مصباح السعادة في شرح النهج البلاغة المجلد 1

هوية الکتاب

بطاقة تعريف:الموسوي آل طيب، السيد محمدكاظم، 1331-

عنوان العقد:نهج البلاغة. وصف

Nhjol-Balaghah. Commantries

عنوان واسم المؤلف: مصباح السعادة في شرح النهج البلاغة المجلد 1 [علي بن أبي طالب (علیه السلام)]/ مولف السيد محمدكاظم الموسوي آل طيب.

تفاصيل المنشور: قم: دارالتفسیر، 1440ق.= 1397.

مواصفات المظهر:8ج

ISBN:ج.6 978-964-535-716-8 :

حالة القائمة: الفيفا

ملاحظة: عربي.

ملاحظة:ج.6 (چاپ اول: 1442 ق = 1399) (فیپا).

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق -- خطب

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- *Public speaking

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق. -- کلمات قصار

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- Quotations

عنوان:علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل از هجرت - 40ق . نهج البلاغة -- النقد والتعليق

عنوان:Ali ibn Abi-talib, Imam I. Nahjol - Balaghah -- Criticism and interpretation

المعرف المضاف: علي بن أبي طالب (علیه السلام)، أول إمام، 23 قبل الهجرة - 40ق . نهج البلاغة. وصف

المعرف المضاف:Ali ibn Abi-talib, Imam I Commantries.. Nahjol - Balaghah

ترتيب الكونجرس: BP38/02/م83 1397

تصنيف ديوي: 297/9515

رقم الببليوغرافيا الوطنية:5402095

معلومات التسجيلة الببليوغرافية: FIPA

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 2

مصباح السعادة في شرح نهج البلاغة

الجزء الاول

السيّد محمّد كاظم الموسوي آل طيّب

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمه

الحمد للَّه الذي دلّ على ذاته بذاته وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته وجلّ عن ملائمة كيفيّاته وكان قبل القبل بلا قبل وبعد البعد بلا بعد والصلوة والسلام والتحيّة والاكرام على محمّد النبيّ الأمّيّ الذي شرح اللَّه صدره ووضع عنه وزره ورفع له ذكره وأنزل سكينة عليه والنور معه أرسله شاهداً ومبشّراً ونذيراً وسراجاً منيراً وعلى آله الطيّبين الطاهرين الذين هم أمراء الكلام لاسيّما الذي يكون مقتدى لكلّ قائل خطيب والمستعان لكلّ واعظ بليغ لأن كلامه عليه مسحة من العلم الالهي وعبقة من الكلام النبوي ، أبو الأئمّة الهادين المهديّين وصيّ رسول ربّ العالمين ، كان وصيّاً وآدم بين الماء والطين ، امام الموحّدين وأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذي أذهب اللَّه عنه وعنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً .

أمّا بعد ؛ فيقول العبد المحتاج إلى رحمة ربّة العلّام محمّد كاظم بن عبدالسلام الموسوي الجزائري المدعوّ ب« آل طيّب » عفى عنهما .

إنّ نهج البلاغة فرع القرآن أو هذا هو البذر وهو ثمرته وكثيراً ما يخالج قلبي أن أكتب عليه شرحاً فأوردت الأخبار المناسبة في كلّ باب ، متضمّناً للآيات القرآنيّة التي هي مأخذ المقال ليرجع الكلام إلى المآل ويتّضح به حقيقة الحال وسمّيته ب « مصباح السعادة في شرح نهج البلاغة » والمرجوّ من القاري إذا عثر على الزلّات أن يعفوني ويدعو لي بصالح الدعوات فانّ اللَّه سميع الدعاء ، قريب مجيب.

ص: 5

ص: 6

الاهداء

إلى صاحب اللواء والولاية العظمى أميرالمؤمنين ويعسوب الدين ومولى الموحّدين وإمام المتّقين وباب علم النبيّين وأمير الكلام في العالمين ، سوى أشرف الأنبياء والمرسلين ، علي بن أبي طالب صلوات اللَّه وسلامه عليه إلى يوم الدين

ص: 7

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

1 - ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها ابتداء.....

اشارة

1 - ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم وفيها ذكر الحج وتحتوي على حمد اللَّه وخلق العالم وخلق الملائكة واختيار الأنبياء ومبعث النبي والقرآن والأحكام الشرعية

الْحَمْدُ للَّهِ ِ الَّذِي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ وَلا يُحْصِي نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ وَلا يُؤَدِّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ الَّذِي لا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ وَلا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ وَلا نَعْتٌ مَوْجُودٌ وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ فَطَرَ الْخَلائِقَ بِقُدْرَتِهِ وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ .

أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلاصُ لَهُ وَكَمَالُ الإِخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ فَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ وَمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ وَمَنْ قَالَ فِيمَ فَقَدْ ضَمَّنَهُ وَمَنْ قَالَ عَلا مَ فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ .

كَائِنٌ لا عَنْ حَدَثٍ مَوْجُودٌ لا عَنْ عَدَمٍ مَعَ كُلِّ شَيْ ءٍ لا بِمُقَارَنَةٍ وَغَيْرُ كُلِّ شَيْ ءٍ لا بِمُزَايَلَةٍ فَاعِلٌ لا بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَالْآلَةِ بَصِيرٌ إِذْ لا مَنْظُورَ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ مُتَوَحِّدٌ إِذْ لا سَكَنَ يَسْتَأْنِسُ بِهِ وَلا يَسْتَوْحِشُ لِفَقْدِهِ .

ص: 9

أَنْشَأَ الْخَلْقَ إِنْشَاءً وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً بِلا رَوِيَّةٍ أَجَالَهَا وَلا تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا وَلا حَرَكَةٍ أَحْدَثَهَا وَلا هَمَامَةِ نَفْسٍ اضْطَرَبَ فِيهَا أَحَالَ الْأَشْيَاءَ لِأَوْقَاتِهَا وَلائَمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا وَغَرَّزَ غَرَائِزَهَا وَأَلْزَمَهَا أَشْبَاحَهَا عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا مُحِيطاً بِحُدُودِهَا وَانْتِهَائِهَا عَارِفاً بِقَرَائِنِهَا وَأَحْنَائِهَا .

ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ الْأَجْوَاءِ وَشَقَّ الْأَرْجَاءِ وَسَكَائِكَ الْهَوَاءِ فَأَجْرَى فِيهَا مَاءً مُتَلاطِماً تَيَّارُهُ مُتَرَاكِماً زَخَّارُهُ حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ وَالزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ فَأَمَرَهَا بِرَدِّهِ وَسَلَّطَهَا عَلَى شَدِّهِ وَقَرَنَهَا إِلَى حَدِّهِ الْهَوَاءُ مِنْ تَحْتِهَا فَتِيقٌ وَالْمَاءُ مِنْ فَوْقِهَا دَفِيقٌ ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ رِيحاً اعْتَقَمَ مَهَبَّهَا وَأَدَامَ مُرَبَّهَا وَأَعْصَفَ مَجْرَاهَا وَأَبْعَدَ مَنْشَأَهَا فَأَمَرَهَا بِتَصْفِيقِ الْمَاءِ الزَّخَّارِ وَإِثَارَةِ مَوْجِ الْبِحَارِ فَمَخَضَتْهُ مَخْضَ السِّقَاءِ وَعَصَفَتْ بِهِ عَصْفَهَا بِالْفَضَاءِ تَرُدُّ أَوَّلَهُ إِلَى آخِرِهِ وَسَاجِيَهُ إِلَى مَائِرِهِ حَتَّى عَبَّ عُبَابُهُ وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ فَرَفَعَهُ فِي هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ وَجَوٍّ مُنْفَهِقٍ فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ جَعَلَ سُفْلاهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَسَمْكاً مَرْفُوعاً بِغَيْرِ عَمَدٍ يَدْعَمُهَا وَ لا دِسَارٍ يَنْظِمُهَا ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ وَضِيَاءِ الثَّوَاقِبِ وَأَجْرَى فِيهَا سِرَاجاً مُسْتَطِيراً وَقَمَراً مُنِيراً فِي فَلَكٍ دَائِرٍ وَسَقْفٍ سَائِرٍ وَرَقِيمٍ مَائِرٍ .

خلق الملائكة

ثُمَّ فَتَقَ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ الْعُلى فَمَلَأَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلائِكَتِهِ مِنْهُمْ سُجُودٌ لا يَرْكَعُونَ وَرُكُوعٌ لا يَنْتَصِبُونَ وَصَافُّونَ لا يَتَزَايَلُونَ وَمُسَبِّحُونَ لا يَسْأَمُونَ لا يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ وَلا سَهْوُ الْعُقُولِ وَلا فَتْرَةُ الْأَبْدَانِ وَلا غَفْلَةُ النِّسْيَانِ وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ وَأَلْسِنَةٌ إِلَى رُسُلِهِ وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَأَمْرِهِ وَمِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ وَالسَّدَنَةُ لِأَبْوَابِ جِنَانِهِ وَمِنْهُمُ الثَّابِتَةُ فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ وَالْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ وَالْخَارِجَةُ مِنَ الْأَقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ وَالْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ مُتَلَفِّعُونَ تَحْتَهُ بِأَجْنِحَتِهِمْ مَضْرُوبَةٌ

ص: 10

بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ وَأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ لا يَتَوَهَّمُونَ رَبَّهُمْ بِالتَّصْوِيرِ وَلايُجْرُونَ عَلَيْهِ صِفَاتِ الْمَصْنُوعِينَ وَلا يَحُدُّونَهُ بِالْأَمَاكِنِ وَلا يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالنَّظَائِرِ

صفة خلق آدم عليه السلام

ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ مِنْ حَزْنِ الْأَرْضِ وَسَهْلِهَا وَعَذْبِهَا وَسَبَخِهَا تُرْبَةً سَنَّهَا بِالْمَاءِ حَتَّى خَلَصَتْ وَ لاطَهَا بِالْبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ فَجَبَلَ مِنْهَا صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ وَوُصُولٍ وَأَعْضَاءٍ وَفُصُولٍ أَجْمَدَهَا حَتَّى اسْتَمْسَكَتْ وَأَصْلَدَهَا حَتَّى صَلْصَلَتْ لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ فَمَثّلَتْ ( فَتَمَثّلَتْ ) إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا وَفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا وَجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا وَأَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا وَمَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْأَذْوَاقِ وَالْمَشَامِّ وَالْأَلْوَانِ وَالْأَجْنَاسِ مَعْجُوناً بِطِينَةِ الْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْأَشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَةِ وَالْأَضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ وَالْأَخْلاطِ الْمُتَبَايِنَةِ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْبَلَّةِ وَ الْجُمُودِ وَالْمَسائَةَ وَالسُّرُور وَاسْتَأْدَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَلائِكَةَ وَدِيعَتَهُ لَدَيْهِمْ وَعَهْدَ وَصِيَّتِهِ إِلَيْهِمْ فِي الإِذْعَانِ بِالسُّجُودِ لَهُ وَالْخُنُوعِ ( وَالْخُشُوعِ ) لِتَكْرِمَتِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلّا إِبْلِيسَ وَقَبِيلَهُ اعْتَرَتْهُ الْحَمِيَّةُ وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الشِّقْوَةُ وَتَعَزَّز بِخِلْقَةِ النَّارِ وَاسْتَوْهَنَ خَلْقَ الصَّلْصَالِ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ النَّظِرَةَ اسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ وَاسْتِتْمَاماً لِلْبَلِيَّةِ وَإِنْجَازاً لِلْعِدَةِ فَقَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً أَرْغَدَ فِيهَا عَيْشَهُ وَآمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ وَحَذَّرَهُ إِبْلِيسَ وَعَدَاوَتَهُ فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ الْمُقَامِ وَمُرَافَقَةِ الْأَبْرَارِ فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكِّهِ وَالْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ وَاسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلاً وَبِالِاغْتِرَارِ نَدَماً ثُمَّ بَسَطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ فِي تَوْبَتِهِ وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ وَوَعَدَهُ الْمَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ وَأَهْبَطَهُ إِلَى دَارِ الْبَلِيَّةِ وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ

ص: 11

اختيار الأنبياء

وَاصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدِهِ أَنْبِيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ وَعَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَجَهِلُوا حَقَّهُ وَاتَّخَذُوا الْأَنْدَادَ مَعَهُ وَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَاقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ وَمِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ وَآجَالٍ تُفْنِيهِمْ وَأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ وَأَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُخْلِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ أَوْ حُجَّةٍ لازِمَةٍ أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ رُسُلٌ لا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ وَلا كَثْرَةُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى ذَلِكَ نَسَلَتِ الْقُرُونُ وَمَضَتِ الدُّهُورُ وَسَلَفَتِ الْآبَاءُ وَخَلَفَتِ الْأَبْنَاءُ إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله لِإِنْجَازِ عِدَتِهِ وَ إِتْمَامِ نُبُوَّتِهِ مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ كَرِيماً مِيلادُهُ وَ أَهْلُ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَ أَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ وَ طَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ بَيْنَ مُشَبِّهٍ للَّهِ ِ بِخَلْقِهِ أَوْ مُلْحِدٍ فِي اسْمِهِ أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرِهِ فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ وَ أَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله لِقَاءَهُ وَ رَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ وَ أَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ الدُّنْيَا وَ رَغِبَ بِهِ عَنْ مَقَامِ ( مقارنة ) الْبَلْوَى فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً صلى الله عليه وآله وَ خَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الْأَنْبِيَاءُ فِي أُمَمِهَا إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً بِغَيْرِ طَرِيقٍ وَاضِحٍ وَ لا عَلَمٍ قَائِمٍ .

القرآن و الأحكام الشرعية

كِتَابَ رَبِّكُمْ فِيكُمْ مُبَيِّناً حَلالَهُ وَ حَرَامَهُ وَ فَرَائِضَهُ وَ فَضَائِلَهُ وَ نَاسِخَهُ وَ مَنْسُوخَهُ وَ رُخَصَهُ وَ عَزَائِمَهُ وَ خَاصَّهُ وَ عَامَّهُ وَ عِبَرَهُ وَ أَمْثَالَهُ وَ مُرْسَلَهُ وَ مَحْدُودَهُ وَ مُحْكَمَهُ وَ مُتَشَابِهَهُ ، مُفَسِّراً مُجْمَلَهُ

ص: 12

وَ مُبَيِّناً غَوَامِضَهُ بَيْنَ مَأْخُوذٍ مِيثَاقُ عِلْمِهِ وَ مُوَسَّعٍ عَلَى الْعِبَادِ فِي جَهْلِهِ وَ بَيْنَ مُثْبَتٍ فِي الْكِتَابِ فَرْضُهُ وَ مَعْلُومٍ فِي السُّنَّةِ نَسْخُهُ وَ وَاجِبٍ فِي السُّنَّةِ أَخْذُهُ وَ مُرَخَّصٍ فِي الْكِتَابِ تَرْكُهُ وَ بَيْنَ وَاجِبٍ بِوَقْتِهِ وَ زَائِلٍ فِي مُسْتَقْبَلِهِ وَ مُبَايَنٌ بَيْنَ مَحَارِمِهِ مِنْ كَبِيرٍ أَوْعَدَ عَلَيْهِ نِيرَانَهُ أَوْ صَغِيرٍ أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ وَ بَيْنَ مَقْبُولٍ فِي أَدْنَاهُ ( و ) مُوَسَّعٍ فِي أَقْصَاهُ

ومنها في ذكر الحج

وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلْأَنَامِ يَرِدُونَهُ وُرُودَ الْأَنْعَامِ وَيَأْلَهُونَ إِلَيْهِ وُلُوهَ الْحَمَامِ وَجَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلامَةً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ وَإِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ وَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَيْهِ دَعْوَتَهُ وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ وَوَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ وَتَشَبَّهُوا بِمَلائِكَتِهِ الْمُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ يُحْرِزُونَ الْأَرْبَاحَ فِي مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ وَيَتَبَادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْإِسْلامِ عَلَماً وَلِلْعَائِذِينَ حَرَماً ( و ) فَرَضَ حَقَّهُ وَأَوْجَبَ حَجَّهُ وَكَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَللَّهِ ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ .

ص: 13

الْحَمْدُ للَّهِ ِ

اللَّهِ ِ

عن الامام أميرالمؤمنين عليه السلام : « اللَّهُ أَعْظَمُ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ وَهُوَ الاسْمُ الَّذِي لا يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّه »(1) .

وقال الامام أميرالمؤمنين عليه السلام : « اللَّهُ مَعْنَاهُ الْمَعْبُودُ الَّذِي يَأْلَهُ فِيهِ الْخَلْقُ وَيُؤْلَهُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ هُوَ الْمَسْتُورُ عَنْ دَرْكِ الْأَبْصَارِ الْمَحْجُوبُ عَنِ الْأَوْهَامِ وَالْخَطَرَاتِ »(2) .

وقال الامام الباقر عليه السلام : « اللَّهُ مَعْنَاهُ الْمَعْبُودُ الَّذِي أَلِهَ الْخَلْقُ عَنْ دَرْكِ مَاهِيَّتِهِ وَالْإِحَاطَةِ بِكَيْفِيَّتِه »(3) .

وقام رجل إلى عليّ بن الحسين عليه السلام فقال : أخبرني عن معنى بسم اللَّه الرحمن الرحيم ، فقال علي بن الحسين عليه السلام : « حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَخِيهِ الْحَسَن عَنْ أَبيه أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام أَنَّ رَجُلاً قَامَ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرْنِي عَنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مَا مَعْنَاهُ ؟ فَقَالَ إِنَّ قَوْلَكَ « اللَّهِ » أَعْظَمُ إسْم مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الاسْمُ الَّذِي لا يَنْبَغِي أَنْ يَتَسَمَّى بِهِ غَيْرُ اللَّهِ وَلَمْ يَتَسَمَّ بِهِ مَخْلُوقٌ ، فَقَالَ الرَّجُلُ فَمَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ « اللَّهِ » ؟ قَالَ هُوَ الَّذِي يَتَأَلَّهُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْحَوَائِجِ وَالشَّدَائِدِ كُلُّ مَخْلُوقٍ عِنْدَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ دُونَهُ وَيَقْطَعُ الْأَسْبَابَ مِنْ كُلِّ مَنْ سِوَاه »(4).

ص: 14


1- التوحيد للصدوق : 231 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 89/232 ، ح 14 .
2- التوحيد للصدوق : 89 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار 3/222 ، ح 12 .
3- التوحيد للصدوق : 89 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 3/222 ، ح 12 .
4- التوحيد للصدوق : 231 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 89/232 ، ح 14 .

وعن الحسن بن راشد عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام قال : سألته عن معنى « اللَّه » قال : « استولى عَلى ما دَقّ وَجَلَّ »(1) .(2)

الْحَمْدُ للَّهِ ِ

قال الصادق عليه السلام : « فَقَدَ أَبِي بَغْلَةً لَهُ فَقَالَ : لَئِنْ رَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لأَحْمَدَنَّهُ بِمَحَامِدَ يَرْضَاهَا ، فَمَا لَبِثَ أَنْ أُتِيَ بِهَا بِسَرْجِهَا وَلِجَامِهَا فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَيْهَا وَضَمَّ إِلَيْهِ ثِيَابَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ : الْحَمْدُ للَّهِ ِ ، فَلَمْ يَزِدْ ، ثُمَّ قَالَ : مَا تَرَكْتُ وَلا بَقِيْتُ شَيْئاً جَعَلْتُ كُلَّ أَنْوَاعِ الْمَحَامِدِ للَّهِ ِ عَزَّوَجَلَّ فَمَا مِنْ حَمْدٍ إِلّا وَهُوَ دَاخِلٌ فِيمَا قُلْتُ »(3) .

وعن حمّاد بن عثمان قال : خرج أبو عبداللَّه عليه السلام من المسجد وقد ضاعت دابّته فقال : « لَئِنْ رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيَّ لأَشْكُرَنَّ اللَّهَ حَقَّ شُكْرِهِ ، قَالَ : فَمَا لَبِثَ أَنْ أُتِيَ بِهَا ، فَقَالَ : الْحَمْدُ للَّهِ ِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : جُعِلْتُ فِدَاكَ أَلَيْسَ قُلْتَ : لأَشْكُرَنَّ اللَّهَ حَقَّ شُكْرِهِ ؟ فَقَالَ : أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام أَلَمْ تَسْمَعْنِي قُلْتُ الْحَمْدُ للَّهِ ِ »(4) .

وعن صفوان الجمّال عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال لي : « ما أنعم اللَّه على عبد بنعمة ، صغرت أو كبرت ، فقال : الحمد للَّه ، إلّا أدّى شكرها »(5) .

وعن أبي عبداللَّه عليهما السلام قال : « شُكْرُ النِّعْمَةِ اجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ وَتَمَامُ الشُّكْرِ قَوْلُ

ص: 15


1- التوحيد للصدوق : 230 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 4 : 181 ، ح 6 .
2- على هذا التفسير مشتق من الاله بمعنى من له ملك التأثير والتصرّف وغيره مألوه . التوحيد للصدوق : 230 ) .
3- كشف الغمّة : 2/118 ؛ بحار الأنوار : 46/290 ، ح 15 .
4- الكافي : 2/97 ، ح 18 ؛ بحار الأنوار : 68/33 ، ح 13 .
5- الكافي : 2/96 ، ح 14 ؛ بحار الأنوار : 68/32 ، ح 9 .

الرَّجُلِ الْحَمْدُ للَّهِ ِ رَبِّ الْعَالَمِينَ »(1) .

وعن الصادق عليه السلام : « شُكْرُ كُلِّ نِعْمَةٍ وَإِنْ عَظُمَتْ أَنْ تَحْمَدَ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ عَلَيْهَا »(2) .

وعن معمر بن خلّاد قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول : « مَنْ حَمِدَ اللَّهَ عَلَى النِّعْمَةِ فَقَدْ شَكَرَهُ وَكَانَ الْحَمْدُ أَفْضَلَ مِنْ تِلْكَ النِّعْمَةِ »(3) .

الَّذِي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ

قال عزّ اسمه : « قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً »(4) .

وقال تعالى : « وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ »(5) .

قال النبي صلى الله عليه وآله : « ما عَرَفْناكَ حَقَّ مَعْرِفَتِك »(6) .

قال النبي صلى الله عليه وآله : « لا أحصى ثناء عليك ، أنت كما اثنيت على نفسك »(7) .

ص: 16


1- الكافي : 2/95 ، ح 10 ؛ بحار الأنوار : 68/40 ، ح 29 .
2- الكافي : 2/95 ، ح 11 ؛ بحار الأنوار : 68/40 ، ح 30 .
3- الكافي : 2/96 ، ح 13 ؛ بحار الأنوار : 68/31 ، ح 8 .
4- سورة الكهف : 109 .
5- سورة لقمان : 27 .
6- بحار الأنوار : 68/23 ؛ عوالي اللئالي : 4/232 ش 227 .
7- بحار الأنوار : 90/159 ، ح 33 ؛ مستدرك الوسائل : 4/321 ، ح 2 .

وَ لا يُحْصِي نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ

انّ أُبيّ بن كعب قرء عند النبي صلى الله عليه وآله : « وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً »(1) ، فقال النبي صلى الله عليه وآله لقوم عنده وفيهم أبوبكر وعبيدة وعمر وعثمان وعبدالرحمن : « قولوا الآن ما أوّل نعمة غرسكم اللَّه بها وبلاكم بها فخاضوا من المعاش والرياش والذريّة والأزواج » فلمّا أمسكوا قال : يا أبا الحسن قل ، فقال عليه السلام : « إنّ اللَّه خلقني ولم أكُ شيئاً مذكوراً ، وأن أحسن بي فجعلني حيّاً لا مواتاً ، وأنْ أنشأني فله الحمد في أحسن صورة وأعدل تركيب ، وأنْ جعلني متفكّراً واعياً لا أبله ساهياً ، وأن جعل لي شواعراً أدرك بها ما ابتغيت ، وجعل فيّ سراجاً منيراً ، وأن هداني لدينه ولن يضلّني عن سبيله ، وان جعل لي مردّاً في حياة لا انقطاع لها ، وأن جعلني ملكاً مالكاً لا مملوكاً ، وأن سخّر لي سمائه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه ، وأن جعلنا ذكراناً قوّاماً على حلائلنا لا اناثاً » ، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول في كلّ كلمة « صدقت » ثمّ قال : فما بعد هذا ؟ فقال : « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها »(2) فتبسّم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وقال : « ليهنئك الحكمة ، ليهنئك العلم يا أبا الحسن ، أنت وارث علمي والمبين لأُمّتي ما اختلفت فيه من بعدي » - الخبر -(3) .

وعن أميرالمؤمنين عليه السلام - في وصيّته لكميل - : « يا كميل انّه لا تخلو من نعمة اللَّه عزّوجلّ عندك وعافيته فلا تخل من تحميده وتمجيده وتسبيحه وتقديسه وشكره وذكره على كلّ حالٍ »(4) .

ص: 17


1- سورة لقمان : 20 .
2- سورة ابراهيم : 34 .
3- مناقب آل أبي طالب عليه السلام : 2/355 ؛ بحار الأنوار 40/175 ، ح 56 .
4- بشارة المصطفى : 2/28 ؛ بحار الأنوار : 74/275 .

وروي انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال : « يا علي ما أوّل ما أنعم اللَّه به عليك ؟ فقال : أن خلقني حيّاً قادراً مشتهياً ، فقال : وما الثانية ؟ قال : أن عرفني نفسه ومكّنني من طاعته ولطف معي توفيقاً وعصمة فقال النبي صلى الله عليه وآله : وما الثالثة ؟ فقال : يا رسول اللَّه « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها »(1) فقال : ملئت علماً وحكمة(2) .

وَ لا يُؤَدِّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ

عن الزهري قال : دخلت مع علي بن الحسين عليهما الصلاة والسلام على عبدالملك بن مروان ، قال : فاستعظم عبدالملك ما رأى من أثر السجود بين عيني علي بن الحسين عليه السلام فقال : يا أبا محمّد لقد بيّن عليك الاجتهاد ، ولقد سبق لك من اللَّه الحسنى وأنت بضعة من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فأجابه عليه السلام في كلام طويل بأنّه مع ذلك لم يؤدّ حقّه تعالى إلى أن قال عليه السلام له : « واللَّه لو تقطّعت أعضائي وسالت مقلتاي على صدري لن أقوم للَّه عزّوجلّ بشكر عُشر العشير من نعمة واحدة من جميع نعمه التي لا يحصيها العادون ولا يبلغ حدّ نعمة منها عليّ جميع حمد الحامدين »(3) .

وروى انّ موسى عليه السلام قال : « يا ربّ كيف أشكرك وشكري لك نعمة أُخرى توجب عليّ الشكر لك ، فأوحى اللَّه تعالى إليه إذا عرفت انّ النعم منّي رضيت منك بذلك شكراً »(4) .

ص: 18


1- سورة ابراهيم : 34 .
2- منهاج البراعة للراوندي : 1/25 .
3- فتح الأبواب : 170 ؛ بحار الأنوار : 46/57 ، ح 10 .
4- المحجّة البيضاء : 7/151 .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « أَوْحَى اللَّهُ تَعَالى إِلَى مُوسَى عليه السلام ، يَا مُوسَى اشْكُرْنِي حَقَّ شُكْرِي ، فَقَالَ : يَا رَبِّ وَكَيْفَ أَشْكُرُكَ حَقَّ شُكْرِكَ وَلَيْسَ مِنْ شُكْرٍ أَشْكُرُكَ بِهِ إِلّا وَأَنْتَ أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ ؟ قَالَ : يَا مُوسَى الآْنَ شَكَرْتَنِي حَقَّ شُكرِي حِينَ عَلِمْتَ أَنَّ ذَلِكَ مِنِّي »(1) .

وقال داود عليه السلام : « يا ربّ كيف أشكرك والشكر نعمة منك ؟ قال : الآن شكرتني حين علمت انّ النعم منّي »(2) .

قال علي بن الحسين عليه السلام اذا قرء هذه الآية : « وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها »(3) يقول : « سُبْحَانَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ فِي أَحَدٍ مِنْ مَعْرِفَةِ نِعَمِهِ إِلّا الْمَعْرِفَةَ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ مَعْرِفَتِهَا كَمَا لَمْ يَجْعَلْ فِي أَحَدٍ مِنْ مَعْرِفَةِ إِدْرَاكِهِ أَكْثَرَ مِنَ الْعِلْمِ أَنَّهُ لا يُدْرِكُهُ فَشَكَرَ جَلَّ وَعَزَّ مَعْرِفَةَ الْعَارِفِينَ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ مَعْرِفَةِ شُكْرِهِ فَجَعَلَ مَعْرِفَتَهُمْ بِالتَّقْصِيرِ شُكْراً كَمَا عَلِمَ عِلْمَ الْعَالِمِينَ أَنَّهُمْ لا يُدْرِكُونَهُ فَجَعَلَهُ إِيمَاناً عِلْماً مِنْهُ أَنَّهُ قَدُّ وُسْعِ(4) الْعِبَادِ فَلا يَتَجَاوَزُ ذَلِكَ فَإِنَّ شَيْئاً مِنْ خَلْقِهِ لا يَبْلُغُ مَدَى عِبَادَتِهِ وَكَيْفَ يُبْلَغُ مَدَى عِبَادَتِهِ مَنْ لا مَدَى لَهُ وَلا كَيْفَ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً »(5) .

الَّذِي لا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ وَلا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ

عن الامام الرضا عليه السلام : « كنهه تفريق بينه وبين خلقه »(6) .

ص: 19


1- قصص الأنبياء للراوندي : 161 ، ح 178 ؛ بحار الأنوار : 13/351 ، ح 41 .
2- الدرّ المنثور : 5/229 ؛ مجموعة ورّام : 2/17 .
3- سورة ابراهيم : 34 .
4- قد وسع العباد فلا يجاوزون ذلك . تحف العقول : 283 .
5- الكافي : 8/394 ، ح 592 .
6- التوحيد : 36 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 4/228 ، ح 3 .

وعن الامام الرضا عليه السلام - في وصفه اللَّه سبحانه - : « هو أجلّ من أن يدركه بصرٌ أو يحيط به وَهْمٌ أو يضبطه عقل »(1) .

وعن علي بن ابراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه عن هشام بن الحكم قال : الأشياء [ كلّها ] لا تدرك إلّا بأمرين : بالحواس والقلب ، والحواس ادراكها على ثلاثة معان : ادراكاً بالمداخلة وادراكاً بالمماسّة وادراكاً بلا مداخلة ولا مماسّة ، فأمّا الادراك الذي بالمداخلة فالأصوات والمشامّ والطعوم وأمّا الادراك بالمماسّة فمعرفة الاشكال من التربيع والتثليث ومعرفة اللين والخشن والحرّ والبرد ، وأمّا الادراك بلا مماسّة ولا مداخلة فالبصر فانّه يدرك الأشياء بلا مماسّة ولا مداخلة في حيّز غيره ولا في حيّزه ، وادراك البصر له سبيل وسبب ، فسبيله الهواء وسببه الضياء فاذا كان السبيل متّصلاً بينه وبين المرئى والسبب قائم أدرك ما يلاقى من الألوان والأشخاص فاذا حمل البصر على ما لا سبيل له فيه رجع راجعاً فحكى ما وراءه كالناظر في المرآة لا ينفذ بصره في المرآة فاذا لم يكن له سبيل رجع راجعاً يحكى ما وراءه وكذلك الناظر في الماء الصافي يرجع راجعاً فيحكى ما ورائه ، اذ لا سبيل له في انفاذ بصره فأمّا القلب فانّما سلطانه على الهواء فهو يدرك جميع ما في الهواء ويتوهّمه ، فاذا حمل القلب على ما ليس في الهواء موجوداً رجع راجعاً فحكى ما في الهواء ، فلا ينبغي للعاقل أن يحمل قلبه على ما ليس موجوداً في الهواء من أمر التوحيد جلّ اللَّه وعزّ ، فانّه إن فعل ذلك لم يتوهّم إلّا ما في الهواء موجود ، كما قلنا في أمر البصر تعالى اللَّه أن يشبهه خلقه(2) .

ص: 20


1- التوحيد : 252 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 3/37 ، ح 12 .
2- الكافي : 1/99 ، ح 12 .

وقال الباقر عليه السلام : « كلّما ميّزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه مخلوق مصنوع مثلكم ، مردود إليكم »(1) .

وعن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : « لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ »(2) ؟ فقال : « يا أبا هاشم أوهام القلوب أدقّ من أبصار العيون ، أنت قد تدرك بوهمك السِند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون ؟ »(3) .

وأتاه ( الصادق عليه السلام ) أعرابي وقيل بل أتى أباه الباقر عليهما السلام فقال : أرأيت اللَّه حين عبدته ؟ فقال : « ما كنت لأعبد شيئاً لم أره » ، قال : كيف رأيته ؟ قال : « لم تره الأبصار بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان ، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس معروف بالآيات منعوت بالعلامات ، هو اللَّه الذي لا إله إلّا هو » فقال الأعرابي : اللَّه أعلم حيث يجعل رسالته(4) .

وبهذا المضمون ورد عن مولانا الصادق عليه السلام في روضة الواعظين(5) وعن مولانا أبي جعفر عليه السلام في الكافي(6) بتفاوت يسير .

الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ

عن الكاهلي قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في دعاء : « الحمد للَّه منتهى علمه »

ص: 21


1- بحار الأنوار : 66/293 .
2- سورة الأنعام : 103 .
3- الكافي : 1/99 ، ح 11 .
4- كشف الغمّة : 2/207 ؛ بحار الأنوار : 75/207 ، ح 66 .
5- روضة الواعظين : 1/33 .
6- الكافي : 1/97 ، ح 5 .

كتب إليّ : « لا تقولنّ منتهى علمه ، فليس لعلمه منتهى ولكن قل : منتهى رضاه »(1) .

عن أبي حمزة قال : قال لي علي بن الحسين عليه السلام : « يا أبا حمزة إنّ اللَّه لا يوصف بمحدوديّة ، عظم ربّنا عن الصفة ، فكيف يوصف بمحدوديّةٍ مَنْ لا يحدّ »(2) ؟

وَلا نَعْتٌ مَوْجُودٌ

عن الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « إنّ اللَّه لا يوصف ، وكيف يوصف وقد قال في كتابه : « وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ »(3) فلا يوصف بقدر إلّا كان أعظم من ذلك »(4) .

وعن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : قال : « لو اجتمع أهل السماء والأرض أن يصفوا اللَّه بعظمته لم يقدروا »(5) .

وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ

قال تعالى : « فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ »(6) وقال تعالى : « وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ »(7) .

ص: 22


1- الكافي : 1/107 ، ح 3
2- الكافي : 1/100 ، ح 2 .
3- سورة الأنعام : 91 .
4- الكافي : 1/103 ، ح 11 .
5- الكافي : 1/102 ، ح 4 .
6- سورة البقرة : 203 .
7- سورة هود : 104 .

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « جاء حبر من الأحبار إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فقال : يا أميرالمؤمنين ، متى كان ربّك ؟ فقال له : ثكلتك أُمّك ومتى لم يكن حتّى يقال : متى كان ؟ كان ربّي قبل القبل بلا قبل وبعد البعد بلا بعد ، ولا غاية ولا منتهى لغايته ، انقطعت الغايات عنده ، فهو منتهى كلّ غاية » فقال : يا أميرالمؤمنين ! أفَنَبيّ أنت ؟ فقال : « ويلك إنّما أنا عبد من عبيد محمّد صلّى اللَّه عليه وآله »(1) .

فَطَرَ الْخَلائِقَ بِقُدْرَتِهِ

« الْحَمْدُ للَّهِ ِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »(2) .

« أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »(3) .

« قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »(4) .

وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ

« وَهُوَ الَّذي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الَّثمَراتِ »(5).

الرياح جمع الريح وربما يفرق بين الريح والرياح بأن الثانية من أسباب الرحمة وآثارها والأولى ليست كذلك .

ص: 23


1- الكافي : 1/89 ، ح 5 ؛ الاحتجاج : 1/210 .
2- سورة فاطر : 1 .
3- سورة ابراهيم : 10 .
4- سورة الأنعام : 14 .
5- سورة الأعراف : 57 .

وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله انّه كان يقول اذا هبت ريح : « اللّهمّ اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً »(1) ويشهد به الاستقراء أيضاً ، قال سبحانه : « أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ »(2) ، « وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ »(3) وقال : « وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِريحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ »(4) ، « ريحٌ فيها عَذابٌ أَليمٌ »(5) ولكن قال تعالى : « وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ »(6) .

وقال عزّ من قائل : « فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْري بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ »(7) .

عن العرزمي قال : كنت مع أبي عبداللَّه عليه السلام جالساً في الحجر تحت الميزاب ورجل يخاصم رجلاً وأحدهما يقول لصاحبه : واللَّه ما ندري من أين تهب الريح ، فلمّا أكثر عليه قال له أبو عبداللَّه عليه السلام : « هل تدري من أين تهب الريح ؟ » فقال : لا ولكنّي اسمع الناس يقولون ، فقلت أنا لأبي عبداللَّه عليه السلام : من أين تهب الريح ؟ فقال : « إنّ الريح مسجونة تحت هذا الركن الشامي فاذا أراد اللَّه تعالى أن يرسل منها شيئاً أخرجه إمّا جنوباً فجنوب ، وإمّا شمالاً فشمال ، وإمّا صباءً فصباء ، وإمّا دبوراً فدبور » ثمّ قال : « وآية ذلك انّك لا تزال ترى هذا الركن متحرّكاً أبداً في الشتاء والصيف والليل والنهار »(8) .

ص: 24


1- بحار الأنوار : 57/4 .
2- سورة الروم : 46 .
3- سورة الحجر : 22 .
4- سورة الحاقة : 6 .
5- سورة الأحقاف : 24 .
6- سورة يونس : 22 .
7- سورة ص : 36 .
8- علل الشرايع : 2/448 ، باب 200 ، ح 1 .

وقال المحدّث العلّامة المجلسي رحمه الله : ولعلّ المراد بحركة الركن حركة الثوب المعلّق عليه(1) .

وعن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرياح الأربع : الشمال والجنوب والصبا والدبور ، وقلت له : انّ الناس يقولون انّ الشمال من الجنّة والجنوب من النار ، فقال : « إنّ للَّه عزّوجلّ جنوداً من الريح يعذّب بها من عصاه ، موكّل بكلّ ريح منهنّ ملك مطاع فاذا أراد اللَّه عزّوجلّ أن يعذّب قوماً بعذاب ، أوحى اللَّه إلى الملك الموكّل بذلك النوع من الريح الذي يريد أن يعذّبهم به ، فيأمر بها الملك فتهيج كما يهيج الأسد المغضب ولكلّ ريح منهنّ اسم ، أما تسمع لقول اللَّه عزّوجلّ : « إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ ريحاً صَرْصَراً في يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ »(2) وقال عزّوجلّ : « الرِّيحَ الْعَقيمَ »(3) وقال تعالى : « فَأَصابَها إِعْصارٌ فيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ »(4) وما ذكر في الكتاب من الرياح التي يعذّب بها من عصاه ، وللَّه عزّوجلّ رياح رحمة لواقح ورياح تهيّج السحاب فتسوق السحاب ورياح تحبس السحاب بين السماء والأرض ورياح تعصره فتمطره باذن اللَّه ورياح تفرّق السحاب ورياح ممّا عدّ اللَّه عزّوجلّ في الكتاب فأمّا الرياح الأربع فانّها أسماء الملائكة الشمال والجنوب والصبا والدبور ، وعلى كلّ ريح منهنّ ملك موكّل بها ، فاذا أراد اللَّه تبارك وتعالى أن يهبّ شمالاً أمر الملك الذي اسمه الشمال فهبط على البيت الحرام فقام على

ص: 25


1- بحار الأنوار : 57/9 ، ذيل ح 7 .
2- سورة القمر : 19 .
3- الذاريات : 41 .
4- سورة البقرة : 266 .

الركن اليماني(1) فضرب بجناحيه فتفرّقت ريح الشمال حيث يريد اللَّه عزّوجلّ في البرّ والبحر واذا أراد اللَّه تبارك وتعالى أن يبعث الصبا أمر الملك الذي اسمه الصبا فهبط على البيت الحرام فقام على الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرّقت ريح الصبا حيث يريد اللَّه تعالى في البرّ والبحر واذا أراد اللَّه تبارك وتعالى أن يبعث جنوباً أمر الملك الذي اسمه الجنوب فهبط على البيت الحرام فقام على الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرّقت ريح الجنوب حيث يريد اللَّه في البرّ والبحر واذا أراد اللَّه عزّوجلّ أن يبعث دبوراً أمر الملك الذي اسمه الدبور فهبط على البيت الحرام فقام على الركن اليماني فضرب بجناحيه فتفرّقت ريح الدبور حيث يريد اللَّه تعالى في البرّ والبحر »(2) .

ثمّ قال ( أبو جعفر ) عليه السلام : فريح الشمال وريح الصبا وريح الجنوب وريح الدبور أيضاً تضاف إلى الملائكة الموكّلين بها(3) .(4)

وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ

اشارة

« وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَميدَ بِكُمْ »(5) .

ص: 26


1- في الكافي : « الركن الشامي » وكذا في ما يأتي .
2- من لا يحضره الفقيه : 1/545 ، ح 1522 ؛ الخصال : 1/260 ، باب الأربعة ، ح 138 ؛ بحار الأنوار : 57/12 ، ح 16 .
3- الخصال : باب الأربعة ، ح 138 .
4- قال الشهيد في الذكرى : الجنوب محلّها ما بين مطلع سهيل إلى مطلع الشمس في الاعتدالين ، والصبا محلّها ما بين الشمس إلى الجدى ، والشمال محلّها من الجدى إلى مغرب الشمس في الاعتدال ، والدبور محلّها من مغرب الشمس إلى مطلع سهيل . بحار الأنوار : 57/14 .
5- سورة النحل : 15 .

« وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَميدَ بِهِمْ »(1) .

« أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً * وَالْجِبالَ أَوْتاداً »(2) .

روى عن ابن عبّاس انّه قال : إنّ الأرض بسطت على الماء ، فكانت تكفأ بأهلها كما تكفأ السفينة ، فأرساها اللَّه تعالى بالجبال(3) .

وعن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهم السلام : « انّ النبي صلى الله عليه وآله قال : ما خلق اللَّه عزّوجلّ خلقاً إلّا وقد أمّر عليه آخر يغلبه به وذلك انّ اللَّه تبارك وتعالى لمّا خلق البحار فَخَرَتْ وزخرت وقالت : أيّ شي ء يغلبني ؟ فخلق اللَّه عزّوجلّ الفلك ، فأدارها به وذلّلها ثمّ أنّ الأرض فَخَرَت وقالت : أي شي ء يغلبني ؟ فخلق اللَّه الجبال فأثبتها في ظهرها أوتاداً منعها أن تميد بما عليها ، فذلّت الأرض واستقرّت »(4) ، الخبر .

أدلّة وجوب المعرفة وكيفيّتها

أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ

اشارة

فمن الآيات :

قال تعالى : « وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ »(5) أي ليعرفون .

قال اللَّه تعالى : « الَّذي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الَّثمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا للَّهِ ِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ »(6) .

ص: 27


1- سورة الأنبياء : 31 .
2- سورة النبأ : 6 - 7 .
3- بحار الأنوار : 57/101 .
4- الخصال : 2/443 ، باب العشرة ، ح 34 .
5- سورة الذاريات : 56 .
6- سورة البقرة : 22 .

وقال عزّ من قائل : « وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ »(1) .

وقال عزّوجلّ : « الَّذي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ في ذلِكَ لآَياتٍ لِأُولِي النُّهى * مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفيها نُعيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى »(2) .

وقال تعالى : « أَ وَلَمْ يَرَ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ ءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ »(3) .

وقال تعالى : « قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ للَّهِ ِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ »(4) .

وقال عزّ من قائل : « قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ »(5) .

ومن الروايات :

ص: 28


1- سورة النحل : 72 .
2- سورة طه : 53 - 55 .
3- سورة الأنبياء : 30 .
4- سورة المؤمنون : 84 - 85 .
5- سورة القصص : 71 - 72 .

عن الفضل بن شاذان قال الرضا عليه السلام : « ... فان قال قائل : فما أوّل الفرائض ؟ قيل : الاقرار باللَّه وبرسوله وحجته وبما جاء من عند اللَّه فان قال قائل : لِمَ أمرَ الخلق بالاقرار باللَّه وبرسوله وحجّته وبما جاء من عند اللَّه قيل لعلل كثيرة ، منها انّ مَن لم يقرّ باللَّه لم يتجنّب معاصيه ولم ينته عن ارتكاب الكبائر ولم يراقب أحداً فيما يشتهي ويستلذّ من الفساد والظلم وإذا فعل الناس هذه الأشياء وارتكب كلّ انسان ما يشتهي ويهواه من غير مراقبة لأحد كان في ذلك فساد الخلق أجمعين ووثوب بعضهم على بعض فغصبوا الفروج والأموال وأباحوا الدماء والسبي وقتل بعضهم بعضاً من غير حق ولا جُرْم فيكون في ذلك خراب الدنيا وهلاك الخلق وفساد الحرث والنسل »(1) .

وعن معاذ بن جبل قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وآله فقال : « يا معاذ هل تدري ما حقّ اللَّه عزّوجلّ على العباد ؟ » يقولها - ثلاثاً - قال : قلت : اللَّه ورسوله أعلم ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « حقّ اللَّه عزّوجلّ على العباد أن لا يشركوا به شيئاً » ، ثمّ قال صلى الله عليه وآله : « هل تدري ما حقّ العباد على اللَّه عزّوجلّ اذا فعلوا ذلك ؟ » قال : قلت : اللَّه ورسوله أعلم ، قال : « أن لا يعذّبهم » أو قال : « أن لا يدخلهم النار »(2) .

مراتب العرفان كثيرة

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « جاء حبر إلى أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه فقال : يا أميرالمؤمنين هل رأيت ربّك حين عبدته ؟ قال : فقال : ويلك ، ما كنت أعبد ربّاً

ص: 29


1- علل الشرايع : 1/252 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار : 6/58 ، ح 1 .
2- التوحيد للصدوق : 28 ، ح 28 ؛ بحار الأنوار : 3/10 ، ح 21 .

لم أره ، قال : وكيف رأيته ؟ قال : ويلك لا تدركة العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان »(1) .

وعن الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن أدنى المعرفة ؟ فقال عليه السلام : « الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ لا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلا شِبْهَ لَهُ وَلا نَظِيرَ ، وَأَنَّهُ قَدِيمٌ مُثْبَتٌ مَوْجُودٌ غَيْرُ فَقِيدٍ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ »(2) .

وعن علي بن محمّد ، عن سهل ، عن طاهر بن حاتم في حال استقامته انّه كتب إلى الرجل : ما الذي يجتزء في معرفة الخالق بدونه ؟ فكتب إليه : « لَمْ يَزَلْ عَالِماً وَسَامِعاً وَبَصِيراً ، وَهُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ ، وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام عَنِ الَّذِي لا يُجْتَرِء بِدُونِ ذَلِكَ مِنْ مَعْرِفَةِ الْخَالِقِ ؟ فَقَالَ : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ ، وَلا يُشْبِهُهُ شَيْ ءٌ ، لَمْ يَزَلْ عَالِماً سَمِيعاً بَصِيراً »(3)

قال قدس سره في بيانه : إنّما قال في حالٍ استقامة لأنّه كان مستقيماً ثمّ تغيّر وأظهر القول بالغلوّ ولعلّ المراد بالرجل الرضا عليه السلام(4) .

فضيلة التوحيد والمعرفة

عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « والذي بعثني بالحقّ بشيراً لا يعذّب اللَّه بالنار موحّداً أبداً وانّ أهل التوحيد ليشفعون فيشفعون ثمّ قال صلى الله عليه وآله : « انّه اذا كان يوم القيامة أمر اللَّه تبارك وتعالى يقوم سائت أعمالهم في دار الدنيا إلى النار ،

ص: 30


1- الكافي : 1/98 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 4/44 ، ح 23 .
2- التوحيد : 273 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار 3/267 ، ح 1 .
3- الكافي : 1/86 ، ح 2 .
4- الوافي : 1/344 .

فيقولون : يا ربّنا كيف تدخلنا النار وقد كنّا نوحّدك في دار الدنيا ؟ وكيف تحرق بالنار ألسنتنا وقد نطقت بتوحيدك في دار الدنيا ؟ وكيف تحرق قلوبنا وقد عقدت على أن لا إله إلّا أنت ؟ أم كيف تحرق وجوهنا وقد عفرناها لك في التراب ؟ أم كيف تحرق أيدينا وقد رفعناها بالدعاء إليك ، فيقول اللَّه جلّ جلاله : عبادي سائت أعمالكم في دار الدنيا فجزاؤكم نار جهنّم ، فيقولون : يا ربّنا عفوك أعظم أم خطيئتنا ؟ فيقول عزّوجلّ : بل عفوي ، فيقولون : رحمتك أوسع أم ذنوبنا ؟ فيقول عزّوجلّ : بل رحمتي ، فيقولون : اقرارنا بتوحيدك أعظم أم ذنوبنا ؟ فيقول عزّوجلّ : بل اقراركم بتوحيدي أعظم ، فيقولون : يا ربّنا فليسعنا عفوك ورحمتك التي وسعت كلّ شي ء ، فيقول اللَّه جلّ جلاله : ملائكتي وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً أحبّ إليّ من المقرّين لي بتوحيدي وأن لا إله غيري وحقّ عليّ أن لا أصلى بالنار أهل توحيدي ، ادخلوا عبادي الجنّة »(1) .

وروى الصدوق رحمه الله في التوحيد عن أبي ذرّ رحمه الله قال : خرجت ليلة من الليالي فاذا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يمشي وحده وليس معه انسان فظننت انه يكره أن يمشي معه أحد ، قال : فجعلت أمشي في ظلّ المقر ، فالتفت فرآني فقال : « من هذا ؟ » قلت : أبو ذر جعلني اللَّه فداك ، قال : « يا أبا ذر تعال » ، فمشيت معه ساعة ، فقال : « إن المكثرين هم الأقلّون يوم القيامة إلّا من أعطاه اللَّه خيراً فنفخ منه بيمينه وشماله وبين يديه وورائه وعمل فيه خيراً » قال : فمشيت معه ساعة ، فقال : « اجلس هيهنا » - وأجلسني في قاع حوله حجارة - فقال لي : « اجلس حتّى ارجع إليك » ، قال : وانطلق في الحرّة حتّى لم أره وتوارى عنّي فأطال اللبث ثمّ إنّي سمعته صلى الله عليه وآله

ص: 31


1- التوحيد للصدوق : 29 ، ح 31 ؛ بحار الأنوار : 3/1 ، ح 1 .

وهو مقبل وهو يقول : وإن زنى وإن سرق ، قال : فلمّا جاء لم أصبر حتّى قلت : يا نبيّ اللَّه جعلني اللَّه فداك ، من تكلّمه في جانب الحرّة ؟ فانّي ما سمعت أحداً يردّ عليك من الجواب شيئاً قال : « ذاك جبرئيل ، عرض لي في جانب الحرّة فقال : بشّر أُمّتك انّه من مات لا يشرك باللَّه عزّوجلّ شيئاً دخل الجنّة ، قال : قلت : يا جبرئيل وإن زنى وإن سرق ؟ قال : نعم وإن شرب الخمر » .

قال مصنّف هذا الكتاب : يعني بذلك انّه يوفَّق للتوبة حتّى يدخل الجنّة(1) .

وعن علي بن أبي طالب عليه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ : « هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ »(2) قال : « سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : : إنّ اللَّه عزّوجلّ قال : ما جَزاءُ مَنْ أَنْعَمْتُ عَلَيْهِ بِالتوحيد إلّا الجنَّة »(3) .

وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : « سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : التوحيد ثمن الجنّة »(4) .

بعض والروايات الدالّة على سبيل الاستدلال على اثبات الواجب

منها : عن هشام بن الحكم قال : دخل ابن أبي العوجاء على الصادق عليه السلام فقال له الصادق عليه السلام : « يَا ابْنَ أَبِي الْعَوْجَاءِ أَمَصْنُوعٌ أَنْتَ أَمْ غَيْرُ مَصْنُوعٍ ؟ قَالَ : لَسْتُ بِمَصْنُوعٍ . فَقَالَ لَهُ الصَّادِقُ عليه السلام فَلَوْ كُنْتَ مَصْنُوعاً كَيْفَ كُنْتَ تَكُونُ ؟ فَلَمْ يُحِرِ ابْنُ أَبِي

ص: 32


1- التوحيد للصدوق : 25 ، ح 24 ؛ بحار الأنوار : 3/7 ، ح 17 .
2- سورة يس : 60 .
3- الأمالي للصدوق : 386 ، مجلس 61 ، ح 7 ؛ بحار الأنوار : 3/3 ح 2 .
4- الأمالي للطوسي : 570 ، مجلس 22 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 3/3 ح 3 .

الْعَوْجَاءِ جَوَاباً وَقَامَ وَخَرَجَ »(1) .

ومنها : قال : دَخَلَ أَبُو شَاكِرٍ الدَّيَصَانِيُّ وَهُوَ زِنْدِيقٌ عَلَى أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فَقَالَ لَهُ : يَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ دُلَّنِي عَلَى مَعْبُودِي ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام : « اجْلِسْ ، فَإِذَا غُلامٌ صَغِيرٌ ، فِي كَفِّهِ بَيْضَةٌ ، يَلْعَبُ بِهَا ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام : نَاوِلْنِي يَا غُلامُ الْبَيْضَةَ ، فَنَاوَلَهُ إِيَّاهَا ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام : يَا دَيَصَانِيُّ هَذَا حِصْنٌ مَكْنُونٌ ، لَهُ جِلْدٌ غَلِيظٌ ، وَتَحْتَ الْجِلْدِ الْغَلِيظِ جِلْدٌ رَقِيقٌ ، وَتَحْتَ الْجِلْدِ الرَّقِيقِ ذَهَبَةٌ مَائِعَةٌ وَفِضَّةٌ ذَائِبَةٌ ، فَلا الذَّهَبَةُ الْمَائِعَةُ تَخْتَلِطُ بِالْفِضَّةِ الذَّائِبَةِ وَلا الْفِضَّةُ الذَّائِبَةُ تَخْتَلِطُ بِالذَّهَبَةِ الْمَائِعَةِ ، فَهِيَ عَلَى حَالِهَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا خَارِجٌ مُصْلِحٌ فَيُخْبِرَ عَنْ إِصْلاحِهَا وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهَا دَاخِلٌ مُفْسِدٌ فَيُخْبِرَ عَنْ إِفْسَادِهَا ، لا يُدْرَى لِلذَّكَرِ خُلِقَتْ أَمْ للْأُنْثَى تَنْفَلِقُ عَنْ مِثْلِ أَلْوَانِ الطَّوَاوِيسِ أَتَرَى لَهَا مُدَبِّراً ؟ »

قَالَ : فَأَطْرَقَ مَلِيّاً .

ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّكَ إِمَامٌ وَحُجَّةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَأَنَا تَائِبٌ مِمَّا كُنْتُ فِيهِ(2) .

ومنها : أَنَّ عَبْدَاللَّهِ الدَّيَصَانِيَّ أَتَى بَابَ أَبِي عَبْدِاللَّهِ عليه السلام فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَلَمَّا قَعَدَ قَالَ لَهُ : يَا جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ دُلَّنِي عَلَى مَعْبُودِي ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام : « مَا اسْمُكَ ؟ » فَخَرَجَ عَنْهُ وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِاسْمِهِ ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ : كَيْفَ لَمْ تُخْبِرْهُ بِاسْمِكَ ، قَالَ : لَوْ كُنْتُ قُلْتُ لَهُ عَبْدُاللَّهِ كَانَ يَقُولُ : مَنْ هَذَا الَّذِي أَنْتَ لَهُ عَبْدٌ ؟ فَقَالُوا لَهُ : عُدْ إِلَيْهِ وَقُلْ لَهُ : يَدُلُّكَ عَلَى مَعْبُودِكَ وَلا يَسْأَلُكَ عَنِ اسْمِكَ ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ : يَا جَعْفَرُ

ص: 33


1- الاحتجاج : 2/333 ؛ بحار الأنوار : 3/31 ح 4 .
2- الاحتجاج : 2/333 ؛ بحار الأنوار 3/31 ، ح 5 .

دُلَّنِي عَلَى مَعْبُودِي وَلا تَسْأَلْنِي عَنِ اسْمِي ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام : « اجْلِسْ » وَإِذَا غُلامٌ صَغِيرٌ إِلَى آخِرِ الْخَبَرِ(1) .

وروى انّ الصادق عليه السلام قال لابن أبي العوجاء : « قَالَ لابْنِ أَبِي الْعَوْجَاءِ : « إِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ وَلَيْسَ كَمَا تَقُولُ نَجَوْنَا وَنَجَوْتَ ، وَإِنْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا نَقُولُ نَجَوْنَا وَهَلَكْتَ »(2) .

ومنها : عن أبي الحسن علي بن موسير الرضا عليه السلام : أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مَا الدَّلِيلُ عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ ؟ فَقَالَ عليه السلام : « أَنْتَ لَمْ تَكُنْ ثُمَّ كُنْتَ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّكَ لَمْ تُكَوِّنْ نَفْسَكَ وَلا كَوَّنَكَ مَنْ هُوَ مِثْلُكَ »(3) .

ومنها : قال رجل للصادق عليه السلام : يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى اللَّهِ مَا هُوَ ؟ فَقَدْ أَكْثَرَ عَلَيَّ الْمُجَادِلُونَ وَحَيَّرُونِي ، فَقَالَ عليه السلام لَهُ : « يَا عَبْدَاللَّهِ هَلْ رَكِبْتَ سَفِينَةً قَطُّ ؟ » قَالَ : نَعَمْ قَالَ : « فَهَلْ كُسِرَ بِكَ حَيْثُ لا سَفِينَةَ تُنْجِيكَ وَلا سِبَاحَةَ تُغْنِيكَ » قَالَ : نَعَمْ قَالَ : « فَهَلْ تَعَلَّقَ قَلْبُكَ هُنَالِكَ أَنَّ شَيْئاً مِنَ الْأَشْيَاءِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُخَلِّصَكَ مِنْ وَرْطَتِكَ ؟ »قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ الصَّادِقُ عليه السلام « فَذَلِكَ الشَّيْ ءُ هُوَ اللَّهُ الْقَادِرُ عَلَى الْإِنْجَاءِ حَيْثُ لا مُنْجِيَ وَعَلَى الْإِغَاثَةِ حَيْثُ لا مُغِيثَ »(4)

ومنها : عن أبي جعفر محمّد بن علي الباقر ، عن أبيه ، عن جدّه عليه السلام انّه قال : « أَنَّ رَجُلاً قَامَ إِلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فَقَالَ لَهُ : يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ بِمَا عَرَفْتَ رَبَّكَ ؟ قَالَ : بِفَسْخِ الْعَزْمِ وَنَقْضِ الْهِمَمِ لَمَّا أَنْ هَمَمْتُ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ هَمِّي وَعَزَمْتُ فَخَالَفَ

ص: 34


1- الكافي : 1/79 ح 4 ، بحار الأنوار : 3/32 ح 6 .
2- الاحتجاج : 2/336 ؛ بحار الأنوار : 3/35 ، ح 9 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1/134 ، ح 32 ؛ بحارالأنوار : 3/36 ، ح 11 .
4- معاني الأخبار : 4 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 3/41 ، ح 16 .

الْقَضَاءُ عَزْمِي فَعَلِمْتُ أَنَّ الْمُدَبِّرَ غَيْرِي ، قَالَ : فَبِمَا ذَا شَكَرْتَ نَعْمَاءَهُ ؟ قَالَ : نَظَرْتُ إِلَى بَلاءٍ قَدْ صَرَفَهُ عَنِّي ، وَأَبْلَى بِهِ غَيْرِي فَعَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ أَنْعَمَ عَلَيَّ فَشَكَرْتُهُ ، قَالَ : فَبِمَا ذَا أَحْبَبْتَ لِقَاءَهُ ؟ قَالَ : لَمَّا رَأَيْتُهُ قَدِ اخْتَارَ لِي دِينَ مَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ عَلِمْتُ أَنَّ الَّذِي أَكْرَمَنِي بِهَذَا لَيْسَ يَنْسَانِي فَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ »(1) .

الولاية شرط في التوحيد ككونها شرطاً في صحّة الفروع وقبولها

عن محمّد بن عمارة عن أبيه عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن علي ، عن آبائه الصادقين عليهم السلام قال : « قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إنّ اللَّه تبارك وتعالى جعل لأخي عليّ بن أبي طالب فضائل لا يحصى عددها غيره ، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّاً بها غفر اللَّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ولو وافى القيامة بذنوب الثقلين ومن كتب فضيلة من فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقى لتلك الكتابة رسم ، ومن استمع إلى فضيلة من فضائله غفر اللَّه له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع ، ومن نظر إلى كتابة في فضائله غفر اللَّه له الذنوب التي اكتسبها بالنظر » ، ثمّ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « النظر إلى علي بن أبي طالب عليه السلام عبادة ، وذكره عبادة ، ولا يقبل ايمان عبد إلّا بولايته والبرائة من أعدائه »(2) .

وعن أبي حمزة قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : « إنّما يعبد اللَّه من يعرف اللَّه ، فأمّا من لا يعرف اللَّه فانّما يعبده هكذا ضلالاً » ، قلت : جعلت فداك ، فما معرفة اللَّه ؟ قال : « تصديق اللَّه عزّوجلّ وتصديق رسوله صلى الله عليه وآله وموالاة علي عليه السلام والائتمام

ص: 35


1- التوحيد : 228 ، ح 6 ؛ بحار الانوار : 3/42 ، ح 17 .
2- الأمالي للصدوق : 138 ، ح 9 ، مجلس 28 ؛ بحار الأنوار : 38/196 ، ح 4 .

به وبأئمّة الهدى عليهم السلام والبرائة إلى اللَّه عزّوجلّ من عدوّهم ، هكذا يعرف اللَّه عزّوجلّ »(1) .

وروى عن أبي حمزة الثمالي قال : قال لنا علي بن الحسين عليه السلام : « أي البقاع أفضل ؟ » فقلنا : اللَّه ورسوله وابن رسوله أعلم ، فقال : « أمّا أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ، ولو أنّ رجلاً عمّر ما عمّر نوح عليه السلام في قومه - ألف سنة إلّا خمسين عاماً - يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ثمّ لقى اللَّه عزّوجلّ بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً »(2) .

وعن المعلّى بن خنيس قال : قال أبو عبداللَّه عليه السلام : « يا معلّى لو أنّ عبداً عبد اللَّه مائة عام بين الركن والمقام يصوم نهاراً ويقوم ليلاً حتّى يسقط حاجباه على عينيه وتلتقى تراقيه هرماً ، جاهلاً بحقّنا لم يكن له ثواب »(3) .

وعن محمّد بن جعفر ، عن أبيه عليهم السلام قال : « نزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا محمّد السلام يقرئك السلام ويقول : خلقت السماوات السبع وما فيهنّ والأرضين السبع وما عليهنّ وما خلقت خلقاً أعظم من الركن والمقام ، ولو أنّ عبداً دعاني منذ خلقت السماوات والأرضين ثمّ لقيني جاحداً لولاية عليّ لأكببته في سقر »(4) .

ص: 36


1- الكافي : 1/180 ، ح 1 .
2- من لا يحضره الفقيه : 2/245 ، 2313 - 18 ؛ بحار الأنوار : 27/172 ، ح 16 .
3- ثواب الأعمال : 204 ؛ وسائل الشيعة : 1/122 ، ح 309 - 313 ؛ بحار الأنوار : 27/177 ، ح 24 .
4- المحاسن : 1/90 ، ح 38 ؛ وسائل الشيعة : 1/123 ، ح 311 - 315 ؛ بحار الأنوار : 27/167 ، ح 3 .

وعن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث ، قال : « ذروة الاسلام وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضى الرحمن : الطاعة للامام بعد معرفته » - إلى أن قال - : « اما لو أنّ رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحج جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ اللَّه فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ، ما كان له على اللَّه جلّ وعزّ حقّ في ثوابه ولا كان من أهل الايمان »(1) .

فكما ظهر وثبت من هذه الأخبار وغيرها من الأخبار الكثيرة : انّ معرفة الامام والطاعة له شرط في صحّة الفروع والاصول ، كذلك ظهر انّ اللازم أخذ الأحكام الشرعيّة والمسائل الدينيّة عنهم ، لأنّهم الباب الذي أمر اللَّه أن يؤتى منه ، عن أصبغ بن نباتة قال : كنت جالساً عند أميرالمؤمنين عليه السلام فجاء ابن الكوّاء فقال يا أميرالمؤمنين مَنِ البيوت في قول اللَّه عزّوجلّ : « وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها »(2) . قال علي عليه السلام : « نحن البيوت التي أمر اللَّه بها أن يؤتى من أبوابها ، نحن باب اللَّه وبيوته التي يؤتى منه فمن تابعنا وأقرّ بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ، ومن خالفنا وفضّل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها » فقال : يا أميرالمؤمنين : وعلى الأعراف رجال يعرفون كلّاً بسيماهم ، فقال علي عليه السلام : « نحن أصحاب الأعراف » - إلى أن قال عليه السلام - « انّ اللَّه عزّوجلّ لو شاء عرف للناس نفسه حتّى يعرفوه وحده ويأتوه من بابه ، ولكنّه جعلنا أبوابه وصراطه وبابه الذي يؤتى منه ، فقال فيمن عدل عن

ص: 37


1- الكافي : 2/19 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 65/333 ، ح 10 .
2- سورة البقرة : 189 .

ولايتنا وفضّل علينا غيرنا : فانهم « عَنِ الصراطِ لَناكِبُون »(1) » .(2)

وعن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « كلّ من دان اللَّه عزّوجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من اللَّه فسعيه غير مقبول ، وهو ضالّ متحيّر واللَّه شانى ء لأعماله ، ومثله كمثل شاة ضلّت عن راعيها وقطيعها ، فهجمت ذاهبة وجائية يومها ، فلمّا جنّها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها ، فحنّت إليها واغترّت بها ، فباتت معها في مربضها ، فلمّا ان ساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها ، فهجمت متحيّرة تطلب راعيها وقطيعها ، فبصرت بغنم مع راعيها فحنّت إليها واغترّت بها ، فصاح بها الراعي الحقي براعيك وقطيعك فأنت تائهة متحيّرة عن راعيك وقطيعك ، فهجمت ذعرة ، متحيّرة ، تائهة ، لا راعى لها يرشدها إلى مرعاها أو يردّها ، فبينا هي كذلك اذا اغتنم الذئب ضيعتها ، فأكلها ، وكذلك واللَّه يا محمّد من أصبح من هذه الأُمّة لا إمام له من اللَّه عزّوجلّ ظاهر عادل ، أصبح ضالّاً تائهاً وان مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق واعلم يا محمّد انّ أئمّة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين اللَّه قد ضلّوا وأضلّوا فأعمالهم التي يعملونها « كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْ ءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعيدُ »(3) .(4)

ص: 38


1- سورة المؤمنون : 74 .
2- الاحتجاج : 1/227 ؛ بحار الأنوار 24/248 ، ح 2 .
3- سورة ابراهيم : 18 .
4- الكافي : 1/183 ، ح 8 .

وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ

عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبداللَّه عليه السلام وكان من قول أبي عبداللَّه عليه السلام له : « لا يَخْلُو قَوْلُكَ إِنَّهُمَا اثْنَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَا قَدِيمَيْنِ قَوِيَّيْنِ ، أَوْ يَكُونَا ضَعِيفَيْنِ ، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا قَوِيّاً وَالآْخَرُ ضَعِيفاً ، فَإِنْ كَانَا قَوِيَّيْنِ فَلِمَ لَا يَدْفَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ ، وَيَنْفَرِدُ بِالتَّدْبِيرِ ، وَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَوِيٌّ وَالآْخَرَ ضَعِيفٌ ، ثَبَتَ أَنَّهُ وَاحِدٌ كَمَا نَقُولُ لِلْعَجْزِ الظَّاهِرِ فِي الثَّانِي ، وَإِنْ قُلْتَ : إِنَّهُمَا اثْنَانِ ، لَمْ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَا مُتَّفِقَيْنِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ أَوْ مُفْتَرِقَيْنِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ ، فَلَمَّا رَأَيْنَا الْخَلْقَ مُنْتَظِماً وَالْفَلَكَ جَارِياً وَاخْتِلافَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَلَّ صِحَّةُ الْأَمْرِ وَالتَّدْبِيرِ وَائْتِلافُ الْأَمْرِ عَلَى أَنَّ الْمُدَبِّرَ وَاحِدٌ ، ثُمَّ يَلْزَمُكَ إِنِ ادَّعَيْتَ اثْنَيْنِ فَلابُدَّ مِنْ فُرْجَةٍ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَكُونَا اثْنَيْنِ ، فَصَارَتِ الْفُرْجَةُ ثَالِثاً بَيْنَهُمَا قَدِيماً مَعَهُمَا ، فَيَلْزَمُكَ ثَلاثَةٌ ، وَإِنِ ادَّعَيْتَ ثَلاثَةً لَزِمَكَ مَا قُلْنَا فِي الإثْنَيْنِ حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُمَا فُرْجَتَانِ فَيَكُونَ خَمْسَةً ، ثُمَّ يَتَنَاهَى فِي الْعَدَدِ إِلَى مَا لا نِهَايَةَ فِي الْكَثْرَةِ » ، قَالَ هِشَامٌ : فَكَانَ مِنْ سُؤَالِ الزِّنْدِيقِ أَنْ قَالَ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ عليه السلام : « وُجُودُ الْأَفَاعِيلِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى أَنَّ صَانِعاً صَنَعَهَا أَلا تَرَى أَنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَى بِنَاءٍ مَشِيدٍ مَبْنِيٍّ عَلِمْتَ أَنَّ لَهُ بَانِياً وَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَرَ الْبَانِيَ وَلَمْ تُشَاهِدْهُ » قَالَ : فَمَا هُوَ ؟ قَالَ « هُوَ شَيْ ءٌ بِخِلافِ الْأَشْيَاءِ أَرْجِعُ بِقَوْلِي شَيْ ءٌ إِلَى إِثْبَاتِ مَعْنىً وَأَنَّهُ شَيْ ءٌ بِحَقِيقَةِ الشَّيْئِيَّةِ غَيْرَ أَنَّهُ لا جِسْمٌ وَلا صُورَةٌ وَلا يُحَسُّ وَلا يُجَسُّ وَلا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ ، لا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ ، وَلا تَنْقُصُهُ الدُّهُورُ ، وَلا يُغَيِّرُهُ الزَّمَانُ »(1) .

ص: 39


1- الكافي : 1/80 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 10/194 ، ح 3 .

وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلاصُ لَهُ

قال تعالى : « وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ »(1) ولا كالوثنيّة الذين قالوا في أوثانهم : « ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى »(2) .

عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « العلماء كلّهم هلكى إلّا العاملون والعاملون كلّهم هلكى إلّا المخلصون والمخلصون على خطره »(3) .

وَكَمَالُ الإِخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ

عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : « كَانَ اللَّهُ وَلا شَيْ ءَ غَيْرُهُ ، وَلَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَالِماً بِمَا كَوَّنَ فَعِلْمُهُ بِهِ قَبْلَ كَوْنِهِ كَعِلْمِهِ بِهِ بَعْدَ مَا كَوَّنَهُ »(4) .

وعن أبي بصير قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « لَمْ يَزَلِ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ رَبُّنَا وَالْعِلْمُ ذَاتُهُ وَلا مَعْلُومَ ، وَالسَّمْعُ ذَاتُهُ وَلا مَسْمُوعَ ، وَالْبَصَرُ ذَاتُهُ وَلا مُبْصَرَ وَالْقُدْرَةُ ذَاتُهُ وَلا مَقْدُور »(5) .

لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ

عن هشام بن الحكم قال في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبداللَّه عليه السلام : انه قال له : أتقول : انه سميع بصير ؟ فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : « هو سميع بصير ، سميع بغير

ص: 40


1- سورة يوسف : 106 .
2- سورة الزمر : 3 .
3- مجموعة ورّام : 2/119 .
4- الكافي : 1/107 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 54/162 ، ح 97 .
5- الكافي : 1/107 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 54/161 ، ح 96 .

جارحة وبصير بغير آلة ، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه وليس قولي : انه سميع بنفسه أنه شي ء والنفس شي ء آخر ، ولكنّي أردت عبارة عن نفسي اذ كنت مسئولاً ، وافهاماً لك اذ كنت سائلاً فأقول : يسمع بكلّه لا انّ كلّه له بعض ، لأن الكل لنا [ له ]بعض ولكن أردت افهامك ، والتعبير عن نفسي وليس مرجعي في ذلك كلّه إلّا انه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف معنى »(1) .

وعن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت : جعلت فداك يزعم قوم من أهل العراق انه يسمع بغير الذي يبصر ، ويبصر بغير الذي يسمع ، قال : فقال عليه السلام : « كذبوا وألحدوا وشبّهوا ، تعالى اللَّه عن ذلك ، انه سميع بصير ، يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع »(2) .

وَمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ

عن أبي عبداللَّه الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن علي الباقر عليه السلام في قول اللَّه تبارك وتعالى : « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ »(3) قال : « قل » أي أظهر ما أوحينا إليك ونبّأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد و « هو » اسم مكنّى مشار إلى غائب فالهاء تنبيه عن معنى ثابت ، والواو اشارة إلى الغائب عن الحواس ، كما انّ قولك هذا اشارة إلى الشاهد عند الحواس وذلك انّ الكفار نبّهوا عن الهتهم بحرف اشارة الشاهد المدرك ، فقالوا هذه آلهتنا المحسوسة

ص: 41


1- الكافي : 1/109 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 4/69 ، ح 15 .
2- الكافي : 1/108 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 4/69 ، ح 14 .
3- سورة التوحيد : 1 .

المدركة بالأبصار ، فأَشِرْ أنت يا محمّد الى الهك الذي تدعو إليه حتّى نراه وندركه ولا نالهُ فيه ، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى : « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ »(1) فالهاء تثبيت للثابت والواو اشارة إلى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواس وانّه تعالى عن ذلك بل هو مدرك الأبصار ومبدع الحواس »(2) .

وَمَنْ قَالَ فِيمَ فَقَدْ ضَمَّنَهُ وَمَنْ قَالَ عَلا مَ فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ

عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « من زعم أنّ اللَّه من شي ء أو في شي ء أو على شي ء فقد كفر » قلت : فسّر لي ؟ قال : « أعني بالحواية من الشي ء له أوْ بامساك له أوْ من شي ء سبقه » وفي رواية اخرى : « من زعم أنّ اللَّه من شي ء فقد جعله محدثاً ، ومن زعم أنّه في شي ء فقد جعله محصوراً ، ومن زعم أنّه على شي ء فقد جعله محمولاً »(3) .

وعن النبي صلى الله عليه وآله : « انّه فوق كلّ شي ء وتحت كلّ شي ء قد ملأ كلّ شي ء عظمته ، فلم يخل منه أرض ولا سماء ولا برّ ولا بحر ولا هواء »(4) .

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « مكتوب في التوراة التي لم تغير ان موسى عليه السلام سأل ربّه ، فقال : يا ربّ أقريب أنت منّي فاناجيك أم بعيد فاناديك ؟ فأوحى اللَّه عزّوجلّ إليه : يا موسى أنا جليس من ذكرني ( الحديث »(5) .

ص: 42


1- سورة التوحيد : 1 .
2- التوحيد للصدوق : 88/89 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 3/221 ، ح 12 .
3- الكافي : 1/128 ، ح 9 .
4- شرح اصول الكافي (صدرا ) : 3/66 .
5- الكافي : 2/496 ، ح 4 ، بحار الأنوار : 13/342 ، ح 20 .

وَمَنْ قَالَ عَلا مَ فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ

تصديقاً لقوله تعالى : « وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ »(1) وقوله : « ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ »(2) وقوله : « وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَريدِ »(3) .

مَعَ كُلِّ شَيْ ءٍ لا بِمُقَارَنَةٍ

قال تعالى : « ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا... »(4) .

عن عيسى بن يونس قال : قال ابن أبي العوجاء لأبي عبداللَّه عليه السلام في بعض ما كان يحاوره : ذكرت اللَّه فاحلت على غائب ، فقال أبو عبداللَّه : « ويلك كيف يكون غائباً من هو مع خلقه شاهد وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ويرى أشخاصهم ويعلم أسرارهم ؟ » فقال ابن أبي العوجاء : أهو في كلّ مكان ، أليس اذا كان في السماء كيف يكون في الأرض ؟ واذا كان في الأرض كيف يكون في السماء ؟ فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : « إنّما وصفت المخلوق الذي اذا انتقل عن مكان اشتغل به مكان وخلا منه مكان ، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما يحدث في المكان الذي كان فيه فأمّا اللَّه العظيم الشأن الملك الديّان فلا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان »(5) .

ص: 43


1- سورة الحديد : 4 .
2- المجادلة : 7 .
3- سورة ق : 16 .
4- سورة المجادلة : 7 .
5- الكافي : 1/125 - 126 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 3/33 ، ح 7 .

وَغَيْرُ كُلِّ شَيْ ءٍ لا بِمُزَايَلَةٍ

قال تعالى : « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَي ءٌ »(1) .

فَاعِلٌ لا بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَالْآلَةِ

قال تعالى : « إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »(2) .

بَصِيرٌ إِذْ لا مَنْظُورَ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ

عن أبي بصير قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « لم يزل اللَّه عزّوجلّ ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلمّا احدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم ، والسمع على المسموع ، والبصر على المبصر ، والقدرة على المقدور ، الحديث »(3) .

أَنْشَأَ الْخَلْقَ إِنْشَاءً وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً

عن محمّد بن زيد قال : جئت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن التوحيد ، فاملى عليّ « الحمد للَّه فاطر الأشياء انشاء ، ومبتدعها ابتداءً بقدرته وحكمته ، لا من شي ء فيبطل الاختراع ، ولا لعلّة فلا يصحّ ابتداع ، خلق ما شاء كيف شاء »(4) .

ص: 44


1- سورة الشورى : 11 .
2- سورة يس : 82 .
3- الكافي : 1/107 ، ح 1 ، بحار الأنوار : 4/71 ، ح 18 .
4- علل الشرايع : 1/9 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار 4/263 ، ح 11 .

وَلائَمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا

في حديث الديصاني - وكان من الزنادقة - مع الصادق عليه السلام : دُلّني على معبودي ولا تسألني عن اسمي - وكان اسمه عبداللَّه - فقال له أبو عبداللَّه عليه السلام : « اجلس » واذاً غلام له صغير ، في كفّه بيضة يلعب بها ، فقال له أبو عبداللَّه عليه السلام : « ناولني يا غلام البيضة » فناوله إيّاها ، فقال له أبو عبداللَّه عليه السلام « يا ديصاني : هذا حصن مكنون ، له جلد غليظ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضّة ذائبة ، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضّة الذائبة ولا الفضّة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة فهي على حالها ، لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها ، لا يدري للذكر خُلقت أم للأُنثى ، تنفلق عن مثل ألوان الطواويس ، أترى لها مدبّراً ؟ » قال : فأطرق مليّاً ، ثمّ قال : اشهد أن لا إله إلّا اللَّه(1) .

عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا

قال تعالى : « وَهُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَليمٌ »(2) وقال : « إِنَّ اللَّهَ كانَ عَليماً حَكيماً »(3) وقال تعالى : « وَكانَ اللَّهُ عَزيزاً حَكيماً »(4) .

عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : « كان اللَّه عزّوجلّ ولا شي ء غيره ولم يزل عالماً بما يكون فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه »(5) .

ص: 45


1- الكافي : 1/79 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار 4/141 ، ح 7 .
2- سورة البقرة : 29 .
3- سورة الانسان : 30 .
4- سورة النساء : 165 .
5- الكافي : 1/107 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار 4/86 ، ح 23 .

وعن أيّوب بن نوح انه كتب إلى أبي الحسن الهادي عليه السلام يسأله عن اللَّه عزّوجلّ أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكوّنها أو لا يعلم ذلك حتّى خلقها وأراد خلقها وتكوينها ؟ فعلم ما خلق عند ما خلق وما كوّن عند ما كوّن ؟ فوقّع بخطّه : « لم يزل اللَّه عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء »(1) .

وعن منصور بن حازم قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام هل يكون اليوم شي ء لم يكن في علم اللَّه بالأمس ؟ قال : « لا ، من قال هذا فاخزاه اللَّه » قلت : أرأيت ما كان وهو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم اللَّه ؟ قال : « بلى قبل أن يخلق الخلق »(2) .

وعن حمّاد بن عيسى قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام فقلت : لم يزل اللَّه يعلم ؟ قال: « إي يكون يعلم ولا معلوم » قال : قلت : فلم يزل اللَّه يسمع ؟ قال : « اي يكون ذلك ولا مسموع » قال : قلت : فلم يزل يبصر ؟ قال : « إي يكون ذلك ولا مبصر » قال : ثمّ قال : « لم يزل اللَّه عليماً سميعاً بصيراً ، ذات علّامة سميعة بصيرة»(3) .

وحدّثنا الحسين بن بشّار عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام قال : سألته أيعلم اللَّه الشي ء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون أو لا يعلم إلّا ما يكون ؟ فقال : « إنّ اللَّه تعالى هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء ، قال اللَّه عزّوجلّ : « إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ »(4)، وقال لأهل النار : « وَلَوْ رُدُّوا

ص: 46


1- الكافي : 1/107 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار 4/88 ، ح 25 .
2- الكافي : 1/148 ، ح 11؛ بحار الأنوار : 4/89 ، ح 29 .
3- نور البراهين : 1/353 ، ح 2 ؛ التوحيد للصدوق : 139 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 4/72 ، ح 19 .
4- سورة الجاثية : 29 .

لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ »(1)، فقد علم اللَّه عزّوجلّ انه لو ردّهم لعادوا لما نهوا عنه ، وقال للملائكة لمّا قالوا : « أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ »(2) فلم يزل اللَّه عزّوجلّ علمه سابقاً للأشياء قديماً قبل أن يخلقها ، فتبارك ربّنا تعالى علوّاً كبيراً خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء كذلك لم يزل ربّنا عليماً سميعاً بصيراً »(3) .

وعن عبداللَّه بن مسكان قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن اللَّه تبارك وتعالى أكان يعلم المكان قبل أن يخلق المكان ، أم علمه عند ما خلقه وبعد ما خلقه ؟ فقال : « تعالى اللَّه ، بل لم يزل عالماً بالمكان قبل تكوينه كعلمه به بعد ما كوّنه وكذلك علمه بجيمع الأشياء كعلمه بالمكان »(4) .

وعن الحسين بن الخالد قال : سمعت الرضا علي بن موسى عليهما السلام يقول : « لم يزل اللَّه تبارك وتعالى عليماً قادراً حيّاً قديماً سميعاً بصيراً » فقلت له : يابن رسول اللَّه انّ قوماً يقولون : انّه عزّوجلّ لم يزل عالماً بعلمٍ ، وقادراً بقدرةٍ ، وحيّاً بحياةٍ ، وقديماً بقدمٍ ، وسميعاً بسمع ، وبصيراً ببصر فقال عليه السلام : « من قال ذلك ودان به فقد اتّخذ مع اللَّه آلهة اُخرى وليس من ولايتنا على شي ء » ثمّ قال عليه السلام : « لم يزل اللَّه عزّوجلّ عليماً قادراً حيّاً قديماً سميعاً بصيراً لذاته ، تعالى عمّا يقول المشركون

ص: 47


1- سورة الأنعام : 28 .
2- سورة البقرة : 30 .
3- التوحيد للصدوق : 136/137 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 4/78 ، ح 1 ؛ نور البراهين : 1/346 ، ح 8 .
4- التوحيد للصدوق : 137 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار : 4/85 ، ح 20 ؛ نور البراهين : 1/347 ، ح 9 .

والمشبّهون علوّاً كبيراً »(1) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام انّ أميرالمؤمنين عليه السلام استنهض الناس في حرب معاوية في المرّة الثانية ، فلمّا حشد الناس قام خطيباً فقال : . . . « أحاط بالأشياء علماً قبل كونها ، فلم يزدد بكونها علماً ، علمه بها قبل أن يكوّنها كعلمه بعد تكوينها »(2) .

وعن أبي بصير قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « لم يزل اللَّه جلّ وعز ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم ، والسمع على المسموع ، والبصر على المبصر ، والقدرة على المقدور » - إلى أن قال - قال : قلت : فلم يزل اللَّه متكلّماً ؟ قال : انّ الكلام صفة محدثة ليست بأزليّةٍ ، كان اللَّه عزّوجلّ ولا متكلّم(3) .

عَارِفاً بِقَرَائِنِهَا وَأَحْنَائِهَا

عن حمّاد بن عمرو النصيبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألت أبا عبداللَّه عن « قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ »(4) فقال : « عارف بالمجهول الحديث »(5) .

ص: 48


1- نور البراهين : 1/354 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 4/62 ، ح 1 ؛ التوحيد للصدوق : 139/140 ، ح 3 .
2- الكافي : 1/134 - 135 ، ح 1 ؛ التوحيد للصدوق : 43 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار 4/270 ، ح 15 .
3- التوحيد للصدوق : 1/139 ، ح 1 ؛ الكافي : 1/107 ، ح 1 ؛ نور البراهين : 1/351 - 352 ، ح 1 .
4- سورة التوحيد : 1 .
5- الكافي : 1/91 ، ح 2 ؛ التوحيد للصدوق : 58 ، ح 15 ؛ بحار الأنوار : 4/286 ، ح 18 .

وعن ابن سنان قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام : هل كان اللَّه عزّوجلّ عارفاً بنفسه قبل أن يخلق الخلق ؟ قال : « نعم ، الحديث »(1) .

حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ وَالزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ

اشارة

قال الصادق عليه السلام في جواب الزنديق : « الريح على الهواء ، والهواء تمسكه القدرة »(2) .

ماذا الصادر الأوّل ؟

في سئوالات الشامي عن أميرالمؤمنين عليه السلام ، أخبرني عن أوّل ما خلق اللَّه تبارك وتعالى ، فقال عليه السلام : « النور »(3) .

وقال النبي صلى الله عليه وآله : « أوّل ما خلق اللَّه نوري »(4) .

وعن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « انّ أوّل ما خلق اللَّه عزّوجلّ أرواحنا فانطقها بتوحيده وتمجيده »(5) .

وعن جابر قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « أوّل ما خلق اللَّه نوري ففتق منه نور عليّ ، ثمّ خلق العرش واللوح والشمس وضوء النهار ونور الأبصار والعقل والمعرفة ، الخبر »(6) .

ص: 49


1- الكافي : 1/113 ، ح 2 ؛ التوحيد للصدوق : 191 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 4/88 ح 26 .
2- الاحتجاج : 2/352 ؛ بحار الأنوار : 54/183 .
3- علل الشرايع : 2/593 ، ح 44 ؛ بحار الأنوار : 1/96 ، ح 2 .
4- بحار الأنوار : 1/97 ، ح 7 ؛ عوالي اللئالي : 4/99 ، ح 140 .
5- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1/262 ، ح 22 ؛ بحار الأنوار : 54/58 ، ح 29 .
6- بحار الأنوار : 54/170 ، ح 117 .

وقع الخلاف في كون أي شي ء أوّل ما خلق اللَّه ولكن استفاضت الأخبار عن النبي وأهل البيت عليهم السلام بأنّ الصادر الأوّل هو نور النبي صلى الله عليه وآله .

فمنها : عن محمّد بن سنان قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام فأجريت اختلاف الشيعة ، فقال : « يا محمّد انّ اللَّه تبارك وتعالى لم يزل متفرّداً بوحدانيّته ثمّ خلق محمّداً وعليّاً وفاطمة ، فمكثوا ألف دهر ثمّ خلق جميع الأشياء ، فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها وفوّض أُمورها إليهم ، فهم يحلّون ما يشاؤون ويحرّمون ما يشاؤون ولن يشاؤوا إلّا أن يشاء اللَّه تبارك وتعالى » ، ثمّ قال : « يا محمّد هذه الديانة التي من تقدّمها مرق ومن تخلّف عنها محق ومن لزمها لحق ، خذخا إليك يا محمّد »(1) .

وعن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « إنّ اللَّه خلقني وخلق عليّاً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم حين لا سماء مبنيّة ولا أرض مدحيّة ولا ظلمة ولا نور ولا شمس ولا قمر ولا نار » فقال العبّاس : فكيف كان بدء خلقكم يا رسول اللَّه ، فقال : « يا عمّ لمّا أراد اللَّه أن يخلقنا تكلّم بكلمة فخلق منها نوراً ثمّ تكلّم بكلمة أُخرى فخلق منها روحاً ، ثمّ خلط النور بالروح فخلقني وخلق عليّاً وفاطمة والحسن والحسين فكنّا نسبّحه حين لا تسبيح ونقدّسه حين لا تقديس ، فلمّا أراد اللَّه تعالى أن ينشى ء خلقه فتق نوري فخلق منه العرش ، فالعرش من نوري ، ونوري من نور اللَّه ، ونوري أفضل من العرش ، ثمّ فتق نور أخي عليّ ، فخلق منه الملائكة فالملائكة من نور عليّ ، ونور عليّ من نور اللَّه وعلي أفضل من الملائكة ، ثمّ فتق نور ابنتي فخلق منه السماوات والأرض فالسماوات والأرض من نور

ص: 50


1- الكافي : 1/441 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 54/195 ، ح 141 .

ابنتي فاطمة ونور ابنتي فاطمة من نور اللَّه ، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض ثمّ فتق نور ولدي الحسن وخلق منه الشمس والقمر فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن ، ونور الحسن من نور اللَّه والحسن أفضل من الشمس والقمر ، ثمّ فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنّة والحور العين ، فالجنّة والحور العين من نور ولدي الحسين ونور ولدي الحسين من نور اللَّه وولدي الحسين أفضل من نور الجنّة والحور العين »(1) .

وقال أبو الحسن البكري استاذ الشهيد الثاني رحمه الله في كتاب « الأنوار » : روى عن أميرالمؤمنين عليه السلام انه قال : « كان اللَّه ولا شي ء معه فأوّل ما خلق نور حبيبه محمّد صلى الله عليه وآله قبل خلق الماء والعرش والكرسي والسماوات والأرض واللوح والقلم والجنّة والنار والملائكة وآدم وحوّاء بأربعة وعشرين وأربعمائة ألف عام فلمّا خلق اللَّه تعالى نور نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله بقي ألف عام بين يدي اللَّه عزّوجلّ واقفاً يسبّحه ويحمده والحق تبارك وتعالى ينظر إليه ويقول : يا عبدي أنت المراد والمريد ، وأنت خيرتي من خلقي ، وعزّتي وجلالي لولاك ما خلقت الأفلاك من أحبّك أحببته ومن أبغضك أبغضته ، فتلألأ نوره وارتفع شعاعه ، فخلق اللَّه منه اثنى عشر حجاباً أوّلها حجاب القدرة ، ثمّ حجاب العظمة ، ثمّ حجاب العزّة ، ثمّ حجاب الهيبة ، ثمّ حجاب الجبروت ، ثمّ حجاب الرحمة ، ثمّ حجاب النبوّة ، ثمّ حجاب الكبرياء ، ثمّ حجاب المنزلة ، ثمّ حجاب الرفعة ، ثمّ حجاب السعادة ، ثمّ حجاب الشفاعة ، ثمّ انّ اللَّه تعالى أمر نور رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أن يدخل في حجاب القدرة ، فدخل وهو يقول : سبحان العليّ الأعلى وبقي على ذلك اثنى عشر ألف عام ، ثمّ

ص: 51


1- بحار الأنوار : 54/192 ، ح 139 .

أمره أن يدخل في حجاب العظمة ، فدخل وهو يقول : سبحان عالم السر وأخفى ، أحد عشر ألف عام ، ثمّ دخل في حجاب العزّة وهو يقول : سبحان الملك المنّان عشرة آلاف عام ، ثمّ دخل في حجاب الهيبة وهو يقول : سبحان من هو غني لا يفتقر تسعة آلاف عام ، ثمّ دخل في حجاب الجبروت وهو يقول : سبحان الكريم الأكرم ثمانية آلاف عام ، ثمّ دخل في حجاب الرحمة وهو يقول : سبحان ربّ العرش العظيم سبعة آلاف عام ، ثمّ دخل في حجاب النبوّة وهو يقول : سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون ، ستّة آلاف عام ، ثمّ دخل في حجاب الكبرياء وهو يقول : سبحان العظيم الأعظم خمسة آلاف عام ، ثمّ دخل في حجاب المنزلة وهو يقول : سبحان العليم الكريم ، أربعة آلاف عام ، ثمّ دخل في حجاب الرفعة وهو يقول : سبحان ذي الملك والملكوت ، ثلاثة آلاف عام ، ثمّ دخل في حجاب السعادة وهو يقول : سبحان من يزيل الأشياء ولا يزول ، ألفي عام ، ثمّ دخل في حجاب الشفاعة وهو يقول : سبحان اللَّه وبحمده سبحان اللَّه العظيم ، ألف عام » قال الامام علي بن أبي طالب عليه السلام : « ثمّ إنّ اللَّه تعالى خلق من نور محمّد صلّى اللَّه عليه وآله عشرين بحراً من نور ، في كلّ بحر علوم لا يعلمها إلّا اللَّه تعالى ، ثمّ قال لنور محمّد صلى الله عليه وآله : انزل في بحر العزّ فنزل ، ثمّ في بحر الصبر ، ثمّ في بحر الخشوع ، ثمّ في بحر التواضع ، ثمّ في بحر الرضا ، ثمّ في بحر الوفاء ، ثمّ في بحر الحلم ، ثمّ في بحر التقى ، ثمّ في بحر الخشية ، ثمّ في بحر الانابة ، ثمّ في بحر العمل ، ثمّ في بحر المزيد ، ثمّ في بحر الهدى ، ثمّ في بحر الصيانة ، ثمّ في بحر الحياء ، حتّى تقلّب في عشرين بحراً ، فلمّا خرج من آخر الأبحر قال اللَّه تعالى : يا حبيبي و يا سيّد رسلي ويا أوّل مخلوقي ويا آخر رسلي ، أنت الشفيع يوم المحشر فخرّ النور ساجداً ، ثمّ

ص: 52

قال(1) : فقطرت منه قطرات كان عددها مائة ألف وأربعة وعشرين ألف قطرة ، فخلق اللَّه تعالى من كلّ قطرة من نوره نبيّاً من الأنبياء ، فلمّا تكاملت الأنوار صارت تطوف حول نور محمّد صلى الله عليه وآله كما تطوف الحجّاج حول بيت اللَّه الحرام ، وهم يسبّحون اللَّه ويحمدونه ويقولون : سبحان من هو عالم لا يجهل سبحان من هو عليم(2) لا يعجل ، سبحان من هو غني لا يفتقر ، فناداهم اللَّه تعالى : تعرفون من أنا ؟ فسبق نور محمّد صلى الله عليه وآله قبل الأنوار ونادى : أنت اللَّه الذي لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك ، ربّ الأرباب ، وملك الملوك ، فاذا بالنداء من قبل الحق : أنت صفيّي ، وأنت حبيبي ، وأنت خير خلقي ، أمّتك خير أُمّة أخرجت للناس . ثمّ خلق من نور محمّد صلى الله عليه وآله جوهرة وقسّمها قسمين ، فنظر إلى القسم الأوّل بعين الهيبة فصار ماء عذباً ونظر إلى القسم الثاني بعين الشفقة فخلق منه العرش فاستوى على وجه الماء ، فخلق الكرسيّ من نور العرش ، وخلق من نور الكرسيّ اللوح ، وخلق من نور اللوح القلم ، وقال له : اكتب توحيدي ، فبقى القلم ألف عام سكران من كلام اللَّه تعالى ، فلمّا أفاق قال : اكتب ، قال : يا ربّ وما أكتب ؟ قال : اكتب : لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه ، فلمّا سمع القلم اسم محمّد صلى الله عليه وآله خرّ ساجداً وقال : سبحان الواحد القهار ، سبحان العظيم الأعظم ، ثمّ رفع رأسه من السجود وكتب : لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه ثمّ قال : يا ربّ ومن محمّد الذي قرنت اسمه باسمك ، وذكره بذكرك ؟ قال اللَّه تعالى له : يا قلم ، فلولاه ما خلقتك ، ولا خلقت خلقي إلّا لأجله ، فهو بشير ونذير وسراج منير ، وشفيع وحبيب ، فعند ذلك انشقّ القلم من حلاوة ذكر

ص: 53


1- في بعض النسخ : ثمّ قام .
2- في المخطوطة « حليم » وهو الأظهر .

محمّد صلى الله عليه وآله ، ثمّ قال القلم : السلام عليك يا رسول اللَّه ، فقال اللَّه تعالى : وعليك السلام منّي ورحمة اللَّه وبركاته ، فلأجل هذا صار السلام سنّة والردّ فريضة ، ثمّ قال اللَّه تعالى : اكتب قضائي وقدري وما أنا خالقه إلى يوم القيامة . ثمّ خلق اللَّه ملائكة يصلّون على محمّد وآل محمّد ، ويستغفرون لأمّته إلى يوم القيامة ، ثمّ خلق اللَّه تعالى من نور محمّد صلى الله عليه وآله الجنّة وزيّنها بأربعة أشياء : التعظيم والجلالة والسخاء والأمانة ، وجعلها لأوليائه وأهل طاعته ، ثمّ نظر إلى باقي الجوهرة بعين الهيبة فذابت ، فخلق من دخانها السماوات ، ومن زبدها الأرضين ، فلمّا خلق اللَّه تبارك وتعالى الأرض صارت تموج بأهلها كالسفينة فخلق اللَّه الجبال فأرساها بها ، ثمّ خلق اللَّه تعالى العرش من ضيائين : أحدهما الفضل والثاني العدل ، ثمّ أمر الضيائين فانتفسا بنفسين فخلق منهما أربعة أشياء : العقل والحلم والعلم والسخاء ، ثمّ خلق من العقل الخوف ، وخلق من العلم الرضا ، ومن الحلم المودّة ، ومن السخاء المحبّة ، ثمّ عجن هذه الأشياء في طينة محمّد صلى الله عليه وآله ، ثمّ خلق من بعدهم أرواح المؤمنين من امّة محمّد صلى الله عليه وآله ، ثمّ خلق الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار والضياء والظلام وسائر الملائكة من نور محمّد صلى الله عليه وآله ، فلمّا تكاملت الأنوار سكن نور محمّد صلى الله عليه وآله تحت العرش ثلاثة وسبعين ألف عام ، ثمّ انتقل نوره إلى الجنّة فبقى سبعين ألف عام ، ثمّ انتقل إلى سدرة المنتهى ، فبقى سبعين ألف عام ، ثمّ انتقل نوره إلى السماء السابعة ، ثمّ إلى السماء السادسة ، ثمّ إلى السماء الخامسة ، ثمّ إلى السماء الرابعة ، ثمّ إلى السماء الثالثة ، ثمّ إلى السماء الثانية ، ثمّ إلى السماء الدنيا ، فبقي نوره في السماء الدنيا إلى أن أراد [اللَّه] أن يخلق آدم عليه السلام » . ( الحديث )(1) .

ص: 54


1- بحار الأنوار : 54/198 - 202 ، ح 145 .

وجابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال : « يا جابر كان اللَّه ولا شي ء غيره [ و ]لا معلوم ولا مجهول ، فأوّل ما ابتدأ من خلق خلقه ان خلق محمّداً صلى الله عليه وآله وخلقنا أهل البيت معه من نور عظمته فأوقفنا أظلّة خضراء بين يديه حيث لا سماء ولا أرض ولا مكان ولا ليل ولا نهار ولا شمس ولا قمر ، يفصل نورنا من نور ربّنا كشعاع الشمس من الشمس نسبّح اللَّه ونقدّسه ونحمده ونعبده حقّ عبادته ثمّ بَدا للَّهِ ِ أَنْ يخلق المكان فخلقه وكتب على المكان لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ووصيه به أيّدته ونصرته ، ثمّ خلق اللَّه العرش ، فكتب على سرادقات العرش مثل ذلك ، ثمّ خلق اللَّه السماوات فكتب على أطرافها مثل ذلك ، ثمّ خلق الجنّة والنار فكتب عليهما مثل ذلك ، ثمّ خلق الملائكة فأسكنهم السماء ، ثمّ خلق الهواء فكتب عليه مثل ذلك ، ثمّ خلق الجنّ فأسكنهم الهواء ، ثمّ خلق الأرض فكتب على أطرافها مثل ذلك ، فبذلك يا جابر قامت السماوات بغير عمد ، وثبتت الأرض ، ثمّ خلق اللَّه آدم من أديم الأرض . . . إلى أن قال عليه السلام : فنحن أوّل خلق اللَّه وأوّل خلق عبد اللَّه وسبّحه ، ونحن سبب الخلق وسبب تسبيحهم وعبادتهم من الملائكة والآدميّين »(1) .

وعن جابر بن عبداللَّه قال : قلت لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أوّل شي ء خلق اللَّه تعالى ما هو ؟ فقال : « نور نبيّك يا جابر ، خلقه اللَّه ثمّ خلق منه كلّ خير » ( الخبر )(2) .

ص: 55


1- بحار الأنوار : 54/169 ، ح 112 .
2- بحار الأنوار : 15/24 ، ح 43 .

وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ فَرَفَعَهُ فِي هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ وَجَوٍّ مُنْفَهِقٍ فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ

اشارة

قال تعالى : « اللَّهُ الَّذي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ »(1) .

كيفيّة خلق الأرض

قال أميرالمؤمنين عليه السلام : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في قوله عزّوجلّ : « الَّذي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً »(2) « إنّ اللَّه عزّوجلّ لمّا خلق الماء فجعل عرشه عليه قبل أن يخلق السماوات والأرض وذلك قوله عزّوجلّ « وَهُوَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ في سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ »(3) يعني وكان عرشه على الماء قبل أن يخلق السماوات والأرض ، فأرسل اللَّه الرياح على الماء ، فتفجّر الماء من أمواجه ، فارتفع عنه الدخان وعلا فوق الزبد ، فخلق من دخانه السماوات السبع ، فخلق من زبده الأرضين السبع ، فبسط الأرض على الماء - إلى أن قال - فلمّا خلق اللَّه الأرض دحاها من تحت الكعبة ، ثم بسطها على الماء ، فأحاطت بكل شي ء، ففخرت الأرض وقالت أحطت بكل شي ء فمن يغلبني ؟ - إلى أن قال - فخلق اللَّه عزّوجلّ الجبال فأرساها ، وثقل الأرض بها ، ففخرت الجبال وقالت : من يغلبني ؟ فخلق اللَّه عزّوجلّ الحديد فقطعت به الجبال، ولم يكن عندها دفاع ولا امتناع ، ففخر الحديد وقال : غلبت الجبال التي غلبت الحوت فمن يغلبني ؟ فخلق اللَّه عزّوجلّ النار، فألانتِ الحديد وفرّقت أجزاءه ولم يكن عند الحديد دفاع ولا امتناع ، ففخرت النار وقالت غلبت الحديد الذي غلب الجبال، فمن يغلبني ؟ فخلق اللَّه عزّوجلّ الماء، فأطفأ النار، ولم يكن عندها دفاع ولا امتناع، ففخر الماء وقال : غلبت النار التي غلبت الحديد، فمن يغلبني ؟

ص: 56


1- سورة الطلاق : 12 .
2- سورة البقرة : 22 .
3- سورة هود : 7 .

فخلق اللَّه عزّوجلّ الريح فأيبست الماء، ففخرت الريح وقالت : غلبت الماء الذي غلب النار، فمن يغلبني ؟ فخلق اللَّه عزّوجلّ الإنسان فصرف الريح عن مجاريها بالبنيان ففخر الإنسان وقال : غلبت الريح التي غلبت الماء فمن يغلبني ؟ فخلق اللَّه عزّوجلّ ملك الموت فأمات الإنسان، ففخر ملك الموت وقال : غلبت الإنسان الذي غلب الريح فمن يغلبني ؟ فقال اللَّه عزّوجلّ : أنا القهار الغلّاب الوهّاب، أغلبك وأغلب كل شي ء، فذلك قوله تعالى : « إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ »(1) »(2) .

وعن محمّد بن مسلم قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : « كان كلّ شي ء ماء وكان عرشه على الماء فأمر اللَّه عزّ ذكره الماء فاضطرم(3) ناراً ثمّ أمر النار فخمدت فارتفع من خمودها دخان فخلق اللَّه السماوات من ذلك الدخان وخلق الأرض من الرماد ثمّ اختصم الماء والنار والريح ، فقال الماء : أنا جند اللَّه الأكبر ، وقالت الريح : أنا جند اللَّه الأكبر ، وقالت النار ، أنا جند اللَّه الأكبر ، فأوحى اللَّه عزّوجلّ إلى الريح : أنت جندي الأكبر »(4) فانّ المذكور في هذه الرواية خلقة الأرض من الرماد .

ص: 57


1- سورة هود : 123 .
2- بحار الأنوار : 54/87 ، ح 73 ؛ تفسير الامام العسكري عليه السلام : 144 .
3- اضطرمت النار وتضرمت : اشتعلت .
4- الكافي : 8/95 ، ح 6 ؛ بحار الأنور : 54/98 ، ح 82 .

قلت : يمكن الجمع بين هذه الرواية والرواية السابقة وأمثالها في كيفيّة الأرض بما قاله المجلسي : وهو أن يكون المراد بالأرض المخلوق من الرماد بقيّة الأرض التي حصلت بعد الدحو ويحتمل أيضاً أن يكون الزبد المذكور في الأخبار الأخر مادّة بعيدة للأرض بأن يكون الرماد تكون من الزبد ومن الرماد تكونت الأرض ، أو يكون الرماد أحد أجزاء الأرض مزج بالزبد فجمد الزبد بذلك المزج وتصلّب(1) .

خُلِقَت الأرض قبل السماء

عن ابن عبّاس : انّ اليهود أتت النبي صلى الله عليه وآله فسألته عن خلق السماوات والأرض فقال صلى الله عليه وآله : « خلق اللَّه الأرض يوم الأحد والاثنين ، وخلق الجبال وما فيهنّ من منافع يوم الثلاثاء ، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب ، فهذه أربعة ، فقال تعالى : « قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذي خَلَقَ الْأَرْضَ في يَوْمَيْنِ - إلى قوله : في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلينَ »(2) وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه ، فخلق في أوّل ساعة من هذه الثلاث الآجال حين يموت من مات ، وفي الثانية ألقى الآفة على كلّ شي ء ممّا ينتفع به ، وفي الثالثة خلق آدم . الحديث »(3) .

وأمّا المستفاد من قوله تعالى : « أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها * رَفَعَ سَمْكَها

ص: 58


1- بحار الأنوار : 54/98 ، ذيل ح 82 .
2- سورة فصّلت : 9 - 10 .
3- بحار الأنوار : 54/209 ، ح 172 .

فَسَوَّاها * وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها »(1) انّ دحو الأرض بعد خلق السماء لا ينافي تقدّم خلق أصلها على السماء .

قال الطبرسي : قال ابن عبّاس : انّ اللَّه تعالى دحى الأرض بعد السماء وإن كانت الأرض خلقت قبل السماء ، وكانت ربوة مجتمعة تحت الكعبة فبسطها(2) .

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « إنّ اللَّه عزّوجلّ خلق الجنّة قبل أن يخلق النار وخلق الطاعة قبل أن يخلق المعصية وخلق الرحمة قبل الغضب وخلق الخير قبل الشرّ وخلق الأرض قبل السماء وخلق الحيوة قبل الموت وخلق الشمس قبل القمر وخلق النور قبل الظلمة »(3) .

قال المجلسي رحمه الله بعد ذكر الحديث : لعلّ المراد بخلق الطاعة تقديرها بل الظاهر في الأكثر ذلك ، والخلق بمعنى التقدير شائع والمراد بخلق الشرّ خلق ما يترتّب عليه شرّ ظاهراً وإن كان خيره غالباً ووجوده صلاحاً(4) .

عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : خرج هشام بن عبد الملك حاجا ومعه الأبرش الكلبي ، فلقيا أبا عبداللَّه عليه السلام في المسجد الحرام ، فقال هشام للأبرش : تعرف هذا ؟ قال : لا، قال : هذا الذي تزعم الشيعة أنه نبيّ من كثرة علمه ! فقال الأبرش : لأسألنه عن مسألة(5) لا يجيبني فيها إلّا نبي أو وصيّ نبيّ فقال

ص: 59


1- سورة النازعات : 27 - 30 .
2- تفسير مجمع البيان : 10/261 ؛ ( ط - ناصر خسرو - طهران - 1372 ه . ش = ج 10 ص 659 .
3- الكافي : 8/145 ، ح 116 ؛ بحار الأنوار : 54/98 ، ح 83 .
4- بحار الأنوار : 54/99 ذيل ح 83 .
5- في المصدر : مسائل .

هشام [ للأبرش ] وددت أنك فعلت ذلك. فلقي الأبرش أبا عبداللَّه عليه السلام فقال : يا أبا عبداللَّه أخبرني عن قول اللَّه « أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما »(1) فما كان رتقهما وما كان(2) فتقهما ؟ فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : يا أبرش هو كما وصف نفسه « وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ » والماء على الهواء والهواء لا يحدّ ، ولم يكن يومئذٍ خلق غيرهما ، والماء يومئذ عذب فرات فلما أراد(3) أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربت الماء حتى صار موجا ، ثم أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ثم جعله جبلا من زبد ، ثم دحا الأرض من تحته ، فقال اللَّه تبارك وتعالى « إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً »(4) ثم مكث الرب تبارك وتعالى ما شاء فلما أراد أن يخلق السماء أمر الرياح فضربت البحور حتى أزبدتها ، فخرج من ذلك الموج والزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار فخلق منه السماء وجعل فيها البروج والنجوم ومنازل الشمس والقمر وأجراها في الفلك وكانت السماء خضراء على لون الماء العذب الأخضر(5) وكانت الأرض خضراء(6) على لون الماء وكانتا مرتوقتين ليس لها أبواب ولم يكن للأرض أبواب وهي النبت ولم تمطر(7) السماء عليها فتنبت ففتق السماء بالمطر وفتق الأرض بالنبات وذلك قوله « أَ وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا

ص: 60


1- سورة الأنبياء : 30 .
2- في المصدر : « بما كان » في الموضعين .
3- في المصدر : أراد اللَّه .
4- سورة آل عمران : 96 .
5- في المصدر : على لون الماء الأخضر .
6- في المصدر : غبراء على لون الماء العذب .
7- في المصدر : لم تقطر .

رَتْقاً فَفَتَقْناهُما »(1) فقال الأبرش : [واللَّه] ما حدثني بمثل هذا الحديث أحد قط ! أعد علي فأعاد عليه وكان الأبرش ملحدا فقال : [و] أنا أشهد أنك ابن نبي - ثلاث مرات -(2) .

إن قيل : إنّ كلامه عليه السلام : « ورمى بالزبد ركامه ، فسوى منه سبع سماوات ( آه )» دالّ على خلق السماء من الزبد ولكن آية السجدة : ( ثمّ استوى إلى السماء وهي دخان ) وما ورد في تفسير الامام عن أميرالمؤمنين عن النبي صلوات اللَّه عليهم في قوله : « الذي جعل لكم الأرض فراشاً إلى آخر ما مرّ سابقاً ، وفي ( الكافي ) عن محمّد بن مسلم الذي نقلناه سابقاً وفي سائر الروايات الواردة في باب الخلقة ظاهرة على أنّ السماء مخلوقة من الدخان .

قلنا : جمع الشارح البحراني بينهما بقوله : فنقول : وجه الجمع بين كلامه عليه السلام وبين لفظ القرآن الكريم ما ذكره الباقر عليه السلام وهو قوله : « فخرج من ذلك الموج والزبد دخان ساطع من وسطه من غير نار فخلق منه السماء ولا شك أن القرآن الكريم لا يريد بلفظ الدخان حقيقته لأن ذلك إنما يكون عن النار واتفق المفسرون على أن هذا الدخان لم يكن عن نار بل عن تنفس الماء وتبخيره بسبب تموجه ، فهو إذا استعارة للبخار الصاعد من الماء وإذا كان كذلك فنقول : إن كلامه عليه السلام مطابق للفظ القرآن الكريم وذلك أن الزبد بخار يتصاعد على وجه الماء عن حرارة حركته إلا أنه ما دامت الكثافة غالبة عليه وهو باق على وجه الماء لم ينفصل ، فإنه يخص باسم الزبد وما لطف وغلب عليه الأجزاء الهوائية فانفصل

ص: 61


1- سورة الأنبياء : 30 .
2- تفسير القمي : 2/69 ؛ بحار الأنوار : 54/72 ، ح 46 .

خص باسم البخار ، وإذا كان الزبد بخاراُ والبخار هو المراد بالدخان في القرآن الكريم كان مقصده ومقصد القرآن واحدا فكان البخار المنفصل هو الذي تكوّنت عنه السماوات الذي لمن ينفصل هو الذي تكوّنت عنه الأرض وهو الزبد .

وأما وجه المشابهة بين الدخان والبخار الذي صحت لأجله استعارة لفظه له فهو أمران : أحدهما حسي وهو الصورة المشاهدة من الدخان والبخار حتى لا يكاد يفرق بينهما في الحس البصري والثاني معنوي وهو كون البخار أجزاء مائية خالطت الهواء بسبب لطافتها عن حرارة الحركة كما أن الدخان كذلك ولكن عن حرارة النار ، فإن الدخان أيضا أجزاء مائية انفصلت عن جرم المحترق بسبب لطافتها عن حر النار فكان الاختلاف بينهما ليس إلا بالسبب فلذلك صح استعارة اسم أحدهما للآخر انتهى كلامه قدس سره(1) .

قال الشارح الخوئي قدس سره : أقول : هذا التوجيه وجيه جدّاً إلّا انّه ينافيه ما رواه الكليني في « روضة الكافي »(2) باسناده عن محمّد بن عطيّة قال : جاء رجل إلى أبي جعفر عليه السلام من أهل الشام من علمائهم فقال : يا أبا جعفر جئت أسألك عن مسألة قد أعيت عليّ أن أجد أحداً يفسّرها وقد سألت عنها ثلاثة أصناف من الناس فقال كلّ صنف منهم شيئاً غير الذي قال الصنف الآخر ، فقال له أبو جعفر عليه السلام : ما ذاك ؟ قال : فإنِّي أسألك عن أول ما خلق اللَّه من خلقه فإن بعض من سألته قال القدر ، وقال بعضهم القلم وقال بعضهم الروح ، فقال أبو جعفرٍ عليه السلام « ما قالوا شيئاً ، أخبرك أن اللَّه تبارك وتعالى كان ولا شي ء غيره ، وكان عزيزاً ولا أحد كان قبل عزّه وذلك

ص: 62


1- شرح ابن ميثم البحراني : 1/141 - 142 ؛ بحار الأنوار : 54/185 .
2- روضة الكافي : 8/94 - 95 ، ح 67 .

قوله « سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ »(1) وكان الخالق قبل المخلوق ولو كان أول ما خلق من خلقه الشي ء من الشي ء إذاً لم يكن له انقطاع أبداً ، ولم يزل اللَّه إذاً ومعه شي ءٌ ليس هو يتقدمه ولكنه كان إذ لا شي ء غيره وخلق الشي ء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء الذي خلق الأشياء منه فجعل نسب كلّ شي ءٍ إلى الماء ولم يجعل للماء نسباً يضاف إليه ، وخلق الريح من الماء ثم سلط الريح على الماء فشقّقت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء أن يثور ، فخلق من ذلك الزبد أرضاً بيضاء نقيّةً ليس فيها صدع ولا ثقب ولا صعود ولا هبوط ولا شجرة ثمّ طواها فوضعها فوق الماء ثمّ خلق اللَّه النار من الماء فشقّقت النار متن الماء حتّى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء اللَّه أن يثور فخلق من ذلك الدخان سماءً صافيةً نقيةً ليس فيها صدع ولا ثقب وذلك قوله « السَّماءُ بَناها * رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها * وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها »(2) قال عليه السلام : ولا شمسٌ ولا قمرٌ ولا نجومٌ ولا سحابٌ ثم طواها فوضعها فوق الأرض ثم نسب الخليقتين فرفع السماء قبل الأرض فذلك قوله عزّ ذكره : « وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها »(3) يقول بسطها ، فقال له الشامي : يا أبا جعفر قول اللَّه تعالى : « أَوَلَمْ يَرَ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما »(4) فقال له أبو جعفر عليه السلام : فلعلك تزعم أنهما كانتا رتقاً ملتزقتين ملتصقتين ففتقت إحداهما من الأخرى ، فقال : نعم ، فقال أبو جعفر عليه السلام : « استغفر ربّك فإن قول اللَّه جلّ وعزّ « كانتا رتقاً » يقول : كانت

ص: 63


1- سورة الصافات : 180 .
2- سورة النازعات : 27 - 29 .
3- سورة النازعات : 30 .
4- سورة الأنبياء : 30 .

السماء رتقا لا تنزل المطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت الحب فلمّا خلق اللَّه تبارك وتعالى الخلق وبث فيها من كلّ دابة فتق السماء بالمطر والأرض بنبات الحبّ . فقال الشامي : أشهد أنك من ولد الأنبياء وأن علمك علمهم »(1) .

أقول : ولتوجيه الجمع بين كلامه عليه السلام الدال على خلق السماء من الزبد وبين الآية والأخبار الآخر ذكرت وجوه فلتطالب .

الأرضون السبع

قوله عليه السلام : « فسوى منه سبع سماوات » دال على كون السماوات سبعاً وهو ممّا لا ريب فيه ولا خلاف وتطابقه الآيات الشريفة : « فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ »(2) و « فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ »(3) و « وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً »(4) وإنّما الخلاف في الأرض وأنكر بعض من لا يعبأ به كونها سبعاً وظاهر آية الشريفة : « اللَّهُ الَّذي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ »(5) دال على خلافه .

قال الطبرسي رحمه الله في تفسير الآية : أي : خلق من الأرض مثلهنّ في العدد لا في الكيفيّة لأن كيفيّة السماء مخالفة لكيفيّة الأرض وليس في القرآن آية تدلّ على انّ الأرضين سبع مثل السماوات إلّا هذه الآية ولا خلاف في السماوات انّها سماء فوق سماء ، وأمّا الأرضون فقال قوم انها سبع أرضين طباقاً بعضها فوق بعض

ص: 64


1- الكافي : 8/94 - 95 ، ح 67 ؛ بحار الأنوار : 54/96 - 97 ، ح 81 .
2- سورة البقرة : 29 .
3- سورة فصّلت : 12 .
4- سورة النبأ : 12 .
5- سورة الطلاق : 12 .

كالسماوات ، لأنّها لو كانت مصمتة لكانت أرضاً واحدة وفي كلّ أرض خلق خلقهم اللَّه تعالى كما شاء(1) .

غلظ كلّ سماء

عن أبي ذرّ رحمه الله قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : ما بين الأرض والسماء مسيرة خمسمائة عام وغلظ كلّ سماء مسيرة خمسمائة عام وما بين السماء إلى التي تليها مسيرة خمسمائة عام كذلك إلى السماء السابعة والأرضون مثل ذلك ( الخبر )(2) .

عن ابن مسعود قال : ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام وما بين كلّ سمائين خمسمائة عام وغلظ كلّ سماء وأرض مسيرة خمسمائة عام ( آه )(3) .

عن ابن عبّاس قال : غلظ كلّ أرض خمسمائة عام وبين كلّ أرض إلى أرض خمسمائة عام ، ومن السماء إلى السماء خمسمائة عام ، وغلظ كلّ سماء خمسمائة عام(4) .

جَعَلَ سُفْلاهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً

في خبر الشامي عن أميرالمؤمنين عليه السلام : وسأله عن سماء الدنيا ممّا هي ؟

قال عليه السلام : « من موج مكفوف »(5) .

ص: 65


1- مجمع البيان ( ط - طهران ناصر خسرو - 1372 ه . ش ) : 10/466 ؛ بحار الأنوار : 57/74 .
2- بحار الأنوار : 55/102 - 103 ، ح 26 .
3- بحار الأنوار 55/98 ؛ ح 20 .
4- بحار الأنوار : 55/106 ، ح 50 .
5- علل الشرايع : 2/593 ، ح 44 ؛ بحار الأنوار : 10/76 ، ح 1 .

وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً

قال تعالى : « وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً »(1) .

وَسَمْكاً مَرْفُوعاً بِغَيْرِ عَمَدٍ يَدْعَمُهَا

قال تعالى : « اللَّهُ الَّذي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها »(2) .

عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : قلت . . . واللَّه يقول : « رَفَعَ السماوات بِغَيْرٍ عَمَدٍ تَرَوْنَها » فقال عليه السلام : « سبحان اللَّه أليس اللَّه يقول بغير عمد ترونها ؟ » فقلت : بلى ، فقال عليه السلام : « فثمّ عمد ولكن لا ترونها »(3) .

ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ

قال تعالى : « إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزينَةٍ الْكَواكِبِ »(4) .

وقال تعالى : « وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابيحَ »(5) .

وَضِيَاءِ الثَّوَاقِبِ

اشارة

عن الصادق عليه السلام انّه قال لرجل من أهل اليمن : ما زحل عندكم في النجوم ؟ فقال اليماني : نجم نجس ، فقال له أبو عبداللَّه عليه السلام : « مَه لا تقولنّ هذا فانه نجم

ص: 66


1- سورة الأنبياء : 32 .
2- سورة الرعد : 2 .
3- تفسير القمي : 2/328 ؛ بحار الأنوار : 57/79 ، ح 4 .
4- سورة الصافات : 6 .
5- سورة الملك : 5 .

أميرالمؤمنين عليه السلام وهو نجم الأوصياء عليهم السلام وهو النجم الثاقب الذي قال اللَّه عزّوجلّ في كتابه » ، فقال له اليماني : فما يعني بالثاقب ؟ قال : « ان مطلعه في السماء السابعة وانه ثقب بضوئه حتّى أضاء في السماء الدنيا فمن ثمّ سمّاه اللَّه عزّوجلّ النجم الثاقب »(1) .

بعض ما يتعلّق بالنيّرين أعني الشمس والقمر

قال عليه السلام : « فأجرى فيها سراجاً مستطيراً ، وقمراً منيراً » .

سبب السواد في القمر

في خبر يزيد بن سلام انه سأل النبي صلى الله عليه وآله ما بال الشمس والقمر لا يستويان في الضوء والنور ؟ قال : « لما خلقهما اللَّه عزّوجلّ أطاعا ولم يعصيا شيئا فأمر اللَّه تعالى جبرئيل عليه السلام أن يمحو ضوء القمر فمحاه فأثر المحو في القمر خطوطاً سوداء ولو أن القمر ترك على حاله بمنزلة الشمس ولم يمح ، لما عرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ، ولا علم الصائم كم يصوم ، ولا عرف الناس عدد السنين وذلك قول اللَّه عزّوجلّ « وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ »(2) ، قال : صدقت يا محمد ، فأخبرني لم سمي الليل ليلا قال : لأنه يلايل الرجال من النساء جعله اللَّه عزّوجلّ ألفة ولباساً وذلك قول اللَّه تعالى : « وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ

ص: 67


1- خصال : 2/489 ، باب الاثنى عشر ، ح 67 ؛ بحار الأنوار : 55/270 ، ح 56 .
2- سورة الاسراء : 12 .

مَعاشاً » ، قال : صدقت يا محمد ( الخبر )(1) .

ومن كتاب ابن جمهور باسناده انّ أميرالمؤمنين عليه السلام لمّا صعد المنبر وقال : سلوني قبل أن تفقدوني ، قال : فقام إليه رجل فسأله عن السواد الذي في القمر ، فقال أعمى سأل عن عمياء أما سمعت أن اللَّه عزّوجلّ يقول : « فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً » فالمحو السواد الذي تراه في القمر إن اللَّه تعالى خلق من نور عرشه شمسين وأمر تعالى جبرائيل فأمر جناحه بالذي سبق من علمه جلّت عظمته لما أراد أن يكون من اختلاف الليل والنهار ، والشمس والقمر وعدد الساعات والأيام والشهور والسنين والدهور والارتحال والنزول والإقبال والإدبار والحج والعمرة ومحل الدين وأجر الأجير وعدة أيام الحمل والمطلقة والمتوفى عنها زوجها وما أشبه ذلك(2) .

قال المجلسي رحمه الله بعد نقل الحديث : بيان « الذي » أي على الذي سبق في علم اللَّه أن يكون قمراً ، والظاهر انّه كان هكذا على أحدهما للذي سبق(3) .

وعن أبي بصير عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى : « فَمَحَونا آيَةَ الليلِ » قال : « هو السواد الذي في جوف القمر »(4) .

فظهر سبب السواد في القمر من فعل جبرئيل وأمر اللَّه سبحانه وتعالى وما ورد عن أبي عبداللَّه عليه السلام : « لمّا خلق اللَّه القمر كتب عليه لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ، وهو السواد الذي ترونه في القمر »(5) لا ينافي الأخبار

ص: 68


1- علل الشرايع : 2 ، باب 222 ، 470 ، ح 33 ؛ بحار الأنوار : 55/158 ، ح 8 .
2- فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم : 97 ؛ بحار الأنوار : 55/163 ، ح 21 .
3- بحار الأنوار : 55/163 ، ذ ح 21 .
4- تفسير العيّاشي : 2/283 ، ح 28 ؛ بحار الأنوار : 55/161 ، ح 17 .
5- الاحتجاج : 1/158 ؛ بحار الأنوار : 55/156 ، ح 6 .

السالفة لجواز أن تكون هذه الكتابة الواقعة في هذا الحديث سبب المحو الواقع في الأحاديث السابقة وتمام هذا الحديث ما رواه الطبرسي عن القاسم بن معاوية قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم انّه لما اسري برسول اللَّه صلى الله عليه وآله رأى على العرش لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه أبوبكر الصديق ، فقال : سبحان اللَّه ، غيّروا كلّ شي ء حتّى هذا ؟ قلت : نعم ، قال : انّ اللَّه عزّوجلّ لمّا خلق العرش كتب على قوائمه لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ولمّا خلق اللَّه عزّوجلّ الماء كتب في مجراه لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ، ولمّا خلق اللَّه عزّوجل الكرسي كتب على قوائمه لا إله إلّا اللَّه محمّد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ولمّا خلق اللَّه عزّوجلّ اللوح كتب فيه لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ، ولما خلق اللَّه إسرافيل كتب على جبهته لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ولما خلق اللَّه جبرئيل كتب على جناحيه لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ، ولما خلق اللَّه عزّوجلّ السماوات كتب في أكنافها لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ، ولما خلق اللَّه عزّوجلّ الأرضين كتب في أطباقها لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ، ولما خلق اللَّه عزّوجلّ الجبال كتب في رؤوسها لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ، ولما خلق اللَّه عزّوجلّ الشمس كتب عليها لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ولما خلق اللَّه عزّوجلّ القمر كتب عليه لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه علي أميرالمؤمنين ، وهو السواد الذي ترونه في القمر فإذا قال أحدكم لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه فليقل علي أميرالمؤمنين ولي اللَّه(1) .

ص: 69


1- الاحتجاج : 1/158 ؛ بحار الأنوار : 27/1 ، ح 1 .

سبب اختلاف الشمس والقمر في الحرارة

عن محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : جعلت فداك لأيّ شي ء صارت الشمس أشدّ حرارة من القمر ؟ فقال : انّ اللَّه خلق الشمس من نور النار وصفو الماء طبقا من هذا وطبقا من هذا حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباسا من نار فمن ثمّ صارت الشمس أشدّ حرارة القمر . قلت : جعلت فداك والقمر ، قال : إن اللَّه تعالى ذكرُهُ خلق القمر من ضوء النار وصفو الماء طبقاً من هذا وطبقاً من هذا حتى إذا كانت سبعة أطباق ألبسها لباسا من ماء فمن ثَمّ صار القمر أبرد من الشمس(1) .

قال المجلسي قدس سره بعد رواية الحديث : توضيح قوله عليه السلام : حتى إذا كانت سبعة أطباق ، يحتمل أن يكون المعنى أن الطبقة السابعة فيها من نار ، فيكون حرارتها لجهتين ، لكون طبقات النار أكثر بواحدة ، وكون الطبقة العليا من النار ، ويحتمل أن يكون لباس النار طبقة ثامنة ، فتكون الحرارة للجهة الثانية فقط ، وكذا في القمر يحتمل الوجهين ، ثم إنّه يحتمل أن يكون خلقهما من النار والماء الحقيقيين مِنْ صفوهما وألطفهما ، وأن يكون المراد جوهرين لطيفين مشابهين لهما في الكيفية ، ولم يثبت امتناع كون العنصريات في الفلكيات ببرهان وقد دل الشرع على وقوعه في مواضع شتى(2) .

ص: 70


1- الكافي : 8/241 ، ح 332 ؛ بحار الأنوار : 55/155 ، ح 5 .
2- بحار الأنوار : 55/156 ، ذيل ح 5 .

حركة الشمس والقمر

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لجبرئيل : هل زالت الشمس ؟ قال : لا ، نعم ، قال صلى الله عليه وآله : كيف

ص: 71

قلت : لا ، نعم . فقال : من حين قلت لا ، إلى أن قلت نعم ، سارت الشمس مسيرة خمسمائة عام(1) .

وعن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «انّ موسى سأل ربّه أن يعلمه زوال الشمس فوكّل اللَّه بها ملكاً فقال : يا موسى قد زالت الشمس ، فقال موسى : متى ؟ فقال : حين أخبرتك وقد سارت خمسمائة عام واللَّه هو الولي»(2).

وعن أصبغ بن نباتة قال : قال أميرالمؤمنين عليه السلام : «انّ للشمس ثلاثمائة وستين برجاً كلّ برج منها مثل جزيرة من جزائر العرب فتنزل كلّ يوم على برج منها فاذا غابت انتهت إلى حد بطنان العرش فلم تزل ساجدة إلى الغد ثمّ تردّ إلى موضع مطلعها ومعها ملكان يهتفان معها وإن وجهها لأهل السماء وقفاها لأهل الأرض ولو كان وجهها لأهْلِ الأرض لاحترقت الأرضُ ومن عليها من شدّة حرّها ومعنى سجودها ما قال سبحانه وتعالى : « أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثيرٌ مِنَ النَّاسِ »»(3) .(4)

قال المجلسي قدس سره بعد ذكر الحديث : توضيح : « ثلاثمائة وستين برجاً » لعلّ المراد بالبرج الدرجات التي تنتقل إليها بحركاتها الخاصّة ، أو المدارات التي تنتقل إلى واحد منها كلّ يوم ، فيكون هذا العدد مبنيّاً على ما هو الشائع بين الناس من تقدير السنة به وإن لم يكن مطابقاً لشي ء من حركتي الشمس والقمر . « مثل جزيرة

ص: 72


1- كشف الخفاء : 2/98 ، ش 1880 ؛ مجمع البحرين : 5/11 .
2- قصص الأنبياء للراوندي : 161 ، ح 180 ؛ بحار الأنوار : 55/161 ، ح 16 .
3- سورة الحجّ : 18 .
4- الكافي : 8/157 ، ح 148 ؛ بحار الأنوار : 55/141 - 142 ، ح 1 .

من جزائر العرب » أي نسبتها إلى الفلك نسبة جزيرة من الجزائر إلى الأرض ، أو الغرض التشبيه في أصل العظمة لا خصوص المقدار ، والمقصود بيان سرعة حركتها وإن كانت بطيئة بالنسبة إلى الحركة اليوميّة .

قال الفيروزآبادي : جزيرة العرب ما أحاط به بحر الهند وبحر الشام ثمّ دجلة والفرات ، أو ما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولاً ومن جدّة إلى (1) ريف العراق عرضاً . « فاذا غابت » أي بالحركة اليوميّة « إلى حد بطنان العرش » أي وسطه ، ولعل المراد وصولها إلى دائرة نصف النهار من تحت الأرض فإنها بحذاء أوساط العرش بالنسبة إلى أكثر المعمورة ، إذ ورد في الأخبار أن العرش محاذ للكعبة « فلم تزل ساجدة » أي مطيعة خاضعة منقادة جارية بأمره تعالى « حتى ترد إلى مطلعها » والمراد بمطلعها ما قدّر أن تطلع منه في هذا اليوم ، أو ما طلعت فيه في السنة السابقة في مثله . وقوله « و معنى سجودها » يحتمل أن تكون من تتمة الخبر لبيان أنه ليس المراد بالسجود ما هو المصطلح ، ولعل الأظهر أنه من كلام الكليني أو غيره من الرواة . انتهى(2) .

وقال الصادق عليه السلام للمفضّل : « فَكِّرِ الآْنَ فِي تَنَقُّلِ الشَّمْسِ فِي الْبُرُوجِ الإثْنَيْ عَشَرَ لإِقَامَةِ دَوْرِ السَّنَةِ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّدْبِيرِ - إلى أن قال : - انْظُرْ إِلَى شُرُوقِهَا عَلَى الْعَالَمِ كَيْفَ دُبِّرَ أَنْ يَكُونَ ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَبْزُغُ فِي مَوْضِعٍ مِنَ السَّمَاءِ فَتَقِفُ لا تَعْدُوهُ لَمَا وَصَلَ شُعَاعُهَا وَمَنْفَعَتُهَا إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْجِهَاتِ لأَنَّ الْجِبَالَ وَالْجُدْرَانَ كَانَتْ تَحْجُبُهَا عَنْهَا فَجُعِلَتْ تَطْلُعُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَتَشْرُقُ عَلَى مَا قَابَلَهَا مِنْ

ص: 73


1- في المصدر « أطراف ريف العراف » والريف ، أرض فيها زرع وخصب .
2- بحار الأنوار : 55/142 - 143 ، ذيل ح 1 .

وَجْهِ الْمَغْرِبِ ، ثُمَّ لا تَزَالُ تَدُورُ وَتَمْشِي جِهَةً بَعْدَ جِهَةٍ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَتَشْرُقَ عَلَى مَا اسْتَتَرَ عَنْهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَلا يَبْقَى مَوْضِعٌ مِنَ الْمَوَاضِعِ إِلّا أَخَذَ بِقِسْطِهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ مِنْهَا وَالْإِرْبِ الَّتِي قُدِّرَتْ لَه »(1) .

وَقَمَراً مُنِيراً

اشارة

عن زين العابدين عليه السلام في الخطاب إلى الهلال اذا نظر إليه : «أيها الخلق المطيع ، الدائب السريع ، المتردد في منازل التقدير ، المتصرف في فلك التدبير ، آمنت بمن نوّر بك الظلم ، وأوضح بك البهم ، وجعلك آية من آيات ملكه ، وعلامة من علامات سلطانه ، وامتهنك بالزيادة والنقصان ، والطلوع والأفول ، والإنارة والكسوف ، في كل ذلك أنت له مطيع ، وإلى إرادته سريع ، سبحانه ما أعجب ما دبر في أمرك ، وألطف ما صنع في شأنك ، جعلك مفتاح شهر حادث لأمر حادث »...الخ(2) .

وقال الصادق عليه السلام - بعد ذكر مقدار من حكمه تعالى في الشمس والقمر والنجوم - : « مع ما في ترددها في كبد السماء مقبلة ومدبرة ومشرقة ومغربة من العبر ، فإنها تسير أسرع السير وأحثه ، أرأيت لو كانت الشمس والقمر والنجوم بالقرب منا حتى يتبيّن لنا سرعة سيرها بكنه ما هي عليه ألم تكن تستخطف الأبصار بوهجها وشعاعها ، كالذي يحدث أحيانا من البروق إذا توالت واضطرمت في الجو ، وكذلك أيضا لو أن أناسا كانوا في قبة مكللة بمصابيح تدور حولهم دورانا حثيثا

ص: 74


1- بحار الأنوار : 55/176 ، ح 35 .
2- الصحيفة السجاديّة : 182 ، دعاء 43 ؛ بحار الأنوار : 55/178 ، ح 36 .

لحارت أبصارهم حتى يخروا لوجوههم ، فانظر كيف قدّر أن يكون مسيرها في البعد البعيد لكيلا تضر في الأبصار ، وتنكأ فيها وبأسرع السرعة لكيلا تتخلف عن مقدار الحاجة في مسيرها »(1) .

فتق ما بين السماوات العلى

قال تعالى : « أَ وَلَمْ يَرَ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما »(2) .

فَمَلَأَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلائِكَتِهِ

قال أبو عبداللَّه عليه السلام : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « ما من شي ء خلقه اللَّه أكثر من الملائكة وانّه ليهبط في كلّ يوم وفي كلّ ليلة سبعون ألف ملك ، فيأتون البيت الحرام فيطوفون به ، ثمّ يأتون رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثمّ يأتون أميرالمؤمنين عليه السلام فيسلّمون عليه ، ثمّ يأتون الحسين فيقيمون عنده ، فاذا كان عند السحر وضع لهم معراج إلى السماء ، ثمّ لا يعودون أبداً »(3) .

عن أبي ذرّ رضي اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « اني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون اطت السماء وحق لها أن تئط ، ما فيها موضع أربع أصابع إلّا وملك واضع جبهته للَّه ساجداً »(4) .

ص: 75


1- بحار الأنوار : 55/100 ، ح 23 .
2- سورة الرعد : 15 .
3- تفسير القمي : 2/206 ؛ بحار الأنوار : 56/175 ، ح 4.
4- بحار الأنوار : 56/199 ، ح 69 .

عن داود الرقّي قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « ما خلق اللَّه خلقاً أكثر من الملائكة... »(1) .

وعن حمّاد ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام انه سئل : هل الملائكة أكثر أم بنو آدم ؟ فقال : « والذي نفسي بيده لملائكة اللَّه في السماوات أكثر من عدد التراب في الأرض وما في السماء موضع قدم إلّا وفيها ملك يسبّحه ويقدّسه ، ولا في الأرض شجر ولا مدر إلّا وفيها ملك موكّل بها »(2) .

فَمِنْهُمْ سُجُودٌ لا يَرْكَعُونَ

عن ابن جبير انّ عمر سأل النبي صلى الله عليه وآله عن صلاة الملائكة فلم يردّ عليه شيئاً ، فأتاه جبرئيل ، فقال : انّ أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون : سبحان ذي الملك والملكوت وأهل السماء الثانية ركوع إلى يوم القيامة يقولون : سبحان ذي العزّة والجبروت ، وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة يقولون : سبحان الحيّ الذي لا يموت(3) .

وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وآله : « انّ للَّه ملائكة في السماء السابعة سجوداً منذ خلقهم إلى يوم القيامة ترعد فرائصهم من مخافة اللَّه لا تقطر من دموعهم قطرة إلّا صار ملكاً فاذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم وقالوا ما عبدناك حقّ عبادتك »(4) .

ص: 76


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال - ثواب زيارة قبر الحسين عليه السلام : 96 ، ح 46 ؛ بحار الأنوار : 97/117 ، ح 8 .
2- تفسير القمّي : 2/255 ؛ بحار الأنوار : 56/176 ، ح 7 .
3- بحار الأنوار : 56/198 ، ح 66 .
4- مجمع البيان : 6/562 ( ط - طهران ناصر خسرو - 1382 ه . ش ) ؛ بحار الأنوار : 67/338 .

وَصَافُّونَ لا يَتَزَايَلُونَ

قال تعالى : « وَالصَّافَّاتِ صَفًّا »(1) وقال تعالى : « وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ »(2) .

وَمُسَبِّحُونَ لا يَسْأَمُونَ

قال تعالى : « يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ »(3) .

لا يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ

لمحمّد بن علي بن ابراهيم : سئل أبو عبداللَّه عليه السلام عن الملائكة يأكلون ويشربون وينكحون ؟ فقال : «لا ، انّهم يعيشون بنسيم العرش» ، فقيل له : ما العلّة في نومهم ؟ فقال : «فرقاً بينهم وبين اللَّه عزّوجلّ ، لأنّ الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو اللَّه»(4) .

أقول : مقتضى الجمع بين الروايات انه لا يأتيهم نوم العيون الموجب للغفلة .

عن داود بن فرقد العطّار قال : قال لي بعض أصحابنا : أخبرني عن الملائكة أينامون ؟ قلت : لا أدري . فقال : يقول اللَّه عزّوجلّ : « يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ »(5) ، ثمّ قال : ألا أطرفك عن أبي عبداللَّه عليه السلام فيه بشي ء ؟ [ قال : ] فقلت : بلى ، فقال : سئل عن ذلك فقال : ما من حيّ إلّا وهو ينام ما خلا اللَّه وحده عزّوجلّ ، والملائكة ينامون ، فقلت : يقول اللَّه عزّوجلّ : « يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ

ص: 77


1- سورة الصافّات : 1 .
2- سورة الصافّات : 165 .
3- سورة فصّلت : 38 .
4- بحار الأنوار : 56/193 ، ح 54 .
5- سورة الأنبياء : 20 .

لا يَفْتُرُونَ »(1) فقال : أنفاسهم تسبيح(2) .

أقول : ان احتسبت الأنفاس تسبيحاً فذلك في البشر أيضاً ممكن وليس بين الملائكة والبشر فرق ولكن اللَّه في مقام بيان اظهار عظمته بخلقه من لا يفتر عبادته فرقاً بينه وبين البشر ، فالتعليل عليل .

وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ

قال تعالى : « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمينُ * عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرينَ »(3) .

الامام زين العابدين عليه السلام : « وجبريل الامين على وحيك ، المطاع في أهل سماواتك ، المكين لديك ، المقرّب عندك »(4) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : قال جبرئيل في ليلة المعراج: انّ بين اللَّه وبين خلقه سبعون [تسعين] ألف حجاب وأقرب الخلق إلى اللَّه أنا وإسرافيل »(5) .

وفي الحديث انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال لجبرئيل : ما أحسن ما أثنى عليك ربّك « ذي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكينٍ * مُطاعٍ ثَمَّ أَمينٍ »(6) فما كانت قوّتك ؟ وما كانت أمانتك ؟ فقال : امّا قوّتي ، فانّي بعثت إلى مدائن لوط وهي أربع مدائن ، في

ص: 78


1- سورة الأنبياء : 20 .
2- كمال الدين وتمام النعمة : 2/666 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 56/185 ، ح 28 .
3- سورة الشعراء : 193 - 194 .
4- الصحيفة السجاديّة الكاملة : 3 ، ش 4 .
5- تفسير القمّي : 2/10 ؛ بحار الأنوار : 55/43 ، ح 3 .
6- سورة التكوير : 20 - 21 .

كلّ مدينة أربعمأة ألف مقاتل سوى الذراري فحملتهم من الأرض حتّى سمع أهل السموات أصوات الدجاج ونباح الكلاب ، ثمّ هويت بهنّ فقلبتهن وأما امانتي فاني لم أؤمر بشي ء فعدوته إلى غيره(1) .

وعن ابن عبّاس قال عبداللَّه بن سلام للنبيّ صلى الله عليه وآله فيما سأله : من أخبرك ؟ قال النبي صلى الله عليه وآله : جبرئيل ، قال : عمّن ؟ [ قال ] قال : عن ميكائيل قال : عمّن [ قال ]قال : عن إسرافيل ، قال : عمّن ؟ [ قال ] قال : عن اللوح المحفوظ ، قال : عمّن ؟ قال : عن القلم ، قال : عمّن ؟ قال : قال : عن ربّ العالمين ، قال : صدقت يا محمّد(2) .

وعن علي بن بلال ، عن علي بن موسى الرضا ، عن موسى بن جعفر ، عن جعفر بن محمّد ، عن محمّد بن علي ، عن عليّ بن الحسين ، عن الحسين بن علي ، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله ، عن جبرئيل ، عن ميكائيل ، عن اسرافيل ، عن اللوح ، عن القلم ، قال : يقول اللَّه تبارك وتعالى : « ولاية عليّ بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن ناري »(3) .

وانّ جبرئيل قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله في وصف اسرافيل : انّ هذا حاجب الربّ ، وأقرب خلق اللَّه منه ، واللوح بين عينيه من ياقوتة حمراء ، فاذا تكلّم الرب تبارك وتعالى بالوحي ضرب اللوح جبينه فنظر فيه ، ثمّ يلقيه إلينا فنسعى به في السماوات والأرض(4) .

ص: 79


1- مجمع البيان : 10/677 ( ط - طهران ناصر خسرو - 1372 ه . ش ) تفسير نور الثقلين : 5/518 ، ح 25 ؛ بحار الأنوار : 56/248 .
2- الاختصاص : 45 ؛ بحار الأنوار : 56/253 ، ح 16 .
3- أمالي الصدوق : 235 ، المجلس 41 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار : 39/246 ، ح 1 « وفيه : أمن من عذابي » .
4- تفسير القمّي : 2/28 ؛ بحار الأنوار : 56/251 ، ح 8 .

روى انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال لجبرئيل : « من أين تأخذ الوحي ؟ » فقال : آخذه من إسرافيل ، فقال : « ومن أين يأخذه اسرافيل ؟ » قال : يأخذه من ملك فوقه من الروحانيّين ، قال : « فمن أين يأخذه ذلك الملك ؟ » قال : يقذف في قلبه قذفاً(1) .

وَأَلْسِنَةٌ إِلَى رُسُلِهِ

قال تعالى : « جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً »(2) .

وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَأَمْرِهِ

اشارة

في كلامه عليه السلام احتمالان : أمّا الاحتمال الأوّل :

ففي : « فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً »(3) روى في « مجمع البيان » عن عبدالرحمان بن سابط انّ المراد بالمدبّرات جبرئيل وميكائيل وملك الموت وإسرافيل عليهم السلام ، يدبّرون أُمور الدنيا ، فأمّا جبرئيل فموكّل بالرياح والجنود ، وامّا ميكائيل فموكّل بالقطر والنبات ، وأمّا ملك الموت فموكّل بقبض الأنفس ، وأمّا اسرافيل فهو ينزل بالأمر عليهم(4) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام : سئل عن قول اللَّه : « يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ »(5) قال عليه السلام : « إنّ ذلك الكتاب كتاب يمحو اللَّه فيه ما يشاء ويثبت ، فمن

ص: 80


1- التوحيد للصدوق : 264 ؛ بحار الأنوار : 18/257 ، ح 8 .
2- سورة الفاطر : 3 .
3- سورة النازعات : 5 .
4- تفسير مجمع البيان : 10/652 ( ط - طهران ناصر خسرو ) ؛ بحار الأنوار : 56/170 .
5- سورة الرعد : 39 .

ذلك الذي يردّ الدعاء القضاء ، وذلك الدعاء مكتوب عليه الذي يردّ به القضاء حتّى اذا صار إلى أُمّ الكتاب لم يغن الدعاء فيه شيئاً »(1) .

وروى زرارة ، عن حمران ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « هما أمران : موقوف ومحتوم ، فما كان من محتوم امضاه ، وما كان من موقوف فله فيه المشيئة يقضي فيه ما يشاء »(2) .

وأمّا الاحتمال الثاني :

فعن الصادق عليه السلام : « إذا كان ليلة القدر نزلت الملائكة والروح والكتبة إلى سماء الدنيا فكتبوا ما يكون من قضاء اللَّه تعالى تلك السنة فاذا أراد اللَّه أن يقدم شيئاً أو يؤخّره أو ينقص شيئاً أمر الملك أن يمحو ما يشاء ثمّ أثبت الذي أراد »(3) .

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « قال اللَّه عزّوجلّ في ليلة القدر - فيها يفرق كلّ أمر حكيم - يقول ينزل فيها كلّ أمر حكيم ، والمحكم ليس بشيئين إنّما هو شي ء واحد فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم اللَّه عزّوجلّ ، ومن حكم بأمر فيه اختلاف فرأى انه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت انه لينزل في ليلة القدر إلى وليّ الأمر تفسير الأُمور سنةً سنةً يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا ، وفي أمر الناس بكذا وكذا ، وانّه ليحدث لوليّ الأمر سوى ذلك كلّ يوم علم اللَّه عزّوجلّ الخاص والمكنون العجيب المخزون - مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر ثمّ قرأ « وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ

ص: 81


1- تفسير العيّاشي : 2/220 ، ح 74 ؛ بحار الأنوار : 4/121 ، ح 65 .
2- تفسير مجمع البيان : 6/458 ( ط - طهران ناصر خسرو ) .
3- التفسير الصافي : 3/74 ؛ بحار الأنوار : 94/12 ؛ ح 18 .

كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ »(1) »(2) .

وعن حمران ، عن أبي جعفر عليه السلام انه قال : « يقدر في ليلة القدر كلّ شي ء يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل من خير أو شرّ أو طاعة أو معصية أو مولود أو أجل أو رزقٍ ، فما قدر في تلك الليلة وقضى فهو من المحتوم وللَّه فيه المشيّة »(3) .

انّ المختلفين بعض الملائكة

قال أبو جعفر عليه السلام - في حديث طويل - : « إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة إلى وليّ الأمر ( اه ) »(4) .

انّ جبرئيل من المختلفين وهو غير الروح

روى عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « الروح هو أعظم من جبرئيل ، انّ جبرئيل من الملائكة وانّ الروح هو خلق أعظم من الملائكة ، أليس يقول اللَّه تبارك وتعالى : تنزّل الملائكة والروح »(5) .

عن سعد الاسكاف قال : أتى رجل أميرالمؤمنين عليه السلام يسأله عن الروح أليس هو جبرئيل ؟ فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام : « جبرئيل من الملائكة ، والروح غير جبرئيل فكرّر ذلك على الرجل » ، فقال له : لقد قلت عظيماً من القول ما أحد يزعم انّ

ص: 82


1- سورة لقمان : 27 .
2- الكافي : 1/248 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 25/79 ؛ ح 66 .
3- ثواب الأعمال : 67 ؛ بحار الأنوار : 94/19 ، ح 41 .
4- الكافي : 1/253 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار : 60/276 ، ح 164 .
5- الكافي : 1/386 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 48/4 ، ح 3 .

الروح غير جبرئيل .

فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام : « انّك ضال تروي عن أهل الضلال يقول اللَّه تعالى لنبيّة صلى الله عليه وآله : « أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ »(1) والروح غير الملائكة صلوات اللَّه عليهم »(2) .

وأيضاً روى عن أميرالمؤمنين : « انّ له سبعين ألف وجه لكلّ وجه سبعون ألف لسان ، لكلّ لسان سبعون ألف لغة ، يسبّح اللَّه بتلك اللغات كلّها ، يخلق اللَّه تعالى بكلّ تسبيحة ملكاً يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة ، ولم يخلق اللَّه خلقاً أعظم من الروح غير العرش ، ولو شاء أن يبلع السماوات والأرضين السبع بلقمة واحدة لفعل »(3) .

وَمِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ

قال تعالى : « وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً »(4) وقال تعالى : « وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظينَ »(5) .

عن علي عليه السلام : « إنّهم ملائكة يحفظونه من المهالك حتّى ينتهوا به إلى المقادير »(6) .

ص: 83


1- سورة النحل : 1 - 2 .
2- الكافي : 1/274 ، ح 6 ، بحار الأنوار : 56/222 ؛ بحار الأنوار : 25/64 ، ح 44 .
3- بحار الأنوار : 56/222 .
4- سورة الأنعام : 61 .
5- سورة الانفطار : 10 .
6- مجمع البيان : 6/431 ( ط - طهران ناصر خسرو ) ؛ بحار الأنوار : 56/151 .

وقوله تعالى : « لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ »(1) انّها قرئت عند أبي عبداللَّه عليه السلام فقال لقارئها : « ألستم عرباً ؟ كيف تكون المعقبات من بين يديه وإنّما المعقب من خلفه ؟ » فقال الرجل : جعلت فداك كيف هذا ؟ فقال : « إنّما نزلت : « لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ » ومن الذي يقدر أن يحفظ الشي ء من أمر اللَّه ؟ ! وهم الملائكة الموكّلون بالناس »(2) .

وعن أبي جعفر عليه السلام في قوله : « لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ »(3) يقول : بأمر اللَّه من أن يقع في ركيّ أو يقع عليه حائط أو يصيبه شي ء حتّى اذا جاء القدر خلّوا بينه وبينه يدفعونه إلى المقادير ، وهما ملكان يحفظانه بالليل ، وملكان يحفظانه بالنهار يتعاقبان(4) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام في قوله : « يحفظونه من أمر اللَّه » ثمّ قال : «ما من عبد إلّا ومعه ملكان يحفظانه ، فاذا جاء الأمر من عند اللَّه خلّيا بينه وبين أمر اللَّه»(5) .

هذا اذا اريد بقوله عليه السلام : « الحفظة لعباده » الحفظة لأنفسهم ، ويمكن أن يراد به الأعم منها ومن الحفظة لأعمالهم .

عن هشام بن الحكم قال : سأل الزنديق [ فيما سأل ] أبا عبداللَّه عليه السلام فقال : ما علّة الملائكة الموكّلين بعباده يكتبون عليهم ولهم واللَّه عالم السرّ وما هو أخفى ؟ قال :

ص: 84


1- سورة الرعد : 11 .
2- تفسير القمي : 1/360 ؛ بحار الأنوار : 56/179 ، ح 17 .
3- سورة الرعد : 11 .
4- تفسير القمي : 1/360 ؛ بحار الأنوار : 56/179 ، ح 16 .
5- تفسير العيّاشي : 2/205 ، ح 16 ؛ بحار الأنوار : 56/186 ، ح 31 .

« استعبدهم بذلك وجعلهم شهوداً على خلقه ، ليكون العباد لملازمتهم ايّاهم أشدّ على طاعة اللَّه مواظبة ، أو عن معصية أشدّ انقباضاً ، وكم من عبدٍ يهمّ بمعصية فذكر مكانها فارعوى وكفّ ، فيقول : ربّي يراني وحفظتي عليّ بذلك تشهد ، وانّ اللَّه برأفته ولطفه أيضاً وكّلهم بعباده ، يذبّون عنهم مردة الشياطين وهوامّ الأرض ، وآفات كثيرة من حيث لا يرون باذن اللَّه إلى أن يجي ء أمر اللَّه عزّوجلّ »(1) .

جاء رجل من مراد إلى علي عليه السلام فقال له : يا اميرالمؤمنين احترس فان هنا قوماً يريدون قتلك ، فقال : « إنّ لكلّ انسان ملكين يحفظانه فاذا جاء القدر خلياه »(2) .

وَالسَّدَنَةُ لِأَبْوَابِ جِنَانِهِ

اشارة

قال تعالى : « وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها »(3) .

أمّا الجنان فعلى ما اشير إليه في الأخبار ثمان : جنّة عدن(4) وجنّة الخلد وجنّة المأوى ودار السلام وجنّة النعيم(5) وجنّة الفردوس(6) ودار القرار(7) وجنّة عرضها السماوات والأرض(8) وفي بعض كتب الأخبار تسمية الأخيرة بالوسيلة(9) .

ص: 85


1- بحار الأنوار : 56/179 ، ح 15 ؛ الاحتجاج : 2/348 .
2- شرح احقاق الحق : 8/619 ؛ الامامة والسياسة ( لابن قتيبة - تحقيق الزيني ) : 1/140 .
3- سورة الزمر : 73 .
4- ثواب الأعمال : 56 .
5- ثواب الأعمال : 68 - 69 .
6- ثواب الأعمال : 71 .
7- بحار الأنوار : 66/343 .
8- مشكاة الأنوار : 305 .
9- منهاج البراعة : 2/26 .

أبواب الجنان

قال الخوئي رحمه الله : وأمّا أبوابها فثمانية أيضاً على ما في بعض كتب الأخبار : الباب الأوّل : اسمه التوبة ، والثاني : الزكاة ، والثالث : الصلاة ، والرابع الأمر والنهي ، والخامس : الحج ، والسادس : الورع ، والسابع : الجهاد ، والثامن : الصبر(1) .

عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في أبواب الجنّة : « باب الرحمة ، باب الصبر ، باب الشكر ، باب البلاء »(2) .

عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « وللجنّة باب يقال له : الريّان »(3) .

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « للجنّة باب يقال باب المجاهدون »(4) .

للجنّة ثمانية أبواب

عن أبي عبداللَّه ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي عليهم السلام قال : « إنّ للجنّة ثمانية أبواب ، باب يدخل منه النبيّون والصدّيقون ، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون ، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبّونا ، فلا أزال واقفاً على الصراط أدعو وأقول : ربّ سلّم شيعتي ومحبّي وأنصاري ومن تولّاني في دار الدنيا فاذا النداء من بطنان العرش قد اجيبت دعوتك وشفّعت في شيعتك ويشفع كلّ رجل من شيعتي ومن تولّاني ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول في سبعين ألف من جيرانه وأقربائه ، وباب يدخل منه سائر المسلمين ممّن شهد أن لا

ص: 86


1- منهاج البراعة : 2/23 .
2- أمالي الصدوق : 213 ، المجلس 38 ، ح 1 .
3- ثواب الأعمال : 71 ؛ بحار الأنوار : 8/185 ، ح 147 .
4- ثواب الأعمال : 189 ؛ بحار الأنوار : 8/186 ، ح 153 .

إله إلّا اللَّه ولم يكن في قلبه مقدار ذرّة من بغضنا أهل البيت »(1) .

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « أحسنوا الظنّ باللَّه ، واعلموا انّ للجنّة ثمانية أبواب عرض كلّ باب منها مسيرة أربعين سنة »(2) .

المتولّون لأبواب الجنان

في الأنوار في حديث المحشر : فاذا أتوا إلى رضوان اللَّه هو جالس على باب الجنّة ومعه سبعون ألف ملك ، مع كلّ ملك سبعون ألف ملك فينظر إليهم وهم في أقبح صورة من سواد البدن وطول الشعر وكونهم عزلا بلا ختان ، فيقال لهم : كيف يدخلون الجنّة ويعانقون الحور العين على هذه الهيئة ؟ فيأمر جماعة من الملائكة الواقفين أمامه فيذهبون بالمؤمنين إلى عين ماء عند جدار الجنّة ، وهي عين الحياة فاذا اغتسلوا فيها صار وجه كلّ واحد منهم كالبدر في تمامه وتسقط شعورهم وغلفهم وتبيض قلوبهم من النفاق والحسد والكذب والأوصاف الذميمة حتّى لا يتحاسدوا في الجنّة بعلوّ الدرجات والتفاوت في المراتب ، فيصير كلّ واحدٍ منهم بصورة ابن أربعة عشر سنة ، ويعطى حسن يوسف ، وصوت داود ، وصبر أيّوب ، فاذا أتوا إلى باب الجنّة وجدوا على بابها حلقة تطنّ عند كلّ من يدخلها وتقول في طنينها : « يا عليّ » لكنّها تطنّ عند كلّ واحد بطنين خاص ليس كالطنين الآخر ، فيعرف بذلك الطنين أهل المؤمن في منازله وخدمه والحور العين ان هذا فلان فيأتون لاستقباله هذا(3) .

ص: 87


1- الخصال : 2/408 ، باب الثمانية ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 8/39 ، ح 19 .
2- الخصال : 2/408 ، باب الثمانية ، ح 7 ؛ بحار الأنوار : 8/131 ، ح 32 .
3- لئالي الأخبار : 4/390 ( انتشارات جهان - تهران خيابان بوذرجمهري روبروى پامنار ) .

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله سُئل عن قول اللَّه عزّوجلّ « يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً »(1) فقال : يا علي انّ الوفد لا يكونون إلّا ركباناً اولئك رجال اتّقوا اللَّه فأحبّهم اللَّه واختصّهم ورضى أعمالهم فسمّاهم المتّقين ثمّ قال له : يا علي أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة انّهم ليخرجون من قبورهم وانّ الملائكة لتستقبلهم بنوق من نوق العز عليها رحائل الذهب مكلّلة بالدرّ والياقوت وجلائلها الاستبرق والسندس ، وخطمها جدل الأرجوان ، تطير بهم إلى المحشر مع كلّ رجل منهم ألف ملك من قُدّامه وعن يمينه وعن شماله ، يزفّونهم زفّاً حتّى ينتهوا بهم إلى باب الجنّة الأعظم وعلى باب الجنّة شجرة ان الورقة منها ليستظل تحتها ألف رجل من الناس وعن يمين الشجرة عين مطهّرة مزكّية ، قال فيسقون منها شربة فيطهّر اللَّه بها قلوبهم من الحسد ويُسقط من أبشارهم الشعر وذلك قول اللَّه عزّوجلّ « وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً »(2) من تلك العين المطهّرة . قال : ثمّ ينصرفون إلى عين اُخرى عن يسار الشجرة فيغتسلون فيها وهي عين الحياة فلا يموتون أبداً . قال : ثمّ يوقف بهم قدّام العرش وقد سلموا من الآفات والأسقام والحر والبرد أبدا .

قال : فيقول الجبار جلّ ذكره للملائكة الذين معهم : احشروا أوليائي إلى الجنة ولا توقفوهم مع الخلائق ، فقد سبق رضاي عنهم ووجبت رحمتي لهم ، وكيف أريد أن أوقفهم مع أصحاب الحسنات والسيئات .

قال : فتسوقهم الملائكة إلى الجنة فإذا انتهوا بهم إلى باب الجنة الأعظم ضرب

ص: 88


1- سورة مريم : 85 .
2- سورة الانسان : 21 .

الملائكة الحلقة ضربة فتصر صريرا فيبلغ صوت صريرها كل حوراء أعدّها اللَّه عزّوجلّ لأوليائه في الجنان ، فيتباشرن بهم إذا سمعن صرير الحلقة فيقول بعضهن لبعض : قد جاءنا أولياء اللَّه ، فيفتح لهم الباب فيدخلون الجنة وتشرف عليهم أزواجهم من الحور العين والآدميين فيقلن : مرحبا بكم فما كان أشد شوقنا إليكم، ويقول لهن أولياء اللَّه مثل ذلك .

فقال علي عليه السلام : يا رسول اللَّه أخبرنا عن قول اللَّه جلّ وعزّ : « غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ »(1) بما ذا بنيت يا رسول اللَّه ؟

فقال : يا علي تلك غرف بناها اللَّه عزّوجلّ لأوليائه بالدرّ والياقوت والزبرجد سقوفها الذهب محبوكة بالفضة لكل غرفة منها ألف باب من ذهب على كل باب منها ملك موكل به وفيها فرش مرفوعة بعضها فوق بعض من الحرير والديباج بألوان مختلفة وحشوها المسك والعنبر والكافور وذلك قول اللَّه عزّوجلّ : « وَ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ »، إذا أدخل المؤمن إلى منازله في الجنة ووضع على رأسه تاج الملك والكرامة وألبس حلل الذهب والفضة والياقوت والدر منظوما في الإكليل تحت التاج ، قال : وألبس سبعين حلة حرير بألوان مختلفة وضروب مختلفة منسوجة بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت الأحمر فذلك قوله عزّوجلّ : « يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ »، فإذا جلس المؤمن على سريره اهتز سريره فرحا فإذا استقرت لولي اللَّه جلّ وعزّ منازله في الجنان استأذن عليه الملك الموكل بجنانه ليهنيه بكرامة اللَّه عزّوجلّ إياه فيقول له خدام المؤمن من الوصفاء والوصائف : مكانك فإن ولي اللَّه قد اتكأ على أريكته وزوجته

ص: 89


1- سورة الزمر : 20 .

الحوراء تهيّأ له فاصبر لولي اللَّه ، قال : فتخرج عليه زوجته الحوراء من خيمة لها تمشي مقبلة وحولها وصفائفها وعليها سبعون حلة منسوجة بالياقوت واللؤلؤ والزبرجد وهي من مسك وعنبر وعلى رأسها تاج الكرامة وعليها نعلان من ذهب مكلّلتان بالياقوت واللؤلؤ ، شراكهما ياقوت أحمر ، فإذا دنت من ولي اللَّه فهمّ أن يقوم إليها شوقا فتقول له : يا ولي اللَّه ليس هذا يوم تعب ولا نصب ، فلا تقم أنا لك وأنت لي ، قال : فيعتنقان مقدار خمسمائة عام من أعوام الدنيا لا يملّها ولا تملّه ، قال : فاذا فتر بعض الفتور من غير ملالة نظر إلى عنقها فإذا عليها قلائد من قصب من ياقوت أحمر وسطها لوح صفحته درّة مكتوب فيها : أنت يا ولي اللَّه حبيبي وأنا الحوراء حبيبتك إليك ، تناهت نفسي وإليّ تناهت نفسك ثم يبعث اللَّه إليه ألف ملك يهنئونه بالجنة ويزوّجونه بالحوراء ، قال : فينتهون إلى أول باب من جنانه فيقولون للملك الموكل بأبواب جنانه : استأذن لنا على ولي اللَّه فإن اللَّه بعثنا إليه نهنّئه ، فيقول لهم الملك : حتى أقول للحاجب فيعلمه بمكانكم ، قال : فيدخل الملك إلى الحاجب وبينه وبين الحاجب ثلاث جنان حتى ينتهي إلى أول باب فيقول للحاجب : إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العالمين تبارك وتعالى ليهنئوا وليّ اللَّه وقد سألوا أن آذن لهم عليه ، فيقول الحاجب : إنه ليعظم عليّ أن أستأذن لأحد على وليّ اللَّه وهو مع زوجته الحوراء ، قال : وبين الحاجب وبين ولي اللَّه جنّتان ، قال : فيدخل الحاجب إلى القيّم فيقول له : إن على باب العرصة ألف ملك أرسلهم رب العزّة يهنئون وليّ اللَّه فاستأذن لهم، فيتقدم القيّم إلى الخدّام فيقول لهم : إنّ رسل الجبّار على باب العرصة وهم ألف ملك أرسلهم اللَّه يهنئون ولي اللَّه فأعلموه بمكانهم ، قال : فيعلمونه فيؤذن للملائكة فيدخلون على ولي اللَّه

ص: 90

وهو في الغرفة ولها ألف باب وعلى كل باب من أبوابها ملك موكّل به فإذا أذن للملائكة بالدخول على ولي اللَّه فتح كل ملك بابه الموكّل به ، قال : فيدخل القيّم كل ملك من باب من أبواب الغرفة ، قال : فيبلغونه رسالة الجبّار جلّ وعزّ قول اللَّه تعالى : « وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ » سَلامٌ عَلَيْكُمْ - إلى آخر الآية - قال : وذلك قوله جلّ وعزّ : « وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً » يعني بذلك ولي اللَّه وما هو فيه من الكرامة والنعيم والملك العظيم الكبير ، إنّ الملائكة من رسل اللَّه عزّ ذكره يستأذنون [ في الدخول ] عليه فلا يدخلون عليه إلا بإذنه ، فلذلك الملك العظيم الكبير ، الحديث(1) .

وَمِنْهُمُ الثَّابِتَةُ فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ وَالْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ وَالْخَارِجَةُ مِنَ الْأَقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ

عن زيد بن وهب قال : سئل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن قدرة اللَّه تعالى جلّت عظمته ، فقام خطيبا فحمد اللَّه وأثنى عليه ، ثم قال : «إن للَّه تبارك وتعالى ملائكة لو أن ملكاً منهم هبط إلى الأرض ما وسعته لعظم خلقه وكثرة أجنحته ومنهم من لو كلّفت الجن والإنس أن يصفوه ما وصفوه لبُعد ما بين مفاصله وحسن تركيب صورته ، وكيف يوصف من ملائكته من سبعمائة عام ما بين منكبيه وشحمة أذنيه ، ومنهم من يسد الأفق بجناح من أجنحته دون عظم بدنه ، ومنهم من السماوات إلى حُجزته ومنهم من قدمه على غير قرار في جو الهواء الأسفل والأرضون إلى ركبتيه ، ومنهم من لو ألقي في نقرة إبهامه جميع المياه لوسعتها ،

ص: 91


1- الكافي : 8/95 - 98 ، ح 69 ؛ بحار الأنوار : 8/157 ، ح 98 .

ومنهم من لو ألقيت السفن في دموع عينيه لجرت دهر الداهرين»(1) .

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « إنّ للَّه ملكاً ما بين شفرى عينيه مسيرة مائة عام »(2) .

وعن جابر انّ النبي صلى الله عليه وآله قال : « اذن لي أن اُحدّث عن ملك من ملائكة اللَّه من حملة العرش ما بين شحمة اذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام »(3) .

وقال الصادق عليه السلام : « انّ للَّه ملكاً بُعد ما بين شحمة اذنه(4) إلى عينيه مسيرة خمسمائة عام خفقان الطير »(5) .

عن أبي عبداللَّه عليه السلام في خبر المعراج قال النبي صلى الله عليه وآله : « ثمّ صعدنا إلى السماء السابعة - إلى أن قال - : وملكاً من ملائكة اللَّه خلقه كما أراد رجلاه في تخوم الأرضين السابعة ، ثمّ أقبل مصعداً حتّى خرج في الهواء إلى السماء السابعة ، وانتهى فيها مصعداً حتّى استقرّ(6) قرنه إلى قرب العرش وهو يقول : سبحان ربي - إلى أن قال - : وله جناحان في منكبيه إذا نشرهما جاوزا المشرق والمغرب »(7)

وَالْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ

قال تعالى : « وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ »(8) .

ص: 92


1- التوحيد للصدوق : 278 ؛ اعلام الدين : 248 ؛ بحار الأنوار : 56/178 ، ح 13 .
2- اعلام الدين : 248 .
3- بحار الأنوار : 55/18 ، ح 21 .
4- وفي تفسير القمي : 2/206 : « اذنيه » .
5- تفسير القمّي : 2/206 ؛ بحار الأنوار : 56/174 ، ح 4 .
6- وفي البحار : 56/173 « انتهى » .
7- تفسير القمي : 2/10 ؛ بحار الأنوار : 18/327 .
8- سورة الحاقّة : 17 .

عن حمّاد قال : خلق اللَّه العرش من زمرّدة خضراء ، وخلق له أربع قوائم من ياقوتة حمراء ، وخلق له ألف لسان ، وخلق في الأرض ألف امّة ، كلّ امّة تسبّح اللَّه بلسان من ألسن العرش(1) .

وروى جعفر بن محمّد عن أبيه ، عن جدّه عليهم السلام انّه قال : «في العرش تمثال جميع ما خلق اللَّه في البر والبحر قال وهذا تأويل قوله : « وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ » وإنّ بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية خفقان الطير المسرع مسيرة ألف عام ، والعرش يكسى كل يوم سبعين ألف لون من النور لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق اللَّه ، والأشياء كلها في العرش كحلقة في فلاة ، وإن للَّه ملكا يقال له : حزقائيل له ثمانية عشر ألف جناح ، ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام ، فخطر له خاطر هل فوق العرش شي ء ؟ فزاده اللَّه مثلها أجنحة أخرى ، فكان له ست وثلاثون ألف جناح ما بين الجناح إلى الجناح خمسمائة عام ، ثم أوحى اللَّه أيها الملك طِرْ ، فطار مقدار عشرين ألف عام لم ينل رأسه قائمة من قوائم العرش ، ثم ضاعف اللَّه له في الجناح والقوة وأمره أن يطير ، فطار مقدار ثلاثين ألف عام لم ينل أيضا ، فأوحى اللَّه إليه أيها الملك لو طرت إلى نفخ الصور مع أجنحتك وقوتك لم تبلغ إلى ساق العرش ، فقال الملك : « سبحان ربي الأعلى » فأنزل اللَّه عزّوجلّ : « سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى »(2) فقال النبي صلى الله عليه وآله : اجعلوها في سجودكم»(3)

وقال ابن عبّاس : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : « إن للَّه تبارك وتعالى ملكاً يقال

ص: 93


1- بحار الأنوار : 55/17 - 18 ، ح 15 .
2- سورة الأعلى : 1 .
3- روضة الواعظين وبصيرة المتّعظين : 1/47 ؛ بحار الأنوار : 55/34 ، ح 5 .

له : دردائيل كان له ستة عشر ألف جناح ، ما بين الجناح إلى الجناح هواء والهواء كما بين السماء إلى الأرض ، فجعل يوما يقول في نفسه : أفوق ربنا جلّ جلاله شي ء ؟ فعلم اللَّه تبارك وتعالى ما قال ، فزاده أجنحة مثلها فصار له اثنان وثلاثون ألف جناح ، ثم أوحى اللَّه عزّوجلّ إليه أن طر ، فطار مقدار خمسين(1) عاماً فلم ينل رأس قائمة من قوام العرش فلما علم اللَّه عزّوجلّ إتعابه أوحى إليه أيها الملك عد إلى مكانك فأنا عظيم فوق كل عظيم وليس فوقي شي ء ولا أوصف بمكان فسلبه اللَّه أجنحته ومقامه من صفوف الملائكة(2) فلما ولد الحسين بن علي عليه السلام هبط جبرئيل في ألف قبيل من الملائكة لتهنئة النبي صلى الله عليه وآله فمرّ بدردائيل ، فقال له : سل النبيّ بحقّ مولوده أن يشفع لي عند ربّي ، فدعا له النبيّ صلى الله عليه وآله بحقّ الحسين عليه السلام فاستجاب اللَّه دعائه وغفر للملك [ وردّ عليه أجنحة وردّه إلى صفوف الملائكة (3)] .

هذا اذا اريد بقوله عليه السلام : « والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم » إمّا القرب وإمّا الشباهة في العظم ويمكن أن يراد به التّماسّ فالمراد بهم حملة العرش، بل هذا هو الظاهر بملاحظة انّ الأوصاف المذكورة في كلامه عليه السلام قد أثبتت في الأخبار الكثيرة على هؤلاء الطائفة(4) مثل ما روى عن ابن عبّاس في تفسير قوله تعالى : « وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ »(5) قال : يقال ثمانية صفوف من

ص: 94


1- في البحار : 43/248 ، ح 24 : « خمسمائة عام » .
2- كمال الدين وتمام النعمة : 1/282 ، ح 36 .
3- كمال الدين وتمام النعمة : 1/284 ، ح 36 .
4- منهاج البراعة : 2/27 - 28 (بيروت - دار إحياء التراث العربي - ط 1429ه = 2008م ) .
5- سورة الحاقّة : 17 .

الملائكة لا يعلم عدّتهم إلّا اللَّه ، ويقال ثمانية أملاك رؤوسهم تحت العرش في السماء السابقة ، وأقدامهم في الأرض السفلى ، ولهم قرون كقرون الوعلة ما بين أصل قرن أحدهم إلى منتهاه خمسمائة عام(1) .

وعن حفص بن غياث النخعي قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « إنّ حملة العرش ثمانية ، لكلّ واحد منهم ثمانية أعين ، كلّ عين طباق الدنيا »(2) .

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « إن اللَّه عزّوجلّ لما خلق العرش خلق له ثلاثمائة وستين ألف ركن، وخلق عند كل ركن ثلاثمائة وستين ألف ملك، لو أذن اللَّه تعالى لأصغرهم فالتقم السماوات السبع والأرضين السبع ما كان ذلك بين لهواته إلّا كالرملة في المفازة الفضفاضة ، فقال اللَّه تعالى لهم : يا عبادي احملوا عرشي هذا، فتعاطوه فلم يطيقوا حمله ولا تحريكه ، فخلق اللَّه تعالى مع كل واحد منهم واحداً، فلم يقدروا أن يزعزعوه ، فخلق اللَّه مع كل واحد منهم عشرة، فلم يقدروا أن يحركوه ، فخلق اللَّه تعالى بعدد كل واحد منهم، مثل جماعتهم فلم يقدروا أن يحركوه ، فقال اللَّه عزّوجلّ لجميعهم : خلّوه عليّ أمسكه بقدرتي ، فخلوه فأمسكه اللَّه عزّوجلّ بقدرته. ثم قال لثمانية منهم : احملوه أنتم ، فقالوا يا ربنا لم نطقه نحن وهذا الخلق الكثير والجمّ الغفير، فكيف نطيقه الآن دونهم ؟ فقال اللَّه عزّوجلّ إنّي أنا اللَّه المقرب للبعيد، والمذلل للعنيد والمخفف للشديد والمسهل للعسير، أفعل ما أشاء وأحكم [ ب ] ما أريد، أعلمكم كلمات تقولونها يخفف بها عليكم. قالوا وما هي يا ربنا ؟ قال : تقولون « بسم اللَّه الرحمن الرحيم ولا حول ولا قوة إلّا باللَّه العلي

ص: 95


1- بحار الأنوار : 55/20 ، ح 31 .
2- الخصال : 2/407 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 55/27 ، ح 44 .

العظيم وصلى اللَّه على محمد وآله الطيبين ». فقالوها فحملوه وخفّ على كواهلهم كشعرة نابتة على كاهل رجل جلد قويّ. فقال اللَّه عزّوجلّ لسائر تلك الأملاك : خلّوا على [ كواهل ] هؤلاء الثمانية عرشي ليحملوه وطوفوا أنتم حوله، وسبّحوني ومجّدوني وقدّسوني، فإني أنا اللَّه القادر على ما رأيتم و[ أنا ] على كل شي ء قدير »(1)

وعن وهب قال : حملة العرش اليوم أربعة ، فاذا كان يوم القيامة ايّدوا بأربعة آخرين ، ملك منهم في صورة انسان يشفع لبني آدم في أرزاقهم ، وملك في صورة نسر يشفع للطير في أرزاقهم ، وملك في صورة ثور يشفع للبهائم في أرزاقها ، وملك في صورة أسد يشفع للسباع في أرزاقها ، فلمّا حملوا العرش وقعوا على ركبهم من عظمة اللَّه فلقّنوا « لا حول ولا قوّة إلّا باللَّه » فاستووا قياماً على أرجلهم(2) .

وعن ابن زيد قال : لم يسمّ من حملة العرش إلّا إسرافيل(3) .

وعن هارون بن رئاب قال : حملة العرش ثمانية يتجاوبون بصوت رخيم يقول أربعة منهم : « سبحانك وبحمدك على حلمك بعد علمك » ، وأربعة منهم يقولون : « سبحانك وبحمدك على عفوك بعد قدرتك »(4) .

لكن ورد في بعض الأخبار بأنّ : حملة العرش ثمانية : أربعة من الأوّلين وأربعة من الآخرين ، فأمّا الأربعة من الأوّلين : فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وأمّا

ص: 96


1- تفسير الامام العسكري عليه السلام : 146 - 148 ؛ بحار الأنوار : 27/97 ، ح 60 .
2- بحار الأنوار : 55/19 ، ح 26 .
3- بحار الأنوار : 55/21 ، ح 33 .
4- بحار الأنوار : 55/19 ، ح 24 .

الأربعة من الآخرين : فمحمّد وعلي والحسن والحسين صلوات اللَّه عليهم(1) وليكن لا تنافي بينها لأنّ العرش في الأخبار الأوله الجسم المحيط بالمخلوقات وفي هذه الأخبار هو العلم كما صرّح الصدوق به في اعتقاداته حيث قال : وإنّما صار هؤلاء حملة العرش الذي هو العلم لأنّ الأنبياء الذين كانوا قبل نبيّنا صلّى اللَّه عليه وآله كانوا على شرايع الأربعة : نوح وابراهيم وموسى وعيسى ، ومن قبل هؤلاء صارت العلوم إليهم ، وكذلك صار العلم من بعد محمّد وعلي والحسن والحسين - عليهم السلام - إلى من بعد الحسين من الأئمّة عليهم السلام(2) .

نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ

أمّا لكثرة نور العرش وأمّا لزيادة الخوف ويدلّ على الأوّل ما روى عن ميسرة قال : ثمانية ، أرجلهم في التخوم ، ورؤوسهم عند العرش ، لا يستطيعون أن يرفعوا أبصارهم من شعاع النور(3) .

ويدلّ على الثاني ما روى عنه أيضاً قال : حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش ، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم ، وهم أشدّ خوفاً من أهل السماء السابعة ، وأهل السماء السابعة أشدّ خوفاً من أهل السماء التي تليها ، والتي تليها أشدّ خوفاً من التي تليها(4) .

وفي دعاء الصحيفة السجاديّة على داعيه أفضل السلام والتحيّة في وصف

ص: 97


1- تفسير القمّي : 2/384 ؛ بحار : 55/27 ، ح 43 .
2- اعتقادات الاماميّة وتصحيح الاعتقاد : 1/46 .
3- بحار الأنوار : 55/21 ، ح 35 .
4- بحار الأنوار : 55/20 ، ح 29 .

الملائكة : الخشع الأبصار فلا يرمون النظر إليك ، النواكس الأذقان ، الذين قد طالت رغبتهم فيما لديك(1) .

وعن وهب ، عن ابن عبّاس ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : « إنّ للَّه تبارك وتعالى ملائكة ليس شي ء من أطباق أجسادهم إلّا وهو يسبّح اللَّه عزّوجلّ ويُحمّده من ناحية بأصوات مختلفة لا يرفعون رؤوسهم إلى السماء ولا يخفضونها إلى أقدامهم من البكاء والخشية للَّه عزّوجلّ »(2) .

عن وهب بن منبّه قال : إنّ لكلّ ملك من حملة العرش ومن حوله أربعة أجنحة ، أمّا جناحان فعلى وجهه مخافة أن ينظر إلى العرش فيصعق وأمّا جناحان فيفهو بهما ، ليس لهم كلام إلّا التسبيح والتحميد(3) .

وقال الزمخشري : مرّ بي في بعض الكتب انّ صنفاً من الملائكة عليهم السلام لهم ستّة أجنحة : فجناحان يلفون بهما أجسادهم ، وجناحان يطيرون بهما في أمرين من أُمور اللَّه تعالى ، وجناحان مرخيان على وجوههم حياء من اللَّه عزّوجلّ(4) وحينئذٍ فكلّ جناحين لغرض مخصوص ، وبه يظهر فائدة الجناح الثالث المشار إليه في قوله سبحانه : « أُولي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ »(5) . ثمّ انّ هذا في جانب القلّة ، وأمّا في جانب الكثرة فيزيد اللَّه سبحانه فيهم ما يشاء وهو على كلّ شي ء قدير(6) .

ص: 98


1- الصحيفة السجاديّة : 38 ، الدعاء 3 .
2- التوحيد للصدوق : 280 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 56/182 ، ح 22 .
3- شرح البحراني : 1/166 ؛ مجمع البحرين : 2/346 ( وفيه : فيطير بهما ) .
4- تفسير الآلوسي : 22/163 .
5- سورة الفاطر : 1 .
6- منهاج البراعة : 2/31 .

مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ وَأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ

اشارة

عن عاصم بن حميد عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : ذاكرتُ أبا عبداللَّه عليه السلام فيما يروون من الرؤية ، فقال : « الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي ، والكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش ، والعرش جزء من سبعين جزءاً من نور الحجاب ، والحجاب جزء من سبعين جزءاً من نور الستر » - الخبر -(1) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : قال جبرئيل في ليلة المعراج : إنّ بين اللَّه وبين خلقه تسعين ألف حجاب ، وأقرب الخلق إلى اللَّه أنا وإسرافيل ، وبيننا وبينه أربعة حُجُب »(2) .

الملائكة على أنواع كثيرة ومراتب متفاوتة

منهم المقرّبون كقوله تعالى : « لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ »(3) ومنهم الحاملون للعرش كقوله تعالى : « الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ »(4) وقوله تعالى : « يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ »(5) ومنهم الكرام الكاتبين كقوله تعالى : « وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ»(6) ومنهم ملائكة الجنّة كقوله تعالى : « وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ »(7) ومنهم ملائكة النار كقوله تعالى :

ص: 99


1- الكافي : 1/98 ، ح 7 .
2- بحار الأنوار : 55/42 ، ح 3 .
3- سورة النساء : 172 .
4- سورة المؤمن : 7 .
5- سورة الحاقة : 17 .
6- سورة الانفطار : 10 - 11 .
7- سورة الزمر : 73 .

« عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ »(1) أعاذنا اللَّه منها بحقّ محمّد وآله الطاهرين .

منها في صفة خلق آدم عليه السلام

قال اللَّه تعالى : « وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ »(2) .

في خبر ابن سلام انّه سئل النبي صلى الله عليه وآله عن آدم لِمَ سمّي آدم ؟ قال صلى الله عليه وآله : « لأنّه خلق من طين الأرض وأديمها » ، قال : فآدم خلق من طين كلّه أو طينٍ واحد ؟ قال صلى الله عليه وآله : « بَلْ مِنَ الطِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ خُلِقَ مِنْ طِينٍ وَاحِدٍ لَمَا عَرَفَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَكَانُوا عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ » قال : فلهم في الدنيا مثل ؟ قال : « التُّرَابُ فِيهِ أَبْيَضُ ، وَفِيهِ أَخْضَرُ ، وَفِيهِ أَشْقَرُ ، وَفِيهِ أَغْبَرُ ، وَفِيهِ أَحْمَرُ ، وَفِيهِ أَزْرَقُ ، وَفِيهِ عَذْبٌ ، وَفِيهِ مِلْحٌ ، وَفِيهِ خَشِنٌ ، وَفِيهِ لَيِّنٌ ، وَفِيهِ أَصْهَبُ ، فَلِذَلِكَ صَارَ النَّاسُ فِيهِمْ لَيِّنٌ ، وَفِيهِمْ خَشِنٌ ، وَفِيهِمْ أَبْيَضُ ، وَفِيهِمْ أَصْفَرُ ، وَأَحْمَرُ ، وَأَصْهَبُ ، وَأَسْوَدُ عَلَى أَلْوَانِ التُّرَاب » ، انتهى موضع الحاجة منه(3) .

أتى علي بن أبي طالب عليه السلام يهودي فقال : لِمَ سمّي آدم آدم ؟ فقال عليه السلام : « إِنَّمَا سُمِّيَ آدَمُ آدَمَ لأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعَثَ جَبْرَئِيلَ عليه السلام وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ بِأَرْبَعِ طِينَاتٍ ، طِينَةٍ بَيْضَاءَ ، وَطِينَةٍ

ص: 100


1- سورة التحريم : 6 .
2- سورة البقرة : 30 .
3- علل الشرايع : 2/471 ، ح 33 ؛ بحار الأنوار : 9/305 ، ح 8 .

حَمْرَاءَ ، وَطِينَةٍ غَبْرَاءَ ، وَطِينَةٍ سَوْدَاءَ ، وَذَلِكَ مِنْ سَهْلِهَا وَحَزْنِهَا ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِأَرْبَعِ مِيَاهٍ ، مَاءٍ عَذْبٍ ، وَمَاءٍ مِلْحٍ ، وَمَاءٍ مُرٍّ ، وَمَاءٍ مُنْتِنٍ ، ثُمَّ أَمَرَهُ أَنْ يُفْرِغَ الْمَاءَ فِي الطِّينِ وَأَدَمَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ فَلَمْ يَفْضُلْ شَيْ ءٌ مِنَ الطِّينِ يَحْتَاجُ إِلَى الْمَاءِ وَلا مِنَ الْمَاءِ شَيْ ءٌ يَحْتَاجُ إِلَى الطِّينِ ، فَجَعَلَ الْمَاءَ الْعَذْبَ فِي حَلْقِهِ ، وَجَعَلَ الْمَاءَ الْمَالِحَ فِي عَيْنَيْهِ ، وَجَعَلَ الْمَاءَ الْمُرَّ فِي أُذُنَيْهِ ، وَجَعَلَ الْمَاءَ الْمُنْتِنَ فِي أَنْفِهِ »(1) الخبر .

وعن محمّد الحلبي ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « إنَّ الْقَبْضَةَ الَّتِي قَبَضَهَا اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ مِنَ الطِّينِ الَّذِي خَلَقَ مِنْهُ آدَمَ عليه السلام أَرْسَلَ إِلَيْهَا جَبْرَئِيلَ عليه السلام أَنْ يَقْبِضَهَا ، فَقَالَتِ الْأَرْضُ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تَأْخُذَ مِنِّي شَيْئاً فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ يَا رَبِّ تَعَوَّذَتْ بِكَ مِنِّي ، فَأَرْسِلْ إِلَيْهَا إِسْرَافِيلَ ، فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا مِيكَائِيلَ فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا مَلَكَ الْمَوْتِ فَتَعَوَّذَتْ بِاللَّهِ مِنْهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئاً ، فَقَالَ مَلَكُ الْمَوْتِ : وَأَنَا أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْهِ حَتَّى أَقْبِضَ مِنْكِ ، قَالَ : وَإِنَّمَا سُمِّيَ آدَمُ آدَمَ لأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ »(2) .

ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ

قال السيّد بن طاوس في كتاب « سعد السعود » : من صحائف ادريس النبي عليه السلام قال في صفة خلق آدم : انّ الأرض عرّفها اللَّه جلّ جلاله انّه يخلق منها خلقاً ، فمنهم من يطيعه ومن يعصيه ، فاقشعرت الأرض واستعطفت اللَّه ، وسألته لا يأخذ عنها من يعصيه ويدخله النار ، وأن جبرائيل أتاها ليأخذ منها طينة آدم عليه السلام فسألته

ص: 101


1- علل الشرايع : 1/2 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 10/13 ، ح 7 .
2- علل الشرايع : 2/579 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار : 11/103 ، ح 9 .

بعزة اللَّه أن لا يأخذ منها شيئا حتى تتضرّع إلى اللَّه تعالى وتضرعت ، فأمره اللَّه تعالى بالانصراف عنها ، فأمر اللَّه ميكائيل ، فاقشعرّت وتضرّعت وسألت ، فأمره اللَّه تعالى بالانصراف عنها فأمر اللَّه تعالى إسرافيل بذلك فاقشعرت وسألت وتضرعت ، فأمره اللَّه بالانصراف عنها ، فأمر اللَّه عزرائيل فاقشعرت وتضرّعت ، فقال : قد أمرني ربي بأمر أنا ماض له سرّك ذاك أم ساءك ، فقبض منها كما أمر اللَّه ، ثم صعد بها إلى موقفه ، فقال اللَّه له كما ولّيت قبضها من الأرض وهي كارهة كذلك تلي قبض أرواح كلّ من عليها وكلّ ما قضيت عليه الموت من اليوم إلى يوم القيامة(1) .

سَنَّهَا

من قوله تعالى : « مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون »(2) .

حَتَّى لَزَبَتْ

قال تعالى : « إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طينٍ لازِبٍ »(3) .

حَتَّى صَلْصَلَتْ

الأصل من كلامه عليه السلام قوله تعالى : « مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون »(4) .

ص: 102


1- سعد السعد للنفوس منضود : 33 ؛ بحار الأنوار : 11/120 - 121 ، ح 55 .
2- الحجر : 26 .
3- سورة النجم : 32 .
4- سورة الحجر : 26 .

لوَقْتٍ مَعْدُودٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ

اشارة

وإلى هذا الوقت أُشير في قوله تعالى : « هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً »(1) .

قال الطبرسي رحمه الله : قد كان شيئاً إلّا انّه لم يكن مذكوراً ، لأنّه كان تراباً وطيناً إلى أن نفخ فيه الروح وقيل : انّه أتى على آدم ، أربعون سنة لم يكن شيئاً مذكوراً لا في السماء ولا في الأرض بل كان جسداً ملقى من طين قبل أن ينفخ فيه الروح . وروى عن ابن عبّاس انّه تمّ خلقه بعد عشرين ومائة سنة(2) .

عن هشام بن سالم عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام قال : « كانت الملائكة تمرّ بآدم عليه السلام أي بصورته وهو ملقى في الجنّة من طين فتقول : لأمر ما خلقت ؟»(3)

وعن بعض الصحف السماويّة انّ طينة آدم عليه السلام عجنت أربعين سنة ، ثمّ جعلت لازباً ، ثمّ جعلت حمأً مسنوناً أربعين سنة ، ثمّ جعلت صلصالاً كالفخّار أربعين سنة ، ثمّ جعلت جسداً ملقى على طريق الملائكة أربعين سنة ، ونفخ فيها من روحه بعد تلك المدّة(4) .

وعن عبدالعظيم بن عبداللَّه الحسني قال : كتبت إلى أبي جعفر محمّد بن علي بن موسى عليهم السلام أسأله عن علّة الغائط ونتنه ؟ قال : إنّ اللَّه عزّوجلّ خلق آدم عليه السلام وكان جسده طيّباً ، وبقي أربعين سنة ملقى تمرة به الملائكة ، فتقول : لأمر ما خلقت ، وكان إبليس يدخل من فيه ويخرج من دبره فلذلك صار ما في جوف آدم منتناً

ص: 103


1- سورة الانسان : 1 .
2- مجمع البيان : 10/614 ( ط - طهران ناصر خسرو ) ؛ بحار الأنوار : 57/327 .
3- قصص الأنبياء للراوندي : 41 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 11/113 ، ح 33 .
4- سعد السعود : 33 ؛ بحار الأنوار : 11/121 ؛ منهاج البراعة : 2/36 .

خبيثاً غير طيّب(1) .

وعن الحسن عليه السلام فيما سأل كعبُ الأحبار أميرالمؤمنين عليه السلام قال : « لمّا أراد اللَّه تعالى خلق آدم بعث جبرئيل فأخذ من أديم الأرض قبضة فعجنه بالماء العذب والمالح وركب فيه الطبائع قبل أن ينفخ فيه الروح فخلقه من أديم الأرض فطرحه كالجبل العظيم وكان إبليس يومئذ خازناً على السماء الخامسة ، يدخل في منخر آدم ثم يخرج من دبره ثم يضرب بيده فيقول : لأي أمر خلقت ؟ لئن جعلت فوقي لا أطعتك ولئن جعلت أسفل منّي لأعينك(2) فمكث في الجنة ألف سنة ما بين خلقه إلى أن ينفخ فيه الروح » ، الحديث(3) .

قال الشارح الخوئي رحمه الله : وجه الجمع بين هذه الرواية وما سبق من حيث اختلافهما في مقدار مدّة تأخير النفخ غير خفي على العارف الفطن(4) .

لماذا أخّر نفخ الروح في تلك المدّة الطويلة

انّ السرّ في تأخّر نفخ الروح في تلك المدّة الطويلة لعلّة اعتبار الملائكة اذ الاعتبار في التدريج أكثر أو ليعلم الناس التأنّي في الأُمور وعدم الاستعجال ، ومثله خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام على ما نطق به القرآن الحكيم مع انّه سبحانه كان قادراً على خلقها في طرفة عين ، قال أميرالمؤمنين عليه السلام : « ولو شاء أن يخلقها في أقلّ من لمح البصر لخلق ، ولكنّه جعل الانائة والمداراة مثالاً لأمنائه

ص: 104


1- علل الشرايع : 1/275 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 11/109 ، ح 22 .
2- في المصدر : لا أبقيتك .
3- بحار الأنوار : 60/197 ، ح 8 ؛ تفسير الفرات : 186 .
4- منهاج البراعة : 2/37 .

وايجاباً للحجّة على خلقه »(1) .

ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ

اشارة

قال تعالى للملائكة : « فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي فَقَعُوا لَهُ ساجِدينَ »(2) .

وقال تعالى : « وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي »(3) .

نسب تعالى الروح إلى نفسه دلالة على شرف الانسان ، عن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ : « وَنَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي » كيف هذا النفخ ؟ فقال : انّ الروح متمرك ، كالريح وإنّما سمّي روحاً لأنّه اشتقّ اسمه من الريح وإنّما أخرجه عن لفظة الريح لأنّ الأرواح مجانسة الريح وإنّما أضافه إلى نفسه لأنّه اصطفاه على سائر الأرواح ، كما قال لبيت من البيوت : بيتي ، ولرسول من الرسل : خليلي ، وأشباه ذلك وكلّ ذلك مخلوق مصنوع محدث مربوب مدبّر(4) .

ومثل اضافة الروح إليه تعالى اضافة الصورة إليه سبحانه في بعض الأخبار كما روى عن محمّد بن مسلم أيضاً قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عمّا يروون انّ اللَّه خلق آدم على صورته ، فقال : « هي صورة محدثة مخلوقة ، واصطفاها اللَّه واختارها على سائر الصور المختلفة ، فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه ، والروح

ص: 105


1- بحار الأنوار : 54/6 .
2- سورة الحجر : 29 .
3- سورة الاسراء : 85 .
4- الكافي : 1/133 - 134 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 58/28 ، ح 1 .

إلى نفسه فقال : بيتي « وَنَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي » »(1) .

ولكن عن الحسين بن خالد قال : قلت للرضا عليه السلام : يابن رسول اللَّه انّ الناس يروون انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال : « انّ اللَّه خلق آدم على صورته فقال : قاتلهم اللَّه لقد حذفوا أوّل الحديث ، انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله مرّ برجلين يتسابّان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبه : قبّح اللَّه وجهك ووجه من يشبّهك ، فقال صلى الله عليه وآله : يا عبداللَّه لا تقل هذا لأخيك ، فانّ اللَّه عزّوجلّ خلق آدم على صورته»(2) .

اثبات تجرّد الروح

عن أبي بصير قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن أرواح المؤمنين ، فقال عليه السلام : « فِي الجَنَّةِ عَلى صُوَر أبدانهم ، لَو رأيْتَهُ لقُلتَ فلان »(3) .

وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « إنّ الأرواح في صِفَةِ الأجساد في شَجَرَةٍ في الجنّة تَعارف وتساءل »(4) .

وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن أرواح المؤمنين فقال : « فِي حُجُرَاتٍ فِي الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ مِنْ طَعَامِهَا وَيَشْرَبُونَ مِنْ شَرَابِهَا وَيَقُولُونَ رَبَّنَا أَقِمْ السَّاعَةَ لَنَا وَأَنْجِزْ لَنَا مَا وَعَدْتَنَا وَأَلْحِقْ آخِرَنَا بِأَوَّلِنَا »(5) .

وروى عن يونس بن ظبيان انّه قال : كنت عند أبي عبداللَّه عليه السلام جالساً فقال عليه السلام :

ص: 106


1- الكافي : 1/134 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 4/13 ، ح 14 .
2- التوحيد للصدوق : 152 - 153 ؛ بحار الأنوار : 4/11 ح 1 .
3- تهذيب الأحكام : 1/466 ، ح 172 .
4- الكافي : 3/244 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 6/269 ، ح 121 .
5- الكافي : 3/244 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 6/269 ، ح 122 .

« مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ ؟ » قلت : يقولون : في حواصل طير(1) خضر في قناديل تحت العرش فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : « سُبْحَانَ اللَّهِ الْمُؤْمِنُ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أنْ يَجْعَل رُوحَهُ في حوصلة طائرٍ أخضر ، يا يونس المُؤْمِن إِذَا قَبَضَهُ اللَّهُ تَعالى صَيَّرَ روحَهُ في قالبٍ كقالبه الدنيا فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ فَإِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمُ الْقَادِمُ عَرَفُوه بِتِلْكَ الصُّورَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا »(2) .

خلقت الأرواح قبل خلق الأجساد

قال تعالى : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى »(3) .

عن الصادق عليه السلام عن آبائه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « خلق اللَّه الأرواح قبل الأجساد بألفي عام »(4) .

ومن سئوال الزنديق الذي سأل أبا عبداللَّه عليه السلام قال : فهل يوصف بخفّة وثقل ووزن ؟ قال : « الروح بمنزلة الريح في الزق ، إذا نفخت فيه امتلأ الزقّ منها ، فلا يزيد في وزن الزقّ ولوجها فيه ولا ينقصها خروجها منه كذلك الروح ليس لها ثقل ولا وزن ، قال : فأخبرني ما جوهر الريح ؟ قال : الريح هواء إذا تحرك يسمّى ريحاً فإذا سكن يسمّى هواء وبه قوام الدنيا ولو كفت الريح ثلاثة أيام لفسد كل شي ء على وجه الأرض ونتن وذلك أن الريح بمنزلة المروحة تذب وتدفع الفساد عن

ص: 107


1- الحوصلة من الطائر بمنزلة المعدة من الانسان .
2- تفسير نور الثقلين : 1/142 ، ح 443 .
3- سورة الأعراف : 172 .
4- بحار الأنوار : 58/132 ، ح 4 ؛ رجال الكشي : 396 .

كل شي ء وتطيّبه ، فهي بمنزلة الروح إذا خرج عن البدن نتن البدن وتغير وتبارك اللَّه أحسن الخالقين(1) .

فَتَمَثّلَتْ إِنْسَاناً

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سمّي الانسان انساناً لأنّه ينسى وقال اللَّه عزّوجلّ : « وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ »(2) .(3)

وعن ابن عبّاس قال : خلق اللَّه آدم من اديم الأرض يوم الجمعة بعد العصر ، فسمّاه آدم ، ثمّ عهد إليه فنسى ، فسمّاه الانسان قال ابن عبّاس : فباللَّه ما غابت الشمس من ذلك اليوم حتّى اهبط من الجنّة(4) .

وعن أبي بصير قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام لأيّ علّة خلق اللَّه عزّوجلّ آدم من غير أب وأُمّ ، وخلق عيسى عليه السلام من غير أب وخلق سائر الناس من الآباء والأُمّهات ؟ فقال عليه السلام : « ليعلم الناس تمام قدرته وكمالها »(5) .

وَفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا

قال الراغب : والتفكّر لا يكون إلّا فيما له ماهية ممّا يصحّ أن يجعل له صورة في

ص: 108


1- الاحتجاج : 2/350 ؛ بحار الأنوار : 58/34 ، ح 7 .
2- سورة طه : 115 .
3- علل الشرايع : 1/15 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار 57/264 ، ح 1 .
4- بحار الأنوار : 57/265 ، ح 4 .
5- علل الشرايع : 1/15 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار 11/108 ح 16 .

القلب مفهوماً ولأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وآله : « تفكّروا في آلاء اللَّه ولا تفكّروا في اللَّه »(1) .

وَجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا

قال تعالى : « وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبينَ »(2) الآية .

وَ مَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ

قال تعالى : « وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ »(3) أي ليعرفون .

وقوله تعالى في حديث القدسي : « كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن أعرف فخلت الخلق لكي أعرف »(4) .

والمعرفة في الجملة المبحوثة عنها وإن كانت ظاهرة في الفرق بين الحق والباطل ، لا معرفة اللَّه تعالى إلّا ان معرفته تعالى تتوقّف على التميز بين الحق والباطل مع فرض انّ الحق المطلق ليس إلّا هو(5) .

قال ابن السكّيت لأبي الحسن الرضا عليه السلام - بعد سئواله عن وجه اختلاف معجزات موسى وعيسى ونبيّنا عليهم السلام - : فما الحجّة على الخلق اليوم ؟ فقال عليه السلام : « العقل ، يعرف به الصادق على اللَّه فيصدقه والكاذب على اللَّه فيكذبه » ، فقال ابن

ص: 109


1- مفردات ألفاظ القرآن : 73 ؛ رياض السالكين : 4/396 .
2- سورة المائدة : 4 .
3- سورة الذاريات : 56 .
4- بحار الأنوار : 84/199 .
5- مفتاح السعادة : 1/218 - 219 .

السكّيت : هذا واللَّه الجواب(1) .

وَ الْأَذْوَاقِ وَالْمَشَامِّ وَالْأَلْوَانِ وَالْأَجْنَاسِ

عن يونس بن يعقوب قال كان عند أبي عبداللَّه عليه السلام جماعة من أصحابه ، منهم حمران بن أعين ، ومحمد بن النعمان ، وهشام بن سالم ، والطيار ، وجماعة فيهم هشام بن الحكم وهو شاب ، فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : « يا هشام ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته ؟ » فقال هشام يا ابن رسول اللَّه إني أُجلُّك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك ، فقال أبو عبد اللَّه : « إذا أمرتكم بشي ءٍ فافعلوا » قال هشام : بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة فعظم ذلك عليّ فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة ، فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملة سوداء متّزراً بها من الصوف ، وشملة مرتدياً بها والناس يسألونه ، فاستفرجت الناس ، فأفرجوا لي ، ثمّ قعدت في آخر القوم على ركبتيَّ ، ثمّ قلت : أيُّها العالم إنِّي رجل غريب ، تأذن لي في مسألةٍ ؟ فقال لي : نعم فقلت له : ألك عين ؟ فقال : يا بنيّ أيّ شي ء هذا من السئوال ؟ وشي ء تراه كيف تسأل عنه ؟ فقلت : هكذا مسألتي ، فقال : يا بنيّ سل وإن كانت مسألتك حمقاء ، قلت : أجبني فيها ، قال لي : سل . قلت : ألك عين ؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع بها ؟

ص: 110


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/80 ، ح 12 ؛ بحار الأنوار : 11/70 - 70 ، ح 1 .

قال : أرى بها الألوان والأشخاص ، قلت : فلك أنف ؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع به ؟ قال أشم به الرائحة قلت : ألك فم ؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع به ؟ قال : أذوق به الطعم قلت : فلك أذنٌ ؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع بها ؟ قال : أسمع بها الصوت ، قلت : ألك قلب ؟ قال : نعم ، قلت : فما تصنع به ؟ قال أُميّز به كلّ ما ورد على هذه الجوارح والحواس ، قلت : أو ليس في هذه الجوارح غنى عن القلب ؟ فقال : لا ، قلت : وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة ، قال : يا بني إن الجوارح إذا شكت في شي ء شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته ردّته إلى القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشكّ . قال هشام : فقلت له : فانّما أقام اللَّه القلب لشكّ الجوارح ؟ قال : نعم ، قلت : لابدّ من القلب وإلّا لم تستيقن الجوارح ؟ قال : نعم ، فقلت له يا أبا مروان فاللَّه تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها اماماً يصحّح لها الصحيح ويتيقّن به ما شكّ فيه ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم ، لا يقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحيرتهم ، ويقيم لك اماماً لجوارحك تردّ إليه حيرتك وشكّك ؟ ! قال : فسكت ولم يقل لي شيئاً . ثمّ التفت إليّ فقال لي : أنت هشام بن الحكم ؟ فقلت : لا ، قال : أمِنْ جلسائه ؟ قلت : لا ، قال : فمن أين أنت ؟ قال : قلت : من أهل الكوفة ، قال : فأنت إذاً هو ، ثمّ ضمّني إليه وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتّى قمت . قال : فضحك أبو عبداللَّه عليه السلام وقال : « يا هشام من علّمك هذا ؟ » قلت : شي ءٌ أخذته منك وألّفته ، فقال : « هذا واللَّه مكتوب في صحف إبراهيم وموسى »(1) .

مَعْجُوناً بِطِينَةِ الْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ

روى انّ يزيد بن سلام سأل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : هل آدم خلق من طين(2) كله

ص: 111


1- الكافي : 1/169 - 171 ؛ بحار الأنوار : 73/6 ، ح 11 .
2- في البحار : 9/305 : « من الطين » .

أو طين واحد ؟ قال : « بل من الطين كله ، ولو خلق من طين واحد لما عرف الناس بعضهم بعضا ، وكانوا على صورة واحدة » ، قال : فلهم في الدنيا مَثَلٌ ؟ قال : « التراب فيه أبيض وفيه أخضر وفيه أشقر وفيه أغبر وفيه أحمر وفيه أزرق وفيه عذب وفيه ملح وفيه خشن وفيه لين وفيه أصهب ، فلذلك صار الناس فيهم لين وفيهم خشن وفيهم أبيض وفيهم أصفر وأحمر وأصهب وأسود على ألوان التراب »(1) .

عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن أميرالمؤمنين عليه السلام في حديث طويل ، وفيه قال : « فاغترف ربنا عزّوجلّ غرفة بيمينه من الماء العذب الفرات وكلتا يديه يمين ، فصلصلها في كفه حتّى جمدت ، فقال لها : منك أخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين والأئمة المهتدين والدعاة إلى الجنة وأتباعهم إلى يوم القيامة ولا أبالي ولا أسأل عما أفعل وهم يسألون، ثم اغترف غرفة أخرى من الماء المالح الأجاج فصلصلها في كفه فجمدت ثمّ قال لها : منك أخلق الجبارين والفراعنة والعتاة وإخوان الشياطين والدعاة إلى النار إلى يوم القيامة وأشياعهم ولا أبالي ولا أسأل عما أفعل وهم يسألون ، قال : وشرطه في ذلك البداء ، ولم يشترط في أصحاب اليمين ، ثم أخلط المائين(2) جميعا في كفه فصلصلهما ثم كفهما قدام عرشه وهما سلالة من طين ، الخبر(3) .

ص: 112


1- علل الشرايع : 2/471 ، ح 33 ؛ بحار الأنوار : 11/101 ، ح 6 .
2- في البحار : 5/238 : « ثمّ خلط المائين » .
3- تفسير القمّي : 1/37 - 39 ؛ بحار الأنوار 5/237 ، ح 16 .

وَالْأَشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَةِ وَالْأَضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ وَالْأَخْلاطِ الْمُتَبَايِنَةِ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْبَلَّةِ وَالْجُمُودِ وَالْمَسائَةَ وَالسُّرُور

عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : « الطبائع أربع فمنهنّ البلغم وهو خصم جدل ، ومنهنّ الدم وهو عبد وربّما قتل العبد سيّده ، ومنهنّ الريح وهي ملك يُدارى ، ومنهنّ المرّة وهيهات وهيهات هي الأرض اذا ارتجّت ارتجّ ما(1) عليها »(2) .

وفي حديث القمي السابق بعد قوله عليه السلام : « ثمّ كفهما قدام عرشه » وهما سلالة من طين ثمّ أمر اللَّه الملائكة الشمال والجنوب والصبا والدبور أن يجولوا على هذه السلالة من الطين فأمرئوها وأنشئوها ثمّ أنزوها وجزوها وفصلوها واجروا فيها الطبايع الأربعة(3) .

وَ اسْتَأْدَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَلائِكَةَ وَدِيعَتَهُ لَدَيْهِمْ

المراد بتلك الوديعة ما أشار إليه سبحانه : « وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي فَقَعُوا لَهُ ساجِدينَ »(4) .

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال أميرالمؤمنين عليه السلام : « وكان ذلك من أمر اللَّه عزّوجلّ تقدّم إلى الملائكة في آدم عليه السلام من قبل أن يخلقه ، احتجاجاً منه عليهم »(5) .

ص: 113


1- في البحار : 58/295 ، ح 5 : « ارتجّت بما » .
2- علل الشرايع : 1/106 - 107 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار 58/295 ، ح 5 .
3- تفسير القمي : 1/40 - 41 ؛ بحار الأنوار 11/105 ، ح 10 .
4- سورة الحجر : 28 - 29 .
5- علل الشرايع : 1/105 - 106 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 58/300 ؛ ح 7 .

وَ عَهْدَ وَصِيَّتِهِ إِلَيْهِمْ

أشار عليه السلام في قوله هذا إلى قوله تعالى : « إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طينٍ * فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فيهِ مِنْ رُوحي فَقَعُوا لَهُ ساجِدينَ »(1) .

وأمّا الوفاء بالعهد والوعد فقد دلّ عليه آيات ، قال تعالى : « أَوَ كُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَريقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ »(2) ، وقال تعالى : « وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا »(3) ، وقال تعالى : « وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً »(4) ، وقال تعالى : « وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ »(5) ، وقال اللَّه تعالى : « وَالَّذينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ »(6) ، وقال تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ »(7) .

عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « أقربكم منّي غداً في الموقِف أصدَقكم للحديث ، وأداءكم للأمانة ، وأوفاكم بالعهد »(8) .

ص: 114


1- سورة ص : 71 - 72 .
2- سورة البقرة : 100 .
3- سورة البقرة : 177 .
4- سورة الإسراء : 34 .
5- سورة مريم : 54 .
6- سورة المؤمنون : 8 .
7- سورة الصف : 2 - 3 .
8- الأمالي للطوسي : 229 ، المجلس الثامن ، ح 53 ؛ بحار الأنوار : 7/303 ، ح 65 . والروايات به كثيرة تأتي في موضعها إن شاء اللَّه .

فِي الإِذْعَانِ بِالسُّجُودِ لَهُ وَالْخُنُوعِ لِتَكْرِمَتِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ اسْجُدُوا لِآدَمَ

عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام في خبر طويل في خلقة آدم عليه السلام إلى أن قال : « وكان السجود لآدم يوم الجمعة عند الزوال »(1) .

فَسَجَدُوا

فبقيت الملائكة في سجودها إلى العصر(2) .

إِلّا إِبْلِيسَ وَقَبِيلَهُ

الّا إِبْلِيسَ وَقَبِيلَهُ(3)

عن أبي الحسن الرضا عليه السلام انّه ذكر : « انّ اسم ابليس الحارث . . . وسمّي ابليس لأنّه ابلس من رحمة اللَّه عزّوجل »(4) .

اختلفت الأقوال في كون إبليس قبل الطرد واللعن انّه كان من الملائكة أم لا ؟ فمنهم من يقول بالأوّل ومنه من لا يقول به .

واستدلّ من يقول بأنّه من الملائكة بالآيات ، قال اللَّه تعالى : « وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرينَ »(5) ، وقال عزّوجلّ : « فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْليسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ

ص: 115


1- مستدرك الوسائل : 6/69 ، ح 6454 - 5 .
2- مستدرك الوسائل : 6/69 ، ح 6454 - 5 .
3- لم يذكر كلمة [ وقبيله ] في النسخة المطبوعة بمصر ولا في الشرح لابن أبي الحديد وذكر فيهما الضمائر الآتية كلّها بلفظ المفرد . بحار الأنوار : 60/212 ، الهامش 5 .
4- معاني الأخبار : 138 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 60/241 - 242 ، ح 89 .
5- سورة البقرة : 34 .

الّا إِبْلِيسَ وَقَبِيلَهُ(1)

السَّاجِدينَ »(2) ، وقال تعالى : « وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدينَ »(3) ، وقال تعالى : « وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ »(4) ، وقال أيضاً : « فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْليسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرينَ »(5) .

والاستثناء المذكور في الآيات ليس بمنقطع لأنّه على خلاف الأصل ولا يصار إليه إلّا لضرورة ولا ضرورة في المقام(6) .

قال المحدّث المجلسي رحمه الله : وضمّ القبيل هنا إلى ابليس غريب ، فانه لم يكن له في هذا الوقت ذريّة ولم يكن أشباهه في السماء فيمكن أن يكون المراد به أشباهه من الجن في الأرض بأن يكونوا مأمورين بالسجود أيضاً ، وعدم ذكرهم في الآيات وسائر الأخبار لعدم الاعتناء بشأنهم ، أو المراد به طائفة خلقها اللَّه تعالى في السماء غير الملائكة ، ويمكن أن يكون المراد بالقبيل ذريّته ويكون اسناد عدم السجود إليهم لرضاهم بفعله كما قال في موضع آخر : انّما يجمع الناس الرضا

ص: 116


1- لم يذكر كلمة [ وقبيله ] في النسخة المطبوعة بمصر ولا في الشرح لابن أبي الحديد وذكر فيهما الضمائر الآتية كلّها بلفظ المفرد . بحار الأنوار : 60/212 ، الهامش 5 .
2- سورة الحجر : 30 - 31 .
3- سورة الأعراف : 11 .
4- سورة البقرة : 34 و ...
5- سورة ص : 73 - 74 .
6- واستدلّ القائلون بكونه من الجن وانّه ليس من الملائكة بقوله تعالى : « وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ » ( سورة الكهف : 50 ) وبقوله تعالى : « وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ » ( سورة سبأ : 40 - 41 ) وبقول النبي صلى الله عليه وآله : خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار ( لسان العرب : 2/366 ) . ولكن بعد الاتّفاق على أصل وجوده وابائه وامتناعه عن السجدة ليس في هذا البحث كثير فائدة .

والسخط وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم اللَّه بالعذاب لمّا عمّوه بالرضا فقال سبحانه : « فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمينَ »(1) .(2)

أقول : ما ذكره أخيراً هو الأوجه ويشهد به مضافاً إلى ما ذكره ما رواه السيّد رحمه الله في آخر الكتاب عنه عليه السلام من ان : الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم(3) وقال تعالى : « قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقينَ »(4) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « كان بين القاتلين والقائلين خمسمائة عام فألزمهم اللَّه القتل برضاهم ما فعلوا »(5) .

اعْتَرَتْهُ الْحَمِيَّةُ

قال اللَّه تعالى حكاية عن إبليس : « قالَ يا إِبْليسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدينَ * قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ »(6) .

عن هشام بن سالم عنه ( أبي عبداللَّه عليه السلام ) : « ولمّا خلق اللَّه آدم قبل أن ينفخ فيه الروح كان ابليس يمرّ به فيضربه برجله فيدب(7) فيقول إبليس : لأمر ما خلقت »(8) .

ص: 117


1- سورة الشعراء : 157 .
2- بحار الأنوار : 60/213 .
3- قصار الحكم : 154 .
4- سورة آل عمران : 183 .
5- الكافي : 2/409 ، ح 1 .
6- سورة الحجر : 32 - 33 .
7- دب دبيباً : مشى على هنيئة كمشي الطفل والنمل والضعيف .
8- تفسير العيّاشي : 2/328 ، ح 38 ؛ بحار الأنوار : 11/119 ، ح 53 .

وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الشِّقْوَةُ

قال اللَّه تعالى : « قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرينَ »(1) .

تَعَزَّزوا بِخِلْقَةِ النَّارِ وَاسْتَوْهَنُوا خَلْقَ الصَّلْصَالِ

هذا معنى قوله سبحانه : « قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طينٍ »(2) ، وقال تعالى : « ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتُ طيناً »(3) .

عن عيسى بن عبداللَّه القرشي قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبداللَّه عليه السلام فقال له : « يا أبا حنيفة بلغني انّك تقيس ؟ » قال : نعم ، قال : « لا تقس فانّ أوّل من قاس ابليس حين قال : « خلقتني من نار وخلقته من طين » فقاس بين النار والطين ، ولو قاس نوريّة آدم بنوريّة النار عرف فضل ما بين النورين ، وصفاء أحدهما على الآخر »(4) .

وعن أبي حمزة الثمالي قال : قال علي بن الحسين عليه السلام : « انّ دين اللَّه لا يصاب بالعقول الناقصة »(5) .

ص: 118


1- سورة الاعراف : 13 .
2- سورة الأعراف : 12 .
3- سورة الإسراء : 61 .
4- الكافي : 1/58 ، ح 20 ؛ بحار الأنوار 47/226 ، ح 16 .
5- كمال الدين : 1/324 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار : 2/303 ، ح 40 ؛ مستدرك الوسائل : 17/262 ، ح 25 .

وعن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : ما تقول في رجلٍ قطع إصبعاً من أصابع المرأة كم فيها ؟ قال : « عشر من الإبل » ، قلت : قطع اثنين قال : « عشرون » قلت : قطع ثلاثاً قال : « ثلاثون » ، قلت : قطع أربعاً قال : « عشرون » ، قلت : سبحان اللَّه يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون ؟ إنّ هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممّن قاله ونقول الذي جاء به شيطان . فقال : « مهلاً يا أبان ، هكذا حكم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إنّ المرأة تقابل الرجل إلى ثلث الدية فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف ، يا أبان إنّك أخذتني بالقياس والسنّة إذا قيست محق الدين »(1) .

وانّ الصادق عليه السلام قال لأبي حنيفة - لمّا دخل عليه - : « من أنت ؟ » قال : أبو حنيفة ، قال عليه السلام : « مفتي أهل العراق ؟ » قال : نعم ، قال : « بما تفتيهم ؟ » قال : بكتاب اللَّه ، قال عليه السلام : « وإنك لعالم بكتاب اللَّه ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ؟ » قال : نعم ، قال : « فأخبرني عن قول اللَّه عزّوجلّ « وَقَدَّرْنا فيهَا السَّيْرَ سيرُوا فيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنينَ »(2) أيّ موضع هو ؟ » قال أبو حنيفة : هو ما بين مكة والمدينة . فالتفت أبو عبداللَّه عليه السلام إلى جلسائه وقال : « نشدتكم باللَّه هل تسيرون بين مكة والمدينة ولا تأمنون على دمائكم من القتل وعلى أموالكم من السرق ؟ » فقالوا : اللّهمّ نعم . فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : « ويحك يا أبا حنيفة إن اللَّه لا يقول إلّا حقّاً ، أخبرني عن قول اللَّه عزّوجلّ : « وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً »(3) أي موضع هو ؟ » قال :

ص: 119


1- الكافي : 7/299 ، ح 6 .
2- سورة سبأ : 18 .
3- سورة آل عمران : 97 .

ذلك بيت اللَّه الحرام ، فالتفت أبو عبداللَّه إلى جلسائه وقال : « نشدتكم باللَّه هل تعلمون أنّ عبداللَّه بن الزبير وسعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل ؟ » قالوا : اللّهمّ نعم . فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : « ويحك يا أبا حنيفة إن اللَّه لا يقول إلّا حقّاً » ، فقال أبو حنيفة : ليس لي علم بكتاب اللَّه إنما أنا صاحب قياس . فقال أبو عبداللَّه : « فانظر في قياسك إن كنت مقيسا ، أيما أعظم عند اللَّه القتل أو الزنا ؟ » قال بل القتل . قال عليه السلام : « فكيف رضي في القتل بشاهدين ولم يرض في الزنا إلا بأربعة ؟ » ثم قال له : « الصلاة أفضل أم الصيام ؟ » قال : بل الصلاة أفضل ، قال عليه السلام : « فيجب على قياس قولك على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام ، وقد أوجب اللَّه تعالى عليها قضاء الصوم دون الصلاة » ، ثمّ قال له عليه السلام : « البول أقذر أم المني ؟ » قال : البول أقذر قال عليه السلام : « يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني وقد أوجب اللَّه تعالى الغسل من المني دون البول » ، قال : إنما أنا صاحب رأي قال عليه السلام : « فما ترى في رجل كان له عبدٌ فتزوّج وزوّج عبده في ليلة واحدة فدخلا بامرأتيهما في ليلة واحدة ، ثم سافرا وجعلا امرأتيهما في بيت واحد وولدتا غلامين فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين وبقي الغلامان ، أيهما في رأيك المالك وأيهما المملوك ؟ وأيهما الوارث وأيهما الموروث ؟ » قال : إنما أنا صاحب حدود ! قال عليه السلام : « ما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح وأقطع قطع يد رجل ، كيف يقام عليهما الحدّ ؟ » قال : إنما أنا رجل عالم بمباعث الأنبياء ! قال : « فأخبرني عن قول اللَّه لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون : « لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى »(1) ولعل منك شكّ ؟ » قال : نعم . قال عليه السلام : « فكذلك من اللَّه شكّ إذ قال :

ص: 120


1- سورة طه : 44 .

لعله ؟ » قال أبو حنيفة : لا علم لي ! قال عليه السلام : « تزعم أنك تفتي بكتاب اللَّه ولست ممن ورثه وتزعم أنك صاحب قياس وأول من قاس إبليس لعنه اللَّه ولم يبن دين الإسلام على القياس ، وتزعم أنك صاحب رأي وكان الرأي من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله صواباً ومن دونه خطاءاً لأنّ اللَّه تعالى قال : احكم بينهم بما أراك اللَّه ، ولم يقل ذلك لغيره ، وتزعم أنك صاحب حدود ومن أنزلت عليه أولى بعلمها منك ، وتزعم أنك عالم بمباعث الأنبياء ولخاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم منك ، ولو لا أن يقال دخل على ابن رسول اللَّه فلم يسأله عن شي ء ، ما سألتك عن شي ء ، فقس إن كنت مقيسا » . قال أبو حنيفة : لا تكلّمت بالرأي والقياس في دين اللَّه بعد هذا المجلس . قال عليه السلام : « كلّا إنّ حب الرئاسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك » . الخبر(1) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « إنّ ابليس قاس نفسه بآدم فقال : « خَلَقْتَني مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طينٍ »(2) ، ولو قاس الجوهر الذي خلق اللَّه منه آدم بالنار ، كان ذلك أكثر نوراً وضياء من النار »(3) .

وعن اسحاق بن حريز قال : قال أبو عبداللَّه عليه السلام : « أيّ شي ء يقول أصحابك في قول ابليس : « خلقتني من نار وخلقته من طين » ؟ » قلت : جعلت فداك ، قد قال ذلك وذكره اللَّه في كتابه . قال عليه السلام : « كذب ابليس لعنه اللَّه يا اسحاق ، ما خلقه اللَّه إلّا من طين » ثمّ قال : « قال اللَّه : « الَّذي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ »(4) ، خلقه اللَّه من تلك النار والنار من تلك الشجرة والشجرة أصلها

ص: 121


1- بحار الأنوار : 2/287 - 288 ، ح 4 ؛ الاحتجاج : 2/360 ، 362 .
2- سورة الأعراف : 12 .
3- الكافي : 1/58 ، ح 18 ؛ المحاسن : 11/211 ح 81 ؛ بحار الأنوار : 11/147 ، ح 17 .
4- سورة يس : 80 .

من طين »(1) .

وفي الاحتجاج انّ جمعاً من المشركين حاجّوا النبيّ صلى الله عليه وآله فقالوا : انّ اللَّه لمّا خلق آدم وأمر الملائكة بالسجود له كنّا نحن أحقّ بالسجود لآدم من الملائكة ففاتنا ذلك فصوّرنا صورته فسجدنا لها تقرّباً إلى اللَّه كما تقرّبت الملائكة بالسجود لآدم إلى اللَّه تعالى وكما أُمرتم بالسجود بزعمكم إلى جهة مكّة ففعلتم ، ثمّ نصبتم في غير ذلك البلد بأيديكم محاريب سجدتم إليها ، وقصدتم الكعبة لا محاريبكم ، وقصدتم بالكعبة إلى اللَّه عزّوجلّ لا إليها - إلى أن قال - فقال النبي لهم : انّ اللَّه حيث أمر بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره ، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه لأنّكم لا تدرون لعلّه يكره ما تفعلون اذ لم يأمركم به ، ثمّ قال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « أرأيتم لو أذن لكم رجل دخول داره يوماً بعينه ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير امره أو لكم أن تدخلوا داراً له اُخرى مثلها بغير أمره - الخبر - »(2) .

فَأَعْطَاهُ اللَّهُ النَّظِرَةَ

اعلم انّ ابليس بعد تمردّه عن السجود وتكبّره عن طاعة المعبود سأل اللَّه النظرة والمهلة إلى يوم البعث وقال : « رَبِّ فَأَنْظِرْني إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ »(3) .

قال تعالى : « قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرينَ * إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ »(4) .

ص: 122


1- تفسير القمي : 2/244 ، بحار الأنوار : 60/244 ، ح 95 .
2- الاحتجاج : 1/26 ، بحار الانوار : 9/264 .
3- سورة الحجر : 36 .
4- سورة الحجر : 37 - 38 .

اسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ

قال سبحانه : « وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهينٌ »(1) .

وَ إِنْجَازاً لِلْعِدَةِ

عن الحسن [ الحسين ] بن عطيّة قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « انّ ابليس عبد اللَّه في السماء الرابعة في ركعتين ستّة آلاف سنة وكان من إنظار اللَّه إيّاه إلى يوم الوقت المعلوم بما سبق من تلك العبادة »(2) .

وقال الصادق عليه السلام : « قال ابليس : يا ربّ كيف وأنت العدل الذي لا تجور ، فثواب عملي بطل ، قال : لا ولكن إسأل من أمر الدنيا ما شئت ثواباً لعملك فاعطيتك ، فأوّل ما سأل البقاء إلى يوم الدين ، فقال اللَّه : قد اعطيتك . الخبر »(3) .

وعن زرارة عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك بماذا استوجب ابليس من اللَّه ان أعطاة ما أعطاه ؟ فقال : « بشي ء كان منه شكره اللَّه عليه » ، قلت : وما كان منه جعلت فداك ؟ قال : « ركعتين ركعهما في السماء في أربعة آلاف سنة »(4) .

أقول : اختلف في المراد من يوم الوقت المعلوم فهو اما وقت النفخة الاولى

ص: 123


1- سورة آل عمران : 178 .
2- تفسير العيّاشي : 2/242 ، ح 13 ؛ بحار الأنوار : 60/254 ، ح 118 .
3- تفسير القمي : 1/42 ؛ بحار الأنوار : 11/141 ، ح 7 .
4- تفسير القمي : 1/42 ؛ بحار الأنوار : 11/142 ، ح 8 .

حين يموت كلّ الخلائق وإما الذي ذكره بقوله : « إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ »(1) وإمّا يوم لا يعلمه إلّا اللَّه تعالى وليس المراد منه يوم القيامة ولكن المستفاد من بعض الأخبار الوجه الأوّل ، انّ رجلاً دخل على أبي عبداللَّه عليه السلام فقال : جعلت فداك أخبرني عن قول اللَّه عزّوجلّ لابليس : « قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرينَ * إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ »(2) قال عليه السلام : « ويوم الوقت المعلوم يوم ينفخ في الصور نفخة واحدة فيموت ابليس ما بين النفخة الاولى والثانية »(3) .

ومن البعض الآخر انه عند الرجعة .

عن أبي عبداللَّه عليه السلام في قول اللَّه تبارك وتعالى : « فَأَنْظِرْني إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ »(4) قال : « يوم الوقت المعلوم يوم يذبحه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على الصخرة التي في بيت المقدس »(5) .

عن وهب بن جميع مولى اسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن قول ابليس : « رَبِّ فَأَنْظِرْني إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرينَ * إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ »(6) قال له وهب : جعلت فداك ، أي يوم هو ؟ قال : « يا وهب أتحسب انه يوم يبعث اللَّه فيه الناس ، ان اللَّه انظره إلى يوم يبعث فيه قائمنا فاذا بعث اللَّه قائمنا كان في مسجد الكوفة وجاء ابليس حتّى يجثو بين يديه على ركبتيه فيقول : يا

ص: 124


1- سورة الحجر : 36 .
2- سورة الحجر : 37 - 38 .
3- علل الشرايع : 2/402 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 96/32 ، ح 7 .
4- سورة الحجر : 36 .
5- تفسير القمّي : 2/245 ؛ بحار الأنوار : 11/154 ، ح 31 .
6- سورة الحجر : 36 - 38 .

ويله من هذا اليوم فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه فذلك اليوم هو الوقت المعلوم »(1) .

ويحتمل الجمع بينها بان يقتله القائم ثمّ يحيى ويقتله رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ثمّ يحيى ويموت عند النفخة(2) .

ملاحظات

الأوّل : أسرار أمر الملائكة بالسجود لآدم

منها : انّ الملائكة زعموا انّ ابليس منهم فبعد الأمر بالسجود وابائه وامتناعه عن السجدة علموا انه ليس منهم كما يدلّ عليه بما رواه جميل عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سئل عمّا ندب اللَّه الخلق إليه أدخل فيه الضلالة ؟ قال : « نعم والكافرون دخلوا فيه لأنّ اللَّه تبارك وتعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم ، فدخل في أمره الملائكة وإبليس فإنّ إبليس كان من الملائكة في السماء يعبد اللَّه وكانت الملائكة تظنّ أنه منهم ولم يكن منهم ، فلما أمر اللَّه الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام أخرج ما كان في قلب إبليس من الحسد فعلمت الملائكة عند ذلك أنّ إبليس لم يكن مثلهم » ، فقيل له عليه السلام : فكيف وقع الأمر على إبليس وإنّما أمر اللَّه الملائكة بالسجود لآدم ؟ فقال عليه السلام : « كان إبليس منهم بالولاء ولم يكن من جنس الملائكة وذلك أنّ اللَّه خلق خلقاً قبل آدم وكان إبليس منهم حاكماً في الأرض فعتوا وأفسدوا وسفكوا الدِّماء فبعث اللَّه الملائكة فقتلوهم وأسروا إبليس ورفعوه إلى السماء وكان مع

ص: 125


1- تفسير العيّاشي : 2/242 ، ح 14 ؛ بحار الأنوار : 60/254 ، ح 119 .
2- منهاج البراعة : 2/53 .

الملائكة يعبد اللَّه إلى أن خلق اللَّه تبارك وتعالى آدم عليه السلام »(1) .

ومنها : انّ سجود الملائكة لآدم لما في صلبه من أنوار نبيّنا واهل بيته المعصومين صلوات اللَّه عليهم أجمعين .

قال علي بن الحسين عليه السلام : حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله [ قال ] قال : « يا عباد اللَّه إن آدم لما رأى النور ساطعاً من صلبه إذ كان اللَّه قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره، رأى النور، ولم يتبين الأشباح ، فقال : يا رب ما هذه الأنوار ؟ قال اللَّه عزّوجلّ : أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك، ، إذ كنت وعاء لتلك الأشباح. فقال آدم : يا رب لو بيّنتها لي ، فقال اللَّه عزَّوجلّ : انظر يا آدم إلى ذروة العرش ، فنظر آدم، ووقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش، فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية فرأى أشباحنا ، فقال : يا رب ما هذه الأشباح ؟ قال اللَّه تعالى : يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي هذا محمّد وأنا المحمود الحميد في أفعالي، شققت له اسماً من اسمي ، وهذا علي وأنا العلي العظيم، شققت له اسماً من اسمي ، وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والأرض، فاطم أعدائي عن رحمتي يوم فصل قضائي، وفاطم أوليائي عما يعرهم و يسيئهم فشققت لها اسما من اسمي ، وهذان الحسن والحسين وأنا المحسن [ و ]المجمل شققت اسميهما من اسمي هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريتي، بهم آخذ، وبهم أعطي، وبهم أعاقب، وبهم أثيب، فتوسل إلي بهم. يا آدم، وإذا دهتك داهية فاجعلهم إلي شفعائك، فإني آليت على نفسي قسما حقا [ أن ] لا أخيب بهم آملا،

ص: 126


1- تفسير القمي : 1/35 ؛ بحار الأنوار : 60/234 ، ح 73 .

ولا أردّ بهم سائلا ، فلذلك حين زلّت منه الخطيئة، دعا اللَّه عزّوجلّ بهم فتاب عليه و غفر له »(1) .

الثاني : ماذا كان المانع لابليس عن السجود ؟

عن ابن عبّاس رضى الله عنه قال : قال إبليس لنوح عليه السلام : لك عندي يد عظيمة سأعلمك خصالاً ، قال نوح : وما يدي عندك ؟ قال دعوتك على قومك حتى أهلكهم اللَّه جميعا ، فايّاك والكبر وإياك والحرص وإياك والحسد ، فإن الكبر هو الذي حملني على أن تركت السجود لآدم ، فأكفرني وجعلني شيطانا رجيماً وإياك والحرص فإن آدم أبيح له الجنة ونهي عن شجرة واحدة فحمله الحرص على أن أكل منها ، وإياك والحسد فإن ابن آدم حسد أخاه فقتله ، فقال نوح عليه السلام : فأخبرني متى تكون أقدر على ابن آدم قال عند الغضب(2) .

أقول : المستفاد من رواية القمي السالفة انّ المانع هو الحسد ، ومن الآيات القرآنيّة وهذه الرواية انه الاستكبار ولا منافاة بينها لأن من الممكن أن يكون الحسد والكبر كلاهما المانع الناشى من قياسه الفاسد .

ويدلّ عليه : قال أبو جعفر عليه السلام : « وجدناه هذا في كتاب أميرالمؤمنين عليه السلام فخلق اللَّه آدم فبقي أربعين سنة مصوراً فكان يمرّ به ابليس اللعين فيقول : لِأَمْرِ ما خلقت » ، فقال العالم عليه السلام : « فقال ابليس : لئن أمرني اللَّه بالسجود لهذا لأعصينه ، قال : ثمّ نفخ فيه ، فلمّا بلغت الروح إلى دماغه عطس عطسة جلس منها فقال :

ص: 127


1- تفسير الامام العسكري عليه السلام : 219 ، ح 102 ؛ بحار الأنوار : 26/327 ، ذح 10 .
2- قصص الأنبياء للراوندي : 86 ، ح 78 ؛ بحار الأنوار : 60/251 ، ح 113 .

الحمد للَّه ، فقال اللَّه تعالى : يرحمك اللَّه » ، قال الصادق عليه السلام : « فسبقت له من اللَّه الرحمة ، ثمّ قال اللَّه تبارك وتعالى للملائكة : اسجدوا لآدم ، فسجدوا له ، فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد فأبى أن يسجد ، فقال اللَّه عزّوجلّ : « قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَني مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طينٍ » »(1) . قال الصَّادق عليه السلام : « فأوّل من قاس إبليس واستكبر ، والاستكبار هو أوّل معصية عصي اللَّه بها » ، قال : « فقال إبليس : يا ربّ أعفني من السجود لآدم عليه السلام وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب ولا نبيّ مرسل ، قال اللَّه تبارك وتعالى : لا حاجة لي إلى عبادتك إنما أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تريد فأبى أن يسجد فقال اللَّه تبارك وتعالى : « فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ »(2) ، فقال إبليس : يا ربّ فكيف وأنت العدل الذي لا تجور ، فثواب عملي بطل ، قال : لا ولكن سلني من أمر الدُّنيا ما شئت ثواباً لعملك فأعطيك ، فأوّل ما سأل البقاء إلى يوم الدين فقال اللَّه : قد أعطيتك ، قال : سلّطني على ولد آدم ، قال : سلّطتك ، قال أجرني منهم مجرى الدم في العروق ، قال : قد أجريتك قال : لا يلد لهم ولد إلّا ولد لي اثنان ، قال : وأراهم ولا يروني وأتصوّر لهم في كل صورة شئت ، فقال : قد أعطيتك ، قال : يا ربّ زدني ، قال قد جعلت لك ولذريتك صدورهم أوطاناً ، قال : رب حسبي ، فقال إبليس عند ذلك : « فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعينَ * إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمخْلَصينَ »(3) « ثُمَّ لآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْديهِمْ وَمِنْ

ص: 128


1- سورة الأعراف : 12 .
2- سورة الحجر : 34 - 35 .
3- سورة ص : 82 - 83 .

خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرينَ »(1) » .(2)

عن زرارة ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « لما اعطي اللَّه تبارك وتعالى ابليس ما أعطاه من القوّة قال آدم : يا ربّ سلّطته على ولدي وأجريته مجرى الدم في العروق وأعطيته ما أعطيته ، فما لي ولولدي ؟ فقال : لك ولولدك السيّئة بواحدة والحسنة بعشرة أمثالها ، قال : يا ربّ زدني ، قال : التوبة مبسوطة إلى حين يبلغ النفس الحلقوم ، فقال : يا ربّ زدني ، قال : أغفر ولا أُبالي ، قال : حسبي »(3) .

انّ ابليس اللعين ليس من الملائكة ولا كان منها

قال تعالى : « كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ »(4) .

ورواية علي بن ابراهيم القمي السالفة : فانّ ابليس كان من الملائكة في السماء يعبد اللَّه وكانت الملائكة تظنّ انه منهم ولم يكن منهم(5) .

وقال أبو يعقوب وأبو الحسن قلنا للحسن أبي القائم عليه السلام - في ذيل قصّة هاروت وماروت بعد اثباته عليه السلام عصمة الملائكة - قالا : قلنا له عليه السلام : فعلى هذا لم يكن ابليس أيضاً ملكاً ، فقال : « لا ، بل كان من الجن ، أما تسمعان انّ اللَّه تعالى يقول : « وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ »(6)

ص: 129


1- سورة الأعراف : 17 .
2- تفسير القمي : 1/2 - 41 ؛ بحار الأنوار : 11/141 ، ح 7 .
3- تفسير القمي : 1/41 - 42 ؛ بحار الأنوار : 11/142، ح 8؛ قصص الأنبياء للجزايري: 34.
4- سورة الكهف : 50 .
5- تفسير القمي : 1/35 - 36 ؛ بحار الأنوار : 60/234 ، ح 73 .
6- سورة الكهف : 50 .

فاخبر انه كان من الجن ، وهو الذي قال اللَّه تعالى : « وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ »(1) » .(2)

وعن جميل بن درّاج عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « سألته عن ابليس أكان من الملائكة أو هل كان يلي شيئاً من أمر السماء ، قال : لم يكن من الملائكة ، ولم يكن يلي شيئاً من أمر السماء وكان من الجن وكان مع الملائكة وكانت الملائكة ترى انه منها ، وكان اللَّه يعلم انّه ليس منها ، فلمّا أمر بالسجود كان منه الذي كان »(3) .

عن جميل قال : كان الطيّار يقول لي : ابليس ليس من الملائكة وإنّما امرت الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام ، فقال ابليس : لا أسجد فما لابليس يعصى حين لم يسجد وليس هو من الملائكة ، قال : فدخلت أنا وهو على أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « فاحسن واللَّه في المسألة ، فقال : جعلت فداك ، أرأيت ما ندب اللَّه عزّوجلّ إليه المؤمنين من قوله : « يا أيُّها الذينَ آمَنُوا »(4) أدخل في ذلك المنافقون معهم ؟ قال : نعم ، والضلال وكلّ من أقرّ بالدعوة الظاهرة ، وكان ابليس ممّن أقرّ بالدعوة الظاهرة معهم »(5) .

كيفيّة سجود الملائكة لآدم

عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام قال : قلت : سجدت الملائكة لآدم عليه السلام

ص: 130


1- سورة الحجر : 27 .
2- تفسير الامام العسكري عليه السلام : 476 ؛ بحار الأنوار : 56/322 .
3- تفسير العيّاشي : 1/34 ، ح 16 ؛ بحار الأنوار : 60/218 ، ح 55 .
4- سورة البقرة : 178 و ... .
5- الكافي : 2/412 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 60/262 ، ح 142 .

ووضعوا جباههم على الأرض ؟ قال : « نعم تكرمة من اللَّه تعالى »(1) .

ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً أَرْغَدَ فِيهَا عَيْشَهُ

قال سبحانه : « وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً »(2) ، وقال تعالى : « وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما »(3) .

وَ آمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ

اشارة

قال سبحانه : « ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنينَ »(4) وقال سبحانه : « إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فيها وَلا تَعْرى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فيها وَلا تَضْحى »(5) .

انّ الجنّة التي أسكنه اللَّه تعالى فيها هي جنّة الدنيا

ولو كانت دار الثواب لكانت جنّة الخلد ، ولو كان آدم فيها لما لحقه الغرور من ابليس بقوله تعالى « فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ »(6) . ولمّا صحّ قوله لهما « فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما »(7) ولا يخرج منها لقوله تعالى : « وَما هُمْ

ص: 131


1- قصص الأنبياء للراوندي : 42 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 11/139 ، ح 3 .
2- سورة البقرة : 35 .
3- سورة الأعراف : 19 .
4- سورة الحجر : 46 .
5- سورة طه : 118 - 119 .
6- سورة طه : 120 .
7- سورة الأعراف : 20 .

مِنْها بِمُخْرَجينَ »(1) ولا يفنى نعيمها لقوله تعالى : « مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها »(2) ولقوله تعالى : « وَأَمَّا الَّذينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدينَ فيها - إلى أن قال : - عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ »(3)

عن الحسين بن ميسر قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن جنّة آدم عليه السلام ، فقال : « جنّة من جنان الدنيا تطلع فيها الشمس والقمر ولو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبداً »(4) .

وَحَذَّرَهُ إِبْلِيسَ وَعَدَاوَتَهُ

قال سبحانه : « وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ أَبى * فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى »(5) .

وقال اللَّه تعالى حكاية عنه بعد طرده ولعنه حيث قال : « قالَ أَنْظِرْني إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرينَ * قالَ فَبِما أَغْوَيْتَني لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقيمَ * ثُمَّ لآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْديهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ »(6) وقال في موضع آخر : « قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعينَ * إِلاَّ عِبادَكَ

ص: 132


1- سورة الحجر : 48 .
2- سورة الرعد : 35 .
3- سورة هود : 108 .
4- الكافي : 3/247 ، ح 2 ؛ ومثله : علل الشرايع : 2/600 ، ح 55 ؛ بحار الأنوار : 6/284 ، ح 2 .
5- سورة طه : 116 - 117 .
6- سورة الأعراف : 14 - 17 .

مِنْهُمُ الْمخْلَصينَ »(1) وقال أيضاً : « قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ »(2) وغير ذلك من الآيات .

فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ

قال سبحانه : « فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ »(3) .

نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ الْمُقَامِ

قال سبحانه : « فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فيهِ »(4) .

خلاصة القول فيه على ما يظهر من الأخبار والآثار عن الأئمّة الأخيار انّ اللَّه تعالى لمّا قال مخاطباً لآدم وحوّاء : « وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حينٍ »(5) .

قال الامام عليه السلام في تفسير هذه الآية الشريفة : « انّ اللَّه عزّوجلّ لمّا لعن ابليس بابائه ، وأكرم الملائكة بسجودها لآدم وطاعتهم للَّه عزّوجلّ أمر بآدم وحوّاء إلى الجنّة ، وقال : يا « يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها » من الجنّة

ص: 133


1- سورة ص : 82 - 83 .
2- سورة الحجر : 39 .
3- سورة الأعراف : 22 .
4- سورة البقرة : 36 .
5- سورة البقرة : 35 - 36 .

« رَغَداً » واسعاً « حَيْثُ شِئْتُما » بلا تعب « وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ » شجرة العلم ، شجرة علم محمّد وآل محمّد عليهم السلام الذين آثرهم اللَّه عزّوجلّ بها دون سائر خلقه فقال اللَّه تعالى : « وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ » شجرة العلم ، فانّها لمحمّد وآله خاصّة دون غيرهم ، ولا يتناول منها بأمر اللَّه إلّا هم ، ومنها ما كان يتناوله النبي صلى الله عليه وآله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللَّه عليهم أجمعين - بعد إطعامهم المسكين واليتيم والأسير - حتّى لم يحسّوا بعْدُ بجوع ولا عطش ولا تعب ولا نصب ، وهي شجرة تميّزت من بين أشجار الجنّة ، انّ سائر أشجار الجنّة كان كلّ نوع منها يحمل نوعاً من الثمار والمأكول ، وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البُرّ والعنب والتين والعنّاب وسائر أنواع الثمار والفواكه والأطعمة ، فلذلك اختلف الحاكمون لتلك الشجرة ، فقال بعضهم : هي بُرّة ، وقال آخرون : هي عنبة ، وقال آخرون : هي تينة ، وقال آخرون : هي عنّابة ، قال اللَّه تعالى : « وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ » تلتمسان بذلك درجة محمّد وآل محمّد في فضلهم فانّ اللَّه تعالى خصّهم بهذه الدرجة دون غيرهم ، وهي الشجرة التي من تناول منها باذن اللَّه عزّوجلّ الهم علم الأوّلين والآخرين من غير تعلّم ، ومن تناول منها بغير اذن اللَّه خاب من مراده وعصى ربه وعصى ربه « فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمينَ » بمعصيتكما والتماسكما درجة قد أوثر بها غيركما إذا أردتماها بغير حكم اللَّه . قال اللَّه تعالى : « فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها » عن الجنة بوسوسته وخديعته وإيهامه [ وعداوته ] وغروره، بأن بدأ بآدم فقال : « ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ » إن تناولتما منها تعلمان الغيب، وتقدران على ما يقدر عليه من خصه اللَّه تعالى بالقدرة « أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ » لا تموتان أبدا. « وَقاسَمَهُما » حلف لهما « إِنِّي لَكُما لَمِنَ

ص: 134

النَّاصِحِينَ »(1)[ الصالحين ] وكان إبليس بين لحيي الحية أدخلته الجنة، و كان آدم يظن أن الحية هي التي تخاطبه، ولم يعلم أن إبليس قد اختبأ بين لحييها. فردّ آدم على الحية : أيتها الحية - هذا من غرور إبليس لعنه اللَّه - كيف يخوننا ربّنا أم كيف تعظّمين اللَّه بالقسم به - وأنت تنسبينه إلى الخيانة وسوء النظر، وهو أكرم الأكرمين ، أم كيف أروم التوصل إلى ما منعني منه ربي عزّوجلّ، وأتعاطاه بغير حكمة ، فلما أيس إبليس من قبول آدم منه، عاد ثانية بين لحيي الحية فخاطب حواء من حيث يوهمها أن الحية هي التي تخاطبها، وقال : يا حواء أرأيت هذه الشجرة التي كان اللَّه عزّوجلّ حرّمها عليكما، قد أحلّها لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما له، وتوقيركما إياه ، وذلك أن الملائكة الموكّلين بالشجرة الذين معهم حراب يدفعون عنها سائر حيوان الجنة لا تدفعكِ عنها إن رمتها ، فاعلمي بذلك أنه قد أحلّ لكِ، وأبشري بأنكِ إن تناولتها قبل آدم كنتِ أنتِ المسلّطة عليه، الآمرة الناهية فوقه. فقالت حوّاء : سوف أجرّب هذا. فرامت الشجرة فأرادت الملائكة أن تدفعها عنها بحرابها. فأوحى اللَّه تعالى إليها(2) إنما تدفعون بحرابكم من لا عقل له يزجره، فأمّا من جعلته ممكّناً مميّزاً مختاراً، فَكِلوه إلى عقله الذي جعلته حجة عليه، فإن أطاع استحق ثوابي، وإن عصى وخالف أمري استحق عقابي وجزائي . فتركوها ولم يتعرضوا لها، بعد ما همّوا بمنعها بحرابهم ، فظنّت أن اللَّه نهاهم عن منعها ، لأنه قد أحلّها بعد ما حرّمها . فقالت : صدقت الحيّة ، وظنّت أن المخاطب لها هي الحيّة ، فتناولت منها ولم تنكّر(3) من

ص: 135


1- سورة الأعراف : 20 .
2- أي إلى الملائكة .
3- تنكر الرجل : تغيّر عن حال تسرّه إلى حال يكرهها .

نفسها شيئا. فقالت لآدم : ألم تعلم أن الشجرة المحرّمة علينا قد أبيحتْ لنا ، تناولتُ منها فلم تمنعني أملاكها ، ولم أنكر شيئا من حالي ، فذلك حين اغتر آدم وغلط فتناول فأصابهما ما قال اللَّه تعالى في كتابه : « فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما » بوسوسته وغروره « مِمَّا كانا فِيهِ ) من النعيم » . انتهى موضع الحاجة من الحديث وسيأتي بقيّة الخبر في شرح قوله عليه السلام ثمّ بسط اللَّه سبحانه(1) .

فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكِّهِ

الشكّ الذي حدث من وسوسة ابليس قال تعالى : « فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى »(2) .

وعن أبي جعفر عليه السلام : « لا تنقض اليقين أبداً بالشكّ وإنّما تنقضه بيقين آخر »(3) .

وَالْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ

قال تعالى : « وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً »(4) .

عن أبي جعفر عليه السلام قال : انّ اللَّه تبارك وتعالى عهد إلى آدم عليه السلام أن لا يقرب هذه الشجرة ، فلمّا بلغ الوقت الذي كان في علم اللَّه أن يأكل منها نسى فأكل منها وهو قول اللَّه عزّوجلّ : « وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً »(5) .

ص: 136


1- تفسير الامام الحسن العسكري عليه السلام : 221 ؛ البرهان في تفسير القرآن : 1/178 .
2- سورة طه : 120 .
3- وسائل الشيعة : 2/356 ، ح 2 - 2352 ؛ تهذيب الأحكام : 1/8 ح 11 .
4- سورة طه : 115 .
5- الكافي : 8/113 ، ح 92 ؛ بحار الأنوار : 11/43 ح 49 .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام في قوله : « وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ » : « كلمات في محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام من ذريّتهم « فَنَسِيَ » هكذا واللَّه نزلت على محمّد صلّى اللَّه عليه وآله»(1) .

وَبِالِاغْتِرَارِ نَدَماً

اشارة

قال تعالى : « قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرينَ »(2) .

كيف تمكّن ابليس من وسوسة آدم مع كونه في الجنّة وابليس خارجها ؟

قال اللَّه تعالى : « فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ »(3) عن الجنّة بوسوسته وخديتعه وايهامه [ وعداوته ] وغروره ، بأن بدأ بآدم فقال : « ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ »(4) إن تناولتما منها تعلمان الغيب ، وتقدران على ما يقدر عليه من خصه اللَّه تعالى بالقدرة « أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدينَ »(5) لا تموتان أبداً ، « وَقاسَمَهُما »(6) حلف لهما « إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحينَ »(7) وكان إبليس بين لحيي الحيّة أدخلته الجنة ، وكان آدم يظنّ أنّ الحية هي التي تخاطبه ولم يعلم أن

ص: 137


1- الكافي : 1/416 ، ح 23 ؛ بحار الأنوار : 11/195 ، ح 49 .
2- سورة الأعراف : 23 .
3- سورة البقرة : 36 .
4- سورة الأعراف : 20 .
5- سورة الأعراف : 20 .
6- سورة الأعراف : 21 .
7- سورة الأعراف : 21 .

إبليس قد اختبأ بين لحييها فردّ آدم على الحيَّة : أيّتها الحية هذا من غرور إبليس لعنه اللَّه كيف يخوننا ربّنا ؟ أم كيف تعظّمين اللَّه بالقسم به وأنت تنسبينه إلى الخيانة وسوء النظر وهو أكرم الأكرمين ؟ أم كيف أروم التوصل إلى ما منعني منه ربّي عزّوجلّ وأتعاطاه بغير حكمة ؟ فلمّا آيس إبليس من قبول آدم منه عاد ثانية بين لحيي الحية فخاطب حواء من حيث يوهمها أن الحيّة هي التي تخاطبها ، وقال : يا حواء أرأيت هذه الشجرة التي كان اللَّه عزّوجلّ حرّمها عليكما ، قد أحلّها لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما له ، وتوقيركما إيّاه ، وذلك أنّ الملائكة الموكّلين بالشجرة - الذين معهم حراب يدفعون عنها سائر حيوانات الجنّة - لا تدفعك عنها إن رمتها ، فاعلمي بذلك أنه قد أحلّ لك ، وأبشري بأنّك إن تناولتها قبل آدم كنت أنت المسلطة عليه ، الآمرة الناهية فوقه ، فقالت حواء : سوف أجرّب هذا ، فرامت الشجرة فأرادت الملائكة أن تدفعها عنها بحرابها ، فأوحى اللَّه تعالى إليها : أنّما تدفعون بحرابكم من لا عقل له يزجره ، فأمّا من جعلته ممكّناً مميِّزاً مختاراً فكلوه إلى عقله الذي جعلته حجّة عليه ، فإن أطاع استحقّ ثوابي ، وإن عصى وخالف [ أمري ] استحقّ عقابي وجزائي ، فتركوها ولم يتعرضوا لها بعد ما همّوا بمنعها بحرابهم ، فظنّت أنّ اللَّه نهاهم عن منعها لأنّه قد أحلّها بعد ما حرّمها ، فقالت : صدقت الحيّة وظنّت أنّ المخاطب لها هي الحيّة ، فتناولت منها ولم تنكر من نفسها شيئاً فقالت لآدم : ألم تعلم انّ الشجرة المحرّمة علينا قد ابيحت لنا ؟ تناولت منها فلم تمنعني أملاكها ، ولم أنكر شيئاً من حالي ( فذلك حين ) اغترّ آدم(1) .

ص: 138


1- تفسير الامام العسكري عليه السلام : 222 - 224 ، ح 104 ؛ بحار الأنوار : 11/190 ، ح 47 .

علّة الوضوء

جاء نفر من اليهود إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فسألوه عن مسائل فكان فيما سألوه أخبرنا يا محمّد لأيّ علّة توضّأ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد ؟ قال النبي صلى الله عليه وآله : « لما أن وسوس الشيطان إلى آدم ودنا من الشجرة فنظر إليها ذهب ماء وجهه ، ثم قام ومشى إليها وهي أول قدم مشت إلى الخطيئة ، ثم تناول بيده منها ما عليها فأكل ، فطار الحلي والحلل عن جسده فوضع آدم يده على اُمّ رأسه وبكى ، فلما تاب اللَّه عزّوجلّ عليه فرض اللَّه عليه وعلى ذريته تطهير هذه الجوارح الأربع فَأَمَرَ اللَّهُ عزّوجلّ بغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة وأمره بغسل اليدين إلى المرفقين لما تناول بهما ، وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على اُمّ رأسه ، وأمره بمسح القدمين لما مشى بهما إلى الخطيئة»(1) .

الشجرة التي نهى اللَّه آدم وزوجته منها

عن موسى بن محمّد بن علي عن أخيه أبي الحسن الثالث عليه السلام قال : « الشجرة التي نهى اللَّه آدم وزوجته أن يأكلا منها شجرة الحسد ، عهد إليهما أن لا ينظر إلى من فضّل اللَّه عليه وعلى خلائقه بعين الحسد ، ولم يجد اللَّه له عزما »(2) .

وقال الامام عليه السلام : « ولا تقربا هذه الشجرة » [ شجرة العلم ] شجرة علم محمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله الذين آثرهم اللَّه عزّوجلّ بها ، دون سائر خلقه ، فقال اللَّه تعالى :

ص: 139


1- من لا يحضره الفقيه : 1/55 ، ح 127 ؛ علل الشرايع : 1/280 ح 1 ؛ بحار الأنوار : 11/161 ح 4 .
2- تفسير العيّاشي : 2/9 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 11/187 ، ح 42 .

« ولا تقربا هذه الشجرة » شجرة العلم فانّها لمحمّد وآله خاصّة دون غيرهم ولا يتناول منها بأمر اللَّه إلّا هم ، ومنها ما كان يتناوله النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللَّه عليهم أجمعين بعد إطعامهم المسكين واليتيم والأسير حتى لم يحسوا بعد بجوع ولا عطش ولا تعب ولا نصب ، وهي شجرة تميزت من بين أشجار الجنة ، إن سائر أشجار الجنة [ كان ] كل نوع منها يحمل نوعا من الثمار والمأكول ، وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البر والعنب والتين والعناب وسائر أنواع الثمار والفواكه والأطعمة ، فلذلك اختلف الحاكون لتلك الشجرة ، فقال بعضهم : هي برة ، وقال آخرون : هي عنبة ، وقال آخرون : هي تينة ، وقال آخرون : هي عنابة ، وقال اللَّه تعالى : « وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ » تلتمسان بذلك درجة محمد [ وآل محمد ] في فضلهم ، فإن اللَّه تعالى خصّهم بهذه الدرجة دون غيرهم ، وهي الشجرة التي من تناول منها باذن اللَّه ألهم علم الأولين والآخرين من غير تعلم ومن تناول [ منها ]بغير إذن اللَّه خاب من مراده وعصى ربه(1) .

وعن عبدالسلام بن صالح الهروي قال : قلت للرضا عليه السلام يابن رسول اللَّه ، أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم وحوّاء ما كانت ؟ فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروي أنها الحنطة ، ومنهم من يروي أنها العنب ، ومنهم من يروي أنها شجرة الحسد ، فقال عليه السلام : « كل ذلك حق ، قلت : فما معنى هذه الوجوه على اختلافها ؟ فقال : يا أبا الصلت إن شجرة الجنة تحمل أنواعا فكانت شجرة الحنطة وفيها عنب وليست كشجرة الدنيا وإن آدم عليه السلام لما أكرمه اللَّه تعالى ذكره بإسجاد

ص: 140


1- تفسير الامام العسكري : 221 - 222 ، ح 103 ؛ بحار الأنوار : 11/189 ، ح 47 ؛ قصص الأنبياء للجزائري : 45 .

ملائكته له وبإدخاله الجنة قال في نفسه : هل خلق اللَّه بشرا أفضل مني ؟ فعلم اللَّه عز وجل ما وقع في نفسه ، فناداه : ارفع رأسك يا آدم فانظر إلى ساق العرش ، فرفع آدم رأسه فنظر إلى ساق العرش فوجد عليه مكتوبا لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه وعلي بن أبي طالب أميرالمؤمنين وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة فقال آدم عليه السلام : يا رب من هؤلاء ؟ فقال عزّوجلّ : يا آدم هؤلاء من ذريتك وهم خير منك ومن جميع خلقي ولولاهم ما خلقتك ولا خلقت الجنة والنار ولا السماء والأرض ، فإياك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأخرجك عن جواري ، فنظر إليهم بعين الحسد وتمنى منزلتهم ، فتسلط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها وتسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة عليها السلام بعين الحسد حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم عليه السلام فأخرجهما اللَّه عزّوجلّ عن جنته وأهبطهما عن جواره إلى الأرض»(1) .

سبب وجوب غسل الجنابة

جاء نفر من اليهود إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فسأله أعلمهم عن مسائل وكان فيما سأله أن قال : لأي شي ء أمر اللَّه تعالى بالاغتسال من الجنابة ولم يأمر من الغائط والبول ؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « إن آدم لما أكل من الشجرة دبّ ذلك في عروقه وشعره وبشره فإذا جامع الرجل أهله خرج الماء من كل عرق وشعره في جسده ، فأوجب اللَّه عزّوجلّ على ذريته الاغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة ، والبول يخرج من فضلة الشراب الذي يشربه الإنسان ، والغائط يخرج من فضلة الطعام

ص: 141


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1/306 ، ح 67 ؛ بحار الأنوار : 26/273 ، ح 15 .

الذي يأكله الإنسان فعليه من ذلك الوضوء ، قال اليهودي : صدقت يا محمد»(1) .

سبب زيادة حظّ الذكر من الانثى في الميراث

عن علي بن سالم عن أبيه قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام فقلت له : كيف صار الميراث للذكر مثل حظّ الانثيين ؟ فقال : « لأنّ الحبّات التي أكلها آدم عليه السلام وحواء في الجنّة كانت ثماني عشرة حبّة أكل آدم منها اثنتي عشرة حبّة وأكلت حوّاء ستّاً فلذلك صار الميراث للذكر مثل حظّ الانثيين »(2) .

حدّثنا علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أميرالمؤمنين عليه السلام انه سأله رجل من أهل الشام عن مسائل فكان فيما سأله ان قال له : لم صار الميراث للذكر مثل حظّ الانثيين ؟ قال : « من قبل السنبلة ، كان عليه ثلاث حبّات فبادرت إليها حوّاء فأكلت منها حبّة وأطعمت آدم حبّتين فمن أجل ذلك ورث الذكر مثل حظّ الانثيين»(3) .

ثُمَّ بَسَطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ فِي تَوْبَتِهِ

قال تعالى : « ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى »(4) .

ص: 142


1- من لا يحضره الفقيه : 1/75 - 76 ، ح 170 ؛ علل الشرايع : 1/282 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار 1/78 ، ح 1 .
2- من لا يحضره الفقيه : 4/351 ، ح 5758 ؛ علل الشرايع : 2/571 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 101/327 ، ح 5 .
3- علل الشرايع : 2/571 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 11/167 ح 13 .
4- سورة طه : 122 .

ولنرجع إلى بقيّة الحديث عن مولانا العسكري عليه السلام فنقول : قال الامام عليه السلام : « « وَقُلْنَا » يا آدم ويا حواء ويا أيتها الحية ويا إبليس « اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ » آدم وحواء وولدهما عدو للحيّة ، وإبليس والحية وأولادهما أعداؤكم « وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ » منزل ومقرّ للمعاش « وَمَتاعٌ » منفعة « إِلى حِينٍ » الموت . قال اللَّه تعالى : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ » يقولها ، فقالها « فَتابَ اللَّه عَلَيْهِ » بها « إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ » [ التواب ] القابل للتوبات ، الرحيم بالتائبين « قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً » كان أمر في الأوّل أن يهبطا ، وفي الثاني أمرهم أن يهبطوا جميعاً ، لا يتقدم أحدهم الآخر. والهبوط إنما كان هبوط آدم وحواء من الجنة ، وهبوط الحية أيضا منها ، فإنّها كانت من أحسنِ دوابّها ، وهبوط إبليس من حواليها ، فإنه كان محرّماً عليه دخول الجنة. « فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً » يأتيكم وأولادكم من بعدكم منّي هدىً يا آدم ويا إبليس « فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ » لا خوف عليهم حين يخاف المخالفون ، ولا هم يحزنون إذا يحزنون » .

قال عليه السلام : « فلما زلت من آدم الخطيئة ، واعتذر إلى ربّه عزّوجلّ ، قال : يا رب تب علي ، واقبل معذرتي ، وأعدني إلى مرتبتي ، وارفع لديك درجتي ، فلقد تبيّن نقص الخطيئة وذلّها في أعضائي وسائر بدني. قال اللَّه تعالى : يا آدم أما تذكر أمري إياك بأن تدعوني بمحمّد وآله الطيبين عند شدائدك ودواهيك، وفي النوازل التي تبهظك ؟ قال آدم : يا ربّ بلى. قال اللَّه عزّوجلّ له : فتوسّل بمحمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللَّه عليهم خصوصا ، فادعني أجبك إلى ملتمسك ، وأزدك فوق مرادك . فقال آدم : يا ربّ، يا إلهي وقد بلغ عندك من محلّهم أنك

ص: 143

بالتوسل إليك بهم تقبل توبتي وتغفر خطيئتي ، وأنا الذي أسجدت له ملائكتك ، وأبحته جنّتك ، وزوجته حواء أمتك ، وأخدمته كرام ملائكتك ! قال اللَّه تعالى : يا آدم إنمّا أمرت الملائكة بتعظيمك وبالسجود لك إذ كنت وعاءً لهذه الأنوار ، ولو كنت سألتني بهم قبل خطيئتك أن أعصمك منها، وأن أفطنك لدواعي عدوّك إبليس حتّى تحترز منه لكنت قد جعلت ذلك ، ولكنّ المعلوم في سابق علمي يجري موافقاً لعلمي ، فالآن فبهم فادعني لأجبك [ لاجيبك ] فعند ذلك قال آدم : اللهم [ بجاه محمد وآله الطيبين ] بجاه محمّد وعلي وفاطمة، والحسن والحسين والطيّبين من آلهم لمّا تفضّلت عليّ بقبول توبتي ، وغفران زلتي ، وإعادتي من كراماتك إلى مرتبتي . فقال اللَّه عزّوجلّ : قد قبلت توبتك، وأقبلت برضواني عليك ، وصرفت آلائي ونعمائي إليك ، وأعدتك إلى مرتبتك من كراماتي ، ووفّرت نصيبك من رَحَماتي. فذلك قوله عزّوجلّ : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ »(1) .

ثم قال عزّوجلّ للذين أهبطهم - من آدم وحواء وإبليس والحية - « وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ » مقام فيها تعيشون ، وتحثكم لياليها وأيّامها إلى السعي للآخرة ، فطوبى لمن تزوّد منها لدار البقاء « وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ » لكم في الأرض منفعة إلى حين موتكم ، لأن اللَّه تعالى منها يخرج زروعكم وثماركم ، وبها ينزهكم وينعمكم ، وفيها أيضا بالبلايا يمتحنكم . يلذّذكم بنعيم الدنيا تارةً ليذكركم نعيم الآخرة الخالص ، ممّا ينقص نعيم الدنيا ويبطله ، ويزهد فيه ويصغّره ويحقّره ، ويمتحنكم تارة ببلايا الدنيا التي قد تكون في خلالها الرَحَمات ، وفي تضاعيفها

ص: 144


1- سورة البقرة : 37 .

النعم التي تدفع عن المبتلى بها مكارهها ليحذركم بذلك عذاب الأبد الذي لا يشوبه عافية ، ولا يقع في تضاعيفه راحة ولا رحمة. « فَتَلَقَّى آدَمُ » قد فسّر . « وقُلْنَا اهْبِطُوا » قد فسر.

ثم قال اللَّه عزّوجلّ « وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا » الدالات على صدق محمد صلى الله عليه وآله على ما جاء به - من أخبار القرون السالفة - وعلى ما أدّاه إلى عباد اللَّه من ذكر تفضيله لعليّ عليه السلام وآله الطيبين خير الفاضلين والفاضلات بعد محمّد سيّد البريّات « أُولئِكَ » الدافعون لصدق محمّد في إنبائه والمكذبون له في نصبه لأوليائه عليّ سيّد الأوصياء والمنتجبين من ذريته الطيّبين الطاهرين »(1)

وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ

قال تعالى : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ »(2) .

وَوَعَدَهُ الْمَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ

اشارة

قال تعالى : « فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ »(3) ، وقال تعالى : « فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى »(4) .

ص: 145


1- تفسير الامام الحسن العسكري عليه السلام : 224 ؛ البرهان في تفسير القرآن : 1/195 ؛ بحار الأنوار : 11/191 ح 47 .
2- سورة البقرة : 37 .
3- سورة البقرة : 38 .
4- سورة طه : 123 .

الاهباط من الجنّة قبل التوبة

عن الصادق عليه السلام قال : « فهبط آدم على الصفا وإنّما سمّيت الصفا لأن صفوة اللَّه نزل عليها ونزلت حوّاء على المروة وإنما سميت المروة لأن المرأة نزلت عليها ، فبقي آدم أربعين صباحا ساجداً يبكي على الجنة فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال : يا آدم ألم يخلقك اللَّه بيده ونفخ فيك من روحه وأسجد لك ملائكته ؟ قال : بلى ، قال : وأمرك أن لا تأكل من الشجرة فلم عصيته ؟ قال : يا جبرئيل إن إبليس حلف لي باللَّه إنه لي ناصح وما ظننت أن خلقا يخلقه اللَّه أن يحلف باللَّه كاذبا(1) ، فقال له جبرئيل عليه السلام : يا آدم تب إلى اللَّه»(2) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : «انّ آدم عليه السلام بقي على الصفا أربعين صباحاً ساجداً يبكي على الجنّة وعلى خروجه من الجنّة من جوار اللَّه عزّوجلّ فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال : يا آدم مالك تبكي ؟ فقال : يا جبرئيل مالي لا أبكي وقد أخرجني اللَّه من الجنّة من جواره وأهبطني إلى الدنيا ، فقال : يا آدم تب إلى اللَّه» ( الحديث )(3) .

وعن المفضّل بن عمر قال : قال أبو عبداللَّه عليه السلام : «إن اللَّه تبارك وتعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام ، فجعل أعلاها وأشرفها أرواح محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم عليهم السلام فعرضها على السماوات والأرض والجبال فغشيها نورهم ، فقال اللَّه تبارك وتعالى للسماوات والأرض والجبال

ص: 146


1- تفسير القمّي : 1/43 .
2- التفسير الصافي : 1/121 ؛ بحار الأنوار : 11/162 ، ح 5 .
3- تفسير القمي : 1/44 ؛ بحار الانوار : 11/178 ، ح 25 .

هؤلاء أحبائي وأوليائي وحججي على خلقي وأئمة بريتي ، ما خلقت خلقا هو أحب إلي منهم ، ولمن تولاهم خلقت جنتي ، ولمن خالفهم وعاداهم خلقت ناري ، فمن ادعى منزلتهم مني ومحلهم من عظمتي عذبته عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ، وجعلته مع المشركين في أسفل درك من ناري ، ومن أقر بولايتهم ولم يدع منزلتهم مني ومكانهم من عظمتي جعلته معهم في روضات جناتي ، وكان لهم فيها ما يشاءون عندي وأبحتهم كرامتي وأحللتهم جواري وشفعتهم في المذنبين من عبادي وإمائي ، فولايتهم أمانة عند خلقي ، فأيكم يحملها بأثقالها ويدعيها لنفسه دون خيرتي فأبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن من ادعاء منزلتها وتمني محلها من عظمة ربها ، فلما أسكن اللَّه عزّوجلّ آدم وزوجته الجنة قال لهما : « كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ »(1) يعني شجرة الحنطة « فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ »(2) فنظرا إلى منزلة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم عليهم السلام ، فوجداها أشرف منازل أهل الجنة فقالا : يا ربنا لمن هذه المنزلة ؟ فقال اللَّه جل جلاله : ارفعا رؤوسكما إلى ساق عرشي ، فرفعا رءوسهما فوجدا اسم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم عليهم السلام مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الجبار جل جلاله ، فقالا : يا ربنا ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك وما أحبهم إليك وما أشرفهم لديك ؟ فقال اللَّه جل جلاله : لو لا هم ما خلقتكما هؤلاء خزنة علمي وأمنائي على سري ، إياكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد وتتمنيا منزلتهم عندي ومحلهم من كرامتي فتدخلا بذلك

ص: 147


1- سورة البقرة : 35 .
2- سورة الأعراف : 19 .

في نهيي وعصياني فتكونا من الظالمين ، قالا : ربنا ومن الظالمون ؟ قال المدعون لمنزلتهم بغير حق ، قالا : ربنا فأرنا منازل ظالميهم في نارك حتى نراها كما رأينا منزلتهم في جنتك ، فأمر اللَّه تبارك وتعالى النار فأبرزت جميع ما فيها من ألوان النكال والعذاب ، وقال عزّوجل : مكان الظالمين لهم المدعين لمنزلتهم في أسفل درك منها « كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعيدُوا فيها »(1) وكلما نضجت جلودهم بدّلوا سواها ليذوقوا العذاب ، يا آدم ويا حواء لا تنظر إلى أنواري وحججي بعين الحسد فأهبطكما عن جواري وأحل بكما هواني « فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدينَ * وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحينَ * فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ »(2) وحملهما على تمني منزلتهم ، فنظرا إليهم بعين الحسد فخذلا حتى أكلا من شجرة الحنطة ، فعاد مكان ما أكلا شعيرا ، فأصل الحنطة كلها مما لم يأكلاه وأصل الشعير كله مما عاد مكان ما أكلاه ، فلما أكلا من الشجرة طار الحلي والحلل عن أجسادهما وبقيا عريانين « وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوّ مُبينٌ » ف« قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرينَ »(3) قال : اهبطا من جواري فلا يجاورني في جنتي من يعصيني ، فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش ، فلما أراد اللَّه عز وجل

ص: 148


1- سورة الحجّ : 22 .
2- سورة الأعراف : 20 - 22 .
3- سورة الأعراف : 22 - 23 .

أن يتوب عليهما جاءهما جبرئيل فقال لهما : إنكما إنما ظلمتما أنفسكما بتمني منزلة من فضل عليكما فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار اللَّه عز وجل إلى أرضه ، فسلا ربكما بحق الأسماء التي رأيتموها على ساق العرش حتى يتوب عليكما ، فقالا : اللهم إنا نسألك بحق الأكرمين عليك محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم السلام إلّا تبت علينا ورحمتنا ، فتاب اللَّه عليهما إنه هو التواب الرحيم ، فلم يزل أنبياء اللَّه بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة ويخبرون بها أوصياءهم والمخلصين من أممهم فيأبون حملها ويشفقون من ادعائها وحملها الإنسان الذي قد عرف فأصل كل ظلم منه إلى يوم القيامة وذلك قول اللَّه عز وجل « إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً »»(1) .(2)

قال المجلسي رحمه الله : المراد بالانسان الذي عرف هو أبوبكر(3) .

مدّة بكاء آدم على الجنّة

عن علي بن موسى الرضا ، عن آبائه عليهم السلام في أسألة الشامي عن أميرالمؤمنين عليه السلام بالكوفة قال : وسأله عن بكاء آدم على الجنّة وكم كانت دموعه التي جرت من عينيه ؟ فقال عليه السلام : « بكى مائة سنة أي وخرج من عينه اليمنى مثل الدجلة والعين الاخرى مثل الفرات »(4) .

ص: 149


1- سورة الأحزاب : 82 .
2- معاني الأخبار : 108 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 11/172 ، ح 19 .
3- بحار الأنوار : 11/175 ، ذيل ح 19 .
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1/243 ، ح 1 .

وروى عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام انه قال : جاء نفر من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وآله فسأله أعلمهم عن مسائل . . . فقال النبي صلى الله عليه وآله : « وأما صلاة العصر فهي الساعة التي أكل آدم عليه السلام فيها من الشجرة فأخرجه اللَّه عزّوجلّ من الجنة فأمر اللَّه ذريته بهذه الصلاة إلى يوم القيامة واختارها لأمتي فهي من أحب الصلوات إلى اللَّه عزّوجل وأوصاني أن أحفظها من بين الصلوات ، وأما صلاة المغرب فهي الساعة التي تاب اللَّه عزّوجلّ فيها على آدم عليه السلام وكان بين ما أكل من الشجرة وبين ما تاب اللَّه عزّوجلّ عليه ثلاثمائة سنة من أيام الدنيا ، وفي أيام الآخرة يوم كألف سنة ما بين العصر إلى العشاء فصلى آدم عليه السلام ثلاث ركعات ركعة لخطيئته وركعة لخطيئة حواء وركعة لتوبته» ( الحديث )(1) .

ويمكن الجمع بين الأخبار بحمل الأقل على البكاء الشديد المشتمل على النوح والأكثر على الخفيف ويقال له البكا بالقصر .

الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه

عن كثير بن كلثمة عن أحدهما عليهما السلام في قول اللَّه عزّوجلّ : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ »(2) قال : « لا إله إلا أنت سبحانك اللّهمّ وبحمدك عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي وأنت خير الغافرين ، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءً وظلمت نفسي فاغفر لي وارحمني وأنت أرحم الراحمين لا إله إلا أنت سبحانك اللّهمّ وبحمدك عملت سوءً وظلمت

ص: 150


1- من لا يحضره الفقيه : 1/212 ، ح 643 ؛ بحار الأنوار : 9/296 ح 5 .
2- سورة البقرة : 37 .

نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم»(1) .

قال عليه السلام : « فلما زلّت من آدم الخطيئة واعتذر إلى ربّه عزّوجل قال : يا ربّ تب عليّ ، واقبل معذرتي ، وأعدني إلى مرتبتي ، وارفع لديك درجتي فلقد تبين نقص الخطيئة وذلّها في أعضائي وسائر بدني . قال اللَّه تعالى : يا آدم أما تذكر أمري إياك بأن تدعوني بمحمّد وآله الطيبين عند شدائدك ودواهيك وفي النوازل [ التي ]تبهظك ؟ قال آدم : يا ربّ بلى قال اللَّه عزّوجل ( له : فتوسّل بمحمّد )(2) وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللَّه عليهم خصوصاً ، فادعني أجبك إلى ملتمسك وأزدك فوق مرادك . فقال آدم : يا رب ، يا إلهي وقد بلغ عندك من محلهم أنك بالتوسل [ اليك ] بهم تقبل توبتي وتغفر خطيئتي وأنا الذي أسجدت له ملائكتك وأبحته جنّتك وزوّجته حوّاء أمتك وأخدمته كرام ملائكتك ، قال اللَّه تعالى : يا آدم إنما أمرت الملائكة بتعظيمك [ و ] بالسجود [ لك ] إذ كنت وعاء لهذه الأنوار ولو كنت سألتني بهم قبل خطيئتك أن أعصمك منها ، وأن أفطنك لدواعي عدوك إبليس حتى تحترز منها لكنت قد جعلت ( فعلت ) ذلك ، ولكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقا لعلمي ، فالآن فبهم فادعني لأجبك [ لأجيبك ] فعند ذلك قال آدم اللهم [ بجاه محمد وآله الطيبين ] بجاه محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم لمّا تفضّلت [ علي ] بقبول توبتي وغفران زلتي وإعادتي من كراماتك إلى مرتبتي فقال اللَّه عزّوجل : قد قبلت توبتك وأقبلت برضواني عليك وصرفت آلائي ونعمائي إليك وأعدتك إلى مرتبتك من كراماتي ، ووفّرت نصيبك

ص: 151


1- الكافي : 8/304 ، ح 472 .
2- فَهُمْ مُحمّدٌ .

من رحماتي ، فذلك قول اللَّه عزّوجل : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ »»(1) .(2)

وعن المفضل بن عمر عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قال : سألته عن قول اللَّه عز وجل : « وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ »(3) ما هذه الكلمات ؟ قال : « هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه وهو أنه قال : يا رب أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت عليّ ، فتاب اللَّه عليه إنه هو التواب الرحيم» ، فقلت له : يا ابن رسول اللَّه فما يعني عزّوجل بقوله : « فَأَتَمَّهُنَّ » قال : « يعني فأتمهن إلى القائم عليه السلام اثني عشر إماما تسعة من ولد الحسين عليه السلام » قال : المفضل : فقلت له : يا ابن رسول اللَّه فأخبرني عن قول اللَّه عز وجل : « وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ »(4) قال : « يعني بذلك الإمامة جعلها اللَّه في عقب الحسين إلى يوم القيامة قال : فقلت له : يا ابن رسول اللَّه فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن عليهما السلام وهما جميعا ولدا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسبطاه وسيدا شباب أهل الجنة ؟ فقال عليه السلام : إن موسى وهارون كانا نبيين مرسلين أخوين فجعل اللَّه النبوة في صلب هارون دون صلب موسى ولم يكن لأحد أن يقول : لِمَ فَعَلَ اللَّه ذلك وإن الإمامة خلافة من اللَّه عز وجل ليس لأحد أن يقول : لِمَ جعلها اللَّه في

ص: 152


1- سورة البقرة : 37 .
2- تفسير الامام العسكري عليه السلام : 225 ؛ بحار الأنوار : 11/192 ، ح 47 .
3- سورة البقرة : 124 .
4- سورة الزخرف : 28 .

صلب الحسين دون صلب الحسن ، لأن اللَّه هو الحكيم في أفعاله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون»(1) .

عن معمر بن راشد قال : سمعت أبا عبد اللَّه الصادق عليه السلام يقول : « أتى يهودي إلى النبي صلى الله عليه وآله فقام بين يديه يحد النظر إليه ، فقال : يا يهودي ما حاجتك ؟ فقال : أنت أفضل أم موسى بن عمران النبي الذي كلّمه اللَّه تعالى وأنزل عليه التوراة والعصا وفلق البحر وأظله بالغمام ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وآله إنه يكره للعبد أن يزكّي نفسه ولكني أقول : إنّ آدم عليه السلام لما أصاب الخطيئة كانت توبته [إلى] أن قال : اللّهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما غفرت لي فغفر اللَّه له ، وإن نوحا لمّا ركب في السفينة وخاف الغرق قال اللّهم إني أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا أنجيتني من الغرق فنجّاه اللَّه عنها ، وإنّ إبراهيم لمّا ألقي في النار قال : اللهمّ إنّي أسألك بحق محمّد وآل محمّد لمّا أنجيتني منها فجعلها اللَّه عليه برداً وسلاماً وإنّ موسى لمّا ألقى عصاه فأوجس في نفسه خيفة قال : اللّهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا أمّنتني منها فقال اللَّه جل جلاله : لا تخف إنّك أنت الأعلى ، يا يهودي إن موسى عليه السلام لو أدركني ثمّ لم يؤمن بي وبنبوتي ما نفعه إيمانه شيئا ولا نفعته النبوة ، يا يهودي ومن ذريتي المهدي إذا خرج نزل عيسى ابن مريم لنصرته فقدمه وصلى خلفه»(2) .

وَأَهْبَطَهُ إِلَى دَارِ الْبَلِيَّةِ

وقد قال عليه السلام : « دار بالبلاء محفوفة وبالغدر معروفة »(3) .

ص: 153


1- معاني الأخبار : 126 ؛ الخصال : 1/305 ، باب الخمسة ، ح 84 ؛ بحار الأنوار : 24/177 ، ح 8 .
2- جامع الأخبار ( للشعيري ) : 8 ؛ بحار الأنوار : 26/319 ، ح 1 .
3- نهج البلاغة ، خ 217 ، فيض الاسلام .

عن الحسن بن محبوب عن أبي جعفر عليه السلام قال : « كان عمر آدم عليه السلام من يوم خلقه اللَّه إلى يوم قبضه تسعمائة وثلاثين سنة ودفن بمكة ونفخ فيه يوم الجمعة بعد الزوال ثم برأ زوجته من أسفل أضلاعه وأسكنه جنته من يومه ذلك فما استقر فيها إلّا ست ساعات من يومه ذلك حتى عصى اللَّه وأخرجهما من الجنة بعد غروب الشمس وما بات فيها»(1) .

وعن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال : « لمّا أهبط آدم من الجنة ظهرت به شامة سوداء في وجهه من قرنه إلى قدميه فطال حزنه وبكاؤه على ما قد ظهر به فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال له : ما يبكيك يا آدم ؟ فقال : من هذه الشامة التي ظهرت بي ، قال : قم يا آدم فصلّ فهذا وقت الصلاة الأولى ، فقام فصلّى فانحطت الشامة إلى عنقه ، فجاءه في الصلاة الثانية فقال : قم فصل يا آدم ، فهذا وقت الصلاة الثانية فقام فصلى فانحطت الشامة إلى سرّته ، فجاءه في الصلاة الثالثة فقال : يا آدم قم فصلّ ، فهذا وقت الصلاة الثالثة ، فقام فصلى فانحطت الشامة إلى ركبتيه فجاءه في الصلاة الرابعة فقال : يا آدم قم فصلّ فهذا وقت الصلاة الرابعة ، فقام فصلى فانحطت الشامة إلى قدميه ، فجاءه في الصلاة الخامسة فقال : يا آدم قم فصلّ فهذا وقت الصلاة الخامسة ، فقام فصلى فخرج منها فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه فقال جبرئيل عليه السلام : يا آدم مثل ولدك في هذه الصلوات كمثلك في هذه الشامة ، من صلى من ولدك في كل يوم وليلة خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشامة»(2) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « إن اللَّه عزّوجلّ لما أهبط آدم عليه السلام أمره بالحرث

ص: 154


1- تفسير القمي : 1/45 ؛ البرهان في تفسير القرآن : 1/193 ، ح 419 .
2- من لا يحضره الفقيه : 1/214 ، ح 644 ؛ بحار الأنوار : 11/166 ، ح 11 .

والزرع وطرح إليه غرسا من غروس الجنة فأعطاه النخل والعنب والزيتون والرمان فغرسها لتكون لعقبه وذريته ، فأكل هو من ثمارها ، فقال له إبليس لعنه اللَّه : يا آدم ما هذا الغرس الذي لم أكن أعرفه في الأرض وقد كنت بها قبلك ، ائذن لي آكل منها شيئا ، فأبى آدم عليه السلام أن يدعه ، فجاء ابليس إلى عند آخر عمر آدم عليه السلام وقال لحواء إنه قد أجهدني الجوع والعطش ، فقالت له حواء : فما الذي تريد ؟ قال : اريد تذيقيني من هذه الثمار ، فقالت له حواء : إن آدم عهد إليّ أن لا أطعمك شيئاً من هذا الغرس لأنه من الجنة ولا ينبغي لك أن تأكل منه شيئاً ، فقال لها : فاعصري في كفي شيئا منه ، فأبت عليه ، فقال : ذريني أمصه ولا آكله ، فأخذت عنقودا من العنب فأعطته فمصه ولم يأكل منه لما كانت حوّاء قد أكدت عليه ، فلمّا ذهب يعضّ عليه جذبته حواء من فيه ، فأوحى اللَّه عز وجل إلى آدم عليه السلام : أن العنب قد مصّه عدوّي وعدوّك إبليس وقد حرّمت عليك من عصيره الخمر ما خالطه نفس إبليس ، فحرمت الخمر لأن عدو اللَّه إبليس مكر بحوّاء حتّى مصّ العنب ، ولو أكلها لحرمت الكرمة من أولها إلى آخرها وجميع ثمرها وما يخرج منها ثمّ إنه قال لحوّاء : فلو أمصصتيني شيئاً من هذا التمر كما أمصصتيني من العنب ، فأعطته ثمرة فمصها وكانت العنب والتمرة أشدّ رائحة وأذكى من المسك الأذفر وأحلى من العسل ، فلمّا مصّهما عدو اللَّه ابليس - لعنه اللَّه - ذهبت رائحتهما وانتقصت حلاوتهما» .

قال أبو عبداللَّه عليه السلام : « ثمّ انّ ابليس لعنه اللَّه ذهب بعد وفاة آدم عليه السلام فبال في أصل الكرمة والنخلة فجرى الماء في عروقهما من بول عدو اللَّه فمن ثمّ يختمر العنب والتمر فحرّم اللَّه عزّوجل على ذرية آدم عليه السلام كل مسكر لأنّ الماء جرى ببول

ص: 155

عدو اللَّه في النخلة والعنب وصار كل مختمر خمرا لأنّ الماء اختمر في النخلة والكرمة من رائحة بول عدو اللَّه إبليس - لعنه اللَّه -»(1) .

وعن علي بن موسى الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في حديث الشامي مع أميرالمؤمنين عليه السلام : وسأله عن أوّل من قال الشعر ؟ فقال عليه السلام : «آدم عليه السلام» : قال : وما كان شعره ؟ قال عليه السلام : « لمّا انزل إلى الأرض من السماء فرأى تربتها وسعتها وهواها وقتل قابيل هابيل قال آدم عليه السلام :

تغيرت البلاد ومن عليها * فوجه الأرض مغبر قبيح

تغير كل ذي طعم ولون * وقل بشاشة الوجه المليح

أرى طول الحياة علي غما * وهل أنا من حياتي مستريح

و ما لي لا أجود بسكب دمع * وهابيل تضمنه الضريح

قتل قابيل هابيلا أخاه * فوا حزني لقد فقد المليح

فأجابه ابليس لعنه اللَّه :

تنح عن البلاد وساكنيها * ففي الخلد ضاق بك الفسيح

وكنت بها وزوجك في قرار * وقلبك من اذى الدنيا مريح

فلم تنفك من كيدي ومكري * إلى أن فاتك الثمن الربيع

وبدّل أهلها اثلا وخمطا * بحبات وأبواب منيح

فلو لا رحمة الجبّار أضحى * بكفك من جنان الخلد ريح(2)»

ص: 156


1- الكافي : 6/393 - 394 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 6/210 ، ح 46 ؛ وسائل الشيعة : 25/283 ، ح 31915 - 3 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1/242 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 1/77 ، ح 1 .

وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ

اشارة

قال تعالى : « خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثيراً وَنِساءً »(1) . وقال تعالى : « يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ »(2) .

ابتداء التناسل

روى زرارة عن أبي عبداللَّه عليه السلام : « أن آدم عليه السلام ولد له شيث وأنّ اسمه هبة اللَّه وهو أوّل وصيّ أُوصي إليه من الآدميّين في الْأرض ثمّ ولد له بعد شيث يافث فلما أدركا أراد اللَّه عَزّوجل أن يبلغ بالنسل ما ترون وأن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرم اللَّه عزّوجل من الْأخوات على الاْخوة أنزل بعد العصر في يوم خميسٍ حوراء من الجنة اسمُها نزلةُ فأمر اللَّهُ عزَّ وجلَّ آدم أن يُزوِّجها من شيثٍ فزوَّجها منهُ ثُمَّ أنزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة واسمها منزلة فأمر اللَّه عزَّوجلَّ آدم أن يُزوّجها من يافث فزوَّجها منهُ فوُلد لشيثٍ غلام وولد ليافث جارية فأمر اللَّهُ عزّوجلّ آدم حين أدركا أن يُزوّج ابنة يافث من ابن شيث ففعل فوُلد الصفوة من النبيّين والمرسلين من نسلهما ومعاذ اللَّه أن يكون ذلك على ما قالوا من أمر الْإخْوة والْأخوات»(3) .

وعن بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر عليه السلام قال : « انّ اللَّه عزّوجلّ أنزل

ص: 157


1- سورة النساء : 1 .
2- سورة الحجرات : 13 .
3- من لا يحضره الفقيه : 3/381 ، 4337 .

حوراء من الجنّة إلى آدم فزوّجها أحد ابنيه وتزوّج الآخر إلى الجنّ فولدتا جميعاً فما كان من الناس من جمال وحسن خلق فهو من الحرواء وما كان فيهم من سوء الخلق فمن بنت الجانّ وأنكر أن يكون زوج بنيه من بناته»(1) .

وعن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال لي : « ما يقول الناس في تزويج آدم ولده ؟» قال : قلت : يقولون : إنّ حوّاء كانت تلد لآدم في كلِّ بطن غلاماً وجارية ، فتزوّج الغلام الجارية التي من البطن الآخر الثاني وتزوج الجارية الغلام الذي من البطن الآخر الثاني حتّى توالدوا ، فقال أبو جعفرٍ عليه السلام : « ليس هذا كذاك ، ولكنه لما ولد آدم هبة اللَّه وكبر سأل اللَّه أن يزوجه ، فأنزل اللَّه له حوراء من الجنة فزوجها إياه فولد له أربعة بنين ، ثم ولد لآدم ابن آخر فلما كبر أمره فتزوج إلى الجانّ ، فولد له أربع بنات فتزوج بنو هذا بنات هذا ، فما كان من جمالٍ فمن قبل الحوراء ، وما كان من حلم فمن قبل آدم ، وما كان من خفّة فمن قبل الجانّ فلمّا توالدوا صعدت الحوراء إلى السماء»(2) .

عن الحسن بن مقاتل عمن سمع زرارة يقول : سئل أبو عبداللَّه عليه السلام عن بدء النسل من آدم كيف كان ؟وعن بدء النسل من ذرية آدم ؟ فإن أناسا عندنا يقولون : إن اللَّه عزّوجل أوحى إلى آدم أن يزوج بناته ببنيه وأن هذا الخلق كله أصله من الإخوة والأخوات ؟ فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : « تعالى اللَّه عن ذلك علوا كبيرا ، يقول من قال هذا بأن اللَّه عزّوجل خلق صفوة خلقه وأحباءه وأنبياءه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام ، ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم

ص: 158


1- علل الشرايع : 1/103 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 11/236 ، ح 18 .
2- تفسير العيّاشي 1/216 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 11/244 ، ح 40 .

من حلال وقد أخذ ميثاقهم على الحلال الطهر الطاهر الطيّب ، فو اللَّه لقد تبيّنت أن بعض البهائم تنكرت له أخته ، فلما نزا عليها ونزل كشف له عنها ، فلما علم أنها أخته أخرج غرموله ثم قبض عليه بأسنانه حتى قطعه فخر ميتاً ، وآخر تنكرت له أمه ففعل هذا بعينه ، فكيف الإنسان في إنسيته وفضله وعلمه ؟ غير أنّ جيلا من هذا الخلق الذي ترون رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم ، وأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه فصاروا إلى ما قد ترون من الضلال والجهل - إلى أن قال عليه السلام - : حقاً أقول : ما أراد من يقول هذا وشبهه إلّا تقوية حجج المجوس ، فما لهم قاتلهم اللَّه ، ثمّ أنشأ يحدثنا كيف كان بدء النسل من آدم وكيف كان بدء النسل من ذريته . فقال : إن آدم عليه السلام ولد له سبعون بطنا في كل بطن غلام وجارية إلى أن قتل هابيل ، فلما قتل قابيل هابيل جزع آدم على هابيل جزعا قطعه عن إتيان النساء فبقي لا يستطيع أن يغشي حواء خمسمائة عام ، ثم تخلّى ما به من الجزع عليه فغشي حواء فوهب اللَّه له شيثا وحده ليس معه ثان ، واسم شيث هبة اللَّه وهو أول من أوصي إليه من الآدميين في الأرض ، ثم ولد له من بعد شيث يافث ليس معه ثان ، فلما أدركا وأراد اللَّه عزوجل أن يبلغ بالنسل ما ترون وأن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرم اللَّه عز وجل من الأخوات على الإخوة أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها «نزلة» فأمر اللَّه عز وجل آدم أن يزوّجها من شيث فزوجها منه» إلى آخر ما مرّ في الحديث الأوّل(1) .

يمكن أن يقال في وجه الجمع بين هذه الأخبار المختلفة ظاهراً انّ ليافث

ص: 159


1- علل الشرايع : 1/18 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 11/223 ، ح 2 ؛ قصص الأنبياء للجزائري : 54 .

زوجتين : احديهما حوراء والاخرى جنيّة ، أو انّ الولد المتزوّج بالجنيّة غير شيث ويافث .

اختلفوا في عمر آدم عليه السلام حين وفاته

روى العامة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله انّه كان كتب له ألف سنة فوهب ستّين لداود عليه السلام ثمّ رجع .

ورووا عن ابن عبّاس انّه وهب من الألف أربعين فجحد فأكمل اللَّه لآدم عليه السلام ألف سنة ولداود عليه السلام مائة سنة ، ورووا مثل ذلك عن جماعة ، منهم سعيد بن جبير ، ورووا انّه قال ابن عبّاس : كان عمر آدم تسعمائة وستّاً وثلاثين سنة واهل التوراة يزعمون انّ عمر آدم تسعمائة وثلاثون سنة(1) .

وقال المسعودي : توفّي يوم الجمعة لست خلون من نيسان في الساعة التي كان فيها خلقه وكان عمره عليه السلام تسعمائة سنة وثلاثين سنة(2) .

وذكر السيد في سعد السعود من مصحف إدريس عليه السلام مرضه عشرة أيّام بالحمّى ، ووفاته يوم الجمعة لأحد عشر يوماً خلت من المحرّم ، ودفنه في غار في جبل أبي قبيس ، ووجهه إلى الكعبة ، وان عمره عليه السلام من وقت نفخ فيه الروح إلى وفاته ألف سنة وثلاثين ، وانّ حوّاء ما بقيت بعده إلّا سنة ، ثمّ مرضت خمسة عشر يوماً ، ثمّ توفّيت ودفنت إلى جنب آدم عليه السلام(3) .

ص: 160


1- الكامل في التاريخ : 1/50 ؛ بحار الأنوار : 11/268 .
2- مروج الذهب : 1/48 ؛ بحار الأنوار : 11/269 .
3- سعد السعود للنفوس منضود : 37 ؛ بحار الأنوار : 11/269 .

وقال السيّد قدس سره : وجدت في السفر الثالث من التوراة انّ حياة آدم كانت تسعمائة وثلاثين سنة .

وقال محمّد بن خالد البرقي رحمه الله : انّ عمر آدم عليه السلام كان تسع مائة وستّاً وثلاثين سنة(1) وعلى أيّ حال لمّا مات عليه السلام قال أبو جعفر عليه السلام : « فلمّا جهّزوه قال جبرئيل عليه السلام : تقدّم يا هبة اللَّه فصلّ على أبيك ، فتقدّم وكبّر عليه خمساً وسبعين تكبيرة(2) فحضرت الملائكة ثمّ ادخلوه حفرته صلوات اللَّه عليه»(3) .

وَاصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وُلْدِهِ أَنْبِيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ وَعَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ

قال سبحانه : « وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ ميثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهيمَ وَمُوسى وَعيسَى بْنِ مَرْيَمَ »(4) .

وقال تعالى : « لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ »(5) .

عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « لمّا أكل آدم عليه السلام من الشجرة أهبط إلى الأرض فولد له هابيل وأخته توأم وولد له قابيل وأخته توأم ، ثم إن آدم عليه السلام أمر هابيل وقابيل أن يقرّبا قربانا وكان هابيل صاحب غنم وكان قابيل صاحب زرع فقرّب هابيل كبشاً من أفاضل غنمه وقرب قابيل من زرعه ما لم ينق فتقبل قربان

ص: 161


1- بحار الأنوار : 11/269 .
2- قصص الأنبياء للراوندي : 65 ؛ بحار الانوار : 11/267 ، ح 15 .
3- قصص الأنبياء للراوندي : 64 ؛ بحار الأنوار : 11/266 ، ح 14 .
4- سورة الأحزاب : 7 .
5- سورة الجن : 28 .

هابيل ولم يتقبل قربان قابيل وهو قول اللَّه عز وجل : « وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآْخَرِ »(1) إلى آخر الآية ، وكان القربان إذا قبل تأكله النار فعمد قابيل إلى النار فبنى لها بيتاً وهو أول من بنى بيوت النار فقال : لأعبدنّ هذه النار حتى يتقبّل قرباني ، ثم إن إبليس لعنه اللَّه - أتاه وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق - فقال له : يا قابيل قد تقبل قربان هابيل ولم يتقبّل قربانك وانّك إن تركته يكون له عقب يفتخرون على عقبك ويقولون نحن أبناء الذي تقبّل قربانه ، فاقتله ، كيلا يكون له عقب يفتخرون على عقبك ، فقتله ، فلما رجع قابيل إلى آدم عليه السلام قال له : يا قابيل أين هابيل ؟ فقال : أطلبه حيث قرّبنا القربان ، فانطلق آدم عليه السلام فوجد هابيل قتيلا ، فقال آدم عليه السلام : لعنت من أرض كما قبلت دم هابيل ، فبكى آدم على هابيل أربعين ليلة ، ثم إنّ آدم سأل ربه ولداً فولد له غلام فسماه هبة اللَّه لأن اللَّه عزوجل وهبه له وأخته توأم فلما انقضت نبوّة آدم عليه السلام واستكمل أيامه أوحى اللَّه تعالى إليه أن يا آدم إنه قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوة في العقب من ذريتك عند ابنك هبة اللَّه فإنّي لن أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوة من العقب من ذريتك إلى يوم القيامة ولن أدع الأرض إلا وفيها عالم يعرف به ديني ويعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد فيما بينك وبين نوح .

وبشّر آدم نوحا عليهما السلام فقال : إن اللَّه تعالى باعث نبياً اسمه نوح وإنه يدعو إلى اللَّه عز وجل فيكذبونه فيقتلهم اللَّه بالطوفان وكان بين آدم وبين نوح عليه السلام عشرة آباء

ص: 162


1- سورة المائدة : 27 .

كلهم أنبياء اللَّه ، وأوصى آدم عليه السلام إلى هبة اللَّه أن من أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه وليصدق به فإنه ينجو من الغرق ، ثم إن آدم عليه السلام لما مرض المرضة التي مات فيها فأرسل إلى هبة اللَّه وقال له : إن لقيت جبرئيل أو من لقيت من الملائكة فأقرئه منّي السلام وقل له : يا جبرئيل إن أبي يستهديك من ثمار الجنة ، ففعل فقال له جبرئيل : يا هبة اللَّه إن أباك قد قبض وانّا نزلنا للصلاة عليه فارجع فرجع فوجد آدم عليه السلام قد قبض فأراه جبرئيل عليه السلام كيف يغسّله فغسّله حتى إذا بلغ الصلاة عليه ، قال هبة اللَّه : يا جبرئيل تقدم فصلّ على آدم ، فقال له جبرئيل : إن اللَّه أمرنا أن نسجد لأبيك آدم وهو في الجنة فليس لنا أن نؤم شيئاً من ولده ، فتقدم هبة اللَّه فصلى على أبيه وجبرئيل خلفه وحنود من الملائكة وكبّر عليه ثلاثين تكبيرة فأمر جبرئيل عليه السلام ، فرفع خمسا وعشرين تكبيرة - والسنة فينا اليوم خمس تكبيرات ، وقد كان يكبر على أهل بدر سبعا وتسعا - .

ثم إن هبة اللَّه لما دفن آدم أباه أتاه قابيل فقال : يا هبة اللَّه إني قد رأيت أبي آدم قد خصّك من العلم بما لم أخصّ به وهو العلم الذي دعا به أخوك هابيل فتقبّل قربانه وإنما قتلته لكيلا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي فيقولون : نحن أبناء الذي تقبّل قربانه وأنتم أبناء الذي ترك قربانه فإنك إن أظهرت من العلم الذي اختصّك به أبوك شيئا قتلتك كما قتلت أخاك هابيل .

فلبث هبة اللَّه والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة حتى بعث نوحاً عليه السلام وظهرت وصية هبة اللَّه حين نظروا في وصية آدم عليه السلام فوجدوا نوحا عليه السلام نبيّاً قد بشّر به آدم عليه السلام ، فآمنوا به واتبعوه وصدقوه وقد كان آدم عليه السلام وصى هبة اللَّه أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس

ص: 163

كل سنة فيكون يوم عيدهم فيتعاهدون نوحاً وزمانه الذي يخرج فيه وكذلك جاء في وصية كل نبي حتى بعث اللَّه تبارك وتعالى محمداً صلى الله عليه وآله وإنما عرفوا نوحا بالعلم الذي عندهم وهو قول اللَّه عزّوجل : « وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ »(1) إلى آخر الآية .

وكان ما بين آدم ونوح من الأنبياء مستخفين ولذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسمّوا كما سمّي من استعلن من الأنبياء صلوات اللَّه عليهم أجمعين وهو قول اللَّه عزوجل : « وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ »(2) .

يعني لم اُسمّ المستخفين كما سمّيت المستعلنين من الأنبياء عليهم السلام فمكث نوح عليه السلام في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما ، لم يشاركه في نبوته أحد ولكنه قدم على قوم مكذبين للأنبياء عليهم السلام الذين كانوا بينه وبين آدم عليه السلام وذلك قوله اللَّه عزّوجلّ : « كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ »(3) .

يعني من كان بينه وبين آدم إلى أن انتهى إلى قوله عزّوجلّ : « وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ »(4) .

ثم إن نوحا عليه السلام لما انقضت نبوته واستكملت أيامه أوحى اللَّه عزّوجل إليه ان يا نوح قد انقضت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك ، فإني لن

ص: 164


1- سورة الأعراف : 58 ؛ هود : 25 ؛ العنكبوت : 14 .
2- سورة النساء : 163 .
3- سورة الشعراء : 105 .
4- سورة الشعراء : 191 .

أقطعها من بيوتات الأنبياء عليهم السلام الذين بينك وبين آدم عليه السلام ولن أدع الأرض إلّا وفيها عالم يعرف به ديني وتعرف به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد فيما بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر .

وبشّر نوح ساماً بهود عليه السلام وكان فيما بين نوح وهود من الأنبياء عليهم السلام .

وقال نوح : إن اللَّه باعث نبياً يقال له : هود وإنه يدعو قومه إلى اللَّه عزّوجل فيكذّبونه وإن اللَّه عزّوجل مهلكهم بالريح فمن أدركه منكم فليؤمن به وليتبعه فإن اللَّه عزّوجلّ ينجيه من عذاب الريح وأمر نوح عليه السلام ابنه سام أن يتعاهد هذه الوصية عند رأس كل سنة فيكون يومئذٍ عيداً لهم ، فيتعاهدون فيه ما عندهم من العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار النبوّة فوجدوا هوداً نبياً وقد بشّر به أبوهم نوح فآمنوا به واتّبعوه وصدّقوه فنجوا من عذاب الريح وهو قول اللَّه عزّوجل : « وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً »(1) وقوله عزّوجلّ : « كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ »(2) وقال تبارك وتعالى : « وَوَصّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ »(3) وقوله : « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنا ( لنجعلها في أهل بيته ) وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ »(4) لنجعلها في أهل بيته .

فآمن العقب من ذريّة الأنبياء عليهم السلام من كان من قبل إبراهيم لإبراهيم عليه السلام وكان بين إبراهيم وهود من الأنبياء صلوات اللَّه عليهم عشرة أنبياء وهو قوله عزّوجل :

ص: 165


1- سورة الأعراف : 64 .
2- سورة الشعراء : 123 - 124 .
3- سورة البقرة : 132 .
4- سورة الأنعام : 84 .

« وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ »(1) وقوله عزّ ذكره : « فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي »(2) وقول إبراهيم : « إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ »(3) وقوله عزّوجلّ : « وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ »(4) فجرى بين كل ( نبيّ ) نبيّين ونبي عشرة ( آباء ) أنبياء وتسعة وثمانية ( آباء ) أنبياء كلهم أنبياء وجرى لكلّ نبي ما جرى لنوح عليه السلام وكما جرى لآدم وهود وصالح وشعيب وإبراهيم عليهم السلام .

حتى انتهت إلى يوسف بن يعقوب عليهما السلام ، ثم صارت بعد يوسف في الأسباط إخوته حتى انتهت إلى موسى بن عمران عليه السلام وكان بين يوسف وموسى عشرة من الأنبياء فأرسل اللَّه موسى وهارون إلى فرعون وهامان وقارون ثم أرسل اللَّه الرسل تترى « كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ »(5) وكانت بنوإسرائيل تقتل نبيّاً واثنان قائمان ويقتلون اثنين وأربعة قيام حتّى انه كان ربّما قتلوا في اليوم الواحد سبعون نبياً ويقوم سوق قتلهم في آخر النهار ، فلما نزلت التوراة على موسى بن عمران عليه السلام تبشّر بمحمّد صلى الله عليه وآله وكان بين يوسف وموسى من الأنبياء وكان وصي موسى بن عمران ، يوشع بن نون وهو فتاه الذي قال اللَّه عزّوجلّ في كتابه ، فلم تزل الأنبياء تبشر بمحمد صلى الله عليه وآله حتّى بعث اللَّه تبارك وتعالى المسيح عيسى بن مريم فبشّر بمحمّد صلى الله عليه وآله وذلك قوله تعالى :

ص: 166


1- سورة هود : 89 .
2- سورة العنكبوت : 26 .
3- سورة الصافّات : 98 .
4- سورة العنكبوت : 16 .
5- سورة المؤمنون : 45 . وفيها : « رسولها » .

« يَجِدُونَهُ ( يعني اليهود والنصارى ) مَكْتُوباً ( يعني صفة محمد صلى الله عليه وآله ) عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ »(1) وهو قول اللَّه عزّوجل يخبر عن عيسى « وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ »(2) وبشر موسى وعيسى بمحمد صلى الله عليه وآله كما بشّر الأنبياء عليهم السلام بعضهم بعضا حتى بلغت محمدا صلى الله عليه وآله ، فلما قضى محمد صلى الله عليه وآله نبوته واستكملت أيامه أوحى اللَّه تبارك وتعالى إليه : يا محمد قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة عند علي بن أبي طالب عليه السلام فإني لن أقطع العلم والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة من العقب من ذريتك كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم وذلك قوله اللَّه تبارك وتعالى : « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »(3) .

وإن اللَّه تبارك وتعالى لم يجعل العلم جهلاً ولم يكل أمره إلى أحد من خلقه لا إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولكنه أرسل رسولاً من ملائكته فقال له : كذا وكذا ، فأمرهم بما يحبّ ونهاهم عما يكره ، فقصّ اليهم أمر خلقه بعلم ، فعلم ذلك العلم وعلّم أنبياءه وأصفياءه من الأنبياء والإخوان والذرية التي بعضها من بعض ، فذلك قوله جلّ وعزّ : « فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً »(4) فأما الكتاب فهو النبوة وأما الحكمة فهم الحكماء من الأنبياء من الصفوة وأمّا

ص: 167


1- سورة الأعراف : 156 .
2- سورة الصف : 6 .
3- سورة آل عمران : 33 - 34 .
4- سورة النساء : 54 .

الملك العظيم فهو الأئمّة [ الهداة ] من الصفوة ، وكلّ هؤلاء من الذرية التي بعضها من بعض والعلماء الذين جعل اللَّه فيهم البقيّة وفيهم العاقبة وحفظ الميثاق حتى تنقضي الدنيا فهم العلماء ولولاة الأمر وأهل استنباط العلم والهداة وهذا شأن الفضل من الصفوة والرسل والأنبياء والحكماء وأئمة الهدى والخلفاء الذين هم ولاة أمر اللَّه عزّوجلّ وأهل استنباط علم اللَّه وأهل آثار علم اللَّه عز وجل من الذرية التي بعضها من بعض من الصفوة بعد الأنبياء عليهم السلام من الآباء والإخوان والذرية من الأنبياء .

فمن اعتصم بالفضل انتهى بعلمهم ونجا بنصرتهم ومن وضع ولاة أمر اللَّه عزّوجلّ وأهل استنباط علمه في غير أهل الصفوة من بيوتات الأنبياء فقد خالف أمر اللَّه عزّوجل وجعل الجهال ولاة أمر اللَّه والمتكلفين بغير هدى من اللَّه عزّوجلّ ووزعموا أنهم أهل استنباط علم اللَّه ، فقد كذبوا على اللَّه ورسوله ورغبوا عن وصيته وطاعته فلم يضعوا فضل اللَّه حيث وضعه اللَّه تبارك وتعالى فضلّوا وأضلّوا أتباعهم ولم يكن لهم يوم القيامة حجة ، إنما الحجة في آل إبراهيم لقول اللَّه عزّوجل : « فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً » فالحجة الأنبياء وأهل بيوتات الأنبياء حتى تقوم الساعة لأن كتاب اللَّه ينطق بذلك ، ووصية اللَّه بعضها من بعض التي وضعها على الناس فقال عزّوجلّ : « فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ »(1) وهي بيو[تا]ت الأنبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى ، فهذا بيان عروة الإيمان التي بها نجا من نجا قبلكم وبها ينجو من يتّبع الأئمة وقد قال اللَّه عزّوجلّ في كتابه : « وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ

ص: 168


1- سورة النور : 36 .

وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلّاً فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ * وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ »(1) « أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ »(2) .

فإنه وكّل بالفضل من أهل بيته والإخوان والذرية وهو قول اللَّه تبارك وتعالى : إِنْ تَكْفُرْ بِه أمتك فَقَدْ وَكَّلْتُ أهل بيتك بالإيمان الذي أرسلتك به فلا يكفرون بها أبداً ولا أضيع الإيمان الذي أرسلتك به من أهل بيتك من بعدك علماء أمتك وولاة أمري بعدك وأهل استنباط العلم الذي ليس فيه كذب ولا إثم ولا وزر ولا بطر ولا رياء فهذا بيان ما ينتهي إليه أمر هذه الأمة ، إن اللَّه جلّ وعزّ طهّر أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله وسألهم أجر المودة وأجرى لهم الولاية وجعلهم أوصيائه وأحبائه ثابتة بعده في أمّته ، فاعتبروا يا أيها الناس فيما قلت حيث وضع اللَّه عزّوجل ولايته وطاعته ومودّته واستنباط علمه وحججه ، فإياه فتقبلوا وبه فاستمسكوا تنجوا به ، وتكون لكم الحجة يوم القيامة وطريق ربكم جلّ وعزّ ، ولا تصل ولاية إلى اللَّه عزّوجل إلّا بهم ، فمن فعل ذلك كان حقّا على اللَّه أن يكرمه ولا يعذّبه ، ومن يأت اللَّه عزّوجلّ بغير ما أمره كان حقّاً على اللَّه عزّوجلّ أن يذلّه ويعذّبه»(3) .

وفي ( اثبات المسعودي ) : أوحى اللَّه تعالى إلى آدم - بقد قتل قابيل لهابيل - :

ص: 169


1- سورة الأنعام : 84 - 87 .
2- سورة الأنعام : 89 .
3- الكافي : 8/113 - 120 ، ح 92 ؛ وكمال الدين : 1/213 ح 2 ؛ بحار الأنوار : 11/43 ، ح 49 .

اني أهب لك مكانه غلاماً أجعله خليفتك ووارث علمك فولد له شيث وهو هبة اللَّه ، فأوحى اللَّه إليه ان سمّه في اليوم السابع فجرت السنّة ، فلمّا شبّ وكبّر ، أوحى اللَّه تعالى إليه انّي متوفّيك ورافعك إليّ يوم كذا وكذا ، فأوص إلى خير ولدك ( هبة اللَّه ) وسلّم إليه الاسم الأعظم واجعل العلم في تابوت وسلّمه إليه ، فانّي آليت إلّا اخلي أرضي من عالم أجعله حجّة لي على خلقي ، فجمع آدم ولده الرجال والنساء ، ثمّ قال : يا ولدي انّ اللَّه تعالى أوحى إليّ انه رافعي إليه ، وأمرني أن اوصى إلى خبر ولدي هبة اللَّه ، فان اللَّه قد اختاره لي ولكم من بعدي ، فاسمعوا له وأطيعوا أمره ، فانه وصيّي وخليفتي ، فقالوا : سمعنا وأطعنا ، فأمر بتابوت فعمل ، وجعل فيه العلم والأسماء والوصيّة ، ثمّ دفعه إلى هبة اللَّه ، وقال له : انظر يا هبة اللَّه ، فاذا أنا متّ فغسّلني وكفنّي وصلّ عليّ وادخلني حفرتي في تابوت تتّخذه لي ، فاذا حضرت وفاتك وأحسست بذلك من نفسك فأوص إلى خير ولدك فانّ اللَّه لا يدع الخلق بغير حجّة عالم منّا أهل البيت ، وقد جعلتك حجّة اللَّه على خلقه ، فلا تخرج من الدنيا حتّى تدع للَّه حجّة ووصيّأً من بعدك على خلقه ، وتسلّم إليه التابوت وما فيه كما سلّمته إليك ، وأعلمه انّه سيكون نبيّ واسمه نوح .

ومضى هبة اللَّه واستخلف ريسان - وعدّ بعده قينان ، ثمّ الحيلث ، ثمّ غنيمشا ، ثمّ ادريس - وقال : هو هرمس وهو اخنوخ ، بأمر اللَّه تعالى ، وجمع اللَّه له علم المضامين ، وزاده ثلاثين صحيفة ، ثمّ عدّ بعده : برداً ، ثمّ اخنوخ ، ثمّ متوشلخ ، ثمّ لمك ، ثمّ نوح ، ثمّ سام ، ثمّ ارفخشد ، ثمّ شالح ، ثمّ هود ، ثمّ فالغ ، ثمّ يروغ ، ثمّ نوشا ، ثمّ صاروغ ، ثمّ تاجور ، ثمّ تارخ ، ثمّ ابراهيم ، ثمّ اسماعيل ، ثمّ اسحاق ، ثمّ يعقوب ، ثمّ يوسف ، ثمّ ببرز بن لاوي ، ثمّ احرب ، ثمّ ميتاح ، ثمّ عاق ، ثمّ خيام ،

ص: 170

ثمّ مادوم ، ثمّ شعيب ، ثمّ موسى ، ثمّ يوشع بن نون ، ثمّ فينحاس ، ثمّ بشير ، ثمّ جبرئيل ، ثمّ ابلث ، ثمّ احمر ، ثمّ محتان ، ثمّ عوق ، ثمّ طالوت ، ثمّ داود ، ثمّ سليمان ، ثمّ آصف بن برخيا ، ثمّ صفورا ، ثمّ منبه ، ثمّ هندوا ، ثمّ اسفر ، ثمّ رامن ، ثمّ اسحاق ، ثمّ ايم ، ثمّ زكريا ، ثمّ اليسابغ ، ثمّ روبيل ، ثمّ عيسى ، ثمّ شمعون ، ثمّ يحيى ، ثمّ منذر بن شمعون ، ثمّ دانيال ، ثمّ مكيخال بن دانيال ، ثمّ انشوا ، ثمّ رشيخا ، ثمّ نسطورس ، ثمّ مرعيد ، ثمّ بحيرا ، ثمّ منذر ، ثمّ سلمة ، ثمّ برزة ، ثمّ أبي ، ثمّ دوس ، ثمّ اسيد ، ثمّ هوف ، ثمّ يحيى ، ثمّ نبيّنا خاتم الأنبياء صلّى اللَّه عليه وعليهم أجمعين(1) .

لمّا بدّل أكثر خلقه عهد اللَّه إليهم

اشارة

قال سبحانه : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلينَ * أَوْتَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ »(2) .

الميثاق المأخوذ

عن ابن مسكان عن أبي عبداللَّه عليه السلام : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى» ، قلت : معاينة كان هذا ؟

ص: 171


1- بهج الصباغة : 2/26 - 27 ؛ اثبات الوصيّة : 13 - 76 ، والنقل بتقطيع كثير .
2- سورة الأعراف : 172 - 173 .

قال : « نعم ، فثبتت المعرفة ونسوا الموقف ، وسيذكرونه ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه ، فمنهم من أقرّ بلسانه في الذر ولم يؤمن بقلبه فقال اللَّه : « فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ »(1)» .(2)

وقال الصادق عليه السلام : « كان الميثاق مأخوذاً عليهم للَّه بالربوبيّة ولرسوله بالنبوّة ولأميرالمؤمنين والأئمّة بالامامة ، فقال : ألست بربكم ومحمد نبيكم وعلى امامكم والأئمّة الهادون أئمّتكم ؟ فقالوا : بلى شهدنا»(3) .

وعن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن جدّه عليهم السلام : « انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال لعلي : أنت الذي احتجّ اللَّه بك في ابتدائه الخلق حيث أقامهم اشباحاً ، فقال لهم : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ، قال : ومحمد رسولي ؟ قالوا : بلى ، قال : وعلي بن أبي طالب وصيّي(4) ؟ فأبى الخلق جميعاً إلّا استكبارا وعتوا من ولايتك إلّا نفر قليل ، وهم أقل القليل وهم أصحاب اليمين»(5) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام في قول اللَّه عزوجل : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ »(6) قال : « اخرج اللَّه من ظهر آدم ذرّيّته إلى يوم القيامة كالذر فعرفهم نفسه ، ولولا ذلك لم يعرف احد ربه وقال : ألست بربكم ؟ قالوا : بلي وانّ هذا محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله

ص: 172


1- سورة الأعراف : 101 .
2- تفسير القمي : 1/248 ، بحار الأنوار : 5/237 ، ح 14 .
3- تفسير القمي : 1/247 ؛ بحار الأنوار : 5/236 ، ح 12 .
4- في البحار : 24/2 ، ح 4 : وعلي أميرالمؤمنين ؟
5- الأمالي للطوسي : 232 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 24/2 ، ح 4 .
6- الاعراف : 172 .

وعلي أميرالمؤمنين عليه السلام»(1) .

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « لو يعلم الناس متى سمّي عليٌّ اميرالمؤمنين لم ينكروا حقه ، فقيل له : متى سمّي ؟ فقرأ : واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم واشهدهم على انفسهم ألست بربكم قالوا بلي الآية . قال : محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وعلى أميرالمؤمنين عليه السلام»(2) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قوله تعالى : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلينَ »(3) ، قال : « اخرج اللَّه من ظهور آدم ذريته إلى يوم القيامة ، فخرجوا كالذر ، فعرفهم نفسه واراهم انفسه ، ولولا ذلك لم يعرف احد ربه ، قال : ألست بربكم ؟ قالوا : بلي ، قال : فان محمد صلى الله عليه وآله عبدي ورسولي وان علياً أميرالمؤمنين خليفتي واميني وقال رسول اللَّه [النبيّ] صلى الله عليه وآله : كل مولود يولد على المعرفة [و] ان اللَّه تعالى خالقه ، وذلك قوله تعالى : « وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ »(4)» .(5)

فَجَهِلُوا حَقَّهُ

قال تعالى : « وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَميعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ

ص: 173


1- بصائر الدرجات : 72 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار : 26/280 ، ح 23 .
2- اليقين : 235 ، باب 75 ؛ بحار الأنوار : 26/285 ، ح 44 .
3- الاعراف : 172 .
4- الزخرف : 87 .
5- تفسير فرات الكوفي : 148 - 149 ، ح 186 ؛ بحار الأنوار : 26/294 ، ح 54 - 55 .

وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ »(1) .

عن معاذ بن جبل قال : كنت رديف النبي صلى الله عليه وآله فقال : « يا معاذ هل تدري ما حق اللَّه عزوجل على العباد ؟ يقولها ثلاثاً ، قال : قلت : اللَّه ورسوله اعلم ، فقال رسول اللَّه : حق اللَّه عزوجل على العباد ان لا يشركوا به شيئاً»(2) .

وعن علي بن الحسين عليه السلام : « فأمّا حقّ اللَّه الأكبر فانّك تعبده لا تُشرك به شيئاً فاذا فعلت ذلك باخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ويحفظ لك ما تحب منها »(3) .

قال تعالى : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً »(4) .

وَ اتَّخَذُوا الْأَنْدَادَ مَعَهُ

قال تعالى : « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا »(5) .

وقال سبحانه : « قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذي خَلَقَ الْأَرْضَ في يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً »(6) .

وقال تعالى : « أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَني آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبينٌ * وَأَنِ اعْبُدُوني هذا صِراطٌ مُسْتَقيمٌ »(7) .

ص: 174


1- الزمر : 67 .
2- التوحيد للصدوق : 28 ، ح 28 ؛ بحار الأنوار : 3/10 ، ح 21 .
3- تحف العقول : 256 ؛ بحار الأنوار : 71/11 .
4- سورة البقرة : 165 .
5- سورة البقرة : 165 .
6- فصلت : 9 .
7- سورة يس : 60 - 61 .

قيل : أوّل من جعل للَّه ندّاً في هذا العالم من أفراد البشر أيضاً قابيل بعد ما ارتكب القتل ، وذلك لأنّه بعد قتل أخيه ذهب طريداً شريداً فزعاً مذعوراً لا يأمن من يراه وذهب إلى عدن من اليمن فأتاه ابليس ، فقال : إنّما أكلت النار قربان هابيل لأنّه كان يعبدها ، فانصب أنت أيضاً ناراً تكون لك ولعقبك ، فبنى بيت نار ، وهو أوّل من نصب النار وعبدها ، واتّخذ أولاده آلات اللهو من اليراع والطنبور والمزامير والعيدان ، وانهكموا في اللهو وشرب الخمر وعبادة النار والزنا والفواحش حتّى غرقهم اللَّه أيّام نوح بالطوفان(1)

فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ

اثبات وجود النبي صلى الله عليه وآله أو الرسول نقلاً تارةً من طريق الآيات وأخرى من طريق الآثار

أمّا الآيات فكثيرة :

منها : قوله تعالى : « كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فيما اخْتَلَفُوا فيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فيهِ إِلاَّ الَّذينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ »(2) .

وقال سبحانه : « لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنينَ إِذْ بَعَثَ فيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ »(3) .

ص: 175


1- بحار الأنوار : 11/220 .
2- سورة البقرة : 213 .
3- سورة آل عمران : 164 .

وقال اللَّه تعالى : « ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدينَ »(1) .

وقال اللَّه تعالى : « وَلَقَدْ بَعَثْنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبينَ »(2) .

وقال تعالى : « مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً »(3) .

وقال سبحانه : « رَبَّنا وَابْعَثْ فيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزيزُ الْحَكيمُ »(4) .

وأمّا الآثار :

ومن سؤال الزنديق سأل أبا عبداللَّه عليه السلام : مِنْ أَيْنَ أَثْبَتَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ ؟ قَالَ عليه السلام : « إِنَّا لَمَّا أَثْبَتْنَا أَنَّ لَنَا خَالِقاً صَانِعاً ، مُتَعَالِياً عَنَّا وَعَنْ جَمِيعِ مَا خَلَقَ ، وَكَانَ ذَلِكَ الصَّانِعُ حَكِيماً لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشَاهِدَهُ خَلْقُهُ وَلا أَنْ يُلامِسُوهُ وَلا أَنْ يُبَاشِرَهُمْ وَيُبَاشِرُوهُ وَيُحَاجَّهُمْ وَيُحَاجُّوهُ ثَبَتَ أَنَّ لَهُ سُفَراءَ فِي خَلْقِهِ وَعِبَادِهِ يَدُلُّونَهُمْ عَلَى مَصَالِحِهِمْ وَمَنَافِعِهِمْ وَمَا بِهِ بَقَاؤُهُمْ ، وَفِي تَرْكِهِ فَنَاؤُهُمْ فَثَبَتَ الآْمِرُونَ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ فِي خَلْقِهِ وَثَبَتَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ مُعَبِّرِينَ وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ عليهم السلام وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، حُكَمَاءَ مُؤَدَّبِينَ بِالْحِكْمَةِ ، مَبْعُوثِينَ عَنْهُ ، مُشَارِكِينَ لِلنَّاسِ فِي أَحْوَالِهِمْ ،

ص: 176


1- سورة يونس : 74 .
2- سورة النحل : 36 .
3- سورة الاسراء : 15 .
4- سورة البقرة : 129 .

عَلَى مُشَارَكَتِهِمْ لَهُمْ فِي الْخَلْقِ وَالتَّرْكِيبِ ، مُؤَدِّينَ مِنْ عِنْدِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ ، بِالْحِكْمَةِ وَ الدَّلائِلِ وَالْبَرَاهِينِ وَالشَّوَاهِدِ ، مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ فَلا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ حُجَّةٍ يَكُونُ مَعَهُ عِلْمٌ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ مَقَالِ الرَّسُولِ وَوُجُوبِ عَدَالَتِه »(1) .

وعن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : انّ اللَّه أجلّ وأكرم من أن يعرف بخلقه ، بل الخلق يعرفون باللَّه ، قال عليه السلام : « صدقت » ، قلت : ان من عرف انّ له ربّاً فينبغي له أن يعرف ان لذلك الرب رضاً وسخطاً وانّه لا يعرف رضاه وسخطه إلّا بوحيٍ أو رسولٍ فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرسل فاذا لقيهم عرف انّهم الحجّة وانّ لهم الطاعة المفترضة ، الحديث(2) .

وعن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبداللَّه عليه السلام : « الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق »(3) .

وعن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال : « واللَّه ما ترك اللَّه أرضاً منذ قبض آدم عليه السلام إلّا وفيها امام يهتدي به إلى اللَّه وهو حجّته على عباده ولا تبقى الأرض بغير امام حجّةٍ للَّه على عباده »(4) .

وَ وَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ

اشارة

قال سبحانه : « ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا

ص: 177


1- الكافي : 1/168 ، ح 1 ؛ الاحتجاج : 2/337 ، ح 223 ؛ بحار الأنوار : 10/164 ، ح 2 .
2- الكافي : 1/168 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 23/18 .
3- الكافي : 1/177 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 23/38 ، ح 66 .
4- الكافي : 1/179 ، ح 8 ؛ الزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب عليه السلام : 1/14 .

بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَجَعَلْناهُمْ أَحاديثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ »(1) .

لابدّ للمؤمن أن يؤمن بكلّ الأنبياء فالانكار بواحد منهم في حكم انكار جميعهم كما قال تعالى : « وَالَّذينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآْخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ »(2) .

ليست الأنبياء على حدّ سواء من حيث الفضيلة والقرب إلى اللَّه وسعة دائرة نبوّتهم

قال تعالى : « تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ »(3) .

عن دارم بن قبيصة بن نهشل قال : حدّثنا علي بن موسى الرضا عن آبائه عليهم السلام قال : « قال النبي صلى الله عليه وآله : خلق اللَّه عزّوجلّ مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ أنا أكرمهم على اللَّه ولا فخر ، وخلق اللَّه عزّوجلّ مائة ألف وصي وأربعة وعشرين ألف وصيّ فعليّ أكرمهم على اللَّه وأفضلهم(4) .

وقال الشيخ رحمه الله : اعتقادنا في عددهم انّهم مائة ألف نبيّ وأربعة وعشرون ألف نبيّ ، ومائة ألف وصي وأربعة وعشرون ألف وصي ، لكلّ نبيّ منهم وصي أوصى إليه بأمر اللَّه تعالى (5) .

ص: 178


1- المؤمنون : 44 .
2- سورة البقرة : 4 .
3- سورة البقرة : 253 .
4- الأمالي للصدوق : 236 ، المجلس 41 ، ح 11 ؛ بحار الأنوار : 38/4 ، ح 2 .
5- اعتقادات الاماميّة للصدوق : 92 ؛ بحار الأنوار : 11/28 .

لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ

قال تعالى : « فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها »(1) .

عن عبدالرحمن بن كثير مولى أبي جعفر عن أبي عبداللَّه عليه السلام في قوله اللَّه عزوجل : « فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » ، قال : « التوحيد ومحمد رسول اللَّه وعلي أميرالمؤمنين عليه السلام»(2) .

وعن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : اصلحك اللَّه ، قول اللَّه عزوجل في كتابه : « فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها »(3) ، قال : « فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفته انه ربهم ، قلت : وخاطبوه ؟ قال : فطأطأ رأسه ثم قال : لولا ذلك لم يعلموا من ربُّهم ولا من رازقُهم»(4) .

وعن عبداللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته عن قول اللَّه عزوجل - « فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها » - ما تلك الفطرة ؟ قال : « هي الاسلام ، فطرهم اللَّه حين اخذ ميثاقهم على التوحيد ، قال : ألست بربكم وفيه المؤمن والكافر»(5) .

وَ يُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ

قال تعالى حكاية عن هود في تذكير قومه بآلائه تعالى : « وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ

ص: 179


1- الروم : 30 .
2- التوحيد للصدوق : 329 ، ح 7 ؛ بحار الأنور : 26/277 ، ح 18 .
3- الروم : 30 .
4- التوحيد للصدوق : 330 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 3/278 ، ح 10 .
5- الكافي : 2/12 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 3/278 ، ح 7 .

خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ »(1) وعن صالح لقومه في ذلك : « وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدينَ »(2) وعن موسى لقومه في ذلك : « اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمينَ »(3) .

وقال - عزوجل - على لسان نبيّاً صلى الله عليه وآله في ذلك : « يا بَني إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتي ثَمَناً قَليلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ * وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ »(4) .

وقال تعالى : « وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَميثاقَهُ الَّذي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ »(5) .

وَ يَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ

قال تعالى : « لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ »(6) وقال

ص: 180


1- الاعراف : 69 .
2- الاعراف : 74 .
3- المائدة : 20 .
4- البقرة : 40 - 42 .
5- سورة المائدة : 7 .
6- الانفال : 42 .

تعالى : « لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزيزاً حَكيماً »(1) .

وقال تعالى : « وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبينُ »(2) .

وقال تبارك وتعالى : « وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ »(3) .

وقال تعالى : « ادْعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ »(4) .

وقال تعالى : « أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذي حَاجَّ إِبْراهيمَ في رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهيمُ رَبِّيَ الَّذي يُحْيي وَيُميتُ قالَ أَنَا أُحْيي وَأُميتُ قالَ إِبْراهيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمينَ »(5) .

عن أبي الحسن عليه السلام قال : « ان الاحلام لم تكن فيما مضى في أول الخلق ، وانما حدثت ، فقلت : وما العلة في ذلك ؟ فقال : إن اللَّه عز ذكره بعث رسولا ً إلى أهل زمانه ، فدعاهم إلى عبادة اللَّه وطاعته ، فقالوا : إن فعلنا ذلك فما لنا ؟ فواللَّه ما انت باكثرنا مالاً ولا باعزّنا عشيرة ، فقال : ان اطعتموني ادخلكم اللَّه الجنة ، وان عصيتموني ادخلكم اللَّه النار ، فقالوا : وما الجنة والنار ؟ فوصف لهم ذلك ، فقالوا : متى نصير إلى ذلك ؟ فقال : إذا متّم ، فقالوا : لقد رأينا امواتنا صاروا عظاماً ورفاتاً ،

ص: 181


1- النساء : 165 .
2- العنكبوت : 18 .
3- سورة العنكبوت : 46 .
4- سورة النحل : 125 .
5- سورة البقرة : 258 .

فازدادوا له تكذيباً وبه استخفافاً ، فاحدث اللَّه عزوجل فيهم الاحلام ، فاتوه فاخبروه بما رأوا وما انكروا من ذلك ، فقال : إن اللَّه عزوجلّ اراد أن يحتجّ عليكم بهذا ، هكذا تكون ارواحكم اذا متّم وإن بليت ابدانكم تصير الأرواح الى عقاب حتى تبعث الابدان »(1) .

وروى عن النبي صلى الله عليه وآله انّه قال : « نحن المجادلون في دين اللَّه على لسان سبعين نبيّاً »(2) .

وَ يُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ

قال تعالى : « قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ »(3) .

وقال تعالى : « إِنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتي تَجْري فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَتَصْريفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ »(4) .

وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ وَمِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ

قال تعالى : « وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ »(5) .

ص: 182


1- الكافي : 8/90 ، ح 57 ؛ بحار الأنوار : 6/243 ، ح 68 .
2- الاحتجاج على أهل اللجاج : 1/15 ؛ بحار الأنوار : 2/125 ، ح 1 .
3- ابراهيم : 10 .
4- البقرة : 164 .
5- سورة الطور : 5 .

وقال تعالى : « وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ »(1) .

وقال سبحانه : « أَ فَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ »(2) .

ثمّ قال تعالى بعد هذه الآية : « تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنيبٍ »(3) .

وقال تعالى : « وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْميزانَ »(4) .

وقال اللَّه تبارك وتعالى : « أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ »(5) .

وقال اللَّه تعالى : « اللَّهُ الَّذي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْري لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الآْياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ »(6) .

وقال تعالى : « أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً * وَالْجِبالَ أَوْتاداً »(7) إلى أن قال : « وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً »(8) .

وقال تعالى : « الَّذي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ »(9) .

ص: 183


1- سورة الأنبياء : 32 .
2- سورة ق : 6 .
3- سورة ق : 8 .
4- سورة الرحمن : 7 .
5- الغاشية : 17 - 18 .
6- سورة الرعد : 2 .
7- النبأ : 6 - 7 .
8- النبأ : 12 .
9- سورة الزخرف : 10 .

وقال سبحانه : « الَّذي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فيها سُبُلاً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى »(1) .

وقال تعالى حكاية عن نوح في دعوته قومه : « ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ للَّهِ ِ وَقاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً * أَ لَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً * ثُمَّ يُعيدُكُمْ فيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً * لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً »(2) .

وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ

قال تعالى : « أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطيفٌ خَبيرٌ »(3) .

وقال اللَّه سبحانه : « أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْري فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحيمٌ »(4) .

وقال تبارك وتعالى : « وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * وَجَعَلْنا فيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فيها مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْديهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ * سُبْحانَ الَّذي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا

ص: 184


1- سورة طه : 53 .
2- نوح : 13 - 20 .
3- سورة الحج : 63 .
4- سورة الحج : 65 .

تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ »(1) .

وقال تعالى : « أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ * وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ »(2) .

وقال سبحانه : « الَّذي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ »(3) .

وقال تعالى : « إِنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتي تَجْري فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَتَصْريفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ »(4) .

وَآجَالٍ تُفْنِيهِمْ

قال تعالى : « وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ »(5) .

وقال تعالى : « أَ وَلَمْ يَنْظُرُوا في مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْ ءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَديثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ »(6) .

ص: 185


1- سورة يس : 33 - 36 .
2- سورة يس : 71 - 73 .
3- سورة يس : 80 .
4- سورة البقرة : 164 .
5- سورة الأعراف : 34 .
6- سورة الاعراف : 185 .

وقال سبحانه : « وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ »(1) .

وقال تبارك وتعالى : « وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصيراً »(2) .

والآيات فيها كثيرة .

وَأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ وَأَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ

ان اللَّه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ولا معقّب لحكمه ولا رادّ لقضائه(3) .

وَ لَمْ يُخْلِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ

سبب الحاجة إلى بعث الرسل

عن هشام بن الحكم عن ابي عبداللَّه عليه السلام انه قال للزنديق الذي سأله من أين اثبت الأنبياء والرسل ؟ قال : انّا لمّا اثبتنا انّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً لم يجز ان يشاهده خلقه ، ولا يلامسوه ، فيباشرهم ويباشروه ، ويحاجّهم ويحاجّوه ، ثبت انّ له سفراء في خلقه ، يعبّرون

ص: 186


1- سورة يونس : 11 .
2- سورة الفاطر : 45 .
3- الزام الناصب في اثبات الحجّة الغائب : 1/46 ؛ بحار الأنوار : 26/15 .

عنه إلى خلقه وعباده ، ويدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبّرون عنه جلّ وعزّ ، وهم الأنبياء صلى الله عليه وآله وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدّبين بالحكمة ، مبعوثين بها ، غير مشاركين للناس - على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب - في شي ء من احوالهم ، مؤيّدين من عند الحكيم العليم بالحكمة ، ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما اتت به الرّسل والأنبياء من الدلائل والبراهيم ، لكيلا تخلو ارض اللَّه من حجّة يكون معه علم يدلّ على صدق مقالته وجواز عدالته(1) .

أوْ كِتابٍ مُنزَلٍ

في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام : « قد أرسل اللَّه رسله بالكتاب وبتأويله ، فمن كذب بالكتاب أو كذب بما أرسل به رسله من تأويل الكتاب فهو مشرك كافر »(2) .

وعن الحارث الأعور قال : دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ سَمِعْنَا الَّذِي نَسُدُّ بِهِ دِينَنَا ، وَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ سَمِعْنَا أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً مَغْمُوسَةً ، لا نَدْرِي مَا هِيَ ؟ قَالَ : « أَ وَقَدْ فَعَلُوهَا ؟ » قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : « سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وآله يَقُولُ : أَتَانِي جَبْرَئِيلُ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، سَيَكُونُ فِي أُمَّتِكَ فِتْنَةٌ . قُلْتُ : فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا ؟ فَقَالَ : كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ بَيَانُ مَا قَبْلَكُمْ مِنْ خَبَرٍ ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، مَنْ وَلّاهُ مِنْ

ص: 187


1- الكافي : 1/168 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 10/164 ، ح 2 .
2- تفسير القمي : 2/260 ؛ بحار الأنوار : 31/579 ، ح 12 .

جَبَّارٍ فَعَمِلَ بِغَيْرِهِ قَصَمَهُ اللَّهُ ، وَمَنِ الْتَمَسَ الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ، لا تُزَيغُهُ الْأَهْوَاءُ وَلا تُلَبِّسُهُ الْأَلْسِنَةُ ، وَلا يَخْلُقُ عَنِ الرَّدِّ ، وَلا يَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَلا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ [ هُوَ الَّذِي ]لَمْ تُكِنَّهُ الْجِنُّ إِذَ سَمِعَهُ أَنْ قَالُوا : « إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ »(1) مَنْ قَالَ بِهِ صُدِّقَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ، وَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ، هُوَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ الَّذِي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ »(2) .

وعن داود بن فرقد قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « عليكم بالقرآن فما وجدتم آية نجا بها من كان قبلكم فاعملوا به ، وما وجدتموه هلك من كان قبلكم فاجتنبوا »(3) .

وعن عمرو بن قيس الماصر عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَدَعْ شَيْئاً تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلّا أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَبَيَّنَهُ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه وآله وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ حَدّاً وَجَعَلَ عَلَيْهِ دَلِيلاً يَدُلُّ عَلَيْهِ وَجَعَلَ عَلَى مَنْ تَعَدَّى الْحَدَّ حَدّاً »(4) .

أَوْ حُجَّةٍ لازِمَةٍ

اشارة

قال تعالى : « لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ »(5) .

ص: 188


1- سورة الجن : 7 - 8 .
2- تفسير العيّاشي : 1/3 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 89/24 ، ح 25 .
3- تفسير العيّاشي : 1/5 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 89/94 ، ح 43 .
4- الكافي : 7/176 ، ح 11 ؛ جامع أحاديث الشيعة : 30/511 ، ح 694 .
5- النساء : 165 .

عن داود الرقي عن العبد الصالح عليه السلام قال : « انّ الحجّة لا تقوم للَّه على خلقه إلّا بامام حتّى يعرف »(1) .

وقال ابوعبداللَّه عليه السلام : الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق(2) .

وعن عبداللَّه بن سليمان ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « ما زالت الأرض إلّا وفيها حجّة يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل اللَّه »(3)

وعن أبي اسحاق عمن يثق به من اصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام ان اميرالمؤمنين عليه السلام قال : « اللهم انك لا تخلي ارضك من حجّة لك على خلقك »(4) .

المراد من الحجّة هو الإمام المعصوم

عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال : « واللَّه ما ترك اللَّه ارضاً منذ قبض آدم عليه السلام إلّا وفيها امام يهتدي به إلى اللَّه وهو حجته على عباده ، ولا تبقي الارض بغير امام حجّة للَّه على عباده »(5) .

وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « ان اللَّه اجل واعظم من أن يترك الارض بغير امام عادل »(6) .

وعن أبي بصير عن احدهما عليهما السلام قال : قال : « ان اللَّه لم يدع الأرض بغير عالم

ص: 189


1- الكافي : 1/177 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 23/51 ، ح 103 .
2- بصائر الدرجات : 487 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 23/38 ، ح 66 .
3- الغيبة للنعماني : 138 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 23/56 ، ح 118 .
4- الكافي : 1/178 ، ح 7 ؛ بحار الأنوار : 23/55 ، ح 116 .
5- الكافي : 1/179 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 23/22 ، ح 25 .
6- الكافي 1/178 ، ح 6 ؛ كمال الدين وتمام النعمة : 1/229 ، ح 26 ؛ بحار الأنوار : 23/42 ، ح 81 .

ولولا ذلك لم يعرف الحق من الباطل »(1) .

وعن إسحاق بن عمّار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سمعته يقول : « انّ الأرض لا تخلو إلّا وفيها إمام كيما ان زاد المؤمنون شيئاً ردّهم ، وإن نقصوا شيئاً أتمّه لهم»(2).

وعن أبي حمزة قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : « أتبقى الأرض بغير امام ؟ قال : لو بقيت الأرض بغير امام لساخت »(3) .

وعن أبي هراسة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال : « لو انّ الامام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله »(4) .

وعن يونس بن يعقوب ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام انّه سمعه يقول : « لو لم يكن في الأرض إلّا اثنان لكان أحدهما الامام »(5) .

أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ

قال تعالى : « لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً »(6) .

وقال تبارك وتعالى : « شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً »(7) .

ص: 190


1- الكافي : 1/178 ، ح 5 ؛ الغيبة للنعماني : 138 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 23/36 ، ح 62 .
2- الكافي : 1/178 ح 2 .
3- الكافي : 1/179 ، ح 10 ؛ الغيبة للنعماني : 138 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 23/24 ، ح 30 .
4- كمال الدين : 1/202 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 23/34 ، ح 56 .
5- الغيبة للنعماني : 140 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 23/52 ، ح 107 .
6- سورة المائدة : 48 .
7- سورة الشورى : 13 .

رُسُلٌ لا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ وَلا كَثْرَةُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ

قال تعالى : « وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامي وَتَذْكيري بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ * فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمينَ * فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ »(1) .

وقال : « وَإِبْراهيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبينُ * أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسيرٌ * قُلْ سيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآْخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَديرٌ * يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ * وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصيرٍ * وَالَّذينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ * فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ في ذلِكَ لآَياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ »(2) .

وقال عزّوجلّ - حكاية عنه - : « وَتَاللَّهِ لَأَكيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ »(3) .

ص: 191


1- يونس : 71 - 73 .
2- العنكبوت : 16 - 24 .
3- الأنبياء : 57 - 58 .

مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ

قال تعالى : « وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْري قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدينَ »(1) وقال : « وَإِذْ قالَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَني إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ »(2) .

وقال : « الَّذينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجيلِ »(3) .

أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ

قال تعالى : « مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ »(4) .

وقال تعالى : « قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهيمَ وَإِسْماعيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ »(5) .

ص: 192


1- آل عمران : 81 .
2- الصف : 6 .
3- الاعراف : 157 .
4- الصف : 6 .
5- آل عمران : 84 .

عَلَى ذَلِكَ نَسَلَتِ الْقُرُونُ وَمَضَتِ الدُّهُورُ وَسَلَفَتِ الْآبَاءُ وَخَلَفَتِ الْأَبْنَاءُ

قال اللَّه تعالى : « وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ »(1) .

إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله

اشارة

قال تعالى : « وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ »(2) .

وقال اللَّه تعالى : « يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذيراً * وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ »(3) .

وقال سبحانه : « كَما أَرْسَلْنا فيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ »(4) .

وقال تعالى : « لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنينَ إِذْ بَعَثَ فيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفي ضَلالٍ مُبينٍ »(5) .

وقال تعالى : « هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ »(6) .

وقال تبارك وتعالى : « ادْعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ

ص: 193


1- سورة يونس : 13 .
2- الصف : 6 .
3- سورة الأحزاب : 45 - 46 .
4- سورة البقرة : 151 .
5- سورة آل عمران : 164 .
6- سورة التوبة : 33 .

وَجادِلْهُمْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ »(1) .

وقال تعالى : « وَيَقُولُ الَّذينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّه إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ »(2) .

وقال تعالى : « إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ »(3) .

كيفيّة بعثه صلى الله عليه وآله وعمره حين البعثة

علي بن إبراهيم بن هاشم القمي في كتابه : إن النبي صلى الله عليه وآله لما أتى له سبع وثلاثون سنة كان يرى في نومه كان آتيا أتاه فيقول : يا رسول اللَّه فينكر ذلك ، فلمّا طال عليه الأمر كان يوماً بين الجبال يرعى غنما لأبي طالب ، فنظر إلى شخص يقول يا رسول اللَّه فقال له : من أنت ؟ قال : أنا جبرئيل أرسلني اللَّه إليك ليتخذك رسولاً ، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله خديجة بذلك ، فقالت : يا محمد أرجو أن يكون كذلك ، فنزل عليه جبرئيل وأنزل عليه ماء من السماء علمه الوضوء والركوع والسجود ، فلما تمّ له أربعون سنة علّمه حدود الصلاة ولم ينزل عليه أوقاتها فكان يصلي ركعتين ركعتين في كل وقت .

أبو ميسرة وبريدة أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا انطلق بارزاً سمع صوتاً يا محمد ، فيأتي خديجة فيقول : يا خديجة قد خشيت أن يكون خالط عقلي شي ء إني إذا خلوت

ص: 194


1- سورة النحل : 125 .
2- سورة الرعد : 7 .
3- سورة الفتح : 8 - 9 .

أسمع صوتا وأرى نوراً(1) .

وعن محمد بن كعب وعائشة : أول ما بدأ به رسول اللَّه من الوحي الرؤيا الصادقة وكان يرى الرؤيا فتأتيه مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلأ ، فكان يخلو بغار حرى ، فسمع نداء : يا محمد ، فغشي عليه ، فلمّا كان اليوم الثاني سمع مثله نداءً ، فرجع إلى خديجة ، فقال : زمّلوني زمّلوني فو اللَّه لقد خشيت على عقلي ، فقالت : كلّا واللَّه لا يخزيك اللَّه أبدا ، إنك لتصل الرحم وتحمل الكلّ وتكسب المعدم(2) وتقري الضيف ، تعين على نوائب الحق ، فانطلقت خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل ، فقال ورقة : هذا واللَّه الناموس(3) الذي أنزل على موسى وعيسى ، وإني أرى في المنام ثلاث ليال أن اللَّه أرسل في مكة رسولاً اسمه محمّد وقد قرب وقته ولست أرى في الناس رجلاً أفضل منه ، فخرج إلى حراء فرأى كرسيّاً من ياقوتة حمراء مرقاة من زبرجد ومرقاة من لؤلؤ ، فلما رأى ذلك غشي عليه ، فقال ورقة : يا خديجة فإذا أتته الحالة فاكشفي عن رأسك فإن خرج فهو ملك وإن بقي فهو شيطان ، فنزعت خمارها ، فخرج الجائي فلمّا اختمرت عاد ، فسأله ورقة عن صفة الجائي ، فلمّا حكاه قام وقبّل رأسه وقال ذاك الناموس الأكبر الذي نزل على موسى وعيسى ، ثم قال : أبشر فإنك أنت النبي الذي بُشّر به موسى وعيسى وإنك نبي مرسل ، ستؤمر بالجهاد ، وتوجه نحوها وأنشأ يقول :

فإن يك حقا يا خديجة فاعلمي * حديثك إيانا فأحمد مرسل

ص: 195


1- مناقب لابن شهر آشوب : 1/44 ، بحار : 18/194 ، ح 20 .
2- الكلّ : الضعيف ، اليتيم . قوله : تكسب المعدم أي تعطي الفقير من قولهم : كسب وكسب واكسب فلاناً مالاً أو علماً أَنا لَهُ إيّاه .
3- الناموس : الوحي ، جبرئيل عليه السلام .

وجبريل يأتيه وميكال معهما * من اللَّه وحي يشرح الصدر منزل

يفوز به من فاز عزا لدينه * ويشقي به الغاوي الشقي المضلل

فريقان منهم فرقة في جنانه * وأخرى بأغلال الجحيم تغلل

ومن قصيدة له :

يا للرجال لصرف الدهر والقدر * وما لشي ء قضاه اللَّه من غير

حتى خديجة تدعوني لأخبرها * وما لنا بخفي العلم من خبر

فخبرتني بأمر قد سمعت به * فيما مضى من قديم الناس والعصر

بأن أحمد يأتيه فيخبره * جبريل إنك مبعوث إلى البشر

و من قصيدة له :

فخبرنا عن كل خير بعلمه * وللحق أبواب لهن مفاتح

وإن ابن عبد اللَّه أحمد مرسل * إلى كل من ضمت عليه الأباطح

وظني به أن سوف يبعث صادقا * كما أرسل العبدان نوح وصالح

وموسى وإبراهيم حتى يرى له * بهاء ومنشور من الذكر واضح(1)

وروي أنه نزل جبرئيل على جياد(2) أصفر والنبي صلى الله عليه وآله بين علي وجعفر ، فجلس جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ولم ينبّهاه إعظاماً له ، فقال ميكائيل : إلى أيّهم بعثت ؟ قال : إلى الأوسط ، فلمّا انتبه أدّى إليه جبرئيل الرسالة عن اللَّه تعالى ، فلمّا نهض جبرئيل ليقوم أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بثوبه ، ثم قال : ما اسمك ؟ قال : جبرئيل ثم نهض النبي صلى الله عليه وآله ليلحق بقومه ، فما مرّ بشجرة ولا مدرة إلّا

ص: 196


1- مناقب لابن شهرآشوب : 1/44 ؛ بحار الأنوار : 18/194 ، ذيل ح 30 .
2- جياد : موضع بأسفل مكّةمعروف من شعابها كما عن الجزري .

سلّمت عليه وهنّأته ، ثم كان جبرئيل يأتيه ولا يدنو منه إلّا بعد أن يستأذن عليه ، فأتاه يوماً وهو بأعلى مكّة فغمز بعقبه بناحية الوادي ، فانفجر عين فتوضّأ جبرئيل ، وتطهر الرسول ثمّ صلى الظهر وهي أول صلاة فرضها اللَّه تعالى وصلى أميرالمؤمنين عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وآله ، ورجع رسول اللَّه من يومه إلى خديجة فأخبرها فتوضأت وصلت صلاة العصر من ذلك اليوم .

وروي أن جبرئيل أخرج قطعة ديباج فيه خطّ ، فقال : اقرأ ، قلت : كيف أقرأ ولست بقارئ ، إلى ثلاث مرات ، فقال في المرة الرابعة : « اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ » إلى قوله : « ما لَمْ يَعْلَم »(1) .

وروى : قرن إسرافيل برسول اللَّه صلى الله عليه وآله ثلاث سنين يسمع الصوت ولا يرى شيئا ، ثم قرن به جبرئيل عليه السلام عشرين سنة وذلك حيث أوحي إليه فأقام بمكة عشر سنين ، ثم هاجر إلى المدينة فأقام بها عشر سنين وقبض صلى الله عليه وآله وهو ابن ثلاث وستين سنة(2) .

وروى : أن النبوة نزلت على رسول اللَّه يوم الإثنين ، وأسلم عليّ يوم الثلاثا ، ثم أسلمت خديجة بنت خويلد زوجة النبي صلى الله عليه وآله ، ثم دخل أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وآله وهو يصلي وعلي عليه السلام بجنبه ، وكان مع أبي طالب عليه السلام جعفر فقال له أبو طالب صلّ جناح ابن عمّك ، فوقف جعفر على يسار رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فبدر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من بينهما ، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يصلّي وعليّ وجعفر وزيد بن حارثة وخديجة يأتمّون به ، وساق الحديث إلى أن قال : فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقام على الحجر

ص: 197


1- مناقب لابن شهرآشوب : 1/45 ؛ بحار الأنوار : 18/196 .
2- الاختصاص : 130 ؛ بحار الأنوار : 18/232 ، ح 74 .

فقال «يا معشر قريش يا معشر العرب أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه وآمركم بخلع الأنداد والأصنام فأجيبوني تملكوا بها العرب وتدين لكم العجم وتكونوا ملوكا في الجنة » فاستهزءوا منه وقالوا : جن محمد بن عبد اللَّه ولم يجسروا عليه لموضع أبي طالب ، فاجتمعت قريش إلى أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سفه أحلامنا ، وسب آلهتنا ، وأفسد شبّاننا وفرّق جماعتنا ، فإن كان يحمله على ذلك العدم جمعنا له مالاً ، فيكون أكثر قريش مالاً ونزوّجه أي امرأة شاء من قريش ، فقال له أبو طالب : ما هذا يا ابن أخي ؟ فقال صلى الله عليه وآله : يا عمّ هذا دين اللَّه الذي ارتضاه لأنبيائه ورسله بعثني اللَّه رسولاً إلى الناس ، فقال : يا ابن أخي إن قومك قد أتوني يسألوني أن أسألك أن تكفّ عنهم ، فقال : يا عمّ لا أستطيع أن أخالف أمر ربّي ، فكفّ عنه أبو طالب ، ثم اجتمعوا إلى أبي طالب فقالوا : أنت سيّد من ساداتنا فادفع إلينا محمداً لنقتله وتملك علينا ، فقال أبو طالب قصيدته الطويلة يقول فيها :

ولما رأيت القوم لا ودّ عندهم * وقد قطعوا كل العرى والوسائل

كذبتم وبيت اللَّه يبرأ محمد(1) * ولما نطاعن دونه ونناضل

ونسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل(2)

وقال : « الَّذينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجيلِ »(3) .

ص: 198


1- نبرئ محمدا .
2- تفسير القمي : 1/378 ؛ بحار الأنوار : 18/179 ، ح 10 .
3- الاعراف : 157 .

لِإِنْجَازِ عِدَتِهِ

اشارة

وقال تعالى : « وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرينَ »(1) .

وقال سبحانه : « وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَريقٌ مِنَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ »(2) .

كثير من أحبار اليهود وعلماء النصارى كانوا ينتظرون بعثته وآمنوا به

روى عن أبي طالب قال : خرجت إلى الشام تاجراً سنة ثمان من مولد النبي صلى الله عليه وآله وكان في أشد ما يكون من الحرّ ، فلمّا أجمعت على السير قال لي رجال من قومي : ما تريد أن تفعل بمحمد وعلى من تخلفه ؟ فقلت : لا أريد أن أخلفه على أحد من الناس ، أريد أن يكون معي ، فقيل : غلام صغير في حرٍّ مثل هذا تخرجه معك ؟ فقلت : واللَّه لا يفارقني حيثما توجهت أبدا ، فإنّي لأوطّئُ له الرحل ، فذهبت فحشوت له حشية كساءً وكتاناً وكنّا ركبانا كثيراً ، فكان واللَّه البعير الذي عليه محمدٌ أمامي لا يفارقني وكان يسبق الركب كلّهم ، فكان إذا اشتدّ الحرّ جائت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلّم عليه فتقف على رأسه لا تفارقه ، وكانت ربما أمطرت علينا السحابة بأنواع الفواكه وهي تسير معنا وضاق الماء بنا في طريقنا حتّى كنّا لا نصيب قربة إلّا بدينارين ، وكنا حيث ما نزلنا تمتلئ الحياض ويكثر

ص: 199


1- سورة البقرة : 89 .
2- سورة البقرة : 101 .

الماء وتخضر الأرض ، فكنّا في كل خصب وطيب من الخير ، وكان معنا قوم قد وقفت جمالهم ، فمشى إليها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ومسح يده عليها فسارت ، فلمّا قربنا من بصرى الشام(1) إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدابة السريعة حتّى إذا قربت منّا وقفت وإذا فيها راهب وكانت السحابة لا تفارق رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ساعة واحدة ، وكان الراهب لا يكلّم الناس ولا يدري ما الركب ، ولا ما فيه من التجارة فلمّا نظر إلى النبي صلى الله عليه وآله عرفه ، فسمعته يقول : إن كان أحد فأنت أنت قال : فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الراهب ، قليلة الأغصان ، ليس لها حمل ، وكانت الركبان تنزل تحتها ، فلمّا نزلها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله اهتزت الشجرة وألقت أغصانها(2) على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وحملت من ثلاثة أنواع من الفاكهة فاكهتان للصيف وفاكهة للشتاء فتعجب جميع من معنا من ذلك فلما رأى بحيرى الراهب ذلك ذهب فاتخذ لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله طعاما بقدر ما يكفيه ثم جاء وقال من يتولى أمر هذا الغلام فقلت أنا ، فقال أي شي ء تكون منه ؟ فقلت أنا عمه ، فقال : يا هذا إن له أعمام [ أعماماً] فأي الأعمام أنت ؟ فقلت : أنا أخو أبيه من أم واحدة ، فقال : أشهد أنه هو وإلا فلست بحيرى ثم قال لي : يا هذا تأذن لي أن أقرب هذا الطعام منه ليأكله ؟ فقلت له : قربه إليه ورأيته كارها لذلك والتفت إلى النبي صلى الله عليه وآله فقلت : يا بني

ص: 200


1- بصرى - بضم الموحدة - : مدينة حوران ، فتحت صلحاً لخمس بقين من ربيع الأوّل سنة ثلاث عشرة وهي أوّل مدينة فتحت بالشام ، وقد وردها النبيّ صلى الله عليه وآله مرّتين كما في المواهب المدنيّة .
2- في بعض نسخ الحديث « وتهصرت اغصان الشجرة على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله - الخ » . وقال الجزريّ : أصل الهصر أن تأخذ برأس العود فتثنيه إليك وتعطفه . ومنه الحديث « انّه صلى الله عليه وآله كان مع أبي طالب فنزل تحت شجرة فتهصرت أغصان الشجرة » أي تهدلت عليه .

رجل أحب أن يكرمك فكل ، فقال : هو لي دون أصحابي ؟ فقال بحيرى : نعم هو لك خاصة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله فإني لا آكل دون هؤلاء ، فقال بحيرى : إنه لم يكن عندي أكثر من هذا ، فقال : أفتأذن يا بحيرى إلى أن يأكلوا معي ؟ فقال : بلى ، فقال : كلوا بسم اللَّه ، فأكل وأكلنا معه ، فو اللَّه لقد كنا مائة وسبعين رجلا وأكل كل واحد منا حتى شبع وتجشأ وبحيرى قائم على رأس رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يذبّ عنه ويتعجب من كثرة الرجال وقلة الطعام ، وفي كل ساعة يقبل رأسه ويافوخه ويقول : هو هو وربّ المسيح والناس لا يفقهون فقال له رجل من الركب : إن لك لشأنا قد كنا نمرّ بك قبل اليوم فلا تفعل بنا هذا البرّ ، فقال بحيرى : واللَّه إن لي لشأنا وشأنا وإني لأرى ما لا ترون وأعلم ما لا تعلمون وإن تحت هذه الشجرة لغلاما لو أنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردّوه إلى وطنه ، واللَّه ما أكرمتكم إلا له ، ولقد رأيت له وقد أقبل نوراً أضاء له ما بين السماء والأرض ، ولقد رأيت رجالاً في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروّحونه وآخرين ينثرون عليه أنواع الفواكه ، ثم هذه السحابة لا تفارقه ، ثم صومعتي مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها ، ثم هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الأغصان ولقد كثرت أغصانها واهتزّت وحملت ثلاثة أنواع من الفواكه فاكهتان للصيف وفاكهة للشتاء ، ثم هذه الحياض التي غارت وذهب ماؤها أيّام تمرّج(1) بني إسرائيل بعد الحواريين حين وردوا عليهم فوجدنا في كتاب شمعون الصفا أنه دعا عليهم فغارت وذهب ماؤها ، ثم قال : متى ما رأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء فاعلموا أنه لأجل نبيّ يخرج في أرض تهامة مهاجراً إلى المدينة اسمه في قومه الأمين ، وفي السماء أحمد وهو

ص: 201


1- المرج - بالتحريك - : الفساد والغلق والاضطراب .

من عترة إسماعيل بن إبراهيم لصلبه ، فو اللَّه إنّه لهو ، ثم قال بحيرى : يا غلام أسألك عن ثلاث خصال بحقّ اللات والعزّى إلّا ما أَخْبَرْتَنِيها ، فغضب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عند ذكر اللات والعزّى وقال : لا تسألني بهما ، فو اللَّه ما أبغضت شيئاً كبغضهما ، وإنّما هما صنمان من حجارة لقومي ، فقال بحيرى : هذه واحدة ، ثم قال : فباللَّه إلّا ما أخبرتني ، فقال : سل عمّا بدا لك فإنّك قد سألتني بإلهي وإلهك الذي ليس كمثله شي ء ، فقال : أسألك عن نومك ويقظتك ، فأخبره عن نومه ويقظته وأموره وجميع شأنه ، فوافق ذلك ما عند بحيرى من صفته التي عنده ، فانكب عليه بحيرى ، فقبّل رجليه وقال : يا بني ما أطيبك وأطيب ريحك يا أكثر النبيّين أتباعاً ، يا من بهاء نور الدنيا من نوره ، يا من بذكره تعمر المساجد ، كأنّي بك قد قُدت الأجناد والخيل وقد تبعك العرب والعجم طوعاً وكرهاً ، وكأنّي باللات والعزّى وقد كسرتهما ، وقد صار البيت العتيق لا يملكه غيرك تضع مفاتيحه حيث تريد ، كم من بطل من قريش والعرب تصرعه ، معك مفاتيح الجنان والنيران ، معك الذبح الأكبر ، وهلاك الأصنام ، أنت الذي لا تقوم الساعة حتى تدخل الملوك كلها في دينك صاغرة قميئة(1) ، فلم يزل يقبّل يديه مرّة ورجليه مرّة ويقول : لئن أدركت زمانك لأضربن بين يديك بالسيف ضرب الزند بالزند(2) أنت سيد ولد آدم وسيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين ، واللَّه لقد ضحكت الأرض يوم ولدت فهي ضاحكة إلى يوم القيامة فرحاً بك ، واللَّه لقد بكت البيَع والأصنام والشياطين ، فهي باكية إلى يوم القيامة ، أنت دعوة إبراهيم عليه السلام وبُشرى عيسى عليه السلام ، أنت المقدس

ص: 202


1- أي ذليلة .
2- الزند : الذي يقدح به النار .

المطهر من أنجاس الجاهلية ، ثم التفت إلى أبي طالب وقال : ما يكون هذا الغلام منك ؟ فإنّي أراك لا تفارقه ، فقال أبو طالب : هو ابني ، فقال : ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون والده الذي ولده حيّاً ولا أمّه ، فقال : إنه ابن أخي وقد مات أبوه وأمّه حاملة به ، وماتت أمّه وهو ابن ست سنين ، فقال : صدقت هو هكذا ، ولكن أرى لك أن تردّه إلى بلده عن هذا الوجه ، فإنه ما بقي على ظهر الأرض يهودي ولا نصراني ولا صاحب كتاب إلّا وقد علم بولادة هذا الغلام ، ولئن رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت أنا منه ليبغينه شرّاً وأكثر ذلك هؤلاء اليهود ، فقال أبو طالب : ولِمَ ذلك ؟ قال : لأنّه كائن لابن أخيك هذه النبوّة والرسالة ، ويأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى ، فقال أبو طالب : كلّا إن شاء اللَّه ، لم يكن اللَّه ليضيعه ، ثم خرجنا به إلى الشام فلمّا قربنا من الشام رأيت واللَّه قصور الشامات كلّها قد اهتزّت وعلا منها نور أعظم من نور الشمس ، فلمّا توسطنا الشام ما قدرنا أن نجوز سوق الشام من كثرة ما ازدحموا الناس وينظرون إلى وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وذهب الخبر في جميع الشامات حتى ما بقي فيها حبر ولا راهب إلّا اجتمع عليه ، فجاء حبر عظيم كان اسمه نسطورا ، فجلس حذاه ينظر إليه ولا يكلّمه بشي ء حتى فعل ذلك ثلاثة أيّام متوالية ، فلمّا كانت الليلة الثالثة لم يصبر حتّى قام إليه فدار خلفه كأنه يلتمس منه شيئا ، فقلت له : يا راهب كأنّك تريد منه شيئا ، فقال : أجل إنّي أريد منه شيئا ، ما اسمه ؟ قلت : محمد بن عبد اللَّه ، فتغيّر واللَّه لونه ، ثم قال : فترى أن تأمره أن يكشف لي عن ظهره لأنظر إليه ، فكشف عن ظهره ، فلمّا رأى الخاتم انكبّ عليه يقبّله ويبكي ، ثم قال : يا هذا أسرع بردّ هذا الغلام إلى موضعه الذي ولد فيه ، فإنّك لو تدري كم عدوٍّ له في أرضنا لم تكن

ص: 203

بالذي تقدمه معك فلم يزل يتعاهده في كل يوم ويحمل إليه الطعام ، فلما خرجنا منها أتاه بقميص من عنده ، فقال لي : أترى أن يلبس هذا القميص ليذكرني به ، فلم يقبله ورأيته كارهاً لذلك ، فأخذت أنا القميص مخافة أن يغتم ، وقلت : أنا ألبسه وعجّلت به حتى رددته إلى مكة ، فو اللَّه ما بقي بمكة يومئذ امرأة ولا كهل ولا شابّ ولا صغير ولا كبير إلا استقبلوه شوقا إليه ما خلا أبو جهل لعنه اللَّه فإنه كان فاتكا ماجنا(1) قد ثمل من السكر(2)

وروى انّ أبا طالب قال : لمّا فارقه بحيرى بكى بكاءً شديداً وأخذ يقول : يا ابن آمنة كأنّي بك وقد رمتك العرب بوترها وقد قطعك الأقارب ولو علموا لكنت لهم بمنزلة الأولاد ، ثمّ التفت إليّ وقال : اما أنت يا عم فارع فيه قرابتك الموصولة ، واحتفظ فيه وصيّة أبيك ، فانّ قريشاً ستهجرك فيه فلا تبال ، الخبر(3) .

وَ إِتْمَامِ نُبُوَّتِهِ

قال تعالى : « ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ »(4) .

عن مقاتل بن سليمان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : انا سيد

ص: 204


1- الفاتك : الذي يرتكب ما دعت إليه النفس . والماجن : الذي لا يبالي قولاً وفعلاً ، والثمل : السكر يقال : ثمل - كفرح - والمراد هنا شدّته ، أو السكر - بالتحريك - وهو الخمر ونبيذ يتّخذ من التمر .
2- كمال الدين : 1/182 ، ح 35 ، بحار الأنوار : 15/193 ، ح 14 .
3- كمال الدين : 1/187 ، ح 36 ؛ بحار الأنوار : 15/198 ، ح 15 .
4- الأحزاب : 40 .

النبيين ، ووصيي سيد الوصيين ، وأوصياؤه سادة الأوصياء ، ان آدم عليه السلام سأل اللَّه عزّوجلّ ان يجعل له وصيّاً صالحاً ، فأوحى اللَّه عزّوجلّ إليه إني أكرمت الأنبياء بالنبوّة ثم اخترت من خلقي خلقاً وجعلت خيارهم الأوصياء(1) فأوحى اللَّه تعالى ذكره إليه يا آدم أوحى إلى شيث ، فأوحى آدم عليه السلام إلى شيث وهو هبة اللَّه بن آدم ، وأوصى شيث إلى ابنه شبان وهو ابن نزلة الحوراء التي انزلها اللَّه عزوجلّ على آدم من الجنة فزوّجها ابنه شيثاً ، وأوصى شبان إلى محلث ، وأوصى محلث إلى محوق ، وأوصى محوق إلى غثميشا ، وأوصى غثميشا إلى اخنوخ وهو إدريس النبي عليه السلام ، وأوصى إدريس إلى ناحور ، ورفعها ناحور إلى نوح عليه السلام ، وأوصى نوح إلى سام ، وأوصى سام إلى عثامر ، وأوصى عثامر إلى برغيثاشا ، وأوصى برغيثاشا إلى يافث ، وأوصى يافث إلى برّة ، وأوصى برّة إلى جفسية ، وأوصى جفسية إلى عمران ، ودفعها عمران إلى إبراهيم الخليل عليه السلام وأوصى إبراهيم إلى إبنه إسماعيل ، وأوصى إسماعيل إلى إسحاق ، وأوصى إسحاق إلى يعقوب ، وأوصى يعقوب إلى يوسف ، وأوصى يوسف إلى بثرياء ، وأوصى بثرياء إلى شعيب ، ودفعها شعيب إلى موسى بن عمران عليه السلام ، وأوصى موسى بن عمران إلى يوشع بن نون ، وأوصى يوشع بن نون إلى داود(2) ، وأوصى داود إلى سليمان عليه السلام ، وأوصى سليمان إلى آصف بن

ص: 205


1- زاد هنا في كمال الدين « فقال آدم عليه السلام يا رب فاجعل وصي خير الأوصياء » .
2- مضطرب لان يوشع بن نون كان معاصراً لموسى عليه السلام ، وكان بينه وبين داود عليهما السلام ازيد من ثلاثمائة عام فان خروج بني إسرائيل من مصر مع موسى عليه السلام 1500 قبل الميلاد وكان داود عليه السلام في 1000 قبل الميلاد فكيف يتصل الوصيّة إلّا ان نقول بان يوشع من المعمّرين ولا يقول به أحد كما لا يذكره المصنف في باب المعمرين من كتاب كمال الدين . ( من لا يحضره الفقيه : 4/176 .

برخيا ، وأوصى آصف بن برخيا إلى زكريا ، ودفعها زكريا إلى عسى بن مريم عليه السلام ، وأوصى عيسى بن مريم إلى شمعون بن حمون الصفا ، وأوصى شمعون إلى يحيى بن زكريا(1) ، وأوصى يحيى بن زكريا إلى منذر ، وأوصى منذر إلى سليمة ، وأوصى سليمة إلى بردة ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : ودفعها إليّ برده ، وانا ادفعها إليك يا علي وأنت تدفعها إلى وصيّك ، ويدفعها وصيّك إلى أوصيائك من ولدك واحد بعد واحد حتى تدفع إلى خير أهل الأرض بعدك ، ولتكفرنّ بك الامّة ولتختلفنّ عليك اختلافاً شديداً، الثابت عليك كالمقيم معي ، والشاذ عنك في النار ، والنار مثوى الكافرين »(2) .

عن سعد بن أبي وقّاص ، عن النبي صلى الله عليه وآله انّه قال لعلي عليه السلام : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا انّه لا نبيّ بعدي »(3) .

وفي حديث المعراجيّة قال صلى الله عليه وآله مخاطباً لعليٍّ عليه السلام : « والخامس : ناجيت اللَّه عزّوجلّ ومثالك معي ، فسألت فيك خصالاً أجابني إليها إلّا النبوّة فانّه قال : خصصتها بك وختمتها بك »(4) .

مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ

اخذ الميثاق على الأنبياء

قال تعالى : « وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ

ص: 206


1- هذا أيضاً مضطرب وانما قتل يحيى في ايام عيسى عليه السلام .
2- من لا يحضره الفقيه : 4/175 ، ح 5402؛ بحار الأنوار : 17/148 ، ح 43 .
3- معاني الأخبار : 74 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 37/273 ، ح 43 .
4- الأمالي للطوسي : 642 ، مجلس 32 ، ح 21 ؛ بحار الأنوار : 18/388 ، ح 97 .

رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْري قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدينَ »(1) .

روى عن أميرالمؤمنين عليه السلام وابن عباس وقتادة انّ اللَّه تعالى أخذ الميثاق على الأنبياء قبل نبينا ان يخبروا أممهم بمبعثه ونعته ويبشروهم به ويأمروهم بتصديقه(2) .

وقد روى عن علي عليه السلام انه قال : « لم يبعث اللَّه نبيّا ، آدم و من بعده ، إلّا اخذ عليه العهد : لئن بعث اللَّه محمداً وهو حيّ ليؤمننّ به ولينصرنه ، وامره بان يأخذ العهد بذلك على قومه »(3) .

قال الصادق عليه السلام : في قوله : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ »(4) .

الآية ، كان الميثاق مأخوذاً عليهم للَّه بالربوبية ، ولرسوله بالنبوة ، ولاميرالمؤمنين والأئمة بالامامة . فقال : ألست بربكم ومحمد نبيكم وعليّ امامكم ، والائمة الهادون ائمتكم ؟ فقالوا : بلى شهدنا ، فقال اللَّه تعالى : « أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ »(5) ، أي لئلا تقولوا يوم القيامة « إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلينَ »(6) ، فأول ما أخذ اللَّه عزّوجلّ الميثاق على الأنبياء له بالربوبية وهو قوله : « وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ ميثاقَهُمْ »(7) . فذكر جملة الأنبياء ، ثم ابرز افضلهم بالاسامي فقال :

ص: 207


1- آل عمران : 82 .
2- بحار الأنوار : 15/176 ؛ مجمع البيان : 2/784 (ط - طهران ناصر خسرو) .
3- مجمع البيان : 2/786 ( ط - طهران ناصر خسرو ) ؛ بحار الأنوار 11/13 .
4- الاعراف : 172 .
5- الاعراف : 172 .
6- الاعراف : 172 .
7- الأحزاب : 7 .

« ومنك » يا محمد ، فقدّم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، لأنه افضلهم « ومن نوح وإبراهيم وموسى و عيسى ابن مريم » ، فهؤلاء الخمسة أفضل الأنبياء ورسول اللَّه صلى الله عليه وآله افضلهم ، ثم أخذ بعد ذلك ميثاق رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على الأنبياء بالايمان به وعلى ان ينصروا أميرالمؤمنين عليه السلام فقال : « وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ »(1) يعني رسول اللَّه صلى الله عليه وآله « لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ »(2) يعني أميرالمؤمنين عليه السلام ، واخبروا اممكم بخبره وخبر وليه من الائمة عليهم السلام(3) .

وعن جعفر بن محمد عليهما السلام قال : أتى رجل اميرالمؤمنين عليه السلام وهو في مسجد الكوفة قد احتبى بسيفه ، فقال : يا اميرالمؤمنين ان في القرآن آية قد افسدت قلبي وشككتني في ديني ، قال علي عليه السلام : وما هي ؟ قال : قوله عزوجلّ : « وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا »(4) هل كان في ذلك الزمان غيره ؟ فقال له علي عليه السلام : اجلس اخبرك إن شاء اللَّه ، ان اللَّه عزوجلّ يقول في كتابه « سُبْحانَ الَّذي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا »(5) فكان من آيات اللَّه عزوجل التي أراها محمداً صلى الله عليه وآله انه أتاه جبرئيل عليه السلام فاحتمله من مكة فَوَافَي به بيت المقدس في ساعة من الليل ، ثمّ أتاه بالبراق فرفعه إلى السماء ، ثم إلى البيت المعمور ، فتوضأ جبرئيل وتوضأ النبي صلى الله عليه وآله كوضوئه ،

ص: 208


1- آل عمران : 81 .
2- آل عمران : 81 .
3- تفسير القمي : 1/247 ؛ بحار الأنوار : 15/17 ، ح 25 .
4- الزخرف : 45 .
5- الاسراء : 1 .

وأذّن جبرئيل عليه السلام وأقام مثنى مثنى ، وقال النبي صلى الله عليه وآله تقدم وصلّ واجهر بصلاتك ، فان خلفك صفوفاً من الملائكة لا يعلم عددهم إلّا اللَّه ، وفي الصف الأول أبوك آدم ونوح وهود وإبراهيم وموسى و كل نبي ارسله اللَّه مذ خلق السماوات والأرض إلى أن بعثك يا محمد ، فتقدم النبي صلى الله عليه وآله فصلّى بهم غير هائب ولا محتشم ركعتين ، فلما انصرف من صلاته أوحى اللَّه اليه « وسئل من ارسلنا من قبلك من رسلنا الآية فالتفت إليهم النبيّ صلى الله عليه وآله فقال : بهم تشهدون ؟ قالوا : نشهد ان لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له وأنّك رسول اللَّه وان علياً اميرالمؤمنين ووصيك وكل نبيّ مات خلّف وصيّاً من عصبته غير هذا وأشار إلى عيسى بن مريم فانه لا عصبة له وكان وصيه شمعون الصفا بن حمون بن عامة ، ونشهد انك رسول اللَّه سيد النبيين ، وان علي بن أبي طالب سيد الوصيين ، اخذت على ذلك مواثيقنا لكما بالشهاده ، فقال الرجل : احييت قلبي وفرجت عني يا أميرالمؤمنين عليه السلام(1) .

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « ان اللَّه تبارك وتعالى اخذ الميثاق على أولى العزم اني ربكم ومحمد رسولي وعلي أميرالمؤمنين واوصياؤه من بعده ولاة امري وخزان علمي ، وان المهدي انتصر به لديني»(2) .

مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ

اشارة

قال تعالى : « الَّذينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ »(3) .

ص: 209


1- اليقين : 405 ؛ بحار الأنوار : 26/285 ، ح 45 .
2- بصائر الدرجات : 106 ، ح 14 ؛ بحار الأنوار : 26/282 ، ح 26 .
3- البقرة : 146 .

وقال تعالى : « الَّذينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجيلِ »(1) .

عن الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال في قوله « يَجِدُونَهُ » : يعني اليهود والنصارى صفة محمد واسمه(2) .

وعن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عن أميرالمؤمنين عليه السلام في حديث : « قال يهودي لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله : اني قرأت في التوراة محمد بن عبداللَّه مولده بمكة ومهاجره بطيبة وليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب ولا متزين [مترين ]بالفحش ولا قول الخنى ، وانا اشهد ان لا اله إلّا اللَّه وانك رسول اللَّه وهذا مالي فاحكم فيه بما انزل اللَّه»(3) .

وعن أبي جعفر عليه السلام : « لمّا نزلت التوراة على موسى عليه السلام بشّر بمحمد صلى الله عليه وآله ... فلم تزل الأنبياء تبشّر بمحمد صلى الله عليه وآله حتى بعث اللَّه تبارك وتعالى المسيح عيسى بن امريم فبشّر بمحمد صلى الله عليه وآله وذلك قوله تعالى : « يَجِدُونَهُ » يعني اليهود والنصارى « مَكْتُوباً » يعني صفة محمد صلى الله عليه وآله « عِنْدَهُمْ » يعني « فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجيلِ ... » وهو قول اللَّه عزوجل يخبر عن عيسى : « وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ »(4)» .(5)

عن علي بن عيسى رفعه قال : ان موسى عليه السلام ناجاه اللَّه تبارك وتعالى فقال له

ص: 210


1- الاعراف : 157 .
2- تفسير العياشي : 2/31 ، ح 87 ؛ بحار الأنوار : 15/227 ، ح 50.
3- الامالى للصدوق : 465 ، م 71 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 16/216 ، ح 5 .
4- الصف : 6 .
5- الكافي : 8/117 ، ح 92 ؛ بحار الأنوار : 11/48 ، ح 49 .

في مناجاته : أوصيك يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن البتول عيسى بن مريم ... ومن بعده بصاحب الجمل الاحمر الطيّب الطاهر المطهر ، فمثله في كتابك انّه مؤمن مهيمن على الكتب كلها وانه راكع ساجد ، راغب ، راهب ، اخوانه المساكين وانصاره قوم آخرون(1) .

انّ نبيّنا صلى الله عليه وآله أفضل من جميع الأنبياء والرسل

قال النبي صلى الله عليه وآله : « كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين »(2) .

وقال صلى الله عليه وآله : « آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة »(3) .

وقال صلى الله عليه وآله : « لو كان موسى حيّاً ما وسعه إلّا اتّباعي »(4) .

وقال النبي صلى الله عليه وآله : « اعطيت خمساً لم يعطها أحد قبلي ، جعلت لي الأرض مسجداً طهوراً(5) ، ونصرت بالرعب ، وأحلّ لي المغنم(6) واعطيت جوامع

ص: 211


1- الكافي : 8/43 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 74/32 ، ح 7 .
2- شرح أصول الكافي : 3/392 .
3- الخرائج والجرائح : 2/876 ؛ بحار الأنوار : 39/213 .
4- معاني الأخبار : 282 ؛ بحار الأنوار : 2/99 ، ح 54 .
5- مسجداً طهوراً » يمكن أن يراد منه انّ وجه الأرض له صلى الله عليه وآله ولأمّته كالمسجد في ترتّب الثواب ، فثواب الصلاة في أيّ مكان كان مثل ثوابها من الأمم السابقة في المسجد ، ويمكن أن يكون صحّة صلاتهم مشروطة بايقاعها في مكان خاص ، لا في أيّ مكان كان ، وان يكون المراد بالمسجد مسجد الجبهة وكانّ فيهم أمراً غير الأرض وما ينبت منها . والظاهر من كونها طهوراً انّها تقوم مقام الماء وذلك واقع في التيمّم وفي تطهيرها باطن القدم والنعل ومحل الاستنجاء ، ولا يخفى انّ ذلك يؤيّد قول الشريف المرتضى قدس سره في رفع التيمّم الحدث إلى وجود الماء لأن ذلك مقتضى المطهريّة ( مراد ) . من لا يحضره الفقيه : 1/241 .
6- في النهاية : « نصرت بالرعب مسيرة شهر » الرعب الخوف والفزع ، كان أعداء النبي صلى الله عليه وآله قد أوقع اللَّه في قلوبهم الخوف منه ، فاذا كان بينه وبينهم مسيرة شهر هابوه وفزعوا منه - اه - . والمشهور ان حلّ الغنيمة من خصائص هذه الأمّة وانّ الأمم المتقدّمة لم يبح لهم الغنائم وقال في السراج المنير : لا يحلّ لهم منها شي ء ، بل كانت تجمع فتأتي نار من السماء فتحرقها . من لا يحضره الفقيه : 1/241 .

الكلم(1) » وأعطيت الشفاعة(2) .

وعن فضيل بن عثمان قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « لا تفضلوا على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أحداً فانّ اللَّه قد فضّله »(3) .

وعن الحسين بن عبداللَّه قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله سيّد ولد آدم ؟ فقال عليه السلام : « كان واللَّه سيّد من خلق اللَّه وما برأ اللَّه بريّة خيراً من محمّد صلى الله عليه وآله »(4) .

نادر في اللطائف في فضل نبيّنا صلى الله عليه وآله في الفضائل والمعجزات على الأنبياء عليهم السلام

اشارة

نادر في اللطائف في فضل نبيّنا صلى الله عليه وآله في الفضائل والمعجزات على الأنبياء عليهم السلام(5)

آدم عليه السلام

إن كان لآدم سجود الملائكة مرّة فلمحمّد صلى الله عليه وآله صلوات اللَّه والملائكة والناس أجمعين كلّ ساعة إلى يوم القيامة ، وإن كان آدم قبلة الملائكة فجعله اللَّه إمام

ص: 212


1- في النهاية : « أوتيت جوامع الكلم » يعني القرآن ، جمع اللَّه سبحانه في الألفاظ اليسيرة معاني كثيرة ، واحدها جامعة أي كلمة جامعة . النهاية في غريب الحديث والأثر : 1/295 .
2- من لا يحضره الفقيه : 1/240 ، ح 724 ؛ بحار الأنوار : 8/38 ، ح 17 .
3- الأصول الستّة عشر : 344 ، ح 18 ، ط دار الحديث ؛ بحار الأنوار : 16/367 ، ح 75 .
4- الكافي : 1/440 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 16/368 ، ح 76 .
5- بحار الأنوار : 16/402 .

الأنبياء ليلة المعراج فصار إمام آدم عليه السلام ، وإن خلق آدم عليه السلام من طين فانّه خلق من النور قوله : « كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين » ، وإن كان آدم أوّل الخلق فقد صار محمّد صلى الله عليه وآله قبله قوله صلى الله عليه وآله : « انّ اللَّه خلقني من نور وخلق ذلك النور قبل آدم بألفي ألف سنة » ، وإن كان آدم عليه السلام أبوالبشر فمحمّد صلى الله عليه وآله سيّد النذر ، قوله صلى الله عليه وآله : « آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة » وإن كان آدم عليه السلام أوّل الأنبياء فنبوّة محمّد صلى الله عليه وآله أقدم منه ، قوله صلى الله عليه وآله : « كنت نبيّاً وآدم منخول(1) في طينته » ، وإن عجزت الملائكة عن آدم عليه السلام فأعطى القرآن الذي عجز عنه الأوّلون والآخرون ، وإن قيل لآدم عليه السلام : « فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ »(2) فقال له : « لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ »(3) ، وإن دخل آدم في الجنّة فقد عرج به إلى قاب قوسين أو أدنى(4) .

ادريس النبي عليه السلام

ادريس : قوله : « وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا »(5) ، أي السماء ، وللنبي صلى الله عليه وآله : « وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ »(6) ، وناجى إدريس عليه السلام ربّه ، ونادى اللَّه محمّداً : « فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْ حى »(7) ، واطعم إدريس بعد وفاته ، وقد أطعمه اللَّه في حال حياته ، قوله صلى الله عليه وآله :

ص: 213


1- من نخل الدقيق : غربله وأزال نخالته .
2- سورة البقرة : 37 .
3- سورة الفتح : 2 .
4- بحار الأنوار : 16/402 ، ح 1 ؛ مناقب آل أبي طالب : 1/213 .
5- سورة مريم : 57 .
6- سورة الشرح : 4 .
7- سورة النجم : 10 .

« اني لست كأحدكم انّي أبيت عند ربّي ويطعمني ويسقيني »(1) .

نوح النبي عليه السلام

نوح : جرت له السفينة على الماء وهي تجري للكافر والمؤمن ولمحمّد صلى الله عليه وآله جرى الحجر على الماء وذلك انّه كان على شفير غدير ووراء الغدير تلّ عظيم ، فقال عكرمة ابن أبي جهل : يا محمّد إن كنت نبيّاً فادع من صخور ذلك التلّ حتّى يخوض الماء فيعبر ، فدعا بالصخرة فجعلت تأتي على وجه الماء حتّى مثلت بين يديه ، فأمرها بالرجوع فرجعت كما جائت .

واجيب دعوته على قومه : « لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ »(2) فهطلت له السماء بالعقوبة ، وأجيبت لمحمّد صلى الله عليه وآله بالرحمة حيث قال : « حوالينا لا علينا » فنوح عليه السلام رسول العقوبة ، ومحمّد صلى الله عليه وآله رسول الرحمة : « وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً »(3) ، دعا نوح لنفسه ولنفر يسير : « رَبِّ اغْفِرْ لي وَلِوالِدَيَّ »(4) ومحمّد صلى الله عليه وآله دعا لأمّته من ولد منهم ومن لم يولد : « وَاعْفُ عَنّا »(5) ، وقال له : « وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقينَ »(6) ، وقال لمحمّد صلى الله عليه وآله : « ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ »(7) ، كانت سفينة نوح عليه السلام سبب النجاة في الدنيا وذريّة محمّد صلى الله عليه وآله سبب النجاة في العقبى ، قوله :

ص: 214


1- بحار الأنوار : 16/402 ، ح 1 ؛ مناقب آل أبي طالب : 1/214 .
2- سورة نوح : 26 .
3- سورة الأنبياء : 107 .
4- سورة نوح : 28 .
5- سورة البقرة : 286 .
6- سورة الصافات : 77 .
7- سورة آل عمران : 34 .

« مثل أهل بيتي كسفينة نوح » الخبر - . . . - قال حسان :

وإن كان نوح نجا سالماً * على الفلك بالقوم لمّا نجى

فانّ النبيّ نجى سالماً * إلى الغار في الليل لمّا دجى (1)

- . . . - لوط [ النبيّ ] عليه السلام

قال حسان بن ثابت :

وإن كان لوط دعا ربّه * على القوم فاستوصلوا بالبلا

فانّ النبي بيدر دعا * على المشركين بسيف الفنا

فناداه جبريل من فوقه * بلبّيك لبّيك سل ما تشاء(2)

إبراهيم الخليل عليه السلام

ابراهيم عليه السلام نظر من الملك إلى الملكوت : « وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ »(3) ، والحبيب نظر من الملك إلى الملك : « أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ »(4) ، الخليل عليه السلام طالب قال : « إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي »(5) والحبيب مطلوب : « أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً »(6) ، قال الخليل عليه السلام : « وَالَّذي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لي »(7) وقيل للحبيب : « لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ »(8) ، وقال الخليل عليه السلام : « وَلا تُخْزِني »(9) وللحبيب : « يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ »(10) ، وقال الخليل عليه السلام وسط النار : « حسبي اللَّه » ، وقيل للحبيب :

ص: 215


1- بحار الأنوار : 16/403 ، ح 1 ؛ مناقب لابن شهر آشوب : 1/214 .
2- بحار الأنوار : 16/404 ، ح 1 ؛ مناقب لابن شهر آشوب : 1/216 .
3- سورة الأنعام : 75 .
4- سورة الفرقان : 45 .
5- سورة الصافات : 99 .
6- سورة الإسراء : 1 .
7- سورة الشعراء : 82 .
8- سورة الفتح : 2 .
9- سورة الشعراء : 87 .
10- سورة التحريم : 8 .

« يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ »(1) ، قال الخليل عليه السلام : « وَاجْعَلْ لي لِسانَ صِدْقٍ »(2) وقيل للحبيب صلى الله عليه وآله : « وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ »(3) قال الخليل عليه السلام : « وَأَرِنا مَناسِكَنا »(4) وقيل للحبيب صلى الله عليه وآله : « لِنُرِيَهُ »(5) قال الخليل عليه السلام : « وَاجْعَلْني مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعيمِ »(6) وللحبيب صلى الله عليه وآله : « وَلَلآْخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ »(7) - . . . - الخليل عليه السلام : اقسم باللَّه : « وَتَاللَّهِ لَأَكيدَنَّ أَصْنامَكُمْ »(8) وأقسم بالحبيب : « لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ »(9) ، واتّخذ مقام الخليل قبلة : « وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهيمَ »(10) وجعل أحوال الحبيب وأفعاله وأقواله قبلة : « لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ »(11) الخليل عليه السلام كسر

ص: 216


1- سورة الانفال : 64 .
2- سورة الشعراء : 84 .
3- سورة الشرح : 4 .
4- سورة البقرة : 128 .
5- سورة الإسراء : 1 .
6- سورة الشعراء : 85 .
7- سورة الضحى : 4 .
8- سورة الأنبياء : 57 .
9- سورة الحجر : 72 .
10- سورة البقرة : 125 .
11- سورة الأحزاب : 21 .

أصنام قوم بالخفية غضباً للَّه ، والحبيب كسر عن الكعبة ثلاثمائة وستّين صنماً وأذلّ من عبدها بالسيف ، اصطفى الخليل عليه السلام بعد الابتلاء : « وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ »(1) واصطفى الحبيب صلى الله عليه وآله قبل الابتلاء : « اللَّهُ يَصْطَفي »(2) ، الخليل عليه السلام بذل ماله لأجل الجليل ، وخلق الجليل العالم لأجل الحبيب صلى الله عليه وآله ، مقام الخليل عليه السلام مقام الخدمة « وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهيمَ »(3) ومقام الحبيب صلى الله عليه وآله مقام الشفاعة : « عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ »(4) والشفيع أفضل من الخادم ، الخليل عليه السلام طلب ابتداء الوصلة قال : « هذا رَبّي »(5) والحبيب صلى الله عليه وآله طلب بقاء الوصلة : « وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمينَ »(6) وللبقاء فضل على الابتداء صيّر اللَّه حرّ النار على الخليل عليه السلام برداً وسلاماً وصيّر السم في جوفه صلى الله عليه وآله سلاماً حين سمّته الخيبريّة ، ثمّ سخّر له نار جهنّم التي كانت نار الدنيا كلّها جزءً منها - . . . - وقال للخليل عليه السلام : « أَوَلَمْ تُؤْمِنْ »(7) وقال للحبيب صلى الله عليه وآله : « آمَنَ الرَّسُولُ »(8) ، قال الخليل عليه السلام : « فَإِنَّهُمْ عَدُوّ لي »(9) وقال للحبيب صلى الله عليه وآله : « لولاك لما خلقت الأفلاك » - . . . - وصل الخليل إلى الجليل بالواسطة : « وَكَذلِكَ نُري إِبْراهيمَ »(10) ووصل الحبيب صلى الله عليه وآله بلا واسطة : « ثُمَّ دَنا

ص: 217


1- سورة البقرة : 130 .
2- سورة الحج : 75 .
3- سورة البقرة : 125 .
4- سورة الإسراء : 79 .
5- سورة الانعام : 76 .
6- سورة النمل : 91 .
7- سورة البقرة : 260 .
8- سورة البقرة : 285 .
9- سورة الشعراء : 77 .
10- سورة الأنعام : 75 .

فَتَدَلَّى »(1) ، أراد الخليل عليه السلام رضا الملك في رفع الكعبة : « وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ »(2) وأراد القبلة في رضا الحبيب صلى الله عليه وآله : « فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها »(3) - . . . - سأل الخليل عليه السلام : « وَاجْنُبْني وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ »(4) وقال للحبيب صلى الله عليه وآله : « إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ »(5) ، الخليل من يخالك ، والحبيب من تخاله(6) ، فلا جرم « وَلَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى »(7) ، الخليل : المريد ، والحبيب : المراد ، الخليل : عطشان ، والحبيب : ريّان(8) .

يعقوب النبي عليه السلام

يعقوب : كان له اثنا عشر ابناً ، ومحمّد صلى الله عليه وآله كان له اثنا عشر وصيّاً ، وجعل الأسباط من سلالة صلبه ، ومريم بنت عمران من بناته ، والهداة في ذرّيّته « في المصدر : والهداية في ذريّته » - . . . - ومحمّد صلى الله عليه وآله جعلت فاطمة عليها السلام سيّدة نساء العالمين من بناته ، والحسن والحسين عليهما السلام من ذرّيّته ، وآتاه الكتاب(9) .

ص: 218


1- سورة النجم : 8 .
2- سورة البقرة : 127 .
3- سورة البقرة : 144 .
4- سورة ابراهيم : 35 .
5- سورة الاحزاب : 33 .
6- خاله : صادقه وآخاه .
7- سورة الضحى : 5 .
8- بحار الأنوار : 16/405 ، ح 1 ؛ مناقب لابن أبي طالب : 1/216 .
9- بحار الأنوار : 16/407 ، ح 1 ؛ مناقب ابن شهر آشوب : 1/218 .

يوسف النبي عليه السلام

يوسف عليه السلام : إن كان له جمال فلمحمّد صلى الله عليه وآله ملاحة وكمال ، وقوله صلى الله عليه وآله : « كان يوسف عليه السلام أحسن ولكنّني أملح » ، وإن كان يوسف في الليل نورانيّاً فمحمّد في الدنيا والعقبى نورانيّ ، ففي الدنيا يهدي اللَّه لنوره ، وفي العقبى : « انْظُرُونا نَقْتَبِسْ »(1) - . . . - صبر يوسف عليه السلام في الجب والحبس والفرقة والمعصية ، ومحمّد صلى الله عليه وآله قاسى من كثرة الغربة والفرقة ، - . . . -(2)

موسى النبي عليه السلام

موسى عليه السلام أعطاه اللَّه اثنتي عشرة عيناً ، قوله : « فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً »(3) ، ومحمّد صلى الله عليه وآله أمر البرّاء بن عازب بغرس سهمه يوم الميضاة(4) بالحديبيّة في قليب جافّة فتفجّرت اثنتا عشرة عيناً حتّى كفت ثمانية آلاف رجل ، وكان لموسى عليه السلام انفجار الماء من الحجر ، ولمحمّد صلى الله عليه وآله انفجار الماء من بين أصابعه - . . . - خلّف موسى عليه السلام هارون عليه السلام في قومه ، وخلّف محمّد صلى الله عليه وآله عليّاً في قومه : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى » ، وكان لموسى عليه السلام اثنا عشر نقيباً ، ولمحمّد صلى الله عليه وآله اثنا عشر اماماً ، كان لموسى عليه السلام انفلاق البحر في الأرض : « فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ »(5) ولمحمّد عليه السلام انشقاق القمر في السماء وذلك أعجب : « اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ

ص: 219


1- سورة الحديد : 13 .
2- بحار الأنوار : 16/408 ، ح 1 ؛ مناقب ابن شهر آشوب : 1/218 .
3- سورة البقرة : 60 .
4- الميضاة والميضاءة : الموضع يتوضا فيه ، المطهّرة يتوضّأ منها .
5- سورة الشعراء : 63 .

وَانْشَقَّ الْقَمَرُ »(1) ، العصا بلغت البحر فانفلق : « أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ »(2) ، وأشار بالاصبع إلى القمر فانشقّ ، وقال موسى : « رَبِّ اشْرَحْ لي صَدْري »(3) ، وقال اللَّه له : ألم نشرح لك صدرك « أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ »(4) - . . . - وأعطى اللَّه موسى عليه السلام المنّ والسلوى ، وأحلّ الغنائم لمحمّد صلى الله عليه وآله ولأمّته ، ولم يحلّ لأحد قبله ، وقال في حقّ موسى : « وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ »(5) يعني في التيه ، والنبي صلى الله عليه وآله كان يسير الغمام فوقه ، وكلّم اللَّه موسى تكليماً على طور سيناء ، وناجى اللَّه محمّداً عند سدرة المنتهى ، وكان واسطة بين الحق وبين موسى عليه السلام ، ولم يكن بين محمّد صلى الله عليه وآله وربّه أحد ، - . . . - وليس من ناداه كمن ناجاه ، ومن بعد نودي ، ومن قرب نوجي - . . . -

حسان :

لئن كلّم اللَّه موسى على * شريف من الطور يوم الندا

فانّ النبي أبا قاسم * حبي(6) بالرسالة فوق السما

وقد صار بالقرب من ربّه * على قاب قوسين لمّا دنا

وان فجر الماء موسى لكم(7) * عيوناً من الصخر ضرب العصا

ص: 220


1- سورة القمر : 1 .
2- سورة الشعراء : 63 .
3- سورة طه : 25 .
4- سورة الشرح : 1 .
5- سورة الأعراف : 160 .
6- الحبو بتشديد الواو وكسمو : الدنو . وفي نسخة : وخي وهي من وخي كعب . يخى : أي قصد .
7- في المصدر : لهم ، وهو الصحيح .

فمن كفّ أحمد قد فجّرت * عيوناً من الماء يوم الظما

وإن كان هارون من بعده * حبي بالوزراة يوم الملا

فان الوزارة قد نالها * عليّ بلا شك يوم الندا

كعب بن مالك الأنصاري :

فان يك موسى كلّم اللَّه جهرة * على جبل الطور المنيف(1) المعظم

فقد كلّم اللَّه النبيّ محمّداً * على موضع الأعلى الرفيع المسوّم(2)

داود النبي عليه السلام

- . . . - وله عليه السلام « وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ »(3) ، ولمحمّد صلى الله عليه وآله البراق ، وقال له : « وَشَدَدْنا مُلْكَهُ »(4) ، وشدّد ملك محمّد صلى الله عليه وآله حتّى نسخ بشريعته سائر الشرائع ، وقال لداود : « وَلا نَتَّبِعَ الهَوى »(5) وقال لمحمّد صلى الله عليه وآله : « ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ »(6) .(7)

ص: 221


1- جبل منيف : مرتفع مشرف .
2- بحار الأنوار : 16/408 ، ح 1 ؛ مناقب ابن شهر آشوب : 1/219 .
3- سورة ص : 19 .
4- سورة ص : 20 .
5- سورة ص : 26 .
6- سورة النجم : 2 .
7- بحار الأنوار : 16/414 ، ح 1 ؛ مناقب : 1/223 .

سليمان النبي عليه السلام

سأل ملكاً دنيا ، « رَبِّ هَبْ لي مُلْكاً »(1) وعرض مفاتيح خزائن الدنيا على محمّد صلى الله عليه وآله فردّها ، فشتّان بين من يسأل وبين من يعطى فلا يقبل ، فأعطاه اللَّه الكوثر والشفاعة والمقام المحمود « وَلَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى »(2) وقال لسيلمان : « فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ »(3) وقال لنبيّنا : « ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »(4) .

حسّان بن ثابت :

وإن كانت الجن قد ساسها * سليمان والريح تجري رخا

فشهر غدو به دائباً * وشهر رواح به إن يشا

فانّ النبي سرى ليلة * من المسجدين إلى المرتقى

كعب بن مالك :

وإن تك نمل البرّ بالوهم كلّمت * سليمان ذا الملك الذي ليس بالعمى

فهذا نبيّ اللَّه أحمد سبّحت * صغار الحصى في كفّه بالترنّم(5)

يحيى النبي عليه السلام

يحيى عليه السلام : قال اللَّه تعالى له : « وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا »(6) وكان في عصرٍ لا

ص: 222


1- سورة ص : 35 .
2- سورة الضحى : 5 .
3- سورة ص : 39 .
4- سورة الحشر : 7 .
5- بحار الأنوار : 16/415 ، ح 1 ؛ مناقب ابن شهر آشوب : 1/223 .
6- سورة مريم : 12 .

جاهليّة فيه ، ومحمّد صلى الله عليه وآله أوتي الحكم والفهم صبيّاً بين عبدة الأوثان وحزب الشيطان ، وكان يحيى عليه السلام أعبد أهل زمانه وأزهدهم ، ومحمّد صلى الله عليه وآله أزهد الخلائق وأعبدهم حتّى قيل : « طه * ما أَنْزَلْنا »(1) .

حسّان بن ثابت :

وإن كان يحيى بكت عينه * صغيراً وطهّره في الصبي

فان النبيّ بكى قائماً * حزيناً على الرجل خوف الرجا

فناداه ان طه(2) أبا قاسم * ولا تشقّ بالوحي لمّا أتى(3)

عيسى روح اللَّه عليه السلام

عيسى عليه السلام : « وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ »(4) ونبيّنا صلى الله عليه وآله أتاه معاذ بن عفرا(5) فقال : يا رسول اللَّه انّي قد تزوّجت ، وقالوا للزوجة : ان بجنبي بياضاً ، فكرهت أن تزفّ إليّ ، فقال : اكشف لي عن جنبك ، فكشف عن جنبه ، فمسحه بعود فذهب ما به من البرص - . . . - وجائت امرأة ومعها عكّة(6) سمن اُقط ومعها ابنة لها فقالت : يا رسول اللَّه ولدت هذه كمها(7) فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عوداً فمسح به عينيها

ص: 223


1- سورة طه : 1 - 2 .
2- في المصدر : فناداه طه .
3- بحار الأنوار : 16/415 ، ح 1 ؛ مناقب ابن شهر آشوب : 1/224 .
4- سورة آل عمران : 49 .
5- هكذا في النسخة ، والصحيح : عفراء بالمد ، والرجل هو معاذ بن الحارث بن رفاعة الأنصاري البخاري .
6- العكّة : زقيق للسمن أصغر من القربة .
7- هكذا في النسخة ، والصحيح : كمهاء بالمد كما في المصدر .

فابصرتا . قوله : « وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ »(1) . . . قال الرضا عليه السلام : « لقد اجتمعت قريش إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فسألوه أن يحيي لهم موتاهم ، فوجّه معهم علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : اذهب إلى جبانة(2) ، فناد باسم هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك : يا فلان ، ويا فلان ، ويا فلان ، يقول لكم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : قوموا باذن اللَّه ، فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم ، فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم ، ثمّ أخبروهم انّ محمّداً قد بعث نبيّاً - . . . - » .

وإن كان من مات يحيى لكم * يناديه عيسى بربّ العلى

فانّ الذراع لقد سمّها * يهود لا حمد يوم القرى(3)

فنادته انّي لمسمومة * فلا تقربنّي وُقيت الأذى(4)

كَرِيماً مِيلادُهُ

اشارة

عن الصادق عليه السلام : « كان ابليس يخترق السماوات السبع ، فلما ولد عيسى حجب عن ثلاث سماوات وكان يخترق اربع سماوات ، فلما ولد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حجب عن السماوات كلها ورميت الشياطين بالنجوم . وقالت قريش : هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه ، فقال عمرو بن امية : ان كان رمى بما تهتدون بها فهو هلاك كل شي ء ، وان كانت تثبت ورمى بغيرها فهو امر حدث»(5) .

ص: 224


1- سورة آل عمران : 49 .
2- الجبانة : المقبرة ، الصحراء .
3- أي يوم الضيافة .
4- بحار الأنوار : 16/416 ، ح 1 ؛ مناقب آل أبي طالب : 1/225 .
5- بحار الأنوار : 15/257 ، ح 9 ؛ مناقب آل أبي طالب : 1/31 .

جوده وسخائه صلى الله عليه وآله

نذكر بعض صفاته صلى الله عليه وآله تيمّناً وتبرّكاً به :

عن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : « كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أجود الناس كفّاً وأكرمهم عشرة ، من خالطه فعرفه احبّه »(1) .

وبرواية أخرى عن أميرالمؤمنين عليه السلام انّه كان إذا وصف رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : « كان أجود الناس كفّاً وأجرأ الناس صدراً وأصدق الناس لهجة وأوفاهم ذمّة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة ، من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبّه ، لم أَر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وآله »(2) .

شجاعته صلى الله عليه وآله

قال علي عليه السلام : « كنّا إذا احمر الباس اتقيناه برسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، لم يكن منّا أحد أقرب إلى العدو منه(3) .

علامة رضاه وغضبه صلى الله عليه وآله

عن ابن عمر قال : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يعرف رضاه وغضبه في وجهه كان إذا رضى فكانّما يلاحك الجدر ضوء وجهه ، وإذا غضب خسف لونه واسودّ(4) .

ص: 225


1- مكارم الأخلاق : 17 ؛ بحار الأنوار : 16/231 .
2- مكارم الأخلاق : 18 ؛ بحار الأنوار : 16/231 .
3- كشف الغمّة في معرفة الأئمّة : 1/9 ؛ بحار الأنوار : 16/117 .
4- مكارم الاخلاق : 19 ؛ بحار الأنوار : 16/233 .

وعن كعب بن مالك قال : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذا سرّه الأمر استنار وجهه كأنّه دارة القمر(1) .

وعن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : « كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذا رأى ما يحبّ قال : الحمد للَّه الذي بنعمته تتمّ الصالحات »(2) .

رفقه صلى الله عليه وآله بأمّته

عن أنس قال : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذا فقد الرجل من اخوانه ثلاثة أيّام سأل عنه ، فان كان غائباً دعا له ، وإن كان شاهداً زاره ، وإن كان مريضاً عاده(3) .

بكائه صلى الله عليه وآله

عن انس بن مالك قال : رأيت إبراهيم بن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وهو يجود بنفسه ، فدمعت عينا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال : تدمع العين ويخزن القلب ولا نقول إلّا ما يرضى ربّنا وأنا بك يا إبراهيم لمحزونون(4) .

مشيه صلى الله عليه وآله

عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : « قال : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذا مشى تكفّأَ تكفّؤاً

ص: 226


1- مكارم الأخلاق : 19 ؛ بحار الأنوار : 16/233 .
2- الأمالي للطوسي : 49 ، ح 33 ، مجلس 3 ؛ بحار الأنوار : 16/233 .
3- مكارم الأخلاق : 19 ؛ بحار الأنوار : 16/233 .
4- مكارم الأخلاق : 22 ؛ بحار الأنوار : 16/235 .

كانّما يتقلّع من صبب لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وآله »(1) .

وعن ابن عبّاس قال : كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إذا مشى مشى مشياً يعرف انّه ليس بمشي عاجز ولا بكسلان(2) .

وَ أَهْلُ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ وَطَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ

قال تعالى : « ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ »(3) .

وقال تعالى : « قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَميمٌ »(4) .

وقال تعالى : « وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشي فِي الْأَسْواقِ »(5) .

وقال تعالى : « ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى »(6) .

ومنهم ارباب الهامة التي قال النبي صلى الله عليه وآله عنهم : لا عدوي ولا هامة ولا صفر(7) .

بَيْنَ مُشَبِّهٍ للَّهِ ِ بِخَلْقِهِ

قال تعالى : « نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ »(8) و : « وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ

ص: 227


1- مكارم الأخلاق : 22 ؛ بحار الأنوار : 16/236 .
2- مكارم الأخلاق : 22 ؛ بحار الأنوار : 16/236 .
3- الجاثية : 24 .
4- يس : 78 .
5- الفرقان : 7 .
6- الزمر : 3 .
7- بحار الأنوار : 61/179 .
8- المائدة : 18 .

وَقالَتِ النَّصارى الْمَسيحُ ابْنُ اللَّهِ »(1) و : « وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ »(2) .

وقال تعالى : « وَيَجْعَلُونَ للَّهِ ِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ »(3) .

وقال تعالى : « وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً »(4) .

أَوْ مُلْحِدٍ فِي اسْمِهِ

قال تعالى : « وَللَّهِ ِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذينَ يُلْحِدُونَ في أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ »(5) .

عن ابن عبّاس ومجاهد : دعوا الذين يعدلون بأسماء اللَّه تعالى عمّا هي عليه ، فيسمّون بها أصنامهم ، ويغيّرونها بالزيادة والنقصان ، فاشتقوا اللات من اللَّه ، والعزى من العزيز ، ومنات من المنّان(6) .

أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرِهِ

قال النبيّ صلى الله عليه وآله - لقومه ادعوكم - : إلى شهادة ان لا اله إلّا اللَّه وخلع الانداد كلها ، قالوا : نَدَعُ ثلاثمائة وستين الها ونعبد الهاً واحداً(7) ؟

ص: 228


1- التوبة : 30 .
2- المائدة : 64 .
3- النحل : 57 .
4- الزخرف : 15 .
5- سورة الأعراف : 180 .
6- تفسير مجمع البيان : 4/773 ( ط - طهران ، ناصر خسرو ) .
7- المناقب : 1/54 ؛ بحار الأنوار : 18/200 ، ح 32 .

فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ وَأَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ

اجتمع يوماً عند رسول اللَّه صلى الله عليه وآله اهل خمسة اديان : اليهود ، والنصارى والدهرية ، والثنوية ، ومشركوا العرب .

فقالت اليهود : نحن نقول : عزير ابن اللَّه ، وقد جئناك يا محمد لننظر ما نقول ؟ فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وان خالفتنا خصمناك .

وقالت النصارى : نحن نقول : ان المسيح ابن اللَّه ، اتّحد به ، وقد جئناك لننظر ما تقول ، فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وان خالفتنا خصمناك .

وقالت الدهرية : نحن نقول : الأشياء لابَدء لها وهي دائمة ، وقد جئناك لننظر فيما تقول ، فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وان خالفتنا خصمناك .

وقالت الثنوية : نحن نقول : ان النور والظلمة هما المدبِّران ، وقد جئناك لننظر فيما تقول ، فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك ، وان خالفتنا خصمناك .

وقال مشركوا العرب : نحن نقول : ان أوثاننا آلهةٌ ، وقد جئناك لننظر فيما تقول ، فان اتبعتنا فنحن اسبق إلى الصواب منك وأفضل ، وان خالفتنا خصمناك .

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : آمنت باللَّه وحده لا شريك له وكفرت [بالجبت والطاغوت و ]بكلّ معبود سواه ، ثمّ قال لهم : ان اللَّه تعالى قد بعثني كافة للناس بشيراً ونذيراً وحجّةً على العالمين ، سيردّ كيد من يكيد دينه في نحره .

ثم قال اليهود : أجئتموني لأقْبَلَ قولكم بغير حجةٍ ؟ قالوا : لا .

قال : فما الذي دعاكم إلى القول بانّ عزيراً ابنُ اللَّه ؟

ص: 229

قالوا : لأنّه أَحيى لبني إسرائيل التوراة بعد ما ذهبت ، ولم يفعل بها هذا إلّا لأنّه ابنُهُ .

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فكيف صار عزير ابنَ اللَّه دون موسى ، وهو الذي جاء لهم بالتوراة ورُئِيَ منه من المعجزات ما قد علمتم ؟ ولئن كان عزير ابن اللَّه لِما ظهر من إكرامه باحياء التوراة . فلقد كان موسى بالبنوّة أولى وأحقّ ، ولئن كان هذا المقدار من إكرامه لعزير يوجب له انّه ابنُهُ فاضعاف هذه الكرامة لموسى توجب له منزله اجل من البنوّة ، لأنّكم إن كنتم انما تريدون بالبنوّة الدلالة على سبيل ما تشاهدونه في دنياكم من ولادة الاُمّهات الاولاد بوطئ آبائهم لهنّ فقد كفرتم باللَّه تعالى وشبهتموه بخلقه ، وأوجبتم فيه صفات المحدِّثين ، فوجب عندكم ان يكون محدَثاً مخلوقاً ، وان يكون له خالق صنعه وابتدعه .

قالوا : لسنا نعني هذا ، فان هذا كفر كما ذكرتَ ، ولكنّا نعنى انّه ابنه على معنى الكرامة وإن لم يكن هناك ولادةٌ ، كما قد يقول بعض علمائنا لمن يريد اكرامه وابانته بالمنزلة من غيره : « يابنىّ » و « انّه ابنى » لا على اثبات ولادته منه ، لانه قد يقول ذلك لمن هو اجنبي لانسب له بنيه وبينه ، وكذلك لمّا فعل اللَّه تعالى بعزير ما فعل كان قد اتّخذه ابناً على الكرامة لا على الولادة .

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فهذا ما قلته لكم ، انّه ان وجب على هذا الوجه ان يكون عزير ابنه فان هذه المنزلة ، لموسى أولى ، وانّ اللَّه تعالى يفضح كلَّ مبطل باقراره ويقلب عليه حجَّته ، انّ ما احتججتم به يؤدّيكم إلى ما هو اكبر مما ذكرته لكم ، لانّكم قلتم : انّ عظيماً من عظمائكم قد يقول لاجنبي لانسب بينه وبينه : « يا بنيّ » و « هذا ابني » لا على طريق الولادة ، فقد تجدون أيضاً هذا العظيم يقول لاجنبي

ص: 230

آخر : « هذا أخي » ولآخر : « هذا شيخي » و « أبي » ولآخر : « هذا سيّدي » و « يا سيّدي » على سبيل الاكرام ، وانّ من زاده في الكرامة زاده في مثل هذا القول : فاذاً يجوز عندكم ان يكون موسى اخاً للَّه ، أو شيخاً له أو أباً ، أو سيّداً ، لأنّه قد زاده في الاكرام مما لعزير ، كما انّ من زاد رجلاً في الاكرام فقال له : يا سيّدي ، و : يا شيخي ، و : يا عمّي ، ويا : رئيسي ، [و: يا اميري] على طريق الاكرام ، وانّ من زاده في الكرامة ، زاده في مثل هذا القول .

أفيجوز عندكم ان يكون موسى اخاً للَّه ، أو شيخاً ، أو عمّاً ، أو رئيساً ، أو سيّداً ، أو أميراً ، لانّه قد زاده في الاكرام على من قال له : يا شيخي ، أو : يا سيّدي ، أو : يا عمّي ، أو : يا أميري أو : يا رئيسي ؟

قال : فبهت القوم وتحيّروا وقالوا : يا محمّد . اجّلنا نتفكر فيما قد قلته لنا . فقال : انظروا فيه بقلوبٍ معتقدةٍ للانصاف ، يهديكم اللَّه تعالى . ثم اقبل صلى الله عليه وآله على النصارى . فقال لهم : وأنتم قلتم : ان القديم عزوجل اتحد بالمسيح ابنه ، فما الذي اردتموه بهذا القول ؟ اردتم ان القديم صار محدثاً لوجود هذا المحدَث الذي هو عيسى ؟ أو المحدَث الّذي هو عيسى صار قديماً لوجود القديم الذي هو اللَّه ؟ أو معنى قولكم : انّه اتّحد به انّه اختصّه بكرامةٍ لم يكرم بها احداً سواه ؟

فان اردتم انّ القديم صار محدَثاً فقد ابطلتم ، لان القديم محال ان ينقلب فيصير محدَثاً ، وان اردتم ان المحدَث صار قديماً فقد اَحَلْتم لانّ المحدث ايضاً محال ان يصير قديماً .

وان اردتم انّه اتّحد به بانّه اختصّه واصطفاه على سائر عباده ، فقد اقررتم بحدوث عيسى و بحدوث المعنى الذي اتّحد به من اجله ، لأنّه اذا كان عيسى

ص: 231

محدَثا وكان اللَّه اتّحد به - بان احدث به معنىً صار به اكرم الخلق عنده - فقد صار عيسى وذلك المعنى محدثين ، وهذا خلاف ما بَدَأتُم تقولونَه .

قال : فقالت النصارى : يا محمَّد ، انّ اللَّه تعالى لمّا اظهر عَلى يد عيسى من الأشياء العجيبة ما اظهر ، فقد اتّخذه ولداً على جهة الكرامة .

فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فقد سمعتم ما قلته لليهود في هذا المعنى الذي ذكرتموه . ثمّ اعاد صلى الله عليه وآله ذلك كله ، فسكتوا إلّا رجلاً واحداً منهم فقال له : يا محمد ، أَوَ لَستم تقولون : ان إبراهيم خليل اللَّه ؟ قال : قد قلنا ذلك . فقال : فاذا قلتم ذلك فَلِمَ منعتمونا مِنْ أَنْ نقولَ ان عيسى ابنُ اللَّه ؟

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : انهما لن يشتبها ، لان قولنا : ان ابراهيم خليل اللَّه فانما هو مشتق من الخَلّة أو الخُلة ، فاما الخلّة فانما معناها الفقر والفاقة ، فقد كان خليلاً إلى ربّه فقيراً [إلى اللَّه] وإليه منقطعاً ، وعن غيره متعفّفاً معرضاً مستغنياً ، وذلك لمّا اريد قذفه في النار فرمي به في المنجنيق فبعث اللَّه تعالى جبرئيل عليه السلام وقال له : اَدْرِك عبدي ، فجائه فلقيه في الهواء ، فقال : كَلِّفْني ما بدا لك فقد بعثني اللَّه لنصرتك .

فقال : بل حسبى اللَّه ونعم الوكيل ، اني لا أسأل غيره ، ولا حاجة لي إلّا إليه ، فسمّاه خليلَه ، اي فقيره ومحتاجه والمنقطع إليه عمّن سواه .

وإذا جعل معنى ذلك من الخلّة وهوانه قد تخلّل معانيه ، ووقف على اسرارٍ لم يقف عليها غيره ، كان معناه العالم به وباموره ، ولا يوجب ذلك تشبيهَ اللَّهِ بخلقه ، ألا ترون انّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليلَه ؟ وإذا لم يعلم باسراره لم يكن خليلهَ ؟ وانّ من يَلِدُه الرجل وإنْ اهانه واقصاه لم يخرج [به] عن ان يكون وَلدَه ، لان معنى الولادة قائمٌ به .

ص: 232

ثم ان وجب - لانه قال لإبراهيم : خليلي - ان تقيسوا انتم فتقولوا : انّ عيسى ابنه ، وجب أيضاً كذلك ان تقولوا لموسى انه ابنه ، فانّ الذي معه من المعجزات لم يكن بدون ما كان مع عيسى ، فقولوا : ان موسى أيضاً ابنه ، وان يجوز ان تقولوا على هذا المعنى : انه شيخه ، وسيّده ، وعمّه ، ورئيسه ، واميره ، كما قد ذكرته لليهود .

فقال بعهضم لبعض : وفي الكتب المنزلة انّ عيسى قال : « اَذْهَبُ إلى أبي » .

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فان كنتم بذلك الكتاب تعملون فان فيه : « اذهب إلى أبي وأبيكم » فقولوا : ان جميع الذين خاطبهم عيسى كانوا ابناءَ اللَّه ، كما كان عيسى ابنه من الوجه الذي كان عيسى ابنَه ، ثمّ انّ ما في هذا الكتاب يبطل عليكم هذا الذي زعمتم ان عيسى من جهة الاختصاص كان ابناً له ، لانكم قلتم : انما قلنا : انه ابنُه لانه اختصّه بما لم يختصّ به غيره ، وانتم تعلمون انّ الذي خُصّ به عيسى لم يُخَصَّ به هؤلاء القوم الذين قال لهم عيسى « اذهب إلى أبي وأبيكم » ، فبطل ان يكون الاختصاص لعيسى ، لأنّه قد ثبت عندكم بقول عيسى لمن لم يكن له مثلُ اختصاص عيسى ، وانتم انما حكيتم لفظةَ عيسى وتأوّلتموها على غير وجهها ، لأنّه اذا قال : « أبي و أبيكم » فقد أراد غير ما ذهبتم إليه ونحلتموه ، وما يدريكم لعلّه غنى : اَذْهَبُ إلى آدم . أو إلى نوح ، وانّ اللَّه يرفعني إليهم ويجمني معهم ، وآدم أبي وأبوكم ، وكذلك نوح ، بل ما أراد غير هذا .

قال : فسكت النصارى وقالوا : ما رأينا كاليوم مجادلاً ولا مخاصماً مثلك وسننظر في أمورنا .

ثم اقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على الدهرية فقال : وانتم فما الذي دعاكم إلى القول بان

ص: 233

الاشياء لا بَدْوَ لها وهي دائمة لم تزل ولا تزال ؟

فقالوا : [لأنا] لا نحكم إلّا بما نشاهده ، ولم نجد للأشياء حدثاً فحكمنا بانها لم تزل ، ولم نجد لها انقضاءً وفَناءً فحكمنا بانها لا تزال .

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله افوجدتم لها قِدَماً ، ام وجدتم لها بقاءً ابد الابد ؟ فان قلتم : انكم وجدتم ذلك انهضتم لانفسكم انكم لم تزالوا على هيئتكم وعقولكم بلا نهاية ، ولا تزالون كذلك ، ولئن قلتم هذا ، دفعتم العيان ، وكذبّكم العالِمون والذين يشاهدونكم .

قالوا : بل لم نشاهد لها قِدَماً ولا بقاءً ابد الابد .

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فلم صرتم بان تحكموا بالقدم والبقاء دائماً ؟ لانكم لم تشاهدوا حدوثها ، وانقضاؤها أَولى من تارك التميز لها مثلكم ، فيحكم لها بالحدوث والانقضاء والانقطاع ، لأنّه لم يشاهد لها قدماً ولا بقاءً ابد الأبد ، أَوْلستم تشاهدون الليل والنهار [انّ] أحدهما بعد الآخر ؟ فقالوا : نعم . فقال صلى الله عليه وآله : أترونهما لم يزالا ولا يزالان ؟ فقالوا : نعم ، فقال : أفيجوز عندكم اجتماع الليل والنهار ؟ فقالوا : لا .

فقال صلى الله عليه وآله : فاذاً ينقطع احدهما عن الآخر ، فيسبق احدهما ويكون الثاني جارياً بعده . قالوا : كذلك وهو .

فقال : قد حكمتم بحدوث ما تقدّم من ليلٍ ونهارٍ لم تشاهدوهما ، فلا تنكروا للَّهِ ِ قدرته .

ثم قال صلى الله عليه وآله : أتقولون ما قبلكم من الليل والنهار متناهٍ أم غيرَ متناهٍ ؟

فان قلتم : غير متناه فكيف وصل إليكم آخرٌ بلا نهايةٍ لاِوَّلِه ؟ وإنْ قلتم : انه

ص: 234

متناه ، فقد كان ولا شي ء منهما . قالوا : نعم .

قال لهم : أقلتم : انّ العالَمَ قديمٌ غيرُ محدَث ، وانتم عارفون بمعنى ما أقررتم به ، وبمعنى ما جحدتموه ؟ قالوا : نعم .

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فهذا الذي تشاهدونه من الأشياء بعضها إلى بعض يفتقر لانه لا قِوام للبعض إلّا بما يتصل به ، ألا ترى البناء محتاجاً بعض أجزائه إلى بعض وإلّا لم يتّسق ولم يستحكم وكذلك سائر ما ترون .

وقال صلى الله عليه وآله : فاذا كان هذا المحتاج - بعضه إلى بعض لقوّته وتمامه - هو القديم . فاخبروني ان لو كان محدَثاً ، كيف كان يكون ؟ وما ذا كانت تكون صفته ؟

قال : فبهتوا وعلموا انّهم لا يجدون للمحدَث صفة يصفونه بها إلّا وهي موجودة في هذا الذي زعموا انّه قديم . فوجموا وقالوا : سننظر في أمرنا .

ثم اقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على الثنوية - الذين قالوا : النور والظلمة هما المدبِّران - فقال : وانتم فما الذي دعاكم إلى ما قلتموه من هذا ؟

فقالوا : لانّا وجدنا العالم صنفين : خيراً وشراً ، ووجدنا الخير ضدّاً للشرّ ، فانكرنا ان يكون فاعل واحد يفعل الشي ء وضدَّه ، بل لكلّ واحد منهما فاعلٌ ، ألا ترى ان الثّلج محال ان يسخن ، كما ان النار محال ان تبرد فاثبتنا لذلك صانعين قديمين : ظلمةً ونوراً .

فقال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : اَفَلَسْتُمْ قد وجدتم سواءاً وبياضاً وحمرةً وصفرةً وخضرةً وزرقةً ؟ وكلّ واحدةٍ ضدّ لسائرها . لاستحالة اجتماع مثلين ( اثنين ) منها في محل واحد ، كما كان الحرُّ والبَرد ضدّين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد ؟ قالوا : نعم .

ص: 235

قال : فهلّا اثبتم بعدد كلِّ لونٍ صانعاً قديماً ، ليكون فاعل كلّ ضدّ مِنْ هذه الالوان غير فاعل الضدّ الآخر ؟ قال : فسكتوا .

ثم قال : وكيف اختلط [هذا] النور والظلمة ، وهذا من طبعه الصعود وهذه من طبعها النزول ؟ أرأيتم لو انّ رجلاً اخذ شرقاً يمشي إليه ، والآخر غرباً ، أكان يجوز عندكم ان يلتقيا ما داما سائرين على وجوههما ؟ قالوا : لا .

قال : فوجب ان لا يختلط النور والظلمة ، لذهاب كل واحد منهما في غير جهة الآخر ، فكيف وجدتم حدث هذا العالم من امتزاج ما هو محال ان يمتزج ؟ بل هما مدبّران جميعاً مخلوقان ، فقالوا : سننظر في امورنا ثم اقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على مشركي العرب فقال : وانتم فَلِمَ عبدتم الاصنام من دون اللَّه ؟ فقالوا : تتقرّب بذلك إلى اللَّه تعالى .

فقال لهم : اَوَ هي سامعة مطيعة لربّها ، عابدة لها ، حتى تتقرّبوا بتعظيمها إلى اللَّه ؟ قالوا : لا .

قال : فانتم الذين نحتّموها بأيديكم ؟ قالوا : نعم ، قال : فلئن تعبدكم هي - لو كان تجوز منها العبادة - أحرى من ان تعبدوها ، إذا لم يكن امركم بتعظيمها من هو العارف بمصالحكم وعواقبكم ، والحكيم فيما يكلّفكم .

قال : فلمّا قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله هذا [القول] اختلفوا ، فقال بعضهم : انّ اللَّه عزّوجلّ قد حلّ في هياكل رجال كانوا على هذه الصور ، فصوّرنا هذه الصور ، فعظّمها لتعظيمنا تلك الصور التي حلّ فيها ربّنا .

وقال آخرون منهم : ان هذه صور اقوام سلفوا ، كانوا مطيعين للَّه قبلنا ، فمثلنا صورهم وعبدناها تعظيماً للَّه .

ص: 236

وقال آخرون منهم : انّ اللَّه لمّا خلق آدم وامر الملائكة بالسجود له [فسجدوه تقرّباً باللَّه] ، كنا نحن أحق بالسجود لآدم من الملائكة ، ففاتنا ذلك ، فصوّرنا صورته فسجدنا لها تقرّبا إلى اللَّه ، كما تقرّبت الملائكة بالسجود لآدم إلى اللَّه تعالى ، وكما امرتم بالسجود - بزعمكم - إلى جهة « مكّة » ففعلتم ، ثم نصبتم في غير ذلك البلد بايديكم محاريب سجدتم إليها وقصدتم الكعبة لا محاربيكم ، وقصدكم بالكعبة إلى اللَّه عزّوجلّ لا إليها .

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أخطأتم الطريق وضللتم ، أما أنتم - وهو صلى الله عليه وآله يخاطب الذين قالوا : ان اللَّه يحلّ في هياكل رجالٍ كانوا على هذه الصور التي صوّرناها ، فصوّرنا هذه الصوّر فعظّمها لتعظيمنا لتلك الصور التي حلّ فيها ربّنا - فقد وصفتم ربكم بصفة المخلوقات ، أو يحلّ ربّكم في شي ء حتى يحيط به ذلك الشي ء ، فأيّ فرق بينه اذاً وبين سائر ما يحلّ فيه من لونه ، وطعمه ، ورائحته ، ولينه ، وخشونته . وثقله وخفّته ؟ ولم صار هذا المحلول فيه محدَثاً وذلك قديماً ، دون ان يكون ذلك محدَثاً وهذا قديماً ؟ وكيف يحتاج إلى المحال من لم يزل قبل المحالّ وهو عزّوجلّ لا يزال كما لم يزل ؟ واذا وصفتموه بصفة المحدَثات في الحلول ، فقد لزمكم ان تصفوه بالزوال [والحدوث] . وما وصفتموه بالزوال والحدوث ، فصفتموه بالفَناء ، لأنّ ذلك اجمع من صفات الحال والمحلول فيه ، وجميع ذلك يغيّر الذات .

فان كان لم يتغيّر ذات البارى تعالى بحلوله في شي ء جاز أن لا يتغير بأن يتحرّك ويسكن ويسودّ ويبيّض ويحمّر ويصفّر ، وتحلّه الصفات التي تتعاقب على الموصوف بها ، حتى يكون فيه جميع صفات المحدِّثين ، ويكون محدَثاً - تعالى اللَّه عن ذلك علوّاً كبيراً .

ص: 237

ثمّ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فإذا بطل ما ظننتموه من انّ اللَّه تعالى يحلّ في شي ء فقد فسد ما بنيتم عليه قولكم . قال : فسكت القوم وقالوا : سننظر في أمورنا . ثم اقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على الفريق الثاني فقال [لهم] : اخبرونا عنكم اذا عبدتم صور من كان يعبد اللَّه فسجدتم لها وصلّيتم ، فوضعتم الوجوه الكريمة على التراب - بالسجود لها - فما الذي ابقيتم لرب العالمين ؟ أَما علمتم انّ مِن حق مَن يلزم تعظيمه وعبادته أنْ لا يساوى به عبدُهُ ؟ أرأيتم ملكاً أو عظيماً إذا ساويتموه بعبيده في التعظيم والخشوع والخضوع أيكون في ذلك وضع مِنْ حق الكبير كما يكون زيادة في تعظيم الصغير ؟ فقالوا : نعم . قال : أفلا تعلمون انّكم من حيث تعظّمون اللَّه بتعظيم صُوَرِ عباده المطيعين له ، تزرون على ربّ العالمين ؟

قال : فسكت القوم بعد أنْ قالوا : سننظر في امورنا .

ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله للفريق الثالث : لقد ضربتم لنا مثلاً ، وشبّهتمونا بانفسكم ولسنا سواءً ، وذلك انّا عباد اللَّه مخلوقون ، مربوبون ، فأتمر له فيما أمرنا ، وننزجر عما زجرنا ، ونعبده من حيث يريده منّا ، فاذا أمرنا بوجه من الوجوه اطعناه ولم نتعد إلى غيره مما يأمرنا [به] ولم ياذن لنا ، لانّا لا ندري لعلّه إن أراد منّا الاول فهو يكره الثاني ، وقد نهانا ان نتقدم بين يديه ، فلمّا امرنا ان نعبده بالتوجه إلى الكعبة اطعناه ، ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فاطعناه ، ولم نخرج في شي من ذلك من اتّباع امره ، واللَّه عزوجل حيث أَمَرَ بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره ، فليس لكم ان تقيسوا ذلك عليه لأنكم لا تدرون لعلّه يكره ما تفعلون اذ لم يأمركم به .

ثم قال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أرأيتم لو اذن لكم رجل دخول داره يوماً بعينه ،

ص: 238

ألكم ان تدخلوها بعد ذلك بغير أمره ؟ أَوْ لكم ان تدخلوا داراً له اُخرى مثلَها بغير أمره ؟ اَوْ وهب لكم رجل ثوباً من ثيابه ، أو عبداً من عبيده ، أو دابّة من رواية ، ألكم ان تأخذوا ذلك ؟ قالو : نعم ، قال : فان لم تأخذوه ألكم اخذ آخرَ مثلَه ؟ قالوا : لا ، لأنّه لم يأذن لنا في الثاني كما أذِنَ في الأوّل . قال صلى الله عليه وآله : فأخبروني ، واللَّه أولى بأن لا يتقدم على مِلكه بغير أمره أَوْ بعض المملوكين ؟ قالوا : بل اللَّه أَوْلى بأَنْ لا يتصرّف في ملكه بغير اِذنه .

قال صلى الله عليه وآله : فَلِمَ فعلتم ومتى امركم بالسجود ان تسجدوا لهذا الصّور ؟ قال : فقال القوم : سننظر في أمورنا وسكتوا .

وقال الصادق عليه السلام : فوالذي بعثه بالحقِّ نبياً ما أَتَتْ على جماعتهم إلّا ثلاثة أيام حتى أَتَوا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فأسلموا ، وكانوا خمسةً وعشرين رجلاً ، من كل فرقة خمسةٌ . وقالوا : ما رأينا مثل حجّتك يا محمد ، نشهد أنّك رسول اللَّه(1) .

ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله لِقَاءَهُ

قال تعالى : « يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً »(2) .

عن أبي مويهبة مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال : بعثني رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من جوف الليل ، فقال لي : يا أبا مويهبة انّي قد امرت ان استغفر لأهل البقيع فانطلق معي ، فانطلقت معه ، فلمّا وقف بين أظهرهم قال : السلام عليكم أهل المقابر ، ليهن لكم ما اصبحتم فيه ممّا اصبح النّاس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها ،

ص: 239


1- الاحتجاج : 1/22 ؛ بحار الأنوار : 9/257 - 266 .
2- سورة الفجر : 27 - 28 .

الآخرة شرّ من الأولى ، ثم أقبل عليّ ، فقال : يا ابا مويهبّة ، انّي قد اُوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنّة ، خيّرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنّة ، فاخترت لقاء ربي والجنة . قال : قلت : بأبي انت وامي ، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنّة . فقال : لا واللَّه يا ابا مويهبة ، لقد اخترت لقاء ربي والجنّة ، ثم استغفر لاهل البقيع ، ثم انصرف ، فبدء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بوجعه الذي قبض فيه(1) .

وَ رَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ

قال تعالى : « ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ »(2) .

فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً صلى الله عليه وآله

روى الطبري عن ابن مسعود قال : نعى الينا نبيّنا وحبيبنا صلى الله عليه وآله نفسه قبل موته بشهر - إلى أن قال - فقلنا : متى أجلك ؟ قال : قَدْ دَنَا الفراق والمنقلب إلى اللَّه - وإلى سدرة المنتهى ، قلنا : فمن يغسّلك يا نبيّ اللَّه ؟ قال : أهلي الأدنى فالأدنى ، قلنا : فيم نكفّنك يا نبي اللَّه ؟ قال : في ثيابي - إلى أن قال - فمن يدخلك في قبرك يا نبيّ اللَّه ؟ قال : أهلي مع ملائكة كثيرين ، يرونكم من حيث لا ترونهم(3) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « قال النبي صلى الله عليه وآله يوماً لأصحابه : حياتي خير لكم وممّاتي خير لكم »(4) .

ص: 240


1- تاريخ الطبري : 2/432 ، سنة 11 .
2- سورة النحل : 96 .
3- تاريخ الطبري : 2/435 ، سنة 11 .
4- بصائر الدرجات : 1/443 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 22/550 ، ح 1 .

وَ خَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الْأَنْبِيَاءُ فِي أُمَمِهَا إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً بِغَيْرِ طَرِيقٍ وَاضِحٍ وَلا عَلَمٍ قَائِمٍ

عن زيد بن أرقم قال : قام رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فينا خطيباً بماء يدعى خما بين مكة والمدينة ، فحمد اللَّه وأثنى عليه ووعظ وذكر ، ثم قال : اما بعد أيها الناس أنا بشرٌ يوشك ان يأتيني رسول ربي فأجيب ، واني تارك فيكم الثقلين ، أولهما كتاب اللَّه فيه النور فخذو بكتاب اللَّه واستمسكوا به ، فحث على كتاب اللَّه تعالى ورغب فيه ، ثمّ قال : وأهل بيتي ، أذكركم اللَّه في أهل بيتي ، أذكركم اللَّه في أهل بيتي ، أذكركم اللَّه في أهل بيتي(1) .

كِتَابَ رَبِّكُمْ فِيكُمْ مُبَيِّناً

قال تعالى : « وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمينَ »(2) .

وقال تعالى : « وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ »(3) .

حَلالَهُ وَحَرَامَهُ

وقال تعالى : « وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا »(4) .

ص: 241


1- بحار الأنوار : 23/108 ، ح 10 ؛ صحيح مسلم : 7/122 ؛ الطرائف في معرفة مذهب الطوائف : 1/115 ، ح 174 .
2- النحل : 89 .
3- النحل : 44 .
4- البقرة : 275 .

وقال تعالى : « وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ »(1) .

وقال تعالى : « قُلْ مَنْ حَرَّمَ زينَةَ اللَّهِ الَّتي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ »(2) .

قال تعالى : « قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ »(3) .

وقال تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ »(4) .

وَ فَرَائِضَهُ وَفَضَائِلَهُ

قال تعالى : « فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنينَ كِتاباً مَوْقُوتاً »(5) .

وقال تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ »(6) .

وقال تعالى : « وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ للَّهِ ِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي

ص: 242


1- الاعراف : 157 .
2- الاعراف : 32 .
3- الاعراف : 33 .
4- سورة المائدة : 90 .
5- النساء : 103 .
6- سورة البقرة : 183 .

الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكينِ وَابْنِ السَّبيلِ »(1) .

وَ نَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ

قال القمي رحمه الله في تفسيره : انّ عدّة النساء كانت في الجاهلية إذا مات الرجل تعتد امرأته سنة فلما بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لم ينقلهم عن ذلك وتركهم على عاداتهم وانزل اللَّه تعالى بذلك قراناً فقال : « وَالَّذينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ »(2) فكانت العدة حولا فلما قوى الاسلام انزل اللَّه « وَالَّذينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا »(3) فنسخت قوله : « مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ »(4) .(5)

ومثله ان المرأة كانت في الجاهلية اذا زنت تحبس في بيتها حتى تموت والرجل يؤذى ، فأنزل اللَّه في ذلك : « وَاللاَّتي يَأْتينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبيلاً »(6) وفي الرجل : « وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحيماً »(7) فلمّا قوي الاسلام

ص: 243


1- سورة الأنفال : 41 .
2- البقرة : 240 .
3- البقرة : 234 .
4- البقرة : 240 .
5- تفسير القمي : 1/6 ؛ وسائل الشيعة : 22/237 ، ح 28481 .
6- النساء : 15 .
7- النساء : 16 .

انزل اللَّه « الزَّانِيَةُ وَالزَّاني فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ »(1) فنسخت تلك(2) .

وأيضاً قوله تعالى : « وَالْمحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالُْمحْصَناتُ مِنَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ »(3) . فانه منسوخ بقوله تعالى : « وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ »(4) وبقوله : « وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ »(5) (6) كما يدلّ عليه ما روى عن الحسن بن جهم قال : قال لي أبوالحسن الرضا عليه السلام : يا ابا محمد ما تقول في رجل يتزوج نصرانية على مسلمة ؟ قلت : جعلت فداك وما قولى بين يديك ، قال : لتقولنّ فان ذلك يعلم به قولي . قلت : لا يجوز تزويج النصرانية على مسلمة ولا غير مسلمة ، قال : ولِمَ ؟ قلت : لقول اللَّه عزوجلّ : « وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ »(7) ، قال : فما تقول في هذه الآية : « وَالُْمحْصَناتُ مِنَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ »(8) ؟ قلت : فقوله : « وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ » نسخت هذه الآية ، فتبسّم ثم سكت(9) .

ولكن ورد في تفسير القمي : آية نصفها منسوخة ونصفها متروكة على حالها

ص: 244


1- النور : 2 .
2- تفسير القمي : 1/6 - 7 .
3- المائدة : 5 .
4- البقرة : 221 .
5- الممتحنة : 10 .
6- تفسير العيّاشي : 1/296 ؛ بحار الأنوار : 100/382 ح 31 .
7- البقرة : 221 .
8- المائدة : 5 .
9- الكافي : 5/357 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 2/278 ، ح 38 .

فقوله : « وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ »(1) وذلك ان المسلمين كانوا ينكحون أهل الكتاب من اليهود والنصارى وينكحونهم فانزل اللَّه : « وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ »(2) فنهى اللَّه ان ينكح المسلم المشركة أو ينكح المشرك المسلمة ، ثم نسخ قوله : « وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ » بقوله في سورة المائدة « وَطَعامُ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالُْمحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالُْمحْصَناتُ مِنَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ »(3) فنسخت هذه الآية قوله : « وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ » وترك قوله « وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا » لم ينسخ ، لانه لا يحل للمسلم(4) ان ينكح المشركة ويحل له ان يتزوج المشركة من اليهود والنصارى(5) .

وَ رُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ

قسم القمي رحمه الله الرخصة إلى رخصة بعد عزيمة ورخصة مخير صاحبها بين الفعل والترك ، ورخصة باطنها خلاف ظاهرها ، وقال في الأولى : ان اللَّه تبارك وتعالى فرض الوضوء والغسل بالماء فقال : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ

ص: 245


1- البقرة : 221 .
2- البقرة : 221 .
3- المائدة : 5 .
4- ورد في بهج الصباغة : 13/6 : لانه لا يحل للمسلمة ان تنكح المشرك .
5- تفسير القمي : 1/12 - 13 .

فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا »(1) ثمّ رخص لمن لم يجد الماء التيمّم بالتراب فقال : « وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ »(2) ومثله « حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا للَّهِ ِ قانِتينَ »(3) ثم رخص فقال : « فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً »(4) وقوله : « فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ »(5) فقال العالم عليه السلام : الصحيح يصلي قائماً والمريض يصلي جالساً فمن لم يقدر فمضطجعاً يؤمن ايماءً فهذه رخصة بعد العزيمة . واما الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار ان شاء اخذ وان شاء ترك فان اللَّه عزوجل رخص ان يعاقب الرجل الرجل على فعله به فقال : « وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ »(6) فهذا بالخيار ان شاء عاقب وان شاء عفا ، واما الرخصة التي ظاهرها خلاف باطنها ، يعمل بظاهرها ولا يدان بباطنها ، فان اللَّه تبارك وتعالى نهي ان يتخذ المؤمن الكافر ولياً فقال : « لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ في شَيْ ءٍ »(7) ثم رخص عند التقية ان يصلي بصلاته ويصوم بصيامه ويعمل بعمله في ظاهره ، وان يدين اللَّه في باطنه

ص: 246


1- المائدة : 6 .
2- المائدة : 6 .
3- البقرة : 238 .
4- البقرة : 239 .
5- النساء : 103 .
6- الشورى : 40 .
7- آل عمران : 28 .

بخلاف ذلك فقال : « إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً »(1) ، فهذا تفسير الرخص ومعنى قول الصادق عليه السلام ان اللَّه تبارك وتعالى يحب ان يؤخذ برخصه كما يجب ان يؤخذ بعزائمه(2) .

ومن الرخصة بعد العزيمة قوله تعالى : « إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ »(3) ، ثم رخص فقال : « فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ »(4) .

واما العزائم فالظاهر ان المقصود منها هي الاحكام التي لا تجوز مخالفتها بحال من الاحوال مثل وجوب الاعتقاد والاقرار بالتوحيد كما قال تعالى : « فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ »(5) .

وَ خَاصَّهُ وَعَامَّهُ

قال تعالى : « أَقيمُوا الصَّلاةَ »(6) .

وقال تعالى : « يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ »(7) .

وقال تعالى : « الَّذينَ يَأْكُلُونَ الرِّبوا »(8) .

ص: 247


1- آل عمران : 28 .
2- تفسير القمي : 1/15 - 16 .
3- البقرة : 173 .
4- البقرة : 173 .
5- محمد : 19 .
6- سورة البقرة : 43 .
7- سورة المائدة : 4 .
8- سورة البقرة : 275 .

وقال القمى رحمه الله : واما ما لفظه عام ومعناه خاص فمثل قوله تعالى : « يا بَني إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمينَ »(1) فلفظه عام ومعناه خاص لانه فضلهم على عالمي زمانهم بأشياء خصّهم بها وقوله : « وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ »(2) يعني : بلقيس ، فلفظه عام ومعناه خاص لانها لم تُؤت اشياء كثيرة منها الذكر واللحية وقوله : « ريحٌ فيها عَذابٌ أَليمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْ ءٍ بِأَمْرِ رَبِّها »(3) لفظه عام ومعناه خاص لانها تركت أشياء كثيرة لم تدمرها . واما ما لفظه خاص ومعناه عام فقوله : « مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَني إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَميعاً »(4) فلفظ الآية خاص في بني إسرائيل ومعناها عام في الناس كلهم(5) .

وَ عِبَرَهُ

قال تعالى : « قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ في فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ في سَبيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ في ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ »(6) .

وقال تعالى : « لَقَدْ كانَ في قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ »(7) .

ص: 248


1- البقرة : 123 .
2- النمل : 23 .
3- الأحقاف : 24 - 25 .
4- المائدة : 32 .
5- تفسير القمي : 1/7 - 8 .
6- آل عمران : 13 .
7- يوسف : 111 .

وقال تعالى : « وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقيكُمْ مِمَّا في بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبينَ »(1) .

وقال تعالى : « يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ في ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ »(2) .

وقال تعالى : « هُوَ الَّذي أَخْرَجَ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْديهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ »(3) .

وقال تعالى : « فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الآْخِرَةِ وَالْأُولى * إِنَّ في ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى »(4) .

وَ أَمْثَالَهُ

قال تعالى مشيراً إلى المنافقين : « مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ * أَوْكَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحيطٌ بِالْكافِرينَ * يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ

ص: 249


1- النحل : 66 .
2- النور : 44 .
3- الحشر : 2 .
4- النازعات : 25 - 26 .

بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَديرٌ »(1) .

وقال تعالى : « وَمَثَلُ الَّذينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ »(2) .

وقال تعالى : « مَثَلُ الَّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ في سَبيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ في كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ »(3) .

وقال تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْ ءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرينَ »(4) .

وقال تعالى : « وَمَثَلُ الَّذينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصيرٌ * أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فيها مِنْ كُلِّ الَّثمَراتِ وَأَصابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآْياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ »(5) .

وقال تعالى : « مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ في هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ ريحٍ فيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ »(6) .

ص: 250


1- البقرة : 17 - 20 .
2- البقرة : 171 .
3- البقرة : 261 .
4- البقرة : 264 .
5- البقرة : 265 - 266 .
6- آل عمران : 117 .

وقال تعالى : « وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوينَ * وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ »(1) .

وقال تعالى : « إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآْياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ »(2) .

وقال تعالى : « مَثَلُ الْفَريقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصيرِ وَالسَّميعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ »(3) .

وقال تعالى : « مَثَلُ الَّذينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْ ءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعيدُ »(4) .

وقال تعالى : « أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ * تُؤْتي أُكُلَها كُلَّ حينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ »(5) .

ص: 251


1- الاعراف : 175 - 176 .
2- يونس : 24 .
3- هود : 24 .
4- ابراهيم : 18 .
5- ابراهيم : 24 - 26 .

وقال تعالى : « لِلَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآْخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَللَّهِ ِ الْمَثَلُ الْأَعْلى »(1) .

وقال تعالى : « وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ في هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً »(2) .

وقال تعالى : « وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ مُقْتَدِراً »(3) .

وقال تعالى : « وَلَقَدْ صَرَّفْنا في هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْ ءٍ جَدَلاً »(4) .

وقال تعالى : « يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ »(5) .

وقال تعالى : « اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ في زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضي ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَليمٌ »(6) .

ص: 252


1- النحل : 60 .
2- الإسراء : 89 .
3- الكهف : 45 .
4- الكهف : 54 .
5- الحج : 73 .
6- النور : 35 .

وقال تعالى : « مَثَلُ الَّذينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ »(1) .

وقال تعالى : « وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ في هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ »(2) .

وقال تعالى : « مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فيها مِنْ كُلِّ الَّثمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَميماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ »(3) .

وقال تعالى : « اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الآْخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ »(4) .

وقال تعالى : « كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَري ءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمينَ * فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمينَ »(5) .

وقال تعالى : « لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ

ص: 253


1- العنكبوت : 41 .
2- الزمر : 27 .
3- محمد : 15 .
4- الحديد : 20 .
5- الحشر : 16 - 17 .

اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ »(1) .

وقال تعالى : « مَثَلُ الَّذينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً »(2) .

وَ مُرْسَلَهُ وَمَحْدُودَهُ

المرسل كقوله تعالى : « وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ »(3) والمحدود كقوله تعالى : « وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتي في حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ »(4) وروى انّ ابن مسعود افتى بجواز نكاح ام غير المدخولة ، فقال له اميرالمؤمنين عليه السلام : من اين قلت ذلك ؟ فقال : من قوله تعالى : « وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتي في حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ »(5) ، فقال عليه السلام : ان هذه الآية مستثناة وآية « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ »(6) مرسلة(7) ، ومن امثلة المرسل قوله تعالى : « وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً »(8) .

ومن امثلة المحدود قوله تعالى : « قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثيرُ الْأَرْضَ

ص: 254


1- الحشر : 21 .
2- الجمعة : 5 .
3- النساء : 23 .
4- النساء : 23 .
5- النساء : 23 .
6- النساء : 23 .
7- الكافي : 5/422 ، ح 4 ( ط - اسلاميّة ) ؛ بحار الأنوار : 101/19 ، ح 18 .
8- البقرة : 67 .

وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فيها »(1) .

ومن امثلة المرسل قوله تعالى في كفارة اليمين : « أَوْ تَحْريرُ رَقَبَةٍ »(2) وفي كفارة الظهار : « وَ الَّذينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْريرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا »(3) .

ومن امثلة المحدود قوله تعالى في دية قتل الخطا في مواضع ثلاثة : « وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْريرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْريرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ ميثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْريرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ »(4) .

وَ مُحْكَمَهُ وَمُتَشَابِهَهُ

قال تعالى : « هُوَ الَّذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْويلِهِ »(5) .

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك(6) .

ص: 255


1- البقرة : 71 .
2- المائدة : 89 .
3- المجادلة : 3 .
4- النساء : 92 .
5- آل عمران : 7 .
6- الكافي : 1/68 ، ح 10 ؛ وسائل الشيعة : 27/157 ، ح 33472 .

مثال المحكم : قوله تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ »(1) .(2)

وقوله تعالى : « إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً »(3) .

وقوله تعالى : « إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ »(4) .

ومثال المتشابه قوله تعالى : « وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ »(5) وقوله : « الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى »(6) .

قال القمي رحمه الله : المتشابه ما لفظه واحد ومعناه مختلف فمنه الفتنة التي ذكرها اللَّه تعالى في القرآن فمنها عذاب وهو قوله : « يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ »(7) أي يعذبون ، وقوله : « الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ »(8) وهي الكفر ، ومنه الحب وهو قوله : « أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ »(9) يعني بها الحب ، ومنه اختبار وهو قوله : « أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ »(10) أي لا يختبرون ومثله

ص: 256


1- المائدة : 6 .
2- تفسير القمي : 1/7 .
3- يونس : 44 .
4- النساء : 40 .
5- البقرة : 228 .
6- طه : 5 .
7- الذاريات : 13 .
8- البقرة : 217 .
9- الانفال : 28 .
10- العنكبوت : 2 .

كثير نذكره في مواضعه ، ومنه الحق وهو على وجوه كثيرة ، ومنه الضلال وهو على وجوه كثيرة ، فهذا من المتشابه الذي لفظه واحد ومعناه مختلف(1) . هذا ، ولم يكن احد عالماً بجميع ما في الكتاب مما عده عليه السلام من حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ، ورخصه وعزائمه ، وخاصه وعامه ، وعبره وامثاله ، ومرسله ومحدوده ، ومحكمه ومتشابهه ، غيره عليه السلام(2) .

عن الاصبغ بن نباته قال : لما قدم اميرالمؤمنين عليه السلام الكوفة صلّى بهم أربعين صباحاً يقرأ بهم « سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى »(3) قال : فقال المنافقون : لا واللَّه ، ما يحسن ابن أبي طالب ان يقرء القرآن ولو احسن ان يقرأ القرآن لقرء بنا غير هذه السورة ، قال : فبلغه ذلك ، فقال : ويل لهم ، اني لاعرف ناسخه من منسوخه ومحكمه من متشابهه وفصله من فصاله وحروفه من معانيه ، واللَّه ما من حرف نزل على محمد صلى الله عليه وآله إلّا اني أعرف فيمن أنزل وفي أي يوم وفي أي موضع(4) .

و عن سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت اميرالمؤمنين عليه السلام يقول : ما نزلت آية على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلّا أقرأنيها واملاها على ، فاكتبها بخطى ، وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخه ومحكمها ومتشابهها ، ودعا اللَّه لي ان يعلمني فهمها وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب اللَّه ولا علم إملائه على فكتبته منذ دعا لي بما دعا ، وما ترك شيئاً علمه اللَّه من حلال ولا حرام ولا امر ولا نهى كان أو لا يكون

ص: 257


1- تفسير القمي : 1/7 .
2- بهج الصباغة : 13/14 .
3- الاعلى : 1 .
4- تفسير العياشي : 1/14 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 89/87 ، ح 24 .

من طاعة أو معصية إلّا علمنيه وحفظته - الخبر -(1) .

مُفَسِّراً مُجْمَلَهُ

أي الالفاظ المجملة المحتاجة إلى التفسير والبيان مثل ثلاثة قروء في الآية السابقة المرددة بين الطهر والحيض ، وعلى مذهب البعض ما اضيف التحليل والتحريم فيه إلى الاعيان كقوله تعالى : « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ »(2) و « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ »(3) و « أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهيمَةُ الْأَنْعامِ »(4) .

وَ مُبَيِّناً غَوَامِضَهُ

قال القمي رحمه الله : واما ما تأويله مع تنزيله فمثل قوله : « أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(5) فلم يستغن الناس بتنزيل الآية حتى فسّر لهم الرسول من اولوالامر وقوله : « اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقينَ »(6) فلم يستغن الناس الذين سمعوا هذا من النبيّ بتنزيل الآية حتى عرفهم النبي صلى الله عليه وآله : من الصادقون ، وقوله : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ »(7) .

ص: 258


1- تفسير العياشي : 1/14 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 98/89 ، ح 6 .
2- النساء : 23 .
3- المائدة : 3 .
4- المائدة : 1 .
5- النساء : 59 .
6- التوبة : 119 .
7- البقرة : 183 .

فلم يستغن الناس حتى اخبرهم النبي صلى الله عليه وآله : كم يصومون ، وقوله : « أَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ »(1) فلم يستغن الناس بهذا حتى اخبرهم النبي صلى الله عليه وآله : كم يصلون وكم يصومون وكم يزكون(2) .

بَيْنَ مَأْخُوذٍ مِيثَاقُ عِلْمِهِ

قال تعالى : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَني آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى »(3) .

وقال تعالى : « فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ ميثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فيهِ وَالدَّارُ الآْخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ »(4) وقال تعالى : « وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَليلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ »(5) وقال تعالى : « وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْري قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ »(6) .

ص: 259


1- البقرة : 43 .
2- تفسير القمّي : 1/13 ؛ بحار الأنوار : 78/90 .
3- الاعراف : 172 .
4- الاعراف : 169 .
5- آل عمران : 187 .
6- آل عمران : 81 - 82 .

وَ مُوَسَّعٍ عَلَى الْعِبَادِ فِي جَهْلِهِ

كالمتشابهات قال تعالى : « فَأَمَّا الَّذينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْويلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْويلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ »(1) .

عن سليمان بن خالد قال : قال ابوعبداللَّه عليه السلام : يا سليمان ان اللَّه عزوجل يقول : « وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى »(2) فاذا انتهى الكلام إلى اللَّه فامسكوا(3) .

وقوله : « وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى » قال : حدثني أبي عن ابن أبي عمير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : إذا انتهى الكلام إلى اللَّه فامسكوا وتكلموا فيما دون العرش ولا تكلموا فيما فوق العرش ، فانّ قوماً تكلموا فيما فوق العرش فتاهت عقولهم حتى انّ الرجل كان ينادى من بين يديه فيجيب من خلفه وينادى من خلفه فيجيب من بين يديه(4) .

ومن المتشابهات الحروف المقطعة في أوائل السّور مثل « الم » و « حم » و « طه » .

وَ بَيْنَ مُثْبَتٍ فِي الْكِتَابِ فَرْضُهُ وَمَعْلُومٍ فِي السُّنَّةِ نَسْخُهُ

قال تعالى : « وَاللاَّتي يَأْتينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبيلاً * وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ

ص: 260


1- آل عمران : 7 .
2- النجم : 42 .
3- المحاسن : 1/237 ح 206 ؛ بحار الأنوار : 3/264 ، ح 22 .
4- تفسير القمي : 1/25 ؛ بحار الأنوار : 3/259 ، ح 6 .

كانَ تَوَّاباً رَحيماً »(1) .

ثم نسخت بآية « الزَّانِيَةُ وَالزَّاني فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ »(2) والرجم الثابت لهما غير مذكور في الكتاب بل في السنّة قال علي بن إبراهيم القمي رحمه الله عند تفسير الآيتين : ان المرأة كانت في الجاهلية اذا زنت تحبس في بيتها حتى تموت والرجل يؤذى ثم نسخ ذلك بقوله : « الزانية ... »(3) .

وعن اسماعيل بن جابر عن أبي عبداللَّه عن آبائه عن أميرالمؤمنين عليهم السلام في حديث الناسخ والمنسوخ ، قال : كان من شريعتهم في الجاهلية ان المرأة إذا زنت حبست في بيت واقيم بِاَوَدِها حتى ياتيها الموت . واذا زنى الرجل نفوه عن مجالسهم وشتموه وآذوه وعيّروه ولم يكونوا يعرفون غير هذا قال اللَّه تعالى في أول الاسلام « وَاللاَّتي يَأْتينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبيلاً * وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحيماً »(4) ، فلما كثر المسلمون وقوى الاسلام واستوحشوا امور الجاهلية انزل اللَّه تعالى : « الزَّانِيَةُ وَالزَّاني فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ » الآية(5) فنسخت هذه آية الحبس والاذى(6) .

ص: 261


1- النساء : 15 - 16 .
2- النور : 2 .
3- تفسير القمّي : 1/6 .
4- النساء : 15 - 16 .
5- النور : 2 .
6- وسائل الشيعة : 28/67 ، ح 34226 ؛ بحار الأنوار : 76/59 ، ح 56 .

وَ وَاجِبٍ فِي السُّنَّةِ أَخْذُهُ وَمُرَخَّصٍ فِي الْكِتَابِ تَرْكُهُ

كالتوجه في الصلوة اولاً إلى بيت المقدس ، كان واجباً في ابتداء الاسلام بالسنة خاصة ثم نسخ بقوله تعالى : « فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ »(1) .

وكصوم يوم عاشوراء كان واجباً بالسّنة ثم نسخ بصوم شهر رمضان بقوله : « فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ »(2) ، كما في الفقيه : سأل محمد بن مسلم وزرارة بن أعين أبا جعفر الباقر عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء ، فقال عليه السلام : « كان صومه قبل شهر رمضان فلما نزل شهر رمضان ترك»(3) وروى عن نجبة بن الحارث العطّار قال : سألت أباجعفر عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء ، فقال : « صوم متروك بنزول شهر رمضان والمتروك بدعة»(4) .

وكحرمة الاكل بعد صلوة العشاء إذا انام في ليل شهر رمضان في السنة ، المنسوخة بقوله تعالى : « وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ »(5) .

وكذلك مباشرة النساء في الليل كانت محرّمة على الصائمين بالسنّة فنسخه الكتاب بقوله : « فَالآْنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ »(6) .

قال القمي رحمه الله قال الصادق عليه السلام : « كان النكاح والأكل محرمان في شهر رمضان

ص: 262


1- البقرة : 144 .
2- البقرة : 185 .
3- من لا يحضره الفقيه : 2/85 ، ح 1800 .
4- الكافي : 4/146 ، ح 4 .
5- البقرة : 187 .
6- سورة البقرة : 187 .

بالليل بعد النوم يعني كلّ من صلّى العشاء ونام ولم يفطر ثمّ انتبه حرّم عليه الافطار وكان النكاح حراماً في الليل والنهار في شهر رمضان ، وكان رجل من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقال له : خوات بن جبير الأنصاري أخو عبداللَّه بن جبير الذي كان رسول صلى الله عليه وآله وكلّه بفم الشعب يوم أحد - إلى أن قال - وكان أخوه هذا خوات بن جبير شيخاً كبيراً ضعيفاً وكان صائماً مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله في الخندق ، فجاء إلى أهله حين أمسى ، فقال عندكم طعام ؟ فقالوا : لا تنم حتّى نصنع لك طعاماً ، فأبطأت أهله بالطعام ، فنام قبل أنْ يفطر ، فلمّا انتبه قال لأهله : قد حرّم اللَّه عليّ الأكل في هذه الليلة ، فلمّا أصبح حضر حفر الخندق ، فأغمي عليه ، فرآه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فرقّ له ، وكان قوم من الشباب ينكحون بالليل سرّاً في شهر رمضان فأنزل اللَّه عزّوجلّ : « أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالآْنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ »(1) وأحلّ اللَّه تبارك وتعالى النكاح بالليل في شهر رمضان والأكل بعد النوم إلى طلوع الفجر لقوله حتّى يتبيّن الآية »(2) .

وَ بَيْنَ وَاجِبٍ بِوَقْتِهِ وَزَائِلٍ فِي مُسْتَقْبَلِهِ

كزكاة الفطرة تسقط اذا لم تؤد في وقتها(3) وكالنذر والعهد واليمين الموقت

ص: 263


1- البقرة : 187 .
2- تفسير القمي : 1/66 .
3- بهج الصباغة : 13/17 .

بوقت معيّن قال تعالى : « وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً »(1) وقال تعالى : « وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفيلاً »(2) .

وَ مُبَايَنٌ بَيْنَ مَحَارِمِهِ مِنْ كَبِيرٍ أَوْعَدَ عَلَيْهِ نيرانه

عن عباد بن كثير النوّاء قال : سألت أباجعفر عليه السلام عن الكبائر ، فقال عليه السلام : « كل ما اَوْ عَدَ اللَّهُ عليه النار»(3) .

عن أبي عبداللَّه عليه السلام في قول اللَّه عزوجل : « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَريماً »(4) ، قال : الكبائر التي أوجب اللَّه عزوجلّ عليها النار(5) .

وفي بعض الأخبار انها سبع ، عن ابن محبوب قال : كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الكبائركم هي وما هي ؟ فكتب : الكبائر من اجتنب ما وعداللَّه عليه النار كفّر عنه سيئاته إذا كان مؤمنا ، والسبع الموجبات : قتل النفس الحرام وعقوق الوالدين واكل الرباء والتعرب بعد الهجرة وقذف المحصنات واكل مال اليتيم والفرار من الزحف(6) .

ص: 264


1- الإسراء : 34 .
2- النحل : 91 .
3- وسائل الشيعة : 15/327 ، ح 20651 .
4- النساء : 31 .
5- الكافي : 2/276 ، ح 1 .
6- الكافي : 2/276 ، ح 2 .

ولكن الاخبار في المقام مختلفة جداً واكثر الأخبار جمعاً واحتواءً لها ما عن عبدالعظيم بن عبداللَّه الحسني قال : حدثني أبو جعفر صلوات اللَّه عليه قال : سمعت أبي يقول : سمعت أبي موسى بن جعفر عليهما السلام يقول : دخل عمرو بن عبيد على أبي عبداللَّه عليه السلام ، فلمّا سلّم وجلس تلا هذه الآية : « الَّذينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ »(1) .

ثم امسك ، فقال له ابوعبداللَّه عليه السلام : ما اسكتك ؟ قال : اُحِبُّ ان اعرف الكبائر من كتاب اللَّه عزوجل ، فقال : نعم يا عمرو ، اكبر الكبائر الإشراك باللَّه ، يقول اللَّه : « مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ »(2) ، وبعده الإياس من رَوح اللَّه ، لان اللَّه عزوجل يقول : « إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ »(3) ، ثم الأمن لمكر اللَّه ، لأن اللَّه عزوجل يقول : « فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ »(4) ، ومنها عقوق الوالدين ، لان اللَّه سبحانه جعل العاقّ جبّاراً شقيّاً ، وقتل النفس التي حرّم اللَّه إلّا بالحق ، لان اللَّه عزوجل يقول : « فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظيماً »(5) ، وقذف المحصنة ، لأنّ اللَّه عزوجل يقول : « لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالآْخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظيمٌ »(6) وأكل مال اليتيم ، لأنّ اللَّه عزوجل يقول : « إِنَّما يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعيراً »(7) ، والفرار من

ص: 265


1- الشورى : 37 .
2- المائدة : 72 .
3- يوسف : 87 .
4- الاعراف : 99 .
5- النساء : 93 .
6- النور : 23 .
7- النساء : 10 .

الزحف ، لأنّ اللَّه عزوجل يقول : « وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصيرُ »(1) ، واكل الرّبا ، لأنّ اللَّه عزوجل يقول : « الَّذينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ »(2) ، والسحر . لانّ اللَّه عزوجل يقول : « وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الآْخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ »(3) والزنا لأن اللَّه عزوجل يقول : « وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً * يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فيهِ مُهاناً »(4) ، واليمين الغموس الفاجرة ، لأن اللَّه عزوجل يقول : « الَّذينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَليلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآْخِرَةِ »(5) ، والغلول ، لأنّ اللَّه عزوجلّ يقول : « وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ »(6) ، ومنع الزكاة المفروضة ، لأنّ اللَّه عزوجلّ يقول : « فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ »(7) ، وشهادة الزور وكتمان الشهادة ، لأنّ اللَّه عزّوجلّ يقول : « وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ »(8) ، وشرب الخمر ، لأنّ اللَّه عزّوجلّ نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان ، وترك الصلاة متعمداً أو شيئاً مما فرض اللَّه ، لأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال : من ترك الصلاة متعمداً فقد بَرِأ من ذمة اللَّه وذمة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ونقض العهد وقطيعة الرحم ، لأن

ص: 266


1- الانفال : 16 .
2- البقرة : 275 .
3- البقرة : 102 .
4- الفرقان : 68 - 69 .
5- آل عمران : 77 .
6- آل عمران : 161 .
7- التوبة : 35 .
8- البقرة : 283 .

للَّه عزّوجلّ يقول : « أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ »(1) .

قال : فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول : هلك مَنْ قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم(2) .

أَوْ صَغِيرٍ أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ

قال تعالى : « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَريماً »(3) .

وَ بَيْنَ مَقْبُولٍ فِي أَدْنَاهُ مُوَسَّعٍ فِي أَقْصَاهُ

اشارة

كالصلوات الخمس تقبل في ادناها بالاقتصار على واجباتها ، وموسع في اقصاها بالاتيان بها بآدابها ونوافلها .

وكالقيام إلى صلوة الليل ، فان قليله مقبول والكثير منه موسع ، قال تعالى : « يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَليلاً * نِصْفَهُ أَوِانْقُصْ مِنْهُ قَليلاً * أَوْزِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتيلاً »(4) وقال تعالى : « إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ »(5) وروى في « مجمع البيان » عن الرضا عليه السلام عن

ص: 267


1- الرعد : 25 .
2- الكافي : 2/285 ، ح 24 ؛ بحار الأنوار : 76/6 ، ح 7 .
3- النساء : 31 .
4- المزمل : 1 - 4 .
5- المزمل : 20 .

أبيه عن جده عليه السلام قال عليه السلام : ما تيسّر منه - أي من القرآن - لكم فيه خشوع القلب وصفاء السرّ(1) .

امور مهمّة مفيدة لزيادة البصيرة

الأوّل : فائدة انزال القرآن .

عن أبي عبداللَّه عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أيّها الناس إنّكم في دار هدنة وأنتم على ظهر سفر والسير بكم سريع وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد ويقرّبان كلّ بعيد ويأتيان بكلّ موعود ، فأعدّوا الجهاز لبُعد المجاز ، قال : فقام المقداد بن الأسود فقال : يا رسول اللَّه وما دار الهدنة ؟ قال : دار بلاغ وانقطاع فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن ، فإنّه شافعٌ مشفَّعٌ وماحلٌ مصدَّقٌ ، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنّة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار وهو الدليل يدلّ على خير سبيل وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفصل ليس بالهزل وله ظهر وبطن ، فظاهره حكم وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم ، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ومنارالحكمة ، ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة ، فليجلُ جال بصره وليبلُغ الصفة نظره ينجُ من عطب ويتخلص من نَشب ، فإنّ التفكر حياةُ قلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور ، فعليكم بحسن التخلص وقلة التربص(2) .

ص: 268


1- تفسير مجمع البيان : 10/576 ( ط طهران - ناصر خسرو ) ؛ بحار الأنوار : 84/135 .
2- الكافي : 2/598 ، ح 2 .

أسماء القرآن وألقابه

منها الكتاب ، قال تعالى : « ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فيهِ »(1) ، ومنها الهدى ، قال تعالى : « هُدىً لِلْمُتَّقينَ »(2) ، « ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدي بِهِ مَنْ يَشاءُ »(3) ، ومنها الفرقان ، لكونه فارقاً بين الحق والباطل ، قال تعالى : « وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ »(4) ، ومنها الحكمة ، قال تعالى : « وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ »(5) ، ومنها النور ، قال تعالى : « جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبينٌ * يَهْدي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ »(6) ، ومنها : الرحمة ، قال تعالى : « وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ »(7) ، ومنها الموعظة الحسنة ، قال تعالى : « ادْعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ »(8) ، ومنها الحق ، قال تعالى : « بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذيرٍ »(9) ، ومنها النبأ العظيم ، قال تعالى : « قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ »(10) ، ومنها الروح ، قال تعالى : « يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ

ص: 269


1- سورة البقرة : 22 .
2- سورة البقرة : 22 .
3- سورة الأنعام : 88 ؛ سورة الزمر : 23 .
4- سورة البقرة : 185 .
5- سورة آل عمران : 164 .
6- سورة المائدة : 15 - 16 .
7- سورة النحل : 64 .
8- سورة النحل : 125 .
9- سورة السجدة : 3 .
10- سورة ص : 67 - 68 .

عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ »(1) ، ومنها الشفاء ، قال تعالى : « قُلْ هُوَ لِلَّذينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ »(2) ، ومنها البشير النذير ، قال تعالى : « كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشيراً وَنَذيراً »(3) ، ومنها العزيز ، قال تعالى : « وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزيزٌ »(4) ، ومنها العلي الحكيم ، قال تعالى : « وَإِنَّهُ في أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكيمٌ »(5) ، ومنها الذكر ، قال تعالى : « وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ »(6) ، ومنها القرآن ، قال تعالى : « إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَريمٌ »(7) ، ومنها التنزيل ، قال تعالى : « تَنْزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمينَ »(8) ، ومنها المجيد ، قال تعالى : « بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجيدٌ »(9) ، ومنها البيان ، قال تعالى : « هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ »(10) ، ومنها التذكرة ، قال تعالى : « وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ »(11) ، ومنها التبيان ، قال تعالى : « تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْ ءٍ »(12) ، ومنها الحبل ، قال تعالى « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا »(13) إلى غير

ص: 270


1- سورة غافر : 15 .
2- سورة فصلت : 44 .
3- سورة فصلت : 3 - 4 .
4- سورة فصلت : 41 .
5- سورة الزخرف : 4 .
6- سورة الزخرف : 44 .
7- سورة الواقعة : 77 .
8- سورة الواقعة : 80 .
9- سورة البروج : 21 .
10- آل عمران : 138 .
11- الحاقّة : 48 .
12- النحل : 89 .
13- آل عمران : 103 .

ذلك من الأسماء والألقاب .

الثاني : اختلف الأصحاب في انّ القرآن الذي نزل به جبرئيل هل حرّف وبدل وزيد عليه ونقص عنه أم لا ؟

حجة النافين : قوله تعالى : « وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزيزٌ * لا يَأْتيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ »(1) وقوله تعالى : « إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ »(2) والأخبار الدالّة على وجوب التمسّك بالقرآن والآمرة بالرجوع إليه كحديث الثقلين المتواتر بين الفريقين ونحوه ، والأخبار المفيدة بعرض الأخبار المتعارضة عليه مثل مقبولة عمر بن حنظلة وفيها : ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة(3) .

وما عن السكوني عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : انّ على كلّ حقّ حقيقة وعلى كلّ صواب نوراً فما وافق كتاب اللَّه فخذوه وما خالف كتاب اللَّه فدعوه(4) .

وما عن عبدالرحمن بن أبي عبداللَّه قال : قال الصادق عليه السلام : « اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب اللَّه ، فما وافق كتاب اللَّه فخذوه وما خالف كتاب اللَّه فرُدّوه »(5) ، إلى غير هذه ممّا هي قريبة من التواتر أو متواترة .

ص: 271


1- سورة فصلت : 42 .
2- سورة الحجر : 9 .
3- الاحتجاج : 2/356 ، بحار الأنوار : 101/262 ، ح 1 .
4- الكافي : 1/69 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 2/227 ، ح 4 .
5- وسائل الشيعة : 27/118 ، ح 23362 ، بحار الأنوار : 2/235 ، ح 20 .

وحجّة القائلين بالتحريف على ثلاثة أقسام :

القسم الأوّل : الأدلّة الدالّة على مطلق التحريف والتغيير فيه ، مثل ما عن جابر قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : ما ادعى أحد من الناس انه جمع القرآن كلّه كما انزل إلّا كذاب وما جمعه وحفظه كما نزّله اللَّه تعالى إلّا علي بن أبي طالب والأئمّة من بعده(1) .

ومثل ما في رواية أبي ذر الغفاري أنه قال : لمّا توفّي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله جمع علي عليه السلام القرآن ، وجاء به إلى المهاجرين والأنصار ، وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فلمّا فتحه أبو بكر ، خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم ، فوثب عمر وقال : يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه ، فأخذه عليه السلام وانصرف ، ثم أحضروا زيد بن ثابت - وكان قاريا للقرآن - فقال له عمر : إنّ عليّا جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار ، وقد رأينا أن نؤلّف القرآن ونسقط منه ما كان فضيحة وهتكاً للمهاجرين والأنصار ، فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال لهم : فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألّفه أليس قد بطل كل ما عملتم ؟ ثمّ قال عمر : فما الحيلة ؟ قال زيد : أنتم أعلم بالحيلة ، فقال عمر : ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه ، فدبّر في قتله على يد خالد بن الوليد ، فلم يقدر على ذلك ، فلما استخلف عمر سأل علياً عليه السلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرّفوه فيما بينهم ، فقال يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه ، فقال عليه السلام : هيهات ، ليس إلى ذلك سبيل ، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ، ولا تقولوا يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين ، أو تقولوا : ما جئتنا

ص: 272


1- الكافي : 1/228 ، ح 1 ؛ تأويل الآيات : 243 .

به ، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلّا المطهّرون والأوصياء من ولدي ، فقال عمر : فهل لإظهاره وقت معلوم ؟ فقال عليه السلام : نعم ، إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري السنة به صلوات اللَّه عليه(1) .

القسم الثاني : الأدلّة الدالّة على وجود الزيادة والنقصان ، مثل ما عن أبي جعفر عليه السلام قال : لو لا أنّه زيدَ في كتاب اللَّه ونقص منه ما خفي حقنا على ذي حجى(2) .

ومثل ما عن أبي جعفر عليه السلام أيضاً : انّ القرآن قد طرح منه آي كثيرة ولم يزد فيه إلّا حروف أخطأت بها الكتبة وتوهمها الرجال(3) .

القسم الثالث : الأدلّة الدالّة على وجود النقصان فقط ، وهي كثيرة :

منها : عن عبداللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام في قوله : « ولقد عهدنا إلى آدم من قبل » كلمات في محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام من ذريّتهم « فنسى » ، هكذا واللَّه نزلت على محمّد صلّى اللَّه عليه وآله(4) .

ومنها : عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمّد صلى الله عليه وآله هكذا « فَبَدَّلَ الَّذينَ ظَلَمُوا » آل محمّد حقّهم « قَوْلاً غَيْرَ الَّذي قيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذينَ ظَلَمُوا » آل محمّد حقّهم « رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ »(5) .(6) .

ص: 273


1- الاحتجاج : 1/327 ، ح 57 ؛ بحار الأنوار : 89/42 ، ح 2 .
2- تفسير العيّاشي : 1/13 ، ح 6 ، بحار الأنوار : 89/55 ، ح 25 .
3- تفسير العيّاشي : 1/180 ، ح 73 ؛ بحار الأنوار : 15/179 ، ح 1 .
4- الكافي : 1/416 ؛ بحار الأنوار : 24/351 ، ح 66 .
5- سورة البقرة : 58 .
6- الكافي : 1/423 ، ح 58 ؛ تفسير العيّاشي : 1/45 ، ح 49 ؛ بحار الأنوار : 24/224 ، ح 15 .

أقول : ومن الأجوبة التي يمكن أن يقال لهم : ما روى عن أبي بصير قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ : « أَطيعُوا اللَّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(1) ، فقال : نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام ، فقلت له : انّ الناس يقولون : فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيته عليهم السلام في كتاب اللَّه عزّوجلّ ؟ قال : فقال : قولوا لهم : انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ اللَّه لهم ثلاثاً ولا أربعاً ، حتّى كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله هو الذي فسّر ذلك لهم(2) .

ومنها : عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، انّ على كلّ حق حقيقة وعلى كلّ صواب نوراً فما وافق كتاب اللَّه فخذوه وما خالف كتاب اللَّه فدعوه(3) .

وقال الصادق عليه السلام : اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فأعرضوهما على كتاب اللَّه فما وافق كتاب اللَّه فخذوه وما خالف كتاب اللَّه فردّوه(4) .

من قيّم القرآن بعد النبي صلى الله عليه وآله

أمّا عقلاً :

عن منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : - إلى أن قال - وقلت للناس : تعلمون انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كان هو الحجّة من اللَّه على خلقه ؟ قالوا : بلى ، قلت : فحين مضى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من كان الحجّة على خلقه ؟ فقالوا : القرآن ، فنظرت في

ص: 274


1- سورة النساء : 59 .
2- الكافي : 1/286 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 35/210 ، ح 12 .
3- وسائل الشيعة : 27/119 ، ح 33368 .
4- وسائل الشيعة : 27/118 ، ح 33362 .

القرآن ، فاذا هو يخاصم به المرجى ء والقدري والزنديق الذي لا يؤمن به حتّى يغلب الرجال بخصومته ، فعرفت انّ القرآن لا يكون حجّة إلّا بقيّم ، فما قال فيه من شي ء كان حقّاً ، فقلت لهم : من قيّم القرآن ؟(1) فقالوا : ابن مسعود قد كان يعلم وعمر يعلم وحذيفة يعلم ، قلت : كلّه ؟ قالوا : لا ، فلم أجد أحداً يقال : انه يعرف ذلك كلّه إلّا عليّاً عليه السلام ، واذا كان الشي ء بين القوم فقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : لا أدري ، وقال هذا : لا أدري ، وقال هذا ، أنا أدري ، فاشهد أنّ عليّاً عليه السلام كان قيّم القرآن ، وكانت طاعته مفترضة وكان الحجّة على الناس بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وان ما قال في القرآن فهو حق ، فقال : رحمك اللَّه(2) .

فحكم العقل في ذلك الخبر بعلمه عليه السلام بالقرآن .

وأمّا نقلاً :

فقد روى عن ابن عبّاس انه كان ليلة من الليالي عند أميرالمؤمنين عليه السلام وهو يفسّر فاتحة الكتاب ، فرأى نفسه عنده كجرّة عند بحر عظيم ، وهو عليه السلام قال : لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من تفسير فاتحة الكتاب(3) .

وروى عن علي عليه السلام انّه قال : « لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من باء بسم اللَّه الرحمن الرحيم »(4) .

ص: 275


1- في الفائق « قيم القوم من يقوم بسياسة أمورهم » والمراد هنا من يقوم بأمر القرآن ويعرف ظاهره وباطنه ومجمله ومؤوله ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه بوحي الهي أو بالهام ربّاني أو بتعليم نبوي . مرآة العقول : 2/264 .
2- الكافي : 1/169 ، ح 2 .
3- بحار : 89/103 ، ح 82 .
4- عوالي اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة : 4/102 ، ح 150 .

عن الأصبغ بن نباتة قال : قال أميرالمؤمنين عليه السلام : لو كسرت لي وسادة فقعدت عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم وأهل الانجيل بانجيلهم وأهل الزبور بزبورهم وأهل الفرقان بفرقانهم بقضاء يصعد إلى اللَّه يزهر ، واللَّه ما نزلت آية في كتاب اللَّه في ليل أو نهار إلّا وقد علمت فيمن أنزلت ، ولا(1) ممّن مرّ على رأسه المواسى من قريش إلّا وقد نزلت فيه آية من كتاب اللَّه تسوقه إلى الجنّة أو إلى النار ، فقام إليه رجل فقال : يا أميرالمؤمنين ما الآية التي نزلت فيك ؟ قال له : أما سمعت اللَّه يقول : « أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ »(2) قال : رسول اللَّه صلى الله عليه وآله على بيّنة من ربّة وأنا شاهد له فيه واتلوه معه(3) .

وعن علي عليه السلام قال : سلوني عن كتاب اللَّه ( عزّوجلّ ) ، فواللَّه ما نزلت آية منه في ليل أو نهار ولا مسير ولا مقام إلّا وقد أقرأنيها رسول اللَّه ( صلّى اللَّه عليه وآله ) وعلّمني تأويلها ، فقال ابن الكواء : يا أميرالمؤمنين ، فما كان ينزل عليه وأنت غائب عنه ؟ قال : كان يحفظ عليّ رسول اللَّه ( صلّى اللَّه عليه وآله ) ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا عنه غائب حتّى أقدم عليه فيقرئنيه ، ويقول لي : يا علي ، انزل اللَّه عليّ بعدك كذا وكذا ، وتأويله كذا وكذا ، فيعلمني تنزيله وتأويله(4) .

وعن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبيه ، عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك ، النبي صلى الله عليه وآله ورث علم النبيين كلهم ؟ قال لي : نعم ، قلت : من لدن آدم إلى أن انتهى إلى نفسه ؟ قال : نعم ، قلت : ورثهم النبوة وما كان في آبائهم من النبوة

ص: 276


1- وفي البحار : ولا أحد ممّن مرّ .
2- سورة هود : 17 .
3- بصائر الدرجات : 132 - 133 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 35/387 ، ح 5 .
4- الأمالي للطوسي : 523 ، ح 1158 - 65 ؛ بحار الأنوار : 89/78 ، ح 1 .

والعلم ؟ قال : ما بعث اللَّه نبيّاً إلّا وقد كان محمد صلى الله عليه وآله أعلم منه ، قال : قلت : إنّ عيسى ابن مريم كان يحيي الموتى بإذن اللَّه ، قال : صدقت ، وسليمان بن داود كان يفهم كلام الطير ، قال : وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقدر على هذه المنازل ، فقال : إن سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشك في أمره « ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ »(1) وكانت المردة والريح والنمل والإنس والجن والشياطين له طائعين ، وغضب عليه ، فقال : « لأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ »(2) ، وإنما غضب عليه لأنه كان يدله على الماء ، فهذا وهو طير قد أعطي ما لم يعط سليمان وإنما أراده ليدله على الماء فهذا لم يعط سليمان وكانت المردة له طائعين ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكانت الطير تعرفه إن اللَّه يقول في كتابه : « وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى »(3) فقد ورثنا نحن هذا القرآن فعندنا ما يقطع [ يسيّر ] به الجبال ويقطع به البلدان ويحيي به الموتى بإذن اللَّه ونحن نعرف ما تحت الهواء وإن كان في كتاب اللَّه لآيات ما يراد بها أمر من الأمور التي أعطاه اللَّه الماضين النبيين والمرسلين إلا وقد جعله اللَّه ذلك كله لنا في أم الكتاب إن اللَّه تبارك وتعالى يقول : « وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ »(4) ثم قال جلّ وعزّ : « ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا »(5) ، فنحن الذين اصطفينا اللَّه فقد ورثنا علم

ص: 277


1- سورة النمل : 20 .
2- سورة النمل : 21 .
3- سورة الرعد : 31 .
4- النمل : 75 .
5- سورة فاطر : 32 .

هذا القرآن الذي فيه تبيان كل شي ء(1) .

وعن عبدالرحمن بن كثير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « قالَ الَّذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ »(2) ، قال : ففرّج أبو عبداللَّه عليه السلام بين أصابعه فوضعها في صدره ثمّ قال : وعندنا واللَّه علم الكتاب كلّه(3) .

وعن ابن اذينة عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : الذي « عنده علم الكتاب » هو أميرالمؤمنين عليه السلام وسئل عن « الذي عنده علم من الكتاب » أعلم أم « الذي عنده علم الكتاب » ؟ فقال : ما كان علم « الذي عنده علم من الكتاب » عند الذي « عنده علم الكتاب » إلّا بقدر ما تأخذ البعوضة بجناحها من ماء البحر(4) .

وعن عبدالأعلى بن أعين قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : قد ولدني رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وأنا أعلم كتاب اللَّه وفيه بدءُ الخلق ، وما كائن إلى يوم القيامة ، وفيه خبر السماء وخبر الأرض ، وخبر الجنّة وخبر النار ، وخبر ما كان ، و[ خبر ] ما هو كائن ، اعلم ذلك كما انظر إلى كفّي ، انّ اللَّه يقول : « فيه تبيان كلّ شي ء »(5) .

وعن عبدالأعلى مولى آل سام قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « واللَّه اني لأعلم كتاب اللَّه من أوّله إلى آخره كانه في كفّي ، فيه خبر السماء وخبر الأرض وخبر ما كان وخبر ما هو كائن ، قال اللَّه عزّوجلّ : « فيه تبيان كلّ شي ء »(6).

ص: 278


1- بصائر الدرجات : 114 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 26/161 ، ح 7 .
2- سورة النمل : 40 .
3- الكافي 1/229 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 26/170 ، ح 37 .
4- تفسير القمي : 1/367 ؛ بحار الأنوار : 26/160 ، ح 6 .
5- الكافي : 1/61 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 89/98 ، ح 68 .
6- الكافي : 1/229 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 89/89 ، ح 32 .

تفسير القرآن بالرأي

الأخبار الناهية عنه متظافرة :

منها : ما في « مجمع البيان » قال : اعلم انّ الخبر قد صحّ عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الأئمّة القائمين مقامه عليهم السلام ان تفسير القرآن لا يجوز إلّا بالأثر الصحيح ، والنص الصريح ، وروت العامّة أيضاً عن النبي صلى الله عليه وآله انّه قال : من فسّر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد اخطأ(1) .

ومنها : عن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « من فسّر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر ، وإن أخطأ فهو أبعد من السماء»(2) .

وعن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال : « قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : قال اللَّه عزّوجلّ : ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي ، وما عرفني من شبّهني بخلقي ، وما على ديني من استعمل القياس في ديني»(3) .

ومنها : عن زيد الشحّام في حديث قتادة مع أبي جعفر عليه السلام قال : فقال أبو جعفر عليه السلام : « ويحك يا قتادة ان كنت إنّما فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت ، إلى أن قال : فقال أبو جعفر عليه السلام : ويحك يا قتادة ، إنّما يعرف القرآن من خوطب به»(4) .

ص: 279


1- تفسير الصافي : 1/35 .
2- تفسير العيّاشي : 1/17 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 89/110 ، ح 13 .
3- أمالي الصدوق : 236 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 2/297 ، ح 16 .
4- الكافي : 8/311 ، ح 485 ؛ بحار الأنوار : 24/237 ، ح 6 .

وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ

اشارة

عن معاوية بن عمّار قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوم فتح مكّة : « انّ اللَّه حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض ، وهي حرام إلى أن تقوم الساعة ، لم تحلّ لأحد قبلي ولا تحلّ لأحد بعدي ولم تحلّ لي إلّا ساعة من نهار»(1) .

أمّا اثباته من الكتاب :

قال تعالى : « فيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَللَّهِ ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ »(2) .

وقال تعالى : « وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ ِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ »(3) .

وقال تعالى : « لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ »(4) .

وقال تعالى : « ثُمَّ أَفيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحيمٌ »(5) .

وقال تعالى : « الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ »(6) .

ص: 280


1- الكافي : 4/226 ، ح 4 ؛ تفصيل وسائل الشيعة : 12/404 ، ح 16629 ؛ بحار الأنوار : 21/135 ، ح 27 .
2- سورة آل عمران : 97 .
3- سورة البقرة : 196 .
4- سورة البقرة : 198 .
5- سورة البقرة : 199 .
6- سورة البقرة : 197 .

وقال تعالى : « فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً »(1) .

وقال تعالى : « وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ »(2) .

وقال تعالى : « وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ »(3) .

وأمّا السنّة فكثيرة :

منها : عن علي عليه السلام انّه سئل عن قول اللَّه عزّوجلّ : « وللَّه على الناس حجّ البيت » الآية فقال عليه السلام : « هذا فيمن ترك الحج وهو يقدر عليه »(4) .

ومنها : روينا عن جعفر بن محمّد عليه السلام قال : « وأمّا ما يجب على العباد في أعمارهم مرّةً واحدةً فهو الحج فرض عليهم مرّة واحدة لبعد الأمكنة والمشقّة عليهم في الأنفس والأموال ، فالحج فرض على الناس جميعاً إلّا من كان له عذر »(5) .

ومنها : عن علي عليه السلام انّه قال : « لمّا نزلت « وللَّه على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً » قال المؤمنون : يا رسول اللَّه أفي كلّ عامٍ ؟ فسكت ، فأعادوا عليه مرّتين ، فقال صلى الله عليه وآله : لا ، ولو قلت نعم لوجبت ، فأنزل اللَّه تعالى « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ »(6) »(7) .

ص: 281


1- سورة البقرة : 200 .
2- سورة التوبة : 3 .
3- سورة الحج : 27 .
4- دعائم الاسلام : 1/288 ؛ بحار الأنوار : 96/21 ، ح 82 .
5- دعائم الاسلام : 1/288 ؛ بحار الأنوار : 96/22 ، ح 83 .
6- سورة المائدة : 101 .
7- دعائم الاسلام : 1/288 ؛ بحار الأنوار : 96/22 ، ح 84 .

ومنها : عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قلت له أرأيت الرجل التاجر ذا المال حين يسوّف الحج كلّ عام وليس يشغله عنه إلّا التجارة أو الدين ، فقال عليه السلام : « لا عذر له يسوّف الحج إن مات وقد ترك الحج فقد ترك شريعة من شرائع الاسلام »(1) .

وعن ذريح ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سمعته يقول : « من مات ولم يحج حجّة الاسلام ولم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق الحج من أجله أو سلطان يمنعه فليمت يهوديّاً أو نصرانيّاً »(2) .

ومنها : عن الصادق عليه السلام : انّه سئل عن رجل ، له مال ، لم يحج حتّى مات ، قال عليه السلام : « هذا ممّن قال اللَّه عزّوجلّ « وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى »(3) » قيل : أعمى ؟ قال عليه السلام : « نعم ، عمى عن طريق الخير »(4) .

ومنها : عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله انّه قال : « إذا تركت أمّتي هذا البيت أنْ تؤمه لم تناظر »(5) .

ومنها : قال الامام زين العابدين عليه السلام : « حجّوا واعتمروا تصحّ أجسامكم وتتسع أرزاقكم ويصلح ايمانكم وتكفوا مؤنة الناس ومؤنة عيالكم »(6) .

ومنها : عن أبي عبداللَّه عليه السلام : « عليكم بحج هذا البيت ، فأدمنوه ، فان في إدمانكم

ص: 282


1- الكافي : 4/269 ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة : 11/26 ، ح 4 .
2- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 236 ؛ بحار الأنوار : 96/22 ، ح 86 .
3- سورة طه : 124 .
4- دعائم الاسلام : 1/289 ، بحار الأنوار : 96/22 ، ح 87 .
5- دعائم الاسلام : 1/289 ؛ بحار الأنوار : 96/22 ، ح 88 .
6- الدعوات للراوندي : 76 ، ح 181 ؛ بحار الأنوار : 96/25 ، ح 106 .

الحج دفع مكاره الدنيا عنكم وأهوال يوم القيامة »(1) .

وعن كليب ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سأله أبو بصير وأنا أسمع ، فقال له : رجل له مائة ألف ، فقال العام أحج ، العام أحج ، فأدركه الموت ولم يحج حجّة الاسلام ، فقال عليه السلام : « يا أبا بصير أما سمعت قول اللَّه « وَمَنْ كانَ في هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الآْخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبيلاً »(2) أعمى عن فريضة من فرائض اللَّه »(3) .

الكعبة أول بقعة خلقت من الأرض

قال أبوجعفر عليه السلام : لمّا أراد اللَّه عزّوجلّ ان يخلق الأرض امر الرياح الأربع فَضَرَبْنَ متن الماء حتى صار موجاً ، ثم ازبد فصار زبداً واحداً فجمعه في موضع البيت ، ثم جعله جبلاً من زبد ثم دحى الأرض من تحته وهو قول اللَّه عزوجل : « إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً »(4) ، فأول بقعة خلقت من الأرض الكعبة ثم مدت الأرض منها(5) .

اصل بناء الكعبة

روى عن موسى بن جعفر عليه السلام انه قال : في خمسة وعشرين من ذي القعدة انزل اللَّه عزوجل الكعبة البيت الحرام ، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة وهو

ص: 283


1- الأمالي للطوسي : 668 ، ح 5 ، مجلس 36 ؛ بحار الأنوار : 71/167 ، ح 33 .
2- سورة الإسراء : 72 .
3- وسائل الشيعة : 11/29 ، ح 12 ؛ بحار الأنوار : 96/12 ، ح 40 .
4- آل عمران : 96 .
5- من لا يحضره الفقيه : 2/241 ، ح 2296 .

أول يوم انزلت فيه الرّحمة من السماء على آدم عليه السلام(1) .

وعن أبي خديجة عن أبي عبداللَّه عليه السلام : ان اللَّه عزوجل انزله لآدم عليه السلام من الجنة وكان درّة بيضاء ، فرفعه اللَّه تعالى إلى السماء وبقى اُسُّه وهو بحيال هذا البيت يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يرجعون إليه ابداً ، فامر اللَّه عزوجل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ببنيان البيت على القواعد(2) .

عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ آبَائِهِ ، عَنْ عَلِيٍّ عليه السلام ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ، قَالَ : « إِنَّمَا كَانَ لَبِثَ آدَمُ وَحَوَّاءُ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَ سَاعَاتٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا حَتَّى أَكَلا مِنَ الشَّجَرَةِ ، فَأَهْبَطَهُمَا اللَّهُ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ يَوْمِهِمَا ذَلِكَ ، قَالَ : فَحَاجَّ آدَمُ رَبَّهُ فَقَالَ : يَا رَبِّ أَرَأَيْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْلُقَنِي كُنْتَ قَدَّرْتَ عَلَىَّ هَذَا الذَّنْبَ وَكُلَّ مَا صِرْتُ وَأَنَا صَائِرٌ إِلَيْهِ ، أَوْ هَذَا شَيْ ءٌ فَعَلْتُهُ أَنَا مِنْ قَبْلُ لَمْ تُقَدِّرْهُ عَلَيَّ ، غَلَبَتْ عَلَيَّ شِقْوَتِي(3) ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنِّي وَفِعْلِي لا مِنْكَ وَلا مِنْ فِعْلِكَ ؟ قَالَ لَهُ : يَا آدَمُ أَنَا خَلَقْتُكَ وَعَلَّمْتُكَ أَنِّي أُسْكِنُكَ وَزَوْجَتَكَ الْجَنَّةَ ، وَبِنِعْمَتِي وَمَا جَعَلْتُ فِيكَ مِنْ قُوَّتِي قَوِيتَ بِجَوَارِحِكَ عَلَى مَعْصِيَتِي ، وَلَمْ تَغِبْ عَنْ عَيْنِي ، وَلَمْ يَخْلُ عِلْمِي مِنْ فِعْلِكَ وَلا مِمَّا أَنْتَ فَاعِلُهُ ، قَالَ آدَمُ : يَا رَبِّ الْحُجَّةُ لَكَ عَلَيَّ ، يَا رَبِّ فَحِينَ خَلَقْتَنِي وَصَوَّرْتَنِي وَنَفَخْتَ فِيَّ مِنْ رُوْحِي(4) وَأَسْجَدْتُ لَكَ مَلائِكَتِي ، وَنَوَّهْتُ بِاسْمِكَ فِي سَمَاوَاتِي ، وَابْتَدَأْتُكَ بِكَرَامَتِي ، وَأَسْكَنْتُكَ جَنَّتِي ، وَلَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ إِلّا بِرِضًى مِنِّي

ص: 284


1- من لا يحضره الفقيه : 2/241 ، ح 2299 .
2- من لا يحضره الفقيه : 2/242 ، ح 2302 .
3- في تفسير البرهان : أو هذا شي ء فعلته أنا من قبل أن تقدّره عليّ غلبتني شقوتي .
4- الصحيح كما في البرهان : ونفخت فيّ من روحك ، قال اللَّه تعالى : يا آدم أسجدت لك ملائكتي اه .

عَلَيْكَ(1) أَبْلُوكَ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ عَمِلْتَ لِي عَمَلاً تَسْتَوْجِبُ بِهِ عِنْدِي مَا فَعَلْتُ بِكَ ، قَالَ آدَمُ : يَا رَبِّ الْخَيْرُ مِنْكَ وَالشَّرُّ مِنِّي . قَالَ اللَّهُ : يَا آدَمُ أَنَا اللَّهُ الْكَرِيمُ ، خَلَقْتُ الْخَيْرَ قَبْلَ الشَّرِّ ، وَخَلَقْتُ رَحْمَتِي قَبْلَ غَضَبِي ، وَقَدَّمْتُ بِكَرَامَتِي قَبْلَ هَوَانِي ، وَقَدَّمْتُ بِاحْتِجَاجِي قَبْلَ عَذَابِي ، يَا آدَمُ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنِ الشَّجَرَةِ ؟ وَأُخْبِرْكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجَتِكَ ؟ وَأُحَذِّرْكُمَا قَبْلَ أَنْ تَصِيرَا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَأُعَلِّمْكُمَا أَنَّكُمَا إِنْ أَكَلْتُمَا مِنَ الشَّجَرَةِ كُنْتُمَا ظَالِمَينِ لِأَنْفُسِكُمَا عَاصِيَيْنِ لِي ؟ يَا آدَمُ لا يُجَاوِرُنِي فِي جَنَّتِي ظَالِمٌ عَاصٍ لِي ، قَالَ : فَقَالَ : بَلَى يَا رَبِّ الْحُجَّةُ لَكَ عَلَيْنَا ، ظَلَمَنَا أَنْفُسَنَا وَعَصَيْنَا وَإِلّا تَغْفِرْ لَنَا وَ تَرْحَمْنَا نَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ، قَالَ : فَلَمَّا أَقَرَّا لِرَبِّهِمَا بِذَنْبِهِمَا وَأَنَّ الْحٌجَّةَ مِنَ اللَّهِ لَهُمَا تَدَارَكَهُمَا رَحْمَةُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَتَابَ عَلَيْهِمَا رَبُّهُمَا إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .

قَالَ اللَّهُ : يَا آدَمُ اهْبِطْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ إِلَى الْأَرْضِ ، فَإِذَا أَصْلَحْتُمَا أَصْلَحْتُكُمَا ، وَإِنْ عَمِلْتُمَا لِي قَوَّيْتُكُمَا ، وَإِنْ تَعَرَّضْتُمَا لِرِضَايَ تَسَارَعْتُ إِلَى رِضَاكُمَا ، وَإِنْ خِفْتُمَا مِنِّي آمَنْتُكُمَا مِنْ سَخَطِي ، قَالَ : فَبَكَيَا عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالا : رَبَّنَا فَأَعِنَّا عَلَى صَلاحِ أَنْفُسِنَا وَعَلَى الْعَمَلِ بِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا ، قَالَ اللَّهُ لَهُمَا : إِذَا عَمِلْتُمَا سُوءاً فَتُوبَا إِلَيَّ مِنْهُ أَتُبْ عَلَيْكُمَا وَأَنَا اللَّهُ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ .

قَالَ : فَأَهْبِطْنَا بِرَحْمَتِكَ إِلَى أَحَبِّ الْبِقَاعِ إِلَيْكَ ، قَالَ : فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ : أَنْ أَهْبِطْهُمَا إِلَى الْبَلْدَةِ الْمُبَارَكَةِ مَكَّةَ ، قَالَ : فَهَبَطَ بِهِمَا جَبْرَئِيلُ فَأَلْقَى آدَمَ عَلَى الصَّفَا ، وَأَلْقَى حَوَّاءَ عَلَى الْمَرْوَةِ ، قَالَ : فَلَمَّا أُلْقِيَا قَامَا عَلَى أَرْجُلِهِمَا وَرَفَعَا رُءُوسَهُمَا إِلَى السَّمَاءِ وَضَجَّا بِأَصْوَاتِهِمَا بِالْبُكَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَخَضَعَا بِأَعْنَاقِهِمَا ، قَالَ : فَهَتَفَ اللَّهُ

ص: 285


1- في نسخة : بنعمة منّي عليك .

بِهِمَا : مَا يُبْكِيكُمَا بَعْدَ رِضَايَ عَنْكُمَا ؟ قَالَ : فَقَالا : رَبَّنَا أَبْكَتْنَا خَطِيئَتُنَا ، وَهِيَ أَخْرَجَتْنَا عَنْ جِوَارِ رَبِّنَا ، وَقَدْ خَفِيَ عَنَّا تَقْدِيسُ مَلائِكَتِكَ لَكَ رَبَّنَا ، وَبَدَتْ لَنَا عَوْرَاتُنَا وَاضْطَرَّنَا ذَنْبُنَا إِلَى حَرْثِ الدُّنْيَا وَمَطْعَمِهَا وَمَشْرَبِهَا ، وَدَخَلَتْنَا وَحْشَةٌ شَدِيدَةٌ لِتَفْرِيقِكَ بَيْنَنَا ، قَالَ : فَرَحِمَهُمَا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ عِنْدَ ذَلِكَ وَأَوْحَى إِلَى جَبْرَئِيلَ : أَنَا اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، وَأَنِّي قَدْ رَحِمْتُ آدَمَ وَحَوَّاءَ لِمَا شَكَيَا إِلَيَّ فَاهْبِطْ عَلَيْهِمَا بِخَيْمَةٍ مِنْ خِيَامِ الْجَنَّةِ ، وَعَزِّهِمَا(1) عَنِّي بِفِرَاقِ الْجَنَّةِ ، وَاجْمَعْ بَيْنَهُمَا فِي الْخَيْمَةِ فَإِنِّي قَدْ رَحِمْتُهُمَا لِبُكَائِهِمَا وَوَحْشَتِهِمَا وَوَحْدَتِهِمَا ، وَانْصِبْ لَهُمَا الْخَيْمَةَ عَلَى التُّرْعَةِ(2) الَّتِي بَيْنَ جِبَالِ مَكَّةَ ، قَالَ وَالتُّرْعَةُ مَكَانُ الْبَيْتِ وَقَوَاعِدِهِ الَّتِي رَفَعَتْهَا الْمَلائِكَةُ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ عَلَى آدَمَ بِالْخَيْمَةِ عَلَى مِقْدَارِ أَرْكَانِ الْبَيْتِ(3) وَقَوَاعِدِهِ فَنَصَبَهَا ، قَالَ : وَأَنْزَلَ جَبْرَئِيلُ آدَمَ مِنَ الصَّفَا وَأَنْزَلَ حَوَّاءَ مِنَ الْمَرْوَةِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْخَيْمَةِ ، قَالَ : وَكَانَ عَمُودُ الْخَيْمَةِ قَضِيبَ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ فَأَضَاءَ نُورُهُ وَضَوْؤُهُ جِبَالَ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا ، قَالَ : وَامْتَدَّ ضَوْءُ الْعَمُودِ(4) فَجَعَلَهُ اللَّهُ حَرَماً فَهُوَ مَوَاضِعُ الْحَرَمِ الْيَوْمَ ، كُلُّ نَاحِيَةٍ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ ضَوْءُ الْعَمُودِ فَجَعَلَهُ اللَّهُ حَرَماً لِحُرْمَةِ الْخَيْمَةِ وَالْعَمُودِ لِأَنَّهُمَا مِنَ الْجَنَّةِ(5) ، قَالَ : وَلِذَلِكَ جَعَلَ اللَّهُ الْحَسَنَاتِ فِي الْحَرَمِ مُضَاعَفَةً وَالسَّيِّئَاتِ فِيهِ مُضَاعَفَةً ، قَالَ : وَمُدَّتْ أَطْنَابُ الْخَيْمَةِ حَوْلَهَا فَمُنْتَهَى أَوْتَادِهَا مَا حَوْلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، قَالَ : وَكَانَتْ أَوْتَادُهَا مِنْ غُصُونِ الْجَنَّةِ ، وَأَطْنَابُهَا

ص: 286


1- عزى الرجل : سلاه .
2- الترعة : الروضة والباب ، ويقال : الدرجة . « الصحاح - ترع - 3 : 1191 » .
3- في البرهان : على مكان أركان البيت .
4- في البرهان : وكلما امتدّ ضوء العمود اه .
5- في نسخة وفي البرهان : لأنهنّ من الجنّة .

مِنْ ظَفَائِرِ(1) الْأُرْجُوَانِ(2) قَالَ : فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ : أَهْبِطْ عَلَى الْخَيْمَةِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَحْرُسُونَهَا مِنْ مَرَدَةِ الْجِنِّ ، وَيُؤْنِسُونَ آدَمَ وَحَوَّاءَ ، وَيَطُوفُونَ حَوْلَ الْخَيْمَةِ تَعْظِيماً لِلْبَيْتِ وَالْخَيْمَةِ ، قَالَ : فَهَبَطَتِ الْمَلائِكَةُ فَكَانُوا بِحَضْرَةِ(3) الْخَيْمَةِ يَحْرُسُونَهَا مِنْ مَرَدَةِ الشَّيَاطِينِ وَالْعُتَاةِ ، وَيَطُوفُونَ حَوْلَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ وَالْخَيْمَةِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَمَا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي السَّمَاءِ حَوْلَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ، قَالَ : وَأَرْكَانُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ فِي الْأَرْضِ حِيَالَ(4) الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ الَّذِي فِي السَّمَاءِ .

قَالَ : ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى جَبْرَئِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ : أَنِ اهْبِطْ إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ فَنَحِّهِمَا عَنْ مَوَاضِعِ قَوَاعِدِ بَيْتِي فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَهْبِطَ فِي ظِلالٍ مِنْ مَلائِكَتِي إِلَى أَرْضِي فَأَرْفَعَ أَرْكَانَ بَيْتِي لِمَلائِكَتِي وَلِخَلْقِي مِنْ وُلْدِ آدَمَ ، قَالَ : فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ عَلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ فَأَخْرَجَهُمَا مِنَ الْخَيْمَةِ وَنَحَّاهُمَا عَنْ تُرْعَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَنَحَّى الْخَيْمَةَ عَنْ مَوْضِعِ التُّرْعَةِ ، قَالَ : وَوَضَعَ آدَمَ عَلَى الصَّفَا ، وَوَضَعَ حَوَّاءَ عَلَى الْمَرْوَةِ ، وَرَفَعَ الْخَيْمَةَ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ آدَمُ وَحَوَّاءُ : يَا جَبْرَئِيلُ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ حَوَّلْتَنَا وَفَرَّقْتَ بَيْنَنَا أَمْ بِرِضًى تَقْدِيراً مِنَ اللَّهِ عَلَيْنَا ؟ فَقَالَ لَهُمَا : لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ سَخَطاً مِنَ اللَّهِ عَلَيْكُمَا ، وَلَكِنَّ اللَّهَ لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ، يَا آدَمُ : إِنَّ السَّبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ الَّذِينَ أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ إِلَى الْأَرْضِ لِيُؤْنِسُوكَ وَيَطُوفُونَ حَوْلَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ وَالْخَيْمَةِ سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَبْنِيَ لَهُمْ

ص: 287


1- هكذا في النسخ وفي البرهان ولعلّه مصحف « ضغائر » . راجع بيان المصنّف .
2- الأرجوان : شجر من الفصيلة القرنية ، له زهر شديد الحمرة حسن المنظر . « المعجم الأوسط - ارج - 1/13 » .
3- الحضرة بالتثليث : الجنب . القرب . الفناء .
4- الحيال : قبالة الشي ء . « معجم الوسيط - حال - 1/209 » .

مَكَانَ الْخَيْمَةِ بَيْتاً عَلَى مَوْضِعِ التُّرْعَةِ الْمُبَارَكَةِ(1) حِيَالَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ فَيَطُوفُونَ حَوْلَهُ كَمَا كَانُوا يَطُوفُونَ فِي السَّمَاءِ حَوْلَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ : أَنْ أُنَحِّيَكَ وَحَوَّاءَ وَأَرْفَعَ الْخَيْمَةَ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ آدَمُ : رَضِينَا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ وَنَافِذِ أَمْرِهِ فِينَا ، فَكَانَ آدَمُ عَلَى الصَّفَا وَحَوَّاءُ عَلَى الْمَرْوَةِ ، قَالَ : فَدَخَلَ آدَمَ لِفِرَاقِ حَوَّاءَ وَحْشَةٌ شَدِيدَةٌ وَحُزْنٌ قَالَ : فَهَبَطَ مِنَ الصَّفَا يُرِيدُ الْمَرْوَةَ شَوْقاً إِلَى حَوَّاءَ وَلِيُسَلِّمَ عَلَيْهَا وَكَانَ فِيمَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَادٍ وَكَانَ آدَمُ يَرَى الْمَرْوَةَ مِنْ فَوْقِ الصَّفَا ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى مَوْضِعِ الْوَادِي غَابَتْ عَنْهُ الْمَرْوَةُ فَسَعَى فِي الْوَادِي حَذَراً لِمَا لَمْ يَرَ الْمَرْوَةَ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ ضَلَّ عَنْ طَرِيقِهِ ، فَلَمَّا أَنْ جَازَ الْوَادِيَ وَ ارْتَفَعَ عَنْهُ نَظَرَ إِلَى الْمَرْوَةِ فَمَشَى حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَرْوَةِ فَصَعِدَ عَلَيْهَا فَسَلَّمَ عَلَى حَوَّاءَ ، ثُمَّ أَقْبَلا بِوَجْهِهِمَا نَحْوَ مَوْضِعِ التُّرْعَةِ يَنْظُرَانِ هَلْ رُفِعَ قَوَاعِدُ الْبَيْتِ وَيَسْأَلانِ اللَّهَ أَنْ يَرُدَّهُمَا إِلَى مَكَانِهِمَا حَتَّى هَبَطَ مِنَ الْمَرْوَةِ فَرَجَعَ إِلَى الصَّفَا فَقَامَ عَلَيْهِ وَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ نَحْوَ مَوْضِعِ التُّرْعَةِ فَدَعَا اللَّهَ ، ثُمَّ إِنَّهُ اشْتَاقَ إِلَى حَوَّاءَ فَهَبَطَ مِنَ الصَّفَا يُرِيدُ الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الصَّفَا فَفَعَلَ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ، ثُمَّ إِنَّهُ هَبَطَ مِنَ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ فَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْمَرَّتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ(2) ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الصَّفَا فَقَامَ عَلَيْهِ وَدَعَا اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ حَوَّاءَ ، قَالَ : فَكَانَ ذَهَابُ آدَمَ مِنَ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ وَرُجُوعُهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْوَاطٍ ، فَلَمَّا أَنْ دَعَيَا اللَّهَ وَبَكَيَا إِلَيْهِ وَسَأَلاهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا

ص: 288


1- في البرهان : على طول مواضع الترعة المباركة .
2- في البرهان : وأقبل بوجهه نحو موضع الترعة فدعا ، ثمّ انّه اشتاق إلى حوّاء فهبط من الصفا يريد المروة ففعل مثل ما فعل في المرّتين الأوليّين ، ولم يزد على ذلك .

اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُمَا مِنْ سَاعَتِهِمَا مِنْ يَوْمِهِمَا ذَلِكَ مَعَ زَوَالِ الشَّمْسِ ، فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ وَهُوَ عَلَى الصَّفَا وَاقِفٌ يَدْعُو اللَّهَ مُقْبِلاً بِوَجْهِهِ نَحْوَ التُّرْعَةِ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام : انْزِلْ يَا آدَمُ مِنَ الصَّفَا فَالْحَقْ بِحَوَّاءَ ، فَنَزَلَ آدَمُ مِنَ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ فَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الثَّلاثِ الْمَرَّاتِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَرْوَةِ فَصَعِدَ عَلَيْهَا وَأَخْبَرَ حَوَّاءَ بِمَا أَخْبَرَهُ جَبْرَئِيلُ عليه السلام فَفَرِحَا بِذَلِكَ فَرَحاً شَدِيداً وَحَمِدَا اللَّهَ وَشَكَرَاهُ ، فَلِذَلِكَ جَرَتِ السُّنَّةُ بِالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ : « إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما »(1) .

قَالَ : ثُمَّ إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَاهُمَا فَأَنْزَلَهُمَا مِنَ الْمَرْوَةِ وَأَخْبَرَهُمَا أَنَّ الْجَبَّارَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ هَبَطَ إِلَى الْأَرْضِ فَرَفَعَ قَوَاعِدَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ بِحَجَرٍ مِنَ الصَّفَا ، وَحَجَرٍ مِنَ الْمَرْوَةِ وَحَجَرٍ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ(2) وَحَجَرٍ مِنْ جَبَلِ السَّلامِ وَهُوَ ظَهْرُ الْكُوفَةِ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ أَنِ ابْنِهِ وَأَتِمَّهُ ، قَالَ : فَاقْتَلَعَ جَبْرَئِيلُ الْأَحْجَارَ الْأَرْبَعَةَ بِأَمْرِ اللَّهِ مِنْ مَوَاضِعِهِنَّ بِجَنَاحَيْهِ فَوَضَعَهُمَا حَيْثُ أَمَرَهُ اللَّهُ فِي أَرْكَانِ الْبَيْتِ عَلَى قَوَاعِدِهِ الَّتِي قَدَّرَهَا الْجَبَّارُ وَنَصَبَ أَعْلامَهَا ، ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ : أَنِ ابْنِهِ وَأَتْمِمْهُ بِحِجَارَةٍ مِنْ أَبِي قُبَيْسٍ(3) وَاجْعَلْ لَهُ بَابَيْنِ : بَابَ شَرْقيٍّ ، وَبَابَ غَرْبِيٍّ ، قَالَ : فَأَتَمَّهُ جَبْرَئِيلُ ، فَلَمَّا انْفَرَغَ مِنْهُ طَافَتِ الْمَلائِكَةُ حَوْلَهُ فَلَمَّا نَظَرَ آدَمُ وَحَوَّاءُ إِلَى الْمَلائِكَةِ يَطُوفُونَ حَوْلَ الْبَيْتِ انْطَلَقَا فَطَافَا بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ ، ثُمَّ خَرَجَا يَطْلُبَانِ مَا يَأْكُلانِ وَذَلِكَ

ص: 289


1- سورة البقرة : 158 .
2- طور سيناء : وهو اسم جبل بقرب ايلة ، وعنده بليد ، فتح في زمن النبي صلى الله عليه وآله وما أظنّه إلّا كورة مصر ، وقال الجوهري : طور سينا جبل بالشام « معجم البلدان : 4/48 » .
3- أبو قبيس : وهو اسم الجبل المشرف على مكّة . « معجم البلدان : 1/80 » .

مِنْ يَوْمِهِمَا الَّذِي هَبَطَ بِهِمَا فِيهِ»(1) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام في رواية طويلة ، قال عليه السلام : « فلما بلغ إسماعيل مبلغ الرجال امر اللَّه إبراهيم عليه السلام ان يبني البيت ، فقال : يا ربّ في أيّ بقعة ؟ قال : في البقعة التي انزلت على آدم القبة ، فاضاء لها الحرم ، فلم تزل القبة التي انزلها اللَّه على آدم قائمة حتى كان ايام الطوفان ايام نوح عليه السلام ، فلمّا غرقت الدنيا رفع اللَّه تلك القبة وغرقت الدنيا إلّا موضع البيت ، فسمّيت البيت العتيق لأنه اعتق من الغرق ، فلمّا امر اللَّه عزوجل إبراهيم عليه السلام ان يبني البيت ولم يدر في أي مكان يبنيه فبعث اللَّه جبرئيل عليه السلام فخط له موضع البيت فانزل اللَّه عليه القواعد من الجنة ، وكان الحجر الذي انزله اللَّه على آدم اشد بياضاً من الثلج فلمّا لمسته ايدى الكفار اسود ، فبنى إبراهيم البيت ، ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى فرفعه إلى السماء تسعة اذرع ثم دله على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيم عليه السلام ووضعه في موضعه » الحديث(2) .

وروى أبوبصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « ان آدم عليه السلام هو الذي بني البيت ووضع اساسه وأول من كساه الشعر واول من حج إليه» الحديث(3) .

إلّا ان المستفاد من بعض الروايات الاخر كان قبل آدم هناك بيت كان يطوف به الملائكة فلما هبط آدم إلى الأرض أمر بطوافه ، ويؤيده ما رواه الصدوق رحمه الله عن بكير بن اعين عن أخيه زرارة قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : جعلني اللَّه فداك ،

ص: 290


1- بحار الأنوار : 11/182 ، ح 36 ؛ تفسير العيّاشي 1/35 ، ح 21 .
2- تفسير القمي : 1/61 ؛ بحار الأنوار : 96/38 ، ح 15 .
3- من لا يحضره الفقيه : 2/235 ، ح 2286 ؛ وسائل الشيعة : 13/208 ، ح 17578.

أسألك في الحج منذ اربعين عاماً فتفتيني ، فقال : « يا زرارة بيت يحجّ قبل آدم عليه السلام بالفى عام تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاماً»(1) .

وقال الصادق عليه السلام : « لما افاض آدم عليه السلام من منى تلقّته الملائكة بالابطح فقالوا : يا آدم برَّ حَجُّك ، أما انّا قد حججنا هذا البيت قبل ان تحجّه بالفى عام»(2) .

اشارة إلى بعض المشاعر العظام كالحجر والمقام

قال تعالى : « فيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ »(3) .

اما الحجر

قال الصدوق رحمه الله : وانما يقبّل الحجر ويستلم ليؤدِّي إلى اللَّه عزوجل العهد الذي اخذ عليهم في الميثاق ، وانما وضع اللَّه عزوجل الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يضعه في غيره لأنّه تبارك وتعالى حين اخذ الميثاق اخذه في ذلك المكان ، وجرت السنة بالتكبير واستقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفا ، لانّه لمّا نظر آدم عليه السلام من الصفا وقد وضع الحجر في الركن كبّر اللَّه عزوجلّ وهلّله ومجّده .

وانما جعل الميثاق في الحجر لان اللَّه عزوجلّ لمّا اخذ الميثاق له بالربوبيّة ولمحمّد صلى الله عليه وآله بالنبوّة ولعلي عليه السلام بالوصيّة اصطكت فرائص الملائكة وأوّل من اسرع إلى الاقرار بذلك الحجر . فلذلك اختاره اللَّه عزوجلّ والقمه الميثاق وهو يجي ء

ص: 291


1- من لا يحضره الفقيه : 2/519 ، ح 3111 ، باب نوادر الحج ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة 11/12 ح 14118 - 12 .
2- من لا يحضره الفقيه : 2/230 ، ح 2275 ؛ الكافي : 4/194 ، ح 4 .
3- آل عمران : 97 .

يوم القيامة وله لسان ناطق وعين ناظرة يشهد لكل من وافاه إلى ذلك المكان وحفظ الميثاق وانما اخرج الحجر من الجنة ليذكر آدم ما نَسىَ من العهد والميثاق ، انتهى(1) .

وتفصيل ما ذكره هنا ما رواه باسناده عن بكير بن أعين قال : قال لي أبوعبداللَّه عليه السلام : هل تدري ما كان الحجر ؟ قال : قلت : لا .

قال عليه السلام : « كان ملكاً عظيماً من عظماء الملائكة عند اللَّه تعالى ، فلمّا أخذ اللَّه من الملائكة الميثاق كان أوّل من آمن به واقرّ ذلك الملك فاتّخذه اللَّه اميناً على جميع خلقه فألقمه الميثاق وأودعه عنده واستعبد الخلق ان يجدّدوا عنده في كل سنةٍ الاقرار بالميثاق والعهد الذي أخذ اللَّه به عليهم ثمّ جعله اللَّه مع آدم في الجنة يذكره الميثاق ويجدّد عنده الاقرار في كلّ سنة فلمّا عصى آدم فاخرج من الجنة انساه اللَّه العهد والميثاق الذي اخذ اللَّه عليه وعلى ولده لمحمد ووصيّه ، وجعله باهتا حيران ، فلمّا تاب على آدم حوّل ذلك الملك في صورة درّة بيضاء ، فرماه من الجنة إلى آدم وهو بارض الهند ، فلمّا رآه أنس إليه وهو لا يعرفه بأكثر من انه جوهرة فانطقها اللَّه عزوجلّ ، فقال : يا آدم أتعرفني ؟ قال : لا . قال : أجل ، استحوذ عليك الشيطان فأنساك ذكر ربّك وتحوّل إلى الصورة التي كان بها في الجنة مع آدم فقال لآدم : أين العهد والميثاق ؟ فوثب إليه آدم وذكر الميثاق وبكى وخضع له وقبّله وجدّر الاقرار بالعهد والميثاق . ثم حوّله اللَّه تعالى إلى جوهر الحجر درّة بيضاء صافية تضي ء فحمله آدم على عاتقه اجلالاً له وتعظيماً فكان إذا أعيا حمله عنه جبرئيل حتى وافي به مكة ، فما زال يأنس به بمكة ويجدّد الاقرار له كل يوم

ص: 292


1- من لا يحضره الفقيه : 2/191 - 192 .

وليلة ، ثم ان اللَّه تعالى لما اهبط جبرئيل إلى أرضه وبنى الكعبة هبط إلى ذلك المكان بين الركن والباب وفي ذلك المكان ترائَى لآدم حين أخذ الميثاق ، وفي ذلك الموضع القم الملك الميثاق فلتلك العلة وضع في ذلك الركن ونحى آدم من مكان البيت إلى الصفا ، وحواء إلى المروة فاخذ اللَّه الحجر فوضعه بيده في ذلك الركن فلمّا أن نظر آدم من الصفا وقد وضع الحجر في الركن كبّر اللَّه وهلّله ومجّده ، فلذلك جرت السنة بالتكبير في استقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفا ، وانّ اللَّه عزوجل أودعه العهد والميثاق وألقمه إياه دون غيره من الملائكة ، لأنّ اللَّه تعالى لمّا اخذ الميثاق له بالربوبيّة ولمحمّد بالنبوّة ولعليّ عليه السلام بالوصية اصطكت فرائص الملائكة ، وأول من أسرع إلى الإقرار بذلك الملك ولم يكن فيهم اشدّ حبّاً لمحمد وآل محمد منه ، فلذلك اختاره اللَّه تعالى من بينهم وألقمه الميثاق فهو يجي ء يوم القيامة وله لسان ناطق وعين ناظرة ليشهد لكلّ من وافاه إلى ذلك المكان وحفظ الميثاق»(1) .

الحجر الأسود يضر و ينفع

ان عمر قبّل الحجر ثم قال : اني لَأَعْلَمُ انك حجر ، لا تضر ولا تنفع ، ولولا اني رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقبلك لما قبّلتك ، فقال علي عليه السلام : بل هو يضر وينفع . فقال : وكيف ؟ قال : إن اللَّه تعالى لما اخذ الميثاق على الذرية كتب اللَّه عليهم كتاباً ثم القمه هذا الحجر فهو يشهد للمؤمن بالوفاء ويشهد على الكافر بالجحود(2) .

ص: 293


1- علل الشرايع : 2/430 - 431 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار 26/269 ، ح 6 .
2- المناقب : 2/363 ؛ بحار الأنوار : 40/229 .

وفي بعض الاخبار : ان الحجر لا يستقر مكانه إلّا ان يضعه نبيّ أو إمام ، مرّ ان اوّل وضعه في موضعه كان من آدم : عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : ان آدم عليه السلام هو الذي بني البيت ووضع اساسه(1) ثم من إبراهيم عليه السلام حيث انه لما بني البيت وانتهى إلى موضع الحجر قال ابوجعفر عليه السلام : فنادى أبو قبيس إبراهيم عليه السلام : انّ لك عندي وديعة فاعطاه الحجر فوضعه موضعه(2) .

وعند ما هدمت قريش الكعبة من جهة السيل الذي كان يأتيهم من أعلى مكة فيدخلها وانصدعت ، وضعه النبي صلى الله عليه وآله في موضعه(3) وعند ما هدّمها الحجاج على ابن الزبير ثم بناها وفرغ من بنائها سأل علي بن الحسين عليه السلام ان يضع الحجر في موضعه ، فأخذه ووضعه في موضعه(4) .

وفي زمن القرامطة حيث خربوا الكعبة ونقلوا الحجر إلى مسجد الكوفة ثم ردوه إلى موضعه ونصبه القائم عليه السلام بحيث لم يعرفه الناس(5) .

وفي « الفقيه » : وكان اشدّ بياضاً من اللبن فاسودّ من خطايا بني آدم ولولا مامسه من ارجاس الجاهلية ما مسه ذوعاهة إلّا برء(6) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام : وكان الحجر الذي انزله اللَّه على آدم اشدّ بياضاً من الثلج فلما لمسته أيدى الكفار اسودّ(7) .

ص: 294


1- من لا يحضره الفقيه 2/235 ، ح 2286 ؛ وسائل الشيعة : 13/208 ، ح 17578 .
2- الكافي : 4/205 ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة : 13/212 ، ح 17583 .
3- الكافي : 4/217 ، ح 4 .
4- من لا يحضره الفقيه : 2/247 ، ح 26 = 2321 ؛ وسائل الشيعة : 13/216 ، ح 17592 .
5- بحار الأنوار : 97/390 .
6- من لا يحضره الفقيه : 2/192 .
7- تفسير القمي : 1/62 ؛ بحار الأنوار : 12/99 ، ح 6 .

واما المقام

قال تعالى : « فيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهيمَ »(1) . قال زرارة بن أعين لأبي جعفر عليه السلام : ادركت الحسين عليه السلام قال : نعم ، اذكروانا معه في المسجد الحرام وقد دخل فيه السيل والناس يتخوّفون على المقام ، يخرج الخارج فيقول : قد ذهب به السيل ، ويدخل الداخل فيقول : هو مكانه ، قال : فقال : يا فلان ما يصنع هؤلاء ؟ فقلت : اصلحك اللَّه ، يخافون ان يكون السيل قد ذهب بالمقام ، قال : ان اللَّه عزوجلّ قد جعله عَلَماً لم يكن ليذهب به فاستقروا ، وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام ، عند جدار البيت فلم يزل هناك حتى حوّله اهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم ، فلمّا فتح النبيّ صلى الله عليه وآله مكة ردّه إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه السلام ، فلم يزل هناك إلى أن ولي عمر فسأل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام ؟ فقال له رجل : أنا قد كنت اخذت مقداره بنسح فهو عندي ، فقال : ائتني به ، فاتاه فقاسه ثم ردّه إلى ذلك المكان(2) .

علة وصف البيت بالحرام

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : حرّم المسجد لعلّة الكعبة وحرم الحرم لعلة المسجد ووجب الاحرام لعلة الحرم(3) .

وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة : ان اللَّه تبارك وتعالى حرّم مكة يوم خلق

ص: 295


1- آل عمران : 97 .
2- من لا يحضره الفقيه : 2/243 ، ح 13 = 2308 ؛ الكافي 4/223 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 31/33 .
3- علل الشرايع : 2/415 ، باب 156 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 96/134 ، ح 5 .

السماوات والأرض ، فهي حرام إلى ان تقوم الساعة لم تحلّ لأحد قبلي ولا تحلّ لاحد من بعدي ، ولم تحلّ لي إلّا ساعة من النّهار(1) .

وعن حنان قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : لم سمّي بيت اللَّه الحرام ؟ قال : لأنه حرام على المشركين ان يدخلوه(2) .

قال في « البحار » : ووصفه بالمحرم لأنّه لا يستطيع احد الوصول إليه إلّا بالاحرام ، وقيل لأنه حرم فيه ما احل في غيره من البيوت من الجماع والملابسة بشي ء من الاقذار(3) .

علّة وصفه بالعتيق

في قوله تعالى : « وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتيقِ »(4) فاما من جهة انه عتيق من الناس :

عن ابان بن عثمان عمن اخبره عن أبي جعفر عليه السلام : قال : قلت له : لم سمّي البيتُ العتيق ؟ قال : هو بيت حرّ عتيق من الناس لم يملكه احدٌ(5) .

واما انه عتيق وقديم : عن أبي جعفر عليه السلام : فأول بقعة خلقت من الأرض الكعبة ثم مدّت الأرض منها(6) واما انه عتيق من الغرق والطوفان : عن أبي عبداللَّه عليه السلام

ص: 296


1- من لا يحضره الفقيه : 2/245 ، ح 19 = 2314 ؛ الكافي : 4/226 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 21/135 ، ح 27 .
2- علل الشرايع : 2/398 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 96/59 ، ح 20.
3- بحار الأنوار : 12/89 .
4- الحج : 29 .
5- الكافي : 4/189 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 96/59 ، ح 16 .
6- من لا يحضره الفقيه : 2/241 ، ح 2296 .

في حديث طويل إلى ان قال : فلم تزل القبة التي انزلها اللَّه تعالى على آدم قائمة حتى كان ايام الطوفان ايام نوح عليه السلام ، فلمّا غرقت الدنيا رفع اللَّه تلك القبة وغرقت الدنيا إلّا موضع البيت ، فسمّيت البيت العتيق ، لأنه اعتق من الغرق(1) .

« وفي كشف الغمة » : وقد سئل ( جعفر بن محمد عليه السلام ) : لم سمي البيت العتيق ؟ فقال عليه السلام : لان اللَّه اعتقه من الطوفان(2) .

الاشارة إلى بعض اسمائه

عن أبي الحسن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : انّ اللَّه تبارك وتعالى اختار من البلدان أربعة ، فقال عزّوجلّ : « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سينينَ * وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمينِ »(3) التين : المدينة ، والزيتون : بيت المقدس ، وطور سينين : الكوفة وهذا البلد الأمين : مكّة(4) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : اسماء مكة خمسة : ام القرى ، ومكة ، وبكة ، والبساسة كانوا اذا ظلموا بها بستهم اي اخرجتهم واهلكتهم ، وأم رحم كانوا إذا لزموها رحموا(5) .

وسئل الشامي أميرالمؤمنين عليه السلام : لِمَ سمّيت مكّة أمّ القرى ؟ قال عليه السلام : « لأنّ

ص: 297


1- تفسير القمي 1/61 ؛ بحار الأنوار : 12/99 ، ح 6 ؛ مستدرك الوسائل : 9/323 ، ح 3 = 11010 .
2- كشف الغمة : 2/203 .
3- سورة والتين : 1 - 3 .
4- معاني الأخبار : 365 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 57/204 ، ح 2 .
5- الخصال : 1/278 ، ح 22 ؛ بحار الأنوار : 96/77 ، ح 5 .

الأرض دحيت من تحتها »(1) .

وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام : « سمّيت مكّة مكّة لأنّ الناس كانوا يمكون فيها وكان يقال لمن قصدها قد مكا ، وذلك قول اللَّه عزّوجلّ : « وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً »(2) فالمكاء التصفير والتصدية صفق اليدين »(3) .

المقام بمكّة مكروه

عن أبي عبداللَّه عليه السلام انّه كره المقام بمكّة وذلك انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله اخرج عنها والمقيم بها يقسو قلبه حتّى يأتي فيها ما يأتي في غيرها(4) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « إذا قضى أحدكم نسكه فليركب راحلته وليلحق بأهله ، فانّ المقام بمكّة يقسي القلب »(5) .

وعن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : « لا ينبغي للرجل أن يقيم بمكّة سنة » قلت : فكيف يصنع ؟ قال عليه السلام : « يتحوّل عنها إلى غيرها ، ولا ينبغي لأحد أن يرفع بناءه فوق الكعبة »(6) .

وعن أبي الحسن عليه السلام قال : « انّ عليّاً عليه السلام لم يبت بمكّة بعد إذ هاجر منها حتّى قبضه اللَّه عزّوجلّ إليه » قال : قلت له : ولِمَ ذاك ؟ قال عليه السلام : « يكره أن يبيت بأرض

ص: 298


1- علل الشرايع : 2/593ن ، ح 44 ؛ بحار الأنوار : 10/76 ، ح 1 .
2- سورة الأنفال : 35 .
3- علل الشرايع : 2/397 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 96/77 ، ح 6 .
4- روضة المتّقين : 4/22 ؛ بحار الأنوار : 96/80 ، ح 25 .
5- علل الشرايع : 2/446 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 96/81 ، ح 26 .
6- علل الشرايع : 2/446 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 96/81 ، ح 27 .

قد هاجر منها رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فكان يصلّي العصر ويخرج ويبيت بغيرها »(1) .

فضل مكّة

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « تسبيح بمكّة يعدل خراج العراقين(2) ينفق في سبيل اللَّه »(3) .

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « الساجد بمكّة كالمتشحّط بدمه في سبيل اللَّه »(4) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « كان علي بن الحسين عليه السلام يقول : النائم بمكّة كالمتشحّط في البلدان »(5) .

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « من ختم القرآن بمكّة لم يمت حتّى يرى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ويرى منزله في الجنّة »(6) .

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « من ختم القرآن بمكّة من جمعة إلى جمعة أو أقل من ذلك أو أكثر وختمه في يوم الجمعة كتب اللَّه من الأجر والحسنات من أوّل جمعة كانت في الدنيا إلى آخر جمعة تكون فيها ، وان ختمه في سائر الأيّام فكذلك(7) »(8) .

ص: 299


1- علل الشرايع : 2/452 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 41/107 ، ح 11 .
2- العراقين : البصرة والكوفة وحولهما .
3- المحاسن : 1/68 ، ح 131 ؛ بحار الأنوار : 96/82 ، ح 33 .
4- المحاسن : 1/68 ، ح 132 ؛ بحار الأنوار : 96/82 ، ح 34 .
5- المحاسن : 1/68 ، ح 133 ؛ بحار الأنوار : 96/82 ، ح 35 .
6- المحاسن : 1/69ن ، ح 134 ؛ بحار الأنوار : 96/82 ، ح 36 .
7- ولعلّ التعبير بهذا النحو للاشعار باختلاف مراتب الفضل وإن اشترك الكلّ في ذلك .
8- عدّة الداعي ونجاح الساعي : 288 ، ح 13 ؛ بحار الأنوار : 96/86 ، ح 48 .

وعن اسحاق بن زياد ( يزداد ) قال : أتى رجل أبا عبداللَّه عليه السلام فقال : انّي قد ضربت على كلّ شي ء لي ذهباً وفضّة وبعت ضياعي فقلت : أنزل مكّة ، فقال عليه السلام : « لا تفعل فانّ أهل مكّة يكفرون باللَّه جهرة » قال : ففي حرم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ؟ قال عليه السلام : « هم شرّ منهم » قال : فأينَ أنزل ؟ قال عليه السلام : « عليك بالعراق الكوفة ، فانّ البركة منها على اثني عشر ميلاً هكذا وهكذا ، وإلى جانبها قبر(1) ما أتاه مكروب قطّ ولا ملهوف إلّا فرّج اللَّه عنه »(2) .

البيت قبلة للانام

قال تعالى : « قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ »(3) .

قال الصدوق رحمه الله : وصلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله إلى البيت المقدس بعد النبوّة ثلاث عشرة سنة بمكة وتسعة عشر شهراً بالمدينة ، ثم عيّرته اليهود فقالوا له : انك تابع لقبلتنا فاغتمّ لذلك غمّاً شديداً فلمّا كان في بعض الليل خرج صلى الله عليه وآله يقلّب وجهه في آفاق السماء ، فلمّا اصبح صلّى الغداة ، فلمّا صلى من الظهر ركعتين جائه جبرئيل عليه السلام فقال له : « قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ » الآية(4) ثم اخذ بيد النبي صلى الله عليه وآله فحوّل وجهه إلى الكعبة وحوّل من خلفه وجوههم حتى قام الرجال مقام النساء والنساء مقام

ص: 300


1- والقبر هو قبر أميرالمؤمنين عليه السلام في النجف .
2- كامل الزيارات : 169 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار : 97/404 ، ح 60 .
3- البقرة : 144 .
4- البقرة : 144 .

الرجال فكان أوّل صلاته إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة ، وبلغ الخبر مسجداً بالمدينة وقد صلّى اهله من العصر ركعتين فحوّلوا نحو الكعبة ، فكانت أوّل صلاتهم إلى بيت المقدس وآخرها إلى الكعبة فسمّى ذلك المسجد مسجد القبلتين فقال المسلمون : صلاتنا إلى بيت المقدس تضيع يا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ؟ فانزل اللَّه عزّوجلّ : « وَما كانَ اللَّهُ لِيُضيعَ إيمانَكُمْ » يعني : صلاتكم إلى بيت المقدس ، قال الصدوق رحمه الله : وقد اخرجت الخبر في ذلك على وجهه في كتاب النبوّة(1) .

وفي « الاحتجاج » قال ابومحمد الحسن العسكري عليه السلام : لما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بمكة ، امره اللَّه تعالى ان يتوجه نحو بيت المقدس في صلاته ، ويجعل الكعبة بينه وبينها اذا امكن واذا لم يمكن استقبل بيت المقدس كيف كان ، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة . فلما كان بالمدينة - وكان متعبداْ باستقبال بيت المقدس - استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهراً أو ستة عشر شهراً وجعل قوم من مردة اليهود يقولون : واللَّه ما درى محمد كيف صلّى حتى صار يتوجه إلى قبلتنا ويأخذ في صلاته بهَدِْينا ونسكنا ، فاشتدّ ذلك على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لمّا اتصل به عنهم . وكره قبلتهم ، واحبّ الكعبة ، فجائه جبرئيل عليه السلام فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : يا جبرئيل لَوَددْتُ لو صرفني اللَّه عن بيت المقدس إلى الكعبة ، فقد تأذّيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم .

فقال جبرئيل عليه السلام : فاسأل ربّك ان يحوّلك إليها فإنّه لا يردّك عن طلبتك ولا يخيّبك من بغيتك . فلما استتمّ دعائه صعد جبرئيل عليه السلام ثم عاد من ساعته فقال : اقرء يا محمد : « قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ

ص: 301


1- من لا يحضره الفقيه : 1/274 ، ح 2 = 845 ؛ بحار الأنوار : 19/201 ، ح 6 .

وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ »(1) الآيات . فقالت اليهود : « ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتي كانُوا عَلَيْها »(2) فاجابهم اللَّه احسن جواب فقال : « قُلْ للَّهِ ِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ »(3) وهو يملكهما ، وتكليفه التحويل ( التحوّل ) إلى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر « يَهْدي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ »(4) وهو اعلم بمصلحتهم وتؤديهم طاعتهم إلى جنات النعيم(5) .

وفي « الاحتجاج » قال أبو محمد عليه السلام : وجاء قوم من اليهود إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقالوا : يا محمد صلى الله عليه وآله هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع عشرة سنة ، ثم تركتها الآن ، افحقّاً كان ما كنت عليه ؟ فقد تركته إلى باطل ، فانّ ما يخالف الحقّ الباطل ، أو باطلاً كان ذلك ؟ فقد كنت عليه طول هذه المدة ، فما يؤمننا ان تكون الآن على باطل ؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : بل ذلك كان حقّاً ، وهذا حقّ ، يقول اللَّه : « قُلْ للَّهِ ِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ »(6) . اذا عرف صلاحكم يا ايها العباد في استقبالكم المشرق امركم به ، واذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب امركم به ، وان عرف صلاحكم في غيرهما امركم به ، فلا تنكروا تدبير اللَّه تعالى في عباده وقصده إلى مصالحكم . ثم قال : [لهم] رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : لقد تركتم العمل يوم السبت ثم عملتم بعده [من ]سائر الأيام ، ثم تركتموه في السبت .

ص: 302


1- البقرة : 144 .
2- البقرة : 142 .
3- البقرة : 142 .
4- البقرة : 142 .
5- الاحتجاج : 1/73 ، ح 25 ؛ بحار الأنوار : 81/59 ، ح 12 .
6- بقره : 142 .

ثم عملتم بعده ، افتركتم الحق إلى الباطل أو الباطل إلى حق والباطل إلى باطل ؟ أو الحقّ إلى الحقّ ؟ قولوا كيف شئتم فهو قول محمد وجوابه لكم .

قالوا : بل ترك العمل في السبت حق والعمل بعده حق .

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق ، ثمّ قبلة الكعبة في وقته حق .

فقالوا له : يا محمد ، أفَبَدا لِرَبِّك فيما كان امرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حتى نقلك إلى الكعبة ؟

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : ما بدا له عن ذلك ، فانه العالم بالعواقب والقادر على المصالح ، لا يستدرك على نفسه غلطاً ولا يستحدث رأياً بخلاف المتقدم جلّ عن ذلك ، ولا يقع عليه أيضاً مانع يمنعه من مراده ، وليس يبدو إلّا لمن كان هذا وصفه ، وهو عزوجلّ يتعالى عن هذه الصفات علواً كبيراً .

ثم قال لهم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أيها اليهود اخبروني عن اللَّه ، أليس يُمْرِض ثم يُصحّ ؟ ويُصحّ ثمّ يُمْرِض ؟ أَبَدا له في ذلك ؟ أليس يحيى ويميت ؟ [أليس يأتي بالليل في أثر النهار والنهار في أثر الليل ؟] أَبَدا له في كلّ واحدٍ من ذلك ؟ قالوا : لا .

قال : فكذلك اللَّه ، تعبّد نبيّه محمداً بالصلاة إلى الكعبة بعد أن كان تعبّده بالصلاة إلى بيت المقدس ، وما بَدا له في الأول .

ثم قال : أليس اللَّه يأتي بالشّتاء في اثر الصّيف ، والصّيف في أثر الشتاء ؟ أَبَدا له في كل واحدٍ من ذلك ؟ قالوا : لا .

قال صلى الله عليه وآله : فكذلك لم يُبْد له في القبلة .

قال : ثم قال صلى الله عليه وآله : أليس قد الزمكم في الشتاء ان تحترزوا من البرد بالثياب

ص: 303

الغليظة ؟ والزمكم في الصّيف ان تحترزوا من الحرّ ؟ أَفَبَدا له في الصّيف حتى امركم بخلاف ما كان امركم به في الشتاء ؟ قالوا : لا .

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : فكذلكم اللَّه تعبّدكم في وقت لصلاح يعلمه بشي ء ، ثم تعبّدكم في وقت آخر لصلاحٍ ( بصلاح ) آخر يعلمه بشي ء آخر ، فاذا اطعتم اللَّهَ في الحالتين استحققتم ثوابه ، فانزل اللَّه تعالى : « وَللَّهِ ِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ »(1) ، اي إذا توجّهتم بامره فثمّ الوجه الذي تقصدون منه اللَّه وتأملون ثوابه .

ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : يا عباد اللَّه ، انتم كالمرضى ، واللَّه ربّ العالمين كالطبيب ، فصلاح المرضى فيما يعمله الطبيب ويدبره به ، لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه ، ألا فسلّموا للَّهِ أمره ، تكونوا من الفائزين .

فقيل [له] يا بن رسول اللَّه ، فلم امر بالقبلة الأولى ؟ فقال : لما قال اللَّه تعالى : « وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتي كُنْتَ عَلَيْها »(2) - وهي بيت المقدس - « إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ »(3) إلّا لنعلم ذلك منه وجوداً بعد ان علمناه سيوجد .

وذلك انّ هوى اهل مكة كان في الكعبة ، فاراد اللَّه ان يبيّن متّبعي محمدٍ ممن خالفه باتباع القبلة التي كرهها ، ومحمدٌ يأمر بها ، ولمّا كان هوى اهل المدينة في بيت المقدس امرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليبيّن من يوافق محمداً فيما

ص: 304


1- سورة البقرة : 115 .
2- سورة البقرة : 143 .
3- سورة البقرة : 143 .

يكرهه ، فهو مصدّقه وموافقه . ثم قال : « وَإِنْ كانَتْ لَكَبيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذينَ هَدَى اللَّهُ »(1) أي كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت كبيرة إلّا على من يهدى اللَّه ، فعرف أنّ اللَّه يتعبّد بخلاف ما يريده المرء ليبتلي طاعته في مخالفة هواه(2) .

ابتلاء خلق الناس بالكعبة

عن عيسى بن يونس قال : كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد ، فقيل له : تركتَ مذهب صاحبك ودخلت فيما لا اصل له ولا حقيقة ؟

قال : ان صاحبي كان مخلّطاً ، يقول طوراً بالقَدَر وطوراً بالجبر ، فما أعلمه اعتقد مذهباً دام عليه ، فقدم مكة متمرّداً ، وانكاراً على من يحجّه ، وكان تكره العلماء مجالسته لخبث لسانه وفساد ضميره ، فاتى ابا عبداللَّه عليه السلام فجلس إليه في جماعة من نظرائه .

فقال : يا اباعبداللَّه ان المجالس بالامانات ، ولابدّ لكل من به سعال ان يسعل ، أفَتَأْذنُ لي في الكلام ؟ فقال : تكلَّم .

فقال : إلى كم تدوسون هذا البيدر ، وتلوذون بهذا الحجر ، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر ، وتهرولون حوله كهرولة البعير إذا نفر ، إن من فكّر في هذا وقدّر علم انّ هذا فعل أسّسَه غير حكيم ولا ذى نظر ، فقل فانّك رأس هذا الأمر وسنامه ، وابوك اُسّه ونظامه .

ص: 305


1- سورة البقرة : 143 .
2- الاحتجاج : 1/76 ، ح 25 ؛ بحار الأنوار : 4/105 ، ح 18 .

فقال ابوعبداللَّه عليه السلام : انّ من أضلّه اللَّه وأعمى قبله استوخم الحق ولم يستعذ به وصار الشيطان وليَّه ، يورده مناهل الهلكة ثمّ لا يصدره ، وهذا بيت استعبد اللَّه به عباده ليختبر طاعتهم في اتيانه ، فحثم على تعظيمه وزيارته ، وجعله محلّ انبيائه وقبلةً للمصلّين له ، فهو شعبة من رضوانه ، وطريق يؤدّي إلى غفرانه ، منصوب على استواءِ الكمال ، ومجتمع العظمة والجلال ، خلقه اللَّه قبل دحو الأرض بالفي عام .

فأحقّ من اطيع فيما أمر وانتهى عما نهى عنه وزجر ، اللَّهُ الْمُنْشئ للأرواح والصّور(1) .

يَرِدُونَهُ وُرُودَ الْأَنْعَامِ

شبّه عليه السلام ورود الحاج على البيت الحرام بورود الانعام على الماء للشرب ، ووجه الشبه الاجتماع والتزاحم ، ومن ذلك سمّى ببكة .

قال القمي رحمه الله : وقوله : « إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ »(2) قال : معنى بكة ان الناس يبك بعضهم بعضاً في الرخام(3) .

وعن الحلبي قال : سألت اباعبداللَّه عليه السلام لم سمّيت مكة بكة ؟ قال : لا ن الناس يبك بعضهم بعضاً فيها بالايدي(4) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « إنّما سمّيت مكّة بكّة لأنّ الناس يتباكون فيها »(5) .

وعن عبداللَّه بن سنان قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام لِمَ سمّيت الكعبة بكّة ؟ فقال عليه السلام : « لبكاء الناس حولها وفيها »(6) .

ص: 306


1- الكافي : 4/197 ، ح 1 ؛ الاحتجاج : 2/198 ، ح 218 ؛ بحار الأنوار : 3/33 ، ح 7 .
2- سورة آل عمران : 96 .
3- تفسير القمي : 1/108 .
4- علل الشرايع : 2/398 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 96/79 ، ح 14 .
5- علل الشرايع : 2/397 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 96/78 ، ح 7 .
6- علل الشرايع : 2/397 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 96/78 ، ح 8 .

وفي « الفقيه » روى ان الكعبة شكت إلى اللَّه عزوجل في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات اللَّه عليهما ، فقالت : يا ربّ مالي قلّ زوّاري ما لي قلّ عُوّادي ، فأوحى اللَّه جل جلاله اليها انّي منزل نوراً جديداً على قوم يحنّون إليك كما تَحِنُّ الانعام إلى أولادها ويزفّون إليك كما تزف النسوان إلى أزواجها يعني امة محمد صلى الله عليه وآله(1) .

جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلامَةً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ وَإِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ

عن محمد بن سنان ان اباالحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله : ان علة الحج الوفادة إلى اللَّه تعالى وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف وليكون تائباً مما مضى ، مستأنفا لما يستقبل ، وما فيه من استخراج الاموال وتعب الابدان وحظرها عن الشهوات واللذات ، والتقرب في العبادة إلى اللَّه عزوجل ، والخضوع والاستكانة والذل شاخصاً في الحر والبرد ، والامن والخوف دائباً في ذلك دائماً ، وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع والرغبة ، والرهبة إلى اللَّه سبحانه وتعالى ، ومنه ترك قساوة القلب و خساسة الانفس ، ونسيان الذكر ، وانقطاع الرجاء والامل ، وتجديد الحقوق ، وحظر الانفس عن الفساد ، ومنفعة من في المشرق والمغرب ، ومن في البر والبحر ممن

ص: 307


1- من لا يحضره الفقيه : 2/244 ، ح 2310 ؛ وسائل الشيعة : 11/22 ، ح 14143 .

يحج وممن لا يحج من تاجر وجالب وبائع و مشتري وكاسب ومسكين ، وقضاء حوائج أهل الأطراف والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها كذلك ليشهدوا منافع لهم ، وعلة فرض الحج مرّة واحدة لأنّ اللَّه تعالى وضع الفراض على ادنى القوم قوة ، فمن تلك الفرائض الحج المفروض واحد ثم رغب أهل القوة على قدر طاعتهم(1) .

وَ اخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَيْهِ دَعْوَتَهُ وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ

قال تعالى مخاطباً لإبراهيم عليه السلام : « وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ »(2) ، قال علي بن إبراهيم : ولمّا فرغ إبراهيم من بناء البيت امره اللَّه ان يؤذن في الناس بالحج ، فقال : يا رب وما يبلغ صوتي ، فقال اللَّه : أذّن ، عليك الأذان وعليّ البلاغ ، وارتفع على المقام وهو يومئذ ملصق بالبيت ، فارتفع المقام حتى كان اطول من الجبال فنادى وأدخل إصبعيه في أذنيه وأقبل بوجهه شرقاً وغرباً يقول : ايها الناس ، كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فاجيبوا ربكم ، فاجابوه من تحت البحور السبعة ومن بين المشرق والمغرب إلى منقطع التراب من اطراف الأرض كلها ومن اصلاب الرجال وارحام النساء بالتلبية : لبيك اللّهمّ لبيك ، أو لا ترونهم يأتون يلبّون ، فمن حج من يومئذ إلى يوم القيامة فهم ممن استجاب للَّه وذلك قوله : « فيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهيمَ »(3) يعني نداء إبراهيم على المقام بالحج(4) .

ص: 308


1- علل الشراع : 2/404 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 96/32 ، ح 8 ؛ وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/90 هكذا : «على قدر طاقتهم» .
2- الحج : 27 .
3- سورة آل عمران : 97 .
4- تفسير القمي : 2/83 ؛ بحار الأنوار : 2/116 ، ح 51 .

وعن أبي جعفر عليه السلام قال : « انّ اللَّه جلّ جلاله لمّا أمر ابراهيم عليه السلام ينادي في الناس بالحج قام على المقام فارتفع به حتّى صار بازاء أبي قبيس فناداى في الناس بالحج فاسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى أن تقوم الساعة »(1) .

وعن الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته لِمَ جعلت التلبية ؟ فقال عليه السلام : « انّ اللَّه عزّوجلّ أوحى إلى إبراهيم عليه السلام « وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً »(2) فنادى فأجيب « مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ »(3) يلبّون »(4) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : لمّا امر ابراهيم وإسماعيل عليهما السلام ببناء البيت وتمّ بناؤه قعد إبراهيم على ركن ثمّ نادى هلم الحج هلم الحج ، فلو نادى هلموا إلى الحج لم يحج إلّا من كان يومئذ انسيّاً مخلوقاً ، ولكنّه نادى هلمّ الحج ، فلبّي الناس في اصلاب الرجال : لبيك داعي اللَّه ، لبيك داعي اللَّه عزوجلّ ، فمن لبّي عشراً يحج عشراً ومن لبّي خمساً يحج خمساً ومن لبّي أكثر من ذلك فبعدد ذلك، ومن لبّي واحداً حجّ واحداً ، ومن لم يلبّ لم يحجّ(5) .

ص: 309


1- علل الشرايع : 2/420 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 12/106 ، ح 18 .
2- سورة الحج : 27 .
3- سورة الحج : 27 .
4- علل الشرايع : 2/416 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 12/107 ، ح 20 .
5- الكافي : 4/206 ، ح 6 ؛ وسائل الشيعة : 11/10 ، ح 14115 ؛ بحار الأنوار : 12/105 ، ح 17.

وَ وَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ

امّا الأنبياء الواقفون في تلك المواقف أولهم آدم عليه السلام ، ويدلّ عليه ما رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : ان آدم عليه السلام بقى على الصفا أربعين صباحاً ساجداً يبكي على الجنة وعلى خروجه من الجنة من جوار اللَّه عزوجل ، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال : يا آدم مالك تبكي ؟ فقال : يا جبرئيل : ما لي لا ابكي وقد أخرجني اللَّه من الجنة من جواره واهبطني إلى الدنيا ، فقال : يا آدم تب إلى اللَّه ، قال : وكيف اتوب ؟ فانزل اللَّه عليه قبة من نور ، فيه موضع البيت ، فسطع نورها في جبال مكة فهو الحرم ، فامر اللَّه جبرئيل ان يضع عليه الأعلام ، قال : قم يا آدم ، فخرج به يوم التروية وامره ان يغتسل ويحرم ، واخرج من الجنة أول يوم من ذي القعدة ، فلما كان يوم الثامن من ذي الحجة أخرجه جبرئيل عليه السلام إلى منى فبات بها فلمّا أصبح أخرجه إلى عرفات وقد كان علمه حين اخرجه من مكة الاحرام وعلمه التلبية ، فلمّا زالت الشمس يوم عرفة قطع التلبية وامره ان يغتسل ، فلمّا صلّى العصر أوقفه بعرفات وعلمه الكلمات التي تلقاها من ربه و هي « سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلّا انت عملت سوءً وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك أنت الغفور الرحيم ، سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلّا أنت عملت سوءً وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انك خير الغافرين ، سبحانك اللّهمّ وبحمدك لا إله إلّا انت عملت سوءً وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي انّك انت التواب الرحيم » ، فبقى إلى أن غابت الشمس رافعاً يديه إلى السماء يتضرع ويبكي إلى اللَّه ، فلما غابت الشمس ردّه إلى المشعر فبات بها ، فلما أصبح قام على المشعر الحرام فدعا اللَّه تعالى بكلمات

وتاب إليه ، ثم افضى إلى منى وامره جبرئيل ان يحلق الشعر الذي عليه فحلقه ، ثم ردّه إلى مكة ، فأتى به عند الجمرة الأولى ، فعرض له إبليس عندها فقال : يا آدم ! أين تريد ؟ فأمره جبرئيل ان يوميه بسبع حصيات فرمى وان يكبر مع كل حصاة تكبيرة ففعل ، ثم ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة الثانية فأمره ان يرميه بسبع حصيات فرمى وكبر مع حصاة تكبيرة ، ثم ذهب فعرض له إبليس عند الجمرة الثالثة فأمره ان يرميه بسبع حصيات عند كل حصاة تكبيرة ، فذهب إبليس لعنه اللَّه ، وقال له جبرئيل : إنّك لن تراه بعد هذا اليوم ابداً ، فانطلق به إلى البيت الحرام وأمره ان يطوف به سبع مرات ، ففعل ، فقال له : ان اللَّه قد قبل توبتك وحلت لك زوجتك ، قال : فلمّا قضى آدم حجة لقيته الملائكة بالابطح فقالوا : يا آدم برحجك أما أنّا قد حججنا قبلك هذا البيت بألفى عام(1) .

وقال أبوجعفر عليه السلام : أتى آدم عليه السلام هذا البيت ألف أتيه على قدميه منها سبعمائة حجّة وثلاثمائة عمرة وكان يأتيه من ناحية الشام ، وكان يحج على ثور ، والمكان الذي يبيت فيه عليهم السلام الحطيم وهو ما بين باب البيت والحجر الأسود ، وطاف آدم عليه السلام قبل أن ينظر إلى حواء مائة عام ، وقال له جبرئيل عليه السلام : حيّاك اللَّه وبيّاك يعني أضحك اللَّه(2) .

وعن أبي عبداللَّه عن أبيه عليهما السلام قال : كان موضع الكعبة ربوة من الأرض بيضاء تضي ء كضوء الشمس والقمر حتى قتل ابنا آدم احدهما صاحبه فاسودّت ، فلمّا نزل آدم عليه السلام رفع اللَّه عزّوجلّ له الارض كلها حتى رآها ، ثم قال : هذه لك كلُّها ،

ص: 310


1- تفسير القمي : 1/44 ؛ بحار الأنوار : 96/35 ، ح 14 .
2- من لا يحضره الفقيه : 2/229 ، ح 2274 .

قال : يا ربّ ما هذه الأرض البيضاء المنيرة ؟ قال : هي حرمي في أرضي وقد جعلت عليك أن تطوف بها كل يوم سبعمائة طواف(1) .

ومنهم نوح النبيّ عليه السلام قال الصدوق : وروى أنه كان طول سفينة نوح عليه السلام الفاً ومائتي ذراع ، وعرضها مائة ذراع ، وطولها في السماء ثمانين ذراعاً ، فركب فيها فطافت بالبيت سبعة اشواط وسعت بين الصفا والمروة سبعاً ثمّ استوت على الجودي(2) .

وعن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام قال : « سمعت أبي يحدّث عطا قال : كان طول سفينة نوح عليه السلام ألفاً ومأتي ذراع وكان عرضها ثمانمائة ذراع وعمقها ثمانين ذراعاً فطافت بالبيت وسَعَتْ بين الصفا والمروة سبعة أشواط ثمّ استوت على الجوديّ »(3)

ومنهم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، قال القمي : فلما بناه وفرغ منه حج إبراهيم عليه السلام وإسماعيل ونزل عليهما جبرئيل عليه السلام يوم التروية لثمان من ذي الحجة فقال : يا إبراهيم قم فارتو من الماء ، لانه لم يكن بمنى وعرفات ماء فسمّيت التروية لذلك ، ثم أخرجه إلى منى ، فبات بها ، ففعل به ما فعل بآدم عليه السلام(4) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : امر اللَّه عزوجل إبراهيم عليه السلام ان يحجّ ويحجّ إسماعيل معه ويسكنه الحرم فحجّا على جمل احمر وما معهما إلّا جبرئيل عليه السلام الحديث(5) .

ص: 311


1- من لا يحضره الفقيه : 2/242 ، ح 2303 ؛ بحار الأنوار : 11/217 ، ح 30 .
2- من لا يحضره الفقيه : 2/230 ، ح 2277 .
3- قصص الأنبياء للراوندي : 82 ، ح 69 ؛ بحار الأنوار : 11/324 ، ح 42 .
4- تفسير القمي : 10/62 .
5- الكافي : 4/202 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 12/93 ، ح 5 .

ومنهم موسى عليه السلام : قال الصدوق : وروى ان موسى عليه السلام احرم من رملة مصر وانه مر في سبعين نبيّاً على صفائح الروحاء ، عليهم العباء القطوانية ، يقول : لبيك عبدك وابن عبديك لبّيك(1) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : مرّ موسى النبي عليه السلام بصفاح الروحاء على جمل احمر ، خطامه من ليف ، عليه عبائتان قطوانيتان ، وهو يقول : لبيك يا كريم لبيك(2) .

وقال الصادق عليه السلام : لمّا حجّ موسى عليه السلام نزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال له موسى : يا جبرئيل ما لمن حج هذا البيت بلا نية صادقة ولا نفقة طيبة ؟

قال : لا أدري حتى ارجع إلى ربي عزوجل ، فلمّا رجع قال اللَّه عزوجلّ : يا جبرئيل ما قال لك موسى ؟ وهو اعلم بما قال ، قال : يا ربّ قال لي : ما لمن حج هذا البيت بلا نية صادقة ولا نفقة طيبة ؟ قال اللَّه عزوجلّ : ارجع إليه وقل له اهب له حقي واُرضي عنه خلقي ، قال : فقال : يا جبرئيل فما لمن حج هذا البيت بنية صادقة ونفقة طيبة ؟ قال : فرجع إلى اللَّه تعالى ، فأوحى اللَّه إليه ، قل له اجعله في الرفيق الاعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً(3) .

ومنهم يونس بن متى عليه السلام كما في « الفقيه » : مرّ يونس بن متى عليه السلام بصفائح الروحاء وهو يقول : لبيك كشّاف الكرب العظام لبّيك(4) .

ص: 312


1- من لا يحضره الفقيه : 2/234 ، ح 2283 .
2- الكافي : 4/213 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 13/10 ، ح 13 .
3- من لا يحضره الفقيه : 2/235 ، ح 2287 ؛ بحار الأنوار : 13/359 ، ح 69 .
4- من لا يحضره الفقيه : 2/235 ، ح 2284 ، بحار الأنوار : 14/387 ، ح 5 .

ومنهم سليمان بن داود عليه السلام ، عن زرارة ، عن أبي جفعر عليه السلام : انّ سليمان بن داود حجّ البيت في الجن والانس والطير والرياح ، وكسا البيت القباطي(1) .

وروى ابوبصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : ان آدم عليه السلام هو الذي بني البيت ووضع اساسه ، وأول من كساه الشعر ، وأول من حجّ إليه ، ثم كساه تُبَّع بعد آدم عليه السلام الانطاع ، ثم كساه إبراهيم عليه السلام الخصف ، وأول من كساه الثياب سليمان بن داود عليه السلام كساه القباطي(2) .

ومنهم عيسى بن مريم : عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : مرّ عيسى بن مريم عليه السلام بصفائح الرّوحاء وهو يقول : لبّيك عبدك وابن امتك لبّيك(3) .

ومنهم النبيّ صلى الله عليه وآله فقد حجّ عشرين حجّة كما روى الصدوق رحمه الله في « الفقيه » انه صلى الله عليه وآله حجّ عشرين حجة مستسرّاً(4) وكذلك أولاده المعصومون سلام اللَّه عليهم أجمعين .

وَ تَشَبَّهُوا بِمَلائِكَتِهِ الْمُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ

عن محمد بن سنان ان الرضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله علة الطواف بالبيت ، ان اللَّه تبارك وتعالى قال للملائكة : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ »(5) فردّوا على اللَّه تبارك

ص: 313


1- الكافي : 4/213 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 14/75 ، ح 19 .
2- من لا يحضره الفقيه : 2/235 ، ح 2286 ؛ وسائل الشيعة : 13/208 ، ح 17578 .
3- علل الشرايع : 2/419 ، ح 7 ؛ بحار الأنوار : 96/185 ، ح 15 .
4- من لا يحضره الفقيه : 2/237 ، ح 2291 ؛ وسائل الشيعة : 14/8 ، ح 18454 ؛ بحار الأنوار : 21/398 ، ح 22 .
5- سورة البقرة : 30 .

وتعالى هذا الجواب ، فعلموا انهم اذنبوا فندموا فلاذوا بالعرش فاستغفروا ، فأحبّ اللَّه تعالى ان يتعبد بمثل ذلك العباد ، فوضع في السماء الرابعة بيتاً بحذاء العرش يسمى الضراح ، ثم وضع في السماء الدنيا بيتاً يسمى البيت المعمور بحذاء الضراح ، ثم وضع هذا البيت بحذاء البيت المعمور ، ثم أمر آدم فطاف به ، فتاب اللَّه عليه وجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة(1) .

بل ورد ان الملائكة طافوا بالكعبة أيضاً كالعرش قال القمي كما مر : فلمّا قضى آدم حجه لقيته الملائكة بالابطح فقالوا : يا آدم برحجّك اما انّا قد حججنا قبلك هذا البيت بالفي عام(2) .

وجاء في الخبر : ان حول العرش سبعين ألف صف قيام قد وضعوا أيديهم على عواتقهم رافعين أصواتهم بالتكبير والتهليل ، ومن ورائهم مائة ألف صف قد وضعوا الايمان على الشمائل ما منهم أحدٌ إلّا وهو يسبّح(3) .

وفي رواية طويلة لعلي بن إبراهيم بإسناده عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي عبداللَّه ، عن آبائه ، عن أميرالمؤمنين عليهم السلام المسوقة لابتداء خلق آدم عليه السلام بعد ما ذكر عليه السلام قوله تعالى للملائكة : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً » ، وقولهم له : « أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ » ، قال عليه السلام : «فقالت الملائكة : يا ربّنا افعل ما شئت « لا علم لنا إلّا ما علّمتنا انّك أنت العليم الحكيم » ، قال : فباعدهم اللَّه من العرش مسيرة خمسمائة عام ، قال : فلاذوا بالعرش واشاروا بالاصابع ، فنظر

ص: 314


1- علل الشرايع : 2/406 ، ح 7 ؛ القصص للجزائري : 26 ؛ بحار الأنوار : 55/58 ، ح 5 .
2- تفسير القمي : 1/44 .
3- اختيار مصباح السالكين لابن ميثم البحراني : 68 ؛ تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب اللَّه العزيز المحكم : 237 .

الرب عزوجلّ إليهم ونزلت الرحمة ، فوضع لهم البيت المعمور ، فقال : طوفوا به ودعوا العرش ، فانه لي رضى فطافوا به وهو البيت الذي يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون ابدا ، فوضع اللَّه البيت المعمورة توبة لاهل السماء ووضع الكعبة توبة لأهلِ الأرض» ، الحديث(1) .

يُحْرِزُونَ الْأَرْبَاحَ فِي مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ

عن هشام بن الحكم قال : سألت اباعبداللَّه عليه السلام : فقلت له : ما العلة التي من اجلها كلف اللَّه العباد الحج والطواف بالبيت ؟ فقال : «ان اللَّه تعالى خلق الخلق لا لعلة إلّا انّه شاء ففعل فخلقهم إلى وقت مؤجل ، وأمرهم ونهاهم ما يكون من أمر الطاعة في الدين ومصلحتهم من أمر دنياهم فجعل فيه الاجتماع من المشرق والمغرب ليتعارفوا ، وليتربح كل قوم من التجارات من بلد إلى بلد ، ولينتفع بذلك المكاري والجمال ، ولتعرف آثار رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وتعرف اخباره ، ويذكر ولا ينسى ، ولو كان كل قوم إنما يتكلون على بلادهم وما فيها هلكوا ، وخرجت البلاد وسقط الجلب والارباح وعميت الاخبار»(2) .

وقال ابوجعفر الباقر عليه السلام : الحج والعمرة سوقان من اسواق الآخرة اللازم لهما من اضياف اللَّه عزوجلّ ، ان ابقاه ابقاه ولا ذنب له ، وان اماته ادخله الجنة(3) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : «ان للَّه تبارك وتعالى حول الكعبة عشرين ومائة

ص: 315


1- تفسير القمي : 1/37 ؛ بحار الأنوار : 11/104 ، ح 10 .
2- علل الشرايع : 2/405 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 96/33 ، ح 9 .
3- من لا يحضره الفقيه : 2/221 ، ح 2232 .

رحمةٍ ، منها ستون للطائفين ، واربعون للمصلين ، وعشرون للناظرين»(1) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : «من نظر إلى الكعبة بمعرفة فعرف من حقنا وحرمتنا مثل الذي عرف من حقها وحرمتها غفر اللَّه له ذنوبه وكفاه هَمَّ الدنيا والآخرة»(2) .

وقال أميرالمؤمنين عليه السلام : «ما من مهلّ يهلّ في التلبية إلّا أهّل مَن عن يمينه من شي ء إلى مقطع التراب ومَن عن يساره إلى مقطع التراب ، وقال له الملكان : أبشر يا عبداللَّه ، وما يبشّر اللَّه عبداً إلّا بالجنة ، ومن لبّي في احرامه سبعين مرّة ايماناً واحتساباً أشهد اللَّه له ألف ملك ببرائة من النار ، وبرائة من النفاق ، ومن انتهى إلى الحرم فنزل واغتسل واخذ نعليه بيده ثم دخل الحرم حافياً تواضعاً للَّه عزّوجلّ محا اللَّه عنه مائة ألف سيئة ، وكتب اللَّه له مائة ألف حسنة ، وبنى اللَّه له مائة ألف درجة ، وقضى له مائة ألف حاجة ، ومن دخل مكة بسكينة ووقار غفر اللَّه له ذنبه وهو ان يدخلها غير متكبر ولا متجبّر ، ومن دخل المسجد حافياً على سكينة ووقار وخشوع غفر اللَّه له ، ومن نظر إلى الكعبة عارفاً بحقها غفر اللَّه له ذنوبه وكفى ما اهمّه»(3) .

وروى الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن محمد بن قيس قال : سمعت أباجعفر عليه السلام يحدّث الناس بمكة قال : «صلّى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله باصحابه الفجر ثمّ جلس معهم يحدّثهم حتى طلعت الشمس ، فجعل يقول الرجل بعد الرجل حتى لم يبق معه إلّا رجلان انصاري وثقفي . فقال لهما رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : قد علمت انّ لكما

ص: 316


1- الكافي : 4/240 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 96/202 ، ح 9 .
2- الكافي : 4/241 ، ح 6 ؛ وسائل الشيعة : 13/264 ، ح 17703 - 5 .
3- من لا يحضره الفقيه : 2/203 ، ح 2140 .

حاجة تريدان ان تسألاني عنها ، فان شئتما اخبرتكما بحاجتكما قبل ان تسألاني ، وان شئتما فاسألاني . قالا : بل تخبرنا انت يا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فان ذلك أجلى للعمى وابعد من الارتياب واثبت للايمان ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : أما أنت يا اخا الانصار فانك من قوم يؤثرون على انفسهم وانت قروى وهذا الثقفي بدوي ، افتؤثره بالمسألة ؟ قال : نعم ، قال : اما انت يا أخاثقيف فانك جئت تسألني عن وضوئك وصلاتك ومالك فيهما ، فاعلم انّك اذا ضربت يدك في الماء وقلت : بسم اللَّه الرحمن الرحيم تناثرت الذنوب التي اكتسبتها يداك ، فاذا غسلت وجهك تناثرت الذنوب التي اكتسبتها عيناك بنظرهما وفوك بلفظه ، فاذا غسلت ذراعيك تناثرت الذنوب عن يمينك وشمالك ، فاذا مسحت رأسك وقدميك تناثرت الذنوب التي مشيت إليها على قدميك ، فهذا لك في وضوئك ، فاذا قمت إلى الصلاة وتوجّهت وقرأت امّ الكتاب وما تيسّر لك من السوّر ثم ركعت فاتممت ركوعها وسجودها وتشهدت وسلّمت غفر لك كل ذنب فيما بينك وبين الصلاة التي قدّمتها إلى الصلاة المؤخرة ، فهذا لك في صلاتك .

وأما أنت يا أخا الانصار ، فانك جئت تسألني عن حجك وعمرتك ومالك فيهما من الثواب ، فاعلم انك اذا توجّهت إلى سبيل الحج ثم ركبت راحلتك وقلت : بسم اللَّه ومضت بك راحلتك لم تضع راحلتك خُفّاً ولم ترفع خفّاً إلّا كتب اللَّه عزوجل لك حسنة ، ومحا عنك سيئة ، فاذا احرمت ولبّيت كتب اللَّه تعالى لك في كل تلبية عشر حسنات ، ومحا عنك عشر سيئات ، فاذا طفت بالبيت اسبوعاً كان لك بذلك عند اللَّه عهد و ذكر يستحيي منك ربّك أن يعذّبك بعده ، فاذا صلّيت عند المقام ركعتين كتب اللَّه لك بهما ألفى ركعة مقبولة ، واذا سعيت بين الصفا والمروة سبعة

ص: 317

اشواط كان لك بذلك عند اللَّه عزّوجلّ مثل اجر من حجّ ماشياً من بلاده ومثل أجر من اعتق سبعين رقبة مؤمنة ، واذا وقفت بعرفات إلى غروب الشمس فلو كان عليك من الذنوب مثل رمل عالج وزبد البحر لغفرها اللَّه لك ، فاذا رميت الجمار كتب اللَّه لك بكلّ حصاة عشر حسنات فيما تستقبل من عمرك ، فاذا حلقت رأسك كان لك بعدد كل شعرة حسنة تكتب لك فيما تستقبل من عمرك ، فاذا ذبحت هديك أو نحرت بدنتك كان لك بكل قطرة من دمها حسنة تكتب لك فيما تستقبل من عمرك ، فاذا طفت بالبيت اسبوعاً للزيارة وصلّيت عند المقام ركعتين ضرب ملك كريم على كتفيك فقال : أمّا ما مضى فقد غُفر لك فاستأنف العمل فيما بينك وبين عشرين ومائة يوم»(1) .

وَ يَتَبَادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ

قال تعالى : « وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقينَ »(2) .

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : «مرّ عمر بن الخطاب على الحجر الأسود فقال : واللَّه يا حجر إنّا لنعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع إلّا أنّا رأينا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يحبّك فنحن نحبّك ، فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام : كيف يابن الخطاب ؟ فواللَّه ليبعثنه اللَّه يوم القيامة وله لسان وشفتان فيشهد لمن وافاه وهو يمين اللَّه في أرضه يبايع بها خلقه ، فقال عمر : لا ابقانا اللَّه في بلد لا يكون فيه علي بن أبي طالب»(3) .

ص: 318


1- من لا يحضره الفقيه : 2/202 ، ح 2138 ؛ بحار الأنوار : 96/3 ، ح 3 .
2- سورة آل عمران : 133 .
3- علل الشرايع : 2/426 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 96/221 ، ح 12 .

جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْإِسْلامِ عَلَماً

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : «لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة»(1) .

وفي « الفقيه » وقال عليه السلام : «ما خلق اللَّه عزوجل في الأرض بقعة أحب إليه من الكعبة ولا أكرم عليه منها ، ولها حرّم اللَّه عزوجلّ الاشهر الحُرُم الأربعة في كتابه يوم خلق السموات والأرض»(2) .

وَ لِلْعَائِذِينَ حَرَماً

اشارة

قال تعالى : « وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً »(3) وقال سبحانه حكاية عن إبراهيم عليه السلام : « رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً »(4) .

قال في « الفقيه » : وروى ان من جنى جناية ثم لجأ إلى الحرم لم يقم عليه الحد ، ولا يطعم ولا يشرب ولا يسقى ولا يؤوي حتى يخرج من الحرم ، فيقام عليه الحدّ فان أتى ما يوجب الحد في الحرم اخذ به في الحرم لانه لم ير للحرم حرمة(5) .

وعن عبداللَّه بن سنان عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته عن قول اللَّه عزوجلّ « وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً »(6) . البيت عنى أم الحرم ؟ قال عليه السلام : « من دخل الحرم من

ص: 319


1- الكافي : 4/271 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 96/57 ، ح 10 .
2- من لا يحضره الفقيه : 2/457 ، ح 2961 ؛ وسائل الشيعة : 11/273 ، ح 14775 .
3- سورة آل عمران : 97 .
4- سورة البقرة : 136 .
5- من لا يحضره الفقيه : 2/205 ، ذيل ح 2148 ؛ وسائل الشيعة : 13/227 ، ح 17610 .
6- سورة آل عمران : 97 .

الناس مستجيراً به فهو آمن من سخط اللَّه ، ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذي حتى يخرج من الحرم»(1) .

وعنه عليه السلام أيضاً قال : اذا احدث العبد في غير الحرم جناية ثم فرّ إلى الحرم لم يسع لاحد ان يأخذه في الحرم ، ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلّم ، فانّه اذا فعل ذلك به يوشك ان يخرج فيؤخذ ، واذا جنى في الحرم جناية اقيم عليه الحدّ في الحرم لانه لم يدع للحرم حرمته(2) .

وعن حفص البختري قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن الرجل يجنى الجناية في غير الحرم ، ثمّ يلجأ إلى الحرم ، يقام عليه الحد ؟ قال عليه السلام : « لا ، ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلّم ولا يبايع ، فانّه إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج ، فيقام عليه الحدّ ، وإذا جنى في الحرم جنايةً أقيم عليه الحدّ من الحرم لأنّه لم يَرَ للحرم حرمةً »(3) .

وعن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قوله : « وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً »(4) قال عليه السلام : « يأمن فيه كلّ خائف ما لم يكن عليه حد من حدود اللَّه ينبغي أن يؤخذ به » قلت : فيأمن فيه من حارب اللَّه ورسوله وسعى في الأرض فساداً ؟ قال عليه السلام : « هو مثل الذي نكر بالطريق فيأخذ الشاة أو الشي ء ، فيصنع به الامام ما شاء » قال : وسألته عن طائر(5) يدخل الحرم ، قال : « لا يؤخذ ولا يمسّ لأنّ اللَّه يقول : ومن دخله كان آمناً »(6) .

ص: 320


1- الكافي : 4/226 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 96/74 ، ح 13 .
2- الكافي : 4/226 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 96/75 ، ح 15 .
3- علل الشرايع : 2/444 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 96/73 ، ح 9 .
4- سورة آل عمران : 97 .
5- وفي نسخة « خائن » بدل « طائر » .
6- تفسير العيّاشي : 1/188 ، ح 100 ؛ بحار الأنوار : 96/74 ، ح 12 .

عن سماعة بن مهران عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته عن رجل لي عليه مال ، فغاب عني زماناً فرأيته يطوف حول الكعبة أفأتقاضا مالي ؟ قال : لا ، لا تسلّم عليه ولا تروّعه حتى يخرج من الحرم(1) .

وفيه أيضاً عن معاوية بن عمار قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : شجرة أصلها في الحل وفرعها في الحرم ، فقال : «حرم أصلها لمكان فرعها» ، قلت : فان أصلها في الحرم وفرعها في الحل ، فقال : حرم فرعها لمكان أصلها»(2) .

وفيه أيضاً عن حماد بن عثمان عن أبي عبداللَّه عليه السلام : في الشجرة ، يقلعها الرجل من منزله في الحرم ؟ قال عليه السلام : « ان بني المنزل والشجرة فيه فليس له ان يقلعها ، وان كانت نبتت في منزله وهو له فليقلعها »(3) .

وفيه أيضاً عن معاوية بن عمار قال : أتِىَ أبوعبداللَّه عليه السلام في المسجد ، فقيل له : انّ سبعاً من سباع الطير على الكعبة ليس يمرّ به شي ء من حمام الحرم إلّا ضَرَبَه فقال : انصبوا له واقتلوه فانه قد الحد(4) .

وفيه أيضاً عن زرارة انّ الحكم سأل أباجعفر عليه السلام عن رجل اهدى له حمامة في الحرم مقصوصة ، فقال أبوجعفر عليه السلام : « انتفها واحسن إليها واعلفها حتى اذا استوى ريشها فخلّ سبيلها »(5) .

ص: 321


1- الكافي : 4/241 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة : 13/265 ، ح 17709 .
2- الكافي : 4/231 ، ح 4 ؛ من لا يحضره الفقيه : 2/254 ، ح 2341 .
3- الكافي : 4/231 ، ح 6 ؛ وسائل الشيعة : 12/555 ، ح 17069 .
4- الكافي : 4/227 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 96/153 ، ح 26 .
5- الكافي : 4/233 ، ح 5 ؛ من لا يحضره الفقيه : 2/260 ، ح 2359 .

من أراد الكعبة بسوء

قال الصدوق رحمه الله في « الفقيه » : وما أراد الكعبة احد بسوء الا غضب اللَّه عزوجل لها ، ونوى يوماً تبّع الملك ان يقتل مقاتله اهل الكعبة ويسبى ذرّيّتهم ثم يهدم الكعبة ، فسألت عيناه حتى وقعتا على خدّيه ، فسأل عن ذلك ، فقالوا : ما نرى الذي اصابك إلّا بما نويت في هذا البيت ، لان البلد حرم اللَّه والبيت بيت اللَّه ، وسكّان مكة ذرّيّة إبراهيم خليل اللَّه ، فقال : صدقتم ، فما مخرجى مما وقعت فيه ؟ قالوا : تحدّث نفسك بغير ذلك ، فحدّث نفسه بخير ، فرجعت حدقتاه حتى ثبتتا في مكانهما ، فدعا القوم الذين اشاروا عليه بهدمها فقتلهم ، ثم أتى البيت فكساه الانطاع واطعم الطعام ثلاثين يوماً كلّ يوم مائة جزور حتى حملت الجفان إلى السباع في رؤوس الجبال ونثرت الاعلاف للوحوش ، ثم انصرف من مكة إلى المدينة فانزل بها قوماً من أهل اليمن من غسّان وهم الأنصار(1) ، - إلى أن قال - وقصده اصحاب الفيل وملكهم ابو يكسوم : أبرهة بن الصباح الحميري ليهدمه ، فأرسل اللَّه عليهم طيراً ابابيل ترميهم بحجارة من سجّيل ، فجعلهم كعصف مأكول . وانما لم يجر على الحجاج ما جرى على تبّع واصحاب الفيل لان قصد الحجاج لم يكن إلى هدم الكعبة ، انّما كان قصده إلى ابن الزبير وكان ضدّاً لصاحب الحق ، فلمّا استجار بالكعبة اراد اللَّه أن يبيّن للناس انه لم يجره فامهل من هدمها عليه(2) .

ص: 322


1- من لا يحضره الفقيه : 2/248 ؛ الكافي : 4/215 .
2- من لا يحضره الفقيه : 2/249 .

فَرَضَ حَجَّهُ

قال أبو جعفر عليه السلام : « بنى الاسلام على خمسة ، على الصلوة والزكاة والحج » - الخبر -(1) .

وَأَوْجَبَ حَقَّهُ

عن سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : « وحق الحج ان تعلم انه وفادة إلى ربّك ، وفرار إليه من ذنوبك ، وفيه قبول توبتك ، وقضاء الفرض الذي أوجبه اللَّه تعالى عليك »(2) .

وَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ

اشارة

قال تعالى : « وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ »(3) .

عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « الحاج والمعتبر وفد اللَّه ، ان سألوه اعطاهم ، وان دعوه اجابهم ، وان شفعوا شفعهم ، وان سكتوا ابتدأهم ، ويعوضون بالدرهم ألف ألف درهم »(4) .

ص: 323


1- الكافي : 2/18 ، ح 5 ؛ من لا يحضره الفقيه : 2/74 ، ح 187 ؛ بحار الأنوار : 79/234 ، ح 59 .
2- من لا يحضره الفقيه : 2/620 ، ح 3214 ؛ بحار الأنوار : 71/4 ، ح 1 .
3- الحج : 27 .
4- الكافي : 4/255 ، ح 14 ؛ تهذيب الأحكام : 5/24 ، ح 17 .

فقال سبحانه : « وَللَّهِ ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمينَ »(1) .

وقبله « إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمينَ * فيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً » وقال عزّ من قائل : « وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ ِ »(2) .

الاستطاعة هي الزاد والراحلة والرجوع إلى الكفاية

روى عن أبي الربيع الشامي قال : سئل أبوعبداللَّه عليه السلام عن قول اللَّه عزوجل : « وَللَّهِ ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبيلاً »(3) .

فقال : ما يقول الناس فيها ؟ فقيل له : الزاد والراحلة ، فقال عليه السلام : قد سئل أبوجعفر عليه السلام عن هذا . فقال : « هلك الناس اذاً لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت به عياله ويستغني به عن الناس ينطلق إليه فيسلبهم ايّاه لقد هلكوا اذاً ، فقيل له : فما السبيل ؟ فقال : السعة في المال اذا كان يحج ببعض ويبقى بعض لقوت عياله ، أليس قد فرض اللَّه عزوجل الزكاة ؟ فلم يجعلها إلّا على من يملك مائتي درهم »(4) .

ص: 324


1- سورة آل عمران : 97 .
2- سورة البقرة : 196 .
3- سورة آل عمران : 97 .
4- من لا يحضره الفقيه : 2/418 ، ح 2858 .

وجوه الكفر

عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قلت له : اخبرني عن وجوه الكفر في كتاب اللَّه عزوجل . قال : الكفر في كتاب اللَّه على خمسة أوجه :

فمنها كفر الجحود ، والجحود على وجهين ، والكفر بترك ما امر اللَّه وكفر البرائة ، وكفر النعم ، فاما كفر الجحود فهو الجحود بالربوبية وهو قول من يقول : لا رب ولا جنة ولا نار وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم : الدهرية وهم الذين يقولون : « وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ »(1) إلى أن قال : واما الوجه الآخر من الجحود على معرفة فهو ان يجحد الجاحد وهو يعلم انه حق ، قد استقر عنده وقد قال اللَّه عزوجلّ : « وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا »(2) وقال اللَّه تعالى : « وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرينَ »(3) فهذا تفسير وجهي الجحود .

والوجه الثالث من الكفر كفر النعم وذلك قوله تعالى يحكي قول سليمان عليه السلام « هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَني أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَريمٌ »(4) وقال : « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ »(5)وقال : « فَاذْكُرُوني أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لي وَلا تَكْفُرُونِ »(6) .

ص: 325


1- سورة الجاثية : 24 .
2- سورة النمل : 14 .
3- سورة البقرة : 89 .
4- سورة النمل : 40 .
5- سورة ابراهيم : 7 .
6- سورة البقرة : 152 .

والوجه الرابع من الكفر ترك ما امر اللَّه به وهو قول اللَّه عزوجل : « وَإِذْ أَخَذْنا ميثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَريقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ »(1) .

فكفّرهم بترك ما امر اللَّه عزوجل به ونسبهم إلى الايمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده فقال : « فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ »(2) .

والوجه الخامس من الكفر كفر البرائة وذلك قوله عزوجل يحكي قول إبراهيم عليه السلام : « كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ »(3) يعني تبرّأنا منكم، الحديث(4) .

تارك الحج مع وجود الاستطاعة كافر لكن الحكم بالنجاسة من خواص الكفر على وجه الجحود في وصية رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : يا علي تارك الحج وهو مستطيع كافر يقول اللَّه تبارك وتعالى : « وَللَّهِ ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ

ص: 326


1- سورة البقرة : 84 - 85 .
2- سورة البقرة : 85 .
3- سورة الممتحنة : 4 .
4- الكافي : 2/389 ، ح 1 .

إِلَيْهِ سَبيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمينَ »(1) ، يا علي من سوّف الحج حتى يموت بعثه اللَّه يوم القيامة يهوديّاً أو نصرانيّاً(2) .

وفي ذلك الباب أيضاً : يا علي كفر باللَّه العظيم من هذه الامة عشرة :

القتات والسّاحر والدّيوث وناكح المرأة حراماً في دبرها وناكح البهيمة ومن نكح ذات محرم والساعي في الفتنة وبائع السلاح من أهل الحرب ومانع الزكاة ومن وجد سعةً فمات ولم يحجّ(3) .

تسويف الحج

روى محمد بن الفضيل قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول اللَّه عزوجلّ : « وَمَنْ كانَ في هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الآْخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبيلاً »(4) .

فقال عليه السلام : نزلت فيمن سوّف الحجّ - حجة الاسلام - وعنده ما يحج به فقال : العام احج ، العام احج حتى يموت قبل ان يحج(5) .

وعن معاوية بن عمار عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته عن رجل لم يحجّ قط وله مال . قال عليه السلام : « هو ممن قال اللَّه : « وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى »(6) » ، قلت : سبحان اللَّه أعمى ؟ ! قال : « اعماه اللَّه عن طريق الجنة »(7) .

ص: 327


1- سورة آل عمران : 97 .
2- من لا يحضره الفقيه : 4/368 ؛ بحار الأنوار : 74/58 .
3- من لا يحضره الفقيه : 4/356 ؛ بحار الأنوار : 100/61 ، ح 2 .
4- سورة الإسراء : 72 .
5- من لا يحضره الفقيه : 2/447 ، ح 2933 ؛ وسائل الشيعة : 11/28 ، ح 14157 .
6- سورة طه : 124 .
7- تفسير القمي : 2/66 ؛ بحار الأنوار : 96/6 ، ح 6 .

علّة وجوب الطواف بالبيت وجميع المناسك

عن محمّد بن سنان انّ الرضا عليه السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله علّة الطواف بالبيت : « انّ اللَّه تبارك وتعالى قال للملائكة : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ »(1) فردّوا على اللَّه تبارك وتعالى هذا الجواب فعلموا انّهم أذنبوا فندموا فلاذوا بالعرش فاستغفروا فاحبّ اللَّه تعالى أن يتعبّد بمثل ذلك العباد ، فوضع في السماء الرابعة بحذاء العرش يسمّى الضراح ، ثمّ وضع في السماء الدنيا بيتاً يسمّى البيت المعمور بحذاء الضراح ثمّ وضع هذا البيت بحذاء البيت المعمور ، ثمّ أمر آدم فطاف به ، فتاب اللَّه عليه وجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة »(2) .

علّة صيرورة الموقف بالمشعر دون الحرم

عن محمّد بن الحسن الهمداني قال : سألت ذاالنون المصري قلت : يا أبا الفيض لِمَ صير الموقف بالمشعر ولم يصير بالحرم ؟ قال : حدّثني من سأل الصادق عليه السلام ذلك فقال : « لأنّ الكعبة بيت اللَّه والحرم حجابه والمشعر بابه ، فلمّا ان قصده الزائرون وقّفهم بالباب حتّى اذن لهم بالدخول ، ثمّ وقّفهم بالحجاب الثاني وهو مزدلفة ، فلمّا نظر إلى طول تضرّعهم أمرهم بتقريب قربانهم ، فلمّا قرّبوا قربانهم وقضوا تفثهم وتطهّروا من الذنوب التي كانت لهم حجاباً دونه أمرهم بالزيادة على طهارة ، قال : فقلت : فلم كره الصيام في أيّام التشريق ؟ فقال عليه السلام : لأنّ القوم زوّار اللَّه وهم أضيافه وفي ضيافته ، ولا ينبغي للضيف أن يصوم عند من زاره واضافه »

ص: 328


1- سورة البقرة : 30 .
2- علل الشرايع : 2/406 ، ح 7 ؛ بحار الأنوار : 11/110 ، ح 24 .

قلت : فالرجل يتعلّق بأستار الكعبة ، ما يعني بذلك ؟ قال عليه السلام : « مثلُ ذلك مثلُ الرجل يكون بينه وبين الرجل جناية فيتعلّق بثوبه يستخذي له رجاء أن يهب له جرمه »(1) .

تكميل

اعلم انه قد وردت اخبار مستفيضة دالة على تفضيل ارض كربلا على البيت الحرام وكونها حرم اللَّه سبحانه من قبله ، مثل ما رواه جعفر بن محمد بن قولويه في المزار باسناده عن ابن أبي يعفور عن أبي عبداللَّه عليه السلام في حديث ثواب زيارة الحسين عليه السلام قال : واللَّه لو انّي حدثتكم بفضل زيارته وبفضل قبره لتركتم الحج رأساً وما حج منكم احد ، ويحك اما تعلم ان اللَّه اتخذ [بفضل قبره ]كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل ان يتخذ مكة حرما ؟

قال ابن أبي يعفور فقلت له : قد فرض اللَّه على الناس حج البيت ولم يذكر زيارة قبر الحسين عليه السلام ، فقال : وان كان كذلك فان هذا شي ء جعله اللَّه هكذا ، اما سمعت قول أبي أميرالمؤمنين عليه السلام حيث يقول : ان باطن القدم احق بالمسح من ظاهر القدم ولكن اللَّه فرض هذا على العباد ، أو ما علمت ان الموقف لو كان في الحرم كان افضل لاجل الحرم ولكن اللَّه صنع ذلك في غير الحرم(2) .

وروى أيضاً باسناده عن عمر بن يزيد يباع السابري عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : ان ارض الكعبة قالت : من مثلي وقد بنى اللَّه بيته [بنى بيت اللَّه] على ظهري ويأتيني الناس من كل فج عميق ، وجعلت حرم اللَّه وامنه ، فأوحى اللَّه إليها أن كفي

ص: 329


1- علل الشرايع : 2/443 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 96/34 ، ح 12 .
2- كامل الزيارات : 267 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 98/33 ، ح 33 .

وقري ، فوعزتي وجلالي ما فضل ما فضلت به فيما أعطيت به أرض كربلاء إلّا بمنزلة الإبرة غرست [غمست] في البحر فحملت من ماء البحر ، ولولا تربة كربلاء ما فضلتك ، ولولا ما تضمنته ارض كربلاء لما خلقتك و لا خلقت البيت الذي افتخرت به ، فقرّي واستقرّي وكوني دنياً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء وإلّا سخت بك وهويت بك في نار جهنم(1) .

وعن أبي الجارود عن علي بن الحسين عليه السلام قال : « اتخذ اللَّه ارض كربلاء حرماً قبل ان يتخذ مكة حرماً بأربعة وعشرين ألف عام »(2) .

وعن صفوان الجمال قال : سمعت اباعبداللَّه عليه السلام يقول : « ان اللَّه تبارك وتعالى فقضل الارضين والمياه بعضها على بعض ، فمنها ما تفاخرت ومنها ما بغت ، فما من ماء ولا أرض إلّا عوقبت لتركها التواضع للَّه حتى سلط اللَّه المشركين على الكعبة وارسل إلى زمزم ماء مالحا حتى أفسد طعمه ، وان ارض كربلاء و ماء الفرات أول أرض وأول ماء قدس اللَّه تبارك و تعالى فبارك اللَّه عليهما ، فقال لها : تكلمي بما فضلك اللَّه تعالى ، فقد تفاخرت الارضون والمياه بعضها على بعض ، قالت : انا ارض اللَّه المقدسة المباركة ، الشفاء في تربتي ومائي ولا فخر بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك ولا فخر على من دوني بل شكراً للَّه ، فاكرمها وزاد في تواضعها [وزادها لتواضعها] وشكرها اللَّه بالحسين عليه السلام واصحابه ، ثمّ قال ابوعبداللَّه عليه السلام : من تواضع للَّه رفعه اللَّه ومن تكبر وضعه اللَّه تعالى »(3) .

والحمد للَّه وصلّى اللَّه على رسوله رسول اللَّه وعلى آله آل اللَّه إلى يوم لقاء اللَّه

ص: 330


1- كامل الزيارات : 268 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 98/106 ، ح 3 .
2- وسائل الشيعة : 14/515 ، ح 19721 .
3- كامل الزيارات : 271 ، ح 15 ؛ بحار الأنوار : 98/109 ، ح 17.

بسم الله الرحمن الرحيم

2 - ومن خطبة له عليه السلام بعد انصرافه من صفين وفيها حال الناس قبل البعثة وصفة آل النبي ثم صفة قوم آخرين

اشارة

أَحْمَدُهُ اسْتِتْمَاماً لِنِعْمَتِهِ وَاسْتِسْلاماً لِعِزَّتِهِ وَاسْتِعْصَاماً مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَأَسْتَعِينُهُ فَاقَةً إِلَى كِفَايَتِهِ إِنَّهُ لا يَضِلُّ مَنْ هَدَاهُ وَلا يَئِلُ مَنْ عَادَاهُ وَلا يَفْتَقِرُ مَنْ كَفَاهُ فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مَا وُزِنَ وَأَفْضَلُ مَا خُزِنَ وَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً مُمْتَحَناً إِخْلاصُهَا مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا نَتَمَسَّكُ بِهَا أَبَداً مَا أَبْقَانَا وَنَدَّخِرُهَا لِأَهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا فَإِنَّهَا عَزِيمَةُ الإِيمَانِ وَفَاتِحَةُ الإِحْسَانِ وَمَرْضَاةُ الرَّحْمَنِ وَمَدْحَرَةُ الشَّيْطَانِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ وَالْعَلَمِ الْمَأْثُورِ وَالْكِتَابِ الْمَسْطُورِ وَالنُّورِ السَّاطِعِ وَالضِّيَاءِ اللّامِعِ وَالْأَمْرِ الصَّادِعِ إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ وَاحْتِجَاجاً بِالْبَيِّنَاتِ وَتَحْذِيراً بِالْآيَاتِ وَتَخْوِيفاً بِالْمَثُلاتِ وَالنَّاسُ فِي فِتَنٍ انْجَذَمَ فِيهَا حَبْلُ الدِّينِ وَتَزَعْزَعَتْ سَوَارِي الْيَقِينِ وَاخْتَلَفَ النَّجْرُ وَتَشَتَّتَ الْأَمْرُ وَضَاقَ الْمَخْرَجُ وَعَمِيَ الْمَصْدَرُ فَالْهُدَى خَامِلٌ وَالْعَمَى شَامِلٌ عُصِيَ الرَّحْمَنُ وَنُصِرَ الشَّيْطَانُ وَخُذِلَ الإِيمَانُ فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ وَتَنَكَّرَتْ مَعَالِمُهُ وَدَرَسَتْ سُبُلُهُ وَعَفَتْ شُرُكُهُ أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ وَوَرَدُوا مَنَاهِلَهُ بِهِمْ سَارَتْ أَعْلامُهُ وَقَامَ لِوَاؤُهُ فِي فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا وَوَطِئَتْهُمْ بِأَظْلافِهَا وَقَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا فَهُمْ فِيهَا تَائِهُونَ حَائِرُونَ جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ فِي خَيْرِ دَارٍ وَشَرِّ جِيرَانٍ نَوْمُهُمْ سُهُودٌ وَكُحْلُهُمْ دُمُوعٌ بِأَرْضٍ عَالِمُهَا مُلْجَمٌ وَجَاهِلُهَا مُكْرَمٌ .

ص: 331

وَمِنْهَا يَعْنِي آل النبي عليه الصلاة والسلام

هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ وَلَجَأُ أَمْرِهِ وَعَيْبَةُ عِلْمِهِ وَمَوْئِلُ حُكْمِهِ وَكُهُوفُ كُتُبِهِ وَجِبَالُ دِينِهِ بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَأَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ .

وَ مِنْهَا يَعْنِي قَوْماً آخَرِينَ

زَرَعُوا الْفُجُورَ وَسَقَوْهُ الْغُرُورَ وَحَصَدُوا الثُّبُورَ لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ وَلا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ وَعِمَادُ الْيَقِينِ إِلَيْهِمْ يَفِي ءُ الْغَالِي وَبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ وَفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوِرَاثَةُ الْآنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَنُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ .

ص: 332

أَحْمَدُهُ اسْتِتْمَاماً لِنِعْمَتِهِ

قال تعالى : « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ »(1) .

وَاسْتِعْصَاماً مِنْ مَعْصِيَتِهِ

قال تعالى : « وَما أُبَرِّئُ نَفْسي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي »(2) .

عن السكوني عن أبي عبداللَّه عليه السلام : « انّ النبي صلى الله عليه وآله بعث بسريّة(3) فلمّا رجعوا قال صلى الله عليه وآله : مرحباً بقوم قضوا جهاد الأصغر وبقي الجهاد الأكبر ، قيل : يا رسول اللَّه وما الجهاد الأكبر ؟ قال صلى الله عليه وآله : جهاد النفس »(4) .

وَأَسْتَعِينُهُ

قال تعالى : « إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعينُ »(5) .

عن حفص بن غياث قال : قال أبو عبداللَّه عليه السلام : « إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربّه شيئاً إلّا أعطاه فلييأس من الناس كلّهم ولا يكون له رجاء إلّا عند اللَّه فاذا علم اللَّه

ص: 333


1- سورة ابراهيم : 7 .
2- سورة يوسف : 53 .
3- السريّة : طائفة من الجيش ( النهاية ) وفي الاصطلاح تطلق على الجيش الذي اسند الرسول صلى الله عليه وآله إلى أحد الصحابة قيادته نائباً عنه .
4- الكافي : 5/12 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 19/182 ، ح 31 .
5- الفاتحة : 5 .

عزّوجلّ ذلك من قلبه لم يسأل اللَّه شيئاً إلّا أعطاه »(1) .

فَاقَةً إِلَى كِفَايَتِهِ

قال تعالى : « أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ »(2) .

وقال تعالى : « يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ »(3) .

إِنَّهُ لا يَضِلُّ مَنْ هَدَاهُ وَلا يَئِلُ مَنْ عَادَاهُ

قال تعالى : « وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ »(4) .

وقال تعالى : « وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزيزٍ ذِي انْتِقامٍ »(5) .

وقال تعالى : « مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً »(6) .

وقال تعالى : « مَنْ يَهْدِى اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ »(7) .

ص: 334


1- الكافي : 2/148 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 72/109 ، ح 15 .
2- سورة الزمر : 36 .
3- سورة فاطر : 15 .
4- سورة التوبة : 15 .
5- سورة الزمر : 37 .
6- سورة الكهف : 17 .
7- سورة الأعراف : 187 .

وقال تعالى : « وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبيلاً »(1) .

وقال تعالى : « مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ »(2) .

وقال تعالى : « وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ »(3) .

وقال تعالى : « وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ »(4) .

فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مَا وُزِنَ وَأَفْضَلُ مَا خُزِنَ

اشارة

قال تعالى : « ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ »(5) .

قال أبو عبداللَّه عليه السلام : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من قال : الحمد للَّه كما هو أهله ، شغل كتّاب السماء فيقولون : اللّهمّ انا لا نعلم الغيب ، فيقول : اكتبوها كما قالها عبدي وعليّ ثوابها(6) .

شكر المنعم واجب

قال تعالى : « وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ »(7) ، وقال تعالى : « وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ

ص: 335


1- سورة النساء : 88 .
2- سورة الأعراف : 186 .
3- سورة الرعد : 33 .
4- سورة الشورى : 44 .
5- سورة النحل : 96 .
6- أعلام الدين : 360 ، ح 26 ؛ بحار الأنوار : 90/216 ، ذ ح 21 .
7- سورة ابراهيم : 7 .

كَريمٌ »(1) إلى غير هذه من الآيات الكثيرة .

من السنّة

ومن السنّة أخبار كثيرة مثل ما رواه :

عبداللَّه بن اسحاق الجعفري عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : مكتوب في التوراة اشكُر من أنعم عليك واَنعِم على من شكرك ، فانه لا زوال للنعماء اذا شكرت ، ولا بقاء لها اذا كفِرَت ، الشكر زيادة في النعم وأمان من الغير(2) .

وعن معاوية بن وهب عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : من أعطى الشكر اعطى الزيادة يقول اللَّه عزّوجلّ : « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزيدَنَّكُمْ »(3) .(4)

وعن عبيداللَّه بن الوليد قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : ثلاث لا يضرّ معهنّ شي ء : الدعاء عند الكرب والاستغفار عند الذنب والشكر عند النعمة(5) .

وروى معمّر بن خلّاد قال : سمعت أبا الحسن صلوات اللَّه عليه يقول : من حمد اللَّه على النعمة فقد شكره وكان الحمد أفضل من تلك النعمة(6) .

وروى سفيان بن عيينة عن عمّار الدهني قال : سمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول : إنّ اللَّه يحبّ كلّ قلب حزين ويحب كلّ عبد شكور ، يقول اللَّه تبارك وتعالى

ص: 336


1- سورة النمل : 40 .
2- الكافي : 2/94 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 13/360 ، ح 72 .
3- سورة ابراهيم : 7 .
4- الكافي 2/95 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 68/40 ، ح 27 .
5- الكافي 2/95 ، ح 7 ؛ بحار الأنوار : 68/40 ، ح 26 .
6- الكافي : 2/96 ، ح 13 ؛ بحار الأنوار : 68/31 ، ح 8 .

لعبد من عبيده يوم القيامة أشكرت فلاناً ؟ فيقول : بل شكرتك يا ربّ ، فيقول : لم تشكرني اذ لم تشكره ، ثمّ قال : اشكركم للَّه اشكركم للناس(1) . إلى غير هذه من الأخبار .

وَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ

عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : ما قلت ولا قال القائلون قبلي مثل لا إله إلّا اللَّه(2) .

ورد لهذه الكلمة الطيّبة فضائل كثيرة في أخبار أهل العصمة عليهم السلام نذكر بعضها .

فعن أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : ما من شي ء أعظم ثواباً من شهادة أن لا إله إلّا اللَّه ، ان اللَّه عزّوجلّ لا يعدّ له شي ء ولا يشركه في الأُمور أحد(3) .

وعن السكوني عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : خير العبادة قول لا إله إلّا اللَّه(4) .

وعن أبي الطفيل عن علي عليه السلام قال : ما من عبد مسلم يقول : لا إله إلّا اللَّه إلّا صعدت تخرق كلّ سقف ، لا تمرّ بشي ء من سيّئاته إلّا طلستها حتّى تنتهي إلى مثلها من الحسنات فتقف(5) .

ص: 337


1- الكافي : 2/99 ، ح 30 ؛ بحار الأنوار : 68/38 ، ح 25 .
2- ثواب الأعمال : 3 - 4 ؛ بحار الأنوار : 90/195 ، ح 11 .
3- الكافي : 2/516 ، ح 1 ؛ ثواب الأعمال : 3 ؛ بحار الأنوار : 3/3 ، ح 5 .
4- الكافي : 2/506 ، ح 5 ؛ ثواب الأعمال : 4 ؛ بحار الأنوار : 90/195 ، ح 13 .
5- التوحيد : 21 ، ح 12 ؛ بحار الأنوار : 90/195 ، ح 14 .

وعن الشيباني عن الرضا عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : انّ للَّه عزّوجلّ عموداً من ياقوت أحمر رأسه تحت العرش وأسفله في الأرض السابعة السفلى فاذا قال العبد : لا اله إلّا اللَّه وحده لا شريك له ، اهتزّ العرش وتحرّك العمود ، فيقول اللَّه عزّوجلّ : اسكن يا عرشي ، فيقول : يا ربّ كيف اسكن وأنت لم تغفر لقائلها ، فيقول اللَّه تبارك وتعالى : اشهدوا سكّان سماواتي اني قد غفرت لقائلها(1) .

وعن عبدالسلام بن صالح الهروي قال : كنت مع علي بن موسى الرضا عليه السلام حين رحل من نيسابور وهو راكب بغلة شهباء فاذا محمد بن رافع وأحمد بن الحرث ويحيى بن يحيى واسحاق بن راهويه وعدّة من أهل العلم قد تعلّقوا بلجام بغلته في ا لمربعة فقالوا : بحقّ آبائك الطاهرين حدّثنا بحديث سمعته من أبيك ، فأخرج رأسه من العمارية وعليه مطرف خز ذو وجهين وقال : حدّثنا أبي العبد الصالح موسى بن جعفر ، قال : حدّثني أبي الصادق جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أبي أبو جعفر بن علي باقر علوم الأنبياء ، قال : حدّثني أبي علي بن الحسين سيّد العابدين ، قال : حدّثني أبي سيّد شباب أهل الجنّة الحسين ، قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول : سمعت جبرئيل يقول : قال اللَّه جلّ جلاله : اني أنا اللَّه لا إله إلّا أنا فاعبدني ، من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلّا اللَّه بالاخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي(2) وفي رواية اخرى نحوه وفي آخرها : فلمّا مرّت الراحلة نادانا بشروطها وأنا من شروطها(3) .

ص: 338


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/32 ، ح 43 ؛ بحار الأنوار : 90/193 ، ح 6 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/134 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 3/6 ، ح 15 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/135 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 3/7 ، ح 16 .

قال مصنّف هذا الكتاب رحمه الله من شروطها الاقرار للرضا عليه السلام بأنه امام من قبل اللَّه عزّوجلّ على العباد مفترض الطاعة عليهم(1) .

وعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله قال : قال اللَّه جلّ جلاله لموسى بن عمران : يا موسى لو أنّ السموات وعامريهنّ عندي والأرضين السبع في كفه ولا اله إلّا اللَّه في كفّة مالت بهنّ لا إله إلّا اللَّه(2) .

وعن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : لقّنوا موتاكم لا إله إلّا اللَّه فانها تهدم الذنوب ، فقالوا : يا رسول اللَّه فمن قال في صحته ؟ فقال صلى الله عليه وآله : ذاك اهدم وأهدم ، انّ لا اله إلّا اللَّه أنس للمؤمن في حياته وعند موته وحين يبعث ، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : قال جبرئيل عليهما السلام : يا محمد لو تراهم حين يبعثون هذا مبيض وجهه ينادي لا إله إلّا اللَّه واللَّه أكبر وهذا مسود وجهه ينادي يا ويلاه يا ثبوراه(3) .

وعن عبداللَّه بن الوليد رفعه قال : قال النبي صلى الله عليه وآله : من قال لا إله إلّا اللَّه غرست له شجرة في الجنّة من ياقوتة حمراء منبتها في مسك أبيض أبيض أحلى من العسل وأشدّ بياضاً من الثلج وأطيب ريحاً من المسك فيها ثمار أمثال أثداء الابكار تفلق عن سبعين حلّة(4) .

شَهَادَةً مُمْتَحَناً إِخْلاصُهَا مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : ان لا إله إلّا اللَّه كلمة عظيمة كريمة على اللَّه عزّوجلّ ، من

ص: 339


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/135 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 3/7 ، ح 16 .
2- ثواب الأعمال : 2 ؛ بحار الأنوار : 90/196 ، ح 18 .
3- ثواب الأعمال : 2 ؛ بحار الأنوار : 90/200 - 201 ، ح 32 .
4- ثواب الأعمال : 3 ؛ بحار الأنوار : 90/201 ، ح 34 .

قالها مخلصاً استوجب الجنّة ومن قالها كاذباً عصمت ماله ودمه وكان مصيره إلى النار(1) .

وعن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وآله قال : من قال لا إله إلّا اللَّه مخلصاً دخل الجنّة واخلاصه بها أن يحجزه لا إله إلّا اللَّه عمّا حرّم اللَّه(2) .

وعن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أتاني جبرئيل عليه السلام بين الصفا والمروة فقال : يا محمّد طوبى لمن قال من أُمّتك لا إله إلّا اللَّه مخلصاً(3) .

وعن أبان بن تغلب عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : يا أبان اذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث : من شهد أن لا إله إلّا اللَّه مخلصاً وجبت له الجنة ، قال : قلت له : انه يأتيني من كلّ صنف من الأصناف فأروي لهم هذا الحديث ؟ قال : نعم ، يا أبان إنه اذا كان يوم القيامة وجمع اللَّه الأوّلين والآخرين فيسلب منهم لا إله إلّا اللَّه إلّا من كان على هذا الأمر(4) .

وقد شهد له عليه السلام النبي صلى الله عليه وآله في كون ايمانه عليه السلام باللَّه تعالى ممتحناً اخلاصها معتقداً مصاصها في قوله صلى الله عليه وآله يا علي : ان الايمان خالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي الحديث(5) .

وأنبأ عليه السلام به عن نفسه في قوله : لو كشف الغطاء ماازددت يقيناً(6) .

ص: 340


1- التوحيد : 23 ، ح 18 ؛ بحار الأنوار : 3/5 ، ح 13 .
2- ثواب الأعمال : 5 ؛ بحار الأنوار : 90/197 ، ح 22 .
3- ثواب الأعمال : 5 ؛ بحار الأنوار : 90/206 ، ح 4 .
4- المحاسن : 1/33 ، ح 23 ؛ بحار الأنوار : 3/12 ، ح 25 ؛ الكافي : 2/520 ، ح 1 .
5- بحار الأنوار : 37/272 .
6- المناقب : 2/38 ؛ بحار الأنوار : 40/153 .

نَتَمَسَّكُ بِهَا أَبَداً مَا أَبْقَانَا وَنَدَّخِرُهَا لِأَهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا

في خبر سلسلة الذهب عن الرضا عليه السلام قال اللَّه عزّوجلّ : من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلّا اللَّه بالاخلاص دخل في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي(1) .

قال تعالى : « يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبيهِ * وَصاحِبَتِهِ وَبَنيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ * تَرْهَقُها قَتَرَةٌ * أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ »(2) .

وقال تعالى : « فَأَمَّا مَنْ طَغى * وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا * فَإِنَّ الْجَحيمَ هِيَ الْمَأْوى * وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى »(3) .

عَزِيمَةُ الإِيمَانِ

قال تعالى : « لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ »(4) .

وَفَاتِحَةُ الإِحْسَانِ

أي ابتداء الاحسان وأوّله واضافته إليه من قبيل اضافة الجزئي إلى الكل ويدلّ على صحّة اطلاقه بذلك ما رواه في الأمالي عن موسى بن اسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام سنة خمسين

ص: 341


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2/134 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : ج 3 ، ص 6 ، ح 15 .
2- سورة عبس : 34 - 42 .
3- سورة النازعات : 37 - 41 .
4- سورة البيّنة : 5 .

ومأتين قال : حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ : « هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ »(1) قال : « سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : إنّ اللَّه عزّوجلّ قال : ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلّا الجنّة »(2) .

ويحتمل أن تكون الاضافة لاميّة والفاتحة وصفاً من الفتح ضدّ الغلق والمعنى انّ الشهادة باعثة لفتح أبواب الاحسان ويدلّ عليه ما رواه في الاحتجاج عن أميرالمؤمنين عليه السلام : من قال لا إله إلّا اللَّه مخلصاً طمست ذنوبه كما يطمس الحرف الأسود من الرقّ الأبيض ، فان قال ثانية لا إله إلّا اللَّه مخلصاً خرقت أبواب السماوات وصفوف الملائكة حتّى يقول الملائكة بعضها لبعض : اخشعوا لعظمة اللَّه ، فاذا قال ثالثة لا إله إلّا اللَّه مخلصاً تنته دون العرش فيقول الجليل : اسكني فوعزّتي وجلالي لأغفرنّ لقائلك بما كان فيه ثمّ تلا هذه الآية : « إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ »(3) يعنى إذا كان عمله صالحاً ارتفع قوله وكلامه(4) .

مَرْضَاةُ الرَّحْمَنِ

قال تعالى : « رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ »(5) .

ص: 342


1- سورة الرحمن : 60 .
2- الأمالي الصدوق : 387 ، 613 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 3/3 ، ح 2 .
3- سورة فاطر : 10 .
4- الاحتجاج : 1/260 ؛ بحار الأنوار : 90/198 ، ح 25 .
5- سورة المائدة : 119 .

عن أبي عبداللَّه جعفر عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أتاني جبرئيل بين الصفا والمروة فقال : يا محمّد طوبى لمن قال من أُمّتك لا إله إلّا اللَّه وحده مخلصاً(1) .

وَمَدْحَرَةُ الشَّيْطَانِ

قال تعالى حكاية عن الشيطان انه قال : « وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعينَ * إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الُْمخْلَصينَ »(2) .

وفي عدّة الداعي لأحمد بن فهد الحلّي قال : وقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله : على كلّ قلب جاثم من الشيطان فاذا ذكر اسم اللَّه خنس الشيطان وذاب ، واذا ترك الذكر التقمه الشيطان فجذبه وأغواه واستزله واطغاه(3) .

وفي حديث آخر : الشيطان لعنه اللَّه على قلب ابن آدم ، له خرطوم مثل خرطوم الخنزير يوسوس لابن آدم اذا أقبل على الدنيا وما لا يحب اللَّه ، فاذا ذكر اللَّه عزّوجلّ انخس يريد رجع(4) .

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ

قال تعالى في عبوديّته : « سُبْحانَ الَّذي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّميعُ الْبَصيرُ »(5) .

ص: 343


1- التوحيد : 21 ، ح 11 ؛ وسائل الشيعة : 7/213 ، ح 9142 ؛ بحار الأنوار : 90/206 ، ح 4 .
2- سورة الحجر : 39 - 40 .
3- عدّة الداعي : 206 ؛ بحار الأنوار : 67/61 ، ح 42 .
4- تفسير القمي : 2/450 ؛ بحار الأنوار : 67/54 ، ح 18 .
5- سورة الاسراء : 1 .

وقال تعالى : « فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْ حى »(1) .

عن زيد الشحّام قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « إنّ اللَّه تبارك وتعالى اتّخذ ابراهيم عبداً قبل أن يتّخذه نبيّاً وانّ اللَّه اتّخذه نبيّاً قبل أن يتّخذه رسولاً وانّ اللَّه اتّخذه رسولاً قبل أن يتّخذه خليلاً وانّ اللَّه اتّخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً فلمّا جمع له الأشياء « قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً »(2) قال : فمن عظمها في عين ابراهيم « قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ »(3) .

قال : لا يكون السفيه امام التقى(4) .

وَرَسُولُهُ

اشارة

قال تعالى : « وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ »(5) .

وقال تعالى : « وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ »(6) .

فضل الجمع بين الشهادتين

عن أبي عبيدة الحذّاء عن أبي جعفر عليه السلام قال : من قال : أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله كتب اللَّه له ألف ألف حسنة(7) .

ص: 344


1- سورة النجم : 10 .
2- سورة البقرة : 124 .
3- سورة البقرة : 124 .
4- الكافي : 1/175 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 12/12 ، ح 36 .
5- سورة آل عمران : 144 .
6- سورة الأحزاب : 40 .
7- الكافي : 2/518 ، ح 1 ؛ وسائل الشيعة : 7/215 ، ح 9149 .

وعن بشر الأوزاعي عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهما السلام قال : من شهد أن لا إله إلّا اللَّه ولم يشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه صلى الله عليه وآله كتب له عشر حسنات فان شهد أنّ محمّداً رسول اللَّه كتب له ألفي ألف حسنة(1) .

وعن سهل بن سعد الأنصاري قال : سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عن قول اللَّه عزّوجلّ : « وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا »(2) قال : كتب اللَّه عزّوجلّ كتاباً قبل أن يخلق الخلق بألفي عام في ورق آس أنبته ثمّ وضعها على العرش ، ثمّ نادى : يا امّة محمّد إنّ رحمتي سبقت غضبي أعطيتكم قبل أن تسألوني ، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني ، فمن لقيني منكم يشهد أن لا إله إلّا أنا وأنّ محمّداً عبدي ورسولي أدخلته الجنّة برحمتي(3) .

وعن عمرو بن جميع عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من سرّه أن يلقى اللَّه عزّوجلّ يوم القيامة وفي صحيفته شهادة أن لا إله إلّا اللَّه وانّي رسول اللَّه وتفتح له أبواب الجنّة الثمانية ويقال له : يا وليّ اللَّه أدخل من أيّها شئت ، فليقل اذا أصبح : الحمد للَّه الذي ذهب بالليل بقدرته ، وجاء بالنهار برحمته ، خلقاً جديداً ، مرحباً بالحافظين وحيّاهما اللَّه من كاتبين ويلتفت عن يمينه ثمّ يلتفت عن شماله ويقول : اكتبا : بسم اللَّه الرحمن الرحيم اني أشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأشهد أنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ اللَّه يبعث من في القبور ، على ذلك أحيى وعليه أموت ، وعلى ذلك

ص: 345


1- ثواب الأعمال : 9 ؛ المحاسن : 1/33 ، ح 25 .
2- سورة القصص : 46 .
3- ثواب الأعمال : 10 ؛ بحار الأنوار : 3/12 ، ح 24 .

اُبعث إن شاء اللَّه ، اللّهمّ اقرأ محمّداً وآله منّي السلام(1) .

وفي « عدّة الداعي » عن الباقر عليه السلام عن النبيّ صلى الله عليه وآله مثله وزاد في آخره : الحمد للَّه الذي ذهب بالليل بقدرته وجاء بالنهار برحمته ، خلقاً جديداً مرحباً بالحافظين ويلتفت عن يمينه حيّاكما اللَّه من كاتبين ويلتفت عن شماله(2) .

تسمية النبي بمحمّد صلى الله عليه وآله

أوّل من سمّاه بذلك الاسم هو اللَّه سبحانه كما يدلّ عليه حديث عرض الأشباح لآدم عليه السلام حيث قال سبحانه : هذا محمّد وأنا الحميد والمحمود في فعالي ، شققت له من اسمي(3) .

ثمّ سمّاه عبدالمطلب بذلك الهاماً من اللَّه تعالى ، وتفاؤلاً بأنّه يكثر حمد الخلق له لكثرة خصاله الحميدة ، وقد قيل لجدّه عبدالمطلب - وقد سمّاه في يوم سابع ولادته ، لموت أبيه قبلها - : لِمَ سمّيت ابنك محمّداً وليس من أسماء آبائك ولا قومك ؟ فقال : رجوت أن يحمد في السماء والأرض ، وقد حقّق اللَّه رجائه(4) .

ذكر ابن عساكر : انه لما كان اليوم السابع من ولادته ذبح عنه ودعا قريشاً ، فلمّا أكلوا قالوا : يا عبدالمطلب أرأيت ابنك هذا الذي أكرمتنا على وجهه ما سمّيته ؟ قال : سمّيته محمّداً(5) .

ص: 346


1- الأمالي للصدوق : 17 ، 54 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 83/246 ، ح 5 .
2- بحار الأنوار : 83/246 ، ذيل ح 5 .
3- تأويل الآيات الظاهرة : 48 ؛ بحار الأنوار : 11/151 .
4- شرح اللمعة : 1/232 ، ط جديد ؛ شرح اللمعة : 1/5 ، ط قديم .
5- راجع شرح اللمعة : 1 ، ذيل ص 232 ، ط جديد ؛ تاريخ مدينة دمشق : 3/81 .

وعن جعفر بن محمّد عليه السلام عن آبائه الطاهرين عن ابن عبّاس رضي اللَّه عنهم أجمعين قال : « اذا كان يوم القيامة نادى مناد ألا ليقم من اسمه محمّد فليدخل الجنّة لكرامة سميّه محمّد صلى الله عليه وآله»(1) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « لا يولد لنا ولد إلّا سمّيناه محمّداً فاذا مضى لنا سبعة أيّام فان شئنا غيّرنا وإن شئنا تركنا » هذا(2) .

أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ

قال تعالى في دينه صلى الله عليه وآله : « شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهيمَ وَمُوسى وَعيسى أَنْ أَقيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فيهِ »(3) .

وقال تعالى : « إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ »(4) .

وَالْعَلَمِ الْمَأْثُورِ

كلامه عليه السلام اشارة إلى قوله تعالى : « ايْتُوني بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقينَ »(5) .

ص: 347


1- كشف الغمّة : 1/28 ؛ وسائل الشيعة : 21/395 ، ح 17 - 27393 .
2- الكافي : 6/18 ، ح 4 ؛ وسائل الشيعة : 21/392 ، ح 27384 .
3- سورة الشورى : 13 .
4- سورة آل عمران : 19 .
5- سورة الأحقاف : 4 .

وَالْكِتَابِ الْمَسْطُورِ

قال تعالى : « وَالطُّورِ * وَكِتابٍ مَسْطُورٍ * في رَقٍّ مَنْشُورٍ »(1) .

وَالنُّورِ السَّاطِعِ وَالضِّيَاءِ اللّامِعِ

قال تعالى : « قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبينٌ »(2) ، وقال : « يَهْدي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ »(3) ، وقال تعالى : « الَّذينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجيلِ - إلى فَالَّذينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »(4) .

وقال تعالى : « فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذي أَنْزَلْنا »(5) .

وقال تعالى : « وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْري مَا الْكِتابُ وَلاَ الْإيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً »(6) .

وَالْأَمْرِ الصَّادِعِ

قال تعالى : « فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكينَ »(7) .

ص: 348


1- سورة الطور : 1 - 3 .
2- سوة المائدة : 15 .
3- سورة المائدة : 16 .
4- سوة الأعراف : 157 .
5- سورة التغابن : 8 .
6- سورة الشورى : 52 .
7- سورة الحجر : 94 .

وقال تعالى : « وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ في ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ في كِتابٍ مُبينٍ »(1) .

إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ

قال تعالى : « لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ »(2) .

وَاحْتِجَاجاً بِالْبَيِّنَاتِ

قال تعالى : « قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهيراً »(3) ، وقال - عزّوجلّ - « فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ »(4) وقال - جلّ وعلا - « فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقينَ »(5) .

وقال تعالى : « ادْعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ »(6) .

ص: 349


1- سورة الأنعام : 59 .
2- سورة البقرة : 256 .
3- سورة الاسراء : 88 .
4- سورة هود : 13 .
5- سورة يونس : 38 .
6- سورة النحل : 125 .

وَتَحْذِيراً بِالْآيَاتِ

أي انذاراً بالآيات القرآنيّة . قال تعالى : « إِنَّ الْمُنافِقينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ »(1) ويحتمل أن يكون المراد بالآيات العقوبات النازلة بالعصاة كما قال تعالى : « أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ في ذلِكَ لآَياتٍ لِلْمُتَوَسِّمينَ »(2) ، وقال تعالى : « فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ »(3) .

وفي تفسير القمي : كان الوليد بن مغيرة شيخاً كبيراً مجرّباً من دهاة العرب ، وكان من المستهزئين برسول اللَّه صلى الله عليه وآله وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقعد في الحجرة ويقرأ القرآن فاجتمعت قريش إلى الوليد بن مغيرة ، فقالوا : يا أبا عبدالشمس ما هذا الذي يقول محمّد ، أشعر هو أم كهانة أم خطب ؟ فقال : دعوني أسمع كلامه ، فدنا من رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال : يا محمّد أنشدني من شعرك ، قال : ما هو شعر ولكنّه كلام اللَّه الذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه ، فقال : اتل علي منه شيئاً ، فقرأ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حم السجدة فلمّا بلغ قوله : « فان أعرضوا » يا محمّد أعني قريشاً « فقل لهم أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود » ، قال : فاقشعرّ الوليد وقامت كلّ شعرة في رأسه ولحيته ومرّ إلى بيته ولم يرجع إلى قريش من ذلك - الخبر -(4) .

ص: 350


1- سورة النساء : 145 .
2- سورة الحجر : 74 - 75 .
3- سورة يونس : 92 .
4- تفسير القمي : 2/393 ؛ بحار الأنوار : 9/244 ، ح 148 .

وَتَخْوِيفاً بِالْمَثُلاتِ

الأظهر انّ المراد بالتمثيل والتنكيل بجدع الأنف وقطع الاذن ونحوها وقد نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عنه وخوف له ، كما يدلّ عليه وصيّته عليه السلام الآتية في الكتاب للحسن والحسين عليهما السلام لمّا ضربه ابن ملجم : يا بني عبدالمطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً ، تقولون قتل أميرالمؤمنين ، ألا لا تقتلنّ بي إلّا قاتلي انظروا اذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربةٍ ولا تمثّلوا بالرجل فانّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول : إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور(1) .

وعن اسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : إنّ اللَّه عزّوجلّ يقول في كتابه : « وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً »(2) ، فما هذا الاسراف الذي نهى اللَّه عزّوجلّ منه ؟ قال : نهى أن يقتل غير قاتله أو يُمثّل بالقاتل(3) .

وفي مفتاح السعادة : فيه اشارة إلى العقوبات الواردة على الأمم السالفة بسبب عصيانهم وتمرّدهم عن طاعة اللَّه كقضيّة قوم لوط وقوم عاد وثمود وقوم نوح ويونس وغيرها كلّ ذلك لأنّ يعتبروا به ولا يحذو حذوهم من كان بعدهم كما قال اللَّه تعالى « إِنَّ في ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى »(4) .

وقال في المنجد : والمثلة أيضاً ما أصاب القرون الماضية من العذاب وهي عبر

ص: 351


1- نهج البلاغة : كتاب 47 .
2- سورة الاسراء : 33 .
3- الكافي : 7/370 ، ح 7 ؛ وسائل الشيعة : 29/127 ، ح 35312 .
4- سورة النازعات : 26 .

يعتبر بها ، ج : مثلات(1) .

وَالنَّاسُ فِي فِتَنٍ انْجَذَمَ فِيهَا

قال تعالى : « وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَميعاً وَلا تَفَرَّقُوا »(2) .

جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ

قال تعالى : « يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ »(3) .

بِأَرْضٍ عَالِمُهَا مُلْجَمٌ

اشارة

قال ابن قتيبة في « معارفه » كان جمع قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله على دين اللَّه تعالى - وعدّ منهم زيد بن عمرو ابن عمّ عمر - قال : فاولع [عمر بن] الخطاب به سفهاء مكّة فآذوه فخرج إلى الشام فقتله النصارى(4) وفي « سنن أبي داود » : انّ قريشاً أهمّتهم شأن المرأة المخزوميّة التي سرقت ، فقالوا : من يكلّم فيها - أي مع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله - قالوا : ومن يجترئ إلّا أسامة بن زيد حبّ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله فكلّمه اُسامة ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : يا اسامة أتشفّع في حدّ من حدود اللَّه ؟ ثمّ قال فاختطب فقال : إنّما هلك الذين من قبلكم انّهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف

ص: 352


1- مفتاح السعادة : 2/64 .
2- سورة آل عمران : 103 .
3- سورة الذاريات : 13 .
4- المعارف لابن قتيبة : 59 ؛ مروج الذهب 1/84 ؛ السيرة النبويّة لابن هشام : 1/148 وفي بهج الصباغة : 2/153 « عمر » .

تركوه ، واذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ ، وأيم اللَّه لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها(1) .

ومنها يعني آل النبيّ عليهم السلام

قال الجاحظ - كما نقل عنه ( ينابيع مودة الحنفي ) - : ان الخصومات نقصت العقول السليمة ، وأفسدت الأخلاق الحسنة ، من المنازعة في فضل أهل البيت على غيرهم ، فالواجب علينا طلب الحق واتباعه ، وطلب مراد اللَّه في كتابه وترك التعصّب والهوى ، وطرح تقليد السلف ، والأساتيذ والآباء ، واعلم ان اللَّه لو أراد ان يسوّى بين بني هاشم وبين الناس لما اختصّهم بسهم ذوى القربى ، ولما قال : « وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ الْأَقْرَبينَ »(2) ولما قال : « وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ »(3) ، فاذن [فاذا] كان لقومه ما ليس لغيرهم ، فكلّ من كان أقرب منه صلى الله عليه وآله كان أرفع قدراً ، ولو سوّاهم اللَّه بالناس لما حرّم عليهم الصدقة ، وما هذا التحريم إلّا لكرامتهم على اللَّه وطهارتهم ، ولهذا قال عليّ كرم اللَّه وجهه على منبر الجماعة : « نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد »(4) .

وقال محمد بن جرير بن رستم الطبري : قال أميرالمؤمنين عليه السلام في خطبة له : هلك من قارن حسداً ، وقال باطلاً ، ووالى على عداوتنا ، أو شكّ في فضلنا ، انه لا يقاس بنا آل محمد من هذه الأمّة احد ، ولا سوّى بنا من جرت نعمتنا عليهم ، نحن

ص: 353


1- سنن أبي داود : 2/332 ، ح 4373 .
2- سورة الشعراء : 214 .
3- سورة الزخرف : 44 .
4- ينابيع المودة للقندوزي : 1/457 .

أطول الناس أغراساً ، ونحن أفضل الناس أنفاساً ، ونحن عماد الدين ، بنا يلحق التالي ، والينا يفئ الغالي ، ولنا خصائص حقّ الولاية ، وفينا الوصية والوراثة ، وحجة اللَّه عليكم في حجة الوداع يوم غدير خم ، وبذى الحليفة ، وبعده المقام الثالث باحجار الزيت ، تلك فرائض ضيّعتموها ، وحرمات انتهكتموها ، ولو سلّتم الأمر لأهله [سلمتم] ، ولو ابصرتم باب الهدى رشدتم ، اللهمّ اني قد بصّرتهم الحكمة ، ودللتهم على طريق الرحمة ، وحرصت على توفيقهم بالتنبيه والتذكرة ، ودللتهم على طريق الجنة بالتبصر والعدل والتأنيب ليثبت راجع ويقبل ، ويتعّظ مذّكر فلم يطع لي قول . اللهم انّي اعيد عليهم القول ليكون اثبت للحجة عليهم ، يا ايها الناس اعرفوا فضل من فضل اللَّه ، واختاروا حيث اختار اللَّه ، واعلموا انّ اللَّه قد فضّلنا أهل البيت بمنّة حيث يقول : « إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً »(1) ، فقد طهّرنا اللَّه من الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ومن كل دنيّة وكل رجاسة ، فنحن على منهاج الحق ، ومن خالفنا فعلى منهاج الباطل ، واللَّه لئن خالفتم أهل بيت نبيّكم لتخالفنّ الحق(2) .

وقال عليه السلام أيضاً : ولقد علم المستحفظون من اصحاب محمد صلى الله عليه وآله انه قال : اني وأهل بيتي مطهرون فلا تسبقوهم فتضلوا ، ولا تتخلفوا عنهم فتزلوا، ولا تخالفوهم فتجهلوا ، ولا تعلّموهم فانهم اعلم منكم ، هم اعلم الناس كباراً ، واحلم الناس صغاراً ، فاتبعوا الحق وأهله حيث كان(3) .

ص: 354


1- سورة الاحزاب : 33 .
2- المسترشد : 399 ، ش 133 .
3- تفسير القمي : 1/4 ؛ بحار الأنوار : 23/130 ، ح 62 .

وعن جميل بن صالح عن أبي خالد الكابلي عن الأصبغ بن نباتة قال : دخل الحارث الهمداني على أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في نفر من الشيعة وكنت فيهم فجعل الحارث يتأود في مشيته ويخبط الأرض بمحجنه وكان مريضاً فاقبل عليه أميرالمؤمنين عليه السلام وكانت له منه منزلة ، فقال عليه السلام : كيف تجدك يا حارث ؟ فقال : نال الدهر يا أميرالمؤمنين مني وزادني أواراً وغليلاً اختصام اصحابك ببابك ، قال عليه السلام : وفيم خصومتهم ؟

قال : فيك وفي الثلاثة من قبلك ، فمن مفرط منهم غال ومقتصد قال (قال) ومن مترد ومرتاب لا يدري أيقدم أم يحجم ؟ فقال عليه السلام : حسبك يا أخا همدان ، ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التالي ، فقال له الحارث : لو كشفت فداك أبي وأمي الرين عن قلوبنا وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا ، قال عليه السلام : قدك ، فانك امرؤ ملبوس عليك ، ان دين اللَّه لا يعرف بالرجال ، بل بآية الحق ، فاعرف الحق تعرف أهله ، يا حارث ان الحق أحسن الحديث ، والصارع به مجاهد ، وبالحق أخبرك فأرعني سمعك ، ثم خبّر به من كان له حصافة من أصحابك ، ألا اني عبداللَّه وأخو رسوله وصديقه الأول صدقته وآدم بين الروح والجسد ، ثم اني صديقه الأول في امتكم حقّاً ، فنحن الأولون ، ونحن الآخرون ، ونحن خاصته يا حارث وخالصته ، وانا صنوه ووصيه ووليه وصاحب نجواه وسرّه ، أوتيت فيهم الكتاب وفصل الخطاب وعلم القرون والاسباب ، واستودعت الف مفتاح ، يفتح كل مفتاح ألف باب ، يفضي كل باب إلى ألف ألف عهد ، وأيدت واتخذت وأمددت بليلة القدر نفلاً ، وان ذلك يجري لي ولمن استحفظ من ذريتي ما جرى الليل والنهار حتى يرث اللَّه الأرض ومن عليها ، وأبشرك يا حارث

ص: 355

لتعرفني عند الممات وعند الصراط وعند الحوض وعند المقاسمة ، قال الحارث : وما المقاسمة يا مولاى ؟ قال عليه السلام : مقاسمة النار ، اقاسمها قسمة صحيحة أقول : هذا وليّي فاتركيه ، وهذا عدوي فخديه ، ثم أخذ اميرالمؤمنين عليه السلام بيد الحارث فقال : يا حارث أخذت بيدك كما أخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بيدي ، فقال لي - وقد شكوت إليه حسد قريش والمنافقين لي - إنه إذا كان يوم القيامة أخذت بحبل اللَّه وبحجزته يعني عصمته من ذي العرش تعالى ، واخذت انت يا علي بحجزتي ، وأخذ ذريتك بحجزتك ، وأخذ شيعتكم بحجزتكم ، فماذا يصنع اللَّه بنبيه وما يصنع نبيه بوصيه ؟ خدها إليك يا حارث قصيرة من طويلة ، نعم أنت مع من أحببت ، ولك ما اكتسبت يقولهات ثلاثاً ، فقام الحارث يجرردائه وهو يقول : ما ابالي بعدها متى لقيت الموت أو لقيني .

قال جميل بن صالح(1) : وأنشدني أبوهاشم السيد الحميري رحمه الله(2) فيما تضمنه هذا الخبر :

قول علي لحارث عجب * كم ثم أعجوبة له حملا

يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه واعرفه * بنعته واسمه وما عملا

وانت عند الصراط تعرفني * فلا تخف عثرة ولا زللا

اسقيك من بارد على ظماٍ * تخاله في الحلاوة العسلا

ص: 356


1- راوي الخبر عن أبي خالد الكابلي عن الاصبغ بن نباته .
2- هو إسماعيل بن محمّد الحميري ، لقب بالسيّد ولم يكن علويّاً ولا هاشميّاً . عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام وقال : إسماعيل بن محمّد الحميري السيّد الشاعر يكنّى أبا عامر ، وكان كسيانيّاً فاستبصر وحسن ايمانه .

أقول للنارحين توقف * للعرض دعية لا تقربى الرجلا

دعيه لا تقربيه ان له * حبلا بحبل الوصي متصلا(1)

هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ

اشارة

عن خثيمة قال : قال لي أبوعبداللَّه عليه السلام : يا خثيمة نحن شجرة النبوة ، وبيت الرحمة ، ومفاتيح الحكمة ، ومعدن العلم ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وموضع سرّ اللَّه(2) .

وعن سورة بن كليب قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : « واللَّه أنا لخزّان اللَّه في سمائه وأرضه ، لا على ذهب ولا على فضّة إلّا على علمه »(3) .

وعن سدير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : جعلت فداك ، ما أنتم ؟ قال عليه السلام : « نحن خزّان علم اللَّه ، ونحن تراجمة وحي اللَّه ، ونحن الحجّة البالغة على من دون السماء ومن فوق الأرض »(4) .

وعن علي بن جعفر ، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال : « قال أبو عبداللَّه عليه السلام : انّ اللَّه عزّوجلّ خلقنافأحسن خلقنا ، وصوّرنا فأحسن صورنا ، وجعلنا خزانه في سمائه وأرضه ، ولنا نطقت الشجرة ، وبعبادتنا عُبد اللَّه عزّوجلّ ولولانا ما عُبِدَ اللَّه »(5) .

ص: 357


1- الامالي للمفيد : 3 ، 13 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 6/178 ، ح 7 .
2- الكافي : 1/221 ، ح 3 ؛ بصائر الدرجات : 57 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 26/245 ، ح 9 .
3- الكافي : 1/192 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 26/105 ، ح 1 .
4- الكافي : 1/192 ، ح 3 ؛ تفسير نور الثقلين : 1/776 ، ح 333 .
5- الكافي : 1/193 ، ح 6 ؛ نور الثقلين : 5/340 ، ح 12 .

وعن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « انّ منّا لخزنة اللَّه في الأرض وخزنته في السماء ، لسنا بخزّان على ذهب ولا فضّة »(1) .

وعن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : واللَّه انّا لخزّان اللَّه في سمائه وخزّانه في أرضه ، لا على ذهب ولا على فضّة ، وانّ منّا لحملة العرش يوم القيامة »(2) .

وعن سدير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : « نحن خزّان اللَّه في الدنيا والآخرة ، وشيعتنا خزّاننا »(3) .

وعن حمران ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « انّ اللَّه تبارك وتعالى أخذ الميثاق على اولى العزم انّي ربّكم ، ومحمّد صلى الله عليه وآله رسولي ، وعليّ أميرالمؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزّان علمي ، وانّ المهدي انتصر به لديني »(4) .

وعن أبي بصير قال ، قال أبوعبداللَّه عليه السلام : يا أبا محمد انّ عندنا واللَّه سرّاً من سرّاللَّه وعلماً من علم اللَّه ، واللَّه ما يحتمله ملك مقرب ولاني مرسل ولا مؤمن امتحن اللَّه قلبه للايمان ، واللَّه ما كلف اللَّه ذلك احداً غيرنا ولا استعبد بذلك احداً غيرنا ، وان عندنا سرّاً من سرّ اللَّه ، وعلماً من علم اللَّه ، امرنا اللَّه بتبليغه ، فَبَلَّغْنا عن اللَّه عزوجل ما أمرنا تببليغه ، فلم نجد له موضعاً ولا أهلاً ولا حمّالة يحتملونه حتى خلق اللَّه لذلك اقواماً ، خلقوا من طينة خلق منها محمد وآله وذرّيّته عليهم السلام و من نور خلق اللَّه منه محمداً وذرّيّته وصنعهم بفضل رحمته التي صنع منها محمداً وذرّيّته ،

ص: 358


1- بصائر الدرجات : 1/104 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 26/105 ، ح 2 .
2- بصائر الدرجات : 1/104 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 26/105 ، ح 3 .
3- بصائر الدرجات : 1/105 ، ح 11 ؛ بحار الأنوار : 25/106 ، ح 5 .
4- بصائر الدرجات : 1/106 ، ح 14 ؛ بحار الأنوار : 26/108 ، ح 13 .

فبلغنا عن اللَّه ما أمرنا بتبليغه ، فقبلوه واحتملوا ذلك فَبَلَغَهم ذلك عنّا فقبلوه واحتملوه وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلى معرفتنا وحديثنا ، فلولا انهم خلقوا من هذا لما كانوا كذلك ، لا واللَّه ما احتملوه ، ثم قال : ان اللَّه خلق اقواماً لجهنم والنار ، فامرنا ان نبلّعهم كما بلّغناهم واشمأزّوا من ذلك ونفرت قلوبهم وردّوه علينا ولم يحتملوه وكذّبوا به وقالوا ساحر كذّاب ، فطبع اللَّه على قلوبهم وأنساهم ذلك ، ثمّ اطلق اللَّه لسانهم ببعض الحق ، فهم ينطقون به وقلوبهم منكرة ، ليكون ذلك دفعاً عن أوليائه وأهل طاعته ، ولولا ذلك ما عبداللَّه في أرضه ، فامرنا بالكف عنهم والستر والكتمان فاكتموا عمّن امر اللَّه بالكفّ عنه واستروا عمّن امر اللَّه بالستر والكتمان عنه ، قال : ثمّ رفع يده وبكى وقال : اللهم ان هؤلاء لشرذمة قليلون فاجعل محيانا محياهم ومماتنا مماتهم ولا تسلط عليهم عدوّاً لك فتفجعنا بهم ، فانّك إن افجعتنا بهم لم تعبد أبداً في أرضك وصلى اللَّه على محمد وآله وسلّم تسليماً(1) .

مراتب السرّ

فمنها المختص بهم عليهم السلام ويشهد به ما عن أبي الصامت قال : سمعت أباعبداللَّه عليه السلام يقول : ان من حديثنا ما لا يحتمله ملك مقرب ولا نبيّ مرسل ولا عبدٌ مؤمن ، قلت : فمن يحتمله ؟ قال عليه السلام : نحن نحتمله(2) .

ومنها السرّ الذي هو ادنى من ذلك ، فعن عمرو بن اليسع عن شعيب الحداد قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول : ان حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله

ص: 359


1- الكافي : 1/402 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 25/385 - 386 ، ح 44 .
2- بصائر الدرجات : 23 ، ح 11 ؛ بحار الأنوار : 2/193 ، ح 36 .

إلّا ملك مقرب ، أو نبي مرسل ، أو عبد امتحن اللَّه قلبه للايمان ، أو مدينة حصينة ، قال عمرو فقلت لشعيب : يا اباالحسن وأي شي ء المدينة الحصينة ؟ قال : فقال : سألت الصادق عليه السلام عنها ، فقال لي : القلب المجتمع(1) .

يظهرونه لبعض خواصهم على مراتب استعدادهم

ولذا ورد عن علي بن الحسين عليهما السلام : واللَّه لو علم ابوذر ما في قلب سلمان لقتله(2) .

وورد عن أميرالمؤمنين عليه السلام بعد ما سئله عليه السلام كميل بن زياد الحنفي - وقد بلغك جلالة قدره - عن الحقيقة : مالك والحقيقة ؟ قال : أوَلَسْتُ صاحب سرّك ؟ قال عليه السلام : بلي ولكن يترشح عليك ما يطفح مني(3) .

وعن عبدالرحمن بن كثير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : أتى الحسين عليه السلام اناس فقالوا له : يا اباعبداللَّه حدثنا بفضلكم الذي جعل اللَّه لكم ، فقال : انكم لاتحتملونه ولا تطيقونه ، قالوا : بلى نحتمل ، قال : ان كنتم صادقين فليتنح اثنان وأحدث واحداً فان احتمله حدّثتكم ، فتنحى اثنان وحدّث واحداً ، فقام طائر العقل ومرّ على وجهه وذهب ، فكلمه صاحباه ، فلم يردّ عليهما شيئاً وانصرفوا(4) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : اتى رجل الحسين بن علي عليه السلام فقال : حدثني

ص: 360


1- الخصال : 1/208 ، ح 27 ؛ بحار الأنوار : 2/183 ، ح 1 .
2- الكافي : 1/401 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 22/343 ، ح 53 .
3- التحفة السنية ( مخطوط ) ، السيد عبداللَّه الجزائري : 8 ؛ نور البراهين : 1/221 - وفيه : ولكن اخاف ان يطفح عليك ما يرشح مني ؛ روضة المتّقين : 2/81 .
4- الخرائج والجرائح : 2/795 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 25/378 ، ح 26 .

بفضلكم الذي جعل اللَّه لكم قال : انّك لي تطيق حمله ، قال : بلي ، حدثني يا ابن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله . اني احتمله ، فحدثه بحديث فما فرغ الحسين عليه السلام من حديثه حتى ابيض رأس الرجل ولحيته وأنسى الحديث ، فقال الحسين عليه السلام : ادركته رحمة اللَّه حيث أنسى الحديث(1) .

ومن كتاب اللباب لابن الشريفة الواسطي يرفعه إلى ميثم التمار قال : بينما انا في السوق اذ أتى اصبغ بن نباتة قال : ويحك يا ميثم لقد سمعت من أميرالمؤمنين عليه السلام حديثاً صعباً شديداً ، قلت : وما هو ؟ قال : سمعته يقول : انّ حديث أهل البيت صعب مستصعب لا يحتمله إلّا ملك مقرب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن امتحن اللَّه قلبه للايمان ، فقمت من فورتي فأتيت علياً عليه السلام فقلت : يا أميرالمؤمنين حديث أخبرني به اصبغ عنك قد ضقت به ذرعاً ، فقال عليه السلام : ما هو ؟ فأخبرته به فتبسّم ثم قال : اجلس يا ميثم ، أو كل علم يحتمله عالم ؟ ان اللَّه تعالى قال للملائكة : « إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ »(2) .

فهل رأيت الملائكة احتملوا العلم ؟ قال : قلت : وانّ هذا اعظم من ذلك ، قال : والأخرى انّ موسى بن عمران انزل اللَّه عليه التوراة فظن ان لا أحد اعلم منه فاخبره انّ في خلقه أعلم منه ، وذلك اذ خاف على نبيّه العجب قال : فدعا ربّه ان يرشده إلى العالم قال : فجمع اللَّه بينه وبين الخضر عليه السلام فخرق السفينة فلم يحتمل ذلك موسى ، وقتل الغلام فلم يحتمله ، وأقام الجدار فلم يحتمله .

ص: 361


1- الخرائج والجرائح : 2/795 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 25/379 ، ح 27 .
2- سورة البقرة : 30 .

واما النبيّون فانّ نبيّنا صلى الله عليه وآله اخذ يوم غدير خمّ بيدي فقال : « اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه » فهل رأيت احتملوا ذلك إلّا من عصم اللَّه منهم ، فأبشروا ثمّ أبشروا فان اللَّه قد خصّكم بما لم يخص به الملائكة والنبيين والمرسلين فيما احتملتم ذلك في أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وعلمه ، فحدّثوا عن فضلنا ولا حرج وعن عظيم امرنا ولا اثم ، قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أمرنا معاشر الأنبياء ان نخاطب الناس على قدر عقولهم .

قال المجلسي رحمه الله بعد ذكر الحديث : لعل المراد بآخر الخبر ان كل ما رويتم في فضلنات فهو دون درجتنا لأنّا نكلّم الناس على قدر عقولهم ، أو المعنى أنّا كلّفنا بذلك ولم تكلّفوا بذلك فقولوا في فضلنا ما شئتم وهو بعيد(1) .

وَ لَجَأُ أَمْرِهِ

قال تعالى : « تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ »(2) .

وقال تعالى : « فيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكيمٍ »(3) .

قال الصادق عليه السلام : ان الناس في تلك الليلة في صلوة ودعاء ومسألة وصاحب هذا الأمر في شغل تنزل الملائكة إليه بامور السنة من غروب الشمس إلى طلوعها(4) .

وقال الصادق عليه السلام : لأبي اسحاق النحوي : ونحن فيما بينكم وبين اللَّه عزوجلّ ،

ص: 362


1- بحار الأنوار : 25/383 ، ح 38 .
2- سورة القدر : 4 .
3- سورة الدخان : 4 .
4- بصائر الدرجات : 220 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 94/22 ، ح 49 .

ما جعل اللَّه لاحد خيراً في خلاف أمرنا(1) .

وقال الباقر عليه السلام : انه لينزل في ليلة القدر إلى ولىّ الأمر تفسير الأمور سنة سنة ، يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا ، وفي أمر الناس بكذا وكذا(2) .

وَ عَيْبَةُ عِلْمِهِ

اشارة

عن عبدالرحمن بن كثير قال سمعت اباعبداللَّه عليه السلام يقول : نحن ولاة أمر اللَّه وخزنة علم اللَّه وعيبة وحى اللَّه(3) .

وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله(4) .

وفي ( عيون ابن قتيبة ) اتى رجل الحسن بن علي عليه السلام فسأله ، فقال : انّ المسألة لا تصلح إلّا في غرم قادح ، أو فقر مدقع ، أو حمالة مقطعة .

فقال الرجل : ما جئت إلّا في احداهن ، فأمر له بمائة دينار ، ثم أتى الحسين عليه السلام فسأله ، فقال له مثل مقالة أخيه ، فردّ عليه كما ردّ على الحسن عليه السلام ، فقال له : كم اعطاك ؟ قال : مائة دينار . فنقصّ ديناراً كره ان يساوى أخاه ، ثم أتى إلى ابن عمر فسأله ، فاعطاه سبعة دنانير ، ولم يسأله عن شي ء ، فقال له : انّي أتيت الحسن والحسين عليهما السلام واقتصّ كلامهما وفعلهما به ، فقال له عبداللَّه : ويحك ، وانّي تجعلني

ص: 363


1- الكافي : 1/265 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 17/4 ، ح 1 .
2- الكافي : 1/248 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 24/183 ، ح 22 .
3- الكافي : 1/192 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 26/106 ، ح 9 .
4- الكافي : 1/213 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 23/199 ، ح 31 .

مثلهما ، انّهما غرّا(1) العلم(2) .

وفي ( عقد ابن عبد ربه ) كتب ملك الروم إلى عبدالملك مروان ، اكلت لحم الجمل الذي هرب عليه أبوك من المدينة ، ولاغزينك جنوداً مائة ألف ومأئة ألف ، فكتب عبدالملك إلى الحجاج ان يبعث إلى علي بن الحسين ، ويتوعّده ويكتب إليه بما يقول ، ففعل ، فقال عليه السلام : انّ للَّه عزوجلّ لوحاً محفوظاً يلحظه كل يوم ثلاثمائة لحظة ، ليس منها لحظة إلّا يحيى فيها ويميت ، ويعزّ ويذلّ ، ويفعل ما يشاء ، واني لأرجو أن يكفينيك منها بلحظة واحدة ، فكتب به الحجاج إلى عبدالملك بن مروان ، وكتب به عبدالملك إلى ملك الروم ، فلمّا قرأه قال : ما خرج هذا إلّا من كلام النبوّة(3) .

وعن يونس بن رباط قال : دخلت أنا وكامل التمار على أبي عبداللَّه عليه السلام ، فقال له كامل : جعلت فداك حديث رواه فلان ، فقال : أذكره ، فقال : حدثني ان النبيّ صلى الله عليه وآله حدّث علياً عليه السلام بألف باب يوم توفّى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، كل باب يفتح ألف باب ، فذلك ألف ألف باب ، فقال : لقد كان ذلك ، قلت : جعلت فداك فظهر ذلك لشيعتكم ومواليكم ؟ فقال : يا كامل باب أو بابان ، فقلت [له ]جعلت فداك فما يروي من فضلكم من ألف ألف باب إلّا باب أو بابان ؟ قال : فقال : وما عسيتم أن ترووا من فضلنا ، ما تروون من فضلنا إلّا ألفاً غير معطوفة(4) .

ص: 364


1- غرّ العلم : ألقماه وزقّا زقّا .
2- عيون الاخبار لابن قتيبة : 3/158 .
3- العقد الفريد لابن عبد ربه : 2/73 ؛ مناقب آل أبي طالب عليه السلام : 4/161 ؛ بحار الأنوار : 46/132 ، ح 22 .
4- الكافي : 1/297 ، ح 9 .

وفي « البحار » من كتاب « المحتضر » للحسن بن سليمان من نوادر الحكمة يرفعه إلى أبي بصير قال : كنت عند أبي عبداللَّه عليه السلام فدخل عليه المفضّل بن عمر فقال : مسئلة يا بن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال : سل يا مفضل ، قال : ما منتهى علم العالم ؟ قال عليه السلام : قد سألت جسيماً ، ولقد سألت عظيماً ما السماء الدنيا في السماء الثانية إلّا كحلقة درع ملقاة في أرض فلاة ، وكذلك كل سماء عند سماء اُخرى ، وكذا السماء السابقة عند الظلمة ، ولا الظلمة عند النور ، ولا ذلك كله في الهواء ولا الأرضين بعضها فوق بعض ، ولا مثل ذلك كله في علم العالم يعني الامام مثل مدّ من خردل دقّقته دقّاً ثم ضربته بالماء حتى إذا اختلط ورغا(1) أخذت منه لعقة(2) باصبعك ، ولا علم العالم في علم اللَّه تعالى إلّا مثل مدّ من خردل دققته دقّاً ثم ضربته بالماء حتى إذا اختلط ورغا انتهزت منه برأس ابرة نهزة ، ثم قال عليه السلام : يكفيك من هذه البيان بأقلّه وأنت بأخبار الأمور تصيب(3) .

ومن كتاب « المحتضر » ايضاً للحسن بن سليمان نقلاً من كتاب « الاربعين » رواية سعد الاربلي عن عمار بن خالد عن اسحاق الارزق عن عبدالملك بن سليمان قال : وجد في ذخيرة احد حواري المسيح عليه السلام رقّ مكتوب بالقلم السرياني منقولاً من التوراة وذلك لما تشاجر موسى والخضر عليهما السلام في قضية السفينة والغلام والجدار ورجع موسى إلى قومه سأله أخوه هارون عما استعمله [استعلمه] من الخضر عليه السلام في السفينة وشاهده من عجائب البحر .

ص: 365


1- رغا اللبن : صار له رغوة ، والرغوة : الزبد .
2- الملعقة : ما تأخذه في الملعقة أو باصبعك والملعقة آلة يلعق أو يتناول بها الطعام وغيره . بحار الأنوار : 25/385 .
3- بحار الأنوار : 25/385 ، ح 43 .

قال : بينما انا و الخضر على شاطئ البحر إذ سقط بين أيدينا طائر أخذ في منقاره قطرة من ماء البحر ورمى بها نحو المشرق ، ثم أخذ ثانية ورمى بها نحو المغرب ، ثم اخذ ثالثة ورمى بها نحو السماء ، ثم اخذ رابعة ورمى بها نحو الأرض ، ثم اخذ خامسة والقاها في البحر ، فبهت الخضر وانا .

قال موسى : فسألت الخضر عن ذلك فلم يجب ، وإذا نحن بصياد يصطار فنظر الينا وقال : مالي أراكما في فكر وتعجب ؟

فقلنا : في أمر الطائر ، فقال : أنا رجل صياد وقد علمت إشارته وأنتما نبيّان لا تعلمان ؟

قلنا : ما نعلم إلّا ما علّمنا اللَّه عزوجلّ ، قال : هذا طائر في البحر يسمّى مسلم ، لأنه إذا صاح يقول في صياحه : مسلم ، واشار بذلك إلى أنّه يأتي في آخر الزمان نبيّ يكون علم أهل المشرق والمغرب واهلِ السماء والأرض عند علمه مثل هذه القطرة الملقاة في البحر ، ويرث علمه ابن عمّه ووصيّه .

فسكن ما كنّا فيه من المشاجرة ، واستقلّ كل واحد منّا علمه بعد أن كنّا به معجبين ، ومشينا ثم غاب الصياد عنّا ، فعلمنا انّه ملك بعثه اللَّه عزوجلّ إلينا يعرّفنا بنقصنا حيث ادّعينا الكمال(1) .

انّ علومهم عليهم السلام غير متناهية

عن سماعة بن سعد الخثعمي انّه كان مع المفضّل عند أبي عبداللَّه عليه السلام فقال له المفضّل : جعلت فداك يفرض اللَّه طاعة عبد على العباد ثمّ يحجب عنه خبر

ص: 366


1- بحار الأنوار : 26/199 - 200 ، ح 12 .

السماء ؟ قال عليه السلام : « لا ، اللَّه أكرم وأرأف بالعباد من أن يفرض عليه طاعة عبد يحجب عنه خبر السماء صباحاً ومساءً »(1) .

وعن أبي حمزة قال : سمعت أبا عبداللَّه عليه السلام يقول : « واللَّه لا يكون عالم جاهلاً أبداً ، عالم بشي ء جاهل بشي ء » ، ثمّ قال عليه السلام : « اللَّه أجلّ وأعزّ وأعظم وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه » ، ثمّ قال عليه السلام : « لا يحجب عنه ذلك »(2) .

وقال أبو عبداللَّه عليه السلام للرجل : « أفَتَرى اللَّه يَمُنُّ بعبد في بلاده ويحتجّ على عباده ثمّ يُخفِي عنه شيئاً من أمره ؟ »(3) .

وعن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « سئل علي عليه السلام عن علم النبي صلى الله عليه وآله فقال عليه السلام : علم النبي صلى الله عليه وآله علم جميع النبيّين وعلم ما كان وعلم ما هو كائن إلى قيام الساعة ، ثمّ قال : والذي نفسي بيده انّي لأعلم علم النبي صلى الله عليه وآله وعلم ما كان وما هو كائن فيما بيني وبين قيام الساعة »(4) .

وقال أبو عبداللَّه عليه السلام ابتداءً منه : « واللَّه انّي لأعلم ما في السماوات وما في الارض ، وما في الجنّة وما في النار ، وما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة » ، ثمّ قال عليه السلام : « اعلمه من كتاب اللَّه انظر إليه هكذا » ثمّ بسط كفّيه ثمّ قال عليه السلام : « انّ اللَّه يقول : « وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ » »(5) .

ص: 367


1- بصائر الدرجات : 1/124 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 26/109 ، ح 1 .
2- بصائر الدرجات : 1/124 ، ح 2 ، بحار الأنوار : 26/109 ، ح 2 .
3- بصائر الدرجات : 1/127 ، ح 1 ، بحار الأنوار : 26/110 ، ح 5 .
4- بصائر الدرجات : 1/127 ، ح 1 ، بحار الأنوار : 26/110 ، ح 6 .
5- بصائر الدرجات : 1/127 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 26/111 ، ح 7 .

انّ علومهم عليهم السلام مأمونة من الغلط والاشتباه

عن أبي الجارود قال : قال علي بن الحسين عليه السلام : ما ينقم الناس منّا فنحن واللَّه شجرة النبوّة وبيت الرحمة ومعدن العلم ومختلف الملائكة(1) .

وعن اسماعيل بن أبي زياد ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليه السلام قال : « قال أميرالمؤمنين عليه السلام : أنا أهل البيت شجرة النبوّة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وبيت الرحمة ومعدن العلم »(2) .

وعن بريد العجلي قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللَّه تعالى : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقينَ » قال عليه السلام : « إيّانا عنى »(3) .

وعن ابن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته عن قول اللَّه عزّوجلّ : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقينَ » قال عليه السلام : « الصادقون هم الأئمّة والصدّيقون بطاعتهم »(4) .

وَ مَوْئِلُ حُكْمِهِ

قال ابوعبداللَّه عليه السلام : المعيِّب على أميرالمؤمنين عليه السلام في شي ء من احكامه كالمعيِّب على اللَّه عزوجلّ وعلى رسوله صلى الله عليه وآله ، والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حدّ الشرك باللَّه ، كان أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه باب اللَّه الذي لا يؤتى إلّا منه ، وسبيله الذي من سلك بغيره هلك ، وبذك جرت الأئمة عليهم السلام واحد بعد واحد ،

ص: 368


1- الكافي : 1/221 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 26/245 ، ح 8 .
2- الكافي : 1/221 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 26/246 ، ح 12 .
3- بصائر الدرجات : 1/31 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 24/31 ، ح 3 .
4- الكافي : 1/208 ، ح 2 ؛ تفسير نور الثقلين : 2/280 ، ح 394 .

جعلهم اللَّه أركان الأرض أن تميد بهم ، والحجة البالغة على من فوق الأرض ومن تحت الثرى(1) .

وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال : اما انه ليس عند احد من الناس حق ولا صواب إلّا شي ء اخذوه منا اهل البيت ، ولا أحد من الناس يقضي بحق ولا عدل إلّا ومفتاح ذلك القضاء وبابه واوله وسنته أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فاذا اشتبهت عليهم الأمور كان الخطا من قبلهم إذا أخْطَئوا والصواب من قبل علي بن أبي طالب عليه السلام اذا اصابوا(2) .

وعن أبي جعفر عليه السلام : قال : قال اللَّه عزوجلّ في ليلة القدر : « فيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكيمٍ »(3) يقول : ينزل فيها كل امر حكيم ، والمحكم ليس بشيئين ، انما هو شي ء واحد ، فمن حكم بما ليس فيه اختلاف فحكمه من حكم اللَّه عزوجلّ ، ومن حكم بامر فيه اختلاف فرأى أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت(4) .

وعن المفضل بن عمر عن أبي عبداللَّه عليه السلام ، كان أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه كثيراً ما يقول : ولقد أعطيت خصالاً ما سبقني إليها احد قبلي ، علمت المنايا والبلايا والانساب وفصل الخطاب(5) .

وعن أبي بصير عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : يا أبا بصير إنا أهل بيت أوتينا علم

ص: 369


1- الكافي : 1/197 ، ح 2 ؛ بصائر الدرجات : 201 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار 39/344 ، ح 16 .
2- الامالي للمفيد : 96 ، م 11 ، ح 6 ؛ بحار الأنوار : 26/157 ، ح 3 .
3- سورة الدخان : 4 .
4- الكافي : 1/248 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 25/79 ، ح 66 .
5- الكافي : 1/197 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 39/344 ، ح 16 .

المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب وعرفنا شيعتنا كعرفان الرجل أهل بيته(1) .

واعلم انّ أخذ الأحكام الشرعية منهم واجب والاستبداد بالعقول الناقصة فيها غير جايز عن أبي الحسن عليه السلام قال : انما هلك من كان قبلكم بالقياس ، وانّ اللَّه تبارك وتعالى لم يقبض نبيه حتى أكمله جميع دينه في حلاله وحرامه ، فجآئكم بما تحتاجون إليه في حياته وتستغيثون به وباهل بيته بعد موته ، وانها صحيفة عند أهل بيته حتى انّ فيه ارش الخدش ، ثمّ قال : إن ابا حنيفة ممن يقول : قال علي عليه السلام وقلت : أنا(2) .

وَ كُهُوفُ كُتُبِهِ

المراد بالكتب ، كتب اللَّه على تقدير رجوع الضمير فيه اليه سبحانه ، وعلى تقدير رجوع الضمير فيه إلى النبي صلى الله عليه وآله فالمراد بالكتب القرآن وغيره مما اشير إليه في الاخبار .

اما الأول فالمراد بالكتب القرآن وما انزل قبلها من الصحف والكتب السماوية اما كونهم عليهم السلام كهف القرآن فواضع وقد مضى شطر من الكلام على هذا الباب في الخطبة الأولى .

واما سائر الكتب السماوية ففي حديث أبي ذر رضى الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قلت : كم كتاباً أنزل ، قال : مائة كتاب واربعة كتب ، أنزل على شيث خمسين صحيفة ، وعلى

ص: 370


1- بصائر الدرجات : 267 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار : 26/146 ، ح 25 .
2- بصائر الدرجات : 150 ، ح 18 ؛ بحار الأنوار : 26/34 ، ح 56 .

اخنوخ ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم عشر صحائف ، وانزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف ، وانزلت التوراة والانجيل والزبور والفرقان ، وكانت صحف إبراهيم كلها امثالاً(1) .

وعن سلمان الفارسي رضى الله عنه قال : قال لي أميرالمؤمنين عليه السلام : يا سلمان . الويل كل الويل لمن لا يعرف لنا حق معرفتنا وانكر فضلنا ، يا سلمان ايما أفضل محمد صلى الله عليه وآله أو سليمان بن داوود عليه السلام ؟ قال : سلمان : بل محمد صلى الله عليه وآله أفضل ، فقال : يا سلمان فهذا آصف بن برخيا قدر ان يحمل عرش بلقيس من سبأ إلى فارس في طرفة عين وعنده علم من الكتاب ولا افعل انا اضعاف ذلك وعندي ألف كتاب ، انزل اللَّه على شيث بن آدم عليه السلام خمسين صحيفة ، وعلى ادريس عليه السلام ثلاثين صحيفة ، وعلى إبراهيم الخليل عشرين صحيفة ، والتوراة والانجيل والزبور والفرقان ، فقلت : صدقت يا سيّدي ، قال الامام عليه السلام : يا سلمان إنّ الشّاك في امورنا وعلومنا كالمستهزئ في معرفتنا وحقوقنا وقد فرض اللَّه ولايتنا في كتابه في غير موضع ، وبيّن ما أوجب العمل به وهو مكشوف(2) .

وقال برية النصراني - الذي اسلم هو وامرأته على يد الكاظم عليه السلام لما ابتدء يقرء الانجيل له - للصادق عليه السلام : اني لكم التوراة والانجيل وكتب الأنبياء ؟ قال : هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها ونقولها كما قالوا ، انّ اللَّه لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شي ء فيقول : لا أدري(3) .

ص: 371


1- عوالي اللآلي : 1/92 ، ح 26 .
2- تأويل الا يات الظاهرة : 244 ؛ ارشاد القلوب ( للديلمي ) : 2/416 ؛ بحار الأنوار : 26/221 ، ح 47 .
3- الكافي : 1/227 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 48/114 ، ح 25 .

وعن هشام بن الحكم في حديث بريهة النصراني انّه جاء مع هشام حتّى لقى أباالحسن موسى عليه السلام فقال عليه السلام : « يا بريهة كيف علمك بكتابك ؟ » قال : أنا به عالم ، قال عليه السلام : « كيف ثقتك بتأويله ؟ » قال : ما أوثقني بعلمي فيه ، فابتدء موسى عليه السلام بقراءة الانجيل فقال بريهة : والمسيح لقد كان يقرؤها هكذا ، وما قرء هذه القراءة إلّا المسيح عليه السلام ثمّ قال بريهة : إيّاك كنت أطلب منذ خمسين سنة فأسلم على يديه(1) .

وعن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قال علي عليه السلام : « لو ثنيت لي وسادة لحكمت بين أهل القرآن بالقرآن حتّى يزهر(2) إلى اللَّه ولحكمت بين أهل التوراة بالتوراة حتّى يزهر إلى اللَّه ولحكمت بين أهل الانجيل بالانجيل حتى يزهر إلى اللَّه ولحكمت بين أهل الزبور بالزبور حتّى يزهر إلى اللَّه ولو لا آية في كتاب اللَّه لأنبأتكم بما يكون حتّى تقوم الساعة »(3) .

وقال في مفتاح السعادة والآية قوله تعالى : « يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ »(4) ، (5) .

وعن أبي بصير قال : قال ابوعبداللَّه عليه السلام : يا أبا محمد عندنا الصحف التي قال اللَّه : « صُحُفِ إِبْراهيمَ وَمُوسى »(6) ، قلت : الصحف هي الألواح ؟ قال : نعم(7) .

ص: 372


1- الاختصاص : 292 ، بحار الأنوار : 26/180 ، ح 2 .
2- يزهر : أي يتلألأ .
3- بصائر الدرجات : 1/132 ، ح 1 ، بحار الأنوار : 26/182 ، ح 8 .
4- سورة الرعد : 39 .
5- مفتاح السعادة : 2/91 .
6- سورة الأعلى : 19 .
7- بصائر الدرجات : 137 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 26/185 ، ح 17 .

وعن بريد بن معاوية قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : قل كفى باللَّه شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب . قال عليه السلام : ايّانا عني(1) .

وعن علي الصائغ قال : لقى اباعبداللَّه عليه السلام محمد بن عبداللَّه بن الحسن فدعاه محمد إلى منزله ، فأبى ان يذهب معه وأرسل معه إسماعيل وأومأ أليه ان كفّ ووضع يده على فيه وامره بالكفّ ، فلما انتهى إلى منزله اعاد إليه الرسول سأله إتيانه ، فأبى ابوعبداللَّه عليه السلام ، وأتى الرسول محمداً فاخبره بامتناعه ، فضحك محمّد ثم قال : ما منعه من إتياني إلّا انه ينظر في الصحف ، قال : فرجع إسماعيل فحكى لأبي عبداللَّه عليه السلام الكلام ، فأرسل ابوعبداللَّه عليه السلام رسولاً من قبله إليه وقال له : ان اسماعيل اخبرني بما كان منك وقد صدقت ، إني أنظر « لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى * صُحُفِ إِبْراهيمَ وَمُوسى »(2) ، فأسأل نفسك واباك ، هل ذلك عندكما ؟ قال : فلما أن بلّغه الرسول سكت(3) .

ولما قال ابوحنيفة : ان علمه في صدره من قياساته ، وان جعفر بن محمد رجل صحفى قال عليه السلام : اما في قوله إني رجل صحفي فقد صدق ، قرأت صحف آبائي إبراهيم وموسى(4) .

واما الثاني - تقدير رجوع الضمير في كتبه إلى النبي صلى الله عليه وآله -

فعن أبي الصباح الكناني عن أبي جعفر عليه السلام قال : حدثني ابي عمن ذكره ، قال :

ص: 373


1- بصائر الدرجات : 215 ، ح 12 ؛ بحار الأنوار : 39/91 ، ح 5 .
2- سورة الاعلى : 18 - 19 .
3- بصائر الدرجات : 138 ، ح 12 ؛ بحار الأنوار : 47/270 ، ح 1 .
4- علل الشرايع : 1/89 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 2/293 ، ح 12 ؛ مكاتيب الرسول صلى الله عليه وآله : 2/15 .

خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وفي يده اليمنى كتاب وفي يده اليسرى كتاب فنشر الكتاب الذي في يده اليمنى فقرأ بسم اللَّه الرحمن الرحيم كتاب لأهل الجنة باسمائهم واسماء آبائهم لا يزاد فيها واحد ولا ينقص منهم واحد ، قال : ثم نشر الذي بيده اليسرى فقرأ كتاب من اللَّه الرحمن الرحيم لأهل النار باسمائهم واسماء آبائهم وقبائلهم لا يزاد فيهم واحد ولا ينقص منهم واحد(1) .

وعن الاعمش قال : قال الكلبي : يا أعمش أيّ شي ء أشد ما سمعت من مناقب علي عليه السلام ؟ قال : فقال : حدثني موسى بن ظريف عن عباية قال : سمعت عليّاً عليه السلام وهو يقول : أنا قسيم النار فمن تبعني فهو منّي ومن عصاني فهو من أهل النار ، فقال الكلبي : عندي اعظم مما عندك ، اعطى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عليّاً كتاباً فيه اسماء اهل الجنة واسماء أهل النار فوضعه عند ام سلمة ، فلمّا ولى أبوبكر فقالت : ليس لك - فلمّا ولي عمر طلبه ، فقالت : ليس لك ، فلمّا ولي عثمان طلبه ، فقالت : ليس لك ، فلمّا ولي علي عليه السلام دفعته إليه(2) .

وعن أبي بصير قال : قال أبوعبداللَّه عليه السلام : يا أبا محمد إنّ عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة ؟ قال : قلت : جعلت فداك وما الجامعة ؟ قال : صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله أملاه من فلق فيه وخطه علي عليه السلام بيمينه ، فيها كل حلال و حرام ، وكل شي ء يحتاج إليه الناس حتى الأرش في الخدش(3) .

وكان الصادق عليه السلام يقول : علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر

ص: 374


1- بصائر الدرجات : 191 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 26/125 ، ح 21 .
2- بصائر الدرجات : 191 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 26/126 ، ح 22 .
3- بصائر الدرجات : 143 ، ح 4 ؛ بحار الأنوار : 26/22 ، ح 11 .

في الاسماع وإن عندنا الجفر الاحمر ، والجفر الأبيض ، ومصحف فاطمة عليها السلام ، وعندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج إليه الناس ، فسئل عن تفسير هذا الكلام . فقال عليه السلام : أما الغابر فالعلم بما يكون ، والمزبور فالعلم بما كان ، واما النكت في القلوب فهو الالهام ، والنقر في الاسماع فحديث الملائكة نسمع كلامهم ولا نرى اشخاصهم ، واما الجفر الاحمر فوعاء فيه توراة موسى وانجيل عيسى وزبور داوود وكتب اللَّه ، واما مصحف فاطمة عليها السلام ففيه ما يكون من حادث واسماء من يملك إلى ان تقوم الساعة ، وأمّا الجامعة فهو كتاب طوله سبعون ذرعاً إملاء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله من فلق فيه و خط علي بن أبي طالب عليه السلام بيده ، فيه واللَّه جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة حتى انّ فيه ارش الخدش والجلدة ونصف الجلدة(1) .

وعن أبي بصير قال : دخلت على أبي عبداللَّه عليه السلام فقلت له : اني أسألك جعلت فداك عن مسألة ليس ههنا احد يسمع كلامي ، فرفع أبوعبداللَّه عليه السلام ستراً بيني وبين بيت آخر فاطلع فيه ، ثم قال : يا ابا محمد سل عما بدا لك قال : قلت : جعلت فداك ان الشيعة يتحدثون ان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله علم علياً عليه السلام بابا يفتح منه ألف باب ، قال : فقال أبوعبداللَّه عليه السلام : يا ابا محمد علم واللَّه رسول اللَّه عليّاً ألف باب يفتح له من كل باب ألف باب ، قال : قلت له : واللَّه هذا لَعِلْم فنكت ساعة في الأرض ثم قال : انه لعلم وما هو بذلك ، ثم قال : يا ابا محمد وان عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة ، قال : قلت : جعلت فداك وما الجامعة ؟ قال : صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وإملاء من فلق فيه وخط على بيمينه ، فيها كل حلال و حرام ، وكل شي ء يحتاج الناس إليه حتى الارش في الخدش ، وضرب بيده إليّ فقال : تأذن لي

ص: 375


1- الاحتجاج : 2/372 ؛ بحار الأنوار : 26/18 ، ح 1 .

يا أبا محمد ؟ قال : قلت : جعلت فداك إنما أنالك اصنع ما شئت ، قال : فغمزني بيده فقال : حتى ارش هذا كانه مغضب ، قال : قلت : جعلت فداك هذا واللَّه العلم ، قال : انه لعلم وليس بذلك ، ثم سكت ساعة .

ثم قال : ان عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر مسك شاة أو جلد بعير . قال : قلت : جعلت فداك ما الجفر ؟ قال : وعاء أحمر أو أدم احمر فيه علم النبيين والوصيين ، قلت : هذا واللَّه هو العلم قال : انه لعلم وما هو بذلك ، ثم سكت ، ساعة .

ثم قال : وان عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة ، قال عليه السلام : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات واللَّه ما فيه من قرآنكم حرف واحد انما هو شى ء أملأها اللَّه وأوحى إليها ، قال : قلت : هذا واللَّه هو العلم قال : انه لعلم وليس بذاك ، قال : ثم سكت ساعة .

ثم قال : ان عندنا لعلم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ، قال : قلت : جعلت فداك هذا واللَّه هو العلم ، قال انه لعلم وما هو بذاك ، قال : قلت : جعلت فداك فأيّ شي ء هو العلم ؟ قال : ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر والشي ء بعد الشي ء إلى يوم القيامة(1) .

قال المجلسي رحمه الله : قوله عليه السلام : واللَّه ما فيه من قرآنكم حرف واحد ، أي فيه علم ما كان وما يكون .

فان قلت : في القرآن ايضاً بعض الاخبار . قلت : لعلّه لم يذكر فيه مما في القرآن .

فان قلت : يظهر من بعض الأخبار اشتمال مصحف فاطمة عليها السلام ايضاً على

ص: 376


1- بصائر الدرجات : 151 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 26/38 ، ح 70 .

الأحكام ، قلت : لعلّ فيه ما ليس في القرآن .

فان قلت : قد ورد في كثير من الأخبار اشتمال القرآن على جميع الأحكام والأخبار مما كان أو يكون .

قلت : لعل المراد به ما نفهم من القرآن ما لا يفهمون منه ، ولذا قال عليه السلام : قرآنكم على انه يحتمل ان يكون المراد لفظ القرآن ، ثم الظاهر من أكثر الأخبار اشتمال مصحفها عليها السلام على الأخبار فقط فيحتمل ان يكون المراد عدم اشتماله على أحكام القرآن . قوله عليه السلام : علم ما كان وما هو كائن أي من غير جهة مصحف فاطمة عليها السلام أيضاً(1) .

وفي المقام اشكال قوي : وهو انّ المستفاد من قوله عليه السلام : « ان عندنا لعلم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة » انهم عليهم السلام يعلمون جميع الشرايع والأحكام وما كان وما يكون ، ومثله ورد في الأخبار الكثيرة ، وعلى ذلك فأيّ شي ء يبقى حتى يحدث لهم بالليل والنهار ؟

ويمكن ان يجاب عنه بوجوه : الاول ما قيل : ان العلم ليس يحصل بالسماع وقراءة الكتب وحفظها فانّ ذلك تقليد ، وانما العلم ما يفيض من عنداللَّه سبحانه على قلب المؤمن يوماً فيوماً وساعة فساعة ، فيكشف به من الحقائق ما تطمئن به النفس وينشرح له الصدر ويتنوّر به القلب ، والحاصل انّ ذلك مؤكّد ومقرّر لما علم سابقاً يوجب مزيد الايمان واليقين والكرامة والشرف بافاضة العلم عليهم بغير واسطة المرسلين .

الثاني : أن يفيض عليهم عليهم السلام تفاصيل عندهم مجملاتها وإن أمكنهم استخراج

ص: 377


1- بحار الأنوار : 26/40 .

التفاصيل مما عندهم من اصول العلم وموادّه ، - إلى أن قال -

الرابع كما هو أقوى عندى وهو انهم عليهم السلام في النشأتين سابقاً على الحياة البدني ولاحقاً بعد وفاتهم يعرجون في المعارف الربانيّة الغير المتناهية على مدارج الكمال ، اذ لا غاية لعرفانه تعالى وقربه ، ويظهر ذلك من كثير من الأخبار . وظاهر انهم اذا تعلّموا في بدو امامتهم علماً لا يقفون في تلك المرتبة ويحصل لهم بسبب مزيد القرب والطاعات زوائد العلم والحكم والترقيات في معرفة الربّ تعالى ، وكيف لا يحصل لهم ويحصل ذلك لسائر الخلق مع نقص قابليّتهم واستعدادهم ؟ فهم عليهم السلام أولى بذلك وأحرى .

ولعلّ هذا أحد وجوه استغفارهم وتوبتهم في كل يوم سبعين مرّة وأكثر ، اذ عند عروجهم إلى كل درجة رفيعة من درجات العرفان يرون انهم كانوا في المرتبة السابقة في النقصان فيستغفرون منها ويتوبون إليه تعالى (1) .

وَ جِبَالُ دِينِهِ

عن أبي بصير قال : سألت أباجعفر عليه السلام عن شهادة ولد الزنا تجوز ؟ فقال : لا ، فقلت : ان الحكم بن عتيبة يزعم انها تجوز فقال : اللهم لا تغفر ذنبه ، ما قال اللَّه للحكم « إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ »(2) فليذهب الحكم يميناً وشمالاً فواللَّه لا يؤخذ العلم إلّا من أهل بيت نزل عليهم جبرئيل عليه السلام(3) .

ص: 378


1- بحار الأنوار : 26/20 ، ذيل ح 7 .
2- سورة الزخرف : 44 .
3- الكافي : 1/400 ، ح 5 ؛ بحار الأنوار : 2/91 ، ح 19 .

وعن أبي مريم قال : قال أبوجعفر عليه السلام لسلمه بن كهيل والحكم بن عتيبة : شرقاً وغرباً فلا تجدان علماً صحيحاً إلّا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت(1) .

بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَأَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ

اشارة

عن مسعدة بن صدقة قال : حدثني جعفر بن محمد عن آبائه ان النبيّ صلى الله عليه وآله قال : في كل خلف من اُمتي عدلٌ من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجهال ، وانّ ائمتكم وفدكم إلى اللَّه فانظروا من توفدوا في دينكم وصلاتكم(2) .

وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : ان اللَّه لم يدع الأرض إلّا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان من دين اللَّه تعالى ، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم ، وإذا نقصوا اكمله لهم ولولا ذلك لالتبس على المسلمين أمرهم(3) .

وعن أبي حمزة قال : قال ابوعبداللَّه عليه السلام : لن تبقى الأرض إلّا وفيها من يعرف الحق ، فاذا زاد الناس فيه قال : قد زادوا ، وإذا نقصوا منه قال : قد نقصوا ، وإذا جاءوا به صدّقهم ولو لم يكن كذلك لم يعرف الحق من الباطل(4) .

ص: 379


1- الكافي : 1/399 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 46/335 ، ح 21 .
2- قرب الاسناد : 77 ، ح 250 ( ط الحديثة ) ؛ بحار الأنوار : 23/30 ، ح 46 .
3- علل الشرايع : 1/200 ، ح 27 ؛ بحار الأنوار : 23/26 ، ح 35 .
4- علل الشرايع : 1/199 ، ح 25 ؛ بحار الأنوار : 23/25 ، ح 33 .

منها يعنى قوماً آخرين ( منها في المنافقين خ ل )

زَرَعُوا الْفُجُورَ

لما بادرت الأوس إلى بيعة أبي بكر لئلّا يصل الامر إلى الخزرج ، وبادر الأوس بشيرُ بن سعد الخزرجي أبو النعمان بن بشير وابن عم سعد بن عبادة في بيعة أبي بكر لئلّا يصل الأمر إلى ابن عمّه حداً منه له قام الحباب بن المنذر وقال : يا معشر الانصار أما واللَّه لكأنّي بابنائكم على أبواب ابنائهم قد وقفوا يسألونهم باكفّهم ولا يسقون الماء(1) .

وَ سَقَوْهُ الْغُرُورَ

لمّا طُعِنَ عمر جعلوا يثنون عليه ويذكرون فضله ، فقال : ان من غررتموه لمغرور ، انّي واللَّه وددت أن أخرج منها كفافاً كما دخلت فيها(2) .

وَ حَصَدُوا الثُّبُورَ

قال ابن عمر لمّا بايع الناس ابابكر : سمعت سلمان يقول : ( كرديد و نكرديد ) اما واللَّه لقد فعلتم فعلة اطمعتم فيها الطلقاء ، ولعناء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، فلمّا سمعت سلمان يقول ذلك ابغضته وقلت : لم يقل هذا إلّا بغضاً منه لأبي بكر . فابقاني اللَّه حتى رأيت مروان بن الحكم يخطب على منبر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقلت : رحم اللَّه اباعبداللَّه ، لقد قال ما قال بعلم عنده(3) .

ص: 380


1- الامامة والسياسة : 1/27 ؛ بحار الأنوار : 28/355 ، ح 69 .
2- الامامة والسياسة لابن قتيبة : 1/40 ؛ شرح نهج البلاغة ( ابن أبي الحديد ) : 12/192 .
3- الايضاح ( الفضل بن شاذان الأزدي ) : 457 ؛ بحار الأنوار : 28/211 ذ ح 7 .

لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ

المحاضرات عن الراغب وابن الجوزي في مناقب عمر بن عبدالعزيز انه قال عمر بن عبدالعزيز يوماً وقد قام من عنده علي بن الحسين عليه السلام : من اشرف الناس ؟ فقالوا : انتم . فقال : كلّا . فان اشرف الناس هذا القائم من عندي آنفا ، من أحَبَّ الناسُ ان يكونوا معه ولا يحب ان يكون من احد(1) .

وروى الطبري كتاب المنصور إلى محمد بن عبداللَّه بن الحسن إلى أن قال : وما ولد فيكم بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله افضل من علي بن الحسين وهو لام ولد ولهو خير من جدك حسن بن حسن ، وما كان فيكم بعده مثل ابنه محمد بن علي وجدته ام ولد ولهو خير من أبيك ، ولا مثل ابنه جعفر وجدته ام ولد ولهو خير منك(2) .

وفي كتاب المأمون إلى أهل الآفاق - لمّا جعل الرضا عليه السلام ولي عهده بعد ذكر اختياره له من بين جميع الناس - انه فعل ذلك ، لما رأى من فضله البارع ، وعلمه الناصع ، وورعه الظاهر ، وزهده الخالص ، وتخلّيه من الدنيا وتسلمه من الناس ، وقد استبان له ما لم تزل الاخبار عليه متواطئة ، والالسن عليه متفقة ، والكلمة فيه جامعة ، ولما لم يزل يعرفه به من الفضل يافعاً وناشئاً وحدثاً ومكتهلا ، فعقد له بالعقد والخلافة ، ايثاراً للَّه والدين(3) .

وعن عباد بن صهيب قال : قلت للصادق جعفر بن محمد عليه السلام : اخبرني عن أبي

ص: 381


1- المناقب : 4/167 ؛ بحار الأنوار : 46/3 ذ ش 4 .
2- تاريخ الطبري : 6/198 ، سنة 145 .
3- شرح احقاق الحق : 28/656 .

ذر أهو أفصل أم أنتم أهل البيت ؟ فقال : يابن صهيب كم شهور السنة ؟ فقلت : اثنى عشر شهراً ، فقال : وكم الحرم منها ؟ قلت : أربعة أشهر ، قال : فشهر رمضان منها ؟ قلت : لا ، قال : فشهر رمضان أفضل أم أشهر الحرم ؟ فقلت : بل شهر رمضان ، قال : فكذلك نحن أهل البيت لا يقاس بنا احد(1) .

وقال نفيع الانصاري لموسى بن جعفر عليه السلام - وكان مع عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز فمنعه من كلامه فأَبى - من أنت ؟ فقال عليه السلام : ان كنت تريد النسب فانا ابن محمد حبيب اللَّه بن اسماعيل ذبيح اللَّه بن إبراهيم خليل اللَّه ، وان كنت تريد البلد فهو الذي فرض اللَّه على المسلمين وعليك ان كنت منهم الحج إليه ، وان كنت تريد المناظرة في الرتبة فما رضي مشركو قومي مسلمو قومك اكفاءً لهم حين قالوا : يا محمد اخرج إلينا اكفائنا من قريش ، فانصرف مخزيّاً(2) .

وعن الحرث قال علي عليه السلام : نحن أهل بيت لا نقاس بالناس ، فقام رجل فأتى ابن عباس فأخبره بذلك ، فقال : صدق علي عليه السلام ، أو ليس النبيّ لا يقاس بالناس وقد نزل في علي « إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ »(3)،(4) .

ومن كتاب « المحتضر » للحسن بن سليمان ، رواه من كتاب « الخطب » لعبد العزيز بن يحيى الجلودي قال : خطب أميرالمؤمنين عليه السلام فقال : سلوني قبل ان

ص: 382


1- علل الشرايع : 1/177 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 22/406 ، ح 21 .
2- الأمالي للمرتضى رحمه الله : 1/275 ؛ نزهة الناظر : 126 ش 22 ؛ اعلام الورى : 308 ( ط - القديمة ) ؛ بحار الأنوار : 48/176 ، ح 19 .
3- سورة البينة : 7 .
4- المناقب : 3/68 ؛ بحار الأنوار : 38/8 ، ذح 14 .

تفقدوني فانا عيبة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، سلوني فانا فَقَأْتُ عين الفتنة بباطنها وظاهرها ، سلوا مَنْ عنده علم البلايا والمنايا والوصايا وفصل الخطاب ، سلوني فانا يعسوب المؤمنين حقاً ، وما من فئة تهدي مائة أو تضلّ مائة إلّا وقد أتيت بقائدها وسائقها والذي نفسي بيده لَوْ طوى لي الوسادة فاجلس عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم ، ولاهل الانجيل بانجيلهم ، ولاهل الزبور بزبورهم ، ولأهل الفرقان بفرقانهم ، قال : فقام ابن الكوّاء إلى أميرالمؤمنين عليه السلام وهو يخطب الناس فقال : يا أميرالمؤمنين أخبرني عن نفسك ، فقال : ويلك أتريدُ أن اُزَكّى نفسي وقد نهى اللَّه عن ذلك مع أنّى كنتُ اذا سألتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله اعطاني واذا سكتُ إبتَدَأني وبين الجوانح منّي علمٌ جمٌّ ونحن أهل البيت لا نقاس باحد(1) .

وقال الصادق عليه السلام : « اجعلونا عبيداً مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم »(2) .

وَ لا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً

في هذه الجملة على وجازتها اشارة إلى مطالب نفيسة

الأول : انهم اولياء النعم وفيه عليه السلام انزل تعالى قوله : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ ديناً »(3) .

وحيث ان المنعم عليه لا يمكن ان يكون مساوياً للمنعم ، والنبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته هم المنعمون ، وباقى الناس المنعم عليه ، قال تعالى : « ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ

ص: 383


1- بحار الأنوار : 26/152 ، ح 40 .
2- بصائر الدرجات : 1/241 ، ح 22 ؛ بحار الأنوار : 25/279 ، ح 22 .
3- سورة المائدة : 3 .

هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ في ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ »(1) .

وسأل رجل زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام فقال له : يا ابن رسول اللَّه اخبرني بماذا فضلتم الناس جميعاً وسدتموهم ؟ فقال عليه السلام له : انا أخبرك بذلك ، اعلم ان الناس كلهم لا يخلون من ان يكونوا أحد ثلاثة ، إما رجل اسلم على يد جدّنا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فهو مولى لنا ونحن ساداته وإلينا يرجع بالولاء ، أو رجل قاتلناه فقتلناه فمضى إلى النار ، أو رجل اخذنا منه الجزية عن يد وهو صاغر ، ولا رابع للقوم ، فأيّ فضل لم نحزه وشرف لم نحصله بذلك(2) .

وعن مروان بن صباح قال : قال أبوعبداللَّه عليه السلام : ان اللَّه عزوجلّ خلقنا فأحسن خلقنا وصوّرنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده ، ولسانه الناطق في خلقه ، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ، ووجهه الذي يؤتى منه ، وبابه الذي يدلّ عليه ، وخزائنه في سمائه وارضه ، بنا اثمرت الاشجار واينعت الثمار وجرت الانهار ، وبنا نزل غيث السماء ونبت عشب الأرض ، بعبادتنا عبداللَّه ، لولا نحن ما عبداللَّه(3) .

ومنها قوله تعالى : « وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً »(4) .

عن جابر قال : قرأ رجل عند أبي جعفر عليه السلام : « وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً

ص: 384


1- سورة الروم : 28 .
2- الفصول المختارة : 25 ؛ بحار الأنوار : 10/146 ، ح 3 .
3- التوحيد : 151 ، ح 8 ؛ بحار الأنوار : 24/197 ، ح 24 .
4- سورة لقمان : 20 .

وَباطِنَةً »(1) . قال عليه السلام : اما النعمة الظاهرة فهو النبيّ صلى الله عليه وآله وما جاء به من معرفة اللَّه عزوجل وتوحيده ، واما النعمة الباطنة فولايتنا أهل البيت وعقد مودتنا(2) .

ومنها قوله تعالى : « ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعيمِ »(3) .

عن أبي خالد الكابلي قال : دخلت على محمد بن علي عليه السلام فقدّم لي طعاماً لم آكل أطيب منه فقال لي : يا أبا خالد كيف رأيت طعامنا ؟ فقلت : جعلت فداك ما اطيبه غير اني ذكرت آية في كتاب اللَّه فنغصتنيه ، قال : وما هي ؟ قلت : « ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعيمِ »(4) . فقال : واللَّه لا تسأل عن هذا الطعام ابداً ، ثم ضحك حتى افتر ضاحكتاه وبدت اضراسه وقال : أتدري ما النعيم ؟ قلت : لا ، قال : نحن النعيم الذي تسألون عنه(5) .

وعن محمد بن السائب الكلبي قال : لما قدم الصادق عليه السلام العراق نزل الحيرة فدخل عليه أبوحنيفة قال : أخبرني جعلت فداك عن قول اللَّه عزوجلّ : « ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعيمِ »(6) . قال عليه السلام : فما هو عندك يا أباحنيفة ؟ قال : الامن في السرب وصحة البدن والقوت الحاضر فقال عليه السلام : يا أباحنيفة لئن وقفك اللَّه واوقفك يوم القيامة حتى يسألك عن كل أكلة اكلتها وشربة شربتها ليطولنّ وقوفك ، قال : فما النعيم ؟ - جعلت فداك - قال عليه السلام : النعيم نحن الذين انقذ اللَّه الناس بنا من

ص: 385


1- سورة لقمان : 20 .
2- تفسير القمي : 2/165 ؛ بحار الأنوار : 24/52 ، ح 7 .
3- سورة التكاثر : 8 .
4- سورة التكاثر : 8 .
5- تأويل الآيات الظاهرة : 816 ؛ بحار الأنوار : 24/57 ، ح 30 .
6- سورة التكاثر : 8 .

الضلالة ، وبصرهم بنا من العمى ، وعلمهم بنا من الجهل(1) .

ومنها قوله تعالى : « أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً »(2) .

عن الاصبغ بن نباتة في هذه الآية ، قال : قال أميرالمؤمنين صلوات اللَّه عليه : نحن نعمة اللَّه التي انعم اللَّه بها على العباد(3) .

ومنها قوله تعالى : « فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ »(4) .

عن أبي يوسف البزاز قال : تلا أبوعبداللَّه عليه السلام هذه الآية ، قال عليه السلام : أتدري ما آلاء اللَّه ؟ قلت : لا ، قال : هي اعظم نعم اللَّه على خلقه وهي ولايتنا(5) .

ومنها قوله تعالى : « فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ »(6) .

قال أبوعبداللَّه عليه السلام في مرويّ داوود الرّقي : أي باى نعمتي تكذبان بمحمد صلى الله عليه وآله أم بعلي عليه السلام فبهما أنعمت على العباد(7) .

الثاني : ان نعمتهم جارية على العباد ابد الدهر لا يختص بآن دون آن .

ويدل مضافاً إلى ما سبق ما عن سليمان بن مهران الأعمش عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عليه السلام قال : نحن ائمة المسلمين وحجج اللَّه على العالمين وسادة المؤمنين وقادة الغر المحجلين وموالى المؤمنين ، ونحن أمان لاهل الأرض كما انّ النجوم أمان لأهل السماء ، ونحن

ص: 386


1- تأويل الآيات الظاهرة : 817 ؛ بحار الأنوار : 24/59 ، ح 34 .
2- سورة ابراهيم : 28 .
3- تفسير العياشي : 2/229 ، ح 24 ؛ بحار الأنوار : 24/55 ، ح 18 .
4- سورة الاعراف : 69 .
5- الكافي : 1/217 ، ح 3 ؛ بحار الأنوار : 24/59 ، ح 36 .
6- سورة الرحمان : 13 .
7- تأويل الآيات الظاهرة : 614 ؛ بحار الأنوار : 24/59 ، ح 35 .

الذين بنا يمسك اللَّه السماء ان تقع على الأرض إلّا باذنه ، وبنا يمسك الأرض ان تميد باهلها ، وبنا ينزل الغيث وتنشر الرحمة وتخرج بركات الأرض ، ولولا ما في الأرض منّا لساخت بأهلها ، ثم قال عليه السلام : ولم تخل الأرض منذ خلق اللَّه آدم من حجة اللَّه فيها ، ظاهر مشهور أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من جهة للَّه فيها ولولا ذلك لم يعبد اللَّه ، قال سليمان : فقلت للصادق عليه السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور ؟ قال : كما ينتفعون بالشمس اذا سترها السحاب(1) .

الثالث : ضروري ان المنعم افضل من المنعم عليه ولذا التسوية بينهم وبين غيرهم باطلة .

ويرشد إلى ما ذكرناه ما عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام قال : ولقد جاء رجل يوماً إلى علي بن الحسين عليه السلام برجل يزعم انه قاتل أبيه ، فاعترف فأوجب عليه القصاص ، وسأله ان يعفو عنه ليعظم اللَّه ثوابه ، فكأن نفسه لم تطب بذلك ، فقال علي بن الحسين عليه السلام للمدعي ولي الدم المستحق للقصاص : إن كنت تذكر لهذا الرجل عليك حقاً فهب له هذه الجناية ، واغفر له هذا الذنب ، قال : يا ابن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : له علي حق ولكن لم يبلغ [به] ان اعفو له عن قتل والدي ، قال : فتريد ماذا ؟ قال : أريد القود فان اراد لحقه علي ان اصالحه على الدية صالحته وعفوت عنه ، قال علي بن الحسين عليه السلام : فماذا حقه عليك ؟ قال : يا ابن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لقنني توحيد اللَّه ، ونبوة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وإمامة علي بن أبي طالب والائمة عليهم السلام ، فقال علي بن الحسين عليه السلام : فهذا لا يفي بدم أبيك ؟ بلي واللَّه ، هذا يفي

ص: 387


1- كمال الدين : 1/207 ، ح 22 ؛ بحار الأنوار : 23/5 ، ح 10 .

بدماء أهل الأرض كلهم من الأولين والآخرين سوى [الأنبياء ]والائمة عليهم السلام إن قتلوا فانه لا يفي بدمائهم شي ء ، الخبر(1) .

هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ

عن أبي حمزة الثمالي قال : قال أبوجعفر عليه السلام : بنى الاسلام على خمس ، أقام الصلاة وايتاء الزكاة وحج البيت وصوم شهر رمضان والولاية لنا أهل البيت ، فجعل في أربع منها رخصة ولم يجعل في الولاية رخصة ، من لم يكن له مال لم يكن عليه الزكاة ، ومن لم يكن عنده مال فليس عليه حج ، ومن كان مريضاً صلى قاعداً وافطر شهر رمضان ، والولاية صحيحاً كان أو مريضاً أو ذامال أو لا مال له فهي لازمة واجبة(2) .

وعن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : الاسلام عريان ، فلباسه الحياء ، وزينته الوفاء ، ومروءته العمل الصالح ، وعماده الورع ، ولكلّ شي ء أساس وأساس الاسلام حبّنا أهل البيت »(3) .

وعن أبي الطفيل قال : قال أميرالمؤمنين عليه السلام : ومن لا يحبنا أهل البيت لا ينفعه ايمانه ولا يتقبل منه عمله وإن أد أب الليل والنهار لم يزل(4) .

ص: 388


1- تفسير المنسوب إلى الامام العسكري عليه السلام : 596 ، ح 356 ؛ بحار الأنوار : 2/12 ، ح 24 .
2- الخصال : 1/278 ، ح 21 ؛ بحار الأنوار : 65/376 ، ح 21 .
3- المحاسن : 1/286 ، ح 427 ؛ بحار الأنوار : 65/281 ، ح 34 .
4- المحاسن : 1/199 ، ح 31 ؛ بحار الأنوار : 65/95 ، ح 40 .

إِلَيْهِمْ يَفِي ءُ الْغَالِي وَبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي

عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : نحن آل محمد النمط الأوسط الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي(1) .

وقال أميرالمؤمنين عليه السلام : نحن النمرقة الوسطى ، بها يلحق التالي وإليها يرجع الغالي(2) .

وعن فضيل بن يسار قال : قال الصادق عليه السلام : احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدونهم ، فان الغلاة شر خلق اللَّه يصغرون عظمة اللَّه ويدعون الربوبية لعباد اللَّه ، واللَّه إن الغلاة شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين اشركوا ، ثم قال عليه السلام : إلينا يرجع الغالي فلا نقبله ، وبنا يلحق المقصر فنقبله ، فقيل له : كيف ذلك يابن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ؟ قال : لان الغالي قد اعتاد ترك الصلوة والزكاة والصيام والحج فلا يقدر على ترك عادته وعلى الرجوع إلى طاعة اللَّه عزوجلّ ابداً ، وإن المقصر إذا عرف عمل وأطاع(3) .

وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ

قال تعالى : « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ »(4) .

وقال الرسول صلى الله عليه وآله لمجتمع الامة باجماعهم « ألست أولى بكم من أنفسكم »

ص: 389


1- الكافي : 1/101 ، ح 3 ؛ التوحيد : 114 ، ح 13 ؛ بحار الأنوار : 4/40 ، ح 18 .
2- خصائص الائمة : 98 ؛ بحار الأنوار : 34/341 .
3- الأمالي للطوسي : 650 ، م 33 ، ح 1349 - 12 ؛ بحار الأنوار : 25/265 ، ح 6 .
4- سورة المائدة : 55 .

قالوا : بلي يا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، قال : فمن كنت مولاه فعلي مولاه(1) .

وقال عبداللَّه بن جعفر لمّا أرسل معاوية إلى العبادلة في بيعة ابنه يزيد : اما بعد ، فان هذه الخلافة إن أخذ فيها بالقرآن فاولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللَّه وان اخذ فيها بسنّة رسول اللَّه فأولوا رسول اللَّه ... فأيّ الناس افضل واكمل وأحقّ بهذا الامر من آل الرسول ؟ ، وايم اللَّه لوولوه بعد نبيهم لوضعوا الامر موضعه ، لحقه وصدقه ، ولأطيع الرحمن ، وعصى الشيطان ، وما اختلف في الامة سيفان(2) .

وعن انس بن مالك قال : صلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله صلاة الفجر ، فلمّا انفتل من صلاته أقبل علينا بوجهه الكريم على اللَّه عزوجلّ ، ثم قال : معاشر الناس من افتقد الشمس فليستمسك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليستمسك بالزهرة ، فمن افتقد الزهرة فليستمسك بالفرقدين ، ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : أنا الشمس ، وعلى القمر ، وفاطمة الزهرة ، والحسن والحسين الفرقدان ، وكتاب اللَّه لا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض(3) .

وقد اشير إلى هذه الخصائص في أخبار كثيرة لكن أكثرها جمعاً لها ما عن أبي محمد القاسم بن العلاء - رحمه اللَّه - رفعه ، عن عبدالعزيز بن مسلم قال : كُنّا مع الرضا عليه السلام بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها ، فدخلت على سيّدي عليه السلام ، فاعلمته خوض

ص: 390


1- الخصال : 1/311 ، ح 87 ؛ بحار الأنوار : 40/10 ، ح 22 .
2- الامامة والسياسة لابن قتبة الدينوري : 1/149 .
3- معاني الأخبار : 114 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 24/75 ، ح 10 .

الناس فيه ، فتبسّم عليه السلام ثم قال : يا عبدالعزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم ، انّ اللَّه عزوجلّ لم يقبض نبيه صلى الله عليه وآله حتى أكمل له الدين وانزل عليه القرآن ، فيه تبيان كل شي ء بين فيه الحلال والحرام ، والحدود والأحكام ، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً ، فقال عزوجل : « ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ »(1) ، وانزل في حجة الوداع وهي آخر عمره صلى الله عليه وآله : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ ديناً »(2) ، وامر الامامة من تمام الدين ، ولم يمض صلى الله عليه وآله حتى بيّن لامته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحقّ ، وأقام لهم عليّاً عليه السلام غلماً واماماً ، وما ترك [لهم] شيئاً يحتاج إليه الاُمّة إلّا بيّنة ، فمن زعم انّ اللَّه عزوجل لم يكمّل دينه فقد ردّ كتاب اللَّه ، ومن ردّ كتاب اللَّه فهو كافر به .

هل يعرفون قدر الامامة ومحلها من الاُمّة فيجوز فيها اختيارهم ؟ انّ الامامة أجلّ قدراً واعظم شأناً وأعلى مكاناً وامنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم ، أو ينالوها بآرائهم ، أو يقيموا إماماً باختيارهم ، انّ الامامة خصّ اللَّه عزّوجلّ بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلّة مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرّفه بها وأشاد(3) بها ذكره ، فقال : « إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً »(4) فقال الخليل عليه السلام سروراً بها : « ومن ذرّيّتي » قال اللَّه تبارك وتعالى : « لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ » فابطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة وصارت فى الصفوة ، ثم أكرمه اللَّه تعالى

ص: 391


1- سورة الانعام : 38 .
2- سورة المائدة : 3 .
3- الاشادة : رفع الصوت بالشي .
4- سورة البقرة : 124 .

بأن جعلها في ذرّيّته أهل الصفوة والطهارة فقال: « وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحينَ * وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدينَ »(1) فلم تزل في ذرّيّته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتى ورّثها اللَّه تعالى النبي صلى الله عليه وآله ، فقال جل وتعالى : « إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهيمَ لَلَّذينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنينَ »(2) فكانت له خاصّة فقلّدها صلى الله عليه وآله عليّاً عليه السلام بامر اللَّه تعالى على رسم ما فرض اللَّه ، فصارت في ذرّيّته الاصفياء الذين آتاهم اللَّه العلم والايمان بقوله تعالى : « وَقالَ الَّذينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ في كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ »(3) فهي في ولد علي عليه السلام خاصة إلى يوم القيامة ، إذ لا نبيّ بعد محمد صلى الله عليه وآله ، فمن أين يختار هؤلاء الجهّال ؟

انّ الامامة هي منزلة الانبياء وإرث الاوصياء .

انّ الامامة خلافة اللَّه وخلافة الرسول صلى الله عليه وآله ومقام اميرالمؤمنين عليه السلام وميراث الحسن والحسين عليهما السلام .

انّ الامامة زمام الدين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين ، انّ الامامة اُسّ الاسلام النامى وفرعه السامي .

بالامام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد ، وتوفير الفي ء والصدقات وامضاء الحدود والأحكام ، ومنع الثغور والاطراف .

ص: 392


1- سورة الأنبياء : 72 - 73 .
2- سورة آل عمران : 68 .
3- سورة الروم : 52 .

الامام يحلّ حلال اللَّه ، ويحرّم حرام اللَّه ، ويقيم حدود اللَّه ، ويذبّ عن دين اللَّه ، ويدعوا إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة .

الامام كالشمس الطالعة المجلّلة بنورها العالم وهي في الاُفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار .

الامام البدر المنير ، والسراج الزاهر ، والنور الساطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجي واجواز البلدان والقفار ، ولحج البحار .

الامام الماء العذب على الظماء ، والدال على الهدى ، والمنجي من الرّدى .

الامام النار على اليفاع ، الحارّ لمن اصطلى به والدليل في المهالك ، من فارقه فهالك .

الامام السحاب الماطر ، والغيث الهاطل ، والشمس المضيئة ، والسماء الظليلة ، والأرض البسيطة ، والعين الغزيرة ، والغدير والروضة .

الامام الأنيس الرفيق ، والوالد الشفيق ، والاخ الشقيق ، والاُمّ البرّة بالولد الصغير ، ومفزع العباد في الداهية النآد .

الامام امين اللَّه في خلقه ، وحجته على عباده ، وخليفته في بلاده ، والداعي إلى اللَّه ، والذابّ عن حرم اللَّه .

الامام المطهر من الذنوب ، والمبرّى عن العيوب ، المخصوص بالعلم ، الموسوم بالحلم ، نظام الدين ، وعزّ المسلمين وغيظ المنافقين ، وبوار الكافرين.

الامام واحد دهره ، لا يدانيه احد ، ولا يعاد له عالم ، ولا يوجد منه بدل ، ولا له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضل الوهاب ، فمن ذا الذي يبلغ معرفة الامام أو يمكنه

ص: 393

اختياره ؟ هيهات هيهات ، ضلّت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسئت العيون ، وتصاغرت العظماء وتحيّرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الألبّاء ، وكلّت الشعراء ، وعجزت الادباء ، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه ، أو فضيلة من فضائله ، وأقرّت بالعجز والتقصير ، وكيف يوصف بكلّه أو ينعت بكنهه أو يفهم شي ء من أمره أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه ؟ لا كيف وأنّى وهو بحيث النجم من يد المتناولين ، ووصف الواصفين ، فاين الاختيار من هذا ؟ وأين العقول عن هذا ؟ وأين يوجد مثل هذا ؟ أتظنّون أنّ ذلك يوجد في غير آل الرسول محمد صلى الله عليه وآله ؟ كذبتهم واللَّه انفسهم ، ومنّتهم الاباطيل فارتقوا مرتقاً صعباً دحضاً ، تزلّ عنه إلى الحضيض اقدامهم ، راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة ، وآراء مضلّة ، فلم يزدادوا منه إلّا بعداً ، قاتلهم اللَّه أنّى يؤفكون ولقد راموا صعباً ، وقالوا إفكاً وضلّوا ضلالاً بعيداً ، ووقعوا في الحيرة ، اذ تركوا الامام عن بصيرة ، « وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبيلِ وَكانُوا مُسْتَبْصِرينَ »(1) .

رغبوا عن اختيار اللَّه واختيار رسول اللَّه صلى الله عليه وآله واهل بيته إلى اختيارهم والقرآن يناديهم : « وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ »(2) .

وقال عزوجلّ : « وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ

ص: 394


1- سورة العنكبوت : 38 .
2- سورة القصص : 68 .

يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ »(1) الآية ، وقال : « ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فيهِ لَما تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقينَ »(2) وقال عزوجلّ : « أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها »(3) أم « وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ »(4) أم « قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذينَ لا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ »(5) أم « قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا »(6) بل هو فضل اللَّه يؤتيه من يشاء واللَّه ذوالفضل العظيم . فكيف لهم باختيار الامام ؟ ! والامام عالم لا يجهل ، وراع لا ينكل ، معدن القدس والطهارة ، والنسك والزهادة والعلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرسول صلى الله عليه وآله ونسل المطهّرة البتول ، لا مغمز في نسب ، ولا يدانيه ذو حسب ، في البيت من قريش والذروة من هاشم ، والعترة من الرسول صلى الله عليه وآله والرضا من اللَّه عزوجلّ ، شرف الاشراف ، والفرع من عبد مناف ، نامى العلم ، كامل الحلم ، مضطلع بالامامة ، عالم بالسياسة ، مفروض الطاعة ، قائم بأمر اللَّه عزوجلّ ، ناصح لعباد اللَّه ، حافظ لدين اللَّه .

إنّ الأنبياء والائمة صلوات اللَّه عليهم يوفّقهم اللَّه ويؤتيهم من مخزون علمه

ص: 395


1- سورة الأحزاب : 36 .
2- سورة القلم : 36 - 41 .
3- سورة محمد : 24 .
4- راجع سورة التوبة : 87 .
5- سورة الانفال : 21 - 23 .
6- سورة البقرة : 93 .

وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم ، فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان في قوله تعالى : « أَفَمَنْ يَهْدي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ »(1) وقوله تبارك وتعالى : « وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثيراً »(2) وقوله في طالوت : « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَليمٌ »(3) وقال لنبيّه صلى الله عليه وآله : « أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظيماً »(4) وقال : في الائمة من أهل بيت نبيّة وعترته وذرّيّته صلوات اللَّه عليهم : « أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظيماً * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعيراً »(5) وإنّ العبد إذا اختاره اللَّه عزوجلّ لامور عباده ، شرح صدره لذلك ، وأورع قلبه ينابيع الحكمة ، وألهمه العلم إلهاماً ، فلم يعى بعده بجواب ، ولا يحير فيه عن الصواب ، فهو معصوم مؤيّد ، موفق مسدّد ، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار ، يخصّه اللَّه بذلك ليكون حجّته على عباده ، وشاهده على خلقه ، و« ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظيمِ »(6) .

فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة

ص: 396


1- سورة يونس : 35 .
2- سورة البقرة : 269 .
3- سورة البقرة : 247 .
4- راجع سورة النساء : 113 .
5- سورة النساء : 54 - 55 .
6- سورة الحديد : 21 .

فيقدّمونه ؟ تعدّوا وبيت اللَّه - الحقّ ونبذوا كتاب اللَّه وراء ظهورهم كانهم لا يعلمون ، وفي كتاب اللَّه الهدى والشفاء ، فنبذوه واتّبعوا اهوائهم ، فذمّهم اللَّه ومقّتهم وأتعسهم فقال جلّ وتعالى : « وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمينَ »(1) وقال : « فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ »(2) وقال : « كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ »(3) وصلّى اللَّه على النبيّ محمّد وآله وسلّم تسليماً كثيراً(4) .

وعن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال : « للامام علامات ، يكون أعلم الناس ، وأحكم الناس ، واتقى الناس ، وأحلم الناس ، وأشجع الناس ، وأسخى الناس ، وأعبد الناس ، ويولد مختوناً ، ويكون مطهّراً ، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه ولا يكون له ظل(5) ، وإذا وقع على الارض من بطن أمّه وقع على راحتيه ، رافعاً صوته بالشهادتين ، ولا يحتلم ، وتنام عينه ولا تنام قلبه ، ويكون محدّثاً ، ويستوى عليه درع رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ولا يرى له بول ولا غائط لأنّ اللَّه عزّوجلّ قد وكّل الأرض بابتلاع ما يخرج منه ، وتكون رائحته أطيب من رائحة المسك ويكون أولى الناس منهم بأنفسهم ، وأشفق عليهم من آبائهم وأمّهاتهم ، ويكون أشدّ الناس تواضعاً للَّه جلّ ذكره ، ويكون آخذ الناس بما يأمر به ، وأكفّ

ص: 397


1- سورة القصص : 50 .
2- سورة محمد : 8 .
3- سورة الغافر : 35 .
4- الكافي : 1/198 ، ح 1 ؛ بحار الأنوار : 25/120 ، ح 4 .
5- كأنّه مخصوص بما إذا كان عارياً في الشمس ولم ير في تلك الحال وإلّا لتواتر نقل ذلك . من لا يحضره الفقيه : 4/418 .

الناس عمّا ينهى عنه ، ويكون دعاؤه مستجاباً حتّى انّه لو دعا على صخرة لانشقّت بنصفين ، ويكون عنده سلاح رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، وسيفه ذوالفقار ، ويكون عنده صحيفة يكون فيها أسماء شيعته إلى يوم القيامة ، وصحيفة فيها أسماء أعدائه إلى يوم القيامة ، وتكون عنده الجامعة وهي صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم ، ويكون عنده الجفر الأكبر والأصغر إهاب ما عز واهاب كبش فيها جميع العلوم حتّى ارش الخدش وحتّى الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة ويكون عنده مصحف فاطمة عليها السلام »(1) .

وَ فِيهِمُ الْوَصِيَّةُ

عن ابن عبّاس قال : دخلت على أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقلت : يا أبا الحسن أخبرني بما أوصى إليك رسول اللَّه صلى الله عليه وآله قال : « سَأُخْبِرُكُمْ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ وَارْتَضَاهُ ، وَأَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ، وَكُنْتُمْ أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها ، وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ أَنْ يُوصِيَ إِلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله : يَا عَلِيُّ احْفَظْ وَصِيَّتِي ، وَارْعَ ذِمَامِي ، وَأَوْفِ بِعَهْدِي ، وَأَنْجِزْ عِدَاتِي ، وَاقْضِ دَيْنِي وقوّمهما ، وَأَحْيِ سُنَّتِي ، وَادْعُ إِلى مِلَّتِي ، لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اصْطَفَانِي وَاخْتَارَنِي ، فَذَكَرْتُ دَعْوَةَ أَخِي مُوسَى ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي كَمَا جَعَلْتَ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ إِلَيَّ أَنَّ عَلِيّاً وَزِيرُكَ وَنَاصِرُكَ وَالْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِكَ ، ثُمَّ يَا عَلِيُّ أَنْتَ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى وَأَوْلَادُكَ(2) مِنْكَ ، فَأَنْتُمْ قَادَةُ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالشَّجَرَةُ الَّتِي أَنَا أَصْلُهَا وَأَنْتُمْ فَرْعُهَا ، فَمَنْ تَمَسَّكَ

ص: 398


1- من لا يحضره الفقيه : 4/418 ، ح 5914 ؛ بحار الأنوار : 25/116 ، ح 1 .
2- في البحار : « وأولادي منك » .

بِهَا فَقَدْ نَجَا ، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا فَقَدْ هَلَكَ وَهَوَى ، وَأَنْتُمُ الَّذِينَ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى مَوَدَّتَكُمْ وَوَلايَتَكُمْ ، وَالَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ، وَوَصَفَهُمْ لِعِبَادِهِ ، فَقَالَ عَزَّوَجَلَّ مِنْ قَائِلٍ : « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »(1) فَأَنْتُمْ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ آدَمَ وَنُوحٍ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ وَآلِ عِمْرَانَ وَأَنْتُمُ الْأُسْرَةُ(2) مِنْ إِسْمَاعِيلَ وَالْعِتْرَةُ الْهَادِيَةُ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَواتُ اللَّه عَلَيْهِمِ أَجْمَعين »(3) .

وعن مجاهد في قوله تعالى : « يَا أيُّها الذينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(4) قال : إنّما نزلت في أميرالمؤمنين عليه السلام حين خلّفه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بالمدينة فقال عليه السلام : « يا رسول اللَّه أتخلفني بين النساء والصبيان ؟ » فقال صلى الله عليه وآله : « يا علي أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى حين قال له : اخلفني من قومي وأصلح ؟ » فقال عليه السلام : « بلى واللَّه » وأولى الأمر منكم قال علي بن أبي طالب عليه السلام : « ولّاه اللَّه أمر الأمّة بعد محمّد صلى الله عليه وآله حين خلّفه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله بالمدينة فأمر اللَّه العباد بطاعته وترك خلافه »(5) .

وعن أبي جعفر محمّد بن علي عليهما السلام قال : « انّ ابراهيم خليل اللَّه عليه السلام ودعا ربّه فقال : « رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْني وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ »(6) فنالت

ص: 399


1- سورة آل عمران : 33 .
2- في البحار : « وأنتم الأسوة » .
3- تأويل الآيات الظاهرة : 112 ؛ بحار الأنوار : 23/221 ، ح 24 .
4- النساء : 59 .
5- مناقب لابن شهرآشوب : 3/15 ؛ بحار الأنوار : 22/297 ، ح 40 .
6- سورة ابراهيم : 35 .

دعوته النبي صلى الله عليه وآله فأكرمه اللَّه بالنبوّة ونالت دعوته أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فاختصّه ( فاستخصّه ) اللَّه بالامامة والوصيّة »(1) .

وعن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : « قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله : لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ، أُوقِفْتُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّي عَزَّوَجَلَّ فَقَالَ لي : يَا مُحَمَّدُ ، فَقُلْتُ : لَبَّيْكَ رَبِّي وَسَعْدَيْكَ ، قَالَ : قَدْ بَلَوْتُ خَلْقِي ، فَأَيَّهُمْ وَجَدْتَ أَطْوَعَ لَكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : رَبِّ عَلِيّاً ، قَالَ : صَدَقْتَ يَا مُحَمَّدُ ، فَهَلِ اتَّخَذْتَ لِنَفْسِكَ خَلِيفَةً يُؤَدِّي عَنْكَ وَيُعَلِّمُ عِبَادِي مِنْ كِتَابِي مَا لا يَعْلَمُونَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : اخْتَرْ لِي ، فَإِنَّ خِيَرَتَكَ خَيْرٌ لِي ، قَالَ : قَدِ اخْتَرْتُ لَكَ عَلِيّاً فَاتَّخِذْهُ لِنَفْسِكَ خَلِيفَةً وَوَصِيّاً ، فإنّي قَدْ نَحَلْتُهُ عِلْمِي وَحِلْمِي وَهُوَ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ حَقّاً لَمْ يقلها [لَمْ يَنَلْهَا] أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلا أَحَدٌ بَعْدَهُ ، يَا مُحَمَّدُ عَلِيٌّ رَايَةُ الْهُدَى ، وَإِمَامُ مَنْ أَطَاعَنِي ، وَنُورُ أَوْلِيَائِي » ( الخبر )(2) .

وعن أنس بن مالك قال : سألت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عن معنى قوله : « وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ »(3) فقَالَ صلى الله عليه وآله : « إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ طِينٍ كَيْفَ شَاءَ ، ثُمَّ قَالَ : وَيَخْتارُ ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اخْتَارَنِي وَأَهْلَ بَيْتِي عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ فَانْتَجَبَنَا ، فَجَعَلَنِيَ الرَّسُولَ ، وَجَعَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ الْوَصِيَّ ، ثُمَّ قَالَ : ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ، يَعْنِي مَا جَعَلْتُ لِلْعِبَادِ أَنْ يَخْتَارُوا ، وَلَكِنِّي أَخْتَارُ مَنْ أَشَاءُ ، فَأَنَا وَ أَهْلُ بَيْتِي صَفْوَةُ اللَّهِ وَ

ص: 400


1- تفسير فرات الكوفي : 221 ، ح 297 ؛ بحار الأنوار : 36/141 ، ح 101 .
2- الأمالي للطوسي : 343 ، ح 45 ، مجلس 12 ؛ بحار الأنوار : 18/371 ؛ ح 78 .
3- سورة القصص : 67 .

خِيَرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، ثُمَّ قَالَ : « سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُون »(1) »(2) .

وعن ابن عبّاس قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « أنا سيّد النبيّين وعلي بن أبي طالب سيّد الوصيّين ، وانّ أوصيائي بعدي اثنا عشر أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم »(3) .

وعن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي عليهم السلام قال : « قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : الأئمّة بعدي اثنا عشر أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم ، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي ، وحجج اللَّه على اُمّتي بعدي ، المقرّ بهم مؤمن ، المنكر لهم كافر(4) .

ويشهد له قول الحسين عليه السلام في مناشداته يوم الطف : ألست ابن بنت نبيكم صلى الله عليه وآله وابن وصيه(5) .

وعن انس بن مالك قال : قلت لسلمان الفارسي : سل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : من وصيه ؟ فقال له سلمان : يا رسول اللَّه من وصيك ؟ قال : من كان وصى موسى ؟ قال : يوشع بن نون . قال : فان وصي ووارثي ، يقضي ديني وينجز موعدي وخير من اخلف بعدي علي بن أبي طالب عليه السلام(6) .

وعن عبدالرحمن بن كثير عن أبي جعفر عليه السلام قال : « قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : انّ أول

ص: 401


1- سورة القصص : 67 .
2- الطرائف : 1/97 ، ح 136 ؛ بحار الأنوار : 36/167 ، ح 152 .
3- كمال الدين وتمام النعمة : 1/280 ، ح 29 ؛ بحار الأنوار : 36/243 ، ح 51 .
4- كفاية الأثر : 146 ؛ بحار الأنوار : 36/245 ، ح 58 .
5- تاريخ الطبري : 4/322 ، سنه 61 ضمن خطبة .
6- الموضوعات ، ابن الجوزي : 1/374 ؛ شواهد التنزيل ، الحاكم حسكاني : 1/99.

وصي كان على وجه الأرض هبة اللَّه بن آدم وما من نبيّ مضى إلّا وله وصي - إلى أن قال - وانّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان هبة اللَّه لمحمد صلى الله عليه وآله ، وورث علم الأوصياء ، وعلم من كان قبله»(1) .

وعن عبداللَّه بن عباس عن علي بن أبي طالب قال عليه السلام : « لما نزلت هذه الآية على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « وَأَنْذِرْ عَشيرَتَكَ الْأَقْرَبينَ »(2) دعاني رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال لي : يا علي ان اللَّه امرني ان أنذر عشيرتي الأقربين - إلى أن قال - ثم اجمع لي بني عبدالمطلب حتى اكلمهم وابلغهم ما أمرت به ، ففعلت ما أمرني به ، ثم دعوتهم له وهم يومئذ اربعون رجلاً - إلى أن قال - ثم تكلم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فقال : يا بني عبدالمطلب اني واللَّه ما اعلم شاباً في العرب جاء قومه بافضل مما قد جئتكم به ، انّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني اللَّه تعالى أن أدعوكم إليه ، فايّكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيى وخليفتي فيكم ؟ قال عليه السلام : فاحجم القوم عنها جميعاً وقلت واني لأحدثهم سناً وارمصهم عيناً واعظمهم بطناً واحمشهم ساقاً : انا يا نبيّ اللَّه اكون وزيرك عليه ، فاخذ برقبتي ثم قال صلى الله عليه وآله : ان هذا أخي ووصيى وخليفتي فيكم فاسمعوا له واطيعوا ، قال عليه السلام : فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك ان تسمع لابنك وتطيع»(3) .

وعن الاسود قال : ذكروا عند عايشة ان علياً كان وصيّاً ، فقالت : متى أوصى إليه وقد كنت مسندته إلى صدري أو قالت حجري فدعا بالطست ، فلقد انخنث في

ص: 402


1- الكافي : 1/224 ، ح 2 ؛ بحار الأنوار : 38/6 ، ح 12 .
2- سورة الشعراء : 214 .
3- تاريخ الطبري : 2/62 ؛ الأمالي للطوسي : 582 ، م 24 ، ح 1206 - 11 ؛ بحار الأنوار : 18/191 ، ح 27 .

حجري فما شعرت انه مات فمتى أوصى إليه(1) .

أقول : وأي ملازمة بين هذا وبين عدم وصايته صلى الله عليه وآله فانه صلى الله عليه وآله جعل علياً وصيه وخليفته أول بعثته كما عرفت فيما مرّ وبعده إلى حين وفاته حسبما دل عليه آثار أخر قبل تلك الساعة التي ادعت في موته صلى الله عليه وآله حين بوله بين سحرها ونحرها .

قال الكراجكي : ومن عجيب امرهم : انهم اذا طرقتهم الحجج الجلية في انّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله لم يمض من الدنيا إلّا عن وصية ، وانه اوصى [إلى] أميرالمؤمنين [علي بن أبي طالب] عليه السلام دونَ سائر الاُمّة ، وسمعوا تمدح أميرالمؤمنين عليه السلام بذلك في كلامه وحجاجه لخصومه ، وذكره [له] في خطبه على منبر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، واحتجاج أهل بيته عليهم السلام وشيعته من الانصار بذلك فى فضله ، وما نظمه الشعراء فيه وسارت [الركبان به] - إلى أن قال - قالوا عند ذلك : لسنا نجحد انّ علياً عليه السلام وصي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ولا ننكر ما قد اشتهر من شهادة القوم بوصيته ، ولكن النبي صلى الله عليه وآله انما أوصى [إليه] بما كان [له] في يديه ويمتلكه ويحويه ، ولم يوص إليه بأمر الاُمّة كلها ، ولا تعدّت وصيته إليه امور تركته وأهله إلى غيرها ، ثم [انهم] يدعون بعد هذا ان جميع ما خلفه صدقة ، وانه لا يورث كما يورث سواه من الأمّة ، وان فدكا والعوالي صدقه ينظر فيها الخليفة الذي تختاره الأمة ، ولا يجوز ان تقبل فيها شهادة من تثبت له الوصية ، فليت شعري بما ذا أوصى اذا كان جميع ما خلفه صدقة ، ولم يكن أوصى بحفظ الشريعة والقيام بأمر الاُمّة [الامامة] ؟ فان هذا مما يتحير فيه ذو البصيرة والخبرة والمعرفة(2) .

ص: 403


1- صحيح البخاري : 3/186 ؛ صحيح مسلم : 5/75 .
2- التعجب : 34 - 37 .

وقال ابوسعيد التيمي المعروف بعقيصا قال : كنا مع على في مسيره إلى الشام حتى اذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد - قال : - عطش الناس واحتاجوا إلى الماء ، فانطلق بنا علي عليه السلام حتى أتى بنا على صخرة ضرس من الأرض ، كانها ربضة عنز(1) ، فأمرنا قتلعناها فخرج لنا ماء ، فشرب الناس منه وارتووا . قال : ثم امرنا فاكفاناها عليه ، قال : وسار الناس حتى اذا مضينا قليلاً قال علي عليه السلام : منكم احد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه ؟ قالوا : نعم يا أميرالمؤمنين ، قال : فانطلقوا إليه ، قال : فانطلق منا رجال ركبانا ومشاة ، فاقتصصنا الطريق إليه حتى انتهينا إلى المكان الذي نرى أنه فيه . قال : فطلبناها فلم نقدر على شي ء حتى اذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب منا فسألناهم : اين الماء الذي هو عندكم ؟ قالوا : ما قربنا ماء ، قالوا : بلي ، انا شربنا منه ، قالوا : انتم شربتم منه ؟ قلنا : نعم ، قال صاحب الدير : ما بنى هذا الدير إلّا بذلك الماء ، وما استخرجه إلّا نبيّ أو ووصيّ نبيّ(2) .

وروى عن جويرية بن مُسْهِر أنّه قال : اقبلنا مع أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من قتل الخوارج حتى إذا قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر فنزل أميرالمؤمنين عليه السلام ونزل الناس ، فقال علي عليه السلام : « ايّها الناس ان هذه أرض ملعونة قد عذّبت في الدهر ثلاث مرات - إلى أن قال عليه السلام - وانه لا يحل لنبيّ ولا لوصي نبيّ ان يصلي فيها»(3) .

ص: 404


1- ربضة العنز بالضم : أي جثتها اذا بركت . لسان العرب : 7/153 .
2- وقعة صفين لابن مزاحم المنقري : 145 ؛ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي : 12/302 .
3- من لا يحضره الفقيه : 1/203 ، ح 611 ؛ وسائل الشيعة : 5/180 ، ح 6272 ؛ بحار الأنوار : 33/439 ، ح 647 .

وروى ابن مردويه - وهو من حفّاظهم - عن النبيّ صلى الله عليه وآله : إنّ اللَّه عزوجلّ اختار من كل امّة نبيّاً ، واختار لكل نبيّ وصيّاً ، فأنا نبيّ هذه الاُمّة ، وعلي وصيى في عترتي وأهل بيتي وأمتي من بعدي(1) .

وروى الجمهور عن ابن عباس قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله انتهت الدعوة إليّ وإلى علي لم يسجد احدنا قط لصنم فاتخذني نبيّاً واتخذ علياً وصيّاً(2) .

وحيث ان المراد من ( الدعوة ) في الخبر دعاء إبراهيم عليه السلام وطلب الامامة لذريته من اللَّه تعالى في قوله : « وَمِنْ ذُرِّيَّتي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ »(3) فلازمه عدم صحة خلافة شيخيهم اللذين شاخا في عبارة الاصنام .

وعن النبيّ صلى الله عليه وآله قال : « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي اللَّه - عزوجل - قبل ان يخلق آدم باربعة عشر ألف عام ، فلما خلق آدم قسم ذلك فيه وجعله جزأين ، فجزء انا وجزء علي .

رواه احمد في « المسند » وفي كتاب فضائل علي عليه السلام ، وذكره صاحب كتاب الفردوس وزاد فيه : ثم انتقلنا حتى صرنا في عبدالمطلب ، فكان لي النبوة ولعلي الوصية(4) .

وقال ابن عبد ربه في ( عقده ) - بعد ذكر فضائل أميرالمؤمنين عليه السلام ، وقال له النبي صلى الله عليه وآله : « أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيّ بعدي - : وبهذا الحديث سمت الشيعة عليّاً عليه السلام الوصي ، وتأوّلوا فيه انّه استخلفه

ص: 405


1- مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام لابن مردويه : 106 ؛ بحار الأنوار : 38/18 ، ح 33 .
2- نهج الحق : 180 ؛ مناقب ابن المغازلي الشافعي : 224 ، ح 291.
3- سورة البقرة : 124 .
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 9/171 ، خبر 14 ؛ بحار الأنوار : 40/83 ، خبر 14 .

على أمّته اذ جعله منه بمنزلة هارون من موسى ، لان هارون كان خليفة موسى على قومه اذا غاب عنهم ، وقال السيد الحميري : انّي ادين بما دان الوصى به وشاركت كفّه كفّى بصفّينا»(1) .

وروى ان أميرالمؤمنين عليه السلام أرسل عبداللَّه بن العباس إلى الخوارج وكان بمرأى منهم ومسمع قالوا له في الجواب : انا نقمنا يا ابن عباس على صاحبك خصالاً كلها مكفرفة موبقة - إلى أن قال - قال عليه السلام لهم : واما قولكم : اني كنت وصيا فضيعت الوصية فانتم كفرتم وقدمتم علي ، وأزلتم الأمر عني ، وليس على الأوصياء الدعاء إلى انفسهم ، انما يبعث اللَّه الأنبياء صلى الله عليه وآله فيدعون إلى أنفسهم ، واما الوصى فمدلول عليه مستغن عن الدعاء إلى نفسه وذلك لمن آمن باللَّه ورسوله ، ولقد قال اللَّه جل ذكره : « وَللَّهِ ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبيلاً »(2) ، فلو ترك الناس الحج لم يكن البيت ليكفر بتركهم اياه ، ولكن كانوا يكفرون بتركهم ، لأن اللَّه تعالى قد نصبه لهم علماً ، وكذلك نصبني علماً حيث قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله : « يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى وأنت مني بمنزلة الكعبة تؤتى ولا تأتي»(3) .

وَ الْوِرَاثَةُ

روى انه لما حج الرشيد ونزل في المدينة اجتمع إليه بنوهاشم وبقايا المهاجرين والانصار ووجوه الناس ، وكان في الناس الامام أبوالحسن موسى بن

ص: 406


1- العقد الفريد لابن عبد ربه : 2/100 وط آخر : 4/311 .
2- سورة آل عمران : 97 .
3- الاحتجاج : 1/187 ؛ بحار الأنوار : 33/377 ، ح 608 .

جعفر عليه السلام ، فقال لهم الرشيد : قوموا بنا إلى زيارة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله ، ثم نهض معتمداً على يد أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام حتى انتهى إلى قبر رسول اللَّه صلى الله عليه وآله فوقف عليه فقال : السلام عليك يا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله السلام عليك يا ابن عم افتخاراً بذلك على قبائل العرب الذين حضروا معه واستطالة عليهم بالنسب ، قال : فنزع أبوالحسن موسى عليه السلام يده من يده وقال : السلام عليك يا رسول اللَّه ، السلام عليك يا ابة ، قال : فتغيّر وجه الرشيد ثم قال : يا أبا الحسن إن هذا لهو الفخر(1) .

وقال المنصور للصادق عليه السلام : زعم أوغاد الحجاز ورعاع الناس انك حبر الدهر ، وناموسه وحجة المعبود وترجمانه وعيبة علمه ، وميزان قسطه ، ومصباحه الذي يقطع به الطالب عرض الظلمة إلى ضياء النور ، وان لا يقبل من عامل جهل جدك في الدنيا عملاً ، و لا يرفع له يوم القيامة وزناً ، فنسبوك الى غير جدك ، وقالوا فيك ما ليس فيك ، فقل : فانّ أول من قال الحق جدك ، وأوّل من صدقه عليه أبوك ، وأنت حرىّ ان تقتص آثارهما وتسلك سبيلهما ، فقال الصادق عليه السلام : انا فرع من فروع الزيتونة ، وقنديل من قناويل بيت النبوّة ، وأديب السفرة ، وربيب الكرام البررة ، ومصباح من مصابيح المشكاة التي فيها نور النور ، وصفو الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلى يوم الحشر - الخبر -(2) .

وقال الحسين عليه السلام لمعاوية لمّا دعاه إلى البيعة لابنه يزيد في جملة كلامه عليه السلام له : « ومنعتنا عن آبائنا تراث ، ولقد - لعمر اللَّه - أورثنا الرسول عليه الصلوة والسلام ولادة - إلى أن قال - فنظر معاوية إلى ابن عباس فقال : ما هذا يابن عباس ؟ ولما

ص: 407


1- الفصول المختارة : 36 ؛ كنز الفوائد : 1/356 ؛ بحار الأنوار : 25/243 ، ح 25 .
2- الأمالي للصدوق : 612 ، 894 ، ح 9 ؛ بحار الأنوار : 47/167 ، ح 9 .

عندك ادهى وامر . فقال ابن عباس : لعمر اللَّه انها لذرية الرسول ، واحد اصحاب الكساء ، وفي البيت المطهر»(1) .

الْآنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَنُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ

قال اعثم الكوفي في تاريخه - في قصة أهل حضرموت - ان زياد بن لبيد وسم ابلا من شاب من حضرموت بسمة الصدقات وارسلها في نعمها فحضر الشاب وقال له : خلّ عن هذا اعطك خيراً منه ، فما قبل منه ، فذهب إلى حادثة بن سراقة الذي كان احد كبراء تلك الديار وقال له : أريد أن تشفع لي في ذلك ، فجائه حارثة في ذلك ، فاعتذر بانه بعد وسمة بسمة الصدقات لا يمكنه تبديلها ، فغضب حارثة وجاء إلى آبال الصدقة وقال للشاب : حلّ إبلك واذهب بها إلى بيتك ، ولو تكلم احد نجيبه بالسيف ، كنّا مطيعاً لصاحب الرسالة مادام كان حيّاً ، فلمّا توفى لو كان خليفة من أهل بيته كنّا مطيعين له ، واما ابن أبي قحافة فانّي له الامارة علينا ، وانشد شعراً في توالية لاهل البيت وتبرّيه من أبي بكر ، وأرسل بذلك إلى زياد ، فلمّا سمع زياد ذلك خاف وشخص إلى المدينة ، وبعث من الطريق شعرا في تهديدهم فقالت قبائل كندة : اجمعوا اطرافكم واحفظوا بلادكم فان العرب لا ترضى بتقديم تيم ، ولا يدعون سادات بطحاء اهل بيت النبوة ومستحقي الخلافة ، ولو كان ينبغي أن يكون الامر خارجاً من بني هاشم لم يكن أحد أولى به منّا لأنّ آبائنا كانوا ملوك الأرض - إلى أن قال - : فذهب زياد إلى بني زبيد وشكى إليهم من كندة ، ودعاهم إلى طاعة أبي بكر ، فقالوا له : يا زياد لم تدعونا إلى طاعة رجل

ص: 408


1- الامامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري : 1/209 .

لم يوص الرسول صلى الله عليه وآله احدً بطاعته ولم يذكر في أمر شيئاً ؟ فقال لهم : صدقتم ولكن اتّفقت جماعة المسلمين على تقديمه باجتهادهم ، فقالوا له : لم يتجهدوا في تقديم أهل بيت نبيهم وكان هذا الأمر حقاً لهم حيث يقول تعالى : « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ في كِتابِ اللَّهِ »(1) ، فقال لهم زياد : ان المهاجرين والانصار كانوا اعلم منكم ، قالوا : لا واللَّه بل حسدوا أهل بيت نبيهم واخذوا الحق مِنْ مستحقه ونحن نعلم يقيناً ان الرسول صلى الله عليه وآله لم يقبض حتى عيّن خليفة له من أهل بيته - الخ (2)- .

إلى هنا انتهى الجزء الأوّل من كتاب

« مصباح السعادة في شرح نهج البلاغة »

وأسأل اللَّه أن يوفّقني لبقيّة الأجزاء كما وفّقني للجزء الأوّل

انّه سميع الدعاء قريب مجيب

والحمد للَّه ربّ العالمين وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين

ص: 409


1- سورة الانفال : 75 .
2- كتاب الفتوح لابن الاعثم : 1/46 ، والنقل بالمعنى .

المصادر الکتاب

1 - اثبات الوصية : المسعودى ، ( المتوفى 344ق ) .

2 - الاحتجاج على اهل اللجاج : ابو منصور احمد بن على بن ابى طالب طبرسى ، 2 مجلد ، مترجم : بهراد جعفرى ، دار الكتب الاسلامية ، طهران 1387 ش .

3 - الاحتجاج على أهل اللجاج : احمد بن على ، طبرسى ، ( المتوفى 588ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : محمد باقر خرسان ، نشر مرتضى ، مشهد ، الأولى 1403ق .

4 - الاختصاص : محمد بن محمد المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، مصحح : على اكبر غفارى ومحمود حرمى زرندى ، المؤتمر العالمى للالفية الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .

5 - اختيار مصباح السالكين : ابن ميثم البحرانى ، ( المتوفى 679ق ) ، تحقيق : الدكتور شيخ محمد هادى الامينى ، مجمع البحوث الاسلامية مشهد ، الأولى 1408ق - 1366ش .

6 - ارشاد القلوب الى الصواب للديلمى : حسن بن محمد ديلمى ، ( المتوفى 841ق ) ، 2 مجلد ، الشريف الرضى ، قم ، الأولى 1412ق .

7 - الاصول الستة عشر : مصحح : ضياءالدين محمودى ونعمت اللَّه جليلى ومهدى

ص: 410

غلامعلى ، مؤسسة دار الحديث الثقافية ، قم ، الأولى 1423ق .

8 - اعتقادات الامامية ( للصدوق ) محمد بن على بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الثانية 1414ق .

9 - اعلام الدين فى صفات المؤمنين : حسن بن محمد ديلمى ، ( المتوفى 841ق ) ، 1 مجلد ، الناشر والمصحح : مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، الأولى 1408ق .

10 - اعلام الورى باعلام الهدى ( ط القديمة ) : فضل بن حسن طبرسى ، ( المتوفى 548ق ) ، 1 مجلد ، اسلامية ، تهران ، الثالثة 1390ق .

11 - الزام الناصب فى اثبات الحجة الغائب عليه السلام : على بن زين العابدين ، يزدى حائرى ، ( المتوفى 1323ق ) ، محقق : عاشور ، على ، مؤسسة الأعلمى ، بيروت ، الأولى 1422ق .

12 - الأمالي ( للصدوق ) : محمد بن على بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، الأعلمى بيروت ، الخامسة 1400ق - 1362ش .

13 - الأمالي ( للطوسي ) : محمد بن الحسن طوسى ، ( المتوفى 460ق ) ، 1 مجلد ، دار الثقافه ، قم ، الأولى 1414ق .

14 - الأمالي ( للمرتضى ) : على بن حسين ، علم الهدى ، ( المتوفى 436ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : محمد ابوالفضل ، ابراهيم ، دار الفكر العربى ، قاهره ، الأولى 1988م .

15 - الأمالي ( للمفيد ) : محمد بن محمد ، مفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : حسين استاد ولى وعلى اكبر غفارى ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .

16 - الامامة والسياسة المعروف بتاريخ الخلفاء : ابن قتيبة دينورى ، القرن الثالث ، تحقيق : على شيرى ، دار الأضواء ، بيروت ، الأولى 1410ق - 1990م .

ص: 411

17 - الايضاح : الفضل بن شاذان الأزدى ، ( المتوفى 260ق ) ، تحقيق : السيد جلال الدين الحسينى الارموى المحدث ، مؤسسة النشر والطبع جامعة طهران ، 1363ش .

18 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار : محمّد باقر بن محمّد تقى مجلسى ، ( المتوفى 1110ق ) ، 111 مجلد ، دار احياء التراث العربي ، الثانية 1403ق .

19 - البرهان فى تفسير القرآن : سيد هاشم بن سليمان بحراني ، ( المتوفى 1107ق ) ، 5 مجلد ، مصحح : قسم الدراسات الاسلامية لمؤسسة البعثة ، مؤسسة البعثة ، قم ، الأولى 1374 ش .

20 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى : عماد الدين أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبرى الآملي ، ( المتوفى 553ق ) ، 1 مجلد ، المكتبة الحيدرية ، نجف الأشرف ، الثانية 1383ق .

21 - بصائر الدرجات في فضائل آل محمد عليهم السلام : محمد بن حسن صفار ، ( المتوفى 290ق ) ، مصحح : محسن بن عباسعلي كوچه باغي ، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي ، قم ، الثانية 1404ق .

22 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة : محمّد تقي الشيخ الشوشتري ، ( المتوفى 1415ق - 1374ش ) ، مؤسّسة نشر أمير كبير ، الأولى 1376 شمسي .

23 - تاريخ بغداد : الخطيب البغدادي ، ( المتوفى 463ق ) ، تحقيق : مصطفى عبدالقادر عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الأولى 1417ق - 1997 م .

24 - تاريخ الطبرى : محمد بن جرير الطبري ، 6 مجلد ، ( المتوفى 310ق ) ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت .

ص: 412

25 - تاريخ مدينة دمشق : ابن عساكر ، ( المتوفى 571ق ) ، 70 مجلد ، تحقيق : علي شيري ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، مطبعة دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، چاپ 1415ق .

26 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة : علي الاسترآبادي ، ( المتوفى 940ق ) ، مصحح : حسين استاد ولي ، مؤسسة النشر الاسلامى ، قم ، الأولى 1409ق .

27 - تحف العقول : حسن بن علي ، ابن شعبة الحرّاني ، ( المتوفى قرن 4 ) ، 1 مجلد ، مصحح : علي أكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الثانية 1404ق - 1363ش .

28 - التعجب من أغلاط العامّة في مسألة الإمامة : محمّد بن علي الكراجكي ، ( المتوفى 449ق ) ، 1 مجلد ، دار الغدير ، قم ، الأولى 1421ق .

29 - تفسير الآلوسي : الآلوسي ، 1270ق ، 30 مجلد .

30 - تفسير الصافي : محمّد بن شاه مرتضى فيض كاشاني ، ( المتوفى 1091ق ) ، مكتبة الصدر ، طهران ، الثانية 1415ق .

31 - تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور : جلال الدين السيوطي ، ( المتوفى 911ق ) ، 6 مجلد ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت .

32 - تفسير العياشي : محمّد بن مسعود العياشي ، ( المتوفى 320ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : السيّد هاشم رسولى المحلّاتى ، المطبعة العلمية ، طهران ، الأولى 1380 ق .

33 - تفسير فرات الكوفي : فرات بن ابراهيم كوفي ، ( المتوفى 307ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : محمد كاظم ، مؤسسة الطبع والنشر في وزارة الارشاد الاسلامي ، طهران ،

ص: 413

الأولى 1410ق .

34- تفسير القمي : علي بن ابراهيم القمي ، ( المتوفى القرن 3 الهجري ) ، مصحح : السيّد طيّب موسوى الجزائري ، 2 مجلد ، دار الكتاب ، قم ، الثالثة 1404ق .

35 - تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب اللَّه العزيز المحكم : السيد حيدر الآملي ، 2 مجلد ، تحقيق : السيد محسن الموسوي التبريزي ، مؤسسة الثقافي والنشر نور على نور ، الثالثة 1428 .

36 - التفسير المنسوب الى الامام الحسن العسكري عليه السلام : الشهادة 260 ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : مدرسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم ، الأولى 1409ق .

37 - تفسير نور الثقلين عبد علي بن جمعة الحويزي ، ( المتوفى 1112ق ) ، 5 مجلدات ، اسماعيليان ، قم ، الرابعة 1415ق .

38 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام : ورام بن أبي فراس ، مسعود بن عيسى ، ( المتوفى 605ق ) ، 2 مجلد ، مكتبة الفقيه ، قم ، الأولى 1410ق .

39- التوحيد ( للصدوق ) : محمّد بن علي ، ابن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : هاشم الحسيني ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الأولى 1398ق .

40 - تهذيب الأحكام : محمد بن الحسن ، طوسى ، ( المتوفى 460ق ) ، 10 مجلد ، مصحح : حسن الموسوى خرسان ، دار الكتب الاسلامية ، تهران ، الرابعة 1407ق .

41 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : محمد بن علي الصدوق ، ابن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، دار الشريف الرضي للنشر ، قم ، الثانية 1406ق .

42 - جامع احاديث الشيعة : السيّد حسين البروجردي ، ( المتوفى 1380ق ) ، 31 مجلد ، النشر الثقافي الأخضر (سبز) ، طهران ، الأولى 1386 ش .

ص: 414

43 - جامع الأخبار ( للشعيرى ) : محمد بن محمد شعيرى ، ( المتوفى القرن 6 ) ، مطبعة الحيدرية ، النجف الأشرف ، الأولى .

44 - الخرائج والجرائح : سعيد بن هبة اللَّه ، قطب الدين الراوندي ، ( المتوفى 573ق ) ، المصحح والناشر : مؤسسة الامام المهدي عليه السلام ، 3 مجلد ، قم ، الأولى 1409ق .

45- خصائص الأئمّة عليهم السلام ( خصائص أميرالمؤمنين عليه السلام ) : محمد بن حسين ، الشريف الرضي ، ( المتوفى 406ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : محمد هادي الأميني ، منشورات العتبة الرضويّة ، مشهد ، الأولى 1406ق .

46 - الخصال : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : على اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الأولى 1362ش .

47 - دعائم الاسلام وذكر الحلال والحرام : نعمان بن محمد مغربى ، ابن حيون ، ( المتوفى 363ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : الفيضي ، آصف ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، الثانية 1385ق .

48 - الدعوات للراوندي ، سلوة الحزين : سعيد بن هبة اللَّه ، قطب الدين الراوندي ، ( المتوفى 573ق ) ، 1 مجلد ، انتشارات مدرسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم ، الأولى 1407ق.

49 - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة : محمّد بن المكّي العاملي ، الشهيد الأوّل ، ( المتوفى 786ق ) ، 4 مجلد ، مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، الأولى 1419ق .

50 - رجال الكشي - اختيار معرفة الرجال : محمّد بن عمر الكشي ، ( المتوفى النصف الأوّل من القرن 4ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : محمّد حسن الطوسي ، حسن المصطفوي ، مؤسسه النشر لجامعة مشهد ، الأولى 1409ق .

ص: 415

51 - الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية : ( ط . الحديثة ) ، زين الدين بن علي العاملي الشهيد الثاني ، ( المتوفى 966ق ) ، 10 مجلد ، مصحّح : سيّد محمّد الكلانتر ، مكتبة الداوري ، قم ، الأولى 1410ق .

52 - روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه : محمّد تقى بن مقصود على ، المجلسي ، ( المتوفى 1070ق ) ، 14 مجلد ، مصحح : حسين الموسوي الكرماني وعلى پناه الاشتهاردي ، مؤسسة الثقافة الإسلاميّة كوشانبور ، قم ، الثانية 1406ق .

53 - روضة الواعظين وبصيرة المتعظين : محمّد بن أحمد ، فتال النيشابوري ، ( المتوفى 508ق ) ، 2 مجلد ، النشر الرضي ، قم ، الأولى 1375ش .

54 - رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين عليه السلام : سيد عليخان بن احمد ، الكبير المدني ، ( المتوفى 1120ق ) ، 7 مجلد ، مصحح : محسن الحسيني الأميني ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الأولى 1409ق .

55 - سعد السعود للنفوس منضود : علي بن موسى ابن طاووس ، ( المتوفى 664ق ) ، دار الذخائر ، قم ، الأولى .

56 - سنن أبي داود : سليمان بن الأشعث السجستاني ، ( المتوفى 275ق ) ، 2 مجلد ، تحقيق : سعيد محمد اللحام ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، الأولى 1410ق - 1990م .

57 - السيرة النبوية : ابن هشام الحميري ، ( المتوفى 218ق ) ، 1 مجلد ، تحقيق : محمد محي الدين عبدالحميد ، مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده ، القاهرة ، 1383ق - 1963م .

58 - شرح احقاق الحق : السيّد المرعشي ، 33 مجلد ، تعليق : السيّد شهاب الدين

ص: 416

المرعشي النجفي ، تصحيح : السيّد إبراهيم الميانجي ، منشورات مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي ، قم .

59 - شرح أصول الكافي ( صدرا ) : محمّد بن ابراهيم ، صدرالدين الشيرازي ، 4 مجلد ( المتوفى 1050ق ) ، مصحح : محمد الخواجوي ، مؤسسة مطالعات و تحقيقات فرهنگى طهران ، الأولى 1383ش .

60 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : عبدالحميد بن هبة اللَّه ، ابن أبي الحديد ، ( المتوفى 656ق ) ، مصحح : محمد ابوالفضل ، ابراهيم ، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي ، قم ، الأولى 1404ق .

61 - شرح نهج البلاغة ( ابن ميثم ) : ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، ( قرن 7 ) ، 5 مجلد ، مكتبة نشر الكتاب ، الثانية 1362 ش .

62 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل : عبيداللَّه بن عبداللَّه الحسكاني ، ( المتوفى 490 ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : محمد باقر المحمودي ، التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الاسلامي ، مجمع احياء الثقافة الاسلامية ، طهران ، الأولى 1411ق .

63 - الصحاح : الجوهري ، ( المتوفى 393ق ) ، 3 مجلد ، تحقيق : احمد عبدالغفور العطار ، دار العلم للملايين ، بيروت ، الرابعة 1407ق - 1987م .

64 - صحيح البخاري : محمّد بن إسماعيل البخاري ، ( المتوفى 256ق ) ، 8 مجلد ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، 1401ق - 1981م .

65 - صحيح مسلم : مسلم النيسابوري ، ( المتوفى 261ق ) ، 1 مجلد ، دار الفكر ، بيروت .

66 - الصحيفة السجادية : امام علي بن الحسين عليه السلام ، ( الشهادة 94 يا 95ق ) ، مكتبة نشر الهادي ، قم ، الأولى 1376ق .

ص: 417

67 - الطرائف في معرفة مذهب الطوائف : علي بن موسى ، ابن طاووس ، 2 مجلد ، ( المتوفى 664ق ) ، مصحح : على عاشور ، خيام ، قم ، الأولى 1400ق .

68 - عدّة الداعي ونجاح الساعي : احمد بن محمد ، ابن فهد حلي ، ( المتوفى 841ق ) ، مصحّح : احمد الموحدي القمي ، 1 مجلد ، دار الكتب الاسلاميّة ، الأولى 1407ق.

69 - علل الشرايع : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، 2 مجلّد مكتبة الداوري ، قم الأولى 1385ش .

70 - عوالى اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية : محمد بن زين الدين ، ابن ابي جمهور ، ( المتوفى : زنده در سال 901ق ) ، 4 مجلد ، مصحح : مجتبى العراقي ، دار سيد الشهداء للنشر ، قم ، الأولى 1405ق .

71 - عيون الأخبار : ابن قتيبة الدينوري ، ( المتوفى 276ق ) ، 3 مجلد ، منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية ، بيروت ، الثالثة 1414ق - 2003م .

72 - عيون اخبار الرضا عليه السلام : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : مهدي اللاجوردي ، 2 مجلّد ، جهان ، طهران ، الأولى 1378ق .

73- الغيبة ( للنعماني ) : ابن ابي زينب ، محمد بن ابراهيم ، ( المتوفى 360ق ) ، مصحح : على اكبر الغفاري ، نشر صدوق ، طهران ، الأولى 1397ق .

74 - فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب : علي بن موسى ، ابن طاووس ، ( المتوفى 664ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : حامد خفاف ، مؤسسه آل البيت عليهم السلام ، قم ، الأولى 1409ق .

75 - الفتوح : ابو محمد احمد بن الأعثم الكوفي ، ( المتوفى 1314 ، تحقيق : على الشيري ، چاپ بيروت ، دار الأضواء ، الأولى 1411ق - 1991م .

ص: 418

76 - الفصول المختارة : محمّد بن محمّد، المفيد ، ( المتوفى 413ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : علي الميرشريفي ، مؤتمر الشيخ المفيد ، قم ، الأولى 1413ق .

77 - قرب الاسناد (طبعة الحديثة) : عبداللَّه بن جعفر الحميري ، نيمه دوم قرن 3ق ) ، المصحح والناشر : مؤسسه آل البيت عليهم السلام ، قم ، الأولى 1413ق .

78 - قصص الأنبياء (للراوندي) : سعيد بن هبة اللَّه ، قطب الدين الراوندي ، ( المتوفى 573 ق ) ، مصحح : غلامرضا العرفانيان اليزدي ، مركز پژوهش هاى اسلامى ، مشهد ، الأولى 1409 .

79 - الكافي : ( ط . اسلاميّة ) محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني ، ( المتوفى 329ق ) ، مصحح : على اكبر الغفاري ومحمد الآخوندي ، 8 جلد ، دار الكتب الاسلاميّة ، طهران ، الرابعة 1407ق .

80 - كامل الزيارات : جعفر بن محمد ، ابن قولويه ، ( المتوفى 367ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : عبدالحسين الأميني ، دار المرتضويه ، نجف الأشرف ، الأولى 1356ش .

81 - الكامل في التاريخ : ابن الأثير ، ( المتوفى 630ق ) ، 12 مجلد ، دار صادر للطباعة والنشر ، بيروت ، 1386ق - 1966م .

82 - كشف الخفاء : العجلوني ، 2 مجلد ، ( المتوفى 1162ق ) ، دار الكتب العملية ، بيروت ، الثالثة 1408ق - 1988 م .

83 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة ( ط . القديمة ) ، يوسف : على بن عيسى الاربلي ، ( المتوفى : 692ق ) ، مصحّح : سيّد هاشم الرسولي المحلاتي ، بني هاشمي ، 2 مجلد ، تبريز ، الأولى 1381ق .

84 - كفاية الأثر في النص على الأئمّة الاثنى عشر عليهم السلام : علي بن محمد ، الخزاز الرازي ،

ص: 419

( المتوفى قرن 4 ، 1 مجلد ، مصحح : عبداللطيف الحسيني الكوهكمري ، بيدار ، قم ، 1401ق .

85 - كمال الدين وتمام النعمة : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : علي اكبر الغفاري ، 2 مجلد ، الإسلامية ، طهران ، الثانية 1395ق .

86 - كنز الفوائد : محمد بن علي الكراجكى ، ( المتوفى 449ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : عبداللَّه نعمه ، دار الذخائر ، قم ، الأولى 1410ق .

87 - لئالى الأخبار : محمد نبي التويسركاني ، انشارات جهان ، طهران .

88 - لسان العرب : محمّد بن المكرّم ، ابن منظور ، ( المتوفى 711ق ) ، 15 مجلد ، مصحح : جمال الدين ، الميردامادي ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الثالثة 1414ق .

89 - مجمع البحرين : فخرالدين بن محمد ، الطريحي ، ( المتوفى 1085ق ) ، 6 مجلد ، مصحح : احمد الحسيني الاشكوري ، المرتضوي ، طهران ، الثالثة 1375ش .

90 - المحاسن : احمد بن محمد بن خالد البرقي ، ( المتوفى 274ق يا 280ق ) ، 2 مجلد ، مصحح : جلال الدين ، المحدث ، دار الكتب الاسلامية ، قم ، الثانية 1371ق .

91 - المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء : الفيض الكاشاني ، ( المتوفى 1091ق ) ، 8 مجلد ، تحقيق : علي اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الثالثة .

92 - مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول : محمّد باقر بن محمد تقى المجلسي ، ( المتوفى 1110ق ) ، 26 مجلد ، مصحح : السيّد هاشم الرسولي المحلاتي ، دار الكتب الاسلامية ، طهران ، الثانية 1404ق .

ص: 420

93 - مروج الذهب ومعادن الجوهر : المسعودي ، ( المتوفى 346ق ) ، منشورات دار الهجره ، قم 1404ق - 1363ش - 1984م .

94 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل : حسين بن محمد تقي ، النوري ، ( المتوفى 1320ق ) ، 28 مجلد ، مصحح و مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، قم ، الأولى 1408ق .

95 - المسترشد في إمامة علي بن أبى طالب عليه السلام : محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملي الكبير ، ( المتوفى 326ق ) ، 1 مجلد ، مصحح : احمد المحمودي ، كوشانپور ، قم ، الأولى 1415ق .

96 - المعارف : ابن قتيبة الدينوري ، ( المتوفى 276ق ) ، تحقيق : دكتور ثروت عكاشه ، دار المعارف بمصر ، مطابع دار المعارف بمصر ، الثانية 1969م .

97 - معانى الأخبار : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : على اكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي ، الأولى ، قم 1403ق .

98 - المعجم الأوسط : الطبراني ، ( المتوفى 360ق ) ، 1 مجلد ، دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع ، 1415ق - 1995م .

99 - معجم البلدان : الحموي ، ( المتوفى 626ق ) ، 1 مجلد ، دار احياء التراث العربي ، بيروت - لبنان ، 1399ق - 1979م .

100 - مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة : السيّد محمّد تقي النقوي القايني الخراساني ، معاصر ، 7 مجلد ، مكتبة المصطفوى ، طهران .

101 - مفردات الفاظ القران : حسين بن محمد ، الراغب الاصفهاني ، ( المتوفى 401ق ) ، 1 مجلد ، دار القلم ، الدار الشامية ، بيروت ، الأولى 1412ق .

102 - مكاتيب الرسول صلى الله عليه وآله : علي الأحمدي الميانجي ، ( المتوفى 1421ق ) ، 3 مجلد ،

ص: 421

دار الحديث ، قم ، الأولى 1419ق .

103 - مكارم الأخلاق : حسن بن فضل ، الطبرسي ، ( المتوفى قرن 6 ) ، الشريف الرضي ، قم ، الرابعة 1412ق - 1370ش .

104 - مناقب آل أبي طالب عليهم السلام : محمّد بن على بن شهر آشوب المازندراني ، ( المتوفى 588ق ) ، 4 مجلد ، العلّامة ، قم ، الأولى 1379ش .

105 - مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام : ابن المغازلي ، ( المتوفى 483ق ) ، النشر سبط النبى صلى الله عليه وآله ، مطبعة سبحان ، الأولى 1426ق - 1384 ش .

106- مناقب علي بن ابي طالب عليه السلام وما نزل من القرآن في علي عليه السلام : احمد بن موسى بن مردويه الاصفهانى ، ( المتوفى 410ق ) ، تحقيق : عبدالرزاق محمد حسين حرز الدين ، دار الحديث ، الثانية 1424ق 1382 ش .

107 - من لا يحضره الفقيه : محمّد بن علي بن بابويه ، ( المتوفى 381ق ) ، مصحّح : علي اكبر الغف،ارى ، 4 مجلد ، مؤسسة النشر الإسلامي ، الثانية ، قم 1413ق .

108 - منهاج البراعة : قطب الدين سعيد بن هبة اللَّه الراوندي ، 3 مجلد ، مصحح : سيد عبداللطيف الكوهكمري ، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى ، قم ، الثانية 1364 ش .

109 - منهاج البراغة : الميرزا حبيب اللَّه الهاشمي الخوئي ، ( المتوفى 1324ق ) ، 22 مجلد ، مصحح : علي العاشور ، دار احياء التراث العربى للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، الأولى 1429ق - 2008 م .

110 - الموضوعات : ابن الجوزي ، ( المتوفى 597ق ) ، تحقيق : عبدالرحمن محمد ، الأولى 1386ق - 1966 م ، مدينة المنوره .

111 - المؤمن : حسين بن سعيد الكوفي الأهوازي ، ( المتوفى قرن سوم ، 1 مجلد ، مؤسسة

ص: 422

الامام المهدي عليه السلام ، قم ، 1404ق .

112 - نزهة الناظر وتنبيه الخاطر : حسين بن محمد بن حسن بن نصر الحلواني ، ( المتوفى قرن 5 ) ، 1 مجلد ، مصحح : مدرسة الامام المهدي عليه السلام ، مدرسة الامام المهدي عليه السلام ، قم ، الأولى 1408ق .

113 - نور البراهين : السيد نعمة اللَّه الجزائري ، ( المتوفى 1112ق ) ، 2 مجلد ، تحقيق : السيد مهدي الرجائي ، مؤسسة النشر الإسلامي ، قم ، الأولى 1417ق .

114 - النور المبين في قصص الأنبياء والمرسلين ( للجزائري ) : سيّد نعمة اللَّه بن عبداللَّه الجزائري ، ( المتوفى 1112ق ) ، 1 مجلد ، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي ، قم ، الأولى 1404ق .

115 - النهاية في غريب الحديث والأثر : مبارك بن محمد ، ابن الأثير الجزري ، ( المتوفى 606ق ) ، 5 مجلد ، مصحح : محمود محمد الطناحي ، اسماعيليان ، قم ، الرابعة 1367 ش .

116 - نهج الحق وكشف الصدق : حسن بن يوسف ، العلّامة الحلّي ، ( المتوفى 726ق ) ، 1 مجلد ، دار الكتاب اللبناني ، بيروت ، الأولى 1982 م .

117 - الوافي : محمد محسن بن شاه مرتضى ، الفيض الكاشاني ، ( المتوفى 1091ق ) ، 26 مجلد ، مكتبة الإمام اميرالمؤمنين عليه السلام ، اصفهان ، الأولى 1406ق .

118- وسائل الشيعة : محمد بن حسن ، شيخ حر العاملي ، ( المتوفى 1104ق ) ، مصحح : مؤسسه آل البيت عليهم السلام ، 30 مجلد ، الأولى 1409ق .

119 - وقعة صفين : نصر بن مزاحم المنقري ، ( المتوفى 212ق ) ، 1 مجلد : مصحح : عبدالسلام محمد ، هارون ، مكتبة آية اللَّه المرعشى النجفى ، الأولى 1404ق .

ص: 423

120 - اليقين : علي بن موسى ، ابن طاووس ، ( المتوفى 664ق ) ، مصحح : الأنصاري الزنجاني الخوئيني ، اسماعيل ، دار الكتاب ، قم ، الأولى 1413 .

121 - ينابيع المودة لذوي القربى : القندوزي ، ( المتوفى 1294ق ) ، 3 مجلد ، تحقيق : سيد على جمال اشرف الحسينى ، دار الاسوة للطباعة والنشر ، الأولى 1416ق.

ص: 424

المحتويات

1 - ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم وفيها ذكر الحج وتحتوي على حمد اللَّه وخلق العالم وخلق الملائكة واختيار الأنبياء ومبعث النبي والقرآن والأحكام الشرعية

( 5 - 330 )

خلق الملائكة 10

صفة خلق آدم عليه السلام 11

اختيار الأنبياء 12

القرآن و الأحكام الشرعية 12

ومنها في ذكر الحج 13

الْحَمْدُ للَّهِ ِ 14

اللَّهِ ِ 14

الْحَمْدُ للَّهِ ِ 15

الَّذِي لا يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ الْقَائِلُونَ 16

وَ لا يُحْصِي نَعْمَاءَهُ الْعَادُّونَ 17

وَ لا يُؤَدِّي حَقَّهُ الْمُجْتَهِدُونَ 18

ص: 425

الَّذِي لا يُدْرِكُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ وَلا يَنَالُهُ غَوْصُ الْفِطَنِ 19

الَّذِي لَيْسَ لِصِفَتِهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ 21

وَلا نَعْتٌ مَوْجُودٌ 22

وَلا وَقْتٌ مَعْدُودٌ وَلا أَجَلٌ مَمْدُودٌ 22

فَطَرَ الْخَلائِقَ بِقُدْرَتِهِ 23

وَنَشَرَ الرِّيَاحَ بِرَحْمَتِهِ 23

وَوَتَّدَ بِالصُّخُورِ مَيَدَانَ أَرْضِهِ 26

أدلّة وجوب المعرفة وكيفيّتها 27

أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ 27

مراتب العرفان كثيرة 29

فضيلة التوحيد والمعرفة 30

بعض والروايات الدالّة على سبيل الاستدلال على اثبات الواجب 32

الولاية شرط في التوحيد ككونها شرطاً في صحّة الفروع وقبولها 35

وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ 39

وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلاصُ لَهُ 40

وَكَمَالُ الإِخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ 40

لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ 40

وَمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ 41

وَمَنْ قَالَ فِيمَ فَقَدْ ضَمَّنَهُ وَمَنْ قَالَ عَلا مَ فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ 42

وَمَنْ قَالَ عَلا مَ فَقَدْ أَخْلَى مِنْهُ 43

مَعَ كُلِّ شَيْ ءٍ لا بِمُقَارَنَةٍ 43

ص: 426

وَغَيْرُ كُلِّ شَيْ ءٍ لا بِمُزَايَلَةٍ 44

فَاعِلٌ لا بِمَعْنَى الْحَرَكَاتِ وَالْآلَةِ 44

بَصِيرٌ إِذْ لا مَنْظُورَ إِلَيْهِ مِنْ خَلْقِهِ 44

أَنْشَأَ الْخَلْقَ إِنْشَاءً وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً 44

وَلائَمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا 45

عَالِماً بِهَا قَبْلَ ابْتِدَائِهَا 45

عَارِفاً بِقَرَائِنِهَا وَأَحْنَائِهَا 48

حَمَلَهُ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ وَالزَّعْزَعِ الْقَاصِفَةِ 49

ماذا الصادر الأوّل ؟ 49

وَرَمَى بِالزَّبَدِ رُكَامُهُ فَرَفَعَهُ فِي هَوَاءٍ مُنْفَتِقٍ وَجَوٍّ مُنْفَهِقٍ فَسَوَّى مِنْهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ 56

كيفيّة خلق الأرض 56

خُلِقَت الأرض قبل السماء 58

الأرضون السبع 64

غلظ كلّ سماء 65

جَعَلَ سُفْلاهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً 65

وَعُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً 66

وَسَمْكاً مَرْفُوعاً بِغَيْرِ عَمَدٍ يَدْعَمُهَا 66

ثُمَّ زَيَّنَهَا بِزِينَةِ الْكَوَاكِبِ 66

وَضِيَاءِ الثَّوَاقِبِ 66

بعض ما يتعلّق بالنيّرين أعني الشمس والقمر 67

سبب السواد في القمر 67

ص: 427

سبب اختلاف الشمس والقمر في الحرارة 70

حركة الشمس والقمر 70

وَقَمَراً مُنِيراً 73

فتق ما بين السماوات العلى 74

فَمَلَأَهُنَّ أَطْوَاراً مِنْ مَلائِكَتِهِ 74

فَمِنْهُمْ سُجُودٌ لا يَرْكَعُونَ 75

وَصَافُّونَ لا يَتَزَايَلُونَ 76

وَمُسَبِّحُونَ لا يَسْأَمُونَ 76

لا يَغْشَاهُمْ نَوْمُ الْعُيُونِ 76

وَمِنْهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى وَحْيِهِ 77

وَأَلْسِنَةٌ إِلَى رُسُلِهِ 79

وَمُخْتَلِفُونَ بِقَضَائِهِ وَأَمْرِهِ 79

انّ المختلفين بعض الملائكة 81

انّ جبرئيل من المختلفين وهو غير الروح 81

وَمِنْهُمُ الْحَفَظَةُ لِعِبَادِهِ 82

وَالسَّدَنَةُ لِأَبْوَابِ جِنَانِهِ 84

أبواب الجنان 85

للجنّة ثمانية أبواب 85

المتولّون لأبواب الجنان 86

وَمِنْهُمُ الثَّابِتَةُ فِي الْأَرَضِينَ السُّفْلَى أَقْدَامُهُمْ وَالْمَارِقَةُ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا أَعْنَاقُهُمْ وَالْخَارِجَةُ مِنَ الْأَقْطَارِ أَرْكَانُهُمْ 90

ص: 428

وَالْمُنَاسِبَةُ لِقَوَائِمِ الْعَرْشِ أَكْتَافُهُمْ 91

نَاكِسَةٌ دُونَهُ أَبْصَارُهُمْ 96

مَضْرُوبَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ دُونَهُمْ حُجُبُ الْعِزَّةِ وَأَسْتَارُ الْقُدْرَةِ 98

الملائكة على أنواع كثيرة ومراتب متفاوتة 98

منها في صفة خلق آدم عليه السلام 99

ثُمَّ جَمَعَ سُبْحَانَهُ 100

سَنَّهَا 101

حَتَّى لَزَبَتْ 101

حَتَّى صَلْصَلَتْ 101

لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وَأَجَلٍ مَعْلُومٍ 102

لماذا أخّر نفخ الروح في تلك المدّة الطويلة 103

ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ 104

اثبات تجرّد الروح 105

خلقت الأرواح قبل خلق الأجساد 106

فَتَمَثّلَتْ إِنْسَاناً 107

وَفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا 107

وَجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا 108

وَ مَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ 108

وَ الْأَذْوَاقِ وَالْمَشَامِّ وَالْأَلْوَانِ وَالْأَجْنَاسِ 109

مَعْجُوناً بِطِينَةِ الْأَلْوَانِ الْمُخْتَلِفَةِ 110

وَالْأَشْبَاهِ الْمُؤْتَلِفَةِ وَالْأَضْدَادِ الْمُتَعَادِيَةِ وَالْأَخْلاطِ الْمُتَبَايِنَةِ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْبَلَّةِ وَالْجُمُودِ

ص: 429

وَالْمَسائَةَ وَالسُّرُور 112

وَ اسْتَأْدَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمَلائِكَةَ وَدِيعَتَهُ لَدَيْهِمْ 112

وَ عَهْدَ وَصِيَّتِهِ إِلَيْهِمْ 113

فِي الإِذْعَانِ بِالسُّجُودِ لَهُ وَالْخُنُوعِ لِتَكْرِمَتِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا 114

إِلّا إِبْلِيسَ وَقَبِيلَهُ 114

اعْتَرَتْهُ الْحَمِيَّةُ 116

وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ الشِّقْوَةُ 117

تَعَزَّزوا بِخِلْقَةِ النَّارِ وَاسْتَوْهَنُوا خَلْقَ الصَّلْصَالِ 117

فَأَعْطَاهُ اللَّهُ النَّظِرَةَ 121

اسْتِحْقَاقاً لِلسُّخْطَةِ 122

وَ إِنْجَازاً لِلْعِدَةِ 122

ملاحظات 124

الأوّل : أسرار أمر الملائكة بالسجود لآدم 124

الثاني : ماذا كان المانع لابليس عن السجود ؟ 126

انّ ابليس اللعين ليس من الملائكة ولا كان منها 128

كيفيّة سجود الملائكة لآدم 129

ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَاراً أَرْغَدَ فِيهَا عَيْشَهُ 130

وَ آمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ 130

انّ الجنّة التي أسكنه اللَّه تعالى فيها هي جنّة الدنيا 130

وَحَذَّرَهُ إِبْلِيسَ وَعَدَاوَتَهُ 131

فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ 132

ص: 430

نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ الْمُقَامِ 132

فَبَاعَ الْيَقِينَ بِشَكِّهِ 135

وَالْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ 135

وَبِالِاغْتِرَارِ نَدَماً 136

كيف تمكّن ابليس من وسوسة آدم مع كونه في الجنّة وابليس خارجها ؟ 136

علّة الوضوء 138

الشجرة التي نهى اللَّه آدم وزوجته منها 138

سبب وجوب غسل الجنابة 140

سبب زيادة حظّ الذكر من الانثى في الميراث 141

ثُمَّ بَسَطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ فِي تَوْبَتِهِ 141

وَلَقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ 144

وَوَعَدَهُ الْمَرَدَّ إِلَى جَنَّتِهِ 144

الاهباط من الجنّة قبل التوبة 145

مدّة بكاء آدم على الجنّة 148

الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه 149

وَأَهْبَطَهُ إِلَى دَارِ الْبَلِيَّةِ 152

وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ 156

ابتداء التناسل 156

اختلفوا في عمر آدم عليه السلام حين وفاته 159

وَاصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وُلْدِهِ أَنْبِيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ وَعَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ 160

ص: 431

لمّا بدّل أكثر خلقه عهد اللَّه إليهم 170

الميثاق المأخوذ 170

فَجَهِلُوا حَقَّهُ 172

وَ اتَّخَذُوا الْأَنْدَادَ مَعَهُ 173

فَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلَهُ 174

اثبات وجود النبي صلى الله عليه وآله أو الرسول نقلاً تارةً من طريق الآيات وأخرى من طريق الآثار 174

وَ وَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَهُ 176

ليست الأنبياء على حدّ سواء من حيث الفضيلة والقرب إلى اللَّه وسعة 177

دائرة نبوّتهم 177

لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ 178

وَ يُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ 178

وَ يَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بِالتَّبْلِيغِ 179

وَ يُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ 181

وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ وَمِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ 181

وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ 183

وَآجَالٍ تُفْنِيهِمْ 184

وَأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ وَأَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ 185

وَ لَمْ يُخْلِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ 185

سبب الحاجة إلى بعث الرسل 185

أوْ كِتابٍ مُنزَلٍ 186

ص: 432

أَوْ حُجَّةٍ لازِمَةٍ 187

المراد من الحجّة هو الإمام المعصوم 188

أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ 189

رُسُلٌ لا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ وَلا كَثْرَةُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ 190

مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ 191

أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ 191

عَلَى ذَلِكَ نَسَلَتِ الْقُرُونُ وَمَضَتِ الدُّهُورُ وَسَلَفَتِ الْآبَاءُ وَخَلَفَتِ الْأَبْنَاءُ إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّداً رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله 192

كيفيّة بعثه صلى الله عليه وآله وعمره حين البعثة 193

لِإِنْجَازِ عِدَتِهِ 198

كثير من أحبار اليهود وعلماء النصارى كانوا ينتظرون بعثته وآمنوا به 198

وَ إِتْمَامِ نُبُوَّتِهِ 203

مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ 205

اخذ الميثاق على الأنبياء 205

مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ 208

انّ نبيّنا صلى الله عليه وآله أفضل من جميع الأنبياء والرسل 210

نادر في اللطائف في فضل نبيّنا صلى الله عليه وآله في الفضائل والمعجزات على 211

الأنبياء عليهم السلام 211

آدم عليه السلام 211

ادريس النبي عليه السلام 212

نوح النبي عليه السلام 213

ص: 433

- . . . - لوط [ النبيّ ] عليه السلام 214

إبراهيم الخليل عليه السلام 214

يعقوب النبي عليه السلام 217

يوسف النبي عليه السلام 218

موسى النبي عليه السلام 218

داود النبي عليه السلام 220

سليمان النبي عليه السلام 221

يحيى النبي عليه السلام 221

عيسى روح اللَّه عليه السلام 222

كَرِيماً مِيلادُهُ 223

جوده وسخائه صلى الله عليه وآله 224

شجاعته صلى الله عليه وآله 224

علامة رضاه وغضبه صلى الله عليه وآله 224

رفقه صلى الله عليه وآله بأمّته 225

بكائه صلى الله عليه وآله 225

مشيه صلى الله عليه وآله 225

وَ أَهْلُ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ وَطَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ 226

بَيْنَ مُشَبِّهٍ للَّهِ ِ بِخَلْقِهِ 226

أَوْ مُلْحِدٍ فِي اسْمِهِ 227

أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرِهِ 227

فَهَدَاهُمْ بِهِ مِنَ الضَّلالَةِ وَأَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ 228

ص: 434

ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله لِقَاءَهُ 238

وَ رَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ 239

فَقَبَضَهُ إِلَيْهِ كَرِيماً صلى الله عليه وآله 239

وَ خَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الْأَنْبِيَاءُ فِي أُمَمِهَا إِذْ لَمْ يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً بِغَيْرِ طَرِيقٍ وَاضِحٍ وَلا عَلَمٍ قَائِمٍ 240

كِتَابَ رَبِّكُمْ فِيكُمْ مُبَيِّناً 240

حَلالَهُ وَحَرَامَهُ 240

وَ فَرَائِضَهُ وَفَضَائِلَهُ 241

وَ نَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ 242

وَ رُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ 244

وَ خَاصَّهُ وَعَامَّهُ 246

وَ عِبَرَهُ 247

وَ أَمْثَالَهُ 248

وَ مُرْسَلَهُ وَمَحْدُودَهُ 253

وَ مُحْكَمَهُ وَمُتَشَابِهَهُ 254

مُفَسِّراً مُجْمَلَهُ 257

وَ مُبَيِّناً غَوَامِضَهُ 257

بَيْنَ مَأْخُوذٍ مِيثَاقُ عِلْمِهِ 258

وَ مُوَسَّعٍ عَلَى الْعِبَادِ فِي جَهْلِهِ 259

وَ بَيْنَ مُثْبَتٍ فِي الْكِتَابِ فَرْضُهُ وَمَعْلُومٍ فِي السُّنَّةِ نَسْخُهُ 259

وَ وَاجِبٍ فِي السُّنَّةِ أَخْذُهُ وَمُرَخَّصٍ فِي الْكِتَابِ تَرْكُهُ 261

ص: 435

وَ بَيْنَ وَاجِبٍ بِوَقْتِهِ وَزَائِلٍ فِي مُسْتَقْبَلِهِ 262

وَ مُبَايَنٌ بَيْنَ مَحَارِمِهِ مِنْ كَبِيرٍ أَوْعَدَ عَلَيْهِ نيرانه 263

أَوْ صَغِيرٍ أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ 266

وَ بَيْنَ مَقْبُولٍ فِي أَدْنَاهُ مُوَسَّعٍ فِي أَقْصَاهُ 266

امور مهمّة مفيدة لزيادة البصيرة 267

أسماء القرآن وألقابه 268

من قيّم القرآن بعد النبي صلى الله عليه وآله 273

تفسير القرآن بالرأي 278

وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ 279

الكعبة أول بقعة خلقت من الأرض 282

اصل بناء الكعبة 282

اشارة إلى بعض المشاعر العظام كالحجر والمقام 290

اما الحجر 290

الحجر الأسود يضر و ينفع 292

واما المقام 294

علة وصف البيت بالحرام 294

علّة وصفه بالعتيق 295

الاشارة إلى بعض اسمائه 296

المقام بمكّة مكروه 297

فضل مكّة 298

البيت قبلة للانام 299

ص: 436

ابتلاء خلق الناس بالكعبة 304

يَرِدُونَهُ وُرُودَ الْأَنْعَامِ 305

جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلامَةً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ وَإِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِهِ 306

وَ اخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَيْهِ دَعْوَتَهُ وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ 307

وَ وَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ 309

وَ تَشَبَّهُوا بِمَلائِكَتِهِ الْمُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ 313

يُحْرِزُونَ الْأَرْبَاحَ فِي مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ 315

وَ يَتَبَادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ 318

جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْإِسْلامِ عَلَماً 319

وَ لِلْعَائِذِينَ حَرَماً 319

من أراد الكعبة بسوء 322

فَرَضَ حَجَّهُ 323

وَأَوْجَبَ حَقَّهُ 323

وَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ 323

الاستطاعة هي الزاد والراحلة والرجوع إلى الكفاية 324

وجوه الكفر 325

تسويف الحج 327

علّة وجوب الطواف بالبيت وجميع المناسك 328

علّة صيرورة الموقف بالمشعر دون الحرم 328

تكميل 329

ص: 437

2 - ومن خطبة له عليه السلام بعد انصرافه من صفين وفيها حال الناس قبل البعثة وصفة آل النبي ثم صفة قوم آخرين

(331 - 409 )

وَمِنْهَا يَعْنِي آل النبي عليه الصلاة والسلام 332

وَ مِنْهَا يَعْنِي قَوْماً آخَرِينَ 332

أَحْمَدُهُ اسْتِتْمَاماً لِنِعْمَتِهِ 333

وَاسْتِعْصَاماً مِنْ مَعْصِيَتِهِ 333

وَأَسْتَعِينُهُ 333

فَاقَةً إِلَى كِفَايَتِهِ 334

إِنَّهُ لا يَضِلُّ مَنْ هَدَاهُ وَلا يَئِلُ مَنْ عَادَاهُ 334

فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مَا وُزِنَ وَأَفْضَلُ مَا خُزِنَ 335

شكر المنعم واجب 335

من السنّة 336

وَ أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ 337

شَهَادَةً مُمْتَحَناً إِخْلاصُهَا مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا 339

نَتَمَسَّكُ بِهَا أَبَداً مَا أَبْقَانَا وَنَدَّخِرُهَا لِأَهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا 341

عَزِيمَةُ الإِيمَانِ 341

وَفَاتِحَةُ الإِحْسَانِ 341

مَرْضَاةُ الرَّحْمَنِ 342

وَمَدْحَرَةُ الشَّيْطَانِ 343

وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ 343

ص: 438

وَرَسُولُهُ 344

فضل الجمع بين الشهادتين 344

تسمية النبي بمحمّد صلى الله عليه وآله 346

أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ 347

وَالْعَلَمِ الْمَأْثُورِ 347

وَالْكِتَابِ الْمَسْطُورِ 348

وَالنُّورِ السَّاطِعِ وَالضِّيَاءِ اللّامِعِ 348

وَالْأَمْرِ الصَّادِعِ 348

إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ 349

وَاحْتِجَاجاً بِالْبَيِّنَاتِ 349

وَتَحْذِيراً بِالْآيَاتِ 350

وَتَخْوِيفاً بِالْمَثُلاتِ 351

وَالنَّاسُ فِي فِتَنٍ انْجَذَمَ فِيهَا 352

جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ 352

بِأَرْضٍ عَالِمُهَا مُلْجَمٌ 352

ومنها يعني آل النبيّ عليهم السلام 353

هُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ 357

مراتب السرّ 359

يظهرونه لبعض خواصهم على مراتب استعدادهم 360

وَ لَجَأُ أَمْرِهِ 362

وَ عَيْبَةُ عِلْمِهِ 363

ص: 439

انّ علومهم عليهم السلام غير متناهية 366

انّ علومهم عليهم السلام مأمونة من الغلط والاشتباه 368

وَ مَوْئِلُ حُكْمِهِ 368

وَ كُهُوفُ كُتُبِهِ 370

وَ جِبَالُ دِينِهِ 378

بِهِمْ أَقَامَ انْحِنَاءَ ظَهْرِهِ وَأَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ 379

منها يعنى قوماً آخرين ( منها في المنافقين خ ل ) 380

زَرَعُوا الْفُجُورَ 380

وَ سَقَوْهُ الْغُرُورَ 380

وَ حَصَدُوا الثُّبُورَ 380

لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ 381

وَ لا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً 383

في هذه الجملة على وجازتها اشارة إلى مطالب نفيسة 383

هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ 388

إِلَيْهِمْ يَفِي ءُ الْغَالِي وَبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالِي 389

وَ لَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ 389

وَ فِيهِمُ الْوَصِيَّةُ 398

وَ الْوِرَاثَةُ 406

الْآنَ إِذْ رَجَعَ الْحَقُّ إِلَى أَهْلِهِ وَنُقِلَ إِلَى مُنْتَقَلِهِ 408

المصادر 410

المحتويات 425

ص: 440

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.