کتاب القضاء و الشهادات المجلد 2

اشارة

سرشناسه:شفتی بیدآبادی ، محمد باقر بن محمد نقی

عنوان و نام پديدآور:کتاب القضاء و الشهادات / نویسنده سید محمد باقر شفتی / تحقيق السيّد مهدي الشفتيّ

وضعیت استنساخ:شفتی بیدآبادی ، محمد باقر بن محمد نقی

مشخصات ظاهري:2ج

موضوع :فقه

ص: 1

اشارة

ص: 2

كتابُ الشهادات

اشارة

ص: 3

ص: 4

حدّ الشهادة لغةً و شرعًا

الشهادة و هي مصدر : شهد يشهد، كزهادة مصدر : زهد يزهد ؛ قيل :

هي لغةً إمّا من « شهد » بمعنى : حضر ؛ و منه قوله - تعالى - : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (1) ، أي : حضر ؛ أو من « شهد » بمعنى : علم ؛

وعلى ذلک سمّي تعالى شهيدًا، أي : عليمًا (2) .

و قيل :

هي الإخبار عن اليقين (3) ؛ و شرعًا : إخبار جازم عن حقّ لازم لغيره، واقع من غير حاكم (4) .

و خرج بقوله : « جازم » إخبار الظانّ .

و بقوله : « عن حقّ لازم » إخبار الجازم عن غير حقّ لازم، كما إذا أخبر مخبر جازم أنّ فلانًا مات، أو قال كذا، أو ورد في البلد .

ص: 5


1- . البقرة : 185 .
2- . التنقيح الرائع : 4 / 283 .
3- . انظر الصحاح : 2 / 494 ، مادّة : ( ش ه د ).
4- . مسالک الأفهام : 14 /153 .

و بقوله : « لغيره » دعوى المدّعي، كما إذا ادّعى زيد على عمرو أنّ له عليه حقًّا، فإنّه يصدق عليه أنّه إخبار جازم عن حقّ لازم واقع من غير حاكم، لكن ليس لغيره ؛ و كثير من إخبار الله - تعالى - فإنّ إخباره - سبحانه - و إن كان إخبار جازم عن حقّ لازم، لكن ليس لغيره، كالإخبار بالصلاة و الصوم و الحجّ و غيرها من التكاليف الواجبة، فإنّ إخباره - تعالى - بكلّ واحد منها إخبار جازم في حقّ لازم له - تعالى - لا لغيره .

و بقوله : « واقع من غير حاكم » بعض إخبار الله - تعالى - عن حقّ لازم للغير، كإخباره - سبحانه - بالخمس و الزكاة و مثلهما ؛ و إخبار الرسول و الأئمّة (علیهم السلام) ، فإنّ إخبارهم (علیهم السلام)و إن كان إخبار جازم عن حقّ لازم لغيرهم، لكنّه واقع من حاكم، فالإخبار في جميع هذه المواضع لا يسمّى بشهادة .

إن قلت : قوله - سبحانه - : ( شَهِدَ آللهُ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ أَنَّهُ لا إلهَ إلاّ هُوَ ) (1) ينافي ذلک، لأنّه لا يصدق عليه الحدّ المذكور بالنسبة إلى الله - سبحانه - مثلاً مع أنّه - تعالى - نسب الشهادة إليه .

قلت : الحدّ المذكور ليس لمطلق الشهادة، بل للشهادة الاصطلاحيّ ، و كلامه -تعالى - في الآية محمولٌ على الشهادة اللغويّ، و قد عرفت أنّها لغةً : الإخبار عن اليقين على أحد معانيها، و هو متحقّق في الآية .

ص: 6


1- . الآية هكذا : ( شَهِدَ آللهُ أنَّهُ لاَ إلهَ إلاّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إلهَ إلاّ هُوَ الْعَزيزُالْحَكيمُ ) ؛ آل عمران : 18 .

و الفرق بين المعنيين هو : أنّ المعنى اللغويّ أعمّ، فبينهما عمومٌ مطلق، لأنّ كلّ شهادة اصطلاحيّ فهو شهادة لغويّ، و بعض الشهادة اللغويّ ليس بشهادة اصطلاحيّ.

حدّ الشهادة ليس بجامع و لا مانع

لكن يرد في الحدّ شيئان عكسًا و طردًا، و الأوّل هو : أنّه إذا أخبر حاكم حاكمًا عن حقّ لازم لغيره، الظاهر أنّه شهادة حقيقة، مع أنّ صريح الحدّ أنّه ليس كذلک .

و الثاني هو : أنّ الحدّ المذكور يصدق على الإقرار أيضًا في بعض المواضع، فإنّ من أقرّ لواحد بأنّ له عليه كذا يصدق عليه أنّه إخبار جازم عن حقّ لازم لغيره، مع أنّه لا يسمّى بالشهادة اصطلاحًا، بل هو إقرار على نفسه للغير بحقّ لازم .

و أيضًا أنّ عدم كون إخبار الأئمّة عن حقّ لازم لغيره شهادة غير مسلّم، بل الظاهر أنّه شهادة أيضًا .

و قد مرّ في كتاب القضاء (1) أنّ مولانا الأمير لمّا طلب بالبيّنة عند ادّعائه درع طلحة أقام الحسن (علیه السلام)، فشهد بما ادّعاه - و قد مرّ الحديث - و من جملة كلامه (علیه السلام) في ذيل ذلک الحديث مخاطبًا على شريح : « أتيتک بالحسن فشهد، فقلت : هذا واحد و لا أقضي بشهادة واحد حتّى يكون معه آخر، و قد قضى رسول الله (صلی الله علیه واله)

ص: 7


1- . لاحظ : المسألة 25 .

بشاهد واحد و يمين »، الحديث (1) .

فلو قيل في حدّها : إنّها إخبار مخلوق جازم عن حقّ لازم على غيره لغيره، سلم من جميع ما ذكر .

ثمّ اعلم : أنّ الآيات و الأخبار في الشهادة و أحكامها مستفيضة، قال الله -تعالى - : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) (2) ( و لا تكتموا الشهادة ) (3) (و كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ) (4) ، و غيرها .

بيان

السين في قوله - تعالى - : ( واستشهدوا ) للطلب، أي : أطلبوا شهيدين .

الفرق بين الشاهد و الشهيد

قيل : الفرق بين الشاهد و الشهيد أنَّ الأوَّل بمعنى الحدوث، و الثاني بمعنى الثبوت، فإنّه إذا تحمّل الشهادة فهو شاهد باعتبار حدوث تحمّله ؛ و إذا ثبت تحمّله لها زمانين أو أكثر فهو شهيد .

ص: 8


1- . الكافي : 7 / 385 ح 5 ؛ الفقيه : 3 / 109 ح 3428 ؛ الاستبصار : 3 / 34 ح 117 ؛ التهذيب : 6/273 ح747 ؛ الوسائل : 27 / 266 ح 33737 .
2- . البقرة : 282 .
3- . البقرة : 283.
4- . النساء : 135 .

ثمّ يطلق الشاهد عليه مجازًا، تسميةً للشيء بما كان عليه ؛ و سيجيء في تضاعيف المباحث إلى النصوص الإشارة بتوفيق الله سبحانه .

يشترط البلوغ في سماع الشهادة

1- مسألة

اشارة

يشترط في الشاهد البلوغ، فلا تسمع شهادة الصبيّ و إن كان مميّزًا، للأصل ؛ تقريره هو : أنّ الحكم على شخص بحقّ لآخر خلاف الأصل، لأصالة البراءة، وأيضًا تسليط شخص على آخر عقوبة، و الأصل براءة الذمّة عنها و عدم جواز تسليط واحد على آخر، فلا يتجرّي في إثبات ذلک بشهادة غير البالغ، اقتصارًا فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن، و هو الشاهد البالغ .

و لقوله - تعالى - : ( وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ) (1) ؛ و الظاهر أنّ لفظ «الرجال » حقيقة في غير الصبيّ، و لا يطلق على الصبيّ إلّا مجازًا، و قضيّة الأصل في الاستعمال الحقيقة ؛ و عدم جواز استعمال اللفظ في استعمال واحد في المعنى الحقيقىّ و المجازيّ تعيّن حمل لفظ « الرجال » في الآية على غير الصبيّ .

إن قلت : إنّ ما ذكرت مسلّم، لكن غاية ما يستفاد من الآية سماع شهادة الرجال، و هو لا يدلّ على عدم جواز شهادة الصبيان، لأنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه .

ص: 9


1- . البقرة : 282 .

قلت : قد علّق الأمر بالاستشهاد في الآية على الرجال، فلا يكتفى بشهادة غيرهم، لأنّ الأمر حقيقة في الوجوب، و حمله على التخييريّ مجاز، لا يصار إليه إلّا بدليل، و هو هنا منتف .

هذا مع أنّ في الآية قرينةٌ على عدم جواز حمل الأمر فيها على الوجوب التخييريّ، لأنّه لو كان الاستشهاد بالتخيير بين الرجال و الصبيان لكان عند عدم التمكّن من الرجال الاستشهاد من الصبيان متعيّنًا إذا تمكّن منهم و مقدّمًا ذلک على الاستشهاد بالرجل و المرأتين، لأنّ الاستشهاد من الصبيان مساوٍ للاستشهاد من الرجال كما هو المفروض ؛ و الاستشهاد من الرجال مقدّم على الاستشهاد بالرجل والمرأتين، فيجب أن يكون مساويه أيضًا مقدّمًا، و إلّا لم يكن مساويًا له .

مع أنّه -تعالى - قال : ( وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَينِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَرَجُلٌ وَامْرَأتَانِ ) (1) ، و هو أعمّ من التمكّن من الاستشهاد من الصبيان أم لا، فيعلم منه أنّ الأمر فيها محمولٌ على حقيقته من الوجوب العينيّ، على أنّ حمل اللفظ على الحقيقة غير محتاج إلى القرينة .

فعلى هذا نقول : إنّ الأمر في الآية محمولٌ على الوجوب العينيّ، فلا يجوز الاكتفاء بشهادة الصبيان، إذ لو جاز ذلک لذكره - سبحانه - كما ذكره - تعالى - الرجل والمرأتين، حيث قال - تعالى - : ( فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَرَجُلٌ وَامْرَأتانِ ) (2) ، فلايجوز الاكتفاء بشهادتهم لا مخيّرًا و لا مرتّبًا كما عرفت، و هو المطلوب .

ص: 10


1- . البقرة : 282 ؛ والآية هكذا : ( و استشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ).
2- . البقرة : 282 ؛ والآية هكذا : ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ).

و يدلّ عليه أيضًا قول مولانا الصادق (عليه السلام) : لا يجوز شهادة الغلام قبل أن يحتلم (1) .

و لأنّه لا يقبل قول الصبيّ على نفسه، فعلى غيره بطريق أولى ؛ و لما سيجيء من اشتراط العدالة في الشاهد، و معلوم انتفائها في الصبيّ ؛ و لأنّ الصبيّ مأمونٌ من المؤاخذة، فلا يحترز من الكذب، فلا يسمع شهادته .

و لا يخفى أنّ ما ذكرناه من الأدلّة عامٌّ شاملٌ للمميّز و غيره و مَن بلغ عشر سنين و غيره .

مضافًا إلى ما استفاض نقل الإجماع منهم على عدم قبول شهادة غير المميّز من الصبيّ.

و ممّن نقل الإجماع على ذلک هو فخر الدين في الإيضاح، حيث قال :

الصبيّ إمّا أن لا يكون مميّزًا، أو يكون ؛ و الأوّل لا تقبل شهادته إجماعًا(2) .

و نقل في المسالک (3) عن جماعة - منهم : الشيخ فخر الدين - الاتّفاق على عدم قبول شهادة مَن دون العشر، لكنّه في الإيضاح ادّعى الإجماع على عدم قبول شهادته في غير القصاص و القتل و الجراح، حيث قال :

ص: 11


1- . دعائم الإسلام : 2 / 510 ح 1827 .
2- . إيضاح الفوائد : 4 / 417 .
3- . المسالک : 14 / 154 .

و الثاني - أي : الصبيّ المميّز - إمّا أن لا يكون قد بلغ عشر سنين، أو يكون قد بلغ، و الأوّل لا تقبل شهادته في غير القصاص والقتل والجراح إجماعًا ؛ و أمّا في الجراح و الشِجَاج (1) ، فقيل : لا تقبل، و هو الظاهر من كلام الشيخ في النهاية، و قال في الخلاف : تقبل، و هو اختيار ابن الجنيد، إنتهى (2) .

و هو كما ترى صريحٌ في وقوع الخلاف .

و بالجملة : عدم سماع شهادة الصبيان لا إشكال فيه، إلّا في الشِجَاج و الجراح، فتقبل شهادتهم فيهما، كما في الانتصار و عن المقنعة والمراسم والغنية والجامع (3) ؛ و في الأوّل و عن الرابع : عليه الإجماع، حيث قال في الأوّل :

و ممّا يظنّ انفراد الإماميّة به و لها فيه موافق : القول بقبول شهادة الصبيان في الشِجَاج و الجراح إذا كانوا يعقلون بما (4) يشهدون به ويؤخذ بأوّل كلامهم و لا يؤخذ بآخره .

و قد وافق الإماميّة في ذلک عبد الله بن الزبير و عروة بن الزبير و عمر بن عبد العزيز و ابن أبي ليلى و الزهري و مالک و أبو الزياد (5) ، و خالف

ص: 12


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : « شجاج : شكستها كه در سر باشد ؛ كنز ».
2- . إيضاح الفوائد : 4 / 417 .
3- . المقنعة : 727 ؛ الانتصار : 505 و 506 ؛ المراسم : 233 ؛ الغنية : 440 ؛ الجامع للشرائع : 540 .
4- . في المصدر : ما .
5- . في المصدر : الزناد . انظر المحلّى : 9 / 420 ؛ والمجموع : 20 / 251 ؛ والمبسوط، للسرخسي : 16 /136 ؛ و أحكام القرآن، للجصّاص : 1 / 496 ؛ و فتح الباري : 5 / 277 .

باقي الفقهاء في ذلک و لم يجيزوا شهادة الصبيان في شيء (1) .

و المعتمد في هذه المسألة على إطباق الطائفة، و هو مشهور من مذهب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، و قد روى ذلک عنه الخاصّ والعامّ و الشيعيّ و غير الشيعيّ، و هو موجود في كتب مخالفينا .

و رووا كلّهم : أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قضى في ستّة (2) وقعوا في الماء وغرق (3) أحدهم، فشهد ثلاثة غلمان على غلامين أنّهما غرّقا الغلام وشهد الغلامان على الثلاثة أنّهم غرّقوه، فقضى (عليه السلام) بدِيَةِ الغلام أخماسًا على الغلامين ثلاثة أخماس الدية لشهادة الثلاثة عليهما و على الثلاثة بخمسي الدية لشهادة الغلامين عليهم (4) .

و ليس لأحد أن يقول : لو قبلت شهادة الصبيان في بعض الأمور لقبلت في جميعها كسائر العدول .

قلنا : غير ممتنع أن توجب المصلحة قبول شهادة الصبيان في موضع دون موضع كما أنّها أوجبت قبول شهادة النساء في بعض المواضع دون بعض، و لم يلزم أن تكون النساء في كلّ المواضع مقبولات الشهادة (5)

ص: 13


1- . انظر المدوّنة الكبرى : 5 / 154 .
2- . في المصدر : ستّة غلمان .
3- . في المصدر : فغرق .
4- . الكافي : 7 / 284 ح 6 ؛ الفقيه : 4 / 116 ح 5233 ؛ التهذيب : 10 / 239 ح 953 ؛ الوسائل : 29 / 235ح 35528 .
5- . في المصدر : الشهادات .

من حيث قبلت شهادتهنّ في بعضها ؛ إنتهى كلامه - أعلى الله مقامه (1) . و قد ذكرناه مع طوله لما اشتمله من الفوائد الّتي سيجيء إلى بعضها الإشارة . و عن الخلاف (2) الإجماع على قبول شهادة الصبيان في الجراح فقط، يحتمل أن يكون مراده بالجراح ما يعمّ الشِجَاج، لأنّ الشِجَاج جمع : شَجَّة، و هي جرح في الرأس، قال في المجمع :

والشَجُّ و هو في الرأس خاصّة، و هو أن يَضرِبه بشيء فَيَجْرَحَه ويَشُقّه (3) .

و عن النهاية و الوسيلة و السرائر قبول شهادتهم في الشِجَاج و القِصاص (4) .

و الفرق بين هذا و ما مرّ من المقنعة و الانتصار و المراسم و الغنية و الجامع (5) هو: أنّ القصاص يعمّ القتل و الجراحة، بخلاف الجراح، لكن قد عرفت من الانتصار حيث عنون المسألة بقبول شهادتهم في الشجاج و الجراح .

ثمّ استدلّ عليه بالنصّ المنقول عن مولانا الأمير (عليه السلام) في قبوله (عليه السلام) شهادتهم في القتل، فيعلم منه عموم الشجاج أو الجراح للقتل أيضًا، و كذا حكي عن الغنية ؛ وعلى هذا يتّحد المراد .

ص: 14


1- . الانتصار : 505 .
2- . الخلاف : 6 / 269 .
3- . مجمع البحرين : 2 / 312 ؛ و مثله في تاج العروس : 3 / 410 .
4- . النهاية : 331 ؛ الوسيلة : 458 ؛ السرائر : 2 / 36 .
5- . المقنعة : 727 ؛ الانتصار : 505 و 506 ؛ المراسم : 233 ؛ الغنية : 440 ؛ الجامع للشرائع : 540 .

المستند في المسألة

اشارة

ثمّ إنّ المستند في المسألة مضافًا إلى ما مرّ من الإجماعات المنقولة وجوه :

الوجه الأوّل

منها : ما نقل عن الخلاف من إجماع الصحابة على ذلک، حيث قال :

روى ابن أبي مليكة عن ابن عبّاس أنّه قال : لا تقبل شهادة الصبيان في الجراح، فخالفه ابن الزبير، فصار الناس إلى قول ابن الزبير، فثبت أنّهم أجمعوا على قوله و تركوا قول ابن عبّاس (1) .

الوجه الثاني

و منها : حسنة جميل عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سأله : تجوز شهادة الصبيان ؟ قال : نعم في القتل يؤخذ بأوّل كلامه و لا يؤخذ بالثاني منه (2) .

الوجه الثالث

و منها : رواية محمّد بن حُمْرَان عنه (عليه السلام) قال : سألته عن شهادة الصبيّ ؟ قال :

ص: 15


1- . الخلاف : 6 / 270 ؛ نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 269 .
2- . الكافي : 7 / 389 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 251 ح 645 ؛ الوسائل : 27 / 343 ح 33888 .

فقال : لا، إلّا في القتل، يؤخذ بأوّل كلامه و لا يؤخذ بالثاني (1) .

قال في المسالک بعد ذكر الحديثين :

و لفظ الروايتين تضمّن القتل، فيمكن أن يدخل فيه الجراح بطريق أولى (2) .

و لعلّ هذا مراد صاحب المفاتيح حيث قال :

يشترط في الشاهد أن يكون بالغًا .

إلى أن قال :

إلّا في الجراح و القتل على المشهور، للحسن : قلت : تجوز شهادة الصبيان ؟ قال : نعم في القتل (3) .

و ذكر تمام الحديث، ثمّ ذكر الحديث الآخر، إذ ليس فيهما إلّا لفظ القتل، فالاستدلال بهما للجراح أيضًا لعلّه مبنيّ على الأولويّة .

و فيه نظر، لأنّه على فرض تسليم الأولويّة نقول : إنّها انّما تكون حجّة إذا لم يمنع منها مانع ؛ و ليس في المقام كذلک، إذ جوابه (عليه السلام) أوّلاً بعدم قبول شهادة الصبيان بعنوان العموم، ثمّ استثناء القتل منه يمنع من إرادة الأولويّة .

إن قيل : إنّ جوابه (عليه السلام) أوّلاً بلا عامٌّ و يخصّص بالأولويّة المفهومة من الجواب

ص: 16


1- . الكافي : 7 / 389 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 251 ح 646 ؛ الوسائل : 27 / 343 ح 33889 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 155 .
3- . مفاتيح الشرائع : 3 / 276 .

ذلک العامّ بغير الجراح .

قلت : لو كان الأمر كذلک، فلا يبقى للعامّ فرد، لوجود الأولويّة بالنسبة إلى جميع أفراد العامّ، فحينئذٍ يلزم أن يكون جوابه (عليه السلام) أوّلاً بلا لغوًا كما لا يخفى .

و يمكن أن يجاب عن ذلک : بأنّ هذا الإيراد واردٌ في رواية محمّد بن حمران، لا في الحسن المتقدّم عليه، فالأولويّة مفهومة منه و لا يرد عليه ما ذكر، فعبارة المسالک (1) حيث قال : « و لفظ الروايتين » إلى آخرها، ليس على ما ينبغي ؛ ولعلّه لهذا لم يورد الرواية الثانية بطريق الدليل على جواز قبول شهادة الصبيان في الجراح و القتل، بل قال : « و في رواية »، بخلاف الحسن، فأورده دليلاً على الحكم المذكور كما عرفت .

ثمّ إنّ هذا كلّه على تقدير تسليم الأولويّة ؛ و لمانع أن يمنع ذلک، لاحتمال أن يكون وجه قبول شهادتهم في القتل هو الاهتمام في إخفاء القتل، فلو لم يسمع شهادتهم يطلّ دم امرئ مسلم، بخلاف الجراح، فإنّ الأمر فيه ليس بهذه المرتبة، هذا.

الوجه الرابع

و منها : ما في خبر السكوني عن الصادق (عليه السلام) أيضًا : أنّه رفع إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ستّة غلمان كانوا في الفرات، فغرق واحد منهم، فشهد ثلاثة منهم على

ص: 17


1- . انظر المسالک : 14 / 155 .

اثنين أنّهما غرقاه و شهد اثنان على الثلاثة أنّهم غرّقوه، فقضى (عليه السلام) بالدية ثلاثة أخماس على الاثنين و خمسين على الثلاثة (1) .

و قد مضى هذا الحديث في عبارة الانتصار بتغيير قليل في اللفظ .

و يمكن أن يقال : إنّه مع الإغماض عن ضعفه ليس بصريح فيما نحن فيه ليخصّص به الأصول المتقدّمة في صدر المسألة، لاحتمال أن يكون الغلمان الّذين تضمّنه بالغًا ؛ و قد عرفت مرارًا فيما تقدّم : أنّ وقائع الأحوال إذا تطرّق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال، فلا تصلح للتمسّک في مقام الاستدلال (2) .

ثمّ إنّ هذه النصوص واردةٌ في القتل، فالجراح و الشجاج إمّا محمولٌ عليه من باب الأولى على ما عرفته في الجراح، أو من جهة الإجماعات المنقولة المتقدّمة، فصار الحقّ في المسألة عدم جواز قبول شهادة الصبيان إلّا في القتل و الجرح والشجاج، فالجواز لما ذكر من الأدّلة، و بها يخصّص ما تقدّم من الأدلّة في صدر المسألة على عدم جواز قبول شهادتهم مطلقًا .

ثمّ إنّ مقتضى النصوص المذكورة و كلمات الأجلّة و كذا الإجماعات المنقولة جواز قبول شهادتهم فيما ذكر مطلقًا و لو تمكّن من شهادة الرجال مثلاً .

و يمكن أنّ غاية ما في هذه الأدلّة و كلمات الأجلّة الإطلاق، و من شرط انصرافه إلى جميع الأفراد عدم كون المقصود منه بيان حكم آخر .

ص: 18


1- . الكافي : 7 / 284 ح 6 ؛ التهذيب : 10 / 229 ح 953 ؛ الوسائل : 29 / 235 ح 35528 .
2- . نقل هذه القاعدة الأصوليّة عن الشافعي ؛ حكاها عنه الزركشيّ في البحر المحيط : 2 / 308 ؛ وانظر أيضًا :الوافية، للفاضل التوني : 115 ؛ والقوانين : 226 .

و الظاهر من النصّ الأوّل و الثاني إثبات جواز سماع شهادتهم في الجملة، ردًّا لتوهّم عدم جوازه مطلقًا، كما يستفاد ذلک من السؤال في صدرهما ؛ و أمّا الثالث فلا ينفعنا في المقام لما عرفت، فيجب حملها على الفرد المتيقّن، و هو ما إذا لم يتمكّن من غيرهم .

و كذا الكلام في الإجماعات المنقولة، فبقيت الأصول و غيرها في غير الفرد المتيقّن سالمة عمّا يصلح للمعارضة، فيجب العمل عليها، فلا يجوز قبول شهادتهم عند التمكّن من غيرهم و لو في الثلاثة المذكورة، اقتصارًا على المتيقّن فيما خالف الأصول المتيقّنة .

ثمّ اعلم أيضًا : أنّ هذه النصوص و إن كانت مطلقة شاملة لما إذا كان الصبيّ مميّزًا و غير مميّز، لكن يجب تقييده بالأوّل، لِما عرفت من الإجماعات المنقولةالمستفيضة على عدم جواز قبول شهادة غير المميّز .

و كذا الكلام بالنسبة إلى المميّز الّذي لم يبلغ العشر إن ثبت ما نقله في المسالک من دعوى الإتفاق عن جماعة منهم على عدم جواز قبول شهادتهم حينئذ، لكنّ الشيخ فخر الدين نقل الخلاف في الإيضاح (1) ، حيث نقل عن الشيخ في الخلاف وابن الجنيد القول بجواز قبول شهادتهم في الجراح و الشجاج .

و كيف كان فإن ثبت نقل الإجماع على عدم جواز قبول شهادتهم إذا لم يبلغوا عشرًا في القتل و الجراح يخصّص به إطلاق النصّ في جواز قبول شهادة الصبيان

ص: 19


1- . الإيضاح : 4 / 417 .

في القتل و الإجماعات المنقولة في جواز ذلک في الجراح، و إلّا فالحكم مطلق .

على أنّا نقول : لو لم يثبت نقل الإجماع على ذلک أيضًا القول بالإطلاق لا يخلو من إشكال، لما عرفت من عدم تحقّق شرط انصراف المطلق إلى جميع الأفراد في المقام .

لكن يمكن أن يجاب عن ذلک هنا و ما تقدّم بأنّ النصّ في المقام ليس مطلقًا، لأنّ المعصوم بعد السؤال عن جواز شهادة الصبيان أجاب بالجواز من غير استفصال بين كون الصبيّ بالغًا لعشر سنين أم لا ؛ و كذا بالنسبة إلى التمكّن من غير الصبيّ أم لا، كما في حسنة جميل و رواية محمّد بن حُمْرَان ؛ و ترک الاستفصال في مقام السؤال مع قيام الاحتمال يفيد عموم الحكم في المقال .

نعم، في المقام رواية تدلّ على اشتراط بلوغ العشر في جواز قبول شهادتهم، وهي رواية أبي أيّوب الخزّاز حيث سأل إسماعيل بن جعفر : متى تجوز شهادة الغلام ؟ فقال : إذا بلغ عشر سنين ؛ قال : قلت : و يجوز أمره ؟ قال (1) : إنّ رسول الله (صلي الله عليه واله) دخل بعائشة و هي بنت عشر سنين، و ليس يدخل بالجارية حتّى تكون امرأة، فإن كان للغلام عشر سنين جاز أمره و جازت شهادته (2) .

قال في الوافي :

في هذا الحديث ما لا يخفى، فإنَّ حكم الرجل و المرأة لا يجب أن

ص: 20


1- . في المصدر : قال : فقال .
2- . الكافي : 7 / 388 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 251 ح 644 ؛ الوسائل : 27 / 344 ح 33890 .

يكون واحدًا في كلّ شيء ؛ ألا ترى إلى الأمر الّذي جعل جامعًا، فإنّ صاحب العشر سنين من الرجال لا يتأتى منه النكاح غالبًا، إلّا أنّ الأمر فيه سهل، لعدم اتّصال الحديث بالمعصوم (1) .

و هي موقوفة، و مع ذلک ضعيفة، لأنّ في طريقها : محمّد بن عيسى عن يونس، و متهافتة المتن، فلا يجوز التخصيص بها عموم ما تقدّم من الأدلّة .

إلّا أن يقال : إنّ اشتراط التميز في قبول شهادتهم ممّا لا ريب فيه، و هو لايحصل في غير العشر، فاشترط البلوغ إلى العشر تحصيلاً للشرط المتيقّن .

و فيه نظر، أمّا أوّلاً : فلأنّ ذكر التميز مغن عن ذلک ؛ و أمّا ثانيًا فلعدم تسليم عدم امكان التميز للصبيّ قبل العشر ؛ و أمّا ثالثًا فلإمكان عدم حصول التميز له مع بلوغه العشرة و التجاوز عنها، فلا وجه لاشتراط قبول شهادتهم بالبلوغ إلى العشرة .

نعم، قد اشترط المحقّق في الشرائع (2) ، و العلّامة في الإرشاد و القواعد (3) ، وعن التحرير (4) في قبول شهادتهم ثلاثة شروط :

أحدها : هو ذلک، أي بلوغ سنّهم العشر .

و قد عرفت الكلام في أنّه لا دليل على ذلک .

ص: 21


1- . الوافي: 16 / 973 ، ذيل الحديث 16512 - 14 .
2- . شرائع الإسلام : 4 / 910 .
3- . الإرشاد : 2 / 155 ؛ القواعد : 3 / 493 .
4- . تحرير الأحكام : 5 / 243 .

و الثاني : هو اجتماعهم حين التحمّل إلى الأداء على المباح .

و فيه أنّه لا دليل على ذلک أيضًا .

ثمّ إنّهم غير مكلّفين، فجميع الأفعال مباحٌ بالنسبة إليهم، فلا معنى لهذا الاشتراط ؛ و إن أريد اجتماعهم على المباح بالنسبة إلى المكلّفين لم يكن لتخصيصه وجه، فينبغي اشتراط جميع شرائط قبول الشهادة بالنسبة إليهم أيضًا . ويمكن الاستدلال لذلک بما مرّ من الأصل، لكن يجاب بما تقدّم أيضًا .

و الشرط الثالث : عدم تفرّقهم من حين التحمّل إلى الأداء .

و هذا أيضًا لا دليل عليه .

قال في المسالک :

و في النافع (1) نسب اشتراط عدم التفرّق إلى الشيخ في الخلاف (2) ، مؤذنًا بعدم ترجيحه ؛ و عذره واضح، لعدم الدليل المقتضي لاشتراطه (3) .

إن قلت : و فيه نظر، لأنّ دليل ذلک هو ما رواه في الفقيه في باب من يجب ردّ شهادته و من يجب قبول شهادته، باسناده عن طلحة بن زيد، عن مولانا الصادق (عليه السلام) ، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السلام) قال : شهادة الصبيان جائزة بينهم ما

ص: 22


1- . المختصر النافع: 286.
2- . الخلاف : 60 / 270 المسألة 20 .
3- . مسالک الأفهام : 14 / 156 .

لم يتفرّقوا، أو يرجعوا إلى أهليهم (1) .

قلت : هذا لا يصلح دليلاً على المسألة، لأنّ طريق الصدوق و إن كانت إليه صحيحة، لأنّه قال في المشيخة :

و ما كان فيه عن طلحة بن زيد فقد رويته عن أبي و محمّد بن الحسن -رضي الله عنهما - عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن يحيى الخزّاز و محمّد بن سنان جميعًا عن طلحة بن زيد(2) .

و محمّد بن سنان و إن كان ضعيفًا، لكن ضعفه مع اجتماعه مع محمّد بن الخزّاز غير مضرّ، لكونه ثقة، و قد وثّقه النجاشي و العلّامة (3) .

و لكن هو - أي طلحة - في نفسه ضعيف ؛ قيل (4) : إنّه بُترِيّ (5) ، و قيل : إنّه

ص: 23


1- . دعائم الإسلام : 2 / 408 ح 1421 ، مع اختلاف قليل في العبارة ؛ الفقيه : 3 / 44 ح 3294 ؛ الوسائل :27 / 345 ح 33893 .
2- . الفقيه : 4 / 480 .
3- . رجال النجاشي : 207 ؛ خلاصة الأقوال : 361 .
4- . رجال الطوسي : 138 ؛ جامع الرواة : 1 / 421 ؛ وانظر المسالک : 14 / 13 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 296 .
5- . خلاصة الأقوال : 385 ؛ و فيه : « غياث بن إبراهيم التميميّ الأسديّ، بصريّ، سكن الكوفة، ثقة، روى عنأبي عبد الله (عليه السلام)، و كان بتريًّا ». قال ابن إدريس الحلّيّ (رحمه الله) : البُتْرِيّة فرقة تنسب إلى كثير النَوّاء و كان أبتر اليد (السرائر : 5 / 247 ). و قال الشيخ الطريحيّ : البُتْريّة بضمّ الموحّدة فالسكون : فرقة من الزيديّة، و قيل :نسبوا إلى المغيرة بن سعد، و لقبه : الأبتر . و قيل : البتريّة هم أصحاب كثير النوا { كذا } الحسن بن أبي صالحوسالم بن أبي حفصة والحكم بن عيينة و سلمة بن كهيل و أبو المقدام ثابت الحداد، و هم الّذين دعوا إلىولاية عليّ (عليه السلام) ، فخلطوها بولاية أبي بكر و عمر، و يثبتون لهم الإمامة، و يبغضون عثمان و طلحة والزبيروعائشة، و يرون الخروج مع ولد عليّ (عليه السلام)، إنتهى ( مجمع البحرين : 3 / 213 ).

عامّيّ (1) .

و الحديث الضعيف كالعدم، و لهذا قلنا : إنّه لا دليل على ذلک .

و أيضًا عبارات الأصحاب إلّا ما شذّ تعمّ شهادتهم بعضهم على بعض و على غيرهم ؛ و الحديث المذكور يدلّ على جواز شهادتهم بينهم إذا لم يتفرّقوا. و أيضًا أنّه متضمّن بما لم نجد القائل بذلک، و هو قوله : « أو يرجعوا إلى أهليهم » .

و بالجملة : لم نجد ما يصلح دليلاً لهذه الشروط المذكورة، إلّا ما قدّمناه من الأصل على ما مرّ بيانه، لكن جوابه أيضًا قد مرّ، فعلى هذا الاشتراط بهذه الشروط لا وجه له.

نعم، قد دلّت الحسنة المتقدّمة و غيرها الاشتراط بشيء واحد غير ما ذكر من الشروط المذكورة، و هو الأخذ بأوّل كلامهم دون غيره إن اختلفت أقوالهم ؛ و هو الّذي صرّح به كثير من الأصحاب كالسيّد - و قد مرّت عبارته - و المحقّق (2) ، ونقل عن المقنعة و النهاية و سلّار و بني زهرة و حمزة و إدريس (3) ، و هو مسلّم

ص: 24


1- . رجال النجاشي : 207 ؛ الفهرست : 149 ؛ معالم العلماء : 96 ؛ إيضاح الاشتباه : 205 ؛ خلاصة الأقوال :361 ؛ نقد الرجال : 2 / 433 ؛ الفوائد الرجاليّة، للسيّد بحر العلوم : 4 / 148 . قال الشيخ الطوسي (قدس سره) في الفهرست : طلحة بن زيد، له كتاب، و هو عامّيّ المذهب، إلّا أنّ كتابه معتمد . و عدّه في رجاله تارة منأصحاب الباقر (عليه السلام) قائلاً : طلحة ابن زيد بتريّ ( الرجال : 138 ) ؛ و أخرى من أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلاً :طلحة بن زيد الخزريّ القرشيّ ( الرجال : 228 ) .
2- . نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 271 ؛ انظر : الشرائع : 4 / 910 ؛ والنافع : 278 ؛ والانتصار : 506 .
3- . نقله عنهم في كشف اللثام : 10 / 271 ؛ وانظر المقنعة : 727 ؛ والنهاية : 2 / 60 ؛ والمراسم : 233 ؛والغنية: 440 ؛ والوسيلة : 231 ؛ و السرائر : 2 / 136 .

لوجود الدليل، و لما عرفت من قبول هؤلاء الأجلّة له ؛ هذا .

قولان في المسألة

اشارة

و في المسألة قولان غير ما تقدّم :

القول الأوّل

أحدهما : قبول شهادتهم مطلقًا في الجراح و غيرها ؛ و هو الّذي ذكره في الشرائع و القواعد قولاً (1) ؛ و القائل به غير معلوم، و قد اعترف بذلک جماعة من المتأخّرين (2) .

و مستنده هو : ما تقدّم من رواية أبي أيّوب الخزّاز، و قد عرفت الجواب عنها، فلا نعيد ؛ والأدلّة المتقدّمة الدالّة على قبول شهادتهم في القتل، ففي غيره بطريق أولى.

و الأولويّة ممنوعة، لما أشرنا إليه سابقًا من اهتمام الناس في إخفاء القتل، ولعلّ المعصوم جوّز قبول شهادتهم في القتل لذلک بخلاف غيره، و لشدّة الحاجة إلى القصاص لئلّا يُطِلّ دم امرئ مسلم، كما نبّه (عليه السلام) على ذلک في بعض ما سيجيء من الأخبار .

ص: 25


1- . انظر الشرائع : 4 / 910 ؛ و القواعد : 3 / 493 .
2- . منهم : الصيمريّ في غاية المرام : 4 / 274 ؛ و الشهيد الثاني في المسالک : 14 / 157 ؛ و الفاضل الاصبهانيّ في كشف اللثام : 10 / 269 .

القول الثاني

و القول الثاني في مقابله، أي : عدم قبول شهادتهم مطلقًا، لا في القتل و لا في الجراح و لا في غيرهما .

و هذا القول هو الّذي اختاره في الإيضاح (1) ، لما تقدّم من الأصول و غيرها في صدر المسألة ؛ و مال إليه بعض المتأخّرين (2) .

و الجواب عنه هو : أنّ المخصّص موجود، و هو ما تقدّم من النصّ والإجماعات المنقولة، لأنّ التعارض بينهما من تعارض العامّ و الخاصّ في بعضهما و المطلق و المقيّد في الآخر، لأنّ المذكور في صدر المسألة قد دلّ على عدم قبول شهادتهم مطلقًا، لا في القتل و لا في غيره ؛ و الإجماعات المنقولة وغيرها قد دلّت على قبول شهادتهم في القتل و الجراح و الشجاج، لا في غيرها، فيخصّص العامّ بغير ما دلّ عليه الخاصّ و يقيّد المطلق بما عدا مورد المقيّد .

و أجاب بعض المتأخّرين بعد الميل إلى هذا القول عن النصوص المجوّزة لقبول شهادتهم :

بأنّه يمكن أن يريد بقبول شهادة الصبيان فيما ذكر ثبوت الفعل بطريق

ص: 26


1- . إيضاح الفوائد : 4 / 417 .
2- . هو الشهيد الثاني في المسالک : 14 / 157 ؛ و مال إليه أيضًا : الحلّيّ في المهذّب البارع : 4 / 507 ؛والصيمريّ في غاية المرام : 4 / 275 ؛ و السيّد الطباطبائيّ في الرياض : 13 / 231 .

الاستفاضة، بناءً على الغالب من وقوع الجراح بينهم في اللعب (1) حال اجتماعهم بكثرة يمكن أن يثبت بها الاستفاضة، إذ لا يشترط فيها بلوغ المخبر، بل و لا إسلامه (2) .

و تبعه في المفاتيح (3) في هذا الجواب .

و فيه نظر، لما عرفت من أنّ النصوص واردة كلّها في القتل، لا في الجراح، كما أذعن بذلک المجيب أيضًا، فحملها على الجراح لا وجه له .

و على فرض التسليم نقول : إنّها مطلقة و تقييدها بما إذا بلغ حدّ الاستفاضة يحتاج إلى مقيّد، و ليس فليس .

على أنّ النصوص من الأصحاب و النصوص أنّ للصبيان مدخليّة في هذا الحكم، فلو كان المعتبر بلوغ ذلک حدّ الاستفاضة ارتفعت الخصوصيّة بالمرّة، كما لايخفى على مَن له أدنى دربة .

على أنّه زيادة على ما مرّ المستفاد من الشرائع قبول شهادتهم في الجراح مع الشروط الثلاثة المتقدّمة اتّفاقي، حيث قال بعد ذكر رواية جميل و محمّد بن حُمْرَان المتقدّمتين :

والتهجّم على الدماء بخبر الواحد خطر، فالأولى الاقتصار على القبول

ص: 27


1- . في المصدر : الملعب .
2- . المسالک : 14 / 157 .
3- . مفاتيح الشرائع : 3 / 276 .

في الجراح بالشروط الثلاثة : بلوغ العشر، و بقاء الاجتماع، إذا كان على مباح، تمسّكًا بموضع الوفاق (1) .

فالقول بعدم قبول شهادتهم مطلقًا ضعيف جدًّا .

يشترط العقل في سماع الشهادة

2- مسألة

اشارة

و يشترط في الشاهد أيضًا كمال العقل، فلا تقبل شهادة المجنون إجماعًا، كما في الشرائع و كشف اللثام و غيرهما (2) .

و في المسالک :

هذا محلّ وفاق بين المسلمين (3) .

و نقل الإجماع و الاتّفاق في ذلک كثير .

و كذا لا تقبل من السكران، و ادّعى الإجماع عليه في كشف اللثام (4) ؛ و لقوله - تعالى - : ( و أشهدوا ذوي عدل منكم ) (5) ؛ ( و استشهدوا شهيدين من رجالكم

ص: 28


1- . شرائع الإسلام : 4 / 910 .
2- . الشرائع : 4 / 911 ؛ تحرير الأحكام : 5 / 244 ؛ مجمع الفائدة : 12 / 297 ؛ مفاتيح الشرائع : 3 / 277 ؛كشف اللثام : 10 / 272 .
3- . مسالک الأفهام : 14 / 159 .
4- . كشف اللثام : 10 / 272 .
5- . الطلاق : 2 .

فإن لم يكونا (1) فرجل و امرأتان ممّن ترضون من الشهداء ) (2) .

و كلّ من المجنون و السكران ليس بعادل، لأنّ تعريف العدالة - كما ستعرف إن شاء الله تعالى - غير متحقّق فيه .

و كذا ليس بمرضيّ، لأنّ المرضيّ للشهادة هو مَن يحترز من الكذب و يلازم الصدق و يخاف الله - تعالى - و هكذا، و ليس شيء من ذلک بمتحقّق في المجنون والسكران .

و لأنّ الشاهد لابدّ أن يكون ممّن يعرف ما يقول و يميّز المشهود به و المشهود له و المشهود عليه عن الغير و يطمئنّ النفس بقوله حتّى يحكم على الآخر بالنفس أو بالمال، و لا يصدق ذلک بالنسبة إليهما .

و لو كان جنونه غير مطبق، بل يعتوره أدوارًا، فلا تقبل شهادته أيضًا حال الجنون، لجميع ما ذكر ؛ و أمّا في حال الإفاقة فتقبل شهادته إذا علم الحاكم بكمال فطنته و عقله حالتي التحمّل و الأداء، لوجود المقتضي و انتفاء المانع .

أّما وجود المقتضي فلأنّه المفروض، إذ المفروض اجتماع جميع الشرائط المعتبرة في الشاهد ؛ و أمّا انتفاء المانع فلأنّ المانع ليس إلّا الجنون و المفروض أنّه قد علم زواله، و لم يثبت مانعيّة الجنون لقبول الشهادة مطلقًا و لو زال حالتي التحمّل و الأداء .

ص: 29


1- . كذا في نسخة الأصل ؛ و الآية هكذا : ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) .
2- . البقرة : 282 .

نعم، لو شکّ في كمال فطنته و عقله لم تسمع، للأصل ؛ و الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن، إذ الحكم لشخص على آخر بشيء و لو مع البيّنة خلاف الأصل، لبراءة ذمّته عن ذلک و أصالة عدم جواز مطالبته عليه، و لأنّه مع الشکّ في ذلک لا تطمئنّ النفس بقوله و لا يحصل لها الوثوق بشهادته .

و لأنّ العقل شرطٌ لجواز سماع الشهادة كما عرفت، و المفروض أنّه مشكوکٌ فيه، و الشکّ في الشرط يوجب الشکّ في المشروط، فلا يجوز سماعها، لأصالة عدم تحقّق شرط جواز السماع .

و كذا لا تسمع شهادة المغفّل الّذي في جبلّته و طبعه البله، بحيث لا يتفطّن لتفاصيل الأشياء و يدخل عليه التزوير و الغلط من حيث لا يشعر إلّا بعد الاستظهار و التفتيش من الحاكم بحيث يظهر له حقيقة الحال .

و كذا الكلام في كثير النسيان، فلا تسمع شهادته إلّا أن يكون المشهود به ممّا لايسهو عن مثله، أو بعد تفتيش الحاكم بحيث يظهر له عدم السهو (1) .

يشترط الإيمان في سماع الشهادة

3- مسألة

اشارة

و يشترط فيه الإيمان أيضًا، فلا تقبل شهادة غير المؤمن و إن كان من المخالف، لاتّفاق الأصحاب عليه ظاهرًا، كما في المسالک و كشف اللثام (2) .

ص: 30


1- . انظر القواعد : 3 / 493 ؛ والمسالک : 14 / 159 ؛ و الكفاية : 2 / 741 ؛ و كشف اللثام : 10 / 272 .
2- . المسالک : 14 / 160 ؛ كشف اللثام : 10 / 272 .

وعن التنقيح و المهذّب و شرح الشرائع للصيمريّ و شرح المقدّس الأردبيليّ : الإجماع عليه (1) .

و للأصل، لأنّک قد عرفت أنّ الحكم بشيء لشخص على آخر خلاف الأصل، وخلافه ثبت فيما إذا كان الشاهد مؤمنًا دون غيره على ما ستعرفه .

و لاعتبار العدالة في الشاهد كما سيجي، و غير المؤمن فاسق، فلا تقبل شهادته لقوله تعالى : ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبيّنوا ) (2) .

قال في المسالک :

واستدلّ المصنّف - رحمة الله عليه - بأنّ غير المؤمن فاسق و ظالم من حيث اعتقاده الفاسد الّذي هو من أكبر الكبائر، و قد قال - تعالى - : ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبيّنوا ) (3) ، و قال : ( و لا تركنوا إلى الّذين ظلموا ) (4) .

و فيه نظر، لأنّ الفسق إنّما يتحقّق بفعل المعصية المخصوصة مع العلم بكونها معصية، أمّا مع عدمه بل مع اعتقاد أنّها طاعة بل من مهمّات (5)الطاعات فلا .

ص: 31


1- . التنقيح الرائع : 4 / 287 ؛ المهذّب البارع : 4 / 510 ؛ غاية المرام : 4 / 275 ؛ مجمع الفائدة : 12 / 298 .
2- . الحجرات : 6 .
3- . الحجرات : 6 .
4- . هود : 113 .
5- . في المصدر : أمّهات .

و الأمر في المخالف للحقّ في الاعتقاد كذلک، لأنّه لا يعتقد المعصية، بل يزعم أنّ اعتقاده من أهمّ الطاعات، سواء كان اعتقاده صادرًا عن نظر أم تقليد . و مع ذلک لا يتحقّق الظلم أيضًا، و إنّما يتّفق ذلک ممّن يعاند الحقّ مع علمه به ؛ و هذا لا يكاد يتّفق، و إن توهّمه بعض (1) مَنْ لا عِلم له بالحال، إنتهى (2) .

و تبعه في ذلک بعض من تبعه (3) .

أقول : و فيه نظر، إذ قوله : « الفسق إنّما يتحقّق بفعل المعصية المخصوصة مع العلم بكونها معصية » ممنوع، بل نقول : إنّ الشيء المفسق مفسقٌ لمن ارتكبه مطلقًا، سواء علم أنّه الّذي بسببه يحصل الفسق، أم لا .

ألا ترى أنّ من ارتكب فعل معصية يصدق عليه أنّه عاص و إن لم يعلم أنّه معصية، كما إذا جامع أحد مع امرأته أو غيرها في نهار شهر رمضان مع عدم علمه بعدم جواز ذلک، و هو عاص مستحقّ للعقاب، إلّا إذا تاب ؛ و هكذا .

و على ما ذكره ينبغي أن لا عصيان للكافر و لا لغيره إذا لم يفعل ما علم أنّه معصية، و أن لا تكون فرقة من الكفّار و لا غيرهم فاسقين إذا لم يفعلوا ذلک ؛ والبديهة حاكمة بفساده .

ثمّ نقول : إنّ الفسق في اللغة هو : العصيان والخروج عن طريق الحقّ، قال في

ص: 32


1- . « بعض » لم يرد في المصدر .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 160 .
3- . لم نعثر عليه .

القاموس :

الفِسق : الترک لأمر الله، و العصيان، و الخروج عن طريق الحقّ (1) .

فيكون أحد معانيه الخروج عن طريق الحقّ، و لا شبهة في صدق ذلک لجميع المخالفين و إن كان مسلمًا .

و قال - تعالى - : ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ )، فيجب حمل اللفظ على معناه اللغويّ، إلّا إذا ثبتت الحقيقة الشرعيّة، أو العرف العامّ على خلافها، فيحمل عليه بلا إشكال في الأوّل، و على القول بتقديم العرف على اللغة في الثاني .

و دعوى ثبوت الحقيقة الشرعيّة في لفظ : « الفسق » فيما ذكره مشكلة ؛ وكيف ؟! مع أنّ جماعة من فحول العلماء - كالمحقّق و العلّامة و غيرهما - صرّحوا بفسق غير المؤمن بعنوان الإطلاق ؛ و قد عرفت كلام المحقّق في عبارة المسالک ؛ و قال العلّامة على ما حكي عنه :

أنّه لا فسق أعظم من عدم الإيمان (2) .

و كذا دعوى العرف العامّ ؛ و الشکّ كاف في المقام .

و قال في الكفاية :

ص: 33


1- . القاموس المحيط : 3 / 276 .
2- . حكى الشهيد الثاني عن فخر المحقّقين أنّه قال : « سألت والدي - رحمه الله - عن أبان بن عثمان، فقال :الأقرب عدم قبول روايته، لقوله تعالى : ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا )، و لا فسق أعظم من عدمالإيمان »؛ حاشية خلاصة الأقوال، المطبوعة ضمن : رسائل الشهيد الثاني : 2 / 911 ؛ و انظر مجمع الفائدة :2 / 350 ؛ ونقد الرجال، للتفرشي : 1 / 46 .

الظاهر صدق الفسق و الظلم على المخالف، إنتهى (1) .

و قال في كشف اللثام بعد ذكر عدم قبول شهادة غير المؤمن :

للفسق و الظلم وانتفاء العدالة و إن كان ثقةً و لم تكن (2) مخالفته عن عناد.

إلى أن قال :

و ما احتمل من قبول شهادته إذا كان ثقةً مأمونًا لتحقّق العدالة له، لأنّه لايعصي الله في اعتقاده، فهو من الضعف بمكان، إنتهى (3) .

و لعلّه أشار إلى ما ذكره في المسالک .

و ربّما أجيب عن الآية - أي : قوله تعالى : ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبيّنوا ) - : بأنّ التبيّن ربّما يحصل بعدم قبول شاهد واحد حتّى ينضمّ إليه شاهد آخر، فإنّ التبيّن ليس هو الردّ (4) .

و فيه نظر، لأنّه لا يجوز أن يكون المراد من التبيّن ذلک، لأنّه لا اختصاص له بالفاسق، بل مشترک بينه و بين المؤمن، إذ قول الشاهد المؤمن أيضًا غير مقبول إلّا إذا انضمّ إليه شاهد آخر .

ص: 34


1- . كفاية الأحكام : 2 / 742 .
2- . في المصدر : و لم يكن .
3- . كشف اللثام : 10 / 272 .
4- . كفاية الأحكام : 2 / 742 .

و لقوله - تعالى - : ( شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا (1) فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشهداء ) (2) ، بناءً على ما جاء في تفسيره من مولانا الأمير (عليه السلام) حيث قال : ممّن ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفّته و تفطّنه (3) فيما يشهد به، وتمييزه (4) ، فما كلّ صالح مميّز محصّل (5) ، و لا كلّ محصّل مميّز صالح (6) .

و لا شکّ أنّ المخالف ليس بمرضيّ الدين .

إن قلت : إنّ قوله - تعالى - : ( شهيدين من رجالكم ) عامٌّ يشمل المؤمن والمخالف، فينبغي أن تجوز شهادة المخالف أيضًا، لشمول الدليل لهم كما عرفت .

قلت : على فرض تسليم شموله للمخالف أيضًا نقول : إنّ العامّ يجب تخصيصه بعد ثبوت المخصّص، و هو في نفس الآية موجود، لأنّ تقييدها بمن يرضون يعيّن كون المراد منه غير المخالف، لما عرفت من تفسير مولانا الأمير (عليه السلام) ذلک بمن يرضي دينه ؛ و المخالف ليس بمرضيّ الدين قطعًا كما عرفت .

على أنّا لا نسلّم شمول لفظ : ( رجالكم ) في الآية المذكورة المخالف، بناءً على مذهبنا الإماميّة من اختصاص الخطابات الشفاهيّة بالمخاطبين بها دون غيرهم (7) .

ص: 35


1- . كذا في نسخة الأصل، والآية هكذا : ( فإن لم يكونا رجلين ).
2- . البقرة : 282 .
3- . في المصدر : و تيقّظه ؛ و في بعض نسخه : و تيقّنه .
4- . في المصدر : و تحصيله و تمييزه .
5- . في المصدر : و لا محصّل .
6- . التفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ (عليه السلام) : 674 ح 375 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 399 ح 34054 .
7- . انظر رياض المسائل : 13 / 240 .

و معلومٌ بالبديهة أنّ المخالف ليس موجودًا في زمان نزول الآية، فلايشمله عموم ( رجالكم ) بالضرورة .

ثمّ اعلم : أنّه يستفاد من النصوص المستفيضة جواز قبول شهادة المسلمين، والظاهر صدق المسلم على المخالف، فمنها : الحسن عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل، و لا تجوز شهادة أهل الملل (1) على المسلمين (2) .

و غيره (3) .

و الجواب عنه - على فرض تسليم صدق المسلم على المخالف - هو : أنّ التعارض بين هذه النصوص و الآية المذكورة عمومٌ من وجه، لأنّ هذه النصوص تدلّ على جواز قبول شهادة المسلم مطلقًا سواء كان مؤمنًا، أو غيره ؛ والآية قد دلّت على عدم جواز قبول شهادة الفاسق سواء كان مسلمًا أو غيره، فالواجب الرجوع إلى الترجيح، و هو مع الآية، لِقطعيّة متنها و لموافقتها بعمل الأصحاب كما عرفت .

و على فرض تسليم كون التعارض بينهما من قبيل تعارض المطلق و المقيّد بأن تكون الآية مطلقة، نقول : إنّ عمل الأصحاب على إطلاقها يمنع من تقييدها بالنصوص المزبورة .

ص: 36


1- . في الكافي : أهل الذمّة .
2- . الكافي : 7 / 398 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 252 ح 651 ؛ الوسائل : 27 / 386 ح 34017 .
3- . انظر الوسائل : 27 / 386 ، باب قبول شهادة المسلم على الكافر .

و منه يعلم الجواب عمّا رواه عبد الله بن المغيرة في الحسن قال : قلت للرضا (عليه السلام) : رجل طلّق امرأته و أشهد شاهدين ناصبيّين ؟ قال : كلّ مَن ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته (1) .

على أنّ إجماعنا منعقدٌ على كفر الناصبيّ بالكفر المقابل للإسلام، و عدم قبول شهادة الكافر ممّا لا تدخل حوله ريبة ؛ و ظاهر الحديث المذكور حيث ورد السؤال عن شهادة الناصبيّ قبول شهادته، فهو خلاف الإجماع .

هذا على تقدير صدق المسلم عليهم حقيقة، و أمّا على القول بكفرهم - كما هو مختار جماعة من الأصحاب كالسيّد و ابن ادريس و غيرهما (2) ، بل عن ابن إدريس الإجماع عليه (3) - فعدم شمول هذه النصوص عليهم معلوم، فلا يحتاج إلى تجشّم الجواب .

و يمكن الاستدلال لعدم قبول شهادة المخالفين أيضًا بالنصوص المستفيضة، بل المتواترة الّتي أطلق فيها لفظ « الكفر » عليهم ؛ و قد ذكرنا كثيرًا منها في رسالة منفردة (4) .

ص: 37


1- . الفقيه : 3 / ص 46 ح 3298 و ص 48 ح 3302 ؛ الاستبصار : 3 / 14 ح 37 ؛ التهذيب : 6 / ص 283 ح778 و ص 284 ح 783 ؛ الوسائل : 27 / 393 ح 34036 و ص 398 ح 34052 .
2- . انظر رسائل الشريف المرتضى : ج 1 / ص 400 ( جواب المسائل الطرابلسيات الثالثة، المسألة العاشرة ) ؛وج 4 / ص 39 ( جواب المسائل الواسطيات، المسألة الخامسة ) ؛ والمختلف : 4 / 21 ؛ والمسالک : 6 /212 ؛ و مجمع الفائدة : 11 / 115 ؛ و رياض المسائل : 13 / 241 .
3- . السرائر : 1 / 356 .
4- . رسالة في نجاسة المخالفين، للمؤلّف (قدس سره): مخطوط ؛ توجد ضمن مجموعة من رسائله المسمّاة بزبدةالرسائل و نخبة المسائل، في مكتبة أميرالمؤمنين (عليه السلام) بأصفهان .

وجه الاستدلال هو : أنّ إطلاق لفظ « الكافر » عليهم إمّا بعنوان الحقيقة، أو المجاز ؛ و على الأوّل الاستدلال واضح، و أمّا على الثاني فللقاعدة المسلّمة، وهي أنّه متى تعذّر حمل اللفظ على الحقيقة فحمله على أقرب المجازات معيّن، فمقتضى هذه القاعدة اشتراكهم مع الكافر في جميع أحكامه و من جملتها عدم قبول الشهادة، فلا تقبل منهم أيضًا، و هو المطلوب .

تقبل شهادة الذمّيّ على المسلم في الوصيّة

و بالجملة : لا إشكال في عدم قبول شهادة غير المؤمن على المؤمن إلّا الذمّيّ، فإنّه تقبل شهادته في الوصيّة خاصّة إذا كان عدلاً في دينه عند عدم المسلمين بالإجماع على ما حكاه جماعة من الأصحاب (1) ؛ و قوله - تعالى - : ( يا أيّها الّذين آمنوا شهادةُ بينكم إذا حَضَر أحدَكُمُ الموتُ حين الوصيّة اثْنَان ذَوَا عَدلٍ مِّنْكم أو آخَرَان من غيركم ) (2) ، بناءً على ما سيجيء من تفسيره في النصّ .

بيانٌ

( شهادة بينكم ) مبتدأ، مسوّغ الابتداء بها شيئان : الإضافة، و كونها عاملة

ص: 38


1- . إيضاح الفوائد : 2 / 636 ؛ مجمع الفائدة : 12 / 304 ؛ المهذّب البارع : 4 / 510 .
2- . المائدة : 106 .

لكونها مصدرًا ؛ و ( اثنان ) خبره ؛ و ( إذا حضر ) ظرف للشهادة ؛ و ( حين الوصيّة ) بدل منه ؛ و ( ذوا عدل ) صفة لاثنان ؛ و ( منكم ) إمّا صفة أخرى له أو صفة للصفة، و على التقديرين متعلّق بمحذوف وجوبًا ؛ و التقدير : شهادة بينكم شهادة اثنين ؛ حذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه .

هذا أحد الاحتمالين، و الاحتمال الآخر هو : أن يكون ( شهادة بينكم ) مبتدأ محذوف الخبر، و ( اثنان ) فاعل لفعل محذوف، و التقدير : عليكم شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيّة يشهد اثنان .

و النكتة في الإبهام ثمّ التفسير هي : تقرير الحكم في النفس مرّتين ؛ و لمّا قال - تعالى - : ( شهادة بينكم ) كان سائلاً يسأل : مَن يشهد ؟ فقال : ( اثنان ).

و للنصوص المستفيضة، منها : ما رواه حمزة بن حُمْرَان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن قول الله - عزّوجلّ - : ( ذَوَا عَدل منكم أو آخران من غيركم ) ؟ قال : فقال : اللّذان منكم مسلمان و اللّذان من غيركم من أهل الكتاب . قال : و إنّما ذلک إذا مات الرجل المسلم في أرض غربة، فيطلب رجلين مسلمين ليشهدهما على وصيّته، فلم يجد مسلمين أشهد على وصيّته رجلين ذمّيّين من أهل الكتاب مرضيّين عند أصحابهم (1) .

ص: 39


1- . الكافي : 7 / 399 ح 8 ، و فيه : « مرضيّين عند أصحابهما » ؛ التهذيب : 6 / 253 ح 655 ، باب البيّنات ؛و9 / 179 ح 718 ، باب الإشهاد على الوصيّة ؛ الوسائل : 19 / 312 ح 24675 .

و منها : ما رواه هشام بن الحكم في الحسن عن مولانا الصادق (عليه السلام) في قول الله - عزّوجلّ - : ( أو آخران من غيركم ) (1) ، فقال : إذا كان الرجل في أرض غربة ولايوجد فيها مسلم جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصيّة (2) .

و منها : ما رواه ضريس الكناسي قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة أهل ملّة (3) هل تجوز على رجل من غير أهل ملّتهم ؟ فقال : لا، إلّا أن لا يوجد في تلک الحال غيرهم، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصيّة، لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ امرئ مسلم، و لا تبطل وصيّته (4) .

و منها : موثّقة سماعة عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سأله عن شهادة أهل الملّة، قال : فقال : لا تجوز إلّا على أهل ملّتهم، فإن لم يوجد (5) غيرهم جازت شهادتهم على الوصيّة، لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد (6) .

ص: 40


1- . المائدة : 106 .
2- . الكافي : 7 / 398 ح 6 ؛ التهذيب : 6 / 252 ح 653 ؛ الوسائل : 27 / 390 ح 34030 .
3- . في الكافي : أهل الملل .
4- . الكافي : 7 / 300 ح 7 ؛ التهذيب : 6 / 253 ح 654 ؛ الوسائل : 19 / 309 ح 24669 .
5- . في الكافي : فإن لم تجد .
6- . الكافي : 7 / 398 ح 2 ؛ التهذيب: 6 / 252 ح 652 ؛ الوسائل : 27 / 390 ح 34031 .

فروع

الفرع الأوّل

الأوّل : اعلم : أنّ هذه النصوص الثلاثة من الحسن و ما بعده و إن كان إطلاقها دالاًّ على قبول شهادة غير الذمّيّ أيضًا، لكنّ الأُولى مقيّدة حيث قال : « رجلين ذمّيّين »، و المطلق محمولٌ على المقيّد ؛ و بها يقيّد إطلاق الآية المذكورة أيضًا حيث قال - تعالى - : ( أو آخران من غيركم ) (1) ، و هو أعمٌّ من أن يكون ذمّيًّا، أم لا، لكنّها مقيّدة بالأوّل بقرينة الرواية المفسّرة لها بالذمّيّ كما عرفت ؛ هذا .

مع أنّا لم نجد من الأصحاب من جوّز قبول شهادة غير الذمّيّ على المسلم مطلقًا، لا في الوصيّة و لا في غيرها .

الفرع الثاني

والثاني هو : أنّ هذه الروايات الثلاث بإطلاقها تدلّ على جواز قبول شهادة أهل ملّة أعمٌّ من أن يكون عادلاً عند أصحابهم، أم لا، لكن يجب تقييدها بالأوّل بقرينة الرواية الأولى أيضًا حيث قال (عليه السلام) فيها : « مرضيّين عند أصحابهم ».

ص: 41


1- . المائدة : 106 .

و أيضًا يمكن الاستدلال لاعتبارها بفحوى ما دلّ على اعتبارها في المسلم، لأنّه لو اعتبرت العدالة في المسلم لقبول شهادتهم، فاعتبارها في الذمّيّ لذلک بطريق أولى ؛ و بعبارة أخرى : لو لم تقبل شهادة الفسّاق من المؤمنين، فعدم قبول شهادة الفسّاق من غيرهم بطريق أولى .

إذا عرفت ذلک نقول : إنّه يمكن الاستدلال لاعتبار العدالة في الذمّيّ لقبول شهادتهم بالآية المذكورة من وجهين :

أحدهما هو : ما مرّ من الفحوى لقوله - تعالى - : ( اثنان ذوا عدل منكم ) (1) ، بناءً على ما مرّ .

والثاني هو : أنّ سياق الآية يستفاد منه حذف الصفة لآخران، و التقدير : اثنان ذوا عدل منكم أو آخران كذلک من غيركم، فتأمّل .

و أيضًا نقول : إنّ قبول شهادة غير المؤمن خلاف الأصل كما عرفت مفصّلاً،والاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن لازم، و هو ما ذكرناه من كونه عادلاً و مرضيًّا عند أصحابهم .

الفرع الثالث

الثالث : اعلم أنّ المستفاد من النصوص المذكورة هو أنّ الإشهاد بالذمّيّ إنّما هو مع عدم التمكّن من المسلم مطلقًا و لو كان فاسقًا ؛ و مقتضاه أنّه لو وجد مسلم

ص: 42


1- . المائدة : 106 .

فاسق يقدّم على الذمّيّ، و هو مقتضى كلام جماعة من الأصحاب أيضًا حيث اعتبروا عدم المسلم في قبول شهادة الذمّيّ (1) .

و عن التذكرة التفصيل بين الفاسق المسلم المحترز عن الكذب والخيانة و بين غيره، فيقدّم الأوّل على الذمّيّ دون الثاني، حيث قال :

لو وجد مسلمان فاسقان فإن كان فسقهما بغير الكذب والخيانة فالأولى أنّهما أولى من أهل الذمّة، و لو كان فسقهما يتضمّن اعتماد الكذب وعدم التحرّز منه فأهل الذمّة أولى (2) .

لكنّ الظاهر من المحقّق في الشرائع و العلّامة هو : أنّ قبول الشهادة من الذمّيّ في الوصيّة غير متوقّف على عدم مطلق المسلم، بل عدم عدو لهم، حيث قالا :

تقبل شهادة الذمّي في الوصيّة عند عدم عدول المسلمين (3) .

و مقتضاه أنّه لو وجد فسّاق المسلمين يقدّم الذمّيّ عليهم ؛ و به صرّح في كنز العرفان، حيث قال في جملة كلامه :

و تكون الآية مخصّصة لأدلّة اشتراط الإيمان والعدالة في الشاهد بما عدا الوصيّة، نعم يشترط عدالتهم في دينهم، و يرجّحون على فسّاق

ص: 43


1- . انظر المقنعة : 727 ؛ والنهاية : 2 / 62 ؛ والمبسوط : 8 / 187 ؛ و المختصر النافع : 279 ؛ و مختلفالشيعة : 8 / 503 ؛ و إيضاح الفوائد : 2 / 635 ؛ و كشف اللثام : 10 / 274 .
2- . تذكرة الفقهاء ( ط . ق ) : 2 / 522 .
3- . الشرائع : 4 / 911 ؛ تحرير الأحكام : 5 / 245 .

المسلمين، إنتهى (1) .

و نقل عن صريح التحرير أيضًا أنّه قال :

لو وجد فسّاق المسلمين و شهدوا لم تقبل، و لو شهد أهل الذمّة فقبلت (2) .و هذا هو الحقّ، لقوله - تعالى - : ( اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ) (3) .

و كلمة « أو » هنا للترتيب، كقولک : أنكح هندًا أو أختها ؛ فعلى هذا نقول : إنّه -سبحانه - رتّب في الإشهاد بين عدل المسلم و غير المسلم بأنّه مع عدم الأوّل يؤتى بالثاني، فالواسطة منتفية بينهما .

و لأنّ الأصل عدم قبول شهادة غير المؤمن العادل مطلقًا، سواء كان المؤمن الفاسق أو غير المؤمن، ذمّيًّا كان أو غيره، خرج منه شهادة الذمّيّ بالنصوص المذكورة والإجماعات المنقولة، بخلاف غيره، فهو باق على الأصل .

و الجواب عن النصوص المذكورة هو : أنّ المسلم فيها و إن كان مطلقًا أو عامًّا شاملاً للعادل و غيره، لكن يجب تقييده أو تخصيصه بالأوّل للاية الشريفة على ما مرّ بيانه .

ص: 44


1- . كنز العرفان : 2 / 99 .
2- . التحرير : 5 / 245 ؛ و نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 274 .
3- . المائدة : 106.

الفرع الرابع

الرابع هو : أنّ قبول شهادة الذمّيّ مختصّ في الوصيّة بالمال، كما عن السرائر والتحرير و التذكرة و الدروس و المسالک و غيرهم (1) ، لا بالولاية، للأصل المتقدّم، و هو : أنّ قبول شهادة غير المؤمن خلاف الأصل، والاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن لازم، و هو الوصيّة بالمال، لا بالولاية ؛ و إطلاق الآية والنصوص في الوصيّة ينصرف إليه، و كذا إطلاق جماعة من الأصحاب ؛ هذا .

مع أنّه ادّعى الإجماع صريحًا في كنز العرفان على عدم قبول شهادتهم فيها، حيث قال :

جواز شهادة أهل الذمّة في الوصيّة عند أصحابنا مختصّ بالمال، فلاتسمع في الولاية إجماعًا، إنتهى (2) .

الفرع الخامس

والخامس : هل يشترط في قبول شهادتهم على المسلم كونه في أرض غربة -أي : في السفر - فلا تقبل شهادتهم مع عدم كون المسلم غريبًا و لو لم يوجد غير المسلم للإشهاد ؛ أو لا، فتقبل مطلقًا و لو لم يكن المسلم غريبًا، بل المعتبر عدم

ص: 45


1- . السرائر : 2 / 139 ؛ التحرير : 5 / 244 ؛ التذكرة (ط . ق) : 2 / 521 ؛ الدروس : 2 / 124 ؛ المسالک :14/ 161 ؛ الرياض : 13 / 242 ؛ الكفاية : 2 / 744 ؛ كشف اللثام : 10 / 273 .
2- . كنز العرفان : 2 / 100 .

المسلم المؤمن للإشهاد ؟

فيه خلافٌ بين الأصحاب، و المحكيّ عن الشيخ في المبسوط وابن الجنيد وأبي الصلاح الأوّل (1) .

و هو مقتضى الأصل على ما تقدّم بيانه، و ظاهر الآية الشريفة، لأنّه - تعالى - قال : ( شهادةُ بينكم إذا حَضَر أحدَكُم الموتُ حينَ الوصيّةِ اثنَان ذَوا عدلٍ منكم أو آخَران من غيركم إن أنتم ضَرَبتُم في الأرض فأصابتكم مصيبةُ الموت ) (2).

و مفهومها : أنّه لو لم تكن ضربتم في الأرض ليس الحكم على ما ذكر .

و هو مقتضى جملة من النصوص الواردة في المسألة، منها : ما تقدّم من رواية حمزة بن حُمْرَان و حسنة هشام، حيث قال في الأولى : « و إنّما ذلک إذا كان الرجل المسلم في أرض غربة »، إلى آخره (3) .

و في الثانية : « إذا كان الرجل في أرض غربة »، إلى آخره (4) .

و منها : ما هو مثل الرواية الأولى، و هو ما رواه في الفقيه باسناده عن الحسن بن عليّ الوشاء عن أحمد بن عمر قال : سألته عن قول الله - عزّوجلّ - : ( ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم )، قال : اللّذان منكم مسلمان واللّذان من غيركم

ص: 46


1- . المبسوط : 8 / 187 ؛ الكافي في الفقه : 436 ؛ و حكاه عن ابن الجنيد في المختلف : 8 / 507 .
2- . المائدة : 106 .
3- . الكافي : 7 / 399 ح 8 ؛ التهذيب : 6 / 253 ح 655 ، باب البيّنات ؛ و9 / 179 ح 718 ، باب الإشهادعلى الوصيّة ؛ الوسائل : 19 / 312 ح 24675 .
4- . الكافي : 7 / 398 ح 6 ؛ التهذيب : 6 / 252 ح 653 ؛ الوسائل : 27 / 390 ح 34030 .

من أهل الكتاب، فإن لم تجد من أهل الكتاب فمن المجوس، لأنّ رسول الله (صلي الله عليه واله) قال : سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب ؛ و ذلک إذا مات الرجل بأرض غربة فلم يجد مسلمين يُشهدهما فرجلان من أهل الكتاب (1) .

و مفهوم الشرط في هذه النصوص الثلاثة هو : أنّ المسلم لو لم يكن في أرض غربة فلا يشهد من أهل الكتاب مطلقًا، سواء وجد مسلمان للإشهاد، أم لا .

و قيل :

ربّما يفهم من ظاهر المبسوط و الغنية كون ذلک إجماعيًّا بيننا (2) .

و ذهب المحقّق و العلّامة و جماعة إلى الثاني (3) ، أي : إلى عدم اشتراط كون المسلم في أرض غربة .

و هو المحكيّ عن ظاهر كثير من القدماء، كالشيخين في المقنعة والنهاية وابن أبي عقيل و سلّار وابن البرّاج وابن إدريس (4) .

بل في المسالک و رياض المسائل : هو المشهور (5) .

و قال في الشرائع :

ص: 47


1- . الفقيه : 3 / 47 ح 3300 ؛ الوسائل : 27 / 390 ح 34029 .
2- . رياض المسائل : 13 / 242 .
3- . انظر الشرائع : 4 / 911 ؛ والتحرير : 5 / 245 ؛ و المختلف : 8 / 508 ؛ والتذكرة ( ط.ق ) : 2 / 521 ؛وغاية المرام : 276 ؛ والمسالک : 14 / 162 .
4- . انظر المقنعة : 727 ؛ والنهاية : 2 / 62 ؛ و حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف : 8 / 505 ؛ والمراسم :233 ؛ والمهذّب : 2 / 120 ؛ والسرائر : 2 / 139 .
5- . مسالک الأفهام : 14 / 161 ؛ رياض المسائل : 13 / 244 .

و لا يشترط كون الموصي في غربة، و باشتراطه رواية مطروحة (1) .

و مثله حكي عن التحرير (2) .

و لعلّه يستفاد من نسبتهما الرواية المشترطة إلى الطرح عدم القائل بمضمونهما.

و بالجملة : فهذا القول هو الأقرب، لما تقدّم من رواية ضريس الكناسيّ قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام)- إلى أن قال (عليه السلام) : - فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم على الوصيّة، لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ امرئ مسلم (3) .

و مثله الموثّقة المتقدّمة ؛ و الاستدلال بكلّ منهما للمختار من وجهين، أحدهما : من جهة إطلاق قوله (عليه السلام) فيهما : « فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم »، و هو مطلقٌ شاملٌ لما إذا كان في أرض غربة أم لا، فتأمّل .

و الثاني : من جهة التعليل، و هو قوله : « لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ امرئ مسلم ».

إن قلت : إنّ الإطلاق و العموم حجّة إذا لم يوجد المقيّد و المخصّص، و هنا قد وجد، لأنّ النصوص المتقدّمة و كذا الآية الشريفة مفهوم الشرط فيها يدلّ على أنّ المسلم لو لم يكن في غربة لم تقبل شهادة الذمّيّ، فيقيّد بهذا المفهوم إطلاق الحديثين المذكورين و يخصّص به عموم التعليل .

ص: 48


1- . شرائع الإسلام : 4 / 911 ؛ و فيه : رواية مطرّحة .
2- . التحرير : 5 / 245 ؛ و حكاه عنه في الرياض : 13 / 243 .
3- . الكافي : 7 / 300 ح 7 ؛ التهذيب : 6 / 253 ح 654 ؛ الوسائل : 19 / 309 ح 24669 .

قلت : المفهوم فيها لا عبرة به، لورود الشرط مورد الغالب، لأنّ الغالب فيما إذا لم يوجد المسلم للإشهاد هو ما إذا كان المسلم في غربة .

فعلى هذا تكون تلک النصوص و الآية دالّة على ثبوت الحكم في أرض غربة، وهو لا ينافي ثبوته في غيرها، لأنّ إثبات الشيء لا ينفي ما عداه، فلا تصلح للتقييد و التخصيص، لأنّ المعتبر في المقيّد و المخصّص تضمّنهما على حكمين إثباتًا و نفيًا حتّى يتحقّق التعارض، و قد عرفت عدمه .

إن قلت : هذا بعينه وارد في الحديثين المذكورين، لأنّ المطلق أيضًا ينصرف إلى الفرد الغالب، و الغالب فيما إذا لم يوجد مسلم للإشهاد حتّى يجوز الإشهاد بالذمّيّ هو ما إذا كان المسلم في أرض غربة كما اعترفت به، فينصرف الإطلاق إليه و يجب الرجوع في غير الفرد الغالب إلى حكم الأصل، و هو ما عرفته من عدم جواز قبول شهادة غير المؤمن إلّا مورد النصّ، و قد عرفت أنّ ما نحن فيه ليس من ذلک .

قلت : هذا إنّما يسلم بالنسبة إلى الإطلاق، و أمّا بالنسبة إلى التعليل فلا، لأنّ مفهوم التعليل عامّ شاملٌ للفرد الغالب و النادر، فيخصّص به الأصل المتقدّم ؛ هذا .

مع أنّا لو سلّمنا عدم ورود الشرط في النصوص و الآية مورد الغالب نقول : إنّ تخصيص الحديثين المذكورين بهذه النصوص إنّما يجب إذا كان التعارض بينهما من تعارض النصّ و الظاهر .

و ليس الأمر كذلک، بل التعارض بينهما من قبيل تعارض الظاهرين و العموم

ص: 49

من وجه، لأنّ مفهوم الشرط هو ما إذا لم يكن الرجل في أرض غربة لم يشهد الذمّيّ، و هو و إن كان خاصًّا من جهة اشتماله على عدم كون الرجل في أرض غربة، لكنّه عامّ من حيث التمكّن من الإشهاد بالمسلم أم لا .

و الحديثان المذكوران و إن كانا عامّين من حيث عدم كون الرجل في أرض غربة و غيرها، لكنّهما مختصّين بما إذا لم يتمكّن من المسلم، فالواجب عند تعارض الظاهرين الرجوع إلى الترجيح .

و فيما نحن فيه و إن كان لكلٍّ من الطرفين جهة رجحان و مرجوحيّة، أمّا جهة الرجحان لتلک النصوص و الآية فلكثرة العدد و قطعيّة متن الآية و الموافقة للأصل ؛ و أمّا جهة الرجحان للحديثين فللشهرة على ما عرفت، إلّا أنّها أقوى المرجّحات عند تعارض الأدلّة، فيقدّمان الحديثان على تلک النصوص و الآية وإن كانت جهة الرجحان لها متعدّدة، كما مرّت إليها الإشارة .

مضافًا إلى أنّ القائل بمضمونها بعد من تقدّم غير ظاهر، فعلى تسليم كونها خاصّة لا تصلح لتخصيص العامّ المعمول في أفراده عند المشهور بين الطائفة .

و بما ذكرنا ظهر لک ضعف ما ذهب إليه في الكفاية، حيث قال بعد نقل اشتراط الغربة في الموصي عن الجماعة المتقدّمة (1) :

و هو متّجه، لأنّ المستفاد من حسنة هشام بن الحكم و رواية حمزة

ص: 50


1- . هم : الشيخ وابن الجنيد و أبو الصلاح ؛ انظر المبسوط : 8 / 187 ؛ و حكاه عن ابن الجنيد في المختلف :8/ 505 ؛ والكافي في الفقه : 436 .

وحسنة أحمد بن عمر اعتبار الغربة و الضرورة، إنتهى كلامه (1) .

و ما ذكرناه كاف لتضعيفه، فلا يحتاج إلى الإطالة .

و ظهر لک الوهن ممّا ذكرناه أيضًا للإجماع المستشعر من عبارة المبسوط والغنية ؛ هذا .

و تلخّص ممّا ذكرناه : أنّه لا تقبل شهادة غير المؤمن على المؤمن إلّا شهادة الذمّيّ، فتقبل في الوصيّة خاصّة، لا في غيرها، للأصل المتقدّم، و لما مرّ في اعتبار الإيمان في الشاهد، بناءً على اختصاص ما مرّ من النصوص المخصّصة بالوصيّة .

بل يمكن الاستدلال بها على عدم قبول شهادة الذمّيّ في غير الوصيّة، بناءً على تقييد المعصوم (عليه السلام) الجواز فيها في الوصيّة، حيث قال (عليه السلام) : « جازت شهادته في الوصيّة » ؛ و مقتضاه عدم جواز قبول شهادته في غير الوصيّة، و هو المطلوب.

هذا، مع أنّ في الإيضاح و المسالک و عن التحرير و المهذّب الإجماع عليه (2) .

الفرع السادس

اشارة

الفرع السادس : هل تقبل شهادة الذمّيّ على غير المؤمن، أم لا ؟

أقول : غير المؤمن لا يخلو إمّا أن يكون من الذمّيّ، أو من غيره .

ص: 51


1- . كفاية الأحكام : 2 / 744 .
2- . الإيضاح : 4 / 418 ؛ المسالک : 14 / 161 ؛ التحرير : 5 / 245 ؛ المهذّب : 2 / 120 .
الحكم فيما إذا كانت شهادة الذمّيّ على أهل ملّته

والأوّل فقد نقل عن الشيخ في النهاية (1) القبول ؛ و يدلّ عليه ما تقدّم من موثّقة سماعة، حيث سأل فيها عن شهادة أهل الملّة، قال : فقال : لا تجوز إلّا على (2) ملّتهم (3) .

قال في كشف اللثام :

و هو قويّ، إلزامًا لكلِّ أهل ملّةٍ بما يعتقده (4) .

و ربما يدلّ عليه النبويّ المرويّ في كتب جماعة من الأصحاب، و هو هذا : «لا تقبل شهادة أهل دينٍ على غير دينهم (5) إلّا المسلمين، فإنَّهم عدولٌ على أنفسهم و على غيرهم » (6) .

و الحسن المتقدّم، و هو قوله (عليه السلام) : « تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل، و لا تجوز شهادة أهل الملل على المسلمين » (7) .

و يستفاد من هذه النصوص قبول شهادة الذمّيّ على الذمّي، بل قبول شهادة

ص: 52


1- . النهاية : 2 / 62 .
2- . في المصدر : على أهل ملّتهم .
3- . الكافي : 7 / 398 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 252 ح 652 ؛ الوسائل : 27 / 390 ح 34031 .
4- . كشف اللثام : 10 / 273 .
5- . في العوالي : غير أهل دينهم .
6- . عوالي الّلألئ : 1 / 454 ح 192 ؛ الحاوي الكبير : 17 / 62 ؛ تلخيص الحبير : 4 / 198 ح 2108 .
7- . الكافي : 7 / 398 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 252 ح 651 ؛ الوسائل : 27 / 386 ح 34017 .

أهل كلّ ملّة على أهل ملّتهم، كما نقل ذلک عن النهاية (1) ، حيث جوّز قبول شهادة أهل كلّ ملّة على أهل ملّتهم ولهم .

و المستفاد من النصوص المذكورة قبول شهادة أهل كلّ ملّة على أهل ملّتهم، وأمّا قبول شهادتهم لهم فلا ؛ و لا يمكن التمسّک بالأولويّة، لعدم تسليمها .

نعم، لو كان الأمر بالعكس - أي : كانت النصوص دالّة على جواز قبول الشهادة لهم - لكان للتمسّک بالأولويّة وجه .

المختار عند المصنّف (قدس سره)

والمختار : عدم القبول، وفاقًا للشرائع و النافع و الإرشاد (2) ، و المحكيّ عن ابن أبي عقيل و المقنعة و المبسوط و ابني البرّاج و إدريس (3) .

بل في المسالک و كشف اللثام (4) : هو المشهور، لعموم الأدلّة الدالّة على اعتبار الإسلام و الإيمان في الشاهد .

و النصوص المذكورة مع الكلام في دلالة الأخيرين لا تصلح للتخصيص، لما عرفت من كون العامّ فيما به التوارد معمولاً عند المشهور بين الطائفة .

ص: 53


1- . النهاية : 2 / 62 ؛ و نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 272 .
2- . المختصر النافع : 279 ؛ الشرائع : 4 / 911 ؛ الإرشاد : 2 / 156 .
3- . حكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف : 8 / 506 ؛ وانظر المقنعة : 726 ؛ المبسوط : 8 / 187 ؛ المهذّب :2/ 557 ؛ السرائر : 2 / 140 .
4- . المسالک : 14 / 164 ؛ كشف اللثام : 10 / 272 .

و يمكن الاستدلال لما نحن فيه بجميع الأدلّة الدالّة على قبول شهادة الذمّيّ على المسلم في الوصيّة، بناءً على أنّه لو جاز قبول شهادتهم على المسلم فيها، فجوازها في الوصيّة على غيرهم بطريق أولى مطلقًا، سواء كان من أهل ملّتهم أم لا، فإذا ثبت جواز قبول شهادتهم عليهم و على غيرهم في الوصيّة نقول بجوازها في غيرها أيضًا، لعدم القول بالفصل، إلّا أنّه لا محيص عمّا عليه المشهور مع ندرة القول الآخر .

قولٌ آخر في المسألة

و في المسألة قولٌ آخر، و هو التفصيل بأنّه تقبل شهادة الذمّيّ على الذمّيّ إن كان الترافع إلينا .

نقل ذلک عن الشيخ في الخلاف، و عنه : أنّه نسبه إلى أصحابنا (1) .

واختاره في المختلف و نزّل موثّقة سماعة عليه، فقال في مقام الردّ عليها والجواب :

المنع من صحّة السند، و القول بالموجب، كما اختاره الشيخ في الخلاف، و هو أنّه إذا ترافعوا إلينا و عدلوا الشهود عندهم، فإنّ الأولى هنا القبول ؛ إنتهى (2) .

ص: 54


1- . الخلاف : 6 / 273 ؛ نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 272 ؛ و رياض المسائل : 13 / 246 .
2- . المختلف : 8 / 506 .

و مال إليه في التنقيح، فقال بعد نقله عن الخلاف :

و هذا في الحقيقة قضاءٌ بالإقرار، لما تقدّم من (1) أنّه إذا أقرّ الخصم بعدالة الشاهدين حكم عليه (2) .

و ضعفه ظاهر، لأنّ تلک المسألة إنّما هي إذا أقرّ الخصم بعدالة الشاهد و جهل حاله للحاكم، فإنّه هناک يكتفي بإقرار الخصم بعدالة الشاهد و يحكم عليه .

و ليس الأمر فيما نحن فيه كذلک، لأنّ الخصم و إن كان مقرًّا بعدالة الشاهد لأنّه المفروض، إلّا أنّ الحاكم ليس بجاهل عن حاله، بل هو عالم بفسقه، فيكون المقام كما إذا أقرّ الخصم بعدالة الشاهد مع علم الحاكم بفسقه، و لا يجوز له الحكم حينئذٍ و إن رضي الخصم بذلک .

ثمّ أقول : إنّ ما نسبه شيخنا إلى أصحابنا إن ثبت ذلک فهو، و إلّا - كما هو الظاهر - فالحقّ ما مرّ .

الحكم فيما إذا كانت شهادة الذمّيّ على غير أهل ملّته

هذا كلّه إذا كانت شهادة الذمّيّ على أهل ملّته، و أمّا إذا كانت شهادته على غير أهل ملّته ممّن عدا المؤمن، فالمشهور بين الأصحاب - على ما حكاه جماعة من

ص: 55


1- . «من» لم يرد في المصدر.
2- . التنقيح الرائع: 4 / 288.

الأعلام (1) - عدم قبول الشهادة أيضًا، لما مرّ من عموم الأدلّة الدالّة على اشتراط الإسلام والإيمان في قبول الشهادة، و خصوص الموثّقة المتقدّمة والنبويّة المزبورة .

و لما رواه ضريس الكناسي قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة أهل ملّة هل تجوز على رجل من غير أهل ملّتهم ؟ فقال : لا، إلّا أن لا يوجد في تلک الحال غيرهم، فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصيّة، لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ امرئ مسلم، و لا تبطل وصيّته (2) .

خلافًا للمحكيّ عن ابن الجنيد (3) ، فجوّز شهادة الذمّيّ على غير أهل ملّته أيضًا، بل عنه : تجويز شهادة جميع الكفّار بعضهم على بعض و إن اختلفت الملّتان مع العدالة في دينهم .

لصحيحة الحلبي المرويّة في الفقيه عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سأله : هل يجوز (4) شهادة أهل الذمّة على غير أهل ملّتهم ؟ قال : نعم إن لم يوجد من أهل ملّتهم جازت شهادة غيرهم، إنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد (5) .

ص: 56


1- . انظر المقنعة : 726 ؛ و المبسوط : 8 / 187 ؛ و السرائر : 2 / 140 ؛ و المختلف : 5 / 245 ؛ و الدروس :2/ 124 ؛ و المهذّب : 2 / 557 ؛ و المسالک : 14 / 161 ؛ و كشف اللثام : 10 / 272 ؛ و رياض المسائل :13 / 247 .
2- . الكافي : 7 / 300 ح 7 ؛ التهذيب : 6 / 253 ح 654 ؛ الوسائل : 19 / 309 ح 24669 .
3- . حكاه عنه في المختلف : 8 / 505 ؛ وانظر كشف اللثام : 10 / 273 .
4- . في المصدر : هل تجوز .
5- . الفقيه : 3 / 47 ح 3299 ؛ و رواه في الكافي ( : 7 / 4 ح 2 ) والتهذيب ( : 9 / 180 ح 724 ) عن الحلبيّومحمّد بن مسلم عن الإمام الصادق (عليه السلام)، مع اختلاف يسير .

والظاهر أنّ مرجع الضمير في : « من أهل ملّتهم و غيرهم » هو غير أهل ملّتهم .

وجه الاستدلال : أنّها و إن دلّت على جواز شهادة الذمّيّ على غير أهل ملّتهم، لكن نقول بجواز شهادة جميع الكفّار بعضهم على بعض لعدم القول بالفصل .

و أيضًا أنّها تدلّ على جواز شهادة الذمّيّ على غير أهل ملّتهم عند عدم وجدان أهل ملّتهم، لكن يقال بقبول شهادتهم على غير ملّتهم مطلقًا لعدم القول بالفصل .

و جوابه هو : أنّا نعكس الأمر بأن نقول : إنّ الصحيح المذكور دلّ بمفهومه على عدم جواز قبول شهادة الذمّيّ على غير أهل ملّتهم مع وجدان أهل ملّتهم، فيقال بعدم جواز قبول شهادتهم على غير أهل ملَّتِهم مطلقًا لعدم القول بالفصل .

هذا مع أنّه لا يصلح لمقاومة ما مرّ من الأدلّة المتقدّمة الدالّة على عدم جواز قبول شهادتهم .

و ممّا ذكر ظهر الجواب عن الحسن المتقدّم، و هو قوله (عليه السلام) : « يجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل، و لا تجوز شهادة أهل الملل على المسلمين »(1) ،لإشعاره من جهة نفي جواز شهادة أهل الملل على المسلمين فقط جواز شهادة أهل الملل على غير المسلمين مطلقًا، سواء كانت شهادة أهل ملّةٍ لملّته أو لغير ملّته .

إن قلت : إنّ ما تقدّم من موثّقة سماعة و رواية ضريس المذكورة أنّهما مثل صحيحة الحلبي في المعنى و إن كانتا مختلفتين معها في اللفظ والاعتبار، إنّما هو

ص: 57


1- . الكافي : 7 / 398 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 252 ح 651 ؛ الوسائل : 27 / 386 ح 34017 .

بالمعنى، لا باللفظ، فكيف جعلتا دليلاً للمختار والصحيحة دليلاً عليه ؟!

قلت : كونهما مثل الصحيحة في المعنى غير مسلّم، و إن كان يتوهّم ذلک من قوله (عليه السلام) : « فإن لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصيّة »، لأنّ تعليله (عليه السلام) ذلک بقوله : « لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ امرئ مسلم » قرينةٌ على أنّ جواز شهادتهم عند عدم وجود غير الذمّيّ إنّما هو إذا كانت شهادته في الوصيّة على المسلم خاصّة، لا على غيره من أهل الملل غير الذمّيّ .

هذا في رواية ضريس، و أمّا الموثّق و إن كان التعليل فيه ليس على ما ذكر، بل هو هكذا : « لأنّه لا يصلح ذهاب حقّ أحد »، و هو شامل للمسلم و غيره، إلّا أنّ مفهوم القيد في رواية ضريس لتقييد « امرئ » بالمسلم يقيّد إطلاق « أحدٍ » هنا بالمسلم، فيكون المعنى : أنّه لا يقبل شهادة الذمّيّ على غير الذمّيّ إلّا على المسلم في الوصيّة إذا لم يوجد غير الذمّيّ، و هو المطلوب .

بل نقول : إنّه يمكن جريان مثل ذلک في صحيحة الحلبيّ أيضًا، فلا تصير مستندة لابن الجنيد .

هذا كلّه في الكلام على شهادة غير المسلم بعضه على بعض ؛ و أمّا شهادة المسلم فإنّها مقبولة مطلقًا، سواء كانت على مسلم أو غيره، لما عرفت من قوله (عليه السلام) في الحسن : « تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل » (1) .

و كذلک النبوىّ المتقدّم، و هو قوله (صلي الله عليه واله) : « لا تقبل شهادة أهل دين على غير

ص: 58


1- . الكافي : 7 / 398 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 252 ح 651 ؛ الوسائل : 27 / 386 ح 34017 .

دينهم إلّا المسلمين، فإنّهم عدول على أنفسهم و على غيرهم » (1) .

و عن المسالک : ادّعى الاتّفاق عليه (2) .

اعتبار العدالة في الشاهد

4- مسألة

اشارة

يشترط في الشاهد أيضًا : العدالة، بالإجماع والكتاب والسنّة .

أمّا الإجماع فقد استفاض نقله في كتب الأصحاب، بحيث لا يكاد يحصى كثرة (3) .

ذكر الآيات الدالّة على اعتبار العدالة في الشاهد

و أمّا الكتاب فالآيات في اعتبارها كثيرة، منها : ما تقدّم، و هو قوله - تعالى - : (يا أيّها الّذين آمنوا ) - إلى أن قال تعالى - : ( اثنان ذوا عدل منكم ).

ص: 59


1- . عوالي اللّألئ : 1 / 454 ح 192 ؛ الحاوي الكبير : 17 / 62 ؛ تلخيص الحبير : 4 / 198 ح 2108 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 161 .
3- . انظر تحرير الأحكام : 5 / 246 ؛ و مسالک الأفهام : 14 / 165 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 311 ؛ و كشفاللثام : 10 / 275 ؛ و رياض المسائل : 13 / 249 .

تنبيه

يستفاد من ذيل هذه الآية تحليف الشاهد حيث قال : ( اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلوة فيقسمان بالله إن ارتبتم ) الآية (1) ، مع أنّ الإجماع على عدم تحليف الشاهد مستفيض نقله بين الأصحاب، بل محقّق (2) .

الجواب عمّا يدلّ عليه الآية من تحليف الشاهد

و الجواب عنه يمكن من وجهين :

أحدهما هو : أنّ المراد من تلک المسألة هو : أنّ الشاهد لا يحلف لمكان شهادته ؛ و الآية غير دالّة على خلافه، لاحتمال أن يكون حلف الشاهدين فيها على تقدير دعوى خيانتهما و لم تكن لهما بيّنة على صدق قولهما، فتحليفهما حينئذٍ على القاعدة المسلّمة من كون : « البيّنة على المدّعي، و اليمين على من أنكر» (3) .

لما روي أنّ ثلاثة نفر خرجوا للتجارة من المدينة إلى الشام : تميم بن أوس

ص: 60


1- . المائدة : 106 .
2- . انظر كنز العرفان : 2 / 99 .
3- . سنن الترمذي : 2 / 399 ح 1356 ؛ السنن الكبرى : 10 / 252 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 244 ح 172 ؛الوسائل : 27 / 233 ح 33666 ؛ وانظر كنز العمّال : 6 / 187 و 190 .

وعديّ بن بريد (1) - و هما نصرانيّان - و ابن أبي مارية مولى عمرو بن العاص (2) - وهو مسلم - فمرض ابن أبي مارية و كتب ما معه في صحيفة، و طرحها في متاعه ولم يخبر صاحبيه بها، و أوصى إليهما أن يدفعا متاعه إلى أهله و مات، ففتشا متاعه و أخذا منه إناء من فضّة وزنه ثلاثمائة مثقال منقوشًا بالذهب، ثمّ رجعا بالمال إلى الورثة، فوجدوا الكتاب و طالبوهما بالإناء فجحدا، فترافعوا إلى النبيّ (صلي الله عليه واله)، فنزلت : ( تحبسونهما )، أي : تقفونهما ليحلفا من بعد الصلاة (3) .

والمراد بالصلاة قيل (4) : صلاة العصر، لأنّه وقت اجتماع الناس و وقت تصادم ملائكة الليل و ملائكة النهار، فاللام فيها للعهد .

و قيل (5) : صلاة الظهر .

ص: 61


1- . في الكشّاف : عدىّ بن زيد ؛ و في تفسير الثعلبي : عدىّ بن فدي ؛ و في الكافي : وابنُ بَيْدِيّ .
2- . في الكشّاف : بديل بن أبي مريم ؛ و في تفسير الثعلبي : بديل مولى عمرو بن العاص السهمي، وكان مسلمًامهاجرًا، واختلفوا في كنية أبيه، فقال الكلبي : بديل بن أبي مازنة، و قال قتادة وابن سيرين و عكرمة : هو ابنأبي مارية ( تفسير الثعلبي : 4 / 118 ).
3- . انظر الكافي : 7 / 5 ح 7 ؛ و الوسائل : 19 / 314 ح 24679 ؛ و سنن أبي داود : 3 / 307 ، كتاب القضايا،ح 3606 ؛ و تخريج الأحاديث و الآثار، الزيعلي : 1 / 426 ؛ و مجمع البيان : 3 / 438 ؛ و تفسير جوامعالجامع : 1 / 540 ؛ و زبدة التفاسير : 2 / 337 ؛ و فقه القرآن، للراوندي : 1 / 418 ؛ والكشّاف : 1 / 650 ؛و تفسير القرطبي : 6 / 246 ؛ و تفسير الثعلبي : 4 / 118 ؛ و أسباب النزول، للواحدي : 175 .
4- . هو المرويّ عن أبي جعفر (عليه السلام) ، و قتادة، و سعيد بن جبير، و غيرهم ؛ انظر مجمع البيان : 3 / 440 ؛والتبيان : 4 / 45 ؛ و زبدة التفاسير : 2 / 336 ؛ و الكشّاف : 1 / 650 . واختاره الزجّاج في معاني القرآن :2/ 216 ؛ و النحاس في إعراب القرآن : 2 / 46 .
5- . و هو قول الحسن ؛ راجع تفسير الماوردي : 2 / 76 ؛ والتبيان : 4 / 45 ؛ والكشّاف : 1 / 687 .

و قيل (1) : أيّة صلاة كانت، فاللام فيها للجنس .

و الوجه الثاني هو : أنّا لو سلّمنا أنّ تحليف الشاهدين في الآية إنّما هو لمكان شهادتهما، نقول : جاز أن يكون تحليف الشاهد مختصًّا بهذه الصورة، فكما تجوز شهادة الذمّيّ جاز تحليفه أيضًا، فتكون كلمات الأصحاب من الحكم بعدم تحليف الشاهد مختصّة بغير هذه الصورة ؛ هذا مضمون ما قاله بعضهم (2) .

و من الآيات المشار إليها قوله - تعالى - : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا (3) فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشهداء ) (4) ، و غير العادل ليس بمرضيّ .

و منها : قوله - تعالى - : ( وَ أشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (5) .

و منها : قوله - تعالى - : ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبيّنوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتُصبحوا على ما فعلتم نادمين ) (6) .

بيان

« النبأ » : الخبر، و هو يشمل الشهادة و غيرها . « فتبيّنوا » أي : تفحّصوا ؛

ص: 62


1- . انظر كنز العرفان : 2 / 97 ؛ و زبدة التفاسير : 2 / 336 .
2- . مسالک الأفهام إلى آيات الأحكام : 3 / 125 ؛ كنز العرفان : 2 / 99 .
3- . كذا في نسخة الأصل، و في المصدر : فإن لم يكونا رجلين .
4- . البقرة : 282 .
5- . الطلاق : 2 .
6- . الحجرات : 6 .

وقرئ : فتثبّتوا، أي : أطلبوا الثبوت إلى أن تبيّن لكم الحال . و « أن تصيبوا » في موضع النصب، أي : كراهة أن تصيبوا قومًا بجهالة، أي : جاهلين بحالهم .

وجه دلالة الآية على اعتبار العدالة في الشاهد هو : أنّه - تعالى - أوجب التفحّص و التثبّت إذا كان المخبر فاسقًا، فلا يجوز قبول الخبر مع فسق المخبر إلّا مع التفحّص و التثبّت، فاشترط في قبول الخبر من غير تفحّص عدم الفسق، و هو يلزم العدالة، فدلّت الآية على عدم قبول الخبر من غير تفحّص و تثبّت إلّا مع العدالة، و هو المطلوب .

إن قلت : دلالة الآية على قبول الخبر مع انتفاء فسق المخبر - أي : مع عدالته - غير مسلّمة، إذ مفهوم الشرط في الآية هو : أنّه إن جاءكم غير فاسق بنبأ، فلا تبيّنوا ؛ و هو لا يستلزم القبول .

قلت : عدم التبيّن و إن لم يستلزم القبول، لكنّ القرينة على إرادة القبول موجودة، لأنّه لو لم يقبل خبر العدل، بل يطرح، يلزم أن يكون الفاسق أعظم مرتبة من العادل، و هو أفضع شأنًا منه، و هو باطل قطعًا، فيجب القبول .

الدليل من السنّة على اعتبار العدالة في الشاهد

و أمّا السنّة الدالّة على اعتبار العدالة في الشاهد فمستفيضة، منها : صحيحة الحلبيّ عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سأله عمّا يردّ من الشهود، فقال : الظنين

ص: 63

والمتّهم و الخصم، قال : قلت : فالفاسق و الخائن ؟ قال : هذا يدخل في الظنين (1) .

و بمعناها نصوص (2) .

و منها : ما رواه جراح المدائني عنه (عليه السلام) أنّه قال : لا أقبل شهادة الفاسق (3) إلّا على نفسه (4) .

و سيجيء إلى غيرها الإشارة بإعانة الله - سبحانه .

بيان العدالة

و حيث قد عرفت اعتبار العدالة في قبول الشهادة و عدم قبولها مع عدمها، فلابدّ من البحث عنها نفسها حتّى يتميّز المقبول من المردود .

فأقول : هي في اللغة : الاستقامة و الاستواء (5) ؛ و في الشرع قد اختلفت كلمات الأصحاب في ذلک، ففي المبسوط في تعريف العدل :

أنّه الّذي يكون عدلاً في الدين و في المروّة و في الأحكام، فالعدل في

ص: 64


1- . الفقيه : 3 / 40 ح 3281 ؛ الوسائل : 27 / 374 ح 33981 .
2- . انظر الكافي : 7 / 395 ح 1 و 2 و 3 ؛ والتهذيب : 6 / 242 ح 598 و 601 و 602 ؛ والوسائل : 27 /373 ح 33977 و 33979 .
3- . في التهذيب : شهادة فاسق .
4- . الكافي : 7 / 395 ح 5 ؛ التهذيب : 6 / 242 ح 600 ؛ الوسائل : 23 / 186 ح 29345 ؛ و 27 / 373 ح33980 .
5- . انظر لسان العرب : 11 / 433 و 434 ؛ والقاموس المحيط : 4 / 13 ؛ و مجمع البحرين : 5 / 421 ؛ و تاجالعروس : 15 / 471 .

الدين : أن يكون مؤمنًا لا يعرف منه شيء من أسباب الفسق، و في المروّة : أن يكون مجتنبًا للأمور الّتي تسقط المروّة، مثل الأكل في الطرقات، و مدّ الرِجل بين الناس، و لبس الثياب المصبَّغة، و ثياب النساء، و ما أشبه ذلک ؛ و في الأحكام : أن يكون بالغًا عاقلاً لنقص أحكام الصبيّ و المجنون (1) .

و نقل عن ابن حمزة (2) ما يقرب عن هذا .

و عن متأخّري الأصحاب - كالعلّامة و من تأخّر عنه - :

أنّها ملكة تبعث على ملازمة التقوى و المروّة (3) .

والتقوى قيل :

ص: 65


1- . انظر المبسوط : 8 / 217 ؛ و نقله عنه بهذه العبارة في كشف اللثام : 10 / 275 . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : عبارة المبسوط هكذا : « العدالة في اللغة : أن يكون الإنسان متعادل الأحوال متساويا، و{ أمّا } في الشريعة هو مَن كان عدلاً في دينه، عدلاً في مروّته، عدلاً في أحكامه، فالعدل في الدين أن يكون مسلمًا]و[ لا يعرف منه شيء من أسباب الفسق، و في المروَّة أن يكون مجتنبًا للأمور الّتي تسقط المروّة، مثل الأكلفي الطرقات، و مدّ الأرجل بين الناس، و لبس الثياب المصبَّغة وثياب النساء و ما أشبه ذلک ؛ و العدل فيالأحكام أن يكون بالغًا عاقلاً عندنا ».
2- . الوسيلة : 230 ؛ نقله عنه في المحصول : 2 / 179 ؛ و مفتاح الكرامة : 8 / 262 .
3- . انظر قواعد الأحكام : 2 / 236 ؛ و مختلف الشيعة : 8 / 484 ؛ و تحرير الأحكام : 5 / 246 ؛ و إرشادالأذهان : 2 / 156 ؛ والدروس : 2 / 125 ؛ و روض الجنان : 2 / 767 ؛ والروضة البهيّة : 3 / 128 ؛ومجمع الفائدة : 2 / 351 و 12 / 311 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 745 ؛ و الحدائق الناضرة : 10 / 13 ؛وكشف اللثام : 10 / 276 ؛ و كشف الغطاء : 3 / 318 ؛ و مناهج الأحكام : 60 ؛ و مفاتيح الأصول : 548 ؛والمحصول : 2 / 178 .

في اللغة : الحذر (1) ، و في الشريعة : اجتناب الكبائر مع عدم الإصرار على الصغائر؛ و إنّما سمّي ذلک تقوى لأنّ الّذي يجب الحذر منه شرعًا إنّما هو ذلک، و أمّا غيره فيقع مكفّرًا باجتناب ذلک، كما قال - تعالى - : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَونَ عَنهُ نُكَفِّرْ عَنْكُم سَيِّئَاتِكُم و نُدْخِلُكُم مُدْخَلاً كَرِيمًا ) (2) ؛ كذا قيل (3) .

و فيه نظر، لأنّ الحذر واجب عن كلّ ذنب و لو كان صغيرًا من غير إصرار، فلو لم يجب الحذر عن الصغيرة و لو بأوّل دفعة لما كان ذلک معصية ؛ و كون الصغيرة من غير إصرار مكفّرة لا يدلّ على ذلک ؛ و كيف مع أنّ التكفير دليلٌ على المعصية ؛ ألاترى قوله - تعالى - : ( نكفّر عنكم سيّئاتكم ).

و يمكن أن يقال : إنّ تسمية ذلک بالتقوى لأنّه الّذي بسببه يحصل الحذر عن الإدراج في مدارج الفسّاق، إذ مع الاجتناب عن الكبائر و عدم الإصرار على الصغائر لا يصدق الفسق .

والمروّة : عبارةٌ عن اتّباع محاسن العادات واجتناب مساويها من الأمور الخسيسة، و إن كانت ممّا يقع مكفّرًا، كلبس الفقيه لباس الجنديّ، والأكل في الأسواق، والبول في الشوارع عند مرور الناس، و كشف الرأس، و مدّ الرجلين في المجامع، و تقبيل الأمة في المحاضر، والإكثار من الحكايات المضحكة،

ص: 66


1- . انظر القاموس المحيط : 1 / 1344 ؛ و لسان العرب : 6 / 4903 .
2- . النساء : 31 .
3- . المحصول : 2 / 178 .

والمضايقة في اليسير الّذي لا يناسب حاله، و هكذا (1) .

و هذه الأمور تختلف بالنسبة إلى الأحوال و الأوقات، و لهذا قيل :

إنّ ملازمة المروّة أن يسلک مسلكًا يليق بحاله في زمانه (2).

ثمّ اعلم : أنّه قال العلّامة في القواعد في تعريف العدالة :

أنّها كيفيّة نفسانيّة راسخة تبعث على ملازمة المروّة والتقوى (3) .

و هو مرادف لما مرّ من أنّها ملكة تبعث على ملازمة التقوى والمروّة، بل الظاهر اتحادّه مع ما مرّ من كلام الشيخ (4) ، فإنّه و إن لم يأخذ الملكة في تعريفها كما عرفت، إلّا أنّ عدم ظهور شيء من أسباب الفسق للمخالطين لا يكون في العادات إلّا عن ملكة .

و لهذا جعل في كشف اللثام ما ذكره الشيخ في المبسوط مرادفًا لما ذكره العلّامة في القواعد، حيث ذكر أوّلاً تعريف الشيخ، ثمّ قال : « و بعبارةٍ أُخرى » (5) ، فذكر ما ذكرناه من القواعد، لكنّ المحكيّ عن شيخنا المفيد و المحقّق : عدم

ص: 67


1- . انظر الروضة البهيّة : 1 / 793 ؛ و رسائل الشهيد الثاني : 1 / 68 ؛ و مدارک الأحكام : 4 / 68 ؛ والمسالک :14 / 169 ؛ و الحدائق الناضرة : 10 / 15 ؛ و رياض المسائل : 4 / 329 و 13 / 258 ؛ و مفاتيح الأصول :566 ؛ والمحصول : 2 / 178 .
2- . المحصول : 2 / 179 .
3- . القواعد : 3 / 494 .
4- . انظر المبسوط : 8 / 217 .
5- . كشف اللثام : 10 / 276 .

اعتبارهما المروّة في ظاهر كلامهما (1) .

و لعلّ الوجه في ذلک أنّ مخالفتها مخالفة العادة، لا الشريعة، فلا تضرّ بالعدالة .

إلّا أنّه يمكن أن يقال : إنّ مخالفة ما ذكرناه في بيان المروّة تكشف عن مساءةٍ وعدم حياء و قلّة مبالاة، و معها لا تبقى الوثاقة نظرًا إلى قوله (صلي الله عليه واله) : « من لا حياء له لا إيمان له » (2) ، « الحياء من الإيمان » (3) .

فالظاهر في تعريفها هو ما تقدّم من : أنّها ملكة تبعث على ملازمة التقوى والمروّة، و سيجيء الكلام في ذلک .

و يظهر اعتبار الملكة مضافًا إلى من عرفته من المفيد والشيخ في النهاية وأبي الصلاح و ابن البرّاج أيضًا .

قال الأوّل - على ما حكي عنه - : « العدل من كان معروفًا بالدين والورع عن محارم الله تعالى » (4) ، والمعروف بهما لا يكون إلّا مع الملكة المذكورة .

واعتبر الثاني - على ما نقل عنه - كونه معروفًا بالستر و الصلاح و العفاف

ص: 68


1- . انظر المقنعة : 725 ؛ و شرائع الإسلام : 4 / 911 و 912 ؛ حكاه عنهما في المحصول : 2 / 180 .
2- . مكارم الأخلاق، لابن أبي الدنيا : 42 ح 101 عن النبيّ (صلي الله عليه واله) ؛ كشف الخفاء، العجلوني : 2 / 375 ح3138؛ والمرويّ في الكافي : 2 / 106 ح 5 عن الإمام الصادق (عليه السلام) : « لا إيمان لمن لا حياء له » .
3- . دلائل الإمامة : 66 ؛ الغيبة، للشيخ الطوسيّ : 390 ؛ مسند أحمد : 2 / 9 و 56 و 147 و 501 ؛ صحيحالبخاري : 1 / 11 و 7 / 100 ؛ صحيح مسلم : 1 / 46 ؛ سنن ابن ماجة : 2 / 1400 ح 4184 ؛ سننالترمذي : 3 / 247 ح 2077 .
4- . المقنعة : 725 ؛ حكاه عنه في المحصول : 2 / 180 .

واجتناب الكبائر، و الكفّ عن شهوات الجوارح الأربع (1) .

و الثالث و الرابع - على ما نقل عنهما - : أن يكون مجتنبًا لجميع القبائح (2) .

فيعلم منهم أيضًا اعتبار الملكة في العدالة، لأنّ المتّصف بهذه الصفات لا يكون إلّا وهو ذو ملكة تبعث على ملازمة التقوى، بل المروّة، لا سيّما من الأخيرين، لأنّ الاجتناب من جميع القبائح يلزمه الاجتناب عن ما خالف المروّة، و هو واضح .

إذا عرفت ذلک فاعلم : أنّ ما أورده في الكفاية ليس على ما ينبغي، حيث قال :

فسّر العلّامة و جماعة ممّن تأخّر عنه العدالة بملكة نفسانيّة تبعث على ملازمة التقوى و المروّة، و لم أجده في كلام من تقدّم على العلّامة، والظاهر أنّه اقتفى في ذلک بكلام الرازي و من تبعه من العامّة، إنتهى (3) .

و أنت قد علمت ممّا ذكرناه اعتبار ذلک من جماعة من متقدّمي الأصحاب، وهم و إن لم ينصّوا بذلک، لكن عباراتهم دالّة عليها كما عرفت .

على أنّ الظاهر من كنز العرفان أنّ اعتبار الملكة في العدالة مجمع عليه، حيث قال :

و قد عرّفها الفقهاء بأنّها ملكة تبعث على ملازمة التقوى والمروّة إنتهى (4) .

ص: 69


1- . النهاية و نكتها : 2 / 52 ؛ نقله عنه في المحصول : 2 / 180 .
2- . انظر مختلف الشيعة : 8 / 482 ؛ نقله عنهما في المحصول : 2 / 180 .
3- . كفاية الأحكام : 2 / 745 .
4- . كنز العرفان : 2 / 384.

القول بأنّ العدالة هي ظاهر الإسلام

ثمّ اعلم : أنّه يظهر من جماعة من الأصحاب - كابن الجنيد، و المفيد في كتاب الإشراف (1) ، و الشيخ في الخلاف على ما حكي عنهم (2) - أنّ العدالة هي ظاهر الإسلام، فلو علم إسلام الرجل و إيمانه تقبل شهادته، إلّا إذا علم فسقه (3) .

ص: 70


1- . لم نعثر عليه في الإشراف، لأنّه يحتوي على العبادات فقط و بالضبط إلى نهاية الحجّ . قال المصنّف (قدس سره) فيكتابه « مطالع الأنوار 4 / 112 » : و أمّا شيخنا المفيد فإنّه وإن حكي عنه هذا القول في كتابه الإشراف، لكنّانقول : هذا الكتاب لم يكن عندي حتّى يتبيّن حقيقة الحال، فيمكن أن يكون الحال كالمبسوط، و أمّا كلامهفي المقنعة { : ص 725 } فهو صريح في خلافه، حيث قال : « العدل من كان معروفًا بالدين والورع عنمحارم الله عزّوجلّ » إنتهى .
2- . حكاه عنهم في المسالک : 13 / 400 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 674 ؛ و بحار الأنوار : 85 / 32 ؛ و الحدائقالناضرة : 10 / 18 ؛ و رياض المسائل : 13 / 61 .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : قال في المسالک : « إذا شهد عند الحاكم شهود فإن عرف فسقهم فلاخلاف في ردّ شهادتهم من غير احتياج إلى بحث ؛ و إن عرف عدالتهم قبل شهادتهم فلا حاجة إلى التعديل{و إن طلبه الخصم }؛ و إن لم يعرف حالهم في الفسق و العدالة، فإن لم يعرف { مع ذلک }إسلامهم وجبالبحث أيضًا ؛ و هذا كلّه ممّا لا خلاف فيه ؛ و إن عرف إسلامهم و لم يعرف شيئًا آخر { غيره } من جرح و لاتعديل فهذا ممّا اختلف فيه الأصحاب، والمشهور { بينهم - خصوصًا } عند المتأخّرين منهم - أنّه يجب البحثعن عدالتهم، و لا يكفي الاعتماد على ظاهر الإسلام ».ثمّ استدلّ لهم بقوله تعالى : ( و أشهدوا ذوي عدل منكم )، و برواية ابن أبي يعفور، و أجاب عن الآية بالمنعمن الدلالة، بأنّ غاية ما تدلّ الاتّصاف بأمرٍ زائدٍ على مجرّد الإسلام، فنحمله على عدم ظهور الفسق ؛ و عنالرواية بالطعن في السند .ثمّ حكى عن الخلاف وابن الجنيد والمفيد في كتاب الإشراف ظاهرًا الاكتفاء بمجرّد الإسلام، فقال : « و باقيالمتقدّمين لم يصرّحوا في عباراتهم بأحد الأمرين، بل كلامهم محتمل { لهما }».ثمّ أورد النصوص المذكورة الّتي أوردناها دليلاً للاكتفاء بظاهر الإسلام، ثمّ قال : « و هذا القول { و إن كان }أمتن دليلاً، { و أكثر روايةً }، و حال السلف تشهد به، و بدونه لا يكاد تنتظم الأحكام { للحكّام }، خصوصًا فيالبلاد الكبيرة، و للقاضي المنفذ من بعيد إليها، لكنّ المشهور الآن بل المذهب خلافه »، إنتهى ( المسالک :13/ 397 - 403 ).

قال الأوّل على ما نقل عنه :

انّ كلّ المسلمين على العدالة إلى أن يظهر خلافه (1) .

بل عن الثالث الإجماع عليه، و عبارته المنقولة هذه :

إذا شهد عند الحاكم شاهدان يعرف إسلامهما و لا يعرف فيهما جرح حكم بشهادتهما، و لا يقف على البحث، إلّا أن يجرح المحكوم عليه فيهما، بأن يقول : هما فاسقان (2) .

ثمّ حكى خلاف أبي حنيفة و تفصيله بين القصاص والحدّ و غيرهما، فيبحث فيهما، ثمّ قال :

دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم . و أيضًا الأصل في الإسلام العدالة، والفسق طار عليه يحتاج إلى دليل . و أيضًا نحن نعلم أنّه ما كان البحث في أيّام النبيّ (صلي الله عليه واله) ، و لا أيّام الصحابة، و لا أيّام التابعين، و إنّما هو شيء أحدثه شريک بن عبد الله القاضي، فلو كان شرطًا ما أجمع أهل الأعصار على تركه، إنتهى كلامه (3) .

ص: 71


1- . حكاه عنه في مختلف الشيعة : 3 / 88 ؛ و فيه : إلى أن يظهر منه ما يزيلها .
2- . الخلاف : 6 / 217 ، المسألة 10 .
3- . الخلاف : 6 / 218 ، المسألة 10 .

الاستدلال بجملة من النصوص للقول بأنّ العدالة هي ظاهر الإسلام

و استدلّ لهذا القول بجملة من النصوص، و لعلّها هي الّتي أشار إليها الشيخ في العبارة المذكورة، حيث قال : « دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم »، فها أنا أذكرها أوّلاً، ثمّ أُشير إلى جوابها .

فأقول : من تلک النصوص صحيحة حريز (1) عن مولانا الصادق (عليه السلام) في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا، فعدل منهم اثنان و لم يعدل الآخران ؛ فقال : إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعًا، وأقيم الحدّ على الّذي شهدوا عليه، إنّما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا به (2) وعلموا، و على الوالي أن يجيز شهادتهم إلّا أن يكونوا معروفين بالفسق (3) .

و منها : المرسل رواه يونس عن بعض رجاله (4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال :

ص: 72


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : و هي مرويّة في الكافي و التهذيب .
2- . « به » لم يرد في المصادر .
3- . الكافي : 7 / 403 ح 5 ؛ الاستبصار : 3 / 14 ح 36 ؛ التهذيب : 6 / 277 ح 759 ؛ الوسائل : 27 / 397ح 34049 .
4- . جاء في حاشية الأصل : و هو مرويّ في باب النوادر من كتاب القضايا من الكافي، و باب الزيادات فيالقضايا من التهذيب، و باب ما يجب فيه الأخذ بظاهر الحكم من كتاب القضاء من الفقيه ؛ و في التهذيب :«خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ فيها بظاهر الحال »، و هو أظهر كما لا يخفى ؛ منه .

سألته عن البيّنة إذا أقيمت على الحقّ، أيحلّ للقاضي أن يقضي بقول البيّنة من غير مسألة إذا لم يعرفهم ؟ قال : خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ بها بظاهر الحكم : الولايات و التناكح و المواريث و الذبائح و الشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهرًا مأمونًا جازت شهادته و لا يسئل عن باطنه (1) .

و منها : رواية سلمة بن كهيل قال : سمعت عليًّا (عليه السلام) يقول لشريح في حديث طويل : اعلم أنّ المسلمين عدول بعضهم على بعض، إلّا مجلود (2) في حدّ لم يتب منه، أو معروف بشهادة زور، أو ظنين (3) .

و منها : ما رواه في الفقيه باسناده إلى عبد الله بن المغيرة - و طريقه إليه حسن بإبراهيم بن هاشم - قال : قلت للرضا {عليه السلام} : رجل طلّق امرأته و أشهد شاهدين ناصبيّين، قال : كلّ من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته (4) .

و رواه في موضع آخر من غير ذكر سؤال هكذا : و روى عبد الله بن المغيرة عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت

ص: 73


1- . الكافي : 7 / 431 ح 15 ؛ الفقيه : 3 / 16 ح 3244 ؛ الاستبصار : 3 / 13 ح 35 ؛ التهذيب : 6 / ص 283ح 781 ، و ص 288 ح 798 ؛ الوسائل : 27 / 289 ح 33776 ؛ و رواه الشيخ الصدوق في الخصال : 311ح 88 ، عن محمّد بن الحسن، عن الصفّار، عن إبراهيم بن هاشم، عن أبي جعفر المقري - رفعه - إلى أبي عبدالله، عن آبائه، عن علىّ (عليهم السلام) قال : خمسة يجب على القاضي، و ذكر نحوه .
2- . في الكافي : مجلودًا .
3- . الكافي : 7 / 412 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 15 ح 3243 ؛ التهذيب : 6 / 225 ح 541 ؛ الوسائل : 27 / 211 ح33618 .
4- . الفقيه : 3 / 46 ح 3298 ؛ التهذيب : 6 / 284 ح 783 ؛ الوسائل : 27 / 398 ح 34052 .

شهادته (1) .

و منها : ما رواه عن العلاء بن سيابة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمام، قال : لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق (2) .

الجواب عن النصوص

و الجواب عن هذه النصوص بعد تسليم دلالة جميعها على ذلک هو : أنّا نقول : إنّ هذه النصوص معارضةٌ بنصوص أخر :

منها : صحيحة ابن أبي يعفور عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سأله : بِمَ يعرف (3) عدالة الرجل بين المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم و عليهم ؟

فقال : أن يعرفوه (4) بالستر و العفاف، و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان، ويعرف (5) باجتناب الكبائر الّتي أوعد الله - تعالى - عليها النار، من شرب الخمر(6) ، و الزنا، { و الربا } (7) و عقوق الوالدين، و الفرار من الزحف، و غير ذلک .

ص: 74


1- . الفقيه : 3 / 48 ح 3302 ؛ التهذيب : 6 / 283 ح 778 ؛ الوسائل : 27 / 393 ح 34036 .
2- . الفقيه : 3 / 48 ح 3303 ؛ التهذيب : 6 / 284 ح 784 ؛ الوسائل : 27 / 394 ح 34037 .
3- . في المصدر : تعرف .
4- . في المصادر : أن تعرفوه .
5- . في الفقيه : و تعرف .
6- . في الفقيه : الخمور .
7- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصادر .

و الدالّ (1) على ذلک كلّه أن يكون ساترًا (2) لجميع عيوبه حتّى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلک من عثراته و عيوبه (3) ، و يجب عليهم تزكيته (4) وإظهار عدالته في الناس، و يكون معه التعاهد (5) للصلوات الخمس إذا واظب

عليهنّ، و حفظ (6) مواقيتهنّ بحضور (7) جماعة من المسلمين، و أن لا يتخلّف عن جماعتهم في مصلّاهم إلّا من علّة .

فإذا (8) كان كذلک لازمًا لمصلّاه عند حضور الصلوات الخمس، فإذا سئل عنه في قبيلته و محلّته قالوا : ما رأينا منه إلّا خيرًا، مواظبًا على الصلاة (9)، متعاهدًا لأوقاتها في مصلّاه، فإنّ ذلک تجيز (10) شهادته و عدالته بين المسلمين (11) .

و لا يخفى أنّ ما تضمّنه هذا الحديث ينافي القول بأنّ العدالة هي ظاهر الإسلام قطعًا، بل لا يكاد يتمّ إلّا مع القول بأنّ العدالة هي الملكة .

ص: 75


1- . في الفقيه : و الدلالة .
2- . في التهذيبين بدل « أن يكون ساترًا » : والساتر .
3- . في الفقيه : حتّى يحرم على المسلمين ما وراء ذلک من عثراته و عيوبه و تفتيش ما وراء ذلک .
4- . في الاستبصار : توليه ؛ و في التهذيب : توليته .
5- . في الاستبصار : المتعاهد .
6- . في التهذيبين : و حافظ .
7- . في التهذيبين : بإحضار .
8- . من هنا إلى قوله : « عدالته بين المسلمين » ليس في التهذيبين .
9- . في المصدر : الصلوات .
10- . في المصدر : يجيز .
11- . الفقيه : 3 / 38 ح 3280 ؛ الاستبصار : 3 / 12 ح 33 ؛ التهذيب : 6 / 241 ح 596 ؛ الوسائل : 27 / 391ح 34032 .

و منها : ما مرّ في تفسير قوله - تعالى - : ( ممّن ترضون من الشهداء ) (1) ، قال (عليه السلام) (2) : ممّن ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفّته و تفطّنه (3) فيما يشهد به، وتمييزه (4) ، فما كلّ صالح مميّز محصّل (5) ، و لا كلّ محصّل مميّز صالح (6) .

و معلوم أنّ مجهول الحال لا يصدق عليه أنّه ممّن يرضى أمانته و صلاحه وعفّته، لأنّ المتبادر منها أنّها شيءٌ وجوديٌّ زائدٌ على مجرّد ظاهر الإسلام .

و منها : ما روي عن الخصال عن مولانا الرضا، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : مَن عامل الناس و لم يظلمهم، و حدّثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممّن كملت مروّته، و ظهرت عدالته، و وجبت أخوّته، وحرّمت غيبته (7) .

و نحوه آخر مرويّ عنه أيضًا (8) .

و منها : موثّقة سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) : لا بأس بشهادة

ص: 76


1- . البقرة : 282 .
2- . يعني : أمير المؤمنين (عليه السلام) .
3- . في المصدر : و تيقّظه ؛ و في بعض النسخ : و تيقّنه .
4- . في المصدر : و تحصيله و تمييزه .
5- . في المصدر : و لا محصّل .
6- . التفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ (عليه السلام) : 674 ح 375 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 399 ح 34054 .
7- . الخصال : 208 ح 28 ؛ عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 2 / 33 ح 34 ؛ تحف العقول : 57 ؛ الوسائل : 27 / 396ح 34046 ؛ و رواه في الكافي : 2 / 239 ح 28 ، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، مع تفاوتيسير.
8- . انظر الخصال : 208 ح 29 ؛ و الوسائل : 27 / 396 ح 34047 .

الضيف إذا كان عفيفًا صائنًا (1) .

و منها : ما رواه العلاء بن سيابة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، حيث سأله عن المكاري والملّاح و الجمّال، قال : لا بأس بهم (2) ، تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء (3) .

و منها : ما رواه هشام بن سالم عن عمّار بن مروان قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) - أو قال : سأله بعض أصحابنا (4) - عن الرجل يشهد لابنه (5) ، والإبن لأبيه (6) ،

والرجل (7) لامرأته ؟ قال : لا بأس بذلک إذا كان خيّرًا (8) .

و منها : الحسن المرويّ عن البزنطيّ عن أبي الحسن (عليه السلام) أنّه قال له : جعلت فداک، كيف طلاق السنّة ؟ قال : يطلّقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشيها(9) بشاهدين عدلين، كما قال الله تعالى في كتابه - إلى أن قال : - مَن (10) ولد على

ص: 77


1- . الفقيه : 3 / 44 ح 3292 ؛ الاستبصار : 3 / 21 ح 64 ؛ التهذيب : 6 / 258 ح 676 ؛ الوسائل : 27 / 372ح 33976 .
2- . في المصدر : و ما بأسٌ بهم .
3- . الكافي : 7 / 396 ح 10 ؛ الفقيه : 3 / 46 ح 3297 ؛ التهذيب : 6 / 243 ح 605 ؛ الوسائل : 27 / 381ح 34003 .
4- . في الفقيه : أصحابه .
5- . في المصادر : لأبيه .
6- . في المصادر : أو الأخ لأخيه .
7- . في المصادر : أو الرجل .
8- . الكافي : 7 / 393 ح 4 ؛ الفقيه : 3 / 41 ح 3285 ؛ التهذيب : 6 / 248 ح 631 ؛ الوسائل : 27 / 367 ح33964 .
9- . في المصادر : أن يغشاها .
10- . في قرب الاسناد : كلّ من .

الفطرة أجيزت (1) شهادته على الطلاق بعد أن يعرف (2) منه خيرًا (3) .

و الظاهر من العفّة و الصائن و الصلاح و الخير هو الأمر الوجوديّ الزائد عن أصل الإسلام .

و التعارض بين هذه النصوص و النصوص المتقدّمة تعارض المطلق و المقيّد، لأنّ النصوص المتقدّمة دلّت على أنّ المسلم إذا لم يظهر منه فسقٌ تقبل شهادته مطلقًا ؛ و هذه النصوص قد دلّت على أنّه تقبل شهادته بشرط أن يكون فيه شيءٌ زائدٌ على مجرّد الإسلام، فيقيّد بها إطلاق تلک النصوص حملاً للمطلق على المقيّد.

فيعلم من ذلک أنّ العدالة ليست مجرّد ظاهر الإسلام، بل مع شيء آخر، فنقول : إنّ ذلک الشيء هو الملكة الباعثة على ملازمة التقوى و المروّة ؛ و هي و إن لم تذكر في النصوص صريحًا، إلّا أنّ جملةً منها قد اشتملت على صفات ظاهر لا تتحقّق إلّا معها، لا سيّما الصحيحة المتقدّمة ؛ هذا .

مع أنّک قد عرفت من ظاهر كنز العرفان الاتّفاق على أنّ العدالة ذلک ؛ و به يشعر عبارة المولى الأردبيليّ في مجمع الفائدة و البرهان، حيث قال :

إنّ العدالة قد عرفت في الأصول و الفروع من الموافق و المخالف

ص: 78


1- . في قرب الاسناد : جازت .
2- . في قرب الاسناد : بعد أن يعرف منه صلاح في نفسه .
3- . قرب الاسناد : 365 ح 1309 ؛ الكافي : 6 / 67 ح 6 ؛ التهذيب : 8 / 49 ح 152 ؛ الوسائل : 22 / 18 ح27909 ، و ص 26 ح 27930 .

بالملكة الّتي يقتدر بها على ترک الكبائر، و الإصرار على الصغائر، والمروّات، إنتهى (1) .

قال في الشرائع :

الحاكم إن عرف عدالة الشاهدين حكم، و إن عرف فسقهما أطرح، و إن جهل الأمرين بحث عنهما (2) ، و كذا لو عرف إسلامهما و جهل عدالتهما، توقّف حتّى يتحقّق ما يبني عليه من عدالة أو جرح . و قال في الخلاف : يحكم، و به رواية شاذّة، إنتهى (3) .

و أنت إذا أحطت خبرًا بما ذكرناه ظهر لک أنّ الإجماع الّذي ادّعاه في الخلاف موهون، مع أنّک قد عرفت سابقًا من المفيد (4) - الّذي هو أحد مشاركيه - ما يدلّ على اعتبار الملكة .

و المحكيّ عن ابن الجنيد - الّذي هو شركيه الآخر - ما يدلّ على ذلک أيضًا، وهو هذا :

إذا كان الشاهد حرًّا بالغًا مؤمنًا بصيرًا، معروف النسب، مرضيًّا، غير مشهور بكذب في شهادة، و لا بارتكاب كبيرة، و لا مقام على صغيرة، حسن التيقّظ، عالمًا بمعاني الأقوال، عارفًا بأحكام الشهادة، غير

ص: 79


1- . مجمع الفائدة : 12 / 66 .
2- . في المصدر : و إن جهل الأمر يبحث عنهما .
3- . شرائع الإسلام : 4 / 868 .
4- . انظر المقنعة : 725 .

معروف بحيف على معامل، و لا تهاون (1) بواجب من علم أو عمل، و لا معروف بمباشرة أهل الباطل، و الدخول (2) في جملتهم، و لا بالحرص على أهل الدنيا، و لا بساقط المروّة، بريئًا من أهواء أهل البدع الّتي يجب (3) على المؤمنين البرائة من أهلها، فهو من أهل العدالة المقبول شهادتهم (4) .

هذا مع أنّ الشيخ بنفسه ظاهره الإجماع على خلاف ذلک، حيث قال في الخلاف :

مسألة : إذا حضر الغرباء في بلد عند حاكم (5) ، فشهد عنده اثنان، فإن عرفا بعدالة حكم، و إن عرف الفسق (6) وقف، و إن لم يعرف عدالةً و لا فسقًا بحث عندنا (7) ، سواء كان لهما السيماء الحسنة و المنظر الجميل، أو (8) ظاهر الصدق .

ثمّ حكى خلاف مالک في معرفة العدالة بالمنظر الحسن، ثمّ استدلّ لما اختاره

ص: 80


1- . في المصدر : متهاون .
2- . في المصدر : و لا الدخول .
3- . في المصدر : توجب .
4- . حكاه عنه في المختلف : 8 / 483 .
5- . في المصدر : الحاكم .
6- . في المصدر : و إن عرفا بالفسق .
7- . في المصدر : عنهما .
8- . في المصدر : و .

بقوله - تعالى - : ( فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشهداء ) (1) ، قال :

و هذا ما رضي بهما (2) .

و بما ذكر ظهر لک أنّه لو كان التعارض بين تلک النصوص و ما بعدها تعارض الظاهرين، يقدّم الثاني أيضًا ألبتّة ؛ هذا .

مع أنّا لا نسلّم دلالة جميع تلک النصوص على كفاية مجرّد ظاهر الإسلام في قبول الشهادة، إذ من جملتها قوله (عليه السلام) : « من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته » (3) .

و ظاهره لو لم يدلّ على عدم كفاية مجرّد ظاهر الإسلام في قبول الشهادة، فلا أقلّ من عدم دلالته على ذلک .

و كذا الكلام في قوله (عليه السلام) في المرسل المتقدّم المشترط كون ظاهره ظاهرًا مأمونًا (4) .

بل الإنصاف أنّه لا يقال للمجهول الحال : انّه صالح، سيّما أن يكون معروفًا بالصلاح ؛ و كذا لا يقال له : انّه مأمون .

ص: 81


1- . البقرة : 282 .
2- . الخلاف : 6 / 221 ، المسألة 15 .
3- . الفقيه : 3 / 48 ح 3302 ؛ التهذيب : 6 / 283 ح 778 .
4- . انظر الكافي : 7 / 431 ح 15 ؛ و الفقيه : 3 / 16 ح 3244 ؛ والاستبصار : 3 / 13 ح 35 ؛ والتهذيب : 6 /ص 283 ح 781 ، و ص 288 ح 798 ؛ والوسائل : 27 / 289 ح 33776 .

يجب الفحص عن المجهول الحال

فالحقّ - وفاقًا للمشهور المحقّق و المنقول (1) - : وجوب التفحّص عن مجهول الحال مع العلم بالإسلام، لما عرفت .

مضافًا إلى أنّ الأصل عدم اشتغال ذمّة شخص لآخر بحقّ و عدم جواز تسليطه عليه، فيجب الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن، و هو ما إذا شهد الشاهدان المتّصفان بالعدالة الّتي هي الملكة، دون غيره .

و يدلّ عليه أيضًا ما روي عن الوسائل عن مولانا الحسن بن عليّ العسكريّ في تفسيره، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السلام) قال : كان رسول الله (صلي الله عليه واله) إذا تخاصم إليه رجلان قال للمدّعي : ألک حجّة ؟ فإن أقام بيّنة يرضى (2) و يعرفها، نفذ (3) الحكم على المدّعى عليه .

إلى أن قال : و إذا جاء بشهود لا يعرفهم بخير و لا شرّ، بعث رجلين من خيار أصحابه يسئل كلّ منهما من حيث لا يشعر الآخر عن حال الشهود في قبائلهم ومحلّاتهم، فإذا أثنوا عليه قضى حينئذٍ على المدّعى عليه، و إن رجعا بخبر سيّء وثناء قبيح لم يفضحهم، و لكن يدعو الخصم إلى الصلح، و إن كان الشهود من أخلاط الناس غرباء لا يعرفون أقبل على المدّعى عليه، فقال : ما تقول فيهما ؟

ص: 82


1- . انظر معارج الأصول : 149 ؛ و مفاتيح الأصول : 378 ؛ و المحصول : 2 / 194 .
2- . في المصدر : يرضاها .
3- . في المصدر : أنفذ .

فإن قال : ما عرفنا إلّا خيرًا غير أنّهما غلطا فيما شهدا عليّ أنفذ شهادتهما، و إن جرحهما و طعن عليهما أصلح بين الخصمين، أو أحلف المدّعى عليه و قطع الخصومة بينهما (1) .

و هو صريحٌ في البحث عن الشاهد إذا جهل حاله ؛ و إطلاقه شاملٌ لما إذا جهل إسلامهما أم لا، لو سلّمنا عدم تبادر الأخير منه، لغلبيّة الإسلام في المتخاصمين وشهودهم في زمانه (صلي الله عليه واله).

و يدلّ عليه أيضًا ما دلّ على عدم قبول شهادة الفاسق من الآية المذكورة، وهي قوله - تعالى - : ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ ) الآية (2) ؛ و النصوص المستفيضة الّتي قد تقدّمت إلى بعضها الإشارة .

بناءً على أنّ الفاسق اسمٌ لمن ثبت وصف الفسق له في نفس الأمر، و مجهول الحال يحتمل أن يكون كذلک، فيجب الفحص عن حاله، لاسيّما بعد تعليله - تعالى - عدم قبول قول الفاسق بكراهة الوقوع في الندم، حيث قال - تعالى - : (أن تُصيبوا قومًا بجهالة فتُصبحوا على ما فعلتم نادمين ) على ما ذكرناه سابقًا .

و على فرض تسليم كون المراد بالفاسق من علم فسقه - بناءً على أنّ المتبادر منه ذلک، فيجب حمله عليه، لأنّ الألفاظ محمولةٌ على ما يفهم منها في العرف والعادة - نقول : إنّ قبول قول الشاهد ليس على وفق الأصل حتّى ينفعک حمل

ص: 83


1- . التفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ (عليه السلام) : 675 ح 376 ؛ عنه الوسائل : 27 / 239 ح 33678 ؛ معتفاوت .
2- . الحجرات : 6 .

الفاسق على ما علم فسقه، لأنّه مع حمل لفظ « الفاسق » على ذلک يبقى حكم مجهول الحال من غير دليل، بناءً على ما عرفت من الجواب عن النصوص الّتي استدلّ بها على قبول شهادته، فيجب فيه المصير إلى حكم الأصل، و هو عدم جواز قبول شهادته .

إن قلت : إنّ الدليل على قبول القول من مجهول الحال هو مفهوم الآية الشريفة، لأنّ مفهومها - بعد حمل لفظ « الفاسق » على الّذي علم فسقه - هكذا : إن جاءكم غير الفاسق الّذي علم فسقه (1) لا تبيّنوا، بل أقبلوا ؛ و هو أعمٌّ من أن يكون معلوم العدالة أو مجهول الحال، فيجب قبول قوله أيضًا عملاً بإطلاق المفهوم .

قلت : إطلاق المفهوم كالإطلاق في النصوص المتقدّمة، فيجب تقييده بما قيّدناها و بخصوص ما مرّ آنفًا عن مولانا الحسن بن عليّ العسكريّ {عليه السلام}، حيث دلّ صريحًا على الفحص عند شهادة مجهول الحال، فلا يبقى للشبهة مجالٌ بتوفيق الله المتعال .

و أيضًا نقول : كما أنّه يحمل لفظ « الفاسق » على من علم فسقه، ينبغي أن يحمل لفظ « العدل » و « العادل » على من علمت عدالته، فيحمل عليه ما دلّ على اشتراط العدالة في قبول الشهادة، فلا يجوز قبول شهادة مجهول الحال، لأنّه غير معلوم العدالة، بناءً على ما عرفت من أنّها الملكة، أي : الهيئة الراسخة في النفس الباعثة لها على ملازمة التقوى و المروّة .

ص: 84


1- . كذا في نسخة الأصل، والصواب : لم يعلم فسقه .

و بالجملة : لا شکّ في ضعف القول بقبول شهادة مجهول الحال، و لا في ضعف كون العدالة هي ظاهر الإسلام، بل الحقّ أنّها عبارة عن الملكة (1) .

في بيان ما يعرف به العدالة الّتي عبارة عن الملكة

و حيث قد عرفت أنّ العدالة عبارةٌ عن الملكة، ينبغي أن يذكر ما به يحكم بتحقّق تلک الملكة في الشاهد حتّى تقبل قوله في الشهادة .

فأقول : قد اختلفت مقالة الأصحاب في ذلک، فمنهم (2) من اكتفى في ذلک بحسن الظاهر، أي : بالظنّ الّذي يحصل بسبب حسن الظاهر في تحقّق تلک الملكة، فلا يحتاج إلى الاختبار والمعاشرة الباطنيّة المطّلعة على الباطن والسريرة .

و منهم (3) من اشترط في الحكم بها الاختبار و المعاشرة الباطنيّة حتّى يحصل الظنّ المتأخّم للعلم بحصولها و اطمينان النفس بذلک، أو ما يقوم مقام ذلک شرعًا من الشياع، أو شهادة عدلين، أو اقتدائهما مع انتفاء التهمة .

ص: 85


1- . لاحظ تفصيل البحث في كتاب المصنّف (قدس سره) : مطالع الأنوار : 4 / 105 - 115 .
2- . منهم : المقنعة : 725 ؛ و الخلاف : 6 / 217 ؛ والمبسوط : 8 / 217 ؛ والنهاية : 2 / 52 ؛ والوسيلة : 230 ؛والسرائر : 2 / 117 ؛ و المدارک : 4 / 69 ؛ و مفاتيح الشرائع : 3 / 261 .
3- . منهم : الشرائع : 4 / 126 ؛ والذكرى : 4 / 391 ؛ و الدروس : 1 / 218 ؛ والمقاصد العلية : 52 ؛ والروضة :1 / 379 ؛ والجعفريّة ( رسائل المحقّق الكركيّ ) : 1 / 80 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 324 ؛ و كشف اللثام :10 / 276 ؛ والحدائق الناضرة : 10 / 28 ؛ والشرح الصغير : 3 / 260 ؛ و رياض المسائل : 13 / 67 .

و هو مقتضى الأصل، لأنّ مقتضاه حصول العلم بذلک، إلّا أنّه لمّا كان في المقام متعذّرًا، لأنّ العدالة كما عرفت هي الملكة، و هي الهيئة الراسخة في النفس ولايمكن العلم بذلک غالبًا، لكن قد ثبت أنّه متى تعذّرت الحقيقة وجب الانصراف إلى ما هو أقرب إليها .

إلّا أنّ الظاهر من جملة من النصوص الواردة في المسألة كفاية حسن الظاهر، منها : ما تقدّم، و هو قوله (عليه السلام) : « خمسة أشياء يجب على الناس الأخذ بها بظاهر الحكم : الولايات و المناكح و المواريث و الذبائح و الشهادات، فإذا كان ظاهره ظاهرًا مأمونًا جازت شهادته و لا يسئل عن باطنه » (1) .

و عن الصدوق أنّه روى في الخصال ما يقرب منه (2) .

و منها : الصحيحة المتقدّمة أيضًا، و هي قوله : « بِمَ تعرف عدالة الرجل من المسلمين حتّى تقبل شهادته لهم و عليهم ؟ فقال : بأن تعرفوه بالستر و العفاف -إلى أن قال (عليه السلام) : - و الدلالة على ذلک كلّه أن يكون ساترًا لجميع عيوبه » (3) .

ص: 86


1- . الكافي : 7 / 431 ح 15 ؛ الفقيه : 3 / 16 ح 3244 ؛ الاستبصار : 3 / 13 ح 35 ؛ التهذيب : 6 / ص 283ح 781 ، و ص 288 ح 798 ؛ الوسائل : 27 / 289 ح 33776 .
2- . رواه الشيخ الصدوق في الخصال : 311 ح 88 ، عن محمّد بن الحسن، عن الصفّار، عن إبراهيم بن هاشم،عن أبي جعفر المقري - رفعه - إلى أبي عبد الله، عن آبائه، عن علىّ (عليهم السلام) قال : خمسة يجب على القاضي،وذكر نحوه .
3- . الفقيه : 3 / 38 ح 3280 ؛ الاستبصار : 3 / 12 ح 33 ؛ التهذيب : 6 / 241 ح 596 ؛ الوسائل : 27 / 391ح 34032 .

و غيرهما (1) .

إن قلت : إنّ جملة من النصوص قد دلّت على أنّه يعتبر في قبول شهادة الشاهد كونه معروفًا بالستر و العفاف و الصلاح، والظاهر أنّه لا يقال لشخص انّه معروف بالصلاح مثلاً، إلّا مع الاختبار و المعاشرة الكثيرة، أو بالشياع ؛ و بالجملة : مجرّد حسن الظاهر لا يكفي في صدق ذلک .

قلت : قد تقدّم في الصحيحة المذكورة آنفًا ما دلّ على كفاية حسن الظاهر في ذلک، و هو قوله (عليه السلام) : « و الدلالة على ذلک كلّه أن يكون ساترًا لجميع عيوبه »، فيكون هذا تفسيرًا لكلّ ما وقع فيه لفظ « المعروف » من غير تفسير .

و لقائل أن يقول : إنّه على هذا - أي : على الاكتفاء بحسن الظاهر في تحقّق الملكة - يلزم كون اعتبار الملكة أوّلاً عبثًا و لغوًا، إذ لا فائدة يعتدّ بها في ذلک مع الاكتفاء بحسن الظاهر، فلک أن تقول أوّلاً : انّ العدالة هي حسن الظاهر، نظرًا إلى النصوص المشار إليها .

و يمكن أن يجاب عن ذلک : بأنّ صحيحة ابن أبي يعفور دلّت على أنّ حسن الظاهر دليلٌ عليها، لا هي نفسها، على ما قدّمنا .

و أيضًا : أنّ تفسير العدالة بالملكة اتّفاقيّ، كما استفيد ذلک من كلام كنز

ص: 87


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : « و يؤيّده ما في الكافي { : 2 / 239 ح 28 } في باب علامات المؤمن،عن عثمان، عن سماعة، عن الصادق (عليه السلام) قال : مَن عامل الناس فلم يظلمهم، و حدّثهم فلم يكذبهم،ووعدهم فلم يخلفهم، كان ممّن حرمت غيبته، و كملت مروّته، و ظهر عدالته، و وجبت أخوّته . و هو مرويّفي العيون { : 2 / 33 ح 34 } عن مولانا الرضا (عليه السلام)، عن رسول الله (صلي الله عليه واله)».

العرفان (1) ، و كذا من مجمع الفائدة و البرهان (2) ، فاتّفاقهم على ما يستفاد ممّا ذكر يمنع القول بكون العدالة عبارةٌ عن حسن الظاهر ؛ و لهذا قلنا أوّلاً : انّ العدالة هي الملكة .

ثمّ لمّا دلّت النصوص المشار إليها على كفاية حسن الظاهر في قبول الشهادة، علمنا أنّهم (عليهم السلام) اكتفوا في تحقّق العدالة بذلک، بناءً على أنّه لو لم نكتف في تحقّقها بذلک و اعتبرنا الاختبار و المعاشرة ربّما لا يتمّ نظام العالم و أمر الحكّام، لا سيّما في المدن الكبيرة، و القاضي الّذي ترافع الخصمان إليه من البلاد البعيدة .

و الظاهر أنّ حال السلف لم يكن كذلک، بل الظاهر أنّ حالهم قبول الشهادة بحسن الظاهر، إذ لم يمكن للحاكم الاختبار و المعاشرة الباطنيّة مع كلّ أحد .

والبحث و التفتيش عن عدالة الشهود مع ظهور حسن الظاهر غير معلوم أيضًا، وقد عرفت من عبارة الخلاف أنّ البحث عن عدالة الشهود ما كان في أيّام النبيّ (صلي الله عليه واله) ، و لا أيّام الصحابة، و لا أيّام التابعين (3) .

و كفاک هذا شاهدًا على ما قلنا ؛ و معلوم أنّ الشيخ أعرف بهم و أجلّ من أن يتّهم عليهم .

و يدلّ عليه أيضًا ما في أمالي الصدوق عن علقمة قال : قلت للصادق (عليه السلام):

ص: 88


1- . كنز العرفان : 2 / 384 .
2- . مجمع الفائدة : 12 / 66 .
3- . الخلاف : 6 / 218 ، المسألة 10 .

أخبرني عمّن (1) تقبل شهادته و من لا تقبل (2) ؟ قال : يا علقمة، كلّ مَن كان على فطرة الإسلام جازت شهادته .

فقلت (3) : تقبل شهادة المعترف بالذنوب (4) ؟ فقال : لو لم تقبل شهادة المعترفين (5) بالذنوب لما قبلت إلّا شهادة (6) الأنبياء و الأوصياء - صلوات الله عليهم - لأنّهم هم المعصومون دون سائر الخلق، فمن لم تره بعينک يرتكب ذنبًا، أو لم يشهد عليه بذلک شاهدان، فهو أهل (7) العدالة و الستر، و شهادته مقبولة وإن كان في نفسه مذنبًا ؛ و مَن اغتابه بما فيه فهو خارجٌ عن ولاية الله - تعالى ذكره - داخلٌ في ولاية الشيطان، الحديث (8) .

و في الكتاب عن موسى بن جعفر (عليهماالسلام) : من صلّى خمس صلوات في اليوم والليل (9) في جماعة، فظنّوا به خيرًا، و أجيزوا شهادته (10) .

هذا، و استدلّ للقول الآخر - أي : القول بعدم كفاية حسن الظاهر واعتبار

ص: 89


1- . في المصدر : من .
2- . في المصدر : و من لا تقبل شهادته .
3- . في المصدر : قال : فقلت له .
4- . في المصدر : المقترف للذنوب .
5- . في المصدر : المقترفين .
6- . في المصدر : شهادات .
7- . في المصدر : من أهل .
8- . الأمالي، للشيخ الصدوق (رحمه الله) : 163 ح 163 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 285 ح 16319 .
9- . في المصدر : و الليلة .
10- . الأمالي، للشيخ الصدوق (رحمه الله) : 418 ح 556 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 395 ح 34043 .

الاختبار و المعاشرة - بقوله تعالى : ( و أشهدوا ذوي عدل منكم ) (1) ، و قوله - عزّ شأنه - : ( فَرَجُلٌ و امرَأتانِ ممّن ترضون مِنَ الشهداء ) (2) .

و فيه نظر، لأنّ غاية ما يستفاد من الآية الأولى اعتبار العدالة في الشاهد، ونحن نقول به، لكنّا نجعل حسن الظاهر علامة لتحقّقها لما عرفت ؛ و لا دلالة للاية على خلافه .

و أمّا الآية الثانية، فلأنّ الظاهر أنّ مَنِ اتّصف ظاهره بالحسن و الصلاح هو ممّن يرضى عنه .

و بالجملة : الظاهر الاكتفاء في قبول الشهادة بحسن الظاهر، إلّا أنّ الاحتياط مهما أمكن اعتبار المعاشرة و الاختبار ؛ و مع العدم البحث و التفتيش عن حاله من العدلين الّذين علمت عدالتهما بالاختبار و المعاشرة (3) .

ص: 90


1- . الطلاق : 2 .
2- . البقرة : 282 .
3- . لاحظ تفصيل البحث في كتابه (قدس سره) : مطالع الأنوار : 4 / 105 - 115 .

فروع

الفرعُ الأوّل

هل في الذنوب صغيرة أم لا ؟

الأوّل : لمّا أخذ الكبائر و الصغائر في تفسير العدالة، ناسب لنا البحث عنهما، فأقوّل أوّلاً : قد اختلف أصحابنا في أنّ المعاصي هل هي كبيرة بجميعها فلا صغيرة فيها، أم تكون على قسمين : كبير و صغير ؟

فالمحكيّ عن جماعة من الأصحاب - كشيخنا المفيد، و ابن البرّاج، و أبي الصلاح، و ابن إدريس، و أبي عليّ صاحب المجمع (1) - هو الأوّل .

فذهبوا إلى أنّ كلّ معصية كبيرة و إن اختلفت مراتبها، لاشتراكها في مخالفة أوامر الله تعالى - جلّ شأنه - و إطلاق الصغير و الكبير إنّما هو بالنسبة إلى ما فوقه و ما تحته، فالقُبلة بالنسبة إلى الزنا صغيرة، و بالنسبة إلى النظر كبيرة .

ص: 91


1- . انظر مصنّفات الشيخ المفيد : 4 / 83 و 84 ؛ و المقنعة : 725 ( و ليس فيها التصريح بذلک ) ؛ والمهذّب :2/ 556 ؛ و الكافي في الفقه : 435 ؛ و السرائر : 2 / 118 ؛ و مجمع البيان : 3 / 70 ؛ و حكاه عنهم فيالتنقيح الرائع : 4 / 290 ؛ و المسالک : 14 / 166 ؛ و الذخيرة (ط.ق ) : ج 1 ق 2 / ص 303 ؛ و الحبلالمتين ( ط . ق ) : 82 ؛ و الحدائق : 10 / 51 ؛ و مناهج الأحكام، للميرزا القمّيّ : 62 ؛ وانظر أيضًا كنزالعرفان : 2 / 385 ؛ و حقائق الإيمان، للشهيد الثاني : 211 و 212 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 315 .

بل كلام الأخير ظاهره انعقاد الإجماع على ذلک، حيث قال بعد أن ذكر هذا القول :

و إلى هذا ذهب أصحابنا - رضي الله عنهم - فإنّهم قالوا : المعاصي كلّها كبيرة { من حيث كانت قبائح } (1) ، لكن بعضها أكبر من بعض، و ليس في الذنوب صغيرة، و إنّما تكون صغيرة (2) بالإضافة إلى ما هو أكبر {منه } (3) ، و يستحقّ العقاب عليه أكثر، إنتهى (4) .

و قال في الجوامع :

قال أصحابنا { - رضي الله عنهم - } : المعاصي كلّها كبائر من حيث كانت قبائح، لكن بعضها أكبر من بعض، و إنّما يكون الذنب صغيرًا بالإضافة إلى ما هو أكبر منه، واستحقاق العذاب (5) عليه أكثر (6) .

و عن الشيخ في العدّة (7) أنّه قال في الدليل الثاني على حجّيّة خبر الواحد :

ص: 92


1- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
2- . في المصدر : يكون صغيرًا .
3- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
4- . مجمع البيان : 3 / 70 .
5- . في المصدر : العقاب .
6- . تفسير جوامع الجامع : 1 / 392 .
7- . و قال في كتاب الاقتصاد : ص 144 ، في تعريف الفسق ما هذا لفظه : « و أمّا في عرف الشرع فهو عندناعبارة عن كلّ معصية سواء كانت صغيرة أو كبيرة، و لأنّ المعاصي الله تعالى كلّها كبائر و إنّما نسمّيها صغائربالإضافة إلى ما هو أكبر منها، و هي كبيرة بالإضافة إلى ما هو أصغر منها »، إنتهى .

و على أصولنا أنّ كلّ خطأ و قبيح كبيرة (1) .

و ظاهره يشعر بالإجماع .

و قال ابن إدريس :

لا صغائر عندنا في المعاصي، إلّا بالإضافة إلى غيرها (2) .

و ظاهره الإجماع أيضًا .

الذنوب على قسمين : كبيرة و صغيرة

و المشهور بين الأصحاب (3) : الثاني، أي : الذنوب تنقسم على قسمين : كبيرة وصغيرة .

و ذكر في التنقيح :

أنّ أكثر الأصحاب قالوا : إنّ الكبائر كلّ ذنب توعّد الله - تعالى - بالعقاب

ص: 93


1- . عدّة الأصول : 1 / 139 .
2- . السرائر : 2 / 118 .
3- . انظر النهاية : 325 ؛ و المبسوط : 8 / 217 ؛ والوسيلة : 230 ؛ والشرائع : 4 / 127 ؛ والنافع : 287 ؛والقواعد : 2 / 226 ؛ و تحرير الأحكام : 5 / 247 ؛ و إيضاح الفوائد : 4 / 420 و 421 ؛ و الدروس : 2 /125 ؛ والروضة : 3 / 129 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 318 ؛ و الحدائق : 10 / 54 ؛ و رياض المسائل : 13 /254 ؛ و مناهج الأحكام : 62 و 63 .

في الكتاب العزيز (1) .

و عن الذخيرة بعد نسبة ذلک إلى المشهور بين الأصحاب قال :

و لم أجد في كلامهم اختيار قول آخر (2) .

و عن الصيمريّ : أنّه نسب ذلک إلى أصحابنا (3) .

و بالجملة : استفاض نقل الشهرة على تخصيص الكبائر بما ذكر ؛ و مقتضاه أنّ المشهور بينهم أنّ غير ما ذكر من الذنوب صغائر، فيكون على هذا نقل الشهرة على انقسام الذنوب في القسمين مستفيضًا، بل يستفاد من الكلام الّذي ذكرناه عن الذخيرة كون ذلک مجمعًا عليه .

و هو المستفاد ممّا نقل عن شيخنا البهائي في الحبل المتين (4) من نسبته انقسام الذنوب إلى القسمين إلى الأصحاب، لكنّک قد عرفت المخالف .

الحقّ في المسألة

و كيف كان، فالحقّ هو : القول الثاني (5) ، وفاقًا للمشهور، لقوله - تعالى (6)

ص: 94


1- . لم نجده بهذه العبارة فيه، انظر التنقيح الرائع : 4 / 291 ؛ و لكن حكاه عنه في الرياض : 13 / 249 ؛ وانظرأيضًا كفاية الأحكام : 1 / 138 ؛ والحدائق : 10 / 46 .
2- . ذخيرة المعاد ( ط . ق ) : ج 1 ق 2 / ص 304 .
3- . غاية المرام : 4 / 277 .
4- . الحبل المتين (ط . ق ) : 82 .
5- . أي : القول بأنّ الذنوب تنقسم على قسمين : كبيرة و صغيرة ؛ و هو ما اختاره المصنّف (قدس سره) أيضًا في كتابهمطالع الأنوار : 4 / 23 .
6- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : في سورة النساء .

- :(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَونَ عَنهُ نُكَفِّرْ عَنْكُم سَيِّئَاتِكُم ) (1) ، حيث جعل - جلّ شأنه - الاجتناب عن الكبائر سببًا لتكفير السيّئات .

و على القول الأوّل ليس غير الكبائر سيّئة، لكون جميع السيّئات كبائر بناءً عليه ؛ و الآية دلّت على أنّ الاجتناب عن الكبائر سببٌ لتكفير السيّئات، و لا محالة تكون تلک السيّئات المكفّرة غير الكبائر، و غير الكبائر هي الصغائر، إذ لا ثالث بالإجماع .

و قوله - تعالى (2) - : ( و الّذين يجتنبون كبائر الإثم و الفواحش )، مدحهم - جلّ شأنه - على اجتناب الكبائر، حيث قال - عزّ شأنه - : ( و ما عند الله خيرٌ و أبقى للّذين آمنوا و على ربّهم يتوكّلون * و الّذين يَجتنبون كبائرَ الإثم ) (3) الآية .

( و الّذين يجتنبون ) عطفٌ على « الّذين » في قوله - جلّ شأنه - : ( للّذين آمنوا )، فلو كانت المعاصي كبائر بجميعها، لما كان لذكر الكبائر كثير فائدة (4) .

ص: 95


1- . النساء : 31 . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : و يقرب من الآية المذكورة ما ذكره الله - تعالى - في سورةالنجم { الآية : 31 و 32 }، و هو قوله - تعالى - : ( و لله ما في السماوات و ما في الأرض ليَجزي الّذينأساءوا بما عملوا و يجزي الّذين أحسنوا بالحسنى * الّذين يَجتنبون كبائر الإثم و الفواحش إلّا الّلمم ) ؛ قالالثقة الجليل عليّ بن إبراهيم في تفسيره : و هو ما يلمّ به العبد من ذنوب صغار بجهالة، ثمّ يندم و يستغفر اللهويتوب، فيغفر الله له { تفسير القمّي : 2 / 338 }.
2- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : في سورة شورى .
3- . الشورى : 36 و 37 .
4- . جاء في حاشية الأصل : و يدلّ عليه ما رواه في ثواب الأعمال { : 1 / 158 } بسندٍ معتبرٍ عن الحلبيّ، قال :سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله : ( إن تجتنبوا ) الآية، قال : من اجتنب ما أوعد الله عليه النار إذا كانمؤمنًا كفّر الله عنه سيّئاته و يدخله مدخلاً كريمًا ؛ منه .

و للنصوص المستفيضة الواردة في بيان الكبائر من المعصية، حيث خصّصت الكبائر فيها ببعض المعاصي، فيكون غيره غير الكبائر، فيكون صغيرة .

منها : ما تقدّم من صحيحة ابن أبي يعفور، حيث قال (عليه السلام) : و تعرف - أي : العدالة - باجتناب الكبائر الّتي أوعد الله عليها النار (1) ؛ الحديث .

و إن كان للمناقشة فيها مجال، لأنّ قوله (عليه السلام) : « الّتي أوعد الله عليها النار » كما يحتمل أن يكون تفسيرًا لمطلق الكبائر، كذا يحتمل أن يكون تفسيرًا لبعض الكبائر الّذي باجتنابه تعرف العدالة، فيكون على هذا دالاًّ على انقسام الكبائر على قسمين : قسمٌ يقدح ارتكابه في العدالة، و قسمٌ لا يقدح ارتكابه في ذلک، فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال .

و يمكن أن يقال : إنّ الاحتمالين المذكورين و إن كانا محتملين في ظاهر الحديث، إلّا أنّه بعد النظر إلى النصوص الأخر - الّتي سيجيء إلى بعضها الذكر - يعيّن الاحتمال الأوّل .

و منها : ما رواه محمّد بن مسلم عن مولانا الصادق (عليه السلام) ، حيث سمع منه أنّه يقول : الكبائر سبعٌ : قتل المؤمن متعمّدًا، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف، والتعرّب بعد الهجرة، و أكل مال اليتيم (2) ، و أكل الربا بعد البيّنة، و كلّ ما أوجب الله

ص: 96


1- . الفقيه : 3 / 38 ح 3280 ؛ الاستبصار : 3 / 12 ح 33 ؛ التهذيب : 6 / 241 ح 596 ؛ الوسائل : 27 / 391ح 34032 .
2- . في المصدر : و أكل مال اليتيم ظلمًا .

عليه النار (1) .

و منها : ما رواه أبو بصير عنه (عليه السلام) ، حيث سمع منه أنّه يقول : الكبائر سبعة، منها : قتل النفس متعمّدًا، و الشرک بالله العظيم، و قذف المحصنة، و أكل الربا بعد البيّنة، والفرار من الزحف، و التعرّب بعد الهجرة، و عقوق الوالدين، و أكل مال اليتيم ظلمًا، قال : و التعرّب و الشرک واحد (2) .

و بالجملة : النصوص في تخصيص الكبائر ببعض الذنوب أكثر من أن تحصى، وسنشير إلى بعض منها أيضًا إن شاء الله - تعالى - و هذه النصوص و إن اختلفت في تفسير الكبائر، إلّا أنّها متّفقة الدلالة على أنّ الكبائر من الذنوب ليست جميعها، و هذا القدر كاف لنا في هذا المقام .

و يدلّ عليه أيضًا نصوص أخر، منها : أنّ الأعمال الصالحة تكفّر الصغائر (3) .

و منها : من اجتنب الكبائر كفّر الله - تعالى - عنه جميع ذنوبه، و ذلک قول الله - تعالى - : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَونَ عَنهُ نُكَفِّرْ عَنْكُم سَيِّئَاتِكُم و نُدْخِلُكُم مُدْخَلاً كَرِيمًا ) (4) .

ص: 97


1- . الكافي : 2 / 277 ح 3 ؛ الوسائل : 15 / 322 ح 20633 .
2- . الكافي : 2 / 281 ح 14 ؛ الوسائل : 15 / 324 ح 20643 .
3- . لم نعثر عليه بهذا النصّ، و لكنّ المضمون موجود في أخبار كثيرة، انظر : ثواب الأعمال و عقاب الأعمال :15، 17، 43، 75، 195، 197 ؛ و دعائم الإسلام : 1 / 135 ؛ و إرشاد القلوب : 412 . و نقله بهذا النصّ فيالمسالک : 14 / 167 ؛ و الذخيرة ( ط . ق ) : ج 1 ق 1، ص 304 ؛ و رياض المسائل : 13 / 255 .
4- . الفقيه : 3 / 575 ح 4967 ؛ الوسائل : 15 / 316 ح 20622 ؛ و الآية في سورة النساء : 31 .

و منها : ما جاء في ثواب كثير من الأعمال أنّه مكفّر للذنوب إلّا الكبائر (1) .

و بالجملة : لا شبهة في ترجيح هذا القول، لقوّة أدلّته الكثيرة من الكتاب والسنّة، و عدم ما يصلح للمعارضة لتلک الأدلّة .

مستند القول بأنّ المعاصي كلّها كبيرة، مع الجواب عنه

نعم، استدلّ للقول الأوّل (2) بما دلّ على أنّ كلّ معصية شديدة، كالموثّق الّذي

رواه زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : الذنوب كلّها شديدة ؛ الحديث (3) .

و أنّ كلّ ذنب يوجب النار، و بما دلّ على حرمة استحقار الذنب و وجوب التحذير منه، كقوله (صلي الله عليه واله) : لا تحقّروا شيئًا من الشرّ و إن صغر في أعينكم (4) .

و في هذا الاستدلال نظر، أمّا فيما دلّ على أنّ كلّ معصية شديدة، فلعدم استلزام ذلک كون جميع الذنوب كبيرة، و هو واضح، فنقول بمضمونه و نقسّم المعصية الشديدة إلى كبيرة و صغيرة، بقرينة ما تقدّم .

و أمّا فيما دلّ على حرمة استحقار الذنب فكذلک أيضًا، لأنّ حرمة استحقار الذنب لا يستلزم كون جميع الذنوب كبيرة، لأنّ جميع الذنوب منهيّ عنه، والمنهيّ

ص: 98


1- . انظر ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 193، 195، 197 .
2- . انظر ذخيرة المعاد ( ط. ق ) : ج 1 ق 1، ص 303 ؛ والحدائق الناضرة : 10 / 52 .
3- .الكافي : 2 / 269 ح 7 ؛ الوسائل : 15 / 299 ح 20567 .
4- . الأمالي، للشيخ الصدوق : 518 ؛ الفقيه : 4 / 18 ؛ الوسائل : 15 / 312 ح 20610 .

عنه لا يجوز استحقاره .

و ليس معنى الاستحقار المنهيّ عنه في المقام عدم كون الذنب صغيرًا في نفس الأمر، بل الظاهر أنّ معناه : عدم المبالات في ارتكاب المعاصي، بأن يقول : هذا الذنب صغيرة، فلا يضرّ ارتكابه ؛ و هكذا .

ألا ترى إلى قوله (صلي الله عليه واله) : « و إن صغر في أعينكم »، فلا تنافي بين ما تقدّم من الأدلّة و بين ما ذكر .

و أمّا ما يدلّ على أنّ كلّ ذنب يوجب النار، فظاهره و إن كان منافيًا لما تقدّم من الأدلّة، لدلالتها على أنّ الكبائر هي ما توجب النار، و أنّ جميع الذنوب ليس ممّا يوجب ذلک، لحصر الذنوب الموجبة لذلک ببعضها، إلّا أنّ هذا لا يصلح لمعارضة تلک الأدلّة من وجوه كثيرة، فيحمل هذا - أي : الدالّ على أنّ كلّ ذنب يوجب النار - فيما إذا كان مع الإصرار .

إن قيل : هذا الحمل غير جائز، للإتّفاق على أنّ بعض الذنوب يوجب النار و لو من غير إصرار .

قلت : هذا مسلّم، لكنّ الحمل المذكور لا ينافيه، لأنّ إيجاب كلّ الذنوب للنار مع الإصرار لا يستلزم عدم كون شيء منها موجبًا لها من غير إصرار، و هو واضح .

ولم يبق إلّا الإجماع الظاهر من كلام جماعة منهم - كالشيخ و ابن إدريس وصاحب المجمع (1) - و هو موهونٌ، لما عرفت من استفاضة نقل الشهرة على

ص: 99


1- . انظر مصنّفات الشيخ المفيد : 4 / 83 و 84 ؛ والسرائر : 2 / 118 ؛ و مجمع البيان : 3 / 70 .

خلافه، بل دعوى الإجماع ظاهرًا على ما مرّ .

و أحسن ممّا ذكر دليلاً للقول المذكور : الصحيح المرويّ في الكافي عن الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن القنوت في الوتر هل فيه شيء موقّت يُتّبع و يقال ؟ فقال : لا أثْنِ على الله - عزّوجلّ - و صَلّ على النبي (صلي الله عليه واله)، و استغفر لذنبک العظيم ؛ ثمّ قال : كلّ ذنب عظيم (1) .

فإنّ قوله (عليه السلام) : « كلّ ذنب عظيم » ظاهر الدلالة على أنّ كلّ ذنب كبيرة، كما لايخفى .

و بالجملة : ضعفُ القول بكون جميع الذنوب كبيرة، ممّا ينبغي أن لا يشکّ فيه (2) .

معنى تكفير الصغائر باجتناب الكبائر

تنبيه

قد تقدّم في الآية الشريفة و بعض من النصوص المتقدّمة أنّ الصغائر تقع مكفّرة باجتناب الكبائر من المعصية، ينبغي أن نبيّن معنى ذلک، فأقول : قال بعضهم :

ص: 100


1- . الكافي : 3 / 450 ح 31 ؛ التهذيب : 2 / 130 ح 502 ؛ الوسائل : 6 / 277 ح 7957 و 15 / 322 ح20632 .
2- . لاحظ تفصيل البحث في كتابه (قدس سره) : مطالع الأنوار : 4 / 23 - 27 .

الصغيرة المكفّرة هي ما كانت مقدّمة لكبيرةٍ مجتنبةٍ لوجه الله - تعالى - بعد الإشراف عليها و التمكّن منها .

و ذلک كما لو تمكّن من الزنا مثلاً فكفّ نفسه واقتنع باللمس و النظر، فإنّ مجاهدة نفسه في الكفّ عن الوقاع أشدّ تأثيرًا في تنوير قلبه من تأثير اللمس (1) و النظر في الإظلام (2) .

و ذلک إنّما هو إذا كان الاجتناب عن تلک الكبيرة لوجه الله - تعالى - كما مرّ، و أمّا إذا كان للعنين أو لخوف و بالجملة لغير الله -سبحانه - فلا تكفير (3) .

و قال بعضهم :

و الظاهر أنّ المراد { هو أنّه } (4) إذا عرضت صحيفة السيّئات، فوجدت خالية من الكبائر والإصرار على الصغائر، عفي له عن باقي السيّئات (5) ،

ص: 101


1- . في التحفة السنيّة : من إقدامه على اللمس ؛ و في المحصول : من تأثير الشيء .
2- . في التحفة : إظلامه ؛ و في المحصول : الظلام .
3- . نسبه إلى القيل في التحفة السنيّة، للسيّد عبد الله الجزائريّ ( مخطوط ) : 18 ؛ و المحصول : 2 / 187 .
4- . ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر .
5- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : و يؤيّده ما روي عن النبيّ (صلي الله عليه واله) : الكبائر سبع أعظمهنّ : الإشراک بالله،وقتل النفس المؤمنة، و أكل الربا، و أكل مال اليتيم، و قذف المحصنة، و عقوق الوالدين، و الفرار من الزحف،فمن لقى الله - سبحانه - و هو بري منهنّ، كان معي في بحبوحة جنّة مصاريعها من ذهب ( مجمع البيان : 3 /72 ؛ و رواه مثله في كنز الفوائد، للكراجكي : 184 ؛ و السنن الكبرى : 10 / 186 ، إلّا أنّ فيهما : الكبائر تسع- إلى أن قال : - واستحلال البيت الحرام، و السحر ).

لكنّ الظاهر (1) قولهم : تقع مكفّرة، أن (2) لا تكتب على المجتنب،إنتهى (3) .

ص: 102


1- . في المصدر : لكن ظاهر .
2- . في المصدر : أنّها .
3- . المحصول : 2 / 187 .

الفرع الثاني

في بيان الكبائر من الذنوب

قد عرفت أنّ الحقّ انقسام الذنوب إلى كبائر و صغائر، فلابدّ من بيانهما، لأنّ معرفة العادل موقوفة عليه .

ذكر اختلاف الأصحاب في بيان الكبائر

فأقول : قد اختلفت كلمات الأصحاب في ذلک، و كذلک النصوص، فقال الشيخ في النهاية (1) و العلّامة في القواعد :

انّ الكبيرة ما توعّد الله - تعالى - فيها بالنار، كالقتل والزنا واللواط والغصب للأموال (2) وإن قلّت، و عقوق الوالدين، وقذف المحصنات (3) .أمّا كون الأوّل و الثاني ممّا توعّد الله - جلّ شأنه - عليه بالنار، فلقوله - تعالى - :

ص: 103


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : عبارة النهاية هكذا : العدل الّذي يجوز قبول شهادته للمسلمين وعليهمهو أن يكون ظاهره ظاهر الإيمان، ثمّ يعرف بالستر و الصلاح و الكفّ عن البطن و الفرج و اليد واللسان،ويعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد الله عليها النار، من شرب الخمر و الزنا و الربا و عقوق الوالدين والفرارمن الزحف، و غير ذلک ( النهاية : 325 ).
2- . في القواعد : للأموال المعصومة .
3- . القواعد : 3 / 494 .

( و لا يَقتُلونَ النَفسَ الّتي حَرّمَ اللهُ إلّا بالحَقّ و لا يَزنُون و مَنْ يَفعَل ذلک يَلْقَ أَثَامًا* يُضاعَفْ له العذاب يومَ القيامة و يَخلُدْ فيه مُهانًا ) (1) .

و لقوله تعالى في الأوّل : ( و مَن يَقتُلْ مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهنّمُ خَالِدًا ) (2) .

و أمّا كون الثالث من ذلک، فلما ورد من أنّ النقب كفر (3) .

و من أنّه لو كان ينبغي أن يرجم رجل مرّتين لكان اللوطي (4) .

و من أنّه مَن نكح امرأة حرامًا في دبرها، أو رجلاً، أو غلامًا، حشره الله -عزّوجلّ - يوم القيامة أنتن من الجيفة، يتأذّى به الناس حتّى يدخل جهنّم، ولايقبل الله منه صرفًا و لا عدلاً، و أحبط الله عمله، و يدعه في تابوت مشدودٍ بمسامير من حديد، فلو وضع عرق من عروقه على أربعمائة أُمَّة لماتوا جميعًا، وهو من أشدّ الناس عذابًا (5) .

و من أنّه لا يجلس على استبرق الجنّة مَن يؤتى في دبره (6) .

ص: 104


1- . الفرقان : 68 و 69 .
2- . النساء : 93 .
3- . المحاسن : 1 / 112 ح 104 ؛ الكافي : 5 / 544 ح 3 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 266 ؛الاستبصار : 4 / 221 ح 828 ؛ التهذيب : 10 / 53 ح 197 ؛ الوسائل : 20 / 339 و 340 ح 25770و 25771 .
4- . المحاسن : 1 / 112 ؛ الكافي : 7 / 199 ح 3 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 266 ؛ الفقيه : 4 / 43 ح5049 ؛ الاستبصار : 4 / 219 ح 821 ؛ التهذيب : 10 / 53 ح 196 ؛ الوسائل : 20 / 332 ح 25752 .
5- . ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 282 ؛ الوسائل : 20 / 322 ح 25726 .
6- . المحاسن : 1 / 112 ؛ الكافي : 5 / 550 ح 5 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 266 ؛ الوسائل : 20 /336 ح 25761 .

و أمّا كون الرابع من ذلک، فلقول مولانا الأمير (عليه السلام) في خبر السكوني : أعظم الخطايا اقتطاع (1) مال امرئ مسلم بغير حقّ (2) .

و ما رواه فضيل عن مولانا الصادق (عليه السلام) : مَن أكل مال أخيه ظلمًا و لم يرد عليه (3) أكل جذوة من النار يوم القيامة (4) .

و لفظ « أخيه » في الحديث إمّا يكون المراد منه الأخ في الدين، فدلالته على المطلوب حينئذٍ واضحة ؛ و إمّا يكون المراد منه الأخ الحقيقيّ، فدلالته على العموم حينئذٍ بالفحوى .

و قوله (صلي الله عليه واله) لأبي ذرّ : يا أباذرّ، مَن لم يبال مِن أين اكتسب المال لم يبال الله من أين أدخله النار (5) .

و قال - تعالى - : ( إنَّ الّذِينَ يَأكُلونَ أموَالَ اليَتامَى ظُلمًا إنَّما يَأكُلونَ في بُطُونِهم نَارًا و سَيَصْلَون سَعِيرًا ) (6) .

و أمّا كون الخامس من ذلک، فلما روي من : أنّ العاقّ لا يشمّ رائحة الجنّة (7) .

ص: 105


1- . اقتطع مال فلان، أي : أخذه لنفسه .
2- . ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 273 ؛ تحف العقول : 216 ؛ الوسائل : 16 / 50 ح 20953 .
3- . في الكافي : و لم يردّه إليه .
4- . الكافي : 2 / 333 ح 15 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 273 ؛ الوسائل : 16 / 53 ح 20960 .
5- . مكارم الأخلاق : 468 ؛ عدّة الداعي : 73 ؛ أعلام الدين في صفات المؤمنين، للديلمي : 199 ؛ الوسائل :16 / 98 ح 21080 .
6- . النساء : 10 .
7- . الكافي : 2 / 348 ح 3 و 349 ح 6 ؛ الوسائل : 21 / 501 ح 27694 .

و في خبر عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ : أنّ الله - عزّوجلّ - جعل العاقّ جبّارًا شقيًّا (1) ؛ في قوله : ( و بَرًّا بوالدتي و لم يجعلني جبّارًا شقيًّا ) (2) .

و أمّا كون السادس من ذلک، فلقوله - تعالى - : ( إنّ الّذين يَرمُونَ المُحصَناتِ الغافلات المؤمنات لُعِنوا في الدنيا و الآخرة و لهم عذابٌ عظيمٌ ) (3) .

و هذا القول مبنيّ على أنّ ما توعّد عليه بالنار أعمّ من أن يكون الإيعاد بها بالكتاب أو بالسنّة، إلّا أنّ الاختصاص بما ذكر لا وجه له، إلّا أن يكون ذكره على سبيل التمثيل .

قال في التنقيح :

أكثر الأصحاب على أنّ الكبائر كلّ ذنب توعّد الله - تعالى - بالعقاب في الكتاب العزيز (4) .

و عن الذخيرة و غيرها : أنّه مشهور بين أصحابنا (5) ، بل عن الأوّل أنّه قال : و لم أجد في كلامهم اختيار قول آخر (6) .

ص: 106


1- . الكافي : 2 / 286 ح 24 ؛ علل الشرائع : 2 / 479 ح 2 ؛ الفقيه : 3 / 563 ح 4932 ؛ الوسائل : 15 /318 ح 20629 .
2- . مريم : 32 .
3- . النور : 23 .
4- . التنقيح الرائع : 4 / 291 ؛ و نقله عنه في الرياض : 13 / 249 .
5- . ذخيرة المعاد ( ط . ق ) : ج 1 ق 1 ، ص 304 ؛ الحدائق : 10 / 46 .
6- . الذخيرة ( ط . ق ) : ج 1 ق 1 ، ص 304 ؛ كفاية الأحكام : 1 / 139 .

و عن الصيمريّ (1) : أنّه نسب ذلک إلى أصحابنا بصيغة الجمع المضاف المفيد للعموم .

و عن بعضٍ : أنّها ما قام على حرمته دليل قاطع (2) .

و عن بعضٍ آخر : أنّها كلّ معصية تؤذن فعلها عدم مبالاة فاعلها بالدين (3) .

و يستفاد من كلام الصيمريّ و غيره عدم كون هذين القولين من أصحابنا (4) .

هذا اختلاف الكلمات بالنسبة إلى تحديد الكبائر، واختلفت بالنسبة إلى التعديد أيضًا، فقيل :

إنّها سبعٌ : الشرک، و قتل النفس، و قذف المحصنة، و أكل مال اليتيم، والزنا، و الفرار من الزحف، و العقوق (5) .

و عن القواعد للشهيد :

و قد ضبط ذلک بعضهم (6) فقال : هي : الشرک بالله، و القتل بغير حقّ،

ص: 107


1- . غاية المرام : 4 / 277 .
2- . نقله عن جماعة في الذخيرة ( ط . ق ) : ج 1 ق 1 ، ص 304 ؛ و كفاية الأحكام : 1 / 138 ؛ و حكاه أبوالسعود في تفسيره : 2 / 171 .
3- . قائله إمام الحرمين عبدالملک الجويني في الإرشاد : 329 ؛ و نقله عن طائفة في الذخيرة ( ط . ق ) : ج 1 ق1 ، ص 304 ؛ و كفاية الأحكام : 1 / 138 ؛ وانظر : القواعد والفوائد، للشهيد الأوّل : 1 / 226 ؛ و البحرالمحيط، للزركشي : 3 / 335 .
4- . انظر غاية المرام : 4 / 277 ؛ و الذخيرة ( ط . ق ) : ج 1 ق 1 ، ص 304 ؛ و كفاية الأحكام : 1 / 139 .
5- . تفسير الماوردي : 1 / 476 .
6- . لعلّه يقصد به شيخ الإسلام العلائي، فقد ضبطها بذلک، إلّا أنّه لم يذكر اللواط، انظر : الزواجر، لابن حجر :1/ 8 .

واللواط، و الزنا، و الفرار من الزحف، و السحر، و الربا، و قذف المحصنات، و أكل مال اليتيم، و الغيبة بغير حقّ، و اليمين الغموس (1) ، وشهادة الزور، و شرب الخمر، و استحلال الكعبة، و السرقة، و نكث الصفقة (2) ، و التعرّب بعد الهجرة، و اليأس من روح الله، و الأمن من مكر الله، و عقوق الوالدين . - و عن الشهيد أنّه قال : - و كلّ هذا ورد في الحديث منصوصًا عليه بأنّه كبيرة (3) .

و للعامّة أقاويل كثيرة في تعدادها (4) .

ذكر اختلاف النصوص في بيان الكبائر

و أمّا النصوص المختلفة، فمنها : ما تقدّم من صحيحة ابن أبي يعفور : بِمَ تعرف عدالة الرجل من المسلمين حتّى تقبل شهادته بهم (5) و عليهم ؟ فقال : بأن تعرفوه

ص: 108


1- . أي : اليمين الكاذبة الفاجرة، و سمّيت غموسًا لأنّها تغمس صاحبها في الإثم ثمّ في النار .
2- . نكث الصفقة - كما فسّرها رسول الله (صلي الله عليه واله) بقوله - هي : أن تبايع رجلاً بيمينک، ثمّ تخالف إليه فتقاتله بسيفک ؛ انظر : مسند أحمد : 2 / 229 ؛ والمستدرک، للحاكم : 1 / 120 ؛ و كنز العمّال : 7 / 318 ح19057. و روى في الخصال عن النبىّ (صلي الله عليه واله) أنّه قال : ثلاث موبقات : نكث الصفقة، و ترک السنّة، و فراقالجماعة، الحديث ؛ انظر الخصال : 85 .
3- . القواعد و الفوائد : 1 / 224 و 225 .
4- . انظر بدائع الصنائع : 6 / 268 ؛ و البحر المحيط : 3 / 336 .
5- . في المصادر : لهم .

بالستر و العفاف و كفّ البطن و الفرج و اليد و اللسان، و باجتناب الكبائر الّتي أوعد الله - تعالى - عليها النار من شرب الخمر (1) و الزنا و الربا و عقوق الوالدين والفرار من الزحف و غير ذلک (2) .

و منها : الصحيح عن الكبائر كم هي و ما هي ؟ فكتب : الكبائر من اجتنب ما أوعد (3) الله - تعالى - عليه النار كفّر عنه سيّئاته إذا كان مؤمنًا، و السبعُ الموجبات : قتل النفس الحرام، و عقوق الوالدين، و أكل الربا، و التعرّب بعد الهجرة، و قذف المحصنات، و أكل مال اليتيم، و الفرار من الزحف (4) .

و منها : ما رواه محمّد بن مسلم عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سمعه أنّه يقول : الكبائر سبعٌ : قتل المؤمن متعمّدًا، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف، و التعرّب بعد الهجرة، و أكل مال اليتيم (5) ، و أكل الربا بعد البيّنة، و كلّ ما أوجب الله عليه النار(6) .

و منها : ما رواه عبيد بن زرارة عنه (عليه السلام) ، حيث سأله عن الكبائر، فقال : هنّ في كتاب عليٍّ (عليه السلام) سبعٌ : الكفر بالله، و قتل النفس، و عقوق الوالدين، و أكل الربا بعد

ص: 109


1- . في الفقيه : الخمور .
2- . الفقيه : 3 / 38 ح 3280 ؛ الاستبصار : 3 / 12 ح 33 ؛ التهذيب : 6 / 241 ح 596 ؛ الوسائل : 27 / 391ح 34032 .
3- . في الكافي : ما وعد .
4- . الكافي : 2 / 276 ح 2 ؛ و عنه في الوسائل : 15 / 318 ح 20628 .
5- . في المصدر : و أكل مال اليتيم ظلمًا .
6- . الكافي : 2 / 277 ح 3 ؛ الوسائل : 15 / 322 ح 20633 .

البيّنة، و أكل مال اليتيم ظلمًا، و الفرار من الزحف، و التعرّب بعد الهجرة .

قال : قلت : فهذا أكبر المعاصي ؟ قال : نعم . قلت : فأكل درهم من مال اليتيم ظلمًا أكبر، أم ترک الصلاة ؟ قال : ترک الصلاة . قلت : فما عددت ترک الصلاة في الكبائر ؟ فقال : أيّ شيء أوّل ما قلت لک ؟ قلت : الكفر . قال : فإنّ تارک الصلاة كافر، يعني من غير علّة (1) .

و منها : ما رواه في الفقيه باسناده إلى عبد العظيم بن عبد الله الحسنيّ عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) قال : سمعت أبي يقول : سمعت أبي موسى بن جعفر يقول : دخل عمرو بن عبيد على أبي عبد الله (عليه السلام) ، فلمّا سلّم و جلس تلا هذه الآية : ( الَّذِينَ يَجتَنِبُون كَبائِر الإثمِ و الفَواحِش ) (2) ، ثمّ أمسک، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : ما أسكتک ؟ قال : أحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب الله .

فقال : نعم يا عمرو، أكبر الكبائر الإشراک بالله، يقول الله : ( و مَنْ يُشرِکْ بِاللهِ فقد حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّة ) (3) .

و بعده اليأس من روح الله، لأنّ الله يقول : ( إنَّه لا يَيئَسُ مِن رَوحِ الله إلّا القومُ الكافِرُون ) (4) .

ص: 110


1- . الكافي : 2 / 278 ح 8 ؛ الوسائل : 15 / 321 .
2- . الشورى : 37 ؛ و النجم : 32 .
3- . المائدة : 72.
4- . يوسف : 87 .

ثمّ الأمن من مكر الله، انّ (1) الله يقول : ( فَلا يَأمَنُ مَكرَ اللهِ إلّا القومُ الخَاسِرُون ) (2) .

و منها : عقوق الوالدين، لأنّ الله جعل العاقّ جبّارًا شقيًّا في قوله - تعالى - : (وَبَرًّا بِوالِدَتي وَ لَم يَجعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ) (3) .

و قتل النفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، لأنّ الله يقول : ( و مَن يَقتُلْ مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ) (4) إلى آخر الآية .

و قذف المحصنات، لأنّ الله يقول : ( إنَّ الّذِين يَرمُونَ المُحصَناتِ الغَافِلاتِ المُؤمِناتِ لُعِنُوا في الدُنيَا و الآخرة و لَهم عذابٌ عظيمٌ ) (5) .

و أكل مال اليتيم ظلمًا، لقول الله - تعالى - : ( إنَّ الّذِينَ يَأكُلونَ أموَالَ اليَتامَى ظُلمًا إنَّما يَأكُلونَ في بُطُونِهم نَارًا و سَيَصْلَونَ سَعِيرًا ) (6) .

و الفرار من الزحف، لأنّ الله يقول : ( و مَنْ يُوَلِّهم يَومَئذٍ دُبُرَه إلّا مُتحَرّفًا لِقِتَال (7) أو مُتَحَيّزًا إلى فِئةٍ فَقَد بَاءَ بغضبٍ مِن الله و مَأواه جَهنّمُ و بِئس المصير ) (8) .

ص: 111


1- . في المصادر : لأنّ .
2- . الأعراف : 99 .
3- . مريم : 32 .
4- . نساء: 93.
5- . النور : 23 .
6- . النساء : 10 .
7- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : فسّر بالكرّ بعد الفرّ، يخيّل عدوّه أنّه منهزم، ثمّ ينعطف عليه، و هو نوع منمكائد الحرب ( الكشّاف : 2 / 149 ؛ الوافي : 5 / 1055 ).
8- . الأنفال : 16 .

و أكل الربا، لأنّ الله - تعالى - يقول : ( الّذِينَ يَأكُلونَ الرِبا لا يَقومُونَ إلّا كما يَقُومُ الّذي يَتَخَبَّطُهُ الشَيطانُ مِنَ المَسّ ) (1) .

و السحر، لأنّ الله - تعالى - يقول : ( وَ لَقَدْ عَلِموا لَمَنِ اشْتَراهُ مَا لَهُ في الآخرةِ مِنْ خَلاَقٍ ) (2) .

و الزنا، لأنّ الله يقول : ( و مَنْ يَفعَلْ ذلک يَلقَ أثَامًا * يُضاعَفْ له العذابُ يومَ القيامة و يَخْلُدْ فيه مُهَانًا ) (3) .

و اليمين الغموس الفاجرة (4) ، لأنّ الله يقول : ( الّذِينَ يَشْتَرونَ بِعَهدِ اللهِ

وأيْمَانِهِم ثَمَنًا قَلِيلاً أولَئِکَ لاَ خَلاَق لَهُم فِي الآخرة ) (5) .

و الغلول، لأنّ الله يقول : ( و مَنْ يَغْلُلْ يَأتِ بِمَا غَلَّ يَومَ القِيامَة ) (6) .

و منع الزكاة المفروضة، لأنّ الله - تعالى - يقول : ( فَتُكْوَى بِها جِبَاهُهُم وجُنوبُهُم و ظُهورُهُم هذا ما كَنَزْتُمْ لأنفُسِكُم فَذوقوا مَا كُنتم تَكْنِزون ) (7) .

و شهادة الزور و كتمان الشهادة، لأنّ الله يقول : ( و مَنْ يَكْتُمْهَا فَإنَّهُ آثِمٌ قَلبُهُ ) (8) .

ص: 112


1- . البقرة : 275 .
2- . البقرة : 102 .
3- . الفرقان : 68 و 69 .
4- . أي : اليمين الكاذبة الفاجرة، و سمّيت غموسًا لأنّها تغمس صاحبها في الإثم ثمّ في النار .
5- . آل عمران : 77 .
6- . آل عمران : 161 .
7- . التوبة : 35 .
8- . البقرة : 283 .

و شرب الخمر، لأنّ الله - عزّوجلّ - عدل بها عبادة الأوثان .

و ترک الصلاة متعمّدًا، أو شيئًا ممّا فرض الله - عزّوجلّ - لأنّ رسول الله (صلي الله عليه واله) قال : من ترک الصلاة متعمّدًا فقد برىء منه (1) ذمّة الله و ذمّة رسوله (صلي الله عليه واله) .

و نقض العهد، و قطيعة الرحم، لأنّ الله - عزّوجلّ - يقول : ( أُولَئِکَ لَهُمُ اللَّعنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَارِ ) (2) .

قال : فخرج عمرو و له صراخ من بكائه، و هو يقول : هلک من قال برأيه ونازعكم في الفضل و العلم (3) .

ثمّ إنّه (عليه السلام) لم يستدلّ لنقض العهد، لعلّه لعلم المخاطب، أو لدخوله فيما قدّمه من قوله : ( إنَّ الّذِينَ يَشتَرُونَ بِعَهدِ الله ) الآية (4) .

و لم يستدلّ لشهادة الزور أيضًا ؛ و عن النبيّ (صلي الله عليه واله) : من شهد شهادة زور على رجل مسلم أو ذمّيّ، أو من كان من الناس، عَلَّق بلسانه يوم القيامة و هو مع المنافقين في الدرک الأسفل من النار (5) .

و منها : ما رواه أبو بصير عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سمعه يقول :الكبائر

ص: 113


1- . في العيون : من .
2- . الرعد : 25 .
3- . الكافي : 2 / 285 ح 24 ؛ علل الشرائع : 2 / 391 ح 1 ؛ عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 1 / 257 ح 33 ؛الفقيه : 3 / 563 ح 4932 ؛ الوسائل : 15 / 318 ح 20629 .
4- . آل عمران : 77 .
5- . الأمالي، للشيخ الصدوق : 516 ؛ الفقيه : 4 / 15 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 336 ؛ الوسائل : 27 /325 ح 33850 و 33851 .

سبعة، منها : قتل النفس متعمّدًا، و الشرک بالله العظيم، و قذف المحصنة، و أكل الربا بعد البيّنة، و الفرار من الزحف، و التعرّب بعد الهجرة، و عقوق الوالدين، و أكل مال اليتيم ظلمًا . قال : و التعرّب و الشرک واحد (1) .

و منها : ما رواه مسعدة بن صدقة أنّه سمعه (عليه السلام) يقول : الكبائر : القنوط من رحمة الله، و اليأس من روح الله، و الأمن من مكر الله، و قتل النفس الّتي حرّم الله، وعقوق الوالدين، و أكل مال اليتيم ظلمًا، و أكل الربا بعد البيّنة، و التعرّب بعد الهجرة، و قذف المحصنة، و الفرار من الزحف (2) .

و منها : ما رواه عبد الله بن سنان أنّه سمعه (عليه السلام) يقول : إنّ من الكبائر : عقوق الوالدين، و اليأس من روح الله، و الأمن من مكر (3) الله (4) .

و منها : ما رواه عبد الله (5) بن كثير أنّه (عليه السلام) قال : إنّ الكبائر من الذنوب (6) سبعٌ فينا أنزلت (7) و منّا استحلّت، فأوّلها : الشرک بالله العظيم، و قتل النفس الّتي حرّم الله، و أكل مال اليتيم، و عقوق الوالدين، و قذف المحصنة (8) ، و الفرار من الزحف،

ص: 114


1- . الكافي : 2 / 281 ح 14 ؛ الوسائل : 15 / 324 ح 20643 .
2- . الكافي : 2 / 280 ح 10 ؛ و عنه في الوسائل : 15 / 324 ح 20640 .
3- . في المصدر : لمكر .
4- . الكافي : 2 / 278 ح 4 ؛ و عنه في الوسائل : 15 / 322 ح 20634 .
5- . في المصادر : عبد الرحمن .
6- . « من الذنوب » لم يرد في المصادر ؛ بل ذكره في كشف اللثام : 10 / 280 .
7- . في الخصال : نزلت .
8- . في الخصال : المحصنات .

وإنكار حقّنا (1) .

و منها : ما رواه أبو خديجة عنه (عليه السلام) : الكذب على الله و على رسوله و على الأوصياء (عليهم السلام) من الكبائر (2) .

و منها : ما رواه السكونىّ عن عليّ (عليه السلام) : السكر من الكبائر، و الحيف (3) في

الوصيّة من الكبائر (4) .

و منها : مرسل ابن أبي عمير عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : وجدنا في كتاب عليّ (عليه السلام) : الكبائر خمسة : الشرک (5) ، و عقوق الوالدين، و أكل الربا بعد البيّنة، والفرار من الزحف، و التعرّب بعد الهجرة (6) .

و منها : ما رواه عبيد بن زرارة عنه (عليه السلام)، حيث سأله (عليه السلام) عنها، فقال : هنّ خمس، و هُنَّ ما أوجب الله عليهنّ النار، قال الله - تعالى - : ( إنَّ الّذِينَ يَأكُلونَ أموَالَ اليَتامَى ظُلمًا إنَّما يَأكُلونَ في بُطُونِهِم نَارًا و سَيَصْلَون سَعِيرًا ) (7) .

ص: 115


1- . الخصال : 363 ح 56 ؛ علل الشرائع : 2 / 474 ح 1 ؛ الفقيه : 3 / 561 ح 4931 ؛ الوسائل : 15 / 326ح 20649 .
2- . المحاسن : 1 / 118 ح 127 ؛ الكافي : 2 / 339 ح 5 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 268 ؛ الفقيه : 3 / 568 ح 4941 ؛ الوسائل : 12 / 249 ح 16224 .
3- . الحيف : الميل في الحكم والجور والظلم ( انظر لسان العرب : 9 / 60 ).
4- . تفسير العيّاشي : 1 / 238 ح 111 ؛ الفقيه : 3 / 565 ح 4933 ؛ و ج 4 / 184 ح 542 ؛ الوسائل : 19 /268 ح 24565 .
5- . في الخصال : الشرک بالله عزّوجلّ .
6- . علل الشرائع : 2 / 475 ح 2 ؛ الخصال : 273 ح 16 ؛ و عنهما في الوسائل : 15 / 327 ح 20654 .
7- . النساء : 10 .

و قال : (يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنوا إذا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَروا زَحْفًا فلا تُوَلُّوهُمُ الأدبَارَ ) (1) إلى آخر الآية .

و قال - عزّوجلّ - : ( يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنوا اتَّقُوا اللهَ وذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِبا ) (2) ، إلى آخر الآية .

و رمي المحصنات الغافلات المؤمنات (3) ، و قتل مؤمن (4) متعمّدًا على دينه (5) .

و منها : ما روي عن النبيّ (صليي الله عليه واله) : ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر ؟ فقالوا : بلى يا رسول الله؛ قال : الإشراک بالله، و عقوق الوالدين - و كان متّكأ، فجلس ثمّ قال : - ألا وقول الزور، ألا و قول الزور - قاله ثلاثًا (6) .

و منها : ما تقدّم من قوله (صلي الله عليه واله) : الكبائر سبع، أعظمهنّ : الإشراک بالله، و عقوق الوالدين، و قتل النفس المؤمن، و أكل الربا، و أكل مال اليتيم، و قذف المحصنة، وعقوق الوالدين، و الفرار من الزحف، فمن لقى الله - سبحانه - و هو بري منهنّ كان معي في بحبوحة جنّة مصاريعها من ذهب (7) .

ص: 116


1- . الأنفال : 15 .
2- . البقرة : 278 .
3- . « المؤمنات » لم يرد في الخصال و ثواب الأعمال .
4- . في الخصال : المؤمن .
5- . علل الشرائع : 2 / 475 ح 3 ؛ الخصال : 273 ح 17 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 233 ؛ و عنهم فيالوسائل : 15 / 327 ح 20655 .
6- . مسند أحمد : 3 / 131 و 5 / 36 ؛ صحيح البخاري : 3 / 152 و 7 / 70 ؛ صحيح مسلم : 1 / 64 ؛ سننالترمذي: 3 / 208 .
7- . مجمع البيان : 3 / 72 ؛ و رواه مثله في كنز الفوائد، للكراجكي : 184 ؛ و السنن الكبرى : 10 / 186 ، إلّاأنّ فيهما : الكبائر تسع - إلى أن قال : - واستحلال البيت الحرام، و السحر .

و منها : ما روي عن مولانا الرضا (عليه السلام) في رسالته إلى المأمون : هي قتل النفس الّتي حرّم الله - تعالى - و الزنا، و السرقة، و شرب الخمر، و عقوق الوالدين، والفرار من الزحف، و أكل مال اليتيم ظلمًا، و أكل الميتة و الدم و لحم الخنزير و ما أهلّ به لغير الله (1) - تعالى - من غير ضرورة، و أكل الربا بعد البيّنة، و السحت، والميسر - و هو القمار (2) - و البخس في المكيال و الميزان، و قذف المحصنات، واللواط، و شهادة الزور، و اليأس من روح الله - تعالى - و الأمن من مكر الله -تعالى - و القنوط من رحمة الله - تعالى - و معونة الظالمين و الركون إليهم (3) ، واليمين الغموس (4) ، و حبس الحقوق من غير عسر (5) ، و الكذب، و الكبر، والإسراف، و التبذير، و الخيانة، و كتمان الشهادة (6) ، و الاستخفاف بأولياء الله (7)- تعالى - و الاستخفاف بالحجّ، و الاشتغال بالملاهي (8) ، و الإصرار على الصغائر من الذنوب (9) .

ص: 117


1- . في العيون : و ما أهلّ لغير الله به .
2- . في العيون : و الميسر و القمار .
3- . في الخصال : و ترک معونة المظلومين والركون إلى الظالمين .
4- . أي : اليمين الكاذبة الفاجرة، و سمّيت غموسًا لأنّها تغمس صاحبها في الإثم ثمّ في النار .
5- . في العيون : العسرة .
6- . « و كتمان الشهادة » لم يرد في العيون والخصال .
7- . في العيون والخصال : و المحاربة لأولياء الله عزّوجلّ .
8- . في الخصال : والملاهي الّتي تصدّ عن ذكر الله - تبارک و تعالى - مكروهة، كالغناء و ضرب الأوتار .
9- . عيون أخبار الرضا عليه السلام: 2 / 134 ح 1 ؛ الخصال : 610 ؛ و عن العيون في الوسائل : 15 / 329 ح20660 ؛ و رواه ابن شعبة في تحف العقول : ص 422 ، مرسلاً نحوه .

و لا يخفى اختلاف هذه النصوص في بيان الكبائر، حيث دلّ بعضها على أنّها ما توعّد الله عليها بالنار - و هو صحيح ابن أبي يعفور، و الصحيح الّذي يليه - مطلقًا، سواء كان إيعاده - تعالى - النار عليها بالكتاب العزيز، أو بلسان النبيّ (صلي الله عليه واله)؛ وبالجملة : ظاهرهما أنّ العبرة بإيعاده النار، سواء علم الإيعاد من الكتاب، أو من السنّة، أو من الإجماع .

ثمّ إنّ في الصحيح الثاني خفاء ما، و لا بأس بالتكلّم فيه و كشف خفائه، فأقول : وهو هذا : « الكبائر من اجتنب ما أوعد الله - تعالى - عليه النار، كفّر عنه سيّئاته إذا كان مؤمنًا، و السبع الموجبات : قتل النفس، و عقوق الوالدين، و أكل الربا، والتعرّب بعد الهجرة، و قذف المحصنة، و أكل مال اليتيم، و الفرار من الزحف » (1) .

بيان

« الكبائر » مبتدأ، و « مَن » في : « مَن اجتنب » مبتدأ ثان، و « اجتنب » صلتها، « ما أوعد الله - تعالى - عليه النار » موصول و صلة، و خبر المبتدأ الثاني لعلّه محذوف، و جملةُ المبتدأ و خبره المحذوف خبرٌ للمبتدأ الأوّل ؛ و التقدير : الكبائر من اجتنب ما أوعد الله - تعالى - عليه النار، فقد اجتنب عنها و كفّر عنه سيّئاته .

والعائد للمبتدأ الثاني هو الضمير في « اجتنب »، و للمبتدأ الأوّل هو الضمير المجرور في « عنها » ؛ حذف الجملة الخبريّة و أقيمت الجملة المعطوفةمقامها

ص: 118


1- . الكافي : 2 / 276 ح 2 ؛ و عنه في الوسائل : 15 / 318 ح 20628 .

وحذف العاطف ؛ فدلّ الصحيح على أنّ الكبائر هي ما أوعد الله - تعالى - عليه النار.

إن قلت : إنّ دلالة الصحيح مع التقدير المذكور أيضًا لا يدلّ على أنّ جميع ما أوعد الله - تعالى - عليه النار هو الكبائر، لاحتمال أن يكون ما أوعد الله - تعالى - عليه النار على قسمين : كبيرة و صغيرة، فحينئذٍ من اجتنب عن ذلک اجتنب عن الكبائر ألبتّة، لأنّ الاجتناب عن العامّ يستلزم الاجتناب عن الخاصّ، فلا يعلم من الصحيح بنفسه أنّ جميع ما أوعد الله - تعالى - عليه النار هو الكبائر .

قلت : قوله (عليه السلام) : « كفّر عنه سيّئاته » قرينةٌ على كون جميع ما أوعد الله عليها النار كبيرة، إذ قوله (عليه السلام) : « سيّئاته » المراد بها الصغائر، والجمع المضاف يفيد العموم، فيشمل جميع الصغائر، فانحصر ما أوعد الله عليه النار بالكبائر، و هو المطلوب .

على أنّا نقول : لو سلّم كبيريّة بعض ما أوعد الله - تعالى - عليه النار نقول : بأنّ جميع ما أوعد الله كذلک، لأنّ العلّة في كون ذلک البعض كبيرة هي إيعاد الله -سبحانه - و هو متحقّقٌ في الجميع ؛ و للإجماع المركّب ؛ هذا .

و يمكن التقدير في الحديث بغير ما ذكر أيضًا، يظهر بعد التأمّل، و ذكره يستلزم تطويلاً أكثر .

ثمّ إنّ قوله (عليه السلام) : « و السبع الموجبات » إلى آخره، و الظاهر أنّه عطفٌ على «ما» في قوله (عليه السلام) : « ما أوعد الله - تعالى - عليه النار »، و ذكرها مع شمول

ص: 119

المعطوف عليه لذلک للإهتمام بشأنها .

و جميع السبع المذكورة قد أوعد عليها بالكتاب العزيز، أمّا كون غير التعرّب من ذلک فقد عرفت، و أمّا هو فلما مرّ من قوله (عليه السلام) في رواية أبي بصير : « انّ التعرّب و الشرک واحد » (1) . و قد عرفت الإيعاد عليه في الكتاب الكريم .

و قوله (عليه السلام) : « قتل النفس الحرام » إلى آخره، إمّا بالرفع، لكونه خبرًا للمبتدأ المحذوف، أو بالنصب لكونه مفعولاً لفعل محذوف، أو بدلاً من قوله (عليه السلام) : « و السبع الموجبات »، بدل بعض من الكلّ .

و متعلّق الموجبات في قوله : « و السبع الموجبات » محذوف ؛ و التقدير

: والسبع الموجبات لكون فاعلها ذا كبيرة، أو لكون فاعلها مستحقًّا للنار، أو غير ذلک، هي قتل النفس ؛ أو أعني بالسبع : قتل النفس ؛ أو من تقدير شيء بناءً على الاحتمال الثالث ؛ و هذا الاحتمال مبنيّ على القول بعدم لزوم اشتمال بدل البعض من الكلّ للضمير .

و دلّ كثير منها على أنّها سبع، و هو خبر محمّد بن مسلم و عبيد بن زرارة وأبي بصير و عبد الله بن كثير و النبويّ ؛ و دلّ بعض منها على أنّها خمس، كمرسلة ابن أبي عمير و رواية عبيد بن زرارة الأخرى ؛ و الرضويّ دلّ على أنّها خمس وثلاثون .

و رواية عمرو بن عبيد دلّت على أنّها إحدى و عشرون ؛ و إن أمكن الجواب

ص: 120


1- . الكافي : 2 / 281 ح 14 ؛ الوسائل : 15 / 324 ح 20643 .

عن هذه الرواية بأنّ الراوي ما سأل معرفة جميع الكبائر، بل معرفة الكبائر من كتاب الله، حيث قال : « أحبّ أن أعرف الكبائر من كتاب الله »، بناءً على أحد الاحتمالين ؛ و على هذا قوله (عليه السلام) في : « ترک الصلاة، أو شيئًا ممّا أوجب الله -تعالى - لأنّ رسول الله (صلي الله عليه واله) قال : مَن ترک الصلاة » إلى آخره، من باب التبرّع منه (عليه السلام).

الجواب عن اختلاف النصوص في بيان الكبائر

و ربّما أجيب عن اختلاف تلک النصوص بأنّ ذلک محمولٌ على اختلاف المراتب بأن تكون السبع الّتي تضمّنته أكثر تلک النصوص أكبر الكبائر و هكذا، لكن هذا إنّما يتّجه إذا كانت تلک النصوص في بيان السبع متّحدة، و ليس الأمر كذلک، و يظهر ذلک لمن يلاحظها .

و يمكن أن يقال : إنّ السبع الّتي تضمّنته تلک النصوص أكبرها باختلاف الأشخاص و المقامات ؛ و يؤيّد هذا الحمل قوله (عليه السلام) : « أكبر الكبائر سبع : الشرک بالله العظيم، و قتل النفس الّتي حرّم الله - تعالى - إلّا بالحقّ، و أكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين، و قذف المحصنات، و الفرار من الزحف، و إنكار ما أنزل الله عزّوجلّ » (1) .

ص: 121


1- . التهذيب : 4 / 149 ح 417 ؛ الوسائل : 9 / 536 ح 12661 .

و ربّما قيل (1) :

إذا أردت معرفة الفرق بين الكبيرة و الصغيرة، فأعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فإن نقصت عن أقلّ مفاسدها فهي من الصغائر، و إلّا فمن الكبائر ؛ مثلاً حبس المحصنة للزنا فيها أعظم من مفسدة القذف مع أنّهم لم يعدّوه في الكبائر .

و كذا دلالة الكفّار على عورات المسلمين و ما أضمروه من تدابيرهم، ونحو ذلک ممّا يفضي إلى القتل و السبي و النهب، فإنّ مفسدته أعظم من مفسدة الفرار من { الزحف }، و هكذا ؛ و هذا باب واسع .

و منه يظهر الوجه لكلام ابن عبّاس، حيث سئل عن الكبائر : أسبع هي ؟ فقال : هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع (2) .

ص: 122


1- . نقله النووي في شرحه على صحيح مسلم : 2 / 86 ، عن الشيخ الإمام أبو محمّد بن عبد السلام في كتابهالقواعد، مع تفاوت يسير ؛ و نسبه إلى القيل في المحصول : 2 / 186 .
2- . حكاه عن ابن عبّاس في مجمع البيان : 3 / 39 ؛ و تفسير الطبريّ : 5 / 27 ؛ و الجامع لأحكام القرآن : 5 /159 .

الفرع الثالث

معنى إصرار الصغائر

قد عرفت أنّ من الكبائر : الإصرار على الصغائر، و هو اتّفاقيّ على ما يظهر، ومنصوصٌ قد تقدّم ذكره في جملة ما كتبه مولانا الرضا (عليه السلام) في رسالته إلى المأمون (1) .

و يدلّ عليه أيضًا قولهم - صلّى الله عليهم - : لا صغيرة مع الإصرار، و لا كبيرة مع الاستغفار (2) .

و روى أبو بصير عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه سمعه يقول : لا والله لا يقبل الله شيئًا من طاعته على الإصرار على شيء من معاصيه (3) .

و روى سماعة عن مولانا أبي الحسن (عليه السلام) أنّه سمعه يقول : لا تستكثروا كثيرَ الخير و لا تستقلّوا قليلَ الذنوب، فإنّ قليل الذنوب يجتمع حتّى يكون كثيرًا (4) .

و روى أبو بصير عن مولانا الباقر (عليه السلام) أنّه سمعه يقول : اتّقوا المحقّرات من

ص: 123


1- . عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 2 / 134 ح 1 ؛ الخصال : 610 ؛ و عن العيون في الوسائل : 15 / 329 ح20660 ؛ و رواه ابن شعبة في تحف العقول : ص 422 ، مرسلاً نحوه .
2- . الكافي : 2 / 288 ح 1 ؛ الفقيه : 4 / 18 ح 4968 ؛ الوسائل : 15 / 312 ح 20610 و 337 ح 20681 .
3- . الكافي : 2 / 288 ح 3 ؛ و عنه في الوسائل : 15 / 337 ح 20679 .
4- . الكافي : 2 / 287 ح 2 ؛ و عنه في الوسائل : 15 / 310 ح 20604 .

الذنوب، فإنّ لها طالبًا، يقول أحدكم : أذنب و أستغفر، إنّ الله - عزّوجلّ - يقول (1) : ( سنكتب ما قدّموا و آثارهم و كلّ شيء أحصيناه في إمام مبين ) (2) .

و روى زياد عن مولانا الصادق (عليه السلام) : إنّ رسول الله (صلي الله عليه واله) نزل بأرض قَرْعَاء، فقال لأصحابه : ايتونا (3) بحطب، فقالوا : يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب ؛ قال : فليأت كلّ إنسان بما قدر عليه، فجاؤا به حتّى رموا بين يديه بعضه على بعض، فقال رسول الله (صلي الله عليه واله) : هكذا تجتمع الذنوب .

ثمّ قال : إيّاكم والمحقّرات من الذنوب، فإنّ لكل شيء طالبًا، ألا و إنّ طالبها يكتب ( ما قدّموا و آثارهم و كلّ شيء أحصيناه في إمام مبين ) (4) .

ذكر الأقوال في معنى الإصرار

ثمّ اعلم : أنّهم اختلفوا في معنى الإصرار على الصغائر، و المراد به على أقوال، الأوّل هو : أنّ الإصرار على الصغائر هو الإكثار منها، سواء كان متعلّق الإكثار من نوع واحد منها بأن يرتكب نوعًا واحدًا منها مكرّرًا، أو أنواعًا متعدّدة بأن يرتكب كلّ نوع منها بحيث لا يحصل الإصرار بالنسبة إلى واحد منها (5) .

ص: 124


1- . قاله - عزّوجلّ - في سورة يس : 12 ؛ و الآية هكذا : ( إنّا نحن نُحْىِ المَوتى و نَكتُبُ ما قدّموا ) إلى آخره .
2- . الكافي : 2 / 270 ح 10 ؛ و عنه في الوسائل : 15 / 310 ح 20603 .
3- . في الكافي : ائتوا .
4- . الكافي : 2 / 288 ح 3 ؛ الوسائل : 15 / 310 ح 20605 .
5- . المسالک : 14 / 168 ؛ ذخيرة المعاد ( ط . ق ) : ج 1 ق 1 / ص 305 ؛ كفاية الأحكام : 1 / 142 .

و القول الثاني هو : أنّه الإكثار و المداومة على نوع واحد منها (1) .

و القول الثالث هو : أنّه عدم التوبة و الندامة بعد فعل الصغيرة و لو كان مرّة (2) .

و خير الأقوال أوسطها، لأنّه المتبادر من اللفظ و الموافق بما يتبادر من كلمات أهل اللغة في تفسيره، فعن الجوهريّ :

أصْرَرتُ على الشيء، أي : أقمت و دمت عليه (3) .

و عن ابن أثير :

أصَرَّ على الشيء يُصِرّ إصْرارًا : إذا لزمه و داومه و ثبت عليه (4) .

و عن القاموس :

أصرّ على الأمر : لزم (5) .

و لعلّ مستند القول الأوّل : اتّفاقهم على أنّ الإكثار من الذنوب قادحٌ في العدالة مطلقًا و إن كان متعلّق الإكثار مختلف الأنواع، كما يظهر من بعضهم .

و عن العلّامة في التحرير : الإجماع عليه (6) .

ص: 125


1- . حكاه في المسالک : 14 / 168 ؛ و ذخيرة المعاد ( ط . ق ) : ج 1 ق 1 / ص 305 ؛ و المحصول : 2 /187؛ و الحدائق : 10 / 54 ؛ و الرياض : 13 / 252 .
2- . انظر السرائر : 2 / 118 ؛ و ذخيرة المعاد ( ط . ق ) : ج 1 ق 1 / ص 305 ؛ والحدائق : 10 / 54 ؛ والبحار :85 / 29 .
3- . الصحاح : 2 / 711 .
4- . النهاية: 3 / 22.
5- . القاموس المحيط : 2 / 71.
6- . تحرير الأحكام : 2 / 208 .

و فيه نظر، لأنّ غاية ما يلزم من ذلک الاتّفاق في الحكم، و هو لا يستلزم دخول هذا القسم من الإكثار في الصغائر داخلاً في مفهوم الإصرار، و هو واضح، إلّا أنّه بعد الاشتراک في الحكم لا فائدة معتدًّا بها في الدخول و العدم، فالأمر في ذلک هيّن .

و مستند القول الثالث : ما رواه جابر عن مولانا الباقر ( :ليه السلام) الإصرار أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله و لا يحدث نفسه بتوبة، فذلک الإصرار (1) .

و الجواب : أنّه مع مخالفته للعرف و اللغة ضعيف السند، فلا يجوز التمسّک به لإثبات الحكم .

ثمّ اعلم أيضًا : أنّه قسّم جماعة من المتأخّرين (2) الإصرار على الصغيرة إلى : فعليّ و حكمىّ، منهم : الفاضل المقداد، حيث قال في كنز العرفان :

الإصرار على الصغيرة إمّا فعليّ، و هو المداومة على نوع واحد منها بلا توبة، أو الإكثار من جنس الصغائر بلا توبة ؛ و إمّا حكميّ، و هو العزم على فعل تلک الصغيرة بعد الفراغ منها .

- و قال : - أمّا مَن فعل صغيرة و لم يخطر بباله بعدها توبة و لا عزم على فعلها، فالظاهر أنّه غير مصرّ (3) .

ص: 126


1- . الكافي : 2 / 288 ح 2 ؛ الوسائل : 15 / 338 ح 20682 .
2- . منهم : الشهيد الأوّل في القواعد و الفوائد : 1 / 227 ؛ و الشهيد الثاني في المسالک : 14 / 168 ؛ والروضة :3 / 130 ؛ وانظر مجمع الفائدة : 2 / 351 ؛ و كفاية الأحكام : 1 / 142 ؛ والرياض : 13 / 253 .
3- . كنز العرفان : 2 / 385 .

و هو مختار الشهيدين أيضًا (1) ، لكنّ الظاهر عدم صدق الإصرار بالنسبة إلى مَن فعل صغيرة مرّة و لو مع العزم لفعلها مرّة أخرى .

هذا كلّه فيما إذا أصرّ على الصغائر، فإنّه يقدح في العدالة كما عرفت .

قيل :

و كذا لو فعل الصغائر و إن أظهر التوبة عنها كلّما فعلها، لدلالته على قلّة المبالاة و عدم الإخلاص في التوبة (2) .

و أمّا لو فعلها ندرة من غير إصرار، فالظاهر أنّه غير قادح في العدالة، وفاقًا للمحكيّ عن ابن الجنيد، و المبسوط، و ابن حمزة، و الفاضلين، و الشهيدين، وغيرهم من سائر المتأخّرين (3) .

و استدلّ لذلک بما مرّ من صحيحة ابن أبي يعفور حيث سئل فيها : « بِمَ تعرف عدالة الرجل بين المسلمين ؟ » إلى آخره، فأجاب (عليه السلام) : « باجتناب الكبائر الّتي أوعد الله - تعالى - عليها النار »، إلى آخره (4) ؛ فلا تقدح فعل الصغيرة في العدالة، وإلّا لذكرها (عليه السلام) أيضًا .

ص: 127


1- . القواعد والفوائد : 1 / 227 ؛ المسالک : 14 / 168 .
2- . كشف اللثام : 10 / 258 .
3- . انظر حكاه عن ابن الجنيد في المختلف : 8 / 483 ؛ وانظر المبسوط : 8 / 217 ؛ و الوسيلة : 230 ؛والشرائع : 4 / 912 ؛ و الإرشاد : 2 / 156 ؛ و الدروس : 2 / 125 ؛ والمسالک : 14 / 168 ؛ و كشف اللثام :10 / 258 ؛ والرياض : 13 / 253 .
4- . الفقيه : 3 / 38 ح 3280 ؛ الاستبصار : 3 / 12 ح 33 ؛ التهذيب : 6 / 241 ح 596 ؛ الوسائل : 27 / 391ح 34032 .

واستدلّ أيضًا (1) بأنّ فعل الصغيرة لو انقدح في العدالة تلزم عدم وجود عادل، إذ الإنسان غير المعصوم لا ينفکّ عن فعل الصغيرة، فيلزم من ذلک تعطيل للأحكام، و إخلال للنظام، و تضييع لحقوق الأنام، فيستلزم ذلک العسر و الحرج المنفيّين في شرع الإسلام، و قد دلّت عليه السنّة و الكتاب، قال الله - سبحانه - : (ليس عليكم في الدين من حَرَج ) (2) ؛ و قال - تعالى شأنه - : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ

اليُسر و لا يُريدُ بِكُمُ العُسر ) (3) . و قال (عليه السلام): « لا ضرر و لا ضرار » (4) .

و فيه نظر، لأنّا نجوّز على كثير من الصلحاء المتورّعين عدم صدور المعصية منهم و لو كانت صغيرة، بل ربّما نظنّ ذلک منهم .

و يمكن أن يجاب عن ذلک بأنّه لو اقتصر في أمر الشهادة على شهادة هؤلاء الأجلّة أيضًا يلزم تعطيل بعض الأحكام و تضييع بعض الأموال، لا سيّما في المدن الكبيرة .

و لقد أجاب ابن إدريس عن أصل الدليل بأنّه لمّا كان تدارک الذنب بالتوبة

ص: 128


1- . انظر رياض المسائل : 13 / 254 .
2- . الحجّ : 78 ؛ و الآية هكذا : ( و ما جعل عليكم في الدّين من حَرَج ).
3- . البقرة : 185 .
4- . الكافي : 5 / 280 ح 4 و 292 ح 2 و 293 ح 6 ، و فيه : « و لا ضرار » ؛ دعائم الاسلام : 2 / 499 ح1781 ، و ص 504 ح 1805 ، و فيه : « و لا إضرار » ؛ الفقيه : 3 / 233 ح 3859 ، و فيه : « و لا إضرار » ؛و4 / 334 ح 5718 ، و فيه : « لا ضرر و لا إضرار في الإسلام » ؛ التهذيب : 7 / 146 ح 651 ، و ص 164ح 727 ، و فيه : « و لا ضرار » ؛ الوسائل : 18 / 32 ح 23073 - 23075 ؛ مسند أحمد : 1 / 313 ، وفيه :«ولا إضرار » ؛ سنن ابن ماجة : 2 / 784 ح 2340 و 2341 ؛ سنن الدارقطني : 4 / 146 ح 4494و4495؛ سنن البيهقي : 5 / 157 ؛ و فيها : « و لا ضرار ».

والاستغفار ممكنًا لم يبق للذنب أثر (1) .

و فيه نظر، لأنّه احتمال التوبة و ظهورها بحيث يطمئنّ النفس منه ربّما يحتاج إلى زمان يفوت فيه الغرض المقصود من مراعات عدالة من شهادة أو غيرها (2) .

خلافًا للمحكيّ عن المفيد و ابن البرّاج و أبي الصلاح و ابن إدريس و أبي عليّ صاحب المجمع (3) ، فقالوا بانقداح العدالة بفعل الصغيرة مطلقًا و إن كان من غير إصرار، بناءً منهم على أنّ كلّ ذنب كبيرة، و ليس شيء منه صغيرة .

و قد عرفت ضعف هذا القول و بطلانه، و أنّ الحقّ : انقسام الذنوب إلى صغيرة وكبيرة، فلا يحتاج إلى الإعادة .

ص: 129


1- . لم نعثر عليه بهذا اللفظ في السرائر، نعم قد ورد ما هو بمضمونه فيه، انظر السرائر : 2 / 118 ؛ و 3 / 526 ؛و حكاه عنه بهذه العبارة في ذخيرة المعاد ( ط . ق ) : ج 1 ق 2 / ص 303 ؛ و المحصول : 2 / 189 ؛ورياض المسائل : 13 / 254 .
2- . المحصول : 2 / 189 .
3- . انظر مصنّفات الشيخ المفيد : 4 / 83 و 84 ؛ والمقنعة : 725 ( و ليس فيها التصريح بذلک ) ؛ و المهذّب :2/ 556 ؛ و الكافي في الفقه : 435 ؛ و السرائر : 2 / 118 ؛ و مجمع البيان : 3 / 70 ؛ و حكاه عنهم فيالتنقيح الرائع : 4 / 290 ؛ و المسالک : 14 / 166 ؛ والذخيرة (ط.ق ) : ج 1 ق 2 / ص 303 ؛ و الحبلالمتين ( ط . ق ) : 82 ؛ و الحدائق : 10 / 51 ؛ و مناهج الأحكام، للميرزا القمّيّ : 62 ؛ وانظر أيضًا كنزالعرفان : 2 / 385 ؛ و حقائق الإيمان، للشهيد الثاني : 211 و212 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 315 .

الفرع الرابع

في بيان الرحم و صلته و قطعه

اعلم : أنّک حيث قد عرفت من المقبولة الطويلة المتقدّمة الواردة لبيان الكبائر من كتاب الله - تعالى - لعمرو بن عبيد (1) : أنّ من جملة الكبائر قطيعة الرحم، فلابدّ

أن نبحث في الرحم و صلته و قطعه .

فأقول : أمّا الرحم، فهي - كما يظهر من النصوص، و فيها صحيحة و موثّقة وغيرهما - القرابة (2) .

و في المسالک في باب الهبة :

المراد بالرحم في هذا الباب و غيره - كالرحم الّذي تجب صلته و يحرم قطعه - مطلق القريب المعروف النسب و إن بعدت - إلى أن قال : - و هو موضع نصّ و وفاق (3) .

و بالجملة : الرحم هو : ما يقال في العرف و العادة أنّه قريب فلان مثلاً، و يكون

ص: 130


1- . الكافي : 2 / 285 ح 24 ؛ علل الشرائع : 2 / 391 ح 1 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام : 1 / 257 ح 33 ؛الفقيه : 3 / 563 ح 4932 ؛ الوسائل : 15 / 318 ح 20629 .
2- . انظر القاموس المحيط : 1 / 1112 ؛ و الصحاح : 5 / 1929 ؛ و لسان العرب : 12 / 232 ؛ والنهاية : لابنالأثير : 2 / 210 .
3- . مسالک الأفهام : 6 / 31 .

قرابته لک بالأب أو الأمّ، كالأخوان و الأخوات و الأعمام و الأخوال و العمّات والخالات و أولادهم و إن نزلوا، مع صدق اسم القرابة عليهم في العرف و العادة .

و أمّا صلته فتختلف بالنسبة إلى الأشخاص و بُعد المرتبة و المنازل و قُربهما، فربّما تتحقّق الصلة بشيء و بالنسبة إلى ولد ولد ولد الأخت مثلاً، و لا تتحقّق بالنسبة إلى الأخت بذلک، بل يعدّ قاطعًا للرحم لو اقتصر على ذلک الشيء .

و ربّما تحقّق الصلة بشيء بالنسبة إلى مَن بَعُدَ منزلة، و لا تتحقّق بالنسبة إلى مَن قَرُبَ منزلة .

و ربّما تتحقّق بشيء بالنسبة إلى العمّ مثلاً، و لا تتحقّق بالنسبة إلى الأخ والأخت، و قد تتحقّق بالنسبة إلى أولاد الأعمام بشيء، و لا تتحقّق به بالنسبة إلى أولاد الأخوان مثلاً، و هكذا .

و كذا الكلام في القطع، أي : تختلف باختلاف المراتب و الأشخاص و بُعد المنازل و قُربها، فربّما يصدق القطع بالنسبة إلى الأخ، و لا يصدق بالنسبة إلى العمّ، و بالنسبة إلى قريب المنزل دون البعيد .

و بالجملة : المرجع في تحقّق الصلة و القطع هو العرف، لأنّه الحَكَم فيما لم يرد له من الشرع بيان .

و سنذكر النصوص الدالّة على أنّ صلة الرحم توجب زيادة العمر، و قطعها توجب النقص في العمر و الحرمان من المال .

ص: 131

حكم شهادة القاذف

5- مسألة

اشارة

قد عرفت من أكثر النصوص المتقدّمة أنّ من جملة الكبائر القذف، فلا تقبل شهادة القاذف، لأنّه غير عادل ؛ و لقوله - تعالى - : ( والّذين يَرمُون المُحصَناتِ ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فَاجْلِدوهُم ثمانين جَلْدَة و لا تَقبَلوا لهم شَهادةً أبَدًا و أولَئِکَ هُمُ الفاسِقون ) (1) .

و المسألة موضع وفاق، فلا تقبل شهادته إلّا إذا تاب، بل فتقبل حينئذٍ للإجماع - كما عن التحرير و التنقيح (2) - و قوله - تعالى - : ( إلّا الّذين تَابُوا من بعد ذلک وأصلَحُوا فإنّ الله غفورٌ رحيمٌ ) (3) .

والنصوص المستفيضة، منها : ما رواه قاسم ابن سليمان عن مولانا الصادق (عليه السلام) : عن الرجل يقذف الرجل، فيجلد حدًّا، ثمّ يتوب، و لا يعلم منه إلّا خيرًا، أتجوز شهادته ؟ قال : نعم، ما يقال عندكم ؟ قلت : يقولون : توبته فيما بينه وبين الله - عزّوجلّ - و لا تقبل شهادته أبدًا ؛ فقال : بئس ما قالوا، كان أبي يقول : إذا تاب و لم يعلم منه إلّا خيرًا جازت شهادته (4) .

ص: 132


1- . النور : 4 .
2- . التحرير : 2 / 208 ؛ التنقيح الرائع : 4 / 289 .
3- . النور : 5 .
4- . الكافي : 7 / 397 ح 2 ؛ الاستبصار : 3 / 37 ح 125 ؛ التهذيب : 6 / 246 ح 620 ؛ الوسائل : 27 / 383ح 34009 .

و القاسم و إن كان مجهولاً، إلّا أنّ السند إليه صحيح ؛ و الراوي عنه حمّاد، و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (1) .

و منها : المرسل المرويّ عن يونس، عن بعض أصحابه، عن أحدهما(عليهما السلام)قال : سألته عن الّذي (2) يقذف المحصنات تقبل شهادته بعد الحدّ إذا تاب ؟ قال: نعم (3) .

و منها : ما رواه أبو الصباح الكنانيّ عن مولانا الصادق (عليه السلام)، حيث سأله عن القاذف بعد ما يقام عليه الحدّ ما توبته ؟ قال : يكذب نفسه ؛ قلت : أرأيت إن أكذب نفسه و تاب أتقبل شهادته ؟ قال : نعم (4) .

إن قلت : إنّ النصوص المذكورة قد دلّت على جواز شهادة القاذف التائب بعد الحدّ، حيث قال : « تقبل شهادته بعد الحدّ »، كما في المرسل ؛ و مقتضاه عدم قبول شهادته قبل الحدّ و إن تاب .

قلت : هذا التقييد إنّما ورد في كلام الراوي، لا في كلام المعصوم (عليه السلام)، فليس مفهومه حجّة ؛ و معلوم أنّ التقييد في السؤال لا يستلزم التقييد في الجواب بمعنى أن ينفي الحكم في غير مورد السؤال، و إنّما هو يثبت الحكم لمورد السؤال المقيّد، و إثبات الشيء لا ينفي ما عداه .

ص: 133


1- . انظر خلاصة الأقوال : 125 .
2- . في التهذيب : عن الرجل الّذي .
3- . الكافي : 7 / 397 ح 5 ؛ الاستبصار : 3 / 36 ح 122 ؛ التهذيب : 6 / 245 ح 617 ؛ الوسائل : 27 / 384ح 34011 .
4- . الكافي : 7 / 397 ح 1 ؛ الاستبصار : 3 / 36 ح 120 ؛ التهذيب : 6 / 245 ح 615 ؛ الوسائل : 27 / 383ح 34008 .

نعم، من النصوص في المسألة ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن عليّ (عليهم السلام) قال : ليس يصيب أحدٌ حدًّا فيقام عليه ثمّ يتوب إلّا جازت شهادته (1) .

و مفهومه : أنّه لو لم يقم الحدّ عليه ليس الأمر كذلک .

و جوابه على تقدير تسليم فهم هذا المفهوم منه نقول : إنّ مفهومه ليس بعامّ حتّى يشمل للقاذف و غيره، لأنّ لفظ « أحد » فيه نكرة، وقع في سياق النفي، يفيد العموم، فيدخل فيه القاذف و غيره .

و أمّا مفهومه، فليس الأمر كذلک، لأنّه مثبت، فلا يفيد العموم، لأنّ النكرة في سياق الإثبات غير مفيدة لذلک، فلا يصلح لمعارضة ما دلّ على جواز قبول شهادة القاذف بعد التوبة مطلقًا و إن كان قبل إقامة الحدّ كالآية المتقدّمة و غيرها، فلا إشكال في الرواية من هذه الجهة .

نعم، فيها إشكالٌ من وجهٍ آخر، و هو أنّ هذه الرواية قد وجد في آخرها في بعض نسخ التهذيب نسخة و في الاستبصار :

إلّا القاذف، فإنّه لا تقبل شهادته، إنّ توبته فيما بينه و بين الله (2) .

و على هذا، هذه الرواية معارضةٌ للنصوص المتقدّمة، لا معاضدة لها، لكنّ الجواب عن هذا - مع عدم وجود هذه الزيادة في الكافي و في نسخ التهذيب

ص: 134


1- . الكافي : 7 / 397 ح 4 ؛ الاستبصار : 3 / 37 ح 124 ؛ التهذيب : 6 / 245 ح 619 ؛ الوسائل : 27 / 384ح 34010 .
2- . الاستبصار : 3 / 37 ح 127 .

جميعًا - أنّها مع فرض صحّة هذه الزيادة محمولةً على التقيّة، لما نقل عن العامّة من أنّ أكثرهم قالوا بذلک، سيّما مع كون الراوي من قضاتهم .

و كيف كان و هذه الرواية لا تصلح لمعارضة ما تقدّم من الكتاب و الإجماع والسنّة، فلتطرح، أو يحمل على ما مرّ، فلا إشكال، بل لا خلاف في المسألة بحمد الله سبحانه .

حدّ توبة القاذف

اشارة

لكن وقع الخلاف في حدّ توبته على أقوال :

القول الأوّل

الأوّل : انّه إكذاب نفسه ؛ اختاره في الشرائع و النافع و عن المقنع و النهاية والتبيان (1) .

و يدلّ عليه من النصوص ما تقدّم من رواية أبي الصباح الكنانيّ عن مولانا الصادق (عليه السلام)، حيث سأله : ما توبته ؟ قال : يكذب نفسه ؛ الحديث


1- . شرائع الإسلام : 4 / 912 ؛ المختصر النافع : 279 ؛ المقنع : 397 ؛ النهاية : 2 / 53 ؛ التبيان : 7 / 409 ؛وحكاه عنهم في كشف اللثام : 10 / 287 ؛ و رياض المسائل : 13 / 272 .

(1). في التهذيب : عن الرجل الّذي .(2). في التهذيب : فيجيء فيكذب نفسه عند الإمام و يقول .(3). الكافي : 7 / 397 ح 5 ؛ الاستبصار : 3 / 36 ح 122 ؛ التهذيب : 6 / 245 ح 617 ؛ الوسائل : 27 / 384ح 34011 .(4). في المصادر : إن تاب .(5). في التهذيب : فيما قال .(6). الكافي : 7 / 397 ح 6 ؛ الاستبصار : 3 / 36 ح 121 ؛ التهذيب : 6 / 245 ح 616 ؛ الوسائل : 27 / 385ح 34014 .


1- .و من مرسلة يونس عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليه السلام) قال : سألته عن الّذي
2- يقذف المحصنات تقبل شهادته بعد الحدّ إذا تاب ؟ قال : نعم ؛ قلت : و ما توبته ؟ قال : يجيء عند الإمام فيقول
3- : قد افتريت على فلانة و يتوب ممّا قال
4- . و صحيحة ابن سنان عن مولانا الصادق (عليه السلام) ، حيث سأله عن المحدود إذا تاب
5- تقبل شهادته ؟ فقال : إذا تاب، و توبته أن يرجع ممّا قال
6- و يكذب نفسه عند الإمام و عند المسلمين

الإكذاب عند الإمام أم لا، إلّا أنّها من جهة ورودها في خصوص القاذف خاصّة .

و الصحيح و إن كان من حيث اشتماله على كون الإكذاب عند الإمام مقيّدًا، إلّا أنّه من جهة وروده في مطلق المحدود عامّ، لكن مع ذلک يجب تقديم الصحيح، لصحّته و ضعف الأولى .

ثمّ إنّ الإكذاب عند الإمام فقط أيضًا غير كاف، لما دلّ عليه الصحيح من أنّ حدّ توبته إكذاب نفسه عند الإمام و عند المسلمين، فيقيّد ما يدلّ على كفاية الإكذاب عند الإمام فقط - كالرواية الثانية - فيما إذا كان هناک غيره من المسلمين أيضًا .

ثمّ الظاهر أنّ المراد من المسلمين ليس جميع المسلمين الّذين يمكن تبليغ الإكذاب إليهم، بل الّذين قد بلغ إليهم خبر القذف .

و هل المعتبر تبليغ القاذف نفسه الإكذاب إلى الإمام و المسلمين مطلقًا، أو لا كذلک، بل يكفي بلوغ الإكذاب إليهم، سواء كان المبلّغ هو القاذف أم لا ؛ أو التفصيل بأنّ خبر القذف إليهم إن كان من القاذف بنفسه فالأوّل، و إلّا فالثاني ؟

ظاهر النصّ : الأوّل، فلا يكفي لحصول التوبة مطلق بلوغ إكذاب القاذف نفسه إليهم .

و عن الخلاف و الغنية و المجمع : أنّ الإكذاب شرط التوبة (1) .

و الظاهر أنّ المراد واحد، لأنّ القائل أنّ حدّ التوبة هو الإكذاب، لم يرد أنّ

ص: 137


1- . الخلاف : 6 / 264 ؛ غنية النزوع : 440 ؛ مجمع البيان : 7 / 222 ؛ و حكاه عنهم في كشف اللثام : 10 /287 .

الإكذاب نفس التوبة، لأنّ التوبة عبارة عن الندم عمّا مضى و الترک في الحال والعزم على عدم العود إلى الفعل القبيح، لكن جعل الشارع الإكذاب فيما نحن فيه شرطًا لتحقّق التوبة ؛ و يظهر الثمرة فيما لو أكذب نفسه مع عدم اجتماع ما مرّ عليه .

و بالجملة : اعتبار الإكذاب في توبة القاذف متّفقٌ عليه، كما يظهر من الخلاف، حيث قال - على ما نقل عنه - من أنّه قال :

من شرط التوبة من الكذب (1) أن يكذب نفسه حتّى يصحّ قبول شهادته فيما بعد، بلا خلاف بيننا و بين أصحاب الشافعي .

إلى أن قال :

لا خلاف بين الفرقة أنّ من شرط ذلک أن يكذب نفسه، و حقيقة الإكذاب أن يقول : كذبت فيما قلت، إنتهى (2) .

القول الثاني

و القول الثاني : انّ حدّ توبته أيضًا الإكذاب، لكن يقول : القذف باطل حرام، ولاأعود إلى ما قلت .

نقل ذلک عن المبسوط، و عبارته المحكيّة هذه :

ص: 138


1- . في المصدر : القذف .
2- . الخلاف : 6 / 263 ؛ و نقله عنه في المختلف : 8 / 479 ؛ و كشف اللثام : 10 / 288 ؛ و رياض المسائل :13 / 270 .

و اختلفوا في كيفيّة إكذابه نفسه، قال قوم : أن يقول : القذف باطل حرام، ولا أعود إلى ما قلت . و قال بعضهم : التوبة إكذابه نفسه ؛ و حقيقة ذلک أن يقول : كذبت فيما قلت ؛ و روي ذلک في أخبارنا، و الأوّل أقوى، لأنّه إذا قال : كذبت فيما قلت، ربما كان كاذبًا (1) ، لجواز أن يكون صادقًا في الباطن و قد تعذّر عليه تحقيقه، فإذا قال : القذف باطل حرام، فقد أكذب نفسه (2) .

و نقل عن ابن إدريس أيضًا ذلک (3) .

و فيه نظر، لأنّ القول بأنّ القذف باطل حرام و لا أعود إلى ما قلت، ليس من التكذيب بشيء .

توضيحه هو أن يقال : إنّ الّذي دلّت عليه النصوص المتقدّمة هو : أنّ حدّ توبته إكذاب القاذف نفسه ؛ و لا شکّ أنّ حقيقة الإكذاب أن يقول : كذبت فيما قلت مثلاً، لا أن يقال : القذف باطل حرام .

نعم، هذا إنّما يناسب إذا قال في الأوّل : القذف ليس بباطل و حرام ؛ و ليس الكلام في ذلک .

ص: 139


1- . في المصدر : كاذبًا في هذا .
2- . المبسوط : 8 / 179 ؛ و حكاه عنه في المختلف : 8 / 478 ؛ و التنقيح : 4 / 294 ؛ و كشف اللثام : 10 /288 ؛ و رياض المسائل : 13 / 270 .
3- . السرائر : 2 / 116 ؛ و حكاه عنه في المختلف : 8 / 479 ؛ و إيضاح الفوائد : 4 / 423 ؛ و غاية المرام :4/ 279 ؛ و كشف اللثام : 10 / 288 ؛ و رياض المسائل : 13 / 271 .

و ممّا يدلّ على بطلانه زيادة على ما ذكر، قوله عليه السلام في الحديث المتقدّم : «يجيء عند الإمام فيقول : قد افتريت على فلانة » (1) ؛ و أين هذا من ذلک ؟!

و أيضًا السرّ في أمر الشارع بالإكذاب الظاهر أنّه للستر و عدم التفضيح، و هولايحصل مع القول بأنّ القذف باطل حرام مثلاً، بل لعلّ الحاصل منه خلافه .

ثمّ إنّ هذا لو تمّ إنّما يدلّ على التفصيل الّذيّ سيجيء إليه الإشارة، لا مطلقًا .

القول الثالث

و القول الثالث في المسألة هو : التفصيل بين كون القاذف صادقًا في قذفه أم لا، فإن كان الأوّل فحدّ توبته إكذاب النفس ؛ و إن كان الثاني فحدّها الاعتراف بالخطأ في الملأ الّذين قذف عندهم .

و هو الّذي اختاره في القواعد و الإرشاد، و المحكيّ عن ابن حمزة و سعيد والتحرير و المختلف (2) .

و مستنده في الأوّل هو ما تقدّم من النصوص الدالّة على أنّ حدّ توبته إكذاب النفس ؛ و هي و إن كانت مطلقة شاملة لصورتي الكذب و الصدق، إلّا أنّها محمولةٌ على ما إذا كان كاذبًا، نظرًا إلى الأدلّة الدالّة على حرمة الكذب بقول مطلق .

ص: 140


1- . الكافي : 7 / 397 ح 5 ؛ الاستبصار : 3 / 36 ح 122 ؛ التهذيب : 6 / 245 ح 617 ؛ الوسائل : 27 / 384ح 34011 .
2- . انظر القواعد : 3 / 494 ؛ و الإرشاد : 2 / 157 ؛ و الوسيلة : 231 ؛ و الجامع للشرائع : 540 ؛ و التحرير :2/ 218؛ و المختلف : 8 / 398 ؛ و حكاه عنهم في كشف اللثام : 10 / 288 ؛ و الرياض : 13 / 271 .

و في الثاني لعلّه الإجماع، بيانه هو : أنّ الأصحاب كأنّهم متّفقون في توبة القاذف على اعتبار أمر زائد ممّا اعتبر في توبة غيره ؛ و لا يجوز أن يكون ذلک الأمر إكذاب النفس، لاستلزامه الكذب، فليكن هو الاعتراف بالخطأ في الملأ، إذ لا ثالث يناسب ذلک .

و فيه نظر، لأنّ الله - جلّ شأنه - جعل القاذف كاذبًا مطلقًا و إن كان قوله مطابقًا للواقع، حيث قال - تعالى شأنه - : ( انّ الّذين يَرمُون المُحصَنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فأولئک عند الله هم الكاذبون ) (1) .

و على تقدير تسليم شمول عموم الأدلّة الدالّة على حرمة الكذب لما نحن فيه، وعدم تخصيصها بما مرّ في المسألة، و تقييد الآية فيما إذا لم يكن القذف مطابقًا للواقع، نقول : إنّ الفرار من الكذب لا ينحصر وجهه في تخطئة القاذف نفسه، لحصوله بالتورية، بل هي أولى و أقرب إلى النصوص من التصريح، و أنسب بالحكمة المطلوبة للشارع من الستر و عدم تفضيح حال الناس، لما في التصريح بالتخطئة من التعرّض بالقذف أيضًا، فإفساده أكثر من إصلاحه .

ص: 141


1- . كذا في نسخة الأصل . قال الله - تبارک و تعالى - في سورة النور، الآية 4 : ( والّذين يرمون المحصنات ثمّلم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادةً أبدًا و أولئک هم الفاسقون )، إلى أن قال- عزّوجلّ - في الآية 13 منها : ( لو لا جاءوا عليه بأربعة شهداء فَإِذْ لم يأتوا بالشهداء فأولئک عند الله همالكاذبون ).

رأي المصنّف (قدس سره) في المسألة

فالقول الأوّل (1) أرجح، وفاقًا للمحكيّ عن الصدوقين، و ابن أبي عقيل، والشيخ في النهاية، و الشهيدين في الدروس و المسالک، و التنقيح (2) .

بل قيل :

الظاهر أنّه المشهور بين المتأخّرين، بل المتقدّمين أيضًا، بل عن ابن زهرة (3) دعوى الإجماع على ذلک (4).

و قد مرّ نقل عدم الخلاف بيننا في عبارة الخلاف المتقدّمة (5).

و يدلّ عليه زيادة على ما مرّ من النصوص المتقدّمة : النبوىّ : « توبة القاذف إكذاب نفسه » (6) ، هذا .

إيرادٌ في المقام

و في المقام إيراد، و هو : أنّه قد تقدّم مفصّلاً أنّ العدالة عبارةٌ عن الملكة، و أنّ

ص: 142


1- . و هو أنّ حدّ توبة القاذف : إكذاب نفسه .
2- . حكاه العلّامة عن الصدوقين و ابن أبي عقيل في المختلف : 8 / 398 ؛ وانظر المقنع : 398 ؛ و النهاية :2/53 ؛ و الدروس : 2 / 126 ؛ و المسالک : 14 / 175 ؛ و التنقيح الرائع : 4 / 294 ؛ و حكاه عنهم فيكشف اللثام : 10 / 287 ؛ و رياض المسائل : 13 / 272 .
3- . انظر غنية النزوع : 440 .
4- . رياض المسائل : 13 / 272 .
5- . الخلاف : 6 / 263 .
6- . تلخيص الحبير : 4 / 204 ح 2131 ؛ الدرّ المنثور : 6 / 131 .

الملكة عبارةٌ عن الهيئة الراسخة في النفس الباعثة على ملازمة المروّة و التقوى، فلو كانت العدالة عبارة عن ذلک، كيف تزول بعروض ما ينافيها من معصية حتّى أنّه بمجرّد قذف واحد يخرج عن كونه عادلاً و يدخل تحت الفسّاق ؟

و أيضًا ظاهر النصوص المتقدّمة و كلمات كثير من الأصحاب الأجلّة في المسألة أنّ القاذف بعد التوبة بمجرّدها تقبل شهادته، فكيف تعود العدالة الزائلة بمحض التوبة حتّى يجوز قبول الشهادة ؟

الجواب عن الإيراد

أجيب عن ذلک (1) بأنّ الملكة بعد ثبوتها و إن كانت لا تزول بمخالفة مقتضاها

في بعض الأحيان، إلّا أنّ الآثار لمّا كانت دلائل الملكات جعل الشارع بالإجماع الأثر المخالف لمقتضاها مزيلاً لحكمها، و التوبة رافعة لهذا المزيل، لكن إن كانت التوبة عن القذف لا تكفي بمجرّدها لرفع المزيل و قبول الشهادة، لقوله - تعالى - : (إلّا الّذين تابوا من بعد ذلک و أصلحوا ) (2) ، حيث اعتبر - جلّ ذكره - الإصلاح بعد التوبة، فلم نكف من دونه .

و به يقيّد إطلاق ما دلّ على قبول شهادته بمجرّد التوبة، كقوله (عليه السلام) : « توبته أن يرجع فيما قال و يكذب نفسه عند الإمام و عند المسلمين، فإذا فعل ذلک، فإنّ

ص: 143


1- . أجاب عنه الأعرجيّ في شرحه على الوافية : ص 170 س 12 ، القول في تعريف العدالة ( مخطوط فيمكتبة المرعشيّ برقم 2 ) ؛ وانظر مفتاح الكرامة : 8 / 272 .
2- . آل عمران : 89 ؛ النور : 5 .

على الإمام أن يقبل شهادته بعد ذلک » (1) ؛ و قوله عليه السلام بعد أن سأله أبو الصباح : «أرأيت أن أكذب بنفسه و تاب أتقبل شهادته ؟ قال : نعم » (2) . و غيرهما ممّا تقدّم ذكره .

على أنّ في إطلاقها كلام، لأنّ مِن شرط انصراف المطلق إلى تمام الأفراد - كما عرفت مرارًا - عدم وروده في مقام بيان حكم آخر ؛ و هذه النصوص على ما يستفاد منها أنّها سيقت لدفع توهّم عدم قبول شهادة القاذف بعد التوبة مطلقًا و لو كانت بعد الإصلاح، فتكون النصوص المذكورة في الدلالة على قبول الشهادة بالنسبة إلى بعد التوبة و قبل الإصلاح مجملة، فلا تصلح للتمسّک بها في قبول الشهادة قبل الإصلاح، هذا .

ثمّ اعلم : أنّ المراد بالإصلاح - على ما نقل عن الأكثر - هو : الاستمرار على التوبة و لو ساعة .

و عن فخر الإسلام :

أنّ هذا المعنى متّفق عليه، و إنّما الخلاف في الزائد عليه، و هو : إصلاح العمل ؛ فقال ابن حمزة (3) : يشترط مطلقًا - أي : في الصادق و الكاذب -

ص: 144


1- . الكافي : 7 / 397 ح 6 ؛ الاستبصار : 3 / 36 ح 121 ؛ التهذيب : 6 / 245 ح 616 ؛ الوسائل : 27 / 385ح 34014 .
2- . الكافي : 7 / 397 ح 1 ؛ الاستبصار : 3 / 36 ح 120 ؛ التهذيب : 6 / 245 ح 615 ؛ الوسائل : 27 / 383ح 34008 .
3- . انظر الوسيلة : 231 .

ولم يشترط الشيخ في النهاية مطلقًا .

و قال في المبسوط (1) : يشترط في الكاذب لا الصادق (2) ؛ و هو اختيار ابن إدريس .

احتجّ المصنّف بأنّ الاستمرار على التوبة إصلاح، و الأمر المطلق يكتفى فيه بالمسمّى (3) ، و لم يشترط في الرواية المتقدّمة، بل علّق قبول

الشهادة على التوبة و إكذاب نفسه .

و فيه نظر، لحمل المطلق على المقيّد مع اتّحاد القضيّة، إنتهى كلامه (4) .

و مراده من المطلق هو الرواية، و المقيّد هو الآية ؛ و الأمر كما ذكره، لأنّ الآية وإن كانت مطلقة، لأنّ الإصلاح أعمّ من أن يكون في الحال أو العمل، إلّا أنّ المتبادر منه هو الثاني .

على أنّ الإطلاق أيضًا يقتضي التقييد بالنسبة إلى فرديه أحدهما : الإصلاح في العمل، فالحقّ ما نقله عن ابن حمزة من أنّ الإصلاح في العمل في القاذف شرطٌ لقبول الشهادة .

ثمّ إنّ هذا بالنسبة إلى التوبة عن القذف، و أمّا عن غيره فالظاهر قبول الشهادة

ص: 145


1- . انظر المبسوط : 8 / 179 .
2- . في المصدر : لا في الصادق .
3- . النهاية : 326 .
4- . إيضاح الفوائد : 4 / 424 .

بمجرّد التوبة، لقوله (عليه السلام) : « التائب من الذنب كمن لا ذنب له » (1) ؛ و لقوله (عليه السلام) :

«التوبة تجبّ ما قبلها » (2) .

و عمومهما و إن كان شاملاً للتوبة عن القذف أيضًا، إلّا أنّ المعارض بالنسبة إلى توبة القاذف موجود، و هو ما تقدّم من قوله - تعالى - : ( إلّا الّذين تَابُوا من بعد ذلک و أصلَحُوا ) (3) ، لكنّه لمّا كان مختصًّا بالقاذف، فيبقى العموم بالنسبة إلى غيره سالمًا عن المعارض .

ثمّ لا يخفى عليک أنّ ما تقدّم من خروج القاذف بالقذف عن العادليّة، فلا تقبل شهادته إلّا بعد التوبة و الإصلاح، إنّما هو إذا لم يقم بيّنة على ذلک ؛ و أمّا إذا أقامها فليس الأمر كذلک، و هو واضح ؛ و لعلّه متّفق عليه، لقوله - تعالى - : ( و الّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جَلدة و لا تقبلوا لهم شهادةً أبدًا ) (4) ؛ و مفهومه هو : أنّهم لو أتوا بأربعة شهداء تقبل شهادتهم، و هو المطلوب .

و مثله ما لو قذف و لم يقم البيّنة، لكنّ المقذوف صدّقه على ذلک، لأنّ إقرار المقذوف أولى من إقامة البيّنة، فثبوت الحكم لمقيم البيّنة يدلّ على ثبوته هنا بطريق أولى .

ص: 146


1- . الكافي : 2 / 435 ح 10 ؛ و رواه في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 2 / 79 ح 347 ، عن الرضا(عليه السلام) عنآبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلي الله عليه واله) ؛ و عنهما في الوسائل : 16 / 74 ح 21016 ؛ و 75 ح 21022 .
2- . رفعه ابن أبي جمهور الأحسائيّ إلى النبيّ (صلي الله عليه واله) في عوالي اللّألئ : 1 / 237 ح 150 .
3- . النور : 5 .
4- . النور : 4 .

و أمّا لو قذف و لم يقم البيّنة، لكن صدّقه أحد المقذوفين من الرجل أو المرأة وكذّبه الآخر كذلک، فينبغي أن لا تسمع شهادته أيضًا، لأنّه قاذفٌ من غير بيّنة، و لا إقرار المقذوف بالنسبة إلى المكذّب، فلا تقبل شهادته .

ثمّ اعلم : أنّ قبول شهادة القاذف بعد التوبة غير متوقّف على إقامة الحدّ عليه، فتقبل و لو قبل الحدّ، لأنّ في النصوص و الآية قد علّق قبول الشهادة بالتوبة، فلو كان متوقّفًا على إقامة الحدّ ينبغي أن يذكر أيضًا ؛ و عدم الذكر دليلٌ على العدم، قال في الجوامع :

فإذا تاب القاذف قبلت شهادته، سواء حدّ أو لم يحدّ، عند (1) أئمّة الهدى (عليهم السلام) و ابن عبّاس، و هو مذهب الشافعي (2) .

اللّاعب بآلات القمار لا تقبل شهادته

6- مسألة

اشارة

اعلم : أنّ اللّاعب بآلات القمار كلّها - كالشطرنج و النرد و الأربعة عشر (3) والخاتم - و إن قصد اللّاعب بأحدها الحذق أو اللهو أو القمار، يردّ شهادته كما في

ص: 147


1- . في المصدر : عن .
2- . تفسير جوامع الجامع : 2 / 607 ؛ و انظر كتاب الأم للشافعي : 7 / 45 .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : قيل : هي قطعة من خشب يحفر فيها حفر ثلاثة أسطر، فيجعل في الحفرشيء من الحصى الصغار و نحوها يلعبون بها { المبسوط : 8 / 222 } .

القواعد (1) ؛ و ظاهره - كغيره - أنّ اللّاعب بآلات القمار مطلقًا و لو من غير إصرار يردّ شهادته .

و يمكن الاستدلال لذلک بوجوه :

الوجه الأوّل

الأوّل : انّ الظاهر من كشف اللثام أنّ فسق اللّاعب بآلات القمار مجمعٌ عليه بيننا، حيث قال بعد قول العلّامة :

واللّاعب بآلات القمار كلّها فاسقٌ عندنا (2) .

فإذا ثبت فسقه لم تقبل شهادته، لقوله - عزّ شأنه - : ( إن جاءكم فاسقٌ بنبأٍ فتبيّنوا ) (3) .

الوجه الثاني

و الثاني : قد روى حمّاد بن عيسى في الحسن أو الصحيح عن أبي الحسن الأوّل، حيث قال : دخل رجل من البصريّين على أبي الحسن الأوّل (عليه السلام)، فقال له : جعلت فداک إنّي أقعد مع قوم يلعبون بالشطرنج و لست ألعب بها و لكن أنظر،

ص: 148


1- . القواعد : 3 / 494 .
2- . كشف اللثام : 10 / 290 .
3- . الحجرات : 6 .

فقال : ما لک و لمجلس لا ينظر الله إلى أهله (1) .

وجه الاستدلال هو : أنّه يستفاد من الحديث أنّ اللعب بالشطرنج من الكبيرة، ولا شکّ أنّ فاعل الكبيرة غير مقبول الشهادة، كما مرّت إليه الإشارة .

وجه استفادة ذلک من الحديث هو : أنّه (عليه السلام) أخبر أنّ اللّاعب بالشطرنج ممّن لاينظر الله إليه ؛ و الظاهر منه أنّ الباعث على ذلک هو اللعب بالشطرنج ؛ و الصغيرة ليست كذلک، لقوله - تعالى - : ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَونَ عَنهُ نُكَفِّرْ عَنْكُم سَيِّئَاتِكُم ) (2) .

و معلوم أنّ مَن لا ينظر الله - تعالى - إليه لا يكفّر عنه سيّئاته، و قد عرفت أنّ اللّاعب بالشطرنج كذلک ؛ و مَن لا ينظر الله - تعالى - إليه و لا يكفّر عنه سيّئاته يستحقّ النار، فيكون اللّاعب بالشطرنج ممّا أوعد عليه بالنار، و هو ملزوم قوله (عليه السلام) : « لا ينظر الله إلى أهله » .

فإذا ثبت الحكم في الشطرنج نقول في غيره، لعدم القول بالفصل ظاهرًا ؛ على أنّه يمكن أن يقال في خصوص النرد : بأنّ ثبوت الحكم في الشطرنج يدلّ على ثبوته في النرد بطريق أولى، لما ورد في بعض الأخبار (3) بأنّه أشدّ من الشطرنج وأنّ اللّاعب به كمثل الّذي يأكل لحم الخنزير .

و يمكن أن يقال على فرض تسليم جميع ما مرّ : انّ الصحيح ورد في حقّ

ص: 149


1- . الكافي : 6 / 437 ح 12 ؛ و عنه في الوسائل : 17 / 322 ح 22661 .
2- . النساء : 31 .
3- . فقه الرضا (عليه السلام): 284 الباب 46 .

اللّاعب بالشطرنج بعنوان الإصرار عليه، كما يدلّ عليه قوله : « يلعبون »، لأنّ فعل المضارع للاستمرار، إلّا أنّ الظاهر من كتب الاستدلاليّة جعله من قبيل المطلقات .

الوجه الثالث

و الثالث : بما دلّ صريحًا على عدم قبول شهادة هؤلاء الأذلّة، كقوله (عليه السلام) : «لاتقبل شهادة شارب الخمر و لا شهادة اللّاعب بالشطرنج و النرد، و لا شهادة المقامر» ؛ لكنّه مرويّ في الفقيه مرسلاً (1) .

و من ذلک : ما رواه أيضًا في الفقيه باسناده عن علا (2) بن سيابة عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : لا تقبل شهادة صاحب النرد، و الأربعة عشر، و صاحب الشاهَيْن، يقول : لا والله، و بلى والله، مات والله شاهه، و قتل والله شاهه، والله -تعالى ذكره - شاهه ما مات و لا قتل (3) .

بيان

الشاهَيْن تثنية : شاه، و هو من آلات الشطرنج، و هما اثنان .

ثمّ إنّ راوي الحديث - و هو : علا بن سيابة - و إن كان مجهولاً، لكنّ الراوي

ص: 150


1- . الفقيه : 3 / 40 ح 3282 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 379 ح 33999 .
2- . في المصدر : العلاء .
3- . الكافي : 7 / 396 ح 9 ؛ الفقيه : 3 / 43 ح 3291 .

عنه أبان بن عثمان، و سند الحديث إليه صحيح، و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه (1) .

لكن قوله (عليه السلام) : « صاحب النرد » ربّما يشعر بالإصرار .

الوجه الرابع

و الرابع : بما تقدّم ممّا كتبه مولانا الرضا (عليه السلام) في رسالته إلى المأمون، حيث عدّ في جملة الكبائر : الميسر، و فسّره بالقمار، و عدّ من جملتها الاشتغال بالملاهي (2) .

و لا يخفى أنّ كون جميع أقسام القمار من الملاهي ممّا لا ريب فيه، فدلّت الرواية على كون اللّاعب بآلات القمار غير مقبول الشهادة من وجهين :

إحداهما : من حيث انّه لا شکّ في أنّ الاشتغال بجميعها اشتغال بالملاهي، و قد عدّه (عليه السلام) من جملة الكبائر، و قد عرفت أنّ العادل من اجتنب عن الكبائر، فاللّاعب غير عادل، فلا تقبل شهادته .

و ثانيهما : من حيث انّه (عليه السلام) عدّ من جملة الكبائر أيضًا الميسر و فسّره بالقمار .

و بالجملة : دلالة هذه الرواية على كون اللّاعب غير عادل واضحة، لكنّ الكلام

ص: 151


1- . انظر رجال الطوسي : 1 / 57 ؛ و الفهرست : 291 الرقم 62 ؛ و رجال ابن داود : 30 ؛ والتحرير الطاووسي :72 .
2- . عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 134 ح 1 ؛ الخصال : 610 ؛ و عن العيون في الوسائل : 15 / 329 ح20660 ؛ و رواه ابن شعبة في تحف العقول : ص 422 ، مرسلاً نحوه .

في اعتبار أصل الرواية، فأقول : هي و إن كانت غير مرويّة في الكتب الأربعة، إلّا أنّها قيل :

رويت في عيون أخبار الرضا بأسانيد متعدّدة لا تخلو (1) عن اعتبار (2) .

على أنّا لو سلّمنا ضعفها من حيث السند، نقول : قد عرفت من ظاهر كشف اللثام (3) أنّ فسق اللّاعب بآلات القمار متّفقٌ عليه بيننا، فينجبر ضعفها لو سلّم بذلک كغيرها من الأدلّة في المسألة .

و يمكن الاستدلال لذلک أيضًا بالنصوص الدالّة على أنّ الشطرنج و النرد من الميسر، أو أنّ الميسر هو القمار، منها : ما رواه أبو بصير عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - : الشطرنج و النرد هما الميسر (4) .

و منها : ما رواه ابن جندب مرسلاً عن مولانا الصادق (عليه السلام) أيضًا، قال : الشطرنج ميسر و النرد ميسر (5) .

و منها : الصحيح (6) المرويّ في الكافي عن معمّر بن خلّاد، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة، و كلّ ما قومر عليه فهو

ص: 152


1- . في المصدر : لا يخلو .
2- . ذخيرة المعاد ( ط . ق ) : ج 1 ق 2 / ص 304 .
3- . كشف اللثام : 10 / 290 .
4- . الكافي : 6 / 435 ح 3 ؛ و عنه في الوسائل : 17 / 324 ح 22666 .
5- . الكافي : 6 / 437 ح 11 ؛ و عنه في الوسائل : 17 / 324 ح 22668 .
6- . جاء في حاشية الأصل : رواه عن محمّد ابن يحيى، عن أحمد - و هو : أحمد بن محمّد بن خالد البرقي - عنمعمّر بن خلّاد ؛ منه .

ميسر(1) .

و منها : ما رواه عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : لمّا أنزل الله -عزّوجلّ - على رسوله (صلي الله عليه واله) : ( إنّما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه ) (2) ، قيل : يا رسول الله ! ما الميسر ؟ فقال : كلّ ما تقومر به (3) حتّى الكعاب و الجوز (4) .

وجه الاستدلال هو : أنّ الميسر من الكبائر، لما عرفت من عدّه مولانا الرضا (عليه السلام) منها ؛ و لقوله - تعالى - : ( يسألونک عن الخمر و الميسر قُل فيهما إثمٌ كبيرٌ ) (5) ، جعل - سبحانه - إثم الميسر كبيرًا كإثم الخمر، فيكون من الكبائر كالخمر ؛ و يؤيّد ذلک ذكرهما معًا - سبحانه تعالى - مكرّرًا في الكتاب (6) .

فإذا علمت أنّ الميسر من الكبائر، نقول : قد فسّر الميسر في النصوص المذكورة الّتي منها الصحيح بما يقمر به مثلاً، فيكون القمار من الكبائر، فمشتغله مشتغلٌ بالكبيرة، فيكون غير عادل، فلا تقبل شهادته .

و ضعف السند في جملة من النصوص غير مضرّ بعد كون بعضها صحيحًا كما

ص: 153


1- . الكافي : 6 / 435 ح 1 ؛ و عنه في الوسائل : 17 / 323 ح 22665 .
2- . المائدة : 90 .
3- . في التهذيب : كلّ ما يقتمر به ؛ و في الفقيه : كلّ ما تقوم به .
4- . الكافي : 5 / 122 ح 2 ؛ الفقيه : 3 / 160 ح 3587 ؛ التهذيب : 6 / 371 ح 1075 ؛ الوسائل : 17 / 165ح 22257 .
5- . البقرة : 219 .
6- . في سورة البقرة : 129 ؛ والمائدة : 90 و 91 .

عرفت ؛ على أنّ ضعف السند غير مضرّ بعد ما عرفت دعوى الإجماع من ظاهر كشف اللثام (1) .

و يظهر لک بعد اطّلاعک بما حرّرناه في المسألة ضعف ما ذهب إليه في المسالک وإن استحسنه في الكفاية، حيث قال في الأوّل بعد ذكر ما يدلّ على النهي عن الشطرنج و غيره :

و ظاهر النهي أنّها - أي آلات القمار - من الصغائر، فلا يقدح في العدالة إلّا مع الإصرار عليها، إنتهى كلامه (2) .

على أنّ في بعض الأخبار التوعيد بالنار في اللعب بالشطرنج، كقول الصادق (عليه السلام) في خبر عمرو (3) بن يزيد، قال : إنّ لله في كلّ ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار، إلّا مَن أفطر على مسكر أو مشاحن أو صاحب شاهين ؛ قال : قلت : و أيّ شيءٍ صاحب شاهين ؟ قال : الشطرنج (4) .

بيان

قد عرفت الكلام في شاهَين، المشاحن : المعادي، و الشحناء : العداوة ؛ قيل :

ص: 154


1- . كشف اللثام : 10 / 290 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 177 .
3- . في الكافي و التهذيب : عمر .
4- . الكافي : 6 / 435 ح 5 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 67 ؛ التهذيب : 3 / 60 ح 203 ؛ الوسائل :17/ 319 ح 22649 .

لعلّ المراد به هاهنا صاحب البدعة المفارق للجماعة (1) .

ثمّ إنّ الخبر و إن لم يكن مضمونه صريحًا على أنّه مَن لعب بالشطرنج أدخله الله - تعالى - في النار بسبب ذلک، إلّا أنّ حاصل مضمون الخبر ذلک كما لا يخفى .

و روى في الفقيه مرسلاً في باب : حدّ شرب الخمر و ما جاء في الغناء والملاهي، حيث قال :

و سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله - تعالى - : ( فاجتنبوا الرِجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ) (2) ، قال : الرجس من الأوثان الشطرنج،

و قول الزور الغناء (3).

و النرد أشدّ من الشطرنج، فأمّا الشطرنج فإنّ اتّخاذها كفر، واللعب بها شرک، و تعليمها كبيرة موبقة، و السلام على اللاهي بها معصية، و مقلّبها كمقلّب لحم الخنزير، و الناظر إليها كالناظر إلى فرج أمّه .

و اللّاعب بالنرد قمارًا مثله كمثل (4) مَن يأكل لحم الخنزير، و مثل الّذي يلعب بها من غير قمار مثل مَن يضع يده في لحم الخنزير أو في دمه (5) .

ص: 155


1- . الوافي : 17 / 229 .
2- . الحجّ : 30 .
3- . رواه الكلينيّ في الكافي : 6 / 435 ح 2 ، مسندًا عن زيد الشحّام ؛ و رواه فيه أيضًا مرسلاً عن ابن أبي عميرعن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله - تبارک و تعالى - إلى آخره ؛ الكافي : 6 / 436 ح 7 .
4- . في المصدر : مثل .
5- . الفقيه : 4 / 58 ح 5093 .

و قال بعض المتأخّرين :

إنّ قوله : « و النرد أشدّ » إلى آخره، من كلام الصدوق، لا من تتمّة الحديث (1) .

و لعلّ وجهه هو : أنّ السائل سأل عن الرجس من الأوثان و قول الزور، فيكون كلامه 7 على وفق سؤاله إلى أن : « قول الزور الغناء ».

لكنّه لا يصير سببًا لذلک، لاحتمال أن يكون بيان المعصوم (عليه السلام) ذلک من باب التفضّل و التبرّع، أو لعلمه (عليه السلام) بابتلائه عن هذه المعصية، فأراد أن يخبره بفساده، أو لغير ذلک من الاحتمالات المتصوّرة في مثل المقام .

الكلام في الغناء و حكمه

7- مسألة

اشارة

و ممّا يقدح في العدالة : الغناء ؛ و الكلام يقع فيه من وجوه، الأوّل: في حقيقته وماهيّته، و الثاني : في أنّه هل هو حرامٌ مطلقًا، أو في الجملة ؟ ؛ و الثالث : في أنّه من الكبائر .

ص: 156


1- . لم نعثر عليه .

حقيقة الغناء و ماهيّته

أمّا الأوّل، فأقول : المنقول عن أكثر اللغويّين أنّه ترجيع الصوت الّذي يحصل بسببه طربٌ للسامع (1) .

و الترجيع عبارةٌ عن تحريک الصوت و تكريره في الحلقوم (2) .

و الطَرَبُ هو : حالةٌ تعرض للإنسان بسبب الفرح أو الحزن، قال في الصحاح :

الطربُ : خِفّةٌ تصيب الإنسان لشدّة حزن أو سرور (3) .

قال في القاموس :

الطرب، محرّكة : الحزن، و السرور (4) ، أو خفّة تلحقک، تسرّک أو تحزنک، وتخصيصه بالفرح وَهَم (5)

قال في المجمع :

الطَرَب، بالتحريک : خِفّةٌ تعتري الإنسان لشدّة حزن أو سرور (6) .

و حكي عن جماعة : أنّ الغناء عبارة عن ترجيع الصوت و إن لم يطرب (7) .

ص: 157


1- . انظر القاموس المحيط : 4 / 372 ؛ و لسان العرب : 15 / 136 ؛ و مجمع البحرين : 1 / 321 .
2- . انظر القاموس المحيط : 3 / 28 ؛ و لسان العرب : 8 / 115 ؛ و مجمع البحرين : 4 / 334 .
3- . الصحاح : 1 / 171 .
4- . في المصدر : الفرح و الحزن .
5- . القاموس المحيط : 1 / 97 .
6- . مجمع البحرين : 3 / 40 .
7- . انظر المسالک : 3 / 126 ؛ و الفوائد الطوسيّة : 91 ؛ و مجمع الفائدة : 8 / 57 ؛ و الحدائق : 18 / 101 ؛ورياض المسائل : 8 / 62 .

و قال العلّامة في القواعد :

و هو ترجيع الصوت و مدّه (1) .

و ربّما ادّعى بعض عدم تحقّق هذا الفرد - أي الترجيع - من غير طرب (2) .

و تحقيق المقام أن يقال : ليس المعتبر من حصول الطرب من الصوت المشتمل على الترجيع حصوله لكلّ أحد، أو في كلّ وقت، إذ ربّما لا يحصل الطرب لواحد أبدًا، فيلزم أن لا يتحقّق الغناء بالنسبة إليه أبدًا .

و كذا ربّما يختلف الحال بالنسبة إلى شخص واحد، فيحصل له الطرب من الصوت المشتمل على الترجيع بالنسبة إلى وقت دون آخر، أو حال دون أخرى، فيلزم أن يختلف أمر الغناء بالنسبة إليه باختلاف الأوقات و الأحوال .

وليس الأمر كذلک قطعًا، بل المعتبر أن يكون ذلک الصوت المشتمل على الترجيع ممّا يطرب و لو بالنسبة إلى بعضٍ دون آخر، و وقتٍ دون آخر، و حالٍ دون أخرى .

و بالجملة : المعتبر أن يكون نوع الصوت ممّا يطرب، فيتحقّق الغناء مطلقًا و لو لم يحصل الطرب بالنسبة إلى جميع الأشخاص و الأحوال .

نعم، ربّما يتحقّق الصوت المشتمل على الترجيع من غير حصول الطرب مطلقًا و لو لواحد، كما إذا صدر ذلک من ردي الصوت بحيث لا تقبل النفس من استماعه،

ص: 158


1- . القواعد : 3 / 495 .
2- . انظر مفتاح الكرامة : 12 / 168 .

بل ربّما تشمأزّ منه، فحينئذٍ تحقّق الصوت المشتمل على الترجيع من غير حصول الطرب منه .

و هو مظهر الثمرة بين القولين، لأنّ هذا الصوت بالنسبة إلى التعريف الأوّل ليس بغناء، بخلافه بالنسبة إلى التعريف الثاني .

و كذا إذا كان الصوت مشتملاً على ترجيع، لكن لم يبلغ إلى حدّ يحصل منه الطرب، إذ الحاصل أوّلاً هو الترجيع، ثمّ الطرب ؛ هذا .

و ربّما حكي عن بعض اعتبار الطرب فقط، و هو الظاهر من كلام صاحب القاموس، حيث قال :

الغناء من الصوت : ما طرّب به (1) .

و حيث قد عرفت الاختلاف في تفسيره، فاعلم : أنّ اللّازم في مثل المقام الرجوع إلى العرف، لأنّه الحَكَم فيما لم يرد له من الشرع تفسير .

فأقول : لا شکّ في أنّ المشتمل للوصفين داخلٌ جزمًا في معناه العرفيّ، لكنّ الكلام في غيره هل يقال : إنّه غناء أيضًا، أم لا ؟ فإن قالوا فهو، و إلّا فلا .

حكم الغناء

و أمّا الكلام في حكمه، فأقول : قد استفاض نقل الإجماع على حرمته ؛ و ممّن

ص: 159


1- . القاموس المحيط : 4 / 372 .

ادّعى الإجماع عليها شيخُ الطائفة و ابن إدريس و العلّامة و غيرهم (1) .

النصوص الدالّة على تحريم الغناء مطلقًا

و النصوص بذلک مستفيضة، منها : ما رواه نصر بن قابوس قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : المغنّية ملعونة، ملعونٌ مَن أكل كسبها (2) .

و منها : ما روي عنه(عليه السلام) أيضًا، حيث سأله رجل عن بيع الجواري المغنِّيات ، فقال : شراؤهنّ و بيعهنّ حرام، و تعليمهنّ كفر، و استماعهنّ نفاق (3) .

و في بعض النسخ : القينات - بالقاف و تقديم المثنّاة التحتانيّة على النون - بدل : المغنيّات ؛ و المعنى واحد، لأنّ القينة الأمةُ المغنّية .

و منها : ما رواه إبراهيم بن أبي البِلاد قال : أوصى إسحاق بن عُمَر عند وفاته بجوارٍ له مُغنّيات أن يبعن (4) ، و يحمل (5) ثمنهنّ إلى أبي الحسن (عليه السلام) ، قال إبراهيم : فبِعْتُ الجواري بثلاثمائة ألف درهم، و حَمَلتُ الثمن إليه، فقلت له : إنّ مولًى لک

ص: 160


1- . الخلاف : 6 / 306 ؛ السرائر : 2 / 223 و 224 ؛ مجمع الفائدة : 8 / 57 ؛ كفاية الأحكام : 1 / 428 ؛الحدائق الناضرة : 18 / 101 ؛ رياض المسائل : 8 / 62 .
2- . الكافي : 5 / 120 ح 6 ؛ التهذيب : 6 / 357 ح 1020 ؛ الاستبصار : 3 / 61 ح 203 ؛ الوسائل : 17 /121 ح 22147 .
3- . الكافي : 5 / 120 ح 5 ؛ التهذيب : 6 / 356 ح 1018 ؛ الوسائل : 17 / 124 ح 22155 .
4- . في الكافي : أن نبيعهنّ .
5- . في الكافي : و نحمل .

يقال له : إسحاق بن عمر أوصى (1) عند موته ببيع جوارٍ له مغنّيات و حمل الثمن إليک، و قد بعتهنّ، و هذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم، فقال : لا حاجة لي فيه، إنّ هذا سحتٌ، و تعليمهنّ كفر، و الاستماع منهنّ نفاق، و ثمنهنّ سحت (2) .

و منها : ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام)، حيث سأله عن قول الله تعالى : ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور ) (3) ؟ قال : هو الغناء (4) .

و منها : ما رواه حمّاد عن الخزّاز قال : نزلنا المدينة، فأتينا أبا عبدالله (عليه السلام)، فقال لنا: أين نزلتم ؟ قلنا : على فلان صاحب القيان، فقال : كونوا كرامًا، فوالله ما علمنا ما أراد به و ظَنَنَّا أنّه يقول : تفضّلوا عليه، فعُدنا إليه، فقلنا : إنّا لا ندري و ما أردت بقولک : كونوا كرامًا ؟ فقال : أما سمعتم قول الله - عزّوجلّ - يقول (5) في كتابه : (وإذا مَرُّوا باللَّغْو مَرُّوا كِرَامًا ) (6) .

بيان

القيان : جمع القينة، و هي الأمة المغنّية، كما عرفت .

ص: 161


1- . في الكافي : قد أوصى .
2- . الكافي : 5 / 120 ح 7 ؛ الاستبصار : 3 / 61 ح 204 ؛ التهذيب : 6 / 357 ح 1021 ؛ و عن الكافي فيالوسائل : 17 / 133 ح 22153 .
3- . الحج: 30.
4- . الكافي : 6 / 431 ح 1 ؛ الوسائل : 17 / 305 ح 22602 .
5- . « يقول » لم يرد في المصدر .
6- . الكافي : 6 / 432 ح 9 ؛ الوسائل : 17 / 316 ح 22642 ؛ والآية في سورة الفرقان : 72 .

و منها : ما رواه في الكافي في الصحيح عن مَسْعدة بن زياد قال : كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام)، فقال له رجل : بأبي أنت و أمّي إنّني أدخل كنيفًا لي و لي جيران عندهم جوارٍ يتغنّين و يضربن بالعُود، فربّما أطلت الجلوس استماعًا منّي لهنّ ؛ فقال : لا تفعل .

فقال الرجل : والله ما آتيهنّ، إنّما هو سَماع أسمعه بأُذُني ؛ فقال : لله أنت، أما سمعت الله يقول : ( إنّ السمع و البصر و الفؤاد كلُّ أولئک كان عنه مَسئُولاً ) (1) ؟ فقال : بلى، والله لكأنّي لم أسمع بهذه الآية من كتاب الله من أعجميّ و لا عربيّ، لا جرم أنّني لا أعود إن شاء الله و أنّي لأستغفر الله (2) .

فقال له : قم فاغتسل و صلّ (3) ما بدا لک، فإنّک كنت مقيمًا على أمر عظيم ما كان أسوأ حالک لو مِتّ على ذلک، احمد الله و سَلْه التوبة من كلّ ما يكره، فإنّه لايكره إلّا قبيح (4) ، و القبيح دعه لأهله، فإنّ لكلٍّ أهلاً (5) .

و منها : ما رواه الشحّام عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال : قال (عليه السلام): بيت الغناء لايُؤمن (6) فيه الفجيعة، و لا تجاب فيه الدعوة، و لا يدخله المَلِک (7) .

ص: 162


1- . الإسراء : 36 .
2- . في الكافي و التهذيب : أستغفر الله ؛ و في الفقيه : و أنا أستغفر الله تعالى .
3- . في الكافي : و سَلْ .
4- . في الكافي : إلّا كلّ قبيح ؛ و في الفقيه و التهذيب : إلّا القبيح .
5- . الكافي : 6 / 432 ح 10 ؛ الفقيه : 1 / 80 ح 177 ؛ التهذيب : 1 / 116 ح 304 ؛ الوسائل : 3 / 331 ح3795 .
6- . في المصدر : لا تؤمن .
7- . الكافي : 6 / 433 ح 15 ؛ دعائم الإسلام : 2 / 208 ح 762 ؛ الوسائل : 17 / 303 ح 22594 .

الفجيعة، قيل : المصيبة (1) .

و منها : المرسل عنه (عليه السلام) : قيل : سُئل عن الغناء و أنا حاضر، فقال : لاتدخلوا بيوتًا الله معرضٌ عن أهلها (2) .

و منها : ما رواه عَنْبَسة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : استماع الغناء و اللهو يُنبت النفاق في القلب كما يُنبت الماء في (3) الزرع (4) .

و منها : ما رواه عليّ بن الريّان عن يونس قال : سألت الخراسانيّ - صلوات الله عليه - و قلت : إنّ العبّاسىّ ذكر أنّک ترخص في الغناء (5) ، فقال : كذب الزنديق، ما هكذا قلت له، يسألني (6) عن الغناء، فقلت له : إنّ رجلاً أتى أبا جعفر (عليه السلام)، فسأله عن الغناء، فقال : يا فلان إذا ميّز الله بين الحقّ و الباطل، فأين (7) يكون الغناء ؟ فقال : مع الباطل، فقال (8) : قد حكمت (9) .

و لا يخفى أنّ الأدلّة المذكورة من الإجماعات و أكثر النصوص المستفيضة دالّة على تحريم الغناء مطلقًا، سواء كان في الشعر، أو في القرآن، أو في غيرهما .

ص: 163


1- . الوافي : 17 / 214 .
2- . الكافي : 6 / 434 ح 18 ؛ الوسائل : 17 / 306 ح 22605 .
3- . « في » لم يرد في المصدر .
4- . الكافي : 6 / 434 ح 23 ؛ الوسائل : 17 / 316 ح 22641 .
5- . في العيون : إنّ إبراهيم بن هاشم العبّاسيّ حكى عنک أنّک رخّصت له استماع الغناء .
6- . في المصدر : سألني .
7- . في الكافي : فأنّى .
8- . في العيون : فقال له أبو جعفر (عليه السلام): قد قضيت .
9- . الكافي : 6 / 435 ح 25 ؛ العيون : 2 / 17 ح 32 ؛ الوسائل : 17 / 306 ح 22606 .

أمّا كون الإجماعات المنقولة كذلک، فواضح .

و أمّا النصوص، فها أنا أتكلّم في كلٍّ منها، فأقول : أمّا الحديث الأوّل فلأنّ قوله (عليه السلام) : « المغنّية ملعونة » مطلق، سواء كان في القرآن، أو غيره .

و أيضًا قد علّق (عليه السلام) الحكم بالملعونيّة على المغنّية ؛ و تعليق الحكم بالوصف يشعر بعليّة مأخذ اشتقاقه، فيكون على هذا علّة الحكم بالملعونيّة الغناء، فكلّما تحقّق يكون الحكم معه، لكن هذا من جهة الإشعار و إن لم يكن دليلاً، لكن يصلح للتأييد.

و أمّا الحديث الثاني، فلأنّ دلالته على ما ذكر من وجهين، الأوّل : من جهة العموم في السؤال، حيث قال : « سأله رجل عن بيع الجواري المغنيّات »، لأنّ جمع المحلّى باللام يفيد العموم، فيكون سؤاله على هذا عن كلّ مغنّية، سواء كانت مغنّية في القرآن، أو في غيره .

و الثاني : من جهة ترک استفصال المعصوم في المغنّية بين كونها مغنّية في القرآن أو غيره ؛ و قد مرّ مرارًا أنّ ترک الاستفصال في مقام السؤال مع قيام الاحتمال يفيد عموم الحكم في المقال .

ثمّ إنّ هذا الحديث و إن لم يدلّ صريحًا على حرمة الغناء، إلّا أنّه يدلّ عليه بالالتزام، لأنّ قوله (عليه السلام) : « شراؤهُنّ و بيعهنّ حرام، و تعليمهنّ كفر، و استماعهنّ نفاق » يدلّ على تحريم شرائهنّ و بيعهنّ مثلاً ؛ و إنّما يكون تحريم ذلک من جهة كونها مغنّية، فيلزم منه حرمة الغناء، و هو المطلوب .

ص: 164

و هذا الحديث أوضح دلالة من بين النصوص المذكورة على المدّعى في المسألة .

و أمّا الحديث الثالث، فقد يعلم الكلام فيه بما ذكر، إلّا أنّه يمكن أن يقال فيه : إنّ عدم أخذ المعصوم (عليه السلام) ثمنها، لاحتمال علمه (عليه السلام) باشتغالها في الغناء المحرّم، لا لمطلق الغناء .

ثمّ إنّه يمكن أن يقال في الجميع : الإنصاف أنّه لا دلالة لغير الثاني من النصوص على المطلوب من تحريم الغناء مطلقًا حتّى في القرآن، لأنّ الغالب في الجواري أن لا يعلمن القرآن، فلا ينصرف الإطلاق إلى الغناء في القرآن، لأنّ المطلق ينصرف إلى الفرد الكامل الغالب الشائع، و قد عرفت أنّ ما نحن فيه ليس من ذلک ؛ و أمّا الحديث الثاني، فلا يمكن فيه ذلک، لأنّ المغنّيات فيه جمعٌ محلّى باللام، فيفيد العموم الاستغراقيّ، فيشمل النادر و غيره .

و أمّا الحديث الرابع، فلأنّ قوله (عليه السلام) : « هو الغناء » يدلّ على أنّ قول الزور الّذي أمر الله - تعالى - بالاجتناب عنه هو الغناء نفسه، سواء وجد في القرآن، أو في غيره .

و أمّا الحديث الخامس و السادس، فالإنصاف أنّهما يصلحان لإثبات الحرمة في الغناء في الجملة، فلا يمكن التمسّک بهما لحرمته مطلقًا و لو في القرآن مثلاً .

أمّا الأوّل منهما فلما عرفت ؛ و أمّا الثاني فلأنّه إنّما يدلّ على تحريم الغناء الّذي مع العود، فيعلم منه أنّه في غير القرآن، فلايشمل الغناء الّذي في القرآن مثلاً.

ص: 165

ثمّ إنّ هذا الحديث و إن لم يدلّ على تحريم الغناء صريحًا، إلّا أنّه يستلزمه، لأنّ تحريم استماعه إنّما هو لحرمة نفسه، فتأمّل .

و أمّا الحديث السابع، فلأنّ قوله (عليه السلام) : « بيت الغناء لا يؤمن فيه الفجيعة، ولايجاب فيه الدعوة، و لا يدخله الملک » مطلق، و لا اختصاص له في خصوص فرد دون آخر، فيشمل جميع الأفراد .

ثمّ إنّ هذا الحديث و إن لم يدلّ صريحًا على تحريم الغناء أيضًا، إلّا أنّه يستلزمه، كما لا يخفى .

و أمّا الحديث الثامن، فلأنّ قوله (عليه السلام) : « لا تدخلوا » إلى آخره ؛ و قوله : « الله معرضٌ عن أهلها » مطلق، فيشمل جميع الأفراد .

و أمّا الحديث التاسع، فلأنّ دلالته على ما ذكر من وجهين :

أحدهما : من جهة إطلاق قوله (عليه السلام) : « استماع الغناء و اللهو ينبت النفاق »، لأنّ المطلق حجّة في أفراده .

و الثاني : من جهة تنظيره (عليه السلام) ذلک بقوله : « كما ينبت الماء في (1) الزرع »، لأنّ نبت الزرع يحصل لجميع أفراد الماء، فينبغي أن يكون نبت النفاق حاصلاً من جميع أفراد الغناء، فإذا حصل النفاق من جميع أفراده يكون جميعها حرامًا، لأنّ ما ليس بحرام لا ينبت النفاق .

و أمّا الحديث العاشر، فالكلام فيه مثل ما ذكر .

ص: 166


1- . « في » لم يرد في المصدر .

و هذه النصوص قد عرفت أكثرها دالّة على تحريم الغناء بعنوان الإطلاق، سواء كان في القرآن، أو في الدعاء، أو في المدائح، أو غيرها، فينبغي أن يقال بتحريمه كذلک .

و سند بعضها و إن كان غير معتبر، إلّا أنّ موافقتها بإطلاق الإجماعات المنقولة تسهل الخطب في ذلک .

على أنّه قد حكي عن بعض المشايخ الإجماع على تحريم الغناء مطلقًا، سواء كان في القرآن و غيره (1) .

نسب حرمة الغناء في القرآن و عدم استثنائه فيه في شرح الإرشاد للمقدّس الأردبيليّ (2) إلى الأصحاب (3) .

و ما يقال (4) في الجواب عن هذه النصوص المذكورة من أنّ المفرد المحلّى بالّلام لايفيد العموم، بل مطلق، و المطلق إنّما ينصرف إلى جميع الأفراد إذا لم يكن له فرد شائع ؛ و هنا ليس كذلک، لأنّ المعهود و الشائع في ذلک الزمان الغناء على سبيل اللهو من الجواري المغنّيات و غيرهنّ في مجالس الفجور و الخمور و العمل

ص: 167


1- . قد صرّح الشيخ المفيد في المقنعة : 588 ؛ و الحلبي في الكافي : 281 ؛ و ابن إدريس في السرائر : 2 /224 بتحريم الغناء مطلقًا، لكنّ العلّامة صرّح في التذكرة : 1 / 582 بورود الرخصة في المغنّية في الأعراس،و كذا في سائر كتبه .
2- . مجمع الفائدة : 8 / 59 .
3- . جاء في حاشية الأصل : و هو الظاهر من مولانا الصالح المتّقيّ محمّد صالح المازندرانيّ في شرحه علىالأصول { : 11 / 5} ، حيث قال : و قراءة القرآن بالتغنّي به حرام عندنا و عند أكثر العامّة، إنتهى ؛ منه .
4- . انظر كفاية الأحكام : 1 / 433 ؛ والوافي : 17 / 218 .

بالملاهي و التكلّم بالباطل و إسماعهنّ الرجال و غيرها، فيجب حمل المطلق في النصوص المذكورة على تلک الأفراد، فيبقى غيرها داخلاً تحت أصل الإباحة وإطلاق بعض النصوص الآتية .

فمدفوعٌ، لعدم ظهور شيوع تلک الأفراد بحيث لا ينصرف الإطلاق إلّا إليها ؛ والشکّ كاف في المقام، و الأصل في المطلق الحجّيّة في جميع الأفراد، فلا يجوز رفع اليد عن هذا الأصل بمحض الاحتمال .

على أنّه لا يصحّ هذا الجواب بعد تسليم هذا المقال بالنسبة إلى جميع ما تقدّم من الأخبار، لأنّ من جملتها الحديث الثاني، و قد عرفت اشتماله بالجمع المحلّى باللام، و هو يفيد عموم الاستغراقيّ، فلا يجدى بالنسبة إليه الشيوع المدّعى في بعض الأفراد، فتأمّل .

و أيضًا أنّ الدليل في المسألة ليس بمنحصر في النصوص المذكورة، بل منه الإجماعات المنقولة، فلا يمكن دعوى ما مرّ فيها ألبتّة، سيّما بعد ما عرفت من دعوى الإجماع في خصوص تحريم الغناء في القرآن و غيره .

فعلى هذا ما استحدثه بعض مَن أحبّ مخالفة الأصحاب من جواز الغناء في القرآن و الدعاء و المدح و نحوها - بل و استحبابه - لا وجه له و إن تبعه بعض من تبعه، و إن استندوا في ذلک بكثير من النصوص الدالّة على حسن الصوت و قراءة القرآن و الدعاء مع الحزن و غيرها، فها أنا أذكرها، فأشير إلى الجواب عنها بإعانة الربّ الجليل .

ص: 168

النصوص الّتي استدلّ بها لجواز الغناء في القرآن

فأقول : منها : ما رواه أبو بصير عن رسول الله (صلي الله عليه واله) : إنّ من أجمل الجمال الشعر الحسن و نَغمة الصوت الحسن (1) .

و منها : مرسلة ابن أبي عمير عن مولانا الصادق (عليه السلام) : إنّ القرآن نزل بالحزن، فاقرؤوه بالحزن (2) .

و منها : ما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : إنّ الله أوحى إلى موسى بن عمران : إذا وقفت بين يديّ فَقِفْ مَوقف الذليل الفقير، و إذا قرأتَ التوراة فأسمعنيها بصوت حزين (3) .

و منها : ما رواه حفص قال : ما رأيت أحدًا أشدّ خوفًا على نفسه من موسى بن جعفر (عليهماالسلام) ، و لا أرجى للناس (4) منه، و كانت قرائته حزنًا، فإذا قرأ فكأنّه يخاطب إنسانًا (5) .

ص: 169


1- . الكافي : 2 / 615 ح 8 .
2- . الكافي : 2 / 614 ح 2 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 208 ح 7748 .
3- . الكافي : 2 / 615 ح 6 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 208 ح 7749 .
4- . في المصدر : الناس .
5- . الكافي : 2 / 606 ح 10 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 208 ح 7750 .

و منها : ما رواه عبدالله بن سنان : اقرؤوا القرآن بألحان العرب و أصواتها (1) .

و منها : ما رواه النوفلىّ عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : ذكرت الصوت عنده، فقال : إنّ عليّ بن الحسين (عليه السلام)كان يقرأ القرآن، فربّما يمرّ (2) به المارّ فصعق من حُسن صوته ؛ و إنّ الإمام لو أظهر من ذلک شيئًا لما احتمله الناس من حسنه . قلت : و لم يكن رسول الله (صلي الله عليه واله) يصلّي بالناس و يرفع صوته بالقرآن ؟ فقال : إنّ رسول الله (صلي الله عليه واله)كان يحمّل الناس من خلفه ما يطيقون (3) .

و منها : ما رواه عبدالله بن سنان عن رسول الله (صلي الله عليه واله) : لم يعط أمّتي أقلّ من ثلاث : الجمال، و الصوت الحسن، و الحفظ (4) .

و منها : ما رواه أيضًا عن النبيّ (صلي الله عليه واله) : لكلّ شيء حلية، و حلية القرآن الصوت الحسن (5) .

و منها : ما روي عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : كان عليّ بن الحسين (عليه السلام)أحسن الناس صَوتًا بالقرآن، و كان السقّاؤون يمرّون ببابه فيقفون (6) يسمعون قراءته (7) .

ص: 170


1- . الكافي : 2 / 614 ح 3 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 210 ح 7754 .
2- . في المصدر : مرّ .
3- . الكافي : 2 / 615 ح 4 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 211 ح 7755 .
4- . الكافي : 2 / 615 ح 7 ؛ الخصال : 137 ح 152 .
5- . الكافي : 2 / 615 ح 9 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 211 ح 7756 .
6- . في المصدر : يمرّون فيقفون ببابه .
7- . الكافي : 2 / 616 ح 11 .

و منها : ما رواه معاوية بن عمّار في الصحيح قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل لا يرى أنّه صنع شيئًا في الدعاء و في القرآن (1) حتّى يرفع صوته، فقال : لا بأس، إنّ عليّ بن الحسين (عليهماالسلام)كان أحسن الناس صوتًا بالقرآن، فكان يرفع صوته حتّى يسمعه أهل الدار، و أنّ أبا جعفر (عليه السلام) كان أحسن الناس صوتًا بالقرآن، وكان (2) إذا أقام الليل (3) و قرأ رفع صوته، فيمرّ به مارّ الطريق من السقّائين وغيرهم، فيقومون فيستمعون إلى قراءته (4) .

و عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله - تعالى - : ( و رتّل القرآن ترتيلاً ) (5) ، قال : هو أن تتمكث فيه و تحسن به صوتک (6) .

و منها : ما رواه حسن بن عبدالله التميمي، عن أبيه، عن الرضا (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : حسّنوا القرآن بأصواتكم، فإنّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسنًا(7) .

ص: 171


1- . في المصدر : و في القراءة .
2- . في المصدر : فكان .
3- . في المصدر : إذا قام من الليل .
4- . رواه محمّد بن إدريس في آخر السرائر نقلاً عن كتاب محمّد بن عليّ بن محبوب الأشعريّ الجوهريّالقمّيّ، عن العبّاس، عن حمّاد بن عيسى، عن معاوية بن عمّار ؛ مستطرفات السرائر : باب النوادر، ص 604 ؛و عنه في الوسائل : 6 / 209 ح 7752 ؛ و البحار : 82 / 82 ح 23 ؛ و 89 / 194 ح 9 .
5- . المزّمل : 4 .
6- . مجمع البيان : 10 / 162 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 207 ح 7746 ؛ و البحار : 89 / 191 ح 4 .
7- . العيون : 2 / 74 ح 322 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 212 ح 7759 .

و منها : ما رواه موسى العمري (1) قال : جئت (2) إلى باب أبي جعفر (عليه السلام) استأذن عليه (3) ، فسمعنا صوتًا حزينًا يقرأ بالسريانيّة (4) ، فبكينا حيث سمعنا الصوت، فظننا أنّه بعث إلى رجل من أهل الكتاب يستقرأه، فأذن لنا، فدخلنا عليه و لم نر عنده أحدًا، فقلنا : أصلحک الله، سمعنا صوتًا بالعبرانيّة فظننا أنّک بعثت إلى رجل من أهل الكتاب تستقرأه، قال : لا و لكن ذكرت مناجات إيليا (5) لربّه، فبكيت، الحديث (6) .

و منها : ما رواه أبو بصير قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إذا قرأت القرآن فرفعتُ به صوتي جاءني الشيطان، فقال : إنّما تُرأئِي بهذا أهلک و الناس، قال : يا أبا محمّد إقرأ قراءَةً ما بين القِرائَتين تُسمِعُ أهلک و رَجِّع بالقرآن صوتک، فإنَّ الله - عزّوجلّ - يُحِبُّ الصوت الحسن، يُرجِّع فيه ترجيعًا (7) .

و هذه جملة من النصوص الّتي استدلّ بها لجواز الغناء في القرآن .

ص: 172


1- . في المصدر : النميري .
2- . في الاختصاص : جئنا .
3- . في البصائر : لأستأذن عليه ؛ و في الاختصاص : نستأذن عليه .
4- . في المصدر : بالعبرانيّة .
5- . في المصدر : إليا .
6- . بصائر الدرجات : 99 ؛ الاختصاص، للشيخ المفيد : 291 و 292 ؛ و عنهما في البحار : 13 / 400 ح 7 ؛و26 / 180 ح 3 .
7- . الكافي : 2 / 616 ح 13 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 211 ح 7758 .

[ الجواب عن النصوص الّتي استدلّ بها لجواز الغناء في القرآن ]

أقول : لا ريب و لا شبهة في أنّ هذه النصوص ليست بصريحة في ذلک، لأنّ قراءة القرآن مع الحزن مثلاً لا يستلزم الغناء قطعًا، فيخصّص بها أو يقيّد تلک النصوص المتقدّمة .

بل التعارض بينهما من قبيل تعارض الظاهرين و العموم من وجه، لأنّ تلک النصوص صريحة في عدم جواز الغناء، لكن ظاهرة من جهة العموم - أي : كونه في القرآن و غيره - و هذه النصوص و إن كانت ناصّة من جهة اشتمالها على قراءة القرآن بالحزن و الصوت مثلاً، لكنّها عامّة من حيث انّ قراءة القرآن مع الحزن والصوت أعمّ من أن تصل إلى حدّ الغناء، أم لا .

و عند تعارض الظاهرين يجب الرجوع إلى الترجيح، و هو مع النصوص المتقدّمة من وجوه عديدة :

الأوّل : هو أنّها مخالفةٌ للعامّة، بخلاف هذه، لما نقل بعض المحقّقين القول بجواز الغناء فيهم أيضًا (1) .

و يؤيّده قوله (عليه السلام) في بعض تلک النصوص : « احمد الله و سَلْه التوبة من كلّ ما

ص: 173


1- . انظر رياض المسائل : 8 / 66 .

يكره، فإنّه لا يكره إلّا كلّ قبيح، و القبيح دعه لأهله، فإنّ لكلٍّ أهلاً» (1) .

بل يدلّ عليه ما رواه عبد الأعلى قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الغناء و قلت : إنّهم يزعمون أنّ رسول الله (صلي الله عليه واله) رخّص في أن يقال : جِئْناكم جِئْناكم حَيّونا حَيّونا نُحَيّيكم.

فقال : كذبوا، إنّ الله - عزّوجلّ - يقول : ( ما خلقنا السماوات (2) والأرض وما بينهما لاعبين * لو أردنا أن نتّخذ لهوًا لاَتَّخَذْناه مِن لَدُنّا إن كنّا فاعلين * بَلْ نَقْذِفُ بالحقّ على الباطل فيَدْمَغُهُ فإذا هو زاهِق و لَكُمُ الويل ممّا تصفون ) (3) .

ثمّ قال : ويلٌ لفلان ممّا يصف رجلٌ لم يحضر المجلس (4) .

و قد ورد الأمر عنهم (عليهم السلام) : الأخذ بما خالفهم و ترک ما وافقهم، فإنّ الرشد في خلافهم (5) .

و الثاني هو : أنّ هذه النصوص إطلاقها موافقٌ لهوى النفس، فإنّ النفس لها رغبة تامّة لِسَماع الغناء، بخلاف تلک النصوص، فإنّها مخالفةٌ لهواها ؛ و لا شکّ أنّ

ص: 174


1- . الكافي : 6 / 432 ح 10 ؛ الفقيه : 1 / 80 ح 177 ؛ التهذيب : 1 / 116 ح 304 ؛ الوسائل : 3 / 331 ح3795 .
2- . كذا في النسخ، و في المصاحف : ( و ما خلقنا السماء و الأرض ).
3- . الأنبياء : 16 - 18 .
4- . الكافي : 6 / 433 ح 12 ؛ و عنه في الوسائل : 17 / 307 ح 22608 .
5- . الكافي : 1 / 67 ح 10 ؛ الفقيه : 3 / 5 18 ؛ التهذيب : 6 / 301 ح 845 ؛ الوسائل : 27 / 106 ح33334.

مخالفة النفس أولى و أهمّ من موافقتها، لقوله - تعالى - : ( و مَن (1) خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهوى * فإنّ الجنّة هي المأوى ) (2) .

و الثالث : أنّ تلک النصوص موافقةٌ للمشهور بين الأصحاب ظاهرًا، بل قد عرفت دعوى الإجماع، بخلاف هذه النصوص، فإنّ العامل بإطلاقها غير ظاهر، سوى ما ينسب من كلام الطبرسي في مجمع البيان (3) ، و نصّ عليه بعض من أحبّ مخالفة الأصحاب ؛ و لا ريب أنّ مخالفة النادر و أخذ خلافه أولى من أخذ النادر وترک خلافه .

و بالجملة : لا شبهة في ترجيح تلک النصوص على غيرها، فيجب تقديمها في العمل .

نعم، يمكن أن يقال : إنّ رواية أبي بصير المذكورة ليس التعارض بينها و بين تلک النصوص من تعارض الظاهرين، بل من تعارض العامّ و الخاصّ، لأنّ قوله (عليه السلام) فيها : « رجّع بالقرآن صوتک » (4) صريحٌ في جواز الغناء في القرآن، لما تقدّم من أنّ الغناء هو ترجيع الصوت مع الطرب، و دلّ الحديث على جواز الترجيع في القرآن، و الطرب لازم له ؛ و معلوم أنّ الخاصّ مقدّمٌ على العامّ ومخصّصٌ له، فدلّ الحديث على جواز الغناء في القرآن .

ص: 175


1- . في المصحف الشريف : ( و أمّا مَن ).
2- . النازعات : 40 و 41 .
3- . مجمع البيان : 1 / 46 .
4- . الكافي : 2 / 616 ح 13 ؛ و عنه في الوسائل : 6 / 211 ح 7758 .

و الجواب بعد تقدير تسليم ما ذكر نقول : إنّ الخاصّ إنّما يقدّم على العامّ إذا كان حجّة ؛ و هذه الرواية بلوغها في حدّ الحجّيّة من حيث السند غير معلوم، فلايرفع اليد عن العامّ .

و على فرض تسليم ذلک أيضًا نقول : إنّها معارضة بقوله (عليه السلام) (1) فيما رواه عبدالله بن سنان : « اقرؤوا القرآنَ بألحان العرب و أصواتها، و إيّاكم و لُحون أهل الفسق و أهل الكبائر، فإنّه سيجيء من بعدي قومٌ (2) يرجّعون القرآن ترجيع الغناء والرَهبانيّة و النَّوح، و لا يجاوز حناجرهم (3) ، قلوبهم مقلوبة (4) ، و قلوب الّذين يعجبهم (5) شأنهم » (6) .

و تعارضهما من تعارض النصّين، فيجب الرجوع إلى الترجيح أيضًا، و هو معنا لما عرفت.

و في الفقيه : سأل رجل عليّ بن الحسين (عليهماالسلام) عن شراء جارية لها صوت ؟ فقال : ما عليک لو اشتريتها فذكّرتک الجنّة - يعني بقراءة القرآن - و الزهد والفضائل الّتي ليست بغناء، و أمّا (7) الغناء فمحظور (8) .

ص: 176


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره): مرويّ في الكافي و جامع الأخبار لابن بابويه .
2- . في الكافي : أقوام .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه : و في الكافي : « لا يجوز تَراقِيَهم » ؛ و المعنى واحد، أي : لا يجوز القرآنحناجرهم و لا يصل إلى قلوبهم .
4- . جاء في حاشية الأصل بخطّه : كالكوز المقلوب، أي : لا يستقرّ فيها شيء من آثار الحقّ .
5- . في الكافي : و قلوب من يعجبه .
6- . الكافي : 2 / 614 ح 3 ؛ جامع الأخبار : 57 ؛ الوسائل : 6 / 210 ح 7754 .
7- . في المصدر : فأمّا .
8- . الفقيه : 4 / 60 ح 5097 ؛ الوسائل : 17 / 123 ح 22150 .

فلم يبق في المقام إلّا ما روي بطريق العامّة عن النبيّ (صلي الله عليه واله) أنّه قال : إنّ القرآن نزل بالحزن، فإذا قرأتموه فابكوا و تباكوا (1) و تغنّوا به، فمَن لم يتغنّ بالقرآن فليس مِنّي (2) .

و الجواب عنه من وجهين :

الأوّل : انّه عامّيّ، فليس بحجّة ؛ و رفع اليد بما لا يكون حجّة عمّا يكون، ليس بجائز .

و الثاني هو : أنّ ظاهره خلاف الإجماع، لأنّه يدلّ على وجوب التغنّي في القرآن و لم يقل به أحد، فلا محالة يجب صرفه عن ظاهره، فحينئذٍ كما يمكن حمل الأمر فيه على الاستحباب يمكن حمله على استغنوا، كما روي عنه (صلي الله عليه واله) : «مَن قرأ القرآن فهو غنيّ لا فقر بعده » (3) ؛ فلا دخل له لما نحن فيه، فصار مجملاً،والمجمل لا يصلح للمعارضة .

إن قلت : إنّ الإجمال غير مسلّم، لأنّ المعهود في الأصول أنّه إذا تعذّر حمل اللفظ على الحقيقة، فحمله على أقرب المجازات و أرجحها متعيّن ؛ و هذه القاعدة معيّنة لحمل الأمر في الرواية المذكورة على الاستحباب و السنّة، لأنّ كثرة

ص: 177


1- . في المصدر : فإن لم تبكوا فتباكوا .
2- . سنن ابن ماجة : 1 / 424 ح 1337 ؛ السنن الكبرى : 10 / 231 ؛ مسند أبي يعلى : 2 / 49 ح 689 ؛ كنزالعمّال : 1 / 608 ح 2789 ؛ مجمع البيان : 1 / 46 .
3- . معاني الأخبار : 279 ؛ جامع الأخبار : 114 ح 199 ؛ و رواه في الكافي : 2 / 605 ح 8 ، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، و فيه زيادة : « و إلّا ما به غنًى » .

استعمال الأمر في الاستحباب و شيوعه في ذلک مرجّح لحمله عليه، فلا إجمال .

قلت : كما أنّ كثرة استعمال الأمر في الاستحباب سببٌ لرجحان حمل الأمر فيما نحن فيه عليه، كذا استلزامه لمخالفة أكثر الأصحاب، بل الإجماع - كما عرفت - سببٌ لمرجوحيّة ذلک ؛ و حمل الأمر على ما ذكرنا و إن كان مرجوحًا بالنسبة إلى ندرة الاستعمال، لكنّه راجحٌ بالنسبة إلى عدم استلزامه ما مرّ، فتساويا، إذ لكلّ طرفٍ رجحانٌ و مرجوحيّة .

على أنّا نقول : حمل الأمر في الرواية على الاستحباب غير ممكن، بقرينة قوله (صلي الله عليه واله) : « و مَن لم يتغنّ بالقرآن فليس منّي » (1) ، لأنّ ترک المستحبّ لا يوجب ذلک بالبديهة، فاللازم حمله إمّا على ما ذكرناه، أو على غيره ممّا يجده الطبع السليم مناسبًا.

والله الهادي إلى طريق الصواب ؛ و عليک بالحذر عن مخالفة الأصحاب .

ص: 178


1- . سنن ابن ماجة : 1 / 424 ح 1337 ؛ السنن الكبرى : 10 / 231 ؛ مسند أبي يعلى : 2 / 49 ح 689 ؛ كنزالعمّال : 1 / 608 ح 2789 ؛ مجمع البيان : 1 / 46 .

ذكر مواضع الخلاف في جواز التغنّي أو عدمه

ثمّ اعلم : أنّه وقع الخلاف بين الأصحاب في جواز التغنّي أو عدمه في مواضع :

التغنّي في العرائس جائز أم لا ؟

الموضع الأوّل : في تغنّي المرأة في العرائس

اشارة

الأوّل : في تغنّي المرأة في العرائس إذا لم تتكلّم بالباطل و لم تعمل بالملاهي ولم يسمع صوتها الأجانب من الرجال، فقد نقل عن جماعةٍ - منهم : الشيخان - إباحة ذلک (1) .

و عن القاضي : أنّه كرهه (2) .

و عن جماعةٍ - منهم : ابن إدريس و العلّامة و غيرهما - المنع من ذلک (3) ؛

ص: 179


1- . النهاية و نكتها : 2 / 103 ؛ النافع : 116 ؛ تحرير الأحكام : 2 / 259 ؛ المختلف 5 / 19 ؛ المسالک :3/126 ؛ و نفى عنه البأس في الروضة : 3 / 213 ؛ و هو الظاهر من الدروس : 3 / 162 ؛ و جامع المقاصد :4/ 23 . وانظر الحدائق الناضرة : 18 / 116 ؛ و مفتاح الكرامة : 12 / 174 ؛ و رياض المسائل : 8 / 62 .
2- . المهذّب : 1 / 346 .
3- . السرائر : 2 / 222 ؛ التذكرة : 12 / 140 ؛ الإرشاد : 1 / 357 ؛ إيضاح الفوائد : 1 / 405 ؛ التنقيح الرائع :2 / 12 ؛ و هو ظاهر المقنعة : 588 ؛ و المراسم : 170 ؛ و الكافي في الفقه : 281 ؛ وانظر مفتاح الكرامة :12/ 175 .

ومستندهم هو ما تقدّم من النصوص الدالّة على تحريم الغناء بعنوان العموم والإطلاق .

و دليل المجوّزين عدّة نصوص، منها : ما رواه أبو بصير في الصحيح عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : أجر المغنِّية الّتي تَزُفُّ العرائس ليس به بأسٌ، ليست بالّتي يدخل عليها الرجال (1) .

و منها : ما رواه أيضًا عنه (عليه السلام) أنّه قال : المغنّية الّتي تزفّ العرائس لا بأس بكسبها (2) .

و منها : ما رواه أيضًا عن مولانا الباقر (عليه السلام)، حيث سأله عن كسب المغنّيات، فقال : الّتي يدخل عليها الرجال حرام، والّتي تُدعى إلى الأعراس ليس به بأس (3) .

و الجواب عن استدلال المانعين هو : أنّ النصوص المانعة مخصّصة بهذه النصوص الخاصّة، إلّا أن يقال : إنّ ما دلّ عليه الصحيح المذكور هو عدم البأس بأجر المغنّية، و هو لا يستلزم حلّيّة الغناء، لجواز أن يكون حرامًا و الأجر حلالاً، فلا يصلح ما دلّ على نفي البأس في أجر المغنّية في العرائس لتخصيص النصوص المانعة، لأنّ المخصّص لابدّ أن يكون واضحة الدلالة .

ص: 180


1- . الكافي : 5 / 120 ح 3 ؛ الفقيه : 3 / 161 ح 3589 ؛ الاستبصار : 3 / 62 ح 205 ؛ التهذيب : 6 / 357 ح1022 ؛ الوسائل : 17 / 121 ح 22146 .
2- . الكافي : 5 / 120 ح 2 ؛ الاستبصار : 3 / 62 ح 206 ؛ التهذيب : 6 / 357 ح 1023 ؛ الوسائل : 17 /121 ح 22145 .
3- . الكافي : 5 / 119 ح 1 ؛ الاستبصار : 3 / 62 ح 207 ؛ التهذيب : 6 / 358 ح 1024 ؛ الوسائل : 17 /120 ح 22144 .

إلّا أن يدّعى الاستقراء في أنّ الشيء إذا كان حرامًا كان أجره أيضًا حرامًا، فإذا ثبت حلّيّة أجر المغنّية في العرائس يكون الغناء أيضًا حلالاً ؛ و قد نصّ جملة من النصوص الدالّة على حرمة الغناء على حرمة ثمن المغنّية ؛ هذا .

مع أنّ الحديثين الأخيرين قد دلّا على عدم البأس بكسب المغنّية في العرائس، و كسبها هو التغنّي .

التغنّي في الحُداء جائز أم لا ؟

الموضع الثاني : في الحُدَاء

و الثاني من تلک المواضع المختلف فيها : الحُدَاء - كدُعاء - و هو الإنشاد الّذي ينساق به الإبل .

و بعبارة أخرى : هو الإنشاد الّذي يحثّ به الإبل على الإسراع في السير.

و المشهور بين الأصحاب - على ما حكاه بعض الأعلام (1) - جواز الغناء فيه ؛ وكان مستندهم ما رواه في الفقيه باسناده في كتاب الحجّ عن السكوني أنّه قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : زاد المسافر الحداء و الشعر ما كان منه ليس فيه خناء (2) .

ص: 181


1- . حكاه عنهم في كفاية الأحكام : 1 / 434 ؛ و رياض المسائل : 8 / 63 .
2- . المحاسن : 2 / 358 ح 73 ؛ الفقيه : 2 / 280 ح 2447 ؛ الوسائل : 11 / 418 ح 15149 . جاء فيحاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : خناء، أي : الفحش { الصحاح - خنا - : 6 / 2332 }. و في الفقيه : خنا، و فيالمحاسن : جفاء . قال في الوسائل : « الخنا من معانيه : الطرب، و يأتي ما يدلّ على تحريم الغناء ».

و ضعف السند بالشهرة منجبر، مع أنّ ظاهر الكفاية أنّه مجمع عليه بين الأصحاب، حيث قال :

واستثنى الأصحاب من الغناء المحرّم الحُداء (1) .

و من عجيب ما يناسب المقام ما حكاه بعض الأعلام عن أبي بكر المعروف بالرقي (2) ، قال : أضافني بالبادية بعض قبائل العرب وأدخلني خباءه، فرأيت عبدًا مقيّدًا و رأيت بين يدي البيت أجمالاً ميتة و بقي منها جمل حيّ ناحل زابل، فقال لي العبد : أنت ضيف و سيّدي مكرم للضيف لا يردّ شفاعته، فاشفع لي عساه يحلّ عنّي القيد .

فلمّا حضر الطعام قلت : لا آكل الطعام ما لم أشفع في هذا العبد، فقال : إنّه أفقرني و أتلف جميع مالي . قلت : ماذا فعل ؟ قال : له صوت طيّب و كنت أعيش من ظهور هذه الأجمال، فحملها أحمالاً ثقيلة وحدا بها، فقطعت مسيرة ثلاثة أيّام في ليلة من طيب نغمته .

فلمّا حطّ عنها الأحمال ماتت كلّها إلّا هذا الجمل، و لكن أنت ضيف و قد وهبته لک لكرامتک . فقلت : أحبّ أن أسمع صوته، فلمّا أصبحناه أمره أن يحمل على جمل يستقي عليه من بئر هناک، فلمّا رفع صوته بالحُداء قام ذلک الجمل و قطع حباله و وقعت أنا على وجهي، فما أظنّ أنّي سمعت صوتًا أطيب منه (3) ؛ هذا .

ص: 182


1- . كفاية الأحكام : 2 / 750 .
2- . في تاريخ مدينة دمشق : الدقي .
3- . شرح الأبي والسنوسي على صحيح مسلم : 8 / 56 ؛ تاريخ مدينة دمشق، لابن عساكر : 52 / 439 ؛وسير أعلام النبلاء : 16 / 139 مع اختلاف يسير .

الكلام في الغناء في مراثي الحسين (عليه السلام)

الموضع الثالث : مراثي الحسين (عليه السلام)

و الثالث من تلک المواضع المختلف فيها : مراثي الحسين (عليه السلام) ، فإنّه قد حكي عن بعض الأصحاب استثناء ذلک (1) .

قال في الكفاية بعد نقل هذا القول :

و هو غير بعيد (2) .

أقول : لا يخفى أنّ الشيعة بعد وقوع ذلک الخطر العظيم و الأمر الجسيم قد كانوا مشتغلين بمراثيه (عليه السلام) و في كلّ عصر عصر قد استكثروا في ذلک، فعلى هذا ليس الغناء في مراثيه (عليه السلام) من الأفراد النادرة حتّى لا ينصرف إليها إطلاق النصوص المتقدّمة، فاستثناؤه يحتاج إلى دليل، و ليس .

و ربّما يمكن أن يستدلّ لذلک بفحوى ما دلّ على جواز التغنّي في العرائس كما تقدّم، فإنّه إذا جاز التغنّيّ في العرائس ينبغي أن يجوز فيما نحن فيه بطريق أولى، لأنّ فيه خير الدنيا و الآخرة .

و يمكن الاستدلال لذلک أيضًا بما يدلّ على جواز النوح عليه مطلقًا، سواء

ص: 183


1- . حكاه عن بعض في جامع المقاصد : 4 / 23 ؛ و قال في الرياض 8 / 63 : « حكي عن قائل مجهول » .
2- . كفاية الأحكام : 1 / 434 ؛ و 2 / 750 .

اشتمل على الغناء، أم لا، لكنّ التعارض بينه و بين الأدلّة المتقدّمة من تعارض العموم من وجه، فيجب الرجوع إلى الترجيح ؛ و قد عرفت أنّه من وجوهٍ مع الأدلّة المانعة، إلّا أن يدّعى أنّ الغالب في النوحة اشتمالها على الغناء، فينصرف إليه إطلاق ما دلّ على جواز النوح عليه (عليه السلام) ، فيكون التعارض بينهما من باب تعارض النصّ و الظاهر ؛ و معلومٌ أنّ النصّ مقدّم .

و اعلم : أنّ استماع الغناء تابعٌ له في التحريم و عدمه، فكلّما كان الغناء حرامًا كان استماعه أيضًا ؛ و كلّما كان جائزًا كان استماعه أيضًا كذلک .

هذا كلّه في الكلام على تحريمه .

الغناء من الكبائر

بقي الكلام في بيان أنّه من الكبائر، فأقول : قد دلّت عليه جملة من النصوص، منها : ما رواه عبدالله بن مسكان، عن محمّد (1) ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سمعته يقول : الغناء ممّا قال الله - تعالى (2) - : ( و مِنَ الناس مَن يشتري لَهْوَ الحديث لِيُضِلَّ عن سبيل الله بغير علم و يَتّخِذَها هُزوًا أولئک لهم عذاب مُهين ) (3) .

ص: 184


1- . في الكافي : عن محمّد بن مسلم .
2- . في الكافي : ممّا وعد الله عليه النار، و تلا هذه الآية .
3- . الكافي : 6 / 431 ح 4 ؛ الوسائل : 17 / 304 ح 22599 ؛ و الآية في سورة لقمان : 6 .

و محمّد في هذا السند و إن كان الظاهر أنّه محمّد بن سنان (1) و هو ضعيف، إلّا أنّ سند الحديث إليه معتبر ؛ و قد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن عبدالله بن مسكان ؛ على أنّ مضمون هذا الحديث مرويّ بطرق متعدّدة بعضها صحيح .

وجه دلالة الآية على كون الغناء من الكبائر واضح، لأنّ الكبائر قد عرفت أنّها الّتي أوعدها الله - تعالى - عليها بالنار ؛ و قد دلّ الحديث على أنّ الغناء من ذلک، لأنّ العذاب المهين هو عذاب جهنّم .

و منها : ما رواه الحسن بن عليّ الوشّاء قال : سُئل أبو الحسن الرضا (عليه السلام) عن شراء المغنِّية ؟ فقال : قد تكون للرجل الجارية تُلهيه، و ما ثمنها إلّا ثمن كلب، وثمن الكلب سُحتٌ، و السُحت في النار (2) .

وجه الاستدلال هو : أنّ الحديث دلّ على أنّ ثمن المغنّية في النار ؛ و معلوم أنّه ليس المراد من كون الثمن في النار أنّ نفس الثمن في النار، بل آكله، فدلّ الحديث على أنّ آكل ثمن المغنّية في النار، فيلزم عنه كون المغنّية فيها بطريق أولى .

ثمّ إنّ ذلک إنّما هو لأجل الغناء، فدلّ الحديث على أنّه ممّا يوجب النار، و هو المطلوب، إذ ليس المراد من الكبائر إلّا ذلک .

ص: 185


1- . جاء في حاشية الأصل : « قلت : بل الظاهر أنّه محمّد بن مسلم، و المراد بأبي جعفر هو الباقر (عليه السلام) ، و كونه محمّد بن سنان و أبي جعفر هو الجواد (عليه السلام) بعيدٌ جدًّا، كما لا يخفى على العارف بطبقات الرجال ؛ حرّره حسنخوانسارى ».
2- . الكافي : 5 / 120 ح 4 ؛ الاستبصار : 3 / 61 ح 202 ؛ التهذيب : 6 / 357 ح 1019 ؛ الوسائل : 17 /124 ح 22154 .

و في سند الحديث : سهل .

و منها : الخبر القريب من الصحيح بابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصحّ عنه : الغناء ممّا وعد الله عليه النار و تلا هذه الآية (1) : ( و من الناس من يشترى لهو الحديث ليُضِلَّ عن سبيل الله بغير علم و يتّخذها هزوًا أولئک لهم عذاب مُهين ) (2) .

و هذا أصرح ممّا تقدّم .

إذا علمت أنّ الغناء من الكبائر، فقد ظهر لک أنّه لا تقبل شهادة فاعله و لو من غير إصرار .

استماع الغناء من الكبائر أم لا ؟

و أمّا استماع الغناء، فحرمته ممّا لا شبهة فيه كما علمت ؛ و أمّا كونه سببًا لتفسيق مستمعه و لو من غير إصرار، فقد ادّعى الإجماع الظاهريّ على ذلک في كشف اللثام (3) .

و قد وردت جملة من النصوص على أنّ استماع الغناء نفاق، أو منبتٌ له ؛ و من الأوّل قد تقدّم ذكره، و من الثاني ما رواه عنبسة عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال :

ص: 186


1- . في الكافي : الغناء ممّا قال الله : ( و من الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله ).
2- . الكافي : 6 / 431 ح 5 ؛ الوسائل : 17 / 305 ح 22600 ؛ والآية في سورة لقمان : 6 .
3- . كشف اللثام : 10 / 293 .

استماع الغناء و اللهو ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع (1) .

و ربّما يمكن الاستدلال لذلک بما تقدّم من صحيحة مسعدة بن زياد المتقدّمة عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : إنّي كنت عند أبي عبدالله (عليه السلام)، فقال له رجل : إنّي أدخل كنيفًا لي و لي جيران عندهم جوارٍ يتغنّين - إلى أن قال له (عليه السلام): - قم فاغتسل وصلّ (2) ما بدا لک، فإنّک كنت مقيمًا على أمر عظيم ما كان أسوء حالک لو متّ على ذلک، الحديث (3) .

فإنّ قوله (عليه السلام) : « فإنّک كنت مقيمًا على أمرٍ عظيم » ؛ و قوله (عليه السلام) : « و ما كان أسْوَءَ حالک لو مِتَّ على ذلک »، يدلّ على أنّ استماع الغناء من الكبائر، فتأمّل .

الاشتغال بآلات اللهو حرامٌ

8- مسألة

اشارة

اعلم : أنّ ممّا يحرم أيضًا : الاشتغال بآلات اللهو - كالمزمار والعود والصَنج (4)

ص: 187


1- . الكافي : 6 / 434 ح 23 ؛ الوسائل : 17 / 316 ح 22641 .
2- . في الكافي : و سَلْ .
3- . الكافي : 6 / 432 ح 10 ؛ الفقيه : 1 / 80 ح 177 ؛ التهذيب : 1 / 116 ح 304 ؛ الوسائل : 3 / 331 ح3795 .
4- . جاء في حاشية الأصل : الصنج - كما نقل عن المطرزي { المغرب : 1 / 309 } و الجوهري { الصحاح :1/325 } - هو الّذي يتّخذ من صفر يضرب أحدهما بالآخر . و في المسالک { : 14 / 183 } : و الضَنجَ هوالدفّ المشتمل على الجلاجل ؛ منه .

و غيرها - عندنا كما في كشف اللثام (1) ، لقول الصادق (عليه السلام) في الصحيح أو الحسن قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : أنهاكم عن الزَفْن و المِزْمَار و عن الكُوبَات والكَبَرَات (2) .

بيان

قيل :

الزَفن : اللعب و الدفّ، و يزفنون : يرقصون . والمزمار : ما يزمر به، والزمر : التغنّي في القصب . والكُوبة - بالضمّ - يقال للنرد و الشطرنج والطبل الصغير و البربط . و الكبر - محرّكة - : الطبل (3) .

و لقوله (عليه السلام) أيضًا في رواية عمران الزعفرانيّ : مَنْ أنعم الله عليه بنعمة، فجاء عند تلک النعمة بمِزمار فقد كفرها (4) .

ولقوله (عليه السلام) : إيّاک والصَوانجَ(5) فإنَّ الشيطان يركض معک والملائكة تنفر عنک(6) .

ص: 188


1- . كشف اللثام : 10 / 295 .
2- . الكافي : 6 / 432 ح 7 ؛ دعائم الإسلام : 2 / 207 ح 754 ، و فيه : « و عن الكوبات و الكنارات » ؛الوسائل : 17 / 313 ح 22631 .
3- . الوافي : 17 / 211 .
4- . الكافي : 6 / 432 ح 11 ؛ الوسائل : 17 / 127 ح 22160 .
5- . في الفقيه : « و إيّاک والضرب بالصوانيج » ؛ و في فقه الرضا (عليه السلام): « و إيّاک والضربة بالصولجان » ؛ و فيأصل زيد النرسي : « و أمّا ضربک بالصوالج » .
6- . فقه الرضا (عليه السلام) : 284 ؛ الأصول الستّة عشر : 51 ، أصل زيد النرسي ؛ الفقيه : 4 / 59 ح 5093 .

و بالجملة : لا إشكال في حرمة الاشتغال بها و استماع أصواتها و تفسيق الفاعل و المستمع بعنوان الإصرار .

لكنّ الإشكال في أنّه هل يفسقا مطلقًا و لو من غير إصرار، فلا تقبل شهادتهما كذلک، أم يعتبر في الحكم بالتفسيق و عدم قبول الشهادة إصرارهما في فعلها واستماعهما، فلا يضرّ في العدالة فعلها و استماعها من غير إصرار ؟

ظاهر المحقّق و العلّامة (1) الأوّل، لكن إثبات ذلک من حيث الدليل مشكل، لعدم دليل على كونها من الكبائر .

نعم، قد تقدّم فيما كتبه مولانا الرضا (عليه السلام) إلى المأمون في تعداد الكبائر الاشتغال بالملاهي ؛ و لا شکّ أنّ الاشتغال بآلات اللهو كلّها اشتغال بالملاهي، وكذا استماعها، إلّا أنّ بلوغ تلک الرواية في حدّ الحجّيّة فيما نحن فيه غير ظاهر .

و عن الخلاف (2) أنّه استدلّ لذلک - أي : لتفسيق المشتغل بآلات اللهو ومستمعها - بشمول الغناء لها، فيشملها نصوصه .

و ما أفهمه، فالقول بتفسيق الفاعل و المستمع و زوال عدالتهما و لو من غير إصرار مشكل، لعدم ما يصلح دليلاً لذلک .

ص: 189


1- . الشرائع : 4 / 117 ؛ التحرير : 5 / 250 ؛ التذكرة : 12 / 140 .
2- . الخلاف : 6 / 307 ، المسألة 55 ؛ و نقله عنه في كشف اللثام : 10 / 295 .

الدفّ في العرائس جائز أم لا ؟

ثمّ اعلم : أنّه قد استثنى جمعٌ من الأصحاب - كالمحقّق و العلّامة (1) ، و المحكيّ عن الشيخ و الشهيد و المحقّق الثاني (2) - من جملة آلات اللهو : الدفّ في الأعراس و الختان، فأباحوه فيهما مع الكراهة، لما روي عنه (صلي الله عليه واله) : « أعلنوا النكاح و اضربوا عليه بالغربال » (3) ؛ يعني : الدفّ .

و لقوله (صلي الله عليه واله) أيضًا : « فصل ما بين الحلال و الحرام الضرب بالدفّ في النكاح » (4) .

و التعارض بينهما و بين ما يدلّ على عدم جواز الاشتغال باللهو والدفّ من تعارض المطلق و المقيّد ؛ و معلوم أنّ المطلق يحمل على المقيّد، فيكون مآل الجمع بينهما عدم جواز الدفّ في غير النكاح و جوازه فيه ؛ و هو و إن كان أخصّ من المدّعى، لأنّ المدّعى جواز الدفّ في النكاح و الختان، و مقتضى الجمع المذكور جواز الدفّ في النكاح، إلّا أنّه يضمّ جوازه في الختان أيضًا، لعدم القول بالفصل ظاهرًا .

ص: 190


1- . الشرائع : 4 / 913 ؛ الإرشاد : 2 / 157 ؛ التحرير : 5 / 251 ؛ تلخيص المرام : 311 ؛ القواعد : 3 / 495 .
2- . الخلاف : 6 / 307 ؛ المبسوط : 8 / 224 ؛ الدروس : 2 / 126 ؛ جامع المقاصد : 4 / 24 .
3- . سنن ابن ماجة : 1 / 611 ح 1895 ؛ السنن الكبرى : 7 / 290 ؛ كنز العمّال : 16 / 299 ح 44578 .
4- . مسند أحمد : 4 / 259 ؛ سنن النسائي : 6 / 127 ؛ المستدرک، للحاكم : 2 / 184 ؛ كنز العمّال : 16 / 300ح 44584 .

و فيه نظر، لأنّ المطلق إنّما يحمل على المقيّد إذا كان المقيّد صالحًا للتقييد ؛ وهنا ليس كذلک، لأنّ الحديثين المذكورين كِلَيهما عامّيان، و لم يبلغ فتواهم في المسألة إلى حدّ الشهرة حتّى يجبر بها ضعفهما، فعلى هذا العمل بإطلاق النهي لازم، كما نقل ذلک عن ابن إدريس و عن العلّامة في التذكرة (1) ، و قد اختاره من

المتأخّرين جماعة (2) .

و يمكن أن يستدلّ لجواز الدفّ في العرائس بما دلّ على جواز التغنّي فيها من النصوص المتقدّمة الّتي كانت من جملتها الصحيحة، بناءً على أنّه إذا ثبت جواز التغنّي في العرائس مع كونه من الكبائر كما عرفت، فجواز الدفّ فيها بطريق أولى، لعدم ثبوت كونه من الكبائر كما عرفت .

و هذا و إن دلّ على جواز الدفّ في العرائس، إلّا أنّه يضمّ الختان إليها لما عرفت، لكن هذا إنّما يصحّ إذا لم يقل القائلون بجواز الدفّ فيهما أنّه من الكبائر ؛ والظاهر من المحقّق و العلّامة و كذا الشيخ (3) - على ما حكي عنه - أنّه منها،فلايصحّ التمسّک بما مرّ ؛ و كلام غيرهم من القائلين بجوازه فيهما لم أعثر عليه .

و يمكن أن يقال بصحّة الاستدلال المذكور و إن كان القائلون بجواز الدفّ في العرائس و الختان قالوا بأنّه من الكبائر، بناءً على أنّه لا شکّ في تفاوت مراتب

ص: 191


1- . السرائر : 2 / 215 ؛ التذكرة ( ط . ق ) : 2 / 581 ؛ و نقله عنهما في المسالک : 14 / 184 ؛ و مجمعالفائدة : 12 / 341 ؛ و مفاتيح الشرائع : 2 / 21 ؛ و رياض المسائل : 13 / 266 .
2- . اختاره في الكفاية : 2 / 752 ؛ و كشف اللثام : 10 / 296 ؛ و رياض المسائل : 13 / 266 .
3- . المبسوط : 8 / 224 ؛ الشرائع : 4 / 913 ؛ تحرير الأحكام : 5 / 251 .

الكبائر في الشدّة، كقتل النفس مثلاً مع السرقة، و الزنا مع المحصنة و غيرها، وهكذا .

فعلى هذا نقول : إنّ الدفّ و إن كان من الكبائر بناءً على القول بذلک، إلّا أنّه يجوز أن يكون حكمه أخفّ من الغناء ؛ و لهذا قد كثرت النصوص بالنسبة إلى مذمّة الغناء، و قد صرّح في بعضها أنّه ممّا وعد الله عليه بالنار كما عرفت، بخلاف الدفّ، فإنّ النصّ في شأنه ليس مثل النصّ في الغناء، و لم يصرّح في نصٍّ أنّه ممّا وعد الله عليه بالنار .

و أيضًا قد اتّفق الأصحاب ظاهرًا على أنّ الغناء من الكبائر، بخلاف الدفّ، فإنّه مختلف فيه في كونه من الكبائر أم لا، فعلى هذا يكون الغناء بالنسبة إليه أشدّ، فإذا ثبت جوازه في النكاح مع كونه أشدّ، فثبوت الدفّ ينبغي أن يكون بطريق أولى .

إن قلت : على فرض تسليم ما ذكر ينبغي أن يكون جميع آلات اللهو جائزًا في النكاح، لتحقّق ما مرّ بالنسبة إلى الجميع .

قلت : الأمر و إن كان كذلک، إلّا أنّه لمّا كان مورد الخبرين هو الدفّ، و كانت الأولويّة لعلّها غير مستقلة في الدلالة، لكنّها صارت معتضدة للروايتين المذكورتين، فلهذا خصّوا الجواز بالدفّ، فتأمّل .

ثمّ لا يخفى أنّ مقتضى الخبرين المذكورين و الأولويّة المزبورة و إطلاق كلام جماعة من الأصحاب عدم الفرق بين كون الدفّ المستثنى في العرائس ذا صَنج،

ص: 192

أم لا ؛ و عن شيخنا الشهيد و المحقّق الثاني (1) تقييده بالثاني، أي : إذا لم يكن الدفّ مشتملاً على صَنج .

و ذهب إلى هذا التقييد في المسالک أيضًا حيث قال :

واستثنى من ذلک الدفّ الغير المشتمل على الصَنج (2) .

و لعلّ وجهه هو : أنّ الأصل بقاء العموم و الإطلاق على حالهما ؛ و الفرد اليقينيّ من المخصّص في المقام هو الدفّ الغير المشتمل على ما ذكر، فيقتصر في التخصيص عليه اقتصارًا فيما خالف الأصل على الفرد المتيَقّن .

و الجواب عنه : أنّ الروايتين لو سلّمت صلاحيّتهما للتخصيص و التقييد ينبغي أن يقال باستثناء الدفّ مطلقًا، سواء كان مشتملاً على الصَنج، أم لا، لإطلاقهما .

ثمّ إنّ المراد من الصَنج الّذي اشتمل عليه الدفّ - كما حكاه في المجمع عن المطرزي - :

هو الّذي يجعل في أطار الدفّ من النحاس المدوّرة صغارًا، إنتهى (3) .

ص: 193


1- . الدروس : 2 / 126 ؛ جامع المقاصد : 4 / 24 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 183 .
3- . مجمع البحرين : 5 / 59 ؛ وانظر المغرب : 1 / 309 .

لبس الحرير من الكبائر أم لا ؟

9- مسألة

اشارة

قد استفاض نقل الإجماع على حرمة لبس الحرير المحض للرجال ؛ و يدلّ عليه جملة من النصوص، منها : أحلّ الذهب و الحرير للإناث من أمّتي، و حرامٌ على ذكورها (1) .

و قيل في لفظ آخر : هذان محرّمان على ذكور أمّتي (2) .

و منها : قوله (صلي الله عليه واله) : لا تلبسوا الحرير، فإنّ من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة (3) .

و بالجملة : حرمة لبس الحرير المحض للرجال ممّا لا كلام فيه، لكنّ الكلام في أنّه هل هو من الكبائر، فلا تقبل شهادة لابسه و لو من غير إصرار ؛ أم لا، بل من الصغائر، فلبسه من غير إصرار لا يقدح في العدالة، فلا تردّ شهادته إلّا مع الإصرار؟

ص: 194


1- . مسند أحمد : 4 / 393 ؛ سنن النسائي : 8 / 161 ؛ السنن الكبرى : 2 / 425 و 3 / 275 ؛ كنز العمّال : 6 /675 ح 17360 .
2- . مسند أحمد : 1 / 96 و 115 ؛ سنن أبي داود : 2 / 260 ح 4057 ؛ سنن النسائي : 8 / 160 ؛ السننالكبرى، للبيهقي : 2 / 425 ؛ سنن ابن ماجة : 2 / 1190 .
3- . صحيح مسلم : 6 / 140 ؛ سنن النسائي : 8 / 200 ؛ مسند أبي يعلى : 7 / 29 ؛ كنز العمّال : 15 / 318ح 41205 .

ظاهر النافع و الشرائع و الإرشاد و القواعد (1) الأوّل ؛ و هو المحكيّ عن ظاهر

التحرير و التلخيص أيضًا (2) ، و لم نجد دليلاً على ذلک .

و المستفاد من الأدلّة الحرمة، و هي غير مستلزمة لكونه من الكبائر، لاشتراک الصغائر معها فيها، بل مقتضى الأصل العدم، لأنّ العدالة الثابتة الأصل بقاؤها إلى أن ثبت لها رافع يقينيّ، و هو فعل شيءٍ من الكبائر أو الصغائر، لكن مع الإصرار ؛ ولم يثبت كون لبس الحرير من الأوّل لما عرفت، فالأصل بقاء العدالة .

إن قيل : إنّ هذا الأصل معارضٌ بأصالة عدم قبول الشهادة .

قلت : هذا الأصل قد ارتفع حكمه بتحقّق العدالة، لأنّ مفروض المسألة أنّ العدالة الثابتة هل ترتفع بلبس الحرير أم لا ؟ فلا وجه للتمسّک بأصالة عدم قبول الشهادة حينئذ، بل الأصل قبول الشهادة .

إن قلت : إنّ قبول الشهادة غير جائز إلّا مع الاجتناب عن الكبائر، و الاجتناب عنها إنّما يتحقّق إذا اجتنب عن كلّ ما احتمل أنّه كبيرة، فيجب الاجتناب عن لبس الحرير، لاحتمال أنّه من الكبائر ؛ و اللابس له و لو من غير إصرار لا يصدق عليه أنّه اجتنب الكبائر، فلا تقبل شهادته .

قلت :على فرض تسليم ذلک نقول : إنّ هذا إنّما يصحّ إذا علّق قبول الشهادة بالاجتناب عن الكبيرة في النصّ و لم نجده .

ص: 195


1- . المختصر النافع : 279 ؛ الشرائع : 4 / 913 ؛ الإرشاد : 2 / 157 ؛ القواعد : 3 / 495 .
2- . تحرير الأحكام : 5 / 251 ؛ تلخيص المرام : 311 ؛ و حكاه عنهما في كشف اللثام : 10 / 296 .

و على فرض تسليم ذلک نقول : إنّ المتبادر من الاجتناب عن الكبيرة هو ما علم أنّه كبيرة، لا ما احتمل ؛ و لبس الحرير ليس من الأوّل كما عرفت، بل من الثاني، فلا يقدح في العدالة من غير إصرار .

و هذا التحقيق ليس مختصًّا بخصوص هذه المسألة، بل مطّرد في كلّ ما لم يعلم أنّه من الكبائر، فلا تردّ شهادة فاعله من غير إصرار .

ثمّ اعلم : أنّ ما تقدّم من حرمة لبس الحرير إنّما هو في غير حال الحرب والضرورة ؛ و أمّا فيهما، فالجواز أمّا في الأوّل فلموثّقة سماعة بن مهران عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن لباس الحرير والديباج، فقال : أمّا في الحرب فلا بأس به و إن كان فيه تماثيل (1) .

و قول مولانا الباقر (عليه السلام) فيما روي عن الحميري في قرب الإسناد عن الحسن بن طريف، عن الحسين بن علوان : إنّ عليًّا (عليه السلام) كان لا يرى بلباس الحرير والديباج - إذا لم يكن فيه تماثيل (2) - بأسًا (3) .

و بهما يخصّص إطلاق ما يدلّ على حرمة لبسه .

و لتحقيق المقام موضع أليق، و لهذا نكتفي في هذا المقام بما ذكر .

و أمّا في الثاني - أي : جواز اللبس في حال الضرورة - فواضح، لأنّ

ص: 196


1- . الكافي : 6 / 453 ح 3 ؛ الاستبصار : 1 / 386 ح 1466 ؛ التهذيب : 2 / 208 ح 816 ؛ الوسائل : 4 /372 ح 5425 .
2- . في المصدر : إذ لم يكن فيه التماثيل .
3- . قرب الإسناد : 103 ح 347 ؛ و عنه في الوسائل : 4 / 372 ح 5427 .

الضرورات تبيح المحظورات .

ثمّ لا يخفى أنّ التحريم فيما كان مختصّ باللبس، فلا بأس بالتُكأة عليه والافتراش به و لو في حال الاختيار، للأصل .

و اختصاص الموجب للخروج عنه باللبس إمّا لكونه المتبادر منه و إن لم يكن اللبس مذكورًا، أو لكونه مذكورًا فيه كما تقدّم .

و لصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : سألته عن فراش حرير (1) و مثله من الديباج، و مصلّى من حرير (2) و مثله من الديباج، هل يصلح للرجل النوم عليه و التُكَأَة (3) و الصلاة عليه ؟ قال : يفترشه (4) و يقوم عليه، ولايسجد عليه (5) .

خلافًا للمحكيّ عن المبسوط و الوسيلة (6) .

ص: 197


1- . في الكافي : الفراش الحرير .
2- . في الكافي : والمصلّى الحرير .
3- . في قرب الإسناد : والاتكاء .
4- . في قرب الإسناد : يفرشه .
5- . قرب الإسناد : 185 ح 687 ؛ الكافي : 6 / 477 ح 8 ؛ التهذيب : 2 / 373 ح 1553 .
6- . المبسوط : 1 / 168 ؛ الوسيلة : 367 ؛ و حكاه عنهما في كشف اللثام : 3 / 221 .

لبس الذهب و التختّم به حرام على الرجال

10- مسألة

اشارة

و ممّا يحرم على الرجال أيضًا لبس الذهب بلا خلاف كما صرّح به بعضهم (1) ، لما تقدّم من النبويّ من أنّ : أحلّ الذهب و الحرير للإناث من أمَّتي و حرامٌ على ذكورها (2) .

و لقول مولانا الصادق (عليه السلام) في خبر موسى بن أُكَيل النُمَيري (3) : جعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرّم على الرجال لبسه و الصلاة فيه (4) .

و فيما رواه عمّار : لا يلبس الرجل الذهب و لا يصلّي فيه، لأنّه من لباس أهل الجنّة (5) .

و في تخصيصه النهي عن لبس الذهب بالرجل دلالةٌ على جواز لبسه للنساء،

ص: 198


1- . انظر الإرشاد : 2 / 157 ؛ والقواعد : 3 / 495 ؛ والدروس : 2 / 126 ؛ والمسالک : 14 / 195 ؛ والرياض :13 / 268 .
2- . مسند أحمد : 4 / 393 ؛ سنن النسائي : 8 / 161 ؛ السنن الكبرى : 2 / 425 و 3 / 275 ؛ كنز العمّال : 6 /675 ح 17360 .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : رواه في التهذيب في باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس و المكان منالأصل، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن رجل، عن الحسن بن عليّ، عن أبيه، عن عليّ بن عقبه عن موسىبن أكيل النميري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الحديد : انّه حلية أهل النار، و الذهب حلية أهل الجنّة، و جعل اللهالذهب في الدنيا زينة النساء، فحرّم على الرجال لبسه و الصلاة فيه .
4- . التهذيب : 2 / 227 ح 102 ؛ الوسائل : 4 / 414 ح 5569 .
5- . التهذيب : 2 / 372 ح 1548 ؛ الوسائل : 4 / 413 ح 5568 .

كما دلّ عليه النبويّ (صلي الله عليه واله) و خبر موسى بن أكيل، إلّا أنّ تعليله (عليه السلام) بقوله : « لأنّه من لباس أهل الجنّة » يدلّ على عدم جوازه، لكنّه لا يصلح، لمعارضة ما دلّ على الجواز.

ثمّ إنّ ما مرّ من التحريم للرجال شاملٌ للتَّخَتُّم به أيضًا، لقول مولانا الصادق (عليه السلام) فيما رواه الجَرَّاح المَدائني عنه من أنّه قال : لا تجعل في يدک خاتمًا من ذهب (1) .

و قوله (عليه اللام) فيما رواه روح بن عبد الرحيم عنه (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) : لا تختّم بالذهب، فإنّه زينتک في الآخرة (2) .

إذا عرفت ذلک فاعلم : أنّ المستفاد ممّا ذكر حرمة لبس الرجال للذهب، لا أنّه من الكبائر، فعلى هذا لبسه من غير إصرار غير مضرّ في العدالة ؛ و لا تردّ بسببه الشهادة .

و ظاهر عبارة النافع و القواعد و مثلهما (3) أنّه من الكبائر ؛ و لا دليل على ذلک، لما عرفت من عدم دلالة الحرمة على ذلک، بل مقتضى الأصل أنّه من الصغائر على ما سبق تحقيقه .

و لهذا قال بعض المحقّقين من المتأخّرين :

ص: 199


1- . الكافي : 6 / 469 ح 7 ؛ الوسائل : 4 / 413 ح 5566 .
2- . الكافي : 6 / 468 ح 5 ؛ و عنه في الوسائل : 4 / 412 ح 5565 ؛ و رواه في « الفقيه : 1 / 253 ح 775 »عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّ النبىّ (صلي الله عليه واله) قال لعليّ (عليه السلام): إنّي أحبّ لک ما أحبّ لنفسي، و أكره لک ماأكره لنفسي، فلا تتختم بخاتم ذهب، فإنّه زينتک في الآخرة، الحديث .
3- . انظر المختصر النافع : 279 ؛ والقواعد : 3 / 495 ؛ والإرشاد : 2 / 157 ؛ والدروس : 2 / 126 .

أنّه يمكن أن يكون مرادهم أنّ قدحه في العدالة باعتبار الإصرار، ولاينافيه إطلاق عبائرهم، لقوّة احتمال وروده لبيان جنس ما يقدح في العدالة، من دون نظر إلى اشتراط حصول التكرار أيضًا، أو الاكتفاء فيه بالمرّة الواحدة ؛ و إنّما أحالوا تشخيص ذلک إلى الخلاف في زوال العدالة بكلّ ذنب، أو بالكبائر منها خاصّة، و ملاحظة الفقيه كلّاً من المحرّمات المزبورة مع أدلّتها، و أنّها ما تفيد كونها كبائر أو صغائر، وعليه العمل بمفادها كيفما اقتضاه مذهبه في تلک المسألة (1) .

من الأمور المحرّمة : الحسد

11- مسألة

اشارة

و ممّا يحرم أيضًا الحسد ؛ و هو : تمنّي زوال النعمة عن الغير، سواء قصد بلوغها إليه، أم لا، فالحاسد هو الّذي يتمنّي زوال النعمة عن غيره (2) .

و حرمتها مجمع عليها ؛ و يدلّ عليها وصيّته (صلي الله عليه واله) لعليّ (عليه السلام) : يا عليّ أنهاک عن ثلاث خصال : الحسد والحرص و الكبر (3) .

ص: 200


1- . رياض المسائل : 13 / 268 .
2- . انظر مسالک الأفهام : 14 / 184 .
3- . الخصال : 125 ح 121 ؛ الفقيه : 4 / 360 ؛ روضة الواعظين : 424 ؛ الوسائل : 15 / 367 ح 20762 .

و صحيحة داود الرقّيّ قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : اتّقوا الله و لا يحسد بعضكم بعضًا (1) .

و صحيحة أخرى عنه (عليه السلام) أيضًا قال : قال الله - عزّوجلّ - لموسى بن عمران (عليهماالسلام) : يابن عمران، لا تحسدنّ الناس على ما آتيتهم من فضلي، و لا تمدّنّ عينيک إلى ذلک، و لا تتبعه نفسک، فإنّ الحاسد ساخطٌ لنِعَمي، صادٌّ لِقَسْمِي الّذي قسمتُ بين عبادي، و من يک كذلک فلست منه و ليس منّي (2) .

و صحيحة محمّد بن مسلم عن مولانا الباقر (عليه السلام) أنّه قال : إنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب (3) .

و مثله رواية القاسم بن سليمان عن جراح المدائنيّ عن أبي عبدالله (عليه السلام) (4) .

و رواية (5) معاوية بن وهب عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : آفة الدين الحسد والعجب و الفخر (6) .

و ما ورد من أنّ ستّة يدخل النار قبل الحساب بستّة، منهم العلماء بالحسد (7) .

ص: 201


1- . الكافي : 2 / 306 ح 3 ؛ الوسائل : 15 / 365 ح 20756 .
2- . الكافي : 2 / 307 ح 6 ؛ الوسائل : 15 / 366 ح 20759 .
3- . الكافي : 2 / 306 ح 1 ؛ و عنه في الوسائل : 15 / 365 ح 20254 .
4- . الكافي : 2 / 306 ح 2 ؛ الوسائل : 15 / 365 ح 20755 .
5- . جاء في حاشية الأصل : هذه النصوص المذكورة بجملتها مرويّة في الكافي في كتاب الإيمان و الكفر فيباب الحسد ؛ منه .
6- . الكافي : 2 / 307 ح 5 ؛ الوسائل : 15 / 366 ح 20758 .
7- . جامع الأخبار : 392 ؛ الاختصاص : 234 ؛ كنز العمّال : 16 / 87 ح 44031 ؛ كشف الغمّة : 2 / 424،وفيه : و الفقهاء بالحسد .

الحسد من الكبائر أم لا ؟

ثمّ إنّه يستفاد من جملة من هذه النصوص أنّه من الكبائر، فينقدح في العدالة مطلقًا و لو من غير إصرار .

و قد صرّح الفاضل المجلسيّ { بأنّ } المشهور أنّ إظهار الحسد من الكبائر (1) .

وإطلاق بعض هذه النصوص و العموم في بعضٍ يشمل ما لو كان المحسود كافرًا أيضًا .

هذا إذا تمنّى زوال النعمة من المال و الفضل و الحسن و الصوت و غيرها عن الغير ؛ و أمّا لو لم يتمنّي زوالها عن الغير، بل أراد مثلها له، فليس ذلک من الحسد في شيء، بل هو المسمّى بالغبطة (2) ؛ و هي محمودة كما يظهر من الأدعية منهم (عليهم السلام) ؛ و يدلّ عليه رواية (3) فضيل بن عياض عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : إنّ المؤمن يغبط و لا يحسد، و المنافق يحسد و لا يغبط (4) .

في تحريم بُغض المؤمن

ثمّ اعلم أيضًا : انّ ممّا يحرم : بُغض المؤمن، قال في الصحاح و القاموس :

ص: 202


1- . صرّح به في بحار الأنوار : 70 / 238 ؛ و مرآة العقول : 10 / 158 .
2- . انظر كشف الريبة : 59 .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : مرويّة في الكافي في الباب المذكور .
4- . الكافي : 2 / 307 ح 7 ؛ الوسائل : 15 / 366 ح 20760 .

البُغض بالضمّ : ضدّ الحبّ (1) .

و المستفاد منهما و من العرف أنّه نوع عداوة، قال في المسالک :

لا خلاف في تحريم هذين الأمرين - أي الحسد و البغض - و التهديد عليهما في الأخبار مستفيض ؛ و هما من الكبائر .

ثمّ قال : و المراد ببغض المؤمن : كراهته و استثقاله لا بسبب (2) دينيّ - كفسق - فيبغضه لأجله، سواء قاطعه مع ذلک، أم لا ؛ فإن هجره فهما معصيتان ؛ و قد يحصل كلّ منهما بدون الآخر (3) .

و اعترض عليه المقدّس الأردبيلي (رحمه الله) بأنّ :

مجرّد الاستثقال ليس ببغض، لا لغة و لا عرفًا، و لو كان ذلک لأشكل الأمر، إذ قد يثقل شخص على النفس لا بسبب دينيّ، بل ليس له ميل إلى اختلاطه، بل اختلاط أحد لا بسبب، بل هكذا يقتضي طبعه، أو قد يكون بسبب غير دينيّ، مثل شغله عن أمره و لو كان من أكله و شربه و سائر لذّاته، و بالجملة هو معنى تجده في النفس غير الّذي فسّر به .

ثمّ إنّه بالتفسير الّذي ذكره يحتمل تحريم بغض غير المؤمن أيضًا، فإنّه إذا أبغض غيره لدنيا (4) فليس له وجه معقول يقتضي اختصاص عدم

ص: 203


1- . الصحاح : 3 / 1066 ؛ القاموس المحيط : 2 / 325 .
2- . في المصدر : لسبب .
3- . مسالک الأفهام : 14 / 184.
4- . في بعض نسخ المصدر : للدنيا .

تحريمه .

إلى أن قال :

و أمّا تحريم بغض المؤمن بخصوصه الّذي (1) ادّعي استفاضة الأخبار في ذلک، فليس يحضرني الآن شيء منها، نعم ما ورد في الهجر و غيره من حقوق الإيمان، و تحريم الحجاب عنه، يدلّ عليه بالطريق الأولى، مثل رواية المفضّل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أيّما مؤمن كان بينه و بين مؤمن حجاب ضرب الله بينه و بين الجنّة سبعين ألف سُور، غِلَظُ كلّ سُور مسيرة ألف عام ما بين السُور إلى السور مسيرة ألف عام (2) .

و رواية أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : جعلت فداک ما تقول في مسلم أتى مسلمًا (3) و هو في منزله، فاستأذن عليه فلم يأذن له ولم يخرج إليه ؟ قال : يا أبا حمزة أيّما مسلم أتى مسلمًا زائرًا أو طالب حاجة و هو في منزله فاستأذن عليه فلم يأذن له (4) و لم يخرج إليه، لم يزل في لعنة الله حتّى يلتقيا . فقلت : جعلت فداک في لعنة الله حتّى يلتقيا؟ قال : نعم يا أبا حمزة (5) .

ص: 204


1- . في المصدر : و أمّا الأخبار الدالّة على تحريم بغض المؤمن بخصوصها الّتي .
2- . الكافي : 2 / 365 ح 3 .
3- . في المصدر : مسلمًا زائرًا .
4- . « فلم يأذن له » لم يرد في المصدر .
5- . الكافي : 2 / 365 ح 4 .

و قد ورد في الرواية عن الرضا (عليه السلام) : في زمن يوشع بن نون افترق (1) ثلاثة من المؤمنين بسبب أن جاء إليه مؤمن آخر و دقّ عليهم الباب، فخرج غلام إليه و قال : إنّ مولاه ليس في البيت و هو في البيت مع اثنين آخرين و رجع ذلک و ذهب الغلام إليهم و أخبرهم به، فما تكلّموا و لم يقولوا لأيّ شيء فعلت ؟

ثمّ من الصباح جاء إليهم و ما اعتذروا إليه و ذهبوا جميعًا إلى ضيعة، فجاء النار في الطريق و احترق الثلاثة، بقي الواحد متحيّرًا و سأل يوشع قال : بسببک و قال : أنا جعلتهم في حلّ، قال : لو كان قبل هذا لنفعهم ولعلّ ينفعهم بعد ذلک (2) .

فانظر يا أخي و تأمّل في هذه ؛ و منه يعلم حال الباغض له ما علم، إنتهى كلامه أعلى الله مقامه (3) .

ثمّ اعلم : أنّ ما يدلّ عليه كلام شيخنا في المسالک من تحريم الهجر مطلقًا و إن لم يكن بسبب بغض، مشكل، بل الحقّ العدم إلّا إذا كان الهجر مع البغض ؛ و لهذا اعترضه الفاضل المقدّس المذكور بأنّه ليس كذلک، فقال :

إنّ تحريم الهجر مطلقًا غير معلوم أنّه مذهب الأصحاب (4) ، و لهذا ترى

ص: 205


1- . في المصدر : احترق .
2- . انظر الكافي : 2 / 364 ح 2، باب من حجب أخاه المؤمن، منقول هنا بالمعنى، فلاحظ .
3- . مجمع الفائدة و البرهان : 12 / 346 .
4- . في المصدر : للأصحاب .

أنّه واقع من الصلحاء و الأتقياء، بل الأنبياء و الأولياء، بل لا يمكن العمل به - أي بما دلّ على تحريم الهجر مطلقًا - فإنّ المؤمنين كثيرون، و إذا كان هجر كلّ واحد حرامًا، فلا يشتغل بشيء إلّا التزاور، فلا يشتغل بغيره إلّا قليل .

نعم، الرواية في مذمّة الهجر كثيرة، لعلّها محمولة على المهاجرة على طريق الغيظ و البغض و العداوة، مثل صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : لا هجرة فوق ثلاث (1) .

و يؤيّد ما قلناه أنّ في أكثر الأخبار إشارةٌ إلى ذلک، مثل رواية أحمد بن محمّد بن خالد، قال في رواية (2) المفضّل : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لايفترق رجلان على الهِجران إلّا استوجب أحدهما البراءة و اللعنة وربّما استحقّ ذلک كلاهما، فقال له مُعَتِّب : جعلني الله فداک هذا الظالم، فما بال المظلوم ؟ قال : لأنّه لا يدعو أخاه إلى صلته و لا يتغامس (3) له

ص: 206


1- . الكافي : 2 / 344 ح 2 ؛ الوسائل : 12 / 260 ح 16251 .
2- . في المصدر : وصيّة .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : « غمس الشيء : أخفاه كأغمسه، و الغَمس أيضًا : أن تري أنّک لا تعرفالأمر، و أنت تعرفه ؛ ق » ؛ ( في القاموس : عمس الشيء : أخفاه، كأعمسه، والعمس، إلى آخره ؛ انظرالقاموس المحيط : 2 / 233 . و في هامش أصول الكافي : 2 / 344 ، باب الهجرة، طبع الآخوندي، هكذا :في أكثر النسخ بالغين المعجمة، والظاهر أنّه بالمهملة كما في بعضها، و في القاموس : تعامس : تغافل، و عليّ :تعامى عليّ ؛ و بالمعجمة : غمسه في الماء، أي : رمسه، و الغميس : الليل المظلم ؛ مرآة العقول، إنتهى ما فيالهامش ).

عن كلامه، سمعت أبي (عليه السلام) يقول : إذا تنازع اثنان فعازّ (1) أحدهما الآخر، فليرجع المظلوم إلى صاحبه حتّى يقول لصاحبه : أي أخي أنا الظالم، حتّى يقطع الهجران بينه و بين صاحبه، فإنّ الله - تبارک و تعالى - حَكَمٌ عدل يأخذ للمظلوم من الظالم (2) .

و رواية داود بن كثير، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : قال أبي : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : أيّما مسلمين تهاجرا، فمكثا ثلاثًا، لا يصطلحان إلّا كانا خارجين من الإسلام و لم يكن بينهما ولاية، فأيّهما سبق إلى كلام أخيه كان السابق إلى الجنّة { يوم الحساب } (3) .

- بيان (4) : الظاهر أنّ قوله (عليه السلام) : « و لم يكن بينهما ولاية » عطفٌ على قوله (عليه السلام) : « فمكثا »، أي : أيّما مسلمين تهاجرا و لم يكن بينهما، إلى آخره ؛ أو عطفٌ على : « تهاجرا »، أي : أيّما مسلمين لم يكن بينهما ولاية - .

و حسنة زرارة (5) عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إنّ الشيطان يغري بين المؤمنين ما لم يرجع أحدهم عن دينه، فإذا فعلوا ذلک استلقى على قفاه

ص: 207


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : « عزّه كمدّه : غلبه { في المعازة }، و في الخطاب : غالبه، كعازّه ؛ ق »(القاموس المحيط : 2 / 182 ).
2- . الكافي : 2 / 344 ح 1 ؛ تحف العقول : 514 ؛ الوسائل : 12 / 261 ح 16253 .
3- . الكافي : 2 / 345 ح 5 ؛ الوسائل : 12 / 262 ح 16255 .
4- . هذا البيان من السيّد المؤلّف (قدس سره) .
5- . الكافي : 2 / 346 ح 6 .

و تمدّد .

ثمّ قال : فزت، فرحم الله امرء ألّف بين وليّين لنا، يا معاشر المؤمنين تألّفوا و تعاطفوا (1) .

أذيّة المؤمنين و تحقيرهم من الكبائر

و من الأمور المحرّمة : أذيّة المؤمنين و تحقيرهم، بل هي من الكبائر، فينقدح في العدالة و لو من غير إصرار، لصحيحة هشام بن سالم قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : قال الله - عزّوجلّ - : ليأذن بحرب منّي مَن أذى عبدي المؤمن، وليأمن غضبي مَن أكرم عبدي المؤمن (2) .

و رواية مفضّل بن عمر قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الصُدود (3) لأوليائي ؟ فيقوم قومٌ ليس على وجوههم لَحم، فيقال :

ص: 208


1- . مجمع الفائدة و البرهان : 12 / 344 - 346 . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : و روي عن النبيّ (صلي الله عليه واله) أنّه قال لأبي ذرّ : يا أباذرّ إيّاک و هجران أخيک، فإنّ العمل لا يتقبّل مع الهجران ؛ يا أباذرّ أنهاک عن الهجران، فإنكنت لابدّ فاعلاً فلاتهجره ثلاثة أيّام كملاً، فمن مات فيها مهاجرًا لأخيه كانت النار أولى به ( الوافي : 26 /199 ؛ الوسائل : 12 / 264 ح 16262 عن محمّد بن الحسن في المجالس والأخبار ؛ مكارم الأخلاق :471 ؛ بحار الأنوار : 74 / 90 ).
2- . المحاسن : 1 / 97 ح 61 ؛ الكافي : 2 / 350 ح 1 ؛ و في ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 238 عنهشام بن سالم عن المعلّى بن خنيس قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) ، الحديث .
3- . صدّ عنه صدودًا، أي : أعرض ؛ و صدّه عن الأمر صدًّا : منعه و صرفه عنه . أي : أين المعرضون عن الأولياءالمعادون لهم، أو أين المانعون لهم عن حقوقهم، أو أين المستهزؤون بهم . و في بعض نسخ المصدر : أينالمؤذون لأوليائي ؛ و في بعضها : أين الضدود لأوليائي .

هؤلاء الّذين آذوا المؤمنين و نصبوا لهم و عانَدوهم و عَنّفوهم في دينهم، ثمّ يؤمر بهم إلى جهنّم (1) .

و مرسلة محمّد بن أبي حمزة عمّن ذكره، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : مَن حقّر مؤمنًا مسكينًا أو غير مسكين لم يزل الله - عزّوجلّ - حاقرًا له ماقتًا له حتّى يرجع عن محقرته إيّاه (2) .

و في سندها : ابن أبي عمير، و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه .

إخافة المؤمنين من الكبائر

و من الأمور المحرّمة أيضًا : إخافة المؤمنين، لما رواه عبدالله بن سنان عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : مَن نظر إلى مؤمن نظرة لِيُخيفه بها، أخافه الله - عزّوجلّ - يومَ لا ظِلّ إلّا ظِلّه (3) .

و مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه، عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : مَن أعان على مؤمن بشطر كلمة لقى الله - عزّوجلّ - يوم القيامة مكتوب بين عينيه

ص: 209


1- . الكافي : 2 / 351 ح 2 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 257 ؛ الوسائل : 12 / 264 ح 16264 .
2- . الكافي : 2 / 351 ح 4 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 250 ؛ الوسائل : 12 / 267 ح 16273 .
3- . الكافي : 2 / 368 ح 1 ؛ الوسائل : 12 / 303 ح 16362 .

آيس من رحمة الله (1) .

و رواية أبي إسحاق عن بعض الكوفيّين، عنه (عليه السلام) أيضًا قال : مَن رَوّع مؤمنًا بسلطان ليصيبه منه مكروه ولم يصبه (2) ، فهو في النار ؛ و مَن روّع مؤمنًا بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه، فهو مع فرعون و آل فرعون في النار (3) .

و يظهر من الأخيرين أنّها من الكبائر .

من الأمور المحرّمة : النميمة

و من الأمور المحرّمة أيضًا : النميمة، لصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : ألا أنبّئكم بشِراركم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال : المَشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبّة، الباغون (4) للبُرَآء المعايب (5) .

و صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : مُحَرّمةٌ الجنّةُ على القَتّاتين المَشّائين بالنميمة (6) .

ص: 210


1- . المحاسن : 1 / 103 ؛ الكافي : 2 / 368 ح 3 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 276 ؛ الفقيه : 4 / 94 ح5157 ؛ الوسائل : 12 / 304 ح 16366 و 305 ح 16368 .
2- . في المصدر : فلم يصبه .
3- . الكافي : 2 / 368 ح 2 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 256 ؛ الوسائل : 12 / 303 ح 16363 .
4- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : الظالمون .
5- . الكافي : 2 / 369 ح 1 ؛ الخصال : 183 ح 249 ؛ الفقيه : 4 / 375 ؛ الوسائل : 12 / 306 ح 16369 .
6- . الكافي : 2 / 369 ح 2 ؛ الوسائل : 12 / 306 ح 16370 .

بيان

« رجلٌ قَتَّات و قَتُوت و قِتِّيتَي : نَمّامٌ، أو يسّمّع أحاديث الناس من حيث لايعلمون، سواء نمّها، أو لم يَنِمّها » ؛ كذا نقل عن النهاية (1) .

و رواية أبي الحسن الاصبهاني ذكره عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أميرالمؤمنين - صلوات الله عليه - : شراركم المشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبّة، المبتغون للبراء المعائب (2).

بيان

النميمة هي : نقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الإفساد ؛ و قد نمّ الحديث ينمّه فهو نمّام، و الإسم : النميمة ؛ و نمّ الحديث : إذا ظهر، فهو متعدّ و لازم (3) .

و روي عن النبيّ (صلي الله عليه واله) أنّه قال لأبي ذرّ : يا أباذرّ لا يدخل الجنّة قتّات ؛ قلت : وما القتّات ؟ قال : النمّام ؛ يا أباذرّ صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله -عزّوجلّ - في الآخرة (4) .

ص: 211


1- . هذه عبارة القاموس المحيط : 1 / 154 ؛ و لم نجدها في النهاية و لا في غيرها .
2- . الكافي : 2 / 369 ح 3 ؛ الوسائل : 12 / 306 ح 16371 .
3- . النهاية في غريب الحديث و الأثر : 5 / 120 .
4- . الأمالي، للشيخ الطوسيّ : 537 ح 1162 ؛ مكارم الأخلاق : 470 ؛ و عن الأمالي في الوسائل : 12 / 307ح 16372 .

من الأمور المحرّمة : إطاعة المخلوق في معصية الخالق

و من الأمور المحرّمة أيضًا : إطاعة المخلوق في معصية الخالق .

و يدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم عن مولانا الباقر (عليه السلام9 أنّه قال : لا دين لمن دان بطاعةِ مَن عصى الله - تعالى (1) .

و رواية السكوني عن مولانا الصادق، عن أبيه (عليهماالسلام) ، عن جابر بن عبدالله قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله): من أرضى سلطانًا (2) بسخط (3) الله خرج من دين الله (4) .

من الأمور المحرّمة : مجالسة أهل المعاصي

و من الأمور المحرّمة أيضًا : مجالسة أهل المعاصي .

ص: 212


1- . الكافي : 2 / 373 ح 4 ؛ الأمالي، للشيخ المفيد : 308 ح 7 ؛ الاختصاص : 258 ؛ الأمالي، للشيخ الطوسيّ :78 ح 114 ؛ و عن الكافي في الوسائل : 16 / 152 ح 21220 ؛ كنز العمّال : 16 / 65 ح 43956 .
2- . في الوسائل : سلطانًا جائرًا .
3- . في العيون و تحف العقول : بما يسخط .
4- . الكافي : 2 / 373 ح 5 ؛ عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : 2 / 74 ح 318 ؛ تحف العقول : 57 ؛ مشكاة الأنوار فيغرر الأخبار، للشيخ عليّ الطبرسي : 547 ؛ الوسائل : 16 /5 153 ح 21223 ؛ كنز العمّال : 6 / 70ح 14888 .

و يدلّ عليه صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال : لا تصحبوا أهل البدع و لا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم ؛ قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : المرء على دين خليله و قرينه (1) .

و رواية الجعفري (2) قال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول : ما لي رأيتک عند عبدالرّحمن بن يعقوب ؟ فقال : إنّه خالي، فقال : إنّه يقول في الله قولاً عظيمًا، يصف الله و لا يوصف، فإمّا جلست معه و تركتنا، و إمّا جلست معنا و تركته ؟ فقلت : هو يقول ما شاء، أيّ شيء عليّ منه إذا لم أقل ما يقول ؟

فقال أبوالحسن (عليه السلام) : أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعًا ؟ أما علمت بالّذي كان من أصحاب موسى (عليه السلام) و كان أبوه من أصحاب فرعون، فلمّا لحقت خيل فرعون موسى تخلّف عنه ليعظ أباه فيلحقه بموسى، فمضى أبوه حتّى (3) يراغمه (4) حتّى بلغا طرفًا من البحر، فغرقا جميعًا، فأُتى موسى (عليه السلام) الخبر، فقال : هو في رحمة الله ولكن النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمّن قارب المذنب دفاع (5) .

و رواية عبد الأعلى بن أعين عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : مَن كان يؤمن بالله

ص: 213


1- . الكافي : 2 / 375 ح 3 ؛ الوسائل : 12 / 48 ح 15610 .
2- . الجعفريّ هو أبو هاشم داود بن القاسم الجعفريّ، و هو من أجلّة أصحابنا، و يقال : إنّه لقى الرضا إلى آخرالأئمّة (عليهم السلام) ؛ و أبو الحسن يحتمل الرضا و الهاديّ (عليهما السلام) ؛ و يحتمل أن يكون سليمان بن جعفر الجعفريّ، كماصرّح به في مجالس المفيد ( عليّ أكبر الغفّاري ).
3- . في المصدر : و هو يراغمه .
4- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : المراغمة : الهجران و التباعد .
5- . الكافي : 2 / 374 ح 2 ؛ الأمالي، للشيخ المفيد : 112 ح 3 ؛ و عنه في الوسائل : 16 / 360 ح 21513 .

واليوم الآخر فلا يجلس مجلسًا ينتقص فيه إمام أو يعاب فيه مؤمن (1) .

و صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : مَن قعد عند سبّاب لأولياء الله، فقد عصى الله (2) .

اعلم : أنّه قد وردت جملة من النصوص في عدم إعانة المؤمن إذا استعان مع القدرة على الإعانة بعضها و إن دلّ على الحرمة، لكنّه بحسب السند غير نقيّ، مثل ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أيّما رجل من شيعتنا أتى رجلاً من إخوانه، فاستعان به في حاجة (3) ، فلم يُعِنْه و هو يقدر، إلّا ابتلاه الله بأن يقضي حوائج غيره من أعدائنا، يُعذّبه الله عليها يوم القيامة (4) .

و في سنده محمّد بن عيسى عن يونس .

و ما رواه فرات بن أحنف عنه (عليه السلام) أيضًا أنّه قال : أيّما مؤمن منع مؤمنًا شيئًا ممّا يحتاج إليه و هو يقدر عليه مِن عنده أو مِن عند غيره، أقامه الله يوم القيامة مسودًّا وجهه، مُزْرَقَّةً عيناه، مَغلُولةً يداه إلى عنقه، فيقال : هذا الخائن الّذي خان الله ورسوله، ثمّ يؤمر به إلى النار (5) .

ص: 214


1- . الكافي : 2 / 377 ح 9 ؛ الوسائل : 16 / 261 ح 21515 .
2- . الكافي : 2 / 379 ح 14 ؛ الوسائل : 16 / 260 ح 21510 .
3- . في الكافي : في حاجته .
4- . المحاسن : 1 / 99 ح 68 ؛ الكافي : 2 / 366 ح 2 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 249 ؛ الوسائل :16/ 385 ح 21832 .
5- . المحاسن : 1 / 100 ح 71 ؛ الكافي : 2 / 367 ح 1 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 239 ؛ عوالياللّألئ : 1 / 360 ح 37 ؛ الوسائل : 16 / 388 ح 21836 .

و في سنده محمّد بن سنان و فرات بن أحنف .

و ما رواه عليّ بن جعفر قال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول : من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فإنّما هي رحمةٌ من الله - عزّوجلّ - ساقها إليه، فإن قبل ذلک فقد وصله بولايتنا، و هو موصول بولاية الله - عزّوجلّ - فإذا (1) ردّه عن حاجته و هو يقدر على قضائها سلّط الله عليه شُجَاعًا من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة (2) .

و في سنده معلّى بن محمّد .

و ما رواه أبو حمزة عن أبي جعفر - صلوات الله عليه - قال : قلت له : جعلت فداک، ما تقول في مسلم أتى مسلمًا زائرًا (3) و هو في منزله، فاستأذن عليه ولم يأذن له و لم يخرج إليه ؟ قال : يا أبا حمزة أيّما مسلم أتى مسلمًا زائرًا أو طالب حاجة و هو في منزله، فاستأذن عليه فلم يأذن له و لم يخرج إليه (4) ، لم يزل في لعنة الله حتّى يلتقيا ؛ فقلت : جعلت فداک، في لعنة الله حتّى يلتقيا ؟ قال : نعم يا أبا حمزة (5) .

و في سنده يحيى بن المبارک .

و من النصوص ما رواه سدير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لم يَدَعْ رجلٌ مَعُونَةَ

ص: 215


1- . في المصدر : و إن .
2- . مسائل عليّ بن جعفر : 338 ح 833 ؛ الكافي : 2 / ص 196 ح 13 و ص 368 ح 4 ؛ الاختصاص : 250 ؛الوسائل : 16 / 360 ح 21761 .
3- . في المصدر : مسلمًا زائرًا أو طالب حاجة .
4- . في المصدر : فاستأذن له و لم يخرج إليه .
5- . الكافي : 2 / 365 ح 4 ؛ الوسائل : 12 / 229 ح 16161 .

أخيه المسلم حتّى يسعى فيها و يواسيه إلّا ابتُلى بمعونة مَن يأثم و لا يؤجر (1) .

و مثله غيره (2) .

و هما مع ضعف سندهما دلالتهما على الحرمة غير مسلّمة .

من الأمور المحرّمة : الغيبة

و من الأمور المحرّمة أيضًا : الغيبة ؛ و هي كما روي عن النبيّ (صلي الله عليه واله) بعد أن سئل عنها، فقال (صلي الله عليه واله) : أن تذكر أخاک بما يكره، فإن كان فيه فقد اغتبته، و إن لم تكن فيه { فقد} بهته (3) .

و المراد أن تذكر أخاک في حال غيبته، و هو ظاهر ؛ و ما ذكره (صلي الله عليه واله) في حدّ الغيبة هو الّذي يناسبه اللفظ و يوافقه الاعتبار .

و أمّا ما دلّ عليه رواية داود بن سِرْحَان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الغِيبة ؟ قال : هو أن تقول لأخيک في دينه ما لم يَفعَل و تَبُثَّ عليه أمرًا قد ستره الله عليه

ص: 216


1- . الكافي : 2 / 366 ح 3 ؛ ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 249 ؛ الوسائل : 16 / 386 ح 21833 .
2- . مثل ما رواه حسين بن أمين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام له في حاجته{ إلّا } ابتلى بمعونة من يأثم عليه و لا يؤجر « الكافي : 2 / 366 ح 1 » ؛ و رواه في « المحاسن : 1 / 99 »عن حسين بن أنس، عن أبي جعفر (عليه السلام) ؛ و رواه في « ثواب الأعمال و عقاب الأعمال : 249 » عن الحسينبن أبان عن أبي عبدالله (عليه السلام) مثله .
3- . الأمالي، للشيخ الطوسيّ : 537 ح 1162 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 280 ح 16308 ؛ مسند أحمد : 2 /230 و 384 ؛ صحيح مسلم : 8 / 21 ؛ سنن أبي داود : 2 / 450 ؛ سنن الترمذي : 3 / 221 ح 1999 .

لم يقم فيه عليه (1) حدّ (2) ؛ حيث إنّ ظاهرها خلاف ما مرّ، فهي خلاف العقل، لأنّ العقل قاطعٌ بقبح ذكرک أخيک في حال غيبته ما يكرهه إن ذكرته في حضوره مطلقًا، سواء كان فعله، أو لم يفعله .

و أيضًا تدلّ على أنَّ بثّ الأمر الّذي فيه حدّ ليس بغيبة مطلقًا إن لم يتمكّن من إثباته شرعًا، و لا يخفى ما فيه .

و بالجملة : قد عرفت أنّ الغيبة هي أن تذكر أخاک ما يكرهه في حضوره، سواء كان فعله، أو لم يفعل، واستوجب عليه حدًّا أم لا، بل لو ذكرته فيما لم يكن فيه يكون بهتانًا.

و هذه الرواية غير صالحة للتخصيص و المعارضة مع ما فيها من الضعف و كون مدلولها خلاف العقل ؛ بخلاف النبويّ، فإنّه مع موافقته بالعقل قد عرفت مضمونه المناسب لجوهر لفظ الغيبة كما عرفت .

الاستدلال بالكتاب و السنّة و الإجماع على حرمة الغيبة

و حرمتها بالكتاب و السنّة و الإجماع، قال الله - تعالى - : ( لا يغتب بعضكم بعضًا أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه مَيْتًا ) (3) .

ص: 217


1- . في المصدر : عليه فيه .
2- . الكافي : 2 / 357 ح 3 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 288 ح 16324 .
3- . الحجرات : 12 .

بيان

« ميتًا » نصب على الحالية من « أخيه » مع كونه المضاف إليه، لأنّ مضافه جزء له ؛ قيل : هو حال عن « لحم » (1) ؛ و فيه : أنّ الميّت غير صادق على اللحم .

جعل الله - سبحانه - الاغتياب بمنزلة أكل لحم الميّت ؛ و كما أنّه إذا وجدت أخاک ميتًا لا تأكل من لحمه و تجتنب عنه، فكذلک ينبغي أن تجتنب من أكل لحمه إذا كان حيًّا .

و لمّا كان الطباع غير راغبة، بل متنفّرة و كارهة عن أكل لحم الميّت، قال الله -تعالى - : ( فكرهتموه )، أي : فتحقّقت كراهتكم و نفور طباعكم من أكل لحم الميّت، فاكرهوا ما هو نظيره من الغيبة .

و روى في الفقيه : مَن اغتاب امرءًا مسلمًا بطل صومه، و نُقِضَ وُضُوؤه، و جاء يوم القيامة تفوح من فيه رائحة أَنتُنَ من الجيفة يَتأذّى بها أهل الموقف، فإن مات قبل أن يتوب مات مستحِلاًّ لِما حرّم الله تعالى (2) ... ؛ ألا مَن سَمِع فاحشة فأفشاها فهو كالّذي أتاها (3) .

و روى في الكافي عن السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) :

ص: 218


1- . انظر الكشّاف : 3 / 568 ؛ و إملاء ما منّ به الرّحمن : 2 / 240 ؛ و التبيان في إعراب القرآن : 353 ؛ و زبدةالبيان : 418 ؛ و مسالک الأفهام إلى آيات الأحكام : 2 / 417 .
2- . في المصدر : عزّوجلّ .
3- . الفقيه : 4 / 15 ؛ الأمالي، للشيخ الصدوق : 515 و 516 ح 707 ؛ الوسائل : 12 / 282 ح 16312 و 27/ 325 ح 33850 .

الغيبة أسرع في دين الرجل المُسْلِم من الأَكِلَة (1) في جوفه (2) .

و روى فيه أيضًا عن ابن أبي عمير، في الحسن أو الصحيح، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : مَن قال في مؤمن ما رأته عيناه و سمعته أذناه، فهو من الّذين قال الله (3) - عزّوجلّ - : ( إنّ الّذين يُحِبّون أن تشيعَ الفاحشةُ في الّذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ ) (4) .

و لا يخفى أنّ ما تضمّنه هذا الحديث هو فردٌ من أفراد الغيبة على ما تقدّم ؛ ويستفاد منه أنّه من الكبائر إمّا لكونه فردًا من الغيبة، فيلزم أن يكون مطلق الغيبة من ذلک ؛ أو لأجل خصوصيّةٍ في ذلک الفرد .

و يمكن الاستدلال بكون مطلق الغيبة من الكبائر بما مرّ من قوله - تعالى - : (ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه مَيْتًا )، بناءً على أنّه

ص: 219


1- . قال العلّامة المجلسيّ (قدس سره) في البحار : الأَكِلَة - كَفَرِحَة - داءٌ في العضو يأتكل منه كما في القاموس و غيره،وقد يقرأ بمدّ الهمزة على وزن فاعلة، أي العلّة الّتي تأكل اللحم، والأوّل أوفق باللغة ؛ و قوله : « أسرع فيدين الرجل » أي : في ضرره و إفنائه . و قيل : الأكلة - بالضمّ - اللقمة، و كفرحة - داءٌ في العضو يأتكل منه،وكلاهما محتملان، إلّا أنّ ذكر الجوف يؤيّد الأوّل، و إرادة الافناء و الإذهاب يؤيّد الثاني، و الأوّل أقربوأصوب ؛ و تشبيه الغيبة بأكل اللقمة أنسب، لأنّ الله سبحانه شبّهها بأكل اللحم، إنتهى ؛ و كان الثاني أظهر،والتخصيص بالجوف لأنّه أضرّ و أسرع في قتله، و في التأييد الّذي ذكره نظر ( بحار الأنوار : 72 / 220و221 ).
2- . الكافي : 2 / 356 ح 1 ؛ الوسائل : 12 / 280 ح 16306 .
3- . في سورة النور : الآية 19 .
4- . الكافي : 2 / 357 ح 2 ؛ و رواه الشيخ الصدوق في الأمالي : 417 ح 549 ، عن محمّد بن الحسن، عنالصفّار، عن أيّوب بن نوح، عن محمّد بن أبي عمير، عن محمّد بن حمران، عن الصادق (عليه السلام)، مثله ؛ و عنالكافي و الأمالي في الوسائل : 12 / 280 ح 16305 .

- تعالى - جعل الغيبة بمنزلة أكل لحم الميّت، و الحقيقة متعذّرة، فيحمل على اشتراكها معه في جميع الأحكام ؛ و الظاهر أنّ أكل لحم الميّت من الكبائر، فينبغي أن يكون الغيبة كذلک، فتأمّل .

و قد تقدّم من كلام الشهيد في القواعد (1) ناقلاً عن بعضهم جعل الغيبة من الكبائر، بل نقل الفاضل المجلسيّ عن جمع من العلماء ذلک (2) .

و يمكن الاستدلال لذلک أيضًا بقوله (صلي الله عليه واله) لأبي ذرّ : يا أباذرّ إيّاک و الغيبة، فإنّ الغيبة أشدّ من الزنا . قلت : يا رسول الله لِمَ ذلک بأبي أنت و أمّي ؟ قال : لأنّ الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه، و الغيبة لا تغفر حتّى يغفرها صاحبها، الحديث (3) .

وجه الاستدلال هو : أنّه (صلي الله عليه واله) قال : « الغيبة أشدّ من الزنا »، و قد عرفت أنّ الزنا من الكبائر، فيكون أشدّه منها بطريق أولى .

و من النصوص الدالّة على حرمتها ما رواه مفضّل بن عمر قال : قال لي أبوعبدالله (عليه السلام): مَن رَوى على مؤمن روايةً يريد بها شَينَه و هَدْمَ مُروءَتِهِ لِيَسقُط مِن أعين الناس، أخرَجَه الله مِن وَلايته إلى وَلاية الشيطان، فلا يقبله الشيطان (4) .

ص: 220


1- . انظر القواعد و الفوائد : 1 / 224 و 225 ؛ تقدّم كلامه ذيل مسألة 5 .
2- . انظر بحار الأنوار : 72 / 222 ؛ و مرآة العقول : 10 / 408 .
3- . الأمالي، للشيخ الطوسي : 537 ح 1162 ؛ الوسائل : 12 / 280 ح 16308 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 274 ح101 .
4- . المحاسن : 1 / 103 ح 79 ؛ الكافي : 2 / 358 ح 1 ؛ الأمالي، للشيخ الصدوق : 574 ح 786 ؛ الوسائل :12 / 294 ح 16341 .

و ما رواه زيد عنه (عليه السلام) أيضًا فيما جاء في الحديث : عورة المؤمن على المؤمن حرام، قال : ما هو أن ينكشف فترى منه شيئًا، إنّما هو أن تروي عليه أو تَعِيبَه (1) .

و ما رواه عبد الأعلى بن أعين عنه (عليه السلام) أيضًا أنّه قال : مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يجلس مجلسًا ينتقص فيه إمام، أو يُغابُ (2) فيه مؤمن (3) .

و ما روي من أنّه - تعالى - أوحى إلى موسى بن عمران (عليه السلام) : أنّ صاحب الغيبة (4) لو تاب هو آخر مَن دخل في الجنّة، و إن لم يتب فهو أوّل مَن دخل في النار (5) .

و يظهر منه أنّها من الكبائر .

تفسير الغيبة و حدّها

ثمّ اعلم : أنّ بعض الأصحاب عرّف الغيبة بما مرّ (6) ؛ و نقل الفاضل المجلسيّ

ص: 221


1- . الكافي : 2 / 359 ح 3 ؛ الوسائل : 2 / 38 ح 1411 ؛ و رواه الشيخ الصدوق في « معاني الأخبار : ص255 ح 1 » عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن الحسين بنمختار، عن زيدٍ الشحام، نحوه .
2- . في المصدر : أو يعاب .
3- . الكافي : 2 / 377 ح 9 ؛ الوسائل : 16 / 261 ح 21515 .
4- . في المصدر : أنّ المغتاب .
5- . بحار الأنوار : 72 / 257، ضمن الحديث 48، عن مصباح الشريعة ( المنسوب للإمام الصادق عليه السلام) :205؛ الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسيّة : 79 .
6- . و هي أن تذكر أخاک ما يكرهه في حضوره، سواء كان فعله، أو لم يفعل، واستوجب عليه حدًّا أم لا ؛ انظررسائل المحقّق الكركيّ : 2 / 44 ؛ و كشف الريبة : 5 ؛ و مجمع البيان : 5 / 137 .

عن الأكثر في تعريفها :

أنّ الغيبة هي التنبيه في حال غيبة إنسان معيّن على أمرٍ فيه بحيث لو سمع نسبة ذلک الأمر إليه لكرهه ؛ و يكون ذلک الأمر ممّا يعدّ في العرف والعادة عيبًا و نقصًا، سواء كان ذلک التنبيه بالقول أو بالإشارة، بالتصريح أو بالكناية، باللسان كما تقدّم أو بالكتابة (1) .

و الفرق بين التفسيرين هو : أنّ التفسير الأوّل يشمل و إن لم يكن الأمر المنسوب موجودًا في ذلک الشخص، بخلاف هذا التفسير ؛ و أنّ التفسير الأوّل ظاهره عدم شموله إلّا للقول و الكتابة دون الكناية .

و أيضًا المأخوذ في التفسير الأوّل هو كراهة المغتاب لو سمع الأمر المنسوب إليه، سواء تحقّق مع ذلک صدق العرفيّ بكونه عيبًا و نقصًا، أم لا ؛ بخلاف التفسير الثاني، فإنّ المأخوذ فيه ليس مطلق كراهة المغتاب لو سمع الأمر المنسوب إليه، بل مع صدق العرفيّ بأنّه من العيب و النقص .

حاصل الفرق بينهما هو : أنّ التفسير الثاني أعمّ باعتبار المورد و أخصّ باعتبار المتعلّق ؛ و التفسير الأوّل بعكس ذلک، أي : أخصّ باعتبار المورد، إذ لم يشمل الأمر المنسوب بالكناية، بخلاف التفسير الثاني ؛ و أعمّ باعتبار المتعلّق، لصدقه ولو لم يكن الأمر المنسوب متحقّقًا في المغتاب، و كذا لو لم يصدق في العرف

ص: 222


1- . انظر كشف الريبة : 3 ؛ و زبدة البيان : 417 ؛ و كتاب الأربعين، للشيخ البهائيّ : 133، ذيل الحديثالثلاثين ؛ و بحار الأنوار : 72 / 222 ؛ و مرآة العقول : 10 / 408 .

والعادة على الأمر المنسوب إليه أنّه عيب و نقص، بخلاف التفسير الثاني كما عرفت .

و لعلّ الظاهر هو التفسير الثاني، لأنّ ذكر ما لا يصدق أنّه عيب أو نقص لا يقال في العرف أنّ ذاكره مغتاب و إن كره المنسوب إليه لو سمعه، بل ربّما كان الوصف مدحًا عند أهل العرف، لكن صاحبه لو سمع ذكر ذلک لكرهه، كذكر بعض عباداته ونقل بعض أحواله الممدوحة و أوصافه المحبوبة، لكنّ الغالب أنّ الوصف الّذي يكره بسماعه المنسوب إليه هو عيب أو نقص له .

و أمّا ذكر العيب الّذي ليس في المنسوب إليه، فهو بهتان ؛ و قد دلّت به جملة من النصُوص و تقدّم بعضها .

ثمّ اعلم : أنّ التقييد بالإنسان المعيّن، للتنبيه على أنّه لو ذكر عيب إنسان مبهم لم يكن غيبة، كما إذا قلت : أهل هذا البلد أو هذا المصر واحد منهم شأنه كذا، أو واحد من أهل هذا البيت فعل كذا، لكن بحيث لم يتعيّن ؛ أمّا لو قال بحيث يفهم المخاطب أو السامع أنّ مراده ذلک الشخص المعيّن، فيكون غيبة أيضًا و إن لم يصرّح باسمه .

و قيل (1) : لو قال : إنّ واحدًا من زيد و عمرو فيه عيب كذا، يكون غيبة أيضًا بالنسبة إليهما، لإدخاله كلاًّ منهما في معرض هذا الاحتمال ؛ و به يظهر لهما نقص الشأن و الجلال، و كون هذا الكلام ممّا يكرهه كلٌّ منهما، كما شهد به الوجدان .

و التقييد بأمرٍ فيه، للتنبيه على أنّه لو نسب عيب إلى شخص و لم يكن ذلک فيه،

ص: 223


1- . لم نقف على قائله .

لما كان ذلک غيبة، بل بهتان كما عرفت، لأنّ المشهور - كما حكاه بعض المحقّقين - هو : أنّ الغيبة ذكر ما يوجب العيب أو النقص إذا كان فيه، و إلّا يكون بهتانًا، لكنّ الغيبة قد أطلقت عليهما في العرف و العادة ؛ و يشهد لذلک بعض النصوص الواردة، كرواية داود بن سِرحان عن مولانا الصادق (عليه السلام)، حيث سأله عن الغيبة، قال : هي (1) أن تقول لأخيک في دِينه ما لم يفعل و تبثّ عليه أمرًا قد ستره الله عليه،الحديث (2) .

و التقييد بكون ذلک الأمر ممّا يُعدّ في العرف و العادة عيبًا و نقصًا، لإخراج بعض ما يكرهه الشخص الموصوف و لم يكن عيبًا و نقصًا كما عرفت ؛ و أمّا إذا كان ممّا يعدّ عيبًا و نقصًا فهو غيبة، سواء كان ذلک في الخلقة، أو في الخلق، أو في العمل، أو في النسب، لعموم الدليل .

و انّ التعميم بقولنا : « سواء كان ذلک التنبيه بالقول صريحًا، أو كناية، أو بالإشارة، أو بالكتابة » للتنبيه على عدم اختصاص الغيبة بالقول الصريح، بل تتحقّق و لو بالكناية، كما إذا قلت مثلاً عند ذكر اسم شخص : « الحمد لله الّذي لم يجعلني من العاصين، أو من المحبّين للدنيا » إذا كان غرضک إثبات ذلک له .

و كذا تحقّق الغيبة بالإشارة، كما تشير بالعين مثلاً إلى عيب لذلک الشخص ؛ وكذا تحقّق بالكتابة أيضًا، كما إذا كتبت أوصافه الغير الجيّدة إلى ثالث .

ص: 224


1- . في المصدر : هو .
2- . الكافي : 2 / 357 ح 3 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 288 ح 16324 .

المواضع الّتي استثنيت الغيبة فيها

اشارة

إذا علمت ذلک فاعلم : أنّه نقل عن الأصحاب استثناء الغيبة المحرّمة في عشرة مواضع:

الموضع الأوّل : إذا كان شخص معروفًا بوصف الغيبة

الأوّل : إذا كان شخص معروفًا بوصف الغيبة، كفلان الأعرج، أو الأحول، أو الأعمى، أو الأشلّ، و هكذا ؛ فإنّه يجوز لكلّ أحد عند الإخبار عنه ذكره مع ذلک الوصف و لا إثم عليه .

و نقل عن بعضهم : تخصيص جواز ذلک فيما إذا كانت معرفة ذلک الشخص موقوفةً على ذكر الوصف الكذائيّ .

أقول : تحريم الغيبة إمّا لاستلزامها كشف عيوب الناس و الاطّلاع عليها، أو لاستلزامها ذكر الوصف الّذي يكره المغتاب أن يذكر .

و على الأوّل ينبغي أن يجوز ذكر الأوصاف الّتي في شخص عند مَن تعرف تلک الأوصاف فيه مطلقًا، لأنّ مع العلم بتلک الصفات لا يصدق الكشف عن عيوب الناس و الاطّلاع عليها و لا يقصد المتكلّم ذلک أيضًا، و هو واضح .

ص: 225

و على الثاني ينبغي أن يتبع كراهة المغتاب، فكلّما تحقّقت وجب الاجتناب، وإلّا فلا، إلّا على قدر الحاجة، فيجوز لک ذكر ذلک الوصف إذا كانت معرفة صاحبه منحصرة بذكره، لكن يجب الاقتصار على أقلّ ما تندفع به الضرورة، إلّا إذا ثبت الإجماع على الجواز، فيتبع كيف تحقّق .

و كيف كان يظهر من بعض النصوص جواز الغيبة فيما إذا كان الوصف معلومًا مطلقًا، بل عدم كون ذكر الوصف المعلوم غيبة، كرواية أبان عن رجلٍ قال : لا نعلمه إلّا يحيى الأزرق، قال : قال لي أبو الحسن - صلوات الله عليه - : من ذَكَر رجلاً مِن خَلْفِه بما هو فيه ممّا عرفه الناس لم يغتبه، و مَن ذكره مِن خَلْفِه بما هو فيه ممّا لايعرفه الناس اغتابه، و مَن ذكره بما ليس فيه فقد بَهَتَه (1) .

و رواية عبد الرّحمن بن سَيَابَة قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : الغِيبَة أن تقول في أخيک ما سَتَرَ الله (2) عليه، و أمّا الأمر الظاهر فيه مثل : الحِدَّة و العَجَلَة فلا ؛ والبُهتَان أن تقولَ فيه ما ليس فيه (3) .

إلّا أنّ في سندهما كلامًا (4) ؛ و التعليلان المذكوران مستنبطان، فالحقّ ما مرّ .

ص: 226


1- . الكافي : 2 / 358 ح 6 ؛ الوسائل : 12 / 289 ح 16326 .
2- . في المصدر : ما ستره الله .
3- . الكافي : 2 / 358 ح 7 ؛ الوسائل : 12 / 288 ح 16325 .
4- . قال المحقّق الأردبيليّ (قدس سره) بعد ذكر الروايتين : و هما غير صحيحتين، لاشتراک أبان و مجهوليّة عبدالرّحمن ( مجمع الفائدة : 12 / 355 ) .

الموضع الثاني : أن يكون المغتاب متظاهرًا بالفسق

و الثاني من تلک المواضع هو : أن يكون المغتاب متظاهرًا بالفسق و متجاهرًا به ؛ و الظاهر أنّ المراد به مَن يرتكب المعاصي كلاًّ أو بعضًا علانية بحيث لايستنكر من أن يذكر بتلک المعاصي مثلاً، كأرباب مناصب الجور و الظلم .

و دليل الاستثناء في هذا المقام ما روي عن الصدوق في المحاسن (1) عن هارون بن جهم (2) - في الصحيح على الظاهر - عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة (3) .

و رواه أيضًا في المجلس العاشر من الأمالي (4) .

و رواية البختري (5) عنه، عن أبيه (عليهما السلام) قال : ثلاثةٌ ليس (6) لهم حرمة : صاحب هوى مبتدع، و الإمام الجائر، و الفاسق المعلن بفسقه (7) .

و ما روي عن النبيّ (صلي الله عليه واله) : مَن ألقى جلباب (8) الحياء عن وجهه (9) ، فلا غيبة

ص: 227


1- . كذا في نسخة الأصل ؛ والصواب : المجالس .
2- . في المصدر : الجهم .
3- . لم نجده في المحاسن .
4- . الأمالي : 92 ح 68 / 8 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 289 ح 16327 .
5- . في المصدر : أبي البختري .
6- . في المصدر : ليست .
7- . قرب الإسناد : 176 ح 645 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 289 ح 16328 .
8- . جاء في حاشية الأصل بخطّه قدس سره: جلباب : چادر و ردا ؛ كنز .
9- . « عن وجهه » لم يرد في تحف العقول .

له (1) .

وجه الاستدلال أمّا في الأوّل فظاهر، و أمّا في الثاني فلأنّه (عليه السلام) قال : « المعلن بالفسق ليس له حرمة » ؛ و لفظ : « حرمة » نكرة وقعت في سياق النفي، فيفيد العموم، فيدلّ على أنّ المعلن بالفسق مثلاً لا احترام له كلية ؛ و معلوم أنّ ترک الغيبة احترام .

لا يقال : إنّ ترک الغيبة و إن كان احترامًا في الواقع، لكنّ المتبادر من الحرمة والاحترام في العرف غير ذلک .

لأنّا نقول : التبادر إنّما ينفع في العموم الإطلاقيّ، لا في العموم الاستغراقيّ ؛ ومعلوم أنّ النكرة في سياق النفي يفيد العموم الاستغراقي، و ذلک واضح، لأنّ العموم الإطلاقيّ ثابتٌ للنكرة و إن وقعت في سياق الإثبات، فلا وجه لتخصيص النكرة الواقعة في سياق النفي بهذا الحكم، فالتبادر غير نافع .

و أمّا في الثالث فلأنّه أوضح من الثاني، لقوله (صلي الله عليه واله) : « لا غيبة له »، لكنّه خلاف ذلک له من حيث انّ في الثاني قد صرّح بالفاسق المعلن بفسقه، بخلاف الثالث ؛ إلّا أنّ قوله ((صلي الله عليه واله) : « مَن ألقى جلباب الحياء » شاملٌ له أيضًا، لأنّ المعلن بالفسق فردٌ من أفرادِ : « مَن ألقى جلباب الحياء » ؛ و لفظة : « مَن » تفيد العموم، فيشمل جميع الأفراد و مِن جملتها ما نحن فيه، فثبت المطلوب .

ص: 228


1- . تحف العقول : 45 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 264 ح 56 و 277 ح 105 ؛ السنن الكبرى، للبيهقيّ : 10 / 210 ؛كنز العمّال : 3 / 595 ح 8072 ؛ و رواها الشيخ المفيد في الاختصاص : 242 ، عن الإمام الرضا عليه السلام.

ثمّ هل يختصّ جواز الغيبة في المتظاهر و المتجاهر بالفسق بخصوص الذنب الّذي فعله متجاهرًا و علانيةً، أو يعمّه و غيره و لو لم يتجاهر به مطلقًا، أو التفصيل بأنّه إن لم يستنكر من أن يذكر جميع أفعاله القبيحة فالجواز، و إلّا فالعدم، إلّا في خصوص الفعل المتجاهر به ؟

و الظاهر التعميم، فيجوز غيبته و لو في غير الفعل المتجاهر به مطلقًا وإن استنكف بذكره، عملاً بعموم ما عرفت من الدليل ؛ على أنّه لو لم يستنكف بذكره لم يكن ذكره غيبة، لما عرفت في تعريف الغيبة من أخذ الاستنكاف و الكراهة فيه .

هذا كلّه في المتجاهر بالفسق ؛ و أمّا لو كان فاسقًا لكنّه لم يكن متجاهرًا به، فيمكن الاستدلال لجواز غيبته أيضًا بما روي عنه صلي الله عليه واله : « لا غيبة للفاسق » (1) ،

لأنّ المتبادر منه نفي حرمة الغيبة عنه .

و أمّا ما ذكره بعضهم (2) من حمل ذلک على النهي عن غيبة الفاسق، فبعيد ؛ على أنّه لو كان المراد ذلک لا وجه لاختصاص ذلک بالفاسق مع اشتراک غيره معه في هذا الحكم، لكنّه ليس بشيء، لأنّ ثبوت الحرمة لغيبة الفاسق يدلّ على ثبوتها لغيبة غيره بطريق أولى، فالحقّ ما قدّمناه من أنّ المتبادر من مثل هذا الكلام نفي الحرمة .

ص: 229


1- . عوالي اللّألئ : 1 / 438 ح 153 ؛ و فيه : « لفاسق أو في فاسق » ؛ و في كنز العمّال 3 / 595 ح 8071 :«ليس للفاسق غيبة » .
2- . نقله المحقّق الأردبيليّ عن الشهيد في قواعده : 258 ؛ انظر مجمع الفائدة : 12 / 356 و 13 / 163 ؛وكشف الريبة، للشهيد الثاني : 36 .

ألا ترى أنّ مولانا الصادق (عليه السلام) قال في صحيحة ابن أبي يعفور قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله): لا غيبة إلّا لِمَن صلّى في بيته و رغب عن جماعتنا، و مَن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته، الحديث (1) .

و يعلم منه أنّ المراد من قوله : « لا غيبة إلّا لِمَن صلّى في بيته » ما قلناه، لا النهي عن الغيبة، فيصير مؤيّدًا في الجملة لما نحن فيه .

و الحقّ في الجواب أن يقال : إنّ حرمة الغيبة قد ثبتت بالكتاب والنصوص المستفيضة قد تقدّم إلى كثيرٍ منها الإشارة ؛ و هما يعمّان الفاسق و غيره، والتخصيص يحتاج إلى مخصّص يصلح للتخصيص، و الرواية المذكورة بعد إغماض النظر عن الدلالة نقول : إنّ سندها غير معلوم، فلا تكون حجّة، فكيف يخصّص به عموم الكتاب و النصوص المستفيضة ؟!

نعم، ربما يمكن الاستدلال للمطلوب بالصحيح المرويّ عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : حرمة الفاسق أنقص من كلّ أحد (2) .

وجه الاستدلال هو : أنّ لفظ « الفاسق » فيه عامٌّ شاملٌ للفاسق المتجاهر والمتظاهر بالفسق و غيره، فلازم قوله (عليه السلام) : « انّ حرمة الفاسق أنقص من كلّ أحد » نقصان حرمته حتّى من اليهود و النصارى و غيرهما من طوائف الكفّار، فكما يجوز غيبتهم ينبغي أن يجوز غيبة الفاسق أيضًا، بل بطريق أولى، لكونه أنقص،

ص: 230


1- . التهذيب : 6 / 241 ح 596 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 392 ح 34023 .
2- . لم نجده بهذا اللفظ في المصادر الحديثيّة المتوفّرة لدينا، و الموجود فيها هكذا : و أقلّ الناس حرمة الفاسق( انظر الأمالي، للشيخ الصدوق : 73 ح 41 ؛ معاني الأخبار : 195 ح 1 ؛ الفقيه : 4 / 394 ح 5840 ).

لكن مع ذلک بعد في النفس شيء، فتخصيص الكتاب و السنّة المستفيضة بمثل هذا لا يخلو من إشكال .

نعم، لو تعلّق بذلک غرض دينيّ يعود إلى المغتاب، مثل غيبته لارتداعه عن المعصية من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر جازت حينئذٍ إذا انحصر الوجه في ذلک .

ثمّ اعلم : أنّه بقي الكلام فيما اشتملت عليه صحيحة ابن أبي يعفور من الحكم بوجوب الغيبة في مَن ترک حضور الجماعة ؛ و كيف يكون ذلک مع أنّ الحضور في الجماعة مستحبّ، و ترک المستحبّ كيف يكون موجبًا لهذا الأمر العظيم ؟!

فأقول : الظاهر أنّها إمّا محمولةٌ على مَن ترک حضور الجماعة بقصد التهاون، كما يشعر به قوله (عليه السلام) : « و رغب عن جماعتنا »، أي : أعرض عنها ؛ أو محمولةٌ على ما حملها الشهيد عليه مِن أنّ المراد تارک الجمعة، لا الجماعة (1) .

الموضع الثالث : غيبة المبتدعين في الدين

الثالث من تلک المواضع : غيبة المبتدعين في الدين .

اعلم : أنّ البدعة عبارةٌ عن إدخال ما ليس في الدين في الدين عمدًا، كما إذا

ص: 231


1- . قال الشهيد في الذكرى بعد ذكر الرواية ما هذا كلامه : « و هو محمول على التأكيد و نفي الكمال، أو علىالاستهانة بصلاة الجماعة ؛ قال الفاضل : أو على الجماعة الواجبة ( انظر تذكرة الفقهاء : 1 / 170 ، و منتهى المطلب : 1 / 263 ) ؛ و هي في الجمعة والعيدين مع الشرائط » إنتهى كلامه رفع مقامه ( ذكرى الشيعة : 4 /372 ). و قال المحقّق في الكفاية : و حملها الشهيد رحمه الله على تارک الجمعة ( كفاية الأحكام : 1 / 439 ).

جعل ما أحلّ الله حرامًا، و ما حرّم الله - تعالى - حلالاً، أو ما أباحه الله مكروهًا أو مستحبًّا أو واجبًا، أو بعكس ذلک ؛ و هكذا .

إذا عرفت ذلک فاعلم : أنّک إذا رأيت أرباب البدائع أحدثوا في الدين ما ليس بحقّ و أرادوا بذلک إخداع الناس و ردعهم عن الحقّ و جلبهم إلى الباطل، بل مطلقًا، يجوز لک بل يجب أن تبيّن فساد ما ابتدعوه، و بطلان ما استحدثوه، و منع الناس عن متابعتهم، و إظهار فسقهم عندهم حتّى لا يتّبعهم الغافل، و لا يقفهم الجاهل، و لا يستحسن أفعالهم الذاهل، و ليتميّز الحقّ من الباطل، بل لک أن تسبّهم و تباهتهم .

لما رواه ثقة الإسلام في كتاب الكفر و الإيمان في باب مجالسة أهل المعاصي بسند صحيح عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : إذا رأيتم أهل الريب و البِدَع من بعدي فأظهِروا البَراءة منهم، و أكثروا من سَبّهم و القول فيهم والوَقِيعَة (1) ، و باهتوهم كَيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام، و يَحْذَرَهُمُ الناس، ولايتعلّمون من بِدَعِهم، يَكتُبِ اللهُ لكم بذلک الحسنات، و يرفع لكم به الدرجات في الآخرة (2) .

و في الصحيح الآخر المرويّ في الباب المذكور : لا تَصْحَبوا أهل البِدَع ولاتُجَالِسُوهم، فتصيروا عند الناس كواحدٍ منهم (3) .

ص: 232


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه قدس سره : الوقيعة في الناس : الغيبة ؛ ص { انظر الصحاح : 3 / 1302 } .
2- . الكافي : 2 / 375 ح 4 ؛ و عنه في الوسائل : 16 / 267 ح 21531 .
3- . الكافي : 2 / 375 ح 3 ؛ و عنه في الوسائل : 16 / 259 ح 21509 .

الموضع الرابع : بيان خطأ المجتهد

الرابع من تلک المواضع : بيان الخطأ الّذي صدر من المجتهد من غير اختيار، فإنّه يجوز لمجتهدٍ آخرٍ إظهارُ خطائه و ردّه و إقامة الدليل عليه، سواء كان المجتهد المخطئ حيًّا أو ميّتًا، فإنّه و إن لم نجد نصًّا بذلک، إلّا أنّ العلماء لا زال في الأعصار و الأمصار ديدنهم ذلک .

لكن ينبغي أن لا يتجاوز حدّ الضرورة و لم يبالغ في التشييع و المذمّة، و كان غرضه من ذلک إظهارًا للحقّ في المسألة، و تحصيلاً لرضاء الله - سبحانه - دون متابعة النفس و هوى الرياسة و قصد اعتقاد رفعة شأنه في العامّة و الخاصّة ؛ وبالجملة ما لم يكن المقصود الأغراض الباطلة و المطالب الفاسدة .

و في مثل هذا المقام كثيرًا ما يزلّ القدم عن الجادّة، و للشيطان حيل كثيرة، عصمنا الله - تعالى - برحمته الواسعة و رأفته الشاملة و قدرته الكاملة، بحقّ محمّد وآله الكرام البررة و أوصيائه العظام الأجلّة - عليهم صلواته و سلامه إلى قيام القيامة و بقاء النعم في الجنّة .

ثمّ إنّ مَن لم يبلغ رتبة الاجتهاد، و لم يطلق عنان اختياره في ذلک الطريق السداد، و لم يصل إليه حظّ من ذلک الوصف الرشاد، و لم يأخذ ثمرة من بستان منّان العباد، لعلّه غير جائز بالنسبة إليه و لو من غير الجدل و العناد، بل لبيان الحقّ ومحض الإرشاد .

ص: 233

لما عرفت من فقدان الدليل على هذا الاستثناء، سوى فعل المجتهدين، إذ فعل غيرهم ليس بحجّة، و فعلهم لا يدلّ على الجواز مطلقًا، بل بالنسبة إلى المجتهدين، لعموم الأدلّة الدالّة على تحريم الغيبة من الكتاب و السنّة، خرج من ذلک بفعل المجتهدين ما يصدر عنهم في هذا المقام، و أمّا غيرهم فمشكوکٌ تخصيص العمومات الدالّة على التحريم، فالأصل بقاؤها و عدم التخصيص .

و يمكن أن يقال : إنّ الأدّلة المذكورة من الكتاب و السنّة قد دلّت على حرمة الغيبة ؛ و الظاهر عدم صدقها بالنسبة إلى مفروض المسألة في العرف و العادة .

الموضع الخامس : في مقام النهي عن المنكر

اشارة

الخامس من تلک المواضع في مقام النهي عن المنكر، كما إذا علمت معصية من شخص و أردت أن تمنعه و تنكره من ذلک الفعل، فإنّه يجوز لک أن تذكر ذلک الفعل عنه في المحاضر و المجالس لأن يصير ذلک سببًا لتركه ذلک الفعل المذموم، لكنّه مشروطٌ بشرائط :

الشرط الأوّل

الأوّل : أن تعلم أنّ ذلک الفعل مذمومٌ و قبيحٌ شرعًا و لم تجد لفعله وجه صحّة، كأن تكون المسألة إجماعيّة وارتكب خلاف المجمع عليه، أو خلافيّة، لكن فعله تلک المسألة ليس مبنيًّا على اجتهاد و لا تقليد لمجتهدٍ آخر .

ص: 234

و أمّا لو احتملت لفعله وجه صحّة بأن تكون المسألة خلافيّة، فاحتملت أنّ ارتكابه ذلک يمكن أن يكون لتقليد ذلک المجتهد الّذي هذا الفعل مباح عنده، أو لم يعلم أنّ ذلک الفعل قبيحٌ شرعًا، فلا يجوز له الغيبة حينئذ .

الشرط الثاني

و الشرط الثاني : أن يجوّز تأثير غيبته على ترک تلک المعصية، بخلاف ما لو لم يجوز ذلک، فلا يجوز له ذلک، لأنّ من شرائط الأمر بالمعروف تجويز التأثير .

الشرط الثالث

و الثالث : أن لا يمكن له منع ذلک الشخص عن فعل تلک المعصية من غير جهة الغيبة، فلو أمكن له ذلک بأن يعظه في خلوة و يخوّفه عن فعل المعصية بذكر العقاب المترتّب عليها و الحرمان من المنافع الكثيرة الناشئ من فعلها، و بالجملة لم يجد وجه منعه عن فعل تلک المعصية منحصرًا في الغيبة، لا يجوز له الغيبة أيضًا .

الشرط الرابع

و الرابع : أن يكون إيمنًا عن إيصال الضرر إليه، أو إلى عرضه، أو إلى ماله، أو إلى أحد المؤمنين، فلو لم يأمن من ذلک لا يجوز له ذلک، سواء علم إيصال الضرر بسبب غيبته، أو ظنّ ذلک .

ص: 235

الشرط الخامس

و الخامس : أن لا يكون مقصوده من ذلک إلّا تحصيلاً لرضاء الله - سبحانه - وامتثالاً لأمره - جلّ شأنه - و منعًا ذلک الشخص عن فعل المعصية المسخطة ؛ بخلاف ما لو لم يكن المقصود ذلک، بل ذكر غيبته إنّما هو للحسد أو العداوة أو لهما دخلٌ في ذلک، فلا يجوز له ذلک أيضًا، لأنّ ذلک حينئذٍ ليس من باب النهي عن المنكر، بل إنّما هو متابعة لهوى النفس و النهي عن المنكر وسيلة إلى التوصّل بذلک .

فإذا اجتمعت الشرائط المذكورة يجوز الغيبة حينئذ، بل يجب ؛ و ذلک للأدلّة الدالّة على وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من الكتاب والسنّة .

و التعارض بينها و بين الأدلّة الدالّة على حرمة الغيبة و إن كان عمومًا من وجه، لأنّ الأدلّة الدالّة على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مطلقةٌ شاملةٌ لما إذا تضمّن كلّ منهما الغيبة أم لا، و كذا الأدلّة الدالّة على تحريم الغيبة، فإنّها تدلّ على حرمة الغيبة، سواء وجدت في ضمن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، أم لا ؛ إلّا أنّ الترجيح لتلک الأدلّة الدالّة على وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، لعمل الأصحاب، لما عرفت من نقل اتّفاقهم على استثناء حرمة الغيبة في عشرة مواضع الّتي من جملتها ما نحن فيه .

و أيضًا انّ الآيات الدالّة على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كثيرة، كقوله -تعالى - : ( وَلْتَكُنْ منكم أمّةٌ يَدعُون إلى الخير و يَأمُرُون بالمعروف و يَنْهَونَ عن

ص: 236

المُنكَر ) (1) ، الآية .

و قوله - تعالى - : ( كُنتم خيرَ أمّةٍ أخرِجَت للناس تَأمُرون بالمعروف و تَنْهَون عن المُنكَر ) (2) الآية .

و قوله - تعالى - : ( إنْ مَكّنّاهم في الأرض أقامُوا الصلاةَ و آتَوُا الزَكاةَ وَ أَمَرُوا بالمعروفِ و نَهَوا عن المُنْكَر ) (3) .

و قوله - عزّ شأنه - : ( يَا أيُّهَا الّذينَ آمَنُوا قُوا أنفُسَكم و أَهْلِيكُم نَارًا وَقُودُهَا النَاسُ وَ الحِجَارَة ) (4) ؛ و غير ذلک .

و روي عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : لمّا نزلت هذه الآية : ( يَا أيُّهَا الّذينَ آمَنُوا قُوا أنفُسَكُم و أهلِيكُم نَارًا )، جلس رجلٌ من المسلمين يبكي و قال : أنا قد عجزتُ عن نفسي كُلِّفتُ أهلي ؛ فقال رسول الله (صلي الله عليه واله) : حَسبُک أن تَأمُرهم بما تأمُرُ به نفسَک و تَنهَاهم عمّا تنهى عنه نفسَک (5) .

إذا علمت ذلک نقول : إنّ الأمر في الغيبة ليس على ما ذكر، بل الظاهر أنّ الدالّ على حرمتها من الكتاب ليس إلّا ما تقدّم من قوله - تعالى - : ( و لا يغتب بعضكم بعضًا ) الآية ؛ و لا شکّ أنّ الترجيح للأكثر في مثل ما نحن فيه .

ص: 237


1- . آل عمران : 104 .
2- . آل عمران: 110.
3- . الحجّ : 41 .
4- . التحريم : 6 .
5- . الكافي : 5 / 62 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 178 ح 364 ؛ الوسائل : 16 / 147 ح 21205 .

الموضع السادس : نصح المستشير

و السادس من تلک المواضع : نصح المُستشير، كما إذا استشار منک أخوک في الدين في تعلّق أمرٍ من أموره على فلان، كأن تخلف عياله في بيته، أو تزوّج بنته عليه، أو يعطيه ماله بالقرض أو بالمضاربة، و هكذا، فإنّه يجوز لک بل يجب أن تذكّر له ما تعلم من خيره بأن تقول : لا تفعل ذلک الفعل، لأنّه ليس صلاحک وخيرک في فعله و لا يذكر له عيبه صريحًا، لعموم الأدلّة الدالّة على تحريم الغيبة، خرج منها في هذا المقام المقدار الّذي ذكرناه باليقين، و غيره مشكوکٌ فيه، فالأصل عدم الخروج .

و صرّح جمعٌ من الأصحاب (1) - رضي الله عنهم - بأنّ المستشير لو لم يكتف في مقام المشورة بهذا المقدار يجوز التصريح بخصوص العيب المتعلّق بذلک الفعل، فإن ثبت اتّفاقهم في ذلک فمطاع، و إلّا فمقتضى القاعدة ما ذكرناه .

و عن الشهيد الثاني أنّه قال (2) :

قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : أترعوون (3) عن ذكر الفاجر حتّى يعرفه الناس ؟!

أذكروه بما فيه يحذره الناس (4) . و قال رسول الله (صلي الله عليه واله) لفاطمة بنت قيس

ص: 238


1- . منهم الشهيد الثاني في كشف الريبة : 35 ؛ و منهم المحقّق السبزواريّ في كفاية الأحكام : 1 / 438 .
2- . كشف الريبة : 35 .
3- . في المصدر : أترعون .
4- . الجامع الصغير : 1 / 22 ح 109 ؛ كنز العمّال : 3 / 595 ح 8070 .

حين شاورته في خُطّابها : أمّا معاوية فرجلٌ صعلون (1) لا مال له، و أمّا أبو جهم فلا يضع العصا من (2) عاتقه (3) .

ثمّ إنّ اللّازم أن لا يقصد في ذكر العيب مجملاً أو مفصّلاً بالنسبة إلى خصوص العيب المتعلّق بذلک الأمر إلّا حقّ الاستشارة و ترک الخيانة، لا العداوة و غيرها من الأغراض الفاسدة .

الموضع السابع : في مقام الاستفتاء

و السابع من تلک المواضع في مقام الاستفتاء، كأن يستفتى من الفقيه : أنّ أبي ظلمني، فكيف سبيلي إلى الخلاص ؟ أو أخذ مالي، هل يمكن لي مطالبة منه ؟ أو سبّني فلان ما يمكن لي في مقابلته ؟ و هكذا .

و يدلّ على جواز الغيبة في مثل المقام ما روي : أنّ هندًا قالت للنبيّ (صلي الله عليه واله) : إنّ أباسفيان رجل شحيح، لا يعطيني ما يكفيني أنا و ولدي، أفآخذ من غير علمه ؟ فقال : خذي ما يكفيک و ولدک بالمعروف (4) .

ص: 239


1- . في المصدر : صعلوک .
2- . في المصدر : عن .
3- . عوالي اللّألئ : 1 / 438 ح 155 ؛ سنن الدارمي : 2 / 135 ؛ و رواه أحمد في مسنده ( : 6 / 412 ) بلفظ :«أمّا معاوية فرجل تَرِب لا مال له، و أمّا أبو الجهم فرجل ضراب للنساء » ؛ و رواه مسلم في صحيحه ( : 4 /195 ) بلفظ : « أمّا أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، و أمّا معاوية فصعلوک لا مال له ».
4- . صحيح البخاري : 7 / 85 ؛ سنن ابن ماجة : 2 / 769 ح 2239 ؛ صحيح مسلم : 3 / 1338 ح 7 ؛ عوالي اللّألئ : 1 / 402 ح 59 .

وجه الاستدلال هو : أنّها وصفت أبا سفيان في مقام الاستفتاء بوصفين : الشحّ -أي البخل - و عدم إعطاء ما يكفيها و ولدها من المؤنة - و هو ظلم - و لم يزجرها النبيّ (صلي الله عليه واله) ، و إلّا لنقل .

و يمكن الجواب عنه بأنّ عدم انزجاره (صلي الله عليه واله) إيّاها لاحتمال فسق المغتاب، لا لجواز الغيبة في مقام الاستفتاء، فلا يدلّ على جواز الغيبة مطلقًا في ما نحن فيه ؛ ولک أن تقول : إنّه و إن كان فاسقًا في نفس الأمر، إلّا أنّه كان على ظاهر الإسلام .

فالجواب السالم عن الاعتراض هو أن يقال : إنّ الرواية ضعيفة، فلا يجوز التعويل عليها في تخصيص ما تقدّم من الأدلّة الكثيرة ؛ لكنّ المسألة من المسائل الّتي تقدّم نقل اتّفاق الأصحاب على استثناء حرمة الغيبة فيها .

و كيف كان و لا شکّ أنّ الأسلمَ الاحترازُ عن ذكر الاسم بأن يقول في المسألة الأولى : ما طريق خلاص رجل ظلمه أبوه ؟ و في الثانية : هل يجوز دعوى الولد ومطالبته مع والده إذا أخذ من ماله ؟ و هكذا .

الموضع الثامن : تظلّم المظلوم عند مَن يرجو إزالة ظلمه

الثامن من تلک المواضع : تظلّم المظلوم عند مَن يرجو إزالة ظلمه، فإنّه يجوز له ذكر ظلم ظالمه و بيانه له إذا كان مراده إزالة الظلم عنه، و يجوز لذلک الشخص استماعه أيضًا، لكن إذا كان قادرًا على دفع ظلمه عنه و كان الغرض من الاستماع أيضًا ذلک، و مهما أمكن لابدّ أن لا يُسْمِع غير ذلک الشخص .

ص: 240

و دليل الجواز و الاستثناء في المقام ما تقدّم من نقل الاتّفاق و وجوب دفع الضرر من النفس ؛ و المفروض أنّه لا يمكن إلّا بما ذكر، فيكون جائزًا، بل واجبًا .

الموضع التاسع : جرح الرواة

و التاسع من تلک المواضع : جرح الرواة، كما فعله علماء الرجال حيث ذكروا لبعض رواة الأخبار جرحًا و مذمّةً، و هو ظاهر .

دليل الاستثناء - زيادةً على ما مرّ - الاعتبار، لأنّ حفظ الشريعة واجب، والتكاليف ثابتة، فمعرفة الأحكام لازمة، وامتياز الحقّ من الباطل ممّا لابدّ منه، ولا يتمّ إلّا بمعرفة أحوال الرواة و امتياز الثقة منها عن غيرها، و هكذا ؛ لكن يشترط في ذلک أيضًا الإخلاص و قصد حفظ الشريعة و السنن .

الموضع العاشر : ما لو اطّلع جمعٌ على معصيةٍ توجب الحدّ

و العاشر من تلک المواضع هو : ما لو اطّلع جمعٌ على معصيةٍ توجب الحدّ، فإنّه جاز لهم إخبار الحاكم ذلک، ليجرى على فاعلها الحدّ .

و إنّما يجوز ذلک إذا كان عددهم كافيًا في إثبات الحدّ عليه ؛ و جواز ما ذكر إنّما هو عند حاكم الشرع، فلا يجوز عند غيره، عملاً بالعمومات الدالّة على التحريم .

ص: 241

استماع الغيبة كالغيبة في الحرمة

تذنيب

اعلم : أنّ المشهور بين الأصحاب - على ما حكاه بعض الأعلام (1) - أنّ استماع الغيبة بالرضا و الرغبة و كذا التصديق عليها كالغيبة في الحرمة و المعصية .

و روي عن مولانا الأمير (عليه السلام) : انّ مستمع الغيبة أحد المغتابين (2) .

و في رواية عبد الأعلى بن أعين عن أبي عبدالله (عليه السلام) : مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس مجلسًا ينتقص فيه إمام، أو يغاب (3) فيه مؤمن (4) .

و لو ابتليت في مجلس يغاب فيه المؤمن فانصره بمنع الغيبة عنه إن أمكنک ذلک، و إلّا فقم في ذلک المجلس و لا تكن فيه إن أمكنک ذلک، و إلّا فكن كارهًا عليها غير راض بها .

ص: 242


1- . انظر كشف الريبة : 18 .
2- . رواه أبو الفتوح الرازيّ عن النبيّ (صلي الله عليه واله) في تفسيره : 18 / 37 ؛ والغزّالي في إحياء علوم الدين : 9 / 55 ؛وورّام في تنبيه الخواطر ( مجموعة ورّام ) : 1 / 127 ؛ و أورده الشهيد الثاني في كشف الريبة : 64 ، مرسلاًعن عليّ (عليه السلام) ؛ وانظر : شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين (عليه السلام) ، لابن ميثم البحرانيّ : 156 ؛ و بحار الأنوار : 72 /226 ؛ و غرر الحكم : 9243، 5581، 5583، 4166 .
3- . في المصدر : يعاب .
4- . الكافي : 2 / 377 ح 9 ؛ الوسائل : 16 / 261 ح 21515 .

و قد قال (صلي الله عليه واله) لأبي ذرّ : يا أباذرّ، من ذبّ عن أخيه المسلم (1) الغيبة كان حقًّا (2) على الله - عزّوجلّ - أن يعتقه من النار . يا أباذرّ من اغتيب عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره فنصره، نصره الله - عزّوجلّ - في الدنيا و الآخرة، و إن خذله وهو يستطيع نصره، خذله (3) في الدنيا و الآخرة (4) .

و لا يخفى أنّ ما ذكر إذا كان الرجل المغتاب ممّن نعلم أنّه لا يحلّ غيبته واضح، وأمّا إذا لم نعلم ذلک بأن لم نعرف ذلک الشخص، أو نعرف لكن حاله غير معلوم، فقال بعض العلماء : إنّ مثل هذا الشخص لو اغتابه شخص آخر لا يجوز نهيه عن ذلک و الحكم بتفسيقه بسبب الغيبة، لأنّ أفعال المسلمين و أحوالهم محمولةٌ على الصحّة، فيمكن أن يكون له غرض صحيح بذلک ؛ و نهيه عنها من غير ظهور فساد فعله لا وجه له، لأنّه إيذاء له من غير سبب .

و الحقّ في المقام ما ذكره بعض المحقّقين (5) من التفصيل بين كون الّذي يذكر الغيبة من أهل الصلاح و الورع و كان أكثر أموره على التديّن و الوجه الشرعيّ ؛ وبين كونه ممّن يشهد ظاهر حاله أنّه لا غرض صحيح له من ذلک و لم يكن من أهل الصلاح و الورع، فإن كان الأوّل لا يجوز نهيه عنها، و إلّا فالجواز .

و لكن لا ريب أنّ الأحوط في الأوّل أيضًا أنّه لو أمكن له النهي على وجهٍ

ص: 243


1- . في الأمالي : المؤمن .
2- . في الأمالي : حقّه .
3- . في الأمالي : خذله الله .
4- . الأمالي، للشيخ الطوسيّ : 537 ح 1162 ؛ مكارم الأخلاق : 470 ؛ الوسائل : 12 / 293 ح 16339 .
5- . لم نتحقّقه .

حسنٍ بحيث لم يستلزم انزجار طبع ذلک الشخص ينهاه ؛ و إلّا فإن أمكن له القيام من ذلک المجلس بحيث لم يستلزم الأذيّة فيقوم، وإلّا فيقعد كارهًا لها غير راضٍ بها.

بيان كفّارة الغيبة و توبتها

ثمّ اعلم : أنّه حيث قد طوّلنا الكلام بإعانة الملک العلّام في الغيبة، فلا بأس أن نذكر الكلام في كفّارتها و التوبة عنها، لئلّا يختلج الناظر للرجوع في معرفة ذلک إلى كتابٍ آخر .

فأقول : قد روى في الكافي في كتاب الكفر و الإيمان، في باب الغيبة، عن حفص بن عمر، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سئل النبيّ (صلي الله عليه واله): ما كفّارة الاغتياب ؟ قال : تستغفر الله لمن اغتَبْتَه كُلّما ذَكَرْتَه (1) .

و مثله الرواية الأخرى إلّا في لفظ : « كلّما ذكرته » (2) .

و قال النبيّ (صلي الله عليه واله) لأبي ذرّ : يا أباذرّ، إيّاک و الغيبة، فإنّ الغيبة أشدّ من الزنا . قلت : يا رسول الله، لِمَ ذلک (3) بأبي أنت و أمّي ؟ قال : لأنّ الرجل يزني فيتوب إلى

ص: 244


1- . الكافي : 2 / 357 ح 4 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 290 ح 16331 .
2- . الفقيه : 3 / 377 ح 4327 ؛ و فيه : كما ذكرته ؛ و عنه في الوسائل : 22 / 403 ح 28895 .
3- . في الأمالي : و ما ذاک .

الله فيتوب الله عليه، و الغيبة لا تغفر حتّى يغفرها صاحبها (1) .

و لا يخفى عليک أنّ مدلول الروايتين الأوليين هو : أنّ كفّارة الغيبة الاستغفار من الله - تعالى - للمغتاب مطلقًا، سواء وصلت الغيبة إليه، أم لا و أمكن الاسترضاء منه بأن كان حيًّا و حاضرًا، أو غائبًا و أمكن الوصول إليه، أم لا يمكن الاسترضاء منه بأن كان ميّتًا، أو غائبًا بحيث لم يمكن التوصّل إليه، أو عسر ذلک .

و مدلول ما ذكره (صلي الله عليه واله) لأبي ذرّ (رضي الله عنه) هو : أنّ الاستغفار للمغتاب في كفّارة الغيبة غير كاف، بل لابدّ من الاسترضاء و الاستبراء من المغتاب .

و هو أيضًا مطلقٌ شاملٌ لما إذا كان حيًّا و ميّتًا حاضرًا و غائبًا، فعلى هذا لو كان المغتاب ميّتًا أو غائبًا لم يمكن التوصّل إليه لا يغفر ذنبه و لا تقبل توبته، لأنّ شرط قبول توبته غفران صاحب الغيبة ؛ و المفروض أنّه غير ممكن، لعدم امكان الاسترضاء و الاستبراء منه، فلا تقبل توبته، لأنّ المشروط منتف بانتفاء شرطه .

لكن هذا بعيدٌ من كَرَمِ الله - تعالى - و غيرُ موافقٍ للشريعة السهلة السمحة المحمّديّة (صلي الله عليه واله) بحيث لا يبعد القطع على عدم إرادته (صلي الله عليه واله) هذا الإطلاق من قوله الشريف المذكور، فيكون مراده (صلي الله عليه واله) فيما أمكن و لم يشقّ الاستبراء من صاحب

ص: 245


1- . الأمالي، للشيخ الطوسي : 537 ح 1162 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 280 ح 16308 ؛ و رواه فيالخصال : 62 ح 90 ، و علل الشرائع : 2 / 557 ح 1 ، عن أسباط بن محمّد يرفعه إلى النبيّ (صلي الله عليه واله) قال : الغيبةأشدّ من الزنا، فقيل: يا رسول الله و لم ذلک ؟ قال : صاحب الزنا يتوب فيتوب الله عليه، و صاحب الغيبة يتوبفيتوب الله عليه، و صاحب الغيبة يتوب فلا يتوب الله عليه حتّى يكون صاحبه الّذي يحلّه . و رواه في عوالي اللّألئ : 1/ 274 ح 101 ، مرسلاً عن النبيّ (صلي الله عليه واله) أنّه قال : إيّاكم والغيبة، فإنّ الغيبة أشدّ من الزنا، انّ الرجليزني فيتوب فيتوب الله عليه، وانّ صاحب الغيبة لا يغفر له حتّى يغفر له صاحبها .

الغيبة .

و ظاهرٌ أيضًا اختلاف الأشخاص و اختلاف أنواع الاغتياب، فربّ شخص بسبب الاستبراء عنه يطّلع على الغيبة، فيتأذّي من ذلک .

و كذا الكلام في أنواع الاغتياب، إذ ربّ نوع منها قلّما اتّفق شخص بعدم الانزجار و التأذّي منه، فعلى هذا يستلزم الاستبراء الأذيّة وانزجار طبع المؤمن، فيكون إفساده أكثر من إصلاحه، فينبغي أن لا يكون هذا أيضًا مرادًا للنبيّ (صلي الله عليه وله).

بل الظاهر أنّ مراده - صلوات الله عليه و آله - من جعله غفران صاحب الغيبة شرطًا لقبول التوبة فيما إذا سمعها صاحب الغيبة و اطّلع عليها، لما مرّ ؛ و لأنّ الّذي لم يطّلع عليها و لم ينزجر أيضًا باستماعها لو استبرأ منه غير معلوم غالبًا .

فعلى هذا يكون قوله (صلي الله عليه واله) لأبي ذرّ مقيّدًا لإطلاق الروايتين الأوليين بحمل الروايتين فيما إذا لم يطّلع صاحب الغيبة عليها، أو اطّلع و لم يمكن أو يشقّ الاستبراء لموتٍ أو لبُعدِ مسافة، لكن لمّا كانت الروايتان ضعيفتين بحسب السند، فعلى هذا مهما أمكن الاستبراء بحيث لم يستلزم الإيذاء لا يترک و لو بعنوان الإجمال بأن يقول : أرجو منک عفو كلّما كان مِن حقّک على ذمّتي، أو نحوه .

قال بعض المحقّقين :

مهما أمكن لابدّ أن يذكر صاحب الغيبة بالجميل عند كلّ مَن ذكر غيبته عنده حتّى يمحو من خاطرهم ما أثبته له بواسطة الغيبة (1) .

ص: 246


1- . لم نعثر عليه .

ثمّ إنّ هذا في كفّارة الغيبة، و أمّا توبتها فَكَتَوبَةِ غيرها من الذنوب .

الكلام في قاطع الرحم

12- مسألة

اشارة

اعلم : انّک قد عرفت سابقًا أنّ من جملة الكبائر : قطيعة الرحم (1) ، فها أنا أذكر في هذا المقام جملة من النصوص المتعلّقة بذلک، فأقول :

منها : ما رواه في الكافي، في كتاب الإيمان و الكفر، في باب مجالسة أهل المعاصي، عن محمّد بن مسلم أو أبي حمزة، عن أبي عبدالله، عن أبيه (عليهماالسلام)قال : قال لي عليّ بن الحسين - صلوات الله عليهما - : يا بنيّ انظُر خمسةً فلا تُصاحبهم ولا تُحادثهم و لا تُرافقهم (2) .

فقلت : يا أبَة مَن هم ؟ قال : إيّاک و مصاحبة الكذّاب، فإنّه بمنزلة السراب، يقرّب لک البعيد و يباعد لک القريب ؛ و إيّاک و مصاحبة الفاسق، فإنّه بائعک بِأُكْلَةٍ أو أقلّ من ذلک ؛ و إيّاک و مصاحبة البخيل، فإنّه يَخذُلُکَ في مال (3) أَحْوَجَ ما

ص: 247


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه قدس سره : و المراد من الرحم الّذي يحرم قطعه و يجب صلته مطلق القريبالمعروف بالنسب و إن بعدت لحمته و جاز نكاحه { انظر مسالک الأفهام : 6 / 31 ؛ و المحصول، للمحقّقالأعرجيّ : 2 / 190 و 191 }.
2- . في المصدر : و لا ترافقهم في طريق ؛ و في بعض النسخ : و لا توافقهم .
3- . في المصدر : في ماله .

تكون إليه ؛ و إيّاک و مصاحبة الأحمق، فإنّه يُريد أن يَنْفعک فيضُرُّکَ .

و إيّاک و مصاحبة القاطع لرحمه، فإنّي وجدته ملعونًا في كتاب الله - عزّوجلّ - في ثلاثة مواضع، قال الله - عزّوجلّ - : ( فهل عسيتم إنْ تَوَلّيتم أن تُفسِدوا في الأرض و تُقَطِّعُوا أرْحَامَكُم * أولئک الّذين لَعَنَهُمُ اللهُ فَأصَمَّهُمْ و أعمَى أبصارَهم ) (1) .

و قال : ( الّذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله من بعدِ مِيثاقِه و يَقطَعُون ما أمَرَ اللهُ به أن يُوصَلَ و يُفسِدُون في الأرض أولئک لَهُمُ اللَّعْنَةُ و لهم سُوءُ الدار ) (2) .

و قال في البقرة (3) : ( الّذين يَنقُضُون عَهدَ الله من بعدِ مِيثاقِه و يَقطَعُون ما أمَرَ الله به أن يُوصَلَ و يُفسِدُون في الأرض أولئک هُمُ الخَاسِرُون ) (4) .

و منها : ما رواه في الكتاب المذكور، في باب قطيعة الرحم، عن السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : لا تَقطعْ رَحِمک و إن قَطَعَتْکَ (5) .

و منها : ما رواه أيضًا في الباب المذكور من الكتاب المزبور، عن أبي حمزة الثُماليّ قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبته : أعوذ بالله من الذنوب الّتي تُعجِّل الفناء . فقام إليه عبد الله بن الكَوّاء اليَشْكُريّ فقال : يا أمير المؤمنين ! أو يَكون (6)

ص: 248


1- . محمّد : 22 و 23 .
2- . الرعد : 25 .
3- . البقرة : 27 .
4- . الكافي : 2 / 377 ح 7 ، و 641 ح 7 ؛ و عنه في الوسائل : 12 / 32 ح 15565 .
5- . الكافي : 2 / 347 ح 6 ؛ الوسائل : 21 / 493 ح 27676 .
6- . في المصدر : تكون .

ذنوبٌ تُعَجِّل الفناء ؟ فقال : نعم، ويلک قطيعة الرحم، إنّ أهل البيت يَجْتَمِعُون (1) ويَتَواسَون و هم فَجَرة، فيرزُقُهُم الله - تعالى - و إِنّ أهلَ البيت لَيَتَفَرَّقُون و يقطعُ بعضُهم بَعضًا فَيَحرِمُهُم الله و هم أتقياء (2).

و منها : ما رواه أبو حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) (3) : إذا قطّعوا الأرحام جُعِلَت

الأموال في أيدي الأشرار (4) .

و منها : ما رواه في الباب المذكور حذيفة بن منصور قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إتَّقوا الحَالِقَة، فإنّها تُمِيتُ الرجال . قلت : و ما الحالقة ؟ قال : قطيعة الرحم (5) .

و منها : ما رواه أيضًا في الباب، عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابه (6) ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : إنَّ إِخوتي و بني عمّي قد ضَيَّقُوا عليَّ الدار وألْجَئُوني منها إلى بيتٍ و لو تَكَلَّمْتُ أَخَذت ما في أيديهم . قال : فقال لي : إصْبرْ فإنَّ الله سيجعل لک فَرَجًا .

قال : فانصرفت و وقع الوباء في سنة إحدى و ثلاثين (7) ، فماتوا والله كُلُّهم، فما بقي منهم أحد . قال : فخرجت، فلمّا دخلت عليه قال : ما حال أهل بيتک ؟ قال :

ص: 249


1- . في المصدر : ليجتمعون .
2- . الكافي : 2 / 347 ح 7 .
3- . في المصدر : عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام).
4- . الكافي : 2 / 348 ح 8 ؛ الوسائل : 12 / 273 ح 16287 .
5- . الكافي : 2 / 346 ح 2 ؛ الوسائل : 21 / 493 ح 27677 .
6- . في المصدر : أصحابنا .
7- . في بعض نسخ المصدر بزيادة : و مائة .

قلت له : قد ماتوا والله كُلُّهم، فما بقي منهم أحد ؛ فقال : هو بما صنعوا بک و بعُقُوقهم إيّاک و قطع رَحِمِهِم تبروا (1) ، أَتُحِبُّ أنّهم بقوا وأنّهم ضَيَّقوا عليک ؟ قال : قلت : إي والله (2) .

و منها : الصحيح المرويّ في الباب عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : في كتاب عليّ - صلوات الله عليه - : ثلاث خصال لا يموتُ صاحبُهُنّ أبدًا حتّى يَرَى وَبالَهُنّ : البغي، و قطيعة الرحم، و اليمينُ الكاذبة يُبارز الله بها ؛ و إنَّ أعْجَلَ الطاعة ثوابًا لَصِلَةُ الرحم، و إنَّ القوم ليكونون فُجّارًا فيتواصَلُون فَتَنمِي أموالُهُم ويُثيرُون (3) ، وأنّ اليمين الكاذبة و قطيعة الرحم لَتَذَرانِ الدِّيار بَلاقِعَ (4) مِنْ أَهلِها وينْقُل (5) الرَّحِم (6) ، و أنَّ نقلَ الرَّحِم انقطاعُ النسل (7) .

و منها : ما رواه في الباب عن عَنبسة العابِد قال : جاء رجل فشكا إلى أبي عبدالله(عليه السلام) أقارِبَه، فقال له : أكظِم غيظک وافعل، فقال : إنّهم يَفعلون و يَفعلون، فقال : أتريد أن تكون مثلهم فلا ينظرَ الله إِلَيكُم (8) .

ص: 250


1- . « تبروا » بالمثنّاة الفوقيّة أوّلاً ثمّ الموحّدة، فهو بالفتح : الكسر والهلاک ؛ و في بعض نسخ المصدر : « بُتِرُوا »،والبتر بالباء الموحّدة والتاء المثنّاة الفوقيّة والراء : القطع والاستئصال .
2- . الكافي : 2 / 346 ح 3 .
3- . في المصدر : و يثرون .
4- . جاء في حاشية الأصل : جمع بلقع، و هو الأرض الخالية ؛ منه .
5- . في المصدر : و تنقل .
6- . جاء في حاشية الأصل بخطّه (قدس سره) : أي : بهما .
7- . الكافي : 2 / 347 ح 4 ؛ الخصال : 124 ح 119 ؛ الوسائل : 21 / 492 ح 27674 .
8- . الكافي : 2 / 347 ح 5 ؛ الوسائل : 12 / 273 ح 16289 .

الكلام في تحريم الفخر و الكبر

13- مسألة

اشارة

و من الأمور المحرّمة أيضًا : الفخر و الكبر .

روي في الكافي، في كتاب الإيمان و الكفر، في باب الفخر و الكبر، عن السكونيّ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : أتى رسول الله (صلي الله عليه واله) رجلٌ فقال : يا رسول الله أنا فلان بن فلان حتّى عدّ تسعة، فقال له رسول الله (صلي الله عليه واله) : أما إنَّک عاشرهم في النار (1).

و روي في الباب أيضًا صحيحًا عن أبي حمزة الثمالي قال : قال عليّ بن الحسين - صلوات الله عليهما - : عَجَبًا للمتكبّر الفَخُور الّذي كان بالأمس نطفة، ثمّ هو غدًا جِيفَة (2) .

و روي أيضًا في الباب عن السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : آفة الحسب الافتخار و العُجْب (3) .

و روي أيضًا في الباب عن عُقْبَة بن بشير الأسديّ قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام):

ص: 251


1- . الكافي : 2 / 329 ح 5 ؛ الوسائل : 16 / 42 ح 20927 .
2- . الكافي : 2 / 328 ح 1 ؛ و عنه في الوسائل : 16 / 42 ح 20924 .
3- . الكافي : 2 / 328 ح 2 ؛ و عنه في الوسائل : 16 / 42 ح 20925 .

أنا عُقْبَة بن بشير الأسديّ و أنا في الحسب الضَّخْمِ مِن قومي . قال : فقال : ما تَمُنُّ علينا بِحَسَبِک، إنَّ الله رفع بالإيمان مَن كان الناس يُسَمُّونه وضيعًا إذا كان مؤمنًا ووضع بالكفر مَن كان الناس يُسَمُّونه شَريفًا إذا كان كافرًا، فَلَيسَ لأحدٍ فضلٌ على أحدٍ إلّا بالتقوى (1) .

و لا يدلّ شيء من النصوص المذكورة على كون مطلق الافتخار و الكبر من الكبائر، لكن في المقام نصوصٌ أُخَر يدلّ على أنّ الكبر من الكبائر، منها : ما رواه في الكافي في باب الكبر من الكتاب المذكور، عن علاء بن الفضيل، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : قال : قال أبو جعفر - صلوات الله عليه - : العِزُّ رِداءُ الله، و الكِبرُ إِزارُه، فمَن تناول شيئًا منهُ أكَبَّه الله في جهنّم (2).

و سنده صحيح .

و منها : ما رواه في الباب عن ليثٍ المراديّ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : الكِبر رداء الله، فمَن نازع الله شيئًا من ذلک أكبّه الله في النار (3) .

و غيرهما .

و هذه جملة من الأمور المحرّمة قد أحببنا إيرادها في المقام ؛ بعضها من الكبائر، فينقدح في العدالة بمجرّد فعله ؛ و بعضها من الصغائر، فلا ينقدح فيها إلّا مع الإصرار .

ص: 252


1- . الكافي : 2 / 328 ح 3 .
2- . الكافي : 2 / 309 ح 3 ؛ الوسائل : 15 / 374 ح 20782 .
3- . الكافي : 2 / 309 ح 5 ؛ الوسائل : 15 / 374 ح 20783 .

جعلنا الله - تعالى - من المصرّين على اجتناب المعاصي، و من الملازمين بتقواه الناجي يوم يفوز فيه الأولياء برحمته الجليّ، بمنّه و لطفه الخفيّ العليّ.

ترک المندوبات لا ينقدح في العدالة

14- مسألة

اشارة

لا ينقدح في العدالة ترک المندوبات و إن أصرّ، لأنّ المندوب جائزٌ تركه، والشيء الجائز لا ينقدح في العدالة .

نعم، لو بلغ الترک إلى التهاون بها ينقدح حينئذ، و الترک حينئذٍ ليس جائزًا، بل حرامٌ، إمّا من الصغيرة فينقدح مع الإصرار، أو من الكبيرة فينقدح و لو بدونه .

الاشتغال بالصنائع المباحةوالمكروهة والدنيّة غير قادح في العدالة

15- مسألة

اشارة

الاشتغال بالصنائع المباحة - كالكتابة و التجارة - و الصنائع المكروهة -كالصباغة و الحياكة - و الصنائع الدنيّة - كالحجامة و الزبالة - غير قادح في العدالة، لا أعرف فيه خلافًا عندنا (1) .

ص: 253


1- . كفاية الأحكام : 2 / 754 .

و الخلاف قد نقل عن بعض أهل الخلاف في الصنائع المكروهة و الدنيّة، فقال بانقداحهما فيها، لأنّ الاشتغال بهذه الحرف يشعر بالخسّة و قلّة المروّة (1) .

و فيه : إنّا لا نسلّم ذلک مطلقًا ؛ و كيف ؟! مع أنّ هذه الأمور ممّا لابدّ فيه الإنسان ويتوقّف عليه النظام، فالاشتغال به في بعض الأحيان واجب، و تركه يكون قادحًا في العدالة .

و أيضًا لو سلّمنا ذلک نقول : إنّ قدح العدالة إنّما هو لفعل المنافي للمروّة، لا لخصوص الاشتغال بهذه الحرف، إذ أيّ فعلٍ و صنعةٍ حصل منهما ذلک يقدح فيها .

و فصّل بعضٌ آخر منهم بين كون هذه الحرف صنعة آباء المشتغل بها، فلا يقدح في العدالة، و إلّا فيقدح (2) .

و فيه أيضًا نظر، إذ ربما يكون الشيء بالنسبة إلى الأب غير مناف للمروّة وبالنسبة إلى الإبن منافيًا لها و بالعكس، كما هو ظاهر يشهد به الوجدان ونشاهد بالعيان .

نعم، و الّذي يظهر في هذه الأعصار في كثير من الديار و الأمصار عدم قبول شهادة أكثر أهل الحرف، لأنّ كِذبهم قد بلغ مرتبة كأنّه قد عدم الصدق في مقابله .

ص: 254


1- . نقله عن بعض العامّة في المسالک : 14 / 189 ؛ و الرياض : 13 / 346 ؛ وانظر الشرح الكبير : 12 / 35و48 ؛ و المجموع : 16 / 182 ؛ و المغني، لابن قدامة : 7 / 377 ؛ و روضة الطالبين : 8 / 210 ؛ و حليةالعلماء : 8 / 249 .
2- . نقله عن بعضهم في المسالک : 14 / 189 ؛ و كشف اللثام : 10 / 300 ؛ وانظر : روضة الطالبين : 8 / 210 ؛والمغني، لابن قدامة : 12 / 34 و 35 .

حكم الحَمَام

16- مسألة

اشارة

في حكم الحَمَام ؛ اعلم : أنّ الكلام في الحَمَام يقع في مقامات :

المقام الأوّل: في اتّخاذ الحمام لنحو الاُنس

والفرخ و إرسال الكتب إلى البلدان

فاعلم : أنّ ذلک جائزٌ من غير كراهة، للأصل و العمومات (1) .

و في الكفاية (2) في الأوّلين : لا أعرف فيه خلافًا، بل المستفاد من جملة من النصوص الترغيب في ذلک و استحبابه، منها (3) : ليس مِن بيتٍ فيه حمامٌ إلّا لم يصب أهل ذلک البيت آفةٌ من الجنّ، إنّ سُفهاء الجنّ يعبثون في البيت فيعبثون بالحمام و يدعون (4) الإنسان (5) .

ص: 255


1- . انظر رياض المسائل : 13 / 259 .
2- . كفاية الأحكام : 2 / 753 .
3- . رواها في الكافي عن أبي خديجة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) .
4- . في المصدر : و يتركون الإنسان .
5- . الكافي : 6 / 546 ح 5 ؛ الوسائل : 11 / 516 ح 15415 .

و منها (1) : دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام)*، فرأيت على فِراشه ثلاث حماماتٍ

خُضرٍ قد ذَرَقْنَ على الفِراش، فقلت : جعلت فداک هؤلاء الحمام يقذر (2) الفراش،

فقال : لا إنّه يستحبّ أن يسكن (3) في البيت (4) .

فلا يضرّ في قبول الشهادة مجرّد اتّخاذ الحمام، لعموم دليل قبول الشهادة مع عدم ما يخصّصه و يمنع قبولها إلّا اتّخاذ الحمام، كما هو المفروض ؛ و هو غير صالح لذلک لا عقلاً و لا شرعًا .

المقام الثاني: في اقتنائها واتّخاذها للّعب بها من غير رهان

كأن يطيّرها ليتقلّب في السماء و تجيء .

و ذهب ابن إدريس (5) إلى حرمة ذلک و قدحه في العدالة و قبول الشهادة .

و نقله في الكفاية (6) عن ابن حمزة، لقبح مطلق اللعب، لورود المذمّة عليه في الآيات و الأخبار، و هذا منه .

ص: 256


1- . رواها في الكافي عن عبد الكريم بن صالح .
2- . في المصدر : تقذر .
3- . في المصدر : أن تسكن .
4- . الكافي : 6 / 548 ح 15 ؛ و عنه في بحار الأنوار : 62 / 20 ح 26 .
5- . السرائر : 2 / 124 .
6- . الكفاية : 2 / 753 .

و نقل عن كافّة متأَخّري الأصحاب جواز ذلک مع الكراهة (1) .

و هو المحكىّ عن الشيخ في المبسوط و النهاية و ابن البرّاج (2) ، بل ظاهر الأوّل أنّه مجمع عليه بيننا على ما حكي عنه من أنّه قال في المبسوط :

اقتنائها للّعب بها، و هو أن يطيّرها و يتقلّب (3) في السماء و نحو هذا، فإنّه مكروه عندنا (4) .

و لعلّ هذا هو الأظهر، لما عرفت من الإجماع الظاهر ممّا تقدّم .

و ما رواه في التهذيب عن علا (5) بن سيابة أنّه قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة مَن يلعب بالحمام، فقال : لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق (6) .

و ضعف الخبر غير مضرّ، لانجباره بالشهرة، بل الإجماع على ما عرفت .

و الجواب عمّا ذكره ابن إدريس - طاب ثراه - هو أنّه يجب تقييد الآيات والأخبار الدالّة على حرمة مطلق اللعب بغير ما نحن فيه، بقرينة ما مرّ من الإجماع الظاهر و الرواية .

إن قيل : لو كانت الرواية مستندةً في الحكم المذكور، ينبغي الحكم بعدم

ص: 257


1- . نقله عنهم في الرياض : 13 / 260 .
2- . انظر المبسوط : 8 / 221 ؛ والنهاية : 2 / 56 ؛ والمهذّب : 2 / 557 .
3- . « و يتقلّب » لم يرد في المصدر .
4- . المبسوط : 8 / 222 .
5- . في التهذيب : العلا ؛ و في الفقيه : العلاء .
6- . الفقيه : 3 / 48 ح 3303 ؛ التهذيب : 6 / 284 ح 784 ؛ الوسائل : 27 / 412 ح 34085 .

الكراهة أيضًا، لأنّ البأسَ المنفيّ فيها نكرةٌ في سياق النفي، فتفيد العموم .

قلت : إفادة النكرة للعموم في سياق النفي مسلّمة، لكن إنّما تفيده بحسب معناها ؛ و معنى لفظ « البأس » - كما يستفاد من اللغة - هو العذاب .

قال في الصحاح :

البأس : العذاب (1) .

و مثله قال في القاموس (2) .

فيكون إفادته العموم بالنسبة إلى أفراد العذاب، و نحن نقول به ؛ و معلوم أنّ الكراهة ليست بعذاب، فلا ينافيها الرواية، لأنّ نفي العذاب المستفاد من نفي البأس في الرواية أعمّ من نفي الكراهة، فلا يستلزمه .

و على تقدير تسليم نقل هذه العبارة في العرف و العادة إلى ما يستفاد منه نفي الكراهة أيضًا و تسليم تقديم العرف على اللغة نقول : إنّ الرواية ليست بحجّة بنفسها، لضعفها ؛ و حجّيّتها إنّما هي لما تقدّم، و هو إنّما دلّ على عدم الحرمة، لا على عدم الكراهة، بل دلّ على إثباتها، فتأمّل .

ص: 258


1- . الصحاح : 3 / 906 .
2- . القاموس المحيط : 2 / 199 .

و المقام الثالث: في اتّخاذها للّعب بها مع الرهان

و هو حرام، قادحٌ في العدالة، فلا تقبل من فاعله الشهادة ؛ قد نقل على ذلک إجماع الطائفة، و لما دلّ على اختصاص جواز الرهان في الخفّ و الحافر من الحيوان و النصل من غيره، كالسيف و السهم و غيرهما (1) ؛ و لتحقيق المقام مقام آخر.

و أمّا ما دلّ عليه الرواية المرويّة في الفقيه عن علاء (2) بن سيابة عن أبي عبدالله (عليه السلام) حيث سأله عن شهادة من يلعب بالحمام، قال : لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق (3) . قلت : فإنَّ مِنْ قِبَلِنا يقولون : قال عمر : هو شيطان، فقال : سبحان الله أَما عَلِمتَ أنَّ رسول الله (صلي الله عليه واله) قال : إنَّ الملائكة لَتَنْفِرُ عند الرهان و تَلْعَنُ صاحِبَه ما خلا الحافر و الخُفّ و الريش و النصل، فإنَّها تَحْضُرُها الملائكة و قد سابق رسول الله (صلي الله عليه واله) أسامة بن زيد و أجرى الخيل (4) .

حيث انّ ظاهرها يدلّ على جواز الرهان على الحمام و غيره من الطيور، بناءً

ص: 259


1- . انظر رياض المسائل : 13 / 261 .
2- . في المصدر : العلاء .
3- . التهذيب : 6 / 284 ح 784 .
4- . الفقيه : 3 / 48 ح 3303 .

على أنّ المراد من الريش مطلق الطيور، فغير معمول بها، لما عرفت من نقل الإجماع على عدم ذلک .

و نقل عن العلّامة في التذكرة أنّه قال :

لا تجوز المسابقة على الطيور من الحمامات و غيرها بالعوض عند علمائنا، و هو أصحّ قولي الشافعي (1) .

و نقل عنه أيضًا أنّه قال :

لا خلاف في تحريم الرهان عليها (2) .

أي : على الطيور .

و لهذا حمل بعض الأصحاب الريش في الرواية على السهام، لأنّ فيها ريشًا ؛ مع أنّ علاء بن سيابة مجهول، إلّا أنّ قبله أبان بن عثمان، و هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، و السند إليه معتبر، لأنّه قال في المشيخة :

و ما كان فيه عن العلاء بن سيابة فقد رويته عن أبي (رضي الله عنه)، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن العلاء بن سيابة (3) .

فالجواب الحقّ هو ما تقدّم .

ص: 260


1- . التذكرة ( ط . ق ) : 2 / 354 .
2- . التذكرة ( ط . ق ) : 2 / 354 .
3- . الفقيه : 4 / 515 .

و ربّما حملت على التقيّة (1) ؛ قال في المسالک :

قيل : إنّ حفص بن غياث وضع للمهديّ العبّاسي في حديث : « لا سبق إلّا في نصل أو خفّ أو حافر » (2) قوله : « أو ريش »، ليدخل فيه الحمام، تقرّبًا إلى قلب الخليفة حيث رآه يحبّ الحمام، فلمّا خرج من عنده قال : « أشهد أنّ قفاه قفا كذّاب، ما قال رسول الله (صلي الله عليه واله) : أو ريش، ولكنّه أراد التقرّب إلينا بذلک » (3) ، ثمّ أمر بذبح الحمام (4) .

تنبيه

اعلم : أنّ قوله (عليه السلام) في ذيل الرواية : « و قد سابق رسول الله (صلي الله عليه واله) أسامة بن زيد وأجرى الخيل » (5) ، الظاهر أنّه لمّا استبعد في نظر الراوي مطلق الرهان و السباقة فقد ذكر (عليه السلام) فعله (صلي الله عليه واله) لرفع الاستبعاد ؛ هذا .

و نقل عن بعضهم (6) أنّ المراد بلعب الحمام عند أهل مكّة هو لعب الخيل،

ص: 261


1- . انظر ملاذ الأخيار : 10 / 174 ؛ و رياض المسائل : 13 / 261 .
2- . الكافي : 5 / 50 ح 14 ؛ وانظر مسند أحمد : 2 / 474 ؛ و سنن ابن ماجة : 2 / 960 ح 2878 ؛ و سننالنسائي : 6 / 226 .
3- . تاريخ الخلفاء، للسيوطي : 275 ؛ و فيه : غياث بن إبراهيم، بدل : حفص بن غياث .
4- . مسالک الأفهام : 14 / 188 .
5- . الفقيه : 3 / 48 ح 3303 .
6- . نقله عن بعض الأجلّة في الرياض : 13 / 260 ؛ و البعض هو الحرّ العاملي قدس سره ، راجع هامش الوسائل :27/ 413 .

فاحتمل ورود الخبر على مصطلحهم، و أيّد ذلک بما وجد في ذيله : « و قد سابق رسول الله (صلي الله عليه واله)» إلى آخره .

ثمّ اعلم : أنّ المستفاد من العبارة المتقدّمة من التذكرة جواز المسابقة على الطيور من الحمامات و غيرها بغير العوض، مع أنّه نقل عن العلّامة فيها (1) أنّه نقل عن المبسوط :

فأمّا المسابقة بالطيور فإن كان بغير عوض جاز عندهم - يعني العامّة - وإن كان بعوض فعلى قولين، و عندنا لا يجوز للخبر (2) .

و نقل عنه أنّه قال بعد نقل هذه العبارة عن المبسوط :

و هذا يقتضي المنع من المسابقة عليها بغير عوض، مع أنّ المشهور عندنا أنّه يجوز اتّخاذ الحمام للأنس و إنفاذ الكتب، و يكره للتفرّج والتطيّر(3) . أقول : و التحقيق في المقام أن يقال : إنّ بين الأدلّة الدالّة على النهي عن مطلق اللعب و بين ما دلّ على جوازه في الحمام عمومًا من وجه، لأنّ الأدلّة الناهية تدلّ على النهي عن اللعب مطلقًا، سواء كان مع الحمام و غيرها .

و ما مرّ آنفًا و إن كان قد دلّ على جواز اللعب مع الحمام إذا كان من غير رهان، لكنّه أعمّ من أن يكون بطريق المسابقة أم لا ؛ و الترجيح للأدلّة الناهية من وجوهٍ

ص: 262


1- . نقله عنه في مجمع الفائدة : 10 / 170 ؛ و كفاية الأحكام : 1 / 719 .
2- . تذكرة الفقهاء ( ط. ق ) : 2 / 354 ؛ وانظر المبسوط : 6 / 292 .
3- . تذكرة الفقهاء ( ط . ق ) : 2 / 354 .

عديدة ؛ هذا .

لكنّ الإنصاف أنّ التعارض بينهما عموم مطلق، لأنّ الأدلّة الناهية عامّة، وما مرّ ممّا دلّ على جواز اللعب بالحمام خاصّ .

فالجواب الحقّ أن يقال : إنّ الخاصّ بنفسه كان ضعيفًا، فلا يصلح لتخصيص العمومات الناهية، لكن قلنا بجواز اللعب بها، و تخصيص العمومات الناهية لانجباره بالشهرة ؛ و ليست فيما نحن فيه قطعًا، فلا يجوز تخصيص العمومات بالنسبة إليه بسبب ذلک الخاصّ، سيّما بعد ما عرفت من كلام المبسوط من نسبة عدم جواز ذلک إلينا حيث قال :

و عندنا لا يجوز (1) .

ولد الزنا شهادته غير مقبولة

17- مسألة

اشارة

و يشترط في الشاهد أيضًا طهارة المولد، فلا تقبل شهادة ولد الزنا، للأصل والإجماع، كما في الانتصار حيث قال :

و ممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ شهادة ولد الزنا لا تقبل و إن كان على ظاهر العدالة .

ص: 263


1- . المبسوط : 8 / 222 ؛ و فيه : فإنّه مكروهٌ عندنا .

إلى أن قال :

دليلنا على ذلک إجماع الطائفة عليه (1) .

و نقل الإجماع على ذلک من الخلاف و الغنية (2) ، و النصوص المستفيضة، منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن شهادة ولد الزنا، فقال : لا (3) .

و منها : ما رواه أبو أيّوب الخزّاز عن محمّد بن مسلم قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لايجوز (4) شهادة ولد الزنا (5) .

و منها : ما رواه أبو بصير حيث قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ولد الزنا أتجوز شهادته ؟ قال : لا (6) ؛ قلت : إنّ الحَكَم (7) يزعم أنّها تجوز ؛ فقال : اللّهمّ لا تغفر ذنبه (8).

و منها : ما رواه عبيد بن زرارة عن أبيه قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : لو أنّ

ص: 264


1- . الانتصار : 501 .
2- . غنية النزوع : 440 ؛ الخلاف : 2 / 627 ؛ و نقله عنهما في كشف اللثام : 10 / 301 ؛ و رياض المسائل :13 / 307 .
3- . التهذيب : 6 / 244 ح 612 ؛ و في آخره : « لا و لا عبد » ؛ الوسائل : 27 / 376 ح 33988 .
4- . في المصدر : لا تجوز .
5- . الكافي : 7 / 395 ح 6 ؛ التهذيب : 6 / 244 ح 613 ؛ الوسائل : 27 / 375 ح 33985 .
6- . الكافي : 7 / 395 ح 4.
7- . في الكافي : الحكم بن عتيبة .
8- . الكافي : 1 / 400 ح 5 و 7 / 395 ح 4 ؛ التهذيب : 6 / 244 ح 610 ؛ الوسائل : 27 / 374 ح 33983 .

أربعةً شهدوا عندي على رجلٍ بالزنا و فيهم ولد زنا (1) ، لحدّدتهم جميعًا، لأنّه لاتجوز شهادته و لا يؤمّ الناس (2) .

قال في الانتصار :

فإن قيل : أليس ظواهر الآيات الّتي احتججتم بها تقتضي قبول شهادة ولد الزنا إذا كان عدلاً، فكيف امتنعتم من قبول شهادته مع العدالة و هو داخلٌ في ظواهر الآيات ؟

قلنا : هذا موضع لطيف لابدّ من تحقيقه، و قد حقّقناه في مسألة أمليناها قديمًا في الخبر الّذي يروي بأنّ ولد الزنا لا يدخل الجنّة، و بسطنا القول فيها، لأنّ ولد الزنا لا يتعدّى إليه ذنب من خلق من نطفته و له حكم نفسه، فما المانع من أن يكون عدلاً مرضيًّا ؟

و الّذي نقول (3) : إنّ طائفتنا مجمعة على أنّ ولد الزنا لا يكون نجيًّا (4) ولا مرضيًّا عند الله - تعالى - ؛ و معنى ذلک أن يكون الله - تعالى - قد علم فيمن خلق من نطفة زنا أن لا يختار هو الخير و الصلاح .

فإذا علمنا بدليلٍ قاطعٍ عدم نجابة ولد الزنا و عدالته و شهد و هو مظهر للعدالة مع غيره لم يلتفت إلى ظاهره المقتضي لظنّ العدالة به، و نحن

ص: 265


1- . في الكافي : ولد الزنى .
2- . الكافي : 7 / 396 ح 8 ؛ التهذيب : 6 / 244 ح 614 ؛ الوسائل : 27 / 376 ح 33986 .
3- . في المصدر : نقوله .
4- . في المصدر : نجيبًا .

قاطعون على خبث باطنه و قبح سريرته، فلا تقبل شهادته، لأنّه عندنا غير عدل و لا مرضيّ .

فعلى هذا الوجه يجب أن يقع الاعتماد دون ما تعلّق به أبو عليّ بن الجنيد ( ؛ )، لأنّه قال : إذا كنّا لا نقبل شهادة الزاني و الزانية كان ردّنا لشهادة مَن هو شرّ منهما أولى، و روي عن النبيّ (صلي الله عليه واله) أنّه قال في ولد الزنا : « أنّه شرّ الثلاثة » (1) .

و هذا غير معتمد، لأنّ الخبر الّذي رواه خبر واحد لا يوجب علمًا ولاعملاً، و لا يرجع بمثله عن ظواهر الكتاب الموجبة للعلم .

و إذا كان معنى قوله (صلي الله عليه واله) : « إنّه شرّ الثلاثة » من حيث لم تقبل شهادته أبدًا و قبلت شهادة الزانيين إذا تابا، فقد كان يجب على ابن الجنيد أن يبيّن من أىّ وجه لم تقبل شهادته على التأبيد، و كيف كان أسوأ حالاً في هذا الحكم من الكافر الّذي تقبل شهادته بعد التوبة من الكفر و الرجوع إلى الإيمان، و يبيّن كيف لم تقبل شهادته مع إظهار العدالة و الصلاح والنسک والعبادة، و أنّه بذلک داخل في ظواهر آيات قبول الشهادة و ما شرع في ذلک و لا اهتدى له . والوجه هو ما نبّهنا عليه الموافق للقول بالعدل، إنتهى كلامه - أعلى الله مقامه (2) .

ص: 266


1- . علل الشرائع : 564 ح 2 ؛ بحار الأنوار : 5 / 285 ح 5 ؛ مسند أحمد : 2 / 598 ح 8037 ؛ سنن البيهقي :10 / 99 ح 19987 ؛ سنن أبي داود : 4 / 29 ح 3963 ؛ المستدرک للحاكم : 4 / 100 .
2- . الانتصار : 501 .

في الجواب عن الاعتراض الّذي أورده

العلّامة و الشهيد الثاني على السيّد المرتضى

و اعترض عليه في المختلف (1) بأنّه لا فرق بين دليليهما، لأنّ ما ذكره في الردّ على ابن الجنيد من كون الخبر الّذي استدلّ به على عدم قبول شهادة ولد الزنا خبرًا واحدًا مشترک الورود، إذ كما أنّ الخبر الّذي رواه أبو عليّ خبر واحد كذلک الخبر الّذي ذكره هو، و هو : « أنّه لا يدخل الجنّة ولد الزنا » ؛ اللّهمّ إلّا أن يكون متواترًا في زمن السيّد .

و تبعه شيخنا الشهيد الثاني في المسالک في أصل الاعتراض، فقال :

و احتجّ (2) المرتضى - لعدم قبول شهادة ولد الزنا (3) - بالإجماع والخبر (4) الّذي ورد أنّ ولد الزنا لا ينجب .

إلى أن قال :

و هذا كلّه مبنيّ على ثبوت الخبر الوارد بذلک، بل تواتره، لأنّ غير المتواتر لا يوجب الحجّة عنده ؛ و نحن و مَن قبلنا لم يمكنا إثباته بسندٍ معتمد، فضلاً عن كونه متواترًا .

ص: 267


1- . انظر المختلف : 8 / 490 .
2- . في المصدر : واحتجّ له .
3- . « لعدم قبول شهادة ولد الزنا » لم يرد في المصدر .
4- . في المصدر : و بالخبر .

و قال :

و اعتذر له في المختلف (1) بجواز كونه متواترًا في زمانه، ثمّ انقطع .

ولايخفى ما فيه من التكلّف و ظهور المنع (2) .

و فيما أورداه على السيّد (رضي الله عنه) نظر، لأنّه مبنيّ على عدم التأمّل في كلامه .

أمّا وجه النظر بالنسبة إلى ما أورده في المختلف، فهو : أنّا نسلّم أنّ الخبرين مشتركان في كونهما خبرًا واحدًا، لكنّ السيّد لم يجعل الخبر المذكور - و هو : « أنّ ولد الزنا لا يدخل الجنّة » - دليلاً لعدم قبول شهادة ولد الزنا، بل إنّما قال :

حقّقت (3) ذلک في مسألة أمليناها قديمًا في الخبر الّذي يروي بأنّ ولد الزنا لايدخل الجنّة (4) .

كما عرفت من عبارته المتقدّمة، بل دليله في ذلک هو ما ذكره بعد ذلک من الإجماع على عدم نجابة ولد الزنا، حيث قال :

و الّذي نقول (5) : أنّ طائفتنا مجمعة على أنّ ولد الزنا لا يكون نجيبًا ومرضيًّا(6) ؛ إلى آخر ما ذكره (7)

ص: 268


1- . انظر المختلف : 8 / 490 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 223 .
3- . في المصدر : حقّقناه .
4- . الانتصار : 502 .
5- . في المصدر : نقوله .
6- . في المصدر : و لا مرضيًّا .
7- . الانتصار : 502 .

و أمّا وجه النظر بالنسبة إلى ما أورد عليه في المسالک، فهو الّذي عرفته، مضافًا إلى أنّ ما ذكره من استناد السيّد في عدم قبول شهادة ولد الزنا إلى الخبر الّذي ورد: « أنّ ولد الزنا لا ينجب »، ليس له في كلام السيّد أثر، فراجع حتّى يظهر لک، بل مستنده في ذلک هو ما عرفته من الإجماع على عدم نجابة ولد الزنا و كونه مرضيًّا عند الله، بناءً على ما ذكره من أنّ :

معنى ذلک أن يكون الله - تعالى - قد علم فيمن خلق من نطفة زنا أن لايختار هو الخير و الصلاح، فإذا علمنا بدليل قاطع عدم نجابة ولد الزنا وعدالته و شهد و هو مظهر للعدالة مع غيره لم يلتفت إلى ظاهره المقتضي لظنّ العدالة به (1) .

و مراده من الدليل القاطع في قوله : « فإذا علمنا بدليل قاطع »، هو : الإجماع الّذي ذكره بقوله : « إنّ طائفتنا مجمعة » إلى الآخر .

و ليس استناده في ذلک إلى الخبر الّذي ذكره، و هو : « أنّ ولد الزنا لا يدخل الجنّة » حتّى يعترض عليه أنّه غير متواتر ؛ على أنّه لو ثبت عدم تواتره نقول : إنّ الإجماع الّذي ذكره السيّد قرينته، فيكون من الخبر الواحد القطعيّ المحفوف بالقرينة، فيكون حجّةً أيضًا عند الجميع .

فما ذكر شيخنا الشهيد الثاني في عبارته المتقدّمة من أنّ غير المتواتر لا يوجب الحجّة عنده، ليس على إطلاقه، لأنّ الخبر الواحد المحفوف بالقرينة مثل المتواتر

ص: 269


1- . الانتصار : 502 .

في إفادة القطع، فيكون حجّةً عند الجميع .

نعم، غير المتواتر إنّما لا يكون حجّة عنده إذا لم يكن محفوفًا بالقرينة القطعيّة، لا مطلقًا .

ألا ترى كلام السيّد في مقام الردّ على ابن الجنيد حيث قال :

إنّه خبر واحد لا يوجب علمًا و لا عملاً (1) .

و مفهومه أنّه لو يوجب العلم ليس كذلک، والله العاصم .

اعلم : أنّه قد ناقش في المسالک في النصوص المتقدّمة أيضًا، فقال بعد ذكرها :

أجودها سندًا الخبر الأوّل، لكن دلالته لا تخلو من قصور . و أمّا الثاني فصحّته ممنوعة، و إن شهد له بها العلّامة في المختلف (2) و ولده في

الشرح (3) ، لأنّ في طريقها (4) : محمّد بن عيسى عن يونس، و هو مقدوحٌ إمّا مطلقًا، أو على هذا الوجه . و في طريق الثالث : أبان وأبوبصير، و هما مشتركان بين الثقة و غيره . و في طريق الرابع : ابن فضّال، و حاله مشهور (5) .

أقول : أمّا ما ذكره من قصور الدلالة في الرواية الأولى فوجهه غير ظاهر، لأنّها

ص: 270


1- . الانتصار : 502 .
2- . انظر المختلف : 8 / 488 .
3- . انظر إيضاح الفوائد : 4 / 425 .
4- . في المصدر : طريقه .
5- . مسالک الأفهام : 14 / 222 .

هذه : « قال سألته عن شهادة ولد الزنا، قال : لا » (1) ؛ و لا شکّ أنّ المفهوم العرفيّ منه هو : أنّه سألته عن قبول شهادة ولد الزنا أو عن جوازها، و أيًّا ما كان يثبت المطلوب .

و أمّا ما ذكره من عدم ظهور صحّة الثاني، لأنّ في طريقها محمّد بن عيسى عن يونس، فنقول : إنّه و إن تقدّم منّا مكرّرًا قدح الحديث بذلک، إلّا أنّ الظاهر أنّه لايقدح، فالحديث كما ذكره العلّامة و ولده صحيح .

و أمّا ما ذكره في الحديث الثالث من أنّ في طريقه أبان و أبو بصير، و هما مشتركان بين الثقة و غيره، فأقول (2) : أمّا أبان فهو و إن كان مشتركًا بين الثقة

وغيره، إلّا أنّ الظاهر أنّه أبان بن عثمان، لأنّه الغالب، فينبغي أن ينصرف إليه الإطلاق .

و أمّا أبو بصير، فالأمر فيه و إن كان كما ذكر، إلّا أنّ أبان ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه .

و أمّا ابن فضّال، فهو موثّق .

و على فرض تسليم ذلک نقول : إنّ النصوص المذكورة منجبرة بعمل الطائفة، فلا وجه للتأمّل في المسألة .

ص: 271


1- . التهذيب : 6 / 244 ح 612 ؛ و في آخره : « لا و لا عبد » ؛ الوسائل : 27 / 376 ح 33988 .
2- . جاء في حاشية الأصل : هذا على فرض تسليم الاشتراک في أبي بصير بين الثقة و غيره ؛ و التحقيقخلافه، كما حقّقناه في محلّه ؛ منه ( حقّقه في رسالته : الإرشاد الخبير البصير إلى تحقيق الحال في أبي بصير،المطبوعة ضمن الرسائل الرجاليّة : 129 - 186 ) .

ثمّ اعلم أيضًا : أنّ الأدلّة المتقدّمة من النصوص و الإجماعات المنقولة مقتضاها عدم قبول شهادة ولد الزنا مطلقًا و إن كان في الشيء اليسير، خلافًا للمحكيّ عن الشيخ في النهاية و ابن حمزة في الوسيلة (1) ، مجوّزا قبول شهادته في الشيء الدون مع ظهور صلاحه، لما رواه عيسى بن عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) حيث سأله عن شهادة ولد الزنا، فقال : لا تجوز إلّا في الشيء اليسير إذا رأيت منه صلاحًا (2) .

و الحديث معتبر، بل حسن .

وجه الاستدلال هو : أنّ الأدلّة المتقدّمة قد دلّت على عدم جواز قبول شهادة ولد الزنا بقولٍ مطلق، و الحديث المذكور قد دلّ على جواز قبول شهادته في الشيء اليسير دون الكثير ؛ و مقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيّد، فيجب تقييد تلک النصوص بذلک.

و أجاب عن هذا الحديث في المختلف بأنّا نقول بموجبه، فإنّه يعطي بمفهومه الردّ في الكثير، و ما من يسير إلّا و هو كثيرٌ بالنسبة إلى ما دونه، فلا تقبل شهادته إلّا في أقلّ الأشياء الّذي لا يكون كثيرًا بالنسبة إلى شيء، و مثله لا يتملّک (3) .

و الإنصاف أنّ هذا غير مناسب للجواب، لأنّ الألفاظ محمولة على معانيها العرفيّة، فينبغي أن تقبل شهادته فيما يقال في العرف أنّه يسير .

ص: 272


1- . النهاية : 2 / 53 ؛ الوسيلة : 230 ؛ و حكاه عنهما في كشف اللثام : 10 / 302 .
2- . التهذيب : 6 / 244 ح 611 ؛ الوسائل : 27 / 376 ح 33987 ؛ عوالي اللّألئ : 3 / 533 ح 20 .
3- . انظر المختلف : 8 / 490 .

فالحقّ في الجواب أن يقال : إنّ حمل المطلق على المقيّد إنّما يكون إذا لم يكن مدلول المقيّد شاذًّا، و القول بقبول شهادته في الشيء اليسير شاذّ، فلا يصلح المقيّد المذكور لتقييد المطلق المعمول به عند المشهور، بل المجمع عليه كما عرفت، سيّما بعد رجوع الشيخ عن قوله في النهاية في الخلاف (1) ، فقد حكي عنه أنّه قد منع عن قبول شهادته فيه مطلقًا (2) .

و عن المبسوط :

شهادة ولد الزنا إذا كان عدلاً مقبول (3) عند قوم في الزنا و في غيره، وهو قوىّ، لكن أخبار أصحابنا يدلّ على أنّه لا تقبل (4) شهادته (5) .

هذا، مع أنّ المحكيّ عن ابن إدريس : الإجماع على كفره، و الكافر لا تقبل شهادته و لو في الشيء اليسير (6) .

ثمّ لا يخفى عليک أنّ ما مرّ من عدم جواز قبول شهادة ولد الزنا إنّما هو إذا ثبت شرعًا أنّه من ذلک ؛ و أمّا إذا لم يثبت ذلک، فتقبل شهادته بعد استجماع الشرائط الأخر و إن نسب إلى الزنا، كما صرّح به جمع من الأصحاب (7) .

ص: 273


1- . انظر الخلاف : 6 / 309 المسألة 57 .
2- . حكاه عنه في الرياض : 13 / 309 .
3- . في المصدر : مقبولة .
4- . في المصدر : لا يقبل .
5- . المبسوط : 8 / 228 ؛ و حكاه عنه في كشف اللثام : 10 / 303 .
6- . السرائر : 3 / 171 ؛ و حكاه عنه في المختلف : 8 / 488 ؛ و المسالک : 14 / 222 ؛ و رياض المسائل :13 / 311 .
7- . انظر الشرح الصغير : 3 / 311 ؛ و رياض المسائل : 13 / 311 .

لأنّ المتبادر من ولد الزنا في النصوص المذكورة و عبارات الأصحاب هو ما علم ذلک، فتنصرف إليه، فيبقى الإطلاقات الدالّة على قبول الشهادة بالنسبة إلى ما نحن فيه سالمة عمّا يصلح للمعارضة .

إن قلت : كما يتبادر من ولد الزنا في النصوص الدالّة على عدم جواز قبول شهادة ولد الزنا ما علم أنّه ولد زنا، كذا يتبادر من العدالة في الأدلّة الدالّة على اعتبارها العدالة المعلومة ؛ و معلوم أنّ مَن احتمل أنّه ولد الزنا ليست عدالته معلومة، و ليس قبول الشهادة على وفق الأصل حتّى نقبلها فيما نحن فيه عملاً بالأصل، بل على خلاف الأصل، لأنّ الحكم على شخصٍ بشيءٍ لآخرٍ خلاف الأصل، فلا يجوز قبول شهادة مَن احتمل أنّه ولد الزنا عملاً بالأصل .

قلت : العلم بالعدالة إمّا أن يكون هو العلم بتحقّقها في نفس الأمر، أو العلم بها ظاهرًا، أي : العلم بحسن الظاهر ؛ و معلوم أنّ الأوّل غير مراد في المقام، لعدم تمكّنه، فالمراد هو الثاني ؛ و حصوله بالنسبة إلى مَن احتمل أنّه ولد الزنا ممكن، والكلام فيما إذا حصل ذلک .

ارتفاع التهمة شرطٌ في قبول الشهادة

18- مسألة

اشارة

يشترط أيضًا في الشاهد ارتفاع التهمة بالإجماع، كما ادّعاه بعض

ص: 274

الأصحاب (1) ؛ والنصوص المستفيضة، بل قيل :

لعلّها متواترة (2) .

منها : صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) حيث سأله عن الّذي يُرَدُّ من الشهود، قال : فقال : الظنين و الخصم . قال : قلت : فالفاسق و الخائن ؟ فقال : كلّ هذا يدخل في الظنين (3) .

بيان

الظنين بمعنى المتّهم، صيغة فعيل بمعنى مفعول، فعطف الخصم عليه من قبيل عطف الخاصّ على العامّ .

و منها : صحيحة عبدالله بن سنان قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما تُردّ (4) مِنَ الشهود ؟ قال : فقال : الظنين و المتّهم . قال : قلت : فالفاسق و الخائن ؟ قال : ذلک (5) يدخل في الظنين (6) .

و في السند : محمّد بن عيسى عن يونس، و هو غير مضرّ .

ص: 275


1- . انظر مسالک الأفهام : 14 / 190 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 381 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 754 ؛ و رياضالمسائل : 13 / 276 .
2- . رياض المسائل : 13 / 276 .
3- . الكافي : 7 / 395 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 242 ح 602 ؛ و رواه في « الفقيه : 3 / 40 ح 3281 » باسناده عنعبيد الله بن عليّ الحلبيّ مثله، إلّا أنّه قال : الظنين والمتّهم والخصم ؛ الوسائل : 27 / 373 ح 33978 .
4- . في المصدر : يردّ .
5- . في التهذيب : كلّ ذلک .
6- . الكافي : 7 / 395 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 242 ح 601 ؛ الوسائل : 27 / 373 ح 33977 .

بيان

قد عرفت أنّ الظنين هو المتّهم، فعطف المتّهم عليه - كما في الحديث و غيره - من قبيل العطف للتفسير .

و قيل :

الظنين هو : المتّهم في دينه، فعيل بمعنى مفعول من الظنة، و هي التهمة، وأريد بالمتّهم المتّهم في ذلک (1) القضيّة (2) .

و منها : ما رواه شعيب عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، حيث سأله عن الّذي يردّ من الشهود، قال : فقال : الظنين و المتّهم و الخصم ؛ قال : قلت : فالفاسق والخائن ؟ قال : كلّ هذا يدخل في الظنين (3) .

و لعلّ أبا بصير في هذا السند هو يحيى بن القاسم، بقرينة شعيب، لأنّه قائده وابن أخته (4) ، فيكون الحديث موثّقًا .

على أنّ هذا الحديث مرويّ في الفقيه (5) باسناده إلى عبيد الله بن عليّ الحلبي، و طريقه إليه صحيح، لأنّه قال في المشيخة :

و ما كان فيه عن عبيد الله بن عليّ الحلبي فقد رويته عن أبي و محمّد بن

ص: 276


1- . في المصدر : تلک .
2- . الوافي : 16 / 995 .
3- . الكافي : 7 / 395 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 242 ح 598 ؛ الوسائل : 27 / 373 ح 33979 .
4- . انظر مجمع الفائدة : 3 / 181 و 8 / 311 .
5- . الفقيه : 3 / 40 ح 3281 .

الحسن - رضي الله عنهما - عن سعد بن عبدالله و الحميريّ جميعًا عن أحمد و عبدالله ابني محمّد بن عيسى، عن محمّد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبيد الله بن عليّ الحلبىّ (1) .

و منها : وصيّة مولانا الأمير (عليه السلام) لشريح حيث قال : اعلم أنّ المسلمين عدول بعضهم على بعض إلّا مجلود (2) في حدّ لم يتب منه، أومعروف بشهادة زور، أو ظنين (3) .

اعلم : أنّ مقتضى إطلاق النصوص المذكورة عدم قبول شهادة المتّهم مطلقًا، فيستفاد منها أصلٌ كلّيّ، و هو : أنّ شهادة المتّهم ليست بمقبولة، فعلى هذا لابدّ في الحكم بقبول شهادة المتّهم في بعض المواضع من دليل إجماعٍ أو نصٍّ صالحٍ لتقييد النصوص الصحيحة المعتبرة المستفيضة .

و حيث ثبت ذلک نقيّد إطلاق النصوص المذكورة و نقول بمضمونه، و إلّا نعمل بإطلاق النصوص و نحكم بعدم جواز قبول شهادته، إلّا أن يوجد هناک فردٌ غيرُ غالبٍ بحيث لا ينصرف إليه إطلاق المتّهم في النصوص، فهناک نعمل بالأدلّة الدالّة على قبول الشهادة.

و كذا لو شکّ في الموضوع، أي بأنّ ذلک الشاهد هل يصدق عليه أنّه متّهم، أم لا؟ بل بطريقٍ أولى .

ص: 277


1- . الفقيه : 4 / 429 .
2- . في الكافي : مجلودًا .
3- . الكافي : 7 / 413 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 225 ح 541 ؛ الوسائل : 27 / 211 ح 33618 .

المواضع الّتي حكم فيها بقبول شهادة المتّهم

إذا علمت ذلک فاعلم : أنّا نذكر في هذا المقام المواضع الّتي حكم فيها بقبول شهادة المتّهم، فإن وجدنا لها كلاًّ أو بعضًا مستندًا نذكره و نقول به، و إلّا فنعمل بالأصل الّذي استفدناه من النصوص المذكورة .

شهادة ذي الأقارب بعضهم لبعضهم مقبولة

فأقول : من تلک المواضع شهادة ذي الأقارب بعضهم لبعض، كالوالد للولد وبالعكس، و الأخ للأخ، و هكذا .

و المستند في ذلک الإجماع و النصوص، أمّا الإجماع فقد ادّعاه السيّد الأجلّ في الانتصار، حيث قال :

و ممّا انفردت به الإماميّة (1) في هذه الأعصار و إن روي لها وفاق قديم : القول بجواز شهادات ذوي الأرحام و القرابات بعضهم لبعض إذا كانوا عدولاً (2) .

ثمّ نقل هذا القول عن كثيرٍ من العامّة، منهم : عمر بن الخطّاب، و نقل الخلاف

ص: 278


1- . في المصدر : الإماميّة به .
2- . الانتصار : 496 .

عن بعضهم أيضًا (1) .

ثمّ قال :

دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه الإجماع المتردّد (2) .

و نقل الإجماع عن الغنية أيضًا (3) .

و هو ظاهر جملة من المتأخّرين أيضًا، كصاحب المسالک و الكفاية و كشف اللثام (4) .

و أمّا النصوص فمنها : صحيحة الحلبي قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : تجوز شهادة الولد لوالده، و الوالد لولده، و الأخ لأخيه، فقال : تجوز (5) .

و منها : صحيحة عمّار بن مروان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) - أو قال : سأله بعض أصحابنا - عن الرجل يشهد لأبيه، أو الأب يشهد لابنه، أو الأخ لأخيه، فقال : لا بأس (6) إذا كان خيرًا جازت شهادته لأبيه، و الأب لابنه، و الأخ لأخيه (7) .

ص: 279


1- . انظر المغني، لابن قدامة : 12 / 65 ؛ والشرح الكبير : 12 / 72 و 75 ؛ والمحلّى : 9 / 415 ؛ والمجموع :20 / 234 ؛ و بداية المجتهد : 2 / 500 و 501 .
2- . الانتصار : 497 .
3- . انظر الغنية : 439 ؛ و نقله عنه في رياض المسائل : 13 / 284 .
4- . انظر مسالک الأفهام : 14 / 194 ؛ والكفاية : 2 / 758 ؛ و كشف اللثام : 1 / 306 .
5- . الكافي : 7 / 393 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 247 ح 630 ؛ الوسائل : 27 / 367 ح 33963 .
6- . في المصدر : لا بأس بذلک .
7- . الكافي : 7 / 393 ح 4 ؛ التهذيب : 6 / 248 ح 631 ؛ الوسائل : 27 / 367 ح 33964 .

و منها : موثّقة أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة الولد لوالده، والوالد لولده، والأخ لأخيه، قال : فقال : تجوز (1) .

و منها : موثّقة سماعة قال : سألته عن شهادة الوالد لولده والولد لوالده والأخ لأخيه، قال : نعم (2) .

و غيرها .

و بهذه الأدلّة من الإجماعات و النصوص المذكورة نقيّد إطلاق ما تقدّم من الأدلّة على عدم جواز شهادة ذي التهمة .

ثمّ إنّ النصوص المذكورة و إن لم تشمل جميع أفراد المسألة صريحًا، لاختصاصها بشهادة الأب للابن، أو عكس ذلک، أو الأخ للأخ، فلا يدلّ على جواز شهادة مطلق ذي القرابات صريحًا، لكنّها دالّة على ذلک بالفحوى، بناءً على أنّه لو لم يمنع التهمة من قبول شهادة الأب للابن مثلاً و الأخ للأخ، فعدم منعها قبول شهادة الجدّ أو العمّ و هكذا بطريق أولى .

و لا يخفى عليک أنّ الأدّلة المذكورة من الإجماعات و النصوص المعتبرة قد دلّت على جواز قبول شهادة ذي النسب مطلقًا و إن لم يضمّ إليه عدل آخر أجنبيّ، فالحكم مطلق .

ص: 280


1- . الكافي : 7 / 393 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 248 ح 632 ؛ الوسائل : 27 / 368 ح 33965 .
2- . التهذيب : 6 / 247 ح 629 ؛ الوسائل : 27 / 368 ح 33966 .

خلافًا للمحكيّ عن النهاية (1) ، فاعتبر في قبول الشهادة الضميمة، لرواية السكوني عن مولانا الصادق عن أبيه (عليهماالسلام) أنّه قال : أنّ شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيًّا و معه شاهد آخر (2) .

و السكونيّ حاله معلوم، و الراوي عنه في سند الحديث النوفليّ، و هو حسين بن يزيد ؛ و قد حكى النجاشي عن قوم من القميّين أنّ حسين بن يزيد غلا في آخر عمره (3) ، فلا يصلح لتقييد النصوص المذكورة .

بل على تسليم اعتبار السند أيضًا، لما عرفت من كون تلک النصوص موافقة للإجماعات المنقولة، سيّما بعد أخصّيّة الرواية من المدّعى و ضعف الدلالة، لاحتمال أن يكون مراده (عليه السلام) أنّ قبول شهادة الأخ بانفراده غير جائز، إلّا إذا انضمّ إليه شاهد آخر، سواء كان من الأخ أو غيره، و نحن نقول بمضمونه، فتأمّل .

تجوز شهادة الرجل لامرأته

و من تلک المواضع أيضًا : شهادة الرجل لامرأته .

و يدلّ عليه من النصوص صحيحة الحلبي عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : تجوز شهادة الرجل لامرأته، و المرأة لزوجها إذا كان معها غيرها (4) .

ص: 281


1- . النهاية : 2 / 59 .
2- . التهذيب : 6 / 286 ح 790 ؛ الوسائل : 27 / 368 ح 33967 .
3- . رجال النجاشي : 38 .
4- . الكافي : 7 / 392 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 247 ح 32 ؛ الوسائل : 27 / 366 ح 33960 .

و صحيحة عمّار بن مروان قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) - أو قال : سأله بعض أصحابنا - عن الرجل يشهد لامرأته قال : إذا كان خيرًا جازت شهادته لامرأته (1) .

و موثّقة سماعة قال : سألته عن شهادة الرجل لامرأته، قال : نعم ؛ والمرأة لزوجها ؟ قال : لا إلّا أن يكون معها غيرها (2) .

و نقل عن جماعة من الأصحاب - كالشيخ في النهاية و ابن البرّاج وابن حمزة (3) - عدم قبول شهادة الزوج لامرأته إلّا بعد انضمام غيره من أهل الشهادة إليه ؛ و كان مستندهم هو ما تقدّم من النصوص المستفيضة الدالّة على عدم قبول شهادة ذي التهمة .

و الجواب عنه : أنّ تلک النصوص و إن دلّت على ذلک، إلّا أنّ دلالتها كانت بعنوان الإطلاق، و المطلق يجب تقييده بعد وجود المقيّد، و هو ما ذكرناه آنفًا من جملة من النصوص المعتبرة، إذ هي واضحة الدلالة على قبول شهادة الرجل لامرأته، سيّما الرواية الأولى و الثالثة، فإنّه (عليه السلام) جعل انضمام الغير شرطًا لقبول شهادة المرأة للزوج بعد حكمه (عليه السلام) بجواز شهادة الزوج للمرأة، فهما كالصريحين في عدم اشتراط انضمام الغير في قبول شهادة الزوج للزوجة، فيجب تقييد تلک النصوص المطلقة بهذه النصوص المقيّدة حملاً للمطلق على المقيّد، فلا إشكال في

ص: 282


1- . الكافي : 7 / 393 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 247 ح 628 ؛ الوسائل : 27 / 366 ح 33961 .
2- . التهذيب : 6 / 247 ح 34 ؛ الوسائل : 27 / 367 ح 33962 .
3- . النهاية : 2 / 59 ؛ المهذّب : 2 / 557 ؛ الوسيلة : 231 ؛ و نقله عنهم في كشف اللثام : 10 / 308 ؛ و رياضالمسائل : 13 / 289 .

المسألة بحمد الله - سبحانه .

نعم، ربما يشكل الأمر في صورة العكس - أي : في شهادة المرأة للزوج - لأنّ مقتضى النصوص الناهية عن قبول شهادة المتّهم عدم قبول شهادتها له، و المقيّد لم نجده إلّا ما عرفت من الصحيح و الموثّق، حيث دلّا على جواز قبول شهادتها للزوج مع انضمام الغير .

اعلم : أنّ في التفصيل إشكالاً، بيانه هو : أنّه لا يخلو إمّا أن يكون المراد من عدم قبول شهادة الزوجة للزوج عدمُ قبولها إذا كانت منفردة، كما دلّت عليه الصحيحة و الموثّقة، فالزوج أيضًا كذلک، لأنّ شهادة رجل واحد غير مقبولة، إلّا بعد انضمام رجل آخر إليه، فلا فرق بينهما، فما وجه تفصيل المعصوم (عليه السلام) بينهما ؟

و على هذا الاحتمال لا فرق بين الزوجة و غيرها من النساء كائنة من كانت، لأنّ شهادتها من غير انضمام الغير غير مقبولة، فما وجه اختصاص الحكم بالزوجة ؟

و إمّا أن يكون المراد من عدم قبول شهادة الزوجة مطلقًا و لو كانت مع الغير، فيكون المراد من قبول شهادة الزوج لها إذا كان له شاهد آخر، بمعنى أنّ الزوج يجوز أن يكون أحد الشاهدين للزوجة، بخلاف الزوجة، فإنّها لا تكون ممّن تقبل شهادته و لو كانت مع النساء الاخر، بناءً على ما مرّ من الأدلّة المانعة عن قبول شهادة المتّهم .

هذا و إن ناسب التقابل بينهما، إلّا أنّ هذا الاحتمال غير صحيح، لأنّ قوله (عليه السلام)

ص: 283

صريحٌ في جواز شهادتها إذا كان معها غيرها .

و يمكن الجواب عن الإشكال باختيار الشقّ الأوّل من الاحتمالين، أعني : أنّ المراد عدم قبول شهادة الزوجة إذا كانت منفردة ؛ قولک : « فالزوج أيضًا كذلک »، قلنا : ممنوع، بل تقبل شهادته منفردًا من غير حاجةٍ إلى شاهدٍ آخر بشرط انضمام اليمين إليه بأن تحلف المرأة بعد شهادة الزوج لها، فيقضى لها، بخلاف شهادة الزوجة، فإنّها لابدّ من انضمام الغير، فلا يكفي حلف الزوج .

أمّا وجه اختصاص الزوجة بالذكر مع شمول الحكم لكلّ نساء، فلعلّه لأجل أنّه لمّا حَكَم المعصوم (عليه السلام) بجواز قبول شهادة الزوج للزوجة، ربّما يتوهّم جواز قبول شهادة الزوجة للزوج، فَحَكَمَ (عليه السلام) بعدم جواز ذلک إلّا بعد انضمام الغير إليها بعد السؤال عن شهادتها له كما في صحيحة عمّار بن مروان (1) ، و من غير سؤال كما

في الصحيحة (2) .

إن قلت : على هذا لا فرق بين الزوج و غيره من الرجال، بناءً على أنّ كلّ رجل عادل يكتفى بشهادته مع حلف المدّعي فيما يثبت بشاهد و يمين، و قد حقّقناه في كتاب القضاء (3) ، فما وجه اختصاص الزوج بالذكر؟

قلت : لعلّ ذلک لأجل أنّه لمّا كان الزوج من أهل التهمة و كان حكم غيره من الرجال معلومًا من أدلّة قبول الشهادة من الكتاب و السنّة، فصار الزوج لأجل

ص: 284


1- . الكافي : 7 / 393 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 247 ح 628 ؛ الوسائل : 27 / 366 ح 33961 .
2- . أي : صحيحة الحلبيّ المرويّة في الكافي : 7 / 392 ح 1 ؛ و التهذيب : 6 / 247 ح 628 .
3- . لاحظ كتاب القضاء : المسألة 25 و 26 .

التهمة في معرض الشکّ، فاختصّ بالذكر في كلام المعصوم و الراوي للتنبيه على عدم قدح التهمة في شهادة الزوج للزوجة .

على أنّ جواز قبول شهادة الزوج للزوجة يدلّ على جواز قبول شهادة غيره من الرجال لها بطريق أولى، بناءً على أنّه لو جاز قبول شهادة الزوج للزوجة مع كونه من أهل التهمة، فجواز قبول شهادة غيره لها بطريق أولى .

فعلى هذا يكون الصحيحة و الموثّقة المزبورتين مقيّدتين للنصوص المتقدّمة الدالّة على عدم قبول شهادة ذي التهمة بالنسبة إلى شهادة الزوجة لزوجها أيضًا، فارتفع الإشكال في هذه الصورة أيضًا .

شهادة الزوجة منفردة مقبولة في الوصيّة

ثمّ اعلم : أنّ مقتضى إطلاق الحديثين المذكورين عدم قبول شهادة الزوجة من غير انضمام الغير مطلقًا و لو كانت الشهادة في الوصيّة، إلّا أنّ الظاهر من بعض الأصحاب أنّ قبول شهادة الزوجة منفردة في الوصيّة إجماعيّ بيننا (1) .

و يدلّ عليه صحيحة محمّد بن قيس قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : قضى أميرالمؤمنين (عليه السلام) في وصيّة لم تشهدها (2) إلّا امرأة، أن يجوز (3) شهادة المرأة في

ص: 285


1- . انظر المسالک : 6 / 204 ؛ و رياض المسائل : 9 / 534 و 13 / 343 .
2- . في التهذيب : لم يشهدها .
3- . في الاستبصار و التهذيب : فقضى أن تجاز .

ربع الوصيّة (1) .

و بها إطلاق الحديثين المذكورين و ما تقدّم من النصوص المانعة عن شهادة مطلق ذي التهمة، خلافًا للمحكيّ عن المحقّق (2) ، فاشترط في قبول شهادتها فيها انضمام الغير أيضًا ؛ و لعلّه مصير إلى الإطلاق المشار إليه، و قد عرفت الجواب عنه .

على أنّه يمكن أن يقال : إنّ التقييد في الحديثين المذكورين يحتمل ورودهما مورد الغالب، فلا عبرة بمفهومهما، كما صرّح به جمع من الأصحاب، كشيخنا الشهيد الثاني، حيث قال في الجواب عنهما :

وجه التقييد في الرواية أنّ المرأة لا يثبت بها الحقّ منفردة و لا منضمّة إلى اليمين، بل يشترط أن يكون معها غيرها، إلّا ما استثني نادرًا و هو الوصيّة، بخلاف الزوج، فإنّه يثبت بشهادته الحقّ مع اليمين، فالرواية (3) باشتراط الضميمة معها مبنيّة على الغالب في الحقوق، و هي ما عدا الوصيّة، إنتهى (4) .

ص: 286


1- . الاستبصار : 3 / 28 ح 88 ؛ التهذيب : 6 / 268 ح 717 ؛ الوسائل : 19 / 317 ح 24682 .
2- . الشرائع : 4 / 130 ؛ و حكاه عنه في كشف اللثام : 10 / 308 .
3- . في المصدر : و الرواية .
4- . مسالک الأفهام : 14 / 198 .

شهادة الضيف للمضيف

و من تلک المواضع أيضًا : شهادة الضيف للمضيف، فإنّها مقبولة بلا خلاف، كما في المسالک و الكفاية (1) .

و يدلّ على ذلک موثّقة أبي بصير عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفًا صائنًا (2) .

و بها يقيّد ما تقدّم من النصوص الناهية عن قبول شهادة ذي التهمة ؛ على أنّ في صدق المتّهم عليه كلامًا .

و على فرض التسليم نقول : الظاهر المتبادر من تلک النصوص الناهية غير مثل هذا الفرد، فلا تنصرف إليه، فيبقى العمومات الدالّة على قبول شهادة (3) سالمة عمّا يصلح للمعارضة، فيجب العمل بمقتضاها بالبديهة .

شهادة الأجير

و من تلک المواضع أيضًا : شهادة الأجير للمستأجر، فإنّ مقتضى النصوص المتقدّمة الناهية عن قبول شهادة ذي التهمة عدم قبول شهادته، كما هو المحكيّ عن الصدوقين، و الشيخ في النهاية و الاستبصار، و الحلبي، و بني زهرة و حمزة

ص: 287


1- . المسالک : 14 / 200 ؛ الكفاية : 2 / 760 .
2- . الفقيه : 3 / 44 ح 3292 ؛ الاستبصار : 3 / 21 ح 64 ؛ التهذيب : 6 / 258 ح 676 ؛ الوسائل : 27 / 372ح 33976 .
3- . كذا في نسخة الأصل .

وسعيد (1) .

مضافًا إلى خصوص قول مولانا الصادق (عليه السلام) في رواية علا (2) بن سيابة : كان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يجيز شهادة الأجير (3) .

و موثّقة زرعة عن سماعة قال : سألته عمّا (4) يردّ من الشهود، فقال : المريب والخصم و الشريک و دافع مغرم و الأجير و العبد و التابع و المتّهم، كلّ هؤلاء تردّ شهاداتهم (5) .

و رواه في الفقيه مرسلاً بتغيير قليل و زيادة، فقال :

و في حديث آخر قال : لا تجوز (6) شهادة المريب و الخصم و دافع مغرم أو أجير أو شريک أو متّهم أو بائع (7) ، و لا تقبل شهادة شارب الخمر، و لا شهادة اللّاعب بالشطرنج و النرد، و لا شهادة المقامر (8) .

و فيه نسخة بدل بائع : تابع .

ص: 288


1- . الهداية : 75 ؛ المقنع : 113 ؛ النهاية : 2 / 52 ؛ الاستبصار : 3 / 21 ؛ الكافي في الفقه : 436 ؛ الغنية : 440 ؛الوسيلة : 230 ؛ الجامع للشرائع : 539 ؛ المهذّب : 2 / 558 ؛ و حكاه عنهم في مختلف الشيعة : 8 / 484 .
2- . في المصدر : العلاء .
3- . الكافي : 7 / 394 ح 4 ؛ الاستبصار : 3 / 21 ح 62 ؛ التهذيب : 6 / 246 ح 624 ؛ الوسائل : 27 / 372ح 33975 .
4- . في الاستبصار : عمّن .
5- . التهذيب : 6 / 242 ح 599 ؛ الاستبصار : 3 / 14 ح 38 ؛ الوسائل : 27 / 378 ح 33995 .
6- . في المصدر : لا يجوز .
7- . في المصدر : أو تابع .
8- . الفقيه : 3 / 40 ح 3282 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 379 ح 33999 .

و صحيحة صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن رجل أشهد أجيره على شهادة، ثمّ فارقه، أتجوز شهادته له بعد أن يفارقه ؟ قال : نعم (1) .

وجه الاستدلال هو : أنّ الظاهر من الراوي أنّه عالم بأنّه قبل المفارقة غير جائز، لكون الأجير حينئذٍ متّهمًا، لكن سأل عن حكم بعد المفارقة، بناءً على ارتفاع التهمة حينئذ، فقرّره المعصوم (عليه السلام) على فهمه، فأجاب بحكم بعد المفارقة ؛ وتقريره (عليه السلام) حجّة .

و ذهب المحقّق و العلّامة و الشهيد الثاني إلى القبول (2) ، بل نقله في المسالک عن المتأخّرين (3) ، حيث قال بعد ذكر الأجير :

فاختلف الأصحاب في شأنه، فجزم المصنّف (رحمه الله) و قبله ابن إدريس (4)

بقبول شهادة الأجير، و عليه المتأخّرون (5) .و كذا في الكفاية، حيث قال بعد نقل الخلاف :

فالمتأخّرون على القبول (6) .

ص: 289


1- . التهذيب : 6 / 257 ح 674 ؛ الاستبصار : 3 / 21 ح 63 ؛ الوسائل : 27 / 371 ح 33974 ؛ و آخرالرواية هكذا : « و كذلک العبد إذا أعتق جازت شهادته ».
2- . الشرائع : 4 / 916 ؛ إرشاد الأذهان : 2 / 158 ؛ مسالک الأفهام : 14 / 200 .
3- . منهم العلّامة في تحرير الأحكام : 5 / 255 ؛ و الفاضل الآبي في كشف الرموز : 2 / 520 ؛ والفاضلالمقداد في التنقيح الرائع : 4 / 297 .
4- . السرائر : 2 / 121 .
5- . مسالک الأفهام : 14 / 200 .
6- . الكفاية : 2 / 760 .

استدلّ لذلک في المسالک بالأصل و عموم قوله - تعالى - : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) (1) ، ( و أشهدوا ذوي عدل منكم ) (2) .

و فيما ذكره من الدليل نظر، أمّا في الأصل فلأنّ الظاهر أنّ الأصل في كلّ شهادة عدم القبول، كما مرّ غير مرّة في كتاب القضاء و الشهادة، لأنّ الحكم على شخصٍ بمالٍ أو غيره لشخصٍ آخرٍ خلافُ الأصل .

و أمّا في عموم الآيتين فلأنّ العامّ يجب تخصيصه بعد وجود المخصّص، و هو ما عرفت من النصوص المعتبرة الّتي منها الموثّقة و الصحيحة ؛ و لمّا لم يذكر هو إلّا رواية علا (3) بن سيابة و رواية سماعة، و هما لم تكونا عنده حجّة، لم يقل بتخصيص العموم، لما أجاب عن الأولى بأنّ في طريقها أحمد بن فضّال عن أبيه، وعن الثانية بأنّها ضعيفة موقوفة .

أقول : في كلا الجوابين نظر، أمّا في الأوّل : فلأنّ المذكور في سند الحديث الأوّل ليس أحمد بن فضّال، بل أحمد بن الحسن بن عليّ عن أبيه ؛ و الموجود في السند هكذا (4) ؛ نعم، فضّال هو جدّ عليّ الّذي هو جدّ أحمد، أي : أحمد بن الحسن

بن عليّ بن محمّد بن فضّال .

و على تقدير إغماض النظر عنه بناءً على أنّه لمّا اشتهر بابن فضّال عبّر به،

ص: 290


1- . البقرة : 282 .
2- . الطلاق : 2 .
3- . كذا في نسخة الأصل، و في المصدر : العلاء .
4- . انظر الكافي : 7 / 394 ح 4 ؛ والاستبصار : 3 / 21 ح 62 ؛ والتهذيب : 6 / 246 ح 624 .

نقول : إنّه ليس بضعيف حتّى يرفع اليد بسببه عن الحديث، بل موثّق ؛ و كذا أبوه حسن، فالأولى أن يسند قدح الرواية إلى علا بن سيابة، لأنّه مجهول .

و أمّا في الجواب عن الرواية الثانية، فلأنّها ليست بضعيفة، لأنّ الشيخ رواه بإسناده إلى حسين بن سعيد، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة (1) ؛ و ليس واحد من هؤلاء المذكورين ممّن يصير الحديث به ضعيفًا، لأنّ حسين بن سعيد وثاقته معلومة، و الحسن المرويّ عنه أخوه ثقة أيضًا، و زرعة و سماعة موثّقان، فالحديث موثّق، لا ضعيف ؛و الضعيف في الاصطلاح غير الموثّق .

ثمّ أقول : إنّ النصّ في المسألة ليس منحصرًا في هاتين الروايتين، بل و قد عرفت الجميع ؛ و على هذا طرح النصوص كلّها و القول بجواز قبول شهادة الأجير جرأة عظيمة .

و يمكن أن يقال : إنّ النصوص المتقدّمة الدالّة على جواز شهادة الوالد للولد وبالعكس، يدلّ على جواز قبول شهادة الأجير بالفحوى، بناءً على أنّه لو جاز قبول شهادة الوالد للولد مثلاً مع ما فيه من التهمة، فجواز قبول شهادة الأجير للمستأجر بطريق أولى، لأنّ التهمة فيه ليس مثل التهمة في الوالد مثلاً قطعًا .

فيقيّد بتلک النصوص من حيث الفحوى النصوص المتقدّمة الدالّة على عدم جواز قبول شهادة ذي التهمة، و يبقى التعارض بين مفهوم تلک النصوص الدالّة على جواز شهادة الوالد للولد و بين النصوص المذكورة في المسألة الدالّة على

ص: 291


1- . انظر التهذيب : 6 / 242 ح 599 ؛ والاستبصار : 3 / 14 ح 38 .

عدم جواز قبول شهادة الأجير .

لكنّک قد عرفت من المسالک و الكفاية (1) أنّ قبول شهادة الأجير ممّا اتّفق عليه المتأخّرون، فيترجّح بذلک تلک النصوص على النصوص في المسألة، فيحكم بقبول الشهادة ؛ على أنّ اتّفاقهم يكفي للفتوى بذلک، فالفتوى القبول، و الأحوط عدمه إن تمكن من غيره .

ثمّ اعلم أيضًا : أنّه قال في المسالک بعد ما تقدّم منه من جواب الروايتين :

و يمكن حملهما على الكراهة، جمعًا بينهما و بين رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام)، قال : يكره (2) شهادة الأجير لصاحبه، و لا بأس

بشهادته لغيره، و لا بأس به له بعد مفارقته (3) . أو على ما إذا كان هناک تهمة بجلب نفع أو دفع ضرر، كما لو شهد لمن استأجره على قصارة الثوب أو خياطته به و نحو ذلک، فإنّها لا تقبل قطعًا (4) .

أقول : قوله : « أو على ما كان هناک تهمة » إلى آخره، عطفٌ على قوله : « على الكراهة » في قوله : « و يمكن حملهما على الكراهة ».

و الفرق بين الحملين واضح، لأنّ النهي في الروايتين في الحمل الثاني باقٍ على حقيقته من الحرمة، بخلافه في الحمل الأوّل، فكان الأولى تقديم الثاني عليه، لأنّ

ص: 292


1- . مسالک الأفهام : 14 / 200 ؛ الكفاية : 2 / 760 .
2- . في المصدر : تكره .
3- . الاستبصار : 3 / 21 ح 64 ؛ التهذيب : 6 / 258 ح 676 ؛ الوسائل : 27 / 372 ح 33976 .
4- . مسالک الأفهام : 14 / 201 .

الحمل الأوّل مجاز، و الثاني تقييد، و التقييد خيرٌ من المجاز، فكان الأولى بالتقديم .

ثمّ أقول : الحمل الثاني لا بأس به، و أمّا الأوّل ففيه نظر من وجهين، أمّا الأوّل فلأنّه لا معنى لكراهة الشهادة، لأنّ الشهادة لو كانت مقبولة كانت واجبة لقوله -تعالى - : ( و أقيموا الشهادة لله ) (1) ، و قوله - تعالى - : ( و لا تَكتُمُوا الشَهَادَة

ومَنْ يَكتُمهَا فإنّهُ آثمٌ قَلبُه ) (2) ، و غيرهما .

نعم، يختلف الوجوب بالنسبة إلى انحصار الشاهد في الأجير و العدم بأنّه في الأوّل عينيّ، و في الثاني كفائيّ ؛ و أيًّا ما كان لا معنى للكراهة .

و يمكن الجواب عنه : بأنّ حمل الروايتين على الكراهة إنّما يمتنع إذا كان متعلّق الوجوب و الكراهة شيئًا واحدًا ؛ و ليس الأمر فيما نحن فيه كذلک، لأنّ متعلّق الوجوب هو الشهادة، و لم نقل انّها متعلّقة للكراهة، بل نقول : إنّ قبولها مكروه، فاختلف المتعلّقان، فلا وجه في منع ذلک .

و يمكن أن يقال : إنّ الشهادة لو كانت واجبة يلزم أن يكون قبولها أيضًا واجبًا على نحو وجوب الشهادة عينًا أو كفايةً، فلو كان قبولها مكروهًا يلزم المحذور أيضًا.

و يمكن الجواب : بأنّ الشيء الواجب قد يكون مكروهًا، كالصلاة في الأماكن

ص: 293


1- . الطلاق : 2 .
2- . البقرة : 283 .

المكروهة كالحمام و غيره ؛ و المقام يقتضي تحقيقًا يستلزم زيادة في الطول .

و أمّا الثاني فلأنّ هذا الحمل غير ممكن هنا ؛ توضيح ذلک هو : أنّ هذا الحمل على فرض تسليمه إنّما يتوجّه إذا كان الروايتان بنحوٍ لا تقبل شهادة الأجير.

و بعبارة أخرى : انّ الحمل المذكور إنّما يتوجّه إذا كانت الروايتان بطريقة النهي الّذي لا يمنع عن حمله على الكراهة مانع، بناءً على أنّه لمّا كان النهي مستعملاً في التحريم و الكراهة، يحمل على الكراهة حيثما وجدت قرينة على عدم كون المراد معناه الحقيقيّ .

و ليس الأمر في الروايتين كذلک، لأنّ الرواية الأولى هكذا : « كان أميرالمؤمنين (عليه السلام) لا يجيز شهادة الأجير » (1) . و هو نصّ في عدم الجواز، فلايحتمل الكراهة حتّى يحمل عليه، لأنّ مادّة الصيغة يمنع من ذلک .

و الرواية الثانية ليس فيها نهي و لا نفي، بل هكذا : « سألته عمّا يردّ من الشهود، فقال : المريب و الخصم و الشريک و دافع مغرم و الأجير » (2) . فأين النهي فيها حتّى يحمل على الكراهة ؟!

و لو سلّمنا ذلک نقول : إنّ فيها مانعًا من الحمل على الكراهة، لاستلزامه استعمال اللفظ في المعنى الحقيقيّ و المجازيّ في استعمال واحد، بناءً على أنّ مثل الخصم و الشريک لا يجوز قبول شهادته، كما سنذكر إن شاء الله - تعالى -

ص: 294


1- . الكافي : 7 / 394 ح 4 ؛ الاستبصار : 3 / 21 ح 62 ؛ التهذيب : 6 / 246 ح 624 ؛ الوسائل : 27 / 372ح 33975 .
2- . التهذيب : 6 / 242 ح 599 ؛ الاستبصار : 3 / 14 ح 38 ؛ الوسائل : 27 / 378 ح 33995 .

فتأمّل .

فالحقّ في حمل الروايتين هو ما مرّ من حملهما فيما إذا كان هناک تهمة بجلب النفع أو دفع الضرر .

شهادة الصديق لصديقه مقبولة

و من تلک المواضع أيضًا : شهادة الصديق لصديقه، فإنّه صرّح جمعٌ من الأصحاب - رضي الله تعالى عنهم - بأنّ شهادة الصديق لصديقه مقبولة و إن تأكّدت الصداقة بينهما (1) .

أقول : الصديق لا يخلو إمّا أن لا تكون التهمة بالنسبة إليه صادقة و لو بعد تأكّد الصداقة و المصاحبة، أو تكون ؛ و على الأوّل لا شکّ في جواز قبول شهادته لوجود المقتضي وانتفاء المانع .

أمّا وجود المقتضي فلعموم الأدلّة الدالّة على قبول الشهادة ؛ و أمّا انتفاء المانع فلأنّ المفروض عدم المانع إلّا التهمة و المقدّر أنّها غير صادقة .

و على الثاني - أي : على تقدير صدق التهمة - فمقتضى النصوص المتقدّمة عدم جواز قبول شهادته .

ص: 295


1- . الخلاف : 6 / 299 ؛ المبسوط : 8 / 220 ؛ الغنية : 439 ؛ الشرائع : 4 / 915 ؛ تحرير الأحكام : 5 / 255 ؛القواعد : 3 / 497 ؛ المسالک : 14 / 198 ؛ الكفاية : 2 / 760 ؛ مفاتيح الشرائع : 3 / 279 ؛ كشف اللثام :10 / 310 .

إن قلت : كما أنّ مقتضى النصوص المشار إليها عدم جواز قبول شهادته، كذا يكون مقتضى الأدلّة الدالّة على قبول الشهادة - كقوله تعالى : ( و أشهدوا ذوي عدل منكم ) (1) ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) (2) و غيرهما - القبول، فما وجه تقديم تلک النصوص على هذه الأدلّة ؟

قلت : وجه تقديم تلک النصوص على ما ذكر من الأدلّة هو : أنّ التعارض بينهما تعارض المطلق و المقيّد، لأنّ أدلّة قبول الشهادة دالّة على قبول شهادة العادل مطلقًا، سواء كان متّهمًا أو لا ؛ و النصوص المشار إليها دالّة على أنّ الشاهد المتّهم لاتقبل شهادته ؛ و معلوم أنّ المقيّد مقدّم في العمل و المطلق محمول عليه .

إن قلت : لا نسلّم أنّ التعارض بينهما من تعارض المطلق و المقيّد، بل التعارض بينهما من تعارض العموم من وجهٍ ؛ أمّا خصوص الأدلّة الدالّة على قبول الشهادة فللتصريح فيها بالعادل ؛ و أمّا عمومها فلما مرّ من أنّ العادل أعمّ من أن يكون متّهمًا، أم لا . و أمّا عموم النصوص المشار إليها، فلأنّ المتّهم الّذي قد نهى فيها عن قبول شهادته أعمٌّ من أن يكون عادلاً، أم لا ؛ و أمّا خصوصها فلأجل ورودها في المتّهم .

قلت : إنّ النصوص المشار إليها و إن لم يقيّد المتّهم فيها بالعادل ظاهرًا، إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد هو المتّهم العادل، لأنّ غير العادل شهادته غير مقبولة، سواء كان متّهمًا أم لا، فيظهر من تعلّق النهي على المتّهم أنّ المراد هو المتّهم العادل، فيكون

ص: 296


1- . الطلاق : 2 .
2- . البقرة : 282 .

تعارضهما تعارض المطلق و المقيّد، فيجب تقديم المقيّد و حمل المطلق عليه، كما عرفت .

و على فرض تسليم كون التعارض بينهما من تعارض العموم من وجهٍ نقول : إنّ الواجب عند تعارض العموم من وجهٍ الرجوع إلى الترجيح، و هو فيما نحن فيه مع النصوص المانعة، لأكثريّتها و موافقتها بالأصل - على ما عرفت من أنّ الأصل في كلّ شاهدٍ عدمُ قبول الشهادة - و بالاعتبار .

و هذا التحقيق ينفعک في كلّ موضعٍ يتحقّق فيه التهمة ؛ و لهذا طوّلت الكلام في ذلک و إن كان الحقّ فيما نحن فيه - أي : في شهادة الصديق لصديقه - قبول الشهادة، لا لعدم تسليم التحقيق المذكور، بل لأجل أنّ الظاهر اتّفاق أصحابنا على القبول، حيث صرّح كثير منهم بالقبول من غير إشكال و لا نقل خلاف إلّا من العامّة (1) ، مع أنّ في الكفاية صرّح بنفي الخلاف حيث قال :

تقبل (2) شهادة الصديق و الضيف بلا خلاف في ذلک (3) .

ص: 297


1- . قال الشيخ في « الخلاف 6 / 299 » : تقبل شهادة الصديق لصديقه وإن كان بينهما مهاداة و ملاطفة، و بهقال جميع الفقهاء إلّا مالكًا، فإنّه قال : إذا كان بينهما مهاداة و ملاطفة لا تقبل شهادته، و إن لم تكن قبلت(وانظر خلاف مالک في الكافي، للقرطبي : 2 / 894 ؛ و حلية العلماء : 8 / 260 و 261 ؛ والمغني، لابنقدامة : 12 / 71 ؛ و الحاوي الكبير : 17 / 162 و 163 ).
2- . في المصدر : يقبل .
3- . الكفاية : 2 / 760 .

شهادة العبد لمولاه مقبولة

و من المواضع المذكورة أيضًا : شهادة العبد لمولاه .

و يدلّ على قبول ذلک الإجماع المدّعى في الانتصار حيث قال :

و ممّا اتّفق عليه الإماميّة إلّا من شذّ من جملتهم (1) القول بأنّ شهادة العبيد لساداتهم إذا كان العبيد عدولاً مقبولة، و تقبل أيضًا على غيرهم ولهم، و لا تقبل على ساداتهم و إن كانوا عدولاً .

إلى أن قال :

دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة (2) .

و ادّعى الإجماع على ذلک في الخلاف أيضًا على ما حكي عنه (3) .

و يدلّ عليه أيضًا من النصوص : صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة في كتاب القضاء الواردة في درع طلحة، حيث قال عليّ (عليه السلام) فيها بعد ردّ شريح شهادة قنبر لكونه مملوكًا : « لا بأس بشهادة المملوک إذا كان عدلاً » (4) ، بعد أن أقامه (عليه السلام) لدعوى نفسه.

ص: 298


1- . في المصدر زيادة : و سنتكلّم عليه .
2- . الانتصار : 499 .
3- . حكاه عنه في كشف اللثام : 10 / 315 ؛ و انظر الخلاف : 6 / 270 .
4- . الكافي : 7 / 385 ح 5 ؛ الفقيه : 3 / 109 ح 3428 ؛ الاستبصار : 3 / 34 ح 117 ؛ التهذيب : 6/273 ح747 ؛ الوسائل : 27 / 266 ح 33737 .

و هو صريحٌ في قبول شهادة العبد للمولى .

و يدلّ عليه أيضًا : إطلاق النصوص الآتية ؛ و بما ذكر من الإجماع و النصّ يقيّد إطلاق النصوص المتقدّمة الدالّة على عدم جواز قبول شهادة ذي التهمة .

ذكر الخلاف في حكم شهادة العبد لمولاه

اشارة

اعلم : أنّا لمّا ذكرنا حكم شهادة العبد لمولاه، فلا بأس بإرخاء عنان القلم في بيان حكم شهادته مطلقًا، فأقول : قد وقع الخلاف بين الأصحاب في حكم شهادة العبد على أقوال :

القول الأوّل

اشارة

الأوّل : أنّها مقبولة مطلقًا، إلّا على المولى، أي : أنّها مقبولة بالنسبة إلى المولى إذا كانت له، لا عليه ؛ و أمّا بالنسبة إلى غير مولاه فتقبل مطلقًا له، أو عليه .

و هذا القول قد اختاره السيّد و المحقّق و العلّامة، و عن الشيخين و سلّار وابن البرّاج و بني زهرة و حمزة و إدريس و أكثر المتأخّرين (1) .

و في الشرائع و غيره : هو المشهور (2) .

ص: 299


1- . انظر المقنعة : 726 ؛ والنهاية : 2 / 59 ؛ والمراسم : 232 ؛ والمهذّب : 2 / 557 ؛ والغنية : 440 ؛ والوسيلة :230 ؛ والسرائر : 2 / 135 ؛ والكافي في الفقه : 435 ؛ والانتصار : 499 ؛ والشرائع : 4 / 916 ؛ و التحرير :5 / 257 ؛ و المختلف : 8 / 497 ؛ والتنقيح الرائع : 4 / 301 ؛ و غاية المرام : 4 / 282 ؛ و كشف اللثام :10/ 315 ؛ و رياض المسائل : 13 / 299 .
2- . شرائع الإسلام : 4 / 916 ؛ غاية المرام : 4 / 282 .

بل في الانتصار : عليه الإجماع، و قد مرّت عبارته (1) .

و نقل الإجماع أيضًا عن الغنية و السرائر (2) .

قال في كنز العرفان :

و اختلف في شهادة العبد - إلى أن قال : - و عن أهل البيت (عليهم السلام) روايات أشهرها و أقواها القبول إلّا على سيّده خاصّة، فتقبل لسيّده و لغيره وعلى غيره (3) .

أقول : و الرواية الّتي ذكرها لم نجدها في كتب الأخبار، و لا ذكرها أحدٌ من الأصحاب في كتاب الاستدلال .

رأي المصنّف (قدس سره) في المسألة

و هذا القول هو الأقوى، أمّا قبولها مطلقًا إذا لم يكن على المولى فللإجماعات المنقولة ؛ و عن الخلاف (4) الإجماع على ذلک أيضًا ؛ و النصوص المطلقة الّتي سيجيء إلى كثيرٍ منها الإشارة بإعانة الله - سبحانه - و منها : ما تقدّم من صحيحة عبد الرّحمن بن الحجّاج الواردة في درع طلحة (5) .

ص: 300


1- . انظر الانتصار : 499 .
2- . الغنية : 440 ؛ السرائر : 2 / 135 .
3- . كنز العرفان : 2 / 53 .
4- . حكاه عنه في كشف اللثام : 10 / 315 ؛ وانظر الخلاف : 6 / 270 .
5- . الكافي : 7 / 385 ح 5 ؛ الفقيه : 3 / 109 ح 3428 ؛ الاستبصار : 3 / 34 ح 117 ؛ التهذيب : 6/273 ح747 ؛ الوسائل : 27 / 266 ح 33737 .

و أمّا عدم قبولها إذا كانت على المولى، فللإجماعات المتقدّمة في الانتصار وعن السرائر و الغنية (1) .

و استدلّ لذلک بأنّ تجويز شهادته على السيّد يستلزم التكذيب للسيّد، و هو عقوقٌ في حقّه، فيكون كشهادة الوَلَد على الوالد (2) .

و يدلّ على ترجيح هذا القول أيضًا : أنّه جمعٌ بين النصوص المجوّزة لشهادته على الإطلاق و المانعة عنها كذلک بحمل النصوص المجوّزة إذا لم تكن شهادته على المولى و المانعة إذا كانت عليه ؛ و الشاهد الإجماعات المنقولة .

القول الثاني

القول الثاني : قبولها مطلقًا حتّى على المولى، نقله المحقّق في الشرائع، فقال :

و قيل : تقبل مطلقًا (3) .

و في المسالک صرّح أنّه اختيار ابن عمّه نجيب الدين يحيى بن سعيد في جامعه (4) ، و هو الّذي اختاره (5) ، و تبعه على ذلک صاحب المفاتيح و الكفاية (6) .

ص: 301


1- . الانتصار : 499 ؛ غنية النزوع : 440 ؛ السرائر : 2 / 135 .
2- . التنقيح الرائع : 4 / 301 ؛ رياض المسائل : 13 / 300 .
3- . شرائع الإسلام : 4 / 916 .
4- . الجامع للشرائع : 540 .
5- . المسالک : 14 / 204 .
6- . كفاية الأحكام : 2 / 761 ؛ مفاتيح الشرائع : 3 / 281 .

و مستندهم في ذلک عموم قوله - تعالى - : ( و أشهدوا ذوي عدلٍ منكم ) (1) ، (واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) (2) ، و مثلهما (3) ، فإنّها تتناول المملوک كما تتناول الحرّ .

و خصوص النصوص المستفيضة، منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن مولانا الباقر (عليه السلام) أنّه قال : تجوز شهادة العبد المسلم على الحرّ المسلم (4) .

و هي و إن كانت أخصّ من المدّعى، لأنّ المدّعى قبول شهادة العبد مطلقًا، سواء كانت على الحرّ أو العبد ؛ و الحديث دلّ على جواز قبولها على الحرّ، لكنّه يدلّ على جواز قبول الشهادة على العبد بالفحوى .

و منها : الصحيح أو الحسن عن عبد الرّحمن بن الحجّاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا بأس بشهادة المملوک إذا كان عدلاً (5) .

و كان هذا أخذ من الصحيحة المتقدّمة الواردة في درع طلحة (6) .

و منها : ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) في شهادة المملوک، قال :

ص: 302


1- . الطلاق : 2 .
2- . البقرة : 282 .
3- . النساء : 6 .
4- . الفقيه : 3 / 41 ح 3284 ؛ التهذيب : 6 / 249 ح 636 ؛ الاستبصار : 3 / 16 ح 44 ؛ الوسائل : 27 / 346ح 33898 .
5- . الكافي : 7 / 389 ح 1 ؛ التهذيب : 6 / 248 ح 634 ؛ الاستبصار : 3 / 15 ح 42 ؛ الوسائل : 27 / 345ح 33894 .
6- . الكافي : 7 / 385 ح 5 ؛ الفقيه : 3 / 109 ح 3428 ؛ التهذيب : 6 / 273 ح 747 ؛ الاستبصار : 3 / 34 ح117 ؛ الوسائل : 27 / 266 ح 33737 .

إذا كان عدلاً فهو جائز الشهادة، إنّ أوّل مَن ردّ شهادة المملوک عمرُ بن الخطّاب، وذلک أنّه تقدّم إليه مملوکٌ في شهادة، فقال : إن أقمتُ الشهادة تخوّفتُ على نفسي، و إن كَتمتُها أثمتُ بربّي، فقال : هاتِ شهادَتک، أمَا إنّا لا نجيز شهادة مملوکٍ بعدک (1) .

بيان

قيل : كان خوفه من مولاه أن يصيبه منه ضررٌ، أو من المدّعى عليه (2) .

قوله : « لا نجيز » جوابٌ لأَمَا ؛ و كان اللازم إدخال الفاء عليه بأن يقال : فلانجيز، لكن من شدّة فطانة قائله لا يبعد وقوع مثل ذلک عنه .

و منها : ما رواه بُرَيْد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن المملوک تجوز شهادته ؟ فقال : نعم و (3) إنّ أوّل مَن ردّ شهادة المملوک لفلان (4) .

و المراد به عُمَر، بقرينة ما مرّ .

وجه الاستدلال هو : أنّ النصوص المذكورة كلّها دالّة على جواز شهادة المملوک بعنوان الإطلاق، سواء كانت للمولى أو عليه مثلاً ؛ و تقييدها بما إذا

ص: 303


1- . الكافي : 7 / 389 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 248 ح 633 ؛ الاستبصار : 3 / 15 ح 41 ؛ الوسائل : 27 / 345ح 33896 .
2- . الوافي : 16 / 968 .
3- . « و » لم يرد في الكافي والاستبصار .
4- . الكافي : 7 / 390 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 248 ح 635 ؛ الاستبصار : 3 / 16 ح 43 ؛ الوسائل : 27 / 345ح 33896 .

لم تكن عليه خلاف الأصل .

أقول : قد تقدّم مرارًا أنّ شرط انصراف الإطلاق إلى جميع الأفراد شيئان، الأوّل : عدم غلبة بعضها و ندرة الآخر ؛ و الثاني : عدم ورود الإطلاق في مقام بيانِ حكمٍ آخر .

و هنا إن سلّمنا تحقّق الشرط الأوّل، نمنع تحقّق الثاني، لأنّ الظاهر منها أنّها واردةٌ لإثبات جواز شهادة المملوک في الجملة ردًّا على المانع عنها مطلقًا، فيصير المطلق بالنسبة إلى الفرد المشكوک فيه مجملاً، فيجب الرجوع فيه إلى حكم الأصل، و هو في المقام عدم القبول، كما عرفت مكرّرًا أنّ الأصل في كلّ شهادة عدم القبول .

و على فرض تسليم تحقّق الشرطين لانصراف الإطلاق إلى جميع الأفراد فيما نحن فيه نقول : إنّ الإطلاق لا ينفع بعد وجود المقيّد، و هو الإجماع المنقول في الانتصار و عن الغنية و السرائر (1) المعتضد بالشهرة العظيمة، سيّما بعد ندرة القائل بقبول شهادته على الإطلاق .

و لذا ترى في الشرائع ذكره بعنوان القيل (2) ، و القائل لم يظهر قبل شيخنا الشهيد الثاني إلّا مَن ذكره، و هو الشيخ نجيب الدين (3) .

ص: 304


1- . الانتصار : 499 ؛ غنية النزوع : 440 ؛ السرائر : 2 / 135 .
2- . انظر شرائع الإسلام : 4 / 916 .
3- . انظر الجامع للشرائع : 540 ؛ و نقله عنه في المسالک : 14 / 204 .

القول الثالث

و القول الثالث : عدم قبول شهادة المملوک مطلقًا، لا للمولى و لا للغير و لا عليهما.

و هو المحكيّ عن ابن أبي عقيل (1) من أصحابنا، و أكثر العامّة (2) .

و مستنده في ذلک جملةٌ من النصوص الدالّة على عدم قبول شهادته بعنوان الإطلاق، منها : صحيحة الحلبي عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : سألته عن شهادة ولد الزنا، قال : لا و لا عبد (3) .

و منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهماالسلام) قال : تجوز شهادة المملوک من أهل القبلة على أهل الكتاب، و قال : العبد المملوک لا تجوز شهادته (4) .

و منها : موثّقة سماعة قال : سألته عمّا يردّ من الشهود، فقال : المريب، والخصم، و الشريک، و دافع مَغْرَم، و الأجير، و العبد، و التابع، و المتّهم، كلّ هؤلاء تُردُّ شهاداتهم (5) .

و الجواب : انّ هذه النصوص معارضة بالنصوص المتقدّمة الدالّة على جواز

ص: 305


1- . حكاه عنه العلّامة في المختلف : 8 / 497 ؛ و الشهيد الثاني في المسالک : 14 / 205 .
2- . حلية العلماء : 8 / 246 ؛ روضة الطالبين : 8 / 199 ؛ الكافي، للقرطبي : 2 / 894 .
3- . التهذيب : 6 / 244 ح 612 ؛ الوسائل : 27 / 376 ح 33988 .
4- . الفقيه : 3 / 45 ح 3296 ؛ و ليس فيه قوله : « و قال : العبد المملوک لا تجوز شهادته » ؛ التهذيب : 6 /249 ح 638 ؛ الاستبصار : 3 / 16 ح 46 ؛ الوسائل : 27 / 348 ح 33903 .
5- . التهذيب : 6 / 242 ح 599 ؛ الاستبصار : 3 / 14 ح 38 ؛ الوسائل : 27 / 378 ح 33995 .

شهادته، فيجب الرجوع إلى الترجيح، و هو مع تلک النصوص من وجوهٍ كثيرة، لأنّ هذه النصوص موافقةٌ لمذهب العامّة، لما عرفت الحكاية عن أكثرهم عدم قبول شهادتهم (1) ، بل في كنز العرفان (2) نسبة ذلک إلى فقهائهم الأربعة ؛ و النصوص المتقدّمة مخالفةٌ لهم ؛ و لا شکّ أنّ الأخذ بما خالفهم أولى، لأنّ الرشد في خلافهم (3) ، سيّما بعد ما عرفت في اثنين من تلک النصوص بعد الحكم بقبول شهادته من نسبة الردّ و عدم القبول إلى عُمَر .

و لأنّ تلک النصوص موافقةٌ بعمل أكثر الأصحاب و المشهور بينهم، بل الإجماع كما عرفت من جماعةٍ منهم، بخلاف هذه النصوص ؛ و لا شکّ أنّ الأخذ بما وافق المشهور و ترک خلافه أولى من العكس، سيّما بعد اعتضاده بما عرفت من الإجماعات .

و لأنّ تلک النصوص موافقةٌ بظواهر الكتاب بخلاف هذه، فإنّها مخالفةٌ لها ؛ ومعلوم أنّ الأخذ بما وافق الكتاب أولى من الأخذ بما خالفه .

و لأنّ تلک النصوص أكثر عددًا من هذه النصوص ؛ و الكثرة مرجّحة لمتعلّقها على الأقلّ .

و لأنّ تلک النصوص أوضح من حيث الدلالة على القبول، بخلاف هذه النصوص، فإنّ من جملتها صحيحة محمّد بن مسلم و صدرها ينافي ذيلها، حيث

ص: 306


1- . حكاه عنهم في الخلاف : 6 / 269 .
2- . انظر كنز العرفان : 2 / 53 .
3- . قال في الوسائل : 27 / 112 : و قوله (عليه السلام): دعوا ما وافق القوم، فإنّ الرشد في خلافهم .

انّ صدرها دالّ على قبول شهادة المملوک على أهل الكتاب، و هو ينافي عدم قبول شهادته مطلقًا، كما أنّ هذا القول كذلک .

و بالجملة : لا شبهة في ضعف هذا القول و ترجيح النصوص المتقدّمة على هذه النصوص، فلابدّ من حملها إمّا على التقيّة، كما فعله جمعٌ منهم : شيخ الطائفة (1) ؛ أو على ما إذا صدر تحمّل الشهادة و أدائها من غير إذن مولاه، كما حمله بعضهم (2) ، فأيّده بما في تفسير الإمام (عليه السلام) من قول أمير المؤمنين (عيه السلام) : كنّا مع (3) رسول الله (صلي لله عليه واله) وهو يذاكرنا بقوله - تعالى - : ( و استشهدوا شهيدين من رجالكم ) (4) ، قال : أحراركم دون عبيدكم، فإنّ الله قد شغل العبيد بخدمة مواليهم عن تحمّل الشهادات و عن أدائها (5) .

أو على ما ذكرناه سابقًا حيث أزلنا التعارض بينهما بحمل النصوص المانعة فيما إذا كانت الشهادة على المولى، و النصوص المجوّزة فيما إذا لم تكن كذلک ؛ وشاهد هذا الجمع ما عرفت من الإجماعات، فارتفع الإشكال بتوفيق الله المتعال .

و أمّا ما أورده شيخنا الشهيد في المسالک ردًّا على هذا الجمع بعد جعله مستندًا

ص: 307


1- . انظر الاستبصار : 3 / 16 ؛ و التهذيب : 6 / 249 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 412 ؛ و الكفاية : 2 / 763 ؛والرياض : 13 / 298 .
2- . كشف اللثام : 10 / 316 ؛ الرياض : 13 / 298 .
3- . في المصدر : كنّا نحن مع .
4- . البقرة : 282 .
5- . تفسير المنسوب إلى الإمام العسكرىّ (عليه السلام) : 658 ح 374 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 350 ح 33908 .

للقول الأوّل المختار حيث قال :

و فيه نظر، فإنّ (1) حمل أخبار المنع على ذلک غير متعيّن، لما ذكرناه سابقًا، و لما سيأتي من الأخبار الدالّة على المنع من شهادته على غيره من الأحرار، فيمكن حملها عليه (2) .

فجوابه قد ظهر ممّا قلناه بعنوان الإجمال و إن ارتضاه بعض الأصحاب .

و إن أردت توضيح ذلک فاعلم : أنّ الجمع بين النصوص المتعارضة المتكافئة بحمل البعض على شيء و الآخر على الآخر لم يكن حجّة إلّا إذا كان هناک شاهد و دلالة من الكتاب أو الإجماع أو السنّة، إذ لم يقم لنا دليلٌ على حجّيّة ذلک مطلقًا و لو من غير شاهد و دليل .

إذا علمت ذلک فاعلم : أنّا قد جمعنا بين النصوص المجوّزة و المانعة بحمل الأولى على ما إذا لم تكن شهادة المملوک على المولى، و الثانية على ما كانت كذلک، بقرينة ما عرفت من الإجماعات المنقولة .

و ذلک لأنّا لمّا نظرنا إلى الإجماعات المنقولة حصل لنا الظنّ بأنّ مدلولها حكم الله - تعالى - و معلومٌ أنّهم (عليهم السلام) في مقام بيان حكمه - تعالى - فمنه حصل لنا الظنّ بأنّ المراد من النصوص المجوّزة و المانعة ما ذكرناه، فحملناها عليه .

و بعبارة أخرى و هي : انّا وجدنا بعد النظر في المسألة دليلها على ثلاثة أنواع،

ص: 308


1- . في المصدر : لأنّ .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 208 .

أحدها: ما دلّ على جواز قبول شهادة المملوک بعنوان الإطلاق، أي : سواء كانت على المولى مثلاً، أم لا ؛ و الثاني : ما دلّ على جواز ذلک كذلک ؛ و الثالث : ما دلّ على جواز قبول شهادته في موضعٍ مثلاً، و على عدم جوازه في موضعٍ آخر ؛ فيكون هذا القسم مقيّدًا و القسمان الأوّلان مطلقين .

و معلومٌ أنّ المقيّدَ مقدّمٌ في مقام العمل و المطلقُ محمولٌ عليه، فحملنا النوع الأوّل و الثاني من الدليل على النوع الثالث حملاً للمطلق على المقيّد، فصار الجمع بينهما ما مرّ ؛ و لهذا صار المشهور في المسألة عدم جواز قبول شهادة العبد إذا كانت على المولى، و جواز قبولها إذا لم تكن عليه، سواء كانت له، أو لغيره، أو على غيره ؛ و كان مبنى عملهم على ما ذكرناه .

أمّا ما ذكره في المسالک من :

أنّ حمل أخبار المنع على ذلک - أي : إذا كانت الشهادة على المولى - غير متعيّن، لما ذكرناه سابقًا، و لما سيأتي من الأخبار الدالّة على المنع من شهادته على غيره من الأحرار، فيمكن حملها عليه (1) .

فأقول : فيه نظر، لأنّ الجمع بين النصوص إنّما هو على ما دلّ عليه الشاهد، وقد عرفت أنّ مدلول الشاهد بالنسبة إلى أخبار المنع هو ما مرّ من عدم قبول الشهادة إذا كانت على المولى، فتعيّن حملها عليه، فقوله : « حمل أخبار المنع على ذلک غير متعيّن » ممنوع .

ص: 309


1- . مسالک الأفهام : 14 / 208 .

قوله : « لما ذكرناه سابقًا » ينبغي أوّلاً التنبيه على مراده، ثمّ الكلام عليه، فأقول : المشار إليه بقوله : « لما ذكرناه » هو : جواز حمل الأخبار المانعة الدالّة على عدم جواز شهادة العبد على عدم الجواز بمعناه الظاهريّ، أي : الحرمة، بإرادة عدم جواز شهادته بدون إذن مولاه، لما في ذلک من تعطيل حقّ سيّده .

و فيه : انّ هذا الاحتمال ممّا يكاد أن يقطع بعدم كونه مرادًا من النصوص المانعة، إذ الظاهر منها أنّها سيقت لأجل بيان ما يقبل من الشهادة و ما يردّ، سيّما أنّها في مقابلة الأخبار الدالّة على قبول الشهادة .

ألا ترى أنّ من جملتها : موثّقة سماعة قد سئل فيها عمّا يردّ من الشهود حيث قال : « سألته عمّا يردّ من الشهود » إلى آخره (1) ، و هو أيضًا اعترف بذلک .

و منها : صحيحة الحلبي، و هي أيضًا كالصريح في أنّ المراد من عدم الجواز عدم جواز القبول، حيث قال فيها : « سألته عن شهادة ولد الزنا، قال : لا و لا عبد» (2) .

و من المعلوم أن ليس المراد من السؤال عن شهادة ولد الزنا إلّا من جهة جواز القبول أو العدم، فأجاب (عليه السلام) بلا، أي : لا تقبل، فعطفه (عليه السلام) بقوله : « و لا عبد »، أي : لا تقبل شهادة العبد أيضًا .

و كذا الظاهر من صحيحة محمّد بن مسلم أيضًا ذلک (3) .

ص: 310


1- . التهذيب : 6 / 242 ح 599 ؛ الاستبصار : 3 / 14 ح 38 ؛ الوسائل : 27 / 378 ح 33995 .
2- . التهذيب : 6 / 244 ح 612 ؛ الوسائل : 27 / 376 ح 33988 .
3- . انظر التهذيب : 6 / 249 ح 638 ؛ والاستبصار : 3 / 16 ح 46 ؛ والوسائل : 27 / 348 ح 33903 .

و على تقدير تسليم صحّة هذا الاحتمال نقول : لا يحمل النصّ في مقام الجمع على أيّ احتمال يكون، بل يحمل على ما دلّ عليه الشاهد، و هو ما ذكروه من عدم قبول الشهادة إذا كانت على المولى كما عرفت .

هذا كلّه على قوله : « لما ذكرناه سابقًا » ؛ و أمّا قوله : « و لما سيأتي من الأخبار الدالّة على المنع من شهادته على غيره من الأحرار، فيمكن حملها عليه » (1) ، ففيه أيضًا نظر ؛ و نحن نذكر الأخبار الّتي أشار إليها بهذه العبارة و ذكرها بعد ذلک، ثمّ نشير إلى المطلوب .

فأقول : منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن مولانا الباقر (عليه السلام) : لا تجوز (2) شهادة العبد المسلم على الحرّ المسلم (3) .

و منها : ما رواه عن الخلاف (4) عن عليّ (عليه السلام) : أنّه كان يقبل شهادة بعضهم على بعض، و لا تقبل شهادتهم على الأحرار (5) .

أمّا وجه النظر في الأوّل، فلأنّه لا يصلح أن يكون شاهدًا للجمع، لأنّا لو حملنا

ص: 311


1- . مسالک الأفهام : 14 / 208 .
2- . في بعض نسخ الفقيه : تجوز ؛ و تفسير الصدوق (عليه السلام)يؤيّده، حيث قال : « قال مصنّف هذا الكتاب (رحمه الله): يعني لغير سيّده ». و قال صاحب الوسائل بعد ذكر الحديث : « أقول : ذكر الصدوق أنّه محمول على ما لو شهد لغيرسيّده، و في نسخة : لا يجوز، و هو محمول على التقيّة » ؛ الوسائل : 27 / 346 .
3- . الفقيه : 3 / 41 ح 3284 ؛ التهذيب : 6 / 249 ح 637 ؛ الاستبصار : 3 / 16 ح 45 ؛ الوسائل : 27 / 348ح 33905 .
4- . الخلاف : 6 / 269 . قال ابن أبي جمهور الأحسائيّ في العوالي : و روى الشيخ مرفوعًا عن عليّ (عليه السلام) : أنّهكان يقبل، الحديث ( عوالي اللّألئ : 3 / 532 ح 19 ).
5- . انظر حلية العلماء : 8 / 247 ؛ و البحر الزاخر : 6 / 36 ؛ و الحاوي الكبير : 17 / 58 .

الأخبار الناهية على ما إذا كانت شهادة العبيد على الأحرار، يلزم من ذلک حمل الأخبار الدالّة على قبول شهادتهم على ما إذا كانت شهادة بعضهم لبعضهم، و هو لايجوز إلّا بشاهدٍ يدلّ على جواز شهادة بعضهم لبعض و عدم جوازها للأحرار .

و ليس الأمر في الحديث المذكور كذلک، لأنّه إنّما دلّ على عدم جواز شهادتهم للأحرار فقط، لا على جواز شهادة بعضهم لبعضٍ أيضًا، إلّا على القول بحجّيّة مفهوم اللقب، و هو ضعيف .

و على فرض التسليم نقول : إنّها معارضةٌ بصحيحة أخرى لمحمّد بن مسلم عن مولانا الباقر (عليه السلام) أيضًا، و هي هذه : تجوز شهادة العبد المسلم على الحرّ المسلم (1) .

و أمّا الحديث الثاني، فهو و إن دلّ على الحكمين المختلفين، إلّا أنّ حجّيّته من حيث السند غير معلومة، و هو قد صرّح بذلک، فقال : « ليس له استناد يعتمد » (2) .

وعلى فرض التسليم نقول : إنّ هذا الجمع غير ممكن، لاستلزامه مخالفة الإجماعات المنقولة و الشهرة العظيمة .

ثمّ إنّه قد ذكر حديثًا آخر أيضًا تركناه، لأنّ عدم صلاحيّته شاهدًا للجمع المذكور كان بديهيًّا .

إن قلت : إنّ الجمع بين النصوص المتعارضة إنّما يحتاج إلى الشاهد إذا كان

ص: 312


1- . الفقيه : 3 / 41 ح 3284 ؛ التهذيب : 6 / 249 ح 636 ؛ الاستبصار : 3 / 16 ح 44 ؛ الوسائل : 27 / 346ح 33898 .
2- . المسالک : 14 / 211 .

الجمع بحيث يتحصّل منه الفتوى .

و بعبارة أخرى و هي : أنّ الشاهد إنّما يطلب للجمع بين النصوص إذا كانت النصوص المتعارضة متكافئة ؛ و أمّا إذا كانت لبعضها رجحان فلا، بل العمل على الراجح، و يحمل المرجوح على أيّ نحوٍ كان بحيث يرجع إلى الراجح .

و ما نحن فيه من هذا القبيل لما اعترفت به سابقًا من ترجيح الأخبار الدالّة على جواز قبول شهادة المملوک على الأخبار المانعة بترجيحاتٍ كثيرة، فلا حاجة إلى الشاهد .

قلت : الكلام هناک كان من حيثيّةٍ و هنا من حيثيّةٍ أخرى ؛ بيان ذلک هو : أنّ الكلام هناک في مقابلة ابن أبي عقيل (1) ، حيث منع قبول الشهادة من العبد مطلقًا، وكان مقصودنا ردّ ذلک و إثبات القبول في الجملة، و كانت الأخبار الدالّة على القبول من تلک الحيثيّة لها المرجّحات المذكورة دون المانعة رجّحناها عليها بتلک المرجّحات المزبورة .

و الكلام هنا - أي : في مقابلة الشهيد الثاني - ليس من تلک الحيثيّة، بل من حيث جواز قبول شهادة العبد على مولاه و عدمه ؛ و ليست للأخبار الدالّة على جواز قبول شهادة العبد من هذه الحيثيّة المرجّحات المزبورة .

و كيف ؟! مع أنّ في انصراف تلک الأخبار إلى ما نحن فيه كلامًا، كما عرفت ممّا ذكرناه سابقًا .

ص: 313


1- . حكاه عنه العلّامة في المختلف : 8 / 497 ؛ والشهيد الثاني في المسالک : 14 / 205 .

و أيضًا أنّ من جملة المرجّحات هناک كان عمل المشهور و الموافقة بالإجماع المنقول، و هاهنا على خلاف ذلک، أعني : أنّ الأخبار المانعة راجحةٌ على الأخبار الدالّة على القبول من حيث انّها موافقة بعمل المشهور و الإجماع المنقول بالنسبة إلى ما نحن فيه ؛ بخلاف الأخبار الدالّة على القبول، فإنّها مخالفةٌ للمشهور والإجماع المنقول بالنسبة إلى ذلک ؛ و هذا الرجحان من أقوى المرجّحات .

نعم، انّ الأخبار الدالّة على القبول لها بعض ترجيحات أيضًا بالنسبة إلى ما نحن فيه، كالكثرة و غيرها، فكذلک تكافات النصوص المجوّزة و المانعة، فلايجوز الجمع بينهما إلّا بعد شاهد .

القول الرابع

و القول الرابع : عكس القول المشهور المختار، أي : عدم قبول شهادته مطلقًا إلّا على مولاه .

و هذا القول قد نقله المحقّق في الشرائع (1) و العلّامة في القواعد (2) قولاً، وقائله غير معلوم ؛ و ذلک كاف في تشنيعه، فلا يحتاج إلى الكلام في مستنده وعليه .

ص: 314


1- . الشرائع : 4 / 916 .
2- . القواعد : 3 / 497 .

القول الخامس

و القول الخامس : قبول شهادته لغير مولاه .

قاله في الفقيه (1) ، و عنه في المقنع (2) ؛ و مقتضاه عدم قبولها للمولى و عليه وعلى غيره .

قيل (3) :

و كأنّه أدخله في الظنين و المتّهم، أو حمله على الأجير بطريق أولى، وجمع بذلک بين الأخبار، و فيما رواه ابن أبي يعفور عن مولانا الصادق (عليه السلام) : عن الرجل المملوک المسلم تجوز شهادته لغير مواليه ؟ فقال : تجوز في الدين و الشيء اليسير (4) .

القول السادس

و القول السادس : قبول شهادته لغير مولاه و عليه، و عدم القبول له و لا عليه .

و هو المنقول عن أبي الصلاح (5) ؛ و مستنده الجمع بين النصوص بحمل المانعة

ص: 315


1- . الفقيه : 3 / 41 ، ذيل الحديث 3284 .
2- . المقنع : 397 .
3- . قاله الفاضل الاصبهانيّ في كشف اللثام : 10 / 316 .
4- . التهذيب : 6 / 250 ح 640 ؛ الاستبصار : 3 / 17 ح 48 ؛ الوسائل : 27 / 347 ح 33901 .
5- . الكافي في الفقه : 435 ؛ و نقله عنه في المختلف : 8 / 498 ؛ والمهذّب : 4 / 527 ؛ والمسالک : 14 /211 ؛ و كشف اللثام : 10 / 317 ؛ والرياض : 13 / 296 .

فيما إذا كانت شهادته لمولاه أو عليه، و حمل المجوّزة فيما إذا كانت شهادته لغير مولاه و عليه و لا شاهد له .

قيل (1) :

و كأنّه لم يقبلها له حملاً على الأجير، و لم يقبلها عليه حملاً على الولد .

القول السابع

و القول السابع : عدم قبولها على الحرّ المسلم كائنًا مَن كان، و قبولها على مثله و على الكافر .

و هو المحكيّ عن ابن الجنيد (2) ؛ و مستنده في عدم القبول على الحرّ المسلم ما تقدّم من صحيحة محمّد بن مسلم (3) .

و في قبولها على الكافر صحيحته الأخرى أيضًا عن أحدهما (عليه السلام): تجوز شهادة المملوک من أهل القبلة على أهل الكتاب (4) .

ص: 316


1- . قاله الفاضل الاصبهانيّ في كشف اللثام : 10 / 317 .
2- . حكاه عنه في المختلف : 8 / 497 ؛ و المسالک : 14 / 210 ؛ و كشف اللثام : 10 / 317 ؛ و رياضالمسائل : 13 / 297 .
3- . الفقيه : 3 / 41 ح 3284 ؛ التهذيب : 6 / 249 ح 636 ؛ الاستبصار : 3 / 16 ح 44 ؛ الوسائل : 27 / 346ح 33898 .
4- . الفقيه : 3 / 45 ح 3296 ؛ التهذيب : 6 / 249 ح 638 ؛ الاستبصار : 3 / 16 ح 46 ؛ الوسائل : 27 / 348ح 33903 .

و في قبول شهادته على مثله ما مرّ من الرواية المرويّة عن الخلاف (1) .

و جوابه هو : أنّ الصحيحة الأولى قد عرفت معارضتها بمثلها، و هو الجواب عمّا تضمّنه ذيل الرواية الثالثة المتقدّمة عن الخلاف ؛ و أمّا الرواية الثانية والثالثة بالنسبة إلى صدرها، فنحن نقول بمضمونهما، هذا .

و الظاهر من السيّد في الانتصار أنّ ابن الجنيد منع من قبول شهادة المملوک مطلقًا، فيكون مشاركًا لابن عقيل فيما تقدّم، حيث قال في الانتصار :

و كان أبو عليّ بن الجنيد من جملة أصحابنا يمنع (2) من شهادة العبد وإن كان عدلاً، و لمّا تكلّم عن (3) ظواهر الآيات في الكتاب الّتي يعمّ (4) العبد و الحرّ ادّعى تخصيص الآيات بغير دليل، و زعم أنّ العبد من حيث لم يكن كفوًا للحرّ في دمه و كان ناقصًا عنه في أحكامه لم يدخل تحت الظواهر .

و قال أيضًا : إنّ النساء قد يكنّ أقوى عدالة من الرجال و لم تكن شهادتهنّ مقبولة في كلّ ما تقبل (5) فيه شهادة الرجال .

و هذا منه غلط فاحش، لأنّه إذا ادّعى أنّ الظواهر اختصّت بمن

ص: 317


1- . الخلاف : 6 / 269 . قال ابن أبي جمهور الأحسائيّ في العوالي : و روى الشيخ مرفوعًا عن عليّ (عليه السلام) : أنّهكان يقبل شهادة بعضهم على بعض، و لا تقبل شهادتهم على الأحرار ( عوالي اللّألئ : 3 / 532 ح 19 ).
2- . في المصدر : يمتنع .
3- . في المصدر : على .
4- . في المصدر : تعمّ .
5- . في المصدر : يقبل .

يتساوى (1) أحكامه في الأحرار كان عليه الدليل، لأنّه ادّعى ما يخالف فيه (2) الظواهر، و لا يجوز رجوعه في ذلک إلى أخبار الآحاد الّتي يروونها (3) ، لأنّا قد بيّنا ما في ذلک .

فأمّا النساء فغير داخلات في الظواهر الّتي ذكرناها مثل قوله : ( ذوي عدل منكم ) (4) ، و مثل قوله - تعالى - : ( شهيدين من رجالكم ) (5) ،

فانّما (6) أخرجنا النساء من هذه الظواهر لأنّهن ما دَخلن فيها، والعبيد العدول داخلون فيها بلا خلاف، و يحتاج في إخراجهم إلى دليل ؛ إنتهى كلامه - أعلى الله مقامه (7) .

تتميم

لو أشهد رجل عبديه في جارية بأنّ حملها منه، فمات ورثهما أخوه مثلاً فاعتقهما، ثمّ ولدت الجارية و شهد الغلامان بما أشهدهما مولاهما عليه، تقبل شهادتهما و يردان عبدين للولد .

ص: 318


1- . في المصدر : تتساوى .
2- . « فيه » لم يرد في المصدر .
3- . في المصدر : يرويها .
4- . الطلاق: 2.
5- . البقرة : 282 .
6- . في المصدر : فما .
7- . الانتصار : 500 .

لما عرفت سابقًا من أنّ شهادة العبد للمولى مقبولة و هنا كذلک، لأنّ مولاهما هو ذلک الولد، فاشهدا له، فتكون مقبولة .

و لخصوص صحيحة الحلبي عن مولانا الصادق (عليه السلام) في رجل مات و ترک جارية و مملوكين، فورّثهما أخ له، فاعتق العبدين و ولدت الجارية غلامًا، فشهدا بعد العتق أنّ مولاهما كان أشهدهما أنّه كان يقع على الجارية و أنّ الحمل (1) منه، قال : تجوز شهادتهما، و يردّان عبدين كما كانا (2) .

و هو صريحٌ في المدّعى .

و كذا الكلام فيما إذا لم يعتقهما من ورثهما، فلو شهدا بما مرّ للولد، يكونان مملوكين له .

لا يقال : قد تقدّم أنّ شهادة العبد على المولى غير مقبولة، و هنا كذلک،لأنّ شهادتهما لو قبلت يلزم خروجهما عن ملک من ورّثهما .

لأنّا نقول : إنّ الّذي تقدّم هو : أنّ شهادة العبد على المولى غير مقبولة، و هو مسلّم ؛ و المقام ليس من هذا القبيل، بل شهادتهما للمولى لأنّ مولاهما هو الولد، فشهدا له ؛ نعم، شهادتهما على من ورّثهما أوّلاً، و هو ليس بمولى لهما .

إن قلت : إنّ ما ذكر مسلّم، إلّا أنّ الصحيح المذكور قد قيّد فيه قبول شهادتهما

ص: 319


1- . في الاستبصار : الحبل .
2- . التهذيب : 6 / 250 ح 642 ؛ الاستبصار : 3 / 17 ح 50 و 4 / 136 ح 83 ؛ الوسائل : 27 / 347 ح33900 .

بعد العتق، و مقتضاه عدم قبولها قبله .

قلت : هذا إنّما يلزم إذا كان القيد واقعًا في كلام المعصوم (عليه السلام) ، و ليس الأمر كذلک، بل إنّما وقع في كلام الراوي، فمفهومه ليس بحجّة، بل يكون المفهوم من الحديث حكم الصورة المسئول عنها، و يرجع في غيرها إلى ما اقتضاه الأدلّة .

نعم، في الصورة المفروضة في النصّ - بل في الصورتين - يكره للولد استرقاقهما، لموثّقة داود بن فرقد (1) قال : سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن رجلٍ كان في سفره (2) و معه جارية و له غلامان مملوكان (3) ، فقال لهما : أنتما حُرّان لوجه الله وأشهدا أنّ ما في بطن جاريتي هذه منّي، فولدت غلامًا، فلمّا قدموا على الورثة أنكروا ذلک واسترقوهم، ثمّ إنّ الغلامين عَتَقا (4) بعد ذلک، فشهدا بعد ما أعَتَقا أنَّ مولاهما الأوَّل أشهدهما أنَّ ما في بطن جاريته منه، قال : تجوز (5) شهادتهما للغلام، و لا يسترقُّهما الغلام الّذي شهدا له، لأنّهما أثبتا نسبه (6) .

و النهي و إن كان حقيقة في الحرمة، إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد منه هنا الكراهة

ص: 320


1- . في الكافي و الفقيه : داود بن أبي يزيد ؛ قال النجاشي : داود بن فرقد، مولى آل أبي السمال الأسديّالنصريّ، و فرقد يكنّى : أبا يزيد، كوفيّ، ثقة، روى عن أبي عبدالله و أبي الحسن عليهما السلام ( رجال النجاشي :158 ).
2- . في الكافي والاستبصار : سفر .
3- . في المصدر : و معه جارية له و غلامان مملوكان .
4- . في الكافي : أعتقا .
5- . في الكافي : يجوز .
6- . الكافي : 7 / 20 ح 16 ؛ الفقيه : 4 / 211 ح 5492 ؛ التهذيب : 9 / 222 ح 870 ؛ الاستبصار : 4 / 136ح 512 ؛ الوسائل : 19 / 403 ح 24848 .

بقرينة قوله (عليه السلام) أوّلاً : « تجوز شهادتهما للغلام »، لأنّ المراد بجوازشهادتهما له جواز قبول شهادتهما له، فإذا جاز قبول شهادتهما له يجوز الحكم بكونهما رقّين له، فيجوز له استرقاقهما، فقوله : « لا يسترقّهما الغلام الّذي شهدا له » النهي فيه محمولٌ على الكراهة .

و أيضًا تعليله (عليه السلام) عدم استرقاقه لهما بقوله : « لأنّهما أثبتا نسبه » يشعر بذلک .

و أيضًا أنّ الصحيحة المذكورة أوَّلاً صريحةٌ في جواز استرقاقه لهما، لقوله (عليه السلام) : « و يردّان عبدين كما كانا » ؛ و النهي في الموثّقة المزبورة صريحٌ في المرجوحيّة، فيكون الجمع بينهما الكراهة، فالقول بتحريم استرقاقه لهما بناءً على ظاهر النهي -كما نقل عن بعض (1) - ضعيف .

إن قلت : إنّ اللّازم ممّا ذكر ثبوت الكراهة في الصورة الأولى - أي : فيما إذا أعتقهما مَن ورّثهما، ثمّ شهدا للغلام بما كانا شاهدين عليه - لاختصاص النصّ بذلک، فيرجع في الصورة الثانية إلى حكم الأصل ؛ و مقتضاه عدم الكراهة .

قلت : الحقّ ثبوت الكراهة في الصورتين، لأنّ النصّ و إن كان مورده الصورة الأولى، إلّا أنّ التعليل في ذيله عامّ، و مفهوم التعليل يتعدّي به إلى كلّ ما تحقّق فيه ذلک ؛ و لا شکّ أنّ الصورة الثانية أيضًا ثبت النسب للغلام لشهادتهما، فهما أثبتا له النسب، و قد جعله المعصوم (عليه السلام) علّة لعدم الاسترقاق، أي : لكراهته في الصورة

ص: 321


1- . النهاية : 2 / 59 ؛ و نسبه إلى القيل في مسالک الأفهام : 6 / 208 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 61 ؛ و رياضالمسائل : 13 / 304 .

الأولى، و هو موجودٌ في الصورة الثانية أيضًا، فيلزم أن يكره الاسترقاق، لعدم جواز تخلّف المعلول عن العلّة .

و لا يخفى أنّ ما تقدّم من التسوية بين صورة عتق العبدين و غيرها إنّما هو إذا صدّقهما مَن ورّثهما، أو كانا عدلين يمكن الحكم بشهادتهما، كما يؤمي إليه فرض المسألة في كلامهم في عبدين دون عبد واحد ؛ و أمّا مع عدمهما فلا يكون الأمر كما ذكر، بل يبقيان عبدين لمن ورّثهما إلى أن ثبت نسب الولد كما لا يخفى .

ثمّ إنّ هذه جملة من المواضع الّتي دلّ الدليل على قبول شهادة المتّهم ؛ و لمّا كان كثير من المواضع كذلک، أي : قام الدليل على قبول شهادته إمّا بالصريح أو بالفحوى، و لهذا حُصِر أسباب التهمة المانعة من قبول الشهادة في ستّة، ينبغي التنبيه عليها .

ص: 322

أسباب التهمة المانعة من قبول الشهادة

السبب الأوّل

شهادة الشريک فيما هو شريک فيه غير مقبولة

فأقول : الأوّل هو : أن يكون الشاهد بحيث يجرّ النفع في شهادته إليه، لأنّه حينئذٍ يكون بشهادته مدّعيًا، فيكون شاهدًا لنفسه ؛ و لما روي عن النبي (صلي الله عليه واله) أنّه

ص: 323

نهى أن يجاز (1) شهادة الخصم و الظنين و الجارّ إلى نفسه (2) منفعة (3) .

و كذا إذا يدفع عنه ضررًا، لأنّه حينئذٍ بشهادته منكر، و ذلک كشهادة الشريک فيما هو شريک فيه .

و المستند في ذلک - زيادةً على ما مرّ من النصوص المعتبرة الدالّة على عدم قبول شهادة ذي التهمة و ما تقدّم آنفًا - هو : موثّقة سماعة المتقدّمة (4) ، حيث قال فيها: سألته عمّا يردّ من الشهود، فقال : المريب و الخصم و الشريک و دافع مغرم ؛ إلى أن قال : كلّ هذا تردّ شهاداتهم (5) .

و موثّقة أبان قال : سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه، فقال : تجوز شهادته إلّا في شيء له فيه نصيب (6) .

و هذه و إن كانت في التهذيب مرسلة، لأنّها مرويّة فيه عن أبان، عمّن أخبره، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، إلّا أنّها مرويّة في الفقيه على ما ذكرناه ؛ على أنّ الإرسال والضعف في مثل المسألة غير مضرّ، لأنّ المسألة لعلّها موضع وفاق .

ص: 324


1- . في المصدر : أن تجاز .
2- . في المصدر : « على نفسه » ؛ و ليس فيه قوله : « منفعة »، و هو موجودٌ في كشف اللثام : 10 / 303 .
3- . دعائم الإسلام : 2 / 511 ح 1832 .
4- . جاء في حاشية الأصل بخطّه قدس سره : و من هذا القبيل الموثّق المرويّ في باب شهادة الشريک من شهادات الكافي عن عبد الرّحمن بن أبي عبدالله قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ثلاثة شركاء شهد اثنان عن واحد،قال : لا يجوز شهادتهما ( الكافي : 7 / 394 ح 1 ).
5- . التهذيب : 6 / 242 ح 599 ؛ الاستبصار : 3 / 14 ح 38 ؛ الوسائل : 27 / 378 ح 33995 .
6- . الفقيه : 3 / 44 ح 3293 ؛ التهذيب : 6 / 246 ح 623 ؛ الاستبصار : 3 / 15 ح 40 ؛ الوسائل : 27 / 370ح 33971 .

و ما روي عن مولانا الأمير (عليه السلام) أنّه قال : لا يجوز (1) شهادة الشريک لشريكه فيما هو بينهما، و يجوز (2) في غير ذلک ممّا ليس له (3) فيه شركة (4) .

و بهما يقيّد إطلاق ما دلّ على عدم قبول شهادة الشريک مطلقًا - كالموثّقة الأولى - حيث دلّت على عدم شهادة الشريک مطلقًا، سواء كانت له فيما يشهد به شركة، أم لا .

و يقيّد أيضًا إطلاق ما دلّ على جواز قبول شهادة الشريک مطلقًا، و لو كانت الشهادة فيما له فيه شركة، كرواية عبد الرّحمن بن أبي عبدالله قال : سألت أباعبدالله (عليه السلام) عن ثلاثة شركاء ادّعى واحد و شهد الإثنان، قال : تجوز (5) .

فيقيّد فيما إذا كانت شهادتهما على ما ليس لهما فيه شركة، بقرينة ما ذكر .

و مثل الشريک فيما ذكر شهادة المدين للمحجور عليه، بناءً على أنّه يتعلّق حقّه حينئذٍ بأعيان ماله، فيكون المدين حينئذٍ مدّعيًا، فلا تقبل ؛ و أمّا إذا لم يكن المشهود له محجورًا عليه، فتقبل شهادة المدين حينئذٍ لتعلّق حقّه بالذمّة ؛ هكذا قيل (6) .

أقول : إن ثبت اتّفاقهم على ذلک فهو، و إلّا فالاكتفاء بما ذكر في قبول الشهادة

ص: 325


1- . في المصدر : لا تجوز .
2- . في المصدر : و تجوز .
3- . « له » لم يرد في المصدر .
4- . دعائم الإسلام : 2 / 511 ح 1830 .
5- . التهذيب : 6 / 246 ح 622 ؛ الاستبصار : 3 / 15 ح 39 ؛ الوسائل : 27 / 370 ح 33972 .
6- . قاله في كشف اللثام : 10 / 304 .

مشكل، لأنّ تعلّق حقّه بالذمّة يخرجه عن كونه مدّعيًا، لا عن كونه متّهمًا ؛ و مجرّد تعلّق الحقّ بالمال غيرُ كافٍ مع صدق التهمة، لما عرفت من كثيرٍ من النصوص المعتبرة الدالّة على عدم جواز قبول شهادة ذي التهمة، فلابدّ للحكم بقبول شهادته حينئذٍ إمّا من مقيّدٍ لتلک الأدلّة، أو عدم تسليم صدق التهمة .

و مثل شهادة الشريک أيضًا فيما ذكر شهادة المولى لعبده، فلا تقبل شهادته، لأنّ العبد لا يملک شيئًا، فيكون شهادته حينئذٍ لنفسه .

شهادة الوصيّ فيما وصّى فيه غير مقبولة

ثمّ اعلم : أنّ المشهور بين الأصحاب - على ما صرّح جمعٌ من الأعلام (1) - عدم جواز قبول شهادة الوصيّ فيما وصّى فيه .

و مستندهم غير واضح ؛ و لا يمكن التمسّک في المقام بالنصوص المتقدّمة الدالّة على عدم جواز شهادة ذي التهمة، لأنّ ذلک فرع الصدق، و هو ممنوع، إذ لايدرک العقل التهمة في الوصيّ، بل للولاية في مثل ذلک تعب و مشقّة للإنسان .

نعم، لو كانت الولاية في مال له أجرة في حفظه أو إصلاحه، لكان لتوهّم التهمة وجه .

ص: 326


1- . منهم الشهيد الثاني في المسالک : 6 / 209 و 14 / 190 ؛ و المحقّق السبزواريّ في الكفاية : 2 / 60 ؛والفاضل الاصبهانيّ في كشف اللثام : 10 / 304 ؛ والسيّد الطباطبائيّ في الرياض : 9 / 538 و 13 / 279 .

و لعلّه لهذا ذهب ابن الجنيد - على ما حكي عنه (1) - إلى قبول شهادة الوصيّ،لعدم ما يصلح لتخصيص العمومات الدالّة على قبول الشهادة .

و يمكن ترجيح القول المشهور بأنّ قول ابن الجنيد ملحوقٌ بالإجماع، إذ لم نجد بعده قائلاً بجواز شهادته و لا نقله ناقل، فلا يمكن لنا المخالفة .

على أنّه يمكن الاستدلال لهم بالصحيح المرويّ في الفقيه و غيره عن محمّد بن الحسن الصفّار أنّه كتب إلى أبي محمّد الحسن (2) بن عليّ (عليهماالسلام) : هل تقبل شهادة الوصيّ للميّت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل ؟ فوقّع (عليه السلام) : إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين (3) .

وجه الاستدلال هو : أنّک قد عرفت في كتاب القضاء (4) أنّ الحقّ يثبت بشاهد واحد و يمين صاحب الحقّ، فعلى هذا لو كانت شهادة الوصيّ مقبولة لا يحتاج إلى شهادة عدل آخر مع يمين المدّعي، فعدم اكتفائه (عليه السلام) بشهادة الوصيّ و يمين المدّعي ؛ و الإتيان بقوله : « إذا شهد معه عدل آخر » قرينةٌ واضحة على عدم الاعتبار بشهادة الوصيّ .

و يمكن تقرير الاستدلال بوجهٍ آخر، و هو : أنّ حلف المدّعي خلاف الأصل

ص: 327


1- . حكاه عنه في مختلف الشيعة : 8 / 531 ؛ و مسالک الأفهام : 6 / 209 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 60 ؛ومجمع الفائدة : 12 / 385 ؛ و كشف اللثام : 10 / 304 ؛ و رياض المسائل : 9 / 538 و 13 / 278 .
2- . جاء في حاشية الأصل بخطّه قدس سره : العسكريّ .
3- . الكافي : 7 / 394 ح 3 ؛ الفقيه : 3 / 73 ح 3362 ؛ التهذيب : 6 / 247 ح 626 ؛ الوسائل : 27 / 371 ح33973 .
4- . كتاب القضاء : المسألة 25 .

على ما مرّ تحقيقه في كتاب القضاء (1) ، فيقتصر فيه على مواضع مخصوصة دلّ الدليل على ثبوته فيها .

و من المعلوم أنّه لو كان للمدّعي شاهدان مرضيّان ليس عليه الحلف في إثبات حقّه، بل لا يجوز إلّا في بعض المواضع، و ليس ما نحن فيه منه، فاعتبار المعصوم (عليه السلام) الحلف فيه إمّا من جهة عدم قبول شهادة الوصيّ، أو شهادة عدل آخر؛ و الثاني غير جائز و إلّا فلا معنى لقوله (عليه السلام) : « إذا شهد معه آخر عدل »، فتعيّن الأوّل، و هو المطلوب، فثبت المدّعى، و هو عدم جواز قبول شهادة الوصيّ .

و الكلام في الوكيل كالكلام في الوصّي، فالمحكيّ عن المشهور المنع، و عن ابن الجنيد : الجواز (2) ؛ و حيث قد قلنا بمنع ذلک في الوصيّ نقول في الوكيل أيضًا،لعدم القول بالفصل .

مضافًا إلى أنّه يمكن أن يؤيّد القول بالمنع بأنَّ الوكيل نائبٌ عن نفس الموكّل، فكما لا تقبل شهادة موكّله لنفسه، فكذا شهادة نائبه له .

و أيضًا لا نسلّم انتفاء التهمة في حقّه، أمّا على تقدير تحقّق الأجرة له فظاهر ؛ وأمّا على تقدير العدم فلإمكان أن يكون الداعي لشهادته تصحيح الفعل الّذي صدر عنه بدعوى الوكالة .

و لعلّ هذا المقدار بعد ملاحظة الاشتهار يكفي في المقام، فتأمّل .

ص: 328


1- . كتاب القضاء : المسألة 15 .
2- . مختلف الشيعة : 8 / 531 ؛ مسالک الأفهام : 14 / 190 ؛ كفاية الأحكام : 2 / 755 ؛ مجمع الفائدة : 12 /385 .

السبب الثاني

من أسباب التهمة : العداوة
اشارة

السبب الثاني للتهمة : العداوة ؛ و المراد بها العداوة الدنيويّة، لا الدينيّة، لما عرفت من قبول شهادة المسلم على الكافر ؛ و أمّا عدم جواز قبول شهادة الكافر على المسلم فَلِفسْقِه و كُفره، لا للعداوة الدينيّة ؛ و لهذا تردّ شهادة بعضهم على بعض ؛ و قد مرّ الكلام في ذلک في أوائل هذا الكتاب .

و الكلام في هذا السبب يقع من وجوه :

الوجه الأوّل : في تفسير العداوة

الأوّل : في تفسيره، فأقول : قد نقل عن الأصحاب تفسير العدوّ في المقام بأنّه الّذي يفرح بالمساءة و المكروهات الواردة على صاحبه و يسأ و يغتّم بالمسرّة والنِعَم الحاصلة له (1) .

و عن جملة منهم أنّهم زادوا على ذلک بأن تبلغ حدًّا يتمنّى زوال نعمه (2) .

ص: 329


1- . انظر المختصر النافع : 279 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 755 ؛ و كشف اللثام : 10 / 309 ؛ و رياض المسائل :13 / 282 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 192 ؛ كفاية الأحكام : 2 / 755 ؛ مفاتيح الشرائع : 3 / 278 ؛ رياض المسائل :13/ 282 .

و هذا التعريف إن تحقّق من الطرفين يكون كلّ منهما عدوًّا للاخر، و إلّا اختصّ الطرف الّذي تحقّق فيه ذلک .

الوجه الثاني

الثاني هو : أنّ العدوّ المذكور لا تقبل شهادته على الّذي يكون هذا الشخص عدوًّا له، سواء كان هو عدوًّا له أيضًا، و حينئذٍ لا تقبل شهادته عليه أيضًا ؛ أو لا، ويختصّ عدم القبول حينئذٍ بالعدوّ، فشهادة غير العدوّ عليه مقبولة .

و المستند في الحكم المذكور - أي : عدم قبول شهادة العدوّ على عدوّه، أو على مَن يكون هذا عدوًّا له - : الإجماع، ادّعاه المقدّس الأردبيليّ (1) ؛ و هو ظاهر المسالک (2) ، حيث نسب الحكم إلينا، لكن في شهادة العدوّ على العدوّ .

و النصوص المعتبرة المتقدّمة الدالّة على عدم جواز قبول شهادة ذي التهمة، بناءً على تحقّقها فيما نحن فيه بلا شبهة .

و أيضًا أنّ بعض تلک النصوص قد تضمّن لفظ : « الخصم »، كصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، حيث سأله عن الّذي يردّ من الشهود، قال : فقال : الظنين و الخصم (3) .

ص: 330


1- . مجمع الفائدة : 12 / 389 .
2- . المسالک : 14 / 191 .
3- . الكافي : 7 / 395 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 242 ح 602 ؛ و رواه في « الفقيه : 3 / 40 ح 3281 » باسناده عنعبيد الله بن عليّ الحلبيّ مثله، إلّا أنّه قال : الظنين و المتّهم و الخصم . الوسائل : 27 / 373 ح 33978 .

و ما رواه أبو بصير عنه (عليه السلام) أيضًا، حيث سأله عن الّذي يردّ من الشهود، قال : فقال : الظنين و المتّهم و الخصم، الحديث (1) .

و معلوم أنّ الخصم هو العدوّ، فيكون دلالتهما على ردّ الشهادة فيما نحن فيه من وجهين، أحدهما : من جهة الإطلاق، لأنّ المتّهم شاملٌ للعدوّ أيضًا ؛ و الثاني : من جهة خصوص لفظ : « الخصم ».

و يدلّ عليه أيضًا ما رواه السكوني عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال : لا تقبل شهادة ذي شحناء أو ذي مُخْزِيَة في الدين (2) .

بيان

الشحناء : العداوة ؛ و المخزية : ما يوجب الخزي (3) .

و ما روي عن النبيّ (صلي الله عليه واله) أنّه قال : لا تقبل شهادة خائن و لا خائنة، و لا ذي غمز(4) على أخيه (5) .

ص: 331


1- . الكافي : 7 / 395 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 242 ح 598 ؛ الوسائل : 27 / 373 ح 33979 .
2- . الكافي : 7 / 396 ح 7 ؛ التهذيب : 6 / 243 ؛ و فيهما : « عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفليّ، عن السكونيّ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام)كان لا يقبل شهادة فحّاش و لا ذي مخزية فيالدين »؛ و عن الكافي في الوسائل : 27 / 377 ح 33993 . و في الفقيه : 3 / 43 ح 3288 ، هكذا :«وروى إسماعيل بن مسلم عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام» ؛ و عنه في الوسائل:27/ 378 ح 33997 .
3- . العين : 3 / 95 ؛ لسان العرب : 13 / 234 ؛ الوافي : 16 / 998 .
4- . كذا في الوسائل : 27 / 379 ؛ و عوالي اللّألئ : 1 / 242 ح 13 ؛ قال في العوالي : « و الغمز : الحقد ». و فيمعاني الأخبار ص 209 : « و لا ذي غمر» ؛ قال الصدوق : « و الغمر : الشحناء و العداوة ».
5- . معاني الأخبار : 208 ح 3 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 379 ح 34000 ؛ و في عوالي اللّألئ : 1 / 242ح 13 : « و قال (صلي الله عليه واله): لا تقبل شهادة الخائن، و لا الخائنة، و لا الزاني، و لا الزانية، و لا ذي غمز على أخيه » .
الوجه الثالث

الثالث : قالوا : شهادة العدوّ لعدوّه و لغيره و عليه مقبولة إذا كانت العداوة بحيث لاتتضمّن فسقًا .

و في شرح المقدّس الأردبيليّ (1) : عليه الإجماع، للعمومات الدالّة على قبول شهادة العادل من الكتاب و السنّة ؛ و هي سالمةٌ عمّا يصلح للمعارضة بالنسبة إلى هذا الفرض، بناءً على عدم شمول ما دلّ على ردّ شهادة ذي التهمة للمسألة، لانتفاء التهمة فيها، و اختصاص ما دلّ على عدم قبول شهادة الخصم و ذي شحناء بحكم التبادر بما إذا كانت شهادته على عدوّه، لا له و لا لغيره، أو عليه .

هذا كلّه إذا كانت العداوة بحيث لا تتضمّن فسقًا كما عرفت، و إلّا فغير جائز اتّفاقًا، و هو واضح، لكن يشكل فرض حصول العداوة مع تلک العداوة بعد الاتّفاق على أنّ عداوة المؤمن و بغضه لا لأمر دينيّ معصية، فكيف يجامع مع العدالة ؟!

و ربّما أجيب عن ذلک : بحمل العداوة على عداوة غير المؤمن، أو عداوة المؤمن، لكن إذا كان لموجب، و عداوته من غير موجب حرام لا معه، أو يعدّ العداوة من الصغائر مع تفسير الإصرار عليها بالإكثار منها، لا الاستمرار على واحدة مخصوصة (2) .

ص: 332


1- . مجمع الفائدة : 12 / 389 .
2- . مسالک الأفهام : 14 / 193 ؛ رياض المسائل : 13 / 282 .

السبب الثالث

الكلام في شهادة الولد على الوالد

الثالث من أسباب التهمة المانعة عن قبول الشهادة : شهادة الولد على الوالد، فإنّ ذلک سببٌ للإتّهام بالعقوق، فالمشهور - على ما صرّح جمعٌ منهم (1) - عدم قبول شهادة الولد على الأب، بل عن الخلاف و السرائر : عليه الإجماع (2) .

و يدلّ عليه ما رواه في الفقيه حيث قال :

و في خبر آخر : أنّه لا تقبل شهادة الولد على والده (3) .

و إرساله غير مضرّ بعد ما عرفت من الشهرة .

و عن الشيخ في الخلاف : أنّه استدلّ لذلک بإجماع الفرقة و أخبارهم (4) .

و لم نجد من الأخبار إلّا ما عرفت من الرواية المذكورة .

و استدلّ للحكم في المسألة أيضًا بقوله - تعالى - : ( و صَاحِبْهُمَا في الدُّنيَا

ص: 333


1- . منهم : العلّامة في تحرير الأحكام : 5 / 254 ؛ و الشهيد الأوّل في غاية المراد : 4 / 117 ؛ و الدروس : 2 /132 ؛ و المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة : 12 / 405 ؛ والفاضل الاصبهانيّ في كشف اللثام : 10 /306؛ وانظر المختلف : 8 / 494 ؛ و المسالک : 14 / 194 ؛ و الرياض : 13 / 285 .
2- . الخلاف : 6 / 296 و 297 ؛ السرائر : 2 / 134 .
3- . الفقيه : 3 / 42 ح 3286 .
4- . الخلاف : 6 / 297 ؛ و حكاه عنه في كشف اللثام : 10 / 306 .

مَعْرُوفًا ) (1) ، فليست الشهادة عليه و تكذيب قوله من المعروف، بل من المنكر،فيكون ارتكاب ذلک عقوقًا مانعًا من قبول الشهادة .

و ردّ ذلک بأنّ توجّه المنع عليه جَليّ، إذ من المعروف إبراء ذمّته، كما قال (صلي الله عليه واله) : أنصر أخاک ظالمًا أو مظلومًا، فقيل : كيف أنصره ظالمًا ؟ فقال : تردّه عن ظلمه، فذاک نصرک إيّاه (2) .

و ذهب الشهيد في الدروس (3) إلى قبول ذلک ؛ و مال إليه جملةٌ من المتأخّرين،كشيخنا الشهيد الثانيّ، و المقدّس الأردبيليّ (4) ؛ و عن الفاضل المقداد في التنقيح والصيمريّ، و غيرهما (5) .

و الظاهر من السيّد (رضي الله عنه) في الانتصار القول بذلک، بل الظاهر منه أنّ القائل بالمنع قليل، حيث قال :

و ممّا انفردت به الإماميّة (6) في هذه الأعصار (7) القول بجواز شهادات ذوي الأرحام و القرابات بعضهم لبعض إذا كانوا عدولاً من غير استثناء

ص: 334


1- . لقمان : 15 .
2- . مسند أحمد : 3 / 201 ؛ صحيح البخاري : 3 / 98 و 8 / 59 ؛ سنن الترمذي : 3 / 356 ح 2356 ؛ عوالياللّألئ : 3 / 414 ح 7204 .
3- . الدروس : 2 / 132 .
4- . انظر مجمع الفائدة : 12 / 405 ؛ و المسالک : 14 / 195 و 196 .
5- . التنقيح الرائع : 4 / 295 ؛ غاية المرام : 4 / 281 .
6- . في المصدر : الإماميّة به .
7- . في المصدر زيادة : « و إن روي لها وفاق قديم » .

لأحد، إلّا ما يذهب إليه بعض أصحابنا معتمدًا على خبرٍ (1) يرويه من أنّه لا يجوز شهادة الولد على الوالد (2) .

و لا يخفى أنّ الظاهر من هذا الكلام، بل ربّما يقال صريحه : انّ شهادة الولد على الوالد عنده مقبولة، و انّ المخالف في ذلک قليل ؛ و لهذا نقل ابن إدريس (3)وغيره عنه القول بالقبول ؛ و في كنز العرفان (4) نقل القول بالقبول عنه و عن ابن الجنيد.

و مستندهم عموم الأدلّة الدالّة على قبول الشهادة من الكتاب و السنّة، وخصوص قوله - تعالى - : ( كونوا قوّامين بالقِسط شُهداء لله و لو على أنفسكم أو الوالدين و الأقربين ) (5) ، و هو صريحٌ في جواز إقامة الشهادة على الوالدين .

و القول بأنّ ما يدلّ عليه الآية هو وجوب إقامة الشهادة و هو لا يستلزم القبول، ليس بشيء، لأنّ الظاهر أنّ المقصود من الأمر بإقامة الشهادة و الترغيب عليها ترتّب أثرها، و هو القبول، إذ يبعد غاية البعد أن يكون المقصود من الآية محض إقامة الشهادة من غير أن يترتّب عليها ثمرتها .

ألا ترى أنّهم يستدلّون بالنصوص الدالّة على جواز الشهادة على جواز قبولها،

ص: 335


1- . الفقيه : 3 / 42 ح 3286 .
2- . الانتصار : 496 .
3- . السرائر : 2 / 134 .
4- . انظر كنز العرفان : 2 / 386 .
5- . النساء : 135 .

و بالنصوص الدالّة على عدم جواز الشهادة على عدم جواز قبولها ؛ على أنّ كلام المستدلّ بالآية المتقدّمة يدلّ على عدم جواز إقامة الشهادة، لا جوازها مع عدم قبولها.

و أيضًا : إقامة الشهادة مع عدم جواز قبولها عبثٌ و لغو، فلا يناسب أن يأمر الله -تعالى - بها .

و أيضًا : أنّ قوله - تعالى - : ( أو الوالدين ) مسبوقٌ بالشهادة المقبولة، و هي الشهادة على النفس، و ملحوقٌ بها، و هي الشهادة على الأقربين، فالمناسب أن يكون هو أيضًا كذلک، حفظًا لاختلال نظم الكلام .

و أيضًا : أنّ المراد بالوالدين الوالد و الوالدة، و الشهادة بالنسبة إليها مقبولة، لعمومات الأدلّة مع عدم ما يخصّصها بالنسبة إليها (1) ، لأنّ دليل المانعين من الإجماع والرواية و كذا كلامهم مختصّ فيما إذا كانت شهادة الولد على الوالد، فينبغي أن يكون الوالد مشتركًا معها في الحكم، لكونهما ذكرا في كلمة واحدة، فتأمّل .

نعم، لو دلّت الآية المتقدّمة - أي : قوله تعالى : ( و صَاحِبْهُما في الدُّنيَا مَعرُوفًا ) (2) - على عدم قبول شهادة الولد على الوالد، لكانت دالّة على عدم قبول

ص: 336


1- . جاء في حاشية الأصل بخطّه قدس سره : قال في التنقيح { 4 / 296 } - بعد أن نسب القول بعدم قبول الشهادةعلى الوالد إلى الشيخين و غيرهما واختياره القبول - ما هذا لفظه : « و هنا فروعٌ على قول الشيخين - إلى أنقال : - الثاني : تقبل الشهادة على الأمّ » . و في كنز العرفان { 2 / 388 } : « و هل حكم الجدّ للأب حكمه ؟الأقرب ذلک، أمّا الأمّ فيقبل شهادة الولد عليها و لها » .
2- . لقمان : 15 .

شهادة الولد على الوالدة أيضًا، لكنّک قد عرفت الجواب عنها .

على أنّا لم نجد من كلام المانعين ما يدلّ على منعهم قبول شهادة الولد على الوالدة ؛ و بهذا يظهر وهنٌ في دلالة تلک الآية على ما مرّ إليه الإشارة .

و بالجملة : ظهور دلالة الآية المذكورة - أي : قوله تعالى : ( كونوا قوّامين ) (1) إلى آخره - على قبول شهادة الولد على الوالد ممّا ينبغي أن لا يدور حوله ريبة، هذا.

و قد وردت بمضمون الآية الشريفة نصوصٌ متعدّدة، منها : ما رواه عليّ بن سويد السائي عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : كتب أبي في رسالته إليّ و سألته عن الشهادة (2) لهم، قال : فأقم الشهادة لله - عزّوجلّ - و لو على نفسک أو الوالدين والأقربين فيما بينک و بينهم، فإن خفت على أخيک ضيمًا (3) فلا (4) .

و مثله رواية إسماعيل بن مهران (5) .

و منها : ما رواه داود بن الحصين (6) قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : أقيموا

ص: 337


1- . النساء : 135 .
2- . في التهذيب : الشهادات .
3- . جاء في حاشية الأصل بخطّه : أي الظلم .
4- . الكافي : 7 / 381 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 276 ح 757 ؛ الوسائل : 27 / 315 ح 33823 .
5- . الكافي : 7 / 381 .
6- . جاء في حاشية الأصل بخطّه : رواه في التهذيب في باب البيّنات باسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب،عن محمّد بن الحسين، عن ذبيان بن حكيم الأودي، عن موسى بن أكيل النميري، عن داود بن الحصين .

الشهادة على الوالدين و الولد (1) .

و ضعفها بعد الانجبار بالآية الشريفة غير مضرّ، لكن هذا كلّه في مقابلة الشهرة المستفيض نقلها و الإجماعات المنقولة - كما عرفت من الخلاف و السرائر (2) وسيجيء عن الغنية (3) - و الرواية المتقدّمة المنجبرة بهما، غيرُ قابلٍ للمعارضة .

و لذا ترى جملة من أصحابنا المتأخّرة مناقشين في الأدلّة غير متجرّئين على الفتوى بالمخالفة .

و على فرض تسليم تعارضهما من الطرفين يجب الرجوع إلى حكم الأصل، ومقتضاه عدم القبول كما عرفت مرارًا .

ثمّ اعلم : أنّه نقل عن الغنية (4) دعوى الإجماع في المسألة أيضًا، لكنّه جعل المجمع عليه التفصيل بين حياة الوالد فالمنع، و موته فالقبول ؛ و هو قويّ، لأنّ الظاهر المتبادر من كلماتهم و كذا مستندهم هو حال الحياة، فيبقى العمومات بالنسبة إلى غيرها سالمة عمّا يصلح للمعارضة ؛ هذا، مع أنّ الفاضل في كشف اللثام (5) نفى الخلاف في قبولها على الميّت .

ثمّ إنّ الحكم المذكور هل هو مختصّ بالأب الحقيقيّ، أو شاملٌ للجدّ و إن علا؟

ص: 338


1- . الفقيه : 3 / 49 ح 3304 ؛ التهذيب : 6 / 257 ح 675 ؛ الوسائل : 27 / 340 ح 33880 .
2- . الخلاف : 6 / 296 ؛ السرائر : 2 / 134 .
3- . الغنية : 439 .
4- . الغنية : 440 ؛ و نقله عنه في الرياض : 13 / 285 .
5- . انظر كشف اللثام : 10 / 307 .

وجهان، أوجههما : القبول، لأنّه على فرض تسليم صدق الأب على الجدّ والولد على ولد الولد حقيقةً نقول :إنّ المتبادر من الأب والولد غير ذلک، فينصرف إليه إطلاق الإجماع و الرواية، فيرجع في غيره إلى ما اقتضاه العمومات، و هو القبول .

الكلام في شهادة الولد على الوالد

هذا كلّه في شهادة الولد على الوالد ؛ و أمّا إذا كان الأمر بالعكس - أي : شهادة الوالد على الولد - فمقبولة، عملاً بالعمومات السالمة عن المعارض .

إذا علمت ذلک فاعلم : أنّه لو شهد الولد على الأب و على غيره كالأجنبيّ مثلاً، هل تردّ مطلقًا، أو تقبل كذلک، أو التفصيل فتردّ في حقّ الوالد و تقبل في حقّ غيره ؟ احتمالات .

وجه الأوّل : أنّ هذه شهادة واحدة صدرت من الشاهد ؛ و قد عرفت أنّها على الوالد غير مقبولة، فيلزم عدم القبول بالنسبة إلى غيره أيضًا، لأنّ الشهادة الواحدة كيف تتّصف بالقبول و غيره ؟!

و وجه الثالث هو : العمل بكلٍّ من الأدلّة الدالّة على عدم قبول شهادة الولد على الوالد و الأدلّة الدالّة على قبول الشهادة بالنسبة إلى الغير .

واتّصاف الشهادة الواحدة بالقبول و العدم مع اختلاف الحيثيّة غير مضرّ ؛ و ما نحن فيه كذلک، لأنّ تلک الشهادة من حيث انّها شهادةٌ على الوالد غير مقبولة، ومن حيث انّه شهادةٌ على الغير فمقبولة .

ص: 339

أوجه الوجوه الثلاثة هو الثاني، فتقبل شهادة الولد حينئذٍ مطلقًا، استنادًا إلى عموم الأدلّة الدالّة على قبول الشهادة من الكتاب و السنّة .

و ليس لها معارض إلّا ما تقدّم من الإجماعات المنقولة و الرواية المتقدّمة ؛ والمتبادر منهما هو ما إذا كانت شهادة الولد على الوالد فقط، فينصرفان إليه و يبقى تلک العمومات سالمة عمّا يصلح للمعارضة بالنسبة إلى مفروض المسألة، فوجب العمل بها .

وجه الاحتمال الثاني ضعيف، لأنّ اختلاف الحيثيّة مع اتّحاد الذات لا يجدي نفعًا ؛ و الاحتمال الأوّل مبنيّ على تسليم ثبوت العموم في الأدلّة الدالّة على عدم جواز قبول شهادة الولد على الوالد حتّى يشمل مفروض المسألة أيضًا ؛ و هو غير مسلّم، إذ لم نجد من تلک الأدلّة إلّا الإجماعات المنقولة و الرواية المزبورة ؛ وليس شيء منهما من العموم بلا ريبة .

إلّا أن يدّعى أنّ عدم قبول شهادة الولد على الوالد فقط يدلّ على عدم قبولها فيما إذا كان مع الوالد غيره بطريق أولى، لكنّها ممنوعة .

السبب الرابع

من أسباب التهمة : كون الشاهد كثير الغفلة

السبب الرابع من أسباب التهمة : كون الشاهد كثير الغفلة و النسيان، فإنّه متّهم بسبب كثرة السهو و النسيان، إلّا أن يكون المشهود به بحيث لا ينسي و لا يسهي

ص: 340

عادةً مطلقًا و لو بالنسبة إلى كثير النسيان و السهو، أو أن يذكر من الخصوصيّات بحيث يطمئنّ النفس به ؛ و بدون ذلک لا تقبل شهادته للاتّهام المذكور، فيدخل تحت النصوص المعتبرة المتقدّمة الدالّة على عدم شهادة ذي التهمة .

و يمكن المناقشة في تلک النصوص بأنّه ليس في شيء منها ما يدلّ على عدم قبول شهادة المتّهم بعنوان العموم ليشمل جميع الأفراد، بل إنّما هي مطلقات، والمتبادر منها غير ما نحن فيه، فتنصرف إليه، فتبقى العمومات الدالّة على قبول الشهادة بالنسبة إلى ما نحن فيه سالمًا عمّا يصلح للمعارضة .

إلّا أن يثبت الإجماع في المسألة، أو يثبت المنقح في أنّ الباعث على عدم قبول الشهادة هناک مطلق التهمة أيّة تهمة كانت .

و الكلام في ثبوت ذلک مع أنّک قد عرفت في كثيرٍ من المواضع قبول الشهادة مع تحقّق التهمة فيه، فتأمّل .

نعم، روي عن تفسير الإمام (عليه السلام) (1) في تفسير قوله - تعالى - : ( مِمَّنْ تَرْضَونَ مِنَ الشُهَدَاء ) (2) أنّه قال (عليه السلام): ممّن ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفّته وتفطّنه (3) فيما يشهد به، و تمييزه (4) ، فما كلّ صالح مميّز محصّل (5) ، و لا كلّ

ص: 341


1- . أي التفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ (عليه السلام)، عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام).
2- . البقرة : 282 .
3- . في المصدر : و تيقّظه ؛ و في بعض نسخه : و تيقّنه .
4- . في المصدر : و تحصيله و تمييزه .
5- . في المصدر : و لا محصّل .

محصّل مميّز صالح (1) .

السبب الخامس

من أسباب التهمة : دفع عار الكذب

السبب الخامس من أسباب التهمة : دفع عار الكذب، كما إذا تاب الفاسق، وهو متّهم بأنّه ما تاب إلّا لتقبل شهادته .

و هذه التوبة لم تؤثر في قبول الشهادة و إن أظهر صلاح حاله ؛ و ذلک لتحقّق التهمة بأنّها ليست توبة، فإنّ التوبة لا تكون إلّا لخوف الله - سبحانه .

و هذا الشخص متّهم بأنّه لم يتب لذلک، لأنّ المفروض أنّه متّهم، لأنّه تاب لتقبل شهادته، لا لخوف الله - تعالى - فلا تكون هذا الشيء مخرجًا له من الفسق إلى العدالة حتّى تجوز قبول الشهادة مع تحقّق تلک التهمة .

و التحقيق في المقام أن يقال : إنّ الصور المتصوّرة هنا ثلاث :

الأولى : أنّ الفاسق تاب و ليس بمتّهم أنّه تاب لأجل أن تقبل شهادته، بل علم من حاله أنّه تاب لخوف الله تعالى .

و هذا الشخص بعد ظهور الصلاح منه واستمراره عليه قبلت شهادته من غير إشكال ؛ بل ربّما يقال بقبول شهادته من حين تاب ؛ و هذا ليس بمتّهم، فكلامنا ليس فيه .

ص: 342


1- . التفسير المنسوب إلى الإمام العسكريّ (عليه السلام): 674 ح 375 ؛ و عنه في الوسائل : 27 / 399 ح 34054 .

و الثانية : بعكس ذلک، بأن علم أنّه تاب لأجل أن لا تردّ شهادته لا لخوف الله -تعالى - بأن يظهر صلاحه و أنّه تاب لذلک .

و هذا غير مسموع الشهادة بلا إشكال، وجهه واضح، لأنّه لم يتب حقيقة، لأنّ التوبة عبارة عن الندم عمّا صدر منه في الماضي من القبيح و العزم على عدم العود إليه في الاستقبال و الترک في زمان الحال .

و كلّ ذلک لأجل خوف الله - سبحانه - والاستحياء عن ذاته المقدّسة، و لقبح ما صدر منه من الخصلة السخيفة .

و المفروض أنّ ذلک الشخص ما ترک الذنب مثلاً لذلک، بل لأجل أن لا تردّ شهادته، فما فعله ليس بتوبة حقيقة، فلا يعود بسببه العدالة، بل باقٍ على فسقه و لو إلى قيام القيامة، فلا يكون مقبول الشهادة .

و ليس كلامنا في مثل هذا الشخص أيضًا، لعلمنا بفسقه، فلا معنى للتهمة .

و الصورة الثالثة : هي ما إذا تاب الفاسق و لم نعلم أنّها كالصورة الأولى أو الثانية، لكنّه متّهم بأنّ توبته لأجل أن لا تردّ شهادته .

و هذا هو الّذي كلامنا فيه، فنقول : إنّ شهادته ليست بمقبولة، لأجل التهمة فيه في توبته .

إن قلت : قد تقدّم منک آنفًا أنّ النصوص المتقدّمة الدالّة على عدم قبول شهادة ذي التهمة لا تنصرف إلى مثل هذه التهمة، فينبغي أن تقبل فيها الشهادة كما حكمت به في المسألة المتقدّمة .

ص: 343

قلت : هذا اشتباه في البين و غفلة عن الفرق بين المقامين ؛ بيان الفرق بينهما هو: أنّ النصوص الدالّة على عدم قبول شهادة ذي التهمة لمّا لم تشمل مثل تلک التهمة بقيت العمومات الدالّة على قبول شهادة العادل عن المعارض سليمة .

و هنا أيضًا عدم شمول تلک النصوص لمثل هذه التهمة مسلّم، لكن ذلک غير كافٍ مع عدم مقتضى القبول، لعدم جواز التمسّک في المقام بالعمومات المشار إليها، لعدم ثبوت العدالة فيه، بل ثبوت الفسق بمقتضى الاستصحاب .

و الحاصل : أنّ المقتضي لقبول الشهادة في المسألة السابقة لمّا كان موجودًا، وهو العمومات المشار إليها، و لم يوجد المانع لذلک سوى النصوص المتقدّمة كما هو المفروض ؛ و حيث قد أثبتنا عدم صلاحيّتها للمانعيّة على ما مرّ، بقي المقتضي لقبول الشهادة هناک من غير مانع .

و مع تحقّق المقتضي وانتفاء المانع وجب القول بمقتضاه، بخلاف ما نحن فيه، فإنّ المقتضي فيه غير موجود حتّى نحتاج إلى دفع المانع .

و بعبارة أخرى و هي : أنّ عدم شمول النصوص الناهية لقبول شهادة ذي التهمة لما نحن فيه مسلّم، لكن ذلک مع عدم مقتضى قبول الشهادة فيه غير نافع، بل قد عرفت أنّه فاسقٌ بمقتضى الاستصحاب .

خلافًا للمحكّي عن المبسوط و الجامع (1)، فجوّزا أن يقول القاضي للمشهور بالفسق : تب أقبل شهادتک .

ص: 344


1- . المبسوط : 8 / 179 ؛ الجامع للشرائع : 541 ؛ حكاه عنهما في كشف اللثام: 10 / 311 .

و ليس بمرضيّ، و قد عرفت التحقيق .

على أنّه يمكن أن يقال : إنّ عبارتهما ليست بصريحة في المخالفة، بل و في الظهور كلام، لاحتمال أن يكون مرادهما : تب بالتوبة الصحيحة، أي : لخوف الله -تعالى - حتّى أقبل شهادتک، لا أن يكون مرادهما : تب لأجل قبول الشهادة .

و على ما ذكرناه من التحقيق ظهر لک أنّه لو تاب الفاسق و اتّهم أنّ توبته لأجل أن تقبل شهادته، أو علم أنّ توبته لأجل ذلک، شهادته مردودة، لكن لو تاب بعد ذلک لخوف الله - تعالى - و أقام الشهادة المردودة بعدها، قال في القواعد : ففي القبول نظر (1) ؛ ينشأ من انتفاء المانع، و هو الفسق ؛ و من ثبوت التهمة أيضًا لحرص الناس على إثبات الصدق فيما عيّروا بالكذب فيه (2) .

و الأوّل محكيّ عن النهاية و الخلاف و السرائر (3) .

ويمكن أن يفصل بين ظهور الصلاح منه واستمراره عليه فالأوّل، وإلّا فالثاني .

و حكي عن جماعة (4) التفصيل في المسألة بين الفاسق المعلن بفسقه و المستتر به، فإن كان الأوّل تقبل شهادته، لأنّه لمّا كان معلنًا في فسقه لا يبال بإظهار كذبه والقول بخلافه لو كان كاذبًا و عدم الإظهار يظهر العدم ؛ و إن كان الثاني، فلا تقبل

ص: 345


1- . القواعد : 3 / 497 .
2- . كشف اللثام : 10 / 311 .
3- . انظر النهاية : 2 / 56 ؛ و الخلاف : 6 / 260 ؛ و السرائر : 2 / 123 ؛ حكاه عنهم في كشف اللثام : 10 /311 .
4- . انظر غاية المرام : 4 / 282 ؛ و رياض المسائل : 13 / 307 .

شهادته المردودة، لحرص المستتر على إصلاح الظاهر و دخول الغضاضة عليه بظهور كذبه ؛ هذا .

المعتبر في ردّ الشهادة وجود المانع حال الأداء

و حيث قد انتهى الكلام إلى أنّ تحمّل الفاسق حال فسقه للشهادة لا يمنع قبولها إذا لم يكن الفسق حال أدائها، فينبغي تحقيق تلک المسألة .

فأقول : اعلم : أنّ المعتبر في ردّ الشهادة وجود المانع حال الأداء، فلو لم يكن المانع موجودًا حاله، فلا تردّ الشهادة و لو كان في حال التحمّل موجودًا .

فعلى هذا لو تحمّل الفاسق أو الصبّي أو الكافر الشهادة، و كذا العبد بالنسبة على مولاه، ثمّ زال المانع بأن تاب الفاسق و بلغ الصبيّ و أسلم الكافر واعتق العبد، يجوز قبول شهادتهم بالتحمّل السابق، لأنّ المعتبر في قبول الشهادة عدالة الشاهد حال الأداء، و هو متحقّق، إذ المفروض ذلک، فتقبل .

و بعبارة أخرى و هي : أنّ المقتضي لقبول الشهادة موجود، و المانع عنه مفقود، فتقبل ؛ أمّا وجود المقتضي فلتحقّق العدالة، فيدخل تحت ما دلّ على قبول شهادة العادل ؛ و أمّا انتفاء المانع فلأنّ المفروض عدمه سوى الفسق والصباوة والكفر والرقّ حال التحمّل، و هو لا يصلح للمانعيّة، فيجب القبول .

و للنصوص المستفيضة المعتبرة، منها : ما رواه السكونيّ عن جعفر، عن أبيه،

ص: 346

عن آبائه، عن عليّ (عليهم السلام) : انّ شهادة الصبيان إذا شهدوا (1) و هم صغارٌ جازت إذا كبروا ما لم ينسوها (2) ؛ و كذلک اليهود و النصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم (3) ؛ والعبد إذا شهد شهادة (4) ثمّ أعتق جازت شهادته إذا لم يردّها الحاكم قبل أن يعتق (5) .

قال الشيخ : و قوله (عليه السلام) : « إذا لم يردّها الحاكم » محمولٌ على أنّه إذا لم يردّها بفسق، أو ما يقدح في العدالة (6) ، لا لأجل العبوديّة (7) .

و هذا الحديث يدلّ على المطلوب بتمامه، أمّا دلالته على قبول شهادة الصبيّ إذا بلغ بما شهده قبل البلوغ و كذا العبد، فواضحة ؛ و أمّا بالنسبة إلى قبول شهادة الكافر إذا أسلم بما شهده في حال كفره، فهو و إن لم يكن صريحًا بالنسبة إليه، إلّا أنّ قوله (عليه السلام) : « و كذا اليهود و النصارى إذا أسلموا جازت شهادتهم » مطلقٌ يشمل ما لو كانت الشهادة بشهادةٍ حال الكفر، أم لا .

على أنّه ربّما يمكن أن يقال في قوله (عليه السلام) : « و كذا اليهود » إشعارٌ بأنّ مراده (عليه السلام) هو الصورة الأولى .

ص: 347


1- . في الكافي : إذا أشهدوهم .
2- . الكافي : 7 / 389 ح 5 ؛ الوسائل : 27 / 342 ح 33885 .
3- . الكافي : 7 / 398 ح 3 ؛ الوسائل : 27 / 349 ح 33906 .
4- . في الفقيه : « إذا أشهد على شهادة » ؛ و في التهذيب : « إذا شهد بشهادة » .
5- . الفقيه : 3 / 45 ح 3295 ؛ التهذيب : 6 / 250 ح 643 ؛ الوسائل : 27 / 349 ح 33906 .
6- . في المصدر : الشهادة .
7- . التهذيب : 6 / 251 ؛ الاستبصار : 3 / 18 .

و كيف كان يستفاد منه قبول شهادة الفاسق بما تحمّله حال الفسق إذا تاب وشهد، لأنّه لو جاز قبول شهادة الكافر بما تحمّله حال الكفر إذا أسلم ففي الفاسق بطريقٍ أولى.

و منها : الموثّق عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام)- إلى أن قال : - وسألته عن الّذي يشهد على الشيء و هو صغيرٌ قد رآه في صغره، ثمّ قام به بعد ما كبر، قال : فقال : تجعل شهادته نحوًا (1) من شهادة هؤلاء (2) .

بيان

قوله : « تجعل شهادته نحوًا من شهادة هؤلاء » يعني : بهؤلاء البالغين، يعني : لا فرق بين هذه الشهادة و شهادة البالغين الّذين تحمّلوها حال البلوغ .

و منها : الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته عن نصرانيّ أشهد على شهادة ثمّ أسلم بعد، أتجوز شهادته ؟ قال : نعم، هو على موضع شهادته (3) .

ص: 348


1- . في المصدر : خيرًا .
2- . التهذيب : 6 / 252 ح 650 ؛ الوسائل : 27 / 343 ح 33886 .
3- . التهذيب : 6 / 254 ح 659 ؛ الاستبصار : 3 / 18 ح 54 ؛ و في الكافي : 7 / 398 ح 4 ، والاستبصار : 3 /18 ح 53 ، هكذا : « عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليه السلام) قال : سألته عن الصبىّ والعبد والنصرانيّيشهدون بشهادة، فيسلم النصرانيّ، أتجوز شهادته ؟ قال : نعم ». الوسائل : 27 / 388 ح 34023 .

و منها : ما رواه محمّد بن حُمْرَان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن نصرانيّ أشهد على شهادة ثمّ أسلم بعد، أتجوز شهادته ؟ قال : نعم، هو على موضع شهادته (1) .

و سند الحديث إلى محمّد بن حُمْرَان صحيح ؛ و أمّا هو فممدوحٌ في الجملة، أي : قيل : له كتاب (2) .

و منها : ما رواه السكونيّ عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : اليهوديّ و النصرانيّ إذا شهدوا ثمّ أسلموا جازت شهادتهم (3) .

و هذه النصوص تدلّ على أنّ الفاسق إذا تحمّل الشهادة حال فسقه ثمّ تاب قبل الأداء تقبل شهادته على ما قدّمناه .

و منها : صحيحة صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن رجل أشهد أجيره

ص: 349


1- . الكافي : 7 / 398 ح 5 ؛ التهذيب : 6 / 253 ح 656 ؛ الاستبصار : 3 / 18 ح 52 ؛ الوسائل : 27 / 387ح 34022 .
2- . محمّد بن حمران مشترکٌ بين جماعة، كأبي جعفر النهدي، و مولى بني فهر الكوفيّ، وابن أعين الشيبانيّ ؛قال النجاشي : محمّد بن حمران النهديّ، أبو جعفر، ثقة، كوفيّ الأصل، نزل جرجرايا، و روى عنأبي عبدالله عليه السلام، له كتاب ( رجال النجاشي : 359 الرقم 965 ). و في موضع من رجال الطوسيّ : محمّد بنحمران النهديّ، كوفيّ، أبو جعفر، بزّاز، من أصحاب الصادق عليه السلام ( رجال الطوسيّ : 281 الرقم 4059 ). وفيموضع آخر : محمّد بن حمران، مولى بني فهر، كوفيّ، و ليس بابن أعين ( رجال الطوسيّ : 313 الرقم 4649 )وفي موضع آخر قال : محمّد بن حمران بن أعين، مولى بني شيبان (رجال الطوسيّ : 313 الرقم 4651).وقال في الفهرست : محمّد بن حمران بن أعين، له كتاب، أخبرنا به جماعة عن أبي المفضّل، عن ابن بطة، عنأحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير وابن أبي نجران جميعًا، عنه ( الفهرست : 226 الرقم 637 ) ؛وانظر أيضًا نقد الرجال، للتفرشي : 4 / 193 ؛ و جامع الرواة : 2 / 105 .
3- . الكافي : 7 / 398 ح 3 ؛ التهذيب : 6 / 253 ح 658 ؛ الوسائل : 27 / 388 ح 34024 .

على شهادة ثمّ فارقه، أتجوز شهادته له بعد أن يفارقه ؟ قال : نعم، و كذلک العبد إذا أعتق جازت شهادته (1) .

و منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الذمّي والعبد يشهدان على شهادة ثمّ يسلم الذمّيّ و يعتق العبد، أتجوز شهادتهما على ما كانا أشهدا عليه ؟ قال : نعم إذا علم منهما بعد ذلک خيرٌ جازت شهادتهما (2) .

و أمّا ما رواه جميل في الصحيح عن مولانا الصادق (عليه السلام) حيث سأله عن نصرانيّ أشهد على شهادة ثمّ أسلم بعد، أتجوز شهادته ؟ قال : لا (3) ؛ فلا يصلح لمعارضة ما تقدّم من وجوهٍ عديدة، فلهذا حمله شيخ الطائفة تارةً على الشذوذ، وأخرى على التقيّة (4) .

و يمكن حمله أيضًا على ما إذا أسلم و لم تعلم عدالته .

بيان إشكال في المقام

و في المقام إشكالٌ، بيانه هو : أنّ قوله - تعالى - : ( و أشهدوا ذوي عدل

ص: 350


1- . الفقيه : 3 / 70 ح 3354 ؛ الاستبصار : 3 / 21 ح 63 ؛ التهذيب : 6 / 257 ح 674 ؛ الوسائل : 27 / 371ح 33974 .
2- . الفقيه : 3 / 70 ح 3355 ؛ الوسائل : 27 / 387 ح 34020 .
3- . الاستبصار : 3 / 19 ح 56 ؛ الوسائل : 27 / 389 ح 34026 .
4- . الاستبصار : 3 / 19 ؛ التهذيب : 6 / 254 .

منكم ) (1) ، و قوله - تعالى - : ( واستشهدوا شَهيدين من رِجالكم ) - إلى أن قال تعالى - : ( ممّن ترضون من الشهداء ) (2) ، ظاهرهما ينافي ما ذكر، لأنّه - تعالى - علّق الأمر بالإشهاد على العادل في الأوّل ؛ و بالاستشهاد عليه في الثاني بناءً على ما مرّ ؛ و الأمر حقيقةٌ في الوجوب، فتدلّان على وجوب إشهاد العادل، و هو ينافي جواز إشهاد غير العادل من الفاسق و الصبيّ و الكافر، لأنّ الأمر حقيقةٌ في الوجوب العينيّ، و حمله على التخييريّ مجاز .

الجواب عن الإشكال

و يمكن الجواب عنه من وجهين، الأوَّل : هو أنّا نقول بموجبهما، لكن نمنع تنافيهما لما مرّ ؛ و ذلک لأنّ المستفاد منهما وجوب إشهاد العادل و عدم جواز إشهاد غيره، و نحن نقول به، فلم نجوّز إشهاد غيره من الفاسق و الصبيّ وغيرهما.

لكن غاية ما لزم من ذلک عدم جواز إشهادهم، و هو لا يستلزم عدم جواز قبول شهادتهم مع زوال هذه الموانع عنهم، لجواز أن يطّلعوا بنفسهم على المشهود به عند تحقّق تلک الأوصاف و عند زوالها يقيموا الشهادة ؛ و حينئذٍ تقبل شهادتهم مع عدم إشهادنا لهم .

لكنّ الإنصاف أنّ هذا الجواب ليس بشيء، لأنّه لو جاز قبول شهادتهم فلِمَ

ص: 351


1- . الطلاق : 2 .
2- . البقرة : 282 .

لايجوز إشهادهم ؛ و الإشهاد ليس مطلوبًا بنفسه، بل إنّما هو لتحقّق الشهادة وجواز قبولها، و حيث جاز ذلک ينبغي أن يجوز الإشهاد أيضًا .

و أيضًا قد تقدّم في النصوص المتقدّمة ما يدلّ صريحًا على جواز الإشهاد في النصرانيّ، ففي الفاسق بطريق أولى .

فالحقّ في الجواب هو الوجه الثاني، و هو أن يقال : إنّ ظاهر الآيتين الشريفتين و إن كان ذلک، إلّا أنّه يجب الخروج عن الظاهر لدليل، و هو هنا النصوص المتقدّمة الدالّة على جواز شهادة هؤلاء المذكورين، بناءً على ما عرفت من أنّه لو جاز قبول شهادتهم ينبغي أن يجوز إشهادهم أيضًا .

على أنّک قد عرفت أنّ من جملة تلک النصوص ما يدلّ صريحًا على جواز الإشهاد ؛ و الظاهر يرفع اليد عند بالصريح .

فعلى هذا نقول : إنّ الأمر في الآيتين الشريفتين إمّا محمولٌ على الوجوب التخييريّ، أو مقيّدٌ فيما إذا أريد العمل بشهادته من غير تغيّر وصف ؛ و هذا أولى من الأوّل،لأولويّة التقييد من المجاز .

توضيحه هو : أنّ الآيتين الشريفتين قد دلّتا على عدم إشهاد غير العادل، سواء قصد بالإشهاد العمل في تلک الحالة، أو لا، بل قصد بالإشهاد تحمّله للشهادة، ثمّ العمل بعد تحقّق الشرائط ؛ و جملة من النصوص المتقدّمة دلّت على جواز الإشهاد و تحقّق ثمرته في الصورة الثانية، فيجب تقييد الآية في غيرها حملاً للمطلق على المقيّد.

ص: 352

و يمكن أن يجاب بوجهٍ ثالث أيضًا، و هو أن يقال : إنّ الأمر في الآيتين المذكورتين محمولٌ على الغالب، لأنّه لم يعهد إشهاد الصبيّ أو الكافر مثلاً، فلاتنافي بينهما و بين النصوص المتقدّمة حتّى نحتاج إلى دفعه، فارتفع الإشكال بعون الله المتعال .

السبب السادس

شهادة المتبرّع ليست بمقبولة

السبب السادس من أسباب التهمة : قيل : التبرّع في أداء الشهادة بأن أشهد قبل طلب الحاكم منه الشهادة، فلا تقبل شهادة المتبرّع .

و استدلّ لذلک بأنّه متّهم لإقدامه على الشهادة قبل الطلب، فيدخل تحت النصوص الدالّة على عدم جواز قبول شهادة ذي التهمة (1) .

و يمكن المناقشة بعدم تسليم تحقّق التهمة في ذلک، لاحتمال أن يكون إقدامه على الشهادة قبل الطلب لأجل جهله بالمسألة و علمه بتحريم كتمانها و الترغيب في أدائها من غير قصدٍ إلى إثبات المشهود، بل ربّما يكون إلى عدم إثباته أميل، لفقر المشهود عليه و كونه من أقربائه و أصدقائه مع عدم كون المشهود له من ذلک .

و على تقدير التسليم نقول : لا شکّ أنّه من الأفراد النادرة، و قد عرفت أنّه ليس

ص: 353


1- . انظر المسالک : 14 / 215 ؛ و مجمع الفائدة : 12 / 399 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 757 ؛ و كشف اللثام :10/ 312 ؛ والرياض : 13 / 312 .

في شيء من النصوص الدالّة على عدم جواز قبول شهادة (1) ما يدلّ على ذلک بعنوان العموم، بل كلّها مطلقات، و انصرافها إلى الفرد النادر غير معلوم، فلا يجوز بذلک رفع اليد عن العمومات الدالّة على قبول شهادة العادل .

و استدلّ لذلک أيضًا بالنبويّ في معرض الذمّ : ثمّ يجيء قومٌ يعطون الشهادة قبل أن يسألوها (2).

و في لفظ آخر : ثمّ يفشوا الكذب حتّى يشهد الرجل قبل أن يستشهد (3) .

و فيه أيضًا نظر، لأنّا لو سلّمنا ظهور دلالته على المدّعى نقول : إنّه غير معلوم السند، لكنّ الردّ في المسألة ممّا لا خلاف فيه، كما يفهم من المسالک حيث قال :

اعلم : أنّ الحقوق على ضربين : ضربٌ يمنع المبادرة إلى الشهادة (4) من قبولها، و هو حقوق الآدميّين المحضة ؛ و ضربٌ مختلف فيه، و هو

ص: 354


1- . كذا في نسخة الأصل، والصواب : شهادة ذي التهمة، أو شهادة المتّهم .
2- . مسند أحمد : 4 / 426 ؛ سنن الترمذي : 3 / 339 ح 2320 ؛ و فيهما : « عن عمران بن حصين قال :سمعت رسول الله - صلّى الله عليه و سلّم - يقول : خير الناس قرني، ثمّ الّذي يلونهم ثمّ يأتي من بعدهم قوميتسمّنون و يحبّون السمن، يعطون الشهادة قبل أن يسألوها ». و قال الهيثمي في مجمع الزوائد 8 / 13 :«وعن عليّ أنّ النبيّ - صلّى الله عليه و سلّم - قال : إنّ من شرار الناس من تدركهم الساعة و هم أحياءوالّذين يتّخذون القبور مساجد والّذين يشهدون بالشهادة قبل أن يسألوها ».
3- . سنن الترمذي : 4 / 549 ح 2303 ؛ و فيه : « و لا » بدل : « قبل أن ». عوالي اللّألئ : 1 / 123 ح 53 ؛وفيه : « ثمّ يفشوا الكذب حتّى يعجّل الرجل بالشهادة قبل أن يسأل عنها ». كنز العمّال : 11 / 527 ح32458؛ وفيه : « ثمّ يفشوا الكذب حتّى يشهد الرجل و ما يستشهد و يحلف و ما يستحلف ».
4- . في المصدر : الشهادة بها .

حقوق الله - تعالى - المحضة (1) .

و الكفاية حيث قال :

المعروف بين الأصحاب (2) أنّه تردّ شهادة المتبرّع بها قبل سؤال الحاكم؛

- إلى أن قال : - و لا أعرف خلافًا في الردّ المذكور في حقوق الناس المحضة (3) .

و في كشف اللثام :

أنّه ممّا قطع به الأصحاب (4) .

و حيث قد عرفت أنّ المستند في الحكم المذكور هو اتّفاق الأصحاب، فيجب انتفائه في موضع الخلاف ؛ و قد عرفت أنّ موضع الوفاق هو حقوق الآدميّين .

و أمّا حقوق الله - تعالى - ففي قبول شهادة المتبرّع فيها و عدمه قولان، أحدهما :العدم، و هو المحكيّ عن الشيخ في النهاية (5) .

و الثاني : القبول، و هو المحكيّ عنه في المبسوط و عن غيره (6) ؛ بل قيل : هو

ص: 355


1- . مسالک الأفهام : 14 / 214 .
2- . في المصدر : المعروف من مذهب الأصحاب .
3- .الكفاية : 2 / 757 .
4- . كشف اللثام : 10 / 312 .
5- . حكاه عنه في التنقيح : 4 / 304 ؛ و السرائر : 2 / 133 ؛ وانظر النهاية : 330 .
6- . حكاه عنه في التنقيح : 4 / 305 ؛ وانظر القواعد : 3 / 498 ؛ و الروضة البهيّة : 3 / 134 ؛ و كشف اللثام :10 / 313 ؛ والرياض : 13 / 313 .

المشهور (1) ، و هو الأولى، لما عرفت ممّا ذكرناه آنفًا من أنّا لو سلّمنا تحقّق التهمة فيما نحن فيه يكون من الفرد النادر، فلا يشمله النصوص الدالّة على عدم قبول شهادة ذي التهمة، لكونها مطلقات و انصرافها إلى الفرد النادر غير مسلّم .

و إنّما قلنا بعدم قبول شهادة المتبرّع في حقوق الآدميّين، لاتّفاق الأصحاب عليه، فصار اتّفاقهم قرينة على اشتراک الفرد النادر مع الشائع في عدم قبول الشهادة في حقوق الآدميّين خاصّة ؛ و لذلک خصّصنا عموم الأدلّة الدالّة على قبول شهادة العادل .

و أمّا فيما نحن فيه - أي في حقوق الله تعالى - فقد عرفت عدم الاتّفاق، بل الشهرة على القبول، فليس للعمومات الدالّة على قبول شهادة العادل مخصّصٌ بالنسبة إليه، فيجب العمل عليها .

ثمّ اعلم : أنّ عدم قبول شهادة المتبرّع في ما لا يقبل إنَّما هو بالنسبة إلى تلک الواقعة الّتي تبرّع فيها الشهادة ؛ و أمّا في غيرها ممّا لم يتبرّع فيه، فينبغي القطع بقبولها لوجود المقتضي و انتفاء المانع .

أمّا وجود المقتضي فظاهر، و أمّا انتفاء المانع فلأنّه ليس إلّا التبرّع بالشهادة في غير تلک الواقعة، و هو لا يصلح للمانعيّة، لعدم ثبوت كون التبرّع بها معصية حتّى يقدح في العدالة بالإصرار أو بغيره .

و ظاهر شيخنا الشهيد الثاني أنّه إجماعيّ بيننا، حيث قال :

ص: 356


1- . غاية المرام : 4 / 284 ؛ وانظر كفاية الأحكام : 2 / 757 .

فالتبرّع بالشهادة (1) ليس جرحًا (2) عندنا (3) .

و ربّما يكون المستفاد من النبويّة المذكورة كونه معصية، لكنّها لعدم معلوميّة سندها ليست بحجّة .

و هذا ينبغي أن لا إشكال فيه، و إنّما الإشكال في أنّه لو أعاد تلک الشهادة في مجلس آخر على وجهها، هل تقبل حينئذٍ بناءً على أنّها شهادة مع اجتماع الشروط المعتبرة، أو لا بناءً على بقاء التهمة في تلک الواقعة ؟

فيه خلافٌ، اختار الأوّل في المسالک و الكفاية (4) .

في العدد و الذكورة المعتبرين في الشهادة

19- مسألة

اشارة

اعلم : أنّ مقتضى الأصل أن يكون الشاهد رجلين، لأنّ ثبوت شيء في ذمّة شخص بقولٍ آخر خلاف الأصل، و قد مرّ مرارًا أنّه يجب الاقتصار فيما خالف الأصل على القدر المتيقّن، و هو ما إذا كان الشاهد رجلين .

و يدلّ عليه قوله - تعالى - : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) (5) ، و قوله

ص: 357


1- . في المصدر هنا زيادة : في موضع المنع .
2- . في بعض نسخ المصدر : « حرجًا » ؛ و في بعضها : « حرصًا ».
3- . مسالک الأفهام : 14 / 215.
4- . كفاية الأحكام : 2 / 758 ؛ مسالک الأفهام : 14 / 216 .
5- . البقرة : 282 .

- تعالى - : ( و أشهدوا ذوي عدل منكم ) (1) ؛ و الأمر حقيقة في الوجوب، وتعليقه عليهما في الآيتين يدلّ على عدم جواز الاكتفاء بواحدٍ من الرجال .

و يدلّ عليه أيضًا كثير من النصوص الواردة عن أهل الخصوص .

ثمّ إنّ مقتضى الأدلّة المذكورة عدم جواز القبول بقول رجل عدل مطلقًا، سواء كان في الهلال و غيره، خلافًا للمحكيّ عن ابن أبي عقيل (2) ، فجوّز الاقتصار بشهادة رجل واحد في ثبوت الهلال، لرواية محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : إذا رأيتم الهلال فافطروا، أو شهد عليه عدلٌ (3) من المسلمين (4) .

و الجواب أنّه بعد الإغماض عن سندها (5) نقول : إنّها مضطربة المتن، لأنّها

ص: 358


1- . الطلاق : 2 .
2- . هو رأي سلّار في المراسم : 233 ؛ حكاه عنه في إيضاح الفوائد : 1 / 251 و 4 / 431 ؛ و مدارک الأحكام :6 / 174 ؛ و كشف اللثام : 10 / 320 .
3- . في بعض النسخ : « عدول » ؛ و في بعضها : « واشهدوا عليه عدولاً ». قال صاحب الوسائل : العدل يطلقعلى الواحد والكثير كما نصّ عليه أهل اللغة، فيحمل على الاثنين فصاعدًا، ذكره بعض علمائنا، بناءً على سقوط لفظ : « بيّنة »، و مع وجوده أو وجود : « عدول » - كما في بعض النسخ - لا شبهة فيه ( الوسائل : 10 /288 ).
4- . الفقيه : 2 / 123 ح 1911 ؛ التهذيب : 4 / 158 ح 440 ؛ و 177 ح 491 ؛ الوسائل : 10 / 254 ح13348 ؛ و 264 ح 13379 و 278 ح 13410 ؛ و 288 ح 13435 .
5- . قال في المدارک : و أجاب عنها بالطعن في السند باشتراک محمّد بن قيس بين جماعة منهم الضعيف ؛ و هوغير جيّد، لأنّ الظاهر كون الراوي هنا البجليّ الكوفيّ الثقة صاحب كتاب القضايا المعروف، الّذي يرويه عنه عاصم بن حميد و يوسف بن عقيل، بقرينة كون الراوي عنه في هذه الرواية يوسف بن عقيل ( مدارکالأحكام : 6 / 174 ).

مرويّة في الاستبصار هكذا : إذا رأيتم الهلال فافطروا، أو تشهد عليه بيّنة عدل من المسلمين (1) .

و على هذا لا دلالة لها لما ذكره، بل هي دالّة على خلافه، لأنّ البيّنة لا تطلق على رجل واحد (2) .

و على تقدير التسليم نقول : إنّها معارضةٌ بالنصوص المعتبرة الدالّة على عدم جواز الاقتصار على أقلّ من شهادة العدلين في خصوص الهلال، منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : كان عليّ (عليه السلام) يقول : لا أجيز في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين عدلين (3) .

و منها : صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبدالله (عليه السلام) : لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال و لا يقبل في الهلال (4) إلّا رجلان عدلان (5) .

و غيرهما، فإنّ النصوص في المقام كثيرة ؛ و الترجيح لها من وجوه عديدة ظاهرة .

ص: 359


1- . الاستبصار : 2 / 64 ح 207 ؛ و 73 ح 222 .
2- . انظر تذكرة الفقهاء : 6 / 129 .
3- . الكافي : 4 / 76 ح 2 ؛ الفقيه : 2 / 124 ح 1912 ؛ التهذيب : 4 / 180 ح 498 ؛ الوسائل : 10 / 288 ح13437 .
4- . في الاستبصار : و لا في الطلاق .
5- . التهذيب : 4 / 180 ح 498 ؛ الاستبصار : 3 / 30 ح 96 ؛ الوسائل : 27 / 355 ح 33925 .

شهادة النساء في الهلال غير مقبولة

20- مسألة

اشارة

شهادة النساء غير مقبولة في الهلال، للأصل والحصر المستفاد من جملة من النصوص الّتي تقدّم إليها الإشارة، حيث قال (عليه السلام) في بعضها : لا أجيز في رؤية الهلال إلّا شهادة رجلين (1) .

و لخصوص النصوص الّتي قد صُرّحت فيها بعدم جواز شهادتهنّ في الهلال، منها : ما تقدّم، و هو صحيحة حمّاد بن عثمان، و منها : صحيحته الأخرى عن مولانا الصادق (عليه السلام) أنّه قال : قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال، الحديث (2) .

و منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : لا تجوز شهادة النساء في الهلال (3) .

و منها : صحيحة عبدالله بن سنان قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال (4) .

ص: 360


1- . الكافي : 4 / 76 ح 2 ؛ الفقيه : 2 / 124 ح 1912 ؛ التهذيب : 4 / 180 ح 498 ؛ الوسائل : 10 / 288 ح13437 .
2- . الكافي : 4 / 77 ح 4 .
3- . الكافي : 4 / 77 ح 3 ؛ و 7 / 391 ح 6 ؛ و عنه في الوسائل : 10 / 286 ح 13431 ؛ و 27 / 353 ح33916 .
4- . الكافي : 7 / 391 ح 8 ؛ الاستبصار : 3 / 23 ح 70 ؛ التهذيب : 6 / 264 ح 702 ؛ الوسائل : 27 / 353ح 33918 .

و لا يخفى أنّ هذه النصوص و غيرها دالّة على عدم جواز قبول شهادة النساء مطلقًا، سواء كانت منفردات أو مع الرجال .

خلافًا للمحكيّ عن ابن أبي عقيل، فقال :

شهادة النساء مع الرجال جائزة في كلّ شيء إذا كنّ ثقات (1) .

فيلزم منه قبول شهادة النساء مع الرجال في الهلال، و هو شاذّ محجوجٌ بما تقدّم، و بالإجماع المحكيّ عن الغنية (2).

شهادة النساء في الطلاق غير مقبولة

ثمّ اعلم : أنّه كما لا تقبل شهادة النساء مطلقًا في الهلال، كذا لا تقبل شهادتهنّ كذلک في الطلاق، للأصل و النصوص المستفيضة، منها : صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أنّه سئل عن شهادة النساء في النكاح، قال : تجوز إذا كان معهنّ رجل، وكان عليّ (عليه السلام) يقول : لا أجيزها في الطلاق (3) .

و منها : ما رواه أبو بصير قال : سألته عن شهادة النساء، قال : تجوز شهادة النساء وحدهنّ على ما لا يستطيع الرجال ينظرون إليه، و تجوز شهادة النساء في

ص: 361


1- . حكاه عنه في المختلف : 8 / 455 .
2- . الغنية : 438 ؛ و حكاه عنه في الرياض : 13 / 320 .
3- . الكافي : 7 / 390 ح 2 ؛ التهذيب : 6 / 269 ح 723 ؛ الاستبصار : 3 / 29 ح 95 ؛ الوسائل : 27 / 351ح 33910 .

النكاح إذا كان معهنّ رجل، و لا تجوز في الطلاق (1) .

و منها : ما رواه محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : قلت له : تجوز شهادة النساء في نكاح أو طلاق أو في رجم ؟ قال : تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه و ليس معهنّ رجل، و تجوز شهادتهنّ في النكاح إذا كان معهنّ رجل . إلى أن قال : و لا تجوز شهادتهنّ في الطلاق (2) .

و منها : ما رواه زرارة حيث قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن شهادة النساء تجوز في النكاح ؟ قال : نعم، و لا تجوز في الطلاق (3) .

و منها : ما رواه إبراهيم الخارقي (4) قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه و يشهدوا عليه، و تجوز شهادتهنّ في النكاح و لا تجوز في الطلاق (5) .

و هذه النصوص و ما هو مثلها كلّها دالّة على عدم جواز قبول شهادتهنّ في الطلاق مطلقًا، سواء كانت منفردات، أو مع الرجل، لا سيّما سوى الأخيرين، فإنّه

ص: 362


1- . الكافي : 7 / 391 ح 4 ؛ التهذيب : 6 / 264 ح 704 ؛ الاستبصار : 3 / 23 ح 72 ؛ الوسائل : 27 / 351ح 33912 .
2- . الكافي : 7 / 391 ح 5 ؛ التهذيب : 6 / 264 ح 705 ؛ الاستبصار : 3 / 23 ح 73 ؛ الوسائل : 27 / 352ح 33915 .
3- . الكافي : 7 / 391 ح 9 ؛ التهذيب : 6 / 265 ح 706 ؛ الاستبصار : 3 / 24 ح 74 ؛ الوسائل : 27 / 354ح 33919 .
4- . في الكافي : الحارثيّ ؛ و في الوسائل : الحارقي .
5- . الكافي : 7 / 392 ح 11 ؛ الاستبصار : 3 / 24 ح 75 ؛ التهذيب : 6 / 265 ح 707 ؛ الوسائل : 27 / 352ح 33913 .

كالصريح في الصورة الأخيرة .

خلافًا للمحكيّ عن ابن الجنيد و المبسوط (1) ، فقالا : بجواز قبول شهادتهنّ في الطلاق إذا كانت مع الرجل .

و هو محجوجٌ بالإجماع المنقول عن الغنية (2) صريحًا، و بما تقدّم من الأصل والنصوص المستفيضة .

و ليس لها معارضٌ سوى ما نقل عن المحكيّ عن المبسوط (3) أنّه استدلّ لما ذهب إليه بما روي من قبول شهادتهنّ في الطلاق مع الرجال .

و هو مع شذوذه و ضعفه - لعدم وضوح سنده - غير صالحٍ لمعارضة النصوص المتقدّمة، فليحمل على التقيّة، لأنّ مضمونه منقولٌ عن عمر بن الخطّاب (4) .

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق بعض النصوص المتقدّمة و عموم ترک الاستفصال في الآخر عدمُ جواز قبول شهادة النساء و لو مع الرجل في جميع أنواع الطلاق الّتي منها الخلع و المبارات و الطلاق بعوض .

و عن المسالک و شرح الشرائع للصيمريّ (5) هو المشهور، بناءً على كون الخلع

ص: 363


1- . انظر المبسوط : 8 / 172 ؛ و نقله عن ابن الجنيد في المختلف : 8 / 455 .
2- . انظر الغنية : 438 .
3- . نقله عنه في الرياض و قال : و لم يحكه عن المبسوط إلّا في الكفاية ( رياض المسائل : 13 / 321 ؛ وانظرالمبسوط : 8 / 172 ؛ و كفاية الأحكام : 2 / 769 ).
4- . انظر مختلف الشيعة : 8 / 456 .
5- . المسالک : 14 / 251 ؛ غاية المرام : 4 / 294 .

والمبارات من أفراد الطلاق و في معناه، كما حكي ذلک عن المختلف (1) ؛ قيل (2) :

و ظاهره عدم القائل بالفرق بين الخلع و بين غيره من أنواع الطلاق، فكلّ مَن قال فيه بالمنع - كالمفيد، و الصدوقين، و الشيخ في النهاية والخلاف، و الديلميّ، و أبي الصلاح، وابن البرّاج، و ابن حمزة، والحلّيّ، و غيرهم (3) - قال به مطلقًا ؛ و مَن قال بالقبول - كالشيخ في المبسوط وابن الجنيد (4) - قال به كذلک (5) .

و في المسالک فصّل بين ما لو كان مدّعى الخلع المرأة فكالطلاق، و إلّا فتقبل، لتضمّنه دعوى المال ؛ قال :

و مع ذلک فالمشهور عدم ثبوته بذلک مطلقًا، من حيث تضمّنه البينونة، والحجّة لا تتبعّض . و قيل : يثبت من جهة تضمّنه المال، و هو مستلزم للبينونة، فثبت (6) أيضًا لذلک (7) .

و هذا الخلاف مبنىّ على قبول شهادتهنّ في كلّ ما يتضمّن مالاً أو يكون

ص: 364


1- . انظرالمختلف : 8 / 463 .
2- . قائله العلّامة السيّد علىّ الطباطبائيّ قدس سره .
3- . انظر المقنعة : 727 ؛ و المقنع : 403 ؛ والنهاية : 2 / 61 ؛ والخلاف : 6 / 252 ؛ والمراسم : 233 ؛ والكافيفي الفقه : 436 ؛ والمهذّب : 2 / 558 ؛ والوسيلة : 222 ؛ والسرائر : 2 / 115 .
4- . في المصدر :كالشيخ في المبسوط والإسكافيّ و العمانيّ . انظر المبسوط : 8 / 172 ؛ و نقله عن ابن الجنيدوالعماني في المختلف : 8 / 455 .
5- . رياض المسائل : 13 / 322 .
6- . في المصدر : فيثبت .
7- . مسالک الأفهام : 14 / 251 .

المقصود منه المال ؛ و هو موقوفٌ على ثبوت المستند بعنوان العموم و أنكره بعضهم ؛ و يجيء الكلام فيه إن شاء الله تعالى .

و يمكن أن يرجّح عدم القبول مطلقًا و لو على تقدير ثبوت المستند بعنوان العموم، للزوم تخصيص العامّ بعد وجود المخصّص، و هو هنا موجود، و هو ما مرّ من الإجماع المنقول عن الغنية (1) والمركّب الظاهر من المختلف (2) ، والنصوص الكثيرة الدالّة على عدم جواز قبول شهادة النساء في الطلاق و قد تقدّم إليها الإشارة .

و محلّ النزاع و إن كان من الأفراد النادرة، إلّا أنّ من جملة تلک النصوص ما يدلّ على عدم جواز قبول شهادتهنّ بعنوان العموم من جهة ترک الاستفصال .

على أنّ المطلق ربّما يمكن التمسّک به في المقام لانجبار ضعف دلالته بالنسبة إلى ما نحن فيه لكونه من الأفراد النادرة بالشهرة المحكيّة، بل المحقّقة .

ص: 365


1- . الغنية : 439 .
2- . المختلف : 8 / 455 .

شهادة النساء في النكاح غير مقبولة

ثمّ اعلم أيضًا : أنّ المستفاد من النصوص المذكورة بجميعها جواز قبول شهادتهنّ في النكاح إذا كنّ مع الرجال .

واختاره في التهذيب و الاستبصار و الشرائع و القواعد و الإرشاد (1) ؛ و هو المحكيّ عن ابن أبي عقيل و ابن الجنيد و الصدوقين و ابن زهرة و الدروس (2) ؛

وعن الغنية عليه الإجماع (3) .

خلافًا للمحكيّ عن المفيد و الخلاف و سلّار و ابن حمزة (4) ، فاختاروا عدم القبول، لرواية السكوني عن مولانا الباقر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السلام) : أنّه كان يقول : شهادة النساء لا تجوز في طلاق و لا نكاح و لا في حدود الله (5) ، إلّا في الديون وما لا يستطيع الرجال (6) النظر إليه (7) .

ص: 366


1- . انظر التهذيب : 6 / 280 ، ذيل الحديث 174 ؛ والاستبصار : 3 / 25 ، ذيل الحديث 11 ؛ و الشرائع : 4 /238 ؛ والقواعد : 3 / 499 ؛ والإرشاد : 2 / 159 .
2- . حكاه عن ابن أبي عقيل و ابن الجنيد في المختلف : 8 / 455 ؛ وانظر المقنع : 403 ؛ والغنية : 439 ؛والإيضاح : 4 / 432 ؛ والدروس : 2 / 137 ؛ والمسالک : 14 / 253 ؛ والرياض : 13 / 323 .
3- . الغنية : 439 .
4- . انظر الخلاف : 6 / 252 ؛ والمقنعة : 727 ؛ والمراسم : 233 ؛ والوسيلة : 222 ؛ والرياض : 13 / 324 .
5- . « الله » لم يرد في المصدر.
6- . في التهذيب : الرجل .
7- . التهذيب : 6 / 281 ح 773 ؛ الاستبصار : 3 / 25 ح 80 ؛ الوسائل : 27 / 362 ح 33950 .

و الجواب : أنّ التعارض بينها و بين ما تقدّم من النصوص من تعارض النصّين، فيجب الرجوع إلى الترجيح، و هو مع النصوص المتقدّمة من وجوهٍ كثيرة، منها : الكثرة، فإنّ تلک النصوص كثيرةٌ جدًّا .

و منها : انّ الرواية المذكورة ضعيفة، بخلاف النصوص المذكورة، فإنّ فيها صحيحًا أيضًا.

و منها : انّ الرواية المذكورة موافقة لمذهب العامّة، بخلاف تلک النصوص ؛ ولهذا حمل الرواية الشيخ على التقيّة، فقال : لأنّ ذلک مذهب أكثر العامّة (1) .

أقول : و يدلّ على ذلک - أي : على كون مذهب العامّة عدم قبول شهادة النساء في النكاح - موثّقة داود بن الحُصَين عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : سألته عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهنّ إذا كانت المرأة منكرة، فقال : لا بأس به . ثمّ قال لي : ما يقول في ذلک فقهاؤكم ؟ قلت : يقولون لا يجوز إلّا شهادة رجلين عدلين ؛ فقال : كذبوا - لعنهم الله - هوّنوا واستخفّوا بعزائم الله و فرائضه، و شدّدوا وعظّموا ما هوّن الله، إنّ الله أمر في الطلاق بشهادة رجلين عدلين، و أجازوا (2) الطلاق بلا شاهد واحد، الحديث (3) .

ص: 367


1- . لم نجده بهذه العبارة في التهذيب و الاستبصار ؛ انظر التهذيب : 6 / 281 ذيل الحديث 773 ؛ والاستبصار :3 / 25 ذيل الحديث 80 ؛ فإنّه قال في الأوّل : « و يحتمل أن يكون الخبر خرج مخرج التقيّة ». و قال فيالثاني : « فلا ينافي ما تقدّم من الأخبار، لأنّ الكلام على هذا الخبر مثل الكلام على الخبر الأوّل من حمله على التقيّة ».
2- . في المصدر : فأجازوا .
3- . التهذيب : 6 / 281 ح 774 ؛ الاستبصار : 3 / 26 ح 81 ؛ الوسائل : 27 / 360 ح 33943 .

مضافًا إلى أنّ راوي الرواية المذكورة السكونيّ، و هو من قضاة العامّة ؛ و هو مؤيِّدٌ آخرٌ لحمل الرواية على التقيّة .

و منها : أنّ النصوص المتقدّمة موافقةٌ لعمل الأكثر، بل الإجماع كما عرفت، بخلاف الرواية المذكورة، فإنّها مخالفة لهما ؛ و لا شکّ أنّ للموافق رجحانًا على المخالف .

نعم، حكي عن شرح الشرائع للصيمري : أنّه نسب القول الثاني فيه إلى المشهور (1) .

لكنّ الظاهر أنّ الأمر ليس كذلک .

و بالجملة : لا شکّ في ترجيح تلک النصوص على الرواية المزبورة، فيجب طرحها، أو حملها على التقيّة كما عرفت، أو على الكراهة كما حملها الشيخ عليها (2) .

أقول : هذا الحمل غير مناسب، لأنّ قوله (عليه السلام) : « و لا نكاح » بتقدير : أنّ شهادة النساء لا تجوز في نكاح، بقرينة المقابلة و العطف ؛ و « لا يجوز » نصٌّ في الحرمة، فلايقبل الحمل على الكراهة .

ثمّ أقول : إنّ في حملها على التقيّة أيضًا نظرًا، لأنّ أوّل الحديث ينافي ذلک، وهو قوله (عليه السلام) : « شهادة النساء لا تجوز في الطلاق »، لأنّ مذهب العامّة جواز

ص: 368


1- . حكاه عنه في الرياض : 13 / 324 ؛ وانظر غاية المرام : 4 / 295 .
2- . انظر الاستبصار : 3 / 25 ، ذيل الحديث 80 .

قبول شهادتهنّ في الطلاق، كما يظهر من الشيخ في التهذيب (1) ، بل قد دلّت الموثّقة المتقدّمة لداود بن الحصين على أنّهم جوّزوا الطلاق من غير شاهد (2) .

فالأولى أن يقال في الجواب عن الرواية المزبورة : بأنّ التعارض بينها و بين النصوص المتقدّمة من تعارض المطلق و المقيّد، لأنّ الرواية المذكورة قد دلّت على عدم جواز قبول شهادة النساء مطلقًا، سواء كنّ مع الرجال أم منفردات .

و النصوص المتقدّمة قد دلّت على جواز شهادتهنّ في الصورة الأولى و عدم جوازها في الصورة الثانية، فيجب حمل المطلق على المقيّد، فيكون مفاد الرواية على هذا : أنّه لا تجوز شهادة النساء منفردات في النكاح .

و يؤيّد ذلک قوله (عليه السلام) : « إلّا في الديون و ما لا يستطيع الرجال النظر إليه »، لما تقدّم من النصوص الدالّة على جواز قبول شهادتهنّ منفردات فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه ؛ و سيجيء ممّا يدلّ من بعض النصوص على جواز قبول شهادتهنّ كذلک في الديون .

لا يقال : إنّ هذا الحمل غير ممكن في الرواية المذكورة بقرينة قوله (عليه السلام) في أوّلها: « شهادة النساء لا تجوز في طلاق »، لأنّه لو حملت الرواية على صورة كون النساء منفردات لدلّت على جواز شهادة النساء في الطلاق فيما إذا كنّ مع الرجال، و قد تقدّم أنّه غير جائز .

ص: 369


1- . انظر التهذيب : 6 / 281 ذيل الحديث 773 .
2- . انظر التهذيب : 6 / 281 ح 774 .

لأنّا نقول : لا نسلّم دلالتها على ذلک على تقدير الحمل المذكور، لأنّ الرواية حينئذٍ دالّةٌ على عدم جواز شهادتهنّ في تلک الصورة، لا على جوازها في غيرها، لعدم ذكر القيد فيها حتّى يدلّ مفهومه على انتفاء الحكم عند انتفائه، بل قيّدت الرواية في تلک الصورة بقرينة النصوص المتقدّمة .

و على تقدير تسليم دلالتها على ذلک نقول : إنّ الإيراد المذكور إنّما يرد إذا كانت الرواية هكذا : لا تجوز شهادة النساء في طلاق و نكاح و هكذا ؛ لأنّ لفظ «لايجوز » حينئذٍ يكون واحدًا، و حمله على شيء بالنسبة إلى شيء ممّا تعلّق به يستلزم حمله عليه بالنسبة إلى شيء آخر من متعلّقاته .

و ليس الأمر في الرواية كذلک، لأنّها هكذا : « لا تجوز شهادة النساء في طلاق و لا نكاح »، و قد عرفت أنّه بتقدير : لا يجوز في نكاح، فصار لفظه متعدّدًا .

و حينئذٍ نقول : إنّا قيّدنا « لا يجوز » الثاني في صورة ما إذا كانت النساء منفردات، بقرينة ما تقدّم من النصوص الدالّة على جواز قبول شهادتهنّ إذا كانت مع الرجال، بخلاف « لا يجوز » الأوّل، فإنّه لمّا لم يثبت له مقيّدًا بقيناه على إطلاقه .

على أنّک قد عرفت الدليل لإبقائه على إطلاقه، و هو ما تقدّم من الدليل على عدم جواز قبول شهادتهنّ حتّى في الصورة الّتي كانت مع الرجال، فاندفع الإيراد المذكور.

لكن يمكن أن يعترض بأنّ مآل الرواية على هذا الحمل عدم جواز شهادتهنّ

ص: 370

منفردات في النكاح، و قد دلّت الموثّقة المتقدّمة - أي : موثّقة داود بن الحصين - صريحًا على جواز ذلک حيث سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة النساء في النكاح بلا رجل معهنّ إذا كانت المرأة منكرة، فقال (عليه السلام) : لا بأس به، الحديث (1) .

و الجواب هو : أنّ الموثّقة المزبورة و إن دلّت على جواز شهادتهنّ بلا رجل معهنّ، لكنّ النصوص المتقدّمة قد دلّت على عدم ذلک، و أنّ جواز شهادتهنّ منحصرٌ فيما إذا كانت مع الرجال، فتعارضتا ؛ و الترجيح لتلک النصوص من وجوهٍ ظاهرة، فيجب العمل عليها .

ص: 371


1- . التهذيب : 6 / 281 ح 179 ؛ الاستبصار : 3 / 26 ح 13 ؛ الوسائل : 27 / 360 ح 33943 .

— – — –{ جاء في آخر نسخة الأصل بخطّ المؤلّف (قدس سره) ما يلي : }

في المواضع الّتي يقدّم فيها قول المدّعي على قول المنكر

منها : ما في باب المضاربة، قال في التذكرة :

لو ادّعى العامل التلف صدق مع اليمين (1) و عدم البيّنة (2) .

و منها : الوكيل و الأب و الجدّ و الحاكم و أمينه و كلّ أمين، قال في القواعد :

لو ادّعى الوكيل تلف المال، أو تلف الثمن الّذي قبضه، فكذّبه الموكّل، قدّم قول الوكيل مع يمينه، و كذا الأب و الجدّ و الحاكم و أمينه و كلّ من في يده أمانة ؛ و لا فرق بين السبب الظاهر و الخفيّ (3) .

و منها : صورة الاختلاف بين البائع و المشتري في قدر الثمن، كما إذا قال

ص: 372


1- . في المصدر : باليمين .
2- . تذكرة الفقهاء ( ط . ق ) : 2 / 245 .
3- . القواعد : 2 / 371 .

البائع : بعت الشيء المعهود بعشرة تمامين (1) ، و يقول المشتري : لا، بل بخمسة مع بقاء العين .

و لو انتقل من المشتري إلى غيره بعقدٍ لازم، فإنّه حينئذٍ يقدّم قول البائع مع يمينه ؛ و أمّا مع تلفها فيقدّم قول المشتري مع يمينه على المشهور بين الأصحاب (2) .

و منها : صورة اختلاف البائع و المشتري في تعجيل الثمن و تأجيله فيما إذا ادّعى البائع التعجيل و المشتري التأجيل، فإنّه يقدّم حينئذٍ قول البائع مع يمينه .

و كذا الحال عند اختلافهما في قدر الأجل، كما أنّ البائع يدّعي بعد شهر أو سنة، و المشتري يدّعي أنّه بعد شهرين مثلاً، فإنّ القول حينئذٍ قول البائع مع يمينه .

و منها : عند اختلاف الشفيع و المشتري في مقدار الثمن، كما أنّ المشتري يدّعي أنّه اشتراه بخمسين، والشفيع يقول بعشرين، فإنّه يقدّم قول المشتري مع يمينه على المشهور (3) .

و منها : فيما إذا ادّعى الشفيع جهله بحقّه مع إمكانه عادة، و أنكره المشتري، فإنّه يقبل قول مدّعي الجهل حينئذ .

و منها : عند اختلاف الشفيع و المشتري في الثمن الّذي وقع عليه العقد،فادّعى

ص: 373


1- . هكذا يقرأ ما في نسخة الأصل .
2- . انظر كفاية الأحكام : 1 / 491 .
3- . انظر المسالک : 12 / 370 ؛ و كفاية الأحكام : 1 / 550 .

الشفيع أنّه عشرون، وادّعى المشتري أنّه أربعون، فيقدّم قول المشتري مع يمينه على المشهور بين الأصحاب، بل قيل : لم ينقل فيه خلاف (1) .

و منها : ما ذكره في المبسوط في مباحث زكاة الغلاة، قال :

إذا كانت الغلة ممّا قد شربت سيحًا و غير سيح حكم فيها بحكم الأغلب، فإن كان الغالب سيحًا أخذ منها (2) العشر ؛ و إن كان الغالب غير السيح

أخذ منها نصف العشر، فإن تساويا أخذ نصفه بحساب العشر، و النصف الآخر بحساب نصف العشر ؛ والقول قول ربّ المال مع يمينه (3) .

و منها : ما إذا ادّعى المديون أنّه أدّى الوجه في الدين الّذي كان بإزائه رهن، وادّعى صاحب الحقّ أنّه أدّاه بإزاء الدين الّذي ليس في مقابله رهن، فإنّ القول حينئذٍ قول المديون مع يمينه .

و منها : ما إذا اختلف المالک و المستودع في ردّ الوديعة، فادّعى المستودع ردّها و أنكره المالک، فالقول قول المستودع .

و كذا الحال فيما إذا ادّعى ردّها على وكيل المالک، بخلاف ما لو ادّعى ردّها إلى وارث المالک .

ص: 374


1- . رياض المسائل : 12 / 339 .
2- . في المصدر : منه .
3- . المبسوط : 1 / 214 .

ص: 375

فهرس مصادر التحقيق

– 1- القرآن الكريم

« أ »

2- الاحتجاج على أهل اللجاج، لأبي منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي (ق 6)، تحقيق السيّد محمّد باقر الخراسان، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف، 1386.

3- أحكام القرآن، لأبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص ( م 370 ه )، تحقيق عبدالسلام محمّد علي شاهين، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 ه .

4- إحياء علوم الدين، لأبي حامد الغزاليّ ( 505 ه )، دار الكتب العربيّ، بيروت .

5- الاختصاص، لأبي عبدالله محمّد بن النعمان العكبري الملقّب بالشيخ المفيد (413ه ) تحقيق علي أكبر الغفّاري، والسيّد محمود الزرندي، دار المفيد، بيروت، لبنان، 1414

ص: 376

6- إختيار معرفة الرجال ( رجال الكشّي )، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي ( 385 - 460 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام)، قم، 1404 ه .

7- إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ه )، تحقيق الشيخ فارس الحسّون، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1410 ه .

8- أسباب نزول الآيات، لأبي الحسن عليّ بن أحمد الواحديّ النيسابوريّ ( 468 ه )، مؤسّسة الحلبي، القاهرة، 1388 - 1968 م .

9- الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ، لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه )، تحقيق السيّد حسن الخرسان، دار الكتب الإسلاميّة تهران، 1363 .

10- إصباح الشيعة بمصباح الشريعة ، لقطب الدين البيهقي الكيدري ( ق 6 )، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، نشر مؤسّسة الإمام الصادق، قم، 1416 ه .

11- الأصول الستّة عشر، لعدّة من المحدّثين، دار الشبستري للمطبوعات، قم، 1405 ه.

12- أعلام الدين في صفات المؤمنين، للشيخ الحسن بن أبي الحسن الديلميّ ( ق 8 )، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، قم .

13- الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460ه )، منشورات مكتبة جامع چهلستون، تهران، 1400 ه .

14- الأمالي، لأبي عبدالله محمّد بن النعمان العكبري الملقّب بالشيخ المفيد ( 413 ه )،

ص: 377

تحقيق حسين الأستاد ولي - علي أكبر الغفّاري، دار المفيد، بيروت، 1414 ه .

15- الأمالي، لأبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ( م 460 ه )، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة، دار الثقافة، قم، 1414 ه .

16- الأمالي، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ه )، مؤسّسة البعثة، قم، 1417 ه .

17- إملاء ما منّ به الرّحمن، لأبي البقاء عبدالله بن الحسين العكبري ( 538 - 616 ه )، دارالكتب العلمية، بيروت، 1399 .

18- الانتصار ، لأبي القاسم عليّ بن الحسين الموسويّ المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى ( 355 - 436 ه )، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم، 1415ه .

19- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للشيخ عليّ بن سليمان المرداويّ ( 817 - 885 ه )، تحقيق محمّد حامد الفقي، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1406 - 1986 م .

20- أنوار التنزيل وأسرار التأويل ( تفسير البيضاوي ) ، لناصر الدّين أبي الخير عبدالله بن عمر البيضاوي ( م 685 ه )، مؤسسة شعبان للنشر والتوزيع، بيروت، 1330 .

21- إيضاح الاشتباه، للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726 ه )، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قم، 1411 ه .

22- إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد ، لأبي طالب محمّد بن الحسن بن

ص: 378

يوسف المطهّر الحلّي ( 682 - 771 ه )، تحقيق الكرماني والاشتهاردي والبروجردي، المطبعة العلمية، قم، 1387 .

« ب »

23- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، للعلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي ( 1037 - 1110 ه )، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1403 ه .

24- البحر المحيط في أصول الفقه، لبدر الدين محمّد بن بهادر الزركشي ( 794 ه )، تحقيق الدكتور محمّد محمّد تأمر، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1421 ه .

25- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، لأبي بكر بن مسعود الكاشاني ( 587 ه)، المكتبة الحبيبيّة، باكستان، 1409 ه .

26- بداية المجتهد و نهاية المقتصد، لأبي الوليد محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي، الشهير بابن رشد الحفيد ( 595 ه )، تحقيق خالد العطّار، دار الفكر، بيروت 1415 - 1995 م .

27- بصائر الدرجات، لمحمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار ( 290 ه )، تحقيق ميرزا حسن كوچه باغي، منشورات الأعلمي، تهران، 1404 ه .

28- بغية الراغبين في سلسلة آل شرف الدين، للإمام السيّد عبدالحسين شرف الدين الموسويّ ( 1377 ه )، المطبوعة ضمن : « موسوعة الإمام السيّد عبدالحسين شرف الدين »، تحقيق مركز العلوم والثقافة الإسلاميّة، دار المؤرّخ العربي، بيروت، 1431 ه

ص: 379

29- بيان المفاخر، للسيّد مصلح الدّين المهدوي ( 1416 ه )، مكتبة مسجد السيّد، اصفهان، 1368ش.

« ت »

30- تاج العروس من جواهر القاموس، لمحبّ الدين أبي فيض السيّد محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي ( ت 1205 ه )، تحقيق على شيري، دار الفكر، بيروت، 1414 ه .

31- تاريخ مدينة دمشق، لأبي القاسم عليّ بن الحسن الشافعي، المعروف بابن عساكر (571ه )، تحقيق علي شيري، دار الفكر، بيروت، 1415 ه .

32- تبصرة المتعلّمين في أحكام الدّين ، للعلّامة الحلّي جمال الدّين حسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ه ) ، تحقيق السيّد أحمد الحسيني و الشيخ هادي اليوسفي ، نشر الفقيه، تهران، 1368 .

33- التبيان في تفسير القرآن، لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه )، تحقيق احمد حبيب قصير العاملي، مكتب الاعلام الاسلامي، قم، 1409 ه .

34- تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة ، للعلّامة الحلّي جمال الدّين حسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ه )، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، قم، 1420ه.

35- التحرير الطاووسيّ، للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني (قدس سرهما)صاحب المعالم (1011ه )، تحقيق فاضل الجواهري، مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ، قم، 1411 ه

ص: 380

36- تحفة الأبرار، للحاج السيّد محمّد باقر حجّة الإسلام الشفتي (1180 -1260 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، نشر مكتبة مسجد السيّد باصفهان، مطبعة سيّد الشهداء، قم، 1409ه .

37- التحفة السنيّة في شرح نخبة المحسنيّة ، للسيّد عبدالله بن نعمة الله الجزائري (1091 ه )، من مخطوطات مكتبة آستان القدس الرضويّة، رقم 2269 .

38- تحف العقول فيما جاء من الحكم والمواعظ عن آل الرسول (صلي الله عليه واله)، لابن شعبة الحرّاني ( ق 4 )، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفّاريّ، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1404ه .

39- تذكرة الفقهاء ، للعلّامة الحلّي جمال الدّين حسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726ه )، تحقيق و نشر مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، 1414 ه .

40- تذكرة القبور، للشيخ عبد الكريم الجزي ( 1260 - 1339 ه )، مكتبة آية الله المرعشي، قم، 1371 ش .

41- تذكره مآثر الباقريّة، ميرزا محمّد على زوّاره اى ( 1195 - 1248 ه )، تحقيق دكتر حسين مسجدى، سازمان تفريحى فرهنگى شهردارى، اصفهان، 1385 ش .

42- التعليقات على شرح اللمعة الدمشقيّة، للفاضل جمال الدين بن حسين الخوانساري (1125ه )، منشورات المدرسة الرضويّة، قم .

43- تفسير جوامع الجامع، لأبي علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548ه )، تحقيق و نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1418 ه

ص: 381

44- تفسير علىّ بن إبراهيم ( تفسير القمّي ) ، لأبي الحسن علىّ بن إبراهيم القمّي (م217ه )، تحقيق السيّد طيب الموسويّ الجزائري، مؤسّسة دار الكتاب، قم، 1404 ه .

45- تفسير العيّاشي، لأبي النضر محمّد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي (م320 ه )، تحقيق السيّد هاشم الرسولي المحلّاتي، المكتبة العلمية الإسلاميّة، تهران .

46- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام)، تحقيق و نشر مدرسة الإمام المهدي، قم، 1409 ه .

47- تكملة أمل الآمل، للسيّد حسن الصدر الكاظميني ( 1354 ه )، تحقيق حسين على محفوظ وعبدالكريم و عدنان الدبّاغ، دار المؤرخ العربي، بيروت، 1429 ه .

48- تلخيص الحبير في تخريج الرافعيّ الكبير، لأحمد بن عليّ بن حجر العسقلانيّ (852 ه )، دار الفكر .

49- تلخيص الخلاف، للشيخ مفلح بن الحسن الصيمري البحراني (م 900 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، مكتبة آية الله المرعشي (قدس سره)، قم، 1408 ه .

50- تلخيص المرام في معرفة الأحكام ، للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726 ه )، تحقيق مركز الأبحاث و الدراسات الإسلاميّة، قم، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، 1421 ه .

51- تنبيه الخواطر و نزهة النواظر ( المعروف بمجموعة ورّام )، لأبي الحسين ورّام بن أبي فراس المالكيّ الأشتريّ ( 605 ه )، دار الكتب الإسلاميّة، تهران، 1368 ش .

52- التنقيح الرائع لمختصر الشرائع ، لجمال الدّين مقداد بن عبدالله السيوري الحلّي

ص: 382

(م 826 ه )، تحقيق السيّد عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري، نشر مكتبة آية الله المرعشي (رحمه الله)، الطبعة الأولى، قم، 1404 ه .

53- تهذيب الأحكام ، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460 ه )، تحقيق السيّد حسن الموسويّ الخرسان، دار الكتب الإسلاميّة، تهران، 1365ه .

« ث »

54- ثواب الأعمال و عقاب الأعمال ، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق ( م 381 ه )، تحقيق السيّد محمّد مهدي السيّد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي، قم 1368 ش .

« ج »

55- جامع الأصول في أحاديث الرسول ، للمبارک بن محمّد بن الأثير الجزري ( 544 - 606 ه )، تحقيق عبدالقادر الأرناؤوط، دار الفكر، بيروت، 1403 ه .

56- جامع البيان، لابن جرير الطبري ( 310 ه )، تحقيق الشيخ خليل الميس، دار الفكر، بيروت، 1415 ه .

57- جامع الرواة و إزاحة الاشتباهات عن الطرق و الأسناد ، لمحمّد بن عليّ الأردبيلي ( م 1101 ه )، من منشورات مكتبة آية الله المرعشي، قم، 1403 ه .

ص: 383

58- الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبي )، لأبي عبدالله محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي ( م 671 ه ) ، مؤسسة التاريخ العربي ، دار إحياء التراث العربي،بيروت،1405 ه .

59- الجامع للشرائع، لنجيب الدّين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلّي الهذلي ( 601 - 690ه )، لجنة التحقيق بإشراف الشيخ السبحاني، المطبعة العلمية، قم، 1405 ه .

60- الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، لجلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي ( 911 ه )، دار الفكر، بيروت، 1401 ه .

61- جامع المقاصد في شرح القواعد، للمحقّق الثاني علىّ بن الحسين بن عبدالعالي الكركي ( 868 - 940 ه ) ، نشر و تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، 1408 ه .

62- الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسيّة، للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104 ه )، مكتبة المفيد، قم، 1384 - 1964 م .

« ح »

63- الحاوي الكبير، لأبي الحسن عليّ بن محمّد بن حبيب الماوردي (346 - 450 ه

)، دارالفكر، بيروت، 1414 ه .

64- الحبل المتين في أحكام الدين، للشيخ بهاء الدّين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي ( 953 - 1030 ه )، الطبعة الحجرية ، مكتبة بصيرتي ، قم،1398 .

ص: 384

65- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، للشيخ يوسف البحراني ( 1186 ه )، تحقيق محمّد تقي الإيرواني، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1408 - 1409 ه .

66- حقائق الإيمان ( مع رسالتي الاقتصاد والعدالة )، للشهيد الثاني زين الدّين بن علىّ بن أحمد العاملي ( 911 - 965 ه )، تحقيق السيّد مهديّ الرجائيّ، مكتبة آية الله المرعشيّ، قم، 1409 ه .

67- الحلية اللامعة للبهجة المرضيّة، للعلّامة المحقّق الحاجّ السيّد محمّد باقر بن محمّد نقي الموسويّ الجيلانيّ الشفتيّ ( 1180 - 1260 ه )، تحقيق مكتبة مسجد السيّد بأصفهان، شب افروز، الطبعة الأولى، تهران، 1393 ش .

68- حياة المحقّق الكركي و آثاره، تأليف الشيخ محمّد الحسّون، منشورات الاحتجاج، تهران، 1423 ه .

« خ »

69- الخصال ، للشيخ الصدوق أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (م 381ه )، تحقيق علي أكبر الغفّاري، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1403 ه .

70- خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ، للعلّامة الحلّي جمال الدّين حسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ه )، تحقيق الشيخ جواد القيومي، مؤسسة النشر الإسلامي، النجف الأشرف، 1381 .

ص: 385

71- الخلاف ( مسائل الخلاف ) ، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي ( 385 - 460 ه )، تحقيق السيّد عليّ الخراساني والسيّد جواد الشهرستاني والشيخ مهدي نجف، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1417 ه .

« د »

72- دانشمندان و بزرگان اصفهان، للسيّد مصلح الدين المهدوي ( 1416 ه )، نشر گلدسته، اصفهان، 1384ش.

73- الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، لجلال الدين عبدالرحمن ابن أبي بكر السيوطيّ (911 ه )، دار المعرفة، بيروت .

74- الدروس الشرعيّة في الفقه الإماميّة ، للشهيد الأوّل شمس الدّين محمّد بن مكّي العاملي ( م 786 ه )، تحقيق و نشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1412 ه .

75- دعائم الإسلام و ذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام عن أهل بيت رسول الله - عليه و عليهم أفضل السلام ، للقاضي نعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيون التميمي المغربي ( م 363 ه )، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف، مصر ، 1383 .

76- دلائل الإمامة، للشيخ أبي جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري الصغير ( ق 5)، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، قم، 1413 ه .

ص: 386

« ذ »

77- ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد ، للعلّامة محمّد باقر بن محمّد مؤمن السبزواري (م 1090 ه )، الطبعة الحجرية، نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم .

78- الذريعة، للشيخ آقا بزرگ الطهراني (ت 1389)، دار الاضواء، بيروت، 1403 ه .

79- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة ، للشهيد الأوّل شمس الدّين محمّد بن مكّي العاملي ( م 786 ه )، تحقيق و نشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، 1419 ه .

« ر »

80- الرجال، لأحمد بن محمّد بن خالد البرقي ( 274 ه )، دانشگاه تهران، 1342 .

81- رجال ابن داود ، لتقي الدّين الحسن بن عليّ بن داود الحلّي ( 647 - بعد 707 )، نشر المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف، 1392 .

82- رجال السيّد بحر العلوم ( الفوائد الرجاليّة )، للسيّد محمّد مهدي بحر العلوم (1212ه )، تحقيق محمّد صادق بحرالعلوم، مكتبة الصدوق، طهران، 1363 .

83- رجال الطوسي ، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460 ه )، تحقيق جواد القيّومي الإصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1415 ه .

84- رجال النجاشي ( فهرس أسماء مصنّفي الشيعة ) ، لأبي العبّاس أحمد بن عليّ بن أحمد بن العبّاس النجاشي الكوفي ( 372 - 450 ه )، تحقيق السيّد موسى الشبيري

ص: 387

الزنجاني، نشر مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، 1416 ه .

85- الرسائل الرجاليّة ، للسيّد محمّد باقر بن محمّد نقي الشفتي المشهور بحجّة الإسلام (1180 - 1260 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، نشر مكتبة مسجد السيّد بإصفهان، 1417ه .

86- رسائل الشريف المرتضى ، لأبي القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بعلم الهدى ( 355 - 436 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، نشر دار القرآن الكريم، مدرسة آية الله الگلپايگاني، 1405 ه .

87- رسائل الشهيد الثاني، الشيخ زين الدين بن عليّ العاملي ( ت 965 ه )، تحقيق رضا المختاري، بوستان كتاب قم، 1422 ه .

88- رسائل المحقّق الكركيّ، للشيخ علىّ بن الحسين الكركيّ ( 940 ه )، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون، مكتبة آية الله المرعشي، قم، 1409 ه .

89- روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات، للسيّد محمّد باقر الموسوي الچهارسوقي، مؤسّسة اسماعيليان، قم، 1390 ه .

90- روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، للشهيد الثاني زين الدّين بن علىّ بن أحمد العاملي ( 911 - 965 ه )، الطبعة الحجرية، مؤسّسة آل البيت :، قم، 1404 ه .

91- روض الجنان و روح الجنان في تفسير القرآن، للشيخ أبي الفتوح الرازيّ ( ق 6 )، تحقيق محمّد جعفر ياحقّي و محمّد مهدي ناصح، بنياد پژوهش هاى اسلامى آستان قدس رضوى، مشهد، 1371 ش .

ص: 388

92- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة ، للشهيد الثاني زين الدّين بن علىّ العاملي (911 - 965 ه )، منشورات جامعة النجف الدينيّة، قم، 1410 ه .

93- الروضة البهيّة في الطرق الشفيعيّة، للسيّد محمّد شفيع بن علي أكبر الجاپلقي البروجردي ( ت 1280 ه )، الطبع الحجري، تهران .

94- روضة الطالبين، لأبي زكريّا يحيى بن شرف النووي الدمشقي ( 676 ه )، تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود و الشيخ علي محمّد معوض، دار الكتب، بيروت .

95- روضة المتّقين في شرح كتاب من لا يحضره الفقيه، للعلّامة محمّد تقي المجلسي الإصفهاني (ت 1070 ه )، تحقيق جمع من المحقّقين، نشر المؤسّسة الثقافيّة الإسلاميّة للكوشانبور، قم، 1406 ه .

96- رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل ، للسيّد عليّ بن محمّد عليّ الطباطبائي ( م 1231 ه )، تحقيق و نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، قم، 1412 ه .

97- ريحانة الأدب، لميرزا محمّد علي المدرّس، خيام، تهران، الطبعة الثانية .

« ز »

98- زبدة البيان في أحكام القرآن، للعالم الربّاني أحمد بن محمّد الأردبيلي المشهور بالمقدّس الأردبيلي ( م 993 ه )، تحقيق محمّد الباقر البهبودي، نشر مكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة، تهران .

ص: 389

99- زبدة التفاسير، لملّا فتح الله بن شكر الله الشريف الكاشاني ( 988 ه )، تحقيق ونشر مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم، 1423 ه .

« س »

100- السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي ، لمحمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس العجلي الحلّي ( 543 - 598 ه )، تحقيق و نشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1410 ه .

101- سنن ابن ماجة ، لأبي عبدالله محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني ( 207 - 275 ه )، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي، دار الفكر، بيروت .

102- سنن أبي داود ، لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ( 202 - 275 ه )، تحقيق سعيد محمّد اللحام، دار الفكر، بيروت، 1410 ه .

103- سنن الترمذي ، لأبي عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي ( 209 - 279 ه)، تحقيق عبدالوهاب عبداللطيف، دار الفكر، بيروت، 1403 ه .

104- سنن الدارقطني ، لأبي الحسن علىّ بن عمر بن أحمد الدارقطني ( 306 - 385 ه)، تحقيق مجدي بن منصور بن سيّد الشورى، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1417 ه .

105- سنن الدارمي ، لعبد الله بن بهرام الدارمي ( ت 255 ه )، نشر مطبعة الإعتدال ، دمشق، 1349 .

106- السنن الكبرى ( سنن البيهقي )، لأبي بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي (384 - 458 ه )، نشر دار الفكر، بيروت .

ص: 390

107- سنن النسائي ، لأحمد بن شعيب النسائي ( 303 ه )، بشرح الحافظ جلال الدّين السيوطي و حاشية السندي، دار الفكر، بيروت، 1348 .

« ش »

108- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، للمحقّق الحلّي الشيخ أبي القاسم جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي ( 602 - 672 ه )، تحقيق و تعليق السيّد صادق الشيرازي، نشر إنتشارات الاستقلال، طهران، 1409 ه .

109- شرح أصول الكافي، للمولى محمّد صالح المازندرانيّ ( 1081 ه )، تحقيق الميرزا أبوالحسن الشعرانيّ، ضبط وتصحيح السيّد عليّ عاشور، دار احياء التراث العربيّ، بيروت، 1421 ه .

110- شرح صحيح مسلم، لأبي الحسن مسلم بن الحجّاج بن مسلم القشيري النووي (676ه )، دار الكتب العربي، بيروت، 1407 ه .

111- الشرح الصغير، للسيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي ( م 1231 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، نشر مكتبة آية الله المرعشي، قم، 1409 ه .

112- شرح مئة كلمة لأميرالمؤمنين عليه السلام ،لابن ميثم البحرانيّ ( 679 ه )، تصحيح وتعليق مير جلال الدين الأرمويّ المحدّث، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قم .«ص»

ص: 391

113- الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربيّة )، لإسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393ه )، تحقيق أحمد بن عبدالغفور عطار، دار العلم للملايين، بيروت، 1407 ه .

114- صحيح البخاري ، لأبي عبدالله بن إسماعيل البخاري ( 194 - 256 ه )، دار الفكر، بيروت، 1401 ه .

115- صحيح مسلم ، لأبيالحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ( 206 - 261ه )، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي، دار الفكر، بيروت، 1398 .

« ط »

116- طبقات أعلام الشيعة، للشيخ آقا بزرگ الطهراني ( ت 1389 ه)، اسماعيليان، قم.

117- الطبقات الكبرى ، لمحمّد بن سعد كاتب الواقدي ( 168 - 230 ه )، نشر دار صادر، بيروت، 1405 ه .

118- طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال ، للسيّد علي أصغر بن محمّد شفيع الجابلقي البروجردي ( 1313 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، مكتبة آية الله المرعشي، قم، 1410 ه .

119- الطليعة من شعراء الشيعة، للشيخ محمّد السماوي ( 1292 - 1370 ه )، تحقيق كامل سلمان الجبوري، دار المؤرّخ العربي، بيروت، 1422 ه .« ع »

ص: 392

120- عدّة الأصول ، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460 ه )، تحقيق محمّد رضا الأنصاري، قم، 1417 ه .

121- عدّة الداعي و نجاح الساعي، لأبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي الأسدي (757 - 841 ه )، تحقيق أحمد الموحديّ القمّيّ، مكتبة وجداني، قم .

122- علل الشرائع ، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق ( م 381 ه )، نشر المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، 1386 .

123- عيون أخبار الرضا عليه السلام ، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق ( م 381 ه )، تحقيق الشيخ حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1404 ه .

124- عوالي اللّألئ الحديثيّة، لابن أبي جمهور الأحسائي ( 880 ه )، تحقيق الحاج آقا مجتبى العراقي، سيّد الشهداء، قم، 1403 ه .

« غ »

125- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد ، للشهيد الأوّل شمس الدّين محمّد بن مكّي العاملي ( بعد 720 - 786 ه )، المطبوعة مع حاشيتا الإرشاد للشهيد الثاني، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، قم .

126- غاية المرام في شرح شرائع الإسلام ، للشيخ مفلح بن الحسن الصيمري البحراني

ص: 393

(م 900 ه )، دار الهادي، بيروت، 1420 ه .

127- غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع ، لأبي المكارم السيّد حمزة بن علىّ بن زهرة الحسيني، المعروف بإبن زهرة ( 511 - 585 ه )، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام بإشراف الشيخ جعفر السبحاني، قم، 1417 ه .

« ف »

128- فتاوي ابن الجنيد، محمّد بن أحمد بن الجنيد الإسكافي ( 381 ه )، إعداد آية الله الشيخ علي پناه الإشتهاردي، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قم، 1416 ه .

129- فتح الباري شرح صحيح البخاري، لشهاب الدّين ابن حجر العسقلاني ( 852 ه )، دار المعرفة، بيروت .

130- فتح القدير الجامع بين فنّي الرواية والدراية من علم التفسير، لمحمّد بن عليّ بن محمّد الشوكاني ( 1250 ه )، عالم الكتب، بدون تاريخ .

131- فقه القرآن، لقطب الدين الراونديّ ( 573 ه )، تحقيق السيّد أحمد الحسينيّ، مكتبة آية الله المرعشيّ، قم، 1405 ه .

132- الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام، تحقيق مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، قم، نشر المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام، مشهد، 1406 ه .

133- الفهرست ، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460 ه )، تحقيق الشيخ جواد القيومي، مؤسّسة نشر الفقاهة، قم، 1417 ه .

ص: 394

« ق »

134- القاموس المحيط ، لأبي طاهر مجد الدّين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي ( 729 - 817 ه )، تحقيق و نشر دار العلم، بيروت، 1306 .

135- قرب الإسناد ، لأبي العبّاس عبدالله بن جعفر الحميري القمّي ( م بعد 304 ه )، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، 1413 ه .

136- قصص العلماء، لميرزا محمّد بن سليمان التنكابني ( م قبل 1320 ه )،انتشارات علميّه إسلاميّه، تهران .

137- قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام ، للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر ( 648 - 726 ه )، تحقيق و نشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1413 ه .

138- القواعد و الفوائد، للشهيد الأوّل محمّد بن مكّيّ العاملي ( 786 ه )، تحقيق الدكتور السيّد عبدالهادي الحكيم، مكتبة المفيد، الطبعة الأولى، قم، بدون تاريخ .

139- القوانين المحكمة في الأصول، لميرزا أبي القاسم بن محمّد حسن القمّي الجيلانيّ (1231 ه )، شرحه و علّق عليه رضا حسين صبح، إحياء الكتب الإسلاميّة، قم، 1430 ه .

« ک »

140- الكافي، لأبي جعفر ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني ( م 329 ه )، تحقيق علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1388 .

ص: 395

141- الكافي في الفقه، لأبي الصلاح الحلبي تقي الدّين بن نجم ( 374 - 447 ه )، تحقيق الشيخ رضا الأستادي، مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام، إصفهان، 1403 ه .

142- الكامل في التاريخ، لأبي السعادات مجد الدّين المبارک بن محمّد بن محمّد المعروف بابن أثير الجزري ( 544 - 606 ه )، دار صادر، بيروت، 1386 .

143- كتاب الأم، للإمام الشافعيّ ( 150 - 204 ه )، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثانية، 1403ه .

144- كتاب العين، لأبي عبدالرّحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي ( 100 - 175 ه )، تحقيق الدكتور مهدي المخزومي و ابراهيم السامرائي، مؤسّسة دار الهجرة، قم، 1409ه.

145- كتاب الغيبة، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460 ه )، تحقيق الشيخ عباد الله الطهراني، الشيخ علي أحمد ناصح، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، قم، 1411 ه .

146- كتاب المسند، لأبي عبدالله محمّد بن إدريس الشافعي ( 204 ه )، تحقيق مطبعة بولاق الأميريّة، دار الكتب العلمية، بيروت .

147- كتاب من لا يحضره الفقيه ، لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381 ه ) تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر جامعة المدرّسين، قم، 1404 ه .

148- الكرام البررة، للشيخ آقا بزرگ الطهراني ( ت 1389 ه )، دار المرتضى، مشهد، 1404 ه .

ص: 396

149- الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل و عيون الأقاويل في وجوه التأويل ، لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري ( 467 - 538 ه )، دار الكتب العربي، بيروت،1366.

150- كشف الخفاء و مزيل الالباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، للشيخ إسماعيل بن محمّد العجلوني الجراحي (1162ه ) دار الكتب العلميّة، بيروت، 1408 ه.

151- كشف الرموز، لزين الدين أبي عليّ الحسن بن أبي طالب اليوسفي، المعروف بالفاضل والمحقّق الآبي ( 690 ه )، تحقيق الشيخ علي پناه الإشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1408 ه .

152- كشف الريبة عن أحكام الغيبة، للشهيد الثاني زين الدّين بن علىّ بن أحمد العاملي (911 - 965 ه )، انتشارات مرتضوي، تهران، 1376 ش .

153- كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء، للشيخ الكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء (م 1228 ه )، تحقيق مكتب الإعلام الإسلاميّ، نشر دفتر تبليغات اسلامى، قم، 1422 ه .

154- كشف اللّثام عن قواعد الأحكام ، للشيخ بهاء الدّين محمّد بن الحسن الإصفهاني المعروف بالفاضل الهندي ( 1062 - 1137 ه )، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، 1416 ه .

155- الكشف والبيان عن تفسير القرآن ( تفسير الثعلبي )، لأحمد بن محمّد بن إبراهيم

ص: 397

النيسابوريّ ( 427 ه )، تحقيق أبي محمّد بن عاشور، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1422ه .

156- كفاية الأحكام، للعلّامة محمّد باقر بن محمّد مؤمن السبزواري ( م 1090 ه )، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قم، 1423 ه .

157- كنز العرفان في فقه القرآن ، لجمال الدّين المقداد بن عبدالله السيوري، المعروف بالفاضل المقداد ( م 826 ه )، تحقيق السيّد محمّد القاضي، نشر المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة، قم، 1419 ه .

158- كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، لعلاء الدين عليّ المتّقي بن حسام الدين الهندي ( ت 975 ه )، تحقيق الشيخ بكري حياني، مؤسّسة الرسالة، بيروت، 1409 ه .

159- كنز الفوائد، لأبي الفتح محمّد بن علي الكراجكي ( ت 449 ه )، الطبع الحجري، مكتبة المصطفوي، قم، 1369 ش .

160- الكنى والألقاب، للشيخ عبّاس القمّي ( 1359 ه )، مكتبة الصدر، تهران، 1409ه.

« ل »

161- لسان العرب ، لجمال الدّين محمّد بن مكرم بن منظور المصري ( 630 - 711 ه )، نشر أدب الحوزة، قم، 1405 ه .

162- اللمعة الدمشقيّة في فقه الإماميّة ، للشهيد الأوّل شمس الدّين محمّد بن مكّي العاملي (م 786 ه )، تحقيق الشيخ عليّ الكوراني، دار الفكر، قم، 1411 ه.

ص: 398

« م »

163- ماضي النجف و حاضرها، للشيخ جعفر الشيخ باقر آل محبوبة ( 1377 ه )، تحقيق محمّد سعيد آل محبوبه، دار الاضواء، بيروت، 1430 ه .

164- المبسوط، لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي ( 385 - 460 ه )، تحقيق محمّد تقي الكشفي، نشر المكتبة المرتضويّة، طهران، 1387 .

165- المبسوط، لشمس الدين أبي بكر محمّد بن أبي سهل السرخسيّ ( 483 ه )، دار المعرفة، بيروت، 1406 - 1986 م .

166- مجمع البحرين و مطلع النيّرين ، للشيخ فخر الدّين محمّد الطريحي ( م 1085 ه )، تحقيق السيّد أحمد الحسيني، مكتبة نشر الثقافة الإسلاميّة، 1408 ه .

167- مجمع البيان في تفسير القرآن ، لأبي علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470 - 548 ه )، تحقيق لجنة من العلماء والمحقّقين الأخصائيين، نشرمؤسسة الأعلمي، بيروت، 1415 ه .

168- مجمع الزوائد و منبع الفوائد ، للحافظ نور الدّين عليّ بن أبي بكر الهيثمي (807ه )، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1408 ه .

169- مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان ، للمحقّق الأردبيلي أحمد بن محمّد ( م 993 ه )، تحقيق إشتهاردي وعراقي ويزدي، نشر جامعة المدرّسين، 1403 ه .

170- المجموع ( شرح المهذّب )، لمحيى الدين بن شرف النووي ( ت 676 ه )، دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ .

ص: 399

171- المحاسن، لأحمد بن محمّد بن خالد البرقي ( 274 ه )، دار الكتب الإسلاميّة، تهران، 1370ه .

172- المحصول، للعلّامة السيّد محسن بن حسن الأعرجيّ ( 1130 - 1227 ه )، تحقيق هادي الشيخ طه، دار المرتضى، النجف الأشرف، 1437 ه .

173- المحلّى، لعليّ بن أحمد بن سعيد بن حزم ( 456 ه )، دار الفكر، بيروت .

174- المختصر النافع ، للمحقّق الحلّي نجم الدّين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 672 ه )، تحقيق بإشراف الشيخ القمي، نشر مؤسّسة البعثة، طهران، 1410ه طبع دار التقريب، قاهرة .

175- مختلف الشيعة في أحكام الشريعة ، للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726 ه )، لجنة التحقيق، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1412ه .

176- مدارک الأحكام في شرح شرائع الإسلام ، للسيّد محمّد بن عليّ الموسويّ العامليّ (956 - 1009 ه ) تحقيق و نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، 1410 ه .

177- المدوّنة الكبرى، لمالک بن أنس الأصبحيّ ( 179 ه )، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1323 .

178- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، للعلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (1037 - 1110 ه )، تحقيق السيّد هاشم الرسوليّ، دار الكتب الإسلاميّة،

ص: 400

تهران، 1404 ه .

179- مرآة الكتب، ثقة الإسلام التبريزي الشهيد ( 1330 ه )، مكتبة آية الله المرعشي، قم، 1414 ه .

180- المراسم النبويّة والأحكام العلويّة، لسلّار بن عبدالعزيز الديلمي (463 ه )، تحقيق السيّد محسن الحسيني الأميني، نشر المعاونية الثقافية للمجمع العالمي، قم 1414ه .

181- مسائل علىّ بن جعفر، لأبي الحسن العريضي عليّ بن أبي عبدالله الإمام الصادق عليه السلام (م حوالي 202 ه )، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، نشر المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام ، مشهد، 1409 ه .

182- مسالک الأفهام إلى آيات الأحكام، للفاضل الجواد الكاظميّ ( ق 11 )، تحقيق الشيخ محمّد باقر شريف زاده، المكتبة المرتضويّة، النجف الأشرف .

183- مسالک الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام ، للشهيد الثاني زين الدّين بن علىّ بن أحمد العاملي ( 911 - 965 ه )، تحقيق و نشر مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، 1413 ه .

184- مستدرک الصحيحين، للحاكم أبي عبدالله النيسابوري ( 405 ه )، تحقيق يوسف عبدالرحمن المرعشلي، دار المعرفة، بيروت .

185- مستدرک الوسائل و مستنبط المسائل ، للحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي ( 1254 - 1320 ه )، تحقيق و نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم،1408ه .

186- مسند أحمد ، لأحمد بن محمّد بن حنبل أبي عبدالله الشيباني ( 164 - 241 ه )، دار

ص: 401

صادر، بيروت، و بهامشه منتخب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال .

187- مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، للشيخ أبي الفضل عليّ الطبرسىّ ( ق 7 )، تحقيق مهدي هوشمند، دار الحديث، قم، 1418 ه .

188- المصنّف، للحافظ الكبير أبي بكر عبد الرزّاق بن همام الصنعانيّ ( 126 - 211 ه )، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظميّ، منشورات المجلس العلميّ .

189- مطالع الأنوار، للحاجّ السيّد محمّد باقر الشفتي، المعروف بحجّة الإسلام على الإطلاق (1180 - 1260 ه )، طبع الأفست، مكتبة مسجد السيّد، نشاط، اصفهان 1366ش ، و1409ه .

190- معارج الأصول، للشيخ نجم الدين جعفر بن الحسن الحلّي ( 602 - 676 ه )، تحقيق محمّد حسين الرضوي، مؤسّسة آل البيت، قم، 1403 ه .

191- معالم العلماء في فهرست كتب الشيعة و أسماء المصنّفين منهم قديمًا وحديثًا، لأبي جعفر محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ( م 588 ه )، نشر الفقاهة، قم، 1425 ه .

192- معاني الأخبار، للشيخ محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي ( 381 ه )، تحقيق علي أكبر الغفّاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، قم، 1379 - 1338 ش .

193- المعتبر في شرح المختصر ، للمحقّق الحلّي نجم الدّين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي ( 602 - 676 ه )، لجنة التحقيق بإشراف الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السلام ، قم، 1364 .

ص: 402

194- معجم المؤلّفين، عمر رضا كحالة ( 1408 ه )، دار احياء التراث، بيروت، بدون تاريخ .

195- المغني، لعبدالله بن أحمد بن محمّد بن قدامة ( 620 ه )، بعناية جماعة من العلماء، دار الكتب العربيّ، بيروت، بدون تاريخ .

196- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للشيخ محمّد الشربيني الخطيب (977 ه )، دار إحياء التراث العربيّ، بيروت، 1377 - 1958 م .

197- مفاتيح الأصول، للعلّامة السيّد محمّد بن عليّ الطباطبائيّ المعروف بالمجاهد (1242ه )، مؤسّسة آل البيت، الطبعة الأولى، قم، 1296 ه .

198- مفاتيح الشرائع ، للمولى محمّد محسن بن الشاه مرتضى المشهور بالفيض الكاشاني ( م 1091 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، مؤسّسة مجمع الذخائر الإسلامية، قم، 1401 ه .

199- مفتاح الكرامة في شرح قواعد الأحكام، للسيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (م حوالي 1227 ه ) ، تحقيق الشيخ محمّد باقر الخالصي ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم، 1419ه .

200- المقاصد العليّة في شرح الرسالة الألفيّة، للشهيد الثاني زين الدّين بن علىّ بن أحمد العاملي ( 911 - 965 ه )، المطبوعة مع حاشيتا الألفيّة، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة، قم، 1420 ه .

201- المقتصر من شرح المختصر، لأبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي الأسدي

ص: 403

(757 - 841 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد، 1410ه .

202- المقنع ، لأبي جعفر محمّد بن علىّ بن الحسين بن بابويه القمّي، المعروف بالشيخ الصدوق ( م 381 ه )، لجنة التحقيق التابعة لمؤسسة الإمام الهادي عليه السلام ، قم، 1415ه .

203- المقنعة ، لأبي عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان البغدادي، المعروف بالشيخ المفيد (336 - 413 ه )، تحقيق و نشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1410 ه .

204- مكارم الآثار، محمّد عليّ المعلّم حبيب آبادي ( ت 1396 ه )، انجمن كتابخانه هاى عمومى اصفهان، 1377 - 1382 .

205- مكارم الأخلاق، للحافظ ابن أبي الدنيا ( 281 ه )، تحقيق مجدي السيّد إبراهيم، مكتبة القرآن، القاهرة .

206- مكارم الأخلاق، للشيخ رضي الدين الحسن بن الفضل الطبرسي ( 548 ه )، منشورات الشريف الرضيّ، قم، 1392 ق - 1972 م .

207- مناهج الأحكام، لميرزا أبي القاسم الجيلاني القمّي ( 1231 ه )، تحقيق و نشر مؤسّسة النشر الإسلامي، قم، 1420 ه .

208- المناهل، للسيّد محمّد بن السيّد علي الطباطبائي، المعروف بالمجاهد ( م 1242 ه )، الطبعة الحجريّة، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم .

209- منتهى المطلب في تحقيق المذهب، للعلّامة الحلّي جمال الدّين حسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726 ه ) تحقيق ونشر قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد، 1412ه .

ص: 404

210- المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف ( منتخب الخلاف )، لأبي علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي ( ت 548 ه )، تحقيق جمع من الأساتذة، مجمع البحوث الإسلاميّة، مشهد، 1410 ه .

211- المهذّب ، للقاضي إبن البرّاج أبي القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز ( حوالي 400 - 481 ه )، تحقيق بإشراف الشيخ جعفر السبحاني، نشر جامعة المدرّسين، قم، 1406 ه .

212- المهذّب البارع في شرح المختصر النافع، لأبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي الأسدي ( 757 - 841 ه )، تحقيق الشيخ مجتبى العراقي، نشر جامعة المدرسين، قم، 1407 ه .

« ن »

213- نقباء البشر في القرن الرابع عشر، للشيخ آقا بزرگ الطهراني ( ت 1389 ه )، دار المرتضى، مشهد، 1404 ه .

214- نقد الرجال ، للسيّد مصطفى بن الحسين الحسيني التفرشي ( ق 11 )، تحقيق و نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، 1418 ه .

215- نيل الأوطار من أحاديث سيّد الأخيار، للشيخ محمّد بن عليّ ابن محمّد الشوكاني (1255 ه )، دار الجيل، بيروت، 1973 م .

ص: 405

216- نهاية الإحكام في معرفة الأحكام ، للعلّامة الحلّي الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726 ه )، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، مؤسسة إسماعيليان، قم، 1410 ه .

217- النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات مجد الدّين المبارک بن محمّد بن محمّد المعروف بابن أثير الجزري ( 544 - 606 ه )، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمّد الطناحي، مؤسّسة إسماعيليان، قم، 1364 ش .

218- النهاية في مجرّد الفقه والفتاوي ، لأبي جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي ( 385 - 460 ه )، طبعة دار الأندلس، بيروت .

219- النهاية و نكتها، للشيخ الطوسي ( 385 - 460 ه ) و المحقّق الحلّيّ ( 602 - 672ه )، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجامعة المدرّسين، قم، 1412 ه .

« و »

220- الوافي ، للمولى محمّد محسن بن الشاه مرتضى المشهور بالفيض الكاشاني (م 1091ه )، تحقيق ضياء الدين الحسيني الإصفهاني، اصفهان، 1406 ه .

221- الوافية في أصول الفقه، للمولى عبدالله بن محمّد البشروىّ الخراسانيّ (1071ه )، تحقيق السيّد محمّد حسين الرضويّ الكشميريّ، مجمع الفكر الإسلامىّ، مؤسّسة اسماعيليان، قم، 1412 ه .

222- وسائل الشيعة ( تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة )،للشيخ

ص: 406

محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ( 1033 - 1104 ه )، تحقيق و نشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، 1414 ه .

223- الوسيلة إلى نيل الفضيلة ، لعماد الدّين أبي جعفر محمّد بن عليّ الطوسيّ، المعروف بابن حمزة ( ق 6 )، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون، نشر مكتبة السيّد المرعشي، قم، 1408ه .

— — –فهرس المحتويات :

كتابُ الشهادات

حدّ الشهادة لغةً و شرعًا... 5

حدّ الشهادة ليس بجامع و لا مانع... 7

الفرق بين الشاهد و الشهيد... 8

1 - مسألة : يشترط البلوغ في سماع الشهادة... 9

المستند في المسألة... 15

قولان في المسألة... 25

2 - مسألة : يشترط العقل في سماع الشهادة... 28

ص: 407

3 - مسألة : يشترط الإيمان في سماع الشهادة... 30

تقبل شهادة الذمّيّ على المسلم في الوصيّة... 38

فروعٌ :

الفرع الأوّل... 41

الفرع الثاني... 41

الفرع الثالث : الإشهاد بالذمّيّ إنّما هو مع عدم التمكّن من المسلم مطلقًا و لو كان

فاسقًا... 42

الفرع الرابع : قبول شهادة الذمّيّ مختصّ في الوصيّة بالمال، لا بالولاية... 45

الفرع الخامس: هل يشترط في قبول شهادتهم على المسلم كونه في أرض غربة،

أو لا؟... 45

الفرع السادس : هل تقبل شهادة الذمّيّ على غير المؤمن، أم لا ؟... 51

الحكم فيما إذا كانت شهادة الذمّيّ على أهل ملّته... 52

المختار عند المصنّف... 53

قولٌ آخر في المسألة... 54

الحكم فيما إذا كانت شهادة الذمّيّ على غير أهل ملّته... 55

ص: 408

4 - مسألة : اعتبار العدالة في الشاهد... 59

ذكر الآيات الدالّة على اعتبار العدالة في الشاهد... 59

الجواب عمّا يدلّ عليه الآية من تحليف الشاهد... 60

الدليل من السنّة على اعتبار العدالة في الشاهد... 63

بيان العدالة... 64

القول بأنّ العدالة هي ظاهر الإسلام... 70

الاستدلال بجملة من النصوص للقول بأنّ العدالة هي ظاهر الإسلام... 72

الجواب عن النصوص... 74

يجب الفحص عن المجهول الحال... 82

في بيان ما يعرف به العدالة الّتي عبارة عن الملكة... 85

فروعٌ :

الفرعُ الأوّل : هل في الذنوب صغيرة أم لا ؟... 91

الذنوب على قسمين : كبيرة و صغيرة... 93

الحقّ في المسألة... 94

مستند القول بأنّ المعاصي كلّها كبيرة، مع الجواب عنه... 98

معنى تكفير الصغائر باجتناب الكبائر... 100

ص: 409

الفرع الثاني : في بيان الكبائر من الذنوب... 103

ذكر اختلاف الأصحاب في بيان الكبائر... 103

ذكر اختلاف النصوص في بيان الكبائر... 108

الجواب عن اختلاف النصوص في بيان الكبائر... 121

الفرع الثالث : معنى إصرار الصغائر... 123

ذكر الأقوال في معنى الإصرار... 124

الفرع الرابع : في بيان الرحم و صلته و قطعه... 130

5 - مسألة : حكم شهادة القاذف... 132

حدّ توبة القاذف... 135

رأي المصنّف في المسألة... 142

ذكر إيرادٍ في المقام مع الجواب عنه... 142 و 143

6 - مسألة : اللّاعب بآلات القمار لا تقبل شهادته... 147

7 - مسألة : الكلام في الغناء و حكمه... 156

حقيقة الغناء و ماهيّته... 157

ص: 410

حكم الغناء... 159

النصوص الدالّة على تحريم الغناء مطلقًا... 160

النصوص الّتي استدلّ بها لجواز الغناء في القرآن... 169

الجواب عن النصوص الّتي استدلّ بها لجواز الغناء في القرآن... 173

ذكر مواضع الخلاف في جواز التغنّي أو عدمه :

الموضع الأوّل : في تغنّي المرأة في العرائس... 179

الموضع الثاني : في الحُدَاء... 181

الموضع الثالث : مراثي الحسين عليه السلام ... 183

الغناء من الكبائر... 184

استماع الغناء من الكبائر أم لا ؟... 186

8 - مسألة : الاشتغال بآلات اللهو حرامٌ... 187

الدفّ في العرائس جائز أم لا ؟... 190

9 - مسألة : لبس الحرير من الكبائر أم لا ؟... 194

ص: 411

10 - مسألة : لبس الذهب و التختّم به حرامٌ على الرجال... 198

11 - مسألة : من الأمور المحرّمة : الحسد... 200

الحسد من الكبائر أم لا ؟... 202

في تحريم بُغض المؤمن... 202

أذيّة المؤمنين و تحقيرهم من الكبائر... 208

إخافة المؤمنين من الكبائر... 209

من الأمور المحرّمة : النميمة... 210

من الأمور المحرّمة : إطاعة المخلوق في معصية الخالق... 212

من الأمور المحرّمة : مجالسة أهل المعاصي... 212

من الأمور المحرّمة : الغيبة... 216

الاستدلال بالكتاب و السنّة و الإجماع على حرمة الغيبة... 217

تفسير الغيبة و حدّها... 221

المواضع الّتي استثنيت الغيبة فيها :

الموضع الأوّل : إذا كان شخص معروفًا بوصف الغيبة... 225

الموضع الثاني : أن يكون المغتاب متظاهرًا بالفسق... 227

ص: 412

الموضع الثالث : غيبة المبتدعين في الدين... 231

الموضع الرابع : بيان خطأ المجتهد... 233

الموضع الخامس : في مقام النهي عن المنكر... 234

الموضع السادس : نصح المستشير... 238

الموضع السابع : في مقام الاستفتاء... 239

الموضع الثامن : تظلّم المظلوم عند مَن يرجو إزالة ظلمه... 240

الموضع التاسع : جرح الرواة... 241

الموضع العاشر : ما لو اطّلع جمعٌ على معصيةٍ توجب الحدّ... 241

استماع الغيبة كالغيبة في الحرمة... 242

بيان كفّارة الغيبة و توبتها... 244

12 - مسألة : الكلام في قاطع الرحم... 247

13 - مسألة : الكلام في تحريم الفخر و الكبر... 251

14 - مسألة : ترک المندوبات لا ينقدح في العدالة... 253

ص: 413

15 - مسألة : الاشتغال بالصنائع المباحة والمكروهة والدنيّة غير قادح في العدالة...253

16 - مسألة : حكم الحَمَام... 255

الكلام في الحَمَام يقع في مقامات :

المقام الأوّل : في اتّخاذ الحمام لنحو الاُنس والفرخ وإرسال الكتب... 255

المقام الثاني : في اقتنائها واتّخاذها للّعب بها من غير رهان... 256

المقام الثالث : في اتّخاذها للّعب بها مع الرهان... 259

17 - مسألة : ولد الزنا شهادته غير مقبولة... 263

الجواب عن الاعتراض الّذي أورده العلّامة والشهيد الثاني على السيّد المرتضى... 267

18 - مسألة : ارتفاع التهمة شرطٌ في قبول الشهادة... 276

المواضع الّتي حكم فيها بقبول شهادة المتّهم... 278

شهادة ذي الأقارب بعضهم لبعضهم مقبولة... 278

تجوز شهادة الرجل لامرأته... 281

شهادة الزوجة منفردة مقبولة في الوصيّة... 285

شهادة الضيف للمضيف... 287

ص: 414

شهادة الأجير... 287

شهادة الصديق لصديقه مقبولة... 295

شهادة العبد لمولاه مقبولة... 298

ذكر الخلاف في حكم شهادة العبد لمولاه... 299

رأي المصنّف في المسألة... 300

أسباب التهمة المانعة من قبول الشهادة :

السبب الأوّل : شهادة الشريک فيما هو شريک فيه غير مقبولة... 322

شهادة الوصيّ فيما وصّى فيه غير مقبولة... 325

السبب الثاني : العداوة... 328

الوجه الأوّل : في تفسير العداوة... 328

الوجه الثاني : عدم قبول شهادة العدوّ على عدوّه... 329

الوجه الثالث : شهادة العدوّ لعدوّه و لغيره و عليه مقبولة إذا كانت العداوة بحيث لا تتضمّن فسقًا... 331

السبب الثالث : شهادة الولد على الوالد... 332

الكلام في شهادة الولد على الوالد... 338

السبب الرابع : كون الشاهد كثير الغفلة... 339

ص: 415

السبب الخامس : دفع عار الكذب... 341

المعتبر في ردّ الشهادة وجود المانع حال الأداء... 345

بيان إشكال في المقام... 349

الجواب عن الإشكال... 350

السبب السادس : شهادة المتبرّع... 352

19 - مسألة : في العدد و الذكورة المعتبرين في الشهادة... 356

20 - مسألة : شهادة النساء في الهلال غير مقبولة... 359

شهادة النساء في الطلاق غير مقبولة... 360

شهادة النساء في النكاح غير مقبولة... 365

في المواضع الّتي يقدّم فيها قول المدّعي على قول المنكر... 371

فهرس مصادر التحقيق... 375

فهرس المحتويات... 407

—

ص: 416

– — –

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.