فقه الامام جعفر الصادق: عرض و استدلال المجلد 6

اشارة

سرشناسه : مغنیه، محمدجواد، 1904 - 1979م.

عنوان و نام پديدآور : فقه الامام جعفر الصادق: عرض و استدلال/ محمدجواد مغنیه.

مشخصات نشر : قم: موسسه انصاریان للطباعه والنشر، 1421ق. = 1379.

مشخصات ظاهری : 6 ج. (در سه مجلد).

شابک : دوره 9644380541 : ؛ ج. 1 9644382374 : ؛ ج.2 9644382374 : ؛ ج. 3 9644382382 : ؛ ج.4 9644382382 : ؛ ج. 5 9644382390 : ؛ ج.6 9644382390 : ؛ ج.6،چاپ سوم: 964-8716-09-9

يادداشت : عربی.

يادداشت : مصحح چاپ قبلی کتاب حاضر دارالاعتصام بوده است.

يادداشت : کتاب حاضر در سالهای مختلف توسط ناشران مختلف منتشر شده است.

يادداشت : چاپ ششم: 1383.

يادداشت : ج.1-6 (چاپ هشتم: 1388) (فیپا).

يادداشت : ج. 1-2 و 3 - 4 (چاپ دوم: 1421ق. = 1379).

يادداشت : ج. 5 (چاپ پنجم: 1425ق. = 1383).

يادداشت : ج.5و6(چاپ دوم: 1421ق.=1379).

يادداشت : ج.5 و 6 (چاپ هفتم: 1385).

يادداشت : ج. 5 و 6 (چاپ هشتم: 1430ق. = 2009 م.= 1388).

يادداشت : ج.6(چاپ سوم: 1428ق.=1386).

یادداشت : کتابنامه.

مندرجات : ج. 4. فی احکام المعاملات.- 5. فی الغصب و احیاءالموات والوقف والحجر والاقرار والشهادات والزواج و غیر ذلک.- ج. 6. فی الطلاق والظهار والایلاء واللعان والقضاء والوصایا والمواریث والعتوبات.

موضوع : جعفر بن محمد (ع)، امام ششم، 83 - 148 ق. -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

شناسه افزوده : دار الاعتصام للطباعة و النشر

رده بندی کنگره : BP183/5/م 6ف 7 1379

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 80-4834

ص :1

اشارة

فقه الامام جعفر الصادق: عرض و استدلال

محمدجواد مغنیه

ص :2

كتاب الطلاق

الطلاق

اشارة

جاء في الحديث الشريف عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أبغض الحلال إلى اللّه الطلاق.ان اللّه يبغض كل ذوّاق من الرجال،و كل ذواقة من النساء.و ما من شيء أحب إلى اللّه من بيت يعمر بالزواج،و ما من شيء أبغض إلى اللّه من بيت يخرب بالفرقة.

ثم أن

للطلاق أربعة أركان:

اشارة

المطلق،و المطلقة،و صيغة الطلاق،و الاشهاد عليه.

المطلق:
يشترط في المطلق ما يلي:
1-البلوغ

،ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر و الحدائق إلى أن طلاق الصبي لا يصح مميزا كان،أو غير مميز،بلغ عشرا،أو لم يبلغها،لأن البلوغ من الشروط العامة،و لقول الإمام الصادق عليه السّلام:لا يجوز طلاق الغلام،حتى يحتلم.

و هناك رواية أخرى تجيز طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين،و لكن أعرض عنها المشهور،و وصفها صاحب الشرائع بالضعف،و حملها صاحب الجواهر على ما إذا احتلم ابن العشر،و هو كامل العقل،كما يحصل ذلك في بعض البلدان الحارة.

ص:3

2-العقل

،فلا يصح طلاق المجنون مطبقا كان أو أدوارا حال جنونه،و لا المغمى عليه،و لا الذي غاب عقله بسبب الحمى،و لا النائم،و السكران،سواء أ كان السكر باختياره،أو أكره عليه.

3-الاختيار

،فلا يقع طلاق المكره،قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك مضافا إلى النصوص العامة،مثل رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه،و رواية زرارة عن الإمام أبي جعفر الصادق عليهما السّلام:ليس طلاق المكره بطلاق،و لا عتقه بعتق.

4-القصد

،أي أن يتلفظ بالطلاق،و يقصد معناه حقيقة،فلو قصد،و لم يتلفظ،أو تلفظ،و لم يقصد لسهو أو نوم أو سكر أو غلط أو هزل لا يقع الطلاق، قال صاحب الجواهر:«للإجماع،و صحيح هشام عن الإمام الصادق عليه السّلام:لا طلاق إلاّ لمن أراد الطلاق.و قول الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:لا طلاق إلاّ بنية،و لو أن رجلا طلق،و لم ينو الطلاق لم يكن طلاقه طلاقا».

و إذا تلفظ بصيغة الطلاق،ثم قال:لم أقصد الطلاق،فهل يقبل قوله؟ الجواب:إذا صدقته هي في قوله قبلت دعواه،سواء أ كانت في العدّة أو بعدها،قال صاحب الجواهر:«لا خلاف أجده في قبول دعواه إذا صدقته،لأن الحق منحصر فيهما،بل ظاهر الفقهاء على ذلك،حتى مع انقضاء العدة».

و ان لم تصدقه يقبل منه ما دامت المرأة في العدة،لبقاء العلاقة الزوجية، و لا يسمع قوله إذا ادعى ذلك بعد انقضاء العدّة،لأن هذا التأخير قرينة ظاهرة على كذبه،كما جاء في الجواهر نقلا عن«كشف اللثام».

ص:4

طلاق الولي:

ليس للأب أن يطلق عن ابنه الصغير،و بالأولى غيره،لحديث:«الطلاق بيد من أخذ بالساق»و لأن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل يزوج ابنه،و هو صغير؟ قال:لا بأس.قال السائل:يجوز طلاق الأب؟قال الإمام:لا.

و ذهب المشهور بشهادة صاحب الحدائق إلى أن الصبي إذا بلغ فاسد العقل بحيث اتصل جنونه بالصغير فإنه لأبيه،أو جده من جهة الأب أن يطلق عنه،مع وجود المصلحة،فإن لم يكن أب و لا جد لأب طلق عنه الحاكم،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن طلاق المعتوه؟قال:«يطلق عنه وليه،فإني أراه بمنزلة الإمام».

و علق صاحب الجواهر على هذه الرواية و غيرها الواردة في ذلك علق بقوله:لا إشكال في دلالة النصوص على صحة طلاق الولي عنه.

الوكالة في الطلاق:

ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر و الحدائق إلى أن للزوج غائبا كان أو حاضرا أن يوكل من شاء في طلاق زوجته،لإطلاق أدلة الوكالة.

و قال الشيخ الطوسي و ابن حمزة و ابن البراج و غيرهم:ان التوكيل في الطلاق يصح من الغائب دون الحاضر.

و تسأل:هل يجوز أن تكون هي وكيلة من قبل الزوج في طلاق نفسها.

قال صاحب الحدائق ما نصه بالحرف:«قال الشيخ-أي الشيخ الكبير المعروف بالشيخ الطوسي-في المبسوط:«و ان أراد أن يجعل الأمر إليها فعندنا لا يجوز على الصحيح من المذهب»،و توقف صاحب الحدائق عن الحكم،أما صاحب الجواهر فقال:«و على كل حال فالاحتياط لا ينبغي تركه».

ص:5

أجل،يجب هنا الاحتياط،لأن الفروج،تماما كالدماء،و لأن توكيلها من الشبهات التي يجب الوقوف عندها.هذا،إذا كان توكيلها بالطلاق بعد العقد،أما إذا اشترط ذلك في متن العقد بحيث يجوز لها أن تطلق نفسها متى تشاء يبطل الشرط جزما و يقينا،لأنه تحايل على اللّه بجعل الطلاق في يدها،و وقوعه بالرغم عن الزوج،و قد أجمع الفقهاء قولا واحدا على فساد كل شرط مخالف لكتاب اللّه و سنة نبيه،فقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام الصادق عليهما السّلام عن رجل تزوج امرأة، و اشترطت عليه أن بيدها الجماع و الطلاق؟.قال:خالفت السنة،و وليت حقا ليست له بأهل.ان عليه الصداق،و بيده الجماع و الطلاق.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«لا طلاق إلاّ لمن أراد الطلاق».و لو صحت هذه الوكالة لصح أن توكل المرأة الخلية رجلا ضمن عقد لازم كالبيع أن يزوجها بمن يشاء،حتى و لو لم ترض به،و لا أظن أحدا يجرأ على فتح هذا الباب و هو يعلم عواقبه الوخيمة.

المطلقة:
اشارة

الركن الثاني من أركان الطلاق هو المطلقة،و يشترط فيها:

1-أن تكون بالفعل زوجة دائمة،فإذا قال:ان تزوجت فلانة فهي طالق، أو كل من أتزوجها فهي طالق كان لغوا بالإجماع،قال صاحب الجواهر:«بل لعله من ضرورات المذهب».

2-التعيين،و هو أن يقول:فلانة طالق،أو يشير إليها بما يرفع الإبهام و الاحتمال.

3-إذا طلق المدخول بها غير الآئسة و الحامل فيجب أن تكون في طهر لم

ص:6

يواقعها فيه،فلو طلقت،و هي في الحيض أو النفاس،أو في طهر المواقعة فسد الطلاق إجماعا و نصا،و منه قول الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:ان المرأة إذا حاضت و طهرت من حيضها أشهد رجلين عدلين قبل أن يجامعها على تطليقه.

و قال الرازي في تفسير الآية من سورة الطلاق يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ .قال ما نصه بالحرف:«أي لزمان عدتهن،و هو الطهر بإجماع الأمة،و قال جماعة من المفسرين:الطلاق للعدة أن يطلقها طاهرة من غير جماع،و بالجملة فالطلاق حال الطهر لازم،و إلاّ لا يكون سنيا،و الطلاق في السنة إنما يتصور في البالغة المدخول بها غير الآئسة و الحامل».

و هذا عين ما قاله فقهاء الشيعة بالذات.و إذا وطأها حال الحيض فلا يصح طلاقها بعد انقطاع الحيض،بل لا بد من الانتظار حتى تحيض مرة ثانية،و ينقطع الحيض،و يطلقها في طهر آخر،لأن الشرط أن تستبرئ بحيضة بعد المواقعة،لا مجرد وقوع الطلاق في طهر لم يواقعها فيه،بل لا بد من الاستبراء بحيضة لم يواقعها فيها.

المسترابة:

هي التي في سن من تحيض،و لا تحيض-خلقة أو لمرض أو نفاس-و لا يصح طلاقها إلاّ بعد أن يمسك عنها الزوج ثلاثة أشهر على الأقل إجماعا و نصا، و منه أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عنها؟فقال:يمسك عنها ثلاثة أشهر،ثم يطلقها.

ص:7

صحة الطلاق في الحيض:

اتفقوا على أن خمسا من الزوجات يصح طلاقهن في الحيض و غيره:

1-الصغيرة التي لم تبلغ التاسعة.

2-التي لم يدخل بها الزوج ثيبا كانت أو بكرا،مع الخلوة،و عدمها.

3-الآئسة،و هي التي بلغت سن الخمسين أن كانت غير قرشية،و الستين أن تكنها.

4-التي غاب عنها زوجها مدّة يمكن أن تحيض فيها،و تنتقل إلى طهر، و قدّرها كثير من الفقهاء بشهر،و فيه أكثر من رواية عن أهل البيت عليهم السّلام منها ما رواه إسحاق عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:الغائب إذا أراد أن يطلقها تركها شهرا.

و المسجون بحكم الغائب.

5-الحامل.و الدليل روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السّلام منها قول الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:خمس يطلقهن الرجل على كل حال:الحامل المتيقن حملها،و التي لم يدخل بها زوجها،و الغائب عنها زوجها،و التي لم تحض-أي لم تبلغ التاسعة-و التي يئست من المحيض.

الصيغة:

الركن الثالث الصيغة،و كما أن عقد الزواج لا يقع إلاّ بلفظ«زوجتك و أنكحتك»تعبدا من الشارع كذلك الطلاق لا يقع إلاّ بلفظ«طالق»تعبدا من الشارع،فإذا قال:أنت الطالق مع الالف و اللام،أو المطلقة،أو طلقتك،أو الطلاق،و ما إلى ذلك كان لغوا،فقد جاء في صحيح الحلبي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه سئل عن رجل،قال لامرأته:أنت خلية أو بريئة أو بائن أو حرام؟

ص:8

فقال:ليس بشيء.و في رواية بكير بن أعين عن الإمام عليه السّلام أن يقول لها،و هي في طهر من غير جماع:أنت طالق،و يشهد شاهدين عدلين،و كل ما سوى ذلك فهو ملغي.

فقول الإمام:«و كل ما سوى ذلك فهو ملغي»واضح لا يتحمل التفسير و التأويل،و الاجتهاد معه اجتهاد في مورد النص.و بالأولى أن لا يقع الطلاق،إذا قال له قائل:هل طلقت زوجتك؟فقال:نعم،حتى و لو قصد بنعم إنشاء الطلاق.

و لا يقع الطلاق بغير العربية مع القدرة على التلفظ بلفظ«طالق»،قال صاحب الجواهر:«وفاقا للمشهور لظاهر النصوص».و لا بالكتابة أو الإشارة إلاّ من الأخرس العاجز عن النطق،قال صاحب الجواهر:«قولا واحدا،للأصل و ظاهر النصوص».و كذلك لا يقع الطلاق بالحلف،و لا بالنذر،و لا بالعهد،و لا بالتعليق على شيء كائنا ما كان،و لا بشيء إلاّ بلفظ«طالق»مجردا عن القيود.

لا لشيء إلاّ تعبدا من الشارع الذي حصر الطلاق بهذه اللفظة دون غيرها،و ربما كانت الحكمة التضييق.

و إذا قال:أنت طالق ثلاثا،أو أنت طالق أنت طالق أنت طالق،و قصد الثلاث لا تقع إلاّ واحدة،قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك،بل كأنّه من ضروري مذهب الشيعة».و في صحيح زرارة أنّه سأل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد،و هي طاهر؟قال:واحدة.

الإشهاد على الطلاق:

الركن الرابع الاشهاد فلا يقع إلاّ بحضور شاهدين عدلين،و لا تقبل شهادة النساء منفردات و لا منضمات،و إذا طلق ثم أشهد وقع الطلاق لغوا،إجماعا

ص:9

و كتابا و سنة متواترة،منها قول الإمام الصادق و أبيه الباقر عليهما السّلام:و ان طلقها في استقبال عدتها طاهرا من غير جماع،و لم يشهد على ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه إياها بطلاق.و في رواية ثانية عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:كان علي أمير المؤمنين عليه السّلام لا يجيز شهادة امرأتين في الزواج،و لا يجيز في الطلاق إلاّ شاهدين عدلين.

و قال الشيخ أبو زهرة-من علماء السنة-في كتاب الأحوال الشخصية، فصل إثبات الطلاق و الاشهاد فيه:

«قال فقهاء الشيعة:ان الطلاق لا يقع من غير إشهاد عدلين،لقوله تعالى:

وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَ أَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فهذا الأمر بالشهادة جاء بعد ذكر إنشاء الطلاق و جواز الرجعة فكان المناسب أن يكون راجعا إليه-أي إلى الطلاق-و ان تعليل الاشهاد بأنه يوعظ به من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر يرشح ذلك و يقويه،لأن حضور الشهود العدول لا يخلو من موعظة حسنة يزجونها إلى الزوجين،فيكون لهما مخرج من الطلاق الذي هو أبغض الحلال إلى اللّه،و أنّه لو كان لنا أن نختار للمعمول به في مصر لاخترنا هذا الرأي،فيشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدين عدلين».

السني و زوجته الشيعية:

إذا كان الزوج سنيا،و الزوجة شيعية،و طلقها طلاقا معلقا،أو بلفظ ثلاثا، أو في طهر المواقعة،أو في حال الحيض و النفاس،أو بغير شاهدين،أو حلف عليها بالطلاق،أو ما إلى ذلك مما يصح عند السنة،و يبطل عن الشيعة،فهل يكون هذا صحيحا،أي نرتب عليه آثار الصحة،و تكون المطلقة خلية،يجوز

ص:10

التزويج بها بعد انقضاء العدة؟ اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على إلزام كل طائفة بما تدين،و ترتيب آثار الصحة على زواجهم و ميراثهم و طلاقهم،و جميع معاملاتهم إذا أوقعوها على وفق ما يدينون،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:ألزموهم من ذلك ما ألزموا أنفسهم.

و في رواية ثانية أنّه سئل عن امرأة طلقها سني على غير الشروط عند الشيعة؟ فقال:تتزوج المرأة،و لا تترك من غير زوج.و في ثالثة:يجوز على أهل كل دين ما يستحلّون.و في رابعة من دان بدين قوم لزمته أحكامهم.

و على هذا فإذا طلق السني زوجته الشيعية على ما يعتقد هو فالطلاق صحيح،و لو طلق الشيعي زوجته السنية حسب ما تعتقد هي لا ما يعتقد هو فسد الطلاق،لأن الطلاق من فعل الرجل فيكون المعيار عقيدته هو لا عقيدتها.

و قال صاحب الجواهر:نرتب الآثار على كل ما هو صحيح عندهم فاسد عندنا،بل مقتضى رواية الإلزام أنّه يجوز لنا أن نتناول كل ما هو دين عندهم،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل مات،و ترك ابنته و أخته لأمه و أبيه؟فقال الإمام عليه السّلام:المال كله لابنته،و ليس للأخت شيء.قال السائل:قد احتجنا إلى هذا، و الميت من السنة،و أخته من الشيعة؟قال الإمام عليه السّلام:خذ لها النصف،خذوا منهم كما يأخذون منكم في سنتهم،و قضائهم،و قضاياهم،خذ بحقك في أحكامهم و سنتهم كما يأخذون منكم.

الطلاق سنة و بدعة:

اشارة

قسم الفقهاء الطلاق باعتبار شرعيته و عدمها إلى قسمين:طلاق السنة، و طلاق البدعة،و طلاق السنة هو الذي شرعه اللّه و رسوله،و يقع صحيحا تنحلّ به

ص:11

العصمة بين الزوجين،و طلاق البدعة هو غير المشروع،و تبقى العصمة على ما كانت.

و يدخل في طلاق البدعة أربعة أقسام:

أحدهما:أن يطلق الحائض أو النفساء بعد دخوله بها،و حضوره معها، و كونها حائلا،لا حاملا.

ثانيها:أن يطلقها في طهر واقعها فيه،و هي شابة غير حامل إذا كان حاضرا.

ثالثها:أن يطلقها ثلاثا بصيغة واحدة،أو بأكثر دون أن تتخلل الرجعة منه إليها بعد الطلاق الأول حيث تصح التطليقة الواحدة،و يفسد ما زاد عنها،كما سبق.

رابعها:أن يطلق بغير شهود.

أمّا طلاق السنة
اشارة

فهو أن يطلق الرجل زوجته مع الشروط المقررة،و توافرها كاملة على التفصيل السابق.

الطلاق رجعي و بائن:

ينقسم طلاق السنة إلى رجعي،و بائن.و الطلاق الرجعي هو ما يملك معه المطلق الرجعة إلى المطلقة ما دامت في العدة،سواء أ رضيت أم لم ترض،و من شرطه أن تكون المرأة مدخولا بها،لأن المطلقة قبل الدخول لا عدّة لها،لقوله تعالى في الآية 49 من سورة الأحزاب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها .و من شرط الطلاق الرجعي أيضا أن لا يكون الطلاق عوض مال تدفعه الزوجة،لتفتدي به و تتحرر من قيد الزواج،و ان لا يكون مكملا للثلاث،كما تأتي الإشارة.

ص:12

و اتفقوا أن المطلقة الرجعية بحكم الزوجة،و للمطلق كل حقوق الزوج عليها،و يحصل التوارث بينهما لو مات أحدهما قبل الآخر و قبل انقضاء العدّة، قال الإمام الصادق عليه السّلام:المطلقة-أي الرجعية-تكتحل و تختضب،و تلبس ما شاءت من الثياب،لأن اللّه عزّ و جل يقول لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً .

و بالجملة ان الطلاق الرجعي لا يحدث شيئا سوى عدّة من التطليقات الثلاث.

أمّا الطلاق البائن فلا يملك المطلق فيه الرجعة إلى المطلقة،و هو يشمل عددا من المطلقات:

1-غير المدخول بها.

2-المطلقة ثلاثا.

3-المطلقة طلاقا خلعيا،و هي التي بذلت مالا،لتفتدي به،و يأتي الكلام عنها في الطلاق الخلعي.

4-الآئسة،و لا عدّة لها تماما كغير المدخول بها،أما الآية 4 من سورة الطلاق وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ فليس المراد من اللائي يئسن المعلوم يأسهن،بل معناه أن اللائي ارتفع حيضهن و لا تدرون:هل انقطع و ارتفع لمرض،أو لكبر فعدتهن ثلاثة أشهر بدليل قوله تعالى إِنِ ارْتَبْتُمْ فان المفهوم منه ان شككتم في المرأة نفسها،و انها قد بلغت حد اليأس أو لا فحكمها ان تعتد ثلاثة أشهر،و أما قوله تعالى وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ فان المراد به الشابات اللائي في سن من تحيض، و مع ذلك انقطع عنهن الدم.و سنعود إلى الكلام عن حكم الآئسة مرة ثانية إنشاء في فصل العدّة.

5-التي لم تبلغ التسع،و ان دخل بها.

ص:13

المطلقة ثلاثا و المحلّل:

من طلق زوجته ثلاث مرات فلا تحل له،حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا،و يدخل بها المحلل حقيقة،لقوله تعالى في الآية 230 من سورة البقرة:

فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ،حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا .

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:المطلقة التطليقة الثالثة لا تحل له،حتى تنكح زوجا غيره،و يذوق عسيلتها.

و يشترط أن يكون المحلل بالغا،و ان يكون الزواج دائما،و ان يدخل،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل طلق امرأته الطلاق الذي لا تحل له،حتى تنكح زوجا غيره،فتزوجها غلام لم يحتلم؟قال:لا،حتى يبلغ.و أيضا سئل عن امرأة طلقت ثلاثا،ثم تزوجت متعة،أ تحل للأول؟قال:لا.فان اللّه يقول:فان طلقها- أي الثاني-فلا جناح عليهما أن يتراجعا،و المتعة ليس فيها طلاق.أمّا شرط الدخول فيدل عليه قول الإمام عليه السّلام في الرواية السابقة:«و يذوق عسيلتها».

و إذا حللها بالشروط الثلاثة،ثم فارقها بموت أو طلاق،و انقضت عدتها جاز للأول أن يعقد عليها ثانية،فإذا عاد و طلق ثلاثا تحرم عليه،حتى تنكح زوجا غيره،و هكذا تحرم بعد كل طلاق ثالث،و تحل بنكاح المحلل،و ان طلقت مائة مرة،إلاّ في صورة واحدة،و هي ما إذا طلقت تسع مرات للعدة،و تزوجت مرتين فإنها تحرم مؤبدا.و معنى طلاق العدة أن يطلقها،ثم يراجعها،و يطأها،ثم يطلقها في طهر آخر،ثم يراجعها و يطأها،ثم يطلقها،و يحللها المحلل،ثم يتزوجها الأول بعقد جديد،و يطلقها ثلاثا للعدة،كما فعل أولا،ثم يتزوجها الأول،فإذا طلقها ثلاثا،و تم طلاق العدة تسع مرات حرمت عليه أبدا،قال صاحب الجواهر

ص:14

«الإجماع على ذلك»،ثم ذكر روايات عن أهل البيت عليهم السّلام منها قول الإمام الصادق عليه السّلام:و الذي يطلق الطلاق الذي لا تحل له،حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات و تزوج ثلاث مرات لا تحل له أبدا.

و إذا لم يكن الطلاق للعدة،كما إذا طلق،ثم رجع في العدّة،ثم طلق قبل أن يطأ،أو طلق و اعتدت و بعد الانتهاء من العدة تزوجها،ثم طلقها لم تحرم مؤبدا، بل تحل بمحلل،و ان بلغت التطليقات ما لا يبلغه الإحصاء.

الشك و التردد:

إذا شك في صدور الطلاق،و أنّه هل طلق أو لا؟فالأصل عدم الطلاق،و إذا علم بأنه طلق،و لم يدر:هل طلق مرّة أو أكثر؟.فالأصل عدم الزيادة على ما هو المتيقن.

تصديق المطلقة بالتحليل:

إذا طلقها ثلاثا،و غاب عنها،أو غابت عنه مدّة تتسع لمضي العدّة منه، و الزواج و الطلاق و مضي العدّة من غيره،و ادعت أنّها تزوجت،و طلقت، و اعتدت،إذا كان كذلك يقبل قولها بلا يمين،و للأول أن يتزوجها إذا اطمأن إلى صدقها،و لا يجب عليه الفحص و البحث،قال صاحب الجواهر:«لم أجد فيه خلافا محققا،لرواية حماد الصحيحة عن الإمام الصادق عليه السّلام في رجل طلق امرأته ثلاثا،فبانت منه،فأراد مراجعتها،فقال لها:اني أريد مراجعتك فتزوجي زوجا غيري،فقالت:قد تزوجت زوجا غيرك،و حللت لك نفسي؟أتصدّق، و يراجعها،و كيف يصنع؟قال الإمام:إذا كانت المرأة ثقة صدقت في قولها».

ص:15

و علق صاحب الجواهر على هذه الرواية:«بأن وثاقة المرأة و أمانتها في أخبارها ليس بشرط،لعدم القائل باعتباره،و لأنه لا مدخلية لوثاقة المدعي من حيث كونه كذلك في تصديقه،و الإمام عليه السّلام إنّما ذكر هذا الشرط للاستحباب لا للوجوب».و نقول:ان الأمر يدل على الوجوب،و الاستحباب يحتاج إلى قرينة، و لا قرينة هنا،و لا خصم مكذب لها،كي يقال:لا مدخلية لوثاقة المدعي و عدم القائل لا يخيفنا.

يدخل و يدعي الطلاق:

جاء في كتاب الشرائع و الجواهر ان الغائب إذا طلق،و انقضت العدة،ثم حضر،و دخل بالزوجة،و بعد هذا ادعى الطلاق لم تقبل دعواه،و لا تسمع منه البينة تنزيلا لتصرفه على المشروع،و هو بفعله مكذّب لنفسه،و إذا ولدت ألحق به الولد،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل طلق امرأته،و هو غائب،و اشهد على طلاقها،ثم قدم فأقام مع المرأة أشهرا لم يعلمها بطلاقها،ثم أن المرأة ادعت الحمل،فقال الرجل:قد طلقتك و أشهدت على طلاقك؟فقال الإمام عليه السّلام:يلزمه الحمل،و لا يقبل قوله.

ص:16

الخلع و المبارأة

الخلع:

اشارة

الخلع بضم الخاء،و هو إبانة الزوجة على مال تفتدي به نفسها،و الأصل فيه قوله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها (1).و قوله في الآية 4 من سورة النساء فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً .

و جاء في الحديث أن ثابت بن قيس كان متزوجا بنت عبد اللّه بن أبي، و كان هو يحبها،و هي تبغضه،فأتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و قالت:يا رسول اللّه لا أنا و لا ثابت،لا يجمع رأسي و رأسه شيء،و كان ثابت قد أصدقها حديقة،فقال ثابت:و الحديقة،فقال لها الرسول:ما تقولين؟فقالت:نعم،و أزيده.قال الرسول:لا،الحديقة فقط.فاختلعت منه.و قيل هذه الحادثة سبب في نزول الآية.

و يقع الكلام في صيغة الخلع،و في الفدية،و الشروط و الأحكام،و سيتضح معنا أن الخلع قسم من أقسام الطلاق،و أنّه يعتبر فيه جميع ما يعتبر في الطلاق بزيادة الفدية و الكره من الزوجة.

ص:17


1- البقرة:229. [1]
الصيغة:

لا يقع الخلع بلفظ الكناية،و لا بشيء من الألفاظ الصريحة فيه الا بلفظين فقط،و هما الخلع و الطلاق مع الفدية،فأيهما حصل كفى،فإذا قالت له:بذلت لك كذا لتطلقني،فقال هو:خلعتك على ذلك،أو قال:أنت طالق على ذلك صح،و الأفضل أن يجمع بين الصيغتين،و يقول:خلعتك على كذا فأنت طالق، فان وقوع الخلع مع الجمع بين لفظي الخلع و الطلاق محل وفاق بين الجميع، و يدل على الاكتفاء بالخلع من غير لفظ الطلاق قول الإمام الصادق عليه السّلام:عدّة المختلعة عدّة المطلقة،و خلعها طلاقها،و هي تجزي من غير أن يسمى طلاقا.

أمّا الاكتفاء بلفظ الطلاق مع البذل فقال صاحب الحدائق:ان ظاهر الفقهاء على ذلك من غير خلاف يعرف،و جاء في كتاب الشرائع و الجواهر:يقع الخلع بالطلاق مع الفدية،و ان انفرد عن لفظ الخلع،لكون الخلع نوعا خاصا من الطلاق.

و نحن و ان كنّا نظريا نكتفي بواحد من لفظ الخلع أو الطلاق مع الفدية، و لكنا عمليا نجمع بينهما معا،و نأمر الرجل أو وكيله أن يقول:هكذا خلعتها على ما بذلت فهي طالق.لأنه أحوط للدين،بخاصة بعد أن أوجبه الشيخ و ابن زهرة و ابن إدريس،و جعفر و الحسن ابنا سماعة و علي بن رباط و ابن حذيفة من المتقدمين،و علي بن الحسن من المتأخرين،كما جاء في كتاب الجواهر،بل فيه رواية عن الإمام الكاظم ابن الإمام الصادق عليهما السّلام.

و إذا اقتصر على الخلع مجردا عن لفظ الطلاق فهل يقع طلاقا يحسب من الثلاث،أو يكون فسخا لا يعد من التطليقات الثلاث؟ ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر و الحدائق إلى أنّه طلاق لا فسخ،

ص:18

لقول الإمام الصادق عليه السّلام:خلعها طلاقها.و قوله في رواية ثانية:إذا خلع الرجل امرأته فهي واحدة بائن،أي يعد الخلع تطليقة واحدة.

و اتفقوا على أن صيغة الخلع يجب أن تكون مطلقة غير معلقة على شيء، فلو قال:خلعتك ان كان كذا لم يصح.و أيضا اتفقوا على أن الخلع يجب أن يعقب البذل فورا،و بلا فاصل،فان تراخ لم يستحق العوض،و وقع الطلاق رجعيا ان كان قد دخل،و لم تكن آيسة،و علل صاحب الجواهر وجوب الفور بأن المعاوضة تقتضيه.

و يلاحظ بأنّه لا دليل على الفور من الشرع،و لا من العقل،فالمعيار،اذن، أن تبقى ارادة المرأة للبذل قائمة إلى حين الخلع،فان رجعت عن البذل قبل الخلع بطل،و إلاّ صح.و سبق الكلام عن الفور في العقود في الجزء الثالث-فصل شروط العقد،فقرة«الموالاة».

الفدية:

الفدية هي العوض الذي تبذله المرأة للزوج كي يطلق سراحها،و كل ما يصح أن يكون مهرا يصح أن يكون فدية،و كل ما لا يصح أن يكون مهرا لا يصح أن يكون فدية،و يجوز أن تكون بمقدار المهر،و أقل منه،و أكثر إجماعا و نصا، و منه قول الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:يخلعها بما تراضيا عليه من قليل أو كثير.

و لا يشترط أن تكون الفدية معلومة بالتفصيل،بل تكفي المعرفة الإجمالية،كما هو الشأن في المهر،بل هنا أولى،فيجوز أن يخلعها على ما لها في ذمته من مهر و نفقة،و ان لم يعرف المبلغ،و كذا على ما في الصندوق،أو في

ص:19

البيت،أو ثمرة البستان،حيث يؤول إلى العلم،قال صاحب الجواهر:«كل ذلك و ما إليه صحيح،لاقتضاء ذلك عموم الأدلة و إطلاقها».

و يصح أن يكون الفداء منها،و من وكيلها القائم مقامها،و من أجنبي إذا طلبت هي منه ذلك،أما إذا تبرع من تلقائه فلا يصح البذل،و لا الخلع الذي بني عليه،قال صاحب الجواهر:«ان المستفاد من الكتاب و السنة مشروعية الفدية منها،و لو بواسطة وكيلها،أما المتبرع فيبقى على أصل المنع،لأنه لا إطلاق و لا عموم يقتضي مشروعية ذلك».

أجل،لو بذل له مالا على أن يطلقها،ففعل،بحيث يكون البذل داعيا إلى الطلاق،و لم يبن الطلاق عليه بالذات صح،و لكن يقع رجعيا لا خلعيا.

و إذا ما خالعته على مال خاص باعتقاد أنّه ملك لها فبان لغيرها،فإن أجاز المالك فذاك،و إلاّ كان له البدل من المثل أو القيمة.

و إذا خالعته على إرضاع ولده و نفقته مدّة معينة صح،و لزمها الوفاء،و كذا تصح المخالعة على إرضاع الحمل و الإنفاق عليه أمدا معينا ان ولد حيا،لأن المقتضي موجود،و هو الحمل،و تعهدها بمنزلة الشرط على نفسها،و المؤمنون عند شروطهم ما لم يحلل الشرط حراما،أو يحرم حلالا.و بديهة أن هذا الشرط سائغ شرعا،فيجب الوفاء به،لأنه أخذ في صيغة لازمة.

و إذا خلعها على نفقة الولد،ثم عجزت عن الإنفاق عليه فلها أن تطالب أباه بالنفقة،و يجبر عليها،و لكنه يرجع على الأم بما أنفق إذا أيسرت.

الشروط:

يشترط في كل منهما العقل و البلوغ و الاختيار و القصد،و يصح البذل من

ص:20

وليها،و الخلع من وليه مع المصلحة.

و يصح الخلع منه حتى و لو كان مريضا مرض الموت،أو محجّرا عليه لسفه أو فلس،سواء أ كان العوض بقدر المهر أو أقل،لأن الخلع لا يستدعي بذل المال،بل هو موجب لكسب المال،و لأنه لو طلق مجانا لصح،فالطلاق بعوض أولى.أجل،يسلم العوض في خلع السفيه إلى وليه،و لا يصح تسليمه للمخالع.

أما هي فلا يصح بذلها إذا كانت سفيهة إلاّ بإذن الولي،و يصح بذلها إذا كانت مفلسة على شريطة أن تبذل شيئا لا يتعلق به حق الغرماء،أمّا المريضة مرض الموت فان خالعته بمقدار مهر أمثالها دون زيادة جاز و نفذ من الأصل، تماما كما لو باع المريض أو اشترى بالقيمة السوقية،أما إذا بذلت أكثر من مهر المثل فيخرج مقدار مهر المثل من الأصل،و ما زاد فمن الثلث.

قال صاحب المسالك:«هذا هو المشهور بين الفقهاء و المعمول به بينهم».

و قال صاحب الشرائع:«و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده».

و يشترط في المختلعة بالإضافة إلى كل ذلك أن تكون في طهر لم يواقعها فيه إذا كان قد دخل بها،و كانت غير صغيرة،و لا آيسة،و لا حامل،تماما كما هو الشأن في المطلقة.و أيضا يشترط في صحة الخلع حضور شاهدي عدل،و إلاّ كان لغوا،كما هي الحال في الطلاق.و أيضا يشترط في كل من البذل و صيغة الخلع التنجيز و عدم التعليق.

الكراهية:

خصصنا الكراهية بفقرة مستقلة،مع أنّها من جملة الشروط،لاهميتها، و عدم تنبه الكثيرين إليها،و على أيّة حال فقد اتفقوا قولا واحدا على أن الخلع لا

ص:21

يصح،و لا يجوز للرجل أخذ العوض إلاّ إذا كانت هي وحدها كارهة للزوج،فإذا لم تكن هناك كراهية إطلاقا لا منها و لا منه،أو كانت منه دونها لم يصح البذل، و حرم عليه أخذه،و يقع الخلع طلاقا رجعيا مع تحقق شروطه،و إذا كانت الكراهية منهما معا تكون مباراة،و يأتي الكلام عنها في فقرة على حدة آخر هذا الفصل.

و الدليل على شرط الكراهية منها بعد الإجماع النصوص المستفيضة أو المتواترة على حد تعبير صاحب الجواهر،منها الحديث المتعلق بزوجة ثابت بن قيس الذي ذكرناه في أول هذا الفصل فقرة«الخلع»و منها قول الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:لا يكون الخلع،حتى تقول:لا أطيع لك أمرا،و لا أبر لك قسما،و لا أقيم لك حدا-أي لا أحترم أحكامك و أقوالك-فخذ مني و طلقني،فإذا قالت ذلك فقد حل له أن يخلعها بما تراضيا عليه من قليل أو كثير.

و لا فرق بين أن تقول ذلك بهذا اللفظ،أو بما يؤدي معناه،أو بالفعل و بلسان الحال.

أحكام الخلع:
1-إذا توعدها،أو أساء معاملتها بقصد أن تبذل و تفتدي نفسها منه فبذلت

خوفا منه

،أو للتخلص من إساءته فهو آثم،و لا يحل له شيء من الفدية،لأنّه لا يحل مال امرئ إلاّ عن طيب نفس،و إذا وقع الخلع مبنيا على هذا البذل وقع عند الفقهاء رجعيا،قال صاحب الجواهر:«لا خلاف معتد به في صيرورة الطلاق رجعيا إذا كان مورده كذلك،و لا يستلزم بطلان البذل بطلان الطلاق».

و يلاحظ بأن الصيغة وقعت و أنشئت مبنية على البذل،و المبني على الفاسد

ص:22

فاسد،و عليه فلا يقع الخلع بهذه الصيغة،لأنه و ان قصد بها الخلع إلاّ أن المقصود غير صحيح،و لا يقع الطلاق الرجعي،لأنه لم يقصد،و لا نص في المورد ليجب التعبد به،فيتعين الحكم بالبطلان من الأساس بذلا و طلاقا.

و إذا أساء معاملتها لا بقصد أن تبذل له،بل لنقص في طبعه،أو ضعف في دينه،و بذلت و خلع مبنيا على هذا البذل صح البذل و الخلع،لعدم صدق الإكراه.

2-ذهب أكثر الفقهاء بشهادة صاحب الحدائق إلى أنّها إذا أتت بفاحشة

جاز له أن يعضلها

،و يسئ إليها كي تبذل الفدية،لقوله تعالى وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ (1).قال صاحب الجواهر:

قيل:«ان هذه الآية منسوخة بآية اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا .و لكن لم يثبت النسخ، و لا قائل به منا».

3-المختلعة إذا لم يكن لها عدة كغير المدخول بها

،أو كان لها عدة، و لكن كان طلاقها مكملا للثلاث-لا يجوز لها أن ترجع عما بذلته.

و إذا كانت في العدة من غير الطلاق الثالث فلا يحق له الرجوع إليها،و لها هي أن ترجع أثناء العدة عن الشيء الذي بذلته على شريطة أن يعلم هو برجوعها قبل انقضاء العدة،فإن علم به كان له أن يرجع بالطلاق،فان رجع تصبح زوجة شرعية له من غير حاجة إلى عقد جديد،و ان علم و لم يرجع تكون مطلقة رجعية يثبت لها جميع ما للرجعية من وجوب النفقة و التوارث،لقول الإمام عليه السّلام:«تبين منه،و ان شاءت أن يرد إليها ما أخذ منها،و تكون امرأته فعلت».قال صاحب المسالك:«المراد بقول الإمام عليه السّلام:«و تكون امرأته»أن طلاقها حينئذ يكون رجعيا،و الرجعية بمنزلة الزوجة للإجماع على أنّها تصير امرأته بمجرد

ص:23


1- النساء:18. [1]

رجوعها».

4-إذا لم ترجع بالبذل يجوز أن يعقد عليها أثناء العدة بعقد جديد

،و مهر جديد،لأنّها أجنبية،و لا يجوز ذلك في المعتدة الرجعية،لأنها زوجة.

5-لا توارث بين المختلعة،و المطلق إذا مات أحدهما قبل انقضاء العدة

، و يثبت التوارث في المعتدة الرجعية.

6-المختلعة تعتد أينما شاءت

،و لا نفقة لها إلاّ إذا كانت حاملا كما تقدم في الجزء الخامس باب الزوج.

المبارأة:

اشارة

المبارأة بالهمزة،و معناها المفارقة،تقول:بارأت شريكي،أي فارقته، و هي تماما كالخلع في الشروط و الأحكام،قال الإمام الصادق عليه السّلام:المبارأة تطليقة بائن،و ليس فيها رجعة.و قال:لا مباراة إلاّ على طهر من غير جماع بشهود.

و قال:لا ميراث بينهما،لأن العصمة قد بانت.

و تفترق عن الخلع من وجوه:
1-أن تكون الكراهية من الزوجين

،فان لم تكن كراهية،أو كانت من أحدهما فقط لم تصح بلفظ المبارأة،قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك مضافا إلى موثق سماعة عن الإمام الصادق عليه السّلام:سألته عن المبارأة،كيف هي؟ فقال:يكون للمرأة شيء على زوجها من صداق أو من غيره،و يكون قد أعطاها بعضه،فيكره كل منهما صاحبه،فتقول المرأة لزوجها،ما أخذته منك فهو لي، و ما بقي عليك فهو لك،و أبارئك،فيقول لها:فإن أنت رجعت في شيء مما تركت فأنا أحق ببضعك».

ص:24

2-يجب أن تكون الفدية بمقدار المهر فما دون

،و لا تجوز الزيادة عنه، لقول الإمام الصادق عليه السّلام:لا يحل لزوجها أن يأخذ منها إلاّ المهر فما دونه.

3-أن الخلع يصح بلفظ خلعتك،و ان لم يتبعه بالطلاق كما تقدم

،أما المبارأة فتصح بلفظ بارأتك،و فاسختك و ابنتك على شريطة أن يتبعه بالطلاق، كما يصح الاقتصار على الطلاق،فيقول لها:أنت طالق.بكذا أو على كذا فلفظ الطلاق لا بد منه على كل حال،قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك،و قال الشهيد الثاني في شرح اللمعة:«لا بد فيها من الاتباع بالطلاق على المشهور،بل لا نعلم فيه مخالفا،و ادعى جماعة أنّه إجماع».

و إذا كان لا بد من لفظ الطلاق فأي لفظ اقترن بالطلاق جاز،سواء أ كان صريحا أو كناية،إذ المعوّل على الطلاق،و لذا لو اقتصر عليه وحده جاز.

ص:25

العدة

اشارة

وجوب العدة في الجملة من ضرورات الدين،لا يختص القول به بمذهب دون مذهب،و الأصل فيه قوله تعالى وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ .و قوله وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً .

أما السنة فقد تجاوزت حد التواتر،منها هذا الحديث الشريف:«من كان يؤمن باللّه و اليوم الآخر فلا يغشى رجلان امرأة في طهر واحد».

و يتناول كلامنا التالي من لا عدة عليها،و التي عليها العدة إذا فارقها الزوج بطلاق أو فسخ،أو هبة المدة،كما في المتمتع بها،و في عدّة المتوفى عنها زوجها،و عدة من وطئت بشبهة،و استبراء الزانية،و في عدة زوجة المفقود،و

ما

اشارة

يترتب على ذلك من أحكام

.

لا عدّة:

1-لا عدة على من طلقها الزوج قبل أن يدخل بها بكرا كانت أو ثيبا، إجماعا و نصا،و منه قوله تعالى إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها 1.

ص:26

1-لا عدة على من طلقها الزوج قبل أن يدخل بها بكرا كانت أو ثيبا، إجماعا و نصا،و منه قوله تعالى إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها (1).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«إذا طلق امرأته،و لم يدخل بها فقد بانت منه، و تتزوج من ساعتها ان شاءت».و انتهاء مدّة المتمتع بها،أو هبتها بحكم الطلاق بإجماع الفقهاء،و كذا الفسخ.

و لا أثر للخلوة مع عدم الدخول مهما كان نوعها،و إذا فخّذ،و سبق الماء إلى فرجها فهل تجب العدّة؟ الجواب:تجب العدّة،لأن النص قد دل صراحة على أن العدة تجب بأحد أمرين:أما الدخول مطلقا أنزل أم لم ينزل،و أما دخول الماء من غير وطء،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة،فأدخلت إليه،و لم يمسها،و لم يصل إليها حتى طلقها،هل عليها عدة منه؟قال:إنما العدة من الماء.قال السائل:

فإن واقعها في الفرج،و لم ينزل؟قال الإمام عليه السّلام:إذا أدخله وجب المهر و الغسل و العدّة.

2-لا عدّة على من لم تكمل التسع ان كان قد دخل بها،ثم طلقها.

3-الآئسة،و هي التي بلغت الخمسين غير القرشية،و الستين ان كانت قرشية،و قد اختلف الفقهاء:هل عليها العدّة إذا طلقها الزوج بعد الدخول؟ و لهم في ذلك قولان:ذهب السيد المرتضى و ابن سماعة و ابن شهرآشوب كما في الجواهر،و ابن زهرة كما في الحدائق و المسالك ذهبوا إلى وجوب العدة عليها تماما كالشابة،لقوله تعالى في الآية 4 من سورة الطلاق وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ .و لما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام:أن عدة التي قعدت عن الحيض ثلاثة أشهر.

ص:


1- الأحزاب:49. [1]

و ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر و الحدائق و المسالك و غيرهم إلى أنّه لا عدّة لها،و في ذلك روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السّلام يمكن دعوى تواترها على حد تعبير صاحب الجواهر،و من أجل كثرتها و صحة سندها و عمل المشهور بها وجب ترجيحها على الرواية التي أثبتت العدّة.أما الآية الكريمة فقد مر في فصل الطلاق فقرة«الطلاق رجعي و بائن»أن المراد من اللائي يئسن من المحيض المرأة التي انقطع عنها الدم،و لا نعلم سبب انقطاعه هل هو بلوغها سن اليأس أو عارض آخر،و ان هذه عليها أن تعتد بثلاثة أشهر،و الدليل قوله تعالى إِنِ ارْتَبْتُمْ .

1-عدة المطلقة الحامل:

المطلقة الحامل تعتد بوضع الحمل إجماعا و نصا،و منه قوله تعالى:

وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (1).

و قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليه السّلام:طلاق الحامل واحدة،فإذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه.

و تخرج من العدة بإسقاط الحمل،حتى و لو كان غير تام الخلقة،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن امرأة وضعت سقطا،و كان قد طلقها زوجها؟قال:كل شيء يستبين أنّه حمل تم أو لم يتم فقد انقضت عدتها،و ان كان مضغة.أي ان المعيار في السقط الذي تخرج به عن العدّة أن يعلم أنّه مبدأ لتكوين الإنسان(غير النطفة قطعا).

و إذا كانت حاملا بأكثر من واحد فلا تخرج من العدّة إلاّ بوضع الجميع،لأن

ص:28


1- الطلاق:4. [1]

المفهوم من قوله تعالى أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ و هو وضع الكل لا وضع البعض دون البعض.

و سبق أن انتهاء المدّة في المتمتع بها،و فسخ الزواج بحكم الطلاق،و عليه تكون عدة الحامل من فسخ أو انتهاء مدّة المتعة هي وضع الحمل تماما كالمطلقة الحامل.

2-دعوى الحمل بعد الطلاق:

إذا طلقها على الوجه الشرعي،و لم تدع الحمل حين الطلاق،و بعده بأمد قالت:أنا حامل،فهل تصدق؟ الجواب:إذا ادعت الحمل بعد أن مضى على وطئه لها أقصى مدّة الحمل فيرد قولها و لا تصدق،لأن الحمل،و الحال هذي،غير ممكن،و إذا لم تمض هذه المدّة وجب الصبر عليها سنة،فان وضعت قبل انتهائها ألحق الولد بالمطلق، و إلاّ فلا يلحق به.

و لا فرق في ذلك بين أن تكون معتدة بالأشهر،أو بالحيض،قال صاحب الحدائق في المجلد السادس ص 342 طبعة 1317 ه:«و ان تأخرت الحيضة الثانية أو الثالثة فقد استرابت بالحمل،و الأصل في هذا الحكم ما رواه الشيخ في التهذيب أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل طلق امرأته تطليقة على طهر من غير جماع طلاق السنة،و هي ممن تحيض،فمضى ثلاثة أشهر،فلم تحض إلاّ حيضة واحدة،ثم ارتفعت حيضتها،حتى مضت ثلاثة أشهر أخرى،و لم تدر ما رفع حيضها؟قال:إذا كانت شابة مستقيمة الطمث،فلم تطمث في ثلاثة أشهر إلاّ حيضة،ثم ارتفع طمثها-أي حيضها-فإنها تتربص تسعة أشهر من يوم طلاقها،

ص:29

ثم تعتد بعد ذلك ثلاثة أشهر،ثم تتزوج ان شاءت.

3-عدة من استقام حيضها:

إذا طلق الرجل زوجته بعد أن دخل بها،و لم تكن حاملا و لا آيسة،و قد اعتادت أن يأتيها الحيض مرّة أو أكثر فيما دون الثلاثة أشهر،إذا كان كذلك فإنّها تعتد بثلاثة قروء،للآية 228 من سورة البقرة وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ .و القرء هو الطهر،قال صاحب الجواهر،«عملا و رواية،بل لم أقف فيه على مخالف».

قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:إذا دخلت في الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها،و حلت للأزواج.و أيضا قال:ان عليا أمير المؤمنين عليه السّلام قال:

انما القرء ما بين الحيضتين.و عليه فإذا طلقها في آخر لحظة من طهرها احتسب من العدة،و أكملت بعده طهرين.و المعتدة بسبب الفسخ،تماما كالمعتدة من الطلاق،أمّا المتمتع بها فتعتد بحيضتين،و يأتي الكلام عنها.

4-عدّة الشابة التي لا تحيض:

إذا كانت شابة في سن من تحيض،و لا تحيض،خلقة أو لمرض فإنّها تعتد مع الدخول،و عدم الحمل بثلاثة أشهر،سواء أفارقها بطلاق،أو بفسخ،أما المتمتع بها فعدتها 45 يوما كما يأتي،و يطلق الفقهاء على هذه الشابة التي لا تحيض اسم المسترابة.أمّا الدليل على أن عدتها ثلاثة أشهر فروايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السّلام،منها قول الإمام الصادق عليه السّلام:عدّة المطلقة ثلاثة قروء،أو ثلاثة أشهر ان لم تكن تحيض.و أيضا سئل عن رجل طلق امرأته بعد ما ولدت

ص:30

و طهرت،هي امرأة لا ترى دما ما دامت ترضع،ما عدتها؟قال:ثلاثة أشهر.

5-أقصر عدّة:

إذا أخبرت التي اعتدت بالأقراء بأنّها قد اعتدت و قضت عدّتها تصدّق إذا مضت مدّة يمكن انقضاء العدّة فيها،و أقل ما تصدق به المعتدة بالأقراء ستة و عشرون يوما و لحظتان،و ذلك أن يطلقها في آخر لحظة من الطهر،ثم تحيض ثلاثة أيام،و هي أقل مدّة الحيض،ثم يمر بها أقل الطهر عشرة أيّام،ثم تحيض ثلاثة أيّام،ثم يمر بها ثانية أقل الطهر عشرة أيّام،ثم تحيض،فمجرد رؤية الدم الأخير تخرج من العدّة،و لا بد من اللحظة الأولى من الحيض الثالث للعلم بتمامية الطهر الأخير.

و قال صاحب الجواهر:«هذا في ذات الحيض،و إلاّ فقد يتصور انقضاء العدّة بأقل من ذلك في ذات النفاس كأن يطلقها بعد الوضع قبل رؤية الدم بلحظة، ثم ترى النفاس لحظة،لأنه لا حد لأقله عندنا،ثم ترى الطهر عشرة أيام،ثم ترى الدم ثلاثا،ثم ترى الطهر عشرا فيكون مجموع ذلك 23 يوما و ثلاث لحظات:

لحظة بعد الطلاق،و لحظة للنفاس،و لحظة الدم الثالث».و لا بد من الإشارة إلى أن المراد بأقصر عدّة لمن كانت معتدة بالأقراء،و إلاّ فيمكن أن تكون العدّة أقل من ساعة،كما لو طلقها،و هي حامل،ثم وضعت بعد الطلاق،فإنها تخرج من العدّة بمجرد الوضع.

6 أطول عدّة:

قد تبين مما سبق أن من استقام حيضها تعتد بثلاثة قروء،و من لا تحيض

ص:31

و هي في سن من تحيض تعتد بثلاثة أشهر،و تسأل:إذا اعتدت هذه بالأشهر، و لكن قبل مضي ثلاثة أشهر بيض عاد إليها الدم،فما ذا تصنع؟ الجواب:تعتد بأسبق الأمرين من ثلاثة أشهر بيض،أو ثلاثة أقراء،بمعنى ان مضى لها ثلاثة أشهر بيض قبل أن تتم الأقراء انقضت عدتها،و ان مضى ثلاثة أقراء قبل ثلاثة أشهر انقضت عدتها أيضا،قال الإمام الصادق عليه السّلام:«أي الأمرين سبق إليها فقد انقضت عدتها،فان مرت ثلاثة أشهر لا ترى فيها دما انقضت عدتها،و ان مرت ثلاثة أقراء انقضت عدتها».

قال صاحب الجواهر:«و بهذا يتضح لك عموم الضابط لكل معتدة من الطلاق،و ما يلحق به-كالفسخ-و هو أي الأمرين سبق إليها اعتدت به من غير فرق بين إفرادها جميعا».

أما إذا رأت الحيض قبل انقضاء الأشهر الثلاثة،و لو بلحظة صبرت تسعة أشهر،و لا يجديها نفعا أن تمر بعد ذلك ثلاثة أشهر بلا دم،و بعد انتهاء الأشهر التسعة فإن وضعت قبل انتهاء السنة خرجت من العدّة،و كذلك إذا حاضت و أتمت الأطهار،و إذا لم تلد،و لم تتم الأقراء قبل سنة اعتدت بثلاثة أشهر مضافة إلى التسعة فيكون المجموع سنة كاملة،قال صاحب الجواهر:«و الأصل في ذلك خبر سودة بن كليب،و هو ان الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل طلق امرأته تطليقة على طهر من غير جماع بشهود طلاق السنة،و هي ممن تحيض،فمضى ثلاثة أشهر فلم تحض إلاّ حيضة واحدة،ثم ارتفعت حيضتها،حتى مضت ثلاثة أشهر أخرى،و لا تدري ما رفع حيضتها؟قال:ان كانت شابة مستقيمة الطمث فلم تطمث في ثلاثة أشهر إلاّ حيضة واحدة،ثم ارتفع طمثها،فما تدري ما رفعه، فإنها تتربص تسعة أشهر من يوم طلاقها،ثم تعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر،ثم

ص:32

تتزوج ان شاءت».

7-عدّة المتمتع بها:

إذا انتهت مدّة المتمتع بها،أو وهبها ايّاها قبل أن يدخل فلا عدّة لها،لأنّها من أفراد آية ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ .فان انتهاء المدّة أو هبتها بحكم الطلاق.

و ان كانت حاملا فعدتها وضع الحمل إذا طلقها،لقوله تعالى وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ .

و ذهب المشهور بشهادة صاحب ملحقات العروة إلى أن عدّة المتمتع بها مع الدخول،و عدم الحمل حيضتان،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:إذا انقضى الأجل بانت منه بغير طلاق،و يعطيها الشيء اليسير،و عدتها حيضتان.

و ان كانت في سن من تحيض،و لا تحيض فعدتها 45 يوما،قال صاحب الجواهر:«إجماعا و نصوصا،بل في خبر البزنطي عن الإمام الرضا عليه السّلام أنّه قال:

قال:الإمام أبو جعفر عليه السّلام:عدّة المتمتع بها خمسة و أربعون يوما،و الاحتياط خمس و أربعون ليلة،بمعنى 45 يوما بلياليها،بل الأولى عدم اعتبار التلفيق».

و ان كانت آيسة فلا عدّة لها.

و ان توفي عنها فعدتها أربعة أشهر و عشرة أيّام،سواء أدخل أم لم يدخل، حتى و لو كانت صغيرة،و ان كانت حاملا اعتدت بأبعد الأجلين،قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:«كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرّة كانت أو أمة،و على أي وجه كان النكاح متعة،أو تزوجها،أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر و عشرا».و يأتي الكلام عن عدّة الوفاة.

ص:33

8-عدّة من ارتد زوجها:

إذا كان الزوجان مسلمين،و ارتد الزوج ينظر:فإن كان قد ولد على فطرة الإسلام،كما لو كان أحد أبويه مسلما تبين منه زوجته في الحال،لوجوب قتله و تقسيم تركته،و عدم قبول توبته بالنسبة إلى الأحكام الدنيوية،و ان قبلت بينه و بين اللّه عزّ و جلّ،قال الإمام الصادق عليه السّلام:كل مسلم ارتد عن الإسلام،و جحد محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كذبه فإن دمه مباح لكل من سمعه،و امرأته بائنة منه يوم ارتد فلا تقربه،و يقسم ماله على ورثته،و تعتد امرأته عدّة المتوفى عنها زوجها،و على الإمام أن يقتله،و لا يستتيبه.

و إذا كان مرتدا عن ملة لا عن فطرة،أي لم يكن في الأصل مسلما،و لكنه أسلم،ثم ارتد،و هذا تقبل توبته،و لكن تحرم عليه زوجته المسلمة لمكان الإسلام،و عليه فإنها تعتد عدّة الطلاق،فان تاب أثناء العدّة فهو أملك بها،و إلاّ فقد بانت منه.

9-عدّة الوفاة:

إذا توفي عنها الزوج،و هي غير حامل فعدتها أربعة أشهر و عشرة أيّام، كبيرة كانت أو صغيرة،آيسة أو شابة،دخل بها أو لم يدخل دائمة أو منقطعة، لقوله تعالى وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ،وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً (1)و هذه الآية بإطلاقها تشمل الجميع،ما عدا الحامل للدليل الآتي.

و ذكرنا في الفقرة السابقة قول الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:على أي وجه كان النكاح فالعدة أربعة أشهر و عشرا إذا مات الزوج.

ص:34


1- البقرة:234. [1]

أمّا إذا كانت حاملا فعدتها أبعد الأجلين من وضع الحمل و الأربعة أشهر و عشرة أيّام،فإن مضت الأربعة و العشرة قبل الوضع اعتدت بالوضع،و ان وضعت قبل مضي الأربعة و العشرة اعتدت بالأربعة و العشرة.

و الدليل على ذلك هو عملية الجمع بين آية يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً و آية أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ،فالآية الأولى جعلت العدة أربعة أشهر و عشرا،و هي تشمل الحامل و غير الحامل إذا توفي عنها زوجها،و الآية الثانية جعلت عدّة الحامل وضع الحمل،و هي تشمل المطلقة،و من مات زوجها، فيحصل التنافي بين ظاهر الآيتين في المرأة الحامل التي تضع قبل الأربعة و العشرة،فبموجب الآية الثانية تنتهي العدّة،لأنها وضعت الحمل،و بموجب الآية الأولى لا تنتهي العدّة،لأن الأربعة و العشرة لم تنقض بعد.

و أيضا يحصل التنافي إذا مضت الأربعة و العشرة،و لم تضع،فبموجب الآية الأولى تنتهي العدّة،لأن مدّة الأربعة و العشرة قد مضت،و بموجب الآية الثانية لم تنته العدّة،لأنها لم تضع الحمل،و كلام القرآن يجب أن يلائم بعضه بعضا،بخاصة إذا كانت الآيتان على مستوي واحد في الظهور كما نحن فيه، و على هذا فإذا جمعنا الآيتين هكذا وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً ، وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ يكون المعنى أن عدّة الوفاة أربعة أشهر و عشرة أيّام لغير الحامل، و للحامل التي تضع قبل مضي الأربعة و العشرة،و أن الحامل التي تضع بعد مضي الأربعة و العشرة عدتها وضع الحمل،و بهذا الجمع يستقيم الكلام،و قد أخذه فقهاء الشيعة عن أهل البيت عليهم السّلام الذين هم أدرى بما فيه.

و اتفقوا على وجوب الحداد على من توفي عنها زوجها ما دامت في العدّة،

ص:35

و معنى الحداد أن تجتنب كل ما من شأنه أن يحسّنها،و يدعو إلى اشتهائها،قال الإمام الصادق عليه السّلام:المتوفى عنها زوجها لا تكتحل للزينة،و لا تتطيب،و لا تلبس ثوبا مصبوغا،و لا تبيت عن بيتها،و تقضي الحقوق.

و المعيار في ترك الزينة هو العرف.

و اتفقوا على أن المطلقة طلاقا رجعيا إذا مات زوجها قبل انقضاء العدّة فعليها أن تستأنف عدّة الوفاة من حين موته،سواء أ كان الطلاق في مرض الموت،أو في حال الصحة،لأن العصمة بينها و بين المطلق لم تنقطع،و لذا يتوارثان،و تجب لها النفقة،أمّا لو كانت معتدة من طلاق بائن فإنها تمضي في عدتها،و لا تتحول إلى عدّة الوفاة،لانقطاع العصمة.و قد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل طلق امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة،ثم مات عنها؟قال:

تعتد بأبعد الأجلين أربعة أشهر و عشرا.

ثم أن مبدأ عدّة الطلاق من حين وقوعه حاضرا كان الزوج أو غائبا،و عليه فإذا طلقها،و لم تعلم،حتى مضت العدّة فلا يجب أن تعتد ثانية،أما مبدأ عدّة الوفاة فمن حين بلوغها الخبر إذا كان الزوج غائبا،أما إذا كان حاضرا،و افترض عدم علمها بموته إلاّ بعد حين فمبدأ العدّة من حين الوفاة،قال صاحب الجواهر:

«تعتد زوجة الحاضر من حين الطلاق أو الوفاة بلا خلاف أجده فيه،بل الإجماع على ذلك،لقاعدة اتصال العدّة بسببها.و تعتد من الغائب في الطلاق من حين وقوعه عند المشهور،للنصوص المستفيضة أو المتواترة كصحيح ابن مسلم،قال لي الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:إذا طلق الرجل،و هو غائب فليشهد على ذلك،فإذا مضى ثلاثة من ذلك اليوم فقد انقضت عدتها.

أجل،تعتد زوجة الغائب من الوفاة من حين بلوغها الخبر،لا من حين الوفاة على

ص:36

المشهور،للنصوص المستفيضة أو المتواترة،كصحيح ابن مسلم عن الإمام عليه السّلام في رجل يموت،و تحته امرأة،و هو غائب؟قال:تعتد من يوم يبلغها وفاته».

10-عدّة وطء الشبهة:

وطء الشبهة هو الوطء الذي يعذر فيه صاحبه،و لا يجب عليه الحد،لأن موضوع الحد هو الزنا و المفروض عدمه،و تجب العدّة من وطء الشبهة،لأنه وطأ محترم،و قد ثبت النص:«إذا التقى الختانان وجب الغسل و المهر و العدة».و العدة منه تماما كالعدة من الطلاق،فان حملت اعتدت بوضع الحمل،و ان كانت من ذوات القروء اعتدت بثلاثة منها،فقد سئل الإمام عليه السّلام عمن تزوج امرأة في عدتها؟ قال:ان دخل بها فرق بينهما،و تأخذ ببقية العدّة من الأول،ثم تأتي عن الثاني ثلاثة أقراء مستقبلة.

و على هذا فإذا مات الواطئ بشبهة فلا تعتد المرأة عدّة وفاة،لأنها ليست زوجة،كي ينطبق عليه قوله تعالى وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً .

و تسأل:هل يجب على من وطأها بشبهة أن ينفق عليها أيّام عدتها؟ الجواب:لا،سواء أ كانت حاملا أو حائلا،لأن النفقة انما تجب للمطلقة الرجعية التي يملك الرجعة إليها،و للمطلقة البائن إذا كانت حاملا،و هذه ليست مطلقة،و من هنا قال صاحب الجواهر:«الأصح أنّه لا نفقة لها مطلقا للأصل».

سؤال ثان:لو افترض أن الموطوءة بشبهة كانت متزوجة،فهل تجب نفقتها على الزوج الشرعي أيّام عدّتها،أو تسقط بالنظر إلى حرمة مقاربتها؟ الجواب:تجب نفقتها عليه،لأن المانع من مقاربتها لم يأت من جهتها،بل أتى من جهة الشرع،و بديهة أن المانع الشرعي كالمانع العقلي،و عليه فلا تكون

ص:37

ناشزة،كي تسقط نفقتها.

ثم أن كانت الشبهة من الرجل و المرأة ألحق الولد بهما معا على تقدير الحمل،و وجب لها المهر،و ان كان المشتبه أحدهما دون الآخر ألحق الولد بالمشتبه،و ان كانت هي عالمة بالتحريم فلا مهر لها،لأنها بغي،و لا مهر لبغي.

و تقدم الكلام على ذلك مفصلا في باب الزواج.

11-اجتماع العدتين:

إذا كانت متزوجة فوطئت بشبهة،ثم طلقت،أو كانت معتدة من طلاق أو وفاة،و وطئت بشبهة قبل انتهاء العدة،فقد اجتمع عليها عدتان،إذا كان كذلك فهل تتداخل العدتان،و تكتفي بعدة واحدة لهما،أو لا بد من أن تعتد مرتين، فتتم عدّة الطلاق إذا كانت قد وطئت أثناء العدّة،و بعدها تعتد ثانية للشبهة،و إذا كانت قد وطئت شبهة،و هي متزوجة،ثم طلقت تعتد أولا للشبهة،ثم تستأنف العدّة للطلاق؟ ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر و الحدائق إلى وجوب التعدد و عدم التداخل،لأن الأصل تعدد المسبب بتعدد السبب،و لبعض الروايات الدالة على أن المرأة إذا تزوجت في عدتها جهلا يبطل الزواج،و لكن العدّة لم تنقطع، فإن لم يدخل الزوج أكملت عدتها و كفى،و ان كان قد دخل أتمت العدّة الأولى، لأنها أسبق و استأنفت الأخرى.

و ذهب جماعة من كبار الفقهاء،منهم صاحب المسالك و صاحب الحدائق و صاحب ملحقات العروة إلى التداخل،و الاكتفاء بعدة واحدة،و في ذلك روايات كثيرة و صحيحة عن أهل البيت عليهم السّلام،منها أن الإمام الباقر أبو الإمام جعفر

ص:38

الصادق عليهما السّلام،سئل عن امرأة تزوجت قبل أن أن تنقضي عدتها؟قال:يفرق بينهما و تعتد عدّة واحدة منهما جميعا.

12-عدّة الزانية:

اتفقوا بشهادة صاحب الحدائق على أن الحامل من الزنا لا عدة لها،و أنّه يجوز لها أن تتزوج قبل أن تضع حملها،و اختلفوا فيمن زنت و لم تحمل:فهل يجب عليها أن تستبرئ بحيضة؟ ذهب المشهور إلى عدم الوجوب،و أنّه يجوز أن تتزوج بمن تشاء، و يتزوجها من شاء في الساعة التي زنت بها.

و قال العلامة الحلي و صاحب الحدائق:يجب أن تستبرئ بحيضة،و قال صاحب المسالك:لا بأس به حذرا من اختلاط المياه،و تشويش الأنساب.

و نحن أيضا نقول:لا بأس به،لما جاء في كتاب الكافي أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل يفجر بالمرأة،ثم يبدو له أن يتزوجها،هل يحل له ذلك؟قال:نعم،إذا اجتنبها،حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور،فله أن يتزوجها.

و إذا وجب أن تستبرئ من ماء من زنى بها قبل أن يتزوجها،ليتميز الولد الشرعي من غيره،فاستبراؤها من ماء غيره أولى.

13-عدّة الكتابية:

عدة الكتابية،تماما كعدة المسلمة عددا و حكما و حدادا،سواء أ كانت زوجة لمسلم أو لكتابي مثلها،فإذا مات عنها زوجها أو طلقها فلا يصح التزويج

ص:39

بها إلاّ بعد انقضاء عدتها،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده،لإطلاق الأدلة،و صحيح السراج عن الإمام الصادق عليه السّلام قلت له:النصرانية مات عنها زوجها،و هو نصراني،ما عدتها؟قال:عدّة الحرّة المسلمة أربعة أشهر و عشرا».

14-زوجة المفقود:

الغائب على حالين:أحدهما أن يعرف موضعه،و هذا لا يحل لزوجته أن تتزوج بالاتفاق.

الحال الثانية:أن ينقطع خبره،و لا يعلم موضعه،و حينئذ ينظر:فإن كان له مال تنفق منه زوجته،أو كان له ولي ينفق عليها،أو وجد متبرع بالإنفاق-وجب على زوجته الصبر و الانتظار،و لا يجوز لها أن تتزوج بحال،حتى تعلم بوفاة الزوج أو طلاقه.و ان لم يكن له مال،و لا من ينفق عليها فإن صبرت فذاك،و ان أرادت الزواج رفعت أمرها إلى الحاكم فيؤجلها أربع سنين من حين رفع الأمر إليه،ثم يفحص عنه في تلك المدّة،فإن لم يتبين شيء ينظر،فإن كان للغائب ولي يتولى أموره أو وكيل أمره الحاكم بالطلاق،و ان لم يكن له ولي و لا وكيل،أو كان،و لكن امتنع الولي أو الوكيل من الطلاق،و لم يمكن إجباره طلّقها الحاكم بولايته الشرعية،و تعتد بعد هذا الطلاق بأربعة أشهر و عشرة أيام،و يحل لها بعد ذلك أن تتزوج.

و كيفية الفحص أن يسأل عنه في مكان وجوده،و يستخبر عنه القادمون من البلد الذي يحتمل وجوده فيه.و خير وسيلة للفحص أن يستنيب الحاكم من يثق به من المقيمين في محل السؤال،ليتولى البحث عنه،ثم يكتب للحاكم بالنتيجة، و يكفي من الفحص المقدار المعتاد،و لا يشترط السؤال في كل مكان يمكن أن

ص:40

يصل إليه،و لا أن يكون البحث بصورة مستمرة.و إذا تم الفحص المطلوب بأقل من أربع سنوات بحيث نعلم أن متابعة السؤال لا تجدي يسقط وجوب الفحص، و لكن لا بد من الانتظار أربع سنوات عملا بظاهر النص،و مراعاة للاحتياط في الفروج،و احتمال ظهور الزوج أثناء السنوات الأربع،أي يسقط وجوب الفحص للعلم بعدم الجدوى منه أما وجوب التربص فيبقى على ما هو.

و بعد هذه المدّة يقع الطلاق،و تعتد أربعة أشهر و عشرة أيّام،و لكن لا حداد عليها،و تستحق النفقة أيّام العدّة،و يتوارثان ما دامت فيها،و إذا جاء الزوج قبل انتهاء العدّة فله الرجوع إليها ان شاء،كما أن له إبقاءها على حالها،و ان جاء بعد انتهاء العدّة،و قبل أن تتزوج فالقول الراجح أنّه لا سبيل له عليها،و بالأولى إذا وجدها متزوجة.

و الدليل على ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السّلام،منها أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن المفقود،كيف يصنع بامرأته؟قال:ما سكتت و صبرت يخلى عنها،فإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجّلها أربع سنين،ثم يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه،و يسأل عنه،فان جاء الخبر بحياته صبرت،و ان لم يخبر عنه بشيء،حتى تمضي الأربع سنين دعي ولي الزوج المفقود،و قيل له:هل للمفقود مال،فإن كان له مال أنفق عليها،حتى يعلم حياته من موته،و ان لم يكن له مال قيل للولي:

أنفق عليها،فان فعل فلا سبيل لها أن تتزوج ما دام ينفق عليها،و ان أبى أن ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلق تطليقة في استقبال العدّة،و هي طاهر،فيصير طلاق الولي طلاق الزوج،فان جاء زوجها من قبل أن تنقضي عدتها من طلاق الوالي،و بدا لزوجها أن يراجعها فهي امرأته،و هي عنده على تطليقتين-أي ان تطليقة الوالي تحسب من الثلاث-و ان انقضت العدّة قبل أن يجيء،أو يراجع

ص:41

فقد حلت للأزواج،و لا سبيل للأول عليها.

و في رواية ثانية ان لم يكن للزوج ولي طلقها الوالي،و يشهد شاهدين عدلين،و يكون طلاق الوالي طلاق الزوج،و تعتد أربعة أشهر و عشرا،ثم تتزوج ان شاءت.

15-العدّة بسبب الفسخ:

إذا فسخ الزواج أحد الزوجين للأسباب الموجبة لذلك،و قد مر تفصيلها في باب الزواج عند ذكر العيوب،إذا حصل الفسخ فحكمه تماما حكم الطلاق من عدم وجوب العدّة مع انتفاء الدخول و الاعتداد بوضع الحمل ان كانت حاملا، و بالأقراء ان استقام حيضها،و بالشهور ان كانت مسترابة و كان قد دخل بها.

16-نفقة المعتدة:

سبق في باب الزواج فصل النفقة أن المعتدة من طلاق رجعي لها النفقة حاملا كانت،أو غير حامل،و ان المعتدة من الوفاة لا نفقة لها،حتى و لو كانت حاملا،و ان المعتدة من طلاق بائن لها النفقة ان كانت حاملا،و لا نفقة لها ان كانت حائلا.

و أيضا سبق في فقرة«عدّة وطء الشبهة»من هذا الفصل أن المعتدة للشبهة لا نفقة لها.و كذا لا نفقة للمعتدة بسبب الفسخ لانقطاع العصمة بينها و بين الزوج، حتى و لو كانت حاملا،و انما أوجبنا النفقة للحامل البائن لوجود الدليل الخاص، و لا دليل على الوجوب بالقياس إلى المعتدة للفسخ،و الأصل العدم.

ص:42

17-التوارث بين المطلق و المطلقة:

اتفقوا على أن الرجل إذا طلق امرأته رجعيا لم يسقط التوارث بينهما،بل يتوارثان ما دامت في العدة،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن ذلك؟فقال:يرثها و ترثه ما دام له عليها رجعة.

و لا فرق في ذلك بين أن يطلقها،و هو في مرض الموت أو في حال الصحة،و يسقط التوارث بانقضاء العدّة.و أيضا اتفقوا على عدم التوارث ان طلقها طلاقا بائنا في حال الصحة.أما إذا طلقها و هو في مرض الموت فإنها ترثه هي،حتى و لو كان الطلاق بائنا،و لكن بعد توافر الشروط التالية:

1-أن يموت قبل أن تمضي سنة كاملة على طلاقها،فلو مات بعد السنة بساعة لا ترثه.

2-أن لا تتزوج قبل موته،فإذا تزوجت،ثم مات في أثناء السنة فلا شيء لها.

3-أن لا يبرأ من المرض الذي طلقها فيه،فلو بريء من مرضه ثم مات في أثناء السنة لم تستحق الميراث.

4-أن لا يكون الطلاق بطلب منها.

و سنعود ان شاء اللّه إلى الموضوع ثانية في باب الإرث.

18-أين تعتد المطلقة:

اتفقوا على أن المطلقة الرجعية تعتد في بيت الزوج،و لا يجوز له إخراجها منه،كما لا يجوز لها أن تخرج إلاّ بإذنه،و إلاّ تعد ناشزة،و تسقط نفقتها.

و أيضا اتفقوا على أن البائنة تعتد في أي مكان تشاء،لانقطاع العصمة بينها

ص:43

و بين الزوج،و انتفاء التوارث بينهما،و عدم استحقاقها النفقة إلاّ إذا كانت حاملا، و عليه فلا يحق له احتباسها،و في ذلك روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السّلام.و لكن لا عامل بها اليوم،فإن الرجعية تعامل معاملة الأجنبية.

19-الزواج بالأخت في عدة أختها:

إذا طلق زوجته طلاقا رجعيا فلا يجوز له ان يعقد على أختها إلاّ بعد انقضاء العدّة،لأن الرجعية بحكم الزوجة،و إذا كان الطلاق بائنا جاز العقد على الأخت قبل انتهاء العدّة،لانقطاع العصمة بين البائنة و المطلق.

ص:44

الرجعة

معناها و شرعيتها:

معنى الرجعة أن يرد المطلق المرأة إليه،و يستبقيها في عصمته،و الأصل فيها الكتاب و السنة و الإجماع،قال تعالى وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ (1)و قال:

فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ (2).أي إذا أشرفن على انتهاء أجل عدتهن فراجعوهن بقصد المعاشرة بالمعروف،لا بقصد الإضرار.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:المطلقة تكتحل و تختضب و تلبس ما شاءت من الثياب،لأن اللّه عزّ و جل يقول لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً ،لعلها تقع في نفسه،فيراجعها.

و بكلمة:ان ثبوت الرجعة و جوازها من ضرورات دين الإسلام.

محل الرجعة:

محل الرجعة هي المطلقة الرجعية ما دامت في العدة،فلا يرجع إلى من لا

ص:45


1- البقرة:228. [1]
2- الطلاق:2. [2]

عدّة لها بل لا بد من عقد جديد،و إلى المطلقة ثلاثا و ان كانت في العدّة لافتقارها إلى المحلل،و لا إلى المختلعة بعوض إلاّ إذا رجعت في البذل أثناء العدّة،و علم هو بالرجوع،فيجوز له أن يرجع بالطلاق،كما تقدم في فصل الخلع.

صورة الرجعة:

تتحقق الرجعة بكل ما دل عليها من اللفظ،و لا تحتاج إلى صيغة خاصة.

و أيضا تتحقق بالفعل المقصود بالذات الذي لا يحل إلاّ للأزواج،و ان لم يقصد به الرجعة،كالوطء و التقبيل و اللمس و ما إلى ذلك.أجل،لا عبرة بفعل النائم و الساهي و المشتبه،لعدم القصد إلى الفعل من حيث هو.ورد صاحب الجواهر على من اشترط قصد الرجعة بالذات من الفعل،رد عليه بقوله:«هذا كالاجتهاد في مقابل النص و فتوى المصرحين ببقائها في العدّة على حكم الزوجة الذي منه جواز وطئها من غير حاجة إلى قصد الرجوع،و بذلك يظهر أن الأفعال رجوع، و ان لم يقصد بها ذلك.بل لعل مقتضى إطلاق النص و الفتوى ذلك،حتى مع قصد عدم الرجوع».

و يشير بإطلاق النص إلى قول الإمام الصادق عليه السّلام:«من غشي امرأته بعد انقضاء العدّة.....كان غشيانه إياها رجعة».فقد حكم الإمام عليه السّلام بأن الغشيان رجعة، دون أن يقيده بقصد الرجوع،و بديهة أن عدم القيد دليل الشمول.

و أيضا تتحقق الرجعة بإنكار الطلاق على شريطة أن يكون الإنكار أثناء العدّة،قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك،لأنه يتضمن التمسك بالرجعة،بل في المسالك هو أبلغ من الرجعة بألفاظها.و قد جاء في النص:ان أنكر الطلاق قبل انقضاء العدّة فإن إنكاره للطلاق رجعة.و في رواية أخرى:أدنى

ص:46

المراجعة أن يقبلها،أو ينكر الطلاق».

الإشهاد على الرجعة:

الإشهاد على الرجعة مستحب،و ليس بواجب،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف فيه بيننا-أي بين الشيعة-مضافا إلى الأصل و النصوص المستفيضة أو المتواترة،قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام في صحيح ابن مسلم:ان الطلاق لا يكون بغير شهود،و ان الرجوع بغير شهود رجعة،و لكن ليشهد بعد فهو أفضل».

أما قوله تعالى وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ فإن المراد به الشهادة على الطلاق،لا على الرجعة،و قد مرّ بيان ذلك في باب الطلاق،فقرة«الاشهاد على الطلاق».

الارتداد أثناء العدّة:

إذا كانت معتدة من طلاق رجعي،و ارتدت عن الإسلام قبل انقضاء العدّة، فهل يصح له مراجعتها في حال الارتداد؟ ذهب المشهور بشهادة صاحب الحدائق إلى عدم جواز المراجعة،لأن المرتدة لا يصح زواجها ابتداء فلا يصح استدامته أيضا.

التنازع:
1-إذا اختلفا في أصل العدّة

،فقالت هي:لا عدّة لي،لأنك لم تدخل، و عليه فلا رجعة لك عليّ.و قال هو:بل عليك العدّة،ولي الرجوع،لأني دخلت

ص:47

فالقول قولها مع اليمين،لأن الأصل عدم الدخول،حتى يثبت العكس.

2-إذا اتفقا على العدّة

،و اختلفا في الرجوع،فقال هو:رجعت.و قالت هي:كلا.فان كان ذلك أثناء العدّة فإن ادعاءه هو الرجوع بعينه،تماما كما لو أنكر الطلاق من رأس،و ان كان بعد انقضاء العدّة فعليه الإثبات أن الرجعة حصلت في العدّة،و مع عجزه يؤخذ بقولها مع اليمين،لأن الأصل عدم الرجوع،و بقاء أثر الطلاق،حتى يثبت العكس،و تحلف هي أنّه لم يرجع إذا ادعى الرجوع إليها بالفعل،كالوطء و نحوه،و على عدم العلم بالرجوع إذ ادعى الرجوع بالقول،و انّها على علم به.

3-إذا اتفقا على أن عليها العدّة

،و اختلفا في بقائها و انتهائها،فقالت هي:

انتهت العدّة،كي لا يصح له الرجوع إليها،أو قال هو:انتهت العدّة،كي لا ينفق عليها فقد ذهب أكثر الفقهاء أو الكثير منهم إلى أن القول قولها بيمينها إذا كانت معتدة بالأقراء،و قوله بيمينه إذا كانت معتدة بالأشهر.

و الصواب ان القول قولها في كل ما يعود إلى العدّة،سواء أ كان النزاع في بقائها،أم في نفيها،و سواء أ كانت معتدة بالأقراء،أم بالأشهر،لاتفاق الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر على أن الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام قال:

الحيض و العدّة إلى النساء إذا ادعت صدقت.و ان الإمام الصادق عليه السّلام قال:فوض اللّه إلى النساء ثلاثة أشياء:الحيض و الطهر و الحمل.

فقد جعل الإمام عليه السّلام أمر العدّة للمرأة،و أنّه يجب أن تصدق فيها،و لم يفصّل بين العدّة بالأقراء،و بين العدّة في الشهور،و بديهة أن ترك التفصيل دليل على العموم.و من هنا قال السيد صاحب العروة و ملحقاتها:«لو اختلفا في انقضاء العدّة بالأقراء و عدمه قدم قولها،لأن أمر العدّة راجع إليها،بل و كذا لو

ص:48

اختلفا في الانقضاء بالأشهر و عدمه على الأقوى».و قال صاحب الجواهر:«ان قول الإمام عليه السّلام:إذا ادعت صدقت يقتضي تصديقها متى كان صدقها محتملا.لأن احتمال صدقها كاف في تصديقها».

و يتفرع على ذلك فروع كثيرة،منها إذا اختلفا في أصل الحمل،فادعته هي،و أنكره هو،أو اتفقا على الحمل،و اختلفا في وضعه،أو في تقديمه أو تأخيره على الطلاق فالقول قولها في جميع ذلك،لأن الإمام عليه السّلام قال:فوض إليها الحمل،و لم يقل وضع الحمل أو تقديم الوضع أو تأخيره،و الإطلاق يقتضي العموم و الشمول.

و منها إذا اتفقا على العدّة و الرجوع،و اختلفا في التقديم و التأخير،و ان الرجوع هل كان بعد انتهاء العدّة أو في أثنائها فإن القول قولها،لقول الإمام عليه السّلام:

«العدّة إليها إذا ادعت صدقت»حيث أرسل قوله هذا دون قيد أو شرط.

ص:49

طلاق الحاكم لعدم الإنفاق

اشارة

هل للحاكم الشرعي أن يطلق زوجة الرجل قهرا عنه لأنه لم ينفق عليها؟ أجل،له أن يطلق،و تعرف الدليل فيما يلي بعد أن نمهد بهذه المقدمة:

أهمية المسألة:

لا أعرف مسألة فقهية تدعو الحاجة إلى تمحصها،و الجرأة في بيان الحق أكثر من هذه بعد أن عمت بها البلوى،و كثرت الشكوى من عدم الحلول لهذه المعضلة الاجتماعية.

و ليس من ريب أن فكرة طلاق الحاكم الشرعي عن الزوج من حيث هي ثابتة في الفقه الجعفري،فقد أفتى فقهاء المذهب بأن للحاكم أن يطلق زوجة المفقود بالشروط التي سبق ذكرها في:«فصل العدّة-فقرة زوجة المفقود».

و أيضا أفتوا بأن له أن يطلق عن المجنون إذا اقتضت مصلحته ذلك،و سبق الكلام عنه في:«فصل الطلاق-فقرة طلاق الولي».أذن،فكرة الطلاق الجبري موجودة عند الإمامية،و ان الحديث المشهور:«الطلاق بيد من أخذ بالساق»لم يبق على إطلاقه،بل خرج عن شموله لطلاق الحاكم عن المفقود،و عن فاسد العقل.

ص:50

و تتساءل:هل خرج أيضا عن حديث:«الطلاق بيد من أخذ بالساق»طلاق الحاكم الشرعي قهرا عن الزواج لعدم الإنفاق على زوجته لعسر،أو عصيان،أو لمانع آخر،كالغائب يملك ثروة لا يستطيع تحويلها أو تحويل بعضها إلى مكان الزوجة؟ و نذكر أولا ما جاء عن أهل البيت عليهم السّلام من النصوص على ذلك،ثم نعرض أقوال الفقهاء،ثم نعقب بما نراه.

الروايات:

جاء في صحيح ربعي و الفضيل بن يسار عن الإمام الصادق عليه السّلام في تفسير قوله تعالى وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللّهُ أنّه قال:إذا أنفق عليها ما يقيم حياتها مع كسوة،و إلاّ فرق بينهما.

و في صحيح أبي بصير قال:سمعت الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليه السّلام يقول:من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها،و يطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الإمام أن يفرق بينهما.

و قد وصف هاتين الروايتين بالصحة جماعة من الفقهاء،منهم صاحب الجواهر،و صاحب الحدائق،و صاحب الرياض،و السيد كاظم اليزدي في ملحقات العروة الوثقى.

أقوال الفقهاء:

قال ابن الجنيد:إذا تجدد عجز الزوج عن الإنفاق جاز للزوجة أن تفسخ الزواج،أي تطلب من الحاكم أن يفسخ كما يفهم من كلامه الذي نقله عنه الشهيد

ص:51

الثاني في المسالك ج 1 باب الزواج مسألة الكفاءة،قال ما نصه بالحرف:

«إذا تجدد عجز الزوج عن النفقة ففي تسلط الزوجة على الفسخ قولان:

أحدهما،و به قال ابن الجنيد،ان لها الخيار،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:ان أنفق عليها ما يقيم حياتها مع كسوة و إلاّ فرق بينهما،و لقوله تعالى فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ و الإمساك بلا نفقة خلاف المعروف فيتعين التسريح،فإذا تعذر صدوره من الزوج فسخ الحاكم لأنّه وليّ».يريد بفسخ الحاكم طلاقه بعد طلبها هي،و إلاّ إذا رضيت فلا كلام في عدم جواز الطلاق.

فابن الجنيد يخص جواز الطلاق فيما إذا تجدد عجز الزوج عن الإنفاق و وافقه على ذلك صاحب الرياض،و البهبهاني،فقد نقل صاحب روضات الجنات في الجزء الرابع أن له رسالة في حكم النكاح مع الإعسار سماها مظهر المختار«و ذهب فيها إلى جواز فسخ المرأة نكاحها في صورة حضور الزوج و امتناعه من الإنفاق و الطلاق،و ان كان من جهة الفقر و الإملاق».

و قال صاحب الجواهر و صاحب الحدائق في باب الزواج-مسألة الكفاءة، و السيد أبو الحسن الأصفهاني في«الوسيلة الكبرى»تحت عنوان«القول في الكفر»قالوا:يجوز للحاكم أن يطلق عن الزوج إذا امتنع عن الإنفاق مع يساره و قدرته،و لا يطلق إذا كان معسرا.

أمّا السيد الحكيم فقد أجاز الطلاق للحاكم عن العاجز عن النفقة،و عن القادر الممتنع عنها،قال في منهاج الصالحين ج 2 ص 161 طبعة 1381:«لا يبعد أن يجوز لها-أي لزوجة العاجز عن النفقة-أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي،فيأمر زوجها بالطلاق،فإن امتنع طلقها الحاكم الشرعي،و كذا ان امتنع القادر عن الإنفاق جاز لها أن ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي،فيلزمه بأحد

ص:52

الأمرين من الإنفاق أو الطلاق،فإن امتنع عن الأمرين،و لم يمكن الإنفاق عليها من ماله جاز للحاكم طلاقها،و لا فرق بين الحاضر و الغائب».

و قال السيد اليزدي في ملحقات العروة ص 70 طبعة 1344 ه:«لا يبعد جواز طلاقها للحاكم الشرعي مع مطالبتها،و عدم صبرها،بل و كذا في المفقود المعلوم حياته مع عدم تمكن زوجته من الصبر،بل و في غير المفقود ممن علم أنّه محبوس في مكان لا يمكن مجيئه أبدا،و كذا في الحاضر المعسر الذي لا يتمكن من الإنفاق مع عدم صبر زوجته على هذه الحالة،ففي جميع هذه الصور و أشباهها-كما لو امتنع عن النفقة مع القدرة عليها-و ان كان ظاهر كلمات الفقهاء عدم جواز فكها و إطلاقها للحاكم إلاّ أنّه يمكن أن يقال بجوازه،لقاعدة:نفي الضرر،و خصوصا إذا كانت شابة،و استلزم صبرها طول عمرها وقوعها في المشقة الشديدة».

خلاصة الأقوال:

و نستخلص من هذه الأقوال ان هؤلاء الفقهاء قد أباحوا للحاكم الشرعي أن يطلق لعدم الإنفاق سوى أن بعضهم خص ذلك بزوجة المعسر العاجز،كابن الجنيد و صاحب الرياض،و بعضهم خصه بزوجة الممتنع عنه مع القدرة عليه، كصاحب الحدائق و الجواهر،و بعضهم عممه لهما معا،كالسيد الحكيم و السيد اليزدي.

و نحن نميل إلى رأيهما،و نرى أن المعيار لجواز الطلاق هو تعذّر الإنفاق، سواء أ كان سببه فقر الزوج و عجزه،أم عناده و عصيانه،و سواء أ كان الزوج حاضرا،أم غائبا،لأن السبب الموجب هو عدم وصول الزوجة إلى حقها في

ص:53

النفقة،و لأن قول الإمام عليه السّلام:«لم يطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الإمام أن يفرق بينهما»عام و شامل لكل زوج لا ينفق على زوجته لعسر أو عصيان،حاضرا كان أو غائبا.و في أيّامنا طلق العلماء الكبار العديد من النساء،لامتناع الزوج عن الإنفاق،فالسيد محسن الأمين طلق زوجة رجل حكم عليه بالسجن المؤبد، و السيد عبد الحسين شرف الدين طلق زوجة مهاجر من الغازية،و السيد أبو الحسن الأصفهاني و كلّ بعض الشيوخ بطلاق العشرات من النساء العامليات، و بالأمس القريب و كلّ السيد الحكيم بطلاق زوجة مهاجر من صور.

و قد ذاكرت الكثير ممن أثق بعلمهم في ذلك فرأيتهم على يقين من جواز الطلاق لعدم الإنفاق،و لكنهم يحجمون خوفا أن تشيع الفوضى،و يتطفل من ليس أهلا للعلم،و لا أمينا على الدين،فيجري الطلاق قهرا عن الزوج دون أن تتوافر المسوغات الشرعية،و الأسباب الموجبة.و الحل الوحيد أن يتولى ذلك من تسالم العارفون به على اجتهاده و عدالته و تحفظه.

ص:54

الظهار و الإيلاء و اللعان

الظهار:

و هو أن يقول الرجل لزوجته:أنت علي كظهر أمي،و قد اتفقوا على أنّه إذا قال لها ذلك فلا يحل له وطؤها حتى يكفّر بعتق رقبة،فإن عجز عنها صام شهرين متتابعين،فان عجز عن الصيام أطعم ستّين مسكينا.

و اتفقوا على أنّه إذا وطأ قبل أن يكفر يعتبر عاصيا،و أوجبوا عليه،و الحال هذه،كفارتين.

و اشترطوا لصحة الظهار أن يقع بحضور عدلين يسمعان قول الزوج،و ان تكون الزوجة في طهر لم يواقعها فيه تماما كما هو الشأن في المطلقة،كما اشترط المحققون منهم أن تكون مدخولا بها،و إلاّ لم يقع الظهار.

و الأصل في جعل الظهار بابا من أبواب الفقه عند المسلمين ما جاء في أول سورة المجادلة،فقد ذكر صاحب«مجمع البيان»أن أحد أصحاب الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و هو أوس بن صامت كانت له امرأة حسنة الجسم،فرآها ساجدة في صلاتها،فلما انصرفت أرادها،فأبت عليه،فغضب،و قال:أنت علي كظهر أمي،ثم ندم على ما قال:و كان الظهار من طلاق أهل الجاهلية،فقال لها:ما أظنك إلاّ حرمت عليّ.قالت:لا تقل ذلك،و اذهب إلى الرسول فاسأله.قال:استحي أن

ص:55

أسأله عن مثل هذا.قالت:دعني أنا أسأله.قال سليه.

فذهبت إلى النبي،و عائشة تغسل رأسه:فقالت:يا رسول اللّه ان زوجي أوس تزوجني،و أنا شابة غنية ذات مال و أهل حتى إذا أكل مالي و أفنى شبابي، و تفرق أهلي،و كبر سني ظاهر،ثم ندم،فهل من شيء يجمعني و إياه فتنعشني به؟ قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ما أراك إلا حرمت عليه.و قالت:يا رسول اللّه و الذي أنزل عليك الكتاب ما ذكر طلاقا،و أنّه أبو ولدي،و أحب الناس إليّ.فقال لها:لم أومر بشأنك.فجعلت تراجع رسول اللّه،فإذا دافعها الرسول هتفت،و قالت:أشكو إلى اللّه فاقتي و حاجتي و شدة حالي فانزل اللهم على نبيك ما يكشف كربي، و أعادت على الرسول،و استعطفته قائلة:جعلت فداك يا نبي اللّه انظر في أمري.

فقالت لها عائشة:أقصري حديثك و مجادلتك،أما ترين وجه رسول اللّه؟!و كان إذا نزل عليه الوحي أخذه مثل السبات.

ثم التفت إليها الرسول،و قال:ادعي زوجك،و لما أتاه تلا عليه قوله تعالى:

قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَ تَشْتَكِي إِلَى اللّهِ وَ اللّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، اَلَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً وَ إِنَّ اللّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ، وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا،فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ .

و لما انتهى الرسول من التلاوة قال للزوج:هل تستطيع أن تعتق رقبة؟قال:

اذن يذهب مالي كله.فقال:هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟قال:و اللّه إذا

ص:56

لم آكل كل يوم ثلاث مرات كلّ بصري،و خشيت أن تعشى عيناي.قال:هل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟قال:إلاّ أن تعينني على ذلك يا رسول اللّه.فقال:

اني معينك بخمسة عشر صاعا،و أنا داع لك بالبركة.فأخذ أوس ما أمر له به الرسول و أطعم المساكين و أكل معهم،و اجتمع أمره مع زوجته.

الإيلاء:

الإيلاء أن يحلف الزوج باللّه على ترك وطء زوجته،و الأصل فيه الآية 226 من سورة البقرة لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ .

و اشترط الفقهاء أن تكون الزوجة مدخولا بها،و إلاّ لم يقع الإيلاء.

و اتفقوا على أن الإيلاء يقع إذا حلف الزوج على ترك وطء الزوجة مدّة حياتها،أو مدّة تزيد على أربعة أشهر (1).

و اتفقوا على أنّه إذا وطأ في الأربعة الأشهر يكفّر،و يزول المانع من استمرار الزواج.

و ان مضى أكثر من الأربعة أشهر،و لم يطأ،فإن صبرت و رضيت فلها ذلك، و لا يحق لأحد أن يعترض،و ان لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم،و بعد مضي الأربعة الأشهر (2)يجبره على الرجوع أو الطلاق،فان امتنع ضيّق عليه،و حبسه حتى يختار أحد الأمرين،و لا يحق للحاكم أن يطلق قهرا عن الزوج.

ص:57


1- السر في تحديد المدّة بذلك أن للزوجة حق المواقعة مرّة في كل أربعة أشهر على الأقل.
2- قال أكثر الفقهاء:ان الحاكم يؤجل الزوج أربعة أشهر من حين رفع الأمر إليه،لا من حين الحلف

و اتفقوا على أن كفارة اليمين أن يخير الحالف بين إطعام عشرة مساكين،أو كسوتهم،أو تحرير رقبة،فان لم يجد فصيام ثلاثة أيام.

و كل يمين لا تنعقد إلاّ إذا كان المقسم به ذات اللّه المقدسة،و لا تنعقد أيضا من الولد و الزوجة مع منع الوالد و الزوج إلاّ في فعل الواجب،أو ترك المحرم.و لا تنعقد أيضا من أحد كائنا من كان إذا حلف على الإتيان بفعل تركه أولى من فعله، أو حلف على ترك فعل فعله أولى من تركه،إلاّ يمين الإيلاء فإنها تنعقد مع أنّ تركها أولى.

اللعان:

اللعان في اللغة الطرد و الابعاد،و في الشريعة المباهلة بين الزوجين على وجه معين،و غايتها رفع الحد عن الزوج الذي يقذف زوجته بالزنا،أو نفي الولد عنه،و لا تشرع إلاّ في موردين:

الأول:أن يقذف بالزنا زوجته الشرعية التي عقد عليها بالعقد الدائم،و أن تكون الزوجة سالمة من الصمم و الخرس،و أن يدعي المشاهدة،و ان لا تكون له بينة شرعية على الزنا،فإذا انتفى واحد من هذه الشروط،كما لو كانت بالمنقطع، أو كانت صماء أو خرساء أو لم يدع المشاهدة أو كانت له بينة فلا لعان.

المورد الثاني:أن ينكر من ولدته على فراشه،و يمكن أن يلحق به،و ذلك أن تضعه لستة أشهر فصاعدا من حين الوطء،و لم يتجاوز أقصى مدّة الحمل، و إلاّ انتفى عنه من غير لعان.

و إذا تمت الشروط،و رمى الرجل زوجته بالزنا،أو نفى الولد عنه فعليه حد القذف إلاّ أن يقيم البينة،أو يلاعن،و صورة الملاعنة أن يقول عند الحاكم

ص:58

الشرعي:أشهد باللّه اني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة أربع مرات، و يقول في الخامسة بعد ان يعظه الحاكم:و عليه لعنة اللّه ان كان من الكاذبين.

ثم تشهد المرأة باللّه أربع مرات انه لمن الكاذبين فيما رماها به،ثم تقول:ان غضب اللّه عليها ان كان من الصادقين.

و الأصل في ذلك الآية 7 من سورة النور وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ، وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ، وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ، وَ الْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ .

و يجب ان يكونا قائمين عند الملاعنة،و متى تمت الملاعنة الجامعة لشروطها ترتب عليها الأحكام التالية:

1-انفساخ عقد الزواج،قال صاحب الجواهر:ليس اللعان طلاقا لغة و لا شرعا و لا عرفا،فلا يشترط فيه اجتماع شروط الطلاق،و لا تلحقه أحكامه.

2-تحرم المرأة على الرجل الملاعن حرمة مؤبدة و لا يجوز له ان يرجع إليها أو يعقد عليها بعقد جديد،قال صاحب الجواهر:بلا خلاف و لا اشكال نصا و إجماعا.

3-انتفاء حد القذف عن الرجل،لأن يمينه أربع مرات بمنزلة البينة المؤلفة من أربعة شهود.

4-انتفاء الولد عن الرجل شرعا،أي لا يتوارثان،و لا يجب نفقة أحدهما على الآخر،أما بالنسبة إلى المرأة فهو ولدها الشرعي،و هي أمة الشرعية.

ص:59

كتاب القضاء

القضاء

معناه:

للقضاء معان في اللغة،منها الإتمام،كقوله سبحانه إِلاّ حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها أي أتمها،و منها القضاء عليه بالقتل،كقوله تعالى فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ أي قتله،و منها الحكم،كقوله سبحانه وَ اللّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ .

و هذا هو الذي عقد الفقهاء له باب القضاء،و لكن أرادوا الحكم بين المتخاصمين،لقطع الخصومات،و رفع المنازعات،و منع الظالم عن ظلمه، و تكلموا في هذا الباب عن الحاكم و شروطه،و الطرق التي يستند إليها في حكمه كالإقرار أو الشهادة أو اليمين أو النكول عنها أو الاستفاضة أو القرائن.

القاضي و المفتي و المجتهد و الفقيه:

ان وظيفة القاضي هي إلزام أحد المتخاصمين بما عليه للآخر بعد أن يثبت ذلك لديه،و وظيفة المفتي بيان الحكم الشرعي،حتى مع عدم الخصومة، و المجتهد من يستدل على الحكم،و الفقيه هو العالم بالحكم عن دليله.و صفات الجميع واحدة،و التغاير بالحيثية فقط،فالشخص الواحد الجامع للصفات يسمى قاضيا باعتبار حكمه على الافراد بأحكام خاصة،و مفتيا باعتبار اخباره عن

ص:60

الحكم،و مجتهدا باعتبار استدلاله عليه،و فقيها باعتبار علمه به.

منصب القضاء:

جاء عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:من جعل قاضيا بين الناس فقد ذبح بغير سكين.

و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:القضاة ثلاثة:قاضيان في النار،و قاض في الجنة،قاض قضى بالحق فهو في الجنة،و قاض قضى بالهوى فهو في النار،و قاض قضى بغير علم فهو في النار.

و أيضا:القاضي على شفير جهنم.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان عليا أمير المؤمنين عليه السّلام قال لشريح:يا شريح قد جلست مجلسا لا يجلسه إلاّ نبي أو وصي نبي أو شقي.

و أيضا قال الصادق عليه السّلام:من حكم في درهمين بغير ما أنزل اللّه عزّ و جلّ فهو كافر.

واجب كفائي:

القضاء من فروض الكفايات،تماما كالجهاد و الأمر بالمعروف و نصرة المظلوم إذا قام به البعض سقط عن الكل،و ان تركه الكل أثموا،و قد يصير القضاء واجبا عينيا بالعرض،كما لو لم يوجد أهل للقضاء سواه،و دعت إليه الحاجة.

1-الشروط:

بديهة أن العقل و البلوغ من الشروط الأساسية في القاضي.أما الإسلام فقد

ص:61

استدلوا على شرطيته بقوله تعالى وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (1).و قال الامام الصادق عليه السّلام:«إياكم ان يحاكم بعضكم بعضا إلى أهل الجور،و لكن انظروا الى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا فاجعلوه بينكم،فإني قد جعلته قاضيا،فتحاكموا اليه».و الشاهد في قوله:«منكم».

2-طهارة المولد:

طهارة المولد،فقد اشترطها الفقهاء،و قالوا بأن ابن الزنا لا يجوز ان يتولى القضاء.و لكن لا دليل على قولهم من العقل أو النقل بشهادة صاحب الجواهر، حيث قال:«العمدة الإجماع المحكي و الا فمقتضى العمومات دخوله».

و على افتراض صحة الحكاية،و ان الإجماع متحقق واقعا فان هذا الإجماع ليس بحجة،لما سبق مرات من ان الإجماع عند الإمامية انما يكون حجة مع العلم بأنه يكشف عن قول المعصوم،و نحن نجزم بالعكس و عدم كشفه هنا عن قول المعصوم،لأن الفقهاء أنفسهم استدلوا على شريطة طهارة المولد بأن ابن الزنا اما كافر،و اما مسلم غير مقبول الشهادة،و إذا لم تقبل شهادته فقضاؤه أولى و قولهم هذا يتنافى مع قوله تعالى وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (2).

3 الحرية:

الحرية،فقد ذهب جماعة من الفقهاء إلى انّها ليست بشرط لأصل و لا طلاق أدلة تولي القضاء و شمولها لكل من له الأهلية حرا كان أو عبدا،قال

ص:62


1- النساء:140. [1]
2- الانعام 164». [2]

صاحب ملحقات العروة الوثقى:«قال جماعة بأن الحرية شرط،بل نسب إلى الأكثر،و لا دليل على ذلك.فالأظهر عدم اشتراطها إذا أذن له مولاه».و قال صاحب الشرائع و الجواهر:ان الحرية ليست بشرط و قال صاحب المسالك:ان شرط الحرية مجرد دعوى.

4 الذكورية:

الذكورية،قال صاحب الجواهر:للإجماع،و لحديث:«لا يفلح قوم وليتهم امرأة».و في آخر:«لا تتولى المرأة القضاء».

5 العدالة:

العدالة،و هي من أهم الشروط،و لا يجدي العلم بدونها شيئا بالغا ما بلغ إجماعا و نصا،و كفى بقول الإمام عليه السّلام لشريح:لا يجلس مجلسك هذا إلاّ نبي،أو وصي أو شقي،كفى به شاهدا.و قال الإمام الصادق عليه السّلام:اتقوا الحكومة،فإن الحكومة انما هي للإمام العالم العادل بين المسلمين،لنبي أو وصي نبي.و سبق الكلام عن معنى العدالة في«باب الشهادات-فقرة العدالة».

و فرّع الفقهاء على ذلك فروعا،منها ما ذهب إليه جمع من الفقهاء من أن صاحب الحق لا يجوز له أن يرفع دعواه لغير العادل،حتى و لو انحصر تحصيل حقّه بهذا الترافع،بحيث لولاه يذهب هدرا و ضياعا،و قال آخرون:يجوز إذا كان حقه ثابتا،و لا سبيل للحصول عليه إلاّ بهذا الترافع.

و منها ان صاحب الحق إذا استطاع الحصول على حقه بدون الترافع إلى غير العادل،و مع ذلك ترافع إليه،و حكم بالحق فلا يجوز له أن يأخذ الشيء المحكوم

ص:63

به،و ان كان حقا له عملا بقول الإمام الصادق عليه السّلام في رواية ابن حنظلة:«فإنما يأخذ سحتا،و ان كان حقا ثابتا له».

و فرّق بعضهم بين الدّين و العين،فأباح أخذ المحكوم به بالحق ان كان عينا،و منع أخذه ان كان دينا،و لم يفرق السيد الحكيم في الجزء الأول من المستمسك بين العين و الدين،و حكم بتحريم أخذ كل منهما مع كونه حقا.

و الصحيح ان لصاحب الحق أن يستعين بالحاكم الجائر للحصول على حقه إذا انحصر بالرجوع إليه،بحيث لا يجد وسيلة سواه من غير فرق بين أن يكون الحق عينا أو دينا،لأن دفع الضرر عن النفس جائز شرعا بحسب الظرف،و قد يجب،و لا يتم إلاّ بالرجوع إلى الجائز،فيكون جائزا أو واجبا،أما الإثم و الحرام فهو على من امتنع عن دفع الحق،لا على من أخذ حقه،قال صاحب الجواهر:

«لو توقف حصول حقه على مراجعة الجائر جاز،و لو لامتناع الخصم عن المرافعة إلاّ إلى الجائر،تماما كما يجوز الاستعانة بالظالم على تحصيل حقه المتوقف على ذلك،و الإثم حينئذ على الممتنع-ثم استدل صاحب الجواهر-بأن الإمام عليه السّلام سئل عن تفسير قوله تعالى وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ .فكتب هو أن يعلم الرجل أنّه ظالم،فيحكم له القاضي،فهو غير معذور في أخذ ذلك الذي حكم به إذا كان قد علم أنّه ظالم».

و معنى هذا أنّه معذور في أخذ ما حكم به إذا كان حقا في الواقع.

6 الاجتهاد:

الاجتهاد،و هو محرم و جائز،و يقوم المحرم على أساس الظنون و الترجيحات و الاستحسانات،و لا يصل إلى درجة الجزم بإدراك العقل،مثل أن

ص:64

ابن الزنا لا يجوز له أن يقضي بين الناس،لأن الطباع تنفر منه،و العبد لا يحق له أن يتولى القضاء،لأنه مأمور مقهور،و القاضي آمر قاهر.

و يقوم الجائز على أساس الكتاب و السنة و إدراك العقل القطعي،مثل قبح العقاب بلا بيان،و ان المسبب يوجد بوجود سببه،و يزول بزواله،و يتلخص بأنه استخراج الحكم الشرعي من مصدره المقطوع به،سواء أ كان هذا المصدر النقل أو العقل،ثم تطبيق هذا الحكم على مورده.

و المجتهد الذي يستنبط الحكم من مصدره،و يطبقه على مورده على قسمين:مطلق،و متجزي،و المطلق من له ملكة الاستنباط و التطبيق لجميع الأحكام الشرعية دون استثناء،و المتجزي من يستطيعهما في بعض الأحكام دون بعض.و قد اختلف الفقهاء في إمكانه،فذهب إليه قوم و أحاله آخرون.

و قد درست هذه المسألة و درّستها.و راجعتها مرات،و كتبتها أكثر من مرّة، و في كل مرّة أدقق مليا فأصل إلى هذه النتيجة:و هي ان ملكة الاجتهاد لا تتجزأ، و ان من كانت له القدرة على استنباط البعض كانت له على الكل،و من فقدها في الكل فقدها في البعض.

و تقول:يمكن الاجتهاد في بعض الأحكام بالبديهة،كمسألة ان وقت صلاة الصبح بعد طلوع الفجر،و قبل شروق الشمس،و ما إليها.

و الجواب:ان هذه المسألة و نحوها ليست محلا للاجتهاد،و لا للتقليد لأنها من البديهيات التي يشترك في معرفتها العالم و الجاهل.

و مهما يكن،فإن القضاء و الإفتاء لا يجوزان إلاّ للمجتهد المطلق (1)،قال

ص:65


1- لا يشترط الحنفية العدالة و العلم بالقاضي و المفتي،فقد جاء في متن الكتاب المعروف بابن عابدين ج 4 ص 212 طبعة 1325 ه باب القضاء ما نصه بالحرف:«و الفاسق أهل للشهادة فيكون أهل للقضاء»و في فتح القدير ج 5 ص 456 باب القضاء:«أما تقليد الجاهل فصحيح عندنا».

صاحب مفتاح الكرامة في المجلد العاشر أول باب القضاء:«لا يكفي التجزي إجماعا،كما هو ظاهر كتاب المسالك،و كتاب الكفاية،مضافا إلى قول الإمام الصادق عليه السّلام:انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا،و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا،فارضوا به حكما.فأحكامنا جمع مضاف إلى المعرفة يفيد العموم».

7 الضبط:

أن يكون ضابطا،بحيث لا يغلب عليه الذهول و النسيان احترازا من ضياع الحق على أهله.

قاضي التحكيم:

قاضي التحكيم هو الذي تراضى به الخصمان للحكم بينهما،و يشترط فيه ما يشترط في غيره من العدالة و الاجتهاد المطلق،و عليه فلا جدوى من الكلام فيه،لأن القاضي ان توافرت فيه الشروط كاملة جاز الترافع عنده،سواء أرضي به الخصمان أو لا،و ان لم تتوافر فيه الشروط فلا ينفذ حكمه،حتى و لو اتفقت عليه كلمة الانس و الجن.و الفقهاء فرضوا وجود قاضي التحكيم في زمن حضور الإمام عليه السّلام و وجود قاض خاص منصوب من قبله،أما اليوم فقد نصب بصورة عامة كل من توافرت فيه الشروط بعد أن ثبت قوله عليه السّلام:«انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضايانا،فاجعلوه بينكم،فإني قد جعلته قاضيا،فتحاكموا إليه».

ص:66

قال صاحب الجواهر:«يشترط في قاضي التحكيم جميع ما يشترط في القاضي المنصوب عن الإمام عدا الاذن»أي ما عدا النص عليه من الإمام بالخصوص.

حكم المجتهد:

تسالم فقهاء الإمامية على أن للّه في كل واقعة حكما يصيبها من أصاب، و يخطئها من أخطأ،و للمخطئ أجر،و للمصيب أجران،كما في الحديث الشريف،قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان اللّه تعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء، حتى و اللّه ما ترك شيئا يحتاج إليه العباد،فلا يستطيع عبد أن يقول:لو كان هذا أنزل في القرآن.

و أيضا قال:ما من شيء إلاّ و فيه كتاب أو سنة.

و قال:في الجامعة كل حلال و حرام،و كل شيء يحتاج إليه الناس،حتى الأرش في الخدش.

و حكم المجتهد لا يغير الحكم الواقعي عما هو عليه،فلو ظهر لمجتهد آخر جامع للشروط خطأ المجتهد الأول بطريق القطع و اليقين،لا بطريق النظر و الاجتهاد جاز له نقضه،و الحكم بخلافه،و إليك التوضيح:

إذا اختلف مجتهدان جامعان للشروط،اختلفا في النظر و الاجتهاد،مثل أن يرى أحدهما أن زواج البنت لا يصح من غير اذن الولي،و يرى الآخر الصحة، حتى و لو لم يأذن الولي،ثم حكم هذا بصحة زواج هند بدون اذن وليها،فليس للمجتهد الذي يرى فساد العقد أن ينقض هذا الحكم،بل عليه أن يقره و يعمل به،لأن المفروض أن كلا منهما يعتمد الظن و الاجتهاد الذي يحتمل الصواب

ص:67

و الخطأ،فنقض أحدهما بالآخر ترجيح بلا مرجح،إذ النظرية الخاصة لا تكون دليلا على فساد نظرية خاصة مثلها.

و إذا اعتمد الحاكم الأول على النظر،و تبين للثاني الخطأ لا بالاجتهاد و النظر،بل بدليل قاطع،كإجماع محصل،أو آية صريحة،أو حديث متواتر، بحيث يكون هذا الدليل القطعي معيارا للحق عند جميع المجتهدين،إذا كان الأمر كذلك جاز الثاني أن ينقض حكم الأول،بل يجب عليه ذلك،و بالإيجاز أن المعيار لنقض الحكم هو العلم بمخالفته للواقع،لا لمخالفته لاجتهاد فلان.

و كذا يجوز نقض الحكم،مع العلم بتقصير الحاكم للاجتهاد،و إهماله الموازين الشرعية.هذا شأن الحكم بالقياس إلى حاكم آخر،أما لو حكم لأحد المتخاصمين بغير حقه،فلا يجوز للمحكوم له العالم بذلك أن يأخذ الشيء المحكوم به فيما بينه و بين اللّه،لأن حكم الحاكم لا يغير الواقع عما هو عليه،قال صاحب الجواهر:«الحكم عندنا ينفذ ظاهرا،لا باطنا،و لا يستبيح المشهود له ما حكم له به إلاّ مع العلم بصحة الشهادة،أو الجهل بحالها».

تحاكم أهل الكتاب عند قاض مسلم:

في كتاب الجواهر باب الجهاد بحث مفيد يتناسب مع ما نحن بصدده نلخصه بما يلي:

لو تحاكم غير المسلمون عند قاض مسلم فهل يحكم بأحكام دينهم،أو بحكم الإسلام.

الجواب:على القاضي أن ينظر،فإن كان المتخاصمان ذميين كان مخيرا بين أن يحكم بحكم الإسلام،و بين الاعراض عنهما،و عدم سماع الدعوى بالمرة

ص:68

للآية 42 من سورة المائدة فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً.وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ .

و سئل الإمام جعفر الصادق عليه السّلام:عن رجلين من أهل الكتاب بينهما خصومة ترافعا إلى حاكم منهم،و لما قضى بينهما أبى الذي قضى عليه،و طلب أن يحاكم عند المسلمين،فقال الإمام عليه السّلام:يحكم بينهما بحكم الإسلام.

و إذا كانا حربيين فلا يجب على القاضي أن يحكم بينهما،إذ لا يجب دفع بعضهم عن بعض،كما هي الحال في أهل الذمة.

و إذا كان ذميا و مسلما،أو حربيا و مسلما وجب على القاضي قبول الدعوى،و ان يحكم بينهما بما أنزل اللّه،لقوله تعالى في الآية 49 من سورة المائدة وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ،وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ،وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ .

و لو استعدت زوجة الذمي على زوجها حكم عليه بحكم الإسلام.

و بالتالي فقد تبين مما تقدم أن علينا نحن المسلمين أن نبني على صحة المعاملات التي تجريها الطوائف غير الإسلامية إذا كانت على طبق دينهم ما داموا لم يتقاضوا إلينا،أما إذا تحاكموا عندنا فيجب أن نحكم عليهم بحكم الإسلام في جميع الحالات،كما تقتضيه عموم الآيات و الأحاديث الدالة على وجوب الحكم بالحق و العدل.

ص:69

الدعوى

اشارة

(1)

معناها و أركانها:

الدعوى هي مطالبة شخص شخصا آخر بحق يدعيه عليه،و قد يكون هذا الحق عينا،أو دينا،أو خيارا،أو شفعة،أو بنوّة أو زوجية،أو جناية،و ما إلى ذاك.

و أركانها ثلاثة:المدعي و المدعى عليه،و المدعى به،أمّا شروط الدعوى فكثيرة،منها ما يعتبر في المدعي،و منها في المدعى عليه،و منها في المدعى به، و تتضح عند الكلام في كل واحد من الثلاثة:

المدعي:

اشارة

نتكلم أولا في تعريفه،و ثانيا في شروطه،و ثالثا في وظيفته.

و المدعي هو الذي لو سكت لسكت عنه،أي إذا ترك الخصومة لا يجبر عليها،سواء أسبق إلى رفع الدعوى،أو سبقه إليه خصمه.و بكلمة:ان المدعي هو المهاجم،و المدعى عليه هو المدافع.و يتفق هذا،مع ما نقل عن القانون

ص:70


1- من هنا إلى آخر باب القضاء و مسائله نقلناه بالحرف عن كتابنا«أصول الإثبات»حيث لا جديد لدينا نضيفه إليها،و الغرض أن نجمع أبواب الفقه بكاملها في أجزاء«فقه الإمام الصادق عليه السّلام». [1]

الفرنسي من أن المدعي هو الذي يدعي ضد الواقع الذي كان من قبل،و منه يعرف المنكر،و أنّه الذي يسكت إذا سكت عنه،و يأتي إنكاره وفق الواقع الذي يستدعيه الأصل.و قد يتحول المنكر إلى مدّع،و المدعي إلى منكر،كما لو ادعى شخص على آخر بدين،فادعى هذا الشخص الوفاء و التسديد،فيكون مدعيا، و يكلف بالإثبات.

المتداعيان:

قد يصدق تعريف المدعي على أحد المتخاصمين دون الآخر،فيكون هو المدعي،و الثاني منكرا،و قد يصدق عليهما معا،كما إذا اتفق صاحب بنائه مع شخص على أجار شقة منها بمبلغ معين،و قبل أن ينتقل المستأجر وقع الخلاف بينهما على تعيين الشقة،فقال المستأجر:هي الغربية،و قال المالك:بل هي الشرقية،فيكون كل منهما-في مثل هذه الحال-مدعيا و منكرا في آن معا،لأن المالك يدعي وقوع الإجار على الشرقية،و ينكر وقوعه على الغربية،و المستأجر يدعي وقوعه على الغربية،و ينكر وقوعه على الشرقية.و الفقهاء يسمون هذين بالمتداعيين،و دعواهما بالتداعي.و على القاضي أن يطبق على كل منهما قاعدة المدعي و المنكر في آن واحد،ذلك أن ينظر:فان كان لأحدهما بينة دون الآخر أخذ بها،و ان كان لكل منهما بينة أخذ بأقوى البينتين،و ان تساوتا في القوة سقطتا،و عاد كل شيء إلى ما كان قبل الإجار،أي يحكم القاضي بفسخ الإجار من الأساس.

و ان لم يكن لهما،و لا لأحدهما بينة عرض القاضي عليهما اليمين،فإن حلف أحدهما،و نكل الآخر أخذ بقول الحالف،و ان نكلا،أو حلفا معا فسخ

ص:71

الإجار،كما فعل عند تساوي البينتين.

شروط المدعي:
اشارة

يشترط في المدعي أمور (1):

1-العقل

،و دليل هذا الشرط البديهة و الضرورة.

2-البلوغ

،فلا تسمع الدعوى من الصبي،حتى و لو كان مميزا،لعدم صحة الإقرار منه،و لا حلف اليمين.و قال السيد كاظم في«ملحقات العروة»:

تسمع منه بعض الدعاوي،كما لو ادعى أن شخصا اعتدى عليه،و اغتصبه نفسه، أو جنى عليه بالضرب،أو سلبه ما في يده من مال أو متاع،بخاصة إذا خيف فرار المدعى عليه،و تفويت الحق على الصبي.أجل،إذا ثبت حقه لا يسلم إليه،بل إلى وليه.و الذي نراه أن الصبي المميز يملك جميع التصرفات التي تعود عليه بالنفع و الصلاح،و ليس للولي حاكما كان أو غير حاكم أن يبطلها،لأن شرط البلوغ و الرشد إنما أخذا كوسيلة إلى مصلحة الصبي،لا غاية في نفسها.و قول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم«رفع القلم عن الصبي،حتى يبلغ»أراد بها رفع المؤاخذة و العقاب،بصرف النظر عن صحة معاملاته أو بطلانها.

و لست أفهم لما ذا لم تقبل الدعوى من الصبي المميز،إذا كان يقوى على المرافعة و المدافعة بأكمل الوجوه.و لنفترض أن أبا الصبي،أو وصيه بذر

ص:72


1- من طريف ما قرأت في شروط سماع الدعوى ما نقل عن القانون الانكليزي المعروف ب 14 اغسطس من عدم سماع الدعوى كلية ممن أكثر من رفع الدعاوي الباطلة،فتوصد في وجهه جميع أبواب المحاكم إلاّ بإذن خاص من القضاء يسمح له بتقديم الدعوى.

و أسرف في ماله،حتى أوشك أن يتلف كله،أو جله،و لم يرفع الدعوى عليه أحد،فهل يترك للولي أو الوصي أن يتماديا في الغي،و لا تقبل الدعوى من الصبي عليهما القادر على المحافظة على حقه،لا تقبل منه،لأنه لم يبلغ السن المحددة؟.و ليس من شك أن الدين و العقل يحتمان قبول الدعوى منه،و يدعان له الحرية الكاملة في الأدلاء بما يشاء،كما يحتمان على القاضي البحث و التدقيق و الفصل بالحق.

3-ان يكون رشيدا

،فلا تسمع الدعوى من السفيه المحجر عليه،إذا استدعت التصرف بالمال،و إلاّ سمعت منه،كدعوى الاعتداء عليه،و ما إليها.

و ما قلناه في الصبي نقوله في السفيه من أن تصرفاته النافعة نافذة مهما كان نوعها.

4-أن تكون الدعوى لنفسه،أو لمن له الدعوى عنه بالولاية،أو الوكالة

، أو الوصاية،أو القيمومة،أو الأمانة،أو الحسبة (1).و بكلمة.ينبغي أن يكون المدعي صاحب علاقة بنحو من الأنحاء،أما إذا كان أجنبيا من كل وجه فلا تقبل دعواه،و تسمى مثل هذه الدعوى تبرعية.

5-ذهب جماعة من الفقهاء إلى أن من جملة ما يشترط في سماع

الدعوى أن يكون المدعي جازما بما يدعيه

،فلا تسمع منه ان كان ظانا،أو محتملا،و قال آخرون:ليس الجزم شرطا،بل يكفي مجرد الخصومة،و ان كان

ص:73


1- من أمثلة الحسبة أن يدعي شخص على ميت بدين،و له صغار،و فرض أن رجلا أجنبيا يعلم أن الميت قد سدد هذا الدين،و له شهود على الوفاء،فله و الحال هذه،أن يرفع الدعوى لدى القاضي ببراءة ذمة الميت،و كذا إذا ادعى على صديق له غائب.و من أمثلة الحسبة أيضا أن يفرط الولي،أو الوصي بالشيء المولى عليه،فللأجنبي أن يرفع عليهما الدعوى بقصد الإحسان و المعروف،لا بقصد النكاية و التشهير لحزازات بينه و بينهما،و للقاضي أن يسمع الدعوى منه.أما الأمانة فهي أن يأتمنك إنسان على مال،فيعتدي عليه آخر.فلك أن تقيم الدعوى عليه،لأنك مسؤول عن الامانة.

سببها الظن،أو الوهم.و هذا هو الحق،بخاصة إذا لم تكن الواقعة المتنازع عليها من فعل المدعي،كالقتل و السرقة،و التهاون بالأمانة،و ما إلى ذاك.

وظيفة المدعي:

اتفقت جميع الشرائع:قديمها و حديثها،الوضعية و السماوية،على أن البيّنة على من ادعى،و اليمين على من أنكر،فإذا ادعيت على شخص بدين أو جناية فعليك أن تقيم الدليل على ذلك،لأن الأصل براءة الذمة،حتى يثبت العكس.قال صاحب الجواهر:الأصل دليل قوي،و الخروج عنه يحتاج إلى دليل أقوى،فإذا أقمت الدليل على الدين،و ادعى غريمك الوفاء يصير مدعيا،و عليه عبء الإثبات،حيث ينعكس الأصل،و يحكم ببقاء الدين بعد العلم بوجوده، حتى يعلم بالوفاء و التسديد.

و ليس معنى«على المدعي البينة،و على المنكر اليمين»أن البينة لا تقبل من المنكر إطلاقا،بل تسمع منه في بعض الصور،و ذلك إذا رجع النفي إلى الإثبات.

و يعبر عنها الحقوقيون الجدد ببينة العكس.و مثال ذلك أن تدعي امرأة على رجل أنّها زوجته الشرعية،فينكر و يقيم البينة على أنّها زوجة شرعية لغيره،أو يدعي شخص على آخر أنّه أتلف ماله،فيقيم المدعي عليه بينة على أن المتلف غيره،لا هو،لاطلاعه على ذلك.أما إذا لم ترجع بينة المنكر إلى الإثبات فلا تسمع منه، لأن البينة على النفي المحض مستحيلة في ذاتها،و من الذي يعلم أن زيدا-مثلا- لم يقترض مالا من خالد،أو غيره؟

ص:74

المدعى عليه:

يشترط في المدعى عليه:
1-أن يكون عاقلا بالغا

،و من كان له حق على مجنون أو صبي أقام الدعوى بوجه الولي.و بناء على ما اخترناه يجوز للقاضي أن يدخل الصبي في الدعوى المقامة عليه،بحيث يشترك مع الأب أو الوصي في الدفاع،هذا إذا كان الصبي مميزا قادرا على المدافعة.

2-قال بعض الإمامية:يجب أن يكون المدعى عليه معينا بالذات

،فلو قال المدعي:سرق مالي أحد هذين لا تسمع منه.و ذهب المحققون منهم إلى صحة السماع،و عدم اشتراط التعيين،غير أن القاضي يحفظ الدعوى بجميع توابعها و أدلتها،إلى أن يعرف المدعي غريمه بالذات.

و تجوز الدعوى على الغائب،و يباع ماله في قضاء دينه بعد ثبوته،و لكن لا يدفع إلى الدائن إلاّ بكفيل،و يكون الغائب على حجته.

المدعى به:

يشترط في المدعى به:
1-أن يكون معلوما

،فلو ادعى شخص على آخر بمجهول كما لو قال:

لي عليه شيء،أو ثوب،أو كتاب لا تسمع دعواه،حتى يذكر كل الصفات المميزة.لأن الحكم تابع للدعوى.فان كانت مجهولة يكون الحكم كذلك، و يتعذر التنفيذ.و استثنى الفقهاء دعوى الوصية بالمجهول لأن الوصية به جائزة،

ص:75

و قالوا:لو ادعى شخص على الوارث بأن مورثه بأن مورثه أوصى له بشيء سمع منه،فإذا أقام البينة على صدق دعواه ترك الخيار للوارث في التعيين.و يقبل منه أقل شيء له ثمن،كثوب،أو عصا،و ما إلى ذلك.

2-أن يكون وقوع المدعى به معقولا

،فلو ادعى من لا يملك شيئا على آخر أنّه اقترض منه مليون ليرة أو ما أشبه.لا تسمع الدعوى.و كذا لو ادعى الأصغر على الأكبر منه سنا أنّه ولده،أو ادعى الأعمى أنّه رأى الهلال.

3-أن يصح تملك المدعى به

،فلو ادعى بدين سببه القمار،أو الربا،أو أي شيء محرم لا تسمع الدعوى.

4-أن تكون الدعوى منتجة

،فلا تسمع إذا كانت عقيمة،كما لو تنازع اثنان في مقدار مساحة الكرة الأرضية،أو الشمس.و كذا لو ادعى شخص الهبة قبل القبض،لأنها غير لازمة في هذه الحال،حتى و لو اعترف المدعى عليه.

و خير ضابط لسماع الدعوى هو أن المدعى عليه لو أقر بما يدعيه خصمه لألزم بالأداء،و ان يكون هناك طريق لفصل الخصومة على تقدير إصرار المنكر على الإنكار،فإذا افترض ان المدعى عليه لا يلزم بشيء لو أقر و اعترف فلا تسمع الدعوى.و كذا لا تسمع إذا أقيمت بوجه الوصي أو الوكيل إذا لم يكن للمدعي بيّنة،لأن إقرارهما لا ينفذ بحق الموصي و الموكل،و اليمين لا تتجه عليهما بحال.

و على هذا فمن كان له حق على غائب فإن كانت له بينة رفع دعواه إلى القاضي.

و أدلى بها،و إلاّ أرجأ حقه إلى يوم يبعثون.و كذا من كان له دين على ميت إلاّ أن يدعي على الوارث أنّه يعلم بالدين،و حينئذ تتجه اليمين على الوارث بنفي العلم بالدين.

و بالتالي،فان من الدعاوي ما لا تقبل بحال،كدعوى المحال،و الدعوى

ص:76

العقيمة،و منها مال لا يقبل الإثبات ضدها بحال،كمن يدعي الإسلام،و منها ما يقبل الإثبات معها و عليها،و يأتي التفصيل.و الطرق التي يمكن الاعتماد عليها للإثبات في مقام النزاع و التخاصم هي:الإقرار،و الكتابة و القرائن،و البينة،و اليد، و العرف و الاستفاضة،و العلم و اليمين،و تسمى هذه أصول الإثبات.

ص:77

الإقرار

السكوت:

متى تمت الدعوى بجميع شروطها طلب القاضي من المدعى عليه الجواب،و هذا بدوره إما أن يسكت و يمتنع عن الإجابة،و إما أن يجيب بنفي العلم بالواقعة،و يقول:لا أعلم إثباتا،و لا نفيا،و إما أن يجيب بالإنكار،و إما بالإقرار.

و اختلف فقهاء الإمامية إذا سكت المدعي عليه،فمنهم من قال:يحبسه القاضي،حتى يجيب،لأن كل مدع له حق الجواب على المدعى عليه،كائنا من كان بخاصة في مقام الترافع،و قد امتنع عنه،فساغ حبسه.و جاء في الحديث:«ان الرجل يحبس إذا التوى على غرائمه».و ليس من شك أن المدعي غريم للمدعى عليه و قد حاول بامتناعه عن الجواب الالتواء و المماطلة.

و يلاحظ على هذا القول بأن في الحبس مماطلة أيضا،لأنه يوجب التأجيل،و هو ضرر على المدعي،و قد يؤدي إلى تضييع حقه كلية.

و قال آخرون:ان على القاضي في مثل هذه الحال أن يقول للمدعى عليه:

أجب،و إلاّ أعتبرك ناكلا،و أردّ اليمين على المدعي.فإن أصر على السكوت طبق عليه القاضي حكم الناكل،و حكم للمدعي بعد أن يحلف اليمين.

ص:78

و الأولى أن يترك تقدير ذلك إلى القاضي،فقد يرى من ظروف الدعوى و ملابساتها أن يعتبر الساكت ناكلا،و قد يرى تكليف المدعي بالإثبات.

نفي العلم:

إذا قال المدعى عليه:لا أعلم بأن هذه الدعوى حقّ،أو باطل.فعلى القاضي-و الحال هذه-أن يسأل المدعي:هل تصدقه في دعوى الجهل،أو تكذبه،و تجزم بأنه يتجاهل؟ فإن صدقه فلا تسمع الدعوى إلاّ مع البينة،حيث لا يمكن فصل الخصومة إلاّ بها،لأن اليمين على نفي الواقع لا تتجه على المدعى عليه،لجهله به،و كذا اليمين على نفي العلم،لأن المفروض أن المدعي يصدقه عليه،و لا يمكن رد اليمين على المدعي،لأن الرد فرع عن توجهها إلى المدعى عليه.فينحصر طريق الإثبات اذن بالبينة لا غير.

و كذا يكون الحكم لو قال المدعي:و أنا أيضا لا أعلم:هل يجهل المدعي، أو يتجاهل؟ أما إذا ادعى عليه العلم بحقه،و قال:انّه يتجاهل،و ليس بجاهل،فله، و الحال هذه،تحليفه على نفي العلم،فان نكل المدعى عليه عن اليمين و الرد معا حكم عليه،و ان حلف لم يحكم عليه بشيء.و لكن الدعوى لا تسقط بهذه اليمين سقوطا نهائيا،بل مؤقتا بحيث إذا توفرت البينة للمدعي بعد ذلك جاز له اقامة الدعوى من جديد،و الأدلاء ببينته،إذ المفروض أن المدعى عليه لم يحلف على نفي الواقع بما هو،بل على«نفي العلم»و هو يعلق الدعوى،و لا يفصلها من الأساس.

ص:79

هذا إذا سكت المدعى عليه:أو أجاب بنفي العلم،أما إذا أقر،و كان جائز التصرف فيحكم عليه بإقراره،و عقدنا فصلا مستقلا عن الإقرار،و المقر،و المقر له،و المقر به،فراجع.

الإقرار بحق الغير:

الإقرار حجة على المقر وحده،و هو الذي يؤخذ به دون سواه،فلو باع شخص عينا من آخر،و بعد أن تم البيع جاء ثالث،و قال:كنت قد اشتريت العين من قبل،فالبيع الذي حصل مع غيري باطل لا اثر له.فإذا صدقه البائع،و أقر له بسبق البيع فلا يلتفت إلى إقراره لأن الأخذ به يستدعي انتزاع العين من يد المشتري،و المفروض أن الإقرار لا ينفذ بحق أحد غير المقر.

و يتفق هذا مع القوانين الوضعية الحديثة التي نصت على أن حجة الإقرار قاصرة على المقر وحده.

و كذلك لو أقرت امرأة متزوجة في الظاهر من زيد.أقرت بأنّها ليست زوجة شرعية له،و إنما هي زوجة لعمرو،لأنه عقد عليها من قبل،إذ الأخذ بإقرارها يتنافى مع حق زيد.أجل،لو مات زيد،أو طلقها ردت إلى عمرو عملا باعترافها بعد أن زال المانع.

بين الإقرار و البينة:

ذكر الشهيد الثاني في«المسالك»و السيد كاظم في«الملحقات»أن الإقرار يفترق عن البينة:

أولا:ان الإقرار حجة قاصرة على المقر فقط،و البينة حجة متعدية على

ص:80

الجميع-مثلا-إذا أقر أحد الورثة بدين على مورثه لم يسر هذا الإقرار إلاّ على المقر،بخلاف ما لو ثبت الدين بالبينة،فإنه يسري على جميع الورثة.

ثانيا:ان الحق يثبت بمجرد وقوع الإقرار بدون توقف على حكم الحاكم، بخلاف البينة،فإن الحق لا يثبت بمجرد حصولها،بل لا بد من حكم الحاكم.

و بكلمة ان الإقرار حجة بنفسه،و البينة حجة بحكم الحاكم.

و نقل صاحب الجواهر في أول باب الحدود أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين علي عليه السّلام،فأقر بالسرقة،فقال له:أ تقرأ شيئا من القرآن؟قال:نعم، سورة البقرة،فقال له:قد وهبت يدك لسورة البقرة،ثم قال الإمام عليه السّلام:إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو،و إذا أقر الرجل على نفسه،فذاك إلى الإمام،ان شاء عفا،و ان شاء قطع.و هذا فرق ثالث.

لا إنكار بعد إقرار:

اشتهرت هذه الكلمة على ألسنة المتشرعة و غيرهم،و فهم منها البعض أن كل إنكار يأتي بعد الإقرار فهو مردود إطلاقا،و بلا توقف،حتى انهم ذهبوا إلى أن من قال:هذه العين لزيد،بل لعمرو حكم عليه بإعطاء العين لزيد،و بدلها لعمرو.بل قالوا:لو استمر الإضراب إلى الألف،و قال:بل لخالد،بل لسعيد إلخ وجب أن يغرم لكل واحد ممن تلفّظ باسمه البدل كاملا.و هذا-كما ترى-لا يرتكز على أساس معقول.

و الواجب يستدعي-إذا أقر الشخص ثم أنكر-أن ننظر:فإن لم يذكر سببا لإنكاره،و لم يدّع معه شيئا كلية،أو ادعى أمرا غير معقول.ان كان الأمر كذلك فالواجب يقضي أن لا نلتفت إليه،و لا إلى إنكاره.إلاّ في صورة واحدة،و هي

ص:81

فيما إذا أقر بما يوجب الرجم كالزنا،ثم أنكر،فحينئذ يسمع منه الإنكار إطلاقا و يسقط عنه الحد،و ان لم يذكر السبب.باتفاق الفقهاء.

و ان ذكر سببا للإنكار،و ادعى شيئا ممكن الوقوع بحسب المعتاد، كالصورة المتقدمة،و هي إذا اعترف بالبيع و القبض،ثم أنكر القبض،و قال:

اعترفت ثقة مني بأن المشتري سيدفع الثمن بعد الاعتراف.

و كذلك إذا اعترف الوارث بدين على أبيه،و بعد أمد عدل عن اعترافه مدعيا أن اعترافه كان مبنيا على علمه بأن أباه كان قد استدان من المقر له،و بعد الاعتراف وجد بين أوراق أبيه اشعارا من الدائن بالتسديد و الوفاء،أو وجد أن أباه قد كتب في دفتره الخاص أنّه سدد المبلغ بكامله.فتسمع الدعوى،و الحال هذه، و على مدعيها الإثبات.

و بكلمة،ان الإقرار حجة على المقر ما لم نعلم بكذبه،أو تقم حجة شرعية على خلافه،فإذا قامت الحجّة على عكسه،أو علمنا بكذبه-يكون الإقرار لغوا، و من هنا اتفقوا على عدم الأخذ بإقرار من أقر ببنوة آخر في سنه،أو يقاربه فيها، حتى و لو صدقه الطرف الآخر،لأن الواقعة محال في ذاتها.

و قد انعقد الإجماع قديما و حديثا على أن الشرط الأساسي لقبول الدعوى أن لا يكذبها العقل أو الشرع،أو ما جرت عليه العادة.و كذلك إذا قامت البينة الشرعية على أن الإقرار قد بني على الخطأ،أو الإكراه،و ما إلى ذاك.

اذن،فالإنكار بعد الإقرار لا يرد في جميع أنواعه و شتى صوره،و إنما يرد إذا كان إنكارا محضا غير مقترن بدعوى ممكنة و معقولة.أما إذا اقترن بدعوى تجمع كل ما يعتبر فيها من الشروط،فيكون معترفا من جهة،و مدعيا من جهة أخرى يطبق عليه جميع أحكام المدعي،كمن أقر بدين،ثم ادعى الإكراه على

ص:82

الإقرار.

و لكن الفقهاء استثنوا من ذلك ما لو أقر بالولد،ثم نفاه،و اتفقوا على أن مثل هذا النفي لا يسمع بحال،حتى و لو ذكر له ألف سبب و سبب.و بنوا ذلك على قاعدة كلية،و هي:ان النسب بعد ثبوته لا يزول إطلاقا.و أسندوا هذه القاعدة إلى قول الإمام:إذا أقر الرجل بالولد ساعة لم ينتف عنه أبدا.

و لو انعكس الأمر فأقر بعد أن أنكر،قبل منه،لأن الإقرار بعد الإنكار لا يزاحم حق المدعي،بل يتفق كل الاتفاق،بعكس الإنكار بعد الإقرار،فإنه يزاحمه و يضاده.بل قال صاحب العروة الوثقى في باب الزواج:لو ادعت امرأة على رجل بأنه زوجها،فأنكر،و حلف اليمين الشرعية،ثم رجع عن إنكاره إلى الإقرار،يسمع منه،و يحكم بالزوجية بينهما إذا أظهر عذرا لإنكاره.

و إذا قال قائل:هذا ابني من الزنا فلا تسمع منه لأن الأصل في كل مولود أن يلحق شرعا بمن أولده،حتى يثبت العكس.و ان على الوالد-بموجب هذا الأصل-حق تربية الولد و نفقته،و قوله:«من الزنا»يتنافى مع هذا الحق،فيكون إقرارا،أو أشبه بالإقرار بحق الغير،فيلغى.هذا،إذا جهلنا الواقع،و لم نعلم:هل هو صادق في قوله،أو كاذب؟.أما مع العلم بصدقة فلا يلحق به بحال من الأحوال.

الإقرار بالزنا و السرقة:

اتفق فقهاء الإمامية على أن الزنا لا يثبت بالإقرار مرة واحدة،سواء أ كان من الرجل،أم المرأة،بل لا بد من تكراره أربع مرات،مع كمال المقر بالبلوغ و العقل و الاختيار و الحرية.و استدلوا بأن رجلا اسمه ماعز بن مالك جاء إلى

ص:83

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و قال له:قد زنيت،فأعرض عنه،ثم جاء من شقه الأيمن،فقال مثل الأول.فأعرض عنه،ثم جاءه،و قال مثل ذلك إلى أن تم أربع مرات،و عندها قال له النبي:أ بك جنون؟قال:لا.قال:لعلك قبّلت،أو غمزت،و نظرت؟قال:

لا.قال:أنكحتها؟قال:نعم.قال:حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟قال:

نعم.قال:كما يغيب المرود في المكحلة،و الرشاء أي الحبل في البئر؟قال:

نعم.قال:أ تدري ما الزنا؟قال:نعم،أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا.قال:ما تريد بهذا القول؟قال:أريد أن تطهرني.فأمر به فرجم.

و ان دلت هذه المحاورة على شيء فأول ما تدل عليه أن اللّه جل و عزّ لا يحب أن تشيع الفاحشة بحال،سواء أ كان المشيع و المذيع فاعلها،أم غيره، و سواء أ كانت حقا أم باطلا.كما أنّها تدل على أن الإقرار،و ان كان سيد الأدلة في المواد المدنية إلاّ أنّه قد يكون أضعفها في المواد الجنائية،و هذا ما نصت عليه بالضبط القوانين الحديثة.

و اتفقوا أيضا على أنّه لو أنكر بعد أن أقر سقط عنه الحد،و على هذا يكون الحد في يد المقر ان شاء أقدم على الانتحار،و ان شاء أحجم.

و أيضا اتفقوا على أن المقر لو تاب فالأمر بيد الإمام ان شاء أقام عليه الحد، و ان شاء عفا.

و أيضا اتفق الإمامية على أن كل ما يوجب الحد-غير الزنا-كشرب المسكر،و السرقة و القذف لا يقام فيه الحد على المقر إلاّ بالإقرار مرتين مع العقل و البلوغ و الاختيار.و إذا أنكر بعد أن أقر بما يوجب الحد غير الرجم فلا يسمع منه،و انما يسمع الإنكار إذا أقر بما يوجب الرجم دون غيره.

ص:84

الكتابة و القرائن

اشارة

ان للكتابة في الإثبات أهمية كبرى في القوانين الوضعية،حتى قال بعضهم:ان الأصل في الإثبات أن يكون بالكتابة إلاّ ما استثني،بل ان الديون-غير التجارية-لا تثبت بأي طريق إلاّ بالكتابة إذا زادت عن مبلغ معين.و هو عشرة جنيهات في القانون المصري،و خمسون ليرة في القانون اللبناني إلاّ إذا ثبت وجود مانع أدبي،أو مادي من الكتابة،أو فقد الدائن السند،لسبب يخرج عن إرادته.

و بكلمة.إن المشترع الزمني قد اعتبر ان الكتابة هي الأصل و القاعدة في الإثبات،و حجته في ذلك أن شهادة الشهود عرضة للخطإ بضعف الذاكرة،و عدم الدقة،كما أنّها عرضة للمحاباة و الانتقام،و الرشوة،و فساد الذمم،و للمبالغة،و ما إليها (1).

القرآن و كتابة الدين:

اشارة

و هذا يتفق من بعض الوجوه مع ظاهر القرآن الكريم،و هو قوله تعالى في الآية 282 من سورة البقرة:

ص:85


1- و لاحظ بعضهم على ذلك بأن الكتابة أيضا عرضة للتزوير.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ،وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَ لْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَ لا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَ لا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ وَ أَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَ أَدْنى أَلاّ تَرْتابُوا إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاّ تَكْتُبُوها وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَ لا يُضَارَّ كاتِبٌ وَ لا شَهِيدٌ وَ إِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ يُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ .

و إذا قارنا بين هذه الآية الكريمة،و القوانين الوضعية نخرج بالنتيجة التالية:

1-إن كلا منهما أمر بكتابة الدّين محافظة على الحق.

2-ان المشترع الزمني استثنى الدين القليل،أما القرآن الكريم فلم يفرق بين الدين القليل و الكثير،لأن كلا منهما حق،و الحق لا يتجزأ.بخاصة في وجوب الرعاية و المحافظة.

3-ان كلا منهما لا يرى بأسا بترك الكتابة في المواد التالية التجارية،لأن طبيعة التجارة تستدعي سرعة المعاملة،و لكن القرآن قيّد التجارة بالحال،أي أن يكون البيع بالنقد لا بالنسيئة،و القانون لم يعتبر هذا القيد.

ص:86

4-ان كلا منهما اعتبر وجود شاهدين على الكتابة (1).

الفقهاء و الكتابة:

و مهما يكن،فإن أكثر فقهاء المذاهب لم يوجبوا الكتابة في الدين،و لا في البيع،و ما إليه،و حملوا الأمر بالكتابة في الآية الكريمة على الاستحباب،بل ان كثيرا منهم لم يتعرض في باب الدين لحكم الكتابة سلبا و لا إيجابا.

و قال«أحمد نشأت»في كتاب«رسالة الإثبات»:«ان العلماء الذين قالوا بالندب قد أثرت عليهم حسن ذمة الناس في عهدهم،و تدينهم شهودا كانوا،أو متعاقدين».

و هذا التوجيه غريب جدا،لأن مجرد حسن الظن بالناس-لو افترض وجوده انذاك-لا يكون عند علماء المسلمين مبررا لتأويل القرآن،و صرف آياته عن ظاهرها.اذن لا بد أن يكون السبب شيئا آخر،و هو إمام لزوم العسر و الحرج من حصر الإثبات بالكتابة،و اما وجود حديث مبين للآية،و امّا غير ذلك.و أيا كان السبب لقولهم بالندب فليس من قصدنا-في هذا المقام-أن نتعرض لوجوب الكتابة أو ندبها،و انما غرضنا الأول أن نتكلم عن مدى تأثير الكتابة في الإثبات بعد وجودها عند الفقهاء.

و الكتابة بما هي ليست بشيء عندهم يعتمد عليه،لإثبات الحق،لأن المدعى عليه ان اعترف بها دخلت في باب الإقرار،و ان أنكرها و كان عليها شهود

ص:87


1- قال صاحب مجمع البيان في تفسيره وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ :يعني أشهدوا على المكتوب رجلين من رجالكم.و قد اعتبر القانون وجود الشاهدين في تحرير العقود الرسمية،تماما كما صرحت الآية الكريمة.

يشهدون بصدورها منه كانت شهادة بالإقرار،لأن الكتابة أخت الإقرار،و هي المرتبة الثانية في الوضع للدلالة على ما في النفس،كما قال صاحب الجواهر (1).

و ان كانت بلا شهود و لا اعتراف أهملها القاضي،و لم يعتمد عليها.و قال صاحب المستند:«لا تجوز الشهادة برؤية الشاهد خطه و خاتمه إذا لم يتذكر الواقعة،و ان أمن التزوير بلا خلاف أو لم يكن معه عدل آخر».

القرينة و الكتابة المجردة:

هذا،و قد ذكر الفقهاء ان الوارث إذا وجد بخط مورثه وصية،أو كيسا فيه مال مكتوبا عليه هو وديعة لفلان،أو وجد بخطه على كتاب أنّه وقف (2).ذكروا ان هذه،و ما إليها،ليست بشيء إلاّ إذا أقر بها الكاتب قبل موته،أو علم الوارث بصحتها علما قاطعا.قالوا هذا،و لم يشيروا إلى أن للحاكم أن يحكم بهذه الكتابة، و يعتمد عليها.

و ان دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الفقهاء كانوا و ما زالوا يتوقفون عن الحكم بالأموال و الاعراض استنادا إلى كتابة لم تثبت ببينة و لا بإقرار.

ص:88


1- و هذه هي العبارة التي أوردها في أول باب الوصية:«ضرورة حجية ظواهر الأفعال كالأقوال، بل الكتابة أخت الألفاظ،و هي المرتبة الثانية للدلالة في الوضع على ما في النفس،فتكون أولى من الأفعال»و ذكرنا في باب الزواج فقرة«الصيغة»رقم 4 أن للسيد الحكيم عبارة في المستمسك تشعر بأن الزواج يقع بالكتابة إذا كانت واضحة الدلالة.
2- بل قال صاحب«ملحقات العروة»في آخر باب الوقف:«إذا ظهرت في تركة الميت ورقة أن ملكه الفلاني وقف لا يحكم بوقفيته،و ان حصل القبض و الإقباض،و ان كان بخط الميت و خاتمه، لاحتمال أنّه كتب ليجعله وقفا له في ذلك».و نحن نوافق السيد في صورة وجود الخط بدون القبض و الإقباض،و نخالفه لو حصل القبض بإرادة الكاتب و اذنه،لأن ظاهر الأفعال حجة كظاهر الأقوال،كما اعترف السيد بذلك صراحة في العروة الوثقى ص 405 طبعة العرفان. [1]

القرائن:

أما القرائن«فمنها»شرعية،و هي التي نص عليها الشارع صراحة و أوجب على الحاكم العمل بها إطلاقا،سواء أحصل منها العلم،أم لم يحصل،كالإقرار و البينة و اليد.

«و منها»القرائن التي ترافق الدعوى و وقائعها،و تسمى القرائن الموضوعية،و هذه على نوعين.

الأول:ما يحصل منه العلم باللزوم العقلي،لكل من اطلع عليه،كائنا من يكون،كما لو ادعى إنسان بأن هذه الدابة ملك له منذ سنة،ثم دلت سنها على أقل من ذلك.أو قال:ان هذه الدار التي في يد زيد اشتريتها أنا من عمرو،ثم ظهر أن عمرو لم يملك دارا مدّة حياته،و ما إلى هذه من القرائن التي يحصل منها القطع، لكل انسان بدون استثناء.و ليس من شك أنها حجّة متبعة،و لكن السر في اتباعها و اعتبارها في العلم،و ليست في ذاتها،و عليه تدخل في فصل العلم و القضاء الذي يأتي الكلام عنه.

النوع الثاني:القرائن الموضوعية التي لا يحصل منها العلم و الجزم،و هذه ليست بشيء يعتمده الحكم و القضاء،و لكنها قد تعزز و تدعم أصلا من أصول الإثبات،كالخصومة الشديدة بين القتيل،و بين المشهود عليه بالقتل،بخاصة إذا كان القاتل موتورا،و بينه و بين القتيل ثأر،و كسوابق المشهود عليه بالسرقة.

و قد تضعف هذه القرائن،و توهن أصل الإثبات،أو توجب الزيادة في التثبيت و التحقيق،كمن عرف بالقداسة و الوداعة فيشهد عليه بالجريمة،أو كالضعيف الجبان يشهد عليه بما يحتاج إلى قوة و اقدام،و ما إلى هذه من القرائن التي لا يبلغها الإحصاء.

ص:89

ما نسب إلى الإمام:

قدمنا أن القاضي لا يجوز له أن يحكم بالقرائن إلاّ إذا حصل منها العلم باللزوم العقلي مع أنّه قد نسب إلى الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام أقضية مستندا فيها إلى قرائن لا تستدعي العلم،من ذلك أنّه سئل عن رجل قاء الخمرة؟فقال:ما قاءها، حتى شربها.

و نحن نشك في نسبة هذا الخبر إلى الإمام،إذ من الجائز أن يكون قد شربها جاهلا بأنّها خمرة،أو للتداوي،أو أكره عليها.و قد ثبت بالتواتر عند الشيعة و السنة عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«ان الحدود تدرأ بالشبهات»و من هنا اتفق الجميع على أنّه لو ادعى شيئا من ذلك سمع منه و سقط عند الحد.

و ان صحت نسبة هذا الخبر إلى الإمام فلا بد من حمله على أن الذي قاءها قد ثبت أنّه شربها من دون عذر،أو ان الإمام تعرض للشرب نفسه،بصرف النظر عن الحد.

و من ذلك أن امرأتين تنازعتا في غلام،و ادعت كل منهما أنّه ولدها،و حين رفعتا النزاع إلى الإمام عليه السّلام أمر بإحضار سيف،و قال:ان لم تقولا الحق قطعته شطرين،و أعطيت كل واحدة شطرا،فرضيت إحداهما بقطعه،و أبت الأخرى قائلة:دعوه لها.فأعطاه لهذه،حيث اكتشف من عدم رضاها بقتله أنّها الأم،و من رضا تلك أنّها غريبة عنه.

و هذا الخبر أبعد عن الواقع من سابقه،و ان صح فيحمل على أن الإمام قد حمل المرأة بذلك على الإقرار أو أنّه اكتشف من رضاها بقتل الولد و حالتها الخاصة إقرارا منها بأنه ليس بولدها،و عليه يكون حكما خاصا في قضية خاصة لا يتعدى إلى غيرها.

ص:90

الشهادة

البينة على المدعي:

اتفقت الشرائع السماوية و الوضعية على أن البينة على من ادعى،و ان اليمين على من أنكر.و لكن إذا كان للمدعي بينة جاز له إهمالها،و تحليف المنكر،أي انّه مخير بين إقامة البينة و تحليف خصمه.و كذلك المنكر مخير بين أن يحلف اليمين،أو يقيم البينة على براءته،إن أمكن سماعها،كما إذا رجعت إلى الإثبات.فالقاضي-اذن-غير مخير في أن يطلب البينة ممن يشاء،و يوجهها إلى من يشاء،بل عليه أولا و قبل كل شيء أن يميز بين المدعي و المنكر،ثم يفهم كلا ما يطلب منه،فإن أنكر المدعى عليه قال للمدعي:عليك البينة،و لك اليمين على خصمك مع عدمها،فإن أتى بشاهدين،و عرف عدالتهما بالتجربة أو التزكية و اتفقت شهادتهما،و وافقت المدعى به قال للمدعي:ان كان عندك ما يقدح في الشهادة فبينه،فان سأل الإمهال أمهله ثلاثة أيام فان لم يأت بشيء معقول حكم بما تستدعيه الشهادة،و عقدنا فصلا خاصا للشهادات.

شروط الشاهد:

يشترط في الشاهد العقل و البلوغ و العدالة و الإسلام و عدم العداء،و ان لا

ص:91

يجلب الشاهد لنفسه بشهادته نفعا،أو يدفع عنها ضرا على التفصيل المتقدم في باب الشهادات.

طريق المعرفة إلى أوصاف الشاهد:

يستطيع الحاكم أن يعرف و يميز-حين استماعه لأقوال المدعي-بين الدعوى الواضحة،و المبهمة،و بين الجنائية،و الحقوقية،و بين دعوى المحال، و غيرها.و أيضا يستطيع الحاكم بمجرد الاستماع للشهادة أن يعرف أنّها مطابقة للدعوى،أو غير مطابقة،و أنّها على الإثبات،أو على النفي،و أنّها تبرعية أو غير تبرعية (1).

أمّا بقية الشروط التي يجب توافرها في الشهادة و الشاهد،كالعلم بأن الشهادة عن يقين،لا عن ظن،و بأن الشاهد عدل،و ليس عدوا و لا قريبا-أمّا هذه،و ما إليها.فيحتاج إثباتها إلى وسائل يعتمدها الحاكم.و فيما يلي بيان هذه الوسائل:

طريق المعرفة بمصدر الشهادة:

تكلم الفقهاء الإمامية عن واجبات الشاهد من جهة،و واجبات الحاكم تجاه الشهادة من جهة ثانية،و أوجبوا على الشاهد،كقاعدة كلية،و ضابط عام أن يشهد مع العلم بالمشهود به،و إلاّ فليدع.أجل،استثنوا من ذلك جواز الشهادة بالنسب و الموت،و ما إليها-كما تأتي الإشارة-استنادا إلى الاستفاضة و الشيوع.و قال بعضهم:ان هذه سبب للعلم أيضا.و عليه يبقى الضابط على عمومه.

ص:92


1- التبرعية هي التي يدلي بها الشاهد من تلقائه قبل أن يسأله الحاكم.

و جاء في فتح القدير للحنفية:«لا يجوز للشاهد أن يشهد بشيء لم يعاينه إلاّ النسب و الموت و النكاح و الدخول و ولاية القاضي،فإنه يسعه أن يشهد بهذه الأشياء إذا أخبره من يثق به».

ثم اختلف الإمامية فيما بينهم:هل للشاهد أن يشهد بعلمه إطلاقا سواء أحصل له العلم من المشاهدة و العيان،أم من غيره،أو لا يجوز له إلاّ مع العلم الحاصل بالحس و العيان فقط؟.

قال صاحب الجواهر:يكفي مجرد العلم من أي طريق حصل،بل قال جماعة منهم صاحب المستند:تجوز الشهادة اعتمادا على الاستصحاب،كما لو علم أن الدار كانت فيما مضى لزيد.و بعد أمد طلبه للشهادة،فيستصحب بقاء الملك،و يشهد به شهادة مطلقة،مع أنّه يحتمل أن زيدا قد باع،أو وهب الدار.

هذا،بالقياس إلى شهادة الشاهد و مصدرها،و أمّا بالقياس إلى الحاكم فإن عليه أن يفترض أن الشاهد شهد عن علم لا عن ظن أو احتمال،لأن الشهادة مشتقة من المشاهدة،و هي العلم بالذات.و لكن ليس معنى شهادة الشاهد عن علم أن الحاكم ملزم بقبولها،و الحكم بموجبها،إذ لا ملازمة عقلا،و لا شرعا بين أن تكون الشهادة عن علم،و بين وجوب العمل بها (1).و يتفق هذا من بعض الوجوه مع القوانين الحديثة التي نصت على أن الشهادة يترك تقديرها للحاكم.

و ليس معنى افتراض صدور الشهادة عن علم،و عدم وجوب السؤال عن السبب أن الحاكم لا يجوز له أن يسأل الشاهد،بل له أن يسأله عنه و عن غيره،

ص:93


1- قال الملا علي في كتاب القضاء:«الظاهر من أداء الشهادة أنّها عن جزم ما لم يعلم الخلاف».و قال صاحب ملحقات العروة:«ان المعلوم من طريقة الشرع حمل كلام الشاهد على الواقع و لذا لا يجب سؤاله عن السبب»و أراد بالواقع الواقع عند الشاهد.و قال صاحب المستند ج 2:باب القضاء و الشهادات:«ان جواز الشهادة لا يستلزم جواز الحكم».

و يلقي عليه كل سؤال يمكن أن يتوصل به إلى اكتشاف الحق،على أن يترك للشاهد الحرية التامة في كيفية الأدلاء،و اختيار الألفاظ،و ان يكف عنه،حتى ينتهي،فإن توقف فلا يرغبه في الاقدام،و ان أقدم فلا يحبّبه في الإحجام إلاّ في حقوق اللّه تعالى،كما مر في الإقرار.

أجل،صرح صاحب الشرائع و الجواهر و المسالك و غيرهم من فقهاء الإمامية أن للحاكم إذا ارتاب في الشاهد في جهة من الجهات،و لو لضعف ذهنه و بصيرته أن يعنته و يحرجه،بل يستحب ذلك،أما إذا كان الشاهد من ذوي المروءة و البصائر،و الأذهان القوية فيحرم تعنته،و لا يجوز بحال.

و على هذا يسهل الطريق على الحاكم إلى معرفة أن الشاهد عالم بما شهد به،أو غير عالم،لأن له أن يعتبر الشهادة صادرة عن علم بدون سؤال الشاهد أخذا بظاهر الشهادة،و له أن يبحث و يسأله عن السبب،ثم يجري على ما توصل له، و انكشف لديه.

الطريق إلى معرفة العدالة و غيرها:

قدمنا أنّه يشترط في الشاهد الإسلام و العقل و البلوغ و الضبط و العدالة و عدم العداوة و القرابة.و الطريق إلى كل صفة من هذه يختلف و يتعدد باختلافها و تعددها،و قبل أن نتعرض للطرق التي تصل بنا إلى هذه الصفات نرى لزاما أن نمهد بما يلي:

لم يختلف اثنان من أهل الشرائع القديمة و الحديثة على أن كل ما يشك في أصل وجوده بما هو،أو بما هو شرط أو مانع،فهو ملغي،و ان الأصل عدمه، حتى يثبت العكس.أي أننا لا نرتب أي أثر على وجوده إلاّ إذا ثبت بالحجة

ص:94

و الدليل،سواء أ كان وجوده شرطا لوجود شيء آخر،أو كان مانعا من وجود ذلك الشيء مثلا-إذا شككنا أن فلانا باع عقاره أو لا؟فالأصل عدم حدوث البيع،و إذا علمنا أن صيغة البيع صدرت عنه قطعا،و شككنا:هل صدرت حين بلوغه الذي هو شرط لصحة البيع؟فالأصل عدم البلوغ،و إذا علمنا بوجود الصيغة و البلوغ معا،و شككنا أن البيع حصل عن الإكراه المبطل للبيع؟فالأصل عدم الإكراه، حتى يثبت العكس،و من ادعى وجود شيء من ذلك فعليه الإثبات.

و يتفرع على هذا أن الشرط لا بد من إحراز وجوده بالحس،أو الدليل.و إذا لم نحرز وجوده فلا نحكم بوجود المشروط.لأن الشك في الشرط يستدعي الشك فيما هو شرط فيه،بل يستدعي الحكم بعدم وجوده.أما عدم المانع فلا نحتاج في إحرازه إلى دليل،بل مجرد الشك في وجوده كاف للحكم بعدمه،لأن الأصل عدم وجوده،حتى يثبت العكس،كما هي الحال إذا شككنا في حصول الإكراه المانع من صحة البيع.

و متى عرفنا أن الشرط يحتاج إلى إثبات،و ان المانع يكفي في نفيه أصالة عدمه،حيث لا دليل يدل على وجوده-و عرفنا أيضا أن الإسلام و البلوغ و العقل و العدالة و الضبط شروط لقبول الشهادة،و ان القرابة و العداوة يمنعان من قبولها، إذا تبين لنا كل هذا.عرفنا أن الحاكم لا يحتاج إلى البحث و السؤال عن العداوة و القرابة،لأنهما من الموانع التي ينفيها بالأصل،لا من الشروط التي يحتاج إثباتها إلى دليل.و إذا بحث و سأل عنهما فمن باب التأكيد و الزيادة في التثبت،أو للتنبيه إلى أن القرابة و العداوة تمنعان من الشهادة.و مهما يكن فإن المشهود ضده هو المسؤول وحده عن اثارة العداوة و القرابة-على فرض وجودهما-و عليه الإثبات إذا ادعى وجود أحدهما.

ص:95

و بعد أن تمهد معنا هذا نشرع في بيان الطرق التي تثبت توافر الشروط المطلوبة في الشاهد.أما إثبات الإسلام فأمره سهل جدا،لأن مجرد إظهاره كاف في إثباته،بل لا تقبل آية دعوى من أي كان ضد إسلام من يظهر الإسلام.

و يعرف البلوغ و العقل و الضبط من ظاهر الحال.و ان لم تظهر الدلائل للحاكم بحث بكل طريق يراه مؤديا إلى العلم و الاطمئنان،و لا يتقيد بطريق خاص،لأن مسألة إحراز هذه الشروط،و ما إليها مسألة موضوعية بحتة يترك تقدير الدليل إلى معرفتها للحاكم وحده.

و لو اعترف المشهود ضده ببلوغ الشاهد و عقله و ضبطه كفى إذا اطمأن الحاكم.و على كل،فإن الطريق سهل يسير إلى معرفة البلوغ و العقل و الضبط.

أما عدالة الشاهد فإن عرفها الحاكم أخذ بشهادته بدون حاجة إلى التزكية أي إلى من يشهد له بعدالته-لأن الغاية من التزكية معرفة العدالة،و هي حاصلة بالفعل،و ان جهلها بحث عنها بنفسه ان شاء،و ان شاء بيّن للمدعي أن له تزكية الشهود بشاهدين معلومي العدالة،لأن التزكية من توابع البينة،فكما تطلب البينة من المدعي فكذلك التزكية.

و لو ادعى الخصم فسق الشاهد سمع منه،و عليه الإثبات،فإن أثبت دعواه بالبينة سقطت الشهادة،و إلاّ ترد دعواه.و إذا أراد المدعي أن يزكي شهوده،أو أراد المدعي عليه أن يجرح الشهود فينبغي أن تكون التزكية و التجريح سرا.

و لو اعترف الخصم بعدالة الشاهدين،و ادعى خطأهما،فهل تقبل شهادتهما مع فرض جهل الحاكم بحال الشاهدين؟ قال صاحب الجواهر:«الأقوى عدم القبول،لأن رضا الخصم بالحكم بشهادة

ص:96

فاسقين».

و قوله هذا يتفق تماما مع ما جاء في القوانين الحديثة من أنّه«إذا اتفق الطرفان على شهادة شاهد معين لا يلزم القاضي بهذا الاتفاق،لأنه لا يصح أن يتفق الطرفان على طريقة للإثبات تقيد الحاكم غير الطريقة التي نص عليها القانون».

بعد أن يتأكد الحاكم من أن البينة جامعة للشروط فاقدة للموانع يقول للمدعي عليه:أ تقدح في شهادتهم عليك؟فإن كان عنده شيء استمع الحاكم إليه،و عمل بما تستدعيه الأصول.

و من تأمل فيما قدمنا يجد أن الفقه الجعفري في أصول المحاكمات و المرافعات يتفق مع القوانين الحديثة نصا و روحا في بعض المسائل،و روحا لا نصا في بعضها الآخر.فللحاكم أن يلقي على الشاهد ما يراه من الأسئلة،بل له أن يحرجه إذا ارتاب فيه و في شهادته،و متى اطمأن إليه يسأل الخصم عما يقوله فيه، و ان التزكية و التجريح تكون سرا،لا علانية.

و إذا ترك القانون تقدير الشهادة للحاكم،و ألزمه الشرع بالأخذ و الاعتماد على قول العادل،فقد ترك في نفس الوقت للحاكم اختيار الطريق الذي يشاء إلى معرفة العدالة،و ضبط الشاهد،و ما إلى ذلك.و هذا في حقيقته يرجع إلى أن شهادة الشاهد تترك لتقدير الحاكم.و لو من بعض الوجوه.

التداعي و ترجيح البينات:

أشرنا فيما سبق إلى أن الدعوى قد تكون بين مدع و منكر،و قد تكون بين متداعيين،أي ان كلا من المتخاصمين يصدق عليه تعريف المدعي و المنكر في

ص:97

آن معا،و ذكرنا في الصفحات المتقدمة العديد من الأمثلة على ذلك،و نضيف إليها المثالين التاليين زيادة في التوضيح من جهة،و لأن الفقهاء قد أولوهما عناية خاصة،و أطالوا فيهما الكلام:

1-أن يتنازع المتداعيان على عين لا يد لأحدهما عليها،كقطعة نقود،أو سكين وجدت في مكان،و رآها اثنان،فقال كل:انّها له،و نفى أن تكون لغيره- أي انّه يدعي ملكية العين لنفسه،و ينفي ملكيتها عن صاحبه.ولدي الترافع ينظر،فإن لم يكن لهما و لا لأحدهما بينة تعرض عليهما اليمين،فإن حلف أحدهما،و نكل الآخر فهي للحالف،و ان حلفا معا فهي بينهما مناصفة.

و ان كانت لأحدهما بينة دون الآخر فهي لصاحب البينة،و ان أقام كل منهما بينة،تعين الترجيح بالعدالة و العدد،فتقدم بينة الأعدل شهودا على غيرها.و ان تساوتا في العدالة قدمت الأكثر عددا.و مع التساوي عدالة و عددا فإنه يقرع بينهما،فمن خرج اسمه حلف،و قضي له.و ان امتنع عن اليمين من عينته القرعة حلف الآخر،و قضي له.و ان نكلا معا بعد تساوي البينتين قسمت العين بينهما نصفين.

2-أن يتنازعا عينا في يد كل منهما،كما لو سكنا في دار،ثم ادعى كل منهما أن الدار له بكاملها،فان كان لأحدهما بينة دون الآخر فهي له.و ان أقاما البينة قسمت بينهما،حتى و لو كانت احدى البينتين أقوى عدالة،و أكثر عددا،و لا تجري عملية الترجيح كما في المسألة السابقة.و السر أن المفروض في المسألة السابقة عدم اليد لأحدهما على العين،فتتصادم البينتان لورود كل منهما على العين،و يتحتم الترجيح.أما في هذه المسألة فالمفروض أن كلا من المتداعيين صاحب يد على النصف،و في الوقت نفسه صاحب بينة،و المفروض أيضا أن

ص:98

بينة كل ناظرة إلى النصف الذي في يد الآخر دون النصف الذي في يده بالذات، و عليه تكون النتيجة عدم التعارض بين البينتين،و مع انتفاء التعارض لا يبقى مورد للترجيح.هذا ما فهمته من قول صاحب الشرائع،و هو:«لأن يد كل واحد على النصف،و قد أقام الآخر بينة فيقضى له بما في يد قرينه»معللا بهذا القول عدم الحاجة إلى الترجيح.

و مهما يكن،فقد جاء في الجواهر-باب القضاء:«يقضى بينهما نصفين من دون اقتراع و لا ملاحظة ترجيح بأعدلية أو أكثرية.بلا خلاف أجده بين من تأخر».

و ان لم يكن لهما و لأحدهما بينة حلفا و قسمت مناصفة،و ان نكل أحدهما و حلف الآخر فهي للحالف،على أن يحلف أن الجميع له و لا حق لصاحبه فيه.(الجواهر و المسالك).

تعارض البينتين:

لا يتحقق التعارض بين البينتين إلاّ إذا كان العمل بأحدهما مستلزما لتكذيب الأخرى،بحيث لا يمكن الجمع بينهما بحال،كما لو شهدت إحداهما بأن فلانا باع داره لزيد صباح اليوم الفلاني،و شهدت الأخرى بحصول البيع لعمرو في الوقت نفسه،أو قالت الأولى:ان هذا ابن خالد،و قالت الثانية:انّه ابن خليل،أما إذا شهدت الأولى بأن البيع حصل بالأمس،و الثانية بأنه حصل اليوم فلا تعارض، و يؤخذ بالسابقة،و تهمل اللاحقة،لأن البيع المتأخر وقع في غير ملك،و لا بيع إلاّ في ملك.و مثله لو شهدت إحداهما بالبيع لإبراهيم،و عينت الوقت،ثم شهدت الأخرى بالبيع لسليم،و أطلقت،و لم تعين وقتا خاصا،فإنّه يؤخذ بالأولى التي

ص:99

عينت،و تهمل الثانية التي أطلقت،لاحتمال أن يكون البيع حصل لسليم متأخرا عن البيع لإبراهيم،و عليه لا يكون له أي أثر.

و متى تحقق التعارض بين البينتين،و تعذر الجمع بينهما بنحو من الأنحاء أجرينا عملية الترجيح بالعدالة و العدد فقط،فنقدم البينة التي شهودها أعدل و أوثق على غيرها،فان تساوتا بالعدالة و الوثاق نقدم الأكثر عددا،فان تساوتا عدالة و عددا أقرع بينهما.فمن خرج اسمه حلف،و قضي له.فان امتنع عن اليمين من خرج اسمه بالقرعة حلف الآخر،و قضي له.و ان نكل قضي بالعين مناصفة بين الاثنين.

و يتحقق التعارض بين شاهدين،و مثلهما.و بين شاهد و امرأتين، و مثلهم.و بين شاهدين،و شاهد و امرأتين.و لا يتحقق بحال بين شاهد و يمين، و شاهدين،أو شاهد و امرأتين،لأن الشاهد و اليمين لا يصدق عليهما اسم البينة، كي يقع التعارض،بخلاف الشاهدين،أو الشاهد و امرأتين فإن كلا منهما بينة تامة فيتحقق التعارض بهما.(الجواهر و المسالك).

البينة و اليد:

إذا كانت العين في يد شخص،ثم ادعاها آخر،فإن كانت له بينة حكم له، و مع عدمها يحلف صاحب اليد،و ترد الدعوى،فإن نكل عن اليمين فهي للمدعي بعد يمينه،فإن نكل سقطت الدعوى.

و ان أقام كل منهما بينة فلفقهاء الإمامية آراء و تفاصيل أنهاها صاحب المستند في المجلد الثاني،باب القضاء،إلى عشرة أقوال نذكر منها الأربعة التالية:

القول الأول:تقديم بينة الخارج،و هو المدعي على بينة الداخل،و هو

ص:100

صاحب اليد.

الثاني:عكس الأول،أي تقديم بينة الداخل على بينة الخارج.

الثالث:الرجوع إلى عملية الترجيح في العدالة و الأكثرية.

الرابع:اللجوء إلى القرعة،فتقدم البينة التي يخرج اسم صاحبها.

و بعد أن نقل صاحب المستند الأقوال و أدلتها اختار القول الأول،أي تقديم بينة الخارج بصورة عامة،و نسبه إلى فحول العلماء من المتقدمين و غيرهم، و استدل بأن البينة وظيفة المدعي،و اليمين وظيفة المنكر،و المدعي هنا هو الخارج،و المنكر هو صاحب اليد.فالبينة،اذن،على الأول،و متى أقامها قبلت، لأنها مطلوبة منه بالأصل،و يرد غيرها،لأنها لم تطلب منه بالأصل.

و جاء في الجواهر أن المشهور بين علماء الإمامية شهرة عظيمة أن بينة الخارج مقدمة على بينة صاحب اليد،ان شهدت البينتان بالملك المطلق-أي دون أن تبينا سبب الملك-على أن تتساويا بالعدالة و العدد.

و ليس من شك أن ذهاب الأكثرية إلى ذلك يشعر بأفضلية بينة الخارج على بينة الداخل.

و المالكية يتفقون مع الإمامية على الترجيح بين البينتين باشتهار العدالة، و كثرة العدد.أما الحنفية،و الشافعية،و الحنابلة،فينفون الترجيح كلية،و لا أثر عندهم لاشتهار العدالة،و كثرة العدد،و يقولون بتساقط البينتين إطلاقا،و تكون الحال كما لو لم تكن لهما بينة بالمرة.

ص:101

مسائل:

1-الحكم بشهادة الزور:

جاء في كتاب فتح القدير ج 2 باب النكاح ص 389،و ج 5 باب القضاء ص 492،و كتاب الفروق ج 4 ص 41 طبعة 1346 ه،الفرق الثالث و العشرون بعد المائتين:

«إذا شهد عند الحاكم شاهدا زور بطلاق امرأة،فحكم بطلاقها،جاز لكل من الشاهدين أن يتزوجها مع علمه بكذب نفسه،لأن حكم الحاكم فسخ لذلك النكاح،و كذلك إذا شهد عنده ببيع جارية،فحكم ببيعها جاز لكل واحد من تلك البينة أن يشتريها ممن حكم له بها،و يطأها هذا الشاهد،مع علمه بكذب نفسه، لأن حكم الحاكم ينزل منزل البيع لمن حكم له».

و هذا اللفظ لصاحب الفروق،و في معناه ما جاء في فتح القدير.

و قال الإمامية:ان حكم الحاكم لا يحلل حراما،و لا يحرم حلالا،و انما هو لنصرة الحلال لا الحرام،و وسيلة لاحقاق الحق،و إبطال الباطل،فمن علم بأنه خلاف الحق و الواقع فلا يجوز له العمل به.و إذا حكم القاضي،و ذهب المحكوم إلى قاض آخر مدعيا على الأول أنّه حكم عليه بالجور و الفساد،و ثبت للثاني أن الحاكم قصر في الاجتهاد،أو خالف دليلا قطعيا من الشرع وجب عليه نقضه و إبطاله.

و قال بعضهم:ينبغي أن لا تسمع الدعوى على القاضي،لأنها اهانة له.

و أجابه صاحب المستند بأنّه لا بأس بإهانته،بل ينبغي أن يهان،لأن في إهانته عز

ص:102

للإسلام-إذا كان هو جائرا.

و يتفق قول الإمامية مع الحديث الشريف:«انكم تختصمون إليّ،و لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض،فأقضي له على نحو مما اسمع منه، فمن اقتطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه،فإنما أقطع له به قطعة من نار».

و إذا كان قضاء سيد الأنبياء لا يغير الواقع،فكيف يغيره قضاء غيره؟ و ما أبعد ما بين ما ذهب إليه أبو حنيفة،و ما ذهب إليه جماعة من الإمامية من قولهم انّه إذا أوقع الزوج طلاق امرأته أمام رجلين معتقدا عدالتهما،و كانا عند نفسهما غير عادلين،فلا يسوغ لأحدهما أن يتزوج المرأة بعد الانتهاء من عدتها.

2-الرجوع عن الشهادة:

قدمنا أنّه إذا تبين أن الشاهدين شهدا كذبا و زورا ينتقض الحكم،و لو بعد التنفيذ لمكان العلم بمخالفة الواقع،أما إذا رجع الشاهدان عن الشهادة فينظر:فإن رجعا قبل الحكم أحجم الحاكم عنه،و ان رجعا بعد الحكم لم ينتقض،حتى و لو لم ينفذ.لأن الرجوع محتمل للصدق و الكذب.و عليه إذا شهد شاهدان بأن فلانا طلق زوجته،و حكم الحاكم بالطلاق،ثم تبين كذبهما تبقى العلاقة الزوجية كما كانت قبل الشهادة.أما إذا رجعا عن الشهادة فلا تعود المرأة إلى زوجها بلا اشكال-كما عبر صاحب الجواهر.و نسبه صاحب المسالك إلى المشهور بين فقهاء الإمامية.

ثم ينظر:فان كان الزوج قد دخل بالمرأة فلا يضمن الشاهدان له شيئا،لأنّه قد استوفى البضع،و انتفع به.و ان لم يدخل ضمنا له نصف المهر،لأن الزوج دفعه،و لم ينتفع بشيء.و بعد أن ذكر هذا صاحب الجواهر قال:«و هو الأقوى

ص:103

عندي».

و بهذا قال الحنفية.(فتح القدير باب الشهادات).و إذا رجع أحد الشاهدين دون الآخر ضمن الراجع نصف ما دفعه الزوج،و لم يضمن الذي بقي على شهادته شيئا.و إذا شهد رجل و امرأتان،و رجعت امرأة واحدة فعليها الربع.

و إذا شهد عند الحاكم اثنان مجهولا الحال،فزكّاهما عدلان.و بعد الحكم و التنفيذ رجعا عن التزكية،و قالا:كنا نظن بهما العدالة،ثم تبين العكس،و انهما كانا فاسقين عند الشهادة،إذا كان الأمر كذلك ضمن المزكيان تماما كما يضمن الشاهدان.(الجواهر).

3-في العقود:

دار في يد صاحبها،فادعى شخص أنّه اشتراها منه،و دفع الثمن كاملا.

فأنكر صاحب الدار البيع و القبض،ثم جاء ثان و ادعى نفس ما ادعاه الأول،أي أنّه اشترى أيضا،و أقبض،و أنكره صاحب الدار كما أنكر الأول.

فإن ذكرت كل من البينتين تاريخ البيع،و كان متعددا صح البيع المتقدم، و بطل المتأخر.و ان كان التاريخ واحدا،أو أطلقتا،و لم تذكرا التاريخ بالمرة تعينت عملية الترجيح،لأن المال الواحد لا يكون مملوكا بتمامه لاثنين،و تقدم البينة الأقوى عدالة و وثوقا.و مع التساوي في العدالة تقدم الأكثر عددا.و مع التساوي عدالة و عددا يقرع بينهما.

و قدمنا أن المالكية يوافقون الإمامية في الترجيح،و لكنهم لا يقولون بالقرعة،مع التساوي،كما هي الحال عند الإمامية.أما الحنفية و الشافعية و الحنابلة فيذهبون إلى تساقط البينتين مطلقا،حتى و لو كانت إحداهما أشهر

ص:104

عدالة،و أكثر عددا.

هذا،بالقياس إلى المتداعيين،أما بالقياس إلى صاحب الدار فيمكن الجمع بين البينتين،إذ من الجائز أن يكون قد باع الدار مرتين،و قبض ثمنها من الاثنين، و لذا وجب عليه اعادة الثمن لمن لم يعمل ببينته.و تكون النتيجة على تقدير كذب البينتين في الواقع أنّه يخسر الدار،و ما يعادل ثمنها،و على تقدير كذب إحديهما دون الأخرى يخسر الدار فقط،و ان كانتا صادقتين فلا ظالم و لا مظلوم.

هذا هو شأن القضاء يرتكز على الحجاج و النقاش لا على معرفة الغيب، و لا على الطرق العلمية الحسية التي تصيب الواقع،و لو تسعين بالمئة.بل قد و قد،كما أشار الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«و لعل بعضكم ألحن بحجته.»و ما ضياع الحق على أهله بيسير.و من هنا جاء في الحديث الشريف:«من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين.القضاة ثلاثة:قاضيان في النار،و قاض في الجنة.القاضي على شفير جهنم.»و الحمد للّه الذي أعفاني من هذا الشفير بعد أن ابتليت به.

4-الاختلاف في الشهادة:

كما يشترط التطابق بين الشهادة و الدعوى يشترط أيضا توارد الشاهدين على معنى واحد،و لا يضر الاختلاف في اللفظ،كما لو شهد أحدهما أنّه استدان مائة إلى شهر،و شهد الآخر أنّه أخذها منه على أن يفيه بعد شهر.أما إذا اختلف المعنى،كما لو شهد الأول بحصول الدين،و شهد الثاني بالإقرار بالدّين فلا يثبت الدين،لعدم ثبوت واحد من المشهود به،لأن الدّين غير الإقرار به،و لم تتم البينة عليهما،و لا على واحد منهما،فتلغى الشهادة.أجل إذا حلف المدعي مع أحد الشاهدين حكم له،حيث يقضى بشاهد و يمين في الحقوق المالية.

ص:105

هذا ما قاله صاحب الشرائع و الجواهر و المسالك و غيرهم من فقهاء الإمامية،و كنت لا أرتضيه من قبل،و أرى أن يوكل الأمر إلى نظر القاضي و اجتهاده،ثم عدلت و رأيت الحق بجانب الفقهاء،و ان القاضي لا يمكنه بحال أن يعتبر مثل هذه الشهادة بينة كاملة،لأن الإقرار،و ان كان نافذا في حق المقر إلاّ أنّه لا ملازمة بين وجود الإقرار بالدين و بين وجود الدين واقعا،إذ من الجائز أن يقر الإنسان بغير الواقع لمصلحة تستدعيها ظروفه الخاصة.و إذا لم يكن الإقرار هو الدين بالذات،و لا ملازم للدين واقعا،صح ما قاله الفقهاء من عدم توارد الشاهدين على شيء واحد،و لا على شيئين متلازمين في الواقع.

و بهذا قال الشافعية و الحنفية.(فتح القدير).و قال صاحب المغني-من الحنابلة-إذا شهد أحدهما بالفعل،و شهد الآخر بالإقرار به كملت الشهادة،و عمل بها.

و لو شهد أحدهما بدينار،و الآخر بدرهم،أو شهد بثوب أبيض،و الآخر بثوب أسود،أو شهد أنّه باعه الدار بألف صباحا،و الآخر بألفين في الوقت نفسه، أو شهد أنّه باعه ليلا،و الآخر نهارا،أو في السوق،و الآخر في البيت.لو كان في الشهادة شيء من هذا النوع لم تكمل،و لا يجوز العمل بها.و لكن للمدعي أن يحلف مع الشاهد الذي اتفقت شهادته مع دعواه،و يحكم له بعد الحلف.

و بكلمة.ان البينة لا تتم و تكمل إلاّ بتوارد شهادة عدلين على فعل واحد، و زمن واحد،و مكان واحد،و صفة واحدة.و من المعروف قديما و حديثا من سيرة القضاة الشرعيين و المدنيين أن التناقض في أقوال الشهود مسقط للشهادة.

و إذا لم يبين الشاهد الزمان و المكان و ما إليهما فللحاكم أن يلقي عليه ما يشاء من الأسئلة التي تتصل بموضوع الدعوى،بخاصة إذا طلب ذلك منه

ص:106

المدعى عليه.

و لو شهد أحدهما بألف،و الآخر بألفين يثبت الألف بالشاهدين،و الألف الثانية بشاهد و يمين،لأن الألف الأولى معلومة على كل حال بخلاف الألف الثانية فإنه لم يشهد بها إلاّ شاهد واحد.(الجواهر).

و قال أبو حنيفة:لا يثبت شيء.و تثبت عنده الألف إذا شهد أحدهما بألف،و الآخر بألف و خمسمائة.و السر انّه يعتبر اتفاق الشاهدين في اللفظ و المعنى،فإذا اتفقا معنى لا لفظا لم تقبل الشهادة،و لفظة الألف قد وجدت بشهادة الاثنين في المثال الثاني،فتوارد اللفظ و المعنى،فقبلت الشهادة.و لم توجد لفظة الألف إلاّ في شهادة واحد في المثال الأول،فاختلف قول الشاهدين في اللفظ بالنسبة إلى الألف،فتسقط الشهادة،حتى و لو اتفق الاثنان على الألف معنى،و كان معلوما و متبقيا على كل حال.

5-الشهادة في غير الترافع:

إذا شهد لك عدلان أن هذه المرأة التي تزوجتها هي أختك من الرضاع،أو أنك استدنت من فلان كذا،و نسيت،أو أن عليك قضاء أيام من رمضان،أو أنك نذرت أو حلفت،أو أن هذا فاسق،أو عادل،أو مجتهد،أو جاهل،و ما إلى ذاك فهل يجب عليك أن ترتب الآثار على ذلك،و ان لم يحكم به حاكم،و يوجد طرف ثان ينازع،و يخاصم؟ ليس من شك و لا خلاف أيضا أنّه إذا حصل لك العلم و الإقناع وجب أن ترتب الآثار،حتى و لو كان الشهود غير عدول عندك،بل و لو حصل العلم من شاهد واحد.أما إذا شهد عدلان،و لم يحصل العلم و الاطمئنان ففيه خلاف بين

ص:107

الفقهاء،و الأكثر على وجوب العمل،لأن البينة حجة متبعة في الموضوعات الخارجية.و لا يتوقف العمل بها على الترافع،و حكم الحاكم،بل قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه:«ان ذلك من الأمور المسلّمة في الشريعة».و أخبار أهل البيت عليهم السّلام كثيرة في ذلك،منها قول الإمام الصادق عليه السّلام:«و الأشياء كلها على ذلك،حتى يستبين لك غيره،أو تقوم به البينة».و منها:«إذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم».و هي شاملة لمحل التنازع و غيره.و منها ان الوكيل لا يعزل،حتى يبلغه العزل بثقة،أو مشافهة الأصيل.

و قال الشيخ الهمداني أيضا في آخر باب الطهارة:«ان قبول البينة في مورد الخصومة،و تقديمها على اليد يدل على قبولها في غير الخصومة بالأولية القطعية.بل ان كثيرا من الفقهاء اكتفوا بقول الواحد إذا كان ثقة.».

6-مجهول العقيدة:

لو مات رجل،و لم نعلم على أي دين كان حين الموت،و لا قبل الموت، و أيضا لم نعلم على أي دين كان أبواه.و له ولدان:مسلم،و غير مسلم.فقال المسلم مات أبوه على الإسلام،فله التركة بكاملها.و قال الآخر:بل مات على غير الإسلام،فالتركة مناصفة بيننا.

و بعد أن افترضنا أننا نجهل حال أبوي الميت،و أيضا نجهل حال الميت السابقة و اللاحقة،بعد هذا الافتراض لا نجد أصلا في الشريعة يعين،أو يرجح الإسلام على الكفر،أو الكفر على الإسلام،حيث لا دليل من كتاب،أو سنة،أو إجماع على أن كل من شك في إسلامه فهو مسلم.و إذا قلنا بطهارته فإنما نقول بها،لمكان الشك في الطهارة.أجل،الأصل في كل إنسان أن يكون حرا،لا أن

ص:108

يكون مسلما.و إذا قلنا أيضا بطهارة الجلد المستعمل المطروح في أرض البلاد الإسلامية،و رجحنا الظاهر على الأصل فإنما قلناه عملا برواية إسحاق بن عمار التي نصت على أنّه«لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني،و ما صنع في أرض الإسلام،أو كان الغالب عليها من المسلمين».

و إذا لم يوجد أصل يعين أحد الطرفين تكون المسألة من باب التداعي، حيث يصدق على كل من المسلم و غير المسلم أنّه مدع و منكر في آن معا.

فالمسلم يدعي أن أباه كان مسلما،و ينفي عنه الكفر،و غير المسلم يدعي أنّه غير مسلم،و ينفي عنه الإسلام.و عليه فإن كان لأحدهما بينة دون الآخر عمل بها،و ان كان لكل بينة جرت عملية الترجيح بين البينتين من تقديم الأشهر عدالة،و مع التساوي في العدالة يرجح الأكثر شهودا و مع التساوي عدالة و عددا فالقرعة.

و ان لم تكن لهما،أو لأحدهما بينة فصلت بينهما اليمين،فإن حلف المسلم،و نكل غير المسلم فالتركة بكاملها للأول،و ان حلف غير المسلم،و نكل المسلم فهي بينهما مناصفة،و ان حلفا معا اعطي ثلاثة أرباع للمسلم،و الربع لأخيه غير المسلم،لأن النصف للمسلم على كل حال،سواء أ كان الميت مسلما، أو لم يكن،و انما الخلاف على النصف الآخر،لأنه على تقدير الإسلام فالكل للولد المسلم،و على تقدير عدم الإسلام فالتركة مناصفة.

و لم أجد أحدا من فقهاء الإمامية تعرض لهذه المسألة بالذات فيما لدي من المصادر،و ربما تعرضوا لها،و لم أهتد إليها-رغم البحث و التنقيب-و لكنهم تعرضوا لحكم من شك في إسلامه بصورة عامة،و جزموا بأنه لا امارة و لا أصل يعين،أو يرجح الإسلام على الكفر،أو الكفر على الإسلام.

قال صاحب الجواهر في باب اللقطة:ان الأصول العقلية تقتضي عدم

ص:109

الحكم بإسلام اللقيط،أو كفره،لأن الأصل كما يقتضي عدم تولده من الكافر يقتضي أيضا عدم تولده من المسلم.و قال صاحب العروة الوثقى:لا نرتب أحكام الإسلام على المجهول-ما عدا الطهارة-و وافقه السيد الحكيم في «المستمسك»،و السيد الخوئي في«التنقيح».و بكلمة ان فقهاء الإمامية كلهم أو جلهم على أن الأصل في الإنسان الحرية دون الإسلام.

ص:110

اليد

الإمامية و اليد:

تكلم الإمامية عن اليد في كتب الفقه و أصوله،و أطالوا الكلام.و لم أر كتابا- فيما لدي-من كتب المذاهب و القوانين الحديثة تبسّط فيها على هذا النحو الذي رأيته في كتب الإمامية.و مهما يكن،فقد تكلم فقهاؤهم في معنى اليد،و تحديد مواردها،و في الدليل على اعتبارها،و المسوّغ للاعتماد عليها،و في معارضتها مع غيرها من الأدلة،و في سببيتها للضمان،و دلالتها على التذكية و الطهارة،إلى غير ذلك.

معنى اليد:

معنى وضع اليد على الشيء أن يستطيع صاحبها التصرف فيه تصرف المالك في ملكه بلا معارض،كالزرع و الغرس في الأرض،و السكن و البناء و الهدم في الدار،و الركوب للدابة،و اللبس للثوب،و بيع هذه الأعيان و اجارها، و هبتها و إعارتها.و بالاختصار،ليس للفقهاء اصطلاح خاص في وضع اليد.و انما العبرة عندهم في الصدق العرفي.و إذا اختلفوا فيما بينهم في مورد أنّه من وضع اليد،أو غيره تحاكموا إلى العرف.

ص:111

دلالة اليد على الملك:

لا يختلف اثنان في أن وضع اليد يدل على الملك،و السر هو طريقة العقلاء،و تباني الناس على ذلك قبل الشرع و بعده.و قد أقر الشرع،و أمضى هذه الطريقة بأخبار كثيرة،نكتفي منها بخبر«حفص»الذي سأل الإمام الصادق عليه السّلام قائلا:

إذا رأيت شيئا في يد رجل أ يجوز أن اشهد أنّه له؟ قال الإمام:نعم.

قال حفص:أشهد أنّه في يده،و لا أشهد أنّه له،فلعله لغيره.

قال الإمام:أ يحل الشراء منه؟ قال حفص:نعم.

قال الإمام:لعله لغيره،فمن اين جاز لك أن تشتريه،و تصيره ملكا لك،ثم تقول بعد ذلك:هو لي،و تحلف عليه،و لا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه قبلك؟لو لم يجز هذا ما قام للمسلمين سوق (1).

فاليد تستمد قوتها من تباني العرف على دلالتها على الملك،و إمضاء الشرع لهذا التباني،أما الحكمة لهذا التباني و هذا الإمضاء فهو قيام الحياة الاجتماعية،و سيرها في طريقها الطبيعي،و عدم اختلال النظام.

الأموال و الأعراض و الأنساب:

اشارة

ليس من شك أن وضع اليد على الأموال دليل على الملك،سواء أ كانت

ص:112


1- ذكر المسلمين،و أراد عموم الناس،و انما خص المسلمين بالذكر،لأنهم الأكثرية الغالبة في ذلك العهد.

الأعيان منقولة أم غير منقولة.و كما يدل وضع اليد على ملكية الأعيان يدل أيضا على ملكية المنافع،فلو سكن شخص في دار زيد بحجة أنّه استأجرها منه،ثم جاء آخر،و قال له:أنا المستأجر،لا أنت كان مدعيا،و عليه البينة،أما الساكن فلا يكلف بالإثبات،لأن يده تشهد له.

أجل،لو وقع التخاصم بين المالك و الساكن،و قال الأول للثاني:أنت تسكن ملكي ظلما و عدوانا.و قال له الساكن:بل استأجرت الدار منك يكون الساكن مدعيا،و عليه الإثبات،و يكون المالك منكرا،لا يكلف إلاّ باليمين،لأن اليد انما تدل على ملكية المنافع مع عدم معارضة المالك،أمّا مع هذه المعارضة فلا،لأن المنفعة تابعة للعين،و لا تنتقل عن صاحب العين الاّ بمسوغ شرعي، كالإجارة،و العارية،و قد ادعى الساكن وجود هذا المسوغ فعليه الإثبات.

هذا فيما يعود إلى الأعيان و المنافع،أما في الأعراض و الأموال،كما لو تنازع اثنان زوجية امرأة هي تحت أحدهما،أو بنوة صبي هو في بيت أحد المتنازعين،و من جملة عياله،فهل تدل اليد على أن المرأة هي زوجة الذي تحته،و الصبي هو ابن الذي عنده،بحيث يكون صاحب اليد منكرا،و الطرف الثاني مدعيا،يطلب منه الإثبات؟

الجواب:

ان اليد لا تدل على الاختصاص إلاّ في الأموال،أما في الاعراض و الأنساب فلا أثر لها ابدا.هذا مع العلم بأن المرأة في هذه المسألة هي للذي تحته،حتى يثبت العكس،و لكن لا لليد،بل عملا بظاهر حال المسلم،و حمل أفعاله على الصحيح.

و أمّا بالنسبة إلى الصبي،فإن كان الذي هو عنده قد أقر و اعترف أنّه ولده

ص:113

قبل أن ينازعه فيه منازع فهو أولى به،و ان لم يكن قد أقر به فالمتنازعان فيه سواء، فان كان لأحدهما بينة حكم له،و ان أقاما معا البينة أقرع بينهما،و بالتالي،لا يكون لليد أي أثر.(الجواهر و المسالك و البلغة).

حال اليد:

لا يدل وضع اليد على الملك إلاّ بشرطين أساسيين:

الأول:أن نجهل كيف ابتدأ وضع اليد على العين،بحيث لا نعلم ما ذا كان السبب لحدوثها،و أنّه هل هو البيع،أو الهبة،أو الإجار،أو الغصب.مثلا:نعلم أن هذه الدار كانت فيما مضى لزيد،و بعد أمد رأيناها في يد عمرو،يتصرف فيها تصرف المالك في أملاكه،و لكن لا نعلم بأي سبب انتقلت إليه،و لا كيف ابتدأ وضع يده عليها.فوضع اليد-و الحال هذه-يدل على الملك بلا ريب،و لا يجري الاستصحاب.أما إذا علمنا أن صاحب اليد كان قد استأجر العين من صاحبها،و بعد أمد شككنا:هل انتقلت إليه بمسوغ شرعي،أو لا؟أما إذا كانت الحال هكذا فلا أثر لليد في دلالتها على الملك،بل نستصحب حال اليد التي كانت عليها فيما سبق.

و على هذا،إذا كانت دار في يد شخص،و ادعى عليها آخر،و قال:هي ملكي،و اني أجرته إياها منذ سنوات،و أبرز أوراقا تثبت الإجار،أو أقام شهودا على ذلك.إذا كان الأمر كذلك-تسقط اليد عن الدلالة على الملك،و ليس لساكنها أن يحتج بها،بل عليه أن يثبت الملك بطريق آخر غير وضع اليد،و أنّها انتقلت إليه بناقل شرعي.و مع عدم البينة لصاحب اليد يحلف الذي أثبت الإجار، و يحكم له.

ص:114

الشرط الثاني:أن تكون العين التي تحت اليد قابلة بطبيعتها للنقل و الانتقال،و التملك و التمليك.أما إذا لم تكن قابلة لذلك،كالوقف الذي لا يقبل الملك إلاّ في حالات خاصة فإن اليد تسقط عن الدلالة على الملك.فإذا علمنا بأن هذا العقار كان وقفا فيما مضى،و بعد أمد رأيناه في يد شخص يتصرف فيه، و شككنا:هل انتقل إليه بالبيع لوجود المسوغ لبيع الوقف.إذا كان الأمر كذلك.

فلا يسوغ أن نحكم لصاحب اليد اعتمادا على وضع يده.

و على هذا إذا تنازع أرباب الوقف مع صاحب اليد على ما كان وقفا في السابق،فقالوا:ان هذا العقار كان وقفا،و ما زال.و قال صاحب اليد:هو ملكي، و أنا المتصرف،فالقول قول أرباب الوقف،و على صاحب اليد البينة أنّها انتقلت إليه بناقل شرعي،و لا يفيده وضع اليد شيئا.

ص:115

العرف و الاستفاضة

اشارة

قدمنا في الصفحات السابقة أنّه يحكم و يقضى بالإقرار،و أيضا يقضي بالبينة و الشهادة لمن كانت معه،و باليد لصاحبها-أحيانا-و عقدنا هذا الفصل للنظر بالعرف و الاستفاضة:هل يقضى بهما أو لا؟و على تقدير القضاء بهما فهل يقضى بهما في جميع الحالات،أو في حالات خاصة.

العرف:

اشارة

لقد حددوا العرف بتعاريف شتى،أقربها إلى الأذهان ما جرت عليه عادة الناس في بيعهم و شرائهم و اجارهم،و سائر معاملاتهم،بحيث يسوغ للمتكلم إذا أراد معنى أن يطلق اللفظ،و يترك القيود اتكالا على فهم العرف-مثلا-إذا قال اللبناني-اشتريت هذا بليرة فهم منها الليرة اللبنانية بدون الوصف.و إذا قال العراقي:اشتريته بدينار فهم منه الدينار العراقي كذلك.

و نوجز الكلام عن العرف من جهات ثلاث:الأولى،هل هو مصدر من مصادر التشريع؟الثانية:هل هو سبيل لتشخيص الموضوع الذي تعلق به الحكم الشرعي؟الثالثة:هل يقضي به؟

ص:116

العرف و التشريع:

ليس من شك أن العرف بذاته ليس مصدرا من مصادر التشريع،أي ليس طريقا صحيحا لمعرفة الأحكام الشرعية.أجل،إذا جرت عادة العرف على شيء في عهد الشارع و زمنه،و حصل ذلك بمرأى منه و مسمع،و مع هذا لم ينه و يردع عنه،مع قدرته،و عدم المانع له عن النهي و الردع-إذا كان الأمر كذلك.يكون هذا إمضاء من الشارع.لأنه قد التقى مع العرف في هذا المورد بالذات.و عليه لا يكون هذا عملا بالعرف،بل أخذا بالسنة التي تشمل قول الشارع و فعله و تقريره.

العرف و الموضوعات الشرعية:

أما الاعتماد على العرف،لمعرفة الموضوع،و تحديد المعنى الذي تعلق به الحكم الشرعي،أما هذا فثابت في الموضوع الذي لا حقيقة خاصة فيه للشرع، فإذا قال الشارع«الخراج بالضمان.و لا ضرر و لا ضرار.و الأعمال بالنيات»فان المرجع في تشخيص الخراج و الضمان و الضرر و النية و ما إليها هو العرف.

و بتعبير الأصوليين نرجع إلى العرف في الشبهة الحكمية،لا في الشبهة الموضوعية (1).

ص:117


1- إذا شككنا في قصد الشارع و مراده،بحيث لا نعلم:هل هذا عنده حلال أو حرام؟تكون الشبهة حكمية،و سميت حكمية،لأن الشك في نفس الحكم الشرعي،لا في موضوعه.و إذا علمنا الحكم الشرعي:و اشتبه علينا موضوعه في الخارج،كما لو علمنا أن الشارع حرم الخمر و أباح الخل،ثم اشتبه هذا المائع الخاص:هل هو خمر أو خل تكون الشبهة موضوعية،و سميت بذلك لأن الشك حصل في تشخيص موضوع الحكم،لا في الحكم نفسه،كما هي الحال في الشبهة الحكمية.
العرف و القضاء:

ان نسبة العرف إلى القضاء تماما كنسبته إلى التشريع،فكما أن العرف لا يكون بذاته طريقا لمعرفة الحكم الشرعي،و يكون-أحيانا-سبيلا لتشخيص الموضوع الذي تعلق به الحكم،كذلك لا يكون العرف أصلا من أصول الإثبات في القضاء،و يكون-أحيانا-وسيلة لمعرفة الشيء الذي اختلف فيه المتخاصمان،و يكون تأثيره في القضاء من هذه الجهة فحسب.و لذا لو تغيرت العادة،و زال هذا العرف من الزمن،يزول معه هذا التأثير.قال صاحب الجواهر:

باب الزواج-فصل المهر:إذا اختلف الزوجان في تسليم المهر فالقول قول الزوجة،مع يمينها،أما الاخبار الدالة على أن القول قول الزوج مع الدخول،لا الزوجة فإنها محمولة على أن العادة كانت فيما مضى على تقديم المهر قبل أن يدخل الزوج،ثم تركت هذه العادة،فرجعنا إلى الأصل القاضي بعدم التسليم، حتى يثبت العكس.

إذن،للعادة تأثير في تعيين الشيء الذي تنازع عليه المتخاصمان،و فيما يلي نذكر طرفا من الأمثلة على ذلك:

1-إذا اتفقا على حصول عقد البيع بمئة دينار-مثلا-و قال أحدهما:

جرى الاتفاق على الدينار البلدي الذي يتعامل الآن به الناس عندنا.و ادعى الآخر:

بأنه جرى على الدينار الأجنبي،أو الدينار الذي كان يتعامل به أهل زمان.إذا كان الأمر كذلك فالقول قول الأول،مع يمينه،و على الثاني البينة.

2-إذا اشترى عينا،ثم وجد بها صفة لم يكن عالما بمكانها من قبل، و زعم أنّها عيب يوجب الرد.و قال البائع:ليست هذه الصفة بعيب،حكّمنا العرف و أهل الخبرة،و قضينا بقولهم.

ص:118

3-إذا وقع الإجار على بيت،دون أن يتعرض المؤجر و المستأجر إلى الضريبة التي تضعها البلدية من الحراسة و الكناسة،و لا إلى ضريبة المسقفات، و ما إلى ذلك.ثم وقع النزاع،فقال المستأجر:هي على المالك.و قال المالك:

هي على المستأجر.رجعنا إلى العرف،و العادة المتبعة.

4-إذا باع فرسا فهل تندرج البرذعة و اللجام في المبيع؟أو دابة حاملا فهل يندرج الحمل؟أو بستانا فهل يندرج حائطه؟أو دارا فهل تدخل المفاتيح و الشجرة التي فيها؟كل هذه،و ما إليها نرجع فيها إلى العرف ما لم يوجد نص على العكس،أو قرينة تعين الخروج،أو الدخول.

5-إذا أقامت الزوجة مع الزوج في محل واحد،ثم طالبته بالنفقة مدّة إقامتها معه،فترد دعواها عملا بالعادة و الظاهر من أن الزوج في مثل هذه الحال قد أدى النفقة.

و قد أطال الفقهاء الكلام فيما يشمله لفظ الدار و البستان و الأرض و العبد و الفرس،و ما إليها.و جعلوا العرف هو المرجع.قال صاحب الفروق المالكي ج 3 الفرق 199:«هذه الألفاظ كلها حكّمت فيها العادة».و قال صاحب الجواهر الإمامي في باب المتاجر:«إذا باع شجرة عليها ثمرة فالثمرة للبائع على كل حال إلاّ أن يكون عرف يقتضي الخروج».

و الذي يجب التنبيه إليه،و لا يجوز الذهول عنه بحال ان العرف بذاته ليس مصدرا من مصادر القضاء،و لا يرجع إليه لتمييز المحق من المبطل،و انما نعتمد عليه عند الحاجة لمعرفة معاني الألفاظ،و ما يتبع هذه المعاني التي تنازع فيها المتخاصمان.و هذا في حقيقته ليس قضاء بالعرف،و ان كان له تأثير في القضاء، لأن معنى القضاء به أن يكون هو الفصل بين الحق و الباطل،و الحاكم لأحد

ص:119

المتداعيين أو عليه.و لا أحسب أن فقيها يقول بذلك،أو يستند قول مدعيه إلى دليل.أجل،قد نحكم بالظاهر في بعض الحالات كمن تغدى في بيت آخر،ثم طالبه صاحب البيت بثمن الغداء،فقال الآكل:أنا ضيف،و بيتك ليس مطعما.

فإن قاعدة احترام المال،و ضمانه تقتضي أن يكون الآكل مدّعيا،و صاحب البيت منكرا.مع أننا لا نشك بأن القول قول الآكل،و لكن هذا بالحقيقة عمل بالاطمئنان لا بالظاهر.

الاستفاضة:

اشارة

الاستفاضة و الشياع و التسامع بمعنى واحد،و هو أن تسمع من جماعة يستبعد اتفاقهم و تواطؤهم على الكذب بحيث يحصل من قولهم الاطمئنان بالصدق.و قد تكلم صاحب الجواهر عن الاستفاضة في جهات ثلاث:

1-الاستفاضة و العمل

عمل الإنسان بالاستفاضة بينه و بين ربه بصرف النظر عن الشهادة و القضاء، كما إذا شاع أن هذا العقار وقف،و ان فلانة زوجة فلان،و ان هذه الدار غصب، و ان فلانا عالم،أو جاهل،أو عادل،أو فاسق،أو أنّه ابن فلان و ما إلى ذلك.

و ليس من شك أن الناس كانوا،و ما زالوا يعتمدون هذا الشياع،و يرتبون عليه الآثار،سواء أحصل لهم القطع،أو الظن.و قد أشرنا في فصل سابق إلى أن بعض المحققين من علمائنا يأخذ بخبر الواحد في الموضوعات إذا كان ثقة في غير الترافع و التخاصم.

ص:120

2-الاستفاضة و الشهادة:

أما الشهادة بالاستفاضة،و الأدلاء بها أمام الحاكم،لمجرد الشياع و التسامع ففيه تفصيل:

فان حصل العلم من الشياع جازت الشهادة إطلاقا في كل شيء،سواء أ كان من نوع الجنايات،أم العقود و الموجبات،أو الأحوال الشخصية أو غيرها،لأن العلم حجة من أي سبب حصل.

و ان لم يحصل العلم من الاستفاضة فلا تجوز الشهادة استنادا إليه إلاّ في أشياء خاصة نص عليها الفقهاء،و هي سبعة:النسب،و الملك المطلق-أي بدون ذكر سبب الملك من الشراء و الوراثة أو غيرها،فإن بيّن السبب سقطت الشهادة- و الزواج،و الوقف،و العتق،و الولاء،و الموت.و اكتفى بعضهم بثلاثة:النسب و الموت و الملك.و آخر بخمسة،حيث أضاف إلى هذه الثلاثة النكاح و الوقف.

و مهما يكن،فان الشرط الأساسي للشهادة هو العلم،و لكن الفقهاء أجازوا الشهادة استنادا إلى الاستفاضة في هذه الأشياء،و ان لم يحصل العلم.

و الأولى أن يشهد الشاهد بوجود الشياع،و ينقله إلى الحاكم،و هو بدوره يرى فيه رأيه.

و اتفقت المذاهب الأربعة على أن الشهادة بالاستفاضة تصح في النسب و الولادة.و اختلفوا فيما عدا ذلك.فقال الحنفية:تقبل أيضا في الموت و النكاح و الدخول.

و قال الحنابلة:تقبل في الموت و النكاح و الملك المطلق و الوقف.

و قال الشافعية:تقبل في الموت و الملك.(المهذب.المغني.فتح القدير- باب الشهادات).

ص:121

3-الاستفاضة و القضاء:

متى ثبتت الاستفاضة عند الحاكم قضى بها،سواء أحصل له العلم،أم لم يحصل،تماما كالقضاء بالبينة و الإقرار.و ليس للمنكر أن يطعن و يعترض.و لكن القضاء بالاستفاضة ينحصر في النسب و الملك المطلق و الزواج و الوقف.و انما جاز الحكم بها لسيرة الفقهاء،و دلالة بعض الاخبار.(الجواهر باب القضاء).

و قبل أن ندع هذا الفصل نشير إلى أمرين مهمين،هما خلاصة ما تقدم:

الأول:الفرق بين العرف و الاستفاضة،و هو أن العرف لا يقضى به،و لا يعتمد عليه،كطريق من طرق الإثبات في باب القضاء،و انما يرجع إليه،لمعرفة معاني الألفاظ التي اختلف المتخاصمان في مدلولها،إما الاستفاضة فيقضى بها، و يعتمدها الحاكم،كأصل من الأصول الشرعية للإثبات في الأشياء التي ذكرناها.

الثاني:الفرق بين الشهادة و القضاء،و هو أن الشهادة لا بد أن تكون عن علم،تماما كالشمس،حسبما جاء في الحديث الشريف،إلاّ في موارد خاصة ذكرناها في الفقرة السابقة.أما القضاء فيجوز مع العلم و الظن،لأن الحاكم يحكم بالإقرار و البينات و الايمان و اليد،و بالاستفاضة،و ان لم يحصل له العلم.و النتيجة الحتمية لذلك أنّه ليس كل ما تجوز الشهادة به يجوز القضاء به،فقد يشهد الشاهد بشيء عن علم،و لا يحكم الحاكم.و لا كل ما يجوز القضاء به تجوز الشهادة به، فقد يحكم الحاكم باليمين،و مع ذلك لا يجوز للشاهد أن يشهد لأحد بيمينه كائنا من كان.

ص:122

علم الحاكم

اشارة

و مدى تأثيره في القضاء

أسباب العلم:

للعلم أسباب لا يبلغها الإحصاء،و يعنينا منها ما يتصل بالدعاوي التي ترفع لدى المحاكم،و يعلم القاضي بوقائعها،أو بجهة من جهاتها.و ينقسم علم الحاكم بالواقعة المتنازع عليها باعتبار ظرفه و الزمن الذي حصل فيه إلى قسمين:الأول أن يحصل العلم للحاكم في خارج المحكمة،و قبل التنازع و الترافع.الثاني أن يحصل أثناء السير في الدعوى،و من وقائعها و ملابساتها بالذات،و هذا النوع- و هو المقصود من هذا الفصل-ينقسم باعتبار أسبابه إلى ما يلي:

1-معاينة الحاكم و مشاهدته إذا كان المدعى به من الوقائع المادية.

2-القرائن الموضوعية من غير الطب الشرعي،بل يستنتجها الحاكم بذكائه و تفطنه لحجاج الخصوم و خداعهم.

3-الأمور العامة البديهية التي يشترك فيها جميع الناس،مثل أن الأطرش لا يسمع،و الأعمى لا يبصر،فإذا شهد الأول بسماع الإقرار،و الثاني برؤية الحادثة لا يلتفت إليهما.

ص:123

4-الطب الشرعي،و منه أقوال الخبراء.

5-المبادئ الشرعية العامة،مثل أن أقل الحمل ستة أشهر،و أكثره سنة، فيقضي الحاكم بنفي الولد،أو إلحاقه على هذا الأساس بدون بينة أو يمين،بعد العلم بتاريخ الوطء،أي ان من يدعي خلاف هذا المبدأ ترد دعواه ابتداء،لأنه يدعي خلاف ما ثبت في الشرع.

الأصل في القضاء:

و قبل أن نتكلم عن علم الحاكم بشتى ظروفه و أقسامه نقدم هذا التمهيد:

ان الأصل في القضاء و في جميع التكاليف أن تؤدى و تمتثل على وجهها بطريق العلم و القطع،و لا يجوز تأديتها و امتثالها بطريق غير طريق العلم و اليقين إلاّ إذا نص الشارع على الاكتفاء بطريق خاص.و حينئذ يتّبع هذا الطريق حين التأدية و العمل،و ان لم يفد العلم.أما السر في أن الأصل يقتضي أن تكون التأدية بالعلم لا بغيره فهو أن التكليف قد تحقق بالعلم و اليقين،و اليقين لا يرفع إلاّ بيقين مثله،و لا يرفع بالشك و لا بالظن،لأن الأقوى لا يزال بالأضعف.اللهم إلاّ أن يقوم الدليل من اليقين بالذات على الاكتفاء بالظن في بعض الحالات،و هذا في حقيقته عمل بما ينتهي إلى اليقين،و لو بالواسطة.

و قد قام الدليل القطعي من الشرع نفسه على جواز القضاء بأصول لا تفيد العلم و الجزم،كالإقرار و البينة و اليد،و الاستفاضة.و السر في ذلك هو التيسير و التسهيل،إذ لو انحصر طريق القضاء بالعلم لا نسد بابه،و ذهبت الحقوق هدرا، و عمّت الفوضى.

و قد ذهب البعض إلى أن الواقع بما هو واقع غير مطلوب في القضاء،و انما

ص:124

المطلوب الحكم بما تؤدي إليه البينات و الايمان،لحديث:«إنما أقضي بينكم بالبينات و الايمان».و يرده ان المطلوب في جميع التكاليف،لا في القضاء فقط هو الواقع بحقيقته.فإذا قال:أشهد،و أقضي فمعناه أشهد بالواقع،و اقضي بالواقع،إلاّ أن يقوم الدليل على أنّه ليس للقاضي أن يحكم بالواقع،بل بشهادة الشهود،و ما إليها فقط لا غير.و ليس لهذا الدليل عين و لا أثر في الشريعة،لأنه يصادم المنطق،و البرهان العقلي،بل قام الدليل من الكتاب و السنة أن واجب القاضي أن يحكم بالواقع أولا و قبل كل شيء.أما حديث:«انما أقضي بينكم بالبينات و الايمان»فهو منزل على الغالب من عدم العلم بالواقع،و ان الحكم بهما يكون حيث لا طريق سواهما،و إلاّ جاز الحكم بالبينة و اليمين مع العلم بكذبهما، و لا قائل بذلك.

و مهما يكن،فإن المهم أن نتذكر،و لا ننسى أن القضاء بالعلم لا يحتاج إلى دليل،لأنه على مقتضى الأصل،و لأنه ليس وراء العلم شيء.أما القضاء بغير العلم فيحتاج إلى دليل قاطع.

القوانين الحديثة و أئمة المذاهب:

و على ما قدّمنا يتجه هذا السؤال:

إذا كان القضاء بالعلم لا يحتاج إلى دليل،و القضاء بغيره يفتقر إلى الدليل فكيف أجمعت القوانين الحديثة،و فقهاء المذاهب الأربعة و عدد من فقهاء الإمامية-أجمعوا على أن القاضي لا يجوز له أن يقضي بعلمه،و لا أن يستند إلى شيء من معلوماته في حكمه؟

ص:125

الجواب:

ان أرباب الشرائع الحديثة حين قالوا:«ليس للحاكم أن يحكم بعلمه».

أرادوا أنّه لا يحق له أن يتصدى للحكم و الفصل في الواقعة التي قد علمها من قبل،و ان عليه أن يدع النظر فيها إلى قاض آخر،و يكون هو شاهدا لا حاكما،و لم يجيزوا بحال أن يتصدى للقضاء،ثم يحكم بخلاف ما علم.و يمكن أن نحمل كلام الفقهاء الذين منعوا القاضي من الحكم بعلمه على ذلك مع التمحل.و على هذا فلا منافاة بين قول من قال:لا يصح للحاكم أن يقضي بعلمه،و بين ما يقتضيه الأصل من وجوب اتباع العلم في كل شيء،حيث لا مانع من العقل و الشرع أن يكون طريق الحكم و الفصل بين الناس غير علم الحاكم في بعض الظروف و الأحوال.

القضاء على خلاف العلم:

قدمنا أن الأصل الأول يقتضي القضاء بالعلم،حتى يثبت العكس،و قد ثبت جواز القضاء بالبينة و ما إليها،و ان لم يحصل العلم.و أيضا قد تحتم الضرورة في بعض الحالات الخروج عن هذا الأصل،لا بالعمل بالظن فقط الذي قد يجتمع مع الواقع،بل بالعمل على خلاف العلم،و الحكم بغير الواقع.

مثال ذلك رجل استودع آخر درهمين،ثم استودعه ثان درهما واحدا، فوضعه مع الدرهمين،و صادف أن تلف درهم من الثلاثة،بدون تفريط أو تعدّ من المستودع،و ذهب الجميع إلى الحاكم ليقضي بالحق،فعليه أن يقضي بدرهم و نصف للأول،و هو صاحب الدرهمين،و بنصف درهم للثاني،و هو صاحب الدرهم،مع علمه و يقينه بأن هذا القضاء خلاف الواقع،لأن الدرهم التالف،امّا

ص:126

أن يكون لصاحب الدرهمين،و عليه يبقى له درهم واحد،مع أنّه أخذ درهما و نصف درهم.و امّا أن يكون التالف لصاحب الدرهم،و عليه فلا شيء له،مع أنّه أخذ نصف درهم.

و حيث انسدت السبل لمعرفة الواقع حصلت الشركة الحكمية بين الاثنين- لمكان الخلط-في درهم فقط،لأن أحد الدرهمين الباقيين هو للأول،سواء أ كان التالف منه،أم من الآخر،بعد أن كان المفروض أن له درهمين،و ان التالف واحد،فأحد الدرهمين باق لا محالة،فيعطى له باليقين،و يبقى درهم واحد يقسّم بينهما نصفين،و تكون النتيجة أن يأخذ صاحب الاثنين واحدا و نصفا، و صاحب الواحد نصف الواحد.و بهذا وردت الرواية عن الإمام الصادق عليه السّلام.

و أيضا يقضي الحاكم على خلاف علمه فيما لو تداعى اثنان في شيء لا يد لأحدهما عليه،و لا بينة له،و زعم كل منهما أنّه له وحده،فإنهما يحلفان معا،ثم يقتسمان بالسوية،مع العلم بأن إحدى اليمينين كاذبة،و الأخرى صادقة،و ان المتنازع فيه لصاحب اليمين الصادقة.و لكن بعد أن انسد الطريق إلى معرفة الواقع تعين هذا التقسيم،لفصل الخصومة.و على مذهب أبي حنيفة قد يتكشف الواقع جليا،و يمكن العمل به بدون أي محذور،و مع ذلك يقضي الحاكم بخلافه،مع علمه و يقينه بالمخالفة،و مع إمكان الأخذ بالواقع.فقد جاء في كتاب «اختلاف أبي حنيفة و ابن أبي ليلى»لأبي يوسف تلميذ أبي حنيفة ص 183 طبعة 1358 ه و كتاب«ميزان الشعراني»باب اللعان أن أبا حنيفة قال:

«لو تزوجت امرأة،و غاب عنها الزوج،فأتاها خبر وفاته،فاعتدت ثم تزوجت،و أتت بأولاد من الثاني،ثم قدم الأول،فإن الأولاد الذين ولدوا من الثاني يلحقون بالأول،و ينتفون عن الثاني».

ص:127

و على هذا،إذا تنازع الأول و الثاني على الأولاد المذكورين،و ترافعا لدى الحاكم،فيجب عليه أن يقضي للغائب،و ينفيهم عن الأب الحقيقي بدون بينة و يمين،مع علمه و يقينه بمخالفة قضائه للواقع،و مع إمكان العمل بهذا الواقع.

و بعد هذا التمهيد الذي عرفنا من خلاله أن الحاكم ممنوع-عند أكثر الفقهاء و أرباب القوانين-من القضاء بعلمه الذي حصل له قبل التنازع و الترافع نذكر الأسباب التي يكون منها علم القاضي أثناء سيره في الدعوى.

المعاينة:

ليس من شك أن للقاضي أن يكشف و يشاهد بنفسه أثناء سيره في الدعوى الواقعة المادية المتنازع عليها،و يكون علمه الحاصل من المعاينة و المشاهدة أصلا من أصول الإثبات بدون حاجة إلى أي شيء آخر.

مثال ذلك أن يستأجر شخص شخصا آخر على بناء بيت بصورة اتفقا عليها،و بعد انتهاء الأجير من العمل قال له المستأجر:لم تؤد العمل بشروطه، و قال الأجير:بل أديته على الوجه المطلوب،فللحاكم أن يعاين و يحكم بدون حاجة إلى بينة و يمين.

و كذلك إذا ادعت امرأة على زوجها بأن البيت الذي أعده لسكنها غير صالح،فللحاكم أن يذهب بنفسه بطلب منها،أو من تلقائه،ثم يحكم بما رأى.

و ان لم يذهب بنفسه،و اتفق الطرفان على تعيين خبير.انتدبه الحاكم و أخذ بقوله على أن للحاكم ان يجتهد،و يرفض قول الخبير برغم هذا الاتفاق.

و ان لم يتفقا عليه،و انتدبه الحاكم من تلقائه فان حصل له العلم من قوله حكم به، و إلاّ توقف،لأن الظن لا يغني عن الحق إلاّ إذا دل الدليل على اتباعه.أجل،إذا

ص:128

وجدت قرائن أخرى بحيث إذا ضمت إلى قول الخبير حصل الاطمئنان و الاقتناع.أمكن و جاز،و إلاّ أهمله كلية.

المحاكم الشرعية:

بهذا يتبين معنا أن ما جرت عليه المحاكم الشرعية بلبنان من الأخذ بقول الخبير الذي يكشف على بيت الطاعة في دعاوي نفقة الزوجة،و الاعتماد على تقريره،حتى و لو لم يحصل منه العلم-يتبين أن هذا الاعتماد لا يبتنى على أساس من الشرع.

القرائن الموضوعية:

و هي القرائن التي ترافق الدعوى،و يستنتجها الحاكم بذكائه و تفطنه لحجاج الخصوم،و هذه القرائن لا تدخل تحت ضابط عام،و لا يجمعها قاسم مشترك،لأنها تختلف باختلاف الدعاوي و المتداعين،و لا ريب في جواز القضاء بالعلم الناشئ منها،لأن المفروض أنّها تتصل بوقائع الدعوى،و لا تنفك عنها، و ليست بشيء إذا لم تكن سببا للعلم.أجل،قد يرى الحاكم أنّها تدعم أصلا من أصول الإثبات،أو تضعفه.و قد سبقت الإشارة إليها في فصل القرائن و الكتابة.

المبادئ العامة:

المبادئ العامة هي-كما قدمنا-التي يشترك في العلم بها جميع الناس، كشهادة الأطرش بسماع الإقرار،و الأعمى بمشاهدة الحادثة،و كدعوى من قال:

ان هذه الدابة له،و انّها ولدت عنده منذ سنة،ثم تبين أن سنها أقل،أو أكثر.

ص:129

و القضاء بالعلم من هذه المبادئ بديهي لا يحتاج إلى بيان،حتى عند من منع الحاكم من القضاء بعلمه،لأنها من المعلومات الفطرية المستقلة عن الدعوى و غيرها.

الطب الشرعي:

المراد بالطب الشرعي العمليات التي يقوم بها اخصائيون لتحليل الدماء، و فحص البصمات،و الكتابات،و الملابس لمعرفة أصحابها،و فحص الحرائق لمعرفة أسبابها،و القنابل لمعرفة مصدرها،بل حتى التراب و الأحجار،و ما إليها مما يمكن أن يترك فيه المتهم أثرا منه.و قد شيدوا لهذا الطب المعامل و المعاهد في أمريكا،و أوربا،و قصدتها البعوث من سائر الدول و الأقطار.

و قد سبق الإمام علي عليه السّلام الجميع إلى هذا الفحص و الاختبار،فلقد وجدنا في أقضيته أساسا لهذا الطب الشرعي،من ذلك:

ان امرأة تعلقت برجل من الأنصار،و استعملت كل طريق لاغرائه،و لما عجزت عنه حاولت الكيد له،فأخذت بيضة،و صبت البياض على ثيابها،و بين فخذيها،ثم جاءت إلى عمر،و قالت:ان هذا الرجل اغتصبني.و أراد عمر أن يعاقب الشاب،فقال له:تثبت في أمري.فقال عمر لعلي عليه السّلام:ما ترى يا أبا الحسن،فقال الإمام:ائتوني بماء حار مغلي،ثم صب الماء على البياض،حتى إزاحة عن الثوب،فألقاه في فمه،و لما عرف طعمه لفظه،ثم اقبل على المرأة، حتى أقرّت.

و الحكم في هذه الواقعة،و ان استند إلى الإقرار،لا إلى الفحص و الاختبار، إلاّ أنّها تدل بصراحة على أن لهذا الفحص أساسا في الشريعة الإسلامية.

ص:130

و منه أن امرأتين تحاكمتا إليه،ولدت إحداهما ذكرا،و الثانية أنثى في آن واحد،في مكان واحد،و ادعت كل منهما أنّها أم الغلام،فوزن حليب الاثنين، فكان أحد الحليبين أخف،فحكم لصاحبة اللبن الأخف بالبنت،و لصاحبة اللبن الأثقل بالغلام.

و هذا الحديث،و ان لم يعتبره الفقهاء كأصل من أصول الإثبات،و دليل يعتمدونه في هذا الباب إلاّ أنّه كسابقه،يدل على وجود معالم الطب الشرعي في تراثنا الإسلامي،بخاصة في آثار أهل البيت عليهم السّلام.

و قد جاء في أحاديثهم ان امرأة ادعت العنن على زوجها،و أنكر هو ذلك، فيقام الرجل في الماء البارد،فإن تقلص إحليله حكم بقوله،و ان استرخى حكم بقولها.

و قال صاحب الجواهر:«لقد عمل بهذا الحديث ابنا بابويه و ابن حمزة، و أهمله المتأخرون من الفقهاء،لعدم الوثوق به،و عدم الوثوق أيضا بالانضباط، لأن قول الأطباء يثمر الظن الغالب بالصحة إلاّ أنّه ليس طريقا شرعيا».و معنى هذا أنّه لو انضبط و أفاد العلم لكان شرعيا معتبرا.

و قد اعترف الاخصائيون في هذا الفن أن الطب الشرعي لا يستدعي العلم القاطع للشك و الريب في كل ما يقدمه و يرسمه،بل قد يفيد العلم،كفحص بصمات الإبهام التي تعين شخصية المتهم و هويته،بعد أن أثبتت التجارب أن لكل انسان بصمة خاصة،بحيث يمكن التشابه في الوجه و الملامح،و لو من وجه،و لا يمكن التشابه في البصمات بوجه (1).و قد لا يفيد الطب الشرعي العلم،

ص:131


1- تعيين هوية المتهم من بصمة الإبهام لا تقبل الشك،و ليس للمتهم الاعتراض عليها بحال،و لكن له أن يثبت أن ذهابه لمكان الجريمة كان بدافع مشروع،لا بدافع ارتكاب الجريمة.

و لكنه يزود الحاكم بحلقة جديدة من سلسلة الأدلة،أو يقوي و يدعم حلقة ضعيفة منها،كفحص الخط و الكتابة،أو وجود أثر من آثار المتهم في مكان الجريمة:أو من آثار الجريمة أو مكانها.على المتهم،بحيث توجب الترجيح و الظن،و لا تفيد العلم.

و ليس من شك أن العلم الذي يحصل من الطب الشرعي في غير الأنساب- حجة متبعة،تماما كالعلم الناشئ من اللزوم العقلي،و المبادئ العامة التي يشترك في العلم بها الناس جميعا،و لا يحتاج اعتبار العلم من أي مصدر حصل إلى جعل و إمضاء من الشارع،لأنه حجة بنفسه،بل هو المصدر لكل حجة سواه، حتى للأخذ و التقيد بقول الشارع.

و مرة ثانية نشير إلى أن العلم الحاصل من الطب الشرعي،و من الملازمة العقلية،و ملابسات الدعوى شيء.و المعلومات الخاصة التي عرفها الحاكم خارج المحكمة و الدعوى شيء آخر.و ان للذين منعوا الحاكم من القضاء بهذه المعلومات أن يوجبوا عليه الأخذ بالعلم الذي حصل له من الطب الشرعي، و اللزوم العقلي.

أما إذا لم يحصل العلم من الطب الشرعي فيترك الأمر إلى تقدير القاضي، و مدى اقتناعه بدعم القرينة لدليل من أدلة الإثبات،أو تضعيفها،لأن تشخيص الحوادث الخارجية من الأشياء الموضوعية البحتة،لا يرجع في بيانها و معرفة حقيقتها إلى الشارع،و انما تعرف و تشخص من الطرق المألوفة لدى الناس.و من هنا كان للمتهم كل الحق في إثبات العكس بجميع الطرق،للتشكيك بما دل عليه الطب الشرعي و غيره من القرائن سواء أ كان من شأنها أن تفيد العلم،أم لم يكن- ما عدا الأدلة التي نص عليها الشارع.

ص:132

و بالنظر إلى أهمية القضاء بالطب الشرعي في المحاكم الزمنية اقتضت هذه الإشارة.

الخلاصة:

و كلمة الخلاصة ان آية قرينة تتصل بالدعوى أثناء رؤيتها يجوز للحاكم أن يعتمدها،و يبني حكمه عليها،مع وجود العلم القاطع،سواء أ كانت القرينة من نوع الطب الشرعي،أو اللزوم العقلي،أو غيره لأن العلم لا يفرّق فيه بين سبب و آخر من أسبابه.أما مع عدم العلم فيترك تقدير القرينة إلى الحاكم،ان شاء طرحها بالمرة،و ان شاء رجّح و عزر بها أحد الأدلة،حسب اقتناعه و اطمئنانه بينه و بين خالقه جل و عز.

ص:133

اليمين

اشارة

اليمين من أهم الطرق التي يبتني عليها الحكم في باب القضاء.هذا مع العلم بأنّها شرعت لفصل الخصومات،لا لإثبات الواقع،و الكشف عنه.و يقع الكلام فيها من جهات نعرضها فيما يلي:

وظيفة المنكر:

قدمنا أن المدعي هو من لو ترك لترك،و ان المدعى عليه هو من لو ترك لم يترك.و ان وظيفة المدعي الأدلاء بالبينة،و وظيفة المنكر حلف اليمين.و قد تتجه اليمين على المدعي،كالأمين إذا ادعى تلف العين بلا تعد أو تفريط.و قد لا تقبل اليمين من المنكر،كما لو كان وكيلا أو وليا أو وصيا.و مهما يكن،فان الغالب في الحالف أن يكون منكرا،و في صاحب البينة أن يكون مدعيا،و أرجعوا ذلك إلى قوة الإنكار و السلب،لأنه يتفق مع الأصل،و إلى ضعف الإيجاب لمخالفته له، فاحتاج المدعي إلى البينة،ليقابل الحجة بحجة أقوى.

شروط الحالف:

يشترط في الحالف ما يشترط في مجري العقود و الموجبات من العقل

ص:134

و البلوغ و الاختيار،و يزيد عليه أن يكون له حق الاسقاط،و التبرع،فلا تصح اليمين من الوكيل و الوصي و الولي،و لا من السفيه فيما لا ينفذ تصرفه فيه.

أجل،إذا كان للقاصر دين على آخر،و ادعى المديون أنّه سلم المبلغ إلى الوصي،و أنكر.اتجهت اليمين عليه،و لكن هذه دعوى شخصية بالنسبة إلى الوصي.و إذا حلف الوصي حكم ببقاء الدين في ذمة المدعي،و ان نكل أورد اليمين،و حلف المدعي حكم بالمبلغ على الوصي،لأن النكول أو الرد بمنزلة تصديق المدعي،أو قل:هو الذي حكم على نفسه بنفسه ما دام له مخرج و ندحة عن الحكم.و الضابط في صحة اليمين أن يكون المحلوف من أجله فعلا للحالف بالذات،أو علما بفعل الغير،و كلاهما من شؤونه.

أمّا الضابط لصورة اليمين من الحالف و كيفيتها فقال الفقهاء:ان كانت الدعوى متعلقة بفعل الحالف حلف على البت واقعا،و ان كانت متعلقة بفعل الغير حلف على نفي العلم،و الحق أن هذا مبني على الغالب.و الضابط الصحيح ان يمين الحالف تأتي على حسب جوابه،فإن أجاب بنفي الواقع إطلاقا حلف على البت واقعا،و ان أجاب بنفي العلم حلف على نفي العلم من دون فرق في الحالين بين أن يكون المحلوف لأجله من فعل نفسه،أو من فعل غيره.

فإذا ادعى المدعي في وجه الوارث بأن مورثه اقترض أو اغتصب،و أجاب بأن مورثه لم يقترض و لم يغتصب حلف على البت،و ان أجاب بأنّه لا يعلم حلف على نفي العلم.

موضوع اليمين:

موضوع اليمين هو الحق المحلوف من أجله،و يشترط صحة الحكم به

ص:135

إثباتا أو نفيا،بحيث لو حلف المنكر حكم ببراءته،أو حلف المدعي حكم بثبوت حقه.و يشمل هذا الحق العين و الدين،و العقود و الموجبات،و الجنايات و الأحوال الشخصية،و ما إليها،ما عدا حقوق اللّه،و هي الحدود.أما اليمين العقيمة التي لا يصح بناء الحكم عليها فلا تتجه على أحد مدعيا أو مدعى عليه.

و من أمثلتها أن يبيع شخص داره من زيد،ثم يأتي ثالث،و يدعي شراءها من قبل،فإذا أنكر البائع لا تتجه عليه اليمين،إذ لو أقر بسبق البيع لا يؤخذ بإقراره،لأنه في حق الغير.و إذا لم يكن للإقرار من أثر لم يبق لليمين من موضوع.

و كذلك لو قال شخص لآخر:لي عندك شهادة،و أطلبك إلى تأديتها أمام الحاكم.فأنكر،و قال:لا شهادة لك عندي،فلا تتجه اليمين على المنكر،لأنه لو أقر لا يحكم عليه بشيء،لأن منكر الشهادة مسؤول أمام اللّه فقط.

صيغة اليمين:

اتفق فقهاء المذاهب على أن اليمين تكون باللّه جل و عز،لا بالقرآن،و لا بالرسل و اليوم الآخر،و لا بالكعبة و الملائكة،و لا بغيرها.فلقد ثبت في الحديث الشريف:«لا تحلفوا إلاّ باللّه،و من حلف باللّه فليصدق،و من حلف له باللّه فليرض،فإن لم يرض فليس من اللّه».و في آخر:«من حلف فليحلف باللّه،أو ليصمت».

و ذكروا لليمين صيغا،و كلها في معنى واحد،منها«و اللّه»مقتصرا على اسم الجلالة،و منها«و اللّه الذي لا إله إلاّ هو»أو يتبع ذلك بالسميع العليم.

و غير المسلم يؤدي اليمين وفقا للاوضاع المقررة في ديانته.و يقبل منه إذا اختار الحلف باللّه.

ص:136

و يستحب التغليظ في اليمين عند الإمامية،و هو أن يكون اللفظ مرهبا و مخوّفا للحالف نحو«و اللّه المهلك المدرك الطالب الغالب المنتقم الجبار».

هذه هي صيغة اليمين الشرعية،و ليس للخصم أن يفرض الصيغة التي يشاء.

أقسام اليمين:

قسم أرباب الشرائع الحديثة اليمين إلى نوعين:قضائية،و هي التي تؤدي في مجلس القضاء،و غير قضائية،و هي التي تؤدي في غيره،تماما كما هي الحال في الإقرار عندهم.

ثم قسموا اليمين القضائية إلى نوعين:حاسمة،و هي التي يوجهها الخصم إلى خصمه عند عجزه عن إثبات حقه،حسما للنزاع.و متممة:و هي التي يوجهها القاضي من تلقائه،لأحد الخصمين تتميما لما بين يديه من الأدلة.

و لا أثر عند الإمامية لأية يمين يؤديها الحالف بدون اذن الحاكم،سواء أ كان في مجلس الحكم،أم في خارجه،فما جرت عليه العادة من قول أحد المتخاصمين للآخر:احلف و أسامحك،أو احلف و ادفع لك،فيحلف،ان هذا الحلف لا يلزم القائل بشيء،و تبقى الدعوى قائمة بينهما كما كانت.

أجل،إذا تعذر حضور الأصيل إلى مجلس القضاء،لمرض و نحوه و اتجهت عليه اليمين يسوغ للحاكم أن يستنيب من يحلّفه إياها،و يكون حكمها كما لو كانت في مجلس القضاء.و المهم أن تقع باذن الحاكم المجتهد،فإذا حصلت بغير اذنه تكون لغوا،حتى و لو كانت في مجلس القضاء،و تكون شرعية يقضي بها الحاكم إذا حصلت باذنه،حتى و لو كانت في غير مجلس القضاء.

و من تتبع أقوال الفقهاء،و قارنها بكلمات المشرّعين الجدد يجد أن كلام

ص:137

الطرفين في النتيجة يرجع إلي تقسيم اليمين إلى حاسمة،و غير حاسمة، و الاختلاف بينهما انما هو في المصداق و التطبيق،فإن كلا منهما يرى أن اليمين الحاسمة هي التي ينسد معها باب الدعوى،و لكن الجدد جعلوا منها،أو حصروها باليمين التي يوجهها الخصم إلى خصمه.و ينتقض هذا فيما إذا ادعى شخص على وارث في يده تركة مورثه،ادعى عليه بأنه يعلم أن له دينا على المورث،فأنكر الوارث العلم بالدين،و حلف على نفي العلم،فان هذه اليمين تسقط دعوى العلم بالدين،و لا تسقط الدعوى بالدين،إذ يسوغ للمدعي بعد هذه اليمين أن يقيم البينة على ما ادعاه،و عليه فلا تكون حاسمة رغم أنّها موجهة من الخصم،لا من الحاكم.اللهم إلاّ أن يقال بأنّها حاسمة بالنسبة إلى دعوى العلم بالدين.

و قد تكون اليمين المتممة حاسمة،كالتي تضم إلى الشاهد في الحقوق المالية،مع أن الجدد يعتبرونها غير حاسمة.و مهما يكن،فان اليمين الحاسمة- كما نفهم-هي التي ينسد معها باب النزاع و التخاصم،و غير الحاسمة،هي التي يبقى معها هذا الباب مفتوحا على مصراعيه،و هذا انسب و أقرب إلى دلالة اللفظ من اصطلاح المشرّعين الجدد.

و قسّم فقهاء الإمامية اليمين الحاسمة إلى نوعين:يمين الإنكار و يمين الإثبات-كما جاء في قضاء ملاّ علي-و تندرج في الثانية اليمين المردودة، و المنضمة،و يمين الاستظهار.

يمين الإنكار:

ذكرنا فيما سبق أن المدعى عليه اما أن يسكت،و امّا أن يقر،و امّا أن ينكر، و تكلمنا عن حكم السكوت و الإقرار.و الآن نتعرض لحكم الإنكار.

ص:138

إذا أجاب المدعى عليه بالسلب و الإنكار سأل الحاكم المدعي:أ لك بينة؟ فإن تكن أدلى بها،و إلاّ أفهمه أن له حق الحلف على خصمه،فإن طلبها أحلف الحاكم الخصم.و لا يجوز للحاكم أن يحلفه من تلقائه،و بدون طلب المدعي، لأن الحلف حق خاص به،و ربما كانت له مصلحة في ارجاء الحلف من الأمل بالصلح،أو رجوع المنكر عن موقفه،أو توقع وجود الشهود،أو غير ذلك.كما لا يجوز للمنكر أن يسرع و يتبرع باليمين بدون طلب الحاكم.و إذا حلف المنكر تبرعا،أو بطلب الحاكم بلا سؤال المدعي وقعت يمينه لغوا.

و متى حلف بسؤال المدعي و الحاكم سقطت الدعوى،و ليس للمدعي بعدها المطالبة بشيء،حتى و لو كانت له ألف بينة،و لا أن يثبت كذب الحالف بطريق من الطرق،لما جاء في الحديث،«ذهبت اليمين بحق المدعي».و في بقية الأحاديث أن سائلا قال للإمام الصادق:ان يهوديا خانني بألف درهم،و حلف، ثم وقع له عندي مال،فهل آخذه عوضا عن مالي؟ فقال له:ان خانك فلا تخنه.و ان ظلمك فلا تظلمه.و لا تدخل فيما عبته عليه.و لو لا أنك رضيت يمينه فأحلفته لأمرتك أن تأخذ مما تحت يدك،و لكنك رضيت،و قد مضت اليمين بما فيها.

و هذا عين ما جاء في القوانين الحديثة من أن رضا الخصم بيمين خصمه يعتبر تنازلا منه عن حقه.

و غني عن البيان ان العبرة بالحلف فعلا،لا بالاستعداد له،و أشرنا إلى هذه الحقيقة الواضحة،لأن بعض من يتصدى للقضاء و الحكم بين الناس يقول في هذه الحال لصاحب الدعوى:ينبغي أن نكتفي نحن و أنت بهذا الاستعداد،لأن من استعد لحلف اليمين كأنه حلفها،و لم يبق عليه من سبيل.فإذا حصل شيء

ص:139

من ذلك تبقى الدعوى قائمة على حالها.

و إذا قال المدعي لا أقبل يمين المدعى عليه-كما يحدث أحيانا-أفهمه الحاكم بأنه مخيّر بين واحد من ثلاثة:اما أن يدلي بالبينة على مدّعاه،و امّا أن يقبل بيمين المنكر،و امّا أن يرفع يده عن الدعوى،و ليس له أن يستبد برأيه.فإن اقتنع و اختار فذاك،و إلاّ أمهله الحاكم المدّة التي يراها،فإن بقي على إصراره ردت دعواه ردا مؤقتا،بحيث يستطيع تجديدها متى تهيأت له البينة،أو رضي بيمين المنكر.و بكلمة:ليس للمدعي أن يرفض يمين خصمه،و لا يقيم البينة،و في الوقت نفسه يبقى مصرا على دعواه.

و ليس للحاكم أن يحلّف المنكر من تلقائه بحجة أنّه ولي الممتنع،لأن ولايته تختص في استيفاء ما على الممتنع من حق.قال صاحب الجواهر في باب القضاء:«لا دليل على قيام الحاكم مقام الممتنع فيما امتنع عنه مما هو عليه فيما هو له»أي ان للممتنع فردين:أحدهما عليه الحق،و الآخر له الحق،و الحاكم ولي عن الأول،و هو الذي عليه الحق،فإن امتنع عن أدائه،فالحاكم يأخذه قهرا عنه،أما الثاني الذي له الحق فلا ولاية للحاكم عليه.و تحليف المنكر-هنا-حق للمدعي، لا عليه،فلا يكون المورد مشمولا للقاعدة.

اليمين المردودة:

قد عرفت أن المدعى عليه إذا حلف سقطت دعوى المدعي من الأساس سقوطا نهائيا.و ان لم يحلف فاما أن يرد اليمين على المدعي،و امّا أن ينكل، و يمتنع عن الحلف و الرد معا.

و قبل كل شيء تنبغي الإشارة إلى أنه لا يجوز رد اليمين من المنكر إلى

ص:140

المدعى عليه إلاّ بشرطين:الأول أن يكون المدعي جازما بدعواه،فان كان ظانا أو مشككا،فلا يجوز رد اليمين عليه،الثاني أن يكون الحق المدعى به لنفس المدعي لا لغيره،فلو كان وكيلا،أو وليا،أو وصيا لم تصح منه اليمين،لأن حق الغير،لا يثبت بيمين الغير،فإذا انتفى أحد هذين الشرطين انتفى الرد،لعدم إمكانه.و متى تحققا معا صح الرد.

و عليه،فإذا كان المدعي جازما و أصيلا،ورد المنكر عليه اليمين فإن حلف.ثبتت دعواه،و حكم بحقه على المدعى عليه.و ان نكل المدعي و امتنع عن حلف اليمين المردودة سقطت دعواه نهائيا عن المنكر.

و إذا نكل المنكر،و امتنع عن الحلف و الرد معا،فهل يقضي عليه الحاكم بمجرد النكول،أو أن الحاكم يرد اليمين على المدعي؟ قال الحنفية و الحنابلة:يقضى عليه بمجرد النكول،و لا موجب لرد اليمين على المدعي إذا كانت الدعوى مالا،أو المقصود منها مال.

و قال المالكية:لا بد من الرد في الدعاوي المالية.

و قال الشافعية:الرد لازم في جميع الدعاوي.(المغني ج 9 باب الأقضية).

و اختلف الإمامية فيما بينهم،و أكثرهم على أن الحاكم لا يقضي بالنكول، و ان عليه أن يرد اليمين من تلقائه على المدعي.و بعد أن ذكر صاحب الجواهر أدلة الطرفين بطولها،و ناقشها بالمنطق قال:«و بذلك ظهر لك أن أدلة الطرفين محل نظر،و أنّه ليس في النص بيان لوظيفة الحاكم في هذا الغرض».

و ما دام النص لم يفرض على الحاكم الرد فنحن مع صاحب الشرائع الذي اختار القضاء بمجرد النكول.و دليلنا أولا:ان الحاكم لا ولاية له هنا،لأن الحق للممتنع،و هو الرد،لا عليه،و الحاكم ولي الممتنع عن الحق الذي عليه فقط،كما

ص:141

ذكرنا قبل أسطر.ثانيا:ان للناكل ندحة و مخرجا عن الحكم عليه،إذ بإمكانه أن يحلف بدون حرج ما دام على علم ببراءته و فراغ ذمته.اذن،امتناعه عن الحلف يشكل اعترافا بثبوت الحق عليه،و لذا قيل:«من امتنع عن الاختيار فقد اختار».

و بالنتيجة يكون الناكل هو الذي حكم على نفسه بنفسه.و كلمة التلخيص ان الصور أربع:

1-إذا حلف المنكر سقطت دعوى المدعي.

2-إذا رد المنكر اليمين على المدعي،و نكل هذا خسر دعواه أيضا.

3-إذا حلف المدعي بعد الرد حكم له بما يدعيه.

4-إذا نكل المنكر،و امتنع عن الحلف و الرد معا حكم عليه بمجرد النكول.

اليمين المنضمة:

و يصح تسميتها باليمين المتممة،و هي التي تضم إلى شهادة شاهد واحد، أو إلى شهادة امرأتين لإثبات الحقوق المالية،و تقدّم الكلام عن ذلك في فصل «أقسام الحقوق»التابع لفصل الشهادة.

يمين الاستظهار:

لا تسمع الدعوى في وجه الورثة على مورثهم في حق من الحقوق المالية إلاّ إذا ترك الميت أموالا في أيدي الورثة.فلو لم يترك شيئا،أو ترك أموالا في غير أيدي الورثة لا تسمع الدعوى في وجوههم بحال،لأن الوارث-و الحال هذه- يكون تماما كالأجنبي.

ص:142

و متى ترك الميت أموالا في أيدي الورثة تسمع الدعوى على الميت، و لكنها لا تثبت إلاّ بالبينة،و يمين المدعي معا.و هذه هي يمين الاستظهار، و القصد منها التثبت من بقاء الدين في ذمة الميت إلى حين وفاته،و ان الدائن لم يبرئه منه،و لم يستوفه،أو يعاوضه عليه.

و أوجب الشافعي هذه اليمين في الدعوى على الصبي و المجنون.و أوجبها مالك في الدعوى بعين على الحي،و لم يوجبها في دعوى الدين.(الفروق ج 4).

و لم أهتد فيما لدي من كتب الفقه إلى قائل بإضافة هذه اليمين إلى البينة في الدعوى على الميت غير الإمامية.و مهما يكن،فان هذه انما تجب في خصوص الدعوى على الميت بدين لا بعين،على أن يكون المدعي أصيلا،لا وكيلا،أو وصيا،أو وليا-بل و لا وارثا أيضا-و أن يكون جازما لا ظانا،أو مشككا،حيث لا تتجه اليمين على واحد من هؤلاء.و لو لم تقبل من الولي و الوصي الدعوى بالبينة فقط لذهب حقهما هدرا.أجل،على الحاكم أن يضاعف جهوده في التحقيق و التدقيق في الدعوى على الميت و الصبي و المجنون،و يوليهما العناية و الاهتمام التام،سواء أ كانت الدعوى بعين،أم بدين.

و إذا لم يكن لصاحب الدين على الميت إلاّ شاهد واحد حلف مرتين، إحداهما اليمين المتممة للبينة،و الثانية يمين الاستظهار.قال صاحب الجواهر في باب القضاء:«هذا هو الأولى،بل الأقوى».و قال صاحب ملحقات العروة:

«انّه الأظهر و الأحوط».

و ينبغي التنبيه إلى أمور تتصل بهذا الموضوع:

«منها»ان هذه اليمين انما تصح بطلب الحاكم،لا بسؤال الوارث،و لا تبرعا من المدعي.

ص:143

و«منها»ان الوارث إذا علم ببقاء الدين في ذمة الميت وجب عليه الوفاء و الأداء بدون حاجة إلى الدعوى،و البينة و اليمين.

و«منها»إذا ادعى صاحب الحق علم الوارث بحقه،و طلب منه اليمين على نفي العلم،و نكل عنها ثبت عليه الحق بمقدار سهمه.

و«منها»إذا قال الميت:كل من ادعى عليّ بحق فهو صادق كان هذا وصية يخرج من الثلث إلاّ إذا ثبت حقه بالبينة الشرعية.

و«منها»إذا ادعى شخص على آخر بدين،و بعد رفع الدعوى لدى الحاكم، و قبل صدور الحكم مات المدعى عليه،فيكتفى بالبينة فقط،و لا داعي إلى اليمين.

كذب الحالف:

اشارة

إذا تبين كذب الحالف،مدعيا كان،أو مدعى عليه،فما هو الحكم؟

الجواب:

ان كذب الحالف يعلم تارة من إقراره،كما لو أكذب نفسه،و قال صراحة:

ان الحق لخصمه،و انّه كان كاذبا في يمينه،و أخرى من طريق آخر غير الإقرار، و الاعتراف على نفسه بالكذب.فإن أكذب نفسه بنفسه انتقض الحكم الذي بني على اليمين،و جاز لصاحب الحق مطالبة الحالف،و الاستيفاء منه بكل سبيل.و ان علم كذبه من أدلة و قرائن أخرى غير الإقرار فليس لأحد مطالبته بشيء إلاّ إذا نقض الحاكم حكمه.

أجل،من علم بكذبه فعليه أن يرتب آثار علمه،كما لو حلف أن الدار التي في يده ملك له،و أنت تعلم بأنّها ملك لزيد،فلا يسوغ لك أن تشتريها،أو

ص:144

تستأجرها منه،و لا أن تتصرف فيها بأي نحو من أنحاء التصرف إلاّ بإذن المالك الأصيل،و لكن لا يجوز لأحد،حتى المالك أن يطالبه بشيء.

و هذا الفرق الذي ذكرناه بين ما لو أكذب الحالف نفسه،و بين ما لو علمنا بكذبه من طريق آخر غير الإقرار،مع أن العلم بالكذب متحقق في الحالين.ان هذا الفرق لا مستند له إلاّ النص و التعبد المحض بقول الشارع،كما قال صاحب الجواهر.و بكلمة ان قول الإمام:«مضت اليمين بما فيها.و بطل كل ما ادعاه»و ما إلى ذلك.يستفاد منه أن المدعي المحق يذهب حقه بعد يمين المبطل،حتى كأنّه لم يكن،إلاّ إذا أكذب الحالف نفسه،و أقر بأن الحق ثابت عليه.

ص:145

كتاب الوصايا

معناها:

الوصايا جمع وصية،و تستعمل بمعنى الوصول،تقول:وصيت الشيء بالشيء إذا وصلته به،و أيضا تستعمل بالتقدم إلى الغير بما يطلب منه أن يفعله، و منه قوله تعالى وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ،و أيضا تستعمل في تفويض الإنسان بتصرف خاص بعد موته،و هذا المعنى هو المقصود بالبحث.و كثير من الفقهاء عرفوا الوصية بأنها تمليك عين أو منفعة مضاف إلى ما بعد الموت،و لا بد من هذا القيد الأخير،لإخراج التصرفات المنجزة التي ينفذها الإنسان في حياته، فإنها ليست من الوصية في شيء.

شرعيتها:

الوصية مشروعة كتابا و سنة و إجماعا،بل ان شرعيتها ثابتة بضرورة الدين، و نشير إلى بعض الآيات و الروايات للتيمن،و كفى،قال تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ (1).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:من لم يحسن وصيته عند

ص:146


1- البقرة:180. [1]

الموت كان نقصا في مروءته و عقله.

و أجمع الفقهاء قولا واحدا على استحباب الوصية،و عليه يحمل قوله تعالى «كُتِبَ» في الآية المذكورة،و قال بعض الفقهاء بوجوبها مطلقا،و ذهب الأكثرون إلى أنّها تجب إذا كان عليه حقوق للّه أو للناس،و ظن الموت،و خاف ضياعها من بعده،و هو الحق،و عليه يحمل هذا الخبر:«من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية».

الصيغة:

من تتبع موارد الوصية يرى أنّها ليست على نسق واحد،فإن الوصية في بعضها تتم بمجرد الإيجاب،و لا تحتاج إلى قبول،كمن أوصى لآخر أن يفي ديونه،و يرعى أطفاله،و تسمى هذه بالوصية العهدية.

و أيضا لا يشترط القبول إذا كانت الوصية لعنوان عام،كالفقراء و المساجد، حيث تتم الوصية بإيجابها و موت الموصي،و يجب تنفيذها دون الرجوع إلى الحاكم الشرعي بدليل سيرة الفقهاء و عملهم قديما و حديثا.قال صاحب المسالك:«لو كانت الوصية لجهة عامة انتقلت إليها بلا خلاف».

و بعضها يحتاج إلى قبول،و لا تتم الوصية إلاّ به،كمن أوصى بشيء من ماله لشخص معين،و تسمى هذه الوصية تمليكية.اذن لا مناص من القول بأن الوصية تكون عقد إذا تعلقت بتمليك شخص معين،و تكون إيقاعا فيما عدا ذلك،و لا مانع من الشرع و لا من العقل ان يكون الشيء الواحد عقدا في مورد،و إيقاعا في مورد آخر تبعا للموضوع الذي تدور الأسماء مداره وجودا و عدما.

و يتحقق الإيجاب من الموصي مطلقا،و القبول من الموصى له الخاص

ص:147

المعين،يتحققان بكل ما دل عليهما من قول أو فعل أو كتابة،فالمعيار أن نعلم أو نطمئن بوجود الإرادة عن وسيلة من وسائل التعبير أيا كان نوعها،فلا أثر لوجود الإرادة واقعا،و من حيث هي إذا لم يعبر المريد عنها بوسيلة من الوسائل المألوفة عند أهل العرف،و لا للأداة إذا كان مدلولها غير مراد.

و تسأل:إذا وجدت الأداة المعبرة بظاهرها عن الإرادة،و شككنا:هل هي حجة يجب الأخذ بها أو لا؟فما ذا نصنع؟ الجواب:إذا شككنا في أصل التعبير،و ان هذه الأداة معبرة أو غير معبرة فلا يجوز الاعتماد عليها بحال،لعدم جواز الاعتماد على الظن مع عدم الدليل عليه، فكيف بالشك،و إذا كانت قطعية الدلالة على المراد وجب الاعتماد عليها،لفظا كانت أو فعلا أو إشارة،إذ ليس وراء العلم شيء.

و إذا كانت الأداة ظنية الدلالة ينظر:فان دل على الأخذ بها دليل من الشرع كشهادة العدلين،أو من طريقة العقلاء و عاداتهم،فهي،و الا يكون لغوا.

و ليس من ريب أن ظواهر الألفاظ حجة عند العرف،و انهم لا يعتنون بالاحتمالات المخالفة لظواهرها إلاّ مع القرائن الدالة عليها.

أما الكتابة فهي مثل اللفظ عند أهل العرف،سواء أ سجلها صاحبها في دائرة رسمية أو لا،أشهد على نفسه أو لم يشهد،قادرا على التلفظ أو عاجزا عنه،غائبا كان أو حاضرا على شريطة أن نعلم بأن الكتابة بخط يده،و ان ظاهرها دال على التزامه بها،و إبرامه لها.و كذا الأفعال الدالة على القصد فإنها بحكم اللفظ و الكتابة،قال صاحب الجواهر:«يجوز أن يكون القبول فعلا دالا على الرضا بالإيجاب بلا خلاف أجده».و إذا جاز ان يكون القبول فعلا جاز أيضا أن يكون الإيجاب كذلك ما دام كل منهما جزءا من العقد.و بكلمة ان الوصية تنعقد

ص:148

بالمعاطاة،كما تنعقد بغيرها.

أمّا الإشارة المعبرة عن القصد فإنها حجة مع العجز عن النطق،إذ لا وسيلة للتعبير إلاّ بها،أما مع القدرة على التلفظ أو الكتابة فليست الإشارة بشيء،حيث لم يعهد من العقلاء و عاداتهم أنهم يعتمدون على الإشارة مع القدرة على النطق في الأمور الهامة،كالوصية و ما إليها.و لو افترض وجود بلد يعتمد أهله على الإشارة مع القدرة على اللفظ لكانت اشارتهم حجة متبعة.

و بالجملة أنّا نعلم علم اليقين بأن الشارع لم يقيد الناس بطريق من طرق الإفصاح و البيان عن مقاصدهم إلاّ في موارد خاصة كالزواج و الطلاق،و انما أوجب عليهم الوفاء بعقودهم،و ألزمهم بشروطهم،و كفى،و عليه فكل ما دل عندهم على القصد و عبر عنه فهو حجة يعتمد عليها.

الرجوع عن الوصية:

الوصية جائزة،و ليست بلازمة عقدا كانت أو إيقاعا،لأن المفروض أنّها تمليك مضاف إلى ما بعد الموت،و أنّه لا يترتب عليها أي أثر حال حياة الموصي،و عليه فيجوز له أن يرجع عنها ما دام فيه الروح،حتى و لو كانت تمليكا لشخص خاص،و قبل هذا الشخص،قال الإمام الصادق عليه السّلام:لصاحب الوصية أن يرجع فيها،و يحدث في وصيته ما دام حيا.و في رواية ثانية:للرجل أن يغير وصيته،فيعتق من كان أمر بملكه،و يملك من كان أمر بعتقه،و يعطي من كان حرمه،و يحرم من كان أعطاه ما لم يمت،أي الموصي.

أجل،لا يجوز لمن سمع الوصية أن يبدل شيئا منها،قال تعالى فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 1.

ص:149

أجل،لا يجوز لمن سمع الوصية أن يبدل شيئا منها،قال تعالى فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1).

و من موارد الرجوع عن الوصية أن يتصرف بالشيء الموصى به تصرفا ناقلا له عن ملكه ببيع أو هبة،أو مغيرا لصورته كالحنطة يطحنها،أو الدقيق يخبزه أو الثوب يفصله.

و لما كانت الوصية جائزة صح تأخر القبول من الموصى له الخاص عن إيجاب الموصي،و ان طال الزمن و تقدم الكلام في ذلك مفصلا في الجزء الثالث فصل شروط العقد،فقرة«الموالاة».

القبول و الرد من الموصى له:

إذا أوصى لشخص معين بشيء معين فلا يملك الموصى له الشيء الموصى به بموت الموصي وحده،و لا بقبول الموصى له وحده،بل لا بد منهما معا،قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل هي إجماع على الظاهر».

و ليس من شك أن الملك يتحقق بقبول الموصى له بعد موت الموصي، و لكن هل يكفي قبوله في حال حياة الموصي؟ ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر و مفتاح الكرامة إلى الاكتفاء، و عدم وجوب تجديد القبول ثانية بعد موت الموصي،لصدق اسم الوصية و العقد.

و أيضا ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى أن الموصى له إذا رد في حياة الموصي فله أن يقبل الوصية بعد وفاته،لأنها تمليك بعد الوفاة،فردها

ص:


1- البقرة:181. [1]

حال الحياة بمنزلة رد ملك الغير،فيقع لاغيا،على حد تعبير صاحب المسالك.

و إذا رد بعد الموت ابتداء،و رفض من أول الأمر و قبل أن يقبل بطلت الوصية من الأساس،و لم يبق لإيجابها من أثر،فإذا قبل بعد الرد و الرفض فلا يلتفت إليه،قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك،و هو الحجة».

و اتفقوا قولا واحدا بشهادة صاحب الجواهر و المسالك على أنّه إذا رد بعد الموت و القبول و القبض فرده ليس بشيء،لثبوت الملك و استقراره و كذا إذا قبل بعد الموت و القبول و قبل القبض،قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور،بل كاد يكون إجماعا،كما أن النصوص كادت تكون متواترة في عدم اعتبار القبض».

و للموصى له الخاص أن يقبل بعض الشيء الموصى به،و يرد بعضه،لأن الوصية تبرع محض،فلا يجب مطابقة القبول للإيجاب.

الموصي:

يشترط في الموصي أن يكون أهلا للتصرفات المالية،فلا تصح الوصية من الصغير غير المميز،و لا من المجنون،إذ لا ارادة لهما،و لا معول على عبارتهما.

و تسأل:إذا أوصى و هو عاقل،ثم عرض له الجنون فهل تبطل وصيته؟ قال صاحب الجواهر:«لا تنفسخ الوصية بعروض الجنون،كما لا تنفسخ بعروض الإغماء و نحوه مما لا عقل معه،و ان استمر إلى الموت.و في كتاب المصابيح عدم البطلان بعروض الجنون و الإغماء،سواء استمر إلى الموت أو انقطع».

و قال صاحب بلغة الفقه:«لا تبطل الوصية بعروض الجنون و الإغماء»

ص:151

للموصي إجماعا،كما حكاه جدنا في المصابيح،و ان بطلت سائر العقود الجائزة بالجنون و الإغماء كالوكالة و نحوها،لوضوح الفرق بين العقود الجائزة و الوصية، لأن الموت شرط في نفوذ الوصية فعدم بطلانها بالجنون و الإغماء أولى».

و أيضا لا تصح وصية المكره،لعدم الإرادة،و لا وصية السفيه،لأنه ممنوع عن التصرفات المالية،و قيل:تصح إذا أوصى بالبر و الإحسان،و قال صاحب العروة الوثقى لا تصح وصيته إطلاقا،عملا بعموم الإمام الصادق عليه السّلام:إذا بلغ أشده كتبت عليه السيئات،و كتبت له الحسنات و جاز له كل شيء إلاّ أن يكون ضعيفا أو سفيها.فان ترك التفصيل بين الوصية و غيرها دليل على بقائها على حكم المنع.

أما المحجر عليه لفلس فتصح وصيته إذا تعلقت في غير المال المحجور لحساب الدائنين.

و أجمعوا بشهادة صاحب الجواهر على أن من جرح نفسه،أو تناول سما بقصد الانتحار،ثم أوصى فلا تصح منه الوصية،و إذا أوصى أو لا،و قبل أن ينتحر،ثم انتحر قبلت وصيته،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل أوصى بوصيته،ثم قتل نفسه،أ تنفذ وصيته؟قال:ان كان قد أوصى قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو فعل لعله يموت أجيزت وصيته في الثلث،و ان كان أوصى بوصيته بعد ما حدث في نفسه من جراحة،أو فعل لعله يموت لم تجز وصيته.

و ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى أن الصبي إذا أتم العشرة من عمره جازت وصيته بالخير و المعروف،لروايات عن أهل البيت عليهم السّلام أنهاها بعضهم إلى 12 رواية،منها قول الإمام أبي جعفر الصادق عليه السّلام:إذا أتى على الغلام

ص:152

عشر سنين فإنه يجوز له فيما أعتق أو تصدق أو أوصى على حد معروف و حق فهو جائز.

الموصى له:

يشترط في الموصى له أن يكون موجودا حين إنشاء الوصية،فلا تصح الوصية لمعدوم،لأن الوصية تمليك،و لا يتصور قيام التمليك فيما لا وجود له، كما لا يتصور قيام الموجود في اللاوجود.و انما صح الوقف على البطن اللاحق غير الموجود تبعا للبطن السابق الموجود،و من هنا صحت الوصية للنوع كالفقراء و العلماء بالنظر لوجود بعض الأفراد.هذا،إلى أن النوع لا يشترط القبول منه على العكس من الموصى له الخاص الذي لا بد من قبوله،كما قدمنا.

و تصح الوصية للحمل على شريطة أن نعلم بوجوده حين إنشاء الوصية، أما الوصية لحمل سيوجد فإنها من باب الوصية المعدوم.و العلم بوجود الحمل حين الوصية ينحصر في طريقين:الأول أن تلده حيا لأقل من مدّة الحمل،و هي ستة أشهر من تاريخ صدور الوصية،حيث لا يمكن أن يدل حيا لأقل من هذه المدّة.

الطريق الثاني أن تلده لدون أقصى مدّة الحمل،و هي سنة على الأصح بشرط أن تكون خالية من الزوج،كما لو أوصى للحمل،ثم مات،و لم تتزوج بعده،أما إذا أوصى و بقي معها أمدا،ثم مات،و بعد ستة أشهر أو أكثر أتت بولد فلا تصح الوصية،أي لا يعطى الحمل الشيء الموصى له به،لاحتمال أن يكون قد تجدد بعد الوصية،و انها ولدته لستة أشهر.و ليس معنى هذا أن الولد لا يلحق بالميت و أنّه لا يرث،بل يلحق به و يرث،لأن الوصية شيء،و الإرث شيء آخر.

ص:153

أجل،إذا أتت به بعد موته بسنة ينفى عنه قطعا،و يأتي التفصيل في باب الإرث ان شاء اللّه تعالى.و إذا أوصى للحمل فولدت ذكرا أو أنثى قسم الموصى به بينهما بالسوية لأن الوصية عطية لا ميراث.

و تجوز الوصية للأجنبي و للوارث،قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك مضافا إلى إطلاق أدلة الوصية في الكتاب و السنة».

و اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على أن الوصية تصح للذمي،و هو الذي يدفع الجزية للمسلمين،تصح الوصية له للآية 9 من سورة الممتحنة لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ .

و اختلفوا في صحة الوصية لغير الذمي،فذهب جماعة منهم صاحب المسالك و الجواهر إلى جوازها و صحتها،لأن الهبة تصح للحربي و غيره فكذلك الوصية التي هي في معناها مع فارق غير جوهري،و هو أن الهبة تمليك حال الحياة،و الوصية تمليك بعد الموت.و لذا صرح صاحب المسالك بأن الوصية تجوز للحربي من غير أهل الكتاب أيضا،و مما استدلوا به على جواز الوصية للحربي قول الإمام الصادق عليه السّلام:«أعط الوصية لمن أوصى له،و ان كان يهوديا أو نصرانيا،ان اللّه يقول فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه».و لفظ اليهودي و النصراني شامل للذمي و للحربي.ورد صاحب الجواهر على من زعم بأن الحربي غير أهل للملك،رده بقوله:«و دعوى عدم قابلية الحربي للملك واضحة المنع.فالأقوى الجواز مطلقا من غير فرق بين الحربي و غيره».هذا،إلى أن الحربي قد يكون محسنا لإنسان،فيوصي له مكافأة على إحسانه،تماما كما يهدي إليه،و قد أجمعوا على جواز الهدية إليه.

ص:154

ملحوظة:صغيرة جاشت النفس بها،و هي ان الخونة الذين يؤازرون أعداء الدين و الوطن،و يتسترون باسم الإسلام هم أشر و أضر على الإسلام و المسلمين ممن ينصب الحرب و العداء علانية.

موت الموصى له قبل الموصي:

اشارة

إذا مات الموصى له قبل الموصي فهل تبطل الوصية،أو يقوم ورثة الموصي له مقامه؟ ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى صحة الوصية إذا بقي الموصي مصرا على الوصية،و لم يرجع عنها،و يقوم ورثة الموصي له مقامه،يمثلون دوره في الرد و القبول،فإذا لم يردوا كان الموصى به ملكا خاصا بهم يقتسمونه بينهم قسمة ميراث:للذكر مثل حظ الأنثيين،لا قسمة الوصية التي هي بين الجميع على السواء.قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليه السّلام:من أوصى لأحد شاهدا كان أو غائبا فتوفي الموصى له قبل الموصي فالوصية لورثة الذي أوصى له إلاّ أن يرجع في وصيته.

سؤال ثان:هل الموصى به،و الحال هذي،ينتقل من الموصي إلى الميت،و من الميت إلى ورثته،بحيث يكون حكم المال الموصى به حكم سائر التركة من تعلق الدين به،و تنفيذ الوصية منه،أو ينتقل من الموصي ابتداء و بلا واسطة إلى ورثة الميت الموصى له،و عليه فلا يتعلق الدين به،و لا تنفذ وصية الموصى له منه؟

الجواب:

ان الورثة يتلقون المال الموصى به من الموصي ابتداء و بلا واسطة،و لا

ص:155

يدخل في ملك مورثهم إطلاقا،لأنه مات في حياة الموصي،و بديهة أنّه لا ملك في حياته.

أجل،ان الورثة يرثون من الموصى له حق الرد و القبول،كما هو الشأن في حق الخيار،فان ردوا فلا شيء،و ان قبلوا انتقل الملك إليهم من الموصي،لأن قبولهم بالذات جزء من السبب المملّك.

هذا،إلى أن قول الإمام عليه السّلام:«فالوصية لورثة الذي أوصى»ظاهر في ملكية الورثة و انتقال هذه الملكية إليهم ابتداء،و عليه فلا يستوفى من المال الموصى به دين الموصى له،و لا وصيته.

تعيين الموصى له:

قد يعين الموصي الموصى له بالشخص،كزيد أو هذا المسجد بالذات،أو بالنوع،كالمساكين و المنكوبين،أو بالجهة،كالبرّ و الإحسان،و إذا لم يعين إطلاقا منذ البداية بطلت الوصية،و إذا عين الوصية لشخص خاص،أو مسجد خاص، ثم تردد بين فردين أو أكثر على نحو الشبهة المحصورة أخرجنا الموصى له بالقرعة،و ان كان التردد بين افراد كثر غير محصورين،أو كانت الوصية لجهة خاصة و نسيها الوصي تعين عليه أن ينفقها في وجوه الخير و البر،قال صاحب الجواهر:«وفاقا للمشهور،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن إنسان أوصى بوصية،فلم يحفظ الوصي إلاّ بابا واحدا،كيف يصنع بالباقي؟قال الإمام عليه السّلام للسائل:الأبواب الباقية اجعلها في البر.

ص:156

الموصى به:

الموصى به هو محل الوصاية،أي الشيء الموصى به،و يشترط فيه ان يصح قصده عرفا،و يجوز فعله شرعا،فلا تصح الوصية بشيء لا قيمة له،كقشرة اللوز و الجوز،و ما إلى ذلك مما لا يباع و لا يوهب و لا يوصى به عند أهل العرف، و لا بالخمر و الخنزير،و ما إليهما مما هو غير مملوك شرعا.

و لا يشترط أن يكون الموصى به موجودا حال الوصية،بل تجوز الوصية بكل ما يمكن أن يوجد عينا كان،كالوصية بما ستحمله الدابة،أو منفعة،كالثمرة المقبلة،أو فعلا،كالوصية بعمارة مسجد،أو كان حقا ثابتا في الذمة،كالوصية بالبراءة من الدّين،أو من الكفالة.بل أجاز الفقهاء الوصية بماله الذي لا يقدر على تسليمه،كالطير في الهواء،و الحيوان الشارد،و المغصوب في يد القوي الظالم.

بل أجازوا للموصي أن يتوغل في المبهمات إلى أقصى الحدود،و أن يقول:

أعطوا فلانا شيئا أو قليلا أو كثيرا أو جزءا أو سهما أو نصيبا،و بكلمة ان من تتبع النصوص و الفتاوى يرى أن الوصية تصح بكل شيء إلاّ ما خرج بالدليل،كالوصية بمال الغير،و بالخمر و الخنزير.

و إذا أوصى بألفاظ مجملة لا تقدير لها عرفا أو لغة يبحث عن تفسيرها في النص،فان لم يكن يترك الخيار فيه إلى الوارث،فيعطى الموصى له ما يصدق عليه اسم التمول (1).

ص:157


1- لقد أطال الفقهاء الكلام في بيان الجزء و الشيء و السهم و النصيب،و ما إلى ذلك إذا تعلقت الوصية بواحد منها،و من أحب الاطلاع فليرجع إلى الجواهر:المجلد الرابع-باب الوصية،و كتاب:بلغة الفقيه.

بين الأصل و الثلث

اشارة

هل الموصى به يخرج من الأصل أو الثلث؟و الجواب يستدعي التفصيل التالي:

1-الواجب المالي فقط:

أن يكون الموصى به واجبا ماليا فقط غير مشوب بالواجب البدني، كالوصية بديون الناس،أو بديون اللّه سبحانه كالخمس و الزكاة،ورد المظالم و الكفارات،و اتفقوا على أنّها تخرج من الأصل إذا لم يعين إخراجها من الثلث، لقوله تعالى في الآية 11 من سورة النساء مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ .

و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل فرط في إخراج زكاته في حياته،فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما لزمه من الزكاة،و أوصى أن يخرج ذلك، و يدفع إلى من يجب له؟قال جائز،يخرج ذلك من جميع المال،انما هو بمنزلة الدين لو كان عليه،ليس للورثة شيء،حتى يؤدي ما أوصى من الزكاة.

فإن قول الإمام،«انما هو بمنزلة الدين لو كان عليه»ظاهر في كل دين، سواء أ كان دينا للّه،أو للناس.

ص:158

2-الواجب المالي و البدني معا:

أن يكون الموصى به واجبا ماليا و بدنيا معا،كالحج فإنه مالي،حيث يحتاج إلى النفقة،و بدني لأنه إحرام و طواف و سعي،و ما إلى ذاك من الأعمال.

و اتفقوا على أنّه يخرج من الأصل،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل مات،و عليه خمسمائة درهم من الزكاة،و عليه حجة الإسلام،و ترك ثلاثمئة درهم،و أوصى بحجة الإسلام؟قال:يحج عنه من أقرب ما يكون،و يرد الباقي في الزكاة.و في رواية ثانية:سئل عن رجل توفي،و أوصى أن يحج عنه؟قال:«ان كان صرورة- أي لم يحج من قبل-فمن جميع المال،انّه بمنزلة الدين الواجب،و ان كان قد حج فمن ثلثه».

لأن الحجة الأولى مع الاستطاعة واجبة تخرج من أصل المال،و الثانية مستحبة تخرج من الثلث،كما يأتي.و تجدر الإشارة إلى أن الحج واجب و جميع الواجبات المالية بشتى أنواعها يجب إخراجها من الأصل،حتى و لو لم يوص بها،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل مات،و لم يحج حجة الإسلام،و لم يوص أيضا،و هو موسر؟قال:يحج عنه من صلب ماله،لا يجوز غير ذلك.

3-الواجب البدني فقط:

أن يكون الموصى به واجبا بدنيا،فقط،كالصوم و الصلاة،و ذهب المشهور بشهادة صاحب البلغة،و السيد اليزدي في رسالة:منجزات المريض، المطبوعة في آخر حاشيته على«المكاسب»،ذهبوا إلى أنّها تخرج من الثلث ان أوصى بها،و لا يجب إخراجها،حتى مع العلم بها ان لم يوص بها.أجل،إذا كان للميت ولد أكبر قضى عنه ما فاته من صلاة و صوم على الوجه الذي ذكرناه في

ص:159

الجزء الأول-فصل قضاء الصلاة،فقرة«الولد الأكبر يقضي عن والديه»و في:

الجزء الثاني-فصل الصوم و القضاء،و فقرة«قضاء الولي عن الميت».

و تسأل:لما ذا وجب إخراج الواجب المالي من الأصل،حتى مع الوصية به،و لم يخرج الواجب البدني إطلاقا مع عدم الوصية،و إخراجه من الثلث معها.

و أجاب بعضهم بما يتلخص في أن الواجب المالي تعلق بذمة المديون، و الميت لا ذمة له،فينتقل الحق من الذمة إلى التركة،و هذا الانتقال طبيعي على الأصول،لأنه مطلوب بمال،و الذي تركه مال،أما إذا اشتغلت ذمته بعمل فإذا مات ارتفع الموضوع،و لم ينتقل إلى التركة،لأنه ترك مالا،و لم يترك فعلا و عملا.

و قد يلاحظ بأن هذا مجرد استحسان.و الأفضل أن يقال:ان الاستئجار على الصوم و الصوم من الأصل أو الثلث يحتاج إلى دليل،و لا أثر لهذا الدليل في النقل و لا العقل.

4-غير الواجب:

أن يكون الموصى به غير واجب مالي و لا بدني،و انما تعلقت الوصية به على وجه التبرع،و اتفقوا على أن هذه الوصية تنفذ بمقدار الثلث فقط،مع وجود الوارث،سواء أصدرت في حال المرض،أو في حال الصحة،فإن وسعها الثلث نفذت بكاملها،و ان زادت عنه افتقر نفاذ ما زاد عن الثلث إلى اجازة الورثة،فإن أجازوا جميعا نفذت الوصية بكاملها،و ان رفضوا نفذت بمقدار الثلث،و ان أجاز البعض دون البعض نفذ في حق المجيز ما زاد عن الثلث،و لا أثر لإجازة الوارث إلاّ إذا كانت من العاقل البالغ الراشد.

ص:160

قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك،و النصوص مستفيضة أو متواترة».من هذه النصوص ان رجلا قال للرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أنا ذو مال،و لا يرثني إلاّ ابنة لي،أ فأتصدق بثلثي مالي؟قال الرسول:لا.قال الرجل:فالشطر، أي النصف؟قال الرسول:لا.قال الرجل:فالثلث؟قال الرسول:الثلث،و الثلث كثير.انك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة،يتكففون الناس.

فقول الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«أن تذر ورثتك أغنياء»يشعر بأنه إذا لم يكن له وارث جازت الوصية بأكثر من الثلث،حيث لا ظلم و لا إجحاف،و في هذا المعنى روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السّلام.منها قول الإمام الصادق عليه السّلام:للرجل عند موته ثلث ماله،و ان لم يوص فليس على الورثة إمضاؤه.و في رواية ثانية:الثلث و الثلث كثير.

و سئل عن رجل مات،و لا وارث له و لا عصبة؟قال:يوصي بماله حيث شاء في المسلمين و المساكين و ابن السبيل.و ما خالف ذلك من النصوص و الأقوال فشاذ متروك.

و اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على أن الوارث إذا أجاز الوصية فيما زاد عن الثلث بعد وفاة الموصي لزمه الوفاء،و لا يجوز له العدول،و اختلفوا فيما إذا أجاز قبل الوفاة:هل تلزم الوارث،أو لا؟فذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى أنّها تلزمه،تماما كما لو أجاز بعد الوفاة،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل أوصى بوصية،و ورثته شهود،فأجازوا ذلك،فلما مات الرجل نقضوا الوصية،هل لهم أن يردوا ما أقروا به؟قال:ليس لهم ذلك،الوصية جائزة عليهم.

و تجدر الإشارة إلى أن الإجازة متى حصلت من الوارث لما زاد عن الثلث كان ذلك إمضاء لفعل الموصي،و تنفيذا له،و ليس هبة من الوارث إلى الموصى

ص:161

له،و عليه فلا يفتقر إلى القبض،و لا تجري على الوصية أحكام الهبة،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده بيننا».

لا ميراث و لا وصية مع الدين:

اتفقوا على أنّه لا ميراث و لا وصية بغير الواجب المالي إلاّ بعد إخراج الواجبات المالية بشتى أنواعها،فإن فضل عنها شيء نفذت الوصية من الثلث، و الثلثان تركة للورثة،و قوله تعالى بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها المراد به الوصية بالواجب المالي،بل يخرج هذا الواجب من الأصل،حتى مع عدم الوصية كما تقدم.

الثلث حين القبض:

يحسب الثلث من التركة في الوقت الذي يقبضها الوارث،لا حين الوصية، و لا حين موت الموصي،فإذا أوصى،ثم قتله قاتل،و أخذت منه الدية،أو نصب الموصي شبكة في حياته فحازت طيرا أو سمكا بعد وفاته يضم ذلك كله إلى أصل التركة،و يخرج منه الثلث،فقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن رجل أوصى لرجل بوصية من ماله،الثلث أو الربع،فقتل الموصي؟فقال الإمام:تجاز هذه الوصية من ميراثه و ديته.

تعدد الوصايا و تزاحمها:

سبق أن الواجب المالي يخرج من الأصل،و الواجب البدني،و المتبرع به من الثلث بعد وفاء الواجبات المالية،و عليه فإذا اجتمعت هذه الثلاثة في وصية

ص:162

واحدة بدئ بالواجب المالي من الأصل (1)ثم ينظر إلى ثلث الباقي فإن وسع الواجب البدني و المتبرع به،أو ضاق عنها و أجاز الوارث نفذت الوصايا بكاملها، و ان ضاق الثلث عنها،و لم يجز الوارث بدئ بالواجب البدني الأول فالأول حسب ما رتبه الموصي في وصيته،فلو قال:استأجروا عني سنة صلاة و شهر صيام بدئ بالصلاة،و لو قال:شهر صيام و سنة صلاة بدئ بالصيام.

و ان فضل شيء عن الواجب البدني ينظر:فان جمع الموصي بينها في كلام واحد،و قال هكذا:أعطوا جمالا و سليمان ألفا،و كان الثلث 500 قسم هذا المبلغ بين الاثنين،و ان قدّم و أخر،فقال:أعطوا جمالا 500 و سليمان مثلها اعطي المبلغ للأول،و ألغيت الوصية الثانية،لأن الأولى استغرقت الثلث بكامله فلم يبق للثانية من موضوع.قال صاحب الجواهر:«لأن الوصية الأولى نافذة، لوقوعها من أهلها في محلها،و تبقى المتأخرة بلا موضوع تتعلق به،فتختص بالبطلان،لخبر حمران عن الإمام الباقر أبي الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام في رجل أوصى عند موته،و قال:أعتقوا فلانا و فلانا،حتى ذكر خمسة،فنظر في ثلثه فلم يبلغ أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم؟قال الإمام:ينظر الذين سماهم،و بدأ بعتقهم فيقوّمون،و ينظر إلى ثلثه،و يعتق منه أول شيء ذكره،ثم الثاني ثم الثالث،ثم الرابع،ثم الخامس،فان عجز الثلث كان ذلك-أي العجز و عدم النفاذ-في الذي سمي أخيرا،لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك،فلا يجوز له ذلك».

و مورد الرواية و ان كان العتق إلاّ أن الحكم عام و شامل لجميع الوصايا

ص:163


1- إذا كان عنده عين خاصة تعلق بها حق الرهانة أو الخمس و الزكاة أو النذر و ما في حكمه يقدم هذا الحق على جميع الحقوق حتى الكفن و ما إليه،ثم يخرج الكفن و ما يتوقف عليه تجهيز الميت الذي لا بد منه شرعا،ثم تخرج الواجبات المالية و غيرها على الترتيب المبين أعلاه.

المتزاحمة من أي نوع يكون الموصى به بدليل التعليل الذي ذكره الإمام،و هو قوله:«لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك».

و عليه إذا أوصى بالثلث لشخص،ثم أوصى بالربع أو بالسدس لآخر صحت الوصية الأولى و ألغيت الثانية،إذ لا شيء للموصي إلاّ الثلث الذي استبدت به الأولى،فلم يبق للثانية شيء.

و تسأل:من الجائز أن تكون الثانية رجوعا عن بعض الأولى بمقدار الربع أو السدس؟ الجواب:ننفي هذا الجواز و احتمال الرجوع باستصحاب بقاء الوصية الأولى على حالها،و متى ثبت موضوع الأولى بالاستصحاب لم يبق للثانية من موضوع.

أجل،لو أوصى بالثلث لشخص،ثم أوصى به لآخر كانت الثانية رجوعا عن الأولى،«للتضاد في متعلق الوصية الذي قد فرض اتحاده،و اختلاف الموصى له،فليس إلاّ الرجوع»على حد تعبير صاحب الجواهر.

الوصية بأعيان التركة للورثة:

إذا أوصى لكل وارث بعين خاصة بقدر نصيبه تصح الوصية،و يجب نفاذها-مثلا-إذا قال:البستان لولدي إبراهيم،و الدار لأخيه حسن،و قطعة الأرض لابنتي مريم،و لم يكن في ذلك محاباة تنفذ الوصية بكاملها،لعدم المزاحمة لحق وارث من الورثة.

السهم المشاع و العين الخاصة:

إذا كان المال الموصى به سهما مشاعا كالثلث أو الربع من مجموع التركة،

ص:164

أو من شيء خاص فان الموصى له يملكه بمجرد موت الموصي و قبول الوصية، غائبا كان المال الموصى به أو حاضرا،فهو شريك للورثة في الحاضر يأخذ نصيبه منه،و كذلك إذا حضر المال الغائب.

أما إذا كان الموصى به عينا خاصة متميزة و مستقلة فلا يملك الموصى له العين إلاّ إذا كان ضعف قيمتها في يد الورثة،و تحت سلطتهم.أما إذا افترض أن للموصى مالا غائبا أو ديونا،و كان الشيء الموصى به أكثر من ثلث ما في يد الورثة كان لهم تمام الحق في معارضة الموصى له،و منعه عما زاد عن ثلث مجموع الموجود معهم من التركة،بخاصة إذا كان الغائب في معرض الضياع،أو يصعب استيفاؤه.و إذا حضر شيء من المال الغائب استحق الموصى له من باقي العين الموصى بها إليه مقدار ما يساوي ثلث المال الذي حضر.

الوصية بالمنفعة المؤبدة:

ليس من ريب في صحة الوصية بالمنافع،كايجار الدار،و سكناها،و ثمرة البستان،و لبن الشاة،و ما إلى ذلك مما سيحدث من المنافع،سواء أحددت المنفعة بأمد معين،أو دامت بدوام العين،فإذا كانت غير مؤبدة،بل محددة بأمد معين فأمرها سهل،لأن العين يكون لها قيمة،و الحال هذي،بعد إخراج المنفعة المحدودة و استيفائها،فإذا أوصى-مثلا-بمنفعة البستان خمس سنوات قوّم البستان بمجموعه أولا،فإذا كانت قيمته عشرة آلاف قوّم ثانية مسلوب المنفعة خمس سنوات،فإذا كانت المنفعة خمسة آلاف تخرج من الثلث ان تحملها،و إلاّ كان للموصى له ما يتحمله الثلث سنة أو أكثر،ان لم يجز الوارث أما إذا كانت المنفعة مؤبدة قوّم البستان بكامله مع المنفعة،و كانت الحال كما في المنفعة

ص:165

الموقتة.

و تسأل:كيف؟و بأي شيء نقوّم العين ما دامت مسلوبة المنفعة فإن ما لا منفعة له لا قيمة له.

الجواب:بل هناك منافع لها قيمتها،و ان تكن يسيرة،فالبستان ينتفع بما ينكسر من جذوعه،و بما يصيبه من اليبس،و إذا زال الشجر لسبب من الأسباب ينتفع بأرضه،و إذا خربت الدار،و لم يعمرها الموصى له ينتفع الوارث بأحجارها،و أرضها و الشاة ينتفع بلحمها و جلدها إذا ذبحت،و على آية حال فلا تخلو العين من فائدة غير المنفعة الموصى بها.

إثبات الوصية:

تثبت الوصية بشهادة عدلين،لعموم ما دل على حجّية البينة،و وجوب العمل بها.

و أيضا تثبت عند الضرورة بشهادة أهل الذمة إجماعا و نصا،و منه الآية 107 من سورة المائدة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى .

و قد مر التفصيل في:الجزء الخامس،باب الشهادة.

و أيضا تثبت الوصية بالمال بشهادة عدل و يمين،و بشهادة عدل و امرأتين ثقتين،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف و لا اشكال،لا طلاق الأدلة الدالة على ذلك الشاملة لما نحن فيه».

ص:166

و أيضا تثبت الوصية بالمال بشهادة أربع نسوة،و ثلاثة أرباعه بشهادة ثلاث،و نصفه بشهادة اثنتين،و ربعه بشهادة واحدة،قال صاحب الجواهر:«من غير خلاف في شيء من ذلك،و الأصل فيه النصوص المستفيضة،منها قول الإمام الصادق عليه السّلام:في خبر ربعي في شهادة امرأة حضرت رجلا يوصي،ليس معها رجل؟قال:يجاز ربع ما أوصى به بحسب شهادتها.و في رواية ثانية:تجوز شهادتها في ربع الوصية إذا كانت مسلمة غير مريبة في دينها».

و إذا جمدنا على النص فلا يثبت النصف بل و لا الربع بشهادة رجل واحد، و لا يثبت الكل بشهادة امرأتين و يمين قياسا على ثبوت الكل بالرجل و اليمين، و قد جمد فقهاء المذهب على النص،قال صاحب الجواهر:«لابتناء الحكم على مصالح يقصر العقل عن إدراكها».

أما الوصاية و العهدة إلى شخص بالقيام بعمل عن الميت فإنها لا تثبت إلاّ بشهادة عدلين،و لا تقبل فيها شهادة النساء لا منفردات و لا منضمات،كما لا تقبل شهادة العدل الواحد مع اليمين.

ص:167

الوصاية

معناها:

معنى الوصاية أن يعهد انسان لآخر بتنجيز وصاياه و تنفيذها بعد موته، كوفاء ديونه و استيفائها،و رعاية أطفاله و الإنفاق عليهم،و المحافظة على أموالهم، و يعبّر عنها بالولاية،و بالوصية العهدية،و يسمى الشخص المعهود إليه الوصي المختار.

و عرّفها صاحب الجواهر«بأنّها ولاية على إخراج حق-أي وفائه و إخراجه من تركته-أو استيفائه،أو على طفل،أو مجنون يملك الموصي الولاية عليه بالأصالة كالأب و الجد،أو بالواسطة كالوصي المأذون في الإيصاء».

و لما كانت الوصاية بعد ثبوتها نوعا من الولاية فلا يجوز للوصي أن يتنازل عنها،و يستقيل منها،لأنها حكم لا يسقط بالإسقاط.أجل،يجوز له أن يوكل من يشاء أن يقوم بعمل يدخل تحت وصايته،تماما كما هو الشأن في الأصيل.

رد الوصاية:

للموصي أن يرجع عن الوصاية ما دام فيه الروح،أما الوصي فإن علم بالوصاية إليه،و كان الموصي ما يزال حيا فله أن يرد،على شريطة أن يعلم

ص:168

الموصي برده،أما إذا تعذر اعلام الموصي برد الوصاية فإنها تصير لازمة،و لا يجوز للوصي ردها بحال،قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا أوصى الرجل إلى أخيه، و هو غائب فليس له أن يرد وصيته،لأنه لو كان شاهدا و أبى أن يقبلها طلب غيره.

و بهذا يتبين معنا أن الوصاية تصبح لازمة للوصي في حالين:الأولى أن يعلم بها و لم يرد،حيث يمكن إبلاغ الموصي بالرد.الثانية أن يتعذر إبلاغ الموصي الرد لموته أو غيابه.و بناء على هذا تكون الوصاية،و هي الوصية العهدية،من الإيقاعات،لا من العقود،لأن العقد مركب من جزئين:إيجاب و قبول،و لا يكفي عدم الرد،قال صاحب الجواهر:«قد تكون في صورة عقد كما لو أوصى الموصي فقال الوصي:قبلت،و لكن هذا لا يكفي في ثبوت العقد ضرورة كونه اسما لما اعتبر فيه القبول على وجه الجزئية».

شروط الوصي:

اشارة

يشترط في الوصي:

1-أن يكون عاقلا بالغا

،لأن المجنون و الصغير لا ولاية لهما على أنفسهما فكيف يتوليان أمور الغير؟.أجل،تصح وصاية الصبي منضما إلى البالغ،فيتصرف الكبير منفردا،حتى يبلغ الصغير،فيشاركه في التصرف،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل أوصى إلى امرأة،و شرك معها صبيا؟فقال:يجوز ذلك، و تمضي المرأة الوصية،و لا تنتظر بلوغ الصبي،فإذا بلغ الصبي فليس له أن لا يرضى إلاّ ما كان من تبديل و تغيير،فان له أن يرده إلى ما أوصى به الميت.

ص:169

و إذا طرأ الجنون على الوصي سقطت وصايته،و إذا عاد الى الرشد فلا تعود الولاية لأن الساقط لا يعود إلا بدليل.

قال صاحب الشرائع و الجواهر:إذا مات الصغير،أو بلغ فاسد العقل بقي الكبير العاقل على استقلاله في الوصاية،و ليس للحاكم أن ينصب وصيا ثانيا مكان الصغير،لاستصحاب استقلال الكبير في الوصاية.

2-تعيين الوصي بالذات

،فإذا أوصى إلى أحد هذين،و لم يعين بطلت الوصية،حيث يتعذر التنفيذ مع الجهل بالوصي.

3-تعيين الموصى به

،فإذا أطلق،و قال:فلان وصي،و لم يبين على أي شيء،و لم يفهم من قرائن الحال أو المقال شيء بطلت الوصاية.أجل،يجوز أن يفوض الأمر إلى نظر الوصي،قال رجل للإمام الصادق عليه السّلام:ان أبي حضره الموت،فقيل له:أوص فقال:هذا ابني،فما صنع فهو جائز؟قال له الإمام:فقد أوصى أبوك،و أوجز.

4-اتفقوا على أن الوصي يجب أن يكون مسلما إذا كان الموصي على

دين الإسلام

،و اختلفوا في شرط العدالة على ثلاثة أقوال،أصحها الاكتفاء بالأمانة و الوثاقة،بحيث ينفذ الوصي الوصية على وجهها،لإطلاق أدلة الوصاية الشاملة للعدالة و غيره،و لأن المعروف من سيرة الفقهاء أنهم يحكمون بصحة كل وصاية، حتى تثبت خيانة الوصي.

الوصاية لاثنين:

اتفقوا على أن للميت أن يجعل الوصاية لاثنين أو أكثر،فإن نص على أن لكل واحد الاستقلال في التصرف عمل بنصه،و إذا اشترط أن لا يستقل أحدهما

ص:170

في الرأي عن صاحبه فلا بد من اجتماعهما معا.و إذا أطلق،و لم يعين الاستقلال، و لم يشترط الاجتماع فليس لأحدهما أن يستقل عن صاحبه في التصرف،لأنّا نعلم علم اليقين بوجوب النفاذ مع اجتماع الرأي،و نشك في وجوبه مع الانفراد، و الأصل عدم الوجوب.قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور بين الفقهاء شهرة عظيمة،لكونه المتيقن.فهو شبه العين الموصى بها لاثنين،فإنها شراكة بينهما».

و إذا اجتمع رأيهما على شيء فهو المطلوب،و ان تعاسرا أجبرهما الحاكم الشرعي على الوفاق،فان تعذر الوفاق عزلهما،و استبدلهما بأمينين،أو أمين حسب ما يراه،لأن وجودهما،و الحال هذي،و عدمه سواء.

و ليس لهما قسمة المال بينهما،و انفراد كل بالنظر في شيء دون الآخر،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف و لا إشكال،لأنه خلاف مقتضى الوصية من وجوب الاجتماع في التصرف.أجل،لهما ذلك إذا أذن لكل منهما أن يستقل في التصرف عن صاحبه».

و قال أكثر الفقهاء-كما في الجواهر-:لو مات أحد الوصيين اللذين اشترط اجتماعهما معا،أو طرأ عليه الجنون،أو الخيانة،أو غير ذلك مما يوجب ارتفاع وصايته استقل الآخر في التصرف،و لا يحتاج إلى ضم شخص جديد،لأن الاجتماع مشروط ببقائهما معا،و انتفاء الشرط يستدعي انتفاء المشروط.

و إذا ماتا معا رجع الأمر إلى نظر الحاكم،تماما كما لو لم يكن له وصي منذ البداية.

ص:171

خيانة الوصي:

إذا خان الوصي انعزل تلقائيا،و بطلت جميع تصرفاته من غير حاجة إلى عزل الحاكم،إذ المفروض أن الأمانة شرط،و المشروط عدم عند عدم شرطه.

أجل،الحاكم يمنعه من التصرف،و إذا تصرف يحكم ببطلان تصرفه،كما يجب عليه أن يقيم مقامه أمينا مراعاة لحق الأطفال،و حفظ الأموال.

ضمان الوصي:

الوصي أمين لا يضمن إلاّ مع التعدي أو التفريط،كما هي الحال في كل أمين،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل أوصى إلى رجل،و أمره أن يعتق عنه نسمة بستمائة درهم من ثلثه،فانطلق الوصي،و أعطى ال 600 درهم رجلا يحج عنه؟فقال الإمام:أرى أن يغرم الوصي ال 600 من ماله،و يجعلها فيما أوصى الميت في عتق نسمة.

الوصاية على الأطفال:

لكل من الأب و الجد للأب أن يقيم وصيا على الأطفال بالنظر لولايتهما الجبرية،قال صاحب بلغة الفقيه:«ان ولاية الوصي المنصوب من الموصي قيما على أطفاله ثابتة بالنص و الإجماع،و لكن بحسب ما هو مجعول له من حيث الإطلاق و التقييد،فإن أطلق فلا إشكال في نفوذ ما يتولى من مصالحهم في حفظ نفوسهم و أموالهم،و أخذ الحقوق الراجعة إليهم،و غير ذلك من البيع و الشراء و المزارعة و الإيجار،و ما إلى ذاك مما يتعلق بإصلاح أموالهم».

و ان عيّن شيئا خاصا فلا يجب التعدي إلى غيره،و ليس للأم أن تقيم قيما

ص:172

على أطفالها،إذ لا ولاية لها عليهم،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف معتد به للأصل».و لا تثبت الولاية على الأطفال إلاّ بنص صريح من الولي.

لا وصاية على الأطفال مع الجد:

اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على أن الأب إذا أقام وصيا على أولاده مع وجود الجد للأب تبطل وصيته،لأن أب الأب أب،و لا وصاية لأحد حتى الحاكم الشرعي مع وجود الأب.

الإيصاء بالزواج:

ذهب المشهور بشهادة صاحب المسالك و صاحب البلغة إلى أنّه ليس للأب و لا للجد له أن يوصيا بزواج الصغير ذكرا كان أو أنثى،و إذا أوصيا بذلك لأحد بطلت الوصية،لاستغناء الصغير عن الزواج،و لقول الإمام الباقر أبي الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:«إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز».و بديهة أن وصي الأبوين غير الأبوين،و لا أقل من الشك،و معه الأصل عدم الجواز.

هل للوصي أن يوصي؟

اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على أن للوصي أن يوصي بما أوصاه به الوصي إذا أذن له بذلك.و أيضا اتفقوا على أنّه لا يجوز له ذلك إذا نهاه،و اختلفوا فيما إذا سكت الموصي،فلم يأذن،و لم ينه،و ذهب المشهور إلى عدم الجواز، لأن الاذن غير معلوم،و الأصل عدم الجواز.

ص:173

وظيفة الوصي:

إذا عيّن الموصي النظر في شيء فلا يجوز للوصي أن يتعداه إلى غيره،و إذا أطلق،و لم يعين جاز له أن يتولى من حفظ ماله ما كان جائزا للموصي،تماما كما هو الشأن في الوكالة.

و الوصية على المال لا تستدعي الوصية على الأطفال،بل لا بد من الوصية عليهم من نص صريح واضح الدلالة على ذلك من الموصي.و سبقت الإشارة إلى ذلك في فقرة«الوصاية على الأطفال».

اجرة الوصي:

للوصي أن يأخذ أجرة المثل من المال الذي يتولى النظر فيه،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عمن تولى مال اليتيم،هل له أن يأكل منه؟قال:ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر فليأكل بقدر ذلك.

من لا وصي له:

إذا مات بلا وصية،أو مات الوصي،و كان للميت أطفال يحتاجون إلى الرعاية،و لا ولي جبري لهم كان النظر في أمرهم إلى الحاكم الشرعي،لأنه ولي من لا ولي له،فان تعذر الوصول إليه تولى ذلك الأمناء الصالحون من المؤمنين، قال صاحب الجواهر:«على ما هو المشهور بين الفقهاء من ثبوت الولاية لهم على مثل ذلك للنصوص المعتبرة المستفيضة المؤيدة بما دل على الحسبة».

ص:174

إقرار الوصي:

إذا أقر الوصي بدين أو عين على الميت فلا ينفذ إقراره بحق الصغير و لا بحق غيره من الورثة،لأنه إقرار بحق الغير،ولدي الخصومة يعتبر الوصي شاهدا يشترط فيه ما يشترط في الشاهد إذا لم يكن هو أحد طرفي الدعوى.

و إذا شهد الوصي للأطفال،أو للميت فلا تقبل شهادته،لأنه يثبت لنفسه ولاية التصرف فيما يشهد به.

إثبات الوصاية:

اتفقوا كلمة واحدة على أن الوصاية لا تثبت إلاّ بشهادة عدلين،و لا تقبل شهادة النساء منفردات و لا منضمات،و لا شهادة رجل مع اليمين.و سبقت الإشارة إلى ذلك في فصل:بين الأصل و الثلث-فقرة«إثبات الوصية».

ص:175

تصرفات المريض

المريض:

المراد بالمريض-هنا-من اتصل مرضه بموته،على أن يكون المرض مخوفا،بحيث يظن الناس أن حياته في خطر،فوجع الضرس و العين و الصداع الخفيف،و ما إليه لا يعد من المرض المخوف،فهذا المريض،و من تمرض مرضا مخوفا،ثم عوفي منه،و مات بعد ذلك حكم عطيتهما حكم عطايا الصحيح.

تصرفات الصحيح:

ليس من شك و لا خلاف بين المذاهب أن الصحيح إذا تصرف في أمواله تصرفا مطلقا و منجزا،أي غير معلق على الموت نفذ تصرفه من الأصل،سواء أ كان تصرفا واجبا،كوفاء الدين،أو محاباة،كالهبة و الوقف.

و إذا علق الصحيح تصرفاته على الموت كانت وصية،فان لم تكن بالواجب المالي خرجت من الثلث،و ان كانت به فان كانت قضاء دين فمن الأصل عند الإمامية و الشافعية و الحنابلة،و من الثلث عند الحنفية و المالكية،كما مر.

ص:176

تصرفات المريض:

أما تصرفات المريض،فان كانت معلقة على الموت فهي وصية،و حكمها ما أسلفنا في وصية الصحيح،إذ لا فرق في الوصية بين صدورها في حالة الصحة، و حالة المرض،ما دام المريض ثابت العقل،كامل الإدراك و الشعور.

و إذا تصرف المريض تصرفا مطلقا غير معلق على الموت ينظر:فان عاد التصرف إلى نفسه،كما لو اشترى ثيابا مثمنة،و تلذذ في مأكله و مشربه،و أنفق على دوائه و تحسين صحته،و سافر للراحة و الاستجمام،و ما إلى ذاك،فكل تصرفاته صحيحة ليس لأحد عليه من سبيل وارثا كان أو غير وارث.

و ان تصرف بدون محاباة،كما لو باع أو أجّر،أو استبدل شيئا من ممتلكاته بعوضه الحقيقي ينفذ عمله من أصل المال،و ليس للوارث معارضته،لأنه لم يفوت عليه شيئا.

و إذا تصرف تصرفا منجزا غير معلق على الموت،و كان فيه محاباة كما لو وهب،أو تصدق،أو ابرأ من الدين،أو عفا عن الجناية الموجبة للمال،أو باع بأقل من قيمة المثل،أو اشترى بالأكثر،أو غير ذلك من التصرفات التي تستدعي ضررا ماليا بالوارث-إذا كان تصرفه من هذا النوع فإنه يخرج من الثلث،تماما كالوصية.و معنى كونه من الثلث أن نوقف التنفيذ إلى ما بعد الموت،فان مات في مرضه،و اتسع الثلث للتبرعات المنجزة كشف عن كونها نافذة من أول الأمر،و ان ضاق الثلث عنها كشف عن فساد التصرف بمقدار الزائد عن الثلث،مع عدم اجازة الورثة.

و في ذلك روايات كثيرة صحيحة و صريحة،عمل بها المشهور من المتأخرين،و منهم صاحب الجواهر،و اعتمد عليها أكثر الفقهاء،كما قال صاحب

ص:177

المسالك،منها ان الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل حضره الموت،فأعتق مملوكا ليس له غيره،فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك؟قال الإمام:ما يعتق منه إلاّ الثلث.و قال البعض:انها تخرج من الأصل.

بين الوصية و منجزات المريض:

الفرق بين الوصية و منجزات المريض أن التصرف في الوصية معلق على الموت،أمّا المنجزات فهي التي لم تعلق على الموت،سواء لم تعلق أبدا،أو علقت على أمر آخر يصح فيه التعليق،كما لو نذر في مرضه أن يضحي بهذا الكبش إذا رزق ذكرا،ثم ولد له ذكر بعد موته،فيدخل في منجزات المريض.

و قد جاء في كتاب المغني في فقه الحنابلة،و كتاب التذكرة في فقه الإمامية أن منجزات المريض تشترك مع الوصية في خمسة أشياء،و تفترق عنها في ستة.

و يظهر من الاتفاق في لفظ العبارتين أن العلامة الحلي صاحب التذكرة الذي توفي سنة 726 ه قد أخذ عن ابن قدامة صاحب المغني المتوفى سنة 620 ه.و من المفيد أن نلخص أقوالهما فيما يلي:

أما الخمسة التي تشترك فيها المنجزات مع الوصية فهي:

1-أن كلا منهما يقف نفوذها على الخروج من الثلث،أو اجازة الورثة.

2-أن المنجزات تصح للوارث عند الإمامية،تماما كالوصية،و عند الأربعة لا تصح للوارث،كما أن الوصية كذلك.

3-أن كلا منهما أقل ثوابا عند اللّه من الصدقة في حال الصحة.

4-أن المنجزات يزاحم بها الوصايا في الثلث.

5-ان خروجها من الثلث معتبر حال الموت لا قبله،و لا بعده.

ص:178

و أمّا الستة التي تفترق بها المنجزات عن الوصية فهي:

1-أن الموصى يجوز له الرجوع عن وصيته،و لا يجوز الرجوع للمعطي في المرض عن عطيته إذا تحقق القبول و القبض من المعطى له،و السر أن الوصية تبرع مشروط بالموت،فما دام الشرط لم يتحقق فإنه يجوز العدول،أما العطية في المرض فهي مطلقة و غير مشروطة بشيء.

2-أن المنجزات يكون قبولها،أو ردها على الفور و في حياة المعطي،أما الوصية فلا حكم لقبولها،و لا لردها إلاّ بعد الموت.

3-أن المنجزات تفتقر إلى شروط،كالعلم بحقيقة العطية و عدم الضرر، و الوصية لا يشترط فيها ذلك.

4-أن المنجزات تقدم على الوصية إذا ضاق الثلث عنهما معا،إلاّ في العتق،فإن الوصية به تقدم على غيره من العطايا المنجزة،و هو رأي الإمامية و الحنفية و الشافعية(التذكرة باب الوصية).

5-أن المنجزات إذا ضاق عنها الثلث بدئ بالأول فالأول عند الشافعية و الحنابلة،أما الوصية إذا ضاق عنها الثلث فيدخل النقص على الجميع،كما أشرنا في تزاحم الوصايا.و الإمامية يبدأون بالأول فالأول في المنجزات و الوصايا.

إقرار المريض:

إذا أقر،و هو في مرض الموت،لوارث،أو لأجنبي بدين أو عين،ينظر:

فإن كان هناك قرائن يظن معها أنّه غير صادق في إقراره،بل متهم فيه،حيث يستبعد في العادة أن يكون الشيء المقر به حقا ثابتا للشخص المقر له،و لكن المريض يريد أن يؤثره على غيره لسبب من الأسباب-ان كان الأمر على هذا

ص:179

فحكم الإقرار حكم الوصية ينفذ من الثلث.و ان كان المريض مأمونا في إقراره بحيث لم يكن هناك آية قرينة تدل على أنّه كاذب في قوله-كما لو كان بينه و بين المقر له معاملة سابقة تستدعي ذلك بموجب العادة-ينفذ الإقرار من الأصل بالغا ما بلغ.

هذا إذا علم حال المقر،أما إذا جهل:هل هو متهم أو مأمون؟و قال الوارث:ان مورثه غير أمين بإقراره فعلى المقر له بالمال أن يثبت أنّه يملك الشيء الذي أقر له به المريض،فإن أثبت ذلك بالبينة ينفذ الإقرار من الأصل،و إلاّ يحلف الوارث أنّه لا يعلم أن الشيء الذي أقر به المورث هو لفلان،ثم ينفذ الإقرار من الثلث.

و ذلك ان الروايات التي جاءت عن أهل البيت عليهم السّلام تدل صراحة على أن أمانة المقر،و عدم تحيزه في إقراره شرط لنفاذ إقراره من أصل التركة،و عليه فلا بد من إثبات الشرط بطريق من طرق الإثبات،و إلاّ تعين الإخراج من الثلث، و تكون النتيجة لذلك أن القاعدة نفاذ الإقرار من الثلث،حتى يثبت العكس،أي تثبت امانة المقر و وثاقته.أجل،لو كان اتهام المقر،و عدم أمانته مانع من الإخراج من أصل التركة لانعكست النتيجة،و كانت القاعدة نفاذ الإقرار من أصل التركة، حتى يثبت العكس،أي يثبت الاتهام.و من تلك الروايات التي دلت على أن الأمانة شرط للنفاذ من الأصل،و ليس الاتهام مانعا أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل أوصى لبعض ورثته أن له عليه دينا؟فقال:ان كان الميت مرضيا فأعطه الذي أوصى له.و في رواية ثانية:إذا كان مصدقا.و في ثالثة:إذا كان مليا.

و ليس من ريب أن لفظة«إذا»صريحة بالشرط،فيكون النفاذ من أصل التركة مشروطا بوجود الأمانة و التصديق،قال السيد اليزدي في رسالة المنجزات

ص:180

المطبوعة في آخر حاشيته على الرسالة:«الظاهر أن المأمونية شرط في النفاذ من الأصل،لا أن الاتهام مانع،و ذلك لما عرفت من النصوص من تعلق النفاذ على المأمونية،و كون المقر مرضيا أو مليا و نحو ذلك-ثم قال-و الحاصل انّه لا ينبغي التأمل في أن المأمونية شرط».

ص:181

كتاب الإرث

التركة:

التركة اسم للأشياء التي يتركها الميت،و هي:

1-ما ملكه قبل الموت عينا كان أو دينا

،أو حقا ماليا،كحق التحجير،كما لو قصد إحياء أرض موات،فحجرها بحائط و نحوه،فيكون أولى بها من غيره، أو حق الخيار في بيع أو شراء،أو حق الرهن،أو حق الشفعة،أو القصاص و الجناية إذا كان وليا عن المقتول،كما لو قتل ولده شخص،ثم مات القاتل قبل الاقتصاص منه،فان حق القصاص ينقلب ما لا يؤخذ من تركة القاتل،تماما كالدين.

2-ما يملكه بعد الموت

،كما لو وقع الصيد بعد موته في الشبكة التي نصبها في حياته،أو جنى عليه جان بعد موته،فقطع عضوا من أعضائه،فأخذت منه الدية،كل ذلك،و ما إليه يحسب من التركة.

دية القتيل:

هنا سؤالان:الأول:هل يقضى من دية القتيل ديونه،و تخرج منها وصاياه،

ص:182

بحيث تكون الدية من هذه الجهة كسائر الأموال التي تركها الميت؟ ذهب المشهور بشهادة صاحب المسالك و الجواهر إلى أن الديون و الوصايا تخرج من الدية من غير فرق بين دية العمد،و دية الخطأ،فقد سئل الإمام الكاظم ابن الإمام الصادق عليهما السّلام عن رجل قتل،و عليه دين،و لم يترك مالا، فأخذ أهله الدية من قاتله،أ عليهم أن يقضوا دينه؟قال:نعم.و في رواية ثانية:

من أوصى بثلثه،ثم قتل خطأ فإن ثلث ديته داخل في وصيته.

السؤال الثاني:هل يرث الدية جميع الورثة دون استثناء،أو أن هناك فئة من الأقارب يرثون من غير الدية،و لا يرثون منها شيئا؟ ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى أن الدية يرث منها كل قريب حتى الزوج و الزوجة ما عدا من يتقرب بالأم،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:ان الدية يرثها الورثة على كتاب اللّه و سهامهم إذا لم يكن على المقتول دين إلاّ الاخوة من الأم،و الأخوات من الأم،فإنهم لا يرثون من الدية شيئا.

و أجمعوا بشهادة صاحب المسالك و الجواهر على أن الزوج إذا قتل عمدا فليس للزوجة أن تطالب بقتل القاتل،و إذا قتلت الزوجة عمدا فليس للزوج المطالبة بالقصاص أيضا،لأن أحد الزوجين لا يرث القصاص،و لكن إذا اتفق الورثة الآخرون مع القاتل على أخذ الدية،و أخذوها منه ورث أحد الزوجين نصيبه منها،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:إذا قبلت دية العمد فصارت مالا فهي ميراث،كسائر الأموال.

فقد أعطى الإمام دية العمد حكم سائر الأموال دون أن يستثني أحد الزوجين،فوجب أن يأخذ نصيبه منها،و إذا ثبت إرثه في دية العمد فبالأولى في دية الخطأ،لأن قتل العمد انما يوجب أولا و بالذات القصاص،و قد أشرنا إلى أن

ص:183

أحد الزوجين لا يرث القصاص،أما قتل الخطأ فيوجب المال منذ البداية،و المال يرثه كل مناسب و مسابب على حد تعبير الفقهاء.

الحقوق المتعلقة بالتركة:

اشارة

قد يتعلق بتركة الميت حقوق متنوعة،و هي :

1-أن يتعلق بها حق الرهانة

،و هذا الحق يقدم على جميع الحقوق،حتى الكفن،و سائر ما يتوقف عليه التجهيز الواجب،كالغسل و الدفن،فإذا افترض ان شخصا رهن جميع ما يملك فلا يخرج الكفن من ماله المرهون،بل يكون حاله حال الفقير الذي يموت،و هو لا يملك شيئا،حيث يكفن من بيت المال،فان لم يكن فعلى المحسنين،ذلك ان صاحب المال ممنوع شرعا من التصرف في المرهون،و الممنوع شرعا كالممنوع عقلا.

2-التجهيز الواجب للميت من كفن و غسل و دفن

،فإنه مقدم على الديون،لأنه بمثابة النفقة الضرورية التي تقدم على حقوق الدائنين حال الحياة.

و يستثني من ذلك تجهيز الزوجة،حيث يجب على الزوج إذا كان موسرا باذلا.

3-و بعد التجهيز يبدأ بوفاء الدين

،سواء أ كان للناس،أم للّه،كالخمس و الزكاة و الكفارات ورد المظالم،و حجة الإسلام.

4-و بعد إخراج التجهيز الواجب،و الواجبات المالية يقسم الباقي أثلاثا

، و تخرج الوصايا بغير الواجب المالي و غير المشوب به كالحج من الثلث،و يقسم الثلثين بين الورثة على كتاب اللّه،و سنة نبيه.قال الإمام الصادق عليه السّلام:أول شيء يبدأ به من المال الكفن،ثم الوصية،ثم الميراث.

ص:184

و قال صاحب الجواهر:لقد بينت النصوص الحال في تركة الميت من إخراج الكفن أولا،و الدين ثانيا،و الوصية ثالثا،و السهام رابعا.

التركة و الورثة و أرباب الدين:

تنتقل التركة إلى ورثة الميت،حتى و لو كان عليه ديون تستغرق جميع ما ترك،و ان الدين يتعلق بها بنحو من الأنحاء،إما كتعلق حق الرهانة،و امّا كتعلق حق الجناية القائم بالعبد الجاني،و امّا تعلقا مستقلا لا يشبه هذا،و لا ذاك،و مهما يكن،فان الدين لا يمنع من أصل الميراث،و انما يمنع من التصرف في التركة فيما قابل الدين،فقد جاء في المسالك:«ان التركة تنتقل إلى الوارث مطلقا-أي حتى و لو استغرق الدّين التركة بكاملها-لكن الوارث يمنع من التصرف فيها إلى أن يوفي الدين لاستحالة بقاء المال بلا مالك،و الميت لا يملك،و التركة لا تنتقل إلى أرباب الدين بالإجماع،و لا إلى غير الوارث،فتعين انتقالها إلى الوارث».

موجبات الإرث:

اشارة

للإرث أسباب موجبة،و موانع،و يأتي الكلام عن الموانع،أمّا الموجب للإرث فهو أمران:نسب،و سبب.و السبب أمران:زوجية،و ولاء،و الولاء متأخر عن النسب،بحيث لا يرث به أحد إلاّ إذا فقد القريب المناسب بجميع طبقاته، بخلاف الزوجية فإنها تجتمع مع القرابة و الولاء.

النسب:
اشارة

الموجب الأول للإرث النسب أي القرابة،و تثبت القرابة بعلاقة الولادة

ص:185

الشرعية بين شخصين،اما بانتهاء أحدهما إلى الآخر،كانتهاء الأبناء و الأحفاد إلى الأب أو الجد،و امّا بانتهاء الاثنين إلى ثالث،كالاخوة و الأعمام و الأخوال.

و بقولنا«الولادة الشرعية»يدخل الزوج الشرعي بعقد صحيح،و النكاح بشبهة،و هو الذي حصل من غير عقد صحيح،و لكن فاعله معذور و غير آثم، لمكان الجهل بالتحريم،أو للإكراه،أو للجنون أو الصغر،و تخرج الولادة بسبب الزنا،فلا يرث ولد الزنا أبويه،و لا يرثانه ان كان الزنا منهما معا،أما لو كان أحدهما جاهلا بالزنا،أو مكرها عليه،أو صغيرا أو مجنونا فان المعذور يرث غير المعذور،و لا عكس،و كل من يتقرب بالزاني يعطى حكمه،و ابن الزنا يرث أولاده و زوجته،و هم يرثونه،و كذا بنت الزنا ترث زوجها و يرثها.

مراتب القرابة:

و للقرابة في الميراث مراتب ثلاث لا تداخل بينها،أي لا يرث واحد من المرتبة الثانية مع وجود وارث من المرتبة الأولى،و لا واحد من المرتبة الثالثة مع وجود وارث من المرتبة الثانية،و هذه المراتب هي:

1-الأبوان من غير ارتفاع،أي من غير الأجداد.و الأولاد،و ان نزلوا،أي و أولادهم.

2-الأجداد و ان ارتفعوا،و الاخوة و أولادهم و ان نزلوا.

3-الأعمام و الأخوال و أولادهم و ان نزلوا على شريطة أن يصدق عليهم اسم القرابة في نظر العرف.

و يأتي الكلام عن ميراث كل مرتبة من هذه الثلاث بصورة مفصلة ان شاء اللّه.

ص:186

الزوجية:

الموجب الثاني للإرث الزوجية،فيرث أحد الزوجين من الآخر الفرض المقدر له شرعا على التفصيل الآتي من النصف و الربع و الثمن.و تجتمع الزوجية في الميراث مع الجميع دون استثناء.

الولاء:

الموجب الثالث للإرث الولاء بفتح الواو،و أقسامه ثلاثة:

الأول:العتق،و هو أن يرث السيد عبده بشرط أن يعتقه تبرعا،لا في كفارة أو نذر،و ان لا يتبرأ من ضمان جريرته،و ان لا يكون للعبد وارث.و ندع التفصيل عنه لعدم وجود الرق في هذا العصر.

الثاني:ضمان الجريرة،و المراد بها الجناية،و معنى ضمانها أن يتفق اثنان على أن يضمن كل منهما جناية الآخر،أو يضمن أحدهما ما يجنيه الآخر دون العكس،و يصح ذلك بشرط أن لا يكون للمضمون وارث قريب،و لا مولى معتق،فإذا كان الضمان من جانب واحد قال المضمون للضامن:عاقدتك على أن تنصرني،و تدفع عني،و تعقل عني و ترثني فيقول الآخر:قبلت،و إذا كان الضمان من الجانبين قال أحدهما:عاقدتك على أن تنصرني و أنصرك،و تعقل عني و أعقل عنك،و ترثني و أرثك فيقول الآخر:قبلت،و متى تم ذلك كان على الضامن بدل الجناية،و له الميراث مع فقد القريب و المعتق.مقدما على الإمام في الميراث.

الثالث:ولاء الإمام،إذا مات انسان،و ترك مالا،و لا وارث له من أرحامه، و لا ضامن جريرة،و لا مولى معتق كان ميراثه للإمام إلاّ إذا كان الميت زوجة فإن

ص:187

الزوج يأخذ النصف بالفرض،و النصف الآخر بالرد،و إذا كان زوجا أخذت الزوج الربع،و الباقي للإمام،و تأتي الإشارة في ميراث الزوجين.

و في روايات أهل البيت عليهم السّلام أن الإمام وارث من لا وارث له.أما اليوم حيث لا إمام ظاهر فان هذا الميراث يعطى للفقراء من أهل بلد الميت،فقد روى الشيخ الحر في وسائله العديد من الروايات أن عليا أمير المؤمنين عليه السّلام كان يقول:

«إذا مات الرجل،و ترك مالا،و لا وارث له،أعطوا المال همشاريجه».قال صاحب الوسائل:«يعني أهل بلده،قال الصدوق:متى كان الإمام ظاهرا فماله للإمام،و متى كان الإمام غائبا فماله لأهل بلده-يريد بلد الميت-متى لم يكن له وارث و لا قرابة أقرب إليه منهم».و في هذا إشارة إلى أن الصدوق يعتبر البلد نوعا من القرابة.

موانع الإرث:

اشارة

لا يكفي لثبوت الإرث وجود الموجب له،بل لا بد من انتفاء المانع أيضا، و بتعبير الفقهاء يثبت الإرث إذا وجد المقتضي،و انتفى المانع،و موانع الإرث كثيرة،و أشهرها ثلاثة:اختلاف الدين،و القتل،و الرق،بقية الموانع تعرف من تضاعيف الكلام.و نهمل الكلام عن الرق،لأنه أصبح من القضايا التي لا موضوع لها.

اختلاف الدين:
اشارة

اتفقوا قولا و عملا على أن المسلم يرث غير المسلم،و ان غير المسلم لا يرث المسلم،للحديث الشريف:لا يرث الكافر المسلم.و في حديث آخر ثبت

ص:188

عند الشيعة:«نرثهم،و لا يرثوننا».و في ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السّلام،منها قول الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:لا يرث اليهودي و النصراني المسلمين،و يرث المسلم اليهودي و النصراني.

و غير المسلم من أنكر الألوهية،أو أقر بها،و أنكر رسالة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أو أقر بهما،و أنكر ضرورة من ضرورات الدين كوجوب الصوم و الصلاة،و تحريم الزنا و الخمر و السرقة،و من هؤلاء الخوارج و النواصب الذين أنكروا وجوب المودة لأهل البيت عليهم السّلام،و المغالون الذين وصفوا مخلوقا بصفة من صفات الربوبية.

و إذا مات غير المسلم،و له ورثة مثله غير مسلمين،و وارث مسلم كان الميراث كله للمسلم،حتى و لو كان بعيدا كضامن الجريرة،و لا شيء لغير المسلم،حتى و لو كان قريبا كالابن،قال صاحب الجواهر:الإجماع على ذلك، و لما جاء عن أهل البيت عليهم السّلام لو أن رجلا ذميا أسلم،و أبوه حي،و لأبيه ولد غيره، ثم مات الأب ورث المسلم جميع ماله،و لا يرث ولده،و لا امرأته من المسلم شيئا.

و إذا كان أحد ورثة الميت غير مسلم،ثم أسلم بعد موت المورث ينظر:

فإن أسلم بعد قسمة التركة فلا شيء له،و ان أسلم قبل القسمة شارك الورثة ان كان مساويا لهم في المرتبة،و إلاّ اختص بجميع التركة،كما لو كان ولدا،و هم أخوة، فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل يسلم على الميراث؟قال:ان كان قسّم فلا حق له،و ان لم يقسم فله الميراث.

و إذا كان الوارث المسلم واحدا-غير الإمام-اختص بالإرث،و لا شيء لمن أسلم،قال صاحب الجواهر:لعدم صدق القسمة مع الوحدة.

ص:189

الطفل تابع:

يختلف الحكم بإسلام الطفل و عدمه حسب التفصيل التالي:

1-أن يتولد من أبوين مسلمين،و ليس من شك أنّه بحكمهما.

2-أن يكون أحد أبويه مسلما حين انعقاده و تكوينه،و هذا بحكم الإسلام،لأن الولد يتبع أشرف الأبوين،حتى و لو ارتد أبوه و امه،أو أحدهما بعد ذلك،فبمجرد علوقه في بطن أمه حال إسلام أحدهما كاف في إسلامه.قال صاحب الجواهر:بلا خلاف أجده.

3-أن يكون أبواه غير مسلمين يوم تكوينه في بطن أمه،ثم أسلما،أو أسلم أحدهما،قال صاحب المسالك:و الحكم بإسلام الولد موضع وفاق.

4-فيما عدا ذلك،و هو أن يتولد من أبوين غير مسلمين،و بقيا على ذلك حتى بلوغ الطفل،و عليه فيحكم بعدم إسلامه.

و قال الشهيد الثاني في المسالك،و الشيخ أحمد كاشف الغطاء في أحسن الحديث:إذا كان الأبوان غير مسلمين،و أحد أجداد الطفل،أو جداته مسلما و لو حال تكوينه يكون الطفل بحكم المسلم.

المرتد:

المرتد على قسمين:مرتد عن فطرة،و هو الذي بحكم المسلم،و لما بلغ رجع عن الإسلام،و مرتد عن ملة،و هو الذي ولد بحكم غير المسلم،و لما بلغ أسلم،ثم عاد و رجع عن الإسلام.

و اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على أن المرتد عن فطرة إذا كان رجلا يقتل،و لا يستتاب،و تعتد امرأته عدة الوفاة من حين ارتداده،و تقسم تركته،و ان

ص:190

لم يقتل،و لا تقبل توبته بالنسبة إلى فسخ الزواج و تقسيم التركة،و وجوب القتل، و تقبل في الواقع و عند اللّه،و أيضا تقبل توبته بالنسبة إلى طهارته و صحة عبادته، كما انه يملك بعد التوبة الأموال الجديدة بسبب التجارة و اللقطة و الحيازة و الإرث.

أما المرتد عن ملة فإنه يستتاب،فان تاب فله ما للمسلمين،و عليه ما عليهم،و إلاّ قتل،و تعتد زوجته من حين الارتداد عدّة الطلاق،فان تاب في العدّة رجعت إليه،و لا تقسم تركته،حتى يقتل أو يموت.

أما المرأة فلا تقتل،سواء أ كان ارتدادها عن فطرة،أم عن ملة،بل تحبس و تضرب أوقات الصلاة،حتى تتوب،أو تموت،و لا تقسم تركتها إلاّ بعد الموت،قال الإمام الصادق عليه السّلام:«كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام، و جحد نبوة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كذّبه فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه،و امرأته بائنة عنه يوم ارتد،فلا تقربه،و يقسم ماله على ورثته،و تعتد امرأته عدّة المتوفى عنها زوجها،و على الإمام أن يقتله،و لا يستتيبه.و المرأة إذا ارتدت استتيبت، فان تابت و رجعت،و إلاّ خلّدت في السجن،و ضيق عليها في حبسها.و روي أن أمير المؤمنين عليا عليه السّلام كتب إلى بعض عماله:أما من كان من المسلمين ولد على الفطرة،ثم تزندق فأضرب عنقه،و لا تستتيبه،و من لم يولد منهم على الفطرة فاستتيبه،فان تاب و إلاّ فاضرب عنقه».و يأتي الكلام مفصلا و مطولا عن المرتد في فصل المرتد و الفاعل بالأموات و البهائم،فقرة«الفطري و الملي».

أهل المذاهب و أهل الأديان:

اتفقوا على أن المسلمين يتوارثون مهما اختلفت مذاهبهم،قال صاحب

ص:191

الجواهر:للإجماع و النصوص المعتبرة المستفيضة الناطقة بأن الإسلام هو ما عليه جماعة الناس من الفرق كلها،و به حقنت الدماء،و جرت المناكح و المواريث.

و قال صاحب المسالك:ان المسلمين على اختلاف مذاهبهم يجمعهم أمر واحد،و هو الإسلام الموجب للموالاة و المناصرة.

أما غير المسلمين فإنهم يتوارثون،فالمسيحي يرث من اليهودي و بالعكس،و غيرهما من أهل الأديان-غير الإسلام-يرث منهما،و يرث منه،قال صاحب الجواهر:بلا خلاف معتد به.لأن الكفر ملة واحدة.و قال صاحب المسالك:اختلاف غير المسلمين،كاختلاف المذاهب الإسلامية،و قد قال تعالى لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ .و قال فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ فأشعر بأن الكفر كله ملة واحدة.

القتل:

إذا قتل مورثه عمدا بغير حق،بحيث يوجب القتل القود و القصاص،إذا كان كذلك منع القاتل من الإرث،لحديث:«لا ميراث لقاتل»و لأنه تعجل الميراث فعوقب بخلاف قصده.

و إذا قتله بحق،كما لو قتله قصاصا،أو دفاعا عن النفس،و ما إلى ذلك من المسوغات الشرعية فإن القتل،و الحال هذي،لا يمنع من الإرث،لمكان العذر و عدم المؤاخذة.

و ذهب أكثر الفقهاء إلى أن من قتل مورثه خطأ يرث من سائر التركة إلاّ من الدّية،للحديث النبوي:«ترث المرأة من مال زوجها،و من ديته،و يرث الرجل من مالها،و من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه،فان قتل أحدهما صاحبه عمدا

ص:192

فلا يرث من ماله،و لا من ديته،و ان قتله خطأ ورث من ماله،و لا يرث من ديته.

و قال صاحب الجواهر:«عمد الصبي و المجنون بحكم الخطأ.و الخطأ هنا يشمل شبه العمد»و مثال شبه العمد أن يضرب شخص آخر بآلة غير قاتلة،و لم يقصد قتله فيصادف القتل،و يأتي التفصيل في باب الديات ان شاء اللّه.

و لا يمنع من الإرث من يتقرب بالقاتل،فلو افترض أن رجلا قتل أباه، و كان للقاتل ولد ورث هذا الولد جده المقتول،و منع أبوه من الإرث.قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان كان للقاتل ابن ورث جده المقتول.

ولد الملاعنة:

اشارة

تقدم الكلام عن الملاعنة،و شروطها و كيفيتها في فصل«الظهار و الإيلاء و اللعان»من هذا الجزء،و نشير الآن إلى ما يتعلق في ميراث ولد الملاعنة.

اتفقوا على أنّه لا توارث بين الزوجين المتلاعنين،و لا بين ولد الملاعنة و أبيه،و لا بين من يتقرب بهما.و أيضا اتفقوا على ثبوت التوارث بين الولد و أمه التي حصل التلاعن بينها و بين الأب.و إذا رجع الأب،و اعترف بالابن بعد الملاعنة ورث الابن و من يتقرب به من الأب،و لا يرث الأب و لا من يتقرب به من الابن إجماعا و نصا،و منه قول الإمام الصادق عليه السّلام:فان ادعاه أبوه لحق به،فان مات الأب ورثه الابن،و ان مات الابن لم يرثه الأب.

و تسأل:كيف لا يمنع من الإرث من يتقرب بالقاتل،و يمنع من يتقرب بالملاعن مع العلم أن كلا منهما سبب و واسطة،فإن المعقول أن يمنعا معا،أو لا يمنعا معا.

ص:193

الجواب:

لا فارق سوى النص الذي كثيرا ما يجمع بين المتفرقات،و يفرق بين المجتمعات.و من هنا قال الشيعة:و ليس من مذهبنا القياس.

الحمل:

إذا مات،و امرأته حامل،فإن أمكن عدم إجراء القسمة حتى يتبين أمر الحمل فذاك،و إلاّ فيوقف للحمل نصيب ذكرين من باب الاحتياط،فإن أتت بهما فهو،و إلاّ اقتسم الورثة ما زاد عن نصيب الحمل على افتراض ولادته حيا،و إلاّ اقتسموا الجميع.

و انما يرث الحمل بشرط ولادته حيا،و ان تأتي به لستة أشهر فما دون، و ان لا يتجاوز أقصى المدّة،و هي سنة على الأصح،و أما الاستهلال في قول الإمام عليه السّلام:«لا يرث شيئا حتى يستهل»فهو كناية عن الحياة،فإذا تحرك و لم يستهل كفى في ثبوت الميراث،إذ ربما كان أخرس،كما قال الإمام.

تقسيم تركة الغائب:

تكلمنا في فصل العدّة،فقرة«زوجة المفقود»من هذا الجزء،تكلمنا عن طلاق زوجة الغائب بعد توافر الشروط بصرف النظر عن الميراث،و نتكلم في هذه الفقرة عن تقسيم تركته رجلا كان أو امرأة،و متى يجوز هذا التقسيم؟و متى لا يجوز؟ و ليس من ريب أن الأصل في كل انسان غاب عنا،و غبنا عنه أن نرتب الآثار على حياته من توريثه الغير،و عدم توريث الغير منه،حتى يثبت موته بالشياع أو

ص:194

البينة،أمّا إذا لم يكن شيء من ذلك،فقد ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر و المسالك إلى أن الغائب إذا انقطع خبره،و جهل مكانه،و لا يمكن العلم بحياته أو موته عن طريق البحث و السؤال فإن تركته تقسّم بين ورثته على شريطة أن تنقضي مدّة لا يعيش مثله إليها،في الغالب.و قدر المشهور هذه المدّة بمئة سنة من تاريخ ولادته،و هذا التقدير لم يرد به نص،و لكنه يوجب الاطمئنان و ركون النفس.و لا يحتاج تقسيم التركة بعد مضي المائة سنة إلى حكم الحاكم بالموت.

و هناك أقوال أخرى،منها الحكم بموته بعد مضي عشر سنوات،و منها بعد مائة و عشرين،و منها بأربع،و قال صاحب الجواهر:«و ما عليه المشهور أحوط و أبعد عن التهجم على الأموال المعصومة».

و قال صاحب المسالك:«ان بلوغ العمر مائة سنة الآن على خلاف العادة، و هي الحكمة عند الفقهاء في«الاكتفاء بمضيها».

ص:195

الفرض و الحجب

الفرض:

اشارة

من الورثة من يرث بالفرض فقط،كالزوجة،و الزوج اللذين سمى لهما اللّه سهما معينا في كتابه العزيز،و منهم من يرث بالقرابة فقط،و هو الذي لم يسم له اللّه سهما معينا،كالابن،و منهم من يرث بالفرض تارة،و بالقرابة أخرى،كالبنت فإنها ترث بالفرض إذا لم يكن معها ابن،و بالقرابة إذا كان،و يعرف التفصيل مما يأتي.و المراد بالفرض السهم المقدر في كتاب اللّه.

الفروض ستة:

الفروض المقدرة في كتاب اللّه ستة بالاتفاق،و هي النصف،و الربع، و الثمن،و الثلثان،و الثلث،و السدس،أو قل:الثلث و الربع،و ضعف كل و نصفه.

1-و ذكر النصف في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع:الأول في فريضة البنت الواحدة،قال تعالى وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ .

الثاني في فريضة الأخت الواحدة لأبوين أو لأب،قال تعالى وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ .

الثالث في فريضة الزوج عند عدم الولد،قال تعالى وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ .

ص:196

2-و ذكر الربع في موضعين:الأول في فريضة الزوج مع الولد،قال سبحانه فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ .

الثاني في فريضة الزوجة عند عدم الولد،قال سبحانه وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ .

3-و ذكر الثمن في موضع واحد،و هو فريضة الزوجة مع الولد،قال عز من قائل فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ .

4-و ذكر الثلثين في موضعين:الأول في فريضة الأختين لأبوين أو لأب، قال عز من قائل فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ .

الثاني في فريضة البنتين فأكثر،قال جل و علا فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ .

5-ذكر الثلث في موضعين:الأول في فريضة الأم عند عدم وجود الولد الذكر للميت،و عدم الاخوة له يحجبونها عما زاد عن السدس على التفصيل الآتي،قال جل و عز وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ .

الثاني في فريضة الاخوة و الأخوات من الأم فقط،قال عز و جل فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ .

6-ذكر السدس في ثلاثة مواضع:الأول في فريضة الأبوين مع الولد،قال تعالى وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ .

الثاني في فريضة الأم مع الأخوة،قال سبحانه فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ .

الثالث في فريضة الأخ الواحد،أو الأخت الواحدة من الأم،قال جل جلاله وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ .

ص:197

اجتماع الفروض:

ثم أن الفروض الستة يجتمع بعضها مع بعض،فالنصف يجتمع مع مثله، كزوج و أخت،فإن لكل منهما النصف و يجتمع النصف مع الربع:كزوج و بنت، فان لها النصف،و له الربع،و أيضا يجتمع النصف مع الثمن،كزوجة و بنت،فإن للأولى الثمن،و للثانية النصف،و أيضا يجتمع مع الثلث،كزوج و أم مع عدم الحاجب،فان له النصف و لها الثلث،و يجتمع مع السدس،كزوج و واحد من كلالة الأم،للزوج النصف،و للكلالة السدس.

و يجتمع الربع مع الثلثين،كزوج و بنتين،له الربع و لهما الثلثان،و يجتمع مع الثلث،كزوجة و متعدد من كلالة الأم،للزوجة الربع،و للكلالة المتعددة الثلث،و أيضا يجتمع الربع مع السدس،كزوجة،و متحد من كلالة الأم،للزوجة الربع،و للكلالة السدس.

و الثمن يجتمع مع الثلثين،كزوجة و بنتين،للزوجة الثمن،و للبنتين الثلثان بالفرض،و أيضا يجتمع الثمن مع السدس،كزوجة واحد الأبوين مع الولد.

و يجتمع الثلثان مع الثلث،كأختين فصاعدا لأب مع الاخوة لأم، و يجتمعان أيضا مع السدس كبنتين واحد الأبوين.

و يجتمع السدس مع السدس،كالأبوين مع الولد و لا يجتمع ربع و ثمن، و لا ثمن و ثلث،و لا ثلث و سدس.

الحجب:

اشارة

المراد بالحجب هنا أن يمنع شخص من الإرث كلا أو بعضا بسبب وجود شخص آخر،بحيث يوجد اثنان:أحدهما حاجب،و الآخر محجوب تحققت به

ص:198

الأهلية الكاملة للإرث لولا وجود الحاجب،و إذا كان الحاجب سببا لمنع المحجوب عن أصل الميراث سمي حجب حرمان،كحرمان الجد كلية بسبب وجود الأب،و إذا كان الحاجب سببا للمنع من النصيب،لا من أصل الإرث سمي حجب نقصان،كحرمان الزوج مما زاد على الربع بسبب وجود الولد.

حجب الحرمان:

و الضابط لحجب الحرمان هو مراعاة الأقرب،حيث يقدم في الإرث على من دونه في القرابة،و استدلوا على ذلك بقوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ (1).حيث فسروا الآية الكريمة بأن الأقرب إلى الميت أولى بميراثه ممن هو دونه في القرابة.و لحجب الحرمان صور.

1-الولد،و لو كان أنثى،يحجب ولد الولد و لو كان ذكرا،فالبنت تحجب ابن الابن عن الميراث،و لا شيء له معها،قال صاحب الجواهر:بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى،بل الإجماع عليه،بل لعله من ضرورات مذهبنا.و ابن الابن يشارك الأب في الميراث عند عدم الابن،لأن الشارع نزله منزلة أبيه».

2-كل من الأب و الأم و الولد و ولد الولد،و ان كان أنثى يمنع الأجداد و الجدات،و الأخوة و الأخوات،و الأعمام و الأخوال،و بالأولى أولادهم.

3-كل من الجد و الجدة،و لو لام،و كل من الأخ و الأخت،و لو لام أيضا يمنع الأعمام و الأخوال و أولادهم.

4-من يتقرب بالأبوين يمنع من الإرث من يتقرب بالأب وحده مع المساواة في الحيز،فالأخت لأبوين تمنع الأخ لأب،و العمة لأبوين تمنع العم

ص:199


1- الأنفال:75. [1]

لأب،و كذلك الخالة،و لا يمنع المتقرب من الأعمام بالأبوين المتقرب بالأب فقط من الأخوال،لاختلاف الحيز،و لا فرق بين الذكور و الإناث في أن أولاد الأولاد يقومون مقام الأولاد عند فقدهم،سواء أ كانوا أبناء ابن أو بنت،أو أولاد أخ أو أخت،أو أولاد خال أو خالة.

و بهذا يتبين معنا أن للإرث مراتب ثلاث:الأولى الأبوان،و الأولاد و ان نزلوا.الثانية الأجداد و الأخوة.الثالثة الأعمام و الأخوال،و إذا وجد واحد من المرتبة الأولى و لو أنثى منع المرتبة الثانية بكامل أفرادها،و كذلك إذا وجد واحد من المرتبة الثانية يمنع المرتبة الثالثة بأجمعها.

حجب النقصان:

و لحجب النقصان صور:

1-الزوجة تحجب عن الربع إلى الثمن إذا كان للزوج ولد أو ولد ولد،و لو بنت بنت،منها،أو غيرها.و يأتي الكلام مفصلا عن ميراث الزوجين ان شاء اللّه.

2-الزوج،يحجب عن النصف إلى الربع إذا كان للزوجة ولد كذلك.

3-الأم،تحجب بإخوة الميت عما زاد عن السدس بالشروط التالية:

الأول:أن يكونوا أخوين فأكثر،أو أخا و أختين،أو أربع أخوات، و الخناثى كالإناث.

الثاني:انتفاء موانع الإرث عن الاخوة و الأخوات.

الثالث:أن يكون الأب موجودا.

الرابع:أن لا يكونوا كلهم أو بعضهم أخوة الميت لأمه فقط،بل اخوته لأبيه

ص:200

و امه،أو لأبيه فقط.

الخامس:أن يكونوا أحياء،فالميت منهم لم يحجب.

هذه صور لجملة عن الحجب،و التفصيل في مطاوي المسائل الآتية.

ص:201

التعصيب و العول و الرد

اشارة

الفروض الستة المقدرة في كتاب اللّه تارة تتساوى مع مجموع التركة، كبنتين و أبوين،و حينئذ لا عول و لا تعصيب،حيث تأخذ البنتان الثلثين،و الأبوان الثلث.

و أخرى تنقص الفروض عن التركة،كبنت واحدة،فإن فرضها النصف،أو بنتين فإن فرضهما الثلثان،و هذا هو التعصيب.

و حين تزيد الفروض على مجموع التركة،كزوج و أبوين و بنت،فإن فرض الزوج الربع،و البنت النصف،و الأبوين الثلث،و التركة لا تتحمل ربعا و نصفا و ثلثا،و هذا هو العول،و يأتي الكلام عنه في الفقرة الثانية.

التعصيب:

عرفوا التعصيب هنا بأنه توريث العصبة مع ذي فرض قريب،كما إذا كان للميت بنت أو أكثر،و ليس له ولد ذكر،أو لم يكن له أولاد أصلا لا ذكور و لا إناث،و له أخت أو أخوات،و ليس له أخ،و له عم،فإن مذاهب السنة تجعل أخ الميت شريكا مع البنت أو البنات،فيأخذ مع البنت النصف،و مع البنتين فأكثر الثلث.كما تجعل العم أيضا شريكا مع الأخت أو الأخوات كذلك.

ص:202

و قال الإمامية:ان التعصيب باطل،و ان ما بقي من الفرض يجب رده على صاحب الفرض القريب،فالتركة عندهم بكاملها للبنت أو للبنات،و ليس لأخ الميت شيء.و إذا لم يكن له أولاد ذكور و لا إناث،و كان له أخت أو أخوات، فالمال كله للأخت أو الأخوات،و لا شيء للعم،لأن الأخت أقرب منه،و الأقرب يحجب الأبعد.

و مرجع الخلاف بين السنة و الإمامية في ذلك إلى حديث طاوس،فلقد اعترف به السنة،و أنكره الإمامية.و هو«ألحقوا الفرائض بأهلها،فما بقي فللأولى عصبة ذكر»،و روي بلسان آخر:«فما بقي فهو لرجل ذكر»فالبنت صاحبة فرض، و هو النصف،و أقرب رجل إلى الميت بعدها أخوه فيعطي النصف الباقي.و كذا إذا لم يكن له ولد أبدا،و له أخت،و ليس له أخ،تأخذ الأخت النصف بالفرض، و النصف الآخر يأخذه عم الميت،لأنه أقرب رجل إليه بعد أخته.

و الإمامية لا يثقون بحديث طاوس،و ينكرون نسبته إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأن طاوس ضعيف عندهم،و لو وثقوا به لقالوا بمقالة أهل السنة،كما أن أهل السنة لولا ثقتهم بهذا الحديث لقالوا بمقالة الإمامية.و بعد أن أبطل الإمامية نسبة الحديث إلى النبي استدلوا على بطلان التعصيب بالآية 6 من سورة النساء:

لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً .

فقد دلت هذه الآية على المساواة بين الذكور و الإناث في استحقاق الإرث، لأنها حكمت بالنصيب للنساء كما حكمت به للرجال،مع أن القائلين بالتعصيب قد فرقوا بين النساء و الرجال،و قالوا بتوريث الرجال دون النساء فيما إذا كان للميت بنت،و أخ و أخت،فإنهم يعطون النصف للبنت،و النصف الآخر للأخ،

ص:203

و لا شيء للأخت،مع أنّها في درجته و مساوية له.و كذا لو كان له أخت،و عم و عمة،فإنهم يوزعون التركة بين البنت و العم دون العمة،فالقرآن يورث النساء و الرجال،و هم يورثون الرجال،و يهملون النساء،و بهذا يتبين أن القول بالتعصيب باطل،لأنه مستلزم للباطل.

و قيل:ان توريث التركة بكاملها للبنت أو البنات يتنافى مع الآية 10 من سورة النساء فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ،وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ و كذلك توريث التركة للأخت وحدها مخالف لنص الآية 175 من سورة النساء:

إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ.

حكم القرآن بالنصف للبنت،و بالثلثين للبنتين فأكثر،و حكم أيضا بالنصف للأخت،و بالثلثين للأختين،و خالف الإمامية هذا الحكم صراحة.

و أجاب الإمامية عن الآية الأولى:

1-ان القرآن فرض الثلثين للبنتين فأكثر،و فرض النصف للبنت المنفردة،و سكت عن الثلث الباقي من نصيب البنات،و النصف الآخر الباقي من نصيب البنت،و لم يبين حكمهما بالخصوص.و لا بد من وجود شخص ما،يرد عليه الباقي من الفرض،و القرآن لم يعين هذا الشخص بالذات،و إلاّ لم يقع الخلاف،و السنة أيضا لم تتعرض له من قريب أو بعيد،لأن حديث«ألحقوا الفرائض»غير صحيح،كما قدمنا فلم يبق ما يدل على تعيين من يرد عليه الباقي إلاّ الآية 5 من سورة الأحزاب وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ حيث دلت على أن الأقرب أولى ممن هو دونه في القرابة.و ليس من شك أن

ص:204

البنت أقرب إلى الميت من أخيه،لأنها تتقرب به بلا واسطة،و الأخ يتقرب إليه بواسطة الأب أو الأم،أو هما معا،فيتعين،و الحال هذه،الرد على البنت و البنتين دون الأخ.

2-قال الحنفية و الحنابلة:إذا ترك الميت بنتا أو بناتا،و لم يوجد واحد من أصحاب الفروض و العصبات فالمال كله للبنت،النصف بالفرض و الباقي بالرد.

و كذلك للبنتين الثلثان فرضا،و الباقي ردا.و إذا كانت الآية لا تدل على نفي الرد على أصحاب الفروض في هذه الحالة فكذلك لا تدل على النفي في غيرها،لأن الدلالة الواحدة لا تتجزأ.

و قال الحنفية و الحنابلة أيضا:إذا ترك أما،و ليس معها أحد من أصحاب الفروض و العصبات تأخذ الثلث بالفرض و الثلثين الباقيين بالرد،و إذا أخذت الأم جميع التركة فكذلك أيضا يجب أن تأخذها البنت،لأن الاثنين من أهل الفروض(المغني و ميزان الشعراني باب الفرائض).

3-اتفق الأربعة على أن الميت إذا ترك أبا و بنتا يأخذ الأب السدس بالفرض،و تأخذ البنت النصف كذلك،و الباقي يرد على الأب وحده،مع أن اللّه سبحانه قال وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ .فكما أن هذا الفرض في هذه الآية لا ينفي أن يكون للأب ما زاد على السدس،كذلك الفرض في قوله تعالى فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ ،و فَلَهَا النِّصْفُ لا ينفي أن يكون للبنات ما زاد على الثلثين،و للبنت ما زاد على النصف.بخاصة ان فرض البنات و الأبوين وارد في آية واحدة،و سياق واحد.

4-قال اللّه سبحانه وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ نصت هذه الآية على أن الدين يثبت بشاهدين:و يثبت

ص:205

أيضا بشهادة رجل و امرأتين،مع أن بعض المذاهب الأربعة أثبته بشاهد و يمين، بل قال مالك:يثبت بشهادة امرأتين و يمين.فكما أن هذه الآية لم تدل على أن الدين لا يثبت بشاهد و يمين كذلك آية الميراث لا تدل على عدم جواز الرد على البنت و البنات،و الأخت و الأخوات.

و أجاب الإمامية عن الآية الثانية ،و هي إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ بأن الولد يطلق على الذكر و الأنثى،لأن لفظة مشتق من الولادة الشاملة للابن و البنت، و لأن القاسم المشترك بين الإنسان و أقاربه هو الرحم و الرحم يعم الذكور و الإناث على السواء،و قد استعمل القرآن لفظ الأولاد بالذكور و الإناث،فقال عز من قائل:

يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ و قال:ما كان اللّه أن يتخذ ولدا أي لا ذكر و لا أنثى و قال يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى .و عليه فكما أن الابن يحجب الأخ كذلك البنت تحجبه،هذا بالإضافة إلى أن ما أجيب به عن ميراث البنت يجاب به عن ميراث الأخت أيضا.ثم أن الإمامية أوردوا على مذاهب السنة اشكالا عديدة،و ألزموهم بإلزامات يأباها الطبع،و لا تتفق مع القياس الذي يعملون به.من ذلك ما جاء في كتاب الجواهر من أنّه لو كان للميت عشر بنات و ابن،فيأخذ الابن في مثل هذه الحال السدس،و البنات خمسة أسداس،و لو كان مكان الابن ابن عم للميت،أي انّه ترك عشر بنات و ابن عم، فعلى القول بالتعصيب يأخذ ابن العم الثلث و البنات الثلثين،و عليه يكون الابن اسوأ حالا من ابن العم.

هذا،إلى أن الإنسان أرأف بولده منه بإخوته،و هو يرى أن وجود ولده ذكرا كان أو أنثى امتداد لوجوده.و من هنا رأينا الكثير من أفراد الأسر اللبنانية الذين لهم بنات فقط يبدلون مذهبهم من التسنن إلى التشيع،لا لشيء إلاّ خوفا أن

ص:206

يشترك مع أولادهم الأخوان أو الأعمام.

و يفكر الآن الكثير من رجال السنة بالعدول عن القول بالتعصيب،و الأخذ بقول الإمامية من ميراث البنت،تماما كما عدلوا عن القول بعدم صحة الوصية للوارث،و قالوا بصحتها كما تقول الإمامية،على الرغم من اتفاق المذاهب الأربعة على عدم الصحة.

العول:

العول أن تزيد السهام على التركة،كما لو ترك الميت زوجة و أبوين و بنتين،ففرض الزوجة الثمن،و فرض الأبوين الثلث،و فرض البنتين الثلثان، و التركة لا تتسع للثمن و الثلث و الثلثين.و كذا لو ماتت امرأة و تركت زوجا و أختين لأب،فإن فرض الزوج النصف،و فرض المرأتين الثلثان،و لا تحتمل الفريضة نصفا و ثلثين.و العول لا يتحقق إلاّ بوجود الزوج و الزوجة.

و اختلفوا:هل يدخل النقص،و الحال هذه،على كل واحد من أصحاب الفروض،أو على بعض دون بعض؟ قال الأربعة بالعول،أي بدخول النقص على كل واحد بقدر فرضه،تماما كأرباب الديون إذا ضاق المال عن حقهم،فإذا وجدت زوجة مع أبوين و بنتين تكون المسألة عندهم من مسائل العول،و تصح الفريضة من سبعة و عشرين سهما بعد أن كانت أربعة و عشرين،تأخذ الزوجة من ال 27 ثلاثة أسهم،أي يصبح ثمنها تسعا،و يأخذ الأبوان منها ثمانية،و البنات ستة عشر.

و قال الإمامية بعدم العول و بقاء الفريضة كما كانت أربعة و عشرين، و يدخل النقص على البنتين،فتأخذ الزوجة ثمنها كاملا 24/3،و يأخذ الأبوان

ص:207

الثلث 24/8،و الباقي للبنتين.

و استدل الأربعة على صحة العول و دخول النقص على الجميع بأن امرأة ماتت في عهد الخليفة الثاني عمر عن زوج و أختين لأب،فجمع الصحابة،و قال:

فرض اللّه للزوج النصف،و للأختين الثلثين،فإن بدأت بالزوج لم يبق للأختين الثلثان،و ان بدأت بالأختين لم يبق للزوج النصف،فأشيروا عليّ.

فأشار عليه البعض بالعول،و إدخال النقص على الجميع،و أنكر ذلك ابن عباس،و بالغ بالإنكار،و لكن عمر لم يأخذ بقوله،و عمل بقول الآخرين،و قال للورثة:ما أجد في هذا المال شيئا أحسن من أن أقسمه عليكم بالحصص.فعمر أول من أعال الفرائض،و تبعه جمهور السنة.

و استدل الإمامية على بطلان العول بأنه من المستحيل على اللّه سبحانه أن يجعل في المال نصفا و ثلثين،أو ثمنا و ثلثا و ثلثين،و إلاّ كان جاهلا أو عابثا، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.و لذا نقل عن الإمام علي و تلميذه عبد اللّه بن عباس انهما قالا:ان الذي أحصى رمال عالج ليعلم أن السهام لا تعول على الستة،أي لا تزيد على الستة المقدرة في كتاب اللّه،و هي النصف و الربع و الثمن،و الثلثان و الثلث و السدس.

و النقص عند الإمامية يدخل دائما على البنات و الأخوات دون الزوج و الزوجة و الأم و الأب،لأن البنات و الأخوات لهن فرض واحد،و لا يهبطن في فرض أعلى إلى فرض أدنى،فيرثن بالفرض مع عدم وجود الذكر،و بالقرابة مع وجوده.و قد يكون لهن معه دون ما كان لهن منفردات.أما الزوج فيهبط من النصف إلى الربع،و الزوجة من الربع إلى الثمن،و الأم من الثلث إلى السدس، و يرث الأب السدس بالفرض في بعض الحالات.و كل واحد من هؤلاء لا ينقص

ص:208

عن فرضه الأدنى،و لا يزيله عنه شيء،فلدى الاجتماع يقدم و يبدأ به،و ما بقي تأخذه البنات أو الأخوات.

و قال الشيخ أبو زهرة في كتاب«الميراث عند الجعفرية»:قال ابن شهاب الزهري:«لولا تقدم فتوى الإمام العادل عمر بن الخطاب على فتوى ابن عباس لكان كلام ابن عباس جديرا بأن يتبعه كل أهل العلم،و يصادف الإجماع عليه».

و ان الإمامية قد اختاروا رأي ابن عباس رضي اللّه عنهما،لأنه جدير بأن يتبع،كما أشار إلى ذلك ابن شهاب الزهري،و هو بحر العلم لأنه تلميذ الإمام علي.

ص:209

الآباء و الأولاد و الأحفاد

اشارة

سبقت الإشارة أكثر من مرة إلى أن مراتب الإرث عند الشيعة ثلاث:

الأولى:الأبوان و الأولاد و أولادهم.

الثانية:الأجداد و الجدات،و الأخوة و الأخوات و أولادهم.

الثالثة:الأعمام و الأخوال و أولادهم.

و أن هذه المراتب تأتي في الإرث على الترتيب،فلا يرث واحد من الفئة الثانية مع وجود واحد من الأولى،و لا واحد من الثالثة مع وجود واحد من الثانية.

و نتكلم الآن عن ميراث الفئة الأولى،و الدليل عليها قول الإمام الباقر أبي الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:لا يرث مع الأم،و لا مع الأب،و لا مع الابن،و لا مع الابنة،إلاّ الزوج و الزوجة،و أن الزوج لا ينقص من النصف شيئا إذا لم يكن ولد، و ان الزوجة لا تنقص من الربع شيئا إذا لم يكن ولده فإن كان معهما ولد فللزوج الربع،و للمرأة الثمن.

الأب:

لميراث الأب حالات:

1-إذا انفرد الأب عن الأم و الأولاد و أولادهم و عن أحد الزوجين بحيث لا

ص:210

يوجد من الفئة أحد سواه حاز المال كله بالقرابة.

2-إذا كان معه أحد الزوجين أخذ نصيبه الأعلى،و الباقي للأب بالقرابة، حيث لم يفرض له شيء في الكتاب المجيد ان لم يكن ولد.

3-إذا كان معه ابن أو بنون،أو بنات و بنون أو ابن ابن و ان نزل يأخذ الأب السدس فقط،و الباقي لغيره.

4-إذا كان معه بنت واحدة فله السدس بالفرض،و لها النصف كذلك، و يبقى الثلث يرد على الأب و البنت معا،لا على الأب فقط،و تكون الفريضة من أربعة:واحد منها للأب،و ثلاثة للبنت،قال صاحب مفتاح الكرامة:«كل موضع من مواضع الرد كان الوارث فيه اثنين من ذوي الفروض فالرد أربعا،و ان كان الوارث فيه ثلاثا فالرد أخماسا».

5-إذا كان معه بنتان فأكثر فللأب الخمس،و للبنات أربعة أخماس،لأن السدس الباقي عن فرضه و فرضهن يرد على الجميع،لا على الأب وحده.

6-إذا كان معه أم أخذت فرضها،و هو الثلث مع عدم الحجب،و السدس معه،و الباقي يأخذه الأب بكامله.

و تسأل:لما ذا لم يرد الباقي على الأب و الأم معا،كما هي الحال في اجتماع الأب مع البنت؟ الجواب:ان كلا من الأب و البنت من أصحاب الفروض عند اجتماعهما، و إذا اجتمع ذوو الفروض أخذ كل ذي فرض فرضه،و ما بقي يرد على كل حسب فرضه و نصيبه،و في حال اجتماع الأب و الأم كما فيما نحن فيه لا يرث الأب بالفرض،و لا يعد من ذوي الفروض،لعدم الولد،و انما يرث بالقرابة،أما الأم فإنها ترث بالفرض،حتى مع عدم الولد،فيكون اجتماع الأب مع الأم اجتماع من

ص:211

لا فرض له مع من له فرض بخلاف اجتماعه مع البنت فان كلا منهما له فرض.

و متى اجتمع ذو فرض مع غيره الذي لا فرض له كان الباقي عن نصيب ذوي الفرض لغير ذي الفرض.

7-إذا كان معه بنت ابن فحكمها حكم أبيها،للأب السدس،و الباقي لها كما تقدم في رقم 3،و إذا كان معه ابن بنت فحكمه حكم وجود أمه،كما تقدم في رقم 4،لأن أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم مع فقدهم إجماعا و نصا،و يأتي التفصيل ان شاء اللّه.

الأم:

لميراث الأم حالات :

1-تحوز المال بكامله إذا لم يكن معها أب،و لا أولاد،و لا أولاد أولاد، و لا أحد الزوجين،تأخذ الثلث بالفرض،و الباقي بالرد.

2-تأخذ ثلاثة أرباع إذا كان معها زوجة فقط،الثلث بالفرض،و الباقي بالرد.

3-تأخذ النصف إذا كان معها زوج فقط،الثلث بالفرض،و الباقي بالرد.

4-تأخذ الثلث إذا كان معها أب،و لم تحجب عما زاد عن السدس بأخوين للميت،أو أربع أخوات،أو أخ و أختين لأبوين،أو لأب،و هؤلاء لا يرثون مع الأب و لا مع الأم،و لكن يحجبون الأم عما زاد عن السدس.

5-تأخذ الربع إذا كان معها بنت،تماما كالرقم 4 من فقرة الأب.

6-تأخذ السدس إذا كان معها أب و اخوة يحجبونها عما زاد عن السدس على ما تقدم في الرقم 4 من هذه الفقرة،و تأخذ السدس أيضا إذا كان معها ابن

ص:212

فأكثر.

7-تأخذ الخمس إذا كان معها بنتان،تماما كالرقم 5 من فقرة الأب.

8-أقل من الربع،و أكثر من الخمس إذا كان معها بنت و زوج.

9-أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم عند عدمهم،و يمثل كل منهم الدور الذي كان لأبيه،فبنت الابن كالابن،و ابن البنت كالبنت دون تفاوت.

الأولاد:

إذا انفرد الولد أخذ المال بكامله،ذكرا كان أو أنثى سوى أن الذكر يأخذ المال كله بالقرابة،و الأنثى تأخذ نصفه بالفرض،و نصفه الآخر بالرد،و إذا تعددت الذكور من الأولاد،و لا إناث معهم اقتسموا بالسوية،و كذا إذا تعددت الإناث،و لا ذكور معهن،و إذا تعددوا ذكورا و اناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين.

و إذا كان مع الأولاد أبوان أو أحدهما،و كان في الأولاد ذكر فلأحد الأبوين السدس،و لهما معا السدسان،و الباقي للأولاد،و إذا كان مع الأولاد زوج أو زوجة أخذ الزوج الربع،و الزوجة الثمن،و الباقي للأولاد،و إذا كان مع البنت الواحدة أبوان فلها ثلاثة أخماس،و لهما خمسان مع عدم الحاجب للأم،و إذا وجد الحاجب كان لها السدس،و ما بقي من الخمسين فللأب.

و إذا كان مع البنتين فأكثر أبوان للبنات الثلثان،و لكل من الأبوين السدس، و إذا كان معهن أحد الأبوين فلهن أربعة أخماس،و لأحد الأبوين الخمس.

قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده،بل في كتاب المسالك،و كتاب كشف اللثام الإجماع على ذلك.و جاء في الخبر الصحيح:أقرأني الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام كتاب الفرائض التي هي إملاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و خط

ص:213

علي بيده،فوجدت فيها:رجل ترك ابنته و امه فللابنة النصف ثلاثة أسهم،و للأم السدس سهم،و يقسم المال على أربعة أسهم،فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة، و ما أصاب سهما فهو للأم.و قرأت فيها:رجل ترك ابنته و أباه فللابنة النصف ثلاثة أسهم،و للأب السدس سهم،يقسم المال على أربعة أسهم،فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة،و ما أصاب سهما فللأب،و قرأت فيها:رجل ترك أبويه و ابنته فللابنة النصف ثلاثة أسهم،و للأبوين لكل واحد منهما السدس،كل واحد سهم، يقسم المال على خمسة أسهم فما أصاب ثلاثة فللابنة،و ما أصاب سهمين فللأبوين».

قال صاحب مفتاح الكرامة:هذا الطريق المذكور في الأخبار،و هو الأخذ بأصل المسألة من أول الأمر من دون ضرب،هذا الطريق اعتمده المحقق الطوسي في رسالته،و الفاضل البهائي في مقدمته.

أولاد الأولاد:

لا يرث واحد من أولاد الأولاد مع وجود واحد من الأولاد للصلب و يقومون مقام الأولاد عند عدمهم،و كل فريق من أولاد الأولاد يأخذ نصيب من يتقرب به فلأولاد البنت و لو تعددوا و كانوا ذكورا نصيب أمهم لو كانت حية، و لأولاد الابن و لو كانت أنثى واحدة نصيب أبيهم لو كان حيا،و أولاد البنت يقتسمون فيما بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين،تماما كما يقتسم أولاد الابن، و الأقرب يمنع الأبعد،فلا يرث ابن ابن ابن مع ابن ابن،و يشاركون أبوي الميت كآبائهم،و يرد على أولاد البنت كما يرد على البنت،و إذا كان معهم زوج أو زوجة كان لهما النصيب الأدنى،تماما كما هي الحال لو كانا مع الأولاد للصلب.

ص:214

قال صاحب الجواهر:«المعروف بين الفقهاء أن أولاد الأولاد،و ان نزلوا ذكورا و اناثا يقومون مقام آبائهم في مقاسمة الأبوين،و حجبهم عن أعلى السهمين إلى أدناهما،و منع من عداهما من الأقارب.فقد جاء عن الإمام الصادق و أبيه عليهما السّلام:ان لم يكن ولد،و كان ولد الولد ذكورا و إناثا فإنهم بمنزلة الولد،و ولد البنين بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين،و ولد البنات بمنزلة البنات،يرثون ميراث البنات،و يحجبون الأبوين و الزوجين عن سهامهم الأكثر،و ان سفلوا-أي أولاد الأولاد-ببطنين و ثلاثة أو أكثر يرثون ما يرث الولد الصلب،و يحجبون ما يحجب الولد الصلب».و قال صاحب الجواهر معلقا على هذا الخبر:و هو نص في المطلوب.

الحبوة:

المراد بالحبوة هنا الشيء الذي يختص به الولد الأكبر من دون الورثة،فقد ذكر الفقهاء أن الولد الأكبر يختص بثياب الميت و خاتمه و سيفه و مصحفه على شريطة أن يكون ذكرا،و ان يترك الميت مالا غير ذلك،فإذا لم يترك شيئا سواه لم يختص الولد الأكبر بشيء،و اشترط بعضهم أن يكون الولد الأكبر إماميا و غير سفيه.و قال صاحب الجواهر:«لا دليل على هذا الشرط،أما أصل الحبوة فإنها من متفردات الإمامية،و معلومات مذهبهم،و بذلك تظافرت نصوصهم عن أئمتهم، ففي صحيح ربعي عن الإمام الصادق عليه السّلام:إذا مات الرجل فلأكبر ولده سيفه و مصحفه و خاتمه و درعه».

ص:215

الأجداد و الأخوة و أولادهم

اشارة

تكلمنا في الفصل السابق عن المرتبة الأولى،و هي الأبوان و الأولاد و أولادهم،و نتكلم الآن عن المرتبة الثانية المتأخرة في الميراث عن الأولى.

و المرتبة الثانية هي الأجداد و الجدات،و الأخوة و الأخوات و أولادهم.

الأخوة:

الأخوة،و يسمون بالكلالة أخذا من الإكليل.لا حاطتهم بالرجل.كما يحيط الإكليل بالرأس.إذا كانت للميت أخ واحد،و ليس معه أحد من مرتبته و طبقته،و كان للأب و الأم فالمال كله له بالقرابة،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف و لا اشكال،قال تعالى وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل مات و ترك أخاه،و لم يترك وارثا غيره؟قال:المال له.

و إذا كان للميت أخوة ذكور كلهم من أبيه و أمه فالمال بينهم بالسوية،و ان كان معهم أنثى أو إناث فللذكر مثل حظ الأنثيين،قال صاحب الجواهر:«كتابة و سنة و إجماعا».

و إذا كان للميت أخت واحدة من أبيه و أمه أخذت الكل:النصف بالفرض، و النصف الثاني بالرد،قال صاحب الجواهر:«لاية أولي الأرحام و غيرها».

ص:216

و إذا كان له أختان فأكثر أخذن الكل:الثلثين بالفرض،و الثلث بالرد.

و إذا لم يكن أخ أو أخت لأبيه و امه،و كان له أخوة أو أخوات لأبيه فقط قام هؤلاء مقام أولئك،و الحكم في ميراثهم واحد مع الانفراد أو التعدد.

و إذا اجتمع أخوة أو أخوات الميت لأبيه و أمه مع الأخوة أو الأخوات للأب فقط سقط المتقرب بالأب وحده،و اختص الميراث بالمتقرب بالأبوين.فلو افترض أن للميت أختا من أبيه و أمه،و عشرة أخوة من أبيه فقط فالمال لها بكامله،و لا يرثون معها شيئا،قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك، لاجتماع السببين في كلالة الأبوين فيكون أقرب من كلالة الأب.و جاء في الخبر:

أخوك لأبيك و أمك أولى بك من أخيك لأبيك،و ابن أخيك لأبيك و أمك أولى بك من ابن أخيك لأبيك».

و إذا كان له أخ واحد،أو أخت واحدة من أمه فقط أخذ أو أخذت المال بكامله:السدس بالفرض،و الباقي بالرد.

و إذا كان الأخوة للأم أكثر من واحد،و ليس معهم غيرهم من طبقتهم أخذوا الثلث بالفرض و الباقي بالرد،و اقتسموا بينهم بالسوية للذكر مثل الأنثى.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف و لا اشكال،لتطابق الكتاب و السنة و الإجماع».

و إذا اجتمع الاخوة،و اختلفت نسبتهم إلى الميت،فكان البعض لأبوين، و البعض لأب فقط،و ثالث لأم فقط سقط المتقرب بالأب فقط بالمتقرب بالأبوين،و يقوم مقامه و يعطي حكمه مع فقده،أما المتقرب بالأم فقط فلا يسقط بالمتقرب بالأبوين،و يأخذ المتقرب بالأم فقط السدس إذا كان واحدا ذكرا كان أو أنثى،و إذا تعدد أخذ الثلثين،و اقتسموا بالسوية للذكر مثل الأنثى،و الباقي لمن يتقرب بالأبوين واحدا كان أو أكثر ذكرا كان أو أنثى،و إذا تعددوا اقتسموا

ص:217

بالتفاوت للذكر سهمان،و للأنثى سهم،قال صاحب الجواهر:«كتابا و سنة و إجماعا،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام:عن امرأة تركت زوجها و إخوتها لأمها، و أخواتها لأبيها؟فقال:للزوج النصف ثلاثة أسهم،و للأخوة من الأم الثلث،الذكر و الأنثى فيه سواء،و يبقى سهم للأخوة و الأخوات من الأب،للذكر مثل الأنثيين».

أولاد الأخوة:

أولاد الأخوة و الأخوات لا يرثون مع وجود واحد من الأخوة و الأخوات، سواء أ كان لأب و أم،أو لأب فقط،أو لأم فقط.قال صاحب الجواهر:«المعروف بين الفقهاء أنّه لو اجتمع أخ من أم مع ابن أخ لأب و أم فالميراث كله للأخ من الأم،لأنه أقرب».

و إذا لم يكن واحد من الأخوة و الأخوات قام أولادهم مقامهم،و يأخذ كل نصيب من يتقرب به،فالسدس لابن الأخ أو الأخت من الأم،و كذا لبنت الأخ أو الأخت منها،و الثلث لأولاد الأخوة أو الأخوات من الأم إذا تعدد اباؤهم من الأم، و الباقي لأولاد الأخ أو الأخت من الأبوين،أو الأب إذا لم يوجد من يتقرب بالأبوين،لأن أولاد من يتقرب بالأب خاصة يسقطون مع وجود من يتقرب بالأبوين،و لكنهم يقومون مقامه عند عدمهم،و يقتسم أولاد الأخوة و الأخوات من الأم بالسوية كآبائهم،و يقتسم أولاد الأخوة و الأخوات من الأبوين أو من الأب فقط بالتفاوت كآبائهم.

و الأعلى من أولاد الأخوة يحجب الأسفل،فابن ابن الأخ و لو كان لأبوين، يسقط مع وجود بنت الأخت أو ابن الأخ،و لو كان لأب،لقاعدة الأقرب فالأقرب.

ص:218

ثم ان أولاد الأخوة و الأخوات يشاركون الجد و الجدة كآبائهم إذا فقدوا، كما أن أبا الجد يشارك الأخ إذا فقد الجد الأدنى،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف فيه بيننا ضرورة قيام الأولاد مقام آبائهم في ذلك».

الأجداد:

لانفراد الأجداد عن الأخوة حالات :

1-إذا كان للميت جد منفرد،أو جدة منفردة،و لا أحد من الأخوة و الأخوات و لا أولادهم،و لا زوج و لا زوجة أخذ المتفرد من الأجداد المال بكامله،سواء أ كان لأب أم لأم إجماعا و نصا،و منه قول الإمام عليه السّلام:ان عليا عليه السّلام «أعطى الجدة المال كله».و نقل صاحب الوسائل عن الصدوق و الشيخ انهما قالا:

إنما أعطاها المال كله لأنه لم يكن للميت وارث غيرها.

2-إذا تعدد الأجداد،و اتحدوا في النسبة إلى الميت فان كانوا جميعا لأب اقتسموا بالتفاوت للذكر مثل حظ الأنثيين،للإجماع على أن المتقربين بالأب وحده أو بالأب و الأم يقتسمون كذلك.

و ان كانوا جميعا لأم اقتسموا بالسوية من غير فرق بين الذكر و الأنثى، للإجماع على أن المتقربين بالأم فقط يقتسمون كذلك.

3-إذا اجتمع الأجداد و الجدات،و اختلفت نسبتهم فكان بعضهم لأب، و آخرون لأم قسم المال أثلاثا،و أعطي الثلث لمن يتقرب بالأم واحدا كان أو أكثر،لأن الثلث نصيب الأم إذا اجتمعت مع الأب،و لا ولد و لا حاجب، و يقتسمون بالسوية،لأنهم ورثوا بسبب الأم،و أعطي الثلثان لمن تقرب بالأب واحدا كان أو أكثر لأن الثلث نصيب الأب إذا اجتمع مع الأم،و يقتسمون بالتفاوت

ص:219

للذكر سهمان،و للأنثى سهم،لأنهم ورثوا بسبب الأب،قال الإمام الصادق عليه السّلام:

كل رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به إلاّ أن يكون وارث أقرب منه إلى الميت.

4-إذا كان مع الأجداد زوج أو زوجة أخذ نصيبه الأعلى،و إذا وجد أحد الزوجين مع من يتقرب بالأم،و يتقرب بالأب أخذ من يتقرب بالأم نصيبه المفروض دون نقصان،و دخل النقص على من يتقرب بالأب،تماما كما لو اجتمع أحد الزوجين مع الأم و الأب.

5-الأدنى من الأجداد و الجدات لأب كان أم لأم يمنع الأبعد من الإرث، فالجد أولى من أب الجد،و أبو الجد أولى من جد الجد،و كذلك الجد يمنع أبناءه من الإرث،و هم الأعمام و الأخوال،لأنه أقرب،و كذلك أبو الجد وجد الجد، و يجتمع الجد مع الأخوة و الأخوات و أبنائهم،كما سنبين فيما يلي:

اجتماع الأجداد و الأخوة:

لاجتماع الأخوة مع الأجداد حالات:

1-إذا اجتمع الأجداد و الأخوة،و اتحدوا في النسبة إلى الميت،و كانوا جميعا لأب أخذ الجد مثل الأخ،و أخذت الجدة مثل الأخت،و اقتسموا المال للذكر مثل حظ الأنثيين،على القاعدة المتبعة فيمن يتقرب بالأب.

2-و إذا اجتمعوا،و اختلفوا في النسبة فكان الجد و الجدة لأم،و كان الأخوة و الأخوات لأبوين،أو لأب،أخذ الجد أو الجدة أو هما معا الثلث، و اقتسما بالسوية،و أخذ الأخوة و الأخوات الثلثين،و اقتسموا بالتفاوت.

و إذا انعكس الفرض فكان الأجداد لأب،و الأخوة لأم فللأخ المنفرد أو

ص:220

للأخت المنفردة السدس،و إذا تعدد الإخوة لأم أخذوا الثلث و اقتسموا بالسوية للذكر مثل الأنثى،و الباقي للجد أو الجدة للأب.

و بكلمة:ان الجد كالأخ و الجدة كالأخت،سواء أ كان من جهة الأب أم من جهة الأم مع فارق واحد،و هو أن الأخوة للأم لهم الثلث مع التعدد،و السدس إذا كان واحدا،أما الأجداد للأم فلهم الثلث على كل حال،حتى و لو كان الجد لأم منفردا،و الدليل على أن الجد كالأخ،و الجدة كالأخت قول الإمام عليه السّلام:ان الجد مع الأخوة يرث حيث ترث الأخوة،و يسقط حيث تسقط،و كذلك الجدة مع الأخوات ترث حيث يرثن،و تسقط حيث يسقطن.

فقد دلت الرواية على أن الجد كالأخ،و الجدة كالأخت دون تقييد بأم أو بأب.

3-إذا كان مع الأجداد و الأخوة زوج أو زوجة أخذا نصيبهما الأعلى، و دخل النقص على من يتقرب بالأب دون من يتقرب بالأم فقط.

أولاد الأخوة و الأخوات:

أولاد الأخوة و الأخوات من الأبوين أو من أحدهما يقومون مقام آبائهم عند عدمهم،و يرث كل نصيب من يتقرب به،و الحكم واحد من غير تفاوت في الانفراد عن الأجداد،و الاجتماع معهم،و في التعدد و عدمه.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف نصا و فتوى و لا اشكال فيه».و قال صاحب مفتاح الكرامة، «انعقد الإجماع على أن أولاد الأخوة يقومون مقام آبائهم،و يرثون نصيبهم مع عدمهم،و عدم من هو في درجتهم».

ص:221

الأعمام و الأخوال و أولادهم

اشارة

سبق الكلام عن ميراث المرتبة الأولى،و هي الأبوان و الأولاد و أولادهم، و عن ميراث المرتبة الثانية،و هي الأجداد و الأخوة و أبناؤهم،و نتكلم الآن عن ميراث المرتبة الثالثة،و هي الأعمام و الأخوال و أولادهم،قال صاحب الجواهر:

«لا يرث أحد من الأعمام و الأخوال مع وجود أحد من الطبقة السابقة بالإجماع، و النصوص،و قاعدة الأقرب».و قال صاحب مفتاح الكرامة:«أجمع الفقهاء على أن جميع أفراد هذه المرتبة إنما يرثون مع فقد الأجداد و آبائهم،و الأخوة و أبنائهم.

الأعمام:

لانفراد الأعمام عن الأخوال حالات:

1-إذا كان للميت عم واحد،و ليس معه أحد الزوجين،و لا واحد من الأخوال،و الخالات أخذ المال بكامله،سواء أ كان لأبوين أو لأب،أو لأم، و كذلك العمة الواحدة.

2-إذا اجتمع الأعمام،و لا عمة معهم و اتحدوا في النسبة إلى الميت اقتسموا بالسوية،و كذا إذا اجتمعت العمات،و اتحدن في النسبة،و لا عم معهن،

ص:222

و إذا اجتمع الأعمام و العمات فإن كانوا جميعا لأبوين،أو لأب اقتسموا بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن عم و عمة؟فقال:للعم الثلثان،و للعمة الثلث.

و إذا كانوا جميعا لأم اقتسموا بالسوية من غير فرق بين الذكر و الأنثى،لأنهم بمنزلة الإخوة لأم على ما هو المشهور شهرة عظيمة على حد تعبير صاحب الجواهر،و قال صاحب مفتاح الكرامة:الإجماع على ذلك،و لم يخالف إلاّ الفضل و الصدوق و المفيد،حيث أوجبوا القسمة بالتفاوت.

و إذا اجتمع الأعمام و العمات،و اختلفت نسبتهم إلى الميت،فكان بعضهم لأبوين،و بعضهم لأب،و آخرون لأم،فالمتقرب بالأب وحده يسقط بالمتقرب بالأبوين،كما هي الحال في الإخوة،قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:عمك أخو أبيك من أبيه و أمه أولى بك من عمك أخي أبيك من أبيه،و انما يرث المتقرب بالأب فحسب إذا فقد المتقرب بالأبوين،و يأخذ العم و العمة لأب ما يأخذه العم و العمة لأبوين عند عدمهما.

و إذا اجتمع الأعمام و العمات لأبوين،أو لأب مع الأعمام و العمات لأم يأخذ الواحد من قرابة الأم السدس،و مع التعدد يأخذون جميعا الثلث، و يقتسمون بالسوية من غير فرق بين الذكر و الأنثى،تماما كما هي الحال في الأخوة للأم.

الأخوال:

لانفراد الأخوال عن الأعمام حالات:

1-إذا وجد الأخوال و الخالات،و ليس معهم أحد الزوجين،و لا واحد

ص:223

من الأعمام و العمات فللخال الواحد المال كله لأب كان أو لأم أو لهما،و كذلك الخالة الواحدة.

و إذا تعددوا و اتحدوا في النسبة إلى الميت فان كانوا جميعا لأبوين،أو لأب أو لأم اقتسموا بالسوية للذكر مثل الأنثى،كما هو الشأن في كل من يتقرب بالأم.

و ان اختلفوا بالنسبة إلى الميت فكان بعضهم لأبوين،و بعضهم لأب، و آخرون لأم سقط المتقرب بالأب بالمتقرب بالأبوين.

و إذا اجتمع الأخوال و الخالات لأبوين أو لأب مع الأخوال و الخالات لأم يأخذ الواحد من قرابة الأم السدس،و مع التعدد يأخذون الثلث،و يقتسمون بالسوية،و الباقي لقرابة الأبوين أو الأب،و القسمة بينهم أيضا بالسوية للذكر مثل الأنثى من غير تفاوت،لأن الأصل التسوية إلاّ ما خرج بالدليل.

اجتماع الأعمام و الأخوال:

إذا اجتمع العم و الخال فللخال الثلث واحدا كان أو أكثر،ذكرا كان أم أنثى، و الثلثان للعم واحدا كان أو أكثر ذكرا كان أو أنثى،لأب كان الأعمام و الأخوال،أو لأم،أو لهما،قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور بين الفقهاء شهرة عظيمة، لاستفاضة النصوص أو تواترها.قال الإمام الصادق عليه السّلام:جاء في كتاب علي عليه السّلام:

ان العمة بمنزلة الأب،و الخالة بمنزلة الأم:و بنت الأخ بمنزلة الأخ،و كل ذي رحم فهو بمنزلة الرحم الذي يجر به إلاّ أن يكون هناك وارث أقرب إلى الميت فيحجبه.

و تسأل:إذا أخذ الأخوال المتعدون الثلث فكيف يقتسمونه فيما بينهم؟ الجواب:ينظر،فان اتحدوا جميعا بالنسبة فكانوا لأبوين أو لأب أو لأم

ص:224

اقتسموا الثلث بالسوية للذكر مثل الأنثى.و ان اختلفوا في النسبة فكان بعضهم لأبوين،و بعضهم لأب،و آخرون لأم سقط المتقرب بالأب فقط بالمتقرب بالأبوين،و أخذ المتقرب بالأم سدس الثلث ان كان واحدا،و ثلث الثلث ان كان أكثر،و اقتسموا بالسوية،و الباقي من سدس الثلث،أو ثلث الثلث للمتقرب بالأبوين أو بالأب فقط عند عدم المتقرب بهما،و يقتسمون أيضا بالسوية،لأن الجميع يتقربون بالأم.

سؤال ثان:إذا أخذ الأعمام الثلثين فكيف يقتسمونهما فيما بينهم؟ الجواب:ينظر:فان اتحدوا في النسبة فالمال بينهم بالتفاوت للذكر مثل حظ الأنثيين عند صاحب الشرائع و جماعة من الفقهاء،و عند صاحب الجواهر الأمر كذلك ان لم يكونوا جميعا لأم،و إلاّ اقتسموا بالسوية،و ان اختلفوا بالنسبة فمن تقرب منهم بالأم يأخذ سدس الثلثين ان كان واحدا،و ثلث الثلثين إن كان أكثر،و يقتسمون بالسوية،و الباقي من سدس الثلثين أو ثلثهما للأعمام من الأب و الأم،أو الأب فقط عند عدم من يتقرب بالأبوين،و يقتسمون بالتفاوت للذكر سهمان،و للأنثى سهم واحد.

أولاد الأعمام و الأخوال:

إذا فقد الأعمام و العمات،و الأخوال و الخالات جميعا قام أبناؤهم مقامهم، و يأخذ كل نصيب من يتقرب به واحدا كان أو أكثر،لقول الإمام عليه السّلام:كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به،فلو كان لعم عدة أولاد،و للعم الآخر بنت واحدة كان للبنت وحدها النصف،و لأولاد العم الكثيرين النصف،و إذا اجتمع بنت عم، و ابن عمة كان لبنت العم نصيب أبيها،و هو الثلثان،و لابن العمة نصيب امه،و هو

ص:225

الثلث،أما ولد الخال و الخالة فإنهم يتساوون،لأن الأخوال يقتسمون بالسوية.

و الأقرب من أحد الصنفين،و ان كان لأب فقط أو أم فقط يحجب الأبعد الذي من صنفه و من الصنف الآخر،و ان كان لأبوين،فابن الخال و ان كان من أبوين لا يرث مع العم و ان كان لأب أو لأم لأنه أقرب،و بالأولى أن لا يرث مع الخال،و ابن العم و ان كان لأبوين لا يرث مع الخال،و ان كان لأب فقط،و كذا لا يرث ابن العم من الأب فقط أو الأم فقط مع العم.

و لكن أجمعوا على أن ابن العم من الأبوين يقدم في الميراث على العم من الأب فقط،أو من الأم،و أطلقوا على هذه المسألة المسألة الإجماعية،و قد اعترف الفقهاء بأنه لا نص على ذلك إلاّ رواية الحسن بن عمارة حيث قال له الإمام الصادق عليه السّلام:أيما أقرب،ابن العم لام و أب أو عم لأب؟قال الحسن:حدثنا أبو إسحاق السبعي عن الحارث الأعور عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام أنّه كان يقول:أعيان بني الأم أقرب من بني العلات-أي أبناء أب واحد،و أمهات شتى-فاستوى الإمام جالسا،و قال:أخذتها من عين صافية،ان عبد اللّه أبا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أخو أبي طالب لأمه و أبيه.

و كلنا يعلم ان الامام الصادق عليه السّلام كان في عصر العباسيين،و ان هؤلاء كانوا يحكمون الناس لانتمائهم الى العباس عم الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و قد كان عمه لأبيه فقط،فرد الإمام عليهم بمنطقهم،و ألزمهم بنظير حجتهم من أنّه إذا كانت الحجة و العلة هي قرابة الرسول فان ممن يدلي إليه بسببين،و هما الأب و الأم أولى ممن يدلي إليه بسبب واحد،و هو الأب فقط.

و يشعر بهذا الذي قلناه ما جاء في الرواية من اهتمام الإمام للجواب،و قول الراوي «فاستوى جالسا».و إلاّ فأي داع للاهتمام و الاستواء.

ص:226

و لكن إجماع الفقهاء قولا واحدا في كل عصر و مصر اخرج هذه المسألة عن النظريات،و جعلها من ضرورات المذهب،و عليه يكون الاجتهاد فيها كالاجتهاد في قبال النص القطعي سندا و دلالة.

ثم إذا اجتمع أبناء العمومة،و لا أحد معهم من أبناء الخؤولة أخذ أبناء العم الواحد لام السدس،و اقتسموا بالسوية ذكورا و اناثا.و إذا كانوا أبناء عمين أو أكثر لام أخذوا الثلث،و اقتسموه كذلك.و الباقي لابن العم أو العمة،أو الأعمام و العمات للأب و الأم،أو للأب عند عدمهم،و يقتسمون بالتفاوت للذكر مثل حظ الأنثيين.

و كذلك أولاد الخال أو الخالة،و لكنهم يقتسمون بالسوية مطلقا،كما هي الحال في آبائهم.

و إذا اجتمع أولاد الخال،و أولاد العم فلأولاد الخال الثلث لواحد كانوا أو أكثر،و لأولاد العم الباقي،ثم ان اتفقوا في النسبة تساووا في القسمة و إلاّ كان سدس الثلث لأولاد الخال أو الخالة للأم بالسوية،و ثلثه لأولاد المتعدد،لكل نصيب من يتقرب به بالسوية،و باقي الثلث لأولاد الخال أو الخالة أو لهما للأبوين أو الأب بالسوية،و سدس الثلثين لأولاد العم أو العمة للأم،للذكر مثل الأنثى، و ثلثهما لأولاد المتعدد،لكل نصيب من يتقرب به،للذكر مثل الأنثى،و الباقي لأولاد العم أو العمة أو لهما لأبوين أو لأب للذكر ضعف الأنثى (1).

عمومة أب الميت:

عمومة الميت و عماته،و خؤولته و خالاته،و أولادهم أولى بالميراث من

ص:227


1- هذه العبارة بطولها للعلامة في كتابه القواعد.

عمومة أب الميت و خؤولة أبيه،و كل أولاد بطن أولى بالإرث من أولاد بطن أبعد، فلو كان ابن عم،و عم الأب فالمال لابن العم،و مثله ابن خال مع خال للأب لقاعدة الأقرب فالأقرب.

اجتماع أحد الزوجين مع الأعمام و الأخوال:

إذا اجتمع الزوج أو الزوجة مع العم و الخال،فللزوج أو الزوجة نصيبه الأعلى،و للخال الثلث واحدا كان أو أكثر،ذكرا كان أو أنثى،لأنه نصيب الأم التي تقرب بها الخال،و الباقي للعم واحدا كان أو أكثر،ذكرا كان أو أنثى،لأنه نصيب الأب الذي تقرب به العم،فالنقص يدخل على العم في جميع الحالات التي يجتمع فيها أحد الزوجين مع الأعمام و الأخوال،تماما كما لو اجتمع الأب و الأم و أحد الزوجين.

اجتماع السببين:

إذا اجتمع في انسان سببان ورث بهما إذا لم يمنع أحدهما الآخر-مثلا- رجل توفي،و له زوجة هي بنت عم،فترث بالزوجية و بالقرابة إذا لم يكن هناك من هو أولى منها.

و أيضا عمة لأب،هي خالة لأم،فإنها تأخذ سهم العمة و الخالة،و يتصور ذلك أن يكون لإبراهيم أخت من أبيه فقط،اسمها عفاف،و لها أخت من أمها فقط،اسمها مريم،فيتزوج إبراهيم من مريم،و يأتيه منها ولد،فعفاف هي عمة الولد لأبيه،و هي في الوقت نفسه خالته لأبيه.

ص:228

ميراث الزوجين

الزوج:

الزوج يشارك الورثة في جميع مراتبهم الثلاث،و له النصف من تركة الزوجة إذا لم يكن لها ولد منه،و لا من غيره،و الربع ان كان لها ولد منه أو من غيره،للآية 12 من سورة النساء وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ .

و ولد الولد،و ان نزل بمنزلة الولد،فبنت البنت تماما كالابن يحجب أحد الزوجين عن نصيبه الأعلى إلى الأدنى.قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:ولد البنين بمنزلة البنين،و يحجبون الأبوين و الزوجين عن سهامهم الأكثر،و ان سفلوا ببطن أو بطنين أو ثلاثة،أو أكثر،و يرثون ما يرث الولد للصلب،و يحجبون ما يحجب الولد للصلب.

و إذا لم يكن هناك وارث إطلاقا إلاّ الإمام أخذ الزوج الجميع،النصف بالفرض،و النصف الآخر بالرد،قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا،مضافا إلى المعتبرة المستفيضة،منها ان الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن امرأة توفيت،و لم يعلم لها أحد؟قال الميراث كله لزوجها.

ص:229

الزوجة:

الزوجة تشارك الورثة في جميع مراتبهم الثلاث،و لها الربع ان لم يكن له ولد منها،و لا من غيرها،و الثمن إذا كان له ولد منها،أو من غيرها،للآية 12 من سورة النساء وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ .

و إذا تعددت الزوجات فهن شركاء في الربع،أو الثمن يقتسمنه بالسوية، قال الإمام عليه السّلام:لا يزاد الزوج على النصف،و لا ينقص من الربع،و لا تزاد المرأة على الربع،و لا تنقص من الثمن،و ان كن أربع،أو دون ذلك فهن فيه سواء.

و ذهب المشهور إلى أنّه إذا لم يكن وارث إلاّ الإمام أخذت الزوجة نصيبها الأعلى،و الباقي للإمام حاضرا كان أو غائبا.

قال الصدوق و الشيخ و العلامة و الشهيد الأول،و نجيب الدين بن سعيد، كما في الجواهر و المسالك قالوا:يعطى الباقي للإمام حال حضوره،و حملوا عليه قول الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:«إذا ترك الرجل امرأته فلها الربع، و ما بقي للإمام».أمّا إذا كان غائبا كما نحن الآن فالباقي يرد على الزوجة،و حملوا عليه قول الإمام الصادق عليه السّلام:إذا مات الرجل،و ترك امرأته فالمال لها.

و إذا طلق الرجل زوجته طلاقا رجعيا،ثم مات أحدهما قبل انتهاء العدة توارثا،لأن المطلقة الرجعية زوجة شرعية،و لذا وجبت لها النفقة،و وجب عليها الطاعة،و لا يجوز الزواج بأختها،و هي في العدة،و لا أثر للطلاق إلاّ عده من التطليقات الثلاث التي توجب التحريم،حتى تنكح زوجا غيره،قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:إذا طلق الرجل امرأته يرثها و ترثه ما دام له عليها رجعة.

ص:230

و لا توارث بين المطلق و المطلقة بائنا:لانقطاع العصمة بينهما،و لذا لم تجب لها النفقة،و لم يملك الرجعة إليها،و صح زواجه من أختها قبل انتهاء العدّة.

طلاق المريض:

إذا طلق الرجل زوجته في حال مرض الموت طلاقا رجعيا توارثا ما دامت في العدّة،كما هي الحال في طلاق الصحيح،و إذا كان الطلاق رجعيا،و انقضت عدتها،أو لم يكن الطلاق رجعيا كالمطلقة ثلاثا،أو لم يكن لها عدّة إطلاقا كغير المدخول بها،و اليائسة،إذا كان كذلك فإنها ترثه هي،و لا يرثها هو بشروط أربعة:

1-أن يموت أثناء سنة من تاريخ الطلاق إلى حين الوفاة،فلو مات بعد السنة بيوم فلا ترثه.

2-أن يكون الموت مستندا إلى المرض الذي طلقها فيه،فإذا شفي من المرض المذكور،ثم تمرض،و مات قبل انتهاء السنة،فلا شيء لها من الميراث.

3-أن لا تتزوج بغيره.

4-أن لا يكون الطلاق بطلب منها،و لا أن يكون خلعيا أو مباراة،حيث تبذل هي من أجل الطلاق.

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا طلق الرجل امرأته في مرضه ورثته ما دام في مرضه ذلك،و ان انقضت عدتها إلاّ أن يصح منه.فقيل له:فإن طال به المرض؟ قال:ما بينه و بين سنة.

و في رواية ثانية:و هي مقيمة عليه لم تتزوج.و في ثالثة:ترثه و لا يرثها.

ص:231

زواج المريض:

دخول الزوج بالزوجة ليس بشرط للتوارث بينهما،و انما الشرط وجود العلاقة الزوجية،و كفى إلاّ في زواج المريض،حيث أجمعوا بشهادة صاحب مفتاح الكرامة على أنّه إذا عقد عليها في مرض موته،ثم توفي في ذاك المرض بالذات قبل أن يدخل فلا مهر لها و لا ميراث.

و تسأل:هل عدم دخول المريض يكشف عن بطلان العقد من الأساس، بحيث لا يترتب أي أثر من الآثار،فكما أنّه لا مهر و لا ميراث فكذلك لا عدة عليها،و لا يرث هو إذا ماتت هي في مرضه،ثم مات بعدها في ذلك المرض،بل و لا ينشر هذا العقد التحريم بينها و بين أبناء العاقد،أو ان العقد صحيح،و تلحقه جميع الأحكام و الآثار ما عدا المهر و الميراث للدليل الخاص.

و للفقهاء قولان:أحدهما ان الدخول شرط للزوم العقد،لا لصحته،ثانيهما ان الدخول شرط لصحته لا لزومه،فمع عدم الدخول يكون العقد باطلا،و على هذا جماعة منهم صاحب الجواهر،و صاحب مفتاح الكرامة،و السيد الحكيم.

قال هذا السيد في منهاج الصالحين ج 2 فصل أقسام الطلاق طبعة سابعة:«الظاهر أن النكاح في حال مرض الزوج إذا مات فيه قبل الدخول بمنزلة العدم،فلا عدة عليها بموته».

و قال صاحب الجواهر ما نصه بالحرف:«ان حصل الدخول علم صحة النكاح من أول الأمر،و إلاّ انكشف فساده كذلك-أي من أول الأمر-و له الوطء بالعقد الصادر،و منه يعلم قوة القول بعدم الإرث لو ماتت هي في مرضه،ثم مات هو بعدها في ذلك المرض،لانكشاف فساد العقد بعدم الدخول،و الموت في المرض».

ص:232

و قال صاحب مفتاح الكرامة:معاقد الإجماعات،و مناطيق الروايات، و فتاوى الفقهاء كما في المبسوط و غيره على أن النكاح بدون الدخول باطل.و ان الدخول كاشف عن الصحة،و عدمه كاشف عن عدمها،كما هو الشأن في عقد الفضولي بالنسبة إلى الإجازة».

و نحن مع هؤلاء الأقطاب،نميل إلى بطلان العقد،لأنه قد ثبت في الصحيح عن أهل البيت عليهم السّلام وصف زواج المريض بلفظ«باطل»فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن المريض،إله أن يطلق؟قال:لا و لكن له أن يتزوج ان شاء،فإن دخل بها ورثته،و ان لم يدخل بها فنكاحه باطل.و هذه الرواية رواها عبيد و ولده الموصوفين بالصدق و الوثاقة،و مثلها تماما رواية أخرى رواها أبو ولاد.و لفظ «نكاحه باطل»صريح في البطلان،و القول بصحة العقد اجتهاد في قبال النص.

ميراث الخنثى:

الخنثى من له ما للرجال،و للنساء،و يقدر سهمه في الإرث على التفصيل التالي:

1-إن بال من فرج الرجل دون فرج الأنثى يأخذ ميراث الذكر و ان بال من فرج النساء يأخذ ميراث الأنثى،قال صاحب الجواهر:الإجماع على ذلك مضافا إلى قول الإمام الصادق عليه السّلام:كان أمير المؤمنين علي عليه السّلام يورث الخنثى من حيث يبول.

2-و ان بال منهما تعتبر الفرج الذي يخرج البول منه أولا،فإن سبق من فرج الرجل فله ميراثه،و ان سبق من فرج المرأة فله ميراثها،قال صاحب الجواهر:الإجماع على ذلك مضافا إلى صحيح هشام بن سالم الذي جاء فيه:فإن

ص:233

خرج منهما جميعا فمن حيث سبق.

3-و ان بال منهما من غير سبق،بل نزل البول من المخرجين في آن واحد اعتبر الذي ينقطع أخيرا،لا أولا،و ورث بحسبه،فإن تأخر فرج الرجل فله ميراثه،و ان تأخر فرج المرأة فله ميراثها،قال صاحب الجواهر:«إجماعا في محكي السرائر و التحرير و المفاتيح».

و ان تساويا في السبق و الانقطاع فقد ذهب المشهور إلى أنّه يعطى نصف نصيب الذكر،و نصف نصيب الأنثى،قال صاحب الجواهر:«فقد جاء في الصحيح عن الإمام عليه السّلام:فإن مات،و لم يبل فنصف عقل امرأة،و نصف عقل الرجل،و المراد من العقل هنا الميراث،على أن ذلك هو الموافق لقاعدة قسمة المال المشتبه بين شخصين بالنصف».

و الطريق إلى معرفة نصف سهم الذكر،و نصف سهم الأنثى أن نفرض الخنثى ذكرا تارة،و نأخذ نصف سهمه،و نفرضه أنثى تارة،و نأخذ نصف سهمها،ثم نعطيه النصفين،فإذا كان مع الخنثى ذكر نفرضه هو ذكر أيضا،و نجعل القسمة من 12 فيكون له نصفها 6 ثم نفرضه أنثى،فيكون له ثلثها 4،و نصف الستة 3،و نصف الأربعة 2 و مجموع النصفين 5 فيكون للخنثى 5 من 12،و إذا كان معه أنثى يكون له 7 من 12.و إذا لم يكن مع الخنثى أحد أخذ المال بكامله.

و قال بعض الفقهاء:ان تساوى المخرجان في سبق البول و انقطاعه اعتبر بالقرائن الأخر،فإن خاض فهو امرأة،و ان كانت له لحية فهو رجل.و ليس هذا ببعيد.و لو حصل العلم من قول الأطباء و أهل الاختصاص تعين العمل به،إذ ليس وراء العلم حجة أقوى منه.

و لو افترض وجود انسان لا فرج له على الإطلاق سوى مخرج الغائط الذي

ص:234

يكون للذكر و الأنثى ورث بالقرعة،أي يقرع:هل هو ذكر أو أنثى؟و يرث حسبما تخرج القرعة.

ص:235

ميراث الحرقى و الغرقى

اشارة

و المهدوم عليهم

ذكر فقهاء السنة و الشيعة مسألة ميراث الغرقى و الحرقى و المهدوم عليهم و أمثالهم،و اختلفوا في توريث بعضهم من بعض،إذا اشتبه الحال،و لم يعلم تقدم موت أحدهما على موت الآخر.

فذهب الأئمة الأربعة:أبو حنيفة و مالك و الشافعي و ابن حنبل إلى أن بعضهم لا يرث بعضا،بل تنتقل تركة كل واحد لباقي ورثته الأحياء،و لا يشاركهم فيها ورثة الميت الآخر،سواء أ كان سبب الموت و الاشتباه الغرق أم الهدم أم القتل أم الحريق أم الطاعون.

أما الشيعة الإمامية فكان لاجتهادهم أثر بليغ في هذه المسألة،فقد شرحها فقهاء العصر الأخير شرحا وافيا،و فرعوا عنها صورا لم تخطر في ذهن أحد من رجال التشريع قديما و حديثا،فقبل أن يتكلموا عن ميراث الغرقى،و المهدوم عليهم بالخصوص تكلموا عنهم و عن أمثالهم بوجه يشمل كل حادثين علم بوجودهما،و لم يعلم المتقدم من المتأخر،و كان تأثير أحدهما في حال السبق و التقدم غير تأثيره في حال التأخير و التخلف عن الآخر.ان المجتهدين من فقهاء

ص:236

الشيعة المتأخرين يرون مسألة ميراث الغرقى و غيرهم مسألة جزئية لكلية كبرى، و فردا من أفراد قاعدة عامة لا تختص بمسألة دون مسألة،و باب دون باب من أبواب الفقه،بل تشمل كل حادثين حصلا،و اشتبه المتقدم من المتأخر،سواء أ كان الحادثان أو أحدهما من نوع العقود،أم من الإرث أم من الجنايات،أم غير ذلك،فيدخل في القاعدة ما لو حصل عقدا بيع،أحدهما أجراه المالك الأصيل بنفسه مع عمر على شيء خاص من ممتلكاته،و الثاني أجراه وكيله في بيع ذلك الشيء مع زيد،و لم يعلم أي العقدين متقدم ليحكم بصحته و أيهما متأخر ليحكم بفساده؟و هكذا كل حادثين يرتبط عدم تأثير أحدهما بتقدم الآخر عليه مع فرض أنّه ليس في البين دلائل تدل على وقوع الحادثين في لحظة واحدة،أو سبق أحدهما على الآخر،فليست مسألة الغرقى و غيرهم مسألة مستقلة بذاتها،و انما هي من جزئيات قاعدة عامة.لذلك نرى المجتهدين من فقهاء الشيعة الإمامية صرفوا الكلام قبل كل شيء إلى القاعدة نفسها.و بيان حكمها،و بعد هذا تكلموا عن ميراث الغرقى و غيرهم،و ان حكمهم هل هو حكم القاعدة العامة أو أن هناك ما يوجب استثناء حكم الغرقى عن القاعدة،و لا ريب أن تحرير البحث على هذا النحو أجدى نفعا،و أكثر فائدة.

و حيث ان معرفة هذه القاعدة تتوقف على معرفة أصلين آخرين يتصلان اتصالا وثيقا بها،لذلك نختصر الكلام عنهما بمقدار ما تدعو الضرورة لمعرفة القاعدة المقصودة بالذات،على انهما لا يقلان عنها نفعا.و الأصلان هما أصل عدم وقوع الحادث الذي شك في وقوعه،و أصل تأخر الحادث الذي علم وقوعه.

ص:237

أصل عدم وقوع الحادث:

لنا قريب في المهجر،كنا نراسله،و يراسلنا،ثم قطع عنا الرسائل، و قطعناها نحن عنه،و بعد أمد طويل يخطر لنا أن نرسل إليه كتابا،فنكتب له على عنوانه الأول،مع أنّه قد يخالجنا الشك بأنه مات،أو انتقل من مكانه.فما هو السر الذي دعانا إلى عدم الاهتمام بما طرأ على ذهننا من الشك و احتمال الموت، و تغير العنوان؟و أيضا نعتقد بأمانة انسان و صدقه،فنجعله محل ثقتنا،و نأتمنه على أثمن الأشياء،ثم يصدر منه عمل فنظن أنّه تغير و تبدل،و مع ذلك نمضي معه كما كنا أولا،و هكذا في جميع المراسلات و المعاملات و المواصلات.

و السر في ذلك أن الإنسان مسوق بفطرته على الأخذ بالحال السابقة إلى أن يثبت العكس،فإذا علم بحياة زيد،ثم حصل الشك بحدوث موته،فالأصل الذي تقره الفطرة هو البقاء على نية الحياة إلى أن يثبت الموت بأحد طرق الإثبات، و هذا معنى أصل عدم وقوع الحادث الذي لم يثبت وقوعه،و إليه يهدف قول الإمام الصادق عليه السّلام:«من كان على يقين ثم شك فلا ينقض اليقين بالشك،ان اليقين لا ينقضه إلاّ اليقين،لا تدخل الشك على اليقين،و لا تخلط أحدهما بالآخر،و لا تعتد بالشك مع اليقين في حال من الأحوال».

فإذا علمنا أن فلانا مدين بمال،ثم ادعى الوفاء،فالأصل بقاء الدين إلى أن يثبت الوفاء،أي كما علمنا بالدين يجب أن نعلم بالوفاء،لأن العلم لا يزيله إلاّ العلم،و الشك الطارئ بعد العلم لا أثر له،فمن ادعى شيئا يضاد الحال السابقة فهو مدع و عليه أن يقيم البينة على مدعاه،و من كان قوله وفق الحال السابقة فهو منكر لا تتجه عليه سوى اليمين.

فتحصل من هذا البيان أن معنى أصل عدم الحادث في حقيقته هو الأخذ

ص:238

بالحال السابقة إلى أن يثبت العكس.

أصل تأخر الحادث الواحد:

لو علم القاضي أن خليلا كان حيا في يوم الأربعاء،و أنّه في يوم الجمعة كان في عداد الأموات و لم يعلم هل حدث موته في يوم الخميس أو في يوم الجمعة و ليس لديه آية دلالة تعين زمن الموت بالخصوص،فبما ذا يحكم؟أ يحكم بأن خليلا مات يوم الجمعة أو يوم الخميس؟ ان في فرضنا هذا ثلاثة أزمنة:زمن العلم بالحياة،و هو يوم الأربعاء،و زمن العلم بالموت،و هو يوم الجمعة،و الزمن المتخلل بينهما،و هو يوم الخميس الذي لم يعلم بالحياة فيه،و لا بالموت.و الأصل يوجب إلحاق هذا الزمن المتخلل بالزمان الذي قبله لا بالذي بعده،أي نلحق زمن الجهل بالحياة بالحالة السابقة، و هي العلم بالحياة،فنبقى على علمنا بالحياة إلى زمن العلم بالموت،و تكون النتيجة ان الموت تأخر زمن حدوثه إلى يوم الجمعة.و هكذا كل شيء علم بحدوثه،و حصل الشك في تقدمه و تأخره إذا كان الحادث واحدا غير متعدد.

العلم بوقوع حادثين مع الجهل بالمتقدم منهما:

بعد أن مهدنا بذكر الأصلين:عدم وقوع الحادث،و تأخر وقوع الحادث الواحد.نشرع ببيان حكم القاعدة العامة المقصودة بالذات من هذا البحث،و هي العلم بوقوع حادثين يرتبط تأثير أحدهما بتقدمه على الآخر مع الجهل بالمتقدم منهما كوقوع عقدين أجرى أحدهما الأصيل،و الآخر أجراه الوكيل،و كحصول الولادة و الهبة،كما قلنا فيما تقدم،و كموت متوارثين لا يعرف أيهما توفي قبل

ص:239

صاحبه.

و يختلف حكم هذه القاعدة باختلاف علم القاضي بزمن وقوع كل واحد من الحادثين أو عدم علمه بزمان حدوثهما أو علمه بزمن حدوث أحدهما خاصة،فالحالات ثلاث:

1-أن يعلم القاضي من أقوال المتداعيين أو من الوقائع تاريخ كل واحد من الحادثين،فيحكم و الحال هذه بموجب علمه.

2-أن يجهل القاضي تقدم أحد الحادثين على الآخر،و لكن يحصل له العلم بتاريخ حدوث أحدهما دون الآخر كما لو علم بأن بيع الفرس حصل في اليوم الثاني من شهر حزيران و لا يدري هل وقع العيب في اليوم الأول منه كي يجوز الرجوع أو اليوم الثالث كي لا يجوز؟و العمل في هذه الحال هو الحكم بتقدم معلوم التاريخ،و تأخر المجهول لأن أصل تأخر الحادث الذي تقدم ذكره لا يجري في معلوم التاريخ فإن العلم يمنع من الأخذ بالأصل.أما الحادث الذي جهلنا زمن حدوثه فيجري فيه أصل تأخر الحادث لأن هذا الأصل يعتمد عليه في مقام الجهل.

و الخلاصة أنّه إذا وقع حادثان أحدهما معلوم التاريخ و الآخر مجهول التاريخ يحكم بقول مطلق بتقدم المعلوم و تأخر المجهول سواء أ كان الحادثان من نوع واحد كموت شخصين،أو وقوع عقدين أو كان الحادثان متغايرين.

3-أن لا يعلم القاضي زمن حدوثهما،و لا زمن حدوث أحدهما خاصة أي أن يكونا مجهولي التاريخ،و حينئذ لا أصل يعين تقديم أحدهما و تأخير الآخر،لأن أصل تأخير أحدهما عن الثاني ليس بأولى من أصل تأخير الثاني عن صاحبه-بعد أن كان كل منهما مجهول التاريخ-فأصل تأخر الحادث إنما يؤخذ به

ص:240

إذا كان الحادث واحدا أو كان متعددا،و لكن أحدهما معلوم التاريخ لا يجري فيه الأصل،و الآخر مجهول يجري فيه الأصل،أما إذا كانا مجهولين و لا ميزة لأحدهما على الآخر فيسقط الاعتماد على الأصل بكل منهما لمكان المعارضة.

الغرقى و المهدوم عليهم:

قد يكون بين اثنين قرابة قريبة،و لكن ليس لأحدهما أهلية الإرث من قريبه كأخوين لهما أولاد،و هذه الحال خارجة عما نحن فيه و ينتقل ميراث كل واحد لأولاده سواه أمات هو و أخوه في لحظة واحدة أو تقدم الموت أو تأخر.

و يتفق هذا مع ما جاء في كتب الفقه لجميع المذاهب الإسلامية،و ما نقل عن القانون الفرنسي.

و قد تكون أهلية الإرث ثابتة لأحد الطرفين دون الطرف الثاني كأخوين لأحدهما خاصة أولاد،و ليس للآخر أولاد،و هذه الحال خارجة أيضا عن الموضوع لأن أبا الأولاد ينتقل ميراثه لأولاده و الذي ليس له أولاد تختص تركته بسائر أقاربه الموارثين غير أخيه الذي مات معه غرقا أو حرقا أو غير ذلك لأن الشرط في الإرث أن تعلم حياة الوارث عند موته الموروث و المفروض عدم العلم بحياة أبي الأولاد عند موته من لا ولد له.

و قد تكون الموارثة ثابتة لكلا الطرفين كابن و أب و كأخوين ليس لهما أب و أم،و ليس لهما أو لأحدهما أولاد و كزوجين وارث كل منهما غير وارث الآخر، و هذه الحال تدخل في صميم الموضوع و يشترط الشيعة الإمامية لتوريث بعضهم من بعض أمرين:

1-أن يكون موت كل منهما مستندا إلى سبب واحد،و ذلك السبب يجب

ص:241

أن يكون الهدم أو الغرق خاصة بأن يكونا في بنائه فتنهار عليهما،أو سفينة فتغرق بهما،و لو هلك أحدهما بسبب الغرق،و الآخر بسبب الحريق أو الانهيار أو هلكا معا بسبب الطاعون أو في المعركة فلا توارث،و المنقول عن القانون الفرنسي أنه يشترط للتوارث اتحاد سبب الموت،و لكنه لا يحصر السبب بالغرق و الهدم فحسب-كما تقول الشيعة-بل يتحقق التوارث أيضا إذا كان الهلاك بالحريق.

2-أن يكون زمن كل واحد من الهالكين مجهولا فلو عرف زمن موت أحدهما و جهل زمن موت الآخر يرث المجهول دون المعلوم.

و إليك المثال:انهارت بنائه على رجل و زوجته،أو غرقت بهما سفينة و حين الاسعاف عثر على الزوج و هو يلفظ النفس الأخير و كانت الساعة قد بلغت الخامسة،و بعد ساعتين عثر رجال الاسعاف على الزوجة و هي جثة هامدة،و لم يعلموا هم و لا نحن هل فارقت الحياة قبل الزوج أو بعده فزمن موت الزوج معلوم و زمن موت الزوجة مجهول،و أصل تأخر الحادث الذي أشرنا إليه يستدعي أن ترث الزوجة التي جهل تاريخ وفاتها من الزوج الذي علم تاريخ وفاته.و لا يرث هو منها شيئا.و إذا انعكس الأمر فعلم زمن موت الزوجة،و جهل زمن موت الزوج ورث الزوج دون الزوجة.و بتعبير ثان انّه إذا علم تاريخ احدى الوفاتين فمجهول التاريخ يرث من المعلوم،و معلوم التاريخ لا يرث من المجهول.

و حيث ان الإرث يختص بالمجهول فحسب،و غير ثابت للطرفين فلا يفرق في هذه الحال بين أسباب الموت.فالحاكم واحد سواء أ كان سبب الموت الغرق أو الحريق أو الانهيار أو الوباء أو القتل في المعركة.

أما إذا جهل التاريخان كما لو عثر على جثة الزوج و الزوجة و هما هامدتان و لم يعلم زمن موت أحدهما تتحقق الموارثة بين الطرفين أي يرث كل واحد

ص:242

من صاحبه.و هذا التفصيل بين حال العلم بتاريخ أحد الهالكين من جهة و الجهل بالتاريخين من جهة ثانية لم ينقل عن قانون أجنبي،و لم أجده في كتب فقهاء السنة المتقدمين و المتأخرين،و لا في كلمات الشيعة السالفين،و انما ذكره مجتهدو الشيعة المتأخرون في كتب أصول الفقه.

و الخلاصة ان الشيعة الإمامية يحصرون التوارث فيما إذا كان سبب الموت الغرق أو الهدم خاصة،و لم يعلم زمن موت واحد من الهالكين،و على هذا إذا ماتا حتف الأنف أو بسبب الحريق أو القتل في المعركة أو الطاعون و ما إلى ذلك فلا توارث بل ينتقل مال كل واحد إلى ورثته الأحياء،و لا يرث أحد الهالكين من صاحبه شيئا،و إذا علم تاريخ موت أحدهما دون الآخر يرث المجهول من المعلوم،و لا يرث المعلوم من المجهول.

كيفية التوارث:

كيفية التوارث أن يفرض أن الزوج مات قبل الزوجة و يخرج من تركته نصيبها و تقتسم ورثتها أموالها التي كانت لها في قيد الحياة و نصيبها المتصل إليها بالإرث من زوجها،ثم يفرض أن الزوج مات بعد الزوجة،و يخرج من تركتها نصيب الزوج،و يقتسم ورثته أمواله التي كانت له و هو حي و نصيبه المتصل إليها بالإرث من زوجها ثم يفرض أن الزوج مات بعد الزوجة،و يخرج من تركتها نصيب الزوج،و يقتسم ورثته أمواله التي كانت له و هو حي و نصيبه المتصل إليه بالإرث من زوجته و لا يرث أحدهما من الأموال التي ورثها منه صاحبه فإذا كانت الزوجة تملك مائة ليرة و الزوج يملك ألفا فترث الزوجة من الألف فحسب، و الزوج من المائة فقط لأنه لو ورث أحدهما من الأموال التي ورثها صاحبه منه لأدى ذلك إلى أن الإنسان بعد موته يرث من مال نفسه!و من المحال أن يرث الإنسان شيئا ورثه هو لغيره.

ص:243

و الخلاصة إذا مات اثنان بسب الغرق أو الهدم،و كان بينهما توارث و اشتبه المتقدم من المتأخر و لم يعلم تاريخ وفاة أحدهما يرث بعضهم من بعض من تلاد المال دون طارفه (1)عن الإمامية فقط.

ص:244


1- تلاد المال هو ما كان للميت حال حياته،و طارفه هو ما ورثه من ميت معه.

الحدود و التعزيرات

بين الحد و التعزير:

المراد بالحد هنا العقوبة التي نص عليها الشارع،و أوجب إنزالها بالعاصي المرتكب جريمة معينة،و الغاية منه الردع و الزجر عن المحرمات،و يسمى الحد عقوبة مقدرة،لأن الشارع هو الذي قدرها.

أما التعزير في اصطلاح الفقهاء فهو العقوبة على الكبائر من فعل الحرام،أو ترك الواجب اللذين لا تقدير للعقوبة عليهما،و انما ترك تقدير ذلك إلى الحاكم بما يراه على أن لا يبلغ في التقدير الحد المنصوص عليه للجرائم الأخر،كالقتل و مائة جلدة،و على هذا يحمل قول الإمام عليه السّلام:«لكل شيء حد،و لمن تجاوز الحد حد»أي ان حد الجريمة يعرف من نص الشارع،أو من تقدير الحاكم،و يسمى التعزير عقوبة مفوضة،لأنها قد فوضت الى نظر الحاكم.

و يثبت الموجب للتعزير بالإقرار مرتين،أو بشهادة عدلين،و لا تقبل شهادة النساء إطلاقا.

و قال الفقهاء:ان أسباب الحد سبعة:الزنا،و ما يتبعه كاللواط و المساحقة و القياد،و القذف،و شرب الخمر،و السرقة،و قطع الطريق،و الارتداد،و نتكلم

ص:245

في هذا الفصل،و الفصول التي تليه عن هذه السبعة،و كثير غيرها من العقوبات الموجبة للتعزير التي ترك تقديرها لنظر الحاكم.

الزنا

تحريم الزنا:

تحريم الزنا ثابت بضرورة الدين،فمن استحله من غير شبهة تدرأ عنه الحد فهو كافر،و من فعله متهاونا و مستخفا فهو فاسق.قال تعالى وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً (1).و قال اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (2)و قال وَ لا يَزْنُونَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (3).

الشروط:

اشارة

لا يتحقق مفهوم الزنا الموجب للتحريم و الحد إلاّ بعد توافر الشروط التالية :

1-إدخال الحشفة قبلا أو دبرا،لثبوت النص بأن التقاء الختانين يوجب الغسل و المهر و الحد.و عليه فلا يتحقق الزنا بالضم و التقبيل و التفخيذ،و ان كان محرما يوجب التعزير.

2-البلوغ،لحديث:«رفع القلم عن الصبي،حتى يحتلم و عن المجنون، حتى يفيق،و عن النائم،حتى يستيقظ».

ص:246


1- الإسراء:32. [1]
2- النور:3. [2]
3- الفرقان:68. [3]

أجل،إذا زنى غير البالغ بالبالغة فعليه التعزير،و عليها الجلد.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن غلام لم يدرك عشر سنين زنى بامرأة؟قال:يجلد الغلام دون الحد،و تجلد المرأة الحد كاملا.قال السائل:فإن كانت محصنة؟قال الإمام عليه السّلام:لا ترجم،لأن الذي نكحها ليس بمدرك،و لو كان مدركا رجمت.

3-العقل،فلا حد على المجنون،للحديث المذكور،و قد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن امرأة مجنونة زنت؟قال:ليس عليها رجم و لا نفي.

4-العلم،فإذا عقد جاهلا على أخته من الرضاع،أو امرأة في العدة،أو اعتقد أن مجرد الرضا كاف في الحل،و لو من غير عقد،و وطأ فلا شيء عليه سوى أن الموطوءة في العدة الرجعية تحرم على الواطئ مؤبدا.و بكلمة ان كل من وطأ امرأة متوهما الحل،و هي محرمة عليه،يسقط عنه الحد،سواء أ كان جاهلا بالحكم فقط،كما لو علم أنّه رضع هو و هذه من لبن واحد،و جهل بتحريم العقد عليها،أو كان جاهلا بالموضوع فقط،كما لو علم بتحريم العقد على الأخت من الرضاع،و جهل بأن هذه أخته من الرضاع،و سواء أ كان جهله عن قصور،أو عن تقصير،لحديث:«تدرأ الحدود بالشبهات».أجل،ان الجاهل عن تقصير يستحق العقاب يوم القيامة،لا العقوبة عليه في الدنيا.

و كل من يدعي الاشتباه و الجهل يقبل منه من غير بينة ما دام ذلك ممكنا في حقه،بحسب المعتاد،كمن يدعي الجهل بتحريم العقد على الأخت من الرضاع، و ما إليها لقرب عهده بالإسلام.

قال صاحب الشرائع و الجواهر،«يسقط الحد في كل موضع يتوهم فيه الحل،كمن وجد على فراشه امرأة فظنها زوجته فوطأها.و كذا يسقط الحد لو أباحته نفسها فتوهم الحل».و المثال الأول شبهة موضوعية،و المثال الثاني شبهة

ص:247

حكمية،و كلتاهما يسقط معها الحد،على شريطة أن يكون الجهل بالحكم ممكنا في حقه بالقياس إلى الشبهة الحكمية.قال الإمام الصادق عليه السّلام:لو أن رجلا دخل في الإسلام،و أقر به،ثم شرب الخمر و زنى،و أكل الربا،و لم يتبين له شيء من الحلال و الحرام لم أقم عليه الحد،إذا كان جاهلا،إلاّ أن تقوم عليه البينة أنّه قرأ السورة التي فيها الزنا و الخمر و الربا،و إذا جهل ذلك أعلمته و أخبرته،فإن ركبه بعد ذلك جلدته،و أقمت عليه الحد.

5-الاختيار،فإذا أكرهت المرأة على الزنا سقط عنها الحد إجماعا و نصا، و منه:ليس على المستكرهة حد إذا قالت:انما استكرهت.و في رواية ثانية:

جيء لأمير المؤمنين علي عليه السّلام بامرأة مع رجل فجر بها،فقالت:استكرهني و اللّه يا أمير المؤمنين.فدرأ عنها الحد.و اشتهر بين السنة و الشيعة قول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه.

و اختلفوا:هل يتحقق الإكراه بالنسبة إلى الرجل؟قيل:لا يعقل تحققه،لأن القضيب لا ينتشر مع الإكراه،و مع عدم الانتشار لا يمكن الإدخال الذي هو شرط في تحقق مفهوم الزنا،كما سبق في الرقم 1.و قيل:بل يتحقق الانتشار و الإدخال مع الإكراه.

و لست أرى لهذا الاختلاف آية فائدة،ما دام الفرض فيما إذا أدخله مكرها، و ليس من ريب أنّه إذا تحقق ذلك فلا شيء عليه،لنفس الأدلة التي ذكرناها في المستكرهة.

و تسأل:إذا أكره رجل آخر على وطء امرأة،و كانت هي مكرهة أيضا،فهل يثبت لها المهر؟و على افتراض ثبوته،و استحقاقها المهر،فهل يثبت على الواطئ أو على من أكرهه على الوطء؟

ص:248

الجواب:

يثبت لها المهر،لأنها ليست ببغي،و يجب على المكره،لا على الواطئ، لأنه أقوى من المباشر.أجل،إذا وطأها دون أن يضغط أحد عليه،بل هو أكرهها على ذلك كان المهر عليه،لقول الإمام علي عليه السّلام المنجبر بعمل الفقهاء على حد تعبير صاحب الجواهر،و هو:«إذا اغتصب الرجل أمة فافتضها فعليه عشر ثمنها، فإذا كانت حرة فعليه الصداق».

و يتحقق الإكراه بتوعد القادر بما يتضرر به الذي وجّه إليه التهديد و الوعيد إذا لم يفعل.

سؤال ثان،إذا حملت المرأة فبمن يلحق الولد؟ الجواب:ان كانت هي المكرهة دونه ألحق بها لا به،و ان كان هو المكره دونها،ألحق به لا بها،و ان كان كل منهما مكرها ألحق بهما فالمعيار أن من سقط عنه الحد يلحق به الولد،لأنه بحكم الشبهة.

طرق الإثبات:

اشارة

يثبت الزنا بالطرق التالية:

1-اتفقوا على أن الزنا لا يثبت بالإقرار به مرة واحدة

،و لا بمرتين أو ثلاث،سواء أ كان المقر رجلا أو امرأة،بل لا بد من تكراره أربع مرات،مع كمال المقر بالبلوغ و العقل و الاختيار،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:لا يرجم الزاني،حتى يقر أربع مرات بالزنا إذا لم يكن شهود،فإن رجع ترك،و لم يرجم.

ص:249

و قد اشتهر أن رجلا اسمه ماعز بن مالك جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قال له:

قد زنيت،فأعرض عنه،ثم جاء من شقه الأيمن،فقال مثل الأول،فأعرض عنه، ثم جاءه،و قال مثل ذلك إلى أن تم أربع مرات،و عندها قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أ بك جنون؟قال:لا.قال:أ نكحتها؟قال:نعم،قال:حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟قال:نعم.قال:أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا؟قال:

نعم.قال:ما تريد بهذا القول؟قال:أريد أن تطهرني،فأمر به،فرجم.و في حديث ثان:أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال له:لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال:لا.

و إذا أقر بما يوجب الرجم كالمحصن،ثم أنكر و رجع عن إقراره سقط الرجم،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده،بل تحصيل الإجماع عليه للنصوص المعتبرة المستفيضة التي منها قول الإمام عليه السّلام في حسنة محمد بن مسلم:من أقر على نفسه أقمت عليه الحد إلاّ الرجم،فإنه إذا أقر على نفسه،ثم جحد لم يرجم.

و إذا أقر على نفسه بما يوجب الجلد،لا الرجم كغير المحصن،ثم أنكر و رجع عن إقراره لم يسقط الحد،قال صاحب الجواهر:هذا هو المشهور شهرة عظيمة يمكن دعوى الإجماع معها،لقاعدة عدم سماع الإنكار بعد الإقرار، و للنصوص المعتبرة».

و من هذه النصوص التي أشار إليها قول الإمام الصادق عليه السّلام:إذا أقر الرجل على نفسه بحد أو فرية،ثم جحد جلد،فقال له بعض من حضر:أ رأيت ان أقر على نفسه بما يبلغ الرجم،أ كنت ترجمه؟قال:لا،و لكن كنت ضاربه.

و على الإجمال،ان قاعدة:لا إنكار بعد إقرار يجب العمل بها،حتى يثبت العكس و قد ثبت بالنص الصحيح الصريح قبول الإنكار بعد الإقرار بما يوجب

ص:250

الرجم،و بقي ما عداه على القاعدة.

و إذا أقر بما يوجب الحد،ثم تاب فللحاكم العادل أن يعفو عنه،و له أن يقيم الحد عليه،من غير فرق بين أن يكون الحد رجما أو جلدا.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده للنص المنجبر بالشهرة العظيمة،فقد جاء رجل إلى أمير المؤمنين علي عليه السّلام،فأقر بالسرقة،فقال له:أ تقرأ شيئا من القرآن؟قال:نعم، سورة البقرة.قال:قد وهبت يدك لسورة البقرة.فقال الأشعث:أ تعطل حدا من حدود اللّه؟فقال له الإمام عليه السّلام:و ما يدريك يا هذا-إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو،و إذا أقر الرجل على نفسه فذاك إلى الإمام ان شاء عفا،و ان شاء قطع».

و إذا حملت امرأة،و لا بعل لها تحد إلاّ أن تقر بالزنا أربعا،أو تقوم عليها البينة،لاحتمال الاشتباه و الإكراه،و غيرهما على حد تعبير صاحب الجواهر.

2-يثبت الزنا بأربعة شهود عدول

،سواء أ كان الزنا موجبا للرجم،كما لو كان الزاني محصنا،أو موجبا للجلد،كما لو كان غير محصن،لقوله تعالى:

وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:حد الرجم في الزنا أن يشهد أربعة أنّهم رأوه يدخل و يخرج،و في رواية ثانية عن الإمام الباقر أبي الإمام الصادق عليهما السّلام عن علي عليه السّلام في ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا،فقال:أين الرابع؟قالوا:الآن يجيء، فقال:حدوا الشهود،فليس في الحدود نظر ساعة.

و لا تقبل شهادة الشاهد إلاّ إذا كانت صريحة في ولوج الذكر في الفرج،

ص:251


1- النور:5. [1]

تماما كالميل في المكحلة،و أنّه حصل من غير عقد و لا شبهة قال صاحب الجواهر:

«بلا خلاف معتد به»،لقول الإمام عليه السّلام:يشهد أربعة منهم رأوه يدخل و يخرج.

و لا بد من توارد الشهود الأربعة و اتفاقهم على الشيء المشهود به فعلا و جهة و مكانا و زمانا،فان نقصوا عن الأربعة،أو اختلفوا بجهة من الجهات حدّ الشهود حد القذف.

و ذهب أكثر الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر إلى أن الزوج إذا كان أحد الشهود الأربعة أخذ بشهادته على شريطة أن يأخذ صفة الشاهد،لا صفة القاذف، فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن أربعة شهود على امرأة بالزنا،أحدهم زوجها؟ قال:تجوز شهادتهم.

3-يثبت الزنا الموجب للرجم و للجلد بشهادة ثلاثة رجال و امرأتين

فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل فجر بامرأة،فشهد عليه ثلاثة رجال،و امرأتان؟ قال:وجب عليه الرجم،و ان شهد عليه رجلان،و أربع نسوة فلا تجوز شهادتهم، و لا يرجم،و لكن يضرب حد الزاني.

4-يثبت الزنا الموجب للجلد فقط دون الرجم بشهادة رجلين و أربع

نسوة

،للرواية المتقدمة،و إذا انتفت البينة و الإقرار فلا يمين على من أنكر.

5-علم الحاكم

،فإذا قبض الحاكم الزاني و الزانية بالجرم المشهود أقام عليهما الحد،دون حاجة إلى بينة و شهود.

الستر أولى:

جاء في روايات أهل البيت عليهم السّلام أن الإنسان إذا ابتلي بالمعاصي فالأولى له أن يستتر و يتوب،و لا يفضح نفسه،قال الإمام عليه السّلام:ما يضر أحدكم إذا قارف هذه

ص:252

السيئة أن يستر على نفسه،كما ستر اللّه عليه،و في رواية ثانية:ما أقبح بالرجل منكم أن يأتي بعض هذه الفواحش،فيفضح نفسه على رؤوس الأشهاد،أفلا تاب؟ فواللّه لتوبته فيما بينه و بين اللّه أفضل من إقامتي عليه الحد.

و أيضا يستحب لمن رأى غيره على الزنا أن يتجاهل،و لا يشهد،قال الإمام عليه السّلام:لو سترته بثوبك كان خيرا لك.

و جاء في الحديث الشريف:أيها الناس من ارتكب شيئا من هذه القاذورات فاستتر فهو في ستر اللّه،و من أبدى صفته أقمنا عليه الحد.

و الذي نستفيده من هذه الروايات،و من وجب العدول الأربعة أن مقصد الشارع الأول هو حماية الأسرة،و صيانتها من الضياع و الشتات.هذا،إلى أن الأفعال الفاضحة كثيرا ما تؤدي إلى اليأس و التمادي في البغي،أما الجريمة المستورة فقد تذهب مع الأيام،و توأد في الظلام،و يرجع صاحبها إلى ربه و ضميره.

على الدولة أن تزوج الزانية:

جاء في روايات أهل البيت عليهم السّلام أن على الإمام أن يزوج الزانية رجلا يمنعها من الزنا،قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:قضى علي أمير المؤمنين عليه السّلام في امرأة زنت و شردت أن يربطها أمام المسلمين بالزوج،كما يربط البعير الشارد بالعقال.

و المراد بإمام المسلمين الدولة،أما العقال فكناية عن الزوج القوي الذي يسد حاجتها و يمنعها من الزنا.بهذا المنطق المعقول يقضى على الجريمة و الفاحشة،لا بالحكم و المواعظ،و لا بالتأنيب و التوبيخ.

ص:253

الزنا بذات محرم:

أجمعوا بشهادة صاحب الجواهر على أن من زنى بذات محرم من النسب، كالأم و البنت و الأخت و بنت الأخ و العمة و الخالة وجب قتله متزوجا كان أو غير متزوج،شيخا كان أم شابا،لقول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:من وقع على ذات محرم فاقتلوه.و قال الإمام الصادق عليه السّلام:يضرب ضربة بالسيف.و في رواية:تضرب عنقه.إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة.

و تسأل:هل يقتل أيضا الزاني بذات محرم مصاهرة و رضاعا،كمن زنى بأم زوجته أو بنتها أو بأخته أو أمه من الرضاعة؟ الجواب:لقد جاء النص بذات المحرم،و المتبادر من ذات المحرم هي المحرمة نسبا لا مصاهرة أو رضاعا،فيقتصر على المحرمة نسبا،بخاصة ان التهجم على الدماء صعب عسير.أجل،ذهب جماعة من الفقهاء إلى أن من وقع على امرأة أبيه يقتل،و ان كان غير متزوج،لرواية عن الإمام الباقر أبي الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:أنّه جيء إلى علي أمير المؤمنين عليه السّلام برجل وقع على امرأة أبيه فرجمه،و كان الرجل غير محصن،أي غير متزوج.

و نحن لا نميل إلى العمل بالخبر الواحد في الدماء،و ان كانت من الفروع، لا من الأصول.

زنا غير المسلم بمسلمة:

إذا زنى غير المسلم بامرأة مسلمة قتل،سواء أ كان ذلك بإرادتها أو لا، متزوجا كان،أو غير متزوج.قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك مضافا إلى أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن يهودي فجر بمسلمة؟قال:يقتل.

ص:254

الزنا بالمستكرهة:

من أكره امرأة على الزنا يجب قتله،محصنا كان أو غير محصن،إجماعا و نصا.و منه أن الإمام الباقر أبا الإمام الصادق عليهما السّلام سئل عن رجل اغتصب امرأة فرجها؟قال:يقتل محصنا كان أو غير محصن.

أجل،إذا طاوعته فإنه يجلد فقط إذا كان غير محصن،و يأتي الكلام عنه قريبا.

و بهذا يتبين أن عقوبة القتل تجب لثلاثة:من زنى بذات محرم نسبي،و غير المسلم زنى بمسلمة،و من اغتصب امرأة.

زنا المحصن و المحصنة:

الإحصان في اللغة المنع،و المراد به هنا أن يكون الإنسان البالغ العاقل متزوجا بالعقد الدائم،و ان يطأ في القبل،و ان يتهيأ للزوج الوطء متى يشاء،فإذا لم يكن متزوجا أو كان،و لكن لم يحصل وطء،أو حصل،ثم غاب عنها أو غابت عنه،أو امتنعت عنه لسبب من الأسباب فلا يترتب عليه حكم الإحصان.

و لا تكون المرأة محصنة إلاّ بهذه الشروط،ما عدا التمكن من الوطء فإنه يعتبر في حق الزوج خاصة دون الزوجة،كما جاء في اللمعة و شرحها للشهيدين، سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن معنى المحصن؟فقال:من كان له فرج يغدو عليه،و يروح فهو محصن.و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل يتزوج المتعة،أ تحصنه؟قال:لا،انما ذاك على الشيء الدائم عنده.و في رواية أخرى:لا يكون محصنا حتى يكون عنده امرأة يغلق عليها بابه.و في رواية رابعة:أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن قول اللّه عز و جل وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ؟فقال:هن ذوات الأزواج.قال السائل:و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم:قال:هن العفائف.

ص:255

و لا تكون المرأة محصنة إلاّ بهذه الشروط،ما عدا التمكن من الوطء فإنه يعتبر في حق الزوج خاصة دون الزوجة،كما جاء في اللمعة و شرحها للشهيدين، سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن معنى المحصن؟فقال:من كان له فرج يغدو عليه،و يروح فهو محصن.و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل يتزوج المتعة،أ تحصنه؟قال:لا،انما ذاك على الشيء الدائم عنده.و في رواية أخرى:لا يكون محصنا حتى يكون عنده امرأة يغلق عليها بابه.و في رواية رابعة:أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن قول اللّه عز و جل وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ؟فقال:هن ذوات الأزواج.قال السائل:و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم:قال:هن العفائف.

و المطلقة الرجعية بحكم الزوجة ما دامت في العدة،لبقاء العصمة بينها و بين المطلق بخلاف الطلاق البائن،لانقطاع العصمة به.

و إذا زنى الرجل المحصن أو المرأة المحصنة فيعاقبان بالرجم،قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك،و إذا كان الزاني المحصن شيخا أو شيخة جلد،ثم رجم،بلا خلاف محقق معتد به،بل الإجماع عليه،لقول الإمام عليه السّلام:إذا زنى الشيخ و العجوز جلدا،ثم رجما عقوبة لهما،و إذا زنى الصغير من الرجال رجم و لم يجلد إذا كان أحصن،و إذا زنى الشاب الحدث السن جلد،و نفي سنة من مصره.و قال الإمام في رواية ثانية:الرجم حد اللّه الأكبر،و الجلد حد اللّه الأصغر،فإذا زنى الرجل المحصن رجم،و لم يجلد».

و إذا زنى البالغ بالبالغة،أو زنى البالغ بغير البالغة عوقب غير البالغ بالتعزير لا بالحد،و عوقب البالغ بحد الجلد المنصوص عليه شرعا،محصنا كان أو غير محصن.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن غلام صغير لم يدرك عشر سنين زنى بامرأة؟قال:يجلد الغلام دون الحد:و تجلد المرأة الحد كاملا.قال السائل:فإن كانت محصنة؟قال:لا ترجم،لأن الذي نكحها ليس بمدرك،و لو كان مدركا رجمت.و في رواية ثانية:أنّه سئل عن غلام لم يبلغ الحلم وقع على امرأة،أي شيء يصنع بهما؟قال:يضرب الغلام دون الحد،و يقام على المرأة الحد.قال السائل:جارية لم تبلغ وجدت مع رجل يفجر بها؟قال:تضرب الجارية دون الحد،و يقام على الرجل الحد.

ص:

الحامل و تأجيل الحد:

لا يقام الحد على الحامل لا رجما و لا جلدا،حتى و لو حملت من الزنا، و انما تؤجل إلى أن تضع حملها و ترضعه،ان لم يكن له مرضعة،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف نصا و فتوى،بل و لا اشكال مع فرض خوف الضرر على ولدها لو جلدت،لعدم السبيل عليه،إذ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى .و قد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن محصنة زنت،و هي حبلى؟قال:تقرّ،حتى تضع ما في بطنها، و ترضع ولدها،ثم ترجم.و في الحديث النبوي الشريف:أنّه قال لها:حتى ترضعي ما في بطنك،فلما ولدت قال لها:اذهبي،فأرضعيه.

صورة الرجم:

تحفر حفرة،و توضع فيها المرأة إلى صدرها،و الرجل إلى حقويه،ثم يرمي الناس على الزاني بأحجار صغار.قال الإمام الصادق عليه السّلام:«تدفن المرأة إلى وسطها،ثم يرمي الإمام،و يرمي الناس بأحجار صغار،و لا يدفن الرجل إذا رجم إلاّ إلى حقويه».هذا،بعد أن يغتسل،و يتحنط،و يلبس الكفن،أما الصلاة عليه فبعد الموت بالبداهة لأن موضعها صلاة الميت.

و إذا هرب الزاني من الحفرة وجب إعادته إليها ان كان قد ثبت عليه الزنا بالبينة،و لا يعاد،بل يترك و شأنه ان كان هو الذي أقر على نفسه بالزنا،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن المحصن إذا هرب من الحفرة،هل يرد،حتى يقام عليه الحد؟ فقال:إذا كان هو المقر على نفسه،ثم هرب من الحفيرة بعد ما يصيبه شيء من الحجارة لم يرد،و ان كان قد قامت عليه البينة،و هو جاحد،ثم هرب رد،و هو صاغر،حتى يقام عليه الحد.

ص:257

السيد المسيح و علي بن أبي طالب:

جيء للسيد المسيح عليه السّلام بزانية ليرجمها،فقال لمن أتى بها:من كان منكم بريئا فليرمها بحجر.

و جاءت امرأة إلى الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام،فأقرت عنده على نفسها بالزنا أربع مرات،و طلبت منه أن يطهرها بالرجم،فأمر مناديه أن ينادي بالناس، فلما اجتمعوا حفر لها حفرة،ثم وضع إصبعه في أذنيه،و نادى بأعلى صوته:أيها الناس لا يقم الحد من كان للّه عليه حد،فمن كان للّه عليه مثل ما على هذه المرأة فلا يقيم عليها الحد،فانصرف الناس،ما عدا الإمام و ولديه:الحسن و الحسين عليهم السّلام.

اقترفت هذه المرأة ما اقترفت،لأنها إنسان،و كلنا أبناء لآدم يقترف الذنوب و الخطايا.و قد رجعت هذه المرأة إلى ربها و ضميرها تائبة آئبة،و طلبت من الإمام أن يطهرها،كي تلقى اللّه سبحانه مطهرة من الأنجاس و الأرجاس،فهي إذن،خير ألف مرة من الذين يصرون على الكبائر،و يظهرون أمام الناس بمظهر الأتقياء و الأبرياء،فكيف يرميها بحجر من هي أشرف منه و أفضل؟و هل يطهر الدنس بما هو أشد منه رجسا و قذارة؟ و مهما يكن،فقد قال بعض الفقهاء:لا يرمي الزاني و الزانية بحجر إلاّ المطهرون،و ذهب الأكثرون إلى أن هذا ليس بشرط،بخاصة مع التعذر و عدم الإمكان.

و يستحب أن يشهد الرجم طائفة من الناس،لأجل الردع و الزجر،و لقوله تعالى في الآية 2 من سورة النور وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .

إما الشهود و الحاكم الذي حكم بالرجم فيجب حضورهم،حيث أفتى أكثر

ص:258

الفقهاء بأن الزنا ان كان قد ثبت بالبينة فأول من يبدأ بالرجم الشهود،و ان كان قد ثبت بالإقرار فأول من يبدأ به الإمام،فقد جاء عن أهل البيت عليهم السّلام،إذا أقر الزاني المحصن كان أول من يرجمه الإمام،ثم الناس،فإذا قامت البينة كان أول من يرجمه البينة،ثم الإمام،ثم الناس.

زنا غير المحصن و المحصنة:

إذا زنى الذكر غير المحصن عوقب بأمور ثلاثة:مائة جلدة،و حلق شعر رأسه،و نفيه عن بلده سنة كاملة،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:إذا زنى الشاب الحدث السن جلد،و حلق رأسه،و نفي سنة عن مصره.

و إذا زنت غير المحصنة عوقبت بمئة جلدة فقط،و لا جز عليها و لا نفي، قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف معتد به أجده».و قال صاحب المسالك:«هذا هو المشهور بين الفقهاء».

المريض و المستحاضة:

إذا كان عقاب المريض و المستحاضة الرجم رجما من غير تأخير،لأن مآلهما إلى الموت على كل حال،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف و لا إشكال، لإطلاق الأدلة».

و إذا كان عقابهما الجلد أمهل المريض،حتى يبرأ خشية أن يؤدي به الجلد إلى الموت،قال الإمام الصادق عليه السّلام أتي علي أمير المؤمنين عليه السّلام برجل أصاب حدا،و به قروح كثيرة في جسده،فقال:أخروه،حتى يبرأ.

و كذا المستحاضة فإنها مريضة،لفساد الدم،قال الإمام الصادق عليه السّلام

ص:259

«لا يقام الحد على المستحاضة،حتى ينقطع الدم».أما الحائض فلا يؤخر حدها، لأن حيضها يدل على صحة مزاجها،و تكلمنا عن الحائض و المستحاضة و الفرق بينهما في:الجزء الأول-فصل«الحيض و الاستحاضة و النفاس».

الحر و البرد:

إذا كان الحد جلدا فلا يقام في شدة الحر،و لا في شدة البرد،فقد مر الإمام الصادق عليه السّلام بالمدينة في يوم بارد،و إذا برجل يضرب بالسياط،فقال:سبحان اللّه في مثل هذا الوقت يضرب!.فقيل له:و هل للضرب وقت؟قال:نعم،إذا كان في الحر ضرب في برد النهار،و إذا كان في البرد ضرب في حر النهار.

صورة الجلد:

يجلد الرجل،و هو واقف،و يجرد من ثيابه حين الضرب ان قبض عليه حين الزنا عاريا،و إلاّ فلا تجريد،أما المرأة فتجلد جالسة،و لا تجرد من ثيابها إطلاقا،قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:يضرب الرجل قائما، و المرأة جالسة.

و يتقى من الضرب الوجه و الرأس و الفرج،لقول الإمام عليه السّلام:اضرب و أوجع،و اتق الرأس و الفرج.و في رواية ثانية الوجه و المذاكير.

قتل الزوجة الزانية و صاحبها:

من وجد مع زوجته رجلا يزني بها فله قتلهما معا،و لا شيء عليه بينه و بين اللّه،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل دخل دار غيره،ليتلصص أو للفجور فقتله

ص:260

صاحب الدار؟فقال:من دخل دار غيره هدر دمه.

المصر على الزنا:

سبق أن المحصن يرجم منذ البداية:و ان غير المحصن يجلد مائة جلدة، فان عاد ثانية جلد أيضا،و ان عاد جلد،و في الرابعة يقتل،قال صاحب الجواهر:

«هذا هو المشهور،بل عن صاحب الانتصار و الغنية الإجماع عليه،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:الزاني إذا زنى يجلد ثلاثا،و يقتل في الرابعة.

و سبق في الجزء الأول،فصل الصلاة فقرة«جاحد الصلاة و تاركها»أن من ترك الصلاة تهاونا أدبه الحاكم أولا،و ثانيا و ثالثا،فإن أصر قتله في الرابعة.

لا طهارة أفضل من التوبة:

من أقيم عليه الحد لذنب ارتكبه،زنا كان أو غيره،فلن يعاقبه اللّه عليه مرة ثانية،لأنه سبحانه أعدل من أن يجمع بين عقابين على ذنب واحد.

و إذا تاب المذنب قبل أن تقوم عليه البينة يسقط عنه الحد،سواء أ كان رجما أو جلدا،و لا يجوز إقامته عليه إطلاقا،أما إذا تاب بعد أن تقوم البينة فلا يسقط عنه.و إذا ثبتت الجريمة عليه بإقراره كان الإمام بالخيار،ان شاء عفا،و ان شاء عاقب،قال صاحب الوسائل:أن الأصبغ بن نباتة قال:أتى الإمام علي عليه السّلام رجل،و قال له:يا أمير المؤمنين إني زنيت،فطهرني،فقال له الإمام:و ما دعاك إلى ما قلت؟قال:طلب الطهارة.قال له الإمام عليه السّلام و أي طهارة أفضل من التوبة!.

ثم أقبل الإمام على أصحابه يحدثهم.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا جاء السارق من قبل نفسه تائبا إلى اللّه عزّ

ص:261

و جلّ ترد سرقته إلى صاحبها،و لا قطع عليه.

و سبق الكلام فيما يتعلق بذلك في:فقرة«طرق الإثبات»،و فقرة«الستر أولى»-من هذا الفصل.

الشهادة عليها بالزنا و هي بكر:

إذا شهد أربعة عدول على امرأة بالزنا قبلا،فقالت:أنا بكر،فكشف عليها أربعة نسوة فوجدنها كما قالت،إذا كان كذلك سقط الحد عنها،و عن الشهود، و المشهود عليه بأنه زنى بها،و ذلك لمكان الشبهة التي يدرأ بها الحد،قال الإمام الصادق عليه السّلام:جيء لأمير المؤمنين علي عليه السّلام بامرأة بكر،زعموا أنّها زنت،فأمر النساء فنظرن إليها،فقلن هي عذراء،فقال:ما كنت لا ضرب من عليها خاتم اللّه».

قال صاحب الجواهر:«الأشبه بأصول المذهب السقوط،لا الثبوت».

زنا غير المسلم بمثله:

إذا زنا غير المسلم بامرأة غير مسلمة فالحاكم المسلم مخير بين أن يحكم فيهم بموجب شرع الإسلام،و بين أن يعرض عنهما،و يسلما إلى أهل ملّتهما، ليقيموا الحد على ما يعتقدون:لقوله تعالى فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ إِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (1).

خلاصة أنواع حد الزنا:

و الخلاصة ان حد الزنا على أنواع:

ص:262


1- المائدة:42. [1]

الأول:القتل،و يعاقب به ثلاثة:الزاني بالمحرمات نسبا و بامرأة أبيه.

و بالمرأة المستكرهة.و غير المسلم يزني بمسلمة.

الثاني:الجلد و الرجم معا للشيخ المحصن و الشيخة المحصنة.

الثالث:الرجم فقط للمحصن و المحصنة غير الشيخ و الشيخة.

الرابع:الجلد و الحلق و النفي،للشاب غير المحصن.

الخامس:الجلد فقط،للمرأة غير المحصنة.

ص:263

اللواط و السحق و القيادة

اشارة

تقدم في أول الفصل السابق أن أسباب الحد ستة:الزنا،و ما يتبعه كاللواط و السحق و القيادة،و القذف،و شرب الخمر،و السرقة،و قطع الطريق.

و تكلمنا في الفصل السابق عن الزنا.و نتكلم في هذا الفصل عن اللواط و السحق و القيادة.

اللواط:

اشارة

اللواط معناه في اللغة اللصوق،تقول:هذا لاط بهذا،أي لصق به،و المراد به هنا الفعل الشنيع،و سمي لواطا لالتصاق اللوطي بالملوط به،أو لأنه فعل قوم لوط.قال تعالى في الآية 161 من سورة الشعراء إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَ لا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِيعُونِ، وَ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ، أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ، وَ تَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ .

و هو أشد تحريما من الزنا،قال الإمام الصادق عليه السّلام:حرمة الدبر أعظم من حرمة الفرج،ان اللّه تعالى أهلك أمة بحرمة الدبر،و لم يهلك أحدا بحرمة الفرج.

و في الحديث الشريف عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:من جامع غلاما جاء

ص:264

جنبا يوم القيامة،لا ينقيه ماء الدنيا،و غضب اللّه عليه،و لعنه،و أعد له جهنم، و ساءت مصيرا.

و قال الإمام علي عليه السّلام:لو كان أن يرجم مرتين لرجم اللوطي.

طرق الإثبات:

يثبت اللواط الموجب للحد بالطرق التالية:

1-إقرار الفاعل أو المفعول أربع مرات على شريطة أن يكون عاقلا بالغا مختارا،كما هي الحال في الزنا،و بديهة أن إقرار الفاعل لا يسري إلى المفعول، و كذا إقرار المفعول،لأن الإقرار نافذ بحق المقر وحده.

2-شهادة أربعة رجال عدول،و لا تقبل شهادة النساء إطلاقا،لا منضمات و لا منفردات.و انما قبلت شهادتهم منضمات مع الرجال في الزنا لمكان النص.

و إذا انتفت البينة و الإقرار فلا يمين على المنكر،لأنه مستثنى من قاعدة اليمين على من أنكر.

3-على الحاكم،فإنه يقيم الحد على الفاعل و المفعول إذا قبضهما بالجرم المشهود،تماما كما هي في الزاني و الزانية.قال صاحب الجواهر و المسالك:

«لأن علم الحاكم أقوى من البينة».

هذا،إذا كان الحق متمحضا للّه وحده،كحد الزنا و اللواط و السحق و شرب الخمر و ترك الصلاة و الصوم،لأن الحاكم هو المطالب بهذا الحق،و المستوفي له، و المسؤول عنه،أما إذا كان فيه حق للناس،كحد القذف و السرقة فإن الحاكم لا يقيمه بمجرد علمه إلاّ إذا التمسه و طالب به المستحق،لأنه منوط بإرادته،قال

ص:265

الإمام الصادق عليه السّلام:الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني،أو يشرب الخمر أن يقيم عليه الحد،و لا يحتاج إلى بينة مع نظره،لأنه أمين اللّه في خلقه،و إذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب عليه أن يزجره و ينهاه،ثم يمضي و يدعه.فقيل له:

كيف ذاك؟قال:ان الحق إذا كان للّه فالواجب على الإمام إقامته،و إذا كان للناس فهو للناس.

حد اللواط:

اتفقوا بشهادة صاحب المسالك و الجواهر على أن حد اللواط على الفاعل و المفعول القتل،على شريطة أن يدخل الذكر أو شيء منه في المخرج،و ان يكون كل منهما عاقلا بالغا مختارا،و لا فرق بين أن يكون محصنا أو غير محصن، و لا بين أن يكون مسلما أو غير مسلم.

أما كيفية القتل فقد ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر على أن الحاكم مخير بين أن يضربه بالسيف،أو يحرقه بالنار،أو يلقيه من شاهق مكتوف اليدين و الرجلين،أو يهدم عليه جدارا،و له أيضا أن يجمع عليه عقوبة الحرق،و القتل أو الهدم أو الإلقاء من شاهق.و في ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السّلام ذكرها صاحب الوسائل،و استشهد ببعضها صاحب الجواهر.

و تسأل:و لما ذا الحرق و الإلقاء من شاهق و هدم الجدار؟أ لم يكن في القتل كفاية؟و هل اللواط أشد من الارتداد عن الإسلام؟ الجواب:لما كانت جريمة اللواط أسوأ أثرا في المجتمع من جميع الجرائم،لأنها تذهب بإنسانية الإنسان،و تستأصلها من الجذور،و لذا قيل:لو نكح الأسد في دبره لذل،أوجب ذلك المبالغة في الردع و الزجر صيانة للمجتمع

ص:266

من الأسواء و الأدواء.هذا،إلى أن العرب لم تكن تبالي بالقتل،و تراه شيئا من قبل.قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر عن رجل يؤتى في دبره،فاستشار أبو بكر عليا أمير المؤمنين عليه السّلام؟فقال:أحرقه بالنار،فإن العرب لا ترى القتل شيئا.

سؤال ثان:إذا لم يدخل القضيب أو شيء منه في المخرج،و لكن دار حوله و عليه في الخارج،بحيث لم يحصل الإيقاب،أو فخذ و ما إلى ذلك بشهوة كما يحصل بين الرجل و المرأة،فهل يعاقب الاثنان إذا كانا عاقلين بالغين مختارين؟ و على افتراض العقاب،فما هو نوعه؟ ذهب المشهور بشهادة صاحب المسالك إلى أن كلا منهما يعاقب بمئة جلدة.قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان كان دون الثقب فالحد،و ان كان قد ثقب أقيم قائما،ثم ضرب بالسيف.

ثم قال صاحب المسالك و تبعه صاحب الجواهر:«الظاهر في كون المراد من الحد هنا الجلد».

و ذهب أكثر الفقهاء بشهادة صاحب المسالك إلى أن هذه الفاحشة،أي التفخيذ و ما إليه إذا تكررت قتل من يرتكبها في الرابعة،لأنها من الكبائر،و أهل الكبائر يقتلون إذا تكرر عمل الجريمة منهم أربع مرات،كما جاء في الرواية الصحيحة عن الإمام الصادق عليه السّلام.

سؤال ثالث:قلت:ان عقاب العاقل البالغ القتل،فبأي شيء يعاقب الصبي و المجنون؟ الجواب:إذا لاط عاقل بالغ بصبي أو مجنون يعاقب العاقل البالغ بالقتل، و يترك تأديب الصبي و المجنون إلى نظر الحاكم فيعاقبهما بما دون الحد.قال

ص:267

الإمام الصادق عليه السّلام:جيء للإمام علي عليه السّلام برجل أوقب غلاما و ثقبه،و شهد الشهود بذلك،فقتل الرجل،و ضرب الغلام دون الحد،و قال له:لو كنت مدركا لقتلتك، لإمكانك إياه من نفسك.

و من قبّل غلاما بشهوة أدبه الحاكم و عزره بما يراه،لأنه ارتكب محرما.

قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده فيه كغيره من المحرمات،و في الخبر:

من قبّل غلاما ألجمه اللّه بلجامين من نار،و لا فرق بين أن يكون الغلام محرما كابنه و أخيه أو غير محرم».

التوبة من اللواط:

إذا تاب من اللواط قبل أن تقوم عليه البينة سقط عنه الحد فاعلا أو كان مفعولا،و إذا تاب بعدها لم يسقط.أما إذا أقر،ثم تاب كان الخيار في العفو و عدمه للإمام،تماما كما هي الحال في التوبة من الزنا التي سبق الكلام عنها في الفصل السابق فقرة«لا طهارة أفضل من التوبة».

السحق:

اشارة

عنونّا هذا الفصل باللواط،و السحق،و القيادة.و قد تكلمنا عن اللواط،أما السحق فمعناه لغة الشدة في الدق،و المراد به هنا وطء المرأة مثلها،و يطلق عليها المساحقة من باب المفاعلة،و هو من أشد الكبائر،و أعظم المحرمات،و في روايات أهل البيت عليهم السّلام:أنّه الزنا الأكبر،و أنّه يؤتى بالمساحقة غدا،و عليها سبعون حلة من نار،إلى غير ذلك من الأخبار.

ص:268

حد السحق:

ذهب المشهور بشهادة صاحب المسالك و الجواهر إلى أن حد السحق مائة جلدة للفاعلة و المفعولة مع العقل و البلوغ و الاختيار،محصنة كانت،أو غير محصنة.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن المساحقة؟قال:حدها حد الزاني،فإذا عطفنا هذه الرواية على رواية أخرى عن أبيه الإمام الباقر عليه السّلام التي قال فيها:

المساحقة تجلد كانت النتيجة أن المساحقة تعاقب بمئة جلدة،لأنها حد الزاني غير المحصن.

و إذا تكررت المساحقة تقتل الفاعلة و المفعولة في الرابعة،لأن السحق من الكبائر التي يقتل المصر عليها في الرابعة.

و يسقط حد السحق بالتوبة قبل إقامة البينة لا بعدها،و مع الإقرار و التوبة يكون الحاكم مخيرا بين إقامة الحد،و العفو،تماما كما هي الحال في الزنا و اللواط،لأن الجميع من باب واحد.

و يثبت السحق بشهادة أربعة رجال عدول،و لا تقبل شهادة النساء منضمات مع الرجال،و لا منفردات.و أيضا يثبت بالإقرار أربعا من البالغة الرشيدة المختارة،تماما كما هو الشأن في الزنا.

الحمل بالمساحقة:

إذا واقع رجل زوجته،و لما قام عنها ساحقت بكرا،فانتقلت نطفة الزوج من الزوجة إلى البكر،و حملت فما هو الحكم في الحد و مهر البكر و الحمل؟ و للفقهاء في ذلك أقوال،و الصواب ان كلا من الفاعلة و المفعولة تحد مائة جلدة،للنص على أنّها حد السحق من غير فرق بين المحصنة و غيرها كما تقدم،

ص:269

و ان على الزوجة الفاعلة أن تغرم للبكر مهر أمثالها،لأنها السبب لذهاب بكارتها، و ليست البكر بزانية،لأن الزانية أذنت في افتضاض بكارتها بخلاف هذه،و على هذا الشهيدان،و صاحب الشرائع و تلميذه العلامة و الشيخ و الأردبيلي.

أما الحمل فإنه يلحق بالزوج صاحب الماء،لأنه تولد من مائه،و لا موجب لانتفائه عنه على حد تعبير الشهيد الثاني،و على هذا صاحب الشرائع و العلامة و الشهيدان و الشيخ الأردبيلي.و أيضا يلحق بأمه،لأنه ولدها حقيقة،و لا دليل على نفيه عنها،و ما دل على نفيه عن الزانية لا يشمل المقام على حد تعبير السيد الحكيم في جوابه عن مثل هذه المسألة،و على هذا صاحب الرياض و السيد الحكيم.و قال الشيخ الأردبيلي:«يحتمل لحوق الولد بالبكر،للولادة من غير زنا.و قد تكلمنا عن ذلك في كتاب:الأحوال الشخصية على المذاهب الخمسة- فصل التلقيح الصناعي.

حد القيادة:

القواد هو الذي يجمع بين الرجل و المرأة،أو بين الذكر و الذكر على الحرام.و قد أجمعوا بشهادة صاحب الجواهر و المسالك على أن حد من يفعل ذلك خمس و سبعون جلدة رجلا كان،أو امرأة،لقول الإمام الصادق عليه السّلام يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة و سبعين سوطا،و ينفى من المصر الذي هو فيه.

قال صاحب المسالك:«ليس في الباب من الاخبار سوى هذه الرواية».

و قال جماعة من الفقهاء:ان الرجل القواد يضرب،و يحلق رأسه،و يشهر،و ينفى من بلده،أما المرأة القوادة فتضرب فقط،و لا حلق عليها،و لا تشهير،و لا نفي، قال الشهيد في شرح اللمعة:«للأصل،و منافاة النفي لما يجب من ستر المرأة».

ص:270

و تثبت القيادة بالإقرار مرتين مع كمال المقر بالعقل و البلوغ و الاختيار، و بشهادة رجلين عدلين.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف و لا اشكال.و لا تثبت بشهادة النساء منفردات أو منضمات».

ص:271

القذف و السكر و السرقة و قطع الطريق

اشارة

سبق أن أسباب الحد ستة:الزنا،و ما يلحق به من اللواط و السحق و القيادة، و القذف،و شرب المسكر،و السرقة و قطع الطريق.و سبق الكلام عن السببين الأولين،و نتكلم في هذا الفصل عن الأسباب الأربعة الباقية:

القذف:

للقذف الذي يترتب عليه الحد المنصوص عليه شرعا أركان ثلاثة:
1-الصيغة

،و هي أن يرمي إنسان آخر بالزنا أو اللواط فقط رجلا كان المقذوف،أو امرأة،و يتحقق القذف بكل لغة،على أن يكون اللفظ صريحا بالقذف،و القاذف عارفا به،أما معرفة المقذوف فليست بشرط،فإذا قال عربي لا عجمي:يا زاني أو يا لوطي تحقق القذف،مع توافر الشروط،حتى و لو لم يفهم الأجنبي شيئا.

و إذا قال له:يا فاسق أو يا شارب الخمر،و ما إلى ذلك،و هو بريء أو مستتر غير متجاهر لم يقم عليه الحد،و انما يعزره الحاكم بما يراه فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل قال لآخر:يا فاسق؟فقال:لا حد عليه،و يعزر.و كذا إذا

ص:272

قال له:يا كلب،أو يا خنزير،أو يا حقير،و ما أشبه.قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا قال الرجل:أنت خبيث أو خنزير فليس فيه حد،و لكن فيه موعظة،أو بعض العقوبة.

و إذا قال له:يا فاسق،و كان المقول له كذلك.و في الوقت نفسه غير مبال، بل هو مستخف و مستهتر و متجاهر بالفسق و ارتكاب الحرام،إذا كان كذلك فلا حد و لا تعزير على القائل.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف و لا اشكال،بل له الأجر على ذلك،قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة.و في الحديث النبوي:إذا رأيتم أهل البدع و الريب من بعدي فأظهروا البراءة منهم،و أكثروا من سبهم،كي لا يطمعوا بالفساد،و يحذرهم الناس،فيكتب لكم بذلك الحسنات،و ترفع لكم الدرجات».

و إذا قال له:يا ابن الزانية،أو يا زوج الزانية،أو يا ابن الزاني و اللوطي فليس للمقول له أن يطالب بإقامة الحد على القائل،حيث لم ينسب الفاحشة إليه، و انما نسبها إلى الأم و الزوجة و الأب،و لهؤلاء تمام الحق أن يطالبوا بإقامة الحد، لأنهم المقذوفون بالذات دون المقول له.أجل،له أن يطلب من الحاكم أن يؤدب القائل و يعزره،حيث قال له ما يكره.قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام قضى علي أمير المؤمنين عليه السّلام في الهجاء بالتعزير.

2-الركن الثاني القاذف

،و لا يقام عليه الحد الكامل إلاّ إذا كان عاقلا بالغا، فلا حد على الصبي و لا على المجنون،بل يعزران على ما يراه الحاكم،حتى لا يؤذيا أحدا،و لا فرق بين أن يكون المقذوف بالغا عاقلا،أو صبيا و مجنونا.قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك،لأن القلم مرفوع عن الصبي و المجنون، و في الصحيح أن الإمام الصادق عليه السّلام:قال لا حد لمن لا حد عليه،يعني لو أن مجنونا قذف رجلا لم أر عليه شيئا،و لو قذفه رجل فقال له:يا زاني لم يكن عليه

ص:273

حد:و سئل أبوه الإمام الباقر عليهما السّلام عن الغلام لم يحتلم،يقذف الرجل،هل عليه حد؟قال:لا،و ذلك لو أن رجلا قذف الغلام لم يحد».

3-الركن الثالث المقذوف

،و يشترط فيه العقل و البلوغ و الإسلام و عدم التظاهر و التجاهر بالزنا،فمن قذف صبيا أو مجنونا،أو غير مسلم،أو متجاهرا فلا يحد الحد الكامل،حتى و لو كان القاذف كاملا،و لكن يؤدب و يعزر بما يراه الحاكم،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يقذف الصبية،أ يجلد؟قال:لا حتى تبلغ،و سئل عن أهل الذمة و الكتاب،هل يجلد المسلم الحد في الافتراء عليهم؟قال:و لكن يعزر.

لا حد على الأب:

إذا قذف الابن الكامل أباه يقام عليه الحد،و إذا قذف الأب ابنه فلا يقام عليه الحد،و لكن يعزر،لا من أجل حق الابن،بل لأنه فعل محرما.فقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر صادق عليهما السّلام عن رجل قذف ابنه بالزنا؟قال:لو قتله ما قتل به،و إن قذفه لم يجلد.

الإثبات:

يثبت القذف بشهادة رجلين عدلين،و لا تقبل فيه شهادة النساء منفردات و لا منضمات،و أيضا يثبت بالإقرار مرتين من الكامل،فلا عبرة بإقرار الصبي، و لا المجنون،و لا المكره،و إذا انتفت البينة و الإقرار فلا حد و لا تعزير.

و أيضا كل ما يوجب التعزير من حقوق اللّه سبحانه يثبت بشاهدين،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف و لا إشكال،لإطلاق ما دل على اعتبارهما».

ص:274

و ذهب المشهور بشهادة صاحب المسالك إلى أنّه يثبت الموجب للتعزير بالإقرار مرتين،لا مرة واحدة.

حد القذف:

القذف من الكبائر،فقد جاء في الحديث الشريف عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«اجتنبوا السبع الموبقات.فقيل له:و ما هن يا رسول اللّه؟قال:

الشرك باللّه،و السحر،و قتل النفس التي حرم اللّه،و أكل الربا،و أكل مال اليتيم، و الفرار يوم الزحف،و قذف المحصنات».

و حد القاذف ثمانون جلدة إجماعا و نصا،و منه الآية 4 من سورة النور:

وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً .

و سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن امرأة قذفت رجلا؟قال:

تجلد ثمانين جلدة.

و يضرب القاذف ضربا وسطا،و هو مرتد ثيابه.قال الإمام الصادق عليه السّلام:

يضرب المفتري بين ضربين-أي الخفيف و الشديد-و يضرب جسده كله فوق الثياب.و أيضا قال:ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:الزاني أشد ضربا من شارب الخمر، و شارب الخمر أشد ضربا من القاذف،و القاذف أشد ضربا من التعزير.

و قال صاحب الشرائع و الجواهر:«و يشهر القاذف ليعلم الناس بحاله، فيجتنبوا شهادته،كما يشهر شاهد الزور».

و إذا مات المقذوف قبل أن يستوفي الحد من القاذف،أو يعفو عنه ورث حق المطالبة بإقامة الحد ورثة المقذوف،و هم الذين يرثون المال من الذكور و الإناث،عدا الزوج و الزوجة.قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك مضافا

ص:275

إلى النصوص العامة و الخاصة».

مسقطات الحد:

سبق أن الحد الكامل لا يثبت من الأساس على الصبي،و المجنون، و المكره،و الجاهل بمدلول اللفظ.و لا يثبت أيضا إذا كان المقذوف متجاهرا،أو غير مسلم.و نتكلم الآن في الموجبات التي يسقط معها الحد بعد ثبوته و تحققه، و هي:

1-أن تقوم البينة الشرعية على ثبوت ما رمى به القاذف المقذوف من الزنا أو اللواط.

2-أن يقر المقذوف بذلك،و لو مرة واحدة،و لا يشترط الإقرار أربع مرات إلاّ لثبوت حد الزنا و اللواط.

3-العفو،فإذا عفا المقذوف عن القاذف سقط عنه الحد.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف و لا إشكال بديهة كونه من حقوق الآدميين القابلة للسقوط بالإسقاط،و لقول الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:لا يعفى عن الحدود التي في يد الإمام،أمّا ما كان من حقوق الناس في حد فلا بأس أن يعفى عنه.

و إذا عفا المقذوف فليس له العدول و المطالبة بإقامة الحد بعد العفو،لأن الساقط لا يعود،و قد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل يفتري على الرجل،ثم يعفو عنه،ثم يريد أن يجلده الحد بعد العفو؟قال:ليس له ذلك بعد العفو.

4-اللعان،فإذا رمى زوجته بالزنا،ثم لا عنها سقط عنه الحد،و قد مر الكلام عن اللعان مفصلا في باب«الظهار و الإيلاء و اللعان»من هذا الجزء.

5-الصلح،فإذا اصطلحا على ان يسقط المقذوف حقه لقاء شيء يدفعه

ص:276

القاذف صح الصلح،و سقط الحد،لأن هذا الصلح لا يحلل حراما،و لا يحرم حلالا،فيشمله قول الإمام عليه السّلام:الصلح جائز ما لم يحلل حراما،أو يحرم حلالا.

6-انتقال حق المطالبة بالحد من المقذوف إلى القاذف بالإرث،فإذا قذف إنسان أحد أقاربه الذين يرثهم بالنسب،لا بالسبب،ثم توفي المقذوف قبل الاستيفاء ينتقل الحق إلى الوارث القاذف،و يسقط عنه تلقائيا.

7-التقاذف،فإذا تقاذف اثنان كاملان غير متجاهرين سقط عنهما الحد و عزّرا.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف،لصحيح ابن سنان:سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجلين افترى كل منهما على صاحبه؟قال:يدرأ عنهما الحد، و يعزران».

سب المعصومين عليهم السّلام:

أجمع الفقهاء الإمامية قولا واحدا على أن من سب الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نعوذ باللّه يجب على من يسمعه أن يقتله ما لم يخف الضرر على نفسه،أو غيره من أهل الإيمان.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن ذلك؟قال:يقتله الأدنى فالأدنى-أي ممن سمعه-قبل أن يرفع إلى الإمام.و قال رجل للإمام الباقر أبي الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:أ رأيت لو أن رجلا سب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أ يقتل؟فقال له:

ان لم تخف على نفسك فاقتله،إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة.

و قال صاحب المسالك:باقي الأنبياء يلحقون بالنبي الكريم في هذا الحكم،لأن تعظيمهم من صميم دين الإسلام.و روى الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عن آبائه عن جدهم الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن من سب نبيا من الأنبياء قتل،و من سب صاحب نبي جلد.

ص:277

و أيضا أجمعوا على أن من سب علي بن أبي طالب فدمه هدر،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن ذلك؟فقال:حلال الدم و اللّه لو لا أن يعم بريئا.

و من سب فاطمة الزهراء عليها السّلام فدمه هدر،لأنها بضعة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و النيل منها نيل منه بالذات عرفا و شرعا.

و أجمعوا أيضا بشهادة صاحب الجواهر على أن من كان على ظاهر الإسلام،و قال:لا أدري:هل محمد بن عبد اللّه صادق في قوله أو لا؟فهو مرتد يجب قتله،قال الإمام الصادق عليه السّلام:من شك في اللّه و رسوله فهو كافر.

السب عن غضب:

من سب الجلالة أو أحد المعصومين،و هو غاضب فغضبه ليس بشيء ينجيه من العقوبة ما دام مالكا لعقله و إرادته،بحيث لا يسقط الغضب عنه التكليف،و كذا تصح جميع معاملاته و طلاق زوجته.أجل،إذا بلغ الغضب منه حدا أفقده الشعور بحيث لا يعي و لا يعرف ما يقول،تماما كالمجنون فلا شيء عليه،قال صاحب الجواهر في باب الحدود،مسألة من سب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لم أجد من أفتى بأن الغضب مبرر على وجه لا يستلب الغضب اختياره على وجه يسقط عنه التكليف».

مدعي النبوة:

أجمعوا بشهادة صاحب الجواهر على أن مدعي النبوة يجب قتله،قيل للإمام الصادق عليه السّلام:ان فلانا يدعي النبوة.فقال،ان سمعته يقول ذلك فاقتله.

و في الحديث الشريف:أيّها الناس لا نبي بعدي،و لا سنة بعدي،فمن ادعى ذلك

ص:278

فدعواه ضلالة و بدعة في النار فاقتلوه.

حد الساحر:

أجمعوا بشهادة صاحب الجواهر على أن تعلّم السحر حرام،قال الإمام علي عليه السّلام:من تعلم شيئا من السحر كان آخر عهده بربه،و حدّه القتل إلاّ أن يتوب.

و أيضا أجمعوا على أن من عمل بالسحر يقتل ان كان مسلما،و يؤدب ان كان غير مسلم.قال الإمام الصادق عليه السّلام:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ان ساحر المسلمين يقتل،و ساحر الكفار لا يقتل.فقيل له:لم لا يقتل ساحر الكفار؟فقال:لأن الكفر أعظم من السحر.

السكر

الشراب:

المراد بالشراب هنا المسكر،و ليس للشارع حقيقة خاصة في معناه، و المرجع في تشخيصه هو العرف،فكل ما من شأنه أن يكون كثيره مسكرا فهو حرام و ان كان قليلا،سواء أصدق عليه اسم الخمر،أو أي اسم آخر،و سواء أ كان الاسم عربيا أو أجنبيا،كان في عهد الشارع،أو حدث بعده،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:كل مسكر من الأشربة يجب فيه ما يجب في الخمر من الحد.و عنه في رواية ثانية:كل مسكر حرام.فالعبرة في ثبوت التحريم و الحد أن تكون طبيعة الشراب مسكرة،فإذا افترض أن شخصا إذا شرب منه أرطالا لا يسكر فإنه يحد، و ان لم يؤثر فيه الشراب شيئا،ما دام الذي شربه من شأنه أن يسكر.بل من شرب القليل من المسكر يحد.و قد اشتهر بين الفقهاء:«ما أسكر كثيره فقليله حرام» و المصدر قول الإمام الصادق عليه السّلام:«من شرب حسوة خمر يجلد ثمانين جلدة.

ص:279

قليلها و كثيرها حرام».و عنه في رواية ثانية:«الحد في الخمر أن يشرب منها قليلا،أو كثيرا».و المراد بالخمر في قول الإمام مطلق الشراب المسكر،من أي نوع كان،و من غير استثناء.

أما الفقاع المأخوذ من الشعير فإنه حرام و موجب للحد،و ان لم يكن من شأنه و طبيعته السكر،لأن النص قد جاء في تحريمه و الحد عليه بالخصوص.

فقد سئل الإمام عنه فقال،فيه حد الشرب.و في رواية ثانية:خمرا استصغره الناس.

و كذلك النبيذ فإنه كالخمر حكما واحدا،و إن لم يكن من شأنه الإسكار، قال صاحب الجواهر:«لا إشكال في ذلك نصا و فتوى».و من النص قول الإمام الصادق عليه السّلام:يضرب شارب الخمر ثمانين،و شارب النبيذ ثمانين.و الخلاصة ان غير النبيذ و الفقاع من الشراب ليس بحرام إلاّ إذا كان مسكرا،أما النبيذ و الفقاع فإنهما حرام على كل حال،حتى مع عدم الإسكار،لتعلق النص بهما.

الشارب:

و المراد بالشارب من تناول شيئا من الشراب الذي ذكرناه،صرفا كان أو ممزوجا بغيره من مأكول أو مشروب،قليلا كان أو كثيرا،لأن الحرام هو عين الشراب بالذات حيثما وجد،حتى و لو كان مستهلكا في غيره.

و لا يحد هذا الشارب إلاّ بشروط أربعة:و هي أن يكون عاقلا بالغا مختارا مسلما عالما بأن هذا الشراب الذي تناوله حرام،فلا حد على الصبي و المجنون، لأن القلم مرفوع عنهما،و لا على المكره لحديث:«رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه»،و لا على غير المسلم إذا شرب في بيته و بلده،أما إذا شرب

ص:280

متجاهرا في بلد المسلمين فعليه الحد.قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:«قضى علي أمير المؤمنين عليه السّلام أن يجلد اليهودي و النصراني في الخمر و النبيذ المسكر ثمانين جلدة إذا أظهرا الشرب في مصر من أمصار المسلمين،و كذلك المجوسي،و لم يتعرض لهم إذا شربوها في منازلهم و كنائسهم».

و أيضا لا حد على من شرب جاهلا بالحكم،كما لو علم بأنّها خمر أو نبيذ، و جهل بالتحريم لقرب عهده بالإسلام،لأن الجهل بالحكم عن غير تقصير عذر، أو شرب جاهلا بالموضوع،كما لو تناول مائعا باعتقاد أنّه خل فبان خمرا.

و أيضا لا حد على المضطر،كالمريض و العطشان.

الإثبات:

يثبت الشرب بشهادة رجلين عدلين،و لا تقبل شهادة النساء إطلاقا،حتى على النساء منفردات كن،أو منضمات.

و أيضا يثبت بالإقرار مرتين،كغيره من الحدود،على أن يكون المقر عاقلا بالغا مختارا.قال الإمام علي عليه السّلام:من أقر عند تجريد-أي جرد من ثيابه ليضرب- أو حبس أو تخويف فلا حد عليه».

و تسأل:هل يثبت الشرب برائحة الفم،أو بوضع الإنسان على حالة السكر،كذهاب العقل،و ما إليه؟ الجواب:كلا،إذ من الجائز أن يشرب للتداوي،أو جهلا،أو مكرها، و الحدود تدرأ بالشبهات.

ص:281

الحد:

إذا ثبت الشرب يحد الشارب ثمانين جلدة إجماعا و نصا،و منه قول الإمام علي عليه السّلام:إذا شرب سكر،و إذا سكر هذي،و ان هذي افترى،فإذا فعل ذلك فاجلدوه حد المفتري ثمانين.

أمّا صورة الجلد فان كان الشارب امرأة ضربت،و عليها ثيابها،و ان كان رجلا جرد من ثيابه إلاّ ما يستر العورة،ثم ضرب على جسده دون الوجه و الفرج، و إذا شرب مرارا حدّ مرة واحدة،و ان تنوع الشراب،و إذا أقيم عليه الحد ثلاث مرات قتل في الرابعة،و قيل:في الثالثة.

توبة الشارب:

إذا تاب الشارب قبل أن تقوم البينة على شربه سقط عنه الحد.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف،كما هو الشأن في الزنا».

و إذا تاب بعدها لم يسقط الحد،قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور».

و إذا تاب قبل الإقرار فلا شيء عليه،و إذا تاب بعد الإقرار تخيّر الحاكم بين الحد و العفو.

السرقة

السارق و شروط الحد:

عقدنا هذا الفصل للكلام عن حد القذف،و الشرب،و السرقة،و قطع الطريق،و سبق الحديث عن الأولين.و نتكلم الآن عن السارق،و لا يحد إلاّ مع توافر الشروط التالية:

1-البلوغ،فلا حد على الصبي،و لو تكررت منه السرقة مرات و مرات،

ص:282

لحديث:«رفع القلم».أجل،يؤدبه الحاكم في كل مرة بما يرى.

و قال بعض الفقهاء:إذا تكررت السرقة من الصبي قطع الحاكم أطراف أصابعه في المرة الرابعة،أو الخامسة مستندا إلى روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السّلام و لكنها مختلفة الدلالة و المعنى،و قد أعرض المشهور عن العمل بها بشهادة صاحب الجواهر و المسالك،و حملها أكثر من واحد على إرادة التأديب بنظر الحاكم بسبب اختلافها،لأن نظر الحاكم في التأديب و التعزير يختلف باختلاف الصبيان.

2-العقل،فلا حد على المجنون،لحديث«رفع القلم»و لكن يؤدبه الحاكم إذا كان للتأديب أثر في ردع المجانين.

3-ارتفاع الشبهة،أما مع وجودها فلا قطع،و مثال ذلك أن يتوهم أن الذي أخذه هو ملك له،فيتبين أنّه مال الغير.

4-إذا كان المال المسروق شراكة بين السارق و غيره ينظر:فان كان الذي أخذه بمقدار نصيبه أو أقل فلا حد عليه،و ان كان آثما،للتصرف من غير اذن الشريك.

و إذا كان المأخوذ أكثر من سهمه،و يزيد عنه بمقدار النصاب الذي سنتكلم عنه فإنه يحد،على شريطة أن لا يدعي الاشتباه،و يقول:ظننت أن سهمي بهذا القدر فأخذته،و كان ذلك ممكنا في حقه،لأن الحدود تدرأ بالشبهات.

و تسأل:ما هو الحكم لو سرق من بيت المال؟ الجواب:ذهب أكثر الفقهاء بشهادة صاحب المسالك إلى أنه إذا أخذ بمقدار نصيبه فلا حد،و إلاّ أقيم عليه الحد،تماما كما هو الشأن في المال المشترك.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل سرق من الغنيمة،أي شيء

ص:283

عليه؟قال:ان كان الذي أخذ أقل من نصيبه دفع إليه تمام ماله،و ان كان قد أخذ مثل الذي له فلا شيء عليه،و ان كان أخذ فضلا بقدر ربع درهم قطع.

و بديهة أن هذا التفصيل انما يتأتى و يتم في عهد الإمام و ما إليه،حيث كان بيت المال يوزع على الافراد و العائلات.أمّا اليوم،حيث ينفق بيت المال في الصالح العام فلا مورد لهذا التفصيل من الأساس.فالأولى أن يترك الأمر إلى نظر الحاكم و تقديره،و مهما تكن العقوبة فلا يجوز أن تكون قطع اليد،لأن القطع حد،و الحدود تدرأ بالشبهات،و له ما عدا ذلك مما ينطبق عليه اسم التعزير.

5-أن يكون المال المسروق في حرز،فمن سرق سيارة من كاراج مقفل- مثلا-يحد،و يرجع السيارة إلى صاحبها،و من سرقها من الطريق فلا يحد،بل يعزر بما يراه الحاكم،و يرجع السيارة إلى أهلها.قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:«لا يقطع إلاّ من نقب بيتا،أو كسر قفلا».يريد من أخذ المال من حرز،حتى و لو لم ينقب البيت،و يسكر القفل،كمن تسلق الحائط،و دخل من النافذة،و سرق أمتعة البيت أو بعضها،فإنه يحد بالإجماع،و المعيار للحد أن كل مكان عام يدخله الناس من غير اذن فلا حد على من سرق منه،و كل مكان خاص لا يدخله أحد إلاّ بإذن صاحبه فعلى من يسرق منه الحد.قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:«كل مدخل يدخل فيه من غير اذن يسرق منه السارق فلا قطع عليه».و من هنا لا يحد الوكيل و لا الأجير و لا الضيف إذا خانوا،لمكان الاذن لهم بالدخول إلاّ إذا أحرز المال عنهم.قال الإمام الصادق عليه السّلام:الأجير و الضيف أمينان لا يقع عليهما حد السرقة.

و إذا كسر القفل شخص،و فتح الباب،و جاء الثاني و سرق المال،فلا حد عليهما،حتى و لو جاءا بهذا القصد،قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك،

ص:284

و لا اشكال فيه،لأن الأول لم يسرق،و الثاني لم يأخذ من الحرز.نعم،يجب على الأول إصلاح ما أفسد،و على الثاني إرجاع ما أخذ».

6-أن لا يكون السارق أبا،فإذا سرق الأب من ابنه فلا حد عليه، لحديث:«أنت و مالك لأبيك».و من الفقهاء من ألحق الأم بالأب،لأنها أحد الأبوين.

و جاء في كتاب الشرائع و شرحه لصاحب الجواهر:«يقطع الزوج إذا سرق من زوجته ما أحرزته دونه،و الزوجة إذا سرقت من زوجها ما أحرزه دونها بلا خلاف و لا اشكال.نعم،لا بأس بسرقة الزوجة مقدار النفقة إذا منعها منها،فان هندا قالت للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ان أبا سفيان رجل شحيح،لا يعطيني و ولدي إلاّ ما أخذته سرا؟قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف».

7-أن تبلغ قيمة المسروق ربع دينار ذهبا خالصا مضروبا عليه السكة على حد تعبير الفقهاء القدامى و الجدد،لقول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لا قطع إلاّ في ربع دينار».و مثله عن الإمام الصادق عليه السّلام،و عليه فمن سرق ما قيمته دون ذلك فلا يحد،و انما يعزر بما يراه الحاكم،و يرجع المسروق.

و لا أعرف قيمة ربع الدينار على التحقيق،و الذي أظنه أن قيمته لا تتجاوز خمس ليرات لبنانية كما هي الآن«اكتب هذه الكلمات في سنة 1966».

سنة المجاعة:

و من الشروط لثبوت الحد على السارق أن لا تكون السرقة في عام المجاعة،فإذا سرق الجائع مأكولا،حيث لا يجد وسيلة لسد حاجته إلاّ السرقة فلا حد عليه.قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا يقطع السارق في عام مسنت،أي مجاعة،

ص:285

و في رواية ثانية:لا يقطع السارق سنة المحل في شيء يؤكل مثل اللحم و الخبز، و أشباهه.

سارق الأكفان:

من حفر قبرا،و سرق كفن الميت أقيم عليه الحد،قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:يقطع سارق الموتى كما يقطع سارق الأحياء.و سئل عن رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها،و نكحها؟قال:ان حرمة الميت كحرمة الحي، تقطع يده،لنبشه،و سلبه الثياب،و يقام عليه الحد في الزنا،فإن أحصن رجم، و ان لم يكن أحصن جلد مائة.

الإثبات:

تختلف طرق الإثبات بالنظر إلى ثبوت الحد،و الغرم،و هو المال المسروق على التفصيل التالي:

1-إذا شهد رجلان عدلان ثبت الحد،و الغرم،لإطلاق أدلة الأخذ بقولهما،و لا بد من التفصيل في الشهادة لثبوت الحد،فتشهد البينة أن السارق أخذ من حرز،و ان المال المسروق يبلغ النصاب،و هو ما يعادل ربع دينار، بحيث ترتفع بسبب الشهادة جميع الشبهات التي يدرأ بها الحد.

2-يثبت الغرم فقط بشاهد و يمين،و بشاهد و امرأتين،لأنه من الحقوق المالية،أما الحد فلا يثبت باليمين،و لا بشهادة النساء على الإطلاق.

3-إذا أقر السارق مرة واحدة بالسرقة،و كان عاقلا بالغا مختارا ثبت الغرم فقط،و إذا أقر مرتين ثبت الغرم و الحد،و إذا رجع بعد الإقرار مرتين،و أكذب

ص:286

نفسه ثبت الغرم دون الحد،قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا يقطع السارق،حتى يقر بالسرقة مرتين،فان رجع ضمن السرقة،و لم يقطع إذا لم يكن شهود.

4-تقدم في فصل«اللواط و السحق و القيادة».فقرة«طرق الإثبات»رقم 3 أن الحاكم يقيم حد الزنا و شرب الخمر بعلمه،دون حد السرقة،و أنّه إذا نظر إلى رجل يسرق فالواجب أن يزجره و ينهاه:و يمضي و يدعه،كما قال الإمام الصادق عليه السّلام.

القطع:

يختلف حد السارق بالنظر إلى إقامته مرة واحدة،أو أكثر على التفصيل التالي:

1-إذا ثبت عليه ما يوجب الحد للمرة الأولى،بحيث لم يجر عليه الحد من قبل فتقطع أصابعه الأربع من يده اليمنى فقط،و يترك له الراحة و الإبهام.قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك،لخبر هلال عن الإمام الصادق عليه السّلام».و قد جاء في هذا الخبر أن هلالا سأل الإمام عليه السّلام:من أين تقطع اليد؟فقال:تقطع الأربع أصابع و تترك الراحة و الإبهام يعتمد عليهما في الصلاة،و يغسل بهما وجهه للصلاة».و بهذا يتحقق القطع الذي أمرت به الآية 38 من سورة المائدة:

وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللّهِ .

2-إذا قطع،ثم عاد للسرقة ثانية بعد القطع تقطع رجله اليسرى من مفصل القدم،و يترك له العقب يعتمد عليها،و يقال للعقب الكعب،و الكاحل،و هو أصل الساق.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده نصا و فتوى.قال الإمام الصادق عليه السّلام:القطع من وسط الكف،و لا يقطع الإبهام،و إذا قطعت الرجل ترك

ص:287

العقب،و لم يقطع».

و لا فرق بين أن تكون يده اليمنى صحيحة،أو شلاء،و بالعكس،و كذا الحكم بالقياس إلى الرجل اليسرى.

3-إذا سرق للمرة الثالثة بعد أن قطعت يده اليمنى،و رجله اليسرى حبس مؤبدا حتى يموت،أو يتوب توبة نصوحة و أنفق عليه من بيت المال ان لم يكن له مال،و لا يقطع منه شيء.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده في شيء من ذلك نصا و فتوى.قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:قضى علي أمير المؤمنين عليه السّلام في السارق إذا سرق قطعت يمينه،ثم إذا سرق مرة أخرى قطعت رجله اليسرى،ثم إذا سرق مرة أخرى سجن و تركت رجله اليمنى يمشي عليها، و يده اليسرى يأكل بها،و اني لأستحي من اللّه أن اتركه لا ينتفع بشيء،و لكن أسجنه،حتى يموت».

4-إذا سرق،و هو في السجن يقتل.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده،قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا أخذ السارق قطعت يده،فإن عاد قطعت رجله، فإن عاد استودع في السجن،فان سرق في السجن قتل».

سرقات كثيرة وحد واحد:

إذا سرق مرات و مرات،دون أن يظفر به لإقامة الحد عليه،ثم قبض عليه، و ثبت بالبينة أو بالإقرار جميع السرقات،إذا كان كذلك أقيم عليه حد واحد،و هو قطع اليد اليمنى فقط.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف.فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل سرق فلم يقدر عليه،ثم سرق مرة أخرى فلم يقدر عليه،ثم سرق مرة أخرى،فجاءت البينة،و شهدت عليه بالسرقة الأولى و الأخيرة؟قال:تقطع يده

ص:288

بالسرقة الأولى،و لا تقطع رجله بالسرقة الأخيرة،فقال السائل:و كيف ذلك؟قال الإمام:لأن الشهود شهدوا جميعا في مقام واحد بالسرقة الأولى و الأخيرة قبل أن يقطع بالسرقة الأولى».

لقد أعطى الإمام عليه السّلام في هذه الرواية الضابط الكلي،و المعيار الصحيح لتعدد العقوبات،و تكرارها،و انها تناط بتعدد البينة و تكرار الطريق الموجب للحكم،و لا تناط بتعدد الحوادث و تكرارها من حيث هي،لأن الحكم انما يتبع البينة و الدليل على الجريمة،و لا يتبع نفس الجريمة،حتى و لو لم يقم الدليل عليها.

ذو اليد الواحدة:

إذا كان السارق للمرة الأولى مقطوع اليد اليمنى،و لم يكن له إلاّ شماله فما هو الحكم.

قيل:تقطع يده اليسرى،و قيل:بل رجله اليسرى،و كلا القولين خروج عن موضع الإذن الشرعي في القطع،لأن قوله تعالى وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما مفسر في النص الصحيح بقطع اليمين،و المفروض عدمها،و قطع الرجل اليسرى لا يجوز إلاّ في الحد الثاني،و مفروض الكلام في الحد الأول، و عليه ينتفي الحد،و يتعين التعزير بما يراه الحاكم.قال صاحب الجواهر:

«المتجه سقوط الحد بسقوط موضوعه.خصوصا ان الحدود تدرأ بالشبهات، فيبقى التعزير المنوط بنظر الحاكم».

ص:289

توبة السارق:

إذا تاب السارق من تلقاء نفسه،و قبل أن تثبت السرقة عليه عند الحاكم بالبينة أو الإقرار فلا حد عليه لقول الإمام الصادق عليه السّلام:إذا جاء من قبل نفسه تائبا إلى اللّه سبحانه،ورد سرقته على صاحبها فلا قطع عليه.

و إذا تاب بعد قيام البينة لم يسقط الحد و ليس للحاكم أن يعفو عنه،لقول الإمام علي عليه السّلام،إذا قامت البينة فليس للإمام أن يعفو.

و إذا تاب بعد الإقرار مرتين كان الحاكم مخيرا بين أن يقطع يده،أو يعفو عنه.

حق اللّه و حق العبد:

من الجرائم ما يستدعي ارتكابها التعدي على حق اللّه فقط،كالزنا بغير المتزوجة،و اللواط،و شرب المسكر،فان من يفعل شيئا من هذه الموبقات فقد اعتدى على حق اللّه،أي الحق العام،لأن الزنا و اللواط حصل برضا الطرفين،و لا طرف ثان في شرب المسكر.و الوجه في أن هذا الفعل تعد على حق اللّه أن الفاعل قد خالف أمره سبحانه،و استهان بحرماته جل و عز،و نشر الفساد في الأرض.الذي يضر بالمجتمع و الصالح و العام.و بديهة ان كل ما يمس الصالح بسوء فهو تعد على حق اللّه.

و من الجرائم ما يستدعي ارتكابها التعدي على حق اللّه و العبد معا،كالقذف و السرقة فإن فيهما جهة شخصية،و هي الضرر و الأذى لشخص معين.و أيضا فيهما مخالفة لأمر اللّه،و إضرار بالمجتمع و الصالح العام،لانتشار الفساد في الأرض.

ص:290

و يفترق كل من الحقين عن الآخر بأن الحق الخاص يجوز العفو عنه،و لا يجوز العفو عن الحق العام إلاّ إذا ثبت بالإقرار على التفصيل المتقدم في فقرة توبة السارق،و توبة الشارب،و مسقطات الحد من هذا الفصل،و في فقرة التوبة من اللواط،و لا طهارة أفضل من التوبة من فصل الحدود و التعزيرات.

و يفترقان أيضا بأن اقامة حد اللّه المحض لا تتوقف على المطالبة،و لا يرثه أحد.أما اقامة السارق و القاذف فتتوقف على المطالبة،و تنتقل حق المطالبة إلى الورثة.و أيضا يقيم الحاكم حد اللّه بمجرد علمه،و لا يقيم الحد به في حقوق الناس.و سبق الكلام عن ذلك في فصل«اللواط و السحاق و القيادة»فقرة طريق الإثبات،رقم 3.

و إذا أقيم الحد على السارق فعليه أن يعيد المسروق،و لا يسقط عنه بحال.

قال الإمام الباقر أبو الإمام الصادق عليهما السّلام:السارق يتبع بسرقته،و ان قطعت يده و لا يترك أن يذهب بمال امرئ مسلم.

قطع الطريق

قاطع الطريق:

عقدنا هذا الفصل للكلام عن حد القذف،و السكر،و السرقة،و قطع الطريق،و سبق الحديث عن الثلاثة.و بقي أن نتكلم عن الأخير.و قد عنونه الفقهاء بالمحارب،و عرفوه بمن جرد السلاح لإخافة الناس في بر أو بحر ليلا أو نهارا في مصر و غيره.

و المراد بالسلاح كل ما من شأنه أن يخيف الناس،حتى و لو كان عصا أو حجارة،و قولهم لإخافة الناس يشمل من جرد السلاح بقصد تخويف الغير، حتى و لو لم يخف منه أحد،و لم يعتد على أحد بسلب أو قتل أو إهانة،و يخرج

ص:291

من حمل السلاح و جرده لا بقصد التخويف.

الإثبات:

تثبت هذه الجناية بالإقرار مرة واحدة،لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز،و لا دليل على وجوب التكرار هنا،و انما احتجنا إليه في الزنا و اللواط و السرقة و القذف لمكان الدليل الخاص.و أيضا تثبت بشهادة رجلين عدلين،و لا تقبل شهادة النساء على الإطلاق.

و لا تقبل شهادة اللصوص بعضهم على بعض،لأن اللصوصية من الكبائر، و شرط الشهادة العدالة.و أيضا لا تقبل شهادة المسلوبين بعضهم لبعض على اللصوص و قطاع الطريق،لمكان العداوة.فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رفقة كانوا في طريق،فقطع عليهم الطريق،و أخذ اللصوص،فشهد بعض الرفقاء لبعض؟ فقال:لا تقبل شهادتهم إلاّ بإقرار اللصوص،أو شهادة من غيرهم عليهم.

و نحن لا نشك في أن تقدير الشهادة هنا و بهذه الجناية بالذات ترجع إلى نظر الحاكم و تقديره،حتى و لو لم يكن لتقدير أي أثر في غيرها من الجنايات.

الحد:

يترك للحاكم الخيار في نوع العقوبة التي يوقعها بقاطع الطريق،فان شاء قتل،و ان شاء صلب،و ان شاء قطع يده اليمنى مع رجله اليسرى و ان شاء نفاه من بلده إلى بلد آخر.قال تعالى إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ المائدة:33.

ص:292

و لفظ«أو»للتخيير.و قال الإمام الصادق عليه السّلام:ذاك إلى الإمام ان شاء قطع، و ان شاء صلب،و ان شاء نفى،و ان شاء قتل.

و المراد بلفظ من خلاف في الآية الكريمة أن يخالف الحاكم في القطع بين يد المجرم و رجله،فلا يقطعهما من جانب واحد،بل يقطع اليد اليمنى،و الرجل اليسرى،كما هي عقوبة السارق إذا حدّ مرتين.

و انما يتخير الحاكم بين قتل المحارب الذي قطع الطريق،و صلبه،و قطعه من خلاف،و نفيه من البلاد إذا لم يكن قد قتل شخصا طلبا للمال.أما إذا فعل ذلك فيتعين قتله على كل حال،حتى و لو عفا ولي المقتول عنه.قيل للإمام الباقر أبي الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:أ رأيت لو أراد أولياء المقتول أن يأخذوا الدية، و يدعوه،أ لهم ذلك؟قال:لا.عليه القتل.

توبة قاطع الطريق:

إذا تاب قاطع الطريق من تلقاء نفسه،و قبل أن يقبض عليه سقط عند الحد، و الحق العام الذي يسميه الفقهاء حق اللّه،لقوله تعالى في الآية 34 من سورة المائدة إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .

و خرج في عهد الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام حارثة بن زيد محاربا،ثم تاب،فقبل الإمام توبته.

و بديهة أن التوبة قبل الظفر تسقط عنه الحق العام فقط،أما الحقوق الخاصة للناس فلا تسقط،و يطالب بها،فان سلب مالا فعليه إرجاعه،و ان قتل شخصا فلأوليائه أن يقتلوه به ان شاءوا.

و إذا تاب بعد القبض عليه،و الظفر به فلا تجديه التوبة شيئا في سقوط

ص:293

الحد و العقوبة الدنيوية،و ان كانت السبيل إلى مغفرة اللّه و عفوه في الدار الآخرة.

قتل اللص:

من دخل دار غيره للتلصص أو الفجور،و لا سبيل لصاحب الدار إلى دفعه و الخلاص منه و من شره إلاّ بالقتل جاز له قتله،و إذا قتله فدمه هدر.قال الإمام الصادق عليه السّلام:من دخل على مؤمن داره محاربا له فدمه مباح في تلك الحال للمؤمن،و هو-أي دمه-في عنقي.و في رواية ثانية:إذا دخل عليك اللص فان استطعت أن تبدره و تضربه فابدره و اضربه.و في ثالثة:اللص محارب للّه و رسوله،فما عليك منه فهو علي.و في رابعة:من دخل دار غيره فقد أهدر دمه، و لا يجب عليه-أي على قاتله-شيء.و في خامسة:ان اللّه ليمقت العبد يدخل اللص على بيته فلا يقاتل.إلى غير ذلك من الروايات التي تحث على قتل اللص بصراحة و وضوح.

و هي-كما رأيت-مطلقة و غير مقيدة بتوقف الدفع و الخلاص من اللص على قتله.و لكن الفقهاء قيدوها بذلك.و أحسب أنّه لا دليل على هذا القيد إلاّ وضع أنفسهم و أنهم لو ابتلوا بذلك لم يقتلوا اللص.أثابهم اللّه.

المزور و المحتال:

و تسأل:لقد ذكرت عقوبة السارق،و قاطع الطريق،و حكم صاحب الدار مع اللص،و لم تذكر عقوبة الذين يحتالون بالكذب و التزوير على ابتزاز الأموال و اختلاسها.

الجواب:لقد جاء النص الصحيح الصريح بشهادة صاحب الجواهر و غيره

ص:294

بأن هذا تقطع يده،تماما كالسارق.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل قال لآخر:أرسلني إليك فلان بكذا و كذا،فصدقه و أعطاه،ثم تبين كذبه؟فقال الإمام:ان وجد عليه بينة أنّه لم يرسله قطعت يده.قال السائل:أ رأيت لو زعم أنّه حمله على ذلك الحاجة؟قال الإمام:يقطع،لأنه سرق مال الرجل.

و بالرغم من اعتراف الفقهاء بصحة هذه الرواية و صراحتها فإنهم أعرضوا عنها،و قالوا:لا يقتل المزور المحتال،بل يعزر بما يراه الحاكم.و لم يفسروا اعراضهم عن الرواية بشيء معقول.و قد فسرت اعراضهم عن قتل اللص بوضعهم الخاص،و روعهم و احتياطهم،و لا شيء لديّ أفسر به إعراضهم عن هذا النص الصريح الصحيح.

الاطلاع على العورات:

من تطلّع في بيت انسان من ثقب أو شق باب و نحوه فعلى صاحب البيت أن يزجره أو لا،فإن أصر فله أن يضربه،أو يرميه بحصاة،و ما أشبه،و إذا تضرر بذلك المتلصص المتجسس فلا شيء على صاحب البيت.قال صاحب الجواهر:

«الإجماع على ذلك،لقول الإمام عليه السّلام:عورة المؤمن على المؤمن حرام.و من اطلع على مؤمن في منزله فعيناه مباحتان للمؤمن في تلك الحال.و في الحديث النبوي الشريف:من اطلع عليك،فحذفته بحصاة ففقأت عينه فلا جناح عليك».

الاستمناء:

الاستمناء باليد و غيرها من الذنوب الكبائر،و من يثبت عليه أدبه الحاكم و عزره بما يراه.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عنه؟قال:هو اثم عظيم،قد نهى اللّه

ص:295

عنه في كتابه،و فاعله كناكح نفسه،و لو علمت بمن يفعله ما أكلت معه.قال السائل:أين هو في كتاب اللّه يا ابن رسول اللّه؟فتلا الإمام الآيات الأولى من سورة المؤمنون وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ .و الاستمناء مما وراء ذلك.و في رواية ثانية:الخضخضة-أي الاستمناء-من الفواحش.

ص:296

المرتد و الفاعل بالأموات و البهائم

المرتد:

اشارة

المرتد من كان مسلما عاقلا بالغا،ثم رجع و ارتد عنه،و الارتداد أفحش و أفضع أنواع الكفر على الإطلاق.

قال تعالى وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (1).

و قال كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ (2).

و قال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ (3).

و قال إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (4).

و جاء في الحديث عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«من بدل دينه فاقتلوه».

ص:297


1- البقرة:217. [1]
2- آل عمران:86. [2]
3- المائدة:54. [3]
4- النساء:137. [4]

و قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:من رغب عن الإسلام، و كفر بما انزل على محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد إسلامه فلا توبة له.و قد وجب قتله،و بانت منه امرأته،و قسم ما ترك على ولده.إلى غير ذلك من الأحاديث و الروايات.

حقيقة الارتداد:

و تسأل:بأي شيء يحصل الارتداد؟و هل له صيغة خاصة أو فعل خاص؟ الجواب:يحصل الارتداد بجحود الإسلام بعد الايمان به،و بكل فعل أو قول يشعر بقصد التحقير و الإهانة لما ثبت في دين الإسلام بطريق القطع و الجزم عند جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم-أصلا كان هذا الشيء،كالإيمان باللّه و الرسول و اليوم و الآخر،أو فرعا،كوجوب الصوم و الصلاة،و الحج و الزكاة.

قال الشيخ الأردبيلي (1)في شرح الإرشاد،باب الحدود،المقصد الثامن في الارتداد:

«يتحقق الارتداد من مسلم بالغ عاقل اما بفعل دال عليه،مثل عبادة غير اللّه تعالى،كعبادة الأصنام و السجود لها،و عبادة الشمس و القمر،و إلقاء المصحف عامدا عالما في القاذورات،و ضربه بالرّجل،و تمزيقه اهانة و إعراضا،و نحو ذلك مما يدل على الاستهزاء بالشرع و الشارع».

و امّا بقول دال على الخروج من الإسلام،و الإهانة بالشرع و الشارع، و الاستهزاء به،سواء أ كان عنادا:أو سخرية،أو اعتقادا،مثل أن يقول:اللّه ليس

ص:298


1- هو أحمد بن محمد الأردبيلي نسبة إلى بلده بآذربيجان،و منزلته عند الإمامية منزلة الكبار المعظمين،و أهل التأليف المحققين،تلمذ عليه من ذوي الشأن و المكانة علما و تأليفا صاحب المعالم،و صاحب المدارك،و غيرهما،توفي سنة 933.

بموجود،أو له شريك،أو ليس بشيء،أو يقول:محمد ليس على حق:

و الإسلام ليس بحق،و نحو ذلك،أو ينكر ما علم من الدين ضرورة،مثل إنكار وجوب الصلاة و الصوم و الزكاة.و بالجملة ما يدل على قصده اهانة الشرع،و عدم اعتقاد أنّه حق،و عدم الاعتداد به فعلا كان أو قولا،معتقدا بالإهانة أو غير معتقد، بل مجرد الهزل و المزاح،و عدم الاعتداد-أي الاهتمام-بشأن الإسلام في تحقق الارتداد،و لا عبرة بفعل الصبي و قوله ما لم يبلغ،و لا المجنون ما لم يفق،و لا المكره ما لم يرتفع الإكراه،و لا السكران ما لم يذهب السكر».

أ رأيت كيف تشدد الشيعة في تعظيم الإسلام،و تكريم كل ما يمت إليه بسبب قريب أو بعيد.حتى الإهانة و الاستهزاء بفرع من فروعه فضلا عن أصوله موجب للقتل و عدم التوبة.و مع ذلك قال قائل:ليست الشيعة على شيء من الإسلام.تماما كما قيل للرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لست مرسلا،فأمره الخالق البارئ أن يجبهم وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ آخر سورة الرعد.

الفطري و الملي:
قسم الفقهاء المرتد إلى قسمين:
1-كل مولود تكوّن من نطفة،و أبواه أو أحدهما مسلم حين نزول النطفة

في رحم أمه

فهو بحكم الإسلام،فإن بلغ مسلما،أي اختار الإسلام حين بلوغه بالقول أو بالفعل،ان كان كذلك انتقل من المسلم حكما إلى المسلم حقيقة،و ان بلغ كافرا،أي اختار الكفر حين بلوغه انتقل من المسلم حكما إلى الكافر حقيقة.

ص:299

و تسأل:إذا انعقد،و أبواه أو أحدهما مسلم،ثم ارتد الأبوان عن الإسلام، فهل يبقى الولد على حكم الإسلام،و يتبعهما في عدم الإسلام؟ الجواب:بل يبقى بحكم الإسلام،قال صاحب الجواهر في باب الميراث:

«بلا خلاف أجده».و قال في باب الحدود:«لا دليل على تغيره بارتداد الأب،بل لو انعقد بإسلام أحد أبويه حكم بإسلامه،و لذا لو ماتت الأم مرتدة،و هي حامل به تدفن في مقابر المسلمين».

سؤال ثان:إذا انعقد،و أبواه غير مسلمين،ثم أسلما،فهل يتبعهما في الإسلام،أو يبقى على حكم غير المسلم؟ و للفقهاء في هذا قولان:الأول:انه يبقى على حكم غير الإسلام،لأنه كان كذلك قبل إسلام أبويه،أو أحدهما،و بعده نشك،فنبقي ما كان على ما كان استصحابا للحال السابقة،و على هذا صاحب الجواهر حيث قال في باب الحدود:«لو انعقد منهما كافرين لم يكن الولد فطريا-أي بحكم الإسلام-و ان أسلم أبواه أو أحدهما عند الولادة،فإن له حالا سابقة محكوما بكفره،فلم تكن فطرية على الإسلام».

القول الثاني:ان الولد،و الحال هذي،يتبع أبويه الذين أسلما بعد انعقاده.

و عليه الشهيد الثاني في المسالك،كما جاء في باب الميراث،و أشرنا إليه في فصل الإرث من هذا الجزء فقرة«الطفل تابع».

و نميل نحن إلى عدم الفرق بين من انعقد و أبواه أو أحدهما مسلم،و بين من انعقد و أبواه غير مسلمين،ثم أسلما كلاهما أو أحدهما،و أنّه في حكم المسلم،و هو صغير،من حيث الطهارة و الزواج و الإرث و الدفن في مقابر المسلمين،و انّه إذا بلغ،و اختار الكفر دعي إلى الإسلام،فإن أسلم فذاك،و ان

ص:300

اختار الكفر استتيب،فان تاب قبل منه،و إلاّ ضربت عنقه،و دليلنا ما جاء في كتاب من لا يحضره الفقيه عن الإمام عليه السّلام،إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام،فإن امتنع قتل.

فقول الإمام:إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام يشمل إسلام الأب قبل انعقاد الولد،و حينه،و بعده.

و بالإجمال ان المرتد عن فطرة الذي يجب قتله على كل حال،و لا تقبل توبته في الظاهر،ان هذا هو الرجل الذي انعقد،و أبواه أو أحدهما مسلم،و حين بلوغه و إدراكه اختار الإسلام بالقول أو بالفعل،و أصبح مسلما حقيقة لا حكما، و بعد هذا كله ارتد عن الإسلام.أما إذا اختار الكفر حين بلوغه و إدراكه فإنه لا يقتل على كل حال،بل يستتاب أولا،تماما كالمليّ الذي سنتكلم عنه في الرقم الثاني، و إذا لم ينطبق عليه اسم الملي حقيقة فإنه في حكمه.

2-المرتد الملي

،و هو الذي كان كافرا حقيقة عند بلوغه،ثم أسلم،ثم ارتد،و رجع عن الإسلام،أمّا إذا بلغ كافرا فإنه يستتاب و يدعى إلى الإسلام،فإن أجاب فذاك،و ان أصر على الكفر قتل ان كان رجلا.

و لا يتحقق الارتداد بكلا قسميه إلاّ مع العقل و البلوغ و الاختيار،قال صاحب الجواهر:لا عبرة بارتداد الصبي،حتى و لو كان مراهقا،لحديث:رفع القلم.و غيره،و لكنه يؤدب بما يرتدع به.و أيضا لا عبرة بردة المجنون حال جنونه مطبقا،أو أدواريا،و لا بردة المكره الذي رفع التكليف عنه.قال تعالى:

إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ (1).

قال الرازي في تفسيره الكبير:«روي أن أناسا من أهل مكة فتنوا فارتدوا

ص:301


1- النحل:166. [1]

عن الإسلام بعد دخولهم فيه،و كان فيمن أكره فأجرى كلمة الكفر على لسانه مع أنه كان بقلبه مصرا على الايمان عمار و أبواه ياسر و سمية و صهيب و بلال و خباب و سالم،فهؤلاء عذبوا بأنواع العذاب،فأما سمية فقيل:ربطت بين بعيرين، و وخزت في قلبها بحربة،و قالوا لها:إنك أسلمت من أجل الرجال،و قتلت و قتل ياسر،و هما أول قتيلين قتلا في الإسلام،و أمّا عمار فقد أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها،فقيل:يا رسول اللّه ان عمارا كفر.فقال:كلا،ان عمارا مليء ايمانا من قرنه إلى قدمه،و اختلط الايمان بلحمه و دمه،فأتى عمار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو يبكي،فجعل رسول اللّه يمسح عينيه،و يقول:مالك؟ان عادوا لك فعد لهم بما قلت».

أحكام المرتد عن فطرة:

إذا تاب الرجل المرتد عن فطرة قبلت توبته في الواقع،و لم تقبل في الظاهر،و معنى قبولها في الواقع أن اللّه سبحانه يسقط العقاب عنه غدا يوم القيامة، لأنه مكلف في حال ارتداده بالإسلام،لبلوغه و كمال عقله فلو لم يقبل و كان معاقبا على كل حال لكان مكلفا بما لا يطيق،و هو محال و باطل في مذهب الإمامية.قال صاحب المسالك:«أمّا فيما بينه و بين اللّه فقبول توبته هو الوجه حذرا من تكليف ما لا يطاق».

و معنى عدم قبول توبته في الظاهر أنّه يقتل على كل حال،حتى و لو أسلم، و تبين منه زوجته في الحال،و تعتد منه عدة الوفاة أربعة أشهر و عشرة أيام من حين ارتداده،و تقسم أمواله بين ورثته.قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك للنصوص».و من هذه النصوص قول الإمام الصادق عليه السّلام:كل مسلم بين

ص:302

مسلمين ارتد عن الإسلام،و جحد محمّدا نبوته و كذّبه،فإن دمه مباح لكل من سمع ذلك منه،و امرأته بائنة منه يوم ارتد،فلا تقربه،و يقسم ماله بين ورثته، و تعتد امرأته عدّة المتوفى عنها زوجها،و على الإمام أن يقتله،و لا يستتيبه.و في رواية ثانية:إذا ارتد المسلم يقتل و لا يستتاب،و إذا أسلم النصراني،ثم ارتد عن الإسلام يستتاب،فان رجع و إلاّ قتل.

أحكام المرتد عن ملة:

إذا تاب المرتد عن ملة تقبل توبته و لا يقتل،و ان أصر على الارتداد قتل.

فقد سئل الإمام عليه السّلام عن مسلم تنصر؟قال:يقتل و لا يستتاب.قال السائل:

فنصراني أسلم،ثم ارتد عن الإسلام؟قال الإمام:يستتاب،فان رجع،و إلاّ قتل.

و تعتد زوجته في الحال عدّة الطلاق،فان تاب قبل انقضاء العدة فهو أملك بها،و ان تاب بعدها بانت منه،و انقطعت العصمة بينهما،و لا تقسم أمواله على ورثته إلاّ بعد قتله أو موته،و لكنه يمنع من التصرف بها،و ان عاد إلى الإسلام رفع عنه المنع.قال صاحب الجواهر:«لا خلاف أجده بيننا في أنّه يحجز الحاكم على أمواله أي يمنعه من التصرف فيها،حتى الذي يتجدد بعد الارتداد بالاحتطاب أو الانهاب أو التجارة،أو غير ذلك.

المرأة المرتدة:

أجمعوا قولا واحدا أن المرأة إذا ارتدت لا تقتل بحال،سواء أ كان ارتدادها عن فطرة،أو عن ملة.

و إذا تابت تقبل توبتها،و يخلى سبيلها،و إذا بقيت مصرة على الارتداد

ص:303

تخلد في السجن مع الأشغال الشاقة،و يضيق عليها في المأكل و المشرب و الملبس،و تضرب أوقات الصلاة.قال صاحب الجواهر:«إجماعا و نصا».و منه قول الإمام الصادق عليه السّلام:المرتدة عن الإسلام لا تقتل،و تستخدم خدمة شديدة، و تمنع الطعام و الشراب إلاّ ما يمسك نفسها،و تلبس خشن الثياب،و تضرب على الصلاة.

للفاعل بالأموات:

من وطأ زوجته بعد موتها فقد فعل محرما،و لكنه لا يحد حد الزاني، لمكان الزوجية،و انما يعزر بما يراه الحاكم.قال صاحب الجواهر،«لم أجد خلافا فيه.و يسقط عنه الحد للعلاقة الزوجية،و ان عزر لانتهاك الحرمة،أو لكونه محرما إجماعا،و ان لم يكن زنا لغة و عرفا،و ما بحكمه شرعا».

و من وطأ ميتة أجنبية،فإن كان محصنا رجم،و ان كان غير محصن جلد مائة جلدة،تماما كما لو زنى بامرأة حية،بل هنا أفحش و أفظع،فيعزره الحاكم بما يراه بالإضافة إلى الحد.قال صاحب الجواهر:«الإجماع و النص على ذلك.فقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن رجل نبش امرأة فسلبها ثيابها و نكحها؟قال:ان حرمة الميت كحرمة الحي،حده أن تقطع يده،لنبشه و سلبه الثياب،و يقام عليه حد الزنا-ان أحصن رجم،و ان لم يكن قد أحصن جلد مائة.

و غيره من النصوص،بل الجناية هنا أفحش،فتغلّظ له العقوبة زيادة على الحد بما يراه الإمام».

و من لاط بميت فحكمه حكم من لاط بالحي مع زيادة التعزير.

و يثبت الزنا و اللواط بالميت بما يثبت به الزنا و اللواط بالحي.انظر فصل

ص:304

«الحدود و التعزيرات»و فصل«اللواط و السحاق و القيادة»من هذا الجزء.

الفاعل بالبهائم:

من وطأ بهيمة عزره الحاكم بما يرى.قال الإمام الصادق عليه السّلام:ليس عليه حد،و لكن يضرب تعزيرا.و في رواية ثانية:لا رجم عليه،و لا حد،و لكن يعاقب عقوبة وجعة.

ثم ان كانت البهيمة الموطوءة مما يؤكل لحمه كالبقر و الغنم حرم لحمها و لبنها و نسلها،و وجب أن تذبح،ثم تحرق،و يغرم الواطئ قيمتها للمالك،ان لم يكن واطئها صاحبها.

و ان تكن مما لا يؤكل عادة كالخيل و الحمير وجب إخراجها إلى بلد آخر، و تباع بأي ثمن،و يعطى للواطئ،و يغرم هو بدوره القيمة السوقية لمالكها،فقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن الرجل يأتي البهيمة؟قال:

يجلد دون الحد،و يغرم قيمة البهيمة لصاحبها،لأنه أفسدها عليه،و تذبح و تحرق ان كانت مما يؤكل لحمه،و ان كانت مما يركب ظهره أغرم قيمتها،و جلد دون الحد،و أخرجت من المدينة التي فعل بها إلى بلد آخر.

و يثبت هذا الفعل الشنيع بإقرار البالغ العاقل المختار،و بشهادة رجلين عدلين،و لا تقبل النساء منفردات و لا منضمات.

ص:305

كتاب القصاص

اشارة

تبين من تضاعيف الفصول الأربعة السابقة أن الجرائم التي لها عقوبات مقدرة في الكتاب و السنة تسمى حدا،و أن الكبائر التي لا تقدير لعقوبتها في لسان الشارع،و ترك تحديدها و تقديرها لنظر الحاكم تسمى تعزيرا،و أن الحدود المنصوص عليها هي الزنا و اللواط،و السكر،و السرقة،و قطع الطريق، و الارتداد،و أن التزوير،و الشتم بغير الزنا و اللواط،و وطء البهائم،و ما إليه من الكبائر يدخل في التعزيرات.

القصاص:

و نتكلم الآن عن القصاص،و المراد به أن يستوفي الإنسان ممن اعتدى عليه بمثل ما اعتدى من قطع أو جرح.أمّا الضرب فلا قصاص فيه،و تأتي الإشارة إلى ذلك في الفصل التالي«الأعضاء و الجروح»فقرة الضرب دون زيادة.و يسمى أيضا بالقود،تقول:أقاد القاتل بالقتيل،أي قتله به.و قد نص الشارع عليه في الكتاب و السنة عموما و خصوصا،و لم يترك أمر تقديره إلى نظر الحاكم أو غيره.

قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ البقرة:178.

ص:306

قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ البقرة:178.

و قال وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ البقرة:179.

و قال وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ المائدة:45.

و قال وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً الإسراء:33.

و قال وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ الشورى:40.

و قال فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ البقرة:195.

و قال الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لو اجتمعت ربيعة و مضر على قتل امرئ مسلم قيدوا به.و الجريمة الموجبة للقصاص على نوعين:قتل النفس و ما دون القتل،كقطع عضو من الأعضاء،أو الجرح أو الضرب و فيما يلي التفصيل:

قتل العمد:

يقع القتل على أنحاء ثلاثة:عمد،و خطأ،و شبه عمد.و المقصود في باب القصاص هو قتل العمد،لأنه موجب له،أمّا قتل الخطأ و شبه العمد فإنهما يوجبان الدية دون القصاص،و سنتعرض لهما مفصلا في باب الديات ان شاء اللّه،كما فعل غيرنا من الفقهاء المؤلفين.

و قد اتفقوا بشهادة صاحب المسالك و الجواهر على أن قتل العمد يتحقق

ص:

من العاقل البالغ إذا قصد القتل من فعل يستدعي القتل في الغالب،كالضرب بأداة قاتلة،أو الإلقاء من شاهق،أو في النار،أو البحر،أو خنقه،أو أطعمه السم،و ما إلى ذلك مما يحصل به،إزهاق الروح عادة.

و أيضا اتفقوا على أن من ضرب غيره ضربا مبرحا،حتى قتل فهو عامد و ان لم يقصد القتل بالذات،لأن قصد الفعل القاتل قصد للقتل.قال صاحب الجواهر:

«و يعضد ذلك النصوص المعتبرة المستفيضة،منها ان الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل ضرب رجلا بعصا،فلم يرفع الضرب عنه حتى مات،أ يدفع لأولياء المقتول؟-أي ليقتلوه قصاصا-قال:نعم.و يجهز عليه بالسيف-ثم قال صاحب الجواهر-فيكفي قصد ما علم أنّه يسبب القتل عادة،و ان ادّعى الفاعل الجهل لم تسمع دعواه.إذ لو سمعت بطلت أكثر الدماء،كما هو واضح».

و تسأل:إذا ضربه بشيء لا يحصل به القتل عادة،كالضرب بحجر أو عصا، أو وكزة،فمات بسبب ذلك،فهل يعد هذا عمدا موجبا للقصاص؟ ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى أن هذا الفعل إذا اقترن منذ البداية بقصد القتل فهو عمد،و إلاّ فلا عمد.قال الإمام الصادق عليه السّلام:إنما الخطأ أن يريد شيئا فيصيب غيره،أمّا كل شيء قصدت إليه فأصبته فهو عمد.و في رواية ثانية:كل من اعتمد شيئا فأصابه بحديد،أو حجر،أو عصا،أو بوكزة،هذا كله عمد.

و الخلاصة ان ضابط قتل العمد«ان يقصد الفعل و القتل،أو يقصد الفعل الذي يقتل مثله في الغالب،و ان لم يقصد القتل»كما قال صاحب الجواهر،اما إذا فعل فعلا لا يوجب القتل عادة،و لم يكن القتل من قصده،و مع ذلك حصل القتل فلا يكون عمدا موجبا للقصاص،و عليه تكون عناصر قتل العمد ثلاثة:القتل،

ص:308

و الفعل،و القصد،سواء اتجه القصد إلى القتل مباشرة،أو إلى الفعل القاتل غالبا.

المباشرة و التسبيب:

ليس في النصوص لفظ مباشرة،و لا لفظ تسبيب،و انما الذي فيها لفظ عمد و خطأ.قال صاحب الجواهر:«ليس في شيء من الأدلة أخذ موضوعا للحكم بلفظ المباشرة و السبب،و انما الموجود قتل العمد و نحوه،فالمدار في القصاص على صدقه».

و على هذا،فمتى صدق قتل العمد في نظر العرف جاز القصاص،سواء أ كان القتل بالمباشرة،أو بالتسبيب،و معنى المباشرة أن يترتب القتل على فعل القاتل مباشرة،و من غير واسطة شيء آخر،كالذبح و الخنق.أمّا التسبيب فهو أن يأتي المسبب بفعل يتولد منه شيء آخر يترتب عليه الموت،كمن حبس غيره، و منع عنه الطعام و الشراب،حتى مات جوعا و عطشا،فان الموت قد استند مباشرة إلى الجوع و العطش،و هما قد استندا إلى الحبس،فيكون الحابس هو المسبب للقتل،و بالتالي يصدق عليه أنّه عامد.

من أمثلة التسبيب:

ذكر صاحب الشرائع و الجواهر أمثلة كثيرة للقتل بالتسبيب:

«منها»إذا حبسه أمدا لا يستدعي الموت في الغالب،ثم أطلقه،و مات بعد إطلاقه،و تبين أن الموت يستند في النهاية إلى حبسه،إذا كان كذلك ينظر:فان كان قد قصد من حبسه القتل فهو عمد،و ان لم يكن القتل من قصده فليس بعمد، تماما كما لو ضربه أو وكزة بعصا فمات على ما فصلنا في فقرة«قتل العمد».

ص:309

أجل،لو كان ضعيفا لمرض،أو صغر،يموت مثله فهو عمد،حتى و لو لم يقصد القتل،كما قال صاحب الجواهر.

و«منها»:إذا رماه في الماء أو في النار فان كان لا يستطيع الخروج فهو عمد موجب للقصاص،و ان علمنا أنّه قد كان بإمكان الملقى أن يخرج،و مع ذلك تعمد البقاء،و تقصد عدم الخروج،حتى مات فلا قصاص و لا دية على من ألقاه، لأن المقتول هو الذي أعان على نفسه.قال صاحب الجواهر:«ليس سببا للضمان،مع فرض قدرته على التخلص».

و«منها»:إذا قدم طعاما مسموما لغيره فأكله و مات ينظر:فان كان الآكل عالما بالسم فلا قود و لا دية على من قدم الطعام.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف و لا إشكال،لأنّه هو قاتل نفسه بمباشرته عالما بالحال لا المقدم».أجل، إذا كان الآكل طفلا صغيرا غير مميز فعلى المقدّم القصاص.أما إذا كان الآكل غير عالم بالسم فهو من أظهر الأفراد لقتل العمد بالتسبيب،لمكان التغرير.

و«منها»إذا جرحه ثم عضه كلب و نحوه فمات بسبب الجرح و العض معا، بحيث يكون كل منهما جزء من السبب للموت،و هما معا سبب كامل له،إذا كان كذلك فولي المقتول بالخيار بين أن يأخذ نصف الدية من الجارح،و بين أن يقتله على شريطة أن يدفع نصف ديته لورثته،لأن الجرح جزء السبب،و ليس سببا كاملا.

و«منها»:إذا حرّض عليه كلبا فقتله،فإن كان من عادة الكلب قتل الإنسان قتل المحرض،حتى و لو لم يقصد القتل مباشرة،لأنه قد قصد الفعل القاتل،و ان لم يكن ذلك من عادة الكلب فإن كان المحرض قاصدا القتل قتل،و إلاّ فعليه الدية.

ص:310

و«منها»إذا حفر حفرة فجاء آخر،و دفع ثالثا فيها فمات كان الدافع هو القاتل دون الحافر،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف،لأن الدافع هو المباشر للقتل،أما الحافر فسبب بعيد».

و إذا ألقاه من شاهق فضربه آخر بالسيف،أو أطلق عليه الرصاص فمات قبل أن يصل إلى الأرض كان الضارب،أو مطلق الرصاص هو القاتل دون الملقى.

و إذا أمسك به شخص،و قتله آخر قتل المباشر للقتل،و سجن الممسك مؤبدا،و إذا وقف ثالث عينا للممسك و القاتل،و حارسا لهما سملت عيناه،لأن عليا أمير المؤمنين عليه السّلام قضى في رجل أمسك،و آخر قتل،و ثالث كان عينا لهما أن يسجن الممسك،حتى يموت،و ان يقتل القاتل،و ان تسمل عينا الثالث،قال صاحب الجواهر:تفقأ عيناه بالشوك،أو تكحلان بمسمار محمى بالنار».

الإكراه على القتل أو القطع:

إذا قال الظالم القادر لمن هو دونه مقدرة،قال له:اقتل زيدا،و إلاّ قتلتك، و تأكد المقول له أنّه مقتول لا محالة إذا لم يفعل،فما ذا يصنع.

قال صاحب الجواهر:لا يجوز عندنا إجماعا و نصا ان ينفّذ المقول له ارادة الظالم،إذ لا يجوز أن يدفع ضرر القتل عن نفسه بإدخاله على الغير،و قد ثبت عن أهل البيت عليهم السّلام:«انما جعلت التقية ليحقن بها الدماء،فإذا بلغ الدم فلا تقية»و على هذا،فإذا امتنع المقول له عن القتل،و نفّذ الظالم إرادته و قتل المقول له قتل الظالم،و ان نفّذ المقول له ارادة الظالم و قتل زيدا قتل به قصاصا،لأنه المباشر للقتل،و لا أثر هنا للإكراه،أما الظالم المكره فلا قتل و لا دية و لا كفارة عليه،بل يحبس مؤبدا،فقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليه السّلام عن رجل أمر

ص:311

رجلا بقتل آخر؟فقال:يقتل الذي قتله،و يحبس الآمر في السجن،حتى يموت.

هذا،إذا كان المقول له عاقلا بالغا،أما إذا كان صغيرا أو مجنونا فان القصاص على الآمر المكره.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف و لا إشكال،لأن الصغير و المجنون بالنسبة إلى المكره تماما كالآلة الصماء».

و إذا قال:اقتلني و إلاّ قتلتك فلا يجوز له أن يباشر قتله،و لكنه إذا فعل فلا شيء عليه سوى الإثم،و يسقط عنه القصاص و الدية،لأنه هو الذي أسقط حرمة نفسه.

و إذا قال له:اقطع يد فلان و إلاّ قتلتك جاز له أن يقطعها دفعا لإتلاف نفسه بما ليس إتلافا لنفس غيره،و يكون القصاص على الآمر الظالم،لا على المباشر، لأن السبب هنا أقوى من المباشر،كما قال صاحب الجواهر.

و على الإجمال ان الفقهاء يقولون:ان الإكراه على قتل النفس لا يجعل القتل جائزا بحال،و لا يرفع الخطاب التكليفي،و لا الخطاب الوضعي.أمّا الإكراه على غير القتل فإنه يسقط الخطابين،حتى و لو كان الإكراه على قطع عضو من الأعضاء ارتكابا لأهون الشرين،و دفعا لأشد الخطرين.

إذا قتله أكثر من واحد:

قد تكون الجريمة اعتداء على النفس،و قد تكون اعتداء على ما دونها، فإذا اشترك أكثر من واحد في قتل النفس المحترمة عوقب كل واحد عقوبة القتل.

و يعتبر اشتراك الجميع في القصد إلى القتل،و ان يستند القتل إلى فعل الكل، بحيث يكون لفعل كل واحد أثر في القتل،أمّا إذا استند القتل إلى واحد فقط كما لو ضربه شخص،و جاء الأخير فاحتز رأسه فإن القتل ينسب إلى هذا الأخير،

ص:312

و يكون وحده المسؤول عن القتل.أجل،لا يعتبر التساوي و الاتحاد في الفعل كما و لا كيفا،فلو ضربه واحد سوطا واحدا،و الآخر مائة سوط،و استند الموت إلى جميع الضربات فهما شريكان في القتل،و كذا إذا ضربه واحد بحجر و الآخر بالعصا،و استند الموت إليهما.قال صاحب الجواهر:«لا يعتبر التساوي في عدد الجناية بل لو جرحه واحد جرحا،و الآخر مائة جرح،أو ضرباه بسوط كذلك،ثم سرى الجميع-أي أثّر الجميع في القتل-فالجناية قصاصا عليهما بالسوية».

و اتفقوا بشهادة صاحب المسالك و الجواهر على أنّه لو اشترك جماعة في قتل واحد قتلوا به جميعا،قال صاحب المسالك:«و احتجوا بالنص و بأن القصاص شرّع لحقن الدماء،فلو لم يجب القتل عند الاشتراك لاتخذ ذريعة إلى سفكها».

ثم ان اتفق ولي المقتول مع القتلة على الدية وزعت عليهم بنسبة عددهم، فإن كان القاتل اثنين فعلى كل منهما النصف،و ان لم يتفقا على الدية،و اختار قتلهما معا فعليه أن يدفع لورثة كل واحد نصف الدية،و ان اختار قتل أحدهما دون الآخر فقد استوفى حقه،و لكن على من ترك أن يدفع لورثة المقتول نصف الدية.قال الإمام الصادق عليه السّلام في رجلين قتلا رجلا:إذا أراد أولياء المقتول قتلهما أدوا دية كاملة،و قتلوهما،و تكون الدية بين أولياء المقتولين،فإن أرادوا قتل أحدهما فقتلوه أدى المتروك-أي الذي لم يقتل-نصف الدية إلى أهل المقتول.

و إذا اشتركوا في قطع عضو كاليد و الرجل و العين فالحكم في ذلك كحكم الاشتراك في قتل النفس.قال صاحب الشرائع و الجواهر:«يقتص من الجماعة من الأطراف-أي الأعضاء-كما يقتص في النفس بلا خلاف و لا اشكال،فلو اجتمع جماعة على قطع يده،أو قلع عينه فله القصاص منهم جميعا بعد رد ما

ص:313

يفضل لكل واحد منهم عن جنايته على نحو ما سمعته في النفس.قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل:«ان أحب أن يقطعهما أدى إليهما دية يد يقتسمانها،ثم يقطعهما،و ان أحب أخذ منهما دية يد،و ان قطع يد أحدهما رد الذي لم يقطع على الذي قطعت يده ربع الدية»،أي نصف دية اليد.و يأتي الكلام عن دية اليد،و انها نصف دية النفس.

إذا قتل أكثر من واحد:

إذا قتل واحد اثنين أو أكثر عدوانا ثبت لكل واحد من أولياء المقتولين حق القصاص على القاتل،فان اجتمعوا و اتفقوا على قتله،و قتلوه فقد استوفوا حقهم منه،و لا شيء لهم عليه في ماله،إذ لا يجني الجاني أكثر من نفسه.قال صاحب الجواهر«بلا خلاف،بل لا إشكال،إذ ليس لهم عليه إلاّ نفسه».

و إذا عفا أحد الأولياء مجانا أو بعوض فللذي لم يعف أن يقتص،لأن سقوط حق انسان لا يستدعي سقوط حق الآخر،و لا فرق في ذلك بين أن يكون الجاني قتل الجميع على التعاقب الواحد بعد الآخر،أو دفعة واحدة،كما لو ألقى عليهم قنبلة،أو هدم عليهم بيتا،و ما أشبه.

و إذا قتل القاتل أحد الأولياء من غير استئذان من الآخرين،فقد استوفى حقه منه،و لا شيء عليه،و للآخرين الدية من مال الجاني،ان كان له مال،لقول الإمام عليه السّلام:لا يطل دم امرئ مسلم.

و تسأل:إذا مات القاتل عمدا قبل الاقتصاص منه،فهل تؤخذ الدية من ماله؟ الجواب:ان الأصل عدم وجوب الدية في مال القاتل،لأن الواجب في قتل

ص:314

العمد هو القصاص،و ان الدية لا تجب إلاّ صلحا،و لا موضوع للقصاص بعد موت القاتل،و لا صلح على الدية،كي تجب،و لكن يجب الخروج عن هذا الأصل لمكان النص الدال على وجوب الدية في ماله ان كان له،و إلاّ أخذت الدية من أرحامه الأقرب فالأقرب.

قال صاحب المسالك:

«ذهب أكثر الفقهاء إلى ذلك،لقوله تعالى فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً و قول الإمام عليه السّلام:لا يطل دم امرئ مسلم.و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل قتل آخر عمدا،ثم هرب،و لم يقدر عليه،حتى مات؟قال:ان كان له مال أخذت منه الدية،و إلاّ أخذت من الأقرب فالأقرب».

و لا أدري ما هو الوجه لتغريم الأقرباء الدية،إذا قتل قريبهم عمدا،و هرب، و لذا قال صاحب المسالك:و قد اختار الفقهاء المتأخرون سقوط الدية إذا لم يكن للقاتل مال.

الشروط:

إذا تحقق قتل العمد بالمباشرة أو التسبيب جاز لولي المقتول أن يقتص من القاتل مع توافر الشروط التالية:

1-أن يتساوى القاتل و المقتول بالحرية و الرقية،و لا موضوع لهذا الشرط بعد ان أصبح الرق اليوم في خبر كان،و صار الناس جميعهم أحرارا.

2-المساواة بين القاتل و المقتول في الدين،فيقتل المسلم بالمسلم، و غير المسلم بغير المسلم،و ان اختلفا في الدين و الملة كاليهود و النصارى و لا يقتل المسلم بغير المسلم،أما غير المسلم فيقتل بالمسلم،و جاء عن أهل

ص:315

البيت عليهم السّلام روايات كثيرة تدل على أن المسلم يقتل بغير المسلم،و قال الشيخ الأردبيلي في شرح الإرشاد باب القصاص،الشرط الرابع،قال:«أكثر هذه الروايات و أصحها يدل على القصاص،و لكن القائل بها غير ظاهر».

3-أن لا يكون القاتل أبا للمقتول،إجماعا و نصا،و منه قول الإمام الصادق عليه السّلام:لا يقاد الرجل بولده إذا قتله،و يقتل الولد إذا قتل والده.

و تقتل الأم بولدها.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف إلاّ من الإسكافي».

و بالأولى أن يقتل الولد بأمه.

4-أن يكون القاتل كاملا بالعقل و البلوغ،فلا قصاص على المجنون،و لا على الصبي،حتى و لو كان مميزا،و تؤخذ دية المقتول من العاقلة،سواء أ كان المقتول عاقلا بالغا،أو غير عاقل و لا بالغ،و يأتي الكلام عن العاقلة في باب الديات إن شاء اللّه.قال الإمام الصادق عليه السّلام:عمد الصبي و خطأه واحد.و في رواية ثانية:أن عليا أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن مجنون قتل رجلا عمدا،فجعل الدية على قومه،و جعل عمده و خطأه سواء.

و إذا كان القاتل عاقلا حين القتل،ثم طرأ عليه الجنون لم يسقط عنه القصاص.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده بيننا».

و ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى أن العاقل البالغ إذا قتل الصغير قتل به.

و أيضا اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر إلى أن العاقل إذا قتل المجنون لا يقتل به.فقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن رجل قتل رجلا مجنونا؟فقال:ان كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فقتله فلا شيء عليه من قود و لا دية،و يعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين،و ان قتله من غير أن

ص:316

يكون المجنون اراده فعليه الدية في ماله،يدفعها إلى ورثة المجنون،و يستغفر اللّه،و يتوب إليه.

و اختلفوا في السكران إذا قتل:هل يقتل أو لا؟ذهب أكثر الفقهاء بشهادة صاحب المسالك إلى أنّه يقتل،لأنه سكر مختارا مع علمه بالتحريم،فيحكم عليه بحكم الصاحي.

و هذا مجرد استحسان،و الصواب ان السكران بحكم المجنون و النائم ما دام فاقدا لشعوره.أجل،هو معاقب على السكر و ارتكاب الحرام.و لكن عقابه على السكر شيء،و ترتب جميع أحكام الصاحي عليه شيء آخر.

5-أن يكون المقتول غير مباح الدم،فمن قتل الزاني المحصن،و اللوطي و المرتد عن الإسلام فلا قود و لا دية عليه،لأن هؤلاء يجب قتلهم شرعا،لقول الإمام عليه السّلام:من قتله الحد فلا دية له.

و كذا من قتل شخصا دفاعا عن النفس،أو قطع عضوا أو جرح غيره استيفاء لحق القصاص من غير أن يعتدي فمات المقطوع و المجروح بسبب القطع أو الجرح فإنه لا شيء على القاتل المدافع عن نفسه،و لا على القاطع و الجارح قصاصا.

و تسأل:إذا قتل شخص آخر،و جاز قتله قصاصا لولي المقتول،و لكن جاء أجنبي فقتله،فما هو الحكم؟ الجواب:يثبت لولي المقتول الثاني حق القصاص على الأجنبي،أما ولي المقتول الأول فيعطى الدية من مال المقتول الثاني الذي هو القاتل الأول،تماما كما لو مات القاتل حتف أنفه قبل أن يقتص منه،و سبقت الإشارة إلى ذلك في فقرة:-إذا قتل أكثر من واحد.

ص:317

المرأة و الرجل:

إذا قتلت المرأة رجلا عمدا كان ولي المقتول بالخيار بين أن يأخذ منها الدية ان رضيت هي،كما يأتي،و بين أن يقتلها،فإذا اختار القتل فلا يغرم أهلها شيئا.و إذا قتل الرجل امرأة كان وليها بالخيار بين أن يأخذ الدية،ان رضي الرجل، و بين أن يقتله على أن يدفع لورثته نصف الدية 500 دينار،إجماعا و نصا.و منه قول الإمام الصادق عليه السّلام:إذا قتل الرجل المرأة تعمدا،و أراد أهل المرأة أن يقتلوه فذاك لهم إذا أدوا إلى أهله نصف الدية،و ان قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل، و ان قتلت المرأة الرجل قتلت به،و ليس لهم إلاّ نفسها.

و إذا اشتركت امرأتان في قتل رجل قتلتا به،و لا شيء لورثتهما،فقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن ذلك؟فقال:تقتلان به.ما يختلف فيه أحد.

الإثبات:

اشارة

يثبت القتل بالطرق التالية:

1-ذهب أكثر الفقهاء بشهادة صاحب المسالك و الجواهر إلى ثبوت القتل

بالإقرار مرة واحدة

من العاقل البالغ المختار.قال صاحب المسالك:«لعموم:

إقرار العقلاء على أنفسهم جائز،و حمله على الزنا و السرقة،و غيرهما مما يعتبر فيه التعدد قياس مع وجود الفارق،لأنه حق آدمي،فيكفي فيه المرة كسائر الحقوق».

و إذا أقر انسان على أنّه هو القاتل عمدا وحده دون سواه،فجاء آخر،

ص:318

و قال:بل أنا القاتل عمدا وحدي دون سواي،و بقي كل منهما مصرا على قوله،إذا كان كذلك تخير الولي بين أن يقتص من أيهما شاء،لأن كلا من الإقرارين نافذ في حق المقر،و لا يمكن الجمع بينهما فيتخير الولي بين الأخذ بأيهما شاء.

و كذا الحكم إذا قال أحدهما:أنا قتلته عمدا،و قال الآخر:أنا قتلته خطأ.

فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل وجد مقتولا،فجاء به رجلان إلى وليه، فقال أحدهما:أنا قتلته عمدا،و قال الآخر:أنا قتلته خطأ؟فقال الإمام:ان هو أخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ سبيل،و ان أخذ بصاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل.

هذا،إذا بقي كل منهما مصرا على إقراره،و انه هو القاتل عمدا دون سواه، أما إذا رجع الأول عن إقراره بعد أن أقر الثاني فيدرأ عنهما معا القتل و الدية، و يعطي ورثة المقتول الدية من بيت المال.قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور،لما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قد جيء برجل إلى أمير المؤمنين علي عليه السّلام بيده سكين ملطخ بالدم،و رجل مذبوح،فقال له أمير المؤمنين:ما تقول؟قال:أنا قتلته.قال الإمام:اذهبوا به فأقيدوه،فلما أرادوا قتله جاء رجل مسرعا،و قال:أنا قتلته.فقال الإمام للأول:ما حملك على إقرارك على نفسك؟ قال:ذبحت بجنب الخربة شاة،فأخذني البول،فدخلت الخربة،فوجدت الرجل يتشحط بدمه،فقمت متعجبا،فدخل هؤلاء فأخذوني،و ما كنت أستطيع أن أقول،و قد شاهدوني على هذا الحال.فخلى الإمام عن الرجلين،و أخرج دية المذبوح من بيت المال.

2-يثبت ما يجب القصاص به نفسا و طرفا بشهادة رجلين عدلين

،و لا تقبل النساء منفردات و لا منضمات،لقول الإمام الرضا عليه السّلام:لا تجوز شهادتهن في

ص:319

الطلاق و لا في الدم.

و لا يثبت القصاص بشاهد و يمين.قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور،بل في كتاب الرياض الاتفاق عليه».

أمّا ما تجب به الدية فقط دون القصاص كالقتل و قطع الطرف خطأ فإنه يثبت بشاهد و يمين،و شاهد و امرأتين،لأنه من الشهادة على المال،لا على الدماء.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف و لا اشكال».

و إذا شهد اثنان بالقتل،و بعد أن قتل المشهود عليه تبين تعمد الشاهدين و التزوير،إذا كان كذلك يقتل الشاهدان،لأن السبب هنا أقوى من المباشر،و قد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا،ثم رجع أحدهم بعد ما قتل الآخر؟فقال الإمام:ان قال الراجع:وهمت ضرب الحد، و غرم الدية-لأنه من باب قتل الخطأ-و ان قال:تعمدت قتل-لأنه من باب قتل العمد-و سبق الكلام عن ذلك مفصلا في الجزء الخامس فصل الطواري بعد الشهادة،فقرة«الرجوع عن الشهادة».

اللوث:

3-و يثبت القتل باللوث

،و هذا مثاله:إذا ادعى شخص على آخر بأنه القاتل،و عجز عن إقامة البينة،و أنكر المدعى عليه القتل و لا قرينة يظن معها صدق الدعوى،إذا كان كذلك طبقت قاعدة«البينة على من ادعى،و اليمين على من أنكر».كغيرها من الدعاوي.

و إذا وجدت قرينة يظن معها بصدق الدعوى،و ادانة المدعى عليه حلف المدعي و قومه خمسين يمينا،كل واحد يحلف يمينا واحدة،حتى و لو لم يكن

ص:320

وارثا،فان كانوا أكثر من خمسين اقتصر على خمسين منهم،و ان كانوا دون الخمسين بسطت الخمسون و وزعت عليهم بالسوية،أو على بعضهم حسبما يستدعيه العدد،فان تمت الخمسون ثبت القتل،و إلاّ حلف المنكر و قومه خمسين يمينا،فان لم يكن له قوم،أو كانوا،و لكنهم امتنعوا حلف هو وحده خمسين،فان حلفها فلا شيء عليه،و ان امتنع ثبت القتل عليه،و في ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السّلام.

قال صاحب المسالك:«و صورتها أن يوجد قتيل في موضع لا يعرف من قتله،و لا تقوم عليه بينة،و يدعي الولي على واحد،أو جماعة،و يقترن بالواقعة ما يشعر بصدق الولي في دعواه،و يقال له اللوث».

و ذكر الفقهاء أمثلة لذلك:منها أن يوجد القتيل متشحطا بدمائه،و إلى جانبه رجل في يده سلاح يقطر دما.

و منها:أن يوجد في دار لا يدخلها غير أهلها،فإن ذلك يوجب التهمة، حتى و لو لم يكن بينهم و بين القتيل عداوة.

و منها:أن يشهد عدل واحد بالقتل،أو جماعة من غير العدول،أو النساء، أو الصبيان بحيث يحصل الظن من شهادتهم.

و منها:أن يوجد القتيل في محلة بينه و بين أهلها عداوة،فمجرد العداوة لا تكفي ما لم يكن معها قرينة ثانية.

القتيل في الأمكنة العامة:

إذا وجد قتيل في مكان عام،أو في فلاة،و لم يعرف قاتله،و لم يحصل لوث على شخص معين فديته على بيت المال.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف

ص:321

مضافا إلى النصوص المستفيضة أو المتواترة،منها قول الإمام الصادق عليه السّلام:ان وجد قتيل بأرض فلاة أديت ديته من بيت المال،و قوله أيضا:ان عليا أمير المؤمنين قال:من مات في زحام الناس يوم الجمعة،أو يوم عرفة،أو على جسر لا يعلمون من قتله فديته من بيت المال».إلى غير ذلك من الروايات.

الاستيفاء من القاتل:

إذا ثبت القتل فإن كان خطأ أو شبيها بالعمد تعينت الدية،و لا قصاص،و ان كان عمدا فالأصل هو القصاص دون الدية،و ليس لولي المقتول أن يلزم الجاني بالدية ما دام باذلا نفسه للقتل،و لا للجاني أن يلزم ولي المقتول بالدية ما دام مصرا على القتل قصاصا،لقوله تعالى «وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» .قال صاحب الجواهر:«لا بد أن يعلم أنّه لا خلاف معتد به بيننا في أن قتل العمد يوجب القصاص لا الدية عينا و لا تخييرا».و قال صاحب المسالك:الواجب في قتل العمد بالأصالة هو القود،و هذا هو المشهور بين الفقهاء،و منهم الشيخان- أي الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي-و الأتباع و المتأخرون».

أجل،للقاتل،و ولي المقتول أن يصطلحا،و يتفقا على مبلغ من المال بمقدار الدية،أو أقل،أو أكثر عوضا عن القتل و القصاص.قال صاحب الجواهر:

«بلا خلاف و لا إشكال».و عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:من قتل مؤمنا متعمدا أقيد به إلاّ أن يرضى أولياء المقتول بالدية،و أحب ذلك القاتل.و في رواية ثانية:

العمد كلّ ما عمد به الضرب ففيه القود،لأنّه متلف،يجب به البدل من جنسه،و لا يعدل إلى غيره إلاّ بالتراضي،كسائر المتلفات.

و في هذه الرواية بيان للسبب الموجب للقصاص،و ان المثل هو الأصل،

ص:322

و لا ينتقل إلى غيره إلاّ لسبب موجب،كالتراضي،أو تعذر الاستيفاء بالمثل.

و يستحب لأولياء المقتول العفو عن القاتل،قال تعالى فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ .و قال سبحانه فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ .

و ان لم يعفوا،و طلبوا القصاص بأجمعهم قتل الجاني.أما صورة القتل فهو أن تضرب عنقه بالسيف،و ما إليه من الآلات الحديدية،و لا يجوز بغيرها مهما كان نوع الجناية،حتى و لو كانت حرقا،أو خنقا،أو تسميما،أو إلقاء بالبحر، و غير ذلك.و يجب أن تكون الآلة حادة تجنبا للتعذيب،و غير مسمومة،كي لا يستند القتل إلى غير ضرب العنق.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده، للحديث النبوي»:«إذا قتلتم فأحسنوا القتلة».

أولياء القتيل:

اتفقوا على أن الزوج و الزوجة لا يرثان حق القصاص،فليس للزوج أن يطالب بقتل قاتل زوجته عمدا،و لا للزوجة أن تطالب بقتل قاتل زوجها كذلك.

و أيضا اتفقوا على أن أقرباء القتيل من أبيه يرثون حق القصاص،و لهم قتل القاتل.

و اختلفوا في قرابة الأم:هل يرثون القصاص؟و ذهب جماعة من الفقهاء إلى أنهم لا يرثون القصاص،لأن أكثر الفقهاء قالوا بأن قرابة الأم لا يرثون من الدية،فبالأولى أن لا يرثوا القصاص.

و إذا كان ولي القتيل صغيرا أو مجنونا فعلى وليهما أن يراعي مصلحتهما من تعجيل القصاص أو تأجيله أو المصالحة على مبلغ من المال.

ص:323

إرث الدية:

انظر فقرة دية القتيل في باب الإرث من هذا الجزء.

عفو بعض الأولياء دون بعض:

إذا كان أولياء القتيل أكثر من واحد،و عفا بعضهم عنه مجانا،و تقربا إلى اللّه سبحانه،و أصر البعض الآخر على القصاص و قتل القاتل،فهل له ذلك؟و على افتراض أن له أن يقتل القاتل،و يقتص منه،فهل يجب عليه أن يعطي ورثة القاتل من المال مقدار نصيب من عفا من الدية؟ و أجمعوا بشهادة صاحب المسالك و الجواهر على أن عفو البعض لا يسقط حق الباقين في القصاص،و لكن يجب على من يقتص بالقتل أن يعطي لورثة القاتل مقدار نصيب من عفا من الدية.قال صاحب الجواهر:بلا خلاف و لا اشكال،بل لم أجد من تأمل أو تردد في ذلك.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل قتلته امرأة،و له أب و أم و ابن،فقال الابن:أريد قتله بأبي،و قال الأب:أنا عفوت،و قالت الأم:أنا أريد الدية؟فقال الإمام:فليعط الابن أم المقتول السدس من الدية-لأنه سهمها-و يعطي ورثة القاتل السدس من الدية،و هو حق الأب الذي عفا عنه،و يقتله.و في رواية ثانية في قتيل له وليان،فعفا أحدهما دون الآخر:ان الذي لم يعف ان أراد القتل رد نصف الدية على أولياء المقتول.

و إذا اتفق بعض أولياء القتيل مع القاتل على إسقاط حقه في القصاص لقاء مبلغ معين،و قبضه منه،و أصر الولي الآخر على القتل و القصاص جاز له ذلك، على شريطة أن يرد لورثة القاتل مقدار ما أخذ الذي أسقط حقه في القصاص،إذ ليس على الجاني أكثر من نفسه.

ص:324

و إذا بادر أحد الأولياء،و اقتص من الجاني قبل أن يستأذن من الولي الآخر ضمن حصته من الدية.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف و لا إشكال».

اذن الحاكم:

هل يجب على الولي أن يستأذن في القصاص من الحاكم الشرعي؟ الجواب:كلا،لأن القصاص من الحقوق الخاصة،و لذا يسقط بالإسقاط.

الحامل:

سبق أن الحامل لا يقام عليها الحد من الزنا و غيره،حتى تضع حملها، و يحصل الأمان و الاطمئنان على حياة طفلها،و كذلك أيضا لا يقتص منها إلاّ بعد الوضع.قال صاحب الجواهر:«حتى و لو كان الحمل من الزنا بلا خلاف أجده».

و إذا توقفت حياة الصبي عليها وجب الانتظار إلى أن يستغني عنها.

ص:325

الأعضاء و الجروح

اشارة

تقدم في الفصل السابق أن الجريمة الموجبة للقصاص على نوعين:

قتل النفس،و ما دون القتل،كقطع العضو،أو الجرح من غير قطع،و تقدم الكلام في الفصل السابق عن النوع الأول،و نتكلم في هذا الفصل عن النوع الثاني.

الجرح:

إذا جرح شخص آخر فقد يكون مع الجرح قطع و إبانة،كقطع اليد أو الرجل أو الأذن،و ما إلى ذاك،و قد لا يكون معه قطع و إبانة،كجرح الظهر و البطن.

ثم ان القطع قد يكون من مفصل،بحيث يبقى العضو الذي كان متصلا بالمقطوع سالما،و قد لا يكون كذلك.و ليس من ريب أن القصاص يجري في الجروح، سواء أ كان معها قطع أو لم يكن،و الأصل فيه قوله تعالى وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ أي متقاصة مثلا بمثل،حيث تكون المماثلة ممكنة،كما يأتي.

و شروط القصاص في الجرح،تماما مثل شروط القصاص في القتل،فمن يقتص منه في قتل النفس يقتص منه فيما دون النفس،و من لا يقتص منه في قتل النفس لا يقتص منه فيما هو دونها.فالشروط الخمسة في قصاص القتل،

ص:326

و هي المساواة في الدين و الحرية،و ان يكون القاتل بالغا عاقلا،و المقتول محقون الدم،و القاتل ليس بأب-لا بد من توافرها هنا.و أيضا يتحقق العمد بالمباشرة و التسبيب،و بترتب الجرح مع قصده و ان لم تكن الآلة جارحة في الغالب،أو بقصد الضرب المؤدي إلى الجرح في الغالب،و ان لم يكن الجرح مقصودا حسبما تقدم في قتل النفس دون تفاوت.

الرجل و المرأة:

يقتص للرجل من الرجل مثلا بمثل،و يقتص للمرأة من المرأة كذلك، و أيضا يقتص للرجل من المرأة إذا جنت هي عليه مثلا بمثل،فإذا قطعت يده قطعت يدها،و لا تعطيه شيئا،تماما كما لو قتلته عمدا فإنها تقتل به،و ليس لولي الرجل المقتول أكثر من نفس المرأة القاتلة كما جاء في النص.

دين اللّه لا يصاب بهذه العقول:

و هل يقتص من الرجل للمرأة مثلا بمثل إذا هو جنى عليها؟ و يستدعي الجواب التفصيل التالي :

1-أن يقتلها عمدا،فإنه يقتل بها،على شريطة أن يعطي وليها لورثة الرجل القاتل نصف دية الرجل،كما تقدم في فصل القصاص«فقرة:الرجل و المرأة».و إذا قتلها خطأ أعطى وليها نصف ديتها.و يأتي التفصيل في باب الديات.

2-أن يقطع منها إصبعا،أو اثنتين،أو ثلاثا عمدا،فإنها تستوفي منه،

ص:327

و تقطع ثلاثا من أصابعه قصاصا مثلا بمثل،و لا ترد عليه شيئا من المال،و ان شاءا أن يصطلحا على مبلغ من المال فلهما ذلك،و ان قطع أصابعها الثلاث خطأ فلا قطع،و لها دية ثلاث أصابع كاملة،تماما كما لو قطعت هي منه ثلاث أصابع من دون تفاوت،لا في القصاص،و لا في مقدار الدية.

3-ان يقطع منها أربع أصابع عمدا،فان لها،و الحال هذي،أن تقطع منه أربع أصابع مثلها،على شريطة أن ترد عليه دية إصبعين،و هي عشرون من الإبل كما يأتي في باب الديات،و لها أن تتفق معه على مبلغ من المال عوضا عن أصابعها الأربع.و إذا قطع أصابعها الأربع خطأ أعطاها دية إصبعين فقط،و إذا قطعت هي منه أربع أصابع عمدا فله أن يقطع منها مثلها قصاصا،و إذا قطعتها منه خطأ أخذ منها دية أربع أصابع بالتمام.

و هنا سؤال يفرض نفسه،و يتبادر إلى كل ذهن:كيف تساوت المرأة مع الرجل إذا قطع منها إصبعين،أو اثنتين،أو ثلاثا مثلا بمثل قصاصا و دية،عمدا و خطأ من غير تفاوت،و افترقت عنه إذا قطع منها أربعا فتأخذ منه دية إصبعين في قطع الخطأ.و إذا قطعها عمدا تقطع هي منه أربعا بعد أن ترد عليه دية إصبعين.

مع العلم انها إذا قطعت هي منه أربعا خطأ دفعت له دية الأربع كاملة،و إذا قطعتها عمدا اقتص منها مثلا بمثل من غير رد.بل أعظم من هذا أن تأخذ منه عن دية الثلاث خطأ دية ثلاث أصابع،و عن دية الأربع دية إصبعين!! الجواب:ان السر في ذلك لا يكمن في هذه العقول-أي عقولنا نحن- و انما يكمن في قاعدتين شرعيتين ثبتا بالنص صراحة،و اجمع الفقهاء على العمل بهما:القاعدة الأولى:ان دية المرأة في قتل النفس على النصف من دية الرجل،فإذا قتلته هي دفعت لوليه دية كاملة،و إذا قتلها هو دفع لوليها نصف

ص:328

الدية،و انها تقتل به بلا شرط في قتل العمد،و لا يقتل بها إلاّ بشرط أن ترد إلى ورثته نصف الدية.و هذه القاعدة-كما رأيت-فرقت بين الرجل و المرأة في قتل النفس دية و قصاصا من حيث الشروط و عدمه.

القاعدة الثانية:ان الرجل و المرأة يتساويان قصاصا و دية.و في العمد و الخطأ فيما هو دون قتل النفس،أي في الجرح و القطع،إلاّ إذا بلغت دية الجرح و القتل ثلث دية الرجل فأكثر،فإذا بلغت ديتهما الثلث رجعت دية جرحها و عضوها الى نصف دية جرح الرجل و عضوه،و تصير هي كنصف الرجل،حتى ان دية الأربع أصابع كدية الإصبعين بعد أن كانت تماما كالرجل قبل أن تبلغ دية الجرح الثلث.و على هذا فإذا جرحها الرجل،أو قطعها عمدا،و أرادت الاقتصاص ينظر:فان كانت دية الجرح و القطع دون دية ثلث دية الرجل اقتصت منه بلا قيد و شرط،و ان كانت الدية بمقدار الثلث اقتصت بشرط ان ترد عليه نصف دية الجرح أو القطع.و إذا جرحها أو قطعها خطأ ينظر كذلك فان كانت الدية دون الثلث أخذتها منه تماما كما يأخذ الرجل منها،و ان كان الجرح و القطع بمقدار الثلث فليس لها إلاّ نصف دية العضو و الجرح.

مثلا:إذا قطع هو منها أربع أصابع عمدا فليس لها أن تقطع منه أربعا إلاّ إذا ردت عليه دية إصبعين،لأن دية الأربع أكثر من ثلث دية الرجل،كما يأتي،و إذا قطع الأربع منها خطأ فليس لها إلاّ دية إصبعين.و كذا إذا قطع يدها عمدا،فإنها تقطع يده على أن ترد عليه نصف دية اليد،لأن ديتها أكثر من ثلث دية النفس، و هكذا بالنسبة إلى العين و الاذن،و ما أشبه،و السر الأول و الأخير هو النصف فقط لا غير.

قال الإمام الصادق عليه السّلام:المرأة و الرجل سواء إلى أن تبلغ ثلث الدية،فإذا

ص:329

بلغت ذلك تضاعف جراح الرجل على جراح المرأة ضعفين.و في رواية ثانية عن ابان بن تغلب:قلت للإمام الصادق عليه السّلام:ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة،كم فيها؟قال:عشر من الإبل.قال ابان:قطع اثنتين؟قال الإمام:

عشرون.قال ابان:قطع ثلاثا؟قال الإمام:ثلاثون.قال ابان:قطع أربعا؟قال الإمام:عشرون.و هنا قال أبان:يا سبحان اللّه!يقطع ثلاثا،فيكون عليه ثلاثون! و يقطع أربعا،فيكون عليه عشرون!!فقال الإمام مهلا يا ابان.ان هذا حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.ان المرأة تقابل الرجل إلى ثلث الدية،فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف.يا أبان إنك أخذتني بالقياس.و السنة إذا قيست محق الدين.

ان قول الإمام:هذا حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و إذا قيست السنة محق الدين- ان قوله هذا صريح في أن عقولنا لا تدرك لهذا الحكم سرا و أنّه تعبدي محض.

بين العضوين:

سبق أن شروط القصاص في القتل لا بد من توافرها في قصاص الطرف و الجرح.و يشترط في قصاص الطرف زيادة على تلك:

أولا:أن يتساوى عضو الجاني مع عضو المجني عليه في السلامة و العيب، أو يكون عضو الجاني سقيما،و عضو المجني عليه سليما،فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلاء،بل تتعين الدية.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل قطع يد رجل شلاء؟قال:عليه ثلث الدية.

و إذا رضي الجاني أن تقطع يده الصحيحة بدلا عن اليد المعيبة التي قطعها فلا يصغي إليه،و لا يجوز قطعها بحال ما دام الشارع لم يوجب ذلك.

و تقطع اليد الشلاء بالصحيحة.و الضابط ان العضو السليم يقتص له من

ص:330

السقيم،و لا يقتص للسقيم من السليم.

ثانيا:التساوي في المحل،فتقطع اليمين باليمين،و اليسرى باليسرى، و الإبهام بمثلها،و السبابة كذلك.

و في جميع الحالات لا يجوز القطع إذا خيف على نفس المقتص منه،أو على عضو آخر من أعضائه،أو على عقله،و ما إلى ذاك،لأن العقل لا يجيز إدخال الضرر على الجاني بما يزيد عن جنايته.

بين الجرحين:

إذا جرح انسان آخر اقتص منه مثلا بمثل،لقوله تعالى وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ و القصاص هو المماثلة.هذا مع توافر الشروط لقصاص القتل،و يزيد عليها:

أولا:أن يكون الجرح في اللحم لا في العظم،فإذا كان في العظم امتنع القصاص،و تعين الأرش لعدم الوثوق بالمماثلة،و معنى الأرش هنا تقدير العضو قبل الجناية عليه و بعدها،و هو المعبر عنه بتدارك العطل و الضرر،و المرجع في تقديره أهل الخبرة،و يسمى هذا الأرش،أو من يقدره بالحكومة.

ثانيا:أن يكون الجرح الذي هو قصاص عن غيره في محل الجرح الآخر، و في مساحته طولا و عرضا،لا عمقا على حد تعبير الفقهاء.

ثالثا:أن لا يستدعي القصاص في الجراح التعرض لهلاك نفس المقتص منه،أو تعطيل عضو آخر من أعضائه،أو كسر عظم،فإن استدعى شيئا من ذلك ففيه الحكومة.

ص:331

الضرب:

قال صاحب مفتاح الكرامة في المجلد العاشر،باب القصاص:«لا قصاص في الضرب الذي لا يجرح،كالرفس بالرجل و اللطم و الوكز،و الضرب بسوط أو عصا،فإن حصل بها انتفاخ-أي ورم-أو مرض فالحكومة،و ان حدث تغيير لون،فإن كان احمرارا في الوجه فدينار و نصف،و ان كان اخضرارا فثلاثة دنانير، و ان كان اسودادا فستة،و إذا كانت هذي التغيرات في غير الوجه فعلى النصف مما في الوجه،و ان لم يحدث شيء سوى الألم فالتعزير».

و معنى هذا أنّه لا قصاص إلاّ في القطع و الجرح الذي معه قطع،و يستأنس له بقوله تعالى وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ فإن الجروح تشمل كل جرح سواء أ كان معه قطع،أو لم يكن،و لا تشمل الضرب.و ربما تعرضنا مرة ثانية للضرب في آخر باب الديات.

الإثبات:

يثبت القصاص في الجرح و القطع بالإقرار مرة واحدة من البالغ العاقل المختار،و بشهادة رجلين عدلين،و لا تقبل النساء منفردات و لا منضمات و لا يثبت بشاهد و يمين.أجل،قطع الخطأ و جرحه يثبت بشاهد و يمين،و شاهد و امرأتين،لأنّه من الشهادة على المال دون القصاص.

ص:332

السجن

اشارة

تعرضت كتب الفقه و الحديث لمن يجب أو يجوز سجنه في أبواب شتى لمناسبة يستدعيها المقام،و لم أر من جمع مسائله في فصل مستقل،فرأيت أن أفرد هذا الفصل لما تهيأ لي منها تسهيلا على الراغبين في معرفتها.

المرأة المرتدة:

إذا ارتدت المرأة عن الإسلام عرضت التوبة عليها،فان تابت فذاك،و إلاّ تخلد في السجن مع الأشغال الشاقة،و يضيق عليها في المأكل و المشرب و الملبس،و تضرب في أوقات الصلاة.(كتاب الجواهر ج 6 القسم الثاني من كتاب الحدود،و فصل«المرتد و الفاعل بالأموات و البهائم»من هذا الجزء،فقرة المرأة المرتدة).

السارق للمرة الثالثة:

إذا سرق للمرة الأولى تقطع يده اليمنى،فان عاد ثانية تقطع رجله اليسرى.

فإذا سرق للمرة الثالثة حبس مؤبدا.(الجواهر و الوسائل)،و فصل القذف و السكر و السرقة و قطع الطريق من هذا الجزء،فقرة القطع.

ص:333

الإعانة على القتل:

إذا أمسك بشخص و قتله آخر حبس الممسك مؤبدا.(الجواهر و الوسائل باب القصاص).

و في كتاب الوسائل باب القضاء ان الإمام الصادق عليه السّلام قال:«لا يخلد في السجن إلاّ ثلاثة:الذي يمسك على الموت يحفظه،حتى يقتل،و المرأة المرتدة عن الإسلام،و السارق بعد قطع اليد و الرجل».

ثلاثة و ثلاثة:

و أيضا في الوسائل باب القضاء قال الإمام الصادق عليه السّلام:«يجب على الإمام أن يحبس الفساق من العلماء،و الجهال من الأطباء،و المفاليس من الأكرياء» (1).

و أيضا في الباب المذكور قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:لا يحبس في السجن إلاّ ثلاثة:الغاصب،و من أكل مال اليتيم ظلما،و من اؤتمن على أمانة فذهب بها.

و إذا صحت هذه الرواية عن الإمام فيكون قصده من الحصر بالثلاثة هو حبس التعزير بما يراه الإمام،و إلاّ فإن المرأة المرتدة و الممسك و السارق للمرة الثالثة يحبسون حدا،لا تعزيرا.

و أيضا في نفس الباب قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان على الإمام أن يخرج المحبّسين في الدين يوم الجمعة إلى الجمعة،و يوم العيد إلى العيد،فيرسل معهم،فإذا قضوا الصلاة و العيد ردهم إلى السجن.

ص:334


1- جاء في اللغة أن الأكرياء جمع كري،و هو الناعس و النائم،و ربما كان مراد الإمام من المفاليس من الأكرياء الفقراء الكسالى الذين يقدرون على العمل،و لا يعملون.

السجن على ذمة التحقيق:

جاء في كتاب الوسائل عن الإمام الصادق عليه السّلام،باب القصاص:أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يحبس في تهمة الدم ستة أيام،فإن جاء أولياء المقتول بثبت و إلاّ خلّى سبيله.

و تعرض لذلك صاحب الجواهر في باب القصاص،المسألة الرابعة.

حبس المفلس:

جاء في كتاب الوسائل،باب الحجر عن الإمام الصادق عليه السّلام:أن عليا عليه السّلام كان يحبس في الدّين،فإذا تبين له حاجة و إفلاس خلى سبيله حتى يستفيد مالا.

أنظر الجزء الرابع من كتابنا«فقه الإمام جعفر الصادق»باب القرض و الدين،فقرة«المماطلة مع القدرة»و الجزء الخامس،فصل المفلس،فقرة «حبس المديون».و كتاب الجواهر،باب الدين،و باب الحجر.

فقد ذكرنا في باب القرض و الدين أن من كان له مال ظاهر،و عليه ديون للناس يجوز للحاكم أن يحبسه،حتى يؤدي ما عليه،عملا بحديث:الواجد تحل عقوبته و عرضه.

من خلص القاتل:

جاء في كتاب الوسائل باب القصاص:أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل قتل رجلا عمدا فرفع إلى الوالي،فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه،فوثب عليه قومه فخلصوه من أيدي الأولياء؟قال:أرى أن يحبس الذين خلصوا القاتل من أيدي الأولياء،حتى يأتوا بالقاتل.قال السائل:فان مات القاتل،و هم في

ص:335

السجن؟قال الإمام:ان مات فعليهم الدية،يؤدونها إلى أولياء المقتول.

حبس الكفيل:

قال صاحب الجواهر في الجزء الرابع،القسم الثالث في الكفالة:إذا تكفل شخص بإحضار آخر،و لم يحضره في الوقت المعين فللمكفول له ان يحبس الكفيل عند الحاكم،حتى يحضر المكفول،لأن الإمام الصادق عليه السّلام قال:جيء برجل إلى أمير المؤمنين علي عليه السّلام قد كفّل بنفس رجل فحبسه،و قال:له اطلب صاحبك.

انظر الجزء الرابع من كتاب:فقه الإمام جعفر الصادق،باب الكفالة،فقرة «تسليم المكفول».

الآمر بالقتل:

قال صاحب الجواهر في باب القصاص،الصورة الثانية:«سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن رجل أمر رجلا بقتل آخر،فقتله؟قال:يقتل به من باشر القتل،و يحبس الآمر بقتله في الحبس،حتى يموت.و لا بأس بالعمل- هذا الكلام لصاحب الجواهر-بهذه الرواية بعد صحتها،و عمل غير واحد من الأصحاب بها».

انظر فصل القصاص من هذا الجزء،فقرة:-«الإكراه على القتل أو القطع».

شعر المرأة:

جاء في كتاب الجواهر،باب الديات،المقصد الأول في ديات الأعضاء

ص:336

أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل وثب على امرأة،فحلق رأسها؟قال:يضرب ضربا موجعا،و يحبس في سجن المسلمين،حتى ينبت شعرها،فإن نبت أخذ منه مهر نسائها،و ان لم ينبت أخذت منه الدية كاملة.

ص:337

كتاب الديات

تمهيد:

تقسم العقوبة إلى أدبية و مادية،و الأولى تشمل عقوبة الزنا،و اللواط، و السحاق،و القيادة،و القذف بالزنا و اللواط،و السرقة،و السكر،و قطع الطريق، و الارتداد.و قد نص الشارع على عقوبة هذه الجرائم،و لم يترك لولاة الأمر التصرف في أمر تقديرها،و تسمى حدا،و عقوبة مقدرة و منصوصة.

و أيضا تشمل العقوبة الأدبية العقوبات على الكبائر غير المقدرة في لسان الشارع،كالعقوبة على الغيبة و التزوير،و ما إلى ذلك مما فوض تقديره إلى ولاة الأمر،فيعاقبون عليه بما يرون،و تسمى هذه العقوبة تعزيرا،و عقوبة مفوضة، و غير منصوصة.

و تشمل أيضا العقوبة الأدبية القصاص،أي معاقبة الجاني على جريمة القتل،أو القطع،أو الجرح عمدا مثلا بمثل،و لا تشمل الضرب و الشتم.

و سبق الكلام عن العقوبة الأدبية بشتى أقسامها.و نتكلم الآن عن العقوبة المادية بعنوان الديات،كما فعل الفقهاء.و المراد بها المال الواجب بسبب الجناية على النفس،أو غيرها.و هذا المال الواجب بالجناية منه مقدر في لسان الشارع، كدية النفس و أكثر الأعضاء،و منه ما فوض أمر تقديره إلى الحكومة،أي معرفة

ص:338

الخبراء الموثوق بهم،فيقدّرون التعويض الضرري للمجني عليه،أو لورثته.

و الضابط أن كل ما لا تقدير فيه شرعا ففيه الحكومة،و التفصيل في الصفحات التالية:

دية النفس

الأصل:

و الأصل في الدية قوله تعالى وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللّهِ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (1).

و قال الإمام عليه السّلام:ان شاء أولياء المقتول أن يعفوا عن القاتل فعلوا و ان شاءوا قبلوا الدية،إلى غيرها كثير من الروايات.

عمد و خطأ و عمد الخطأ:

الجناية على ثلاثة أنواع:عمد محض،و خطأ محض،و شبه عمد،و يسمى أيضا عمد الخطأ.

و العمد ان يكون عامدا في فعله و قصده،أي يقصد الفعل و القتل،أو يقصد الفعل القاتل،كما مر في فصل القصاص.

و الخطأ المحض أن يكون مخطئا في قصده و فعله،كما إذا رمى حيوانا فأصاب إنسانا.قال صاحب مفتاح الكرامة:«و كذا إذا رمى إنسان فأصاب غيره،

ص:339


1- النساء:91. [1]

و هذا من الخطأ المحض،و مرجعه إلى عدم قصد الشخص».

و شبه العمد أن يكون عامدا في فعله مخطئا في قصده،كمن ضرب صبيا للتأديب فمات،فالضرب مقصود،أما الموت فغير مقصود.

قال الإمام الصادق عليه السّلام:العمد كل من اعتمد شيئا فأصابه،و الخطأ من اعتمد شيئا فأصاب غيره.و في رواية ثانية:ان ضرب رجل رجلا بعصا أو بحجر فمات من ضربة واحدة قبل أن يتكلم فهو شبه العمد.

و بالإجمال العمد المحض ان يتعمد القتل مباشرا أو تسبيبا،و الخطأ أن يتعمد شيئا فيصيب غيره،و عمد الخطأ أن لا يتعمد القتل فيقع القتل.

متى تجب الدية بالأصل؟

الأصل في جناية العمد القصاص،سواء أ كانت قتلا،أو قطعا،أو جرحا، لأن معنى القصاص المماثلة،و لا يثبت المال إلاّ بالتراضي،و يجوز أن يكون بقدر الدية،و أقل و أكثر كما تقدم.أجل،تتعين دية القتل عمدا المنصوص عليها شرعا إذا فات المحل كما إذا مات القاتل،أو كان أبا للمقتول،أو كان المقتول مجنونا.و تثبت الدية بالأصل في قتل الخطأ المحض،أو شبه العمد،و قد نص الشرع على دية العمد،و الخطأ،و شبه العمد.

دية العمد:

إذا قتل الذكر المسلم عمدا،و من في حكمه،كالمولود على الفطرة فديته ألف دينار (1)أو عشرة آلاف درهم،أو ألف شاة،أو مأتا حلة،أو مائة من الإبل،أو

ص:340


1- قيل:ان الألف دينار تبلغ ثلاث كيلوات و نصفا و 29 غراما من الذهب الخالص،و قدرها كثيرون بخمسمائة ليرة عثمانية ذهبا.

مأتا بقرة.و الخيار بين هذه الأشياء الستة للجاني،لا لولي المجني عليه،و يعطى الجاني مهلة سنة كاملة لتأديتها،و لا تجب المبادرة،كما لا يجوز التأخير عن السنة إلا برضا من يستحق الدية.و في ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السّلام:

منها قول الإمام الصادق عليه السّلام:كانت الدية في الجاهلية مائة من الإبل فأقرها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،ثم فرض على أهل البقر مأتي بقرة،و على أهل الشياه ألف شاة ثنية،و على أهل الذهب ألف دينار،و على أهل الورق-الدراهم-عشرة آلاف درهم،و على أهل الحلل مأتي حلة.و في رواية ثانية:مائة من الإبل.و رواية ثالثة تدل على أن مدار الدية في كل أرض على ما يوجد فيها غالبا.و بهذا يتبين لنا أن المراد من التخيير هو التسهيل و التيسير.

و دية العمد يؤديها الجاني من ماله،لا من مال العاقلة.و قال جماعة من الفقهاء:ان الإبل يجب أن تكون ثنايا فصاعدا،و ان كل حلة ثوبان من برد اليمن.

أما البقر و الشاة فيكفي منهما ما يصدق عليه الاسم.

و لا فرق في ذلك بين أن يكون المقتول كبيرا،أو صغيرا،أو عاقلا،أو مجنونا،أو سليم الأعضاء،أو مفقودها عملا بإطلاق النص.و هذا التعميم يشمل دية العمد،و الخطأ،و شبه العمد.

دية الخطأ و شبه العمد:

تشترك الديات الثلاث:العمد،و الخطأ،و شبه العمد في التخيير بين الستة، و هي الإبل،و البقر،و الغنم،و الحلل و الدراهم و الدنانير.و أيضا تشترك دية العمد مع دية شبه العمد في أن كلا منهما تستوفي من مال الجاني،لا من العاقلة،و ان الخيار للجاني فيهما.

ص:341

و تفترق دية العمد عن دية شبه العمد في أمرين:الأول في أسنان الإبل،لا في عددها،أي في الكيف لا في الكم.الثاني ان الجاني عمدا يمهل سنة لوفاء الدية.أما الجاني شبه العمد فتمهل سنتين.

و تفترق دية العمد عن دية الخطأ المحض في أربعة:1-في أسنان الإبل.

2-أن العامد يدفع الدية من ماله،و المخطئ تدفعها عنه العاقلة.3-أن العامد يمهل سنة للوفاء،و العاقلة تمهل ثلاث سنين.4-أن الخيار بين الأنواع الستة للعامد،أما في دية الخطأ فالخيار للعاقلة.

و تفترق دية شبه العمد عن الخطأ المحض في أن الجاني في شبه العمد يمهل سنتين و الخيار له.و في قتل الخطأ تمهل العاقلة ثلاثا و الخيار لها،و أيضا يفترقان في أسنان الإبل.أما في البقر و الشياه و الحلل و الدراهم و الدنانير فلا فرق بين الجميع لا كما و لا كيفا.و أيضا تفترق دية شبه العمد عن الخطأ في أن الدية في الأول من مال الجاني،و في الثاني من مال العاقلة.

القتل في الأشهر الحرم:

الأشهر الحرم أربعة و هي:رجب،و ذو القعدة،و ذو الحجة،و المحرم.

و اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على أن من قتل عمدا في هذه الأشهر فعليه دية و ثلث تغليظا في العقاب،لانتهاكه حرمة هذه الأشهر المقدسة.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل يقتل في الأشهر الحرم،ما ديته؟قال:عليه دية و ثلث.

و ألحق جماعة من الفقهاء حرم مكة المكرمة بالأشهر الحرم.

ص:342

دية ابن الزنا:

دية ابن الزنا كدية غيره من المسلمين إذا أظهر الإسلام.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده بين من تأخر عن المصنف»يريد بالمصنف صاحب كتاب الشرائع الذي هو متن للجواهر،و قد توفي المصنف سنة 676 ه.

دية الذمي:

دية الذمي 800 درهم.و في ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السّلام.و لا دية لغير أهل الذمة،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده».

دية المرأة:

دية المرأة المسلمة على النصف من دية الرجل من أنواع الدية الستة المتقدمة عمدا كانت الجناية عليها،أو خطأ،أو شبه عمد،صغيرة كانت،أو كبيرة،و عاقلة،أو مجنونة،سليمة الأعضاء،أو غير سليمة.قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك،و النصوص مستفيضة،أو متواترة،و كذا الجراحات و الأطراف منها على النصف من الرجل ما لم تقصّر ديتها عن ثلث دية الرجل،فان قصرت دية الجناية جراحة،أو طرفا عن الثلث تساويا قصاصا و دية».

و قد أوضحنا ذلك،و شرحناه مفصلا في فصل الأعضاء و الجروح من هذا الجزء،فقرة:«دين اللّه لا يصاب بهذه العقول».

العاقلة:

سبق أن دية العمد و شبهة من مال الجاني،و ان دية الخطأ من مال العاقلة،

ص:343

و ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى أن القاتل خطأ لا يتحمل الدية و ان كان غنيا،و كذلك الأنثى و ان كانت من قرابة الأب،و الصبي و المجنون الفقير، و الجنود الذين أعدهم الحاكم للجهاد،و رتب لهم ارزاقا من بيت المال،و من يتقرب بالأم فقط،كل هؤلاء،حتى الوارثين منهم لا يتحملون شيئا من دية الخطأ،و لا يشملهم اسم العاقلة التي تتحمل المال.

و الذين يتحملون دية الخطأ عن القاتل هم العصبة قرابة الأب،كالإخوة و الأعمام،و أولادهم،فان لم يكونوا فضا من الجريرة-مر تفسيره في باب الإرث، فقرة«الولاء»-فان لم يكن فبيت المال،إذ لا يطل دم امرئ مسلم،و لا يشترط فيمن يتحمل الدية أن يكون وارثا في الحال.

و تسأل:هل يدخل الآباء و الأبناء في العاقلة،و يتحملون من دية الخطأ مع من يتحملها من قرابة الأب.

ذهب المشهور بشهادة الشهيد الثاني في المسالك و شرح اللمعة إلى عدم الدخول،و انهم لا يتحملون منها شيئا،لأن الأصل براءة الذمة،حتى يثبت الدليل،و لا دليل إلاّ رواية سلمة،و هي ضعيفة،و ثبوتها على قرابة الأب لا يستدعي ثبوتها على الأب و الابن.

و قال آخرون بدخولهما في العاقلة،و مشاركتهما في تحمل الدية،و من هؤلاء صاحب الشرائع و الجواهر،لأن دية الخطأ على العصبة،و لفظ العصبة تشملهما.

الكفارة:

من قتل مسلما متعمدا فعليه أن يجمع بين عتق رقبة مؤمنة و صيام شهرين

ص:344

متتابعين،و إطعام ستين مسكينا،و تسمى هذه الكفارة بكفارة الجمع.قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك مضافا إلى النصوص التي منها صحيح ابن سنان:ان الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن المؤمن يقتل عمدا،إله توبة؟قال:ان قتله لإيمانه فلا توبة له،و ان كان قتله لغضب أو سبب من أسباب الدنيا فان توبته أن يقاد منه،و ان لم يكن قد علم به أحد انطلق إلى أولياء المقتول،فأقر عندهم بقتل صاحبهم فان عفوا،و لم يقتلوه أعطاهم الدية،و عتق نسمة،و صام شهرين متتابعين،و اطعم ستين مسكينا.

و لو قد قتله خطأ،أو شبه العمد فعليه أن يدفع الدية إلى أهله،و ان يكفر بعتق نسمة،فإن عجز صام شهرين متتابعين،فان عجز أطعم ستين مسكينا.

و لقد شرحنا الكفارات بشتى أنواعها مع أدلتها في الجزء الخامس،باب الكفارات.

و تجب الكفارة في العمد و الخطأ و شبهه لقتل المسلم ذكرا كان،أو أنثى، كبيرا أو صغيرا،عاقلا،أو مجنونا،و لا تجب لقتل غير المسلم عمدا كان القتل، أو خطأ.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده فيه».

و أيضا لا تجب الكفارة إطلاقا إلاّ إذا باشر الفاعل القتل بنفسه،أمّا إذا كان السبب للقتل،كمن طرح حجرا،أو نصب سكينا،أو حفر حفره في غير ملكه فمات بسبب ذلك من مات فان على الفاعل المسبب الدية دون الكفارة.

التسبيب:

تقدم في باب القصاص فقرة«المباشرة و التسبيب»ان الجناية قد تكون بالمباشرة.و قد تكون بالتسبيب،و ذكرنا بعض الأمثلة للتسبيب.و قد أطال الفقهاء

ص:345

في باب الديات ذكر هذه الأمثلة،و نعرض فيما يلي طرفا منها:

1-ذكر العلامة الحلي في القواعد،و صاحب مفتاح الكرامة في شرحها:

أن من قفز من علو عن قصد فصادف وقوعه على غيره فقتله،فان كان قد قصد الوقوع عليه،و كان مثل هذا الفعل يقتل في الغالب فهو من قتل العمد،حتى و لو لم يقصد القتل،لأنه قاصد للفعل القاتل،و ان كان مثل هذا الفعل لا يقتل في الغالب فهو شبه عمد ان لم يقصد به القتل،و عمد ان قصد القتل.

2-و في مفتاح الكرامة أيضا:إذا ألقى الهواء شخصا على آخر قهرا عنه، أو انزلق فوقع عليه فمات فلا ضمان على الواقع،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل يسقط على رجل،فيقتله؟قال:لا شيء عليه.

و تسأل:لقد اتفقوا على أن النائم يضمن ما يتلفه بانقلابه نفسا كان التالف، أو غيرها،و انما اختلف الفقهاء في محل الضمان:هل هو العاقلة،أو النائم،إذا كان التالف نفسا،و على هذا يجب أن يضمن الزالق و من ألقاه الهواء،أو تضمن عنه العاقلة على الخلاف في النائم؟ الجواب:فرق واضح بين من ألقاه الهواء قهرا عنه،و بين النائم،لأن الأول، تماما كالآلة الصماء في نظر العرف.أما الثاني فيستند إليه في نظرهم،و ان كان فاقد الشعور،تماما كالمجنون،و الصبي غير المميز.

3-من دعا غيره،فأخرجه من منزله ليلا،و لم يعد فعليه الدية من ماله،لا من مال العاقلة.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:إذا دعا الرجل أخاه بالليل فهو ضامن،حتى يرجع إلى بيته».

و تسأل:إذا وجد مقتولا فما هو الحكم؟ الجواب:إذا ادعى من أخرجه على شخص أنّه القاتل،و أثبت عليه بالبينة

ص:346

فقد بريء،و إلاّ فلا يقتص منه،و لكن يدفع الدية من ماله،لا من مال العاقلة.قال صاحب الجواهر:«نصا و فتوى مضافا إلى أصالة براءة العاقلة من الدية».

سؤال ثان:فإذا وجد ميتا فما هو الحكم؟ قال صاحب الجواهر:إذا علم أنه قد مات حتف أنفه فلا شيء على من أخرجه،و مع عدم العلم بذلك فعليه الدية،لإطلاق أدلة الضمان.

4-من ملك حيوانا،و هو يعلم أنّه لو أطلقه يجني على الناس و أموالهم فيجب عليه إمساكه و حفظه،سواء أ كان الحيوان كلبا أو بعيرا أو فرسا أو ثورا أو غير ذلك،فإذا أهمل صاحبه،و أحدث الحيوان حدثا ضمن جنايته.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف و اشكال».فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن جمل هاج، فقتل رجلا،فجاء أخو الرجل فضرب الفحل بالسيف،فعقره؟قال:صاحب الجمل ضامن للدية،و يقتص ثمن جمله».

و إذا كان جاهلا بحاله،حيث لم يكن ذلك من عادته،أو كان عالما،و لكنه احتاط،و لم يفرط فلا ضمان عليه.قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا صال الفحل أول مرة لم يضمن صاحبه،فإذا ثنّى ضمن.

و ذكرنا طرفا من ذلك في باب الإجارة و الغصب.

ص:347

دية الأعضاء و المنافع و الشجاج

اشارة

تبين مما سبق أن الجناية على النفس عمدا توجب القصاص،و تجوز الدية مع التراضي،و ان الجناية عليها خطأ أو شبه العمد توجب الدية،و ان الجناية على ما دون النفس قد تكون عمدا و خطأ و شبه العمد،و انها ان كانت جرحا أو قطعا عن عمد،و أمكن القصاص مثلا بمثل جاز القصاص،و ان لم تكن جرحا و لا قطعا،أو كانت و تعذرت المماثلة تعين الأرش.و سبق أيضا بيان دية النفس.

و نتكلم الآن عن دية الأعضاء كاليد و الرجل،و دية المنافع،كالعقل و السمع.

و كل ما فيه تقدير معين في الشرع مما هو دون النفس اقتصر فيه على ما عينه الشارع،و كل ما لا تقدير فيه ففيه الأرش المسمى بالحكومة.و المراد بالأرش تدارك العطل و الضرر الذي تقدره أهل الخبرة،و تحكم به.و جاء في النص التقدير لثمانية عشر عضوا من أعضاء الإنسان كما في الجواهر،و نلخصها فيما يلي،ثم نذكر بعدها المنافع.

الأعضاء

1-الشعر:

من تسبب بإزالة شعر رأس انسان،بحيث لا ينبت أبدا فعليه دية قتل نفس كاملة،ذكرا كان أو أنثى،لأنه شيء واحد في الإنسان.و قد أجمعوا على أن كل ما

ص:348

يكون في بدن الإنسان منه واحد فقط فان فيه الدية كاملة،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل دخل الحمام فصب عليه ماء حارا فامتعط شعر رأسه، و لحيته فلا ينبت أبدا؟قال:عليه الدية.

و ان زال الشعر،ثم نبت ففيه الأرش ان كان ذكرا،لعدم النص على التقدير، و ان كان امرأة ففيه مهر أمثالها.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل وثب على امرأة فحلق رأسها؟قال يضرب ضربا موجعا،و يحبس في سجن المسلمين،حتى ينبت شعرها،فان نبت أخذ منه مهر نسائها،و ان لم ينبت أخذت منه الدية كاملة.

و في شعر اللحية الدية كاملة ان لم ينبت،و ان نبت فالأرش،و قيل:ثلث الدية ان نبت،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:قضى علي أمير المؤمنين عليه السّلام في اللحية إذا حلقت فلم تنبت فالدية كاملة،و ان نبتت فثلث الدية.

و في شعر الحاجبين معا 500 دينار،و في كل واحد 250.قال صاحب الجواهر:«وفاقا للأكثر،بل المشهور على ذلك».

و ذهب أكثر الفقهاء بشهادة الشهيد الثاني في شرح اللمعة إلى أن في الأهداب الأربعة ان لم تنبت الدية كاملة،و فيما دون الأربعة الأرش،و كذا ان نبتت،و الأهداب الأربعة هي الشعر النابت على الأجفان الأربعة،لكل عين جفنان أعلى و أسفل.

و فيما عدا ذلك من الشعر،كالنابت على الصدر و الساعد و الساق،و ما إليه يثبت فيه الأرش.

ص:349

2-العين:

في العينين معا الدية كاملة،و في واحدة نصف الدية إجماعا و نصا،و منه قول الإمام عليه السّلام:كل ما كان في الإنسان اثنان ففيهما الدية،و في أحدهما نصف الدية،و ما كان فيه واحد ففيه الدية.

قال صاحب الجواهر:و لا فرق بين العين الصحيحة،و العمشاء،و الحولاء، و الجاحظة.و العمشاء ضعيفة البصر مع سيلان دمعها في الغالب،و الجاحظة خارجة المقلة.

و في العين الصحيحة من الأعور خلقة،أو بآفة من اللّه على حد تعبير الفقهاء دية كاملة،لأنها بالنسبة إليه بمنزلة العينين،و لقول الإمام الصادق عليه السّلام:في عين الأعور دية كاملة.

3-الأنف:

و في الأنف دية كاملة إذا استؤصل،لأنه واحد في الإنسان،و كل ما كان في الإنسان واحد ففيه الدية.

و في المنخر الواحد نصف الدية،لأن الأنف يشتمل على منخرين،و كل ما كان في الإنسان اثنان ففي أحدهما نصف الدية.

4-الاذن:

في الأذنين الدية،و في كل واحدة النصف،تماما كالعينين و المنخرين.

و لا فرق بين الاذن الصحيحة،و بين الصماء،لأن قوة السمع شيء،و الاذن شيء آخر،فقد يكون للإنسان سمع بلا اذن،و قد يكون له اذن بلا سمع.و يأتي عند

ص:350

الكلام في المنافع،ان ذهاب السمع موجب للدية الكاملة،لأنه تماما كالعقل.

و إذا قطع بعضها اعتبرت مساحة المجموع من أصل الاذن،و ينسب المقطوع إليه،و تثبت الدية بالنسبة،قال صاحب الجواهر:بلا خلاف،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:و ما قطع منها غير الشحمة فبحساب ذلك.

5-الشفة:

حكم الشفتين حكم الأذنين.و قيل في الشفة العليا ثلث الدية،و في السفلى الثلثان،لأنها تمسك الطعام و الشراب،و ترد اللعاب.

6-اللسان:

و فيه الدية كاملة،لأنه واحد،أما الأخرس فقال صاحب الجواهر:لا خلاف في أن فيه ثلث الدية.لقول الإمام عليه السّلام في لسان الأخرس،و عين الأعمى ثلث الدية.

7-الأسنان:

مجموع أسنان الفم 28،و فيها جميعا تمام الدية،و في بعضها دون بعض تفصيل بين الثنيتين،و الرباعيتين،و النابين و الأضراس على الوجه الذي جاء في رواية عن الإمام الباقر أبي الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام،و عمل بها الفقهاء بشهادة صاحب المسالك و الجواهر،و هذي هي:

قيل للإمام عليه السّلام:ان بعض الناس له في فيه اثنان و ثلاثون سنا،و بعضهم له ثمان و عشرون سنا،فعلى كم تقسم دية الأسنان؟فقال:الخلقة انما هي 28،اثنتا

ص:351

عشر في مقاديم الفم،و ست عشرة سنا في المؤخرة،و على هذا قسمت دية الأسنان،فدية كل سن من المقاديم إذا كسر،حتى يذهب خمسمائة درهم،و هي 12 سنا،فديتها 6000 آلاف درهم،و دية كل سنّ من الأضراس إذا كسر،حتى يذهب 250 درهما،و هي 16 سنا،و ديتها كلها 4000 درهم،فتجمع دية المقاديم،و دية المؤخرة من الأسنان 10000 درهم،و انما وضعت الدية على هذا،أما ما يزيد على 28 سنا فلا دية له،و ما نقص فلا دية له.

و قوله:و ما يزيد لا دية له معناه أن الزائد لا توزع عليه الدية،و لكن فيه الحكومة كما هو اختيار صاحب الجواهر و كثير غيره من الفقهاء،أما قوله:و ما نقص فلا دية له فمعناه أنّه ينقص من الدية بمقدار ما يلحق الناقص منها لو كان موجودا.

ثم انّه لا فرق بين السن السوداء و البيضاء و الصفراء بحسب الخلقة.

8-العنق:

إذا كسر عنقه فمال،أو تعذر عليه البلع و الازدراد فعليه تمام الدية،و إذا بقي كذلك أياما ثم صح،و عاد إلى حاله الطبيعية فعليه تدارك العطل و الضرر الذي تقدره أهل الخبرة.

9-اللحيان:

و في اللحيين دية كاملة،و في أحدهما نصف الدية،و فيهما مع الأسنان ديتان،و مع بعضها بحسابه،و اللحيان هما العظمان اللذان تنبت اللحية على بشرتهما،و يتصل كل واحد منهما بالأذن.

ص:352

10-اليدان:

في اليدين تمام الدية،و في واحدتهما النصف عملا بقاعدة:كل ما فيه واحد فالدية،و ما فيه اثنان فنصفها.قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك مضافا إلى النصوص العامة و الخاصة،و تتساوى اليمنى و اليسرى،و ان كانت اليمنى أقوى و أنفع،كما يتساوى من له يدان،و من ليس له إلاّ يد واحدة،و قياس من له يدان على من له عين واحدة اجتهاد في مورد النص».

و ليس للأصابع دية إذا زالت تبعا لليد،و لها الدية إذا قطعت لوحدها،و فيما يلي البيان.

11-الأصابع:

في الأصابع العشر الدية كاملة،سواء أ كانت في اليدين،أو في الرجلين.

قال صاحب الجواهر:إجماعا و نصا.انظر فصل الأعضاء و الجروح،فقرة«دين اللّه لا يصاب بهذه العقول».

و في الإصبع الزائدة ثلث دية الأصلية.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف قال الإمام الصادق عليه السّلام:في الإصبع الزائدة إذا قطعت ثلث دية الصحيحة».

12-الظهر:

إذا كسر الظهر،و لم يصلح فعلى الجاني تمام الدية.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل يكسر ظهره؟قال:فيه الدية كاملة.و في العينين الدية، و في إحديهما النصف،و في الأذنين الدية،و في إحديهما النصف،و لو قطعت الحشفة فقط من الذكر فنصف الدية،و إذا قطع ما فوقها فالدية،و في الأنف إذا

ص:353

قطع المارن الدية كاملة،و في الشفتين الدية.

13-النخاع:

و في النخاع الدية كاملة.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف،لأنه عضو واحد في البدن،فيعمه الضابط».

و النخاع هو الخيط الأبيض في وسط سلسلة الظهر،و لا قوام للإنسان إلاّ به.

14-الثديان:

في ثديي المرأة معا ديتها،أي نصف دية الرجل،و في إحديهما نصف ديتها،و في انقطاع اللبن عنهما العطل و الضرر.

و في ثديي الرجل ديته،و في واحدهما النصف،و الدليل ما أشرنا إليه أكثر من مرة من أن ما في الإنسان منه اثنان ففي كل واحد نصف الدية.أما الدليل على العطل و الضرر إذا انقطع لبن المرأة فلأن كل ما لا تقدير له شرعا ففيه الحكومة.

15-القضيب و الخصيتان:

إذا قطع القضيب من الأصل،أو قطعت الحشفة بكاملها فعلى الجاني الدية كاملة،لأنه واحد في الإنسان فتثبت فيه الدية،و لا فرق بين قضيب الشيخ و الشاب و الطفل الصغير.

و في الخصيتين تمام الدية،و في إحديهما النصف،لأنهما اثنتان في الإنسان:و في رواية عن الإمام الصادق عليه السّلام:أن في الخصية اليسرى ثلثي الدية، و في اليمنى الثلث،لأن الولد يخلق من اليسرى لا من اليمنى.و عمل بهذه الرواية

ص:354

البعض،و أهملها البعض الآخر.و قال الشهيد الثاني:و قد أنكر ذلك بعض الأطباء.

16-الشفرتان:

الشفرتان هما اللحم المحيط بفرج المرأة إحاطة الشفتين بالفم،و فيهما معا دية المرأة،و في إحديهما نصف ديتها للقاعدة المعروفة،و لا فرق في ذلك بين البكر و الثيب،و الصغيرة و الكبيرة،و الجميلة و القبيحة.

17-الأليتان و الرجلان:

في كل من الأليتين معا،و الرجلين معا تمام الدية،و في واحدة منها نصف الدية،لقاعدة:كل ما في الإنسان منه اثنان ففيهما الدية،و في إحديهما نصف الدية.

و قال صاحب الجواهر:لا خلاف في أن حد الرجل هو مفصل الساق،لأنه الذي يدل عليه العرف و اللغة.

18-الإفضاء:

المراد بالإفضاء هنا،كما في شرح اللمعة للشهيد الثاني،و القواعد للعلامة الحلي:و جامع المقاصد للمحقق الكركي.المراد به أن يصير مسلك البول و الحيض،أو مسلك البول و الغائط واحدا من فرج الأنثى،فإذا حصل الإفضاء بأحد هذين فعلى الفاعل الغرامة على التفصيل التالي:

1-أن يكون الفاعل زوجا،أو ما في حكمه كالواطئ بشبهة،و الموطوءة

ص:355

دون التاسعة،فيثبت عليه المهر و الدية معا.أما المهر فلاستقراره بالدخول،و أمّا الدية فلذهاب منفعة الوطء،و للإجماع و النص.

و تحرم عليه مؤبدا بالإضافة إلى وجوب المهر و الدية،و تجب عليه نفقتها، حتى يموت أحدهما،و مع ذلك كله لا يجوز لها الزواج بغيره إلاّ بالطلاق أو بموته،و إذا طلقها و تزوجت سقطت عنه نفقتها،و قيل:لا تسقط بالزواج من غيره.

2-أن يدخل الزوج بها بعد بلوغها،و يحصل الإفضاء بسبب الدخول، و لا شيء عليه سوى المهر و النفقة،كسائر الزوجات،لأنه فعل مأذون به شرعا، إلاّ إذا تعدى و تجاوز المألوف بين الزوجين.

3-أن يكون الواطئ أجنبيا لا زوجا،و حينئذ ينظر:فان كانت صغيرة فعليه ديتها و مهر أمثالها،مكرهة كانت،أو مطاوعة،إذ لا أثر لإذن الصغير،و ان كانت كبيرة و مطاوعة،فلا مهر لها،لأنها بغي،و لكن عليه ديتها،لأن الإذن بالجماع ليس إذنا بالإفضاء،على أن الاذن به لا اثر له من حيث الجواز الشرعي.

و بالإجمال ان المهر يثبت بمجرد الدخول بالكبيرة غير البغي،و بالصغيرة مطلقا زوجة كانت،أو أجنبية،أذنت،أو لم تأذن.أما الدية فتجب للأجنبية،حتى و لو كانت بغيا،و للزوجة الصغيرة،و لا تجب للزوجة البالغة.قال صاحب الجواهر في المجلد الخامس،باب الزواج،المسألة السادسة في تحريم وطء الزوجة غير البالغة.

«لا إشكال في وجوب المهر بإفضائها مطلقا صغيرة كانت أو كبيرة،زوجة أو أجنبية إلاّ إذا كانت مملوكة أو بغيا.و لا خلاف معتد به في وجوب الدية بإفضاء الزوجة قبل بلوغها التسع.و الظاهر ثبوت الدية بإفضاء الأجنبية،صغيرة كانت أو

ص:356

كبيرة،مملوكة أو حرة،موطوءة بشبهة،أو بزنا،مطاوعة أو مكرهة».

19 الأضلاع:

جاء في مفتاح الكرامة أن الأضلاع قسمان:قسم يخالط القلب و فيه لكل ضلع إذا كسر 25 دينارا،و قسم لا يخالطه،و يلي العضدين،و فيه لكل ضلع إذا كسر 10 دنانير.

20-كسر العظام:

ما ذكرناه من الدية هو لقطع العضو،فإذا لم يقطع،و كان فيه عظم،و كسر العظم فإن في كسر كل عظم من عضو له دية مقدرة خمس دية ذلك العضو،كما جاء في قواعد العلامة الحلي.

أشياء أخرى:

و هناك ديات و غرامات كثيرة غير ما ذكرنا جاءت في كتب الفقه و الحديث.منها ما جاء في كتاب الوسائل عن الإمام الصادق عليه السّلام:أن أمير المؤمنين عليا قضى في الظفر إذا قطع و لم ينبت،أو خرج أسود فاسدا عشرة دنانير،فإن خرج أبيض فخمسة دنانير.

و«منها»ما جاء في الجواهر:أن الترقوة إذا كسرت،و جبرت من غير عيب فيها أربعون دينارا،و الترقوة هي العظم بين ثغرة النحر و العاتق.

إلى غير ذلك،و قد جاء في الوسائل و غيرها:ان الإمام الصادق عليه السّلام قال:

عندنا كل ما يحتاج إليه الناس-من أحكام-حتى الأرش في الخدش.

ص:357

المنافع:

اشارة

المراد بالمنافع قوى النفس و غرائزها،كالادراك،و الإبصار،و السمع، و الشم و الذوق و ما إليه،و ذكر الفقهاء لجملة من دياتها،و تجدر الإشارة إلى أنّه لا قصاص فيها،حتى مع العمد،لتعذر المماثلة.

1 العقل:

العقل،من جنى على آخر بجناية ذهب عقله بسببها فعليه دية كاملة لأنه واحد في الإنسان،و كل ما كان واحد منه ففيه الدية.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف.قال الإمام الصادق عليه السّلام قضى علي عليه السّلام في رجل ضرب رجلا بعصا فذهب سمعه و بصره و لسانه و عقله و فرجه و انقطع جماعه،و هو حي،قضى بست ديات».

و تسأل:إذا رجع للمضروب عقله و رشده بعد أن أخذ الدية من الجاني فهل يجب أن يردها إليه؟ الجواب:لا فقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن ذلك؟ فقال:لا يردها،قد مضت الدية بما فيها.

2 السمع:

إذا جنى عليه جناية ذهب بها سمعه من الأذنين فعليه الدية كاملة مع اليأس من الشفاء،و ان ذهب السمع من اذن واحدة فنصف الدية،و مع عدم اليأس، و رجاء الشفاء ينتظر فإن عاد السمع فالحكومة بتدارك العطل و الضرر،و ان لم يعد فالدية بتمامها.

ص:358

و المرجع في إمكان الشفاء،و مدّة الانتظار أهل الخبرة.

و إذا ذهب السمع بقطع الأذنين فعليه ديتان كاملتان:واحدة للسمع، و أخرى للاذنين.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف،و لا إشكال للأصل،و إذا ذهب السمع كله بقطع إحدى الأذنين فدية و نصف».

3 ضوء العين:

في ضوء العينين معا الدية،و في ضوء إحداهما النصف.قال صاحب الجواهر:الإجماع على ذلك مضافا إلى النصوص عموما و خصوصا من غير فرق بين أفراده شدة و ضعفا،حتى الأعشى-يبصر بالنهار دون الليل-بل و الذي على عينيه بياض لا يمنعه من الأبصار».

4 الشم:

في إبطال الشم من المنخرين الدية،و من أحدهما نصفها،و ان ادعى المجني عليه ذهاب الشم منه امتحن بالروائح الطيبة و الكريهة،و حكم بما يثبت.

5 الذوق:

قال العلامة الحلي في القواعد:«في الذوق الدية».للقاعدة المعروفة كل ما في الإنسان منه واحد ففيه الدية.قال صاحب مفتاح الكرامة:«و يمكن أن يستدل عليه زيادة على ذلك أن الذوق منفعة الإنسان.و قد أبطله الجاني،و تقرر أن في اللسان الدية،و أنه إحدى المنافع،كالسمع و الشم ففيه الدية مثلها،بل هو أعظم من الشم».

ص:359

6-ذهاب المني:

إذا جنى عليه فتعذر إنزال المني حين الجماع فعليه الدية كاملة.قال الشهيد الثاني:«لفوات الماء المقصود للنسل،و في معناه تعذر الاحبال في الرجل، و الحبل في المرأة،و ان انزل المني لفوات النسل،لكن في تعذر الحبل دية المرأة إذا ثبت استناد ذلك إلى الجناية».

7 النطق:

إذا ذهب نطقه،و بقي لسانه فعليه الدية كاملة،و إذا عجز بسبب الجناية عن النطق ببعض حروف المعجم اعطي كل حرف واحد من 28 من الدية،لأنها عدد حروف المعجم.قال الإمام الصادق عليه السّلام جيء إلى أمير المؤمنين علي عليه السّلام برجل ضرب،فذهب بعض كلامه،و بقي البعض،فجعل ديته على حرف المعجم،ثم قال:تكلم بالمعجم،فما نقص من كلامه فبحساب ذلك،و المعجم 28 جزءا.

و بعد أن نقل صاحب الوسائل هذه الرواية قال:هذا أقوى و أشهر.

8 سلس البول:

سلس البول هو رشحه،لعدم القوة الماسكة له،و ذهب المشهور بشهادة صاحب المسالك إلى أن فيه الدية،لأن هذه القوة واحدة في الإنسان.و فيه رواية عن الإمام الصادق عليه السّلام ضعيفة السند،و لكن عمل الفقهاء بها جابر لضعفها،كما قال صاحب الجواهر.

ص:360

الشجاج:

تقدم أن القتل عمدا يوجب القصاص،و تجوز المصالحة على مبلغ يتراضى عليه الطرفان،و ان القطع و الجرح مع إمكان المماثلة،و مع عدم إمكانها أو الجناية خطأ فالدية.و تقدم أن المنافع كالادراك و السمع و ضوء العين لا قصاص فيها لعدم إمكان المماثلة،و ان الدية هي المتعينة.

و نتكلم الآن عن الشجاج،و تجمع على شجّة،و هي الجرح المختص بالرأس،أو الوجه فقط،و قسم الفقهاء الشجاج إلى ثمانية أصناف تبعا للنص، و كل صنف منها إذا وقع عمدا،و كان القصاص ممكنا مثلا بمثل ففيه القصاص أو الصلح بين الجاني و المجني عليه،و إلاّ فالدية،تماما كغيرها،و الأصناف الثمانية هي:

1-الحارصة،و هي التي تقشر الجلد و تخدشه،و فيها بعير.

2-الدامية،و هي التي تقطع الجلد،و تأخذ في الحكم يسيرا،و فيها بعيران،و وجه التسمية بالدامية أن الدم يسيل معها.

3-الباضعة،و هي تأخذ في اللحم كثيرا،و لا تبلغ العظم،و فيها ثلاثة أبعرة،و وجه التسمية أنّها تبعض اللحم و تقطعه.

4-السمحاق،و هي الجلدة الرقيقة على العظم،فمتى بلغها الجرح فديته أربعة أبعرة.

5-الموضحة،و هي تكشف عن العظم،و توضحه،و لكن لا تهشمه، و فيها خمسة أبعرة.

6-الهاشمة،و هي التي تهشم العظم،و تكسره،و لكنها لا تشقه،و فيها عشرة أبعرة.

ص:361

7-المنقّلة،و هي التي تنقل العظم و تزيله عن محله،و فيها خمسة عشر بعيرا.

8-المأمومة،و هي التي تبلغ أم الرأس،و فيها ثلاثون بعيرا.

و في كل ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السّلام ذكرها صاحب الوسائل و الجواهر في باب الديات،و تجدر الإشارة إلى أن شجاج الرجل و المرأة سواء في الدية إلى أن تبلغ ثلث دية الرجل،و عندها يكون لشجاج المرأة نصف ما لشجاج الرجل،تماما كما هو الحكم في القطع و سائر الجروح،و ذكرنا ذلك مفصلا في فصل الأعضاء و الجروح،فقرة«دين اللّه لا يصاب بهذه العقول».

لواحق

الجنين:

إذا جنى على امرأة حامل فأسقطت حملها ففيه التفصيل التالي:

1-إذا كان قد ولجته الروح فعلى الجاني دية الرجل ان كان الجنين ذكرا، و دية المرأة ان كان أنثى،و مع الاشتباه:هل هو ذكر أو أنثى؟فنصف دية الذكر، و نصف دية الأنثى.

2-إذا كان الجنين تام الخلقة،و لكن لم تلجه الروح فديته مائة دينار،من غير فرق بين الذكر و الأنثى.

3-إذا كان عظما فثمانون دينارا.

4-إذا كان مضغة فستون دينارا.

5-إذا كان علقة فأربعون دينارا.

6-إذا كان نطفة مستقرة في الرحم،و مستعدة لتكوين الجنين فعشرون دينارا.

ص:362

قال الإمام عليه السّلام:دية الجنين خمسة أجزاء:خمس للنطفة 20 دينارا و للعلقة خمسان 40 دينارا،و للمضغة ثلاثة أخماس 60 دينارا،فإذا تم الجنين كان له مائة دينار،فإذا أنشِئ فيه الروح فديته ألف دينار،أو عشرة آلاف درهم ان كان ذكرا، و ان كان أنثى فخمسمئة دينار.و ان قتلت المرأة،و هي حبلى،فلم يدر أذكر كان ولدها،أو أنثى فدية الولد نصفان:نصف دية الذكر و نصف دية الأنثى،أما هي فديتها كاملة.

الجناية على الميت:

جاء في روايات عن أهل البيت عليهم السّلام التشدد في احترام الإنسان الميت، و تحريم الاعتداء عليه،و ان له دية مقدرة بمئة دينار،تماما كدية الجنين التام الخلقة قبل ان يلجه الروح،و معنى جعل الدية له مع العلم بأنه لا روح فيه أن من قطع منه عضوا منفردا في الإنسان كالرأس و اللسان و الذكر فعلى الجاني مائة دينار،و إذا كان للعضو ثان كاليد و الرجل و العين و الأذن ففي كل واحدة 50 دينارا،نصف دية الميت.و هكذا سائر الأعضاء بحسب ديته،فللاصبع 10، و للاثنتين 20 دينارا إلى آخره،و لا فرق بين الذكر و الأنثى،و لا بين الصغير و الكبير،لإطلاق النصوص الشاملة على السواء لأنها جميعا وردت بلفظ الميت.

و قد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل قطع رأس ميت؟قال:عليه مائة دينار.فقال له السائل:و لمن تعطى المائة دينار؟قال الإمام:ليس فيها لورثته شيء، و انما هذا شيء صار إليه في بدنه بعد موته،فيحجّ به عنه،أو يتصدق به عنه،أو يصير في سبيل من سبل الخير.

و من أجل هذا أفتى الفقهاء بأن دية الميت تنفق عنه في وجوه الخير و البر،

ص:363

و لا يعطى الوارث منها شيئا،و لا تقضى منه ديونه إلاّ إذا لم يترك شيئا على الإطلاق.و لكن صاحب الجواهر يميل إلى أن الدين يوزع عليها،و على غيرها مما ترك ان كان قد ترك،و أصر الوارث على التوزيع.

الضرب:

جاء في كتاب الجواهر،باب الديات ما يتلخص بأن الجناية إذا كانت بالضرب بالكف أو بالعصا ففيها التفصيل التالي:

1-أن يضربه على وجهه،و يسود الوجه من أثر الضربة،فيغرم الجاني للمضروب 6 دنانير.

2-أن يخضر الوجه،و لا يسودّ فثلاثة دنانير.

3-أن يحمر،و لا يخضر فدينار و نصف.

قال الإمام الصادق عليه السّلام قضى الإمام علي عليه السّلام في اللطمة بسواد أثرها في الوجه ستة دنانير،و ان لم تسود و اخضرت فثلاثة دنانير،و ان احمرت و لم تخضر فدينار و نصف.

4-أن يكون الضرب في البدن لا في الوجه،فالدية على النصف من الضرب على الوجه،أي ثلاثة دنانير مع الاسوداد،و دينار و نصف مع الاخضرار، و ثلاثة أرباع الدينار مع الاحمرار.قال صاحب الجواهر:«لا أجد خلافا بينهم في ذلك».

ص:364

الاجتهاد

المجتهد:

المجتهد في اللغة الذي يجد و يبالغ في طلب الشيء،أو أي شيء،و في اصطلاح الفقهاء هو الذي يعرف أصول الشريعة بكاملها،و ما تنطوي عليه من أحكام و يملك القدرة التامة على استنباط هذه الأحكام،وردها إلى أصولها،أي يعرف أن الأدلة الشرعية أربعة:الكتاب،و السنة،و الإجماع،و العقل.و أيضا يميز بين آيات الأحكام و غيرها و بين الصحيح و الضعيف من روايات هذا الباب، و بين ما أجمع عليه الفقهاء و ما اختلفوا فيه،و بين القواعد المقررة بحكم العقل و العقلاء جميعا،فإذا أراد أن يعرف حكمها عند اللّه بحث عنه و نقب في مفردات هذه الأصول و مواردها،فإذا رأى بعضها ينطوي على حكم الحادثة استطاع باستيفاء لمؤهلات النظر،و وسائل المعرفة أن يكشف عنه الغموض،و يبرزه بصورة عامة،و يسمى هذا التمحيص الدقيق استنباطا.

فالمجتهد أشبه بمن يعرف أن في هذه الأرض نوعا خاصا من المعدن، و يعرف أيضا الوسيلة إلى استخراجه و تصفيته و الانتفاع به.أما المقلّد فإنه يجهل مصادر الشريعة و أدلتها من الأساس،أو يعرف أسماءها و عددها،و لكنه لا يعرف ما تنطوي عليه من أحكام أو يعرف ذلك على سبيل الإجمال،و يعجز عن

ص:365

التفصيل و عملية الاستنباط من رد الفرع إلى الأصل و استخراج الفرع منه تماما كمن يعرف نوع المعدن في الأرض،و لا يعرف الوسيلة إلى استخراجه و تصفيته، و لذا لا يسأل المقلّد عن كتاب اللّه،و سنة نبيه إذا أراد معرفة حكم من الأحكام، و انما يسأل عن فتوى الإمام الذي يقلّده،و يدين بمذهبه،و يعتبره حجة عليه في أمور دينه.فالفرق بينه و بين المجتهد،تماما كالفرق بين الذي يستقي من النبع بنفسه،و بين من يشرب من إناء غيره.

أقسام الاجتهاد:

اشارة

ينقسم الاجتهاد باعتبار مورده إلى أقسام :

1-أن يجتهد المكلف في مورد النص القطعي ثبوتا و دلالة

،و معنى قطعي الثبوت أن نعلم بوجوده يقينا،لوروده في كتاب اللّه،أو سنة رسول اللّه التي جاءنا بها الخبر المتواتر الذي لا تتطرق إليه الريبة.و معنى قطعي الدلالة أن يكون واضحا وضوحا لا يقبل الشك،و لا يحتمل التأويل.

و قد اجمع المسلمون قولا واحدة،السنة منهم و الشيعة،على منع هذا الاجتهاد و ان جوازه لا يمكن بحال أن يكون محلا للبحث و التساؤل لأن الاجتهاد انما يكون في النظريات لا في البديهيات و لأن هذا الاجتهاد يؤدي إلى محق الدين،و تعطيل النصوص و بالتالي إلى جحود الإسلام،لأن معنى هذا الاجتهاد في حقيقته:قال اللّه و أقول.هذا،إلى أن منع الاجتهاد في مقابل النص و تحريمه مبدأ مقرر في جميع الشرائع الوضعية قديمها و حديثها.

2-أن يجتهد في مورد لا إجماع و لا نص فيه من كتاب أو سنة

،و هذا

ص:366

الاجتهاد على قسمين:

القسم الأول:أن يعتمد المكلف في ثبوت الحكم على ما ينقدح في نفسه من مناسبات بين الحكم و الموضوع و مشابهات مستنبطة بين موضوع نص الشارع على حكمه،و آخر غير منصوص عليه،مثل أن يبطل عقد الزواج مع الجهل بالمهر إلحاقا له بالبيع مع الجهل بالثمن متخيلا أن المهر عوض عن بضع المرأة كما أن الثمن عوض عن المبيع،و مثل أن يرد شهادة ماسح الأحذية،لأن مهنته بزعمه لا تناسب أرباب المروءات.

و يدخل في هذا الاجتهاد القياس و الاستحسان الظنيّين و ما إليهما من الترجيحات التي تعتمد على مجرد الحدس.و هذا الاجتهاد هو المعروف بالرأي إشارة إلى أنّه ذاتي محض،و ان المكلف قد أقام رأيه الخاص،و ظنونه الشخصية مقام النص،و اتخذ منه أصلا و مصدرا لاحكام الدين و الشريعة.

و قد حرمه الشيعة،و أوصدوا بابه منذ البداية،تماما كما حرموا الاجتهاد في مورد النص،لأن كلا منهما-في رأيهم-يعتمد على ما يقرره المكلف من عنده، و يرتئيه بظنه،مع العلم بأن أحكام اللّه لا تناط بالظنون،و لا تصاب بالأوهام،بل لا شيء في الكون يكتشف بالظن و الحدس فكيف بدين اللّه،و أحكام شريعته.و قد أجاز السنة هذا الاجتهاد من قبل،ثم منعوه بعد أن أقفلوا كل باب و نافذة للاجتهاد في القرن الرابع الهجري،و لكنهم فرضوا على العالم و الجاهل تقليد من أخذ بهذا الاجتهاد،و عمل به فيما مضى كأبي حنيفة.

القسم الثاني من الاجتهاد مع عدم النص أن يعتمد المكلف في ثبوت الحكم على مبدأ عام يحكم العقل بصحته،و يجزم بصوابه،مثل الأهم مقدم على المهم عند التزاحم،و ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب،و اختيار أهون الشرين

ص:367

اللذين لا مناص من أحدهما،و الضرورات تبيح المحضورات،و الضرورة تقدّر بقدرها،و قبح العقاب بلا بيان،و درء المفسدة أولى من جلب المصلحة،و العلم بوجود التكليف يستدعي العلم بطاعته و امتثاله،و أصل المشروط عدم شرطه، و الاذن بالشيء اذن بلوازمه،و الأصل براءة كل انسان حتى تثبت ادانته،و إذا وجدت العلة وجد معلولها،و ما إلى ذلك من المبادئ التي يقتنع بها كل عاقل، و يقطع العقل بصحتها،و يستكشف منها وجود الحكم الشرعي،كما يستكشف وجود المسبب من وجود السبب.

و أجاز الشيعة هذا الاجتهاد،و فتحوا بابه لكل كفء،لأنه يعتمد على العقل الذي يقدسه الإسلام،و يطلق له العنان في جميع الآفاق و المجالات الدينية و الزمنية.و إذا نعي الإسلام على أهل التقليد،و طالب كل إنسان أن يخلد الى العقل السليم و ان يثبت به وجود اللّه،و نبوة الأنبياء فبالأولى أن يبيح له الاعتماد عليه لإثبات حكم من أحكام دينه و شريعته.و كان هذا الاجتهاد جائزا من قبل عند السنة،ثم منعوه بعد أن أوصدوا باب الاجتهاد بشتى صوره و أنواعه.

3-أن يجتهد في فهم النص الموجود في كتاب اللّه

.أو سنة نبيه الثابتة بالخبر المتواتر و غيره.و قد أجاز الشيعة هذا الاجتهاد على شريطة أن يكون النص ظني الدلالة،و ان لا يتجاوز التفسير الحدود المقررة.و مثال ذلك الآية 228 من سورة البقرة وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ فإن الدلالة على القرء ظنية،لأنه ينطبق على الحيضة و الطهر،و على الفقيه أن يبحث عن الدلائل و القرائن التي تهديه إلى أحد المعنيين،فإذا أدى به النظر إلى الطهر أو الحيضة عمل به،حتى و لو خالف السلف بكاملهم،و حرم عليه متابعتهم ما دام على يقين من خطأهم.

ص:368

و قد كان الأمر كذلك عند السنة قبل أن يقفلوا باب الاجتهاد،و بعده ألزموا الفقيه بأن لا يتجاوز في تفسيره رأي إمام من أئمة السلف،و أوجبوا عليه أن يعتقد أولا بما قال الأولون،ثم يستدل لرأيهم،لا لرأيه.و قد عبّر عن هذه الحقيقة بصراحة أحد أئمة الأحناف المعروف بالكرخي(ت 340 ه)حيث قال:«كل آية أو حديث يخالف ما عليه أصحابنا فهو مؤول أو منسوخ».

أمّا إذا كان النص قطعي الدلالة كما هو قطعي الثبوت فقد حرّم السنة و الشيعة الاجتهاد في تفسيره،و أي عاقل يجيز أن يفسر قوله تعالى فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ بالنهي عن التأفيف فقط،دون النهي عن الشتم و الضرب؟

4-أن يجتهد في ثبوت السنة،أو نفيها إذا رويت عن الرسول الأعظم

بالخبر الواحد،لا بالخبر المتواتر

،و أجاز الشيعة هذا الاجتهاد و منعه السنة حين أوصدوا باب الاجتهاد على الإطلاق.

و الخلاصة انّه لا اجتهاد عند الجميع في مقابل النص أما الاجتهاد في تفسير النص الغير قطعي الدلالة-و في ثبوت النص-غير قطعي الثبوت-و فيما يعتمد على العلم و اليقين من حكم العقل و اقتناع العقلاء.أما هذا الاجتهاد فجائز عند الشيعة من قبل،و من بعد و قد أجازه لهم،و أمرهم باتباعه أئمة أهل البيت عليهم السّلام.

قال الإمام الصادق عليه السّلام:«علينا أن نلقي إليكم الأصول،و عليكم أن تفرعوا».

و قوله:«لا يكون الفقيه فقيها حتى تلحن له،فيعرف ما تلحن له»و المراد باللحن هنا الفطنة.قال الشاعر العربي:و اللحن يعرفه ذوو الألباب.

و كان هذا الاجتهاد جائزا عند السنة،ثم منعوه،و لكن منذ الشيخ محمد عبده،حتى اليوم و الأصوات ترتفع من كبار علماء الأزهر و غيرهم من أعلام السنة و تنادي بفتح باب الاجتهاد و تحطيم القيود،بخاصة المرحوم شلتوت شيخ الأزهر

ص:369

الأسبق.فقد كان أصرح و أجرأ من عرفنا في الدعوة إلى فتح باب الاجتهاد على أوسع نطاق،حتى و لو خالف المذاهب الأربعة.و بالفعل استجاب المسؤولون في الجمهورية العربية المتحدة لدعوته،و أقروا العديد من الاجتهادات الحديثة،منها ان الطلاق ثلاثا يقع واحدا،و منها ان الوصية تجوز للوارث و غير الوارث،الى غير ذلك مما يتفق مع مذهب الشيعة الإمامية و غيرهم،و يختلف مع المذاهب الأربعة.بل أجاز شلتوت تقليد المذهب الجعفري بوجه عام.

المطلق المجتزي:

سبق ان المجتهد من كان كفؤا لاستنباط الأحكام.و قد تكون كفاءته عامة لاستنباط جميع الأحكام و في كل مسألة من مسائل الفقه،و في كل باب من أبوابه دون استثناء،و هذا ما يسمونه بالمجتهد المطلق.أما إذا كان كفؤا لاستنباط بعض الأحكام دون بعض فهو المجتهد المجتزي اصطلاحهم.

و قد اتفق فقهاء الشيعة على إمكان الاجتهاد المطلق،و وجوده بالفعل،و اختلفوا في إمكان التجزي،و هل يجيز العقل وجود من له ملكة يقتدر بها على الاستنباط في بعض مسائل العلم دون بعض؟فمنهم من قال بجواز ذلك و وقوعه أيضا.و قال آخرون:من الممكن ان يكون الإنسان مجتهدا في فن دون فن.اما ان يجتهد في بعض مسائل الفن الواحد دون بعض فمحال،لأن ملكة الاجتهاد تماما كملكة العدالة لا تتجزأ.

و هذا الخلاف بعينه قولا و دليلا موجود بين فقهاء السنة.

التصويب و التخطئة:

قال الشيعة و كثير من فقهاء السنة:ان للّه حكما معينا في كل حادثة وقعت،أو تقع،و انه نصب الدليل عليها بالخصوص أو بالعلوم،فمن ظفر به،و تفهمه على حقيقته فهو المصيب و له أجران:أجر على ما بذل من جهد،و أجر على الإصابة تفضلا من اللّه سبحانه،و من أخطأه أو أخطأ في فهم المراد منه فلا وزر عليه،و له أجر على جهده.و مما

ص:370

استدلوا به على ذلك الحديث المشهور عند السنة و الشيعة:«حلال محمد حلال إلى يوم القيامة،و حرامه حرام إلى يوم القيامة»و بحديث:«إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران،و ان أخطأ فله أجر»،و قال الخليفة الأول:«أقول في الكلالة برأيي،فإن كان صوابا فمن اللّه و ان كان خطأ فمن الشيطان».

و ذهب جماعة من أئمة السنة،منهم أبو حنيفة،إلى انه ليس للّه أحكام في الوقائع و الحوادث و انما أحكامه جل و علا تبع لظنون المجتهدين.

علوم الاجتهاد:

نريد بعلوم الاجتهاد المعارف التي يبني الاجتهاد عليها،و يتوصل بها اليه،و لا يمكن ان يحصل الاجتهاد بدونها،تماما كما لا يمكن الاختصاص بأي علم أو فن إلا بعد الدراسة الثانوية.

و هذه المعارف هي العلوم العربية ألفاظا و معاني،لأن الشريعة عربية،و المطلوب ان يبلغ في معرفتها درجة يفهم معها كلام الفصحاء،كما يفهمه العربي الأصيل بفطرته.

و المنطق،كي يعرف شروط الدليل،و كيفية تركيب البرهان و القياس من المقدمات الصحيحة.

و العلم بآيات الأحكام و روايتها،و أحوال الرواة من الجرح و التعديل،و موارد إجماعات الفقهاء.و لا بد مع هذه من ذوق معتدل سليم،و ذهن حاذق متحرك،و عقل فاحص ناقد،و ملكة قوية يقتدر بها على اقامة الدليل على الحكم و الذب عنه بالبرهان و المنطق،تم تطبيق الفرع على مورد الأصل.

فإذا تم له جمع ذلك كان مجتهدا حقا،و وجب عليه ان يعمل بما يراه بعد التمحيص و التدقيق،و حرم عليه ان يقلد سواه.

عدالة المجتهد:

ليست العدالة شرطا لوجود الاجتهاد،و لا لعمل المجتهد برأيه،فإن المجتهد يحرم

ص:371

عليه الرجوع الى غيره عادلا كان أو فاسقا.و انما هي شرط أساسي لتنفيذ حكمه في حق الغير و أخذ الفتوى عنه و لو ان إنسانا بلغ من العلم كل مبلغ،و عرف أحكام اللّه على حقيقتها لا يجوز الرجوع إليه في القضاء و الإفتاء،على الرغم من صدقه و اصابته في أقواله،لأن العدالة شرط تعبدي غير منوط بإصابة الواقع و موافقته،تماما كعدالة إمام الجماعة في الصلاة التي لا تناط بحسن التجويد،و معرفة الشروط و الأجزاء.و إذا وجد مجتهدان أحدهما أعلم من الآخر،و لكنه غير عادل،و الآخر عادل تعين الرجوع الى العادل ترجيحا لجانب العدالة على العلم،و لا نعرف أحدا تشدد في شرط العدالة و اعتبارها كما تشدد الشيعة.و لهم في ذلك روايات كثيرة عن أهل البيت،منها قول الإمام جعفر الصادق:«اما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه،حافظا لدينه،مخالفا لهواه،مطيعا لأمر مولاه،فللعوام ان يقلدوه».

فصيانة النفس،و المحافظة على الدين،و مخالفة الهوى،و طاعة المولى جل و علا شرط جوهري لجواز المتابعة،و تنفيذ الحكم و الفتوى.و قد فرغ الشيعة على ذلك فروعا، منها ان صاحب الحق لا يجوز له ان يرفع دعواه لغير العادل إذا استطاع الحصول على حقه بدون ذلك و إذا رجع الى غير العادل،و الحال هذي،و حكم له بالحق فلا يجوز له ان يأخذ الشيء المحكوم،و ان كان حقا،لقول الإمام جعفر الصادق:«فإنما يأخذ سحتا،و ان كان حقا ثابتا له».

و هناك مسائل أخرى تتصل بالبحث،مثل الاجتهاد بأصول الدين،و تبدل رأي المجتهد،و ذهوله عن الدليل الذي كان قد اعتمد عليه من قبل،و ما الى ذلك مما تكلم عنه علماء الشيعة بإسهاب في كتب الأصول،و تركنا التعرض له رغبة في الاختصار،و لأن غرضنا الأول بيان أقسام الاجتهاد.و الجائز منه و غير الجائز عند الشيعة،لتصحيح الخطأ الشائع من ان باب الاجتهاد موصد عند السنة قديما و حديثا،و مفتوح عند الشيعة بشتى أنواعه.

ص:372

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.