن نقل عنه إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : ما الذي يغنيه حجابهنّ اليوم ، وسيموت غداً فننكحهنّ !

قال أبو عثمان أيضاً : لو قال لعمر قائل : - أنت قلت : ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله مات وهو راض عن الستّة ، فكيف تقول الآن لطلحة انّه صلی الله علیه وآله مات ساخطاً عليك للكلمة التي قلتها ؟ - لكان قد رماه بمشاقصه(2) .

ولكن من الذي كان يجسر على عمر أن يقول له ما دون هذا ، فكيف هذا ؟ ! قال : ثمّ أقبل على سعد بن أبي وقّاص فقال : إنّما أنت صاحب مقنب(3) من هذه المقانب ، تقاتل به ، وصاحب قنص وقوس وأسهم ، وما زهرة(4) والخلافة وأُمور الناس ؟ !

ثمّ أقبل على عبدالرحمن بن عوف ، فقال : وأمّا أنت يا عبدالرحمن ، فلو وزن نصف إيمان المسلمين بايمانك لرجح ايمانك به ، ولكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك ، وما زهرة وهذا الأمر ؟ !

ص: 188


1- وائياً : غاضباً .
2- المشاقص : جمع مشقص ، وهو نصل السهم إذا كان طويلاً .
3- المقنب من الخيل الأربعون والخمسون وأكثر ويعني انّه صاحب جيوش .
4- زهرة : قبيلة سعد بن أبي وقّاص .

ثمّ أقبل على عليّ علیه السلام ، فقال : للَّه أنت لولا دعابة فيك ! أما واللَّه لئن ولّيتهم لتحملنّهم على الحق الواضح ، والمحجّة البيضاء .

ثمّ أقبل على عثمان ، فقال : هيها(1) إليك ! كأنّي بك قد قلّدتك قريش هذا الأمر لحبّها إليك ، فحملت بني أُميّة وبني أبي معيط على رقاب الناس ، وآثرتهم بالفي ء ، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب ، فذبحوك على فراشك ذبحاً ، واللَّه لئن فعلوا لتفعلنّ ، ولئن فعلت ليفعلنّ ، ثمّ أخذ بناصيته ، فقال : فاذا كان ذلك فاذكر قولي ، فانه كائن - إلى أن قال - ثمّ قال : ادعوا إلى أبا طلحة الأنصاري ، فدعوه له فقال : انظر يا أبا طلحة ، اذا عدتم من حفرتي فكن في خمسين رجلاً من الأنصار حاملي سيوفكم ، فخذ هؤلاء النفر بامضاء الأمر وتعجيله ، واجمعهم في بيت وقِفْ بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا ويختاروا واحداً منهم ، فان اتّفق خمسة وأبى واحد فاضرب عنقه ، وإن اتّفق أربعة وأبى اثنان فاضرب أعناقهما ، وان اتّفق ثلاثة وخالف ثلاثة ، فانظر الثلاثة التي فيها عبدالرحمن ، فارجع إلى ما قد اتّفقت عليه ، فان اصرت الثلاثة الاخرى على خلافها فاضرب أعناقهما ، وإن مضت ثلاثة أيّام ولم يتّفقوا على أمر فاضرب أعناق الستّة ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم .

فلمّا دفن عمر ، جمعهم أبو طلحة ، ووقف على باب البيت بالسيف في خمسين من الأنصار ، حاملي سيوفهم ، ثمّ تكلّم القوم وتنازعوا ، فأوّل ما عمل طلحة أنّه اشهدهم على نفسه أنّه قد وهب حقّه من الشورى لعثمان ، وذلك لعلمه انّ الناس لا يعدلون به عليّاً وعثمان ، وانّ الخلافة لا تخلص له وهذان موجودان ، فأراد تقوية

ص: 189


1- هيها : الهية من ينحى لدنس ثيابه .

أمر عثمان وإضعاف جانب علي علیه السلام بهبة أمر لا انتفاع له به ، ولا تمكن له منه .

فقال الزبير في معارضته : وأنا اشهدكم على نفسي اني قد وهبت حقّي من الشورى لعلي ، وإنّما فعل ذلك لأنّه لمّا رأى عليّاً قد ضعف وانخزل بهبة طلحة حقّه لعثمان دخلته حميّة النسب ، لأنّه ابن عمّة أميرالمؤمنين علیه السلام ، وهي صفيّة بنت عبدالمطلب ، وأبو طالب خاله ، وإنّما مال طلحة إلى عثمان لانحرافه عن علي علیه السلام باعتبار أنّه تيمي ، وابن عم أبي بكر - إلى أن قال - فبقى من الستّة أربعة ، فقال سعد بن أبي وقّاص : وأنا قد وهبت حقّي من الشورى لابن عمّي عبدالرحمن - وذلك لأنّهما من بني زهرة ، ولعلم سعد ان الأمر لا يتمّ له - فلمّا لم يبق إلّا الثلاثة ، قال عبدالرحمن لعلي وعثمان : أيّكما يخرج نفسه من الخلافة ، ويكون إليه الاختيار في الاثنين الباقيين ؟ فلم يتكلّم منهما أحد ، فقال عبدالرحمن : أشهدكم انني قد اخرجت نفسي من الخلافة ، على أن أختار أحدهما ، فأمسكا ، فبدأ بعلي علیه السلام وقال له : ابايعك على كتاب اللَّه ، وسنّة رسول اللَّه ، وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر ، فقال : بل على كتاب اللَّه وسنّة رسوله واجتهاد رأيي .

فعدل عنه إلى عثمان ، فعرض ذلك عليه ، فقال : نعم ، فعاد إلى علي علیه السلام فأعاد قوله ، فعل ذلك عبدالرحمن ثلاثاً ، فلمّا رأى انّ عليّاً غير راجع عمّا قاله ، وانّ عثمان ينعم له(1) بالاجابة صفق على يد عثمان ، وقال : السلام عليك يا أميرالمؤمنين ، فيقال : انّ عليّاً علیه السلام قال له : واللَّه ما فعلتها إلّا لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه ، دقّ اللَّه بينكما عطر منشم ، قيل : ففسد بعد ذلك بين

ص: 190


1- أنعم له ، إذا قال مجيباً « نعم » .

عثمان وعبدالرحمن ، فلم يكلّم أحدهما صاحبه حتّى مات عبدالرحمن(1) .

أقول : وفي هذه القضيّة اشارات لا يخفى على أهل البصيرة واليقين ومن أراد التفصيل فليراجع إلى منهاج البراعة(2) .

الثالث : في ذكر طائفة من الاحتجاجات التي احتجّ بها الامام علیه السلام في مجلس الشورى ومناشداته معهم وتعديد فضائله وذكر خصائصه وهي كثيرة ونحن نقتصر على رواية واحدة .

روى الطبرسي عن عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام قال : إن عمر بن الخطّاب لمّا حضرته الوفاة وأجمع على الشورى بعث إلى ستّة نفر من قريش إلى علي بن أبي طالب علیه السلام ، وإلى عثمان بن عفان ، وإلى الزبير بن العوام ، وإلى طلحة بن عبيداللَّه ، وعبدالرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وأمرهم أن يدخلوا إلى البيت ولا يخرجوا منه حتّى يبايعوا لأحدهم ، فإن اجتمع أربعة على واحد وأبى واحد أن يبايعهم قتل ، وإن امتنع اثنان وبايع ثلاثة قتلا ، فأجمع رأيهم على عثمان .

فلمّا رأى أميرالمؤمنين علیه السلام ما همّ القوم به من البيعة لعثمان ، قام فيهم ليتخذ عليهم الحجّة فقال علیه السلام لهم : اسمعوا منّي كلامي ، فإن يك ما أقول حقّا فاقبلوا ، وإن يك باطلا فأنكروا ، ثم قال لهم : أنشدكم باللَّه الذي يعلم صدقكم إن صدقتم ويعلم كذبكم إن كذبتم ، هل فيكم أحد صلى القبلتين كلتيهما غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم من بايع البيعتين كلتيهما ، بيعة الفتح وبيعة

ص: 191


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/185 .
2- منهاج البراعة للخوئي ؛ : 3/75 .

الرضوان غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أخوه المزيّن بالجَناحين في الجنة غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد عمّه سيّد الشهداء غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد زوجته سيدة نساء العالمين غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد ابناه ابنا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهما سيدا شباب أهل الجنة غيري ؟ قالوا : لا .

قال نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد عرف الناسخ من المنسوخ غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أذهب اللَّه عنه الرجس وطهره تطهيرا غيري ؟ قالوا : لا .

قال نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد عاين جبرئيل في مثال دحية الكلبي غيري ؟ قالوا : لا .

قال نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أدّى الزكاة وهو راكع غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد مسح رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عينيه وأعطاه الراية يوم خيبر فلم يجد حرّاً ولا برداً غيري ؟ قالوا : لا .

قال نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد نصبه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يوم غدير خم بأمر اللَّه تعالى فقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد هو أخو رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في الحضر ورفيقه

ص: 192

في السفر غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد بارز عمرو بن عبدودّ يوم الخندق وقتله غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد سمّاه اللَّه تعالى في عشر آيات من القرآن مؤمنا غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد ناول رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قبضة من التراب ، فرمى بها في وجوه الكفار فانهزموا ، غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد وقفت الملائكة معه يوم أُحد حتّى ذهب الناس غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قضى دين رسول اللَّه صلی الله علیه وآله غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد اشتاقت الجنّة إلى رؤيته غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد شهد وفاة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد غسل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وكفنه ولحّده غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد ورث سلاح رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ورايته وخاتمه غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد جعل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله طلاق نسائه بيده

ص: 193

غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد حمله رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على ظهره حتى كسر الأصنام على باب الكعبة غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد نودي باسمه من السماء يوم بدر : « لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتى إلّا علي » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أكل مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من الطائر المشوي الذي أهدي إليه غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله « أنت صاحب رايتي في الدنيا وصاحب لوائي في الآخرة غيري ؟ » قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قدّم بين يدي نجواه صدقةً غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد خصف نعل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنا أخوك وأنت أخي » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت أحب الخلق إلي وأقولهم بالحق »غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد وجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله جائعا فاستقى مائة دلو بمائة تمرة وجاء بالتمر فأطعمه رسول اللَّه غيري ؟ وهو جائع قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد سلم عليه جبرئيل وميكائيل وإ سرافيل في ثلاثة آلاف من الملائكة يوم بدر غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد غمض عين رسول اللَّه صلی الله علیه وآله غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد وحّد اللَّه قبلي غيري ؟ قالوا : لا .

ص: 194

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد كان أول داخل على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وآخر خارج من عنده غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد مشى مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فمرّ على حديقة فقلت : ما أحسن هذه الحديقة ! فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « وحديقتك في الجنة أحسن من هذه » حتى مررت على ثلاث حدائق كلّ ذلك يقول رسول اللَّه : « حديقتك في الجنة أحسن من هذه » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت أوّل من آمن بي وصدّقني وأوّل من يَرِد عليّ الحوض يوم القيامة » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أخذ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بيده ويد امرأته وابنيه حين أراد أن يباهل نصارى أهل نجران غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أول طالع يطلع عليكم من هذا الباب يا أنس ، فإنه أميرالمؤمنين وسيد المسلمين وأولى الناس بالناس » فقال أنس : اللهمّ اجعله رجلاً من الأنصار فكنت أنا الطالع ، فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لأنس : « ما أنت بأوّل رجل أحبّ قومه » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهُمْ راكِعُونَ )(1) غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أنزل اللَّه فيه وفي ولده : ( إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ

ص: 195


1- سورة سورة المائدة : 55 .

مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً )(1) إلى آخر السورة غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أنزل اللَّه فيه : ( أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآْخِرِ وجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ )(2) غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد علّمه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ألف كلمة كل كلمة مفتاح ألف كلمة غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد ناجاه رسول اللَّه يوم الطائف ، فقال أبو بكر وعمر : « يا رسول اللَّه ناجيت عليا دوننا ؟ ! » فقال لهما النبي صلی الله علیه وآله : « ما أنا ناجيته بل اللَّه أمرني بذلك » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد سقاه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من المهراس(3) غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت أقرب الخلق مني يوم القيامة ، يدخل بشفاعتك الجنة أكثر من عدد ربيعة ومضر » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « يا علي أنت تُكسى حين أُكسى » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت وشيعتك

ص: 196


1- سورة الانسان : 55 .
2- سورة التوبة : 1صلی الله علیه وآله .
3- المهراس حجر منقور يدق فيه ويتوضّأ .

الفائزون يوم القيامة » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « كذب من زعم أنه يحبّني ويبغض هذا » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله من أحبّ شطراتي هذه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب اللَّه » ، فقيل له : وما شطراتك ؟ قال : « علي ، والحسن ، والحسين ، وفاطمة » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت خير البشر بعد النبيين » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت الفاروق تفرّق بين الحق والباطل » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت أفضل الخلائق عملا يوم القيامة بعد النبيين » غيري ؟ قالوا : لا .

قال: نشدتكم باللَّه، هل فيكم أحد أخذ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله كسائه عليه وعلى زوجته وعلى ابنيه ثم قال : « اللهمّ أنا وأهل بيتي إليك لا إلى النار » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد كان يبعث إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله الطعام وهو في الغار ويخبره بالأخبار غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « لا سرّ دونك » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت أخي ووزيري وصاحبي من أهلي » غيري ؟ قالوا : لا .

ص: 197

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت أقدمهم سلماً وأفضلهم علماً وأكثرهم حلماً » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قتل مرحباً اليهودي ، فارس اليهود مبارزةً غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد عرض عليه النبي صلی الله علیه وآله الإسلام فقال له : « أنظرني حتى ألقى والدي » فقال له النبي صلی الله علیه وآله : « فإنها أمانة عندك ، فقلت : فإن كانت أمانة عندي فقد أسلمت » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد احتمل باب خيبر حين فتحها ، فمشى به مائة ذراع ، ثم عالجه بعده أربعين رجلاً فلم يطيقوه غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً )(1) فكنت أنا الذي قدّم الصدقة غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب اللَّه » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « منزلي مواجه منزلك في الجنة » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « قاتل اللَّه من قاتلك وعادى اللَّه من عاداك » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد اضطجع على فراش رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حين

ص: 198


1- سورة المجادلة : 12 .

أراد أن يسير إلى المدينة ووقاه بنفسه من المشركين حين أرادوا قتله غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله « أنت أولى الناس بأُمّتي بعدي » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت يوم القيامة عن يمين العرش واللَّه يكسوك ثوبين أحدهما أخضر والآخر وردي » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد صلّى قبل الناس بسبع سنين وأَشْهُر غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنا يوم القيامة آخذ بحجزة ربي والحجزة النور وأنت آخذ بحجزتي وأهل بيتي آخذ بحجزتك » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أنت كنفسي وحبك حبي وبغضك بغضي قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «ولايتك كولايتي عَهْدٌ عهده إليّ ربي وأمرني أن أ بلّغكموه » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «اللهمّ اجعله لي عونا وعضدا وناصرا غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «المال يعسوب الظلمة وأنت يعسوب المؤمنين » غيري ؟ قالوا : لا .

ص: 199

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «لأبعثن إليكم رجلا امتحن اللَّه قلبه للإيمان » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أطعمه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله رمانة وقال هذه من رمان الجنة لا ينبغي أن يأكل منه إلا نبي أو وصي نبي غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «ما سألت ربي شيئا إلا أعطانيه ولم أسأل ربي شيئا إلا سألت لك مثله » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «أنت أقومهم بأمر اللَّه وأوفاهم بعهد اللَّه وأعلمهم بالقضية وأقسمهم بالسوية وأعظمهم عند اللَّه مزية » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «فضلك على هذه الأمة كفضل الشمس على القمر وكفضل القمر على النجوم » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «يدخل اللَّه وليك الجنة وعدوك النار » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «الناس من أشجار شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «أنا سيد ولد آدم وأنت سيد العرب والعجم ولا فخر » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد رضي اللَّه عنه في الآيتين من القرآن غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «موعدك موعدي

ص: 200

وموعد شيعتك عند الحوض إذا خافت الأمم ووضعت الموازين » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «اللهمّ إني أحبه فأحبه اللهمّ إني أستودعكه » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «أنت تحاج الناس فتحججهم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقام الحدود والقسم بالسوية » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد أخذ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بيده يوم بدر فرفعها حتى نظر الناس إلى بياض إبطيه وهو يقول : « ألا إن هذا ابن عمي ووزيري فوازروه وناصحوه وصدقوه فإنّه وليّكم » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية ( ويُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ ولَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ومَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )(1) غيري ؟ قالوا : لا .

قال : نشدتكم باللَّه ، فهل فيكم أحد كان جبرئيل أحد ضيفانه غيري ؟ قالوا : لا .

قال فهل فيكم أحد أعطاه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حنوطا من حنوط الجنة ثم أقسمه أثلاثا ثلثا لي تحنطني به وثلثا لابنتي وثلثا لك غيري ؟ قالوا : لا .

قال فهل فيكم أحد كان إذا دخل على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حياه وأدناه ورحب به وتهلل له وجهه غيري ؟ فقالوا لا قال فهل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «أنا أفتخر بك يوم القيامة إذا افتخرت الأنبياء بأوصيائها » غيري ؟ قالوا : لا .

ص: 201


1- سورة الحشر : صلی الله علیه وآله .

قال فهل فيكم أحد سرحه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بسورة براءة إلى المشركين من أهل مكة غيري ؟ قالوا : لا .

قال فهل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «إني لأرحمك من ضغائن في صدور أقوام عليك لا يظهرونها حتى يفقدوني فإذا فقدوني خالفوا فيها » غيري ؟ قالوا : لا .

قال فهل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : «أدى اللَّه عن أمانتك أدى اللَّه عن ذمتك » غيري ؟ قالوا : لا .

قال فهل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « أنت قسيم النار تخرج منها من زكا وتذر فيها كلّ كافر » غيري ؟ قالوا : لا .

قال : فهل فيكم أحد فتح حصن خيبر وسَبى بنت مرحب فأدّاها إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله غيري ؟ قالوا : لا .

قال : فهل فيكم أحد قال له رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « ترد عليّ الحوض أنت وشيعتك رواءً مرويّين ، مبيضة وجوههم ، ويرد عليّ عدوّك ظماء مظمئين مقتحمين مسودّة وجوههم » غيري ؟ قالوا : لا .

قال لهم أميرالمؤمنين علیه السلام : أما إذا أقررتم على أنفسكم واستبان لكم ذلك من قول نبيكم فعليكم بتقوى اللَّه وحده لا شريك له وأنهاكم عن سخطه ولا تعصوا أمره وردّوا الحق إلى أهله واتّبعوا سنّة نبيّكم فإنّكم إن خالفتم خالفتم اللَّه فادفعوها إلى من هو أهله وهي له .

قال : فتغامزوا فيما بينهم وتشاوروا وقالوا : قد عرفنا فضله وعلمنا أنّه أحقّ الناس بها ولكنّه رجل لا يفضل أحدا على أحد فإن ولّيتموها إيّاه جعلكم وجميع

ص: 202

الناس فيها شِرعاً سواءً ، ولكن ولّوها عثمان فإنه يهوى الذي تهوون » فدفعوها إليه(1) .

إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ

عثمان بن عفّان بن أبي العاص بن أُميّة .

وفي قوله علیه السلام : « ثالث القوم » ايماء إلى انّه كان معيّناً من قبل حسب معاهدتهم .

وفي الطبري : كان عثمان يدعى في إمارة عمر رديفاً ، قالوا : والرديف بلسان العرب الذي بعد الرجل ، والعرب تقول ذلك للرجل الذي يرجونه بعد رئيسهم(2) .

وعن حارثة بن مضرب قال : حججت مع عمر بن الخطّاب فسمعت الحادي يحدو : « ان الأمير بعده عثمان » كما مرّ(3) .

وأمّا أبوه عفّان ، ذكر هشام الكلبي في كتاب المثالب : « كان عفان يضرب بالدف »(4) .

وأمّا جدّه أبوالعاص ، وفيه يجتمع مع مروان بن الحكم - وقد نقل خبره ابن أبي الحديد عند كلامه لأبي ذر - ان أبا ذر قال لعثمان بعد تسيير معاوية له من الشام إليه : « واشهد لسمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً جعلوا مال اللَّه دولا ، وعباد اللَّه خولا ، ودين اللَّه دخلا .

فقال عثمان لمن حضره : أسمعتموها من نبي اللَّه ؟ فقالوا : ما سمعناه فقال

ص: 203


1- الاحتجاج : 1/134 ؛ بحار الأنوار : 31/330 ، ح 2 .
2- تاريخ الطبري : 3/2 سنة 14 .
3- تاريخ مدينة دمشق : 3صلی الله علیه وآله/188 .
4- الطرائف : 2/4صلی الله علیه وآلهصلی الله علیه وآله .

عثمان : ويلك يا أبا ذر أتكذب على رسول اللَّه ؟ ! فقال أبو ذر لمن حضر : أما تظنّون أنّي صدقت ؟ ! قالوا : لا واللَّه ما ندري فقال عثمان : ادعوا لي عليا فدعي فلما جاء قال عثمان لأبي ذر : اقصص عليه حديثك في بني أبي العاص فحدّثه فقال عثمان لعلي : هل سمعت هذا من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ؟ فقال علي علیه السلام : لا وقد صدق أبو ذر قال عثمان بم عرفت صدقه ؟

قال : لأني سمعت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر

فقال جميع من حضر من أصحاب النبي صلی الله علیه وآله لقد صدق أبو ذر فقال أبو ذر : أحدثكم أني سمعت هذا من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ثمّ تتّهمونني ! ما كنت أظن أنّي أعيش حتّى أسمع هذا من أصحاب محمد صلی الله علیه وآله(1) .

وقال السدي عند قوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا )(2) ، لمّا توفّي أبو سلمة وخنيس بن حذيفة وتزوّج رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بأمرأتيهما اُمّ سلمة وحفصة ، قال طلحة وعثمان : أينكح محمّد نسائنا إذا متنا ، ولا ننكح نسائه إذا مات ، واللَّه لو قد مات لقد أجلنا على نسائه بالسهام ، وكان طلحة يريد عائشة ، وعثمان يريد اُمّ سلمة ، فأنزل اللَّه : ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا)(3) الآية ، وأنزل اللَّه تعالى : ( إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ

ص: 204


1- شرح نهج البلاغة : 3/56 ؛ بحار الأنوار : 31/1علیه السلامعلیه السلام .
2- سورة الأحزاب : 53 .
3- سورة الأحزاب : 53 .

شَيْ ءٍ عَلِيمًا )(1) وأنزل : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا )(2) (3) .

ومن كتاب السدي عند قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )(4) قال السدي : لما اُصيب أصحاب النبي صلی الله علیه وآله باُحد قال عثمان : « لألحقنّ بالشام فانّ لي به صديقاً من اليهود يقال له : دهلك ، فلآخذنّ منه أماناً ، فانّي أخاف أن يدال علينا اليهود ، وقال طلحة بن عبيداللَّه : لأخرجنّ إلى الشام فانّ لي صديقاً من النصارى ، فلآخذنّ منه أماناً فانّي أخاف أن يدال علينا النصارى ، وقال السدي : فأراد أحدهما أن يتهوّد والآخر أن يتنصّر(5) .

وروى السدى أيضاً لمّا فتح رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بني النضير وقسّم أموالهم قال عثمان لعلي علیه السلام ائت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فاسأله أرض كذا وكذا ، فان أعطاكها فأنا شريكك فيها أو آتيه أنا فأسأله إيّاها ، فان اعطانيها فأنت شريكي فيها ، فسأله عثمان ، فأعطاها إيّاها ، فقال له علي علیه السلام : فاشركني فأبى عثمان الشركة ، فقال بيني وبينك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فأبى أن يخاصمه إلى النبي صلی الله علیه وآله ، فقيل له لِم لا تنطلق معه إلى النبي صلی الله علیه وآله ؟ فقال : هو ابن عمّه ، فأخاف أن يقضي له ، فنزل قوله تعالى :

( وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ

ص: 205


1- سورة الأحزاب : 54 .
2- سورة الأحزاب : 57 .
3- الطرائف : 2/492 .
4- سورة المائدة : 51 .
5- الطرائف : 2/494 .

لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ )(1) (2) .

وفي الطبري : كان الناس انهزموا عن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، حتّى انتهى بعضهم إلى المنقى دون الاعواص ، وفرّ عثمان بن عفّان ، وعقبة بن عثمان وسعد بن عثمان رجلان من الأنصار ، حتّى بلغوا الجلعب - جبلاً بناحية المدينة ممّا يلي الأعواص - فأقاموا به ثلاثاً - إلى أن قال - فزعموا أنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال لهم : لقد ذهبتم فيها عريضة(3) .

ومسنداً عن أمّ سلمة زوج النبي صلی الله علیه وآله قالت : لمّا بنى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله مسجده بالمدينة أمر باللبن يضرب وما يحتاج إليه ، ثمّ قام رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فوضع ردائه ، فلمّا رأى ذلك المهاجرون والأنصار وضعوا ارديتهم واكسيتهم يعملون ويرتجزون ويقولون :

لئن قعدنا والنبي يعمل * ذاك إذا لعمل مضلل

قالت : وكان عثمان بن عفّان رجلاً نضيفاً متنظفاً ، فكان يحمل اللبنة ويجافى بها عن ثوبه ، فاذا وضعها نفض كفيه ونظر إلى ثوبه ، فاذا أصابه شي ء من التراب نفضه ، فنظر إليه علي علیه السلام فأنشده :

لا يستوي من يعمر المساجد * يدأب فيها راجعاً وساجداً

وقائماً طوراً وطوراً قاعداً * ومن يرى عن التراب حائداً

ص: 206


1- سورة النور : 48 - 50 .
2- الطرائف : 2/493 .
3- تاريخ الطبري ( تحقيق : محمّد ابوالفضل إبراهيم ) : 2/522 ، سنة 3 .

فسمعها عمّار بن ياسر ، فجعل يرتجزها وهو لا يدري من يعني ، فسمعه عثمان فقال : يابن سميّة ، ما أعرفني بمن تعرّض ، ومعه جريدة ، فقال : لتكفّنّ أو لأعترضنّ بها وجهك ! فسمعه النبي صلی الله علیه وآله وهو جالس في ظل حائط ، فقال : « عمّار جلدة ما بين عينيّ وانفى ، فمن بلغ ذلك منه ، وأشار بيده فوضعها بين عينيه ، فكفّ الناس عن ذلك ، وقالوا لعمّار : انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قد غضب فيك ، ونخاف أن ينزل فينا قرآن(1) .

وعن أبي عبداللَّه علیه السلام قال : كان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعلي علیه السلام وعمّار يعملون مسجداً ، فمرّ عثمان في بزة له يخطر ، فقال له أميرالمؤمنين علیه السلام : ارجز به ، فقال عمّار :

لا يستوي من يعمر المساجدا * يظلّ فيها راكعاً وساجداً

ومن تراها عانداً معاندا * عن الغبار لا يزال حائدا

قال : فأتى النبي صلی الله علیه وآله فقال : ما أسلمنا لتشتم أعراضنا وأنفسنا ! فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : أفتحبّ أن تقال ؟ فنزلت آيتان : ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا )(2) - إلى أن قال - و( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ )(3) (4) .

وعن قيس بن أبي حازم قال : سمعت عليّاً علیه السلام يقول : انفروا إلى من يقاتل على دم حمال الخطايا ، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة انّه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة(5) .

ص: 207


1- العقد الفريد : 5/8صلی الله علیه وآله .
2- سورة الحجرات : 17 .
3- سورة الحجرات : 15 .
4- اختيار معرفة الرجال : 1/138 ، ح 5صلی الله علیه وآله ؛ بحار الأنوار : 30/237 ، ح 105 .
5- الغارات لابراهيم الثقفي : 1/40 ؛ بحار الأنوار : 34/50 .

وروى نصر بن مزاحم ان عمرو بن العاص قال لعمّار :

ما ترى في قتل عثمان ؟

قال : فتح لكم باب كلّ سوء .

قال عمرو : فعلي قتله ؟

قال عمّار : بل اللَّه ربّ علي قتله وعلي معه .

قال عمرو : أكنت فيمن قتله ؟

قال : كنت مع من قتله وأنا اليوم أقاتل معهم .

قال عمرو : فلم قتلتموه ؟

قال عمّار : أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه .

فقال عمرو : ألا تسمعون ، قد اعترف بقتل عثمان ؟

قال عمّار : وقد قالها فرعون قبلك لقومه : ( أَلَا تَسْتَمِعُونَ )(1) (2) .

وروى أبو مخنف عن ابن أبي ليلى قال : سمعت عمّاراً يقول لمّا جاء إلى الكوفة لنفر الناس إلى البصرة : « ما تركت في نفسي حزّة أهم إليّ من ألّا نكون نبشنا عثمان من قبره ، ثمّ أحرقناه بالنار »(3) .

وقد روى من طرق مختلفة وبأسانيد كثيرة انّ عمّاراً كان يقول : ثلاثة يشهدون على عثمان بالكفر وأنا الرابع ، وانا شر الأربعة(4) .

ص: 208


1- سورة الشعراء : 25 .
2- وقعة الصفّين : 338 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 8/22 ؛ بحار الأنوار : 33/30 .
3- شرح نهج البلاغة : 14/11 .
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 3/50 ؛ الشافي في الإمامة للشريف المرتضى 4/291 .

وروى عن زيد بن أرقم من طرق مختلفة انّه قيل له : بأيّ شي ء كفرتم ( أكفرتم ن خ ) عثمان ؟ فقال : بثلاث : جعل المال دولة بين الأغنياء ، وجعل المهاجرين من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بمنزلة من حارب اللَّه ورسوله ، وعمل بغير كتاب اللَّه(1) .

وعن القاسم بن مصعب العبدي قال : قام عثمان ذات يوم خطيباً ، ثمّ قال : « نسوة تكتبن(2) في الآفاق لتنكث بيعتي ويهراق دمي .

واللَّه لو شئت أن أملأ عليهنّ حجراتهنّ رجالاً سوداً وبيضاً لفعلت ، ألست ختن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على ابنتيه ؟ ألست جهزت جيش العسرة ؟ ألم آل رسول اللَّه صلی الله علیه وآله(3) إلى أهل مكّة ؟ » قال : إذ تكلّمت امرأة من وراء الحجاب - إلى أن قال - فقالت : صدقت ، لقد كنت ختن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على ابنتيه ، فكان منك فيهما ما قد علمت وجهّزت جيش العسرة ، وقد قال اللَّه تعالى : ( فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً)(4) .

وكتب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إلى أهل مكّة فيك عن بيعة الرضوان انّك(5) لم تكن لها أهلاً .

قال : فانتهرها عثمان ، فقالت : أما أنا فاشهد ان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال : انّ لكلّ أُمّة فرعون ، وانّك فرعون هذه الأُمّة(6) .

ص: 209


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 3/51 ؛ الشافي في الامامة للشريف المرتضى 4/2صلی الله علیه وآله1 .
2- في البحار : يكتبن .
3- في البحار : ألم اك رسول رسول اللَّه صلی الله علیه وآله .
4- سورة الأنفال : 36 .
5- في البحار : غيبك عن بيعة الرضوان لأنّك .
6- تقريب المعارف : 228 ؛ بحار الأنوار : 31/297 .

وروى : كان معاوية بن المغيرة بن أبي العاص الذي جدع أنف حمزة ومثّل به فيمن مثّل ، قد انهزم يوم أُحد فمضى على وجهه ، فبات قريباً من المدينة ، فلمّا أصبح دخل المدينة ، فأتى منزل عثمان بن عفّان بن أبي العاص - إلى أن قال - قال لعثمان : « جئتك لتجيرني » فأدخله عثمان داره وصيّره في ناحية منها ، ثمّ خرج إلى النبي صلی الله علیه وآله ليأخذ له منه أماناً ، فسمع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « انّ معاوية بالمدينة وقد أصبح بها ، فاطلبوه » ، فقال بعضهم : ما كان ليعدو منزل عثمان ، فاطلبوه فيه ، فدخل منزل عثمان ، فأشارت أُمّ كلثوم إلى الموضع الذي صيّره عثمان فيه ، فاستخرجوه من تحت حمارة لهم ، فانطلقوا به إلى النبي صلی الله علیه وآله ، فقال عثمان حين رآه : « ما جئت إلّا لأطلب له الأمان منك ، فهبه لي » فوهبه له ، وأجّله ثلاثاً ، واقسم : « لئن وُجِد بعدها بشي ء من أرض المدينة وما حولها ، ليقتلنّ » ، وخرج عثمان ، فجهّزه واشترى له بعيراً ، ثمّ قال له : « ارتحل » ، وصار رسول اللَّه إلى حمراء الأسد ، وأقام معاوية إلى اليوم الثالث ليتعرّف أخبار النبي صلی الله علیه وآله ويأتي بها قريشاً ، فلمّا كان في اليوم الرابع قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « انّ معاوية أصبح قريباً لم ينفذ ، فاطلبوه واقتلوه » - إلى أن قال - ويقال : ان الذي قتل معاوية بن المغيرة : علي علیه السلام(1) .

وفي أنساب البلاذري أيضاً نزل قوله تعالى : ( وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا )(2) في عبداللَّه بن سعد بن أبي سرح(3) ، وكان أخا عثمان من الرضاع

ص: 210


1- أنساب الأشراف : 1/337 ، ش 721 .
2- سورة النحل : 106 .
3- أنساب الأشراف : 1/160 ، ش 352 .

« فانّه أسلم وكان يكتب بين يدي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فيملي عليه « الكافرين » ، فيجعلها « الظالمين » ، ويملي عليه « عزيز حكيم » فيجعلها « عليم حكيم » واشباه هذا ، فقال : أنا أقول كما يقول محمّد ، وآتى بمثل ما يأتي به محمّد ، فأنزل اللَّه فيه :

( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ ءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ )(1) ، وهرب إلى مكّة مرتدّاً ، فأمر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بقتله ، وكان أخا عثمان بن عفّان من الرضاع ، فطلب فيه أشدّ طلب حتّى كفّ عنه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وقال : اما كان فيكم من يقوم إلى هذا الكلب قبل أن أؤمنه فيقتله ؟ فقال عمر - ويقال أبو اليسر - لو أومأت إلينا قتلناه ، فقال صلی الله علیه وآله : اني ما اقتل بالاشارة ، لأنّ الأنبياء لا يكون له خائنة الأعين .

قال البلاذري : وولّاه عثمان في خلافته مصر(2) .

نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَ مُعْتَلَفِهِ

نافجاً حضنيه رافعاً لهما والحضن ما بين الابط والكشح ، يقال للمتكبّر : جاء نافجاً حضنيه ويقال لمن امتلأ بطنه طعاماً جاء نافجاً حضنيه ومراده علیه السلام هذا الثاني والنثيل الروث والمعتلف موضع العلف يريد أن همّه الأكل والرجيع وهذا من ممض الذم(3) .

ص: 211


1- سورة الأنعام : 93 .
2- أنساب الأشراف : 1/358 ، ش746 .
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/197 .

وَ قَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ

روى الجوهري بعد ذكر بيعة ابن عوف لعثمان عن الشعبي : لمّا دخل عثمان رحله دخل إليه بنو أُميّة حتّى امتلأت بهم الدار ، ثمّ اغلقوها عليهم ، فقال أبو سفيان بن حرب : أعندكم أحد من غيركم ؟ قالوا : لا ، قال : يا بني أُميّة تلقفوها تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من عذاب ولا حساب ولا جنّة ولا نار ولا بعث ولا قيامة .

قال : فانتهره عثمان وساءه بما قال ، وأمر باخراجه .

قال الشعبي : فدخل عبدالرحمن بن عوف على عثمان فقال له : ما صنعت ، فواللَّه ما وقفت(1) حيث تدخل رحلك قبل أن تصعد المنبر ، فتحمد اللَّه وتثنى عليه ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتعد الناس خيراً .

قال : فخرج عثمان ، فصعد المنبر ، فحمد اللَّه وأثنى عليه ، ثمّ قال :

هذا مقام لم نكن نقومه ، ولم نعدّله من الكلام الذي يقام به في مثله(2) .

يَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ خضم ( خِضْمَةَ ) الإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ

رأى ابن عوف - الذي فوّض الأمر إلى عثمان وجعله خليفة - رؤياه انّه يأكل مال اللَّه أكل الابل نبت الربيع .

ففي العقد الفريد : قال سعد بن أبي وقّاص لعبدالرحمن بن عوف : ان اخترت نفسك فنعم .

ص: 212


1- وفي شرح ابن أبي الحديد : « ما وفقت » .
2- السفيقة وفدك : 87 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 9/53 .

فقال له : انّي قد خلعت نفسي منها على أن أختار - إلى أن قال - انّي رأيت [ في المنام ] كأنّي في روضة خضراء كثيرة العشب - إلى أن قال - ثمّ دخل بعير راتع فرتع في الروضة ، ولا واللَّه لا أكون بعير الرابع(1) .

أقول : ما الفرق بين أن يكون بنفسه البعير الراتع أو سبباً للبعير الراتع فيدخل النار لغيره وإنّما صار بما فعل من خسر الدنيا والآخرة فيدخل النار لغيره .

وولّى عثمان بن سعيد بن العاص الكوفة بعد الوليد بن عقبة وقال في بعض الأيّام - أو كتب به عثمان - : إنّما هذا السواد قطين لقريش ، فقال له الأشتر ، وهو مالك بن الحارث النخعي : أتجعل ما أفاء اللَّه علينا بظلال سيوفنا ومراكز رماحنا بستاناً لك ولقومك ؟(2) .

وعن أبي يحيى مولى معاذ بن عفراء الأنصاري قال : انّ عثمان بن عفّان بعث إلى الأرقم بن عبداللَّه - وكان خازن بيت مال المسلمين - فقال له : أسلفني(3) مائة ألف ج ألف ج درهم ، فقال له الأرقم : اكتب عليك بها صكّاً(4) للمسلمين ، قال : وما أنت وذاك ؟ لا أُمّ لك ، إنّما أنت خازن لنا ، قال : فلمّا سمع الأرقم ذلك خرج مبادراً إلى الناس فقال :

أيّها الناس عليكم بمالكم فانّي ظننت إنّي خازنكم ولم أعلم انّي خازن عثمان بن عفّان حتّى اليوم ومضى ، فدخل بيته ، فبلغ ذلك عثمان ، فخرج إلى الناس حتّى دخل المسجد ، ثمّ رقى المنبر وقال : أيّها الناس إنّ أبابكر كان يؤثر بني تيم على

ص: 213


1- العقد الفريد : 5/30 .
2- مروج الذهب : 2/33علیه السلام .
3- أسلفه مالاً : أقرضه إيّاه .
4- الصكّ : كتاب الاقرار بالمال أو غير ذلك . وكأنّه معرب « چك » .

الناس ، وإنّ عمر كان يؤثر بني عديّ على كلّ الناس وإنّي أؤثر واللَّه بني أُميّة على من سواهم ، ولو كنت جالساً بباب الجنّة ثمّ استطعت أن أدخل بني أُميّة جميعاً الجنّة لفعلت ، وانّ هذا المال لنا ، فان احتجنا إليه أخذناه ، وإن رَغِمَ أنف أقوام ، فقال عمّار بن ياسر ؛ : معاشر المسلمين ! اشهدوا انّ ذلك مرغم لي ، فقال عثمان : وأنت هاهنا ، ثمّ نزل من المنبر فجعل يتوطّأه برجله حتّى غشي على عمّار ، واحتمل وهو لا يعقل إلى بيت أُمّ سلمة ، فأعظم الناس ذلك . وبقي عمّار مغمىً عليه لم يصلّ يومئذٍ الظهر والعصر والمغرب ، فلمّا أفاق قال : « الحمد للَّه ، فقديماً أُوذيت في اللَّه وأنا أحتسب ما أصابني في جنب اللَّه بيني وبين عثمان العدل الكريم يوم القيامة » .

قال : وبلغ عثمان انّ عمّاراً عند أُمّ سلمة ، فأرسل إليها ، فقال : ممّا هذه الجماعة في بيتك مع هذا الفاجر ، اخرجيهم من عندك ، فقالت : واللَّه ما عندنا مع عمّار إلّا بنتاه ، فأجتنبنا يا عثمان واجعل سطوتك حيث شئت ، وهذا صاحب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يجود بنفسه من فعالك به - إلى أن قال - ثمّ انّ عمّاراً ؛ صلح من مرضه فخرج إلى مسجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فبينما هو كذلك إذ دخل ناعي أبي ذر على عثمان من الربذة فقال : انّ أباذر مات بالربذة وحيداً ، ودفنه قوم سَفْر(1) ، فاسترجع عثمان وقال رحمه اللَّه ، فقال عمّار : رحم اللَّه أبا ذر من كلّ أنفسنا ، فقال له عثمان : وانّك لَهُناك بعد ، أتراني ندمت على تسييري إيّاه ؟ فقال له عمّار : لا واللَّه

ص: 214


1- يقال رجل وقوم سفر - بالفتح والسكون - أي ذو سفر ، وهم أحنف بن قيس التميمي ، وصعصعة بن صوحان العبدي ، وخارجة بن الصلت التميمي ، وهلال بن مالك المزني ، وجرير بن عبداللَّه البجليّ ، وأسود بن يزيد النخعي ، وعلقمة بن قيس النخعي ، ومالك الأشتر النخعي .

ما أظنّ ذاك ، قال : وأنت أيضاً فالحق بالمكان الذي كان فيه أبوذر فلا تبرحه(1) ما حيينا ، قال عمّار : افعل ، واللَّه لمجاورة السباع أحبّ إليّ من مجاورتك ، قال : فتهيّأ عمّار للخروج ، وجائت بنو مخزوم إلى أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام فسألوه أن يقوم معهم إلى عثمان يستنزله(2) عن تسيير عمّار(3) .

وعن أُمّ بكر بنت المسور قالت : لمّا بنى مروان داره بالمدينة دعا الناس إلى طعامه ، وكان المسور فيمن دعا ، فقال مروان وهو يحدّثهم : واللَّه ما أنفقت في داري هذه من مال المسلمين درهماً فما فوقه ، فقال المسور : لو أكلت طعامك وسكت لكان خيراً لك ، لقد غزوت معنا افريقيّة وانّك لأقلنا مالاً ورفيقاً وأعواناً وأخفنا ثقلاً ، فأعطاك ابن عفّان خمس افريقيّة ، وعملت على الصدقات ، فأخذت أموال المسلمين .

وروى عن أُمّ بكر عن أبيها قالت : قدمت إبل الصدقة على عثمان فوهبها للحارث بن الحكم بن أبي العاص(4) .

وروى أيضاً أنّه ولّى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمائة ألف ، فوهبها له حين أتاه بها(5) .

وعن عبدالرحمن بن يسار قال : رأيت عامل صدقات المسلمين على سوق

ص: 215


1- برح - من باب علم - المكان ومنه : زال عنه .
2- استنزله عن رأيه : طلب نزوله عنه .
3- الأمالي للمفيد : 70 ، م 8 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 31/481 ، ح 6 .
4- أنساب الأشراف 2/265 ، 5/515 ، ش 1336 و1337 ؛ الشافي في الامامة : 4/273 و275 .
5- الشافي في الامامة : 4/2علیه السلام3 ؛ أنساب الأشراف : 5/515 ، ش 1338 .

المدينة إذا أمسى آتاها عثمان ، فقال له : ادفعها إلى الحكم بن العاص - إلى أن قال - وجاء بالمفتاح يوم الجمعة وعثمان يخطب ، فقال : أيّها الناس زعم عثمان انّي خازن له ولأهل بيته ، وإنّما كنت خازناً للمسلمين ، وهذه مفاتيح بيت مالكم - ورمى بها - فأخذها عثمان ودفعها إلى زين بن ثابت(1) .

وروى الواقدي باسناده عن الميسور بن عتبة انّه قال : سمعت عثمان يقول : إنّ أبابكر وعمر كانا يتأوّلان في هذا المال ظلف(2) أنفسهما وذوي أرحامهما وأنّي تأوّلت فيه صلة رحمي ، وروي عنه انّه كان بحضرته زياد بن عبيداللَّه الحارثي مولى الحارث بن كلدة الثقفي ، وقد بعث أبو موسى بمال عظيم من البصرة ، فجعل عثمان يقسمه بين أهله وولده بالصحاف ، ففاضت عينا زياد دموعاً لما رأى من صنيعه بالمال ، فقال : لا تبك فانّ عمر كان يمنع أهله وذوي أرحامه ابتغاء وجه اللَّه ، وانا أعطي أهلي وقرابتي ابتغاء وجه اللَّه(3) .

وروى أبو مخنف والواقدي جميعاً : انّ الناس أنكروا على عثمان اعطائه سعيد بن أبي العاص مائة ألف ، فكلّمه علي علیه السلام والزبير وطلحة وسعد وعبدالرحمن في ذلك .

فقال : انّ لي قرابة ورحماً ، فقالوا : أما كان لأبي بكر وعمر قرابة وذو رحم ؟ فقال : انّ أبابكر وعمر كانا يحتسبان في منع قرابتهما ، وأنا أحتسب في عطاء قرابتي ، قال : فهديهما واللَّه أحبّ إلينا من هديك(4) .

ص: 216


1- تاريخ اليعقوبي : 2/168 .
2- الظلف - بالتحريك - : المنع .
3- الشافي في الامامة 4/272 .
4- أنساب الأشراف : 5/515 ، ش 1339 ؛ الشافي في الامامة : 4/273 .

وقد روى أبو مخنف : انّه لما قدم على عثمان عبداللَّه بن خالد بن أسيد بن أبي العاص من مكّة وناس معه أمر لعبداللَّه ثلاثمائة ألف ، ولكلّ واحد من القوم مائة ألف وصك(1) بذلك على عبداللَّه بن الأرقم(2) وكان خازن بيت المال فاستكثره وردّ الصك به .

ويقال : انّه سأل عثمان أن يكتب بذلك كتاب دين ، فأبى ذلك ، وامتنع ابن الأرقم أن يدفع المال إلى القوم ، فقال له عثمان : إنّما أنت خازن لنا ، فما حملك على ما فعلت ؟ فقال ابن الأرقم : كنت أراني خازناً للمسلمين ، وإنّما خازنك غلامك ، واللَّه لا ألي لك بيت المال أبداً ، فجاء بالمفاتيح فعلّقها على المنبر ، ويقال : بل ألقاها إلى عثمان فدفعها إلى نائل مولاه .

وروى الواقدي : انّ عثمان أمر زيد بن ثابت أن يحمل من بيت المال إلى عبداللَّه بن الأرقم في عقيب هذا الفعل ثلاثمائة ألف درهم ، فلمّا دخل بها عليه قال له : يا أبا محمّد انّ أميرالمؤمنين أرسل اظليك يقول لك : أنا قد شغلناك عن التجارة ولك ذو رحم أهل حاجة ففرّق هذا المال فيهم ، واستعن به على عيالك ، فقال عبداللَّه بن الأرقم : مالي إليه حاجة ، وما عملت لأن يثبتني عثمان ، واللَّه لئن كان هذا من مال المسلمين ما بلغ قدر عملي على أن أعطى ثلاثمائة ألف درهم ، ولئن

ص: 217


1- صك : كتب ، والصك : الكتاب .
2- عبداللَّه بن الأرقم القرشي الزهري ، كانت آمنة أُمّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عمّة أبيه الأرقم ، أسلم عام الفتح وكتب للنبي صلی الله علیه وآله وأبي بكر وعمر ، استعمله عمر على بيت المال وعثمان بعده ثمّ انّه استعفى عثمان من ذلك فأعفاه ، ولمّا استكتبه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله امن إليه ووثق به ، وكان إذا كتب إلى بعض الملوك يأمره أن يختمه ولا يقرؤه لأمانته عنده ، وقد ذكر ابن الأثير قريباً ممّا نقله المرتضى عن الواقدي . انظر : اسد الغابة : 3/115 .

كان من مال عثمان ما أحب أن أرزأه(1) من ماله شيئاً(2) .

وقال ابن أبي الحديد : وصحت فيه فراسة عمر ، فانّه أوطأ بني أُميّة رقاب الناس ، وولّاهم الولايات وأقطعهم القطائع وافتتحت افريقيّة في أيّامه ، فأخذ الخمس كلّه فوهبه لمروان ، فقال عبدالرحمن بن حنبل الجمحي : « وأعطيت مروان خمس البلاد » ، وطلب منه عبداللَّه بن خالد بن أسيد صلة ، فأعطاة أربعمائة ألف درهم ، وأعاد الحكم بن أبي العاص بعد أن كان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قد سيّره ، ثمّ لم يرده أبوبكر ولا عمر ، وأعطاه مائة ألف درهم وتصّدق رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بموضع سوق بالمدينة يعرف بمهزور على المسلمين ، فاقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان بن الحكم .

واقطع مروان فدك(3) ، وقد كانت فاطمة 3 طلبتها بعد وفاة أبيها صلی الله علیه وآله تارة بالميراث ، وتارة بالنحلة فدفعت عنها .

وحمى المراعى حول المدينة كلّها من مواشي المسلمين كلّهم إلّا عن بني أُميّة . وأعطى عبداللَّه بن أبي سرح جميع ما أفاء اللَّه عليه من فتح افريقيّة بالمغرب ، وهي من طرابلس الغرب إلى طنجة من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين وأعطى أبا

ص: 218


1- أرزأه : أي أصيب منه ، كانه مأخوذ من قولهم : رزأته رزيئة : أي أصابته مصيبة .
2- الشافي في الامامة : 4/273 .
3- فدك : قرية بالحجاز ، بينها وبين المدينة يومان ، افاءها اللَّه على رسوله صلی الله علیه وآله في سنة سبع صلحاً ، وذلك انّ النبي صلی الله علیه وآله لمّا نزل خيبر ، وفتح حصونها ، ولم يبق إلّا ثلاث ، واشتدّ بهم الحصار ، راسلوا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يسألونه أن ينزلهم على الجلاء ، وفعل ، وبلغ ذلك أهل فدك ، فأرسلوا إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم ، فأجابهم إلى ذلك ، فهي ممّا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت خالصة لرسول اللَّه صلی الله علیه وآله . معجم البلدان : 4/238 .

سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال في اليوم الذي أمر فيه لمروان به الحكم بمائة ألف من بيت المال ، وقد كان زوجة ابنته أُمّ أبان ، فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح ، فوضعها بين يدي عثمان وبكى ، فقال عثمان : أتبكي ان وصلت رحمي ؟ قال : لا ، ولكن أبكي لأنّي أظنّك أنّك أخذت هذا المال عوضاً عمّا كنت أنفقته في سبيل اللَّه في حياة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، واللَّه لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيراً فقال : ألق المفاتيح يابن أرقم ، فانا سنجد غيرك وأتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة ، فقسمها كلّها في بني أُميّة ، وأنكح الحارث بن الحكم ابنته عايشة ، فأعطاه مائة ألف من بيت المال أيضاً بعد صرفه زيد بن أرقم عن خزنه(1) .

أقول : أيّها القارئ المنصف ، هذه فراسة من عمر أم كاشفة بتدبيره لعثمان عن سوء سريرته وخبث نيّته بارادته اضمحلال الاسلام .

ثمّ انّ بني أُميّة كما قاموا معه « يخضمون مال اللَّه خضم الإبل نبتة الربيع » لعبوا بدين اللَّه لعب الصبيان بالكرة كما قال النبي صلی الله علیه وآله : « اتّخذوا دين اللَّه دخلاً »(2) .

فمرّ أبو سفيان أيّام عثمان بقبر حمزة ، وضربه برجله وقال : « يا أبا عمارة ! انّ الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعبون به »(3) .

وفي مروج المسعودي : وقد كان عمّار حين بويع عثمان بلغه قول أبي سفيان صخر بن حرب في دار عثمان عقيب الوقت الذي بويع فيه عثمان ودخل داره

ص: 219


1- شرح نهج البلاغة : 1/198 .
2- قال النبي صلی الله علیه وآله : « إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين كان دين اللَّه دخلاً ، ومال اللَّه دولاً وعباد اللَّه خولاً » . مسند أبي يعلي : 11/402 ، ش 6523 ؛ تاريخ مدينة دمشق : 57/253 .
3- شرح نهج البلاغة : 16/136 .

ومعه بنو أُميّة ، قال أبو سفيان : أفيكم أحد من غيركم ؟ وقد كان عمى .

قالوا : لا .

قال : يا بني أُميّة ! تلقفوها تلقف الكرة ، فوالي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة(1) .

وروى : انّ أبا سفيان دخل على عثمان حين صارت الخلافة إليه فقال : قد صارت إليك بعد تيم وعدي ، فأدرها كالكرة ، واجعل أوتادها بني أُميّة ، فانّما هو الملك ، ولا أدرى ما جنّة ولا نار(2) .

وكان من عمّال عثمان الوليد بن عقبة بن أبي معيط على الكوفة ، وهو ممّن أخبر النبي صلی الله علیه وآله انّه من أهل النار - إلى أن قال - كان يشرب مع ندمائه ومغنيه من أوّل الليل إلى الصباح ، فلمّا آذنه المؤذنون بالصلاة خرج متفضّلاً في غلائله ، فتقدّم إلى المحراب في صلاة الصبح ، فصلّى بهم أربعاً ، وقال : أتريدون أن أزيدكم ؟ وقيل : انّه قال في سجوده وقد أطال : « اشرب واسقني » فقال له بعض من كان خلفه في الصف الأوّل : ما تريد ، لا زادك اللَّه من الخير ، واللَّه لا أعجب إلّا ممّن بعثك إلينا والياً وعلينا أميراً - إلى أن قال - وفي ذلك يقول الحطيئة :

شهدالحطيئة يوم يلقى ربه * ان الوليد احق بالعذر

نادى وقد تمّت صلاتهم * أأزيدكم ثملاً ؟ وما يدري

ليزيدهم اخرى ولو قبلوا * لقرنت بين الشفع والوتر

حبسوا عنانك في الصلاة ولو * خلّوا عنانك لم تزل تجري

ص: 220


1- مروج الذهب : 2/342 .
2- الاستيعاب : 4/1679 .

واشاعوا بالكوفة فعله ، وظهر فسقه ومداومته على شرب الخمر ، فهجم عليه جماعة من المسجد منهم أبو زينب بن عوف الأزدي وجندب زهير الأزدي وغيرهما ، فوجدوه سكران مضطجعاً على سريره لا يعقل ، فأيقظوه من رقدته ، فلم يستيقظ ، ثمّ تقايا عليهم ما شرب من الخمر ، فانتزعوا خاتمه من يده وخرجوا من فورهم إلى المدينة ، فأتوا عثمان بن عفّان ، فشهدوا عنده على الوليد انّه شرب الخمر ، فقال عثمان : وما يدريكما انّه شرب خمراً ؟ فقالا : هي الخمر التي كنا نشربها في الجاهليّة ، وأخرجا خاتمه فدفعاه إليه ، فزجرهما ودفع في صدورهما ، وقال : تنحيّا عنّي ، فخرجا من عنده وأتيا علي بن أبي طالب علیه السلام وأخبراه بالقصّة ، فأتى عثمان وهو يقول : « دفعت الشهود وأبطلت الحدود - إلى أن قال - فلمّا نظر علیه السلام إلى امتناع الجماعة عن اقامة الحدّ عليه توقّيا لغضب عثمان لقرابته منه أخذ علي علیه السلام السوط ودنا منه - إلى أن قال - فأقبل الوليد يروع من علي علیه السلام فاجتذبه علي علیه السلام فضرب به الأرض وعلاه بالسوط فقال عثمان : ليس لك أن تفعل به هذا ، قال : بل وشرّاً من هذا إذا فسق ومنع حقّ اللَّه تعالى أن يؤخذ منه(1) .

ولمّا قال عثمان له علیه السلام : « لست بدون واحد منهما » جأي : عتيق وابن الخطّاب ج قال علیه السلام له : فلست كأحدهما ، انّهما وليا هذا الأمر فظلفا أنفسهما(2) وأهلهما عنه وعمت فيه وقومك عوم السابح في اللجة(3) .

ص: 221


1- مروج الذهب : 2/335 .
2- ظلفا أنفسهما ، أي كفا .
3- شرح نهج البلاغة : 9/15 .

إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ

عن عامر بن سعد قال : كان أوّل من اجترء على عثمان بالمنطق السيّئ جبلة بن عمرو الساعي .

مرّ به عثمان وهو جالس في ندى قومه ، وفي يد جبلة بن عمرو جامعة ، فلمّا مرّ عثمان سلّم فردّ القوم ، فقال جبلة : لم تردّون على رجل فعل كذا وقال : ثمّ أقبل على عثمان فقال : واللَّه لأطرحنّ هذه الجامعة في عنقك أو للتتركنّ بطانتك هذه ، قال عثمان : أي بطانة ؟ فواللَّه انّي لا تخير الناس .

فقال : مروان تخيرته ، ومعاوية تخيرته ، وعبداللَّه بن عامر بن كريز تخيرته وعبداللَّه بن سعد تخيرته ، منهم من نزل القرآن بدمه واباح رسول اللَّه صلی الله علیه وآله دمه ، قال : فانصرف عثمان ، فما زال الناس مجترئين عليه إلى هذا اليوم(1) .

وعن الفضيل عن أبي جعفر علیه السلام قال : ان فلاناً وفلاناً ظلمانا حقّنا وقسّماه بينهم ، فرضوا بذلك منهما ، وان عثمان لما منعهم واستأثر عليهم غضبوا لأنفسهم(2) .

وَ أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ

قال عبدالرحمن بن يسار : لمّا رأى الناس ما صنع عثمان كتب مَنْ بالمدينة من أصحاب النبي صلی الله علیه وآله إلى ما بالآفاق منهم ، وكانوا قد تفرّقوا في الثغور : انكم إنّما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل اللَّه عزّوجلّ ، تطلبون دين محمّد صلی الله علیه وآله ، فان دين محمّد قد أفسد من خلفكم وترك ، فهلموا فأقيموا دين محمّد صلی الله علیه وآله ، فأقبلوا من كلّ أُفق حتّى قتلوه .

ص: 222


1- تاريخ الطبري : 3/3صلی الله علیه وآلهصلی الله علیه وآله ، سنة 35 .
2- مستطرفات السرائر : 54ص9 ؛ بحار الأنوار : 31/480 .

وكتب عثمان إلى عبداللَّه بن سعد بن أبي سرح عامله على مصر حين تراجع الناس عنه وزعم انّه تائب بكتاب في الذين شخصوا من مصر ، وكانوا أشدّ أهل الأمصار عليه ، أمّا بعد فانظر فلاناً وفلاناً فاضرب أعناقهم اذا قدموا عليك ، فانظر فلاناً وفلاناً فعاقبهم بكذا وكذا ، منهم نفر من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، ومنهم قوم من التابعين ، فكان رسوله في ذلك أبو الأعور بن سفيان السلمي ، حمله عثمان على جمل له ، ثمّ أمره أن يقبل حتّى يدخل مصر قبل أن يدخلها القوم ، فلحقهم أبو الأعور ببعض الطريق ، فسألوه أين يريد ، قال : اُريد مصر ومعه رجل من أهل الشام من خولان ، فلمّا رأوه على جمل عثمان قالوا له : هل معك كتاب ؟ قال : لا . قالوا : فيم أرسلت ؟ قال : لا علم لي . قالوا : ليس معك كتاب ولا علم لك بما أرسلت . انّ أمرك لمريب . ففتّشوه فوجدوا معه كتاباً في إداوة يابسة ، فنظروا في الكتاب ، فاذا فيه قتل بعضهم وعقوبة بعضهم في أنفسهم وأموالهم ، فلمّا رأوا ذلك رجعوا إلى المدينة ، فبلغ الناس رجوعهم والذي كان من أمرهم ، فتراجعوا من الآفاق كلّها وثار أهل المدينة(1) .

وأرسل المصريّون إلى عثمان ألم نفارقك على انّك زعمت انّك تائب من احداثك ، وراجع عمّا كرهنا منك ، وأعطيتنا على ذلك عهد اللَّه وميثاقه ؟ قال : بلى أنا على ذلك . قال : فما هذا الكتاب الذي وجدنا مع رسولك ، وكتبت به إلى عاملك ؟ قال : ما فعلت ولا لي علم بما تقولون . قالوا : بريدك على جملك وكتاب كاتبك عليه خاتمك ، قال : أمّا الجمل فمسروق ، وقد يشبه الخط الخط ، وأمّا الخاتم فانتقش عليه ، قالوا : فانا لا نعجل عليك وإن كنا قد اتّهمناك ، اعزل عنّا

ص: 223


1- تاريخ الطبري : 3/400 ، سنة 35 .

عمّالك الفساق ، واستعمل علينا من لا يتهم على دمائنا وأموالنا ، واردد علينا مظالمنا ، قال عثمان : ما أراني إذا في شي ء إن كنت أستعمل من هويتم وأعزل من كرهتم ، الأمر إذا أمركم ، قالوا : واللَّه لتفعلنّ أو لتعزلنّ أو لتقتلن ، فانظر لنفسك أو دع ، فأبى عليهم وقال : « لم أكن لأخلع سربالاً سربلينه اللَّه» ، فحصروه أربعين ليلة(1) .

قال : ودخل عليه رجل يقال له : « الموت الأسود » قال : فخنقه ثمّ خفقه قال : ثمّ خرج فقال : واللَّه ما رأيت شيئاً قط ألين من حلقه ، واللَّه لقد خنقته حتّى رأيت نفسه تتردّد في جسده كنفس الجان(2) .

هذا ، وقال الحموي : هدم غمدان في أيّام عثمان بن عفّان ، فقيل له : انّ كهّان اليمن يزعمون ان الذي يهدمه يقتل ، فأمر باعادة بنائه ، فقيل له : لو أنفقت عليه خرج الأرض وما أعدته كما كان ، فتركه ، وقيل : وُجد على خشبة لمّا خرب وهدم مكتوب برصاص مصبوب : « اسلم غمدان ، هادمك مقتول » ، فهدمه عثمان ، فقتل(3) .

وَ كَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ

وكان قتل عثمان يوم الثامن عشر من ذي الحجّة من سنة خمس وثلاثين(4) .

عن جندب بن عبداللَّه قال : قام عمّار بن ياسر بصفّين فقال : امضوا معي عباد

ص: 224


1- تاريخ الطبري : 3/404 ، سنة 35 .
2- تاريخ الطبري : 3/415 ، سنة 35 .
3- معجم البلدان : 4/211 .
4- شرح نهج البلاغة : 2/158 .

اللَّه إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه ، الحاكم على عباد اللَّه بغير ما في كتاب اللَّه ، إنّما قتله الصالحون ، المنكرون للعدوان ، الآمرون بالاحسان ، فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم ولو درس هذا الدين : لم قتلتموه ؟ فقلنا : لا حداثه .

فقالوا : انه ما أحدث شيئاً . وذلك لأنّه مكنهم من الدنيا فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون لو انهدمت عليهم الجبال . واللَّه ما أظنّهم يطلبون دمه ، انّهم ليعلمون انّه لظالم ، ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمرئوها ، وعلموا لو ان صاحب الحق لزمهم لحال بينهم وبين ما يأكلون ويرعون فيه منها ، ولم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحقّون بها الطاعة والولاية ، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا : قتل امامنا مظلوماً ليكونوا بذلك جبابرة وملوكاً ، وتلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون(1) .

وفيه أيضاً خرج أبوا امامة الباهلي وأبو الدرداء فدخلا على معاوية فقالا : يا معاوية ! علامَ تقاتل هذا الرجل ، فواللَّه لهو أقدم منك سلماً(2) وأحقّ بهذا الأمر منك ، وأقرب من النبي صلی الله علیه وآله ، فعلامَ تقاتله ؟ فقال : أقاتله على دم عثمان ، وأنّه آوى قتلته ، فقولوا له : فليقدنا من قتلته ، فانا أوّل من بايعه من أهل الشام ، فانطلقوا إلى علي علیه السلام فأخبروه بقول معاوية ، فقال : هم الذين ترون ، فخرج عشرون ألفاً أو أكثر مسربلين في الحديد ، لا يرى منهم إلّا الحدق ، فقالوا : كلّنا قتله(3) .

وروى انّ معاوية بن خديج لمّا أراد قتل محمّد بن أبي بكر قال له : إنّي إنّما

ص: 225


1- وقعة صفّين : 319 ؛ بحار الأنوار : 32/489 ، ح 422 .
2- السلم : الإسلام .
3- وقعة صفّين : 190 ؛ بحار الأنوار : 32/451 .

أقتلك بعثمان ، قال له محمّد : وما أنت وعثمان ؟ انّ عثمان عمل بالجور ، ونبذ حكم القرآن وقد قال اللَّه تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )(1) ، فنقمنا ذلك عليه فقتلناه ، وحسّنت أنت له ذلك ونظراؤك ، فقد برأنا اللَّه إن شاء اللَّه من ذنبه ، وأنت شريكه في اثمه وعظم ذنبه - إلى أن قال - فغضب معاوية ، فقدّمه فقتله ثمّ ألقاه في جيفة حمار ثمّ أحرقه(2) .

وعن عطاء بن السائب قال : كنت جالساً مع أبي البختري والحجّاج يخطب ، فقال في خطبته : إنّ مثل عثمان عند اللَّه كمثل عيسى بن مريم ، قال اللَّه فيه : ( إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )(3) فقال أبوالبختري : كفر وربّ الكعبة(4) .

وإنّ عائشة كانت تذمّ عثمان وترفع قميص رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فتقول : هذا قميص رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لم يبل وقد أبلى عثمان أحكامه ، ولمّا جاء الناعي إلى مكّة فنعاه بكى لقتله قوم من أهل ظنه ، فأمرت منادياً ينادي : ما بكاؤكم على نعثل ؟ أراد أن يطفئ نور اللَّه فاطفاه اللَّه تعالى وان يضيع سنّة رسوله فقتله(5) .

وفي تذكرة سبط ابن الجوزي - بعد نقل قول الحسين علیه السلام لمروان « يابن طرير رسول اللَّه » ، وبعد نقل قصّة الحكم وطرد النبي صلی الله علیه وآله له ، وبعد نقل طلب عثمان بعد النبي صلی الله علیه وآله من أبي بكر وعمر ردّه وابائهما ذلك - قال : فلمّا مات عمر وولّى عثمان

ص: 226


1- سورة المائدة : 47 .
2- تاريخ الطبري : 4/79 ، سنة 38 .
3- سورة آل عمران : 55 .
4- العقد الفريد : 5/310 .
5- الجمل : 429 .

ردّه في اليوم الذي ولي فيه ، وقرّبه وأدناه ، ودفع له مالاً عظيماً ورفع منزلته ، فقام المسلمون على عثمان وأنكروا عليه ، وهو أوّل ما أنكروا عليه ، وقالوا : رددت عدوّ اللَّه ورسوله ، فقال : انّ النبي وعدني بردّه فامتنع جماعة من الصحابة عن الصلاة خلف عثمان لذلك ثمّ توفي الحكم في خلافته ، فصلّى عليه ، ومشى خلفه ، فشقّ ذلك على المسلمين وقالوا : ما كفاك ما فعلت حتّى تصلّي على منافق ملعون لعنه النبيّ صلی الله علیه وآله ونفاه ، فخلعوه وقتلوه ولهذا السبب قالت عائشة : « اقتلو نعثلاً قتله اللَّه فقد كفر »(1) .

وكان الحكم مؤذياً لرسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، يشتمه ويسمعه ، وكان رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يمشي ذات يوم وهو خلفه يخلج بأنفه وفمه ، ج فالتفت النبي صلی الله علیه وآله فرآه ، فقال له : كن كذلك ج ، فبقي على ذلك وأظهر الاسلام يوم فتح مكّة ، وكان مغموصاً عليه في دينه ، فاطلع يوماً على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وهو في بعض حجر نسائه ، فخرج إليه بعنزة وقال : من عذيري من هذه الوزغة ؟ لو أدركته لفقأت عينيه ، ولعنه وما ولد ، وغرّبه عن المدينة .

فلم يزل خارجاً منها إلى أن استخلف عثمان بن عفّان فردّه وولده ، فكان ذلك ممّا أنكره عليه ، ومات في خلافة عثمان ، فضرب على قبره فسطاطاً(2) .

وقال معاوية لأُمّ الخير : ما تقولين في عثمان بن عفّان ؟ قالت : وما عسيت أن أقول فيه استخلفه الناس وهم له كارهون ، وقتلوه وهم راضون(3) .

ص: 227


1- تذكرة الخواص : 189 .
2- أنساب الأشراف : 1/151 .
3- بلاغات النساء : 39 .

وقال معاوية لعبدالرحمن بن حسان الذي كان من أصحاب حجر بن عدي :

ما تقول في علي علیه السلام ؟ قال : دعني ولا تسألني فهو خير لك قال : واللَّه لا أدعك قال : اشهد انه كان من الذاكرين اللَّه تعالى كثيراً ، مِنَ الآمرين بالحق ، والقائمين بالقسط ، والعافين عن الناس .

قال : فما قولك في عثمان ؟ قال : هو أوّل من فتح أبواب الظلم ، وأغلق أبواب الحق - إلى أن قال - فردّه معاوية إلى زياد وأمره أن يقتله شرّ قتلة ، فدفنه حيّاً(1) .

وعن الأصمعي قال : كان القواد الذين ساروا إلى المدينة في أمر عثمان أربعة : عبدالرحمن بن عديس البلوى ، وحكيم بن جبلة العبدي ، والأشتر النخعي ، وعبداللَّه بن بديل الخزاعي ، فقدموا المدينة فحاصروه ، وحاصره معهم قوم من المهاجرين والأنصار حتّى دخلوا عليه فقتلوه(2) .

وقال أبوا الحسن : اقبل أهل مصر عليهم عبدالرحمن بن عديس البلوى ، وأهل البصرة عليهم حكيم بن جبلة العبدي ، وأهل الكوفة عليهم الأشتر - واسمه مالك بن الحارث النخعي - في أمر عثمان حتّى قدموا المدينة . . . إلخ(3) .

قال ابن أبي الحديد : والذي نقول نحن : انّها وإن كانت أحداثاً ، إلّا انّها لم تبلغ المبلغ الذي يستباح به دمه ، وقد كان الواجب عليهم أن يخلعوه من الخلافة حيث لم يستصلحوه لها ، ولا يعجلوا بقتله(4) .

أقول : لا يكاد ينقضي عجبي منه مع انّه قال : كان الواجب على الناس خلعه

ص: 228


1- الكامل : 3/486 ، سنة 51 .
2- العقد الفريد : 5/38 .
3- العقد الفريد : 5/44 .
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/199 .

دون قتله ، كيف يجعله ثالث الخلفاء ويعتقد بخلافته ؟

فَمَا رَاعَنِي إِلّا وَ النَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَ

ونظير كلامه علیه السلام في عثمان إلى هنا في هذه الخطبة كلامه علیه السلام في أُخرى ليست في النهج وهو : ثمّ اختلفوا ثالثاً لم يكن يملك من أمر نفسه شيئاً غلب عليه أهله ، فقادوه إلى أهوائهم كما تقود الوليدة البعير المخطوم ، فلم يزل الأمر بينه وبين الناس يبعد تارة ويقرب أُخرى حتّى نزوا عليه فقتلوه ، ثمّ جاءوا بي مدب الدبا ، يريدون بيعتي(1) .

وفي كتاب مروان إلى معاوية في شرح اقبال الناس إلى أميرالمؤمنين علیه السلام بعد قتل عثمان : فسفكوا دمه ، وانقشعوا عنه انقشاع سحابة قد أفرغت ماءها ، منكفئين قبل ابن أبي طالب انكفاء الجراد إذا أبصر المرعى(2) .

يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ

حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ

قال ابن أبي الحديد : الحسنان : الحسن والحسين 8(3) .

وقال علیه السلام في موضع آخر في وصف هجومهم عليه علیه السلام للبيعة : حتّى ظننت انّهم

ص: 229


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 20/218 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 10/235 .
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/200 .

قاتلي أو بعضهم قاتل بعضٍ لديّ(1) .

ورووا ان خفاف بن عبداللَّه الطائي قال لمعاوية في وصف اقبال الناس لبييعته علیه السلام بعد قتل عثمان : « ثمّ تهافت الناس على علي علیه السلام بالبيعة تهافت الفراش حتّى ضلّت النعل(2) ، وسقط الرداء ، ووطئ الشيخ(3) .

وَ شُقَّ عِطْفَايَ

مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ

الربيض : الجماعة من الغنم ، الضان والمعز فيه واحد ، يقال : هذا ربيض بني فلان أي جماعة غنمهم(4) .

وقد عبّر علیه السلام عن كيفيّة بيعة الناس له وابتهاجهم بها بتعبيرات مختلفة ، منها قوله علیه السلام هنا ، ومنها قوله علیه السلام في الخطبة 53 « فتداكّوا عليّ تداكّ الابل الهيم يوم وِردها قَدار سلها راعيها ، وخلعت مثانيها ، حتّى ظننت انّهم قاتلي ، أو بعضهم قاتل بعضٍ لديّ » ، ومنها في الخطبة 13علیه السلام/8 : « فأقبلتم إليّ إقبال العوذ المطافيل على أولادها ، تقولون : البيعة البيعة ، قبضت كفّي فبسطتموها ، ونازعتكم يدي فجاذبتموها .

وروى البحار الأوّل وزاد « وبلغ من سرور الناس ببيعتهم ايّاي أن حمل إليها

ص: 230


1- نهج البلاغة : خ 53 .
2- ح : « ضاعت النعل » .
3- وقعة صفّين : 65 .
4- جمهرة اللغة 1/314 .

الصغير ، وهدج إليها الكبير ، وتحامل إليها العليل وحسرت لها الكعاب »(1) .

فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ

وهم الناكثون أهل جمل عايشة ، الزبير وطلحة .

روى المفيد ؛ : ولمّا نزل أميرالمؤمنين علیه السلام في خروجه إلى الجمل بذي قار أخذ البيعة على من حضره ، ثمّ تكلّم فأكثر من الحمد للَّه والثناء عليه والصلاة على رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ثمّ قال : قد جرت أمور صبرنا فيها ، وفي أعيننا القذى ، تسليماً لأمر اللَّه تعالى فيما امتحننا به ، رجاء الثواب على ذلك ، وكان الصبر عليها امثل من أن يتفرّق المسلمون ، وتسفك دمائهم ، نحن أهل بيت النبوّة ، وأحقّ الخلق بسلطان الرسالة ، ومعدن الكرامة التي ابتدأ اللَّه بها هذه الأُمّة ، وهذا طلحة والزبير ليسا من أهل النبوّة ولا من ذرّيّة الرسول ، حين رأيا ان اللَّه قد ردّ علينا حقّنا بعد أعصر ، فلم يصبرا حولاً واحداً ، ولا شهراً كاملاً ، حتّى وثبا عليّ دأب الماضين قبلهما ليذهبا بحقّي ، ويفرّقا جماعة المسلمين عنّي(2) .

وكان أحمد بن حنبل يقول : انّ عليّاً ما زانته الخلافة ولكن هو زانها(3) .

وكان أوّل من بايعه طلحة ، فبايعه بيده وكانت اصبع طلحة شلاء ، فتطير منها علي علیه السلام وقال : ما أخلقه(4) أن ينكث(5) .

ص: 231


1- بحار الأنوار : 30/17 .
2- الارشاد : 1/249 ؛ بحار الأنوار : 32/114 ، ح 91 .
3- شرح احقاق الحق : 31/555 .
4- ما أخلقه : صيغة التعجّب من الخليق بمعنى : الجدير .
5- المناقب للخوارزمي : 1/49 ، ش 11 .

وفي تذكرة الخواص : فلم يلبثوا إلّا يسيراً حتّى دخل عليه طلحة والزبير فقالا : يا أميرالمؤمنين انّ عيالنا كثير - إلى أن قال - وقالا له علیه السلام : ايذن لنا في العمرة ، فقال: واللَّه ما تريدان العمرة ، وإنّما تريدان الغدرة والفتنة .

فقالا : كلّا واللَّه ، فقال : « قد أذنت لكما فافعلا ما شئتما »(1) .

وقد كان علیه السلام يتلو وقت مبايعتهم له: (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ)(2) (3).

وعن عثمان مؤذن بني أفصى قال : سمعت عليّاً علیه السلام يقول : واللَّه ما قوتل أهل هذه الآية بعد ما نزلت : ( وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ . . . )(4) (5) .

عن قتادة قال : سار علي علیه السلام من الزاوية يريد طلحة والزبير وعائشة ، وساروا من الفرضة يريدون عليّاً علیه السلام فالتقوا عند موضع قصر عبيداللَّه بن زياد في النصف من جمادي الآخرة سنة ست وثلاثين يوم الخميس ، فلمّا تراءى الجمعان خرج الزبير على فرس ، عليه سلاح ، فقيل لعلي علیه السلام : هذا الزبير ، قال : « اما انه احرى الرجلين إن ذكر باللَّه أن يذكره ، وخرج طلحة ، فخرج إليهما علي علیه السلام ، فدنا منهما حتّى اختلفت أعناق دوابهم ، فقال علي علیه السلام : لعمري لقد أعددتما سلاحاً وخيلاً ورجالاً ، إن كنتما أعددتما عند اللَّه عذراً فاتقيا اللَّه سبحانه ، ولا تكونا كالتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً ، ألم أكن أخاكما في دينكما ، تحرمان دمي واحرم

ص: 232


1- تذكرة الخواص : 62 .
2- سورة الفتح : 10 .
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1/201 .
4- سورة التوبة : 13 .
5- ميزان الاعتدال : 3/60 ؛ مناقب علي بن أبي طالب علیه السلام لابن مردويه الاصفهاني : 255 ، ش 380 .

دمائكما ، فهل من حدث أحل لكما دمي ؟ قال طلحة : البت الناس على عثمان ، قال علي علیه السلام : « يومئذ يوفيهم اللَّه دينهم الحق ويعلمون انّ اللَّه هو الحقّ المبين » يا طلحة ، تطلب بدم عثمان فلعن اللَّه قتلة عثمان ، يا زبير أتذكر يوم مررت مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله في بني غنم ، فنظر إليّ فضحك وضحكت إليه ، فقلت : لا يدع ابن أبي طالب زهوه ، فقال لك رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : صه ، انه ليس به زهو ، ولتقاتلنه وأنت له ظالم . فقال : اللهمّ نعم ، ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا ، واللَّه لا أقاتلك أبداً ، فانصرف علي علیه السلام إلى أصحابه ، فقال : أمّا الزبير فقد أعطى اللَّه عهداً ألّا يقاتلكم ، ورجع الزبير إلى عائشة فقال لها : ما كنت في موطن منذ عقلت إلّا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا ، قالت : فما تريد أن تصنع ؟ قال : أُريد أن أدعهم واذهب ، فقال له ابنه عبداللَّه : « جمعت بين هذين الغارين ، حتّى إذا حدّد بعضهم لبعض ، أردت أن تتركهم وتذهب ، أحسست رايات ابن أبي طالب ، وعلمت انّها تحملها فتية انجاد » قال : انّي قد حلفت ألّا أقاتله ، واحفظه ما قال له ، فقال : كفّر عن يمينك ، وقاتله .

فدعا بغلام له يقال له مكحول ، فاعتقه ، فقال عبدالرحمن بن سليمان التيمي :

لم أر كاليوم أخا اخوان * أعجب من مكفّر الايمان

بالعتق في معصية الرحمن

وقال لهم مِن شعرائهم :

يعتق مكحولاً لصون دينه * كفّارة للَّه عن يمينه

والنكث قد لاح على جبينه(1) .

ص: 233


1- تاريخ الطبري : 4/501 ، سنة 36 .

ورواه سبط ابن الجوزي وقال : « وفي رواية فقال الزبير لمّا ذكّره علي علیه السلام قول النبي صلی الله علیه وآله : فما الذي أصنع ورجوعي عار عليّ ؟

فقال علیه السلام : ارجع بالعار ، ولا تجمع بين العار والنار ، فرجع وهو يقول :

نادى علي بأمر لست أجهله * عار لعمرك في الدنيا وفي الدين

فقلت حسبك من لوم أبا حسن * فبعض هذا الذي قد قلت يكفيني(1)

وروى المبرّد في الكامل انّ عليّاً وجّه إلى رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بذهبة من اليمن ، فقسّمها أرباعاً ، فأعطى ربعاً للأقرع بن حابس المجاشعي وربعاً لزيد الخيل الطائي ، وربعاً لعيينة بن حصن الفزاري ، وربعاً لعلقمة بن علاقة الكلابي ، فقام إليه رجل مضطرب الخلق ، غائر العينين ، ناتئ الجبهة ، فقال : رأيت قسمة ما أُريد بها وجه اللَّه ! فغضب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله حتّى تورد خدّاه ، ثمّ قال : أيأمنني اللَّه عزّوجلّ على أهل الأرض ولا تأمنوني ؟ فقام إليه عمر فقال : ألا أقتله يا رسول اللَّه ؟ فقال صلی الله علیه وآله : انّه سيكون من ضئضئي هذا قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، تنظر في النصل(2) فلا ترى شيئاً ، وتنظر في الرصاف(3) فلا ترى شيئاً ، وتتمارى في الفوق(4) - الخبر(5) .

وعن نبيط بن شريط الأشجعي قال : لمّا فرغ علي بن أبي طالب علیه السلام من قتال أهل النهروان قفل أبو قتادة الأنصاري ومعه ستّون أو سبعون من الأنصار ، قال :

ص: 234


1- تذكرة الخواص :71 .
2- النصل : حديدة السهم والسيف .
3- الرصاف : عصب يشد على سنخ النصل .
4- الفوق : مشق رأس السهم .
5- الكامل في اللغة والأدب : 3/140 .

فبدأ بعائشة - إلى أن قال - فقالت عائشة : ما يمنعني ما بيني وبين علي أن أقول الحق ، سمعت النبي صلی الله علیه وآله يقول : تفترق أُمّتي على فرقتين ، تمرق بينهما فرقة ، محلقون رؤوسهم ، محفون شواربهم ، أزرهم إلى أنصاف سوقهم ، يقرأون القرآن لايتجاوز تراقيهم ، يقتلهم أحبّهم إليّ وأحبّه إلى اللَّه تعالى » قال : فقلت لها : فأنت تعلمين هذا ، فلِم كان الذي منك ؟ قالت : يا أبا قتادة ، وكان أمر اللَّه قدراً مقدوراً(1) .

وَ مَرَقَتْ أُخْرَى وَ قَسَطَ آخَرُونَ

وهم القاسطون معاوية وأصحابه .

قال ابن أبي الحديد : قول النبي صلی الله علیه وآله لأميرالمؤمنين علیه السلام : « ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين » من دلائل نبوّته صلی الله علیه وآله(2) .

وعن زيد بن يثع قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : لينتهين بنو وليعة أو لأبعثنّ إليهم رجلاً كنفسي يمضي فيهم أمري ، يقتل المقاتلة ويسبى الذرّيّة ، قال : فقال أبوذر : فما راعني الّا برد كف عمر في حجزتي من خلفي فقال : من تراه يعني ؟ قلت : ما يعنيك ولكن يعني خاصف النعل(3) .

وفي تذكرة الخواص : فقال عمر : واللَّه ما اشتهيت الامارة إلّا يومئذٍ جعلت أنصب له صدري رجاء أن يقول هذا ، فالتفت إلى علي علیه السلام فأخذه بيده وقال : هذا

ص: 235


1- تاريخ بغداد : 1/1علیه السلام1 .
2- شرح نهج البلاغة : 1/201 .
3- فضائل الصحابة : 2/571 ، ح 966 .

هو هذا هو(1) .

وروى الترمذي عن ربعي بن حراش قال : أخبرنا علي بن أبي طالب علیه السلام بالرحبة فقال : لما كان يوم الحديبيّة خرج إلينا ناس من المشركين ، فيهم سهيل بن عمرو واناس من رؤساء المشركين فقالوا : يا رسول اللَّه خرج إليك ناس من أبنائنا واخواننا وأرقائنا وليس لهم فقه في الدين ، وإنّما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا ، فارددهم إلينا ، فقال النبي صلی الله علیه وآله : فان لم يكن لهم فقه في الدين سنفقههم ، ثمّ قال : يا معشر قريش لتنتهنّ أو ليبعثنّ اللَّه عليكم مَن يضرب رقابكم بالسيف على الدين ، قد امتحن اللَّه قلوبهم على الايمان ، قالوا : مَنْ هو يا رسول اللَّه ؟ - إلى أن قال - قال صلی الله علیه وآله : هو خاصف النعل وكان أعطى عليّاً نعله يخصفها(2) .

وعن أبي سعيد قال : قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لعلي علیه السلام : يا علي لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك(3) .

وعن عمران بن حصين قال : بعث رسول اللَّه صلی الله علیه وآله جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب علیه السلام ، فمضى في السريّة ، فأصاب جارية ، فأنكروا عليه وتعاقد أربعة من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فقالوا : إن لقينا رسول اللَّه أخبرناه بما صنع علي - إلى أن قال - فقام أحد الأربعة فقال : يا رسول اللَّه ألم تر إلى عليّ بن أبي طالب صنع كذا وكذا ؟ فأعرض عنه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، ثمّ قام الثاني فقال مثل مقالته ، فأعرض عنه ، ثمّ قام إليه الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه ، ثمّ قام الرابع فقال مثل ما

ص: 236


1- تذكرة الخواص : 296 .
2- سنن الترمذي : 5/2صلی الله علیه وآله8 ، ح 3799 .
3- سنن الترمذي : 5/303 ، ح 3811 .

قالوا ، فأقبل إليه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله والغضب يعرف في وجهه ، فقال : ما تريدون من علي ؟ ما تريدون من علي ؟ ماتريدون من علي ؟ انّ عليّاً منّي وأنا منه ، وهو ولّي كلّ مؤمن من بعدي(1) .

قال سبط ابن الجوزي : ومعنى قوله صلی الله علیه وآله : « ولا يؤدّي عنّي إلّا علي » انّه بعث أبابكر سنة تسع ، وقال له : إنّ المشركين يحضرون الموسم ، ويطوفون بالبيت عراة ، ولا أحبّ أحج حتّى لا يكون ذلك ، وأعطاه أربعين آية من صدر سورة براءة ليقرأها على أهل الموسم ، فلمّا سار دعا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عليّاً علیه السلام فقال له : أدرك أبابكر فخذ منه الآيات ، واقرأها على الناس بالموسم ، ودفع إليه ناقته العضباء ، فأدرك أبابكر بذي الحليفة فأخذ منه الآيات ، فرجع أبوبكر إلى النبي صلی الله علیه وآله فقال : هل نزل فيّ شي ء ؟ فقال : لا ، ولكن لا يبلغ عنّي غيري أو رجل منّي .

وفي فضائل أحمد بن حنبل : قال له النبي صلی الله علیه وآله : انّ جبرئيل جائني ، فقال : ابعث بها عليّاً(2) .

وعن أبي سعيد الخدري قال : كنّا جلوساً ننظر رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فخرج إلينا قد انقطع شسع نعله ، فرمى به إلى علي علیه السلام فقال : إنّ منكم رجلاً يقاتل الناس على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، قال أبوبكر : أنا ؟ قال : لا ، قال عمر : أنا ؟ قال : لا ، ولكن خاصف النعل(3) .

وروى خبر الناكثين والقاسطين والمارقين قبل الوقوع جمع .

ص: 237


1- سنن الترمذي : 5/2صلی الله علیه وآله6 ، ح 3796 .
2- تذكرة الخواص : 285 .
3- خصائص أميرالمؤمنين علیه السلام للنسائي : 131 .

روى نصر بن مزاحم انّ عمرو بن العاص قال لعمّار : عَلامَ تقاتلنا ؟

أوَلسنا نعبد إلهاً واحداً ونصلّي إلى قبلتكم ، وندعو دعوتكم ؟ ونقرء كتابكم ، ونؤمن برسولكم ؟ قال عمّار : « الحمد للَّه الذي أخرجها من فيك انّها لي ولأصحابي : القبلة ، والدين ، وعبادة الرحمن ، والنبي صلی الله علیه وآله ، والكتاب ، من دونك ودون أصحابك .

الحمد للَّه الذي قررك لنا بذلك ، دونك ودون أصحابك ، وجعلك ضالاً مضلاً - إلى أن قال - وجعلك أعمى ، وسأخبرك علامَ قاتلتك عليه أنت وأصحابك .

أمرني رسول اللَّه صلی الله علیه وآله أن أقاتل الناكثين وقد فعلت ، وأمرني أن أقاتل القاسطين فأنتم هم ، وأمّا المارقون فما أدري أدركهم أم لا .

أيّها الأبتر ، ألست تعلم انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال لعلي علیه السلام : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه » وأنا مولى اللَّه ورسوله ، وعلي بعده ، وليس لك مولى » .

قال له عمرو : لم تشتمني يا أبا اليقظان ولست أشتمك ؟ قال عمّار : وبِمَ تشتُمني ؟ أتستطيع أن تقول : إني عصيت اللَّه ورسوله يوماً قط ؟(1) .

وعن محمّد بن سليمان قال : قدم علينا أبو أيّوب الأنصاري ، فنزل ضيعتنا يعلف خيلاً له ، فأتيناه فاهدينا له ، قال : قعدنا عنده ، فقلنا : يا أبا أيّوب ، قاتلت المشركين بسيفك هذا مع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، ثمّ جئت تقاتل المسلمين ؟ فقال : انّ النبي صلی الله علیه وآله أمرني بقتال القاسطين والمارقين والناكثين ، فقد قاتلت الناكثين ، وقاتلت القاسطين ، وأنا نقاتل إن شاء اللَّه بالمسفعات بالطرقات بالنهروانات ، وما

ص: 238


1- وقعة صفّين : 338 ؛ بحار الأنوار : 33/29 .

أدري انّى هي(1) .

وفي تاريخ بغداد : كان ( أبو أيّوب ) على مقدمة علي يوم النهروان - الخبر(2) .

وعن ابن مسعود قال : خرج رسول اللَّه صلی الله علیه وآله فأتى منزل أُمّ سلمة ، فجاء علي علیه السلام فقال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : يا أُمّ سلمة ، هذا واللَّه قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي(3) .

وعن المفضل بن عمر عن أبي عبداللَّه الصادق عن أبيه عن جدّه قال : بلغ أُمّ سلمة زوجة النبي صلی الله علیه وآله أن مولى لها ينتقص ج تنتقص ج عليا علیه السلام و يتناوله ؟

فأرسلت إليه، فلمّا صار إليها قالت له : يا بني، بلغني أنك تنتقص عليا وتتناوله ؟ قال نعم يا أُمّاه.

قالت له : اقعد ثكلتك أُمك حتّى أحدّثك بحديث سمعته من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ثم اختر لنفسك.

إنّا كنّا عند رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ليلة تسع نسوة، و كانت ليلتي ويومي من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، فأتيت الباب فقلت أدخل يا رسول اللَّه عليك ؟ قال لا. قالت : فكبوت كبوة شديدة مخافة أن يكون ردّني من سخطة أو نزل في شي ء من السماء، فلم ألبث أن أتيت الباب الثانية، فقلت أدخل يا رسول اللَّه ؟ فقال : لا فكبوت كبوة أشدّ من الأولى، ثم لم ألبث حتّى أتيت الباب الثالثة فقلت : أدخل يا رسول اللَّه ؟ فقال : ادخلي يا أُم سلمة فدخلت فإذا علي علیه السلام جاث بين يديه وهو يقول فداك أبي وأُمّي

ص: 239


1- رجال الكشي : 37 ، ح 76 .
2- تاريخ بغداد : 1/165 .
3- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : 139 ؛ كشف الغمّة ( ط . القديمة ) : 1/126 ؛ بحار الأنوار : 32/304 ، ح 269 .

يا رسول اللَّه، إذا كان كذا وكذا فما تأمرني به ؟ قال : آمرك بالصبر، ثم أعاد عليه القول ثانية فأمره بالصبر، فأعاد عليه القول ثالثة فقال له : يا علي، يا أخي، إذا كان لك ذلك منهم فسل سيفك، وضعه على عاتقك، واضرب قدما قدما حتى تلقاني وسيفك شاهر يقطر من دمائهم.

ثم التفت علیه السلام إلي وقال : تاللَّه ما هذه الكئابة، يا أُمّ سلمة ؟ قلت : الذي كان من ردّك إيّاي يا رسول اللَّه.

فقال لي : واللَّه ما رددتك من موجدة، وإنك لعلى خير من اللَّه ورسوله، ولكن أتيتني وجبرئيل عن يميني وعلي عن يساري ، وجبرئيل يخبرني بالأحداث التي تكون من بعدي، وأمرني أن أوصي بذلك عليّا، يا أُمّ سلمة، اسمعي واشهدي، هذا علي بن أبي طالب أخي في الدنيا و أخي في الآخرة .

يا أم سلمة، اسمعي و اشهدي هذا علي بن أبي طالب وزيري في الدنيا ووزيري في الآخرة، يا أُمّ سلمة، اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب حامل لوائي وحامل لواء الحمد غدا يوم القيامة، يا أُمّ سلمة، اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب وصيّي وخليفتي من بعدي وقاضي عداتي والذابّ عن حوضي، يا أُمّ سلمة، اسمعي واشهدي هذا علي بن أبي طالب سيّد المسلمين وإمام المتّقين وقائد الغرّ المحجّلين وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

قلت : يا رسول اللَّه ، من الناكثون ؟ قال صلی الله علیه وآله : الذي يبايعون بالمدينة وينكثون بالبصرة.

قلت : ومن القاسطون ؟ قال : معاوية وأصحابه من أهل الشام.

قلت : ومن المارقون قال أصحاب النهروان.

ص: 240

فقال مولى أُمّ سلمة : فرجت عنّي فرّج اللَّه عنك، واللَّه لا سببت علي أبدا(1) .

كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا كَلام اللَّهَ سُبْحَانَهُ حيث يَقُولُ : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(2) .

وكان الصادق علیه السلام يتلو هذه الآية ويبكي ويقول : ذهبت الأماني عند هذه الآية(3) .

وروى عن الحسن بن جرموز المرادي عن أبيه قال : رأيت عليّاً يخرج من هذا القصر - يعني قصر الكوفة - وعليه ازار إلى أنصاف ساقيه ورداء مشمراً قريباً منه ومعه الدرّة ، يمشي بها في الأسواق ويقول : يا قوم اتّقوا اللَّه ، وفي رواية يقول : أوفوا الكيل والميزان ولا تنفخوا اللحم ، وفي رواية : ويرشد الضالة ، ويعين الحمّال على الحمولة ويقرأ : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ)(4) الآية ، ويقول : هذه الآيات نزلت في الولاة وذوي القدرة من الناس(5) .

وروى عن أميرالمؤمنين علیه السلام : انّه كان يمشي في الأسواق وحده وهو وال ، يرشد الضال ، ويعين الضعيف ، ويمرّ بالبقال والبيع ، فيفتح عليه القرآن ويقرأ :

ص: 241


1- الأمالي للصدوق : 380، ح 10 ، المجلس 60 ؛ بحار الأنوار : 22/221 ، ح 1 .
2- سورة القصص : 83 .
3- سعد السعود : 87؛ إرشاد القلوب : 1/106 .
4- سورة القصص : 83 .
5- شرح إحقاق الحقّ : 18/65 .

( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ)(1) ويقول : نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع في الولاة ، وأهل القدرة من سائر الناس(2) .

وعن زادان قال : رأيت علي بن أبي طالب يمسك الشسوع بيده ، يمرّ في الأسواق ، فيناول الرجل الشسع ، ويرشد الضال ، ويعين الحمّال على المحمولة وهو يقرأ هذه الآية : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(3) ، ثمّ يقول : هذه الآية انزلت في الولاة وذوي القدرة من الناس(4) .

وقال سفيان الثوري : ما رأيت الزهد في شي ء أقل منه في الرياسة ، ترى الرجل يزهد في المطعم والمشرب والمال والثياب ، فاذا تورع في الرياسة حامي عليها وعادى(5) .

بَلَى وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا وَلَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ

وَ رَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا

قال العسكري : أي أعجبهم حسنها(6) .

ص: 242


1- سورة القصص : 83 .
2- مناقب علي بن أبي طالب علیه السلام وما نزل من القرآن في علي 7: 295 ، ش 462 .
3- سورة القصص : 83 .
4- فضائل الصحابة لأحمد بن محمّد بن حنبل : 1/345 ، ش 497 .
5- حلية الأولياء : 7/39 .
6- علل الشرائع : 1/153 ، ح 12 ؛ بحار الأنوار : 29/503 .

قال الطبري : ولمّا أراد المغيرة بن شعبة أن يعيّن رئيساً لحرب الخوارج ، قام صعصعة بن صوحان فقال : ابعثني إليهم أيّها الأمير ، فانا واللَّه لدمائهم مستحل ، وبحملها مستقل ، فقال : اجلس ، فانّما أنت خطيب ، فكان احفظه ذلك ، وإنّما قال ذلك لأنّه بلغه انّه يعيب عثمان بن عفّان ويكثر ذكر علي علیه السلام ويفضله ، وقد كان دعاه فقال : إيّاك أن يبلغني عنك انك تعيب عثمان عند أحد من الناس ، وإيّاك أن يبلغني عنك انك تظهر شيئاً من فضل علي علیه السلام علانية ، فانّك لست بذاكر من فضل علي علیه السلام شيئاً أجهله ، بل انا أعلم بذلك ، ولكن هذا السلطان قد ظهر ، وقد أخذنا باظهار عيبه للناس ، فنحن ندع كثيراً ممّا أمرنا به ، ونذكر الشي ء الذي لا نجد منه بُداً ، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقيّةً ، فان كنت ذاكراً فضله فاذكه بينك وبين أصحابك وفي منازلكم سرّاً ، وأمّا علانيةً في المسجد فان هذا لا يحتمله الخليفة لنا ، ولا يعذرنا به ، فكان يقول له : نعم ، افعل ، ثمّ يبلغه انّه قد عاد إلى ما نهاه عنه(1) .

وذكروا انّ رجلاً من همدان يقال له برد قدم على معاوية ، فسمع عمرواً يقع في علي علیه السلام فقال له : يا عمرو ، ان أشياخنا سمعوا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يقول : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ، فحق ذلك أم باطل ؟ فقال عمرو : حق وأنا أزيدك انّه ليس أحد من صحابة رسول اللَّه صلی الله علیه وآله له مناقب مثل مناقب علي ، ففزع الفتى ، فقال عمرو : انّه أفسدها بأمره في عثمان - إلى أن قال - فرجع الفتى إلى قومه فقال : انا أتينا قوماً أخذنا الحجّة عليهم من أفواههم « علي على الحقّ فاتّبعوه »(2) .

ص: 243


1- تاريخ الطبري : 5/188 ، سنة 43 .
2- الامامة والسياسة 1/129 .

وذكروا انّ عبداللَّه بن أبي محجن الثقفي قدم على معاوية فقال له : انّي أتيتك من عند الغبي ، الجبان ، البخيل ، ابن أبي طالب ، فقال معاوية : للَّه أنت ! أتدري ما قلت ؟ أمّا قولك : « الغبي » فواللَّه لو أنّ ألسن الناس جمعت فجعلت لساناً واحداً لكفاها لسان علي ، وأمّا قولك : « انّه جبان » فثكلتك أُمّك ، هل رأيت أحداً قط بارزه إلّا قتله ؟ وأمّا قولك : « إنّه بخيل » فواللَّه لو كان له بيتان أحدهما من تبر والآخر من تبن ، لأنفذ تبره قبل تبنه ، فقال الثقفي : فعلامَ تقاتله اذن ؟ قال : على دم عثمان ، وعلى هذا الخاتم ، الذي من جعله في يده جادت طينته ، وأطعم عياله ، وادّخر لأهله ، فضحك الثقفي ثمّ لحق بعلي فقال : يا أميرالمؤمنين هب لي يديّ بجرمي ، لا دنيا أصبت ولا آخرة ، فضحك علي علیه السلام(1) .

وفي تذكرة سبط ابن الجوزي بعد ذكر دعوة معاوية عمرو بن العاص إلى معاونته في حرب أميرالمؤمنين علیه السلام فكتب إليه عمرو بن العاص : أمّا ما دعوتني إليه من خلع ربقة الاسلام من عنقي ، والتهون معك في الضلالة ، واعانتي إيّاك على الباطل ، واختراط السيف في وجه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام وهو أخو رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ووليّه ووصيّه ووارثه وقاضي دينه ، ومنجز وعده ، وصهره على ابنته سيّدة نساء العالمين ، وأبوالسبطين الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة - إلى أن قال - ويحك يا معاوية أما علمت انّ أبا الحسن بذل نفسه للَّه تعالى ، وبات على فراش رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وقال فيه : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » - إلى أن قال - فقال عتبة لمعاوية : لمّا وصل كتاب عمرو إليه : « لا تيأس منه ، فكتب إليه ، وارغبه في الولاية وشركه معه في سلطانه » - إلى أن قال - انّ عمرو بن العاص كتب إلى

ص: 244


1- الامامة والسياسة : 1/134 .

معاوية ثانية :

معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل * به منك ديناً فانظرن كيف تصنع

- إلى أن قال - بعد ذكر قبول معاوية ما اقترح : وبات عمرو طول ليلته متفكّراً ، فدعا غلاماً له يقال له وردان - وهو الذي ينسب إليه مكان بمصر يقال له سوق وردان - فقال له : ما ترى يا وردان ؟ فقال : انّ مع علي آخرة ولا دنيا ، وانّ مع معاوية دنياً ولا آخرة ، فالتي مع علي تبقى ، والتي مع معاوية تفنى ، فلمّا أصبح ركب فرسه ومعه ( ابنه ) عبداللَّه بن عمرو وهو يقول له : لا تذهب إلى معاوية لا تبع آخرتك(1) .

ولمّا ندب معاوية رجلين من لخم لقتل العبّاس بن ربيعة الهاشمي ، فقتلهما أميرالمؤمنين علیه السلام ، لأنّه كان لبس لباس العبّاس ، قال معاوية : قبّح اللَّه اللجاج انّه لعقور ، ما ركبته قط إلّا خذلت ، فقال عمرو بن العاص : المخذول واللَّه اللخميان لا أنت .

فقال له معاوية : « ذلك أخسر لصفقتك » .

قال : قد علمت ذلك ، ولوْلا مصر وولايتها لركبت المنجاة منها ، فانّي أعلم انّ علي بن أبي طالب على الحق ، وأنت على ضدّه » ، فقال معاوية : « مصر واللَّه أعمتك ، ولو لا مصر لألفيتك بصيراً »(2) .

وعن أبي جعفر وزيد بن حسن قالا : طلب معاوية إلى عمرو بن العاص أن يسوي صفوف أهل الشام ، فقال له عمرو : على أن لي حكمي إن قتل ابن أبي

ص: 245


1- تذكرة الخواص : 404 ، 407 .
2- مروج الذهب : 3/20 .

طالب ، واستوسقت لك البلاد(1) ، قال : أليس حكمك في مصر ؟ قال : وهل مصر تكون عوضاً عن الجنّة وقتل ابن أبي طالب ثمناً لعذاب النار الذي لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون ؟(2) .

ولمّا عسكر علي علیه السلام بالنخيلة وبعث الأصبغ بن نباتة بكتابه إلى معاوية قال الأصبغ : دخلت على معاوية ، عن يمينه عمرو بن العاص وحوشب وذوالكلاع ، وعن يساره أخوه عتبة وابن عامر بن كريز والوليد بن عقبة وعبدالرحمن بن خالد وشرحبيل بن السمط ، وبين يديه أبو هريرة - إلى أن قال - فقلت لأبي هريرة : يا صاحب رسول اللَّه انّي أحلفك باللَّه الذي لا إله إلّا هو وبحقّ حبيبه المصطفى صلی الله علیه وآله ألا أخبرتني أشهدت غدير خم ؟ قال : بلى شهدته ، قلت : فما سمعته ج يقول ج في علي ؟ قال : سمعته يقول : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله » قلت له : فاذن أنت واليت عدوّه وعاديت وليّه » فتنفّس أبو هريرة الصعداء وقال : « إنّا للَّه وإنّا إليه راجعون » ، فتغيّر معاوية عن حاله وغضب وقال : كف عن كلامك ، فلا تستطيع أن تخدع أهل الشام بالكلام عن طلب دم عثمان(3) .

وقال النعمان بن جبلة التنوخي - من صاحب رايات معاوية - له : لقد نصحتك على نفسي ، وآثرت ملكك على ديني ، وتركت لهواك الرشد وأنا أعرفه ، وحِدْتُ عن الحق وأنا أبصره ، وما وفّقت لرشد حين أقاتل على ملكك ابن عم رسول

ص: 246


1- استوسقت البلاد : اجتمعت على الطاعة واستقرّ فيها الملك .
2- وقعة صفّين : 237 .
3- المناقب للخوارزمي : 205 .

اللَّه صلی الله علیه وآله وأوّل مؤمن به ومهاجر معه ، ولو أعطيناه ما أعطيناك لكان أرأف بالرعيّة ، وأجزل في العطيّة ، ولكن قد بذلنا لك الأمر ، ولابدّ من اتمامه كان غيّاً أو رشداً ، وحاشا أن يكون رشداً ، وسنقاتل عن تين الغوطة وزيتونها ، إذ حرمنا أثمار الجنّة وأنهارها(1) .

وفيه أيضاً عن الشرقي : انّ معاوية قال لعمرو بن العاص بعد صفّين : « هل غششتني منذ نصحتني ؟ قال : لا ، قال : بلى واللَّه يوم أشَرْتَ عليّ بمبارزة علي وأنت تعلم ما هو ، قال : دعاك إلى المبارزة ، فكنت من مبارزته على إحدى الحسنيين : إمّا أن تقتله فتكون قد قتلت قاتل الأقران وتزداد شرفاً إلى شرفك ، وإمّا أن يقتلك ، فتكون قد استعجلت مرافقة الشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً(2) .

فقال معاوية : « جوابك هذا أشدّ عليّ من اشارتك » قال : لِم ؟ قال : « لأنّي إن قتلته كنت من أهل النار ، وإن قتلني كنت من أهل النار »(3) .

وفي خبر هشام مع خالد بن عبداللَّه القسري عامله على العراق لمّا أراد أن يوقع به لمّا بلغه عنه أشياء في كتابه إليه « فهذا جدّك يزيد بن أسد قد حشد مع معاوية في يوم صفّين ، وعرض له دينه ودمه ، فما اصطنع إلّا عنده ولا ولاه ما اصطنع إليك(4) .

وعن عوف الأعرابي قال : جاء رجل إلى طلحة والزبير وهما في المسجد

ص: 247


1- مروج الذهب : 2/384 .
2- مروج الذهب : 2/387 .
3- بهج الصباغة : 5/246 .
4- الكامل للمبرد : 4/100 .

بالبصرة ، فقال : نشدتكما باللَّه في مسيركما أعهد إليكما فيه رسول اللَّه صلی الله علیه وآله شيئاً ، فقام طلحة ولم يجبه ، فناشد الزبير فقال : لا ، ولكن بلغنا ان عندكم دراهم فجئنا نشارككم فيها(1) .

وعن أبي صالح انّ عليّاً علیه السلام لمّا نزل ذاقار في قلّة من عسكره ، صعد الزبير منبر البصرة - إلى أن قال - هذه واللَّه الفتنة التي كنّا نحدث بها ، فقال له بعض مواليه : يا أبا عبداللَّه تسمّيها فتنة ثمّ نقاتل فيها ؟ فقال : ويحك واللَّه أنا لنبصر ثمّ لا نصبر ، فاسترجع المولى ، ثمّ خرج في الليل فاراً إلى علي علیه السلام فأخبره ، فقال : اللهمّ عليك به(2) .

وفي الطبري : أقبل غلام من جهينة - من أصحاب الجمل - على محمّد بن طلحة فقال : أخبرني عن قتلة عثمان ، فقال : نعم دم عثمان ثلاث أثلاث : ثلث على صاحبة الهودج يعني عائشة ، وثلث على صاحب الجمل الأحمر يعني طلحة ( أباه ) ، وثلث على علي بن أبي طالب ، وضحك الغلام وقال : ألا أراني على ضلال ولحق بعلي علیه السلام وقال في ذلك شعراً :

سألت ابن طلحة عن هالك * بجوف المدينة لم يقبر

فقال ثلاثة رهط هم * أماتوا ابن عفان واستعبر

فثلث على تلك في خدرها * وثلث على راكب الأحمر

وثلث على بن أبي طالب * ونحن بدوية قرقر

ص: 248


1- تاريخ الطبري : 3/4صلی الله علیه وآله1 ، سنة 36 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 14/14 .

فقلت صدقت على الأولين * وأخطأت في الثالث الأزهر(1)

ورواه ابن قتيبة وزاد : « وبلغ طلحة قول ابنه ، فقال له : أتزعم انّي قاتل عثمان ، كذلك تشهد على أبيك ؟ كن كعبداللَّه بن الزبير ، ما أنت بخير منه ، ولا أبوك بدون أبيه ، كفّ عن قولك، وإلّا فارجع ، فان نصرتك نصرة رجل واحد ، وفسادك فساد عامة ، فقال محمّد: ما قلت إلّا حقّاً ، ولن أعود(2) .

وعن علي بن الحسين علیه السلام قال : قال لي مروان : ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم ، قلت : فما بالكم تسبونه على المنابر ؟ قال ل انّه لا يستقيم لنا الأمر إلّا بذلك(3) .

وفيه أيضاً عن ابن أبي سيف قال : خطب مروان والحسن علیه السلام جالس ، فنال من علي علیه السلام ، فقال الحسن علیه السلام : ويلك يا مروان أهذا الذي تشتم شرّ الناس ؟ قال : لا ، ولكنّه خير الناس(4) .

وفيه أيضاً قال عمر بن عبدالعزيز : كان أبي يخطب ، فلا يزال مستمراً في خطبته حتّى إذا صار إلى ذكر علي علیه السلام وسبّه تقطع لسانه ، واصفرّ وجهه ، وتغيّرت حاله ، فقلت له في ذلك ، فقال : أو قد فطنت لذلك ؟ إنّ هؤلاء لو يعلمون من علي علیه السلام ما يعلمه أبوك ما تبعنا منهم رجل(5) .

وذكروا ان سعداً كتب إلى معاوية : وكان علي أحقّنا كلّنا بالخلافة ، ولكن

ص: 249


1- تاريخ الطبري : 3/482 ، سنة 36 .
2- الامامة والسياسة : 1/62 .
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 13/220 .
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 13/220 .
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 13/221 .

مقادير اللَّه تعالى التي صرفتها عنه حيث شاء لعلمه وقدره ، وقد علمنا أنّه أحقّ بها منّا(1) .

وعن ابن أبي نجيح قال : لمّا حجّ معاوية طاف بالبيت ومعه سعد ، فلمّا فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة ، فأجلسه على سريره ووقع معاوية في علي علیه السلام وشرع في سبّه ، فزحف سعد ثمّ قال : أجلستني معك على سريرك ثمّ شرعت في سبّ علي علیه السلام ؟ واللَّه لأن يكون فيّ خصلة واحدة من خصال كانت لعلي علیه السلام أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، واللَّه لأن يكون رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال لي ما قاله يوم خيبر : « لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّه اللَّه ورسوله ويحبّ اللَّه ورسوله ، ليس بفرّار ، يفتح اللَّه على يديه » أحبّ إليّ مِن أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، واللَّه لأن يكون رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قال لي ما قاله في غزوة تبوك : « ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » أحبّ إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، وأيم اللَّه لا دخلت لك داراً ما بقيت ، ثمّ نهض(2) .

وفي تذكرة سبط ابن الجوزي : ذكر أبو حامد الغزالي في كتاب ( سر العالمين وكشف ما في الدارين ) قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لعلي علیه السلام يوم غدير خم : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » ، فقال عمر بن الخطّاب : بخّ بخّ يا أبا الحسن ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة ، قال : وهذا تسليم ورضاء وولاية وتحكيم .

ثمّ بعد هذا غلب الهوى حبّاً للرئاسة وعقد البنود وخفقان الرايات ، وازدحام

ص: 250


1- الإمامة والسياسة : 1/90 .
2- مروج الذهب : 3/14 .

الخيول في فتح الأمصار ، وأمر الخلافة ونهيها ، فحملهم على الخلاف ، فنبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون(1)..

وعن رافع بن أبي رافع الطائي قال : كنت امرءً نصرانيّاً ، فلمّا أسلمت خرجت في تلك الغزوة التي بعث فيها رسول اللَّه صلی الله علیه وآله عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل ، قال : قلت : واللَّه لأختارن لنفسي صاحباً قال : فصحبت أبابكر ، قال : فكنت معه في رحله ، وكانت عليه عباءة له فدكيّة ، فكان إذا نزلنا بسطها ، وإذا ركبنا لبسها ، ثمّ شكها عليه بخلال له ، وذلك الذي له يقول أهل نجد حين ارتدوا كفّاراً : « نحن نبايع ذا العباءة ؟ » فلمّا دنونا من المدينة قلت : يا أبا بكر ، إنّما صحبتك لينفعني اللَّه بك ، فانصحني وعلّمني قال : آمرك أن توحّد اللَّه ولا تشرك به شيئاً - إلى أن قال - ولا تتأمر على رجل من المسلمين أبداً . قلت : يا أبابكر ، أما أنا واللَّه فانّي أرجو أن لا أشرك باللَّه أحداً أبداً - إلى أن قال - وأمّا الامارة فانّي رأيت الناس يا أبا بكر لا يشرفون عند رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وعند الناس إلّا بها ، فلم تنهاني عنها ؟ قال : « انّك إنّما استجهدتني لأجهد لك ، ان اللَّه عزّوجلّ بعث محمّداً صلی الله علیه وآله بهذا الدين ، فجاهد عليه حتّى دخل الناس فيه طوعاً وكرهاً ، فلمّا دخلوا فيه كانوا عوّاذ اللَّه وجيرانه وفي ذمّته . فإيّاك لا تخفر اللَّه في جيرانه ، فيتبعك اللَّه خفرته » - إلى أن قال - ففارقته على ذلك ، فلمّا قبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله وأمّر أبوبكر على الناس قدمت عليه ، فقلت له : يا أبا بكر ، ألم تك نهيتني عن أن أتامّر على رجلين من المسلمين ؟ قال : بلى ، فقلت له : فما حملك على أن تلي أمر الناس ؟ قال : خشيت على أُمّة محمّد صلی الله علیه وآله الفرقة(2) .

ص: 251


1- تذكرة الخواص : 356 .
2- السيرة النبويّة لابن هشام : 4/1040 ، ط : القاهرة 1383 ق ) .

أقول : هل وقعت الفرقة في الأُمّة من ذاك اليوم إلّا من تأمّره ؟

وروى عاصم بن أبي عامر البجلي عن يحيى بن عروة ، قال : كان أبي إذا ذكر عليّاً نال منه ، وقال لي مرّة : يا بنيّ ، واللَّه ما أحجم الناس عنه إلّا طلباً للدنيا ، لقد بعث إليه أُسامة بن زيد : « ان ابعث إليّ بعطائي ، فواللَّه انّك لتعلم أنّك لو كنت في فم أسد لدخلت معك » ، فكتب إليه : « انّ هذا المال لمن جاهد عليه ، ولكن لي مالاً بالمدينة فأصب منه ما شئت » ، قال يحيى : فكنت أعجب من وصفه إيّاه بما وصفه به وانحرافه عنه(1) .

وعن أبي المنهال قال : لمّا كان زمن اخرج ابن زياد وثب مروان بالشام ، وابن الزبير بمكّة ، ووثب الذين كانوا يدعون القراء بالبصرة غمّ أبي غمّاً شديداً فانطلق إلى أبي برزة وأنشأ أبي يستطعمه الحديث ، فكان أوّل شي ء تكلّم به أن قال : « اني احتسب عند اللَّه عزّوجلّ اني أصبحت ساخطاً على احياء قريش ، وانكم معشر العرب كنتم على الحال الذي قد علمتم ، وان اللَّه عزوجل قد نعشكم بالاسلام وبمحمّد صلی الله علیه وآله خير الأنام حتّى بلغ بكم ما ترون ، وانّ هذه الدنيا هي التي أفسدت بينكم - إلى أن قال - فلمّا لم يدع أحداً قال له أبي : بما تأمر اذن ؟ قال : لا أرى خير الناس اليوم إلّا عصابة ملبّوة خماص البطون من أموال الناس ، خفاف الظهور من دمائهم(2) .

وروى أبو جعفر الاسكافي : انّ عليّاً علیه السلام خطب في اليوم الثاني من بيعته - إلى أن قال في خطبته - وانّي حاملكم على منهج نبيّكم صلی الله علیه وآله ومنفذ فيكم ما أمرت به ،

ص: 252


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4/102 .
2- حلية الأولياء لأبي نعيم : 2/32 .

ان استقمتم لي وباللَّه المستعان ، الا ان موضعي من رسول اللَّه صلی الله علیه وآله بعد وفاته كموضعي منه أيّام حياته ، فامضوا لما تؤمرون به ، وقفوا عند ما تنهون عنه ، ولا تعجلوا في أمر حتّى نبيّنه لكم ، فان لنا عن كلّ أمر تنكرونه عذراً - إلى أن قال - ثمّ التفت علیه السلام يميناً وشمالاً ، فقال : ألا لا يقولن رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فاتّخذوا العقار ، وفجروا الأنهار ، وركبوا الخيول الفارهة ، واتّخذوا الوصائف الروقة(1) ، فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً ، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه ، وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون ، فينقمون ذلك ، ويستنكرون ويقولون :

حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا ! ألا وايما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله يَرى ان الفضل له على من سواه لصحبته ، فان الفضل النير غدا عند اللَّه ، وثوابه وأجره على اللَّه ، وأيّما رجل استجاب للَّه وللرسول ، فصدّق ملّتنا ، ودخل في ديننا ، واستقبل قبلتنا ، فقد استوجب حقوق الاسلام وحدوده ، فأنتم عباد اللَّه ، والمال مال اللَّه ، يقسم بينكم بالسويّة ، لا فضل فيه لأحد على أحد - الحديث .

قال أبو جعفر الاسكافي : وكان هذا أوّل ما أنكروه من كلامه علیه السلام ، وأورثهم الضغن عليه ، وكرهوا اعطائه وقسمه بالسوية(2) .

وقال ابن أبي الحديد : قرء كتاب « الاستيعاب » على شيخنا عبدالوهاب بن سكينة المحدث وأنا حاضر ، فلمّا انتهى القارى إلى هذا الخبر ( يعني إلى خبر شهادة النبي صلی الله علیه وآله لدافنى أبي ذر بالايمان ) قال استاذي عمر بن عبداللَّه الدباس -

ص: 253


1- الروقة : الحسان .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 7/36 .

وكنت أحضر معه سماع الحديث - : « لتقل الشيعة بعد هذا ما شاءت ، فما قال المرتضى والمفيد إلّا بعض ما كان حجر والأشتر - وكانا من دافنى أبي ذر(1) - يعتقدانه في عثمان ومن تقدّمه » فأشار الشيخ إليه بالسكوت ، فسكت .

وفي منهاج الكرامة العلّامة الحلّي : ان ذكر الخلفاء في الخطب لم يكن في زمن النبي صلی الله علیه وآله ولا في زمن أحد من الصحابة والتابعين ، ولا في صدر ولاية العباسيين ، بل هو شي ء أحدثه المنصور لما وقع بينه وبين العلوية ، فقال : واللَّه لأرغمن أنفى وأنوفهم ، وارفع عليهم بني تيم وعدي(2) .

وفيه : وقد رأيت بعض أئمّة الحنابلة يقول : انّي على مذهب الاماميّة ، فقلت له : لم تدرس على مذهب الحنابلة ؟ فقال : ليس في مذهبكم البغلات(3) والمشاهرات(4) وكان أكبر مدرس الشافعيّة في زماننا حيث(5) توفي أوصى بأن يتولّى أمره في غسله وتجهيزه بعض المؤمنين ، وان يدفن في مشهد الكاظم علیه السلام(6) .

ص: 254


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 15/100 - 101 .
2- منهاج الكرامة : 69 .
3- الغلات - ن خ .
4- المساهرات ، ن خ .
5- حين ، ن خ .
6- منهاج الكرامة : 67 .

أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ

لَوْ لا حُضُورُ الْحَاضِرِ وَ قِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ وَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَ لا سَغَبِ مَظْلُومٍ

ولا سغب مظلوم : أي شدّة جوعه .

قال تعالى : ( فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ )(1) .

روى الثقفي مسنداً عنه علیه السلام قال في خطبة له : ثمّ كان من أمر القوم بعد بيعتهم لي ما كان ، ثمّ لم أجد إلّا قتالهم أو الكفر باللَّه(2) .

وعن عبدالواحد الدمشقي قال : نادى حوشب الحميري عليّاً علیه السلام يوم صفّين فقال : انصرف عنّا يابن أبي طالب ، فانا ننشدك اللَّه في دمائنا ودمك ، ونخلي بينك وبين عراقك ، وتخلي بيننا وبين شامنا ، وتحقن دماء المسلمين ، فقال علي علیه السلام : هيهات يا أحمد بن أم ظليم ، واللَّه لو علمت ان المداهنة تسعني في دين اللَّه لفعلت ، ولكان أهون عليّ في المؤونة ولكن اللَّه لم يرض من أهل القرآن بالسكوت والإدهان إذا كان اللَّه يعصى وهم يطيقون الدفاع والجهاد حتّى يظهر أمر اللَّه(3) .

لأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا

وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا

في خلفاء ابن قتيبة قال علي علیه السلام بعد السقيفة : فواللَّه يا معشر المهاجرين ، لنحن

ص: 255


1- سورة البلد : 14 .
2- الأمالي للمفيد : 153 ، المجلس 1صلی الله علیه وآله ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 2صلی الله علیه وآله/5علیه السلامصلی الله علیه وآله ، ح 14
3- الاستيعاب : 1/411 ؛ اسد الغابة 2/63 .

أحقّ الناس به لأنّا أهل البيت ، ونحن أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب اللَّه ، الفقيه في دين اللَّه ، العالم بسنن رسول اللَّه صلی الله علیه وآله المضطلع بأمر الرعيّة ، المدافع عنهم الأمور السيّئة ، القاسم بينهم بالسويّة ، واللَّه انه لفينا ، فلا تتّبعوا الهوى فتضلّوا عن سبيل اللَّه ، فتزدادوا من الحق بعداً ، فقال بشير بن سعد الأنصاري - وهو أوّل ما بايع أبا بكر حسداً لابن عمّه سعد بن عبادة - : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ، ما اختلف عليك اثنان ، فقال علیه السلام : أفكنت أدع رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لم أدفنه وأخرج انازع الناس سلطانه ؟(1)

واخراجه علیه السلام لسيّدة النساء 3 إنّما كان لاتمام الحجّة ففي الخلفاء أيضاً وخرج علي علیه السلام يحمل فاطمة بنت رسول اللَّه صلی الله علیه وآله على دابّة ليلاً في مجالس الأنصار تسألهم النصرة ، فكانوا يقولون : يا بنت رسول اللَّه قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أنّ زوجك وابن عمّك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ، فقالت فاطمة : ما صنع أبوالحسن إلّا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما اللَّه حسيبهم وطالبهم(2) .

وبالجملة لولا قيام الحجّة بحضور جمع معدود لنصرته علیه السلام لسقى آخرهم بكأس أوّلهم .

وفي أمالي محمّد بن محمّد بن النعمان انّ معاوية قال لابن عبّاس : إنكم تريدون أن تحرزوا الإمامة كما اختصصتم بالنبوّة ، واللَّه لا يجتمعان أبدا ، إنّ حجّتكم في الخلافة مشتبهة على الناس ، إنكم تقولون : نحن أهل بيت النبي ، فما

ص: 256


1- الامامة والسياسة : 1/19 ؛ بحار الأنوار : 28/349 .
2- الامامة والسياسة : 1/19 ؛ بحار الأنوار : 28/355 .

بال خلافة النبوّة في غيرنا ؟ وهذه شبهة ، لأنّها تشبه الحق وبها مسحة من العدل وليس الأمر كما تظنون ، إن الخلافة تتقلب في أحياء قريش برضى العامّة وشورى الخاصّة ، ولسنا نجد الناس يقولون : ليت بني هاشم ولّونا ، ولو ولّونا كان خيرا لنا في دنيانا وأخرانا ولو كنتم زهدتم فيها أمس كما تقولون ما قاتلتم عليها اليوم و واللَّه لو ملكتموها يا بني هاشم لما كانت ريح عاد ولا صاعقة ثمود بأهلك للناس منكم .

فقال ابن عباس : أمّا قولك يا معاوية : إنّا نحتجّ بالنبوّة في استحقاق الخلافة فهو واللَّه كذلك ، فإن لم يستحق الخلافة بالنبوّة فَبِمَ يستحق ؟ وأمّا قولك إن الخلافة والنبوّة لا يجتمعان لأحد فأين قول اللَّه عز وجل : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً )(1) فالكتاب هو النبوة ، والحكمة هي السنة ، والملك هو الخلافة ، فنحن آل إبراهيم ، والحكم بذلك جار فينا إلى يوم القيامة .

وأمّا دعواك على حجّتنا أنّها مشتبهة فليس كذلك ، وحجّتنا أضوء من الشمس ، وأنور من القمر ، كتاب اللَّه معنا ، وسنّة نبيّه صلی الله علیه وآله فينا ، وإنّك لتعلم ذلك ، ولكن ثنى عطفك وصعرك(2) قتلنا أخاك وجدّك وخالك وعمّك ، فلا تبك على أعظم حائلة وأرواح في النار هالكة .

ولا تغضبوا لدماء أراقها الشرك وأحلها الكفر ووضعها الدين وأما ترك تقديم

ص: 257


1- سورة النساء : 54 .
2- قال الجوهري : « يقال ثنى فلان عنى عطفه إذا أعرض عنك . وقال : صعر خدّه وصاعر : أي أماله من الكبر » . نقول : ومنه قوله تعالى : ( ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ) سورة الحجّ : 8 .

الناس لنا فيما خلا وعدولهم عن الإجماع علينا فما حرموا منا أعظم مما حرمنا منهم وكل أمر إذا حصل حاصله ثبت حقه وزال باطله وأما افتخارك بالملك الزائل الذي توصلت إليه بالمحال الباطل فقد ملك فرعون من قبلك فأهلكه اللَّه وما تملكون يوما يا بني أمية إلا ونملك بعدكم يومين ولا شهرا إلا ملكنا شهرين ولا حولا إلا ملكنا حولين .

وأما قولك : إنا لو ملكنا كان ملكنا أهلك للناس من ريح عاد وصاعقة ثمود ، فقول اللَّه يكذبك في ذلك قال اللَّه عز وجل : ( وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ )(1) فنحن أهل بيته الأدنون ورحمة اللَّه خلقه كرحمته بنبيه خلقه ، الخبر(2) .

وعن المدائني قال : لمّا دخل علي بن أبي طالب الكوفة دخل عليه رجل من حكماء العرب فقال : « واللَّه يا أميرالمؤمنين لقد زنت الخلافة وما زانتك ، ورفعتها وما رفعتك ، وهي كانت أحوج إليك منك إليها »(3) .

وفيه أيضاً عنه علیه السلام قال : قال [ لي ] رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : أنت بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي ، فان أتاك هؤلاء القوم فسلموها إليك يعني الخلافة فاقبل منهم ، وإن لم يأتوك فلا تأتهم حتّى يأتوك(4) .

وفي خطبته علیه السلام الطالوتيّة التي رواها الكليني في روضة مسنداً عن أبي الهيثم بن التيّهان قال علیه السلام : أيّها الأُمّة التي خدعت فانخدعت ، وعرفت خديعة من خدعها

ص: 258


1- سورة سورة الأنبياء : 107 .
2- الأمالي للمفيد : 15 ، المجلس 2 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 44/117 ، ح 11 .
3- اسد الغابة : 4/32 ؛ تاريخ مدينة دمشق : 42/445 ؛ تاريخ الخلفاء للسيوطي : 198 .
4- اسد الغابة : 4/31 .

فاصرّت على ما عرفت ، واتبعت أهواءها ، وضربت في عشواء غوايتها ، وقد استبان لها الحق فصدّت عنه ، والطريق الواضح فتنكّبته ، أمّا والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو اقتبستم العلم من معدنه ، وشربتم الماء بعذوبته ، وادّخرتم الخير من موضعه ، وأخذتم الطريق من واضحه ، وسلكتم من الحقّ نهجه ، لنجهت ج لتنهّجت ن خ ج بكم السبل ، وبدت لكم الأعلام وأضاء لكم الاسلام ، فأكلتم رغدا(1) ، وما عال فيكم عائل ، ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد ، ولكن سلكتم سبيل الظلام ، فأظلمت عليكم دنياكم برحبها(2) وسُدّت عليكم أبواب العلم ، فقلتم بأهوائكم ، واختلفتم في دينكم ، فأفنيتم في دين اللَّه بغير علم ، واتّبعتم الغواة فأغوتكم ، وتركتم الأئمّة فتركوكم - إلى أن قال - رويداً عمّا قليل تحصدون جميع ما زرعتم ، وتجدون وخيم ما اجترمتم وما أجتلبتم(3) ، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لقد علمتم اني صاحبكم ، والذي به أمرتم ، واني عالمكم ، والّذي بعلمه نجاتكم ، ووصيّ نبيّكم ، وخيرة ربّكم ، ولسان نوركم ، والعالم بما يصلحكم ، فعن قليل رويداً ينزل بكم ما وعدتم ، وما نزل بالأُمم قبلكم ، وسيسألكم اللَّه عزّوجلّ عن أئمّتكم ، معهم تحشرون ، وإلى اللَّه عزّوجلّ غداً تصيرون ، أما واللَّه لو كان لي عدّة أصحاب طالوت أو عدّة أهل بدر وهم أعداؤكم لضربتكم بالسيف حتّى تؤولوا إلى الحقّ ، وتنيبوا للصدق ، فكان أرتق للفتق ، وآخذ بالرفق ، اللهمّ فاحكم بيننا بالحق وأنت خير الحاكمين .

ص: 259


1- أي واسعة طيّبة .
2- الرحب - بالضم - السعة ، أي مع سعتها .
3- الاجترام : الاكتساب . والاجتلاب : جلب الشي ء إلى النفس .

قال : ثمّ خرج من المسجد فمرّ بصيرة(1) فيها نحو من ثلاثين شاة ، فقال : واللَّه لو أنّ لي رجالاً ينصحون للَّه عزّوجلّ ولرسوله بعدد هذه الشياه لأزلت ابن آكلة الذبان(2) عن ملكه(3) .

وَ لأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ

رأى عارف من يسير في موكب جليل ، فسأل من هو ؟ فقالوا : هو يضحك الملك بحبقاته ، فقال : ما اشترى أحد الدنيا بثمنها إلّا هذا(4) .

وعن إ سحاق بن موسى(5) عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن آبائه : قال : خطب أميرالمؤمنين علیه السلام خطبة بالكوفة فلمّا كان في آخر كلامه قال : ألا وإنّي لأولى الناس بالناس ، وما زلت مظلوما منذ قُبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله .

فقام إليه أشعث بن قيس فقال : يا أميرالمؤمنين لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلّا وقلت : « واللَّه إني لأولى الناس بالناس ، فما زلت مظلوما منذ قُبض رسول اللَّه صلی الله علیه وآله » ولما ولي تيم(6) وعدي(7) ألا ضربت بسيفك دون ظلامتك ؟

ص: 260


1- الصيرة : حظيرة تتّخذ من الحجارة وأغصان الشجرة للغنم والبقر .
2- الذبّان - بالكسر والتشديد - : جمع ذباب وكنّى بابن آكلتها عن سلطان الوقت فانّهم كانوا في الجاهليّة يأكلون من كلّ خبيث نالوه . ( فى ) .
3- الكافي : 8/32 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 28/240 ، ح 27 .
4- بهج الصباغة : 5/261 .
5- اسحاق بن موسى : عدّه الشيخ في أصحاب الامام الرضا علیه السلام وكان يلقّب بالأمين كما في عمدة الطالب وتوفي سنة 240 كما في منتهى الآمال للشيخ عبّاس القمّي .
6- تيم : في قريش رهط أبي بكر وهو تيم بن مرّة .
7- عدي : قبيلة من قريش وهم رهط عمر بن الخطّاب .

فقال أميرالمؤمنين علیه السلام يا ابن الخمارة ، قد قلت قولاً فاسمع مني ، واللَّه ما منعني الجبن ولا كراهيّة الموت ، ولا منعني من ذلك إلّا عهد أخي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، خبّرني وقال لي : « يا أبا الحسن إن الأُمة ستغدر بك ، وتنقض عهدي ، وإنك منّي بمنزلة هارون من موسى » فقلت : يا رسول اللَّه ، فما تعهد إليّ إذا كان ذلك كذلك ؟ فقال : « إن وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم ، وإن لم تجد أعواناً فكفّ يدك واحقن دمك حتّى تلحق بي مظلوماً » .

فلمّا توفّي رسول اللَّه صلی الله علیه وآله اشتغلت بدفنه والفراغ من شأنه ، ثم آليت(1) يميناً أني لا أرتدي إلّا للصلاة حتّى أجمع القرآن ففعلت ، ثم أخذته وجئت به فأعرضته عليهم فقالوا : لا حاجة لنا به ، ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين ، ثم درت على أهل بدر ، وأهل السابقة ، فأنشدتهم حقّي ، ودعوتهم إلى نصرتي ، فما أجابني منهم إلّا أربعة رهط : سلمان وعمار والمقداد وأبو ذر ، وذهب من كنت أعتضد بهم على دين اللَّه من أهل بيتي ، وبقيت بين خفيرتين قريبي العهد بجاهلية : عقيل والعباس .

فقال له الأشعث : يا أميرالمؤمنين ، كذلك كان عثمان لمّا لم يجد أعوانا ، كفّ يده حتى قتل .

فقال له أميرالمؤمنين علیه السلام : يا ابن الخمّارة ، ليس كما قست ، إنّ عثمان لمّا جلس في غير مجلسه وارتدى بغير ردائه ، صارع الحقّ فصرعه الحقّ ، والذي بعث محمداً صلی الله علیه وآله بالحقّ لو وجدت يوم بويع أخو تيم أربعين رهطا لجاهدتهم في اللَّه إلى أن أبلي عذري .

ص: 261


1- آليت : أقسمت .

ثم قال : أيها الناس ، إن الأشعث لا يزن عند اللَّه جناح بعوضة ، وإنه أقلّ في دين اللَّه من عفطة عنز(1) .

قَالُوا : وَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ

أي أهل القرى ، والمراد قرى الكوفة لكونه علیه السلام بها .

عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ

أي قوله علیه السلام : « ولا لفيتم دنياكم هذه أزهد من عطفة عنز » .

فَنَاوَلَهُ كِتَاباً - قِيلَ إِنَّ فِيهِ مَسَائِلَ كَانَ يُرِيدُ الإِجَابَةَ عَنْهَا - فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ فِيهِ

قال أبو الحسن الكيدري ؛ : وجدت في الكتب القديمة ان الكتاب الذي دفعه الرجل إلى أميرالمؤمنين علیه السلام كان فيه عدّة مسائل : أحدها : ما الحيوان الذي خرج من بطن حيوان آخر وليس بينهما نسب ؟

فأجاب علیه السلام : « بأنّه يونس بن متى علیه السلام خرج من بطن الحوت » .

الثانية : ما الشي ء الذي قليله مباح وكثيره حرام ؟

فقال علیه السلام : هو نهر طالوت لقوله تعالى : ( إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ )(2) .

الثالثة : ما العبادة الذي لو فعلها واحد استحقّ العقوبة ، وإن لم يفعلها استحقّ أيضاً العقوبة ؟

ص: 262


1- الاحتجاج : 1/190 ؛ بحار الأنوار : 29/419 ، ح 2 .
2- سورة البقرة : 249 .

فأجاب علیه السلام : بأنّها صلاة السكارى .

الرابعة : ما الطائر الذي لا فرخ له ولا فرع ولا أصل ؟

فقال علیه السلام : هو طائر عيسى علیه السلام في قوله : ( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي )(1) .

الخامسة : رجل عليه من الدين ألف درهم ؟ وله في كسيه ألف درهم ، فضمنه ضامن بألف درهم ، فحال عليه الحول ، فالزكاة على أيّ المالين تجب ؟

فقال علیه السلام : إن ضمن الضامن بإجازة من عليه الدين فلا يكون عليه ، وإن ضمنه من غير اذنه فالزكاة مفروضة في ماله .

السادسة : حجّ جماعة ونزلوا في دار من دور مكّة ، وأغلق واحد منهم باب الدار وفيها حمام ، فمتن من العطش قبل عودهم إلى الدار ، فالجزاء على أيّهم يجب ؟

فقال علیه السلام : على الذي أغلق الباب ولم يخرجهنّ ولم يضع لهنّ ماء .

السابعة : شهد شهداء أربعة على محضر بالزنا ، فأمرهم الامام برجمه ، فرجمه واحد منهم دون الثلاثة الباقين ، ووافقهم قوم أجانب في الرجم ، فرجع من رجمه عن شهادته والمرجوم لم يمت ، ثمّ مات ، فرجع الآخرون عن شهادتهم عليه بعد موته ، فعلى من يجب ديته ؟

فقال : يجب على من رجمه من الشهود ومن وافقه .

الثامنة : شهد شاهدان من اليهود على يهوديّ انّه أسلم ، فهل يقبل شهادتهما أم لا ؟

ص: 263


1- سورة المائدة : 110 .

فقال علیه السلام : لا تقبل شهادتهما ، لأنّهما يجوّزان تغيير كلام اللَّه ، وشهادة الزور .

التاسعة : شهد شاهدان من النصارى على نصرانيّ أو مجوسيّ أو يهوديّ انّه أسلم .

فقال علیه السلام : تقبل شهادتهما لقول اللَّه سبحانه : ( وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى )(1) ومن لا يستكبر عن عبادة اللَّه لا يشهد شهادة الزور .

العاشرة : قطع انسان يد آخر ، فحضر أربعة شهود عند الامام وشهدوا على قطع يده ، وانّه زنا وهو محصن ، فأراد الامام أن يرجمه ، فمات قبل الرجم .

فقال علیه السلام : على من قطع يده دية يد حسب ، ولو شهدوا انّه سرق نصاباً لم يجب دية يده على قاطعها ، واللَّه أعلم(2) .

قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوِ اطَّرَدَتْ خُطْبَتُكَ مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ فَقَالَ : هَيْهَاتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ

ونظير كلامه علیه السلام هذا كلام سيّدة النساء 3 في فدك ففي بلاغات النساء أحمد بن أبي طاهر ابن طيفور البغدادي : لمّا بلغ فاطمة 3 إجماع أبي بكر على منعها فدك لاثت خمارها - إلى أن قال - لمّا فرغت من كلام أبي بكر والمهاجرين عدلت إلى مجلس الأنصار فقالت : معشر البقية ، وأعضاد الملة ، وحصون الإسلام ، ما هذه الغميرة في حقّي ، والسنّة عن ظلامتي ، أما قال رسول اللَّه صلی الله علیه وآله : « المرء يحفظ في ولده » سرعان ما أجدبتم فأكديتم ، وعجلان ذا إهانة ، تقولون : مات رسول

ص: 264


1- سورة المائدة : 82 .
2- شرح نهج البلاغة لابن ميثم : 1/269 .

اللَّه صلی الله علیه وآله فخطب جليل ، استوسع وهيه ، واستنهر فتقه ، وبعد وقته ، وأظلمت الأرض لغيبته ، واكتأبت خيرة اللَّه لمصيبته ، وخشعت الجبال ، وأكدت الآمال ، وأضيع الحريم ، وأذيلت الحرمة عند مماته صلی الله علیه وآله وتلك نازل علينا بها كتاب اللَّه في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم يهتف بها في أسماعكم وقبله حلت بأنبياء اللَّه عزّوجلّ ورسله ( وما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ )(1) إيها بني قيلة : أأهضم تراث أبيه وأنتم بمرأى ومسمع ، تلبسكم الدعوة ، وتمثلكم الحيرة ، وفيكم العدد والعدّة ، ولكم الدار ، وعندكم الجنن - إلى أن قال - فأنّى حرتم بعد البيان ، ونكصتم بعد الإقدام ، وأسررتم بعد الإعلان ، لقوم نكثوا أيمانهم ، أتخشونهم ؟ فاللَّه أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ، ألا قد أرى أن أخلدتم إلى الخفض ، وركنتم إلى الدعة ، فعجتم عن الدين ، وبحجتم الذي وعيتم ، ودسعتم الذي سوّغتم ، فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن اللَّه لغني حميد ، ألا وقد قلت الذي قلته على معرفة منّي بالخذلان الذي خامر صدوركم ، واستشعرته قلوبكم ، ولكن قلته فيضة النفس ، ونفثة الغيظ ، وبثة الصدر ، ومعذرة الحجة فدونكموها ، فاحتقبوها مدبرة الظهر ، ناكبة الحق ، باقية العار ، موسومة بشنار الأبد ، موصولة بنار اللَّه الموقدة التي تطلع على الأفئدة ، فبعين اللَّه ما تفعلون ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ )(2) (3) .

ص: 265


1- سورة آل عمران : 144 .
2- سورة الشعراء : 227 .
3- بلاغات النساء : 26 ؛ السقيفة وفدك : 137 ؛ بحار الأنوار : 29/216 .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَوَاللَّهِ مَا أَسَفْتُ عَلَى كَلامٍ قَطُّ كَأَسَفِي عَلَى هَذَا الْكَلامِ أَلّا يَكُونَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ علیه السلام بَلَغَ مِنْهُ حَيْثُ أَرَادَ .

قال ابن أبي الحديد : حدّثني شيخي أبو الخير مصدق بن شبيب الواسطي في سنة ثلاث وستمائة ، قال : قرأت على الشيخ أبي محمّد عبداللَّه بن أحمد المعروف بابن الخشاب هذه الخطبة ، فلمّا انتهيت إلى هذا الموضع قال لي : لو سمعت ابن عبّاس يقول هذا لقلت له : وهل بقي في نفس ابن عمك أمر لم يبلغه في هذه الخطبة لتتأسف ألا يكون بلغ من كلامه ما أراد ! واللَّه ما رجع عن الأوّلين ولا عن الآخرين ، ولا بقي في نفسه أحد لم يذكره إلّا رسول اللَّه صلی الله علیه وآله .

قال مصدق : وكان ابن الخشاب صاحب دعابة وهزل .

قال : فقلت له : أتقول إنّها منحولة ؟ فقال : لا واللَّه ، وإني لأعلم أنها كلامه ، كما أعلم أنك مصدق . قال : فقلت له : إن كثيرا من الناس يقولون إنّها من كلام الرضي رحمه اللَّه تعالى .

فقال : أنّى للرضي ولغير الرضي هذا النفس ، وهذا الأسلوب ، قد وقفنا على رسائل الرضي ، وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور ، وما يقع مع هذا الكلام في خل ولا خمر ، ثم قال : واللَّه لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنّفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة ، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها ، وأعرف خطوط من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي.

وقال ابن أبي الحديد أيضاً : وقد وجدت أنا كثيراً من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديين من المعتزلة ، وكان في دولة المقتدر قبل

ص: 266

أن يخلق الرضي بمدّة طويلة ، ووجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر بن قبة أحد متكلّمي الإماميّة ، وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب « الإنصاف » ، وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي ، ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي موجودا(1) .

وقال ابن ميثم : انّي وجدت الخطبة بنسخة ، عليها خطّ الوزير أبي الحسن علي بن محمّد بن الفرات وكان وزير المقتدر باللَّه ، وذلك قبل مولد الرضي بنيف وستّين سنة ، والذي يغلب على ظنّي انّ تلك النسخة كانت كتبت قبل وجود ابن الفرات بمدّة(2) .

وممّن ذكر الخطبة قبل مولد الرضي أبو عمر محمّد بن عبدالواحد غلام ثعلب ، وانّ المرتضى نقل عنه ان مراده علیه السلام بقوله : « حتّى لقد وطئ الحسنان » الابهامان(3) .

وكان مولد الرضي سنة (35صلی الله علیه وآله) وكانت وفاة أبي عمر ذاك سنة (345)(4) .

أقول : انّ قول ابن الخشاب « لو سمعت ابن عبّاس يقول ما قال لقلت له وهل بقي في نفس ابن عمّك شي ء » في غير محلّه وانّه بقي في نفسه علیه السلام أشياء وأشياء اتقى اظهارها علانية فنظير هذه الخطبة في شكايته علیه السلام من الثلاثة ، ومن أهل الشورى ، ومن الناكثة والقاسطة والمارقة ما رواه ابن قتيبة فقال : « قام حجر بن عدي وعمرو بن الحمق وعبداللَّه بن وهب الراسبي ، فدخلوا على علي علیه السلام فسألوه

ص: 267


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/205 .
2- شرح نهج البلاغة لابن ميثم : 1/252 .
3- شرح نهج البلاغة لابن ميثم : 1/265 .
4- بهج الصباغة 5/26صلی الله علیه وآله .

عن أبي بكر وعمر ما تقول فيهما ؟ وقالوا : بيّن لنا قولك فيهما وفي عثمان .

قال علي علیه السلام : وقد تفرغتم لهذا ؟ وهذه مصر قد افتتحت ، وشيعتي فيها قد قتلت، إنّي مخرج إليكم كتاباً انبّئكم فيه ما سألتموني عنه ، فاقرؤوه على شيعتي .

فأخرج إليهم كتاباً فيه : أمّا بعد فإن اللَّه بعث محمّداً صلی الله علیه وآله - إلى أن قال - فلما مضى لسبيله تنازع المسلمون الأمر بعده ، فواللَّه ما كان يلقى في روعي(1) ولا يخطر على بالي أنّ العرب تعدل هذا الأمر بعد محمّد عنّي فما راعني إلا إقبال الناس على أبي بكر ، وإجفالهم(2) إليه ، فأمسكت يدي ، ورأيت أنّي أحقّ بمقام محمد صلی الله علیه وآله في الناس ممّن تولّى الأمور عليّ ، فلبثت بذلك ما شاء اللَّه ، حتّى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام ، يدعون إلى محو دين محمد صلی الله علیه وآله وملّة إبراهيم علیه السلام ، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما وهدما ، يكون المصاب بهما عليّ أعظم من فوات ولاية أمركم ، التي إنّما هي متاع أيّام قلائل ، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب - إلى أن قال - فلمّا احتضر عمر قلت في نفسي : ليس يصرف هذا الأمر عنّي ، فجعلها شورى ، وجعلني سادس ستّة ، فما كانوا لولاية أحد منهم باكره منهم لولايتي ، لأنّهم كانوا يسمعونني وأنا أحاج أبابكر فأقول : يا معشر قريش « أنا أحقّ بهذا الأمر منكم ما كان منّا من يقرأ القرآن ، ويعرف السنّة » فخشوا ان ولّيت عليهم أن لا يكون لهم في هذا الأمر نصيب ، فبايعوا اجماع رجل واحد ، حتّى صرفوا الأمر عنّي لعثمان ، فأخرجوني منها رجاء أن يتداولوها ، حين يئسوا أن ينالوها ، ثم قالوا لي : هلم فبايع عثمان ،

ص: 268


1- الروع : القلب .
2- إجفالهم : اسراعهم .

وإلّا جاهدناك ، فبايعت مستكرهاً وصبرت محتسباً ، وقال قائلهم : انّك يا ابن أبي طالب على هذا الأمر لحريص ، قلت : أنتم أحرص ، أما إذ طلبت ميراث ابن أبي وحقّه ، وأنتم إذ دخلتم بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه ، اللهمّ إني أستعين بك على قريش ، فإنهم قطعوا رحمي ، وصغروا عظيم منزلتي وفضلي ، وأجمعوا على منازعتي حقّاً كنت أولى به منهم فسلبونيه ، ثم قالوا : اصبر كمداً ، وعش متأسفاً ، فنظرت فاذا ليس معي رفاق ولا مساعد إلّا أهل بيتي ، فضننت بهم على الهلاك ، فأغضيت عيني على القذى ، وتجرعت ريقي على الشجا(1) وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم طمعاً ، وآلم للقلب من حزّ الحديد ، حتّى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه ، ثم جئتموني تبايعوني ، فأبيت عليكم ، وأبيتم عليّ ، فنازعتموني ودافعتموني ، ولم أمدّ يدي ، تمنّعاً عنكم ، ثمّ ازدحمتم عليّ ، حتّى ظننت أن بعضكم قاتل بعض ، وأنكم قاتلي ، وقلتم : « لا نجد غيرك ، ولا نرضى إلّا بك ، فبايعنا ، لا نفترق ولا نختلف » فبايعتكم ودعوتم الناس إلى بيعتي ، فمن بايع طائعاً قبلت منه ، ومن أبى تركته ، فأوّل من بايعني طلحة والزبير ، ولو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما ، فما لبثا إلّا يسيراً حتّى قيل لي : قد خرجا متوجهين إلى البصرة في جيش ، ما منهم رجل إلّا وقد أعطاني الطاعة - الخبر(2) .

واتّقى علیه السلام على أن يخطب بها بنفسه ، فكتبها ، ففي الطريق الكليني انّه علیه السلام لمّا سألوه عن الثلاثة قال : « وأنا كاتب لكم كتاباً فيه تصريح ما سألتم إن شاء اللَّه تعالى ، فدعا كاتبه عبيداللَّه بن أبي رافع فقال له : أدخل عليّ عشرة من ثقاتي ،

ص: 269


1- الشجا : العظمة أو الشوكة في الحلق .
2- الإمامة والسياسة : 1/133 .

فقال : سمّهم لي يا أميرالمؤمنين ، فقال علیه السلام : أدخل أصبغ بن نباتة وأبا الطفيل عامر بن وائلة الكناني ، ورزين بن حبيش الأسدي ، وجويرية بن مسهر العبدي وخندف بن زهير الأسدي وحارثة بن مضرب الهمداني ، والحارث بن عبداللَّه الأعور الهمداني ، ومصباح النخعي ، وعلقمة بن قيس ، وكميل بن زياد ، وعمير بن زرارة ، فدخلوا عليه ، فقال لهم : خذوا هذا الكتاب ، وليقرأه عبيداللَّه بن أبي رافع وأنتم شهود كلّ يوم جمعة ، فان شغب شاغب عليكم فانصفوه بكتاب اللَّه بينكم وبينه(1) .

وقد رووا انّه علیه السلام اتّقى أبا طلحة يوم الشورى لمّا سمع كلامه علیه السلام فقال له : « لا ترع يا أبا حسن »(2) وهذه الخطبة تكلّم بها على الملأ للعامّة ، ولقد قال علیه السلام في الخلأ لخواصّه أموراً أخر رواها شيعته وكذلك أهل بيته : كانوا يتّقون العامّة أن يظهروا ما في أنفسهم في المتقدّمين عليهم وأتباعهم ، ففي المقاتل وغيره كتب الحسن علیه السلام إلى معاوية : وقد تعجّبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقّنا وسلطان نبيّنا صلی الله علیه وآله - إلى أن قال - فكتب إليه معاوية : رأيتك صرحت بتهمة أبي بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، وأبي عبيدة الأمين ، وحواري الرسول صلی الله علیه وآله ، وصلحاء المهاجرين والأنصار ، فكرهت ذلك لك ، فانك أمرؤ عندنا وعند الناس غير الظنين(3) ، ولا المسي ء واللئيم ، وأنا أحبّ لك القول السديد ، والذكر الجميل - الخ(4) .

فترى هدّده بالعامّة .

ص: 270


1- كشف المحجّة لثمرة المهجة : 174 ؛ بحار الأنوار : 30/7 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/192 ، طبع مكتبة السيّد المرعشي ، قم ، 1404 ه .
3- ب : « ظنين » .
4- مقاتل الطالبيين : 35 ؛ شرح نهج البلاغة : 16/34 .

وكيف ينكرون شكايتهم : منهم ، ولمّا كتب معاوية كما في العقد وغيره إلى أميرالمؤمنين علیه السلام بعد ذكر الثلاثة « فكلّهم حسدت ، وعلى كلّهم بغيت ، عرفنا ذلك في نظرك الشزر ، وتنفسك الصعداء ، وإبطائك على الخلفاء ، وأنت في كلّ ذلك تقاد كما يقاد البعير المخشوش(1) حتّى تبايع وأنت كاره » - إلى أن قال - فكتب علي علیه السلام إليه : وذكرت ابطائي عن الخلفاء وحسدي إيّاهم والبغي عليهم ، فأمّا البغي ، فمعاذ اللَّه أن يكون ، وأمّا الكراهة لهم فواللَّه ما أعتذر للناس من ذلك(2) .

وممّا روى من شكايته ما رواه الثقفي عن المسعودي ، عن الحسن بن حمّاد ، عن أبيه ، عن رزين بيّاع الأنماط ، عن زيد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه : قال علي بن أبي طالب علیه السلام في خطبته : واللَّه لقد بايع الناس أبابكر وأنا أولى الناس بهم منّي بقميصي هذا فكظمت غيظي ، وانتظرت أمر ربّي ، والصقت كلكلي بالأرض ، ثمّ انّ أبابكر هلك واستخلف عمر ، وقد علم واللَّه انّي أولى الناس بهم منّي بقميصي هذا ، فكظمت غيظي ، وانتظرت أمر ربّي ثمّ انّ عمر هلك وقد جعلها شورى ، فجعلني سادس ستّة كسهم الجدة ، وقال اقتلوا الأقل ، وما أراد غيري ، فكظمت غيظي ، وانتظرت أمر ربّي ، وألصقت كلكلي بالأرض ، ثمّ كان من أمر القوم بعد بيعتهم لي ما كان ، ثمّ لم أجد إلّا قتالهم أو الكفر باللَّه(3) .

وممّا روى من شكايته علیه السلام عنهم ما رواه جمل المفيد باسناده عن أبي مخنف عن العدي ، عن أبي هاشم ، عن البريد ، عن عبداللَّه بن المخارق ، عن هاشم بن

ص: 271


1- المخشوش : الذي جعل في عظم أنفه الحشاش ، وهو بالكسر عويد يجعل في أنف البعير يشدّ به الزمام ليكون أسرع في انقياده .
2- العقد الفريد : 5/82 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 15/74 .
3- الأمالي للمفيد : 153 ، المجلس 19، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 29/578 ، ح 14 .

مساحق القرشي قال : قال أبي : انّه لما انهزم الناس يوم الجمل اجتمع معه طائفة من قريش ، فيهم مروان بن الحكم ، فقال بعضهم لبعض : واللَّه لقد ظلمنا هذا الرجل ( يعنون أميرالمؤمنين علیه السلام ) ونكثنا بيعته من غير حدث ، واللَّه لقد ظهر علينا ، فما رأينا قط أكرم سيرة منه ، ولا أحسن عفواً بعد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله ، تعالوا حتّى ندخل عليه ، ونعتذر إليه ممّا صنعناه ، قال : فصرنا إلى بابه ، فاستأذنّاه ، فاذن لنا ، فلمّا مثلنا بين يديه جعل متكلّمنا يتكلّم ، فقال علیه السلام : انصتوا أكفكم ، إنّما أنا بشر مثلكم ، فإن قلت حقّاً فصدّقوني ، وإن قلت باطلاً فردّوا عليّ ، أنشدكم اللَّه أتعلمون أنّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله لما قبض كنت أنا أولى الناس به وبالناس من بعده ؟ قلنا : اللهمّ نعم ، قال علیه السلام : فعدلتم عني وبايعتم أبا بكر ، فامسكت ولم أحبّ أن أشق عصا المسلمين ، وافرق بين جماعاتهم ، ثمّ إنّ أبابكر جعلها لعمر من بعده ، فكففت ، ولم أهج الناس وقد علمت انّي كنت أولى الناس باللَّه وبرسوله وبمقامه ، فصبرت حتّى قتل ، وجعلني سادس ستّة ، فكففت ، ولم أحب أن أفرق بين المسلمين ، ثمّ بايعتم عثمان - الخبر(1) .

ومن شكايته علیه السلام عنهم ما رواه المدائني عن عبداللَّه بن جنادة قال : قدمت من الحجاز أُريد العراق في أوّل إمارة علي علیه السلام فمررت بمكة ، فاعتمرت ، ثمّ قدّمت المدينة ، فدخلت مسجد رسول اللَّه صلی الله علیه وآله إذ نودي الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس ، وخرج علي علیه السلام متقلّدا سيفه ، فشخصت الأبصار نحوه ، فحمد اللَّه وصلّى على رسوله صلی الله علیه وآله ثم قال : أمّا بعد فإنّه لمّا قُبض اللَّه نبيّه صلی الله علیه وآله قلنا نحن أهله وورثته ، وعترته وأولياؤه ، دون الناس لا ينازعنا سلطانه أحد ، ولا يطمع في حقّنا طامع إذ

ص: 272


1- الجمل : 416 ؛ بحار الأنوار : 32/262 ، ح 200 .

انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا صلی الله علیه وآله ، فصارت الإمرة لغيرنا ، وصرنا سوقة يطمع فينا الضعيف ، ويتعزز علينا الذليل ، فبكت الأعين منا لذلك ، وخشنت الصدور ، وجزعت النفوس ، وايم اللَّه لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين ، وأن يعود الكفر ، ويبور الدين ، لكنّا على غير ما كنا لهم عليه - الخبر -(1) .

وعن المسيّب ن نجيه قال : بينا علي علیه السلام يخطب إذ قام أعرابي فصاح وامظلمتاه ، فاستدناه علي علیه السلام ، فلمّا دنا قال له : إنّما لك مظلمة واحدة ، وأنا قد ظلمت عدد المدر والوبر(2) .

وروى أبو نعيم باسناده عن حريث قال : انّ عليّاً علیه السلام لم يقم مرّة على المنبر إلّا قال في آخر كلامه قبل أن ينزل : « مازلت مظلوماً منذ قُبض اللَّه نبيّة صلی الله علیه وآله »(3) .

وقد روى من طرق كثيرة انّه علیه السلام كان يقول : أنا أوّل من يجثو للخصومة بين يدي اللَّه يوم القيامة(4) .

هذا ، وكما أسف ابن عبّاس شديداً على عدم بلوغ أميرالمؤمنين علیه السلام أقصى مراده في تلك الخطبة كذلك كان يأسف دائماً شديداً على منع النبي صلی الله علیه وآله عن الوصيّة .

قال أبو جعفر الطبري : وروى سعيد بن جبير قال : كان ابن عبّاس يقول : « يوم الخميس وما يوم الخميس ؟ ثمّ يبكي حتّى تبل دموعه الحصباء ، فقلنا له : وما يوم

ص: 273


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 1/307 .
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 4/106 ؛ المناقب : 2/115 ؛ بحار الأنوار : 28/373 .
3- المناقب : 2/115 ؛ بحار الأنوار : 28/373 .
4- الشافي في الامامة : 3/224 ؛ بحار الأنوار : 28/374 .

الخميس ؟ قال : يوم اشتدّ برسول اللَّه صلی الله علیه وآله وجعه ، فقال : « ائتوني باللوح والدواة - أو قال بالكتف والدواة - اكتب لكم ما لا تضلّون بعدي ، فتنازعوا ، فقال صلی الله علیه وآله : اخرجوا ولا ينبغي عند نبيّ أن يتنازع ، قالوا : ما شأنه أهجر استفهموه ، فذهبوا يعيدون عليه ، فقال صلی الله علیه وآله : دعوني ، فما أنا فيه خير ممّا تدعونني إليه(1) .

وما رواه البخاري باسناده عن عبداللَّه بن عبّاس قال : لمّا اشتدّ بالنبيّ مرضه الذي مات فيه قال : ائتوني بدواة وقرطاس اكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعدي ، فقال عمر : « انّ رسول اللَّه صلی الله علیه وآله قد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب اللَّه » وكثر اللغط ، فقال النبي صلی الله علیه وآله : « قوموا عنّي لا ينبغي عندي التنازع » ، قال ابن عبّاس : الرزيّة كلّ الرزيّة ما حال بيننا وبين كتاب رسول اللَّه صلی الله علیه وآله(2) .

الحمدالله رب العالمین

وصلی الله علی سیدنا محمد و علی آله الطاهرین

ص: 274


1- تاريخ الطبري : 2/436 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 13/30 .
2- الملل والنحل : 1/22 ؛ صحيح البخاري : 5/137 .

المصادر الکتاب

1 - إثباة الهداة بالنصوص والمعجزات : محمّد بن حسن ، الشيخ حرّ العاملى ، ( المتوفى 1104 ق ) ، 5 مجلد ، الأعلمي ، بيروت ، الأولى 1425 .

2- اثبات الوصية : المسعودى ، ( المتوفى 344ق ) .

3 - الاحتجاج على اهل اللجاج : ابو منصور احمد بن على بن ابى طالب طبرسى ، 2 مجلد ، مترجم : بهراد جعفرى ، دار الكتب الاسلامية ، طهران 138علیه السلام ش .

4- الاحتجاج على أهل اللجاج : احمد بن على ، طبرسى ، ( المتوفى 588ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : محمد باقر خرسان ، نشر مرتضى ، مشهد ، الأولى 1403ق .

5 - اخبار الدولة العبّاسيّة : مؤلّف : مجهول ، القرن الثالث ، تحقيق : عبدالعزيز الدوري وعبدالجبّار المطلبي ، بيروت ، دار الطليعة ، 1391 ق .

6 - الاختصاص : محمد بن محمد المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، مصحح : على اكبر غفارى ومحمود حرمى زرندى ، المؤتمر العالمى للالفية الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .

7 - اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشى ) : الشيخ الطوسي ، ( المتوفّى 460ق ) ، تصحيح ميرداماد الاسترآبادي ، 2 مجلد ، مؤسّسة آل البيت : لاحياء التراث ،

ص: 275

بعثت ، قم ، 1404ق .

8 - أدب الكتاب : أبوبكر محمّد بن يحيى الصولي ، ( المتوفّى 335 ه ) ، مصحّح : محمّد بهجة الأثرى ، 1 مجلّد ، المكتبة العربيّة ، بغداد ، 1341 .

9 - الارشاد في معرفة حجج اللَّه على العباد : محمّد بن محمّد المفيد ، ( المتوفّى 413ق ) ، المصحّح : مؤسّسة آل البيت : ، المؤتمر للشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .

10 - اسباب نزول الآيات : الواحدي النيسابوري ، ( المتوفّى 468ق ) ، مؤسّسة الحلبي للنشر والتوزيع ، القاهرة ، 1388ق 1968م .

11 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار : محمّد بن الحسن الطوسي ، ( المتوفّى 460ق ) ، مصحّح : حسن الموسوى الخرسان، 4 مجلد ، دار الكتب الاساميّة ، طهران ، الأولى 13صلی الله علیه وآله0ق .

12 - الاستيعاب : ابن عبدالبر ، القرن الخامس ، تحقيق : علي محمّد البجاوى ، بيروت ، دار الجيل ، الأولى 1412ق ، 1992م .

13 - اسد الغابة : ابن الأثير ، ( المتوفّى 630ق ) ، دار الكتاب العربي بيروت ، لبنان ، توضيحات : نشر إسماعيليان ، طهران .

14 - الاصابة : أحمد بن علي بن حجر العسقلانى ، ( المتوفى 852ق ) : تحقيق : عادل أحمد ، 4 مجلد ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الأولى 1415ق 1995م .

15 - اعلام الدين فى صفات المؤمنين : حسن بن محمد ديلمى ، ( المتوفى 841ق ) ، 1 مجلد ، الناشر والمصحح : مؤسسة آل البيت : ، قم ، الأولى 1408ق .

16 - الأغاني : ابن الفرج الاصفهاني ، ( المتوفّى 356 ) ، 25 جلد ، دار إحياء التراث

ص: 276

العربي .

17 - الأمالي ( للصدوق ) : محمد بن على بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، الأعلمى بيروت ، الخامسة 1400ق - 1362ش .

18 - الأمالي ( للطوسي ) : محمد بن الحسن طوسى ، ( المتوفى 460ق ) ، 1 مجلد ، دار الثقافه ، قم ، الأولى 1414ق .

19 - الأمالي ( للمفيد ) : محمد بن محمد ، مفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : حسين استاد ولى وعلى اكبر غفارى ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .

20 - الامامة والسياسة : ابن قتيبة الدينوري ، ( المتوفّى 276ق ) ، تحقيق : الزيني ، مؤسّسة الحلبى وشركاه للنشر والتوزيع .

21 - الأم : الشافعي ، ( المتوفّى 204ق ) ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، الثانية ، 1403ق 1983م .

22 - امتاع الاسماع : تقي الدين أحمد بن علي المقريزي ، ( المتوفّى 845 ) ، تحقيق : محمّد عبدالحميد النيمسى ، بيروت ، دار الكتب العلميّة ، الأولى 1420ق 1999م .

23 - أنساب الأشراف : أحمد بن يحيى بن جابر البلاذرى ، ( المتوفى 279ق ) ، تحقيق : سهيل زكار ، رياض ، زركلى ، 13 مجلد ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الأولى .

24 - الايضاح : الفضل بن شاذان الأزدى ، ( المتوفى 260ق ) ، تحقيق : السيد جلال الدين الحسينى الارموى المحدث ، مؤسسة النشر والطبع جامعة طهران ، 1363ش .

25 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار : محمّد باقر بن محمّد تقى مجلسى ، ( المتوفى 1110ق ) ، 111 مجلد ، دار احياء التراث العربي ، الثانية

ص: 277

1403ق .

26 - البداية والنهاية : ابن كثير ، ( المتوفى 774م ) ، بيروت ، دار الفكر ، 1407 ق 1986م .

27 - البرهان فى تفسير القرآن : سيد هاشم بن سليمان بحراني ، ( المتوفى 1107ق ) ، 5 مجلد ، مصحح : قسم الدراسات الاسلامية لمؤسسة البعثة ، مؤسسة البعثة ، قم ، الأولى 13علیه السلام4 ش .

28 - بصائر الدرجات في فضائل آل محمد : : محمد بن حسن صفار ، ( المتوفى 290ق ) ، مصحح : محسن بن عباسعلي كوچه باغي ، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي ، قم ، الثانية 1404ق .

29 - بلاغات النساء : ابن طيفور ، ( المتوفى 380ق ) ، مكتبة بصيرتي ، قمّ المقدّسة .

30 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة : محمّد تقي الشيخ الشوشتري ، ( المتوفى 1415ق - 13علیه السلام4ش ) ، مؤسّسة نشر أمير كبير ، الأولى 1376 شمسي .

31 - تاج العروس من جواهر القاموس : محمّد مرتضى حسينى زبيدى ، ( المتوى 1205ق ) ، تحقيق : على هلالى وسيرى على ، 20 مجلد ، دار الفكر ، بيروت ، الأولى 1414ق .

32 - تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي ، ( المتوفى 463ق ) ، تحقيق : مصطفى عبدالقادر عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الأولى 141علیه السلامق - 1997 م .

33 - تاريخ الخلفاء : جلال الدين السيوطي ، ( المتوفى صلی الله علیه وآله11ق ) ، مطابع معتوق اخوان ، بيروت .

34 - تاريخ خليفة : خليفة بن خيّاط العصفرى ( شباب ) ، ( المتوفى 240 ) ، تحقيق :

ص: 278

فواز ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الأولى 1415ق 1995م .

35- تاريخ الطبرى : محمد بن جرير الطبري ، 6 مجلد ، ( المتوفى 310ق ) ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت .

36 - تاريخ الطبرى : ابو جعفر محمد بن جرير الطبرى ، ( المتوفى 310ق ) ، تحقيق : محمّد ابوالفضل إبراهيم ، 11 مجلد ، بيروت ، دار التراث ، الثانية 1387ق 1967م .

37 - تاريخ المدينة : ابن شبة النميري ، ( المتوفى 262 ق ) ، تحقيق : فهيم محمّد شلتوت ، 4 مجلّد ، دار الفكر ، قم ، الثانية 1410ق 1368ش .

38 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة : علي الاسترآبادي ، ( المتوفى 940ق ) ، مصحح : حسين استاد ولي ، مؤسسة النشر الاسلامى ، قم ، الأولى 140صلی الله علیه وآلهق .

39 - تاريخ يعقوبى : أحمد بن أبى يعقوب المعروف باليعقوبى ، ( المتوفى بعد 292 ) ، بيروت ، دار صادر ، بى تا .

40 - تذكرة الخواص : سبط ابن جوزى ، ( المتوفى 654ق ) ، 1 مجلد ، منشورات الشريف الرضى ، قم ، 1418ق 1376ش .

41 - تفسير الثعلبى ( الكشف والبيان عن تفسير القرآن ) : الثعلبي ، ( المتوفى 427ق ) ، تحقيق : أبى محمد بن عاشور ، 5 مجلد ، دار احياء التراث العربى ، بيروت ، الأولى 1422ق 2002م .

42 - تفسير العياشي : محمّد بن مسعود العياشي ، ( المتوفى 320ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : السيّد هاشم رسولى المحلّاتى ، المطبعة العلمية ، طهران ، الأولى 1380 ق .

43 - تفسير القمي : علي بن ابراهيم القمي ، ( المتوفى القرن 3 الهجري ) ، مصحح : السيّد

ص: 279

طيّب موسوى الجزائري ، 2 مجلد ، دار الكتاب ، قم ، الثالثة 1404ق .

44 - تقريب المعارف : تقى بن نجم ، ابو الصلاح الحلبى ، ( المتوفى 447ق ) ، مصحح : تبريزيان ( الحسون ) ، 1 مجلد ، الهادى ، قم ، الاولى 1404ق .

45 - تهذيب الأحكام : محمد بن الحسن ، طوسى ، ( المتوفى 460ق ) ، 10 مجلد ، مصحح : حسن الموسوى خرسان ، دار الكتب الاسلامية ، تهران ، الرابعة 1407ق .

46 - الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبى ) : القرطبى ، ( المتوفى 671ق ) ، تحقيق : مصطفى السقا ، 20 مجلّد ، دار احياء التراث العربى ، بيروت ، 1405ق 1985م .

47 - الجمل والنصرة لسيّد العترة في حرب البصرة : محمّد بن محمّد المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، تحقيق : على مير شريفى ، المؤتمر للشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .

48 - جمهرة اللغة : أبوكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي ، ( المتوفى 321ق ) ، 3 مجلد ، دار العلم للملايين ، بيروت ، الأولى 1صلی الله علیه وآله8علیه السلامم .

49 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : أبو نعيم أحمد بن عبداللَّه الاصبهاني ، ( المتوفى 430ق ) ، السعادة ، بجوار محافظة مصر ، 1394ق 1974م .

50 - الحيوان : عمرو بن بحر الشهير بالجاحظ ، ( المتوفى 255ق ) ، علیه السلام مجلّد، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الثانية 1424ق .

51 - خزانة الأدب : البغدادي ، ( المتوفى 1093ق ) ، 11 مجلد ، تحقيق : محمّد نبيل طريفى ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الأولى 1998م .

52 - الخلاصة للحلّي ( رجال العلّامة الحلّى ) : حسن بن يوسف العلّامة الحلّى ، ( المتوفى 726ق ) ، 1 مجلد ، دار الذخائر ، نجف الأشرف ، الثانية 1411ق .

53 - خصائص الأئمّة : ( خصائص أميرالمؤمنين علیه السلام ) : محمد بن حسين ، الشريف

ص: 280

الرضي ، ( المتوفى 406ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : محمد هادي الأميني ، منشورات العتبة الرضويّة ، مشهد ، الأولى 1406ق .

54- خصائص أميرالمؤمنين علیه السلام : النسائى ( المتوفى 303ق ) ، تحقيق : محمد هادى الأمينى ، مكتبة نينوى الحديثة ، طهران .

55 - الخصال : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : على اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الأولى 1362ش .

56 - ربيع الأبرار ونصوص الأخبار : الزمخشرى ( المتوفى 538ق ) ، تحقيق : عبدالأمير مهنا ، 5 مجلد ، مؤسّسة الأعلمي ، بيروت ، الأولى 1412 ق 1992 م .

57- الرجال لابن داود : حسن بن على بن داود حلّى ( حي 707ق ) ، مصحّح : محمّد صادق بحرالعلوم ، 1 مجلد ، الجامعة طهران ، الأولى 1342ق .

58 - رجال الطوسى : محمد بن حسن الطوسى ، ( المتوفى 460ق ) مصحّح : جواد قيومى اصفهانى ، 1 مجلد : مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجامعة المدرسين بقمّ المقدّسة ، قم ، الثانية 1373ش .

59 - رجال الكشي - اختيار معرفة الرجال : محمّد بن عمر الكشي ، ( المتوفى النصف الأوّل من القرن 4ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : محمّد حسن الطوسي ، حسن المصطفوي ، مؤسسه النشر لجامعة مشهد ، الأولى 1409ق .

60 - رياض الأبرار فى مناقب الأئمّة الأبرار : سيد نعمة اللَّه بن عبداللَّه الجزائرى ، ( المتوفى 1112ق ) ، 3 مجلد ، مؤسسة التاريخ العربى ، بيروت ، الأولى 1427ق 2006م .

61 - سبل الهدى والرشاد فى سيرة خير العباد : محمّد بن يوسف الصالحى الشامى

ص: 281

( 942م) ، تحقيق : عادل احمد عبدالموجود ، 12 مجلد ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، الأولى 1414ق 1993م .

62 - سعد السعود للنفوس منضود : علي بن موسى ابن طاووس ، ( المتوفى 664ق ) ، دار الذخائر ، قم ، الأولى .

63- السقيفة وفدك : احمد بن عبدالعزيز جوهرى بصرى ، ( المتوفى 323ق ) مصحّح : محمّد هادي امينى ، 1 مجلد ، مكتبة نينوى الحديثة ، طهران ، بى تا .

65 - سنن أبي داود : سليمان بن الأشعث السجستاني ، ( المتوفى 275ق ) ، 2 مجلد ، تحقيق : سعيد محمد اللحام ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، الأولى 1410ق - 1990م .

66 - سنن الترمذى : الترمذي ، ( المتوفى 2علیه السلامصلی الله علیه وآله ) ، تحقيق : عبدالرحمان محمد ، 5 مجلد ، دار الفكر للطباعة والتوزيع ، بيروت ، الثانية 1403ق 1983م .

67 - السنن الكبرى : احمد بن الحسين البيهقى ، ( المتوفى 458ق ) ، 10 مجلد .

68- السنن الكبرى : النسائى ، ( المتوفى 303 ) ، تحقيق : عبدالغفار سليمان البندارى ، 6 مجلد ، دار الكتب العلمية بيروت ، الأولى 1411ق 1991م .

69- السيرة النبوية : ابن هشام الحميري ، ( المتوفى 218ق ) ، 1 مجلد ، تحقيق : محمد محي الدين عبدالحميد ، مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده ، القاهرة ، 1383ق - 1ص963م .

70 - الشافى فى الامامة : الشريف المرتضى ، ( المتوفى 436ق ) ، 4 مجلد ، مؤسسة

ص: 282

اسماعيليان ، قم ، الثانية 1410ق .

71 - شرح احقاق الحق : السيّد المرعشي ، 33 مجلد ، تعليق : السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي ، تصحيح : السيّد إبراهيم الميانجي ، منشورات مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي ، قم .

72 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : عبدالحميد بن هبة اللَّه ، ابن أبي الحديد ، ( المتوفى 656ق ) ، مصحح : محمد ابوالفضل ، ابراهيم ، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي ، قم ، الأولى 1404ق .

73 - شرح نهج البلاغة ( ابن ميثم ) : ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، ( قرن 7 ) ، 5 مجلد ، مكتبة نشر الكتاب ، الثانية 1362 ش .

74 - شرف النبى صلی الله علیه وآله : ابو سعيد واعظ خرگوشى ، ( المتوفى 406 ) ، تحقيق : محمد روشن ، طهران ، بابك ، 1361ش .

75 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل : عبيداللَّه بن عبداللَّه الحسكاني ، ( المتوفى 490 ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : محمد باقر المحمودي ، التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الاسلامي ، مجمع احياء الثقافة الاسلامية ، طهران ، الأولى 1411ق .

76 - الصحاح : الجوهري ، ( المتوفى 393ق ) ، 6 مجلد ، تحقيق : احمد عبدالغفور العطار ، دار العلم للملايين ، بيروت ، الرابعة 1407ق - 1987م .

77 - صحيح البخاري : محمّد بن إسماعيل البخاري ، ( المتوفى 256ق ) ، 8 مجلد ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، 1401ق - 1981م .

78 - صحيح مسلم : مسلم النيسابوري ، ( المتوفى 261ق ) ، 1 مجلد ، دار الفكر ، بيروت .

79 - الطبقات الكبرى : ابن سعد ، ( المتوفى 230 ) ، 8 مجلد ، دار صادر ، بيروت .

ص: 283

80- الطرائف في معرفة مذهب الطوائف : علي بن موسى ، ابن طاووس ، 2 مجلد ، ( المتوفى 664ق ) ، مصحح : على عاشور ، خيام ، قم ، الأولى 1400ق .

81 - طرف من الأنباء والمناقب : على بن موسى ، ابن طاووس ، ( المتوفى 664ق ) ، مصحّح : قيس عطار ، 1 مجلد ، تاسوعا ، مشهد ، الأولى 1420ق .

82 - العدد القوية لدفع المخاوف اليومية : رضى الدين على بن يوسف بن المطهر ( اخو العلّامة الحلّي ) ، ( المتوفى علیه السلام03ق ) ، مصحّح : مهدى رجائى ومحمود مرعشى ، 1 مجلد ، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى ، قم ، الاولى 1408ق .

83 - العقد الفريد : شهاب الدين احمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسى ، ( المتوفى 328ق ) ، 8 مجلد ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الأولى 1404ق .

84 - علل الشرايع : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، 2 مجلّد مكتبة الداوري ، قم الأولى 1385ش .

85 - عوالى اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية : محمد بن زين الدين ، ابن ابي جمهور ، ( المتوفى : زنده در سال 901ق ) ، 4 مجلد ، مصحح : مجتبى العراقي ، دار سيد الشهداء للنشر ، قم ، الأولى 1405ق .

86 - عيون الأخبار : ابن قتيبة الدينوري ، ( المتوفى 276ق ) ، 3 مجلد ، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية ، بيروت ، الثالثة 1414ق - 2003م .

87 - عيون اخبار الرضا علیه السلام : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : مهدي اللاجوردي ، 2 مجلّد ، جهان ، طهران ، الأولى 1378ق .

88 - عين العبرة فى غبن العترة : احمد بن موسى ، ابن طاووس ، ( المتوفى 673ق ) ، 1مجلد ، دار الشهاب ، قم ، الاولى ، بى تا .

ص: 284

89 - الغارات : ابراهيم ثقفى ، ( المتوفى 283ق ) ، تحقيق : جلال الدين حسينى ارموى ، طهران ، انجمن آثار ملى ، 1353ش .

90 - فتح البارى : ابن حجر ، ( المتوفى 852ق ) ، 13 مجلد ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت ، الثانية .

91 - فتوح البلدان : احمد بن يحيى بن جابر ( البلاذرى ) ، ( المتوفى 279 ) ، تحقيق : صلاح الدين المنجد ، مكتبة النهضة المصريّة ، القاهرة ، 1956م .

92 - الفصول المختارة : محمّد بن محمّد، المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : علي الميرشريفي ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .

93 - فضائل الصحابة : احمد بن محمد بن حنبل الشيبانى ، ( المتوفى 241ق ) ، 2 مجلد ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الاولى 1403ق 1983م .

94 - فهرست ابن النديم : ابن النديم البغدادى ، ( المتفوى 438ق ) ، تحقيق : رضا تجدد .

95 - قاموس الرجال : الشيخ محمد تقى التسترى ، ( المتوفى 1415ق ) ، تحقيق : مؤسسة النشر الاسلامى ، 12 مجلد ، مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ، الاولى 1422ق .

96 - الكافي : ( ط . اسلاميّة ) محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني ، ( المتوفى 329ق ) ، مصحح : على اكبر الغفاري ومحمد الآخوندي ، 8 جلد ، دار الكتب الاسلاميّة ، طهران ، الرابعة 140علیه السلامق .

97 - الكامل : عبداللَّه بن عدى الجرجانى ، ( المتوفى 365ق ) ، تحقيق : يحيى مختار غزاوى ، علیه السلام مجلد ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، الثالثة ، محرم 1409ق 1988م .

ص: 285

98 - الكامل في التاريخ : ابن الأثير ، ( المتوفى 630ق ) ، 12 مجلد ، دار صادر للطباعة والنشر ، بيروت ، 1386ق - 1صلی الله علیه وآله66م .

99 - الكامل فى اللغة والأدب : محمد بن يزيد المبرد ، ( المتوفى 285ق ) ، محقق : محمد ابوالفضل ابراهيم ، 4 مجلد ، دار الفكر العربى ، قاهرة ، الثالثة 141علیه السلامق .

100 - كتاب سليم بن قيس : سليم بن قيس الهلالى ، ( المتوفى 76ق ) ، مصحح : انصارى زنجانى ، محمد خوئينى ، 2 مجلد ، الهادى ، قم ، الاولى 1405ق .

101 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ( ط . القديمة ) ، يوسف : على بن عيسى الاربلي ، ( المتوفى : 692ق ) ، مصحّح : سيّد هاشم الرسولي المحلاتي ، بني هاشمي ، 2 مجلد ، تبريز ، الأولى 1381ق .

102 - كشف المحجة لثمرة المهجة : السيد بن طاووس ، ( المتوفى 664ق ) ، المطبعة الحيدريّة ، النجف الأشرف ، 1370ق 1950م .

103 - كشف المشكل : ابن الجوزى ، ( المتوفى 597ق ) ، تحقيق : على حسين البواب ، 4 مجلد ، دار الوطن للنشر ، الرياض ، الأولى 1418ق 1997م .

104 - كنز العمال : المتقى الهندى ، ( المتوفى 975ق ) 16 مجلد ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، 1409ق 1989م .

105 - لسان العرب : محمّد بن المكرّم ، ابن منظور ، ( المتوفى 711ق ) ، 15 مجلد ، مصحح : جمال الدين ، الميردامادي ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الثالثة 1414ق .

106 - المحاسن والمساوى : ابراهيم بن محمّد البيهقي ، ( المتوفى نحو 320ه ) .

107 - المحاضرات والمحاورات : جلال الدين السيوطى ، ( المتوفى 911ق ) ، تحقيق :

ص: 286

يحيى الجبورى ، دار الغرب الاسلامى ، بيروت ، الاولى 1424ق 2003م .

108 - المحلى : ابن حزم ، ( المتوفى 456ق ) ، 11 مجلد ، دار الفكر .

109 - المحيط فى اللغة : صاحب بن عباد ، اسماعيل بن عباد ، ( المتوفى 385ق ) ، مصحح : محمد حسن آل ياسين ، 11 مجلد ، عالم الكتاب ، بيروت ، الاولى 1414ق .

110 - مراصد الاطّلاع على أسماء الأمكنة والبقاع : القطيعى البغدادى ، ( المتوفى ع739ق ) 3 مجلد ، دار الجيل ، بيروت ، الأولى 1412ق .

111 - مروج الذهب ومعادن الجوهر : المسعودي ، ( المتوفى 346ق ) ، منشورات دار الهجره ، قم 1404ق - 1363ش - 1984م .

112 - المستدرك : الحاكم النيسابوري ، ( المتوفى 405ق ) ، 4 مجلد .

113 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل : حسين بن محمد تقي ، النوري ، ( المتوفى 1320ق ) ، 28 مجلد ، مصحح و مؤسسة آل البيت : ، قم ، الأولى 1408ق .

114 - المسترشد في إمامة علي بن أبى طالب علیه السلام : محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي الكبير ، ( المتوفى 326ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : احمد المحمودي ، كوشانپور ، قم ، الأولى 1415ق .

115 - مستطرفات السرائر : ابن إدريس الحلّي ، ( المتوفى 598 ق ) ، مؤسّسة النشر الاسلامي بقم المشرّفة .

116 - مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد : زين الدين على شهيد الثاني ( المتوفى 966ق ) ، 1 مجلد ، قم ، بصيرتى ، بى تا ، الأولى .

117- مسند أحمد : أحمد بن حنبل ، ( المتوفى 241ق ) ، 6 مجلد ، دار صادر ، بيروت .

ص: 287

118 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : محمّد بن طلحة الشافعي ، ( المتوفى 652ق ) ، تحقيق : ماجد أحمد العطيّة .

119 - المعارف : ابن قتيبة الدينوري ، ( المتوفى 276ق ) ، تحقيق : دكتور ثروت عكاشه ، دار المعارف بمصر ، مطابع دار المعارف بمصر ، الثانية 1969م .

120 - معانى الأخبار : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : على اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، الأولى ، قم 1403ق .

121- معجم الأدباء : ياقوت الحموى ، ( المتوفى 626ق ) ، علیه السلام مجلد ، دار الغرب الاسلامى ، بيروت ، الأولى 1414 ق 1993م .

122 - معجم البلدان : الحموي ، ( المتوفى 626ق ) ، 1 مجلد ، دار احياء التراث العربي ، بيروت - لبنان ، 1399ق - 1979م .

123 - مع رجال الفكر : السيّد مرتضى الرضوى ، معاصر ، 2 مجلد ، الارشاد للطباعة والنشر ، بيروت ، الرابعة 1418ق 1998م .

124 - مقاتل الطالبيين : ابو الفرج الاصفهانى ، ( المتوفى 356ق ) ، تحقيق : سيد أحمد صقر ، بيروت ، دار المعرفة ، بى تا .

125 - الملل والنحل : الشهرستانى ، ( المتوفى 548 ) ، تحقيق : محمد سيد كيلانى ، 2 مجلد ، دار المعرفة ، بيروت ، لبنان .

126 - المناقب : الموفق الخوارزمى ، ( المتوفى 568ق ) ، تحقيق : الشيخ مالك محمودى ، مؤسسة سيّد الشهداء علیه السلام ، مؤسسة النشر الاسلامى التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة ، ربيع الثانى 1414ق .

127 - مناقب آل أبي طالب : : محمّد بن على بن شهر آشوب المازندراني ، ( المتوفى

ص: 288

588ق ) ، 4 مجلد ، العلّامة ، قم ، الأولى 1379ش .

128 - مناقب الامام أحمد : أبو الفرج عبدالرحمن بن على الجوزى ( المتوفى 597ق ) ، 1 مجلد ، دار هجر ، الثانية 1409ق .

129 - مناقب علي بن ابي طالب علیه السلام وما نزل من القرآن في علي علیه السلام : احمد بن موسى بن مردويه الاصفهانى ، ( المتوفى 410ق ) ، تحقيق : عبدالرزاق محمد حسين حرز الدين ، دار الحديث ، الثانية 1424ق 1382 ش .

130 - المنتظم في تاريخ الاُمم والملوك : ابن الجوزى ، ( المتوفى 597ق ) ، 2 مجلد ، دار الكتب العلميّة ، بيروت ، لبنان ، الأولى 1412ق 1992م .

131 - منتهى الآمال : الشيخ عبّاس القمّي .

132 - من لا يحضره الفقيه : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : علي اكبر الغف،ارى ، 4 مجلد ، مؤسسة النشر الإسلامي ، الثانية ، قم 1413ق .

133 - منهاج البراعة : قطب الدين سعيد بن هبة اللَّه الراوندي ، 3 مجلد ، مصحح : سيد عبداللطيف الكوهكمري ، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى ، قم ، الثانية 1364 ش .

134 - منهاج البراعة : الميرزا حبيب اللَّه الهاشمي الخوئي ، ( المتوفى 1324ق ) ، 22 مجلد ، مصحح : علي العاشور ، دار احياء التراث العربى للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الأولى 1429ق - 2008 م .

135 - منهاج الكرامة : العلّامة الحلّي ، ( المتوفى : علیه السلام26 ق ) ، تحقيق : عبدالرحيم مبارك ، انتشارات تاسوعا ، مشهد ، الأولى 1379ش .

136- الموطأ : الامام مالك ، ( المتوفى 179 ) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبدالباقى ، 1 مجلد ، دار إحياء التراث العربى ، بيروت ، 1406ق 1985م .

ص: 289

137 - ميزان الاعتدال : الذهبى ، ( المتوفى علیه السلام48ق ) ، 4 مجلد ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت .

138 - نظم درر السمطين : الشيخ محمد الزرندى ، ( المتوفى 750ق ) الأولى 1377ق 1958م .

139 - النهاية في غريب الحديث والأثر : مبارك بن محمد ، ابن الأثير الجزري ، ( المتوفى 606ق ) ، 5 مجلد ، مصحح : محمود محمد الطناحي ، اسماعيليان ، قم ، الرابعة 1367 ش .

140 - نهج الحق وكشف الصدق : حسن بن يوسف ، العلّامة الحلّي ، ( المتوفى 726ق ) ، 1 مجلد ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، الأولى 1982 م .

141 - نيل الاوطار : الشوكانى ، ( المتوفى 1255ق ) صلی الله علیه وآله مجلد ، دار الجيل ، بيروت ، 1973م .

142 - الوافى بالوفيات : صلاح الدين خليل الصفدى ، ( المتوفى علیه السلام64ق ) ، 2صلی الله علیه وآله مجلد ، دار إحياء التراث ، بيروت ، 1420ق 2000م .

143- وقعة صفين : نصر بن مزاحم المنقري ، ( المتوفى 212ق ) ، 1 مجلد : مصحح : عبدالسلام محمد ، هارون ، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى ، الأولى 1404ق .

ص: 290

المحتويات

المحتويات

1 - ومن خطبة له علیه السلام وهي المعروفة بالشقشقية

( 5 - 274 )

أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابن أبي قَحَّافَة 10

وامّا ابن أبي قحافة 11

كيفية غصب أهل الخلافة للخلافة 14

وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى 52

يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ ، وَ لا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ 64

فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً 65

وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً 65

وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ 66

يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ ، وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ 67

الأمر بعد النبي صلی الله علیه وآله إلى اللَّه عزّ وجلّ 72

فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى 73

ص: 291

فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى 73

وَ فِي الْحَلْقِ شَجاً 74

أَرَى تُرَاثِي نَهْباً 78

حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ 81

فَأَدْلَى بِهَا إِلَى ابن الخطَّاب بَعْدَهُ 81

كيفيّة بيعة أميرالمؤمنين علیه السلام 83

نسب عمر صلی الله علیه وآله0

رشا عمر أبابكر بالخلافة 92

كيفية عقد أبي بكر الخلافة لعمر92

ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الْأَعْشَى96

شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا وَ يَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِر 97

فَيَا عَجَباً بَينَا هُوَ يَستَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ ، إِذ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعدَ وَفَاتِهِ 98

لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا 104

فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ 104

يَغْلُظُ كَلْمُهَا 110

وَ يَخْشُنُ مَسُّهَا 112

وَ يَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا 113

وَ الِاعْتِذَارُ مِنْهَا 124

ص: 292

الخلافة مختصّة بالأئمّة : ومخصوصة بسراج الاُمّة 130

فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ 131

إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ 132

وَ إِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ 132

بِخَبْطٍ 133

وَ شِمَاسٍ 141

وَ تَلَوُّنٍ 142

وَ اعْتِرَاضٍ 151

فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ ، وَ شِدَّةِ الْمِحْنَةِ 157

حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ 157

جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ 158

زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ 158

فَيَا ِللَّهِ وَ لِلشُّورَى 163

مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ 170

حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ 175

لَكِنِّي أَسْفَفتُ إِذ أَسَفُّوا وَ طِرتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ 177

وَ مَالَ الْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَ هَنٍ 179

دعوة علي علیه السلام في عثمان وعبدالرحمن 182

ص: 293

سبب العداوة بين عثمان وعبدالرحمن 183

كلام عمر في عبدالرحمن 184

إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ 203

نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَ مُعْتَلَفِهِ 211

وَ قَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ 212

يَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ خضم ( خِضْمَةَ ) الإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ 212

إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ 222

وَ أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ 222

وَ كَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ 224

فَمَا رَاعَنِي إِلّا وَ النَّاسُ كَعُرْفِ الضَّبُعِ إِلَيَّ 229

يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ 229

حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ 229

وَ شُقَّ عِطْفَايَ 230

مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ 230

فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ 231

وَ مَرَقَتْ أُخْرَى وَ قَسَطَ آخَرُونَ 235

كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا كَلام اللَّهَ سُبْحَانَهُ حيث يَقُولُ : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) 241

ص: 294

بَلَى وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا وَلَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ 242

وَ رَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا 242

أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ 254

لَوْ لا حُضُورُ الْحَاضِرِ وَ قِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ وَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَ لا سَغَبِ مَظْلُومٍ 255

لأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا 255

وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا 255

وَ لأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ 260

قَالُوا : وَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ 262

عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ 262

فَنَاوَلَهُ كِتَاباً - قِيلَ إِنَّ فِيهِ مَسَائِلَ كَانَ يُرِيدُ الإِجَابَةَ عَنْهَا - فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ فِيهِ 262

قَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوِ اطَّرَدَتْ خُطْبَتُكَ مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ فَقَالَ : هَيْهَاتَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ 264

المصادر 275

المحتويات 291

ص: 295

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.