كشف حجب الغواية في توضيح الكفاية المجلد 2

اشارة

كشف حجب الغواية في توضيح الكفاية

الجزء الثانی

مؤلّف آيت اللَّه العظمى السيّد محمّد مهدي الموسوي آل طيّب رحمه الله

إعداد السيّد محمّد كاظم الموسوى آل طيّب

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم اللّه الرّحمن الرّحیم

ص: 3

ص: 4

ص: 5

المقصد الثاني: في النواهي

الفصل الاول: فی مادة النهی وصیغتة

فصل: الظاهر أن النهي بمادته وصيغته[1] في الدلالة على الطلب مثل الامر

__________________________

[1] أقول: النهي كالأمر في انه بمادته وصيغته يدل على الطلب كما يدلّ عليه الأمر فان مادّة النهي وقول المولى نهيتك عن كذا تدلّ على طلب العدم منه كما ان قوله أمرك بكذا يدلّ على طلب الوجود منه وكذلك صيغتها فان قوله لا تفعل كذا يدل على طلب العدم كما ان قوله افعل كذا يدلّ على طلب الوجود وإنّما الفرق بينهما انّ النهي مادّة وصيغة حقيقة في طلب العدم والأمر مادة وصيغة حقيقة في طلب الوجود نعم النهي يختصّ بخلاف فيه ليس ذلك الخلاف والنزاع في الأمر وهو ان متعلّق الطلب في النهي هل هو الكف أو مجرّد الترك وان لا يفعل والفرق بينهما ان الأوّل فعل قلبي صادر من فاعله كسائر الأفعال التي تصدر من فاعلها تارة بالجارحة وأخرى بالقلب فان الأفعال القلبيّة أيضاً أفعال كأفعال الجوارح والثاني صرف الترك والعدم المضاد مع الفعل جارحياً كان أو قلبياً وبعبارة أخرى الكف منع العضلات من التحريك نحو الفعل المرغوب إليه والتحمل عن الاشتغال بما يرغب النفس فيه والترك أمر حاصل مع غفلة التارك وعدم توجهه نحو المتروك بوجه ومن قال انّ متعلّق النهي الكف لا الترك استدلّ بعدم جواز تعلّق التكليف به إذ هو أمر حاصل أزلي لا يحتاج حصوله إلى محصل ولا فاعل وقهري ليس تحت قدرة الفاعل ولا اختياره ومعلوم انّ التكليف بغير المقدور وما هو حاصل قبيح ومحال فكيف يمكن أن يكون المراد من النهي صرف الترك الحاصل قبل صدوره من الناهي.

ص: 6

...................................

_______________________

وجوابه انّ الترك أيضاً مقدور كالفعل ولو لم يكن الترك مقدوراً لما كان الفعل مقدوراً أيضاً فان معنى القدرة تساوي طرفي الفعل والترك بالنسبة إلى الفاعل بأنّه إن أراد الفعل فيفعل وإن أراد الترك فيترك والترك الأولى الحاصل قبل النهي إنّما صرف العدم المطلق الذي لا ربط له بالفاعل أصلاً وأمّا الترك الذي بمعنى العدم المضاف المعبّر عنه باستمرار الترك وابقائه على حاله وعدم هدم أساسه وبنيانه وتبديله بالوجود الذي هو الفيض والنور فهو للفاعل مقدور وحاله حال سائر الأفعال الصادرة من الفاعلين، وعلى كلّ حال فقد اعترض الشارح في المقام على المصنّف بأن حصر الفرق بين الأمر والنهي بأن النهي يكون محلاً للخلاف من حيث انّ المطلوب به الترك أو الكف وليس في الأمر مثل ذلك الخلاف غير صحيح وكما انّ النهي مختص بذلك الخلاف كذلك يختصّ بشي ء آخر وهو اشتراط تنجزه على المكلّف فعلاً بشرط خامس مضافاً إلى الشرائط الأربعة التي تشترط في كلّ تكليف وهي البلوغ والعقل والقدرة والاختيار وهو تحقّق مقتضى الفعل من حيث نفسه بحسب الخارج وميل النفس، ضرورة انّ الترك مع عدم تحقّق مقتضى الفعل حاصل بنفسه فيكون طلبه طلباً للحاصل ومنه أن يكون الفعل محلّاً لابتلاء المكلّف قال ولذا كان أغلب الواجبات في الكتاب والسنّة بلفظ الأمر مادة وصيغة وأغلب المحرّمات بلفظ التحريم لا النهي إلّا فيما كان محلّاً للابتلاء مع تحقّق مقتضى الفعل لدى المخاطبين في وقت الخطاب ك« وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً »(1) و « وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ

ص: 7


1- النور: 33.

.......................................

__________________________

سَلَفَ »(1) و « وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ »(2) وغير ذلك.

أقول: الحق ان ما جعله الشارع من خصائص النهي لا يختصّ به إذ كما انّ النهي لا يصحّ إلّا فيما كان المقتضى للفعل محقّقاً كان كون الفعل فعلاً محلاً للابتلاء كذلك لا يصحّ الأمر في عكسه بأن كان المقتضى للفعل موجوداً والمانع مفقوداً وأجزاء العلّة مجتمعة وكان المكلّف طالباً له بحسب ميل نفسه فانّ الأمر في مثل تلك الصورة غلط ولغو ولا يترتّب عليه أثر أصلاً كما انّ النهي أيضاً كذلك.

فان قلت: الواجبات والأمور المأمور بها ليست ممّا ترغب إليها النفس وكان المكلّف طالباً لها من حيث ذاتها بل الأمر بالعكس فانّ المنهيّات غالباً تميل إليها الطباع والأمور المأمور بها ممّا تنفرّ عنه الطباع ولذا ورد في كلام أميرالمؤمنين عليه السلام « الجنّة حفّت بالمكاره والنار حفّت بالمشتهيات »(3) فانّ الأمور الرذيلة غالباً تناسب شهوة الانسان والأمور الحسنة ممّا لا يلائمها فما ذكر في النهي من الخصيصة المذكورة غير جارية في الأمر.

أقول: يكفي في هدم أساس الاختصاص مجرّد الفرض والامكان، والمقصود من الفرق بين الأمر والنهي ليس الأفراد والأوامر الخارجيّة الصادرة من أمرها في الشريعة كذلك والنواهي أيضاً بل المراد طبيعة الأمر وطبيعة النهي وإذا كان المراد منهما الطبيعة فلا وجه لتخصيص النهي بما ذكر مع انّه جار في طبيعة الأمر أيضاً.

ص: 8


1- النساء: 22.
2- البقرة: 188.
3- اعلام الدين في صفات المؤمنين: 105.

بمادته وصيغته، غير أن متعلق الطلب في أحدهما الوجود، وفي الآخر العدم، فيعتبر فيه ما استظهرنا اعتباره فيه بلا تفاوت أصلا، نعم يختص النهي بخلاف، وهو: إن متعلق الطلب فيه، هل هو الكف، أو مجرد الترك وأن لا يفعل؟ والظاهر هو الثاني، وتوهم أن الترك ومجرد أن لا يفعل خارج عن تحت الاختيار، فلا يصح أن يتعلق به البعث والطلب، فاسد، فإن الترك أيضا يكون مقدورا، وإلا لما كان الفعل مقدورا وصادرا بالارادة والاختيار، وكون العدم الازلي لا بالاختيار، لا يوجب أن يكون كذلك بحسب البقاء والاستمرار الذي يكون بحسبه محلا للتكليف.

ثم إنه لا دلالة لصيغته على الدوام والتكرار، كما لا دلالة لصيغة الامر[1 ]

__________________________

[1] أقول: النهي كالأمر في عدم الدلالة على الدوام والتكرار بحسب اللفظ إلّا انّه إذا كان متعلّق النهي الطبيعة المطلقة الغير المقيّدة بزمان أو حال يحكم العقل بوجوب ترك جميع الأفراد وانه لا يحصل الامتثال إلّا بتركها وهذا لا دخل بدلالة اللفظ بل لما تعلّق النهي بالطبيعة المطلقة ومعلوم انّ الطبيعة تحصل بحصول فرد واحد منها فاذا أتى بفرد واحد لم يكن تاركاً للطبيعة بل موجداً لها فيحصل مخالفة النهي لذلك وهذا بخلاف الأمر بل الأمر في الأمر بالعكس اذ الطبيعة المطلقة المفروض صيرورتها مأمورة بها تحصل بحصول فرد واحد منها ولا فرق فيما ذكر في النهي من حكم العقل بوجوب ترك جميع الأفراد لحصول الامتثال من المكلّف بين أن يكون الأفراد دفعية أو تدريجية فان الترك للطبيعة لا يحصل في الصورتين إلّا بترك جميع الأفراد والحاصل انّه لا ينبغي أن يتوهّم انّ النهي يكون دالّاً على التكرار ولو لم يكن الأمر دالّاً عليه اذ استلزام القضيّة العقليّة لأمر غير دلالة اللفظ على ذلك الأمر.

ص: 9

وإن كان قضيتهما عقلا تختلف ولو مع وحدة متعلقهما، بأن يكون طبيعة واحدة بذاتها وقيدها تعلق بها الامر مرة والنهي أخرى، ضرورة أن وجودها يكون بوجود فرد واحد، وعدمها لا يكاد يكون إلا بعدم الجميع، كما لا يخفى.

ومن ذلك يظهر أن الدوام والاستمرار، إنما يكون في النهي إذا كان متعلقه طبيعة مطلقة غير مقيدة بزمان أو حال، فإنه حينئذ لا يكاد يكون مثل هذه الطبيعة معدومة، إلا بعدم جميع أفرادها الدفعية والتدريجية.

__________________________

ثمّ انّه لا يخفى انه لا دلالة للنهي إذا خولف وأتى المكلّف ببعض الأفراد من الطبيعة المنهي عنها على ارادة المولى للترك لسائر الأفراد أو عدم ارادته وانّ المولى بعد حصول المخالفة واتيان العبد ببعض الأفراد المنهي عنها يريد ترك سائر الأفراد أو لا يريده بل لابدّ له من دلالة أخرى غير النهي الوارد فان ذلك النهي الوارد أوّلاً لا دلالة له على شي ء منهما نعم لو كان له اطلاق من تلك الجهة كان يدلّ النهي على طلب ترك الطبيعة أو اتيا ببعضها ومخالفاً لما كلّف به فحينئذٍ يكون اطلاق النهي دالّاً على طلب ترك سائر الأفراد بعد الاتيان ببعضها ولا يكفي في ذلك أيضاً اطلاق النهي من سائر الجهات لأن الاطلاق من الجهة الأخرى غير الجهة التي تكون محتاجة إلى دال عليحدة لا يؤثر في ثبوت ذلك الدال ولا بعد في أن يكون اللفظ مجملاً من جهة ومطلقاً من أخرى والاطلاق من جهة لا يلازم الاطلاق من الجهة الأخرى والاطلاق من جهة لا أثر له في الجهات الاخر كما لا يخفى.

ص: 10

وبالجملة قضية النهي، ليس إلا ترك تلك الطبيعة التي تكون متعلقة له، كانت مقيدة أو مطلقة، وقضية تركها عقلا، إنما هو ترك جميع أفرادها.

ثم إنه لا دلالة للنهي على إرادة الترك لو خولف، أو عدم إرادته، بل لابد في تعيين ذلك من دلالة، ولو كان إطلاق المتعلق من هذه الجهة، ولا يكفي إطلاقها من سائر الجهات، فتدبر جيدا.

الفصل فی اجتماع الامر و النهی و فیه امور:

فصل: « الاختلاف في جواز اجتماع الامر والنهي في واحد » .

اختلفوا في جواز اجتماع الامر والنهي في واحد وامتناعه على أقوال: ثالثها: جوازه عقلا وامتناعه عرفا،[1] وقبل الخوض في المقصود يقدم أمور:

__________________________

[1] أقول: يعني ان أوّلها جواز مطلقاً والثاني عدم جوازه مطلقاً قال وقبل الخوض في المقصود يقدّم أمور: الأوّل: أقول: بيانه ان مرادهم من الواحد الذي أخذوه في عنوان البحث مطلق الشي ء الذي اجتمع فيه جهتان وعنوانان بأحدهما كان مورداً للأمر وداخلاً تحت العنوان المأمور به وبالآخر للنهي وداخلاً تحت عنوان المنهي عنه كالحركة والسكون الواقعين من المصلى في المكان المغصوب فان الحركة الواقعة منه أمر واحد لا تعدد فيه وصار مجمعاً لعنوانين وإن كانت من جهة صدقها على أفرادها الخارجيّة كليا في مقابل الجزئي الذي لا يصدق على كثيرين وكذلك السكون أيضاً وبعبارة أخرى المراد بالواحد ما في مقابل المتعدّد ولو كان كلياً لا خصوص الواحد الشخصى المساوق للجزئي في مقابل الكلي المقول على كثيرين وأخذه في عنوان البحث إنّما يكون لاخراج ما إذا تعدّد متعلّق الأمر والنهي في الخارج ولم يجتمعا في الوجود الخارجي فانّ النزاع غير جار فيه

ص: 11

.......................................

__________________________

ولو اجتمعهما واحد مفهوماً كالسجود للَّه والصنم مثلاً فانّهما وإن كانا مجتمعين في مفهوم السجود ولكن لما لم يكن اجتماع لهما في الوجود الخارجي كانا خارجين عن البحث وليس المقصود من الواحد اخراج الواحد الجنسي أو النوعي بأن كان البحث منحصراً في الواحد الشخصي كما زعمه بعض فان منهم من قال بأنّ المراد من الواحد اخراج الواحد الجنسي والنوعي ومثل بالحركة والسكون قال: وانّهما خارجان عن محلّ النزاع لعدم كون أحدهما واحداً شخصيّاً.

واستشكل الشارح على المصنّف بأنّ الظاهر ان مراد الممثل بالمثال المذكور وقوله بخروج مثل الحركة والسكون الكليين عن المعنونين بالصلوتية والغصبيّة عن محلّ النزاع عين ما ذكره المصنّف وكان المصنّف اشتبه عليه مراد ذلك القائل من جهة تمثيله بالمثال المذكور اذ غرضه انّ المراد من الواحد المأخوذ في عنوان البحث هو مجمع العنوانين ولو كان كلياً لا الواحد الجنسي أو النوعي المندرج تحته الطبيعتان المتعلّقتان للأمر والنهي كالسجودين مثلاً فأرادوا بالواحد ما كان تحت الكليين والعنوانين سواء كان في نفسه كليا وتحته أفراد ومصاديق أو جزئيّاً مقولاً على كثيرين لا ما كان الكليان تحته مثل الحركة والسكون المندرج تحتهما الحركتان والسكونان المعنونان بالصلوة والغصب فان تلك الحركة والسكون كالسجودين أيضاً خارجان عن محل البحث وما يكون داخلاً في البحث الحركة والسكون المندرجان تحت العنوانين غاية الأمر ما مثل به القائل ان ذكر الواحد لاخراج الواحد الجنسي والنوعي الغير البعيد أن يكون مراده فيما إذا لم يكن في

ص: 12

.......................................

__________________________

الخارج مجمعاً للعنوانين وفي الخارج ومقام الوجود كما في السجودين ليس كمثال السجود الذي لا يكون لفرديه اجتماع في الوجود ولا بأس بذلك إذا كان الملحوظ تلك الحيثيّة الملحوظة في الوحدة المفهوميّة الجنسيّة أو النوعيّة(1) كما في السجودين وبعبارة أخرى مقصوده من اخراج الواحد الجنسي أو النوعي ليس مطلق ذلك الواحد بل إذا لم يكن وحدة وجودي في البين أصلاً كمثال السجودين أو كان ولكن لم تلاحظ بتلك الحيثيّة بل تلاحظ من حيث الوحدة المفهوميّة كما في مثال الحركة والسكون الممكن ملاحظة الحيثين فيهما والحاصل ان ما جمع فيه الأمر والنهي وكان متعلّقاً لهما تارة تثبت فيه الوحدة الخارجيّة فقط لا المفهوميّة الجنسيّة أو النوعيّة كالحركة والسكون المعنونين بالصلوة والغصب فان مفهوم الصلوتيّة والغصبيّة متباينان كمال التباين والوحدة الثابتة إنّما تكون في الوجود الخارجي فقط وأخرى تثبت الوحدة المفهوميّة والجنسيّة أو النوعيّة فقط فيهما من دون ثبوت وحدة خارجيّة ووجوديّة أصلاً كالسجود للَّه والصنم فانّ الوحدة المفهوميّة فيهما ثابتة لصدق عنوان السجود عليهما ولا يثبت اتّحاد خارجي ووجودي فيهما أصلاً وثالثة تثبت الوحدة المفهوميّة والخارجيّة الوجوديّة فيهما باعتبارين كالحركة والسكون المطلق فانّهما اذا لوحظا مجردين عن عنوان الغصبيّة والصلوتيّة يثبت في حقّهما اتّحاد مفهومي فقط لا وجودي وان لوحظا مع عنوان الصلوتية والغصبيّة يثبت لهما اتّحاد وجودي وخارجي

ص: 13


1- الهداية في شرح الكفاية: 310 - 311.

الاول: المراد بالواحد مطلق ما كان ذا وجهين، ومندرجا تحت عنوانين، بأحدهما كان موردا للامر، وبالآخر للنهي، وإن كان كليا مقولا على كثيرين، كالصلاة في المغصوب، وإنما ذكر لاخراج ما إذا تعدد متعلق الامر والنهي ولم يجتمعا وجودا، ولو جمعهما واحد مفهوما، كالسجود للَّه تعالى، والسجود للصنم مثلا، لا لاخراج الواحد الجنسي أو النوعي كالحركة والسكون الكليين المعنونين بالصلاتية والغصبية.

__________________________

لا مفهومي والشارح وجه كلام القائل بأنّ المراد من الواحد اخراج الواحد الجنسي أو النوعي بأن مقصوده اخراجه من حيث عدم ثبوت الوحدة الخارجي والوجودي ولا ينافي هذا دخول المثال الذي ذكره من حيث ثبوتها فيه باعتبار آخر.

أقول: ما أفاده الشارح في توجيه كلام القائل المذكور وإن كان حسنا في نفسه ولكنه بعيد إذ لو كان ذلك القائل متفطناً لتلك الدقيقة التي أشار إليها الشارح لكان الأنسب أن يمثل بمثال السجودين فانّ الأجمعيّة والأشمليّة وإن كانت موجبة للمزيّة والأفضليّة في بعض المقامات الا ان في بعض المقامات الآخر يكون الأمر بالعكس فان من كان في مقام توضيح المطلب وبيان فوائد القيود التي أخذت في موضوع البحث لابدّ وأن يكون بيانه أوفر وأفيد للانتباه وواضحاً مصفى ممّا يوجب الخلط والاشتباه فلا يبعد أن يكون التوجيه المذكور من الشارح ممّا لم يدخل في قصد القائل المذكور أبداً وكان فكره بعيداً بمراحل عن الأمر المزبور واللَّه العالم بحقائق الأمور.

ص: 14

الثاني: الفرق بين هذه المسألة ومسألة النهي في العبادة، هو أن الجهة المبحوث عنها فيها التي بها تمتاز المسائل، هي أن[1] تعدد الوجه والعنوان

__________________________

[1] أقول: قد مرّ من المصنّف في أوّل الكتاب ان تمايز العلوم بتمايز الأغراض الداعية إلى تدوينها كما ان تمايز المسائل بتمايز الجهة المبحوث عنها فيها والفرق بين هذه المسئلة ومسئلة النهي في العبادات هو ان الجهة المبحوث عنها في هذه المسئلة هي ان تعدد الوجه والعنوان في الأمر الواحد هل يوجب تعدّد متعلّق الأمر والنهي بحيث يرتفع غائلة استحالة اجتماعهما في أمر واحد إذا كان الوجه والعنوان واحداً أو لا يوجبه بل يكون حال الاجتماع في الواحد مع تعدّد الوجه والعنوان كالاجتماع في الواحد مع كون الوجه أيضاً واحداً ففي الحقيقة يرجع النزاع إلى انّه هل يسري كلّ من الأمر والنهي إلى متعلّق الآخر لاتّحاد متعلّقهما وجوداً وفي الخارج بأن كان المأمور به عين المنهي عنه وبالعكس ولو مع تعدّد وجههما وعنوانهما أو لا يسري كلّ إلى متعلّق الآخر لتعدّد العنوان والوجه ولو كان الوجود متّحداً وهذا بخلاف الجهة المبحوث عنه في مسئلة النهي في العبادات فان جهة البحث فيها هي ان النهي في العبادة هل يوجب فسادها بعد الفراغ عن التوجّه إليها أم لا نعم لو قيل بامتناع اجتماع الأمر والنهي في أمر واحد ولو مع تعدّد الوجه والعنوان وترجيح جانب النهي واضمحلال الأمر في جنبه وكون وجوده كعدمه مع وجود النهي يكون مثل الصلوة في الدار المغصوبة الذي يكون من أمثلة اجتماع الأمر والنهي لورود خطابين مستقلّين من الشارع بالنسبة إلى الصلوة والغصب والامر بالأوّل والنهي عن الثاني غاية الأمر انّ المكلّف جمع بينهما في الخارج إذا

ص: 15

.......................................

__________________________

صلّى في الدار المغصوبة بسوء اختياره من صغريات مسئلة النهي ومن أمثلته أيضاً لصيرورة العبادة وهي الصلوة مثلاً منهيّاً عنه حينئذٍ فاذن يبحث عن ان ذلك النهي الذي تعلّق به هل يوجب فساده وبطلانه أم لا.

والحاصل انّ الفرق بين المسئلتين في غاية الوضوح بعد ملاحظة ان تمايز المسائل بتمايز الجهة المبحوث عنها فيها كما لا يخفى وقال في الفصول على ما حكى عنه المصنّف قدس سره: ثمّ اعلم انّ الفرق بين المقام يعني مسئلة اجتماع الأمر والنهي والمقام المتقدّم يعني مسئلة النهي في العبادات اما في المعاملات فظاهر، وجه الظهور: ان المعاملات حيث لم تكن دائمة متعلّقة للأمر كالعبادات فمسئلة تعلّق النهي بها يغاير مسئلة اجتماع الأمر والنهي فيها اذ يفرض في المسئلة الأولى كون المعاملة متعلّقة للنهي من دون تعلّق أمر بها فيبحث عن حال تلك المعاملة من حيث الصحّة والفساد بخلاف العبادات فانّها حيث كانت متعلّقة للأمر دائماً فلا ينفك تعلّق النهي بها عن تعلّق الأمر بها وكلّما فرض تعلّق النهي بها تكون متعلّقة للأمر أيضاً فلذا يكون مسئلة النهي فيها عين مسئلة اجتماع الأمر والنهي فيها ولا ينفك المسئلة الأولى عن الثانية بحسب الظاهر وأمّا في العبادات فالفرق بينهما انّ النزاع هناك يعني في مسئلة الاجتماع فيما إذا تعلّق الأمر والنهي بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة وإن كان بينهما من النسب الأربعة عموم مطلق كقوله صل ولا تغصب وهنا يعني في مسئلة النهي عن العبادة فيما إذا اتّحدتا حقيقة وتغايرتا بمجرّد الاطلاق والتقييد بأن تعلّق الأمر بالمطلق والنهي بالمقيّد كقوله

ص: 16

.......................................

__________________________

لا تصلّ في الدار المغصوبة مثلاً وأعترض عليه المصنّف بأن مجرّد تعدّد الموضوعات وتغايرها بحسب الذوات لا يوجب التمايز بين المسائل ما لم يكن اختلاف الجهات ومع ذلك التعدّد لا حاجة أصلاً إلى تعدّد الموضوع اذ قد حقّق ومضى ان تمايز المسائل بتمايز الأغراض الداعية إلى البحث فيها بل مع وحدة الموضوع وتعدّد الجهة والغرض الذي يكون داعياً إلى البحث لابدّ من عقد مسئلتين وفي صورة العكس بأن كان جهة البحث متّحدة والموضوع متعدّداً لابدّ من عقد مسئلة واحدة ويبحث فيها عن هذا الموضوع تارة وذاك الموضوع أخرى قال ومن هنا يعني ان من جهة ان مناط تعدّد المسئلة تعدّد الجهة المبحوث عنها ظهر فساد الفرق بأنّ النزاع هنا يعني في بحث الاجتماع جواز الاجتماع عقلاً والمسئلة عقليّة وهناك يعني مسئلة النهي في العبادات في دلالة النهي لفظاً والمسئلة لفظيّة فان مجرّد ذلك لو لم يكن تعدّد الجهة في البين لا يوجب إلّا تفصيلاً في المسئلة الواحدة بأن يبحث فيها تارة عن الحكم العقلي وأخرى عن الدلالة اللفظيّة لا عقد مسئلتين مع عدم تعدّد جهة في البين مع انّه لا يختصّ النزاع في مسئلة النهي في العبادات بدلالة اللفظ بل يجري البحث وإن كان النهي عقليّاً لا لفظيّاً كما سيظهر بعد ذلك.

وأورد الشارح على المصنّف بأنّ الفرق بين المسئلتين واضح وليس وجهه ما ذكره من تعدّد جهة البحث فيهما فقط بل الفرق انّ البحث في مسئلة الاجتماع في امكان اجتماع حكمين تكليفين مولويين مستقلين في شي ء واحد ذو عنوانين

ص: 17

.......................................

__________________________

وعدمه سواء كان الوجه في إمكان ذلك تعدّد الوجه والعنوان في مجمع عنوان المأمور به والمنهي عنه أو جواز التكليف بالمحال أو عدم كون تضاد الأحكام مانعاً أو حكم العرف بتحقّق الاطاعة والعصيان الكاشف عن تحقّق الحكمين وسواء كان السبب في عدم امكانه تضاد الحكمين وعدم تعدّد المتعلّق بتعدّد العنوانين أو عدم صدق التعدّد بذلك عرفاً وان تعدّد عقلاً أو غير ذلك قال: والحاصل انّ المبحوث عنه في بحث الاجتماع هو نفس امكان اجتماع التكليفين وعلل الاستحالة من توابع البحث لا جهة البحث وهكذا الحال في سائر المسائل فانّ الملحوظ فيها جهة نفس العنوان لا علل الوجود والعدم والبحث في المسئلة الآتية يعني مسئلة النهي في العبادات من جهة الحكم الوضعي وان المنهي عنه يقع فاسداً للنهي عنه أو لا فلو لم يكن للمسئلتين إلّا صغرى واحدة المبحوث عنه والموضوع فيهما أمراً واحداً لكفى ذلك في عقدهما مسئلتين ألا ترى انّهم يحررون أولا وجوب المتابعة على المأموم بحسب الحكم التكليفي ويقع الاتّفاق على وجوبها ثمّ يحرّرون ان تركها مفسد أو غير مفسد ويذهب المشهور إلى عدم الفساد وهذا جار في كلّ مورد قابل لذلك انتهى(1) ما هو الأصل من بيانه واعتراضه على المصنّف ثمّ فرع على ما أفاده بطلان ما أفاده المصنّف وطال في بيانه ولم ننقله لطوله واستغناؤه عنه بعد الاطلاع على الأساس الذي أسّسه.

أقول: ما أفاده قدس سره متين في نفسه وجار في المورد بالنسبة إلى المعاملات كما

ص: 18


1- الهداية في شرح الكفاية: 311.

.......................................

__________________________

أفاده صاحب الفصول لا العبادات التي أصل المقصود من البحث عن جواز اجتماع الأمر والنهي فيها وعدم جوازه تعيين صحّتها وبطلانها ومعلوم ان عمدة المقصود والملحوظ في مسئلة الاجتماع في العبادات هو صحّة العبادة المأتي بها في المكان المغصوب مثلاً فليس البحث في تلك المسئلة في العبادات إلّا بحثاً عن الحكم الوضعي كما يكون كذلك في مسئلة النهي أيضاً فلا يثبت فرق بين المسئلتين إلّا ما أفاده المصنّف من تعدّد الجهة والغرض فيهما وكيف يصحّ أن يقال انّ البحث في مسئلة الاجتماع في العبادات عن امكان اجتماع حكمين تكليفين في شي ء واحد بخلافه في مسئلة النهي في العبادات حيث انّ البحث فيها بحث عن الحكم الوضعي مع انّ الفائدة الأهم والمقصود الأعظم من البحث في تلك المسئلة أي مسئلة الاجتماع تحقّق الصحّة وفساد العبادة التي صارت مجمعاً لعنوان المأمور به والمنهي عنه وأدلّة الطرفين القائلين بالجواز والامتناع ينادي بأن المقصود والمنظور في ذلك البحث ليس إلّا ما ذكر.

«قوله وعلل الاستحالة من توابع البحث لا جهة البحث»(1).

أقول: ذلك كذلك ولكن الغرض من البحث وجهته ليس جواز اجتماع التكليفين وامتناعه في العبادات فقط كما يكون كذلك في المعاملات بل إنّما يكون الغرض من البحث في جواز ذلك وعدم تحقّق صحّتها وفسادها في مورد الاجتماع اذ أصل المقصود من جواز الاجتماع وعدمه في العبادات تعيين الصحّة

ص: 19


1- الهداية في شرح الكفاية: 311.

في الواحد يوجب تعدد متعلق الامر والنهي، بحيث يرتفع به غائلة استحالة الاجتماع في الواحد بوجه واحد، أو لا يوجبه، بل يكون حاله حاله، فالنزاع في سراية كل من الامر والنهي إلى متعلق الآخر، لاتحاد متعلقيهما وجودا، وعدم سرايته لتعددهما وجها، وهذا بخلاف الجهة المبحوث عنها في المسألة الاخرى، فإن البحث فيها في أن النهي في العبادة أو المعاملة يوجب فسادها، بعد الفراغ عن التوجه إليها.

__________________________

والفساد بخلافه في المعاملات فان جواز الاجتماع وعدمه فيها منظور بالاصالة في بحث الاجتماع في المعاملات وإنّما المنظور تعيين صحّتها وفسادها في بحث النهي في المعاملة اذ المحقّق ان النهي في المعاملة غير مقتض للفساد فاذا تعين في بحث النهي عدم اقتضاء النهي لفساد المعاملة لا وجه للبحث عن صحّتها وفسادها في مسئلة الاجتماع بخلاف العبادات فانّ المنهي عنها فاسدة مع وحدة الجهة والعنوان قطعاً لعدم حصول قصد القربة فيها حينئذٍ بوجه ويمكن القول بصحّتها مع تعدّد الوجه والعنوان فيها فاذن يبحث في مسئلة الاجتماع عن ان تعدّد الوجه والعنوان في مجمع عنوان المأمور به والمنهي عنه في العبادات يكفي في صحّتها أم غير كافية لها وإنّما المؤثّر تعدّد المأمور به والمنهي عنه في الخارج وفي الوجود ومجرّد تعدّد العنوان والاسم والوجه مع وحدة الوجود الخارجي والمسمّى والمعنون لا أثر له في جواز اجتماع الأمر والنهي وعدم سراية الأمر إلى المنهي عنه والنهي إلى المأمور به بأن يكون أحدهما غير الآخر.

ص: 20

نعم لو قيل بالامتناع مع ترجيح جانب النهي في مسألة الاجتماع، يكون مثل الصلاة في الدار المغصوبة من صغريات تلك المسألة.

فانقدح أن الفرق بين المسألتين في غاية الوضوح، وأما ما أفاده في الفصول، من الفرق بما هذه عبارته: « ثم اعلم أن الفرق بين المقام والمقام المتقدم، وهو أن الامر والنهي هل يجتمعان في شئ واحد أو لا؟ أما في المعاملات فظاهر، وأما في العبادات، فهو أن النزاع هناك فيما إذا تعلق الامر والنهي بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة، وإن كان بينهما عموم مطلق، وهنا فيما إذا اتحدتا حقيقة وتغايرتا بمجرد الاطلاق والتقييد، بأن تعلق الامر بالمطلق، والنهي بالمقيد». انتهى موضع الحاجة، فاسد، فإن مجرد تعدد الموضوعات وتغايرها بحسب الذوات، لا يوجب التمايز بين المسائل، ما لم يكن هناك اختلاف الجهات، ومعه لا حاجة أصلا إلى تعددها، بل لابد من عقد مسألتين، مع وحدة الموضوع وتعدد الجهة المبحوث عنها، وعقد مسألة واحدة في صورة العكس، كما لا يخفى.

ومن هنا انقدح أيضا فساد الفرق، بأن النزاع هنا في جواز الاجتماع عقلا، وهناك في دلالة النهي لفظا، فإن مجرد ذلك لو لم يكن تعدد الجهة في البين، لا يوجب إلا تفصيلا في المسألة الواحدة، لا عقد مسألتين، هذا، مع عدم اختصاص النزاع في تلك المسألة بدلالة اللفظ، كما سيظهر.

الثالث: إنه حيث كانت نتيجة هذه المسألة مما تقع في طريق الاستنباط، كانت المسألة من المسائل الاصولية،[1] لا من مبادئها الاحكامية، ولا التصديقية،

__________________________

[1] أقول: لا يخفى ان جهات مسئلة الاجتماع مختلفة وانّها مسئلة أصوليّة من

ص: 21

.......................................

__________________________

جهة وكلاميّة من أخرى وفرعيّة من ثالثة لأنّه قد مرّ غير مرّة انّ المناط في كون البحث مندرجاً تحت أبحاث العلم ومسئلة من مسائله هو البحث فيها من حيث الغرض الذي دون ذلك العلم لأجل البحث عنه ومعلوم انّ المقصود من تدوين أصول الفقه بيان طرق استنباط الأحكام الفرعيّة ومعرفتها فكلّ مسئلة تكون دخيلة في ذلك مندرجة تحت مسائله وإن كان من حيث دخلها في الغرض الذي دون العلم الآخر لأجله داخلاً في ذلك أيضاً وحيث انّ البحث في مسئلة الاجتماع يفيد في معرفة حكم ما جمع فيه عنوان المأمور به والمنهي عنه كالصلاة في الدار المغصوبة مثلاً من حيث الصحّة والفساد فان جواز الاجتماع مُثبت للصحّة وامتناعه ملازم للفساد فيكون تلك المسئلة من مسائل الأصول بلا شبهة ولا يكون من مباديها الأحكامية أي المقدّمات التي لابدّ من المعرفة بها قبل الشروع في العلم والمقصود ليطلع على الاصطلاحات التي جعلت واخترعت في ذلك العلم ولا التصديقيّة أي المقدّمات التي لابدّ من المعرفة بها قبل الشروع في العلم ليحصل التصديق بقضايا ذلك العلم كالأصول مثلاً بالنسبة إلى الفقه الذي يكون من مباديها التصديقيّة بل تلك المسئلة داخلة في نفس مسائل العلم لما ذكرنا لا انّها من المسائل الكلاميّة أدرج في الأصول تبعاً وطرداً للباب ولا من المسائل الفرعيّة اندرجت في الأصول للمناسبة كمسئلة نفي الضرر في الشريعة التي من المسائل الفرعيّة لكنّه أدرجت في الأصول للمناسبة لأنّه لا وجه للالتزام بالاستطراد والتبعيّة بعد امكان كونها أصليّة غير تبعيّة، نعم مناط كونها مسئلة

ص: 22

ولا من المسائل الكلامية، ولا من المسائل الفرعية، وإن كانت فيها جهاتها، كما لا يخفى، ضرورة أن مجرد ذلك لا يوجب كونها منها إذا كانت فيها جهة أخرى، يمكن عقدها معها من المسائل، إذ لا مجال حينئذ لتوهم عقدها من غيرها في الاصول، وإن عقدت كلامية في الكلام، وصح عقدها فرعية أو غيرها بلا كلام، وقد عرفت في أول الكتاب أنه لا ضير في كون مسألة واحدة، يبحث فيها عن جهة خاصة من مسائل علمين، لانطباق جهتين عامتين على تلك الجهة، كانت بإحداهما من مسائل علم، وبالاخرى من آخر، فتذكر.

الرابع: إنه قد ظهر من مطاوي ما ذكرناه، أن المسألة عقلية، ولا اختصاص للنزاع في جواز الاجتماع والامتناع[1] فيها بما إذا كان الايجاب والتحريم باللفظ،

__________________________

كلاميّة وفرعيّة أيضاً موجود فيها أمّا الأوّل فلأن علم الكلام يبحث عن أحوال المبدء والمعاد فاذا قرّر المسئلة هكذا هل يجوز للمكلّف والمولى الحكيم أن يأمر بشي ء وينهى عن ذلك الشي ء يكون من المسائل الكلاميّة والثاني فلأنّه علم يبحث فيه عن أفعال المكلّفين فاذا قرّرت هكذا إذا أمر المولى بشي ء ونهى عنه هل يجب فعله أو يحرم فيكون من المسائل الفقهيّة الفرعيّة.

[1] أقول: المقصود من بحث جوز الاجتماع هو انّه هل يجوز العقل اجتماع الأمر والنهي من المولى سواء كانا لفظيّة أو غير لفظيّة كان يثبت وجوب عمل بالاجماع وحرمة آخر أيضاً به والمكلّف يجمع بينهما في الوجود ويأتي بعمل مشتمل على العنوانين المأمور به والمنهي عنه أم لا يجوز ذلك بل يحكم بامتناعه فليس البحث فيه عن خصوص حال الأمر والنهي اللفظين وإنّما عبّر في البحث

ص: 23

كما ربما يوهمه التعبير بالامر والنهي الظاهرين في الطلب بالقول، إلا أنه لكون الدلالة عليهما غالبا بهما، كما هو أوضح من أن يخفى، وذهاب البعض إلى الجواز عقلا والامتناع عرفا، ليس بمعنى دلالة اللفظ، بل بدعوى أن الواحد بالنظر الدقيق العقلي اثنان، وأنه بالنظر المسامحي العرفي واحد ذو وجهين، وإلا فلا يكون معنى محصلا للامتناع العرفي، غاية الامر دعوى دلالة اللفظ على عدم الوقوع بعد اختيار جواز الاجتماع، فتدبر جيدا.

__________________________

بالأمر والنهي لا الوجوب والحرمة الذي هو ظاهر في الأمر والنهي اللفظي لأنّ الغالب في الدال على الحكمين الأمر والنهي اللفظي لا لأنّ البحث مختصّ بهما والبحث عن حال اللفظ فقط والمسئلة لفظيّة وذهاب البعض إلى الجواز عقلاً والامتناع عرفاً ليس بمعنى دلالة اللفظ على الامتناع بل بمعنى انّ الواحد بالنظر الدقيق العقلي اثنين وبالنظر العرفي المسامحي واحد ذو وجهين وهذا لا دخل له بدلالة اللفظ أصلاً فان المسامحات العرفيّة جارية في كثير من الموارد التي لا دخل للألفاظ بها وإلا اى وإن لم يكن المقصود ما ذكرنا من الامتناع العرفي وكان المقصود منه الدلالة اللفظيّة لم يكن معنى محصّلاً له إذ غاية ما يمكن أن يدّعي بالنسبة إلى الدلالة اللفظيّة من حكم العرف دعوى دلالة اللفظ على عدم الوقوع بعد اختيار الجواز عقلاً لا امتناع وعدم الامكان عرفاً إذ دلالة لفظ الأمر والنهي كقوله صلّ ولا تغصب مثلاً على امتناع اجتماع الأمر والنهي لا معنى له أصلاً غاية الأمر دلالته على عدم الوقوع بمعنى انّه لما كان العرف ناظراً بالنظر المسامحي ولا يرى المجمع للعنوانين إلّا واحداً ذا وجهين يحكم بأنّه وإن كان

ص: 24

.......................................

__________________________

الاجتماع جائزاً عقلاً ولكن ليس المجمع ومحلّ التصادق مورداً للاجتماع بأن يكون مأموراً به من جهة ومنهيّاً عنه من جهة أخرى لعدم شمول المتعلّقين كالصلوة والغصب مثلاً لمورد التعارض والتصادق عرفاً لأنّه بالنظر المسامحي واحد فالاجتماع وإن جاز عقلاً إلّا انّه غير واقع عرفاً لأنّهم لا يرون محلّ التصادق قابلاً للاندراج تحت عنوان مدلولي المتعلّقين.

واستشكل الشارح قدس سره على المصنّف تارة بأن تفسير الامتناع العرفي بمحض ان ذلك بالنظر المسامحي واحد مع قطع النظر عن اللفظ وحكمه بأن ارادة الدلالة اللفظيّة من الامتناع لا حاصل له باطل، وجه البطلان ان الحكم المستفاد من دليل العقل لا دخل للعرف به حتّى يقال بامتناع اجتماعهما عرفاً مع الجواز عقلاً إذ ليس العرف مرجعاً في قبال العقل في أمثال ذلك وإنّما يرجع إلى العرف فيما إذا كان الدليل هو اللفظ فيصحّ حينئذٍ التفصيل بين العقل والعرف واخرى بأنّ المراد عدم الدلالة على الوقوع لا الدلالة على عدم الوقوع(1) فان مسامحة العرف في انّهم يرون محلّ التصادق شيئاً واحداً لا شيئين يلازم عدم دلالة لفظ الأمر والنهي على الوقوع لا دلالتهما على عدم الوقوع فانّه بناء على النظر المسامحي العرفي يكون لفظ الأمر والنهي غير شامل لمحل التصادق ويكون محل التصادق خارجاً عن مدلوليهما وهذا في معنى عدم الدلالة على الوقوع ولا دلالة لهما على خروجه وعدم شموله كي يثبت الدلالة على عدم الوقوع وثالثة بأن قوله لعدم المعنى

ص: 25


1- الهداية في شرح الكفاية: 315.

.......................................

__________________________

المحصّل للامتناع العرفي بمعنى دلالة اللفظ على الامتناع باطل بل الحاصل على ما بينا من معناه من انّ العرف لا يرون محل تصادق العنوانين قابلاً للاندراج تحت مدلولي المتعلّقين عين الحاصل على ما أفاده من ان محل التصادق بالنظر العرفي المسامحي واحد ذو وجهين ولذا يمتنع اجتماع الأمر والنهي فيهما وإن كان بالنظر الدقيق العقلي اثنين، « ونظير ذلك ما ذهب إليه البعض من العكس وهو الجواز عرفاً والامتناع عقلاً بدعوى انّ الأوامر والنواهي وردت على طبق ما عليه العرف في محاوراتهم والعرف بعد سماع الأمر والنهي يعدون الآتي بمحل التصادق ومورد الاجتماع مطيعاً وعاصياً من جهتين ولا منشأ لذلك إلّا فهمهم شمول متعلقي الدليلين لمورد تحقّق الحكمين لما فيه من الجهتين »(1) فانّه كما انّ المراد من الجواز العرفي على هذا القول جوازه لفظاً بمعنى شمول لفظ الأمر والنهي لمحل التصادق والاجتماع وإن كان الاجتماع متحقّقاً عقلاً فكذلك على القول الآخر وهو القول بالامتناع العرفي معناه عدم شمول اللفظ لمحلّ التصادق والاجتماع عرفاً فيمتنع الاجتماع عرفاً وهذا عين ما أفاده المصنّف في بيان المراد من الامتناع العرفي فلا وجه لبطلانه وعدم المحصّل له كما زعم قدس سره.

أقول: اما ما أورد عليه أولا ففيه ان ما أفاده إنّما في مقام الكشف عن مراد القائل بالامتناع العرفي والانصاف انه غير بعيد أن يكون مراده ما ذكره قدس سره وعدم صحّته في نفسه من جهة انّ العرف لا يليق أن يكون حاكماً في قبال العقل من دون

ص: 26


1- الهداية في شرح الكفاية: 315.

.......................................

__________________________

أن يكون الدلالة اللفظيّة في البين ليس من الاشكال الذي يرد على المصنّف بل ممّا يردّ على القائل بالامتناع العرفي ولا يكون الحمل المذكور بعيداً بمثابة لا يصح الحمل عليه كي يرد على المصنّف بطلان ذلك الحمل.

وأمّا ما أورد ثانياً ففيه أيضاً انّ الوجه في الدلالة اللفظيّة على العدم مع ان الظاهر المتبادر إلى الذهن عدم الدلالة على الوقوع لا الدلالة على عدم الوقوع هو انه لما بين العنوان المأمور به بلفظ والمنهي عنه بلفظ آخر غيره والعرف في مثل ذلك إنّما يفهمون من اللفظين الدلالة على الوجودين المتمايزين في الخارج بحيث لم يكن لأحدهما دخلاً بالآخر والمفروض ان مجمع عنوان المأمور به والمنهي عنه في المقام أمر واحد وموجود فارد ذو وجهين فلذا ينصرف لفظ الأمر والنهي عنه ولا يشملانه بل اختلافهما وتعدّدهما يدل على خروج محلّ التصادق عن مدلولهما وهذا هو المراد من دلالة لفظهما على عدم وقوع اجتماع المأمور به والمنهي عنه في أمر واحد.

وما أورده ثالثاً ففيه أيضاً ان اثبات الدلالة اللفظيّة العرفيّة على الامتناع بالوجه الذي ذكره من انّ الأمر والنهي اللفظين لا يشملان محلّ التصادق عرفاً لأنّه في نظر العرف أمر واحد وموجود فارد فلذا يمتنع الاجتماع عرفاً فالانصاف انّه في معنى امتناع الدلالة اللفظيّة العرفيّة على الاجتماع لا الدلالة اللفظيّة العرفيّة على الامتناع والفرق بين المعنيّين واضح ومعلوم ان مقصود المصنّف من انكار الدلالة العرفيّة على الامتناع دلالة اللفظ عرفاً عليه كما انّ العقل يكون دالّاً عليه لا امتناع للدلالة اللفظيّة العرفيّة ليرد عليه ما أورده كما لا يخفى فتبصر.

ص: 27

الخامس: لا يخفى أن ملاك النزاع في جواز الاجتماع والامتناع[1] يعم جميع أقسام الايجاب والتحريم، كما هو قضية إطلاق لفظ الامر والنهي، ودعوى الانصراف إلى النفسيين التعيينيين العينيين في مادتهما، غير خالية عن الاعتساف، وإن سلم في صيغتهما، مع أنه فيها ممنوع.

نعم لا يبعد دعوى الظهور والانسباق من الاطلاق، بمقدمات الحكمة الغير الجارية في المقام، لما عرفت من عموم الملاك لجميع الاقسام، وكذا ما وقع في البين من النقض والابرام، مثلا إذا أمر بالصلاة والصوم تخييرا بينهما، وكذلك نهى عن التصرف في الدار والمجالسة مع الاغيار، فصلى فيها مع مجالستهم، كان حال الصلاة فيها حالها، كما إذا أمر بها تعيينا، ونهى عن التصرف فيها كذلك في جريان النزاع في الجواز والامتناع، ومجئ أدلة الطرفين، وما وقع من النقض والابرام في البين، فتفطن.

__________________________

[1] أقول: يعني ان مرادهم من جواز البحث عن اجتماع الأمر والنهي وعدمه يعم جميع أقسامهما من النفسي والمقدمي والعيني والكفائي والتعييني والتخييري والمولوي والارشادي اذ هو مقتضى لفظ الأمر والنهي من دون تقييد ودعوى الانصراف إلى النفسيين التعيين العينين في مادّة لفظ الأمر والنهي المأخوذ في عنوان البحث غير خالية عن الاعتساف اذ لا وجه لذلك الانصراف أصلاً في مادتهما وهي الهمزة والميم والراء في الأمر والنون والهاء والياء في النهي وان سلم ذلك الانصراف في صيغتها مثل قوله افعل ولا تفعل مع ان ذلك الانصراف في الصيغة أيضاً ممنوع نعم لا يبعد دعوى الظهور والانسباق بالنسبة إلى مادتهما

ص: 28

السادس: إنه ربما يؤخذ في محل النزاع قيد المندوحة في مقام الامتثال،[1 ]

__________________________

وصيغتهما من الاطلاق لا الحاق بمعونة مقدّمات الحكمة الجارية في بعض المقامات والغير الجارية في المقام لما عرفت من عموم الملاك لجميع الأقسام الدال على عدم الاختصاص ومع ذلك فلا جريان لمقدمات الحكمة وكذا يدلّ على العموم ما وقع في البين من النقض والابرام مثلاً اذا أمر بالصلوة والصوم تخييراً بينهما وكذلك نهي عن التصرّف في الدار والمجالسة مع الأغيار فصلى فيها مع مجالستهم كان حال الصلوة فيها حالها كما إذا أمر بها تعينا ونهى عن التصرّف فيها كذلك أي تعينا في جريان النزاع.

قوله « في جريان » متعلّق بقوله حالها في الجواز والامتناع و « مجي ء أدلّة الطرفين » عطف على قوله الجريان وما وقع من النقض والابرام في البين.

أقول: الوجه في تخصيص الأمر بالصلوة أو الصوم والعطف فيها بأو وتعميم النهي بالنسبة إلى الدار ومجالسة الأغيار وعطفها بالواو هو ان موافقة الأمر تحصل بواحد والمخالفة في النهي لا تحصل إلّا بفعل الطرفين اذ لو ترك أحدهما حصلت الموافقة ولم يكن منهيّاً عمّا فعل وهو في غاية الوضوح.

[1] أقول: بيانه انه كثيراً ما يؤخذ قيد المندوحة في مقام الامتثال في محلّ النزاع نظراً إلى عدم جريان النزاع في جواز اجتماع الأمر والنهي وعدم جوازه في صورة عدم المندوحة إذ مع فرض عدم امكان أداء الصلوة مثلاً في المكان المباح وانحصار اتيانها في المكان المغصوب فلا يمكن التكيف بفعل الصلوة وترك الغصب لأنّه تكليف بالمحال وغير المقدور والمعلوم ان القدرة شرط في التكليف

ص: 29

بل ربما قيل: بأن الاطلاق إنما هو للاتكال على الوضوح، إذ بدونها يلزم التكليف بالمحال.

ولكن التحقيق مع ذلك عدم اعتبارها في ما هو المهم في محل النزاع من لزوم المحال، وهو اجتماع الحكمين المتضادين، وعدم الجدوى في كون موردهما موجها بوجهين في رفع غائلة اجتماع الضدين، أو عدم لزومه، وأن تعدد الوجه يجدي في رفعها، ولا يتفاوت في ذلك أصلا وجود المندوحة وعدمها، ولزوم التكليف بالمحال بدونها محذور آخر لا دخل له بهذا النزاع.

نعم لابد من اعتبارها في الحكم بالجواز فعلا، لمن يرى التكليف بالمحال محذورا ومحالا، كما ربما لابد من اعتبار أمر آخر في الحكم به كذلك أيضا.

وبالجملة لا وجه لاعتبارها، إلا لاجل اعتبار القدرة على الامتثال، وعدم لزوم التكليف بالمحال، ولا دخل له بما هو المحذور في المقام من التكليف المحال، فافهم واغتنم.

__________________________

بل لابدّ حينئذٍ اما من سقوط الأمر بالصلوة لانحصارها بالفرد المحرم أو سقوط شرطيّة اباحة مكان المصلى كما لا يخفى بل بعضهم لم يقنعوا بالقول باعتباره في محلّ النزاع وقالوا مع ذلك بأن وضوح اعتبار قيد المندوحة بمرتبة لا يحتاج إلى البيان ولذا أطلقوا الكلام في البحث وسكت من سكت عن اعتباره.

والتحقيق مع ذلك ومع تلك العقيدة منهم طاب ثراهم عدم اعتبارها فيما هو المهم من محلّ النزاع من لزوم المحال وهو اجتماع الحكمين المتضادين وان جواز الاجتماع وورود أمر الآمر بالصلوة وترك الغصب في محل واحد شخصي

ص: 30

.......................................

__________________________

هل يلازم اجتماع الضدّين أم لا اذ لا يفرق في هذا المهم بين امكان الصلوة في المكان المباح وعدم امكانه بل انحصار الاتيان في المكان المغصوب اذ لو فرض جواز الاجتماع وتأثير تعدد الجهة مع وحدة الموجود الشخصي في عدم لزوم اجتماع الضدّين فاما ان يقال حين الانحصار أو عدم المندوحة ببطلان الصلوة مع ذلك لسقوط الأمر بها وأما أن يقال بصحّته لسقوط شرطيّة اباحة المكان في تلك الصورة والمفروض جواز الاجتماع ولكن لا لجواز الاجتماع أيضاً، والحاصل ان لزوم التكليف بالمحال وغير المقدور مع عدم المندوحة محذور آخر لا دخل له بهذا النزاع فان جهات البحث في الأبحاث مختلفة ولا وجه لاعتبار جهة في البحث عن موضوع من جهة اخرى نعم لابدّ من اعتبار ذلك القيد في الحكم بالجواز فعلاً يعني صحّة الصلوة في المكان المغصوب مع عدم القدرة على اتيانها في المكان المباح لمن يرى التكليف بالمحال محذوراً ومحالاً فالجواز عند الأشعري الذي يجوز التكليف بالمحال فعلي من هذه الجهة ولا محذور فيه عنده أصلاً وان ابيت الا عن اعتبار ذلك القيد في جريان النزاع فربما نقول انه لابدّ من اعتبار امر آخر غير المندوحة في الحكم به كذلك أي بالجواز فعلاً ضرورة احتياج الحكم العقلي إلى شروط عديدة فلم لم يتعرّضوا إليها وسكتوا عنها كلاً وطراً، وبالجملة لا وجه لاعتبار قيد المندوحة إلّا لأجل اعتبار القدرة على الطاعة في التكليف لعدم لزوم التكليف بالمحال وهذا لا دخل له بما هو المحذور في المقام من لزوم التكليف بالمحال إذ بناء على عدم جواز الاجتماع وعدم فائدة تعدّد

ص: 31

.......................................

__________________________

الجهة في متعلّق الأمر والنهي مع وحدة شخصه في جوازه يكون اللازم من الاجتماع التكليف بالضدّين وهو تكليف محال لا يصدر من المكلّف الحكيم لا انّه تكليف بالمحال والفرق بين التكليف المحال والتكليف بالمحال هو ان الموضوع للمحالية في الأوّل نفس التكليف ويكون التكليف المحال كسائر الأمور المحالة فان الأمر بالشي ء والنهي عن ذلك الشي ء من مصاديق اجتماع الضدين وهو من الأمور المحالة والموضوع للمحالية في الثاني أمر آخر غير التكليف غاية الأمر يكون التكليف متعلّقاً به فانّ الأمر بالطيران لمن لا يقدر عليه تكليف متعلّق بالمحال ووجه عدم صدوره من الحكيم محالية متعلّقة لا محالية نفسه وكذا الأمر بجمع الضدين فانّه تكليف بالمحال أيضاً اما صدور الضدين من الأمر بالشي ء والنهي عن ذلك الشي ء تكليف محال صدوره.

ثمّ انّه قد اعتذر الشارح الكاظميني عن القوم وقال في مقام توجيه اعتبارهم لقيد المندوحة في جريان النزاع والبحث: بأنّهم قد لاحظوا المقام ومحلّ النقض والابرام جامعاً لجميع شرائط الفعليّة ما عدا الجهة المبحوث عنها ضرورة انه مع وجود جهة من الجهات مانعه عن فعليّة التكليف يكون النزاع في تلك الجهة معدوم الثمرة بالمرة فجعل محل النزاع مقيداً بالاشتراط أولى من اطلاقه وإن كان لا بأس به من حيث انها مسئلة علميّة وان لم يترتّب عليها ثمرة عمليّة(1).

أقول: قد أشار المصنّف إلى فساد هذا الوجه الذي ذكره الشارح بقوله فربما

ص: 32


1- الهداية في شرح الكفاية: 316 - 317.

السابع: إنه ربما يتوهم تارة أن النزاع في الجواز والامتناع، يبتني على القول بتعلق الاحكام بالطبائع،[1] وأما الامتناع على القول بتعلقها بالافرادفلا يكاد يخفى، ضرورة لزوم تعلق الحكمين بواحد شخصي، ولو كان ذا وجهين على هذا القول.

__________________________

نقول الخ وحاصل الوجه في بطلان اعتبار ذلك القيد هو انه إن كان مرادهم في البحث البحث عن الجهة المبحوث عنها مع قطع النظر عن سائرها في المقام فلا حاجة إلى بيان شرط من شروط فعليّة التكليف لا المندوحة ولا غيرها وإن كان المراد البحث في المقام جامعاً لشرائط الفعليّة ما عدا الجهة المبحوث عنها فلابدّ من ذكر جميع شرائط الفعليّة لا قيد المندوحة فقط وما أفاده الشارح لا يتمّ في دفع هذا الاشكال بوجه كما لا يخفى.

[1] أقول: بيانه انه قد توهّم بعض تارة بابتناء جريان النزاع في بحث اجتماع الأمر والنهي على القول بتعلّق الأحكام بالطبائع اذ على القول بتعلّقها بالأفراد لا شبهة في امتناع الاجتماع اذ الواحد الشخصي والفرد الواحد ولو كان ذا وجهين كيف يمكن أن يكون متعلّقاً للأمر والنهي معاً واخرى بأنّ القول بجواز الاجتماع يبتني على القول بتعلّق الأحكام بالطبائع وإلّا فبناء على القول بتعلّقها بالأفراد لا وجه للقول بجواز اجتماع الأمر والنهي في الفرد الواحد ومرجع التوهمين إلى أمر واحد وهو عدم امكان تعلّق الأمر والنهي بالفرد الواحد الشخصي ولو كان ذا وجهين وعنوانين وإنّما يجوز تعلّقهما بالطبيعتين المتغايرتين وان اتّحدتا وجوداً وخارجاً واجتمعتا في الفرد الواحد.

والحق ان كلا التوهمين في غير المحل اما الأوّل فلأنّه إذا كان تعدّد الوجه

ص: 33

.......................................

__________________________

مجدياً في صحّة النزاع في جواز الاجتماع وعدمه فلا يفرق بين أن يكون في الطبيعة الكليّة أو الفرد الشخصي فانّه على القول بتعلّق الأحكام بالأفراد يجري النزاع أيضاً في انه إذا كان الفرد الواحد متعدد الجهة والعنوان هل يجوز أن يكون مأموراً به من جهة ومنهياً عنه من جهة أخرى أم لا كما يكون ذلك النزاع جارياً في الطبيعتين المتحدتين في الوجود الخارجي وإن كان تعدّد الوجه غير مفيد في جواز الاجتماع فلا يجري النزاع ولو على القول بتعلّق الأحكام بالطبائع أيضاً اذ لا معنى لتعلّق الأمر بالطبائع الا تعلقه بالعناوين التي يكون الفرد مندرجاً تحتها كما إذا كان تعدّد العنوان الذي يكون الفرد مندرجاً تحته مؤثّراً في جواز الاجتماع فيؤثر ولو على فرض تعلّق الأحكام بالفرد أيضاً لأن تعدّد الجهة والعنوان ثابت في الفرد على كلتا الصورتين.

واما الثاني فلما ذكر أيضاً من انه إذا كان تعدّد الوجه مفيداً في جواز تعلّق الحكمين المتضادين بالمجمع للعنوانين فلا فرق بين أن يكون تعلّق الأحكام بالطبائع أو الأفراد فانه لا مانع من تعلّق الأمر والنهي بالفرد الواحد الذي يكون ذا وجهين بناء على تأثير تعدّد الوجه كما لا مانع من تعلّقهما بالطبيعة اللتين اتّحدتا وجوداً في الخارج فلا وجه لابتناء القول بالجواز على القول بتعلّق الأحكام بالطبائع فكما ان وحدة الصلوتية والغصبيّة في الصلوة في الدار المغصوبة وجوداً غير ضائر بكونه فرداً للصلوة فيكون مأموراً به وفرداً للغصب فيكون منهياً عنه فهو على وحدته وجوداً وخارجاً يكون اثنين لكونه مصداقاً للطبيعتين ومندرجاً تحت العنوانين وصاحب الوجهين.

ص: 34

وأخرى أن القول بالجواز مبني على القول بالطبائع، لتعدد متعلق الامر والنهي ذاتا عليه، وإن اتحد وجودا، والقول بالامتناع على القول بالافراد، لاتحاد متعلقهما شخصا خارجا، وكونه فردا واحدا.

وأنت خبير بفساد كلا التوهمين، فإن تعدد الوجه إن كان يجدي بحيث لايضر معه الاتحاد بحسب الوجود والايجاد، لكان يجدي ولو على القول بالافراد، فإن الموجود الخارجي الموجه بوجهين، يكون فردا لكل من الطبيعتين، فيكون مجمعا لفردين موجودين بوجود واحد، فكما لا يضر وحدة الوجود بتعدد الطبيعتين، لا يضر بكون المجمع اثنين بما هو مصداق وفرد لكل من الطبيعتين، وإلا لما كان يجدي أصلا، حتى على القول بالطبائع، كما لا يخفى، لوحدة الطبيعتين وجودا واتحادهما خارجا، فكما أن وحدة الصلاتية والغصبية في الصلاة في الدار المغصوبة وجودا غير ضائر بتعددهما وكونها طبيعتين، كذلك وحدة ما وقع في الخارج من خصوصيات الصلاة فيها وجودا غير ضائر بكونه فردا للصلاة، فيكون مأمورا به، وفردا للغصب فيكون منهيا عنه، فهو على وحدته وجودا يكون اثنين، لكونه مصداقا للطبيعتين، فلا تغفل.

الثامن: إنه لا يكاد يكون من باب الاجتماع، إلا إذا كان في كل واحد من متعلقي الايجاب والتحريم مناط حكمه[1] مطلقا، حتى في مورد التصادق

__________________________

[1] أقول: يعني انه إذا كنت على ذكر ممّا ذكر سابقاً من ان مقام التضاد بين الأحكام ومناطاتها هو مقام البعث والفعليّة لا مقام الاقتضاء والانشائيّة فاعلم انّه لا يتحقّق عنوان اجتماع الأمر والنهي إلّا فيما إذا كان في كلّ واحد من متعلّقي

ص: 35

.......................................

__________________________

الايجاب والتحريم والأمر والنهي مناط حكم الوجوب والحرمة مطلقاً حتى في مورد التصادق واجتماع العنوانين في موجود واحد كي يحكم على الجواز بكون المجمع ومحل التصادق فعلا محكوماً بحكمين وعلى الامتناع وعدم جواز كون الموجود الواحد محكوماً بحكمين متضادين فعلاً كونه محكوماً بالحكم الذي استنده أقوى المناطين أو بحكم آخر ثالث غير حكم الوجوب والحرمة فيما لم يكن هناك أحد المناطين للحكمين أقوى من الآخر بل كانا متقابلين كما يأتي تفصيله واما اذا لم يكن للمتعلقين للحكمين مناط كذلك يعني بأن كان ثابتاً حتى في مورد التصادق واجتماع العنوانين كالصلوتيّة والغصبيّة مثلاً معاً بل اما ان يكون المناط لأحدهما في تلك الصورة وسبب الاجتماع باقياً والمناط الآخر منتفياً أو كان المناطان منتفيين في ذلك المورد فلا يتحقّق عنوان الاجتماع حينئذٍ ولا يكون مورد التصادق محكوماً إلّا بحكم واحد من الحكمين إذا كان له مناطٌ وحكم آخر ثالث غيرهما فيما لم يكن المناط لواحد منهما سواء قيل بجواز الاجتماع أو عدم جوازه فانه لا تأثير لذينك القولين فيما اذا فرض الفرض المذكور، هذا بحسب مقام الثبوت والنظر إلى ما عليه الحال في الواقع.

واما بحسب الدلالة ومقام الاثبات فالدليلان الدالان على الحكمين متعارضان بالنسبة إلى مورد التصادق واجتماع العنوانين اذا احرز ان المناط من قبيل الثاني وهو ما لا يعم مورد التصادق ولابدّ حينئذٍ من عمل المعارضة بينهما من الترجيح والتخيير وإلّا أي وإن كان المناط من قبيل الأوّل وهو العام لمورد التصادق فلا

ص: 36

والاجتماع، كي يحكم على الجواز بكونه فعلا محكوما بالحكمين وعلى الامتناع بكونه محكوما بأقوى المناطين، أو بحكم آخر غير الحكمين فيما لم يكن هناك أحدهما أقوى، كما يأتي تفصيله.

وأما إذا لم يكن للمتعلقين مناط كذلك، فلا يكون من هذا الباب، ولا يكون مورد الاجتماع محكوما إلا بحكم واحد منهما، إذا كان له مناطه، أو حكم آخر غيرهما، فيما لم يكن لواحد منهما، قيل بالجواز أو الامتناع، هذا بحسب مقام الثبوت.

وأما بحسب مقام الدلالة والاثبات، فالروايتان الدالتان على الحكمين متعارضتان، إذا احرز أن المناط من قبيل الثاني، فلابد من عمل المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح والتخيير، وإلا فلا تعارض في البين، بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين، فربما كان الترجيح مع ما هو أضعف دليلا، لكونه أقوى مناطا، فلا مجال حينئذ لملاحظة مرجحات الروايات أصلا، بل لابد من مرجحات المقتضيات المتزاحمات، كما يأتي الاشارة إليها.

__________________________

تعارض في البين بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين اذ المفروض ان المقتضى لكلّ واحد من الحكمين حتّى في مورد التصادق موجود فيتزاحمان وربما كان الترجيح مع المقتضى الذي دليله أضعف لكونه أقوى مناطاً فلا مجال حينئذٍ لملاحظة مرجحات الروايات أصلاً بل لابدّ من مرجّحات باب المعارضة المعهودة المذكورة في محلها لو لم يجمع بينهما بحمل أحدهما على الحكم الاقتضائي يعني ان الحكم بحسب مقتضيه الذي لو لا المزاحمة بالآخر لكان فعليّاً والآخر على الفعلي بملاحظة مرجحات باب المزاحمة.

ص: 37

نعم لو كان كل منها متكفلا للحكم الفعلي، لوقع بينهما التعارض، فلا بد من ملاحظة مرجحات باب المعارضة، لو لم يوفق بينهما بحمل أحدهما على الحكم الاقتضائي بملاحظة مرجحات باب المزاحمة، فتفطن.

التاسع: إنه قد عرفت أن المعتبر في هذا الباب، أن يكون كل واحد[1 ]

__________________________

[1] أقول: يعني قد مرّ انّه لا يتحقّق اجتماع الأمر والنهي إلّا إذا كان مناط الحكم بالحرمة والوجوب ثابتاً حتّى في محل التصادق وما كان مجمعاً للطبيعتين فلو كان ما يدلّ على ذلك أي ثبوت المناط فيه من اجماع أو غيره فلا إشكال في حصول الاجتماع وتحقّقه ولو لم يكن ما يدلّ عليه إلّا اطلاق دليل الحكمين الحرمة والوجوب كاطلاق جملة صل وقضيّة لا تغصب مثلاً حيث انّهما باطلاقهما يدلّان على وجوب الصلوة وحرمة الغصب حتّى في مورد الاجتماع وكون الصلوة في الدار المغصوبة، فبيان تحقّق الاجتماع وعدمه يحتاج إلى تفصيل وهو ان الاطلاق لو كان في بيان الحكم الاقتضائي لكان دليلاً على ثبوت المقتضى والمناط في مورد الاجتماع اذ لَوْ لا ثبوت المقتضى حتّى في محلّ التصادق لم يطلق في اثبات الحكم الاقتضائي فيكون من هذا الباب أي باب اجتماع الأمر والنهي أيضاً ولو كان بصدد الحكم الفعلي فلا إشكال أيضاً في كونه من هذا الباب ولا ريب في استكشاف ثبوت المقتضى في الحكمين الوجوب والحرمة على القول بجواز الاجتماع إلّا إذا علم اجمالاً بكذب أحد الدليلين وعدم ثبوت المقتضى في واحد من الحكمين فيعامل معهما معاملة المتعارضين فانّ التعارض بين الدليلين عبارة عن تنافيهما بحسب الدلالة ومقام الاثبات على وجه التناقض

ص: 38

.......................................

__________________________

أو التضاد حقيقة أو عرضا بأن علم بكذب أحدهما اجمالاً مع عدم امتناع اجتماعهما أصلاً ويخرج حينئذٍ عن عنوان الاجتماع وتزاحم الحكمين واما على القول بالامتناع وعدم جواز الاجتماع فالاطلاقان في دليل الوجوب والحرمة متنافيان من غير دلالة منهما على ثبوت المقتضى للحكمين في مورد الاجتماع أصلاً فان انتفاء أحد المتنافيين كما يمكن أن يكون لأجل المانع مع ثبوت المقتضى له يمكن أن يكون لأجل انتفاء المقتضى أيضاً إلّا أن يقال قضيّة التوفيق بينهما ورفع التعارض والجمع بينهما دلالة ظاهراً في ثبوت الحكم والآخر أظهر فيحمل خصوص الظاهر على الحكم الاقتضائي والأظهر على الفعلي فيبقى سليماً عن المعارضة والحاصل انه كلّما كانت هناك دلالة على ثبوت المتقضى في الحكمين كان من مسئلة الاجتماع والتزاحم وكلّما لم يكن هناك دلالة عليه فهو من باب التعارض مطلقاً يعني على الجواز والامتناع اذا كانت هناك دلالة على انتفاء المقتضى في أحدهما بلا تعيين كما إذا علم بكذب أحدهما اذ حينئذٍ يتنافي الدليلان ويكذب كلّ منهما الآخر ولو على القول بجواز الاجتماع أيضاً وإلّا أى وان لم يكن دلالة على انتفاء المقتضى في أحدهما ولم يكن تكذيب لكلّ منهما الآخر فمن باب التعارض على القول بامتناع الاجتماع اذ عليه انما يكون الثابت في الواقع من الحكمين أحدهما ولكن لا نعلم انه مفاد أيّ الدليلين وهذا معنى تعارض الدليلين وتنافيهما وتكذيب أحدهما الآخر ومن باب التزاحم على القول بالجواز إذ عليه لا مانع من ثبوت الحكمين ومعه لا تنافي بين الدليلين ولا تعارض

ص: 39

من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها، مشتملة على مناط الحكم مطلقا، حتى في حال الاجتماع، فلو كان هناك ما دل على ذلك من اجماع أو غيره فلا إشكال، ولو لم يكن إلا اطلاق دليلي الحكمين، ففيه تفصيل وهو: إن الاطلاق لو كان في بيان الحكم الاقتضائي، لكان دليلا على ثبوت المقتضي والمناط في مورد الاجتماع، فيكون من هذا الباب، ولو كان بصدد الحكم الفعلي، فلا إشكال في استكشاف ثبوت المقتضي في الحكمين على القول بالجواز، إلا إذا علم إجمالا بكذب أحد الدليلين، فيعامل معهما معاملة المتعارضين.

وأما على القول بالامتناع فالاطلاقان متنافيان، من غير دلالة على ثبوت المقتضي للحكمين في مورد الاجتماع أصلا، فإن انتفاء أحد المتنافيين، كما يمكن أن يكون لاجل المانع مع ثبوت المقتضي له، يمكن أن يكون لاجل انتفائه، [اللهمّ ]إلّا أن يقال: إن قضية التوفيق بينهما، هو حمل كل منهما على الحكم الاقتضائي، لو لم يكن أحدهما أظهر، وإلا فخصوص الظاهر منهما.

فتلخص أنه كلما كانت هناك دلالة على ثبوت المقتضي في الحكمين، كان من مسألة الاجتماع، وكلما لم تكن هناك دلالة عليه، فهو من باب التعارض مطلقا، إذا كانت هناك دلالة على انتفائه في أحدهما بلا تعيين ولوعلى الجواز، وإلا فعلى الامتناع.

العاشر: إنه لا إشكال في سقوط الامر وحصول الامتثال بإتيان[1] المجمع

__________________________

ولكن لما كان اجتماعهما في الوجود الخارجي تمنعا ثبت التزاحم بينهما في الوجود وهذا لا دخل له بدليل الدليل والتعارض.

[1] أقول: شرح مرامه وتوضيح كلامه انه إذا أتى المكلّف بما يكون جامعاً

ص: 40

.......................................

__________________________

لعنوان المأمور به والمنهي عنه فاما على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي يحصل الامتثال ويسقط الأمر بلا إشكال سواء في ذلك العبادات والمعاملات وهكذا يحصل الامتثال ويسقط الأمر على القول بامتناع الاجتماع وترجيح جانب الأمر واضمحلال النهي وكون وجوده مع الأمر كعدمه وسواء في ذلك أيضاً العبادات والمعاملات وإنّما الفرق بين صورة القول بالجواز والامتناع حصول المعصية مع الطاعة إن كان المجمع أمراً عبادياً في الصورة الأولى وعدمها في الصورة الثانية وأما على الفرض الثالث وهو القول بالامتناع وترجيح جانب النهي وكون وجود الأمر كعدمه فيما كان المأمور به منضمّاً مع ما نهى عنه ومجتمعاً معه ولم يكن المجمع مأموراً به بل كان منهيّاً عنه فقط فيسقط الأمر به مطلقاً في غير العبادات لحصول الغرض الموجب له سواء التفت المكلّف إلى النهي أو كان غافلاً عنه وسواء كان غفلته عن تقصير أو قصور وأمّا في العبادات فلا يحصل الامتثال ولا يسقط الأمر المتعلّق بما أمر به المولى من العبادة في صورة التفات المكلّف إلى الحرمة والنهي وان المجمع الذي أتى به يكون ممّا نهى عنه ومحرماً بل لا يحصل الامتثال بدون التفات المكلّف إلى الحرمة أيضاً إن كان جهله وغفلته عن تقصير لا عن قصور اذ مع عدم الالتفات وإن كان متمكّناً من قصد القربة والفرض انه قصدها وكان في مقام الاطاعة والامتثال لأنّه مع التقصير في تحصيل العلم بالحرمة وكون الطبيعة الفلانيّة محرمة ومنهية عنها فلا يحصل التقرّب للآتي بما يكون مجتمعاً مع العنوان المنهي عنه لأنّه وإن كان المجمع مشتملاً على المصلحة

ص: 41

.......................................

__________________________

في المأمور به مع عدم كونه متعلّقاً للأمر الا انه مع تقصير المكلّف في تحصيل العلم بالحرمة وعدم كون المجمع مأموراً به لاحسن في صدوره عنه بل يكون صدوره منه مبغوضاً للمولى ومع كونه مبغوض الصدور فكيف يمكن أن يكون سبباً للتقرّب ومقرباً له ومع عدم حصول التقرّب فكيف يحصل الغرض الذي كان موجباً للأمر به عبادة اذ الغرض منها انما هو تحصيل التقرّب والفرض انه لم يحصل واما اذا لم يلتفت الى الحرمة وان المجمع الذي أتى به يكون مشتملاً على عنوان محرم قصوراً لا تقصيراً وقد قصد القربة باتيانه فاذن يسقط الأمر بقصد التقرّب بما يصلح أن يتقرّب به ويشتمل على المصلحة مع صدوره حسناً وعدم كونه مبغوضاً اذ حينئذٍ يحصل به الغرض الذي أمر به من جهته وهو التقرّب فيسقط الأمر قطعاً ومع حصول الغرض من الأمر لا وجه لبقائه وعدم سقوطه وإن لم يكن امتثالاً للأمر لعدم الأمر بالنسبة إلى المجمع وما يكون مشتملاً على الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها جميعاً بناء على تبعيّة الأحكام لما هو الأقوى والغالب من جهات المصالح والمفاسد واقعاً يعني ان سقوط الأمر حين عدم الالتفات إلى الحرمة قصوراً من جهة ان مناط الحكم بالوجوب مثلاً المصلحة الواقعيّة الغالبة واقعاً على المفسدة لا لما هو المؤثر منها فعلاً للحسن والقبح مثلاً الصلوة في الدار المغصوبة مع الجهل بحرمتها قصوراً مشتملة على مصلحة واقعيّة غالبة على المفسدة التي تكون في الغصب وإن كان تلك الصلوة فعلاً مشتملة على قبح لوقوعها في الدار المغصوبة فان قبح التصرّف في المغصوب وان أثر فعلاً في اثبات الحرمة واسقاط الوجوب

ص: 42

بداعي الامر على الجواز مطلقا، ولو في العبادات، وإن كان معصية للنهي أيضا، وكذا الحال على الامتناع مع ترجيح جانب الامر، إلا أنه لا معصية عليه، وأما عليه وترجيح جانب النهي فيسقط به الامر به مطلقا في غير العبادات، لحصول الغرض

__________________________

على الفرض من تغليب جانب الحرمة ولكنه لما لم تكن الصلوة في الدار المغصوبة صادرة من المصلى مع الالتفات إلى قبحها المؤثّر فعلاً بل إنّما صدرت منه بعنوان انها حسنة ومن المسلم انه لا يتّصف فعل العاقل بحسن أو قبح إلّا إذا جاء به بعنوان كونه حسناً أو قبيحاً فقد غلب في المقام جهة الحسن المقصودة مع كونها في الواقع موجودة على جهة القبح المؤثّرة لكونها حال الجهل مفقودة لعدم اتّصاف الفعل بها إلّا إذا علم ان ما يأتي به قبيح.

ثمّ انّه اعترض بعض الشرّاح نصّاً على المصنّف اعتراضاً لا بأس بنقله وهو ان حكمه في المقام بكون الحسن والقبح تابعين لما هو المعلوم من جهاتها فلا تؤثّر جهة القبح المجهولة فعلاً في الحسن المعلوم الجهة قبحاً بل يبقى على حسنه وكذا العكس يناقض ما تقدّم منه في بحث المقدمة من عدم لزوم الاتيان بداعي التوصّل إلى ذي المقدّمة وبعنوان حسنها لموصليتها إليه بل يكون الاتيان بها حسناً ولو بداعي أمر قبيح وان الدخول في دار الغير وفيها غريق أو حريق يقع على صفة الوجوب والحسن لا الحرمة والقبح وان لم يشعر الداخل بما فيها ولم يقصد بدخوله إلّا التصرّف عدواناً ثمّ قال ولا مدفع لهذا التدافع والتناقض إلّا توهّم ان كون المقدّمة مما لا تصف في نفسها بحسن أو قبح ولذا يكون حكمه مغايراً للمقام وهو ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه لوجوه لا تخفى على الفطن. انتهى.

ص: 43

الموجب له، وأما فيها فلا، مع الالتفات إلى الحرمة أو بدونه تقصيرا، فإنه وإن كان متمكنا - مع عدم الالتفات - من قصد القربة، وقد قصدها، إلا أنه مع التقصير لا يصلح لان يتقرب به أصلا، فلا يقع مقربا، وبدونه لا يكاد يحصل به الغرض الموجب للامر به عبادة، كما لا يخفى.

وأما إذا لم يلتفت إليها قصورا، وقد قصد القربة بإتيانه، فالامر يسقط، لقصد التقرب بما يصلح أن يتقرب به، لاشتماله على المصلحة، مع صدوره حسنا لاجل الجهل بحرمته قصورا، فيحصل به الغرض من الامر، فيسقط به قطعا، وإن لم يكن امتثالا له بناء على تبعية الاحكام لما هو الاقوى من جهات المصالح والمفاسد واقعا، لا لما هو المؤثر منها فعلا للحسن أو القبح، لكونهما تابعين لما علم منهما كما حقق في محله.

مع أنه يمكن أن يقال بحصول الامتثال[1] مع ذلك، فإن العقل لا يرى تفاوتا

__________________________

[1] يعني انه يمكن أن يقال بحصول الامتثال فضلاً عن حصول الغرض من الأمر باتيان المجمع في حال الغفلة عن النهي والحرمة قصوراً وذلك لأنّ العقل لا يرى تفاوتاً بين المجمع الذي أتى به في حال الغفلة وبين سائر الأفراد في الوفاء بغرض الطبيعة المأمور بها فان انطباق الطبيعة المأمور بها على الفرد يكفي في تحقّق الامتثال ولو كان اندراجه تحت الأمر اللفظي الشامل لسائر الأفراد مستحيلاً وغير ممكن لوجود المانع فان عدم الاندراج لوجود المانع لا لعدم المقتضى لا يخل بتحقّق الامتثال ومن هنا انقدح يعني من جهة كفاية انطباق الطبيعة المأمور بها على الفرد المستحيل عمومها له بما هي مأمور بها بسبب وفاء

ص: 44

.......................................

__________________________

ذلك الفرد بغرض الآمر من أمره وعدم توقّف حصوله على ثبوت الأمر الفعلي انقدح وظهر انه يجزي ما أتى به من الفرد المجمع وعدم وجوب الاعادة ولو قيل باعتبار قصد الامتثال في صحّة العبادة انه لا يكفي في صحّته مجرّد المحبوبيّة الواقعيّة للمولى ما لم يتعلّق الأمر به كما انّ الأمر في ضد الواجب كذلك يعني انه يجزي ويصح أيضاً ولو على القول باعتبار هذا الامتثال في صحّة العبادة بسبب الانطباق ووفاء الفرد الذي ليس بمأمور به بالغرض من أمر الآمر ومعلوم انّه لا يكون هناك أمر يقصد اصلاً.

والحاصل ان حصول عنوان الامتثال للأمر قد يكون بسبب اطاعة الأمر الفعلي وموافقته وقد يكون بسبب الاتيان بالفرد الذي يكون وافياً بالغرض من الأمر مع عدم تعلّقه بالفرد المأتي به فعلاً لاستحالة دخوله تحت الأمر العام الذي تعلّق بالطبيعة بواسطة جهات خارجيّة وعوارض عرضت على ذلك الفرد.

قال الشارح الكاظميني في ذيل هذا البيان من المصنّف قلت: قد مضى الكلام في ذلك في الضد الواجب وذكرنا عدم تعقّل صدق الامتثال بانطباق الطبيعة المأمور بها على الفرد المستحيل عمومها له بما هي مأمور بها أو بوفاء هذا الفرد بغرض الآمر من أمره مع عدم تعلّق أمره به فعلاً انتهى(1).

أقول: وقد مضى منّا في البحث المذكور بيان التعقّل فليراجع ثمّة انشاء اللَّه تعالى وعلى كلّ حال فلتصحيح تحقّق عنوان الامتثال وجه آخر لا غبار عليه

ص: 45


1- الهداية في شرح الكفاية: 323.

.......................................

__________________________

أصلاً وهو ان تغليب جانب الحرمة وعدم كون الاتيان بالفرد المجمع للعنوانين الواجب والمحرم امتثالاً للأمر المتعلّق بكلي الواجب إنّما يكون في صورة الالتفات إلى انّ الغصب مثلاً حرام فقط لما مرّ من ان الحرمة تابعة للقبح والقبح إنّما يتّصف به الفعل المعلوم انّه قبيح فمع الجهل فلا يكون الغالب هو الحرمة بل يكون هو الوجوب لغلبة جهته حيث قد اتّصف الفعل المأتي به بعنوان كونه حسناً مطلوباً فاذا اختصّ تغليب جانب الحرمة بصورة الالتفات إلى قبح الفعل وقع في صورة الجهل امتثالاً للأمر فانّه هو الغالب وبعبارة أخرى لما كان مثل الاباحة لمكان المصلّى من الشروط العلميّة لصحّة الصلوة لا الشروط الواقعيّة فاذا نسي الغصبيّة أو جهلها قصوراً لا تقصيراً فيكون الفرد المجمع مشمولاً للأمر المتعلّق بطبيعة العبادة ومن الأفراد المأمور به من دون مانع والى هذا أشار المصنّف بقوله وأمّا لو قيل بعدم التزاحم إلّا في مقام فعليّة الأحكام لكان ممّا يسعه وامتثالاً لأمرها بلا كلام لعدم النهي الفعلي ليزاحم الأمر الفعلي في صورة الجهل قصوراً لعدم مزاحمة جهة القبح حال الجهل وغلبتها، بل الغالب هو جهة الحسن لما عرفت من اشتراط الغلبة بالالتفات فيختلف الحكم الواقعي والفعلي حسب اختلاف حال العلم والجهل والمعلوم والمجهول ثمّ قال قدس سره وقد انقدح بذلك يعني بما ذكر من انّه لو قيل بعدم التزاحم الخ الفرق بين ما إذا تعارض الدليلان الدال أحدهما على الوجوب والآخر على الحرمة وقدّم دليل الحرمة لترجيحه على دليل الوجوب أو اختير بعد ثبوت التخيير فانّه في هذا المقام لا مجال لصحّة المأمور به أصلاً بخلاف

ص: 46

.......................................

__________________________

ما إذا كان من باب الاجتماع والتزاحم فى الوجود لا التعارض وقيل بالامتناع وتقديم جانب الحرمة فانّه في هذا المقام يقع المأمور به صحيحاً في موارد كثيرة وهي موارد الجهل والنسيان لموافقة المأمور به الذي أتى به للغرض من أمر الآمر فقط ولو لم يكن امتثالاً ان قلنا بعدم شرطيّة تحقّق الامتثال في صحّة العبادة وكفاية محبوبيّتها ومطلوبيّتها عند المولى واقعاً وان لم يطلبه فعلاً أو الموافقة للأمر وحصول عنوان الامتثال أيضاً بالبيان الذي مرّ سابقاً وبما ذكر ظهر وجه حكم الأصحاب بصحّة الصلوة في الدار المغصوبة مع النسيان أو الجهل بالموضوع أو الحكم أيضاً إذا كان عن قصور لا التقصير مع انّ الجل لولا الكل قائلون بالامتناع وتقديم الحرمة ويحكمون بالبطلان في غير موارد العذر بأن كان عالماً بالموضوع أو الحكم أو كان جاهلاً بالحكم تقصيراً لا قصوراً.

وقال الشارح الكاظميني قدس سره في ابطال ما أفاده في وجه الجمع بين حكم الأصحاب بصحّة الصلوة في الدار المغصوبة مع النسيان أو الجهل بالموضوع أو الحكم أيضاً إذا كان عن قصور وقولهم بامتناع الاجتماع في مسئلة الضد وتقديم جانب الحرمة: ان وجه حكم الأصحاب بالصحّة هو ان الحرام لما كان موضوعه الغصب والغصب هو الاستيلاء على مال الغير عدواناً ومن المعلوم توقّف تحقّق هذا الموضوع على القصد كسائر الأفعال التي يكون القصد هو المحقّق لموضوعها فمع الجهل بالموضوع أو الحكم قصورا فلا قصد فلا موضوع ولا غصب ولا حرمة لا واقعاً ولا ظاهراً وأمّا تقصيراً فان كان بالنسبة إلى الحكم فلما دلّ عليه العقل

ص: 47

.......................................

__________________________

والنقل من عدم معذوريّة الجاهل المقصّر بالحكم فيما عدا ما استثنى تكليفاً ووضعاً إلّا في بعض أحكام الوضع كالكفارة في الافطار على رأي، وان كان بالنسبة إلى الموضوع فللاجماع على المعذوريّة ولذا أجمعوا حتّى الأخباري منهم على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعيّة ومن المعلوم عدم المنافات بل عدم توهّمها بين هذا وبين ما قاله الجل أو الكل من الامتناع وتقديم جانب الحرمة فلا حاجة إلى هذه التكلّفات التي أفادها الخ(1) ما أفاده في تشريح ما حقّقه ومقصوده يظهر كاملاً من أوّل كلامه إلى هنا فلا حاجة إلى نقل تمامه بطوله.

أقول: لا يخفى ما في افادته في الرد على المصنّف من الوهن والضعف فانّ الموضوع لحكم الحرمة ليس خصوص الغصب والظلم والعدوان كما زعمه قدس سره كي لم يكن صادقاً إلّا في صورة القصد والعمد بل أعم من ذلك ومن التصرّف في مال الغير بدون العلم برضاه ولو لم يصدق عليه عنوان الغصبيّة بدلالة الأدلّة المختلفة مثل قوله تعالى: « وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ »(2) فانّ الآية الشريفة تدلّ على حرمة التصرّف في مال الغير وكونه منهيّاً عنه إذا لم يكن تجارة عن تراض مطلقاً خرج منه ما اذا أذن المالك في التصرّف ورضي به بدون العوض وكان اذنه معلوماً ثابتاً فقط وبقي جميع الصور الباقية تحت النهي وهي أربعة: الأوّل صورة العلم بعدم الرضا والثاني الظن بعدمه الثالث احتمال عدمه الرابع الخارج عن تلك

ص: 48


1- الهداية في شرح الكفاية: 325.
2- البقرة: 188.

بينه وبين سائر الافراد في الوفاء بغرض الطبيعة المأمور بها، وإن لم تعمه بما هي مأمور بها، لكنه لوجود المانع لا لعدم المقتضي.

ومن هنا انقدح أنه يجزي، ولو قيل باعتبار قصد الامتثال في صحة العبادة، وعدم كفاية الاتيان بمجرد المحبوبية، كما يكون كذلك في ضد الواجب، حيث لا يكون هناك أمر يقصد أصلا.

وبالجملة مع الجهل قصورا بالحرمة موضوعا أو حكما، يكون الاتيان بالمجمع امتثالا، وبداعي الامر بالطبيعة لا محالة، غاية الامر أنه لا يكون مما تسعه بما هي

__________________________

الصور الثلاثة المذكورة بان لم يكن عالماً ولا ظانّاً بعدم الرضا ولا محتملاً له الداخل تحت عدم العلم بالاذن فان تصرّف الجاهل والناسي في ملك الغير ليس داخلاً تحت واحد من الصور الثلاثة ولكنّه يدخل تحت عنوان التصرّف في مال الغير بالباطل المساوق مع التصرّف في ملك الغير بدون العلم برضاه فما أفاده فيما بعد ما نقلناه عنه في جواب السؤال الذي أورده على نفسه بقوله ضرورة ان مطلق التصرّف في ماله على أيّ نحو وقع لم يكن متعلّقاً للحرمة بل المتعلّق هو التصرّف فيه بغير اذن المالك وذلك اما مع القطع بعدم رضاه أو الظن أو الاحتمال ولا رابع مردود بما ذكر فان ثبوت الرابع وهو تصرّف الجاهل والناسي من الواضحات وواضح انّ الخارج من الآية الشريفة غيره وإنّما هو التصرّف الذي يكون مع العلم برضا المالك ولعمري ما أفاده المصنّف في المقام في دفع الاشكال مع انه في غاية المتانة في نفسه لسنا مستغنين عنه في دفعه أيضاً كما زعمه الشارح واللَّه الهادي إلى صوب الصواب.

ص: 49

مأمور بها، لو قيل بتزاحم الجهات في مقام تأثيرها للاحكام الواقعية، وأما لو قيل بعدم التزاحم إلا في مقام فعلية الاحكام، لكان مما تسعه وامتثالا لامرها بلا كلام.

وقد انقدح بذلك الفرق بين ما اذا كان دليلا الحرمة والوجوب متعارضين، وقدم دليل الحرمة تخييرا أو ترجيحا، حيث لا يكون معه مجال للصحة أصلا، وبين ما إذا كانا من باب الاجتماع، وقيل بالامتناع، وتقديم جانب الحرمة، حيث يقع صحيحا في غير مورد من موارد الجهل والنسيان، لموافقته للغرض بل للامر، ومن هنا علم أن الثواب عليه من قبيل الثواب على الاطاعة، لا الانقياد ومجرد اعتقاد الموافقة.

وقد ظهر بما ذكرناه، وجه حكم الاصحاب بصحة الصلاة في الدار المغصوبة، مع النسيان أو الجهل بالموضوع، بل أو الحكم إذا كان عن قصور، مع أن الجل لو لا الكل قائلون بالامتناع وتقديم الحرمة، ويحكمون بالبطلان في غير موارد العذر، فلتكن من ذلك على ذكر.

إذا عرفت هذه الامور، فالحق هو القول بالامتناع، كما ذهب إليه المشهور،[1 ]

__________________________

[1] أقول: شرح ما أفاده ان اثبات امتناع اجتماع الأمر والنهي في عمل واحد بأن يكون الصلوة في الدار المغصوبة مثلاً مأموراً به ومنهيّاً عنه وكان مسقطاً للأمر بالصلوة وامتثالاً لوجوبها وإن كان فعلاً محرّماً أيضاً ومخالفة للمولى ومعصية له يتوقّف على توضيحات وبيانات ودفع اشكالات بظاهرها واردة مع انّه لا مجال لها بعد التنقيح والتدقيق، أعلم ان تعلّق الاراردة والكراهة والمحبوبيّة والمبغوضيّة فعلاً والتحريك نحوه بالبعث والزجر من المحالات العقليّة يعني لا يمكن ثبوته

ص: 50

.......................................

__________________________

عقلاً لأن الارادة والكراهة المتعلّقتين بشي ء واحد فعلاً متضادتان والضدان لا يجتمعان بحكم العقل فلذا لا يجوز اجتماع الأمر والنهي أيضاً وببيان آخر الأحكام الخمسة بأسرها متضادّة في مقام فعليّتها وإن لم تكن مضادّة ما لم يبلغ تلك المرتبة وفي مقام الانشاء ولا مانع من انشاء الوجوب والحرمة مثلاً بالنسبة إلى موضوع واحد فيما إذا لم يبلغ مرتبة البعث والزجر لأن وجودها في مقام الانشاء كالوجود الكتبي لا تمانع ولا تزاحم بينهما أصلاً فيتحصّل حينئذٍ وضوح استحالة اجتماع الأمر والنهي في أمر واحد وانّه لا يكون من باب التكليف بالمحال بل إنّما هو تكليف محال بنفسه لا يمكن وقوعه في عالم الامكان وانّه باطل حتّى عند من يجوز التكليف بغير المقدور أيضاً لأنّه أمر غير مقدور لا ان متعلّقه غير مقدور.

فان قلت: إنّما ثبت بما ذكر من التقريبات استحالة اجتماع الأمر والنهي في شي ء واحد وموجود فارد ولكنه إذا كان عنوان المأمور به والمنهي عنه متعدداً ولم يكن العنوان الواحد متعلّقاً للأمر والنهي مثل أن يكون عنوان الصلوتيّة مأموراً به وعنوان الغصبيّة منهيّاً عنه فليس من اجتماع الضدّين في محلّ واحد بل من وجودهما في محلّين ولا يكون من التكليف المحال ولا التكليف بالمحال بل إنّما يكون كذلك إذا كان عنوان واحد بما هو واحد مأموراً به ومنهيّاً عنه ومتعلّقاً للاثنين من الأحكام الخمسة المتضادّة.

قلت: متعلّق الأحكام إنّما يكون المعنونات لا العنوانات وإنّما جعلت العنوانات

ص: 51

.......................................

__________________________

موضوعة للأحكام لكونها طريقاً إلى المعنونات لا بنفسها وبما هي هي وكيف يمكن كونها بنفسها موضوعه لها مع انّ العنوانات أمور اعتباريّة انتزاعيّة تصوريّة ذهنيّة بحيث لو لا اختراعها وتصوّرها في عالم الذهن لما كان بحذائها شي ء في الخارج ويكون خارج المحمول لا المحمول بالضميمة بخلاف الاعراض التي تكون بحذائها شي ء في الخارج كالبياض والسواد وليست أموراً اعتباريّة تصوريّة صرفاً فان عنوان المأمور به والمنهي عنه كالصلوتيّة والغصبيّة إنّما يكون كسائر الأمور الاعتباريّة كالفوقيّة والتحتيّة والملكيّة والزوجيّة والرقيّة والحريّة ومن الواضح ان تلك الأمور المزبورة لا تقع متعلّقة للأحكام بما هي هي وبنفسها وعلى نحو الاستقلاليّة بل إنّما يؤخذ في تعلّق الأحكام بنحو الاليّة للكشف عن متعلقاتها ومعنوناتها والاشارة إليها فان قول الشارع اجتنب عن الخمر مثلاً إنّما هو الأمر بالاجتناب عن الخمر الخارجي الذي يترتّب على شربها اثار خارجيّة لا عن عنوان الخمريّة واسمه كي يكون معناه مثلاً الاجتناب عن التلفّظ بلفظ الخمر مثلاً.

فان قلت: تعدّد العنوانات يوجب تعدّد المعنون فانّ الشي ء الشخصي الواحد والموجود الجزئي الفارد إنّما يكون واحداً إذا كان ذي عنوان واحد وتعدّد العنوان والأسماء والجهات يؤثر في تعدّد المعنون في الخارج أيضاً.

قلت: تعدّد العنوان لا يوجب تعدّد المعنون بل ربما تصدق العناوين المتعدّدة والأسماء المتكثّرة على معنون ومسمى واحد فان انطباع الواحد في مرآتين لا يوجب صيرورة الواحد الحقيقي اثنين والكثرة الانعكاسيّة ليست بكثرة حقيقيّة

ص: 52

.......................................

__________________________

كما ان انطباع الاثنين في المرأة الواحدة لا يوجب وحدة المرئى فالواحد بما هو واحد لا يعرضه التعدّد الحقيقي أو الكثرة بتعدّد الوجه والعنوان فان المفاهيم المتعدّدة والعناوين الكثيرة ربما تنطبق على الواحد وتصدق على الفارد الذي لا كثرة فيه بل هو بسيط من جميع الجهات ليس فيه حيث غير حيث وجهة مغايرة لجهة أصلاً كالواجب تبارك وتعالى فهو على بساطته ووحدته واحديته تصدق عليه مفاهيم الصفات الجلاليّة والجماليّة فهو بين ما هو قادر عالم وبين ما هو عالم سميع وبين ما هو سميع بصير وله الأسماء الحسنى والأمثال العليا لكنّها بأجمعها حاكية عن ذلك الواحد الفرد الأحد كما قال:

عباراتنا شتّى وحسنك واحد * وكلّ إلى ذاك الجمال يشير

وبعبارة أخرى الواقع من الفاعل في الخارج إنّما يكون فعلاً واحداً وعملاً فارداً يعتبر فيه تارة عنوان الصلوتية وأخرى عنوان الغصبيّة مع ان من المعلوم انّ الجنس والفصل للنوع الخاص من الأجزاء العقليّة التحليليّة للوجود الخارجي الواحد ولذا قالوا في الجواب عن المستشكل على القائل بكون الأمر حقيقة في الوجوب حيث انّه استدلّ عليه بالتبادر عرفاً وأورد عليه بانا لا نفهم منه غير طلب الفعل ولا يخطر ببالنا الترك فضلاً عن المنع عنه بأن معنى الوجوب وغيره أمر بسيط اجمالي وهو الطلب الحتمي الخاص ولكنّه ينحل عند العقل بأجزاء كسائر الماهيّات المركّبة كالانسان والفرس وغيرهما فهذا الطلب البسيط الاجمالي

ص: 53

.......................................

__________________________

الخاص اذا تحلّل عند العقل ينحل إلى طلب الفعل مع المنع من الترك فاذا كان الأجزاء الحقيقيّة العقليّة مثل الجنس والفصل غير مناف لبساطة ما هو مركب منها ووحدانيّته فالأجزاء الاعتباريّة والأمور العرضيّة التي لا وجود لها إلّا بالاعتبار غير مناف للبساطة الخارجيّة والوحدانيّة الحقيقيّة أيضاً بطريق أولى.

فان قلت: ما قيل مسلم اذا قلنا باصالة الماهيّة وكون الوجود الخارجي الذي هو أمر واحد وشي ء فارد أمراً اعتباريّاً منتزعاً من الماهيّات فلا مانع حينئذٍ من أن يكون الماهيّة الغصبيّة منهياً عنها وماهيّة الصلوة مأخوذاً بها.

قلنا: انّ الحركات الواقعة في الدار المغصوبة واحدة وجوداً وماهيّة وذاتاً سواء قلنا باصالة الوجود أم باصالة المهية وليس لمسئلة جواز الاجتماع وامتناعه ابتناء على القولين المزبورين بوجه كما زعمه صاحب الفصول وكذا توهم ابتناء المسئلة على القول بتعدّد الجنس والفصل واللواحق العرضية للماهيّة في الخارج ووحدتها منه في غير محلّه واعترض الشارح الكاظميني هنا على المصنّف بأن صاحب الفصول لم يدع ابتناء المسئلة على القول باصالة الوجودوالماهيّة وتعدّد الجنس والفصل في الخارج وعدمه بل مع انّه لم يدع ذلك قرّر الدليل على الامتناع بوجه لا يكون للأقوال المذكورة دخل في ذلك القول مع انه كيف يمكن أن يظن بمثل صاحب الفصول أن يقول بكون أحد العنوانين في الصلوة في الدار المغصوبة جنساً والآخر فصلاً مع انه لا يتوهّم ذلك من هو أقل منه في الفضل.

ص: 54

.......................................

__________________________

أقول: لا يخفى صحة اعتراض المصنّف على صاحب الفصول اذ هو قدس سره استدلّ فيه على الامتناع أو لا بدليل تفصيلي كان تمام اعتماده عليه ثمّ قال واعلم انّ هذا الدليل يبتني على أصلين:

أحدهما أن لا تمايز بين الجنس والفصل ولواحقهما العرضيّة في الخارج كما هو المعروف وأمّا لو قلنا بالتمايز لم يتّحد المتعلّق فلا يتمّ الدليل.

الثاني ان الوجود حقيقة خارجيّة ينتزع منها هذا المفهوم الاعتباري كما هو مذهب أكثر الحكماء وبعض محقّقي المتكلّمين كالمحقّق السبزواري حيث قال:

« انّ الوجود عندنا أصيل * دليل من خالفنا عليل »

وأمّا إذا قلنا بأنّه مجرّد هذا المفهوم الاعتباري ينتزعه العقل من الماهيات الخارجيّة ولا حقيقة له في الخارج أصلاً كما هو مذهب جماعة فلا يتمّ الدليل أيضاً لكن الأصل الأوّل ممّا لا يرتاب فيه أكثر المخالفين في المسئلة إن لم يكن كلّهم وإنّما التنازع فيه شاذ ومع ذلك فهو من الأمور الجليّة التي أقيم عليها البرهان في محلّه وأمّا الثاني فهو وإن كان عندنا من واضحات علم المعقول لكن لا يساعد عليه أكثر المخالفين في المسئلة إن لم يكن كلّهم فيبتني الاستدلال على تقدير ثبوته، هذا ما أفاده بعين عبارته ثمّ قال بعد ذلك ولنا أن نقرر الدليل على وجه لا يبتني على هذا الأصل(1) وأنت كما ترى بيانه ينادي بأعلى صوته بابتناء

ص: 55


1- الفصول الغروية في الاصول الفقهية: 126 .

.......................................

__________________________

المسئلة عنده على الأصلين المذكورين غاية الأمر مقيّداً بما إذا أريد اثبات الامتناع بالوجه الذي ذكره وهذا كاف في صحّة النسبة المذكورة من المصنّف إليه فانّه ليس مراد المصنّف نسبة القول بالابتناء على الاطلاق إلى صاحب الفصول كي كان مخطئاً فيه بل مقصوده نسبة القول بالابتناء إليه في الجملة فان اعتقاد الابتناء على فرض خاص يصدق عليه القول بالابتناء أيضاً وأيضاً لا بعد في ارادة صاحب الفصول كون الصلوتيّة للصلوة في الدار المغصوبة جنساً والكون في الدار المغصوبة فصلاً لها كما هو ظاهر عبارته غاية الأمر لا يكون مقصوده من الجنس والفصل خصوص الحقيقي منهما البتة بل الأعم منه وممّا كان من قبيلهما ونظيرها كما فهمه المصنّف من عبارته أيضاً فاذن يرد عليه ما أورده المصنّف بأنّه ولو قلنا باصالة المهية دون الوجود لا يثبت تعدّد في ماهيّة الصلوة في الدار المغصوبة بل هو أمر واحد وجوداً وذاتاً ومهية أيضاً وانّ الصلوتيّة والغصبيّة ليستا من قبيل الجنس والفصل للصلوة في الدار المغصوبة بأن توجبا التعدّد في الماهيّة على القول بتعدّدهما خارجاً كما يقدران عقلاً وذهناً وعدمه ان قلنا بعدمه بل الحركة الواقعة في دار من أي مقولة كانت يعني سواء كانت صلوة أم لا أو غصباً أم لا او تعظيماً للغير أم لا أو هتكاً له أم لا لا يكاد يختلف حقيقتها وماهيتها بل حقيقتها وماهيتها أمر واحد وموجود فارد ولا يختلف ذاتياتها باختلاف العناوين الطارية عليه ولو كانت جزء للصلوة أو لم يكن جزء لها وسواء كانت تلك الدار الواقعة فيه الحركة مغصوبة أم لا.

ص: 56

وتحقيقه على وجه يتضح به فساد ما قيل، أو يمكن أن يقال، من وجوه الاستدلال لسائر الاقوال، يتوقف على تمهيد مقدمات: إحداها: إنه لاريب في أن الاحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها، وبلوغها إلى مرتبة البعث والزجر، ضرورة ثبوت المنافاة والمعاندة التامة بين البعث نحو واحد في زمان والزجر عنه في ذلك الزمان، وإن لم يكن بينها مضادة ما لم يبلغ إلى تلك المرتبة، لعدم المنافاة والمعاندة بين وجوداتها الانشائية قبل البلوغ اليها، كما لا يخفى، فاستحالة اجتماع الامر والنهي في واحد لا تكون من باب التكليف بالمحال، بل من جهة أنه بنفسه محال، فلا يجوز عند من يجوز التكليف بغير المقدور أيضا.

ثانيتها: إنه لا شبهة في أن متعلق الاحكام، هو فعل المكلف وما هو في الخارج يصدر عنه، وهو فاعله وجاعله، لا ما هو اسمه، وهو واضح، ولا ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه، بحيث لو لا انتزاعه تصورا واختراعه ذهنا، لما كان بحذائه شئ خارجا ويكون خارج المحمول، كالملكية والزوجية والرقية والحرية والمغصوبية، إلى غير ذلك من الاعتبارات والاضافات، ضرورة أن البعث ليس نحوه، والزجر لا يكون عنه، وإنما يؤخذ في متعلق الاحكام آلة للحاظ متعلقاتها، والاشارة إليها، بمقدار الغرض منها والحاجة إليها، لا بما هو هو وبنفسه، وعلى استقلاله وحياله.

ثالثتها: إنه لا يوجب تعدد الوجه والعنوان تعدد المعنون، ولا ينثلم به وحدته، فإن المفاهيم المتعددة والعناوين الكثيرة ربما تنطبق على الواحد، وتصدق على الفارد الذي لا كثرة فيه من جهة، بل بسيط من جميع الجهات، ليس فيه حيث غير حيث، وجهة مغايرة لجهة أصلا، كالواجب تبارك وتعالى، فهو على بساطته ووحدته وأحديته، تصدق عليه مفاهيم الصفات الجلالية والجمالية، له الاسماء

ص: 57

الحسنى والامثال العليا، لكنها بأجمعها حاكية عن ذاك الواحد الفرد الاحد.

عباراتنا شتى وحسنك واحد

وكل إلى ذاك الجمال يشير

رابعتها: إنه لا يكاد يكون للموجود بوجود واحد، إلا ماهية واحدة وحقيقة فاردة، لا يقع في جواب السؤال عن حقيقته بما هو إلا تلك الماهية، فالمفهومان المتصادقان على ذاك لا يكاد يكون كل منهما ماهية وحقيقة، وكانت عينه في الخارج كما هو شأن الطبيعي وفرده، فيكون الواحد وجودا واحدا ماهية وذاتا لا محالة، فالمجمع وإن تصادق عليه متعلقا الامر والنهي، إلا أنه كما يكون واحدا وجودا، يكون واحدا ماهية وذاتا، ولا يتفاوت فيه القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهية.

ومنه ظهر عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع في المسألة، على القولين في تلك المسألة، كما توهم في الفصول، كما ظهر عدم الابتناء على تعدد وجود الجنس والفصل في الخارج، وعدم تعدده، ضرورة عدم كون العنوانين المتصادقين عليه من قبيل الجنس والفصل له، وإن مثل الحركة في دار من أي مقولة كانت، لا يكاد يختلف حقيقتها وماهيتها ويتخلف ذاتياتها، وقعت جزء ا للصلاة أو لا، كانت تلك الدار مغصوبة أو لا.

إذا عرفت ما مهدناه، عرفت أن المجمع حيث كان واحدا وجودا وذاتا، كان تعلق الامر والنهي به محالا،[1] ولو كان تعلقهما به بعنوانين، لما عرفت من كون

__________________________

[1] أقول: يعني بعد تمهيد المقدّمات المزبورة ثبت ان مجمع العنوانين من الصلوتيّة والغصبيّة حيث كان واحداً وجوداً وذاتاً ومهية كان تعلّق الأمر والنهي به

ص: 58

.......................................

__________________________

محالاً ولو كان متعلّق الأمر عنواناً منهما ومتعلّق النهي عنواناً آخر لما مرّ من ان فعل المكلّف بحقيقته وواقعيّته وماهيته الصادرة عنه يكون متعلّقاً للأحكام وان تعلّق الأحكام بالعناوين إنّما يكون لكشفها عن المعنونات واليتها ومرآتيتها لا على حيالها واستقلالها فاذن تعدّد العنوان وتعلّق الأحكام بالعناوين لا أثر له في دفع غائلة اجتماع الضدّين والقول بتعلّق الأحكام بالطبائع دون الأفراد لا يرفع المحذور من البين اذ غاية تقريب دفع المحذور بناء على القول المذكور هو أن يقال انّ الطبائع من حيث هي هي ومع قطع النظر عن وجودها في الخارج وان كانت ليست إلّا هي يعني لا تكون معروضة بعارض ولا يطرء عليها حادث ولا يتعلّق بها حبّ أو بغض ولا أمر أو نهي كما انّها لا يترتّب عليها أثر عادي أو عقلي واللازم الذي يكون من لوازم وجود الماهيّة كالحرارة اللازمة لطبيعة النار اذا وجدت في الخارج وإن كان الآثار اللازمة للمهية بنفسها ثابتة لها مع قطع النظر عن وجودها كالزوجيّة للأربعة فلا ولكنّها مقيّدة للوجود بحيث كان القيد خارجاً والتقيد به داخلاً وإلّا فان كان القيد داخلاً فلا وجه لتعلّق الأمر أو النهي به إذ على الأوّل يلزم تحصيل الحاصل وعلى الثاني يلزم أن يلغو النهي ومعنى كون التقييد داخلاً والقيد خارجاً مطلوبيّة الماهيّة لجهة وجوده لا كونها ووجودها الحاصل مطلوبة وتكون صالحة لتعلّق الأحكام بها وعليه لا يكونان متعلّق الأمر والنهي متّحدين أصلاً لا في مقام تعلّق البعث والزجر واثبات التكليف ولا في مقام الامتثال والاتيان بمجمع العنوانين بسوء الاختيار واسقاط التكليف اما في مقام

ص: 59

.......................................

__________________________

الاثبات فلتعدّد المتعلّقين للأمر والنهي وإن كانا متّحدين في الوجود الذي هو خارج عنهما بما هما متعلّقان لهما كما فرضنا إذ المفروض تعلّق الأمر والنهي بالماهيّة المقيّدة بقيد الوجود بحيث يكون التقييد داخلاً في متعلّقهما والقيد وهو نفس الوجود خارجاً عنهما فهما وإن كانا متّحدين في الوجود الخارجي ولكنّه لما كان الوجود خارجاً لا ضير في ذلك الاتّحاد وبالجملة ما به الاتّحاد وهو الوجود لا يكون متعلّقاً للأمر والنهي وما يكون متعلّقاً للأمر والنهي لا اتّحاد فيه أصلاً بل يختلف غاية الاختلاف وأمّا في المقام الثاني وهو اسقاط التكليف بالاتيان بمجمع العنوانين بسوء الاختيار فيثبت عدم الاتّحاد بسبب انّه يسقط أحدهما وهو الأمر بالاطاعة والآخر وهو النهي بالعصيان بمجرّد الاتيان اذ المجمع مشتمل على الطبيعة المأمور بها والطبيعة المنهي عنها ففي أي مقام افي مقام الاثبات أم مقام الاسقاط اجتمع الحكمان والأمر والنهي في شي ء واحد كلا وحاشا عن أن يثبت اتّحاد في واحد من المقامين المذكورين وجوابه يظهر ممّا مرّ من ان تعدّد العنوانين لا يوجب تعدّد المعنون لا وجوداً ولا مهيّة وإن الحركات الصلوتيّة الواقعة في الدار المغصوبة أمر واحد وعمل فارد وماهيّة واحدة وموجود متّحد ولو كان لها ألف أسماء وآلاف عناوين والوف اعتبار ومر ان الأحكام متعلّقة بالمعنونات وما توجد في الخارج لا العناوين والاعتبارات.

ثمّ انّه قد تمسّك بعضهم بجواز اجتماع الأمر والنهي بأنّ الفرد مقدّمة لوجود الطبيعي المأمور به والمنهي عنه وانه لا ضير في كون المقدّمة محرمة في صورة

ص: 60

.......................................

__________________________

عدم انحصارها بالحرام اما في صورة الانحصار بالحرام فيلاحظ الأهم من حرمة المقدّمة ووجوب ذي المقدّمة فاذا كان ذو المقدّمة أهم فيأمر بالمقدّمة وبقصد التوصّل بها إليه وإذا كان حرمة المقدّمة أهم فلا يأمر بها البتة ويسقط وجوب ذي المقدّمة حينئذٍ فاذا كان الفرد مقدّمة للماهيّة فيجتمع الوجوب والحرمة الغيريان في الفرد الذي يوجد في الخارج ولا إشكال في ذلك لأنّ الامتناع إنّما يثبت في الواجب والحرام النفسيين وبيانه انه إنّما يمتنع اجتماع الأمر والنهي والوجوب والحرمة في محل واحد اذا كانا نفسيين لأنّه من اجتماع الضدّين وفي معنى اجتماع المحبوبيّة والمبغوضيّة بالنسبة إلى شي ء واحد وهو محال وأمّا إذا كانا غيريين أو أحدهما غيريّاً والآخر نفسيّاً فليس كذلك لأنّ المحبوبيّة حينئذٍ من جهة والمبغوضيّة من جهة اخرى ففيما إذا كانا غيريين المحبوبيّة وكون الفرد مأموراً به فلايصاله إلى الطبيعة المأمور بها ومبغوضيّته وكونه منهيّاً عنه فلايصاله إلى الطبيعة المنهي عنها فاذا كان تعلّق الأمر من جهة وتعلّق النهي من جهة أخرى فلا استحالة ويكون المقدّمة حينئذٍ واجباً وحراماً من جهتين ولا اجتماع حينئذٍ للضدّين وببيان اخر اخصر لما كان الوجوب المقدمي حينئذٍ وجوباً غيريّاً وكذلك الحرمة المقدمي لم يرد على اجتماعهما ما يرد على اجتماع الوجوب والحرمة النفسيين اذ تعدّد الجهة وعلّة الوجوب والحرمة في الوجوب والحرمة المقدّمي من الواضحات ووجوب شي ء من جهة وحرمته من جهة اخرى لا ضير فيه أصلاً.

ويرد عليه أوّلاً فساد كون الفرد مقدّمة للطبيعة اذ المقدميّة يقتضي الاثنينية

ص: 61

.......................................

__________________________

بحسب الوجود ومعلوم ان وجود الطبيعي عين وجود الفرد ووجود الفرد عين وجود الطبيعي ولا تمايز بينهما أصلاً في الوجود فعنوان المقدميّة غير ثابتة بل العينية والاتّحاد ثابتة فلا يجوز أن يكون الفرد الواقع في الخارج متعلّقاً للأمر والنهي معاً بالتقريب المتقدّم وبسبب كونه مقدّمة للغير وثانياً ان ما ذكر من المقدّمة يجدى في جواز الاجتماع إذا لم يكن مجمع العنوانين والفرد الخارجي واحداً بحسب الماهيّة بل كان مشتملاً على الماهيّتين كان لأحدهما واجباً وللآخر حراماً كالسواد والحلاوة اذا اجتمعا في الموجود الخارجي فانه لا مانع عن أن يكون لأحدهما مأموراً به وللآخر منهيّاً عنه وإن كانتا مجتمعتين في الوجود الخارجي وهنا ليس كذلك إذ ما يقع في الخارج من الحركات المخصوصة في الدار المغصوبة إنّما هو واحد وجوداً وماهيّة وطبيعة وحقيقة ولا تعدد فيه من وجه أصلاً لا من جهة الوجود ولا من جهة الماهيّة والحقيقة كما يكون كذلك بناء على الحق من عدم كون الفرد مقدّمة لحصول الحقيقة والماهيّة بل كانت المقدّمة عينها ونفسها، وبالجملة لا فرق في كون الفرد مقدّمة للماهيّة أو عينها في جواز الاجتماع وعدمه بعد عدم تأثير تعدّد الجهة والعنوان واتّحاد المعنون وما يقع في الخارج.

واعترض الشارح الكاظميني قدس سره على المصنّف بأنّه إن كان المقدميّة مقتضية للاثنينية بحسب الوجود فضلاً عن الاثنينية بحسب العنوان والماهيّة للزم سقوط المقدّمة السببيّة عن المقدميّة إذ هي تتّحد خارجاً مع المسبّب بل إنّما يلزم الاثنينية بينهما بحسب الوجود فقط يعني انه إذا كان أمران متغايران عنواناً ومهية لا مانع

ص: 62

فعل المكلف بحقيقته وواقعيته الصادرة عنه، متعلقا للاحكام لا بعناوينه الطارئة عليه، وأن غائلة اجتماع الضدين فيه لا تكاد ترتفع بكون الاحكام تتعلق بالطبائع لا الافراد، فإن غاية تقريبه أن يقال: إن الطبائع من حيث هي هي، وإن كانت ليست إلا هي، ولا تتعلق بها الاحكام الشرعية، كالآثار العادية والعقلية، إلا أنها مقيدة بالوجود، بحيث كان القيد خارجا والتقيد داخلا، صالحة لتعلق الاحكام بها، ومتعلقا الامر والنهي على هذا لا يكونان متحدين أصلا، لا في مقام تعلق البعث والزجر، ولا في مقام عصيان النهي وإطاعة الامر بإتيان المجمع بسوء الاختيار.

أما في المقام الاول، فلتعددهما بما هما متعلقان لهما وإن كانا متحدين فيما هو خارج عنهما، بما هما كذلك.

وأما في المقام الثاني، فلسقوط أحدهما بالاطاعة، والآخر بالعصيان بمجرد الاتيان، ففي أي مقام اجتمع الحكمان في واحد؟ وأنت خبير بأنه لا يكاد يجدي بعد ما عرفت، من أن تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون لا وجودا ولا ماهية، ولا تنثلم به وحدته أصلا، وأن المتعلق للاحكام هو المعنونات لا العنوانات، وأنها إنما تؤخذ في المتعلقات بما هي حاكيات كالعبارات، لا بما هي على حيالها واستقلالها.

__________________________

من كون أحدهما مقدّمة للآخروان اتّحدا وجوداً وخارجاً ولا يخفى ضعفه اذ المقدّمة السببيّة لا تتّحد أيضاً وجوداً مع ذي المقدّمة كغير السببيّة بل إنّما يوجد المسبّب والسبب بوجودين غاية الأمر وجودهما حاصل دفعة وفي زمان واحد من دون تأخّر لوجود المسبب عن وجود السبب لا انّهما موجودان بوجود واحد(1).

ص: 63


1- الهداية في شرح الكفاية: 330.

كما ظهر مما حققناه: أنه لا يكاد يجدي أيضا كون الفرد مقدمة لوجود الطبيعي المأمور به أو المنهي عنه، وأنه لا ضير في كون المقدمة محرمة في صورة عدم الانحصار بسوء الاختيار، وذلك - مضافا إلى وضوح فساده، وأن الفرد هو عين الطبيعي في الخارج، كيف؟ والمقدمية تقتضي الاثنينية بحسب الوجود، ولا تعدد كما هو واضح - أنه إنما يجدي لو لم يكن المجمع واحدا ماهية، وقد عرفت بما لا مزيد عليه أنه بحسبها أيضا واحد.

ثم إنه قد استدل على الجواز بأمور: منها: إنه لو لم يجز اجتماع الامر والنهي، لما وقع نظيره[1] وقد وقع، كما في العبادات المكروهة، كالصلاة في مواضع

__________________________

[1] أقول: يعني ان أقوى أدلّة الامكان الوقوع ولما وقع اجتماع الأمر والنهي في الشريعة كما في الصلوة في موضع التهمة والحمام والصيام في السفر وفي بعض الأيّام، فعلم انه جائز وليس بمحال وشرح ذلك انّه لو لم يكن تعدّد الجهة مجدياً في امكان اجتماع الأمر والنهي وكان الدليل الذي استند به القائل بالامتناع من ان تعدّد العناوين لا يؤثّر في تعدّد المعنونات وانّ الأحكام متعلّقة بالمعنونات لا بالعنوانات وان الموضوع للأحكام نفس الحقائق الخارجيّة والمسميات لا الأسماء وما هو الدال عليها لما جاز اجتماع حكمين آخرين غير الوجوب والحرمة في مورد اصلاً مع تعدّد الجهة أيضاً لعدم اختصاص الوجوب والحرمة من بين الأحكام بما يوجب الامتناع من التضاد بداهة تضاد الأحكام الخمسة بأسرها وتمامها والتالي باطل لوقوع اجتماع الكراهة والايجاب والكراهة والاستحباب أيضاً في مثل الصلوة في الحمام والصيام في السفر وفي العاشوراء ولو في الحضر

ص: 64

.......................................

__________________________

واجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الاباحة أو الاستحباب يعني اجتماع الوجوب مع الاباحة واجتماع الوجوب مع الاستحباب واجتماع الاستحباب مع الاباحة.

اما الأوّل فكالصلوة في الدار والثاني كالصلوة في المسجد والثالث كالصلوة في المسجد أيضاً وزاد الشارح الكاظميني هنا اجتماع المثلين لأنّه كاجتماع الضدّين قال وذلك كنذر فعل الواجب بناء على انعقاده كما هو المشهور وترك الحرام فتكون الصلوة المنذورة واجبة بوجوبين والخمر حراماً بحرمتين انتهى(1) وهو حق لا شبهة فيه اذ لا وجه لجواز اجتماع المثلين إلّا تعدّد الجهة فكما انّه يؤثّر في جواز اجتماع المثلين فكذلك في اجتماع الضدّين أيضاً لأنّهما من واد واحد.

والجواب عن الاستدلال المذكور امّا إجمالاً فبأنّه لابدّ من التصرّف والتأويل فيما وقع في الشريعة ما ظاهره الاجتماع بعد قيام الدليل القطعي على الامتناع ضرورة انّ الظهور لا يصادم البرهان ولا يقاومه فان وقوع تلك المذكورات ظاهر في الاجتماع وإنّما يوجب الظن بجوازه إذ لا يحتمل أن لا يكون من باب الاجتماع بضرب من التأويل والدليل الذي أقيم على امتناع الاجتماع يفيد القطع بعدم الجواز، والظن لا يقاوم القطع ولا يصادمه وممّا يدلّ على بطلان الاستدلال على الجواز بما وقع هو ان مقتضى ما وقع في الظاهر من الاجتماع جواز الاجتماع مع وحدة الجهة مع ان الخصم لا يقول به فهو أيضاً لابدّ من أن يتفصى عن الاشكال بوجه سيّما إذا لم يكن هناك مندوحة كما في العبادات المكروهة

ص: 65


1- الهداية في شرح الكفاية : 331 .

.......................................

__________________________

التي لا بدل لها مع نقلهم اتّفاق المجوّزين على اعتبارها واتّفاقهم على الامتناع مع عدم وجودها فلا يبقى له مجال للاستدلال بوقوع الاجتماع فيها على جوازه أصلاً.

وأمّا تفصيلاً فقد أجيب عنه بوجوه لا فائدة في نقلها والأولى الاقتصار على ما هو التحقيق في حسم مادّة الاشكال فيقال وعلى اللَّه الاتّكال انّ العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام أحدها ما تعلّق به النهي بعنوانه وذاته ونفسه ولا بدل له لم يكن منهيّاً عنه وكان منحصراً فيما نهى عنه تنزيهاً كصوم يوم العاشور والنوافل المبتدئة في بعض الأوقات ثانيها ما تعلّق به النهي كذلك يعني أيضاً بعنوانه وذاته من دون دخل في النهي عنه أمر آخر أصلاً ولكن يكون له البدل والأفراد الغير المنهي عنها كالنهي عن الصلوة في الحمام فانّ الاتيان بالصلوة في الدار والمسجد ممكن للمصلّي ثالثها ما تعلّق به النهي لا بذاته وبعنوانه بل إنّما نهى عنه بسبب اجتماعه مع أمر آخر منهي عنه وجوداً أو بسبب الملازمة بينه وبين ما نهى عنه خارجاً في الوجود بحيث يلزم من وجوده وجود ذلك المنهي وكان النهي عن الملزوم بسبب تلك الملازمة من دون أن يكون مفسدة في ذاته وعنوانه كان النهي عنه مستنداً إليها كالصلوة في مواضع التهمة بناء على كون النهي عنها لأجل اتّحادها مع العنوان المنهي عنه بنفسه وهو الكون في مواضع التهمة مطلقاً ولو في غير حال الصلوة لا لأجل ذاتها وعنوانها(1).

ص: 66


1- الهداية في شرح الكفاية: 331 - 332.

.......................................

__________________________

أمّا القسم الأوّل وهو ما ليس له بدل الخالي عن المندوحة المشترك الورود على الفريقين القائلين بالامتناع وبجواز الاجتماع أيضاً لاتّحاد الجهة وعدم تعدّدها الذي كان المناط في الجواز عند القائلين به فيكون النهي عنه تنزيهاً مع الاجماع على انّه يقع صحيحاً بعد النهي ومع ذلك يكون تركه أرجح من فعله كما يظهر من مداومة الأئمّة عليهم السلام على الترك إذ لو لم يكن الترك أرجح لما داوموا عليهم السلام عليه البتة اما لأجل انطباق عنوان ذي المصلحة على الترك فيكون الترك كالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض مع كون مصلحة الترك أكثر فاذن يكون الفعل والترك من قبيل المستحبين المتزاحمين لا يمكن الجمع بينهما اذ الفرض رجحان فعله وكونه ذا مصلحة وكذلك الترك أيضاً لأجل دخوله تحت عنوان وجودى ذي مصلحة أكثر من مصلحة الفعل والجمع بين الترك والفعل غير ممكن فيتزاحمان فيحكم بالتخيير بينهما لو لم يكن أهميّة في البين وإلّا فيتعين الأهم وإن كان الآخر لو أتى به يقع صحيحاً أيضاً حيث كان راجحاً وموافقاً للغرض كما هو الحال في سائر المستحبّات المتزاحمات بل الواجبات مثال ذلك يظهر ببيان انه مثلاً في صوم يوم العاشور مصلحة وهي المصلحة التي تكون في طبيعة الصوم وفي ترك صومه بالخصوص والافطار بعد العصر بشربة من الماء أيضاً مصلحة وهي التشبّه بالشهداء في ذلك اليوم حيث أمسكوا في ذلك اليوم من الطعام والشراب وسائر المفطرات للصوم إلى العصر ثمّ أفطروا بشرب الكأس الأوفى ويكون ترك ذلك الصوم الذي ينطبق عليه عنوان التشبه بالشهداء أرجح

ص: 67

.......................................

__________________________

من مصلحة الفعل ثمّ اعلم انّه لامنافات بين راجحيّة الترك على الفعل ورجحان الفعل وصحّته إذ لا يوجب تلك الأرجحيّة ثبوت حزازة ومنقصة في الفعل ليصير بسببها فاسداً كما انه يوجب الحزازة والمنقصة فيما إذا كان في الفعل مفسدة غالبة على مصلحة الترك فانّه يكون الفعل حينئذٍ فاسداً ولهذه الجهة يقع الفعل باطلاً على القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي فان الحزازة والمنقصة الثابتة في الفعل حينئذٍ مانعة عن صلاحيّة الفعل لحصول التقرّب به بخلاف المقام فان الفعل على ما هو عليه من الرجحان وموافقته للغرض مثل الصورة التي لم يكن تركه راجحاً أصلاً كالنوافل المتبدئة في غير الأوقات المنصوصة المكروهة بلا حدوث حزازة ومنقصة بسبب رجحان الترك في الفعل اصلاً كما في صورة القول بالامتناع وأمّا لأجل ملازمة الترك عطف على قوله اما لأجل انطباق الخ لعنوان كذلك يعني لعنوان كان مصلحته أرجح على مصلحة فعل ذلك المندوب من دون انطباقه عليه كما في الصورة الأولى فيكون حينئذٍ ايضاً وفي صورة الاستلزام لعنوان كذلك مثل ما إذا انطبق عليه من غير تفاوت وفرق بينهما وإنّما التفاوت والفرق بين صورة الانطباق والملازمة هو ان الطلب المتعلّق بالترك في صورة الملازمة ليس بحقيقي اذ لا مصلحة في نفس الترك ولا في عنوان ينطبق عليه بل يكون به بالعرض والمجاز وإنّما يكون الطلب في الحقيقة متعلّقاً بذلك العنوان الملازم لأنّه ذو المصلحة بخلاف صورة الانطباق لتعلّقه به حقيقة كما في سائر المكروهات من غير فرق إلّا ان منشاؤه فيها أي في المكروهات حزازة ومنقصة في نفس الفعل

ص: 68

.......................................

__________________________

وفيه رجحان في الترك من دون حزازة في الفعل أصلاً غاية الأمر كون الترك أرجح لكون المنطبق عليه أو الملازم له أهم فعلى هذا يكون النهي مولويّاً في الصورتين نعم يمكن أن يحمل النهي في كلا القسمين على الارشاد إلى الترك الذي هو أرجح من الفعل وملازم لما هو الأرجح وأكثر ثواباً لذلك وعليه يكون النهي على نحو الحقيقة لا بالعرض والمجاز لكون الارشاد إليه في محلّه فتحصل من جميع ما ذكر عدم اجتماع الأمر والنهي في العبادة المكروهة بل يرجع الأمر والنهي فيهما لبا إلى الأمرين والمقصود من النهي المتعلّق بالفعل افادة الأمر الذي يتعلّق بالترك إمّا مولويّاً وإمّا ارشاديّاً والممتنع من اجتماع الأمر والنهي إنّما اجتماعهما حقيقة لا صورة فقط(1).

وامّا القسم الثاني وهو ما تعلّق به النهي بعنوانه وذاته وكان له بدل فالنهي أيضاً فيه يمكن أن يكون لأجل ما ذكر في القسم الأوّل طابق النعل بالنعل ويزيد عليه أيضاً انّه يمكن أن يكون النهي فيه بسبب حصول منقصة في الطبيعة المأمور بها المقتضية بما هي هي وفي نفسها مقداراً من الثواب مع قطع النظر عن تسافلها انحطاطاً أو سموها ارتفاعاً وحصول هذه المنقصة إمّا لأجل تسافلها وتشخصها في هذا القسم بمشخص غير ملائم لها كما في الصلوة في الحمّام فان تشخّصها بتشخّص وقوعها فيه لا يناسب كونها معراجاً وقرباناً وعمود دين وغير ذلك فان نفائس الأشياء إنّما يليق أن يجعل في أشرف الأواني ولا يناسب وضعها في

ص: 69


1- الهداية في شرح الكفاية: 332 - 333.

.......................................

__________________________

الأواني الرديّة فان منقصة الاناء تسرى إلى ما وضع فيها كما انّ العكس يقتضي العكس كلّ ذلك ثابت وإن لم يكن نفس الكون في الحمّام بمكروه ولا حزازة فيه أصلاً بل كان راجحاً لبعض الجهات التي ربما كان الدخول إلى الحمام بلحاظها مندوباً أو راجحاً وإن لم يكن بمندوب كالدخول للغسل أو التنظيف أو التعريق مع الحاجة إليه أو غير ذلك ولكن حزازة وقوع الصلوة في الحمام يؤثر فيها وتنزلها عن الدرجة العليا كما لا يخفى كما انّه قد يحصل للصلوة لأجل تخصّصها وتشخّصها بخصوصيّة شديدة الملائمة معها مزيّة فيها كالصلوة في المسجد والأمكنة الشريفة فانّ المكان الشريف وهكذا الزمان الشريف يؤثّر فيما يقع فيه أثر الشرافة واللطافة وشرح ذلك انّ الطبيعة المأمور بها في حدّ نفسها وذاتها ومع قطع النظر عن المشخّصات والخصوصيّات الفرديّة الخارجيّة إذا كانت ووجدت مع تشخّص وخصوصيّة فرديّة لا يكون له شدّة الملائمة ولا المنافرة لها مقدار من المصلحة والمزيّة كالصلوة في الدار مثلاً ويزداد تلك المصلحة والمزيّة في طبيعة الصلوة عن الحد المذكور اذا تشخصت بما له شدّة الملائمة وتنقص عن ذلك الحد فيما إذا لم يكن ملائمة بل يكون عدمها ولذلك ينقص ثوابها تارة ويزيد أخرى ويكون النهي فيه أي في مثل الصلوة في الحمام على التقدير المزبور لحدوث نقصان في مصلحتها ومزيّتها إذا وقف مع تلك الخصوصيّة والتشخّص للارشاد إلى ما لا نقصان فيه من سائر الأفراد مثل الصلوة في الدار التي حدّ الوسط والصلوة في المسجد التي هي أعلى وأكثر ثواباً وليكن هذا المعنى مراد من قال انّ الكراهة في

ص: 70

.......................................

__________________________

العبادة بمعنى انها تكون أقل ثواباً وإذا كان هذا المعنى مراده فلا يرد ما أوردوه عليه أصلاً منها لزوم اتّصاف العبادة التي يكون أقل ثواباً من الاخرى مطلقاً بالكراهة وانحصار المستحب في أعلى الأفراد الجامع لجميع الخصوصيّات جزء وشرطاً وزماناً ومكاناً وغير ذلك من المكملات، وجه الردّ أنّ المقصود من الأقليّة، الأقليّة بالنسبة إلى الطبيعة المجرّدة عن المشخّصات الموجدة للمزيّة وكلّما كان أقل من الفرد الذي كان فائقاً عليه ليتصف بالكراهة بالنسبة إليه ومنها لزوم اتّصاف ما لا مزيّة فيه ولا منقصة كالصلوة في الدار مثلاً بالاستحباب لأنّه بالنسبة إلى ما فيه المنقصة مثل الصلوة في الحمام أكثر ثواباً مع انه لا يقول ذلك القائل ولا غيره باستحباب الصلوة في الدار بل إنّما هي متّصفة بصفة الاباحة وتساوي طرفي الفعل والترك وجه الرد ان المراد من كونه أكثر ثواباً أكثره بالقياس إلى نفس الطبيعة المتشخصة بما لا مزيّة فيها ولا منقصة من المشخّصات لا مطلقاً فتحصل من جميع ما ذكر عدم اجتماع الأمر والنهي والوجوب والكراهة الشرعيّة في مثل الصلوة في الحمام حقيقة بل المقصود من النهي عنها تنزيهاً بيان كونها أقلّ ثواباً من الأفراد الاخر العالية والمتوسطة وهذا غير الكراهة الشرعيّة الممتنعة اجتماعها مع حكم آخر من الأحكام الخمسة لتضادها بأسرها إذ هي ليست إلّا المرجوحيّة الذاتيّة التي ليست المراد هنا قطعاً ولا يخفى انّ النهي في هذا القسم لا يكون إلّا إرشاديّاً لأنّ المفروض ثبوت البدل لما نهى عنه في هذا المقام ومعلوم ان مقصود المولى من النهي الاشارة إلى منقصة البدل ليهتدي إلى الفرد الأفضل والأكمل وهو البدل

ص: 71

.......................................

__________________________

فلا وجه لمولويّة النهي بخلاف القسم الأوّل فانّ النهي فيه يكون مولويّاً اذ لا بدل للنهي عنه ليكون النهي عنه ارشاداً إليه وانطباق العنوان الراجح أو لزومه المذكور في القسم الأوّل إنّما يكون وجها للنهي المولوي وإن كان حمله على الارشاد في القسم الأوّل أيضاً بمكان من الامكان بأن يحمل النهي في القسمين من القسم الأوّل على الارشاد إلى الترك الذي هو أرجح من الفعل وملازم لما هو الأرجح وأكثر ثواباً لذلك(1).

وأمّا القسم الثالث وهو ما تعلّق به النهي لا لأجل ذاته بل لأجل العنوان المجامع له وجوداً أو الملازم لوجوده خارجاً فيمكن أن يكون النهي فيه عن العبادة المتّحدة مع ذلك العنوان أو الملازمة له كالصلوة التي تتحد خارجاً مع الكون في موضع التهمة بالعرض والمجاز وكان المنهي عنه حقيقة ذلك العنوان فعليه لم يتوجّه إلى العبادة نهي كي يستدلّ به على جواز اجتماع الأمر والنهي واخرى بأنّه يمكن أن يكون النهي المتوجّه إلى العبادة مثل قوله: لا تصلّ في مواضع التهمة متوجّهاً إليها على الحقيقة لا بالعرض والمجاز ولكن يكون ارشاداً إلى غيرها من سائر الأفراد ممّا لا يكون متّحداً معه أو ملازماً له اذ المفروض ثبوت البدل والتمكّن من استيفاء مزيّة العبادة بلا ابتلاء بحزازة ذلك العنوان أصلاً بأن يوقع الصلوة ويفعلها في غير مواضع التهمة.

هذا على القول بجواز الاجتماع وامكان أن يكون شي ء واحد مأموراً به من جهة ومنهيّاً عنه من جهة أخرى فيحمل القسم الثالث على أحد الحكمين

ص: 72


1- الهداية في شرح الكفاية: 333 - 335.

.......................................

__________________________

المذكورين ويقال بعدم وقوع الاجتماع كما توهّم وعلى الامتناع فكذلك أيضاً يعني يمكن أن يحمل النهي في القسم الثالث على أحد الحكمين المذكورين ولكن في صورة الملازمة واستلزام المأمور به المنهي عنه خارجاً فقط يجري الحملان المزبوران.

وأمّا في صورة الاتّحاد وعدم الملازمة وترجيح جانب الأمر كما هو المفروض حيث فرض صحّة العبادة والمأمور به مع اتّحاده مع المنهي عنه وتعلّق النهي به لذلك الاتّحاد فيكون حال النهي في القسم الثالث حاله في القسم الثاني طابق النعل بالنعل حيث انه بالدقّة والتأمّل يرجع إلى القسم الثاني اذ على امتناع الاجتماع وعدم فائدة تعدّد الجهة في جوازه كما هو المختار ليس الاتّحاد مع العنوان الآخر إلّا من مشخصاته ومخصّصاته التي تختلف الطبيعة المأمور بها في المزيّة بزيادة ونقيصة بحسب اختلافها في الملائمة لما ذكر في وجه الامتناع ان لكلّ موجود ماهيّة واحدة والعناوين التي تعنون بها من مشخصاته ومخصّصاته الخارجيّة وليس كثرة وتعدّد في المهيّة والطبيعة ولو مع تعدّد العناوين والاعتبارات التي تنتزع من الأمر الواحد والموجود الفارد وقد انقدح بما ذكرناه من أوّل الجواب إلى هنا انّه لا مجال أصلاً لتفسير الكراهة في العبادة بأقليّة الثواب في القسم الأوّل مطلقاً على القول بالجواز والقول بالامتناع اذ لا بدل للمكروه هناك ليتحقّق وصف الأقليّة والأكثريّة بل يكون المقصود من النهي والكراهة ما ذكرنا وكذلك لا يصحّ حمل الكراهة على أقليّة الثواب أيضاً في هذا القسم الأخير على القول بجواز الاجتماع ضرورة انّه على القول به لا مزاحمة ولا ممانعة بين الجهات القاضية بالأمر والنهي والوجوب والكراهة فتكون جهة الصلوتيّة على

ص: 73

.......................................

__________________________

حالها ذاتاً وثواباً وجهة الكونيّة الخاصّة كذلك نقصاً ونزاهة كما اتّضح ممّا ذكرنا وانقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فيها يعني في الصلوة لاجتماع الأمر والنهي وانّ الأمر الاستحبابي يكون على نحو الارشاد إلى أفضل الأفراد مطلقاً على القول بالجواز والقول بالامتناع وسواء كان من قبيل القسم الأوّل أو الثاني أو الثالث وسواء كان اقتضائيّاً أو فعليّاً لوضوح ان كونه على نحو الارشاد لا يبقى معه محذور اجتماع الحكمين أصلاً ويمكن أن يكون مولويّاً لا ارشاديّاً واقتضائيّاً كذلك أي مطلقاً على نحو الحقيقة كالارشادي لعدم مزاحمة الحكم الاقتضائي الحكم الفعلي مطلقاً ومولويّاً فعليّاً بالعرض والمجاز فيما كان ملاكه ملازمتها أي الصلوة لما هو عنوان بذاته مستحب أو لم يكن الفرد الصلاتي ملازمان للعنوان بل العنوان متّحد معه خارجاً بأن يكون من قبيل القسم الثالث أو الثاني.

هذا كلّه يعني كون الاستحباب فعليّاً بالعرض والمجاز على القول بالجواز(1).

وأمّا على القول بالامتناع فلا يجوز اجتماعهما مطلقاً لمحاليّة اجتماع الحكمين في محلّ واحد مطلقاً يعني سواء كانا معاً من الاسناد إلى ما هو له والاسناد الحقيقي أو كانا معاً من الاسناد إلى غير ما هو له وبالعرض والمجاز أو كانا مختلفين بأن كان أحدهما مسنداً إلى ما هو له والآخر إلى غير ما هو له ولا يخفى انّه لا يكاد يأتي القسم الأوّل وهو ما اذا انطبق عنوان ذي مصلحة على الترك أو كان الترك ملازماً لعنوان ذي مصلحة ولو لم يكن منطبقاً عليه أي في اجتماع الوجوب والاستحباب وإنّما يأتي في فرض اجتماع الاستحباب

ص: 74


1- الهداية في شرح الكفاية: 335 - 337.

.......................................

__________________________

والكراهة فقط اذ انطباق عنوان راجح على الفعل الواجب الذي لا بدل له مؤكّد ايجابه ولا يوجب استحبابه أصلاً ولو بالعرض والمجاز بأن يكون الاستحباب صفة للعنوان الراجح حقيقة وللواجب المعنون بذلك العنوان تجوزاً وعرضاً إلّا على القول بالجواز ضرورة ان انطباق ذلك العنوان الراجح على الفرد يوجب تشخصه فيتّحد متعلّق الوجوب والاستحباب فلا ينفع فيه كونه بالتحليل العقلي اسناداً إلى غير ما هو له نعم على القول بالجواز وكفاية تعدّد العنوان والجهة ولو مع الاتّحاد الخارجي في طرو الحكمين يكون مجمع الحكمين موضوعاً للاطاعة من جهتين وكذا فيما إذا لازم مثل هذا لعنوان الفعل الواجب فانّه لا يصلح لثبوت حكم الاستحباب إلّا اقتضائيّاً بالعرض والمجاز بمعنى ان هذه الملازمة بين فعل الواجب وذلك العنوان جهة من الجهات المقتضية لأن يؤمر بالفعل الواجب ندباً أمراً نسبته إلى نفس الفعل الواجب نسبته إلى غير ما هو له فلا مزاحمة فيه للوجوب الفعلي لأن الوجوب إنّما يزاحم نقس الحكم من الكراهة أو الاستحباب لا جهة الحكم وما هو مقتض له وأمّا المجازيّة فلعدم ثبوت جهة رجحان في نفس الفعل الواجب ولا في عنوان راجح منطبق على ذلك الفعل متّحد معه متشخّص به في الوجود ليكون تعلّق الحكم به حقيقيّاً وإنّما المستحب الفعلي وحقيقة هو العنوان الملازم الخارجي الغير المتّحد مع الفعل الواجب(1) فتفطّن لعلّك تصل إلى حقيقة ما أفاده قدس سره فانه أجاد في المقام فيما أفاد وأتى بما فوق المراد وربما له من تحقيق رشيق وتدقيق انيق فانه الاستاذ الماهر وكم ترك الأوّل للآخر.

ص: 75


1- الهداية في شرح الكفاية: 337 - 338.

التهمة وفي الحمام والصيام في السفر وفي بعض الايام.

بيان الملازمة: إنه لو لم يكن تعدد الجهة مجديا في إمكان اجتماعهما لما جاز اجتماع حكمين آخرين في مورد مع تعددهما، لعدم اختصاصهما من بين الاحكام بما يوجب الامتناع من التضاد، بداهة تضادها بأسرها، والتالي باطل، لوقوع اجتماع الكراهة والايجاب أو الاستحباب، في مثل الصلاة في الحمام، والصيام في السفر، وفي عاشوراء ولو في الحضر، واجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الاباحة أو الاستحباب، في مثل الصلاة في المسجد أو الدار.

والجواب عنه أما إجمالا: فبأنه لا بد من التصرف والتأويل فيما وقع في الشريعة مما ظاهره الاجتماع، بعد قيام الدليل على الامتناع، ضرورة أن الظهور لا يصادم البرهان، مع أن قضية ظهور تلك الموارد، اجتماع الحكمين فيها بعنوان واحد، ولا يقول الخصم بجوازه كذلك، بل بالامتناع ما لم يكن بعنوانين وبوجهين، فهو أيضا لابد له من التفصي عن إشكال الاجتماع فيها لا سيما إذا لم يكن هناك مندوحة، كما في العبادات المكروهة التي لا بدل لها، فلا يبقى له مجال للاستدلال بوقوع الاجتماع فيها على جوازه أصلا، كما لا يخفى.

وأما تفصيلا: فقد أجيب عنه بوجوه، يوجب ذكرها بما فيها من النقض والابرام طول الكلام بما لا يسعه المقام، فالاولى الاقتصار على ماهو التحقيق في حسم مادة الاشكال، فيقال وعلى اللَّه الاتكال: إن العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام: أحدها: ما تعلق به النهي بعنوانه وذاته، ولا بدل له، كصوم يوم عاشوراء، والنوافل المبتدئة في بعض الاوقات.

ص: 76

ثانيها: ما تعلق به النهي كذلك، ويكون له البدل، كالنهي عن الصلاة في الحمام.

ثالثها: ما تعلق النهي به لا بذاته، بل بما هو مجامع معه وجودا أو ملازم له خارجاً كالصلاة في مواضع التهمة بناء على كون النهي عنها لأجل اتّحادها مع الكون في مواضعها.

أما القسم الاول: فالنهي تنزيها عنه بعد الاجماع على أنه يقع صحيحا، ومع ذلك يكون تركه أرجح، كما يظهر من مداومة الائمة عليهم السلام على الترك، إما لاجل انطباق عنوان ذي مصلحة على الترك، فيكون الترك كالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض، وإن كان مصلحة الترك أكثر، فهما حينئذ يكونان من قبيل المستحبين المتزاحمين، فيحكم بالتخيير بينهما لو لم يكن أهم في البين، وإلا فيتعين الاهم وإن كان الآخر يقع صحيحا، حيث أنه كان راجحا وموافقا للغرض، كما هو الحال في سائر المستحبات المتزاحمات بل الواجبات، وارجحية الترك من الفعل لا توجب حزازة ومنقصة فيه أصلا، كما يوجبها ما إذا كان فيه مفسدة غالبة على مصلحته، ولذا لا يقع صحيحا على الامتناع، فإن الحزازة والمنقصة فيه مانعة عن صلاحية التقرب به، بخلاف المقام، فإنه على ما هو عليه من الرجحان وموافقة الغرض، كما إذا لم يكن تركه راجحا بلا حدوث حزازة فيه أصلا.

وإما لاجل ملازمة الترك لعنوان كذلك، من دون انطباقه عليه، فيكون كما إذا انطبق عليه من غير تفاوت، إلا في أن الطلب المتعلق به حينئذ ليس بحقيقي، بل بالعرض والمجاز، فإنما يكون في الحقيقة متعلقا بما يلازمه من العنوان، بخلاف صورة الانطباق لتعلقه به حقيقة، كما في سائر المكروهات من غير فرق، إلا أن

ص: 77

منشأه فيها حزازة ومنقصة في نفس الفعل، وفيه رجحان في الترك، من دون حزازة في الفعل أصلا، غاية الامر كون الترك أرجح.

نعم يمكن أن يحمل النهي - في كلا القسمين - على الارشاد إلى الترك الذي هو أرجح من الفعل، أو ملازم لما هو الارجح وأكثر ثوابا لذلك، وعليه يكون النهي على نحو الحقيقة، لا بالعرض والمجاز، فلا تغفل.

وأما القسم الثاني: فالنهي فيه يمكن أن يكون لاجل ما ذكر في القسم الاول، طابق النعل بالنعل، كما يمكن أن يكون بسبب حصول منقصة في الطبيعة المأمور بها، لاجل تشخصها في هذا القسم بمشخص غير ملائم لها، كما في الصلاة في الحمام، فإن تشخصها بتشخص وقوعها فيه، لا يناسب كونها معراجا، وإن لم يكن نفس الكون في الحمام بمكروه ولا حزازة فيه أصلا، بل كان راجحا، كما لا يخفى.

وربما يحصل لها لاجل تخصصها بخصوصية شديدة الملاء مة معها مزية فيها كما في الصلاة في المسجد والامكنة الشريفة، وذلك لان الطبيعة المأمور بها في حد نفسها، إذا كانت مع تشخص لا يكون له شدة الملاء مة، ولا عدم الملاء مة لها مقدار من المصلحة والمزية، كالصلاة في الدار مثلا، وتزداد تلك المزية فيما كان تشخصها بماله شدة الملاء مة، وتنقص فيما إذا لم تكن له ملاء مة، ولذلك ينقص ثوابها تارة ويزيد أخرى، ويكون النهي فيه لحدوث نقصان في مزيتها فيه إرشادا إلى ما لا نقصان فيه من سائر الافراد، ويكون أكثر ثوابا منه، وليكن هذا مراد من قال: إن الكراهة في العبادة بمعنى أنها تكون أقل ثوابا، ولايرد عليه بلزوم اتصاف العبادة التي تكون أقل ثوابا من الاخرى بالكراهة، ولزوم اتصاف ما لا مزيد فيه ولا منقصة بالاستحباب، لانه أكثر ثوابا مما فيه المنقصة، لما عرفت من أن المراد

ص: 78

من كونه أقل ثوابا، إنما هو بقياسه إلى نفس الطبيعة المتشخصة بما لا يحدث معه مزية لها، ولا منقصة من المشخصات، وكذا كونه أكثر ثوابا، ولا يخفى أن النهي في هذا القسم لا يصح إلا للارشاد، بخلاف القسم الاول، فإنه يكون فيه مولويا، وإن كان حمله على الارشاد بمكان من الامكان.

وأما القسم الثالث: فيمكن أن يكون النهي فيه عن العبادة المتحدة مع ذاك العنوان أو الملازمة له بالعرض والمجاز، وكان المنهي عنه به حقيقة ذاك العنوان، ويمكن أن يكون على الحقيقة إرشادا إلى غيرها من سائر الافراد، مما لا يكون متحدا معه أو ملازما له، إذ المفروض التمكن من استيفاء مزية العبادة، بلا ابتلاء بحزازة ذاك العنوان أصلا، هذا على القول بجواز الاجتماع.

وأما على الامتناع، فكذلك في صورة الملازمة، وأما في صورة الاتحاد وترجيح جانب الامر - كما هو المفروض، حيث أنه صحة العبادة - فيكون حال النهي فيه حاله في القسم الثاني، فيحمل على ما حمل عليه فيه، طابق النعل بالنعل، حيث أنه بالدقة يرجع إليه، إذ على الامتناع، ليس الاتحاد مع العنوان الآخر إلا من مخصصاته ومشخصاته التي تختلف الطبيعة المأمور بها في المزية زيادة ونقيصة بحسب اختلافها في الملاء مة كما عرفت.

وقد انقدح بما ذكرناه، أنه لا مجال أصلا لتفسير الكراهة في العبادة بأقلية الثواب في القسم الاول مطلقا، وفي هذا القسم على القول بالجواز، كما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فيها، وأن الامر الاستحبابي يكون على نحو الارشاد إلى أفضل الافراد مطلقا على نحو الحقيقة، ومولويا اقتضائيا كذلك،

ص: 79

وفعليا بالعرض والمجاز فيما كان ملاكه ملازمتها لما هو مستحب، أو متحدا معه على القول بالجواز.

ولا يخفى أنه لا يكاد يأتي القسم الاول هاهنا، فإن انطباق عنوان راجح على الفعل الواجب الذي لا بدل له إنما يؤكد إيجابه، لا أنه يوجب استحبابه أصلا، ولو بالعرض والمجاز، إلا على القول بالجواز، وكذا فيما إذا لازم مثل هذا العنوان، فإنه لو لم يؤكد الايجاب لما يصحح الاستحباب إلا اقتضائيا بالعرض والمجاز، فتفطن.

ومنها: إن أهل العرف يعدون من اتى بالمأمور به في ضمن الفرد المحرم، مطيعا وعاصيا من وجهين،[1] فإذا أمر المولى عبده بخياطة ثوب ونهاه عن

__________________________

[1] أقول: يعني من جملة ما استدلّوا به على جواز اجتماع الأمر والنهي عد أهل العرف من أتى بالمأمور به في ضمن الفرد المحرم مطيعاً وعاصياً من وجهين فيعلم من ذلك كفاية تعدد جهة الطاعة والمعصية في الفعل الواحد في جواز كونه مأموراً به ومنهيّاً عنه وذلك مثل ما إذا أمر المولى عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان خاص كما مثل به الحاجبي والعضدي فلو خاطه في ذلك المكان عد مطيعاً لأمر الخياطة وعاصياً للنهي عن الكون في ذلك المكان.

وردّه المصنّف بأن فيه مضافاً إلى المناقشة في المثال بسبب ان عد العرف ذلك العبد مطيعاً وعاصياً ليس من جهة اجتماع الأمر والنهي وكون الفعل الواحد مأموراً به ومنهيّاً عنه ضرورة ان الكون المنهي عنه في ذلك المكان غير متّحد مع الخياطة

ص: 80

.......................................

__________________________

وجوداً أصلاً بل هما موجودين بوجودين والكون في المكان فعل وموجود والخياطة فعل وموجود آخر كما لا يخفى.

فانّ الخياطة عبارة عن حركات مخصوصة يفعلها الخياط وكونه في المكان أمر آخر لا ربط له بتلك الحركات فمحل الأمر والنهي في ذلك المثال مختلف ولا اجتماع أصلاً كلّ ذلك مع المنع إلّا عن صدق أحدهما الاطاعة أو المعصية في المثال الصحيح للمسئلة المبحوث عنها مثل الصلوة في الدار المغصوبة فانّ الصلوة في ذلك المثال متّحد مع الغصب وجوداً والغصب متّحد مع الصلوة وجوداً ولا يصدق الاطاعة والمعصية على الأفعال الواقعة من المصلي في الدار بل اما أن يصدق الاطاعة بمعنى الامتثال فيما غلب جانب الأمر كما في غير العبادات الغير المحتاج إلى قصد القربة في صحّتها والمقصود حصولها في الخارج بأيّ وجه ولو مجتمعاً مع الحرام أو العصيان فيما غلب جانب النهي كما في المثال المزبور لما عرفت من الامتناع العقلي ومع الامتناع العقلي لا وجه للصدق العرفي نعم لا بأس بصدق الاطاعة بمعنى حصول الغرض والعصيان في التوصليّات لعدم اعتبار قصد القربة في فعل التوصليّات التي يكون المقصود منها حصول الغرض المترتّب عليها كيفما اتّفق وبأيّ قصد فعلها المكلّف ولكنّه خارج عن محلّ الكلام لعدم اجتماع الحكمين ولا الطاعة والعصيان الحقيقين.

وأمّا في العبادات المعتبر في حصول الغرض منها قصد القربة فلا يكاد يحصل

ص: 81

.......................................

__________________________

المقصود منها إلّا فيما صدر من المكلّف فعلاً غير محرم وغير مبغوض عليه كما تقدّم ولو كان المحبوبيّة وحصول الغرض كافياً في صدق الطاعة ضرورة تضاد المبغوضيّة مع المحبوبيّة التي كان قصدها كافياً ولم يكن قصد امتثال الأمر معتبراً فيها وإن كان قصد الامتثال معتبراً في صحّتها فالأمر اشكل لعدم حصول الامتثال مِمَّن أتى بما نهى عنه المولى البتة.

أقول: وقد أورد الشارح الكاظميني هنا على المصنّف بأن ما أورده على المستدل غير وارد بل لابدّ أن يقال في جواب مدعى الصدق العرفي اما بتسليم الصدق ودفعه حينئذٍ بأن صدق الاطاعة والمعصية كاشف عن اختلاف الموضوع واما ان ينكر عليه الصدق العرفي واما انكار الصدق العرفي استناداً إلى الامتناع العقلي فهو في غير محلّه جداً(1) ووجهه عنده ان المرجع في تعيين الموضوعات العرف وإنّما العقل يرجع إليه في حكم المسئلة لا تعيين الموضوع.

أقول: بل ما أفاده المصنّف في الجواب عن الاستدلال المذكور متين جدّاً اذ المقصود من انكار الصدق العرفي بسبب الامتناع العقلي كما سيشير إليه المصنّف قدس سره هو ان كلّما كان محالاً عقلاً فالعرف اذا دقّوا النظر وأجالوا الفكر يروا امتناعه أيضاً بحكم عقلهم ولا يحكمون بجوازه البتة نعم في مقام المسامحة وبالنظر البدوي قبل التأمّل واجالة الفكر لا مانع من ان يعتقدوا امكانه مع استحالته

ص: 82


1- الهداية في شرح الكفاية: 339.

.......................................

__________________________

عقلاً ولا عبرة بهذا النظر المسامحي منهم في مثل المقام وبعبارة أخرى العقل يخطئ العرف بسبب البرهان الذي يدلّ على الامتناع واذا خطئهم فلابدّ من أن يتنبّهوا ويعترفوا بخطائهم فاذا اعترفوا فلا صدق ولا مانع من مراجعة العقل في تعيين الموضوع فيما كان تعيينه محتاجاً إلى الدقّة وممّا لم يكن المسامحة العرفيّة فيه مغتفراً.

ثمّ قال الشارح والصواب في الجواب أن يقال انّ الأمر والنهي إن كان متعلّقهما ما ذكر في هذا المثال فالصدق مسلم والموضوع مختلف بحسب الوجود عقلاً وهو واضح وعرفاً لفرض الصدق وان كان متعلّقهما نحواً اخر بأن أمره بالخياطة ونهاه عن الخياطة في ذلك المكان المخصوص فالصدق ممنوع ومدعيه كاذب مكابر وكيف يعد العرف من أتى بنفس الفعل المنهي عنه مطيعاً وكذا لو أمره أن يخيط ونهاه عن ان يصدر منه فعل في هذه الدار فلو خاطه في تلك الدار فلا يسع المستدل دعوى الصدق المذكور أيضاً كما لا يخفى(1).

أقول: لا يخفى عليك ان ما أفاده الشارح عين ما أفاده المصنّف في الجواب ولا فرق بينهما وإنّما الفرق في انّ المصنّف استدلّ على عدم الصدق بالبرهان العقلي الذي أقامه على الامتناع مع ان المرجع في مثله العرف لا العقل وقد عرفت صحّة ذلك وانّه لا بأس به.

ص: 83


1- الهداية في شرح الكفاية: 339.

.......................................

__________________________

بقي الكلام في حال التفصيل من بعض الأعلام والقول بالجواز عقلاً والامتناع عرفاً وكأنّه عكس ما تقدّم استناداً إلى انّ العقل وان جوز الاجتماع بتدقيق النظر وادراك تغاير متعلقي الحكمين الا ان العرف لعدهم المتعلّق واحدا لم يفهموا من دليلي الحكمين شمولهما لمحل اجتماع العنوانين فلا يحكم بالصحّة لأنّها فرع الشمول لفظاً والمرجع في الشمول اللفظي هو العرف وقد مرّ عدم الشمول عندهم وردّه المصنّف بأنّه لا سبيل للعرف في الحكم بالجواز أو الامتناع إلّا طريق العقل فلا معنى لهذا التفصيل إلّا ما أشرنا إليه من النظر المسامحي الغير المبني على التحقيق والتدقيق ومر ان بعد قيام البرهان العقلي على خلاف ما بنظر العرف لا وجه للاعتماد على نظرهم واستشكل عليه الشارح بما مرّ منه من ان انكار ما بنظر العرف استناداً إلى الدليل العقلي في غير محلّه وان ما أفاده المستدل حسن لا ريب فيه لأن ما يكون المرجع فيه العرف لا وجه للرجوع فيه إلى العقل.

أقول: وقد عرفت متانة ما أفاده المصنّف وان العرف بعد تخطئة العقل لهم ولو في الموضوعات ينصرفون عمّا يعتقدونه وينفون ما أثبتوه ثمّ دفع المصنّف ما احتمل دخله في المقام بأنّه تقدّم ان النزاع ليس في خصوص مدلول صيغة الأمر والنهي كي ينحصر النزاع فيما كان الدال لفظاً ويقال بأن المرجع في تعيين مداليل الألفاظ هو العرف لا العقل ولعلّه كان بين مدلوليهما حسب تعيين العرف تناف لا يجتمعان في واحد ولو بعنوانين وإن كان العقل يرى جواز اجتماع الوجوب والحرمة في واحد بوجهين وعنوانين.

ص: 84

الكون في مكان خاص، كما مثل به الحاجبي والعضدي، فلو خاطه في ذاك المكان، عد مطيعا لامر الخياطة وعاصيا للنهي عن الكون في ذلك المكان.

وفيه - مضافا إلى المناقشة في المثال، بأنه ليس من باب الاجتماع، ضرورة أن الكون المنهي عنه غير متحد مع الخياطة وجودا أصلا، كما لا يخفى - المنع إلا عن صدق أحدهما، إما الاطاعة بمعنى الامتثال فيما غلب جانب الامر، أو العصيان فيما غلب جانب النهي، لما عرفت من البرهان على الامتناع.

نعم لا بأس بصدق الاطاعة بمعنى حصول الغرض والعصيان في التوصليات، وأما في العبادات فلا يكاد يحصل الغرض منها، إلا فيما صدر من المكلف فعلا غير محرم وغير مبغوض عليه، كما تقدم.

بقي الكلام في حال التفصيل من بعض الاعلام، والقول بالجواز عقلا والامتناع عرفا.

وفيه: إنه لا سبيل للعرف في الحكم بالجواز أو الامتناع، إلا طريق العقل، فلا معنى لهذا التفصيل إلا ما أشرنا إليه من النظر المسامحي الغير المبتني على التدقيق والتحقيق، وأنت خبير بعدم العبرة به، بعد الاطلاع على خلافه بالنظر الدقيق، وقد عرفت فيما تقدم أن النزاع ليس في خصوص مدلول صيغة الامر والنهي، بل في الاعم، فلا مجال لان يتوهم أن العرف هو المحكم في تعيين المداليل، ولعله كان بين مدلوليهما حسب تعيينه تناف، لا يجتمعان في واحد ولو بعنوانين، وإن كان العقل يرى جواز اجتماع الوجوب والحرمة في واحد بوجهين، فتدبر.

ص: 85

وينبغي التنبيه على أمور: الاول: إن الاضطرار إلى ارتكاب الحرام،[1] وإن كان يوجب ارتفاع حرمته، والعقوبة عليه مع بقاء ملاك وجوبه - لو كان - مؤثرا له، كما إذا لم يكن بحرام بلا كلام، إلا أنه إذا لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار، بأن يختار ما يؤدي إليه لا محالة، فإن الخطاب بالزجر عنه حينئذ، وإن كان ساقطا، إلا أنه حيث يصدر عنه مبغوضا عليه وعصيانا لذاك الخطاب ومستحقا عليه العقاب، لا يصلح لان يتعلق بها الايجاب، وهذا في الجملة مما لا شبهة فيه ولا ارتياب.

وإنما الاشكال فيما إذا كان ما اضطر إليه بسوء اختياره، مما ينحصر به التخلص عن محذور الحرام، كالخروج عن الدار المغصوبة فيما إذا توسطها بالاختيار في كونه منهيا عنه، أو مأمورا به، مع جريان حكم المعصية عليه، أو بدونه فيه أقوال، هذا على الامتناع.

__________________________

[1] أقول: يعني انّ الاضطرار إلى ارتكاب الحرام وإن كان يوجب ارتفاع حرمته ودفع العقوبة عليه بل يوجب وجوب ذلك الأمر الحرام مع بقاء ملاك وجوبه يعني إلى حين بقاء ملاك وجوبه وهو الاضطرار إلى ذلك الحرام بشرط أن يكون ذلك الملاك وهو الاضطرار إليه مؤثّراً للوجوب بأن يكون الأمر الذي يترتّب على ارتكاب الأمر المضطرّ إليه أهم من ترك الحرام كما إذا اضطرّ إلى شرب الخمر لحفظ نفسه ففي هذه الصورة تكون مثل الصورة التي لم يكن الأمر المضطر إليه بحرام وهذا الأمر مسلم بلا إشكال ولا كلام إلّا انّه ذلك كذلك إذا لم يكن الاضطرار إلى الحرام بسوء الاختيار بأن يختار ما يؤدّي إليه لا محالة وأمّا

ص: 86

وأما على القول بالجواز[1]، فعن أبي هاشم أنه مأمور به ومنهي عنه، واختاره الفاضل القمي، ناسبا له إلى أكثر المتأخرين وظاهر الفقهاء.

والحق أنه منهي عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار إليه، وعصيان له بسوء الاختيار، ولا يكاد يكون مامورا به، كما إذا لم يكن هناك توقف عليه، أو بلا انحصار به، وذلك ضرورة أنه حيث كان قادرا على ترك الحرام رأسا، لا يكون

__________________________

إذا كان الاضطرار بسوء الاختيار فانّ الخطاب بالزجر حينئذٍ عن الحرام وإن كان ساقطاً حال حصول الاضطرار الا انه حيث يصدر عنه مبغوضاً عليه وعصياناً لذلك الخطاب أي خطاب اجتنب عن الأمر الفلاني ومستحقاً عليه العقاب لا يصلح أن يتعلّق به الايجاب بأن كان ذلك الأمر الحرام واجباً بسبب الاضطرار مع كونه عصياناً ومخالفة وهذا أيضاً ممّا لا شبهة فيه ولا ارتياب بين الأصحاب وإنّما الاشكال في صورة ثالثة وهي ما إذا كان ما اضطرّ إليه بسوء اختياره ممّا ينحصر التخلّص عن محذور الحرام به ولا يحصل بغيره كالخروج عن الدار المغصوبة فيما إذا توسطها بالاختيار فان خروجه حينئذٍ عن وسط الدار المغصوبة بالتصرّف فيها حتّى يحصل الخلاص من الغصب هل يكون منهيّاً عنه صرفاً أو مأموراً به مع جريان حكم المعصية عليه بسبب الاختيار السوء الذي وقع منه وإن لم يكن بمعصية حقيقة أو لا يكون حكم المعصية جارياً عليه مع عدم كونه معصية حقيقة أيضاً بأن يكون مأموراً به صرفاً أقوال متعدّدة في تلك الصورة.

هذا كلّه بناء على امتناع اجتماع الأمر والنهي.

[1] وأمّا على القول بالجواز فعن أبي هاشم انه مأمور به من جهة سببيته

ص: 87

.......................................

__________________________

ومقدمته للخلاص من الحرام ومنهي عنه أيضاً لأنّ الاضطرار إليه مستند بسوء اختياره ولذا يكون فعلاً غاصباً واختاره الفاضل القمي ناسباً له إلى أكثر المتأخّرين وظاهر الفقهاء والحق عند المصنّف انّه منهي عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار إليه وعصيان أيضاً للنهي السابق بسبب سوء اختياره ولا يكاد يكون مأموراً به كما إذا لم يكن هناك توقّف عليه أو بلا انحصار به فكما انه اذا فرض عدم توقّف الخلاص عن الغصب على الخروج وعدم انحصار التخلّص عليه وكان تصرّفاً كالدخول يكون حراماً فكذلك مع التوقّف والانحصار وذلك ضرورة انه حيث كان قادراً على ترك الحرام رأساً من الدخول والخروج في أوّل الأمر وقبل الدخول لا يكون عقلاً معذوراً من مخالفة النهي فيما اضطرّ إلى ارتكاب المنهي عنه بسبب سوء اختياره ويكون معاقباً على فعل المنهي عنه مثل ما إذا كان ذلك بلا توقّف عليه أو مع عدم الانحصار به بلا فرق بين الصورتين ولا يكاد يجدي توقّف انحصار التخلّص عن الحرام لفعل المنهي عنه في ثبوت المعذوريّة ودفع العقاب والحرمة أصلاً لكون فعله بسوء الاختيار.

واستشكل الشارح الكاظميني في عدم كونه مامورا به في صورة التوقّف والانحصار بل استقرب الوجوب وكونه مأموراً به وفاقاً لشيخنا المرتضى ببيان طويل فصّل فيه غاية التفصيل ونحن ننقل عنه بقدر يكشف به مقصوده لا أزيد ليعرضك الملال فانه قال(1): انّ المحرم إنّما هو التصرّف في مال الغير عدواناً وبغير

ص: 88


1- الهداية في شرح الكفاية: 342 - 343.

.......................................

__________________________

طيب نفسه ويختلف هذا باختلاف الخصوصيّات المشخّصة بين جميع الأنواع والانحاء وان ما كان من الأفعال اختياريّاً ومقدوراً بالواسطة على قسمين أحدهما ما كان من الآثار المعلولة لما تقدّمها من العلل بحيث لا يبقى للفاعل بعد ايجاد علّتها نحو من أنحاء الاختيار في وجودها وذلك كجمع المسبّبات بالنسبة إلى أسبابها ومنها حركة الحبل المترتبة على تحريك أوله فلو كان الحبل ملكاً للغير وتصرّف فيه من دون رضى المالك فحرك أوّله كانت جميع الحركات المترتّبة على الحركة الأولى تصرّفاً حراماً. ثانيهما ما كان من قبيل الأفعال المترتّبة بحسب الوجود وضعاً وطبعاً من غير تحقّق عليّة ومعلوليّة بينهما كالخروج المرتب على الدخول والاياب المترتّب على الذهاب واليقظة المرتبة على النوم وهكذا وفي هذا القسم يختلف الحال باختلاف العنوان فان كان المتصرّف قد قصد التصرّف في مال الغير عدواناً فدخل وخرج كان حكم الخروج حكم الدخول وان لم يكن قادراً بعد الدخول على عدم التصرّف العدواني لو أراد عدمه إلّا انّه كان قادراً على ذلك قبل الدخول فاقدامه موجب للعصيان والعقاب وان سقط بهذا العصيان حال الخروج عند الخطاب وهذا القصد أعني قصد التصرّف العدواني لا يكفي وحده في ذلك ما لم يتحقّق فيه الخروج المعنون بعنوان الدخول كما لا يكفي في نفس الدخول لأن قصد الحرام لا يعطي حكم فعله.

وأمّا لو كان قد قصد ذلك من أول الدخول وبعد الدخول ندم على فعله وأراد الاقلاع عنه والتخلّص منه فهو وإن كان ذا قدرة واختيار قبل الدخول في ترك

ص: 89

.......................................

__________________________

التصرّف الخروجي وقد سلب عنه الاختيار بعد الدخول بسوء اختياره الا انه لم يسلب عنه الاختيار في تبديل عنوان الخروج عن القبيح المحرم بعنوان آخر حسن محتم ضرورة انك قد عرفت ان المحرم هو الخروج بعنوان كونه تصرفاً في ملك الغير عدواناً فلو ندم وأراد الخروج بعنوان كونه تخلصا فلا ريب في حسنه وفي طيب نفس المالك به ورضاه بل وأمره فان كلّ مالك يأمر الغاصب الداخل بالخروج عن ملكه فان لم يأمره لفظاً فهو يريده قلباً غاية الأمر انّ الغاصب اذا قصد بخروجه ما قصد بدخوله من العنوان أثم وكان حكمهما واحداً وأما ما اذا ندم وقصد بالخروج امتثال أمر المالك أو مطابقة ارادته فلا ينبغي الشكّ في انه جاء بأمر حسن يثاب عليه اما بنفسه أو بسبب ما يترتّب عليه من ترك التصرّف في مال الغير عدواناً فالاذن مع الانحصار كانه مقطوع به حتى لو قال المالك له أخرج من داري وأنت غير مأذون بالخروج أو لا أبيح لك هذا التصرّف وقد علم منه الندم وانه لم يقصد به إلّا التخلّص لعدّه العقلاء سفيهاً انتهى ما أردنا نقله من كلامه(1).

أقول: وبمثل البيان المزبور قرّر المطلب مقرّر بحث شيخنا الأنصاري قدس سره أيضاً ولا يخفى ما فيه اذ طيب نفس المالك ورضاه بالخروج مع انحصار التخلّص عن الغصب به في المثال الذي ذكره ليس طيباً ورضى يجوز التصرّف في ملك الغير اذ الرضى الذي يجوزه ما لا يكون منه منتهيا الى الجبر وعدم الرضاء والّا فربّما يحصل مثل هذا الرضا في كثير من التصرّفات العدوانيّة فانّ الظالم اذا هدّد شخصاً

ص: 90


1- الهداية في شرح الكفاية: 343.

.......................................

__________________________

بالقتل أو الجرح أو النهب إلّا أن يعطيه المبلغ الفلاني من المال فأعطاه فانّه يطيب نفسه ويرضى بتصرّفه في ذلك المال غاية الرضا لأنّه صار باعثاً لحفظ دمه وخلاصه عن القتل أو جرح بعض أعضائه أو نهب جميع أمواله ومع ذلك لا شبهة في كون تصرّفه في ذلك المال حراماً وأكلاً للمال بالباطل وظلماً ولنذكر لزيادة التوضيح مثالاً اخر وهو انه اذا عزم الظالم على قتل زيد فسعى زيد لخلاص نفسه وتشفع ببعض الشفعاء عنده فتغير بالاخرة أن يبدله بقطع اذنه فمن المعلوم انه حينئذٍ يسر زيد ويرضى من الظالم كمال الرضاء ويحصل له غاية الامتنان والتشكر فيلزم على ما ذكر من الوجه الضعيف لاثبات كون التصرّف الخروجي واجباً ومأموراً به من دون تعلّق نهي به أصلاً أن لا يكون الظالم في مثل المثال ظالماً في قطع اذن زيد بل يكون محسناً إليه وماناً عليه وهو واضح البطلان اذ طيب نفسه بقطع اذنه منتهية بالآخرة إلى الظلم والعدوان والخوف والاضطرار وأمّا ما زاده الشارح في موضوع البحث على التوقّف والانحصار من كون الخروج بعنوان الندم وقصد التخلّص فهو خروج عن موضوعه لأنّه إنّما وقع البحث في التصرّف الذي توقّف الخلاص عن الغصب عليه وانحصر به فقط مع الغفلة وخلو الذهن عن التخلّص والندم عن الخروج أو العدوان والطغيان أيضاً وانه هل هو مأمور به ومنهي عنه معاً أو مأمور به فقط أو منهي عنه فقط وإلّا فان كان الخروج بعنوان الندم والتخلّص والتوبة بحيث يكشف به رضاء المالك بنحو يسري إلى حال الدخول أيضاً بأن يرضى بسبب توبة الغاصب ورجوعه عن العدوان إلى

ص: 91

عقلا معذورا في مخالفته فيما اضطر إلى ارتكابه بسوء اختياره، ويكون معاقبا عليه، كما إذا كان ذلك بلا توقف عليه، أو مع عدم الانحصار به، ولا يكاد يجدي توقف انحصار التخلص عن الحرام به، لكونه بسوء الاختيار.

إن قلت[1]: كيف لا يجديه، ومقدمة الواجب واجبة؟ قلت: إنما يجب المقدمة لو لم تكن محرمة، ولذا لا يترشح الوجوب من الواجب إلا على ما هو المباح من المقدمات دون المحرمة مع اشتراكهما في المقدمية.

وإطلاق الوجوب بحيث ربما يترشح منه الوجوب عليها مع انحصار المقدمة بها، إنما هو فيما إذا كان الواجب أهم من ترك المقدمة المحرمة، والمفروض هاهنا وإن كان ذلك إلا أنه كان بسوء الاختيار، ومعه لا يتغير عما هو عليه من الحرمة والمبغوضية، وإلا لكانت الحرمة معلقة على إرادة المكلف واختياره لغيره، وعدم حرمته مع اختياره له، وهو كما ترى، مع أنه خلاف الفرض، وأن الاضطرار يكون بسوء الاختيار.

__________________________

الصلاح والاحسان لا من جهة ضيق الخناق واللابديّة بجميع التصرّفات الواقعة منه من أوّلها إلى آخرها ويبرء ذمّته عن التصرّفات الماضية ويطيب نفسه بالتصرفات الحالية والمستقبلة فلا شبهة حينئذٍ في وجوب الخروج وكونه مأموراً به فقط من دون تعلّق نهي به أصلاً ولا وجه لوقوع مثل تلك الصورة محل البحث بين العلماء الأعلام التي ثبوت حكم الجواز فيه كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار.

[1] وعلى كلّ حال فقد بالغ المصنّف في تنقيح المبحث وتهذيبه وأورَدَ السؤالات المتعّددة وأجاب عنها قال: ان قلت: كيف لا يجديه يعني لا يجدي

ص: 92

.......................................

__________________________

توقف انحصار التخلّص عن الحرام بالخروج عن الدار المغصوبة في ايجابه وعدم كونه منهياً عنه ومأموراً به صرفاً مع ان مقدّمة الواجب واجبة.

قلت: إنّما يجب المقدّمة لو لو لم يكن محرمة ولذا لا يترشّح الوجوب من الواجب الا على ما هو المباح من المقدّمات دون المحرم منها مع اشتراكهما في المقدميّة واطلاق الوجوب في الواجب وذي المقدّمة بحيث ربما يترشح منه الوجوب على المقدّمة مع انحصارها بالمحرمة إنّما يكون فيما إذا كان الواجب أهم من ترك المقدّمة المحرمة فانّه إذا كان فعل الواجب أهم من ترك المقدّمة المحرمة فيلاحظ الأهم البتة ويلزم الاتيان بتلك المحرمة الغير الأهم تركها للتوصّل إلى ذي المقدّمة التي يكون فعلها أهم من ترك المقدّمة والمفروض هيهنا وإن كان ذلك يعني ان التخلّص من الغصب على الدوام وتخلية ملك الغير مرور الأيّام أهم من التصرّف الخروجي الموقت المحدود وإن كان حراماً وغصباً أيضاً إلّا أنّه لما كان الاضطرار إلى التصرّف الخروجي لحصول الخلاص من الغصب بسوء اختياره ومع انتهاء ارتكاب المضطر إليه إلى الاختيار لا يتغيّر التصرّف والغصب عمّا هو عليه من الحرمة والمبغوضيّة وإلّا فلو كان كذلك وكان التصرف الخروجي مباحاً لأجل ارادة الغاصب حصول التخلّص منه وفعله بعنوان انه وسيلة للخلاص عن الحرام لكان الحرمة معلّقة على ارادة المكلّف فيكون محرماًعليه إذا أراد البقاء بعد الدخول وعدم حرمة التصرّف في الغصب بل وجوبه مع اختياره التصرّف الخروجي للخلاص وهو كماترى واضح الفساد اذ لا يعقل تعلّق الحرمة والوجوب

ص: 93

إن قلت[1]: إن التصرف في أرض الغير بدون إذنه بالدخول والبقاء حرام، بلا إشكال ولا كلام، وأما التصرف بالخروج الذي يترتب عليه رفع الظلم، ويتوقف عليه التخلص عن التصرف الحرام، فهو ليس بحرام في حال من الحالات، بل حاله حال مثل شرب الخمر، المتوقف عليه النجاة من الهلاك في الاتصاف بالوجوب في جميع الاوقات.

__________________________

على مثل الارادة المزبورة مع انه أي التعليق المذكور وكون الحرمة والوجوب منوطين بارادةالمكلّف خلاف الفرض يعني فرض كون الاضطرار بسوء الاختيار اذ اضطراره إلى الخروج الذي هو تصرّف محرّم في نفسه صار وحصل بسوء ما اختاره من الاقدام على التصرّف بالدخول وذلك ينافي كون الحرمة معلّقة على الارادة إذ مع ذلك يعني كون الحرمة معلّقة على الارادة لا يتحقّق مورد للاضطرار إلى المحرم اذ كلّما أراد بخروجه تخليص ملك الغير يكون محللة على الفرض ففي أي مورد يضطر إلى ارتكاب ما هو حرام في نفسه وبعبارة أخرى اضطراره إلى الخروج الذي هو تصرّف محرم في نفسه صار بسوء ما اختاره من الاقدام على التصرّف بالدخول ومن المعلوم ان ذلك ينافي كون الحرمة معلّقة على الارادة اذ مع ذلك لا يتحقّق مورد للاضطرار إلى المحرم كما لا يخفى.

[1] فان قلت: انّ التصرّف في أرض الغير بدون اذنه بالدخول والبقاء حرام بلا إشكال ولا كلام وأمّا التصرّف بالخروج الذي يترتّب عليه رفع الظلم ويتوقّف عليه التخلّص عن التصرّف الحرام فهو ليس بحرام في حال من الحالات قبل الدخول وبعد الدخول بل حال الدخول مثل شرب الخمر المتوقّف عليه النجاة من الهلاك

ص: 94

.......................................

__________________________

في الاتّصاف بالوجوب في جميع الأوقات سواء كان الاضطرار إليه ابتداء أو بسوء الاختيار ومنه يظهر المنع عن كون جميع أنحاء التصرّف حراماً قبل الدخول وانه منجز عليه التكليف بترك الكل لأنّه يتمكّن من ترك الجميع في الخروج فعلاً ولا يشترط في تنجيز التكليف أزيد من ذلك وذلك لأنّه لو لم يدخل لما كان متمكّناً من الخروج وتركه ليتوقّف تحقّق موضوع الخروج على الدخول وترك الخروج بترك الدخول رأساً ليس في الحقيقة إلّا ترك الدخول لما قد عرفت من انه قبل الدخول لا موضوع للخروج ليترك فمن لم يشرب الخمر لعدم أداء شربها إلى وقوعه في المهلكة التي لا محيص عنه غير انه يعالجها به أيضاً مثلاً لم يصدق عليه الا انه لم يقع في المهلكة لا انه ما شرب الخمر فيها أي في المهلكة نظراً إلى ترك الشرب المؤدّي إليها فلا يصدق ترك الخروج أو ترك شرب الخمر في المهلكة إلّا على نحو السالبة المنفيّة بانتفاء الموضوع كما لا يخفى وبالجملة لا يكون الخروج بملاحظته مصداقاً للتخلّص عن الحرام أو سبباً له الّا مطلوباً ومحبوباً ويستحيل أن يتّصف بغير المطلوبيّة والمحبوبيّة ويحكم عليه بغير المطلوبيّة.

قلت: هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال على كون ما ينحصر به التخلّص من الحرام مأموراً به وهو موافق لما أفاده شيخنا المرتضى قدس سره على ما في تقريرات بعض الأجلّة من مقرّري بحثه لكنّه لا يخفى ان ما به التخلّص عن فعل الحرام أو ترك الواجب إنّما يكون حسناً عقلاً ومطلوباً شرعاً وإن كان قبيحاً ذاتاً ومحرماً في نفسه بشرطين أحدهما عدم التمكّن والقدرة من التخلّص بدونه

ص: 95

.......................................

__________________________

وبوجه آخر وكلّما كان للتخلّص طريقاً آخر غير ارتكاب القبيح بالذات لا يرفع قبحه ولا يصير حسناً بمجرّد كونه وسيلة للخلاص وثانيهما عدم وقوع الحرام في الابتداء وفي أوّل الأمر بسوء اختيار المكلّف إذ كلّما وقع في الابتداء بسوء اختياره فاما ان يصير واقعاً في الاقتحام في ترك الواجب وهو التخلّص عن الغصب أو فعل الحرام وهو البقاء في الدار المغصوبة وإمّا في الاقدام على ما هو قبيح وحرام لو لا ان به التخلّص بلا كلام وهو الخروج من الدار المغصوبة كما هو المفروض في المقام ضرورة تمكّنه منه قبل اقتحام فيه بسوء اختياره وبالجملة كان قبل وقوع ما وقع بسوء اختياره متمكناً من التصرّف خروجاً كما يتمكّن منه دخولاً غاية الأمر يتمكّن من ترك الدخول بلا واسطة ومن ترك الخروج بالواسطة ومجرّد عدم التمكّن من الخروج إلّا بواسطة لا يخرجه عن كونه مقدوراً كما هو الحال في البقاء فكما يكون ترك البقاء في الدار المغصوبة مطلوباً في جميع الأوقات فكذلك الخروج عنه أيضاً مع ان البقاء مثل الخروج أيضاً في الفرعيّة على الدخول فكما لا تكون فرعيّة البقاء على الدخول مانعة عن مطلوبيّة تركه قبل الدخول وبعد الدخول كذلك لم يكن تلك الفرعيّة أيضاً مانعة عن مطلوبيّة ترك الخروج بعد الدخول وإن كان العقل يحكم بلزوم الخروج ووجوبه ارشاداً إلى اختيار أقل المحذورين وأخف القبيحين لأنّه كلّما استمرّ ترك الخروج يزداد التصرّف في ملك الغير عدواناً وهو قبيح عقلاً ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجاً وتخلّصاً عن المهلكة وان شربه للعلاج إنّما يكون مطلوباً على كلّ حال لو

ص: 96

.......................................

__________________________

لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار وإلّا فكما جعل نفسه مضطرّاً إلى شربه باختياره وفعله فهو على ما هو عليه من الحرمة وإن كان العقل يلزمه ارشاداً إلى ما هو أهم وأولى بالرعاية من ترك شرب الخمر وهو حفظ النفس لكون الغرض في شرب الخمر أعظم من ترك الاقتحام من أوّل الأمر فيما يؤدّي إلى هلاك النفس أو شرب الخمر ولما كان أعظم فهو أهم ووجه الزام العقل بما هو أهم وأولى من ترك شرب الخمر هو أن لا يقع في أشدّ المحذورين منهما وهو هلاك النفس فيصدق عند ترك الاقتحام فيما يؤدّي إلى أحدهما انّه تركهما أي شرب الخمر وهلاك النفس ولو بتركه شيئاً لو فعله لأدّى لا محالة إلى أحد المحذورين كسائر الأفعال التوليديّة والتسببيّة حيث يكون العمد أي القصد إليها بالعمد أي القصد إلى أسبابها واختيار تركها بعدم العمد والقصد إلى الأسباب وهذا يكفي في استحقاق العقاب على الشرب المحرم للعلاج حيث كان قادراً على تركه في أوّل الأمر ولو بترك سببه وما مولده، نعم يكون مع ذلك هذا الأمر المحرم لازماً عقلاً للفرار عمّا هو أكثر عقوبة.

ثمّ اعلم انّه لا بعد في ادّعاء عدم صدق ترك شربه الخمر بترك الاقتحام فيما يؤدّي إلى شربه أو هلاك النفس إلّا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع لا المحمول بمعنى انه يصدق مع ترك الاقتحام عدم الوقوع في المهلكة لا عدم شرب الخمر في المهلكة كما انه كذلك في مسئلة البقاء والخروج أيضاً فان من لم يدخل في الدار المغصوبة لا يصدق عليه انه ترك البقاء أو الخروج نعم يصدق سلبهما بانتفاء الموضوع وهو الدخول فيثبت من ذلك عدم القدرة على شرب

ص: 97

.......................................

__________________________

الخمر أو تركه في المهلكة لأن المقدور ما كان الشخص قادراً على فعله وتركه معاً ومن لم يدخل في الدار المغصوبة لا يقدر على ترك البقاء فيها والخروج عنها لأن تركهما يتوقّف على تحقّق الدخول والفرض انه لم يتحقّق، وكذا من لم يشرب الخمر أولا ولم يوقع نفسه بسبب شربه في المهلكة لا يقدر على ترك شربه في المهلكة لأنّه ليس على الفرض مهلكة فلا وجه حينئذٍ لكون الشرب الواقع من المكلّف للخلاص أو الخروج عن الدار حراماً ومعصية لكون المكلّف مختاراً في الفعل والترك في أوّل الأمر ولو كان مضطرّاً بعد الاقتحام والدخول لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي في الاختيار بل كما يكون المكلّف مضطرّاً إلى الشرب والخروج بعد الاقتحام والدخول في الدار ولا يكون قادراً على الترك فكذلك لا يكون قادراً عليه في أوّل الأمر وقبل الاقتحام في المهلكة والدخول في الدار المغصوبة ولكنّه غير ضائر ذلك الادعاء الذي عرفت تفصيله بعد تمكّن المكلّف من الترك ولو على نحو هذه السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع وتمكّنه من الفعل أيضاً بواسطة تمكّنه ممّا هو من قبيل الموضوع في هذه السالبة كالدخول فيما تقدّم والشرب المؤدّي الأولى إلى أحد الأمرين في المقام، فهو فعلاً مختار في المعصية والطاعة فيوقع نفسه بالاختيار في المهلكة حيث يشرب ويوقع نفسه في ضرر البقاء أو الخروج حيث يدخل الدار أو يختار ترك الدخول والوقوع في المهلكة لئلّا يحتاج إلى التخلّص والعلاج.

ص: 98

ومنه ظهر المنع عن كون جميع انحاء التصرف في أرض الغير مثلا حراما قبل الدخول، وأنه يتمكن من ترك الجميع حتى الخروج، وذلك لانه لو لم يدخل لما كان متمكنا من الخروج وتركه، وترك الخروج بترك الدخول رأسا ليس في الحقيقة إلا ترك الدخول، فمن لم يشرب الخمر، لعدم وقوعه في المهلكة التي يعالجها به مثلا، لم يصدق عليه إلا أنه لم يقع في المهلكة، لا أنه ما شرب الخمر فيها، إلا على نحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع، كما لا يخفى.

وبالجملة لا يكون الخروج - بملاحظة كونه مصداقا للتخلص عن الحرام أو سببا له - إلا مطلوبا، ويستحيل أن يتصف بغير المحبوبية، ويحكم عليه بغير المطلوبية.

قلت: هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال على كون ما انحصر به التخلص مأمورا به، وهو موافق لما أفاده شيخنا العلامة أعلى اللَّه مقامه، على ما في تقريرات بعض الاجلة، لكنه لا يخفى أن ما به التخلص عن فعل الحرام أو ترك الواجب، إنما يكون حسنا عقلا ومطلوبا شرعا بالفعل، وإن كان قبيحا ذاتا إذا لم يتمكن المكلف من التخلص بدونه، ولم يقع بسوء اختياره، إما في الاقتحام في ترك الواجب أو فعل الحرام، وإما في الاقدام على ما هو قبيح وحرام، لولا أن به التخلص بلا كلام كما هو المفروض في المقام، ضرورة تمكنه منه قبل اقتحامه فيه بسوء اختياره.

وبالجملة كان قبل ذلك متمكنا من التصرف خروجا، كما يتمكن منه دخولا، غاية الامر يتمكن منه بلا واسطة، ومنه بالواسطة، ومجرد عدم التمكن منه إلا

ص: 99

بواسطة لا يخرجه عن كونه مقدورا، كما هو الحال في البقاء، فكما يكون تركه مطلوبا في جميع الاوقات، فكذلك الخروج، مع أنه مثله في الفرعية على الدخول، فكما لا تكون الفرعية مانعة عن مطلوبيته قبله وبعده، كذلك لم تكن مانعة عن مطلوبيته، وإن كان العقل يحكم بلزومه إرشادا إلى اختيار أقل المحذورين وأخف القبيحين.

ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلصا عن المهلكة، وأنه إنما يكون مطلوبا على كل حال لو لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار، وإلا فهو على ما هو عليه من الحرمة، وإن كان العقل يلزمه إرشادا إلى ما هو أهم وأولى بالرعاية من تركه، لكون الغرض فيه أعظم، فمن ترك الاقتحام فيما يؤدي إلى هلاك النفس، أو شرب الخمر، لئلا يقع في أشد المحذورين منهما، فيصدق أنه تركهما، ولو بتركه ما لو فعله لادي لا محالة إلى أحدهما، كسائر الافعال التوليدية، حيث يكون العمد إليها بالعمد إلى اسبابها، واختيار تركها بعدم العمد إلى الاسباب، وهذا يكفي في استحقاق العقاب على الشرب للعلاج، وإن كان لازما عقلا للفرار عما هو أكثر عقوبة.

ولو سلم عدم الصدق إلا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع، فهو غير ضائر بعد تمكنه من الترك، ولو على نحو هذه السالبة، ومن الفعل بواسطة تمكنه مما هو من قبيل الموضوع في هذه السالبة، فيوقع نفسه بالاختيار في المهلكة، أو يدخل الدار فيعالج بشرب الخمر ويتخلص بالخروج، أو يختار ترك الدخول والوقوع فيهما، لئلا يحتاج إلى التخلص والعلاج.

ص: 100

إن قلت[1]: كيف يقع مثل الخروج والشرب ممنوعا عنه شرعا ومعاقبا عليه عقلا؟ مع بقاء ما يتوقف عليه على وجوبه، و وضوح سقوط الوجوب مع امتناع المقدمة المنحصرة، ولو كان بسوء الاختيار، والعقل قد استقل بان الممنوع شرعا كالممتنع عادة أو عقلا.

قلت: أولا: إنما كان الممنوع كالممتنع، إذا لم يحكم العقل بلزومه إرشادا إلى ما هو أقل المحذورين، وقد عرفت لزومه بحكمه، فإنه مع لزوم الاتيان بالمقدمة عقلا، لا بأس في بقاء ذي المقدمة على وجوبه، فإنه حينئذ ليس من التكليف بالممتنع، كماإذا كانت المقدمة ممتنعة.

وثانيا: لو سلم، فالساقط إنما هو الخطاب فعلا بالبعث والايجاب لا لزوم إتيانه عقلا، خروجا عن عهدة ما تنجز عليه سابقا، ضرورة انه لو لم يأت به لوقع في المحذور الاشد ونقض الغرض الاهم، حيث إنه الآن كما كان عليه من الملاك والمحبوبية، بلا حدوث قصور أو طروء فتور فيه أصلا، وإنما كان سقوط الخطاب لاجل المانع، وإلزام العقل به لذلك إرشادا كاف، لا حاجة معه إلى بقاء الخطاب بالبعث إليه والايجاب له فعلا، فتدبر جيدا.

__________________________

[1] فان قلت: كيف يقع مثل الخروج تخلصاً والشرب علاجاً ممنوعاً عنه شرعاً ومعاقباً عليه عقلاً مع بقاء ما يتوقّف عليه وهو التخلّص على وجوبه وذلك غير ممكن لسقوط الوجوب مع امتناع المقدمة المنحصرة ولو كان الامتناع بسوء الاختيار والعقل قد استقل بأنّ الممنوع شرعاً كالممتنع عادة أو عقلاً وبعبارة أوضح كيف يمكن الجمع بين كون الخروج والشرب محرمين والتخلّص والعلاج

ص: 101

.......................................

__________________________

واجبين مع وضوع سقوط الوجوب إذا انحصرت مقدمته بالمحرمة فالاعتراف ببقاء الوجوب يلزم الاعتراف بوجوب الخروج والشرب وعدم المنع عنهما والمعاقبة عليهما فكيف أنتم منكرون لذلك.

قلت: أوّلاً انّه لا منافات بين بقاء الوجوب مع الممنوعيّة في المقدّمة مطلقاً وإنّما كان الممنوع كالممتنع اذا لم يحكم العقل بلزومه ارشاداً إلى ما هو أقل المحذورين وقد عرفت لزومه بحكمه ويكفي في ذلك بقاء الوجوب شرعاً فانّه مع لزوم الاتيان بالمقدّمة عقلاً لا بأس في بقاء ذي المقدّمة على وجوبه فانّه ليس حينئذٍ من التكليف بالممتنع كما إذا كانت المقدّمة ممتنعة وثانياً لو سلّم انّ الممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً مطلقاً فلا نسلم سقوط الوجوب خطاباً وملاكاً لعدم اقتضاء ممنوعيّة المقدّمة ذلك فالساقط إنّما هو الخطاب فعلاً بالبعث والايجاب لا لزوم اتيانه عقلاً خروجاً عن عهدة ما ينجز عليه سابقاً من التكليف بترك انحاء التصرّف في المغصوب وشرب الخمر مثلاً كلّها فلما وقع بسوء اختياره وكان قادراً على التخلّص في الجملة الزمه العقل بدفع أشدّ الضررين بارتكاب أقلّهما كما هو الحال في جميع صور الدوران غير انّه في الدوران ابتداء يكون دفع الأشد واجباً شرعيّاً ومثله ارتكاب الأقل لتوقّفه عليه وفي الدوران عند الوقوع بسوء الاختيار يكون الوجوب عقليّاً مع العقاب على مخالفة التكليف المنجز ضرورة انه لو لم يأت به لوقع في المحذور الأشد وفي نقض الغرض الأهم لو بقى في الدار ولم يخرج أو عرض نفسه للهلاك ولم يشرب الخمر حيث انه أي التخلّص الان يعني بعد

ص: 102

وقد ظهر مما حققناه فساد القول بكونه مأمورا به،[1] مع إجراء حكم المعصية عليه نظرا إلى النهي السابق، مع ما فيه من لزوم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة، ولا يرتفع غائلته باختلاف زمان التحريم والايجاب، قبل الدخول وبعده، كما في الفصول، مع اتحاد زمان الفعل المتعلق لهما، وإنما المفيد اختلاف زمانه ولو مع اتحاد زمانهما، وهذا أوضح من أن يخفى، كيف؟ ولازمه وقوع الخروج بعد الدخول، عصيانا للنهي السابق، وإطاعة للامر اللاحق فعلا، ومبغوضا ومحبوبا كذلك بعنوان واحد، وهذا مما لا يرضى به القائل بالجواز، فضلا عن القائل بالامتناع.

كما لا يجدي في رفع هذه الغائلة، كون النهي مطلقا وعلى كل حال، وكون الامر مشروطا بالدخول، ضرورة منافاة حرمة شئ كذلك، مع وجوبه في بعض الاحوال.

__________________________

ارتكاب اختيار السوء كما كان عليه أولاً من الملاك والمحبوبيّة بلا حدوث قصور أو طرو فتورٍ فيه اصلا وإنّما كان سقوط الخطاب لأجل المانع من قبل شخص المكلّف ومن المعلوم انّ الزام العقل به لذلك ارشاداً كاف ولا حاجة مع ذلك الالزام إلى بقاء الخطاب بالبعث إليه والايجاب له فعلاً.

[1] يعني ان ما عرفته منّا من التحقيق مع انه يثبت مختارنا في المسئلة يدلّ على فساد القول الآخر أيضاً وهو انّ الخروج من الدار للتخلّص أو شرب الخمر للعلاج في المثالين ليس منهيّاً عنه بل مأموراً به مع اجراء حكم المعصية عليه نظراً إلى النهي السابق وحكى هذا القول عن الفخر الرازي واختاره صاحب الفصول

ص: 103

.......................................

__________________________

وفيه انّه يلزم منه اتّصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة ولا يرتفع غائليته وفساد ذلك باختلاف زمان التحريم والايجاب وكون زمان التحريم قبل الدخول وزمان الايجاب بعده كما في الفصول مع اتّحاد زمان الفعل المتعلّق لهما أي الخروج ووقوعه متعلّقاً للحكمين في زمان واحد وإنّما المفيد اختلاف زمان الفعل بأن يقع الفعل في زمان متعلّقاً للوجوب وفي زمان آخر متعلّقاً للحرمة ولو كان زمان الايجاب والتحريم واحداً بأن ينهى عن شي ء ويأمر به في زمان واحد ولكنّه يقع متعلّقاً للأمر في زمان ومتعلّقاً للنهي في زمان آخر فان هذا لا غائليّة فيه وكيف يصح ما أفاده صاحب الفصول مع ان لازمه وقوع الخروج الذي يقع في زمان واحد بعد الدخول عصياناً للنهي السابق واطاعة الأمر اللاحق فعلاً ومبغوضاً ومحبوباً كذلك أيضاً بعنوان واحد وهذا ممّا لا يرضى به القائل بجواز اجتماع الأمر والنهي بل إنّما يقول هو بالجواز مع اختلاف العنوان بأن كان الشي ء بعنوان مأموراً به وبعنوان آخر منهيّاً عنه فضلاً عن القائل بالامتناع حتّى مع اختلاف العنوان كما لا يجدي في دفع غائلة اجتماع الأمر والنهي وكون الشي ء الواحد مأموراً به ومنهيّاً عنه فعلاً كون النهي عن التصرّف في المغصوب مطلقاً وعلى كلّ حال والأمر به للتخلّص والخروج مشروطاً بالدخول ضرورة منافاة حرمة شي ء كذلك يعني مطلقاً وعلى كلّ حال مع وجوبه في بعض الأحوال إذ لازمه اجتماع الأمر والنهي في تلك الحالة وهو لا يجوز بحال.

ص: 104

وأما القول بكونه مأمورا به ومنهيا عنه،[1] ففيه - مضافا إلى ما عرفت من امتناع الاجتماع فيما إذا كان بعنوانين، فضلا عما إذا كان بعنوان واحد كما في المقام، حيث كان الخروج بعنوانه سببا للتخلص، وكان بغير إذن المالك، وليس التخلص إلا منتزعا عن ترك الحرام المسبب عن الخروج، لا عنوانا له - أن الاجتماع ها هنا لو سلم أنه لا يكون بمحال، لتعدد العنوان، وكونه مجديا في رفع غائلة التضاد، كان محالا لاجل كونه طلب المحال، حيث لا مندوحة هنا، وذلك لضرورة عدم صحة تعلق الطلب والبعث حقيقة بما هو واجب أو ممتنع، ولو كان الوجوب أو الامتناع بسوء الاختيار، وما قيل أن الامتناع أو الايجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار، إنما هو في قبال استدلال الاشاعرة للقول بأن الافعال غير اختيارية، بقضية أن الشئ ما لم يجب لم يوجد.

__________________________

[1] واما القول بكونه مأموراً به ومنهيّاً عنه مضافاً إلى ما عرفت من امتناع الاجتماع في هذه الصورة بالاجماع لامتناعه فيما إذا كان بعنوانين فضلاً عمّا إذا كان بعنوان واحد كما في المقام حيث كان الخروج بعنوانه سبباً للتخلّص فكان واجباً وكان بغير اذن المالك فكان حراماً أيضاً وليس عنوان التخلّص إلّا أمراً اعتباريّاً منتزعاً من ترك الحرام المسبّب عن الخروج لا عنواناً لنفس الخروج مستقلّاً متعلّقاً للحكم الوجوبي ليكون غير العنوان المتعلّق للحكم التحريمي وبعبارة أخرى يكون الخروج على القول المذكور بعنوانه مقدّمة للواجب وهو التخلّص فيكون واجباً ويكون أيضاً تصرّفاً بغير اذن المالك فيكون حراماً وعنوان التخلّص الواجب إنّما هو منتزع عن ترك البقاء الحرام الذي سببه الخروج

ص: 105

.......................................

__________________________

والتخلّص مسبّب عنه فلا يكون عنواناً لنفس الخروج إذ السبب والمسبّب متغايران ولابدّ أن يكون لهما عنوانان فالخروج بالعنوان الذي يكون حراماً يكون واجباً أيضاً بذلك العنوان وعنوان التخلّص الواجب ليس عنواناً للخروج بل مسبّب عنه.

ثمّ انّه أورد الشارح على المصنّف هنا ايراداً لا بأس بايراده وهو ان للخصم القائل بكون الخروج مأموراً به ومنهيّاً عنه معاً أن يقول انّه لا يلزم في تعدّد العنوان المأمور به والمنهي عنه أن يكون بنحو التباين بل يكفي في التعدّد أن يكون بينهما عموم وخصوص مطلق فيقال حينئذٍ انّ الخروج بعنوان كونه تصرّفاً مطلقاً بغير اذن المالك حرام وبعنوانه كونه تخلّصاً وتصرّفاً خاصّاً وفرداً مخصوصاً من التصرّف واجباً ويدلّ على كفاية هذا القدر من التعدّد انّهم جعلوا من مختلف العنوان ما كان بين المأمور به والمنهي عنه العموم المطلق فيما إذا كان العموم في جانب الأمر مثل قوله صلّ ولا تغصب فانّ بين عنوان المأمور به وهو الصلوة وعنوان المنهي عنه وهو الغصب عموم وخصوص مطلق غاية الأمر يكون العموم في المثال المذكور في جانب الأمر فان مطلق الصلوة وما وقعت منها في أيّ مكان مطلوبة ومأمور بها إلّا خصوص الصلوة الواقعة في المكان المغصوب فانّها بالخصوص منهي عنها ومن المعلوم مساوات ذلك لما إذا كان العموم في جانب النهي فاذن يقال في المقام ان كلّ تصرّف في ملك الغير بغير اذنه منهي عنه إلّا التصرّف الخاص وهو التصرّف الموجب للتخلّص من الغصب وعلى كلّ حال فيتّضح ما أورده المصنّف كمال الوضوح واندفاع ما أورده الشارح أيضاً بما أفاده هو أيضاً انّ الخروج

ص: 106

.......................................

__________________________

لا سببيّة فيه للتخلّص كما قال به الخصم بل هو أيضاً فرد ضعيف من أفراد التصرّف في الغصب يوجب الخلوص من الفرد الأقوى وليس عنوان التخلّص واجباً في دليل من الأدلّة حتّى العقل اذ العقل لا حكم له على العنوان بما هو عنوان وإنّما الواجب عقلاً هو امتثال النهي وترك التصرّف في الغصب والقدر الممكن من امتثاله بعد تحقّق الدخول في الدار المغصوبة اما ترك التصرّف البقائي بالخروج وامّا ترك التصرّف الخروجي بالبقاء فيتعيّن الخروج فعلاً لتحقّق امتثال النهي عن نحو التصرّف البقائي الذي هو أشدّ وأعظم لا لحصول عنوان التخلّص الذي ليس في الأدلّة منه اسم ولا رسم فليس أمر شرعي متعلّق بالخروج لاندراجه تحت عنوان التخلّص أصلاً(1).

ثمّ انّه حقّق المصنّف تحقيقاً آخر وهو ان بعد تسليم جواز الاجتماع هيهنا لتعدّد العنوان وكونه مجدياً في دفع غائليّة التضاد وعدم لزوم تعدّد المعنون يكون محالاً لأجل كونه طلب المحال حيث لا مندوحة ولابد المكلّف عقلاً أن يتصرّف بالخروج للخلاص من الغصب ولا طريق آخر له أصلاً ليمكن له الأخذ به بل إنّما يجب عقلاً سلوك ذلك الطريق لامتثال النهي عن الغصب وما كان واجباً وجوده وكان المكلّف اتياً به حتماً وقطعاً بداع كان محرّكاً له نحو الفعل قبل طلبه منه لا وجه لتعلّق الطلب والبعث به حقيقة اذ المقصود من الطلب ايجاد الداعي للمأمور بأن يأتي به ويوجده وبعد وجود الداعي للايجاد ليس ايجاد الداعي له إلّا لغواً

ص: 107


1- الهداية في شرح الكفاية: 356.

.......................................

__________________________

وعبثاً وتحصيلاً للحاصل كما انّه لا يجوز تعلّق الطلب والبعث بالامر الممتنع وما لا يمكن وجوده للغويته أيضاً وعدم فائدته الحكم في الواجب والممتنع ما ذكر ولو كان الوجوب أو الامتناع بسوء الاختيار كما في المقام فانّه وإن كان عدم المندوحة واللابديّة في التصرّف الخروجي للخلاص عن الغصب بسوء اختيار الفاعل فلا يجوز مع ذلك تعلّق الطلب والبعث بذلك التصرّف وكونه مأموراً به وما قيل انّ الامتناع أو الايجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار لا ربط له بهذا المقام ولا يؤثر في جواز تعلّق الطلب بالواجب وما يؤتى به حتماً بداع سابق على ذلك الطلب اذ القضيّة المذكورة إنّما قيل به في مقابل استدلال الأشاعرة لقولهم بأنّ الأفعال الصادرة عن العباد غير اختياريّة وانّهم مجبورون على أعمالهم بسبب انّ الشي ء ما لم يجب لم يوجد كما انّه ما لم يمتنع لم ينعدم وان كلّ موجود فهو واجب بالغير وكلّ معدوم ممتنع كذلك فأجابهم أهل العدل من الشيعة والمعتزلة بانّ الايجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار بمعنى ان تعلّق الارادة بالفعل من الفاعل يصير سبباً لوجوبه وكلّما كان من الأفعال مسبوقاً بالارادة فهو اختياري فلا دخل لهذا الايجاب المذكور في تلك القضيّة ولا لمتعلّقه وهو الفعل الصادر من الفاعل بعد تمام أجزاء علّته بالايجاب الحكمي التكليفي ومتعلّقه مثل الخروج من الدار المغصوبة مثلاً الواجب للخلاص من الغصب في المقام الذي هو محلّ الكلام فانّ الايجاب في المقام بمعنى الزام العقل للمكلّف بالخروج للتخلّص عن الغصب وامتثال النهي عن التصرّف في المغصوب ودفع أشدّ المحذورين بارتكاب أخفها

ص: 108

فانقدح بذلك فساد الاستدلال لهذا القول، بأن الامر بالتخلص والنهي عن الغصب دليلان يجب إعمالهما، ولا موجب للتقييد عقلا، لعدم استحالة كون الخروج واجبا وحراما باعتبارين مختلفين، إذ منشأ الاستحالة: إما لزوم اجتماع الضدين وهو غير لازم، مع تعدد الجهة، وإما لزوم التكليف بما لا يطاق وهو ليس بمحال إذا كان مسببا عن سوء الاختيار، وذلك لما عرفت من ثبوت الموجب للتقييد عقلا ولو كانا بعنوانين، وأن اجتماع الضدين لازم ولو مع تعدد الجهة، مع عدم تعددها هاهنا، والتكليف بما لا يطاق محال على كل حال، نعم لو كان بسوء الاختيار لا يسقط العقاب بسقوط التكليف بالتحريم أو الايجاب.[1]

__________________________

ومع هذا الالزام من العقل لا وجه لتعلّق الطلب والايجاب الشرعي بالخصوص بالتصرّف الخروجي فالايجاب الحكمي التكليفي ولو بالاختيار ينافي الاختيار بمعنى انه ينافي مع ورود التكليف المخصوص من الشارع وايجابه بعد كونه واجباً عقلاً بخلاف الايجاب التكويني فانه لما كان وجود الشي ء واجباً باختيار المكلّف وارادته فلا ينافي أن يكون مع ذلك كونه مختاراً في الفعل والترك ولا يكون مجبوراً على الفعل بسبب مسبوقيّة الفعل بالارادة من الفاعل فما ذكر غلط نشأ من اشتراك لفظ الايجاب.

[1] ثمّ انّه ظهر بما ذكر فساد الاستدلال للقول المزبور اجتماع الأمر والنهي بأنّ الأمر بالتخلّص والنهي عن الغصب دليلان يجب اعمالهما ولا موجب لتقيد أحد الدليلين بالآخر عقلاً ليعمل الدليل المقيّد دون غيره اذ الموجب للتقييد تنافي الدليلين بحيث لا يمكن العمل بهما وهنا لا يستحيل كون الخروج واجباً وحراماً

ص: 109

.......................................

__________________________

باعتبارين مختلفين إذ لا منشأ للاستحالة والباعث له ليس إلّا أحد الأمرين اما لزوم اجتماع الضدّين وهو غير لازم مع تعدّد الجهة وفي المقام جهة الوجوب التخلّص عن الغصب وجهة الحرمة التصرّف في الغصب واما لزوم التكليف بما لا يطاق وهو ليس بمحال إذا كان مسبّباً عن سوء الاختيار وذلك يعني وجه فساد الاستدلال المذكور.

قال الشارح اما أوّلاً فلأن كلّ حرام يجب تركه والتخلّص منه عقلاً وكلّ واجب يحرم تركه ويجب التخلّص من تبعيته كذلك وليس ذلك ممّا ينبغي للمحصل أن يقول فيه انّهما دليلان يجب اعمالهما لأن ما دلّ على أحدهما بعينه دلّ على الآخر وهذا أوضح من أن يبيّن وجه فساده بل لا ينبغي تضييع الوقت بالاشتغال بردّه(1).

أقول: الانصاف ان فساد الاستدلال المذكور ليس بالمثابة التي كان دفعه تضييعاً للوقت اذ القائل بجواز الاجتماع إنّما يقول باجتماع الحرمة والوجوب في العمل الواحد الصادر من المصلي في المكان المغصوب من جهة وجوب العمل بالدليلين وهما الأمر بالصلوة والنهي عن الغصب نعم قضيتا كلّ حرام يجب تركه وكلّ واجب يحرم تركه بمعنى واحد وليستا دليلين مستقلّين لم يكن لأحدهما رجوع إلى الآخر ولكن ما يكون مصداقاً لمفهوم الحرام والواجب وواجباً او حراماً بالحمل الشائع الصناعي لا الأولى الذاتي مثل الصلوة والغصب في المثال المعروف والتخلّص عن الغصب والتصرّف في الغصب في المثال الآخر فانّما يدلّ على وجوب أحدهما وحرمة الآخر دليلان مستقلّان لا يدلّ أحدهما على ما دلّ

ص: 110


1- الهداية في شرح الكفاية: 357.

ثم لا يخفى[1] أنه لا إشكال في صحة الصلاة مطلقا في الدار المغصوبة على القول بالاجتماع، وأما على القول بالامتناع، فكذلك، مع الاضطرار إلى الغصب، لا بسوء الاختيار أو معه ولكنها وقعت في حال الخروج، على القول بكونه مأمورا به بدون إجراء حكم المعصية عليه، أو مع غلبة ملاك الامر على النهي مع ضيق

__________________________

عليه الآخر بعينه كما هو واضح وقال المصنّف وجه الفساد ما عرفت من ثبوت الموجب للتقييد عقلاً ولو سلّم انّهما كانا بعنوانين اذ يمتنع اجتماع الوجوب والحرمة في عمل واحد ولو مع اختلاف العنوان وان اجتماع الضدّين لازم ولو مع تعدّد الجهة وانّ العقل يحكم بلزوم ما نهى عنه للتخلّص ارشاداً إلى اختيار أقلّ المحذورين وأخفّ القبيحين وان ما به التخلّص لا يكون مأموراً به شرعاً مع انّ الحق انّه لا تعدّد في متعلّق الأمر والنهي هيهنا اذ الخروج بما هو كذلك لم يحرم ولم يجب لأنّ المحرم هو التصرّف العدواني والواجب هو تركه وترك التصرّف العدواني الكثير بالتصرّف العدواني القليل وهو مصداق الخروج ليس ممّا اجتمع فيه عنوانان متعلّقان لأمر ونهي بل عنوان واحد الزم العقل ارتكاب اقله زماناً لأنّه أقل ضرراً واما لزوم التكليف بما لا يطاق فلا شبهة انه محال على كلّ حال نعم لو كان بسوء الاختيار كما في المقام لا يسقط العقاب ولا ترتفع الكراهة والمبغوضيّة ونفس حكم الحرمة الاقتضائي والارادة والمحبوبيّة ونفس حكم الوجوب كذلك بسقوط التكليف بالتحريم والايجاب الفعليّين الخطابين لما مرّ مراراً من ان سقوط الخطاب بعثاً وزجراً لا يستلزم سقوط الملاك حبّاً وبغضاً وثواباً وعقاباً.

[1] ثمّ لا يخفى ان المقصود من هذه المباحث معرفة حال الصلوة تكليفاً ووضعاً لا إشكال في صحّة الصلوة مطلقاً في الدار المغصوبة على القول بالاجتماع

ص: 111

.......................................

__________________________

ووجود المندوحة والتمكّن من الصلوة في غير المكان المغصوب إذ حينئذٍ يكون المكلّف مأموراً بالصلوة والفرض انّه لا مانع من اجتماع الأمر والنهي في عمل واحد فاذا أتى بالصلوة في المكان الغصبي فقد أتى بما أمر به وإن كان الفعل الذي أتى به منهيّاً عنه أيضاً لما ذكر من عدم دخل احدى الجهتين في الصحّة بالاخرى وعلى القول بالامتناع فكذلك لا إشكال في صحّة الصلوة لا مطلقاً بل لو غلب ملاك الأمر على ملاك النهي مع ضيق الوقت والاضطرار إلى الغصب لا بسوء الاختيار لارتفاع الحرمة حينئذٍ أو اضطرّ بسوء اختياره مع وقوع الصلوة في حال الخروج مطلقاً ولو على القول بكونه مأموراً به مع اجراء حكم المعصية عليه فان هذا الاجراء لحكم المعصية إنّما يقال به لو لا عروض مثل وجه الصلوتي عليه اذ الفرض غلبة ملاك الأمر على ملاك النهي ولذا صار الخروج عند هذا القائل واجباً لعدم معقوليّة تحقّق الملاك وتأثيره لو لم يكن غالباً سواء كان مغلوباً أو لا مغلوباً ولا غالباً للزوم الترجيح بلا مرجّح وان توهّم هذا القائل عدم منافات النهي السابق له بل عرفت ان غلبة الأمر حاصلة وان لم يكن الخروج مأموراً به فضلاً عمّا لو قيل به أي بكونه مأموراً به اما الصلوة فيها في سعة الوقت مع وجود المندوحة وعدم الاضطرار إلى الغصب فالصحّة وعدمها مبنيّان على عدم اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن الضد واقتضائه فان الصلوة في الدار المغصوبة وإن كانت مصلحتها غالبة على ما فيها من المفسدة إلّا انّه لا شبهة في انّ الصلوة في غيرها يضادها بناء على انّه لا يبقى مجال مع أحديهما للاخرى مع كونها أهم لخلوها من

ص: 112

.......................................

__________________________

المنقصة الناشئة من اتّحادهما مع الغصب لكنّه عرفت عدم الاقتضاء بما لا مزيد عليه فالصلوة في الغصب اختياراً في سعة الوقت صحيحة وإن لم يكن مأموراً بها لعدم جواز الأمر بالضدّين.

والحاصل انّه إن قلنا انّ الأمر بالصلوة في المكان المباح يقتضي النهي عن الصلوة في المكان المغصوب كانت فاسدة لتعلّق النهي بها وإلّا فبناء على عدم دلالة الأمر بالشي ء على النهي عن ضدّه فلا يكون الصلوة في المكان المغصوب منهيّاً عنها فهي صحيحة وإن لم تكن مأموراً بها أيضاً لفرض غلبة ملاك الامر على ملاك النهي وهو كاف في الحكم بالصحّة ولا يلزم تعلّق أمر بالعبادة في صحّتها.

واستشكل الشارح على المصنّف بأنّه إن كانت غلبة ملاك الأمر لملاك النهي على وجه يعم حال السعة وعدم الاضطرار بأن كان الصلوة في الدار المغصوبة مع التمكّن عنها في المكان المباح صحيحة بملاك الأمر ولو لم يكن بها أمر فلم يعلم حينئذٍ انّ الصلوة في غير الدار المغصوبة أهم منها في الدار المغصوبة على وجه يتعيّن الاتيان بالصلوة في المكان المباح مع النهي عن غيرها أي الصلوة في المغصوب بناء على اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضدّه ليوجب ذلك فساد ما أتى به في الدار المغصوبة لاحتمال أن تكون الصلوة مع تلك المنقصة وهي وقوعها في المكان الغصبي كالصلوة في مواضع التهمة بأن لم يكن الصلوة فيها ناقصة بحيث كان التكليف بغيرها الأهم موجباً لعدم الأمر بها فان اقتضاء الأمر بالشي ء للنهي عن ضدّه إنّما يكون فيما إذا كان الشي ء المأمور به أهم وضدّه غير أهم بحيث لم يكن المولى راضياً بترك الأهم وفعل غير الأهم لا فيما إذا لم يكن أهميّة

ص: 113

.......................................

__________________________

الأهم بتلك المرتبة ويكون غير الأهم وافياً أيضاً بمقدار واف من المصلحة نعم حيث يجوز ان المنقصة ممّا يوجب ذلك ويكون بحيث لا يأمر المولى بغير الأهم وذي المنقصة مع التمكّن من الاهم كان ابتناء المسئلة على مسئلة الضد واضحاً كما لا يخفى(1).

وأنت خبير بأن ما أفاده المصنّف من ابتناء المسئلة على مسئلة الضد إنّما يكون على الفرض الذي ذكره الشارح من كون غير الأهم ذي منقصة بحيث لا يتعلّق به أمر مع التمكّن من الأهم كما في مثال الصلوة والغصب فان ثبوت ما ذكر في ذلك المثال لا شبهة فيه اذ لا يتصوّر منقصة أشد من منقصة العدوان والظلم كانت في العبادة فما يشترط في اقتضاء الأمر بالشي ء للنهي عن ضدّه محرز في هذا المثال وإلّا فتوقّف دلالة الأمر بالشي ء على النهي عن الضد أو عدم الأمر به على كون المأمور به أهم من ضدّه وكون أهميّته بحيث لا يطلبه المولى الغير الأهم مع التمكّن منه بل ينهى عنه من العيان الذي لا يحتاج إلى البيان.

وحاصل مرام المصنّف انه لا يكفي في صحّة الصلوة في الغصب غلبة ملاك الأمر على ملاك النهي على وجه يعم حال السعة وعدم الاضطرار فقط كما في الصور السابقة بل يتوقّف تلك الصورة على مسئلة الضد ولكنّه يشترط في اندراج جميع الأمثلة هذا المثال أو غيره تحت قاعدة الاقتضاء وعدمه كون المأمور به وضدّه أهم وغير أهم وبعبارة أخصر توقّف حكم تلك الصورة على مسئلة الضد واقتضاء الأمر بالشي ء للنهي عن ضدّه إنّما يكون في مورد صالح له البتة لا مطلقاً.

ص: 114


1- الهداية في شرح الكفاية: 358 - 359.

الوقت، أما مع السعة فالصحة وعدمها مبنيان على عدم اقتضاء الامر بالشئ للنهي عن الضد واقتضائه، فإن الصلاة في الدار المغصوبة، وإن كانت مصلحتها غالبة على ما فيها من المفسدة، إلا أنه لا شبهة في أن الصلاة في غيرها تضادها، بناء على أنه لا يبقي مجال مع إحداهما للاخرى، مع كونها أهم منها، لخلوها من المنقصة الناشئة من قبل اتحادها مع الغصب، لكنه عرفت عدم الاقتضاء بما لا مزيد عليه، فالصلاة في الغصب اختيارا في سعة الوقت صحيحة، وإن لم تكن مأمورا بها.

الامر الثاني: قد مر - في بعض المقدمات - أنه لا تعارض بين مثل خطاب (صل) وخطاب (لا تغصب) على الامتناع، تعارض الدليلين بما هما دليلان حاكيان، كي يقدم الاقوى منهما.[1] دلالة أو سندا، بل إنما هو من باب تزاحم

__________________________

[1] أقول: قد مرّ سابقاً في بعض مقدّمات المسئلة وهي المقدّمة الثامنة من المقدّمات انّه لا تعارض مثل خطاب صل ولا تغصب مثلاً الذي هو من امثلة اجتماع الأمر والنهي بناء على امتناع الاجتماع وعدم جوازه نحو تعارض الدليلين بما هما دليلان حاكيان عن مدلوليهما كي يقّدم الأقوى منهما دلالة أو سنداً بل إنّما هما بناء على شمولهما لمورد التعارض ومحلّ التصادق مثل الصلوة الواقعة في الدار المغصوبة من باب تزاحم المؤثرين المقتضيين فيقدم الغالب منهما وإن كان الدليل الدال على مقتضى الآخر الأضعف أقوى دلالة أو سنداً من الدليل الدال على المتقضى الأقوى وكان الدليل الدال على المقتضى الأقوى أضعف منه،

ص: 115

.......................................

__________________________

هذا فيما اذا احرز الغالب من المؤثرين والمقتضيين بأي طريق كان الاحراز واضح وإن لم يحرز الغالب من المؤثّرين فيكون حينئذٍ بين الخطابين بالنسبة إلى مورد الاجتماع ومحل التصادق تعارض فيقدم حينئذٍ أقوى الدليلين دلالة أو سنداً ان لم يمكن التقديم بحسب الدلالة وبطريق الان الذي هو الانتقال من ثبوت المعلول إلى ثبوت العلّة يحرز ان مدلوله أقوى مقتضياً أيضاً.

أقول: لا دلالة لاقوائيّة الدليل على اقوائيّة المدلول أصلاً ولا يكون الاقوائيّة في الدليل معلولاً لاقوائية الدليل كي ينتقل من المعلول إلى ثبوت العلّة كما اعترف به المصنّف أيضاً قدس سره في الصورة الأولى حيث قال يقدم المقتضى الأقوى على الأضعف وان كان الدليل الدال على المقتضى الأضعف أقوى من الدليل الدال على المقتضى الأقوى فهذا يدلّ على عدم التلازم بين اقوائيّة المقتضى والدليل الدال عليه فكما يمكن أن يكون الدليل أضعف والمقتضى أقوى فكذلك العكس بان يكون المقتضى أضعف والدليل الدال عليه أقوى وبعبارة أخرى قوله في الصورة الأولى فيقدم الغالب منهما وإن كان الدليل الدال على مقتضى الآخرأقوى صريح في ان اقوائيّة الدليل أعم من اقوائيّة المقتضى ولا يدلّ عليها اذ لا دلالة للعام على الخاص، وقوله وبطريق الان يحرز الخ صريح في الملازمة بين الاقوائيتين ملازمة المعلول والعلّة ولا يخفى ما في بين هذين الكلامين من التدافع والتناقض وصحّة ما أفاده في الأوّل منهما وكلّما ذكر من التفصيل جار إذا كان كلّ من الخطابين من الأمر والنهي متكفلاً لحكم فعلي وإلّا فان كان أحدهما متكفّلاً لحكم

ص: 116

.......................................

__________________________

فعلي دون الآخر فلابدّ من الأخذ بالمتكفّل له دون الآخر لو كان أحدهما متكفّلاً له وإلّا اى وان لم يكن واحد منهما متكفّلاً لحكم فعلي بل كان الحكم المستفاد من كلّ منهما شأنيّاً فلا محيص عن الرجوع إلى ما يقتضيه الأصول العمليّة في مورد التصادق والاجتماع ان كان الشكّ في شرطيّة الاباحة أو مانعيّة الغصب والاحتياط صرفاً إن كان الشكّ في بعض أفراد الغصب صدقياً لا مصداقياً والبرائة صرفاً إن كان العكس.

ثمّ لا يخفى ان ترجيح أحد الدليلين وتخصيص الآخر به في مسئلة اجتماع الأمر والنهي والحكم بتقدّم النهي في قوله لا تغصب مثلاً على الأمر بقوله صلّ مثلاً لا يوجب خروج مورد الاجتماع ومحلّ التصادق عن تحت الآخر وهو قوله صلّ في المثال مثلاً رأساً كما هو قضيّة التخصيص والتقييد فانّ الأفراد المندرجة في دليل التخصيص والتقييد خارجة عن تحت العام والمطلق رأساً اذ لم يحرز في مثلهما ثبوت المقتضى لكلا الحكمين بل قضيّة الترجيح هنا لأحد الدليلين على الآخر وتخصيصه به ليس الآخر وجه فيما كان الحكم الذي هو مفاد الآخر فعليّاً فقط لا رأساً كما هو قضيّة التخصيص والتقييد ووجه ذلك ثبوت المقتضى في كلّ واحد من الحكمين في تلك المسئلة فاذا لم يكن المقتضى لحرمة الغصب مؤثراً لها فعلاً كما إذا لم يكن دليل الحرمة أقوى فكما انه يحكم بصحّة الصلوة في تلك الصورة فكذلك فيما كان دليل الحرمة أقوى ولكن لم يكن فعليّاً أو لم يكن واحداً من الدليلين دالّاً على الفعليّة أصلاً فانّه يحكم بصحّة المأمور به حينئذٍ أيضاً فانقدح

ص: 117

.......................................

__________________________

بما ذكر فساد الاشكال في صحّة الصلوة في المثال المعروف في صورة الجهل والنسيان ونحوهما ممّا يمنع عن فعليّة التكليف ويكون المكلّف معذوراً في حصوله فيما إذا حكم بتقدّم خطاب لا تغصب كما هو الحال فيما إذا كان الخطابان من أوّل الأمر متعارضين ولم يكونا من باب الاجتماع أصلاً فانه اذا قدم أحد المتعارضين على الآخر فيبطل العمل الذي أوقعه المكلّف على خلافه ولا في صورة الجهل أو النسيان.

قال الشارح بعد هذا الكلام من المصنّف: قلت: قد عرفت سابقاً تحقيق المقام وان ذهاب المشهور إلى صحّة الصلوة حال الجهل والنسيان والغفلة المعذور في حصولها المكلّف إنّما هو لعدم تحقّق نفي الموضوع المحرم المانع عن صحّتها لاحتياج تحقّقه إلى قصد عنوانه الخ(1).

أقول: وقد عرفت ما فيه وان الحق ما أفاده المصنّف ثمّ قال المصنّف وذلك يعني وجه الفساد ثبوت المقتضي في هذا الباب أي باب الاجتماع للصحّة كما إذا لم يقع بينهما تعارض ولم يكونا مكلّفين للحكم الفعلي فيكون وزان التخصيص في مورد الاجتماع وحاله وزان التخصيص العقلي وحاله من جهة تقديم أحد المقتضيين وتأثيره فعلاً المختص بما إذا لم يمنع عن تأثيره مانع المقتضي لصحّة مورد الاجتماع مطلقاً مع الأمر أو بدونه فيما كان هناك مانع عن تأثير المقتضي للنهي له أي للنهي بمعنى ان المقتضى للنهي جعل مانع من تأثيره للنهي أو مانع عن فعليّته كما مرّ تفصيله انفاً.

ص: 118


1- الهداية في شرح الكفاية: 360.

المؤثرين والمقتضيين، فيقدم الغالب منهما، وإن كان الدليل على مقتضى الآخر أقوى من دليل مقتضاه، هذا فيما إذا أحرز الغالب منهما، وإلا كان بين الخطابين تعارض، فيقدم الاقوى منهما دلالة أو سندا، وبطريق الان يحرز به أن مدلوله أقوى مقتضيا، هذا لو كان كل من الخطابين متكفلا لحكم فعلي، وإلا فلا بد من الاخذ بالمتكفل لذلك منهما لو كان، وإلا فلا محيص عن الانتهاء إلى ما تقتضيه الاصول العملية.

ثم لا يخفى أن ترجيح أحد الدليلين وتخصيص الآخر به في المسألة لا يوجب خروج مورد الاجتماع عن تحت الآخر رأسا، كما هو قضية التقييد والتخصيص في غيرها مما لا يحرز فيه المقتضي لكلا الحكمين، بل قضيته ليس إلا خروجه فيما كان الحكم الذي هو مفاد الآخر فعليا، وذلك لثبوت المقتضي في كل واحد من الحكمين فيها، فإذا لم يكن المقتضي لحرمة الغصب مؤثرا لها، لاضطرار أو جهل أو نسيان، كان المقتضي لصحة الصلاة مؤثرا لها فعلا، كما إذا لم يكن دليل الحرمة أقوى، أو لم يكن واحد من الدليلين دالا على الفعلية أصلا.

فانقدح بذلك فساد الاشكال في صحة الصلاة في صورة الجهل أو النسيان ونحوهما، فيما إذا قدم خطاب (لا تغصب) كما هو الحال فيما إذا كان الخطابان من أول الامر متعارضين، ولم يكونا من باب الاجتماع أصلا، وذلك لثبوت المقتضي في هذا الباب كما إذا لم يقع بينهما تعارض، ولم يكونا متكفلين للحكم الفعلي، فيكون وزان التخصيص في مورد الاجتماع وزان التخصيص العقلي الناشئ من جهة تقديم أحد المقتضيين وتأثيره فعلا المختص بما إذا لم يمنع عن تأثيره مانع، المقتضي لصحة مورد الاجتماع مع الامر، أو بدونه فيما كان هناك مانع عن تأثير

ص: 119

المقتضي للنهي له، أو عن فعليته، كما مر تفصيله.

وكيف كان، فلا بد في ترجيح أحد الحكمين من مرجح، وقد ذكروا لترجيح النهي وجوها: منها: إنه أقوى دلالة، لاستلزامه انتفاء جميع الافراد، بخلاف الامر.[1]

__________________________

[1] أقول: استدلّوا على وجوب تقديم النهي على الأمر في مسئلة الاجتماع بأن دلالة النهي أقوى من دلالة الأمر وما هو الأقوى دلالة يقدم على غيره البتة، وجه الأقوائيّة هو انّ النهي يدلّ على حرمة جميع الأفراد المنهي عنه التي منها ما يجتمع مع المأمور به فان الصلوة الواقعة في الدار المغصوبة فرد من أفراد الغصب والفرض ان قوله لا تغصب دلّ على حرمة الاتيان بجميع أفراده ووجوب ترك جميعها فيجب ترك تلك الصلوة أيضاً ويحرم الاتيان بها لحصول الامتثال للنهي عن الغصب والتصرّف في المغصوب وإلّا فالاتيان بفرد واحد من المنهي عنه يوجب المخالفة للنهي بخلاف الأمر فانه يدلّ على وجوب الاتيان بطبيعة المأمور به وهو يحصل بالاتيان بفرد واحد من الأفراد.

وقد أورد على الاستدلال المذكور بأن دلالة النهي على حرمة جميع الأفراد المنهي عنه من جهة اطلاق متعلّقه بقرينة الحكمة كدلالة الأمر على الاجتزاء بأي فرد كان فدلالة الأمر والنهي من هذه الجهة سواء.

وأورد بعضهم على الايراد المذكور بأنّه لو كان العموم المستفاد من النهي بالاطلاق ومقدّمات الحكمة لا من جهة الدلالة اللفظيّة ولو بالالتزام لكان استعمال مثل لا تغصب مع بعض أفراد الغصب حقيقة كاستعمال الكلي في الفرد من حيث

ص: 120

.......................................

__________________________

تحقّق الطبيعة فيه وهذا واضح الفساد اذ استعماله في بعض أفراده مجاز قطعاً إذ ظاهر اللفظ عرفاً العموم الاستيعابي كما هو الحال في جميع ما ظاهره ذلك فان استعمال العام في الخاص مجاز قطعاً فيدلّ ذلك على ان دلالته على العموم من جهة ان وقوع الطبيعة في حيز النفى أو النهي يقتضي عقلاً سريان الحكم إلى جميع الأفراد ضرورة انّه في مقام النهي وطلب ترك الطبيعة وانتفائها ومن المعلوم عدم تحقّق الانتهاء عنها أو انتفائها إلّا بالانتهاء عن الجميع أو انتفائه وهو ما ذكر من دلالته على العموم بدلالة الالتزام.

قلت: ما ذكر من دلالتهما أي الواقعين في حيز النفي أو النهي على العموم والاستيبعاب ظاهراً ممّا لا ينكر لكنّه من الواضح المعلوم ان العموم المفهوم من الطبيعة والمستفاد منها كذلك أي استيعاباً إنّما هو بحسب ما يراد من متعلّقهما وتابع له فيختلف سعة وضيقاً أي بحسب اختلاف المتعلّق والمنفي والمنهي عنه فاذا كان كذلك فلا يدلّ على استيعاب جميع الأفراد إلّا إذا اريد منه الطبيعة مطلقة وبلا قيد والّا فان كان الطبيعة المتعلّقة للنفي والنهي مقيّدة بقيد فالنفي والنهي يدلّ على استيعاب أفراد الطبيعة المقيدة ولا يكاد يستظهر ذلك أي اطلاق الطبيعة المتعلّقة لهما وعدم تقيدها مع عدم دلالة عليه بالخصوص وبدال مخصوص إلّا بالاطلاق وقرينة الحكمة بحيث لو لم تكن هناك قرينة الحكمة بأن يكون الاطلاق في غير مقام البيان لم يكد يستفاد استيعاب أفراد الطبيعة وذلك لا ينافي دلالتهما أي النفي والنهي على استيعاب أفراد ما يراد من المتعلّق اذ الفرض عدم الدلالة

ص: 121

.......................................

__________________________

على انه المقيد أو المطلق والحاصل ان الاستيعاب بالوضع وكمية المستوعب بالاطلاق والتقييد اللّهمّ إلّا أن يقال ان وقوع اللفظ الموضوع للطبيعة مقروناً بالأدوات الدالّة على العموم الاستغراقي لما يراد منها قرينة عامة تامة على تحقّق الاطلاق فيكون في دلالتهما على الاستيعاب كفاية ودلالته على انّ المراد من المتعلّق هو المطلق ولا حاجة إلى الاطلاق وقرينة الحكمة كما ربما يدعي ذلك في مثل كلّ رجلّ وان مثل لفظه كل يدل على استيعاب جميع أفراد الرجل من غير حاجة إلى ملاحظة اطلاق مدخوله وقرينة الحكمة بل يكفي ارادة ما هو معناه من الطبيعة المهملة خالياً عن كلّ قيد ولا بشرط في دلالته على الاستيعاب.

وإن كان لا يلزم مجاز أصلاً أيضاً لو اريد من الرجل قسم خاص منه بالقرينة لا فيه أي لا في الدال على العموم وهو الكل في المثال لدلالته على استيعاب أفراد ما يراد من الدخول حقيقة أو مجازاً كما مر من كونه تابعاً ولا فيه أي المطلق المدخول وهو الرجل في المثال اذا كان بنحو تعدّد الدال والمدلول لعدم استعمال المدخول إلّا فيما وضع له وهو الطبيعة المهملة والخصوصيّة مستفادة من دال آخر لا دخل لها بما أريد من المدخول.

والحاصل انّ المصنّف رجح أقوائيّة دلالة النهي وتقدّمه على الأمر بسبب دلالته على الاستيعاب التزاماً وان وقوع ما دلّ على الطبيعة بعد أدوات العموم قرينة على اطلاقها.

واستشكل في ذلك الشارح الكاظميني قدس سره بأن دلالة الأمر والنهي بحسب اللفظ

ص: 122

وقد أورد عليه بأن ذلك فيه من جهة إطلاق متعلقه بقرينة الحكمة، كدلالة الامر على الاجتزاء بأي فرد كان.

وقد أورد عليه بأنه لو كان العموم المستفاد من النهي بالاطلاق بمقدمات الحكمة، وغير مستند إلى دلالته عليه بالالتزام، لكان استعمال مثل (لا تغصب) في بعض أفراد الغصب حقيقة، وهذا واضح الفساد، فتكون دلالته على العموم من جهة أن وقوع الطبيعة في حيز النفي أو النهي، يقتضي عقلا سريان الحكم إلى جميع

__________________________

على نحو واحد لا تفاوت بينهما فلا أقوائيّة للنهي وذلك لأن متعلّق الأمر والنهي هو الطبيعة قطعاً ووجه شمولها لكلّ فرد على البدل إذا كانت متعلّقة للأمر حكم العقل بأن قضيّة التعليق على الطبيعة في مقام بيان الحكم وعدم وجود القدر المتيقّن في مقام التخاطب هو الاكتفاء بايجادها مرّة ففي مقام الطاعة يمتثل بايجادها مرّة لأنه جاء بالمأمور به وكذلك الحال في النهي فان وجه شمول الطبيعة للنهي عنها لكلّ فرد استيعاباً حكم العقل بوجوب تركها مطلقاً وانه متى جاء بها في فرد وقعت المخالفة وهذا لا يوجب قوة في الدلالة وإنّما هو لخصوصيّة المورد فالدلالة في المقامين أي مقام الأمر ومقام النهي واحدة(1).

أقول: لا وجه لما ذكره الشارح بعد ما حقّقه المصنّف من ان دلالة النهي على الاستغراق من الدلالة اللفظيّة ولو بالالتزام وليس ما أورده الشارح إلّا عين ما نقل المصنّف ايراده في أوّل كلامه في هذا الأمر فيرد عليه عين ما أورد عليه ونقله المصنّف فتذكر.

ص: 123


1- الهداية في شرح الكفاية: 362 - 363.

الافراد، ضرورة عدم الانتهاء عنها أو انتفائها، إلا بالانتهاء عن الجميع أو انتفائه.

قلت: دلالتها على العموم والاستيعاب ظاهرا مما لا ينكر، لكنه من الواضح أن العموم المستفاد منهما كذلك، إنما هو بحسب ما يراد من متعلقهما، فيختلف سعة وضيقا، فلا يكاد يدل على استيعاب جميع الافراد، إلا إذا أريد منه الطبيعة مطلقة وبلا قيد، ولا يكاد يستظهر ذلك مع عدم دلالته عليه بالخصوص، إلا بالاطلاق وقرينة الحكمة، بحيث لو لم يكن هناك قرينتها بأن يكون الاطلاق في غير مقام البيان، لم يكد يستفاد استيعاب أفراد الطبيعة، وذلك لا ينافي دلالتهما على استيعاب أفراد ما يراد من المتعلق، إذ الفرض عدم الدلالة على أنه المقيد أو المطلق.

اللهم إلا أن يقال: إن في دلالتهما على الاستيعاب كفاية ودلالة على أن المراد من المتعلق هو المطلق، كما ربما يدعى ذلك في مثل (كل رجل)، وإن مثل لفظة (كل) تدل على استيعاب جميع أفراد الرجل من غير حاجة إلى ملاحظة إطلاق مدخوله وقرينة الحكمة، بل يكفي إرادة ما هو معناه من الطبيعة المهملة ولا بشرط في دلالته على الاستيعاب وإن كان لا يلزم مجاز أصلا، لو أريد منه خاص بالقرينة، لا فيه لدلالته على استيعاب أفراد ما يراد من المدخول، ولا فيه إذا كان بنحو تعدد الدال والمدلول، لعدم استعماله إلا فيما وضع له، والخصوصية مستفادة من دال آخر، فتدبر.

ومنها: إن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة.[1]

__________________________

[1] أقول: يعني ان من جملة الوجوه التي استدلّ بها القوم على تقدّم النهي على

ص: 124

.......................................

__________________________

الأمر في مورد اجتماع الوجوب والحرمة وان الصلوة في الدار المغصوبة مبغوضة ومحرمة وفاسدة ويلزم تركها وعدم الاتيان بها ولو في ضيق الوقت وانحصار المكان بالمغصوب هو ان دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة والأولى هنا بمعنى التعين كما في آية أولى الأرحام يعني ان في فعل الواجب طلب المنفعة وتحصيله وفي ترك الحرام دفع المفسدة والتخلّص عنها ومعلوم ان التخلّص من المفسدة والمضرّة ودفعها مقدم على تحصيل المنفعة وجلبها فالصلوة المأمور بها مشتملة على المنفعة وجالبة لها والغصب المنهي عنه موقعة في المفسدة وجاذبة لها فيلزم حينئذٍ ترك الصلوة في الدار المغصوبة لدفع المفسدة وعدم الوقوع فيها ولو كان موجباً لفوات المنفعة أيضاً لأن الأهم والأولى يقدم على غيره عقلاً وشرعاً ويكون الصلوة فيها فاسدة ومبغوضة وغير مأمور بها فيكون النهي راجحاً ومقدماً على الأمر.

وقد أورد عليه في القوانين بأن أولويّة دفع المفسدة من جلب المصلحة مطلقاً ممنوع بل إنّما ذلك فيما إذا لم يكن وجوب الواجب عند اجتماع الحرام والواجب معيناً ومقدماً على ترك الحرام واقعاً في الشريعة اما اذا تعين وجوب الواجب وكان مقدماً على ترك الحرام واقعاً ففي تركه أيضاً مفسدة فحينئذٍ يكون التزاحم بين المفسدتين لم يعلم تقدّم أحدهما على دفع الآخر لا دفع المفسدة وجلب المنفعة ليحكم بأن الأوّل أولى.

وأورد عليه الخصم بأنّ الواجب ولو كان معيناً ليس إلّا لأجل أن في فعله

ص: 125

.......................................

__________________________

مصلحة يلزم استيفائها من دون أن يكون في تركه مفسدة كما انّ الحرام ليس إلّا لأجل المفسدة في فعله بلا مصلحة في تركه.

وأورد الشارح على ما أورده المصنّف بأن الوجه في وجوب الواجب ليس المنفعة فقط وكذلك الوجه في حرمة الحرام ليس منحصراً في المفسدة بل إنّما ينشاءان بسبب الحسن والقبح والراجحيّة والمرجوحيّة في الفعل والترك.

نعم قد يكون الحسن منفعة والقبح مفسدة وأمراً وجوديّاً ولكن لا يلزم أن يكونا من الصفات الوجوديّة دائماً بل اللازم كون الفعل والترك متصفاً بالراجحيّة والمرجوحيّة والحسن والقبح ويكفي في إثبات ذلك الاتّصاف الأمر العدمي وبالجملة فان كلّ واجب يكون ذا حسن ورجحان فتركه يكون قبيحاً ومرجوحاً البتة ولو بسبب فوت المنفعة وكذلك كلّ حرام يكون قبيحاً ومرجوحاً فتركه يكون حسناً وراجحاً ولو بسبب ترك القبيح ولذا قالوا بأن ترك الواجب حرام وترك الحرام واجب ولا شبهة في ان في ترك الواجب قبحاً ومرجوحيّة بقدر ما يكون في المحرم الفعلي وفي ترك الحرام حسناً وراجحيّة بقدر ما يكون في الواجب الفعلي ولعلّ هذا مراد المحقّق القمّي من ثبوت المفسدة في ترك الواجب لا ما أراده المصنّف ثمّ قال الشارح: نعم يرد عليه أي القمي ان ذلك الذي ذكره لا يوجب التساوي لامكان أن يكون تأثير مفسدة الفعل للقبح أشد عند العقلاء من تأثير ترك استيفاء المصلحة الملزمة لذلك فيكون دفعها أولى فلا يرد ما أورده

ص: 126

.......................................

__________________________

القمي على الترجيح بالقاعدة المزبورة(1).

أقول: لا يخفى على المتفظّن العارف بدقائق المطالب ان مقصود المصنّف هو ما ذكره الشارح أخيراً اذ قبح ترك استيفاء المصلحة في الفعل الواجب ومرجوحيّته من الواضحات التي لا يشتبه ثبوته على أحد والانصاف انّ المصنّف مع اعترافه بثبوته أورد على القمّي بأن ما يلزم من ترك استيفاء المصلحة من القبح ليس على حدّ المفسدة الثابتة في الفعل الحرام ومقصوده من نفي المفسدة المفسدة المعهودة الكائنة في الأفعال المحرّمة لا مطلق القبح والمرجوحيّة ليرد عليه ما أورده الشارح الكاظميني ويشير إلى ما ذكرنا من بيان مرامه بل ينادي به قوله بعد ردّ القمّي ولكن يرد عليه ان الأولويّة مطلقاً وفي جميع الموارد من دون استثناء ممنوعة بل ربما يكون العكس يعني جلب المنفعة من دفع المفسدة أولى ويشهد على ذلك مقايسة فعل بعض المحرّمات مع ترك بعض الواجبات خصوصاً مثل الصلوة وما يتلو تلوها فانّه لا يقاس فعل النظر بريبة إلى الأجنبيّة بترك صلوة واحدة من الصلوات اليوميّة مع ان في فعل الصلوة جلب المنفعة وفي فعل الحرام ترك دفع المفسدة فان ما ذكره هنا صريح في ان ترك الواجب يكون قبيحاً ومرجوحاً وقد يبلغ قبحه ومرجوحيّته إلى حد يغلب المفسدة التي تلزم من الفعل الحرام ويكون أقوى منها فلا أولويّة حينئذٍ لدفع المفسدة على جلب المنفعة.

ثمّ أورد المصنّف على الوجه المذكور للترجيح بأنّه لو سلّم أولويّة دفع المفسدة

ص: 127


1- الهداية في شرح الكفاية: 363 - 364.

.......................................

__________________________

على جلب المنفعة مطلقاً وجريان القاعدة على الاطلاق فهذه القاعدة لا ربط لها بالمقام وهذا البحث اذ هذه القضية جارية فيما إذا دار الأمر بين الواجب والحرام لاشتباهه موضوعاً أو حكماً لعدم النص أو لاجماله أو تعارض النصّين لا في مثل المقام الذي كان الشكّ فيه بعد القطع بوجود دليل الوجوب والحرمة وحكم العقل بامتناع اجتماعهما عقلاً في مورد التصادق بأن يجعل وجها مرجحاً لاندراجه تحت عنوان واحد منهما وإنّما كان الترجيح في مثل ذلك المورد بهذا الوجه والقاعدة أجنبيّاً لأنّ الترجيح بتلك القاعده إنّما يناسب ترجيح المكلّف واختياره للفعل والترك بما هو أوفق لغرضه من دفع المفسدة عن نفسه وجلب المنفعة لها لا في المقام وهو مقام جعل الأحكام فان المرجح هناك يعني في مقام جعل الأحكام مثل المقام الذي فيه الكلام ليس إلّا حسنها وقبحها العقليّان لا موافقة الأغراض ومخالفتها.

أقول: هذا على ما أفاده في الحاشية مع توضيح منّا.

واستشكل عليه الشارح أولا بأن الترجيح فيما إذا دار الأمر بين الوجوب والحرمة لاشتباه الموضوع أو الحكم أيضاً ليس راجعاً إلى المكلّف واختياره وموافقة غرضه بل إنّما يكون كذلك فيما إذا دار الأمر عند المكلّف بين ترك واجب من الواجبات المعيّنة أو فعل محرّم من المحرّمات المعيّنة واضطر إلى أحدهما فحينئذٍ يكون الترجيح بالوجه المذكور راجعاً إلى المكلّف فيرجح بما يوافق غرضه من دفع المفسدة وجلب المنفعة واما إذا دار الأمر بينهما لاشتباه الموضوع

ص: 128

.......................................

__________________________

أو الحكم فلابدّ من تعيين ما يوافق غرض الشارع بحكم العقل وان خالف غرضه كما انّ الأمر في مثل المقام الذي كان الشكّ فيه بعد القطع بوجود الوجوب والحرمة وفعليتهما وحكم العقل بامتناع اجتماعهما في مورد التصادق كذلك أيضاً وثانياً بأنّه لا وجه لعدم الترجيح بالقاعدة المزبورة في مقام اثبات الأحكام الكليّة الالهيّة وإن كانت هي تابعة للحسن والقبح اذ غرض من جعل تلك القاعدة مرجحاً ومثبتاً لحكم الحرمة في محلّ التصادق واجتماع المأمور به والمنهي عنه معاً انّ العقل حاكم بأن كلّ فعل أو ترك يتضمن دفع المفسدة والمضرّة أكثر حسناً من كلّ فعل أو ترك يتضمّن جلب المنفعة لأن عدم المصلحة والمنفعة لا يساوي المفسدة والمضرّة قبحاً وحينئذٍ ففي المقام الذي لا نعلم بدخول مورد التصادق تحت عنوان أحد الدليلين فعلاً يكون تلك القاعدة معينة لأن حكم الشارع تابع للحسن والقبح أصلاً ومرتبة وما هو أكثر حسناً مقدم في الشريعة على ما هو أقل حسناً لوحدة المناط في حكم العقل بتبعيّة الأحكام للحسن والقبح فانّه كما يحكم بتبعيتهما للحسن والقبح بحسب الأصل وكلما كان حسناً كان واجباً وكلّما كان قبيحاً كان حراماً فكذلك يحكم بأن كلّما كان الحسن فيه أكثر راجح على غيره ومقدم عليه فالحكم تابع له وثالثاً بأنّه لا مانع من جريان الوجه المزبور في المقام الذي بلغ حكم الوجوب والحرمة إلى المرتبة الفعليّة ويحكم العقل بامتناع اجتماعهما في مورد التصادق كما انها تجري في صورة الدوران بين الوجوب والحرمة فيما إذا لم يبلغا مرتبة الفعليّة وكانا في مرتبة الاقتضاء والشأنيّة لما مرّ من انّه يجوز

ص: 129

.......................................

__________________________

الترجيح بهذا الوجه في الأحكام الكليّة الالهيّة وذلك لدوران الأمر في محلّ التصادق ومورد اجتماع الموضوعين الفعليّين بين تركه مع احتمال شمول دليل الوجوب له وفعله مع احتمال شمول دليل الحرمة له كما انّ الأمر في الدوران بين الوجوب والحرمة الاقتضائيين كذلك وانّ الأمر فيه دائر بين الترك مع احتمال كونه واجباً في الواقع وفعله مع احتمال حرمته واقعاً وحيث كان هذا الوجه مرجحاً تتعين الحرمة ومشموليّة محلّ التصادق لدليلها نعم الفرق بين المقامين إنّما هو من حيث الاقتضاء والفعليّة وهو لا يوجب اختلافهما حكماً مع الاشتراك في علّة الحكم(1).

أقول: ما أورده الشارح على ما أفاده المصنّف بقوله ولو سلّم الخ.

وشرحه في الحاشية أولا ففيه ان في صورة الدوران لاشتباه الموضوع أو الحكم ليس المقصود من أعمال القاعدة تعيين أحد الحكمين اذ المفروض عدم وضوح المدرك لواحد منهما بل إنّما يعتمد المكلّف على القاعدة المزبورة في مقام العمل فالصحيح أن يلاحظ ما يوافق غرضه من دفع المفسدة وجلب المنفعة كما هو الحال في دوران الأمر بين فعل الحرام المعين وترك الواجب المعين واضطرار المكلّف إلى أحدهما.

وأمّا ما ذكره ثانياً ففيه ان أكثريّة حسن ما فيه دفع المفسدة ممّا يتضمّن جلب المنفعة بالنسبة إلى غرض المكلّف المعبّرة عنها في القاعدة بالأولويّة أعم من

ص: 130


1- الهداية في شرح الكفاية: 364 - 365.

الحسن الذي يوافق غرض الشارع إذ يمكن أن يكون ما هو أكثر حسناً بالنسبة إلى غرضه أقل بالنسبة إلى غرض الشارع فلذا لا يصحّ أن يجعل تلك الأكثريّة مناطاً للحكم الشرعي وموجباً لترجيح جانب الحرمة في مورد الاجتماع ويظهر ما فيما افاده ثالثاً ممّا قلنا على ما اعترضه أوّلاً فالانصاف انّ ما أفاده المصنّف متين ولا غبار عليه فتأمّل جيّداً.

وبالجملة ثمّ أورد المصنّف على اجراء القاعدة المذكورة في المقام ثانياً بأنّه لو سلّم جريان القاعدة المزبورة في المقام ومحلّ التصادق واجتماع الموضوعين للوجوب والحرمة الفعليّين فضلاً عن الاقتضائيين فانّما يجري فيما لا يكون هناك مجال لاصالة البرائة أو الاشتغال وإلّا فهما مقدّمان عليه وذلك مثل ما إذا دار الأمر بين الوجوب والحرمة التعيينين فان جريان البرائة في أحدهما معارض بجريانه حينئذٍ في الآخر فانّه إذا كان الوجوب والحرمة ثابتين واضطرّ المكلّف بأن يفعل الحرام أو يترك الواجب فهذه القاعدة يرجح جانب الحرمة وعلى المكلّف أن يترك الحرام وإن كان مستلزماً لترك الواجب وأمّا في مورد الاجتماع ومحل تصادق الموضوعين للحكمين فلا مانع من جريان اصالة البرائة عن الحرمة إذ لا معارض لها فان جريانها بالنسبة إلى الوجوب بلا أثر لعدم توقّف صحّة العبادة على الأمر الفعلي كي ينفي الأمر باصالة البرائة فيترتّب عليه فساد العبادة فيحكم في صورة الاجتماع بصحّة العبادة إذ لا مانع عنه إلّا فعليّة الحرمة والمفروض دفعها باصالة البرائة العقليّة والنقليّة ولو قيل بقاعدة الاشتغال في

ص: 131

.......................................

__________________________

الشك في الأجزاء والشرائط أيضاً فانّه لا تنافي ذلك القول مع اجراء اصالة البرائة عن الحرمة في محلّ التصادق والاجتماع.

واستشكل عليه الشارح الكاظميني بأنّه لا يمكن اجراء البرائة مع تسليم كون هذه القاعدة مرجّحة في مقام اثبات الأحكام حقيقة أو فرضاً كما أفاده المصنّف ضرورة ورودها وتقدّمها على اصالة البرائة لأنّها قاعدة عقليّة معيّنة لكون الحكم هو الحرمة فكيف يكون اصالة البرائة جارية وليس المقام من قبيل قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل الممنوع تحقّق صغراها بقاعدة قبح العقاب بلا بيان إن كان الضرر اخرويّاً وكبراها بعد تسليم حكم العقل إن كان دنيويّاً ضرورة ان ذلك فيما كان أصل وجود المفسدة مشكوكاً لا في مثل المقام ممّا علم فيه وجود المفسدة والمصلحة الاقتضائيّين وشكّ في الغالب منهما لصاحبه المستتبع لفعليّة حكمه فمعنى كون أولويّة دفع المفسدة مرجحا انّ الحكم الفعلي في كل مورد للاجتماع ومحل للتصادق هو الحرمة فلا معنى لاجراء اصالة البرائة كما لا يخفى(1).

أقول: لما شككنا في فعليّة الحرمة في مورد الاجتماع ومحلّ التصادق يصح اجراء اصالة البرائة عنها وإن كانت المفسدة بمرتبتها الاقتضائيّة ثابتة إذ بعد ما كان المحتمل تداركها بالمصلحة في الواجب وكون وجودها كالعدم وانّ المفسدة المتداركة كلا مفسدة وعدم تأثيرها في اثبات الحرمة الفعليّة لم يكن مانع عن اجراء اصالة البرائة عن الحرمة الفعليّة ومع اجرائها لا مجال لجريان القاعدة فيحكم بصحّة العبادة إذ لا مانع عنها إلّا فعليّة الحرمة المرفوعة باصالة البرائة.

ص: 132


1- الهداية في شرح الكفاية: 365 - 366.

.......................................

__________________________

نعم استدرك المصنّف هو بعد بيان ما ذكره بقوله نعم لو قيل بأنّ المفسدة الواقعيّة الغالبة مؤثّرة في المبغوضيّة ولو لم يكن بمحرزة فاصالة البرائة غير مجدية بل كانت اصالة الاشتغال بالواجب لو كانت عبادة محكمة ولو قيل باصالة البرائة في ا لشكّ في الاجزاء والشرائط لعدم تاتي قصد القربة مع الشكّ في المبغوضيّة وحينئذٍ فلا مورد للترجيح بالوجه المذكور أيضاً وتقريبه كما أفاده في الحاشية ان احراز المفسدة والعلم بالحرمة الذاتيّة كاف في تأثيرها بما لها من المرتبة ولا يتوقّف تأثيرها كذلك على احرازها بمرتبتها ولذا كان العلم بمجرّد حرمة شي ء موجباً لتنجز حرمته على ما هي عليه من المرتبة ولو كانت في أقوى مراتبها ولاستحقاق العقوبة الشديدة على مخالفتها حسب شدّتها وبيّنه الشارح بعد نقله بأن اصالة البرائة عن المانع وهو الحرمة الفعليّة الناشئة من المبغوضيّة الفعليّة غير جارية لأنّه كما ان مراتب الحرمة شدّة وضعفاً تابعة لمراتب المبغوضيّة وكان يكفي في تنجّزها بأقصى مراتبها شدّة وترتّب أقصى مراتبها عقاباً العلم بمجرّدها وان شكّ في كونها بأيّ مرتبة فكذلك الحال في المفسدة الواقعيّة فانّه مع جريان اصالة البرائة عن الحرمة الفعليّة لا يرتفع احراز أصل المفسدة كما هو واضح واحراز أصلها كاف في تحقّق أقصى مراتب شدّتها وتتبعه اثاره وهو فساد الصلوةوبعبارة أخرى ملاك المبغوضيّة كافية في فساد العبادة كما ان ملاك المحبوبيّة كاف في صحّتها ولو لم يكن في الأوّل حرمة فعلية وفي الثاني وجوب فعلى غاية الأمران تحقّق المرتبة الشديدة من المفسدة فعلاً مشكوك إلّا انّه لا يرتفع بذلك أثرها واقعاً من الفساد فالمصلى مع الشكّ في المبغوضيّة المانعة الكافي في ترتّب آثار أقصى مراتبها

ص: 133

.......................................

__________________________

احراز أصل وجودها وهو موجود حسب الفرض يجب عليه الاعادة أو القضاء لاصالة الاشتغال بالواجب المحكمة لعدم تأتي قصد القربة مع الشكّ في المبغوضيّة ثمّ استشكل بعد ذلك التوضيح عليه أوّلاً بأن عدم إمكان قصد القربة مع الشكّ في المبغوضيّة يوجب القطع بالفساد لا جريان اصالة الاشتغال بالعبادة ليعلّل به ثمّ قال وهو منه قدس سره عجيب وثانياً بأن مصب أدلّة البرائة النقليّة هو الشكّ في الحكم الفعلي التابع للمبغوضيّة أو المحبوبيّة الفعليّة مطلقاً سواء كان أصل المفسدة أو المصلحة محرز أو لا فتجري البرائة النقلية وإن لم تجر العقليّة في صورة احراز أصل المفسدة وجريان البرائة النقليّة كاف في الصحّة كما اختار المصنّف قدس سره ذلك في أصل الشكّ في الاجزاء والشرائط وحكم بالاشتغال عقلاً وبالبرائة نقلاً وفيه ان بعد ما علل المصنف عدم جريان البرائة، بعدم تأتي قصد القربة فيما إذا كان الواجب عبادة وقرّره الشارح في توضيحه فكيف يمكن جريان البرائة النقليّة بل عليه لا فرق بينها وبين العقليّة نعم مع قطع النظر لو منع عن عدم تأتي قصد القربة لما ذكره المصنّف بأن يقال مجرّد مبغوضيّة الشي ء ولو عن عذر من جهة جهل أو اضطرار لا يكون مبعداً للفاعل فلا ينافي حينئذٍ التقرّب بمثله ولو بأن يأتي به بداعي التوصّل به إلى غرض المولى يرد عليه ما أورده الشارح من جريان البرائة النقليّة ولو لم يجر العقليّة لما ذكره من الوجه عدم ثبوت المفسدة في الواقع لما مرّ من ان المفسدة والعلم بالحرمة الذاتيّة كاف في تأثيرها بما لها من المرتبة لم يجر النقليّة أيضاً كالعقليّة ولا فرق حينئذٍ بينهما في عدم الجريان على هذا الفرض بل يحكم عليه إنّما هو الاشتغال مطلقاً عقلاً ونقلاً وثانياً انه بعد ما علّل عدم جريان البرائة.

ص: 134

وقد أورد عليه في القوانين، بأنه مطلقا ممنوع، لان في ترك الواجب أيضا مفسدة إذا تعين.

ولا يخفى ما فيه، فإن الواجب ولو كان معينا، ليس إلا لاجل أن في فعله مصلحة يلزم استيفاؤها من دون أن يكون في تركه مفسدة، كما أن الحرام ليس إلا لاجل المفسدة في فعله بلا مصلحة في تركه.

ولكن يرد عليه أن الاولوية مطلقا ممنوعة، بل ربما يكون العكس أولى، كما يشهد به مقايسة فعل بعض المحرمات مع ترك بعض الواجبات، خصوصا مثل الصلاة وما يتلو تلوها.

ولو سلم فهو أجنبي عن المقام، فإنه فيما إذا دار بين الواجب والحرام.

ولو سلم فإنما يجدي فيما لو حصل به القطع.

ولو سلم أنه يجدي ولو لم يحصل، فإنما يجري فيما لا يكون هناك مجال لاصالة البراء ة أو الاشتغال، كما في دوران الامر بين الوجوب والحرمة التعيينيين، لا فيما تجري، كما في محل الاجتماع، لاصالة البراء ة عن حرمته فيحكم بصحته، ولو قيل بقاعدة الاشتغال في الشك في الاجزاء والشرائط فإنه لا مانع عقلا إلا فعلية الحرمة المرفوعة بأصالة البراء ة عنها عقلا ونقلا.

نعم لو قيل بأن المفسدة الواقعية الغالبة مؤثرة في المبغوضية ولو لم يكن الغلبة بمحرزة، فأصالة البراء ة غير جارية، بل كانت أصالة الاشتغال بالواجب لو كان عبادة محكمة، ولو قيل بأصالة البراء ة في الاجزاء والشرائط، لعدم تأتي قصد القربة مع الشك في المبغوضية، فتأمل.

ومنها: الاستقراء، فإنه يقتضي ترجيح جانب الحرمة على جانب الوجوب،

ص: 135

كحرمة الصلاة[1] في أيام الاستظهار، وعدم جواز الوضوء من الاناء ين المشتبهين.

__________________________

[1] أقول: يعني ان من جملة الأدلّة التي استدلّوا بها على ترجيح جانب النهي وتغليب جانب الحرمة في محلّ التصادق ومورد اجتماع الأمر والنهي الاستقراء فانه مع ثبوت ترجيحه في كثير من الموارد يعلم ترجيحه أيضاً في ذلك المورد لأنّ المشكوك حاله يلحق بالأعم الأغلب ومن جملة الأدلّة المثبتة الاستقراء مثلاً يحرم الصلوة في أيّام الاستظهار التي تكون أيّاماً ترى المرأة فيها الدم بعد أيّام العادة قبل تمام العشرة فانّ الأمر في الصورة المزبورة دائر بين عدم الحيضيّة الذي يكون الحكم فيه وجوب الصلوة والحيضيّة التي تكون الحكم فيها حرمتها ومع ذلك حكموا بعدم الوجوب وثبوت الحرمة وكذلك عدم جواز الوضوء من الانائين المشتبهتين فانّ الأمر دائر بين وجوب الوضوء منهما للصلوة وحرمته وبطلانه ووجوب التيمّم ومع ذلك حكموا بالحرمة ووجوب التيمّم.

وفيه انه لا دليل على اعتبار الاستقراء ما لم يفد القطع ومعلوم انّ الترجيح في الموارد الكثيرة لا يوجب القطع بالترجيح أيضاً في المورد المشكوك مثل المقصود وهو محل التصادق ومجمع عنوان الواجب وعنوان الحرام ولو سلّم حجيّة الاستقراء الظن أيضاً فالظن لا يكاد يثبت بهذا المقدار ولو سلّم مثبتية هذا المقدار من تصفّح الجزئيّات للظن فليس حرمة الصلوة في أيّام الاستظهار ولا عدم جواز الوضوء من الانائين مربوطاً بالمقام لأن حرمة الصلوة في تلك الأيّام إنّما تكون لقاعدة الامكان فان ما أمكن كونه حيضاً من الدم فهو حيض والمفروض امكان

ص: 136

.......................................

__________________________

الحيضيّة في تلك الأيّام فتثبت وكذلك الاستصحاب مثبت للحيضيته أيضاً فيحكم بجميع أحكامه التي منها حرمة الصلوة عليها ولا ربط لذلك بتغليب جانب الحرمة كما هو المدعى هذا لو قيل بأنّ الصلوة في أيّام الحيض حرام ذاتاً وإلّا فهو خارج عن محلّ الكلام بالمرّة لأن مفروض البحث هو اجتماع الوجوب مع الحرمة الذاتية لا التشريعيّة ومن هنا انقدح انه ليس منه أيضاً ترك الوضوء من الانائين المشتبهين فان حرمة الوضوء من الماء النجس ليس إلّا تشريعيّاً وليس ذاتياً ولا تشريع فيها لو توضّأ منهما احتياطاً فلا حرمة في البين غلب جانبها نعم لو كانت الحرمة ذاتيّة كما ذهب إليه البعض كان من محلّ الكلام فعدم جواز الوضوء منهما ولو كذلك بل اراقتهما كما في النص ليس إلّا من باب التعبّد أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهراً بحكم الاستصحاب ولا يجدي نفعاً في ذلك استعمال الأوّل ثمّ تطهر اعضاء الوضوء من الثاني ثمّ استعماله للقطع بحصول النجاسة حال ملاقات المتوضأ من الآنية الثانية قبل استعماله اما بملاقاتها أو بملاقات الأولى وعدم العلم باستعمال مطهر بعده ولو طهر بالثانية مواضع الملاقات لاحتمال كون النجس فيها فأركان الاستصحاب تامّة نعم لو طهرت مواضع الملاقات على تقدير نجاستها ممّا سبق بمجرّد ملاقاتها بلا حاجة إلى التعدّد أو انفصال ماء الغسالة كما لو كانت الثانية كرّاً فحينئذٍ يختل أحد ركني الاستصحاب وهو اليقين السابق لأنّه في هذه الصورة لا يعلم تفصيلاً بنجاستها حين ملاقات الأولى أو الثانية اجمالاً فلا مجال لاستصحابها بل كانت قاعدة الطهارة محكمة.

ص: 137

.......................................

__________________________

واستشكل عليه الشارح وقال فيما أفاده أو لا واخرا تأمّل اما الأوّل فلأن استقراء الموارد التي غلب فيها جانب الحرمة جانب الوجوب وتتّبع موارد رفع اليد عن الصلوة والصوم والحج والزكوة وسائر الواجبات إذا لم يتمكّن منها المكلّف بالحرام اما بادخال الضرر على النفس أو على العرض أو على نفس محترمة أو بالتصرّف في مال محترم كما لو انحصر الرواح إلى الحجّ في ركوب الدابّة المغصوبة وغير ذلك يفيد القطع بالتغليب فيحمل على ذلك في مورد الشكّ ولا ينبغي الاقتصار على الموارد المذكورة وكما في المال المختلط بالحرام لو نذر صرفه في جهة(1).

أقول: ما ذكره من كثرة الموارد التي رفع اليد عن الواجب إنّما يفيد فيما هو بصدده لو كان الرفع من جهة تغليب جانب الحرمة من حيث هي هي عليه ولكنه ليس كذلك بل إنّما المناط في التقديم صفة الأهميّة وإذا كان الواجب أهم من الحرام يقدم جانب الوجوب عليه البتة كما لو كان انقاذ الغريق الأجنبيّة متوقّفاً على لمسها والنظر إليها فلا شبهة في وجوبه مع ذلك وإنّما قدم جانب الحرمة في المثال الذي ذكره أيضاً من جهة الاهميّة وعدمها لأنّ التصرّف في مال الغير بدون اذنه ورضاه قبيح شرعاً وعقلاً غاية القبح فلذا قدم جانب الحرمة ولم يجب الحج في صورة انحصار الرواح إليه في ركوب الدابّة المغصوبة لا من حيث مقدمية الحرمة على الوجوب على الاطلاق وفي حدّ ذاتها ثمّ قال وأمّا الثاني فلأن قاعدة

ص: 138


1- الهداية في شرح الكفاية: 369.

وفيه: أنه لا دليل على اعتبار الاستقراء، ما لم يفد القطع، ولو سلم فهو لا يكاد يثبت بهذا المقدار، ولو سلم فليس حرمة الصلاة في تلك الايام، ولا عدم جواز الوضوء منهما مربوطا بالمقام، لان حرمة الصلاة فيها إنما تكون لقاعدة الامكان والاستصحاب المثبتين لكون الدم حيضا، فيحكم بجميع أحكامه، ومنها حرمة الصلاة عليها لا لاجل تغليب جانب الحرمة كما هو المدعى، هذا لو قيل بحرمتها الذاتية في أيام الحيض، وإلا فهو خارج عن محل الكلام.

ومن هنا انقدح أنه ليس منه ترك الوضوء من الاناء ين، فإن حرمة الوضوء من الماء النجس ليس إلا تشريعيا، ولا تشريع فيما لو توضأ منهما احتياطا، فلا حرمة في البين غلب جانبها، فعدم جواز الوضوء منهما ولو كذلك، بل إراقتهما كما في النص، ليس إلا من باب التعبد، أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهرا بحكم الاستصحاب، للقطع بحصول النجاسة حال ملاقاة المتوضئ من الاناء الثانية، إما بملاقاتها، أو بملاقاة الاولى، وعدم استعمال مطهر بعده، ولو طهر بالثانية مواضع الملاقاة بالاولى.

__________________________

الطهارة لا مورد لها مع جريان الاستصحاب ومن المعلوم حصول القطع بارتفاع الطهارة السابقة اما بملاقات الأوّل أو الثاني ولا يقين بارتفاع النجاسة نعم لو تعارض يقين النجاسة مع يقين الطهارة الحاصلتين من الانائين فلا إشكال في التساقط والرجوع إلى القاعدة دون الصورة الأولى.

اللّهمّ إلّا أن يقال بأن اتّصال زمن الشكّ بزمن اليقين شرط في جريان الاستصحاب وكلامه في المقام مبني على ذلك.

ص: 139

نعم لو طهرت على تقدير نجاستها بمجرد ملاقاتها، بلا حاجة إلى التعدد وانفصال الغسالة لا يعلم تفصيلا بنجاستها، وإن علم بنجاستها حين ملاقاة الاولى أو الثانية إجمالا، فلا مجال لاستصحابها بل كانت قاعدة الطهارة محكمة.

الامر الثالث: الظاهر لحوق تعدد الاضافات، بتعدد العنوانات والجهات، في أنه لو كان تعدد الجهة والعنوان[1] كافيا مع وحدة المعنون وجودا، في جواز

__________________________

[1] أقول: يعني انّه كما ان تعدّد العنوان والجهة يمكن أن يكون كافياً في جواز الاجتماع بأن كان مجمع العنوانين حراماً من جهة وواجباً من جهة أخرى كالصلوتيّة والغصبيّة فكذلك حال تعدّد الاضافات والنسب ولا فرق بينهما ظاهراً ضرورة اختلاف المضاف بها بحسب المصلحة والمفسدة الذاتيّة والحسن والقبح عقلاً وبحسب الوجوب والحرمة شرعاً فلا يمكن أن يكون اضافة الاكرام إلى العالم موجباً لثبوت المصلحة والوجوب واضافته إلى الفاسق موجباً للمفسدة والحرمة وفيما إذا اجتمع العلم والفسق في محلّ واحد وكان الشخص الواحد عالماً وفاسقاً وخاطبنا المولى بقوله أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق أن يكون اكرامه واجباً بحسب اضافة وحراماً بحسب اضافة اخرى وأن لا يكون من باب التعارض وتنافي الدليلين بحسب الدلالة كما يظهر من الأصوليّين في التعادل والتراجيح من عدّه من تعارض العامين من وجه إلّا إذا لم يكن للحكم في أحد الخطابين في مورد الاجتماع مقتض كما هو الحال أيضاً في تعدّد العنوانين اذا لم يكن كذلك ومرّ سابقاً فانّه إذا لم يكن في مورد اجتماع الاضافتين مقتض للحكم في أحد الخطابين لم يكن تزاحم في البين وإنّما هو من باب تعارض الدليلين.

ص: 140

الاجتماع، كان تعدد الاضافات مجديا، ضرورة أنه يوجب أيضا اختلاف المضاف بها بحسب المصلحة والمفسدة والحسن والقبح عقلا، وبحسب الوجوب والحرمة شرعا، فيكون مثل (اكرم العلماء ولا تكرم الفساق) من باب الاجتماع ك (صل ولا تغصب) لا من باب التعارض، إلا إذا لم يكن للحكم في أحد الخطابين في مورد الاجتماع مقتض، كما هو الحال أيضا في تعدد العنوانين، فما يتراءى

__________________________

قال الشارح بعد شرح كلام المصنّف: قلت: بل ظاهرهم معاملته معاملة التعارضين المتنافيين من غير دلالة على ثبوت المقتضى للحكمين كي يكون ثبوت التعارض في تلك الصورة متوقّفاً على القول بامتناع الاجتماع مع انّه قد مرّ أيضاً امكان حمل كلّ واحد منهما مع ثبوت المقتضى لهما للتوفيق ورفع التنافي من بينهما على الحكم الاقتضائي وحينئذٍ لا يكون تزاحم في الوجود الخارجي أصلاً ولا تعارض ولذا نحكم بصحّة العبادة مع الامتناع وتقديم جانب الحرمة أيضاً فانّه لو لم يكونا محمولين على الحكم الاقتضائي بل كانا دليلين على الحكم الفعلي لما كان وجه لصحّة العبادة مع القول بالامتناع وتقديم جانب الحرمة بل كانت باطلة حينئذٍ البتة بخلاف حكم المتعارضين الدالّين على حكمين فعليّين اذا سقط أحدهما فانه بعد سقوط ذلك اذا كان مفاده الأمر بالعبادة لا وجه للقول بصحّتها مع عدم الأمر بها فيتحصّل ان الوجه في معاملة التعارض معهما منحصر في الثاني وهو عدم المقتضى لأحد الحكمين انتهى ما اعترضه الشارح مع توضيح منّا فيه أيضاً(1).

ص: 141


1- الهداية في شرح الكفاية: 371.

منهم من المعاملة مع مثل (اكرم العلماء ولا تكرم الفساق) معاملة تعارض العموم من وجه، إنما يكون بناء على الامتناع، أو عدم المقتضي لاحد الحكمين في مورد الاجتماع.

الفصل الثالث: ان النهی عن الشیء هل یقتضی فساده ام لا؟ و فیه امور:

فصل: في أن النهي عن الشئ، هل يقتضي فساده أم لا؟

وليقدم أمور: الاول: إنه قد عرفت في المسألة السابقة الفرق بينها وبين هذه المسألة،[1] وإنه لا دخل للجهة المبحوث عنها في إحداهما، بما هو جهة البحث

__________________________

[1] أقول: قد مرّ سابقاً في المسئلة السابقة وهي مسئلة جواز اجتماع الأمر والنهي وعدم جوازه انّ الفرق بينها وبين هذه المسئلة ثابتة وان الحق هو كونهما مسئلتين واللازم عقد البحثين لتحقيق الحق في كلّ واحد من الاثنين اذ قد مرّ في أوّل الكتاب ان تمايز مسائل العلوم بتمايز الجهة المبحوث عنها فيها ومعلوم انه لا دخل للجهة المبحوث عنها في أحديهما بما هو جهة البحث في الاخرى وانّ البحث في هذه المسئلة في دلالة النهي بوجه يأتي تفصيله على الفساد بخلاف تلك المسئلة فانّ البحث فيها في ان تعدّد الجهة والعنوان مع اتّحاد المعنون يجدي في دفع غائلة اجتماع الأمر والنهي واخراجه عن موضوع اجتماع الضدّين في محلّ واحد أم لا يفيد ولابدّ لكلّ من الامر والنهي محل مستقل لم يكن انضمام واجتماع في البين أصلاً.

الثاني انه لا يخفى ان عد هذه المسئلة بخلاف المسئلة السابقة وهي مسئلة اجتماع الأمر والنهي من مباحث الألفاظ إنّما هو لأجل انه في الأقوال قول بدلالة النهي على الفساد في المعاملات.

ص: 142

ولو مع انكار الملازمة بين الفساد والحرمة التي هي مفاد النهي فيها فانّه لا مانع من كون المعاملة حراماً وصحيحاً أي موجداً للأثر المقصود منه هذا في المعاملات.

وأمّا الملازمة بين الحرمة التي هي مفاد النهي والفساد في العبادات فالحق انّه لا يكاد ينكر لأن الحرمة فيها ملازمة لعدم الأمر بها البتة ومع عدم الأمر لا وجه لصحّة العبادة بل يكون فاسدة بخلاف المعاملات فان ثبوت حكم الحرمة فيها لا يستلزم فسادها لعدم توقّف صحّة المعاملة على الأمر بها إذ ليست هي توقيفيّة بل يكفي في صحّتها امضائها وعدم النهي والردع عنها فلا مانع من انكار الملازمة بين الحرمة والفساد في المعاملات ولكن مع ذلك قال بعضهم بأنّ النهي عنها يدلّ على ثبوت المفسدة الذاتيّة فيها فتكون فاسدة وبملاحظة هذا القول يبحث في المسئلة عن انه هل هو كذلك وله وجه صحة أم لا ولا ينافي ذلك أي ما ذكر من دخالة النهي في الدلالة على الفساد كي يكون بسببه البحث من المباحث اللفظيّة انّ الملازمة على تقدير ثبوتها في العبادة إنّما هو بين الحرمة والفساد أو النهي والفساد ولذا تثبت الملازمة ولو لم تكن مدلولة بالصيغة والنهي اللفظي وعلى تقدير عدمها أي عدم الملازمة بين النهي عن العبادة والفساد تكون الملازمة منتفية بينه وبين الفساد وجه عدم المنافاة هو امكان أن يكون البحث مع تقدير عدم الملازمة بين الحرمة والفساد في دلالة الصيغة والنهي اللفظي بما يعمّ دلالتها بالالتزام فان دلالة الصيغة بالالتزام على الفساد حاصلة بدلالته على الحرمة اللازم

ص: 143

.......................................

__________________________

لها الفساد فلا يقاس بتلك المسئلة السابقة التي لا يكاد يكون لدلالة اللفظ بها مساس.

وقال الشيخ الأجل الحائري قدس سره: الظاهر كون النزاع هنا راجعاً إلى المسئلة العقليّة كالسابقة والدليل على ذلك انّهم يعنونون النهي في العبادات ويتمسّك القائل بالبطلان بعدم امكان صيرورة المبغوض عبادة وهذا يكشف عن ان مورد الكلام ما إذا فهم ثبوت المقتضى للطبيعة وإنّما النزاع في انّ اتّحادها مع المبغوض هل هو مانع من القرب أم لا ولو كان النزاع راجعاً إلى اللفظ ما احتاج المانع إلى هذا الكلام ولا اختصّ ما ادّعاه بالعبادة اذ كما يمكن أن يدّعي انّ النواهي الواردة في العبادات تدلّ على الفساد كذلك يمكن أن يدّعي انّ النواهي الواردة في المعاملات كذلك(1).

أقول: لا وجه لما استظهره قدس سره بعد ما أفاده الأستاذ المصنّف قدس سره من امكان كون البحث في دلالة الصيغة بما تعمّ دلالتها بالالتزام فان ما تمسّك به القائل بالبطلان لا ينافي مع كون البحث في الدلالة اللفظيّة ولو بالالتزام فانّ الملازمة على تقدير ثبوتها وإن كانت بين الحرمة والفساد لا النهي والفساد كما يشير إليه ما ذكره القائل بالبطلان من الوجه له إلّا انّه حيث يكون الحرمة مفاداً للنهي فيحصل الملازمة بين النهي والفساد أيضاً والبيان الذي صدر منه القائل بالبطلان غير ناف للملازمة بين النهي اللفظي والفساد لكونه دالّاً على الحرمة كي يكون دليلاً على كون النزاع في المسئلة العقليّة ولا بعد في كون ما ذكره من انّ المبغوضيّة من القرب لاثبات الدلالة اللفظيّة الالتزاميّة.

ص: 144


1- درر الفوائد: 1/153.

في الاخرى، وإن البحث في هذه المسألة في دلالة النهي بوجه يأتي تفصيله على الفساد بخلاف تلك المسألة، فإن البحث فيها في أن تعدد الجهة يجدي في رفع غائلة اجتماع الامر والنهي في مورد الاجتماع أم لا؟ الثاني: إنه لا يخفى أن عد هذه المسألة من مباحث الالفاظ، إنما هو لاجل أنه في الاقوال قول بدلالته على الفاسد في المعاملات، مع إنكار الملازمة بينه وبين الحرمة التي هي مفاده فيها، ولا ينافي ذلك أن الملازمة على تقدير ثبوتها في العبادة إنما تكون بينه وبين الحرمة ولو لم تكن مدلولة بالصيغة، وعلى تقدير عدمها تكون منتفية بينهما، لامكان أن يكون البحث معه في دلالة الصيغة، بما تعم دلالتها بالالتزام، فلا تقاس بتلك المسألة التي لا يكاد يكون لدلالة اللفظ بها مساس، فتأمل جيدا.

الثالث: ظاهر لفظ النهي[1] وإن كان هو النهي التحريمي، إلا أن ملاك البحث

__________________________

وأمّا وجه الاختصاص بالعبادات فلعدم ثبوت الملازمة في المعاملات بين حرمتها التي قد يكون مفاداً للنهي اللفظي وفسادها ومع عدم الملازمة لا يبقى وجه للبطلان في المعاملات لا عقلاً ولا لفظاً.

[1] أقول: يعني ظاهر لفظ النهي المأخوذ في عنوان البحث وإن كان هو النهي التحريمي اذ لفظ النهي وما يشتقّ منه ظاهر في معنى الحرمة كما انّ لفظ الأمر وما يشتقّ منه ظاهر في الوجوب الّا ان ملاك البحث وهو الملازمة بين مدلوله والفساد يعمّ النهي التنزيهي وما استعمل منه في الكراهة ومع وجود الملاك في النهي التنزيهي لا وجه لتخصيص العنوان بالتحريمي ولذا لو قيل بأن الدال على التحريم مستلزم للفساد في العبادة لعدم الأمر معه والصحّة إنّما هي موافقة الأمر يعرف

ص: 145

.......................................

__________________________

حال التنزيهي بالضرورة اذ لا مانع من ثبوت الأمر مع النهي التنزيهي الدال على قلّة الثواب كذلك واختصاص عموم ملاكه بالعبادات لعدم الملازمة في المعاملات مطلقاً سواء كان النهي تنزيهيّاً أو تحريميّاً لا يوجب أيضاً تخصيص البحث بالتحريمي من جهة انّه إذا كان البحث مختصّاً بالعبادات لامكان ثبوت التلازم بين الحرمة والفساد فيها دون المعاملات لأن عدم الملازمة فيها واضح فيختص النهي بالنهي التحريمي اذ من المعلوم ان لا ملازمة بين النهي التنزيهي وفساد العبادة بخلاف التحريمي فانّه يمكن أن يكون الحرمة في العبادة مستلزمة لفسادها.

قال الشيخ الأجل الحائري قدس سره في درره: انّ النزاع يختصّ بالنواهي التحريميّة لعدم قابليّة النهي التنزيهي الوارد على الخصوصيّة لاسقاط الأمر بالطبيعة والوجه في ذلك ان الكراهة لعدم منعها من النقيض لا يمنع الوجوب المانع عنه فاذا اجتمعت جهة الوجوب مع الكراهة فلابد من صيرورة الوجوب فعليّاً والكراهة شانية فيكون الفرد المشتمل على الخصوصيّة الموجبة للكراهة مجزياً عن الواجب ولكنّه اقلّ ثواباً من باقي الأفراد(1).

أقول: ما ذكره وان كان متيناً في نفسه الا انك خبير ان الوجه المزبور لا يكون مانعاً عن عموميّة النزاع والبحث وموجباً لاختصاصه بالنهي التحريمي بل يدلّ على انّه يعرف من حال النهي التحريمي حال النهي التنزيهي أيضاً ويغني الكلام في الأوّل عن الكلام في الثاني وإلّا فملاك البحث وهو الملازمة بين مدلول النهي

ص: 146


1- درر الفوائد: 1/154.

.......................................

__________________________

والفساد ثابت فيهما غاية الأمر عدم ثبوت الملازمة بين مدلول النهي التنزيهي والفساد لا شبهة فيه بالبيان الذي ذكره الشيخ المعظم إليه فما أفاده المصنّف من عدم الوجه لتخصيص العنوان في غاية المتانة.

وبعبارة أخرى فرق بين عدم شمول البحث للموضوع الفلاني أصلاً وشموله لعمومه مع استلزام بيان الحكم في أحدهما لبيان الحكم في الآخر واغناء البحث عن أحدهما البحث عن الآخر كما لا وجه لتخصيصه بالنهي النفسي فيعم النهي الغيري والمقدمي لأن موضوع البحث ما دلّ على التحريم من غير خصوصيّة له اما اذا كان ذلك النهي الغيري أصليّاً فدخوله في البحث واضح وامّا إن كان تبعياً فهو وإن كان خارجاً عن محلّ البحث لما عرفت من انّ البحث إنّما هو في دلالة النهي اللفظي، والتبعي منه من مقولة المعنى ولا لفظ يدلّ عليه إلّا انّه داخل فيما هو ملاكه فان دلالته على الفساد على القول به فيما لم يكن للارشاد إليه كالنهي عن الصلوة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه وامثاله فان تلك النواهي كاشفة عن عدم المصلحة في العمل الخاص والصلوة الكذائيّة إنّما يكون لدلالته على الحرمة اذ الحرمة ملازمة للفساد وما يكون مبغوضاً لا يجوز أن يكون مطلوباً ومقرباً من غير دخل لاستحقاق العقوبة على مخالفته في ذلك فانه لو كان المناط استحقاق العقوبة على المخالفة فلا يثبت الفساد فيما كان منهيّاً عنه بالنهي التبعي اذ طلب ترك الضد إنّما هو لأجل الوصول إلى المأمور به فلا عقاب على ترك الترك بمعنى فعل الضد كالصلوة التي تكون ضدّاً لازالة النجاسة عن المسجد فلا يثبت فساد وهذا من

ص: 147

يعم التنزيهي، ومعه لا وجه لتخصيص العنوان، واختصاص عموم ملاكه بالعبادات لا يوجب التخصيص به، كما لا يخفى.

كما لا وجه لتخصيصه بالنفسي، فيعم الغيري إذا كان أصليا، وأما إذا كان تبعيا، فهو وإن كان خارجا عن محل البحث، لما عرفت أنه في دلالة النهي والتبعي منه من مقولة المعنى، إلا أنه داخل فيما هو ملاكه، فإن دلالته على الفساد على القول

__________________________

متوهمات المحقّق القمّي فانّه قال قدس سره في بحث الضد بعد نفي سائر أقسام الدلالات وانه لا يدلّ الأمر بالشي ء على النهي عن ضدّه: نعم يدلّ عليه دلالة تبعيّة من قبيل دلالة الاشارة ولكن ذلك ليس ممّا يثمر فيما نحن فيه يعني اثبات فساد العبادة فان ترك الضد من مقدّمات المأمور به ووجوب تركه تبعي والوجوب التبعي لا يفيد الا ان ترك الضد مطلوب الأمر تبعاً بمعنى ان المقصود بالذات هو الاتيان بالمأمور به وطلب ترك الضد إنّما هو لأجل الوصول إليه فلا يثبت بذلك عقاب على ترك الترك بمعنى فعل الضد فلا يثبت فساد انتهى كلام القمّي طاب ثراه(1).

وفيه انه لو كان دلالة النهي على الفساد من جهة استحقاق العقوبة على المخالفة لتم ما قاله ولكنه لما كان دلالته على الفساد من جهة دلالته على الحرمة فلا فرق بين أقسام النهي فانّ النهي التبعي يدلّ على الحرمة أيضاً البتة ويؤيّد ذلك يعني دخول النهي التبعي بحسب الملاك في البحث انه جعل ثمرة النزاع في انّ الامر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه فساده اذا كان عبادة فان جعل ذلك ثمرة للمسئلة يدلّ على انّ النهي التبعي أيضاً داخل في المبحث ومحلّ النزاع بحسب الملاك.

ص: 148


1- القوانين المحكمة في الأصول (ط - جديد): 1/239.

به فيما لم يكن للارشاد إليه، إنما يكون لدلالته على الحرمة، من غير دخل لاستحقاق العقوبة على مخالفته في ذلك، كما توهمه القمي قدس سره ويؤيد ذلك أنه جعل ثمرة النزاع في أن الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده، فساده إذا كان عبادة، فتدبر جيدا.

الرابع: ما يتعلق به النهي، إما أن يكون عبادة أو غيرها، والمراد بالعبادة - هاهنا - ما يكون بنفسه وبعنوانه عبادة له[1] تعالى، موجبا بذاته للتقرب من

__________________________

[1] أقول: يعني انّ المراد بالعبادة لابدّ أن يكون ما بنفسه وبعنوانه عبادة له تعالى موجباً بذاته لو لا عروض النهي عنه للتقرّب من حضرته تعالى كالسجود والخضوع والخشوع له وتسبيحه وتقديسه فانّها عبارة عن تعظيم اللَّه تعالى بالقول والفعل ومعلوم انّه في نفسه عبادة سواء أمر به الشارع أم لا اذ ليس العبادة إلّا التعظيم والاجلال لحضرة المعبود فان تعلّق النهي بالعبادة بذلك المعنى لا محذور فيه أصلاً وأمّا أن يكون المراد من العبادة المنهي عنها ما لو تعلّق الأمر به كان أمره أمراً عباديّاً لا يكاد يسقط إلّا إذا أتى به بنحو قربي كسائر أمثاله من الأعمال الذي أمر بها ولم يتعلّق بها نهي نحو صوم العيدين والصلوة في أيّام العادة فانّ الصوم والصلوة من الأعمال التي يشترط في صحّتها قصد القربة في أيّ زمان كان وقوعها وبعبارة أخرى كان المراد من العبادة ما من شأنه أن يكون عبادة وما يكون عبادة لو تعلّق النهي به ولا يجوز أن يكون المراد منه ما أمر به فعلاً لأجل التعبّد به ولا ما يتوقّف صحّته على النيّة ولا ما لا يعلم انحصار المصلحة فيها في

ص: 149

.......................................

__________________________

شي ء كما عرف بكلّ واحد منها العبادة ضرورة انّها بواحد منها لا يكاد يمكن أن يتعلّق النهي وكيف يمكن أن يكون المأمور به لأجل التعبد به منهيّاً منه مع لزوم التناقض من ذلك وكذلك ما يتوقّف صحّته على النيّة لا يمكن أن يكون متعلّقاً للنهي وكذا ما لا يعلم انحصار المصلحة فيها في شي ء لأن المعرفات المزبورة تعريفات لما يكون بالفعل عبادة والعبادة الفعليّة لا يمكن أن يكون منهيّاً عنه، هذا، مع ان تلك التعريفات للعبادة مخدوشة فيها بالانتقاض بعدم الطرد والعكس أو بغيره من الاشكال فتفسير العبادة المنهي عنها بأحدها لا يصحّ كذلك أيضاً فانّه أورد بالانتقاض طرداً بالنسبة إلى الثاني ان اريد من الصحّة الامتثال بدخول جميع الواجبات اذا جي ء بها كذلك وبالنسبة إلى الثالث بتوجيه الميّت إلى القبلة وعكساً بخروج العبادات التي لا يجب فعلها ثانياً لو أريد من الصحّة سقوط الفعل ثانياً بالنسبة إلى الثاني وبخروج الوضوء من حيث الطهارة وهي من حيث الصلوة بالنسبة إلى الثالث وما أورد عليها من غير الانتقاض فمثل استلزام جميع التعاريف المذكورة للدور وإن كان تلك الاشكالات التي أورودها غير واردة عند المصنّف لأجل كون مثلها من التعريفات ليس بحد ولا رسم كي يلزم كونها جامعة ومانعة بل من قبيل شرح الاسم والتعريف اللفظي كقول اللغوي سعدانة بنت كما مرّ ذلك غير مرّة فلا فائدة في اطالة الكلام بالنقض والابرام في تعريف العبادة ونقل ما أوردوه عليه وابطالها وكذلك لا فائدة في البحث أيضاً في غير تعريف العبادة من التعاريف كما هو العادة لجملة من العلماء الأعلام حيث انهم باحثون فيها

ص: 150

حضرته لولا حرمته، كالسجود والخضوع والخشوع له وتسبيحه وتقديسه، أو ما لو تعلق الامر به كان أمره أمرا عباديا، لا يكاد يسقط إلا إذا أتى به بنحو قربى، كسائر أمثاله، نحو صوم العيدين والصلاة في أيام العادة، لا ما أمر به لاجل التعبد به، ولا ما يتوقف صحته على النية، ولا ما لا يعلم انحصار المصلحة فيها في شئ، كما عرف بكل منها العبادة، ضرورة أنها بواحد منها، لا يكاد يمكن أن يتعلق بها النهي، مع ا أورد عليها بالانتقاض طردا أو عكسا، أو بغيره، كما يظهر من مراجعة المطولات، وإن كان الاشكال بذلك فيها في غير محله، لاجل كون مثلها من التعريفات، ليس بحد ولا برسم، بل من قبيل شرح الاسم كما نبهنا عليه غير مرة،

__________________________

ويتعرّضون للردود الواردة عليها ودفعها مهما أمكن ويحتمل أن يكون مراده من قوله كما هو العادة ان عادتنا عدم التعرّض لمثل هذه المباحث التي لا طائل تحتها فبحسب عادتنا لا نطيل الكلام هنا أيضاً في النقض والابرام في تعريف العبادة.

أقول: الحق ان ما أورده المصنّف على التعريفات المذكورة للعبادة التي تكون متعلّقة للنهي أيضاً غير وارد كالاشكالات الاخر إذ المراد من التعاريف المذكورة بيان معنى العبادة مع قطع النظر عن النهي عنها لا بيان معناها مع لحاظ تعلّق النهي بها وإلّا فتوهّم مثل هذا لا يصدر عن عاقل فضلاً عن الفاضل بل المحقّقين الأفاضل والعجب من المصنّف كيف لم يجعل لما أوردوا على مثل تعريف العبادة من عدم الطرد والعكس وقعا لكون مثله تعريفاً لفظيّاً وشرح الاسم وأورد نفسه مثل هذا الايراد الضعيف الذي هو أوهن من تلك الاشكالات بمراتب حفظنا اللَّه من الزلل والخطأ فانه الحافظ في البدو والانتهاء واللَّه العالم.

ص: 151

فلا وجه لاطالة الكلام بالنقض والابرام في تعريف العبادة، ولا في تعريف غيرها كما هو العادة.

الخامس: إنه لا يدخل في عنوان النزاع إلا ما كان قابلا للاتصاف بالصحة والفساد،[1] بأن يكون تارة تاما يترتب عليه ما يترقب عنه من الاثر، وأخرى لا كذلك، لاختلال بعض ما يعتبر في ترتبه، أما ما لا أثر له شرعا، أو كان أثره مما لا يكاد ينفك عنه، كبعض أسباب الضمان، فلا يدخل في عنوان النزاع لعدم طروء الفساد عليه كي ينازع في أن النهي عنه يقتضيه أو لا، فالمراد بالشئ في العنوان هو العبادة بالمعنى الذي تقدم، والمعاملة بالمعنى الاعم، مما يتصف بالصحة والفساد، عقدا كان أو إيقاعا أو غيرهما، فافهم.

__________________________

[1] أقول: يعني انّ الموضوع في هذا البحث ما يكون قابلاً للصحّة والفساد من العبادات والمعاملات بمعنى كونه بحيث يكون تارة تامّاً يترتّب عليه ما يترقّب وينتظر عنه من الأثر شرعاً وأخرى لا يكون كذلك ولا يترتّب عليه أثر لاختلال بعض ما يعتبر في ترتبه اما ما لا أثر له شرعاً أو كان أثره ممّا لا يكاد ينفكّ عنه وكان دائماً صحيحاً وذا أثر كبعض أسباب الضمان مثل الاتلاف وان وقع من النائم فلا يدخل في عنوان النزاع اذ ما يكون دائماً فاسداً وخالياً عن الأثر وما يكون دائماً صحيحاً وموجداً للأثر لا معنى لأن ينازع فيه في ان النهي عنه يقتضي فساده أم لا بل اقتضاء النهي للفساد في ما لا أثر له شرعاً أو كان صحيحاً دائماً من قبيل طلب المحال واقتضائه له فيما يكون فاسداً دائماً من قبيل طلب الحاصل وكلاهما باطلان فالمراد بالشي ء في عنوان البحث وهو البحث عن انّ النهي عن الشي ء هل

ص: 152

السادس:[1] إن الصحة والفساد وصفان إضافيان يختلفان بحسب الآثار والانظار، فربما يكون شئ واحد صحيحا بحسب أثر أو نظر وفاسدا بحسب آخر، ومن هنا صح أن يقال: إن الصحة في العبادة والمعاملة لا تختلف، بل فيهما بمعنى واحد وهو التمامية، وإنما الاختلاف فيما هو المرغوب منهما من الآثار التي بالقياس عليها تتصف بالتمامية وعدمها، وهكذا الاختلاف بين الفقيه والمتكلم في صحة العبادة، إنمايكون لاجل الاختلاف فيما هو المهم لكل منهما من الاثر، بعد الاتفاق ظاهرا على أنها بمعنى التمامية، كما هي معناها لغة وعرفا.

__________________________

يقتضي فساده أم لا هو العبادة بالمعنى الأخص الذي تقدّم منّا ويكون قابلاً للاتّصاف بالصحّة والفساد لا المعاني الثلاثة الاخر التي فسّرها بها بعضهم ولا تكون قابلة للفساد بل تكون دائماً صحيحة ولا يجوز تعلّق النهي بها ويكون المراد من المعاملة المعاملة بالمعنى الأعم يعني ما يكون غير العبادة من الأصناف التي تكون قابلة للصحّة والفساد منها سواء كان عقداً أو ايقاعاً أو غيرها فافهم.

[1] السادس: انّ الصحّة والفساد وصفان اضافيّان اعتباريّان يختلفان بحسب الآثار والأنظار فربما يكون شي ء صحيحاً بحسب أثر أو خصوص نظر وبعض خاص فاسداً بحسب أثر أو نظر فان كلّ قوم يعتقد صحّة العمل وفساده بالنسبة إلى الأثر الذي يكون ويسعى حوله فان كان ما يكون مهما في نظره ومتعلّقاً لقصده من العمل مترتّباً عليه يكون صحيحاً عنده وإن كان فاسداً عند قوم آخر وإلّا يكون فاسداً عنده وإن كان صحيحاً عند قوم آخر ولما ذكرنا من ان الاختلاف في معنى الصحّة اعتباري لا حقيقي يصح أن يقال انّ الصحّة في العبادة والمعاملة لا يختلف

ص: 153

.......................................

__________________________

بل فيهما بمعنى واحد وهو التماميّة التي يعبّر عنها بالفارسيّة ب « درست » وإنّما الاختلاف فيما هو المطلوب والمرغوب منهما لأنّ المطلوب من العبادة سقوط القضاء والاعادة عند الفقيه وامتثال الأمر بها عند المتكلّم والمقصود من المعاملة ترتّب الأثر من التمليك والتملّك عليه وعنوان التماميّة والمؤثريّة جامع بين المقاصد المزبورة وهو معنى فارد وأمر واحد غاية الأمر تماميّة كلّ شي ء بحسبه وبعبارة أخرى ان الأثر في العبادة الصحيحة وإن كان غير الأثر في المعاملة الصحيحة وكان الأثران فيهما متباينين لا مناسبة بينهما إلّا انّه لما كان المقصود من الصحّة ترتّب الأثر كائناً ما كان وكان الاتّصاف بوصف الصحّة باعتبار ترتّب الأثر على المتّصف جاز أن يقال انّ الصحّة فيهما وصف واحد وهكذا الاختلاف الواقع بين الفقيه والمتكلّم في معنى وصف صحّة العبادة إنّما يكون لأجل الاختلاف فيما هو المهم في نظر كلّ منهما من الأثر بعد الاتّفاق ظاهراً على انّها بمعنى التماميّة كما هي معناها لغة وعرفاً غاية الأمر التماميّة عند كلّ قوم أمر يناسب مقصده ولما كان غرض الفقيه تعيين وجوب القضاء أو الاعادة وعدمه فسر صحّة العبادة بسقوط القضاء والاعادة ولما كان غرض المتكلّم حصول الامتثال الموجب عقلاً لاستحقاق المثوبة فسرها بما يوافق الأمر تارة وبما يوافق الشريعة أخرى فان غرض الفقيه من البحث في موضوع الفقه تعيين التكليف الشرعي للمكلّف الواقعي أم الظاهري ومورد البرائة عند الاشتغال به وغرض المتكلّم من البحث في موضوع علم الكلام تحقيق ما به يتحقّق الامتثال للأوامر الشرعيّة وانّه متى يحصل

ص: 154

.......................................

__________________________

الامتثال ومتى لا يحصل وحيث انّ الأمر في الشريعة على أقسام وليس منحصراً في قسم بل قد يكون واقعياً كأمر المكلّف بالصلوة مع الطهارة المائيّة حال التمكّن أو ثانوياً كأمره بالصلوة مع الطهارة الترابيّة عند الاضطرار وعدم التمكّن من الطهارة المائيّة وقد يكون ظاهريّاً كأمر من كان متطهّراً سابقاً يقيناً وشكّ في بقاء الطهارة في اللاحق بالحكم ببقاء الطهارة وفعل ما يشترط فيه الطهارة من دون أن يتطهّر واختلف الاراء في انّ الأخيرين أي الأمر الواقعي الثانوي والظاهري يفيدان الأجزاء اولا يفيدان كان الاتيان بعبادة واحدة موافقة لأمر ومخالفة لأمر آخر مثل انّ الاتيان بالصلوة مع الطهارة المستصحبة في صورة كشف الخلاف وعدم الطهارة موافقة للأمر الظاهري ومخالفة للأمر الواقعي الأولى وهذا ناش من جهة تعدّد الأوامر بأقسامها وقد يكون العبادة المأتي بها مسقطاً للقضاء والاعادة بنظر بعض ولا يكون مسقطاً بنظر بعض آخر وهذا ناش من الاختلاف في اقتضاء الأمر الفلاني للأجزاء وعدمه عند الفقهاء.

فالعبادة الموافقة للأمر الظاهري يكون صحيحة عند المتكلّم والفقيه كليهما بناء على انّ الأمر في تفسير الصحّة عند المتكلّم بموافقة الأمر يعم الظاهري فانّه على هذا يكون تلك العبادة صحيحة عند المتكلّم ويكون صحيحة عند الفقيه أيضاً بناء على اقتضاء الأمر الظاهري للأجزاء فان معنى الأجزاء سقوط الاعادة والقضاء فانّه على هذا يكون صحيحة عند الفقيه أيضاً وأمّا بناء على عدم اقتضاء الأمر الظاهري للأجزاء فلا يكون تلك العبادة صحيحة عند الفقيه بل يكون فاسداً لعدم

ص: 155

فلما كان غرض الفقيه، هو وجوب القضاء، أو الاعادة، أو عدم الوجوب، فسر صحة العبادة بسقوطهما، وكان غرض المتكلم هو حصول الامتثال الموجب عقلا لاستحقاق المثوبة، فسرها بما يوافق الامر تارة، وبما يوافق الشريعة اخرى.

وحيث أن الامر في الشريعة يكون على أقسام: من الواقعي الاولى، والثانوي، والظاهري، والانظار تختلف في أن الاخيرين يفيدان الاجزاء أو لا يفيدان، كان الاتيان بعبادة موافقة لامر ومخالفة لاخر، أو مسقطا للقضاء والاعادة بنظر، وغير

__________________________

مسقطيّته للاعادة والقضاء وأمّا عند المتكلّم فبناء على ارادة خصوص الأمر الواقعي فقط في تفسير الصحّة بموافقة الأمر لا يكون باطلاً كما يكون باطلاً عند الفقيه بناء على عدم الاجزاء بل يكون مراعى بموافقة الأمر الواقعي فان انكشف موافقته له يكون صحيحاً وإلّا يكون فاسداً عند المتكلّم أيضاً.

والحاصل ان مقصود المصنّف من قوله وحيث انّ الأمر في الشريعة الخ بيان انّه كما يختلف الصحّة والفساد عند الفقيه والمتكلّم بالاعتبار كذلك يكون معناها مختلفاً عند طوائف المتكلّمين والفقهاء فقد يكون العبادة عند متكلّم صحيحاً وعند آخر منهم فاسداً وقد يكون عند فقيه صحيحاً وعند آخر فاسداً أيضاً فان بعض المتكلّمين يقولون بأنّ الصحّة عبارة عن موافقة الأمر مطلقاً سواء كان واقعيّاً أم ظاهريّاً وبعض يقولون بأنّها موافقة العبادة لخصوص الأمر الواقعي فيختلف معنى الصحّة عندهم وكذلك الفقهاء فان بعضهم يقول بكون امتثال الأمر الظاهري موجباً للأجزاء ومسقطاً للاعادة والقضاء كالواقعي وبعضهم يقول بعدم اقتضائه للأجزاء فيكون الصحّة عندهم مختلفة أيضاً.

ص: 156

مسقط لهما بنظر آخر، فالعبادة الموافقة للامر الظاهري، تكون صحيحة عند المتكلم والفقيه، بناء على أن الامر في تفسير الصحة بموافقة الامر أعم من الظاهري، مع اقتضائه للاجزاء، وعدم اتصافها بها عند الفقيه بموافقته، بناء على عدم الاجزاء، وكونه مراعى بموافقة الامر الواقعي و عند المتكلم، بناء على كون الامر في تفسيرها خصوص الواقعي.

تنبيه:[1] وهو أنه لا شبهة في أن الصحة والفساد عند المتكلم، وصفان اعتباريان ينتزعان من مطابقة المأتي به مع المأمور به وعدمها، وأما الصحة بمعنى سقوط القضاء والاعادة عند الفقيه، فهي من لوازم الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي الاولي عقلا، حيث لا يكاد يعقل ثبوت الاعادة أو القضاء معه جزما، فالصحة بهذا المعنى فيه، وإن كان ليس بحكم وضعي مجعول بنفسه أو بتبع تكليف، إلا أنه ليس بأمر اعتباري ينتزع كما توهم، بل مما يستقل به العقل، كما يستقل باستحقاق المثوبة به وفي غيره، فالسقوط ربما يكون مجعولا، وكان الحكم به تخفيفا ومنة على العباد، مع ثبوت المقتضي لثبوتهما، كما عرفت في مسألة الاجزاء، كما ربما يحكم بثبوتهما، فيكون الصحة والفساد فيه حكمين مجعولين لا وصفين انتزاعيين.

__________________________

[1] تنبيه: أقول: مقصوده بيان حقيقة الصحّة والفساد في العبادات والمعاملات وانّها هل الصحّة فيهما أمر منتزع اعتباري أو أمر عقلي حقيقي نفى المصنّف الشبهة عن كون الصحّة والفساد عند المتكلّم الذي يفسّرها بموافقة الأمر أمراً اعتباريّاً منتزعاً من مطابقة المأتي به مع المأمور به وعدمها، وأمّا الصحّة بمعنى سقوط

ص: 157

.......................................

__________________________

القضاء والاعادة عند الفقيه فهي من الأمور المتاصلة الحقيقيّة ومن لوازم الاتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأولى عقلاً فانّ الاتيان بما أمر به واقعاً يلازم سقوط الاعادة والقضاء ولا يكاد يعقل ثبوتهما معه جزماً وقطعاً فانّه لا معنى للامتثال عقيب الامتثال وتحصيل الحاصل محال نعم الصحّة بهذا المعنى عند الفقيه وإن لم يكن حكماً وضعيّاً مجعولاً بنفسه بناء على جعل الأحكام الوضعيتة بنفسها أو بتبع تكليف بناء على كون الأحكام الوضعيّة منتزعة من الأحكام التكليفيّة إلّا انّها ليس بأمر اعتباري منتزع أيضاً كما توهّم بل ممّا يستقل به العقل بأن هذا ثابت في دار التكليف كما يستقل به العقل ويحكم بثبوت المثوبة من جهة الامتثال والاطاعة باستحقاق المثوبة في الدار الآخرة فكما انّ استحقاق المثوبة ليس أمراً اعتباريّاً منتزعاً فكذلك سقوط الاعادة والقضاء من التكليف أيضاً هذا كلّه بالنسبة إلى الأوامر الواقعيّة الأوليّة، وامّا في غيره من الأوامر الواقعيّة الثانويّة الاضطراريّة والظاهريّة فالسقوط ربما يكون مجعولاً اعتباريّاً وكان الحكم به تخفيفاً ومنة على العباد مع ثبوت المقتضى لثبوت الاعادة والقضاء كما عرفت في مسئلة الأجزاء كما انّه ربما يحكم بثبوت الاعادة والقضاء بعد الاتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري والظاهري أيضاً في صورة العلم بالواقع وعدم المانع عن ذلك من العسر والمشقّة فيها فيكون الصحّة والفساد فيه أي في غير الأمر الواقعي الأولى حكمين مجعولين تارة بجعل الصحّة ويحكم بالسقوط وأخرى يجعل الفساد ويحكم بالثبوت لا وصفين انتزاعيّين كما هما عند المتكلّم.

ص: 158

.......................................

__________________________

نعم الصحّة والفساد في الموارد الخاصّة وبالنسبة إلى الفعل الشخصي الواقع من المكلّف لا يكاد يكونان مجعولين ضرورة ان جعل الجزئيّات يتحقّق ويحصل بتبع جعل الكلي فلا يتّصف الموارد الشخصيّة بالوصفين استقلالاً بل إنّما اتّصافهما بهما بمجرّد الانطباق على ما هو المأمور به فان دخول المورد الشخصي في الكلّي يوجب الحكم بسقوط الاعادة والقضاء وعدمه بتبع جعل المسقطيّة وعدمها لذلك الكلّي ولا يحتاج إلى جعل آخر مستقل بل الجعل الآخر المستقل يكون لغواً وعبثاً هذا كلّه في العبادات.

وأمّا الصحّة في المعاملات مطلقاً وعند الكل حيث كان بمعنى ترتّب الأثر على المعاملة وهو إنّما يكون بجعل الشارع أو امضائه بأن يكون المعاملة مرسومة ومتداولة عند العرف في السابق ثمّ يمضي الشارع ذلك الرسم والتداول فهي تكون مجعولة ضرورة انّه لو لا جعله أو امضائه لما كان يترتّب عليه لاصالة الفساد بمعنى انه لما كان الأصل في كلّ حادث شكّ في وجوده وعدمه العدم يحكم بفساد المعاملة وعدم تأثيرها حتّى يعلم بجعل الشارع أو امضائه له نعم صحّة كلّ معاملة شخصيّة وفسادها التي من الأحكام الشرعيّة الوضعيّة ليست إلّا لأجل انطباقها مع ما هو المجعول سبباً للتأثير والتمليك وعدم كونه سبباً كما هو الحال في التكليفيّة من الأحكام ضرورة ان اتّصاف المأتي به من المكلّف بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما ليس إلّا لانطباقه تحت الكلّي الواجب أو الحرام لا لجعل مستقل من الشرع بالنسبة إليه بخصوصه وشخصه بل إنّما الجعل في إيجاب الواجب كلياً وتحريم الحرام كلياً فقط.

ص: 159

نعم، الصحة والفساد في الموارد الخاصة، لا يكاد يكونان مجعولين، بل إنما هي تتصف بهما بمجرد الانطباق على ما هو المأمور به، هذا في العبادات.

وأما الصحة في المعاملات، فهي تكون مجعولة، حيث كان ترتب الاثر على معاملة إنما هو بجعل الشارع وترتيبه عليها ولو إمضاء، ضرورة أنه لولا جعله، لما كان يترتب عليه، لاصالة الفساد.

نعم صحة كل معاملة شخصية وفسادها، ليس إلا لاجل انطباقها مع ما هو المجعول سببا وعدمه، كما هو الحال في التكليفية من الاحكام، ضرورة أن اتصاف المأتي به بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما، ليس إلا لانطباقه مع ما هو الواجب أو الحرام.

السابع: لا يخفى أنه لا أصل في المسألة يعول عليه، لو شك في دلالة النهي على الفساد.

نعم، كان الاصل في المسألة الفرعية الفساد،[1] لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم يقتضي الصحة في المعاملة.

وأما العبادة فكذلك، لعدم الامر بها مع النهي عنها، كما لا يخفى.

__________________________

[1] أقول: يعني انّه إذا شكّ في انّ النهي عن العبادة أو المعاملة يقتضي الفساد أم لا فلا أصل في المسئلة الأصوليّة يثبت به الاقتضاء أو عدمه كي يتفرّع عليه بعد تعيين ما هو مقتضى الأصل فيها من الدلالة وعدمه المسئلة الفقهيّة نعم الأصل في نفس المسئلة الفرعيّة في المعاملة الفساد لو لم يكن هناك اطلاق أو عموم يقتضي الصحّة مثل قوله تعالى « أوْفُوا بِالْعُقُود »(1) مثلاً بناء على دلالته على صحّة كلّ

ص: 160


1- المائدة: 1.

.......................................

__________________________

عقد شكّ في صحّته مثلاً بعد ورود مفاد قوله لا تبع وقت النداء إذا شككنا في انّ البيع وقت النداء هل هو حرام فقط أو فاسد مع ذلك فالأصل في الحكم الفرعي يقتضي الفساد بمعنى انّ الأصل عدم ترتّب الأثر على البيع الواقع وقت النداء وانّه فاسد لقاعدة عدم كلّ حادث شكّ في وجوده لا لدلالة لفظ النهي على الفساد ولو بحكم الأصل كما انّه لا يثبت عدم دلالة لفظه على الفساد بالأصل أيضاً وأمّا العبادة فكذلك أيضاً الأصل يقتضي فسادها لو شكّ في أصل ثبوت الأمر وانّه هل ورد أمر من المولى بها أم لا أو كان الشكّ في صحّة المأتي به وفساده من جهة الشكّ مع انطباقه مع المأمور به حين اتيانه كما في المقام فانّه إذا تعلّق النهي بالعبادة يشكّ حين الاتيان بها في انّ المأتي به من العبادة ينطبق مع المأمور به أم لا وإلّا فان عرض الشكّ بعد الفراغ عن العمل ولم يكن حين الاتيان به فقاعدة الفراغ واصالة الصحّة متبعة ولا شبهة في الحكم بصحّتها حينئذٍ وأمّا لو كان الشكّ في صحّة العبادة وفسادها من جهة دوران الواجب بين الأقل والأكثر فقضية الأصل بحكم العقل وإن كان هو الاشتغال والفساد على ما حقّق في محلّه لعدم جريان أدلّة البرائة العقليّة فيه الا ان أدلّة النقل الدالّة عليها مثل حديث الرفع وما أشبهه يقتضي صحة الأقل والبرائة عن وجوب الأكثر فتحصل ممّا ذكر انّ للشكّ في صحّة العبادة وفسادها أقسام مختلفة بسبب اختلاف سببه منها الشكّ فيهما من جهة تعلّق النهي بها وان الأصل في هذا القسم يقتضي الفساد.

ص: 161

الثامن: إن متعلق النهي إما أن يكون نفس العبادة، او جزأها، أو شرطها الخارج عنها، أو وصفها الملازم لها[1] كالجهر والاخفات للقراء ة، أو وصفها الغير الملازم كالغصبية لاكوان الصلاة المنفكة عنها.

لا ريب في دخول القسم الاول في محل النزاع، وكذا القسم الثاني بلحاظ أن جزء العبادة عبادة، إلا أن بطلان الجزء لا يوجب بطلانها، إلا مع الاقتصار عليه، لا مع الاتيان بغيره مما لا نهي عنه، إلا أن يستلزم محذورا آخر.

وأما القسم الثالث، فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجبا لفساد العبادة، إلا فيما كان عبادة، كي تكون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به.

وبالجملة لا يكاد يكون النهي عن الشرط موجبا لفساد العبادة المشروطة به، لو لم يكن موجبا لفساده، كما إذا كانت عبادة.

وأما القسم الرابع، فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن موصوفه، فيكون النهي عن الجهر في القراء ة مثلا مساوقا للنهي عنها، لاستحالة كون القراءة التي يجهر بها مأمورا بها، مع كون الجهر بها منهيا عنه فعلا، كما لا يخفى.

وهذا بخلاف ما إذا كان مفارقا، كما في القسم الخامس، فإن النهي عنه لا يسري إلى الموصوف، إلا فيما إذا اتحد معه وجودا، بناء على امتناع الاجتماع، وأما بناء على الجواز فلا يسري إليه، كما عرفت في المسألة السابقة، هذا حال النهي المتعلق بالجزء أو الشرط أو الوصف.

__________________________

[1] أقول: مراده ان تعلّق النهي بالعبادة يتصوّر على وجوه: الأوّل ان يتعلّق النهي بمجموع العبادة كنهي الحائض عن الصلوة في أيّام حيضها أو يكون متعلّقاً

ص: 162

.......................................

__________________________

بجزئها كالنهي عن القران بين السورتين في القرائة والتأمين والتكفير وقرائة العزائم بعد الفاتحة أو متعلّق بشرطها الخارج عنها كلبس الرجل لباس المرأة أو بالعكس في الصلوة أو التزين بالذهب للرجل فيها أو وصفها الملازم لها كالجهر والاخفات للقرائة فان كلّ واحد منها لا يكاد ينفكّ عن القرائة وإن كانت هي تنفك عن أحدهما أو وصفها الغير الملازم كالغصبيّة لاكوان الصلوة المنفكّة عنها، لا شبهة ولا ريب في دخول القسم الأوّل في محلّ النزاع اذ هو أوضح مصاديق موضوع البحث وكذا القسم الثاني بلحاظ ان جزء العبادة عبادة وعدم صحّة تركب العبادة من أجزا غير عبادي فبناء على دلالة النهي في العبادات على الفساد يبطل الجزء المتعلّق له لذلك الا ان بطلان الجزء لا يوجب بطلان الكل إلّا فيما كان العنوان المأخوذ في النهي صادقاً على الكل أيضاً كالرياء في الجزء بتقريب ان اطلاق مبطليّة الرياء للعبادة يشمل لهذا النحو من الرياء فيها أيضاً ففي تلك الصورة يسري البطلان من الجزء إلى الكل فقط مع الاقتصار عليه لحصول النقص في العبادة المركبة حينئذٍ لكون الجزء الفاسد كالمعدوم واما مع الاتيان بغيره ممّا لا نهى عنه وتبديله به فلا يبطل العبادة المركّبة إلّا أن يستلزم التبديل والاتيان بغيره محذوراً آخر كالزيادة العمديّة والفعل الكثير في الصلوة مثلاً.

وأمّا القسم الثالث فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجباً لفساد العبادة إلّا فيما كان عبادة كالطهارة للصلوة والصوم للاعتكاف كي يكون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط بها فانّ الشرط الفاسد كالمعدوم والمشروط

ص: 163

.......................................

__________________________

يفسد بانتفاء شرطه حقيقة أو حكماً والحاصل انّ النهي عن شرط العبادة لا يكون موجباً لفساد العبادة المشروطة بالشرط المنهي عنه ما لم يكن النهي موجباً لفساد الشرط.

نعم إذا كان النهي المتعلّق بالشرط موجباً لفساده لكونه عبادة كالطهارة مثلاً يوجب فساد المشروط أيضاً حينئذٍ لعدم الشرط.

وأمّا القسم الرابع فالنهي عن الوصف اللازم الغير المنفك عن الموصوف مساوق للنهي عن موصوفه فيكون النهي عن الجهر في القرائة مثلاً مساوقاً للنهي عن القرائة لأنّ القرائة والجهر فيها موجود واحد لا موجودان وجدا بوجود واحد وحيث لا تعدّد ولا تكثر أصلاً في البين فكيف يمكن أن يكون القرائة التي يجهر بها مأموراً بها مع كون الجهر منهيّاً عنها فعلاً وهذا بخلاف ما إذا كان الوصف مفارقاً عن الموصوف وقابلاً للانفكاك كما في القسم الخامس فانّ النهي عن الوصف مثل الغصبيّة لا يسري إلى الموصوف مثل الصلوة إلّا فيما إذا اتّحد معه وجوداً كالصلوة في الدار المغصوبة بناء على امتناع الاجتماع وأمّا بناء على الجواز وكفاية تعدّد العنوان والجهة في كون المجمع مأموراً به ولم يكن غلبة لجانب النهي على الأمر فلا يسري إليه أيضاً كما عرفت في المسئلة السابقة أي مسئلة اجتماع الأمر والنهي هذا حال النهي المتعلّق بالجزء أو الشرط أو الوصف.

وأمّا النهي عن ذات العبادة لأجل أحد هذه الأمور أي لأجل النهي عن الجزء

ص: 164

.......................................

__________________________

أو الشرط أو الوصف فحاله حال النهي عن أحدها أيضاً إذا كان من قبيل الوصف بحال المتعلّق بمعنى أن يكون النهي في الحقيقة متعلّقاً بنفس الجزء أو الشرط أو الوصف غاية الأمر تعلّق صورة وبالعرض بنفس العبادة مثل زيد حسن الوجه مثلاً فانه لا فرق بين هذه الصورة وبما اذا تعلّق النهي نفس الجزء أو الشرط أو الوصف ابتداء وبلا واسطة.

وأمّا إن كان النهي عن العبادة على نحو الحقيقة والوصف بحالها المختص بها لا بحال المتعلّق وإن كان بواسطة أحدها إلّا انّه من قبيل الواسطة في الثبوت لا في العروض بأن كان النهي ثابتاً في ذات العبادة بواسطة الجزء أو الشرط أو الوصف لا عارضاً عليها ثانياً وبالعرض بسبب عروضه على الجزء أو الشرط أو الوصف أوّلاً وبالذات كان حاله حال النهي في القسم الأوّل وهو أن يكون نفس العبادة منهيّاً عنها الذي لا شبهة في دخوله في محلّ النزاع وممّا ذكرنا في بيان أقسام النهي في العبادة يظهر حال الأقسام وحكمها في المعاملة فلا يكون بيانه على حدّة بمهم بل يكون تطويلاً بلا طائل وبحثاً بلا حاصل كما ان بيان تفصيل الأقوال في الدلالة على الفساد وعدمها التي ربما تزيد على عشرة أقوال على ما قيل كذلك أيضاً ليس بمهم إنّما الغرض المهم وما يثمر ثمرة بيان ما هو الحق في المسئلة ولابدّ في تحقيقه على نحو يظهر الحال في باقي الأقوال التي ذهب إليه آخرون من بسط المقال في المقامين.

ص: 165

وأما النهي عن العبادة لاجل أحد هذه الامور، فحاله حال النهي عن أحدها إن كان من قبيل الوصف بحال المتعلق.

وبعبارة أخرى: كان النهي عنها بالعرض، وإن كان النهي عنها على نحو الحقيقة، والوصف بحاله، وإن كان بواسطة أحدها، إلا أنه من قبيل الواسطة في الثبوت لا العروض، كان حاله حال النهي في القسم الاول، فلا تغفل.

ومما ذكرنا في بيان أقسام النهي في العبادة، يظهر حال الاقسام في المعاملة، فلا يكون بيانها على حدة بمهم، كما أن تفصيل الاقوال في الدلالة على الفساد وعدمها، التي ربما تزيد على العشرة - على ما قيل - كذلك، إنما المهم بيان ما هو الحق في المسألة، ولا بد في تحقيقه على نحو يظهر الحال في الاقوال، من بسط المقال في مقامين:

الاول في العبادات[1]: فنقول وعلى اللَّه الاتكال: إن النهي المتعلق بالعبادة بنفسها، ولو كانت جزء عبادة بما هو عبادة - كما عرفت - مقتض لفسادها، لدلالته على حرمتها ذاتا، ولا يكاد يمكن اجتماع الصحة بمعنى موافقة الامر أو الشريعة مع الحرمة، وكذا بمعنى سقوط الاعادة، فإنه مترتب على إتيانها بقصد القربة، وكانت مما يصلح لان يتقرب بها، ومع الحرمة لا تكاد تصلح لذلك، ويتأتى قصدها من الملتفت إلى حرمتها، كما لا يخفى.

__________________________

[1] المقام الأوّل في بيان حال متعلّقه بالعبادات فنقول وعلى اللَّه الاتّكال انّ النهي المتعلّق بعبادة بنفسها ولو كانت هذه العبادة جزء عبادة أخرى كالقران بين السورتين في الصلوة مقتض لفسادها لدلالة النهي على حرمتها ذاتاً ولا يكاد

ص: 166

.......................................

__________________________

يمكن اجتماع الصحّة بمعنى موافقة الأمر أو الشريعة كما عليه المتكلّمون وكذا بمعنى سقوط الاعادة كما عليه الفقهاء اذ سقوط الاعادة مترتّب على اتيانها بقصد القربة وكونها ممّا يصلح ان يتقرّب بها ومع الحرمة لا يكاد يصلح للتقرّب بها ولا يكاد يمكن اتيانها بقصد القربة من الملتفت إلى حرمتها كما لا يخفى فتحصل ممّا ذكر ان النهي في العبادة تحريماً مقتض لفسادها سواء كانت هي جزء لعبادة أخرى أم لا.

لا يقال: هذا أي الوجه الذي ذكر لاثبات عدم اجتماع الصحّة بمعنى سقوط الاعادة مع الحرمة من عدم امكان قصد التقرّب بما يكون محرماً مسلم لو كان النهي المتعلّق بالعبادة دالّاً على الحرمة الذاتيّة مع انّه لا يكاد يتّصف العبادة بالحرمة الذاتيّة ولا يعقل ذلك، وجه عدم المعقوليّة هو انّ العبادة ان لم يقصد القربة باتيانها لا تكون محرمة ومع قصد القربة لا يقدر عليها إلاّ تشريعاً لأنّ الفرض انّ الشارع لم يجعله مقرباً ولا عبادة ومع ذلك القصد يكون محرمة بالحرمة التشريعيّة لا محالة ومع ثبوت الحرمة التشريعيّة لا يتّصف بالحرمة الذاتيّة لامتناع اجتماع المثلين كالضدّين فيتحصل عدم امكان ثبوت الحرمة الذاتيّة للعبادة، وانّ الوجه الذي ذكر لاثبات عدم جواز اجتماع الصحّة بمعنى سقوط الاعادة والحرمة غير سديد.

فانّه يقال في جوابه: انّ المراد بالعبادة المنهي عنه ما يكون عبادة شأناً واستعداداً وعلى فرض تعلّق الأمر به، ولا ضير في اتّصاف ما هذا شأنه بالحرمة

ص: 167

.......................................

__________________________

الذاتيّة مثلاً صوم العيدين يكون عبادة منهيّة عنها بمعنى انّه لو أمر به كان عبادة لا يسقط الأمر به إلّا إذا أتى به بقصد القربة كصوم سائر الأيّام فان طبيعة الصوم وهي الامساك عن المفطرات المخصوصة تكون عبادة كلّما أمر بها بدليل، حال ما تعلّق الأمر به منها ولا فرق أصلاً بين ما أمر به منها وما نهى عنه إلّا تعلّق الأمر بالأوّل وتعلّق النهي بالثاني فيعلم انّه لو كان متعلّقاً للأمر لكان عبادة أيضاً ولا وقع لما أورده الشارح الكاظميني من ان الحرمة الذاتيّة التابعة للمفسدة الذاتيّة لا يمكن أن يقال في متعلّقها انّه عبادة لوجود المفسدة الذاتيّة فيه من دون انفكاك(1) ولذا لا يعلم حاله فيما إذا لم يكن محرماً ذاتياً وانه هل يكون متعلقه فيما إذا لم يكن كذلك عبادة أم لا هذا كلّه إذا لم يكن الحرام الذاتي عبادة في ذاته كالسجود للَّه تعالى ونحوه فانّ السجود ونحوه من مصاديق التعظيم عرفاً ولا يحتاج دخوله في ذلك العنوان إلى جعل جاعل اذ من المعلوم ان العبادة ليست إلّا التعظيم وفي مثله يكون العبادة محرمة مع كونه فعلاً عبادة مثلاً إذا نهى الجنب والحائض عن السجود له تبارك وتعالى كان عبادة محرمة ذاتاً حينئذٍ لما فيه من المفسدة والمبغوضيّة في هذا الحال مع انه لا ضير في اتّصافه بهذه الحرمة مع الحرمة التشريعيّة بناء على انّ الفعل فيها أي في الحرمة التشريعيّة لا يكون في الحقيقة متّصفاً بالحرمة بل إنّما يكون المتّصف بها ما هو من أفعال القلب كما هو الحال في التجرّي والانقياد بمعنى انّه كما انّ الحرمة والقبح والذم في التجري

ص: 168


1- الهداية في شرح الكفاية: 382 - 383.

.......................................

__________________________

راجع في الحقيقة إلى قصد الفاعل وفعله القلبي لا فعله الخارجي وكذلك الحسن والمدح في الانقياد راجع في الحقيقة إلى قصد الفاعل وفعله القلبي لا فعله الخارجي فكذلك التشريع والاتيان بما ليس عبادة بقصد التقرّب والاطاعة يوجب اللوم والذم والقباحة والشناعة في قصد الفاعل والمشرع والمبدع لا فعله الخارجي فلا يزم اجتماع المثلين في محلّ واحد اذ الحرام الذاتي نفس الفعل الخارجي والمحرم التشريعي في الحقيقة إنّما هو قصد الفاعل والمشرع.

وأورد عليه الشارح الكاظميني بأن ما أفاده المصنّف في العبادة الذاتيّة عجيب لأنّ السجود بما هو سجود لم يعلم كونه عبادة من غير جهة الأمر كما ان كيفياته المختلفة كذلك ولذا جاز في غير الصلوة ما لم يجز في الصلوة منها ولو كان ذاتاً عبادة بكيفيّاته المختلفة لجاز في الصلوة كلّ واحد من كيفيّاته وأمّا بقيد كونه للَّه فلا خصوصيّة له يعني من بين سائر العبادات بأن يكون عباة ذاتاً بخلاف غيره كما هو المقصود فانّه حينئذٍ كالصلوة والصوم للَّه ضرورة انّه عين قصد القربة بل أعلى مراتبه ومع التحريم فلا يمكن قصد كونه للَّه ومع زوال القيد فكيف يكون في حال التحريم عبادة ولو أريد من العبادة غير معناها الاصطلاحي بل مطلق الخضوع لكلّ من يخضع له لم ينفع في ذلك اجتماعه مع الحرمة الفعليّة ضرورة خروجه عن فرض المسئلة انتهى كلامه مع توضيح منّا في تضاعيفه(1).

أقول: الانصاف انّ العجب فيما أورده الشارح لا ما أفاده المصنّف إذ مراد

ص: 169


1- الهداية في شرح الكفاية: 383.

.......................................

__________________________

المصنّف من السجود للَّه فعله بقصد تعظيم الباري تعالى واظهار المذلّة والرقيّة له وعلى هذا الفرض نهى اللَّه تعالى أن يفعل الجنب والحائض مثلاً ذلك الفعل بقصد تعظيم اللَّه تعالى وقد مرّ انّ السجود في نفسه من مصاديق التعظيم، والعبادة إنّما هي التعظيم لا غير فالنهي عنه حينئذٍ نهي عن العبادة الفعليّة وليس مقصوده من قوله السجود للَّه السجود لأمر اللَّه تعالى وبقصد امتثاله واطاعة أمره كي يرد عليه ان فعله للَّه عين قصد القربة كالصلوة للَّه والصوم للَّه بل أعلى مراتب قصد القربة ومع التحريم لا يمكن قصد كونه للَّه ومع زوال القيد فكيف يكون في حال التحريم عبادة وأيضاً عباديّة العبادة ليس بسبب اشتراط قصد القربة وامتثال الأمر في فعله كما زعمه ويظهر من كلامه بل إنّما يشترط قصد القربة في فعل العبادة بعد تماميّة عنوان عباديته وقد ذكروا لعنوان العبادة معرفات مختلفة مثل انه ما لم يعلم انحصار الحكمة والمصلحة فيها في شي ء او ما هو المراد منها تكميل النفس ورفع الدرجة وحصول التقرّب أو ما أمر به لأجل التعبد به يعني لأجل اظهار العبوديّة والرقيّة به وكان مشتملاً على التذلّل والتعظيم أو ما يتوقّف صحّته على النيّة أي نيّة أصل الفعل في مقابل التوصليّات الحاصلة ولو في حال الغفلة لا خصوص قصد القربة ولو سلّم ان المقصود خصوص نيّة القربة فمعلوم ان هذه التعاريف شرح الاسم وكلّها تعريفات باللوازم الخارجيّة وليس المقصود منها بيان الحقيقة والماهيّة والحاصل ان ما كان شرطاً في صحّة شي ء كقصد القربة في العبادة كيف يمكن أن يكون دخيلاً في تحقّق موضوعه ويظهر ممّا ذكرنا ان قوله بعد ما نقلناه

ص: 170

.......................................

__________________________

عنه سابقاً « ولو أريد من العبادة غير معناها الاصطلاحي بل مطلق الخضوع لكلّ من يخضع له لم ينفع ذلك في اجتماعه مع الحرمة الفعليّة ضرورة خروجه عن فرض المسئلة » لا وجه له اذ لا نسلم أوّلاً انّ القوم جعلوا اصطلاحاً خاصّاً في موضوع العبادة بل إنّما هي عندهم باق على معناها اللغوي وهو الخضوع والخشوع والتعظيم للمعبود وما ذكروه في تعريفها وقد ذكرناها كلّها شرح الاسم وبيان علامات وتوضيحات ولا تدلّ على جعل الاصطلاح الخاص منهم كما مرّ ولو سلّم جعل اصطلاح خاص منهم فمن المقطوع انّهم لم يصطلحوا على كون العبادة ما يعتبر في موضوعها قصد القربة وكان قصد القربة دخيلاً في حقيقتها بل القدر المسلّم هو انّهم شرطوا قصد القربة في صحّة العبادة التي حقيقتها أمر آخر وراء ذلك هذا كلّه بناء على دلالة النهي على الحرمة الذاتيّة وكذلك لو لم يكن دالّاً عليها ليدلّ على فساد العبادة أيضاً لدلالته لا أقل على الحرمة التشريعيّة وانّها ليست بمأمور بها وان عمّها اطلاق دليل الأمر بها أو عمومه، تفصيل ذلك: انّ العبادة المأمور بها كلياً المعلوم رجحانها ذاتاً اذا نهى عنها لخصوصيّة لاحقة لها كان النهي عنه ارشاديّاً الذي معناه عدم ارادة الفعل لا إرادة عدمه بخلاف الحرمة الذاتيّة في مقابل التشريعيّة فانّها بمعنى ارادة العدم فيكون الاتيان بالفعل حينئذٍ بعد سقوط أمره بقصد كونه مأموراً به كالاتيان بالفعل الذي لم يتعلّق به أمرٌ اَبَداً بعنوان انّه مأمور به تشريعاً محرماً وبعبارة أخرى النهي ان لم يدلّ على الحرمة الذاتيّة للعبادة فلا أقل يدلّ على ان متعلّقه فيه خصوصيّة عارضة مسقطة لأمره

ص: 171

لا يقال: هذا لو كان النهي عنها دالا على الحرمة الذاتية، ولا يكاد يتصف بها العبادة، لعدم الحرمة بدون قصد القربة، وعدم القدرة عليها مع قصد القربة بها إلا تشريعا، ومعه تكون محرمة بالحرمة التشريعية لا محالة، ومعه لا تتصف بحرمة أخرى، لامتناع اجتماع المثلين كالضدين.

فإنه يقال: لا ضير في اتصاف ما يقع عبادة - لو كان مأمورا به - بالحرمة الذاتية، مثلا صوم العيدين كان عبادة منهيا عنها، بمعنى أنه لو أمر به كان عبادة، لا يسقط الامر به إلا إذا أتى به بقصد القربة، كصوم سائر الايام، هذا فيما إذا لم يكن ذاتا عبادة، كالسجود للَّه تعالى ونحوه، وإلا كان محرما مع كونه فعلا عبادة،

__________________________

فيكون الاتيان به حينئذٍ تشريعاً وهو محرّم نعم لو لم يكن النهي عن العبادة إلّا عرضاً لا على نحو الحقيقة ولا بالذات ولو كان تبعيّاً كما إذا نهى عنها فيما كانت ضدّ الواجب مثلاً لا يكون مقتضياً لفسادها بناء على عدم اقتضاء الأمر بالشي ء للنهي عن الضد إلّا كذلك أي عرضاً إذ مثل ذلك النهي لا يدلّ على ثبوت الفساد في ذات العبادة المخرج لها عن موضوع العبادة ولا على عروض خصوصيّة مسقطة للأمر المتعلّق بها كلياً كي يكون الاتيان بها تشريعاً محرماً بل إنّما يكون العبادة منهيّة عنها في هذه الصورة من جهة تزاحمها مع ما هو الأهم منه فتكون باقية على ما هي عليها من المصلحة وتعلّق الأمر بها لولا المزاحمة فيخصص به عموم القول باقتضاء النهي في العبادات فسادها لو ثبت بما ذكر من الدليل عموم أو يقيّد به اطلاقه إن لم يثبت به العموم بأن يقال كلّ نهي متعلّق بالعبادة يقتضي الفساد إلّا النهي العرضي المتولّد من الأمر بالأهم أو يقال النهي في العبادة يقتضي الفساد إن لم يكن نهياً عرضيّاً.

ص: 172

مثلا إذا نهي الجنب والحائض عن السجود له تبارك وتعالى، كان عبادة محرمة ذاتا حينئذ، لما فيه من المفسدة والمبغوضية في هذا الحال، مع أنه لا ضير في اتصافه بهذه الحرمة مع الحرمة التشريعية، بناء على أن الفعل فيها لا يكون في الحقيقة متصفا بالحرمة، بل إنما يكون المتصف بها ما هو من أفعال القلب، كما هو الحال في التجري والانقياد، فافهم.

هذا مع أنه لو لم يكن النهي فيها دالا على الحرمة، لكان دالا على الفساد، لدلالته على الحرمة التشريعية، فإنه لا أقل من دلالته على أنها ليست بمأمور بها، وإن عمها إطلاق دليل الامر بها أو عمومه، نعم لو لم يكن النهي عنها إلا عرضا، كما إذا نهى عنها فيما كانت ضد الواجب مثلا، لا يكون مقتضيا للفساد، بناء على عدم اقتضاء الامر بالشئ للنهي عن الضد الا كذلك أي عرضا، فيخصص به او يقيد.

المقام الثاني في المعاملات: ونخبة القول، أن النهي الدال على حرمتها لا يقتضي الفساد، لعدم الملازمة فيها - لغة ولا عرفا -[1] بين حرمتها وفسادها أصلا، كانت الحرمة متعلقة بنفس المعاملة بما هو فعل بالمباشرة، أو بمضمونها بما هو فعل بالتسبيب أو بالتسبب بها إليه، وإن لم يكن السبب ولا المسبب بما هو فعل من الافعال بحرام، وإنما يقتضي الفساد فيما إذا كان دالا على حرمة ما لا يكاد يحرم مع صحتها، مثل النهي عن أكل الثمن أو المثمن في بيع أو بيع شئ.

__________________________

[1] أقول: المعاملة المنهي عنها إن كانت مستثناة بدلالة النهي عن عموم المعاملة الممضاة ويكون تحريمها عبارة عن عدم امضائها كما كان تحريم العبادة

ص: 173

.......................................

__________________________

عبارة عن عدم الأمر بها كبيع المجهول مثلاً المستثنى من عموم جواز البيع(1) بقوله نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر(2) فانه في معنى كلّ بيع ممضى ويترتّب عليه الأثر في نظر الشارع كما عند العرف إلّا البيع الغرري فانّه ليس ممضى ولا يكون له أثر عند الشارع فلا شبهة في دلالة النهي عنها على فسادها لأن ترتب الأثر على المعاملة الفلانيّة منوط بالامضاء فالردع موجب لعدمه فيثبت فساده وكذلك لا شبهة في دلالة النهي على الفساد في المعاملة لو كان دالّاً على ثبوت المفسدة الذاتيّة من حيث الأثر الملحوظ فيها فانّه لو كان ترتّب الأثر الملحوظ فيها والمقصود منها مستلزماً لترتّب المفسدة ولذلك كان منهيّاً عنها فلا شبهة في فسادها وأمّا إذا لم يكن النهي عن المعاملة داخلاً في أحد القسمين المزبورين فلا يقتضي الفساد مطلقاً لعدم الملازمة في المعاملات من حيث هي ومع قطع النظر عن الدلالات الخارجيّة لا لغة ولا عرفاً بين حرمتها وفسادها أصلاً سواء كان النهي متعلّقاً بنفس المعاملة بما هو فعل يصدر من فاعله بالمباشرة كالبيع وقت النداء وبيع المنابذة والملامسة والحصاة مثلاً أو بمضمونها أي الأثر الحاصل منها فانّ الأثر الحاصل من البيع يصدق عليه فعل المكلّف باعتبار ان سببه بيده ولا اجاز، تعلّق النهي به كبيع المصحف على الكافر فانّ النهي في مثله لا يتعلّق بالعقد الواقع من البائع والمشتري الذي هو فعل يصدر منهما بالمباشرة بل إنّما يكون

ص: 174


1- في قوله تعالى: « أحَلَّ اللَّهَ البيعَ ».
2- وسائل الشيعة: 17/448، ح 3 وعيون أخبار الرضا عليه السلام: 2/46، ح 168.

.......................................

__________________________

متعلّقاً بالنقل والتمليك المسببين عن الايجاب والقبول أو كان النهي متعلّقاً بالأثر الحاصل من العقد وما يترتّب عليه من الأثر وكان سبباً عن العقد ومسببه من دون أن يكون السبب أي العقد والمسبب وهو النقل والتمليك حراماً كبيع السلاح للكافر ليستعين به على قتال المسلمين وبيع الكرم ممّن يعمله خمراً والخشب ممّن يعمله صنماً فانّ النهي في أمثال ذلك يكون متعلّقاً بالبيع لا من حيث هو فعل صادر من فاعله بالمباشرة ولا بالبيع من حيث حصول أثر النقل والتمليك على العقد فالسبب والمسبّب فيهما لا يحرمان بل إنّما الحرمة متعلّقة بالتسبب بهما إلى تلك الغاية.

نعم إنّما يتّضح دلالة النهي على الفساد في المعاملات فيما إذا كان دالّاً على حرمة ما لا يكاد يحرم مع صحّتها مثل النهي عن أكل الثمن والمثمن في بيع كالملامسة والمنابذة وغيرهما أم بيع شي ء مخصوص كالخمر والكلب والخنزير والعذرة وما أشبهها ولا يبعد أيضاً دعوى ظهور النهي عن المعاملة في الارشاد إلى فسادها من دون دلالة على حكم مولوي من التحريم أو الكراهة كما انّ الأمر بها يكون ظاهراً في الارشاد إلى صحّتها من دون دلالة على ايجابها أو استحبابها وهذا غير الاقتضاء الذي يكون موضوع البحث ونحن ننكره ولكن هذا الادعاء إنّما يصح في المعاملات بمعنى خصوص العقود والايقاعات لا المعاملات بالمعنى الأعم المقابل للعبادات الشامل للتوصليّات المشاركة للعبادات لو جي ء بها بقصد الامتثال فالمعول هو ملاحظة القرائين في خصوص المقامات وانّه هل النهي فيها

ص: 175

.......................................

__________________________

ارشادي غير دال على الحرمة أو الكراهة أم مولوي دالّ على أحدهما ومع عدم القرينة لا محيص عن الأخذ بما هو قضيّة طبيعة النهي عن الحرمة المولويّة وقد عرفت انّها غير مستتبعة للفساد لغة ولا عرفاً نعم ربما يتوهّم استتباعها له شرعاً من جهة دلالة غير واحد من الأخبار عليه منها ما رواه الشيخ في الكافي والصدوق في الفقيه عن زرارة عن الباقر عليه السلام سئله عن مملوك تزوّج بغير اذن سيّده فقال: « ذلك إلى سيّده إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما قلت أصلحك اللَّه تعالى ان حكم بن عتبة وابراهيم النخعي وأصحابه يقولون انّ أصل النكاح فاسد ولا يحلّ اجازة السيّد له فقال أبو جعفر عليه السلام انّه لم يعص اللَّه إنّما عصى سيّده فاذا أجاز فهو له جائز(1) حيث دلّ بظاهره انّ النكاح لو كان مما حرّمه اللَّه عليه لكان فاسداً فيتمّ المطلوب من استلزام الحرمة للفساد شرعاً ولو تستلزمه لغة وعرفاً ولكن الحق انّه لا دلالة في الخبر المذكور على الطلب اذ الظاهر منه ان النكاح الواقع من العبد بدون اذن سيّده ليس من المعاملات التي لم يمضها اللَّه تعالى ولم يجوزها ليقع من الأصل فاسداً ولم يكن قابلاً للتصحيح بلحوق الاجازة من السيد بل إنّما هو معاملة جائزة بأصل الشرع وامضاها الشارع غاية الأمر لما كان اللازم اجازة السيّد حيث انّ المتزوّج عبد وأمره بيد مولاه ولم يستأذنه على الفرض فالاجازة اللاحقة يصحّحه اذ لا فرق ينها وبين السابقة فاذن الخبر يدلّ على ان كلّ معاملة لم يمضها اللَّه تعالى فاسدة وذلك لا شبهة فيه وليس من محلّ النزاع

ص: 176


1- الكافي: 5/478، ح 3 ومن لا يحضره الفقيه: 3/541، ح 4862.

.......................................

__________________________

بل الحكم بالفساد في مثل ذلك واضح كما مرّ سابقاً فليس فيه دلالة على اقتضاء النهي في المعاملة للفساد مطلقاً يعني ولو كان ممضاة أصلها ولكن عرض لها الحرمة الذاتيّة لعارض كما هو المدعى فالاستدلال عليه بالرواية في غير محلّه.

فان قلت: ايقاع المعاملة التي لم يمضها اللَّه تعالى تشريعاً ليس معصية بل المعصية إنّما هي عبارة من فعل المحرم المولوي الذاتي فيعلم انّ المراد انه إذا كان النكاح محرماً ذاتيّاً كان فاسداً معصية للَّه فكلّ معاملة كذلك يكون فاسداً فيثبت المطلوب.

أقول: لا بأس باطلاق المعصية على عمل لم يمضه اللَّه تعالى ولم يأذن به فانّ المعصية أعم من الفعل الذي يتحقّق به مخالفة الشارع في أمر أو نهي وما لم يأذن به ولم يرد ترخيص فيه كما انّها اطلقت على ما لم يأذن به المولى ولم يرد عنه اجازة فيه في قوله وإنّما عصى سيّده فان صحّة اطلاقها بالنسبة إلى العبد والسيّد يدلّ على صحّته بالنسبة إلى العبد وحضرت الربّ الأرباب أيضاً والحاصل انّه لو لم يكن الخبر المذكور ظاهراً في المعنى الذي ذكرنا من كون المراد من عدم المعصية للَّه تعالى في النكاح الواقع من العبد بدون اذن سيّده...(1) ممّا لا يمضه اللَّه تعالى كي لا يكون دالّاً على مدعى الخصم فلا أقل لا يكون ظاهراً في المعنى الذي توهّموه له أيضاً من انّ المراد من عدم المعصية عدم الحرمة الذاتيّة وكون النكاح ممّا تعلّق به النهي الدال على الحرمة الكذائي فيكون دالّاً على ان كلّ معاملة محرّمة بالذات يكون فاسدة فلا يثبت مدعاهم وهكذا حال الأخبار الواردة في هذا الباب فانّها

ص: 177


1- هنا كلمة في الهامش غير مقروءة بسبب انمحاءها من الورقة عبر الزمن.

.......................................

__________________________

لا دلالة فيها على دلالة النهي الدال على الحرمة الذاتيّة على الفساد في المعاملات وأجاب الشارح الكاظميني قدس سره عن الاستدلال بالخبر المذكور على دلالة النهي على الفساد بأنّ النهي المتعلّق بهذا النحو من المعاملات ممّا فيه جهة الرجحان ذاتاً وفيما كان المنظور فيه حيثيّة ترتّب الأثر ظاهر في التحريم المولوي المستتبع للفساد قطعاً ولذا لو كان نكاح العبد متعلّقاً للنهي ومعصية للَّه لكان فاسداً ومنه تحريم المحرّمات النسبيّة والرضاعيّة وغير ذلك غير مثل المورد المذكور انتهى ما أفاده في الجواب عن الخبر مع بيان فيه منّا(1).

ثمّ قال: وفقه الرواية انّ السائل حيث كان يعلم وجوب اطاعة العبد للسيّد وحرمة مخالفته له وان اطاعته له اطاعة للَّه والمعصية له معصية للَّه وكان النكاح بغير اذن السيّد معصية له وللَّه لحرمة النكاح عليه بغير اذن السيّد توهّم انّها الحرمة المستتبعة للفساد في أمثال هذه المقامات لمغروسيّة ما هو المنظور في النهي في هذه الموارد في الأذهان والامام أجابه بأن حرمة النكاح لا معصية لها بما هي حرمة لأنّ اللَّه لم يحرم عليه النكاح وإنّما حرّم عليه مخالفة سيّده فتكون حرمة النكاح بما انّ النكاح مخالفة للسيّد حرمة ارشادية لا معصية لها.

وإنّما معصيتها معصية السيّد فلا يستتبع فساداً بالضرورة.

ثمّ أورد قدس سره على ما أجاب به المصنّف بأن ما أفاده قدس سره من انّ الظاهر أن يكون المراد بالمعصية المنفية هيهنا انّ النكاح ليس ممّا لم يمضه اللَّه تعالى ولم يشرعه

ص: 178


1- الهداية في شرح الكفاية: 386.

.......................................

__________________________

كي يقع فاسداً ومن المعلوم استتباع المعصية بهذا المعنى للفساد ولا بأس باطلاق المعصية على عمل لم يمضه اللَّه تعالى ولم يأذن به كما اطلق عليه بمجرّد عدم اذن ا لسيّد فيه انّه معصية فهو غريب من مثله جداً، وجه الغرابة قال لأن اطلاق المعصية مع عدم الاذن إنّما هو لوجوب الاستيذان عليه في ذلك فهو أي اطلاق المعصية من باب ترك الواجب لا من باب فعل الحرام ليقال ان عدم الاذن في النكاح لا يكون نهياً عنه حتّى يكون ايجاده معصية.

أقول: بل الغريب إنّما هو نسبة الغرابة إلى ما أفاده المصنّف مع انّه في غاية المتانة إذ من المقطوع انّ المراد من معصية العبد للسيّد في الحديث وقوع النكاح منه لا عن امضائه واذنه لا عدم اسيتذانه عند ارادة النكاح لايقاعه ولذا جعل الامام عليه السلام تداركه بالاجازة اللاحقة وحكم بأنّها يصحّحه بخلاف ما إذا كان معصية للَّه وممّا لم يمضه وانّه لو كان كذلك لم يكن قابلاً للتدراك حيث قال فاذا أجاز فهو له جايز اذ لما أجاز في اللاحق فيخرج النكاح الواقع عن عنوان النكاح الغير المأذون فيه وغير الممضي من طرف المولى بل يصير حينئذٍ من القسم الممضى من طرف المولى الذي لا شبهة في صحّته وبعبارة أخرى المقصود من معصية السيّد كون النكاح الواقع من العبد معصية له بأن يكون نفس النكاح عنواناً للمعصية لا ترك الاستيذان منه فيه.

وقوله إنّما عصى سيّده بمعنى انّه عصاه في نكاحه وان نكاحه هذا معصية له لا أنّه عصاه بسبب عدم الاستيذان في ايقاعه كما انّ المقصود من معصية اللَّه كون نفس المعاملة معصية له مع انّ مخالفة السيّد من جهة عدم الاستيذان مخالفة

ص: 179

نعم لا يبعد دعوى ظهور النهي عن المعاملة في الارشاد إلى فسادها، كما أن الامر بها يكون ظاهرا في الارشاد إلى صحتها من دون دلالته على إيجابها أو استحبابها، كما لايخفى، لكنه في المعاملات بمعنى العقود والايقاعات، لا المعاملات بالمعنى الاعم المقابل للعبادات، فالمعول هو ملاحظة القرائن في خصوص المقامات، ومع عدمها لا محيص عن الاخذ بما هو قضية صيغة النهي من الحرمة، وقد عرفت أنها غير مستتبعة للفساد، لا لغة ولا عرفا.

نعم ربما يتوهم استتباعها له شرعا، من جهة دلالة غير واحد من الاخبار عليه، منها ما رواه في الكافي والفقيه، عن زرارة، عن الباقرعليه السلام: (سأله عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، فقال: ذلك إلى سيده، إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما، قلت: أصلحك اللَّه تعالى، إن الحكم بن عتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما، يقولون: إن أصل النكاح فاسد، ولا يحل إجازة السيد له، فقال أبوجعفرعليه السلام: إنه لم يعص اللَّه، إنما عصى سيده، فإذا أجاز فهو له جائز) حيث دل بظاهره ان النكاح لو

__________________________

ومعصية للَّه أيضاً لأن الاستيذان صار واجباً بحكم اللَّه فاذا لم يستأذن العبد فقد خالف حكم اللَّه أيضاً فيعلم انّ المراد من معصية السيّد صرف عدم الامضاء ووقوع النكاح لا عن اجازته في مقابل مثل عنوان بيع المنابذة مثلاً الذي اذا وقع يقع لا عن اجازة الشارع ومن غير امضائه وجعله وتقابل معصية السيّد مع معصية اللَّه قرينة على كون المراد من كلّ واحد منهما ما ينفكّ عن الاخر وغير مجتمع معه وهذا لا يكون إلّا فيما إذا كان المراد من معصية اللَّه عدم امضاء الشارع واجازته للمعاملة ومن معصية العبد للسيّد عدم امضاء السيّد واجازته لها أيضاً.

ص: 180

كان مما حرمه اللَّه تعالى عليه كان فاسدا، ولا يخفى أن الظاهر أن يكون المراد بالمعصية المنفية هاهنا، أن النكاح ليس مما لم يمضه اللَّه ولم يشرعه كي يقع فاسدا، ومن المعلوم استتباع المعصية بهذا المعنى للفساد كما لا يخفى، ولا بأس بإطلاق المعصية على عمل لم يمضه اللَّه ولم يأذن به، كما أطلق عليه بمجرد عدم إذن السيد فيه أنه معصية.

وبالجملة: لو لم يكن ظاهرا في ذلك، لما كان ظاهرا فيما توهم، وهكذا حال سائر الاخبار الواردة في هذا الباب، فراجع وتأمل.

تذنيب: حكي عن أبي حنيفة والشيباني دلالة النهي على الصحة، وعن الفخر أنه وافقهما في ذلك،[1] والتحقيق انه في المعاملات كذلك إذا كان عن المسبب أو التسبيب، لاعتبار القدرة في متعلق النهي كالامر، ولا يكاد يقدر عليهما إلا فيما كانت المعاملة مؤثرة صحيحة، وأما إذا كان عن السبب، فلا، لكونه مقدورا وإن لم يكن صحيحا، نعم قد عرفت أن النهي عنه لا ينافيها.

وأما العبادات فما كان منها عبادة ذاتية كالسجود والركوع والخشوع والخضوع له تبارك وتعالى، فمع النهي عنه يكون مقدورا، كما إذا كان مامورا به، وما كان منها عبادة لاعتبار قصد القربة فيه لو كان مامورا به، فلا يكاد يقدر عليه إلا إذا قيل باجتماع الامر والنهي في شئ ولو بعنوان واحد، وهو محال، وقد عرفت أن النهي في هذا القسم إنما يكون نهيا عن العبادة، بمعنى أنه لو كان مأمورا به، كان الامر به أمر عبادة لا يسقط إلا بقصد القربة، فافهم.

__________________________

[1] أقول: شرح مقصود أبي حنيفة والشيباني هو انّ العبادة أو المعاملة لو كانت

ص: 181

.......................................

__________________________

فاسدة لما كان وجه لتعلّق النهي به والحكم بحرمته فان تعلّق النهي بالعبادة التي لم يجعل الشرع أصلاً أو معاملة لم تكن ممضاة عند الشرع والحكم بحرمتها لا وجه له إذ المقصود من النهي ايجاد الداعي للمكلّف بترك المنهي عنه وعدم ترتيب الأثر عليه واذا كانت العبادة أو المعاملة على فرض وقوعها باطلة لم يكن لها أثر فلا تكون مقدوراً والنهي عن غير المقدور باطل وتحصيل للحاصل وتكليف بلا طائل فلابدّ حينئذٍ أن يكون العبادة أو المعاملة المحرمة المنهيّة عنها صحيحة ذات أثر البتة ليعقل النهي عنها والحكم بتحريمها فالنهي عن العبادة والمعاملة يدلّ على الصحّة فضلاً عن عدم دلالته على الفساد والمصنّف وافق الجماعة في خصوص المعاملة وفيما إذا كان النهي عنها راجعاً إلى المسبب والأثر المترتّب على المؤثر والسبب أو كان راجعاً إلى التسبيب وايجاد السبب لحصول المسبّب دون ما إذا كان النهي في المعاملة راجعاً إلى ذات السبب لا بعنوان التسبيب ودون ما إذا كان النهي عن العبادة أيضاً مطلقاً سواء كانت عبادية العبادة ذاتيّة كالسجود للَّه أو كانت عباديّتها من جهة اعتبار قصد القربة فيها فيما إذا أمر به واستدلّ على الأوّل بأنّ النهي تكليف كالأمر والقدرة من شروط التكليف ومعلوم انه لا يقدر المكلّف على الأثر والمسبّب وكذلك على التسبيب وايجاد السبب إلّا فيما إذا كانت المعاملة مؤثّرة صحيحة، مثلاً لا يصحّ النهي عن تملّك الكافر للعبد المسلم أو القرآن المجيد إلّا إذا كان بيع العبد أو القرآن عليه مؤثّراً وصحيحاً ومفيداً في التمليك والتملّك وإلّا كان البيع باطلاً وغير مؤثّر فلا وجه للنهي عن الأثر المذكور اذ الفرض انّه

ص: 182

.......................................

__________________________

لا محصّل له ولا مؤثّر وما لا محصّل له ولا مؤثر لا يمكن وجوده في الخارج وما لا يمكن وجوده في الخارج لا يصحّ النهي عنه كما لا يصحّ الأمر به وكذلك النهي عن الايجاب والقبول الذي يكون سبباً لحصول الملكيّة في الخارج فيما إذا أراد بيع المصحف بالكافر بهما لا يصحّ إلّا إذا كان له أثر وكونه موجباً لحصول الملكيّة وأمّا إذا كان النهي راجعاً إلى ذات السبب لا بعنوان التسبيب بأن يكون نفس الايجاب والقبول والتلفّظ بهما وفعلهما منهيّاً عنه لا من جهة السببيّة لحصول الملكيّة فلا يدلّ النهي على الصحّة لعدم ثبوت الملازمة بينه وبينها حينئذٍ لكونه مقدوراً ولو لم يكن صحيحاً وذا أثر فان نفس التلفّظ بلفظ بعت واشتريت مثلاً مقدور للمكلّف ولو لم يكن صحيحاً ومؤثّراً في ايجاد الملكيّة فالنهي عنه لا يدلّ على الصحّة والتأثير فيما إذا قاله اللافظ وارتكب الحرام.

نعم قد عرفت سابقاً في المقام الثاني انّ النهي عن السبب لا ينافي الصحّة ولا يقتضي الفساد أيضاً لعدم الملازمة فيها لغة ولا عرفاً بين سبب المعاملة وفسادها فالنهي عن السبب لا يدلّ على الفساد كما لا يدلّ على الصحّة واستدلّ المصنّف على الثاني وهو عدم دلالة النهي على الصحّة في العبادات خلافاً للجماعة التي تقدّم ذكرهم بأنّ العبادات التي تكون عبادتها ذاتيّة كالسجود والركوع والخضوع والخشوع له تعالى تكون مقدورة له ولو كانت منهيّاً عنها مثل الصورة التي أمر بها كالنهي عن المعاملة فيما إذا كان راجعاً إلى سببها فالعبادة التي تكون عباديتها ذاتيّة ولو لم تكن صحيحة ومؤثّرة في تحصيل الثواب والامتثال

ص: 183

.......................................

__________________________

تكون مقدورة فلا وجه لدلالة النهي عنها على الصحّة من جهة كون القدرة شرطاً في تعلّق النهي وتوقّف القدرة على ثبوت الصحّة فان ما يكون من العبادات عباديتها ذاتيّة ولا تتوقّف على تعلّق الأمر به يتحقّق عنوانه ولو كان مبغوضاً ذا مفسدة بخلاف المعاملة بمعنى المسبب أو التسبيب فانّها إذا كانت باطلة لا يتحقّق عنوانها وأمّا العبادة التي يتوقّف عباديّتها على الأمر وقصد القربة فلا يمكن أن تكون منهيّاً عنها كي يدلّ النهي على الصحّة إلّا إذا أمكن تعلّق الأمر والنهي معاً بشي ء واحد وبعنوان واحد ومعلوم انّه محال فلا مورد ولا مصداق لما ذكروه بالنسبة إلى هذا القسم من العبادات وقد مرّ انّ معنى تعلّق النهي بالعبادة التي تكون عباديّتها من جهة قصد القربة وتعلّق الأمر بها انّه لو كان ذلك المنهي عنه مأموراً به لكان عبادة فلا مناص عن دلالة النهي المتعلّق بهذا القسم من العبادة على الفساد اذ الفرض ان مع تعلّق النهي لا أمر يتعلّق به ومعلوم ان العبادة التي عباديّتها من جهة قصد القربة والأمر به تكون فاسدة البتة فيما إذا لم يكن أمر متعلّقاً بها فلا معنى لدلالة النهي على الصحّة بالنسبة إلى هذا القسم من العبادات كما لا يخفى ومحصّل تحقيق المصنّف هو تسليم الكبرى من المدعين لدلالة النهي على الصحّة وهي كون متعلّق النهي لابدّ أن يكون مقدوراً ولا يعقل ذلك إلّا مع الصحّة ومنع الصغرى وهو صحّة تعليق النهي بهذا المعنى بمعنى دلالته على الصحّة توقّف المقدوريّة عليها بالعبادات التي تكون عباديتها من جهة اعتبار قصد القربة وتعلّق الأمر بها وتسليمها في المعاملات في غير القسم المشارك للعبادات وهو القسم

ص: 184

.......................................

__________________________

الأخير الذي فرض تعلّق النهي بنفس السبب إلّا بعنوان التبسبيب وفي العبادات الذاتيّة التي لا يتوقّف القدرة عليها على صحّتها.

واستشكل الشارح على ما أفاده المصنّف من كون السجود للَّه والخضوع والخشوع له مقدوراً مع النهي عنه وكونه ذا مفسدة ومبغوضاً بأنّ السجود وما بعده صار عبادة ذاتيّة بقيده المأخوذ فيه وهو كونه للَّه ضرورة ان مطلقه ليس كذلك فانّ السجود للنوم أو لمسح الجبهة بالأرض أو لغير ذلك ليس عبادة وإنّما العبادة هي السجود للَّه وهذا القيد ليس من الموجودات الخارجيّة كالمقيد بل أمر قصدي ومع النهي عن ايقاعه كيف يعقل قصد كونه للَّه ليوجد القيد فيوجد المقيد(1).

أقول: وقد مرّ هذا الاشكال من الشارح انفاً وقد نقلناه ودفعناه ولا بأس باعادته فانّ النهي عن السجود لا ينافي مع تحقّقه من العبد فانّ المقصود من كونه للَّه كونه بقصد تعظيم اللَّه واظهار المذلّة والاستكانة له لا فعله بقصد امتثال أمره كي يقال حيث لا أمر بل يكون منهيّاً عنه كيف يمكن أن يتحقّق قيد كونه للَّه فانّ المفروض ان عنوان العبادية في مثل السجود الذي من أنواع التعظيم والتكريم في حدّ نفسه ومع قطع النظر عن كونه مأموراً به لا يتوقّف على قصد امتثال الأمر الذي صدر من الآمر كالصلوة والصوم مثلاً فاذا كان كذلك فلم لا يتحقّق السجود المقيد بكونه للَّه مع النهي عنه وكونه مبغوضاً وذا مفسدة.

ص: 185


1- الهداية في شرح الكفاية: 388 - 389.

المقصد الثالث: في المفاهيم

مقدمة

مقدمة[1] وهي: إن المفهوم - كما يظهر من موارد إطلاقه - هو عبارة عن حكم

__________________________

[1] إنّما عقد هذه المقدّمة لبيان المراد من المفهوم في مقابل المنطوق الذي له أقسام مختلفة باعتبارات مختلفة، منها مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة ومنها مفهوم الشرط والوصف ومفهوم الغاية مثلاً، اعلم ان ما يظهر من موارد اطلاقه وتعبيراتهم انّهم اصطلحوا على ان المفهوم عبارة عن حكم انشائي أو اخباري يتحقّق ويحصل بتبع تحقّق الخصوصيّة في المعني الذي أريد من القضيّة اللفظيّة حال كون ذلك المعنى واجداً لتلك الخصوصيّة فانّه لما أريد ذلك المعنى الواجد للخصوصيّة الكذائيّة من القضيّة اللفظية يتحقّق حكم خاص بتبع ذلك ولو بقرينة الحكمة لا وضع واضع اللغة ويكون ذلك الحكم الإنشائي أو الاخباري من لوازم المعنى المراد من القضيّة اللفظيّة لوجود تلك الخصوصيّة سواء وافق المفهوم مع المنطوق في الايجاب والسلب فيكون مفهوم الموافقة نحو قوله تعالى: « وَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ »(1) الدال على النهي عن الشتم والضرب أو خالف المنطوق في الايجاب والسلب فيكون مفهوم المخالفة نحو ان جائك زيدٌ فأكرمه الدال على قضيّة شرطيّته البتة بشرطها وجزائها لازمة لما تلفظ به من القضيّة اللفظيّة ويكون للقضيّة اللفظيّة خصوصيّة كانت مستلزمة للقضيّة الشرطيّة السالبة بسبب تلك الخصوصيّة فتحصل من جميع ما ذكر على رأي المصنّف انّ الصحيح تعريف المفهوم بأنّه حكم غير مذكور يعني انه قضيّة معقولة ذهنيّة لم يذكر من أطرافها جزء أصلاً لا انّه حكم لغير مذكور كما فسّره به الآخرون.

ص: 186


1- الإسراء: 23.

.......................................

__________________________

وقد اعترض الشارح الكاظميني على تعريف المصنّف المفهوم وصحّح التعريف الآخر بأن قوله انّ المفهوم حكم الغير مذكور يدلّ على عدم ذكر الموضوع والمحمول معاً في المفهوم لأنّه إذا كان الموضوع غير مذكور يلزمه عقلاً كون الحكم غير مذكور لعدم معقوليّة انفكاك الحكم عنه فانّه يمكن ذكر ذات الموضوع وعدم ذكر الحكم ولا يمكن ذكر ذات الحكم بلا موضوع والسر ان الجوهر يقوم بنفسه والعرض لا يقوم إلا بغيره فتعريفه بأنّه حكم غير مذكور كما فسّره المصنّف يعمّ الصورتين وهما عدم ذكر الموضوع والمحمول معاً وعدم ذكر الحكم والمحمول مع ذكر الموضوع أيضاً فلا يكون مانعاً ويشمل ما لا يكون مفهوماً فيكون التعريف غير مانع عن الأغيار انتهى ما أفاده قدس سره(1).

أقول: اما ما أورده المصنّف على التعريف الآخر فالانصاف انه غير وارد وانّه مساوق لقوله بأنّه حكم غير مذكور اذ لا يبعد ان يكون المقصود من انه الحكم لغير مذكور انه حكم مستفاد من الخصوصيّة التي تكون في القضيّة الملفوظة المتعلّقة بما لم يذكر ولم يتلفّظ به المعبّر عنه بما دلّ عليه اللفظ لا في محلّ النطق في مقابل المنطوق المفسّر بما دلّ عليه اللفظ في محلّ النطق وكما انّه يصحّ التعبير عن هذا المعنى بالحكم الغير المذكور أي القضيّة الغير المذكورة يصحّ التعبير عنه أيضاً بأنّه حكم لغير مذكور ولو سلّمنا انّ المراد من غير المذكور خصوص الموضوع فقط دونه والحكم أيضاً فلا وجه للاشكال أيضاً بعد الاعتراف بأن امثال هذه التعريفات

ص: 187


1- الهداية في شرح الكفاية: 389 - 390.

.......................................

__________________________

تعاريف لفظيّة وشرح الاسم كقوله سعدانة نبت فانّ المقصود من هذا التعريف للمفهوم تميزه عن المنطوق وهو حاصل به فانّ الموضوع في المنطوق مذكور وفي المفهوم غير مذكور وهذا القدر من الفرق كاف في تميز أحدهما عن الآخر ولم يعلم انّ المراد من الحكم الذي أخذ في تعريف المفهوم الحكم المذكور حتّى يستشكل عليه ان الحكم في المفهوم أيضاً غير مذكور كالموضوع بل كون الحكم مذكوراً أو غير مذكور مسكوت عنه والتصريح بعدم كون الموضوع مذكوراً وافٍ بالمقصود وبيان المميز بين المنطوق والمفهوم.

وأمّا ما أورده الشارح على المصنّف ففيه ان مقصوده من الحكم الغير المذكور تمام القضيّة الغير الملفوظة وكما انّ لفظ الحكم يطلق على مجرّد الانشاء أو الاخبار كذلك يطلق على مجموع القضيّة الانشائيّة والاخباريّة نعم لو كان مراده من الحكم خصوص الانشاء أو الاخبار فقط لورد الاشكال عليه بأنّه كما يتحقّق مع عدم ذكر الطرفين كذلك يتحقّق مع ذكر الموضوع فقط أيضاً فيصير التعريف من التعريف بالأعم إذ المقصود منه كما يدلّ عليه تعبيراته الاخر خصوص ما لم يذكر من القضيّة الانشائيّة أو الاخباريّة شي ء أصلاً.

ثمّ انّه لا فائدة في البحث حينئذٍ عن أنّ المنطوقيّة والمفهوميّة من صفات المدلول وعوارضه أو الدلالة وعوارضها بل لا معنى للبحث عن ذلك اذ ذلك أمر راجع إلى الاصطلاح والجعل فيكون تابعاً لجعل الجاعلين والمصطلحين هذا إذا كان المراد من اتّصاف أحدهما بهما اتّصافه في الاصطلاح ولسان أهل العلم وأمّا

ص: 188

إنشائي أو إخباري تستتبعه خصوصية المعنى الذي أريد من اللفظ، بتلك الخصوصية ولو بقرينة الحكمة، وكان يلزمه لذلك، وافقه في الايجاب والسلب أو خالفه، فمفهوم (إن جاء ك زيد فاكرمه) مثلا - لو قيل به - قضية شرطية سالبة بشرطها وجزائها، لازمة للقضية الشرطية التي تكون معنى القضية اللفظية، وتكون لها خصوصية، بتلك الخصوصية كانت مستلزمة لها، فصح أن يقال: إن المفهوم إنما هو حكم غير مذكور، لا أنه حكم لغير مذكور، كما فسر به، وقد وقع فيه النقض والابرام بين الاعلام، مع أنه لا موقع له كما أشرنا إليه في غير مقام، لانه من قبيل شرح الاسم، كما في التفسير اللغوي.

ومنه قد انقدح حال غير هذا التفسير مما ذكر في المقام، فلا يهمنا التصدي لذلك، كما لا يهمنا بيان أنه من صفات المدلول أو الدلالة وإن كان بصفات المدلول أشبه، وتوصيف الدلالة أحيانا كان من باب التوصيف بحال المتعلق.

__________________________

في الواقع فلا دليل عليه اذ غاية ما يمكن أن يدّعي هو ان توصيف المدلول بالصفتين أكثر في الاطلاقات من توصيف الدلالة بهما وهو لا يدلّ على الاشبهيّة فضلاً عن الأوجهيّة أو الأظهريّة كما ادّعاها بعض آخر بعد العلم بأنّه لا فرق بين الوصفين في الواقع ولا وجه لكون اتّصاف أحدهما أصليّاً وأولياً والآخر ثانوياً وعرضيّاً ومن الوصف بحال المتعلّق بعد إمكان كونهما أصليّين وعدم التفاوت في البين بحسب الواقع ونفس الأمر ووضوح انّ الاصطلاح والعرف تابع لجعل المصطلحين وأهل اللسان الخاص أيضاً.

ص: 189

وقد انقدح من ذلك أن النزاع في ثبوت المفهوم وعدمه في الحقيقة، إنما يكون في أن القضية الشرطية أو الوصفية أو غيرهما هل تدل بالوضع أو بالقرينة العامة على تلك الخصوصية المستتبعة لتلك القضية الاخرى، أم لا؟

فصل:

الجملة الشرطية هل تدل على الانتفاء عند الانتفاء ، كما تدل على الثبوت عند الثبوت[1] بلا كلام، أم لا؟ فيه خلاف بين الاعلام.

__________________________

[1] أقول: يعني انّه لا شبهة ولا ريب في انّ الجملة الشرطيّة استعملت في الدلالة على الانتفاء عند الانتفاء في مقامات عديدة وموارد كثيرة ولو من جهة دلالة القرينة الخارجيّة مثل آية البناء أو غيرها ولا وجه لانكار استعمالها فيه وإنّما الاشكال والخلاف في ان دلالتها عليه هل هي بالوضع أو بقرينة عامّة كالشهرة كي يلزم الحمل عليه في جميع موارد الاستعمال بسبب الوضع وانّ الأصل في الاستعمال الحقيقة أو بدلالة تلك القرينة العامّة حتّى يثبت خلافه من القرينة الحاليّة أو المقالية أو انّها لا تدلّ عليها كذلك فاذن يكون على المثبت اثبات دلالتها عليه بأحد الوجهين المذكورين وان الجملة الشرطيّة تدلّ على خصوصيّة مستتبعة لترتّب الجزاء على الشرط نحو ترتّب المعلول على علّته المنحصرة المستلزم لانتفاؤه عند انتفائه وأمّا المنكر للدلالة فيكفيه منع تماميّة دليل المثبت ولا يحتاج إلى اقامة دليل مستقل على العدم وللمنكر طرق أربعة:

الأوّل منع دلالة القضيّة على اللزوم وادّعاء انّها إنّما تدلّ على الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتّفاق وان قضيّة ان جائك زيد فأكرمه مثلاً قضيّة شرطيّة

ص: 190

.......................................

__________________________

اتّفاقيّة التي هي أحد الأقسام للقضايا الشرطيّة مثل قولك: إن كان الانسان ناطقاً فالحمار ناهق.

الثاني مع الترتّب مع تسليم اللزوم بأن يسلم ان القضيّة لزوميّة لا اتّفاقيّة وانّها تدلّ على تأثير وتأثّر وان حصول الجزاء بسبب تأثير من الشرط وانّ الجزاء والشرط مرتبطان معاً ولكن ينكر الترتّب وثبوت التقدّم والتأخّر الرتبي بين الشرط والجزاء بأن يكون اللازم أوّلاً حصول الشرط كي يترتّب عليه الجزاء مثل ترتّب المعلول على العلّة وإمكان أن يكون الشرط والجزاء متلازمين في الوجود الخارجي ويكونا معلولين لعلّة واحدة أو يكون الجزاء علّة للشرط أو كان المقدم جزءً أخيراً للعلّة المحدثة لاتمام العلّة أو يكون الجزء جزء أخيراً للعلّة المحدثة للشرط.

الثالث: تسلم الترتّب بين الشرط والجزاء ولكن مع انكار العليّة بينهما بأن لا يكون الشرط علّة للجزاء بل يكون مقتضياً له ومن أجزاء العلّة فحينئذٍ لا يثبت الانتفاء عند الانتفاء.

الرابع تسليم عليّة الشرط للجزاء وكونه علّة تامّة له ولكن مع انكار كونها العلّة المنحصرة فاذا لم تكن منحصرة لا يثبت الانتفاء عند الانتفاء أيضاً.

وزاد الشيخ الأجل الحائري في درره على مقدّمات ثبوت المفهوم للشرط مقدمة أخرى وهي أن تكون الشرط علّة تامّة للتالي(1) وإلّا فان كان علّة له ولم

ص: 191


1- درر الفوائد ( ط قديم ): 1/160.

.......................................

__________________________

يكن علّة تامّة فلا يثبت المفهوم أيضاً والحق انّه لا حاجة إلى تلك المقدّمة إذ المقصود من المقدّمة السابقة عليها وهي كون الشرط علّة للجزاء كونه علّة تامّة له وإلّا فمع عدم كونه علّة تامّة له لا يكون علّة له فانّ العلّة الناقصة ليست علّة بل أحد أجزائها وما كان من أجزاء الشي ء ليس نفس ذلك الشي ء البتة فهذه المقدّمة التي زادها على المقدّمات الأربع وجعلها خمسة مستدركة ولا فائدة فيها بل محض زيادة في العبارة.

والحاصل ان ثبوت المفهوم للشرط متوقّف على ثبوت المقدّمات المذكورة، وعدمه يثبت بعدم واحد منها وانكاره ولكن انكار المقدّمة الأولى والقول بأنّ القضيّة الشرطيّة من القضايا الاتفاقية ولا دلالة فيها على اللزوم وان الشرط والجزاء لا يرتبطان معاً ففي غاية السقوط لانسباق اللزوم منها قطعاً وظهور الجملة الشرطيّة في حدّ ذاتها في التلازم واحتياج ثبوت اتّفاقيّتها إلى قرينة خارجيّة تدلّ عليه وفيما لم تكن تلك القرينة لا شبهة في انصراف القضيّة إلى وجود التلازم بين طرفيها واما المنع من انه بنحو الترتّب على العلّة فضلاً عن كونها منحصرة فله مجال واسع فانه لا دلالة في القضيّة على انّ الشرط علّة تامّة للجزاء إذ لا مانع من كونه من أجزاء علّته والمقتضي له فلا يكون وجوده موجباً لوجود الجزاء البتّة ومؤثّراً في وجوده تأثير وجود العلّة في ايجاد معلوله فضلاً عن الدلالة على كون العلّة علّة منحصرة وانّه لا يوجد الجزاء إلّا بوجود تلك العلّة الخاصّة وادّعاء تبادر اللزوم والترتّب بنحو الترتّب على العلّة المنحصرة من

ص: 192

.......................................

__________________________

القضيّة الشرطيّة مع كثرة استعمالها في الترتّب على نحو الترتّب على العلّة الغير المنحصرة بل كثيراً ما تستعمل في مجرّد اللزوم من دون دلالة على الترتّب أيضاً بعيدة وإنّما المسلم الذي لا شبهة فيه دلالتها على اللزوم في مقابل الاتفاق فقط وكيف يمكن تبادر اللزوم والترتّب على العلّة المنحصرة من القضيّة الشرطيّة مع انّه لا يرى ولا يحس في استعمال تلك القضيّة فيها أي في العلّة الغير المنحصرة عناية وتكلّف ورعاية علاقة يلزم رعايتها في الاستعمالات المجازيّة بل إنّما تكون ارادة الترتّب على العلّة الغير المنحصرة من القضيّة كارادة الترتّب على العلّة المنحصرة بلا عناية كما يظهر على من أمعن النظر وأجال الفكر في موارد الاستعمالات فان استعمالها في ا لعلّة الغير المنحصرة يساوي استعمالها في العلّة المنحصرة في عدم ارتكاب غاية ولا رعاية علاقة فكما ان استعمالها في الثاني حقيقة فكذلك في الأوّل أيضاً ويعلم عدم تبادر خصوص العلّة المنحصرة وعدم مجازية استعمالها في العلّة الغير المنحصرة بسبب امعان النظر واجالة البصر في عدم الالزام وعدم الأخذ بالمفهوم في مقام المخاصمات والاحتجاجات أيضاً فان من لاحظ المعاشرات والمخاصمات واحتجاجات الناس بعضهم مع بعض ونظر فيها بدقيق النظر يرى بأن طريقتهم عدم التشبث والتمسّك في إثبات مراماتهم ومدعاهم بمفهوم القضيّة الشرطيّة ويرى انّه يصح الجواب عن المدّعى عليه بأنّه ليس لكلامي مفهوم ومن أمعن النظر يرى عدم صحّة الجواب بعدم المفهوم ولو كان له أي لكلامه ظهور فيه أي في المفهوم لو كان ذلك الظهور معلوماً وظاهراً بحيث

ص: 193

لا شبهة في استعمالها وإرادة الانتفاء عند الانتفاء في غير مقام، إنما الاشكال والخلاف في أنه بالوضع أو بقرينة عامة، بحيث لابد من الحمل عليه لو لم يقم على خلافه قرينة من حال أو مقال، فلا بد للقائل بالدلالة من إقامة الدليل على الدلالة، بأحد الوجهين على تلك الخصوصية المستتبعة لترتب الجزاء على الشرط، نحو ترتب المعلول على علته المنحصرة.

وأما القائل بعدم الدلالة ففي فسحة، فإن له منع دلالتها على اللزوم، بل على مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتفاق، أو منع دلالتها على الترتب، أو على نحو الترتب على العلة، أو العلة المنحصرة بعد تسليم اللزوم أو العلية.

لكن منع دلالتها على اللزوم، ودعوى كونها اتفاقية، في غاية السقوط، لانسباق اللزوم منها قطعا، وأما المنع عن أنه بنحو الترتب على العلة فضلا عن كونها منحصرة، فله مجال واسع.

__________________________

يقبح انكاره ونفيه كذا فهمنا نحن عبارة المتن بعينها.

ولكن الشارح قدس سره جعل قوله: وفي عدم الالزام أو الأخذ بالمفهوم الخ، جملة مستأنفة والظرف خبرا مقدماً محذوفاً مبتدأه حيث زاد بعد قوله « ظهور فيه معلوم » في الشرح أقوى شاهد لمن ألقى السمع وهو شهيد وزعم انّ الوجه المذكور ممّا حكاه المصنّف حيث قال بعد ذكر المبتدأ المذكور وإن كان المصنّف قد حكى ذلك وعهدة الحكايتين على مدعيهما(1)

ص: 194


1- الهداية في شرح الكفاية: 393.

ودعوى تبادر اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة - مع كثرة استعمالها في الترتب على نحو الترتب على الغير المنحصرة منها بل في مطلق اللزوم - بعيدة، عهدتها على مدعيها، كيف؟ ولايرى في استعمالها فيهما عناية، ورعاية علاقة، بل إنما تكون إرادته كإرادة الترتب على العلة المنحصرة بلا عناية، كما يظهر على من أمعن النظر وأجال البصر في موارد الاستعمالات، وفي عدم الالزام والاخذ بالمفهوم في مقام المخاصمات والاحتجاجات، وصحة الجواب بأنه لم يكن لكلامه مفهوم، وعدم صحته لو كان له ظهور فيه معلوم.

وأما دعوى الدلالة، بادعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومية[1] إلى ما هو

__________________________

[1] أقول: يعني انّه استدلّ بعضهم على ثبوت مفهوم الشرط بأن دلالة القضيّة الشرطيّة على العلاقة اللزوميّة في مقابل الاتّفاق والتصادف ممّا لا شبهة فيه ولا ريب يعتريه وهي تنصرف إلى أكمل أفرادها وهو اللزوم بين العلّة المنحصرة ومعلولها فانّ الربط بين المعلول وعلّته المنحصرة أقوى وأكمل وأشد من الربط الحاصل بين المعلول وعلّته الغير المنحصرة فيكون معنى القضية حينئذٍ ان الجزاء منتف ضد انتفاء الشرط لعدم علّة اخرى له ليحصل بسببها فيثبت المفهوم وأجاب عنه المصنّف بوجهين على خلاف الترتيب فان ترتيبهما الطبيعي بعكس ما ذكره والأمر سهل.

الأوّل ان الأكمليّة في العلّة المنحصرة كيف يكون موجباً للانصراف مع كثرة الاستعمال في غيره وكونه مسبباً عن كمال الانس بين المستعمل والمستعمل فيه فلو لا كان كثرة الاستعمال في العلّة الغير المنحصرة بحد توجب انصراف اللفظ إليه

ص: 195

.......................................

__________________________

ولكن الأكمليّة لا توجب انصرافها إلى المنحصر البتة.

الثاني: منع كون اللزوم بين المعلول والعلّة المنحصرة أكمل وأقوى من اللزوم الواقع بينه وبين العلّة الغير المنحصرة فانّ الانحصار لا يوجب أن يكون ذلك الربط الخاص بين العلّة والمعلول أكد وأقوى وزاد الشارح في الجواب عن الاستدلال انّه ليس لفظ للعلاقة اللزوميّة في الجملة الشرطيّة كي تنصرف إلى بعض أفراده ولا يكون معنى أدات الشرط هو مطلق العلاقة اللزوميّة ليحكم الانصراف في الصورتين إلى الأكمل بل المدعى ان معنى الأدات هو لزوم الجزاء لمدخولها في الجملة لا مطلقاً مع انّ العلاقة اللزوميّة التي هي مدلول الأدات معنى حرفي جزئي على مذهب هذا القائل فكيف يدّعي فيه الانصراف وهو من خواص المطلقات الكليّة يعني ان انصراف الاطلاق إلى الفرد الخاص إنّما هو فيما إذا كان اطلاق والمفروض ان معاني الحروف جزئيّة وان وضع أدات الشرط كسائر الحروف والموضوع له فيها خاص ليس فيها جهة كثرة وشيوع واطلاق حتى يتمسّك بالانصراف إلى بعض الأفراد الخاصّة وفيما أفاده مزيداً على ما أجاب به المصنّف مجال للنظر والاشكال، فانّ المستدل لم يتوهّم البتّة ان لفظ العلاقة مذكور في القضيّة الشرطيّة كيف وهو خلاف الحس وانكاره لكون الأدات موضوعة لمطلق العلاقة اللزوميّة كي تنصرف إلى الأكمل وان معناها لزوم الجزاء لمدخولها في الجملة لا مطلقاً غير معلوم المراد اذ لا محذور في ان يكون معنى أدات الشرط تمام أفراد العلاقة اللزوميّة، منها ما إذا كانت العلّة منحصرة ومنها ما كانت غير

ص: 196

.......................................

__________________________

منحصرة ثبوتاً ويكفي في مقام الاثبات صحّة استعمالها في أيّ قسم من أقسام العلاقة بلا تأوّل وعناية.

وبعبارة أخرى لا مانع من كون أدات الشرط موضوعة لكلّ واحد واحد من العلائق الخاصّة الواقعة فيما بين الجزائات والشروط وادّعاء وضعها لبعضها دون بعض تحكم بحت وادعاء بلا دليل بل الدليل قائم على خلافه.

وأمّا كون معاني الحروف جزئيّة على مذهب المدّعى فليس فيها اطلاق وشيوع والانصراف من خواص المطلقات الكلية فمندفع بأن جزئيّة المعنى الحرفي لا ينافي مع ادعاء انصراف اللفظ الموضوع له للجزئيّات إلى جزئي واحد من الجزئيّات المتعدّدة للأكمليّة أو كثرة استعمال اللفظ في ذلك فانّه كما يصحّ انصراف ما وضع للمعنى الكلّي من الأسماء المستقلّة المعنى إلى خصوص بعض الأفراد منه كذلك لا مانع من انصراف اللفظ الموضوع للمعاني الجزئيّة بعد أن تصوّرها الواضع حين الوضع تحت كلي شامل إلى بعضها دون بعض آخر منها وانصراف اللفظ إلى معنى مخصوص لا يتوقّف على كليّة المعنى واطلاقها بل ممكن التحقّق مع جزئيته وتشخصه أيضاً كما أورده الشارح عليه فيما يأتي في ذيل بيان جواب المصنّف عن الاشكال الآتي بقوله ووجهه يظهر بالتأمّل من ان هذا كان وارداً على ادّعاء الانصراف من المدّعي فضلاً عن وروده على ما ادّعاه من جريان مقدّمات الحكمة وانّه كما لا يجري مقدّمات الحكمة فيما كان المعنى حرفياً وجزئياً كذلك لا يصح دعوى الانصراف إلّا فيما كان المعنى كليّاً ومطلقاً

ص: 197

.......................................

__________________________

فلم سكت المصنّف هنا عن ايراد هذا الاشكال على ادّعاء الانصراف لا وجه له على ما حقّقنا من صحّة ادّعاء الانصراف فيما كان معنى اللفظ جزئيّاً أيضاً وليس مقصود المصنّف من الوجه الذي حوّل ظهوره إلى التأمّل جزئيّة معنى الحروف كما فهمه الشارح بل أمر آخر وهيهنا نشرع في بيان السؤال وشرح ما أورده المصنّف عليه:

أمّا الأوّل: فحاصله انه لو سلّم عدم انصراف أدات الشرط إلى العلاقة اللزوميّة الخاصّة بانحصار العلّة فمقدّمات الحكمة تقتضي ذلك اذ كما ان مقدمات الحكمة ثبتت نفسيّة الوجوب وتنفي الغيريّة وتعيينته وينفي التخيير لاحتياج الغيريّة والتخييرية إلى قيد زايد وكلّما لم يكن ذلك القيد يثبت النفسيّة التعيينيّة فكذلك لو كان المراد من العلّة العلّة الغير المنحصرة وكان الاتيان بها في القضيّة لأنّها احدى العلل وكان الحال كلّما وجد علّة واحدة من العلل العديدة يثبت الجزاء ويترتّب لكان اللازم ان يذكر غير العلّة المذكورة علّة أخرى وحيث لم يذكر فليعلم بقرينة الحكمة ان العلّة للجزاء منحصرة في العلّة المذكورة فان عدم البيان نوع من البيان فانه كما لو صرّح بانحصار العلّة لثبت الانحصار فكذلك فيما لم يصرح حيث كان مورده التصريح بالخلاف وعدم الانحصار يثبت الانحصار.

وأجاب عنه المصنّف بعدم جريان مقدّمات الحكمة بالنسبة إلى ما وضعت للمعاني الحرفيّة الاليّة ووجهه يظهر بالتأمّل وما يمكن أن يظهر من الوجه هو ان الكشف عن ارادة بعض الأفراد الخاصّة من المطلق مستلزم لأن يلاحظ المستعمل

ص: 198

.......................................

__________________________

حين الاستعمال مطلق المعنى لحاظاً استقلاليّاً وذلك الفرد الخاص أيضاً لحاظاً كذلك لأنّ الفرض ارادة تطبيق المطلق على بعض الأفراد الخاصّة منه ومعلوم انه لابدّ في التطبيق من لحاظ المنطبق والمنطبق عليه مستقلّاً ومعلوم ان المعنى الحرفي لا يلاحظ حين الاستعمال باللحاظ الاستقلالي بل إنّما يلاحظ آلياً وإلّا لما كان معنى حرفيّاً.

وقد ظهر انه لا وجه لما أورده الشارح الكاظميني على المصنّف بعد أن حمل قوله ووجهه يظهر بالتأمّل على ان جريان مقدمات الحكمة إنّما بالنسبة إلى المطلقات الكليّة لا المعاني الحرفيّة الجزئيّة التي ليس اطلاق فيها بعدم صحّة ذلك الوجه بعد ان كان المحقّق عنده كلية المعاني الحرفيّة وعدم الفرق بينها وبين معاني الأسماء إلّا في الاليّة والاستقلاليّة وان هذا الجواب يكون الزاميّاً وكان الأولى في حقّ المصنّف التنبيه على ذلك ثمّ انّه أورد على المصنّف في ادعائه ان انحصار العلّة لا يوجب أن يكون ذاك الربط الخاص الذي لابدّ منه في تأثير العلّة في معلولها آكد وأقوى بأنّ الفرق بين ما يكون أحد العلل وما يكون علّة مع الانحصار كالفرق بين ما هو علّة بالحمل الشائع الصناعي وما يكون علّة لحمل هو هو في عدم انفكاك وصف العليّة الفعليّة عن الثاني كوصف المعلوليّة في معلوله وانفكاكه عن الأوّل إلى مثله فلا ينافي ذلك تساوي العلّة المنحصرة والغير المنحصرة في مرتبة اللزوم الفعلي(1).

ص: 199


1- الهداية في شرح الكفاية: 393.

.......................................

__________________________

أقول: حاصله انّه كما ان ما بأكمل الشائع الصناعي علّة ويكون فرداً من كليها وطبيعتها فلذا يصح انفكاك وصف العليّة منه بأن كان العلّة لايجاد المعلول فرداً آخر من العلّة وما بحمل هو هو علة مثل ناطقيّة الانسان فكما انّ الانسان ناطق بحمل هو هو ولا يمكن انفكاك وصف الناطقيّة عن الانسان فكذلك العليّة المحمولة على ما هو عين العلّة وتمامها لا يصح انفكاكها عنه ومن المعلوم ان العنوان الذي لا يقبل الانفكاك والزوال أكد وأقوى وأتقن ممّا يقبل الزوال والانفكاك وان كان المنحصر من العلّة والغير المنحصر منها متساويين في مرتبة اللزوم الفعلي.

أقول: لا يخفى على كلّ ذي فضل ان العلّة المنحصرة بالفرد آكد وأقوى من الغير المنحصرة من حيث الانحصار وعدم جواز انفكاك وصف العليّة عنه فان كلّما ليس له بدل وكان التأثير منحصراً بوجوده أقوى من هذه الحيثيّة ممّا له بدل وأمكن أن يكون المؤثّر غيره ولكن الربط الخاص الثابت بين العلّة والمعلول واللزوم الواقع بين الجزاء والشرط في العلّة المنحصرة والغير المنحصرة على نحو واحد فلا وجه لتبادر الدال على اللزوم إلى اللزوم الخاص الواقع بين الشرط المنحصر والجزاء دون غير المنحصر من جهة الأكمليّة مع ان أفراد اللزوم متساوية والعجب انّ الشارح تسلم تساوي العلّة المنحصرة والغير المنحصرة في مرتبة اللزوم الفعلي وزعم مع ذلك ورود الاشكال على المصنّف من جهة امكان زوال وصف العليّة عن العلّة الغير المنحصرة وعدم زوالها عن المنحصرة مع ان المناط فيما استشكله

ص: 200

.......................................

__________________________

المصنّف تساوي اللزومين واختلافهما وظاهر ان الاشكال مع التساوي وارد لا شبهة فيه وعلى كلّ حال فاستشكل المصنّف على نفسه بأن ان قلت: نعم ولكن الحمل على الفرد الأكمل قضيّة الاطلاق بمقدّمات الحكمة كما ان قضيّة اطلاق صيغة الأمر هو الوجوب النفسي يعني كما ان غيريّة الوجوب وتخييريته يقتضي تقييد صيغة الأمر بقيد للكذا وكذا فكذلك تعدّد العلّة وعدم انحصارها وكون ما ذكر من الشرط أحد العلل يحتاج إلى قرينة ودال على ذلك فاذا لم تكن قرينة عليه فاطلاق اللزوم وترتب الجزاء على الشرط وعدم تقييده بقيد وعدم القرينة على الغيريّة والتخييرية يقتضي بمقدّمات الحكمة ان يكون العلّة علّة منحصرة.

وأجاب عنه أوّلاً بأن هذا فيما تمت مقدمات الحكمة ولا يكاد تتم فيما هو مفاد الحرف كما هيهنا وقد مرّ وجه عدم تماميّة مقدّمات الحكمة فيما هو مفاد الحرف وانه غير ما زعمه الشارح من شخصيّة معاني الحروف واستشكل الشارح على المصنّف بناء على ما فهمه من عبارة المتن بأن مفاد الهيئات مفاد الحروف أيضاً واذا لم تتم مقدّمات الحكمة بالنسبة إلى معاني الحروف فكيف تتم في مفاد الهيئات وجوابه انّ المانع من تماميّة مقدّمات الحكمة بالنسبة إلى المعاني الحروف الية معانيها وعدم استقلالها لا تشخصها وجزئيّتها كما زعمه.

وثانياً بأن تعيين اللزوم بنحو العلة المنحصرة من بين أنحائه بالاطلاق المسوق للبيان بلا معين فانّ الاطلاق هنا لا يكون معيّناً كما في الوجوب النفسي المتعين لارادته من الصيغة التي لم تتقيّد بقيد فانّ الوجوب النفسي هو الوجوب على كلّ

ص: 201

تقدير ومطلقاً فيحتاج بيان الغيري منه إلى مؤنة التقييد بما إذا وجب الغير واما لزوم الجزاء للشرط فكلّ نحو منه يحتاج إلى قرينة وبيان اذ انحصار العلّة واطلاق اللزوم أمران لا يرتبط أحدهما بالآخر،

ولا دلالة للثاني على الأوّل باحدى الدلالات الثلاث واستشكل الشارح على ما أفاده المصنّف ثانياً من ان كلّ نحو من أنحاء الترتّب واللزوم محتاج في تعينه إلى القرينة كالنحو الآخر بأنّه لا وجه له فان اطلاق لزوم التالي للمقدم وعدم تقييده بعد قيام علّة أخرى مقامه كاف في التعيين بخلاف النحو الآخر فانّه محتاج إلى القرينة كما هو الحال في كلّ مطلق ومقيد.

نعم أنحاء اللزوم العقلي الذي لا دخل للألفاظ فيه كما أفاد من احتياج كلّ إلى قرينة إلّا انّه خارج عن مفروض المسئلة لأنّه فيما إذا كان الدال على الملازمة العقليّة نفس الجملة الشرطيّة فظهر ان ما ذكر في السؤال من القياس محكم الأساس.

أقول: بل الحق انّه لا أساس له أصلاً فضلاً عن استحكامه إذ عدم بيان كون الترتّب واللزوم بنحو الترتّب على العلّة المنحصرة أو غيره أعم من أن يكون علّة أخرى قابلة للتأثير في ايجاد المعلول في الواقع أو عدمه ولا يفهم العرف من السكوت وعدم التعرّض لنحوة الترتّب في القضيّة شيئاً أصلاً بل يبقون بعد ملاحظتها واطلاق معنى حرف الشرط يعني لزوم الجزاء للمدخول مردّداً أيضاً في انّه هل يكون علّة أخرى تقوم مقام العلّة المذكورة أم لا بخلاف الأمر في الوجوب

ص: 202

أكمل افرادها، وهو اللزوم بين العلة المنحصرة ومعلولها، ففاسدة جدا، لعدم كون الاكملية موجبة للانصراف إلى الاكمل، لاسيما مع كثرة الاستعمال في غيره، كما لا يكاد يخفى.

هذا مضافا إلى منع كون اللزوم بينهما أكمل مما إذا لم تكن العلة بمنحصرة، فإن الانحصار لا يوجب أن يكون ذاك الربط الخاص الذي لا بد منه في تأثير العلة في معلولها آكد وأقوى.

إن قلت: نعم، ولكنه قضية الاطلاق بمقدمات الحكمة، كما ان قضية إطلاق صيغة الامر هو الوجوب النفسي.

قلت: أولا: هذا فيما تمت هناك مقدمات الحكمة، ولا تكاد تتم فيما هو مفاد الحرف كما هاهنا، وإلا لما كان معنى حرفيا، كما يظهر وجهه بالتامل.

وثانيا: تعينه من بين أنحائه بالاطلاق المسوق في مقام البيان بلا معين، ومقايسته مع تعين الوجوب النفسي بإطلاق صيغة الامر مع الفارق، فإن النفسي هو الواجب على كل حال بخلاف الغيري، فإنه واجب على تقدير دون تقدير، فيحتاج بيانه إلى مؤونة التقييد بما إذا وجب الغير، فيكون الاطلاق في الصيغة مع

__________________________

فانّ الوجوب الغير المقيّد بقيد ما إذا وجب الغير ليس إلّا الوجوب النفسي ولكن الملازمة المدلول عليها في القضيّة بنحو الاطلاق ومن دون تقييد يمكن أن تكون منحصرة وغير منحصرة كما ان في ظرف العقل أيضاً كذلك فكما انّ الملازمة العقليّة مختلفة كذلك الملازمة التي دلّت عليها بالألفاظ وكشفت عنها بالقضيّة أيضاً مختلفة.

ص: 203

مقدمات الحكمة محمولا عليه، وهذا بخلاف اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة، ضرورة أن كل واحد من أنحاء اللزوم والترتب، محتاج في تعينه إلى القرينة مثل الآخر، بلا تفاوت أصلا، كما لا يخفى.

ثم إنه ربما يتمسك للدلالة على المفهوم بإطلاق الشرط، بتقريب أنه لو لم يكن بمنحصر يلزم تقييده، ضرورة أنه لو قارنه أو سبقه الآخر لما أثر وحده، وقضية إطلاقه أنه يؤثر كذلك مطلقا.[1]

__________________________

[1] أقول: يعني انّه ربما يتمسّك على دلالة الشرط على المفهوم باطلاق الشرط وعدم تقييد الملزوم المذكور في القضيّة الشرطيّة وهذا غير التمسّك لاثباته باطلاق اللزوم ومعنى أدات الشرط الذي قد مرّ بيانه وشرحه انّ الملزوم والشرط لو لم يكن بمنحصر ووحيداً في التأثير بل كان غيره أيضاً مؤثّراً مثله في حصول اللازم والمشروط إمّا مقارناً ذلك الغير للشرط المذكور أو سابقاً عليه لما أثر وحده وقضيّة إطلاقه وانّ العلّة المذكورة تكون مؤثّرة في المعلول سواء وجد شي ء آخر سابقاً عليه أو مقارناً له أم لا انّه يؤثّر كذلك يعني وحده مطلقاً يعني في الصورتين ولو تعددت العلّة ولم تكن بمنحصرة فلو كانت العلّة الأخرى سابقة على العلّة المذكورة في القضيّة كان الجزاء مستند إليها لا إلى المذكورة وإن كانت مقارنة له كان الجزء مستنداً إلى مجموع العلّتين لا المذكورة فقط فاذا اسند الجزاء إلى العلّة المذكورة لا إلى غيرها فقط ولا إليها منضمّة مع العلّة الأخرى يعلم انّها هي العلّة لا غير لا بالانفراد ولا بالانضمام.

وأجاب الشيخ الأجل الحائري عمّا قرّر من التمسّك باطلاق الشرط لاثبات

ص: 204

.......................................

__________________________

الانحصار في العلّة بأنّه لو تكرّر المسبّب والمشروط كوجوب اكرام زيد مثلاً في قوله: إن جائك زيد فأكرمه بتعدّد الأسباب والشروط فلا يلزم اهمال سبب مع سبق سبب آخر على ما ذكر في القضيّة لأنّه يترتّب حينئذٍ على كلّ واحد من السببين والعلّتين معلول وسبب ولا يلزم أيضاً استناد المسبّب المذكور في القضيّة إلى مجموع السببين لأنّ المسبّب المذكور مستند إلى السبب المذكور ووجوده الآخر على الفرض وهو لتعدّد المسبّبات مستند إلى السبب الآخر المقارن مع السبب المذكور فيحفظ حينئذٍ الاطلاق المستفاد من القضيّة ومقتضاه انّه متى يوجد الشرط يترتّب عليه الجزاء سواء قارنه أمر آخر أو سبقه أم لا من دون لزوم القول بالحصر.

وأمّا لو فرضنا الجزاء واحداً على كلّ حال وسواء سبق العلّة المذكورة أم لا أو قارنه أم لا فاللازم على تقدير تعدّد الأسباب وثبوت العلّة السابقة على المذكورة والمقارنة معه وإن كان عدم ترتّب الجزاء على الشرط المذكور أصلاً احياناً يعني في الصورة التي سبق العلّة الأخرى العلّة المذكورة اتّفاقاً وعدم كونه مستقلّاً كذلك يعني احياناً مع ان الاطلاق يدلّ على انّ الجزاء دائماً وأبداً مترتّب على العلّة المذكورة وان وجودها مستند إلى وجود العلّة المذكورة سواء وجد شي ء آخر في الخارج سابقاً عليه أو مقارناً له أم لا لكنّك عرفت انّا ما سلّمنا دلالة القضيّة على كون الشرط علّة تامّة بل المقدار المسلم وقوع الجزاء عقيب الشرط مع ربط بينهما

ص: 205

.......................................

__________________________

ويكفي في الربط كونه صالحاً للتأثير فيه وان منع من تأثيره سبق علّة أخرى(1).

أقول: أمّا ما ذكره الشيخ المعظّم إليه من قضيّة تكرّر المسبّب بتعدّد الأسباب فهو خلاف الفرض وإنّما هو محض فرض فان من ادّعى دلالة القضيّة على حصر العلّة وثبوت المفهوم للقضيّة الشرطيّة إنّما يكون مراده في ما إذا اتّحد الجزاء ولم يكن تكرّر في المسبّب والمشروط الحاصل كلّ دفعة بسبب من الأسباب ليكون الاطلاق دالّاً على الحصر وأمّا في صورة وحدة الجزاء فمعلوم انه لا يفيد تشبثه قدس سره لانكار الدالة على الحصر بعدم تسليم دلالة القضيّة على كون الشرط علّة تامّة بل المقدار المسلم وقوع الجزاء عقيب الشرط مع ربط بينهما ويكفي في الربط كونه صالحاً للتأثير فيه وان منع من تأثيره سبق علّة أخرى لأن مدعى الحصر إنّما يثبته بالاطلاق لا بدلالة حاق ألفاظ القضيّة فان عدم دلالة حاقها عليه مسلم ومعلوم وأمّا اطلاق الشرط والدلالة على انّ الجزاء دائماً تترتّب على الشرط المذكور في القضيّة سواء وجد أمر اخر أم لا فدلالته على الحصر ممّا لا يكاد ينكر وبعبارة اُخرى الاطلاق الثابت في القضيّة الشرطيّة الدال على انّ الجزاء دائماً تترتّب على الشرط المذكور سواء قارنه أمر آخر او سبقه أم لا يفيد انّ الشرط علّة تامّة منحصرة للمشروط وإن كان حاق لفظ القضيّة لا يدلّ إلّا على مجرّد الربط بين الشرط والمشروط لا العلّة التامّة ولا الانحصار نعم لو أنكر الاطلاق رأساً بأن يقال القضيّة الشرطيّة من الجهة المذكورة مجملة أو يدّعي ندرته كما ادّعاه حضرة

ص: 206


1- درر الفوائد: 1/162.

.......................................

__________________________

العلّامة المصنّف لا يقى حينئذٍ دال على الحصر ويصير مجال انكاره واسعاً، وأمّا مع تسليم ثبوت الاطلاق لا وجه لانكار الدلالة عليه أصلاً فظهر ان ما ذكره الشيخ المعظّم إليه لانكاره لا وجه له وانّه خلط بين دلالة حاق اللفظ وبين الاطلاق الثابت في القضيّة مع قطع النظر عن دلالة حاق الألفاظ.

واستشكل الشارح الكاظميني في المقام على المصنّف بأن ندرة تحقّق الاطلاق لا يمنع عن التمسّك به لاثبات الحصر حيث قال: ان حكمه بندرة ذلك وجعل الندرة مانعة عجيب لأن مقام اللزوم والعليّة مقام حكم العقل فاذا دلّ اللفظ على كون شي ء علّة لشي ء فاحتمال أن يقوم مقامها علّة أخرى كاف في الأخذ بالاطلاق(1).

أقول: لم يظهر لي من كلامه على ما أفاده المصنّف محصّل اذ من المعلوم ان غرض المصنّف من ندرة تحقّق الاطلاق ما ذكره هو أيضاً بعد اظهار تعجبه من جعل الندرة مانعة عن التمسّك بالاطلاق وجعله وجهاً ضعيفاً وتأويلاً بعيداً بقوله اللّهمّ إلّا أن يريد بيان انه مع الندرة لا ثمرة فيه إذ المقصود معرفة ما عليه الجملة الشرطيّة في نوع استعمالاتها لا فيما يتّفق لها ولم يرد بيان انّ الندرة مانعة كما لعلّه الظاهر بعد التأمّل فيما لخّصه بقوله:

بعد إيراد الاشكال فتلخّص بما ذكرنا انّه لو لم ينهض الخ(2).

ص: 207


1- الهداية في شرح الكفاية: 395.
2- الهداية في شرح الكفاية: 395.

وفيه أنه لا تكاد تنكر الدلالة على المفهوم مع إطلاقه كذلك، إلا أنه من المعلوم ندرة تحققه، لو لم نقل بعدم اتفاقه.

فتلخص بما ذكرناه، أنه لم ينهض دليل على وضع مثل (إن) على تلك الخصوصية المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء، ولم تقم عليها قرينة عامة، أما قيامها أحيانا كانت مقدمات الحكمة أو غيرها، مما لا يكاد ينكر، فلا يجدي القائل بالمفهوم، انه قضية الاطلاق في مقام من باب الاتفاق.

وأما توهم أنه قضية إطلاق الشرط، بتقريب أن مقتضاه تعينه،[1 ]

__________________________

أقول: بل ما أفاده ملخّصاً صريح في المطلب وان الاطلاق الدال على الحصر من باب الاتّفاق لا يفيد فيما يكون المستدل بصدد اثباته من المفهوم وأخص من المدّعى ثمّ قال الشارح بعد ذكر ما أورده هذا مضافاً إلى عدم الندرة بناء على ما ذكرنا من انّ المطلق هو اللزوم لا الملزوم بل هو أبداً كذلك.

أقول: لا وجه لايراد ما أورده الشارح بعد ذكر ما أورده هنا أيضاً أصلاً إذ غرض المصنّف ممّا أورده دفع حجّة من تمسّك لاثبات الانحصار بالاطلاق في الشرط والملزوم لا معنى الحرف واللزوم فانّه وإن سلّم ثبوت الاطلاق غالباً أو دائماً بالنسبة إلى معنى أدات الشرط وهو اللزوم ولكنّه لا يفيد فيما تمسّك به المستد من اطلاق الشرط والملزوم.

[1] أقول: يعني انّه يمكن التمسّك لدلالة القضيّة الشرطيّة على المفهوم باطلاق الشرط ببيان آخر غير ما مرّ وهو انّه لو لم يكن الشرط المذكور في القضيّة متّحداً بل كان شرطاً واحداً من الشروط المتعدّدة لكان اللازم بيانه اذ الشرط المنحصر

ص: 208

.......................................

__________________________

والغير المنحصر يتقابلان ونحوة الشرطيّة في أحدهما غير نحوتها في الشرطيّة الأخرى فاذا لم يبين ان المقصود من شرطيّة الشرط المذكور شرطيّة الشرط المتعدّد يتعيّن انّ المراد شرطيّة الشرط المنحصر كما ان اطلاق الأمر يعين الوجوب النفسي التعييني في مقابل الغيري والتخييري إذ لكلّ ممّا يقابله مؤنة زائدة فكما لم تكن تلك المؤنة موجودة حاصلة تتعيّن ما لا يحتاج إليها وهو الأوّل منها والفرق بين هذا التقريب والتقريب السابق هو انّ الأوّل ناظر إلى اطلاقه من حيث سبقه بوجود آخر ولحوقه وهذا الاطلاق ناظر إلى عدم وجود بديل له في المؤثّريّة نظير ظهور اطلاق الوجوب في التعييني منه من دون جهة اقتضاء البديل في الاتّصاف بالوجوب لأن الشرط الغير المنحصر في اتّصافه بالشرطيّة يحتاج إلى البديل بأن يكون المؤثّر هو هذا أو ذاك.

وأجاب عنه المصنّف بأنّ التغير في الشرط لا يغاير نحوه فيما إذا كان متعدّداً فان شرطيّة الشرط الواحد وشرطيّة الشرط المتعدّد سواء ولا فرق بينهما فان النحوتين لا تغاير بينهما ثبوتاً واقعاً فكيف يمكن ثبوت الفرق بينهما اثباتاً وظاهراً بخلاف أقسام الوجوب فان الوجوب النفسي التعييني يغاير الوجوب الغيري التخييري في مقام الثبوت والواقع فضلاً عن تغايرهما اثباتاً ودلالة، فان قيل: فلم يحتاج تعدّد الشرط إلى بيانه وكلّما لم يبين التعدد يحمل على عدمه وكون الشرط واحداً، فانّه يقال: بيان تعدّد الشرط وعدم انحصاره إنّما يكون للكشف عن عدم انحصار الشرط لا لبيان نحوة الشرطيّة وانّها في مورد تعدّد الشرط تكون بتلك

ص: 209

.......................................

__________________________

النحوة لا نحوة أخرى لأن شرطيّة الشرط في صورة الوحدة والتعدّد لا تختلف ولذا لو كان الشرط متعدّداً في الواقع وفي نظر الشارط ولم يبينه بل اطلق الشرط ولم يقيّده لا يحصل اهمال ولا اجمال في القضيّة الشرطيّة بخلاف الأمر في الوجوب النفسي والغيري فانّه لو كان مراد الآمر خصوص الوجوب النفسي لبا لا الغيري ولم يبين ذلك بل اطلق الأمر يحصل الاهمال والاجمال البتة ويكون حينئذٍ مهملاً ومجملاً بخلاف ما لو كان الشرط متعدّداً ومع ذلك لم يبينه الشارط فلا يكون مهملاً ولا مجملاً بل كان بيانه تماماً غير مجمل ولا وجه لذلك الا ان شرطيّة الشرط الواحد والمتعدّد غير مختلف وعلى كلّ حال فما كان وارداً على الوجه الأوّل وسبق ذكره وارد على هذا الوجه أيضاً من ان هذه الوجوه لا يجدي القائل والمفهوم لأن ثبوت المفهوم فيما كان مفاد الاطلاق لا يقبل الانكار ولكنه غير ما يكون المثبت له بصدد اثباته ولا يفيد في مدعاه.

واستشكل الشارح الكاظميني على المصنّف قدس سره بأن علية العلّة في المنحصرة والغير المنحصرة مختلفة كما انّ الوجوب في الواجب التعييني والتخييري كذلك ضرورة ان تعدّد العلل لا محالة يوجب عدم تحقّق عنوان العليّة الفعليّة في كلّ واحد منهما على سبيل الاطلاق لجواز ان يقوم كلّ منهما مقام الآخر في عليّته للمعلول كما ان تعدّد فردى الواجب يوجب عدم تحقّق عنوان الواجبيّة في كلّ واحد من الفردين مطلقاً على البدل ولا ينحصر تحقّق الاطلاق والتقييد فيما تختلف فيه كيفيّة التعلّق كي يقال تعلّق الجزء بالشرط المنحصر لا يتفاوت مع تعلّقه

ص: 210

.......................................

__________________________

بالغير المنحصر وشرطيّة الشرط المنحصر يساوي شرطيّة الشرط الغير المنحصر إذ من الواضح ان ظاهر القضيّة الشرطيّة هو كون الملزوم والشرط علية فعليّة مطلقاً في قبال التقييد بقوله ما لم يخلفه ملزوم آخر فأي قصور في هذا الاطلاق والتقييد فبهذا الاطلاق وعدم التقييد بالقيد المزبور يفهم كون الشرط منحصراً ونظير ذلك ما إذا تعلّق الوجوب بشي ء ثمّ شكّ في كونه على التعيين أو التخيير فانّه لا إشكال في اقتضاء الاطلاق كونه على التعيين مع انّه لو لم يكن الاطلاق مسوقاً لبيان التعيين لم يلزم الاهمال والاجمال ضرورة وجوبه على كلّ حال سواء كان بالوجوب التعييني أو التخييري فليس ذلك يعني لزوم الاهمال والاجمال لو لم يكن في مقام بيان ما ليس بمقيّد ضابطاً لثبوت الاطلاق ليستكشف من عدمه عدمه(1) ويقال في مسئلة الشرط بأنّه لو لم يكن بصدد بيان الشرط المنحصر بل كان المقصود الشرط المنحصر ما ذكر في القصد لا يلزم اهمال واجمال فلا اطلاق كما انه يلزم الاهمال والاجمال ولو لم يكن بصدد بيان خصوص الوجوب النفسي فيما إذا جعل الأمر غير مقيّد.

أقول: وقد أورد الشارح سابقاً هذا أيضاً على ما أجاب به المصنّف عن التمسّك باطلاق معنى أدات الشرط حيث قال: لا إشكال في كون العلّة المنحصرة في مدخول الأدات ككون الوجوب تعينياً وكونها متعدّدة وتخلف المدخول علّة أخرى ككونه تخييريّاً سعة وضيقاً كما هو واضح فلا وجه لتسليمه في الصيغة

ص: 211


1- الهداية في شرح الكفاية: 397.

.......................................

__________________________

وانكاره في حرف الشرط انتهى(1).

ولا يخفى متانة ما أفاده المصنّف وضعف ما أورده عليه اذ عنوان الشرطيّة وتعلّق الجزاء بالشرط وتوقّفه عليه الذي هو مفاد أدات الشرط منتزع عن ارتباط الشرط والجزء معاً وكون وجود الأوّل مؤثّراً في ايجاد الثاني ولا فرق في ذلك بين أن يكون الشرط منحصراً أم غير منحصر وكذلك القضيّة المجعولة شرطاً لا فرق في الشرطيّة بين أن يكون منحصراً أو غير منحصر ولا وجه للتمسّك في اثبات الحصر بالاطلاق وعدم التقييد بما لم يخلفه ملزوم آخر بخلاف الوجوب التخييري فانّه ليس الا عبارة عمّا له العدل وإذا لم يكن فلا يتحقّق إلّا الوجوب التعييني الذي هو نحو وجوب آخر غير التخييري وظهور القضيّة الشرطيّة في فعليّة عليّة الشرط مطلقاً في قبال التقييد بقول ما لم يخلفه ملزوم آخر كما انّ الظاهر من الأمر الذي لم يقيّد بقيد وجوب الغير أو العدل الوجوب النفسي التعييني أوّل الكلام ومصادرة على المطلوب لأن كلا من انحصار الشرط وتعددّه يحتاج إلى بيان وعدم التقييد بما لم يخلفه ملزوم آخر لا يفيد في اثباته بل هو باق مع عدم التقييد مردّداً بين المحصور وغيره ثمّ أفاد المصنّف أخيراً بأن ما ذكر لاثبات مفهوم الشرط لو سلّم صحّته وعدم كونه مخدوشاً ومردوداً فلا يفيد أيضاً في اثبات مرام المستدل والقائل بالمفهوم للشرط إذ هو بصدد اثبات المفهوم للقضيّة الشرطيّة بحسب دلالة اللفظ بحاقه أو بقرينة عامة لا تنفك عن القضيّة غالباً ليكون دلالتها في الأغلب ثابتاً عليه والاستناد إلى الاطلاق لا يثبت إلّا دلالتها عليه من باب الاتفاق وهذا غير ما هو مقصوده.

ص: 212


1- الهداية في شرح الكفاية: 394.

كما أن مقتضى إطلاق الامر تعين الوجوب.

ففيه: أن التعين ليس في الشرط نحوا يغاير نحوه فيما إذا كان متعددا، كما كان في الوجوب كذلك، وكان الوجوب في كل منهما متعلقا بالواجب بنحو آخر، لابد في التخييري منهما من العدل، وهذا بخلاف الشرط فإنه واحدا كان أو متعددا، كان نحوه واحدا ودخله في المشروط بنحو واحد، لا تتفاوت الحال فيه ثبوتا كي تتفاوت عند الاطلاق إثباتا، وكان الاطلاق مثبتا لنحو لا يكون له عدل لاحتياج ما له العدل إلى زيادة مؤونة، وهو ذكره بمثل (او كذا) واحتياج ما إذا كان الشرط متعددا إلى ذلك إنما يكون لبيان التعدد، لا لبيان نحو الشرطية، فنسبة إطلاق الشرط إليه لا تختلف، كان هناك شرط آخر أم لا، حيث كان مسوقا لبيان شرطيته بلا إهمال ولا إجمال.

بخلاف إطلاق الامر، فإنه لو لم يكن لبيان خصوص الوجوب التعييني، فلا محالة يكون في مقام الاهمال أو الاجمال، تأمل تعرف.

هذا مع أنه لو سلم لا يجدي القائل بالمفهوم، لما عرفت أنه لا يكاد ينكر فيما إذا كان مفاد الاطلاق من باب الاتفاق.

ثم إنه ربما استدل المنكرون للمفهوم بوجوه: أحدها: ما عزي إلى السيد[1 ]

__________________________

[1] أقول: شرح ما أفاده السيّد المرتضى قدس سره في مقام انكار المفهوم هو ان شرطيّة شي ء في شي ء إنّما هو عبارة عن تعليق الحكم به وانّه كلّما وجد الشرط يوجد المشروط وهذا لا ينافي مع أن يخلف الشرط المذكور وينوب مَنابَهُ شرط آخر يجري مجراه بأن كان الحكم معلّقاً به أيضاً ومؤثّراً في ايجاده وذلك

ص: 213

.......................................

__________________________

لا يوجب اللطمة على شرطيّة الشرط الأولى ولا يخرج عن كونه شرطاً واستشهد بالآية الشريفة « فَاستَشْهِدُوا شَهيدَينِ مِنْ رِجالِكُمْ »(1) مع انّها لا تشتمل على عنوان شرطيّة في ظاهر اللفظ أصلاً لأنّها متضمّنة لمعنى الشرطيّة ضمناً وانها في قوّة أن يقال ان صحّة الاستشهاد بالشاهدين وكونه مفيداً في اثبات المشهود به مشروط بتعدّد الشاهد وكونه من جنس الرجال ومع ذلك الاشتراط الضمني في الآية صرح الشارع بأن شهادة الشاهد الواحد من الرجال إذا انضمّ إلى امرأتين أو إلى اليمين كشهادة الرجلين فنيابة بعض الشرط عن بعض أكثر من أن تحصى وادعاء الكثرة منه بحيث لا يكون قابلاً للاحصاء ومع ان ما ذكره ليس أكثر من مورد واحد لأنّه من الواضح كثرة الأمثلة التي من قبيل الآية الشريفة في الشرعيّات ثمّ تمثّل بمثال الحرارة لبيان كثرة امثال الآية وتعدّد الشروط في العقليّات والخارجيات أيضاً وقال ان انتفاء الشمس لا يلزم انتفاء الحرارة لاحتمال قيام النار مقامه ومع ذلك كيف يمكن أن يدّعي انّه كلّما انتفى الشرط فينتفي المشروط مع انّ الظنّ يلحق الشي ء بالأعم الأغلب بل مع تلك الكثرة التي لا يكاد تحصى يحصل الاطمينان فضلاً عن الظن بعدم المفهوم ومفهوم الشرط إنّما هو من مقولة دلالة اللفظ وكيف يبقى ظهور للفظ للمفهوم بعد مشاهدة أمثال الآية الشريفة.

ص: 214


1- البقرة: 282.

.......................................

__________________________

وأجاب عنه المصنّف بأن مقصود السيّد المستدل من الاستدلال المذكور ان كان اثبات جواز تعدّد الشروط في الواقع ومقام الثبوت فهو صحيح ولا يكاد ينكر ولكنّه لا مساس لذلك بما استدلّ به القائل بالمفهوم إذ هو يقول بثبوته في مقام الاثبات ودلالة اللفظ وإن كان مقصوده اظهار احتمال عدم المفهوم والكشف عن ان القضيّة اللفظيّة الشرطيّة الخارجيّة لا تدل على المفهوم بواسطة احتمال تعدّد الشرط وعدم الانتفاء عند الانتفاء فمجرّد الاحتمال لا يضر بدلالة اللفظ وظهوره ما لم يكن مساوياً أو راجحاً على خلافه وليس فيما أفاده دليل يدل على التساوي أو الأرجحيّة.

أقول: كيف لا يكون فيما أفاده ما يثبت التساوي أو الأرجحيّة مع انّه قال بغلبة الاستعمال للقضيّة الشرطية وما في معناها في عدم المفهوم وفي مورد تعدّد الشروط واشتهارها غاية الاشتهار في ذلك وغاية ما يمكن أن يقال عليه انكار الكثرة التي ادّعاها لا انّه ليس فيما أفاده ما يثبت ذلك لأنّه ليس مثبت أقوى من كثرة الاستعمال وشهرة اللفظ كما هو واضح.

فان قيل: كيف يتمّ إستدلال السيّد على انكار المفهوم مع انه صرّح في طي كلامه بظهور لفظ الآية في عدم قبول الشاهد الواحد حتّى ينضم إليه شاهد آخر حيث قال ان قوله تعالى: « فَاسْتَشْهِدُوا » الخ يمنع من قبول الخ.

فانّه يقال: ان مقصوده من الكلام المزبور انّ اللفظ بحاقه ولو خلى بطبعه يدل على المفهوم وهذا لا ينافي مع ثبوت الرادع والمانع من الخارج وهو كثرة

ص: 215

.......................................

__________________________

الاستعمال في عدم المفهوم فتسليمه لدلالة الآية أولاً وبالذات على عدم قبول شهادة غير الشهيدين غير مناف مع ادعاء ثبوت خلافه إلّا بالدليل الخارجي.

ثمّ انّه أطنب الكلام في توضيح ما استدلّ به السيّد في المقام حضرة الشارح العلّام قدس سره وقال بعد نقل ما أفاده السيّد: ظاهر هذا الكلام بعد التأمّل وتدقيق النظر(1) هو تحقيق ان الشرط الشرعي الذي هو مدخول أدات الشرط وهو في محلّ النزاع في مسئلة حجيّة المفهوم ليس على حدّ الشرط العقلي بل هو عكسه لأنّ الشرط العقلي هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود، والشرط الشرعي هو ما يلزم من وجوده الوجود ولا يلزم من عدمه العدم اما الأوّل فلأنّه قضيّة تعليق الحكم في الجملة الشرطيّة عليه.

وأمّا الثاني فلأن مبني الشروط الشرعيّة التي هي من هذا القبيل على التعدّد المسقط لظهور اللفظ في الانحصار فلا مفهوم ثمّ أراد تنظير ذلك وبيان انّ مبني الشروط الشرعيّة عليه فاستشهد عليه باية فاستشهدوا فان التحديد لا شكّ في ثبوت المفهوم له وإلّا لسقط عن كونه حدّاً كما ذكرنا في التحديد بالكر والمسافة ومثله تحديد الكر بالاشبار فالآية تدلّ بالحد على عدم قبول الشاهد الواحد فيكون قوله تعالى: « فَاسْتَشْهِدُوا » تكليفاً يستتبع وضعاً وهو شرطيّة انضمام أحدهما إلى الآخر في القبول شرعاً ومن المعلوم انّه أقام الشارع مقامه اليمين

ص: 216


1- الهداية في شرح الكفاية: 398.

.......................................

__________________________

والامرأتين مع عدم منافات ما دلّ على ذلك لما دلّ على شرطيّة الانضمام لأنّه بلسان التوسعة لا بلسان النقض فكذا الكلام في الجمل الشرطيّة وهذا صريح في عدم المفهوم وما أفاده في غاية المتانة والقوّة ولعمري ان من تأمّل عبارته بعد هذا البيان يراها كالنص فيما ذكرنا ومنه يعلم سقوط ما ذكره بعض الأعاظم في تقريراته في هذا الدليل فلاحظ وكذا ما أفاده المصنّف قدس سره في بيانه والجواب عنه من انه ان كان بصدد اثبات امكان نيابة بعض الشروط عن بعض في مقام الثبوت وفي الواقع فهو ممّا لا يكاد ينكر ضرورة انّ الخصم إنّما يدعي عدم وقوعه في مقام الاثبات بالدليل ودلالة القضيّة الشرطيّة عليه لا عدم امكانه وان كان بصدد ابداء احتمال وقوعه فمجرّد الاحتمال لا يضرّه ما لم يكن بحسب القواعد اللفظية راجحاً أو مساوياً وليس فيما أفاده ما يثبت ذلك أصلاً ووجه السقوط في غاية الوضوح بعد التدبر فيما حققناه في بيان مرامه انتهى كلامه رفع مقامه(1).

أقول: الانصاف انّه لا دلالة فيما ذكره السيّد علي انّ الشروط الشرعيّة ليست كالعقليّة وانّها يلزم من وجوده الوجود ولا يلزم من عدمه العدم فان مراده من تعليق الحكم به ان الجزاء يوجد عند وجود الشرط مع وجود باقي الشرائط وعدم الموانع أيضاً لا ان وجود الشرط المذكور في القضيّة الشرطيّة موجب لوجود الجزء على أيّ حال كي يطابق مع العلّة التامّة فانّه لا وجه لادّعاء كون الشروط

ص: 217


1- الهداية في شرح الكفاية: 398 - 399.

.......................................

__________________________

الشرعيّة علّة تامّة يلزم من وجودها الوجود مع ان نحوة شرطيتها كالشروط العقليّة بلا تفاوت بل الشروط الشرعيّة بعد ما جعلت شرطاً بجعل الشارع تصير شروطاً عقليّة أيضاً ولا ادّعى عدم لزوم العدم من عدم الشرط من حيث عنوان الشرطيّة فان عنوان الشرطيّة مستلزم للزوم العدم من عدمه البتة اذ من البديهي عدم امكان وجود المشروط بدون وجود الشرط سواء كان الشرط شرعيّاً أم عقليّاً ولكن تعدّد الشروط موجب لعدم الانتفاء عند انتفاء شرط خاص من الشروط المتعدّدة ومعلوم ان كلّما تعدّد الشروط إنّما يلزم من عدم تمامها عدم المشروط وعدم استلزام عدم واحد منها لعدم المشروط لامكان أن يخلفه شرطٌ آخر ليس من عدم الشرط أصلاً إذ مع فرض وجود الخليفة يكون الشرط موجوداً لا معدوماً فانّ المؤثّر في عدم المشروط إنّما هو عدم نوع الشرط في صورة تعدّد الشروط نعم المؤثّر في ايجاد المشروط في صورة التعدّد خصوص واحد وأحد من الشروط لا نوعها وعلى كلّ حال فكيف يمكن أن ينسب إلى السيّد انّه فرق بين الشروط الشرعيّة والعقليّة كما نسبه الشارح إليه مع انّه صرّح بأنّ الأمر في الشروط العقليّة أيضاً كذلك وانّها أيضاً يجوز أن تكون متعدّدة ومع عدم شرط خاص يقوم مقامه شرط آخر ويؤثّر في ايجاد المشروط حيث قال فنيابة بعض الشروط أكثر من أن تحصى مثل الحرارة إلى آخره.

فان هذا الكلام منه صريح في عدم التفاوت بين الشروط الشرعيّة والعقليّة والخارجيّة وإن كلّما ادّعى في الشرط الشرعي جار في الشرط العقلي أيضاً.

ص: 218

من أن تاثير الشرط، إنما هو تعليق الحكم به، وليس بممتنع أن يخلفه وينوب منابه شرط آخر يجري مجراه، ولا يخرج عن كونه شرطا، فإن قوله تعالى: «فاستشهدوا شهيدين من رجالكم» يمنع من قبول الشاهد الواحد، حتى ينضم إليه شاهد آخر، فانضمام الثاني إلى الاول شرط في القبول، ثم علمنا أن ضم امرأتين إلى الشاهد الاول شرط في القبول، ثم علمنا أن ضم اليمين يقوم مقامه أيضا، فنيابة بعض الشروط عن بعض أكثر من أن تحصى، مثل الحرارة، فإن انتفاء الشمس لا يلزم انتفاء الحرارة، لاحتمال قيام النار مقامها، والامثلة لذلك كثيرة شرعا وعقلا.

والجواب: أنه قدس سره إن كان بصدد إثبات إمكان نيابة بعض الشروط عن بعض في مقام الثبوت وفي الواقع، فهو مما لا يكاد ينكر، ضرورة أن الخصم يدعي عدم وقوعه في مقام الاثبات، ودلالة القضية الشرطية عليه، وإن كان بصدد إبداء احتمال وقوعه، فمجرد الاحتمال لا يضره، ما لم يكن بحسب القواعد اللفظية راجحا أو مساويا، وليس فيما أفاده ما يثبت ذلك أصلا، كما لا يخفى.

ثانيها: إنه لو دل لكان بإحدى الدلالات، والملازمة كبطلان التالي ظاهرة،[1 ]وقد أجيب عنه بمنع بطلان التالي، وأن الالتزام ثابت، وقد عرفت بما لا مزيد عليه ما قيل أو يمكن أن يقال في إثباته أو منعه، فلا تغفل.

__________________________

[1] أقول: يعني ان من المعلوم انحصار الدلالات في الثلاث المطابقة والمتضمّن والالتزام فلابدّ أن يكون كلّ دلالة قسماً منها ومعلوم ان مفهوم الشرط لا يكون بواحد منها اما عدم كونها من احدى الأوليّين فظاهر وأمّا عدم كونها من القسم الثالث فلما مر من ان معنى القضيّة الشرطيّة إنّما هو ترتّب الجزاء على

ص: 219

ثالثها: قوله تبارك وتعالى: «ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا»(1).[1]

وفيه ما لا يخفى، ضرورة أن استعمال الجملة الشرطية فيما لا مفهوم له أحيانا وبالقرينة، لا يكاد ينكر، كما في الآية وغيرها، وإنما القائل به إنما يدعي ظهورها فيما له المفهوم وضعا أو بقرينة عامة، كما عرفت.

__________________________

الشرط بنحو ترتّب المعلول على العلّة وان دعوى كونه بنحو الترتّب على العلّة المنحصرة ليكون دالّاً على الانتفاء عند الانتفاء ممنوعة فلا موضوع حينئذٍ للدلالة الالتزاميّة وانتفى دلالة القضيّة على الخصوصيّة المستتبعة للمفهوم فلا ملزوم في البين فينتفي اللازم حين انتفائه.

[1] ثالثها قوله تبارك وتعالى: « وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً »(2) يعني من الواضح ان جميع القضايا الشرطيّة من قبيل الآية ولا فرق بينهما فلابدّ ان يراد من غير الآية ما يراد منها ومعلوم انّ الشرط في الآية جيى ء به لتحقّق الموضوع اذ مع عدم ارادة التحصّن لا يتحقّق موضوع الاكراه فلا مفهوم لها قطعاً فكذلك ساير القضايا الشرطيّة.

وفيه: ان عدم المفهوم للشرط الذي في الآية إنّما هو بالقرينة وهو ممّا لا يكاد ينكر ولا ينافي ذلك ثبوته في الموارد الاخر للوضع أو قرينة عامة الذي هو مراد المستدل للمفهوم والاستدلال بالآية من جهة ان السنبلة علامة للصبرة والقطرة

ص: 220


1- سورة النور: 33.
2- النور: 33.

بقى هاهنا أمور: الامر الاول: إن المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم المعلق[1 ]

__________________________

علامة للبحر فاذا كان الآية التي من جنس سائر القضايا الشرطيّة كذلك فلابدّ أن يكون غيره كذلك أيضاً لا وجه له.

[1] يعني انّ المراد من المفهوم الذي يكون محلّاً للبحث وانّه هل للشرط المفهوم أم لا إنّما هو انتفاء مثل الحكم المذكور في القضيّة المعلّق على الشرط عند انتفائه لا انتفاء شخص الحكم المذكور والا فانتفاء شخص وجوب الاكرام الذي علّق في قوله: ان جائك زيد فأكرمه مثلاً على الشرط المذكور عند انتفاء الشرط ولو ببعض أجزائه من المجي ء مثلاً بأن كان زيد موجوداً ولم يجي ء زيد، بأن كان الجائي ولكن كان غير زيد واضح لا شبهة فيه اذ بقاء الحكم مع عدم موضوعه ممتنع عقلاً وهذا لا دخل له بدلالة اللفظ ومعلوم انّ المفهوم من مقولة الدلالة اللفظيّة الالتزاميّة وبعبارة اخرى انتفاء شخص الحكم المعيّن المذكور في القضيّة الشرطيّة عند انتفاء الشرط بتمامه أو ببعض أجزائه بمعنى عدم وجوب اكرام زيد عند عدم مجيئه بالوجوب الذي انشأ بقوله أكرمه في قضيّة إن جائك زيد فأكرمه مثلاً بمرتبة من الوضوح لانزاع فيه وليس من محلّ البحث أصلاً وأمر عقلي لا دخل له بدلالة اللفظ والمفهوم فيه اذ الحكم لا يمكن أن يتحقّق إلّا عند تحقّق موضوعه وما يكون محلّ البحث إنّما هو دلالة القضيّة الشرطيّة على انتفاء مثل الحكم المذكور عند انتفاء الشرط وعدم الدلالة لأنّه عند عدم مجي ء زيد يمكن أن يكون مثل الحكم المذكور ثابتاً ومنتفياً ويحكم بانتفاء مثل ذلك الحكم بانتفاء الموضوع أو لا يحكم به وأمّا انتفاء شخص الحكم المعيّن عند انتفاء الموضوع فأمر

ص: 221

.......................................

__________________________

عقلي لا شبهة فيه أصلاً فما حكى عن الشهيد في تمهيد القواعد من انّه لا إشكال في دلالة الشرط واللقب والوصف على المفهوم في مثل الوصايا والأوقاف والنذور والايمان لأن انتفائها عن غير ما هو المتعلّق لها من الأشخاص التي يكون بالقابها كهذا لزيد بعد وفاتي أو أوقفت على عمرو أو نذرت لبكر أو واللَّه لأعطينّ خالداً درهماً أو بوصف شي ء كهذا لزيد العالم مثلاً أو بشرطه أي بشرط شي ء كاوقفت على بناتي بشرط ان لا يتزوّجن مأخوذة في العقد يعني عقد الوصيّة والوقف والنذر او مثل العهد وهو الايمان لا شبهة فيه أصلاً فاسد اذ الدلالة المزبورة ليس بدلالة الشرط والوصف أو اللقب بل دلالتها على الانتفاء عند الانتفاء إنّما هو لأجل انه إذا صار شي ء وقفاً على أحد أو أوصى به أو نذر له إلى غير ذلك لا يقبل أن يصير وقفاً على غيره أو وصيّة أو نذراً له وانتفاء شخص الوقف والنذر أو الوصيّة عن غير مورد المتعلّق عقلي مطلقاً ولو قيل بعدم المفهوم في مورد صالح له وعدم دلالة الشرط والوصف واللقب على الانتفاء عند الانتفاء.

وبعبارة أخرى أوضح إنّما ادّعى الشهيد نفي الاشكال عن ثبوت المفهوم في الوصايا والأوقاف والنذور بسبب ارادة نفي شخص الحكم من المفهوم بالنسبة إليها وما ادعاه مع تلك الارادة لا شبهة فيه ولكنّه لا اختصاص له بالوصايا والأوقاف والنذور بل الأمر في غيرها كذلك أيضاً فان انتفاء شخص الحكم المذكور في القضيّة عند انتفاء الموضوع متحقّق في كلّ قضيّة ولو كان غير الوصايا والأوقاف والنذور ولكن المراد أيضاً من المفهوم الذي وقع محلّاً للبحث

ص: 222

على الشرط عند انتفائه، لا انتفاء شخصه، ضرورة انتفائه عقلا بانتفاء موضوعه ولو ببعض قيوده، فلا يتمشى الكلام - في أن للقضية الشرطية مفهوما أو ليس لها مفهوم - إلا في مقام كان هناك ثبوت سنخ الحكم في الجزاء، وانتفاؤه عند انتفاء الشرط ممكنا، وإنما وقع النزاع في أن لها دلالة على الانتفاء عند الانتفاء، أو لا يكون لها دلالة.

ومن هنا انقدح أنه ليس من المفهوم دلالة القضية على الانتفاء عند الانتفاء في الوصايا والاوقاف والنذور والايمان، كما توهم، بل عن الشهيد في تمهيد القواعد، أنه لا إشكال في دلالتها على المفهوم، وذلك لان انتفاء ها عن غير ما هو المتعلق لها، من الاشخاص التي تكون بألقابها أو بوصف شئ أو بشرطه، مأخوذة في العقد أو مثل العهد ليس بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب عليه، بل لاجل أنه إذا صار شئ وقفا على أحد أو أوصى به أو نذر له، إلى غير ذلك، لا يقبل أن يصير وقفا على غيره أو وصية أو نذرا له، وانتفاء شخص الوقف أو النذر أو الوصية عن غير مورد المتعلق، قد عرفت أنه عقلي مطلقا ولو قيل بعدم المفهوم في مورد صالح له.

__________________________

والتشاجر واختلف في ثبوته وعدمه ليس هذا لمعنى بل المقصود منه انتفاء مثل الحكم المذكور عند انتفاء الموضوع وإلّا فانتفاء شخصه عند انتفائه غير قابل للانكار والتشكيك فما نفى الشهيد الاشكال عن ثبوته في الوصايا والأوقاف ليس من المفهوم وما يكوم مفهوماً يجري الاشكال فيه في الوصايا والأوقاف أيضاً كما يجري في غيرها ولا فرق بينها وبين غيرها أصلاً وما ادّعاه من الفرق بين الأبواب المذكورة وغيرها فاسد جداً.

ص: 223

إشكال ودفع: لعلك تقول: كيف يكون المناط في المفهوم هو سنخ الحكم؟ لا نفس شخص الحكم في القضية،[1] وكان الشرط في الشرطية إنما وقع شرطا

__________________________

[1] أقول: يعني كيف يمكن القول بأنّ المفهوم عبارة عن انتفاء سنخ الحكم لا شخصه مع انّ الشرط مثلاً في القضيّة الشرطيّة إنّما ذكرت شرطاً للحكم الشخصي المنشئ الحاصل بانشائه ولا ربط للشرط المذكور بمثل الحكم المنشئ فكيف يمكن أن يكون انتفاء الشرط موجباً لانتفائه مع عدم ربط بينهما وهكذا الحال في كلّ قضيّة تكون مفيدة للمفهوم فان ما به يتحقّق المفهوم إنّما يكون مربوطاً بالحكم الحاصل بانشائه لا سنخه ومثله، وجوابه انّ المعلّق على الشرط في القضيّة الشرطيّة إنّما هو نفس الوجوب الكلّي الذي هو مفاد الصيغة ومعناها وأمّا الشخص والخصوصيّة الناشئة من قبل استعمالها فيه فلا يكاد يكون من خصوصيّات معناها المستعملة فيه كما لا يخفى كما لا تكون الخصوصيّة الحاصلة من قبل الاخبار به من خصوصيّات ما اخبر به واستعمل فيه اخباراً لا انشاءً.

وبعبارة أخرى شخصيّة الحكم والحكم الحاصل بالانشاء إنّما هي حاصلة من جهة الانشاء ولكن المستعمل فيه اللفظ يكون كلياً والشرط في القضية الشرطية إنّما يكون شرطاً لجميع أفراده الوجوب الذي استعمل فيه لفظ الأمر والحاصل انّه كما لا يكون المخبر به المعلّق على الشرط خاصاً بالخصوصيّات الناشئة من قبل الاخبار بها كذلك المنشأ بالصيغة المعلّق عليه وقد مرّ سابقاً تحقيق ان معنى الحرف وما استعمل فيه وشبهه كالانشائات عام كالموضوع له وان خصوصيّة لحاظ معناها بنحو الالية والحالية لغيره من خصوصيّة الاستعمال وليس داخلاً في الموضوع له ولا المستعمل فيه.

ص: 224

.......................................

__________________________

والحاصل ان معنى الأمر في قضيّة إن جائك زيد فأكرمه مثلاً كلي شامل لجميع الأفراد الشخصيّة فيكون الشرط شرطاً لجميعها لا شخص الحكم المنشأ فقط وبذلك الذي ذكرنا قد ظهر فساد ما يظهر من التقريرات في مقام التفصي عن هذا الاشكال وهو كون المفهوم انتفاء سنخ الحكم مع ان المنطوق هو ثبوت شخصه اخباراً وانشاءً ومن المعلوم لزوم تطابق المنطوق والمفهوم بأنّه لا يتوجّه في الأوّل أي الاخبار مثل قوله يجب فعل كذا ان وقع كذا لكون الوجوب المخبر به كليّاً ولا يتوجّه على الثاني أي الانشاء مثل قوله إن جائك زيد فأكرمه انشاء بسبب ان ارتفاع مطلق الوجوب فيه وبجميع أفراده مع ان الحكم الحاصل بالانشاء الوجوب الشخصي من فوائد العليّة المستفادة من الجملة الشرطيّة حيث كان ارتفاع الوجوب الثابت في المنطوق ليس مستنداً إلى ارتفاع العلّة المأخوذة فيها بمعنى انّه يستند عدمه إلى عدمها فانّه يرتفع ولو لم يوجد في حيال أدات الشرط كما في اللقب والوصف لما مرّ من بداهة ارتفاع كلّ بارتفاع موضوعه فلابدّ أن يكون المقصود من جعل الشرط والأخذ بعنوانه في القضيّة ارتفاع مثل الحكم بارتفاع الشرط وبعبارة أخرى العلّة المذكورة في القضيّة الشرطيّة بعنوان الشرط المقصود منه استناد عدم الجزاء عند عدم الشرط لا يلائم عليّته واستلزام عدمها لعدم الجزاء إلّا بالنسبة إلى مثل الحكم المنشئ وسنخه وإلّا فشخصه منتف ولو لم يكن عنوان شرط في البين لأن ارتفاع الموضوع مستلزم لارتفاع شخص الحكم لتوقّفه عليه وأورد هو أي الشيخ على ما حكاه عنه صاحب التقريرات على ما تفصى به عن

ص: 225

.......................................

__________________________

الاشكال والمتفصى به ربما يرجع عند التأمّل في بيان المتفصى إلى ما ذكرناه في دفعه.

وحاصل ايراد الشيخ على المتفصى منع ابتناء الدفع على الالتزام بكلية الوجوب المثبت في المنطوق وانه اذا كان الوجوب كلياً يصير الشرط مربوطاً مع جميع أفراده فلا مانع من الدلالة على الانتفاء عند الانتفاء بالنسبة إلى جميع تلك الأفراد وانه يدفع الاشكال أيضاً بعلّة ما أفاده من ان ارتفاع الكلي من فوائد العليّة وإن كان الوجوب المعلّق مأخوذاً بقيد الخصوصيّة.

وقال ان كون الموضوع في الانشاء عاماً كما ذكر في الدفع لم يقم عليه دليل لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه من جهة انّ الخصوصيّات بأنفسها مستفادة من الألفاظ الموجب ذلك لخصوصيّة المعنى هذا حاصل ما أفاده المقرّر.

ووجه فساده واضح وذلك لما عرفت أي وجه فساد ما أفاده مقرّر الشيخ ما عرفت من انّ الخصوصيّات في الانشائات والاخبارات إنّما تكون ناشئة من الاستعمالات ولا دخل لها بما استعمل فيه اللفظ قال المصنّف ولعمري لا يكاد ينقضي تعجبي كيف تجعل خصوصيّات الانشاء من خصوصيّات المستعمل فيه مع انّها كخصوصيات الأخبار تكون ناشئة من الاستعمال ولا يكاد يمكن أن يدخل في المستعمل فيه ما ينشأ من قبل الاستعمال وإلّا لجاز تقدّم الشي ء على نفسه وانه محال.

ص: 226

بالنسبة إلى الحكم الحاصل بإنشائه دون غيره، فغاية قضيتها انتفاء ذاك الحكم بانتفاء شرطه، لا انتفاء سنخه، وهكذا الحال في سائر القضايا التي تكون مفيدة للمفهوم.

ولكنك غفلت عن أن المعلق على الشرط، إنما هو نفس الوجوب الذي هو مفاد الصيغة ومعناها، وأما الشخص والخصوصية الناشئة من قبل استعمالها فيه، لا تكاد تكون من خصوصيات معناها المستعملة فيه، كما لا يخفى، كما لا تكون الخصوصية الحاصلة من قبل الاخبار به، من خصوصيات ما أخبر به واستعمل فيه إخبارا لا إنشاء.

وبالجملة: كما لا يكون المخبر به المعلق على الشرط خاصا بالخصوصيات الناشئة من قبل الاخبار به، كذلك المنشأ بالصيغة المعلق عليه، وقد عرفت بما حققناه في معنى الحرف وشبهه، أن ما استعمل فيه الحرف عام كالموضوع له، وأن خصوصية لحاظه بنحو الآلية والحالية لغيره من خصوصية الاستعمال، كما أن خصوصية لحاظ المعنى بنحو الاستقلال في الاسم كذلك، فيكون اللحاظ الآلي كالاستقلالي، من خصوصيات الاستعمال لا المستعمل فيه.

وبذلك قد انقدح فساد ما يظهر من التقريرات في مقام التفصي عن هذا الاشكال، من التفرقة بين الوجوب الاخباري والانشائي، بأنه كلي في الاول، وخاص في الثاني، حيث دفع الاشكال بأنه لا يتوجه في الاول، لكون الوجوب كليا، وعلى الثاني بأن ارتفاع مطلق الوجوب فيه من فوائد العلية المستفادة من الجملة الشرطية، حيث كان ارتفاع شخص الوجوب ليس مستندا إلى ارتفاع العلة المأخوذة فيها، فإنه يرتفع ولو لم يوجد في حيال أداة الشرط كما في اللقب والوصف.

ص: 227

وأورد على ما تفصي به عن الاشكال بما ربما يرجع إلى ما ذكرناه، بما حاصله: إن التفصي لا يبتني على كلية الوجوب، لما أفاده، وكون الموضوع له في الانشاء عاما لم يقم عليه دليل، لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه، حيث أن الخصوصيات بأنفسها مستفادة من الالفاظ.

وذلك لما عرفت من أن الخصوصيات في الانشاء ات والاخبارات، إنما تكون ناشئة من الاستعمالات بلا تفاوت أصلا بينهما، ولعمري - لا يكاد ينقضي تعجبي - كيف تجعل خصوصيات الانشاء من خصوصيات المستعمل فيه؟ مع أنها كخصوصيات الاخبار، تكون ناشئة من الاستعمال، ولا يكاد يمكن أن يدخل في المستعمل فيه ما ينشأ من قبل الاستعمال، كما هو واضح لمن تأمل.

الامر الثاني: إنه إذا تعدد الشرط، مثل (إذا خفي الاذان فقصر، وإذا خفي الجدران فقصر)[1] فبناء على ظهور الجملة الشرطية في المفهوم، لابد من التصرف ورفع اليد عن الظهور.

__________________________

[1] أقول: يبتني على ثبوت المفهوم التصرّف في القضيّة الشرطيّة إذا تعدّد الشرط بأحد وجوه فانّ المفهوم لكلّ منهما حينئذٍ يعارض المنطوق الآخر لأنّه إذا قال إذا خفى الأذان فقصّر اذا خفى الجدران فقصّر منطوق الأوّل وجوب القصر عند خفاء الأذان ومفهوم الثاني عدم وجوبه عند عدم خفاّ الجدران وان نفى الأذان وكذلك العكس فلابدّ اما أن يخصّص مفهوم كلّ منهما بمنطوق الآخر لعموم المفهوم وخصوصيّة المنطوق مثلاً مفهوم إذا خفى الأذان فقصّر انّه إذا لم يخف الأذان فلا يجب القصر مطلقاً وعلى أيّ حال ويخصّص هذا العموم بمنطوق قوله إذا خفى الجدران فقصّر فيحكم بالقصر في تلك الصورة التي خفى الجدران فقط أو

ص: 228

.......................................

__________________________

بالعكس فيتحصّل حينئذٍ انتفاء وجوب القصر عند انتفاء الشرطين معاً وهذا في معنى رفع اليد عن المفهوم في أحدهما وهو ما خصّص مفهوم الآخر بمنطوقه.

والوجه الثاني رفع اليد عن المفهوم فيهما يعنى من جهة التعارض بينهما فلا دلالة لهما مع عدم المفهوم على عدم مدخليّة شي ء آخر في الجزاء بل هما ساكتان عن ذلك بخلاف الوجه الأوّل وهو التقييد والتخصيص الناشي عن ثبوت المفهوم في أحدهما فانّ المفهوم يفيد عدم مدخليّة شي ء آخر في الجزاء فيعارضه المنطوق الآخر الدال على مدخليّته.

والوجه الثالث تقيد اطلاق الشرط في كلّ منها بالآخر فان اطلاق سببيّة خفاء الأذان مثلاً على وجوب القصر يقيّد بلزوم خفاء الجدران أيضاً فاذا خفيا معاً وجب القصر ولا يجب القصر عند انتفاء خفائهما المتحقّق بسماع الأذان ورؤية الجدران (ولو خفى أحدهما) ولا يجدي خفاء أحدهما بعد ما كان مناط القصر خفائهما.

قال الشارح هنا: قلت: الظاهر ان هذا الوجه من آثار رفع اليد عن المفهوم وهو الوجه السابق وليس مستقلّاً في قباله كما لا يخفى على المتأمّل(1).

أقول: بل هو وجه مستقل منهما بخلاف هذا الوجه فانّه عبارة عن الغاء المفهوم في كلّ واحد منهما من أوّل الأمر واثباته لمجموع الدليلين وبعبارة أخرى رفع اليد عن المفهوم الذي ذكر في الوجه السابق مستند إلى التعارض ولا وجه له إلّا

ص: 229


1- الهداية في شرح الكفاية: 403.

.......................................

__________________________

تساقط المتعارضين ووجهه في هذا الوجه تقييد الاطلاق في كلّ واحد منهما ومع تقيد الاطلاقين لا يبقى لكلّ واحد مفهوم في البين.

والوجه الرابع جعل العلّة للجزاء القدر المشترك بين الشرطين بأن يكون تعدّد الشرط قرينة على انّ الشرط في كلّ منهما ليس بعنوانه الخاص بل هو مصداق لما يعمّها من العنوان المنطبق على كلّ منهما وفرد مندرج تحته.

إذا عرفت الوجوه المذكورة فاعلم انّ العرف لعلّه يساعد على الوجه الثاني وهو تساقط المفهومين ورفع اليد عنهما لأنّهم لما رأوا ترتّب الجزاء على أحد الشرطين ثمّ ترتبه على الشرط الآخر غيره أيضاً يجمعون بينهما بسقوط المفهوم وعدمه في كلّ واحد منهما كما انّهم يجمعون بين العام والخاص بحمل العموم والخصوص ويجمعون بين المطلق والمقيّد بحمل المطلق على المقيّد والعقل أيضاً لا يمتنع من هذا الوجه وأمّا الوجه الأخير الذي هو جعل العلّة القدر المشترك لا كلّ فرد بخصوصه فهو كالأوّل في عدم مساعدة العرف عليه إلّا أن العقل ربما يعين هذا الوجه بملاحظة انّ الأمور المتعدّدة بما هي مختلفة لا يمكن أن يكون كلّ منهما بما هو مباين للآخر الموجب لكونها اثنين أو أكثر مؤثّراً في واحد فانه لابدّ من الربط الخاص بين العلّة والمعلول ولا يكاد يعقل أن يكون الواحد بما هو واحد ومن دون أن يكون فيه جهة كثرة وتعدّد مرتبطاً بحسب المعلوليّة بالاثنين بما هو اثنان بحسب العليّة ولذلك أيضاً صدر الجزم من الحكماء وأهل المعقول بصورة العكس أيضاً وهي انه لا يصدر من الواحد إلّا الواحد فلذا لابدّ من المصير عقلاً

ص: 230

.......................................

__________________________

إلى انّ الشرط في الحقيقة واحد وهو القدر المشترك بين الشرطين بعد البناء على رفع اليد عن المفهوم وبقاء اطلاق الشرط في كلّ منهما على حاله وإن كان بناء العرف والأذهان العاميّة على تعدّد الشرط وتأثير كلّ شرط بعنوانه الخاص غفلة عن محاليّة اشتراك الماهيّات المختلفة الحقائق المتباينة من كلّ وجه في أثر واحد حقيقي لما ذكر.

وببيان آخر يثبت به كون العلّة ما هو المشترك بين الشرطين ان مع اجتماع الشروط المختلفة في ان واحد إمّا أن يكون التأثير مستنداً إلى كلّ منهما فيلزم اجتماع علتين على معلول واحد مع فرض تماميّة كلّ منهما في تأثير أثره الخاص وكون كلّ منهما علّة تامّة لايجاد المعلول وهو غير معقول أو يكون المعلول حينئذٍ مستنداً إلى أحدهما دون الآخر وهو ترجيح بلا مرجّح أو إليهما على سبيل الاشتراك والانضمام لا الانفراد والاستقلال بأن يكون كلّ من الشرطين جزء العلّة وهو مستلزم لصيرورة ما هو علّة تامّة جزء علّة مع عدم قصور في تأثيره بعد فرض إمكان وحدة الأثر وتباين العلل المؤثّرة أو يكون مستنداً إلى القدر المشترك الجامع بين الشرطين مع الغاء الخصوصيتين وهو المطلوب لاستلزام عدم امكان التعدّد الحقيقي كما قلنا وما يمكن أن يكون وجهاً خامساً وهو رفع اليد عن المفهوم في خصوص أحد الشرطين وبقاء الآخر على مفهومه فلا وجه لأن يصار اليد إلّا بدليل آخر مع تساويهما في الظهور.

نعم إذا كان أحدهما أظهر في المفهوم من غيره فيجوز أن يعين هو للدلالة على المفهوم ويرفع اليد عنه في الآخر انتهى.

ص: 231

.......................................

__________________________

أقول: وللشارح الكاظميني قدس سره هنا وجهاً سادساً جعله أحسن الوجوه وأتمّها وأكملها وهو(1): انّ الجملتين الشرطيتين لا مفهوم لهما أوّلاً وإن كان هناك مفهوم فهو للتحديد ولذا قد استفيد من قوله عليه السلام أيضاً أليس قد بلغوا الموضع الذي لايسمعون أذان مصرهم(2) ما استفيد من الشرطيّة فلا تكون بما هي شرطيّة منشأ مثل ما استفيد من أخبار تحديد المسافة فانّ المستفاد من حملياتها عين المستفاد من شرطيتها.

قال: ولعمري انّه في غاية الوضوح بعد تتبّع المحاورات وامعان النظر فيها هذا هو التحقيق في بيان المراد من الجملتين بنفسها وأمّا بالنسبة إلى نسبتها معاً فبين منطوق كلّ منهما ومفهوم الآخر تعارض العموم من وجه ظاهر لأنّه قد يجتمع الخفائان وقد يفترقا الا ان التامّل التام يعطي عدم التعارض أصلاً بيان ذلك ان خفاء الأذان ليس له إلّا مرتبة واحدة ولا يقبل الشدّة والضعف - اذ صوت المؤذّن إمّا أن يسمع أو لا يسمع - فبمجرّد خفائه - عدم سماع ما يقوله المؤذّن من الفصول - يثبت الحكم، والدليل نص في ان أوّل زمان خفائه هو الحد وأمّا الخفاء الجدران والتواري عن البيوت فلا ريب في ان له مراتب مبدئها أوّل ارتفاع ما كان يبصره منها وهو قريب من الرؤية التفصيليّة لجميع ما فيها وما هي عليه يعني انّ الدرجة الأولى من خفاء الجدران هي الدرجة التي دون الرؤية التفصيليّة بأدنى

ص: 232


1- الهداية في شرح الكفاية: 405 - 406.
2- المحاسن: 2/312، ح 29.

.......................................

__________________________

درجة وتكون قريبة منها والتفاوت بينها وبين الرؤية التفصيليّة قليل جدّاً.

ثمّ بعد تلك المرتبة لا تزال تشتدّ مرتبة حتّى تخفى الاشباح بتمامها وقد أجمعوا ظاهراً على عدم ارادة هذه المرتبة وهي خفاء الأشباح طراً فيبقى الحال مردّداً بين باقي المراتب فيحمل حينئذٍ على ارادة المرتبة المساوية لمرتبة خفاء الأذان فيكون التحديد بخفاء الأذان مفسراً للتحديد بخفاء الجدران بعد القطع بعدم ارادة ظاهره وحمله على خفاء الصور والاشباح طرّاً تحكم لمساواتها لبقية المراتب في ظهور اللفظ وان اختلف الظهور كما اختلف المرتبة شدّة وضعفاً إلّا انّه لا ظهور له في ارادة خصوص مرتبة خفاء الصور وكونها أقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي لا يجعله ظاهراً فيه سيّما مع وجود ما يفسّره بل لو سلّم ظهوره في هذه المرتبة وجب حمله على المرتبة المساوية للآخر اما أوّلاً فلوجوب حمل الظاهر على النص باتّفاق الأصوليّين وأهل المحاورات في كلّ لغة لعدم معقوليّة التخيير الواقعي بين التحديدين مع اختلافهما فضلاً عن كونه هو الغالب فضلاً عن كونه دائماً كما ربما يدّعي في هذا المقام واحتمال انّ الحد في الواقع هو المحلّ المعيّن وهذان الحدّان طريقان إليه فلا يضر اختلافهما لأن مبنى الطرق الظاهريّة عليه كما ذكرنا ذلك في تحديد الكر والمسافة والأوزان فيه ما لا يخفى.

وأمّا ثانياً فلأن خفاء الأذان والجدران على ما بينا بمنزلة الأعم والأخص المطلق فيعامل معاملتهما لمساعدة العرف على ذلك.

وأمّا ثالثاً فلأوله إلى التخيير بين الأقل والأكثر في جملة من الصور التي لا محيص عن التقدير فيها كالموضع الذي لا أذان فيه ولا جدران والذي فيه ما

ص: 233

.......................................

__________________________

خرج عن العادة فيهما معاً أو في أحدهما ارتفاعاً وانخفاضاً وغير ذلك ولأنّ المغتفر من اختلاف الطريقين ما يحتمل معه الاصابة لذلك المعنى في كلّ منهما لا ما قطع بخطاء أحدهما المعيّن، هذا، مضافاً إلى انّه خلاف الظاهر جداً ضرورة ان ظاهر الحال من كيفيّة الجواب والسؤال كما لا يخفى على الناقد البصير هو تساوي الحدّين ولذا لم يسئل الامام عليه السلام واحداً من السائلين عن اختلافهما مع وضوحه لدى عامة العقلاء فضلاً عن خواصهم وأمّا باقي طرق الجمع المذكورة في كلمات الفقهاء عند تحديد محلّ الترخّص الذي يجب فيه القصر والأصوليّين في هذا المقام فهي ما بين ما هو تحكّم بحث وما هو مصادرة واضحة وما هو خلاف الظاهر وما هو جمع غير عرفي بلا شاهد ومن تأمّل في هذا الوجه الذي ذكرناه حقّ التأمّل وأزال عن قلبه وفكره درن العصبيّة والتزلزل يراه أحسن الوجوه جمالاً وأتمّها كمالاً ولم يسبقني إليه أحد فيما أعلم فتدبّر جدّاً(1).

أقول: لا يخفى انّ مراد الشارح من الوجوه الضعيفة الرديّة التي ذكرها وأشار إلى ما هو المحذور والعيب في كلّ منها هو ما ذكر في المتن على الترتيب من تخصيص مفهوم كلّ منها بمنطوق الآخر فيما إذا تعدّد الشرط وامّا رفع اليد عن المفهوم فيهما واما يتقيد اطلاق الشرط في كلّ منهما بالآخر ليكون الشرط هما معاً وامّا بجعل الشرط القدر المشترك بينهما فأشار إلى انّ الأوّل تحكم والثاني مصادرة والثالث خلاف الظاهر والرابع جمع غير عرفي بلا شاهد فيبقى حينئذٍ

ص: 234


1- الهداية في شرح الكفاية: 406.

.......................................

__________________________

ماأفاده هو في طريق الجمع حسنا ممجداً بلا عيب ولكن فيه ان ما أفاده من التحقيق في خصوص المثال المعروف وان كان متنياً في نفسه الا انه لا يجري في الموارد الاخر التي كان الشرط فيها متّحداً والجزاء متعدّداً ولابدّ لها من توجيه توجه به ومعلوم ان المقصود من هذا البحث بيان ما به يصحّح جميع ما ورد من القضايا الشرطيّة المتعدّدة شرطها والمتّحد جزائها ولا يكون وجهاً كذلك وجارياً في جميع الموارد وفي مثل قوله إذا جاء زيد يجب عليك كذا وإذا جائك عمرو فيجب عليك كذا إلّا أحد الوجوه المذكورة فعيبه عليها وتحسينه للوجه الذي ذكره لا وجه له بعد كون ما ذكره معيوباً بتمام العيب اذ لا فائدة له في دفع المحذور كلياً الذي هو أصل المقصود أصلاً مع ان الانصاف ان العرف يساعدون على الوجه الثاني فانّهم يستنبطون المفهوم من القضيّة الشرطيّة فيما إذا لم يكن دليل على عدم المفهوم وبعد دلالة ورود القضيتين اللتين لا يمكن دلالتهما على المفهوم معاً على عدم المفهوم فاين المفهوم وكما انّ الشارح خلع قضيّة اذا خفى الجدران فقصر عن ظاهره الذي هو خفاء الأشباح والصور بقرينة الشرطيّة الأخرى وقاعدة وجوب حمل الظاهر على النص فكذلك نحن نقول بعدم المفهوم والخروج عن ظاهر اللفظ بقرينة ورود الشرطيتين وترتّب الجزاء على الشرط المتعدّد الصريح في عدم المفهوم وبعبارة أخرى ورود ا لشرطيتين وترتّب الجزاء على الشروط المتعددة قرينة قطعيّة على عدم المفهوم كما ان قضية اذا خفى الأذان فقصّر قرينة على عدم ارادة ظاهر اللفظ الدال على المفهوم في الشرطيّة الأخرى عنده.

ص: 235

إما بتخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر، فيقال بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء الشرطين.

وإما برفع اليد عن المفهوم فيهما، فلا دلالة لهما على عدم مدخلية شئ آخر في الجزاء، بخلاف الوجه الاول، فإن فيهما الدلالة على ذلك.

وإما بتقييد إطلاق الشرط في كل منهما بالآخر، فيكون الشرط هو خفاء الاذان والجدران معا، فإذا خفيا وجب القصر، ولا يجب عند انتفاء خفائهما ولو خفي أحدهما.

وإما بجعل الشرط هو القدر المشترك بينهما، بأن يكون تعدد الشرط قرينة على أن الشرط في كل منهما ليس بعنوانه الخاص، بل بما هو مصداق لما يعمهما من العنوان.

ولعل العرف يساعد على الوجه الثاني، كما أن العقل ربما يعين هذا الوجه، بملاحظة أن الامور المتعددة بما هي مختلفة، لا يمكن أن يكون كل منها مؤثرا في واحد، فإنه لا بد من الربط الخاص بين العلة والمعلول، ولا يكاد يكون الواحد بما هو واحد مرتبطا بالاثنين بما هما اثنان، ولذلك إيضا لا يصدر من الواحد إلا الواحد، فلا بد من المصير إلى أن الشرط في الحقيقة واحد، وهو المشترك بين الشرطين بعد البناء على رفع اليد عن المفهوم، وبقاء إطلاق الشرط في كل منهما على حاله، وإن كان بناء العرف والاذهان العامية على تعدّد الشرط وتأثير كلّ شرط بعنوانه الخاص فافهم وأمّا رفع اليد عن المفهوم في خصوص أحد الشرطين وبقاء الآخر على مفهومه فلا وجه لأن يصار إليه إلّا بدليل آخر إلّا أن يكون ما ابقى على المفهوم أظهر فتدبّر جيّداً.

ص: 236

الامر الثالث: إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء، فلا إشكال على الوجه الثالث، وأما على سائر الوجوه،[1] فهل اللازم لزوم الاتيان بالجزاء متعددا، حسب تعدد

__________________________

[1] أقول: هذا بحث آخر متعلّق بصورة تعدّد الشرط ووحدة الجزاء أيضاً لا يخفى انّه لا إشكال ولا يجري البحث عن لزوم تعدّد الجزاء مع تعدّد الشرط وعدمه فيما إذا بنى على الوجه الثالث من تقييد اطلاق الشرط في كلّ منهما بالآخر فيما إذا تعدّد لرجوعه إلى وحدة الشرط والجزاء معاً ويكون قوله اذا خفى الأذان فقصّر اذا خفى الجدران فقصّر في معنى قوله إذا خفى الأذان والجدران فقصّر وقوله إذا بلت فتوضّأ وإذا نمت فتوضّأ في معنى قوله إذا بلت ونمت فتوضّأ وكذلك لا إشكال ولا شبهة في تعدّد الجزاء ووحدته والتداخل وعدمه فيما إذا تعدّد الشرط بناء على ما ذهب إليه الحلّي من الوجه الخامس الذي ذكره المصنّف أخيراً وأشار إلى بطلانه بقوله وأمّا رفع اليد عن المفهوم في خصوص أحد الشرطين وبقاء الآخر على مفهومه فلا وجه لأن يصار إليه إلّا بدليل آخر إلّا أن يكون ما أبقى على المفهوم أظهر وإنّما لم يتعرّض له المصنّف هنا كما تعرّض للوجه الثالث لسقوطه جداً ومعرضاً عنه لكمال ضعفه وعدم كونه عنده معدوداً من جملة الوجوه المفيدة في دفع المحذور بناء على ظهور الجملة الشرطيّة في المفهوم في صورة تعدّد الشرط واتّحاد الجزاء، هذا، ولكن من الواضح ان جريان بحث التداخل وعدمه موقوف على اتّحاد الملاك في الحكم الجزائي وتعدّده وهو الشرط بحسب الخصوصيّات والوجودات الخاصّة وأمّا مع القطع بوحدته كما في مثال إذا خفى الأذان فقصّر وإذا خفى الجدران فقصّر فانّ المناط في الخفائين

ص: 237

.......................................

__________________________

واحد ومن المقطوع ان ما هو المراد من خفاء الأذان الذي جعل شرطاً في ثبوت الجزاء يحصل من خفاء الجدران أيضاً فلا معنى للبحث عن التداخل والاكتفاء باتيان الجزاء دفعة واحدة وعدمه وعدم الاكتفاء بالدفعة إذ وحدة الملاك مستلزم لوحدة الحكم عقلاً.

والحاصل ان محلّ البحث عن تداخل الجزاء وعدمه والاكتفاء باتيانه دفعة وعدمه فيما إذا تعدّد الشرط إنّما هو في صورة تعدّد ملاك الحكم الجزائي وما هو السبب لثبوت الجزاء يعني الشرط واقعاً بحسب أفراده المتعدّدة بتعدّد الخصوصيّات واتّحد الجزاء صورة سواء اتّحد طبيعة أيضاً أو اختلف فيخرج عن محلّ النزاع صورة اتّحاد الملاك واقعاً وصورة اختلاف الجزاء صورة وليس للقول بالتداخل وعدمه في تلك الصورتين معنى.

واستشكل الشارح على المصنّف بأنّه إذا ورد انّ الجنابة والحيض ومسّ الميت والجمعة وغير ذلك أسباب متعدّدة واقعاً للغسل وإن كلّ واحد منها سبب تام له فيصح أن يقال ويبحث عن انّه هل عند اجتماع هذه الأسباب يكفي غسل واحد عن الجميع أو تتعدّد الأغسال بنحو تعّدد الأسباب ومن المعلوم بالضرورة ان تقييد اطلاق إذا اجنبت فاغتسل بقوله إذا وقع منك مسّ الميّت مثلاً فاغتسل وبالعكس أجنبي عنه فان جواز الاكتفاء بالغسل الواحد عند اجتماع الأسباب المختلفة إنّما يستفاد من تقييد الجزاء لا الشرط فانّ الدال على هذا المعنى إنّما هو تقييد الجزاء لا تقييد الشرط بأن يكون المعنى في قوله إذا أجنبت فاغتسل ما لم تكن اغتسلت

ص: 238

.......................................

__________________________

بعده من مسّ الميّت وإذا مسست الميّت فاغتسل ما لم تكن قد اغتسلت بعده من الجنابة فاذا قيد اطلاق كلّ من الحكم الجزائي بالآخر في الجميع كان المعنى وجوب غسل واحد عند اجتماعها وهذا صحيح لا إشكال فيه إلّا انّه لا دخل له بالوجه الثالث المتضمّن لتقييد اطلاق الشرط إلّا أن يقال ان غرضه من الوجه الثالث وهو تقييد اطلاق الشرط في كلّ منها بالآخر الكناية عن العلم بوحدة ملاك الجزاء والشرط بمعنى انّه على تقدير تعدّد الشرط صورة ووحدته بحسب ما يقتضيه الجمع بينهما عرفاً فهو خارج عن محلّ الكلام في هذا المقام يعني لزوم تعدّد الجزاء حسب تعدّد الشروط أو التداخل والاكتفاء بالدفعة.

وأمّا على سائر الوجوه الاخر التي يبقى الشرط على ظاهره من التعدّد كما انّه متعدّد واقعاً فيجري الكلام والبحث في لزوم تعدّد الجزاء وعدمه ويرد عليه انّه لو كان مراده من التقييد وحدة ملاك الجزاء وهو الشرط فهو تطويل بلا طائل لأن موضوع المسئلة صورة تعدّد الشرط ولو ظاهراً بحيث لا يكون فيه مجال لاحتمال التقييد فانّ الملاك لو كان واحداً لا كلام في عدم لزوم التعدّد في الجزاء ولا وجه لادّعاء أن يكون تقييد اطلاق الشرط مفيداً فائدة تقييد اطلاق الجزاء لأن معنى إذا أجنبت ومسست الميّت فاغتسل وعكسه ان كلا من الجنابة والمسّ جزء السبب لا انّهما سببان لمسبّب واحد مع انّ الفرض أن يكون كلّ منهما سبباً تامّاً للغسل وإلّا فان كان كلّ منهما جزء السبب فمن الواضح وجوب غسل واحد عند اجتماعها(1).

ص: 239


1- الهداية في شرح الكفاية: 407.

.......................................

__________________________

أقول: ما أفاده من التفصيل والاشكال محل إشكال إذ مقصود المصنّف من البحث بيان حكم ما إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء مجرّداً عن قيد استقلال الأسباب والشروط وعدم استقلالها واعتبار انضمامها وعدم اعتباره ووحدة ملاك الحكم في الجزاء وتعدّده ومع فرض ثبوت هذا الاطلاق في موضوع البحث لا مانع من اجراء الوجه الثالث بأن يقال انّه وإن كان الشرط متعدّداً صورة ومع تعدّده كذلك يجري النزاع في انّه يتعدّد الجزاء حسب تعدّد الشرط أو يتداخل لكن مع التوفيق العرفي المقتضى لتقييد اطلاق كلّ من الشرطين بالآخر لا يبقى مورد لهذا البحث، نعم في فرض كون محلّ البحث مختصّاً بما إذا كان كلّ السبب مستقلّاً في السببيّة وكان الملاك متعدّداً لا متحداً كما فرضه الشارح لا يبقى مجال للابتناء على الوجه الثالث ولا جريان له أصلاً مع ذلك.

وبعبارة اُخرى موضوع البحث في هذا المبحث عين موضوعه في البحث السابق فكما انّه في البحث السابق كان مطلقاً وجارياً فيه جميع الوجوه المذكورة لدفع الاشكال بناء على ظهور الجملة الشرطيّة في المفهوم فكذلك هنا وما ادّعاه الشارح من أخصيّة موضوعه في هذا البحث لا وجه له وغير مسلم وعلى كلّ حال فالقول المشهور من بين الأقوال عدم التداخل وحكى المصنّف عن جماعة ومنهم المحقّق الخوانساري رحمه الله التداخل والمحكي عن الحلّي يعني إبن إدريس التفصيل بين اتّحاد جنس المشروط وتعدّده فالتداخل على الأوّل وعدمه على الثاني.

ص: 240

الشروط؟ أو يتداخل، ويكتفى بإتيانه دفعة واحدة؟ فيه أقوال: والمشهور عدم التداخل، وعن جماعة - منهم المحقق الخوانساري - التداخل، وعن الحلي التفصيل بين اتحاد جنس الشروط وتعدده.

والتحقيق: إنه لما كان ظاهر الجملة الشرطية، حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه، أو بكشفه عن سببه، وكان قضيته تعدد الجزاء عند تعدد الشرط،[1 ]كان الاخذ بظاهرها إذا تعدد الشرط حقيقة أو وجودا محالا، ضرورة أن لازمه أن يكون الحقيقة الواحدة - مثل الوضوء - بما هي واحدة، في مثل (إذا بلت فتوضأ، وإذا نمت فتوضأ)، أو فيما إذا بال مكررا، أو نام كذلك، محكوما بحكمين متماثلين، وهو واضح الاستحالة كالمتضادين.

__________________________

[1] أقول: يعني ان بعد ما عرفت الأقوال المختلفة في المسئلة اعلم انّ التحقيق حسبما يقتضيه النظر الدقيق هو أن يقال لما كان ظاهر الجملة الشرطيّة حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه فيما إذا كان الشرط دخيلاً حقيقة في حدوث الجزاء وكان مؤثّراً في حصوله أو يكشف الشرط عن سبب الجزاء فيما إذا كان المؤثّر والدخيل حقيقة في حدوثه أمراً آخر يكشف عنه الشرط وكان الشرط معرفاً له وكان قضيّة ذلك أي حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بأحد الوجهين المذكورين تعدد الجزاء عند تعدّد الشرط كان الأخذ بظاهر القضيّة الشرطيّة عليه إذا تعدّد الشرط حقيقة أو ماهيّة كالنوم والبول مثلاً أو وجوداً وخارجاً فقط وإن اتّحدا حقيقة وماهيّة كما إذا بال مكرّراً أو نام كذلك محالاً ضرورة ان لازم ذلك أن يكون الحقيقة الواحدة مثل الوضوء بما هي واحدة ومن دون اعتبار كثيرة وتعدّد

ص: 241

.......................................

__________________________

فيها في مثل إذا بلت فتوضّأ وإذا نمت فتوضّأ فيما إذا اختلف الشرطان حقيقة وفيما إذا بال مكرّراً ونام كذلك أي مكرّراً بأن كانا متعدّدين وجوداً وخارجاً فقط لا حقيقة محكوماً بحكمين متماثلين وهو يعني اجتماع المثلين واضح الاستحالة كاجتماع المتضادين فالقول بالتداخل بهذا المعنى محال فلابدّ على القول بالتداخل من التصرّف فيه أي في ظهور الشرطيّة ممّا يستلزم من المحال بأحد أمور إمّا الالتزام بعدم دلالتها في هذا الحال أي حال تعدّد الشرط واتّحاد الجزاء كالامثلة المذكورة على الحدوث عند الحدوث بل على مجرّد الثبوت بمعنى انّه لا يدلّ القضية الشرطيّة على حدوث وجوب الوضوء عند حدوث النوم تارة وعند حدوث البول اخرى أو عند حدوث بول تارة وعند حدوث بول آخر تارة أخرى بل إنّما تدلّ على ثبوت وجوب الوضوء حين حدوث النوم كثبوته عند حدوث البول أو عند حدوث بول كثبوته حين حدوث بول آخر فان الثبوتين غير الحدوثين ولا امتناع في كون المثبت الواحد ثابتاً بثبوتين بمعنى كون ثبوته مؤكّداً مشدداً ولكن الحدوثين في معنى تعدّد المحدث ولا معنى لكون المحدث حادثاً بحدوثين بل لابدّ لأن يكون لكلّ حدوث محدثاً وعليه لا يجتمع الحكمان المتماثلان في موضوع واحد فيرتفع المحذور بناء على التداخل وكون الواجب على من بال ونام وضوء واحداً وعلى من بال مكرّر أو نام كذلك أيضاً ذلك أو الالتزام بكون متعلّق الجزاء وهو الوضوء مثلاً وإن كان واحداً صورة وفي الخارج الا انه حقائق متعدّدة حسب تعدّد الشروط متصادقة على واحد وبعبارة أخرى

ص: 242

.......................................

__________________________

الوضوء الواحد الذي يصدر من النائم والمتخلّي ينحل إلى حقائق متعدّدة كما انّ الانسان ينحل حقيقته إلى الحيوانيّة والناطقيّة والحقيقتان المختلفان مجتمعان في الانسان الذي هو موجود واحد فالذمّة وان اشتغلت بتكاليف متعدّدة حسب تعدّد الشروط الا ان الاجتزاء بواحد لكونه مجمعاً لها كما في اكرم هاشمياً وأضف عالماً فأكرم العالم الهاشمي بالضيافة ضرورة انه بضيافته بداعي الأمرين يصدق انه امتثلهما ولا محالة يسقط الأمر بامتثاله وموافقته وإن كان له امتثال كلّ منهما عليحدّة كما إذا أكرم الهاشمي بغير الضيافة وأضاف العالم الغير الهاشمي.

أقول: قياس ما نحن فيه على المثال المزبور قياس مع الفارق إذ الوضوء الواحد لا معنى لاشتماله على الطبيعتين ولا يكون الوضوء الواحد شيئين فانّ الوضوء الواحد لا يشتمل إلّا على طبيعة الوضوء وطبيعة الوضوء طبيعة واحدة وحقيقة فاردة فان اجتماع الوضوئين في الوضوء الواحد ممّا لا معنى له بخلاف المثال المزبور فان اشتمال الضيافة على الاكرام وجواز اجتماع عنوان الاكرام والضيافة في مجمع واحد أظهر من الشمس وأبين من الأمس لا شكّ فيه ولا شبهة يعتريه.

ثمّ استشكل على نفسه بأنّه كيف يمكن ذلك أي الامتثال بالفرد الواحد المندرج تحت العنوانين مع استلزامه محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه فانّه يلزم أن يكون الوضوء الواحد الذي صار مجمعاً لعنوانين أي الوضوء للنوم والوضوء للبول متّصفاً بوجوبين فيعود المحذور وأجاب عنه بأن انطباق عنوانين

ص: 243

.......................................

__________________________

واجبين على موجود واحد كالوضوء في المثال لا يستلزم اتّصافه بوجوبين واجتماع الحكمين المتماثلين الذي هو واضح للاستحالة كاجتماع المتضادّين بل غايته ان انطباق العنوانين على ذلك الفرد يوجب أن يكون منشأ لانتزاع صفة الوجوب عن ذلك الموجود الواحد باعتبارين فان الوجوبين في مثل المثال قائماً وبالعنوانين ومن طواريهما وعوارضهما واجتماعهما في الوجود الخارجي واتّصاف الواحد الخارجي بوجوبين من جهة اتّصاف العنوانين ومن قبيل الوصف بحال المتعلّق فلا اجتماع للوجوبين في الواحد الشخصي حقيقة فلا إشكال مع انّه على القول بجواز الاجتماع وعدم استحالة اتّصاف الشي ء الواحد بالضدّين كما في اجتماع الأمر والنهي إذا كان بعنوانين ولو كان مستحيلاً إذا كان بعنوان واحد لا محذور في اتّصاف الوضوء الواحد بالوجوبين في المثال أو الالتزام بحدوث الأثر عند وجود كلّ شرط لا مجرّد الثبوت عنده كما مرّ إلّا ان الأثر الحادث وجوب الوضوء في المثال عند حدوث الشرط الأوّل وتأكّد وجوبه لا وجوب آخر مستقل عند حدوث الآخر ولا يخفى انّه لا وجه لأن يصار إلى واحد من الوجوه المذكورة على القول بالتداخل فانّه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه اذ الظاهر من القضايا المذكورة عدم التداخل مع ما في الأخيرين من الوجوه المذكورة من الاحتياج إلى اثبات ان متعلّق الجزاء متعلّق حقيقة متصادق على واحد وإن كان مع التعدّد الحقيقي واحدا صورة ومسمّى باسم واحد كالغسل والوضوء مثلاً وإلى اثبات دعوى اخرى أيضاً وهي انّ الحادث بغير الشرط الأوّل تأكّد ما حدث بالأوّل إذ مجرّد الاحتمال لا يجدي في رفع المحال ولا يحصل به الاستدلال.

ص: 244

فلابد على القول بالتداخل من التصرف فيه: إما بالالتزام بعدم دلالتها في هذا الحال على الحدوث عند الحدوث، بل على مجرد الثبوت، أو الالتزام بكون متعلق الجزاء وإن كان واحدا صورة، إلا أنه حقائق متعددة حسب تعدد الشرط، متصادقة على واحد، فالذمة وإن اشتغلت بتكاليف متعددة، حسب تعدد الشروط، إلا أن الاجتزاء بواحد لكونه مجمعا لها، كما في (أكرم هاشميا وأضف عالما)، فأكرم العالم الهاشمي بالضيافة، ضرورة أنه بضيافته بداعي الامرين، يصدق أنه امتثلهما، ولا محالة يسقط الامر بامتثاله وموافقته، وإن كان له امتثال كل منهما على حدة، كما إذا أكرم الهاشمي بغير الضيافة، وأضاف العالم الغير الهاشمي.

إن قلت: كيف يمكن ذلك - أي الامتثال بماتصادق عليه العنوانان - مع استلزامه محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه؟ قلت: انطباق عنوانين واجبين على واحد لا يستلزم اتصافه بوجوبين، بل غايته أن انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب وانتزاع صفته له، مع أنه - على القول بجواز الاجتماع - لا محذور في اتصافه بهما، بخلاف ما إذا كان بعنوان واحد، فافهم.

أو الالتزام بحدوث الاثر عند وجود كل شرط، إلا أنه وجوب الوضوء في المثال عند الشرط الاول، وتأكد وجوبه عند الآخر.

ولا يخفى أنه لا وجه لان يصار إلى واحد منها، فإنه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه، مع ما في الاخيرين من الاحتياج إلى إثبات أن متعلق الجزاء متعدد متصادق على واحد، وإن كان صورة واحدا سمي باسم واحد، كالغسل، وإلى إثبات أن الحادث بغير الشرط الاول تؤكد ما حدث بالاول، ومجرد الاحتمال لا يجدي، ما لم يكن في البين ما يثبته.

ص: 245

إن قلت:[1] وجه ذلك هو لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطية، لعدم امكان الاخذ بظهورها، حيث أن قضيته اجتماع الحكمين في الوضوء في المثال، كما مرت الاشارة إليه.

قلت: نعم، إذا لم يكن المراد بالجملة - فيما إذا تعدد الشرط كما في المثال - هو وجوب وضوء مثلا بكل شرط غير ما وجب بالآخر، ولا ضير في كون فرد محكوما بحكم فرد آخر أصلا، كما لا يخفى.

إن قلت: نعم، لو لم يكن تقدير تعدد الفرد على خلاف الاطلاق.

قلت: نعم، لو لم يكن ظهور الجملة الشرطية في كون الشرط سببا أو كاشفا عن السبب، مقتضيا لذلك أي لتعدد الفرد، و[الّا كان] بيانا لما هو المراد من الاطلاق.

وبالجملة: لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء وظهور الاطلاق ضرورة أن ظهور الاطلاق يكون معلقا على عدم البيان، وظهورها في ذلك صالح لان يكون بيانا، فلا ظهور له مع ظهورها، فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلا، بخلاف القول بالتداخل كما لا يخفى.

فتلخص بذلك، أن قضية ظاهر الجملة الشرطية، هو القول بعدم التداخل عند تعدد الشرط.

__________________________

[1] ان قلت: وجه رفع اليد عن الظاهر لزوم التصرّف في ظهور الجملة الشرطيّة لعدم امكان الأخذ بظهورها حيث ان قضيّة يعني مقتضى الأخذ بظهور الجملة اجتماع الحكمين أي الوجوبين في الوضوء في المثال وهو محال كما مرّت إليه الاشارة.

ص: 246

.......................................

__________________________

قلت: نعم ذلك كذلك إذا لم يكن المراد بالجملة فيما إذا تعدّد الشرط كما في المثال المذكور هو وجوب وضوء مثلاً بكلّ شرط غير ما وجب بالآخر ولا ضير في كون فرد من الوضوء محكوماً بحكم فرد آخر مع اتّحاد الطبيعة في الفردين فانّ الوجوب الثابت في الفردين ليس من اجتماع المثلين وإنّما يكون من الاجتماع اذا اجتمعا في فرد واحد كما على القول بالتداخل.

ان قلت: نعم مع تعدّد الأفراد ومحلّ الحكم لا إشكال أصلاً ولكنّه مخالف للاطلاق فان اطلاق الجزاء حاكم على كفاية الفرد الواحد مع تعدّد الشرط.

قلت: نعم ذلك كذلك لو لم يكن ظهور الجملة في كون الشرط سبباً أو كاشفاً عن السبب مقتضياً لذلك أي لتعدّد الفرد ومع اقتضاء سببيّة الشرط وكاشفيّته عن السبب للجزاء لا يؤثّر الاطلاق في كفاية الفرد الواحد لأنّه حينئذٍ يكون بياناً لما هو المراد من الاطلاق ومعلوم انّ التمسّك بالاطلاق إنّما يجوز اذا لم يكن بيان له يبينه ومع وجود البيان لا وجه للتمسّك به أصلاً وبالجملة لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء وظهور الاطلاق في كفاية الفرد الواحد، ضرورة ان ظهور الاطلاق في الكفاية معلّق على عدم البيان وظهور الجملة في الحدوث عند الحدوث صالح لأن يكون بياناً فلا ظهور للاطلاق في كفاية الفرد الواحد مع ظهور الجملة في الحدوث عند الحدوث فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرّف أصلاً وصرف القضيّة الشرطيّة عن ظاهرها الذي هو الحدوث عند الحدوث بخلاف القول بالتداخل فانّه مستلزم لصرف القضيّة عن ظاهرها والحمل على أحد الوجوه

ص: 247

.......................................

__________________________

المذكورة بلا وجه فتحصل وتلخص من جميع ما ذكر ان قضيّة ظاهر الجملة الشرطيّة هو عدم التداخل عند تعدّد الشرط وظهر أيضاً انّ المجدى للقول بالتداخل هو أحد الوجوه التي ذكرناها لا مجرّد كون الأسباب الشرعيّة معرفات وعلامات لا مؤثّرات حقيقة فلا وجه لما عن الفخر ابن العلّامة الحلّي وغيره من ابتناء هذه المسئلة على انّها معرّفات أو مؤثّرات وانّ الشروط إذا كانت معرّفات لا مانع من الاكتفاء بالفرد الواحد من الجزاء والتداخل وأمّا إذا كانت مؤثّرات فلابدّ لأن يكون لكلّ شرط أثر خاص وتأثير مخصوص ولابدّ من أن يتعدّد الجزاء عند تعدّد الشرط وان يحدث فرد من الجزاء عند حدوث شرط آخر غير الشرط الأوّل، وجه الظهور: لوضوح ان ذلك لا يرفع الاشكالات المزبورة على القول بالتداخل مضافاً إلى ما في نفس هذا الاستدلال أي كون الأسباب الشرعيّة معرّفات لا مؤثّرات من الاشكال ولو سلّم وصحّ كون الأسباب الشرعيّة معرّفات لا مؤثّرات فانّما يرفع بهذا الوجه اشكال استناد المعلول الواحد إلى المؤثّر المتعدّد فأيّ ربط له باجتماع الامثال في الموضوع المتّحد مثلاً فانّ المعرفيّة وعدم المؤثّريّة لا تؤثّر في جواز ذلك أصلاً ولا ربط لها به هذا بعض ما أورده المصنّف على الفخر ويأتي البعض الآخر أيضاً ولكن يمكن أن يقال ان غرض الفخر من ابتناء المسئلة على انّها معرفات أو مؤثّرات انه لا يصحّ أن يكون جواز التداخل وعدمه محلاً للكلام ومورداً للنقض والابرام الا بناء على انّ الأسباب الشرعيّة معرفات اذ مع البناء على انّها مؤثّرات فهو غير معقول أصلاً إذ لا يمكن استناد

ص: 248

.......................................

__________________________

المعلول الواحد إلى المؤثّر المتعدّد ومحال ذلك عقلاً فلا مجال لهذا البحث حينئذٍ فالمقصود ابتناء المسئلة على ذلك امكاناً وامتناعاً لا صحّة وفساداً.

وكيف كان فقد أورد المصنّف عليه أيضاً بأنّ الأسباب الشرعيّة حالها حال غيرها من الأسباب في عدم كونها على نهج واحد بل تكون معرّفات تارة ومؤثّرات أخرى ضرورة انّ الشرط المجعول للحكم الشرعي بعد أدات الشرط في الجملة الشرطيّة ربما يكون ممّا له دخل في ترتّب الحكم بحيث لولاه لما وجدت له علّة مثل ما إذا شككت بين الواحدة والاثنتين فاعد بحيث لولاه لما وجدت له علّة فاذن يكون مؤثّراً لا معرفاً كما انّه في الحكم الغير الشرعي كالعادي والعقلي قد يكون الشرط امارة على حدوث ذلك الحكم الغير الشرعي لا مؤثّراً مثل ان كان النهار موجوداً فالشمس طالعة وإن كان ظاهر التعليق ان له الدخل فيها كما لا يخفى فلا يكون الاسباب الشرعيّة كلّها معرّفات بل بعضها مؤثّرات ولا الغير الشرعيّة كلّها مؤثّرات بل بعضها معرّفات.

نعم لو كان المراد بالمعرفيّة في الأسباب الشرعيّة عند القائل بأنّها معرّفات لا علل انّها ليست بدواعي الأحكام التي هي في الحقيقة علل لها فلا تكون عللا غائيّة وإن كان لها دخل في تحقّق موضوعاتها فلا تكون عللا ماديّة بخلاف الأسباب الغير الشرعيّة فانّها علل غائيّة وبعبارة أخرى يمكن أن يكون المراد من المعرفيّة للأسباب الشرعيّة لا كونها عللا انّ العلل الحقيقيّة للأحكام ما يوجب جعلها وتؤثّر في وجودها وداعيها التي تدعو الجاعل لأن يوضعها ويجعلها

ص: 249

وقد انقدح مما ذكرناه، أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه التي ذكرناها، لا مجرّد كون الأسباب الشرعيّة معرّفات لا مؤثّرات، فلا وجه لما عن الفخر وغيره، من ابتناء هذه المسألة على أنّها معرّفات أو مؤثّرات، مع أنّ الأسباب الشرعيّة حالها حال غيرها، في كونها معرّفات تارة ومؤثّرات أُخرى؛ ضرورة أنّ الشرط للحكم الشرعي في الجمل الشرطيّة ربّما يكون ممّا له دخل في ترتّب الحكم بحيث لولاه لما وجدت له علّة، كما أنّه في الحكم الغير الشرعي قد يكون أمارة على حدوثه بسببه وإن كان ظاهر التعليق أنّ له الدخل فيهما، كما لا يخفى.

نعم، لو كان المراد بالمعرفية في الاسباب الشرعية أنها ليست بدواعي الاحكام التي هي في الحقيقة علل لها، وإن كان لها دخل في تحقق موضوعاتها، بخلاف الاسباب الغير الشرعية، فهو وإن كان له وجه، إلا أنه مما لا يكاد يتوهم أنه يجدي فيما هم وأراد.

ثم إنه لا وجه للتفصيل بين اختلاف الشروط بحسب الاجناس وعدمه، واختيار عدم التداخل في الاول، والتداخل في الثاني،[1] إلا توهم عدم صحة

__________________________

ويوجدها لا الأسباب التي تكون دخيلاً في موضوعاتها وأمّا الأسباب الغير الشرعيّة فهي علل حقيقية لمعلولاتها ومؤثّرة في وجوداتها وبالجملة هذا الكلام وإن كان له وجه إلّا انّه لا يكاد يتوهّم انّه يجدي فيما هم وأراد من التداخل إذ لا يوجب هذا جواز اجتماع الأمثال في الموضوع الواحد كما لا يخفى.

[1] أقول: يعني انّه يرد الاشكال على التفصيل المحكي عن الحلّي بين اختلاف الشروط بحسب الجنس وعدمه والقول بعدم التداخل على الأوّل والتداخل في

ص: 250

.......................................

__________________________

الثاني بتوهّم عدم صحّة التعلّق بعموم اللفظ في الثاني لأنّه من أسماء الأجناس يعني انّه لا يصحّ التوسّل بعموم اللفظ فيما إذا كان جنس الشرط متّحداً للحكم بتعدّد الجزاء بعموم اللفظ في الشرط لأنّ الشرط يكون اسماً للجنس وما جعل شرطاً جنس الأمر الفلاني لا أفراده فاذا كان الشرط المؤثّر في وجود الجزاء جنس ذلك الأمر فتعدّد الأفراد لا أثر له مع وحدة الجنس واللفظ الموضوع للجنس لا عموم له كي يثبت ثبوت الجزاء عند ثبوت كلّ فرد فرد ممّا جعل شرطاً بأن وحدة الجنس في الأفراد المتعدّدة لا يستلزم التداخل ووحدة الجزاء إذ تعدّد الفردي يكفي في ترتّب الجزاء المتعدّد فانّه إذا بال مرّات فكلّ مرّة محقّقة للشرط فلابد من ترتّب الجزاء عليه وهو الوضوء مثلاً فيما اذا قال إذا بلت فتوضّأ وانّ الحقيق ان حال قضيّة إذا بلت فتوضّأ في صورة تكرار البول حال قضيّة إذا نمت فتوضّأ وإذا بلت فتوضّأ وكما انّ النوم والبول حيث انّهما أمران مختلفان لابدّ من ترتّب الجزاء على كلّ واحد واحد منهما فكذلك البول مرّات متعدّدة ولا فرق بينهما أصلاً وإلّا فان كان وحدة الجنس مستلزماً للتداخل وعدم جواز التعدّد في الجزاء فلابدّ من أن يكون كذلك في صورة تعدّد الشرط أيضاً جنساً إذ المحقّق انّ الأجناس المتعدّدة التي جعلت شرطاً وعلّة لترتّب الجزاء عليها لابدّ من أن تكون راجعة إلى أمر واحد وشرط فارد لأنّ الأشياء المختلفة بما هي مختلفة ومن دون رعاية جهة اتّحاد فيها وانزاع جامع منها لا يمكن أن يكون أسباباً لشي ء واحد وجزاء فارد فاذن لا فرق بين اختلاف الأجناس الذي جعلت شرطاً واتّحادها بعد

ص: 251

التعلق بعموم اللفظ في الثاني، لانه من أسماء الاجناس، فمع تعدد أفراد شرط واحد لم يوجد إلا السبب الواحد، بخلاف الاول، لكون كل منها سببا، فلا وجه لتداخلها، وهو فاسد.

فإن قضية اطلاق الشرط في مثل (إذا بلت فتوضأ) هو حدوث الوجوب عند كل مرة لو بال مرات، وإلا فالاجناس المختلفة لابد من رجوعها إلى واحد، فيما جعلت

__________________________

رجوع المختلفة منها إلى ما هو المتّحد وكما انّ المتوهّم يسلم عدم التداخل فيما إذا اختلف الأجناس ظاهراً مع اتّحادها واقعاً وحقيقة فكذلك لابدّ من أن يسلم عدمه فيما إذا كان متّحداً ظاهراً وواقعاً لكفاية لاختلاف الفردي في تعدّد الجزاء وعدم التداخل كما لا يخفى.

ثمّ ان ما ذكر من التفصيل في مسئلة تعدّد الشرط واتّحاد الجزاء وانّه هل يتعدّد الجزاء بتعدّد الشرط أم لا انّما فيما إذا كان موضوع الجزاء قابلاً للتعدّد حقيقة وامّا ما لا يكون قابلاً للتعدّد فلابدّ من القول بتداخل الأسباب المختلفة فيما لا يكون تعدّد الشروط ممّا يتأكّد به المسبّب فانّ الوضوء في الشرع وإن حصل له أسباب مختلفة من المكلّف لا يتأكّد وجوبه بسببها بل مرتّبة وجوبه مرتّبة واحدة عند اتّحاد سببه وتعدّده وليس له شدّة وضعف بحسب اختلاف أسبابه.

ومثال ذلك في العرفيّات القتل فان تعدّد أسبابه لا يؤثّر في تأكده وشدّته بل القتل أمر لا يقبل الشدة والضعف كمالاً يخفى وأمّا فيما إذا كان الجزاء قابلاً للتأكّد والشدّة والضعف فيقال بعدم التداخل وانّ تعدّد الأسباب يوجب قوّة في المسبّب وتأكيداً.

ص: 252

شروطا وأسبابا لواحد، لما مرت إليه الاشارة، من أن الاشياء المختلفة بما هي مختلفة لا تكون أسبابا لواحد، هذا كله فيما إذا كان موضوع الحكم في الجزاء قابلا للتعدد.

وأما ما لا يكون قابلا لذلك، فلابد من تداخل الاسباب فيه، فيما لا يتأكد المسبب، ومن التداخل فيه فيما يتأكد.

فصل:

الظاهر أنه لا مفهوم للوصف وما بحكمه[1] مطلقا لعدم ثبوت الوضع، وعدم

__________________________

[1] أقول: يعني انّ الراجح في النظر عدم ثبوت المفهوم للوصف بمعنى ان توصيف الموصوف بوصف من المتكلّم لا يدل على قضيّة أخرى غير القضيّة الملفوظة وانتفاء الحكم الثابت في القضيّة الملفوظة عند انتفاء الوصف مثلاً قول القائل أكرم الرجل العالم لا يدلّ على عدم وجوب اكرام الرجل إذا لم يكن عالماً بل تكون القضيّة المذكورة ساكتة عن هذا وغيره والمراد من الذي بحكم الوصف مثل صلة الموصول والوصف المجعول بنفسه موضوعاً كقوله: أكرم عالماً والحال مثلاً وان احتمل بعض رجوع الحال إلى مفهوم الشرط لا الوصف وقوله مطلقاً يعني سواء كان الوصف أخص من الموصوف كأكرم الرجل العالم أو أعم كأكرم زيد العالم أو مساوياً كأكرم الانسان الضاحك مثلاً، وجه عدم الدلالة عدم دليل يدلّ على الوضع وعدم لزوم اللغويّة بدون المفهوم لعدم انحصار الفائدة بالمفهوم بل الفوائد الاخر كثيرة غير خفية.

فان قلت: سلّمنا عدم دلالة التوصيف على المفهوم بحسب الوضع ولكنّه يدلّ

ص: 253

.......................................

__________________________

عليه بسبب القرينة الخارجيّة الدائميّة غير لزوم اللغويّة كي يقال بأنّه لا قرينية له لذلك لكثرة الفوائد الاخر وهي الدلالة على العليّة فان تعليق الحكم بالوصف يدلّ على العلية والقضيّة الشرطيّة دائماً ملازمة لافادة العليّة.

قلنا: عليّة الوصف المستفادة من التعليق عليه لا تدلّ على المفهوم أيضاً فيما إذا لم تكن منحصرة وإنّما تدلّ عليه في صورة الانحصار فقط ومع كونها بنحو الانحصار وإن كانت مقتضية له ولا شبهة في اقتضائها أصلاً إلّا انّه لا ربط له بمفهوم الوصف بل هو من مفهوم الحصر وهو ممّا لا إشكال فيه ولا كلام، فلا وجه لجعله تفصيلاً في محلّ النزاع ومورد النقض والابرام بأن يقال إن كانت العليّة المنحصرة مستفادة من القضيّة فالمفهوم للوصف ثابت وإلّا فلا، إذ مع استفادة العليّة المنحصرة يكون الانتفاء عند الانتفاء من مفادات انحصار العلّة لا التوصيف بالوصف الفلاني، نعم يمكن أن يقال ان عليّة الوصف بعنوانه يقتضي الانحصار دائماً إذ مع تعدّد العلّة لا يكون بعنوانه علّة بل بعنوان جامع وهو خلاف الظاهر فاذا كان الانحصار يستفاد دائماً من عليّة الوصف للحكم بعنوان انّه الوصف الفلاني وكان الانتفاء عند الانتفاء من جهة تلك الدلالة للوصف المأخوذ في الموضوع فيكون من آثار وجود الوصف وليس مستفاداً من غير جهة التوصيف فاذن يكون المفهوم مفهوم الوصف لا الانحصار في العليّة كي يكون خارجاً عن محلّ البحث والكلام وما وقع فيه من النقض والابرام.

ثمّ دفع المصنّف دخلاً يمكن أن يرد في المقام بأن ذلك أي ما ادّعينا من عدم

ص: 254

.......................................

__________________________

المفهوم للوصف لا ينافي ما اشتهر بين أهل العلم بأنّ الأصل في القيد أن يكون احترازياً وتأسيساً لا توضيحاً وجه عدم المنافاة ان معنى الاحترازيّة ليس إلّا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضيّة لا ثبوت المفهوم إذ قد يحصل التضييق بلفظ واحد معناه أضيق من معنى اللفظ الآخر الذي يكون أوسع مثل الانسان بالنسبة إلى الحيوان ولا فرق بين أن يقال جئني بانسان أو بحيوان ناطق فكما لا شبهة في عدم المفهوم لقوله جئني بانسان فكذلك للجملة الثانية.

وأجاب الشارح الكاظميني عن هذا الاشكال بوجه آخر أيضاً غير ما أفاده المصنّف وعرفته وأظهر العجب من ترك المصنّف لهذا الوجه وهو ان هذا الأصل أي أصل احترازيّة القيد مختص بما إذا كان المقيّد مع القيد معنى للفظ واحد مثل الحيوان الناطق الذي هو بمعنى الانسان وكان المراد بالقيد وهو الناطق مثلاً الاحتراز عن الطرف الآخر المقيّد بضدّه مثل الحيوان المقيّد بضدّ الناطقيّة وهو الناهقيّة مثلاً المرادف للفظ الحمار فانّه إذا قال جئني بحيوان يجوز للمأمور أن يأتي له بحمار وإذا قيّده بالناطق يعلم المأمور ان المقصود الاتيان بالانسان لا نوع آخر من أنواع الحيوان وليس المراد من التقييد بقيد الناطق في المثال المزبور الاحتراز عن القيد في غير حال لحوق القيد الذي هو المفهوم للوصف فان المراد من المفهوم الذي وقع محلّاً للبحث عن ثبوته للوصف وعدمه هو أن يكون الجملة المذكورة في معنى جملتين: أحدهما وجوب الاتيان بالحيوان الناطق، ثانيهما: عدم وجوب الاتيان بالحيوان الغير الناطق لا الحيوانات الاخر التي تقيده بقيود

ص: 255

.......................................

__________________________

اخر غير الناطقيّة التي تكون أضداداً لها المحصّلة للمقيد صورا نوعيّة اخر غير الانسانيّة كما هو المراد من احترازيّة القيد فلا يلزم من ضمّ القيد الاحترازي المحصّل لمقيده صورة نوعيّةمثل الناطقيّة المحصّلة للحيوان صورة الانسانيّة ثبوت مفهوم للوصف وهو العبارة عن الدلالة على عدم كفاية الاتيان بحيوان لا يكون مقيّداً بقيد الناطقيّة وملحوقاً به وبالجملة احترازيّة القيد أمر لا ربط له بمفهوم الوصف ولا مساس لأحدهما مع الآخر هذا غاية توضيح ما أفاده الشارح طاب ترتبه(1).

ولكن الانصاف انّه إذا ثبت ان ليس الفائدة في القيد إلّا التضييق في دائرة الموضوع من دون توجّه إلى قضيّة أخرى فلا حاجة إلى التفصيل الذي ذكره الشارح فان ابطال الاشكال بوجه أكمل مغن عن التعرّض للوجه الآخر ليس بأكمل وإذا أبطله المصنّف بالوجه المزبور لا يصل النوبة إلى الوجوه الاخر التي متوقّفة على مؤنة أزيد من ذلك الوجه ولا حاجة إليها أصلاً فانّه إذا قال مثلاً ما اشتريت المتاع الفلاني لعدم حاجتي إليه فلا حاجة إلى الوجوه الاخر المانعة عن الاشتراء مثل عدم التمكّن من قيمته مثلاً فان الوجه الذي ذكره المصنّف من قبيل عدم المقتضي والوجه الآخر من قبيل وجود المانع واستناد عدم الشي ء إلى عدم المقتضي أولى من استناده إلى وجود المانع بل الأوّل صحيح سديد والثاني باطل ركيك ثمّ أيّد المصنّف ما ادّعاه من عدم دلالة احترازيّة القيد على دلالة الوصف

ص: 256


1- الهداية في شرح الكفاية: 419.

.......................................

__________________________

على المفهوم بأنّه ليس معنى حمل المطلق على المقيّد واحترازيّة القيد الذي ثبت بعد ورود المطلق إلّا ذلك يعني تضييق دائرة الموضوع من دون حاجة إلى دلالته على المفهوم ومن المعلوم ان معنى الحمل ومقتضاه ليس إلّا ان المراد بالمطلق هو المقيّد وكأنّه لا يكون في البين غيره فثبت ان احترازيّة القيد غير الدلالة على المفهوم وبعبارة أخرى ليس معنى حمل المطلق على المقيد إلّا ان متعلّق الحكم إنّما هو المقيّد لا المطلق مثل الرقبة المؤمنة في قوله اعتق رقبة مؤمنة بعد ورود اعتق رقبة ولا دخل لذلك في ثبوت المفهوم بل إنّما أثر ثبوت المفهوم انه لو دلّ دليل على اجزاء الكافرة لوقع التعارض بين منطوقه ومفهوم المقيّد ولكنّه لا تعارض بل إذا قال بعد قوله اعتق رقبة مؤمنة الوارد بعد قوله اعتق رقبة يجزي اعتاق الرقبة الكافرة يثبت التخيير بين المؤمنة والكافرة ولا تعارض بل ربما قيل فضلاً عمّا ذكر انّه لا وجه لحمل المطلق على المقيّد لو كان المقصود من الحمل ثبوت المفهوم والوجه في ذلك ان ظهور المقيد في التقييد ليس بأقوى من ظهور المطلق في الاطلاق كي يحمل عليه ويرفع اليد عن الاطلاق بواسطة مفهوم الجملة المقيّدة بل هما أي اطلاق المطلق والمفهوم المستفاد من الجملة المقيّدة بناء على ثبوته في القوّة متساويان بل يمكن أن يقال انه الأقوى أي اطلاق المطلق أقوى لكونه بالمنطوق وذلك بالمفهوم كما لا يخفى فمن ذلك يعلم ان سبب التقييد لتضييق دائرة موضوع المستفاد من الجملة المقيّدة بالمنطوق ولا دخل للمفهوم في إثبات التقييد أصلاً فالمنطوق مقيّد للمنطوق ولا محذور فيه أصلاً وأمّا الاستدلال

ص: 257

.......................................

__________________________

على عدم الدلالة على المفهوم بالآية الشريفة: « وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم »(1) فيرد عليه انّ الاستعمال في غير ما دلّ على المفهوم احياناً مع القرينة كما في الآية لاجماع العلماء على عدم المفهوم لها ممّا لا يكاد ينكر قطعاً فان من قال بثبوت المفهوم للوصف لم يقل بأنّه من اللوازم التي لا تنفك عنه أبداً كي يرد عليه بثبوت الانفكاك بالآية بل قال بانّ الوصف لو خلى وطبعه ولم يقم قرينة على صرفه عن ظاهره داخليّة أو خارجيّة ظاهر في المفهوم والآية الشريفة لا ينافي مع ذلك الادّعاء أصلاً لما ذكر بل يمكن أن يقال ان عدم المفهوم في الآية من باب التخصّص لا التخصيص بمعنى انّ المثبت لمفهوم الوصف لم يقل ان كلّ وصف يدلّ على المفهوم إلّا ما خرج عن تلك الكليّة بسبب العوارض الخارجيّة ودلّ الدليل على استثنائه منها بل مراده انّ الوصف الغير الوارد مورد الغالب يدلّ على المفهوم وشرط في ثبوته أن لا يكون الوصف وارداً مورده ولما كان الوصف في الآية وارداً مورد الغالب فيكون خارجة عن موضوع الوصف الذي يدلّ على المفهوم من أوّل الأمر إذ الوصف الذي أثبت المفهوم له غير مثل هذا الوصف لا ان خروجه بعد التعميم من المثبت كي يكون تخصيصاً وأمّا وجه اعتبار الشرط المذكور هو ان مع الورود مورد الغالب لا دلالة له على الاختصاص الذي هو مناط تحقّق المفهوم وملاكه وبدون الدلالة على الاختصاص لا يكاد يتوهّم دلالته على المفهوم وقد مرّ ان دلالة الوصف على المفهوم إنّما تكون فيما إذا كان عليّته للحكم

ص: 258


1- النساء: 23.

لزوم اللغوية بدونه، لعدم انحصار الفائدة به، وعدم قرينة أخرى ملازمة له، وعليته فيما إذا استفيدت غير مقتضية له، كما لا يخفى، ومع كونها بنحو الانحصار وإن كانت مقتضية له، إلا أنه لم يكن من مفهوم الوصف، ضرورة أنه قضية العلة الكذائية المستفادة من القرينة عليها في خصوص مقام، وهو مما لا إشكال فيه ولا كلام، فلا وجه لجعله تفصيلا في محل النزاع، وموردا للنقض والابرام.

ولا ينافي ذلك ما قيل من أن الاصل في القيد أن يكون احترازيا، لان الاحترازية لا توجب إلا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية، مثل ما إذا كان بهذا الضيق بلفظ واحد، فلا فرق أن يقال: جئني بإنسان أو بحيوان ناطق، كما أنه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد، فيما وجد شرائطه إلا ذلك، من دون حاجة فيه إلى دلالته على المفهوم، فإنه من المعلوم أن قضية الحمل ليس إلا أن المراد بالمطلق هو المقيد، وكأنه لا يكون في البين غيره، بل ربما قيل: إنه لا وجه للحمل

__________________________

بنحو الانحصار وإن كان تلك الدلالة في تلك الحالة من انحصار العلّة لا الوصف على التحقيق ولكن ثبوت أصله في تلك الصورة ممّا لا شبهة فيه وأمّا في غيرها ممّا لم يكن دلالة على الانحصار بل كان من المعلوم ان الحكم في غير مورد الوصف أيضاً ثابت دائماً جي ء به للغلبة وشذوذ ما ليس مقروناً بالوصف من الأفراد وعدم وقوعه محلّاً للابتلاء إلّا نادراً فلا وجه لثبوت المفهوم حينئذٍ أصلاً ولعلّ قوله فافهم اشارة إلى ما ذكر من ان دلالته على المفهوم في صورة الدلالة على الانحصار ليس من مفهوم الوصف بل إنّما يكون من خصوص قرينة المقام والعلّة المنحصرة كما مرّ منه سابقاً.

ص: 259

لو كان بلحاظ المفهوم، فإن ظهوره فيه ليس بأقوى من ظهور المطلق في الاطلاق، كي يحمل عليه، لو لم نقل بأنه الاقوى، لكونه بالمنطوق، كما لا يخفى.

وأما الاستدلال على ذلك - أي عدم الدلالة على المفهوم - ب آية )وربائبكم اللاتي في حجوركم» ففيه أن الاستعمال في غيره أحيانا مع القرينة مما لا يكاد ينكر، كما في الآية قطعا، مع أنه يعتبر في دلالته عليه عند القائل بالدلالة، أن لا يكون واردا مورد الغالب كما في الآية، ووجه الاعتبار واضح، لعدم دلالته معه على الاختصاص، وبدونها لا يكاد يتوهم دلالته على المفهوم، فافهم.

تذنيب: لا يخفى أنه لا شبهة في جريان النزاع،[1] فيما إذا كان الوصف أخص

__________________________

[1] أقول: لا يخلو الوصف إمّا أن يكون مساوياً للموصوف كالانسان الناطق أو أعم منه مطلقاً كالانسان الحيوان أو من وجه كالانسان الأبيض أو أخص منه مطلقاً كالانسان العالم ولا شبهة في جريان النزاع في ثبوت المفهوم للوصف وعدمه في الوصف الأخص من الموصوف سواء كان أخص مطلقاً من موصوفه نحو أكرم الرجل العالم أو أخص من وجه في مورد الافتراق من جانب الموصوف كالانسان الغير الأبيض بأن يكون الموصوف ثابتاً منفكاً عن الصفة وخالياً عنها وأمّا في غير ما ذكر ففي جريان النزاع اشكال، وأظهره عند المصنّف عدم الجريان وإن كان يظهر ممّا حكى عن بعض الشافعيّة والمحكي هذا قولنا في الغنم السائمة زكوة يدلّ على عدم الزكوة في معلوفة الإبل جريانه في غير الوصف الأخص فان الظاهر من المحكي عن ذلك البعض الشافعيّة انّ النزاع جار في ما إذا كان الوصف أخص من وجه من الموصوف وكان الافتراق من جانب الصفة بأن يكون الموصوف شيئاً

ص: 260

.......................................

__________________________

آخر والصفة المضادّة للصفة المذكورة عارضة على غير الموصوف المذكور ولعلّ نظر من قال بالقول المذكور استفادة العليّة المنحصرة من الوصف فانّه إذا كان صفة السوم علّة منحصرة لوجوب الزكوة فكلّما كانت ثابتة يثبت وجوبها وكلّما لم تكن ثابتة في الغنم أو غيرها من الحيوانات فلا يكون زكوة وعلى ما ذكر من الوجه فيلزم أن يجري النزاع فيما إذا كان الوصف مساوياً للموصوف أو أعم مطلقاً منه أيضاً فيدلّ على انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه فانّه إذا كان العليّة المنحصرة موجبة لثبوت المفهوم فيما إذا كان الوصف أخص من وجه من الموصوف وكان الافتراق من جانب الوصف فلابدّ أن يكون الحال في الوصف المساوي أو الأعمّ المطلق أيضاً كذلك ولا وجه للتفصيل بينهما أي بين الوصف المساوي والأعم المطلق وبين ما إذا كان أخص من وجه فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف بأنّه لا وجه للنزاع فيهما معلّلاً بعدم الموضوع في الوصف المساوي والأعم واستظهار جريان النزاع من بعض الشافعيّة فيه أي فيما كان الوصف أخص من وجه من الموصوف وكان الافتراق من جانب الوصف فانّ المفصّل والمعلّل والمستظهر شيخنا الأنصاري قدس سره في التقريرات والمصنّف أبطل التفصيل والتعليل والاستظهار بما أفاده وعرفته من انّ الوجه في جريانه في الوصف الأخص فيما كان الافتراق من جانب الوصف ليس إلّا استفادة العليّة المنحصرة وعليه لا وجه للتفصيل.

هذا توضيح ما أفاده المصنّف.

واستشكل عليه الشارح الكاظميني واستصوب ما أفاده الشيخ الأنصاري قدس سره

ص: 261

.......................................

__________________________

حيث قال الشارح بعد نقل ما أفاده المصنّف قلت: الظاهر انّه قياس مع الفارق فان المساوي والأعم مطلقاً لا مورد فيهما لجهة الانتفاء عمّا يقبل ثبوت الوصف فيه فلا موضوع للمفهوم ضرورة انّ الضاحك لا مورد لثبوته غير الانسان ليكون انتفاؤه عنه موجباً لانتفاء الحكم وكذلك التحرّك بالارادة فانّه لا محل له غير الحيوان ليكون انتفاؤه كذلك بخلاف الأعم من وجه فانّ السوم ممّا يقبل ان توصف به الإبل فيكون انتفاؤه عنها موجباً لانتفاء الحكم وهذا في غاية الوضوح فلا وجه لما أفاده من الطعن في التفصيل بينهما وبين ما إذا كان أخص من وجه فيما إذا كان الأفتراق من جانب الوصف على شيخنا العلّامة المرتضى قدس سره فيما حكاه المقرّر من قطعه قدس سره ظاهراً بأنّه لا وجه للنزاع فيهما أي المساوي والأعم المطلق معلّلاً ذلك بعدم الموضوع ومن استظهار جريانه من بعض الشافعيّة فيه أي في الأخص من وجه في مورد الافتراق من جانب الوصف فانّ التفصيل المذكور في غاية المتانة والقوّة كما عرفت فلا معنى لقياس أحدهما بالاخر والعجب من المصنّف كيف خفى ذلك عليه مع وضوح الفرق كما لا يخفى فتأمّل جيداً(1).

هذا ما أورده الشارح على المصنّف وأيد به ما أفاده الشيخ الأنصاري قدس سره نقلناه بعين عبارته.

أقول: الانصاف صحّة ما أورده المصنّف من الاعتراض على ما أفاده الشيخ إذ ليس تقابل السائمة وغير السائمة مثلاً في المثال تقابل العدم والملكة كي لا يصدق

ص: 262


1- الهداية في شرح الكفاية: 421.

من موصوفه ولو من وجه، في مورد الافتراق من جانب الموصوف، وأما في غيره، ففي جريانه إشكال أظهره عدم جريانه، وإن كان يظهر مما عن بعض الشافعية، حيث قال: (قولنا في الغنم السائمة زكاة، يدل على عدم الزكاة في معلوفة الابل) جريانه فيه، ولعل وجهه استفادة العلية المنحصرة منه.

وعليه فيجري فيما كان الوصف مساويا أو أعم مطلقا أيضا، فيدل على انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه، فلا وجه في التفصيل بينهما وبين ما إذا كان أخص من

__________________________

غير السائمة على ما لا يكون من شأنه المعلوفيّة والسائميّة كالحجر والشجر كتقابل العمى والبصر بل تقابلهما تقابل النفي والاثبات فان غير السائمة ما لا يكون فيه صفة الصوم أعم من أن يكون قابلاً لعروض الصفة عليه أم لا فكما انّ الابل المعلوفة غير السائمة فكذلك الحجر والشجر أيضاً من غير السائمة وادّعاء عدم الموضوع للمفهوم لعدم مورد للوصف إلّا الحيوان مثلاً في المثال كلام ظاهري لانا إذا فرضنا علّية السوم للزكوة بنحو العليّة المنحصرة كما قاله بعض الشافعيّة فكلّما انتفى الصفة انتفى الحكم وكلّما وجدت وجد ولا فرق في صورة الانتفاء بين أن يكون الموضوع المنتفى عنه الصفة أن يكون أهلاً وقابلاً للاتّصاف بالصفة ام لا وعلى ما ذكر لا وجه لاستظهار جريان النزاع في خصوص ما إذا كان الافتراق من جانب الوصف في الأخص من وجه فقط عن بعض الشافعيّة إذ مناط ما ذهب إليه ذلك البعض منهم ثابت في الوصف المساوي والأعم وهو استفادة العليّة المنحصرة من الوصف فلا وجه للتفصيل.

ص: 263

وجه، فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف، بأنه لا وجه للنزاع فيهما، معللا بعدم الموضوع، واستظهار جريانه من بعض الشافعية فيه، كما لا يخفى، فتأمل جيدا.

فصل:

هل الغاية في القضية تدل على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية بناء على دخول الغاية في المغيىّ، أو عنها وبعدها، بناء على خروجها، أو لا؟ فيه خلاف،[1 ]

__________________________

[1] أقول: هذا بحث مفهوم الغاية وبيان انّه هل الغاية في القضيّة تدلّ على ارتفاع الحكم عمّا بعد الغاية فقط يعني عن مكان أو زمان يكون متجاوزاً عن المكان أو الزمان الذي جعل غاية للحكم المغييّ بتلك الغاية كما بعد الكوفة في مثل سر من البصرة إلى الكوفة وما بعد الليل في مثل « أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ »(1) بناء على دخول الغاية في المغيّى الذي هو محلّ الخلاف ويأتي عن قريب أيضاً أو عن الغاية كالكوفة مثلاً وما بعد الغاية كما بعد الكوفة مثلاً أيضاً بناء على خروج الغاية عن المغيّى أو لا يدلّ على ارتفاع الحكم مطلقاً لا عمّا بعد الغاية فقط بناء على الأوّل ولا عن الغاية وما بعدها على الثاني وبعبارة أخرى اخصر هل للقضيّة المغيّى بالغاية مفهوم أم لا ؟ فيه خلاف، وقد نسب إلى المشهور الدلالة على الارتفاع مطلقاً وإلى جماعة منهم السيّد والشيخ الطوسي عدم الدلالة عليه مطلقاً أيضاً.

والتحقيق عند المصنّف التفصيل الذي ذكره من انّ الغاية على قسمين قسم

ص: 264


1- البقرة: 187.

.......................................

__________________________

يكون الغاية غاية للحكم وقسم يكون غاية للموضوع ولو باعتبار الحكم أيضاً ويكون في الحقيقة مراجعة إلى الحكم ولكن بحسب القواعد العربيّة والصناعة اللفظيّة متعلّقة بالموضوع لا بالحكم وأمّا القسم الأوّل فيدلّ على المفهوم بلا شبهة لأنّه إذا كان الحكم بالحليّة أو الطهارة مثلاً في المثال المعروف مغيّى ومحدوداً بحد معين فمعناه انّه إذا ثبت الحد وحصل الغاية فينتفي ذلك الحكم ويثبت خلافه من الحرمة والنجاسة ومعلوم ان قوله كلّ شي ء لك حلال حتّى تعلم انّه حرام وكلّ شي ء طاهر حتّى تعلم انّه قذر تحديدان لحكم الحلّ والحرمة والطهارة والنجاسة فاذا لم يدل على الحرمة والنجاسة فيما بعد حصول الغاية فالتحديد باطل ويكون نقضاً للغرض وأمّا إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربيّة قيداً للموضوع مثل سر من البصرة إلى الكوفة بمعنى انّه يجب عليك السير المقيّد بأن يكون بدوه البصرة وختمه الكوفة فحالها حال الوصف في عدم الدلالة وإن كان تحديده بها أي تحديد الموضوع بالغاية بملاحظة الحكم أيضاً كالأوّل كما مرّ بمعنى انّ القيد والغاية ليس قيداً وغاية لذات الموضوع من حيث هو بل من حيث انّه متعلّق للحكم ومطلوب من المكلّف ومقتضى ذلك ليس إلّا عدم الحكم فيها إلّا بالمغيّى يعني إلّا عدم تعلّق الحكم في القضيّة إلّا بالمغيّى من دون دلالة للغاية أصلاً على انتفاء سنخ الحكم ومثله عن غيره أي عن غير المغيّى بتلك الغاية لعدم ثبوت وضع لذلك لغة ولا عرفاً وعدم قرينة ملازمة للغاية ولو غالباً دلّت على اختصاص الحكم به أيضاً وفائدة التحديد بالغاية كسائر انحاء التقييد غير منحصرة بافادته

ص: 265

.......................................

__________________________

أي المفهوم كما مرّ في الوصف بل يمكن أن يكون للتقييد بها فائدة اخرى ومعها لا يلزم اللغوية.

هذا توضيح مرام المصنّف الذي يرجع محصّله إلى التفصيل بين كون الغاية قيداً للحكم صريحاً فيثبت المفهوم بالدلالة اللفظيّة الوصفيّة وكونها قيداً للموضوع صناعة وإن كانت راجعة إلى الحكم أيضاً لبا فلا يكون له مفهوم لا بالوضع ولا بالقرينة في مقابل من أثبت المفهوم للغاية مطلقاً ومن أنكره كذلك.

وللشارح الكاظميني قدس سره هنا اعتراضاً على ما أفاده المصنّف وذهب إلى خلاف ما أفاده بالنسبة إلى طرفي التفصيل اما فيما كان القيد قيداً للحكم فقال ان دلالة القضيّة المغياة على انتفاء الحكم عند انتفاء الغاية من الدلالة المنطوقيّة لا المفهوميّة وإن مثل قولهم كلّ شي ء لك حلال حتّى تعلم انّه حرام وطاهر حتّى تعلم انّه قذر والأشياء كلّها على هذا حتّى تستبين نص في الحرمة والنجاسة وعدم العمل بظاهر الحال بعد العلم والاستبانة سواء قلنا بمفهوم الغاية أو لم نقل.

ثمّ قال نعم بناء على القول بذلك أي ثبوت المفهوم للغاية تكون القضيّة إلى نفس الغاية في الأمثلة المذكورة دالّة بالمفهوم بمعنى انّها تدلّ على ان الحكم بالحلية والطهارة باق وثابت مادام لم يعلم بالحرمة والنجاسة ويفهم من ذلك انّه إذا حصل العلم بالحرمة والنجاسة فتثبتان ويفهم من المنطوق أيضاً ذلك فيتطابقان أي المفهوم والمنطوق في الدلالة على النفي أي نفي الحل والطهارة إذا علم بهما وأمّا فيما كان القيد قيداً للموضوع فذهب الشارح إلى دلالته على المفهوم البتة حيث

ص: 266

.......................................

__________________________

قال فان أخذت الغاية قيداً في موضوع الحكم بما هو موضوع الحكم فهي كالمأخوذة في الحكم قطعاً وان أخذت في ذاته بقي الحكم على اطلاقه ولا يرتفع إلّا انّه على هذا التقدير يكون الظرف يعني في المثال المعروف صفة أو حالاً للموضوع أو منه فيكون معنى المثال السير الكائن أو كائناً من البصرة إلى الكوفة واجب وهذا لا مفهوم له قطعاً إلّا انّه خلاف الظاهر جدّاً والحمل عليه بعيد إلى الغاية لأنّ الظاهر تعلّق الظرف بالفعل بما هو فعل ولا محالة يكون قيداً للحكم فلا فرق بين سر إلى الكوفة أو السير واجب من البصره إلى الكوفة أو كلّ شي ء لك حلال حتّى تعلم حكمه أو طاهر حتّى تعرف موضوعه في كون الغاية قيداً للحكم المحقّق للمفهوم ثمّ قال في آخر كلامه وبيان غاية مرامه هذا غاية استدلاله أي المصنّف على ذلك وهو فاسد جدّاً وتبادر ذلك أي المفهوم في جميع المحاورات بجميع اللغات أقوى شاهد على الوضع هذه خلاصة الكلام في هذا المقام(1).

أقول: أمّا ما أفاده الشارح من ان دلالة أمثال كلّ شي ء لك حلال وكلّ شي ء لك طاهر على انتفاء الحكم بحصول الغاية بالمنطوق لا بالمفهوم فمكابرة محضة اذ من المعلوم ان منطوق قوله حتّى تعلم الخ لا يدلّ على انتفاء الحكم بالحلية والطهارة اذا حصل العلم بالحرمة والنجاسة بل إنّما هو معنى ضمني يفهم من غائية العلم بالحرمة والنجاسة للحكم بالحل والطهارة وكون القضيّة المزبورة جملة واحدة مثبتة مغياة بغاية خاصّة لا قضيتين ملفوظتين مثبتة ومنفيّة واضح جدّاً وادّعاء

ص: 267


1- الهداية في شرح الكفاية: 422 - 424.

.......................................

__________________________

نصيّة القضيّة في الحرمة والنجاسة فيما إذا حصل الغاية وتدلّ بالدلالة اللفظيّة الصريحة على عدم العمل بظاهر الحال بعد العلم والاستبانة سواء قلنا بمفهوم الغاية أو لم نقل تحكم بحث وليت شعري كيف تكون تلك القضيّة نصّاً في ذلك المعنى مع انّها لا تدلّ عليه إلّا من حيث كون حتّى وما بعده غاية للحكمين فلا يصح هذا الادّعاء إلّا على كون الغاية نصّاً في الانتفاء وكون دلالتها من الدلالة المنطوقيّة لا المفهوميّة وبطلانه أوضح من أن يخفى وأيضاً التمسّك لصحّة مثل ذلك بأن هذا المدّعى لا يخفى على المتتبّع لكلماتهم أدني تتبّع لا وجه له إذ ليست المسئلة ممّا للتتبّع دخل فيه بل عنوان المنطوقيّة والمفهوميّة أمر وجداني محسوس لابدّ من تعيينه بحس نفس الشخص والمحسوس عدم دلالة الجملة المذكورة بألفاظه على حرمة ما علم حرمته ونجاسة ما علم نجاسته وعدم العمل بظاهر الحال بعد العلم والاستبانة وإنّما هذا يفهم من جعل العلم بالحرمة والنجاسة غاية للحكم بحليّة كلّ شي ء وطهارته فيكون من الدلالة المفهوميّة لا المنطوقيّة.

وأمّا ما استشكل على المصنّف أيضاً بأنّه لا فرق في الغاية التي تكون قيداً للحكم وما تكون منه قيداً للموضوع بما هو موضوع له لا لذاته وإذا كان للغاية التي أخذت قيداً للحكم مفهوم فكذلك لما يكون قيداً للموضوع بما هو موضوع له واثباته في الأوّل دون الثاني تحكم لأنّ الغاية التي تكون للموضوع بما هو موضوع له راجعة إلى الحكم على الفرض وإذا كانت الغاية الراجعة إلى الحكم مقتضية للمفهوم فتقضية مطلقاً سواء كانت راجعة إلى الحكم بلا واسطة أو مع الواسطة.

ص: 268

.......................................

__________________________

نعم إذا كانت الغاية قيد الذات الموضوع لا له بما هو موضوع الحكم لم يكن له مفهوم وان معنى الجملة المعروفة حينئذٍ السير من البصرة إلى الكوفة واجب ولا يوجد قائل بأن « إلى » تدلّ على ارتفاع الوجوب عمّا بعدها إذ ليست هي قيداً في الحكم ليكون زواله زوالاً للمقيّد.

نعم تدلّ على زوال القيد وهو السير عمّا بعد الغاية بالبداهة بناء على المشهور من كون الغاية خارجة عن المغيّى كما عرفته بعين عبارته ففي محلّه وإن أراد المصنّف التفصي عنه بحمل ما أخذ الغاية قيداً للموضوع مثل المثال المعروف على أخذ القيد لذات الموضوع فقد عرفت عنه الجواب مع انّه اعترف بخلافه في الكتاب بأن هذا الحمل بعيد إلى الغاية وإذا كانت في مثل المثال المعروف راجعة إلى الموضوع بما هو موضوع الحكم فلا شبهة في ثبوت المفهوم وقياس الغاية حينئذٍ من المصنّف بالوصف قياس مع الفارق وفي غير محلّه إذ لابدّ في تعيين مداليل الألفاظ من المراجعة إلى العرف والعلائم التي أعدّت لتعيينها وإن ايها حقيقة وايها مجاز ولا يخفى انّ العرف لا يتاملون في دلالة القضيّة التي وقع فيها التحديد بالغاية الراجعة إلى الحكم ولو بواسطة الموضوع على انتفاء الحكم عمّا بعد الغاية أو عن الغاية وما بعدها على الخلاف التي قد مرّ الاشارة إليه أيضاً فيثبت بحكم التبادر وضعها للدلالة على الانتفاء كما يشتكشف أوضاع الألفاظ به وبمثله في غير مورد.

ص: 269

وقد نسب إلى المشهور الدلالة على الارتفاع، وإلى جماعة منهم السيد والشيخ، عدم الدلالة عليه.

والتحقيق: إنه إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية قيدا للحكم، كما في قوله: «كل شئ حلال حتى تعرف أنه حرام»، و«كل شئ طاهر حتى تعلم أنه قذر»، كانت دالة على ارتفاعه عند حصولها، لانسباق ذلك منها، كما لا يخفى، وكونه قضية تقييده بها، وإلا لما كان ما جعل غاية له بغاية، وهو واضح إلى النهاية.

وأما إذا كانت بحسبها قيدا للموضوع، مثل (سر من البصرة إلى الكوفة)، فحالها حال الوصف في عدم الدلالة، وإن كان تحديده بها بملاحظة حكمه وتعلق الطلب به، وقضيته ليس إلا عدم الحكم فيها إلا بالمغيى، من دون دلالة لها أصلا على انتفاء سنخه عن غيره، لعدم ثبوت وضع لذلك، وعدم قرينة ملازمة لها ولو غالبا، دلت على اختصاص الحكم به، وفائدة التحديد بها كسائر أنحاء التقييد، غير منحصرة بإفادته كما مر في الوصف.

__________________________

نعم الانصاف صحّة ما ذهب إليه المصنّف من عدم المفهوم للشرط والوصف لعدم انفهام العليّة المنحصرة الملازم لثبوت المفهوم والقول بثبوته لهما مع ذلك مكابرة ولكن الأمر في مفهوم الغاية بالعكس إذ مقتضى غائية الغاية ثبوت المفهوم كما اعترف به نفسه فما كان الغاية غاية للحكم صرفاً والفرض انّه اعترف أيضاً بأنّ الغاية الراجعة إلى الموضوع والتحديد بها إنّما بملاحظة الحكم أيضاً وتعلّق الطلب به لا ذات الموضوع فما الفرق بين هذا وبين سابقه فيجوز اثبات المفهوم في السابق دونه.

ص: 270

ثم إنه في الغاية خلاف آخر، كما أشرنا إليه،[1] وهو أنها هل هي داخلة في

__________________________

[1] أقول: يعني انّه وقع الخلاف في انّ الغاية هل هي داخلة في المغيّى بحسب الحكم وانّ الكوفة مثلاً في المثال المعروف هل تكون من مواضع وجوب السير كما قبلها أو خارجة عنه كما بعدها والأظهر خروجها لكونها من حدوده ومعنى حديّة الشي ء للشي ء اختتام ذلك الشي ء به وإذا كان داخلاً فيه فلا تكون ختمه به بل بما بعده ودخوله فيه في بعض الموارد كالمرفق الذي جعل غاية لغسل الوضوء في الآية الشريفة مع ان دخوله في المغسول متّفق عليه إنّما هو بالقرينة وعليه أي على ما ذكر من خروج نفس الغاية عن المغيّى تكون حالها حال ما بعد الغاية بالنسبة إلى الخلاف الأوّل وهو انّه هل يدلّ الغاية على الانتفاء عند الانتفاء أم لا وهل لها المفهوم أم لا إذ كما يكون ما بعد الغاية مرتفعاً عنه الحكم ومنفياً عنه على القول بثبوت المفهوم للغاية كذلك نفس الغاية يكون الحكم مرتفعاً عنه بالدلالة المفهوميّة ولا يكون الحكم مرتفعاً عن نفس الغاية بناء على عدم المفهوم مثل ما بعد الغاية بناء عليه وقد تقدّم الاشارة إليه أيضاً كما ان على القول الآخر وهو دخولها في المغيّى يكون محكومة بالحكم منطوقاً ولا أثر للخلاف الأوّل حينئذٍ من ثبوت المفهوم للغاية وعدمها.

هذا كلّه إذا كان الغاية قيداً للموضوع وأمّا إذا كان قيداً للحكم كما في خبر الحليّة والطهارة فلا يكاد يعقل جريان هذا الخلاف إذ لا شبهة في خروج الغاية عن نفس مغياها وإلّا لما كان ما جعل الغاية غاية كما مرّت الاشارة إليه.

نعم يمكن دخول الغاية في موضوع المغيا وخروجها عنه أيضاً فيعقل جريان

ص: 271

.......................................

__________________________

الخلاف كما في الفرض الثاني من الفرضين الذين فرضهما المصنّف قدس سره.

قال الشارح بعد بيان انّ الغاية إذا كانت غاية للحكم فجريان النزاع فيه غير معقول نعم قد يكون نفس الغاية فيما إذا كان قيداً للحكم مورداً للنزاع بمعنى آخر وهو انه هل ينقطع الحكم عند نفس غايته أو يتّصل وينقطع عند تمامها(1) وبعبارة أخرى هل الغاية في الحقيقة مجرّد الشروع في مدخول حرف الغاية أو الجزء الأخير منه خاصّة ومرجع هذا إلى تعيين ما جعل غاية ويتفرّع عليه الخروج عن المغيّى ودخوله فيه والأظهر بحسب متفاهم العرف الأوّل كما لا يخفى على من أنصف وتأمّل.

ولكن هذا النزاع صغروي لا يترتّب عليها كثير فائدة كما لا يخفى.

قال الشارح الكاظميني قدس سره في ذيل بيانه لما أفاده المصنّف هنا: تنبيهٌ كما ان تقييد الحكم بالغاية بواسطة تقييد موضوعه أو بلا واسطة يدلّ على ارتفاعه عمّا بعدها كذلك تقيده بواسطة أو بلا واسطة بابتداء الغاية يدلّ على ثبوت عدمه فيما قبل ذلك ولا اختصاص للمفهوم بما دلّ على رفع الحكم الثابت بل يعم ما دلّ على ثبوت عدمه أوّلاً توضيح ذلك انّه كما يكون المفهوم لانتهاء الغاية كذلك يكون أيضاً لابتداء الغاية وعدم تعرّض له لعلّه لوضوحه وانفهامه من قياسه على مفهوم الانتهاء ولا يختصّ المفهوم بما دلّ على رفع الحكم الذي ثبت في زمان وانتفائه بعد ثبوته بل يعم الدلالة على ثبوت عدم الحكم حال عدم ابتداء الغاية فانّ المراد

ص: 272


1- الهداية في شرح الكفاية: 424.

.......................................

__________________________

من المفهوم ما يفهم من الكلام بواسطة دلالته على المعنى الأولى ولا فرق فيه بين أن يكون ذلك رفع الحكم بعد ثبوته من طرف الانتهاء أو ثبوت عدمه قبل ثبوته من طرف الابتداء.

ثمّ قال: لا يقال: ان تقييد الحكم بالوقت بأيّ لفظ كان يدلّ على ذلك فلا خصوصيّة للفظة « من » وما هو مثلها من حيث الدلالة على عدم الحكم ولا وجه لتخصيص ثبوت المفهوم المستفاد من غير انتهاء الغاية بابتدائها الذي وضع له لفظة « من » وما هو مثله بل لابدّ أن يقال بثبوت المفهوم فضلاً عن ثبوته لانتهاء الغاية وكذلك قضيّة وقت الحكم فيها بوقت.

لانا نقول: انّ التقييد بالوقت إنّما يدلّ على عدم الثبوت قبله لم يكن معارضاً له إذ عدم الثبوت لا ينافي الثبوت فانّ الشهادة على العدم مثلاً لا تنافي الشهادة على الثبوت بخلاف « من » الابتدائيّة فانّ التقيد بها يدلّ على ثبوت العدم فيعارض دليل ثبوت الوجود فيكون نسبة مفهوم « إلى » و « حتى » إلى مفهوم « من » كنسبة معنى « من » إلى معنى « إلى » و « حتّى »(1) يعني انّه كما يكون معنى « إلى » و « حتى » انتهاء الغاية ودالاً على رفع الحكم عمّا بعده وثبوت عدمه فيما بعده فكذلك معنى من ابتداء الغاية ويفهم منه ثبوت عدم الحكم فيما قبله بخلاف التوقيت بالوقت المخصوص فانّه لا يدلّ إلّا على عدم الحكم في غير ذلك الوقت

ص: 273


1- الهداية في شرح الكفاية : 424.

.......................................

__________________________

ولا يفهم منه الحكم بالعدم ولا نسبة فيما بين معنى إلى وحتى وما بين التوقيت بالوقت الخاص كما في من وما هو مثله.

أقول: الانصاف ان ما أفاده في غاية المتانة ولكن الفرق بين المعنى المستفاد من إلى وحتى ومن ومثلها بأنّها دالّة على المفهوم دون ما إذا وقت الحكم بحكم خاص وانّه لا يدلّ على المفهوم في غير محلّه إذ لو كان الدليل على ثبوت المفهوم لانتهاء الغاية وابتدائها المفهومين من إلى ومن التفاهم العرفي والتبادر فكذلك التوقيت بالوقت الخاص يفهم منه عرفاً ان ابتداء الحكم من ابتداء الوقت وانتهائه من انتهائه ومعنى الابتدائيّة والانتهائيّة ليس إلّا ان الحكم قبل الابتداء وبعد الانتهاء غير ثابت ومعدوم ولا فرق فيما يفهم من الابتداء أو الانتهاء بين انفهامه من لفظة من وإلى مثلاً أو من دال آخر فان التقييد بالوقت الخاص يدلّ على ان ابتداء ثبوت الحكم ابتداء الوقت وانتهائه انتهائه كما انّ المفهوم من كلمة من وإلى مثلاً أيضاً هذا ثمّ قال بعد بيان التحقيق المزبور:

تذنيب وحقّق فيه مسئلة خروج الغاية عن المغيّى ودخوله فيها ببيان انه: إن كان المراد من الغاية معنى مقابلاً لمعنى الابتداء فلا ينبغي الاشكال في دخولها في المغيّى كدخول الابتداء فانّ الابتداء عبارة عن الجزء الأوّل الذي وقع فيه الأمر المحدود فلابدّ أن يكون داخلاً في الحد فانّ البصرة محل أوّل السير المأمور به والكوفة على هذا محل آخره فالبصرة والكوفة داخلاً في موضوع الحكم وإن كان

ص: 274

.......................................

__________________________

المراد من الغاية ما ينتهي عنده الشي ء والمراد بالابتداء ما يبتدء منه الشي ء بأن يكونا حدّين للموضوع أوّلاً وآخراً فلا إشكال في الخروج إذ معنى انتهاء الشي ء عند الحد الفلاني خروج ذلك الحد وعدم ذلك الشي ء عند تحقّق الحد وكذلك ما يبتدء منه ثمّ قال ولعلّ ما ذكرنا صالح لاصطلاح الخصمين وقطع نزاع الطرفين لأنّه يعود لفظيّاً لا معنويّاً(1) بأن يكون مراد من ذهب إلى دخول الغاية في المغيّى المعنى الأوّل ومن ذهب إلى خروجها المعنى الثاني.

أقول: ما أفاده بالنسبة إلى الغاية صحيح لا غبار عليه ومعلوم انّ المتبادر عرفاً من الغاية إنّما هو المعنى الثاني ولذا ذهب الأكثر والمحقّقون إلى خروجها عن المغيّى ولكن اجراء الاحتمالين المزبورين بالنسبة إلى الغاية في الابتداء لا وجه له إذ لا فرق بين معنى الابتداء وما يتبدء منه وكما ان ابتداء الشي ء داخل فيه البتة فكذلك ما يبتدء منه إذ لفظة ما في ما يبتدء منه كناية عن الجزء الأوّل الذي يقع فيه الجزء الأوّل من العمل المأمور به فانّه إذا كان ما يبتدء منه السير مثلاً البصرة فلابدّ أن تكون داخلة في محلّ السير والفرق بين الابتداء وما يبتدء منه إنّما يكون لفظيّاً وتعبيريّأً ولا حقيقة له ولذا لم يقل أحد بجواز خروج البصرة من محلّ السير وانّه يحتمل أن يكون ابتداء السير فيما بعدها فانّ العرف لا يتفاهمون من العبارة المذكورة إلّا انّه يجب على المأمور أن يبتدء بالسير ويشرع فيه من البصرة دون ما بعدها كما لا يخفى.

ص: 275


1- الهداية في شرح الكفاية: 424 - 425.

المغيىّ بحسب الحكم؟ أو خارجة عنه؟ والاظهر خروجها، لكونها من حدوده، فلا تكون محكومة بحكمه، ودخوله فيه في بعض الموارد إنما يكون بالقرينة، وعليه تكون كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الاول، كما أنه على القول الآخر تكون محكومة بالحكم منطوقا، ثم لا يخفى أن هذا الخلاف لا يكاد يعقل جريانه فيما إذا كان قيدا للحكم، فلا تغفل.

فصل:

لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم - سلبا أو إيجابا -[1 ]

__________________________

[1] يعني انّ دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم سلباً كان أو ايجاباً بالمستثنى منه وعدم عمومه المستثنى ودلالته على المفهوم واضحة لا شبهة فيها ولذلك أي لثبوت تلك الدلالة يكون قضيّة كون الاستثناء من النفي اثباتاً ومن الاثبات نفياً من المسلّمات وجه الثبوت الاستباق عند الاطلاق والتبادر قطعاً والتشكيك فيه عن أبي حنيفة عن عدم الافادة لا يعبأ به وأحتجّ على عدم الافادة بمثل لا صلوة إلّا بطهور وجه الاحتجاج انّه لا دلالة للقضيّة المزبورة على انّه كلّما ثبت الطهور فيثبت الصلوة ولو كانت سائر الشرائط مفقودة إذ الصلوة بطهور مع فقد باقي الشرائط أيضاً لا صلوة فيتساوى حكم المستثنى والمستثنى منه في النفي ولا يكون الاستثناء في المثال من النفي اثباتاً بأن يكون الصلوة منفيّة إلّا إذا كانت الطهور ثابتاً فيثبت الصلاة كما في ما جاء القوم إلّا زيداً الدال على المشهور على عدم وقوع المجي ء من أحد من القوم إلّا من زيد فانه منه واقع ضرورة ضعف احتجاجه بالمثال المزبور، وجه الضعف يظهر أو لا بأنّ المراد من مثله انّه لا تكون

ص: 276

.......................................

__________________________

الصلاة التي كانت واجدة لأجزائها وشرائطها المعتبرة فيها صلوة إلّا إذا كانت واجدة للطهارة فاذا كان ذلك العمل الجامع لجميع الأجزاء والشروط واجداً للطهارة أيضاً يكون صلوة فيكون من النفي اثباتاً وبدون الطهارة لا يكون العمل المزبور صلوة على وجه وهو وضع ألفاظ العبادات للصحيح منها فقط وليست صلوة تامّة مأموراً بها على وجه آخر وهو وضع تلك الألفاظ للأعم من الصحيح والفاسد منها، هذا كلّه إن أريد من الحديث نفي الصلوة الفعليّة واثباتها كذلك وان أريد نفي الامكان واثباته بالاضافة إلى الطهور فالأمر أوضح ولا شبهة في دلالتها على الجملة المنفيّة والمثبتة معاً بجزئها الأوّل والثاني وانّه لا دلالة لها على ما اختاره أبو حنيفة ولا يبعد أن يكون المراد من امثال هذا التركيب ذلك أيضاً فاذن المقصود من الحديث انّه لا يمكن أن تكون الصلوة صلوة إلّا بطهور وثانياً بأنّ الاستعمال مع القرينة كما في مثل التركيب ممّا علم فيه الحال لا دلالة له على مدّعاه أصلاً كما لا يخفى.

وقال المصنّف انّ قول أبي حنيفة مردود ثانياً بأنّ الاستعمال مع القرينة كما في مثل التركيب أي القضيّة المزبورة ممّا علم فيه الحال لا دلالة له على مدّعاه أصلاً كما لا يخفى.

واستشكل عليه الشارح قدس سره بأن تسليم ذلك من المصنّف قدس سره وحمله على انّه مع القرينة غير ضائر عجيب وجه التعجّب وفساد تسليمه ان المستثنى لا يزيد على المستثنى منه في الحكم وإنّما اختلافهما بمحض الايجاب والسلب ومن المعلوم

ص: 277

.......................................

__________________________

انّ المنفي هو كون الصلوة صلوة مع عدم الطهور من حيث لحاظ نفس الطهور فانّ للصلوة حيثيّات وملاحظات بالنسبة إلى الأجزاء والشروط فان عدم الصلوتيّة مع عدم الطهور من حيث عدم الطهور فقط وثبوتها مع ثبوت الطهور من حيث ثبوت الطهور أيضاً فقط وهكذا في باقي الأجزاء والشروط فانّ الصلوة معدومة مع عدم الطهور من حيث عدمه ولو كانت في تلك الحال واجدة لجميع ما اعتبر فيها ممّا عداه أو فاقدة وهذا الحكم الذي ذكرنا للصلوة بالنسبة إلى ا لطهور يثبت للمستثنى بنحو الايجاب فانّ الصلوة صلوة مع الطهور من حيث الطهور فقط سواء كانت جامعة لباقي الأجزاء والشرائط أم فاقدة فان كانت جامعة مع وجود الطهور كانت صلوة فعلاً وإن كانت فاقدة لغير الطهور لم يكن صلوة فعلاً بلحاظ فقد غير الطهور وكانت صلوة بلحاظ الطهور فقضيّة الاستثناء لا يتخلّف أبداً عن الدلالة من تلك الجهة وأمّا الصدق بلحاظ جميع الشروط من الطهور وغيره فلم يعتبر في النفي وفي جانب المستثنى منه ليعتبر في الاثبات أيضاً وفي جانب المستثنى ليكون تخلّفه وعدم الدلالة على ثبوت الصلوة بجميع الأجزاء والشرائط مع وجود الطهور موجباً لعدم دلالة الاستثناء من النفي على الاثبات كما زعمه أبو حنيفة ثمّ بيّن الشارح بياناً آخر لابطال ما تسلّمه المصنّف بما تفطنه وهو ان المقصود من كون الاستثناء من النفي اثباتاً ومن الاثبات نفياً انّ الاستثناء يثبت للمستثنى نقيض ما ثبت للمستثنى منه والموجبة الجزئيّة نقيض للسالبة الكليّة فان قوله: لا صلوة سالبة كلية وقوله إلّا بطهور يدلّ على الموجبة الجزئيّة يعني ثبوت الصلوة في الجملة

ص: 278

.......................................

__________________________

ومن حيث الطهور ولا يجب أن يكون موجبة كليّة بأن يدلّ على ثبوت الصلوة مع ثبوت الطهور من جميع الجهات وإلّا لما كان إذا جاء زيد فأكرمه مفهوماً لقولك ان لم يجي ء زيد فلا تكرمه لأنّ المنطوق يدلّ على حرمة كلّ نوع وفرد من أنواع الاكرام وأفراده بنحو الايجاب الكلّي والمفهوم وهو القضية الموجبة لا يدلّ على وجوب جميع أنواعه وأفراده بالضرورة بل يدلّ على وجوبه في الجملة وبنحو الايجاب الجزئي.

هذا غاية ما أورده على المصنّف مع توضيحات منّا مندرجة في خلال بياناته(1) والحق أن قوله لا صلوة في القضيّة المعهودة سالبة كلية كما اعترف به في بيانه الثاني لابطال تقريب أبي حنيفة فما أفاده أوّلاً مناف لما أفاده ثانياً وبينهما تناقض واضح لأنّ المتبادر من هذا التركيب نفي الحقيقة ونفي الحقيقة في معنى نفي الشي ء بالكليّة لا في الجملة وبملاحظة بعض ما يعتبر فيه، وعليه فيصحّ استدلال أبي حنيفة بأنّ الاستثناء في القضيّة المزبورة ليس من النفي اثباتاً اذ لا يثبت تمام الصلوة بمجرّد ثبوت الطهور وأمّا ما أفاده ثانياً من انّ الاستثناء يثبت للمستثنى نقيض ما ثبت للمستثنى منه والنقيض للسالبة الكليّة إنّما هو الموجبة الجزئيّة وثبوت الصلوة في الجملة عين ثبوت الطهور من حيث ثبوته كفى في ثبوت نقيض سلب الصلوة بالكليّة ففيه ان معنى كون الاستثناء من النفي اثباتاً ومن الاثبات نفياً وإن كان اثبات نقيض المستثنى منه ولو كان موجبة جزئيّة مثل ما

ص: 279


1- الهداية في شرح الكفاية: 425 - 426.

.......................................

__________________________

جاء القوم إلّا زيداً فان مجي ء زيد فقط من القوم الذي ذكر في المستثنى يكفي في اثبات المتضاد لعدم مجي ء القوم فان مجي ء بعض القوم نقيض لعدم مجي ء واحد منهم ولكن المراد من الحديث الشريف المزبور ليس ثبوت الصلوة في الجملة عند ثبوت الطهور وليس المراد منه ما هو المراد من قوله ما جاء القوم الّا زيداً من انّه لم يجي ء القوم ولكنّه جاء زيد منهم حيث انّه لما كان الجملة المستثنى منه منفيّاً كان الاستثناء منها اثباتاً بل المراد انّه يشترط في تحقّق عنوان الصلوة وحقيقتها صدورها من المكلّف حالة الطهارة لا حال الحدث واشتراط شي ء في شي ء غير عنوان النفي والاثبات لبا كما في الاستثناء وإنّما عبّر في الحديث المزبور عن معنى الشرطيّة بعبارة النفي والاثبات وإلّا فلا نفي ولا اثبات مرتبطان معاً كما في الاستثناء لبا بل لب المقصود انه متى كانت الطهارة منفيّة فالصلوة أيضاً منفيّة وهذا غير النفي والاثبات الذي يراد في الجملة الاستثنائيّة كما هو واضح.

قال: ومنه قد انقدح انّه لا موقع للاستدلال على المدّعى بقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله اسلام من قال كلمة التوحيد لامكان دعوى ان دلالتها على التوحيد كان بقرينة الحال أو المقال والاشكال في دلالتها عليه بأن خبر لا اما يقدر ممكن أو موجود وعلى كلّ تقدير لا دلالة لها عليه، حاصل مرام المصنّف ان اتّفاق العلماء والمسلمين على دلالة كلمة التهليل على التوحيد وقبول رسول اللَّه اسلام من قالها لا يدلّ على دلالة الاستثناء على اختصاص حكم النفي بالمستثنى منه وانّ المستثنى موجب وانّ الاستثناء من النفي يكون اثباتاً لأنّه يمكن أن يكون

ص: 280

.......................................

__________________________

حالها حال قوله لا صلوة إلّا بطهور(1) بأن يكون الدلالة فيها بسبب القرينة الخارجيّة حاليّة كانت أو مقاليّة.

ثمّ انّ الاشكال في دلالة الجملة المزبورة على التوحيد بأن خبر لا اما يقدر ممكن أو موجود وعلى كلّ واحد منهما لا دلالة لها عليه، اما على الاوّل فلأنّه تدلّ حينئذٍ على اثبات امكان وجوده تبارك وتعالى فقط لا وجوده والمراد من التوحيد حصر الواجب وجوداً في ذاته المقدّس تبارك وتعالى لا امكاناً، وأمّا على الثاني فلأنّها وإن دلّت حينئذٍ على وجوده تعالى الا انه لا دلالة لها على عدم امكان اله اخر إذ معنى التوحيد الاقرار بوجود الباري وعدم امكان واجب آخر غيره فضلاً عن عدم وجوده إذ مع إمكان الواجب الآخر لابدّ أن يوجد إذ الواجب متحتّم الوجوب ولا يمكن أن يكون واجباً وممكناً ولا يوجد في الخارج مندفع بأنّ المراد من الاله هو واجب الوجود ونفي ثبوته ووجوده في الخارج واثبات فرد واحد منه وهو اللَّه تعالى يدلّ بالملازمة البيّنة على امتناع تحقّقه في ضمن غيره تبارك وتعالى ضرورة انّه لو لم يكن ممتنع الوجود لوجد لكونه من أفراد الواجب وما يكون من أفراد الواجب ولم يمتنع وجوده لوجد البتة كما مرّ إليه الاشارة وليس المراد من الاله الفرد من الواجب غير اللَّه تعالى ليكون معنى الكلمة لا فرد من الواجب ممكن أو موجود إلّا اللَّه تبارك وتعالى كي يلزم على الأوّل دلالتها على الامكان فقط لا وجوده ولم يتحقّق التوحيد وعلى الثاني عدم وجود

ص: 281


1- من لا يحضره الفقيه: 1/58، ح 129؛ وسائل الشيعة: 1/315، ح 829 - 5.

.......................................

__________________________

غير الموجود مع امكانه ولم يتحقّق عليه أيضاً بل يكون المراد من الاله كلي الواجب ومحصّل مدلول الجملة حينئذٍ انّه لم يوجد من كلى الواجب فرد إلّا الفرد الموجود وهو اللَّه تعالى.

وبعبارة اُخرى كلمة التوحيد تدلّ على انّ الواجب من الكليّات المنحصرة في الفرد الواحد والفرق بينه وبين الأمر الممكن المنحصر في الفرد كالشمس مثلاً انّه لما كان الممكن متساوي الطرفين بالنسبة إلى الوجود والعدم ولا يلزم أن يكون موجوداً في الخارج مع امكانه بخلاف واجب الوجود فانّه كلّما كان ممكناً غير ممتنع فيوجد في الخارج لوجوب وجوده ولما لم يوجد فيعلم انه غير ممكن الوجود بل يمتنع فبدليل عدم وجود فرد آخر في الواجب يثبت عدم الامكان.

هذا كلّه شرح ما أفاده المصنّف.

ولكن الشارح الكاظميني قدس سره حقّق هنا تحقيقاً وقال فيما ذكره المصنّف أوّلاً ان هذا الامكان الاحتمالي من الأوهام التي لا ينبغي ترتيب أثر عليها بل لا يخلو عن مثله أي مثل هذا الاحتمال الذي احتمله في كلمة التوحيد ما كان نصاً في الدلالة فيرجع جميع الدلالات إلى الدلالة بالقرينة وينتفي النص بالمرّة مع انه واضح البطلان وكيف يمكن احتمال ذلك في كلمة استعملت بهذا النحو من الاستعمال وقبلت في مورد لا يعلم فيه الا باليقين ولم يحتمل أحد فيها مصاحبة قرينة حالية أو مقاليّة وإلّا لنقلت القرينة أو احتمالها من أحد وثانياً انه لا قصور في دلالته ليحتاج إلى القرينة لأن الاستثناء مفرغ ومعنى اله المنفي فيه هو واجب الوجود أو

ص: 282

.......................................

__________________________

الموجود لذاته وهما معنيان كليان فاذا قال لا واجب الوجود أو لا موجود لذاته إلّا اللَّه فقد أقرّ قائلها بانحصار هذا الكلّي في فرد واحد نصّاً وصراحة إذ لا فرق بين هذا القول وقول واجب الوجود هو اللَّه لا غير، وبعض من لا تحصيل له ظن احتياج « لا » إلى تقدير الخبر ولم يميز معنى اللفظ المنفي فأشكل عليه الأمر لتردّد الخبر بزعمه بين أمرين كلاهما منافيان للاقرار بالوحدانيّة لأنّه ان قدر لا اله ممكن الوجود إلّا اللَّه لم يكن اقراراً بوجوده وان قدر موجود لم يكن نفياً لوجود غيره ولم يتعقل هذا البعض ان المنفي ما ذكرنا أي واجب الوجود أو الموجود لذاته وان الخبر هو المستثنى وان حرف النفي وأدات الاستثناء جي ء بها لافادة حصر الكلّي على الفرد كما هو شأن الاستثناء المفرغ من قصر الحكم المنفي على ما بعد الا فهو فاعل في ما قام إلّا زيد وخبر في ما زيد إلّا قائم ولا رجل إلّا زيد ولا إله إلّا اللَّه ومفعول في ما ضربت إلّا زيدا وهلم جرا وفائدته في الجميع واحدة(1).

وقال بعد جملة كلام له توضيح ما فيما أفاده ذلك البعض من الاشكال ان ظاهره الالتزام بتقدير الخبر وانه لفظ موجود وقد عرفت انه فاسد والخبر هو ما بعد إلّا ولذا لم يكن منصوباً بالّا وكان العامل فيه ما قبلها وان تقدير لفظ موجود لغو لا فائدة فيه بعد ما كان معناه لا واجب الوجود لتضمنه للاخبار بأنّه موجود وإلّا لم يكن واجباً ولذا يعد من المستهجن القبيح أن يقال واجب الوجود موجود

ص: 283


1- الهداية في شرح الكفاية: 426 - 427.

.......................................

__________________________

نعم يحسن العكس بأن يقال الموجود واجب الوجود وان صحّة تقدير الخبر كذلك يلزمه امكان أن لا يكون موجوداً فيكون اما مناقضاً للمتبدأ وهو واجب الوجود إذ غير ممكن أن لا يكون موجوداً أو يراد بالمبتدأ الأعم من كونه لذاته أو لغيره ويكون معناه الواجب الوجود من وجب وجوده لذاته أو لغيره موجود فتكون هذه الكلمة حينئذٍ على عكس المقصود أدل وأمّا على ما ذكرنا فلا يلزم شي ء من ذلك لأنّ الخبر هو مصداق واجب الوجود لذاته المعبّر عنه بلفظ الجلالة تبارك وتعالى شأنه العزيز وظاهر العبارة أي كلمة التوحيد تساوي الطرفين من هذه الجهة لا الاخبار بالأخص عن الأعم من حيث الذاتيّة والأعم فيها دون الغيريّة في تساويهما هذه الجهة ما لا يخفى(1) فانّه إن كان معنى الكلمة لا واجب الوجود الأعم من الثاني والغيري موجود يكون معنى المستثنى حينئذٍ الواجب الوجود أعم من كونه واجباً ذاتاً أو غيره فلا يدلّ على التوحيد المطلوب أصلاً والوجه ما ذكرنا من عدم الحاجة إلى الخبر وان الخبر لفظ الجلالة والمراد من المستثنى منه كلي الواجب الذاتي والمستثنى مصداقه ولا يلزم على هذا محذور أصلاً.

أقول: فيما أفاده مواقع للنظر اما أوّلاً فلا استبعاد في أن يكون دلالة الكلمة الشريفة على التوحيد بالقرينة لاحاق ألفاظها وعباراتها فانّ الدلالة بضميمة القرينة لا عيب فيها فان أغلب الدلالات للألفاظ بواسطة القرينة الحالية أو المقاليّة اذ أغلب الاستعمالات مجازات ولا تكون الاستعمالات المجازيّة دالّة إلّا بالقرينة

ص: 284


1- الهداية في شرح الكفاية: 427.

.......................................

__________________________

والدلالة بالقرينة ليست عيباً في الكلام وأمّا كون الاستثناء مفرغاً والمستثنى منه متروكاً وقيام المستثنى مقامه في الاعراب كماترى في النحو فلا أثر له في دفع الاشكال الذي أورده أصلاً لأنّه وإن كان مقتضى ما ذكر كون خبر لا لفظ الجلالة بحسب صناعة العبارة كما يكون الفاعل للفعل في ما قام الا زيد لفظ زيد المستثنى ولكنّه لابدّ في الاستثناء المفرغ من تقدير المستثنى منه وأن يكون شيئاً يصحّ معنى الجملة مع تقديره كما يقدر في الجملة المزبورة لفظ أحد ويقال ان معنى قوله ما قام إلّا زيد ما قام أحد إلّا زيد وليس معنى تفريغ الاستثناء عدم المستثنى منه أصلاً ورأساً وكونه نسياً منسيّاً لأنّه باطل بالبديهة اذ الاستثناء لا يتحقّق إلّا بعد تحقّق المستثنى منه والمستثنى وإلّا فالاستثناء بدون المستثنى منه ممّا لا يلتزم به أحد ولا معنى له وأيضاً لا خلاف بين أهل العربيّة في ان خبر « لا » في مثل الجملة المزبورة محذوف مقدر والمستثنى قائم مقامه بعد حذفه ولم يقل أحد ان المستثنى فاعل أو خبر لا مثلاً بالاصالة ومستقلاً من دون لحاظ نيابة فيه أصلاً والقول المذكور بأن خبر لا محذوف ليس ممن لا تحصيل له بل يكون من جميع المحصّلين.

وبالجملة الصواب في الجواب ما أفاده المصنّف من ان المقصود من الاله كلي الواجب الوجود وان الخبر المحذوف هو موجود ولا غائلة في قولنا لا واجب الوجود موجود إلّا الفرد الواحد منه فقط وهو اللَّه تعالى كما يصحّ أن يقال لا انسان إلّا زيد مبالغة فكما لا إشكال في الجملة المزبورة على طريق المبالغة فكذا لا إشكال ولا قبح في مثلها على طريق الحقيقة.

ص: 285

بالمستثنى منه ولا يعم المستثنى ولذلك يكون الاستثناء من النفي إثباتا، ومن الاثبات نفيا، وذلك للانسباق عند الاطلاق قطعا، فلا يعبأ بما عن أبي حنيفة من عدم الافادة، محتجا بمثل (لا صلاة إلا بطهور) ضرورة ضعف احتجاجه:

أولا: بكون المراد من مثله أنه لا تكون الصلاة التي كانت واجدة لاجزائها وشرائطها المعتبرة فيها صلاة، إلا إذا كانت واجدة للطهارة، وبدونها لا تكون صلاة على وجه، وصلاة تامة مأمورا بها على آخر.

وثانيا: بأن الاستعمال مع القرينة، كما في مثل التركيب، مما علم فيه الحال لا دلالة له على مدعاه أصلا، كما لا يخفى.

ومنه قد انقدح أنه لا موقع للاستدلال على المدعى، بقبول رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إسلام من قال كلمة التوحيد، لامكان دعوى أن دلالتها على التوحيد كان بقرينة الحال أو المقال.

والاشكال في دلالتها عليه - بأن خبر (لا) اما يقدر (ممكن) أو (موجود) وعلى كل تقدير لا دلالة لها عليه، أما على الاول: فإنه حينئذ لا دلالة لها إلا على إثبات إمكان وجوده تبارك وتعالى، لا وجوده، وأما على الثاني: فلانها وإن دلت على وجوده تعالى، إلا أنه لا دلالة لها على عدم إمكان إله آخر - مندفع، بأن المراد من الاله هو واجب الوجود، ونفي ثبوته ووجوده في الخارج، وإثبات فرد منه فيه - وهو اللَّه - يدل بالملازمة البينة على امتناع تحققه في ضمن غيره تبارك وتعالى، ضرورة أنه لو لم يكن ممتنعا لوجد، لكونه من أفراد الواجب.

ثم إن الظاهر أن دلالة الاستثناء على الحكم في طرف المستثنى بالمفهوم، وأنه

ص: 286

لازم خصوصية الحكم في جانب المستثنى منه[1] التي دلت عليها الجملة

__________________________

[1] أقول: يعني ان أدراج بحث دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم ايجاباً وسلباً بالمستثنى منه وعدم عمومه للمستثنى في المفاهيم صحيح لا إشكال فيه اذ الدلالة على عدم العموميّة للمستثنى وان المستثنى خارج عن المستثنى منه المحكوم عليه بالحكم الإيجابي أو السلبي دلالة مفهوميّة لا منطوقيّة ظاهراً وان خروج المستثنى عن الحكم يفهم من اختصاصه بالمستثنى منه للزومه له نعم إن كانت الدلالة على خروج المستثنى عن الحكم بنفس الاستثناء لا بدلالة مجموع الجملة على الاختصاص عليه بالدلالة الالتزاميّة كانت الدلالة حينئذٍ بالمنطوق ولم يكن الدلالة على خروج المستثنى عن الحكم من الدلالات المفهوميّة ولم يكن وجه لادراج البحث عنه من مباحث المفهوم ولا بعد فيما ذكر من كون الدلالة بنفس الاستثناء كي يكون الدلالة على الخروج داخلة في المنطوق إلّا ان تعيين ذلك لا فائدة فيه اذ الفائدة المتصوّرة من تقدّم الدلالة المنطوقيّة على ما يستفاد من الجملة الاستثنائيّة بناء على ان خروج المستثنى من المستثنى منه المحكوم عليه بالحكم الايجابي أو السلبي من الدلالات المفهوميّة هنا منتفية لأنّ الوجه في تقدّم المنطوق على المفهوم قوّة الأوّل وضعف الثاني ومن المعلوم اقوائيّة ما يستفاد من الجملة الاستثنائيّة من الدلالة المنطوقيّة ولو كان من المفهوم لا من المنطوق فلا يقدم المنطوق عليه لعدم أقوائيّته بل يقدم هي عليه لكونه أقوى منه فثبت عدم الفائدة في البحث عن تعيين ذلك.

ثمّ انّه نبه الشارح قدس سره هنا: بتنبيه لا بأس بنقله وبيان ما فيه وهو: ان الأوجه عد

ص: 287

.......................................

__________________________

الاستثناء المذكور فيه المستثنى منه متّصلاً كان أو منقطعاً كقام القوم إلّا زيداً وما قام أحد إلّا زيدٌ أو إلّا حمار مقاماً مستقلاً عليحدة وعد ما يسمى في عرف النحاة بالاستثناء المفرغ مقاماً آخر لوضوح سقوط أدات الاستثناء في الثاني عمّا هي عليه بحسب الوضع ولذا يتّبع ما بعدها في الحكم ما قبلها وإنّما يؤتى بحرف النفي والأدات لمجرّد افادة قصر الحكم على المذكور بعدها فيكون حالها حال إنّما فالخلط بين مقامي الادات وجعلهما واحداً ليس بوجيه عندي ويخطر بالبال ان البيانيين جروا على هذا المنوال فلاحظ وتدبّر انتهى كلامه رفع مقامه(1).

أقول: الفرق بين الاستثناء المفرغ والمذكور فيه المستثنى منه من حيث الدلالة على الاختصاص والحصر فرق بلا فارق غاية الأمران في الاستثناء الغير المفرغ يثبت الحكم الايجابي أو السلبي للمستثنى منه أوّلاً ثمّ يخرج المستثنى عن المستثنى منه وكلا المعنيين من الاثبات والاخراج مَقْصُودانِ اصالة واستقلالاً بخلافه في المفرغ فان المقصود الأصلي اخراج المستثنى عن الحكم السلبي الذي ثبت للمستثنى منه وقصر ضدّه من الاثبات على المستثنى وهذا لا يوجب فرقاً بينهما بحيث يجعل كلّ واحد منهما عنواناً عليحدّة ومقاماً مستقلّاً فالخلط بين المقامين وجعلهما واحداً في غاية الوجاهة وفرق البيانيين بينهما لا يكون حجّة علينا مع وضوح انّه من الاصطلاحات والاعتبارات التي جعلوها واخترعوها ولا مشاحة في الاصطلاح فان جعلهم الاستثناء المفرغ من الدوال على الحصر

ص: 288


1- الهداية في شرح الكفاية: 428.

الاستثنائية، نعم لو كانت الدلالة في طرفه بنفس الاستثناء لا بتلك الجملة، كانت بالمنطوق، كما هو ليس ببعيد، وإن كان تعيين ذلك لا يكاد يفيد.

ومما يدل على الحصر والاختصاص (إنما) وذلك لتصريح أهل اللغة[1] بذلك،

__________________________

«كانّما» مثلاً دون غيره ممّا هو المستثنى منه فيه مذكور وجعله أمراً عليحدّة وباباً آخر لا يؤثّر فيما هو الواقع من الاتّحاد وعدم فرق فارق بينهما ومن المعلوم ان الاستثناء الغير المفرغ والمفرغ كلاهما من واد واحد وشربهما من مشرب فارد وليسا إلّا واحداً من الدوال على الاختصاص والحصر في مقابل إنّما وسائر الدوال عليه كما لا يخفى.

[1] أقول: يعني ان من جملة الدوال على الحصر والاختصاص إنّما وانها كلما ذكرت في جملة يفهم فيها الحصر بأقسامه كأدات الاستثناء ولفظة ما وإلّا والدليل عليه تصريح أهل اللغة بذلك وتبادره منها قطعاً عند أهل اللسان والمحاورة الذي هو من علائم الوضع والحقيقة وادّعى بعضهم انّ الانصاف عدم دلالة التبادر على دلالته على الحصر إذ لا يعلم في عرفنا لفظ مرادف له كي نجعل تبادر الحصر منه إلى أذهاننا دليل الوضع له وهو فاسد إذ لا نسلم أو لا عدم معلوميّة اللفظ المرادف له في عرفنا أصلاً بل لا نعلم له لفظ مفرد كذلك وإنّما هو لفظ مركب وهو لفظة « اين است و جز اين نيست » مثلاً ولا شبهة في دلالته على الحصر فكذلك مرادفه في لغة العرب وهو إنّما وثانياً لو ضاق التعبير عن معناه في عرفنا بلفظ مفرد ولكنّه يعلم اجمالاً ان المستعمل فيه معنى يفهم من الحصر وعدم القدرة على بيانه تفصيلاً

ص: 289

.......................................

__________________________

لا يضرّ بما هو المقصود من فهم الحصر والاختصاص وثالثاً ليس السبيل إلى تعيين وضعها للحصر منحصراً في التبادر إلى اذهاننا فانّ الانسباق إلى اذهان أهل العرف غيرنا سبيل أيضاً وربّما يعد ممّا دلّ على الحصر كلمة بل الاضرابيّة وحقّق المصنّف وشرح هذا المجمل بأن الاضراب على أنحاء، منها ما كان لأجل ان المضرب عنه إنّما أتى به غفلة أو سبقه به لسانه فيضرب بها عنه إلى ما قصد به بيانه فلا دلالة له على ذكر المضرب عنه كالتوطئة والتمهيد لذكر المضرب إليه وهذا القسم من الأضراب أيضاً لا يدلّ على الحصر بلا شبهة ومنها ما كان في مقام الردع وابطال ما أثبت أولا فيدلّ عليه وهو واضح وأوضح فيما إذا كانت مسبوقة بكلمة لا كما اذا قال هذا فاسق لا بل كافر.

أقول: التحقيق الذي أفاده المصنّف مستغني عنه ومن بيان العنوان اذ من المعلوم ان المقصود من كلمة بل الاضرابية التي قالوا بافادتها للحصر والاختصاص ما كانت لمعنى الاضراب حقيقة والقسمان الأوّلان الذان ذكرهما المصنّف ليسا من الأضراب حقيقة بل إنّما يطلق عليهما الأضراب تجوزاً اذ الأوّل منهما من موضوع الغلط والاشتباه في الحقيقة لا الاضراب ومن هنا قال ابن مالك في بحث البدل بالنسبة إلى البدل مثل المعطوف ببل.

« وذا للاضراب اعز ان قصدا صحب * ودون قصد غلط به سلب »

فانه جعل بدل الاضراب وبدل الغلط متقابلين وكذا فيما ذكر المضرب عنه فيه أو لا للتمهيد والتوطئة لذكر المضرب إليه فمعلوم انه ليس مندرجاً تحت عنوان

ص: 290

وتبادره منها قطعا عند أهل العرف والمحاورة.

ودعوى - أن الانصاف أنه لا سبيل لنا إلى ذلك، فإن موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة، ولا يعلم بما هو مرادف لها في عرفنا، حتى يستكشف منها ما هو المتبادر منها - غير مسموعة، فإن السبيل إلى التبادر لا ينحصر بالانسباق إلى أذهاننا، فإن الانسباق إلى أذهان أهل العرف أيضا سبيل.

وربما يعد مما دل على الحصر، كلمة (بل) الاضرابية، والتحقيق أن الاضراب على أنحاء: منها: ماكان لاجل أن المضرب عنه، إنما أتى به غفلة أو سبقه به لسانه، فيضرب بها عنه إلى ما قصد بيانه، فلا دلالة له على الحصر أصلا، فكأنه أتى بالمضرب إليه ابتداء، كما لا يخفى.

ومنها: ما كان لاجل التاكيد، فيكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة والتمهيد لذكر المضرب إليه، فلا دلالة له عليه أيضا.

__________________________

الاضراب أيضاً إذ معنى الأضراب الاعراض ورفع اليد عمّا سبق من المضرب جداً وحقيقة وهذا المعنى لا يكون محقّقاً إلّا في بل الذي استعملت في بيان اظهار الندم عما افيد أولا قصداً ومع الالتفات والرجوع عنه إلى ما أفيد ثانياً وبالجملة المقصود من قولهم ان كلمة بل الاضرابيّة دالّة على الحصر واضح لا شبهة فيه ولا يحتاج إلى تحقيق ولا مزيد تدقيق بل التفصيل الذي ذكره تطويل بلا طائل وتشريح بلا حاصل ولاسيّما بالنسبة إلى وضع الكتاب الذي وضع لبيان اللباب والمهمات والأصول والمنتخبات لا أمثال هذه التوضيحات عصمنا اللَّه من الزلل والخطأ والخطل إن شاء اللَّه تعالى.

ص: 291

ومنها: ما كان في مقام الردع، وإبطال ما أثبت أولا، فيدل عليه وهو واضح.

ومما يفيد الحصر - على ما قيل - تعريف المسند إليه باللام،[1] والتحقيق

__________________________

[1] والتحقيق فيه عند المصنّف انّه لا يفيده إلّا عند اقتضاء المقام وقيام القرينة لا مطلقاً ووجهه ان الأصل في اللام أن يكون لتعريف الجنس وهو معناه الحقيقي الأولى الموضوع له وإنّما يستعمل في غيره من الاستغراق بأقسامه تجوزاً وبالعلاقة وكذلك الأصل في الحمل في القضايا المتعارفة هو الحمل المتعارف الذي ملاكه مجرّد الاتّحاد في الوجود وتطبيق الكلي على المصداق فانه المعنى الشائع فيها لا الحمل الذاتي الذي ملاكه الاتّحاد بحسب المفهوم وحمل شي ء على جنس وماهيّة كذلك أي بالحمل المتعارفي والشائع الصناعي بأن يكون المراد بالرجل في الرجل زيد مثلاً جنس الرجل وطبيعته والمقصود من الحمل كون زيد فرداً من أفراد ذلك الجنس لا يفيد الحصر واختصاص الماهية بالفرد نعم لو قامت قرينة على انّ اللام للاستغراق أو ان مدخوله أخذ بنحو الارسال والاطلاق في طرف الموضوع أو قامت قرينة على انّ الحمل على الموضوع الذي يكون المقصود منه الجنس والطبيعة ذاتيّاً واوليا لا شائعا صناعيا متعارفياً لافيد حصر مدخوله على محموله واختصاصه به.

وفيه كسابقه ان هذا التحقيق مستغني عنه وتطويل بلا طائل اذ رسم الاستعمالات والمحاورات على انّ حمل الفرد على الكلّي يفيد الحصر والمرتكز في أذهان أهل المحاورة استهجان حمل الخاص على العام بالحمل المتعارف والحمل الذاتي صحيح عندهم بلحاظ القصر والحصر ودلالة مثل قولنا الرجل زيد

ص: 292

أنه لا يفيده إلا فيما اقتضاه المقام، لان الاصل في اللام أن تكون لتعريف الجنس، كما أن الاصل في الحمل في القضايا المتعارفة، هو الحمل المتعارف الذي ملاكه مجرد الاتحاد في الوجود، فإنه الشائع فيها، لا الحمل الذاتي الذي ملاكه الاتحاد بحسب المفهوم، كما لا يخفى، وحمل شئ على جنس وماهية كذلك، لا يقتضي اختصاص تلك الماهية به وحصرها عليه، نعم، لو قامت قرينة على أن اللام للاستغراق، أو أن مدخوله أخذ بنحو الارسال والاطلاق، أو على أن الحمل عليه كان ذاتيا لافيد حصر مدخوله على محموله واختصاصه به.

وقد انقدح بذلك الخلل في كثير من كلمات الاعلام في المقام، وما وقع منهم من النقض والابرام، ولا نطيل بذكرها فإنه بلا طائل، كما يظهر للمتأمل، فتأمل جيدا.

فصل:

لا دلالة للقب ولا للعدد على المفهوم[1] وانتفاء سنخ الحكم عن غير موردهما

__________________________

والانسان عمرو على حصر الرجوليّة على زيد والانسانيّة على عمرو في المحاورات المتعارفة قرينة من البداهة والتدقيق في مثل ذلك وتطبيقه مع الموازين العلميّة من توضيح الواضحات وبيان العيانات كما لا يخفى.

[1] يعني انّه إذا علّق الحكم على شخص مخصوص كقوله اضرب زيداً أو عمرواً أو عدد مخصوص كتحديد الكفّارة باطعام ستّين مسكيناً أو صيام شهرين متتابعين فلا يدلّ القضيّة على نفي مثل ذلك الحكم عن غير المسمّى بهذا الاسم أو العدد الآخر غير ذلك العدد إلّا إذا قامت القرينة على الدلالة أو اقتضاها المقام

ص: 293

.......................................

__________________________

اتّفاقاً وهو غير الدلالة على المفهوم كلية مثلاً اذا سئل المديون عن الدائن كميّة الدين فعينه في قدر معين فاذا دعى بعد ذلك انه كان أكثر لم يسمع دعواه لاقتضاء المقام هنا دلالة العدد على المفهوم فانّه لما كان المديون المبين لكميّة الدين في مقام التعيين واثبات ما عين ونفي غيره ان ما عليه هذا المقدار لا أقل ولا أكثر فلابدّ أن يكون القضيّة التي تلفظت بها دالّة على المفهوم وكذلك الحال في اللقب مثلاً إذا سائل عن المسئول عنه عن الذي جاء عنده فقال جائني زيد فيدلّ على ان غيره لم يجي البتة وأمّا إذا قال ابتداء جائني زيد فلا يدلّ على المفهوم بمعنى انتفاء سنخ الحكم عن غير زيد وأمّا انتفاء شخص هذا الحكم عن غير المورد المعلّق عليه فلابدّ منه ولا دخل له بالمفهوم إذ المعلّق ينتفي عند انتفاء المعلّق عليه البتة وهذا غير المفهوم وقد مرّ مراراً ذلك ولذا يكون قضيّة التقييد بالعدد عدم جواز الاقتصار على الأقل وإن كان ميسورة لأنّه ليس بذلك الأمر الخاص والمقيّد المعلّق عليه الحكم بل غيره وأدلّة الميسور لا يشمل مثل ذلك وكذلك لا يصح أن يكون زائداً أيضاً إذا كان التحديد بالاضافة إلى طرفي الأقل والأكثر وتعيين كون التحديد بالنسبة إلى الطرفين أو الطرف الأقل فقط يعلم من خصوصيّات المورد وألفاظ الأدلّة مثلاً لا يبعد أن يكون تسبيح الزهراء عليها السلام محدوداً بالنسبة إلى الطرفين ولعلّه كذلك في صوم الكفّارة من التعبديّات ولا شبهة في كون التحديد كذلك في وليمة العرس وغيره في التوصليّات فان في أمثال ذلك كلّها لا يجزي الزيادة ولا النقيصة امّا لو كان التحديد بالنسبة إلى طرف الأقل فقط كما

ص: 294

أصلا، وقد عرفت أن انتفاء شخصه ليس بمفهوم، كما أن قضية التقييد بالعدد منطوقا عدم جواز الاقتصار على ما دونه، لانه ليس بذاك الخاص والمقيد، وأما الزيادة فكالنقيصة إذا كان التقييد به للتحديد بالاضافة إلى كلا طرفيه، نعم لو كان لمجرد التحديد بالنظر إلى طرفه الاقل لما كان في الزيادة ضير أصلا، بل ربما كان فيها فضيلة وزيادة، كما لا يخفى، وكيف كان، فليس عدم الاجتزاء بغيره من جهة دلالته على المفهوم، بل إنما يكون لاجل عدم الموافقة مع ما أخذ في المنطوق، كما هو معلوم.

المقصد الرابع: في العام والخاص

فصل:

قد عرف العام بتعاريف[1] وقد وقع من الاعلام فيها النقض بعدم

__________________________

في أيّام الاقامة وفراسخ المسافة وسنين البلوغ لما كان في الزيادة ضير أصلاً بل ربما كان فيه فضيلة وزيادة في الأجر إذا كان من المستحبّات كذكر الركوع والسجود والصلوة على محمّد وآله يوم الجمعة ألف مرّة.

والحاصل ان عدم الاجزاء فيما إذا علّق الحكم على عدد مخصوص بغيره ليس من جهة ثبوت المفهوم للعدد بل هو ممّا يفهم من المنطوق اذ غير العدد المزبور ليس متعلّقاً للحكم في المنطوق فكيف يجتزي به.

[1] أقول: قد مرّ مراراً انّ التعريفات في أمثال هذه الموارد تعاريف لفظية المقصود منها شرح الاسم وتعريف المعرف بوجه لا بيان الكنه والحقيقة كما هو الوظيفة لأهل الحكمة بأن يعرفوا الأشياء بكنهها وحقيقتها وما يقع فيها يقع في جواب السؤال عن الشي ء بالما الشارحة المسئول بها عن شرح معنى اللفظ

ص: 295

.......................................

__________________________

لا السؤال عنه بالما الحقيقية وكيف يمكن أن يكون تلك المعرّفات معرّفات حقيقيّة مع ان المرتكز في الذهن أوضح ممّا يقع فيها مفهوماً ومصداقاً فاذن كان ترك التعريف بذلك المعرف أنسب وأليق ألا ترى انّه يجعل صدق ذلك المعنى المرتكز على فرد وعدم صدقه على فرد آخر ميزاناً في الاشكال على التعريف اطراداً وانعكاساً مع انّ التعريف الحقيقي لابدّ أن يكون بالاجلى والالزم تعريف المجهول بالمجهول فالغرض من تعريف العام كالتعاريف الاخر مثله بيان مفهوم جامع بين الأفراد الواضحة للمعرف ليشار إليها بذلك المفهوم ويجعل وسيلة إلى اثبات أحكامها بعد الاشارة إليها فانّ المخصصية والتعارض من الأحكام مثلاً إنّما يكون من عوارض مصداق العام لا مفهومه وماهيته ولا غرض يتعلّق ببيان حقيقته وماهيته فانّه لا حكم لحقيقة العام وماهيته كي نحتاج إلى بيانها كذلك كما هو أوضح من أن يخفى.

ثمّ الظاهر عند المصنّف ان ما ذكر للعام من الأقسام من الاستغراقي والمجموعي والبدلي إنّما يكون الاختلاف بينها من جهة اختلاف الأحكام المتعلّقة به وإلّا فمعنى العموم في الكل واحد وهو شمول المفهوم لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه ويندرج تحته من المصاديق والافراد غاية الأمر تعلّق الحكم بذلك المهفوم العام تارة بنحو يكون كلّ فرد منه موضوعاً عليحدّة وبحيث لو أتى بواحد دون الآخر أطاع من جهة وعصى من وجه آخر وأخرى بنحو يكون الجميع

ص: 296

.......................................

__________________________

موضوعاً واحداً بحيث لو أخلّ بواحد لما امتثل أصلاً وثالثة بنحو يكون كلّ واحد موضوعاً على البدل بحيث لو أكرم واحداً منهم لقد أطاع وامتثل فان هذه الاختلافات ناشئة من ناحية الحكم المتعلّق بالعموم وليست في حاق معنى العام بحيث كان للعام أقسام.

قال الشارح قدس سره في توضيح ما أفاده المصنّف: فان قلت(1) كيف يمكن أن يكون اختلاف معنى العام بسبب اختلاف تعلّق الأحكام مع ان من المعلوم وضع كلّ لفظ لمعنى مخصوص مع قطع النظر عن تعلّق حكم به فان لفظ كلّ رجل مثلاً دالّة على العموم الاستغراقي ولفظ أي رجل دال على البدلي مع قطع النظر عن الحكم المتعلّق به ولا يجوز أن يكون المعنى فيهما واحداً وكان الاختلاف ناشئاً عن تعلّق ا لأحكام المختلفة واختلاف الموارد كما هو ظاهر العبارة.

قلت: من المعلوم ان كلّ رجل مثلاً ليس قبل الاستعمال دالّاً على العموم الاستغراقي وكذلك أيّ رجل ليس دالّاً على العموم البدلي بل إنّما يدلّان على العموم وشمول المفهوم لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه من المصاديق والأفراد قبل الاستعمال والموضوع له لهما إنّما هو العموم وإنّما حصلت الدلالة على خصوص الوصف من الاستغراق أو البدليّة بعد استعمال اللفظ وبما هو مسند إليه ومحكوم به أو عليه ولذا لا يعقل أن يحكم على أحدهما بما حكم به على الآخر مع انّه لو كان

ص: 297


1- الهداية في شرح الكفاية: 432.

.......................................

__________________________

الوصف من خواص نفس اللفظ من دون دخل لاستعماله فيه أمكن ذلك قطعاً وبعبارة أخرى التعبير بكلّ رجل معلول عن الحكم على كلّ واحد واحد من أفراد الرجل على سبيل الاستغراق والتعبير بأيّ رجل معلول عن الحكم على كلّ واحد واحد على سبيل البدليّة لا الاستغراق فالواضع وضع هذين اللفظين للمعينين ولكن بالملاحظة المذكورة حين الوضع وببيان آخرالواضع حين الوضع لاحظ اختلاف الأحكام المتعلّقة بالموضوعات وعين بأنّه كلّما تعلّق الحكم الكذائي بالعام فلابدّ أن يعبّر عنه هكذا.

فان قلت: الوضع عبارة عن تعيين اللفظ الفلاني للدلالة على المعنى الفلاني ومعلوم ان معاني الألفاظ مختلفة من حيث الكليّة والجزئيّة والاليّة والاستقلاليّة ولكلّ واحد منهما أنواع ولا دخل لتعلّق الحكم عن الحاكم في وضعها ودلالتها على معانيها وكما ان دلالة اللفظ تنقسم إلى الدلالة على الطبيعة الكليّة والشخص الجزئي من دون دخل لتعلّق الحكم في ذلك فكذلك لابدّ أن يكون الدلالة على الطبيعة بالنسبة إلى الأقسام الثلاثة من الاستغراقيّة والبدليّة والمجموعيّة كذلك.

وبعبارة أخرى لما كانت المعاني مختلفة في مقام الثبوت والواقع كانت الألفاظ أيضاً مختلفة في مقام الاثبات والدلالة عليها ومن المعلوم اختلاف العموم الاستغراقي والبدلي والمجموعي في الواقع وفي مقام الثبوت فلابدّ أن يكون الألفاظ الدالّة عليها مختلفة بحسب الدلالة والوضع لها من دون دخالة لاختلاف الحكم المتعلّق بالموضوع في هذا الاختلاف إلّا أن يقال انّه لا اختلاف في مقام

ص: 298

.......................................

__________________________

الثبوت المعاني المزبورة ضرورة ان الأفراد المنطبق على كلّ واحد منها لفظ العام معنى واحد خارجي لا اختلاف فيه فلا يعقل أن يزيد مقام الاثبات والدلالة على مقام الثبوت والواقع مع ان المقام الأوّل فرع مقام الثاني فيتحصّل ان اختلاف مقام الاثبات بلحاظ اختلاف كيفيّة تعلّق الحكم به وليس ناشئاً عن الاختلاف في مقام الثبوت فلم يختلف مقام الاثبات ولا مقام الثبوت بأنفسهما وممّا يوضح ذلك ان مسمّى الضرب معنى واحد في الخارج لا اختلاف فيه ولكن الواضع بلحاظ اختلاف الأغراض والمقامات اخباراً وانشاءً وضع له ألفاظاً في مقام الاثبات مختلفة حسب اختلاف الحالات كالمصدر وما يتفرّع عنه من الاشتقاقات فلم يوجب الاختلاف في مقام الاثبات والدلالة على المداليل المختلفة المستند إلى ذلك اللحاظ مع كون المسمّى في مقام الثبوت لا اختلاف فيه أن لا يكون الأقسام بلحاظ اختلاف الأغراض.

والحاصل ليس مراد المصنّف ان اختلاف الأقسام لا دخل له بوضع العام أصلاً وإنّما نشأ من اختلاف تعلّق الأحكام فقط فان هذا واضح الفساد بل مراده ان اختلاف الأقسام للعام إنّما نشأ من لحاظ الواضع اختلاف تعلّق الأحكام والا فاصل المعنى بحسب الخارج شي ء واحد لا اختلاف فيه.

هذا ملخّص ما أفاده الشارح الكاظميني في توضيح مرام المصنّف مع تغير في بعض بياناته لزيادة التوضيح(1).

ص: 299


1- الهداية في شرح الكفاية: 432 - 433.

.......................................

__________________________

وأقول: زيادة على ذلك انّه ليس مقصود المصنّف ان الاختلاف الواقع بين أقسام العام لا يرتبط بالوضع أصلاً وليس ناشئاً منه بوجه كيف ذلك وانّ المستعملين الحاكمين بالأحكام لا يقدرون على تلك التصرّفات واحداث تغيرات في معاني الألفاظ باختلاف الأحكام الصادرة منهم باختلاف المصالح والحكم بل ليس لهم إلّا استعمال اللفظ وارادة المعنى منه بطريق رخص واضع اللغة فان اطوار الاستعمال بيد الواضع كالوضع أيضاً كما انه حقق في صدر الكتاب ان الموضوع له والمستعمل فيه في الأسماء والحروف واحد وان الاختلاف في طور الاستعمال وتعيين مورد استعمالهما إنّما صدر من الواضع أيضاً وانّه قرّر ان لفظ الابتداء مثلاً منحصر مورد استعماله في الابتداء إذا كان استقلاليّاً ولفظة من فيه فيما إذا كان اليا مع انّ الاستقلاليّة والاليّة خارجان عن الموضوع له والمستعمل فيه فيهما فكذا هنا لاحظ الواضع الأقسام المختلفة للعموم وعيّن هذا الاستعمال لهذا القسم والاستعمال الآخر للقسم الآخر.

والحاصل انّه كلّما ينطبق اللفظ المستعمل في المعنى الشامل على الأفراد الذي تكون تحته فهو عام فانّه كما ينطبق لفظ كلّ رجل المراد منه الاستغراق الأفرادي على كلّ فرد فرد من الرجل فكذلك اذا اريد منه الاستغراق المجموعي وكذلك منه العموم البدلي أيضاً بخلاف ما إذا لم ينطبق على الأفراد المندرجة تحته كعشرة وغيرها من أمثالها فان لفظ عشرة لا يصدق على الواحد والاثنين والثلاثة الواقعة تحتها فمثلها ليس من العموم في شي ء.

ص: 300

.......................................

__________________________

واستشكل الشارح على المصنّف هنا بأن خروج العشرة ومثلها عن العموم ليس لأجل عدم انطباقها على فرد فرد من أفرادها وإلّا للزم خروج الجمع المعرف باللام أيضاً من العام إلّا بناء على انسلاخ معنى الجمعية عنه ليشمل كلّ فرد وهو ضعيف لعدم شمول توقّف كلّ فرد مطلقاً على ذلك أي انسلاخ معنى الجمعيّة بل الجمع المحلى باللام ليس بخارج من العام ولو بدون الانسلاخ لكفاية الانطباق الضمني ولا يلزم الاستقلالي منه ومعلوم انه لا فرق بين اكرم العشرة واكرم الرجال العشرة في كون المعنى أكرم كلّ فرد فرد ضرورة صدق العشرة على كلّ فرد ضمناً كصدق الرجال العشرة أيضاً فانّ المجموع عبارة عن الأفراد التي تحته فلا فرق بين عشرة وغيرها من مثلها ومثل لفظ كلّ رجل في الانطباق على الأفراد فليس المناط في خروجها عن العموم ما ذكره المصنّف بل المناط ان مدلول العام الحقيقي هو الطبيعة الكليّة الموجودة بوجود أفرادها وشموله لكلّ فرد أو لواحد على البدل أو غير ذلك أمور عارضة للطبيعة لاختلاف الوضع وبالنسبة إلى أصل المعنى الموضوع له كما يترائى في بادى النظر أو كيفيّة تعلّق الحكم بالعام وعروض العوارض المزبورة من هذه الجهة كما حقّقه المصنّف بخلاف العشرة وما أشبهها فانّها موضوعة لمعنى لم يلحظ في أفراده ولا في مجموعه إلّا خصوصيّة العدديّة فكأنّها قد لوحظت مجرّدة عن كلّ طبيعة وحقيقة والفرق بينهما هو الفرق بين الكلي والكل والجزئي والجزء(1) أيضاً وليس الفرق بينهما إلّا ما أفاده

ص: 301


1- الهداية في شرح الكفاية: 434.

.......................................

__________________________

المصنّف من الانطباق وعدم الانطباق ووجه عدم الانطباق عند المصنّف أيضاً ليس إلّا ما ذكره الشارح من كون المراد في لفظ العموم الطبيعة الكليّة وفي لفظ العشرة ومثلها لوحظت خصوصيّة العدديّة مجرّدة عن كلّ طبيعة وحقيقة وان معناها العدد الحاضر صرفاً سواء كان تلك الحقيقة التي لوحظ فيها ذلك العدد المعيّن انساناً أو حجراً أو شجراً ولذا لا ينطبق لفظتها التي يكون المراد منها العدد المعين على أفراد من حقيقة معينة.

وأمّا من حيث العدديّة الشاملة لاحادها فلا يحصل عنوان عموميّة فيها لعدم انطباقها على احادها فان عنوان العشرة غير عنوان الواحد والاثنين بل تلك العناوين متضادّة ومتباينة.

والحاصل ان ما ذكر في بيان عدم العموم في العشرة ومثلها بعينه غرض المصنّف أيضاً من قوله بخروج العشرة عن العموم لعدم صلاحيتها بمفهومها للانطباق على كلّ واحد ممّا تحتها وأمّا الاشكال على ما قاله بأنّه عليه يخرج الجمع المعرف باللام عن العموم أيضاً لعين ما ذكر فغير وارد لما ذكره هو بأنّ الصدق الضمني كاف في العموم الاستغراقي ولا يلزم الصدق الاستقلالي وهذا بخلاف العشرة فانّها غير صادقة على ما تحتها من الآحاد لا استقلالاً ولا ضمناً لأنّه لم يؤخذ في مفهومها طبيعة ولا حقيقة أصلاً كي يصدق وينطبق على أفرادها استقلالاً أو ضمناً بل معناها إنّما هو عنوان العدديّة الصرفة ومعلوم ان عدد العشرة لا ينطبق على الواحد ولا على الاثنين لا استقلالاً وهو واضح ولا ضمناً كصدق

ص: 302

الاطراد تارة والانعكاس أخرى بما لا يليق بالمقام، فإنها تعاريف لفظية، تقع في جواب السؤال عنه ب «ما» الشارحة، لا واقعة في جواب السؤال عنه ب «ما» الحقيقية، كيف؟ وكان المعنى المركوز منه في الاذهان أوضح مما عرف به مفهوما ومصداقا، ولذا يجعل صدق ذاك المعنى على فرد وعدم صدقه، المقياس في الاشكال عليها بعدم الاطراد أو الانعكاس بلا ريب فيه ولا شبهة تعتريه من أحد، والتعريف لابد أن يكون بالاجلى، كما هو أوضح من أن يخفى.

فالظاهر أن الغرض من تعريفه، إنما هو بيان ما يكون بمفهومه جامعا بين ما

__________________________

الجمع المعرف باللام على الأفراد تحته باعتبار انطباق مفرده عليها فان الانطباق الضمني أيضاً غير متحقّق في العشرة بالنسبة إلى احادها لما عرفته.

وبالجملة ليس مراد المصنّف من العشرة الطبيعة المتصفة أفرادها بالعشرة كي يقال عليه بانّها ينطبق على تلك الأفراد ضمناً كانطباق الرجال العشرة على فرد فرد منها ضمناً وهو كاف في انطباق العام على أفراده وانه لا فرق بين الرجال العشرة والعشرة بدون ذكر الموصوف بل مراده صرف عنوان العشريّة ومراده من احادها صرف عنوان الواحديّة والاثنينية من دون فرض طبيعة مأخوذة فيها وعدم انطباق عنوان العشريّة على عنوان الواحديّة والاثنينية وتضاد تلك العناوين ممّا لا يخفى كما اعترف به الشارح نفسه فعلم ان مراد المصنّف ليس إلّا ما بيّنه الشارح جزما وقطعاً ومن العجب انه كيف جوز نسبة ذكره إلى المصنّف وورود دخل هذا لاشكال عليه مع انّه كان علماً في التحقيق والتدقيق.

ص: 303

لا شبهة في أنها أفراد العام، ليشار به إليه في مقام إثبات ما له من الاحكام، لا بيان ما هو حقيقته وماهيته، لعدم تعلق غرض به بعد وضوح ما هو محل الكلام بحسب الاحكام من أفراده ومصاديقه، حيث لا يكون بمفهومه العام محلا لحكم من الاحكام.

ثم الظاهر أن ما ذكر له من الاقسام: من الاستغراقي والمجموعي والبدلي إنما هو باختلاف كيفية تعلق الاحكام به، وإلا فالعموم في الجميع بمعنى واحد، وهو شمول المفهوم لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه، غاية الامر أن تعلق الحكم به تارة بنحو يكون كل فرد موضوعا على حدة للحكم، وأخرى بنحو يكون الجميع موضوعا واحدا، بحيث لو أخل بإكرام واحد في (أكرم كل فقيه) مثلا، لما امتثل أصلا، بخلاف الصورة الاولى، فإنه أطاع وعصى، وثالثة بنحو يكون كل واحد موضوعا على البدل، بحيث لو أكرم واحدا منهم، لقد أطاع وامتثل، كما يظهر لمن أمعن النظر وتأمل.

وقد انقدح أن مثل شمول عشرة وغيرها لآحادها المندرجة تحتها ليس من العموم، لعدم صلاحيتها بمفهومها للانطباق على كل واحد منها، فافهم.

فصل:

لا شبهة في أن للعموم صيغة تخصه - لغة وشرعا - كالخصوص[1] كما يكون

__________________________

[1] أقول: يعني لا مجال لانكار اختصاص بعض الألفاظ بالعموم ودلالته عليه بحاق اللفظ ولا فرق في ذلك بين الشرع واللغة بمعنى ان ألفاظ العموم في الشرع عين ألفاظ العموم في اللغة والشارع لم يتصرّف في مقام اظهار العموم تصرّفاً آخر

ص: 304

.......................................

__________________________

بل علّق هو أحكامه العموميّة على العمومات اللغوية كما ان للخصوص أيضاً ألفاظاً تخصّ بها بلا شبهة اما ألفاظ العموم فهو السور في القضيّة المحصورة الكليّة كلفظة كلّ والألف واللام للاستغراق الحقيقي وما بمعناهما في أيّ لغة كلفظ « همه » و « هر » في اللغة الفارسيّة وألفاظ الخصوص فهي السور في القضية المحصورة الجزئيّة كلفظة بعض وما بمعناه وفي الصيغ ما يشترك بين العموم والخصوص ويعمهما كاللفظة الموضوعة للطبيعة واسم الجنس التي تقع موضوعه في القضيّة المهملة فان أريد منها ولو بقرينة الحكمة السريان في جميع الأفراد فكالاول أو فيما دونه فكالثاني ومعلوم ان الألفاظ الدالّة على العموم دون الخصوص فقط أو هو مع العموم موجودة كلفظ كلّ مثلاً في لغة العرب ولفظة همه في اللغة الفارسيّة وإنّما تستعمل في الخصوص احياناً بادعاء انه العموم وبطريق المجاز في الاسناد مع كون لفظ العام مستعملاً في الفرد الواحد مثلاً بعلاقة العموم والخصوص ومع ذلك أي مع القطع بوجود ألفاظ مخصوص للعموم في جميع اللغات لا يصغى إلى الاستدلالات الموهونة على العدم وكون تلك الألفاظ حقيقة في الخصوص لأن اللغات أمور توفيقيّة متلقاة من واضعها ولا دخل للاستنباطات والاعتبارات فيها أصلاً ومن جملة تلك الاستدلالات ان ارادة الخصوص متيقنة ولو في ضمن العموم بخلاف العموم فانّه يمكن أن لا يكون مراداً وجعل اللفظ حقيقة في المتيقن أولى ومنها انّ التخصيص قد اشتهر وشاع حتّى قيل ما من عام إلّا وقد خصّ فيدور الامر بين كونه موضوعاً للعموم فيلزم كون غالب الاستعمال مجازاً أو

ص: 305

.......................................

__________________________

موضوعاً لما هو الغالب استعمالاً وارادة لغلبة الاحتياج إليه وعدم لزوم كثرة المجاز والظاهر يقتضي كونه حقيقة في الخصوص وانّه موضوع لما هو الغالب تقليلاً للمجاز فان مثل تلك الاستدلالات اجتهادات في مقابلة الحس والعيان مع ان ممّا يدلّ على بطلان الوجه الأوّل هو تيقن ارادة الخصوص لا يوجب اختصاص الوضع به فانّه لا ربط ولا ملازمة بين تيقن الارادة والوضع أصلاً وممّا يدلّ على بطلان الوجه الثاني أيضاً هو ان العموم أيضاً كالخصوص كثيراً ما يراد ولو سلّم أكثريّة التخصيص واشتهارها فليس التخصيص ملازماً للمجازيّة كما يأتي توضيحه من انّ العام المخصّص سواء كان التخصيص بالمخصّص المتّصل أو المنفصل مستعمل في معناه الموضوع له وهو العموم ولا مجازيّة أصلاً ولو سلّم مجازيّة العام المستعمل في الخاص فلا محذور فيه أيضاً إذا كان بالقرينة فان أغلب الاستعمالات مجازات وتقليل المجاز ليس أمراً مرغوباً فيه كي يدلّ على المطلوب كما لا يخفى.

قال الشارح الكاظميني مبالغة في ردّ المستدل باشتهار التخصيص على وضع الألفاظ للخصوص بأن هذه العبارة المشهورة على عكس المطلوب أدل لأن تخصيص العام فرع وضع اللفظ له واختصاصه به وإلّا لم يكن تخصيصاً في المعنى الحقيقي الموضوع له اللفظ اللّهمّ إلّا أن يريد المستدل نفي صيغة تخص العام بحسب الاستعمال لا الوضع لعدم الحاجة في حكم من الأحكام إلى عام بحيث لا يشذ عنه فرد من أفراده ولعلّ هذا هو الظاهر من عبارة المستدل بعد التأمّل وهو

ص: 306

ما يشترك بينهما ويعمهما ضرورة أن مثل لفظ (كل) وما يرادفه في أي لغة كان يخصه، ولا يخص الخصوص ولا يعمه، ولا ينافي اختصاصه به استعماله في الخصوص عناية، بادعاء أنه العموم، أو بعلاقة العموم والخصوص.

ومعه لا يصغى إلى أن إرادة الخصوص متيقنة، ولو في ضمنه بخلافه، وجعل اللفظ حقيقة في المتيقن أولى، ولا إلى أن التخصيص قد اشتهر وشاع، حتى قيل: (ما من عام إلا وقد خص)، والظاهر يقتضي كونه حقيقة لما هو الغالب تقليلا للمجاز، مع أن تيقن إرادته لا يوجب اختصاص الوضع به، مع كون العموم كثيرا ما

__________________________

لا يخلو من وجه فتدبّر. انتهى(1).

أقول: يعني انّه ليس مراد المستدل نفي وضع ألفاظ العام للعموم وانّه لم يضع لفظ للعموم أصلاً كما وضع للخصوص بدليل القضيّة المعروفة كي تكون تلك العبارة على عكس المطلوب أدل بل مراده من انكار صيغ خاصّة للعموم انّه ليس لفظ خاص للعموم بحسب الاستعمال وانّ الألفاظ الموضوعة للعموم دائماً مستعملة في الخصوص لعدم الحاجة في حكم من الأحكام إلى عام بحيث لا يشذّ عنه فرد من أفراده وإلّا فيسلم ان ألفاظاً وضعت لخصوص العموم في مقابل ألفاظ وضعت للخصوص فحينئذٍ نسبة المصنّف انكار وضع لفظ العموم إلى المستدل في غير محلّه وناش من عدم التأمّل في عبارته وما أراده المستدل إن كان هذا المعنى فغير بعيد وليس خالياً عن الوجه مثل ان انكار أصل وضع اللفظ للعموم بعيد غايته بل لا وجه له أصلاً.

ص: 307


1- الهداية في شرح الكفاية: 435.

يراد، واشتهار التخصيص لا يوجب كثرة المجاز، لعدم الملازمة بين التخصيص والمجازية، كما يأتي توضيحه، ولو سلم فلا محذور فيه أصلا إذا كان بالقرينة، كما لا يخفى.

فصل:

ربما عد من الالفاظ الدالة على العموم النكرة في سياق النفي أو النهي، ودلالتها عليه لا ينبغي أن تنكر عقلا، لضرورة أنه لا يكاد يكون طبيعة معدومة، إلا إذا[1] لم يكن فرد منها بموجود، وإلا كانت موجودة، لكن لا يخفى أنها تفيده

__________________________

[1] أقول: يعني ان من جملة ألفاظ العموم التي يثبت وجودها النكرة في سياق النفي أو النهي ولكنّه من المعلوم عدم دلالتها عليه بدلالة المطابقة بل إنّما تدلّ عليه بدلالة الالتزام اذ دلالتها المطابقيّة على نفي الطبيعة ونفي الطبيعة ملازم عقلاً مع نفي جميع الأفراد وإلّا فان لم يكن واحد منها منفيّاً فلا يكون الطبيعة إذ هي توجد بوجود فرد واحد.

والحاصل ان دلالة النكرة في سياق النفي أو النهي من الدلالات العقليّة فان الدلالة التضمنيّة والالتزاميّة محسوبة من الدلالات العقليّة.

ولا يخفى ان المراد من العموم في النكرة التي في سياق النفي أو النهي هو العموم لكلّ فرد تدلّ عليه فيختلف العموم فيها سعة وضيقاً باختلاف دلالتها على الأفراد سعة وضيقاً والعموم في جميع المراتب لا يختلف من حيث هو وإنّما أعلى مراتبه ما لا يشذّ عنه فرد من الأفراد أصلاً ولكن لا تقيد العموم كذلك أي بأعلى مراتبه إلّا إذا أخذت مرسلة لا مبهمة بمعنى ان القرينة حينئذٍ تدلّ على انّ المراد هو

ص: 308

.......................................

__________________________

الطبيعة بوجودها السعي الذي لا يعوقه عائق ولا يصدّه صاد اما إذا أخذت مبهمة غير مرسلة قابلة للتقييد كما لو قال مثلاً لا تهن عالماً فان احتمل كون المراد من يساويه مذهباً من العلماء لا المخالف فيقتصر حينئذٍ على القدر المتيقّن من هذه الجهة ولكن يعمّ جميع أفراد المساوي مذهباً له من العلماء.

والحاصل ان أخذت النكرة مرسلة مطلقة فاقتضاء سبيلها العموم على ما هو عليه من السعة واضح وهذا لا ينافي كون دلالتها على العموم عقليّة ولا مجال لأن يقال ان الدلالة العقليّة لا تختلط سعة وضيقاً بل حدودها لابدّ أن تكون محفوظة لا تتغيّر والمقتضيات العقليّة ليست قابلة للاختلاف والتغير لأنّه يقال الاختلاف في السعة بالنسبة إلى الأفراد المراد من النكرة لا تفاوت فيها أصلاً بل هي دائماً باقية بحالها كما انه لا ينافي أيضاً مع وضع الكل مثلاً للعموم كون عمومه بحسب ما يراد من مدخوله سعة وضيقاً وجواز تقييد المدخول بقيود كثيرة مع ذلك فقولك ا كرم كلّ عالم أو كلّ عالم عادل أو كلّ عالم عادل حر سواء في افادة العموم ولم يتغيّر معنى الكل فيها أبداً غاية الأمر انّه لا يبعد أن يكون اللفظ ظاهراً عند اطلاقها أي الطبيعة وعدم تقييدها في استيعاب جميع أفرادها فيكون هذا الظهور رافعاً لاحتمال التقييد وبعبارة أخرى وقوع النكرة في سياق النهي أو النفي بناء على انّها موضوعة للطبيعة المهملة وكذلك إذا وقع بعد لفظ كلّ وكذلك المعرف باللام جمعاً كان أو مفرداً بناء على افادته للعموم فان ظهوره في الاستغراق قرينة أيضاً على ارسال الطبيعة التي هي مدخول اللام من غير احتياج إلى قرينة الحكمة ولذا

ص: 309

.......................................

__________________________

لا ينافيه أي العموم والاستغراق تقييد مدخول اللام بالوصف وغيره من القيود ويكون اطلاق التخصيص على تقييده مع كونه تخصّصاً لأنّ الحكم قد تعلّق أوّل صدوره بالعالم العادل مثلاً فلم يحكم أوّلاً على ما يشمل الفاسق ظاهراً ثمّ أخرج عنه حكماً لا موضوعاً ليكون تخصيصاً ليس إلّا من قبيل ضيق فمر الركية يعني افتحه واسسه ضيقاً إذا قاله قبل تأسيسه وفتحه ولكن دلالة المحلى باللام على العموم وضعاً محل منع بل إنّما يفيده إذا اقتضته قرينة الحكمة كما في « أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ »(1) و « وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ »(2) أو قرينة أخرى من حال أو مقال وجه عدم الدلالة انّ اللام لم تضع إلّا للاشارة إلى تعيين مدخولها ومدخول اللام موضوع للطبيعة بمادّته ولا وضع آخر نوعي للمركّب من اللام ومدخوله.

قال الشارح قدس سره: هنا أيضاً ردّاً على المصنّف قدس سره:

قلت: كون الجمع المعرف باللام دالّاً على العموم ممّا لا يقبل الانكار وحيث كان كلّ من عدم وضع المدخول وعدم الوضع النوعي متيقناً تعين وضع اللام للدلالة على ذلك ويؤيّده بل يدلّ عليه ما حكاه البعض من عدم الخلاف في كونه أحد معانيها وجواز الاستثناء مطرداً والتأكيد بما يفيد الاستغراق قطعاً وحكم العرف بوقوع الحنث قطعاً ممّن تزوّج ثيّباً واحدة بعد الحلف بأن لا يتزوّج الثيّبات وغير ذلك أعدل بيّنة على كونه للعموم وكونه أفراديّاً لو لم يكن ذلك شياعاً مفيداً

ص: 310


1- البقرة: 275.
2- البقرة: 228.

.......................................

__________________________

للقطع فلا يلتفت إلى ما ذكره في الفصول من انكار كونه أحد معانيها وتوجيه افادته للعموم بأنّه حيث كان وضع اللام للاشارة إلى تعيين مدخولها وكان لمدخولها مراتب منها ما يشمل جميع مراتبه ولم يعين المتكلّم منها مرتبة فيحمل على الجميع فيه ما لا يخفى على المتأمّل فيما حقّقناه، انتهى كلامه رفع مقامه(1).

أقول: الانصاف ان الوجوه التي أقاموها على وضع المعرف باللام على العموم ليست دالّة عليه بل إنّما تدلّ على دلالته عليه فقط وإنّما هي بسبب الوجه الذي ذكرها صاحب الفصول لا غير اما الوجه الأوّل من دلالته عليه مسلمة لا شبهة فيها وليس من المدخول ولا من الهيئة التركيبيّة فانّما يكون من اللام ففيه انه لا يبعد أن لا يكون من اللام أيضاً بل إنّما تكون من قرينة الحكمة التي قرّرها صاحب الفصول وأمّا الوجه الثاني من نقل عدم الخلاف في انّه أحد معانيها ففيه انه لا خلاف بين أهل اللغة والعربيّة في انّ اللام حرف تعريف وانّه لا يدلّ إلّا على الاشارة إلى جنس مدخوله وقال ابن مالك في الخلاصة:

« ال حرف تعريف أو اللام فقط * فنمط عرفت قل فيه النمط»

وقالوا ان استعماله فيما زاد على ذلك من العهد بأقسامه والاستغراق بقسميه بعنوان التجوز والخروج عن الوضع الأولى فنقل عدم الخلاف في وضعه للعموم لا اعتبار به مع انّه يحتمل قريباً أن يكون مراد ناقل عدم الخلاف في كونه أحد معانيها ان العموم ممّا استعمل فيه المعرف باللام ومراده من المعنى المستعمل فيه

ص: 311


1- الهداية في شرح الكفاية: 437 - 438.

إذا أخذت مرسلة لا مبهمة قابلة للتقيد، وإلا فسلبها لا يقتضي إلا استيعاب السلب، لما أريد منها يقينا، لا استيعاب ما يصلح انطباقها عليه من أفرادها، وهذا لا ينافي كون دلالتها عليه عقلية، فإنها بالاضافة إلى أفراد ما يراد منها، لا الافراد التي تصلح لانطباقها عليها، كما لا ينافي دلالة مثل لفظ (كل) على العموم وضعا كون عمومه بحسب مايراد من مدخوله، ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بقيود كثيرة.

نعم لا يبعد أن يكون ظاهرا عند إطلاقها في استيعاب جميع أفرادها، وهذا هو الحال في المحلى باللام جمعا كان أو مفردا - بناء على إفادته للعموم - ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بالوصف وغيره، وإطلاق التخصيص على تقييده، ليس إلا من قبيل «ضيق فم الركية)، لكن دلالته على العموم وضعا محل منع، بل إنما يفيده فيما إذا اقتضته الحكمة أو قرينة أخرى، وذلك لعدم اقتضائه وضع اللام ولا مدخوله ولا وضع آخر للمركب منهما، كما لا يخفى، وربما يأتي في المطلق والمقيد بعض الكلام مما يناسب المقام.

__________________________

لا الموضوع له اللفظ وكثيراً ما يعبّر عن المستعمل فيه اللفظ ولو لم يكن موضوعاً له بالمعنى كما لا يخفى.

وأمّا الوجه الثالث من كون الاستثناء مطرداً عنه فلا بعد في أن يكون بسبب دلالته على العموم دائماً بقرينة الحكمة وأمّا التأكيد بما يفيد الاستغراق فيدلّ أيضاً على دلالته على الاستغراق لا وضعه له ولا مانع من أن يكون دلالته عليه بقرينة الحكمة وحكم العرف بوقوع الحنث قطعاً ممّن تزوّج ثيّباً واحدة بعد الحلف بأن لا يتزوّج الثيّبات فيدلّ أيضاً على ظهوره في العموم وهو أعم كقرينة الحكمة أو الشهرة.

ص: 312

فصل:

لا شبهة في أن العام المخصص بالمتصل[1] أو المنفصل حجة فيما بقى فيما علم عدم دخوله في المخصص مطلقا ولو كان متصلا!!، وما احتمل دخوله فيه أيضا إذا كان منفصلا، كما هو المشهور بين الاصحاب، بل لا ينسب الخلاف إلا إلى بعض أهل الخلاف.

وربما فصل بين المخصص المتصل فقيل بحجيته فيه، وبين المنفصل فقيل بعدم حجيته، واحتج النافي بالاجمال، لتعدد المجازات حسب مراتب الخصوصيات، وتعيين الباقي من بينها بلا معين ترجيح بلا مرجح.

والتحقيق في الجواب أن يقال: إنه لا يلزم من التخصيص كون العام مجازا، أما في التخصيص بالمتصل، فلما عرفت من أنه لا تخصيص أصلا، وإن أدوات العموم قد استعملت فيه، وإن كان دائرته سعة وضيقا تختلف باختلاف ذوي الادوات، فلفظة (كل) في مثل (كل رجل( و(كل رجل عالم( قد استعملت في العموم، وإن كان أفراد أحدهما بالاضافة إلى الآخر بل في نفسها في غاية القلة.

واما في المنفصل، فلان إرادة الخصوص واقعا لا تستلزم استعماله فيه وكون الخاص قرينة عليه، بل من الممكن قطعا استعماله معه في العموم قاعدة، وكون الخاص مانعا عن حجية ظهوره تحكيما للنص، أو الاظهر على الظاهر، لامصادما لاصل ظهوره، ومعه لا مجال للمصير إلى أنه قد استعمل فيه مجازا، كي يلزم الاجمال.

__________________________

[1] أقول: يعني ان العام المخصص بالمتصل كالشرط والوصف والغاية والاستثناء أو المنفصل كما إذا ورد المخصّص في وقت آخر بكلام مستقل أو من حامل آخر للأحكام حجّة فيما بقي تحته اما فيما علم عدم دخوله في المخصّص فهو حجّة فيما بقى مطلقاً سواء كان المخصّص متّصلاً أو منفصلاً وأمّا ما احتمل

ص: 313

.......................................

__________________________

دخوله في المخصّص أيضاً كالعام فحجّة أيضاً في الباقي إذا كان المخصّص منفصلاً فقط وأمّا إذا احتمل دخوله في المخصّص وكان المخصّص متّصلاً فليس حجّة في الباقي وسيجي ء تفصيل الفرق فيما إذا احتمل دخول الفرد في المخصّص وعدمه في الشبهة المفهوميّة بين المخصّص المتّصل والمنفصل وانّه إذا كان الخاص منفصلاً لا يسري اجماله إلى العام لا حقيقة ولا حكماً والعام حجّة في المقدار المشكوك حينئذٍ وحجيّة العام في الباقي تحته علماً مطلقاً أو احتمالاً فيما إذا كان المخصّص منفصلاً هو المشهور بين الأصحاب بل لا ينسب الخلاف وعدم الحجيّة مطلقاً إلّا إلى بعض أهل الخلاف وربما قال بعض بالتفصيل بين المخصّص المتّصل فيكون حجّة في الباقي والمنفصل فلا يكون حجّة فيه.

واحتجّ النافي للحجيّة مطلقاً بالاجمال يعني ان بعد ورود المخصّص يعلم ان العام لم يستعمل في العموم الذي يكون لفظه ظاهراً فيه بل استعمل في غيره مجازاً ومراتب الخصوصيّات عديدة واستعماله في كلّ واحد منها محتمل وتعيين الباقي غير ما خرج بالمخصّص الوارد من تلك المراتب ترجيح بلا مرجّح.

والتحقيق في الجواب يقتضي أن يقال انّه لا يلزم من استعمال العام في الخاص مجازيّة أصلاً اما في التخصيص بالمخصّص المتّصل فلما عرفت من انه لا تخصيص أصلاً وان أدوات العموم قد استعمل فيه وإن كان دائرته تختلف سعة وضيقاً وان اطلاق التخصيص على تقييده ليس إلّا من قبيل ضيق فم الركية ولفظة كل التي من أدوات العموم في مثل كلّ رجل وكلّ رجل عالم قد استعملت في

ص: 314

لا يقال[1]: هذا مجرد احتمال، ولا يرتفع به الاجمال، لاحتمال الاستعمال في خصوص مرتبة من مراتبه.

فإنه يقال: مجرد احتمال استعماله فيه لا يوجب إجماله بعد استقرار ظهوره في العموم، والثابت من مزاحمته بالخاص أنما هو بحسب الحجية تحكيما لما هو الاقوى، كما أشرنا إليه آنفا.

وبالجملة: الفرق بين المتصل والمنفصل، وإن كان بعدم انعقاد الظهور في الاول إلا في الخصوص، وفي الثاني إلا في العموم، إلا أنه لا وجه لتوهم استعماله مجازا في واحد منهما أصلا، وإنما اللازم الالتزام بحجية الظهور في الخصوص في الاول، وعدم حجية ظهوره في خصوص ما كان الخاص حجة فيه في الثاني، فتفطن.

__________________________

العموم وإن كان أفراد أحدهما بالنسبة إلى الآخر بل في نفسها في غاية القلّة وأمّا في التخصيص بالمخصّص المنفصل فلأن إرادة الخصوص واقعاً لا يستلزم استعماله فيه وكون الخاص قرينة عليه بل من الممكن قطعاً استعماله مع التخصيص بالمنفصل أيضاً على العموم على سبيل ضرب القاعدة وتأسيس أساس العموم وكون الخاص مانعاً عن حجيّة ظهوره لا انعقاد ظهور له رأساً ووجه منع حجيّة الظهور تقدّم النص أو الأظهر على الظاهر ومع ذلك الاحتمال لا مجال للمصير إلى انه قد استعمل في الخصوص مجازاً كي يلزم الاجمال لتعدّد المجازات لتعدّد مراتب الخصوصيّات.

[1] لا يقال: هذا مجرّد احتمال ولا يرتفع به الاجمال لاحتمال الاستعمال في

ص: 315

.......................................

__________________________

خصوص مرتبة من مراتب الخاص غير معينة وعلى هذا يشتدّ الاجمال لزيادة الاحتمال.

فانّه يقال في الجواب: ان مجرّد الاحتمال لا يوجب الاجمال بعد استقرار ظهور العام المخصّص بالمنفصل في العموم ولو لضرب القاعدة فان المخصّص المنفصل لا يزاحم العام من جهة انعقاد الظهور بل إنّما يزاحمه من جهة الحجيّة فقط تحكيماً لما هو الأقوى اذ من المعلوم ان ظهور الخاص في الخصوص أقوى من ظهور العام في العموم ثمّ قال المصنّف بعد البيانات المزبورة في مقام بيان محصل المطلب مختصراً وبالجملة أي مختصر ما ذكر هو ان الفرق بين المخصّص المتّصل والمنفصل وإن كان بعدم انعقاد الظهور في الأوّل إلّا في الخصوص الذي هو باعتبار عموم أيضاً وفي الثاني إلّا في العموم الذي ليس فيه اعتبار خصوصيّة أصلاً الا انه لا وجه لتوهّم استعمال العام مجازاً في واحد منهما أي من العام المخصّص بالمتّصل أو المنفصل فانه كما لم يستعمل العام المخصّص بالمتّصل في معنى مجازي بل استعمل في العموم كذلك العام المخصّص بالمنفصل لم يستعمل في معنى مجازي وفي مرتبة غير معلومة من مراتب الخصوصيّات بل استعمل في معنى العام لضرب القاعدة يعني انّه وإن أثبت الفرق بين العام المخصّص بالمتّصل والمنفصل من الجهة الأولى ولكن لا فرق بينهما من هذه الجهة الثانية وإنّما اللازم الالتزام بحجيّة الظهور المنعقد في الخصوص في الأوّل أي المخصّص بالمتّصل وعدم حجيّة الظهور المنعقد في العموم في الثاني في خصوص ما كان الخاص

ص: 316

وقد أجيب عن الاحتجاج، بأن الباقي أقرب المجازات.[1]

وفيه: لا اعتبار في الاقربية بحسب المقدار، وإنما المدار على الاقربية بحسب زيادة الانس الناشئة من كثرة الاستعمال، وفي تقريرات بحث شيخنا الاستاذقدس سره في مقام الجواب عن الاحتجاج، ما هذا لفظه: والاولى أن يجاب بعد تسليم مجازية الباقي، بأن دلالة العام على كل فرد من أفراده غير منوطة بدلالته على فرد آخر من أفراده، ولو كانت دلالة مجازية، إذ هي بواسطة عدم شموله للافراد المخصوصة، لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله، فالمقتضي للحمل على الباقي موجود والمانع مفقود، لان المانع في مثل المقام إنماهو ما يوجب صرف اللفظ عن مدلوله، والمفروض انتفاؤه بالنسبة إلى الباقي لاختصاص المخصص بغيره، فلو شك فالاصل عدمه، انتهى موضع الحاجة.

__________________________

حجّة فيه فقط دون الباقي تحت العام وإلّا فظهور العام في المخصّص بالمنفصل منعقد بلا شبهة ولفظ العام مستعمل في معناه الموضوع له ولا مجازيّة أصلاً.

[1] وقد أجيب عن انكار حجيّة العام المخصّص بالمخصّص المنفصل في الباقي بسبب الاجمال وتعدّد مراتب المجازات بوجه آخر وهو ان الباقي غير ما خرج بالمخصّص أقرب المجازات والأقرب يمنع الأبعد فيحمل العام عليه لذلك ولا اجمال، وفيه ان الأقربيّة إلى المعنى الحقيقي بحسب المقدار لا يؤثّر في تعيين مدلول اللفظ وإنّما المؤثّر في ذلك زيادة انس اللفظ مع المعنى وليس في المقام حاصلاً اذ نسبة لفظ العام في مراتب الخصوصيّات طرا على السواء وان التخصيص الوارد إنّما يدلّ على أن ليس المراد بالعموم العام واما ان المراد منه

ص: 317

.......................................

__________________________

الباقي تحته غير ما خرج بذلك المخصّص الوارد فلا، اللّهمّ إلّا أن يقال ان غرض المستدل كون الأقربيّة مقداراً موجباً للأقربيّة ذهناً وانصراف الذهن من اللفظ إلى المرتبة الأقرب.

وأورد هنا على الترجيح بالأقربيّة المحقّق الشارح الكاظميني اشكالاً آخر وهو انّه لو ورد مخصص آخر للعام بعد التخصيص الأوّل فان لوحظت النسبة بينه وبين العام الحقيقي كما هو الحق لزم تخصيص العام أولا بالأوّل لأنّه أقرب إليه من الثاني ولازم ذلك ملاحظة النسبة بين المخصّص الثاني وبين العام بعد التخصيص لا قبله وهو خلاف الفرض من لحاظ النسبة بينه وبين العام قبل التخصيص لأن ذلك فرع كون نسبة المخصّصات إليه على السوية من دون ترتّب وان لوحظت بينه وبين العام بعد التخصيص ففيه مضافاً إلى انه خلاف ما عليه الفحول من المحقّقين وانه مبني على جواز سبك المجاز على المجاز كما سيجي ء انه يحتاج أيضاً إلى المرجح، تعدّد مراتب المجاز بعد المجاز الأوّل والأقربيّة إلى المعنى المجازي لا تكون مرجحة لأن الأقربيّة إلى المعنى الحقيقي إنّما كانت مرجحة لأنّه بالقرب إليه يشبه أن يكون هو المعنى الحقيقي في انس الذهن به وانتقاله إليه بخلاف أقربيّته إلى المعنى المجازي فانّها لا ترفع الاستيحاش الحاصل من بعدها عن المعنى الحقيقي ولذا ترى أوّل ما ينتقل الذهن بعد العثور على المخصّص إلى لحاظ نسبته مع أصل العام فتأمّل جيداً فانّه دقيق انتهى كلامه رفع مقامه(1).

ص: 318


1- الهداية في شرح الكفاية: 442.

.......................................

__________________________

ومحصّل الاشكال هو انه إن كان الأقربيّة المقداريّة إلى المعنى الحقيقي لمرتبة من مراتب الخصوصيّات موجباً لتعيين استعمال لفظ العام في تلك المرتبة لا غير ولم يكن اجمال في العام لذلك فاذا خصّص العام بمخصّصين يلزم أن يكون العام مستعملاً أوّلاً في المرتبة الأولى من المرتبتين لأقربيّتها إلى المعنى الحقيقي وحينئذٍ يلزم أن يلاحظ النسبة بين المخصّص الثاني والعام المستعمل في المرتبة الأولى مع ان التحقيق خلافه ولا شبهة في انّ المخصّص الثاني وارد على العام الأوّل قبل التخصيص وانه والمخصص الأوّل في عرض واحد ولا ترتب بينهما، وفيه ان مقصود القابل من ظهور لفظ العام في المرتبة الأقرب من مراتب الخصوصيّات ظهوره فيها بالنسبة إلى المرتبة التي شكّ في ورود التخصيص بالنسبة إليها أم لا.

اما إذا علم بورود تخصيصين أو ثلاث تخصيصات مثلاً فانّها في حكم تخصيص واحد واذن أقرب المراتب المستعمل فيه العام المرتبة الحاصلة بملاحظة جميع التخصيصات الثابتة الواردة بالنسبة إلى المرتبة الأخرى المشكوكة لا الأوّل منها فقط كما زعمه الشارح، فما يدلّ على بطلان الترجيح والتعيين بالأقربيّة قطعاً إنّما هو ما ذكر من انه لا تأثير للأقربيّة المقداريّة في ذلك ما لم يكن الأنس بين اللفظ والمرتبة الباقية القريبة إلى العام وممّا يشعر بما ذكرنا من بطلان الاشكال المذكور لما ذكر عدم تعرّض أحد لايراده على المستدل على عدم الاجمال بالأقربيّة وعلى كلّ حال فقد أجاب الشيخ المحقّق الأنصاري عن

ص: 319

قلت:[1] لا يخفى أن دلالته على كل فرد إنما كانت لاجل دلالته على العموم والشمول، فإذا لم يستعمل فيه واستعمل في الخصوص - كما هو المفروض - مجازا، وكان إرادة كل واحد من مراتب الخصوصيات مما جاز انتهاء التخصيص إليه،

__________________________

الاجمال وعدم حجيّة العام المخصّص بالمخصّص المنفصل في الباقي بأنّه يمكن أن لا يسلم مجازيّة العام في الباقي بل يقال بكون العام المراد به الباقي حقيقة ومستعملاً في معناه الموضوع له وهو العموم بالتقريب الذي ذكر انفاً من امكان استعمال العام المخصّص بالمنفصل في العموم قاعدة وكون الخاص مانعاً عن حجيّة ظهوره تحكيماً للنص أو الأظهر على الظاهر لا مصادماً الأصل ظهوره وبعد تسليم المجازيّة فيقال ان دلالة العام على كلّ فرد من أفراده غير منوطة بدلالته على فرد آخر بل دلالته على كلّ فرد دلالة مستقلّة عليحدّة ولو كانت دلالته على الباقي دلالة مجازيّة أيضاً فغير مربوطة بالدلالة على اخر اذ مجازيتها إنّما هي بواسطة عدم شموله للأفراد المخصوصة لا بواسطة دخول الأفراد الاخر في مدلوله كي يكون الدلالة على تلك الأفراد مجازاً فالمقتضى للحمل على الباقي وهو دلالة العام عليه موجود والمانع عن الحمل عليه مفقود لأنّ المانع إنّما هو ما يوجب صرف اللفظ عن مدلوله والمفروض انتفائه بالنسبة إلى الباقي وعدم صارف عن الحمل عليه أصلاً لاختصاص المخصّص بغيره فلو شكّ فالأصل عدمه .

[1] واستشكل عليه المصنّف بأن دلالة العموم على كلّ فرد فرد من جهة دلالته على العموم لا بالاستقلال اذ الفرض ان معنى الموضوع له المطابقي للفظ العام هو العموم ودلالته على كلّ فرد فرد دلالة تضمنيّة وتبعيّة ومعلوم ان الدلالة التضمنيّة

ص: 320

.......................................

__________________________

فرع الدلالة المطابقيّة وفي ضمنها فلهذا سمّيت تضمنيّة فاذا علم ان العام لم يستعمل في العموم الذي هو المعنى الموضوع له المطابقي بل استعمل في الخصوص كما هو المفروض مجازاً والفرض ان كلّ واحد واحد من مراتب الخصوصيّات ممّا جاز انتهاء التخصيص إليه واستعمال العام فيه مجازاً ممكناً من دون ترجيح لبعضها على بعض فيبقى لفظ العام حينئذٍ مجملاً ومردّداً بين أن يكون المراد منه تلك المرتبة الفلانيّة من الخصوصيّات أو غيرها فان القرينة الدالّة على عدم استعمال العام في العموم إنّما تدلّ على ذلك لا على تعيين مرتبة الخصوص أيضاً فتعيين المرتبة الخاصّة من بين تلك المراتب تعيين بلا معيّن وترجيح بلا مرجّح ولا مقتضى لظهور العام في تلك المرتبة الخاصّة كما توهّمه الشيخ من ان المقتضى للحمل على الباقي موجود والمانع مفقود فانا نسئله أنّه ما المقتضى لدلالة قوله أكرم العلماء المخصّص بقوله لا تكرم زيداً لاستعمال لفظ العلماء في جميعهم غير زيد فقط مع انّه لمّا خرج زيد منه بقوله إلّا زيداً يبقى لفظ العلماء مجملاً مردّداً بين جميع مراتب الخصوص من جهة عدم استعماله في العموم حينئذٍ الذي هو الموضوع له اللفظ وعدم معين لارادة غير زيد من الباقي من العلماء أيضاً مع قوّة احتمال استعماله في مرتبة أخرى من مراتب الخصوصيّات إذ من المعلوم ان ظهور اللفظ في المعنى والمقتضى لدلالته عليه إمّا بسبب وضعه له كما في الاستعمالات الحقيقيّة أو بسبب قيام القرينة كما في المجازات طراً والمفروض ان ليس لفظ العام إلّا موضوعاً للعموم ولم يكن قرينة أيضاً على دلالته على المرتبة

ص: 321

.......................................

__________________________

المعينة واستعماله في تلك المرتبة من مراتب الخصوصيّات ولا موجب آخر لدلالته على الباقي بعد خروج ما خرج عنه أيضاً ولما كان دلالة العام على كلّ فرد فرد من الأفراد دلالة تضمنيّة وفي ضمن العموم وكانت ارادة العموم منتفية فارادة كلّ فرد فرد أيضاً منتفية إذ انتفاء الدلالة المطابقيّة مستلزم لانتفاء الدلالة التضمنيّة فالمانع عن ارادة الباقي وان كان منتفياً الا ان المقتضى لارادته أيضاً منتف نعم إنّما يكون كلّ فرد مراداً إذا أريد العموم من العام بالوجه الذي مر منّا من استعماله في العموم لضرب القاعدة وكون الخاص مانعاً عن حجيّة ظهوره في العموم تقديماً للنص أو الأظهر على الظاهر لا مصادما لأصل ظهوره واذن لا يكون استعمال العام استعمالاً مجازيّاً ليلزم الاجمال من جهة تعدّد المجازات.

هذا توضيح ما أورده المصنّف على المحقّق المؤسّس الأنصاري طاب ثراه ولكن الانصاف عدم وروده عليه والجواب الثاني عن اجمال العام المخصّص بالمنفصل إنّما هو ما حقّقه الشيخ الاستاذ والعجب انّ الشارح الكاظميني أطال هنا في بيان صحّة تحقيق الشيخ تطويلاً غير محتاج إليه إذ بناء أهل العرف والمخاطبين بالتخاطبات والمركوز في الأذهان المستقيمة والحكم للطبائع السليمة ليس إلّا ما بيّنه الشيخ الأستاذ اذ لا ينكر أحد على من حمل اللفظ العام المخصص على الباقي بعد التخصيص بل إنّما الانكار على من تأمّل في ذلك وتردّد بل بناء أهل المحاورة في جميع الموارد حمل اللفظ على ما لم يزاحمه مزاحم من مقدار دلالته من دون أن يتأمّلوا في انّه هل يكون مقتضياً لذلك أم لا

ص: 322

.......................................

__________________________

أو هل يمنع عنه مانع أم لا ولذلك يحملون العام المخصّص بالمخصّص المتّصل على الباقي تحته لعدم المزاحم له بعد خروج ما أخرجه المخصّص من الوصف أو الشرط مثلاً والفرق بين المخصّص المتّصل والمنفصل تحكم بحت اذ غاية ما يمكن أن يكون فارقاً إنّما هو الذي ادّعاه المصنّف من ان العام المخصّص بالمخصّص المتّصل استعمل في العموم غاية الأمر في المرتبة الأخص من المرتبة فوقها فلا وجه للمجازيّة ولا للاجمال أصلاً وأمّا العام المخصّص بالمخصّص المنفصل فان قيل باستعماله في العموم أيضاً كما هو التحقيق عند المصنّف فكذلك وإلّا يصير مجملاً إذ لا معنى لاستعماله في واحد من مراتب الخصوصيّات فان نسبته إلى جميع أفراد الباقي مع تسليم استعماله في غير العموم على السواء بعد عدم بقاء العام بحاله من العموم ولا يخفى ما في هذا الفرق والتفصيل من الضعف فانّه كلام ظاهري ولا لباب له أصلاً اذ نحن ندعى ان العام المخصّص بالمتّصل بعد التقييد يصير مجملاً أيضاً بالبيان الذي ذكره في المخصّص بالمنفصل من ان عموم العام لكلّ فرد فرد باعتبار دلالته على العموم وحيث ان العموم انتفى بورود المخصّص بالنسبة إلى بعض الأفراد فلا دلالة له على الباقي إلّا بمعين خارجي وليس فيبقى مجملاً إذ هذا البيان بعينه وبتمامه جار في المخصّص بالمخصّص المتّصل أيضاً وما أجاب به عنه بأنّ العام المخصّص بالمخصّص المتّصل مستعمل في العموم غاية الأمر في مرتبة دون المرتبة العليا مدفوع بأنّا نقول انّ المخصّص بالمنفصل ينهدم ذلك الظهور وينتفي العموم فلا وجه بعد ذلك لانعقاد ظهوره في

ص: 323

.......................................

__________________________

العموم الأدون من دون دال يدلّ عليه وهذا بخلاف المخصّص بالمتّصل فان لفظ العام المستعمل فيه لا ينعقد ظهور له في العموم الأعلى أصلاً فان المتكلّم مادام متكلّماً ليس للمخاطب أن يحمل لفظه على معنى إلّا أن يفهم من لفظه شيئاً حتّى يختم كلامه ويعلم انه لم يبق ممّا أراد أن يلقه إلى المخاطب شيئاً فاذا أتى بجميع المقيّدات والمخصّصات المقصودة في كلامه فيحمل العام على ما بقي من غير ما أخرجه بالقيد وهذا أيضاً عموم فاللفظ مستعمل في العموم ولا اجمال.

أقول: من المعلوم ان العام المخصّص بالمتّصل مستعمل في الباقي تحته بعد التخصيص غاية الأمر يجوز أن يعبّر عنه بالعموم ونحن نعبّر عن المستعمل فيه في العام المخصّص بالمنفصل أيضاً بالعموم ولا يلزم أن نلتزم باستعمال العام في العموم الاعلى لارتفاع الاجمال كما توهّمه المصنّف فان استعمال القسمين من العام في الباقي ممّا لا يكاد ينكر غاية الأمر استعمال العام المخصّص بالمتّصل في الباقي ليس إلّا من قبيل ضيق فم الركبة بخلاف المخصّص بالمنفصل فانّه على خلاف ذلك إذ فيه تأسيس وتجديد وهذا لا يؤثّر فيما هو محلّ النزاع من اجمال العام المخصّص بالمنفصل وعدم ظهوره في الباقي بعد التخصيص أصلاً.

والحاصل ان القاعدة المعروفة خرج ما خرج وبقي الباقي الجارية في جميع المقامات من أمثال تخصيص العام بالمخصّص المنفصل من المسلّمات عند الكل حتّى بالنسبة إلى محلّ البحث والمعتبر في دلالة الألفاظ فهم أهل المحاورة وطريقتهم ولا مدخليّة للتدقيقات العقليّة والأمور الاعتباريّة في ذلك الباب فاذن

ص: 324

واستعمال العام فيه مجازا ممكنا، كان تعين بعضها بلا معين ترجيحا بلا مرجح، ولا مقتضي لظهوره فيه، ضرورة أن الظهور إما بالوضع وإما بالقرينة، والمفروض أنه ليس بموضوع له، ولم يكن هناك قرينة، وليس له موجب آخر، ودلالته على كل فرد على حدة حيث كانت في ضمن دلالته على العموم، لا يوجب ظهوره في تمام الباقي بعد عدم استعماله في العموم، إذا لم تكن هناك قرينة على تعيينه، فالمانع عنه وإن كان مدفوعا بالاصل، إلا أنه لا مقتضي له بعد رفع اليد عن الوضع، نعم إنما يجدي إذا لم يكن مستعملا إلا في العموم، كما فيما حققناه في الجواب، فتأمل جيدا.

فصل:

إذا كان الخاص بحسب المفهوم مجملا،[1] بأن كان دائرا بين الاقل والاكثر وكان منفصلا، فلا يسري إجماله إلى العام، لا حقيقة ولا حكما، بل كان العام متبعا فيما لا يتبع فيه الخاص، لوضوح أنه حجة فيه بلا مزاحم أصلا، ضرورة أن الخاص إنما يزاحمه فيما هو حجة على خلافه، تحكيما للنص أو الاظهر على الظاهر، لا فيما لا يكون كذلك، كما لا يخفى.

__________________________

يعلم ان ما أفاده الشيخ في التخلّص عن اشكال الاجمال في غاية المتانة ومصون عن الرد والرطانة وفقنا اللَّه للهداية إلى صواب الصواب وعصمنا من الخطل والخطأ في كلّ باب.

[1] أقول: الخاص إمّا أن يكون مبنيّاً أو مجملاً والمجمل إمّا أن يكون مجملاً بحسب المفهوم أو المصداق وعلى التقادير الأربعة إمّا أن يكون المخصّص متّصلاً أو منفصلاً فهذه صور ثمانية لا كلام في الأربعة التي يكون الخاص فيها مبنيّاً وأمّا

ص: 325

.......................................

__________________________

الأربعة التي يكون الخاص فيها مجملاً فاما أن يكون الاجمال في المفهوم أو المصداق امّا إذا كان في المفهوم مثل ان يكون معناه دائراً بين الأقل والأكثر كما لو قال أكرم القوم إلّا فساقهم وشكّ في ان الفسّاق من صدرت منهم الكبائر خاصّة أو الأعم منه وممّن صدر عنه خلاف المروّة وإن لم تصدر عنه كبيرة للشكّ في مفهومه سعة وضيقاً فان كان متّصلاً فسيجي ء حكمه وإن كان منفصلاً فلا يسري اجماله إلى العام لا حقيقة بمعنى انهدام ظهور العام في العموم وانتفاء دلالته عليه لا حكماً بمعنى عدم اتباع ظهور العام في العموم مع انعقاده وعدم انهدامه بسبب الخاص بل يكون العام حينئذٍ متبعاً في غير مورد الخاص لوضوح انّه حجّة فيه بلا مزاحم أصلاً ضرورة ان مزاحمة الخاص للعام إنّما يكون فيما هو حجّة على خلافه فقط تحكيماً للنص أو الأظهر على الظاهر بقاعدة الجمع الدلالتي العرفي لا فيما لا يكون كذلك وإن لم يكن كذلك أي فيما دار الأمر فيه بين الأقل والأكثر مع الانفصال بأن كان مفهوم الخاص امّا دائراً بين المتباينين مطلقاً متّصلاً كان الخاص أو منفصلاً وامّا أن يكون دائراً بين الأقل والأكثر وكان الخاص متّصلاً لا منفصلاً فسيرى حينئذٍ اجمال الخاص إلى العام حكماً بالمعنى الذي ذكر في المنفصل المردّد بين المتباينين وحقيقة في غيره من القسمين الاخرين.

اما الأوّل وهو الخاص المنفصل المردّد بين المتباينين الساري اجماله إلى العام حكماً لا حقيقة فوجهه ان العام حينئذٍ وإن كان ظاهراً في العموم إلّا انّه لا يتبع في

ص: 326

.......................................

__________________________

واحد من المتباينين الذين علم بتخصيصه بأحدهما فيبقى بحكم المجمل الذي لا يجوز ان يعمل به اما عدم انهدام ظهور العام في العموم حقيقة بواسطة الخاص المردّد بين المتباينين فلما مضى انفاً من ان التحقيق ان العام المخصّص مطلقاً مستعمل في العموم لضرب القاعدة ثمّ ان اخرج منه ما أريد خروجه بالخاص المبين الذي لا اجمال فيه فلا يكون اجمال في العام أصلاً لا حقيقة ولا حكماً وان ورد مخصّص منفصل مجمل فيسرى الجمال الحقيقي الواقع في الخاص إلى العام ويصيره مجملاً حكمياً.

وأمّا الثاني وهو ما إذا كان المخصّص المجمل متّصلاً سواء كان الاجمال للتردّد بين الأقل والأكثر أو المتباينين فوجه كون العام مجملاً حقيقة هو انّه كان الكلام محفوفاً بما يوجب احتماله لكلّ واحد من الأقل والأكثر أو لكلّ واحد من المتباينين ولم ينعقد ظهور له في العموم من جهة ذلك إلّا انّه حجّة في الأقل لأنّه المتيقّن في البين ولا شبهة في كونه مراداً اما من دون زيادة واما مع زيادة فظهر بما ذكر الفرق بين المخصّص المتّصل والمنفصل حيث المخصّص المتّصل مانع عن ظهور العام في العموم من أوّل الأمر دون المنفصل وكذا ظهر الفرق بين اجمال المخصّص لتردّده بين المتباينين أو لتردّده بين الأقل والأكثر من حيث كون العام حجّة في مقدار من المردّد وهو الأقل لتيقنه بخلاف المتباينين فانه لا قدر يقيني في البين.

ص: 327

وإن لم يكن كذلك بأن كان دائرا بين المتباينين مطلقا، أو بين الاقل والاكثر فيما كان متصلا، فيسري إجماله إليه حكما في المنفصل المردد بين المتباينين، وحقيقة في غيره:

أما الاول: فلان العام - على ما حققناه - كان ظاهرا في عمومه، إلا أنه لا يتبع ظهوره في واحد من المتباينين اللذين علم تخصيصه بأحدهما.

وأما الثاني: فلعدم انعقاد ظهور من رأس للعام، لاحتفاف الكلام بما يوجب احتماله لكل واحد من الاقل والاكثر، أو لكل واحد من المتباينين، لكنه حجة في الاقل، لانه المتيقن في البين.

فانقدح بذلك الفرق بين المتصل والمنفصل، وكذا في المجمل بين المتباينين والاكثر والاقل، فلا تغفل.

وأما إذا كان مجملا بحسب المصداق، بأن اشتبه فرد وتردد بين أن يكون فردا له أو باقيا تحت العام[1]، فلا كلام في عدم جواز التمسك بالعام لو كان متصلا به، ضرورة عدم انعقاد ظهور للكلام إلا في الخصوص، كما عرفت.

__________________________

[1] هذا كلّه إذا كان الاجمال في المخصّص بحسب المفهوم واما إذا كان بحسب المصداق فنقول المخصّص امّا متّصل وأمّا منفصل إمّا إذا كان متّصلاً فلا وجه للتمسّك بعموم العام في الشبهة المفهوميّة فضلاً عن المصداقيّة ضرورة ظهور الكلام في الخصوص كما مرّ تفصيله وامّا إذا كان منفصلاً فالوجه جواز التمسّك بعموم العام كما ذهب إليه بعض هو ان الخاص إنّما يزاحم العام فيما كان فعلاً حجّة فيه ولا يكون الخاص فعلاً حجّة فيما اشتبه انه من أفراده أم لا فبقي العام بلا

ص: 328

.......................................

__________________________

مزاحم مثلاً قوله لا تكرم الفساق لا يدلّ على حرمة اكرام من شكّ في فسقه من العلماء فلا يزاحم عموم قوله اكرم العلماء ولا يعارضه فانه يكون من قبيل مزاحمة الحجّة بغير الحجّة وهذا الوجه في غاية البطلان والفساد لأنّه كما لا يكون المخصّص شاملاً لما شكّ كونه من أفراده أم لا كذلك العام ليس حجّة إلّا فيما لا يكون من أفراد الخاص فان قوله لا تكرم الفسّاق يدلّ على ان المقصود من العلماء في قوله أكرم العلماء العالم الغير الفاسق وحيث لم يحرز عدم فسق هذا الفرد من العلماء فلا يكون داخلاً في العام أيضاً كما لا يكون داخلاً في الخاص ولا فائدة في دخوله في عنوان العام من حيث انه فرد من أفراد العلماء بعد أن ثبت بقوله لا تكرم الفسّاق منهم ان المراد من العلماء العلماء الغير الفسّاق والفرض انّه مشكوك الفسق وعدمه فيكون محتمل الدخول وعدمه.

والحاصل ان المقتضى لدخول الفرد المشكوك في كلّ واحد من العام والخاص موجود ولكن المانع أيضاً موجود لأن دخوله تحتهما معاً محال وتحت أحدهما المعين ترجيح بلا مرجّح ودخوله تحت غير المعين عنهما غير مفيد مثل عدم دخوله في واحد منهما وغاية وجد الترجيح ما ذكره المستدل على جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وقد مر ومر فساده أيضاً ومحصل وجه الفساد هو ان العام المخصّص بالمنفصل وإن كان ظهوره في العموم كما إذا لم يكن مخصّصاً بخلاف المخصّص بالمتّصل الا انه في عدم الحجيّة إلّا في غير عنوان الخاص مثله فحينئذٍ يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت احدى الحجتين فلابدّ من الرجوع إلى ما هو الأصل في البين.

ص: 329

وأما إذا كان منفصلا عنه، ففي جواز التمسك به خلاف، والتحقيق عدم جوازه، إذ غاية ما يمكن أن يقال في وجه جوازه، أن الخاص إنما يزاحم العام فيما كان فعلا حجة، ولا يكون حجة فيما اشتبه أنه من أفراده، فخطاب (لا تكرم فساق العلماء) لا يكون دليلا على حرمة إكرام من شك في فسقه من العلماء، فلا يزاحم مثل (أكرم العلماء) ولا يعارضه، فإنه يكون من قبيل مزاحمة الحجة بغير الحجة، وهو في غاية الفساد، فإن الخاص وإن لم يكن دليلا في الفرد المشتبه فعلا، إلا أنه يوجب اختصاص حجية العام في غير عنوانه من الافراد، فيكون (أكرم العلماء) دليلا وحجة في العالم الغير الفاسق، فالمصداق المشتبه وإن كان مصداقا للعام بلا كلام، إلا أنه لم يعلم أنه من مصاديقه بما هو حجة، لاختصاص حجيته بغير الفاسق.

وبالجملة العام المخصص بالمنفصل، وإن كان ظهوره في العموم، كما إذا لم يكن مخصصا، بخلاف المخصص بالمتصل كما عرفت، إلا أنه في عدم الحجية إلا في غير عنوان الخاص مثله، فحينئذ يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت إحدى الحجتين، فلابد من الرجوع إلى ما هو الاصل في البين، هذا إذا كان المخصص لفظيا.

وأما إذا كان لبيا،[1] فإن كان مما يصح أن يتكل عليه المتكلم، إذا كان بصدد البيان في مقام التخاطب، فهو كالمتصل، حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعام إلا في الخصوص، وإن لم يكن كذلك، فالظاهر بقاء العام في المصداق المشتبه على حجيته كظهوره فيه.

__________________________

[1] هذا كلّه فيما إذا كان المخصّص لفظيّاً وأمّا إذا كان لبيّاً فهو على قسمين قسم

ص: 330

.......................................

__________________________

يكون بحيث يصح أن يعتمد عليه المتكلّم إذا كان بصدد البيان في مقام التخاطب وكان مانعاً عن انعقاد الظهور لمقارنة زمانه مع زمان العام المعتبرة فيما يكون مانعاً عن تأثير المقتقضى فهو كالمخصّص المتّصل حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعام إلّا في الخصوص ولكن هذا الذي ذكر في الدليل اللبي مشروط بأن يكون مورد الدليل اللبي مدلولاً بما هو مفهوم وله عنوان خاص لا بما هو مصداق وهذا الشرط ممكن الحصول في الاجماع من الأدلّة اللبيّة إذا كان معقده ذا العنوان بعنوانه وأمّا مدلول الدليل العقلي فلا يكون إلّا مصداقاً فلا يضر بظهور العام في العموم أصلاً وان اتّصل كالمثال الآتي أكرم جيراني الذي علّل المصنّف دخول الفرد المشكوك فيه بعدم حجّة أخرى بدون الحكم العقلي على خلاف العام ومثله إلّا إذا كان مأخوذاً لا بعنوانه وبمفهومه بل بمصاديقه فينحصر عدم انعقاد ظهور العام إلّا في الخصوص وكون الفرد المشتبه خارجاً عن العام والخاص معاً والرجوع فيه إلى الأصل في الدليل اللبي في القسم الأوّل فقط وهو أن يكون الفرد المشتبه كونه من أفراد الخاص أم لا وإلّا فلا وإنّما يدخل ما هو مشتبه في العام من المصاديق في العام في تلك الصورة ولو كان المخصّص لبياً لعدم معارضة دخوله في العام بشي ء بل هو حينئذٍ كالتخصيص بزيد ثمّ بعمرو ومع الشكّ في تخصيصه ببكر وإن لم يكن كذلك بل كان ممّا لا يمكن اتّكال المتكلّم عليه في مقام التخاطب أو كان ممّا يمكن ولكن لم يؤخذ بعنوان خاص فالظاهر بقاء العام في المصداق المشتبه على حجيّته كظهوره فيه والسر في ذلك انّ الكلام الملقى من السيّد إلى العبد حجّة ليس

ص: 331

.......................................

__________________________

إلّا ما اشتمل على العام الكاشف بظهوره عن ارادته للعموم فلابدّ من اتباعه ما لم يقطع بخلافه فانّه ليس في البين حجّة أخرى غير العموم المذكور ليرفع اليد بسببه عنه مثلاً إذا قال المولى أكرم جيراني وقطع بأنّه لا يريد اكرام من كان عدوا له منهم كان اصالة العموم باقية على الحجيّة بالنسبة إلى ما لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام للعلم بعداوته لعدم حجّة أخرى بدون ذلك على خلافه لأن متعلّق قطعه ليس هو مفهوم العدو بل مصداق من كان عدوا وهو منحصر في المعلوم دون المشكوك بخلاف ما إذا كان المخصص لفظيّاً مثل إلّا الفاسق مثلاً فان قضيّة تقديم الخاص على العام هو كون العام الملقى إلى العبد كانه من رأس لا يعمّ الخاص لما عرفت من كشف الخاص عن كون موضوعه مقيداً وهو العالم بقيد كونه غير فاسق فلا يشمل المشكوك كما لم يشمله موضوع الفاسق فالعام لا يعم الخاص المنفصل حكماً كما يكون كذلك في عدم شموله حقيقة فيما كان الخاص متّصلاً والخاص اللبي لا كشف فيه عن تقييد العام بشي ء والقطع بعدم ارادة العدو من العام لا يوجب انقطاع حجيّة كما لا يهدم ظهوره إلّا فيما قطع انّه عدوّه لا في المصداق المشكوك العداوة لأنّ المخصّص المقطوع به ذات العدد لا مفهومه كما يظهر صدق هذا من صحّة مؤاخذة المولى عبده لو لم يكرم واحداً من جيرانه لاحتمال عداوته له وحسن عقوبته على مخالفته وعدم صحّة الاعتذار عنه بمجرّد احتمال العداوة كما لا يخفى على من راجع الطريقة المعروفة والسيرة المستمرّة المألوفة بين العقلاء التي هي ملاك حجيّة اصالة الظهور وبالجملة كان بناء العقلاء على حجيّتها بالنسبة

ص: 332

.......................................

__________________________

إلى المشتبه هيهنا وهي صورة كون دليل التخصيص لبيّاً بخلاف التخصيص هناك فان بنائهم على العدم ولعلّه لما أشرنا إليه من التفاوت بينهما بالقاء حجيتين هناك هما العام والخاص قضيتهما بعد تحكيم الخاص وتقديمه على العام كان الخاص لم يعمّه العام حكماً من رأس وأصلاً وكان العام لم يكن بعام بخلاف محل الكلام هيهنا فانّ الحجّة الملقاة ليست إلّا واحدة وهي العام والقطع بعدم ارادة اكرام العدو في اكرم جيراني مثلاً لا يوجب رفع اليد عن عمومه إلّا فيما قطع بخروجه عن تحته لاطلاق موضوعه وعدم حصول التقييد له بهذا الخاص فانّه على الحكيم القاء كلامه على وفق غرضه ومرامه فلو لم يرد المطلق لكان عليه اما تقييد العام رأساً أو الاتيان بما يكشف عن تقييده فلابدّ مع عدم التقييد من اتباعه ما لم تقم حجّة أقوى على خلافه هذا غاية توضيح ما أفاده المصنّف في هذا المقام ولكنّه قد ظهر ممّا ذكر ان الوجه في حجيّة العام في الفرد المشكوك في المثال المزبور ليس إلّا كون الدليل لبيّاً لا لفظيّاً ولا عدم صحّة اتّكال المتكلّم على المخصّص العقلي وهو حكمه بعدم ارادة اكرام العدو للمولى بل الوجه فيه عدم معنونيّة الخاص بعنوان كما في المخصّص اللفظي مثل غير الفاسق مثلاً إذا ورد بعد قوله أكرم العلماء لا تكرم الفسّاق منهم وكون الخاص الخارج من العام مصداقاً خارجيّاً في بعض الأدلّة اللبيّة كما في المثال الذي ذكره وإلّا فيمكن كون الدليل لبيّاً وحاله حال المخصّص اللفظي كما إذا كان اجماعاً ومعقده عنواناً خاصّاً من العناوين فحاله حينئذٍ بعينه كالمخصّص اللفظي ولابدّ في الفرد المشكوك دخوله في العموم

ص: 333

.......................................

__________________________

أو الخصوص من الرجوع إلى الأصل ولا يجوز التمسّك بالعموم لتعيين حكمه.

وقال الشيخ الأجل الحائري في درره بعد بيان بطلان التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة من جهة ان بعد ورود التخصيص يصير العام كأنّه ورد من أوّل الأمر مقيّداً فكما ان العام مثل قوله أكرم العلماء لو ورد من أوّل الأمر مقيّداً بعدم الفسق إذا شككنا في عدالة فرد من العلماء وفسقه لم يكن للتمسّك بالعموم مجال كذلك لو ورد المخصّص بعد صدور العام بطور العموم نعم لو ظهر من حال المتكلّم ان تكلّمه بالعموم مبني على الفحص عن حال أفراده ووضوح انّه ليس من بينها ما ينطبق عليه عنوان الخاص صحّ التمسّك بالعموم واستكشاف ان الفرد المشكوك ليس داخلاً في الخاص وهذا في المخصّصات اللبيّة غالباً وقد يتحقّق في اللفظيّة أيضاً لكن بشرط كون النسبة بين الدليلين عموماً من وجه نظير الدليل على جواز لعن بني أميّة والأدلّة الدالّة على حرمة سبّ المؤمن وأمّا إذا كان المخصّص الأخص مطلقاً فلا مجال لما ذكرنا قطعاً ضرورة انّه لو كان حال أفراد العام مكشوفة لدى المتكلّم وانّه لا ينطبق على أحد منها عنوان المخصّص لكان التكلّم بالدليل الخاص لغواً وممّا ذكرنا يظهر انّه ليس المعيار في عدم جواز التمسّك كون المخصّص لفظيّاً كما انّه ليس المعيار في الجواز كونه لبيّاً بل المعيار ما ذكر فتأمّل فيه انتهى كلامه رفع مقامه(1).

والانصاف ان ما أفاده في غاية المتانة ووجه وجيه أيضاً في الفرق بين

ص: 334


1- درر الفوائد: 1/186.

.......................................

__________________________

الامرين وجواز التمسّك في الدليل اللبي وعدمه في المخصّص اللفظي وبالجملة لا وجه لما أفاده المصنّف هنا من الفرق بين الدليل اللفظي واللبي اذ اللفظيّة واللبيّة لا يؤثّر فيما هو بصدده من اثبات جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وعدم جوازه أصلاً وأسخف من ذلك ما افاده اخيراً من انّه يمكن أن يقال ان قضيّة عمومه للشكوك انّه ليس فرداً لما علم بخروجه من حكمه بمفهومه فيقال في مثل لعن اللَّه بني أميّة قاطبة ان فلاناً وان شكّ في ايمانه يجوز لعنه لمكان العموم وكلّ من جاز لعنه لا يكون مؤمناً فينتج انّه ليس بمؤمن اذ أدلّة حرمة لعن المؤمن تدلّ على انّه ليس في بني أميّة مؤمناً وان حديث لعن بني أميّة قاطبة مبني على الفحص عن حال أفراده وانّه ليس من بينها ما ينطبق عليه عنوان الخاص فاذن يثبت العموم ويعلم ان الفرد المشكوك ليس داخلاً في الخاص وصحّة التمسّك بالعموم ناشئة من انّه صدر بعد الفحص عن حال أفراده وانّه ليس منها ما ينطبق عليه عنوان الخاص لا ان فرديّة الفرد المشكوك للعموم وخروجه عمّا علم بخروجه عن حكمه وهو المؤمن مستند إلى صحّة التمسّك بالعموم وصحّة التمسّك به كاشف عن ذلك وان الفرد المشكوك ليس بمؤمن بل إنّما الكاشف عند ما ذكر من الوجه وبعد ذلك الكشف من الكاشف المزبور يثبت العموم وبالجملة لا أثر للتمسّك بالعموم في المثال في استكشاف حال الفرد المشكوك أصلاً كما زعمه حفظنا اللَّه تعالى من الزلل وعصمنا بلطفه عن الخطاء والخطل إن شاء اللَّه.

ص: 335

والسر في ذلك، أن الكلام الملقى من السيد حجة، ليس إلا ما اشتمل على العام الكاشف بظهوره عن إرادته للعموم، فلابد من اتباعه ما لم يقطع بخلافه، مثلا إذا قال المولى: (أكرم جيراني) وقطع بأنه لا يريد إكرام من كان عدوا له منهم، كان أصالة العموم باقية على الحجية بالنسبة إلى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام، للعلم بعدواته، لعدم حجة أخرى بدون ذلك على خلافه، بخلاف ما إذا كان المخصص لفظيا، فإن قضية تقديمه عليه، هو كون الملقى إليه كأنه كان من رأس لا يعم الخاص، كما كان كذلك حقيقة فيما كان الخاص متصلا، والقطع بعدم إرادة العدو لا يوجب انقطاع حجيته، إلا فيما قطع أنه عدوه، لا فيما شك فيه، كما يظهر صدق هذا من صحة مؤاخذة المولى له لو لم يكرم واحدا من جيرانه لاحتمال عداوته له، وحسن عقوبته على مخالفته، وعدم صحة الاعتذار عنه بمجرد احتمال العداوة، كما لا يخفى على من راجع الطريقة المعروفة، والسيرة المستمرة المألوفة بين العقلاء التي هي ملاك حجية أصالة الظهور.

وبالجملة كان بناء العقلاء على حجيتها بالنسبة إلى المشتبه هاهنا بخلاف هناك، ولعله لما أشرنا إليه من التفاوت بينهما، بإلقاء حجتين هناك، تكون قضيتهما بعد تحكيم الخاص وتقديمه على العام، كأنه لم يعمه حكما من رأس، وكأنه لم يكن بعام، بخلاف هاهنا، فإن الحجة الملقاة ليست إلا واحدة، والقطع بعدم إرادة إكرام العدو في (اكرم جيراني) مثلا، لا يوجب رفع اليد عن عمومه إلا فيما قطع بخروجه من تحته، فإنه على الحكيم إلقاء كلامه على وفق غرضه ومرامه، فلابد من اتباعه ما لم تقم حجة أقوى على خلافه.

بل يمكن أن يقال: إن قضية عمومه للمشكوك، أنه ليس فردا لما علم بخروجه

ص: 336

من حكمه بمفهومه، فيقال في مثل «لعن اللَّه بني أمية قاطبة»: إن فلانا وإن شك في إيمانه يجوز لعنه لمكان العموم، وكل من جاز لعنه لا يكون مؤمنا، فينتج أنه ليس بمؤمن، فتأمل جيدا.

إيقاظ: لا يخفى أن الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل، لما كان غير معنون بعنوان خاص، بل بكل عنوان[1] لم يكن ذاك بعنوان

__________________________

[1] أقول: العام المخصّص بالمتّصل مثل الشرط والوصف والغاية معنوناً بعنوان خاص مثل العالم العادل مثلاً لم يكن أصلٌ موضوعي يحرز به الفرد المشتبه ويتعيّن دخوله في العام به فان زيداً المشتبه أمره بين أن يكون فاسقاً أو عادلاً من الأفراد لا يمكن ان يحرز عدالته بأصل موضوعي ليحكم بوجوب اكرامه إذ لا أصل يقتضي ثبوت عدالته وهذا بخلاف المخصّص المنفصل أو كالاستثناء من المتّصل فانّ الباقي تحت العام بعد التخصيص حيث لم يكن معنوناً بعنوان خاص أصلاً بل كان معنوناً بكلّ عنوان من العناوين الطارية على المعنونات إلّا عنوان الخاص فقط كالفسق مثلاً فيما إذا قال بعد قوله: أكرم العلماء، لا تكرم الفسّاق منهم أو قال: أكرم العلماء إلّا الفسّاق كان احراز الفرد المشتبه منه وادخاله في العموم بالأصل الموضوعي في غالب الموارد إلّا ما شذّ وندر ممكناً ضرورة انّه قلّما يكون عام لم يوجد فيه عنوان إذا شكّ في فرد من حيث ذلك العنوان صحّ أن يجري فيه أصل ينقح به ان الفرد المشتبه ممّا بقي تحت العام فبذلك يحكم عليه بحكم العام وإن لم يجز التمسّك به بلا كلام مثلاً ورد ان المرئة تحيض إلى خمسين إلّا القرشيّة فهي تحيض إلى الستّين فاذا شكّ في ان امرئة معيّنة تكون قرشيّة أو

ص: 337

.......................................

__________________________

غيرها فهي وان كانت ليس لها حالة سابقة لأنّها أوّل ما وجدت مشكوكة الحال ظاهرا وان كانت معينة في الواقع لأنّها اما قرشيّة أو غيرها إلّا ان اصالة عدم تحقّق الانتساب بينها وبين قريش يجدي في تنقيح انّها ممّن لا تحيض إلّا إلى خمسين فيشملها العموم لأن لفظ العام إذا بلغت المرئة خمسين سنة لم تر حمرة إلّا أن تكون امرأة من قريش فالباقي بعد الاستثناء هو المرأة التي لا تكون من قريش اما بالقطع أو بطريق معتبر أو أصل موضوعي وهو اصالة عدم الانتساب لأنّ المرأة التي لا تكون بينها وبين القريش انتساب أيضاً باقية تحت ما دلّ على ان المرأة إنّما ترى الحمرة إلى خمسين بمعنى انها فرد من أفراد العام والخارج من تحته هي القرشيّة كما هو مقتضى لفظ الدليل ثمّ ليعلم ان الوجه في اشتراط عدم كون العام معنوناً بعنوان خاص كما في المخصّص المتّصل في جواز التمسّك في دخول الشبهة المصداقيّة في العام بالأصل الموضوعي هو ان الأصل الموضوعي بالنسبة إلى العناوين الخاصّة مثبت بخلافه في غيرها فان اصل عدم ثبوت صفة الفسق مثلاً لزيد المشتبه بين الفاسق والعادل بعد التكليف والعلية للفسق والعدالة لا يكون مثبتاً لعدالته ليدخل في عموم أكرم العلماء العدول إلّا على القول بالأصل المثبت وهذا بخلاف الأصل إذا لم يكن اجرائه لاثبات عنوان خاص للفرد المشتبه بل بمجرّد ادخاله في عموم العام الغير المعنون بعنوان خاص كالمرئة في المثال المذكور بكلّ عنوان فلا يكون الأصل مثبتاً كما لا يخفى.

ص: 338

الخاص، كان إحراز المشتبه منه بالاصل الموضوعي في غالب الموارد - إلا ما شذ - ممكنا، فبذلك يحكم عليه بحكم العام وإن لم يجز التمسك به بلا كلام، ضرورة أنه قلما لا يوجد عنوان يجري فيه أصل ينقح به أنه مما بقي تحته، مثلا إذا شك أن امرأة تكون قرشية، فهي وإن كانت وجدت اما قرشية أو غيرها، فلا أصل يحرز أنها قرشية او غيرها، إلا أن أصالة عدم تحقق الانتساب بينها وبين قريش تجدي في تنقيح أنها ممن لا تحيض إلا إلى خمسين، لان المرأة التي لا يكون بينها وبين قريش انتساب أيضا باقية تحت ما دل على أن المرأة إنما ترى الحمرة إلى خمسين، والخارج عن تحته هي القرشية، فتأمل تعرف.

وهم وإزاحة: ربما يظهر عن بعضهم التمسك بالعمومات فيما إذا شك

في فرد، لا من جهة احتمال التخصيص، بل من جهة أخرى، كما إذا شك في صحة الوضوء أو الغسل[1] بمائع مضاف، فيستكشف صحته بعموم مثل (أوفوا

__________________________

[1] أقول: قد توهّم بعضهم جواز التمسّك بالعموم فيما إذا شكّ في حال فرد من أفراد العام لا من جهة التخصيص وانه هل خرج من العموم بمخصّص أم لا بل من جهة أخرى مثل انّه إذا شكّ في صحّة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف وبطلانه فقالوا ان الحكم صحته فيما إذا وقع أحدهما متعلّقاً للنذر فان عمومات وجوب الوفاء بالنذر حاكمة بصحّتها وتقريره أن يقال وجب الاتيان بهذا الوضوء وفاء للنذر لعموم أدلّته وكلّما يجب الوفاء به لا محالة يكون صحيحاً للقطع بأنّه لو لا صحّته لما وجب الوفاء به وربما يؤيّد ذلك أي جواز التمسّك بعمومات الوفاء بالنذر في اثبات صحّة الوضوء والغسل بالمائع المضاف مثلاً فيما إذا وقع أحدهما

ص: 339

.......................................

__________________________

متعلّقاً للنذر بما ورد من صحّة الاحرام والصيام قبل الميقات وفي السفر إذا تعلّق بهما النذر كذلك أي ايقاعهما قبل الميقات وفي السفر فان الدليل الدال على صحّتها كذلك يكشف عن تأثير النذر في متعلّقه وجعله مأموراً به وصحيحاً ولو كان في نفسه غير راجح ولا مأموراً به فاذا ثبت كون النذر كذلك فيلزم أن يكون متعلّقة مطلقاً صحيحاً ومأموراً به ولا يخفى ان ما توهّمه ذلك البعض خلاف التحقيق.

والتحقيق يقتضي أن يقال انه لا مجال لتوهّم الاستدلال بالعمومات المتكفّلة لأحكام العناوين الثانويّة مثل أحكام المنذور فيما إذا شكّ في فرد من أفرادها من غير جهة تخصيصها وخروجه عنها اذا أخذ في موضوعات تلك العمومات أحد الأحكام المتعلّقة بالأفعال بعناوينها الأوليّة كما إذا عرض على المعنون بعنوانه الأولى من الأمور المباحة أو الراجحة عنوان اطاعة الوالد أو المنذوريّة ضرورة انه معه أي مع الأخذ في موضوعات العمومات بأحد الأحكام المتعلّقة بالأفعال بعناوينها الأوليّة لا يكاد يتوهّم عاقل انه إذا شكّ في رجحان شي ء أو حليته بعنوانه الأولى جواز التمسّك فيما إذا لم يؤخذ في موضوعاتها بعنوانها الأوليّة حكم أصلاً فحينئذٍ اذا شكّ في جوازه تصحّ التمسّك بعموم دليلها في الحكم بالجواز وهذا بخلاف الوضوء المشكوك حكمه بعنوانه الأولى وهو عنوان الوضوئيّة اذا كان بمائع مضاف فانه لا وجه في تصحيحه بعروض العنوان الثانوي عليه وهو المنذوريّة بدلالة عمومات وجوب الوفاء بالنذر وأمّا فيما إذا كانت

ص: 340

.......................................

__________________________

محكومة بعناوينها الأوليّة بغير حكمها بعناوينها الثانويّة فتقع المزاحمة بين المقتضيين ويؤثّر الأقوى منهما لو كان في البين وإلّا لم يؤثر أحدهما لأن تأثير أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ومع عدم تأثير واحد منهما يحكم عليه بحكم آخر كالاباحة مثلاً إذا كان أحدهما مقتضياً للوجوب والآخر للحرمة فان بعد عدم ثبوت واحد منهما للتعارض والتساقط يرجع إلى اصالة الاباحة وإذا كانا معاً وجوبين فثبوتهما أيضاً لا يعقل للزوم اجتماع المثلين.

وأمّا التأكّد بمعنى ثبوت وجوب واحد من جهتين فمشكل أيضاً لأن متعلّق النذر غير متعلّق الحكم كما مرّ.

وأمّا صحّة الصوم في السفر بنذره فيه بناء على عدم صحّته فيه بدونه وكذا الاحرام قبل المقيات فانّما هو لدليل خاص كاشف عن رجحانها ذاتاً في السفر وقبل الميقات وإنّما لم يأمر بهما استحباباً او وجوباً لمانع يرتفع بالنذر فالنذر مانع عن اقتضاء المانع المنع فيؤثّر المقتضى لأحدهما أثراً وان لم يعلم مقدار الرجحان وانّه كان بحيث يقتضي الاستحباب أو الوجوب وامّا لصيرورتهما راجحين بسبب تعلّق النذر بهما وإن لم يكن لها رجحان قبل ذلك كما يدلّ على عدم رجحانها قبل تعلّق النذر بهما ما ورد في الخبر من ان الاحرام قبل الميقات كالصلوة قبل الوقت(1) أو كالصلوة أربعاً في السفر(2).

ص: 341


1- كفاية الاُصول (مع حواشى مشكينى) : 2/395 .
2- تهذيب الأحكام: 5/51، ح 1.

بالنذور) فيما إذا وقع متعلقا للنذر، بأن يقال: وجب الاتيان بهذا الوضوء وفاء للنذر للعموم، وكلّما يجب الوفاء به لا محالة يكون صحيحا، للقطع بأنه لولا صحته لما وجب الوفاء به، وربما يؤيد ذلك بما ورد من صحة الاحرام والصيام قبل الميقات وفي السفر إذا تعلق بهما النذر كذلك.

__________________________

فان قيل: تعلّق النذر بهما الموجب لرجحانها لا يفيد القربة.

قلنا: عباديتهما إنّما يكون لأجل كشف دليل صحّتهما عن عروض عنوان راجح منطبق عليها ملازم تعلّق النذر بهما هذا كلّه محتاج إليه لو لم نقل بتخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلّق النذر بذلك الدليل الخاص الوارد في صحّة الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات وإلّا فان قلنا بالتخصيص وان اعتبار الرجحان في متعلّق النذر إنّما هو في غير هاتين الصورتين اللتين ورد الدليل بانعقاد النذر فيهما مع عدم رجحانهما فيمكن أن يقال بكفاية الرجحان الطاري عليهما من قبل النذر في عبادتهما بعد ان تعلّق النذر باتيانها عباديّاً ومتقرّباً بهما منه تعالى فانّه وإن لم يتمكّن من اتيانهما كذلك قبله لعدم رجحانهما إلّا انّه يتمكّن منه أي من اتيانها عباديّاً بعد تعلّق النذر بنصّ الدليل الوارد في صحّتهما اذا نذرهما ولا يعتبر في صحّة النذر إلّا التمكّن من الوفاء ولو كان التمكّن بسبب النذر أيضاً وبعبارة أخرى لو قلنا بتخصيص الدليل الدال على اعتبار الرجحان في متعلّق النذر بالدليل الخاص الوارد المذكور لَاسْتَرَحْنا من الحاجة إلى الكشف المزبور واللَّه العالم بحقائق الأحكام والأمور.

ص: 342

والتحقيق أن يقال: إنه لا مجال لتوهم الاستدلال بالعمومات المتكلفة لاحكام العناوين الثانوية فيما شك من غير جهة تخصيصها، إذا أخذ في موضوعاتها أحد الاحكام المتعلقة بالافعال بعناوينها الاولية، كما هو الحال في وجوب إطاعة الوالد، والوفاء بالنذر وشبهه في الامور المباحة أو الراجحة، ضرورة أنه معه لا يكاد يتوهم عاقل إذا شك في رجحان شئ أو حليته جواز التمسك بعموم دليل وجوب الاطاعة أو الوفاء في رجحانه أو حليته.

نعم لا بأس بالتمسك به في جوازه بعد إحراز التمكن منه والقدرة عليه، فيما لم يؤخذ في موضوعاتها حكم أصلا، فإذا شك في جوازه صح التمسك بعموم دليلها في الحكم بجوازها، وإذا كانت محكومة بعناوينها الاولية بغير حكمها بعناوينها الثانوية، وقع المزاحمة بين المقتضيين، ويؤثر الاقوى منهما لو كان في البين، وإلا لم يؤثر أحدهما، وإلا لزم الترجيح بلا مرجح، فليحكم عليه حينئذ بحكم آخر، كالاباحة إذا كان أحدهما مقتضيا للوجوب والآخر للحرمة مثلا.

وأما صحة الصوم في السفر بنذره فيه - بناء على عدم صحته فيه بدونه - وكذا الاحرام قبل الميقات، فإنما هو لدليل خاص، كاشف عن رجحانهما ذاتا في السفر وقبل الميقات، وإنما لم يأمر بهما استحبابا أو وجوبا لمانع يرتفع مع النذر، وإما لصيرورتهما راجحين بتعلق النذر بهما بعد ما لم يكونا كذلك، كما ربما يدل عليه ما في الخبر من كون الاحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت.

لا يقال: لا يجدي صيرورتهما راجحين بذلك في عباديتهما، ضرورة كون وجوب الوفاء توصليا لا يعتبر في سقوطه إلا الاتيان بالمنذور بأي داع كان.

فإنه يقال: عباديتهما إنما تكون لاجل كشف دليل صحتهما عن عروض عنوان

ص: 343

راجح عليهما، ملازم لتعلق النذر بهما، هذا لو لم نقل بتخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر بهذا الدليل، وإلا أمكن أن يقال بكفاية الرجحان الطارئ عليهما من قبل النذر في عباديتهما، بعد تعلق النذر بإتيانهما عباديا ومتقربا بهما منه تعالى، فإنه وإن لم يتمكن من إتيانهما كذلك قبله، إلا أنه يتمكن منه بعده، ولا يعتبر في حصة النذر إلا التمكن من الوفاء ولو بسببه، فتأمل جيدا.

بقي شئ، وهو أنه هل يجوز التمسك بأصالة عدم التخصيص؟ في إحراز عدم كون ما شك في أنه من مصاديق العام، مع العلم بعدم[1] كونه محكوما بحكمه

__________________________

[1] أقول: إذا شكّ في انّه هل الشي ء الفلاني داخل في أفراد العام كي كان محكوماً بحكمه أم لا هل يجوز التمسّك باصالة عدم التخصيص في اثبات عدم كونه مصداقاً له أم لا ببيان انّه إذا ثبت اصالة عدم التخصيص فيما إذا شكّ في التخصيص وعدمه فمن لوازمه الخارجيّة عدم كون ذلك الفرد المشكوك من مصاديق العام مثلاً اذا علم ان زيداً يحرم اكرامه وشك في انه عالم أم لا فيحكم عليه باصالة عدم تخصيص أكرم العلماء انه ليس بعالم كي يحكم عليه بسائر ما لغير العالم من الأحكام، فيه اشكال لاحتمال اختصاص حجيّة اصالة عدم التخصيص بما إذا شكّ في كون فرد العام محكوماً بحكمه كما هو قضيّة عمومه.

فان قلت: الأصول اللفظيّة حجّة مطلقاً ولو كانت مثبتة يعني لو كان لمجرى الأصل اثار خارجيّة غير شرعيّة تترتّب عليه أيضاً كالشرعيّة لأن حجيّتها ليست بتعبّد الشارع كي كان مقصوده من اجراء الأصل ترتيب خصوص الاثار الشرعيّة التي جعلها بيد الشارع فقط بل لبناء العقلاء وأهل المحاورة وسيرتهم على الاجراء

ص: 344

مصداقاً له مثل ما إذا علم ان زيداً يحرم اكرامه وشكّ في انّه عالم فيحكم عليه باصالة عدم تخصيص أكرم العلماء أنّه ليس بعالم بحيث يحكم عليه بسائر ما لغير العالم من الأحكام.

فيه إشكال، لاحتمال اختصاص حجيتها بما إذا شك في كون فرد العام محكوما بحكمه، كما هو قضية عمومه، والمثبت من الاصول اللفظية وإن كان حجة، إلا أنه لابد من الاقتصار على ما يساعد عليه الدليل، ولا دليل هاهنا إلا السيرة وبناء العقلاء، ولم يعلم استقرار بنائهم على ذلك، فلا تغفل.

فصل:

هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص؟ فيه خلاف،[1] وربما نفي

__________________________

فكلما جرى الأصل يثبت جميع الآثار الشرعيّة وغيرها لأن مع جريانه كأنّه قد ثبت الواقع وان لم يكن في الواقع ثابتاً فيحكم بثبوت جميع آثاره.

قلت: ذلك كذلك إلّا انّه لابدّ في ترتيب الآثار الغير الشرعيّة مع جريان الأصول اللفظيّة من مساعدة الدليل ولا دليل هيهنا إلّا السيرة وبناء العقلاء كما اعترف به السائل في سؤاله ولم يعلم استقرار بنائهم على ذلك أي على اثبات عدم كون الفرد المشكوك من أفراد العام من جهة الأصل المذكور بل إنّما المعلوم من بنائهم في الأصل المذكور اثبات عدم محكوميّة فرد العام بغير حكمه بمعنى انّه لم يخرج ما هو فرد العام معيناً عن حمله بالتخصيص وأمّا محكوميّة الفرد المشكوك بعدم فرديّته للعام من جهة ذلك الأصل فلا.

[1] أقول: اختلفوا في جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصّص وعدمه وربما نفى الخلاف عن عدم جوازه بل ادّعى الاجماع على العدم والذي ينبغي أن

ص: 345

.......................................

__________________________

يكون محلّ الخلاف والكلام في المقام هو انه هل يكون اصالة العموم بعد ثبوت حجيته في الجملة من جهة كونها راجعة إلى اصالة الحقيقة ومن باب الظن النوعي هل تكون متبعة مطلقاً أو بعد الفحص عن المخصّص والياس عن الظفر به وليس النزاع في هذا البحث في أصل حجيّته مطلقاً وعدم حجيته إلّا بعد الفحص عن المعارض والمزاحم فان هذا الأمر من وظائف المجتهد الذي يلزم عليه استفراغ الوسع في تتبع الدليل الذي يعذر فيه ويكون حجة بينه وبين ربّه وما نحن فيه غير هذا.

وبعبارة اخرى النزاع في جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصّص وعدم جوازه إنّما هو بعد فرض اعتباره في الجملة من باب الظن النوعي للمشافه بالعام وغير المشافه أيضاً وعدم كونه معلوم التخصيص تفصيلاً أو اجمالاً فلا وجه للاستدلال على عدم جواز التمسّك بالعام قبل الفحص عن المخصّص بكونه حجّة لخصوص المشافه به أو مطلق من قصد تفهيمه به دون غيره وانّه لا اعتبار لاصالة العموم إلّا للمشافه لأن المشافه بالعام يتمسّك بالعموم لجريان اصالة العموم بالنسبة إليه لأنّه إذا كان المراد من العام الخاص فلابدّ من نصب قرينة وايراد مخصّص لتفهيم المشافه أو مطلق من قصد تفهيمه فمع عدم المخصّص يجري اصالة العموم ولا يتوقّف التمسّك بها له على الفحص واليأس عن المخصص المنفصل أصلاً ولما لم يلزم ايراد الخاص المتصل مع ارادة الخصوص من العام لغير المشافه به فلابدّ أن يكون جواز التمسّك له بها بعد الفحص واليأس عن

ص: 346

.......................................

__________________________

المخصّص المنفصل وكذا لا وجه للتمسّك بعدم جواز التمسّك بالعام قبل الفحص بأن اعتبار اصالة العموم إنّما هو مع الظن الشخصي بموارده ومن المعلوم ان قبل الفحص لا يحصل الظن الشخصي بالعموم وإنّما هو يحصل بعد الفحص واليأس وكذا لا وجه للاستدلال على عدم حجيّة العام قبل الفحص عن المخصّص واليأس بكونه طرفاً للمعلوم بالاجمال من العمومات المخصّصة ولما احتمل كون هذا العام المعيّن من العمومات التي ورد المخصّص بها اجمالاً لزم الفحص عن حاله حتّى يحصل اليأس عن المخصّص فان تلك الوجوه كلّها وجوه لعدم حجيّة العام قبل الفحص عن المخصّص أصلاً ورأساً مع ان التحقيق ان اعتبار اصالة العموم ليس من باب الظن الشخصي بل النوعي وانّها جارية بالنسبة إلى المشافهين بالخطاب وغيرهم من دون فرق وأمّا عدم جريانها مع كون العام طرفاً للعلم الاجمالي بمخصصية عمومات فمن الواضحات كما إذا علم بتخصيص العام تفصيلاً ولا معنى للنزاع في ذلك ولا حاجة إلى الاستدلال على عدم حجيّة العام فيما إذا علم بتخصيصه اجمالاً فتحصل ان الفحص في المقام إنّما هو عما يزاحم العمومات بما هي حجّة لا عما يثبت حجيّتها وتظهر الثمرة فيما لو قلنا بعدم وجوب الفحص عن المعارض في حق المجتهد فانه لا يسقط بذلك وجوب الفحص عن المخصّص للعام البتة فاذا علم ما هو محلّ النزاع في هذا البحث فليعلم انّ التحقيق عدم جواز التمسّك بالعام قبل الفحص فيما إذا كان في معرض التخصيص كما هو الحال في عمومات الكتاب والسنّة وقد قيل ما من عام إلّا وقد خصّ وجه ذلك ان اصالة

ص: 347

.......................................

__________________________

العموم من الأصول التي يتبعها العقلاء في محاوراتهم وهي راجعة إلى اصالة الحقيقة وأهل المحاورة والعقلاء لا يعملون بها قبل الفحص عن المخصّص للعام إذا كان معرضاً للتخصيص قطعاً ولو لم نقطع بعدم عملهم بها قبله فلا أقل من الشكّ وكيف لا يحصل الشكّ لنا وقد ادّعى الاجماع على عدم جوازه فضلاً عن ادّعاء نفي الخلاف عنه والشك في الجواز هنا كاف في عدم الجواز وأمّا إذا لم يكن العام في معرض التخصيص كما هو الحال في غالب العمومات الواقعة في السنة أهل المحاورات فلا شبهة في ان السيرة على العمل به بلا فحص عن المخصّص ومن هنا يعلم أيضاً ان النزاع في اشتراط وجوب الفحص عن المخصّص في العمل بالعام وعدمه ليس نزاعاً في أصل حجيّة العام قبل الفحص وعدمه وإن عدم لزوم الفحص عن المخصص في ذلك المورد الذي ذكر كاف في ثبوت أصل حجيّته قبل الفحص ضرورة ان معنى كون الفحص شرطاً في أصل الحجيّة هو عدم العمل به في مورد من الموارد قبل الفحص كما كان الأمر كذلك في اصالة البرائة فان احتمال البيان ولو ضعيفاً نعم البيان الموجب لسقوط الملاك عقلاً الموجب لسقوط الأصل وفي عمل به ولو في مورد واحد قبل الفحص كشف ذلك عن حجيّته في نفسه وإنّما يكون الفحص عن المزاحم في صورة كونه معرضاً دون غيرها من شروط العمل بالحجّة فالفحص بالنسية إلى اصالة العموم مقسم وبالنسبة إلى اصالة البرائة مقوم وقد ظهر بما ذكر ان مقدار الفحص اللازم ما به يخرج العام عن المعرضيّة له أي للتخصيص بما هو عام وأمّا بما هو دليل مطلق فلأجل هذا يجب على المجتهد

ص: 348

.......................................

__________________________

الفحص عن معارضه ومزاحمه كما يجب عليه ذلك في العمل بكلّ واحد من الأدلّة فتحقيق المقدار اللازم من الفحص في محلّه وأمّا المقدار اللازم من الفحص بحسب سائر الوجوه التي استدلّ بها على عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصّص ومرّ انفاً انّه لا وجه للاستدلال عليه بهذه الوجوه في هذا البحث وكونه أجنبيّاً عمّا هو المقصود في هذا المقام من العلم الاجمالي بوجود المخصّص أو حصول الظن الشخصي بما هو التكليف أو غير ذلك فيختلف مقداره بحسب هذه الوجوه فانّه يجب الفحص في الأوّل حتّى يحصل الاطمينان بأن هذا العام المخصوص لم يخصّص بمخصّص وفي الثاني حتّى يحصل الظن الشخصي بالتكليف ثمّ ان هذا كلّه في المخصّص المنفصل.

وأمّا المخصّص المتّصل فالظاهر عدم لزوم الفحص عنه باحتمال انّه كان ولم يصل بل حاله حال احتمال قرينة المجاز وقد اتّفقت كلماتهم على عدم الاعتناء به مطلقاً ولو قبل الفحص عنها لكونه دائماً لا يعتد به لأن احتمال فصله بعد الاتّصال ونقل بعض الكلام دون بعض ضعيف جدّاً ولا يعبأ به وكذلك المنفصل أيضاً إذا كان احتماله بهذه المرتبة من الضعف لا يعتني به اما إذا كان احتمال وجود المتّصل احتمالاً معتداً به ولو اتّفاقاً كاحتمال المنفصل غالباً فلا ينبغي الشكّ في وجوب الفحص لعين ما ذكر في المنفصل فهما سواء في وجوب الفحص مع الاحتمال القوي وعدم وجوبه مع الضعيف الا ان الفرق غلبة القوّة في جانب المنفصل والضعف في جانب المتّصل كما هو واضح.

ص: 349

الخلاف عن عدم جوازه، بل ادعي الاجماع عليه، والذي ينبغي أن يكون محل الكلام في المقام، أنه هل يكون أصالة العموم متبعة مطلقا؟ أو بعد الفحص عن المخصص واليأس عن الظفر به؟ بعد الفراغ عن اعتبارها بالخصوص في الجملة، من باب الظن النوعي للمشافه وغيره، ما لم يعلم بتخصيصه تفصيلا، ولم يكن من أطراف ما علم تخصيصه إجمالا، وعليه فلا مجال لغير واحد مما استدل به على عدم جواز العمل به قبل الفحص والياس.

فالتحقيق عدم جواز التمسك به قبل الفحص، فيما إذا كان في معرض التخصيص كما هو الحال في عمومات الكتاب والسنة، وذلك لاجل أنه لولا القطع باستقرار سيرة العقلاء على عدم العمل به قبله، فلا أقل من الشك، كيف؟ وقد ادعي الاجماع على عدم جوازه، فضلا عن نفي الخلاف عنه، وهو كاف في عدم الجواز، كما لا يخفى.

وأما إذا لم يكن العام كذلك، كما هو الحال في غالب العمومات الواقعة في السنة أهل المحاورات، فلا شبهة في أن السيرة على العمل به بلا فحص عن مخصص، وقد ظهر لك بذلك أن مقدار الفحص اللازم ما به يخرج عن المعرضية له، كما أن مقداره اللازم منه بحسب سائر الوجوه التي استدل بها من العلم الاجمالي به أو حصول الظن بما هو التكليف، أو غير ذلك رعايتها، فيختلف مقداره بحسبها، كما لا يخفى.

ثم إن الظاهر عدم لزوم الفحص عن المخصص المتصل، باحتمال أنه كان ولم يصل، بل حاله حال احتمال قرينة المجاز، وقد اتفقت كلماتهم على عدم الاعتناء به مطلقا، ولوقبل الفحص عنها، كما لايخفى.

ص: 350

إيقاظ: لا يذهب عليك الفرق بين الفحص هاهنا، وبينه في الاصول العملية،[1]

__________________________

[1] أقول: قد مرّ الاشارة إلى ان الفحص اللازم على المجتهد قد يكون عن المزاحم عن الحجّة مثل الفحص عن المخصّص للعام الذي فصل فيه الكلام ودفع عن حقيقته حجاب الظلام وقد يكون الفحص عمّا هو مع وجوده لا حجّة في البين وهذا كما في الفحص عن الدليل في مقابل الأصول العمليّة فانّه مع وجوده لا حجيّة للأصل أصلاً ومن الضروري ان العقل بدون الفحص يستقل باستحقاق المؤاخذة على المخالفة فلا يكون العقاب على العمل بالأصل بدون الفحص عن الدليل عقاباً بلا بيان والمؤاخذة عليها من غير برهان فان احتمال وجود البيان بالاحتمال المعتد به. نعم الحجّة والبرهان عند العقل والنقل وان دلّ على البرائة أو الاستصحاب في مورد جريانهما مطلقاً وبدون التقييد بالفحص الا ان الاجماع بقسميه من المحصل والمنقول منعقد على تقييده به وعدم جواز العمل بهما إلّا بعد الفحص عن الدليل واليأس عنه ويرد على المصنّف ان دعوى الاجماع في مثل هذه المسئلة ممّا يكون العقل حاكماً فيها فاسدة جداً وقد أشار إلى هذا نفسه في بحث البرائة بقوله ان الاجماع هيهنا غير حاصل ونقله لوهنه بلا طائل فان تحصيله في مثل هذه المسئلة ممّا للعقل إليه سبيل صعب لو لم يكن عادة بمستحيل أعاذنا اللَّه من الغفلة والنسيان وحفظنا من الزلل والخطل في البيان فانّه هو المستعان وعليه التّكلان.

ص: 351

حيث أنه هاهنا عما يزاحم الحجة، بخلافه هناك، فإنه بدونه لا حجة، ضرورة أن العقل بدونه يستقل باستحقاق المؤاخذة على المخالفة، فلا يكون العقاب بدونه بلا بيان والمؤاخذة عليها من غير برهان، والنقل وإن دل على البراء ة أو الاستصحاب في موردهما مطلقا، إلا أن الاجماع بقسميه على تقييده به، فافهم.

فصل:

هل الخطابات الشفاهية مثل: (يا أيها المؤمنون) تختص بالحاضر مجلس التخاطب، أو تعم غيره من الغائبين،[1] بل المعدومين؟ فيه خلاف، ولابد قبل

__________________________

[1] أقول: لا ريب ولا نزاع في كون جميع من لم يكن حاضراً في مجلس الخطابات الواردة في الشريعة من الغائبين والمعدومين طرا إلى يوم القيامة كمن حضره مكلّفون بالتكاليف الثابتة بتلك الخطابات ولكن النزاع في انّه هل ثبوت تلك التكاليف بالنسبة إلى الغائبين والمعدومين بالاجماع وقاعدة الاشتراك كما ان التكاليف الثابتة على النساء حيث ان الخطابات الواردة غالباً متوجهة إلى المذكرين إنّما تكون بقاعدة الاشتراك في التكليف الثابتة من الخارج من دون شبهة أم هي ثابتة بنفس الخطابات من دون حاجة إلى القاعدة المجمع عليها وانما يتصوّر جريان النزاع في شمول الخطابات للغائبين والمعدومين بأحد الوجوه الثلاثة:

أحدها: انّه هل يصح تعلّق التكليف المتكفل له الخطاب بمثل يا أيّها المؤمنون مثلاً بالمعدومين كما يصحّ تعلقه بالموجودين أم لا وبعبارة أخرى هل يجوز أن يكون المعدوم مكلّفاً بالتكليفات الثابتة في الشريعة بواسطة الخطابات الصادرة من المكلّف أم ليس المعدوم أهلاً للتكليف.

ص: 352

.......................................

__________________________

وثانيها: انّه هل يصح المخاطبة مع المعدومين بل مع الغائبين عن مجلس الخطاب بالألفاظ الموضوعة للخطاب كالحروف والضمائر الموضوعة لذلك أو لا بالألفاظ بل بنفس توجيه الكلام إليهم وإن لم يشتمل على لفظ واحد ممّا وضع للخطاب أصلاً أم لا يصحّ تلك المخاطبة.

ثالثها انه هل يعم الألفاظ الواقعة عقيب أدات الخطاب للغائبين بل المعدومين أم لا تعمّهما تلك الألفاظ ومن المعلوم ان النزاع على الوجهين الأولين وهما صحّة التعلّق وعدمها وصحّة المخاطبة وعدمها يكون عقليّاً لكون المتنازع فيه كذلك ولا دخل له باللفظ أصلاً وعلى الوجه الثالث يكون النزاع لغويّاً.

إذا عرفت هذا فلا ريب في عدم كون المعدوم مكلّفاً بالتكليف الفعلي البعثي بالنسبة إلى الفعل أو الزجري بالنسبة إلى الترك ضرورة انه بهذا المعنى يستلزم الطلب منه حقيقة ولا يكاد يكون الطلب الحقيقي إلّا من الموجود نعم هو بمعنى مجرّد انشاء الطلب بلا بعث ولا زجر لا استحالة فيه أصلاً فانّ الانشاء خفيف المؤنة فالحكيم تبارك وتعالى ينشأ على وفق الحكمة والمصلحة طلب شي ء قانوناً من الموجود والمعدوم حين الخطاب يصير فعليّاً بعد ما وجد الشرائط للتكليف وفقد الموانع منه بلا حاجة إلى انشاء آخر جديداً غير الانشاء السابق حين عدم المكلّف ونظير ذلك أي انشاء الطلب بالنسبة إلى المعدوم يصير فعليّاً حين وجوده وإذا وجد الشرائط وفقد الموانع انشاء التمليك في الوقف على البطون فان المعدوم منهم يصير مالكاً للعين الموقوفة بعد وجوده بانشائه ويتلقّى لها من الواقف بعقده

ص: 353

.......................................

__________________________

الصادر منه حين عدمهم فيؤثّر في حقّ الموجود منهم الملكيّة الفعليّة ولا يؤثّر في حقّ المعدوم فعلاً إلّا استعدادها لأن يصير ملكاً له بعد وجوده هذا إذا انشأ الطلب مطلقاً ومن غير تقييد واما اذا أنشأ مقيداً بوجود المكلّف ووجدانه الشرائط فامكان ذلك في حقّ المعدومين بمكان من الامكان ولا غائلة فيه أصلاً.

واستشكل الشارح الكاظميني على المصنّف هنا بعد نقل ما ذكر منه بأن لقائلٍ أن يقول ان هذا صحيح لو كان التكليف الذي تضمّنته تلك الخطابات الواردة هو الشاني لا الفعلي وهو مقطوع بخلافه وإنّما تضمّنت التكليف الفعلي ضرورة انّه لا يمكن البعث والزجر إلّا إليه.

نعم هذا في الخطابات المتضمّنة لأصل تشريع الأحكام مثل: « أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ »(1) وقوله تعالى: « وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ »(2) وقوله: « وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين »(3) وقوله: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ »(4) الغير المتضمنة بعثاً وزجراً فعليين في حقّ الحاضرين، له وجه إلّا انّ لازم ذلك التفصيل بين الخطابات فيما تضمّنته مع ان الظاهر عدم القول بالفصل.

ص: 354


1- النساء: 59.
2- الذاريات : 56.
3- البينة: 5.
4- البقرة: 21.

.......................................

__________________________

ثمّ قال قدس سره بعد جملة كلام له ان تنظير المقام بالوقف على البطون المتأخّرة يؤدّي بما لا مانع عن العموم فيه بأحد الوجهين وقياس مع الفارق وهو أن يقول وقفت هذا الشي ء على فلان ومن بعده من البطون وبالوجه الآخر فالاشكال جار في الوقف كجريانه في المقيس وهو أن يقول أوقفت عليك هذا أيّها العالم أو الفقير فيبحث حينئذٍ عن انّه يعم غيره من ذي العنوان غائباً ومعدوماً أو لا والكلام الكلام ثمّ قال بعد نقل قول المصنّف هذا إذا أنشأ الطلب مطلقاً وأمّا إذا أنشأ مقيداً بوجود المكلّف ووجدانه الشرائط فامكانه بمكان من الامكان قلت: اما إذا كان على نحو الخطاب المقيد فاستحالته بمكان من الاستحالة مضافاً إلى انه متى صحّ خطاب المعدوم مشروطاً صحّ مطلقاً لأنّ المانع هو عدم أهليّته للخطاب لا عدم قدرته على الأداء كما هو أوضح من أن يخفى(1).

أقول: وفيما أورده على المصنّف اشكالات ومواقع للنظر الأوّل انّه لا مانع من أن تكون خطابات الواردة لا لأصل تشريع الأحكام بالنسبة إلى الموجودين ومثبتة للتكاليف الفعليّة المنجزة بالنسبة إليهم وانشائيّته بالنسبة إلى المعدومين كما هو الحال في الوقف على الموجودين والبطون المتأخّرة ولا يلزم أن يكون التكاليف الثابتة بالخطابات الالهيّة الغير الواردة لأصل تشريع الأحكام اما بعثيّة وزجريّة مطلقاً وأمّا انشائيّة كذلك فان المقصود من التنظر بالوقف اثبات جواز ذلك في التكاليف كجوازه فيه أيضاً.

ص: 355


1- الهداية في شرح الكفاية: 465.

.......................................

__________________________

الثاني ان ابداء الفرق بين قولي الواقف وقفت هذا الشي ء على فلان ومن بعده من البطون وقوله أوقفت عليك هذا أيّها العالم أو الفقير وانه لا مانع من العموم في الأوّل وثبوت الوقف بتلك العبارة بالنسبة إلى الموجودين والمعدومين معاً وانّما الاشكال في القول الثاني في انه هل يعم غيره من ذي العنوان غائباً ومعدوماً أولا لا ربط له بالمقام فان جواز ثبوت التكليف وعدمه بالنسبة إلى الغائب والمعدوم لا دخل له بمسئلة الخطاب فان جواز المخاطبة مع المعدومين أو الغائبين وعدم جوازها أمر غير جواز تعلّق التكليف بالمعدومين وعدم جوازه وكان الأمر اشتبه على الشارح المستشكل حيث فرق بين التعبيرين في الوقف وانه لا شبهة في شمول الخطاب للمعدومين إذا كان التعبير بأحدهما الذي فرضه المصنّف وهو أن يقول الواقف وقفته على فلان ومن بعده من البطون وان الاشكال جار في الوقف كما في المقيس إذا كان بالتعبير بالوجه الآخر فان هذا وارد على المصنّف إذا كان مقصوده من بيانه المزبور الوجه الثالث من الوجوه الثلاثة المتصوّرة في تصوير النزاع والدلالة اللفظيّة ولا مناسبة لما أورده مع مسئلة جواز تعلّق التكليف بالمعدوم وعدم جوازه الذي هو مسئلة عقليّة أصلاً فان شمول قوله من بعده من البطون للبطون المتأخّرة وكونهم من الموقوفة عليهم بلا شبهة بخلاف أوفقت عليك أيّها العالم أو أيّها الفقير فانّه يجري الخلاف فيه كما يجري في الخطابات الالهيّة إنّما هو بالنسبة إلى الدلالة اللفظيّة وأمّا تملّك البطون المتأخّرة للوقف وتلقيهم بنفس ذلك العقد الواقع من الواقف وعدم تملّكهم كذلك فغير مبتن على اختلاف

ص: 356

.......................................

__________________________

التعبيرين ولا فرق فيه بين أن يكون التعبير بالنحو الأوّل أو الثاني فان لم يكن التملّك لهم جائزاً فغير جائز ولو كان التعبير بالنحو الأوّل وإن كان تملّكهم جايزاً فجايز وإن كان التعبير بالنحو الثاني اذا فرض شمول الدلالة اللفظيّة لهم إذا كان التعبير به كما لا يخفى.

الثالث انه خلط ثانياً بين انشاء التكليف المقيد والخطاب المقيد حيث ردّ المصنّف بأنّ التكليف المقيّد لو كان جائزاً ولكن الخطاب المقيّد بالوجود مع المعدوم غير جائز البتة مع انّه كما عرفت ليس الكلام هنا في الخطاب مع المعدوم بل إنّما الكلام في جواز تعلّق التكليف به وعدمه فقوله في مقام تكثير الاشكال على المصنّف مضافاً إلى انّه متى صحّ الخطاب المعدوم مشروطاً صحّ مطلقاً لأنّ المانع هو عدم أهليته للخطاب الخ وإن كان متيناً في نفسه إلّا انّه لا مساس بما هو مقصود المصنّف من التكليف المعدوم ومع قطع النظر عن المخاطبة معه كما لا يخفى.

وبالجملة فقد اشتبه على الشارح وغفل عن ان هذا البيان من المصنّف هنا راجع إلى تصحيح الوجه الأوّل ولا مساس له بالنزاع اللغوي والوجه الآخر من الوجوه الثلاثة.

هذا تمام الكلام في الوجه الأوّل من الوجوه الثلاثة المتصوّرة في تصوير النزاع في هذا الباب وكذلك يعني كما لا يجوز أن يكون المعدوم مكلّفاً فكذلك لا يجوز أن يكون هو الغائب أيضاً مخاطباً بخطاب ضرورة عدم تحقّق توجيه

ص: 357

.......................................

__________________________

الكلام نحو الغير حقيقة إلّا إذا كان موجوداً فلا يمكن توجيهه إلى المعدوم وكان بحيث يتوجّه إلى الكلام ويلتفت إليه فلا يصح توجيهه إلى الغائب أيضاً فانّ التوجيه المعنوي كالمقابلة والتوجّه الحسي فكما لا يمكن المقابلة الحسيّة مع المعدوم والغائب عقلاً فكذلك التوجيه المعنوي يمتنع عقلاً مع الغائب والمعدوم وممّا ذكر في حكم المخاطبة مع المعدوم والغائب يظهر حال الدلالة اللفظيّة أيضاً وهو الوجه الثالث من الوجوه الثلاثة.

فان ما وضع للخطاب مثل أدوات النداء لو كانت موضوعة للخطاب الحقيقي لا وجب استعماله فيه تخصيص ما يقع في تلوه وفيما بعده بالحاضرين لأنّ الخطاب الحقيقي مع غير الحاضرين من الغائب والمعدوم غير جائز كما ان مقتضى ارادة العموم منه أي من مثل أدوات النداء لغيرهم أي الحاضرين استعماله في غير الخطاب الحقيقي لكن الظاهر ان مثل أدوات النداء لا يكون موضوعاً للخطاب الحقيقي بل إنّما وضعت للخطاب الايقاعي الانشائي فالتكلّم ربما يوقع الخطاب تاسفا وتحسراً لا المخاطبة الحقيقيّة نحو « يا كوكباً ما كان أقصر عمره » وقوله:

« أيا من لست اقلاه * ولا في البعد انساه

لك اللَّه على ذلك * لك اللَّه لك اللَّه »(1)

أو شوقا نحو:

ص: 358


1- شرح الكافية الشافية لابن مالك، محمّد بن عبداللَّه: 1/529.

.......................................

__________________________

« أيا جبلى نعمان باللَّه خليا * نسيم الصبا يخلص إلى نسيمها »(1)

أو نحو ذلك نحو:

أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا * تعالى اقاسمك الهموم تعالى »(2)

فلا يوجب استعماله في المعنى الحقيقي حينئذٍ التخصيص بمن يصحّ مخاطبة بل إذا استعمل فيمن لا يصح مخاطبة حقيقية كالغائب والمعدوم وأريد من اللفظ الخطاب الايقاعي الانشائي فمستعمل في معناه الحقيقي أيضاً نعم لا يبعد دعوى الظهور انصرافاً في الخطاب الحقيقي كما هو الحال في حروف الاستفهام والتمني والترجي وغيرها على ما حققناه في بعض المباحث السابقة في أوّل الكتاب من كونها موضوعة للايقاعي والانشائي منها بدواع مختلفة مع ظهورها فيما إذا كان بداع الواقعي منها من جهة الانصراف اذا لم يكن هناك ما يمنع عنه كما يمكن دعوى وجود المانع غالباً عن ذلك الانصراف في كلام الشارع، ووجه امكان تلك الدعوى بداهة عدم اختصاص الحكم في مثل يا أيّها الناس اتّقوا ويا أيّها المؤمنون بمن حضر مجلس الخطاب بل يشمل الغائبين بلا شبهة ولا ارتياب فالانصراف لما ذكر ممنوع في الاستعمالات الواردة في كلام الشارع والشاهد على ما قلنا من عدم الانصراف وممنوعيّة صحّة النداء بالأدوات مع ارادة العموم من العام الواقع تلوها بلا عناية ولا للتنزيل والعلاقة رعاية.

ص: 359


1- الأنوار النعمانيّة: 4/88.
2- زهر الربيع: 1/195.

.......................................

__________________________

فان قيل: ان التنزيل والعلاقة ارتكازي وثابت في أذهان المستعملين والمتجوّزين بنحو الاجمال والارتكاز وان لم يلتفت إليه حين الاستعمال تفصيلاً.

قلنا: هذا باطل لأنّه لا يحصل العلم بالتنزيل ورعاية العلاقة مع الالتفات والتفتيش عن حال ذلك الاستعمال مع انه لابدّ من حصول العلم بذلك التنزيل بذلك أي بالالتفات والتفتيش لو كان حاصلاً وإلّا فمن أين يعلم بثبوته كذلك أي ارتكازياً فانه لا طريق للكشف عن الثبوت الارتكازي إلّا الالتفات والتفتيش فاذا لم نعلم بالتنزيل مع الالتفات فيعلم انّه لا تنزيل أصلاً لا ارتكازياً ولا غيره فيثبت انه اللفظ في تلك الاستعمالات مستعمل في معناه الحقيقي وليس هو إلّا الخطاب الايقاعي الانشائي.

وللشارح الكاظميني قدس سره هنا كلاماً أورده على المصنّف لا بأس بنقله وبيان ما فيه فانّه قال بعد نقل كلام المصنّف:

قلت: انه تمحل شديد وتعسف بعيد وكون الشاعر قد نزل الكوكب الموصوف بتلك الصفة وشجر الخابور ومعير الغصن والحمامة النائحة منزلة الحاضر الفاهم السامع بعلاقات مستحسنة في كلّ بحسبه ليس هذا موضع ذكرها وجعله أهلاً لندائه ممّا لا يخفى على أهل الفن ولم يستعذب من هذا الشعر إلّا بهذه التجوّزات وأمثالها ولو كان النداء قد استعمل فيما وضع له لم يكن الشعر بهذه العذوبة فلاحظ كلمات علماء المعاني والبيان والبديع تعرف موضع هذا الكلام وتحظى ببلوغ المرام ومن العجب قوله بلا عناية ولا رعاية وأي عناية ورعاية أوضح من هذه

ص: 360

.......................................

__________________________

انتهى كلامه(1) بعين عبارته.

أقول: اما ما يظهر من علماء المعاني والبيان من رعاية العلاقة والتنزيل في الأمثلة المزبورة فانّما هو متين على وضع أدات الخطاب للمخاطبة مع العاقل الحاضر فلابدّ على هذا المبنى من الالتزام برعاية العلاقة وثبوت التنزيل في الاستعمالات التي ليس المخاطب فيها كذلك البتة.

وأمّا على ما حقّقه المصنّف من وضعها للخطاب الايقاعي الانشائي فلا تجوز في تلك الاستعمالات ولا عناية ولا رعاية وما راوه بحسب أنظارهم لا يكون حجّة علينا بعد ثبوت الحق عندنا وانّه خلاف ما اعتقدوه وأمّا مسئلة العذوبة الثابتة في تلك الاستعمالات وانّه لو كان اللفظ فيها مستعملاً في معناه الحقيقي لم يكن استعذاباً ولا لطافة ولا ظرافة فيها فيجاب عنها بأنّ العذوبة واللطافة حاصلة فيها من جهة كون تلك الاستعمالات من الاستعمالات الغير الشايعة الغير الظاهرة مستعملاتها فيما استعملت فيها ولا منصرفة إلى المعنى المراد منها فان المنصرف إليه اللفظ إنّما هو الخطاب الحقيقي ولو كان الموضوع له أعم كما اعترف به المصنّف مراراً.

وبالجملة فقال المصنّف أخيراً وان ابيت إلّا عن وضع الأدوات للخطاب الحقيقي وكنت مصرّاً على ذلك فلابدّ ولا مناص عن التزام اختصاص الخطابات الالهيّة سواء كانت بأدات الخطاب أو نفس توجيه الكلام إلى المخاطب بدون

ص: 361


1- الهداية في شرح الكفاية: 467.

.......................................

__________________________

الأدوات كغيرها بالمشافهين والحاضرين مجلس الخطاب دون الغائبين والمعدومين اذا لم يكن قرينة على التعميم.

وتوهّم صحّة التزام التعميم في خطابات اللَّه تعالى لغير الموجودين فضلاً عن الغائبين لاحاطته بالموجود في الحال والموجود في الاستقبال وان المغيبات عنّا شهود في علم اللَّه والحضور والغيبة والوجود والعدم عند اللَّه سواء توهّم فاسد ورأي كاسد ضرورة ان احاطته لا توجب [صلاحية] المعدوم بل الغائب للخطاب وعدم صحّة المخاطبة معهما إنّما هو لقصورهما وذلك لا يوجب نقصا في ناحيته وعلمه واحاطته تعالى شأنه علوّاً كبيراً كما ان خطابه اللفظي لكونه تدريجيّاً متصرم الوجود كان قاصراً عن أن يكون موجها نحو غير من كان بمسمع منه ضرورة فعدم عموم الخطاب للغائب لقصور في نفس الخطاب وهو التدريجية وتصرم الوجود والمعدوم لقصور فيه لوجود الأهليّة في نفس الغائب وفقدها في المعدوم كما هو واضح.

هذا كلّه لو قلنا بأنّ الخطابات الواردة في الكتاب المجيد مثل يا أيّها الناس اتّقوا مثلاً متوجّهة إلى غير النبي صلى الله عليه وآله حقيقة غاية الامر بلسان التوجيه إلى النبي صلى الله عليه وآله من باب إيّاك أعني واسمعي يا جاره فانّ المخاطب بجميع القرآن المجيد إنّما هو النبي صلى الله عليه وآله فانه أنزل عليه والوحي إنّما توجّه إليه ويشير إليه ما ورد في الحديث: إنّما يعرف القرآن من خوطب به(1) فان المراد من الموصول فيه إنّما

ص: 362


1- الكافي: 8/312، ح 485؛ بحار الأنوار: 24/238، ح 6.

الخوض في تحقيق المقام، من بيان ما يمكن أن يكون محلا للنقض والابرام بين الاعلام.

فاعلم أنه يمكن أن يكون النزاع في أن التكليف المتكفل له الخطاب هل يصح تعلقه بالمعدومين، كما صح تعلقه بالموجودين، أم لا؟ أو في صحة المخاطبة معهم، بل مع الغائبين عن مجلس الخطاب بالالفاظ الموضوعة للخطاب، أو بنفس توجيه الكلام إليهم، وعدم صحتها، أو في عموم الالفاظ الواقعة عقيب أداة الخطاب، للغائبين بل المعدومين، وعدم عمومها لهما، بقرينة تلك الاداة.

__________________________

هو النبي صلى الله عليه وآله وأمّا إذا قيل بأنّ المخاطب والموجّه إليه الكلام حقيقة وحياً أو الهاماً ما هو النبي صلى الله عليه وآله فلابدّ من أن يكون الخطاب حينئذٍ ايقاعيّاً انشائيّاً لا جدياً حقيقيّاً ولو تجوّزا إن كانت أدات الخطاب موضوعة للخطاب الجدي الحقيقي وكذلك توجيه الكلام إلى المخاطب اذ توجيه الخطاب الجدي الحقيقي مثل يا أيّها الناس الذي يكون المنادى فيه جميع أفراد البشر إلى النبي صلى الله عليه وآله حقيقة غلط واضح فلابدّ حينئذٍ من أن يكون المراد في مثل الآية المذكورة الخطاب الايقاعي الانشائي فان ايقاع الخطاب وانشائه متوجّهاً إلى النبي صلى الله عليه وآله بعبارة يا أيّها الناس لا ضير فيه فان الخطاب الايقاعي إنّما هو صورة الخطاب والخطاب الاسمي فلا مانع من أن يوقع الخطاب وينشأ متوجّهاً إلى النبي صلى الله عليه وآله بالعبارة المذكورة واذا ثبت كون الخطاب ايقاعيّاً لا حقيقيّاً فلا مانع من أن يكون الحكم المتكفّل له ذلك الخطاب الايقاعي الانشائي متعلّقاً بالمعدومين كالحاضرين في مجلس الخطاب فضلاً عن الغائبين فانّ الممنوع إنّما هو شمول الخطاب الحقيقي لهما لا الايقاعي كما مرّ مراراً.

ص: 363

ولا يخفى أن النزاع على الوجهين الاولين يكون عقليا، وعلى الوجه الاخير لغويا.

إذا عرفت هذا، فلا ريب في عدم صحة تكليف المعدوم عقلا، بمعنى بعثه أو زجره فعلا، ضرورة أنه بهذا المعنى يستلزم الطلب منه حقيقة، ولا يكاد يكون الطلب كذلك إلا من الموجود ضرورة، نعم هو بمعنى مجرّد إنشاء الطلب بلا بعث ولا زجر، لا استحالة فيه أصلا، فإن الانشاء خفيف المؤونة، فالحكيم تبارك وتعالى ينشئ على وفق الحكمة والمصلحة، طلب شئ قانونا من الموجود والمعدوم حين الخطاب، ليصير فعليا بعد ما وجد الشرائط وفقد الموانع بلا حاجة إلى إنشاء آخر، فتدبر.

ونظيره من غير الطلب إنشاء التمليك في الوقف على البطون، فإن المعدوم منهم يصير مالكا للعين الموقوفة، بعد وجوده بإنشائه، ويتلقى لها من الواقف بعقده، فيؤثر في حق الموجود منهم الملكية الفعلية، ولا يؤثر في حق المعدوم فعلا، إلا استعدادها لان تصير ملكا له بعد وجوده، هذا إذا أنشئ الطلب مطلقا.

وأما إذا أنشئ مقيدا بوجود المكلف ووجدانه الشرائط، فإمكانه بمكان من الامكان.

وكذلك لا ريب في عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب حقيقة، وعدم إمكانه، ضرورة عدم تحقق توجيه الكلام نحو الغير حقيقة إلا إذا كان موجودا، وكان بحيث يتوجه إلى الكلام، ويلتفت إليه.

ومنه قد انقدح أن ما وضع للخطاب، مثل أدوات النداء، لو كان موضوعا للخطاب الحقيقي، لاوجب استعماله فيه تخصيص ما يقع في تلوه بالحاضرين، كما

ص: 364

أن قضية إرادة العموم منه لغيرهم استعماله في غيره، لكن الظاهر أن مثل أدوات النداء لم يكن موضوعا لذلك، بل للخطاب الايقاعي الانشائي، فالمتكلم ربما يوقع الخطاب بها تحسرا وتأسفا وحزنا مثل: يا كوكبا ما كان أقصر عمره....... أو شوقا، ونحو ذلك، كما يوقعه مخاطبا لمن يناديه حقيقة، فلا يوجب استعماله في معناه الحقيقي - حينئذ - التخصيص بمن يصح مخاطبته، نعم لا يبعد دعوى الظهور، انصرافا في الخطاب الحقيقي، كما هو الحال في حروف الاستفهام والترجي والتمني وغيرها، على ما حققناه في بعض المباحث السابقة، من كونها موضوعة للايقاعي منها بدواع مختلفة مع ظهورها في الواقعي منها انصرافا، إذا لم يكن هناك ما يمنع عنه، كما يمكن دعوى وجوده غالبا في كلام الشارع، ضرورة وضوح عدم اختصاص الحكم في مثل: (ياأيها الناس اتقوا) و(يا أيها المؤمنون) بمن حضر مجلس الخطاب، بلا شبهة ولا ارتياب.

ويشهد لما ذكرنا صحة النداء بالادوات، مع إرادة العموم من العام الواقع تلوها بلا عناية، ولا للتنزيل والعلاقة رعاية.

وتوهم كونه ارتكازيا، يدفعه عدم العلم به مع الالتفات إليه، والتفتيش عن حاله مع حصوله بذلك لو كان مرتكزا، وإلا فمن أين يعلم بثبوته كذلك؟ كما هو واضح.

وإن أبيت إلا عن وضع الادوات للخطاب الحقيقي، فلا مناص عن التزام اختصاص الخطابات الالهية بأداة الخطاب، أو بنفس توجيه الكلام بدون الاداة كغيرها بالمشافهين، فيما لم يكن هناك قرينة على التعميم.

وتوهم صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين، فضلا عن

ص: 365

الغائبين، لاحاطته بالموجود في الحال والموجود في الاستقبال، فاسد، ضرورة أن إحاطته لا توجب صلاحية المعدوم بل الغائب للخطاب، وعدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا يوجب نقصا في ناحيته تعالى، كما لا يخفى، كما أن خطابه اللفظي لكونه تدريجيا ومتصرم الوجود، كان قاصرا عن أن يكون موجها نحو غير من كان بمسمع منه ضرورة، هذا لو قلنا بأن الخطاب بمثل يا أيها الناس اتقوا في الكتاب حقيقة إلى غير النبي صلى اللَّه عليه وآله بلسانه.

وأما إذا قيل بأنه المخاطب والموجه إليه الكلام حقيقة وحيا أو إلهاما، فلا محيص إلا عن كون الاداة في مثله للخطاب الايقاعي ولو مجازا، وعليه لا مجال لتوهم اختصاص الحكم المتكفل له الخطاب بالحاضرين، بل يعم المعدومين، فضلا عن الغائبين.

فصل:

ربما قيل: إنه يظهر لعموم الخطابات الشفاهية للمعدومين ثمرتان:[1]

__________________________

[1] أقول: الثمرة الأولى للبحث المذكور هي انّه لو ثبت شمول الخطابات للغائبين والمعدومين فظواهرها حجّة لهم كالمشافهين ولو لم يثبت فلا ولكنّه ثبوت تلك الثمرة مبتن على حجيّة ظواهر الألفاظ بالنسبة إلى المقصودين بالأفهام من الخطاب فقط دون غيرهم مع ان التحقيق خلافه اذ السيرة الجارية بين أهل المحاورة التي هي الأصل في حجيّة ظواهر الألفاظ عامّة بالنسبة إلى المقصودين بالخطاب وغيرهم فان كلّ من قرء المكتوب المرسل إلى غيره يأخذ بظواهر ألفاظه ولا ينكر عليه أحد ذلك عليه بل الكل يقرّروه على ذلك فاذن

ص: 366

.......................................

__________________________

لا وجه لعدّ ما ذكر من ثمرات البحث ولو سلّم اختصاص حجيّة الظواهر بالمقصودين بالخطاب فقط فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بالافهام ممنوع اذ لا ملازمة عقلاً ولا شرعاً ولا عرفاً بين اختصاص الخطاب واختصاص قصد الافهام كما هو كذلك في المقام فلا نسلم اختصاصهم بذلك بل الظاهر ان الناس كلّهم إلى يوم القيامة يكون شأنهم كذلك وان لم يعمهم الخطاب كما يؤمى إليه بل ينصّ عليه غير واحد من الأخبار الواردة في مقام الاستشهاد بآيات الكتاب الصريحة في ذلك.

الثانية صحّة التمسّك باطلاقات الخطابات القرآنيّة بناء على تعميمها لغير المشافهين والحاضرين في مجلس الخطاب لثبوت الأحكام لمن وجد في المستقبل والزمان المتأخّر عن الخطاب وبلغ وصار مكلّفاً من المعدومين ولو لم يكن متّحداً مع المشافهين في الصنف ومماثلاً لهم في الصفات والطواري لأنّه لما كان مشمولاً للخطاب كالموجودين والحاضرين فلا حاجة إلى موافقته معهم فيها ليثبت الحكم في حقّه بقاعدة الاشتراك والاجماع التي تثبت في صورة الاتّحاد في الصفة والصفة فقط بل يكفي حينئذٍ في ثبوت الحكم في حقّه مع المخالفة في الصفات مع المشافهين اطلاق الخطاب وعدم صحّة التمسّك باطلاق الخطاب لاثبات الحكم في حقّ المعدومين مع المخالفة في صفات المشافهين وعدم الاتّحاد معهم في الصنف بناء على عدم شموله لهم بل لابدّ حينئذٍ من اثبات اتّحاده معهم في الصنف حتّى يحكم بالاشتراك مع المشافهين في الأحكام إذ لا دليل على

ص: 367

.......................................

__________________________

اثبات الأحكام حينئذٍ إلّا الاجماع ولا اجماع بالاشتراك إلّا فيما اتّحد الصنف كما مرّ.

ثمّ لا يخفى عليك انّه يثبت الاتّحاد في الصنف للمعدومين مع الموجودين والمشافهين المعتبر في جريان قاعدة الاشتراك وعدم دخل ما كان المشافهون واجدين له والبالغ الان فاقداً له باطلاق الخطاب إليهم من دون التقييد بالطواري من الصفات وكونهم كذلك أي واجدين لتلك الصفات حال الخطاب لا يوجب صحّة الاطلاق مع ارادة المقيّد معه أي مع الاطلاق فيما يمكن أن يتطرّق إليه الفقدان وان صحّ اطلاق الخطاب وعدم التقييد مع ارادة المقيّد مع الاطلاق فيما لا يتطرّق إليه الفقدان ومن الصفات اللازمة التي لا تنفك عن معروضاتها وببيان أوضح انّ المكلّف الواجد لصفة من الصفات لا يمكن أن يوجه التكليف إليه مطلقاً غير مقيد بوجود تلك الصفة فيما إذا كان لتلك الصفة مدخل في التكليف اذا لم يكن تلك الصفة من الأمور اللازمة له بل توجد فيه تارة وتفقد أخرى مثلاً لا يمكن أن يوجه التكليف بالحج على نحو الاطلاق للمستطيع بل لابدّ من أن يقيّد بالاستطاعة لافادة الاطلاق ثبوت التكليف حتّى مع عدمها مع انه شرط فيه ودخيل في ثبوته على الفرض.

نعم إنّما يمكن ذلك في الصفة اللازمة التي لا تنفك أبداً عن موصوفها اذ لا مورد لصورة فقدانها بعد وجدانها ليكون منافياً للاطلاق مع دخلها في الحكم الثابت وبالجملة فالمعدومون متّحدون مع المشافهين صنفاً بحكم الاطلاقات في

ص: 368

.......................................

__________________________

الخطابات التي لم تؤخذ فيها تلك الصفات الموجودة فيهم ولم تقيد بوجودها مع ان الجائز انفكاكها عنهم فالمخالفة بين الموجودين والمعدومين في الصفات التي لا دخالة لها في ثبوت التكليف والحكم لا توجب الاختلاف وعدم الاتحاد في الصنف.

فظهر بما ذكرنا انه ليس المراد بالاتّحاد في الصنف إلّا الاتّحاد فيما اعتبر قيداً في الأحكام لا الاتّحاد فيما كثر الاختلاف بحسبه والتفاوت بسببه بين الانام بل في شخص واحد بمرور الدهور والأيّام وإلّا فلو كان مثل هذا الاختلاف موجباً لعدم الاتحاد لَما ثبت بقاعدة الاشتراك للغائبين فضلاً عن المعدومين حكم من الأحكام لكثرة التفاوت في مثل تلك الصفات ثمّ لا يخفى ان قاعدة الاشتراك إنّما يجدي في اثبات الحكم في حقّ المعدومين وعدم اختصاصه بالموجودين والحاضرين فقط بالنسبة إلى وصف من الأوصاف لم يكونوا معنونين في الخطاب بتلك الصفة ومأخوذة في القضيّة الدالّة على الحكم وأمّا إذا كانوا معنونين بتلك الصفة الخاصّة الفلانيّة فدليل الاشتراك لا ينفع في اثبات الحكم لغيرهم للشكّ في شمولها لهم أي للمعدومين حينئذٍ أيضاً كالموجودين وإنّما يثبت الحكم في حقّ المعدومين حينئذٍ بالاطلاق واثبات عدم دخل ذلك العنوان في الحكم دون دليل الاشتراك ومع ذلك أي مع اثبات عدم الدخل في تلك الصفة في الحكم كان الحكم يعم غير المشافهين ومقصودين بالأفهام ولو قيل باختصاص الخطابات بهم أيضاً فتلخّص وتحصل ممّا ذكر انّة لا يكاد تظهر الثمرة بين القولين بالتعميم وعدمه إلّا على القول باختصاص حجيّة الظواهر بمن قصد افهامه مع كون غير المشافهين

ص: 369

الاولى: حجية ظهور خطابات الكتاب لهم كالمشافهين وفيه: إنه مبني على اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالافهام، وقد حقق عدم الاختصاص بهم.

ولو سلم، فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع، بل الظاهر أن الناس كلهم إلى يوم القيامة يكونون كذلك، وإن لم يعمهم الخطاب، كما يومئ إليه غير واحد من الاخبار.

__________________________

غير مقصودين بالافهام فلا يصحّ التمسّك حينئذٍ باطلاق الخطاب لاثبات عدم دخل العنوان المأخوذ في الحكم وشموله للمعدومين الفاقدين له ولكن قد حقّق عدم اختصاص حجيّة الظواهر بالمقصود بالافهام في غير مقام مراراً وكراراً ومع ذلك أيضاً قد أشير انفاً إلى منع كونهم غير مقصودين بالأفهام وان قلنا باختصاص الخطاب في المقام فظهر انّه لا مانع من التمسّك باطلاقات الخطاب مطلقاً واثبات الحكم في حقّ المعدومين من دون حاجة إلى قاعدة الاشتراك والاجماع ولو قلنا باختصاص الخطاب بالموجودين في مجلسه وعدم التعميم أيضاً فانّه لما علم ان المقصود بالافهام في آية يا أيّها الذين آمنوا مثلاً كلّ من وصف بالايمان من زمن صدور الخطاب إلى يوم القيامة فلا مانع من التمسّك باطلاق الخطاب لاثبات الحكم في حقّ المعدومين ولو مع عدم اتّحادهم في الصنف مع الموجودين وعدم جريان قاعدة الاشتراك والاجماع بعد ان ثبت حجيّة الظواهر بالنسبة إلى كلّ من كان مقصوداً بالافهام دون المشافهين فقط ولو لم يكن مقصوداً بالخطاب أيضاً فلا منافاة بين عدم كونهم مقصودين بالخطاب ومشمولين لاطلاقه بالبيان الذي ذكرنا فالثمرة الثانية لا وجه لها كالأولى بالبيان المذكور فيها أيضاً.

ص: 370

الثانية: صحة التمسك بإطلاقات الخطابات القرآنية بناء على التعميم، لثبوت الاحكام لمن وجد وبلغ من المعدومين، وإن لم يكن متحدا مع المشافهين في الصنف، وعدم صحته على عدمه، لعدم كونها حينئذ متكفلة لاحكام غير المشافهين، فلابد من إثبات اتحاده معهم في الصنف، حتى يحكم بالاشتراك مع المشافهين في الاحكام، حيث لا دليل عليه حينئذ إلا الاجماع، ولا إجماع عليه إلا فيما اتحد الصنف، كما لا يخفى.

ولا يذهب عليك، أنه يمكن إثبات الاتحاد، وعدم دخل ما كان البالغ الآن فاقدا له مما كان المشافهون واجدين له، بإطلاق الخطاب إليهم من دون التقييد به، وكونهم كذلك لا يوجب صحة الاطلاق، مع إرادة المقيد معه فيما يمكن أن يتطرق (إليه) الفقدان، وإن صح فيما لا يتطرق إليه ذلك.

وليس المراد بالاتحاد في الصنف إلا الاتحاد فيما اعتبر قيدا في الاحكام، لا الاتحاد فيما كثر الاختلاف بحسبه والتفاوت بسببه بين الأنام بل في شخص واحد بمرور الدهور والأيّام، وإلّا لما ثبت بقاعدة الاشتراك للغائبين - فضلاً عن المعدومين - حكم من الأحكام. ودليل الاشتراك إنما يجدي في عدم اختصاص التكاليف بأشخاص المشافهين، فيما لم يكونوا مختصين بخصوص عنوان، لو لم يكونوا معنونين به لشك في شمولها لهم أيضا، فلولا الاطلاق وإثبات عدم دخل ذاك العنوان في الحكم، لما أفاد دليل الاشتراك، ومعه كان الحكم يعم غير المشافهين ولو قيل باختصاص الخطابات بهم، فتأمل جيدا.

فتلخص: أنه لا يكاد تظهر الثمرة إلا على القول باختصاص حجية الظواهر لمن قصد إفهامه، مع كون غير المشافهين غير مقصودين بالافهام، وقد حقق عدم

ص: 371

الاختصاص به في غير المقام، واشير إلى منع كونهم غير مقصودين به في خطاباته تبارك وتعالى في المقام.

فصل:

هل تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده، يوجب[1] تخصيصه به أو لا؟

__________________________

[1] أقول: يعني ان تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده هل يوجب تخصيصه بذلك البعض منها ويدلّ على انّ المراد من لفظ العام الظاهر لبعض أفراده لا كلّها بناء على ان العام المخصّص مستعمل في الباقي وليس باقياً على معناه الحقيقي بعد التخصيص الذي هو الحق عند المحقّقين أم لا ويكون المراد من العام جميع أفراده والمراد من ضميره أمّا بعضها مجازاً في الكلمة أو تمامها مجازاً في الاسناد باسناد الحكم المسند إلى البعض إلى الكل توسعاً، فيه خلاف بين الأعلام ولكن لابدّ أن يعلم ان محل الخلاف في هذا البحث ما إذا وقع العام وضميره في كلامين متغايرين بحيث لا يكون لأحدهما ربط بالآخر أو في كلام واحد مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام بأن يكون كلّ من الجملة التي فيها العام والجملة التي فيها الضمير كلاماً تام الفائدة كما في قوله تعالى: « وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ - إلى قوله - وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ »(1) فان هذين الجملتين وإن كانتا كلاماً واحداً لا كلامين ولكن ما فيه العام كلام تام وما فيه الضمير كذلك أيضاً والشاهد في الآية الشريفة في عود ضمير وبعولتهنّ إلى بعض المطلّقات المذكورات في القضيّة الأولى وهي الرجعيّة فقط دون البائنة فبعض يقول بأنّ

ص: 372


1- البقرة: 228.

.......................................

__________________________

المراد من المطلّقات أيضاً الرجعيّة فقط بقرينة الضمير الراجع إليهنّ وتكون حينئذٍ اما عدّة غير الرجعيّات مسكوتاً عنها في الآية بناء على عدم افادة تعريف المسند إليه بلام الحصر أو منصوصاً على خروجها عن هذه العدّة بناء على افادة الحصر وآخر يقول بأنّ المراد من المطلّقات كلهنّ من البائنات والرجعيّات وان الآية دالّة على وجوب التربص عليهنّ مطلقاً وإن كانت الجملة الثانية دالّة على جواز الرجوع إلى الرجعيّات فقط وأمّا إذا كان الاسم الظاهر والضمير كلاهما في جملة واحدة مثل والمطلّقات أزواجهنّ أحقّ بردهنّ وكان المراد من الضمير بعض الأفراد فلا شبهة في كون الضمير حينئذٍ قرينة على التخصيص وارادة البعض من مرجعه بناء على أحد المبنيين المذكورين.

والحاصل ان محلّ الكلام ما اذا ذكر العام بلفظه وحكم عليه بحكم عام على حد عمومه ثم ذكر العام بضميره وحكم عليه بحكم يخص به بعض أفراده وتحقيق القول في ذلك المجال يقتضي أن يقال انّه حيث دار الأمر بين التصرّف في العام وارادة خصوص ما أريد بالضمير الراجع إليه منه أو التصرّف في ناحية الضمير وابقاء العام على ظاهره من ارادة العموم منه وذلك التصرّف في ناحيته اما بارجاعه إلى بعض ما هو المراد من مرجعه مع ان ظاهر لفظ الضمير رجوعه إلى تمام أفراد مرجعه أو إلى تمامه بأن لا يتصرّف في دلالته اللفظيّة للضمير لكن مع التوسّع في الاسناد وذلك باسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة وهو الأحقيّة بالرد إلى الكل توسعاً وتجوزاً لكون أكثر المطلقات من الرجعيّات كانت اصالة

ص: 373

.......................................

__________________________

الظهور في طرف العام وحمله على ارادة جميع الأفراد سالمة عن معارضة تلك الاصالة في جانب الضمير لأن المتيقّن من بناء العقلاء الذي هو مبنى حجية اصالة الظهور اتباع الظهور في تعيين المراد الذي هو المقصود في اجرائها في لفظ العام لا في تعيين كيفيّة الاستعمال والارادة وانه على نحو الحقيقة والمجاز في الكلمة أو الاسناد مع القطع بما يراد كما هو الحال في ناحية الضمير فان من المعلوم ارادة بعض المرجع من الضمير جداً لا غير ولكنه لا يعلم انه على سبيل التجوز في الكلمة واستعمال اللفظ الموضوع لمعنى في معنى آخر مجازاً بالعلاقة أو بطريق المجاز في الاسناد لا الكلمة بان كان الكلمة مستعملة في الكل بالاستعمال اللفظي حقيقة وكان المراد جدا بعض الأفراد لا كلّها وبعبارة أخرى كان التوسّع في الاسناد بأن يسند الحكم المسند إلى البعض حقيقة إلى الكل توسعاً وتجوزاً لا في استعمال الكلمة، وبالجملة اصالة الظهور إنّما تكون حجّة فيما إذا شكّ فيما أريد لا فيما اذا شكّ في انّه كيف أريد فان الشك بالنسبة إلى لفظ العام الظاهر راجع إلى أصل المراد وانه هل المراد منه جميع الأفراد أو بعضها فباصالة الظهور يتعين المراد في جميع الأفراد وهو بالنسبة إلى الضمير راجع إلى كيفيّة الارادة مع تعيين المراد فان المراد منه بعض الأفراد جداً بلا شبهة غاية الأمر لا يعلم ان ارادته منه على سبيل التجوز في الكلمة بأن أريد ممّا هو ظاهر في الكل البعض مجازاً وبالعلاقة أو ان المسند إلى البعض حقيقة اسند إلى الكل توسّعاً ومجازاً في الاسناد فيبقى اصالة الظهور في لفظ العام الظاهر سالماً عن أن يعارض بمثلها في الضمير الراجع إليه ولكن حجيّة اصالة الظهور إنّما تكون ثابتة اذا انعقد ظهور للكلام في

ص: 374

.......................................

__________________________

العموم بأن لا يعد ما اشتمل على الضمير الراجع إلى البعض من أفراد العام ممّا يكتنف به عرفاً ولا يوجب اسقاط ظهور العام في العموم وإلّا ليحكم على الكلام بالاجمال لعدم انعقاد ظهور للعام في مثل ذلك وفي المورد الذي اكتنف العام بما لا يدلّ معه العموم ويرجع حينئذٍ إلى ما يقتضيه الأصول العلميّة فان المرجع بعد اليأس عن الأصول اللفظيّة إنّما هو الأصول العمليّة اللهمّ إلّا أن يقال باعتبار اصالة الحقيقة تعبداً حتّى فيما إذا احتف بالكلام ما لا يكون ظاهراً معه في معناه الحقيقي كما في كلام بعض الفحول وليس حجيتها من جهة ظهور اللفظ في معناه الحقيقي كي تنفي حيث لا ظهور.

قال الشارح الكاظميني في مقام الاشكال على المصنّف وذلك البعض من الفحول قلت: قد عرفت ان الظهور ينعقد مع جمع القرائن اللفظيّة المتعقبة لذي الظهور سابقاً واصالته بنفسه حجّة من غير فرق بين التخصيص بالمتّصل والمنفصل على ما حقّقناه سابقاً وبينّا ان عدم انعقاد الظهور منحصر في القرائن الحالية المقارنة للفظ حين النطق وان انقلاب الظهور في المعنى الحقيقي إلى الظهور في المعنى المجازي منحصر في قرينة المجاز ولعلّ هذا هو مراد بعض الفحول لا القول باتباع اصالة الحقيقة مع تسليم عدم الظهور وكيف كان فمن العجب اقتصار المصنّف على هذا الوجه في ترجيح ابقاء العام على عمومه والتصرّف في الضمير وعدم التفاته إلى ما ذكرناه من التفصيل مع انّه قدس سره هو اسه وأساسه ومن نتائجه عرف قياسه(1).

ص: 375


1- الهداية في شرح الكفاية: 472.

.......................................

__________________________

أقول: بل العجب من الشارح المتعجب وزعمه غفلة المصنّف عمّا حقّقه في مدلول العام بعد ورود التخصيص عليه فان مراده هنا من عدم ثبوت تجوز في لفظ العام مع التخصيص ان العام مستعمل بحسب الدلالة اللفظيّة في العموم وليس مجازاً ومستعملاً في الباقي وان كان المراد منه جداً بعض أفراده الباقية البتة لا كلّها وبعبارة أخرى العام مستعمل في العموم على حسب ضرب القاعدة والارادة الصورية الاستعماليّة لا اللبيّة الجدية وإلّا فالمراد جداً ولبا من كلّ عام مخصّص ليس إلّا بعض الأفراد لا كلّها كما هو واضح والمقصود هنا البحث عن ان رجوع الضمير المختص ببعض الأفراد إلى العام هل يدلّ على ارادة بعض الأفراد من العام جداً ولبا كسائر المخصصات المتّصلة والمنفصلة أم لا لا مثل الضمير مخصصاً للعام كسائرها بواسطة اصالة العموم وانه مثل ما إذا لم يرد مخصّص أصلاً فان ما تعين كونه مخصصاً متّصلاً كان أم منفصلاً يمنع اصالة العموم عن ان تؤثر في ثبوته وكونه مراداً جداً من العام وإن كان مراداً بحسب الدلالة الاستعماليّة الصوريّة وما ليس متعيّن المخصصيّة ليس كذلك ومن المقطوع أيضاً ان مراد بعض الفحول ليس ما ذكر بل مراده انه لا يمنع الاحتفاف بالقرائن المنافية عن العمل باصالة الحقيقة بل مع ذلك لابدّ من أن يحمل العام على العموم جداً ولبّاً ولا اجمال في المراد كي يرجع إلى الأصل العملي وبعبارة أخرى مراده انه لا يجوز الخروج عن اصالة الحقيقة إلّا إذا علم بعدم ارادة المعنى الحقيقي من اللفظ وأمّا فيما اشتبه ذلك فاصالة الحقيقة متبعة ولا اجمال لحجيّته تعبداً لا من باب ظهور اللفظ في المعنى

ص: 376

فيه خلاف بين الاعلام وليكن محل الخلاف ما إذا وقعا في كلامين، أو في كلام واحد مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام، كما في قوله تبارك وتعالى: «والمطلقات يتربصن» إلى قوله: «وبعولتهن أحق بردهن» وأما ما إذا كان مثل: والمطلقات ازواجهن احق بردهن، فلا شبهة في تخصيصه به.

والتحقيق أن يقال: إنه حيث دار الامر بين التصرف في العام، بإرادة خصوص ما أريد من الضمير الراجع إليه، أو التصرف في ناحية الضمير: إما بإرجاعه إلى بعض ما هو المراد من مرجعه، أو إلى تمامه مع التوسع في الاسناد، بإسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة إلى الكل توسعا وتجوزا، كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب الضمير، وذلك لان المتيقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور في تعيين المراد، لا في تعيين كيفية الاستعمال، وإنه على نحو الحقيقة أو المجاز في الكلمة أو الاسناد مع القطع بما يراد، كما هو الحال في ناحية الضمير.

وبالجملة: أصالة الظهور إنما تكون حجة فيما إذا شك فيما أريد، لا فيما إذا شك في أنه كيف اريد، فافهم، لكنه إذا عقد للكلام ظهور في العموم، بأن لا يعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف به عرفا، وإلا فيحكم عليه بالاجمال، ويرجع إلى ما يقتضيه الاصول، إلا أن يقال باعتبار اصالة الحقيقة تعبدا، حتى فيما إذا احتف بالكلام ما لا يكون ظاهرا معه في معناه الحقيقي كما عن بعض الفحول.

__________________________

الموضوع له كي يرفع اليد عنها فيما إذا لم يكن له ظهور واحتف بما يشتبه بسببه انه هل أريد العموم من لفظ العام أم لا.

ص: 377

فصل:

قد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف[1] مع الاتفاق على الجواز

__________________________

[1] أقول: لا شبهة في جواز تخصيص العام بالمفهوم الموافق الذي هو دلالة اللفظ بحكم العقل على ثبوت الحكم في الأشد بطريق أولى بل وفي المساوي بتنقيح المناط المسمّى بلحن الخطاب أيضاً وأمّا جواز تخصيصه بالمفهوم المخالف فمحل خلاف وقد استدلّ لكلٍّ من الجواز وعدمه بما لا يخلو عن قصور والتحقيق في المقام يقتضي أن يقال انّه إذا ورد العام وماله المفهوم من شرط أو غاية أو غيرهما في كلام واحدٍ أو في كلامين ولكن كانا على نحو بحيث يكون كلّ منهما قرينة متّصلة للتصرف في الآخر ويكونا بحكم كلام واحد ودار الأمر بين تخصيص العموم أو الغاء المفهوم بالعموم فالدلالة في كلّ منهما اما بالاطلاق وبمعونة مقدمات الحكمة أو بالوضع فلا يكون هناك عموم ولا مفهوم في الصورتين بل يتساقطان لعدم تماميّة مقدّمات الحكمة في واحد منهما لأجل المزاحمة والعلم الاجمالي بارادة خلاف الظاهر في أحدهما في الصورة الأولى فلا تتمّ مقدّمات الحكمة كما لا عموم ولا مفهوم أيضاً في صورة مزاحمة ظهور أحدهما وضعاً لظهور الآخر أيضاً في الصورة الثانية فلابدّ من العمل بالأصول العمليّة في الصورتين هذا إذا لم يكن مع أحدهما أظهر وإلّا فان كان مستند أحدهما موجباً لأظهريته فيمنع عن انعقاد الظهور وللاخر فيما إذا كان في كلام واحد أو استقراره إذا كانا في كلامين وكان أحدهما قرينة مستقلّة للتصرّف في الآخر.

ص: 378

.......................................

__________________________

واستشكال الشارح على المصنّف هنا بأن ما أفاده من ان الرجوع إلى الأصول العمليّة في التساويين في منشأ الظهور بأن يكون فيهما إمّا بالاطلاق ومقدمات الحكمة وإمّا بالوضع إنّما يكون إذا لم يكن مع ذلك أحدهما أظهر وإلّا كان مانعاً عن انعقاد الظهور أو استقراره في الآخر ضعيف لما عرفت مراراً لا وجه له لأن ما مرّ إنّما هو انعقاد الظهور في العموم فيما إذا خصّص بالمخصّص المنفصل وتقديم الخاص عليه من باب تحكيم النص أو الأظهر على الظاهر أو المصادمة لأصل الظهور لا في مثل المقام الذي يكون بحكم المخصّص المتّصل الغير الظاهر إلّا في الخصوص كما لا يخفى وإن كانت الدلالة في أحدهما بالوضع وفي الآخر بالاطلاق ومقدّمات الحكمة فالظاهر ان الظهور الوضعي أقوى ما لم يكن الاستعمال في المعنى الموضوع له نادراً جداً كالمهجور فيكون الاطلاق حينئذٍ أقوى وممّا ذكر ظهر الحال فيما إذا لم يكن بين العموم والمفهوم الارتباط المذكور بل كانا في كلامين لا في كلام واحد ولم يكن واحد منهما قرينة متّصلة للتصرّف في الآخر فلا يقدم أحدهما على الآخر بمجرّد النظر إلى ذلك وعدم تزاحم بينهما يوجب التساقط والرجوع إلى الأصل بل لابدّ أن يعامل مع كلّ منهما معاملة المجمل في مقدار تعارضهما وعدم العمل بواحد منهما سواء كانا بالوضع أو بالحكمة أو مختلفين لصلاحية كلّ واحد منهما أن يكون مقدماً على الآخر ولا ترجيح فيحصل الاجمال في دلالة كلّ واحد منهما لذلك هذا إذا لم يكن في البين

ص: 379

بالمفهوم الموافق، على قولين، وقد استدل لكل منهما بما لا يخلو عن قصور.

وتحقيق المقام: أنه إذا ورد العام وما له المفهوم في كلام أو كلامين، ولكن على نحو يصلح أن يكون كل منهما قرينة متصلة للتصرف في الآخر، ودار الامر بين تخصيص العموم أو إلغاء المفهوم، فالدلالة على كل منهما إن كانت بالاطلاق بمعونة مقدمات الحكمة، أو بالوضع، فلا يكون هناك عموم، ولا مفهوم، لعدم تمامية مقدمات الحكمة في واحد منهما لاجل المزاحمة، كما في مزاحمة ظهور

__________________________

أظهر وإلّا فهو المعول والمعتمد عليه ويكون القرينة على التصرّف في الآخر(1) اما الغاء المفهوم بسبب العموم وإمّا تخصيص العموم بالمفهوم كقوله خلق اللَّه الماء طهوراً لا ينجّسه شي ء(2) وقوله عليه السلام: إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجّسه شي ء(3) فان ظهور القضيّة الشرطيّة على اناطة عدم التنجّس الكريّة أقوى من ظهور العام في العموم فلذا يجب تخصيصه بالمفهوم في مورد التعارض والشارح أعاد الاشكال المزبور في الصورة السابقة هيهنا وهو هنا في محلّه كما لا يخفى هذا كلّه فيما إذا كان بين العموم والمفهوم العموم والخصوص المطلق بان يكون المفهوم اخص مطلقاً من العموم وأمّا إذا كان النسبة بينهما عموماً من وجه أو التباين من النسب ففيه تفصيل وكلام طويل.

ص: 380


1- الهداية في شرح الكفاية: 473.
2- وسائل الشيعة: 1/135، ح 9.
3- الكافي: 3/2، ح 1.

أحدهما وضعا لظهور الآخر كذلك، فلا بد من العمل بالاصول العملية فيما دار فيه بين العموم والمفهوم، إذا لم يكن مع ذلك أحدهما أظهر، وإلا كان مانعا عن انعقاد الظهور، أو استقراره في الآخر.

ومنه قد انقدح الحال فيما إذا لم يكن بين ما دل على العموم وما له المفهوم، ذاك الارتباط والاتصال، وأنه لا بد أن يعامل مع كل منهما معاملة المجمل، لو لم يكن في البين أظهر، والا فهو المعول، والقرينة على التصرف في الآخر بما لا يخالفه بحسب العمل.

فصل:

الاستثناء المتعقب لجمل متعددة، هل الظاهر هو رجوعه إلى الكل أو خصوص الاخيرة،[1] أو لا ظهور له في واحد منهما، بل لابد في التعيين من قرينة؟ أقوال.

__________________________

[1] أقول: يعني انّه اذا تعقب الاستثناء جملا متعدّدة كقولنا جاء القوم وقدم الحاج ورأيت العلماء إلّا زيداً هل ظاهر اللفظ رجوعه إلى الكل أو خصوص الجملة الأخيرة منها بأن يكون باقيها بحالها غير مخصّص أولا ظهور له في واحد منها ويكون مجملاً في هذه الجهة ولابدّ في التعيين من قرينة وبيان.

أقول: القدر الذي لا شبهة فيه أمران:

الأوّل: انّه راجع إلى الأخيرة انه هو القدر المتيقّن الثبوت لأنّه إن كان راجعاً إلى الكل راجع إليها وإن كان راجعة إليها فقط فراجعة إليها أيضاً ولا شق ثالث للشقين وهما الرجوع إلى الجميع أو الرجوع إلى الأخيرة فقط.

الثاني: صحّة رجوعه إلى الجميع وإن كان يترائى من كلام صاحب المعالم حيث انّه مهد مقدّمة لصحّة رجوعه إليه.

ص: 381

.......................................

__________________________

الأمر الثاني: انّها محلّ الاشكال والتأمّل وذلك أي الدليل على صحّة رجوعه إلى الجميع وعدم ممنوعيته هو ان تعدّد المستثنى منه كتعدّد المستثنى لا يوجب تفاوتاً أصلاً في ناحية الأداة بحسب المعنى سواء كان الموضوع له في الحروف عاماً أو خاصاً اذ مع فرضه خاصّاً لا ينافي مع استعماله في الاستثناء الراجع إلى جميع الجمل وكيف يوجب ذلك أي عاميّة الموضوع له للحروف وخاصيته تفاوتاً في ذلك وقد كان المستعمل فيه الأداة فيما كان المستعمل منه متعدداً هو بعينه المستعمل فيه فيما كان المستثنى منه واحداً كما هو الحال في المستثنى أيضاً فان المستثنى سواء كان واحداً أو متعدداً فأداة الاستثناء مستعملة في معنى واحد وتعدّد المخرج والمستثنى أو المخرج عنه والمستثنى منه خارجاً لا يوجب تعدّد ما استعمل فيه الأداة مفهوماً ضرورة ان الاخراج الواحد يتعلّق بالواحد من الواحد وبالمتعدّد من المتعدّد ولا يتعدّد الاخراج إلّا بتعدّد الاستعمال وإن كان المخرج واحداً أو المخرج عنه واحداً وممّا ذكر في تحقيق المستعمل فيه في أداة الاستثناء وعدم التفاوت فيه بين كون الموضوع له فيها عاماً أو خاصاً ظهر انّه لا ظهور لها في الرجوع إلى الجميع أو خصوص الأخيرة إذ لا يحصل تفاوت في معناها في الصورتين نعم رجوع الاستثناء إلى الأخيرة متيقن على كلّ تقدير ولا دخل لهذا بظهور اللفظ ودلالة أصلاً وحيث لم يكن الاستثناء ظاهراً في الرجوع إلى الجميع وكان رجوعه إلى الأخيرة متيقناً فيلزم أن يكون غير الأخيرة ظاهراً في العموم ولكنّه استدرك المصنّف عن ذلك وقال نعم الجملة الغير الأخيرة

ص: 382

والظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال في رجوعه إلى الاخيرة على أي حال، ضرورة أن رجوعه إلى غيرها بلا قرينة خارج عن طريقة أهل المحاورة، وكذا في صحة رجوعه إلى الكل، وإن كان المتراء ى من كلام صاحب المعالم رحمه الله حيث مهد مقدمة لصحة رجوعه إليه، أنه محل الاشكال والتأمل.

__________________________

كالأخيرة غير ظاهرة في العموم أيضاً ولو مع عدم ظهور الاستثناء في الرجوع إلى الجميع لأنّه مكتنف بما يحتمل أن لا يكون المراد معه العموم ويسلب ظهوره فيه لذلك فيصير مجملاً لا ظهور له في العموم ولا في الخصوص اما في العموم فلاكتنافه بما ذكر وأمّا في الخصوص فلعدم ظهور الاستثناء في الرجوع إلى الجمع كما ذكر فلابدّ في مورد الاستثناء في غير الاخيرة من الرجوع إلى الأصول العلميّة إلّا بوجه بعيد ضعيف وهو حجيّة اصالة الحقيقة تعبداً ولبناء العرف وأهل اللسان على العمل بها من دون ملاحظة كونها سبباً لظهور اللفظ فاذن يرجع إلى اصالة الحقيقة ويحكم بارادة العموم من جميع القضايا المتعقبة للاستثناء إلّا الأخيرة وعدم الاستثناء منها.

هذا إذا كان العموم فيها مستنداً إلى وضع الواضع لا الاطلاق ومقدّمات الحكمة وإلّا فلا يكاد يتم تلك المقدّمات مع صلاحيّة الاستثناء للرجوع إلى الجميع فتأمّل ولعلّ وجهه ان مجرّد صلاحيّة الموجود للبيانيّة لا يصلح لرفع مقدّمات الحكمة وابطالها بل لابدّ من حكم العرف والعقل بكونه بياناً وبعبارة أخرى ما يمنع عن جريان مقدّمات الحكمة وثبوت العموم إنّما هو ما يكون بياناً معيّناً لا ما يصلح أن يكون بياناً مع عدم تعيين كونه بياناً.

ص: 383

وذلك ضرورة أن تعدد المستثنى منه، كتعدد المستثنى، لا يوجب تفاوتا أصلا في ناحية الاداة بحسب المعنى، كان الموضوع له في الحروف عاما أو خاصا، وكان المستعمل فيه الاداة فيما كان المستثنى منه متعددا هو المستعمل فيه فيما كان واحدا، كما هو الحال في المستثنى بلا ريب ولا إشكال، وتعدد المخرج أو المخرج عنه خارجا لا يوجب تعدد ما استعمل فيه أداة الاخراج مفهوما، وبذلك يظهر أنه لا ظهور لها في الرجوع إلى الجميع، أو خصوص الاخيرة، وإن كان الرجوع إليها متيقنا على كل تقدير، نعم غير الاخيرة أيضا من الجمل لا يكون ظاهرا في العموم لاكتنافه بما لا يكون معه ظاهرا فيه، فلابد في مورد الاستثناء فيه من الرجوع إلى الاصول.

اللهم إلا أن يقال بحجية أصالة الحقيقة تعبدا، لا من باب الظهور، فيكون المرجع عليه أصالة العموم إذا كان وضعيا، لا ما إذا كان بالاطلاق ومقدمات الحكمة، فإنه لا يكاد يتم تلك المقدمات مع صلوح الاستثناء للرجوع إلى الجميع، فتأمل.

فصل:

الحق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد المعتبر بالخصوص كما جاز[1 ]

__________________________

[1] يعني انّه يجوز تخصيص العام الكتابي بالخبر الواحد الذي يكون حجّة بالدليل الخاص لا من جهة حجيّة مطلق الظن ولا انسداد باب العلم كما جاز تخصيص الكتاب بالكتاب وبالخبر المتواتر والخبر الواحد المحفوف بالقرينة القطعيّة من دون فرق لما ثبت من سيرة الأصحاب والاجماع العملي منهم بالعمل

ص: 384

.......................................

__________________________

بأخبار الآحاد في قبال عمومات الكتاب من الأزمنة اللاحقة إلى زمن الأئمّة عليهم السلام فيعلم بتقدّم الخبر الواحد المعتبر بالدليل الخاص على العام الكتابي واحتمال أن يكون ذلك بواسطة القرينة المعلومة لديهم وان خفيت علينا واضح البطلان يعلم ذلك من تتبع موارد عملهم واستشهاداتهم في موارد كثيرة لا تحصى مع انّه لولاه أي لو لا العمل بخبر الواحد الخاص في قبال عام الكتاب لزم الغاء الخبر بالمرّة أو ما هو بحكم الالغاء كذلك تنزيلاً للفرد النادر منزلة المعدوم ضرورة ندرة خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب لو سلّم وجود ما لم يكن كذلك وإلّا فلا يبعد صحّة ادعاء عدم خبر واحد لم يكن في مقابله عام كتابي.

فان قلت: العام الكتابي قطعي الصدور والخبر الواحد ظني الصدور بحسب السند ولا يجوز تحكيم الظني على القطعي وتقديمه عليه واضح الفساد اذ هذا لا يمنع عن التصرّف في دلالته الغير القطعيّة قطعاً وإن كان صدوره قطعيّاً وإلّا فلو كان قطعيّة صدور الدليل مانعاً عن التصرّف في دلالته الغير القطعيّة للزم أن لا يجوز تخصيص الخبر المتواتر به أي بالخبر المعتبر بالخصوص أيضاً كالكتاب مع انّه أي تخصيص المتواتر بالخبر الواحد جايز جزماً فكذلك تخصيص الكتاب جايز به أيضاً والسر في ذلك ان الدوران في الحقيقة بين اصالة العموم الظنية في العام الكتابي ودليل سند الخبر القطعي ضرورة انّه لابدّ من انتهائه إلى القطع ومعلوم ان الخبر بدلالته وسنده صالح للقرينة على التصرّف فيها أي في اصالة العموم بخلاف اصالة العموم فانّها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتبار الخبر وإلّا

ص: 385

.......................................

__________________________

لزم تقديم الظني في اخر مراتبه على القطعي وهو باطل جزماً وليعلم انه لا ينحصر الدليل على حجية خبر الواحد بالاجماع والسيرة العمليّة من العلماء كي يقال بأنّه لا اطلاق في الدليل اللبي فيلزم الاقتصار على القدر المتيقّن وهو منحصر فيما لا يوجد على خلافه دليل ومع وجود العموم الكتابي يسقط وجوب العمل بالخبر الواحد، فانّه يقال كيف يكون كذلك وقد مرّ انّه لا حاجة إلى اطلاق الدليل كي يقال انه لا اطلاق في الدليل اللبي بل ثبت ان سيرتهم مستمرة على العمل بخبر الواحد في قبال العمومات الكتابيّة وأمّا الأخبار الدالّة على ان الأخبار المخالفة للقران يجب طرحها أو ضربها على الجدار أو انها زخرف أو انها ممّا لم يقل به الامام عليه السلام وإن كانت كثيرة جدّاً وصريحة الدلالة على طرح المخالف إلّا انّه إذا تتبعها ذو الفهم السليم والذوق المستقيم عرف بالضرورة انه لا محيص عن أن يكون المراد من المخالفة في هذه الأخبار غير مخالفة العموم والخصوص والتقييد ان لم نقل بخروج مثل هذه المخالفة عن المخالفة عرفاً كيف وصدور الأخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة منهم: في موارد كثيرة جداً مع قوّة احتمال أن يكون المراد من المخالفة لمراده من كلامه فافهم.

وجعل الشارح الكاظميني قدس سره قوله فافهم اشارة إلى انّه لقائل أن يقول ان ما ذكر من احتمال أن يكون المراد انهم لا يقولون بغير ما هو قول اللَّه تعالى واقعاً وإن كان على خلافه ظاهراً مستلزم للدور لتوقف عدم كونه مخالفاً على كونه شارحاً وتوقف كونه شارحاً على عدم كونه مخالفاً.

ص: 386

.......................................

__________________________

هذا، مضافاً إلى ان ذلك يوجب انحصار المخالفة في خصوص ما لو كان كلّ ممّا في الكتاب والخبر نصاً في خلاف الآخر لأن احتمال الشارحية سار في كلّما يحتمل أن يراد خلاف ظاهره كما لا يخفى(1).

أقول: أمّا اشكال الدور فمندفع بأن واحداً من عدم المخالفيّة أو الشارحيّة ليس علة للآخر بل إنّما هو معلولان لعلّة ثالثة وهي ورود تلك الأخبار المخالفة بظاهرها بياناً لما في الكتاب المجيد وناظراً إلى كشف المقصود عنه كما يشير إليه قوله عليه السلام إنّما يعرف القرآن من خوطب به(2).

نعم عدم المخالفيّة والشارحيّة متلازمان في الوجود يعني انه كلّما كان الخبر شارحاً لم يكن مخالفاً وكلّما كان غير مخالف يكون شارحاً ولا دخل لهذا بالعليّة والمعلوليّة والتوقّف والموقوفيّة وأمّا الاشكال الثاني فمندفع بأن احتمال ارادة خلاف الظاهر من اللفظ ملغى وغير متغيّر به فلا ينحصر ولو على ما ذكر الخبر المخالف للكتاب فيما هو نص في المخالفة بل ما يكون ظاهراً في المخالفة أيضاً مخالف وليس المقصود من الاحتمال الذي ذكر في عبارة المتن الاحتمال الجاري في لفظ الخبر بل ما يجري في لفظ المخالفة الواردة في الأخبار التي تدلّ على وجوب طرح الخبر المخالف للكتاب أو ضربها على الجدار وإلّا فالاخبار المخالفة بظاهرها فمعلوم انّه يجب الاخذ بظاهرها ولا يعتني باحتمال خلافه ولا

ص: 387


1- الهداية في شرح الكفاية: 476.
2- الكافي: 8/312، ح 485؛ بحار الأنوار: 24/238، ح 6.

.......................................

__________________________

معنى للتمسّك بهذا الاحتمال الغير المعتني به لاثبات انحصار المخالفة في خصوص ما لو كان كلّ ممّا في الكتاب والخبر نصّاً في خلاف الآخر ليثبت بذلك ان المراد من الأخبار المخالفة التي يجب طرحها إنّما هو ما يكون مخالفة واقعاً لا ما يكون ظاهراً مخالفاً وواقعاً موافقاً ثمّ دفع المصنّف عن الاستدلال بمنع تخصيص الكتاب بالخبر الواحد بمنع النسخ به اذ التخصيص قسم من النسخ بأنّه لا ملازمة بين جواز النسخ والتخصيص وإن كان مقتضى القاعدة جوازهما معاً وعدم جوازهما كذلك، وجه عدم الملازمة اختصاص النسخ بالاجماع على المنع عنه ولا اجماع على منع التخصيص ثمّ بين الوجه الآخر الذي يدلّ على عدم الملازمة وثبوت الفرق بينهما هو توفر الدواعي وكثرتها إلى ضبط موارد النسخ فمع التوفر المذكور يكون خبر الواحد موهوناً في اثبات النسخ إذ ما يكثر الدواعي إلى نقله لابدّ من أن يصل نقله حدّ التواتر لو كان ووجد فاذا لم يصل إلى الحدّ المزبور فلا يكون ولم يوجد البتة بخلاف التخصيص فان خبر الواحد في نقله ليس موهوناً ولا شبهة في كفايته في نقله.

وقد أورد بعض على الوجه الثاني بان قلّة الخلاف في موارد النسخ لا يدلّ على توفّر الدواعي على نقله ومع عدم ثبوت التوفّر لا يثبت فرق بينه وبين التخصيص ولكن الانصاف ان قلة الخلاف في موارده إنّما يكون منشاؤها توفّر الدواعي على نقله لا غير فالتأمّل في ثبوت التوفّر مع ذلك تحكم بحت فالوجه الثاني كالأوّل أيضاً وجيه غايته.

ص: 388

بالكتاب أو بالخبر المتواتر، أو المحفوف بالقرينة القطعية من خبر الواحد، بلا ارتياب، لما هو الواضح من سيرة الاصحاب على العمل بأخبار الآحاد في قبال عمومات الكتاب إلى زمن الائمة عليهم السلام، واحتمال أن يكون ذلك بواسطة القرينة واضح البطلان.

مع أنه لولاه لزم إلغاء الخبر بالمرة أو ما بحكمه، ضرورة ندرة خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب، لو سلم وجود ما لم يكن كذلك.

وكون العام الكتابي قطعيا صدورا، وخبر الواحد ظنيا سندا، لا يمنع عن التصرف في دلالته الغير القطعية قطعا، وإلا لما جاز تخصيص المتواتر به أيضا، مع أنه جائز جزما.

والسر: أن الدوران في الحقيقة بين أصالة العموم ودليل سند الخبر، مع أن الخبر بدلالته وسنده صالح للقرينية على التصرف فيها، بخلافها، فإنها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره، ولا ينحصر الدليل على الخبر بالاجماع، كي يقال بأنه فيما لا يوجد على خلافه دلالة، ومع وجود الدلالة القرآنية يسقط وجوب العمل به.

كيف؟ وقد عرفت أن سيرتهم مستمرة على العمل به في قبال العمومات الكتابية، والاخبار الدالة على أن الاخبار المخالفة للقرآن يجب طرحها أو ضربها على الجدار، أو أنها زخرف، أو أنها مما لم يقل به الامام عليه السلام، وإن كانت كثيرة جدا، وصريحة الدلالة على طرح المخالف، إلا أنه لا محيص عن أن يكون المراد من المخالفة في هذه الاخبار غير مخالفة العموم، إن لم نقل بأنها ليست من المخالفة عرفا، كيف؟ وصدور الاخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة منهم عليهم السلام

ص: 389

كثيرة جدا، مع قوة احتمال أن يكون المراد أنهم لا يقولون بغير ما هو قول اللَّه تبارك وتعالى واقعا - وإن كان هو على خلافه ظاهرا - شرحا لمرامه تعالى وبيانا لمراده من كلامه، فافهم.

والملازمة بين جواز التخصيص وجواز النسخ به ممنوعة، وإن كان مقتضى القاعدة جوازهما، لاختصاص النسخ بالاجماع على المنع، مع وضوح الفرق بتوافر الدواعي إلى ضبطه، ولذا قل الخلاف في تعيين موارده، بخلاف التخصيص.

فصل:

لا يخفى أن الخاص والعام المتخالفين، يختلف حالهما ناسخا ومخصصا ومنسوخا[1] فيكون الخاص: مخصصا تارة، وناسخا مرة، ومنسوخا أخرى، وذلك لان الخاص إن كان مقارنا مع العام، أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل به، فلا محيص عن كونه مخصصا وبيانا له.

وإن كان بعد حضوره كان ناسخا لا مخصصا، لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة فيما إذا كان العام واردا لبيان الحكم الواقعي، وإلا لكان الخاص أيضا مخصصا له، كما هو الحال في غالب العمومات والخصوصات في الآيات والروايات.

__________________________

[1] أقول: ما ذكره من الاحتمالات الثلاث جار في الدليلين المتخالفين في الظهور بأن يكون أحدهما ظاهراً والآخر أظهر مطلقاً سواء كان النسبة بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً المذكور في الفصل صريحاً أو عموماً وخصوصاً من وجه أو التباين فانّه إمّا أن يكون الأظهر مخصّصاً أو ناسخاً أو منسوخاً ولكن لما كان

ص: 390

.......................................

__________________________

الظاهريّة والأظهريّة غالباً في العام والخاص المطلق خص البحث بهما لفظاً وإن كان غيرهما ما يكون مثلهما في الظاهريّة والأظهريّة داخلاً فيه ملاكاً ومناطاً وامّا صناعة العبارة فهي ان الصفات الثلاثة المنصوبة تكون أحوالاً من الضمير المضاف إليه وذوالحال للصفات الثلاث إن كانت كلمة مخصّصاً مبنية للمفعول يكون كلمة العام وإن كانت مبنيّة للفاعل فذو الحال لها يكون كلمة الخاص.

واستشكل عليه الفاضل المشكيني بأن استعمال الأوصاف في معنى الحالية تارة عن ذى حال وأخرى عن ذى حال أخر باختلاف كلمة المخصص بأن يكون تارة اسماً فاعلاً وأخرى اسماً مفعولاً خلاف المتعارف في العبارات والاستعمالات أو لا وعدم جواز الحال من المضاف إليه ثانياً ففي العبارة ايرادان يردا على المصنّف(1).

والجواب اما عن الأوّل بأنّ المخالفة للتعارف في الاستعمالات لا توجب وهنا في صناعة العبارة بعد أن كانت مطابقة للقواعد وجواز النحوين من الصناعتين مع انه لا يبعد أن يكون الصناعة التي صنعها المصنّف نحواً واحداً من اتيان الأوصاف الثلاثة أحوال من العام أو الخاص فقط، الظاهر انها أحوال من الخاص كما فعل الفاضل الشارح في تقدير العبارة وسيأتي بقرينة تفريعه بعد ذلك على قوله فيكون الخاص مخصّصاً تارة إلخ غاية الأمر صحّتها بنحو آخر أيضاً وذلك لا دخل له بما صنعه.

ص: 391


1- كفاية الاُصول ( مع حواشي المشكيني ): 2/447، نشر لقمان.

.......................................

__________________________

وعن الثاني بأنّه يجوز الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف مثل جزء المضاف إليه نحو « وَاتَّبِعوا مِلّةَ إبراهيم حَنيفاً »(1) كما قال بدر الدين ابن مالك في الخلاصة الألفيّة:

« ولا تجز حالاً من المضاف له * إلّا إذا اقتضى المضاف عمله

أو كان جزء ماله اضيفا * أو مثل جزئه فلا تحيفا »

ومعلوم ان حال العام والخاص مثل جزئهما كما ان ملّة إبراهيم عليه السلام مثل جزئه ثمّ قال رحمه الله بعد ايراد الاشكال المذكورين على العبارة والأولى أن يقال الخاص الملحوظ بالنسبة إلى عام مخالف له يكون ناسخاً تارة ومخصصاً اخرى ومنسوخاً ثالثة وعلى هذا البيان يبين أيضاً أحوالهما المختلفة من ناسخية الخاص فيكون العام منسوخاً ومخصصيته فيكون العام مخصّصاً بالفتح ومنسوخية الخاص فيكون العام ناسخاً وهو مساوق مع تعبير المصنّف ولا يرد عليه اشكال.

أقول: قد عرفت عدم الاشكال على تعبير المصنّف أيضاً فترجيح بيانه على بيان المصنّف ترجيح بلا مرجّح والدليل على ما ذكر من التفصيل هو انه فيما إذا علم تاريخ صدورهما إن كان ورود الخاص مقارناً مع العام أو وارداً بعده ولكن قبل حضور وقت العمل به فلا محيص عن كونه مخصّصاً وبياناً مدلوله العام يكون مخصصاً ومبيناً بالفتح وإن كان ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام كان الخاص ناسخاً للعام والعام منسوخاً لا مخصّصاً بالكسر له بدليل عدم جواز تأخير

ص: 392


1- آل عمران: 95.

.......................................

__________________________

البيان عن وقت الحاجة وكونه خلاف الحكمة الغير الصادر من الحكيم تعالى شأنه ولكن هذا فيما إذا كان العام وارداً لبيان الحكم الواقعي وكان المقصود من العموم جميع أفراده واقعاً فحينئذٍ يكون الخاص ناسخاً للعام ورافعاً لما أثبته وإلّا فلو كان العام وارداً لبيان الحكم الظاهري ومسوقاً لضرب القاعدة بالنسبة إلى الأفراد المخرجة أو لعدم عنوان خاص للأفراد الباقية فلذا عبّر عنها بالعموم.

والحاصل أن لا يكون العموم مراداً منه جداً وواقعاً بل ظاهراً وصورة لكان الخاص حينئذٍ مخصّصاً له كما هو الحال في غالب العمومات والخصوصات في الآيات والروايات فان أغلبها واردة لضرب القاعدة بالنسبة إلى الأفراد المخرجة مثل قوله تعالى: « أحَلَّ اللَّه البيع وحَرَّم الربوا »(1) و « أحلّ لَكُمُ الطَّيّبَات »(2) فان المقصود منها تأسيس القاعدة فقط وبيان ان القاعدة الأوليّة تقضي حليّة البيع وحرمة الربوا وحليّة الطيّبات فاخراج الخارج منها ليس رفعاً لحكم ثابت كي يكون نسخاً بل يكون بياناً لمدلولها وان المراد منها الأفراد الباقية تحتها لا الأفراد الخارجة منها فيكون تخصيصاً كما لا يخفى وإن كان العام وارداً بعد ورود الخاص وبعد حضور وقت العمل بالخاص أيضاً فكما يحتمل حينئذٍ أن يكون الخاص المتقدّم مخصّصاً للعام المتأخّر كذلك يحتمل أن يكون العام ناسخاً له وإن كان

ص: 393


1- البقرة: 275.
2- المائدة: 5.

.......................................

__________________________

الأظهر أن يكون الخاص مخصّصاً لكثرة التخصيص حتّى اشتهر قضيّة ما من عام إلّا وقد خصّ فانّها عامّة حتّى لنفسها فان بعض العمومات لم يخصّص على سبيل الندرة مع قلّة النسخ في الأحكام جدّاً ومعدوديّة موارده وبذلك أي بسبب كثرة التخصيص وقلّة النسخ يصير ظهور العام في الدوام ولو كان بالوضع اذ كثرة التخصيص وعدم بقاء العمومات غالباً على عموميّتها تضعف دلالة العام على الدوم وتوهنها ولو كانت بالوضع لا بالاطلاق وقلّة النسخ يوجب القوّة في دلالة الخاص على الدوام وعدم نسخه بالعام الوارد بعد ورود الخاص وبعد حضور وقت العمل به أيضاً.

والحاصل ان من لوازم كثرة التخصيص وقلّة النسخ وآثارهما مرجوحيّة عدم الدوام في الخاص وكونه منسوخاً بعموم العام ورجحان عدم بقاء دلالة العام على الدوام ولو كانت بالوضع وما ذكر كلّه فيما علم تاريخ صدورهما أمّا لو جهل وتردّد بين أن يكون الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام وقبل حضوره فالوجه هو الرجوع إلى الأصول العمليّة وعدم الحكم بالتخصيص ولا بالنسخ وكثرة التخصيص وندرة النسخ هيهنا وإن كانا يوجب الظن بالتخصيص أيضاً مثل الصورة السابقة وانه أي الخاص واجد لشرطه أي التخصيص وهو وروده بعد العام وقبل حضور وقت العمل بالخاص الحاقاً له بالغالب إلّا انّه لا دليل على اعتباره أي هذا الظن وإنّما يوجبان الكثرة والندرة المذكورتين في الدوام وعدم كونه منسوخاً

ص: 394

وإن كان العام واردا بعد حضور وقت العمل بالخاص، فكما يحتمل أن يكون الخاص مخصصا للعام، يحتمل أن يكون العام ناسخا له، وإن كان الاظهر أن يكون الخاص مخصصا، كثرة التخصيص، حتى اشتهر (ما من عام الا وقد خص) مع قلة النسخ في الاحكام جدا، وبذلك يصير ظهور الخاص في الدوام - ولو كان

__________________________

بالعام أظهر من العام في الدوام وكونه ناسخاً للخاص ولكن مجرّد الظن الحاصل من غلبة التخصيص لا يوجب أظهريّة الخاص في الدوام من ظهور العام في الدوام في هذه الصورة لم يحرز فيها ورود الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام وبعده واحتمال أن يكون وروده بعد حضور وقت العمل بالعام ومع ذلك لا يصير الخاص في الدوام أظهر من العام في الدوام فلا وجه للحمل على التخصيص لا النسخ هيهنا بخلاف الصورة السابقة التي فرض فيها ورود العام بعد حضور وقت العمل بالخاص فانّه لما احرز في تلك الصورة ما يكون الخاص بسببه أظهر في الدوام من ظهور العام في الدوام وهو ورود العام بعد حضور وقت العمل بالخاص يجب الحكم بتخصيص العام بالخاص لا نسخ الخاص بما ورد من العام كما لا يخفى.

والحاصل انّ الفرق بين المقامين صيرورة الخاص بسبب ورود العام بعد حضور وقت العمل به أظهر من العام في الدلالة على الدوام في الصورة السابقة بخلاف مقام الشكّ لعدم احراز ما يكون الخاص بسبب احرازه أظهر فيما يوجب الحمل على النسخ فانّه إذا تعيّن ورود العام قبل حضور وقت العمل بالخاص يحكم بناسخيّة العام للخاص لثبوت أظهريّة العام في الدوام من الخاص حينئذٍ فتدبّر جيّداً.

ص: 395

بالاطلاق - أقوى من ظهور العام ولو كان بالوضع، كما لا يخفى، هذا فيما علم تاريخهما.

وأما لو جهل وتردد بين أن يكون الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام وقبل حضوره، فالوجه هو الرجوع إلى الاصول العملية.

وكثرة التخصيص وندرة النسخ هاهنا، وإن كانا يوجبان الظن بالتخصيص أيضا، وأنه واجد لشرطه إلحاقا له بالغالب، إلا أنه لا دليل على اعتباره، وإنما يوجبان الحمل عليه فيما إذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص، لصيرورة الخاص لذلك في الدوام اظهر من العام، كما أشير إليه، فتدبر جيدا.

ثم إن تعين الخاص للتخصيص،[1] إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعام، أو ورد العام قبل حضور وقت العمل به، إنما يكون مبنيا على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل، وإلا فلا يتعين له، بل يدور بين كونه مخصصا وناسخا في الاول، ومخصصا ومنسوخا في الثاني، إلا أن الاظهر كونه مخصصا، وإن كان ظهور العام في عموم الافراد أقوى من ظهور الخاص في الخصوص، لما أشير اليه من تعارف التخصيص وشيوعه، وندرة النسخ جدا في الاحكام.

__________________________

[1] ثمّ ان تعين الخاص للتخصيص وبطلان كونه ناسخاً فيما إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعام كما ذكر أوّلاً وفيما إذا ورد العام قبل حضور وقت العمل به أي الخاص كما ذكر ثانياً إنّما يكون مبنيّاً ومتفرّعاً على ما هو المشهور فيما حكى من عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل استناد إلى لزوم البداء في حقّه

ص: 396

تعالى عن ذلك مع وضوح بطلانه عقلاً وإلّا فبناءً على الجواز لعدم استلزامه محالاً فلا يتعيّن الخاص له أي للتخصيص بل يدور الأمر حينئذٍ بين كونه مخصّصاً وناسخاً في الأوّل وهو ما إذا ورد الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام ومخصّصاً ومنسوخاً في الثاني وهو ما إذا ورد العام قبل حضور وقت العمل بالخاص إلّا انّ الأظهر مع ذلك كونه مخصّصاً وإن كان ظهور العام في عموم الأفراد أقوى من ظهور الخاص في الخصوص ومع قطع النظر عن الأمور الخارجيّة كان العام مقدّماً على الخاص والخاص محمولاً على شي ء آخر غير التخصيص ووجهه ما أشير إليه من تعارف التخصيص وشيوعه وندرة النسخ جدّاً في الأحكام.

واستشكل الفاضل المشكيني قدس سره هنا على المصنّف بأنّه لا معنى للتوقّف فيما إذا علم بكون الخاص متأخّراً عن العام في الجملة ولكن جهل تاريخ صدوره من جهة كونه بعد حضور وقت العمل بالعام أو قبله في كونه ناسخاً أو مخصّصاً اذ على فرض احراز تعرّض العام للحكم الواقعي أو عدم ظهور الخاص في ثبوت حكمه من الأوّل ومن حين ورود العام يحكم بكونه ناسخاً لأن صدور العام لبيان الحكم الواقعي وصدور الخاص متأخّراً عنه ملازم لورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام وكلّما كان ورود الخاص بعد وقت العمل بالعام يكون ناسخاً وكذا يكون الخاص المتأخّر عن العام ناسخاً إذا لم يكن الخاص ظاهراً في ثبوت حكمه من

ص: 397

.......................................

__________________________

الأوّل ومن حين ورود العام كان ظاهراً في ثبوت حكمه بعد وقت العمل بالعام ومن حين صدور نفسه وعلى فرض عدمهما أي عدم احراز صدور العام لبيان الحكم الواقعي وظهور الخاص في ثبوت حكمه من الأوّل ومن حين ورود العام يحكم بكون الخاص مخصّصاً ولا فرق في ذلك أي الحكم بالناسخيّة في الصورتين الأوليتين والمخصّصيّة في الثانيتين بين العلم والجهل بأن يعلم انّه صدر بعد حضور وقت العمل بالعام أو جهل ذلك بعد العلم بتأخّر الخاص عن العام فانّ العلم بتأخّره عن العام يكفي في تعيين الناسخيّة والمخصّصيّة بالتقريب المذكور ثمّ قال: وثانياً انّه لا وجه للرجوع إلى الأصول العمليّة إذ العمل في الفرض المزبور على كلّ تقدير بالخاص(1) ولو لم يعلم انّه ناسخ أو مخصّص لأنّه يعلم اجمالاً انه إمّا ناسخ للعام أو مخصّص له وعلى التقديرين فلابدّ من العمل به ولا وجه للرجوع إلى الأصول العمليّة إلّا أن يكون مراده الرجوع إليها بالنسبة إلى الأجزاء في العبادة الصادرة في الزمان المتخلّل بين صدور العام والخاص على طبق العام فانّه لو كان المخصصيّة أو الناسخيّة للخاص معيّنة ففي ذلك الزمان بناء على المخصصيّة يثبت حكم الخاص وعلى الناسخيّة يثبت حكم العام ومع الجهل فالمرجع بالنسبة إلى الأجزاء في العبادة لا محالة الأصول العمليّة وبعبارة أخرى العمل العبادي الصادر على طبق العام في الزمن المتخلّل بين صدوره وصدور

ص: 398


1- كفاية الاُصول ( مع حواشي المشكيني ): 2/453.

.......................................

__________________________

الخاص مجز على الناسخيّة وغير مجز على المخصصيّة وحيث لم يتعيّن واحد منهما فلابدّ من الرجوع إلى الأصول ويندفع الاشكال الأوّل بأنّه إذا قام قرينة خارجيّة على ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام كما فيما فرضه فلا كلام في كونه ناسخاً معيّناً وكلّما لم يكن قرينة على ما ذكر بل كانت القرينة على خلافه فيكون مخصّصاً معيّناً وإنّما الكلام فيما لو جهل ذلك ولم يعلم بوجه أصلاً ولا مناص في هذه الصورة عمّا أفاده المصنّف من عدم ثبوت واحد من المخصصيّة ولا الناسخيّة كما لا يخفى والاشكال الثاني مندفع أيضاً بأنّه لا يعمل بالخاص في الفرض المزبور بعنوان المخصصيّة ولا بعنوان الناسخيّة بالنسبة إلى ما صدر من المكلّف على طبق العام الوارد قبل ورود الخاص من العمل بل انّما يعمل به من جهة اثباته حكماً مخالفاً للعام المعلوم اجمالاً انه اما تخصيص وإمّا نسخ من دون تعيين وأمّا العمل على وجه التعيين وانّه هل العمل على طبق العام الصادر من المكلّف فيما بين زمن صدور العام والخاص مجز أم لا وصحيح أم فاسد فانّما هو على الأصول العمليّة ولا مدخليّة للأدلّة اللفظيّة من الخاص أو الناسخ في تعيينه أصلاً كما اعترف به هو قدس سره بذلك(1) والعجب من الشارح المعظم إليه انه جعل ذلك الوجه احتمالاً فيما أفاده المصنّف مع ان وضوح مقصوده لا شبهة فيه ولا ريب يعتريه كما لا يخفى.

والحاصل ان ما أفاده المصنّف في غاية المتانة ولا وجه للرد والرطانة.

ص: 399


1- كفاية الأصل (مع حواشى مشكينى): 2/454.

ولا بأس لصرف الكلام إلى ما نخبة القول في النسخ فاعلم[1] انّ النسخ وإن كان رفع الحكم الثابت إثباتا، إلا أنه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتا، وإنما اقتضت الحكمة إظهار دوام الحكم واستمراره، أو أصل إنشائه وإقراره، مع أنه بحسب الواقع ليس له قرار، أو ليس له دوام واستمرار، وذلك لان النبي صلى اللَّه عليه وآله الصادع للشرع، ربما يلهم أو يوحى إليه أن يظهر الحكم أو استمراره مع اطلاعه على حقيقة الحال، وأنه ينسخ في الاستقبال، أو مع عدم اطلاعه على ذلك، لعدم إحاطته بتمام ما جرى في علمه تبارك وتعالى، ومن هذا القبيل لعله يكون أمر إبراهيم بذبح إسماعيل.

وحيث عرفت أن النسخ بحسب الحقيقة يكون دفعا، وإن كان بحسب الظاهر رفعا، فلا بأس به مطلقا ولو كان قبل حضور وقت العمل، لعدم لزوم البداء المحال في حقه تبارك وتعالى، بالمعنى المستلزم لتغير إرادته تعالى مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة، ولا لزوم امتناع النسخ أو الحكم المنسوخ، فإن الفعل إن كان مشتملا على مصلحة موجبة للامر به امتنع النهي عنه، وإلا امتنع الامر به، وذلك لان الفعل أو دوامه لم يكن متعلقا لارادته، فلا يستلزم نسخ أمره بالنهي تغيير إرادته، ولم يكن الامر بالفعل من جهة كونه مشتملا على مصلحة، وإنما كان إنشاء الامر به أو إظهار دوامه عن حكمة ومصلحة.

__________________________

[1] قال فاعلم انّ النسخ وإن كان رفع الحكم الثابت اثباتاً إلّا انّه في الحقيقة رفع الحكم ثبوتاً.

ص: 400

.......................................

__________________________

أقول: ذهب جمع إلى امتناع النسخ في الأحكام الشرعيّة وإن جاز في مثل الأمور العاديّة والعرفيّة بوجوه الأوّل لزوم تغير ارادته تعالى مع اتّحاد الفعل ذاتاً وعنواناً بيانه انّه لابدّ في جعل الحكم من مصلحة في متعلّقه لتكون موجبة لجعله وكون ذلك المعلّق مراداً للشارع ونسخ الحكم يقتضي رفع اليد عن المتعلّق المشتمل على المصلحة تعالى اللَّه الحكيم على الاطلاق عن هذا علوّاً كبيراً.

الثاني ان النسخ يستلزم الجهل، ومن وجوه رفع اليد عن الحكم الثابت في الشرع كشف الخطاء وان ما ظن كونه ذا مصلحة ليس بذي مصلحة ونسبته إلى اللَّه تعالى ناش عن غاية الجهل وتعالى عن ذلك فلا نسخ.

الثالث ان الأحكام تابعة للحسن والقبح التابعين للمصلحة والمفسدة فكلّ ما يكون ذا مصلحة يكون حسناً وكلما يكون مفسدة يكون قبيحاً سواء كانتا ذاتيتين أو عرضيّين وعروضها بالعناوين فاذن لا يجوز النسخ لأنّه إن كان مشتملاً على المصلحة والحسن امتنع النسخ وإلّا امتنع المنسوخ ولم يجعل في أوّل الشرع من أوّل الأمر.

وأمّا الجواب عن ذلك كلّه فيظهر ممّا أفاده المصنّف من ان النسخ وإن كان صورة وفي مرحلة الظاهر ومقام الاستدلال رفعاً للحكم الثابت أولا الا انّه في الشرعيّات لا يكون إلّا دفعاً في مقام الثبوت وواقعاً وإنّما اقتضت الحكمة اظهار دوام الحكم واستمراره وان هذا الحكم باق إلى يوم القيامة ولذا يكون نسخه رفعاً ظاهراً مع انّه ليس كذلك واقعاً وقد تقتضي الحكمة أصل انشائه واقراره وصدور

ص: 401

.......................................

__________________________

الأمر منه من دون اظهار دوامه واستمراره مع انّه بحسب الواقع ليس قراراً وفي معرض الزوال والابطال كلّ ذلك لاقتضاء الحكمة والمصلحة فان الحكمة قد تقتضي انّ النبي صلى الله عليه وآله الجاعل للشرع والصادع له أن يظهر الحكم وينشاؤه ويقره من قبل اللَّه تعالى أو ان يظهر دوامه واستمراره مع اطّلاعه على حقيقة الحال وانّه ينسخ في الاستقبال ولا دوام له ولا قرار بل يكون في معرض الزوال والاضمحلال وقد لا يكون نفس النبي صلى الله عليه وآله أيضاً مطّلعاً على ذلك لعدم احاطته بتمام ما جرى في علمه تعالى اذ ليس ذلك من لوازم النبوّة عقلاً ولا شرعاً فقد يكون وقد لا يكون ومن هذا القبيل لعلّه كان أمر ابراهيم بذبح اسمعيل بأن كان المصلحة في اظهار الحكم والأمر بالذبح لا نفس الفعل مع عدم اطلاع ابراهيم على ذلك.

وزاد الشارح الكاظميني على ما أفاده المصنّف من كون النسخ دفعاً لا رفعاً فقال بل النسخ يكون اندفاعاً لا دفعاً أيضاً حيث قال بعد ما أفاده المصنّف بل هو أي النسخ اندفاع الحكم وانتهاء عمره لاختلاف مقتضيات الأحكام في مقدار اقتضائاتها فمنها ما هو إلى يوم القيامة ومنها ما هو محدود بحد فعند انتهاء الاقتضاء يقضي الحكم فيه وهو أجله المحتوم فلا دفع ولا رفع.

نعم لو كان الانتهاء لفقد شرط أو وجود مانع فقداناً ووجداناً حادثين فهو أجله المخروم ويكون دفعاً من جهة ورفعاً من أخرى اما مع انعدام نفس العلّة بمعنى انتهاء حد وجودها فهو موجب لانتهاء حد وجود الحكم فهو ذاتاً لا دوام فيه انتهى كلامه رفع مقامه(1).

ص: 402


1- الهداية في شرح الكفاية: 479.

.......................................

__________________________

أقول: لا يخفى ان مراد المصنّف قدس سره من كون النسخ دفعاً المعنى الذي أفاده الشارح أيضاً لأن المقصود هنا من الدفع المعنى المقابل للرفع وبيان انّ النسخ في الشرعيّات ليس كالنسخ في العاديات والعرفيّات حيث انها فيها يكون رفع أمر ثابت وابطال ما وقع وثبت بل اظهار كون الحكم محدوداً بحد معين من أوّل الأمر وإن كان ظاهراً في الدوام والاستمرار وليس المراد هنا منه معناه اللغوي اللازم فيه ثبوت اقتضاء البقاء فيما ثبت أوّلاً ومانعيّة ما يمنع المقتضى عن التأثير ثانياً بل يطلق في الاصطلاح على عدم بقاء الشي ء وانتفاؤه وهو لعدم الاقتضاء في البقاء.

والحاصل ان المراد المصنّف من الدفع الاندفاع الذي عبّر به الشارح أيضاً فلا اختلاف وحيث عرفت وظهر ان النسخ في الشرعيّات بحسب الحقيقة يكون دفعاً وإن كان بحسب الظاهر رفعاً بخلافه في العرفيّات حيث انّه رفع حقيقة لا دفع فلا بأس به مطلقاً ولو كان قبل حضور وقت العمل لعدم لزوم البداء المحال اذن في حقّه تبارك وتعالى بالمعنى المستلزم لتغير ارادته تعالى مع اتّحاد الفعل ذاتاً وجهة أي عنواناً وعرضاً لأنّه إن كان رفعاً واقعاً يلزم ذلك المحال البتة إذ هو حينئذٍ في معنى عدم ارادة عين ما أراده أوّلاً ثانياً وهذا بالنسبة إلى المخلوق الذي لا يحيط علمه بجهات الحسن والقبح ممكن لا مانع منه ولكنه بالنسبة إلى الخالق الحكيم على الاطلاق الذي علمه محيط بجميع الجهات مستحيل لا محالة وحيث ثبت انّ النسخ أو الحكم المنسوخ بيان ان الفعل ان كان مشتملاً على مصلحة موجبة للأمر به امتنع النهي عنه فيكون النسخ ممتنعاً وإلّا امتنع الأمر به فيكون المنسوخ ممتنعاً

ص: 403

وأما البداء في التكوينيات[1] بغير ذاك المعنى، فهو مما دل عليه الروايات المتواترات، كما لا يخفى، ومجمله أن اللَّه تبارك وتعالى إذا تعلقت مشيته تعالى بإظهار ثبوت ما يمحوه، لحكمة داعية إلى إظهاره، ألهم أو أوحى إلى نبيه أو وليه أن يخبر به، مع علمه بأنه يمحوه، أو مع عدم علمه به، لما أشير إليه من عدم الاحاطة بتمام ما جرى في علمه، وإنما يخبر به لانه حال الوحي أو الالهام لارتقاء نفسه الزكية، واتصاله بعالم لوح المحو والاثبات اطلع على ثبوته، ولم يطلع على كونه معلقا على أمر غير واقع، أو عدم الموانع، قال اللَّه تبارك وتعالى: «يمحو اللَّه ما يشاء ويثبت» الآية، نعم من شملته العناية الالهية، واتصلت نفسه الزكية بعالم اللوح المحفوظ الذي هو من أعظم العوالم الربوبية، وهو أم الكتاب، يكشف عنده الواقعيات على ماهي عليها، كما ربما يتفق لخاتم الانبياء، ولبعض الاوصياء، كان عارفا بالكائنات كما كانت وتكون.

__________________________

وذلك أي وجه عدم لزوم تغير ارادته تعالى على المبني المزبور وعدم كون النسخ رفعاً بل دفعاً هو ان الفعل أو دوامه لم يكن متعلّقاً لارادته ولم يكن مطلوباً له تعالى من أوّل الأمر غاية الأمر كانت المصلحة في اظهار أصل المطلوبيّة للفعل أو دوامه فلا تغير في ارادته تعالى أصلاً وأمّا وجه عدم لزوم امتناع النسخ أو المنسوخ هو انه لم يكن الأمر بالفعل من جهة كونه مشتملاً على مصلحة وإنّما كان انشاء الأمر به أو اظهار دوامه عن حكمة ومصلحة فلا وجه لامتناع النسخ ولا امتناع المنسوخ.

[1] هذا كلّه في التشريعيات وأما البداء في التكوينيّات فصدوره من اللَّه تعالى

ص: 404

.......................................

__________________________

بغير ذلك المعنى أي غير ذاك المعنى المستحيل في حقّه تعالى بل بالمعنى الذي يجوز في حقّه ومَرّ انّه البدآء الصوري وفي الواقع يكون ابداء واظهاراً لما اخفى ولا يكون ظهور ما خفى فهو ممّا على وقوعه الروايات المتواترات كما لا يخفى ومجملة انّ اللَّه تعالى اذا تعلّقت مشيته باظهار ثبوت ما يمحوه لحكمة داعية إلى اظهاره الهم أو أوحى إلى نبيّه أو وليه أن يخبر به مع علمه أي النبي أو الولي بأنّه يمحوه ويظهر في المستقبل خلافه أو مع عدم علمه بذلك لما أشير إليه من عدم احاطة النبي أو الولي بتمام ما جرى في علمه اذ ليس ذلك من لوازم النبوّة أو الولاية وإنّما يخبر به النبي صلى الله عليه وآله أو الولي لأنّه حال الوحي والالهام لارتقاء نفسه الزكيّة واتّصاله بعالم لوح المحو والاثبات اطلع على ثبوته ولم يطلع على كونه معلّقاً على أمر غير واقع وشرط غير حاصل أو عدم الموانع مع انها حاصلة فان المسطور في لوح المحو والاثبات مقتضيات المقتضيات فقط قال اللَّه تعالى: « يَمحُو اللَّه ما يَشاء وَيُثبت »(1) الآية.

نعم من شملته العناية الالهيّة واتصلت نفسه الزكيّة بعالم لوح المحفوظ الذي من أعظم العوالم الربوبيّة وأعلى من لوح المحو والاثبات وهو أم الكتاب يكشف عنده الواقعيّات على ما هي عليها كما ربما يتّفق لخاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله ولبعض الأوصياء كان عارفاً للكائنات كما كانت وتكون ولا يخفى ان ما أفاده من كون تلك الحالة للنبي صلى الله عليه وآله أو الأوصياء الاثنى عشر سلام اللَّه عليهم إنّما هو في بعض الأوقات

ص: 405


1- الرعد: 39.

.......................................

__________________________

لا دائماً وهل علمهم حضوري أو حصولي وعلى الثاني هل هو معلّق على التوجّه إلى الشي ء أو ارادتهم للعلم به لا يعلم شي ء من ذلك والأسلم ايكال ذلك كلّه إليهم عليهم السلام كما سلكه الشيخ رحمه الله في رسالة فرائد الأصول ثمّ انّه إذا اتّفق اتّصال النفس بعالم لوح المحفوظ فكشف الواقعيات على ما هي عليها فلا ريب انّه لأجل ذلك يكون عارفاً بالعلم المخزون وبكل سر مكنون مطلقاً على الكائنات كما كانت وتكون من أوّل الانشآء والايجاد إلى يوم يبعثون ومع ذلك كلّه ربما يوحى إليه حكم من الأحكام تارة بما يكون ظاهراً في الاستمرار والدوام مع انه في الواقع له غاية وأمد يتعين ذلك الأمد بخطاب اخر واخرى بما يكون ظاهراً في الجد مع انه لا يكون واقعاً بجد بل لمجرّد الابتلاء والاختبار هذا في التشريعيّات وأمّا في التكوينيّات فقد يؤمى أيضاً وحياً أو الهاماً بالاخبار بوقوع عذاب أو غيره ممّا لا يقع في الخارج لأجل حكمة في هذا الاخبار أي الاخبار بوقوع العذاب في التكوينيّات اذ ذاك الاظهار في التشريعيّات أي اظهار دوام الحكم واستمراره مع انه ليس كذلك واقعاً واظهار جده مع انه ليس بجد واقعاً فبداله تعالى يعني انه يظهر ما أمر نبيه أو وليه أي يجعل حقيقة ما أمر به ظاهراً بعد اظهاره أوّلاً بنحو آخر ويبدى ما خفى ثانياً وإنّما نسب إليه تعالى البداء مع انه ابداء حقيقة واظهار لما خفى لكمال شباهة ابدائه له تعالى واظهاره غير ما جعله ظاهراً أوّلاً بالبداء في غيره أي غير اللَّه تعالى فأنّ اظهاره لما أخفى مشابه لظهور ما خفى بالنسبة إلى غيره وفيما ذكرنا كفاية فيما هو المهم في باب النسخ ويرفع به الاشكال الوارد في

ص: 406

نعم مع ذلك، ربما يوحى إليه حكم من الاحكام، تارة بما يكون ظاهرا في الاستمرار والدوام، معه أنه في الواقع له غاية وأمد يعينها بخطاب آخر، وأخرى بما يكون ظاهرا في الجد، مع أنه لا يكون واقعا بجد، بل لمجرد الابتلاء والاختبار، كما أنه يؤمر وحيا أو الهاما بالاخبار بوقوع عذاب أو غيره مما لا يقع، لاجل حكمة في هذا الاخبار أو ذاك الاظهار، فبدا له تعالى بمعنى أنه يظهر ما أمر نبيه أو وليه بعدم إظهاره أولا، ويبدي ما خفي ثانيا.

وإنما نسب إليه تعالى البداء، مع إنه في الحقيقة الابداء، لكمال شباهة إبدائه تعالى كذلك بالبداء في غيره، وفيما ذكرنا كفاية فيما هو المهم في باب النسخ، ولا داعي بذكر تمام ما ذكروه في ذاك الباب كما لا يخفى على أولي الالباب.

__________________________

هذا الباب ولا داعي بذكر تمام ما ذكروه فيه من النقض والابرام والايراد والدفع كما لا يخفى على أولى الألباب.

ثمّ ليعلم ثبوت الثمرة بين التخصيص والنسخ هو انّه على التخصيص يبني على خروج الخاص عن حكم العام رأساً بخلافه على النسخ فانّه يثبت ارتفاع حكم العام من حين ورود النسخ وفيما قبل وروده حكم العام ثابت هذا فيما دار الأمر بين التخصيص والنسخ في المخصّص الذي ورد بعد ورود العام وأمّا إذا دار الأمر بينها في الخاص المتقدّم والعام المتأخّر بأن كان الأمر مردداً بين مخصصيّة الخاص للعام وناسخيّة العام للخاص فيظهر الثمرة في ان الخاص بناء على التخصيص غير محكوم بحكم العام أصلاً وعلى النسخ أي كون العام ناسخاً للخاص كان الخاص محكوماً بحكم العام من حين صدور دليل العام كما لا يخفى.

ص: 407

ثم لا يخفى ثبوت الثمرة بين التخصيص والنسخ، ضرورة أنه على التخصيص يبنى على خروج الخاص عن حكم العام رأسا، وعلى النسخ، على ارتفاع حكمه عنه من حينه، فيما دار الامر بينهما في المخصص، وأما إذا دار بينهما في الخاص والعام، فالخاص على التخصيص غير محكوم بحكم العام أصلا، وعلى النسخ كان محكوما به من حين صدور دليله، كما لا يخفى.

المقصد الخامس: في المطلق والمقيد والمجمل والمبين

فصل: فی المطلق و المقید

عرف المطلق بأنه: ما دل على شائع في جنسه،[1] وقد أشكل عليه

__________________________

[1] أقول: عرف المطلق بأنّه ما دلّ على شائع في جنسه يعني انّ المطلق هو اللفظ الذي دلّ على حصّة من الحصص وطبيعة من الطبائع لها كثرة وشيوع وانتشار ومحتملة لحصص كثيرة مندرجة تلك الحصص الكثيرة الشائعة الوافرة تحت الجنس الذي يكون مدلولاً للفظ المطلق واشكل على التعريف بعدم الاطراد أو الانعكاس اما الأوّل فلشموله لمن وما واى الاستفهاميّة الدالّة على العموم البدلي وضعاً فانها لا تسمى مطلقاً مع ان التعريف صادق عليها وأمّا الثاني فلعدم شمول التعريف المذكور للألفاظ الدالّة على نفس الماهيّة مثل أسماء الأجناس كرجل وأسد مثلاً مع انّه يطلقون عليها لفظ المطلق وتكون قسماً من المطلقات كما سيجي ء، وجه عدم الشمول انّ أسماء الأجناس ليست من الألفاظ الدالّة على شائع وحصص كثيرة وافرة مندرجة تحت الجنس الأعم منها بل ليس معناها إلّا صرف الماهيّة والطبيعة من حيث هي هي مع خلوها عن الكثرة والشيوع والقلّة

ص: 408

.......................................

__________________________

والندور والسعة والضيق والاجتماع والانتشار المعبّر عنه باللابشرط المقسمي والكلي الطبيعي في الحكمة وفي الأصول بالجنس واللفظ الموضوع له باسم الجنس وقد نبهنا في غير مقام مراراً وكراراً على ان مثل هذه التعاريف شرح الاسم والتعريف اللغوي الذي يجوز أن يكون بالأعم والأخص وليس تعريفاً حقيقيّاً بينا لماهيّة المعرف بالجنس والفصل كي يلزم أن يكون مطرداً أو منعكساً فالأولى الأعراض ورفع اليد عن ذلك والاشتغال ببيان ما وضع بعض الألفاظ التي يطلق عليها المطلق أو غير ذلك ممّا يناسب المقام.

فمنها اسم الجنس مثل انسان ورجل وفرس وحيوان وسواد وبياض إلى غير ذلك من أسماء الكليّات والطبائع من الجواهر والأعراض أي الأعراض المتأصلة كالأمثلة المذكورة بل العرضيّات أي الأعراض الاعتباريّة التي لا تأصل لها المحمولة على الجواهر كالقيام والقعود والفوقيّة والتحتيّة وغيرها ولا ريب انها موضوعة لمفاهيمها بما هي مبهمة مهملة لا تقييد فيها أصلاً ولو كان ذلك القيد قيد الاطلاق وبلا شرط أصلاً ملحوظ معها حتّى لحاظ انّها كذلك وانّها مبهمة مهملة وبلا قيد.

وبالجملة ما وضع له اسم الجنس هو نفس المعنى وصرف المفهوم الغير الملحوظ معه شي ء أصلاً الذي هو المعنى بشرط شي ء أي الملحوظ معه شي ء هو المعنى بشرط شي ء ولو كان ذلك الشي ء الملحوظ هو الارسال والعموم البدلي ولا يكون الملحوظ معه عدم لحاظ شي ء معه الذي هو الماهيّة اللابشرط القسمي

ص: 409

.......................................

__________________________

فمعنى اسم الجنس من قبيل اللابشرط المقسمي المقسوم إلى أقسام وهي الماهيّة اللابشرط القسمي وبشرط الا وبشرط شي ء وببيان آخر الماهيّة المأخوذة لا بشرط ضربان أحدهما المجعول مقسماً للأقسام المذكورة التي منها المأخوذة لا بشرط على نحو التقييد فالماهيّة اللابشرط قيداً أحد أقسام الماهيّة اللابشرط وصفاً وتسمّى الأولى بالقسمي والثانية بالمقسمي وعلى كلّ حال فكون المعنى الموضوع له اسم الجنس الماهيّة المجرّدة عن كلّ قيد في غاية الوضوح وذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى والموضوع له اللفظ على المصاديق الخارجيّة بلا عناية التجريد عمّا هو مقتضى الاشتراط والتقييد فانّه إن كان تقييداً في البين واشتراطاً في معانيها لم يجز اطلاقها على الأفراد الخارجيّة بلا رعاية عناية إذ المصاديق الخارجيّة خالية عن القيود الملحوظة مع المفهوم البتة فيكشف عدم لزوم رعاية العناية عن انه لم يلحظ في مفاهيمها قيد ولا شرط أصلاً فانّه بديهي عدم صدق المفهوم بشرط العموم والابهام والارسال على فرد من الأفراد وان كان يعم كلّ واحد منها بدلاً أو استيعاباً لكن لا يصدق على واحد منها وكذا الواضح عدم كون معاني أسماء الأجناس من قسم المفهوم اللابشرط القسمي إذ هو كلّي عقلي لا موطن له إلّا الذهن بل قد اشتهر ان الجزئي بقيد كونه جزئيّاً كلّي والحاصل ان اللابشرط القسمي الذي هو قسم من الماهيّة اللابشرط المقسمي في عرض الماهيّة بشرط شي ء وبشرط لا من جهة تقيده بعدم لحاظ شي ء معه بلحاظ ذلك القيد فيه كلّي عقلي ظرف وجوده الذهن ولا يمكن أن يوجد في الخارج فلا يكاد

ص: 410

.......................................

__________________________

يمكن صدقه وانطباقه على الأفراد الخارجيّة بداهة ان مناط الاتّحاد بحسب الوجود الخارجي ولا يحمل محمول على موضوع إلّا بعد ثبوت الاتّحاد بينهما خارجاً فكيف يمكن أن يتّحد معها ما لا وجود له إلّا ذهناً فانّ الموجود الذهني لا يحمل على الموجود الخارجي كما لا يخفى.

ومنها علم الجنس كاسامة والمشهور بين أهل العربيّة وعلماء النحو انّه موضوع للطبيعة لا بما هي هي بل بما هي متعينة بالتعين الذهن ولذا يعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف.

قال ابن الحاجب فيما حكاه نجم الأئمّة أعلام الأجناس وضعت اعلاماً للحقائق الذهنيّة المتعينة كما أشير باللام في نحو اشتر اللحم إلى الحقيقة الذهنيّة فكلّ واحد من هذه الأعلام موضوع لحقيقة في الذهن متّحدة فهو اذن غير متناول غيرها وضعاً واذا اطلق على فرد من الأفراد الخارجيّة نحو هذا اسامة مقبلاً فليس ذلك بالوضع بل لمطابقة الحقيقة الذهنيّة لكلّ فرد خارجي مطابقة كل كلي عقلي لجزئيّاته الخارجيّة نحو قولهم الانسان حيوان ناطق فلفظ أسد مثلاً موضوع لكلّ فرد من أفراد الجنس في الخارج على وجه التشريك واسامة موضوع للحقيقة الذهنيّة حقيقة فاطلاقه على الخارجي ليس بطريق الحقيقة انتهى(1).

وقال الاندلسي فيما حكاه أيضاً مفرعا على ذلك فلا يقول في أسد معين في

ص: 411


1- شرح الرضي على الكافية: 3/246.

.......................................

__________________________

الخارج اسامة كما يقول أسد لأن المطابق للحقيقة الذهنيّة في الخارج ليس إلّا شيئاً من هذا الجنس مطلقاً لا واحداً محصوراً انتهى(1).

والتحقيق عند المصنّف انه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شي ء معه أصلاً كاسم الجنس والتعريف معه لفظي كما هو الحال في التأنيث اللفظي واستدلّ على ذلك بأنّه إن كان قيد التعين الذهني مأخوذاً في معنى علم الجنس لما صحّ حمله على الأفراد بلا تصرّف وتأويل لأنّه على ذلك كلّي عقلي لا وجود له إلّا في العقل والذهن فلا يمكن اتّحاده مع الموجود الخارجي اذ مرّ انّ الاتّحاد في الوجود الخارجي شرط في صحّة الحمل مع انّه يصحّ حمله على الأفراد بدون تصرّف وتأويل كما لا يخفى ضرورة انّ التصرّف في المحمول بارادة نفس المعنى بدون قيد التعين الذهني والاشارة الذهنيّة إليه تعسف لا يكاد يكون بناء القضايا المتعارفة عليه مع ان وضعه لخصوص معنى محتاج إلى تجريده عن خصوصيته عن كلّ واحد واحد من موارد الاستعمال لا يكاد يصدر عن الجاهل فضلاً عن الواضع الحكيم فبدليل انّه ليس المراد من اعلام الأجناس في موارد الاستعمال دائماً إلّا نفس المعنى صرفاً لا ما هو المقيد بقيد التعين الذهني يستكشف عن انّ الواضع الحكيم وضعه له أيضاً ويرد على المصنّف ان مقصود المشهور من مأخوذيّة قيد التعين في أعلام الأجناس دون أسمائها انّه دخيل في الاستعمال لا انّه قيد المستعمل فيه كما ان الالية والاستقلاليّة في معاني الحروف والأسماء

ص: 412


1- شرح الرضي على الكافية: 3/246.

بعض الاعلام، بعدم الاطراد أو الانعكاس، وأطال الكلام في النقض والابرام، وقد نبهنا في غير مقام على أن مثله شرح الاسم، وهو مما يجوز أن لا يكون بمطرد ولا بمنعكس، فالاولى الاعراض عن ذلك، ببيان ما وضع له بعض الالفاظ التي يطلق عليها المطلق، أو من غيرها مما يناسب المقام.

فمنها: اسم الجنس، كإنسان ورجل وفرس وحيوان وسواد وبياض إلى غير ذلك من أسماء الكليات من الجواهر والاعراض بل العرضيات، ولا ريب أنها موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة، بلا شرط أصلا ملحوظا معها، حتى لحاظ أنها كذلك.

وبالجملة: الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى، وصرف المفهوم الغير

__________________________

على ما حقّقه هو نفسه أيضاً كذلك فاذا كان شرطاً في الوضع ومن اطوار الاستعمال فلا يلزم محذور أصلاً إذ المحذور المذكور إنّما هو فيما إذا كان قيداً للمعنى الموضوع له وما مرّ منه في وضع الحروف والمبهمات بأنّ الموضوع فيها هو المفاهيم الكليّة أيضاً وان الفرق بينها وبين غيرها من الأسماء هو لحاظ الاليّة فيها ذهناً في أصل الوضع لا خارجاً في الموضوع له دليل على ان التعينات الملحوظة حال الوضع ذهناً لا يستلزم اللحاظ خارجاً وعليه بنيت أوضاع اعلام الأشخاص والأزمان ولو كان وجود الخصوصيّة في المعنى ذهناً أو خارجاً الملحوظة في أصل الوضع يوجب اللحاظ في الموضوع له لبطل وضع العلم للمعنى الشخصي كذلك أو لاحتياج الاستعمال على تقدير الوضع إلى تجريد المدلول عن الخصوصيّة وكلاهما بديهي البطلان مع ان كون التعين والمعهوديّة ملحوظة في أصل الوضع ممّا لا يقبل التشكيك.

ص: 413

الملحوظ معه شئ أصلا الذي هو المعنى بشرط شئ، ولو كان ذاك الشئ هو الارسال والعموم البدلي، ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شئ معه الذي هو الماهية اللابشرط القسمي، وذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى، بلا عناية التجريد عما هو قضية الاشتراط والتقييد فيها، كما لا يخفى، مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الافراد، وإن كان يعم كل واحد منها بدلا أو استيعابا، وكذا المفهوم اللابشرط القسمي، فإنه كلي عقلي لا موطن له إلا الذهن لا يكاد يمكن صدقه وانطباقه عليها، بداهة أن مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجا، فكيف يمكن أن يتحد معها ما لا وجود له إلا ذهنا؟

ومنها: علم الجنس كأسامة، والمشهور بين أهل العربية أنه موضوع للطبيعة لا بما هي هي، بل بما هي متعينة بالتعين الذهني ولذا يعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف.

لكن التحقيق أنه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شئ معه أصلا كاسم الجنس، والتعريف فيه لفظي، كما هو الحال في التأنيث اللفظي، وإلا لما صح حمله على الافراد بلا تصرف وتاويل، لانه على المشهور كلي عقلي، وقد عرفت أنه لا يكاد صدقه عليها مع صحة حمله عليها بدون ذلك، كما لا يخفى، ضرورة أن التصرف في المحمول بإرادة نفس المعنى بدون قيده تعسف، لا يكاد يكون بناء القضايا المتعارفة عليه، مع أن وضعه لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن خصوصيته عند الاستعمال، لا يكاد يصدر عن جاهل، فضلا عن الواضع الحكيم.

ومنها: المفرد المعرف باللام، والمشهور أنه على أقسام:[1]

__________________________

[1] أقول: ذهب علمآء العربيّة إلى انّ المفرد المعرف باللام على أقسام المعرف

ص: 414

.......................................

__________________________

بلام الجنس أو الاستغراق أو العهد بأقسام وهي العهد الذهني والذكرى والحضوري على نحو الاشتراك بينها لفظاً أو معنى والظاهر ان الخصوصيّة من الاستغراق والعهد بأقسامه من قبل خصوص اللام ولا دخل لها بدخوله أو من قبل قرائن المقام من باب تعدّد الدال والمدلول لا باستعمال المدخول ليلزم فيه المجاز بأن يكون حقيقة في واحد من المعاني خاصّة ومجازاً في غيره من المعاني أو الاشتراك بين جميع المعاني الخاصّة بل يكون المدخول على كلّ حال مستعملاً فيما يستعمل فيه الغير المدخول وهو المعنى المطلق المجرّد عن القيد والمعروف بينهم انّ اللام يكون موضوعة للتعريف ومفيدة للتعين في غير العهد الذهني الذي تدلّ اللام فيه على ارادة الطبيعة الحالة في فرد ما من الأفراد ثمّ قال المصنّف في مقام تخطئة المشهور وإيراد الاشكال عليهم: وأنت خبير بأنّه لا تعين في تعريف الجنس الذي يكون واحداً من الأقسام إلّا الاشارة إلى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني ذهناً والتعين الذهني مستلزم لمحذور ولازم لا يجوز الالتزام به وهو عدم صحّة حمل المعرف بلام الجنس على الأفراد لما عرفت انفاً من امتناع اتّحاد الفرد الخارجي مع شي ء لا موطن له إلّا الذهن إلّا بالتجريد ومع ذلك لا فائدة في التقييد بالتعيين الذهني اذ بعد ان كان الغالب وفي القضايا المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام أو الحمل عليه تجريد المعنى عن ذلك التعين فالظاهر انّ اللام مطلقاً يكون للتزين ولا معنى له أصلاً كما في الحسن والحسين الذين لا دلالة للامهما على معنى بل إنّما هو جي ء به لتحسين اللفظ وتزيينه واستفادة الخصوصيّات من الجنس أو الاستغراق أو العهد بأقسامه إنّما يكون بالقرائن التي

ص: 415

.......................................

__________________________

لابدّ منها لتعينها أي الخصوصيّات على كلّ حال يعني وان كان اللام موضوعاً للمعاني المزبورة لكونه إمّا مشتركاً لفظيّاً بينها أو معنويّاً أو حقيقة ومجازاً وعلى كلّ واحد ممّا ذكر يحتاج إلى القرينة المعيّنة ولو قيل بافادة اللام للاشارة إلى المعنى ومع الدلالة عليه بتلك الخصوصيّات فلا حاجة إلى تلك الاشارة لاغناء القرائن عنها وعدم اغنائها عن القرائن من المعهوديّة وغيرها لو لم تكن مخلّة من حيث استلزامها التجريد عند الحمل وفي القضايا المتعارفة وقد عرفت اخلالها.

أقول: وفيما ذكره منع واضح اذ قد مرّ انفاً انّ التقييد بالتعيين الذهني ليس في المعنى الموضوع له اللام حتّى يلزم المحذور المذكور بل إنّما هو من قيود الاستعمال نظير الاليّة والاستقلاليّة بالنسبة إلى معاني الحروف والأسماء مع انّ الاحتياج إلى القرينة المعينة للمعنى المراد من اللام في الاستعمالات الخاصّة لا يغني عن وضع اللام للخصوصيّات المذكورة كما زعم فانّ القرينة المعينة إنّما يحتاج إليها اذا وضع اللام لها بالاشتراك اللفظي أو المعنوي أو الحقيقة والمجاز ومع عدم وضع اللام لها لا يؤتى بتلك القرينة في الكلام فالاحتياج إلى القرينة المعينة دليل وضع اللام لا عدم وضعها كذلك.

والحاصل القول بكون اللام مطلقاً للتزيين ومجرّد الزيادة كما انّ اللام الداخلة على الأعلام المنقولة بملاحظة أصلها كالفضل والحارث والنعمان بأن كان ذكره وحذفه سيان كما قال أبن مالك في خلاصته وحسب من اللام الزائدة الغير اللازمة اللام المذكور:

« وبعض الأعلام عليه دخلاً * للمح ما قد كان عنه نقلاً

ص: 416

.......................................

__________________________

كالفضل والحارث والنعمان * فذكر ذا وحذفه سيان »

عجيب غايته وبعيد نهايته.

وبالجملة لما كان دلالة الجمع المعرف باللام على العموم ظاهرة غير قابلة للانكار وكان تلك الدلالة مستندة إلى اللام لوضوح عدم دلالة الجمع الغير المعرف باللام على العموم تكلف المصنّف وتعسّف في دفع ذلك ببيان ان هذا لا يلازم دلالة اللام على التعيين وانه يمكن مع ذلك أن يكون الام لمجرّد التعريف اللفظي فقال وأمّا دلالة الجمع المعرّف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه فلا دلالة لها على انّها يكون لأجل دلالة اللام على التعيين والاشارة إلى معنى مدخولها بأن يستدلّ على ذلك بأنّه حيث لا تعيين إلّا للمرتبة المستغرقة لجميع الأفراد من مراتب العموم فلابدّ أن يكون اللام دالاً على التعيين وبطلان هذا الاستدلال يظهر بأن يقال بأنّه يمكن تعين المرتبة الأخرى من العموم وهي أقل مراتب الجمع فقيد التعين لا يلازم مع استغراق جميع الأفراد بل لابدّ أن يكون دلالته على الاستغراق حينئذٍ مستندة إلى وضعه كذلك أي مع اللام لذلك أي للعموم والمشمول لا إلى دلالة اللام على الاشارة إلى المعين ليكون به التعريف ولم يكن لمجرّد التزيين وللزيادة وان ابيت ولم تقبل إلّا استناد الدلالة على الاستغراق إلى اللام فقط لا إليه ومدخوله معاً فلا محيص عن دلالته على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على التعيين لما ذكر من تعين المرتبة الاخرى وهي أقل مراتب الجمع فلا يكون أيضاً بسببه التعريف إلّا لفظاً حيث لا اشارة ولا تعين في المعنى بوجه.

ص: 417

المعرف بلام الجنس، أو الاستغراق، أو العهد بأقسامه، على نحو الاشتراك بينها لفظا أو معنى، والظاهر أن الخصوصية في كل واحد من الاقسام من قبل خصوص

اللام، أو من قبل قرائن المقام، من باب تعدد الدال والمدلول، لا باستعمال المدخول ليلزم فيه المجاز أو الاشتراك، فكان المدخول على كل حال مستعملا فيما يستعمل فيه الغير المدخول.

والمعروف أن اللام تكون موضوعة للتعريف، ومفيدة للتعيين في غير العهد الذهني، وأنت خبير بأنه لا تعين في تعريف الجنس إلا الاشارة إلى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني ذهنا، ولازمه أن لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف على الافراد، لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له إلا الذهن إلا بالتجريد، ومعه لا فائدة في التقييد، مع أن التأويل والتصرف في القضايا المتداولة في العرف غير خال عن التعسف.

هذا مضافا إلى أن الوضع لما لا حاجة اليه، بل لا بد من التجريد عنه وإلغائه في الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام أو الحمل عليه، كان لغوا، كما أشرنا إليه، فالظاهر أن اللام مطلقا تكون للتزيين، كما في الحسن والحسين، واستفادة الخصوصيات إنما تكون بالقرائن التي لابد منها لتعينها على كل حال، ولو قيل بإفادة اللام للاشارة إلى المعنى، ومع الدلالة عليه بتلك الخصوصيات لا حاجة إلى تلك الاشارة، لو لم تكن مخلة، وقد عرفت إخلالها، فتأمل جيدا.

وأما دلالة الجمع المعرف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه، فلا دلالة فيها على أنها تكون لاجل دلالة اللام على التعيين، حيث لا تعين إلا للمرتبة

ص: 418

المستغرقة لجميع الافراد، وذلك لتعين المرتبة الاخرى، وهي أقل مراتب الجمع، كما لا يخفى.

فلا بد أن يكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك لذلك، لا إلى دلالة اللام على الاشارة إلى المعين، ليكون به التعريف، وإن أبيت إلا عن استناد الدلالة عليه اليه، فلا محيص عن دلالته على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على التعيين، فلا يكون بسببه تعريف إلا لفظا، فتأمل جيدا.

ومنها: النكرة مثل (رجل) في «وجاء رجل من أقصى المدينة» أو في (جئنى برجل)[1] ولا إشكال أن المفهوم منها في الاول، ولو بنحو تعدد الدال والمدلول،

__________________________

[1] أقول: أي وممّا يطلق عليه المطلق ويكون من مصاديقه وأفراده النكرة المستعملة المسبوقة بجملة خبريّة أو طلبيّة مثل رجل في جاء رجل من أقصى المدينة وفي جئني برجل ولا إشكال في انّ المفهوم من النكرة في المثال الأوّل ولو بنحو تعدّد الدال والمدلول هو الفرد المعيّن في الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد وكثير من أفراد الرجل كما انّ المفهوم منها في الثاني هي الطبيعة المأخوذة مع قيد الوحدة فيكون حصّة من الرجل الذي هو الكلّي الكبير وهذه الحصّة التي تكون مراداً من النكرة في الثاني أيضاً كلياً ينطبق على كثيرين غاية الأمر انّه كلّي صغير يكون هناك أكبر منه دائرة وليس فردا مرددا بين الأفراد كما هو المراد في المثال الأوّل وبالجملة النكرة أي ما بالحمل الشائع يكون نكرة يعني ما يكون مصداقاً لكلي مفهوم النكرة كلفظ الرجل في المثالين اما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب كما في المثال الأوّل أو حصّة كلية

ص: 419

.......................................

__________________________

لا الفرد المردد بين الأفراد كما في المثال الثاني وذلك أي الدليل على كون المراد من الرجل في المثال الثاني الحصّة الكليّة لا الفرد المردّد بداهة كون لفظ رجل في جئني برجل نكرة مع انّه يصدق على كلّ من جيي ء به من الأفراد ولا يكاد يكون واحد منها هذا أو غيره كما هو قضيّة الفرد المردّد فانّ الفرد المردّد يكون إمّا هذا الفرد أو غيره وما أريد من الرجل في المثال الثاني ليس كذلك بل كلّ فرد فرد من الأفراد جيي ء به هو هو لا هو أو غيره الذي هو معنى الفرد المردّد فلابدّ أن تكون النكرة الواقعة في متعلّق الأمر هو الطبيعي المقيّد بمثل مفهوم الوحدة فيكون كلياً قابلاً للانطباق ومنشأ الاشتباه وتخيل ان النكرة إنّما هي الفرد المردّد وانّ التردّد قيد مأخوذ في معناها هو انهم عرفوا النكرة بما دلّ على فرد لا بعينه فزعموا ان قيد لا بعينه قيد مأخوذ في الموضوع له مع انّه ليس مقصودهم ذلك بل وليس ذلك مقصوداً من قولهم في تعريف النكرة بأنّها الفرد المردّد وإنّما الغرض ان معنى النكرة هي حصّة من حصص الجنس العديدة توجد في الخارج بأي مشخص كان من المشخصات بمعنى انه لا يشترط في وجودها خارجاً مشخص خاص فالمراد من قولهم انّ النكرة هي الحصّة المحتملة لحصص كثيرة أو ما دلّ على واحد لا بعينه أو الفرد المردّد معنى واحد.

والحاصل ان التردّد في الفرد أو الكلي ليس مأخوذاً في معنى النكرة وليس المراد من تلك العبائر المذكورة انّ النكرة كلّي واحد مقيد بكونه لا بعينه أو كلي الفرد المقيد بالتردّد.

ص: 420

.......................................

__________________________

إذا عرفت ذلك فالظاهر صحّة اطلاق المطلق عندهم أي الأصوليّين حقيقة على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني لا الأوّل فانّه وإن كان مقتضى تعريف المطلق بأنّه ما دلّ على الماهيّة من حيث هي هي عدم جواز اطلاقه على النكرة بالمعنى الثاني وكذا تعريفه بأنّه ما دلّ على شائع في جنس عدم جواز اطلاقه على اسم الجنس اذ فسر الشائع في التعريف بالحصّة المحتملة لحصص كثيرة فلا يشمل اسم الجنس ولكن ظاهر كلماتهم في الموارد الشخصيّة التي حكموا فيها بكون اللفظ مطلقاً أو مقيّداً عمومه لهما معاً وكذا مقتضى ما يراد من المطلق لغة عدم جواز اطلاق المطلق لغة عليهما اذ المطلق لغة ما أرسل عنانه والاطلاق ارسال العنان ولا ارسال ولا اطلاق في محض الحقيقة والماهيّة من حيث هي هي التي هي معنى اسم الجنس ولا في النكرة بالمعنى الثاني الذي هو الحصّة المأخوذة مع قيد الوحدة والعجب من المصنّف انّه حكم بأن اطلاق الأصوليّين لفظ المطلق عليهما ليس اصطلاحاً خاصّاً منهم وعلى خلاف اللغة ونفي البعد عن كون جريهم هذا لاطلاق على وفق اللغة ثمّ استدرك عنه بأنّه لو صحّ ما نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعاً لما قيد بالارسال والشمول البدلي لما كان ما أريد منه الجنس كاسم الجنس أو الحصّة كالنكرة بالمعنى الثاني عند الأصوليّين من المطلق الا ان الكلام في صدق النسبة ثمّ انّه لا يخفى ان المطلق بهذا المعنى أي الارسال والشمول غير قابل لطرو التقييد فان التقييد ينافي الارسال ويعانده ولكن بخلافه بالمعنيين أي المهية من حيث هي هي والحصّة المتحتملة لحصص كثيرة فان كلا

ص: 421

.......................................

__________________________

منهما للتقييد قابل فان لا بشرط لا ينافي الف شرط بخلاف بشرط لا فانه يعاند بشرط شي ء ويضاده والتقييد في المعنيين لا يوجب هدماً ولا انثلاماً واذن لا يستلزم التقييد تجوزاً في المطلق لامكان ارادة معنى لفظه وهي الماهيّة والحصّة وارادة قيده من قرينة حال أو مقال وانما استلزم الانثلام والانهدام لو كان المطلق بذاك المعنى أي بمعنى الارسال والشمول نعم لو أريد من لفظ المطلق المعنى المقيّد بأن كان الدال واحداً والمدلول متعدّداً لا بنحو تعدّد الدال والمدلول كان مجازاً مطلقاً ولو بالمعنيين المذكورين سواء كان التقييد بمتصل أو منفصل ثمّ لا يخفى ان في كون التقييد في المطلق مستلزماً للتجوز وعدمه أقوالاً خمسة:

الأوّل: ما نسب إلى المشهور من الاستلزام ووجهه ما ذكره الماتن من ان الشيوع مأخوذ في مفهومه وهو معاند للقيد فتكون ارادة المقيّد موجبة للتجوز لا محالة اما إذا اريدت الخصوصيّة والتقييد من لفظ المطلق فواضح واذا اريدت من لفظ آخر كان التقييد بمقيد منفصل فلان المطلق حينئذٍ مستعمل في نفس الطبيعة من دون شياع فقد سلب عنه الشياع واستعمال اللفظ الموضوع للمقيد وهو الطبيعة المقيّدة بقيد الشياع والسريان في المجرد عن القيد مجاز قطعاً سواء كانت القرينة متّصلة أو منفصلة.

الثاني عدم الاستلزام مطلقاً ببيان ان المطلق موضوع لنفس الطبيعة لا بشرط فحينئذٍ ان اريد القيد من لفظ المطلق فمجاز وإلّا فلا بل يكون من قبيل تعدّد الدال والمدلول.

ص: 422

.......................................

__________________________

الثالث الاستلزام اذا كان التقييد بمنفصل وعدمه اذا كان بمتصل ولعل وجهه انه موضوع لنفس الطبيعة فحينئذٍ لو كانت القرينة متّصلة لدار التجوز وعدمه مدار ارادته من لفظه وعدمها ولو كانت منفصلة كانت كاشفة عن ارادته من لفظه وهو ممنوع لعدم الفرق في المنفصل والمتصل.

الرابع لزوم تجوز لو كان المطلق واقعاً عقيب الانشاء لعدم امكان انشاء الطبيعة المهملة من دون قيد وعدمه لو كان واقعاً عقيب الاخبار لجواز الاخبار عنها كذلك.

وفيه أوّلاً منع عدم الامكان فان الانشاء خفيف المؤنة وثانياً انّ الانشاء متعلّق بمجموع ما يستفاد من المطلق والقرينة فلا يكون المنشأ بهما هذا في القرينة المتّصلة وأمّا في المنفصلة فلجواز تعلّق الانشاء بمفهوم المطلق والقيد المذكور في الضمير فلا يكون مبهماً أيضاً.

الخامس عدم الاستلزام مطلقاً كان القيد متّصلاً أو منفصلاً أريد منه الشياع أو المقيّد أو نفس الطبيعة اذا عرفت ذلك ظهر لك انه اذا اريد التقييد من لفظ المطلق فيكون مجازاً البتة ولو كان موضوعاً لمجرّد الطبيعة والماهيّة وسواء كان التقييد بمتصل أو منفصل مثلاً اذا أريد من الرقبة ذات الايمان وجعل التقييد دإلّا على المراد يكون مجازاً سواء كان التقييد متّصلاً بأن قال اعتق رقبة مؤمنة أو منفصلاً بأن قال اعتق رقبة مؤمنة أو قال اعتق رقبة أو لا ثمّ قال اعتق رقبة مؤمنة.

ص: 423

هو الفرد المعين في الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من أفراد الرجل، كما أنه في الثاني، هي الطبيعة الماخوذة مع قيد الوحدة، فيكون حصة من الرجل، ويكون كليا ينطبق على كثيرين، لا فردا مرددا بين الافراد.

وبالجملة: النكرة - أي ما بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم - إما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب، أو حصة كلية، لا الفرد المردد بين الافراد، وذلك لبداهة كون لفظ (رجل) في (جئني برجل) نكرة، مع أنه يصدق على كل من جئ به من الافراد ولا يكاد يكون واحد منها هذا أو غيره، كما هو قضية الفرد المردد، لو كان هو المراد منها، ضرورة أن كل واحد هو هو، لا هو أو غيره، فلابد أن تكون النكرة الواقعة في متعلق الامر، هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة، فيكون كليا قابلا للانطباق، فتأمل جيدا.

إذا عرفت ذلك، فالظاهر صحة اطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني، كما يصح لغة.

وغير بعيد أن يكون جريهم في هذا الاطلاق على وفق اللغة، من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح على خلافها، كما لا يخفى.

نعم لو صح ما نسب إلى المشهور، من كون المطلق عندهم موضوعا لما قيد بالارسال والشمول البدلي، لما كان ما أريد منه الجنس أو الحصة عندهم بمطلق، إلا أن الكلام في صدق النسبة، ولا يخفى أن المطلق بهذا المعنى لطروء القيد غير قابل، فإن ماله من الخصوصية ينافيه ويعانده، بل وهذا بخلافه بالمعنيين، فإن كلا منهما له قابل، لعدم انثلامهما بسببه أصلا، كما لا يخفى.

ص: 424

وعليه لا يستلزم التقييد تجوزا في المطلق، لامكان إرادة معنى لفظه منه، وإرادة قيده من قرينة حال أو مقال، وإنما استلزمه لو كان بذاك المعنى، نعم لو أريد من لفظه المعنى المقيد، كان مجازا مطلقا، كان التقييد بمتصل أو منفصل.

فصل:

قد ظهر لك أنه لا دلالة لمثل (رجل) إلا على الماهية المبهمة وضعا،[1 ]

__________________________

[1] أقول: يعني انّه ثبت ممّا ذكر انه لا دلالة لاسم الجنس والنكرة الواقعة عقيب الأمر إلّا الماهيّة المبهمة بحسب الوضع وان الشياع والسريان والشمول كسائر الطواري لأصل المعنى يكون خارجاً عمّا وضع له فلابدّ في الدلالة عليه وافهامه من قرينة حال أو مقال أو حكمة وثبوت قرينة الحكمة متوقف على مقدّمات أحدها كون المتكلّم في مقام بيان تمام مراده لا الاهمال بأن يكون مقصوده افادة قضيّة مهملة فعلا من دون بيان تمام ما يلزم بيانه مثل قول الطبيب للمريض لابدّ لك من شرب الدواء أو الاجمال بأن لا يدلّ لفظه على تمام المطلب ولا يتمكن المخاطب عن استفادته من عبارته كما اذا قال اسقوا هذا المريض السنا مع العلم بأنّ لشرب السناء كيفيّة خاصّة لابدّ من استفادتها عن بيان آخر.

ثانيها انتفاء ما يوجب التعيين أي عدم انصراف لفظ المطلق إلى بعض حصصه.

ثالثها انتفاء القدر المتيقّن في مقام التخاطب ولو كان المتيقن بملاحظة الخارج عن مقام التخاطب في البين فان وجود هذا المتيقن غير مؤثّر في رفع الاخلال بالغرض لو كان بصدد البيان كما هو الفرض وما هو المؤثّر في رفعه ويوجب عدم جواز التمسّك باطلاق المطلق وعدم الحكم بالاطلاق إنّما هو القدر المتيقّن في

ص: 425

وأن الشياع والسريان كسائر الطوارئ يكون خارجا عما وضع له، فلا بد في الدلالة عليه من قرينة حال أو مقال أو حكمة، وهي تتوقف على مقدمات: إحداها: كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد، لا الاهمال أو الاجمال.

ثانيتها: انتفاء ما يوجب التعيين.

ثالثتها: انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب، ولو كان المتيقن بملاحظة الخارج عن ذاك المقام في البين، فإنه غير مؤثر في رفع الاخلال بالغرض، لو كان بصدد البيان، كما هو الفرض، فإنه فيما تحققت لو لم يرد الشياع لاخل بغرضه، حيث أنه لم ينبه مع أنه بصدده، وبدونها لا يكاد يكون هناك إخلال به، حيث لم

__________________________

مقام التخاطب فانّه فيما تحقّقت المقدّمات المذكورة لو لم يرد الشياع والاطلاق لاخل المتكلّم بغرضه حيث انه لم يبينه مع انه بصدد البيان وبدون المقدّمات المذكورة لا يكاد يكون هناك اخلال به حيث لم يكن مع انتفاء المقدمة الأولى الا في مقام الاهمال أو الاجمال فكيف يحكم مع ذلك بالشياع والاطلاق وهو ليس بصدده ومع انتفاء الثانية كان البيان حاصلاً بالقرينة الموجبة للتعيين ومع انتفاء الثالثة بأن كان قدراً متيقناً في مقام التخاطب لا اخلال بالغرض لو كان المتيقّن تمام مراده فان الفرض انه بصدد بيان تمام المراد لا الاهمال أو الاجمال وقد بينه بوسيلة تيقن القدر المخصوص من المطلق في مقام التخاطب لا بصدد بيان انه تمامه أي تمام مراده اذ المناط والملاك مصداق تمام المراد لا عنوانه ومفهومه والمتيقن مصداق له على الفرض فلا حاجة إلى بيان انطباق عنوان تمام المراد عليه كي يكون بعدم بيان ذلك أخل ببيانه فافهم ولا تغفل.

ص: 426

يكن مع انتفاء الاولى، إلا في مقام الاهمال أو الاجمال، ومع انتفاء الثانية، كان البيان بالقرينة، ومع انتفاء الثالثة، لا إخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده، فإن الفرض أنه بصدد بيان تمامه، وقد بينه، لا بصدد بيان أنه تمامه، كي أخل ببيانه، فافهم.

ثم لا يخفى عليك أن المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده، مجرد بيان ذلك وإظهاره وإفهامه،[1] ولو لم يكن عن جد، بل قاعدة وقانونا، لتكون حجة فيما لم تكن حجة أقوى على خلافه، لا البيان في قاعدة قبح تاخير البيان عن وقت الحاجة، فلا يكون الظفر بالمقيد - ولو كان مخالفا - كاشفا عن عدم كون المتكلم في مقام البيان، ولذا لا ينثلم به إطلاقه وصحة التمسك به أصلا، فتأمل جيدا.

وقد انقدح بما ذكرنا أن النكرة في دلالتها على الشياع والسريان - أيضا - تحتاج فيما لا يكون هناك دلالة حال أو مقال من مقدمات الحكمة، فلا تغفل.

__________________________

[1] أقول: يعني ان توقف ثبوت الاطلاق على كون المتكلّم بصدد تمام البيان إنّما يكون على كونه بصدد اظهار مراده وافهامه بالمخاطب تماماً فعلاً لاتمام البيان واقعاً ولباً [ وإلّا يكشف ] عن فساد مقدّمات الحكمة بل يخرج المطلق عن كونه مطلقاً إلى كونه نصاً ولكان معاندة التقييد له على ما عرفت من معناه كمعاندته له على ما نسب إلى المشهور ومعلوم ان جميع المطلقات والعمومات الواردة في تشريعه كذلك لورودها في صدر الاسلام ثمّ وردت مقيّداتها ومخصّصاتها تدريجاً إلى زمن الحجّة عجّل اللَّه تعالى فرجه بل يمكن أن لا يكون للمطلق بالكسر

ص: 427

.......................................

__________________________

غرض لا بحسب الواقع ولا بحسب الوقت الفعلي الا اعطاء السامع قاعدة وقانوناً لتكون هذه القاعدة والقانون حجّة للمكلّف يعمل بها ويعذر فيها فيما اذا لم تكن حجّة اخرى أقوى منها على خلافه قد اطلع عليه كما أفاده المصنّف وإن كان احتمال كون الغرض من الاطلاق اعطاء القاعدة والقانون صرفاً ضعيفاً لقلّة الموارد التي يكون الغرض من المطلق فيها ذلك.

والحاصل ان المراد من تمام البيان الذي يكون المتكلّم بصدده المتوقّف عليه الاطلاق على ما تقتضيه المصلحة بحسب الحكم الفعلي على وجه يكون المطلق بمعناه القابل لورود التقييد عليه غرضاً للمطلق بالكسر لاعلى أن يكون المطلق بما هو نص في شمول كلّ فرد يندرج تحته غرضاً للمتكلّم لتكون نتيجة مقدمات الحكمة انعدام المطلق بالمعنى المصطلح عليه لا وجوده فهذا مرادنا بالبيان المتوقّف عليه الاطلاق لا البيان المستعمل في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة مثل البيان الذي ذكرناه في المطلق أي البيان الظاهري الفعلي عدى الوجه الآخر وهو البيان القانوني كما هو كذلك يعني انه يشمل البيان المستعمل في قاعدة تأخير البيان عن وقت الحاجة البيان الظاهري الفعلي أيضاً فهو باطل أو البيان الواقعي والظاهري سواء ولم يخرج إلّا الصورة التي ذكرناها وهو البيان القانوني ولا اشكال في عموم البيان المستعمل في القاعدة المذكورة للبيان الظاهري الفعلي كالواقعي اذ المقصود من القاعدة هو حكم العقل بقبح تأخير بيان التكليف سواء كان واقعياً أو ظاهرياً فظهر انه لا وجه لحصر المصنّف البيان الذي أخذ في المقدمة

ص: 428

بقى شئ:[1] وهو أنه لا يبعد أن يكون الاصل فيما إذا شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد، هو كونه بصدد بيانه، وذلك لما جرت عليه سيرة أهل

__________________________

الأولى بالقانوني لعدم منافات البيان في الصورة التي ذكرناها أي البيان الفعلي الظاهري للاطلاق أيضاً كما انه كونه بصدد بيان الحكم الواقعي مناف للاطلاق بل الغالب في البيان الذي يكون المطلق بالكسر بصدده البيان الفعلي الظاهري لا القانوني لأنّه نادر جداً كما لا يخفى فاذن لا يكون الظفر بالمقيّد ولو كان مخالفاً مع الاطلاق يعني ان المقيد ولو مع مخالفته مع الاطلاق لا يكون كاشفاً عن عدم كون المتكلّم في مقام البيان كي لا يجوز التمسّك بالاطلاق من غير جهة التقييد الثابت بل مع الظفر بالمقيّد الذي يخالف الاطلاق بلا مانع من التمسّك بالاطلاق من غير جهة التقييد الثابت فان الظفر بالمقيد لا ينافي مع كون المتكلم بصدد البيان الظاهري للاطلاق أو ضرب القاعدة وإنّما ينافي كونه في مقام البيان الجدي الواقعي وقد انقدح بما ذكرنا من ان دلالة اسم الجنس على الاطلاق والشمول متوقّف على ثبوت مقدّمات الحكمة ان النكرة في دلالتها على الشياع والسريان أيضاً يحتاج فيما لا يكون هناك دلالة حال أو مقال إلى مقدمات الحكمة كما مرّ في اسم الجنس.

[1] بقي شي ء يلزم أن يذكر وينبه عليه هنا وهو انه لا يبعد أن يكون الأصل فيما اذا شك في كون المتكلّم في مقام بيان تمام المراد هو كونه بصدد بيانه واستدلّ المصنّف على ذلك بما جرت عليه سيرة أهل المحاورات من التمسّك بالاطلاقات فيما اذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجه الاطلاقات إلى جهة خاصّة وكان

ص: 429

.......................................

__________________________

كونه بصدد البيان وعدمه مشكوكاً ولو لا بنائهم على كون المتكلّم في مقام البيان في تلك الصورة لما كان للتمسّك بالاطلاق وجه ولبناء العقلاء وأهل المحاورة على ذلك ترى المشهور من العلماء لا يزالون يتمسّكون بالاطلاقات مع عدم احراز كون مطلقها بالكسر بصدد البيان ويبعد أن يكون بناء المشهور على ذلك من جهة ذهابهم إلى ان اسم الجنس والنكرة موضوعة للشياع والسريان لغة لا من جهة بناء أهل المحاورة على ما ذكر وإن كان ربما ينسب ذلك إليهم ولعلّ وجه تلك النسبة إليهم تمسكهم بالاطلاقات في مورد الشك في كون المتكلّم بصدد البيان أم لا وبدون احراز كونه بصدده أم لا هذا غاية توضيح ما أفاده المصنّف في هذا المقام.

وفيه ان اثبات بناء أهل المحاورة على ما ذكر بتمسّك المشهور بالاطلاقات التي شكّ في كون المتكلّم فيها بصدد البيان أم لا لا وجه له ولا يكون تمسّك المشهور شاهداً على شي ء من ذلك وأيضاً منشأ نسبة القول بكون اسم الجنس والنكرة موضوعين للاطلاق والشمول وعدم الاحتياج إلى مقدّمات الحكمة في ثبوت الاطلاق إلى المشهور هو تمسّكهم بالاطلاق حتّى فيما علم بحسب ظاهر الحال ان المطلق في غير مقام البيان لا تمسكهم به في صورة الشكّ فقط ألا تراهم كم تمسكوا بالاطلاقات الكتابيّة الواردة في العبادات وجملة ممّا في المعاملات ممّا لا يتوهّم بتوهّم ان المتكلّم في مقام بيان تمام مراده فيه وكذا فيما ورد في السنة وهو كثير لا يخفى على المتتبع.

ص: 430

المحاورات من التمسك بالاطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها إلى جهة خاصة، ولذا ترى أن المشهور لا يزالون يتمسكون بها، مع عدم إحراز كون مطلقها بصدد البيان، وبعد كونه لاجل ذهابهم إلى أنها موضوعة للشياع والسريان، وإن كان ربما نسب ذلك اليهم، ولعل وجه النسبة ملاحظة أنه لا وجه للتمسك بها بدون الاحراز والغفلة عن وجهه، فتأمل جيدا.

ثم إنه قد انقدح بما عرفت - من توقف حمل المطلق على الاطلاق،[1] فيما لم يكن هناك قرينة حالية أو مقالية على قرينة الحكمة المتوقفة على المقدمات المذكورة - أنه لا إطلاق له فيما كان له الانصراف إلى خصوص بعض الافراد أو الاصناف، لظهوره فيه، أو كونه متيقنا منه، ولو لم يكن ظاهرا فيه بخصوصه، حسب اختلاف مراتب الانصراف، كما أنه منها ما لا يوجب ذا ولا ذاك، بل يكون بدويا زائلا بالتأمل، كما أنه منها ما يوجب الاشتراك أو النقل.

__________________________

نعم كون الأصل في المتكلّم ذلك وبناء أهل المحاورة على ذلك ممّا لا ريب فيه ولكنه غنى عن الاستدلال عليه بعمل المشهور وتمسّكهم المزبور كما لا يخفى.

[1] قال: ثمّ انّه قد انقدح ممّا عرفت من توقّف حمل المطلق على الاطلاق يعني انه قد ظهر ممّا ذكر من توقّف حمل المطلق على الاطلاق فيما لم يكن هناك قرينة حالية أو مقاليّة على كون الاطلاق مراداً على قرينة الحكمة المتوقفة على المقدمات المذكورة التي أحدها انتفاء القرينة المعينة وما يوجب التعيين في المعنى المراد من لفظ المطلق انه لا اطلاق للمطلق ولا يجوز التمسّك بالاطلاق فيما كان له الانصراف إلى خصوص بعض الأفراد أو الأصناف اما لظهور لفظ

ص: 431

لا يقال: كيف يكون ذلك[1] وقد تقدم أن التقييد لا يوجب التجوز في المطلق أصلا.

فإنه يقال: مضافا إلى أنه إنما قيل لعدم استلزامه له، لا عدم إمكانه، فإن استعمال المطلق في المقيد بمكان من الامكان، إن كثرة إرادة المقيد لدى إطلاق المطلق ولو بدال آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له مزية أنس، كما في المجاز المشهور، أو تعينا واختصاصا به، كما في المنقول بالغلبة، فافهم.

__________________________

المطلق فيه من جهة كثرة استعماله في تلك الأفراد أو الاصناف أو كونه متيقناً منه في مقام التخاطب ولو لم يكن ظاهراً فيه بخصوصه لفظاً حسب اختلاف مراتب الانصراف لكفاية الانصراف في كونه قرينة معينة لو كان المنصرف إليه هو المراد كما ان منه أي من الانصراف ما لا يوجب ذا أي تيقن المنصرف إليه ولا ذاك أي ظهور المطلق فيه بل يكون انصرافه بدوياً زائلاً بالتأمّل ولا تختل به مقدّمات الحكمة حينئذٍ كما ان من الانصراف ما يكون في القوّة بمرتبة يوجب الاشتراك ولو لم يكن غير المنصرف إليه متروكاً ومهجوراً أو النقل لو كان مهجوراً.

[1] لا يقال: كيف يكون ذلك أي كون استعمال المطلق في المقيّد موجباً للاشتراك أو النقل وقد تقدّم ان التقييد لا يوجب التجوز في المطلق أصلاً لكونه موضوعاً لنفس المعنى ودائماً يراد منه نفسه والاطلاق والتقييد إنّما يكون بدال اخر ولا يستعمل لفظ المطلق في المقيد أصلاً فقبل سبق التجوز كيف يمكن حصول الاشتراك أو النقل.

فانّه يقال: في الجواب عن ذلك: مضافاً إلى انه إنّما قيل انه لا يستلزم ذلك لا انه يستلزم عدمه وعدم الاستلزام غير استلزام العدم فعدم تحقّق التجوز إنّما هو لعدم

ص: 432

.......................................

__________________________

استلزامه لا عدم امكانه فان استعمال المطلق في المقيد بمكان من الامكان ان كثرة ارادة المقيد لدى اطلاق المطلق ولو بدال اخر ربما تبلغ بمثابة توجب له مزيد انس كما في المجاز المشهور أو تعييناً واختصاصا به كما في المنقول بالغلبة.

وحاصل ما أفاده المصنّف هو ان الذي أوجب الاشتراك أو النقل ليس استعمال المطلق في المقيد ليستلزم التجوز بل هو كثرة ارادة المقيد واقعاً في حال صدور المطلق بالدليل الدال على التقييد حق بلغ الحال إلى ان فهم المقيد من نفس لفظ المطلق فلم يزل المطلق ذا معنى حقيقي غير انه تبدل بسبب كثرة ارادة المقيد بالكسر معناه الحقيقي بمعنى حققي آخر من دون سبق تجوز.

واستشكل الشارح الكاظميني على المصنّف هنا بأن ما أفاده وإن كان في غاية الجودة والدقّة ولكن إنّما يتمّ لو كان الدال على التقييد غير الانصراف ضرورة ان الانصراف يقضي بارادة المقيّد من نفس لفظ المطلق الذي يكون ملازماً مع سبق التجوز لا من لفظ آخر كي لم يكن ملازماً له كما لا يخفى على ذي النظر الدقيق ثمّ قال في توجيه ما أفاده المصنّف من عدم استلزام كثرة استعمال المطلق في بعض الأفراد أو الاصناف بدلالة الانصراف بحيث يصير مجازاً مشهوراً في المنصرف إليه أو منقولاً لا لسبق التجوز، نعم يمكن أن يقال ان الانصراف لا يقضي إلّا أن يكون المتكلّم اذا كان بصدد بيان تمام مراده وكان الفرد المنصرف إليه المطلق هو تمام المراد أن يتكل على الانصراف ويكتفي به في ارادة ذلك الفرد فقط ولا منافات بين كونه في هذا الاستعمال حقيقة في الجميع ولكن كان تمام مراد المتكلّم الفرد المنصرف إليه فقط في هذا الاستعمال الحقيقي ضرورة ان الدلالة

ص: 433

.......................................

__________________________

لا تتبع الارادة فلا يكون تجوز في البين حتّى في هذا الحال الذي أريد من المطلق الفرد المنصرف إليه فقط بدلالة الانصراف فيمكن أن لا يكون لفظ المطلق مستعملاً في الفرد المنصرف إليه ليلزم التجوز فيما إذا كان الدال على التقييد الانصراف أيضاً.

والحاصل ان ارادة المقيد من المطلق ولو بدلالة الانصراف لا يستلزم التجوز في لفظ المطلق كي يكون ما أفاده المصنّف هنا بعد قوله ثمّ انّه قد انقدح الخ منافياً مع ما تقدم منه من ان التقييد لا يوجب تجوزاً في المطلق أصلاً(1).

أقول: من الواضح البين بحيث لا شكّ فيه ولا شبهة تعتريه ان مقصود المصنّف مما أفاده ما بينه الشارح أيضاً بل هو مؤسّس هذا التحقيق الرشيق وأشار إليه في غير مقام من ان اللفظ الذي يراد منه معنى آخر غير ما وضع له لغة مستعمل دائماً في المعنى الذي وضع له غاية الأمر بدواع شتّى وانّ المعاني التي زعم الأكثر ان اللفظ مستعمل فيها وكانت خارجة عما وضع له إنّما هي دواع الى استعماله في معناه الموضوع له وليست مستعملة فيها فكلّما كان اللفظ المطلق منصرفاً إلى بعض الأفراد والأصناف إنّما أريد منه ذلك البعض لا انّه استعمل فيه بل مستعمل في معناه الموضوع له وهو الشمول والشيوع بالنسبة إلى جميع الأفراد والحصص والعجب من الشارح انه كيف رضي بذلك التوهّم في حقّ المصنّف ودفعه بما أفاده مع انه الأصل في مثل تلك التحقيقات والافادات.

ص: 434


1- الهداية في شرح الكفاية: 499.

تنبيه

وهو أنه يمكن أن يكون للمطلق جهات عديدة،[1] كان واردا في مقام البيان

__________________________

[1] أقول: يعني انه إذا كان المتكلّم في مقام تمام البيان من جهة وفي مقام الاهمال أو الاجمال من جهة أخرى لا يجوز التمسّك بالاطلاق من جميع الجهات حتّى من الجهة التي لا يكون في مقام البيان بالنسبة إليها اذ جهات الكلام وملاحظات المتكلّم في بيانه دخيلة في كشف مراده فانّ الكاشف عن المعاني المقصودة وما في ضمير المتكلّم إنّما يكون بالكلام وجهات ايراده وملاحظاته في بياناته معاً لا الكلام فقط والسلام نعم إذا كان بين الجهتين اللتين لوحظ أحدهما عند المتكلّم دون الآخر ملازمة عقلاً أو شرعاً أو عادة وكان المتكلّم عالماً بتلك الملازمة ومتوجهاً إليها فيحمل المطلق على الاطلاق حينئذٍ من جهتين ولو لم يكن أحديهما ملحوظة مستقلاً وفي عرض الجهة الأخرى لأن الملازمة بينهما والعلم بها تؤتى لزوم البيان على المتكلّم من تلك الجهة الأخرى والتقييد من تلك الجهة فاذا لم يقيده من تلك الجهة أيضاً كالجهة الملحوظة تفصيلاً نستكشف رضاه بالاطلاق من تلك الجهة ولم ينثلم بذلك قانون عدم كفاية الورود في مقام البيان من جهة في الحمل عليه من جهة أخرى لا يكون في مقام البيان بالنسبة إليها فالاستثناء المذكور في كلام المصنّف إلّا إذا كان بينهما الخ استثناء منقطع كما لا يخفى.

ص: 435

من جهة منها، وفي مقام الاهمال أو الاجمال من أخرى، فلابد في حمله على الاطلاق بالنسبة إلى جهة من كونه بصدد البيان من تلك الجهة، ولا يكفي كونه بصدده من جهة أخرى، إلا إذا كان بينهما ملازمة عقلا أو شرعا أو عادة، كما لا يخفى.

فصل:

إذا ورد مطلق ومقيد متنافيين ، فإما يكونان مختلفين في الاثبات والنفي، وإما يكونان متوافقين، فإن كانا مختلفين مثل (أعتق رقبة) و (لا تعتق رقبة كافرة) فلا إشكال[1] في التقييد، وإن كانا متوافقين، فالمشهور فيهما الحمل والتقييد،

__________________________

[1] أقول: اذا ورد مطلق ومقيد متنافيين علم بوحدة التكليف واستظهر الوحدة اما بوحدة السبب كما اذا ورد ان ظاهرت فاعتق رقبة ثمّ ورد بعد ذلك ان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة أو علم وحدته من قرينة حال أو مقال اذ مع احتمال التعدّد في التكليف لا تنافي أصلاً بين المطلق والمقيّد ولا وجه لحمل الأوّل على الثاني فضلاً عمّا إذا قطع بالتعدّد فلا وجه له أيضاً والحاصل إذا كانا متنافيين فاما أن يكونا مختلفين في الاثبات والنفي مثل أعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة واما أن يكونا متوافقين وعلى الثاني فاما أن يكونا متوافقين في الاثبات مثل قوله اعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة واما أن يكونا متوافقين في النفي كما اذا قال لا تهن الفقير ولا تهن الفقير العادل فعلى الأوّل لا إشكال في لزوم التقييد اذ المتفاهم العرفي منه ذلك بلا شبهة وهم متبعون في فهم المرادات من البيانات وعلى الثاني فالمشهور في الصورتين أيضاً الحمل والتقييد وقد استدلّ عليه بأنّه جمع بين الدليلين

ص: 436

.......................................

__________________________

والجمع مهما أمكن أولى.

وقد أورد على ذلك بامكان الجمع على وجه آخر مثل حمل الأمر في المقيّد على الاستحباب فانّه أيضاً جمع بين الدليلين، ورد على هذا الايراد ببيان وجه ترجيح التقييد على الجمع بالوجه الذي ذكره المورد من ان التقييد ليس تصرّفاً في معنى اللفظ لأن الحصة التي هي مدلوله موجودة في المقيد وإنّما هو تصرّف في وجه من وجوه المعنى وهو نفس صفة الاطلاق اقتضاه أي اقتضى هذا الوجه تجرّده أي تجرّد المطلق عن القيد مع تخيل وروده في مقام بيان تمام المراد وبعد الاطّلاع على ما يصلح للتقييد نعلم وجوده على وجه الاجمال فلا يبقى ذلك الخيال وينكشف ان لا إطلاق فيه ويبقى أصل معناه على ما هو عليه فلم ينشأ من التقييد تغير لأمر ثابت حتّى يستلزم تصرّفاً فلا يعارض ذلك بالتصرّف في المقيّد بحمل أمره على الاستحباب لرجعته إلى التصرّف في معنى اللفظ.

قال المصنّف: وأنت خبير بأن هذا الرد مردود، وجه رده ان التقييد أيضاً كحمل الأمر على الاستحباب تصرّف في المطلق لما مرّ من ان مقتضى مقدمات الحكمة ثبوت الاطلاق بما هو اطلاق وانه يقبل ورود الطواري عليه واقعاً وان الظفر بالمقيّد لا يكون كاشفاً عن عدم ورود المطلق في مقام البيان أو عن عدم ثبوت صفة الاطلاق بل إنّما يكشف عن عدم كون الاطلاق الذي هو ظاهره بمعونة الحكمة بمراد جدي غاية الأمر انّ التصرّف فيه بذلك الوجه لا يوجب تجوزاً وهذا بمجرّده لا يوجب أن يكون مقدماً على التصرّف في الأمر وإن أوجب التصرّف في

ص: 437

.......................................

__________________________

الأمر التجوز أيضاً فكيف مع البناء على ان حمل الأمر في المقيّد على الاستحباب لا يوجب تجوزاً فيه اذ الأمر في الحقيقة مستعمل في الايجاب ولو حمل على الاستحباب فان المقيد اذا كان فيه ملاك الاستحباب كان من أفضل أفراد الواجب لا مستحباً فعلاً ضرورة ان ملاكه لا يقتضي استحبابه اذا اجتمع مع ما يقتضي وجوبه.

والحاصل ان الدوران حينئذٍ بين التصرّف في المطلق ورفع اليد عن اطلاقه الثابت بمقدمات الحكمة أو بالمقيد بحمل الأمر فيه على بيان ان هذا الفرد من الواجب أفضل من غيره ولا نرى جهة مرجحة لأحدهما على الآخر فان كلّاً منهما تصرّف وكلّاً منهما لا يستلزم التجوز وكلا منهما فيه رفع اليد عن ظاهره نعم إنّما يكون لما أورده المورد من عدم كون التقييد تصرّفاً في المطلق وجه فيما إذا كان احراز كون المطلق في مقام البيان بالأصل وهو بناء العقلاء على كون كلّ متكلّم بشي ء بصدد بيان تمام مراده ضرورة ان الظفر بالقيد حينئذٍ يوجب انكشاف عدم واقعيّة ذلك الأصل الموجب لعدم تحقّق الاطلاق رأساً إلّا بحسب الصورة وعلى هذا التقدير فقد كان من التوفيق بينهما حمله على انه سيق في مقام الاهمال على خلاف مقتضى الأصل ولم يقع تصرّف في المطلق حينئذٍ أصلاً.

أقول: لا يخفى ان ما ورد من الاعتراض على حمل المطلق على المقيّد فيما إذا كانا متوافقين وفصل المصنّف فيه تفصيلاً طويلاً وارد عليه أيضاً فيما إذا كانا مختلفين لجواز حمل النهي في قوله: لا تعتق رقبة كافرة بعد قوله: اعتق رقبة على

ص: 438

وقد استدل بأنه جمع بين الدليلين وهو أولى.

وقد أورد عليه بإمكان الجمع على وجه آخر، مثل حمل الامر في المقيد على الاستحباب.

وأورد عليه بأن التقييد ليس تصرفا في معنى اللفظ، وإنما هو تصرف في وجه من وجوه المعنى، اقتضاه تجرده عن القيد، مع تخيل وروده في مقام بيان تمام المراد، وبعد الاطلاع على ما يصلح للتقييد نعلم وجوده على وجه الاجمال، فلا إطلاق فيه حتى يستلزم تصرفا، فلا يعارض ذلك بالتصرف في المقيد، بحمل أمره على الاستحباب.

__________________________

النهي التنزيهي دون التحريمي وانه أرذل الأفراد كما جاز ذلك في قوله: اعتق رقبة مؤمنة بعد قوله: اعتق رقبة من احتمال كونه أفضل الأفراد ولكن لما كان حمل المطلق على الاطلاق بسبب الأصل لغلبة كون المتكلّم باللفظ المطلق في مقام البيان والتوفيق العرفي الظاهر بين المطلق والمقيّد حينئذٍ حمل المطلق على انه سيق في مقام الاهمال على خلاف مقتضى الأصل فلا إشكال في حمل المطلق حينئذٍ ولا فرق بين أن يكونا متوافقين أو مختلفين فيحمل المطلق على المقيّد في صورة الاختلاف أيضاً ولا يبعد أن يكون مراد من ردّ على المورد بامكان الجمع بين المطلق والمقيّد بوجه آخر غير حمل الأوّل على الثاني ما ذكره المصنّف على سبيل الاستدراك بزعمه انه من الفرض النادر مع ان غلبته ممّا لا ينكر فان من الواضع ان جل المطلقات لو يكن كلّها كتاباً أو سنّة إنّما احرز كون المطلق فيها في مقام البيان بالأصل لا غير.

ص: 439

وأنت خبير بأن التقييد أيضا يكون تصرفا في المطلق، لما عرفت من أن الظفر بالمقيد لا يكون كاشفا عن عدم ورود المطلق في مقام البيان، بل عن عدم كون الاطلاق الذي هو ظاهره بمعونة الحكمة، بمراد جدي، غاية الامر أن التصرف فيه بذلك لا يوجب التجوز فيه، مع أن حمل الامر في المقيد على الاستحباب لا يوجب تجوزا فيه، فإنه في الحقيقة مستعمل في الايجاب، فإن المقيد إذا كان فيه ملاك الاستحباب، كان من أفضل أفراد الواجب، لا مستحبا فعلا، ضرورة أن ملاكه لا يقتضي استحبابه إذا اجتمع مع ما يقتضي وجوبه.

نعم، فيما إذا كان إحراز كون المطلق في مقام البيان بالاصل، كان من التوفيق بينهما، حمله على أنه سيق في مقام الاهمال على خلاف مقتضى الاصل، فافهم.

ولعل وجه التقييد كون ظهور إطلاق الصيغة في الايجاب التعييني[1 ]

__________________________

[1] أقول: لما ابطل المصنّف الوجه الذي ذكر لحمل المطلق على المقيّد وبين فساده قال بعد ذلك انّه يحتمل أن يكون وجه التقييد وترجيحه على الوجوه الاخر للجمع بين المطلق والمقيّد وتعيينه من بينها أقوائيّة ظهور اطلاق الصيغة في الايجاب التعييني من اطلاق المطلق فان الأمر دائر بين رفع اليد عن اطلاق المطلق وتقييده بالمقيّد ورفع اليد عن الايجاب التعييني المستفاد من الأمر بالمقيّد وحمله على الايجاب التخييري بينه وبين المطلق الخالي عن القيد ومعلوم ان الأوّل أسهل والثاني أشكل فلذا أخذ بالأوّل وترك بالآخر وربما يشكل بأنّه على هذا يلزم التقييد في باب المستحبّات مع ان بناء المشهور على حمل الأمر بالمقيّد فيها على تأكّد الاستحباب وان المقيد أفضل الأفراد.

ص: 440

.......................................

__________________________

اللّهمّ إلّا أن يقال ان الغالب في باب المستحبّات تفاوت الأفراد بحسب مراتب المحبوبيّة بخلافه في غيرها فلذا تعين ذلك الحمل فيها واختير من بين جميع وجوه الجمع بين المطلق والمقيّد دون غيرها من الواجبات.

قوله: فتأمّل لعلّه اشارة إلى انه يمكن أن يقال تارة ان الطريق إلى معرفة تفاوت الأفراد في مراتب الفضل في المستحبّات معرفة ان اللازم فيها حمل الأمر بالمقيّد على كونه أشد محبوبيّة فلا يجوز الاستدلال بالتفاوت في المحبوبيّة على لزوم هذا الحمل لأنّه دورى وأخرى بأن كون الغالب تفاوت الأفراد في المحبوبيّة لا يوجب أن يكون الغالب كون مورد الأمر بالمقيّد أشد محبوبيته وثالثة بأن الغلبة المذكورة بمجرّدها لا توجب الحمل ما لم يكن ظهور الأمر بسببها في التعيين أقوى من ظهور المطلق في الاطلاق القاضي بالتخيير وهو غير مسلم.

قال الشارح الكاظميني قدس سره(1): والذي سمعناه من المصنّف في مجلس الدرس في هذه المسئلة قبل شروعه في تصنيف هذا الكتاب ان عدم حمل المطلق على المقيد في باب المستحبّات يمكن أن يكون لكونها مبنيّة على التزاحم مع عدم العلم بوحدة التكليف فيها اذ لو لم يكن كذلك لسقط أكثر المستحبّات لعدم الفائدة في تشريعها وضيق الوقت عن أقل القليل منها فلو اشغل المكلّف وقته بالتسبيح المطلق لم يكن لبعض التسبيحات المقيّدة الخاصّة وقت فلا فائدة في تشريعها فلحاظ كثرتها وظهور الدليل في ارادة العمل بها يوجب القطع بعدم وحدة التكليف

ص: 441


1- الهداية في شرح الكفاية: 502.

.......................................

__________________________

المستحب فيها ومع عدم ذلك فالعمل بالدليلين لازم ولا منافات بينهما مع الحمل على تأكّد الاستحباب بعد معرفة أصله من دليل المطلق.

ثمّ قال هذا ما سمعناه وقد عدل عنه المصنّف في هذا الكتاب ولعلّ غرضه من عبارته المذكورة في هذا الكتاب ذلك بأن يكون مراده ان غلبة تفاوت أفراد المطلق في المحبوبيّة دليل عدم وحدة التكليف فلا حمل للمطلق على المقيّد ولا يكون ذلك عدولاً عمّا قاله في مجلس درسه بل بياناً لطريق عدم العلم بوحدة التكليف أو العلم بعدمه والعبارة لا تأبى عن ذلك والوجه الآخر الذي بينه المصنّف لعدم حمل المطلق على المقيّد في المستحبّات هو انّه كان بملاحظة التسامح في أدلّتها وكان عدم رفع اليد من دليل استحباب المطلق بعد مجيي ء دليل المقيّد وحمله على تأكّد استحبابه من التسامح فيها عندهم وفي هذا الوجه ما لا يخفى اذ التسامح المعهود الجاري في أدلّة المستحبّات إنّما يكون فيما إذا كان ضعف ثبوتها من جهة ضعف سند الدليل المثبت لها واحتمال عدم صدوره من صاحب الشريعة لا فيما إذا كان من جهة تعارض الأدلّة الثابتة من حيث الصدور مع تعين طريق الجمع بينهما ولزوم حمل أحدهما على الآخر مع ان ذلك في الحقيقة تسامح في الواجبات لا المستحبّات لوجوب العمل بظاهر الأدلّة ووجوب علاجها عند التعارض فرفع اليد عن ذلك وعدم حمل المطلق على المقيّد مع انه طريق جمع عرفي بين الدليلين بلا سبب يقتضيه وان كان في المستحب تسامح غير سائغ ثمّ بعد ما علمت من مطاوي ما تقدم ان ملاك التنافي في الموافقين من المطلق

ص: 442

أقوى من ظهور المطلق في الاطلاق.

وربما يشكل بأنه يقتضي التقييد في باب المستحبات، مع أن بناء المشهور على حمل الامر بالمقيد فيها على تأكد الاستحباب، اللهم إلا أن يكون الغالب في هذا الباب هو تفاوت الافراد بحسب مراتب المحبوبية، فتأمل.

__________________________

والمقيّد مثبتين أو منفيين هو العلم بوحدة التكليف اذ مع احتمال التعدّد فضلاً عن القطع به لا تنافي أصلاً تعلم ان الظاهر بل المقطوع به انه لا يتفاوت الحال فيما ذكر بين المطلق والمقيّد المثبتين كاعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة والمنفيين كلا تعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة بعد فرض كونهما متنافيين والعلم بوحدة التكليف فيهما كما لا يتفاوتان في استظهار التنافي بينهما من استظهار اتّحاد التكليف سواء كان من وحدة السبب أو غيرها من قرينة حال أو مقال لو نصه فيهما إذا كان كذلك في الحكم الوضعي فاذا ورد مثلاً انّ البيع سبب لكذا من الأمر ثمّ ورد انّ البيع الكذائي سبب له وعلم مراده انه اما البيع على اطلاقه وبجميع أنواعه سبب او البيع الخاص المقيّد فلابدّ من التقييد لو كان ظهور دليل المقيد في دخل القيد أقوى من ظهور الاطلاق فيه كما هو ليس ببعيد ضرورة تعارف ذكر المطلق وارادة المقيّد ولو بدال آخر بخلاف العكس الذي يكون بالغاء القيد وحمله على انه غالبي أو على كون ذي القيد أقوى في السببيّة وأكمل أو على وجه آخر فانّه أي العكس على خلاف المتعارف(1).

ص: 443


1- الهداية في شرح الكفاية: 502 - 505.

أو أنه كان بملاحظة التسامح في أدلة المستحبات، وكان عدم رفع اليد من دليل استحباب المطلق بعد مجئ دليل المقيد، وحمله على تأكد استحبابه، من التسامح فيها.

ثم إن الظاهر أنه لا يتفاوت فيما ذكرنا بين المثبتين والمنفيين بعد فرض كونهما متنافيين، كما لا يتفاوتان في استظهار التنافي بينهما من استظهار اتحاد التكليف، من وحدة السبب وغيره، من قرينة حال أو مقال حسبما يقتضيه النظر، فليتدبر.

تنبيه

لا فرق فيما ذكر من الحمل في المتنافيين، بين كونهما في بيان الحكم التكليفي، وفي بيان الحكم الوضعي، فإذا ورد مثلا: إن البيع سبب، وإن البيع الكذائي سبب، وعلم أن مراده إما البيع على إطلاقه، أو البيع الخاص، فلابد من التقييد لو كان ظهور دليله في دخل القيد أقوى من ظهور دليل الاطلاق فيه، كما هو ليس ببعيد، ضرورة تعارف ذكر المطلق وإرادة المقيد - بخلاف العكس - بالغاء القيد، وحمله على أنه غالبي، أو على وجه آخر، فإنه على خلاف المتعارف.

تبصرة لا تخلو من تذكرة، وهي: إن قضية مقدمات الحكمة في المطلقات تختلف حسب اختلاف المقامات، فإنها تارة يكون حملها على العموم البدلي،[1 ]

__________________________

[1] أقول: يعني انّ مقتضى مقدّمات الحكمة الدالّة على العموم ليس على طور واحد بل يختلف باختلاف المقامات فانّه قد يكون المقام مقتضياً لحمل المطلق على العموم البدلي بأن يراد منه نوع خاص من المطلق ينافي الحكمة وكون المطلق بصدد البيان وقد يكون المقام مقتضياً لحمله على العموم الاستيعابي وقد

ص: 444

.......................................

__________________________

يكون مقتضياً لحمله على نوع خاص ممّا ينطبق عليه المطلق كما هو الحال في سائر القرائن غير مقدّمات الحكمة بلا كلام فالحكمة في اطلاق صيغة الأمر يقتضي أن يكون المراد نوعاً خاصّاً من الأمر والطلب وهو خصوص الوجوب التعييني العيني النفسي اذ ارادة غيره من التخييري في مقابل التعييني أو الكفائي في مقابل العيني أو الغيري في مقابل النفسي يحتاج إلى مزيد بيان ولا معنى لارادة الشياع فيه إلّا هذا النحو من الشياع وهو ثبوت الوجوب في المتعلّق دائماً فلا يكفي غيره كما هو حكم التخييري وبالنسبة إلى كلّ مكلّف فلا يكفي وقوعه من مكلّف واحد كما هو حكم الكفائي وبالنسبة إلى كلّ واجب عداه فلا يتوقّف وجوبه على وجوب غيره أبداً وأي شياع أحسن من هذا الشياع.

نعم الذي لا محلّ له ولا معنى هو الشياع بحسب أفراد الأمر وليس يلزم ثبوت الشياع بكلّ معنى في المطلق فكما كان الشياع الافرادي في المقام لا معنى له كذلك الشياع بهذا المعنى الذي عرفته لا معنى له فيما كان الشياع فيه أفرادياً فاذا عرفت انّ الشياع بنحو من الأنحاء لازم فلا محيص عن الحمل عليه فيما اذا كان بصدد البيان فانّ الشياع المنفي في كلام المصنّف هو الافرادي وحقيقة مقصوده ما ذكر من اقتضاء الحكمة خصوص نوع من أنواع المطلق ومعنى من معنى الشياع فيه وقد تقتضي مقدمات الحكمة ارادة العموم الاستيعابي من المطلق كما في أحلّ اللَّه البيع إذ ارادة البيع مهملاً بأن يكون الألف واللام زائدة غير مراد به واحد من المعاني الموضوع له وكان في معنى القضيّة المهملة أو مجملاً بأن كان مستعملاً في

ص: 445

.......................................

__________________________

واحد من معانيه غير معين بل مردّداً بين أن يكون هو الجنس أو الاستغراق ينافي ما هو المفروض من كونه بصدد البيان فيعلم بذلك انّه مبين والمراد منه الاستغراق ولو بمعونة القرينة الخارجيّة ومقدّمات الحكمة وليس فيه اهمال ولا اجمال وارادة العموم البدلي في آية البيع لا يناسب المقام بل لا وجه له أصلاً إذ تعليق الحلية على واحد من أفراد البيع على التبادل دليل تساوي الأفراد في وجود المقتضي لها فيها واذا تساوت في الخصوصيّة التي انتفت الصحة والحلية فتخصيص واحد بالحكم دون غيره ترجيح لا مرجح فلا وقع حينئذٍ ولا مجال لاحتمال ارادة بيع اختاره المكلّف أي بيع كان مع ان ارادة العموم البدلي تحتاج إلى نصب قرينة أخرى غير قرينة الحكمة ضرورة انه لا يكاد يفهم العموم البدلي بدونها من الاطلاق، وقرينة الحكمة لا تتكفّل بأكثر من تحقّق الاطلاق بداهة ان ارادة البعض دون الكل تحتاج إلى بيان فعدمه دليل الاستيعاب ولا يصح قياس مثل الآية المذكورة على ما اإذا أخذ المطلق في متعلّق الأمر فان العموم الاستيعابي في مثل ذلك لا يكاد يمكن ارادته واردة غير العموم البدلي كفرد معين في الواقع مبهم في الظاهر وإن كانت ممكنة الّا انّها منافية للحكمة وكون المتكلّم المطلق بصدد البيان.

والحاصل فالعموم البدلي في التركيب الأوّل غير ممكن فيتعين العموم الاستيعابي والعموم الاستيعابي في التركيب الثاني غير ممكن فيتعين المطلق فيه للعموم البدلي.

ص: 446

وأخرى على العموم الاستيعابي، وثالثة على نوع خاص مما ينطبق عليه حسب اقتضاء خصوص المقام، واختلاف الآثار والاحكام، كما هو الحال في سائر القرائن بلا كلام.

فالحكمة في إطلاق صيغة الامر تقتضي أن يكون المراد خصوص الوجوب التعييني العيني النفسي، فإن إرادة غيره تحتاج إلى مزيد بيان، ولا معنى لارادة الشياع فيه، فلا محيص عن الحمل عليه فيما إذا كان بصدد البيان، كما أنها قد تقتضي العموم الاستيعابي، كما في «أحل اللَّه البيع» إذ إرادة البيع مهملا أو مجملا، ينافي ما هو المفروض من كونه بصدد البيان، وإرادة العموم البدلي لا يناسب المقام، ولا مجال لاحتمال إرادة بيع اختاره المكلف، أي بيع كان، مع أنها تحتاج إلى نصب دلالة عليها، لا يكاد يفهم بدونها من الاطلاق، ولا يصح قياسه على ما إذا أخذ في متعلق الامر، فإن العموم الاستيعابي لا يكاد يمكن إرادته، وإرادة غير العموم البدلي وإن كانت ممكنة، إلا أنها منافية للحكمة، وكون المطلق بصدد البيان.

فصل: في المجمل والمبين

والظاهر أن المراد من المبين[1] في موارد إطلاقه، الكلام الذي له ظاهر،

__________________________

[1] أقول: يعني انّ اللفظ المجمل ما ليس له ظاهر اما ذاتاً بأن يتردّد معناه وكان المراد منه مشتبهاً بين المعاني المختلفة المتعدّدة أو عرضاً بأن يكون نفسه وبذاته دالّاً على معنى معين ولكن أتّصل به ما يسقط ظهوره في ذلك المعنى وأمّا اذا اشتبه المراد منه بسبب قرينة خارجيّة غير متّصلة به لا دخل لها بعالم اللفظ فلا يكون

ص: 447

.......................................

__________________________

مجملاً لظهوره في معناه مع قطع النظر عن تلك القرينة الخارجيّة التي صارت سبباً للاشتباه والتردّد فيكون مبيّناً في حكم المجمل، والمبين بخلافه فانّه ما له ظاهر اما ذاتاً بأن يتعين معناه والمراد منه أو عرضاً بأن يكون بنفسه غير دال على معنى معين ولكن اتّصل به ما يوجب ظهوره في معناه المراد منه واما اذا تعين المراد منه بسبب قرينة خارجيّة لا دخل لها بعالم اللفظ بعد كونه بنفسه مما ليس له ظاهر فمجمل في حكم المبين، ولكلّ منها في الآيات والروايات وإن كان أفراداً كثيرة الا ان لهما أفراداً مشتبهة أيضاً وقعت محلاً للبحث والكلام في انها من أفراد أيهما كاية السرقة بالنسبة إلى القطع المعلّق على الأيدي ومثل « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ »(1) و« أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ »(2) ممّا أضيف حكم التحريم والتحليل فيه إلى الأعيان ومثل « لا صلوة إلّا بطهور »(3) وما أشبه هذا التركيب ممّا تضمن نفي الحقيقة وحيث ان المعنى في الأولين يظهر من الروايات فلا فائدة في البحث فيهما.

وأمّا الثالث فقد وقع البحث فيه في مقامات عديدة في الفقه والأصول في انّ المراد منه نفي الحقيقة أو نفي الصحّة فان الاعميين يقولون بأنّ المراد منه نفي الصحّة والصحيحين يقولون بأنّ المراد منه نفي الحقيقة ولا ينبغي التعرّض لتحقيق

ص: 448


1- النساء: 22.
2- المائدة: 1.
3- من لا يحضره الفقيه: 1/58، ح 129.

ويكون بحسب متفاهم العرف قالبا لخصوص معنى، والمجمل بخلافه، فما ليس له ظهور مجمل وإن علم بقرينة خارجية ما أريد منه، كما أن ماله الظهور مبين وإن علم بالقرينة الخارجية أنه ما أريد ظهوره وأنه مؤول، ولكل منهما في الآيات والروايات، وإن كان أفراد كثيرة لا تكاد تخفى، إلا أن لهما أفراداً مشتبهة وقعت محل البحث والكلام للاعلام، في أنها من أفراد أيهما؟ ك آية السرقة، ومثل «حرمت عليكم أمهاتكم» و«أحلت لكم بهيمة الانعام» مما أضيف التحليل إلى الاعيان ومثل (لا صلاة إلا بطهور).

ولا يذهب عليك أن إثبات الاجمال أو البيان لا يكاد يكون بالبرهان، لما عرفت من أن ملاكهما أن يكون للكلام ظهور، ويكون قالبا لمعنى، وهو مما يظهر بمراجعة الوجدان، فتأمل.

ثم لا يخفى أنهما وصفان إضافيان،[1] ربما يكون مجملاً عند واحد لعدم معرفته بالوضع أو لتصادم ظهوره بما حف به لديه، ومبيناً لدى الآخر لمعرفته وعدم التصادم بنظره فلا يهمنا التعرّض لموارد الخلاف والكلام، والنقض والابرام في المقام وعلى اللَّه التوكّل وبه الاعتصام.

__________________________

مثل ذلك في هذا المقام « هر سخن جائى وهر نكته مكانى دارد ».

وبالجملة لا يمكن اثبات الاجمال أو البيان بالبرهان اذ ملاكهما أن يكون للكلام ظهور أو لا يكون له ظهور وهذا لا يتعين إلّا بمراجعة الوجدان فان في تميز مصاديق أحدهما عن الآخر يكفي الوجدان السليم والذوق المستقيم.

[1] أقول: يعني انّ الاجمال والبيان يختلف باختلاف الأشخاص فيمكن أن

ص: 449

.......................................

__________________________

يكون كلاماً واحداً مجملاً عند شخص ومبنياً عند آخر وذلك لاختلاف الأشخاص في العلم بأوضاع الألفاظ وظهور القرائن عندهم وعدمهما فان من يكون عالماً باللغة يكون الكلام عنده مبيّناً ومن يكون جاهلاً بها أو ظهور اللفظ متصادما عنده بما حفّ به لديه من القرائن يكون اللفظ عنده مجملاً لا يقال هذا من المصنّف مناف لما ذكره انفاً من تعريف المجمل والمبين بما له ظاهر وما ليس له ظاهر فان هذا أمر واقعي مضبوط لا يختلف باختلاف الأشخاص في العلم والجهل باللغة.

أقول: ما ذكره هنا من اضافيّة الوصفين راجع إلى المجمل والمبين العرضي لا الذاتي وقد أشرنا إلى انّه قد يكون الاجمال والبيان عرضيّاً لا ذاتيّاً وان أهمله المصنّف ولم يذكره صريحاً في أوّل البحث فيمكن أن يكون ذلك للاكتفاء بالاشارة إليه في هذا البيان ولكنّه يرد عليه انّه لا وجه لتمثيله للمجمل العرضي بما اذا لم يكن واحد عارفاً بالوضع والمبين بما اذا كان آخر عارفاً به فان الاجمال والبيان إنّما هو في الدلالة التصديقيّة لا التصوريّة لأنّ الكلام الذي له معنى عند أهل التخاطب به لا يطلق عليه المجمل وإن كان لا يعرفه الجاهل واصطلاحات أهل المعقول والمنقول ليست بمجملة وان لم يعرفها وكذا الكلام العربي لا يكون مجملاً وإن لم يعرفه غير أهل لسانه.

والحاصل انّ التقسيم بعد لحاظ العلم باللغات فالتعليل لثبوت الاجمال والبيان بالمعرفة والوضع وعدم معرفتها عليل وممّا ذكر يعلم انّه لا وجه للاشكال عليه بأنّه لا وجه لاعتبار الاجمال والبيان في الكلام فقط لأنّه يخرج حينئذٍ مجملات

ص: 450

.......................................

__________________________

المفردات وكذا الأفعال والخطوط والاشارات ونحوها.

قال في المعالم بعد تعريف المجمل بما لم يتّضح دلالته ويكون فعلاً ولفظاً مفرداً ومركباً ومثل للمفرد بالمشترك وللمركّب بقوله تعالى: « أوْ يَعفوَ الذي بِيَدهِ عُقْدَةُ النكاح(1) » اذ بعد ما عرفت انّهما في الدلالة التصديقيّة فلابدّ أن يكون المفردات المجملة واقعة في حيز الكلام والافذات المفردات لا ارادة يتعلق بها فمع وقوعها كذلك يكون الكلام متّصفاً بالاجمال لا المفرد لأنّ الاجمال الواقع فيه أعم من أن يكون بحسب الموضوع أو المحمول أو النسبة أو ما يتعلّق بهما وأمّا الأفعال وان ذكره بعضهم في المجملات في هذا المبحث وعمموا المحل بحيث يشملها الا انهم في مقام تقسيم اللفظ خصّوا المجمل به قالوا اللفظ إن لم يحتمل غير ما يفهم منه لغة فنص وإلّا فالراجح ظاهر والمرجوح مأوّل والمتساوي مجمل فالمجمل بحسب الاصطلاح لا يطلق على الأفعال.

والحاصل ان الفعل ليس له دلالة وضعية على شي ء أصلاً نعم له دلالة عقليّة اذا صدر عن المعصوم على الوجوب أو الندب اذ لا يصدر منه غيرهما والدلالة العقليّة لا تقسم بالمجمل والمبين وكذا الكتابة والاشارة لا يطلق عليهما المجمل في الاصطلاح خصوصاً مع عدمهما في كلمات المعصومين والمقصود من مثل هذا البحث عن مدارك الأحكام التي صدرت عن المعصومين عليهم السلام.

ص: 451


1- البقرة: 237.

.......................................

__________________________

وقد تمّ تسويد الكتاب بيد مؤلّفه العبد المعيب الذي لا يقبله المشتري ابن المرحوم محمّد تقي محمّد مهدي الموسوي الجزائري الشوشتري في يوم الأحد السابع عشر من شهر محرّم الحرام من شهور سنة الثانية والستّين والثلاث مأة بعد الألف من الهجرة النبويّة على مهاجرها آلاف الثناء والتحيّة.

والحمد للَّه أوّلاً وآخراً وهو حسبي ونعم الوكيل ولا حول ولا قوّة إلّا به.

تمّ الجزء الثاني بحمد اللَّه

ص: 452

مصادر الکتاب

القرآن الکریم

1- اعلام الدين فى صفات المؤمنين: الديلمي، حسن بن محمد، ( المتوفى 841ق )، 1 مجلّد، الناشر والمصحح: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى، 1408ق.

2 - الأنوار النعمانيّة: الجزائري، السيّد نعمة اللَّه بن عبداللَّه، (المتوفى 1112ق)، 4 مجلّد، دار القارى، بيروت، الأولى، 1429ق.

3 - الأمالي: الصدوق، محمد بن على بن بابويه، ( المتوفى 381ق )، كتابچى، طهران، السادسة، 1376ش.

4 - الأمالي: الطوسي، محمد بن الحسن طوسى، ( المتوفى 460ق )، 1 مجلّد، دار الثقافه، قم، الأولى، 1414ق.

5- ايضاح الفوائد: الحلّي، فخرالدين أبو طالب محمّد بن حسن بن يوسف، (المتوفى 771ق)، إسماعيليان، قم، الأولى، 1387ق.

6- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار: المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقى، ( المتوفى 1110ق )، 111 مجلّد، دار احياء التراث العربي، الثانية، 1403ق.

ص: 453

7- البرهان فى تفسير القرآن: البحراني، سيد هاشم بن سليمان، ( المتوفى 1107ق )، 5 مجلّد، مصحح: قسم الدراسات الاسلامية لمؤسسة البعثة، مؤسسة البعثة، قم، الأولى، 1374 ش.

8- بصائر الدرجات في فضائل آل محمدعليهم السلام: الصفار، محمد بن حسن، (المتوفى 290ق)، مصحح: كوچه باغي، محسن بن عباسعلي، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي، قم، الثانية، 1404ق.

9- تهذيب الأحكام: الطوسي، محمد بن الحسن، ( المتوفى 460ق )، 10 مجلّد، مصحح: الموسوى خرسان، حسن، دار الكتب الاسلامية، تهران، الرابعة، 1407ق.

10- درر الفوائد: حائري يزدي، عبدالكريم، (المتوفى 1355ق)، المطبعة مهر، قم.

11- دعائم الاسلام وذكر الحلال والحرام: ابن حيوان، نعمان بن محمد مغربى، ( المتوفى 363ق )، 2 مجلّد، مصحح: الفيضي، آصف، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الثانية، 1385ق.

12- زهر الربيع: الجزائرى، السيّد نعمة اللَّه بن عبداللَّه، (المتوفى 1112ق)، 1 مجلّد، مؤسسة العالميّة للتجليد، بيروت، الأولى، 1421ق.

13- سفينة البحار: قمى، عبّاس (المتوفى 1359ق)، 8 مجلّد، اسوه، قم.

14- شرح الرضي على الكافية: الاسترآبادي، نجم الدين رضي الدين محمّد بن الحسن، (687ق)، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام.

15- شوارق الالهام في شرح تجريد الكلام: فياض لاهيجي، عبدالرزاق بن علي، (المتوفى 1072ق)، محقّق: اسد عليزاده، اكبر، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام، قم، الأولى، 1425ق.

ص: 454

16- عوالى اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية: ابن ابي جمهور، محمد بن زين الدين، 4 مجلّد، مصحح: العراقي، مجتبى، دار سيد الشهداء للنشر، قم، الأولى، 1405ق.

17- عيون اخبار الرضا عليه السلام: ابن بابويه، محمّد بن علي، ( المتوفى 381ق )، مصحّح: اللاجوردي، مهدي، 2 مجلّد، جهان، طهران، الأولى، 1378ق.

18- الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة: حائري اصفهاني، محمّد حسين بن عبدالرحيم، (المتوفى: 1254ق)، دار إحياء العلوم الإسلاميّة.

19- قرب الاسناد: الحميري، عبداللَّه بن جعفر، النصف الثاني من القرن الثالث )، المصحح والناشر: مؤسسه آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى، 1413ق.

20- القوانين المحكمة في الأصول: قمي، ابوالقاسم بن محمد حسن، (المتوفى 1231ق)، احياء الكتب الإسلاميّة، قم.

21- الكافى: الكليني، محمد بن يعقوب بن اسحاق، ( المتوفى 329ق )، مصحح: الغفاري، على اكبر والآخوندي، محمد، 8 مجلّد، دار الكتب الاسلاميّة، طهران، الرابعة، 1407ق.

22- كفاية الأُصول (مع حواشي مشكيني): مشكيني اردبيلي، ابو الحسن، (المتوفى 1358ق) 5مجلّد، لقمان، قم.

23- المحاسن: البرقي، احمد بن محمد بن خالد، ( المتوفى 274ق أو 280ق )، 2 مجلّد، مصحح: المحدث جلال الدين، دار الكتب الاسلامية، قم، الثانية، 1371ق.

24- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل: النوري، حسين بن محمد تقي، ( المتوفى 1320ق )، 28 مجلّد، المصحح والناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم، الأولى، 1408ق.

ص: 455

25- مطارح الأنظار (طبع جديد): انصاري، مرتضى، المقرّر، كلانترى، ابوالقاسم، (المتوفى 1281ق)، مجمع الفكر الإسلامي.

26- مطارح الأنظار (طبع قديم): انصاري، مرتضى، المقرّر، كلانترى، ابوالقاسم، (المتوفى 1281ق)، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم.

27- معالم الدين وملاذ المجتهدين: ابن شهيد ثاني، حسن بن زين الدين، (المتوفى 1011ق)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المقدّسة.

28- من لا يحضره الفقيه: ابن بابويه، محمّد بن علي، ( المتوفى 381ق )، مصحّح: الغفاري، علي اكبر، 4 مجلّد، مؤسسة النشر الإسلامي، الثانية، قم 1413ق.

29- نهاية الأفكار: من افادات الشيخ الآغا ضياء الدين العراقي، (المتوفى 1361ق)، تأليف البروجردي النجفي، محمّد تقي، (المتوفى 1391ق)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المقدّسة، قم، الرابعة، 1422ق.

30- نهج البلاغة (فيض الإسلام): فيض الاسلام، سيد علينقى، انتشارات فيض الاسلام، مكرر، چاپخانه احمدى.

31- وسائل الشيعة: الحرّ العاملي، محمد بن حسن، ( المتوفى 1104ق )، المصحح والناشر: مؤسسه آل البيت عليهم السلام، 30 مجلّد، الأولى، 1409ق.

32- هداية الأمّة إلى أحكام الأئمّة: الحر العاملي، محمد بن حسن، (المتوفى 1104ق)، 8مجلّد، آستانة الرضوية المقدّسة، مشهد، الأولى، 1414ق.

33- الهداية في شرح الكفاية: تستري كاظميني، عبدالحسين بن محمّد تقي، (المتوفى: 1336ق)، مطبعة الآداب، بغداد، الأولى، 1330ش.

ص: 456

المحتویات

تصویر

ص: 457

تصویر

ص: 458

تصویر

ص: 459

تصویر

ص: 460

تصویر

ص: 461

تصویر

ص: 462

تصویر

ص: 463

تصویر

ص: 464

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.