اجوبه المسائل فی الفکر و العقیده و التاریخ و الاخلاق
محمد صادق روحانی
ناشر: دار زین العابدین علیه السلام
محل نشر: قم - ایران 1431 ه ق
ص :1
ص :2
اجوبه المسائل فی الفکر و العقیده و التاریخ و الاخلاق
محمد صادق روحانی
ص :3
ص :4
ص :5
ص :6
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين، أبدَ الآبدين.
أمّا بعد:
فبين يديك - عزيزنا القارئ - المجموعة الاُولى من المسائل، التي كان يرسلها المؤمنون من شتّى أنحاء العالم الإسلامي، على مدى سنوات عديدة، لسماحة آية الله العظمى، المرجع الديني الكبير، السيّد محمّد صادق الروحاني (دامت بركات وجوده الشريف) عبرَ موقعه الالكتروني وغيره من قنوات الاتّصال، وكان سماحته - من منطلق مسؤوليّته الدينيّة - يوليها عنايةً فائقة لاتقلّ عن عنايته بمسؤوليّاتهِ الجسام الاُخرى.
وقد تمّ جمعُ بعض تلكم المسائل، وتبويبها، وحذفُ المكرّر منها، مع إعادة صياغة بعضها، إمّا بزيادة إيضاح، وإمّا برفع إجمال.
والمرجوّ من المولى الكريم الذي وفّقَ لإنجاز هذه المجموعة، أن يديم توفيق القائمين عليها لإنجاز المجموعات الاُخرى، لتعمّ بها الفائدة على عموم أبناء المجتمع الشيعي، نظراً لأهمّيّة ما تشتمل عليه من الإجابات العلميّة المهمّة، سيّما ما يرتبط منها بالشبهات الفكريّة والإثارات العقائديّة الخطيرة.
ص:7
وختاماً: نرفعُ أكفّنا ضارعينَ إلى المولى العليِّ القدير، أن يصونَ مهجةَ سماحة المرجع الديني الكبير الروحاني، ويمتّعَ المسلمين بعظيم بركاته، في ظلِّ عناية مولى العصر وسلطان الزمان (أرواح العالمين لتراب نعله الفداء).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين،
والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين،
واللعن المؤبّد على أعدائهم وأعداء الله أجمعين، أبد الآبدين مكتب سماحة المرجع الروحانى دام ظله
ص:8
ص:9
ص:10
*
باسمه جلت أسماؤه: ممّا لاريب فيه أنّ المعرفة واجبةٌ بحكم العقل، بمقتضى قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل; إذ ما دام - على مدى التاريخ - قدوفد على كلِّ امّة أشخاصٌ كثيرون تحتَ عنوان (الأنبياء والرُسل)، وكلّهم معروفون في مجتمعاتهم بالصدق والنزاهة والاستقامة، كما أنّ جميعهم قد أخبروا عن وجود إل - ه إسمه (الله)، وتوعدوا بالعقاب على عدم معرفته، فحينئذ يكون احتمالُ الضرر وارداً في حقِّ مَن لم يُصغِ لدعوتهم، وهذا ما يدعو العقل للحكم بلزوم البحث والمعرفة دفعاً للضرر المذكور.
باسمه جلت أسماؤه: من الجواب المتقدّم اتّضح أنّ العقل هو الحاكم بوجوب المعرفة دفعاً للضرر المحتمل، وإذا كان الأمر كذلك لم تكفِ المعرفة الظنّيّة; إذ أنّ الضرر المحتمل لايندفع معها، وإنّما يندفع بالمعرفة اليقينيّة. وعلى ذلك، فإنْ كان المراد من التقليد في السؤال: متابعة الغير في اعتقاده، وإن لم يكن قوله موجباً للعلم واليقين، لم يجز قطعاً بحكم العقل; إذ أنّ احتمال الضرر لايرتفع بمثل هذا النحو من المعرفة، وإن كان المراد من التقليد: متابعة الفقيه العالم الموجبة لحصول
العلم - من جهة أنّ اعتقاد مثله; لكونه مبنيّاً على البرهان، موجبٌ لحصول
ص:11
اليقين والاطمئنان بصحّة ما يعتقد به - فلا إشكالَ فيه.
باسمه جلت أسماؤه: ظاهر النصوص والأدلّة - كقول الإمام الصادق (عليه السلام) في دعاء الغَيبة المعروف: «اللّهُمَّ عَرِّفْني نَفْسَكَ فَ - إِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْني نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيِّكَ» إمكانُ المعرفة، غايةُ ما في الأمر أنّها معرفةٌ إجماليّةٌ بمقدار ما كشفت عنه الآياتُ والروايات، نظراً لمحاليّة المعرفة الإحاطيّة الاستيعابيّة، باعتبار أنّ الإحاطة تقتضي أن يكون المحيط مستوعباً للمحاط به أو مساوياً له على أقلِّ
تقدير، وبما أنّ الممكن مهما بلغ لايمكن أن يستوعب الواجب; لكون الأوّل محدوداً متناهياً، والثاني غير متناه، فتكون إحاطة الأوّل بالثاني من المحالات العقليّة.
باسمه جلت أسماؤه: المعرفة يُراد بها: العلم، والطريق إلى معرفة الله تعالى إمّا هو العقل، كمعرفتهِ عن طريق برهان النَّظْم، وإمّا هو النقل كتاباً وسنّة، وإمّا هي الفطرة المشتركة بين الإنسان وسائر المخلوقات; إذ الجميع لهُ حظٌّ من معرفة الله (سبحانه وتعالى) بمقتضى الفطرة والتكوين.
باسمه جلت أسماؤه: ليست المعرفة العقليّة ممكنةً فحسب، بل هيَ أساس المعرفة الإل - هيّة، نظراً لاعتماد المعرفة النقليّة عليها; إذ التعويل في المعرفة على الدليل النقلي فقط مستلزمٌ لمحذور الدور الفاسد.
وأمّا المعرفة القلبيّة: فإنْ كان المراد من (القلب) الذي اضيفت لهُ المعرفة، هو نفسه العقل - كما في بعض الاستعمالات - فالأمرُ واضحٌ، وإنْ كانَ المراد منهأداة الاحساس - كما في بعض الاستعمالات الاُخرى - فالمعرفة عن طريقهِ واقعة أيضاً بمقتضى الفطرة والتكوين.
ص:12
باسمه جلت أسماؤه: من أوضح البراهين التي يُستدل بها على وجود الله (سبحانه وتعالى) البرهان المعروف ب -- (برهان النَّظْم)، وبيانه يتوقّف على الإحاطة بمقدّمات ثلاث:
المقدّمة الاُولى: المقدّمة الفلسفيّة.
وهي: أنّ وجود المعلول كما يحكي بالضرورة عن وجود العلّة، كذلك يحكي عن صفاتها ولو إجمالا، فإنّ مَن وقعَ بين يديهِ ديوانان للشعر، يتّصف أحدهما بالبساطة، والآخر بالقوّة والابداع، كما أنّه لايرتاب في وجود علّتين فاعليتيّن وراءهما، كذلك ينكشف له مستواهما من خلال ديوانيهما، فيعلم أنّ أحدهما أديبٌ لغويٌ بليغ، بينما الآخر صِفْرُ اليدين من كلِّ ذلك.
المقدّمة الثانية: المقدّمة الحسّيّة.
وهي: أنّ الظواهر الطبيعية إذا تأمّلَ فيها الإنسان من خلال المشاهدات الحسّيّة أو من خلال الأدوات العلميّة التجريبيّة، يجد أنّها برمّتها تخضع لنظام دقيق ومتكامل، وليس ينكر ذلك إلاّ مكابر.
المقدّمة الثالثة: المقدّمة العقليّة.
وهي: أنّ العقل بعد أن لاحظَ ذلك النظام الدقيق، يحكم بالبداهة بوجود منظّم ومدبّر وراءه، لايكون إلاّ عالماً قديراً مريداً; إذ أنّ الصدفة لاتكون أكثرية. والنتيجة: ثبوتُ وجود مُنظِّم - للنظام الدقيق في الكون - عالم قدير حكيم مُريد; إذ مَن لايتّصف بشىء من هذه الصفات لا يتسنّى له نَظْمُ العالم بهذا النحوِ الدقيقِ البديع، ولاينطبق ذلك إلاّ على مَن يسميه الإلهيّون ب - (الله) سبحانه وتعالى.
ص:13
باسمه جلت أسماؤه: يمكن أنْ يُستدل على وحدانيّتهِ (سبحانه وتعالى) بنفس برهان النَّظم المتقدّم، فإنّ النَّظْم كما يدلّ على وجودِ المُنظِّم، كذلك وحدة النَّظم تدلّ على وحدانيّة المُنظِّم; وهذا ما أوضحهُ الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله:
«فَلَمّا رَأَيْنا الْخَلْقَ مُنْتَظِماً، وَالْفَلَكَ جارِياً، وَالتَّدبِيرَ واحِداً، وَاللَّيْلَ وَالنَّهارَ، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، دَلَّ صِحَّةُ الاَْمْرِ وَالتَّدْبِيرِ وَائْتِلافُ الاَْمْرِ عَلى أَنَّ الْمُدَبِّرَ واحِدٌ»(1).
باسمه جلت أسماؤه: الشرك في قبال التوحيد، وحيث أنّ التوحيد على ثلاثة أقسام:
1 - توحيد الذات.
2 - توحيد الصفات.
3 - توحيد الأفعال.
فالشرك كذلك أيضاً، وما يتّهم به بعض العامّة الشيعة من الشرك يريدون به الشرك في الأفعال غالباً، والشيعة براء من ذلك، وذلك ناشئ عن سوء الفهم بالنسبة لبعض التصرّفات.
باسمه جلت أسماؤه: كلمة (العبد) كما تستعمل بمعنى (العابد)، كذلك تستعمل بمعنى (الخادم)، كما في قوله تبارك وتعالى: وَأَنكِحُوا الاَْيَامَى
ص:14
مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ(1)، وهذا المعنى الثاني هو ما نعنيه في إضافتنا لكلمة (العبد) لبعض الأسماء - كعبد الحسين، وعبد الزهراء، وعبد الرضا - فلاينافي ذلك التوحيد العبادي في شيء.
وما هو الدليل على التأويل؟ وإذا كان التاويل هو المذهب الحقّ فلماذا اختلف المؤوّلون في تأويلاتهم؟ وهل ورد عن الأئمّة (عليهم السلام) بأسانيد صحيحة هذا المذهب وعن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)؟
باسمه جلت أسماؤه: القاضي بالتأويل هو العقل لمن له عقل، فإنّ العقل الّذي ينزّه الحقّ جلّ وعلا عن الجسميّة يفرض تأويل اليد في قوله تعالى: يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ(2) بالقدرة ونحو ذلك، وأمّا اختلاف من يؤوّل من غيرأهل البيت) عليهم السلام (فهو ضرب من الاجتهاد; لاختلاف الناس في فهم الدليل، والمهمّ أن لايكون التأويل بدون دليل تامّ ولو عند نفس المؤوّل لافي الواقع، ولامانع منه، وأصل التأويل بشكل عامّ ثابت عن أهل بيت العصمة والطهارة) عليهم السلام (.
باسمه جلت أسماؤه: بما أنّ معرفةَ كُنهِ الذات المقدّسة من المحالات، وبما أنّ معرفةَ صفاتِ الله (تبارك وتعالى) وأفعالهِ قناةٌ من قنواتِ معرفة ذات الله (جلّ جلاله); لكون صفاته عينَ ذاته، فيكون هذا النحو من المعرفة كافياً لِلمُوحّد.
ص:15
باسمه جلت أسماؤه: حاصلُ الفرقِ بين الصفات الثبوتيّة والسلبيّة: أنّ الصفات الثبوتيّة هي ما ثبتَ اتّصافُ الذات بها، والسلبيّة هي: ما يلزم تنزيه الذات عنها، والاُولى كالعلم والقدرة، والثانية كالجسميّة، وقد يُعبّر عن الاُولى بالصفات (الجماليّة)، وعن
الثانية بالصفات (الجلاليّة).
باسمه جلت أسماؤه: لافرق بينَ الاسم والصفة بحسب الحقيقة، وإنّما هيَ مجرّد فروق اعتباريّة، كأن يُقال: إنّ الصفة هي التي لاتحمل على الموضوع، فلايقال: «الله عِلْمٌ» - مثلا - بخلاف الاسم، فإنّه يصحّ حمله على الذات، فيقال: «الله عالِمٌ»، وعلى هذا فالعلم والقدرة والحياة من الصفات، والعالم والقادر والحيّ من الأسماء.
باسمه جلت أسماؤه: الصفات الفعليّة لاتُقابل بالصفات الثبوتيّة، وإنّما تُقابل بالصفات الذاتيّة، فينبغي أن يكون السؤال: هل العلم من الصفات الذاتيّة؟ أم الفعليّة؟
وجوابه: أنّ الصفات الذاتيّة - كما أوضحنا في زبدة الاُصول(1): هي: التي لايمكن نفيها عن الذات، ويستحيل أنْ يتّصفَ سبحانه بنقيضها، كالعلم والقدرة، فإنّه يستحيل وصفه تعالى بالعجز والجهل، بخلاف الصفات الفعليّة.
باسمه جلت أسماؤه: العلم الإلهي هو انكشافُ جميع ما سوى ذاته لذاتهِ المقدّسة، وإحاطته بها جميعاً، وهو - بعدَ وجود الأشياء - مِن سنخ العلم
ص:16
الحضوري; إذ أنّه عبارةٌ عن حضور المُدرَك لدى المُدرِك مِن دون توسّط صورة المُدرَك، وبما أنّ جميعَ ما سوى الله حاضرٌ بنفسهِ لديه تعالى - لكونهِ قائماً به حدوثاً وبقاءً - ومن غير توسّط صورة، فيكون علمه به حضوريّاً.
باسمه جلت أسماؤه: وردَ في صحيحة محمّد بن مسلم، عن الإمام أبى جعفر الباقر (عليه السلام):
«كانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَشَيْءَ غَيْرَهُ، وَلَمْ يَزَلْ عالِماً بِما يَكونُ، فَعِلْمُهُ بِهِ قَبْلَ كَوْنِهِ كَعِلْمِهِ بِهِ بَعْدَ كَوْنِهِ»(1)، إلاّ
أنّ حقيقة هذا العلم مجهولة الكُنه، فإنّه ليس من العلم الحصولي; لعدم تصوّره بالنسبة إلى الواجب (سبحانه وتعالى)، كما أنّه ليس من العلم الحضوري; نظراً لكون الحضور فرع وجود الأشياء، والفرضُ أنّها بعدُ لم توجد.
والحاصل: فإنّ اللهَ تعالى - بمقتضى البرهان والدليل - عالمٌ علماً ذاتيّاً بالأشياء قبلَ وجودها، وأمّا حقيقةُ علمهِ هذا فهي خارجُ حدود تصوّرنا وإدراكنا.
باسمه جلت أسماؤه: الكلّيّ والجزئي تارة يكونان مفهوميَّين، واُخرى وجوديَّين، والمرادُ من الكلّيّ المفهومي: ما ينطبق على كثيرين، ومِن الجزئي المفهومي: ما لاينطبق على كثيرين، وأمّا الكلّيّ الوجودي، فيراد به: الوجود السَعَي، والجزئى الوجودي: كلُّ موجود بما له من الخصوصيّات المشخّصة.
واللهُ (تبارك وتعالى) عالمٌ بالكلّيّات والجزئيّات بما لهما من المعاني المتقدّمة، كما يُستفاد ذلك من قوله تعالى: عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة فِي السَّماوَاتِ وَلاَ فِي الاَْرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَاب مُّبِين(2).
ص:17
باسمه جلت أسماؤه: القدرة الإل - هيّة تعني: التمكّن من الفعل عند المشيئة، ومن الترك عند عدمها، وهي من الصفات الذاتيّة بلا ريب.
باسمه جلت أسماؤه: قال (عزّوجلّ): اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماوَاتوَمِنَ الاَْرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الاَْمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ(1)
وقال أميرُ المؤمنين (عليه السلام):
«وَأَقامَ مِنْ شَوَاهِدِ الْبَيِّناتِ عَلَى لَطِيفِ صَنعَتِهِ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ»(2).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام):
«كَيْفَ احْتَجَبَ عَنْكَ مَنْ أَراكَ قُدْرَتَهُ في نَفْسِكَ»(3).
باسمه جلت أسماؤه: قال اللهُ (تبارك وتعالى) في كتابهِ الكريم: وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيراً(4)
وقال:
وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْء فِي السَّماوَاتِ وَلاَ فِي الاَْرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً (5)
باسمه جلت أسماؤه: القدرة الإل - هيّة لاتتعلّق بالمحالات الذاتيّة،
ص:18
أو المستلزمة للمحال الذاتي; إذ مثل هذه الاُمور لقصور فيها لاتقعُ في إطار القدرة، لالقصور في نفس القدرة، وهذا نظير عدم تمكّن العالم الرياضي الخبير مِن جعل نتيجة (2 + 2) خمسة، فإنّ هذا ليس لعجزهِ عن ذلك وقصوره، وإنّما لقصورفي نفس الأعداد. وبما ذكرناه يتّضح وجهُ الخلل في السؤال، فإنّ مثلَ واجب الوجود لايكون إلاّ واجباً، فلو كان مخلوقاً لله تعالى كانَ ممكناً، وهذا معناهكون المِثل واجباً وممكناً، وهو محال; لكونه من مصاديق اجتماع الضدّين، ومثله لاتتعلّق به القدرة; لقصور فيه، لالقصور في القدرة.
باسمه جلت أسماؤه: اتّضحَ من خلال الجواب السابق: أنّ العجزفي مثل هذا المورد يعود للقابل لاللفاعل; إذ لو دخلَ العالم الكبير في بيضة صغيرة مِن غير أن يصغرَ أو تكبر; للزمَ كون البيضة صغيرةً وكبيرةً في الآن نفسه - من جهة أن الظرف بمقتضى قوانين عالم المادة يلزم أن يكون أكبر من مظروفه - وهذا معناهُ اجتماعُ النقيضين، وهو محال، فلا تتعلّق القدرةُ بمثلهِ لقصور فيه.
باسمه جلت أسماؤه: القصورُ في مثل هذا المورد أيضاً يعود للقابل لاللفاعل; إذ كون الشيء مخلوقاً يعني إمكان إفنائه; لأنّ المخلوق قائمٌ بالخالق، فلو قطعَ صلته به لزمَ انعدامه، وكونه غير قابل للإفناء يستلزم أن لايكون مخلوقاً، ممّا يعني أنّ إيجاد ما افترضه السائل مستلزمٌ لاجتماع النقيضين، ومثلهُ لقصور فيه لاتتعلّق به القدرة.
باسمه جلت أسماؤه: إنّ شأنَ أكثر المفاهيم التي تُدرك إدراكاً فطريّاً
ص:19
بالوجدان - كالوجود والحياة - أنّها حاضرةٌ لدى الأذهان، ولكن يعجز عن تعريفها البيان; ولذا فإنّها عادةً ما تُعرّف مِن خلال لوازمها وآثارها، فيُقال في تعريف الحياة - مثلا -: أنّها مبدأ العلم والقدرة، أو الصفة التي تقتضي اتّصاف الذات بالفعل والإدراك، ونحو ذلك.
باسمه جلت أسماؤه: ذكرنا في كتاب الجبر والاختيار(1) أنّ الإرادة الإل - هيّة على قسمين: تكوينيّة وتشريعيّة، وعرّفنا الاُولى بأنّها: فعلُ الله تعالى وإحداثه، وعرّفنا الثانية بأنّها: جعل الأحكام، وقد أوضحنا في الصفحة 83 من الكتاب المذكور: أنّ الإرادة من صفات الفعل لاالذات; لتصريح النصوص بذلك، ولانطباق ضابطة الصفة الفعليّة عليها; إذ الله تعالى قد أرادَ وجود الإنسان، ولم يُرد وجود العنقاء.
باسمه جلت أسماؤه: ذكرنا في كتاب الجبر والاختيار(2): أنّ صفة الكلام من الصفات الفعليّة; لانطباق ضابطة الصفة الفعليّة عليها أيضاً، فيقال: كلّمَ اللهُ تعالى نبيّه موسى (عليه السلام)، ولم يكلّم فرعون (عليه اللعنة)، وقد أكدّت ذلك النصوص الشريفة، حيث وردَ عن الإمام الصادق (عليه السلام):
«إِنَّ الْكَلامَ صِفَةٌ مُحْدَثَةٌ لَيْسَتْ بِأَزَلِيَّة، كانَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ مُتَكَلِّمَ»(3).
ص:20
باسمه جلت أسماؤه: قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
«يُخْبِرُ لاَبِلِسان وَلَهَوات، وَيَسْمَعُ لاَ بِخُرُوق وَأَدَوَات. يَقُولُ وَلاَ يَلْفِظُ، وَيَحْفَظُ وَلاَ يَتَحَفَّظُ،... يَقُولُ لِمَنْ أَرَادَ كَوْنَهُ: «كُنْ فَيَكُونُ»، لاَ بِصَوْت يَقْرَعُ، وَلاَ بِنِدَاء يُسْمَعُ; وَإِنَّما كَلاَمُهُ سُبْحانَهُ فِعْلٌ مِنْهُ أَنْشَأَهُ وَمَثَّلَهُ، لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِ ذلِكَ كائِناً»(1).
وقال الإمام الرضا (عليه السلام):
«وَصَعَدَ مُوسى إِلَى الطّورِ، وَسَأَلَ اللهَ تَعالى أَنْ يُكَلِّمَهُ وَيُسْمِعَهُمْ كَلامَهُ، فَكَلَّمَهُ اللهُ تَعالى ذِكْرُهُ، وَسَمِعوا كَلامَهُ مِنْ فَوْق وَأَسْفَل، وَيَمين وَشِمال، وَوَراء وَأَمام; لأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَحْدَثَهُ في الشَّجَرَةِ، وَجَعَلَهُ مُنْبَعِثاً مِنْها حَتّى سَمِعوهُ مِنْ جَميعِ الْوجوهِ»(2).
والمتحصّل من هذين الخبرين: أنّ كلامه تعالى عبارة عن إحداثهِ الكلاموالحروف والأصوات في بعض الممكنات، بحيث يتسنّى سماعها لمن يتكلّم معه.
باسمه جلت أسماؤه: قد ثبتَ ببرهان النَظْم المتقدّم أنّ الله تعالى علّة العلل، وعلّةُ العلل لايكون إلاّ واجبَ الوجود، وواجبُ الوجود لايكون إلاّ أزليّاً أبديّاً; إذ أنّه لو كان معدوماً في زمان مّا، لم يكن وجوده ذاتيّاً له، وإنّما ترشّحَ عليه مِن موجود آخر أخرجه من كتم العدم إلى نور الوجود، وهذا خُلْفُ كونهِ واجباً.
*
باسمه جلت أسماؤه: لو كان (سبحانه وتعالى) محدوداً بالمكان; لكانَ محتاجاً إليه، وبما أنّ الاحتياج من شؤون الممكن، فيلزم أن يكون واجبُ الوجود ممكناً، والممكنُ لايمكن أن يكون إل - هاً تنتهى إليهِ سلسلةُ الموجودات.
ص:21
باسمه جلت أسماؤه: وردَ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:
«وَأَنَّهُ شَيْءٌبِحَقِيقَةِ الشَّيْئِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ جِسْمٌ، وَلاَ صُورَةٌ، وَلاَ يُحَسُّ، وَلاَ يُجَسُّ، وَلاَ يُدْرَكُ بِالْحَواسِّ الْخَمْسِ، لاَ تُدْرِكُهُ الاَْوْهامُ، وَلاَ تَنْقُصُهُ الدُّهورُ، وَلاَ تُغَيّرُهُ الاَْزْمانُ»(1).
والمرادُ من شيئيّتهِ وجوده تبارك وتعالى، وكونه شيئاً بحقيقة الشيئيّة; لكونوجوده عين ذاته، ويستحيل انفكاكه عنه، بخلاف وجود غيره فإنّه في معرض العدم والفناء.
باسمه جلت أسماؤه: الفرق كما يستفاد من روايات أهل البيت (عليهم السلام) من جهة المتعلّق; إذ أنّ المرحوم بالاُولى جميع المخلوقات - الإنسان المؤمن والكافر، وغير الإنسان - والمرحوم بالثانية خصوص الإنسان المؤمن، فلاتشملغير المؤمن فضلا عن غير الإنسان، ولاينافي ذلك ما دلّ على حصول ذلك في الدنيا والآخرة، كما في بعض الأدعية.
باسمه جلت أسماؤه: لمادّة (المؤمن) معنيان متقاربان: الأوّل هو الأمن والطمأنينة، والثاني هو التصديق، وبلحاظ كُلٍّ منهما يصحّ إطلاق وصف (المؤمن) عليه (تبارك وتعالى)، فيكون معناه على الأوّل هو معطي الأمن والطمأنينة، ويكون معناه على الثاني هو المُصدّق لأنبيائهِ وأوليائه عن طريق تأييدهم بالمعاجز والكرامات.
ص:22
باسمه جلت أسماؤه: غضب الله ليس كغضب البشر; لأنّه ليس جسماً، وليست له قوّة غضبيّة، بل غضبه عقوبته لكلٍّ بحسب ما يستحقّ، فقد غضب على قوم لوط (عليه السلام) فعاقبهم بقلب مدائنهم، وعلى قوم نوح (عليه السلام) فأغرقهم، وهكذا.
* بعد أن قام البرهان العقلي القطعي على أنّه (سبحانه وتعالى) لاأين له ولامكان، لزم توجيه ما ظاهره خلاف ذلك من الأدلّة النقليّة بما ينسجم معه، وإليك توضيح ذلك مفصّلا: أمّا بالنسبة إلى العلوّ والفوقيّة المتّصف بهما (سبحانه و تعالى) كما في: يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ(1) أووَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ(2) فيراد بهما: العلوّ المقامي والفوقيّة المعنويّة، لاالمعنى الحسّي لهما، وبلحاظ ما له) تبارك و تعالى (من العلوّ المقامي، كانت العودة إليه تعالى) عروجاً (و) صعوداً (و) ارتفاعاً (كما في الآيات المباركات: تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ(3) إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ(4) بَل رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ(5)، ونحوها غيرها من الآيات القرآنيّة المماثلة لها، مثل قوله عزّ من قائل: اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الاَْمْرَ(6). وبلحاظ هذه الجهة أيضاً جاء التعبير
ص:23
بالإنزال بالنسبة للقرآن الكريم، كما في قوله (تبارك و تعالى) هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ(1) وأمّا بالنسبة للآية الشريفة: ءَأَمِنتُم مَن فِي السَّمَاءِ(2) فلا دلالة لها على أنّ المقصود بها هو الله) سبحانه و تعالى (، لاحتمال أن يكون المقصود منها الملائكة، والأحاديث الدالّة على ذلك لاحجّيّة لها حتّى تثبتأنّ المقصود ب مَن فِي السَّمَاءِ هو الله سبحانه وتعالى، وعلى فرض كون المقصود بها الله (جلّ جلاله)، فمن المحتمل أن يكون المراد منها قدرة الله وسلطانه، إذ السماء هي مسكن الملائكة واللوح المحفوظ، ومنها تتنزّل الأوامر والنواهي ومظاهر الرحمة والعذاب، ولعلّه لهذه الجهة ترتفع الأيدي والرؤوس إلى السماء حال الدعاء والمناجاة.
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (3) ، وقال في آيات اخرى: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً(4)
وسؤالي: أنّه لو لو كانت الشجرة هي التي تكلّمت - كما جاء في الأخبار - لأصبحت هيربّ موسى; لأنّها تقول إنّي أنا ربّك، فما هو الجواب؟
باسمه جلت أسماؤه: كلام الله تعالى مع نبيّه موسى (عليه السلام) من الشجرة، لايعني أنّ الشجرة هي التي تكلّمت، بل الله تعالى خلق الكلام في الشجرة، فسمعه
ص:24
نبيّه (عليه السلام)، فحال الشجرة أشبه بجهاز التسجيل الناقل للصوت، فإنّ ما يصدر منه من كلمات الأشخاص المحفوظة لديه لاتصحّ نسبتها إليه، كما هو واضح.
ومَن هُمْ محال مشيئته تعالى؟ وهل المشيئة الاُولى التي خلق الله بها الأشياء وأظهر بها سائر الموجودات مخلوقة كسائر المخلوقات أيضاً، بمعنى أنّ المشيئة أيضاً ظهرت بالمشيئة؟ فإذا كانت المشيئة من جملة المخلوقات فإنّها تحتاج إلى مشيئة اخرى لتخلقها، و هكذا يتحقّق التسلسل الباطل.
هذا من جهة، ومن جهة اخرى فكيف يمكن تفسير خلقة الشيء بنفسه، فندخل في الدور الباطل أيضاً. هذا مع الالتفات إلى قول الإمام الرضا (عليه السلام): «
الْمَشِيَّةُ وَالاِْرادَةُ مِنْ صِفاتِ الاَْفْعالِ، فَمَنْ زَعِمَ أَنَّ اللهَ تَعالى لَمْ يَزَلْ مُريداً شائِياً فَلَيْسَ بِمُوَحِّد».
باسمه جلت أسماؤه: المشيئة هي الإرادة، وإرادة الله تعالى على قسمين: التكوينيّة والتشريعيّة، والمراد بالاُولى فعله تعالى وإحداثه وخلقه، وفي الصحيح عن أبي الحسن (عليه السلام) عن الإرادة من الله ومن الخلق؟
فقال:
الاِْرادَةُ مِنَ الْخَلْقِ الضَّميرُ، وَما يَبْدو لَهُمْ بَعْدَ ذلِكَ مِنَ الْفِعْلِ، وَأَمّا مِنَ اللهِ تَعالى فَإِرادَتُهُ إِحْداثُهُ لاَغَيْر ذلِكَ، - إلى أن يقول -: فَإِرادَةُ اللهِ الْفِعْلُ لاَغَيْر ذلِكَ، يَقولُ لَهُ: كُنْ فَيَكونُ بِلاَ لَفْظ، وَلاَنُطْق بِلِسان، وَلاَهِمَّة، وَلاَتَفَكُّر(1).
فاتّضح أنّ إرادة الله تعالى من صفات الفعل لامن الصفات الذاتيّة، كما نطقت به النصوص، وبالتالي فمشيئة الله تعالى لاتحتاج إلى مشيئة اخرى، وعليه فلايلزم دور ولاتسلسل، وبالبيان الذي ذكرناه ظهر أنّ الحديث المذكور لاإشكال فيه أصلا.
ص:25
باسمه جلت أسماؤه: إرادته تعالى على قسمين: التكوينيّة والتشريعيّة، والمراد بالاُولى فعله تعالى وإحداثه وخلقه، والمراد بالثانية جعل الأحكام. وتفسير الحكماء والفلاسفة وبعض المحقّقين من علمائنا لإرادة الله تعالى بالعلم في غير محلّه; لأنّ العلم عين ذاته، والإرادة فعله وإحداثه، وبينهما بون بعيد. وإثبات أنّ إرادته تعالى من صفات الفعل لامن الصفات الذاتيّة، يمكن إقامته من وجوه عدّة:
الوجه الأوّل: انطباق ما ذكر ضابطاً لصفات الفعل من «اتّصافه بما يقابلها» على إرادته، لأنّه يصحّ أن يقال: إنّ الله تعالى أراد وجود الإنسان ولم يرد وجود العنقاء.
الوجه الثاني: إنّ وجود الموجودات ليس كمالا له تعالى، حتّى تكون إرادة وجودها من الصفات الكماليّة الذاتيّة.
الوجه الثالث: تصريح الروايات الوارده عن المعصومين (عليهم السلام) بذلك.
إن كان لأنّهم يؤمنون بأنّ الربّ قد فرغ من أمر السماوات والأرض، فالإسلام يعترف بأنّ الربّ (الله) قد فرغ من الأمر، حيث إن كلّ ما هو موجود في (اللوح المحفوظ) من علم الغيب لايتبدّل ولايتغير؟
باسمه جلت أسماؤه: لعلّ مرادهم من الفراغ: انقطاعه تعالى عن تدبير الخلق، وهو اعتقاد باطل; إذ كلّ ما سواه تعالى من الممكنات، والممكنات قوامها بالواجب حدوثاً وبقاءً، فلايمكن أن ينقطع تدبيره عنها، ولا وجودَ لمثل هذا الاعتقاد في منظومة عقائد المسلمين.
باسمه جلت أسماؤه: معناه قول الشاعر:
وفَي كُلِّ شَيْء لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدٌ
إذ المراد من التجلّي هو الظهور، وبما أنّ كل شيء له دلالة على الله سبحانه، فهو مظهر من مظاهر وجوده وقدرته وعظمته سبحانه وتعالى.
ص:26
* العدل ليس من اصول الدين، وإنّما هو من اصول المذهب، فنحن نقول: إنّه تعالى عادل لايجور، وحكيم لايظلم، وأنّه لايكلف عباده ما لايطيقون، ولايتعبدهم بما ليس لهم إليه سبيل، ولايكلّف نفساًإلاّ وسعها، ولايعذّب أحداً على ما ليس من فعله، ولايلومه على ما خلقه فيه، فهو المنزّه عن القبائح، والمبرّأ عن الفواحش، والمتعالي عن فعل الظلم والعدوان، لايريد ظلماً للعباد، ولايظلم أحداً مثقال ذرّة.
وخالفنا الأشاعرة فقالوا: إنّ جور الجائرين وفساد المعتدين يعود إلى الله تعالى، وأنّه صرف أكثر خلقه عن الإيمان والخير وأوقعهم في الكفر والشرك، واستدلّواعلى ذلك بأنّه ليس للعقل التحكم على الله، بل هو ساقط في هذا المقام، وتفصيل ذلك في رسالتنا في الجبر والاختيار والمجلد الأوّل من كتابنا زبدة الاُصول.
، بناءً على أنّ فاقد الشيء لايعطيه، مع الأخذ بعين الاعتبار قوله سبحانه وتعالى: وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (1)الدالّة على أنّ الله تعالى هو الملهم بالفجور؟
باسمه جلت أسماؤه: مصدر أفعال الإنسان القبيحة هو نفس الإنسان، ولايستلزم هذا كونه قادراً على الفعل بذاته، حتّى تقولون: فاقد الشيء لايعطيه، بل الله سبحانه وتعالى هو الذي أمدّ الإنسان بالقدرة، وبيّن له الحسن من القبيح، من خلال ما أودع في كيانه من القوّة العاقلة، وبعث إليه من الرسل والأنبياء، ولكونه
ص:27
بسوء اختياره أقدم على استغلال القدرة التي منحها الله إيّاه في الأفعال القبيحة، وأعرض عن الأفعال الحسنة. والآية الشريفة المذكورة في السؤال تشير إلى ما ذكرناه من قدرة الإنسان العاقل على تمييز طرق الخير عن طرق الشرّ، من خلال القوّة العاقلة المودعة في كينونة نفسة تكويناً.
إنّه هو الذي اختار أن يكون أعرج; وإلاّ فإنّه سوف يحتجّ على المولى لماذا خلقتني أعرج؟ والله تعالى عادل، وكذلك هو الذي اختار والديه، وكان أحد طلبة البحث الخارج جالساً في هذا المكان الذي دار به النقاش، فقلنا له: ما ذنب ابن الزنا لايُصلّى خلفه ولو كان عادلا، فقال: لأنّه هو الذي اختار والديه؟
باسمه جلت أسماؤه: إنّ تشوّهات الأطفال مسؤوليّة الآباء والاُمّهات، نتيجة عدم احترازهم عن الأسباب - الزمانيّة والمكانيّة والحاليّة - المؤدّية إلى العاهة والتشوّه، وليست مسؤوليّة الخالق الحكيم (سبحانه وتعالى)، وهذا الأمر قد أشارت إليه الكثير من النصوص الدينيّة، كما أثبته العلم الحديث.
وهكذا يمكن أن يقال بالنسبة لولد الزنا، فإنّ حرمانه من بعض المناصب ليس راجعاً للشارع المقدّس، وإنّما هو راجع للوالدين; إذ حال ولد الزنا نفس حال الأولاد المشوّهين خَلْقِياً، فكما أنّهم قد اصيبوا بالعاهات والتشوّهات الخلقيّة نتيجةَعدم توقّي آبائهم واُمّهاتهم عن أسبابها المؤدّية إليها، وبالتالي فلايصحُّ تحميلُ الخالق مسؤوليّةَ عاهاتهم، كذلك أيضاً وليدُ العلاقة غير الشرعيّة لايصحّ تحميلُ مسؤوليّتهِ الشارع الشريف; إذ أنّ اتّصافه بعدم طهارة المولد اتّصافٌ بتشوّه معنويٍّ سببُهُ الوالدان اللذان لم يجتنبا سببَ هذا التشوّه، وبالتالي فكلُّ ما يترتّب عليهمن الحرمان فإنّما هو مسؤوليّتهما لامسؤوليّة الشارع.
إذا فزتم فيها فساُعطيكم مالا،
ص:28
وإذا خسرتم فساُعاقبكم، فإنّ ذلك سيكون ظلماً; لأنّ مقتضى العدل أن يأخذ برأينا فبل الخوض في المعركة لاأن يجبرنا على ذلك، وهكذا الله عزّ وجلّ قد أجبرنا على الوجود في هذه الدنيا والتي هي كالمعركة، وقال إن أطعتم فلكم الجنّة وإن عصيتم فلكم النار، أفلا يعدّ هذا ظلماً؟
باسمه جلت أسماؤه: بما أنّ الوجود خيرٌ من العدم، والنور خير من الظلام; لذلك اقتضى كرمه المطلق (تبارك وتعالى) وفيضه الدائم إيجاد الإنسانفي هذا العالم، ولو لم يوجده مع قدرته على إيجاده لكان ذلك بخلا لايليق بساحة كرمه، وقد تفضّل (تبارك إسمه) فمنحَ الإنسان بعد إيجاده كلّ ما يوصله إلى أعلى درجات السموّ والكمال، كما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى: وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا(1) وبذلك يكون الخالق قد جمع بين العدل والجود معاً.
باسمه جلت أسماؤه: أمّا بالنسبة للأمراض والعاهات: فصريح النصوص الدينيّة أنّها بسبب الوالدين، وقد أثبت ذلك أيضاً العلمُ الحديثُ في الجملة. وأمّا بالنسبة للكوارث الطبيعيّة: فقد تحدّث عنها القرآن الكريم في أكثر من آية، فقال (تبارك وتعالى): فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُم مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الاَْرْضَ وَمِنْهُم مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَل - كِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(2). وقال أيضاً:
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّوَالْبَحْرِ
ص:29
بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ (1). وقال:
وَمَا أَصَابَكُم مِن مُصِيبَة فَبِمَ - ا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِير (2) ، وبذلك يؤكّد القرآن الكريم على تحميل الإنسان مسؤوليّة الكوارث والحوادث.
أم أوكل إلينا الاختيار بالوجود؟ وإذا كان الجواب هو الثاني، فكيف نكون مختارين وليس لنا وجود يختار؟ أنا أعرف أن لاجبر ولاتفويض بل أمر بين أمرين، ولكن لاأستطيع فهم جواب هذه الشبهة على ضوء هذه القاعدة.
واُريد أن أسأل أيضاً: لو وجدنا بإذن الله وأمره كن فيكون، فهل اخترنا أن نكون ماذا؟ بمعنى هل اخترنا أن نكون إنساناً، وغيرنا اختار أن يكون سماءً، والآخر حجراً، وهكذا؟ وهل عرضت الولاية قبل الإيجاد أم بعد الإيجاد؟ كما وأرجو بيان تفسير الآية اللاحقة على ضوء ما تقدّم من الأسئلة، وهي قوله تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الاِْنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَذْكُوراً(3) ؟
باسمه جلت أسماؤه: ممّا لا شكّ فيه أنّ أصل وجود الأشياء ليسبالاختيار، خاصّة بالنسبة إلى نفس الشيء المُوجَد، فإنّه يستحيل أن يكون نفس الشيء من المخلوقات علّة لاختيار نفسه، بل إيجادها منه تعالى (جلّت قدرته) وهكذا كلّ المسائل التكوينيّة، فإنّها داخلة في إطار قوله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ(4). وأمّا المسائل التشريعيّة من سائر أفعال الإنسان فهي التي لها جنبة الاختيار; إذ للإنسان أن يختار طريق الخير والهداية، وله أن يختار
ص:30
طريق الشرّ والضلال، وإلى هذا المعنى أشارت الآية المباركة إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(1)
وأمّا مسألة عرض الولاية فإنّها كانت في عالم الذرّ قبل عوالم الدنيا، ولها حِكَمٌقد لانعلمها كلّها، إلاّ أنّ المثوبة والعقاب وما هو مرتبط بالحساب مورده عالمنا الدنيوي بعد التكليف والقدرة على الاختيار.
وأمّا آية: هَلْ أَتَى فإنّها دالّة على أنّ الله تعالى خلق الإنسان بعد العدم; لأنّ أصل الإيجاد وعلّة العلل هو الله سبحانه وتعالى، وهذا لاينافي قول من قال إنّه كان تراباً ولم يكن مذكوراً، فإنّه قد وردَ في بعض الروايات أنّ الإنسان كان مذكوراً في العلم ولم يكن مذكوراً في الخلق. ثمّ إنّ الله تعالى منّ على الإنسان بعد نعمة الإيجاد بنعمه العلم الّذي أودعه أنبياءه لا سيّما نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) وآله الأطهار، وبذلك فضّله على سائر الخلق.
باسمه جلت أسماؤه: الممكن كما يحتاج في حدوثة إلى المؤثر كذلك يحتاج في بقائه إليه; لأنّه لايخرج عن إمكانه بالوجود، ففي كلّ آن من الآنات - بما أنّه ممكن والافتقار من لوازم ذاته - محتاج إلى المؤثّر ليفيض عليه الوجود، ومفتقر إلى مدد مبدعه الأوّل في كلّ حين، وإلاّ لانعدم، بل بالنظر الدقي الحقيقي أنّه عين الحاجة، لاشيء له الاحتياج، فالإنسان في كلّ حين - حتّى حين الفعل - مفتقر إلى موجده ليفيض عليه الوجود وسائر المبادئ، وإلاّ لما تمكن من إيجاد الفعل، أضف إليه أنّ التفويض لايتمّ إلاّ مع سلب إطلاق الملك منه تعالى عن بعض
ص:31
مافي ملكه، وتمام الكلام في رسالتنا: «الجبر والاختيار».
إذ تمّ الإخبار بها قبل حدوثها بسنين كثيرة، فما الجواب عن هذه الشبهة؟
باسمه جلت أسماؤه: الظاهر من السؤال أنّ منشأ الإشكال هو كون الحوادث والمصائب متعلّقة لعلمه تعالى، وما كان متعلّقاً لعلمه يجب وجوده، وإلاّ لزم كون علمه تعالى جهلا، وحيث أنّ الثاني محال فيتعيّن الأوّل.
والجواب عن ذلك: أنّ علمه تعالى كما يتعلّق بتلك الحوادث، فإنّه يتعلّق بها وبمقدّماتها أيضاً، وإلاّ لزم كون علمه محدوداً، أو اتّصافه بمقابل العلم، وهذاينافي كون العلم من الصفات الذاتيّة، وحيث أنّ الاختيار والإرادة من مقدّمات تلك الحوادث الصادرة عن العباد، فإنّه تعالى يكون عالماً بصدور أفعالهم عنهم على سبيل الاختيار، ولو التزمنا بالجبر ولزوم صدور الفعل من غير توسّط الاختيار; للزم انقلاب علمه جهلا، إذ المعلوم له تعالى كون الفعل صادراً عن الاختيار، بينما الفعل الواقع في الخارج صادر جبراً.
فهناك مَن قال: إنّ الإنسان يجرم بفعل أقربائه، واستشهد لذلك بقول الرسول (عليه أفضل الصلوات والسلام):
«تَخَيَّروا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَساسٌ»(1) وقال غيره بعكسه، واستشهد بقول الله عزّ وجلّ: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى(2) ، فأتمنّى من سيادتكم حلّ هذه المشكلة؟
*
باسمه جلت أسماؤه: ممّا لاريب فيه أن الإنسان لايؤاخذ بفعل أقاربه،
ص:32
كما يدلّ على ذلك قوله تعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، فإنّ ذلك هو مقتضى ما يجب الاعتقاد به من العدل الإل - هي المطلق. وما جاء في بعض الأخبار ممّا يفهم منه خلاف ذلك، كقول النبيّ (صلى الله عليه وآله):
«تَخَيَّروا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّ الْعِرْقَ دَساسٌ» يراد به: تأثير تلك الاُمور على نحو الاقتضاء لاالعلّيّة التامّة، بمعنى أنّها تجعل الإنسان أكثر عرضة وقابلية للانحراف، لابمعنى أنّها تسلبه اختياره وتجعله مجبوراً على المعصية، ومن الممكن تقريب الفكرة التي ذكرناها بالنار مثلا، فإنّها وإن كانت تؤثر في الإحراق، إلاّ أن ذلك يتوقّف على عدم المانع - كالرطوبة - وتحقّق الشرط - كاقتراب الورقة منها - وهكذا الإنسان، فإنّ نطفته التي تكوّن منها إذا كانت من اصول خبيثة وإن كانت تجعله أكثر عرضة للانحراف من غيره، إلاّ أنّ تأثيرها يتوقّف على ابتعاده عن الطاعة وقربه من المعصية، وهذا ما عنيناه عندما قلنا: بأنّ تأثيرها اقتضائي وليس على نحو العلّيّة التامّة.
باسمه جلت أسماؤه: بما أنّ الوجود خيرٌ من العدم، والنور خير من الظلام; لذلك اقتضى كرمه المطلق (تبارك وتعالى) وفيضه الدائم إيجاد الإنسانفي هذا العالم، ولو لم يوجده مع قدرته على إيجاده لكان ذلك بخلا لايليق بساحة كرمه، وقد تفضلّ (تبارك إسمه) فمنحَ الإنسان بعد إيجاده كلّ ما يوصله إلى أعلى درجات السموّ والكمال،
كما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى: وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا(1) ، وبذلك يكون الخالق قد جمع بين العدل والجود معاً.
بما أنّ الله تعالى يعلم قبل خلقنا عن الأشخاص الذين سوف يذهبون إلى النار، والأشخاص الذين سوف يذهبون إلى الجنة، فلماذا خلقَ
ص:33
الذين سيذهبون إلى النار، وهو يعلم أنّه سيدخله النار؟
باسمه جلت أسماؤه: لأنّ الله تعالى هو الفيّاض الذي لايبخل; لذلك أنعم على عباده بنعمة الوجود، وأخرجهم من كتم العدم، وفي الوقت نفسه زوّدهم بالإرادة والاختيار ليختاروا طريق الهدى أو الضلال من غير إجبار، وبما أنّه تعاليهو العالم الذي لاتخفى عليه خافية; لذلك فإنّه قد علم بما سيؤول إليه أمر العبادمن قبل خلقهم وإيجادهم، إلاّ أنّ علمه هذا لم يتعلّق بأفعالهم كيفما وقعت، بل تعلّق بها بما هي صادرة عنهم اختياراً.
وعليه: فلا بدّ أن تقع منهم أفعالهم على نحو الاختيار وإلاّ للزمَ انقلاب علمه تعالى جهلا، وهو محال، وبالتالي: فالعقاب وسوء المصير قد اختاره الإنسان لنفسه باختياره، حين رفضَ ما أراده الله تعالى له من الخير المتجلّي في خلقه بشراً سويّاً، والإنعام عليه بنعمة الوجود، وتزويده بكلِّ مقوّمات الوصول إلى السعادة.
باسمه جلت أسماؤه: إن أردتم من الشيطان إبليس فهو من الجنّ بصريح القرآن في قوله تعالى: إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِرَبِّهِ(1). وقد قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ(2) ، فخلقَ اللهُتعالى الشيطان - كواحد من الجنّ - للعبادة، إلاّ أنّه خرج عن الطاعة كبقيّة العصاة.
ص:34
باسمه جلت أسماؤه: المراد من وجوب إرسال الرسل حكم العقل منباب قاعدة اللطف، وحكمه بقبح العقاب من غير بيان، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم مراراً، ومنها قوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً(1)
وفي الروايات ما يبين قاعدة اللطف، ففي الخبر الموثّق عن الإمام الصادق (عليه السلام) في جواب الزنديق الذي سأله: من أين أثبتَّ الأنبياء والرسل؟
فقال:
«إِنّا لَمّا أَثْبَتْنا أَنَّ لَنا خالِقاً صانِعاً مُتَعالياً عَنّا وَعَنْ جَميعِ ما خَلَقَ، وَكانَ ذلِكَ الصّانِعُ حَكيماً مُتَعالِياً، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُشاهِدَهُ خَلْقُهُ، وَلاَيُلاَمِسُوهُ، فَيُباشِرَهُمْ وَيُباشِرُوهُ، وَيُحاجَّهُمْ وَيُحاجُّوهُ، ثَبَتَ أَنَّ لَهُ سُفَراءً في خَلْقِهِ، يُعَبِّرونَ عَنْهُ إِلى خَلْقِهِ وَعِبادِهِ، وَيَدُلّونَهُمْ عَلى مَصالِحِهِمْ وَمَنافِعِهِمْ، وَما بِهِ بَقاؤُهُمْ، وَفي تَرْكِهِ فَناؤُهُمْ، فَثَبَتَ الاْمِرونَ وَالنّاهونَ عَنِ الْحَكيمِ الْعَليمِ في خَلْقِهِ، وَالْمُعَبِّرونَ عَنْهُ جَلَّ وَعَزَّ وَهُمُ الأَنْبياءُ (عليهم السلام) وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، حُكَماءُ مُؤَدّينَ بِالْحِكْمَةِ، مَبْعوثينَ بِها، غَيْرُ مُشارِكينَ للنّاسِ عَلى مُشارَكَتِهِمْ لَهُمْ في الْخَلْقِ، وَالتَّركيبِ في شَيْء مِنْ أَحْوالِهِمْ، مُؤَيَّدينَ مِنْ عِنْدِ الْحَكيمِ الْعَليمِ بِالْحِكْمَةِ، ثُمَّ ثَبَتَ ذلِكَ في كُلِّ دَهْر وَزَمان مِمّا أَتَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَالاَْنْبِياءُ مِنَ الدَّلائِلِ وَالْبَراهينِ لِكَيْلا تَخْلُو أَرْضُ اللهِ مِنْ حُجَّة يَكُونُ مَعَهُ عِلْمٌ يَدُلُّ عَلى صِدْقِ مَقالَتِهِ، وَجَوازِ عَدالَتِهِ»(2)..
ص:35
*
باسمه جلت أسماؤه: لم يثبت ذلك، بل الثابت خلافه سيّما بالنسبة لشريعتنا، فالنبيّ (صلى الله عليه وآله) هو نبيّ الجنّ والإنس بنصّ القرآن الكريم.
رغم أنّ أفضل النساء في أهلهم أو في زمنهم كمريم وآسية والسيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟ فهل يوجد نقصٌ في النساء؟
باسمه جلت أسماؤه: خالق الجميع - ذكوراً وإناثاً - هو العدل الذيلايجور، فإرساله الرجال دون النساء مظهر من مظاهر عدله وهو مقتضى الحكمة لامحالة، وأمّا ما يحتمل من وجه الحكمة: فلعلّه من جهة أنّ طبيعة البشر قائمة على ثقة المرأة بالرجل بالطبع دون العكس في الغالب، وبما أنّ الرسول يجب أن يكون محلّ ثقة الجميع من الرجال والنساء; لذا لزم أن يكون ذكراً.
باسمه جلت أسماؤه: غير البشر إمّا الجنّ وإمّا الملائكة، وأحسن التقديرين أن يكون مَلكاً، واختلاف سنخه وسنخ حياته يحول بين الرسول الذي هو الملك والمرسل إليهم، فلا يتأتّى له تأدية رسالته، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: وَقَالُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الاَْمْرُ ثُمَّ لاَ يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَا يَلْبِسُونَ(1) والتدبّر في الآية فيه الإجابة الشافية.
باسمه جلت أسماؤه: نعم كلّهم كانوا أئمّة كما كانوا أنبياء أيضاً.
ص:36
، ولعلّه من الممكن أن يفعلوا ذلك بعد موته بيوم أو أكثر بغضّ النظر عن الوسيلة، وهو الأمر الذي لو حصل قبل ألف عام لقالوا إنّها معجزة، والسؤال: هل مثل هذا يبطل معجزة نبيّ الله عيسى (عليه السلام) مثلا؟ وهل هذا يعني أنّ المعجزة أمر نسبي؟
باسمه جلت أسماؤه: من المقرّر في محلّه أنّ المعجزة لاتكون إلاّللأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)، وتكون دليلاً على صدقهم وصدق دعواهم، وأمّا ما يصل إليه الإنسان من اكتشافات علميّة تختلف من زمان لآخر، ومن مكان لآخر، فليست من المعجزة في شيء، سيّما وأنّها قائمة على قواعد معروفة عند أهل الاختصاص، والمعجزة ليست كذلك.
باسمه جلت أسماؤه: اقتضت الحكمة الإل - هيّة أن تكون معجزة كلّنبيّ هي الأكثر تأثيراً في زمانه، وأدى ذلك إلى اختلافها، ففي زمن موسى (عليه السلام) كان السائد هو السحر، ولاأثر لشفاء المرضى، وفي عهد عيسى (عليه السلام) كان السائد العكس، بينما في زمان الخاتم (صلى الله عليه وآله) زمان الفصاحة والبلاغة كانت المعجزة هي القرآن، وقد أظهر الأئمّة (عليهم السلام) المعاجز الكثيرة.
باسمه جلت أسماؤه: بحكم العقل لابدّ أن يكون الأنبياء (عليهم السلام) معصومين قبل البعثة وبعدها; إذ لو كانت تصدر منهم المعاصي لانعدمت ثقة الناس بهم، ومع انعدامها لا يتحقّق الغرضُ من بعثتهم; وهو اقتداء الناس بهم والأخذ
ص:37
بأقوالهم وأفعالهم، وإذا لم يتحقّق يكون إرسالهم للناس لغواً، وحاشا الحكيم تعالى أن يمسّ ساحته اللغو والعبث.
التي ورد فيها النهي من قِبل الله تعالى، من قبيل قوله تعالى لنبيّ الله آدم (عليه السلام): وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ(1) ، وقوله لنبيّ الله نوح) عليه السلام (: وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذينَ ظَلَمُوا(2) ، وقوله للنبيّ الأعظم) صلى الله عليه وآله: وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ(3) ، وغيرها؟
باسمه جلت أسماؤه: بما أنّ الأنبياء (عليهم السلام) معصومون عن كلّ خطأ، فلايمكن أن يكون النهي الموجه إليهم نهياً مولويّاً تشريعيّاً، بل ينبغي حمله على النهي الإرشادي، كما لايخفى.
مع العبد الصالح، وفيها أمران مستغربان نرجو توضيحهما: 1 - نسيان وصيّ موسى (عليه السلام) - وقيل: إنّه يوشع بن نون، وهو نبيّ - والغريب نسبة نسيانه إلى الشيطان، مع أنّ هذا لايلتئم مع قوله تعالى: وَلاُْغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْ - مُخْلَصِينَ(4)
2 - قول موسى (عليه السلام) للخضر: لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ(5) ، فإنّ هذا النسيانوإن كان لايقدح بعصمته عن الذنوب وما أشبه، ولكنّه منفّر، خصوصاً أنّه كان
ص:38
مع قرب العهد؟
باسمه جلت أسماؤه:
1 - النسيان الذي نسبه الفتى - على فرض كونه يوشع بن نون النبيّ - إلى الشيطان، ليس ممّا يرجع إلى المعصية، كي يتنافى مع عصمة الأنبياء، بل هو ممّا يرجع إلى إيذاء الشيطان، ولادليل على ما يمنعه، بل هو نظير قوله تعالى وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْب وَعَذَاب(1) 2 - وأمّا قول موسى للخضر (عليهما السلام) فالمراد من النسيان فيه هو الترك، أي لاتؤاخذنيبما تركت، نظير قوله تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ(2) ، أي ترك، وهذا ليس منافياً للعصمة ولاموجباً للنفرة.
ما معنى نسيان الأنبياء) عليهم السلام (؟ وكيف نوجه ذلك مع اعتقادنا الجازم بعصمتهم) سلام الله عليهم؟
باسمه جلت أسماؤه: بعد أن قام البرهان العقلي على لزوم عصمة الأنبياء (عليهم السلام) عن السهو والنسيان، فإنّه يلزم توجيه ما ظاهره نسبة النسيان لهم من الأدلّة بما لا يتنافى مع البرهان العقلي، وبما أنّ من معاني النسيان لغةً: الترك،
كما ذكر ذلك غير واحد من أئمّة اللغة، فمن الممكن أن تحمل عليه الآية المباركة: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ، وكذا الآية الشريفة: لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ، ولا وجه حينئذ لحمل النسيان على معناه الحقيقي; إذ القرينة العقليّة
ص:39
مانعة عن هذا الحمل. وأمّا قوله تبارك وتعالى: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسانِيهُإِلاَّ الشَّيْطَانُ، فلم يثبت أنّ المقصود به هو النبيّ يوشع (عليه السلام)، حتّى تكون الآية ناقضة لعقيدة الإماميّة.
فإنّ هذه الشبهة قد أثارها الوهابيّة، ونحن إن أجبناهم بأن معنى النسيان عند الأنبياء هو الترك، كما في قوله تعالى: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هذَا(1) قالوا لنا: إنّ النسيان في الآية لايُراد به النسيان الحقيقي، بل المقصود به: نعاملهم معاملة المنسي في النار، فلانجيب لهم دعوة، ولانرحم لهم عبرة، وممّا يؤكّد ذلك قوله تعالى: قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَاب لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى(2) ، وأمّا قول موسى:
لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ فهو نسيان حقيقي؟
باسمه جلت أسماؤه: بعد قيام البرهان العقلي على عصمة المعصوم (عليه السلام) عن النسيان بمعناه المعروف، فلابدّ من حمل النسيان على معنى آخر، وبما أنّ من معانيه الترك فيصحّ حمل نسيان الأنبياء عليه; لأنّه هو المعنى المنسجم مع عصمتهم المبرهن عليها عقلا ونقلا.
باسمه جلت أسماؤه: أمّا مسألة النسيان فقد اتّضح الجواب عنها من خلال الإجابات السابقة، وأمّا مسألة النهي عن الخوف أو الحزن، فلا يظهر أنّه
ص:40
من النواهي التشريعيّة، بل الظاهر أنّه نهي تكويني، وهو تأكيد لعصمة المعصوم (عليه السلام) وليس منافياً لها.
باسمه جلت أسماؤه: لم يذكر في النصوص ما يدلّ على ذلك، بل الآيات القرآنيّة - التي استعرضت حياة الأنبياء (عليهم السلام) ومواقفهم الشريفة - صريحة في خلاف ذلك.
باسمه جلت أسماؤه: الاعتذار عن بعض ما كلّف به جزماً لم يظهر من أحد من الأنبياء; بل الظاهر من أحوالهم ذوبانهم في تنفيذ أوامر الله تعالى لهم، بمقتضى كمال عبوديّتهم وطاعتهم (عليهم السلام).
باسمه جلت أسماؤه: لو ثبت ذلك، وهو غير ثابت - كما مرّ - فإنّه لايتنافى مع كمال العصمة عندهم; إذ الفرض أنّ التكليف مجرّد تكليف إنشائي، وليس تكليفاً فعليّاً، ولاحزازة في الاعتذار عن مثله.
خصوصاً مع الالتفات إلى طبيعة علم الخضر (عليه السلام) اللدنّيّ والتكويني، والمغاير لعلم موسى (عليه السلام) حيث كان علمه تشريعيّاً، مضافاً إلى طلب موسى (عليه السلام) التعلّم منه؟ أليس من الواجب أن يكون حجّة الله هو أعلم من باقي الناس في زمانه؟ فكيف ذلك مع أنّ الخضر الذي هو ليس بنبيّ من جملة رعيّة نبيّ الله موسى (عليه السلام)؟
ص:41
باسمه جلت أسماؤه: قصّة الخضر والنبيّ موسى (عليهما السلام) في مطوّلات التفاسير منقولة بألسنة مختلفة، وكثيرٌ منها لاتخلو عن أساطير موضوعة أو مدسوسة، وكذلك الأخبار الواردة لبيانها، ولم يرد ذكر الخضر في القرآن إلاّ في قصة رحلة موسى إلى مجمع البحرين، ولم يُذكر شيءٌ من جوامع أوصافه.
وفي بعض الأخبار أنّ الخضر لم يكن نبيّاً، بل كان عالماً كذي القرنين، ولكن ظاهر الآيات أنّه كان نبيّاً وهو حيّ يرزق.
ويبقى السؤال: كيف يمكن أن يوجد نبيّ أعلم من موسى (عليه السلام) في وقته؟
وأجيب عن ذلك: بأنّه يجوز أن يكون الخضر خُصّ بعلم ما لايتعلّق بالأداء، فاستعلم موسى (عليه السلام) من جهته ذلك العلم فقط، وإن كان موسى أعلم منه في العلوم التي يؤدّيها من قِبل الله تعالى.
ونعتقد أنّه عالم بسرائر الناس وخفاياهم، كما هو مذكور في القرآن من إخبار عيسى (عليه السلام) عن الاُمور التي كان الناس يخفونها وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ(1) والسؤال هو عن قصّة موسى مع الخضر) عليهما السلام (، حيث كان موسى هو حجّة الله، والخضر تابعاً له بالمأموميّة، فكيف كان الخضر أعلم من موسى؟ وكيف موسى لم يقف على سرائر وأعمال الخضر) عليه السلام (في حين أن موسى الذي هو حجّة الله يجب أن يكون أعلم من الخضر، وكذلك يجب أن يقف على سرائر وأعمال الخضر) عليهما السلام؟
باسمه جلت أسماؤه: لايعتبر في النبيّ أن يكون أعلم مَن في الأرض حتّى بالنسبة إلى نبيّ آخر، أضف إليه أنّ الروايات بالنسبة إلى أعلميّة الخضرأو موسى (عليهما السلام) مختلفة، ففي بعضها صرّح الإمام (عليه السلام) بأعلميّة موسى (عليه السلام)، بينما في بعضها الآخر صرّحَ الإمام الصادق (عليه السلام) بأنّ الخضر كان عنده علم لم يكتب
ص:42
لموسى (عليه السلام) في الألواح. وأجاب عن الإشكال بعض المحقّقين: بأنّ الخضر وموسى كانا نبيّين وأعلميّة أحدهما من الآخر لاإشكال فيها، أضف إليه أنّه يجوز أن يكون الخضر خُصّ بعلم ما لايتعلّق بالأداء، فاستعلم موسى منه ذلك العلم فقط، وإن كان موسى أعلم منه في العلوم التي يؤدّيها من قِبل الله تعالى.
باسمه جلت أسماؤه: البرهان العقلي القاضي بعصمة أوصياء النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله)، هو بنفسه يقضي بعصمة بقيّة أوصياء الأنبياء (عليه السلام).
ص:43
باسمه جلت أسماؤه: إن كان الدين يُراد به المذهب الحقّ فالإمامة من اصول الدين، وإن كان المراد منه الإسلام - الذي به تُحقن الدماء وتُصان الأعراض - فهي ليست من اصوله.
باسمه جلت أسماؤه: حديث الغدير - الذي يُثبت به الشيعةُ الإمامة - من المسلّمات التي اعترف بها الفريقان; لأنّه مرويّ من طرق الشيعة والسنّة بنحو التواتر، وهو صريح في أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) إنّما نصب عليّاً بأمر الله تعالى، بعد أن ورد عليه التأكيد في ذلك، وبعد أن وعده الله تعالى بالعصمة من الناس، الظاهر في اعتراض الناس على تنصيبه، وبذلك يظهر أنّه لو كان إسم عليّ مذكوراً في القرآن لحرّفوه، وهذا هو السرّ في عدم ذكر إسمه المبارك وأسماء الأئمّة (عليهم السلام) من ذرّيّته.
أضف إلى ذلك ما جاء في صحيح أبي بصير، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) إنّ الناس يقولون: فما له لم يسمِّ عليّاً وأهل بيته في كتاب الله؟
قال (عليه السلام):
قُولُوا لَهُمْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) نَزَلَتْ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَلَمْ يُسَمِّ اللهُ لَهُمْ ثَلاثاًوَلاَ أَرْبَعاً، حَتَّى كانَ رَسوُلُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) هُوَ الَّذي فَسَّرَ ذلِكَ لَهُمْ»(1).
ومن هذه الرواية يظهر أنّ جميع الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ أسماء الأئمّة (عليهم السلام) مذكورة في القرآن، يراد بها عنوان التفسير أو عنوان التنزيل مع عدم الأمر بالتبيلغ.
ص:44
راجع كتبكم فستلاحظ أنّ الإمام جعفر (عليه السلام) قد نصّ بشكل صريح وعلني وأمام حشد كبير من شيعته على أنّ الإمام المنصوص عليه هو ابنه الأكبر إسماعيل (عليه السلام)، وعندما سمع الخليفة العبّاسي بذلك أرسل وراء الإمام جعفر (عليه السلام) وهدّده إمّا بالنصّ على الإمامة عليه من بعده، أو قتل وصيّه الإمام إسماعيل (عليه السلام)، وكما هو معروف عندكم وعندنا أنّ النصّ على الإمام هو
اختيار من الله وليس من البشر، وبعدها بفترة زمنية قليلة اذيع خبر وفاة الإمام إسماعيل في عهد والده الإمام جعفر (عليه السلام)، وعندما دخل الإمام موسى (عليه السلام) إلى الموضع الذي فيه جثمان الإمام إسماعيل خرج صائحاً: إنّ أخي حيّ يا أبتي فقد فتح عينيه، فقال له الإمام جعفر (عليه السلام): اكظم يا موسى، وهذا هو سبب تلقيبه بالكاظم. ومن ذلك الوقت دخل الإمام إسماعيل دور الستر، فأصبح الإمام المستور، وعيّن أخوه الصغير موسى كإمام ساتر على أخيه إسماعيل، وذلك لاشغال أعين وجواسيس الخليفة العبّاسي عن الإمام الحقيقي المستور، والذي انتقلت الإمامة إلى عقبه بمجرّد النصّ عليه من الإمام الّذي قبله. والذي يعمّق الإشكاليّة: أنّ الإمام جعفر (عليه السلام) لايمكن أن ينصّ على إمام قد اختاره الله، مع أنّ الله يعلم بموته في حياة أبيه، ولو قلنا بذلك لقال أهل العامّة بأنّ هذا دليل أنّ الإمامة من اختيار البشر وليست اختياراً إل - هيّاً، وكلّ هذا يؤكّد أنّ الإمام جعفر (عليه السلام) لم يخطئ حين نصّ على إسماعيل، ولأوحى الله له بأنّ الذي نصّ عليه سيموت في حياته، فما هو الجواب عن كلامه هذا؟
باسمه جلت أسماؤه: هذا الذي قاله زميلكم الإسماعيلي (هداه الله تعالى) أشبه ما يكون بالتلفيق الذي تلفّقه بعض الفرق لتصحيح ما هي عليه من الباطل، والجواب عنه بما يلي:
أوّلا: أين تلك الروايات والكتب التي زعم أنّها في كتبنا للنظر إليها وإلى أسانيدها؟!
وثانياً: إنّ حديث «الأئمّة بعدي إثنا عشر» حديث مستفيض بين العامّة
ص:45
والخاصّة، وإذا كان الأمر كما قال فمن هم؟ اللازم عليه أن يذكر لنا هذا العدد، ويبيّن لنا لماذا وصل العدد إلى المئات عند الإسماعيليّة الذين اعتقدوا استمرارها في ذرّيّته؟!
وثالثاً: إنّ أسماء الأئمّة الاثني عشر مذكورة في حديث لوح جابر الذي رآه وقد أهدي إلى الزهراء (عليها السلام) عند ولادتها بالإمام الحسن (عليه السلام)، فالعدد غير قابل للتغيير والحذف.
ورابعاً: إنّ هذا - وكما ذكرتم - طعن في الإمام الصادق (عليه السلام) مع أنّه لايمكن أن يصير شخص إماماً باختياره الاضطراري لظروف معيّنة، كما يدّعي ذلك الإسماعيليّون بالنسبة للإمام الكاظم (عليه السلام)، باعتبار أنّه لابدّ من إعداد إل - هي تكويني له، ومن هنا فشل من ادّعى الإمامة بدون إعداد من الله سبحانه - كجعفر الكذّاب -، وهل فشل الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)؟! فأين الدليل على ذلك؟! أسأل الله أن يهدي زميلكم ويثبّتكم على القول الثابت.
*
باسمه جلت أسماؤه: إنّما لم يذكر أسماءهم (عليهم السلام) في القرآن حفظاً للقرآن الكريم عن التحريف; لأنّ المنافقين والمخالفين كانوا سيحرّفون القرآن على تقدير ذكر أسمائهم فيه، وهو أمر ظهر ممّا فعلوه بالنسبة إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد نصبه للخلافة.
باسمه جلت أسماؤه: إذا كنتم تسلّمون بأنّهما غصبا حقّ الإمام (عليه السلام) فكونهما ناصبَين وعدمه لاأثر له; لأنّ ترك جميع الوظائف الشرعيّة أهون من غصبالخلافة، كيف وما صنعاه بالصدّيقة الطاهرة الزهراء (أرواحنا فداها) أشهر من النار
ص:46
على علم، وهل ثمّة نصب وعداء أعظم من ذلك؟!
) على أسماء الأئمّة الاثنى عشر (عليهم السلام)، وأنّ تسلسل الأئمّة لم يكن بتنصيب رسول الله، وإنّما هو بتنصيب كلّ إمام للإمام الذي يليه، وأنّ كلّ الأحاديث المنسوبة للرسول، والتي يذكر فيها أسماء الأئمّة ليس معتبرة؟
*
باسمه جلت أسماؤه: الأحاديث الواردة في كتب الشيعة والسنّة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المتضمّنة لتصريح النبيّ (صلى الله عليه وآله) بأسماء الأئمّة الاثنى عشر (عليه السلام)، لايمكن استيعابها ويصعب إحصاؤها لكثرتها وغزارتها، حتّى أنّ بعض المحقّقين قد جمع أكثر من ثمانين حديثاً مرويّاً عن كتب الفريقين الشيعة والسنّة، مع اعترافه بأنّه لم يذكر إلاّ القليل. ومن تلك الأحاديث ما جاء في كتاب كفاية الأثر لأبي القاسمعليّ بن محمّد الرازي القمّي، عن سهل بن سعد الأنصاري، قال: «سألت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الأئمّة، فقالت:
كانَ رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله) يَقولُ: يا عَلِيُّ، أَنْتَ الاِْمامُ وَالْخَليفَةُ بَعْدي، وَأَنْتَ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذا مَضَيْتَ فَابْنُكَ الْحَسَنُ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذا مَضَى الْحَسَنُ فَابْنُكَ الْحُسَيْنُ أَوْلى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذا مَضَى الْحُسَيْنُ فَابْنُهُ عَليُّ بْنُ الْحُسَيْنِ». ثمّ تصرح الرواية بأسماء بقيّة الأئمّة حتّى المهدي (عج) إلى أن تقول
:«فَهُمْأَئِمَّةُ الْحَقِّ، وَأَلْسِنَةُ الصِّدْقِ، مَنْصورٌ مَنْ نَصَرَهُمْ، وَمَخْذولٌ مَنْ خَذَلَهُمْ»(1)، والروايات بهذا
المضمون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثيرة ومذكورة في كتب الفريقين، وعلى ذلك فإسناد عدم وجود نصّ واضح من رسول الله على أسماء الأئمّة الإثني عشر إلى المحقّق الخوئي - وهو خرّيت هذا الفنّ، وأعلم بالروايات من غيره - من الهذيان والعناد والوقاحة.
ص:47
باسمه جلت أسماؤه: يعذّب على الذنوب أوّلا، إلاّ إذا شمله العفو، أو تاب عن السيّئات.
*
باسمه جلت أسماؤه: ضغطة القبر إنّما هي نتيجة بعض الأعمال السيّئة، فقهراً لاتعمّ كلّ شخص، وإن كان قلّ مَن يسلم منها، كما هو صريحبعض النصوص.
باسمه جلت أسماؤه: القابض من أسمائه تعالى، والقبض يعنيالأخذ، كما في قوله تعالى: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِن أَثَرِ الرَّسُولِ(1) ، فلايتنافى ذلك مع تحرير الروح من أسر البدن.
باسمه جلت أسماؤه: نيّة السوء لاعقاب عليها، لالأنّها من الشيطان، بل لأنّ العقاب إنّما يكون على العمل، ولاعمل في الفرض، وأمّا العمل السيّئ فيعاقب عليه إذا كان اختياريّاً، ولو أعانه الشيطان عليه، لأنّ الشيطان لايسلب
ص:48
الاختيار ليكون الفعل مستنداً إليه.
باسمه جلت أسماؤه: حكم الناس في الآخرة عند ربّ الآخرة، فهو يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء، ولكنّنا نقول: إنّه قد تواتر، بل استفاض، عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال:
«مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَحْيى حَياتي، وَيَموتَ مَماتي، وَيَسْكُنَ جَنّةَ عَدْنغَرَسها رَبّي، فَلْيوالِ عَليّاً مِنْ بَعْدي، وَلْيوالِ وَلِيَّهُ، وَلْيَقْتَدِ بِالاَْئِمَّةِ مِنْ بَعْدي، فَإِنَّهُمْ عِتْرَتي، خُلقوا مِنْ فاضِلِ طينَتي، وَرُزِقوا فَهْماً وَعِلْماً، وَوَيْلٌ لِلْمُكَذِّبينَ بِفَضْلِهِمْ مِنْ امّتي، الْقاطِعينَ فيهِمْ صِلَتي، لاَ أَنالَهُمُ اللهُ شَفاعتي»(1) ، هذا هو الحديث برواية المتّقي الهندي بسنده عن عن ابن عبّاس، وقد رواه أبو نعيم في حلية الأولياء بسنده عن ابن عبّاس أيضاً، ورواه بسنده أيضاً عن مطرف، عن زيد بن أرقم، كما ورواه غيرهما، والتدبّر في هذا الحديث يكفي جواباً عن السؤال وزيادة.
ومن جميل القول ما نسبه السيّد محمّد بن عقيل العلوي في كتابه النصائح الكافية لمن تولّى معاوية للناصر العبّاسي أنّه قال:
لو أنّ عبداً أتى بالصالحات غداً
ثمّ تزوجت زوجته بمؤمن آخر بعده في الدنيا، ثمّ مات الإثنان ودخلا الجنة أيضاً، فلمن ستكون الزوجة في الجنة إذا رغب
ص:49
الإثنان أن تكون لهما، والعكس بالنسبة للزوج المؤمن الذي تزوج مؤمنتين؟
باسمه جلت أسماؤه: الوارد في الروايات أنّ الزوجة في الفرضالمذكور تخيّر بين أزواجها، وقد ورد في الروايات أنّها تختار أحسنهم خلقاً،
وأمّا الفرض الثاني فإن كان مع انحصاره فكلتاهما له، وإن كان مع تزوّج إحداهماأو كلتيهما بغيره فالمتزوّجة بغيره تُخير بينه وبين غيره كما قلنا.
باسمه جلت أسماؤه: الذي بنينا عليه - في زبدة الاُصول - عند البحث عن آثار الواجب النفسي والغيري هو القول بالاستحقاق، وفاقاً لمشهور المتكلّمين، وخلافاً للشيخ المفيد والمحقّق النائيني (قدس سرهما)، وإن كنّا قد أوضحنا هناك أنّ الخلاف بينهما وبين المشهور أقرب إلى الخلاف اللفظي، وتفصيل ذلك يُطلب من محلّه.
وما دور الإمام الحجّة (صلوات الله عليه) في هذه الحالة؟ وهل يمكن أن يكون ثمّة مصير ثالث غير الجنة والنار؟
باسمه جلت أسماؤه: احتمال ذلك وارد، ودوره (عليه التحيّة والسلام) ليس بأعظم من دور جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي انتقل إلى الرفيق الأعليمع وجود الكثير ممّن لم يصل إليه الإسلام، إذ أنّ الواجب على أنبياء الله وحججه ليس إلاّ جعل الشرع في معرض الوصول، بحيث يتمكّن كلُّ مكلّف من الوصول إليه، لاالإيصال بالفعل، والروايات قد اختلفت في وجود مصير ثالث غير الجنة والنار، فبعضها يشير إلى أنّ المستضعفين الذين لم يصل إليهم الدين يقطنون في منطقة بين الجنة والنار، قد يطلق عليها الأعراف، وبعضها يشير إلى أنّ مَن لم يصل له الدين، إن كان نتيجة تقصيره فهو في النار، وإن كان نتيجة قصوره فإنّ الله تعالى يعرض عليه الحقّ فإنّ اتبعه دخل الجنة وإلاّ دخل النار.
ص:50
ص:51
ص:52
باسمه جلت أسماؤه: لامحذور فيه; لأنّ مددهما وسندهما من جهة ما أعطاهما الله تعالى، لاأنّ لهما ذلك بما هما مستقلاّن عن الله سبحانه وتعالى.
«أنّ قبل آدمكم ألف ألف آدم»، أي دورات بشريّة سابقة غير معاصرة لنا، كما ورد أنّ في هذه الكواكب التي ترونها موسى كموساكم وإبراهيم كإبراهيمكم، فهل يوجد في خلق الله في هذه العوالم مَن يتساوون في الفضل مع أهل الكساء الخمسة (عليهم السلام)؟ أم أنّ أهل الكساء الخمسة (عليهم أفضل الصلاة والسلام) هم أفضل خلق الله على الاطلاق، بحيث أنّ أفضليتهم تشمل حقبة سيّدنا آدم (عليه السلام) وجميع الحقب الآدميّة التي سبقته؟
*
باسمه جلت أسماؤه: قد تواترت الأخبار - على اختلاف مضامينها - بأنّ بين وجود الواجب ووجود الممكنات مرتبة من الوجود شريفة، منها ترشّح وجودها وجرى الفيض من مبداه عليها، وقد عُبّر في جلّها أنّه تعالى خلق من نوره هذا النور، ثمّ خلق من هذا النور أنواراً اخر، أو شقّه فأوجدها منه، وأنّ الذي صدر عنه في طليعة الممكنات موجود شريف في غاية النوريّة والبهجة، وله نور في كلّ عالم بحسبه، كما أنّ مظهره في عالم الطبيعة هو جسم النبيّ (صلى الله عليه وآله) ثمّ الوليّ الذي هو نفسه، وابنته التي هي بَضعة منه، والأئمّة المعصومون المولودون بواسطتها عنه، وكلّهم (عليهم السلام) نور واحد، فتكون لهم الأفضليّة على جميع ما خلق الله تعالى; إذ لولاهم لما خُلقوا.
ص:53
«يا عليّ» مع الاعتقاد بأنّه عون لهم في الشدائد، وسؤالي: هل يسمعنا الإمام عليّ (عليه السلام) أين ومتى ناديناه؟ وهل الاستجابة قدرة أعطاه الله إيّاها، أم أنّه يدعو الله بأن يستجيب دعاءنا، فيقضي الله مطلبنا كرامة له؟
*
باسمه جلت أسماؤه: المعصوم (عليه السلام) مسلّط على عالم الكون كلّه بإذن الله، بحيث أنّ زمام أمر العالم بيده، وله السلطنة التامّة على جميع الاُمور بالتصرّف فيها كيف ما يشاء إعداماً وإيجاداً، وعالم الطبيعة منقاد له، ولكن لابنحو الاستقلال، بل في طول قدرة الله تعالى وقدرته وسلطنته، بمعنى أنّ الله تعالى أقدره وملّكه ذلك كما أقدرنا على الأفعال الاختياريّة، ولو سلب عنه القدرة، بل لم يفضها عليه، لانعدمت قدرته وسلطنته.
باسمه جلت أسماؤه: الاعتقاد المذكور ينافي ما دلّ من الآيات والروايات المتواترة الدالّة على لزوم جعل أهل البيت (عليهم السلام) وسيلةً وشفعاء إلى الله تعالى في طلب الحوائج.
وإذا كان حراماً، فهل منشأ الحرمة كون هذا الطلب عبادة لغير الله، فهو شرك بالله؟ أو مجرّد حرمة تكليفيّة؟
باسمه جلت أسماؤه: الظاهر ثبوت الولاية التكوينيّة للنبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام)، وهي عبارة عن ولاء التصرّف التكويني، والمراد بها كون زمام أمر العالم بأيديهم، ولهم السلطنة التامّة على جميع الاُمور بالتصرّف فيها كيف ما شاؤوا، إعداماً وإيجاداً، وكون عالم الطبيعة منقاداً لهم، ولكن لابنحو الاستقلال،
ص:54
بل في طول قدرة الله تعالى وسلطنته، وعلى ذلك فالطلب منهم من منطلق هذه الولاية صحيح لاإشكال فيه.
فكيف يصحّ ذلك مع أنّ الله تعاليفي القرآن يقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ويقول: فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(1)
باسمه جلت أسماؤه: كما أنّ الاستعانة بالطبيب لأجل الشفاء من بعضالأمراض لاتنافي الآيات القرآنيّة المذكورة; لأنّ المستعين به لايعتقد بكونه قادراً على الإعانة من غير مدد الله تعالى وعونه، بل هو يستعين به بما هو سبب من أسباب الشفاء التي أناطَ اللهُ تعالى بها نظام الكون، كذلك الاستعانة بأهل البيت (عليهم السلام) لاتنافي ذلك; لأنّ الله تعالى قد جعلهم وسيلة القرب إليه.
«يا الله، يا محمّد، يا عليّ»، وبدلا عن الاستعانة بالله يقولون ما لم يقله محمّد وآل محمّد من الاستعانة بغير الله، ناسين قوله تعالى: أَلَيْسَ اللهُ بِكَاف عَبْدَهُ(2) وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً(3) فما هو موقفكم؟
باسمه جلت أسماؤه:
الشيعة يرون ثبوت الولاية التكوينيّة للمعصومين (عليهم السلام)، والمراد بها قدرة المعصوم (عليه السلام) على التصرّف في الكون، ولكن لابنحو الاستقلال، بل في طول قدرة الله تعالى وقدرته وسلطنته، بمعنى أنّ الله تعالى أقدره وملّكه ذلك كما أقدرنا على الأفعال الاختياريّة، ولو سلب عنه القدرة،
ص:55
بل لم يفضها عليه، لانعدمت قدرته وسلطنته، وبذلك يظهر الفرق بين ما يقول الشيعة، وما يقوله النصارى من أنّه ثالث ثلاثة.
باسمه جلت أسماؤه: نحنُ مأمورون مِن قِبل اللهِ تعالى أنْ نبتغيَ الوسيلةَ إليه; لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ(1) ، وعلى ذلك فقولنا:» يا رسول الله «أو» يا عليّ «أو» يا زهراء «ونحو ذلك، بما أنّه امتثالٌ للأمرِ الإل - هي، فلا إشكالَ في رجحانه.
وأمّا قولنا: «يا الله» فإنْ كانَ مقروناً بالتوجّهِ إليهِ عن طريق وسيلته - كالصلاة على محمّد وآله قبلَهُ أو بعدَه، كما أشارت لذلك بعضُ النصوص - فهو راجحٌ أيضاً، وإنْ لم يكن مقروناً بذلك، بأنْ كانَ القائل يتصوّر عدمَ حاجتهِ للوسيلة والوسائط بينه وبين ربّه، فهو تمرّدٌ على أمرهِ تعالى باتّخاذ الوسيلة إليه.
«إلهي بحقِّ محمّد وآل محمّد عليك افعل بي كذا وكذا»، فما هي الحقوق الموجودة للرسول وأهل بيته على الله سبحانه وتعالى؟ *
باسمه جلت أسماؤه: المراد من الحقّ هو: الأمر الثابت، وبما أنّ الله تبارك وتعالى قد أثبتَ على نفسهِ اموراً لمحمّد وآله (عليهم السلام) إكراماً لهم; لذلك صحّ التعبير عنها بالحقوق. ومنها: ما تحدّث عنه الإمام الباقر (عليه السلام) من قول الله تعالى: «لكِنَّهُ حَتْمٌ حَتَمْتُهُ عَلى نَفْسي، لاَيَسْأَلُني عَبْدٌ بِحَقِّ مُحَمَّد وَأَهْلِ بَيْتِهِ إِلاّ غَفَرْتُ لَهُ ما كانَ بَيْني وَبَيْنَهُ»، والداعى يتوسّل إلى الله تعالى بمثل هذا الحقّ.
ص:56
باسمه جلت أسماؤه: تُعرض الأعمال على المعصومين (عليهم السلام) من خلال عمود من نور يُرفع إليهم، فيرون من خلاله جميع أعمال الخلائق، كما جاء ذلكفي غير واحدة من الروايات.
*
باسمه جلت أسماؤه: إن كان المراد من كون الولاية التكوينيّة مقاماًذاتيّاً أنّ المعصومين (عليهم السلام) يمتلكونها بأنفسهم استقلالا، فهذا مقطوعٌ ببطلانه، وإن كان المراد كونها ثابتة لهم (عليهم السلام) بمقتضى خلقتهم النوريّة، فهي من ذاتيّاتهم بهذا اللحاظ، فهذا صحيح لاإشكال فيه.
باسمه جلت أسماؤه: الروايات الدالّة على صدور بعض الأفعال من المعصومين (عليهم السلام) بمقتضى ولايتهم التكوينيّة فوق حدِّ الإحصاء، ومنها إحياء الموتى، بل قد صدر عنهم ما هو أعظم من ذلك، ومن ذلك ما صنعه الإمام الرضا (عليه السلام) حيث إنّه أشار لصورة الأسد، فصار أسداً حقيقيّاً بمجرّد الإشارة.
وهل يدخل تحت التفويض؟ وهل الولاية التكوينيّة ملازمة للمعصوم كأفعالنا العادية، أم تعرض
ص:57
عليه في حال معيّن؟ وما حكم من ينكر الولاية التكوينيّة؟
باسمه جلت أسماؤه: الولاية التكوينيّة عبارة عن كون أزمّة امور العالم بيد المعصومين (عليهم السلام) يتصرّفون فيها كما يشاؤون إعداماً وإيجاداً بإذن الله تعالى، وليست هي التفويض، وإن كانت ناشئة عنه; لأنّ التفويض فعله (سبحانه وتعالى)، وهي ملازمة للمعصوم (عليه السلام) دائماً; لأنّها من مقتضيات نوريّة ذاته، وحكم إنكارها هو حكم إنكار غيرها من مقامات أهل البيت (عليهم السلام).
باسمه جلت أسماؤه: قال تعالى متحدّثاً على لسان نبيّ الله عيسى (عليه السلام): أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الاَْكْمَهَ وَالاَْبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ(1) ، فإذا ثبت الولاء التكويني والعلم الغيبي من خلال هذه الآية لعيسى) عليه السلام (فثبوته لمحمّد وآله بالأوْلويّة; لما ثبت في محلّه من أفضليّتهم على جميع من سبقهم، ولايمكن أن يثبت للمفضول ما ليس للأفضل.
فقد ورد أنّ جابر بن يزيد شكى للإمام الباقر (عليه السلام) الحاجة، فقال له: يا جابِرُ، ما عِنْدنا دِرْهَمٌ، ثمّ دخل عليه الكميت، فأنشده قصيدة، فقال: يا غُلامُ، أَخْرِجْ مِنْ ذلِكَ الْبَيْتِ بَدْرَةً فَادْفَعْها إِلَى الْكُمَيْتِ، وما زال يعطيه حتّى أعطاه ثلاثين ألف درهماً.
يقول جابر: فوجدت في نفسي وقلت: قال لي ليس عندي درهم، وأمر للكميت بثلاثين ألف درهم؟!
فقال: يا جابِرُ، قُمْ فَادْخُلْ ذلِكَ الْبَيْت.
ص:58
قال: فقمت ودخلت البيت فلم أجد فيه شيئا، فخرجت إليه، فقال لي: يا جابِرُ، ما سَتَرْنا عَنْكُمْ أَكْثَر مِمّا أَظْهَرْنا لَكُمْ، ثمّ أخذ بيدي فأدخلني البيت، فضرب برجلهفإذا شبيه بعنق البعير قد خرج من ذهب، فقال: يا جابِرُ، انْظُرْ إِلى ه - ذا وَلاَ تُخْبِرَ بِهِ أَحَداً إِلاّ مِمَّنْ تَثِقُ بِهِ مِن إِخْوانِكَ، إِنَّ اللهَ قَدْ أَقْدَرَنا عَلى ما نُريدُ فَلَوْ شِئْنا أَنْ نَسوقَ الاَْرْضَ بِأَزِمَّتها لِسقْناها»،
وسؤالي: لماذا استخدم الإمام (عليه السلام) ولايته التكوينيّة مع الكميت، ولم يستخدمها مع جابر بن يزيد؟
باسمه جلت أسماؤه: لاإشكال في ثبوت الولاية التكوينيّة للمعصومين (عليهم السلام)، ولكن كان بناؤهم (عليهم السلام) في أزمنتهم على العمل بمقتضيات عالم الطبيعة، إلاّ في موارد خاصّة يرون فيها أهمّية إعمال قدراتهم التكوينيّة، وفي مثل المقام بما أنّ جابر بن يزيد الجعفي كان من حملة الأسرار والمعارف، ولم يكن الكميت بهذه المثابة في هذا الجانب; لذلك تعامل الإمام مع الأوّل معاملة العارف بأسرارهم، فأبدى له أوّلا عدم قدرته على مساعدته بحسب الوضع الطبيعي، ثمّ أبدى له قدراته التكوينيّة الخارقة، بينما لم يُظهر الإمام الباقر (عليه السلام) شيئاً من ذلك للكميت الأسدي.
لايشاركه فيها أحد من مخلوقاته، ومن خلال مطالعة ما كتبه العلماء والمفكّرون الإسلاميّون حول هذا الموضوع سوف نشاهد أنّ الولاية قد ثبتت لله وحده، ولايمكن نسبتها لأحد غيره سبحانه، ومن خلال دراسة الآيات القرآنيّة وما روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) سوف نستفيد الاُمور التالية:
1 - أنّ معنى الخلق هو الاختراع والإبداع، وهو منحصر بالله سبحانه، وليس لغيره القدرة على الاختراع; لأنّها من صفات الواجب سبحانه، وغيره ممكن.
2 - ما قيل أو يقال: من أنّ معجزات الأنبياء هي فعلهم وصنعهم، مخالف لما تقدّم
ص:59
من معنى الخلق، وهو الإيجاد والاختراع الخارج عن حدود القدرة البشريّة، وأنّ الأنبياء والأولياء (عليهم السلام) بشر محدثون وعباد مصنوعون لايخلقون ولايرزقون.
3 - انحصار الولاية التكوينيّة بالله سبحانه، لأنّ المقصود من الولاية هو التصرّف في عالم الملكوت والكون والخلق والإيجاد والإحياء، وهذا من مختصّاته سبحانه لايشاركه أحد في سلطانه وملكه. فما هو رأي سماحتكم بهذا الكلام؟
*
باسمه جلت أسماؤه: * أوّلا: هذا الكلام إنّما يتمّ لو اريد من الولاية التكوينيّة خصوص الخلق والإيجاد بمعنى الاختراع، فإنّه مختصّ بالله سبحانه وتعالى، ولكنّ الولاية التكوينيّة ليست هي هذه. وثانياً: إنّ الّذي يقول بثبوت الولاية التكوينيّة للمعصومين (عليهم السلام) إنّما يقولبأنّها منبثقة عن ولاية الله تعالى، فالله تعالى هو الذي أعطاهم القدرة على ذلك، وليس يقول بثبوتها لهم على نحو الاستقلال عن الله سبحانه، حتّى يقال بانحصار ذلك بالله تعالى.
وبعبارة اخرى: إنّ صاحب الكلام المذكور قد خلط بين الولاية التكوينيّة الاستقلاليّة والولاية التكوينيّة الإفاضيّة، فإنّ الاُولى مختصّة بالواجب بينما الثانية مختصّة بالممكن، ومَن أثبتَ الولاية التكوينيّة للمعصومين (عليهم السلام) أثبتها بالمعنى الثاني، ومَن حصر الولاية التكوينيّة بالله فقد أراد المعنى الأوّل، ولكن صاحب الكلام قد خلط بين الولايتين.
*
باسمه جلت أسماؤه: إذا كان المقصود من تواجده في المكان الواحد والوقت الواحد تواجده بالجسم المادّي، فهو ممتنع بالبرهان; لأنّ قوانين الوجود المادّي تمنع من تواجد الجسم الواحد في أكثر من مكان فى وقت واحد، وإن كان
ص:60
المقصود تواجده بالجسم المثالي أو النوري فهو أمر ممكنٌ بل واقع.
باسمه جلت أسماؤه: قال الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْوَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي(1)، والمستفاد من هذه الآية وأمثالها: أنّ كلّ مجعول شرعي قد تمّ تشريعه في حياة النبيّ) صلى الله عليه وآله (، وقد طفحت بذلك النصوص، غاية ما في الأمر أنّ بعض الأحكام قد تأخّر بيانها لبعض الموانع، وجميعها محفوظة عند الإمام) عليه السلام (في كلّ عصر، ولذلك ورد في بعض النصوص أنّه بعد ظهور بقيّة الله) أرواحنا فداه (سيبيّن جميع ما جاء به النبيّ) صلى الله عليه وآله (، ولذلك سيتخيّل بعض الناسأنّه جاء بدين جديد.
وتشريع صلاة النافلة، وصيام شعبان استحباباً، فهل هذا ثابت لأهل البيت (عليهم السلام) أيضاً؟
*
باسمه جلت أسماؤه: لم يُشرّع النبيّ (صلى الله عليه وآله) حكماً من قِبل نفسه، وإنّمااطّلع على بعض ملاكات الأحكام، فعرضَ على الله تعالى أن يجعل حكماً تشريعيّاً على طبقها، وكان الله هو المشرّع حقيقة. والنبيّ (صلى الله عليه وآله) قد بيّنَ جميع الأحكام الشرعيّة في زمانه; إذ أنّه ما من رطب ولايابس إلاّ في كتاب مبين، ومِن بعده قد أودعَ اللهُ تعالى العلم بهذه الأحكام الشرعيّة جميعها عند المعصومين (عليهم السلام)، فكانوا يظهرون منها ما يتناسب مع كلّ زمان.
ص:61
باسمه جلت أسماؤه: المشرِّع هو الله تعالى، وأمّا النبيّ الأكرم (عليه وآله أفضل الصلاة والسلام) فقد كان رسولا من قِبله تعالى للناس، أوحى إليه ما شرّعه فبلّغه إليهم، وقد تعلّم الأئمّة (عليهم السلام) منه (صلى الله عليه وآله) جميع ما شرّع من الأحكام، وبيّنوها للناس بالترتيب.
باسمه جلت أسماؤه: إن كان المراد من الاطلاق هو الاستقلال بالتصرّف دون مراجعة الله (سبحانه وتعالى) فهو ممنوع، وإن كان المراد منه تدبير الاُمور بحسب الأحوال في كلّ جوانب التشريع، وفيما تتوقّف عليه الحياة، فهو صحيح ثابت تقتضيه قيوميّتهم على الدين.
أم بالعرض بمعنى أنّه لطف خاصّ من العليّ الأعلى (جلّ شأنه) لمحمّد وآل محمّد (عليهم السلام)؟
باسمه جلت أسماؤه: لاتنافي بين الأمرين، فالولاية بشقّيها وسعتها لطف إل - هي خاصّ بمحمّد وآله (عليهم السلام)، وقد ثبت لهم باعتبارهم خلفاء الله تعالى في أرضه.
باسمه جلت أسماؤه: التفويض فعل الله (سبحانه وتعالى) ولايحيط بحقيقة فعله إلاّ هو، والذي نحيط به إنّما هو نتيجة فعله تعالى، فنتيجة تفويضه امور التكوين للمعصوم (عليه السلام) قدرته على التصرّف في الكون تصرّفاً مطلقاً بإذن الله تعالى،
ص:62
ونتيجة تفويضه امور التشريع له قيمومته على الدين وتدبيره لشؤون تبليغه وبيانه.
*
باسمه جلت أسماؤه: كفى بآية الولاية دليلا، وهي قوله (تبارك وتعالى): إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(1) ، بتقريب: أنّ النبيّ الأعظم) صلى الله عليه وآله (له ولاية تشريعيّة بلا ريب، وبما أنّ ولاية الأئمّة) عليهم السلام (هي نفس ولاية النبيّ) صلى الله عليه وآله (بنصّ هذه الآية، كانت الولاية التشريعيّة ثابتة لهم) عليهم السلام (أيضاً بالضرورة.
*
باسمه جلت أسماؤه: الولاية التشريعيّة هي: ولاية التصرّف في حدود القيمومة على التشريع، ببيان الأحكام الواقعية أحياناً والظاهريّة اخرى، وتأخير التشريع لوقته المناسب، ونحو ذلك من الشؤون.
باسمه جلت أسماؤه: صريح الأخبار الموثّقة هو ذلك، وقد دلّت الأخبار عموماً وخصوصاً على أنّ المعصوم (عليه السلام) لايغسّله ولايدفنه إلاّ المعصوم (عليه السلام)، بل في جملة منها أنّه لايدفنه إلاّ الإمام بعده ووصيه.
باسمه جلت أسماؤه: لاشبهة في أنّ أبدانهم (عليهم السلام) صعدت إلى السماء، وإنّما الاختلاف في أنّها هل اعيدت إلى الأرض، وهي باقية في الأرض كسائر
ص:63
الأبدان، مع فارق أنّ لحومهم محرّمة على الأرض أن تطعم منها شيئاً، فهي لاتتغيّر مهما طال الزمان، أم لم تُعد إلى الأرض؟ اختار الثاني الشيخ المفيد وتبعه الكراجكي، ونسبَ ذلك إلى فقهاء
الشيعة، واختاره من متأخّري المتأخّرين المحدّث البحراني في الدرّة النجفيّة. والقول الأوّل هو المشهور لاسيّما في أعصارنا، كما صرّح بذلك الفيض الكاشاني والعلاّمة المجلسي، وقد استدلّ كلّ من القائلين بأحد القولين بنصوص متعدّدة، والمختار عندي هو القول الأوّل; لصراحة النصوص المعتبرة فيه، وما استدلّ به للثاني غير صريح فيه.
باسمه جلت أسماؤه: ورد عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) في غير واحد منالنصوص:
«مَنْ صَلّى عَلَيَّ وَلَمْ يُصَلِّ عَلى آلي لَمْ يَجِدْ رِيحَ الْجَنَّةِ»(1).
كما ورد عنه من طريق العامّة مستفيضاً: «لاتصلّوا علَيَّ الصلاةَ الْبَتْراء.
قالوا: وَما الصَّلاةُ الْبَتْراءُ؟
قال: تَقولون: اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَتُمْسِكُون، بَلْ قُولوا: اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَعَلى آلِ مُحَمَّد»(2).
ص:64
باسمه جلت أسماؤه: الصلاة على محمّد وآل محمّد هي عبارة عن الطلب من الله سبحانه أن يرحم المصلّي ويقرّبه إليه بواسطة محمّد وآل محمّد - كما جاء في صحيحة صفوان عن الإمام الرضا (عليه السلام) - وهذا الدعاء والطلب إذا كانمع عدم فهم معنى الصلاة فقد يحصل من الموالي ومن المبغض ومن الشخص الذي لايكون هكذا ولاهكذا، وأمّا مع الالتفات إلى المعنى المذكور والصدق في الدعاء فإنّ الصلاة على محمّد وآله لاتصدر إلاّ ممّن اعترف بمقامهم وأحبّهم ووالاهم، فهما مترابطان معاً.
خلق السماوات والأرضين والإنس والجنّ في الخمسة المشمولين بحديث الكساء، من خلال اعتبارهم سرّ وجود سائر المخلوقات، كما جاء في الحديث المعروف بحديث الكساء؟ وأين تكمن هذه العظمة التي يتحلّى بها أهل البيت (عليهم السلام)؟
باسمه جلت أسماؤه: المقصود من الفقرة المُشار إليها في السؤال، الواردة في حديث الكساء المبارك، المرويّ عن سيّدة العالمين الزهراء (عليها السلام): أنّ المعصومين (عليهم السلام) هم العلّة الغائيّة لخلق الكائنات، باعتبارهم يجسّدون أتمّ وأجلى مصداق للإنسان الكامل الذي هو غاية الخلق، فكما أنّ الثمرة الجيّدة هي الغاية من غرس الشجرة وتعّهدها بالسقاية والرعاية، ومن عللها، كذلك المعصومون (عليهم السلام) هم ثمرة هذا العالم في قوس الصعود وغايته. ومن هذا النصّ وأمثاله نستكشف شيئاً من أسرار عظمة المعصومين (عليهم السلام) وكمالاتهم، وإلاّ فإنّنا عاجزون عن معرفة شؤونهم والإحاطة بكنههم; إذ ليس يعرفهم حقّ معرفتهمإلاّ خالقهم تبارك وتعالى.
ص:65
في مصطلح الحكماء: ما تُخرج الفاعل من القوّة إلى الفعل، ومن الإمكان إلى الوجوب، وتكون متقدّمة صورة وذهناً ومتأخّرة وجوداً وتحقّقاً، فهي السبب لخروج الفاعل عن كونه فاعلا بالقوة إلى كونه فاعلا بالفعل، فمثلا: النجّار لايقوم بصنع الكرسي إلاّ لغاية مطلوبة مترتّبة عليه، ولولا تصوّر تلك الغاية لما خرج عن كونه فاعلا بالقوّة إلى ساحة كونه فاعلا بالفعل، وعلى هذا فللعلّة الغائيّة دور في تحقّق المعلول وخروجه من الإمكان إلى الفعليّة، لأجل تحريك الفاعل نحو الفعل، وسوقه إلى العمل، وبما أنّ الغاية التي أرادها الله من خلقه الخلق هي العبادة كما قال تعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ(1)، وفي عقيدتنا نحن الشيعة - وكما يثبت التاريخ الصحيح - أنّ أئمّة أهل البيت) عليهم السلام (هم الذين عبدوا الله حقّ عبادته; لذا فنحن يمكن أن نعتبرهم هم العلّة الغائيّة، وهم وسائط الفيض الإل - هي، وبهذا التفسير فقط، لاأن نعتبرهم كما يبدو لبعض الجاهلين أنّهم هم شركاء الله في الخلق أو التدبيركما يزعمون «، فما هو رأي سماحتكم في هذا الكلام؟ *
باسمه جلت أسماؤه: أهل البيت (عليهم السلام) علّة غائيّة للخلق، ولامانعمن التعدّد في العلّة الغائيّة على نحو الطوليّة، فالعلّة الغائيّة هي العبادة، ولكنبما أنّها على وجهها لاتتحقّق إلاّ بالمعصومين (عليهم السلام)، كما تشير لذلك الزيارة الجامعة: «مَنْ أَرادَ اللهَ بَدَأَ بِكُمْ، وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ، وَمَنْ قَصَدَهُ تَوَجَّهَ بِكُمْ»، فلامانعمن اعتبارهم (عليهم السلام) علّة غائيّة أيضاً.
باسمه جلت أسماؤه: العلّة الفاعليّة هي ذات المباشر بالإرادة، وهي العلّة القريبة، ووجوده وقدرته وعلمه وإرادته لها دخل في فاعلية الفاعل - كما صرّح
ص:66
به المحقق الأصفهاني (قدس سره) - أمّا العلّة الغائيّة فهي الغرض المترتّب على الفعل، وبذلك يظهر أنّ التعبير عن أهل البيت (عليهم السلام) بالعلّة الغائيّة لاإشكال فيه; لأنّه صريح بعض الأخبار والأحاديث، كالحديث القدسي:
«لَوْلاكَ لَما خَلَقْتُ الاَْفْلاكَ، وَلَوْلا عَلِيّلَما خَلَقْتُكَ، وَلَوْلا فاطِمَةُ لَما خَلَقْتُكُما».
«إِنّي ما خَلَقْتُ سَماءً مَبْنِيَّةً، وَلاَ أَرْضاً مَدْحِيَّةً... إِلاَّ في مَحَبَّةِ ه - ؤُلاءِ الْخَمْسَةِ،... هُمْ: ف - اطِمَةُ وَأَبُوه - ا وَبَعْلُه - ا وَبَنُوه - ا» نفهم منه أنّ كلّ الخلق قد خلقوا لأجل محبّة أهل البيت (عليهم آلاف التحيّة والسلام)، والسؤال: فما هو معنى وجود المبغضين لأهل البيت (عليهم السلام) إذن؟
باسمه جلت أسماؤه: المراد من الجملة المذكورة أنّ الله تعالى لمحبّته لمحمّد وآل محمّد (عليهم السلام) قد خلق هذا الكون وما فيه، وأفاض عليه نعمة الوجود، لاأنّ المراد بها أنّه تعالى قد أوجد هذا العالم ليكون جميع الخلق محبّين للخمسة الأطهار (عليهم السلام)، فلا يبقى وجه للسؤال المذكور.
باسمه جلت أسماؤه: ورد في الزيارة الجامعة المباركة: «مَنْ أَرادَ اللهَ بَدَأَ بِكُمْ، وَمَنْ وَحَّدَهُ قَبِلَ عَنْكُمْ»، كما ورد فيها أيضاً: «وَرَضِيَكُمْ خُلَفاءَ في أَرْضِهِ،... وَأَرْكاناً لِتَوْحِيدِهِ».
ووردَ عن الإمام الرضا (عليه السلام) تعليقاً على الحديث القدسي:
«كَلِمَةُ لاَ إِل - هَ إِلاّ اللهُ حِصْني، فَمَنْ دَخَلَ حِصْني أَمِنَ مِنْ عَذابي» أنّه قال:
«بِشُروطِها، وَأَنا مِنْ شُروطِها»(1) ، والمقصود من هذه النصوص: أنّ التوحيد الكامل - الذي لاتشوبه
ص:67
شائبة شرك أصلا - هو التوحيد المستفاد من طريق أهل البيت (عليهم السلام)، كما يشهد بذلك تتبّع عقائد غير الشيعة المشوبة بشوائب التجسيم والتعطيل.
باسمه جلت أسماؤه: لامجال لتكامل المعصوم (عليه السلام) بعد الموت، لوصوله إلى أعلى مراتب الكمال في زمان الحياة، والموت لايوجب سلب شيء منه كي يكمل بعد النقص، ومع ذلك يجوز إهداء بعض الأعمال للمعصوم (عليه السلام) كقراءة القرآن والحجّ، ويرجع نفع ذلك إلى العامل لاإلى المعصوم.
باسمه جلت أسماؤه: من الضروريات الواضحة كون الأئمّة الإثنيعشر واُمّهم الصدّيقة فاطمة الزهراء كالنبيّ (صلى الله عليه وآله) في أعلى وأرقى مراتب العصمة، بما لها من المفهوم الواسع.
*
باسمه جلت أسماؤه: أفضل ما قيل في تعريف العلم اللدنّيّ أنّه: نور يظهر في القلب فينشرح، فيشاهد الغيب وينفسح، فيحتمل البلاء ويحفظ السرّ، وعلامته التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود، والتأهّب للموت قبل نزوله، ويسمّى بالعلم اللدنّيّ أخذاً من قوله تعالى: وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً (1)
ص:68
وهو أفضل العلوم وأعلاها، بل هو العلم حقيقة، وهو المقصد الأقصى من الإيجاد. ويتمّ تحصيله عن طريق تفريغ القلب للتعلّم، وتصفية الباطن بتخليته من الرذائل وتحليته بالفضائل، ومتابعة الشرع وملازمة التقوى، كما قال الله تعالى: وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ(1)
وفي النبويّ:
«لَيْسَ الْعِلْم بِكَثْرَةِ التَّعَلُّمِ، إِنَّما هُو نُورٌ يَقْذِفُهُ اللهُ تَعالى في قَلْبِ مَنْ يُريدُ اللهُ أَنْ يَهْديهِ».
وأمّا العصمة فهي: قوّة تمنع الإنسان من الوقوع في الخطأ، وتردعه عن فعل المعصية واقتراف الخطيئة، ولذلك حمل إذهاب الرجس في آية التطهير على العصمة، ويكون المراد من وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً(2) إزالة أثر الرجس بإيراد ما يقابله بعد إذهاب أصله، ومعلوم أنّ ما يقابل الاعتقاد الباطل هو الاعتقاد الحقّ، فتطهيرهم هو تجهيزهم بإدراك الحقّ في الاعتقاد والعمل، وهو العلم اللدنّيّ، وعليه فقهراً لايكون المراد بالإرادة في الآية الإرادة التشريعيّة التي هي توجيه التكاليف إلى المكلّف.
والخلاصة: فإنّ الله تعالى قد أراد استمراراً أن يخصّ أهل البيت (عليهم السلام) بإذهاب الاعتقاد الباطل وأثر العمل السيّئ، وإيراد ما يزيل أثر ذلك، وهذا هو العصمة والعلم اللدنّيّ.
باسمه جلت أسماؤه: الدليل على ذلك عقلا قاعدة قبح نقض الغرض، فإنّ الإمام المجعول إماماً من قِبل الله تعالى بغرض أن يكون هادياً - كما صرّح بذلك
ص:69
القرآن الكريم: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا(1) لو لم يكن معصوماً عن الأخطاء حتّى في حال السهو والنسيان، لنفر الناس منه وانعدمت ثقتهم به، وهذا نقض للغرض من جعله، فلابدّ من عصمته صوناً للغرض من النقض المستقبح عقلا.
باسمه جلت أسماؤه: بعد أن ثبتت عصمة الأربعة (عليهم السلام) بالآية، فذلك يعني حجّيّة أفعالهم وأقوالهم وتقريرهم، وبما أنّهم قد صرّحوا في غير واحدة من الروايات المعتبرة بأنّ عنوان (أهل البيت) في آية التطهير ينطبق عليهم وعلى بقيّة الأئمّة
الطاهرين، فيلزم الأخذ بقولهم هذا وتعميم العنوان للبقية; إذ أنّهم بحسب الفرض مطهّرون معصومون لايخطئون.
باسمه جلت أسماؤه: المعصومون الأربعة عشر (عليهم السلام) بحكم العقل معصومون عن الخطأ في التلقّي، ومعصومون عن الخطأ في التبليغ، ومعصومون عن الخطأ في الموضوعات الخارجيّة، عمداً وسهواً، وغفلةً ونسياناً.
باسمه جلت أسماؤه: العصمة نوع من العلم يكون مانعاً عن الضلال، وهو علم لانفقهه حقيقة الفقه، وقد أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ(2) ، وهذا الإنزال من سنخ العلم.
ص:70
ويظهر من آيات اخر أنّها من قبيل الوحي والتكليم، كما ويظهر من الآية السابقة أنّ ما انزل على النبيّ (صلى الله عليه وآله) نوعان من العلم: أحدهما التعليم بالوحي ونزول الروح الأمين، وثانيهما التعليم بنوع من الإلهام الإل - هي الخفي من غير إنزال المَلك، وإلى هذا المعنى يرجع ما في الروايات من أنّه علم يأتي به الله تعالى، ولاتكفي فيه الأسباب العادية.
* باسمه جلت أسماؤه: أوصياء الأنبياء (عليهم السلام) إمّا أنبياء أو أوصياء، وما دلّ على عصمة الأنبياء دلّ على عصمة أوصيائهم.
باسمه جلت أسماؤه: المستفاد من الأخبار المستفيضة أنّ نسبة العصمة للمعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) واحدة لاتفاوت فيها من معصوم لآخر.
باسمه جلت أسماؤه: عصمة المعصوم (عليه السلام) على أربعة أقسام:
1 - العصمة عن الخطأ في تلقّي الوحي.
2 - العصمة عن الخطأ في التبليغ.
3 - العصمة عن المعصية.
4 - العصمة عن الخطأ في التصرّفات والموضوعات الخارجيّة.
والمراد من العصمة: وجود أمر في المعصوم يصونه عن الوقوع فيما لايجوز
ص:71
من الخطأ أو المعصية، ودليل ثبوت العصمة بجميع أقسامها للأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) - مضافاً لما يُستظهر من الآيات والروايات - هو حكم العقل القطعي المنبثقمن قاعدة قبح نقض الغرض، وقد أوضحنا المقصود منها في بعض الأجوبة السابقة، فراجع.
وفي اعتقادنا أنّ عصمة هؤلاء الأربعة عشر (عليهم السلام) لم ولن ينالها أحد من الخلق، ولكنّنا أصبحنا الآن نسمع بعض الآراء العقيديّة التي تقول بعصمة أبي الفضل العبّاس وعليّ الأكبر والسيّدة زينب الكبرى وفاطمة بنت الإمام الكاظم (عليهم السلام)، فهل هناك تقارب أو تداخل بين عصمة الأربعة عشر معصوماً، وعصمة أبي الفضل العبّاس وعليّ الأكبر والسيّدة زينب الكبرى وفاطمة بنت الإمام الكاظم (عليهم السلام)؟
باسمه جلت أسماؤه: الصحيح أنّ العصمة الكبرى قد اختصّ الله بها تعالى المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام)، ومَن يدّعي العصمة لغيرهم - كالسيّدة زينب (عليها السلام) - فليس مراده العصمة الثابتة لجدّها وأبيها واُمّها وأخويها، بل مراده نحو آخر من العصمة يعبّرون عنه في بعض كلماتهم بالعصمة الصغرى.
* باسمه جلت أسماؤه: طفحت الأخبار بأنّ الإمام (عليه السلام) لايفعل شيئاً إلاّ بأمر الله تعالى وعهد منه لايتجاوزه، وأنّ الأئمّة (عليهم السلام) يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنّهم (عليهم السلام) لايخفى عليهم شيء.
ص:72
فإذا كان الجواب نعم، فما هي ميزة المعصوم عن غير المعصوم في مواجهة الصعاب أو الأمراض ما دام يعلم عدم موته فيها، كما في مبيت أمير المؤمنين (عليه السلام) في فراش النبيّ (صلى الله عليه وآله)؟ وهل علم الإمام بما يكون - كما جاء في كثير من الروايات - علم بكافّة الأحداث؟
باسمه جلت أسماؤه: فضيلة المعصوم (عليه السلام) تكمن في يقينه، فإنّ غيره لو أخبره النبيّ (صلى الله عليه وآله) - مثلا - بأنّه لن يموت إلاّ بعد يوم المبيت، ثمّ طلب منه أن يبيت على فراشه ليقيه من سيوف المشركين، فإنّه سيولّي فراراً عند رؤية بريق السيوف من حوله، حتّى ولو أخبره النبيّ (صلى الله عليه وآله) بأنّه لن يموت في تلك الواقعة، وهذا ما يُبرز فضيلة أمير المؤمنين والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) على غيرهم، فإنّهم وإن كانوا عالمين بمصيرهم ووقته، إلاّ أنّيقينهم لم يكن يفارق علمهم، بل كان عملهم مطابقاً لعلمهم.
من نكت ونقر وسماع للصوت ونحو ذلك، وادّعى صاحبي أنّ كلّ تلك العلوم ليس فيها شيء من الأحكام الدينيّة، بل هي مجرّد علوم كونيّة، كالعلم بوقت قيام بعض الدول وسقوط بعضها الآخر، وما يقع في المستقبل من الحوادث، ونحو ذلك، فهل هذه الدعوى صحيحة؟
* باسمه جلت أسماؤه: الدعوى المذكورة عارية عن الدليل، والصحيحأنّ خلافها هو مقتضى إطلاق الأدلّة.
باسمه جلت أسماؤه: لامانع أن يقدم المعصوم (عليه السلام) على ما فيه سببموته مع علمه بذلك، ولايكون منتحراً; لأنّه يمتثل أمر الله تعالى له بذلك - باعتبار أنّ في شهادته مصلحة دين الله - وحينئذ يكون إقدامه على ما فيه سبب موته واجباً
ص:73
- كالجهاد - وليس حراماً، فلا يكون إقدامه عليه تهلكة وانتحاراً.
أم أنّ ما يعلمه من تعليم الرسول (صلى الله عليه وآله)؟ وهل هذا يناقض الآية التي تحدّد أنّ علم الغيب يعطيه الله (سبحانه) لمن ارتضى من رسول، وليس أي إنسان آخر؟
باسمه جلت أسماؤه: قد تواترت الأخبار على أن الأئمّة (عليهم السلام) يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنّه لايخفى عليهم الشيء، وأنّ الله تعالى لم يُعلِّم النبيّ (صلى الله عليه وآله) علماً إلاّ أمره أن يعلّمه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبذلك يظهر أنّ علوم الأئمّة (عليهم السلام) لها منابع مختلفة وأسباب متعدّدة.
باسمه جلت أسماؤه: في الاُمور العادية الدنيويّة يكون عمله على ما هو الظاهر ولايعمل بالغيب، وقد صرّح بذلك النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) في القضاوة بين الناس، حيث قال:
«إِنَّما أَقْضي بَيْنَكُمْ بِالْبَيِّناتِ»، ولايُستثنى من ذلك إلاّ صاحب العصر والزمان.
فما هو سبب هذا التفاوت بين المعصومين، وما هو سلّم التفاوت بين المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) مع الأدلّة؟ وما هو موقع فاطمة الزهراء (عليها السلام) بينهم؟ وهل الأئمّة جميعهم مع فاطمة الزهراء (عليها السلام) أفضل من جميع الأنبياء (عليهم السلام)؟
*
باسمه جلت أسماؤه: ممّا لاريب فيه أنّ المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين والملائكة على الاطلاق، وأمّا التفاضل بين
ص:74
المعصومين (عليهم السلام) فهو أمر لاسبيل للقطع فيه إلاّ بالنسبة لرسول الله وأمير المؤمنين (عليهما السلام) فقط، وأمّا بالنسبة للبقيّة فالأوْلى عدم إقحام النفس في ذلك; لعدم وضوح المسألة بمقدار ما لدينا من الأدلّة.
فأجاب: لاداعي للخوض في ذلك، ولم نكلّف به، ولامستند واضح لإثباته، فهل هذا الكلام صحيح؟
باسمه جلت أسماؤه: أفضليّة الإمام عليّ (عليه السلام) على جميع الأنبياء والرسل السابقين (عليهم السلام) من الضروريّات، ومن توقّف في ذلك إمّا لم يُتعب نفسه في مراجعة الروايات والأخبار، وإمّا لديه مشكلة اخرى لاداعي للإفصاح عنها.
وإذا كان كذلك فهل كان لهذه العوالم والاُمم أئمّة مثل أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)؟
وفي حالة وجود أئمّة لهم فهل الأفضل أئمّتنا أم أئمّتهم؟
باسمه جلت أسماؤه: المستفاد من الأخبار وجود بشر قبل آدم (عليه السلام) فقهراً كان لهم نبيّ وأئمّة بمقتضى قاعدة اللطف، وإن كنّا لانحيط بهم علماً، ولكنّ الأمر المسلّم الذي لاريب فيه ولاشبهة تعتريه أنّ نبيّنا (صلى الله عليه وآله) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) هم أفضل الخليقة من أوّلها إلى آخرها.
ص:75
باسمه جلت أسماؤه: في الهداية للشيخ الصدوق (قدس سره): «يجب أن يعتقدأنّ سادة الأنبياء خمسة، وهم أصحاب الشرائع، وأنّ محمّداً سيّدهم وأفضلهم».
ونفس المضمون جاء في بحار الأنوار(1) ، والاعتقادات(2) ، والفقيه(3) ، والأمالي(4)، ومثله في العلل(5) ، وكمال الدين(6)، وغيرها أيضاً.
وفي الهداية: «ويجب أن يعتقد أنّ الله تعالى لم يخلق خلقاً أفضل من محمّد، ومن بعده الأئمّة (صلوات الله عليهم)، وأنّهم أحبّ الخلق إلى الله (عزّ وجلّ) وأكرمهم عليه، وأوّلهم إقراراً به، وأنّ الله بعث نبيّه (صلى الله عليه وآله) إلى الأنبياء (عليهم السلام) في الذرّ، ويعتقد أنّ الله تعالى خلق جميع ما خلق له ولأهل بيته، وأنّه لولاهم ما خلق الله السماء والأرض، ولاالجنة ولاالنار، ولاآدم ولاحوّاء، ولاالملائكة، ولاشيئاً ممّا خلق».
وقد استفاضت النصوص الدالّة على ما أفاده (قدس سره)، فلاحظ بحار الأنوار(7) ، الاعتقادات(8)، ومثله العلل(9)، والعيون(10) ، وكمال الدين(11) باختلاف بسير،
ص:76
و كفاية الأثر(1) ، و المسائل السرويّة، وغير تلكم من الكتب المعتبرة.
وأمّا صلاة سيّدنا عيسى (عليه السلام) خلف المهدي (عج) (أرواحنا فداه): ففي الهداية(2) للشيخ الصدوق (قدس سره): «ويجب... أن يعتقد أنّ حجّة الله في أرضه، وخليفته على عباده في زماننا هذا هو القائم المنتظر ابن الحسن بن عليّ... - إلى أن يقول -: وأنّه هو المهدي (عج) الذي أخبر النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه أذا خرج نزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فصلّى خلفه... الخ».
وقد تواترت النصوص الدالّة عليه من الشيعة والسنّة، فمن مصادر الشيعة: جاء في كتاب الغيبة للنعماني(3) ، عن سُليم بن قيس، عن شيخ من نسل حواري عيسى بن مريم، وكذا في الاعتقادات(4) ، و كمال الدين(5) ، وكذا أيضاً في كتاب الغيبة للطوسي، و كفاية الأثر، وغيرها.
وأمّا من مصادر العامّة: فقد جاء في كتاب البيان في أخبار صاحب الزمان للگنجي الشافعي(6) ، و الفصول المهمّة لابن الصباغ المالكي(7) ، و العرف الوردي في أخبار المهدي (عج) (عج)(8) ، و مسند ابن حنبل(9) ، و البرهان في علامات
ص:77
مهدي آخر الزمان، و شرح سنن ابن ماجة، وغير تلكم من كتب العامّة ومصادرهم.
*
باسمه جلت أسماؤه: نعم ما أفاده الشيخ المفيد (قدس سره) هو ما تقتضيه البراهين العقليّة والأدلّة النقليّة.
باسمه جلت أسماؤه: كون الأئمّة (عليهم السلام) أفضل من الأنبياء جميعاً بما فيهم اولو العزم، ممّا لاإشكال فيه ولاكلام، والنصوص المتواترة دالّة على ذلك.
على جميع الخلق، بما فيهم الأنبياء والرسل، عدا رسول الله الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) الّذي هو أصل الشجرة الطيّبة أهل البيت (عليهم السلام)، وأستدلّ على ذلك بحديث الكساء الشريف، ولكنّني اريد أدلّة من القرآن الحكيم تدلّ على أفضليّة مقام الإمامة على النبوّة والرسالة، عدا نبوّة ورسالة نبيّ الله الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله)، وتدلّ على أفضليّة أئمّة أهل البيت على سائر الأنبياء والرسل والأئمّة، مخصوصاً على نبيّ الله ابراهيم (عليه السلام)؟
*
باسمه جلت أسماؤه: أمّا دليل أفضليّة الإمامة على النبوّة، فقوله تبارك وتعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(1) الدالّ على أنّ الإمامة خصّ الله) عزّ وجل (بها إبراهيم الخليل) عليه السلام (بعد النبوّة، ولا مبرّر لإعطائه الإمامة بعد النبوّة إلاّ كون الإمامة أفضل مقاماً من النبوّة والرسالة، وبثبوت هذه الإمامة لذرّيّته
ص:78
الطاهرين - وهم المعصومون (عليهم السلام) - تثبت الأفضليّة لهم على غيرهم من الأنبياء (عليهم السلام). وأمّا أفضليّتهم (عليهم السلام) على نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام): فللروايات الكثيرة المستفيضة الدالّة على أفضليّتهم (عليه السلام) بالمطابقة أو الالتزام، ومنها ما ورد عن النبيّ (صلى الله عليه وآله):
«يا عَليُّ، إِنَّ اللهَ تَبارَكَ وَتَعالى فَضَّلَ أَنْبِياءَهُ الْمُرْسَلينَ عَلى مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبينَ، وَفَضَّلني عَليجَميعِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلينَ، وَالْفَضْلُ بَعْدي لَكَ - يا عَليُّ - وَلِلاَْئِمَّةِ مِنْ بَعْدِكَ، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَخُدامنا».
باسمه جلت أسماؤه: غايةُ ما دلّ عليه الدليل العقلي هو لزوم خلوّ المعصوم (عليه السلام) عن المنفّرات الجسديّة وغيرها، وأمّا لزوم كونه أجمل البشر في سيمائه وقسماته: فهو وإن لم يقتضه البرهان العقلي، ولكنّ الأدلّة النقليّة لاتخلو عن الإشارة إلى أنّ أهل البيت (عليهم السلام) كان لهم من الهيبة والبهاء والسيماء ما ليس لغيرهم من جميع الخلق.
كان يلعبون في صغرهم، كما نُقلَ ذلك بالنسبة للحسن والحسين (عليهما السلام) أنّهما كانا يلعبان على ظهر النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فهل يتنافي ذلك مع العصمة؟
باسمه جلت أسماؤه: الروايات المُشار إليها محلّ إشكال عندنا دلالةً وسنداً، فإنّ المعصوم (عليه السلام) أجلُّ قدراً وأعظم شأناً من صدور ما ينافي علمه وكمال قوّته العاقلة حتّى ولو كان صغيراً; إذ أنّه لايختلف حال صغره عن حال كبره في
ص:79
كمالاته الوجوديّة وصفاته الجماليّة والجلاليّة.
باسمه جلت أسماؤه: يظهر من بعض الأخبار ذلك، فمثلا وردَ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال لرجل من اليمن: ما زَحُل عِنْدَكُمْ في النُّجومِ؟
قال اليماني: نجم نحس.
فقال (عليه السلام):
لاَ تَقُولَنَّ ه - ذا، فَإِنَّهُ نَجْمُ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ (عليه السلام)، وَهُوَ نَجْمُ الاَْوْصياءِ، ولكن لم يتّضح لنا وجه العلاقة بين مثل هذا الكوكب وبين المعصومين (عليهم السلام).
«إِذا دَعَوْتُ فَأَمِّنوا»، وقد علّل ذلك بعضُ العلماء بقوله: «ومعنى هذا أنّ دعائي - بصفتي خاتم النبيّين - مقتضي، لكن شرط فعليّة اقتضاء المقتضي أنفاس فاطمة الزهراء، فلا بدّ أن ينضمّ تأمينها إلى دعائي، هكذا قرّر الوحي، وهكذا قرّرت السنّة هنا: أنّ دعاء الزهراء شرط لدعاء النبيّ (صلى الله عليه وآله)، والمقتضي محال أن يؤثّر بدون شرطه، ففي هذا المقام مقام مباهلة النبيّ (صلى الله عليه وآله) مع النصارى لابدّ مع رفعه يديه نحو السماء أن ترتفع معه أيدي أربعة آخرين حتّى يستجاب الدعاء ويتحقّق المطلوب»، فما هو رأيكم في كلامه؟ *
باسمه جلت أسماؤه: يُحتمل ذلك ولكنّه لايمكن الجزم به، لاحتمال أن يكون ما فعله النبيّ (صلى الله عليه وآله) إنّما هو لأجل التأكيد على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه; إذ أنّ تعريضه لأعزّته وفلذّات كبده وأحبّ الناس إليه للمباهلة، وعدم اقتصاره على
ص:80
تعريض نفسه لذلك، لهو تأكيد بالغ على ثقته بصدقه وكذب خصمه، حتّى يهلك خصمه مع أحبّته وأعزّته هلاك الاستئصال إن تمّت المباهلة.
إلى الحياة الدنيا، من حيث أنّنا نقرأ في القرآن الكريم في سورة البقرة أنّ الله يأمر بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة، وبيّن لهم أوصافها، وكذلك نقرأ في سورة اخرى أنّ الله سبحانه وتعالى يخاطب النبيّ إبراهيم (عليه السلام):
ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً (1) ؟ أم أنّ هناك أحداً من أصحاب الإمام المهدي) عج (يتولّى إرجاعهم إلى الحياة؟ وكما نفهم من الروايات عن أهل البيت) عليهم السلام (أنّ الإمام الحسين) عليه السلام (هو أوّل من يرجع إلى الحياة ويتولّى تجهيز الإمام المهدي) عج (والصلاة عليه، فهل انّ رجعة العبّاس) عليه السلام (تكون قبل الإمام الحسين أم بعده؟
باسمه جلت أسماؤه: إنّ الله تعالى هو الذي يتولّى إرجاع المعصومينفي زمن دولة الإمام المهدي (عج)، وأمّا كيفيّة إرجاعهم فلا يعلم بها إلاّ الله تعالى.
رؤية بعضهم للنبي أو الزهراء أو أحد الأئمّة (عليهم السلام) في المنام، وإخبارهم إيّاه بفعل أمر وترك آخر، أو إخباره بدعاء يدعو به أو نصيحة وما شابه ذلك، فهل تعتبر الرؤية دليلا شرعيّاً يمكن أن نأخذ منه أحكام ديننا أو الأدعية ونحوه؟
باسمه جلت أسماؤه: الرؤية لاتعتبر دليلا شرعيّاً، ولكن تطبيق الإنسان
ص:81
لما يؤمر به في عالم الرؤيا حسن بلا ريب.
باسمه جلت أسماؤه: لايكون ذلك; لما ورد عنهم (عليهم السلام): «مَنْ رآنا فَقَدْ رآنا، فَإِنَّ الشَّيْطانَ لاَ يَتَمَثَّلُ بِنا».
باسمه جلت أسماؤه: وردَ عن أمير المؤمنين (عليه السلام):
«نَحْنُ الاَْسْماءُ الَّتي إِذا سُئِلَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بِها أَجابَ».
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «نَحْنُ الاَْسْماءُ الَّتي لاَ يَقْبَلُ اللهُ عَمَلا مِنَ الْعِبادِ إِلاّ بِمَعْرِفَتِنا».
وبالجملة: فإنّ المضمون المذكور ممّااستفاضَ نقله في روايات أهل العصمة (عليهم السلام).
باسمه جلت أسماؤه: بعض امّهات الأئمّة (صلوات الله عليهم) تعدّدت أسماؤهن، من جهة كونهن إماءً قبل اقترانهنّ بالأئمّة الطاهرين (عليهم السلام) ومن المعتاد تعدّد أسماء الأمة بسبب تعدّد مالكيها.
والمستفاد من روايات المعصومين (عليهم السلام) جلالة شأن امّهاتهم، ولعلّ الرواية الواردة عن الإمام الهادي (عليه السلام) توضّح بعض خصائصهنّ المشتركة، حيث جاء عنه:
«اُمّي عارِفَةٌ بِحَقّي، وَهِي مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، لاَ يَقْرُبها شَيْطانٌ مارِدٌ، وَلاَ يَنالُها كَيْدُ جَبّار
ص:82
عَنيد، وَهي مَكْلُؤَةٌ بِعَيْنِ اللهِ الَّتي لاَ تَنامُ، وَلاَتَخْتَلِفُ عَنْ امَّهاتِ الصِّدّيقينَ وَالصّالِحينَ»، فإنّ ذيل هذه الرواية مشعر باشتراك والدته الطاهرة مع امّهات الأئمّة في الخصال المذكورة.
ص:83
ص:84
ص:85
ص:86
باسمه جلت أسماؤه: صفاته (صلى الله عليه وآله) في القرآن لايسعها هذا المختصر، ويكفيك منها قوله سبحانه وتعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُق عَظِيم(1) ، وقد سمّيَ) محمّداً (لأنّه جمع المحامد كلّها; إذ ليس في أفعاله وأقواله ووجوده المباركإلاّ ما يُحمد ويُمدح، ولاطريق لذمّه في شيء من ذلك مطلقاً.
وغيرها من مشتقّات كلمة الرؤية، وهناك من يقول إنّ الله سبحانه وتعالى قد أرى الرسول (صلى الله عليه وآله) رؤية واقعيّة كلّ شيء منذ الخليقة إلى ما بعد قيام الساعة من جنّة ونار إلى ما شاء الله، ولذلك قال تعالى في آية اُخرى: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ(2) ، فما هو رأي سماحتكم؟
باسمه جلت أسماؤه: الذي نعلمه إجمالا وندينُ الله تعالى به: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كانَ يعلم بما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وأمّا كيفيّة علمه (صلى الله عليه وآله) تفصيلا،
فمّما لاسبيل إلى القطع به.
ص:87
الإنسانيّة الكاملة بعد التسوية، ونفخ الروح فيه فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي
فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (1) ، وهذا مقام أشرف وأعظم مخلوقات الله، أعني محمّداً) صلى الله عليه وآله.
وعلى ذلك كيف نوفّق بين سجود الملائكة لرسول الله الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) وبين سجودهم لآدم (على نبيّنا وآله وعليه السلام)؟
باسمه جلت أسماؤه: المقالة المذكورة مأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام) في عدّة روايات، ومنها: ما ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) بسنده عن جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أنّ آدم لمّا رأى النور ساطعاً من صلبه - إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره - رأى النور ولم يتبيّن الأشباح، فقال: يا ربّ ما هذه الأنوار؟
فقال الله عزّ وجلّ: أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك، ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك; إذ كنت وعاءاً لتلك الأشباح».
بقوله تعالى: قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ(2). بتقريب: أنّ هذه الآية تدلّ على أنّ محمّداً) صلى الله عليه وآله (أوّل الكلّ وجوداً، وإن كان خاتم الرسل زماناً، وأنا لقلّة علمي لم أستطع فهم مراده الشريف واستدلاله اللطيف، فالتجأت إليكم لتبيّنوا استدلاله بنحو من التفصيل؟
باسمه جلت أسماؤه: جاء في الخبر عن الإمام الباقر (عليه السلام): «فنحن أوّل خلق الله، وأوّل خلق عبد الله وسبّحه، ونحن سبب خلق الخلق، وسبب تسبيحهم وعبادتهم، فبنا عرف الله، وبنا وٌحّد الله، وبنا عبد الله، ثمّ تلا (عليه السلام) قوله تعالى: قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ، فرسول الله أوّل من عبد الله تعالى، وأوّل من أنكر أن يكون له ولد أو شريك».
ص:88
ويمكن تقريب الملازمة بين عدم وجود الولد لله تعالى وبين كون وجود النبيّ (صلى الله عليه وآله) هو أوّل الوجودات، بأن يقال: إنّ الولد لو كان - وهو محال لم يكن - لكان وجوده أزليّاً، وبما أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول: «إنّه لو كان لكنت أوّل عابد له» - أي مطيع، كما في رواية إسحاق بن عمّار - فهذا يعني أنّه (صلى الله عليه وآله) أوّل الوجودات، وإلاّ لم يصدق عليه أنّه أوّل المطيعين.
باسمه جلت أسماؤه: الاصطلاحات والعناوين المذكورة كلّها يراد بها معنى واحد، ومعنون فارد، وهو الوجود النوري للنبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، وإنّما اختلفت العناوين بحسب اختلاف اللحاظ، فإنّه إن لوحظ بما هو مضاف للنبيّ عُبّر عنه بالحقيقة المحمّديّة، وإن
لوحظ بما هو مضاف للأمير (عليه السلام) عبّر عنه بالحقيقة العلويّة، وإن لوحظ بما هو خير محض، والخير المحض مرغوب فيه ذاتاً، صحّ التعبير عنه بالمشيئة الفعليّة، وإن لوحظ هذا الوجود الشريفبما هو العلّة التي لولاها لم يشرق نور الوجود على الممكنات، صحّ التعبير عنه بالوجود المنسبط.
خلقة نوريّة، وخلقته في هذا العالم خلقة بشريّة؟ وهل لقوله تعالى وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَا يَلْبِسُونَ(1) ربط بجواب سؤالي؟
باسمه جلت أسماؤه: في الخبر عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «فلمّا أراد أن يخلق محمّداً منه، قسّم ذلك النور شطرين، فخلق من الشطر الأوّل محمّداً، ومن الشطر الآخر عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام)، ولم يخلق من ذلك النور غيرهما.. لايقوم
ص:89
واحدٌ بغير صاحبه، ظاهرهما بشريّة وباطنهما لاهوتيّة، ظهرا للخلق على هياكل الناسوتيّة حتّى يطيقوا رؤيتهما، وهو قوله تعالى: وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَا يَلْبِسُونَ».
والمستفاد من هذا الخبر الشريف: أنّ ما ظهر به النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) في هذا العالم ليس هو نفس وجوده النوري، لأنّه سنخ وجود لايتناسب مع سنخ وجود هذه النشأة، والتعبير عن وجوده النوري بالحقيقة المحمّديّة، وعن وجوده الدنيوي بالوجود المحمّدي، مجرّد اصطلاح لم يرد في لسان شيء من النصوص الشرعيّة.
وإذا كانت السيّدة عائشة بهذة الدرجة من السوء في الخُلُق فلماذا يكرمها الرسول ويتزوّجها؟
باسمه جلت أسماؤه: النبيّ (صلى الله عليه وآله) في الاُمور العادية الطبيعيّة لايعمل طبقاً لعلم الغيب عنده، بل هو مكلّف بالعمل طبقاً للعلم العادي الظاهري، كما أنّ زواجه (صلى الله عليه وآله) ببعض نسائه كان خاضعاً لبعض الحِكَم والمصالح التي ظهرَ لنا بعضها وخفيَ علينا البعضُ الآخر منها.
وهل قال شيئاً فيهما مع أنّهما من المبشّرين العشرة بالجنّة؟
باسمه جلت أسماؤه: لم يكن النبيّ (صلى الله عليه وآله) مأموراً بالعمل طبقاً لعلمه النبويّ الغيبي، بل هو مأمور بالعمل حسب الموازين الطبيعيّة الظاهريّة، وكذلك الأئمّة المعصومون (عليهم السلام)، وأمّا حديث
العشرة المبشّرة فهو محكوم بالضعف دلالةً وسنداً، وقد أوضح ذلك العلاّمةُ الأميني (قدس سره) في كتابه الرائع الغدير بما لامزيد عليه، فراجع المجلّد العاشر منه.
باسمه جلت أسماؤه: يكفي لتفضيل النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) على سائر
ص:90
الأنبياء (عليهم السلام) كونه العلّة الغائيّة لوجودهم، ولاريب في أفضليّة العلّة وتقدّمهارتبة على المعلول.
باسمه جلت أسماؤه: لايمكن القول بكون العابس هو النبيّ (صلى الله عليه وآله) وذلك لاُمور:
الأمر الأوّل: إنّ مخاطبة الله تعالى للعابس بقوله: عبَسَ(1) عدولٌ من صيغة المخاطب) عبستَ (إلى صيغة الغائب، وهذا في مثل المقام لايكون إلاّ لتحقير المخاطب - كما هو محرّر في علم البلاغة - فهل يُتصوّر ذلك في حقّ رسول الله الأعظم) صلى الله عليه وآله (؟!
الأمر الثاني: إنّ كلّ واحدة من آيات القرآن الكريم تدلّ على الآية الاُخرى، وبما أنّ واحدة من آيات القرآن هي قوله تعالى: فَبِمَا رَحْمَة مِنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّوا مِن حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ(2) ، فإنّها تدلّ بوضوح على أنّ المقصود من العابس في آية عَبَسَليس هو النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) لتنافي ذلك مع الآية المتقدّمة التي تدلّ على أنّ خُلق النبيّ (صلى الله عليه وآله) يحول دون تحقّق العبوسة منه.
الأمر الثالث: إنّ لدينا عدّة من الروايات الشريفة التي تدلّ على أنّ العابس رجلٌ من بني اميّة، منها: ما عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «نزلت في رجل من بني اميّة، كان عند النبيّ (صلى الله عليه وآله) فجاءه ابن امّ مكتوم، فلمّا رآه تقذّر منه، وعبسَ، وجمع نفسه، وأعرض بوجهه عنه، فحكى الله سبحانه ذلك، وأنكره عليه».
ص:91
محمّداً (صلى الله عليه وآله) قد جمع بين الاثنين؟ وهل صحيح أنّ مَن يجمع بين المقامين يكون أفضل من غيره؟
باسمه جلت أسماؤه: جمعُ النبيّ (صلى الله عليه وآله) بين المقامين من الواضحات التي لاشكّ فيها; فإنّه لكونه أشرفَ الخلق وسيّد الرسل قد جمعَ كلّ مقامات الأنبياء (عليهم السلام) وزاد عليهم; إذ آتاه الله تعالى وآتى أوصياءه الطاهرين (عليهم السلام) - كما في الزيارة الجامعة - «ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ».
كانوا على الديانة المسيحيّة، بينما يقول أكثر الباحثين أنّهم كانوا على ديانة إبراهيم الخليل (عليه السلام)؟
باسمه جلت أسماؤه: مَن كان من أجداده (صلى الله عليه وآله) قبل المسيح (عليه السلام) فهو على دين مَن قبله، ومَن كان منهم بعد المسيح (عليه السلام) فهو على دينه; لبداهة لزوم الإيمان بكلّ نبيّ بعد إرساله، فكما لايسمح لأحد بعد أن أرسل الله تعالى محمّداً (صلى الله عليه وآله) أن يبقى على دين مَن قبله من الأنبياء (عليهم السلام)، كذلك كلّ مَن كان على دين نبيّ فبعث غيره كان عليه الإيمان باللاحق دون السابق، وأمّا ما دلّ على أنّهم كانوا على الحنيفيّة حتّى في حقّه (صلى الله عليه وآله) فالمراد منها بعض التعاليم التي وردت في شريعة إبراهيم (عليه السلام) ولم تنسخ في غيرها من الشرائع، وهي مبيّنة في بعض الروايات.
باسمه جلت أسماؤه: لم يكنّ في أنفسهنّ معصومات عن ذلك، ولكنّ كرامة النبيّ (صلى الله عليه وآله) تقتضيه، فإنّه أجلُّ عند الله تعالى مِن أن تقترن به امرأةٌ لاتتورّع عن ارتكاب الفواحش.
باسمه جلت أسماؤه: معنى إرساله (صلى الله عليه وآله) رحمةً للعالمين أنّه مقتض
ص:92
للرحمة، فإنّ الرحمة لها شرائط وموانع، والكافر لوجود المانع - وهو الكفر - لاتشمله الرحمة، وإلاّ فإنّه لو أزالَ هذا المانع من وجوده لكان من المشمولين لرحمة النبيّ (صلى الله عليه وآله) بلا ريب.
ويمكن تقريب الفكرة من خلال اقتضاء النار للإحراق، فإنّها مع رطوبة الجسم القابل للاحتراق لايمكن أن تحرق، وليس هذا لنقص المقتضي - وهو النار - وإنّما هو بسبب وجود المانع، أي الرطوبة.
وإذا كان يعلم فما هي خواصّ ذلك الغيب، وما فرقه عن الغيب الذي يعلمه الله؟ وما تفسير الآية الكريمة: وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ(1) ؟ وماذا عن باقي الأئمّة) عليهم السلام (، هل لهم ذلك أيضاً؟ وما فرقهم عن الرسول) صلى الله عليه وآله (؟
باسمه جلت أسماؤه: الآيات المتعدّدة تدلّ على اختصاص علم الغيب بالله تعالى، وهو العلم بكلّ غيب، وإليه أشار صدر المتألّهين حيث يقول: «إنّ الله تعالى قد كان عالماً علماً تفصيليّاً في مرتبة الذات قبل الفعل والإيجاد بجميع الحقائق كلّيّها وجزئيها»، فالله تعالى هو العالم بذاته علماً حضوريّاً بجميع الأشياء، وكلّ ما سواه يكون علمه بغيره علماً حصوليّاً زائداً على ذاته، فلاعلم له إلاّ ما يكون بإذن الله تعالى ورضاه، وقد استثنى من ذلك إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُول(2) ، وهذا يعني أنّ الله تعالى يظهر لرسله ما يشاء من الغيب المختصّ به.
والخلاصة: فإنّ ضمّ الآيات لبعضها البعض يدلّ على أنّ جميع ما يعلمه تعالى من الغيب لايُظهر الرسل على جميعه، كما يدلّ على أنّ الله تعالى يعلم الغيب لذاته، وغيره يعلمه بتعليم منه تعالى.
ص:93
وأمّا قوله تعالى: وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ، فقد جاء بعد قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا، وهذا يصلح أن يكون شاهداً على أنّ الآية محلّ السؤال يُراد بها نفي العلم بغيب الساعة، ولاأقل من إجمالها، وعلى فرض إرادة مطلق الغيب منها فليس يُراد بها إلاّ نفي العلم الذاتي بالغيب، وهذا لاينافي ثبوت العلم بالغيب بتعليم الله تعالى.
وأمّا باقي الأئمّة (عليهم السلام) فقد تواترت الأخبار على أنّ كلّ ما يعلمه النبيّ (صلى الله عليه وآله) يعلمه الأئمّة (عليهم السلام)، فكما أنّ علم النبيّ (صلى الله عليه وآله) بتعليم من الله تعالى، فكذلك يكون علم الأئمّة (عليهم السلام).
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِوَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً(1)، وهناك سؤالان مرتبطان بهذه الآية المباركة:
1 - إذا كان زيد ابناً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بالتبنّي، فالواحد من عامّة الناس لايشتهي امرأة ضيفه، فضلا عن زوجة ابنه، فكيف يُتصوّر ذلك في حقّ رسول الله الأكرم (صلى الله عليه وآله)؟!
باسمه جلت أسماؤه: لم يشته رسول الله (صلى الله عليه وآله) زوجة زيد; ليرد هذا السؤال، بل أنّ الله تعالى كان قد أخبر نبيّه بأسماء أزواجه في الدنيا وكانت زينب زوجة زيد منهنّ، وأنّه سيتزوّجها فيما لو طلّقها زيد، فأخفى النبيّ ما عرّفه الله من ذلك، وفي نفس الوقت قدّم النصيحة لزيد عندما جاءه وأخبره برغبته في طلاق زينب، فكان زيد مصرّاً على الطلاق لتتمّ إرادة الله تعالى.
2 - هل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي لايخشى في الله لومة لائم هو نفسه الذي يخشى الناس
ص:94
أكثر من خشية الله; ليأتي كلام الله مقرعاً له ومؤنّباً؟
باسمه جلت أسماؤه: لاشكّ أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لايخشى في الله لومة لائم، وليست خشيته من الناس تقاس بخشيته من الله تعالى، فخشيته من الله لاتدانيها خشية اخرى، وعليه فلايصحّ أن يقال إنّه يخشى الناس أكثر من خشية الله، وما خشيته من الناس إلاّ في إطار كفِّ أذاهم من خلال الاحتفاظ لنفسه بالأسرار المرتبطة بما سيؤول إليه أمر زينب من صيرورتها زوجة له; لذا فعندما أمره الله تعالى بإشهار هذا السرّ ليبطل به أحكام الجاهليّة بادر إلى إعلانه وتنفيذه دون أن يلتفتإلى كلّ ما يقال.
باسمه جلت أسماؤه: قد ورد في الحديث النبويّ: «إنّ من الشعر لحكمة»، وقد صحّ عنه (صلى الله عليه وآله) - كما قال صاحب المجمع - أنّه كان يسمع الشعر ويحثّ عليه، وقال لحسان بن ثابت: «لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك».
باسمه جلت أسماؤه: للولاية معان:
1 - الولاية التكوينيّة، والمراد بها كون زمام أمر العالم بيد الوليّ، وله السلطنة التامّة على جميع الاُمور بالتصرّف فيها كيف ما شاء إعداماً وإيجاداً بإذن الله تعالى.
2 - وجوب الاطاعة وقبول قول الولي في الأحكام الشرعيّة.
3 - الحكومة والرئاسة الدنيويّة بإدارة شؤون الاُمّة.
4 - ولاية التصرّف في الأموال والأنفس.
5 - وجوب الاطاعة في الأوامر الشخصيّة العرفيّة.
والمحقّق ثبوت الولاية بجميع معانيها لهم (صلوات الله عليهم أجمعين).
ص:95
أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) نام في بعض أسفاره حتّى طلعت الشمس، والسؤال: كيف يجوز على النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن تفوته الصلاة الواجبة؟
باسمه جلت أسماؤه: الصحيح أنّ الرواية المذكورة وإن عُبّر عنها بالصحيحة، إلاّ أنّها بعد التحقيق لم ترد إلاّ في كتاب الذكرى للشهيد الأوّل (قدس سره)، وهو وإن عبّرَ عنها بالصحيحة إلاّ أنّه لم يذكر سنده إليها، ومن الواضح أنّ ثبوت الصحّة عنده (قدس سره) لايلازم ثبوتها عندنا، فالرواية لم يثبت اعتبارها.
مع الأخذ بعين
الاعتبار حديث المفضّل بن عمر المطوّل في علامات الظهور، والذي يرويه عن مولانا الصادق (عليه السلام)، ونقله العلاّمة المجلسي في البحار وغيره؟
باسمه جلت أسماؤه: الوارد في حديث المفضّل بن عمر: أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) قال متحدّثاً عن أرض كربلاء: «وإنّها خير بقعة عرجَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) منها وقت غيبته»، وبما أنّ المعراج - كما سيتّضح لاحقاً - قد تكرّر مائة وعشرين مرّة، فحديث المفضّل يدلّ على أنّ بعض معارج النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد ابتدأَ من أرض كربلاء المقدّسة.
المكرّمة لأداء العمرة; وذلك لكون مكّة المكرّمة هي المكان الذي منه اسريَ وعرج منه إلى السماء، ولكن أحد المشائخ الفضلاء يقول: إنّ زيارة النبيّ في هذه المناسبة أفضل وأكثر ثواباً، فما رأيكم؟
باسمه جلت أسماؤه: كلٌّ منهما حسن وذو فضل، ولكنّ الروايات تشهد بأفضليّة زيارة النبيّ (صلى الله عليه وآله) على أداء العمرة مطلقاً.
ص:96
عالم الدنيا أم الآخرة؟
باسمه جلت أسماؤه: من ضروريات مذهبنا أنّ عروج النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان بجسمه وروحه قطعاً، كما أنّ الجنّة والنار اللتين دخلهما هما الجنّة والنار الاُخرويتان; لأنّهما - كما دلّت عليه النصوص القرآنيّة والروائيّة - مخلوقتان موجودتان.
باسمه جلت أسماؤه: المشهور أنّ الإسراء يراد به: رحلة النبيّ (صلى الله عليه وآله) من مكّة إلى بيت المقدس، بينما المعراج يُراد به: رحلته (صلى الله عليه وآله) من بيت المقدسإلى العرش، ولكنّ الصحيح أنّهما عنوانان لمعنون واحد، وهو رحلة النبيّ (صلى الله عليه وآله) من الأرض إلى السماء، كما تشهد بذلك أخبار أهل البيت (عليهم السلام).
ومنه - ا: ما رواه إسماعيل الجعفي، قال: «كنت في المسجد قاعداً وأبو جعفر (عليه السلام) في ناحية، فرفع رأسه، فنظر إلى السماء مرّة وإلى الكعبة مرّة، ثمّ قال سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاَْقْصَى(1) ، وكرّر ذلك ثلاث مرّات.
ثم التفت إليّ وقال: أيّ شيء يقولون أهل العراق في هذه الآية يا عراقي؟
قلت: يقولون أُسري به من المسجد الحرام إلى البيت المقدس.
فقال: ليس كما يقولون، ولكنّه اسري به من هذه إلى هذه، وأشار بيده إلى السماء».
وفي حال كان الجواب: نعم، فما تفصيلها؟ وأيّ منها مصداق لما ورد في القرآن؟
باسمه جلت أسماؤه: وردَ عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:
«عُرِجَ
ص:97
بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى السماء مائة وعشرين مرّة، مَا مِن مرّة إلاّ وقد أوصى اللهُ (عزّ وجلّ) فيها النبيّ (صلى الله عليه وآله) بالولاية لعليّ والأئمّة (عليهم السلام) أكثر ممّا أوصاه بالفرائض».
والمستفاد من هذه الرواية الشريفة: أنّ المعراج قد تكرّر مائة وعشرين مرّة، ولكنّ الروايات لم تحدّثنا عن تفاصيل هذه المعارج، ما خلا معراجه الذي تحقّقفي أوائل سنوات البعثة تحديّاً للمشركين وإقامةً للحجّة عليهم، فقد تحدّث عنه القرآن في العديد من آياته، كما نقلت الروايات أدقّ تفاصيله وجزئيّاته.
باسمه جلت أسماؤه: هناك روايات كثيرة جدّاً، وقد جمعها العلاّمة المجلسي (قدس سره) في الجزء الثامن عشر من موسوعته الحديثية بحار الأنوار، فلتُراجع هناك.
باسمه جلت أسماؤه: وردَ في عدّة من الروايات الشريفة تفسير (المسجد الأقصى) بالبيت المعمور:
منه - ا: قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «فكان من آيات الله التي أراها محمّداً أنّه انتهى به جبرئيل إلى البيت المعمور، وهو المسجد الأقصى».
ومنه - ا: أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) لمّا سُئل عن المساجد التي لها الفضل؟ أجابَ: المسجد الحرام، ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله).
فقال السائل: والمسجد الأقصى، جعلتُ فداك؟
فقال: ذلك في السماء إليه اسريَ رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقلتُ: إنّ الناس يقولون: إنّه بيت المقدس؟
ص:98
فقال: مسجد الكوفة أفضل منه».
ويؤيّد هذه الروايات الشريفة ما هو ثابت تأريخيّاً من أنّ المسجد المعروف بالمسجد الأقصى في فلسطين إنّما استحدثه عمر بن الخطّاب في زمن خلافته.
وأمّا المقصود من قَصِيّاً في قوله تعالى: فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً(1) ، فقد جاء في بعض الروايات الشريفة تفسيره بأرض كربلاء، ومنها: قول الإمام زين العابدين) عليه السلام
لأبي حمزة الثمالي في تفسير الآية المذكورة: «خرجتمن دمشق حتّى أتت كربلاء، فوضعته في موضع قبر الحسين (عليه السلام)، ثمّ رجعت من ليلتها».
ص:99
باسمه جلت أسماؤه: ولادته (عليه السلام) في الكعبة الشريفة ممّا رواه الفريقان، وقد قال الآلوسي في شرح عينيّة عبد الباقي العمري: «وكون الأمير (كرّم الله وجهه) ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا، وذكر في كتب الفريقين السنّة والشيعة».
وفي الفصول المهمّة لابن الصبّاغ المالكي، قال: «وكانت ولادته بمكّة المكرّمة في الكعبة المشرّفة».
ومثله في مروج الذهب للمسعودي، و السيرة الحلبيّة، وكذا قال غيرهمفي غيرها.
مع أنّ المعروف أنّ هذا اللقب خاصّ فقط بأمير المؤمنين الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ولايطلق على أحد غيره أبداً، فما تفسير ذلك؟ هل أنّ تلك زيادة من الرواة، بحيث أنّ الأئمّة (عليهم السلام) كانوا ينادون فقط بكلمة أمير، ولكنّ الرواة زادوا عليها كلمة المؤمنين؟ أم هناك وجه آخر؟
باسمه جلت أسماؤه: اللقب المذكور خاصّ بأمير المؤمنين (عليه السلام) بلا ريب، ولكن قد تعدّى عليه الجائرون كما قد تعدّوا على بقيّة مقامات أمير المؤمنين (عليه السلام) وخصوصيّاته، وكان الأئمّة من آله (عليهم السلام) ينادون الحكّام بما سمّوا به أنفسهم، لابما يعتقدونه فيهم، من باب اتّقاء شرورهم.
ص:100
باسمه جلت أسماؤه: إن كان السؤال عن وجه شكر الإمام (عليه السلام) ليلة مبيته في فراش النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فالوجه فيه أوضح من أن يُبين; فإنّ بيتوتته كانت سبباً لنجاة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وهل من نعمة تستحقّ الشكر أعظم من نجاة رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله)، واستمرار حياته المباركة؟!
«كنت مع الأنبياء سرّاً ومع رسول الله جهراً»؟
باسمه جلت أسماؤه: نعم، صحيح لاإشكال فيه، فإنّه بوجوده النوري قد نصر الأنبياء (عليهم السلام) سرّاً، وبوجوده الناسوتي قد نصر النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) جهراً.
باسمه جلت أسماؤه: التحجيل بياض يكون في قوائم الفرس، والغرّ جمع الأغرّ من الغرّة، وهي بياض الوجه، ومنه قول النبيّ (صلى الله عليه وآله): «أُمّتي الغرّ المحجّلون»، أي بيض مواضع وضوئهم من الأيدي والأقدام، وقد استعار نور الوضوء في الوجه واليدين والرجلين للإنسان من البياض الذي يكون في وجه الفرس ويديه ورجليه.
وبذلك يظهر أنّ المراد من الوصف المذكور: أنّ عليّاً (عليه السلام) قائد للجماعة التي تكون مواضع الوضوء منهم - إذا دُعوا على رؤوس الأشهاد أو إلى الجنّة - شديدة البياض لإشعاعها بالنور.
باسمه جلت أسماؤه: هذا من الاُمور القطعيّة الواضحة، والأدلة عليه قرآناً وسنّة في غاية الكثرة.
ص:101
باسمه جلت أسماؤه: لادلالة في الروايات التي تحدّثت عن عقيدة الحضور على ثبوت هذه الخصوصية لأمير المؤمنين (عليه السلام) حتّى قبل وجوده في هذا العالم الدنيوي.
«يا حار همدان، مَن يمت يرني...»، هل كان يحدث ذلك أيّام حياة الإمام (عليه السلام) أم بعد استشهاده فقط؟
باسمه جلت أسماؤه: «يا حار همدان، مَن يمت يرني...» ليسَ من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإنّما هو من نظم السيد الحميري (عليه الرحمة) لكلام الأمير (عليه السلام)، وكيفَ كان فإنّ ظاهر نصوص حضور الأئمّة (عليهم السلام) عند المحتضر أنّ حضورهم لايختصّ بما بعد شهادتهم، بل يكون حال حياتهم أيضاً.
أوّلا: أنّه لايمكن للإمام عليّ (عليه السلام) أن يؤخّر الصلاة حتّى تغيب الشمس، فقد ورد عنه أنّه كان يقيم الصلاة في أحلك الظروف وأشدّها وسط السيوف والرماح والقتال كما في بعض حروبه.
ثانياً: أنّ حبس الشمس عن المغيب أو إرجاعها من المغيب يؤثّر على حركة الفلك، وتأخّر الزمن ولو شيئاً يسيراً، ولم ينقل التاريخ أنّ الناس شهدوا هذا الحدث الخطير الذي لايمكن أن يخفى على الجميع.
ثالثاً: جاء في إحدى الروايات أنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) أسند النبيّ إليه حينما نزل عليه الوحي، فلم يتسيقظ النبيّ (صلى الله عليه وآله) حتّى غابت الشمس، وليس هذا الأمر يوجب العذر في تأخير الصلاة عن وقتها.
باسمه جلت أسماؤه: إنّ قبح تأخير الصلاة عن وقتها، إنّما هو من جهة تفويت مصلحة الوقت، إذ لامصلحة اخرى تقوم مقامها، وأمّا مع عدم فوات هذه المصلحة لوجود وقتين بالنسبة للإمام (عليه السلام) أحدهما قبل ردّ الشمس والآخر بعدها،
ص:102
فلاقبح في ذلك أصلا; بل لايمكن صدق عنوان تأخير وقت الصلاة حينئذ، إذ الإمام (عليه السلام) قد جاء بالصلاة في وقتها، كما لايخفى على المتأمّل، وبهذا يظهر الجواب عن السببين الأوّل والثالث.
وأمّا بالنسبة للسبب الثاني، فجوابه: أنّ حدث ردّ الشمس أو حبسها إنّما يؤثّر على الحالة الكونيّة في صورة كون ذلك الحدث خاضعاً لبعض الأسباب الطبيعيّة، وأمّا في صورة كونه وليد الاعجاز الإل - هي، فلا يلزم شيء من ذلك.
وأمّا عدم نقل التاريخ للحدث المذكور، فإن كان يقصد به تاريخ المسلمينفقد استفاض بنقل ذلك من طرق الفريقين، وإن كان المقصود به تاريخ الاُمم الاُخرى، فدعوى عدم ذكره فيها دعوى بحاجة إلى التتبّع، وعلى فرض صحّة الدعوى، فلعلّ ذلك من جهة كون الوقت ليلا عند كثير منهم آنذاك، أو من جهة اخرى.
إذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد منح بعض أصحابه كرشيد الهجري وسلمان الفارسي علم المنايا والبلايا، فمن باب أولى أنّه (عليه السلام) كان يحمل هذا العلم، وهذا معناه أنّه كان يعلم بأجله ووقت منيته، وعلى ضوء ذلك فما هي فضيلة أمير المؤمنين (عليه السلام) في قضيّة المبيت على فراش النبيّ (صلى الله عليه وآله) ليلة الهجرة، وهكذا بروزه لعمرو بن عبد ودّ يوم الخندق، وغير ذلك من مواطن تعرّضه لحتفه؟
باسمه جلت أسماؤه: سبقَ وأن أجبنا عن مثل هذا السؤال بقولنا: فضيلة المعصوم (عليه السلام) تكمن في يقينه، فإنّ غيره لو أخبره النبيّ (صلى الله عليه وآله) - مثلا - بأنّه
لن يموت إلاّ بعد يوم المبيت، ثمّ طلب منه أن يبيت على فراشه ليقيه من سيوف المشركين، فإنّه سيولّي فراراً عند رؤية بريق السيوف من حوله، حتّى ولو أخبره النبيّ (صلى الله عليه وآله) بأنّه لن يموت في تلك الواقعة، وهذا ما يُبرز فضيلة أمير المؤمنين والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) على غيرهم، فإنّهم وإن كانوا عالمين بمصيرهم ووقته، إلاّ أنّ يقينهم لم يكن يفارق علمهم، بل كان عملهم مطابقاً لعلمهم.
ص:103
باسمه جلت أسماؤه: صرّح غير واحد، منهم: صدر الحفّاظ الشافعيعلى ما في كفاية الطالب بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يعبّر عن فاطمة باُمّ أبيها، وفيكثير من الكتب ذكروا تعبير الرسول (صلى الله عليه وآله) عن فاطمة (عليها السلام) باُمّ أبيها.
وأمّا سبب ذلك: فيظهر من بيان معنى لفظ (الاُمّ) ومورد استعماله، فإنّ العرب يسمّون كلّ جامع أمراً أو متقدّم لأمر إذا كانت له توابع تتبعه (امّاً)، فيقولون للجلدة التي تجمع الدماغ (امّ الرأس)، وتسمّى راية ولواء الجيش الذي يجتمعون تحته (امّاً)، وفي القرآن الكريم اطلق (امّ الكتاب) على اللوح المحفوظ، فقال: وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ(1) ، وكذا على الآيات المحكمة: هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ(2) ، وبما أنّ الصدّيقة الطاهرة الزهراء) أرواحنا فداها (هي التي جمعت بين نور النبوّة والإمامة بعد أن افترقا في عبد الله والد النبيّ) صلى الله عليه وآله (وأبي طالب والد أمير المؤمنين) عليهما السلام (; لذلك صحّ التعبير عنها بالاُمّ.
زينب الكبرى (عليها السلام)؟ ولماذا كانتا تصنعان ذلك مع أنّ الله سبحانه لم يفرض علينا ذلك، كما هو موجود في القرآن؟
باسمه جلت أسماؤه: لايقاس أحد بالصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء وابنتها الصدّيقة الصغرى زينب (عليهما السلام)، فالاُولى سيّدة نساء العالمين، والثانية شريكة
ص:104
أخيها سيّد الشهداء الحسين (عليه السلام)، وعلى أي حال فإنّ تغطيتهما (عليهما السلام) ثابتة بالأدلة القطعيّة.
ودعوى أنّ القرآن الكريم لم يتحدّث عن ذلك، دعوى غير صحيحة، فإنّه - كما فهم بعض أساطين الفقه - قد تضمّن النهي عن إبداء الزينة، حيث قال: وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا(1) ، والزينة المنهي عن إبدائها بمقتضى هذا الفهم الفقهي شاملة للوجه أيضاً، ومَا ظَهَرَ مِنْهَاحملوه على إرادة الثياب، وسواء تمّ ما أفادوه أم لا، فإنّ كثيراً من الأحكام الشرعيّة لم تُذكر في القرآن، وإنّما دلّت عليها النصوص الواردة عن المعصومين (عليهم السلام)، وقد بيّنوا (عليهم السلام) حكم التغطية.
أضف إلى ذلك أنّ أحداً لايشكّ في أنّ التغطية مانعة عن كثير من المفاسد الاجتماعيّة، فهل يمكن أن يتوهّم أنّ سادات نساء العالمين لايراعين ذلك؟!
باسمه جلت أسماؤه: طفحت النصوص بأنّها لم ترَ دم الحيض والنفاس، ولم أرَ من شكّ في ذلك من أهل العلم والتحقيق.
باسمه جلت أسماؤه: بعقيدتي أنّ الرواية المشار إليها في السؤالوما شاكلها، من المجعولات، بلا ريب ولاشبهة.
ص:105
باسمه جلت أسماؤه: حاشاها (عليها السلام) أن تتأذّى من فعل صادر من الغير بالنسبة إليها، ويكون ذلك الفعل جائزاً شرعاً، إذ لاشكّ في أنّها راضية بكلِّما يرضي الله تعالى.
«بل حتّى ولو فرض كونه إيذاء لها،
فإنّه لادليل على حرمة الفعل المباح المقتضي لإيذاء المؤمن قهراً على ما ذكرنا في محلّه، وحيث إنّ المقام من هذا القبيل; لأنّ التزوّج بالثانية أمر مباح في حدّ نفسه، فمجرّد تأذّي فاطمة (عليها السلام) لايقتضي حرمته»، فهل هذا الكلام تصحّ نسبته للسيّد الخوئى (قدس سره)؟
باسمه جلت أسماؤه: الذي أطمئن له أن قول: «مجرّد تأذّي فاطمة (عليه السلام) لايقتضي حرمته» ليس كلام السيّد قطعاً; لأنّ من المسلّمات قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «فاطمة بَضعة منّي مَن آذاها فقد آذاني»، وممّا يشهد لهذا الاطمئنان الاستدلال قبل ذلك بقوله: «لادليل على حرمة الفعل المباح المقتضي لإيذاء المؤمن...» الخ; لأنّ الدليل على حرمة الجمع ليس هو إيذاء فاطمة بما أنّها مؤمنة، بل الدليل هو إيذاء فاطمة بما أنّها بَضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتدبّر جيّداً، فلاتصحّ نسبة الاستدلال المذكور للسيّد الخوئي (قدس سره); لوضوح فساده، والظاهر أنّ المقرّر (رحمه الله) قد خانه التعبير، وقَصُرَ قلمه عن إيصال نكتة الاستدلال.
باسمه جلت أسماؤه: لامانع من استعمال كلا الاُسلوبين، فإنّهكما يصحّ التوجّه إلى الله تبارك وتعالى في طلب الحوائج، مع التوسّل إليه بمحمّد وآل محمّد (عليهم السلام)، كذلك يصحّ طلبها مباشرة من الذوات النوريّة للمعصومين (عليهم السلام);
ص:106
لأنّ الله (سبحانه وتعالى) لمّا جعلهم واسطة فيضه، وأعطاهم الولاية على عالم الوجود من أصغر ذرّة فيه إلى أكبر مجرّة، أصبحت لهم (عليهم السلام) القدرة على إغاثة جميع الخلق، وقضاء حوائجهم، وقد أرشدت النصوص الشريفة إلى هذه الحقيقة.
ومنه - ا: ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) في بيانه لكيفيّة صلاة الاستغاثة بالصدّيقة الزهراء (عليها السلام) حيث قال فيها:
«ثمّ اسجد وقل مائة مرّة: يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني»(1).
وكذا ما ورد عنه (عليه السلام) حينما قال له أحد أصحابه: إنّي اخترعت دعاء، حيث أجابه (عليه السلام): دعني من اختراعك، إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)... إلى أن
قال (عليه السلام):
ثمّ خذ لحيتك بيدك اليسرى وابكِ أو تباكى، وقل: يا محمّد، يا رسول الله، أشكو إلى الله وإليك حاجتي»(2).
والروايات في هذا المعنى كثيرة جدّاً.
«يا فاطمة، أغيثيني» مائة مرّة، ولقد أخذ النواصب بالتشنيع علينا باتّهامنا أنّنا نسجد للسيّدة الزهراء أو للأئمّة (عليهم السلام)، فما هو الردّ؟
باسمه جلت أسماؤه: السجدة إنّما تكون لله (جلّ جلاله)، والاستغاثة بالسيّدة الزهراء (عليها السلام) لأجل كونها كسائر المعصومين لهم ولاية تكوينيّة، والمراد بها كون زمام العالم بأيديهم، ولهم السلطة التامّة على جميع الاُمور بالتصرّف فيهاكيف شاؤوا إعداماً وإيجاداً بإذن الله، وكون عالم الطبيعة منقاداً لهم لابنحو الاستقلال بل في طول قدرة الله تعالى وسلطنته، بمعنى أنّ الله تعالى أقدرهم وملّكهم كما أقدرنا على الأفعال الاختياريّة، ومن جملتها قضاء حاجة المؤمن
ص:107
وإعانة المحتاجين مثلا، ومتى ما سلب عنهم القدرة أو لم يفضها عليهم انعدمت قدرتهم وسلطنتهم.
«الْغَوْثَ الْغَوْثَ، خَلِّصْنا مِنَ النّارِ يا رَبّ»،
ونقرأ في صلاة الاستغاثة بفاطمة الزهراء (عليها السلام): «يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني»، أفلايعدّ هذا شركاً صريحاً؟
باسمه جلت أسماؤه: لاتنافي بين الخطابين، فالأوّل طلب من الله تعالى لأنّه المغيث بالذات والاستقلال، والثاني طلبٌ من الصدّيقة الطاهرة الزهراء (عليها السلام) بما هي بابٌ من أبواب الله تعالى، ووسيلةٌ من وسائل القرب إليه، لابما هي مؤثّرة ذاتاً واستقلالا، فلا شرك في ذلك.
باسمه جلت أسماؤه: سئل المعصوم (عليه السلام) عن مصحف السيّدة الزهراء (علیه السلام)، فقال (عليه السلام): «إنّ فاطمة (عليها السلام) مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، فكان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاها على أبيها، ويطيّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيّتها، وكان عليّ (عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة (عليها السلام)».
وفي خبر آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مصحف فاطمة (عليها السلام) فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، وليس فيه من حلال ولاحرام، ولكن فيه علم ما يكون»، والآن هذا المصحف عند إمام العصر.
في إشارة منه إلى مصحف فاطمة (عليها السلام)، ثمّ أضاف يقول: «كلمة المصحف يراد منها ما يكون مؤلّفاً من صحف يعني من أوراق، كانت تكتب فيه ما تسمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أحكام شرعيّة ومن وصايا ومواعظ ونصائح، وهذا الكتاب ليس
ص:108
موجوداً عندنا، بل كان موجوداً عند أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)»؟
باسمه جلت أسماؤه: المصحف المشار إليه ليس من إملاء الإمام (عليه السلام)، ولاممّا سمعته من النبيّ (صلى الله عليه وآله)، بل كان وحياً من الله تعالى على السيّدة الزهراء، وإنّما الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كان كاتباً لما كان يوحى إليها، ومصحفها الآن عند الإمام بقيّة الله في الأرضين (أرواحنا فداه)، فالكلام المنقول في السؤال مجانب للصواب تماماً.
باسمه جلت أسماؤه: قد تواترت الأخبار الدالّة على أنّ الزهراء مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيّاماً، وكان قد دخلها حزن شديد على أبيها، فكان جبرئيل (عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، وبما يكون بعدها في ذرّيّتها، وكان أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) يكتب ذلك، فكان من ذلك ما يُعبّر عنه بمصحف فاطمة (عليها السلام)، وفي بعض الأخبار: «أما أنّه ليس فيه شيء من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون»، وقد انتقل هذا المصحف الشريف من معصوم إلى معصوم، حتّى وصل إلى يد الحجّة (عج) (عج) المنتظر، ولازال في حوزته المباركة.
ولاحزازة في التعبير عن إخبار جبرئيل (عليه السلام) للصدّيقة الزهراء (عليها السلام) بالوحي، ولكنّه ليس وحي تشريع; لانقطاعه بموت رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وإنّما هو وحي بالمعنى اللغوي ليس إلاّ، نظير قوله تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ(1)
صريحة بذلك، فكيف نقول نحن بأنّ السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي سيّدة نساء العالمين؟ أليس هذا مخالف لصريح القرآن؟ وقد نستدلّ ببعض الأحاديث في ذلك،
ص:109
ومنها معنى قول الرسول (صلى الله عليه وآله) أنّ مريم سيّدة نساء عالمها، ولكن أليس هذا مخالف لصريح القرآن أيضاً؟ ثمّ ما هي درجة تلك الأحاديث؟
باسمه جلت أسماؤه: غايةُ ما يفيده قوله تعالى: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ(1) دلالته على تفضيل السيّدة مريم) عليها السلام (على بقيّة نساء العالمين بالعموم، والنظريّة الصحيحة في علم الاُصول أنّ العموم القرآني قابل للتخصيص بخبر الواحد، وما دام قد وصلتنا عدّة من أخبار الآحاد المعتبرة الدالّة على تفضيل السيّدة الزهراء) عليها السلام (على السيّدة مريم) عليها السلام (، بل على كلّ نساء العالم، فإنّها تكون مخصّصة للعموم القرآني، وليست مخالفة له كما هو واضح.
العالمين; لاختصاص هذه الفضيلة بالسيدّة مريم (عليها السلام) لقوله تعالى: وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، ويقول بأنّ الرويات الدالّة على أفضليّة الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام) لاتقاوم هذه الآية المباركة، فهل هذا القول صحيح؟
باسمه جلت أسماؤه: ليست النسبة بين الرواية والآية في مثل المقام هي نسبة التعارض، وإنّما هي نسبة المفسّر - بالكسر - والمفسّر - بالفتح - وفي مثله يُقدّم النصّ المفسِّر على النصّ المفسَّر لكونه أجلى منه وأكثر وضوحاً.
وبما أنّ الآية - مع غضّ النظر عن الرواية - تحتمل وجهين: أحدهما أن يكون المقصود منها نساء العالمين في زمانها، والثاني أن يكون المقصود نساء العالمينمن الأوّلين والآخرين، بمقتضى دلالة العموم.
وحينئذ فعندما تأتي الرواية عن الإمام المعصوم (عليه السلام) لتبيّن لنا المعنى المقصود من الآية، وتحدّده في المعنى الأوّل المحتمل لها، وتبيّن لنا أنّ الزهراء (عليها السلام) بَضعة
ص:110
الرسول المصطفى، التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها، هي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، فلا يبقى مجال لترجيح المعنى الثاني المحتمل للآية المباركة، وتقديمه على الروايات والنصوص المفسِّرة.
وعلى فرض ترجيحه، فإنّ أقصاه إفادة العموم، وهو قابلٌ للتخصيص بخبر الواحد المعتبر.
باسمه جلت أسماؤه: بحسب ما تتبّعناه فإنّ هنالك عدّة من الروايات المعتبرة الدالّة على ذلك، والمشكّك إن راجع الروايات وبقي على حاله من الشكّ، فأقول له: لك دينك ولي دينِ، ولكن إن شكّك في ذلك من دون أن يراجع الأخبار والروايات فليعرض نفسه على عالم ديني وطبيب حاذق ليعالجه، فإنّه مريض قطعاً.
وكذا عنالسيّدة زينب وخديجة الكبرى ومريم وامرأة فرعون (عليهم السلام) ما هذا نصّه: «وإذا كان بعض الناس يتحدّث عن بعض الخصوصيّات غير العادية في شخصيّات هؤلاء النساء، فإنّنا لانجد خصوصيّة إلاّ الظروف الطبيعيّة التي كفلت لهنّ إمكانات النموّ الروحي والعقلي والالتزام العملي، بالمستوى الذي تتوازن فيه عناصر الشخصيّة بشكل طبيعي في مسألة النموّ الذاتي... ولانستطيع إطلاق الحديث المسؤول القائل بوجود عناصر غيبية مميّزة تخرجهنّ عن مستوى المرأة العادي; لأنّ ذلك لايخضع لأيّ إثبات قطعي»؟
باسمه جلت أسماؤه: لاتقاس امّ الأئمّة (عليها السلام) بسائر النساء، وهي التي كان منشأ تكوّنها ما كان، حيث وُجه الأمر للنبيّ المعصوم (صلى الله عليه وآله) بالرياضة الروحيّة
ص:111
أربعين يوماً، ثمّ جيء له من الجنّة بفاكهة يأكلّها، وانعقدت منها نطفة الزهراء، وصارت تتكلّم مع امّها وهي في بطنها، وبعد أن ولدت إلى أن صارت زوجة كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقبل يدها ويخاطبها باُم أبيها، وهي التي كان جبرئيل يوحي إليها.
فإنّ مثل هذه بلا كلام لها خصوصيّات ممتازة عن غيرها، وأمّا غيرها من النساء فقد وصلن إلى المقامات العالية بحسب أعمالهن.
نعم، في خصوص السيّدة زينب (عليها السلام) يقول العلاّمة المامقاني (قدس سره) - ونِعم ما قال -: «لاأقدر أن أقول هي معصومة، ولاأقدر أن أنفي العصمة عنها».
باسمه جلت أسماؤه: جاء في تفسير الصافي للفيض الكاشانى (قدس سره) في ذيل الآيات الاُولى من سورة الدخان: حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مُبَارَكَة إِنَّا
كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْر حَكِيم (1) عن الإمام الكاظم) عليه السلام (أنّه سأله نصرانيّ عن تفسير هذه الآية في الباطن، فقال باختصار منّا:» أمّا حم، فهو محمّد) صلى الله عليه وآله (، وأمّا الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين عليّ) عليه السلام (، وأمّا الليلة ففاطمة) عليها السلام (، وأمّا قوله:
فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْر حَكِيم يقول: يخرج منها خير كثير... إلى أن قال: ولكنّ الثالث من القوم أصف لك ما يخرج من نسله»، والذي يظهر من هذه الرواية أنّ وجه الصلة هو ظرفيّة الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) للخير الكثير الذي ينبسط على الخلق، كليلة القدر.
عن فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت:
«مرّ بي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا مضطجعة متصبّحة، فحرّكني برجله، وقال: يا بنيّة، قومي فاشهدي رزق ربّك، ولا تكوني من الغافلين، فإنّ الله يقسّم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس»، هل هذه الرواية صحيحة بحسب رأيكم الشريف؟
ص:112
باسمه جلت أسماؤه: ما ينفرد بروايته أبناء العامّة، بحيث أنّه لايُروى إلاّ من طرقهم لايمكن التعويل عليه لأسباب مذكورة في محلّها، والرواية المذكورة من تلك الروايات، هذا بالإضافة إلى عدم استقامة دلالة الرواية المذكورة، حيث يستفاد منها ارتكاب الصدّيقة الطاهرة للمكروه، وهو النوم بين الطلوعين من دون عذر، كما يدلّ عليه توبيخه (صلى الله عليه وآله) لها، وهي المعصومة بلا إشكال، وعصمتها مانعة عن ارتكاب ذلك، كما أنّ الرواية تحدّثت عن إيقاظ النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) لها عن طريق رجله، وهذا ما لايمكن صدوره ممّن له أدنى مستوى أخلاقي، فكيف يُعقل صدوره من مجلى الخُلُق الإل - هي (صلى الله عليه وآله)؟!!
باسمه جلت أسماؤه: إن كان منكر العصمة وصفة البتول للسيّدة المعظّمة الزهراء (عليها السلام) من المطّلعين على المدارك الشرعيّة، ولايحتمل في حقّه الشبهة، فلاأحكم بكونه مؤمناً; لأنّ الصفتين المذكورتين بعد مراجعة المدارك والأدلّة من الواضحات التي لاسبيل لإنكارها.
وابنتها السيّدة زينب (عليها السلام)؟ وهل الذين رأوا السيّدة في المنام نظروا إلى وجهها الشريف؟
باسمه جلت أسماؤه: الروايات الواردة في السيّدة الزهراء (عليها السلام) تقول: إنّها حينما تمرّ بين الناس يوم القيامة يصدر الأمر الإل - هي بغضّ البصر، وإذا كنّامن أهل الجنّة فسوف تظهر لنا حقيقة الأمر آنذاك بالنسبة للسيّدتين الطاهرتين (عليهما السلام)، كما أنّ المستفاد من بعض الأخبار عدم إمكان النظر إلى وجهيهما الشريفين في عالم الرؤيا، ومَن ادّعى ذلك فهو متوهّم.
ص:113
لقول الإمام الصادق (عليه السلام): «نحن حجج الله عليكم، وجدّتنا فاطمة الزهراء حجّة الله علينا»؟
باسمه جلت أسماؤه: الصدّيقة الطاهرة (عليها أفضل الصلوات والتحيّات) ليست بشراً عادياً، بل هي الإنسيّة الحوراء، وقد خُلقَ نورها من نور الله تعالى قبل خلق العالم، وهي أوّل مَن يدخل الجنّة، وبعد دخولها يدخل الأنبياء والأوصياء، ويتقدّمهم سيّد الأنبياء محمّد (صلى الله عليه وآله)، وكلّهم بعد ذلك يدخلون ويسلّمون عليها، ثمّ يستقرّون في ما هيّأه الله تعالى لهم، وبعد ذلك كلّه يظهر أنّ السؤالعن جواز الاقتداء بها لاينبغي خطوره في ذهن المؤمن.
باسمه جلت أسماؤه: يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «نحن حجج الله تعالى على الخلق، واُمّنا فاطمة (صلوات الله عليها) حجّة علينا»، وقد دلّت الأخبار الموثّقة على أنّ أوّل مَن يدخل الجنة - حتّى قبل أفضل الأنبياء (عليهم السلام) - هي الصدّيقة الطاهرة الزهراء (عليها السلام)، ثمّ بعد دخولها يدخل النبيّ (صلى الله عليه وآله) وبعده الأنبياء (عليهم السلام).
باسمه جلت أسماؤه: لم يرد التعبير المذكور في شيء من النصوص الدينيّة، ولكنّه تعبير صحيح لاإشكال فيه; إذ لاريب في أنّ السيّدة الصدّيقة (أرواحنا فداها) هي مجلى العصمة الإل - هيّة الكبرى.
ص:114
باسمه جلت أسماؤه: لعلّ مراد السائل سورة الفجر وليس سورة المدّثّر، فإنّها هي التي ورد فيها عن الإمام الصادق (عليه السلام):
«اقرؤا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم، فإنّها سورة الحسين بن عليّ (عليه السلام)».
وسرّ العلاقة بين السورة والإمام الحسين (عليه السلام) قد أشارت إليه رواية اخرى، جاء فيها أنّ أبا اسامة سأل الإمام الصادق (عليه السلام): كيف صارت هذه السورة للحسين خاصّة؟ * فقال: ألا تسمع قوله تعالى: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي(1) إنّما يعني الحسين بن عليّ) عليهما السلام (فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضيّة «.
وأمّا لماذا عبّر عن سيّد الشهداء (عليه السلام) بالنفس المطمئنة فلذلك نكات وأسرار لايسع المجال لذكرها.
وإن كانت جميعها متساوية، فلِم اعطيَ الحسين (عليه السلام) كرامات لم تمنح لغيره من ولده؟
باسمه جلت أسماؤه: ممّا لاريب فيه أنّ دور الإمام الحسين (عليه السلام) كان الدور الأصعب، والمصائب التي توجّهت إليه ولأهل بيته تفوق بمراتب المصائب التي جرت على أبنائه الأطهار (عليهم السلام); ولذلك خُصّ بمزايا لم تُجعل لغيره، وهذاما أشارت إليه الرواية المشهورة عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ الله عوّض الحسين (عليه السلام) عن قتله، أنّ الإمامة في ذرّيّته، والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره، ولاتعدّ
ص:115
أيّام زائره جائياً وراجعاً من عمره».
أم هما متساويان في
الفضل؟ فلقد قرأت لأحد العلماء قوله بتفضيل الإمام الحسن على أخيه الإمام الحسين لعدّة أدلّة منها: رواية الصدوق عن هشام بن سالم، في كمال الدين(1) ، قال: «قلت للصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام): الحسن أفضل أم الحسين؟
فقال: الحسن أفضل من الحسين».
ومنه - ا: أنّ الإمام الحسن كان إماماً للحسين، منضمّاً لوجوب كون الإمام أفضل أهل زمانه، ولايجوز أن يكون مساوياً له أيضاً; لقبح الترجيح من دون مرجّح، فما هو رأيكم؟
باسمه جلت أسماؤه: من الخطأ منهجيّاً قياس الإمام الحسين (عليه السلام) للإمام الحسن (عليه السلام) في زمان إمامة الإمام الحسن (عليه السلام)، بل الصحيح - لمن أراد المقايسة - مقايسة الإمامين في زمان إمامة كلّ منهما، ونتيجة هذه المقايسة أنّهما إمامانقاما أو قعدا، ولافضل لأحدهما على الآخر، ونهضة الإمام الحسين (عليه السلام) وإن كانت هي سبب بقاء الإسلام، إلاّ أنّها لم تكن لولا صلح الإمام الحسن (عليه السلام).
«إنّ العمل الذي قام به الإمام
الحسين (عليه السلام) في كربلاء أفضل من العمل الذي قام به الرسول (صلى الله عليه وآله) على مدى ثلاثة وعشرين عاماً»؟
باسمه جلت أسماؤه: ممّا لاإشكال ولاكلام فيه أنّ قيام الإمام الحسين (عليه السلام) كان سبباً لبقاء الإسلام، وله من الفضائل والمآثر ما يعجز القلم واللسان عن بيانه، إلاّ أنّ تفضيل عمله (عليه السلام) على عمل جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) ممّا نقطع بأنّ نفس الإمام (عليه السلام) لايرضى به، فالإغماض عن الكلام في ذلك متعيّن.
ص:116
ص:117
ص:118
باسمه جلت أسماؤه: لم يكن يوسف (عليه السلام) صاحب رسالة جديدة، بل كان على شريعة موسى (عليه السلام).
باسمه جلت أسماؤه: النبيّ إبراهيم (عليه السلام) دينه دين التوحيد، وهو أبو الأنبياء (عليهم السلام)، وإليه تنتهي أنسابهم، ولايتصوّر عدم كون أبيه موحّداً، وما في القرآن من نسبة الشرك إلى أبيه، إنّما يُراد به عمّه لاوالده الصلبي، كما هو المشهوربين الشيعة والعامّة.
باسمه جلت أسماؤه: طالوت لم يكن نبيّاً ولاإماماً، بل كان مَلِكاً من ولد بنيامين بن يعقوب، اختاره الله تعالى للملك، كما تحدّث عن ذلك القرآن الكريم: وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ(1) ، وعليه فالتابوت معجزة ملكه الخاصّ، وليس معجزة إمامته.
ص:119
باسمه جلت أسماؤه: الفرق أنّ قوم يونس (عليه السلام) استغفروا ربّهم قبل أن يشرع العذاب بحقهم; إذ أنّهم رأوا بعض العلامات التي كان قد أخبرهم عنها نبيّ الله يونس (عليه السلام)، فاستغفروا ربّهم صادقين في توبتهم، فاستجاب لهم، ورفع عنهم العذاب، أمّا فرعون فإنّ إظهاره الإيمان لم يكن إلاّ بعد شروع
العذاب، أضف إليه أنّه لم يتوجّه إلى الله تعالى بالتوبة، وإنّما قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِل - هَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ(1) من غير أن يعلن توبته ورجوعه إلى الله تعالى.
:
«تَخَيّروا لِنُطَفِكُمْ فَإِنَّالْعِرْقَ دَسّاسٌ»، ومع ذلك نجد أنّ هناك من زوجات الرسول (صلى الله عليه وآله) وكذلك الأنبياء السابقين (عليهم السلام) وبعض زوجات الأئمّة (عليهم السلام) مَن لايتّصفن بتلك الصفات، حتّى أنّ بعضهم (عليهم السلام) قد قُتلوا على يد زوجاتهم مسمومين، فكيف يمكن توجيه ذلك؟
باسمه جلت أسماؤه: توجيه الناس لاختيار الزوجة الصالحة إنّما ركّزت عليه الروايات إرشاداً لما له من أثر تربوي ووراثي على المولود، وهذا غير حاصل في بعض زوجات الأنبياء (عليهم السلام) والأئمّة (عليهم السلام); إذ لم يُعرف نسل لأحد الأنبياءأو الأئمّة (عليهم السلام) من إحدى تلكم الزوجات، هذا مضافاً إلى أنّ تلك الزيجات إنّما هي لبعض الحِكم والأسرار المرتبطة في الغالب بدفع بعض الشرور والمكائد عن الرسالة والدين.
ومَن هو الذي صلب السيّد المسيح (عليه السلام) كما يعتقده المسيحيّون، هل هم اليهود أم الوثنيّون الرومان، أم غيرهم؟
*
باسمه جلت أسماؤه: مسألة صلب عيسى (عليه السلام) يبدو أنّها مورد اتّفاق
ص:120
عند المسيحيّين، وما هو مورد اختلافهم إنّما هو عقيدتهم في المسيح; إذ ترى مجموعة قليلة منهم أنّه نبيّ وليس ابن الله (سبحانه وتعالى)، وهم يعتقدون أنّ الذي قام بتنفيذ حكم الصلب على المسيح هي السلطات الرومانيّة تحت إمرة الوالي بيلاطس البنطي، الذي فعل ذلك إرضاءً للمجمع الأعلى اليهودي الذي اعتبر أنّ المسيح ادّعى أنّه ابن الله تعالى.
بل مَن قام بهذه العملية هم الرومان، باعتبارهم هم أصحاب القرار والتنفيذ في ذلك الوقت، وهل يوجد دليل إسلامي في القران والسنّة والتأريخ يؤيّد تلك الحادثة؟
باسمه جلت أسماؤه: قال القرآن الكريم ناسباً إلى أهل الكتاب: وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلكِن شُبِّهَ(1) ، وقد جاء في بعض الروايات الشريفة عن الإمام الصادق) عليه السلام (تفسيرأهل الكتاب هنا باليهود والنصارى.
*
باسمه جلت أسماؤه: إن كان السؤال عن علّة بقائه (عليه السلام) كلّ هذا الزمن الطويل، فهي محجوبة عنّا، وإن كان السؤال عن حكمة بقائه، فلاريب أنّ أحد وجوه الحكمة لبقائه هو دفع استبعاد المخالفين وجود الإمام المهدي (عج) وطول عمره الشريف.
ص:121
باسمه جلت أسماؤه: أجداد النبيّ (صلى الله عليه وآله) قبل ظهور الإسلام لاشكّ أنّهم كانوا على الديانة المسيحيّة، وما ورد في بعض الأخبار من أنّهم كانوا على الحنيفيّة فيُراد به السنن غير المنسوخة التي جاء بها نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام).
باسمه جلت أسماؤه: أقصى ما يُستفاد من الروايات: أنّ الشياطينليلةَ ميلاد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قد حُجبت عن السماوات السبع كلّها، عن طريق رميها بالشهب، وسيستمرّ حجبها إلى يوم القيامة كرامةً لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكن لم يظهرمن الأخبار أنّ استمرار هذا الحجب هل هو بسبب استمرار الرمي بالشهب، أم بسبب آخر.
باسمه جلت أسماؤه: التواريخ الحقيقيّة لمناسبات المعصومين (عليهم السلام) لايعلم بشكل قطعي إلاّ ببعضها، كيوم شهادة الإمام الحسين (عليه السلام)، وأمّا أغلبهافهو محلّ اختلاف المؤرّخين، إلاّ أنّه ينبغي إحياء المناسبات المذكورة وتعظيمها طبقاً لما عليه عموم الشيعة.
باسمه جلت أسماؤه: بعد المراجعة والتحقيق حصل لي الاطمئنان
ص:122
بصحّة ما أفاده جمع من الأكابر، كالشيخ المفيد والسيّد المرتضى (قدس سرهما): من أنّ السيّدة خديجة (عليها السلام) لم تتزوّج قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنّ عمرها حين زواجها بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) لم يتجاوز العشرين، وأنّ البنات اللاتي تنسب إليها هنّ بنات اختها، والتفصيل لايسعه المجال.
وكيف تكونعائشة ثيّباً، والمشهور أنّ الرسول) صلى الله عليه وآله (تزوّجها وهي ابنة تسع سنوات؟ أم أنّ هذا غير صحيح؟
باسمه جلت أسماؤه: المشهور والمعروف من الروايات الصحيحة أنّ عائشة كانت باكراً، وكان عمرها تسع سنوات.
*
باسمه جلت أسماؤه: إنّ رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وآله) أجلّ وأطهر من أن يقترن بامرأة عاهر والعياذ بالله تعالى، فالمقالة المذكورة عارية عن الصحّة بتاتاً.
باسمه جلت أسماؤه: الذي عليه التحقيق: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قُبض بالمدينة مسموماً يوم الإثنين لليلتين بقيتا من شهر صفر، سنة عشرة من الهجرة، وله ثلاث وستّون سنة، وقد دلّت على ذلك عدّة من الأخبار الخاصّة، مضافاً للعموم الوارد بسند معتبر
:«ما مِنّا إلاّ مَقْتولٌ أَوْ مَسْمومٌ»(2).
ص:123
باسمه جلت أسماؤه: القدر المتيقّن الذي لاريب فيه: أنّ النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) قد استشهد مسموماً، وأمّا كيفيّة شهادته (صلى الله عليه وآله) فلا سبيل للقطع بخصوصيّاتها، إذ أنّ بعض المرويّات تشير إلى موته متأثّراً بسمّ اليهوديّة يوم خيبر، بينما بعضها الآخر يشير إلى أنّه (صلى الله عليه وآله) قد سُقي السمّ في أيّام مرضه الأخير،
وهذه أيضاً تختلف في نوع السمّ الذي سُقي منه (صلى الله عليه وآله). ولايخفى أنّ هذه الروايات جميعاً وإن كان لاتعارض بينها، لكونها من قبيل المثبتات، وبالتالي فمن المحتمل جدّاً تأثير جميع هذه الأسباب في شهادته مسموماً (صلى الله عليه وآله)، إلاّ أنّه لاسبيل للقطع بشيء من ذلك.
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغمامُ بِوَجْهِهِ ثمال الْيَتامى عِصْمَةٌ لِلأَرامِلِ
فهل هذه الرواية صحيحة؟ وإذا كانت صحيحة فلماذا نهاها الرسول (صلى الله عليه وآله) عن ذلك، وهي المعصومة التي لاتتفوّه بكلمة في غير محلّها؟
*
باسمه جلت أسماؤه: الظاهر أنّ النهي المذكور من النبيّ (صلى الله عليه وآله) إنّما صدر منه إشفاقاً على ابنته الصدّيقة الزهراء (عليها السلام)، نظراً لما تتضمّنه الأبيات المذكورة من الإثارة في تلك اللحظات; ولذا بعد أن نهاها عن ذلك قال لها: «وَلكِنْ قولي: وَمَا مُحمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ(1)، وكأنّه أراد بذلك تسليتها والتخفيف عليها.
ص:124
باسمه جلت أسماؤه: قال الشيخ المفيد (قدس سره) في الإرشاد: «ولم يولد قبله ولابعده مولود في بيت الله تعالى سواه إكراماً من الله جلّ اسمه له بذلك، وإجلالا لمحلّه في التعظيم».
باسمه جلت أسماؤه: نعم السيّدة فاطمة (عليها السلام) أعلى مرتبة من السيّدة مريم (عليها السلام)، فإنّ السيّدة مريم (عليها السلام) قد امرت بالخروج عن محلّ العبادة حين الولادة; لئلا تبقى فيه وهي نفساء، والسيّدة فاطمة مُنعت تكويناً لمدّة ثلاثة أيّام من الخروج من الكعبة المشرّفة، علماً أنّ الكعبة أعلى شأناً من موضع عبادة السيّدة مريم (عليها السلام).
*
باسمه جلت أسماؤه: هي: فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن كعب بن فهر بن مالك بن النضر بن مدركة بن الياس بن مضر بن معدن بن عدنان. وهي أوّل هاشميّة تزوّجها هاشمي، واُمّ سائر ولد أبي طالب، وكانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بمنزلة الاُمّ، حيث رُبّي في حجرها، وكان يسمّيها امّي، وكانت تفضّله على أولادها في البرّ، وقد روى الحاكم في المستدرك: أنّها كانت بمحلّ عظيم من الإيمان في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث سبقت إلى الإسلام، وهاجرت إلى المدينة، كما روى عن سعيد بن المسيب، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قال:
«لمّا ماتت فاطمة
ص:125
بنت أسد كفّنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قميصه، وصلّى عليها، وكبّر عليها سبعين تكبيرة».
إن الله نهى رسوله أن يقرّ مسلمة على نكاح كافر، وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام، ولم تزل تحت أبي طالب حتّى مات، وأورد بعضهم على استدلال الإمام (عليه السلام): أنّ الآية التي نهت عن ذلك آية مدنيّة من سورة الممتحنة، وعلى أقلّ تقدير فإنّها قد نزلت بعد صلح الحديبية، أي أنّها متأخّرة عن موت أبي طالب (عليه السلام) بسنين مديدة، فكيف نجيب عن إيراده؟
*
باسمه جلت أسماؤه: الإيراد فاسد من أساسه; لأنّ استدلال الإمام (عليه السلام) ليس مبنيّاً على وجود آية النهي عن إقرار بقاء المسلمة تحت الكافر في القرآن الكريم، بل مبنيّ على نهي الله تعالى لنبيّه أن يقرّ مسلمة على نكاح كافر، وليسمن اللازم أن يكون هذا النهي قرآنياً، فإنّ كثيراً من الأحكام التشريعيّة قد نزلت على النبيّ (صلى الله عليه وآله) ولم تنزل في القرآن الكريم، أو نزلت في القرآن أيضاً، ولكنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان قد بلغها بعد نزولها عليه (صلى الله عليه وآله) وقبل نزولها في القرآن. وعلى فرض عدم تماميّة ما ذكرناه، فإنّ الأدلّة على إيمان سيّدنا أبي طالب (عليه السلام) في غاية الكثرة، وعدم تماميّة واحد منها لايضرّ ببقيّتها.
باسمه جلت أسماؤه: استظهر البعض من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة، عندما قال:
«بَلى كانَتْ في أَيْدينا فَدَك» أنّ أرض فدك في زمن خلافته (عليه السلام) كانت بيده، ولكنّه استظهار بعيد جدّاً، سيّما وأنّ هذا النصّ صادر منه في زمن خلافته بصيغة الماضي، ممّا يعني كونه يتحدّث فيه عن فترة سابقة على فترة خلافته، وكيف كان فإنّ الشواهد التاريخيّة على كيفيّة تعامل أمير المؤمنين (عليه السلام) مع أرض فدك في زمن خلافته غير متوفّرة لدينا، فلم يعلم أنّه استردّها، وكان
ص:126
يخصّ ورثة الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) بحاصلاتها، أم أنّه تركها كما هي بحكم الظروف المحيطة به.
ولماذا أمّرَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عمرو بن العاص على رأس سريّة، وهما مَن هما في سوء نسبهما وفسادهما؟ هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى فإنّ من مهام الوالي وقائد السريّة - في عرف ذلك الزمان - إمامة الصلاة، وكلاهما كانا أبناء زنا، فكيف صحّت التولية والتأمير، مع أنّه قد ثبت لدينا بالدليل أن ابن الزنا لاتصحّ إمامته؟ فهل يكفي الاستلحاق فقط؟ أم لذلك توجيه آخر؟
*
باسمه جلت أسماؤه: إنّ عمل الإمام (عليه السلام) كعمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّما هو عمل بالظواهر، طبقاً لقاعدة (الولد للفراش) المصحّحة للنسب ظاهراً لاواقعاً، وأمّا التولية والتأمير لبعض المعروفين بالفساد فهو راجع لبعض المصالح الراجحة التي يلحظها المعصوم (عليه السلام)، وليس لأجل صلاح الاُمراء أو الولاة أنفسهم، وقضيّةُ جيش اسامة خير شاهد على ذلك. وأمّا بالنسبة لإمامتهما الجماعة: فمن الواضح أنّ إحراز شرائط إمام الجماعة وظيفة مَن يريد الصلاة، وليس وظيفة مَن قام بتنصيبهما للإمرة أو الولاية على فرض ملازمة ذلك خارجاً لإمامة الصلاة، وهو أمر لاسبيل لإثباته.
باسمه جلت أسماؤه: له (عليه السلام) من البنات: رقيّة، واُمّها امّ حبيب بنت ربيعة التغلبيّة، واُمّ الحسن ورملة الكبرى واُمّ كلثوم الصغرى، واُمّهنّ امّ سعد بنت عروة بن مسعود الثقفيّة، وبنت ماتت صغيرة، واُمّها مخباة الكلبيّة، واُمّ هاني وميمونة وزينب الصغرى، واُمهنّ امّ ولد، ورملة الصغرى ورقيّة الصغرى وفاطمة
ص:127
واُمامة وخديجة واُمّ الكرام وجمانة المكنّاة امّ جعفر ونفيسة، لاُمّهات شتّى.
في الكثير من مواقفهم، والتي منها موقف أبي الشهداء (روحي له الفداء) عند مصرع ولده الأكبر (روحي له الفداء) وتركه على رمضاء كربلاء، وذهابه إلى اخته العقيلة زينب (روحي لها الفداء) خوفاً على خدرها، فيرد في ذهني هذا السؤال وهو: عندما هجم الطغاة على سيّدتي ومولاتي فاطمة الزهراء (روحي وأرواح العالمين لها الفداء) أين كان أمير المؤمنين (روحي له الفداء) أثناء هذا الفعل البغيض؟ وكيف كان موقفه، وما أدلّتنا حولهذا الموقف؟!
باسمه جلت أسماؤه: لايخفى - أوّلا - أنّنا باعتبارنا أتباع أهل البيت (عليهم السلام) مأمورون بالتسليم لما صدر عنهم، وإن لم يتّضح لنا كنه الأمر، فلربّما يكون هناك سرّ لم نطّلع عليه أو لم نتمكّن من استيعابه،
لما ورد عنهم:
«إِنَّ أَمْرَنا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لاَيَحْتَمِلُهُ إِلاّ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، أَوْ نَبيٌّ مُرْسَلٌ، أَوْ عَبْدٌ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ بِالاْيمانِ»(1).
وأمّا موقف أمير المؤمنين (عليه السلام) من تلك القضيّة فنقول: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو سيّد كلّ غيور، ولكن إذا اقتضى الأمر وتوقّف بقاء الدين على أن يصبر على كلّ ما يرى من مكروه فعل به وبأهل بيته (عليهم السلام)، وبالأخصّ إذا كان ذلك بإخبار مسبقمن أخيه (صلى الله عليه وآله) وأمره له بالصبر على ما يرى، فلا بدّ له أن يتحمّل ويصبر. ومع ذلك فقد أبدى غيرته العلويّة، وأوضح للقوم أنّه غير عابئ بهم، لولا الوصيّة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حيث ورد في بعض الأخبار: «فوثب عليّ فأخذ بتلابيب عمر، ثمّ نتره فصرعه ووجأ أنفه ورقبته، وهمّ بقتله، فذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما أوصاه به،
ص:128
فقال (عليه السلام):
وَالَّذي أَكْرَمَ مُحَمَّداً بِالنُّبُوّةِ - يابْنَ صِهاك - لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ، وَعَهْده إِلى رَسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، لَعَلِمْتَ أَنَّكَ لاَ تَدْخُل بَيْتي»(1).
رغم ما تعرّض له من الحوادث العظيمة هو وزوجته الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟
باسمه جلت أسماؤه: لقد أوضحَ أمير المؤمنين (عليه السلام) سرّ جلوسه عن المطالبة بحقّه في عدّة من كلماته، والتي منها قوله (عليه السلام):
«أَما والله لَقَدْ تَقَمَّصَها ابْنُ أَبيقحافَة وَإِنَّهُ لِيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنها مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحا. يَنْحَدرُ عَنِّي السَّيْلُ، وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ، فَسَدَلتُ دُونَها ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْها كَشْحاً، وَطَفقْتُ أَرْتئي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَة عَمْياءَ، يَهْرَمُ فيها الكَبيرُ، وَيَشيبُ فِيها الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيها مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ!
فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هاتا أَحْجَى، فَصَبَرتُ وُفي العَيْنِ قَذىً. وَفي الحَلْقِ شَجاً، أَرى تُرَاثي نَهْباً».
وقوله (عليه السلام): «وَواللهِ لاَُسْلِمَنَّ ما سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ; وَلَمْ يَكُنْ فِيهِا جَوْرٌ إِلاَّ عَلَيَّ خاصَّةً، الِْتماساً لاَِجْرِ ذلِكَ وَفَضْلِهِ، وَزُهْداً فِيَما تَنافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَزِبْرِجِهِ».
باسمه جلت أسماؤه: لعلّ السرّ في عدم محاكمته (عليه السلام) لقتلة عثمان يعود لكون الآمرين بالقتل، كالتي قالت: «اقتلوا نعثلا فقد كفر» والجماعة الذين جاؤوا من مصر وغيرها، قد هجموا على البيت هجمة واحدة، فلم يكن تشخيص
ص:129
القاتل ممكناً حتّى يحاكم.
باسمه جلت أسماؤه: الروايات الكثيرة من الفريقين تصرّح بأنّ عدد الصحابة الذين شهدوا حادثة الغدير أكثر من مائة ألف شخص.
باسمه جلت أسماؤه: لو ثبت حضوره (عليه السلام) صلاة الجماعة المقامة من قِبل المغتصبين لحقّه (عليه السلام) فهو مجرّد حضور صوري تقتضيه المصلحة العامّة، إن لم يكن مجبوراً عليه.
*
باسمه جلت أسماؤه: وردَ ذلك في رواية نقلها أبو الفرج الأصفهانيفي كتابه مقاتل الطالبيّين، ونصّ الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام):
«إِنَّما سَمَّيْتُهُ باسْمِ أَخي عُثْمان بْنِ مَظْعُون».
وهل كان ذلك دائماً أم لا، خصوصاً أنّي قرأت رواية تتحدّث عن محاولة خالد بن الوليد وأبي بكر وعمر اغتيال الأمير (عليه السلام)، وقد فهمت من مضمونها أنّ المولى كان مقتدياً بأبي بكر في صلاته، وفي الوقت نفسه لدينا رواية تقول: إنّ حذيفة لم يكن يصلّي خلف المنافقين، فكيف يمتنع حذيفة عن الصلاة خلف المنافقين وأمير المؤمنين (عليه السلام) لايمتنع؟
باسمه جلت أسماؤه: من جملة التعاليم الشرعيّة ما يُعبر عنه بالتقيّة الخوفيّة، وقد شرّعها الله تعالى لأجل حفظ الدين بحفظ أهله، فسوّغ لهم ارتكاب
ص:130
خلاف ما هم مأمورون به عند توقّف حفظ دمائهم ونفوسهم وأموالهم وأعراضهم على ذلك، كما أنّ
من الاُمور الدخيلة في ترويج الدين وإعلاء كلمة الإسلام والمسلمين ما يُعبّر عنه بالتقيّة المداراتيّة، وهي حسن المعاشرة مع العامّة بالصلاة في عشائرهم، وعيادة مرضاهم، وحضور جنائزهم، وما شاكل حفظاً للوحدة الإسلاميّة وتأييد الدين وإعلاءً لكلمة الإسلام والمسلمين في مقابل الكفّار والمشركين. وكلّ ما صدر من بعض المعصومين (عليهم السلام) من التعامل الحسن مع بعض طواغيت زمانهم - على فرض ثبوته - فإنّما هو وليد إحدى التقيّتين، وبما أنّ هذاممّا يختلف باختلاف موقعيّات الأشخاص والظروف المحيطة بهم; لذافقد يتصرّف المعصوم (عليه السلام) تصرّفاً تفرضه التقيّة عليه، بينما غيره لايجوز له أن يتصرّف نفس التصرّف لعدم كونه محكوماً بالتقيّة.
باسمه جلت أسماؤه: من المسلّم أنّ عليّاً (عليه السلام) لم يخرج مع الجيش، ولايخلو حاله من أحد أمرين: فهو إمّا أن يكون الجلوس في حقّه واجباً أو جائزاً، وإمّا حراماً، فإذا كان الأوّل فهذا هو المطلوب، وإن كان الثاني لم يصحّ قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنه بأنّه مع الحقّ والحقّ معه، وأنّه مع القرآن والقرآن معه.
أضف إلى ذلك أنّه لم يؤثر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه طرده ولم يقبل جلوسه معه عند احتضاره، كما صنع ذلك مع بعض المتخلّفين، مع أنّه لاخلاف في حضوره عنده، كما أنّه لم يقل أحد من المسلمين إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) مات وهو غير راض عنه، بينما قيل ذلك في حقّ غيره.
باسمه جلت أسماؤه: الحادثة من المسلّمات، ولا يشكّك فيها إلاّ ذو قلب مريض.
ص:131
باسمه جلت أسماؤه: نعم يعتبر المحسن من أهل البيت (عليهم السلام).
ص:132
باسمه جلت أسماؤه: ورد في الكافي الشريف: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة (عليها السلام):
ما أَنا زَوَّجْتُكِ، وَل - كِنَّ اللهَ زَوَّجَكِ مِنَ السَّماءِ، وَجَعَلَ مَهْرُكِ خُمْسَ الدُّنْيا ما دامَتِ السَّماواتُ وَالاَْرْضُ»، كما ورد أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد باع درعه، وقدّم ثمنه للزهراء (عليها السلام)، وكان قدره خمسمائة درهم.
«زَوِّجِ النُّورَ مِنَ النُّورِ»، فهل زواج عامّة الناس يكون بتقدير وقضاء إل - هي أيضاً؟
باسمه جلت أسماؤه: لاريب في أنّ كلّ زواج لايمكن أن يتحقّقإلاّ بقضاء الله وقدره وعلمه، ولكن تزويج الله تعالى للنورين (عليهما السلام) لم يكن بمحض القدر والقضاء الإل - هيّين، بل كان بأمر منه تعالى لرسوله الأعظم (صلى الله عليه وآله) بعد أن أعلنهفي السماوات العلى لجميع الموجودات العلويّة، فشاركت السماءُ الأرضَ فرحتها بتزويج النورين واقترانهما.
*
باسمه جلت أسماؤه: حتّى ولو لم تكن هناك روايات تدلّ على حضورهما (عليهما السلام) عند جسده (عليه السلام)، فإنّني اعتماداً على العمومات أجزم بوقوعه، ما بالك والروايات الدالّة عليه عديدة وصريحة.
ص:133
*
باسمه جلت أسماؤه: الأوّل هو غصب الخلافة، والثاني غصب فدك، والثالث كسر الضلع، وبعد هذه المصائب كانت الخطبة.
*
باسمه جلت أسماؤه: أجمعت روايات الفريقين على أنّه لمّا نزلقوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ(1) دعا النبيّ) صلى الله عليه وآله (فاطمة) عليها السلام (وأعطاها فدكاً، وهي عبارة عن قرية صالح عليها النبيّ) صلى الله عليه وآله (بعض اليهود، وهو راجع من خيبر، فصارت ملكاً خالصاً لها بأمر من الله تعالى، ولما قُبض) صلى الله عليه وآله (غصبها منها غاصب الخلافة، وأخرج منها وكيلها، فطالبته فأنكر النِّحلة ورد الشهود، فطالبت بها بالميراث فلم يعطها إيّاها.
*
باسمه جلت أسماؤه: فدك كما ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان قرية في الحجاز، بينها وبين المدينة يومان وقيل ثلاثة، وتقع بالقربمن خيبر، وهي حتّى الآن موجودة ومعروفة عند أهالي المدينة، إلاّ أنّها مهملة للأسف الشديد، وأمّا ما ورد في بعض الأخبار من تحديدها بعدن وسمرقندمن ناحية، وأفريقيا وسيف البحر من ناحية اخرى، فهو إشارة إلى أن ما اغتصب من أهل البيت (عليهم السلام) ليس مقصوراً على تلك القرية وحدها، بل هو عبارة عن كلّ ما تطاله يد الخلافة الإسلاميّة، وعلى ذلك فكلّ الأرض بحكم فدك، وكلّ مَن تسلّم دست الخلافة غصباً وقهراً لو كان صادقاً في دعواه ردّ فدك لأهلها، لرفع يد سيطرته عن الأرض كلّها; إذ أن إرجاع المغصوب لايتمّ إلاّ بذلك.
ص:134
ولماذا حرمها أبو بكر من حقّها؟
*
باسمه جلت أسماؤه: لقد غُصبت فدك من الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) لإضعاف أمير المؤمنين (عليه السلام) اقتصاديّاً، باعتباره المعارض الأوّل للدولة آنذاك، وإنّما طالبت (عليها السلام) بالميراث بعد إنكارهم النِّحلة; لكون استنقاذ الإنسان حقّهمن الغاصب أمراً مشروعاً بأي كيفيّة كان، وهذا ممّا لا إشكال فيه.
باسمه جلت أسماؤه: قضيّة فدك قضيّة عقائديّة; لأنّ عليها تبتني ولاية الإمام (عليه السلام).
وكُسر ضلعها،
وعُصرت خلف الباب؟ وما مدى صحّة قضية الجنين محسن الذي أسقطته السيّدة الزهراء جرّاء العصرة خلف الباب؟ وهل صحيح أنّ عُمر حاول حرق بيت السيّدة فاطمة؟
باسمه جلت أسماؤه: مسألة الاعتداء على بيت السيّدة الزهراء ممّا لايختلف فيها أحد من المؤرّخين، بل بلغت من الشهرة إلى الحدّ الذي جعلت حافظ إبراهيم - الملقّب بشاعر النيل - يعتبر أنّ من مناقب عمر بن الخطّاب أنّه استطاع أن يقف بوجه أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) حيث يقول:
وقولة لعليّ قالها عمر
وروايات اقتحام الدار وثّقتها عدّة من المصادر، منها:
ما ذكره اليعقوبي في تاريخه(1) ، وأبو بكر الجوهري في سقيفته، كما حكاه
ص:135
ابن أبي الحديد في شرح النهج(1).
وأمّا تفاصيل الاعتداء وآثاره من كسر الضلع وإسقاط الجنين، فقد وردت في العديد من كتب التاريخ والتفسير والحديث التي تنقلها بصورة مقاطع متفرّقة ممّا يؤدّي إلى الاطمئنان بحصولها، خاصّة إذا اضيفت إليها الروايات الواردة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) الدالّة على أنّه أخبر السيّدة الزهراء (عليها السلام) عمّا ستعانيه من بعده، وأنّها أوّل أهل بيته لحوقاً به.
أنّ الشهرة
العمليّة جابرة لسند الرواية وإن كانت ضعيفة، على اعتبار أنّ عمل المتقدّمين برواية ما كاشف عن أنّهم يرون صحّتها، وهذا بدوره يوجب الوثوق بصدورها، وسؤالي هو: هل يمكن تطبيق هذا المبنى على غير الروايات الفقهيّة، فنقول - على سبيل المثال - أنّ تلقّي الأصحاب المتقدّمين رواية فجيعة كسر ضلع الزهراء (صلوات الله تعالى وسلامه عليها) بالقبول وتسالمهم عليها يوجب الوثوق بصدورها، فإذا كان الملاك في جبر سند الرواية الضعيفة هو تلقّي الأصحاب لها بالقبول فالملاك متحقّق هنا أيضاً، مع ملاحظة أنّ رواية فجيعة كسر ضلع الزهراء
(صلوات الله تعالى وسلامه عليها) هي مجرّد مثال، وسؤالي هو عن الفكرة الكلّيّة؟
باسمه جلت أسماؤه: نعم هذا الدليل يشمل الروايات غير الفقهيّة أيضاً، ولكن لابدّ وأن يعلم أنّ الشهرة على أقسام:
1 - الشهرة الروائيّة.
2 - الشهرة العمليّة.
3 - الشهرة الفتوائيّة.
أمّا الشهرة الروائيّة: فهي من مرجّحات إحدى الروايتين الحجّتين على الاُخرى،
ص:136
وأمّا الشهرة العمليّة - وهي استناد المشهور إلى رواية وعملهم على طبقها - فهيمن مميّزات الحجّة (عج) (عج) عن اللاحجّة، وأمّا الشهرة الفتوائيّة: فهي لا تكون جابرة ولامرجّحة. وبما أنّ روايات مظلوميّة السيّدة الزهراء (عليها السلام) موردٌ للشهرة العمليّة، نظراً لاعتقاد الأعلام بمضامينها، ونظمهم لها في أشعارهم، وتألّمهم لها في كتبهم، وإحيائهم لها في مجالسهم ومآتمهم وعزائهم، فهذا يجبر سند الضعيف منها.
هل كانت قبل حادث الهجوم
على الدار أم بعده؟ وإذا كان الجواب أنّها (صلوات الله عليها) تلتها بعد هجوم القوم على دارها، فهل من دليل نقلي قاطع على ذلك؟ ثمّ هناك إشكاليّتان تنتجان من جوابنا بالإيجاب على السؤال الماضي، وهما:
الأوّل: لماذا لم تذكر السيّدة الزهراء في خطبتها القدسيّة أنّ القوم هجموا على دارها، ولم تنادِ بما جرى عليها من كسر الضلع الشريف؟
الثاني: كيف يمكن لسيّدة مكسورة الضلع أن تقوم وهي في تلك الحال لتخطب مثل تلك الخطبة؟
باسمه جلت أسماؤه: من الثابت أنّ للزهراء (عليها السلام) خطبتين: الاُولى: في مسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله)، والثانية في مجلس النساء قبل وفاتها، ومن التدقيق في المصادر التاريخيّة يظهر أنّ الهجوم على بيت فاطمة تكرّر ثلاث مرّات، وأنّ الجريمة الكبرى قد حصلت في المرّة الثالثة التي تمرّضت بعدها إلى أن توفّيت، وأنّ خطبتها في المسجد كانت قبل تلك الجريمة، وبذلك تندفع الإشكالية الثانية.
وأمّا عدم إخبارها (عليها السلام) بما جرى معها في خطبتها مع النساء فمردّه إلى يأسها من هؤلاء كما صرّحت للنساء قائلة: «أَصْبَحْتُ وَاللهِ عائِفَةً لِدُنْياكُنَّ، قالِيَةً لِرِجالِكُنَّ، لَفَظْتُهُمْ بَعْدَ أَنْ عَجَمْتُهُمْ».
أو لعلّ ذلك مندرج ضمن قول أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد مواراتها (عليها السلام): «فَكَمْ مِنْ غَليل مُعْتَلِج في صَدْرِها لَمْ تَجِدْ إِلى بَثِّهِ سَبِيلا».
ص:137
باسمه جلت أسماؤه: لاأظنّ بمن تتبّع كلمات القوم والروايات أن يشكّ في ذلك; نظراً لكثرة الروايات واستفاضتها من طريق الفريقين، بالمستوى الذي يتولّد عنه تواتر إجماليٌّ للمسألة. ومع ذلك لابأس بذكر بعض ما ورد في المقام:
1 - روى محمّد بن يعقوب الكليني بسند صحيح، عن الإمام الكاظم (عليه السلام) فيباب مولد الزهراء، الحديث الثاني أنّه قال:
«إِنَّ فاطِمَةَ صِدِّيقَةٌ شَهيدَةٌ».
والعلاّمة المجلسي بعد توصيفه الخبر بأنّه صحيح في مرآة العقول في شرح اصول الكافي(1) يقول: «إنّ هذا الخبر يدلّ على أنّ فاطمة (صلوات الله عليها) كانت شهيدة، وهو من المتواترات، وكان سبب ذلك أنّهم لما غصبوا... فضرب قنفذ غلام عمر الباب على بطن فاطمة (عليها السلام) فكسر جنبها، وأسقطت لذلك جنيناًكان سمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) محسناً، فمرضت لذلك وتوفّيت».
ثمّ يقوم المجلسي بذكر روايات من علماء السنّة والشيعة تأييداً لما أفاده في شرحه للحديث، منها ما عن سُليم بن قيس الهلالي في حديث طويل، وفيه: «فضربها قنفذ ودفعها، فكسر ضلعاً من جنبها، وألقت جنيناً من بطنها».
2 - ومنها: ما نقله الشيخ الجليل الصدوق المتوفّي سنة 381 ه - في أماليه(2) ، وفيه رواية مفصّلة عن ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أن يقول:
«قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وَإِنّي لمّا رَأَيْتُها ذَكَرْتُ ما يُصْنَعُ بِها بَعْدي، كَأَنّي بِها وَقَدْ دَخَلَ الذُّلُّ بَيْتَها، وَانْتُهِكَتْ حُرْمَتُها، وَغُصِبَ حَقُّها، وَمُنِعَتْ إِرْثَها، وَكُسِرَ جَنْبُها، وَأسْقَطَتْ جَنينَها،
ص:138
وَهي تُنادي: وامُحَمَّداهُ، فَلاَ تُجابُ، وَتَسْتَغيثُ فَلاَ تُغاثُ».
3 - ومنها: الزيارة التي رواها السيّد ابن طاووس في كتاب إقبال الأعمال وفيها: «وَصَلِّ عَلَى الْبَتولِ الطّاهِرَةِ،.. الْمَغْصُوبِ حَقُّها، الْمَمْنوعِ إِرْثُها، الْمَكْسورِ ضِلْعُها». وأمّا الروايات الدالّة على إضرام النار بالباب وضغط فاطمة (عليها السلام) بين الباب والجدار وسقوط جنينها - الملازم ذلك لكسر الضلع - فكثيرة، رواها الفريقان، فلاحظ ما رواه شيخ الطائفة أبّو جعفر الطوسي في تلخيص الشافي(1) حيث قال: «والمشهور الذي لاخلاف فيه بين الشيعة أنّ عمر ضربها على بطنها حتّى أسقطت فسمّي السقط محسناً، والرواية بذلك مشهورة عندهم، وما أرادوا من إحراق البيت حين التجأ إليها قوم وامتنعوا من بيعته، وليس لأحد أن ينكر الرواية بذلك، لأنّا قد بيّنّا الرواية الواردة من جهة العامّة من طريق البلاذري وغيره، ورواية الشيعة مستفيضة به لايختلفون في ذلك».
ويكتب المسعودي مؤلف مروج الذهب في كتابه إثبات الوصيّة(2): «فوجّهوا إلى منزله فهجموا عليه، وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كُرهاً، وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتّى أسقطت محسناً»، إلى غير ذلك ممّا أفاده العلماء.
*
باسمه جلت أسماؤه: ما حصل مع الزهراء (عليها السلام) من الاُمور الثابتة تاريخيّاً وروائيّاً، استناداً إلى النصوص المعتبرة، ولاينكر ذلك إلاّ جاهل أومعاند، وأمّا مسألة عدم وجود الأبواب على البيوت آنذاك فهي خلاف الحقائق التاريخيّة جدّاً، وكلُّ شيعي يحيط بكيفيّة ولادة أميرالمؤمنين (عليه السلام) داخل الكعبة يدرك الحقيقة بالبداهة.
ص:139
باسمه جلت أسماؤه: ما جرى على الزهراء (عليها السلام) من أخذ مالها وكسر ضلعها إنّما هو من أجل دفاعها ومطالبتها بحق الإمام عليّ (عليه السلام)، كما تشهد لذلك عدّة فقرات من خطبتها، فكيف تكون بعيدة عن فرضية خلافة عليّ (عليه السلام)، وإذا كانت ترتبط بخلافة الإمام عليّ (عليه السلام) فهذا يعني أنّها أساس ما يمتاز به الشيعة عن غيرهم، وعلى ذلك فكيف تكون قضية تاريخيّة لاعلاقة لها بعقيدة الشيعة.
بأنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) قد رُبط بسلاسل من حديد حين رفض مبايعة أبي بكر، وهذا ما منعه من ردع عمر عند تهديده بحرق بيته بالنار، فما مدى صحّة هذه الروايات؟ وماذا عمل الإمام (عليه السلام) حينما انتهكت حرمته؟ إن كان مضطرّاً للصبر لكي لايتفرّق المسلمون فكيف يسكت (عليه السلام) عن كسر ضلع الزهراء (عليها السلام)؟
وقرأت أيضاً أنّ الزهراء كان لها ابن وبنت، اسمهما محسن ومحسنة، فهل صحيح أنّهما قتلا أثناء عصر الزهراء (عليها السلام) بالباب وكسر ضلعها الشريف؟
باسمه جلت أسماؤه: الربط بالسلاسل لاأصل معتبر له، ولكنّ الظاهر أنّه (عليه السلام) لم يكن حاضراً حين عصر السيّدة الزهراء (عليها السلام)، وأمّا سكوته (عليه السلام) فلما أشرتم إليه، وأمّا قتل جنينها محسن فهو صحيح، ولكن وجود بنت لها باسم محسنة قتلت ممّا لاأصل له.
باسمه جلت أسماؤه: الفاجعة عظيمة بحدّ لايقدر مَن له أدنى درجة من الإنسانيّة والوجدان أن يتصوّر وقوعها، ولكن المحقّق من الآثار والتواريخ ثبوت
ص:140
ذلك حتّى عند الفحول من العلماء الأكابر.
* باسمه جلت أسماؤه: على الشيعة بمقتضى قوله (عليه السلام):
«شِيعَتُنا خُلِقوا مِنْ فاضِلَ طِينتنا، يَحْزَنونَ لِحُزْنِنا وَيَفْرَحونَ لِفَرَحِنا» إحياء ذكرى السيّدة الزهراء (عليها آلاف التحيّة والثناء) في كلّ يوم يُحتمل وقوع شهادة السيّدة فيه، ومن تلكم الأيّام يوم الأربعين بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله).
باسمه جلت أسماؤه: كتاب سُليم بن قيس، وإن أورد عليه بإيرادات، إلاّ أنّ كثيراً منها قد دفعها السيّد الخوئي (رحمه الله تعالى)، ولكنّه ناقش فيه بما هو أوضح ردّاً ممّا أفاده بالنسبة إلى الإيرادات الاُخر.
وقد أفاد المجلسي (رحمه الله) في حقّ الكتاب ما لايتوقّف أحد في اعتباره بعد ملاحظة ما أفاده، ويروي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال:
«مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ شِيعَتِنا
وَمُحِبِّينا كَتاب سُليمِ بْنِ قَيْس الْهِلالي فَلَيْسَ عِنْدَهُ مِنْ أَمْرِنا شَيْءٌ، وَلاَ يَعْلَمُ مِنْ أَسْبابِنا شَيْئاً، وَهُوَ أَبْجَدُ الشّيعَةِ، وَهُوَ سِرٌّ مِنْ أَسْرارِ آلِ مُحَمَّد (صلى الله عليه وآله)».
ولقد ذكر العلاّمة المامقاني في رجاله ما يوجب اطمئنان الإنسان بأنّ الكتاب الذي بأيدينا هو لسُليم بن قيس الذي اتّفقت الكلمة على وثاقته، أضف إلى جميع ذلك أنّ كسر الضلع قد ذكرنا روايات في ثبوته في غير واحد من أجوبتنا، فراجع.
باسمه جلت أسماؤه: المنكر إمّا جاهل، أو موال ولكنّه لايقدر أن
ص:141
يعتقد أنّه قد وصل الخبث لدى البعض إلى حدّ ارتكاب الجنايات والجرائم بحقّ الصدّيقة الطاهرة، أو مستأجر، أو مسترزق.
باسمه جلت أسماؤه: هذه الاُمور ممّا ثبتت بحسب روايات الفريقين، فالمنكر إمّا أن يكون معانداً، أو غير مطّلع، أو مشتبهاً يتخيّل أنّ الاعتراف بها يوجب التفرقة بين المسلمين، والتفرقة في هذا الزمان توجب ضعف الإسلام والمسلمين أو ما يقارب ذلك، والوظيفة على كلّ تقدير ظاهرة.
*
باسمه جلت أسماؤه: يختلف الأمر بين أن يكون ذلك ناتجاً عن نكران وجحود ما ورد في ذلك عن الأئمّة (عليهم السلام)، وبين أن يكون ناتجاً عن جهل وعدم علم واطلاع. فإنّ كان من القسم الثاني فلا يكون ذلك خروجاً عن المذهب، خلافاًلما يكون فيه جحود لما هو ثابت عن الأئمّة (عليهم السلام).
هل كان الإمام عليّ (عليه السلام) هناكأم لا؟ وإن كان هناك لِمَ لمْ يدافع عن حرمة البيت؟ أم أنّه مأمور أن يتقبّل الموضوع؟ وهل صحيح أنّ اللعينين سحباه من عنقه؟
*
باسمه جلت أسماؤه: المستفاد من الأخبار - كما أفاد بعض المحقّقين - أنّ القوم بعدما أحسّوا بوجود الزهراء (عليها السلام) داخل البيت بادروا إلى الهجوم، فتصدّت لهم الزهراء (عليها السلام)، وخلال لحظات - وربّما ثوان يسيرة - حُصرت بين الباب والحائط، واُسقط الجنين، وحصل ما حصل، وبقول ذلك المحقّق: فسمع (عليه السلام) الصوت فبادر إليهم، وقد وصلوا داخل البيت فواجههم، وأخذ أحدهم فجلد به الأرض، وانشغل (عليه السلام) بالزهراء، فوجدوا الفرصة للفرار إلى الخارج.
ص:142
باسمه جلت أسماؤه: فلسفة تغييب قبرها أوضح من أن تبين، فإنّغياب قبرها - رغم كونها الابنة المعزّزة لدى أبيها (صلى الله عليه وآله) - وظهور قبور غيرها ممّنهم أقلّ منها شأناً ومكانة، ممّا يثير علامة استفهام واضحة لدى كلّ من يتشرّف بزيارة المدينة المنوّرة أو يقرأ تاريخها، وليس هنالك ما يرفع علامة الاستفهامهذه إلاّ صرخات الزهراء (عليها السلام) المدوّية عبر التاريخ.
باسمه جلت أسماؤه: هذه الرواية معتبرة; لأنّها مأخوذة من كتاب الوصيّة لعيسى بن المستفاد، وهو من الاُصول المعتبرة، فقد ذكره النجاشي والشيخ (قدس سرهما) في فهرسيهما، وأورد أكثر الكتاب السيّد ابن طاووس (قدس سره) في كتاب الطرف، وذكر الكليني الحديث أيضاً ولكن بشكل مختصر.
بأنّه عيد عظيم، وهو عيد البقر، وشرحه طويل مذكور في محلّه، وروي أنّ مَن أنفق شيئاً في هذا اليوم غفرت ذنوبه، وقيل يستحب في هذا اليوم إطعام الإخوان المؤمنين وإفراحهم، والتوسّع في نفقة العيال، ولبس الثياب الطّيّبة، وشكر الله تعالى وعبادته، وهو يوم زوال الغموم والأحزان، وهو يوم شريف جدّاً، فما هو عيد البقر؟ ولم سمّي بهذا الاسم دون سواه؟ *
باسمه جلت أسماؤه: (البَقْر) مصدر بقر يبقر بقراً، والمراد منه يوم شقّ بطن أحد أعداء الزهراء (عليها السلام)، وهو الذي ظلمها وهجم عليها وعصرها وأسقط جنينها، ممّا أدّى إلى شهادتها - كما وردَ ذلك مستفيضاً في كتب الفريقين - وقد بُقِرَ بطنه في اليوم التاسع من شهر ربيع الأوّل على يد التابعي الجليل أبي لؤلؤة
ص:143
النهاوندي المدني، فيحتفي الشيعة فرحاً بهذا اليوم، ويعبّرون عنه بعيد البقر; لأنّهم يعتقدون أنّ الله
تعالى قد انتقم فيه للصدّيقة الزهراء (عليها السلام) ممّن ظلمها وهتك حرمتها، وذلك ببقر بطنه وتمزيقه، هذا مضافاً إلى أنّ هذا اليوم هو يوم تنصيب إمام زماننا المهدي المنتظر.
*
باسمه جلت أسماؤه: بحسب ما وصلنا هناك روايةٌ واحدة مرتبطة بعيد الصدّيقة الطاهرة (عليها السلام)، نقلها المحدّث النوري (قدس سره) في المستدرك، وهي رواية أحمد بن إسحاق القمّي، والرواية وإن كانت ضعيفة السند، إلاّ أنّ ذلك لايضرّ بها; باعتبار أنّ مضامينها من المستحبّات التي تجري فيها قاعدة التسامح في أدلّةِ السنن، وكذا لايضرّ بها وجودُ بعض الفقرات التي لايمكن العملُ بها، كالفقرة الدالّة على رفع القلم في ذلك اليوم; إذ أنّ المختار لدينا هو إمكان التبعيض في الحجّيّة.
*
باسمه جلت أسماؤه: هو اليوم الذي قتل فيه مَن اعتدى عليها، وتسبّب في إسقاط جنينها وشهادتها.
ص:144
ومن بينهم الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، وأنّ صلحه وهدنته ومعاهدته مع معاوية (لعنه الله) كان لمصلحة الاُمّة، وبه كشف حقيقة ذلك الشخص وغير ذلك، ولكن هناك نقطة لم أفهمها، وهي أنّهإذا لم يلتزم أحد الأطراف بشروط المعاهدة فيمكن للآخر فضّها، وهو الذي حدث حيث أنّ معاوية لم يلتزم بجميع شروط الصلح وخرقها منذ بداية المصالحة، فلماذالم يحاربه الإمام الحسن (عليه السلام) حينها، أو يقوم بحركة مّا ضدّ ذلك الرجل، وماذاكان موقفه (عليه السلام) من تلك الخروقات؟ وماذا كان موقف الإمام الحسين (عليه السلام) أثناء البيعة، حيث أنّ البعض يروّج أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) كان يعارض أخاه الإمام الحسن (عليه السلام)؟ وهل كان الإمام الحسين (عليه السلام) من بين الموقّعين على وثيقة الصلح؟ والإمام الحسين (عليه السلام) مضى عليه منذ استشهاد الإمام الحسن (عليه السلام) إلى وفاة معاوية عشر سنوات، وكان شروط الصلح طوال تلك السنين تخرق، فلماذا لم يرفع السيف وقتها أو يقوم بحركة مّا ضدّ ذلك الرجل؟
*
باسمه جلت أسماؤه: صلح الإمام الحسن (عليه السلام) كان من جهة عدم تمكّنه من الحرب والجهاد، بسبب خذلان الآخرين له، ورغبتهم في عدم الحرب، كما تؤكّد ذلك الوثائق التأريخيّة، وكان الإمام الحسين (عليه السلام) موافقاً له; ولذلك لم يحارب معاوية في السنوات العشر بعد أخيه، لنفس العلّة التي منعت أخاه الإمام الحسن (عليه السلام) من المواجهة، وليس من جهة الالتزام بالصلح وشروطه، ولكنّه بعد تصدّي يزيد للخلافة وارتفاع العلّة المانعة، وتوفّر شروط القيام، بادرَ فوراً للخروج.
*
باسمه جلت أسماؤه: بما أنّ شهر صفر - إلى جانب شهر المحرّم - شهر
ص:145
حزن ومصيبة، كما هو مفاد بعض الأخبار، وكانت سيرة الأعاظم من علماء الطائفة (قدس سرهم) على إحياء الشهرين معاً حزناً على أهل البيت (عليهم السلام) ومواساة لهم; لذلك فإنّا مقيّدون بالعمل بشهادة الإمام الحسن (عليه السلام)، سيّما مع وجود قول آخر - وهو الأقرب للتحقيق - بولادة الإمام الكاظم (عليه السلام) في النصف الثاني من شهر ذي الحجّة (عج) (عج)، وإن لم يمكن ضبطه بالتحديد.
بعد أن سقته السمّ زوجته جعدة بنت الأشعث (عليها اللعنة وسوء العذاب) لفظ كبده، والسؤال: كيف يمكنأن نفهم أنّ المسموم يلفظ الكبد، علماً أنّ الكبد ليست داخل المعدة وإنّما خارجها كما تعلمون؟
باسمه جلت أسماؤه: إن حملنا لفظ الكبد على العضو الخاصّ، فماأشرتم إليه صحيح; ولذا يُحمل قيء الكبد على اشتماله على قطعات شبيهة بالكبد - مثلاً -، وإن حملناه على المعنى اللغوي - كما هو الصحيح - فالكبد يُراد بها الأحشاء، وحينئذ يكون معنى قيء الكبد قيء بعض الأجزاء الداخليّة، وهذا لامحذور فيه.
ص:146
باسمه جلت أسماؤه: القصّة المذكورة رواها بعض المؤرّخين - كابن قتيبة في الإمامة والسياسة - وهي تدلّ على عظمة الخُلُق الحسيني، ودناءة الخُلُق الأموي، ولكنّها ينقصها السند المعتبر، ولم ترد في شيء من مصادرنا.
اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً (1) ، مع أن فرعون كان يريد قتل النبيّ موسى) عليه السلام (، وأمر الله النبيّ محمّداً) صلى الله عليه وآله (فقال له: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ(2) ، مع أنّ كبار قريش كانوا يريدون قتل النبيّ) صلى الله عليه وآله (، فلماذا جاهد الإمام الحسين) عليه السلام (يزيد وأعوانه; لأنّهم يريدون قتله، ولم يطبق منهج الأنبياء) عليهم السلام (؟ وهل الجهاد يدخل في إطار العنف؟
باسمه جلت أسماؤه: لايخفى على مَن راجع تاريخ واقعة الطفّ أنّ الإمام الحسين وأصحابه (عليه السلام) قد بذلوا أقصى جهدهم لأجل ثني أعدائهم عن الحرب والقتال، وبالغوا في وعظهم وتحذيرهم، ولكن لم يُجدِ معهم أيُ وعظ أو تحذير، ومع ذلك كلّه فإنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لم يأذن لأصحابه بابتداء الحرب في أوّل الأمر، بل انتظر حتّى بدأه أعداؤه بالحرب، فجاهدهم حينئذ جهاداً دفاعيّاً، كجهاد جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) لأعدائه من المشركين واليهود وغيرهم.
باسمه جلت أسماؤه: الإمام الحسين (عليه السلام) لم يكن طالب شيء سوى بقاء الإسلام، الذي كان على مشارف الاضمحلال، ولولا ثورته لما بقي الإسلام،
ص:147
وكيف يُتصوّر في حقّه أن يكون طالباً للحكم والسلطان وهو يعلم بشهادته، كما صرّح بذلك عند خروجه من مكّة المكرّمة حيث قال:
«كَأَنِّي بِأَوْصالِي تُقَطِّعُهاعُسْلاَنُ الْفَلَواتِ بَيْنَ النَّواوِيسِ وَكَرْبَلاَءَ»(1).
وقال أيضاً في وصيّته لأخيه محمّد بن الحنفيّة:
«مَنْ لَحِقَ بيَ اسْتُشْهِدَ، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنّي لَمْ يُدْرِكِ الْفَتْحَ»(2).
وتصميمه على الموت قد يحكم عليه بالإقدام على التهلكة، لأنّه ذهب إلى الموت بيده، فما هو الجواب عن ذلك؟
باسمه جلت أسماؤه: حرمة الإلقاء بالنفس في التهلكة تكاد أن تكون من الأحكام الضروريّة في الشريعة إن لم تكن منها، ويُراد بالتهلكة إتلاف النفسفي غير الموارد التي أمر اللهُ تعالى فيها بإتلافها، كموارد الجهاد مثلا، وبالتالي فالآية لاتشمل الإمام الحسين (عليه السلام); لأنّ ما قام به كان جهاداً عن الدين ودفاعاً عن حرمته المنتهكة.
باسمه جلت أسماؤه: إن كان المقصود منها أنّ وعي الناس بأهمّية وجود قائد لهم كالإمام الحسين (عليه السلام) كان ناقصاً، فهذا ما لاغبار عليه، وإن كان
ص:148
المقصود منها - والمستجار بالله - نسبة قلّة الوعي للإمام الحسين وأصحابه (عليه السلام)، فهي ضلال محض; لأنّ كلّ حركات الإمام الحسين (عليه السلام) وأعماله إنّما كانت على طبق التوجيهات الإل - هيّة التي رسمها الله تعالى له.
باسمه جلت أسماؤه: أساس ما جرى يوم كربلاء هو ما جرى يوم السقيفة، وقد ضمّن هذا المعنى في أشعاره من علماء العامّة القاضى أبو بكر ابن أبي قريعة، حيث قال:
واُريكمُ أنّ الحسينَ اُصيبَ في يوم السقيفة
ومن الشيعة المحقّق الأصفهاني (قدس سره) في ارجوزته، حيث قال:
وما أصابَ امّها من البلا فهو تراثها بطفّ كربلا
إلاّ أنّ المستفاد من الروايات أنّ مصيبة الحسين (عليه السلام) هي أشدّ المصائب على الاطلاق، كما يشهد بذلك قول الإمام الحسن (عليه السلام) لأخيه: «لاَ يوم كَيومك يا أبا عبد الله».
فإن كانت في الأوّل من محرّم، فما الحكمة التي يقتضيها خروج الإمام الحسين (عليه السلام) في نفس اليوم ومن نفس المكان (مكّة) ولنفس السبب - وهو التهديد بالقتل والاغتيال - ولنفس الغاية أيضاً وهي نصرة الإسلام؟
باسمه جلت أسماؤه: الحكمة - لو كان يوم هجرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) هو الأوّل من المحرّم - ظاهرة، فإنّ مبدأ ثورة النبيّ العظيم (صلى الله عليه وآله) هو يوم هجرته من مكّة، وبذلك قام الإسلام، وكان استمرار ثورته بثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، والفرض أنّ مبدأ كلتا الثورتين هو أوّل محرّم، ولكن الصحيح أنّ هجرة النبيّ (صلى الله عليه وآله) كانت في اليوم الأوّل
ص:149
من شهر ربيع الأوّل.
«وه - ذَا اللَّيْلُ قَدْ غَشِيَكُمْ فَاتَّخِذِوهُ جَمَلاً، ثُمَّ تَفَرَّقُوا في سَوادِكُمْ وَمَدَائِنِكُمْ حَتّى يُفَرِّجَ اللهُ، فَإِنَّ الْقَوْمَ إِنَّما يَطْلُبُونَنَي، وَلَوْ أَصابُونِي لَهَوا عَنْ طَلَبِ غَيْرِي»(1) ، فهل الذين غادروا ولم ينصروا الإمام (عليه السلام) لاإثم
ولاذنب عليهم; لأنّ الإمام (عليه السلام) قد أحلَّ ذلك لهم، أم كان ذلك امتحاناً لهم، كما يظهر ذلك من قول السيّدة زينب (عليها السلام): «هَلِ اخْتَبَرْتَ أَصْحابَك»؟
باسمه جلت أسماؤه: كان الإمام الحسين (عليه السلام) من أوّل خروجه من المدينة يصرّح بمصيره، ويدعو الآخرين لإعداد أنفسهم للتضحية بين يديه، كقوله (عليه السلام):
«أَلاَ وَمَنْ كانَ باذِلاً فِينا مُهْجَتَهُ، مُوَطِّناً عَلى لِقاءِ اللهِ نَفْسَهُ، فَلْيَرْحَلْ
ص:150
مَعَنا»(1) ، ومع ذلك فإنّ جماعة ممّن رحلوا معه كانت أغراضهم دنيويّة، وأراد الإمام (عليه السلام) ليلة عاشوراء بإذنه لهؤلاء في الذهاب أن لايبقى أحد منهم مكرهاً، وهذا لايعني عدم مأثوميّتهم في تركهم لنصرة مَن تجب عليهم نصرته.
«يا أُخْتاهُ، إِنّي أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ فَأَبرّي قَسَمي، لاَ تَشُقّي عَلَيَّ جَيْباً، وَلاَ تَخْمِشي عَلَيَّ وَجْهاً، وَلاَ تَدْعي عَليَّ بِالْوَيْلِ وَالثّبورِ إِذا أَنا هَلَكْتُ»؟
*
باسمه جلت أسماؤه: الظاهر بمعونة القرائن الخارجيّة أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) أراد للسيّدة زينب (عليها السلام) ومَن بمعيّتها من النساء أن يقمن بتتميم دورهبعد شهادته، وبما أنّ ذلك يتوقّف على المزيد من القوّة والصلابة; لذلك فإنّ نهيه عن الظهور بمظاهر الضعف والانهيار بعد استشهاده كان نهيّاً إرشاديّاً لذلك.
باسمه جلت أسماؤه: لو صحّ ذلك - وهو لم يصحّ بطريق معتبر - فمقصود الإمام الحسين (عليه السلام) منه إتمام الحجّة (عج) على القوم، لإثبات أنّه لم يجيء للحرب، وإنّما جاء إجابة لدعوة القوم إيّاه ليكون إماماً مطاعاً.
هم شيعة العراق، ولذا تراهم - بعد دعوة الحسين عليهم وإلى يوم الناس هذا - ملعونون أينما ثقفوا وقتلوا تقتيلا، وما يحدث في العراق اليوم خير برهان على ذلك، فما قولكم؟ *
باسمه جلت أسماؤه: لو فرضنا - وفرض المحال ليس بمحال - أنّ الشيعة هم الذين قتلوا الحسين (عليه السلام)، فما هو ذنب شيعة اليوم حتّى تشملهم دعوة
ص:151
الحسين (عليه السلام)؟!! ولو كان الأمر كما يقول هذا القائل لكان اتّهاماً للعدالة الإل - هيّة، هذا مضافاً إلى أنّ المحقّق تاريخيّاً - كما يذكر ذلك اليعقوبي في تاريخه - أنّ الكوفة في زمن خروج الحسين (عليه السلام) لم تكن منطقة شيعيّة، وإنّما كانت أخلاطاً من الناس، فكان فيها المسلمون والخوارج والأمويون والنصارى واليهود، وهؤلاء هم الذين اشتركوا في قتل سيّد الشهداء (عليه السلام)، والذي يؤكّد ذلك مخاطبة الإمام الحسين (عليه السلام) لهم يوم عاشوراء:
«وَيْحَكُمْ يا شيعَةَ آلِ أَبي سُفْيان»، وأنّهم حين قال لهم:
«بِأَيِّ ذَنْب تُقاتِلوني؟ قالوا له: إنّما نقاتلك بغضاً منّا لأبيك».
باسمه جلت أسماؤه: الثابت أنّ سيّد الشهداء (عليه السلام) رمى بدم ابنه الرضيع (عليه السلام)، وكذا بدمه الطاهر أيضاً لمّا أصابه السهم المثلّث في قلبه المقدّس، فلم ترجع من ذلك ولاقطرة واحدة من الدم، والسرّ في ذلك هو المنع من نزول العذاب على القوم.
باسمه جلت أسماؤه: قال ابن شهرآشوب في مناقبه متحدّثاً عن سيّد الشهداء (عليه السلام): «فلم يزل يقاتل حتّى قتل ألف رجل وتسعمائة رجل وخمسين رجلا سوى المجروحين».
باسمه جلت أسماؤه: من مظاهر الهزيمة الأمويّة: عدم استمرار تلك الدولة كثيراً، حيث هلك يزيد وقُتل أعوانه، وقيام التوّابين بثورتهم ممّا لم يترك لبني اميّة عيشاً راغداً، وخلع أهل المدينة لبيعة يزيد ومبايعة عبد الله بن حنظلة غسيل
ص:152
الملائكة، وقيام ابن الزبير في مكّة، وانقلاب الرأي العامّ على يزيد بعد خطب
أهل البيت (عليهم السلام) في الشام، والأهمّ من كلّ ذلك تحقّق أهداف الإمام الحسين (عليه السلام) وفشل مخططات الأمويّين.
باسمه جلت أسماؤه: من الأحرار أهل المدينة، وعبد الله بن عفيف (رضي الله عنه)، والتوّابون، ورسول ملك الروم الذي اعترض على قرع يزيد للرأس الشريف، ومن أراد التفصيل فليرجع لكتب السير والمقاتل.
إِنْ كانَ دينُ مُحَمَّد لَمْ يَسْتَقِمْإِلاّ بِقَتْلي يا سيوفُ خُذيني
هل هو للإمام الحسين (عليه السلام)؟
باسمه جلت أسماؤه: البيت المذكور للشاعر المعروف الشيخ محسن أبو الحبّ (رحمه الله) - كما هو مثبت في ديوانه - وإنّما يُنسب للإمام الحسين (عليه السلام) على نحو لسان الحال.
باسمه جلت أسماؤه: إكمال الدين في الآية المباركة يعني جعل أمير المؤمنين (عليه السلام) وليّاً وإماماً وخليفة وحافظاً للدين والإسلام، ومن بعده أبناؤه الأئمّة الطاهرون (عليهم السلام)، وبما أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) أحدهم فهذا يعني أنّ الدين لايمكنأن يكمل بغير إمامته وجهوده التي بذلها في زمن إمامته.
ص:153
الإمام الحسين (عليه السلام) النساء معه عند ذهابه إلى كربلاء؟
باسمه جلت أسماؤه: لم يكن خروج الإمام الحسين (عليه السلام) إلى كربلاء بعنوان الجهاد، حتّى يقال: لِم أخذ النساء معه، مع أنّهن لاجهاد عليهنّ؟، وإنّما حُوصرَ في أرض كربلاء وفُرضَ عليه حينها الدفاع عن نفسه، فكان جهاده جهاداً دفاعيّاً، ومع ذلك قد منع النساء عن المشاركة فيه.
باسمه جلت أسماؤه: القول المذكور صحيح لاإشكال فيه، فإنّ نساء أهل بيت النبوّة والإمامة أجلّ من أن يخرجن حواسر مكشفات بمرأى الناظر الأجنبي، ولكن هذا لايعني بطلان ما جاء في زيارة الناحية من خروجهن ناشرات الشعور; لإمكان حمله على النشر من وراء الثياب، تعبيراً عن شدّة الحزن والمصاب.
باسمه جلت أسماؤه: الأنصار هم الذين يعينون على العدوّ، بينما الأصحاب هم الملازمون للشخص، سواء أعانوه على العدوّ أم لا، وبعبارة اخرى: إنّ النسبة بين العنوانين هي نسبة العموم والخصوص من وجه، فإنّ الناصر يوفّق للنصرة ودفع العدوّ ولكنّه قد لايوفّق للصحبة والملازمة، كالنصراني الذي أسلم على يد الحسين (عليه السلام) وقاتل بين يديه، والصاحب قد يوفّق للملازمة حيناً من الزمان ولكنّه لايوفق للنصرة، كمحمّد بن الحنفيّة (رضوان الله عليه)، وقد يوفّق شخص للنصرة والصحبة معاً كحبيب بن المظاهر (رضوان الله عليه).
ص:154
*
باسمه جلت أسماؤه: هناك اختلاف شديد بين المؤرّخين في تحديد عدد أنصاره (عليه أفضل الصلاة والسلام)، وتعيين أشخاصهم، ومن هنا فإنّه لايمكننا ضبط جميع أنصاره (عليه السلام)، والأفضل هو الرجوع إلى الكتب المختصّة في هذا المجال.
باسمه جلت أسماؤه: الروايات في ذلك مختلفة، والمظنون بالظنّ المتاخم للعلم أنّ دفنه (عليه السلام) ودفن أصحابه قد تمّ في الليلة الثانية عشر.
باسمه جلت أسماؤه: قد وقع الخلاف في مدفن رأسه الشريف على أقوال:
الأوّل: ما يشترك فيه الإماميّة والعامّة، وهو أنّه بعدما طيف بالرأس في الشام ردّ إلى كربلاء، ودفن مع الجسد، وهو المشهور بين الإماميّة، كما قد صرّح بذلك جمع من علماء الإماميّة، بل قد ادّعي عليه الإجماع في كلمات بعض معاصرينا.
الثاني: ما يشترك فيه العامّة والإسماعيليّة، وهو أنّه دفن في دمشق، ثمّ نقل إلى عسقلان، ومنها إلى القاهرة.
الثالث: ما اختصّ به بعض الإماميّة، وهو أنّ الرأس دفن عند أبيه (عليه السلام) بالنجف الأشرف، ولم يعرف قائله صريحاً إلاّ ما يُستظهر من صاحب الوسائل، وتدلّ عليه بعض الأخبار، ولكن الأصحاب تأمّلوا فيها.
الرابع: ما اختصّ به بعض العامّة، وهو أنّه دفن بالمدينة المنوّرة بجانب قبر امّه الصدّيقة الزهراء (عليها السلام).
الخامس: ما اختاره جماعة، وهو أنّه مع بدنه الشريف عرج به إلى السماء.
ص:155
والذي أختاره واستفدته من الروايات الكثيرة الصريحة الدلالة بقاؤه (عليه السلام) في الأرض، بل ادّعي تواتر الأخبار في ذلك. وأمّا محل دفن الرأس فكلّما تفحّصتلم أقدر على الاطمئنان بدفن الرأس في مكان خاصّ; لأنّ أدلّتها جميعاً ليست قاطعة كما صرّح بذلك بعض المتتبّعين، ولنعم ما أفاده صاحب تذكرة الخواص، حيث قال: «وبالجملة ففي أيّ مكان كان رأسه الشريف أو جسده، فهو ساكنفي القلوب والضمائر، قاطن في الأسرار والخواطر، وأنشدنا بعض أشياخنا:
لا تطلبوا المولى الحسين
باسمه جلت أسماؤه: الذي صرّح به السبط في التذكرة، وهو المشهور عند المحدّثين والمؤرّخين، وبه قال الطبري والاسفرائني والدنيوري وغيرهم: أنّ رؤوس الشهداء بعثت مع رأس سيّد الشهداء (عليه السلام) من كربلاء إلى الكوفة، ومنهاإلى الشام، وردت إلى كربلاء، ودفنت مع الأجساد.
وفي ترجمة تاريخ الأعثم الكوفي: «ثمّ جهز يزيد عليّ بن الحسين ومَن معه إلى المدينة، وسلّم إليهم رؤوس الشهداء، فتوجّهوا إلى المدينة ووصلوا إلى كربلاء في يوم العشرين من صفر، فدفن الرأس مع الجسد الشريف، ودفنوا رؤوس الشهداء هناك».
وفي تاريخ حبيب السير: «أنّ يزيد بن معاوية سلّم رؤوس الشهداء إلى عليّ بن الحسين (عليهما السلام) فألحقها بالأبدان الطاهرة يوم العشرين من صفر، ثمّ توجّه إلى المدينة المنوّرة، وقال: وهذا أصلح الروايات الواردة».
ص:156
الشريفة: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِن آيَاتِنَا عَجَباً(1) على وجه الخصوص دون غيرها من الآيات؟
باسمه جلت أسماؤه: قرائته (عليه السلام) للآية المذكورة من قبيل القضايا التي قياساتها معها، فإنّه (عليه السلام) أراد أن يبرهن على أنّ التكلّم من رأس مقطوع ومرفوععلى الرمح آية إل - هيّة لاداعي للتعجّب منها; لما هو ثابت قرآنيّاً من حياة أصحاب الكهف وتكلّمهم بعد موتهم بعشرات السنين، فكما أنّ هؤلاء قد كانت لهم آية إل - هيّة تثبت ظلامتهم وكرامتهم عند خالقهم، فكذلك سيّد الشهداء (عليه السلام) أيضاً.
باسمه جلت أسماؤه: نعم، على مبانينا الاُصوليّة هي رواية معتبرة بلا ريب.
لأنّها كانت قويّة في الكوفة، فهل ناقل هذه الرواية يعتبر كذّاباً مع علمه وتيقّنه بأنّها رواية صحيحة؟
باسمه جلت أسماؤه: الرواية المذكورة معتبرة، وناقلها محكوم بالصدق، ولاتجوز نسبة الكذب إليه.
«يا ليتنا كنّا معكم سيّدي فنفوز فوزاً عظيماً» وأحد
المعصومين (عليه السلام) أقرّهم على ذلك؟ وهل رواية السيّدة زينب (عليها السلام) وضرب رأسها بالمحمل صحيحة؟
ص:157
باسمه جلت أسماؤه: ذكرنا في بعض أجوبتنا: أنّ رواية المحمل رواية معتبرة، وأمّا رواية بني أسد فلا وجود لها في الكتب المعتبرة.
في أربعين سيّد الشهداء (عليه السلام) في السنة الاُولى من استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)؟ أو كان هذا الرجوع في السنة الثانية؟
*
باسمه جلت أسماؤه: بعد التفحّص الكامل والتحقيق اطمئننت بأنّ رجوع السبايا (عليهم السلام) كان في أربعين الإمام (عليه السلام) من نفس السنة التي استشهد فيها الإمام الحسين (عليه السلام).
*
باسمه جلت أسماؤه: قيل ذلك، ولكنّه مستبعد غايته، ومع ذلك فإنّ مجرّد التشاؤم ما لم يترتّب عليه أثر عملي لاحزازة فيه، وهو من جملة ما امتنّالله برفعه عن هذه الاُمّة في حديث الرفع.
ضناني الحرب والسهر الطويل
فهل في هذه الأبيات ذمّ لعقيل بن أبي طالب؟
باسمه جلت أسماؤه: قوله (عليه السلام): «وما أبدى جوابك يا عقيل» - على فرض صدوره عنه - لعلّه إشارة منه لجواب والده عقيل (رضي الله عنه) لمعاوية، عندما طلب منه أربعمائة درهم، فسأله معاوية: وما تصنع بها؟
فقال: أشتري بها جارية.
فقال له معاوية: وما تصنع بجارية بأربعمائة درهم، وتكفيك جارية بأقلّ
ص:158
من ذلك؟
فأجابه عقيل: لتلد لي غلاماً إذا أعطيته يضرب رأسك بالسيف، فهو في هذا العجز من البيت يشير إلى ذلك، وأنّ الله تعالى قد حقّق لعقيل مأموله. ولكنبما أنّ قضايا ورود عقيل بن أبي طالب على معاوية من القضايا المشكوكة تاريخيّاً; لذلك فالتوجيه المذكور لايخلو عن حزازة، والصحيح أنّه (عليه السلام) أراد بما قال مخاطبة والده عقيل بن أبي طالب (رضي الله عنه) وطمأنته بأنّه ماض في سبيل الأخذ بثأرات عميه جعفر بن أبي طالب، وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام).
باسمه جلت أسماؤه: لاسبيل للجزم بأنّ شرب الماء كان وسيلة لإنقاذ مولانا قمر بني هاشم (عليه السلام) لنفسه ولغيره، سيّما مع علمه بالمصير الحتمي الذي أفصح عنه سيّد الشهداء الحسين (عليه السلام)، وعلى فرض توفّر الشواهد التاريخيّة على كون شربه للماء وسيلة للنجاة، فإنّه لم يعلم أنّ ذلك كان وظيفته الفعليّة; إذ الظاهر من قوله (عليه السلام) في الرجز المشهور عنه: «تالله ما هذا فعال ديني» أنّ شرب الماءكان محرّماً في حقّه، وهو الأعلم بوظيفته وتكليفه، كيف لا؟ وهو الذي قال المعصوم (عليه السلام) في حقّه بأنّه: «زُقَّ الْعِلْمَ زِقّاً».
باسمه جلت أسماؤه: كلاهما (عليهما السلام) لهما من الفضائل والمناقب والكمالات ما يجعلهما تاليين للمعصومين (عليهم السلام)، فليس بعد المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) أفضل منهما، ولكنّ العصمة الثابتة للمعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام) منحصرة بهم فقط.
ص:159
في كتاب الغيبة للطوسي، والتي تقول: «أوصى الحسين بن عليّ (عليه السلام) إلى اخته زينب في الظاهر، فكان ما يخرج من الإمام زين العابدين (عليه السلام) ينسبإلى زينب سرّاً»؟
باسمه جلت أسماؤه: الرواية معتبرة لاإشكال فيها.
باسمه جلت أسماؤه: المعروف تاريخيّاً أنّها (صلوات الله عليها) خرجت من مدينة جدّها الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) متوجّهة إلى مصر; لوجود زوجهاوابن عمّها عبد الله بن جعفر (رضي الله عنه) هناك، وهل مرّت بالشام فماتت هناك، أو أنّها وصلت إلى مصر وماتت فيها، أو أنّها وصلت ورجعت مارة على الشام فماتت؟ كلّ ذلك محتمل ومنقول، ولكن سيرة عموم الشيعة ترجّح كونها دفنت في الشام ذاهبة أو راجعة من سفرها.
باسمه جلت أسماؤه: جاء في زيارة الإمام الصادق (عليه السلام) له (عليه السلام) أنّه قال:
«صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ، وَعَلى عِتْرَتِكَ، وَأَهْلِ بَيْتِكَ، وَآبائِكَ، وَأَبْنائِكَ، وَاُمَّهاتِكَ الاَْخْيار، الَّذينَ أَذْهَبَ اللهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهيراً»، وهي صريحة في كونه متزوّجاًوذا ذرّيّة، هذا مضافاً إلى وجود رواية عن الإمام الرضا (عليه السلام) تدلّ على أنّه كان متزوّجاً من امّ ولد، ولعلّه بلحاظ هذه الجهة كان يُكنّى بأبي الحسن.
التي رواها الطريحي في المنتخب، والسيّد البحراني في مدينة المعاجز، والحائري في معالى السبطين، والشعراني في ترجمة نفس المهموم، وغيرهم في غيرها؟
باسمه جلت أسماؤه: رأيي في ذلك هو نفس ما ذكره العلاّمة
ص:160
المامقاني (قدس سره) حيث قال: «وأمّا ما أرسله في المنتخب من إرسال قصّة تزويجه فلم أقف، ولاسائر أهل التتبّع، على ذلك في شيء من كتب السير والمقاتل المعتبرة».
باسمه جلت أسماؤه: جاء في رواية مدينة المعاجز: «ثمّ إنّ الحسين (عليه السلام) شقّ أزياق القاسم، وقطع عمامته نصفين، ثمّ أدلاها على وجهه، ثمّ ألبسه ثيابه بصورة الكفن، وشدّ سيفه بوسط القاسم، وأرسله إلى المعركة»، والظاهر من ذيل الرواية - مع قطع النظر عن مسألة اعتبارها وعدمه - أنّ شقّ الأزياق كان بغرض جعل الثياب على هيئة الكفن.
باسمه جلت أسماؤه: الظاهر أنّ عمرها كان ثمانية عشر سنة; لأنّ ولادتها مؤرّخة بسنة 12 من الهجرة النبويّة المشرّفة.
تجتمع بالكثير من الشعراء والمغنّين والاُدباء المعروفين في التأريخ، ومن هذه الكتب: كتاب الأغاني، لأبي الفرج الأصفهاني، وكتاب أعلام النساء لعمر كحّالة، فما هو رأي سماحتكم بهذا الكلام؟
باسمه جلت أسماؤه: الذي وردنا في حقّ هذه السيّدة المعظمة (فداها نفوسنا) قولُ والدها سيّد الشهداء الحسين (عليه السلام):
«وَأَمّا سكينة فَغالِبٌ عَلَيْها الاسْتِغْراقُ مَعَ اللهِ»، وقوله هذا يكذّب كلّ ما قيل في حقّها - ممّا ورد ذكره في السؤال - فإنّكلّ ذلك لم يذكر إلاّ في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، وفي ذلك ما فيه، إذ المؤلّف أمويّ خبيث، والمؤلَّف كتابُ لهو ومجون.
ص:161
باسمه جلت أسماؤه: برير كان عابداً زاهداً قارئاً للقرآن، بل كان من شيوخ القرّاء، وقيل إنّه كان أقرأ أهل زمانه، وكان من عباد الله الصالحين، كماكان شجاعاً جليلا من أشراف الكوفة، وله في الطفّ قضايا ومواعظ وكلمات تكشف عن قوّة إيمانه.
باسمه جلت أسماؤه: حميد بن مسلم ليس له ذكر في الرجال، سويما ذكره الشيخ الطوسي (قدس سره) في رجاله من أنّه من أصحاب الإمام السجاد (عليه السلام)، وظاهره كونه إماميّاً، غير أنّ حاله من حيث الوثاقة وعدمها مجهول لدينا، ومع ذلك لامانع من الأخذ بما ينقل; لظهور أخباره في كونه شخصيّة محايدة، لايهمّها سوى تسجيل الوقائع ونقلها للآخرين، فمهمّته كانت أشبه بمهمّة الصحفي في زماننا.
«دخلت على الإمام زين العابدين (عليه السلام) في الثالث عشر من جمادى الآخرة، وكان يوم جمعة، فدخل الفضل بن العبّاس، وهو باك حزين، يقول له: لقد ماتت جدّتي امّ البنين»، فما مدى اعتبار هذه الرواية عندكم؟
باسمه جلت أسماؤه: لم يثبت اعتبار الرواية المذكورة; لأنّها لم تردفي شيء من المصادر المعروفة.
*
باسمه جلت أسماؤه: لم أجد تاريخاً لوفاتها إلاّ ما ذكره بعض المعاصرين من أنّها توفّيت في اليوم الثالث عشر من شهر جمادى الثانية سنة أربعة وستّين من الهجرة النبويّة الشريفة، ولم يُعلم مصدره الذي اعتمد عليه.
باسمه جلت أسماؤه: ظهر من الأجوبة المتقدّمة عدم إمكان تحديد
ص:162
يوم وفاتها (عليها السلام)، فلستُ أثبته كما لاأنفيه.
باسمه جلت أسماؤه: لابأس بذلك، بل هو - بداعي الرجاء - أمر جيّد وحسن.
باسمه جلت أسماؤه: بما أنّ تاريخ الوفاة غير ثابت، والاحتياط بالموافقة القطعيّة حرجيٌ أو غير ممكن، فيكتفى في مقام الامتثال بالموافقة الاحتماليّة، وهي تتحقق بأداء النذور في اليوم المذكور.
ص:163
باسمه جلت أسماؤه: المرويّ تأريخيّاً أنّ الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام) هو الذي نصب الحجر الأسود في مكانه في زمن الطاغية الحجّاج، وقبل ذلككان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد وضع الحجر الأسود مكانه حين بنت قريش الكعبة، وتشاجروا أيّهم يضع الحجر في موضعه.
باسمه جلت أسماؤه: الحقّ الثابت تاريخيّاً وروائيّاً أنّ الدافن هو الإمام زين العابدين (عليه السلام).
328 - كيف وصل الإمام السجاد (عليه السلام) إلى كربلاء، وتمكّن من دفن الأجساد الطاهرة؟
باسمه جلت أسماؤه: المستفاد من بعض الأخبار أنّه (عليه السلام) قد وصلعن طريق طيّ الأرض، ولايخفى أنّ مثل هذه التنقّلات الخارقة للعادة ليست بعزيزة على الله تعالى، وقد حصلت للعديد من الأنبياء والأوصياء، كما أشارت إليه عدّة من الآيات والروايات.
وفي زمن أيّ إمام كان المختار الذي أخذ بثأر الإمام الحسين (عليه السلام)؟ وكيف أخذ بالثأر من قتلته؟
باسمه جلت أسماؤه: المذكور في بعض الأخبار أنّ مرض الإمام السجّاد (عليه السلام) في كربلاء كان هو (الذرب)، وهو الداء الذي يعرض المعدة فلا تهضم
ص:164
الطعام، ويفسد فيها فلا تمسكه. وأمّا المختار فقد كان معاصراً للإمام زين العابدين (عليه السلام)، حيث كان ظهوره بالكوفة لأربعة عشر ليلة بقيت من ربيع الآخرسنة (66) وأرسل إبراهيم بن الأشتر إلى حرب ابن زياد لسبع خلون من المحرّمسنة (67)، وكان يقول: «لايسوغ لي طعام وشراب حتّى أقتل قتلة الحسين بن علي وأهل بيته»، فقتل عمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وخولى بن يزيد، وغيرهم ممّن شارك في قتل سيّد الشهداء (عليه السلام)، وكانت مدّة إمارته على الكوفة
سنة ونصف السنة، وبعدها استشهد (رضوان الله عليه) وهو في السابعة والستّينمن العمر.
ص:165
عندما أرسل المأمون 30 رجلا لقتل الإمام الرضا (عليه السلام) فقطّعوا جسده بالسيوف إرباً إرباً، وفي اليوم التالي رأوا الإمام واقفاً يصلّي في داره؟ وما هو رأي سماحتكم في صحّة معجزة الإمام الرضا (عليه السلام) لما نال منه حميد بن مهران، فأشار الإمام (عليه السلام) إلى صورتين لسبعين على مسند المأمون، فانقلبتا بقدرة الله إلى سبعَين مفترسَين، وانقضّا على عدوّ الله فافترساه؟
باسمه جلت أسماؤه: هذه الاُمور ممكنة بالنسبة إلى الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) لأنّ لهم الولاية التكوينيّة، وهي ولاء التصرّف التكويني، والمراد بها كون زمام أمر العالم بأيديهم، ولهم السلطنة التامّة على جميع الاُمور بالتصرّف فيها كيف ما شاؤوا إعداماً وإيجاداً، وكون عالم الطبيعة منقاداً لهم لابنحو الاستقلال، بل في طول قدرة الله تعالى وسلطنته واختياره، بمعنى أنّ الله تعالى أقدرهم وملّكهم كما أقدرنا على الأفعال الاختياريّة، وكلّ زمان سلبَ تعالى عنهم القدرة بل لم يُفضها عليهم انعدمت قدرتهم وسلطنتهم، وبذلك يظهر أنّ الحادثتين المذكورتين في السؤال حادثتان ممكنتان جدّاً، ولا غرابة فيها.
باسمه جلت أسماؤه: هو الإمام الجواد (عليه السلام)، وفي خبر طويل قال الإمام الرضا (عليه السلام):
«مَنْ أَمْكَنَ عَليَّ بْنَ الْحُسَيْنِ أَنْ يَأْتي كَرْبَلاءَ فَيَليَ أَمْرَ أَبيهِ، فَهُوَ يُمَكّن صاحِبَ ه - ذا الاَْمْرِ أَنْ يَأْتي وَيَلي أَمْرَ أَبيهِ، ثمّ يَنْصَرِفْ».
ص:166
ص:167
ص:168
*
باسمه جلت أسماؤه: ولادة إمام الزمان إنّما كانت محاطة بالسرّيّة في وقتها حفاظاً عليه من أن تطاله يد الظالمين، وأمّا بعد شهادة والده الإمام العسكري (عليه السلام) فقد تفشّى خبر ولادته، ولم يكن سفراؤه والذين تشرّفوا برؤيته حينئذ مأمورين بالسرّيّة والكتمان، فصار ذلك موجباً لشيوع العلم بولادته (أرواحنا فداه).
باسمه جلت أسماؤه: لايوجد في الإسلام موضوع ديني وردت فيه آلاف الأحاديث والروايات من طريق العامّة والخاصة كموضوع الإمام المهدي (عج)، وبالتالي فضعف بعضها لايضرّ; إذ الكثرة المذكورة تجعل الموضوع متواتراً قطعيّاً لايقبل الشك.
باسمه جلت أسماؤه: الهرم يعقبه الفناء بشكل طبيعي، ويحول بين صاحبه وبين القيام بالمهمّات الصعبة كمهمّته على الأقلّ، ومن هنا اقتضت الحكمة أنّه يبقى شابّاً ليتمكّن من القيام بالمهمّة على أكمل وجه.
ص:169
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِائَة سِنِينَوَازْدَادُوا تِسْعاً (1) ، ومثلها: وَكَذلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم (2)(على قدرة الله تعالى على إطالة أعمارهم وحفظ أجسامهم، فعلى الرغم من بقائهم بالكهف 903 سنة، إلاّ أنّهم حُفظوا في أجسامهم، بدليل تعرّفهم على بعضهم البعض،
وعدم تأثّرهم بالسنين التي مضت عليهم، بأن قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم، ولو أخذت السنين مجراها على أجسادهم لمّا قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم، وبالتالي يحتجّ بالقرآن على مَن يقول بعدم إمكانية بقاء الحجّة (عج) (عليه السلام) كلّ هذه السنين؟
*
باسمه جلت أسماؤه: نعم، الاستدلال المذكور صحيح ومتين، ولك أن تضيف إليه بأنّ ظاهر الاُمور أنّ إطالة الحياة أقلّ كلفةً من إعادتها، فمن آمنَ بإعادة الحياة لأهل الكهف بمقتضى الآيات المتقدّمة، لزمه بالأوّلويّة القطعيّة أن يؤمن بإمكان طول حياة الإمام المهدي (عج).
وإذا كانت الولاية التكوينيّة ثابتة لهم (عليهم السلام) فهل هذا يعنى أنّ الإمام المهدي (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) يتحكّم في الظواهر الطبيعيّة في الكون حالياً مع عدم الاستقلاليّة عن الله (عزّ وجلّ)؟ أو أنّه (عليه السلام) فقط يعلم بالظواهر ولكنّه لايتحكّم فيها؟
باسمه جلت أسماؤه: لا ريب في ثبوت الولاية التكوينيّة للمعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام)، ومنهم إمام العصر وسلطان الزمان (أرواح مَن سواه فداه)،
ص:170
وأمّا كيفيّة إعماله لولايته هذه فعلم ذلك عند الله تعالى وعنده.
باسمه جلت أسماؤه: المراد من الجملة الاُولى رعاية الإمام (عليه السلام) التامّة لكلّ أهل الأرض، بما هو خليفة الله تعالى فيهم، ويمكن أن يقال ذلك في حقّ الملك والرئيس للكناية عن بسط قدرته وشمول رعايته وعنايته، مع الفارق الشاسع طبعاً بين خليفة الله وخليفة الناس. والمراد من الجملة الثانية ما يشير إليه دعاء العديلة، حين يقول:
«وَبِيُمْنِهِ رُزِقَ الْوَرى، وَبِوُجُودِهِ ثَبَتَتِ الاَْرْضُ وَالسَّماءُ»، أي ببركة وجوده تُفاض النعم على العباد; إذ لولا الحجّة (عج) لساخت الأرض بأهلها، كما جاء ذلك مستفيضاً في العديد من الروايات.
*
باسمه جلت أسماؤه: الرويات الدالّة على كون الإمام متزوّجاً وله أولاد، غير نقيّة السند، وما ورد في بعض الأدعية لايصلح للاستدلال، وبذلك يظهر أنّ دعوى - كون زوجة الإمام من بنات أبي الشيب - عهدتها على مدّعيها، مع الالتفات إلى أنّنا لم نعثر على الدعوى المذكورة في كتاب المصباح.
باسمه جلت أسماؤه: وجه تسمية الإمام المهدي (عج) بالقائم يُستفاد من قول النبيّ (صلى الله عليه وآله):
«مِنْ أَهْلِ بَيْتي إثْنى عَشَرَ نَقيباً نُجَباء، مُحَدّثونَ مُفَهّمونَ، آخِرهُمْ الْقائِمُ بِالْحَقِّ، يَمْلاَها عَدْلا كَما مُلِئَتْ جَوْراً».
البشرة، وذلك ليكون فتنة تميّز الصادق عن الزائف؟
ص:171
باسمه جلت أسماؤه: هنالك لدينا بعض الروايات التي تصف الإمام (عليه السلام) بأنّه ابن أمَة، وقد جاء في بعض النسخ وصف امّه (عليه السلام) بالسوداء، ولكنّها زيادة لم ترد في النسخ الاُخرى الأكثر اعتماداً، ممّا يوجب وهنها وعدم اعتبارها، وأمّا وصفه بأنّه أسمر البشرة فلم يرد في شيء من النصوص بحسب ما تفحّصناه، بل أقرب وصف وجدناه لهذه الصفة أنّه بين السمرة والبياض، هذامع العلم أنّ الروايات في تحديد صفته مختلفة ومتعدّدة، وبعضها يقول: إنّه شبيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الخَلْق والخُلُق.
ينصّ على أنّ إسم الإمام هو إسم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكنيته كنيته، ممّا يعني أنّ كنية الإمام يجب أن تكون (أبو القاسم)، فأيّ الكنيتينهي الصحيحة؟
باسمه جلت أسماؤه: كون كنيته (عليه السلام) هي (أبو القاسم) لايعني عدم وجود كنية اخرى له، وقد ذكر المحدّث النوري (قدس سره): أنّ للإمام كنيتين (أبو القاسم) و (أبو صالح).
سيستشهد فهذا يعني أنّ الغاية من كلّ مسيرة الأئمّة (عليهم السلام) ومن غَيبة الإمام الطويلة -
وهي تحقيق الكمال للبشريّة وتوجّههم للدين - لن تتحقّق، فما هو قولكم في ذلك؟
باسمه جلت أسماؤه: نقلَ صاحب كتاب إلزام الناصب: أنّه إذا تمّت السبعون سنة، أتى الحجّة (عج) الموت، فتقتله امرأة من بني تميم اسمها سعيدة، ولها لحية كلحية الرجال، بجاون صخر من فوق سطح، وهو متجاوز في الطريق. وفوزه بالشهادة لايتنافى مع بلوغ البشريّة قمّة الكمال، فإنّ الكمال للمجموع، وليس لكلِّ فرد فرد.
ص:172
باسمه جلت أسماؤه: طول الغيبة وقصرها منوطان بتحقّق عوامل الظهور وعدم تحقّقها، وبما أنّ جميع العوامل والأسباب لم تتحقّق حتّى يوم الناس هذا; فلذا طالت الغيبة ولم يتحقّق الظهور حتّى الآن.
باسمه جلت أسماؤه: وظيفة الإمام المهدي (عج) في زمن غيبته هي نفسها وظيفة سائر آبائه المعصومين (عليهم السلام) في زمن حضورهم، فهو قائم بسائر أدوار وشؤون الإمامة والخلافة الإل - هيّة، إلاّ ما يمنعه عنه المانع كالتبليغ المباشر.
باسمه جلت أسماؤه: ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام):
«لَوْ خَلَتِ الاَْرْضُ طَرْفَةَ عَيْن مِنْ حُجَّة لَساخَتْ بِأَهْلِها»، ومثل هذه الرواية أو بمعناها الكثير، وهذا يدلّ باختصار على أنّ وجود الإمام أمان لأهل الأرض من جميع الجهات.
في العراق، سيّما وأنّ بعض المؤمنين قد أصابهم اليأس، وصاروا يشكّكون في وجوده تأثّراً بالكاتب المنحرف أحمد الكاتب؟
باسمه جلت أسماؤه: المصائب التي تعصف بالعراق وأهله كما هي بمرأى الإمام المهدي (عج) فهي قبل ذلك بمرأى الله (سبحانه وتعالى)، وكماأنّ المصلحة لاتقتضي الآن أن يرفع الله هذه المصائب بالمباشرة، كذلك لاتقتضي أن يرفعها عن
طريق وليّه الحجّة (عج) المنتظر، وإذا كان البعض قد شكّكفي وجود الإمام لعدم تدخّله، فعليه أن يشكّك - قبل ذلك - في وجود
ص:173
الله (تعالى شأنه) لعدم تدخّله أيضاً.
باسمه جلت أسماؤه: بعد أن قامت الأدلّة القطعيّة على لزوم تشكيل الحكومة الإسلاميّة في زمن الغيبة، كما أوضحنا ذلك في كتاب فقه الصادق(1) ، فكلّ رواية تتنافى مع ذلك - ولو كانت صحيحة السند - لابدّ من توجيهها بما لايتنافى مع ما نقطع به، ومن ذلك أن تُحمل الرواية في مفروض السؤال على خصوص رايات الضلال، والتي تدعوا إلى غير نهج أهل البيت (عليهم السلام); ولذلك يكون صاحبها طاغوتاً يُعبد من دون الله.
باسمه جلت أسماؤه: علائم ظهور الإمام المهدي (أرواحنا فداه) المرويّة في كتب الأحاديث لايحتاج فهمها إلى الاجتهاد.
باسمه جلت أسماؤه: علامات ظهوره على أقسام: العلامات العامّة، كانتشار الفساد، والعلامات التي تحدث قريب ظهور الإمام بسنوات قليلة، كالنار التي تظهر في السماء، والعلامات التي تحدث في السنّة التي يظهر فيها الإمام (عليه السلام) أو في السنّة السابقة على سنة الظهور، وهذه العلامات قسمان: العلامات غير المحتومة، كخروج الهاشمي، وانكساف الشمس في وسط الشهر، وانخساف
ص:174
القمر في آخره، والعلامات المحتومة، وقد تحدّث عنها الإمام الصادق (عليه السلام) فقال:
«قَبْلَ قيامِ الْقائِمِ خَمْسُ عَلامات مَحْتومات: الْيَمانيُّ، وَالسُّفْيانيُّ، وَالصَّيْحَةُ، وَقَْتلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ، وَالْخَسْفُ بِالْبَيْداءِ».
باسمه جلت أسماؤه: أمّا بالنسبة لوقت ظهور الإمام المهدي (عج)، فقد روي عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في إخباره عن غيبة الإمام المهدي (عليه السلام) قوله:
«وَيَكْذِبُ فيهِ الْوَقّاتونَ».
وسأل الفضيل الإمام الباقر (عليه السلام): هل لهذا الأمر وقت؟
فقال (عليه السلام):
كَذَبَ الْوْقّاتونَ، كَذَبَ الْوَقّاتونَ، كَذَبَ الْوَقّاتونَ».
وعن الإمام الصادق (عليه السلام):
«كَذِبَ الْمُوَقّتونَ، ما وَقّتنا فيما مضى، وَلاَ نُوَقِّتُفيما يُسْتَقْبَلُ».
وقال (عليه السلام):
«كذب الوقاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون»، والمراد من عدم التوقيت عدم تحديد السنّة التي يظهر فيها الإمام (عليه السلام)، وإلاّ فقد وردت روايات كثيرة تحدّد العلامات الحتميّة لظهوره (عليه السلام)، وتجعل ظهور الإمام (عليه السلام) مقروناً بظهور تلك العلامات.
باسمه جلت أسماؤه: غاية ما يُستفاد من الأدلّة الدالّة على حتميّة بعض العلامات عدم جريان البداء بالنسبة لأصل العلامة، وأمّا جريان البداء في جزئيّاتها وتفاصيلها إذا كان لايخلّ بتحقّق أصل العلامة، فدليل المنع قاصر عنه.
باسمه جلت أسماؤه: إلى الآن لم يتحقّق شيء من العلامات الحتميّة الخمس.
ص:175
باسمه جلت أسماؤه: ليس يمكننا الجزم الآن بكوننا مشارفين لزمن الظهور، وإن كان تحقّق بعض العلامات التي أشارت إليها الروايات الشريفة قديوحي بذلك.
باسمه جلت أسماؤه: ما ورد في الروايات عن علامات الظهور يشير إلى أن منها ما هو حتمي الوقوع ومنها غير حتمي، ومنها ما يحصل في زمن الغيبة، ومنها ما يكون مقارباً أو مقارناً لزمان الظهور، وهذا القسم الأخير من العلامات محدود جدّاً، وهي خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكيّة، والخسف بالبيداء.
*
باسمه جلت أسماؤه: قد اتّفقت الروايات على أنّ الصيحة السماويّة من العلامات الحتميّة، وهي عبارة عن الصوت السماوي الذي يسمعه كلّ قوم بلغتهم، وقد جاء في بعض الأخبار أنّ المنادي هو جبرئيل، وفي بعضها الآخرأنّه ينادي بعبارة: «ألا إنّ الحقّ في عليّ وشيعته».
باسمه جلت أسماؤه: الرواية على ضوء بعض المباني الرجاليّة التي نعتمدها رواية معتبرة.
باسمه جلت أسماؤه: يُعلم بالإمام من خلال العلامات التكوينيّة المقترنة بظهوره، والتي لايتسنّى لغيره تحقيقها، كالصيحة السماويّة مثلا، والخسف
ص:176
بالبيداء، كما أنّه حين الظهور ينزل عيسى بن مريم (عليه السلام) من السماء ويقتدي بالإمام (عليه السلام)، والمسيحيّون بعد رؤيتهم فعل عيسى (عليه السلام) يعتنقون الدين الإسلامي، ثمّ إنّ اليهود يجتمعون عند الإمام المهدي (عج) فيخرج لهم ألواح التوراة المدفونة في بعض الجبال، فيجدون فيها أوصاف الإمام المهدي (عليه السلام) وعلائمه، وحينها لايبقى يهودي إلاّ ويعتنق دين الإسلام.
باسمه جلت أسماؤه: هذة التسمية لتلك المنطقة لم يزد عمرها على خمسين سنة تقريباً، وليس لها ذكر في النصوص الواصلة إلينا.
*
باسمه جلت أسماؤه: قال تبارك وتعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْم إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(1)
باسمه جلت أسماؤه: الروايات الواردة في علائم ظهور الإمام المهدي (أرواحنا فداه) تتضمّن علائم كثيرة، وتلكم العلائم تنقسم إلى أقسام ثلاثة: العلائم العامّة، والعلائم التي تحدث قريب ظهور الإمام (عليه السلام)، والعلائم التي تحدث في السنّة التي يظهر فيها الإمام (عليه السلام).
وهذا القسم على نوعين: العلائم غير المحتومة، والعلائم المحتومة القطعيّة
ص:177
الوقوع. ومن قبيل القسم الثاني، أي العلامات التي تقع قبل قيامه، الخوف الذي يشمل العراق وأهله، وانتشار الموت الذريع فيه، ولكن لم يعلم أنّ هذه العلامة تتحقّق قبل قيامه بوقت قصير أم طويل.
باسمه جلت أسماؤه: دورها هو نفسه دور المرأة في زمان دولة النبيّ العظيم (صلى الله عليه وآله).
وما الدليل على ذلك; لأنّ بعضهم يقول إنّ التعبير عنه باليماني مأخوذ من اليُمْن والبركة؟
باسمه جلت أسماؤه: الوارد في الروايات أنّها راية حقّ، وأنّه ليسفي الرايات الثلاث أهدى منها; لأنّها تدعو إلى صاحبكم، كما أنّ الوارد هو خروجه من اليَمَن، ولادليل على كونه من نفس أهل اليمن، وبذلك يظهر وجه الخدشة في إرجاع اليماني إلى اليُمْن والبركة.
فمثلا إذا دعا الناس إلى تشكيل جيش لقتال السفياني هل يجوز للعلماء والعوام أن يرفضوا الدعوة؟
*
باسمه جلت أسماؤه: حجّيّة أقوال اليماني وأوامره مكتسبة من أمر المعصوم (عليه السلام) بمتابعته وامتثال أوامره، والتي منها قول الإمام الباقر (عليه السلام): «وليسفي الرايات أهدى من راية اليماني، هي راية هدى; لأنّه يدعوكم إلى صاحبكم... وإذا خرج اليماني فانهض إليه، فإنّ رايته راية هدى، ولايحلّ لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار; لأنّه يدعو إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم».
ص:178
باسمه جلت أسماؤه: لاشكّ في أن وظيفة المرجع - كغيره من سائر المكلّفين - هي البحث عن راية اليماني، وفي حالة وجودها يجب عليه الرجوع إليها بلا كلام ولاشكّ.
باسمه جلت أسماؤه: صرّحت الروايات بأنّ اليماني يخرج من أرض اليمن في نفس السنّة التي يخرج فيها السفياني والهاشمي، وعند خروجهِ من الأرض المذكورة وخروج هؤلاء سيُعلم مَن يكون.
*
باسمه جلت أسماؤه: الأحاديث الواردة في الدجّال مشوّشة ومضطربة مع كثرتها، والمتيقّن منها أنّ الدجّال رجل أعور، وأنّه يعرف شيئاً من السحر والتصرّف في الأعين، ولذا قيل إنّه يدّعي أوّلا النبوّة ثمّ الربوبيّة، وتنتهي حياتهفي فلسطين حين يأمر الإمام المهدي (عج) عيسى بن مريم (عليه السلام) فيقتله ويريح العباد والبلاد من شرّه وفتنته.
باسمه جلت أسماؤه: المستفاد من الأخبار أن الدجّال رجل أعور، وأنّه يعرف شيئاً من الشعوذة والسحر، فيخيّل للناس أنّه يمتلك قدرات خارقة للعادة، ولذلك لايبرح حتّى يدّعي النبوّة ثمّ الربوبيّة، ويُقتل في فلسطين على يد النبيّ عيسى (عليه السلام) بأمر الإمام المهدي (عج)، وأمّا السفياني فهو أمويّ النسب، سفّاك للدماء، يقتل البشر كما تقتل الحشرات، ويهتك ستور النساء المسلمات بكلّ صلافة واستهتار، ولايدع حراماً إلاّ أحله، ولاجريمة إلاّ ارتكبها، والأخبار الواردة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئمّة الاثنى عشر (عليهم السلام) حول تسلّطه على الشرق الأوسط مثل سوريا
ص:179
والعراق والمدينة المنوّرة والمناطق المجاورة لتلكم الأقطار كثيرة ومستفيضة.
باسمه جلت أسماؤه: من العلائم المحتومة ذبح النفس الزكيّة بينالركن والمقام في المسجد الحرام، واختلفوا في نسبه بعد ثبوت كونه منآل الرسول (صلى الله عليه وآله) هل هو حسني أم حسيني، وقد عُبّرَ عنه في الأخبار بالغلام، ويظهر من ذلك أنّه في أوّل شبابه، وتصرّح الروايات بأنّ الإمام المهدي (عليه السلام) يرسله إلى أهل مكّة للاستنصار، فيذبحونه بين الركن والمقام، وعند ذلك يحلّ عليهم غضب الله تعالى، وبعد ذبحه بخمسة عشر يوماً يقوم المهدي (عليه السلام).
*
باسمه جلت أسماؤه: ليست العلّة لغيابه أو ظهوره منحصرة بوجود الأنصار وعدمهم، فلا وجودهم سبب تامّ لظهوره، ولاعدمهم سبب تامّ لغيابه، بل غيابه وظهوره منوطان بأسباب وعوامل اخرى، بعضها يعود له (عليه السلام) وبعضها يعود لغيره.
باسمه جلت أسماؤه: المستفاد من الروايات ظهوره من مكّة المكرّمة، وهو المعروف بين علماء الطائفة، والذي يساعده الاعتبار أيضاً، وقد يكون للرؤيا المذكورة - على فرض صدقها - معنى آخر يرجع في معرفته لعلماء التعبير.
ص:180
باسمه جلت أسماؤه: بما أنّ واقعة الطفّ موجبة لاستمرار ثورة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وظهور الإمام المهدي (عج) موجب لاستمرار واقعة الطفّ، لأنّهيتحقّق تحت شعار (يا لثارات الحسين)، فإنّ العلاقة بينهما تكون علاقة التكامل.
باسمه جلت أسماؤه: اختياره (عليه السلام) الكوفة عاصمة لدولته، لعلّه من جهة ما ورد في فضل الكوفة من الروايات، ففي خبر معتبر عن النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله (تبارك وتعالى) اختار من البلدان أربعة. فقال عزّ وجلّ: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهذَا الْبَلَدِ الاَْمِينِ(1) وطور سينين الكوفة «(2).
وفي خبر آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الكوفة روضة من رياض الجنّة، فيهاقبر نوح وإبراهيم، وقبر ثلاثمائة نبيّ وسبعين نبيّاً، وستّمائة وصيّ، وقبر سيّد الأوصياء أمير المؤمنين (عليه السلام)»(3) ، إلى غير ذلك من الروايات المتواترة.
ص:181
أنّهم سمعوا بعض أصحابهم يقرأون القرآن، فأضافوا لهم بعض الكلمات على الآيات، فهل هذه الروايات معتبرة؟
*
باسمه جلت أسماؤه: القرآن الذي جاء به نبيّ الرحمة (صلى الله عليه وآله) بكماله وتمامه هو نفسه الموجود بين أيدينا، والإمام المهدي (عج) لايأتي بقرآن جديد، بل قرآنه هو نفسه هذا القرآن، والروايات المنافية لذلك روايات ضعيفة ردّها العلماء الكبار، وأحسن ما كتب في هذا الموضوع ما أفاده الاُستاذ السيّد الخوئي (قدس سره) في كتابه البيان.
يقولون له: ارجع يابن رسول الله، لاحاجة لنا ببني فاطمة، فالدين بخير والناس بخير»، والسؤال إذا كان هؤلاء من الشيعة فكيف لم يستطيعوا تشخيص الإمام وعلامات ظهوره، سيّما وأنّ الكوفة هي منبع العلم والعلماء، فهل يمكن أن يخطئ العلماء في تشخيص الإمام، وينصره شبه عبدة الأوثان والشمس والقمر؟
باسمه جلت أسماؤه: لا دلالة للرواية على أن اولئك من الشيعة فضلا عن كونهم من العلماء، بل ظاهر ذيل الرواية أنّهم من المنافقين، حيث جاء فيها: «فيضع فيهم السيف حتّى يأتي على آخرهم، ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كلّ منافق مرتاب»(1).
باسمه جلت أسماؤه: في رواية عن الإمام (عليه السلام) أنّه بعد ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) واجتماع الناس عنده يخرج لهم الإمام ألواح التوراة المدفونة في بعض الجبال، فيجدون فيها أوصاف الإمام وعلائمه فلا يبقى يهودي إلاّ ويعتنق دين
ص:182
الإسلام، وبذلك لايبقى بين الإمام واليهود عداوة.
أم أنّه يعتمد آليّة المبادئ العقليّة والمنطقيّة والوجدان الديني، وينادي فطرة البشر ويحاورهم، ويبعث لهم سفراء أينما كانوا، ممّا يجعلهم ينجذبون إليه وإلى ما يدعو إليه من العدالة، لكن الأقليّة من سكنة الأرض تتعرّض مصالحهم للخطر فيحاربونه ويجاهدهم؟
وبصياغة اخرى: هنالك عدّة روايات تصف حركة الإمام (عليه السلام) بأنّها قائمة على السيف، نظير «يقتل القائم (عليه السلام) حتّى يبلغ السوق» و «من كثرة ما يقتل هناك من يقول: ليس من آل محمّد، ولو كان من آل محمّد لرحم» و «من كثرة ما يقتل هناك من يقول: إنّه ليس من ولد فاطمة» و «يقطع رؤوس الناس كما يقطع القصاب رأس الذبيحة» و «يتّخذ سيرة غير سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) والأمير (عليه السلام) فلا يقبل التوبة» و «يقتل جميع الحيوانات المحرّم أكل لحمها» و «يبقر بطون الحوامل»، فهل هذه الروايات صحيحة؟ وكيف نوجهها؟
باسمه جلت أسماؤه: أكثر الأخبار التي تصف نهضة الإمام بأنّها نهضة دمويّة أخبار ضعيفة الأسناد، ولعلّها قد وضعت بغرض تشويه نهضته المباركة، وما صحّ منها يُحمل على جهاد اولئك الذين يرفضون دعوته، ويصرّون على حربه ومواجهته، وإلاّ فإنّ منهجه هو التسامح والدعوة بالتي هي أحسن، ولذلك ورد في العهد الذي يأخذه على أنصاره: «يبايعون على أن لايقتلوا، ولايهتكوا حريماً محرماً، ولايسبوا مسلماً، ولايهجموا منزلا، ولايخرّبوا مسجداً، ولايقطعوا طريقاً، ولايخيفوا سبيلا، ولايقتلوا مستأمناً، ولايتّبعوا منهزماً، ولايسفكوا دماً، ولايجهزوا على جريح».
ص:183
*
باسمه جلت أسماؤه: معنى ذلك أنّ الإمام (عليه السلام) سيقاتل كجدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قتالا دفاعيّاً من أجل الدين، حينما يعترض نهضته أعداء العدل والحقّ، ولايستجيبون لنصحه وتوجيهه، ولعلّ السيف إشارة لآلة الحرب، وليس لخصوص الآلة المعروفة; إذ من الممكن أن يستعمل (عليه السلام) أسلحة تفوق ما لدى الأعداء.
باسمه جلت أسماؤه: الظاهر أنّه لايجوز بعد بعثة النبيّ (صلى الله عليه وآله) التحاكم لغير شريعته; لأنّ ما سواها منسوخ لها.
باسمه جلت أسماؤه: الظاهر أنّ الدور هو الدور إلاّ أنّ ذلك بعد التصفية والغربلة والاختبار.
باسمه جلت أسماؤه: لامانع من الاستفادة من الوسائل الجديدة في عهده لنشر العلم، بل الظاهر أنّ له (عليه السلام) طرقاً اخرى تناسب عهده المبارك، كما يشير لذلك قول الإمام الباقر (عليه السلام): «وتؤتون الحكمة في زمانه، حتّى أنّ المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)»(1).
وهل أنّ يوم القيامة يحدث بعد موت المهدي (عليه السلام) بقليل أم بكثير؟
*
باسمه جلت أسماؤه: من الاُمور المتواترة التي نصّت عليها مئات
ص:184
الروايات، أنّ ائمّة أهل البيت (عليهم السلام) وطوائف كثيرة من الأموات سوف يرجعون إلى هذه الدنيا، وهذا ما يعبّر عنه بعقيدة الرجعة، وهي تبدأ من بعد ظهور الإمام المهدي (أرواحنا فداه) وقبل شهادته، ويكون ابتداؤها برجوع الإمام الحسين (عليه السلام) ثمّ الأئمّة الآخرين واحداً بعد واحد، وتمتدّ فترة الرجعة قروناً طويلة حتّى تنتهي بيوم القيامة.
يمكن الأخذ بها تصف كيفيّة نهاية هذا الكون بعد موت الإمام المهدي (عج)؟
باسمه جلت أسماؤه: الروايات الكثيرة المتواترة بل فوق التواتر تدلّ على الرجعة، وقال المجلسي (رضوان الله تعالى عليه): «اعلم يا أخي، أنّي لاأظنّك ترتاب بعدما مهّدت وأوضحت لك في القول بالرجعة، التي أجمعت الشيعة عليها في جميع الأعصار، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار، حتّى نظموها في أشعارهم، واحتجّوا بها على المخالفين في جميع أعصارهم.
إلى أن قال: وكيف يشكّ مؤمن بحقّيّة الأئمّة (عليهم السلام) فيما تواتر عنهم في قريب من مائتي حديث صريح، رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام، في أزيد من خمسين من مؤلّفاتهم، كثقة الإسلام الكليني والصدوق محمّد بن بابويه، والشيخ أبي جعفر الطوسي.
إلى أن قال: وإذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أي شيء يمكن دعوى التواتر، مع ما روته كافّة الشيعة خلفاً عن سلف».
:«مَنْ ماتَ وَلَمْ يَعْرِفْ إِمامَ زَمانِهِ ماتَ مِيْتَةً جاهِليَّةً»(1)، وإذا كان الإمام المهدي (عج) آخر الأوصياء، فمن سيكون الوصيّ بعده (عليه السلام) الذي مَن يموت ولم يعرفه يموت ميتة جاهليّة؟
ص:185
باسمه جلت أسماؤه: من معتقدات الشيعة الرجعة، وهي تعني أنّ الأئمّة جميعهم أو بعضهم (عليهم السلام) وطوائف كثيرة من الأموات سوف يرجعون إلى هذه الحياة الدنيا، وتبدأ الرجعة بعد ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) وقبل شهادته، ودلّت الروايات أنّ الرجعة تبدأ برجوع الإمام الحسين (عليه السلام) ثمّ الأئمّة الآخرين واحداً بعد واحد، وتمتدّ فترة الرجعة مدة طويلة.
وفي الخبر الموثق عن الإمام الصادق (عليه السلام):
«ويقبل الحسين (عليه السلام) فيدفع إليه القائم (عليه السلام) الخاتم، فيكون الحسين (عليه السلام) هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه ويواريه في حفرته».
، ومن ثمّ رجعة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمير المؤمنين (عليه السلام)؟ وما صحّة هذه الروايات؟
*
باسمه جلت أسماؤه: يقول العلاّمة المجلسي (قدس سره): «كيف يشكّ مؤمن بحقيقة الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) فيما تواتر عنهم في قريب من مأئتي حديث صحيح، رواها نيف وأربعون من الثقات العظام والعلماء الأعلام في أزيد من خمسين من مؤلّفاتهم... وإذا لم يكن مثل هذا متواتراً ففي أي شيء يمكن دعوى التواتر مع ما روته كافّة الشيعة خلفاً عن سلف». وكيف كان ففي كثير من الروايات ما دلّ على أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) لايفارق الحياة إلاّ بعد أن يرجع الإمام الحسين (عليه السلام) إلى هذه الدنيا، ويسلّم الإمام المهدي إليه الحكم والقيادة، وفي جملة من الروايات والزيارات المرويّة ما يدلّ على رجوع سائر الأئمّة (عليهم السلام) أيضاً.
«مَن رآنا فقد رآنا فإنّ
ص:186
الشيطان لايتصوّر بنا»(1) فإنّها قد استغلّت من أصحاب رايات الضلال، حيث يضلّون الناس بقولهم سوف نريكم الإمام في المنام، وسيقول لكم اتّبعوا رايتنا، وحينئذ تجب عليكم طاعتنا; لأنّ الشيطان لايتصوّر بهم (عليهم السلام)، فمَن رآهم فقد رآهم؟
باسمه جلت أسماؤه: لاإشكال في صحّة الرواية المذكورة، إلاّ أنّ الرؤيا ليست من وسائل الإثبات شرعاً، إذ أنّها لايمكن التعويل عليها لإثبات حكم شرعي فرعي، فكيف يصحّ الاستناد لها لإثبات عقيدة دينيّة مهمّة؟!
باسمه جلت أسماؤه: قد ورد عنه بأنّ من ادّعى الرؤية فكذّبوه، وبضميمة أنّ جماعة ممّن لايحتمل في حقّهم الكذب قد تشرّفوا برؤيته قطعاً، فيحمل ما وردَ عنه على أنّ مَن رآه لايدّعي، فالمدّعي للرؤية كاذب.
أنا وصي ورسول الإمام المهدي)، وأنا اليماني الموعود، وأوّل المهديّين، وأوّل مَن يمهد إلى
الإمام المهدي (عج)، ومن لم يتّبعني فهو ضالّ ومن أهل النار، وتوجد هنالك شريحة من المجتمع تتّبعه، فهل هذا الشخص صاحب دعوة حقّة؟ وما هي نصيحتكم لهذه الشريحة التي تتّبعه؟
باسمه جلت أسماؤه: كلّ مَن يدّعي مقاماً إل - هيّاً، فاللازم عليه إقامة البرهان والدليل; ولذلك قالوا: إنّ مدّعي النبوّة أو الإمامة لابدّ وأن تكون له معجزة مثبتة لما ادّعاه، ولو لم يُعتبر ذلك لما بقي حجر على حجر.
ص:187
هذا، ومَن قبل مِن مثل هذا المدّعي دعواه قبلَ أن يثبتها بالبرهان فهو ضالّ منحرف، سيّما وأنّ الأخبار قد تواترت على النهي عن متابعة كلّ مَن يدّعي السفارة ونحوها عن الإمام الحجّة (عج) المنتظر (أرواح مَن سواه فداه).
باسمه جلت أسماؤه: قد دلّت الأخبار المعتبرة على أنّ كلّ من يدّعي رؤية الإمام المهدي (أرواح من سواه فداه) فكذّبوه، والمتيقّن من مورد هذه الروايات - على ما أفاده المحقّقون - هو مَن يدّعي السفارة عنه، أو يدّعي لقاءه به وتكليف الإمام له ببعض التكاليف، ومثل هؤلاء الأشخاص المدّعينبلية قد ابتليت بها الاُمّة الإسلاميّة منذ عشرة قرون وأكثر، ولايزال الحبل ممدوداً إلى هذا اليوم، وقد صدر التوقيع من الإمام المهدي (عليه السلام) في ذمّ بعضهم ولعنه والبرائة منه بخصوصه.
وفي الوقت نفسه هنالك عدّة من علماء الإماميّة يدّعون اللقاء بالإمام، فهل يجب علينا تكذيبهم؟
باسمه جلت أسماؤه: لانعهد أحداً من علماء الإماميّة الحقيقيّين قد ادّعى المشاهدة، وقصص اللقاء المنقولة عن بعضهم - كالمقدّس الأردبيلي (قدس سره) - إنّما نقلها بعض من اطّلع عليها من خواصهم وتلامذتهم، مِن غير أن يدّعي ذلك أحد منهم.
يدّعي أنّه الإمام المهدي (عج)، ويدّعي أنّ الإمام عبارة عن فكرة يمكن لها أن تتجسّد في شخص معاصر، وإن كان الإمام يولد في آخر الزمان، كما ويدّعي أنّ
ص:188
الإمام ليس من ولد الإمام الحسن العسكري والسيّدة نرجس، فما هو الموقف منه؟
باسمه جلت أسماؤه: الروايات الكثيرة القطعيّة التي هي فوق حدّ التواتر في كتب الفريقين تدلّ على أنّ الإمام المهدي (أرواح مَن سواه فداه) هو ابن الإمام الحسن العسكري، وهو الثاني عشر من الأئمّة
الطاهرين (عليهم السلام)، وله غيبة طويلة لايظهر منها إلاّ في آخر الزمان، فيملأ الأرض قسطاً وعدلا بعد أن تملأ ظلماً وجوراً، وكلّ دعوى في قبال هذه الحقيقة دعوى زائفة وكاذبة.
وأنّه مستعد للمناظرة والمحاججة والمباهلة على ذلك، فما هو رأي سماحتكم بهذا الخصوص؟
*
باسمه جلت أسماؤه: كل مَن يدّعي شيئاً يرتبط بهذا الأمر المهمّ، مع ما ورد من أنّ كلّ مَن يدّعي الرؤية فكذّبوه، لابدّ له من إثبات دعواه بالدليل القطعي، وإلاّ فالوظيفة تكذيبه.
تدّعي أنّها تمثّل الإمام المعصوم، ولزوم الرجوع إليها، وهي حركة اليماني كما يدّعون، وأنّها تتّبع ولداً من أولاد الإمام المهدي (عج)، ولديها عدّة أدلّة كما تدّعي، منها: أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشّر الناس به، وذكر اسمه وصفته حيث قال في الليلة التي كانت فيها وفاته لأمير المؤمنين (عليه السلام): «يا أبا الحسن، أحضر صحيفة ودواة، فأملى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصيّته حتّى انتهى إلى هذا الموضع، فقال: يا عليّ، إنّه سيكون بعدي إثنا عشر إماماً، ومن بعدهم إثنا عشر مهديّاً، فأنت يا عليّ أوّل الاثنى عشر إماماً.
وساق الحديث إلى أن قال: وليسلّمها الحسن إلى ابنه م ح م د من آل محمّد (صلى الله عليه وآله) فذلك إثنا عشر إماماً، ثمّ يكون من بعده إثنا عشر مهديّاً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها
ص:189
إلى ابنه أوّل المهديّين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث المهدي، وهو أوّل المؤمنين».
هذا مضافاً إلى أنّ صاحب الحركة يتبنّى دعوة العلماء للمناظرة في القرآن الكريم، ليثبت أنّه مرسل من الإمام المهدي (عج)، كما ويدّعي أنّه يخبر بالأخبار الغيبيّة والرؤيا الصادقة والمكاشفات، وغير ذلك من الاُمور، فما هو الموقف من هذه الحركة؟
باسمه جلت أسماؤه: إنّ الدعوى التي يدّعيها هؤلاء المرجفون لاريب في كذبها وبطلانها، وإنّ نفس الرواية التي يستندون إليها - والمُشار إليها ضمنَ السؤال - كافية لإبطال مزاعمهم وإظهار زيفهم; إذ هي صريحة في أنّ أوّل المهديّين هو ابن الإمام المهدي (عج) وأنّه يتسلّم مقاليد الاُمور من قِبل والده عند وفاته، وبما أنّه لاريب في أنّ إمامنا المهدي (عليه السلام) لا زال حيّاً يرزق، ولازال جميع الشيعة يتطلّعون إلى رؤية جمال طلعته المباركة، فهذا يعني أنّ مقاليد الاُمور - حتّى الآن -
لم يسلّمها لولده، وعليه فكيف يصحّ له التصدّي لها، وهي لم تُسلم له بعد؟!! ولعمري إنّ في هذا المقدار كفاية لاظهار زيف هؤلاء وإثبات دجلهم، وبه يتّضح بطلان سائر ما يتعلّق بدعواهم الزائفة هذه، ممّا أشرتم إليه في مجموع أسئلتكم، وسيعلم الذين ظلموا آل بيت محمّد (عليه السلام) أي منقلب ينقلبون.
*
باسمه جلت أسماؤه: تهيئة الفرد نفسه لظهور الإمام تتوقّف على إعداده لنفسه إعداداً روحيّاً وسلوكيّاً وثقافيّاً، فليس يكفي التفقّه في الدين بتعلّم
ص:190
الأحكام الشرعيّة من الرسائل العمليّة، وإن كان مهمّاً للغاية، بل لابدّ من العمل على طبقها، وتهذيب النفس عن الرذائل وتحليتها بالفضائل، إلى جانب صقلها بمعرفة العقائد والمعارف الحقّة.
باسمه جلت أسماؤه: الظاهر أنّه مستحب راجح; لأنّه مروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) حيث كان يفعله كما في بعض الروايات عند ذكره، وفعله يدلّ على الرجحان.
باسمه جلت أسماؤه: إذا كان إهداء الأعمال إلى غيره من موجبات تضاعف الثواب، فما بالك بالإهداء له (أرواحنا فداه)؟!
باسمه جلت أسماؤه: مسؤوليّتنا قبل ظهوره (عليه السلام) تتلخّص في انتظار الفرج; لما وردَ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله):
«أَفْضَلُ أَعْمالُ امَّتي انْتظار الْفَرَج مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»(1).
وفي العلوي: «المُنتظِرُ لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل الله»(2).
وفي الصادقي:
«مَن مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كان كمن هو مع القائم (عليه السلام) في فسطاطه»(3)، ومن الواضح أنّ َمن كان منتظراً لمجيء مَن يعتقد أنّه المصلح الحقيقي، ويشتاق إليه، ويسعى لجعل نفسه من الأفراد الذين يخدمونه، فقهراً يكون من العاملين بالوظائف الشرعيّة.
ص:191
في دوّامة الصلاة والصيام وعاشوراء والعمل، فهل نحن مخلوقون لأجل هذا فقط؟ وهل نحن الشيعة في هذا الزمان ليس لدينا أي تكليف سوى انتظار الفرج؟
باسمه جلت أسماؤه: كون الغاية من خلق الإنسان هي العبادة، هو صريح قوله تعالى وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ(1) ، وكفى بالعبادة غرضاً; إذ أنّها مرقاة تكامل النوع الإنساني، ولذا فإنّ الله تعالى قد وصف بها أنبياءه ورسله) عليهم السلام (في مقام مدحهم وتعظيمهم، فقال مادحاً نبيّه يوسف) عليه السلام: إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا الْمُ - خْلَصِينَ(2)
وقال مادحاً نوحاً النبيّ (عليه السلام): إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ(3)
وقال أيضاً مادحاً موسى وهارون (عليهما السلام): إِنَّهُمَا مِن عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ(4)
وقال تعالى: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ(5)
كما قال: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ(6)
وقال أيضاً: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ(7)
وقال كذلك: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاَْقْصَى(8)
ومثل هذه الآيات كثير جدّاً، وكلّها ذات إشعار واضح على أنّ مقام العبوديّة من
ص:192
أرقى المقامات التي عظّم الله أنبياءه (عليهم السلام) من خلال وصفهم بها. والعبادة تعني الخضوع والتذلّل والتسليم لجميع أوامر الله تعالى ونواهيه، المرتبطة بمختلف شؤون حياة الإنسان الفرديّة والاُسريّة والاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة ونحوها وبتجسيدها يتجسّد المصداق الكامل لانتظار الفرج، فإنّ انتظار الفرج ليس يتحقّق بالتخلّي عن الوظائف الدينيّة، وإنّما بالعمل على طبقها في جميع مجالات الحياة وشؤونها المختلفة.
باسمه جلت أسماؤه: ليس يحتاج الإنسان لأجل أن يكون من أنصار الإمام المهدي (عج) إلاّ إلى امتثال الأوامر الإل - هيّة، وتحقيق جميع ما يرغبالإمام (عليه السلام) في تحقيقه، فإنّه بذلك يكون مرضيّاً عند الإمام (أرواحنا فداه) ومشمولا لعنايته.
باسمه جلت أسماؤه: رؤية الإمام وإن كانت شرفاً ما بعده شرف، إلاّ أنّها لاينبغي أن تكون الهمّ الأوّل للإنسان، بل الذي ينبغي أن يكون همّه ومصبّ اهتمامه هو كيفيّة الحصول على رضا الإمام، ونيل دعائه وبركاته، وليس يتمّ ذلك إلاّ بتطهير النفس من الرذائل، وتحليتها بالأخلاق والفضائل.
باسمه جلت أسماؤه: زيارة الإمام الحجّة (عج) (عج) في كلّ يوم، وتكرار قرائة دعاء الفرج في القنوت وغيره، والتصدّق الدائم بنيّة دفع البلاء عنه (عليه السلام)، وإهداء الأعمال العباديّة لحضرته المباركة بصورة مستمرّة، كلّ ذلك ممّا يوجب التقرّب منه واستشعار وجوده في أغلب الأوقات.
ص:193
ص:194
ص:195
باسمه جلت أسماوه القرآن مخلوق; إذ ما في هذا الوجود إمّا خالقأو مخلوق، وحيث لايمكن أن يكون القرآن خالقاً; إذ لازمه الشرك في الذات، فلامحالة يكون مخلوقاً، والقول بقدم القرآن سيّئة من سيّئات التجسيم الباطل.
باسمه جلت أسماوه أقول في القائل بالتحريف ما قاله سيّدنا الاُستاذ الخوئي قدس سره - بعد إثباته عدم تحريف القرآن - حيث قال: «قد تبيّن للقارئ أنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال، لايقول به إلاّ من ضعف عقله، أو مَن لم يتأمل في أطرافه حقّ التأمّل، أو مَن ألجأه إليه حبّ القول به، والحبّ يعمي ويصمّ، وأمّا العاقل المنصف المتدبّر فلا يشكّ في بطلانه وخرافته».
باسمه جلت أسماوه ما قيلَ عنه في كلمات أهل اللغة: بأنّه من الحروف أو الكلمات الزائدة، ليس على نسق واحد، بل هو على ثلاثة أنحاء:
النحو الأوّل: ما يكون زائداً في الإعراب، بمعنى أنّه يقع في محلّ يكون مقحماً فيه بين العامل والمعمول، وإن لم يكن زائداً في المعنى; لتوقّف المعنى عليه، من قبيل قولهم: «جئتُ بلا زاد ولاراحلة»، أو قولهم: «عوقبت بلا ذنب».
ص:196
النحو الثاني: ما يكون زائداً في المعنى، بمعنى أنّ أصل المعنى غير متوقّف عليه، ولكنّه يكون عاملا من عوامل الإعراب، فيؤثّر أثره في الجملة والكلمات، وذلك من قبيل «من» و «الباء» الجارتين إذا وقعتا في حيز النفي والاستفهام.
النحو الثالث: ما لايندرج ضمن أحد النحوين المذكورين، وذلك من قبيل زيادة «كان» المتوسّطة بين فعل التعجّب وأداته، مثل قولهم: «ما كان أحسن هذا الخطيب».
إذا اتّضحت هذه الأنحاء الثلاثة، فمن الواضح أنّ النحو الأوّل ليس بزائد في الحقيقة، لتوقّف أصل المعنى المقصود عليه، كما أنّ النحوين الآخرين وإن كانا زائدين بحسب المعنى، إلاّ أنّهما غير زائدين بلحاظ الخصوصيّات التي يلحظها المتكلّمون زائدة على أصل المراد، كالتأكيد مثلا.
وعليه: فما عبّر عنه الاُدباء بالزائد هو في الحقيقة ليس بزائد، ولكنّهم توهّموا ذلك باعتبار توجّههم لحيثيّة معيّنة وإغفالهم للحيثيّات الاُخرى.
باسمه جلت أسماوه الصحيح عدم وقوع شيء من التحريف في القرآن الكريم، ومنه التقديم والتأخير في الآيات والسور; لكون النبيّصلى الله عليه وآله هو الذي تكفّل بجمع القرآن وترتيبه في حياته الشريفة.
وهل أصحاب الكتب الأربعة يقولون بالتحريف بمعنى الزيادة والنقصان؟
باسمه جلت أسماوه ليست كلّ الروايات الموجودة في الكتب الأربعة صحيحة السند، وحتّى على فرض القول بصحّتها - كما عن بعض أصحابنا الأخباريّين - فإنّ أصحاب تلكم الكتب لايقولون بالتحريف.
ص:197
لأنّ منهج الشيخ المجلسي منهج إخباري؟ وهل صحيح ما ينسب للشيخ المجلسي من أنّه يرى التحريف بمعنى الزيادة والنقصان؟
باسمه جلت أسماوه هذا كذب محض، فالشيخ المجلسي لايرى تحريف القرآن بمعنى الزيادة والنقصان، وإنّما يرى التحريف في القرآن بمعنينقل الشيء عن موضعه وتحويله إلى غيره، وهذا المعنى من التحريف لاخلافبين المسلمين في وقوعه في كتاب الله تعالى، فإنّ كلّ مَن فسر القرآن بغير حقيقته وحمله على غير معناه فقد حرّفه، وهذا ما يعبّر عنه بالتحريف المعنوي في قبال التحريف اللفظي.
*
باسمه جلت أسماوه القائل بالتحريف - زيادة أو نقيصة - لايجوز رميه بالكفر، فإنّ كلّ مَن تشهّد الشهادتين محكوم بالإسلام، إلاّ أن ينكرهما أو ينكر ضروريّاً من ضروريّات الدين لغير شبهة، مع التفاته إلى الملازمة بين الانكار وتكذيب المشرِّع.
باسمه جلت أسماوه يوجد من الطرفين مَن يقول بالتحريف - تصريحاً أو تلميحاً - ولكنّ ذلك لايستدعي تكفيرهم.
باسمه جلت أسماوه قد طفحت كلمات رؤساء مذهبنا، كرئيس المحدّثين الشيخ الصدوق، وشيخ الطائفة الطوسي، والسيّد المرتضى، وشيخ
ص:198
الفقهاء الشيخ جعفر كاشف الغطاء وغيرهم: بأنّ القول بعدم التحريف من معتقدات الإماميّة، أو أنّ عليه الإجماع، أو نسبة القول بعدم التحريف إلى جمهور المجتهدين، أو ما يقرب من هذه التعابير، والشبهات الطارئة ذكرها الإمام الخوئي في تفسيره البيان وأجاب عنها بما لايبقي ترديداً في فسادها لمن له أدنى فهم وتدبّر، واستدلّقدس سرهعلى عدم التحريف بأقوى الأدلّة والبراهين حتّى صيّره من الواضحات.
- كاللغة الإنجليزيّة مثلا - نلاحظ أنّهيفقد صورته الجماليّة التي يدركها الجاهل والعالم كلٌّ بحسبه، فلذا يقول الغربيّون: إنّ القرآن حجّة على أهل لغته فقط، فما رأيكم؟
باسمه جلت أسماوه إنّ جمال القرآن وبهاءه شيء، وتشريعاته ومعارفه شيء آخر، فهو دستور للحياة بكلّ أبعادها، وهذا يمكن معرفته وإدراجه بكلّ الترجمات، وما يمكن أن تفقده الترجمة لايؤثّر على اسس التشريع، وعلى ما يدعو إليه القرآن من المعارف على اختلاف أنواعها.
*
باسمه جلت أسماوه ممّا لاشكّ فيه أنّ القرآن الكريم لاتضادّ في تشريعاته ومعارفه، فهو كلام العليم الخبير سبحانه وتعالى، وما يظهرمن الاختلاف ناشئ عن التغاير في الفهم والاستيعاب، سيّما في غير المحكمات التي أمرنا الله سبحانه أن نرجع فيها إلى الراسخين في العلم - وهم الأئمّة عليهم السلام -
ص:199
وتقصير الاُمّة في ذلك نبع عنه ما نراه ونسمعه من الاختلاف.
على أيّ أساس وضع رقم الآية؟ هل كان من وضع جبرئيل عليه السلام؟ أم وضع الرقم عند كتابة المصحف في رقاع من الجلد، أو عند جمعه في مصحف واحد؟
باسمه جلت أسماوه وضعُ كلّ آية في موضعها كان بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله، وشاهد ذلك ما نراه من الانسجام بين الآيات القرآنيّة في السورة الواحدة، رغم كون بعضها من الآيات المكّيّة وبعضها الآخر من الآيات المدنيّة.
باسمه جلت أسماوه كلّ ذلك كان بأمر النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله.
باسمه جلت أسماوه نعم هنالك علاقه واضحة بين أسماء السور ومحتوياتها، يلحظها كلُ مَن كان له أدنى تأمّل في السور القرآنيّة الشريفة.
وهل هناك علاقة بين سور القرآن المختلفة، بأن تكون كلّ سورة سابقة ذات علاقة مع السورة اللاحقة بحسب الترتيب الموجود في المصحف؟
باسمه جلت أسماوه بناءً على ما هو الحقّ من كون ترتيب القرآن بالنحو الذي هو عليه الآن، يعود إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وتحت نظره، فلامحالة
ص:200
كونه خاضعاً لمناسبات معيّنة، وقد تكفّل
بعضُ المفسّرين ببيان تلك المناسباتبين الآيات، أو بين السور، بوجوه عديدة ومختلفة، ولكنّ أكثرها مدخول لايخلو عن مناقشة.
باسمه جلت أسماوه يستفاد من الأخبار الواردة عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآلهفي فضل السور القرآنيّة، وفضل قرائتها: أنّ أسماءها كانت موجودة منذ حياة رسول الله صلى الله عليه وآلهولكن لم يعلم أن تسميتها بتلك الأسماء كانت بوضع النبيّصلى الله عليه وآله، أم كانت بإشرافه، وعلى كلا الفرضين فإنّها تكون تسمية شرعيّة إمّا لوضع الشارع وإمّا لإقراره.
وكذلك تطوّر أنماط الخطّ وطريقة الكتابة للقرآن على مرِّ العصور، منذ زمن الرسول صلى الله عليه وآله حتّى وقتنا الحالي، فبالتالي ادّعى بعض المفكّرين مثل الدكتور محمّد عبدالجابري أنّ الخط العثماني في المصحف الشريف غير مقدّس، ويجب تطويره من خلال إضافة منهج واُسلوب تنقيط في القرآن، مثل الفارزة، وعلامة الاستفهام، والتعجّب، والنقاط، وعلامات الاستئناف، وغيرها من أساليب التنقيط والكتابة الحديثة، كالاستعانة بالرسوم والصور، ودراسة تاريخ الآيات والسور القرآنيّة عند نزولها، فما رأي سماحتكم بهذه الدعاوى؟
باسمه جلت أسماوه لا إشكال في ذلك في حدِّ نفسه، ولكنّه مشكل من ناحية أنّه يفتح الباب لتلاعب أيدي المغرضين بالقرآن الكريم، بحجّة إصلاحه طبقاً للقواعد الإملائيّة وأساليب الكتابة الحديثة.
ص:201
باسمه جلت أسماوه دعوى أنّ الألف لاتُزاد لزوماً بعد واو الجمع - ونحوه - عندَ إضافته، لم يقم عليها دليلٌ قطعي، بل الاستقراء - بحسب دعوى بعض المتتبّعين - دالٌّ على التخيير، فيصحّ حذفها كما في قوله تعالى: وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ(1)، ويصحّ إثباتها أيضاً كما في قوله تعالى: إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ(2).
هذا مضافاً إلى أنّ الضوابط الإملائيّة - كما يذكر ذلك أهلُ الفنّ - لم تقع مورداً لاتّفاق الجميع، سيّما وأنّ قسماً منها مبنيٌّ على الاستحسان، فيستحسن بعضهم ما لم يستحسنه غيره، مع أنّ اللغة لاتثبت بالاستحسان حتّى عند اللغويّين أنفسهم.
وبعدَ ذلك كلّه، فمن غير الصحيح أبداً أنْ تُفرضَ تلك الضوابط الإملائيّة على رسم المصحف الشريف، رغمَ عدم الاتّفاق عليها في حدِّ نفسها.
باسمه جلت أسماوه طريقتي في التفسير أنّني بعد مراجعة الكتب التفسيريّة - ك -: التبيان، و مجمع البيان، و تفسير الصافي، و الميزان - والروايات الواردة في التفسير، والتدبّر فيها، أختار ما أطمئنّ به، هذا في غير الظواهر، وأمّا الظواهر فلايخفى أنّ حمل الألفاظ عليها ليس من التفسير.
ص:202
مباني المدارس التفكيكيّة والبنيويّة، وحسب قواعد مدارس تعدّد القراء اتوالإ دراك والتأويل، وعلم الهرمينيوتك، وعلوم قراءة النصّ، وعلوم السيمانتيك Citnames dna Ygolimes ، وغيرها من العلوم المستجدّة؟
باسمه جلت أسماوه تفسير القرآن الكريم ينبغي أن يعتمد - مضافاً إلى الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام - على الظواهر التي يفهمها العربي الفصيح; لما بنينا عليه في الاُصول من حجيّة ظواهر الكتاب، فإن كانت اسس العلوم المذكورة في السؤال متلائمة مع الظهورات العربيّة الفصيحة وطرق المحاورات العرفيّة، صحّ الأخذ بها وإلاّ فلا.
«إنّ كلّ التفاسير الموجودة - والتي ستوجد مستقبلا - هي تفاسير بالرأي; لأنّها مشوبة ومعجونة عجناً جوهريّاً بالمسبقات والقبليّات الذهنيّة والفكريّة للمفسّر، حيث من المستحيل أن يتخلّى الإنسان عن مسبقاته الذهنيّة وهندسته الفكريّة المبرمجة - الرأي - عند قراءة النصّ القرآني»، فما رأيكم الجليل بهذا القول؟
باسمه جلت أسماوه المراد من التفسير بالرأي المنهي عنه - كما ذكرناه ذلك في الاُصول - إمّا تفسير القرآن الكريم على طبق القياس والاستحسانات الشخصيّة، وإمّا الاستقلال في بيان آياته من غير الرجوع
إلى الأئمّة عليهم السلام، كأن يأخذ المفسّر بعموم آية أو باطلاق اخرى من غير الرجوع إلى التخصيصات أو التقييدات الواردة عن المعصومين عليهم السلام.
«الصافي» و «البرهان» و «نور الثقلين» و «القمّي» وتفسير «أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي» و «التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام» وغيرها؟ وهل يمكن من خلالها معرفة طريقة ووسائل تفسير المعصومين عليهم السلام للقرآن، حتّى نقوم نحن ووفق نفس
ص:203
تلك الهندسة المعرفيّة والفكريّة بتفسير القرآن و تأويله؟
باسمه جلت أسماوه
1 - روايات التفاسير المذكورة في السؤال حالها حال بقيّة الروايات الاُخرى، منها ما هو معتبر يمكن الأخذ به والتعويل عليه، ومنها ما هو ضعيف لاحجّة لنا على جواز العمل به. 2 - لأهل البيت عليهم السلام اسلوبان في تفسير الآيات القرآنيّة الكريمة: أحدهما يعتمد على إبراز المعاني الباطنيّة للآيات، وهذا لاسبيل إلى معرفة كيفيّته، والآخر يعتمد على الرجوع إلى أساليب المحاورات العرفيّة، وقد كان الأئمّة عليهم السلاميرشدون أصحابهم إلى اعتماد هذا الاُسلوب في فهم ظواهر الكتاب الكريم، من قبيل قول الإمام الباقرعليه السلام عندما سأله زرارة - في الرواية الصحيحة عنه -: من أين علمت وقلت إنّ المسح ببعض الرأس؟
فأجابه الإمام عليه السلام بجواب جاء فيه: فعرفنا حين قال: بِرُؤُوسِكُمْ(1) أنّ المسح ببعض الرأس; لمكان الباء».
قواعد واُصول علوم وتفسير القرآن; لأنّها لايوجد دليل عليها من القرآن أو السنّة، ومن تلك القواعد: العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب، وقاعدة الناسخ والمنسوخ، وقاعدة تعدّد السبب والنازل واحد، وتعدّد الآيات النازلة والسبب واحد، وغيرها من القواعد، فما رأي سماحتكم بهذه الدعاوى؟
باسمه جلت أسماوه باب الاجتهاد والنظر حتّى في القواعد المشهورة مفتوح لأصحاب الاختصاص، بشرط أن يكون مقروناً بالدليل ومدعوماً بالبرهان، وغير متمحّض في الادّعاء، إلاّ أنّ القواعد المُشار إليها في
السؤال لانظنّها مورداً
ص:204
للنظر والتأمّل; لأنّها من جملة قوانين المحاورات العرفيّة التي عليها سيرة كافّة العقلاء.
باسمه جلت أسماوه لو رجعتم لنفس النصّ الوارد عن أمير المؤمنين عليه السلام، وقرأتموه كاملا، لوجدتم الجواب عن سؤالكم، فإنّ النصّ المذكور قد وردَ عنه عليه السلامضمن وصيّته لعبدالله بن العباس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج، وقد قال فيه: «لاتخاصمهم بالقرآن، فإنّ القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولون، ولكن حاجهم بالسنّة فإنّهم لن يجدوا عنها محيصاً».
باسمه جلت أسماوه ظَهْرُ القرآن عبارة عن ظاهره الذي يعرفه أهل اللسان، وبطنه عبارة عن معانيه الغامضة ومضامينه العميقة التي لايعرفها إلاّ الراسخون في العلم، وهم المعصومون عليهم السلام، وهذا ما عنته الأخبار التي تقول: لايعرف القرآن إلاّ من خوطب به.
وفي أيٍّ من العبادات والمستحبّات - قراءة القرآن بغير قراءة حفص، عن عاصم، عن السلمي، عنأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، مثل قراءة ورش؟
باسمه جلت أسماوه ذكرنا في كتبنا الفقهيّة الاستدلاليّة والفتوائيّة صحّة القراءة بأيّ قراءة كانت متعارفة في زمان المعصومين عليهم السلام، وإن كان الأحوط استحباباً الاقتصار على إحدى القراءات السبع، بل الأوْلى أن تكون القراءة على طبق
ص:205
قراءة عاصم عن طريق حفص.
باسمه جلت أسماوه بما أنّ عدّة من الآيات القرآنيّة قد تكفّلت ببيان بعض الأحكام الفقهيّة، فإنّ الفقيه لابدّ أن يعتمد على الظاهر منها، ويبني علم الفقه عليه.
هذا من ناحيّة، ومن ناحيّة اخرى فإنّ الفقيه عند تعارض الحديثين اللذين يريد أن يستنبط منهما حكماً شرعيّاً، يقوم بترجيح ما وافقَ منهما القرآن الكريم على الآخر، ممّا يعني أنّ القرآن هو محور علم الفقه أوّلا وآخراً.
باسمه جلت أسماوه إنّ ما يتوهّم من التعارض بين القرآن الكريموبين العقل، إنّما هو بين حكم العقل وبين ظواهر بعض الآيات القرآنيّة الشريفة، وإلاّ فإنّ الآيات القرآنيّة ذات الدلالة القطعيّة يستحيل وجود التعارض بينها وبين حكم العقل القطعي.
باسمه جلت أسماوه المستفاد من الآيات القرآنيّة الشريفة هو ذلك، كقوله تبارك وتعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى
ص:206
لِلْمُسْلِمِينَ(1)، وقوله تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْء(2)، غاية ما في الأمر أنّ الاطّلاع على كلّ شيء فيه لايتسنّى إلاّ للمعصومين عليهم السلام، وكلّما تقدّم الزمان وتطوّر العلم تجلّت معارف القرآن الشموليّة بصورة أكبر.
باسمه جلت أسماوه من جملة الحقائق المسلّمة في تاريخ اللغات وجود كلمات مشتركة بين أكثر من لغة، فقد تكون هنالك كلمة عربيّة يتكلّم بها فصحاء العرب، وهي في الوقت نفسه موجودة في بعض اللغات الاُخرى، ومثل هذه الكلمات لما وجد في الآيات القرآنيّة توهّم بعض المستشرقين أنّها كلماتغير عربيّة، والحال أنّها من قبيل الألفاظ المشتركة لأكثر من لغة.
إنّ قراءة القرآن الحاليّة هي قراءة تجزيئيّة وتوظيفيّة سيّئة يجب تصحيحها، وبعضهم يقول: إنّ القرآن أعظم مظلوم في عالم الامكان، ولن تبنى حضارة للإسلام ولاتمدّن بدون القرآن، فكيف نرفع مظلوميّة القرآن؟
باسمه جلت أسماوه رفع المظلوميّة عن القرآن الكريم لايتمّ إلاّ بعمل جميع المسلمين على طبقه، والاستفادة منه، وجعله منهجاً ودستوراً في جميع جوانب الحياة.
ص:207
باسمه جلت أسماوه حمل القرآن - الوارد مدح صاحبه في الكثيرمن الأخبار - يراد به: تعلم القرآن الكريم، والمواظبة على قرائته، والاهتمام بالعمل على طبق أوامره ونواهيه.
ص:208
ص:209
ص:210
ص:211
ص:212
باسمه جلت أسماوه الابتداء بالبسملة يعني تجليل وتعظيم الله تعالى، حيث معناها كفاية الاستعانة بإسمه فضلا عن الاستعانة بذاته جلّ وعلا، والبسملة مفتاح كلّ خير في الدنيا والآخرة إذا وقعت من أهلها في محلّها، وقد ورد في فضلها الكثير من الروايات، ومنها: قول النبيّصلى الله عليه وآله: «ألافمن قرأها معتقداً لموالاة محمّد وآله، منقاداً لأمرها، مؤمناً بظاهرها وباطنها، أعطاه الله بكلّ حرف منها حسنة، كلُّ واحد منها أفضل من الدنيا وما فيها من أصناف أموالها وخيراتها»، ومثل هذه الروايات كثير.
باسمه جلت أسماوه لعلّ الوجه هو أنّ البدء بالبسملة يكون في السعة والضيق والشدّة والرخاء، أمّا الاستعاذة - والتي تعني الاستجارة - فهي لاتكونإلاّ عند المضايقة; لهذا كانت بالذات المقدّسة مباشرة، كما يستجير الشخص بالمستجار مباشرة عند الضيق.
باسمه جلت أسماوه بما أنّه قد ورد عن المعصومين عليهم السلام: «كلّ أمرلم يبدء فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر»، وبما أنّ واحداً من معاني الباء هو: الابتداء; لذلك ناسب وضعها في أوّل البسملة.
ص:213
(1) جميع الصحابة؟
باسمه جلت أسماوه إنّ الآية الشريفة: وَالسَّابِقُونَ الاَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَان رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ لاتشمل جميع الصحابة، كما يدّعي غيرنا، وذلك لأنّها بقولها: وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَان، قد ألمحت إلى أنّ المقصود بقوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الاَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، هم خصوص المحسنين من الصحابة،
إذ أنّ غير المحسن لايمكن اتّباعه بإحسان، فتدلّ الآية عليرضا الله سبحانه وتعالى عن خصوص المحسنين من الصحابة، لاجميعهم، وهذا هو مدّعانا نحن الشيعة.
437 - ما هو تفسير قوله تعالى: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى(2) 1، وقوله: وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى(3) ؟
*
باسمه جلت أسماوه الآيتان المذكورتان في السؤال من الآياتالمتشابهة، ومثلها لاسبيل لمعرفة المقصود منه إلاّ بالرجوع للراسخين في العلم عليهم السلام، وبالرجوع إلى روايات أهل البيت عليهم السلام نصل إلى أنّ المقصود من الآية الشريفة: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى أنّ اليتيم هو الشخص الفريد الذي لانظير له، ومنه سمّيت الدرّة باليتيمة لأنّه لامثيل لها، ويكون الايواء حينئذ بمعنى إيواءالناس له. بينما المقصود من الآية الاُخرى: وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى أنّه صلى الله عليه وآلهكان ضالاًّ
ص:214
بنظر قومه، لعدم معرفتهم به، ولكنّ الله تعالى قد منَّ عليهم، فهداهم إلى معرفته.
وهذا التفسير الذي ذكرناه يستفاد من مجموع روايتين، قد أوردهما صاحب تفسير نور الثقلين(1) رحمه الله تعالى إحداهما عن الإمام الصادق عليه السلام، والاُخرى عن الإمام الرضاعليه السلام، علماً بأنّ الشيخ الجليل عليّ بن إبراهيم القمّي رحمه الله تعالى قد فسّر الآيتين الشريفتين أيضاً بنفس التفسير الذي ذكرناه، ولايخفى أنّ تفسيره المبارك يعتبر من أقدم وأهمّ التفاسير الواصلة إلينا، فيشكّل ذلك قرينة على أنّ التفسير المذكور هو التفسير الأكثر شيوعاً عند أصحاب الأئمّة عليهم السلاموالقريبين من عصرهم، سيّما وأنّه رحمه الله لم يذكر تفسيراً سواه.
مضافاً إلى ذلك: فإنّ التفسير المذكور هو التفسير اللائق بشخصيّة النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله، بلحاظ مجموع ما ثبت له من الخصائص والكمالات التي تحدّث عنها القرآن الكريم وروايات المعصومين عليهم السلام، ولذا فإنّه يكون مقدّماً على غيره من التفاسير، حتّى وإن قطعنا النظر عن الروايتين المذكورتين.
438 - ما معنى قوله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً(2) 1؟ وما هي مصاديق وأمثلة القرب من الزنا في الوقت المعاصر؟
باسمه جلت أسماوه الظاهر من النهي عن المقاربة في استعمالات القرآن الكريم: النهي عن الفعل نفسه، كما يظهر ذلك من قوله تعالى: لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى(3)، وقوله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ(4)، وعلى هاتين الآيتين يُقاس قوله تعالى: وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى، فيكون
ص:215
المقصود منه: النهي عن اقتراف فاحشة الزنا ليس إلاّ.
باسمه جلت أسماوه الخضوع بالقول هو: ترقيق المرأة لصوتها إلى الحدّ الذي يكون فيه مثيراً لشهوة سامعه، ومرض القلب هو: ضعف الإيمان.
(1)، وفي المقابل وصف كيد الشيطان بقوله: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً(2) [1]؟
*
باسمه جلت أسماوه قال تبارك وتعالى - في إحدى آياته -: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ، وقال في آية اخرى: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً، وليس وصف أحد الكيدين بالعظمة والآخر بالضعف بالإضافة إلى شيء واحد، وإنّما هو بالإضافة إلى شيئين، فكيد النساء عظيم بالإضافة إلى نوع الرجال، وكيدُ الشيطان ضعيف بالإضافة إلى أهل الإيمان.
441 - قال الله تعالى: وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ، وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ(3) 2، فهل الجملة في هذه الآية المباركة خبريّة،أي أنّ الطيّبين لايكونون بأمر الله
إلاّ للطيّبات، وكذلك الخبيثون لايكونون إلاّ للخبيثات؟ أم أنّ الجملة إنشائيّة، أي أنّ الله يأمر بذلك، وللنّاس أن يأتمروا فيثابوا أو يعصوا الأمر فيعاقبوا؟
باسمه جلت أسماوه ذكرنا في باب النكاح من كتاب فقه الصادق(4) أنّ الآية الشريفة مسوقة للإخبار عن حقيقة خارجيّة، وهي أنّ كلاًّ من الزاني والزانيّة
ص:216
ميّال للآخر، كما أنّ كلاًّ من الطيّب والطيّبة ميّالٌ للآخر أيضاً، ولايستفاد منها أكثرمن ذلك.
(1)، وسؤالي: كيف يجوز مناداة المصلّي؟
باسمه جلت أسماوه لم يُعلم أوّلا أنّ الصلاة في الآية بمعناها الشرعي، لاحتمال إرادة المعنى اللغوي منها - وهو الدعاء - من غير أن يترتّبعلى ذلك محذور، ويتأكّد ذلك بقرينة الآية السابقة لها، فإنّها صريحة في أنّه عليه السلامكان مشتغلا بالدعاء، وهي قوله تعالى: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِيمِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ(2)، وتلاها قوله تعالى: فَنَادَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى، كما ويتأكّد بقرينة الآية اللاحقة، فإنّها ظاهرة في إجابة النبيّ زكريّاعليه السلامبشكل مباشر، حيث قالت: قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ(3)، ممّا يقرب كون نداء الملائكة له حال اشتغاله بالدعاء.
وثانياً: على فرض إرادة المعنى الشرعي للصلاة، فإنّه لاإشكال في مناداة المشتغل بالصلاة، ولو كان هنالك توهّمٌ للإشكال من ناحيّة كلامه هو مع الملائكة حال صلاته، فإنّه مدفوع بعدم علمنا باشتراك أحكام شريعته مع شريعتنا.
فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ
ص:217
يُبْعَثُونَ(1)
، فهل هذا يعني خلود الحوت؟
باسمه جلت أسماوه معنى ذلك: أنّه لو لم يسبّح لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة، فيخلد ويخلد الحوت معه بقدرة الله تبارك وتعالى، لا أنّ للحوت خلوداً خاصّاً به.
ومن المحتمل أن يكون معنى الآية الشريفة هو: أنّ النبيّ يونس عليه السلام لو لم يسبّح، لكان مثواه ومدفنه حتّى يوم البعث هو بطن الحوت، وهذا المعنى يصدق حتّيمع افتراض موت الحوت، فلا دلالة للآية على خلود أيٍّ منهما، إلاّ أنّ المعنى الأوّل أظهر.
444 - ما تفسير قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ(2) 1، فهل الكاف في كَمِثْلِهِ زائدة؟
باسمه جلت أسماوه قال بعضهم: إنّ الكاف زائدة، إذ لو لم تكن كذلك لكان النفي لمثل المثل، وهذا يستلزم وجود المثل، ولكن من الممكن أن يلتزم بعدم زيادتها، بأن يقال: إنّ ذاته المقدّسة مسلّمة الثبوت، فلو ثبت لها مثل للزم ثبوت مثل المثل أيضاً، وبما أنّ نفي اللازم يقتضي نفي الملزوم، فإنّ نفيمثل المثل يستلزم نفي المثل، وهذا هو المطلوب إثباته.
445 - ما تفسير قوله تعالى: لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(3) 2؟
*
باسمه جلت أسماوه بما أنّ الآية الشريفة تتحدّث عن أولياء الله تعالى، وليس الوليّ إلاّ مَن بلغ أعلى درجات القرب من الله سبحانه وتعالى، ولذلك سمّيَ وليّاً، فمن الطبيعي أن لايعتريه خوف ولاحزن، إذ الخوف والحزن إنّما
ص:218
يعتريان الإنسان البعيد عن ربّه الذي لايعلم كيف سيعامله، وأمّا الإنسان القريب من رضوان الله تعالى ولطفه، فإنّ العوامل الموجبة للخوف والحزن لاطريق لها إليه.
*
باسمه جلت أسماوه المراد من الجنّات: البساتين بما لها من الأشجار والثمار، ولذا وصف القرآن الكريم جريان الماء بأنّه من تحتها، أي تحت أشجار البساتين ونخيلها، وكلّ ذلك كما ذكرنا في بعض أجوبتنا من باب تقريب غير المحسوس بالمحسوس، وإلاّ ففي الجنّة ما لاعين رأت، ولا اذن سمعت، ولاخطر على قلب بشر.
447 - قال تعالى: إِذْ قَالَ لاَِبِيهِ يَ - ا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً(1)
، فما هو الدليل من القرآن الكريم على إيمان والد نبيّ الله إبراهيم عليه السلاموإيمان والد ووالدة النبيّ محمّدصلى الله عليه وآله وباقي الأنبياءعليهم السلام؟
باسمه جلت أسماوه بعد أن ثبت لدينا في علم الاُصول: دلالةُ الجمع المحلّى باللام على العموم، فمن الممكن أن يستدلّ على إيمان جميع آباء النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآلهبقولهِ تبارك وتعالى: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ(2) بضميمة ما وردَ في الأخبار الشريفة من أنّ المراد من الساجدين في الآية أصلابهم وأرحامهم.
وأمّا الآية المذكورة في السؤال فلاتنافي ما ذكرناه; باعتبار أنّ كلمة الأب كما تطلق على الوالد الصلبي، كذلك تُطلق لغةً على المربّي والعمّ، فلادلالة صريحة لها على أنّ المراد بها هو والد إبراهيم عليه السلام حتّى يُنقض بها على ما ذكرناه، لاحتمال أن يكون المراد بها عمّه أو مربّيه، بل هو المتعيّن بقرينة ما تقدّم.
ص:219
(1)، فما هو المقصود من خَيْرُ الْمَاكِرِينَ؟
*
باسمه جلت أسماوه إسناد المكرِ إليه سبحانه وتعالى إنّما هومن باب المقابلة، وهو يعني أنّ أعداءَ الله كما يخطّطون ويدبّرون، فإنّ الله تعالى بتخطيطهِ وتدبيرهِ يودي بتخطيطهم، ويُحبط مؤامراتهم.
زَيْتُونَة لاَّ شَرْقِيِّة وَلاَ غَرْبِيَّة يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُور يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الاَْمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ
، فما هو تفسير الآية الكريمة؟ وهل تخصّ أهل البيت عليهم السلام؟
باسمه جلت أسماوه نعم، جاءَ في كثير من الروايات أنّ المعنيّبآية النور المباركة هم أهل البيت عليهم السلام، فالمشكاة هي الصدّيقة الزهراءعليها السلام; إذ كما أنّ المشكاة - وهي الكوّة في الجدار - هي مجمع النور، فكذلك فاطمة عليها السلام إذ هي مجمع نوريْ النبوّة والإمامة.
والمصباح هو أمير المؤمنين عليه السلام; إذ كما أنّ المشكاة إنّما يتوقّد نورها عن طريق المصباح الذي يُوضع فيها، فكذلك الصدّيقة الطاهرة عليها السلام إنّما توقّد نورها بانضمام نور أمير المؤمنين عليه السلامإلى نورها.
وأمّا الزجاجة فهي الحسن والحسين عليهما السلام; إذ كما أنّ الزجاجة - وهي التي تُوضع حول المصباح - تحمي نوره وتضاعف من توقّده، فكذلك كان الإمامان الحسنان عليهما السلام للأمير عليه السلام، حيث بهما حُفظَ نوره المبارك.
وأمّا الشجرة المباركة: فهو رسول الله صلى الله عليه وآله; وقد وصفت الشجرة بالزيتونة لأنّها
ص:220
أقوى الأشجار توقّداً، كما وصفت بأنّها لاَّ شَرْقِيِّة وَلاَ غَرْبِيَّة كنايةً عن عدمكونها من سنخ هذا العالم; لأنّها من نور الله تعالى.
(1)؟
باسمه جلت أسماوه الوارد عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله: «ما بغت زوجة نبيٍّ قطّ»، فلا يكون المراد من الخيانة في الآية الشريفة: الزنا، وإنّما يُراد بها: النفاق وإفشاء الأسرار الخاصّة.
451 - قال تعالى: قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِن أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ(2) ، فما معنى إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح
، ولماذا قال تبارك وتعالى: فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ؟
باسمه جلت أسماوه التعبير عن ابن النبيّ نوح عليه السلام بأنّه عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح إمّا هو من باب الحذف، أي ذو عمل غير صالح، وإمّا هو بدعوى اتّحاد الفعل مع الفاعل من باب المبالغة، فكما يقال مثلا: فلانٌ السخاء، لأنّه لكثرة سخائه كأنّه صار والسخاء شيئاً واحداً، كذلك يقال: فلان عمل غير صالح.
وأمّا الوجهُ في قوله تعالى: فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، فهو أنّ النبيّ نوح عليه السلامقد سأل النجاة لابنه; لتصوّره بأنّه وإن كان عاصياً إلاّ أنّه لم يصل إلى درجة الكفر الموجبة للغرق، ولذلك طلبَ النجاة له، ولكنّ الله تعالى قد أطلعه على كفره، وأنّه من المغرقين كغيره من الكافرين، ولذلك خاطبه بالخطاب المذكور فَلاَ تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.
ص:221
(1)؟
*
باسمه جلت أسماوه القانت هو العابد لله تعالى على نحو الديمومة، وقد جعل النبيّ إبراهيم عليه السلاماُمّة; لقيام الاُمّة به، وقيل: إنّه كان امّة منحصرة في واحد مدّة من الزمن، حيث لم يكن على وجه الأرض موحّد يوحّد الله سواه.
453 - قال تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(2) 1، فهل الصراط المستقيميعني الولاية؟
باسمه جلت أسماوه الصراط هو الطريق المستقيم، وإنّما ذكر المستقيم بعده تأكيداً على عدم الاعوجاج، وكلّ شيء - كان كالطريق الذي يوصل إلى المقصود - يوصل إلى الله سبحانه فهو صراط مستقيم، ومن ذلك الدين، والقرآن، والولاية، والإيمان، وشخص أمير المؤمنين عليه السلام الذي هو مع القرآن والحقّ، فهذه كلّها أمثلة ومصاديق لذلك الكلّيّ، فلا تنافي بين كلّ ذلك.
454 - قال تعالى: وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لاَِبْرَاهِيمَ(3) 2، فعلى مَن تعود الهاء في شِيعَتِهِ، هل تعود على النبيّ نوح عليه السلام طبقاً لتسلسل الآيات؟ أم على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام كما سمعت من أحد الخطباء؟
باسمه جلت أسماوه الشيعة عبارة عن: كلّ مَن وافق غيره في طريقته، وعليه فظاهر الآية الكريمة: أنّ ضمير شيعته يعود لنوح عليه السلام; لأنّ إبراهيم عليه السلامكان يوافقه في دينه ومنهجه، وأمّا إرجاع الضمير لأمير المؤمنين عليه السلامفلا شاهد لهمن حيث اللفظ وظاهر الآيات.
ص:222
بَعْض(1)، والاُخرى: لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَد مّ - ِن رُّسُلِهِ(2)، كيف نوفّق بين الآيتين؟
باسمه جلت أسماوه معنى التفضيل في الآية الاُولى أنّ في الأنبياءعليهم السلام من هو أفضل، وفيهم مَن هو مفضّل عليه، وللجميع فضل; لأنّ الرسالة في نفسها فضيلة، وهي مشتركة بين الجميع، ولكن بينهم اختلاف في المقامات وتفاوت في الدرجات، وأمّا الآية الثانية: فهي إنكار على الكفّار الذين يؤمنون ببعض النبيّين دون بعض، فأمر الله تعالى النبيّصلى الله عليه وآله والمؤمنين أن يعلنوا إيمانهم بجميع الأنبياءعليهم السلام، وعدم تفرقتهم بين أحد منهم.
والخلاصة: فإنّ التفضيل إنّما هو في المراتب، وعدم التفريق إنّما هو في الإيمان بهم.
456 - ما هي الصلاة الوسطى في قوله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى(3) 1؟
*
باسمه جلت أسماوه ورد في عدّة روايات صحيحة أنّ الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر، ومنها: صحيح زرارة عن الإمام الباقرعليه السلام، وفيه: «قال تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وهي صلاة الظهر».
457 - قال جلّ مِن قائل: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً(4) ، والسؤال: هل اختلف المفسّرون في بيان معنى الوادي؟ ولماذا صار مقدّساً؟
باسمه جلت أسماوه الوادي معروف لااختلاف فيه، وإنّما الاختلاف في المراد من طُوىً ووجه قداسته، والمختار هو ما في العلل عن النبيّصلى الله عليه وآله:
ص:223
أنّه سئُل عن الوادي المقدّس، فقال: لأنّه قُدّست فيه الأرواح، واصطفيت فيه الملائكة، وكلّم الله عزّ وجلّموسى تكليماً».
وعلى الجملة، فإنّ الظاهر من الآية الشريفة: أنّ تقديس الوادي إنّما هو لكونه حظيرة القدس، وموطن الحضور والمناجاة.
(1)؟
*
باسمه جلت أسماوه الآية المباركة تتحدّث عن اقتراب النبيّصلى الله عليه وآله - ليلةَ عروجه إلى السماء - من ساحة القرب الإل - هي، والتي قد حدّدها الله تعالى لمناجاة نبيّه صلى الله عليه وآلهوالحديث معه، كما حدّد قبل ذلك وادي طوى لمناجاة نبيّه موسى عليه السلام، مع فارق أنّ منطقة وادي طوى ممّا كان لايمتنع الوصول إليها على سائر الناس، فضلا عن الأنبياء والملائكة، بينما ساحة القرب الإل - هي التي وصلها النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآلهلم يصلها نبيّ مرسل ولاملك مقرب; ولذا قال له جبرئيل: «تقدّميا محمّد، فقد وطأت موطئاً لم يطأه أحد قبلك، ولا يطأه أحد بعدك».
وليس يعني ما ذكرناه: أنّ لله تعالى مكاناً يتواجد فيه، فإنّه لايحدّه مكان ولازمان، وإنّما هي مناطق مباركة قد اختارها الله تعالى لمناجاة بعض أنبيائه عليهم السلام، مع تفاوتها في القداسة والفضل.
459 - في قوله تعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاَ أَن رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ(2) 1، ما تفسير وَهَمَّ بِهَا، هل المقصود همّ بالخطيئة؟ أم همّ بقتلها؟
باسمه جلت أسماوه للمفسّرين في تفسير الآية الكريمة تسعة أقوال، أوجهها: أنّ الهمّ في ظاهر الآية قد تعّلق بما لايصحّ تعلّق العزم به في الحقيقة; لأنّه قال: هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا فعلّق الهمّ بهما، وذاتاهما لايجوز أن يُرادا;
ص:224
إذ لامعنى للهمّ بالذات والعزم عليها، وعليه فإذا حملنا الهمّ في الآية على العزم، فلابدّ من تقدير أمر محذوف يتعلّق العزم به، وحينئذ يمكن أن نعلّق عزمها على الفاحشة - كما هو مقتضى الظاهر السياقي - ونعلّق عزمه عليه السلام على غير القبيح، كضربها ودفعها عن نفسه، فيكون معنى الآية: ولقد همّت بالفاحشة معه، وهمَّ بضربها ودفعها عن نفسه ويمكن الاستئناس لهذا المعنى من خلال الاستعمالات العربيّة، حيث يقال: هممتُ بفلان، أي بضربه.
وعليه فيكون معنى رؤية البرهان: أنّ الله تعالى أعلمه أنّه إن أقدم على ما همَّ به من ضربها، أهلكه أهلها وقتلوه، وهذا محذور أوّل، أو ادّعت عليه المراودة على القبيح ولما امتنعت ضربها، فيكون عرضة للاتّهام بسوء السلوك، وهذا محذور ثاني.
وبذلك يتّضح ذيل الآية الشريفة، وهو: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ، فإنّ الله تعالى بإرائته البرهان المذكور ليوسف عليه السلام يكون قد دفع عنه كلا المحذورين.
(1)، ومرّة: خَلَقَكُممِن تُرَاب(2) [1]؟
*
باسمه جلت أسماوه المراد من خلق الإنسان من الطين هو خلق الإنسان الأوّل، الذي هو نبيّ الله آدم عليه السلام، وبما أنّ خلق غيره من سلالته منته إليه لذلك صحّ التعبير عن نوع الإنسان بأنّه مخلوق من الطين، وبما أنّ الطين مركّب من ماء وتراب; لذلك جاء التعبير عن الإنسان تارةً بأنّه مخلوق من تراب، كما في قوله تعالى: خَلَقَكُم مِن تُرَاب، وتارة اخرى بأنّه مخلوق من ماء، كما في قوله
ص:225
تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً(1).
461 - ما معنى الذبح العظيم في قوله تعالى: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْح عَظِيم(2) 1؟
*
باسمه جلت أسماوه للآية معنيان ظاهر وباطن، أمّا الظاهر فالذبح العظيم هو عبارة عن الكبش الذي جاء به جبرئيل عليه السلام من عند الله سبحانه ليكون فداءاً لإسماعيل عليه السلام، وقد عُبّر عنه بالعظيم لكونه من عند الله تعالى. وأمّا الباطن: فالذبح العظيم هو سيّد الشهداء الحسين عليه السلام، فإنّه لما عُرضَ على الأنبياء والرسل والأئمّة عليهم السلام - في عالم الذرّ - ما سيجري على إسماعيل وحاجته لمن يفديه من الذبح، قدّمَ سيد الشهداءعليه السلام نفسه ليكون هو الذبح العظيم الذي سيذبح في كربلاء فداء لإسماعيل عليه السلام، ولكن لابما هو إسماعيل، بل بما هو جدّ جدّهِ أشرف الكائنات محمّدصلى الله عليه وآله، وجدُّ أبيه أمير المؤمنين واُمّهِ الصدّيقة الطاهرة الزهراءعليهما السلام، فجادَ الإمام الحسين عليه السلام بنفسه ليكون فداءً لهؤلاء الأطهارعليهم السلام.
462 - قال تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّماوَاتِ وَمَن فِي الاَْرْضِإِلاَّ مَن شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ(3) ، فما هي حقيقة الصور؟ ومن الملك الذي ينفخ فيه؟ وإذا كان الصعق يشمل أهل السماوات، فمَن هم؟
ومَن هم المستثنون بقوله: إِلاَّ مَن شَاءَ اللهُ؟ وكم هو الوقت بين النفختين؟ وما هو الحال بينهما؟
باسمه جلت أسماوه الملك النافخ في الصور هو إسرافيل عليه السلام كما في بعض النصوص، وأمّا الصور فلعلّه كناية عن إحداث هذا الملَك لصوت يجعله الله تعالى قادراً على الوصول لكلّ مكان في الأرض، وإن كانت هناك رواية عن الإمام
ص:226
زين العابدين عليه السلام قد وصف فيها الصور بأنّ له رأساً وطرفين، ممّا يعني كونه شيئاً محسوساً، وأهل السماوات عبارة عن المخلوقات العاقلة التي يمكن أن تستعمل فيها كلمة مَن وهم الملائكة أو من يعيش معهم ممن رفع إليها من البشر، وأمّا مَن شَاءَ، فالذي يظهر من الروايات أنّ إسرافيل هو الذي لايموت من النفخة، فيأمره الله تعالى فيموت بعد ذلك، كما ورد في رواية عن الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام، أو هو وملك الموت عزرائيل كما في بعض آخر، وقد حدّدما بين النفختين بما شاء الله تعالى، وهو كناية عن إبهام الأمر.
463 - إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِ أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوافَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَ - ذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرا(1)
، والسؤال: ما هو وجه التمثيل بالبعوضة؟
باسمه جلت أسماوه الظاهر من خلال بعض القرائن أنّ الله تبارك وتعالى لمّا تحدّث عن المشركين بقوله: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(2) قالوا: إنّ الله أجلّ مِن أن يضرب مثلا، فأنزل الله تعالى الآية المذكورة ردّاً عليهم، وذكر فيها البعوضة التي هي أقلّ شأناً وأحقر من العنكبوت.
464 - ما هو تفسير هذه الآية: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً(3) ؟
*
باسمه جلت أسماوه بما أنّ العرش هو الملك، وبما أنّ الآية بصدد
ص:227
الحديث عن عالم الوجود قبل خلق السماوات والأرضين، تمهيداً لإثبات إمكان المعاد; لذلك أوضحت أنّه لم يكن موجود آنذاك تحت ملك الله وسلطنته إلاّ الماء، ومع ذلك خلق منه كلّ شيء، حيث قالت: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالاَْرْضَ
فِي سِتَّةِ أَيَّام وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ.
وقيل: إنّ المراد بالماء مادّة الحياة، وعليه فقوله تعالى: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ اريدَ به المعنى الكنائي، أي أنّ ملكه تعالى حين خلق السماوات والأرض كان مستقرّاً على مادّة الحياة.
(1)، فما الفرقبين الاستغفار والتوبة؟
باسمه جلت أسماوه بما أنّ التوبة الحقيقيّة تعني الرجوع إلى الله تعالى بالكلّيّة، وهي متقوّمةٌ بالانقطاع النهائي عن المعاصي وعدم العودة إليها; لذلكقد يتحقّق طلب المغفرة من الذنوب من غير أن تتحقّق التوبة، وهذا ما جعل الآية الشريفة تدعو إلى الاستغفار أوّلا، ثمّ تعقيبه بالتوبة التامّة.
إذا فسّرناها بأهل البيت عليهم السلام فإنّ ذلك يجرّنا للسؤال التالي: هل نورهم ناقص حتّى يتمّه الله تعالى؟
باسمه جلت أسماوه الإتمام في الآية الشريفة ليس لأصل النور حتّى يرد الإشكال، وإنّما هو لامتداده برفع الموانع عنه، وهذا لامحذور فيه.
ص:228
فِي الْيَمِّ وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(1)، فهل تفيد جملة وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ أنّ موسى عليه السلام رسول منذ ولادته؟ ويجب علياُمّ موسى عليه السلام أن تتّبعه حتّى قبل أن يأمر الله تعالى موسى بالذهاب إلى فرعون وقومه، والتي عبّر الله عنها بالبعث في قوله: ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ(2)؟ وهل دعا موسى عليه السلام قومهأو بعضهم حتّى قبل أن يبعث إلى فرعون، كما يظهر من قوله تعالى: قَالُوا أُوذِينَا
مِن قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا(3)، وقوله أيضاً: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَة مِن أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هذَا مِن شِيعَتِهِ وَهذَا مِن عَدُوِّهِ(4)، فهل يعتبر هذا دليلا على وجوب اتّباع القائم عليه السلام حتّى في زمن غيبته؟
باسمه جلت أسماوه
t 1
- قوله تبارك وتعالى: وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ لادلالة له على رسالة نبيّ الله موسى عليه السلام منذ الولادة; إذ هي تتحدّث عن أمر مستقبلي، لم يُعلم وقته. 2 - كما أنّ الآية الشريفة: قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا لايستفاد منها أيضاً قيام النبيّ موسى عليه السلام بالدعوة من قبل أن يبعث; إذ هي تتحدّث عمّا لقيه قوم موسى عليه السلام من الأذى قبل بعثته وبعدها، ولايستفاد منها أكثر من ذلك.
3 - ولا ريب في وجوب اتّباع الإمام المهدي (عج) أرواحنا فداه فيما ثبتَ صدوره عنه من الأوامر والنواهي، من غير فرق بين زمن حضوره وزمن غيبته; إذ أنّ هذا هو مقتضى الاعتقاد بإمامته، ولكنّ هذا الوجوب لايستفاد من مثل الآية المذكورة في السؤال، وإنّما يستفاد ممّا دلّ على إمامته من الأدلّة القطعيّة الكثيرة.
ص:229
(1)، فكيف يسّر الله القرآن للذكر؟
باسمه جلت أسماوه المقصود من الآية الشريفة: أنّ القرآن الكريم رغم ما يشتمل عليه من دقائق المعارف وغوامضها إلاّ أنّ الله سبحانه وتعالى قد يسّر فهم ظواهر آياته لقارئيه، من أجل تذكيرهم بالله تعالى واتّصالهم به.
469 - ما معنى قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً(2) ؟
باسمه جلت أسماوه المراد من الآية الشريفة: أنّ مدّ الظلّ عبارة عن التمدّد الذي يعرض الظلّ الحادث بعد زوال الشمس شيئاً فشيئاً، من المغرب إلى المشرقحسب اقتراب الشمس من الاُفق، حتّى إذا غربت الشمس كان ذلك نهاية امتداده، وهو في أحواله متحرّك، ولو شاء الله لجعله ساكناً.
470 - الله تعالى يقول: وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور(3) 2، ومن المعلوم أنّ الذي في الصدور حسب علم التشريح هو القلب المضخّ للدم، فهل لهذا القلب إدراك ومعرفة وفهم؟
باسمه جلت أسماوه بناءً على صحّة ما أثبته بعض العلماء المعاصرين من أنّ القلب الصنوبري هو مركز العواطف والأحاسيس والإدراك، ومن خلاله تترشّح المعلومات والمدركات على المخّ عبر مراكز عصبيّة دقيقة، يكون تفسير الآية المباركة في غاية الوضوح، وبناءً على عدم صحّته فمن المحتمل أن يراد بالصدور كما أفاد بعض المفسّرين النفوس، ويراد بالقلوب: آلة عندها.
ص:230
(1)، فما هو الفرق بين الإحصاء والعدّ؟
باسمه جلت أسماوه المراد من الإحصاء هو الحصر والتحديد عن طريق العدّ، فإن كان ما يعد كالمخلوقات ممّا يتناهى أمكن احصاؤه; ولذا قال القرآن الكريم: لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً(2)، وإن كان ممّا لايتناهى - كالنعم الإل - هيّة - لم يمكن إحصاؤه; ولذا قال القرآن الكريم: وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا.
472 - قال تعالى: قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى(3) 1، فمن هم القربى؟ ولماذا وردت الآية بصيغة النفي والاستثناء كصيغة لا إل - ه إلاّ الله؟
باسمه جلت أسماوه اسلوب الحصر ودوران الأمر بين النفي والإثبات هو أبلغ أساليب الحصر، وقد استخدم هنا لأنّه ليس هناك شيء يمكن أن يكون أجراً للرسالة سوى المودّة والمحبّة لأهل البيت عليهم السلام، الذين وردت روايات العامّة والخاصّة تقول: إنّه صلى الله عليه وآلهسئل عن القربى؟
فقال: هم فاطمة وعليّ وابناهما.
واللطيف أنّه صلى الله عليه وآله امر من قِبل ربّه أن لايقبل أجراً غير هذا، وهو يدلّ على ما قلناه من عدم وجود شيء يكون كذلك في علم العالم بكلّ شيء تبارك وتعالى.
473 فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ، ما سبب قوله: أَبْنَاءَ(4)
ص:231
وكذلك في وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ، وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ، فما المقصود ب - نا؟ كما أنّ هناك باللغة العربيّة أداة لمخاطبة المثنّى والمفرد والجمع، فما سبب استخدام النبيّصلى الله عليه وآله الجمع للمثنّى في أَبْنَاءَنَا، والتي فسّرت على أنّ المقصود بها الحسن والحسين عليهما السلام؟ وما سبب استخدامه الجمع للمفرد في وَنِسَاءَنَا والتي فسّرت بالزهراءعليها السلام، وفي وَأَنفُسَنَا والتي فسّرت بأمير المؤمنين عليه السلام؟
باسمه جلت أسماوه استعمال الجمع وإرادة الفرد في القرآن لايخفيعلى أحد، فهذا قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1)، وهذا قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(2)، وهكذا عشرات الآيات، والإتيان بالجمع وإرادة الفرد أو المثنّى له عدّة نكات في اللغة العربيّة، منها التعظيم، وبما أنّ المقام مقام تبجيل وتعظيم للنبيّ وأهل بيته عليهم السلامالذين أراد المباهلة بهم; لذلك استعمل القرآن الكريم الصيغة المذكورة لأجل التأكيد على ذلك.
474 - كنت أتحاجج مع شخص حول آية الغار: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُود لَمْ تَرَوْهَا(3)
فاحتججت عليه بما ورد عن شيخنا المفيد عليه الرحمة في هذا الشان، وقلت له: إنّ أبا بكر ليس بمؤمن; لأنّ السكينة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله فقط، بقرينة قوله تعالى: فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ، والتأييد بالجنود شاهد على أنّ المعنى بإنزال السكينة هو رسول الله صلى الله عليه وآله، وحرف العطف الواوفي وَأَيَّدَهُ بِجُنُود لَمْ تَرَوْهَا شاهد على هذا المدّعى.
فأجابني: ما يمنع أن تتنزّل السكينة على أبي بكر، كما في: ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ
ص:232
عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ(1)، ومن ثمّ يؤيّد نبيّه بالجنود، فما هو الردّ على كلامه؟
باسمه جلت أسماوه في الآية الكريمة شواهد على رجوع ضمير سَكِينَتَهُ على رسول الله صلى الله عليه وآله، منها: رجوع الضمائر التي قبله وبعده إليه صلى الله عليه وآله، كقوله: إِلاَّ تَنصُرُوهُ و نَصَرَهُ و أَخْرَجَهُ و يَقُولُ لِصَاحِبِهِ و أَيَّدَهُ، فلا سبيل إلى رجوع ضمير واحد من بين مجموع الضمائر عليغير رسول الله صلى الله عليه وآله.
ومنه - ا: أنّ الآية الكريمة مسوقة لبيان نصر الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وآله، حيث لم يكنمعه أحد يتمكّن من نصرته; إذ يقول: إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ، ولايخفيأنّ إنزال السكينة والتقوية بالجنود من مصاديق النصر، فيكون للنبيّصلى الله عليه وآلهخاصّة، ويدلّ على ذلك تكرار إِذْ في الآية ثلاث مرّات، كلّ منها بيان لما قبله بوجه، وهناك شواهد اخر لامجال لذكرها.
475- - لماذا حزن أبو بكر يُعتبر حزن معصيّة في آية الغار، بينما نجد في القرآن كثيراً من الأولياء وقع منهم الحزن، وشاهد - مثلا - قوله تعالى: وَقَالُوا لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ(2)
، فإذا كان الحزن معصيّة، ألا يكون ذلك مخالفاً لعصمة الأنبياءعليهم السلام؟
باسمه جلت أسماوه قد تحرّر في علم الاُصول أنّ الأصل في النهيأن يكون مولويّاً، ولايحمل على الإرشاديّة إلاّ عند قيام القرينة على خلافه، وبما أنّ النهي عن الحزن في الآيات الموجّهة إلى الأنبياءعليهم السلام مقرون بالقرائن القطعيّة - عقلا ونقلا - الدالّة على عصمتهم عن المعاصي; لذلك يكون النهي الموجّه
ص:233
لهم عليهم السلامإرشاديّاً لامولويّاً، وبما أنّ هذه القرائن بالنسبة إلى المنهي عن الحزن في آية الغار مفقودة، فالنهي بالنسبة له يبقى على مولويّته بمقتضى الأصل.
476- ما هي القراءة الصحيحة؟ هل هي: سَلاَمٌ عَلَى آلِ ي - س أو هي: سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ(1)؟
*
باسمه جلت أسماوه في المعاني عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلامعن عليّعليه السلام في قوله تعالى: سَلاَمٌ عَلَى آلِ ي - س قال: «يس محمّدصلى الله عليه وآله، ونحن آل يس». وفي خبر آخر عن الإمام الرضاعليه السلام مثله، وهما يدلاّن على قراءة آل يس، كما قرأه نافع وابن عامر ويعقوب وزيد، وعن باقي القرّاء قراءة إِلْ ي - س بكسر الألف وسكون اللام موصولة بياسين.
477- قال تعالى: اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مّ - ِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مّ - ِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ(2).
والسؤال: ما سبب مجيء كلمة الطاغوت في الآية بصيغة المفرد، والكلمة التي قبلها أَوْلِيَاؤُهُمُ، والكلمة التي بعدها يُخْرِجُونَهُم بصيغة الجمع؟ هل هذا دليل على أنّ كلمة الطاغوت لايمكن جمعها في اللغة على صيغة طواغيت؟
*
باسمه جلت أسماوه في الآية الكريمة موردان لهذا السؤال: أحدهما إنّه كيف أتى بالنور مفرداً وبالظلمات جمعاً في قوله تعالى: يُخْرِجُهُم مّ - ِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وثانيهما ما جاء في السؤال. أمّا الأوّل: فيجاب بأنّه إشارة إلى أنّ الحقّ واحد لااختلاف فيه، كما أنّ الباطل متشتّت مختلف لاوحدة فيه، قال تعالى: وَأَنَّ هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ
ص:234
وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ.
وأمّا الثاني: فالطاغوت يُراد به الجنس، أي جنس الطاغوت، وعدولُ القرآن الكريم - في الآية المباركة - من استخدام صيغة الجمع إلى اللفظ المعبّر عن الجنس، إنّما هو لأجل استغراق جميع أنواع الطاغوت وأفراده.
478- ما هي أسرار ارتباط الآية المباركة: بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ(1) بالإمام المهدي (عج)؟
باسمه جلت أسماوه جاء في الكافي الشريف عن أبي عبد الله عليه السلامقال: «سأله رجل عن القائم يُسلّم عليه بإمرة المؤمنين؟
قال: لا، ذاك اسم سمّى الله به أميرالمؤمنين عليه السلام، لم يسمّ به أحد قبله، ولايتسمّى به بعده إلاّ كافر.
قلت: جعلت فداك، كيف يسلّم عليه؟
قال: يقولون: السلام عليك يا بقيّة الله، ثمّ قرأ: بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ.
ووجه التعبير عنه ب - بَقِيَّةُ اللهِ: أنّه الباقي من خطّ الخلافة الإل - هيّة المتجسّدة في الأنبياء والأئمّة عليهم السلام; إذ بقيّة الشيء بمعنى ما بقيَ منه وثبت ودام.
، وتحديداً حول كلمة: يَدْعُونَ أهي بفتح الياء أم بضمّها، مع مراعاة سبب نزولها; لأن ذلك هو سبب تساؤلنا؟
باسمه جلت أسماوه الظاهر من بعض الروايات الشريفة أنّ قراءة الضمّ
ص:235
هي قراءة أهل البيت عليهم السلام، كما تشهد بذلك موثّقة مسعدة بن صدقة، عن أبيعبد الله عليه السلامقال: «سئل عن قول النبيّصلى الله عليه وآله: إن الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ليلة ظلماء، فقال: كان المؤمنون يسبّون ما يعبد المشركون من دون الله، وكان المشركون يسبّون ما يعبد المؤمنون، فنهى الله عن سبّ آلهتهم لكي لايسبّ الكفّار إل - ه المؤمنين، فيكون المؤمنون قد أشركوا بالله من حيث لايعملون، فقال: وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يُدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ.
480-قال تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً(1) فمَن بقي مع النبيّصلى الله عليه وآله؟ ومَن الذي انفضّ عنه؟
باسمه جلت أسماوه لم يرد ذلك من طريقنا بشكل مفصّل، ولكن نقل العلاّمة السيّد هاشم البحراني قدس سره عن تفسير مجاهد وأبي يوسف يعقوب بن سفيان: قال ابن عباس في قوله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً أنّ دحيّة الكلبي جاء يوم الجمعة من الشام بالميرة، فنزل عند أحجار الزيت، ثمّ ضرب بالطبول ليأذن بقدومه، ومضوا الناس إليه - إلاّ عليّ والحسن والحسين وفاطمة وسلمان وأبو ذر والمقداد وصهيب - وتركوا النبيّصلى الله عليه وآلهقائماً يخطب على المنبر، فقال النبيّصلى الله عليه وآله: لقد نظر الله يوم الجمعة إلى مسجدي، فلولا هؤلاء الثمانية الذين جلسوا في مسجدي لاضطرمت المدينة على أهلها ناراً، وحصبوا بالحجارة كقوم لوط».
481- الآية الكريمة تقول: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ(2) ، فهل هذه الآية شاملة للمؤمن الأعزب والمتزوّج؟
باسمه جلت أسماوه مقتضى إطلاق الآية الكريمة عدم الفرق بين
ص:236
الأعزب والمتزوّج.
482- قال الله تعالى: لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ(1)، فما معنى التوبة على النبيّصلى الله عليه وآله؟
باسمه جلت أسماوه التوبة تعني الرجوع، وتوبة الله تعالى عبده تعني رجوعه عليه بالخير والرحمة، وبقراءة مجموع الآية يتّضح المقصود منها، فإنّها قالت: لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِمَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيق مِنْهُمْ، فأوضحت أنّه بعد أن كادت تزيغ قلوب فريق من المهاجرين والأنصار تاب الله تعالى عليهم وعلى النبيّصلى الله عليه وآله وعلى بقيّة المهاجرين والأنصار، ومعنى ذلك أنّه برجوعه تعالى على هذا الفريق منهم بالخير; وذلك بالحيلولة بين قلوبهم وبين تحقّق الزيغ الذي كاد أن يتحقّق، عاد الخير عليهم وعلى جميع من معهم، بما في ذلك سيّدهم وقائدهم نبيّ الله الأعظم صلى الله عليه وآله; إذ لولا رجوع الله تعالى على اولئك القوم بالخير المذكور لوقع على الجميع ما لاتحمد عقباه من قبل أعدائهم.
483- هل يدلّ قوله تعالى: َلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكِةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ(2) على خلق كافّة الخلق من ذاك الزمن، أي قبل أن يأمر الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام؟ وهل بذلك تكون للآية صلة بعالم الذرّ؟
باسمه جلت أسماوه الظاهر أنّ الخلق كما يحتمل أن يكون بخلق آدم عليه السلامفقط، يحتمل أيضاً أن يكون بخلق الجميع، وعلى فرض خلق الجميع في عالم الذرّ أو قبله، فالتصوير تأخّر عن ذلك وعن خلق آدم عليه السلام، ولعلّ هذا هو السرُّ في التعبير بكلمة ثُمَّ فإنّها تدلّ على التراخي، كما هو ثابت في علم الأدبيات.
ص:237
باسمه جلت أسماوه المراد من قوله تعالى: خَلَقَهُ مِن تُرَاب خلقته من الجنس المخلوق من التراب، أي من جنس البشر، فلا تدلّ على خلقه المباشر من التراب.
485- الآية القرآنيّة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِْسْلاَمَ دِيناً(1) هل المخاطب بها جميع البشر أم خصوص المسلمين؟
باسمه جلت أسماوه المخاطب بهذه الآية الكريمة كجميع الآيات المتضمّنة لبيان الأحكام الشرعيّة والاعتقاديّة، هم جميع البشر إلى يوم القيامة.
وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً(2)؟
*
باسمه جلت أسماوه بضميمة ما ورد من الروايات في بيان سبب نزول الآية، يظهر أن المراد من الاستثناء المذكور: إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ بيان عدم التبعة بالنسبة لحالات الزواج بزوجات الأب التي تمّت قبل بيان هذا الحكم، ولكن لابمعنى إمضائها، وإنّما بمعنى عدم المؤاخذة عليها.
487 - يقول تعالى: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ(3) فهل لله تعالى روحٌ نفخَ منها؟
باسمه جلت أسماوه سئل الإمام الباقرعليه السلام عن الآية المذكورة، فقال:
ص:238
«روح اختاره الله واصطفاه، وخلقه وأضافه إلى نفسه، وفضّله على جميع الأرواح، فنفخ منه في آدم عليه السلام»، وعلى ضوء جوابه عليه السلام يتّضح أنّ الإضافة تشريفيّة لاتبعيضيّة، وبذلك يندفع ما قد يُتوهّم من الإشكال.
488 - قال تعالى: قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِن أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي(1)، قال المفسّرون في تفسير هذة الآية:
إنّ السامريّ أخذ قبضة من التراب الذي تحت رجل الرسول ووضعها في العجل الذي صنعه لبني
إسرائيل، والسؤال: نحن نعلم أنّ المعجزة أو الكرامة تحدث لإرشاد الناس إلى الطريق الحقّ، فكيف تحقّقت إذن هذه الكرامة مع أنّها ساهمت في إضلال بني إسرائيل؟
باسمه جلت أسماوه ما حصل للسامريّ - على فرض صحّة الرواية التي ذُكر مضمونها في السؤال - نظير ما حصل للراهب النصراني في عصر الإمام العسكري عليه السلام، والذي كان يستسقي المطر فيسقى، فكلاهما استفادا من بعض الأسباب المعنويّة في سبيل تحقيق بعض الظواهر المخالفة للعادة، وقد تمّ لهما ذلك امتحاناً من الله تعالى لمن عاصرهما، ولكنّ الله تعالى بحكمته البالغة ما أسرع أن كشف زيفهما، وأبطل دعواهما، حتّى لايكون في ذلك نقض لغرضه سبحانه وتعالى، كما أنّ ذلك ليس من الكرامة والإعجاز في شيء; إذ ليس كلّ أمر خالف العادة كان داخلا في أحدهما - كما هو مذكور في محلّه - وإلاّ لكان ما ظهر على يد مسيلمة الكذاب كذلك، وهو ممّا لايمكن التفوّه به.
489 - قال تبارك إسمه: كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ(2) 1، فما هو معنى الإسلام والنعمة الموجودتين في هذه الآية العظيمة؟
ص:239
باسمه جلت أسماوه للآية الكريمة كسائر الآيات معنى ظاهر وباطن، أمّا معناها الظاهر: فالله تعالى بعد ذكر النعم يقول: كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ، وهو امتنان عليهم بإتمام النعم التي ذكرها، وكانت الغاية المرجوّة من ذلك إسلامهم، فإنّ المترقّب ممّن عرف النعمة أن يسلم لإرادة منعمه، ولايقابله بالاستكبار.
وأمّا باطنها فاُمور، منها: ما قيل من أنّ معناها يعرفون محمّداًصلى الله عليه وآله، وهو مننعم الله سبحانه ثم يكذّبونه ويجحدونه، ومنها غير ذلك.
يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً(1)
والسؤال: أنّ العبد الصالح لمّا قام بإخبار نبيّ الله موسى عليه السلام عن حكمة فعله، في الفعل الأوّل قال: فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا، وفي الفعل الثاني قال: فَخَشِينَا و فَأَرَدْنَا، وفي الفعل الثالث قال: فَأَرَادَ رَبُّكَ، فمَن هم الذين أرادوا في الفعل الثاني؟ ولماذا حصر الإرادة بنفسه في الفعل الأوّل؟ ولماذا حصر الإرادة بالله جلّ جلاله في الفعل الثالث؟
باسمه جلت أسماوه ذكر المحقّقون من المفسّرين هذا السؤال وأجابوا عنه، وخلاصة ما أفادوه: أنّ الخضرعليه السلام استعمل الأدب الجميل مع ربّه في كلامه،
ص:240
فنسب الأعمال التي لاتخلو عن نقص مّا إلى نفسه، فقال: فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا، وما جاز انتسابه إلى ربّه وإلى نفسه أتى به بصيغة المتكلّم مع الغير، فقال: فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا و فَخَشِينَا، وما يختصّ به تعالى لتعلّقه بالربوبيّة وتدبيره ملكه نسبه إليه، فقال: فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا.
491 - ما معنى النسب والصهر في قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً(1)؟
*
باسمه جلت أسماوه الظاهر من الآية الكريمة تقسيمها السلالة البشريّة إلى قسمين: الأوّل ما كان ارتباطه ببعضه البعض عن طريق العلاقة النسبيّة، والثاني ما كان ارتباطه ببعضه البعض عن طريق علاقة المصاهرة، ومرجع الجميع هو الماء والتراب.
باسمه جلت أسماوه الخطابات التي قبل هذه الآية موجّهة إلى نساء النبيّصلى الله عليه وآله، وتغيير الخطاب في قوله تعالى: عَنكُمُ عوضَ عنكنّ أقوى دليل على أنّ المقصود ليس نساء النبيّصلى الله عليه وآله.
وبالجملة: فاختلاف سياق آية التطهير عن الآيات السابقة واللاحقة شاهد على عدم إرادة النساء.
وبما أنّ لدينا عشرات الأحاديث المعتبرة عن طريق أهل السنّة، وقد رويت بطرق كثيرة عن امّ سلمة وعائشة وأبي سعيد الخدري وابن عبّاس وعبد الله بن جعفر وغيرهم ممّا يقرب من أربعين طريقاً، وكلّها تدلّ على نزول آية التطهير في الخمسة،
ص:241
فهذا يكفي - بضميمة الاختلاف السياقي - لإثبات المطلوب.
باسمه جلت أسماوه الرجس هو القذارة المعنويّة، أو فقل: هو إدراك نفساني وأثر شعوري ناتج عن تعلّق القلب بالاعتقاد الباطل أو العمل السيّئ، وبما أنّ اللام فيه للجنس، فالآية تدلّ على إزالة كلّ هيئة خبيثة في النفس توجب انحرافاً في الاعتقاد والعمل، وهذا هو معنى العصمة.
494 - قوله تعالى: لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ(1) يوحي بأنّ النبيّصلى الله عليه وآله ليس بمعصوم، وإنّما الذي يعصمه هو وحي الله تعالى من السماء، فما قولكم؟
باسمه جلت أسماوه لاشبهة في أنّ ولاية النبيّصلى الله عليه وآله وعصمته وأفعاله، إنّما تكون تحت اختياره، فله أن يفعل وله أن لايفعل، ومع ذلكفإنّ حياته وقدرته وأفعاله كلّها متحقّقة بإفاضة الباري تعالى، بحيث لو لم يفض إليه شيئاً منها يلزم منه عدم صدور أي فعل منه.
وبعبارة اخرى: أنّ الله تعالى أقدره وملكّه كما أقدرنا على الأفعال الاختياريّة، وكلّ زمان سلب فيه عنه القدرة، بل لم يفضها عليه، انعدمت قدرته وسلطنته، وعلى الجملة: فكلّ أعمال النبيّصلى الله عليه وآلهإنّما كانت بوحي من الله تعالى، ولم تكن في عرضه بل في طوله.
495 - ما معنى قوله تعالى في قصّة موسى والخضر: اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا(2) 1، فلماذا ألجأ الله اثنين من أوليائه إلى الاستطعام، مع أنّ هذا لايليق بأبسط الناس إلاّ مع الضرورة؟ وهل يمكن أن نفسّر الاستطعام باستطعام الحديث؟
ص:242
باسمه جلت أسماوه
* أوّلا: إنّ قضيّة النبيّ موسى مع الخضرعليهما السلام بمجموعها كانت مبنيّة على الابتلاء والامتحان، ولتكن قضيّة الاستطعام من جملة مصاديق ذلك. وثانياً: إنّ حياة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام تسير على وفق المجريات الطبيعيّة، لاعلى نحو الاعجاز والكرامة وإن كانوا متمكّنين من ذلك، فهم عليهم السلام وإن كانوا قادرين - مثلا - على
الأكل من موائد الجنّة، إلاّ أنّ حياتهم قائمة على تحصيل الطعام الذي يقتاته سائر الناس من خلال الطرق الاعتياديّة.
وثالثاً: إنّ الاستطعام في الآية المباركة لايمكن حمله - بقرينة قوله تعالى: فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا - إلاّ على طلب الطعام، وطلب الطعام من الغير ليسمن اللازم أن يكون بنحو يوجب الوهن للطالب; إذ من المحتمل مثلا أنّ الخضرعليه السلامقد عرّفَ أهل القرية بأنّ من معه من عباد الله الصالحين، وطلبَ منهم أن يقوموا بحقّ ضيافته وإطعامه، وهذا يصدق عليه الاستطعام من غير أن يكون موجباً للوهن.
496 - الآية الشريفة: وَلكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ(1) استفادمنها بعض المخالفين في نقض الاستدلال بآية التطهير على عصمة الأئمّة عليهم السلام فقال:
إنّ التطهير فيها جاء لكافّة المؤمنين، ولو كان التطهير بمعنى العصمة - كما يقول الشيعة في آية التطهير - لوجب القول بعصمة جميع المؤمنين; لنصّ الآية الكريمة على إرادة الله تطهيرهم، وهذا ما لايقوله أحد من السنّة والشيعة، فكيف تطبّقون نظرية التطهير على اناس دون آخرين؟
باسمه جلت أسماوه
* أوّلا: إنّ الآية المذكورة في السؤال ناظرة إلى خصوص التطهير التشريعي من الحدث بواسطة الوضوء والتيمم، كما لايخفى على من لاحظ صدرها، حيث
ص:243
تقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَر أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِن حَرَج وَلكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(1)، وإذا كانت الآية - كما اتّضح - مختصّة بالتطهير من الحدث بواسطة تشريع الوضوء والتيمّم، فكيف يمكن أن نستفيد منها العصمة من مطلق الذنوب والمعاصي والرجس؟!
وثانياً: إنّ الآية الكريمة: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً(2) مشتملة على كلمة إِنَّمَا وهي أداة حصر، فتدلّ على حصر إرادة إذهاب الرجس
والتطهير في خصوص أهل البيت عليهم السلام، ممّا يعني أنّ التطهير وإذهاب الرجس مختصّ بهم عليهم السلام.
وليس المراد بأهل البيت نساء النبيّصلى الله عليه وآله; لأنّه لم يقل: عنكنّ، بل المراد - كما وردت به الروايات الكثيرة من طرق الشيعة والسنّة - عليّ وفاطمة والحسنان عليهم السلامخاصّة.
وقد قال بعض المحقّقين: إنّ الروايات تزيد على سبعين حديثاً، يربو ما وردمنها من طرق أهل السنّة على ما ورد منها من طرق الشيعة، فقد رواها أهل السنّة بطرق كثيرة، عن امّ سلمة وعائشة وأبي سعيد الخدري ووائلة الأسفع وأبي الحمراء وابن عبّاس وثوبان مولى النبيّصلى الله عليه وآله وعبد الله بن جعفر وعلي والحسن بن عليّعليه السلام، في قريب من أربعين طريقاً، ورواها الشيعة عن عليّ والسجّاد والباقر والصادق والرضاعليهم السلامواُمّ سلمة وغيرهم، في بضع وثلاثين طريقاً، وفي الكلّ أنّها نزلت
ص:244
في الخمسة الطيّبة.
497 - قال تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(1)، فهل لدينا ما يدلّ على ثبوت صفة إيتاء الزكاة حال الركوع لغير أمير المؤمنين عليه السلام من المعصومين عليهم السلام؟
باسمه جلت أسماوه روى ثقة الإسلام في الكافي بإسناده عن أحمد ابن عيسى، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ، قال: إنّما يعني أوْلى بكم، أي أحقّ بكم وباُموركم من أموالكم وأنفسكم، اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا، يعني: عليّاً وأولاده الأئمّة عليهم السلام إلى يوم القيامة.
ثمّ وصفهم الله عزّ وجلّ فقال: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام في صلاة الظهر، وقد صلّى ركعتين وهو راكع، وعليه حلّة قيمتها ألف دينار، وكان النبيّصلى الله عليه وآله كساه إيّاها، وكان النجاشي أهداها إليه، فجاء سائل فقال: السلام عليك يا ولي الله وأوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، تصدّق على مسكين، فطرح الحلّة إليه، وأومأ بيده إليه أن احملها، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية، وصيّر نعمة أولاده بنعمه، فكلّ مَن بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النعمة مثله، فيتصدّقون وهم راكعون، والسائل الذي سأل أمير المؤمنين عليه السلام من الملائكة، والذين يسألون الأئمّة عليهم السلام من أولاده يكونون من الملائكة».
498 - قُل لاَ أَجِدُ فِي مَاأُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِم يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِير فَإِنَّهُ رِجْسٌ(2) 1، كيف تدلّ هذه الآية على نجاسة الدم؟
باسمه جلت أسماوه بناءً على عودة الضمير في قوله: فَإِنَّهُ إلى جميع المذكورات في الآية، تكون كلّها مصاديق للرجس، والرجس يعني النجس.
ص:245
* وَمِنَ الاَْعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَايُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَمِنَ الاَْعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَايُنفِقُ قُرُبَات عِندَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَالسَّابِقُونَ الاَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالاَْنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَان رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتَهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِنَ الاَْعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَاب عَظِيم(1)، ولديّ أسئلة مرتبطة بالآيات:
باسمه جلت أسماوه يُراد بالأعراب سكّان البادية، سواء كانوا من العرب أم من غيرهم، ويُراد بهم في بعض الآيات القرآنيّة فئة خاصّة من الأعراب، كما في قوله تعالى: وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِنَ الاَْعْرَابِ مُنَافِقُونَ، فإنّه إشارة إلى بعض القبائل التي كانت تسكن حول المدينة المنوّرة، ممّن كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، مثلهم مثل المنافقين من أهل المدينة المنوّرة.
باسمه جلت أسماوه إنّ وصفهم بأنّهم أشدّ كفراً ونفاقاً من أهل الحضر يعود لقساوتهم وجفائهم ونشوئهم بعيداً عن مشاهدة العلماء وسماع التنزيل;
ص:246
ولذا قال تعالى عنهم: وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَ - ا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِمن الشرائع فرائضاً وسنناً وأحكاماً.
باسمه جلت أسماوه الذمّ ليس لمطلق الأعراب، بل لخصوص الكفّار والمنافقين من الأعراب فيما يتعلّق بسلوكهم العقائدي، وشاهد ذلك مدح القرآن للمؤمنين منهم في قوله تبارك وتعالى: وَمِنَ الاَْعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَايُنفِقُ قُرُبَات عِندَ اللهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلاَ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ.
باسمه جلت أسماوه قدّمنا أنّ المقصود بوصف الأعراب في بعض الآيات الكريمة هم الذين كانوا في زمن النبيّصلى الله عليه وآلهيسكنون في محيط المدينة، ولكنّ وصف الأعراب في بعضها الآخر يراد به مطلق أصحاب الرذائل والمعاصي من سكّان البوادي البعيدين عن معرفة العقائد الدينيّة والأحكام الشرعيّة.
500 - قال تعالى لنبيّه الأعظم صلى الله عليه وآله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ(1)، ولو لم يكن الرسول صلى الله عليه وآله عاصياً في حزنه لما نهاه الله عنه، فكيف نوجّه هذه الآية؟
باسمه جلت أسماوه قوله تعالى: لاَ يَحْزُنكَ في الآية الشريفة المُشار إليها في السؤال، لم يرد مورد النهي، وإنّما جاءَ تسليةً للنبيّصلى الله عليه وآله وإخباراً له بأنّ من كان يحزن ويتألّم لعدم هدايتهم وإسلامهم لايستحقّون ذلك; لأنّهم لاخير فيهم، ويتّضح ذلك من قراءة الآية المباركة كاملة: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ
ص:247
يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمّ - اعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّ - اعُونَ لِقَوْم آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُمِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الاْخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
501 - قال تعالى: فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُود لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(1)، فمن هم الجنود الذين أيّد الله تعالى بهم الرسول صلى الله عليه وآله ونصره بهم؟
باسمه جلت أسماوه الظاهر من الروايات أنّ الجنود التي لم تُرَ كانت من جنس الملائكة، وأمّا ما ذكره بعضهم من أنّ الجنود عبارة عن العنكبوتوطير الحمام، فيكذّبه تصريح القرآن بعدم رؤية الجنود; إذ العنكبوت والحمامممّا رآه المشركون.
502 - قال تعالى شأنه: فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُعَدُوٌّ مُضِلٌ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ(2) 1
، فما معنى قول النبيّ موسى عليه السلام:
رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي؟
*
باسمه جلت أسماوه أمّا قوله:
قَالَ هذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، فالمُشار إليه باسم الإشارة هذَا هو القتيل، وبذلك يظهر استحقاقه للقتل. وأمّا قوله: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، فيتّضح المقصود منه من خلال
ص:248
ملاحظة مجموع الحادثة، حيث أنّ الذي قتله النبيّ موسى عليه السلام - في سبيل نصرة وليّه - هو أحد الفراعنة، وبقتله له كان قد جعل نفسه في معرض القتل والإبادة، وهذا ما جعله يحاول الاستتار عن الأعداء حتّى لايريقون دمه، فأشار إلى الأمر الأوّل - أي جعل النفس في معرض القتل - بقوله: ظَلَمْتُ نَفْسِي، وأشار إلى الأمر الثاني - أي طلب الاستتار - بقوله: فَاغْفِرْ لِي; إذ معنى الغفران الستر، وقد سمّي المغفر - المستعمل في الحرب - مغفراً لأنّه يستر الرأس ويقيه من السيوف.
503 - قال تعالى في سورة الكهف: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسانِيهُإِلاَّ الشَّيْطَانُ(1)، ثم قال في آية لاحقة: قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ(2) [1]
فما هو المقصود من النسيان الذي نسبه تعالى لاثنين من أنبيائه، وهما يوشع بن نون وموسى عليهما السلام؟
باسمه جلت أسماوه بعد قيام البرهان العقلي على عصمة الأنبياءعليهم السلامعن النسيان بمعناه المعروف، فلابدّ من حمل النسيان على معنى آخر، وبما أنّمن معانيه الترك، فيصحّ حمل نسيان الأنبياء عليه; لأنّه هو المعنى المنسجم مع عصمتهم المبرهن عليها عقلا ونقلا.
504 - يقول تعالى في كتابه: الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَان أَوْ مُشْرِكٌ(3) 2
، فهل المقصود بالآية الكريمة عدم جواز تزويج الزاني إلاّ زانيّة مثله أو مشركة؟ وهل يساوي الله المؤمن وإن كان زانياً بالمشرك؟ وكيف ينسجم ذلك مع تحريم الإسلام الزواج من المشركين والكفّار؟
باسمه جلت أسماوه الآية الكريمة لو كانت في مقام تشريع التحليل
ص:249
والتحريم لزم البناء على أنّه يباح للمسلم الزاني نكاح المشركة، وللمسلمة الزانيّة نكاح المشرك، وهو معلوم البطلان; لعدم جوازه إجماعاً، وأيضاً لزم منه عدم جواز مناكحة الزاني إلاّ إذا كانت الزوجة زانيّة، مع أنّ المعروف من مذهب الأصحاب جوازها على كراهة.
فلا مناص عن حملها على كونها في مقام الإخبار، ويكون المراد من النكاح الوطء، فالآية المباركة نظير قوله تعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ(1)، والمقصود منه أنّ الزاني الخبيث الذي من شأنه الزنا لايرغب في نكاح الصالحات اللاتي على خلاف صفته، وإنّما يميل إلى الخبيثات مثله، وهكذا العكس.
505 - الآية المباركة: إِنَّا عَرَضْنَا الاَْمَانَةَ عَلَى السَّماوَاتِ وَالاَْرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الاِْنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً(2) 1 تثير عندي عدّة من الأسئلة أرجو التفضّل بالإجابة عليها:
1 - ما المقصود بالأمانة؟
باسمه جلت أسماوه بما أنّ الأمانة شيء يودع عند الغير ليحتفظ بهثمّ يردّه إلى مَن أودعه عنده، فالأمانة المذكورة في الآية الكريمة لابدّ أن تكون شيئاً ائتمن الله الإنسان عليه ليحفظه ثمّ يردّه إليه سبحانه.
والمستفاد من الآية اللاحقة لها، وهي قوله تعالى: لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ(3) أنّ الأمانة المذكورة في سابقتها أمر يميّز به بين المنافقين والمؤمنين، ومثل هذا الأمر
ص:250
لامحالة أمر مرتبط بالدين، وقد اختلفوا في تحديده، ولكن الحقّ أنّه الكمال الحاصل من جهة التلبّس بالاعتقاد الصحيح والعمل الصالح، والمعبّر عنه في بعض الأخبار بالولاية، إذ أنّ الولاية الحقيقيّة لاتتحقق إلاّ بكمال الاعتقاد والعلم والعمل.
2 - لماذا رفضت السماوات والأرض والجبال حملها، وهل يعتبر رفضها معصيّة؟
باسمه جلت أسماوه المراد بحملها والإباء عنها: استعدادها وصلاحيّتها للتلبّس بها وعدمه، فالسماوات والأرض والجبال على عظمتها فاقدة لاستعداد حصولها فيها، وهو المراد بإبائهن حملها.
3 - لماذا حملها الإنسان؟
باسمه جلت أسماوه لأنّه - على ضعفه وصغر حجمه - مهيّئ تكويناً للتلبّس بها، وله من الاستعداد والصلاحيّة ما يجعله قابلا لحملها.
4 - لماذا وصف الله تعالى الإنسان بقوله: ظَلُوماً جَهُولاً؟
باسمه جلت أسماوه الظلوم والجهول وصفان منتزعان من الظلم والجهل، وقد وصف الله تعالى بهما الإنسان دون السماوات والأرض والجبال; لأنّ الإنسان بعد أن كانت له صلاحيّة التلبّس بالأمانة فإنّه لايرفضها إلاّ جاهلاأو ظالماً، وأمّا السماء والأرض والجبال فلعدم صلاحيّتها للتلبّس بالأمانة لاتتّصف بالظلم والجهل.
5 - إذا كان المقصود بالأمانة هو قبول الولاية، فكيف نوفّق بينه وبين بعض الأخبار الدالّة على أنّ أرض الكعبة هي أوّل أرض قبلت وآمنت بولاية أمير المؤمنين عليه السلام؟
باسمه جلت أسماوه الولاية التي قبلها الإنسان ورفضتها السماء والأرض هي الولاية النابعة عن الاعتقاد والمستتبعة للعلم والعمل، وهذه - كما هو واضح - غير الولاية التي قبلت بها بعض الأرضين ورفضتها بعض الأرضين الاُخرى.
ص:251
506 - قال تعالى: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً(1)، وقال في آية اخرى: إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ(2) [1] ، فهل من تعارض بين الآيتين؟
باسمه جلت أسماوه قال الله تبارك وتعالى: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَوَلَوْ كَانَ مِن عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً(3)، وقال سبحانه وتعالى: لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِن خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِن حَكِيم حَمِيد(4)، فالقرآن الكريم بمقتضى هاتين الآيتين الشريفتين وغيرهما لاتعارض فيه ولاتناقض. إلاّ أنّ توهّم التعارض قد يطرأ على بعض الأذهان، نتيجة عدم الالتفات إلى بعض القضايا العلميّة أو الأدبيّة، والتي من جملتها قاعدّة أنّ المثبتين لاتعارض بينهما والمراد من هذه القاعدّة: أنّه لو جاء خبران، وكان كلّ واحد منهما يثبت شيئاً غير الذي يثبته الآخر، فإنّه لاتعارض بينهما، كما لو قال أحد الخبرين: «يجب الركوع في الصلاة»، وقال الخبر الآخر: «يجب السجود في الصلاة» فإنّه لايكون هنالك تعارض بين الخبرين، بل يؤخذ بمفادهما معاً، لأنّ مرجع التعارض إلى التكاذب، ولاتكاذب بين الخبرين المثبتين، كما هو أوضح من أن يخفى.
وبالالتفات إلى هذه القاعدّة الشريفة تنحلّ الكثير من موارد توهّم التعارض، ومنها ما أشرتَ إليه في سؤالك، كالنداء في البقعة المباركة، فإنّ إحدى الآيات أفادت أنّه هو: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً، وأفادت آية اخرى أنّه إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، فتلك تثبت شيئاً لم تثبته هذهولم تتحدّث عنه، وهذه تثبت شيئاً لم تثبته تلك ولم تتحدّث عنه، فأيّ تكاذب
ص:252
بينهما، حتّى يتوهّم التعارض، وعلى هذا المورد قس بقيّة الموارد.
أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(1) من خلال هذه الآية الشريفة تمكّن العالم المسلم المصري الدكتور عبدالباسط محمّد سيّد، الباحث بالمركز القومي للبحوث، التابع لوزارة البحث العلمي والتكنولوجيا بجمهوريّة مصر العربيّة، من الحصول على براءة اختراع دوليّتين: الاُولى براءة الاختراع الاُوروبيّة والثانيّة براءة اختراع أمريكيّة، وذلك بعد أن قام بتصنيع قطرة عيون لمعالجة المياه البيضاء، استلهاماً من نصوص سورة يوسف عليه السلام، وقد تحدّث الدكتور عن ذلك بقوله: «أنّني كنت في فجر أحد الأيّام أقرأ في كتاب الله عزّ وجلّ في سورة يوسف عليه السلام فاستوقفتني تلك القصّة العجيبة، وأخذت أتدبّر الآيات الكريمات التي تحكي قصّة تآمر إخوة يوسف عليه السلام، وما آل إليه أمر أبيه بعد أن فقده، وذهاب بصره وإصابته بالمياه البيضاء، ثمّ كيف أنّ رحمة الله تداركته بقميص الشفاء الذي ألقاه البشير على وجهه فارتدّ بصيراً، وأخذت أسأل نفسي ترى ما الذي يمكن أن يكون في قميص يوسف عليه السلام حتّى يحدث هذا الشفاء وعودة الإبصار على ما كان عليه.
ومع إيماني بأنّ القصّة معجزة أجراها الله على يد نبيّ من أنبياء الله، وهو سيّدنا يوسف عليه السلام إلاّ أنّي أدركت أنّ هناك بجانب المغزى الروحي الذي تفيده القصّة مغزى آخر مادّي يمكن أن يوصلنا إليه البحث تدليلا على صدق القرآن الكريم، الذينقل إلينا تلك القصّة كما وقعت أحداثها في وقتها، وأخذت أبحث حتّى هداني الله إلى وجود علاقة بين الحزن وبين الإصابة بالمياه البيضاء، حيث أنّ الحزن يسبّب زيادة هرمون الأدرينالين وهو يعتبر مضادّ لهرمون الأنسولين، وبالتالي فإنّ الحزن
ص:253
الشديد أو الفرح الشديد يسبّب زيادة مستمرّة في هرمون «الأدرينالين» الذي يسبّب بدوره زيادة سكّر الدم، وهو أحد مسبّبات العتامة، هذا بالاضافة إلى تزامن الحزنمع البكاء.
ولقد وجدنا أوّل بصيص أمل في سورة يوسف عليه السلام، فقد جاء عن سيّدنا يعقوب عليه السلامفي سورة يوسف قول الله تعالى: وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْعَينَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيم(1)، وكان ما فعله سيّدنا يوسف عليه السلام بوحي من ربّه أن طلب من إخوته أن يذهبوا لأبيهم بقميص الشفاء: اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ(2)، وقال تعالى: وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لاََجِدُ رِيحَ
يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ * قَالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيِم * فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ.
فماذا يمكن أن يكون في قميص سيّدنا يوسف عليه السلام حتّى أوجب الشفاء؟ وبعد التفكير لم نجد سوى العرق، وكان البحث في مكوّنات عرق الإنسان، حيث أخذنا العدسات المستخرجة من العيون بالعمليّة الجراحيّة التقليديّة، وتمّ نقعها في العرق، فوجدنا أنّه تحدث حالة من الشفافيّة التدريجيّة لهذه العدسات المعتمة.
ثمّ كان السؤال الثاني: هل كلّ مكوّنات العرق فعّالة في هذه الحالة، أم إحدى هذه المكوّنات، وبالفصل أمكن التوصّل إلى إحدى المكوّنات الأساسيّة، وهي مركّب من مركّبات البولينا الجوالدين، والتي أمكن تحضيرها كيميائيّاً، وقد سجّلت النتائج التي اجريت على 250 متطوّعاً زوال هذا البياض ورجوع الإبصار في أكثر من% 90 من الحالات، وثبت أيضاً بالتجارب أنّ وضع هذه القطرة مرّتين يوميّاً لمدّة أسبوعين
ص:254
يزيل هذا البياض، ويحسّن من الإبصار، كما يلاحظ الناظر إلى الشخص الذي يعاني من بياض في القرنيّة وجود هذا البياض في المنطقة السوداء أو العسليّة أو الخضراء، وعند وضع القطرة تعود الاُمور إلى ما كانت عليه قبل اسبوعين.
ويعلق الاُستاذ الدكتور عبد الباسط قائلا: أشعر من واقع التجربة العمليّة بعظمة وشموخ القرآن، وأنّه كما قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ(1)، فما هو رأيكم سماحة السيّد في هذه الاستفادة من آيات القرآن الكريم؟
باسمه جلت أسماوه لاريب في أنّ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، فلامانع أن يتوصّلَ الأطباء من خلال آياتهِ الشريفة إلى بعض المعارف والأسرار الطبيّة، ولكنّ ذلك لايعني أنّ ارتداد بصر النبيّ يعقوب عليه السلام كان بالكيفيّة المذكورة في السؤال، بل الظاهر خلافه; إذ المستفاد من قوله تعالى: فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً أنّه قد استرد ّبصره بمجرّد أن لامس القميص وجهه الشريف، وهذا - كما هو ظاهرٌ - أمرٌ يعجزُ البشرُ عن الإتيان بمثله.
باسمه جلت أسماوه كما أنّ نسب الإنسان يبيّن منزلة الشخص المنتسب - بالكسر - للمنتسب إليه، فإنّ سورة القدر تبيّن موقع آل محمّدصلى الله عليه وآلهومنزلتهم من الله، وذلك من جهتين:
الجهة الاُولى: ما تبيّنه من مقارنة بين هذه الليلة التي تعرض فيها الآجال والأعمال - كما ورد ذلك في روايات معتبرة - على الإمام عليه السلام وبين ألفي شهر حكم فيها بنو اميّة، حيث أوضحت أنّ ليلة واحدة منسوبة لآل محمّدصلى الله عليه وآله خير من ذلك
ص:255
الزمان كلّه فهي خير من ألفي شهر.
الجهة الثانية: أنّها تكشف عن أهميّة الإمامة المتمثّلة في آل محمّدصلى الله عليه وآلهحيث لايحصل شيء ممّا قدره الله في مجموع السنة من الأعمال والآجال حتّى يطلع عليه إمام ذلك الزمان عليه السلام، وأي أهميّة أعظم من ذلك! وأيّ منزلة توضّحها سورة القدر لأهل البيت عليهم السلام؟!
وأمّا سورة التوحيد فهي أيضاً توضّح حقيقة الذات المقدّسة من جهة عدم الشريك وعدم الجسم والشبيه في القدرة، فهي نسب الله، والجامع هو إيضاحالقدر لآل محمّدصلى الله عليه وآله وإيضاح التوحيد لمعالم الاعتقاد بالله سبحانه وتعالى.
باسمه جلت أسماوه للهداية مراتب ودرجات تبدأ بإراءة الطريق وتنتهي بالإيصال إلى المطلوب، والمراد من الهداية غالباً في الآيات القرآنيّة هو الاراءة، كقوله تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً(1)، إلاّ أنّه أحياناً قد يراد منها الإيصال إلى المطلوب، وعلى هذا المعنى يحمل - مثلا - قوله تعالى: اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ(2)، وكذا قوله مخاطباً نبيّه الأعظم صلى الله عليه وآله: إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ(3)، أي إنّك ليس عليك الايصال للمطلوب، بل مجرّد إراءة الطريق.
*
باسمه جلت أسماوه آية الكرسى تنتهي بقوله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ، وهو ظاهر التعبير عنها ب - آية الكرسي، فإنّها لو لم تنتهِ بما ذكرناه لكان التعبير عنها بالآية مجازياً، ويدلّ عليه حديث أبي امامة الباهلي، المرويّ في البحار(1) عن أمير المؤمنين عليه السلام، ولكن ورد في كيفيّة صلاة يوم المباهلة التصريح بقرائتها إلى: هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، كما وروي أنّ عليّ بن الحسين عليهما السلامكان يقرأها إلى: هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ أيضاً، و على هذا ففي كلّ مورد أمر بقرائة آية الكرسي، ولم يصرّح بضمّ الآيتين اللتين بعدها، فيجوز الاكتفاء بالآية التي تنتهي بالعليّ العظيم.
باسمه جلت أسماوه روى شيخنا العلاّمة المجلسي قدس سره في موسوعته بحار الأنوار عن ابن سلام، أنّه قال للنبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله: أخبرني ما ابتداء القرآنوما ختمه؟
فقال له النبيّصلى الله عليه وآله: ابتداؤه بسم الله الرحمن الرحيم، وختمه صدق الله العليّ العظيم، وبذلك ظهر السرّ في التزامنا بالإتيان بكلمة العليّ ضمن عبارة الختم، وليس مرادنا من كلمة العليّ العليّ العلَمَي، بل مرادنا العليّ الوصفي، نظير قوله تعالى في آية الكرسي: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.
: «إنّ القرآن لايريد الإيمان اليقيني بالغيبيّات، مثل وجود الله واليوم الآخر، بداهة أنّ وجود الله ليس يقينياً مثل قضيّة 21 + 1 التي هي 100%، بل هو إيمان احتمالي، والدليل موجود في القرآن، حيث قال تعالى: فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ
ص:257
عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً(1)، وقوله تعالى: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ(2)، فإنّ الرجاء في الآية الاُولى والظنّ في الآية الثانية دليل عدم يقينيّة الإيمان بالغيبيّات الماورائيّة الحسّ، بل احتمال فقط وفقط، فما هو رأيكم الجليل بهذا الكلام؟
باسمه جلت أسماوه الرجاء في الآية الاُولى هو التوقّع، وهو فرع الإيمان على نحو اليقين ممّن يترقّب يوم القيامة، فتدلّ على خلاف ما قاله الكاتب، وأمّا الآية الثانية فهي تدلّ على أنّ الصلاة كبيرة على الخاشع الذي يظنّ بالقيامة، فما بالك بمن يتيقّن بها، كما هو المفترض في المؤمن؟! هذا يعني أنّها ستكون كبيرة عليه بطريق أوْلى، ولادلالة للآية على كفاية الظنّ في الاُصول، كما أوضحناه.
ص:258
ص:259
ص:260
باسمه جلت أسماوه الرواية عاميّة، ولاسند لها أصلا، فالتعويل على مثلها حجّة العاجز.
«فاطمة أحبّ إليَّ، وعليٌّ أعزّ عليَّ»؟
باسمه جلت أسماوه الظاهر أنّ هنالك نحواً من الملازمة بين محبّة الشيء ومعزّته، فإنّ مَن أحبّ أحداً أعزّه، ومَن أعزّ أحداً أحبّه، وهذا يعني أنّ النبيّصلى الله عليه وآلهلما قال: «فاطمة أحبّ إليَّ، وعليٌّ أعزّ عَلَيَّ» أراد أن يبيّن تساوي أخيه الوصي وابنته الصدّيقة عليهما السلامعنده صلى الله عليه وآله من حيث المعزّة والمحبّة، إذ أنّ الأحبّ إلى نفسه هو الأعزّ عنده، والأعزّ عنده هو الأحبّ إلى نفسه، ولكنّه صلى الله عليه وآلهتفنّن في التعبير، فأبرز - وهو ربُ الفصاحة والبلاغة - جميل المعنى بجميل الألفاظ. ومن ذلك يظهر أن لامنافاة بين قوله صلى الله عليه وآله: «فاطمة أحبّ إليَّ» وبين حديث الطائر المشوي، إذ كلاهما عليهما التحيّة والسلام أحبّ وأعزّ الخلق لله تبارك وتعالى وللرسول صلى الله عليه وآله.
باسمه جلت أسماوه كتاب الكافي الشريف يعتبر أهم كتاب حديثي عند الطائفة المحقّة، فلقد أجاد مؤلّفه ثقة الإسلام الكليني طيّب الله ثراه في تبويبه وترتيبه، وضبط وإتقان أسانيده وأحاديثه، حتّى نقل عنه الشيخ النجاشي قدس سره
ص:261
أنّه قد صرف من عمره الشريف عشرين سنة في سبيل تصنيفه، ولكنّ هذا لايعني صحّة جميع أحادثيه وأخباره، إذ باعتقادنا أنّه لايوجد كتاب منزّه عن الخطأ والاشتباه إلاّ كتاب الله تعالى، وما نُقل عن الإمام الحجّة أرواحنا فداه في حقّ الكتاب لم يثبت بسند معتبر.
باسمه جلت أسماوه الظاهر أنّ المراد من لفظ الحجّة بضميمة لفظ على إليه، هو: المعنى اللغوي للحجّة، وهو عبارة عن: ما يصلح الاحتجاج به، فكما أنّ الأئمّة الطاهرين عليهم السلام حجج الله على الخلق، حيث يحتجّ بهم على عباده، كذلك الصدّيقة الطاهرة روحي فداهاحجّة على أبنائها، ووجه حجّيّتها بهذا المعنى هو كونها إحدى وسائط فيض العلم الإل - هي عليهم عليهم السلام، كما يستفاد ذلكمن الروايات التي تحدّثت عن مصحف فاطمة عليها السلام وغيرها من الروايات الشريفة، التي تصرّح بأنّ الأئمّة الطاهرين عليهم السلام في مقام التشريع كانوا يستندون أحياناً إلى مصحف امّهم الصدّيقة عليها السلام مثل ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلامعندما سأله ابن عمّه عبد الله بن الحسن: من أين أخذت هذا؟
فقال: قرأت في كتاب امّك فاطمة، وهذا يعني أنّهاعليها السلام بعلمها حجّة على أبنائها.
باسمه جلت أسماوه لايريد النبيّصلى الله عليه وآله بقوله: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» إثبات الوصيّة لأمير المؤمنين عليه السلام وكفى، حتّى يشبّهه بيوشع بن نون، بل يريد إثبات ما هو أكبر من ذلك، كالاُخوّة والأعلميّة والوزارة ونحو ذلك، وهذا
ص:262
يقتضي التشبيه بهارون عليه السلام.
باسمه جلت أسماوه إنّ المراد من المحبّة كما يعلم من الأدلّة الخاصّة المحبّة المرضيّة عند الله تعالى وعند أمير المؤمنين عليه السلام، وهي محبّته بما هو عبدٌ لله تعالى، جامع لكلّ الكمالات الإمكانيّة، وأمّا محبّته بما هو إل - ه فهي ليست محبّة أصلا، وإنّما هي ادّعاء محض.
«إِنَّهُ بايَعَني الْقَوْمُ الَّذِينَبايَعُوا أَبا بَكْر وَعُمَرَ وَعُثَْمانَ عَلَى ما بايَعُوهُمْ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِلشّاهِدِ أَنْ يَخْتارَ، وَلاَ لِلغائِبِ أَنْ يَرُدَّ، وَإِنَّما الشُّورَى لِلْمُهاجِرِينَ والاَْنْصارِ، فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُل وَسَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذلِكَ لِلّهِ رِضىً»؟
باسمه جلت أسماوه هذه الرسالة إذا لوحظت مع سائر الرسائل التيكتبهاعليه السلام إلى معاوية، نظير رسالته اللاحقة لهذه، والتي جاء فيها: «أَمّا بَعْدُ، فَقَدْأَتَتْني مِنْكَ مَوْعِظَةٌ مُوَصَّلَةٌ، وَرِسالَةٌ مُحَبَّرَةٌ، نَمَّقْتَها بِضَلاَلِكَ، وَأَمْضَيْتَها بِسُوءِ رَأْيِكَ، وَكِتابُ امْرِىء لَيْسَ لَهُ بَصَرٌ يَهْدِيهِ، وَلاَ قائِدٌ يُرْشِدُهُ، قَدْ دَعاهُ الْهَوَى فَأَجَابَهُ، وَقَادَهُ الضَّلاَلُ فَاتَّبَعَهُ، فَهَجَرَ لاَغِطاً، وَضَلَّ خَابِطاً» يظهر منها أنّه يتكلّم مع معاوية على طبق اعتقاد القوم; لأنّه كان يخالطهم بالمداراة والتقيّة، فأرادَ أن يلزمه بحسب ما يعتقده.
*
باسمه جلت أسماوه المراد من الرواية الشريفة إجمالا: أنّ المعصومين عليهم السلامقد أنعم الله تعالى عليهم نعمة الوجود من غير واسطة بينه وبينهم، فهم عليهم السلام صنائع الله تعالى، بينما قد أنعم جلّ جلاله نعمة الوجود على سائر خلقه بواسطة الأئمّة عليهم السلامفالخلق صنائع لهم.
ص:263
«ثمّ خلقَ جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها»، فكيف هي شهادتهم عليهم السلام خلقة السماوات والأرض؟ وهل هذا نحو من أنحاء التفويض؟
باسمه جلت أسماوه الإشهاد غير التفويض، فالمراد من الإشهاد هو الاطّلاع على خلق الأشياء، بينما المراد من التفويض الثابت: إعطاء الصلاحيّات التي تقتضي القيومة على الدين والخلافة عن الله تعالى في الأرض، وبينهما فرق واضح.
باسمه جلت أسماوه ما وردَ في السؤال إنّما هو حكمة مأثورة، وليس حديثاً معصوميّاً، والمراد منها: بيان قضية خارجيّة، وهي أنّ عامّة الناس بمقتضى طبيعتهم يتّبعون في الاُمور العرفيّة والسياسيّة مَن هو فوقهم، ولاخصوصية للملوك في ذلك، وإنّما وردَ ذكرهم في الحكمة من باب كونهم أجلى المصاديق.
«اللّهمّ إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة»
، والسؤال: كيف يشهد لهم بأنّهم عباد الله، وفي الوقت نفسه يشهد عليهم بأنّهم عصاة له، مع أنّ العبد هو الذي تحرّر من عبوديّة الشيطان، والعاصي هو الذي العابد للشيطان؟
باسمه جلت أسماوه المراد من العباد في الخبر هم المماليك لله تعالى بالملكيّة الحقيقيّة، التي هي عبارة عن السلطنة التامّة على المملوك، بنحو يكون زمام أمر المملوك بيد المالك حدوثاً وبقاءاً، والعاصي وإن كان عبداً لله بهذا المعنى، لكنّه عابد للشيطان بمعنى إطاعته لأوامره ونواهيه.
«أعقلُ الناس مَن جمع عقول الناس إلى عقله»؟
ص:264
*
باسمه جلت أسماوه إنّ العقل له عدّة معان: منها: قوّة إدراك الخير والشرّ والتمييز بينهما، والعقل بهذا المعنى مناط التكليف والثواب والعقاب.
ومنه - ا: ملَكة حالة في النفس تدعو إلى الخيرات والمنافع واجتناب الشرور والمضارّ.
وهناك أربعة معان اخرى أو أكثر للعقل، ولكنّ أكثر الأخبار الواردة في أبواب العقل والجهل ظاهرة في أحد المعنيين المتقدّمين، وفي الثاني منهما أكثر وأظهر. والمستفاد من مجموع ما ذكروه فيما يترتّب على العقول: أنّ المراد من أعقل الناس هو النبيّصلى الله عليه وآلهوأنّ العقل هو نوره، وقد انشعبت منه أنوار الأئمّة عليهم السلاموجميع العلوم والحقائق في المعارف تُفاض بواسطتهم على سائر الخلق، حتّى الملائكة والأنبياء، وبذلك يظهر معنى الخبر.
«العلم نقطة كثرها الجاهلون»، فما هو مقصود الإمام من ذلك؟
باسمه جلت أسماوه على فرض صدور الرواية عنه عليه السلام فالمراد منها: أنّ كثرة الموضوعات التي تطرأ عند الجهّال موجبة لتكثّر أحكام الشريعة المقدّسة في مختلف المجالات، فتشعبّت لذلك العلوم واتّسعت المعارف.
«كلّ ما في القرآن في الفاتحة، وكلّ ما في الفاتحة في البسملة، وكلّ ما في البسملة في الباء، وكلّ ما في الباء في النقطة، وأنا النقطة تحت الباء»
، فما هو الفهم الدقيق لهذا الحديث؟ *
باسمه جلت أسماوه بما أنّ للقرآن ظاهراً وباطناً، فهذا الحديث من بيان الباطن، ويريد أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «أنا النقطة تحت الباء» بعد أن أفاد
ص:265
أنّ مفتاح القرآن هي هذه النقطة: أنّه لايمكن فهم كلّ ما في القرآن إلاّ عن طريق الإمام عليه السلام، وهو معنى قوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ(1). وقوله تعالى: لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ(2)، كما جاء في بعض التفاسير والروايات.
أنّ عليّاً كان يباشر القتال بنفسه، وأنّه نادى ابنه محمّد بن الحنفيّة يوم النهروان: قدّم يا بني اللواء، فقدّم، ثمّ قال: قدّم يا بني اللواء، فقدم، ثمّ وقف، فقال له: قدم يا بني، فتكعكع الفتى. فقال: قدّم يابن اللخناء، ثمّ جاء عليّ حتّى أخذ منه اللواء، فمشى به ما شاء الله ثمّ أمسك، ثمّ تقدّم عليّ بين يديه فضرب قدماً»، والسند صحيح، ولكن الإشكال كيف يقول الإمام عليّعليه السلام عن ابنه السيّد محمّد أنّه ابن اللخناء؟
باسمه جلت أسماوه تُذكر لكلمة اللخناء في اللغة عدّة معان، وبعضها غير مناسب لايمكن صدوره من أمير المؤمنين عليه السلام، وبما أنّ أحد المعاني هو المرأة التي لم تُختن، وهي أقوى انثويّة من غيرها، فمن المحتمل أنّه عليه السلام أراد هذا المعنى ليكنّي به عن غلبة انثويّة امّه في التأثير عليه من شجاعة أبيه، وتشهد لذلك عبارة فتكعكع الفتى.
«عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام: أنّ آزر أبا إبراهيم عليه السلام كان منجّماً لنمرود... ووقع آزر بأهله فعلقت بإبراهيم صلى الله عليه وآله»، والسؤال: كيف نعتقد بأنّ آباء الأنبياء موحّدون مع ورود هذه
ص:266
الرواية المعتبرة عن أهل البيت، والتي تصرّح بأنّ آزر هو الأب الفعلي لإبراهيم عليه السلام؟
باسمه جلت أسماوه علّقَ المجلسي على هذا الخبر بقوله: «الأخبار الدالّة على إسلام آباء النبيّصلى الله عليه وآله من طرق الشيعة مستفيضة بل متواترة، وكذا في خصوص والد إبراهيم قد وردت بعض الأخبار، وقد عرفت إجماع الفرقة المحقّة على ذلك بنقل المخالف والمؤالف، وهذا الخبر صريح في كون والده عليه السلام آذر، ولعلّه ورد تقيّة»، ولابأس بما أفاده قدس سره.
والسؤال: ما صحّة الحديث السنديّة؟ وما نوع الكراهة هنا؟
باسمه جلت أسماوه أمّا سند الرواية فهو مشتمل على بعض المجاهيل، كأبي خالد الزيدي، وأمّا الكراهة فهي في كلام القوم وليست في كلام الإمام عليه السلام، والظاهر أنّ المراد منها الكراهة العرفيّة، لاالكراهة الاصطلاحيّة.
*
باسمه جلت أسماوه الروايات في ذمّها كثيرة مختلفة، فبعضها ينهى عن المكث فيها، وبعضها الآخر ينهى عن الأكل في فخارها، وغسل الرأس من طينها مخافة أن يورث ذلك الذلّ ويُذهب بالغيرة، وبعضها الثالث نهى عن شرب ماء نيلها معلّلا بأنّه يميت القلب، وأمّا المدح فلم نعثر إلاّ على رواية واحدة مرسلة، مضمونها: «ستكون فتنة أسلمُّ الناس فيها الجند الغربي»، قال الراوي - وهو عمرو بن الحمق الخزاعي - ولذلك قدمت مصر، فتطبيق الرواية على مصر كان منه رضي الله عنه، وعلى ذلك فلا يوجد لمصر مدح منصوص، وعلى فرض صدوره فلاتعارض;
ص:267
لاختلاف جهتي الذمّ والمدح.
: «ما سمعت أحداً يقدّمني على أبو بكر وعمر إلاّ جلدته حدّ المفتري»، فما هو الردّ عليهم؟
باسمه جلت أسماوه الرواية المذكورة رواية موضوعة مختلقة، وقد جاء ذكرها في الكتابين المذكورين ضمن رواية مطوّلة، كان أحد الرواة فيها يعرض على الإمام الصادق عليه السلام ما سمعه من الروايات - ومنها الرواية المذكورة - فلمّا انتهى الراوي من عرض رواياته، قال الإمام الصادق عليه السلام: «مَن كذب علينا أهل البيت حشره الله يوم القيامة أعمى يهوديّاً»، فلما خرج الراوي المذكور ومَن معه، قال الإمام عليه السلاملأحد أصحابه: «أعجب حديثهم كان عندي الكذب علَيَّ، والحكاية عنّي ما لم أقل، ولم يسمعه عنّي أحد».
باسمه جلت أسماوه عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سألته عن الأرض على أيّ شيء هي؟ قال: على الحوت.
قلت: فالحوت على أيّ شيء هو؟ قال: على الماء.
قلت: الماء على أيّ شيء؟ قال: على الصخرة.
قلت: فعلى أيّ شيء الصخرة؟ قال: على قرن ثور أملس.
قلت: فعلى أيّ شيء الثور؟ قال: على الثرى.
قلت: فعلى أيّ شيء الثرى؟ قال: هيهات، عند ذلك ضلّ علم العلماء».
وفي بادي النظر قد يُتوهم أنّ الحوت بمعنى السمكة، وليس كذلك; لاحتمال كونه أحد البروج الاثنى عشر في السماء، وكذلك الثور أيضاً، ففى بادئ النظر قد
ص:268
يُتوهّم أنّه الحيوان المعروف، مع أنّه يُطلق على أحد بروج السماء، وأمّا قرن الشمس فيراد به أعلاها، وعلى ذلك فالمفهوم من الحديث غير ما يُتوهم ابتداءً، فتدبّر.
*
باسمه جلت أسماوه إنّ القرآن الذي يعبّر عنه بالثقل الأكبر يُراد به: كلامه تعالى المدوّن في اللوح المحفوظ، و أمّا ما بأيدينا من الآيات فإنّما هي حاكية عن ذلك الوجود، وممّا لاشكّ فيه أنّ الأئمّة الأطهار الذين هم كتاب الله الناطق، هم أكبر وأفضل من الكتاب الصامت الذي بأيدينا، ولا يعرف هذا ولاغيره إلاّ بهم، فهم من هذه الجهة أكبر، وإن كانوا من جهة كلامه تعالى أصغر.
باسمه جلت أسماوه المراد من القرآن ليس هو ما بين الدفّتين، بل ما يكون هذا القرآن حاكياً عنه، وهو ما يتّصف به الله تعالى بالصفة الفعليّة لاالذاتيّة، فإذا لُوحظَ بما هو صفة فعليّة لله كان هو الثقل الأكبر بلا ريب.
باسمه جلت أسماوه ممّا لاريب فيه أنّ أصل حديث الثقلين حديثٌ متواترٌ مقطوعٌ بصدوره عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله، إلاّ أنّ هذا لايلازم القطع بصدور بعض الزيادات الواردة في بعض طرقه، ومن جملتها الزيادة المُشار إليها في السؤال، فإنّها من ناحية لم يتكثّر نقلها في جميع طرق حديث الثقلين حتّى يقال بتواترها،
ص:269
ومن ناحية اخرى لم تصلنا بطرق معتبرة يمكننا التعويل عليها، بل كلّ طرقها مخدوشة السند، مضافاً إلى معارضتها بغيرها، كالحديث الذي أورده الديلمي في إرشاد القلوب عن رسول الله الأعظم صلى الله عليه وآله: «إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعليّ ابن أبي طالب عليه السلام،
وعليّ بن أبي طالب أفضل لكم من كتاب الله»، والذي يظهر من بعض المأثورت أنّ هذا المعنى كان واضحاً عند أجلاّء الصحابة، إلاّ أنّ أيدي الوضّاعين قد عبثت فيه، والشاهد على ذلك أنّ ابن عباس لما قيل له: ما تقول في عليّ بن أبي طالب عليه السلام؟ قال: ذكرتَ والله أجلّ الثقلين، ومن سبق بالشهادتين، و صلّى القبلتين، وبايع البيعتين، إلى آخر الحديث، فعبّر عن أمير المؤمنين عليه السلام بأنّه أجلّ الثقلين ممّا يعني وضوح كون أهل البيت عليهم السلام بنظر الصحابة هم الثقل الأكبر.
باسمه جلت أسماوه المراد منه الإمام أمير المؤمنين عليه السلامفإنّ له هجرتين: الاُولى من مكّة إلى المدينة، والثانية من المدينة إلى الكوفة.
«إن حثالة من الناس يعيّرون زوّار قبوركم كما تُعيّر الزانية بزناها، إنّهم شرار امّتي، لاأنالهم الله شفاعتي يوم القيامة»، فما هو مدى اعتبار هذه الرواية متناً وسنداً؟
باسمه جلت أسماوه الرواية من ناحية السند غير صحيحة; لأنّ في سندها محمّد بن أبي السري، وعبدالله بن أبي محمّد، وهما مجهولان، وعمارة بن زيد وهو ضعيف، ولكن ضعف سندها ليس بمضرٍّ بعد كون مضمونها من المستحبّات، فهي مشمولة لقاعدة التسامح في أدلّة السنن، وهذا كاف لاعتبار الرواية.
ص:270
*
باسمه جلت أسماوه للكفر معان: فقد يُراد به ضدّ الإيمان بالله تعالى، وقد يُراد به الكفر بالولاية، وقد يُراد به كفر النعمة، وقد يُراد به: ترك ما أمر الله به، كما في قوله تعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْض(1)، وعلى هذا المعنى تحمل هذه الرواية.
وكتبت من كتابة بإسناد له يرفعه إلى عيسى بن عبد الله، قال: «قال عيسى بن عبد الله لأبي عبد الله عليه السلام: جُعلت فداك، ما العبادة؟
قال: حسن النيّة بالطاعة من الوجوه التي يطاع الله منها، أما إنّك - يا عيسى - لاتكون مؤمناً حتّى تعرف الناسخ من المنسوخ.
قال: قلت جُعلت فداك، وما معرفة الناسخ من المنسوخ؟
فقال: أليس تكون مع الإمام موطّناً نفسك على حسن النيّة في طاعته، فيمضي ذلك الإمام ويأتي إمام آخر، فتوطّن نفسك على حسن النيّة في طاعته؟
قال: قلت: نعم.
قال: هذا معرفة الناسخ من المنسوخ.
والسؤال: كيف يمكن تحقيق الطاعة المذكورة في الرواية مع افتراض غيبة إمام العصر والزمان؟
باسمه جلت أسماوه الظاهر من قوله: «من الوجوه التي يطاع الله منها» إرادة الأئمّة واحداً بعد واحد; لأنّهم الوجوه التي يطاع الله منها، باعتبارهم قادة الحقّ وأئمّة الدين، والمراد بالطاعة: الطاعة لهم في تعاليمهم وإرشاداتهم، والمراد
ص:271
من حسن النيّة: تعلّق القلب بها من صميمه، وبذلك يتّضح أنّ طاعة الإمام في زمن غيبته تكون بالعمل بالوظائف التي بيّنت بلسانه ولسان الأئمّة من قبله، فإنّهم نور واحد.
فقال لها: أن تطيعه، ولاتعصيه، ولاتتصدّق من بيته إلاّ بإذنه، ولا تصوم تطوّعاًإلاّ بإذنه، ولاتمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب، ولاتخرج من بيتها إلاّ بإذنه، وإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء»، فتفضّلوا علينا بشرح هذه الرواية؟
باسمه جلت أسماوه هذه الرواية نظراً لشدّة وضوح دلالاتها، وظهور معانيها، وجلاء مضامينها، فإنّها غنيّة عن الشرح، ومثلها من الروايات كثير.
باسمه جلت أسماوه قد يطلق الممسوس ويُراد به المجنون، فيكون المقصود من الحديث أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لشدّة حبّه لله تعالى واتّباعه رضاه، كأنّه قد جُنّ في حبّ الله تعالى، نظير ما ورد في صفات المؤمنين الكاملين مِن أنّ الناظر إذا نظر إليهم يظنّهم أنّهم خولطوا، ويحتمل أن يكون المراد بالممسوس: المعنى المجازي، وهو الممزوج، بمعنى أنّ حبّه تعالى قد خالط لحمه ودمه.
«إِنّي ما خَلَقْتُ سَماءً مَبْنِيَّةً، وَلاَ أَرْضاً مَدْحِيَّةً... إِلاَّ في مَحَبَّةِ هؤُلاءِ الْخَمْسَةِ،... هُمْ: ف - اطِمَةُ وَأَبُوها وَبَعْلُها وَبَنُوه - ا»
أنّ كلّ الخلق قد خلقوا لأجل محبّة أهل البيت عليهم آلاف التحيّة والسلام، وعلى هذا فكيف نفسّر خلق المبغضين وناصبي العداء لأهل البيت وشيعتهم؟
باسمه جلت أسماوه المراد من الحديث الشريف: أنّ الله تعالى لأجل
ص:272
محبّته للصدّيقة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها عليهم آلاف التحيّة والسلام قد خلق الخلق وفتقَ نور الوجود، فيندفع الإشكال بوضوح.
باسمه جلت أسماوه على فرض صدور الحديث، لعلّ المراد منه أنّه عليه السلامكان في عهد الأنبياءعليهم السلامموجوداً في عالم الأنوار، الذي هو عالم الخفاء، لاعالم الظهور، والأحاديث الدالّة على وجوده في ذلك العالم، حتّى قبل خلق آدم عليه السلامكثيرة من طرق العامّة والخاصّة، فليرجع إلى كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستّة للسيّد مرتضى الفيروز آبادي قدس سره. والمراد من كونه عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآلهجهراً: وصوله إلى عالم الشهود، وهو عالم الأجساد، ويحتمل أيضاً: إرادة القوّة والفعل.
باسمه جلت أسماوه هذا الحديث جزء من رسالة الإمام الصادق عليه السلاملعبد الله النجاشي، حيث ورد فيها: «واحذر مكر خوز الأهواز، فإنّ أبي أخبرني عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: الإيمان لايثبت في قلب يهودي ولاخوزي أبداً».
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله:
«ولاتساكنوا الخوز، ولا تزوّجوا إليهم، فإنّلهم عرقاً يدعوهم إلى عدم الوفاء»، والخوز هم سكنة جنوب إيران كالأهواز ونواحيها، إلاّ أنّ هذه قضيّة خارجيّة، ولو كانت حقيقيّة فهي غالبيّة، فلايستحيل أن يكون هناك من الخوز مَن هو في أعلى درجات الإيمان، كعليّ بن مهزيار وغيره، وقرنهم باليهود لوجود جامع مشترك بينهم وهو تزلزل الإيمان في قلوبهم، وكونه
ص:273
في مهبّ ريح الحوادث.
*
باسمه جلت أسماوه وردَ الخبر في عدّة من المصادر، منها: قرب الإسناد للحميري القمّي(1) عن الإمام جعفر، عن أبيه عليهما السلام: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآلهقال: «لو كان العلم منوطاً بالثريّا لتناوله رجال من فارس». ورواه أيضاً العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار(2).
ومنه - ا: سنن الترمذي(3): حدّثنا عليّ بن حجر، أخبرنا إسماعيل بن جعفر، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن نجيح، عن العلاء بن عبدالرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أنّه قال: «قال ناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه - وآله - وسلّم: يا رسول الله، مَن هؤلاء الذين ذكر الله إن تولّينا استبدلوا بنا، ثمّ لايكونوا أمثالنا؟
قال: وكان سلمان بجنب رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم فخذ سلمان، وقال: هذا وأصحابه، والذي نفسي بيده، لو كان الإيمان منوطاً بالثريّا لتناوله رجال من فارس».
وعلى فرض صحّة الرواية، فالظاهر أنّ المراد بها هو أنّ بعض أهل فارس يصلون إلى مراتب عالية جدّاً في العلم والإيمان، ولاضير في ذلك.
«وَسَمِعْتَ كَما سَمِعْنا، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللهِصلى الله عليه وآله كَما صَحِبْنا. وَما ابْنُ أَبي قُحافَةَ وَلاَ ابْنَ الْخَطّابِ بِأَوْلَى بِعَمَلِ الْحَقِّ مِنْكَ،
ص:274
وَأَنْتَ أَقْرَبُ إلَى رَسُولِ اللهِصلى الله عليه وآله وَشِيجَةَ رَحِم مِنْهُما»، وكلامه عليه السلام هذا إقرار بأنّ الخليفتين كانا يعملان الحقّ، وهذا يبطل مقولة الشيعة بأنّهما كانا على الضلال ومخالفة الحقّ، فما تقولون؟
باسمه جلت أسماوه عنونَ السيّد الشريف الرضي قدس سره الخطبة التيورد فيها الكلام المذكور، بقوله: «ومن كلام له عليه السلام لمّا اجتمع الناس عليه، وشكوا ما نقموه على عثمان، وسألوه مخاطبته عنهم، واستعتابه لهم»، ثمّ أورد كلام أمير المؤمنين عليه السلامالذي جاء في أوّله: «إِنَّ النّاسَ وَرائي وَقَدِ اسْتَسْفَرُوني بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، وَواللهِ ما أَدْرِي ما أَقُولُ لَكَ! ما أَعْرِفُ شَيْئاً تَجْهَلُهُ، وَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَمْر لاَ تَعْرِفُهُ. إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نَعْلَمُ ما سَبَقْناكَ إِلَى شَيْء فَنُخْبِرَكَ عَنْهُ، وَلاَ خَلَوْنا بِشَيْء فَنُبَلِّغَكَهُ. وَقَدْ رَأَيْتَ كَما رَأَيْنا، وَسَمِعْتَ كَما سَمِعْنا، وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ - كَما صَحِبْنا. وَما ابْنُ أَبي قُحافَةَ وَلاَ ابْنَ الْخَطّابِ بِأَوْلَى بِعَمَلِ الْحَقِّ مِنْكَ».
ومن ذلك يظهر: أنّ أمير المؤمنين عليه السلامكان في مقام إلقاء الحجّة على عثمان من جهة كثرة مخالفاته الظاهرة للشرع الشريف، وعمله بما يخالف صريح القرآن والسنّة، بالمستوى الذي جعل الناس يستنكرون عليه، ويشكونه إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا الذي ظهر منه بهذا النحو العلني لم يظهر من سابقيه، بل كان حالهما بعكس ذلك، حيث كانا يُظهران أنّ سعيهما للخلافة وتسلّطهما عليها لم يكن بداعي المصلحة الذاتيّة، بل بداعي خدمة الإسلام، ولذا لم يظهر منهما بشكل علني ومتكرّر ما ظهر من عثمان، فكان ذلك منشئاً لتوبيخ أمير المؤمنين عليه السلام لعثمان من هذه الناحية، وأنّه لماذا لم يعمل بالحقّ ولو ظاهراً كما صنع سابقاه.
والخلاصة: فإنّ غاية ما يستفاد من النصّ أنّ الأوّلَين بعد غصبهما الخلافة منأمير المؤمنين عليه السلامكان العمل بالكتاب هو الغطاء لخلافتهما، ولايعني ذلك أنّهمالم يخالفاه ولو باطناً بعناوين مضلّلة، وإلاّ فما معنى تحريم الثاني منهما لمتعة النساء، ومنعه من «حيّ على خير العمل» وابتداعه «الصلاة خير من النوم»،
ص:275
وكذا صلاة التراويح، وغير ذلك من البدع.
«وَقَدْ تَوَكَّلَ اللهُ لاَِهْلِ هذا الدِّينِ بِإِعْزازِالْحَوْزَةِ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ. والَّذي نَصَرَهُمْ، وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَنْتَصِرُونَ، وَمَنَعَهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌلاَ يَمْتَنِعُونَ، حَيٌّ لاَ يَمُوتُ. إِنَّكَ مَتَى تَسِرْ إِلَى هذا الْعَدُوِّ بِنَفْسِكَ، فَتَلْقَهُمْ فَتُنْكَبْ، لاَ تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كانِفَةٌ دُونَ أَقْصَى بِلاَدِهِمْ. لَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ، فابْعَثْ إِلَيْهِمْ
رَجُلاً مِحْرَباً، واحْفِزْ مَعَهُ أَهْلَ الْبَلاَءِ والنَّصِيحَةِ، فَإِنْ أَظْهَرَ اللهُ فَذاكَ مَا تُحِبُّ، وَإِنْ تَكُنِ الاُْخْرَى، كُنْتَ رِدْأً للنّاسِ وَمَثابَةً لِلْمُسْلِمِينَ»، أرجو أن تبيّنوا لنا مقصود الإمام عليه السلاممن الفقرات المشار إليها أعلاه مع شرح واف ومقنع.
باسمه جلت أسماوه قال أمير المؤمنين عليه السلامنفسه في النهج: «وَواللهِ لاَُسْلِمَنَّ ما سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ» وقد أوضحَعليه السلامبهذه العبارة منهجه في التعامل مع الخلفاء الغاصبين، وأنّ المقياس فيه وجود المصلحة للإسلام والمسلمين وعدم وجودها، وعلى ذلك فبما أنّ مصلحة الإسلام كانت تقتضي توجيه النصح للخليفة فإنّ أمير المؤمنين عليه السلاملم يتأخّر في إسدائها له، ولايُفهم من ذلك رضاه عنه وعن غصبه للخلافة; لأنّه في نصوص اخرى قد أوضح موقفه من ذلك، وتكفيك خطبته الشقشقيّة الرائعة.
باسمه جلت أسماوه النصوص الكثيرة الواردة من طرقنا وطرقهم على خلاف هذا الحديث، حتّى أفتى كثير من الفقهاء ببقاء استحباب الزواج حتّى الزواج من الرابعة، ولو فرض صدور هذا الحديث عنه صلى الله عليه وآلهفلاينافي تلك الأحاديث;
ص:276
لأنّ المراد منه حسن الحياة المستقرّة المطمئنة التي لايحتاج معها الرجل للزواج من أكثر من امرأة، وهذا لاينافي استحباب تعدّد الزواج لالحاجة، فإنّه مستحبّ لذاته.
«كَيَّفَ الْكَيْفَ فَلاَيُقالُ كَيْفَ، وَأَيَّنَ الاَْيْنَ فَلاَيُقالُ أَيْنَ»؟
باسمه جلت أسماوه الكيف بمعناه اللغوي هو الشكل، والأين هو المكان، وهما من صفات الاُمور الحادثة الشاغلة للحيّز، والله سبحانه خلق الشكل لكلّ ذي شكل، والمكان لكلّ ذي مكان، ومقتضى كونه خالقاً كونه قديماً غير حادث وغير جسم، فليس له شكل وليس له مكان يحويه، وهذا هو المقصود، وهو نحو من الاستدلال; إذ تارة نستدلّ على كونه خالقاً بعدم الكيفيّة والشكل له، واُخرى نستدلّ على عدم الشكل والكيفيّة له بكونه خالقاً قديماً، وهما متلازمان، والمراد هنا هو الثاني.
باسمه جلت أسماوه لايخفى أنّه يجوز العكس في الركوع والسجود، ويكفي مطلق الذكر، ولكن بما أنّ الركوع خضوع ويناسبه العظمة، والسجود هوي وانحدار ويناسبه العلوّ والرفعة; لذلك اختير لفظ العظيم للركوع ولفظ الأعلى للسجود، وكلمة سبحان مصدر معناه التنزيه عمّا لايليق بالذات المقدّسة من الأوصاف.
*
باسمه جلت أسماوه لابدّ أوّلا من الفراغ عن مقدّمتين:
ص:277
الاُولى: إنّه لايعتبر في اتّصاف الفعل بكونه اختياريّاً سوى القدرة عليه، واستناد الفعل إليها، ولايعتبر سبق الاختيار، وإن كانت اختياريّة الفعل الخارجي مساوقة لذلك، ولايكفي مجرّد القدرة.
الثانية: إنّ كلّ ممكن - بما أنّ الوجود والعدم بالإضافة إليه على حدٍّ سواء - لايعقل وجوده بنفسه، فلامحالة يحتاج إلى الموجد ليخرج به عن حدِّ الاستواء، وغير الأفعال الاختياريّة من الموجودات يحتاج إلى العلّة التامّة، وأمّا الأفعال الاختياريّة فلايتوقّف صدورها عليها، بحيث يكون الموجد لها لايكاد ينفكّ عنها كما عرفت.
وبعبارة اخرى: دعوى احتياج الأفعال الاختياريّة إلى شيء يستحيل انفكاكها عنه، من الاشتباهات الناشئة عن التعبير باحتياج الممكن في وجوده إلى العلّة. وعلى ضوء هاتين المقدّمتين يُقال: إنّ إعمال القدرة والاختيار إنّما يكون فعلاقائماً بالنفس، وهي موجدة له بنفسها، ويكون اختياريّاً بلااحتياج إلى العلّة التامّة، وهذا يعني أنّ إعمال القدرة يكون اختيارياً للنفس بنفسه بلا وساطة شيء، وهذاهو الأوفق بظاهر الرواية الشريفة، فلا وجه لتوجيهها بتوجيهات بعيدة كما عنبعض المحقّقين.
«جاهلنا عالم وعالمهم جاهل»، ورواية اخرى بالنسبة إلى أن من يتسمّى بأمير المؤمنين غير الإمام عليّعليه السلام فهو مخنّث، وهل هي روايات صحيحة السند؟
*
باسمه جلت أسماوه لم نعثر على نصّ يحتوي على العبارة الاُولى، وأمّا العبارة الثانية فقد ورد معناها في سياق الحديث عن تفسير قوله تعالى: إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً(1)، فقد وردَ أنّ رجلا
ص:278
دخل على أبي عبد الله عليه السلام فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين.
فقام على قدميه فقال: مه، هذا اسم لايصلح إلاّ لأمير المؤمنين سمّاه به، ولم يسمّ به أحد غيره فرضى به إلاّ كان منكوحاً، وإن لم يكن به ابتلي، وهو قول الله في كتابه: إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَرِيداً»، وسند الحديث مبتلى بالإرسال.
، فالسؤال كيف يكون الاغتنام في هذه الحالات؟
باسمه جلت أسماوه لعلّ المقصود من ذلك هو مطلوبيّة التحفّظ والكتمان على الحالات والأسرار العباديّة، بالمستوى الذي يصل فيه الإنسان إلى درجة أولياء الله المقرّبين مِن غير أن يعلم عنه أحد.
باسمه جلت أسماوه الرجاء تارة يكون صادقاً، كرجاء رحمة الله تعالى، وتارة يكون كاذباً، كرجاء طول العمر وسعته للمعصية والتوبة بعدها، وقد جاءت وصيّة الإمام الباقرعليه السلامتحذيراً من هذا النحو من الرجاء، الذي هو من تسويفات الشيطان واستدراجاته، لأنّه يوقع الإنسان في الخوف الحقيقي حيث العقاب والعذاب.
باسمه جلت أسماوه سرّ الوصيّة المذكورة يظهر من خلال الروايات
ص:279
الدالّة على أنّ الحزن يكفّر الذنوب، وأنّ المؤمن يمسي حزيناً ويصبح حزيناً، ولايصلح له إلاّ ذلك، وأنّ الحزن يكفّر الذنوب كالسقم، ويخفّف شدّة النزع وعذاب القبر، وأنّه شعار العارفين.
باسمه جلت أسماوه ورد عن سدير الصيرفي، قال أبو جعفرعليه السلام: «لاتقارن ولاتواخِ أربعة: الأحمق، والبخيل، والجبان، والكذّاب، إلى أن قال: وأمّا الجبان فإنّه يهرب عنك وعن والديه».
عن عليّ بن معلى، عن أخيه محمّد، عن درست ابن أبي منصور، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبى بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «لما ولد النبيّصلى الله عليه وآلهمكث أيّاماً ليس له لبن، فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه، فأنزل الله فيه لبناً، فرضع منه أيّاماً، حتّى وقع أبو طالب على حليمة السعديّة فدفعه إليها»، فهل هذه الرواية صحيحة؟ وما معناها؟
باسمه جلت أسماوه الرواية ضعيفة السند لجملة من الرواة، والمراد من قولها «ليس له لبن» عدم وجود اللبن من جهة مرض امّ النبيّصلى الله عليه وآلهلاموتها، ولاغرابة في نزول اللبن على ثدي أبي طالب، فإنّه من قبيل الإعجاز، ولعلّه منشأ اشتداد اخوّة أمير المؤمنين عليه السلامللنبيّصلى الله عليه وآله، كما صرّح بذلك بعض المحقّقين.
باسمه جلت أسماوه الناس قابليّات، فالله سبحانه خلق قلوب الناس متفاوتة; ولذا ترى بعض يتنكّر لبعض الحقائق من المعاجز لأهل البيت عليهم السلام مع أنّ
ص:280
هناك من يراها شيئاً معقولا وهكذا، وما ذاك إلاّ لاختلاف القابليّات عند بني الإنسان، ومن هنا تتفاوت المنزلة من شخص لآخر، وقد قيل: إنّ كثيراً ممّا نؤمن به الآن كان عند بعض القدماء غلوّاً مع قيام الدليل عليه، وعليه فالمراد من الحديث: أنّ القابلية الموجودة عند أبي ذر لاتؤهّله للاطّلاع على ما وصل إليه سلمان، ولو اطّلع عليه لاتّهمه بالغلوّ فقتله.
«إنّ الناس كلّهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا»
، وعن الإمام الصادق عليه السلام: «خلقَ اللهُ الجنّة طاهرة مطهّرة، لايدخلها إلاّ مَن طابت ولادته»، وعنه عليه السلام: «لو كان أحد من ولد الزنا نجا لنجا سائح بني إسرائيل»، فما المقصود بابن الزنا هنا؟ هل هو المعنى اللغوي والعرفي المتبادر، وكيف نوفّقبين ذلك وبين قوله سبحانه وتعالى: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى(1)؟
باسمه جلت أسماوه تتمّة الحديث الأوّل تبيّن المقصود من أولاد البغايا، حيث جاء فيه: «فنحن أصحاب الخمس والفيء، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا.
والله يا أبا حمزة، ما من أرض تفتح، ولاخمس يخمس، فيُضرب على شيء منه إلاّ كان حراماً على مَن يصيبه، فرجاً كان أو مالا».
و أمّا الروايات التي تشير إلى ولد الزنا العرفي فيمكن حملها على المعنى الوارد في الرواية الاُولى، ويمكن أن يكون المقصود بها المعنى الحقيقي، ولكن بلحاظ أنّ ولد الزنا حقيقة لايوفق لأنْ تختم حياته على خير، بسبب سلوكه المنحرف والمقتضيات الوراثيّة، ومثاله زياد بن أبيه، وكثيرون من المجرمين عبر التاريخ على شاكلته.
ص:281
باسمه جلت أسماوه الحديث المذكور واردٌ عن أمير المؤمنين عليه السلام، وكلمة الربّ لها معان عديدة، منها: المالك، كقوله تعالى: رَبِّ الْعَالَمِينَ.
ومنه - ا: السيّد، كقوله تعالى: فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً(1).
ومنه - ا: المربّي، أي الّذي يقوم بالتربية.
ومنه - ا: الخالق، كقوله تعالى: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الاَْوَّلِينَ(2)، فهو مشترك لفظي، وبما أنّ هناك مجموعة من القرائن العقليّة والنقليّة التي تصرفه عن إرادة الأخير; إذ قلّة السنّ وكثرته شأن الحادث لاالقديم تعالى، ومتى لم يُرد منه الأخير بالدليل العقلي والنقلي الدالّ على أنّه ليس جسماً، فالظاهر أنّه عليه السلام قصد من الحديث رسول الله صلى الله عليه وآلهلأنّه ربّه بمعنى سيّده أو
مربّيه، وهو أصغر منه بسنتين بلحاظ أنّ النبيّصلى الله عليه وآله توفّي وهو في السادسة والستّين من عمره الشريف، بينما توفّي الأميرعليه السلام وهو في الرابعة والستّين.
ولو كان صحيحاً فأيّ زمن هو مقصود الرسول صلى الله عليه وآله؟ وهل يعني من الفرقة المذهب؟ ولو كان هذا الحديث ينطبق على زماننا فهل المسلمون الآن ثلاث وسبعون بالضبط؟ وهل يعني ذلك أنّ الذين يدخلون النار أكثر من الذين يدخلون الجنة؟ وهل دخول هذه الفرق بعد الشفاعة، ويكون أزليّاً دائميّاً؟
باسمه جلت أسماوه امّة كلّ نبيّ مَن يكون في زمنه ومَن يولد بعد نبوّته من الناس، وليست خصوص المؤمنين به، وعلى هذا فاُمّة محمّدصلى الله عليه وآله
ص:282
لاتخصّ المسلمين، فلايلزم أن تكون تلك الفرق من المسلمين، وإن حاول بعضهم تعدادها منهم، والحديث مستفيض ووارد من طرق الفريقين السنّة والشيعة، وهو ليس ناظراً إلى زمان معيّن، ولايدلّ على أنّ الذين يدخلون النار أكثر، وإن دلّت عليه غيره من الأدلّة المتهمة للكثرة كقوله تعالى: وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ(1).
وقوله تعالى: وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُؤْمِنِينَ(2)، ونحو ذلك.
وهناك من أبناء العامّة المستضعفون، وهم الذين لايعرفون الحقّ ولايستطيعون الوصول إليه، وهؤلاء عدد كبير من العامّة، ولهم نحوٌ من الحساب في الآخرة يختلف عن حساب بقيّة الخلق.
*
باسمه جلت أسماوه امّة كلّ نبيّ مَن يولد في عصره وبعد عصرهممّن آمن به أو لم يؤمن، فاُمّة النبيّصلى الله عليه وآله تشمل المسلمين وغيرهم، والفرقة هم الجماعة الذين لهم ما يميّزهم عن غيرهم فكراً وسلوكاً.
قال: فأنت عرّاف؟
قال: فنظر إليه ثمّ قال: هل أدلّك على رجل قد مرّ - مذ دخلت علينا - في أربع عشر عالماً، كلّ عالم أكبر من الدنيا ثلاث مرّات، لم يتحرّك من مكانه؟!
قال: مَن هو؟ قال: أنا، وإن شئت أنبأتك بما أكلت وادّخرت في بيتك».
وسؤالي هو: كيف تمّ ذلك المرور في العوالم، والحضور في عدّة أمكنة بنفس
ص:283
الوقت، وأمثال ذلك كحضور أمير المؤمنين صلوات الله عليه عند كلّ مؤمن وكافر حال الاحتضار، أو أنّه قد أفطر عند أربعين شخصاً في الوقت نفسه، وكلّهم صدقوا برؤيته، وهو كان قد أفطر عند رسول الله صلى الله عليه وآله؟
باسمه جلت أسماوه المرور في الرواية الاُولى أشبه بمرور الشمس على ربوع المعمورة جميعها في آن واحد، وأمّا الحضور عند المحتضر فهو يختلف باختلاف مراتب المحتضرين، فقد يكون بالجسم المثالي وقد يكون بغيره، وأمّا رواية الحضور للإفطار فإنّ الحضور فيها لم يكن جسمانيّاً، والمراد من كلمة أفطر هو حضوره وقت الفطور ولو مثالا، لاأنّه كان في كلّ مكان يأكل الفطور، ولعلّ توهّم تناوله للفطور في كلّ تلك الأمكنة في وقت واحد هو الذي أوقع في الإشكال، هذا على فرض صدور رواية من المعصوم عليه السلام معتبرة السند بذلك.
باسمه جلت أسماوه هذا الرواية لاوجود لها في منابع الشيعة، وإنّما هي منقولة عن كتب أهل العامّة، وعلى فرض كونها صادرة عن النبيّصلى الله عليه وآلهفمفادها هو قاعدة اللطف التي استدلّ بها الشيخ المفيد لحجّيّة الإجماع المحصّل، وإن شئت بياناً آخر فهو أن الحافظ للدين والقرآن هو الله تعالى، ومع اجتماع العموم فمقتضى كونه تعالى حافظاً صيانتهم عن الاجتماع على الخطأ وإلقاء الاختلاف بينهم.
فلماذا لانجد أحاديث عن هدم مراقد أئمّة البقيع وقبّة العسكريّين عليهم السلام، رغم كبر الموقف وخطر الحدث؟
باسمه جلت أسماوه كثيرٌ من الروايات الصادرة عن المعصومين عليهم السلام
ص:284
لم تصل إلينا بواسطة ظلم المخالفين وتعذيب الرواة المتديّنين، مع أنّهم عليهم السلاملم يبيّنوا جميع الأحداث المستقبليّة، ثمّ إنّ عدم وجدانكم لايدلّ على عدم الوجود.
باسمه جلت أسماوه في الخبر الموثّق عن الإمام الصادق عليه السلام «أنّ فطرس كان من حملة العرش، فبُعث في أمر فأبطأ فيه، فكُسِر جناحه»، ومن الواضح أنّ الإبطاء ليس معصية من المعاصي، وإنّما هو خلاف الاُولى ليس إلاّ، ولم يكن كسر الجناح عقاباً وإنّما كان مجرّد أثر وضعي.
«واكتموه عن أعدائكم لئلاّينتفعوا به»، وورد عن الإمام الباقرعليه السلام حول دعاء السمات أنّه قال: «واكتموه إلاّ عن أهله».
وسؤالي: لماذا أمرَ أهل البيت عليهم السلام بكتم ما ورد عنهم من علومهم، رغم أنّ أعداءهم لو حصلوا عليها لما نفعتهم، فما هو وجه الحكمة من الأمر بكتم أسرارهم؟
باسمه جلت أسماوه
* أوّلا: تختلف الأشياء التي لها تأثير في مقام التأثير، فبعضها تأثيره مشروط بإيمان المستخدم، وبعضها لايكون مشروطاً بذلك، كما ورد في الكشف عن عظام الأنبياء تحت السماء، وأنّه يهطل المطر، ولو كان في يد كافر. و ثانياً: إنّ سبب تحذير الإمام عليه السلاممن إظهار بعض الأشياء أمّام من ليس أهلا لاينحصر في الخوف من سوء استخدامها، بل قد يكون خوفاً من عدم استيعاب الشخص الآخر لذلك، ممّا يجعله يُشنّع أو ينصرف عن ولاية أهل البيت عليهم السلامبلحاظ هذا السبب.
ص:285
*
باسمه جلت أسماوه بهذا المضمون روايات عديدة، وظاهرها أنّهفي عالم البرزخ لاشفاعة للمعصومين عليهم السلام، وإنّما الشفاعة بعد هذا العالم، ويحتمل أن يُراد بها بيان شدّة عالم البرزخ ما لم تصر امور العبد بيد الأئمّة الطاهرين عليهم السلام، أو فقل: يُراد بها بيان ما لشفاعة أهل البيت عليهم السلام من التأثير الشديد جدّاً، بحيثأنّها تؤثّر حتّى في عالم البرزخ رغم شدّة العذاب فيه، وعلى فرض دعوى أقربيّة المعنى الأوّل فإنّ هذه الروايات معارضة بغيرها.
أي من غير الشيعة، ممّن ليس في قلبه ذرّة بغض لآل محمّدصلى الله عليه وآله وهل هي صحيحة ثابتة؟
باسمه جلت أسماوه أصل وجود ثمانية أبواب للجنة واردٌ في رواية معتبرة، وأمّا كون الأبواب على التفصيل المذكور في السؤال فقد وردَ في رواية مرويّة عن أمير المؤمنين عليه السلام إلاّ أنّ سندها غير تامّ.
*
باسمه جلت أسماوه قد تواترت الروايات الواردة عن المعصومينعليهم السلامالدالّة على أنّ مبغض الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يكون ولد زنا، وبما أنّ الشيطانفي القرآن الكريم اطلق على الإنسان أيضاً، فيكون مُراد الخبر من الشيطان: شيطان الإنس، فهو الذي يزني باُمِّ المبغض، ويُحتمل أن يكون المراد: أنّ إبليس الشيطان بما أنّه هو سبب الزنا فهو الزاني; لأنّ المسبّب قد يكون أقوى من المباشر.
ص:286
باسمه جلت أسماوه الحبّ المذكور في الحديث هو الحبّ الطبيعي الذي تقتضيه بشريّة النبيّصلى الله عليه وآله واعتدال مزاجه المبارك.
باسمه جلت أسماوه لم تثبت خطبة البيان بسند معتبر، وبالتاليفما كان من مضامينها منسجماً مع الروايات المعتبرة أمكن الاعتقاد به، وما لم يكن منسجماً معها يُرّد علمه إلى أهله.
كيف ينسجم مع ما ثبتَ من تقاتل الرعيل الأوّل، واستباحتهم دماء المسلمين وأهل بيت النبيّ، وكيف يكون هذا الجيل أميناً على حفظ كلام الله تعالى، فإنّ مَن لم يحفظ دم المسلم كيف يكون قادراً على حفظ كلام الله؟
باسمه جلت أسماوه
* أوّلا: فيما يتعلّق بالحديث المنسوب «خير القرون» فإنّه لم تثبت صحّته بالطرق المعتبرة عند أتباع أهل البيت عليهم السلام. ثانياً: على فرض صحّته فإنّه لايدلّ على عصمة الرعيل الأوّل من الصحابة، نظراً لوجود آيات وروايات تدلّ على انحراف العديد منهم، ولاأقلّ من وجود المنافقين المجهولين بينهم، وبالتالي فإنّ الخير كان بوجود النبيّصلى الله عليه وآله ووجود أهل بيته عليه السلاموالخُلّص من أصحابه، وليس بوجود جميع من تواجد في ذلك القرن.
ثالثاً: إنّ حفظ كلام الله تعالى وتعاليم دينه لم يكن على عاتق كلّ اولئك الذين عاشوا في ذالك القرن; لأنّ انحرافات الكثيرين منهم واضحة، ولايمكن للمنحرف أن يحمل رسالة الاستقامة والهداية للاُمم اللاحقة، بل كانت المهمّة على عاتق
ص:287
من اصطفاهم الله تعالى لهذه المهمّة، وهم الأئمّة المعصومون بعد رسول الله صلى الله عليه وعليهم.
باسمه جلت أسماوه المراد من الحديث بيان أهمّية الأخلاق وعدم الرضا بخلافها، لاحصر الدين فيها، فالحصر كما يقول علماء البلاغة إضافي لاحصر حقيقي، فالمراد من الحديث: البعثة لإتمام مكارم الأخلاق في مقابل إهمال الأخلاق وتهيمشها، كما هو واضح من الحديث.
هل يدلّ على ثبوت الولاية التشريعيّة للمعصومين عليهم السلام؟ وكيف نوفّق بين ذلك وبين الحديث المشهور: «حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمّد حرام إلى يوم القيامة»؟
باسمه جلت أسماوه التفويض المذكور في الحديث الأوّل يُراد به التصرّف بحسب القيمومة على التشريع في مقام تبليغ وتطبيق نفس ما شرّعه الله سبحانه، لاأنّهم يشرّعون من عند أنفسهم، وهو صريح العبارة الأخيرة منه: «ولن يشاؤوا إلاّ أن يشاء الله تبارك وتعالى»، وبذلك يظهر عدم التنافي بين الحديثين.
باسمه جلت أسماوه نصّ الحديث المذكور وإن لم يصل بسند معتبر، غير أنّ مضمونه قد وردَ بأسانيد صحيحة في كثير من الأحاديث، ويكفي منها
ص:288
حديث الكساء المشهور.
وما رأيكم في دلالة الحديث؟ ولماذا ابتدأ الله بفاطمة عليه السلام وجعلها محوراً لجبرئيل، ولم يبتدئ بالنبي الأعظم صلى الله عليه وآلهلأنّه أفضل الموجودات؟ وما سرُّ استئذان جبرئيل مرّة اخرى من النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآلهفي الدخول تحت الكساء بعد استئذانه من الله تعالى؟
باسمه جلت أسماوه
1 - سند الحديث ابتداءاً بصاحب العوالم قدس سره وانتهاءاً بالصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله عليه في غاية الاعتبار، وليس يوجد فيه مَنيمكن أن يغمز في وثاقته إلاّ القاسم بن يحيى، والصحيح عندنا وثاقته; لرواية البزنطي عنه، الذي قد ثبت في حقه أنّه لايروي إلاّ عن ثقة، ومع الإغماض عن ذلك فإنّ نفس صحّة السند للبزنطي كافية لاعتباره، ولاحاجة للنظر في أحوال الواقعين بعده; لأنّه أحد الذين أجمعت الطائفة على تصحيح ما صحّ عنهم، فسند الحديث صحيح بلا إشكال. 2 - مضامين الحديث الشريف عالية جدّاً، وما اشتمل عليه من الفضائل والكمالات لمحمّد وآله عليهم السلام، ممّا استفاضت به الأحاديث الكثيرة والمعتبرة، فلاسبيل للتشكيك في شيء من مضامينه وما دلّ عليه.
3 - ولعلّ النكتة في الابتداء باسم الصدّيقة الطاهرة عليها السلام، هي كونها العقد الجامع بين نوري النبوّة والإمامة، فإنّ المستفاد من روايات عالم الأنوار أنّ النورين الشريفين كانا نوراً واحداً
يتقلب في أصلاب الطاهرين، حتّى انتهى إلى صلب سيّدنا الأعظم عبد المطلب عليه السلام، فقسّمه الله تعالى إلى نصفين، أحدهما في سيّدنا عبدالله عليه السلاموهو نور النبوّة، والآخر في صلب مولانا أبي طالب عليه السلام وهو نور الإمامة، وما زالا مفترقين حتّى التقيا مرة اخرى في الصدّيقة الطاهرة الزهراء أرواحنا فداهافصارت
ص:289
ملتقى النورين، ومجمع البحرين، ومجلى المقامين; ولذا تمّ الابتداء بذكرها قبل الابتداء بذكر كلّ واحد من النورين مستقلاًّ; لكونها المحور الذي يدور النوران في محيط دائرته.
4 - ولعلّ الوجه في تجديد طلب الإذن من النبيّصلى الله عليه وآله، بعد طلبه من الله سبحانه وتعالى بالمباشرة، هو أنّ الكينونة تحت الكساء مرتبة لم ينلها إلاّ محمّد وآله عليهم السلام، وما كان يخطر في نفس جبرئيل عليه السلام - على عظمته - أن يفوز بالوصول إلى تلك المرتبة; ولذا كان يكررر الاستئذان من أجل الاستيقان بأنّه قد وصل إليها، كما ومن المحتمل أيضاً: أن يكون الإذن الإل - هي معلّقاً بشكل طولي على إذن نبيّه الأعظم صلى الله عليه وآله فلزم على جبرئيل أن يعيد الاستئذان; لكون إذن الله تعالى معلّقاً على إذن رسول الله صلى الله عليه وآله.
باسمه جلت أسماوه قد طفحت كلمات العلماء من الخاصّة جميعهم، ومن العامّة كثير منهم، بأنّ أصل مادّة بدن الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء ليس من مادّة هذا العالم، بل هو من الجنة من أعلى أشجارها وثمارها، وأمّا الروح المتناسبة مع هذا البدن التي اختارها الله لفاطمة فهي من أسرار الله تعالى التي لانستطيع أن نفهمها، وإنّما نفهم بواسطة الأخبار أنّ روحها خلقت من نور عظمة الله تعالى، فقد روى الإمام الصادقعليه السلامعن جدّه سيّد الرسل صلى الله عليه وآله كما جاء في معاني الأخبار(1) أنّه صلى الله عليه وآلهقال: «خلق نور فاطمة قبل أن يخلق الأرض والسماء، فقال بعض الناس: يا نبيّ الله، أفليست هي إنسيّة؟
فقال صلى الله عليه وآله: فاطمة حوراء إنسيّة، خلقها الله عزّ وجلّ من نوره قبل أن يخلق آدم
ص:290
إذ كانت الأرواح». وبذلك يظهر معنى الحديث القدسى المرويّ في كثير من كتب الأخبار «لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»، كما يظهر أنّه لماذا عندما تدخل فاطمة الجنة يزورها الأنبياءعليهم السلاممن آدم فمن دونه، بل يزورها حتّى رسول الله صلى الله عليه وآله، وأيضاً يظهر أنّه لماذا أنّ النبيّصلى الله عليه وآله
بعد تماميّة حشر الناس وحسابهم أوّل مَن يذهب إلى الجنّة ويتقدّم أمامه موكب واحد وهو موكب فاطمة الزهراء.
وعن كتاب ضياء العالمين للعلاّمة النباطي الفتوني الجدّ الأكبر لصاحب الجواهر من طرف الاُمّ حديث «لولاك لما خلقت الأفلاك» بالشكل التالي: «لولاكلما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»، فهل هذا الحديث فيه محذور فلسفي، كلزوم تقدّم الشيء على نفسه، أو أي محذور آخر؟ وهل يمكن القبول به من ناحية فلسفيّة؟
والخلاصة: هل يصحّ له توجيه صحيح؟ فإنّ البعض زعم أنّه يتنافى مع مسلّمات العقيدة وأنّ جميع علمائنا يضلّلون القائل بالحديث؟
باسمه جلت أسماوه المحذور إنّما هو في العلّة لافي الغاية، و إن عُبّر عنها بالعلّة الغائيّة، والبحث في تحقيق المسألة لايسعه المجال، كما أنّ المحذور الفلسفي المتوهّم إنّما هو في العلّة الموجبة، وأمّا على ما هو الظاهر من كون المعصومين عليهم السلامهم الغرض الأقصى من خلق العالم فلايكون مورد للتوهّم المذكور.
والتوجيه الصحيح للحديث أن يقال: إنّه بعد كون رسول الله صلى الله عليه وآلهأفضل الموجودات، وكونه سبباً لسعادة البشر، ونيلهم المقامات العالية والكمالات المعنويّة والحياة الأبديّة، وبما أنّ ذلك لم يكن إلاّ بوجود عليّ وفاطمة امّ أبيها، وقد قال الله تعالى:
ص:291
بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ من ولاية عليّ (1)وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ(2)، وأيضاً عن النبيّصلى الله عليه وآله التعبير عن الزهراءعليها السلامباُمّ أبيها، فهذا يعني أنّهم الغرض الأقصى من خلق العالم وما فيه، وبما ذكرناه يظهر أنّه لاوجه للقول بتنافي الحديث مع مسلّمات العقيدة، وتضليل القائل بالحديث.
باسمه جلت أسماوه الفقرة الاُولى: «لولاك لما خلقت الأفلاك» وردت في الكثير من كتبنا وكتب العامّة أيضاً، وقد ذكره القندوزي الحنفي وصحّح معناه العجلوني.
وأمّا الفقرة الثانية فقد وردت في كتاب الوحيد البهبهاني.
وأمّا الفقرة الثالثة فقد وردت في مجمع النورين نقلا عن بحر المعارف، ولايحتاج الحديث الى التوجيه بعد وضوح معناه، إذ معناه أنّ وجود هؤلاء ثمرة الموجودات التكوينيّة بأجمعها، فهم الغرض الأقصى من خلق الأفلاك.
«والعلّة متقدّمة رتبة أو وجوداً أو هما معاً، فاعتبار الجزء الثاني من النصّ صحيحاً يوجب تقدّم العلّة المذكورة وتأخّرها على معلولها في آن واحد، وهذا يوجب تقدّم الشيء على نفسه، وهو باطل قطعاً، والتقدّم بيّنّاه والتأخّر معلوم بالضرورة، ثمّ إنّ هذا الحديث لو صحّ بكامله وجب تسلسل العلل نزولا فبطل، ولو تأمّل المتأمّل في طلب كسر حلقة التسلسل فسيحتاج إلى دور واضح، وهو باطل ضرورة»،
ص:292
فما هو تعليقكم على هذا الكلام؟
باسمه جلت أسماوه من خلال الأجوبة التي ذكرناها سابقاً اتّضح أنّ الكلام المذكور في السؤال أجنبيٌ عن معنى الحديث.
أنّه إن أردنا بالشهيدة معناه الفقهي فإنّه واضح البطلان; لأنّ الشهيد بالأحكام المذكورة في الفقه لايثبتإلاّ لمن قُتل في المعركة، وإن أردنا بالشهيدة معناه التنزيلي، فإنّ هذا المعنى تشترك فيه الحائض والنفساء، وبالتالي فلا عظمة للزهراءعليها السلام على مَن ذكرنا من أصناف النساء، وعليه فيتعيّن أن يكون المقصود بالشهيدة المرتبة العالية التي تكون فيها سيّدتنا فاطمة عليها السلام في مصاف الأنبياء والصدّيقين والشهداء الذين يشهدون على الناس، وهذا معناه أنّه لايمكن الاستدلال بالحديث المذكور لإثبات مظلومية الصدّيقة الزهراءعليها السلام، فما هو رأيكم؟
باسمه جلت أسماوه الشهيد هو مَن قتل في سبيل الدفاع عن الحقّ بالسيف أو الضرب أو بغير ذلك، وإنّما يختصّ حكم من الأحكام الفقهيّة - وهو عدم التغسيل - بمَن مات في المعركة، وهل يتوهّم أحد أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ليس شهيداً لأنّه لم يُقتل في المعركة؟!
وأمّا استناد موتها صلوات الله عليهاللضرب فقد استفاضت النصوص به، فلاحظ ما في كامل الزيارات(1): في خبر حمّاد بن عثمان عن الإمام الصادق عليه السلامعمّا قيل لرسول الله صلى
الله عليه وآله ليلة اسري به، حيث جاء فيه: «وأمّا ابنتك فتظلم، وتضرب وهي حامل، وتطرح ما في بطنها من الضرب، وتموت من ذلك الضرب»، ونحوه غيره.
ص:293
باسمه جلت أسماوه بالتأمّل في تلك الجملة يظهر أنّها مدح عظيممن سيّدة النساء العارفة بمقام الإمام عليه السلام لبطولته وثباته وشرفه، فإنّها قد رجعتبعد أداء الوظيفة، وهي تحمل كلّ الإجلال والإكبار لأمير المؤمنين عليه السلام مخاطبة إيّاه لتخفّف عنه من أثقال الإمامة، فقالت: «اشْتَمَلْتَ شِمْلَةَ الْجَنينِ»، أي تحمّلت الأذى لمرضاة الله تعالى، ف -- «اشْتَمَلْتَ شِمْلَةَ الْجَنينِ» لتكون عين الفناء في ذات الله، وتعبيرها ب - «اشْتَمَلْتَ» للإشارة إلى أنّه اشتمل بهذا الثوب - وهو ثوب الوقاية عن الدنيا وزخارفها، بما في ذلك حبّ الزعامة والسلطة - بإرادة واختيار منه، لا لقصور وتقصير، نظراً لقدرته على المجابهة والمواجهة، ولكنّه عليه السلامفي مقابل ذلك اشتمل شملة الجنين، ولم يحرّك ساكناً; لأنّ وظيفته كانت هي السكوت والصبر، وكأنّهاعليه السلامتقول له: لقد أدّيت وظيفتك أحسن الأداء، فأنت كما كنت مقداماً حينما كانت وظيفتك هي الجهاد والمواجهة، كذلك كنت الصابر المحتسب حينما كانت وظيفتك هي الصبر على الأذى في جنب الله تعالى، وقد قمتَ بتجسيد هذه الوظيفة أتمّ تجسيد، ولا أروعَ من تصوير هذه الحالة من الصبر والاحتساب بغير التصوير الذي جاء في كلمات الزهراءعليها السلام: «اشْتَمَلْتَ شِمْلَةَ الْجَنينِ، وَقَعَدْتَ حُجْرَةَ الظَّنينِ نَقَضْتَ قادِمَةَ الاَْجْدلِ، فَخانَكَ ريشُ الاَْعْزَلِ» إلى آخر كلامها أرواحنا فداها.
باسمه جلت أسماوه هنالك عدّة روايات شريفة قريبة من المضمون المذكور، وبعضها صحيح سنداً بلا ريب ولاشبهة.
ص:294
*
باسمه جلت أسماوه هنالك - في الكافي - روايةٌ صحيحة السند، عن أبي بصير، عن الإمام الباقرعليه السلام: «نزلَ القرآنُ أربعةَ أرباع: ربعٌ فينا، وربعٌ في عدوّنا، وربعٌ سنن وأمثال، وربعٌ فرائض وأحكام».
586 - هل يتنافي الحديث القدسي: «عبدي أطعني تكن مثلي» مع الآية المباركة: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ(1)؟
*
باسمه جلت أسماوه لاتضارب بين الآية الشريفة والحديث القدسي، فإنّ كلمة المثل قد جاءت في الآية بكسر الميم وسكون الثاء، وهي تعني المشارك في تمام الحقيقة، بينما كلمة المثل في الحديث القدسي من المحتمل أنّها بفتح الميم والثاء، وهي تعني الحُجّة أو الصفة، كما يستوضح ذلك من خلال كلمات اللغويّين، فما تنفيه تلك غير ما يثبته هذا.
باسمه جلت أسماوه المراد من السنّة في الحديث الشريف: الطريقة المسلوكة، ومن الواضح أنّ الطريقة التي يسلكها الإنسان في حياته إن كانت حسنة - بمعنى أنّها على طبق الموازين الشرعيّة - فهي ممّا يدعو الشارع المقدّس إلى إشاعته وتكثيره. وليس معنى محبوبية سنّ السنن: أن يبتكر الإنسان شيئاً مستحسناً عند عامّة الناس، من غير أن يكون مطابقاً لموازين الشريعة المطهّرة، بل يراد به: محبوبيّة ابتكار طريقة جديدة تكون مطابقة لتشريعات الشرع الشريف.
وبعبارة اخرى: إنّ محبوبيّة سنّ السنن لاتعني فتح باب التشريع للإنسان، وإنّما تعني فتح باب التطبيق في الموارد التي لم يجعل لها الشرع الشريف تطبيقاً
ص:295
معيّناً، نظير إكرام اليتيم مثلا، فإنّ الشارع المقدّس لم يجعل له تطبيقاً معيّناً، وبالتالي فلو جاء شخص وأكرم الأيتام بكيفيّة جديدة لم يكن مسبوقاً بها، وكان ذلك موجباً لاتّباع الناس له، فإنّ ذلك من السنن الحسنة التي يكون له أجرها وأجر من عمل بها.
باسمه جلت أسماوه النصّ المذكور لاوجود له في نصوص أهل البيت عليهم السلام، ولكنّ مضمونه وردَ بصياغات مختلفة ومتعدّدة في الكثير من النصوص، وبعضها معتبر السند، والمقصود منها: حبّ الزوجات لاحبّ مطلق النساء حتّى الأجنبيّات منهنّ.
«أنّ من سنن الأنبياء حبّ النساء وكثرة الطروقة»، فما هو صحّة ذلك؟ وهل هناك علاقة بين زيادة حبّ النساء وبين الإيمان، فقد ورد: «أنّ عبادة المتزوّج أضعاف عبادة الأعزب، وأنّ العبد كلّما ازداد في النساء حبّاً ازدادفي الإيمان فضلا»؟
باسمه جلت أسماوه بعض النصوص الدالّة على أنّ من أخلاق الأنبياءعليهم السلامكثرة الطروقة معتبرة السند بلا ريب، وهي تدلّ على اعتدال أمزجتهم الشريفة وتكامل قواهم الجسديّة والنفسيّة، رغم اشتغالهم المكثّف بالعبادة مِن ناحية وشؤون الناس من ناحية اخرى، وهذا يُعبّر عن ذروة كمالهم في هذه النشأة. وأمّا النصوص الدالّة على وجود علاقة بين حبّ النساء وزيادة الإيمان، فهي واضحة المدلول; إذ ما دام حبّ الزوجات من السنن التي دعا إليها الشارع المقدّس، فهذا يعني أنّ الاتّصاف به - بما هو سنّة إيمانيّة - موجب لزيادة الإيمان.
ص:296
ص:297
ص:298
باسمه جلت أسماؤه يحتمل أن يكون التعبير عن الأرواح ب -- (الفانية) بلحاظ فنائها وانقطاعها عن عالم الدنيا، لامطلقاً، بناءً على القول بالتجرّد.
كما ويُحتمل أن يكون تعبيراً مجازيّاً، تعويلا على علاقة (مَا يؤول إليه) التي يذكرها الأدباء في علم البيان، فيطلق على الأرواح بأنّها فانية، بلحاظ أنّ الفناءهو مصيرها المحتّم الذي ستؤول إليه.
باسمه جلت أسماؤه القديم هو غير المسبوق لابالغير ولابالعدم، في قبال الحادث المسبوق بأحدهما.
وكيف نفهم نسبة الحرام إلى الخالق (
جلّ شأنه)؟
باسمه جلت أسماؤه المقطع المذكور واردٌ عن غيرِ واحد من المعصومين (عليهم السلام) في عدّة من الأدعيةِ المنسوبة إليهم، والمصحّحُ لنسبة الحرام إلى الله تعالى أنّه هو المشرّع له، فإنّ الحلال حلالُ الله والحرام حرامه.
ص:299
؟
باسمه جلت أسماؤه قُلل الماء: أعلاه، و جدَدُ الأرض: الأرض الغليظة المستوية، والمراد أنّ الخضر (عليه السلام) كما كان يمشي بالاسم على سطح الأرض فكذا كان يمشي به على سطح الماء.
،
ألا وهو أنّنا لانعتقد بوجوده صدقاً وعدلا،
مضافاً إلى أنّ المعنى تامّ بدونها،
حيث تمّ ذكر أنّنا غبنا عنه ولم نشهده،
وهذا الاُسلوب ركيك لايمكن أن يكون صادراً عن شخص المعصوم (عليه السلام)،
فهل تعتقدون أنّ هناك سقطاً في العبارة أدّى إلى هذا الغموض؟
أو أنّ «وَلَمْ نَرَهُ»
من إضافات النسّاخ؟
باسمه جلت أسماؤه لاركاكة في التعبير المذكور، ولاموجب لاعتقاد الاسقاط ولادعوى إضافة «وَلَمْ نَرَهُ» من النسّاخ، وما في ذهنكم نشأ عن غفلتكم عن شيء، وهو أنّ قوله (عليه السلام): «وَلَمْ نَرَهُ» كقوله: «وَلَمْ نَشْهَدْهُ» من الجمل المعترضة، والغرض من ذلك الإشارة إلى كون الإيمان بكلّ الأنبياء (عليه السلام) مع مرور هذه المدّة من أفضل أنواع الإيمان، فالفخر لمن آمن مع هذه الفاصلة الزمنيّة، لالمن عاش معهم ورأى البراهين والمعاجز بعينه، وفي الروايات ما يدلّ على فضل مؤمني هذه الأزمنة على مؤمني عصر الرسالة.
فما هو المراد بالنور؟ ولماذا وصفه بالعظيم؟ ومَن هو هذا النور؟ وما المقصود بالكرسي؟ ولِم وصف بالرفيع؟ وما سبب تسمية هذا الدعاء بدعاء العهد؟ ولماذا كرّر كلمة (ربّ)، فهل ربّ النور يختلف عن ربّ الكرسي؟
ص:300
باسمه جلت أسماؤه الظاهر أنّ المراد من النور مطلق النور الشامل لجميع مصاديقه، فلا يختصّ ببعض دون بعض، ووصفه بالعظمة إنّما هو بلحاظ ذاته من ناحية وبلحاظ أثره من ناحية اخرى، والمراد من الكرسي المكان الذييرمز إلى العزّة والعظمة; ولذلك وصف بالرفعة، وسمّي الدعاء المذكور بدعاءالعهد لما ورد في آخرة من قوله:
«اللّهُمِّ إِنّي اجَدِّدُ لَهُ في صَبِيحَةِ يَوْمي هذا وَما عِشْتُ مِنْ أَيّامي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ في عُنُقي»، وقد رويت تسميته بذلك عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وتكرارُ لفظ الربّ لعلّه لتأكيد أنّ ربوبيّة الله تعالى شاملة لجميع الممكنات رغم اختلافها في السنخ والحقيقة.
وهل هناك اختلاف بين الذات الدالّة والذات المدلول عليها؟
باسمه جلت أسماؤه ذكرنا في كتابنا زبدة الاُصول(1): أنّ المراد بالفقرة المذكورة أحد معنيين:
1 - دلالة الذات على الذات بمعنى: أنّ الخالق سبحانه وتعالى لمّا خلق الخلق بفعل ذاته المقدّسة، أصبح الخلق أدلاّء على ذاته، من خلال ما أودعه فيهم من بديع الصنع وإحكام الإيجاد وعجائب التكوين، فتكون الذات بواسطة فعلها قد دلّت على نفس الذات، ولعلّ إلى هذا المعنى يشير الحديث القدسي:
«كنت كنزاً مخفيّاً فأحببت أن اعرف فخلقت الخلق لكي اعرف».
2 - دلالة الذات على الذات بمعنى: أنّه تعالى ظاهر بنفسه، وكلّ ظهور لغيره لابدّ وأن ينتهي إليه، فذاته ظاهرة بذاته، بخلاف غيره من المخلوقات، فإنّ ظهورها لا يكون إلاّ بغيرها، ولعلّ إلى ذلك يشير قول سيّد الشهداء الحسين (عليه السلام):
«أَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ حَتّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ».
ص:301
وعلى كلا المعنيين فالفرق بين الذاتين في العبارة الشريفة فرق حيثي لحاظي، وليس فرقاً حقيقياً.
باسمه جلت أسماؤه قوله (عليه السلام): «سِرَاجاً وَهَّاجاً» كما هو ظاهر العبارة شامل للشمس والقمر معاً، ولامحذور فيه; فإنّ اللفظين المذكورين يطلقان على كلّ جسم مضيء متّقد، سواء كان اتّقاده بنفسه أم بواسطة جسم آخر، فيشملان الشمس والقمر معاً.
باسمه جلت أسماؤه الدليل هو: الهادي، و الأليل هو: البالغ أشدّ الظلمة، وهو للمبالغة كقولهم: «ظلّ ظليل»، أو «عرب عرباء» ونحو ذلك، و الماسك هو: المعتصم والمستمسك، و الشرف هو: المجد وعلوّ الحسب، و الأطول: صفة لحبل الشرف، و الناصع هو: الخالص من كلّ شيء، و الحسب: مفاخر الآباء والأجداد، و الذروة هي: أعلى الشيء، و الكاهل هو: ما بين الكتفين، و الأعبل هو: الضخم، وقد شبّهَ أمير المؤمنين (عليه السلام) أخاه المصطفى (صلى الله عليه وآله) في قوله:
«والنَّاصِعِ الْحَسَبِ في ذِرْوَةِ الْكاهِلِ الاَْعْبَلِ» "من ناحية تمكّنه من أعلى مدارج الحسب، بمن ارتقى على ذروة كاهل بعير ضخم مرتفع السنام، فتمكّنَ منه.
ويتحصّل ممّا ذكرناه أنّ معنى العبارة: اللّهمّ صلِّ على الهادي إليك في ظلمات ليل الكفر والجاهليّة، والمتعلّق بأقوى أسباب المجد والكرامة الإل - هيّة، والمرتقي
ص:302
أعلى مدارج الحسب والعزّة الهاشميّة.
«فَتَعالَيْتَ عَنِ الاَْشْباهِ وَالاَْضْدادِ، وَتَكَبَّرْتَ عَنِ الاَْمْثالِ وَالاَْنْدادِ»،
والسؤال: لماذا جاء العلوّ في الاُولى والتكبّر في الثانية؟
باسمه جلت أسماؤه من جملة المعاني المحتملة لعبارة: «وتكبّرت» في قوله (عليه السلام):
«وَتَكَبَّرْتَ عَنِ الاَْمْثالِ وَالاَْنْدادِ»، هو: إظهار الكبرياء، وعليه فيكون الإتيان بها بعد قوله (عليه السلام): «فَتَعالَيْتَ» من باب الترتب الرتبي; إذ أنّ العلوّ والكبرياءفي رتبة سابقة على إظهارهما.
باسمه جلت أسماؤه ينقسم الناس إلى طائفتين: الطائفة الاُولى أرباب النعم وأهل الدنيا، وكلّ اعتمادهم يكون عليها، ويفرحون بها، وهم في الحقيقة من الفقراء.
والطائفة الثانية هم المستضعفون في الأرض، وهم الذين يؤمنون بالله تعالى، ويعتمدون عليه كلّ الاعتماد، ويعلمون أنّ الله تعالى ناصرهم ومولاهم، وهم الفقراء إلى الله، والأغنياء في الحقيقة; لأنّ الله تعالى أغناهم عن كلّ شيء وبكلّ شيء.
وبما أنّ الدعاء طلبٌ من الله تعالى بما هو خالق وربٌ ومدبّر، وربوبيّة الله بالنسبة للطائفة الثانية أجلى منها بالنسبة للطائفة الاُولى; لذلك جاء الدعاء خطاباً لله تعالى من منطلق ربوبيّته للطائفة الثانية، فإنّه عمادهم إذ لاعماد لهم، وذخرهم إذ لاذخر لهم، وسندهم إذ لاسند لهم.
؟
ص:303
باسمه جلت أسماؤه للفقرة المذكورة معنيان:
الأوّل: واضح، وهو أنّ الله خلق الإنسان عاقلا، وبإعماله عقله بالنظر في التكوينيات، فإنّه يصل إلى الله سبحانه، وبما أنّ الله تعالى هو المتفضّل عليه بالعقل فهذا يعني أنّه هو سبب وصوله
إليه، وإذا كان هو السبب لمعرفته صحّت مخاطبته بالقول: «بِكَ عَرَفْتُكَ» فتكون الباء في «بِكَ» للسببيّة، ويشهد لهذا المعنى عطف التفسير، حيث عطف على ذلك قوله: «وَأَنْتَ دَلَلْتَني عَلَيْكَ»، فإنّ هذا قد جاء توضيحاً لذلك.
الثاني: إنّ هذه فلسفة اخرى لأهل البيت (عليهم السلام) ليست ترجع لبرهان (الإِنّ) ولالبرهان (اللِّم)، إذ تارة يكون الانتقال من المعلول للعلّة، وهو برهان الإِنّ، واُخرى بالعكس، وهو برهان اللّم، وثالثة من الشيء إلى نفسه، وهذا هو المراد من: «بِكَ عَرَفْتُكَ»، ولكنّ المعنى الأوّل أوضح، وهو الظاهر من الدعاء.
؟
باسمه جلت أسماؤه المقصود من الفقرة الواردة في دعاء عرفة: أنّ معرفة الله سبحانه معرفة فطريّة تكوينيّة، كما يدلّ على ذلك قول الإمام الصادق (عليه السلام) لمن قال له: دلّني على ربّي:
هل ركبت سفينة في البحر فانكسرت بك السفينة حيث لاسفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم.
قال:
هل تعلّق قلبك بشيء اعتقدت أنّه قادر على أن يخلّصك من ورطتك؟
قال: نعم.
قال:
فذلك هو الله القادر على الانجاء حيث لامنجي،
وعلى الإغاثة حيث لامغيث».
فمعرفة الله تعالى بمقتضى هذا النص معرفة فطريّة، ولكنّها بسبب الموانع
ص:304
قد يحجبها الإنسان ولايلتفت إليها، وهذا ما يشير إليه قول النبيّ الأعظم: «كلّ مولود يولد على الفطرة، وإمّا أبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه»، وحينئذ يحتاج الإنسان إلى إزالة الغبار عنها من خلال تشييد الأدلّة والبراهين.
؟
باسمه جلت أسماؤه يُراد ب أهل الجذب: العباد الذين يقرّبهم الله تعالى منه، عن طريق تهيئة كلّ ما يحتاجون إليه في طريق الوصول إليه سبحانه وتعالى.
باسمه جلت أسماؤه ذو طوى مكان مقدّس، ذكر بعض المؤرّخينأنّه كان مصلّى النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) كلّما قدم مكّة، حيث كان يتوقّف فيه ليلة ويقيم
فيه صلاة الفجر، وذكر البعض الآخر أنّه نفس أرض مكّة المكرّمة، وأمّا رضوى فهو جبل مبارك من الجبال المتّصلة بالمدينة، وقد صرّحت بعض الروايات بأنّه من الأماكن التي يرتادها إمام الزمان (أرواحنا فداه) في غيبته الكبرى.
بأنّها تدلّ على أنّهمن وضع من الفرقة الكيسانيّة; لتضمّنها اسم المكان الذي - بحسب معتقدهم - اختبأ فيه محمّد بن الحنفيّة وسيظهر منه،
فما رأي سماحتكم في ذلك؟
باسمه جلت أسماؤه النصوص الشريفة أكّدت على أنّ جبل رضويهو أحد مواضع غيبة الإمام المهدي (عج)، فقد ورد عن عبد الأعلى مولى آل سام، قال: «خرجت مع أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فلمّا نزلنا بالروحاء نظر إلى جبلها مطلاًّ
ص:305
عليها فقال لي:
ترى هذا الجبل،
هذا جبل يدعى رضوى...
أما إنّ لصاحب هذا الأمر فيه غيبتين: واحدة قصيرة،
والاُخرى طويلة»، ولايبعد أن يكون هذا المعنى قد ورد في بعض الأحاديث التي لم تصل إلينا عن أهل الكساء (عليهم السلام) فاستفاد منها الكيسانيّة في تشييد عقيدتهم الفاسدة، من أجل إيهام الناس وتضليلهم.
باسمه جلت أسماؤه القرآن الكريم يقول
:سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِلَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الاَْقْصَى (1)(، والتعبير بالعبد - كما لايخفى - ظاهر في كون الإسراء جسديّاً مادّيّاً، وبما أنّ النبيّ) صلى الله عليه وآله (في رحلة الإسراء والمعراج قد وطأ المشارق والمغارب، فتكون عبارة الدعاء منسجمة مع الظاهر القرآني، وليست مخالفة له.
؟
باسمه جلت أسماؤه نُقل دعاء الندبة في كتاب المزار الكبير لابن المشهدي، و مصباح الزائر للسيّد ابن طاووس، و المزار القديم للقطب الراوندي: عن ابن أبي قرّة، عن كتاب محمّد بن الحسين بن سفيان البزوفري، الذي ذكرَ فيه أنّه: «الدعاء لصاحب الزمان، صلوات الله عليه»، وحُكيَ أنّه قد
نقله العالم المحقّق الزاهد المتعبّد رضي الدين عليّ بن موسى بن طاووس الحليّ، بسند معتبر عن الإمام الصادق (عليه السلام).
ص:306
باسمه جلت أسماؤه الدعاء وارد في غير واحد من كتاب القدماء المعتمدة، وعدمُ ورودهِ بسند معتبر لايضرّ به بعدَ كونه مشمولا لقاعدة التسامحفي أدلّة السنن.
باسمه جلت أسماؤه جاء في كتاب مصباح الكفعمي: «هذا الدعاءرفيع الشأن، عظيم المنزلة، رواه ابن عبّاس عن عليّ (عليه السلام)، وأنّه كان يقنت به في صلاته»، وقال: «إنّ الداعي به كالرامي مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) في بدر واُحُد وحنين بألف ألف سهم».
باسمه جلت أسماؤه قال العلاّمة المجلسي (قدس سره) في موسوعته بحارالأنوار(1): «هذا الدعاء رواه محمّد بن بابويه (رحمه الله) عن الأئمّة (عليهم السلام)، وقال: ما دعوت في أمر إلاّ رأيت سرعة الإجابة»، وقال العلاّمة الشيخ آغا بزرك الطهراني (قدس سره) في كتابه الذريعة(2): «هذا الدعاء المختصر مرويّ بألفاظه في كتابين قديمين من كتب الأصحاب، منسوب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأنّه أوصى به صاحب سرّه كميل بن زياد النخعي على نحو الإجمال».
611 - ما فضل هذا الدعاء، الذي حرص المعصومون (عليهم السلام) منذ امّهم الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، على تعليمه لأبنائهم، وهو: «بِحَقِّ يس وَالْقُرْآنِ الْحَكيمِ، وَبِحَقِّط - ه وَالْقُرْآنِ الْعَظيمِ، ي - ا مَنْ يَقْدِرُ عَلى قَضاءِ حَوائِج السّائِلينَ، وَيا مَنْ يَعْلَمُ ما في ضَميرِ
الصّامِتينَ، يا مُنَفِّسَ عَنِ الْمَكْرُوبينَ، يا مُفَرِّجَ عَنِ الْمَغْمُومينَ يا راحِمَ الشَّيْخِ
ص:307
الْكَبيرِ يا رازِقَ الطِّفْلِ الصُّغيرِ، يا مَنْ لاَ يَحْتاجُ إِلَى السُّؤالِ وَالتَّفْسيرِ، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَافْعَلْ بي كَذا وَكَذا»؟
باسمه جلت أسماؤه يُستفاد فضله من اهتمام المعصومين (عليهم السلام) به، وقد روى القطب الراوندي (قدس سره) في دعواته ما يكشف عن فضل الدعاء المذكور، حيث قال: «عن زين العابدين (عليه السلام)، قال: «
ضمّني والدي (عليه السلام) إلى صدره يوم قُتل،
والدماء تغلي،
وهو يقول: يا بني،
احفظ عنّي دعاء علّمتنيه فاطمة (عليها السلام)،
وعلّمها رسول الله (صلى الله عليه وآله)،
وعلّمه جبرئيل (عليه السلام) في الحاجة،
والمهمّ،
والغمّ،
والنازلة إذا نزلت،
والأمر العظيم الفادح».
، سُبْحانَ الْقائِمِ الدّائِمِ، سُبْحانَالْواحِدِ الاَْحَدِ، سُبْحانَ الْفَرْدِ الصَّمَدِ، سُبْحانَ الْحَيِّ الْقَيُّومِ، سُبْحانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحانَ الْحَيِّ الَّذي لاَ يَموتُ، سُبْحانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ، سُبْحانَ رَبِّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ، سُبْحانَ الْعَلِيِّ الاَْعْلى، سُبْحانَهُ وَتَعالى»،
وسؤالي: ما المقصود من قول التسبيح كلّ يوم مدّة سنة؟
باسمه جلت أسماؤه يعرف هذا التسبيح بتسببح جبرئيل (عليه السلام)، والمراد من قرائته كلّ يوم مدّة سنة: أن يقرأه الإنسان ثلاثمائة وستّين يوماً بمقدار عددأيّام السنة.
؟
باسمه جلت أسماؤه الظاهر أنّ الحالات التي يعيشها المؤمن في حياته، لاتخرج عن دائرة العناوين الخمسة عشر التي عُنوت بها مناجاة سيّد
ص:308
العابدين (عليه السلام); ولذلك انحصرت فيها.
؟
باسمه جلت أسماؤه المربوط هو الإنسان الذي لايتمكّن من الإنجاب بسبب السحر ونحوه، والحل بمعنى إلغاء تأثير ذلك السحر وما يترتّب عليه.
(
عليهم الصلاة والسلام)
وهي طويلة جدّاً،
وعلى سبيل المثال دعاء الجوشن الكبير،
ودعاء ثابت بن دينار،
ودعاء أبي حمزة الثمالي،
وغيرها من الأدعية،
فكيف كان ينقل أصحاب المعصومين والرواة هذه الأحاديث والأدعية؟
هل يحفظونها مباشرة أم يكتبونها؟
باسمه جلت أسماؤه الذي يظهر من بعض الأخبار: أنّ بعض أصحابالمعصومين (عليهم السلام) كانوا يجالسونهم ويرافقونهم مع تمام الاستعداد لكتابة ما يتفضّلون به عليهم من نصوص وأحاديث، فكانوا يهيّئون ألواحهم وأقلامهم، ويبادرون لتسجيل كلّ كلمة يتحدّث بها المعصوم (عليه السلام)، وبذلك استطاعوا أن ينقلوا لنا الأحاديث والأدعية الطويلة بألفاظها.
ص:309
ص:310
ص:311
ص:312
فمَن هم الغُرّ المحجّلون؟
باسمه جلت أسماؤه ورد في بعض الأحاديث الشريفة عن النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) قوله: «
والمؤمنون - يا عليّ - على كراسي من نور،
وهم الغرّ المحجّلون،
وأنتَ إمامهم» (1) ومثل هذا الحديث كثير جدّاً في المجاميع الروائيّة الشريفة، ودلالته لاتحتاج إلى إيضاح.
،... فَإِنّا نَسْأَلُكِ إِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إِلاَّ أَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ أَنْفُسَنا بِأَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلاَيَتِكِ»(2) ،
فما هو المقصود من الامتحان؟
وما علاقة طهارة أنفسنا وذواتنا بولايتها؟
باسمه جلت أسماؤه معنى الامتحان هو الابتلاء، وهي ممتحنة أي
ص:313
مبتلاة بما جرى عليها بعد أبيها (صلى الله عليه وآله) من غصب حقّ بعلها، وغصب نحلتها، وما جرى عليها حين الهجوم على دارها من إذلالها وإيذائها بعد أبيها (صلى الله عليه وآله)، وأمّا التطهير للنفس بولايتها ومحبّتها فله معان محتملة عديدة، ولعلّ من أوضحها تطهير النفس من بغض الله ورسوله الّذي يبتلى به غير الموالين لها، فإنّ غير الموالي قد يكون مبغضاً لها، ومَن أبغضها فقد أبغض أباها، ومَن أبغض رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد أبغض الله، وأيّ درن أعظم من هذا الدرن؟!
وسؤالي: إذا كانكلّ ما عند الأنبياء (عليهم السلام) مفاضاً عليهم بواسطة الرسول الأعظم وأهل بيته
صلوات الله عليه وآله،
فكيف يكون سيّد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه
وارث آدم ونوح وإبراهيم (عليهم السلام)؟
مضافاً إلى أنّ وجوده النوري كان قبل وجود الأنبياء (عليهم السلام)،
فكيف يرثهم وهو قد سبقهم؟
باسمه جلت أسماؤه الوراثة قد تأتي بمعنى الانتقال، وقد تأتي بمعنى المماثلة، كما لو توفّي أحدُ العلماء وكان يوجد من يُماثله في علمه وورعه، فإنّه يقال له: وارثه، ووراثة سيّد الشهداء (عليه السلام) للأنبياء (عليهم السلام) ليست بالمعنى الأوّل، وإنّما هي بالمعنى الثاني، فلا إشكال.
والسؤال مرتبط بالفرق بين الأجسام والأجساد،
وهل لهما معنى واحد،
أم لهما معنيان متغايران؟
باسمه جلت أسماؤه الجسد كما يطلق على البدن كذلك يطلق لغةً على الدم، والجسم كما يطلق على الوجود المادّي كذلك يطلق على الوجود النوري
ص:314
أو المثالي، فمن المحتمل أن يكون المراد من الأجساد الدماء، ومن الأجسام الأبدان، ويحتمل أن يكون المراد من الأجساد الأبدان المادّيّة، ومن الأجسام الأجسام النوريّة أو المثاليّة، وسواء كان الاحتمال الأوّل هو المتعيّن أم الثاني، فالقدر المتيقّن أنّ كلّ ذلك ممّا يستحق التوجّه إليه بالسلام والتحيّة.
620 -
في زيارة للإمام الحسين (عليه السلام) يروبها ابن قولويه القمّي (رحمه الله) في كتابه كامل الزيارات،
عن الإمام الصادق (عليه السلام) مخاطباً جدّه الإمام الحسين (عليه السلام): «ضَمَّنَ
- أي الله تعالى - الاَْرْضَ وَمَنْ عَلَيْها دَمَكَ وَثارَكَ»(1) ،
فما معنى هذه الفقرة من زيارة سيّد الشهداء (عليه السلام)،
خصوصاً ««ضَمَّنَ الاَْرْضَ وَمَنْ عَلَيْها»،
وما معنى الدم والثار،
أليسا شيئاً واحداً؟
ثمّ
أليس ذلك الدم الطاهر قد رفع إلى السماء ولصق بالعرش ولم يبق منه شيء في الأرض،
فكيف ضمن فيها؟
باسمه جلت أسماؤه الظاهر أنّ المراد من التضمين تحميل المسؤوليّة وجريرة القتل، كما يقال: ضمّنَ فلان فلاناً قيمة ماله الذي أتلفه، أي غرّمه ذلك، والواو في قوله: «وَثارَكَ» عطف تفسير يراد منه التوضيح ليس إلاّ.
باسمه جلت أسماؤه التوفيق بين الآية والزيارة كالتوفيق بين قوله تعالى:
ص:315
اللهُ يَتَوَفَّى الاَْنفُسَ (1) وقوله تعالى: قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَلَكُ الْمَوْتِ(2) ، فكما أنّ الإماتة تسند لله تعالى لأنّه المالك لها، وتُسند لملك الموت لأنّه المباشر لذلك، كذلك تُسند مسألة الحساب لله تعالى باعتباره المالك الحقيقي لها، وتُسند للمعصومين) عليهم السلام (باعتبارهم المباشرين لذلك بتفويض الله تعالى.
فمَن هم الأربعة الملعونون الذين وردوا في زيارة عاشوراء؟
باسمه جلت أسماؤه اختلف العلماء (قدّس الله أسرارهم) في تحديد المقصود من هؤلاء الأربعة، ولايمكن الجزم بشيء ممّا ذكروه، والأوْلى للإنسانأن يقرأ العبارة المذكورة وينوي بها مَن قصدهم الإمام الباقر (عليه السلام) حينما أنشأ هذه الزيارة المباركة.
باسمه جلت أسماؤه هو عبيد الله بن زياد، والعطف بالواو في مقام التعريف قد يكون تشريفيّاً، كما في قولنا: «الحسين بن عليّ، وابن فاطمة»،
وقد يكون توهينيّاً، كما في قول الزيارة: «وَالْعَنْ عُبَيدَ اللهِ بْنِ زياد وَابْنَ مَرْجانَةَ» لبيان دناءة نسبه أباً واُمّاً.
وإذا كان المقصود معاوية ويزيد،
فلماذا لم يذكرا بالأسماء مع أنّهما قد ذكرا سابقاً باسميهما؟
باسمه جلت أسماؤه المراد من الرابع - على الأظهر - معاوية، ومن الخامس يزيد بن معاوية، كما صرّحت بذلك الزيارة بالنسبة للثاني، حيث جاء فيها:
ص:316
«اللّهُمَّ الْعَنْ يَزيدَ خامِساً».
ولا مانع من التعرّض لهما تارة بالاسم، واُخرى باللقب، تأكيداً عليهما; لشدّة ما ارتكباه من سمّ الإمام الحسن (عليه السلام) وقتل الإمام الحسين (عليه السلام)، وهتك حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله).
،
فما بين ناكر لها ولسندها،
وبين مَن يقول إن صحّت فاللعن فيها موضوعوغير صحيح،
بل يحرم الإتيان به،
فما رأي سماحتكم؟
باسمه جلت أسماؤه سند زيارة عاشوراء قويّ لاسبيل إلى الخدشة فيه، وما فيها من اللعن ليس خارجاً عن متن الحديث المعتبر.
وهل يوجد من علمائنامن يضعفها؟
باسمه جلت أسماؤه نعم صحيحة سنداً ومتناً، ولستُ أحتمل صدور تضعيف هذه الزيارة المعتبرة من عالم محقّق، وإنّي - بحمد الله تعالى - ملتزم بقرائتها كلّ يوم منذ خمسين سنة، وأسأل الله تعالى أن يديم توفيقي لذلك إلى آخر أيّام عمري.
باسمه جلت أسماؤه سند زيارة عاشوراء والجامعة معتبر لاإشكال فيه، وأمّا دعاء التوسّل فهو دعاء مشهور، وضعفُ سنده لايضرّ به، بعد البناء على تماميّة قاعدة التسامح في أدلّة السنن.
؟
باسمه جلت أسماؤه قد ورد في القرآن والروايات المعتبرة المتواترة
ص:317
لعن طوائف، منه - ا: ما ورد في لعن المحارب لأهل البيت (عليهم السلام)، ومنها: ما رودفي لعن الظالمين لآل البيت (عليهم السلام)، ومنها: مارود في لعن المعادين والمبغضين لهم (عليهم السلام)، ومنها: ما ورد في لعن المخالفين لأهل البيت (عليهم السلام) في الاعتقاد والمنهج وتاركي ولايتهم، ومنها: ما ورد في لعن مؤذي أهل البيت (عليهم السلام)، ومنها: ما وردفي لعن الكاذب مطلقاً، أو خصوص مَن كان كاذباً على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، ومنها: لعن الخمر وغارسها وبائعها وحاملها والجالس على مائدة عليها الخمر وإنلم يشرب، ومنها: ما يتعلّق بالزنا وسائر المحرّمات، كلعن المستمني ولعن اللاعب بالشطرنج، ومنها: ما ورد في لعن تارك بعض الواجبات، كلعن الخارجة من بيت زوجها بغير إذنه، ومنها: ما ورد في لعن فاعل بعض المكروهات، ومنها غير ذلك، والروايات فوق حدّ الاحصاء.
ويقولون إنّها ضعيفة السند،
فما هو رأي الشرع الشريف في ذلك؟
باسمه جلت أسماؤه سندها قويّ، وقد رويت بطرق متعدّدة مستفيضة.
باسمه جلت أسماؤه لايجوز تسليم الحقوق الشرعيّة بأنواعها لهؤلاء، فإنّ مَن لم يأمن دينه من شبهاته، كيف تأمن حقوق الله بين يديه.
)
وتكون العبارة على النحو التالي: «اللّهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظالِمظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَآخِرَ تابِع لَهُ عَلى ذلِكَ.
اللّهُمَّ الْعَنِ الْعِصابَةَ الَّتي جاهَدَتِ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَشايَعَتْ وَبايَعَتْ وتابَعَتْ
ص:318
عَلى قَتْلِهِ، اللّهُمَّ الْعَنْهُمْ جَميعاً مائة مرّة»؟
باسمه جلت أسماؤه لايترتّب على القراءة المذكورة ما يترتّب على الزيارة المشتملة على تكرار اللعن والسلام مائة مرّة.
؟
باسمه جلت أسماؤه نعم، يشترط تكرار ذلك مائة مرّة، واُوصيك بالمداومة عليها فإنّ فيها خيراً كثيراً.
؟
باسمه جلت أسماؤه تستعمل كلمة زيارة الناحية وصفاً لزيارتين:
إحداهما: يزار بها الإمام الحسين (عليه السلام)، وقد وردت في كتاب المزار الكبير، وهو من امّهات كتب الزيارة المعتبرة، ولاشكّ أنّها من المرويّات التي أخذ بها علماؤنا الأعلام، وإن كان قد ورد كلام على بعض فقراتها، فالثابت أنّها مرويّة ومعتبرة; لتصريح صاحب كتاب المزار الكبير بأنّها ممّا خرج من الناحية إلى أحد الأبواب.
والثانية: يزار بها شهداء كربلاء، وهي من الزيارات المعتبرة أيضاً، حتّى أنّ بعض علماء الرجال يستفيد منها في توثيق من ورد اسمه من الأصحاب الذين استشهدوا مع سيّد الشهداء الحسين (عليه السلام)، ويعتبر أنّ ورود أسمائهم ومدحهم والسلام عليهم من الإمام (عليه السلام) خير دليل على توثيقهم.
؟
باسمه جلت أسماؤه ممّا استفاضت به الروايات أنّ زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) من موجبات غفران الذنوب، إلاّ أنّها على نحو الاقتضاء لاالعليّة التامّة، وهذا يعني عدم تحقّق أثرها إلاّ مع تحقّق الشرائط وعدم الموانع، فهي نظير النار
ص:319
التي تقتضي الإحراق، ولكنّها لاتؤثّر أثرها إلاّ مع تحقّق الشرائط كاقتراب الجسم المحترق منها، وارتفاع الموانع كالرطوبة ونحوها.
؟
باسمه جلت أسماؤه من الصعب جدّاً ترجيح زيارة على اخرى، وإن كان القول بأفضليّة زيارة عاشوراء هو الأوفق بما تقتضيه الأدلّة.
؟
باسمه جلت أسماؤه ليس دائماً ملاك أفضليّة العمل هو أشقيته، فإنّبعض الأعمال قد تفضّل على الاُخرى بلحاظ الآثار الخارجيّة المترتّبة عليها دينيّاً واجتماعيّاً، كما في أفضليّة مداد العلماء على دماء الشهداء، وأفضليّة الدمعة على الإمام الحسين (عليه السلام) على كثير من الأعمال، ولعلّ من هذا القبيل زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) في قبال الحجّ المستحبّ، فإنّ الحجّ المستحبّ شعيرة من شعائر الإسلام يؤدّيها الشيعي وغيره على حدٍّ سواء، بينما زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) شعيرة دينية لايقوم به إلاّ الموفّقون من الشيعة، رغم ما يترتّب عليها من تشييد معالم الدين، المتمثّل في ولاية الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام)، فإذا دار الأمر بينها وبين الحجّ المستحبّ كانت راجحة عليه; لأنّ الأثر المترتّب عليها يترتب على الحجّ المستحبّ وزيادة.
باسمه جلت أسماؤه الروايات التي صرّحت بتفضيل زيارة الإمامالرضا (عليه السلام) على الإمام الحسين (عليه السلام) لم تخلُ من الإشارة إلى علّة التفضيل، ومنها يظهر أنّ ترجيح زيارته على زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) ليس مطلقاً، بل في خصوص ذلك الزمان الذي قلّ فيه زائره، ورغب عنه الناس، بسبب الظروف الأمنيّة.
ويشهد لذلك معتبر عليّ بن مهزيار قال: «قلت: لأبي جعفر (عليه السلام): جُعلت فداك،
ص:320
زيارة الرضا (عليه السلام) أفضل أم زيارة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)
* فقال:
زيارة أبي أفضل، وذلك أنّ أبا عبد الله (عليه السلام) يزوره كلّ الناس، وأبي لايزوره إلاّ الخواص من الشيعة»(1). ومثله معتبر عبد العظيم الحسني: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): قد تحيّرت بين زيارة قبر أبي عبد الله (عليه السلام) وبين زيارة قبر أبيك (عليه السلام) فما ترى؟
فقال لي: مكانك، ثمّ دخل وخرج ودموعه تسيل على خديه.
فقال:
زوّار قبر أبي عبد الله (عليه السلام) كثيرون وزوّار أبي بطوس قليلون»(2).
باسمه جلت أسماؤه ما ذكر من الفضائل لزيارة الإمام الرضا (عليه السلام) لايختصّ بزيارة خاصّة; إذ كلّها محقّقة لنيل الثواب والفوز بالمواهب الإل - هيّة، وأمّا ترجيحُ بعضها على البعض الآخر فممّا يقصر الدليل عن إثباته.
باسمه جلت أسماؤه الذي يظهر من الأخبار وجود نحو من العلاقة بين
ص:321
كلّ واحد من المعصومين (عليهم السلام) وبين يوم من أيّام الاُسبوع، وقد تضمّنت زياراتهم (عليهم السلام) الواردة بحسب الأيّام الإشارةَ إلى تعلّق ذلك اليوم بالمزور، وكون الزائر ضيفاً له ولائذاً به، إلاّ أنّ الوجه في تلك العلاقة ممّا لايُعلم له وجه واضح.
باسمه جلت أسماؤه لعلّ ذلك لأجل تنبيه الزائر على أنّ المزور بابٌ من أبواب الله التي منها يُؤتي، ويُعرج إليهِ من خلالها، كما أشارت لذلك كثيرمن الروايات الشريفة.
ص:322