فقه الامام جعفر الصادق: عرض و استدلال المجلد 5

اشارة

سرشناسه : مغنیه، محمدجواد، 1904 - 1979م.

عنوان و نام پديدآور : فقه الامام جعفر الصادق: عرض و استدلال/ محمدجواد مغنیه.

مشخصات نشر : قم: موسسه انصاریان للطباعه والنشر، 1421ق. = 1379.

مشخصات ظاهری : 6 ج. (در سه مجلد).

شابک : دوره 9644380541 : ؛ ج. 1 9644382374 : ؛ ج.2 9644382374 : ؛ ج. 3 9644382382 : ؛ ج.4 9644382382 : ؛ ج. 5 9644382390 : ؛ ج.6 9644382390 : ؛ ج.6،چاپ سوم: 964-8716-09-9

يادداشت : عربی.

يادداشت : مصحح چاپ قبلی کتاب حاضر دارالاعتصام بوده است.

يادداشت : کتاب حاضر در سالهای مختلف توسط ناشران مختلف منتشر شده است.

يادداشت : چاپ ششم: 1383.

يادداشت : ج.1-6 (چاپ هشتم: 1388) (فیپا).

يادداشت : ج. 1-2 و 3 - 4 (چاپ دوم: 1421ق. = 1379).

يادداشت : ج. 5 (چاپ پنجم: 1425ق. = 1383).

يادداشت : ج.5و6(چاپ دوم: 1421ق.=1379).

يادداشت : ج.5 و 6 (چاپ هفتم: 1385).

يادداشت : ج. 5 و 6 (چاپ هشتم: 1430ق. = 2009 م.= 1388).

يادداشت : ج.6(چاپ سوم: 1428ق.=1386).

یادداشت : کتابنامه.

مندرجات : ج. 4. فی احکام المعاملات.- 5. فی الغصب و احیاءالموات والوقف والحجر والاقرار والشهادات والزواج و غیر ذلک.- ج. 6. فی الطلاق والظهار والایلاء واللعان والقضاء والوصایا والمواریث والعتوبات.

موضوع : جعفر بن محمد (ع)، امام ششم، 83 - 148 ق. -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

شناسه افزوده : دار الاعتصام للطباعة و النشر

رده بندی کنگره : BP183/5/م 6ف 7 1379

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 80-4834

ص :1

اشارة

فقه الامام جعفر الصادق: عرض و استدلال

محمدجواد مغنیه

ص :2

كتاب الغصب

معناه:

أطال الفقهاء الكلام في تعريف الغصب،و حاول الكثيرون ضبطه طردا و عكسا،و قدمنا أكثر من مرة أن التعاريف الفقهية إن هي إلاّ رسوم و إشارات إلى الشيء ببعض خواصه و آثاره،و مهما يكن،فإن الذي نراه أن معنى الغصب واحد لغة و عرفا و شرعا،و هو الاستيلاء على مال الغير دون اذن المالك،سواء أ كان المال عينا كمن استولى على دارك بنية تملكها بالذات،أو كان المال منفعة كمن استولى عليها بنية أن يغتصب السكنى دونها.و السرقة نوع من الغصب،و ان كان أشد من السلب جهرا،و لذا أوجبت الحد على السارق دون السالب جهرا و عيانا.

و تسأل:ان أخذ الاستيلاء في معنى الغصب يستدعي أن الظالم الذي يمنع المالك عن حفظ ماله،و التصرف فيه دون أن يستولي عليه،أن لا يكون غاصبا، و بالتالي أن لا يكون ضامنا.فالذي منع غيره من إمساك دابته،حتى هلكت-مثلا- ينبغي أن لا يضمنها للمالك،حيث لم يضع يده عليها من قريب أو بعيد؟ الجواب:ليس من الضروري إذا لم يكن هذا غاصبا ان لا يكون ضامنا،فإن أسباب الضمان لا تنحصر بالغصب،بل ان الفقهاء اهتموا ببيان أسباب الضمان أي اهتمام،و اعتبروا الغصب من مصاديق هذه الأسباب و إفرادها،و يتضح ذلك مما سنعرضه فيما يأتي:

و قد أجمع الفقهاء على أن الغصب كما يتحقق في الأشياء المنقولة أيضا يتحقق في الثوابت،كالأرض و الدر و البستان خلافا لبعض أئمة المذاهب،حيث

ص:3

نفى إمكان الغصب بالنسبة للعقار،لعدم إمكان ثبوت اليد عليه.

تحريم الغصب:

شدد الإسلام كثيرا في تحريم التعدي على أموال الناس،و اعتبره بمنزلة التعدي على الدماء و الاعراض،و أوجب الفقهاء التحفظ فيها و الاحتياط و حرموا التصرف بالمال إلاّ مع العلم بالإذن الشرعي،لقول الإمام عليه السّلام:لا يحل مال إلاّ من حيث أحله اللّه.و قد تضافرت نصوص الكتاب و السنة على ذلك.

قال تعالى وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ (1).

و قال تعالى وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ اَلَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (2).

و قال الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ان دماءكم و أموالكم عليكم حرام.لا يحل دم امرئ مسلم،و لا ماله إلاّ عن طيب نفس.

و قال الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام:الحجر الغصب في الدار رهن على خرابها.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:من خان جاره شبرا من الأرض جعله اللّه طوقا في عنقه من تخوم الأرض السابعة،حتى يلقى اللّه يوم القيامة مطوقا إلاّ أن يتوب و يرجع.إلى غير ذلك.

أسباب الضمان:

يحرم على الغاصب التصرف في الشيء المغصوب،و يجب عليه رده بالذات،ان كانت عينه قائمة،ورد بدله،ان تلف،و لو بآفة سماوية.و بمناسبة

ص:4


1- البقرة:188. [1]
2- المطففين:1. [2]

ضمان الغاصب تكلم الفقهاء في باب الغصب عن موجبات الضمان من حيث هي،و بصرف النظر عن الغصب،و حصروها في ثلاثة:مباشرة الإتلاف، و التسبيب،و اليد.و ربما يظن أن هناك أسباب غيرها:

«منها»:الضرر،كمن فتح قفصا،و فوّت الطائر الذي فيه على صاحبه.

و«منها»:قاعدة الغرر،كمن باع مال غيره بعنوان أنّه المالك،و تصرف المشتري بنية صحة البيع،ثم تبين غش البائع و تدليسه.

و«منها»:احترام مال المسلم الذي دل عليه حديث:«حرمة مال المسلم كحرمة دمه».

و«منها»:ضمان المقبوض بالسوم،و هو أن تأخذ الشيء تنظره،لتشتريه، فيتلف في يدك قبل أن يتم الشراء.

و«منها»:المقبوض بعقد فاسد،فالمثمن الذي يقبضه المشتري بهذا العقد مضمون عليه للبائع،و الثمن الذي يقبضه البائع مضمون عليه للمشتري.

و«منها»:عارية الذهب و الفضة،و عارية غيرهما مع شرط الضمان حيث يضمنها المستعير،حتى مع عدم التعدي و التفريط.

ربما يظن للوهلة الاولى أن هذه غير الأسباب الثلاثة التي ذكرها الفقهاء، ولدي التأمل يتبين أن بعضها أجنبي عن الضمان و أسبابه،فإن قاعدتي الضرر و الاحترام تدلان على حرمة التصرف في مال الغير إلاّ بإذنه.و بديهة أن حرمة التصرف شيء،و الضمان شيء آخر.بخاصة لا ضرر.فإنها تنفي الأحكام الضررية في الإسلام،أما ثبوت الضمان أو نفيه فهي أجنبية عنه.

و بعض هذه القواعد يدل على الضمان،و لكنها لا تعدو الأسباب الثلاثة التي ذكرها الفقهاء،فالعارية و المقبوض بالعقد الفاسد و بالسوم من مصاديق

ص:5

الضمان باليد،و الغرر يدخل في ضمان التسبيب.و بالإيجاز أن هذه القواعد امّا لا دلالة فيها على الضمان،و امّا ينطبق عليها أحد الأسباب الثلاثة التي نتكلم عن كل منها في فقرة مستقلة.

الضمان بالمباشرة:

السبب الأول للضمان أن يباشر إتلاف المال بنفسه،مثل أن يقطع شجرة غيره،أو يكسر إناءه،أو يحرق كتابه أو ثوبه،و ما إلى ذلك.و لا فرق في وجوب الضمان بين أن يكون المتلف قاصدا،أو غير قاصد،و لا بين أن يكون بالغا عاقلا، أو غير بالغ و عاقل،لأن الخطابات الوضعية تشمل الجميع،فمن رمى صيدا بسهم فأصاب حيوانا مملوكا،خطأ،و من غير قصد،أو كان نائما فانقلب على إناء غيره فكسره فعليه الضمان.و كذا المجنون و الطفل إذا أتلفا مال انسان فعلى الولي أن يدفع له البدل ان كان لهما مال،و إلاّ انتظر المالك الميسرة.و الفرق بين البالغ العاقل القاصد و بين غيره أن الأول إذا أتلف يأثم و يغرم،و الثاني يغرم و لا يأثم و بهذا يتبين أن المتلف الضامن قد يكون غاصبا آثما،كالعاقل المتعمد،و قد يكون غير آثم،كالمخطئ و القاصر.

الضمان بالتسبيب:

الثاني من أسباب الضمان التسبيب،و هو أن يأتي الإنسان بفعل يوجب التلف،و لو بضميمة فعل آخر معه،كالحفر الذي يحصل به الهلاك مع المرور، بحيث لو لا الحفر لمضي المار بسلام.و موارد التسبيب كثيرة لا يبلغها الإحصاء، منها أن يحفر حفره في غير ملكه فيسقط فيها إنسان أو حيوان،أو يضع في

ص:6

الطريق المعاثر و المزالق،كقشر البطيخ و الموز،أو يغرس فيها المسامير،فتتضرر المارة بأنفسها و أموالها،أو ينصب شبحا فتنفر الدابة براكبها،أو حمولتها،أو يلقي صبيا أو حيوانا في مكان الحشرات المؤذية و الحيوانات المفترسة فتقتله،أو يفك مربط الدابة أو قيدها فتشرد،أو يفتح القفص على طائر فيذهب،أو يفك وكاء ظرف فيه زيت و نحوه فيسيل ما فيه.كل ذلك،و ما إليه يشمله ضمان التسبيب،و يوجب على الفاعل المسبب أن يدفع للمالك بدل التالف من المثل و القيمة.و في ذلك روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السّلام.

قال الإمام الصادق عليه السّلام:كل شيء يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه.

و قال زرارة:سالته عن رجل حفر بئرا في غير ملكه،فمر عليها رجل، فوقع فيها؟ فقال:عليه الضمان.قال صاحب الجواهر:«إلى غير ذلك من النصوص التي منها المعتبرة المستفيضة».

تعدى النار إلى ملك الجار:

اتفقوا بشهادة صاحب المسالك على أن من أرسل في ملكه ماء،أو أجج نارا لمصلحته فتعدى الماء أو النار إلى ملك غيره فأفسده و أضر به،اتفقوا على أن الفاعل لا يضمن شيئا مما يهلك و يفسد بشرطين:الأول أن لا يزيد على مقدار حاجته من الماء و النار.الثاني أن لا يظن أن عمله مضر بغيره،لأنه،و الحال هذي،يكون مأذونا شرعا بالتصرف،و حديث«الناس مسلطون على أموالهم»لا يمنع من العمل به مانع.فإذا اجتمع الشرطان،ثم اتفق أن تضرر الغير فلا يضمن

ص:7

الفاعل،تماما كما إذا حفر بئرا في ملكه بعيدا عن الطريق العامة،ثم شرد حيوان فسقط فيها.

و إذا فقد الشرطان معا كما إذا أجج نارا أكثر من حاجته،و كان الهواء شديدا عاصفا،حيث يظن بتعدي النار عن ملكه،إذا كان كذلك فإنه يضمن بالاتفاق، لمكان التعدي و التفريط.و إذا فقد أحد الشرطين دون الآخر،كما إذا تجاوز عن مقدار الحاجة،و لم يظن الإضرار بالغير،أو اقتصر على مقدار الحاجة،و لكنه ظن الإضرار بغيره فللفقهاء قولان:أصحهما الضمان،لأنه قد أوجد عملا لولاه لما حدث التلف.هذا،إلى أن الخطابات الشرعية الوضعية-و منها الضمان-لا تقيد بعلم و لا جهل،و لا عمد،و لا خطأ.أما الاذن الشرعي بالتصرف فإنه لا يتنافى مع الحكم الوضعي.و أي مانع أن يقول الشارع:أنت مسلط على مالك،فافعل به ما شئت،و لكن إذا تضرر غيرك من تصرفك فيه فعليك الضمان؟

من يمنع المالك عن ملكه:

إذا لم يستول الظالم على العين،و لكن منع المالك من التصرف فيها، و المحافظة عليها كأن يمنعه عن إمساك دابته المرسلة فتهلك،أو عن أخذ محفظته فتسرق،أو عن سكنى داره فتهدم،إذا كان كذلك فهل يكون الظالم آثم و ضامنا،أو يكون آثما فقط غير ضامن؟ ذهب المشهور بشهادة صاحب المسالك إلى أن الظالم يأثم،لا يغرم،لان يده لم تثبت على العين،فلا يكون غاضبا.

و يلاحظ بأن الضمان لا ينحصر سببه بالغضب،بل يكفي في ثبوته أن يكون لعمل الغاصب نوع من التأثير في الهلاك،بحيث لولاه لسلمت العين.

ص:8

نقصان القيمة السوقية:

إذا منعه الظالم من بيع سلعته،فنقصت قيمتها السوقية دون أن يتغير شيء من صفاتها يأثم و لا يغرم،لأنه لم يفوت عليه العين،و لا شيء من صفاتها،و انما فوّت عليه الربح و الاكتساب،و عدم الربح من الصفات السلبية التي يشملها الضمان.أجل،ان العرف يرى الظالم-هنا-سببا للتفويت،و لكن ليس كل ما هو سبب عرفا فهو موجب للضمان شرعا،لأن لفظ السبب لم يرد في النص،كي يكون المرجع في معرفته العرف،على أن العرف غير منضبط في معرفة السبب.

الرجوع عن الشهادة:

إذا شهد اثنان بأن زيدا مدين لغيره بمال،و بعد أن حكم الحاكم بالدين اعتمادا على شهادتهما رجعا عن الشهادة،و أكذبا أنفسهما،فيغرمان للمشهود عليه عوض ما يدفعه للمشهود له.و كذا لو شهدا بالطلاق،و حكم به الحاكم،ثم رجعا عن الشهادة،فإنهما يغرمان المهر للزوج.

اجتماع السبب و المباشرة:

قدمنا أن كلا من المباشرة و التسبيب من موجبات الضمان،فإن انفرد أحدهما عن الآخر أثر أثره،و ان اجتمعا معا ينظر:فإن كان المباشر أقوى فعليه الضمان،و مثاله أن يحفر شخص حفرة على الطريق،أو في ملك غيره،فيأتي آخر،فيدفع إنسانا أو حيوانا فيهلك،و الضمان-هنا-يثبت على الدافع لا الحافر، تماما كما لو دفعه في الماء فغرق،أو عن علو فهلك.و ان كان المسبب أقوى فالضمان عليه،لا على المباشر،و ذكر الفقهاء لذلك مثالين

ص:9

الأول:التغرير،كمن يسرق أموال الناس،و يتصدق بها بعنوان أنّها له و منه،ثم يتصرف فيها الآخذ في مصلحته معتقدا حلها و تملكها من المعطي، و هنا يضمن المسبب دون المباشر الذي لم يتصرف لو لا الغرر و التسبيب.لكن يجوز للمالك أن يغرّم من شاء منهما،بالنظر إلى أن الغاصب قد استولى على المال،و ان الآخذ قد أتلفه،فإن رجع المالك على الغاصب لم يرجع الغاصب على الآخذ،و ان رجع المالك على الآخذ رجع هذا على الغاصب،لأن المغرور يرجع على من غره.و من القواعد الفقهية أن الضمان يستقر في النهاية على من تلف المال في يده إلاّ إذا كان صاحب اليد مغررا به.

الثاني:الإكراه على إتلاف المال،فمن أكره إنسانا على إتلاف مال فالضمان على المكره دون المباشر،لأن المباشر-هنا-أضعف من المسبب.و لو أكرهه على قتل نفس محترمة فلا يجوز له قتلها،فإن فعل قتل،و حبس المسبب مؤبدا،و السر-كم أظن-أن للمال بدلا،و النفس لا بدل لها.و التفصيل في باب الشهادات.

و قد يجتمع سببان على شيء واحد،كما لو حفر شخص حفره في غير ملكه،و وضع آخر حجرا بالقرب منها،فيعثر بالحجر إنسان،أو حيوان،و يقع في الحفرة فيهلك.قال الشهيد الثاني في المسالك:«ان اتفق وجود الحفرة و وضع الحجر في آن واحد فيتجه الضمان على الاثنين:الحافر و واضع الحجر، للتساوي و عدم الترجيح:و ان تأخر وجود أحدهما عن الآخر فالضمان على الأول،لأنه سبب السبب».

ص:10

مسائل:

1-شخص فتح بابا على مال الغير فأخذه السارق

،فالمسبب هو الفاتح، و السارق هو المباشر،و عليه الضمان،لأنه أقوى من المسبب،و لا شيء على الفاتح سوى الإثم.

2-شخص وشى إلى ظالم بآخر،فسلبه ماله

،فالواشي مسبب،و السالب مباشر،و عليه الضمان،لأنه أقوى من الواشي الذي باء بغضب اللّه و عذابه.

3-شخص أمسك بآخر،فقتله ثالث

،فيقتل القاتل،لأنه أقوى من الماسك،و يحبس هذا مؤبدا.و التفصيل في باب القصاص ان شاء اللّه تعالى.

الضمان باليد:

السبب الثالث من أسباب الضمان اليد،فكل من استولى على مال الغير بلا اذن منه استيلاء يمكنه من التحكم فيه،و لو آنا ما فقد دخل في عهدته،و أصبح مسؤولا عنه،و عليه إرجاعه لمالكه مع بقاء عينه،و إرجاع عوضه مع تلفه،سواء تعمد الاستيلاء كالسارق،أو لم يتعمد كمن اشتبهت عليه محفظته بمحفظة غيره فأخذها خطأ،و سواء أتلف المال تحت يده بسبب منه،أو بآفة سماوية،فيده في جميع ذلك يد ضمان إلاّ ما خرج بالدليل،لعموم:على اليد ما أخذت،حتى تؤدي خرج منه يد الولي و الوصي و الوكيل و الوديع و المستعير و المستأجر بدليل خاص،فبقي ما عدا ذلك مشمولا لضمان اليد.

و على هذا،فإن الضمان باليد لا يختص بالغاصب وحده،بل يشمل و يعم وضع اليد على الشيء خطأ و اشتباها بين ملكه و ملك الغير،و على ما يؤخذ من الغاصب باعتقاد أنّه المالك،و على المقبوض بالسوم و بالعقد الفاسد اللذين أشرنا

ص:11

إليهما في فقرة«أسباب الضمان»من هذا الفصل،و عقدنا للأخير فصلا مستقلا في الجزء الثالث بعنوان«المقبوض بالعقد الفاسد».

و قال الفقهاء:ان من وضع اليد الموجب للضمان الركوب على دابة الغير، و ان لم تنتقل به،و الجلوس على فراشه عدوانا.قال صاحب المسالك:«لا إشكال في تحقق الغصب مع الجلوس على البساط،و ركوب الدابة،سواء أقصده أولا، و سواء أ كان المالك حاضرا و أزعجه أو لا،لتحقق الاستيلاء عليه».

منافع الحر:

قال أكثر الفقهاء:ان من حبس إنسانا حرا ظلما و عدوانا يأثم،و لكنه لا يضمن شيئا من منافعه،إذ ليس شأن الإنسان كشأن الأموال التي تدخل تحت اليد.

و بكلمة إن الآدمي مضمون بالإتلاف،لا بالغصب.أجل،من يستخدم إنسانا قهرا عنه فعليه أجرة المثل،لأن عمل الإنسان محترم كدمه و أمواله.

و إذا هلك المحبوس،أو تضرر،و هو في الحبس ينظر:فان كان الضرر بسبب الحابس يأثم و يغرم،و ان كان بسبب آخر يأثم،و لا يغرم.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف محقق أجده فيه،بمعنى أنّه ليس كغصب الأموال الموجب للضمان،حتى و لو مات الإنسان حتف أنفه،ضرورة عدم كونه مالا،حتى يتحقق فيه الضمان-ثم قال-و الظاهر عدم الفرق بين الإنسان الكبير و الصغير،و المجنون و العاقل».

و لكن صاحب مفتاح الكرامة نقل في باب الغصب عن المقدس الأردبيلي، و أستاذه السيد بحر العلوم أنهما قويا الضمان،قالا:«من حبس صانعا-أي صاحب صنعة-و لم ينتفع به فعليه ضمان عمله،لأن في عدم الضمان ضررا

ص:12

عظيما،فإنه يموت هو و عياله جوعا،مع كون الحابس ظالما معتديا، وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ،و القصاص،و نحو ذلك».

و وافقهما على ذلك صاحب الرياض،فقد نقل عنه صاحب الجواهر الميل إلى ذلك.

و نحن في النتيجة على هذا الرأي،و نرى أن من يحبس عاملا منتجا، و يصده عن عمله فعليه ضمان منفعته.أمّا من يحبس كسولا بطالا يستهلك و لا ينتج فلا شيء عليه سوى الإثم.

و من غصب حيوانا فعليه ضمانه و ضمان منافعه،و ان لم يستوف منها شيئا،تماما كما لو غصب دارا،و لم يسكنها فإنه يضمن بدل المنفعة مدة الغصب،فإن المنفعة مال تدخل تحت اليد على وجه الضمان.

تداول الأيدي:

في الجزء الثالث فصل«الرد و أحكامه»تكلمنا مفصلا عما إذا تداول المغصوب أيد عديدة،و عن حكم المالك مع أصحاب الأيدي،ثم عن حكم بعضهم مع بعض،و لا شيء لدينا نزيده على ما سبق.

رد المغصوب:

يحرم على الغاصب التصرف في المغصوب،بل يحرم عليه إبقاؤه عنده، و ان لم يتصرف،و يجب رده فورا إلى صاحبه،و عليه مؤنة الرد مهما بلغت،بل يجبر عليه،و ان استلزم الرد التضرر بالغاصب،لأنه هو الذي أدخله على نفسه، و أقدم عليه بسوء اختياره،فإذا غصب حجرا،و بنى عليه يهدم البناء إذا توقف رد

ص:13

الحجر على الهدم،و يستخرج اللوح المغصوب من السفينة،و ان أدى إلى تلفها إلاّ أن يستلزم إخراجه هلاك نفس،أو مال لغير الغاصب،لأن الرد إلى المالك واجب على الفور،و ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب.

و إذا غيّر الغاصب الشيء المغصوب عن صفته،كالحنطة يطحنها،و الدقيق يعجنه،و الثوب يفصّله لم يملكه الغاصب بهذا التصرف،و عليه رده مع الأرش ان نقصت قيمة المغصوب،و ان زادت فلا شيء للغاصب،إذ لا حرمة لعمله.

و إذا غصب بيضة فصارت فرخا فالفرخ لصاحب البيضة،لا للغاصب،و إذا غصب فحلا،فأنزاه على أنثى فأولدها فالولد لصاحب الأنثى،و ان كان الغاصب صاحبها،و عليه أجرة المثل لصاحب الفحل،قال صاحب الجواهر:«يمكن تحصيل القطع من السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار على تبعية الولد للأنثى في غير الإنسان من غير فرق بين الغاصب و غيره».

و بعضهم ذكر وجه الفرق بين النطفة،و بين البيضة بأن نطفة الفحل من حيث هي لا قيمة لها،و ليست مملوكة بخلاف البيضة.

و حكم الحب و البيضة واحد،فإذا غصب حبا فزرعه فالزرع لصاحب الحب،لأن الملك يتعلق بالعين من حيث هي بصرف النظر عن الشكل و الصورة.هذا،بالإضافة إلى استصحاب بقاء الملك.

و إذا حدث في المغصوب عيب،كالحب يصيبه السوس و العفونة،و الثوب يصير خلقا،و المصاغ يصنع سبيكة،و الحيوان يهزل أو يمرض،أو يفقد عضوا من أعضائه،و الشجرة تذبل أو تقطع بعض فروعها،و الدار تهدم أو تتصدع-كل ذلك،و ما إليه لا يمنع من الرد،بل يجب على الغاصب أن يرد المغصوب على عيبه المتجدد عنده مع الأرش،و يدفع للمالك التفاوت بين قيمة المغصوب حين

ص:14

الغصب،و قيمته حين الرد،سواء أحدث العيب و النقصان بسبب الغاصب،أو بسبب آخر.

و إذا تلفت العين المغصوبة رد الغاصب بدلها إلى المالك من المثل أو القيمة،حتى و لو كان التلف بآفة سماوية.

ضياع المغصوب:

إذا ضاعت العين المغصوبة،أو سرقت من الغاصب،و تعذر عليه ردها إلى المالك عند طلبه لها،فما ذا يصنع؟ الجواب:يفاوض المالك على التعويض و شراء العين منه،فإن اتفقا تنتقل العين إلى ملك الغاصب و ينتهي كل شيء،و إلاّ وجب على الغاصب ان يدفع بدلها للمالك مثلا أو قيمة.و لكن ان وجدت العين بعد ذلك،و قدر عليها الغاصب فعليه أن يردها إلى المالك،و على المالك أن يرد البدل على الغاصب.

و في جميع الحالات يجب على الغاصب أن يدفع أيضا للمالك أجرة العين المغصوبة من حين الغصب إلى حين البدل،ان كان لها أجرة بحسب المعتاد.قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك،لما تقدم من ضمان كل ما فات في يد الغاصب،و لو بآفة سماوية،لأن المنافع أموال،فتضمن كالأعيان».

ص:15

منافع المغصوب:

المنافع المباحة كلها للمالك،لأنها نماء ملكه،و أيضا كلها مضمونة على الغاصب،لأن يده يد ضمان،فعليه أن يغرم ما يفوت بسببها،سواء أ كانت المنفعة عينا كاللبن و الشعر و الصوف و الثمر و الولد،أو غيرها كالسكن و اللباس و الركوب،و سواء استوفاها الغاصب،أو لم يستوف منها شيئا،بل ذهبت المنفعة سدى.قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك،بل و على عدم الفرق في المنافع بين الفوات و التفويت».و المراد بالفوات ذهاب المنافع من غير استيفاء، و بالتفويت استيفاؤها.

و إذا غصب حيوانا هزيلا فعلفه،حتى سمن،ثم هزل،و عاد إلى ما كان فعلى الغاصب ضمانه سمينا،تماما كما لو غصبه سمينا فهزل عنده.و كذلك إذا غصب شجرة ذابلة،فسقاها،و بذل الجهود حتى نمت و أينعت،ثم عادت إلى ما كانت عليه حين الغصب فإنه يضمنها نامية يانعة،لأن الصفات تتبع العين،سواء أحدثت عند المالك أو الغاصب و ما يفوت منها في يد الغاصب فعليه ضمانه.

و إذا غصب أرضا فزرعها،أو غرسها أو بنى فيها،فالزرع و الغرس و نماؤهما للغاصب،ان كان البذر و الغرس و مواد البناء منه،و عليه أجرة المثل لصاحب الأرض،و ازالة كل ما يحدث في الأرض بسبب الزرع و الغرس و البناء.

و إذا طلب المالك من الغاصب أن يبيعه الزرع أو الغرس فلا يجبر الغاصب على القبول.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل زرع أرض رجل بغير اذنه،حتى إذا بلغ الزرع جاء صاحب الأرض فقال:زرعت أرضي بغير اذني،فزرعك لي، و علي ما أنفقت،إله ذلك أم لا؟فقال الإمام عليه السّلام:للزارع زرعه،و لصاحب الأرض كراء أرضه.

ص:16

و تجدر الإشارة إلى أن للمالك أن يجبر الغاصب على ازالة الزرع قبل أن ينضج-و ان تضرر ضررا جسيما-لأنه هو الذي سبب الإضرار لنفسه.هذا، بالإضافة إلى أجرة المثل مدّة بقاء الزرع في الأرض كما أشرنا.

و إذا حفر الغاصب في الأرض بئرا،و حين استرجع المالك الأرض أراد الغاصب أن يطم البئر،و يرجع الأرض كما كانت،فهل للمالك منعه من ذلك، و إبقاء البئر من غير طم؟ الجواب:أجل،له ذلك،لأن الطم يستلزم التصرف في ملك الغير،و لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك غيره إلاّ بإذنه.أجل،إذا تضرر انسان بسبب البئر،و الحال هذي،فلا مسؤولية على الغاصب.

و قال صاحب الجواهر:للمالك أن يمنعه من طم البئر،و مع ذلك يبقى الضمان على الغاصب إذا حدث شيء بسببها،لأن الحفر كان عدوانا من الغاصب، و العدوان سبب الضمان.

و يلاحظ بأن العدوان قد ارتفع برضا المالك بالبقاء،و عليه ترتفع المسؤولية عن الغاصب،تماما كما لو كان المالك هو الذي حفر البئر.و على آية حال،فإني لا أتعقل الجمع بين منع الغاصب من الطمّ تحفظا من درك الضمان، و بين بقاء الضمان.

المثلي و القيمي:

يجب أولا،و قبل كل شيء رد المغصوب بالذات،فان تعذر لهلاك أو ضياع فيجب رد المثل،فان لم يكن له مثل إطلاقا،أو كان و لكنه انقطع،و لم يوجد عند الوفاء فيجب رد القيمة،فالعين أولا مع الإمكان،و إلاّ فالمثل مع

ص:17

الإمكان أيضا،و إلاّ فالقيمة.و هذا الترتيب واجب بالاتفاق.أما وجوب رد العين إلى صاحبها مع الإمكان فلأنه صاحبها،فالقضية قياسها معها،و أما وجوب رد المثل مع عدم إمكان العين فلأن المثل مساو للعين في الجنس و الصفات و المالية فيكون أعدل و أبعد عن الضرر،و الى هذا يومئ قوله تعالى فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ (1).و قوله سبحانه وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها (2)و قوله عزّ و جلّ وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ (3).

و أما وجوب القيمة مع إمكان المثل فلأنه السبيل الوحيد لتفريغ الذمة و الخلاص من المسؤولية.بقي إن نعرف ما هو المثلي و القيمي؟ المثلي ما تساوت أجزاؤه في الجنس و الصفات و الآثار و الثمن،بحيث إذا اختلطت الاجزاء لا يمكن التمييز بينها،كالحبوب و النقود من صنف واحد.

و القيمي ما عدا ذلك:كالأرض و الشجر و الدار و الحيوان و نحوه مما لا نظير له من كل الوجوه.قال صاحب الجواهر:«المراد بالمثلي في كلام الفقهاء هو الذي له مثل،بمعنى أنّه مساو له في جميع ماله مدخلية في ماليته من صفاته الذاتية لا العرضية.و ما عداه قيمي».

و تجدر الإشارة إلى أنّه مع وجود المثل يجب على الغاصب إرجاعه بالغا ما بلغ الثمن،و لو زاد أضعافا عما كان عليه يوم الغصب،كما أن على المالك أن يقبل المثل و لا يحق له المطالبة بالقيمة،و لو نزل ثمنه أضعافا.

و إذا تعذر المثل بعد أن كان موجودا حين الغصب و حين تلف المغصوب،

ص:18


1- البقرة:194. [1]
2- الشورى:39. [2]
3- النحل:126. [3]

و لكنه انقطع،و لم يقدر عليه الغاصب حين طالب به المالك،إذا كان كذلك سقط المثل عن الغاصب و وجبت القيمة لقبح التكليف بما لا يطاق،و لأنه جمع بين الحقين.و هل تعتبر القيمة التي يقدر بها المثل يوم الغصب،أو يوم تلف المغصوب،أو يوم الإقباض و الأداء،أو أعلى القيم؟ اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على أنّه يدفع قيمة المثل السوقية حين الإقباض و الأداء،لأن الثابت في الذمة هو المثل فتعتبر القيمة ساعة الوفاء و عملية تفريغ الذمة،تماما كما لو استدان مثليا،ثم فقد المثل فإنه يدفع قيمته عند الأداء.

و إذا سقط المثل عن المالية من الأساس بعد أن كان من الأموال حين الغصب فليس للغاصب أن يلزم المالك بأخذ المثل،بل للمالك أن يلزمه بدفع القيمة،تماما كما لو تعذر وجوده،و لكن يدفع القيمة يوم سقوطه عن المالية،لا يوم الإقباض و الوفاء،لأن الذمة تشتغل بالقيمة يوم السقوط،كما هو الشأن في التلف.

هذا،إذا كان المغصوب مثليا،أمّا إذا كان قيميا كالحيوان و نحوه فعلى الغاصب أن يدفع قيمة المغصوب يوم تلفه لا قبله و لا بعده،و ان طال الأمد،لأن يوم التلف هو الوقت الذي تشتغل فيه الذمة بالقيمة.قال صاحب الجواهر:

«الأقوى وجوب القيمة حين التلف وفاقا للفاضل و الشهيد و السبوري و الكركي و الأردبيلي،بل هو المحكي عن القاضي،بل في الدروس و الروضة نسبته إلى الأكثر،و ذلك لأنه وقت الانتقال إلى القيمة،و إلاّ فقبله مكلف برد العين من غير ضمان للنقص السوقي إجماعا».

و قال جماعة من الفقهاء:يدفع الغاصب أعلى القيم من حين الغصب إلى حين الدفع عقابا على عدوانه.

ص:19

و يلاحظ بأن هذا مجرد استحسان،لأن اللّه هو الذي يشدد العقاب على المجرمين غدا،لا الإنسان.

هذا بالإضافة إلى أن الفقهاء أجمعوا كلمة واحدة أن القيمة السوقية لا تضمن مع وجود العين مهما زادت،و الإجماع على ذلك إجماع على عدم ضمان أغلى القيم من حين الغصب،حيث تكون عين المغصوب قائمة.و إذا وجد المغصوب بعد ما فقد،و أخذ المالك عوضه من الغاصب يرجع المغصوب للمالك،و عوضه للغاصب.

مسائل:

1-إذا غصب وقفا على جهة عامة

،كالمسجد و المقبرة و الطريق يجب عليه أن يرفع يده عنه.و لكن إذا تلف تحت يده فلا ضمان عليه،و كذا لو استعمله و استوفى منفعته،لأن الوقف العام لا مالك له حقيقة غير الحق العام،و عقوبة هذا الحق معنوية لا مادية،أمّا لو كان الوقف على جهة خاصة كالفقراء و المساجد و المصحّات،و ما إليها يكون حكمه حكم الملك الخاص،يضمن العين و المنفعة.

2-إذا مزج المغصوب بما يمكن فصله عنه

،كالحنطة يغصبها ثم يمزجها بالشعير فعلى الغاصب أن يفرز الحنطة و يعزلها عن الشعير و يردها على المالك، و لو استدعى ذلك بذل المال الكثير،لأنه هو الذي أقدم على ذلك مختارا،و إذا مزجه بما لا يمكن فرزه و عزله عنه،كالزيت يخلطه بمثله أو بمائع له قيمة فهما شريكان في المجموع،فإن كان المغصوب و المخلوط به متساويين قيمة فلكل من المجموع بنسبة ماله على أساس الكم و العدد،و ان اختلفا قيمة فلكل بنسبة

ص:20

ماله على أساس الكيف و الصفات.

3-إذا كان الشيء المغصوب يساوي عشر ليرات في البلد الذي حصل فيه

الغصب

،ثم سافر به الغاصب إلى بلد آخر يساوي المغصوب فيه عشرين ليرة، و تلف في هذا البلد،لا في بلد الغصب،فهل للمالك عشرا أو عشرون؟ الجواب:يدفع العشرين،لأن بلد التلف و زمانه اللذين اشتغلت الذمة فيه.

4-من كسر اداة غير محترمة،كآلة القمار و الملاهي

،و آنية الذهب و الفضة،بحيث ذهبت الهيئة و بقيت المادة فلا ضمان عليه،إذ المفروض أنّها غير محترمة إلاّ إذا كانت ملكا لمن ينتسب إلى ملة تبيح ذلك.أمّا إذا أتلف المادة من الأساس فعليه أن يدفع عوضها ان كان لها قيمة بحسب المعتاد.

5-إذا غصب فردا من زوج كلّ منهما جزء متمم للآخر

،كالحذاء،ثم تلف الفرد في يده ضمنه منضما إلى الفرد الآخر،فإذا افترض ان زوج الحذاء يساوي عشر ليرات،و الفرد منه يساوي ليرتين فقط فعليه أن يدفع ثماني ليرات.

6-إذا وقع الحائط على الطريق،أو على الجار فأتلف نفسا أو مالا ينظر:

فان كان صاحب الحائط مقصرا،كما لو بناه من غير أساس،أو بلا مؤنة كافية،أو رآه مائلا متصدعا فأهمل و لم يصلحه بحيث يراه العرف هو السبب لما حصل فعليه الضمان،و ان لم يره العرف سببا و لا مقصرا في شيء من ذلك،و انما وقع الحائط صدفة لم تكن في الحسبان فلا شيء على صاحبه.

التنازع:

1-إذا قال الغاصب:ان قيمة المغصوب الذي تلف تساوي خمسا

،و قال المالك:بل عشرا،فالقول قول الغاصب بيمينه،و على المالك البينة،لأن الأصل

ص:21

عدم الزيادة،قال صاحب الجواهر:«هذا هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها أصل البراءة باعتبار أنّه غارم».

2-إذا قال الغاصب:تلفت العين المغصوبة،و عليّ عوضها

،لا ردها بالذات،و قال المالك:بل هي باقية،و عليك ردها،فالقول قول الغاصب بيمينه، و على المالك البينة،قال صاحب الجواهر:«لا أجد فيه خلافا-مع العلم بأن قوله مخالف لأصل بقاء العين-لأنه لو لم يقبل قوله لزم تخليده في الحبس على افتراض صدقه،و لا بينة له».

3-إذا قال الغاصب:«أرجعت المغصوب،أو دفعت بدله،و أنكر المالك

فالقول قول المالك بيمينه،لأن الأصل عدم الرد،حتى يثبت العكس.

و تسأل:ان تقديم المالك هنا يلزم منه تخليد الغاصب في الحبس على فرض صدقه و لا بينة له،تماما كما هي الحال في دعواه تلف العين.

و أجاب صاحب مفتاح الكرامة بأن الغاصب في دعواه تلف العين يثبت البدل على نفسه،أمّا دعواه الرد فمعناه سقوط ما يثبت عليه من حق،فحصل الفرق بين الموردين.

4-إذا ادعى الغاصب عيبا تنقص به قيمة المغصوب

،كالعور في الدابة و نحوه،و أنكر المالك فالقول قوله بيمينه،و على الغاصب البينة،لأن الأصل سلامة الشيء من العيوب الطبيعية،حتى يثبت العكس.

ص:22

كتاب النذر و اليمين و العهد

النذر:

اشارة

معنى النذر لغة الوعد،و شرعا إلزام الإنسان نفسه بفعل شيء،أو تركه لوجه اللّه.و الأصل في شرعيته الإجماع و الكتاب و السنة.فمن الكتاب قوله تعالى إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً (1).و قوله سبحانه فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً (2).و قوله عزّ من قائل وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللّهَ يَعْلَمُهُ (3).

و قال تبارك اسمه لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ (4).

و عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:من نذر أن يطيع اللّه فليطعه،و من نذر أن يعصي اللّه فلا يعصه.

و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل نذر أن يحج إلى بيت اللّه حافيا؟فقال:

فليمش،فإذا تعب فليركب.

ص:23


1- آل عمران:35. [1]
2- مريم:26. [2]
3- البقرة:270. [3]
4- الحج:29.

الشروط:

يشترط في صحة النذر و انعقاده:

1-الصيغة المقترنة بذكر اللّه سبحانه،بحيث يكون النذر خالصا لوجهه تعالى،كقولك عليّ للّه،أو نذرت للّه،و لا يكفي مجرد القصد بلا صيغة،و لا الصيغة بلا ذكر اللّه أو أحد أسمائه الحسنى،كما لو قال:نذر عليّ لئن عادوا و ان رجعوا لا فعلن كذا،إجماعا و نصا،و منه قول الإمام الصادق عليه السّلام:ليس النذر بشيء،حتى يسمي للّه صياما،أو صدقة،أو هديا،أو حجا.و سئل عن رجل يحلف بالنذر،و نيته التي حلف عليها درهم أو أقل؟قال:إذا لم يجعل للّه فليس بشيء.

و لا يعتبر لفظ الجلالة بالذات،بل يكفي كل اسم من أسمائه الحسنى، و صفاته العليا،كالخالق و الرازق،و المحيي و الميت.و ينعقد النذر بالكتابة مع القصد،و بإشارة الأخرس.

2-أن يكون الناذر بالغا عاقلا مختارا قاصدا،فلا ينعقد نذر الصبي،و لا المجنون،و لا غير القاصد،كالهازل،و لا الغاضب على شريطة أن يبلغ الغضب حدا يرتفع معه القصد.

3-اتفقوا على أن النذر لا يصح و لا ينعقد إذا تعلق بمحرم أو مكروه،فقد نذر شخص في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ان يقوم فلا يقعد و لا يستظل و لا يتكلم، و يصوم،فقال الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«مروه فليتكلم،و يستظل،و يقعد،و ليتم صومه».و إذا لم ينعقد النذر من الأساس فلا كفارة على الناذر.و أيضا اتفقوا على صحة النذر و انعقاده إذا تعلق بواجب،أو مستحب.

ص:24

و اختلفوا في المباح المتساوي الطرفين:هل ينعقد فيه النذر؟ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر و المسالك إلى عدم الانعقاد للرواية المتقدمة:

«ليس النذر بشيء،حتى يسمي للّه شيئا».

4-اتفقوا على صحة النذر إذا اقترنت صيغته بفعل شيء،أو تركه،كقوله:

عليّ للّه ان رزقت كذا أن أفعل،أو ترك كذا،و اختلفوا فيما إذا لم تقترن صيغة النذر بشيء،كقوله:عليّ للّه كذا،و يسمون هذا النوع بنذر التبرع.و ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى صحته،لا طلاق أدلة النذر،و لقوله سبحانه «إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً» .حيث لم تقيد النذر بشيء.

و تسأل:ما معنى أن ينذر الإنسان الإتيان بالشيء الواجب ما دام واجبا بنفسه من غير نذر؟ الجواب:تظهر النتيجة فيما لو ترك الواجب،حيث تجب عليه كفارة النذر بالإضافة إلى الآثار الأخرى التي تترتب على ترك الواجب من حيث هو.

5-المشهور بين الفقهاء المتأخرين بشهادة صاحب المسالك أن الزوجة لا ينعقد نذرها في غير فعل الواجب،و ترك المحرم إلاّ بإذن الزوج،حتى و لو نذرت أن تتصدق من مالها.و إذا نذرت من دون اذنه فله حله،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق،و لا صدقة،و لا تدبير،و لا هبة، و لا نذر في مالها إلاّ بإذن الزوج إلاّ في حج،أو زكاة،أو بر والديها،أو صلة رحمها.

و إذا أذن لها بالنذر،فنذرت صح و انعقد،و لا يحق له أن يعدل بعد ذلك.

و قال جماعة من الفقهاء:لا نذر للولد مع والده أيضا،مع اعترافهم بأن النص مختص بيمين الولد لا بنذره،و لكنهم ألحقوا النذر باليمين.

ص:25

و يلاحظ بأن اليمين و ان اشتركت مع النذر في بعض الآثار فإنها تخالفه، و تفترق عنه في أكثر من جهة،منها نية التقرب إلى اللّه سبحانه فإنها شرط في النذر،دون اليمين.أجل،قد استعمل أهل البيت عليهم السّلام اليمين في النذر في بعض الموارد،و لكن الاستعمال أعم من الحقيقة و المجاز.قال صاحب الجواهر:«ليس إطلاق اليمين على النذر على نحو قول الإمام عليه السّلام:الطواف في البيت صلاة،إذ لا شيء في النصوص ان النذر يمين كما هو واضح».

كفارة النذر:

إذا انعقد النذر صحيحا،ثم خالفه الناذر وجبت عليه الكفارة،أما إذا لم ينعقد النذر من الأساس كما لو نذر أن يفعل ما يحسن تركه،أو يترك ما يحسن فعله فلا ينعقد النذر،و بالتالي فلا تجب الكفارة.

و اختلف الفقهاء في نوع كفارة النذر تبعا لاختلاف الروايات،فذهب جماعة منهم السيد الحكيم في منهاج الصالحين إلى أنّها كفارة يمين،و هي عتق رقبة،أو إطعام عشرة مساكين،أو كسوتهم،فان عجز فصيام ثلاثة أيام متوالية.

و ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر،و هو منهم،إلى أنّها كفارة الإفطار في شهر رمضان،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عمن جعل للّه أن لا يركب محرما فركبه؟فقال:يعتق رقبة،أو يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستين مسكينا.

اليمين:

اشارة

اليمين لغة و عرفا الحلف و القسم بما يشاء الحالف،و شرعا الحلف باللّه و أسمائه الحسنى على فعل شيء أو تركه في الحال و الاستقبال،أو في أحدهما.

ص:26

أما اليمين على ما كان فالأولى تركها،حتى مع الصدق إلاّ لضرورة،و تحرم مع الكذب تحريما شديدا و تسمى اليمين الكاذبة يمين الغموس،لأنها تغمس الحالف الكاذب في الآثام.و يتعرض الفقهاء لليمين على ما كان،أو لم يكن في باب القضاء و فصل الخصومات.

و اليمين من حيث هي مشروعة إجماعا و نصا.فقد أمر اللّه سبحانه نبيه الكريم بالقسم في أكثر من آية،من ذلك قوله تعالى وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ-حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ (1).و كذلك الآية 89 من سورة المائدة التي حثت على حفظ الايمان،و ان على من حنث و خالف الكفارة.و قال تعالى لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ .

الشروط:

يشترط في اليمين :

1-أن يكون باللّه و أسمائه الحسنى التي لا يشاركه فيها غيره،كالرحمن و الخالق و الرازق.قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا أرى للرجل أن يحلف إلاّ باللّه.و قال أبوه الإمام الباقر عليه السّلام:ان للّه أن يقسم من خلقه بما شاء،و ليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به عزّ و جلّ.

و ليس من معنى هذا أن اليمين بغير اللّه محرمة،بل المراد أنّها لا تكون

ص:27


1- يونس:35. [1]

شرعية تترتب عليها الآثار المنصوص عليها في الشريعة إلاّ إذا كان الحلف باللّه.

قال صاحب الجواهر:«السيرة القطعية على جواز الحلف بغير اللّه مضافا إلى الأصل،و إلى وجوده في النصوص».

يشير إلى بعض الروايات التي نقلت عن الأئمة الأطهار أنّهم كانوا يحلفون بجدهم الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نسبتهم إليه.

2-ان يكون الحالف بالغا عاقلا قاصدا مختارا،تماما كما تقدم في الناذر.

3-يعتبر في صحة يمين الولد و انعقاده أن يكون بإذن الوالد،و يمين المرأة أن يكون باذن الزوج،حتى و لو لم يكن مزاحما لحقه،لقول الامام الصادق عليه السّلام:لا يمين لولد مع والده،و لا للمرأة مع زوجها.

هذا،إذا لم يكن اليمين على فعل واجب،أو ترك محرم،و إلاّ يصح النذر، حتى مع نهي الزوج.

4-تصح اليمين و تنعقد على فعل واجب،أو مستحب،و لا تصح على فعل محرم،أو مكروه،قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا تجوز يمين على تحليل حرام، أو تحريم حلال،و لا قطيعة رحم.و سئل أبوه الإمام الباقر عليه السّلام عن رجل يحلف بالأيمان المغلظة أن لا يشتري لأهله شيئا؟قال:فليشتر لهم،و ليس عليه شيء في يمينه من الحلف.

و أيضا تصح اليمين و تنعقد على فعل شيء أو تركه إذا كان متساوي الطرفين،أي لا رجحان في تركه و لا في فعله،كما لو حلف أن لا يأكل نوعا خاصا من الخضار،و لكن يمينه تنحل إذا طرأ الرجحان بعدها،و له أن يأكل منه، و لا كفارة عليه،بل يؤجر و يثاب بمخالفة اليمين.قال صاحب الجواهر:«لا خلاف و لا إشكال في عدم الحنث،و عدم الكفارة إذا كان خلاف اليمين خيرا،

ص:28

فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يحلف اليمين،فيرى أن تركها أفضل؟ قال للسائل:أما سمعت قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:إذا رأيت خيرا من يمينك فدعها، و قال:من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فأتى ذلك فهو لكفارة ذلك، و له حسنة.إلى غير ذلك من النصوص».

5-إذا اتبع اليمين بمشيئة اللّه سبحانه،فقال:و اللّه لا فعلن ان شاء اللّه، ينظر:فإن لم يقصد التعليق حقيقة،و انما أراد التبرك بذكر اللّه عملا بقوله تعالى:

وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ ان كان كذلك انعقدت اليمين،و وجب الوفاء،و ان خالف يكفّر.أمّا لو قصد التعليق حقيقة لا مجرد التبرك فلا تنعقد اليمين،و بالتالي،فلا حنث و لا كفارة،لحديث:«من حلف على يمين فقال:ان شاء اللّه لم يحنث».قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك».

فإذا توافرت هذه الشروط بكاملها تصح اليمين،و تنعقد،سواء أقصد بها وجه اللّه سبحانه،أو قصد جهة أخرى،و هذا من جملة الفروق التي تنفرد بها اليمين عن النذر الذي لا بد فيه من نية القربة.

و تجدر الإشارة إلى أن اليمين لا تنعقد بالطلاق،و لا بعدم الزواج كلية،أو بالثانية و الثالثة إلاّ إذا كان الترك أرجح،و إذا عرض الرجحان بعد اليمين تنحل و تذهب،و تجوز مخالفتها.و إذا حلف،و قال:لم أقصد اليمين حقيقة أخذ بقوله،لأنه من الأحكام التي تخصه وحده،و لم يتعلق بها حق الغير.

يمين اللغو:

اليمين التي تدور على ألسنة الناس،و اعتادوا عليها عند المخاطبات و المحاورات لا أثر لها إطلاقا.قال صاحب مجمع البيان في تفسير قوله تعالى

ص:29

لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ :المراد باللغو في اليمين ما جرت عليه عادة الناس من قول:لا و اللّه.بلى و اللّه من غير يمين يقطع به مال،أو يظلم به أحد، و هو المروي عن الإمامين:الباقر و الصادق عليهما السّلام.

يمين البراءة:

يمين البراءة أن يقول:هو بريء من اللّه،أو من رسوله،أو من آله،أو من دين الإسلام ان فعل كذا،أو ان كان قد فعل كذا.و لا تنعقد اليمين بشيء من ذلك،و هي من أشد المحرمات و الكبائر،فلقد بالغ الرسول الأعظم و أهل بيته في النهي عنها،ففي الحديث الشريف:«من قال:هو بريء من دين الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال،و ان كان صادقا لم يعد إلى الإسلام سالما،و قال الإمام عليه السّلام:من حلف بالبراءة منا صادقا أو كاذبا فقد بريء.أعوذ باللّه و أستغفره.

كفارة اليمين:

أجمعوا بشهادة صاحب الجواهر و المسالك على أن الحانث يخير بين عتق رقبة،أو إطعام عشرة مساكين،أو كسوتهم،فإن عجز صام ثلاثة أيام،لقوله تعالى لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ (1).

و جاء عن أهل البيت عليهم السّلام روايات كثيرة في معنى هذه الآية الكريمة.

ص:30


1- المائدة:89. [1]

العهد:

اشارة

للعهد في اللغة معان شتى،منها التفقد و الحفظ،و في اصطلاح الفقهاء أن يعاهد اللّه سبحانه على فعل شيء أو تركه.و قد أمر اللّه بالوفاء بالعهد،و أثنى على الذين يفون به،قال عز و جل وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا (1).

و قال مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ (2).

و يصح العهد من غير قيد،كقولك:أعاهد اللّه أن أفعل كذا.و أيضا يصح معلقا على شيء،كقولك:ان رزقت ولدا فعليّ عهد اللّه أن أفعل كذا.و متعلق العهد تماما كمتعلق اليمين،فيصح على فعل الواجب و المستحب،و المباح المتساوي الطرفين،و لا يصح على فعل المحرم و المكروه،و أيضا يعتبر في المعاهد ما يعتبر في الحالف من الشروط.

و إذا صارت مخالفة العهد أولى و أجدى للمعاهد من الموافقة انحل العهد، و اتبع المعاهد ما هو الأصلح له،و لا كفارة عليه.

كفارة العهد:

ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى أن كفارة العهد عتق رقبة،أو صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستين مسكينا.

بين الناذر و الحالف و المعاهد:

يتضح من جميع ما سبق أن كلا من الناذر و المعاهد و الحالف يشترك مع

ص:31


1- البقرة:177. [1]
2- الأحزاب:23. [2]

الآخر في أنّه قد ألزم نفسه بفعل شيء أو تركه،و أنّه إذا خالف مع توافر الشروط فعليه أن يكفّر بما ذكرنا.

و ينفرد العهد عن اليمين و النذر أن العهد عقد أو شبيه بالعقد المركب من إيجاب و قبول،فالمعاهد يوجب و يعطي اللّه عهدا على الفعل أو الترك،و اللّه يقبل منه،أما اليمين و النذر فهما بالإيقاع أشبه،حيث لا يوجد إلاّ طرف واحد.و ينفرد النذر عن اليمين في نية التقرب إلى اللّه سبحانه فإنها شرط في النذر دون اليمين

ص:32

كتاب الكفارات

تنقسم الكفارة بالنظر إلى أسبابها إلى أقسام

اشارة

،نعرضها ملخصة مع أدلتها فيما يلي:

1-كفارة صيد المحرم:

سبق الكلام عنها مفصلا في الجزء الثاني من هذا الكتاب فصل«تروك الإحرام-فقرة:كفارة الصيد»فراجع إن شئت.

2-كفارة الظهار:

إذا قال الرجل لزوجته:أنت عليّ كظهر أمي أمام عدلين،و كانت في طهر لم يواقعها فيه،بحيث تجتمع جميع شروط الطلاق فإنها تحرم عليه،و لا تحل له،حتى يكفّر،و كفارة الظهار واحد من ثلاثة على هذا الترتيب:أن يعتق رقبة،فإن عجز صام شهرين متتابعين،فإن عجز أطعم ستين مسكينا،لقوله تعالى وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً 1.

ص:33

إذا قال الرجل لزوجته:أنت عليّ كظهر أمي أمام عدلين،و كانت في طهر لم يواقعها فيه،بحيث تجتمع جميع شروط الطلاق فإنها تحرم عليه،و لا تحل له،حتى يكفّر،و كفارة الظهار واحد من ثلاثة على هذا الترتيب:أن يعتق رقبة،فإن عجز صام شهرين متتابعين،فإن عجز أطعم ستين مسكينا،لقوله تعالى وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً (1).

3 كفارة القتل خطأ:

من قتل مسلما بطريق الخطأ دون العمد فعليه أن يدفع الدية إلى أهله،و ان يكفّر بعتق رقبة مؤمنة،فإن عجز صام شهرين متتابعين،فإن عجز أطعم ستين مسكينا،تماما كما هو الحكم في كفارة الظهار،قال تعالى وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ -ثم قال عزّ من قائل- فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ (2).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا قتل خطأ أدى ديته إلى أوليائه،ثم أعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين،فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا.

4 كفارة القتل عمدا:

من قتل مسلما متعمدا فعليه أن يجمع بين عتق رقبة مؤمنة،و صيام شهرين متتابعين،و إطعام ستين مسكينا،و التفصيل في باب القصاص ان شاء اللّه تعالى.

5 كفارة قضاء رمضان:

من نوى الصيام قضاء لما فاته في شهر رمضان،ثم أفطر قبل الزوال فلا شيء عليه إلاّ الإعادة،و ان أفطر بعد الزوال فعليه كفارة إطعام عشرة مساكين،فان عجز صام ثلاثة أيام متتالية.فقد سئل الإمام الباقر عليه السّلام عن رجل أتى أهله في يوم

ص:


1- المجادلة:2. [1]
2- النساء:92. [2]

يقضيه من شهر رمضان؟قال:ان كان ذلك قبل الزوال فلا شيء عليه إلاّ يوم مكان يوم،و ان كان بعد زوال الشمس فان عليه أن يتصدق على عشرة مساكين،لكل مسكين مدّ،فان لم يقدر صام يوما مكان يوم،و صام ثلاثة أيام كفارة لما صنع.

6 كفارة الإفطار في رمضان:

تقدم الكلام عنها في الجزء الثاني من هذا الكتاب فصل«فساد الصوم و وجوب الكفارة-فقرة:كفارة رمضان».

7 كفارة النذر:

انظر فصل النذر و اليمين و العهد من هذا الجزء فقرة«كفارة النذر».

8 كفارة اليمين:

انظر الفصل المذكور فقرة«كفارة اليمين».

9 كفارة العهد:

انظر الفصل نفسه فقرة«كفارة العهد».

10 يمين البراءة:

اتفقوا على تحريم يمين البراءة،كما سبق في الفصل المتقدم،و اختلفوا:

هل توجب الكفارة،أو لا؟ذهب جماعة،منهم صاحب الشرائع و الجواهر و المسالك إلى أنّه لا شيء على الحالف بالبراءة سوى الإثم.

ص:35

11 جز المرأة شعرها في المصاب:

اتفقوا على أنّه يحرم على المرأة أن تجز شعرها في المصاب،و اختلفوا في وجوب الكفارة عليها،فذهب جماعة من الفقهاء إلى أنّها تكفر بعتق رقبة،أو صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستين مسكينا استنادا إلى رواية عن الإمام الصادق عليه السّلام،و قال الشهيد الثاني في المسالك و اللمعة:الرواية ضعيفة،و الأقوى عدم وجوب الكفارة عليها،لأصل البراءة.

12 نتف شعر المرأة في المصاب:

النتف غير الجز و القص،و لذا اختلف الفقهاء في وجوب الكفارة على الجز،و لم ينقل أحد منهم الخلاف في وجوب الكفارة على النتف،و هي عندهم كفارة يمين،أي عتق رقبة،أو إطعام عشرة مساكين،أو كسوتهم،و مع العجز يصوم ثلاثة أيام استنادا إلى رواية ضعّفها الشهيد الثاني في المسالك و اللمعة.

13 شق الرجل ثوبه:

قالوا:إذا شق الرجل ثوبه في موت امرأته،أو ولده فعليه كفارة يمين،و لا شيء عليه إذا شقه على غيرهما من أقاربه استنادا إلى رواية ضعّفها الشهيد في اللمعة و المسالك.

14 وطء الزوجة في الحيض:

انظر الجزء الأول من هذا الكتاب،فصل«الحيض و الاستحاضة و النفاس- فقرة:ما يحرم على الحائض».

ص:36

15 صوم الاعتكاف:

انظر الجزء الثاني من هذا الكتاب،فصل«الاعتكاف،المسألة الثالثة من فقرة:مسائل».

الصيام:

يجب التتابع بين أيّام الصوم في صوم الكفارة،سواء أ كان الواجب صيام ثلاثة أيّام،أو شهرين،و إذا أخل بالتتابع،و أفطر قبل الإكمال وجب أن يستأنف من جديد.أجل،لا يضر الإفطار لعذر مشروع،كالإكراه و المرض،و الحيض و النفاس و السفر لضرورة،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل،عليه صيام شهرين متتابعين،فصام شهرا و مرض؟قال:يبني عليه.اللّه حبسه.قال السائل:

امرأة،عليها صيام شهرين متتابعين،و أفطرت أيّام حيضها؟قال تقضيها.أي تأتي بما بقي،و لا يجب عليها الاستئناف.

و يتحقق التتابع في صيام الشهرين أن يصوم شهرا متتابعا،و من الثاني،فإذا صام أول يوم من الشهر الثاني جاز له أن يفطر،و يفرق أيّام الصوم بعد ذلك إجماعا و نصا،و منه قول الإمام الصادق عليه السّلام:التتابع أن يصوم شهرا،و من الآخر أيّاما،أو شيئا منه.

الإطعام:

يتحقق إطعام المساكين بأحد أمرين:الأول أن يدعو العدد المطلوب من الفقراء دفعة واحدة،أو بالتدريج و التتابع،و يطعمهم،حتى يشبعوا.و لا فرق بين الذكور و الإناث،و لا بين الصغار و الكبار.الثاني أن يعطي كل نسمة مدا من

ص:37

القمح،و ما إليه،على أن لا يزيد للنفر الواحد عن المد،و ان زاد استحب،و لكن يحسب له إطعام مسكين واحد.أجل،يجوز أن يعطي لمن يعول أكثر من واحد بعدد ما يعول،و يدل على الاكتفاء بالمد قول الإمام الصادق عليه السّلام:في كفارة اليمين عتق رقبة،أو إطعام عشرة مساكين،و الإدام الوسط الخل و الزيت،و ارفعه الخبز و اللحم،و الصدقة المد لكل مسكين،و الكسوة ثوبان (1).

و تجدر الإشارة إلى أن الزيت و الخل كانا في عهد الإمام عليه السّلام من الإدام الوسط،فتنطبق عليهما يومذاك آية «مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ» أما اليوم فلا، لأنهما ليسا إداما أساسيا،بل من التوابع،فعلى من يكفّر اليوم بالإطعام أن يقدم للمساكين غير الزيت و الخل مما هو معروف بين الناس أنّه من الإدام الوسط.

و يختلف ذلك باختلاف البلدان و الأوساط.

الكسوة:

حددت بعض الروايات الكسوة الواجبة بثوب واحد لكل مسكين،و بعض بثوبين.و لاختلاف الروايتين اختلفت أقوال الفقهاء،فمنهم من اكتفى بثوب، و آخر أوجب ثوبين،و قال ثالث:الواحد واجب،و الثاني مستحب،و قال رابع:

يجب ثوبان مع القدرة،و ثوب مع العجز.

و الحق ان العبرة بتحقق الكسوة،فإن كان الثوب الواحد كبيرا يكسو البدن، كالجبة و القفطان كفى الثوب الواحد،و ان لم تتحقق كسوة البدن إلاّ بثوبين كالقميص و السروال تعينا،و بهذا يمكن الجمع بين رواية الثوب الواحد،و رواية الثوبين.

ص:38


1- المد الشرعي أكثر من 800 غرام بقليل.

مسائل:

1-لا تجب المبادرة إلى التكفير فورا

،بل يجوز التأخير و التراخي إلاّ مع خوف الفوات،لعدم الدليل على وجوب الفور،و الأصل العدم،حتى يثبت العكس.

2-الكفارة المالية كالطعام و الكسوة يجب إخراجها من أصل التركة

، أوصى بها الميت أو لم يوص إذا علمنا باشتغال ذمته،تماما كغيرها من الديون.أما البدنية كالصوم فإن أوصى بها خرجت من الثلث،و ان لم يوص فلا يجب إخراجها،حتى مع العلم باشتغال ذمته.

3-لا تدفع الكفارة إلى الطفل و المجنون ان كانت دقيقا أو حبوبا

،أو ثمرة كالزبيب و ما إليه،حيث لا أهلية لهما لقبول التمليك و التملك،و تدفع لوليّهما، كما هو الشأن في غير الكفارة.

4-لا تصرف الكفارة إلى من تجب نفقته على الدافع

،كالأب و الأم و الأولاد و الزوجة،قال الإمام الصادق عليه السّلام:خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا:الأب و الأم و الأولاد و المملوك و الزوجة،و ذلك أنّهم عياله لازمون له».

فقول الإمام عليه السّلام لأنهم عيال دليل على أن العيال لا يعطون شيئا من الصدقات زكاة كانت،أو غيرها.هذا،إلى أن ما يعطيه لعياله يعود إليه بالنتيجة، فيكون كمن تصدق على نفسه.

5-قال صاحب الشرائع و الجواهر:«لا يجزي دفع القيمة في الكفارة

،بل لا بد من الإطعام،أو دفع الحبوب و ما إليها،لأن الذمة قد اشتغلت بها،لا بقيمتها التي لا تندرج في إطلاق الأمر.و الاجتزاء بها في الزكاة و نحوها للدليل الخاص، و من هنا لم يكن خلاف عندنا في ذلك،بل في المسالك هو إجماع».

ص:39

و لكن يجوز أن يعطي للفقير الثمن،و يوكله بالشراء لنفسه،على أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن زكاة الفطر،أ يجوز أن يؤديها فضة بقيمة هذه الأشياء التي سماها؟قال:نعم،ان ذلك أنفع له،يشتري ما يريد.

فان قول الإمام عليه السّلام:«أنفع له يشتري ما يريد»دليل عام يشمل الكفارات، و ليس خاصا بالزكاة،كما قال صاحب الجواهر.

6-كل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز صام بدلا عنهما ثمانية

عشر يوما

،فان عجز تصدق عن كل يوم بمد من طعام،فان عجز استغفر اللّه سبحانه،و لا شيء عليه.قال صاحب الجواهر:«ظاهر الفقهاء الاتفاق على البدلية مع العجز عن خصال الكفارة،ما عدا الظهار».فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام،و لم يقدر على العتق،و لم يقدر على الصدقة؟قال:فليصم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام.

و قال عليه السّلام:كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل،أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة،ما خلا يمين الظهار.

و استثنى الظهار،لأن المماسة لا تحل إلاّ بعد التكفير،تماما كالمطلقة التي لا تحل إلاّ بعد الرجعة الصحيحة .

ص:40

كتاب احياء الموات

الأرض:

للأرض أربعة أقسام عند الفقهاء:

1-الأرض التي فتحها المسلمون عنوة نتيجة الجهاد،لانتشار الإسلام

، كأرض العراق،و سوريا،و إيران،و العامر من هذه الأرض حين الفتح ملك للمسلمين جميعا من وجد منهم،و من يوجد،و النظر فيها للإمام،أي للدولة، تقبلها لمن تشاء من أهلها أو من غيرهم بالنصف أو الأقل أو الأكثر،و يصرف الناتج في المصالح العامة.

و قال الفقهاء ان هذا النوع من الأرض-العامر حين الفتح-لا يجوز بيعه، و لا هبته،و لا وقفه،و لا توريثه،لأنّه ملك للكل.و مما استدلوا به قول الإمام الصادق عليه السّلام:«و من يبيع أرض الخراج،و هي ملك لجميع المسلمين؟».و لكن هذه الفتوى نظرية و كفى،لا أعرف أحدا عمل بها،فإن الناس،كل الناس،حتى الفقهاء يعاملون صاحب اليد على الأرض الخراجية معاملة المالك من البيع و الشراء و الوقف و التوريث،و ما إلى ذلك.و يوجهون أو يؤولون أعمالهم بتأويلات لا تركن إليها النفس،منها أن لصاحب اليد نحوا من الحق

ص:41

و الاختصاص،فينتقل هذا الحق منه إلى غيره دون رقبة الأرض و عينها،و منها ان الأصل في الأرض أن تكون الموات،حتى يثبت العكس.

أمّا الأرض التي كانت مواتا حين الفتح فهي للإمام،أي للدولة،و من أحياها فهو أولى بالتصرف فيها من غيره،لعموم:«من أحيا أرضا ميتة فهي له، و هو أحق بها.و الأرض للّه،و لمن عمرها».و تجدر الإشارة إلى أن الأرض العامرة بطبيعتها هي ملك للدولة،لقول الإمام عليه السّلام:«كل أرض لا رب لها فهي للإمام».

2-أرض من أسلم أهلها طوعا

،كالمدينة المنورة و البحرين و أطراف اليمن و اندنوسيا.و العامر من هذه الأرض لأهلها،و لا شيء عليهم سوى الزكاة، و يجوز بيعها،و التصرف فيها بشتى أنحاء التصرف.أمّا الموات منها فللدولة، و من سبق إلى إحيائه فهو أحق به من غيره،تماما كالموات مما فتح عنوة.

3-أرض الصلح،

و هي التي فتحها المسلمون بغير قتال،بل بالصلح بينهم و بين أهلها على أن تكون الأرض لأربابها لقاء ما يبذلونه من ناتجها،أو من غيره،و يجب الوفاء بما تم عليه الصلح،و العامر منها ملك لأهله يتصرفون فيه كما يشاءون،أما الموات فللدولة،و من سبق إلى إحيائه فهو أحق به من غيره.

4-الأنفال

،و تشمل الأرض التي ملكها المسلمون من غير قتال،سواء أ كانت عامرة فانجلى عنها أهلها،أو مكنوهم منها طوعا مع بقائهم فيها،و أيضا تشمل كل أرض ميتة،سواء أ كانت في البلاد المفتوحة عنوة،أو بالصلح،أو بقبول دعوة الإسلام،و سواء أ كانت مملوكة ثم باد أهلها،أو لم تملك من رأس، كالمفاوز و سواحل البحار،و أيضا تشمل رؤوس الجبال و بطون الأودية و الأحراج.

ص:42

و هذي كلها للإمام،و ما كان له فهو لشيعته بدليل قوله عليه السّلام:«ما كان لنا فهو لشيعتنا.كل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون».و تكلمنا عن الأنفال مفصلا في«الجزء الثاني،فصل الخمس-فقرة:الأنفال».

الأرض الموات و إحياؤها:

نريد بالأرض الموات التي لا يملكها أحد و لم يتعلق بها حق لأحد،و لا ينتفع بها أحد،لعدم وصول الماء إليها،أو لغلبته و فيضانه عليها،أو لسوء تربتها، أو لما فيها من العوائق،كالأحجار و الصخور و الأشواك،و ما إلى ذلك مما يحول دون الانتفاع بها.و بهذا نجد تفسير قول الفقهاء:«ان موات الأرض ما خلا عن الاختصاص،و لا ينتفع به،اما لعطلته،لانقطاع الماء عنه،أو لاستيلاء الماء عليه، أو لاستيجامه،أو غير ذلك».و الاستيجام أن يكون كثير القصب،أو ما إليه مما يمنع من الانتفاع بالأرض.

و كل من بذل جهدا،لإحياء الأرض،و أزال الأسباب التي تحول دون الانتفاع بها فهو أحق بها من غيره،لحديث الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«من أحيا أرضا ميتة فهي له،و هو أحق بها»و قول الإمام الصادق عليه السّلام:«أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض،أو عمروها فهم أحق بها،و هي لهم».و لا فرق في ذلك بين أن تكون الأرض الميتة في البلاد التي فتحت عنوة،أو أسلم أهلها طوعا،أو وقع الصلح بينهم و بين المسلمين،أو كانت من الأنفال.و أيضا لا فرق بين أن يكون محيي الأرض مسلما أو غير مسلم،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن شراء الأرض من أهل الذمة؟فقال:«لا بأس بأن يشتري منهم إذا عمروها،و أحيوها فهي لهم».

و قال صاحب الجواهر:«لا فرق فيما ذكرنا بين الموات في بلاد الإسلام،

ص:43

و غيره،لإطلاق الأدلة،و لا بين الذمي و غيره من أقسام الكفار».

أما الأرض العامرة فهي ملك لمن هي في يده،مسلما كان أو غير مسلم، و لا يجوز لأحد معارضته إلاّ مع العلم بأنه غاصب.

الشروط:

لا أحد يملك التصرف بواسطة الإحياء إلاّ بشروط،و هي بعد القصد و النية:
1-انتفاء يد الغير عما يراد إحياؤه،لأنّ اليد امارة الملك،حتى يثبت

العكس

،و يعلم أنّها ثبتت على الشيء من غير سبب مشروع.قال الشهيد الثاني في المسالك:«لو علم إثبات اليد بغير سبب مملك،و لا موجب،أو أولوية فلا عبرة بها،كما لو استندت إلى مجرد التغلب على الأرض،أو بسبب اصطلاح أهل القرية على قسمة بعض المباحات.كما يتفق ذلك كثيرا،أو لكونه محييا لها في الأصل.و قد زالت آثاره،ان قلنا بزوال ملكه،و نحو ذلك».

2-ان لا يكون الموات حريما تابعا لعقار أو بئر

،و ما إليها-يأتي الكلام عن الحريم بفقرة خاصة-لأن الحريم بحكم العامر.

قال صاحب الجواهر:

«بلا خلاف أجده،كما اعترف به غير واحد،بل في التذكرة لا نعلم فيه خلافا بين علماء الأمصار في أن كل ما يتعلق بمصالح العامر،كالطريق،و الشرب، و مسيل ماء العامر،و مطرح قمامته،و ملقى ترابه،و آلاته،أو لمصالح القرية كقنانها،و مرعى ماشيتها،و محطبها،و مسيل مياهها-كل ذلك-لا يصح لأحد إحياؤه،و لا يملك بالاحياء،و كذا حريم الآبار،و الأنهار،و الحائط و كل مملوك لا

ص:44

يجوز احياء ما يتعلق بمصالحه،لحديث:«من أحيا ميتة في غير حق مسلم فهي له».

3-ان لا يكون محلا للعبادة و المناسك

،كعرفة و منى و المشعر،و غير ذلك من الأماكن المشرفة،قال صاحب الجواهر:«ان هذه في الحقيقة ليست من الموات الذي هو بمعنى المعطل عن الانتفاع.هذا إلى وضع يد المسلمين عليها، و تعلق حقوقهم بها،بل هي أعظم من الوقف الذي يتعلق به حق الموقوف عليهم بجريان الصيغة من الواقف».

4-أن لا يسبق إلى الأرض الموات سابق بالتحجير

،و ذلك أن يفعل شيئا لم يبلغ حد الأحياء،كما لو وضع علامات تدل على سبقه من تسوير الأرض،أو جمع التراب،أو حفر قناة،و ما إلى ذاك.

و التحجير لا يثبت ملكا و لا حقا،بل يكون المحجر أولى الناس بإحياء الأرض المحجرة من غيره،على شريطة أن لا يهمل تعميرها أكثر من المألوف، و إلا أجبره الحاكم على إحياء الأرض،أو تركها لمن يحييها،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده بين من تعرض لهذا الحكم من الفقهاء معللين ذلك بقبح تعطيل العمارة التي هي منفعة للإسلام».و اعترف صاحب الجواهر، و صاحب مفتاح الكرامة بعدم وجود النص على أن التحجير يوجب الأولية، و لكن به أفتى الفقهاء.

إذا أهمل الأرض بعد الإحياء:

من أحيا أرضا ثم تركها،حتى عادت مواتا كما كانت،فهل يجوز لغيره إحياؤها؟ قال جماعة من الفقهاء:لا يجوز،لأن الأول قد ملكها بالاحياء،و الأصل

ص:45

بقاء الملك،حتى يثبت السبب الناقل،و ليس الخراب من الأسباب الناقلة.

و قال آخرون:يجوز للثاني إحياؤها،لأن الأول لم يملك رقبة الأرض بالاحياء،و انما يملك التصرف،و يكون أولى بها من غيره،و استدلوا بما جاء عن الامام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عن جده أمير المؤمنين عليهم السّلام:«أن الأرض للّه يورثها من يشاء من عباده،و العاقبة للمتقين.فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي،و له من أكل منها،فان تركها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحق بها».

قال الشهيد الثاني في المسالك:«لأن هذه الأرض أصلها مباح،فإذا تركها، حتى رجعت إلى ما كانت عليه صارت مباحة.لأن العلة في تملك هذه الأرض الأحياء و العمارة،فإذا زالت العلة زال المعلول،و هو الملك،فإذا أحياها الثاني فقد أوجد سبب الملك،فيثبت الملك له،تماما كما لو التقط شيئا،ثم سقط منه، و ضاع عنه فلقطة غيره،فإن الثاني يكون أحق به».

تحديد الحريم:

للفظ الحريم معان شتى.و المراد به هنا الارتفاق الذي يكون تابعا لدار،أو عقار،أو بئر،أو حائط،و غير ذلك.

و سبقت الإشارة إلى أن الحريم لا يجوز إحياؤه،و جاء في روايات أهل البيت عليهم السّلام تحديدهم لحريم بعض الأشياء.فعن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع».و روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:

«حريم البئر العادية أربعون ذراعا حولها.و حريم المسجد أربعون ذراعا من كل ناحية».

ص:46

و قال صاحب الجواهر:«حريم الحائط مقدار مطرح ترابه بلا خلاف».

و بعد أن أفتى الفقهاء بموجب النصوص قالوا:ان التحديد لهذه الأشياء انما يثبت إذا أريد إنشاؤها في الأرض الموات،أما الأملاك المتلاصقة الموجودة بالفعل فلا حريم لأحد على جاره،و لكل ان يتصرف في ملكه كيف يشاء.

و الذي أراه ان الحريم يقدر بحسب الحاجة و المصلحة،و هي تختلف باختلاف البلدان و الأزمان،أما النص الوارد في تحديد الطريق و ما إليه فيحمل على ما دعت إليه الحاجة و المصلحة في ذاك العهد.و في كتاب أصول الإثبات عقدت فصلا مستقلا بعنوان:«هل تتغير الأحكام بحسب الأزمان؟»و قلت فيما قلت:ان من الأحكام ما شرع وفقا لطبيعة الإنسان بما هو انسان،و هذه الأحكام لا يمكن أن تتغير بحال مهما تغيرت الأزمان،و ضربت أمثلة على ذلك.و من الأحكام ما شرع للإنسان بالنظر إلى مجتمعة الذي يعيش فيه،و العادات و التقاليد المألوفة في ذاك العهد،و هذا النوع من الأحكام يتبدل بتبدل المجتمع،و منه حد الطريق سبعة أذرع،حيث لم تدع الحاجة إلى الزيادة يومذاك.أما اليوم فإذا أريد إنشاء قرية أو مدينة فيترك تحديد الطريق و جميع المرافق إلى معرفة المهندسين، و ما يراه أهل الاختصاص من المصلحة،و ليس من شك أن الشرع يقر كل ما فيه الخير و الصالح العام.و بكلمة ان الروايات حددت المرافق بما يتفق و ذاك العصر،حيث لا سيارات و شاحنات و مطارات،أما اليوم فليس لها من موضوع.

و مهما شككت فإني لا أشك أن الإمام عليه السّلام لو كان حاضرا،و أراد أن ينشئ قرية أو مدينة لأوكل الأمر إلى أهل الفن و الاختصاص في تحديد المرافق بكاملها.

ص:47

ضرر الجار:

هل يجوز للمالك أن يتصرف في ملكه تصرفا يستدعي ضرر جاره؟مثل أن يحفر حفرة يتصدع بسببها حائط الجار،أو يحبس الماء في ملكه فتتسرب النداوة و الرطوبة إلى بيت غيره،أو يجعل من ملكه مدبغة تنتشر منها الروائح الكريهة الدائمة،و يتولد منها الأدواء و الأمراض؟ و لا بد في الجواب من التفصيل على الوجه التالي:

1-ان يقصد المالك من التصرف الإضرار بالجار دون أن ينتفع هو بشيء، أو يناله أدنى ضرر من ترك التصرف،و انما غرضه الأول مجرد الإضرار بالغير.

إذا كان كذلك يمنع المالك من التصرف،و ليس له أن يحتج بحديث:«الناس مسلطون على أموالهم»لأن قاعدة لا ضرر تقدم على هذا الحديث،و تنفي سلطة المالك على ملكه إذا استدعت ضرر الغير.و بكلمة إن سلطة الإنسان على ملكه، تماما كالحرية تحدد بعدم ضرر الغير و التعدي على حريته.

2-ان لا يقصد المالك الإضرار بالجار،و لا بغيره،و لكنه لا ينتفع هو من احداث الحفرة،و ما إليها في ملكه،و أيضا لا يتضرر بتركها،مع العلم بتضرر الجار منها.و هذا كالأول يمنع المالك من التصرف،لأن قاعدة:لا ضرر،في هذه الحال تقدم على قاعدة:تسلط الإنسان على ملكه.

3-ان يلحق المالك الضرر إذا لم يتصرف في ملكه-مثلا-إذا لم يحفر المالك بالوعة في داره لا يستطيع سكناها،كما انه إذا حفر يتضرر الجار،فيدور الأمر بين ضرر المالك إذا ترك التصرف في ملكه،و بين ضرر الجار إذا تصرف.

و ليس من شك أنّه في مثل هذه الحال يتصرف المالك في ملكه دفعا للضرر عن نفسه،أو جلبا لمنفعتها،حتى و لو تضرر الجار،بل لو كان ضرره أشد من ضرر

ص:48

المالك و أكثر منه أضعافا.ذلك ان قاعدة:الناس مسلطون على أموالهم،هي المحكمة.و يجب الأخذ بها دون معارض،و لا تجري هنا قاعدة لا ضرر لرفعه عن الجار،لأن إجراءها و الأخذ بها يستدعي ثبوت الضرر على المالك،فيلزم من وجود الشيء عدمه،أي من رفع الضرر ثبوت الضرر.

و بتعبير ثان،ان:لا ضرر،شرعت للتخفيف و الامتنان،فيعمل بها حيث يتحقق هذا الامتنان،و حيث لا يستلزم العمل بها ضررا على أحد إطلاقا لا على المالك و لا على غيره.أما إذا استلزم رفع الضرر عن شخص،ثبوته على آخر فلا يمكن الاعتماد عليها،لأن الضرر لا يزال بالضرر.

و قد أطال الفقهاء الكلام في هذه المسألة في كتب الأصول و الفقه،بخاصة صاحب الجواهر و صاحب مفتاح الكرامة،و نقلا الإجماع على أن للمالك أن يتصرف في ملكه،حتى و لو تضرر الغير.و يجب حمل الإجماع على الصورة الثالثة،و هي ما إذا تضرر المالك من ترك التصرف في ملكه.

و ما رأيت فيما لدي من المصادر أحدا تكلم عن قاعدة:لا ضرر،بعامة و في هذه المسألة بخاصة مثل الشيخ النائيني في تقريرات الخوانساري.فقد تناول القاعدة من شتى نواحيها،و أطال،و لكن في التحقيق النافع المفيد.

الماء:

اشارة

للمياه أقسام:

1-ما أحرز في ظرف أو حوض،و نحوه

،و هذا الماء ملك لمن أحرزه بالإجماع،لا يجوز لأحد أن يتصرف فيه إلاّ بإذنه.

ص:49

2-ان يحفر بئرا في ملكه،أو في أرض ميتة بقصد إحيائها و تملكها

،فإذا بلغ الماء فهو ملك له،يتصرف فيه كيف يشاء.

و قيل:لا يملك هذا الماء و لا غيره من أقسام المياه لقول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:الناس شركاء في ثلاث:النار،و الماء،و الكلأ.

و قال الشيخ الطوسي:ان صاحب البئر لا يملك ماءها،و لكنه أولى به بقدر حاجته لشربه و شرب ماشيته،و سقي زرعه،و ما يفضل عنه فعليه أن يبذله بلا عوض لمن يحتاج لشربه و شرب ماشيته،و لا يجب أن يبذله لسقي زرع الجار، و لكن يستحب.

و إذا حفر جاره بئرا في ملكه فذهب الماء من بئره أو نقص ينظر:فان كانت الثانية قد جذبت الماء الموجود بالفعل في البئر الأولى فعلى صاحب البئر الثانية أن يتدارك الضرر،لأنه أخذ الماء المملوك لغيره،تماما كمن أخذ الصيد من شبكة الغير.و ان صادف أن البئر الثانية استوعبت الماء الجاري تحت الأرض قبل وصوله إلى البئر الأولى فلا يجب التدارك،لأن الماء،و الحال هذي،غير مملوك لصاحب البئر الأولى،فأشبه من اصطاد صيدا كان في الاتجاه إلى شبكة الغير، بحيث لو ترك و شأنه لوقع فيها.

3-مياه العيون و الأمطار و الآبار في الأرض المباحة

،و هذي لمن سبق إليها لا يختص بها انسان دون إنسان.أجل،إذا نزل ماء المطر و تجمع في أرض مملوكة،و قصد المالك تملكه كان له وحده لا يجوز لغيره التصرف فيه إلاّ بإذنه.

4-مياه النهر الكبير

،كالفرات و النيل،و الناس في هذه شرع سواء،لكل أن يستقي منها ما شاء متى شاء.

5-مياه النهر الصغير غير المملوك

،فإذا لم يف ماؤه بسقي ما يقرب منه

ص:50

من الأرض،و تنازع أصحابها عليه فإنه يبدأ بمن في أوّل النهر فيأخذ منه مقدار حاجته للزرع أو الشجر بشتى أنواعه،ثم يرسل الماء إلى الذي يليه،فيصنع كذلك إلى أن ينتهي الماء،و إذا لم يفضل شيء عن الأول أو الثاني فلا شيء لمن يليه،و لو أدى إلى تلف زرعه أو شجره.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده في أصل الحكم،مضافا إلى النصوص الواردة في ذلك من طريق السنة و الشيعة، منها أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قضى في شرب نهر في سيل أن للأعلى أن يسقي قبل الأسفل،ثم يرسله إلى الأسفل.

6-إذا حفر نهرا و قناة في ملكه،أو في أرض ميتة بقصد إحيائها

،و وصله بنهر كبير كالفرات،فهل يملك الماء الذي فيه،أو يكون أولى به من غيره دون أن يملكه؟ ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر و المسالك إلى أنّه يملك الماء، قال صاحب المسالك:«إذا حفر نهرا و أوصله بالنهر المباح فدخل فيه الماء فلا خلاف في أولية الحافر بالماء،و أنّه ليس لأحد مزاحمته فيه للسقي و لا غيره،و لا في ملكية نفس الأرض المحفورة.و انما الخلاف في ملكية الماء الذي يدخل فيه،فالمشهور بين الفقهاء خصوصا المتأخرين أنّه يملك أيضا،كما يملك الماء بحفر البئر و العين،لاشتراكهما في المقتضي و هو الإخراج.و ذهب الشيخ إلى عدم ملكية الماء بذلك،لأنه مباح دخل في ملكه،فيبقى على أصل الإباحة،و انما يكون الحافر أولى به،لأن يده عليه،كما إذا جرى الفيض إلى ملك رجل، و اجتمع فيه فإنه لا يملكه».

و على القولين يجوز الشرب منه و الوضوء و الغسل فيه،و ما إلى ذلك مما هو مألوف و معروف للسيرة القطعية إلاّ مع العلم بأن صاحب الماء يكره ذلك

ص:51

و يمنع منه.

المعادن:

اشارة

قسم الفقهاء المعادن إلى نوعين:

الأول:الظاهرة

،و هي التي تكون في متناول كل يد،حيث لا تفتقر إلى العمل و الحفر،كالملح و القار و الكحل و الدر و الياقوت.و هذه تملك بالأخذ لا بالإحياء،لأن الإحياء لن يكون إلاّ بالعمل،و المفروض أنّها ظاهرة بطبيعتها و من غير عمل،تماما كماء الأنهار.

الثاني:المعادن الباطنية

،و هي التي تحتاج إلى العمل و العلاج،كالحديد و الذهب و الفضة و النحاس و الرصاص،و هذه تملك بالاحياء.قال صاحب الجواهر:

«الناس سواء في المعادن الظاهرة،للسيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار.أما الباطنة فتملك بالإحياء الذي هو العمل،حتى يبلغ نيلها بلا خلاف أجده بين من تعرض له.و لعله لصدق الأحياء الذي هو سبب الملك.فإن إحياء كل شيء بحسبه،و من هنا يملك البئر ببلوغ الماء الذي هو فيها،إذ هو-أي الماء -كالجوهر الكائن فيها،و يبلغه بحفرها».

مسائل:

1-من أحيا أرضا مواتا،ثم ظهر فيها معدن فهو له تبعا للأرض

،سواء أ كان عالما به حين الإحياء،أو غير عالم.

ص:52

2-إذا شرع في إحياء المعدن،ثم أهمل أجبره الحاكم على الإتمام

،أو التخلي عنه إلى غيره.

3-يجوز لصاحب الدار أن يحفر بالوعة في الطريق العامة التي ينفذ منها

إلى شارع آخر

،يحفرها لحاجته إليها،و تجمع المياه القذرة من داره فيها،على شريطة أن يسدها سدا محكما بحيث لا تتضرر المارة بسببها،و أيضا يجوز أن يحفر سردابا تحتها بشرط الإحكام و عدم الخسف و الضرر،و إذا حصل الضرر من ذلك على المارة أو الجار كان ضامنا له.

ص:53

كتاب الوقف و أخواتها

كتاب الوقف

معناه:

الوقف يجمع على وقوف،و أوقاف،و الفعل وقف،أما أوقف فشاذ، و معناه لغة الحبس و المنع،تقول:وقفت عن السير،أي امتنعت عنه.

و في الشرع نوع من العطية،يقضي بتحبيس الأصل،و إطلاق المنفعة، و معنى تحبيس الأصل المنع عن الإرث و التصرف في العين الموقوفة بالبيع أو الهبة أو الرهن أو الإجارة أو الإعارة،و ما إلى ذاك،أما تسبيل المنفعة فهو صرفها على الجهة التي عينها الواقف من دون عوض.

شرعية الوقف:

الوقف مشروع إجماعا و نصا،و منه:«ينتفع الرجل بعد موته بثلاث خصال:سنة يعمل بها فيكون له مثل أجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء،و صدقة جارية من بعده،و الولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما.

و للوقف أركان و شروط نتكلم عنها في الفقرات التالية.

ص:54

الصيغة:

ذهب جماعة من المحققين،منهم السيد اليزدي صاحب العروة الوثقى، و السيد أبو الحسن الأصفهاني،و السيد الحكيم،ذهبوا إلى أن الوقف يتم بكل لفظ يدل عليه،حتى اللغة الأجنبية،لأنه-هنا-وسيلة للتعبير،و ليس غاية في نفسه.قال السيد اليزدي في ملحقات العروة:

«الأقوى كفاية كل ما يدل على الوقف،و لو بضميمة القرائن كما في سائر العقود،إذ لا دليل على اعتبار لفظ مخصوص،و لا تعتبر العربية،و لا الماضوية، بل تكفي الجملة الاسمية،كقوله:هذا وقف،كما يدل عليه قول أمير المؤمنين عليه السّلام لما جاءه البشير بخروج عين ينبع:و هي صدقة في حجيج بيت اللّه، و عابري السبيل لا تباع و لا توهب و لا تورث».

و قال السيد المذكور في الملحقات،و السيد الأصفهاني في الوسيلة:يتم الوقف بالفعل من غير تلفظ في المساجد و المقابر،و الطرق و الشوارع و القناطر، و الأشجار المغروسة لانتفاع المارة بها.و في مثل الفرش و المصابيح للمشاهد و المساجد،و ما إلى ذلك مما كان محبسا على مصلحة عامة،فلو بنى بعنوان المسجد،و اذن بالصلاة للعموم،و صلى مصل واحد كفى في تحقق الوقف مسجدا.و كذا لو عيّن قطعة من الأرض مقبرة للمسلمين،و اذن بالدفن فيها، و دفن فيها كفى في الوقف،و مثله لو بنى جسرا،أو شق طريقا،و مر عليه انسان واحد.

و هل يحتاج الوقف إلى قبول،أو يكتفى بمجرد الإيجاب؟ و للفقهاء ثلاثة أقوال:أحدها اشتراط القبول مطلقا،الثاني عدم اشتراطه مطلقا،و به قال السيد الحكيم في منهاج الصالحين و السيد اليزدي في الملحقات،

ص:55

و هذي عبارة الأول بالحرف:«الظاهر عدم اعتبار القبول في الوقف بجميع أنواعه».و مثلها عبارة الثاني حيث قال:«الأقوى عدم الاشتراط».

القول الثالث التفصيل بين الوقف على الجهة العامة،كالمسجد و المقبرة و الفقراء،فلا يشترط القبول،و بين الوقف على جهة خاصة كالأولاد و ما أشبه، فيشترط القبول.و إلى هذا التفصيل ذهب جماعة من الكبار كصاحب الشرائع، و الشهيدين،و العلامة الحلي.و عليه يكون الوقف عقدا يحتاج إلى إيجاب و قبول إذا كان لجهة خاصة،و إيقاعا لا يحتاج إلى قبول إذا كان على جهة عامة،و لا مانع شرعا و لا عقلا أن يكون الوقف عقدا بلحاظ،و إيقاعا بلحاظ،و ان منعه صاحب الجواهر.

التأبيد و الدوام:

اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على أن الوقف لا يتم إذا حدد بأمد معين، كما لو قال:هذا وقف على كذا إلى عشر سنوات.

و اختلفوا فيما لو قال ذلك:هل يصح حبسا،أو أنّه يبطل حبسا كما بطل وقفا؟و معنى الصحة حبسا أن الجهة التي خصصها صاحب العين للاستثمار تنتفع بها طوال المدّة المعينة،و بعدها ترجع إلى المالك.

ذهب جماعة من الفقهاء،منهم صاحب ملحقات العروة إلى أنّه يصح حبسا،و ان الجهة التي خصصها صاحب العين تستحق الانتفاع بها طوال المدة المعينة،قال صاحب الملحقات:«لأن قصد هذا المعنى-أي الانتفاع بالعين مدّة معينة-هو قصد لحقيقة الحبس،و لا يضر اعتقاد كونه وقفا بعد إنشاء ما هو حبس حقيقة».

ص:56

و سنتكلم في الفصل التالي عن الحبس و أحكامه إن شاء اللّه.

و ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر،و صاحب ملحقات العروة إلى أنّه لو وقف على من ينقرض غالبا،كالوقف على أولاده مقتصرا على بطن واحدة و لم يذكر المصرف بعد انقراضهم،ذهبوا إلى أنّه يقع وقفا،و بعد الانقراض ترجع العين إلى الواقف،أو ورثته،قال صاحب المسالك:«لأن الواقف لم يخرج العين عن ملكه،و إنما تناول أشخاصا فلا يتعدى إلى غيرهم،و لظاهر قول الإمام:ان الوقف على حسب ما يقفه أهله.

و تسأل:كيف صح الوقف على من ينقرض،مع العلم بأن الوقف يشترط فيه التأبيد و الدوام؟ الجواب:ان الذين اشترطوا التأبيد و الدوام في الوقف أرادوا عدم تحديده بزمن معين،فلا يشمل المقام،قال صاحب الجواهر:«المراد من إجماع الفقهاء على اعتبار الدوام هو عدم التوقيت بمدّة».و يسمى الوقف على من ينقرض بالوقف المنقطع.

و تجدر الإشارة إلى ان صاحب العروة الوثقى و ملحقاتها لا يشترط التأبيد و الدوام في الوقف إطلاقا،و يجيز أن يحدده بزمن معين،و يفسر الوقف بالإيقاف،و إيقاف الشيء قد يكون إلى الأبد،و قد يكون إلى أمد،و المرجع في ذلك إلى قصد الواقف الذي نكتشفه من أقواله،و ما يتبعها من القرائن،و بهذا فسر قول الإمام عليه السّلام:«الوقف على حسب ما يقفه أهله».أي إلى الأبد إن أرادوا الدوام، و إلى أمد إن أرادوا التوقيت.

و نحن لا نستبعد هذا الرأي،لأن الذين اشترطوا التأبيد اعتمدوا على أنّه الظاهر من لفظ الوقف.و لنا أن نقول بأن للوقف قسمين:أحدهما دائم،و الآخر منقطع،أي مؤقت،و لا دليل على حصره بالدائم،أما وقوف أهل البيت عليهم السّلام التي

ص:57

استدل بها القائلون بالتأبيد،لاشتمالها عليه فلكل ما تدل عليه أن الوقف يصح مع التأبيد،و لا دلالة فيها على نفي غيره.

هذا،إلى أن بعض الفقهاء أنكر وجود الإجماع على اشتراط التأبيد.فقد نقل صاحب الحدائق عن الشهيد في المسالك أن شرط التأبيد مشكوك و متنازع فيه،و أيضا نقل عن صاحب المفاتيح ان هذا الشرط لا دليل عليه،و ان الأصل و العمومات تنفيه.و أيضا نقل هذا بالذات صاحب مفتاح الكرامة.و بهذا يتبين معنا أن الوقف على قسمين:مؤبد،و منقطع.

القبض:

معنى القبض أن يتخلى المالك عن العين،و يسلط عليها الجهة الموقوف إليها.و القبض شرط في لزوم العقد لا في صحته،فإذا وقف،و لم يحصل القبض فللواقف أن يرجع،قال صاحب الجواهر:«لا يلزم عقد الوقف إلاّ بالإقباض الذي هو القبض بالاذن،فلكل منهما حينئذ فسخه قبله».

و على هذا إذا وقف على جهة عامة كالمسجد،أو المقبرة،أو على الفقراء لا يلزم الوقف إلاّ باستلام المتولي،أو الحاكم الشرعي،أو بالدفن في القطعة،أو الصلاة في المسجد،أو يتصرف الفقير مع اذن الواقف،و إذا لم يحصل القبض بنحو من أنحائه جاز للواقف الرجوع عن الوقف،و إذا وقف على جهة خاصة كأولاده،فإن كانوا كبارا فلا يتم الوقف إلاّ باستلامهم بإذنه،و إن كانوا صغارا فلا داعي لقبض جديد،لأن يده يدهم،لمكان ولايته،و إذا مات الواقف قبل القبض بطل الوقف و أصبح ميراثا،و مثاله أن يقف دكانا في سبيل الخير،ثم يموت،و هي ما زالت في تصرفه فتعود،و الحال هذه إلى الورثة،و إذا حصل القبض فقد تم الوقف،و لا يجوز للواقف الرجوع عنه.

ص:58

و مما يدل على ذلك أن رجلا سأل الإمام عليه السّلام عن الوقف على الأئمة الأطهار؟فقال:أمّا ما سألت عنه من الوقف على ناحيتنا،و ما يحل لنا،ثم يحتاج إليه صاحبه،فكل ما لم يسلّم فصاحبه بالخيار،و كل ما سلّم فلا خيار فيه لصاحبه، احتاج أو لم يحتج،افتقر إليه،أو استغنى.

و أيضا سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل تصدق على ولد له قد أدركوا؟ قال:إذا لم يقبضوا،حتى يموت فهو ميراث،فان تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز،لأن الوالد هو الذي يلي أمره.

و يكفي قبض الطبقة الأولى في الوقف على الذرية.

من يملك العين الموقوفة:

سبق في فقرة«التأبيد و الدوام»أن الوقف منه مؤبد،و منه منقطع الآخر.و قد اتفق الفقهاء على زوال ملك الواقف عن الوقف المؤبد،و اختلفوا في أن العين الموقوفة:هل يرتفع عنها وصف الملكية بالمرة،بحيث لا تكون ملكا لأحد إطلاقا،و هو المعبر عنه بفك الملك،أو أنّها تنتقل إلى الجهة الموقوف عليها؟ ذهب جماعة إلى التفصيل بين الوقف العام كالمساجد و المدارس و المصاحّ،و بين الوقف الخاص،كالوقف على الذرية،و ما إليها،و قالوا:ما كان من النوع الأول فهو فك ملك،لأن الملك فيه ينتقل إلى اللّه سبحانه،و لا شيء للناس منه سوى الانتفاع به.و ما كان من النوع الثاني تنتقل العين من ملك الواقف إلى ملك الموقوف عليهم.قال الشيخ الأنصاري في المكاسب:«فالذي ينبغي أن يقال في الوقف المؤبد:انّه على قسمين:أحدهما ما يكون ملكا للموقوف عليهم،فيملكون منفعته،و لهم استئجاره و أخذ أجرته،و الثاني ما لا يكون ملكا لأحد،بل يكون فك ملك نظير التحرير-اي عتق العبد-كما في المساجد

ص:59

و المدارس بناء على عدم دخولها في ملك المسلمين،كما هو مذهب جماعة، فان الموقوف عليهم يملكون الانتفاع دون المنفعة».

التنجيز:

ذهب أكثر الفقهاء إلى وجوب التنجيز،و عدم جواز التعليق في الوقف،فإن قال:ان متّ فهذا وقف لم يصر وقفا بعد الموت،أما ان قال:إذا متّ فاجعلوا هذا وقفا يكون وصية بالوقف،و على الوصي أن ينفذ و ينشئ الوقف،فان امتنع أجبره الحاكم،فإن لم يمكن إجبار الوصي تولى الحاكم عنه.

و قال السيد اليزدي في ملحقات العروة:«لا دليل بالخصوص على شرط التنجيز في الوقف،كما اعترف به صاحب المسالك،و عليه فان تحقق الإجماع فهو،و إلاّ فمشكل».

و يلاحظ بأنّه حتى لو وجد الإجماع فإنه لا يصلح-هنا-للدلالة على عدم التنجيز.بديهة أن الإجماع انما يكون حجة إذا لم نعرف له مستندا.و قد أجمعوا هنا متوهمين أن الإنشاء معناه أنّه موجود بالفعل،و معنى التعليق أنّه غير موجود فيحصل التهافت و التناقض،و يرد هذا التوهم بأن الإنشاء متحقق بالفعل،و آثار هي التي تحصل في المستقبل على تقدير حصول الشرط.و قد تكلمنا عن هذا الشرط مفصلا و مطولا في«الجزء الثالث،فصل شروط العقد-فقرة:التعليق».

الواقف:

يشترط في الواقف أن يكون أهلا للمعاملة،فلا يصح وقف المجنون لنفي التكليف عنه،و لا وقف الصبي،حتى و لو كان مميزا،و لا وقف المحجر عليه لسفه،لأنه ممنوع من التصرفات المالية،و قال البعض:يصح وقف الصبي البالغ عشرا.

ص:60

و هو قول شاذ متروك مخالف لأصول المذهب،و إجماع المسلمين بشهادة صاحب المسالك الذي نقل عبارته هذه بالحرف صاحب الجواهر،و علق عليها بأن إلحاق الوقف بالوصية قياس محرم.

نية القربى:

ليس من شك أن قصد الوقف شرط في تحققه،فإذا تلفظ به السكران،أو المغمى عليه،أو النائم،أو العابث يكون لغوا.

و اختلفوا في نية التقرب إلى اللّه:هل هي شرط كالعقل و البلوغ،بحيث لو قصد الوقف أمرا دنيويا لا يتم الوقف؟ ذهب جماعة من الفقهاء،منهم صاحب الجواهر،و صاحب العروة و ملحقاتها،إلى أن القربة ليست شرطا لصحة الوقف،و لا لقبضه،قال السيد في ملحقات العروة:«الأقوى وفاقا لجماعة عدم اشتراط نية القربة،للإطلاقات، و لصحة الوقف من غير المسلم.نعم،ترتب الثواب موقوف على قصد القربة، مع أنّه يمكن أن يقال بترتب الثواب على الأفعال الحسنة،و ان لم يقصد بها وجه اللّه (1).

الموقوف:

يشترط في الموقوف أن يكون عينا مملوكة و معينة ينتفع بها منفعة محللة

ص:61


1- ان جميع الفقهاء يثبتون الملازمة بين ثواب اللّه،و قصد التقرب إليه سبحانه،و لم أر فقيها-غير هذا السيد-قال:ان اللّه يثبت على الفعل،حتى و لو كانت غاية الفاعل دنيوية لا دينية.و نحن على رأي هذا السيد العظيم،لأن قوله هذا يرغب في الخير،و يتفق مع فضل اللّه و كرمه.

مع بقائها،و يمكن إقباضها و تسليمها،فلا يصح وقف الدّين،و لا الشيء المجهول،كعقار من ملكي أو جزء منه،و لا وقف ما لا يملكه المسلم كالخنزير، و آلات اللهو،و لا ما لا ينتفع به إلاّ بإتلافه،كالمأكول و المشروب،و لا وقف العين المرهونة،و لا ما لا يمكن إقباضه و تسليمه،كالطير في الهواء،و السمك في الماء،و لا الحيوان الضال،و لا العين المغصوبة التي لا سلطة عليها للواقف و لا الموقوف عليه،لعدم إمكان القبض.أما إذا وقف العين المغصوبة على غاصبها بالذات فيصح الوقف،لأن القبض متحقق بالفعل.

و يصح وقف الحصة المشاعة،كربع العقار أو نصفه،قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك،بل نصوص التصدق بالمشاع مستفيضة أو متواترة،فيدخل فيه الوقف.و لأن قبض المشاع هنا كقبضه في البيع،كما هو واضح».

الموقوف عليه:

الموقوف عليه هو الذي يستحق منفعة الوقف كما في الأوقاف الخاصة أو يجوز له الانتفاع بالعين الموقوفة كما في الأوقاف العامة،و يشترط فيه أمور:

1-ان يكون موجودا حين الوقف،فلا يصح الوقف ابتداء على المعدوم، و يصح تبعا للموجود فعلا،كمن وقف على أولاده الموجودين،و من سيوجد من أولادهم،و لا يصح الوقف على الحمل.

و تسأل:كيف صحت الوصية للحمل،و لم يصح الوقف عليه.

الجواب:ان الوقف تمليك في الحال،و ليس الحمل أهلا للتملك إلاّ بعد انفصاله حيا،أمّا الوصية فتمليك في المستقبل،و التملك فيها مراعى بوضعه حيا،

ص:62

فلو مات قبل خروجه بطلت الوصية.

2-أن يكون أهلا للتملك،فلا يجوز الوقف على الحيوان،و لا الوصية له،كما يفعل الغربيون،حيث يوصون للكلاب،بخاصة«السيدات».

أمّا الوقف على المساجد و المدارس و المصحات،و ما إليها فهو في الحقيقة وقف على من ينتفع بها من الآدميين.قال صاحب الحدائق:«لقد صرح الفقهاء بأن الوقف المذكور هو وقف على المسلمين باعتبار بعض مصالحهم.و لا ريب أنّهم قابلون للتملك،و غايته أنّه وقف عليهم باعتبار مصلحة معينة من مصالحهم،فكأنه وقف عليهم بشرط صرفه في مصرف خاص».

3-أن لا يكون الوقف معصية للّه سبحانه،كالوقف على الدعارة و أندية الخمر،و ما إلى ذاك.أما الوقف على غير المسلمين كالذمي فيجوز بالاتفاق، لقوله تعالى لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ (1).

و قال صاحب الجواهر:«يكفي في صحة الوقف على غير المسلم إطلاق الأمر بالمعروف و الإحسان و الخير».

و قال السيد صاحب ملحقات العروة في باب الوقف:بل يجوز الوقف و البر و الإحسان على الحربيّ أيضا لإطلاق الأمر بالخير و الإحسان.

و قال الشهيد الثاني في اللمعة الدمشقية الجزء 1 باب الوقف ما نصه بالحرف:«يجوز الوقف على أهل الذمة،لأنّه ليس بمعصية،و انهم عباد اللّه،و من جملة بني آدم المكرمين.ثم قال:لا يجوز الوقف على الخوارج و الغلاة (2)لأن

ص:63


1- الممتحنة:8. [1]
2- لا شيء أصدق في التعبير عن عقيدة أهل المذهب من كتبهم الدينية،و الشهيد و كتبه من أعظم المراجع الدينية عند الشيعة،و هذا القول منه صريح بأن غير المسلمين من أهل الأديان أفضل من الغلاة-اذن-كيف ينسب إلى الشيعة الإمامية الغلو و المغالاة؟

أولئك كفّروا أمير المؤمنين عليا،و هؤلاء الهوة،و الخير هو النمط الأوسط،كما قال الإمام:هلك في اثنان:مبغض قال،و محب غال».

4-أن يكون الموقوف عليه معينا غير مجهول،فإذا وقف على رجل،أو امرأة،أو على جهة من غير تعيين بطل.

5-لا يصح للوقف أن يقف على نفسه،أو يدخلها على الموقوف عليهم، إذ لا يعقل ان يملّك الإنسان نفسه بنفسه.أجل،إذا وقف على الفقراء،ثم افتقر يكون كأحدهم،و كذلك إذا وقف على طلبة العلم،ثم صار طالبا.

الوقف على الصلاة:

و من عدم جواز الوقف على النفس يتبين بطلان الأوقاف الكثيرة الموجودة في قرى جبل عامل،و التي وقفها أربابها على الصلاة عنهم بعد موتهم حتى و لو قلنا بجواز النيابة عن الميت في الصلاة المستحبة فضلا عن الواجبة،لأنها في حقيقتها وقف على النفس.

الاشتباه:

قال صاحب الملحقات:إذا اشتبه الموقوف عليه بين شخصين،أو جهتين فالمرجع القرعة،أو الصلح القهري،و معنى الصلح القهري-هنا-أن يقسم الناتج بين الاثنين اللذين هما طرفا الاشتباه.

و إذا لم نعلم جهة الوقف:هل هي المسجد أو الفقراء،أو غيرهم صرف

ص:64

الوقف في وجوه البر و الخير.

و إذا ترددت العين الموقوفة بين شيئين،كما لو علمنا بوجود الوقف،و لم نعلم أنّه الدار،أو الدكان رجعنا إلى القرعة،لأنها لكل أمر مشتبه.

ارادة الواقف:

إذا كان الوقف عطية و تبرعا و صدقة يكون الواقف،و الحال هذي،معطيا و متبرعا و متصدقا،و بديهة أن للإنسان العاقل البالغ الراشد الصحيح غير المحجر عليه في التصرفات المالية أن يتبرع من أمواله بما يشاء إلى من يشاء بالنحو الذي يريد،لحديث:«الناس مسلطون على أموالهم».و لقول الإمام عليه السّلام:«الوقوف بحسب ما يقفها أهلها».و لأجل هذا قال الفقهاء:شروط الواقف كنص الشارع، و ألفاظه كألفاظه في العمل بها و وجوب اتباعها،و مثله الناذر و الحالف و الموصي و المقر.

و على هذا فان علم قصد الواقف أخذ به،حتى و لو خالف اصطلاح العرف،كما لو علمنا أنّه أراد من لفظة أخي صديقه فلانا فنصرف الوقف للصديق لا للأخ،و إذا جهلنا القصد و المراد فالعرف هو المتبع،و إذا لم يكن اصطلاح رجعنا إلى اللغة،تماما كما هو الشأن في ألفاظ الشارع.

الشرط السائغ:

سبق أن للواقف أن يشترط ما يشاء.و تستثنى من هذه الكلية الحالات التالية:

1-يلزم الشرط،و ينفذ إذا اقترن بإنشاء الوقف،أما إذا تم الوقف من غير

ص:65

الشرط فيكون ذكره بعد الإنشاء لغوا.

2-أن لا يذكر شرطا ينافي مقتضى العقد و طبيعته،كما لو اشترط ان تبقى العين على ملكه،فيورثها و يبيعها و يهبها و يعيرها و يؤجرها متى شاء،و مثل هذا الشرط باطل و مبطل بإجماع الفقهاء.

3-ان لا يخالف الشرط حكما من أحكام الشريعة،كأن يشترط فعل الحرام،أو ترك الواجب،و في الحديث الشريف:«من اشترط شرطا سوى كتاب اللّه عزّ و جل فلا يجوز له،و لا عليه».و قال الإمام عليه السّلام:«المؤمنون عند شروطهم إلاّ شرطا حلل حراما،أو حرم حلالا».

و ما عدا ذلك من الشروط التي تقترن بالعقد يجب الوفاء بها بالاتفاق،و قد تكلمنا في الجزء الثالث فصل«الشروط»عنها مفصلا و مطولا،ما يصح منها،و ما لا يصح،و الشرط الباطل المبطل،و الباطل غير المبطل-تكلمنا عن الشروط بوجه عام و كمبدأ يشمل كل شرط أينما كان في البيع أو الإجارة أو الزواج أو الوقف أو غير ذلك،و استغرق البحث ما يقرب من 17 صفحة بالنظر لأهميته، و شدة الحاجة إليه.

الخيار:

ذهب المشهور إلى أن الوقف لا يقبل الخيار،فإذا اشترط الواقف ان يكون له الخيار في إمضاء الوقف،أو العدول عنه بطل الشرط و الوقف معا،و قيل:ان هذا الشرط ينافي طبيعة العقد.

ص:66

الأكل و وفاء الدين:

لو وقف على غيره،و اشترط وفاء ديونه و إخراج مؤنته من الوقف يبطل الشرط و الوقف،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف معتد به».و قال صاحب المسالك:«لما كانت القاعدة عند الفقهاء اشتراط إخراج الواقف نفسه من الوقف بحيث لا يبقى له استحقاق فيه،من حيث ان الوقف يقتضي نقل الملك و المنافع عن نفسه،فإذا شرط الواقف قضاء ديونه،أو مؤنته أو نحو ذلك فقد شرط ما ينافي مقتضاه،فيبطل الشرط و الوقف معا».

اشتراط عودة الوقف إلى الواقف:

إذا اشترط الواقف في عقد الوقف عودة العين الموقوفة إليه عند الحاجة، فهل يصح هذا الشرط،أو لا؟و في حال صحته،هل يكون ذلك من باب الوقف، أو من باب الحبس الذي سنتكلم عنه قريبا؟ ذهب المشهور إلى صحة الشرط،و لكن العقد الذي بصيغة الوقف يكون حبسا لا وقفا،و ان العين تبقى على ملك صاحبها الأول،و المنفعة لمن اختاره المالك إلى أن يرجع،أو يموت.فإذا مات تكون لورثته و ان لم يرجع،لأن المفروض أن العين باقية على ملكه.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يتصدق ببعض ماله في حياته في كل وجه من وجوه الخير،و قال-الكلام للرجل الذي تصدق-ان احتجت إلى شيء من المال فأنا أحق به،ترى يجوز ذلك،و قد جعله للّه يكون له في حياته،فإذا هلك الرجل يرجع ميراثا،أو يمضي صدقة؟ قال الإمام عليه السّلام:يرجع ميراثا إلى أهله.

و في رواية ثانية:أنّه قال:من وقف أرضا،ثم قال:ان احتجت إليها فأنا

ص:67

أحق بها،ثم مات الرجل فإنّها ترجع إلى الميراث.

الإدخال و الإخراج:

إذا اشترط الواقف إخراج من يريد من الموقوف عليهم بطل الوقف،قال صاحب المسالك:«هذا عندنا موضع وفاق،لأن وضع الوقف على اللزوم.و إذا شرط إخراج من يريد من الموقوف عليهم كان منافيا لمقتضى الوقف،إذ هو بمنزلة اشتراط الخيار،و هو باطل».

و إذا اشترط إدخال من سيولد مع الموقوف عليهم جاز،سواء أ كان الوقف على أولاده،أو أولاد غيره.بداهة أن هذا الشرط لا يتنافى مع طبيعة العقد،و أي مانع في أن يقول:وقفت على هؤلاء بشرط ان يدخل معهم من سيولد من ذريتي، أو ذريتهم؟بخلاف لو قال:وقفت على هؤلاء بشرط أن أخرج من أشاء منهم.

ألفاظ الواقف:

إذا وقف على البنين لا تدخل البنات،و إذا وقف على البنات لا يدخل البنون،و إذا وقف على أولاده دخلا معا،و اقتسما بالسوية للأنثى مثل الذكر.

و إذا قال:وقف على أولادي،و سكت:فهل يشمل أولاد الأولاد،أو لا؟ ذهب المشهور إلى الاقتصار على أولاد الصلب فقط دون أولاد الأولاد.

و قال جماعة من المحققين:يشمل أولاد الأولاد.و هذا هو الحق.

و إذا قال:من انتسب إليّ.دخلت البنات دون أولادهن،قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور،بل يمكن دعوى الإجماع عليه».

و إذا قال:على ذريتي شمل الجميع البنين و أولادهم،و البنات و أولادهن.

ص:68

و إذا قال:على المسلمين كان لكل من أقر بالشهادتين.

و إذا قال:في سبيل اللّه فهو في وجوه الخير و البر.

الولاية على الوقف:

الولاية على الوقف سلطة محدودة برعايته و إصلاحه و استغلاله،و إنفاق غلته في وجهها.و تنقسم الولاية إلى نوعين:عامة،و خاصة،و العامة هي التي تكون لولي الأمر،و الخاصة إذا عين الواقف متوليا عند إنشاء الوقف،أو يعينه الحاكم الشرعي.

و يشترط في المتولي أن يكون عاقلا بالغا راشدا أمينا،بل لقد اشترط جماعة من الفقهاء العدالة،و الحق الاكتفاء بالأمانة و الوثاقة،مع القدرة على ادارة الوقف كما ينبغي.

و المتولي أمين لا يضمن إلاّ بالتعدي،أو التفريط.

و يجوز للواقف أن يجعل التولية حين الوقف لنفسه مستقلا،أو يشترط معه غيره مدة حياته،أو إلى أمد.و له أيضا أن يجعل الولاية للموقوف عليهم،أو لأجنبي.و إذا سكت،و لم ينص على الولي حين الوقف ينظر:فإن كان الوقف عاما كالمساجد و المقابر،و ما إليها كانت الولاية للحاكم الشرعي،و ان كان خاصا كالوقف على أولاده فالولاية للموقوف عليهم،قال صاحب المسالك ما ملخصه:

«الأصل أن تكون التولية و النظر للواقف،فهو أحق من يقوم بصرفه إلى أهله،فإذا جعل النظر لنفسه صح.و ان شرطه لغيره وجب العمل بمقتضى الشرط،و قد شرطت فاطمة عليها السّلام النظر في حوائطها السبعة التي وقفتها لأمير المؤمنين،ثم الحسن،ثم الحسين،ثم الأكبر من ولدها عليهم السّلام.و هذا كله لا خلاف

ص:69

فيه.و ان أطلق الواقف،و لم يشترط النظر في متن العقد إلى أحد فالأقوى أن يكون النظر للحاكم الشرعي ان كان الوقف على جهة عامة،و للموقوف عليهم، ان كان الوقف خاصا معينا».

و إذا جعل الواقف الولاية لنفسه،و كان غير مأمون،أو شرطها لغيره،و هو يعلم بفسقه فليس للحاكم ان ينزع الولاية من الواقف،و لا ممن ولاه،كما جاء في تذكرة العلامة الحلي،و نقله صاحب الجواهر عن السرائر،بل قال صاحب ملحقات العروة:لو اشترط أن لا يكون للحاكم آية مداخلة في أمر وقفه صح.

و متى أقام الواقف أو الحاكم متوليا فليس لأحد عليه من سلطان،ما دام قائما بالواجب،فان قصر أو خان،بحيث يلزم الضرر من بقائه و استمراره في الولاية فإن للحاكم أن يستبدله،و الأولى ان يضم معه نشيطا أمينا.

و إذا مات من عينه الواقف،أو جن،أو ما إلى ذاك مما يخرجه عن الأهلية فلا تعود الولاية إلى الواقف إلاّ إذا جعل له ذلك حين إنشاء الوقف.

و إذا جعل الواقف التولية لاثنين فان صرح بأن لكل منهما الاستقلال في العلم استقل،و إذا مات أحدهما،أو خرج عن الأهلية انفرد الآخر بالولاية،و ان صرح بالاجتماع،و عدم الاستقلال فلا يجوز لأحدهما التصرف بمفرده،و على الحاكم أن يعين آخر،و يضمه إلى رفيقه،ان خرج أحدهما عن الأهلية.و ان أطلق الواقف،و لم يبين الاستقلال في التصرف لأحدهما،و لا عدمه حمل كلامه على صورة الانضمام،و عدم الاستقلال في التصرف.

و إذا عين الواقف مقدارا من المنافع للمتولي تعين ذلك المقدار كثيرا كان أو قليلا،و ان لم يعين استحق اجرة المثل.

و للمتولي الخاص أن يوكل في إنجاز آية مصلحة من مصالح الوقف،إلاّ أن

ص:70

يشترط عليه المباشرة بالذات،و لم يؤذن له بالتوكيل.

و ليس للمتولي أن يفوض التولية من بعده إلى غيره،و إذا فعل يكون تفويضه لغوا.

ص:71

بيع الوقف

أسئلة:

هل توجد أسباب في الواقع تستدعي جواز بيع الوقف؟و ما هي هذه الأسباب في حال وجودها؟ثم ما هو حكم الثمن لو جاز البيع و وقع؟هل نستبدل به عينا تستهدف جهة الوقف الأولى،و تحل العين الجديدة محل العين القديمة،و تأخذ حكمها؟

المكاسب و الجواهر:

و سنعرض أقوال المذاهب بالتفصيل،و منها يتضح الجواب عن هذه التساؤلات و غيرها.و لم أجد فقيها من فقهاء المذاهب الخمسة قد أطال الكلام في هذه المسألة،كالفقيهين الإماميين الشيخ الأنصاري في مكاسبه،و الشيخ محمد حسن في جواهره-باب التجارة-فقد تناولاها من جميع أطرافها،و فرّعا عليها فروعا شتى،مع التبسيط في عرض الأقوال و غربلتها،و تنقية الحقائق الصافية الخالصة.و سنلخص المهم مما جاء في هذين السفرين اليتيمين اللذين اعتمدنا عليهما أكثر من أي كتاب في بيان ما ذهب إليه الإمامية.

و بهذه المناسبة أشير-بإيجاز-إلى أن الشيخ الأنصاري و صاحب الجواهر

ص:72

لم يوفرا أبدا على قارئهما الجهد و العناء في كل ما انتجا،و تركا من أثار،بل طلبا منه الكد و الصبر و الذكاء،و المؤهلات العلمية الثرية.و محال على من فقد هذه المؤهلات أن يتابعهما في شيء،أو يلحق بغبارهما،بل يدعانه ضالا في التيه،لا يدري أين شاطئ السلام.

أما من أقام بنيانه على أساس من العلم فيعطيانه أثمن الجواهر،و أجدى المكاسب،على شرط الصبر و المتابعة أيضا.و لا أعرف فقيها إماميا من القدامى و الجدد اعطى الفقه الجعفري و أصوله الحيوية و الأصالة بقدر ما أعطاه قلمهما الجبار.

و معذرة من هذا الاستطراد الذي قادتني إليه قسرا تلمذتني على يد هذين العظيمين،أو على آثارهما بالأصح.

هذه المسألة:

لقد تعددت أقوال الفقهاء،و تضاربت في هذه المسألة أكثر من آية مسألة غيرها في الفقه،أو في باب الوقف.و تعرض صاحب الجواهر إلى هذا التعدد و التضارب،نقطف من كلامه هذه الملمومة:

وقع الاختلاف بين الفقهاء في بيع الوقف على وجه لم نعثر على نظيره في مسألة من مسائل الوقف إطلاقا،فهم ما بين مانع من بيع الوقف إطلاقا،و مجيز له في بعض الموارد،و متوقف عن الحكم.بل تعددت الأقوال،حتى انفرد كل فقيه بقول،بل خالف الفقيه الواحد نفسه بنفسه في كتاب واحد،فذهب في باب البيع إلى غير ما قاله في باب الوقف،و ربما ناقض قوله في كلام واحد،فقال في صدره ما يخالف عجزه.ثم أنهى صاحب الجواهر الأقوال إلى 12 قولا،و تعرف هذه

ص:73

الأقوال،أو المهم منها من المسائل التالية:

المسجد:

للمسجد حكم عند المذاهب الإسلامية يخالف حكم جميع الأوقاف بشتى أنواعها،و لذا اتفقوا ما عدا الحنابلة على عدم جواز بيعه بحال،و مهما كانت الظروف و الأسباب،حتى و لو خرب،أو انتقل أهل القرية و المحلة،و انقطع المارة عن طريقه،بحيث يعلم جزما أنّه لا يمكن أن يصلي فيه انسان،مع ذلك كله يجب أن يبقى على ما هو بدون تغيير و لا تبديل،و عللوا ذلك بأن وقف المسجد يقطع كل صلة بينه و بين الواقف و غير الواقف إلاّ اللّه سبحانه،و من هنا عبروا عنه تارة بفك ملك،و أخرى بتحرير ملك،أي أنّه كان مقيدا فأصبح طلقا من كل قيد.و إذا لم يكن ملكا لأحد فكيف يجوز بيعه،مع العلم بأنّه لا بيع إلاّ في ملك.

و رتبوا على ذلك أن لو استثمره غاصب،فسكن فيه،أو زرعه يأثم،و لكن لا يضمن و لا يغرم شيئا،لأنه غير مملوك لأحد.

و يلاحظ بأن خروجه عن الملك انما يمنع من تملكه بالبيع و الشراء،و لا يمنع من تملكه بالحيازة،كسائر المباحات العامة.

و قال الحنابلة:إذا انتقل أهل القرية عن المسجد،و صار في موضع لا يصلى فيه،أو ضاق بأهله،و لم يمكن توسيعه،و لا عمارة بعضه إلاّ ببيع بعضه جاز،و ان لم يمكن الانتفاع بشيء إلاّ ببيع يباع(المغني ج 5 باب الوقف).

و يلتقي قول الحنابلة في وجوه مع ما ذهب إليه الفقيه الإمامي السيد كاظم، حيث قال في ملحقات العروة بعدم الفرق بين المسجد و بين غيره من الأوقاف.

ص:74

فالخراب الذي يبرر بيع غير المسجد يبرر بيع المسجد أيضا،أمّا التحرير و فك الملك فلا يمنع البيع في نظره ما دامت العين متصفة بالمالية.و الحق ما قلناه من عدم جواز التملك بالبيع،و جوازه بالحيازة.

و الذي يعزز قول هذا الفقيه العظيم من عدم الفرق أن من أجاز بيع غير المسجد إذا خرب إنما أجازه لأن الخراب ينفي الغرض المقصود من الوقف،أو ينفي عنه الوصف الذي جعله الواقف موضوعا،أو قيدا للوقف،كما لو وقف بستانا من حيث هو بستان و لم يقف نفس الأرض من حيث هي هي،و هذا بعينه جار بالقياس إلى المسجد،لأن إقامة الصلاة فيه قيد في وقفه:فإذا انتفى القيد انتفت الوقفية،أو انتفت صفة المسجدية التي اعتبرت فيه،و حينئذ يجري عليه ما يجري على غيره من جواز التملك بأحد أسبابه،و لو بالحيازة.

أموال المساجد:
اشارة

في الغالب أن يكون للمساجد أوقاف كحانوت،أو دار،أو أشجار أو قطعة أرض،ينفق ريعها على إصلاح المسجد و فرشه و خادمه.و بديهة أن هذا النوع لا يترتب عليه أحكام المسجد من الاحترام،و أفضلية الصلاة فيه،للفرق بين الشيء نفسه،و بين أمواله و أملاكه التابعة له.

و أيضا فرق بينهما من جهة البيع،فكل من منع من بيع المسجد الخراب له أن يجيز بيع الأوقاف التابعة له،إذ لا ملازمة شرعية،و لا غير شرعية بينهما،لأن المسجد وقف للعبادة،و هي روحية خالصة،أما الدكان فوقف لأجل المنفعة المادية،و لذا كان المسجد من نوع الوقف العام،بل هو أظهر أفراده،أما أوقافه فهي من الأوقاف الخاصة به وحده.اذن يجوز بيع أوقاف المسجد،و أوقاف

ص:75

المقبرة و المدرسة بلا ريب،حتى و لو قلنا بعدم جواز بيع المدرسة و المقبرة.

و لكن هل يجوز بيع الأعيان التابعة للوقف مطلقا،حتى مع عدم وجود سبب مبرر كالخراب،أو ضآلة الناتج،أو لا بد فيها من وجود المبرر شأنها في ذلك شأن الوقف على الذرية و ما إليه من الأوقاف الخاصة؟

الجواب:

ان هذه الأعيان على قسمين:الأول ما ينشئه المتولي من ريع الوقف،كأن يكون للمسجد بستان،فيؤجره المتولي،و يشتري أو يبني المتولي بناتجه دكانا، لفائدة الوقف،أو يوجد الدكان بتبرعات المحسنين-إذا كان الأمر كذلك يجوز البيع و الاستبدال،مع المصلحة،سواء أوجد سبب من الأسباب التي ذكرها الفقهاء لجواز البيع،أم لم يوجد،لأن هذه الأعيان ليست وقفا،و إنما هي ناتج و مال للوقف،فيتصرف فيه المتولي تبعا للمصلحة،تماما كما يتصرف بثمر البستان الموقوف لمصلحة المسجد (1).اللهم إلاّ أن يتولى الحاكم الشرعي إنشاء وقف العقار الذي اشتراه المتولي،و حينئذ لا يباع العقار إلاّ مع وجود سبب يبرر البيع.أما وقف الناظر فلا أثر له بدون اذن الحاكم،لأنه ولي من أجل رعاية الوقف و استثماره،لا لإنشاء الأوقاف و إيجادها.

القسم الثاني الأعيان التي ينشئ وقفها المحسنون لمصلحة المسجد أو المدرسة،كمن أوصى بداره أو دكانه أو أرضه أن تكون وقفا للمسجد أو المدرسة،أو أنشأ هو الوقف نفسه،فهذه العين تعطى حكم الأوقاف الخاصة،

ص:76


1- ينبغي الانتباه للفرق بين العقار الذي نشتريه من ناتج الوقف،و بين أن نبيع الوقف الخرب و نشتري بثمنه عقارا آخر،فإن الثاني يأخذ حكم الأول في هذه الحال،أما العقار الذي نشتريه من ناتج الوقف فلا يأخذ حكم الوقف.

يجوز فيها البيع لسبب من أسباب الجواز:كالخراب و ضآلة العائد الملحق بالعدم.

و بدونه لا يجوز.و لم أجد فيما لدي من كتب المذاهب الأربعة من ذهب إلى هذه التفرقة الموضوعية.

و قد استوحيتها مما ذكره الشيخ الأنصاري في كتاب المكاسب،و هو يتكلم عن حكم حصير المسجد،قال ما نصه:«فرق بين ما يكون ملكا طلقا،كالحصير المشترى من مال المسجد،فهذا يجوز للناظر بيعه مع المصلحة،و لو لم يخرج من حيز الانتفاع،بل كان جديدا غير مستعمل،و بين ما يكون من الأموال وقفا على المسجد،كالحصير الذي يشتريه الرجل،و يضعه في المسجد،و الثوب الذي للبيت الحرام،فمثل هذا يكون ملكا للمسلمين لا يجوز لهم تغييره عن وضعه إلاّ في مواضع يسوغ فيها بيع الوقف».

و إذا جاز للناظر ان يبيع الحصير الجديد الذي كان قد اشتراه من مال المسجد جاز له في غيره بلا ريب.و يدل على عدم الفرق قول الشيخ نفسه بعد أسطر من العبارة السابقة،حيث قال:«ان حكم الحمامات و الدكاكين التي أنشئت لتحصيل المنافع بالإيجار و نحوه غير حكم المساجد و المقابر و المشاهد».

و مثل ذلك تماما قول النائيني في تقريرات الخوانساري:

«و إذا هدم،أو هجر المسجد،و لم يعد بحاجة إلى أوقاف و لا غيرها صرف الوقف الخاص به إلى وجوه البر،و الأولى صرفه إلى مسجد آخر»و كذلك إذا كان الوقف على مدرسة خاصة،أو مصح خاص،و خرب،فإنه يصرف إلى الخير و البر،أو إلى النظير و المثيل.

ص:77

غير المسجد:

أشرنا إلى أقوال المذاهب في المسجد،و ان الإمامية و الشافعية و الحنفية و المالكية ضد الحنابلة فيه،أما في غير المسجد من الأوقاف فإن للإمامية في بيعها مسلكا خاصا،لذا نشير أولا إلى أقوال المذاهب الأربعة ثم إلى قول الإمامية على حدة.

و إذا أجاز الحنابلة بيع المسجد،مع وجود المسوغ فبالأولى أن يجيزوا بيع غيره من الأوقاف و استبداله،مع السبب الموجب.

أما الشافعية فقد منعوا البيع و الاستبدال إطلاقا،حتى و لو كان الوقف خاصا،كالوقف على الذرية،و وجد ألف سبب و سبب.و أجازوا للموقوف عليهم أن يستهلكوا بأنفسهم الوقف الخاص إذا وجد المقتضي،كالشجرة تجف، و لم تعد صالحة للثمر،فإن للموقوف عليهم ان يتخذوها وقودا،و لا يجوز لهم بيعها،و لا استبدالها.

أما المالكية فقد جاء في شرح الزرقاني على أبي ضياء أن الوقف يجوز بيعه في حالات ثلاث:الأولى ان يشترط الواقف البيع عند إنشاء الوقف،فيتبع شرطه.

الثانية ان يكون الموقوف من نوع المنقول،و لم يعد يصلح للجهة الموقوف عليها،فيباع،و يصرف ثمنه في مثله و نظيره.الثالثة يباع العقار لضرورة توسيع المسجد،أو الطريق،أو المقبرة،و فيما عدا ذلك لا يسوغ البيع،حتى و لو خرب العقار،و أصبح لا يستغل في شيء.

أمّا الحنفية فقد نقل عنهم أبو زهرة في كتاب الوقف أنهم أجازوا الاستبدال في جميع الأوقاف الخاصة منها و العامة-غير المسجد-و انهم ذكروا لذلك ثلاث حالات:الأولى أن يشترط الواقف ذلك حين الوقف.الثانية أن يصير الوقف

ص:78

بحال لا ينتفع به.الثالثة أن يكون الاستبدال أدر نفعا،و أكثر غلة،و لا يوجد شرط من الواقف يمنع من البيع.

هذا هو ملخص رأي المذاهب الأربعة في غير المسجد،و هم كما رأيت لا فرق عندهم بين الأوقاف الخاصة،و بين الأوقاف العامة-غير المسجد-من جهة البيع،على عكس الإمامية الذين فرقوا بينهما.

العام و الخاص:

قسّم الإمامية الوقف إلى نوعين،و جعلوا لكل منهما حكمه و آثاره:

الأول:الوقف الخاص،و هو ما كان ملكا للموقوف عليهم،أي الذين يستحقون استثماره و الانتفاع به،و منه الوقف الذري،و الوقف على العلماء أو الفقراء،و وقف العقار لمصلحة المسجد و المقبرة و المدرسة و ما إليها.و هذا النوع من الوقف هو الذي وقع الخلاف بينهم في أنّه يجوز بيعه،مع الأسباب الموجبة، أو لا يجوز إطلاقا،حتى و لو وجد ألف سبب و سبب.

الثاني:الوقف العام و هو ما أريد منه انتفاع الناس،كل الناس،لا فئة خاصة و لا صنف معين،و منه المدارس و المصحات و المساجد و المشاهد و المقابر و القناطر،و الخانات التي كانت منذ زمان،و عيون الماء،و الأشجار المسبلة للمارة،و في حكمها المساجد و المقابر و المشاهد،لأنها لا تختص بمسلم دون مسلم،و لا بفئة من المسلمين دون فئة.

و قد اتفق الإمامية على أن هذه الأوقاف العامة لا يجوز بيعها،و لا استبدالها بحال،حتى لو خربت،و اوشكت على الهلاك و الضياع،لأنها عندهم،أو عند أكثرهم فك ملك،أي إخراج لها عن ملك مالكها الأول إلى غير مالك،فأصبحت

ص:79

بعد الوقف تماما كالمباحات العامة.و بديهة أنّه لا بيع إلاّ في ملك.بخلاف الأوقاف الخاصة،فإنها تحويل من ملك الواقف إلى ملك الموقوف عليهم بنحو من الأنحاء.أجل،إذا انقطعت الجهة الموقوف عليها كلية يجوز تحويل الوقف إلى جهة أخرى قريبة من الأولى،كالمدرسة ينقطع عنها الطلاب،بحيث يتعذر اقامة الدروس فيها فيباح تحويلها إلى مكتبة عامة،أو ناد للمحاضرات.

و قد أشرنا في مسألة المسجد إلى أنّه إذا امتنع التملك بالبيع فإنه لا يمتنع بالحيازة،و أشرنا أيضا إلى أن السيد صاحب ملحقات العروة يرد على الفقهاء بعدم الفرق بين الوقف العام و الخاص،و ان السبب الذي يبرر بيع الخاص يبرر أيضا بيع العام،و أنّه لا يعترف بأن الوقف في العام من نوع فك الملك و تحريره.

و إذا افترض أنّه كذلك فلا مانع عنده من البيع،لأن المبرر للبيع في نظره مجرد اتصاف العين بالمالية.

أمّا نحن فنلاحظ على قول الفقهاء،و على قول السيد أيضا.وردنا على الفقهاء بأن عدم الملك أن منع التملك بالبيع.فإنه لا يمنع منه بالحيازة،كما أن الملك بمفرده لا يبرر البيع،فالعين المرهونة مملوكة بلا ريب،و مع ذلك لا يجوز بيعها إلاّ بإذن المرتهن.

و أما ردنا على السيد فهو أن الاتصاف بالمالية وحدها لا يجدي نفعا فان المباحات كالسمك في الماء،و الطير،لها مالية،و مع ذلك لا يجوز بيعها.اذن ينحصر سبيل التملك بالحيازة فقط،كما قلنا.

المقبرة:
اشارة

قدمنا أن المقبرة من الأوقاف العامة،كالمسجد،و ان الإمامية لا يجيزون بيع

ص:80

الأوقاف العامة بحال،حتى و لو خربت و اندرست.و رأيت من المفيد أن أخص المقبرة بهذه الفقرة،لأمرين:

الأول:لمكان الحاجة إلى بيان الحكم،فان كثيرا من مقابر المسلمين قد هجرت،و استعيض عنها.

الثاني:أن للمقبرة حالا تغاير بقية الأوقاف-في الغالب-و تتبين هذه الحال المغايرة مما يلي:

لو علمنا أن إنسانا وقف أرضه مقبرة،و استعملت للدفن جرى عليها حكم الوقف العام،و كانت من الأوقاف التي لا يجوز بيعها،حتى و لو اندرست رسومها،و انمحت آثارها،و بليت عظام موتاها.

و إذا علمنا ان هذه القطعة كانت مواتا،و لم يملكها مالك من قبل،ثم اتخذها أهل القرية مقبرة،كما هي الحال-في الغالب-فلن تكون وقفا من الأساس،لا عاما و لا خاصا،و انما تبقى على ما كانت مشاعا يحوزها من سبق، فإذا دفن ميت في جزء منها لم يجز لغيره نبشه،أو استعماله بما يستدعي الهتك.

و لكن لأي إنسان أن يحيي أي جزء شاء من هذه القطعة بالذات،يحييه بالعمارة، أو الزراعة،إذا كان خاليا من القبور،أو كان فيه قبر قديم،و قد صارت عظام صاحبه ترابا،أو كالتراب.يجوز له ذلك تماما كما جاز له أن يحيي أرضا أعرض عنها،أو هجرها من كان قد أحياها،حتى عادت إلى ما كانت عليه قبل الإحياء.

و إذا جهلنا الحال،و لم نعلم بأن هذه القطعة التي استعملت مقبرة:هل كانت مملوكة،ثم وقفها المالك،حتى تكون الآن وقفا،و تأخذ حكمه،أو أنّها كانت في الأصل مواتا،ثم جعلها أهل القرية مقبرة لموتاهم،إذا كان الأمر كذلك فلا تأخذ حكم الوقف،لأن الأصل عدم الوقف،حتى يثبت العكس بالبينة الشرعية.

ص:81

و تقول:ان الوقف يثبت بالشياع،فلما ذا لا نثبت به وقف المقبرة؟ و جوابنا أنّه إذا حصل الشياع بأن هذه المقبرة هي وقف،كأن يتناقل جيل عن جيل أن فلانا وقفها مقبرة،إذا كان هكذا فإنا نثبت الوقف قطعا.أمّا مجرد الشياع بأن هذه مقبرة فلا يجدي شيئا،إذ المفروض أنّا نعلم بالوجدان أنّها مقبرة، و أنّه لم ينازع في ذلك منازع،و لكن مجرد العلم بأنّها مقبرة لا يثبت الوقفية،إذ قد تكون مقبرة،و لا تكون وقفا،بل تكون مشاعا،و معلوم ان الخاص لا يثبت بوجود العام.

فرع:

إذا حفر انسان قبرا لنفسه،كي يدفن فيه عند ما يوافيه الأجل جاز لغيره ان يدفن فيه ميتا آخر،حتى و لو كان في الأرض سعة،و الأولى ان يتركه له تجنبا لإيذاء المؤمن.

الأسباب المبررة:

قدمنا أن فقهاء الإمامية اتفقوا على أن الأوقاف العامة كالمساجد و المقابر و ما إليها لا يجوز بيعها،و انّهم اختلفوا في بيع الأوقاف الخاصة،كالوقف على الذرية،و على العلماء أو الفقراء إذا وجد السبب المبرر للبيع،و هذي هي الأسباب التي ذكروها لتبرير بيع الوقف الخاص:

1-ان لا تبقى للعين الموقوفة آية منفعة للجهة الموقوف عليها،كالجذع البالي يجف و لا يثمر،و الحصير الخلق لا يصلح إلاّ للنار،و الحيوان إذا ذبح لم يعد صالحا إلاّ للأكل.و ليس من شك أن هذا سبب مبرر للبيع.

ص:82

2-قال السيد أبو الحسن الأصفهاني في وسيلة النجاة:ان الآلات و الفرش،و ثياب الضرائح،و أشباه هذه،ان أمكن الانتفاع بها مع بقائها على حالها لا يجوز البيع،و ان استغنى عنها المحل،بحيث يستدعي بقاؤها فيه الضياع و التلف جعلت في محل آخر مماثل،فإن لم يوجد المماثل،أو وجد،و كان في غنى عنها،صرفت إلى المصالح العامة.أما إذا لم يمكن الانتفاع بها إلاّ ببيعها، و لزم من بقائها ضياعها،أو تلفها بيعت،و صرف ثمنها في ذاك المحل،ان احتاج إليه،و إلاّ ففي المماثل،ثم في الصالح العام.

3-ان يخرب الوقف،كالدار تنهدم،و البستان لم يعد صالحا للانتفاع به، أو كانت منفعته ضئيلة أشبه بالعدم،فإن أمكنت عمارته،و لو بإجارة إلى سنوات فذاك،و إلاّ جاز البيع،على أن يستبدل بثمنه عين تحل محل العين الاولى،كما يأتي.

4-إذا اشترط الواقف ان تباع العين إذا اختلف الموقوف عليهم،أو قل ريعها،أو غير ذلك من الشروط التي لا تحلل حراما،و لا تحرم حلالا اتبع شرطه.

5-إذا وقع اختلاف بين أرباب الوقف يخشى منه على ضياع الأنفس و الأموال،بحيث لا ينحسم النزاع إلاّ بالبيع جاز و وزع الثمن على الموقوف عليهم،إذا لم ينحسم النزاع إلاّ بهذه السبيل.

هكذا قالوا.و لا أعرف له مدركا إلاّ ما ذكروه من دفع الضرر الأشد.

و معلوم بالبديهة انّه لا يجوز دفع الضرر عن النفس بإدخاله على الغير،و في البيع ضرر على البطون اللاحقة.

6-إذا أمكن أن يباع من الوقف الخرب،و يصرف الثمن لإصلاح الجزء الآخر جاز.

ص:83

7-إذا هدم المسجد فأحجاره و أخشابه و أبوابه،و سائر أدواته لا تأخذ حكم المسجد،و لا حكم العقار الموقوف لصالحه من عدم جواز البيع إلاّ بمبرر، بل يكون حكمها حكم أموال المسجد،و ناتج أوقافه تماما كإجار الدكان يتبع فيها المصلحة التي يراها المتولي.

ثمن الوقف:

إذا بيع الوقف بسبب مبرر،فما ذا نصنع بالثمن؟هل نوزعه على الموقوف عليهم،تماما كما نوزع الناتج،أو يجب أن نشتري به عقارا مماثلا،إن أمكن، و يأخذ الثاني مكان الأول؟ قال المحقق الأنصاري و كثير غيره من ذوي الاجتهاد:«ان الثمن حكمه حكم الوقف الأول من كونه ملكا للبطون،فان كان الثمن عقارا أخذ مكان الأول، و ان كان نقدا اشترينا به ما هو أصلح،و لا يحتاج البدل إلى صيغة الوقف،لأن نفس البدلية تستدعي بطبيعتها ان يكون الثاني كالأول من غير فرق.و لذا قال الشهيد في غاية المراد:«انّه-أي البدل-،صار مملوكا على حد الملك الأول،إذ يستحيل أن يملك على حدة».

ثم قال الأنصاري في المكاسب في آخر كلامه عن الصورة الأولى لصور جواز بيع الوقف:«لو تعذر أن نشتري بالثمن عقارا وضع الثمن عند أمين مترقبين الفرص،و إذا دعت المصلحة للاتجار به جاز،و لكن الربح لا يوزع على المستحقين،كما هو الشأن في الناتج،بل يكون حكمه حكم أصل الوقف،لأنه جزء من المبيع،و ليس كالنماء الحقيقي».

هذا ما قاله المحقق الأنصاري،و هو أعلم بمراده رضوان اللّه عليه،أما أنا

ص:84

فلم أدرك الفرق بين ربح التجارة بمال الوقف،و بين ثمرة العين الموقوفة،فكما أن الثمرة توزع على المستحقين كذلك ينبغي أن يوزع الربح.اللهم إلاّ أن يقال بأن ناتج العقار الموقوف ليس من نوع العين الموقوفة،بل يباينها،أما أرباح التجارة فهي من نوع المال،و لا تختلف عنه في شيء.و متى حصل الفرق اختلف الحكم.و مهما يكن فإن الفكر إذا جال وجد الحل لكل مشكلة و اشكال،و لكن من الوجهة النظرية،و بديهة أن العبرة بالواقع،و الواقع المحسوس أن العرف لا يجد فرقا بين الحالين،و عليه المعول في مثل ما نحن فيه.

و قال الشيخ النائيني في تقريرات الخوانساري:إذا ابتيع بثمن العين الاولى عين جديدة فإن الثانية لا تأخذ حكمها،و لا تكون وقفا مثلها،بل هي تماما كناتج الوقف.يجوز بيعها بدون عروض المبرر إذا رأى المتولي مصلحة في البيع.

و الحق ما ذهب إليه الأنصاري و الشهيد و غيرهما من المحققين من عدم الفرق بين البدل و المبدل منه.

ص:85

كتاب الحبس و السكنى

الحبس:

اعتاد الفقهاء بعد أن ينتهوا من الكلام عن الوقف ان يعقدوا بعده فصلا خاصا يتكلمون فيه عن الحبس،و السكنى،و العمرى،و الرقبى.و يريدون بالحبس أن يبيح الإنسان منفعة العين التي يملكها لجهة من الجهات،على أن تبقى العين على ملكه،فان حبسها في سبيل الخير ينظر:فان لم يحدد بمدة معينة فلا تعود العين إلى المالك،و لا إلى ورثته،تماما كما هي حال في الوقف،سواء أصرح بالدوام أو أطلق،و لم يصرح،و ان حدد الحبس بمدة معينة فلا يحق له أن يرجع إلاّ بعد انقضاء المدّة،حيث تكون المنفعة حينئذ للمالك.

و ان حبس المنفعة و أباحها لشخص فان عيّن وقتا لزم،و يرجع بعده إلى الحابس،أو ورثته،و ان لم يعيّن وقتا تبقى حبسا مدّة حياة الحابس،و بعد موته تصير ميراثا،فقد روى محمد بن مسلم عن الإمام الباقر أبي جعفر الصادق عليهما السّلام أن عليا أمير المؤمنين عليه السّلام قضى برد الحبيس-أي العين المحبوسة-و إنفاذ المواريث.قال صاحب الشرائع و الجواهر:«إذا حبّس فرسه-مثلا-في سبيل اللّه، أو غلامه على البيت،أو المسجد لزم ذلك،و لم يجز تغييره ما دامت العين باقية بلا خلاف كما اعترف به الحلّي و غيره.أما لو حبّس شيئا على رجل-مثلا-و لم

ص:86

يعيّن وقتا،ثم مات الحابس كان ميراثا،و كذا لو عيّن مدّة و انقضت بلا خلاف و لا إشكال في ذلك،و لا في لزومه،لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،و المؤمنون عند شروطهم، و رواية محمد بن مسلم».و كل ما يصح وقفه يصح تحبيسه،و لا يلزم الحبس إلاّ بالقبض،فإذا مات الحابس قبل أن يقبض المحبس عليه بطل التحبيس.

السكنى و العمرى و الرقبى:

السكنى و العمرى و الرقبى نوع من الهبة و العطية،و لذا احتاج كل منها إلى الإيجاب و القبول،و تلزم بالقبض،و تختص السكنى بالمسكن،و صورتها أن يقول صاحب المسكن لآخر:سكّنتك هذه الدار،أو لك سكناها،أو هي لك مدّة كذا،و ما إلى هذا،و يتحقق القبول بكل ما دل على الرضا من الساكن،و إذا قرنها بالعمر أو مدّة الحياة،كما لو قال:أسكنتكها عمري،أو عمرك،أو مدّة حياتي،أو مدّة حياتك سميت سكنى و عمري أيضا.و إذا قرناها بمدة معينة كسنة أو أقل أو أكثر سميت سكنى و رقبى أيضا.و ان أطلق،و لم يتبعها بشيء سميت سكنى فقط.

و هي لا تنقل الملك عن صاحبه،و انما تسلط الساكن على استيفاء المنفعة طوال المدّة المعينة،و لهذا يجوز للمالك أن يبيع العين،و لكن السكنى لا تبطل بالبيع، قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:«لا ينقض البيع الإجارة و لا السكنى،و لكن يبيع على أن الذي يشترى لا يملك ما اشترى،حتى تنقضي السكنى على ما شرط».

و ليس للمالك إخراج الساكن إلاّ بعد المدّة المعينة،فإذا جعل المدّة طوال حياة المالك،و مات الساكن قبله كان لورثته السكنى إلى أن يموت المالك،و إذا جعل المدّة طوال حياة الساكن،و مات المالك قبله فلا يحق لأحد معارضة الساكن.

ص:87

و إذا أطلق،و لم يعين أمدا فللمالك الرجوع متى شاء،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل أسكن رجلا داره،و لم يوقت؟قال:يخرجه صاحب الدار إذا شاء.

و العمرى و الرقبى لا يختصان بالمسكن،بل يعمان كل ما يصح وقفه من دار و أرض و حيوان و أثاث،و غير ذلك،قال صاحب الجواهر:«بهذا صرح كثير من الفقهاء،بل لا أجد فيه خلافا،بل عن التذكرة الإجماع عليه،للعمومات، و صحيح محمد بن مسلم،قال:سألت الإمام الباقر أبا الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن رجل جعل لذات محرم جاريته مدّة حياتها؟قال:هي لها على النحو الذي قال صاحب الجارية».

و معنى العمرى أن يحددها بعمر أحدهما،و صورتها أن يقول:أعمرتك هذه الأرض،أو هذا الحيوان،أو هذه السيارة ما حييت أنت،أو ما حييت أنا، و نحو ذلك،و معنى الرقبى أن يحددها بمدة معينة كسنة،أو أقل أو أكثر،فيقول:

أرقبتك هذا،أو لك منفعته أو هو لك مدّة كذا.

و بالإجمال،ما يقترن بالإسكان يسمى سكنى،و بالعمر فعمرى،و بالمدّة فرقبي،و تجتمع السكنى مع العمرى ان اقترنت بعمر أحدهما،و تجتمع مع الرقبى ان اقترنت بالمدّة،و يفترقان عن السكنى في غير الإسكان.

ص:88

كتاب الحجر

معناه:

الحجر،بفتح الحاء و سكون الجيم،معناه في اللغة المنع،و منه قوله تعالى:

وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً (1).و عند الفقهاء منع الإنسان من التصرف في أمواله كلها،أو بعضها.و له أسباب،منها الرهن،فان الراهن يمنع من التصرف في ماله المرهون،و منها المرتد،عن فطرة حيث تنتقل أمواله في حياته إلى ورثته،و كذا المشتري يمنع عما اشتراه،حتى يدفع الثمن،و البائع عن الثمن المعين،حتى يسلم المبيع.

و الأسباب التي نتكلم عنها في هذا الفصل خمسة:الجنون،و الصغر، و المرض،و السفه،و الإفلاس.ثم أن الحجر على المريض مرض الموت عما زاد عن ثلث ماله لمصلحة الورثة،و الحجر على المفلس في أمواله لأصحاب الدين.

أما الحجر على المجنون،و الصغير،و السفيه فلمصلحتهم.

شرعية الحجر:

و الحجر ثابت بالإجماع و النص،و منه قوله تعالى:

ص:89


1- الفرقان:22. [1]

وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِياماً وَ ارْزُقُوهُمْ فِيها وَ اكْسُوهُمْ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ (1).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:انقطاع يتم اليتيم بالاحتلام،و هو رشده،و ان احتلم،و لم يؤنس منه رشده،و كان سفيها،أو ضعيفا فليمسك عنه وليه ماله.

المجنون:

المجنون محجر عليه في جميع تصرفاته بالنص و الإجماع،دائما كان الجنون،أو أدوارا.و لكن الأدواري إذا تصرف حال إفاقته نفذ تصرفه،و إذا صدر منه تصرف،و لم نعلم أنّه كان في حال الجنون،أو الإفاقة لم ينفذ،لأن العقل ركن في صحة المعاملة،و الشك فيه شك في أصل وجود العقد،لا في صحته،فينفى بالأصل.و بتعبير ثان إذا كان الشك في صحة العقد ناشئا عن الشك في وجود العقل حين العقد نستصحب الحال السابقة،و نبقي ما كان على ما كان.

و المغمى عليه و السكران بحكم المجنون لا يصح شيء منهما حين الإغماء و السكر،و إذا وطأ المجنون امرأة،و حملت منه ألحق به الولد،تماما كوطء الشبهة.

الصغير و علامات البلوغ:

أجمع الفقهاء كلمة واحدة بشهادة صاحب الجواهر و غيره على أن الصغير ممنوع من التصرفات المالية و غيرها،حتى يحصل له وصفان:البلوغ و الرشد،

ص:90


1- النساء:5. [1]

و للبلوغ علامات:

1-خروج المني الذي يكون منه الولد،و قد أجمعت المذاهب الإسلامية من دون استثناء على أن الاحتلام يدل على بلوغ الذكر و الأنثى في آية سن،و في آية حال حصل في اليقظة أو في المنام،و لا يحتاج هذا إلى دليل من الشرع،لأن البلوغ من الموضوعات الطبيعية المعروفة لغة و عرفا،لا من الموضوعات الشرعية،و العرف يرى البلوغ في الاحتلام في الذكر و الأنثى،و في الحمل و الحيض في الأنثى.و لصاحب الجواهر كلام في ذلك مفيد جدا سننقله في الأرقام التالية.و مع ذلك فإن الكتاب و السنة يدلان على أن الاحتلام علامة البلوغ، فمن الكتاب الآية 5 من سورة النساء وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ و الآية 59 من سورة النور وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا .

و ثبت بطريق السنة و الشيعة قول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:رفع القلم عن ثلاثة:عن الصبي حتى يحتلم،و عن المجنون حتى يفيق،و عن النائم حتى يستيقظ.و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لا يتم بعد احتلام.

2-أجمعوا على أن الحيض و الحمل يدلان على بلوغ الأنثى،قال صاحب المسالك:«لا خلاف في كونهما دليلين على سبق البلوغ،أما الحيض فقد علق الشارع أحكام المكلف عليه في عدة أخبار،منها قول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لا تقبل صلاة حائض إلاّ بخمار،و قوله:إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها إلاّ هذا،و أشار إلى الوجه و الكفين،أما الحمل فهو مسبوق بالإنزال،لأن الولد لا يخلق إلاّ من ماء الرجل،و ماء المرأة كما نبه عليه تعالى بقوله مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ ،أي مختلطة من ماء الرجل و المرأة،فهو دليل على سبق البلوغ».

ص:91

3-ظهور الشعر الخشن على العانة،قال صاحب المسالك:«لا عبرة بالشعر الضعيف الذي ينبت قبل الخشن،ثم يزول،و يعبر عنه بالزغب،و قيدوا الشعر بشعر العانة،لعدم اعتبار غيره،كشعر الإبط،و الشارب،و اللحية،فلا عبرة بشيء من ذلك عندنا-أي فقهاء الشيعة الإمامية-إذ لم يثبت كون ذلك دليلا على البلوغ،و ان كان الأغلب تأخرها عنه».

4-قال صاحب الجواهر:«ان البلوغ من الأمور الطبيعية المعروفة في اللغة و العرف،و ليس من الموضوعات الشرعية التي لا تعلم إلاّ من جهة الشارع، كألفاظ العبادات.بل ذكر أهل اللغة ترتيب أحوال الإنسان،و ان له في كل حال اسما مخصوصا في الرجال و النساء من أول الخلقة إلى حال الشيخوخة.و على كل حال فلا يخفى على من لاحظ كلماتهم أن من المعلوم لغة و عرفا أن الغلام متى احتلم بلغ و أدرك و خرج عن حد الطفولة،و دخل إلى حد الرجولة.و كذا الجارية إذا أدركت و أعصرت فإنها تكون امرأة كغيرها من النساء.نعم يرجع إلى الشرع في مبدأ السن الذي يحصل به البلوغ مثلا إذا حصل فيه الاشتباه بخلاف الاحتلام و الحيض و الحمل و نحوهما مما لا ريب في صدق البلوغ معها لغة و عرفا،و لو للتلازم بينها».

و يدل هذا على مدى ادراك صاحب الجواهر للشريعة و إسرارها،و على أن وظيفة الشارع لا تتناول تحديد الأشياء الطبيعية كالبلوغ و ما إليه،بل ان هذي يرجع في معرفتها إلى أهل الخبرة،و ان الشارع إذا تكلم عنها فإنما يتكلم لا بوصفه شارعا،بل بوصفه أحد العارفين،أو يحمل كلامه على إمضاء قول الخبراء.و تكلمنا عن ذلك مفصلا في كتاب الأحوال الشخصية على المذاهب الخمسة فصل«النسب».أجل،أن للشارع أن يعلق أحكامه على السن التي يشاء،

ص:92

و علينا أن نسمع،و نطيع،و لذا ارجع صاحب الجواهر الأمر في معرفة السن إلى الشارع إذا اشتبه البلوغ،و لم نتمكن من معرفته.

و ثبت عن أهل البيت عليهم السّلام ان سن البلوغ في الذكر خمس عشرة سنة.و في الأنثى تسع سنين فقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:متى يؤخذ الغلام في الحدود التامة؟قال:«إذا احتلم،أو بلغ خمس عشرة سنة،أو أنبت قبل ذلك.قال السائل:فالجارية متى تجب عليها الحدود؟قال الإمام عليه السّلام:ان الجارية ليست مثل الغلام،انها متى تزوجت و دخل بها،و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم، و دفع إليها مالها،و جاز أمرها في البيع و الشراء» (1).

قال صاحب الجواهر:«هذا المشهور بل هو الذي استقر عليه المذهب».

ثبوت البلوغ بالإقرار:

قال أكثر الفقهاء:ان بلوغ الصبي يثبت بمجرد إقراره و من غير يمين إذا ادعى البلوغ بالاحتلام في وقت يحتمل بلوغه فيه.أما إذا ادعى البلوغ في السنة فعليه ان يثبت ذلك بالبينة.هذا ما قاله الفقهاء،و سنبين ما فيه في باب الإقرار فقرة«المقر»رقم 1.

و في الجزء الثالث من هذا الكتاب تكلمنا عن البلوغ بفصل مستقل بلغ 8 صفحات تعرضنا فيه لإسلامه،و عبادته و وصيته و صدقته و طلاقه و ضمانه

ص:93


1- قد يظن البعض أن القول ببلوغ الأنثى بالتسع مما تفرد به الفقه الجعفري،و لكن جاء في كتاب ابن عابدين،و هو من أهم المراجع عند الأحناف،جاء في الجزء الخامس ص 100 طبعة 1326 ما نصه بالحرف:«و أدنى مدة البلوغ للذكر اثنتا عشرة سنة،و للأنثى تسع سنين،و هو المختار كما في أحكام الصغار».

و حيازته و عقده و معاملاته في حال التمييز،و عدمه.و من أحب ان يستوعب أحكام الصبي بكاملها فليراجع فصل البلوغ من الجزء الثالث،و ما كتبناه عنه هنا في باب الحجر،و في باب الإقرار الذي يلي هذا الباب.

السفيه:

يفترق السفيه عن الصبي بالبلوغ،و عن المجنون بالعقل،فالسفه من حيث هو يجتمع مع الإدراك و التمييز،لأن السفيه هو الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة عند العقلاء.و بكلمة ان السفيه هو الذي يعد في نظر العرف مبذرا،فيهمل أمواله و يضعها في غير مواضعها،على أن يتكرر منه ذلك.قال صاحب الجواهر:«ان البحث في معنى السفيه ليس من وظائف الفقيه فضلا عن الاطناب-ثم قال بعد فاصل طويل-و ان المرجع في تفسيره إلى العرف».

و من السفه أن يتصدق الإنسان بكل أو جل ما يملك:أو يبني مسجدا،أو مدرسة،أو مصحا لا يقدم عليه من كان في وضعه المادي،بحيث يضر البذل به و بمن يعول،و يراه الناس خارجا عن سنة العقلاء و عاداتهم في إدارة أموالهم.

فقد نقل صاحب الحدائق عن تفسير العياشي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:لو أن رجلا أنفق ما في يده في سبيل اللّه ما كان قد أحسن،و لا وفق للخير،أ ليس اللّه تبارك و تعالى يقول وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ،وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ،يعني المقتصدين.

التخيير:

يحجر على السفيه في خصوص التصرفات المالية،و ان شأنه فيها شأن

ص:94

الصبي و المجنون إلاّ إذا اذن له الولي،و له تمام الحرية في التصرفات التي لا تتصل بالمال من قريب أو بعيد،قال صاحب الجواهر:«لا يمضي بيع السفيه،و لا شراؤه،و لا غير ذلك من عقوده و معاملاته،حجر عليه الحاكم،أو لم يحجر على الخلاف-الآتي-و كذا لو وهب أو أقر بمال،و الضابط المنع من التصرفات المالية بالإجماع،و هو الحجة بعد الاعتضاد بما دل عليه من الكتاب و السنة من غير فرق بين تصرفاته المالية التي تأتي في محلها أولا،و لا بين العين و الذمة،و لا بين الذكر و الأنثى».

حكم الحاكم:

هل يثبت الحجر على السفيه بمجرد ظهور السفه،أو يتوقف الحجر على حكم الحاكم،و لو افترض ان الحاكم حجر عليه بعد ثبوت السفه لديه،فهل يزول التحجير بمجرد زوال السفه،أو يتوقف على حكم الحاكم برفعه عنه؟ لقد اختلف الفقهاء في ذلك،و ذهب المحققون،و منهم صاحب الجواهر و المسالك إلى أن المعول في بطلان تصرفات السفيه على ظهور السفه،لا على حكم الحاكم بالتحجير،فكل تصرف يصدر منه حال السفه يكون باطلا،سواء أحجر عليه الحاكم أو لم يحجر،اتصل السفه بالصغر أو لم يتصل،فلو كان سفيها،ثم حصل الرشد ارتفع عنه الحجر،فإن عاد السفه عاد،فإن زال زال، و هكذا.و ذلك ان السبب الموجب للحجر هو السفه فيجب تحققه،فإذا ارتفع السبب فيجب ان يرتفع المسبب،و هو الحجر.هذا،بالإضافة إلى ظاهر قوله تعالى فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ حيث علق الأمر بدفع المال على إيناس الرشد،لا على حكم الحاكم.

ص:95

إقرار السفيه و زواجه و طلاقه:

إذا أذن الولي للسفيه بالتصرف المالي،و تصرف جاز بالاتفاق،أما غير التصرفات المالية،كما لو أقر بالنسب،أو حلف أو نذر فعل شيء أو تركه لأصله له بالمال فينفذ،و ان لم يأذن الولي،لأنه بالغ عاقل،و انما منع من التصرف المالي فقط،و هذا ليس منه في شيء.

و لو أقر بدين،أو بإتلاف مال،أو بجناية تستدعي المال لا يؤخذ بإقراره، حتى و لو أسند الدين و الجناية إلى ما قبل السفه و الحجر،لأنه إقرار بما هو ممنوع من التصرف فيه فلا ينفذ،تماما كإقرار الراهن في الشيء المرهون.

و إذا جنى عليه جان بما يوجب المال فله ان يعفو عنه،لأن هذا من باب عدم تحصيل المال،لا من باب تضييعه،و التصرف فيه،و هو ممنوع عن التصرف و التضييع،و لا يجب عليه التحصيل.

و إذا أقر بالسرقة مرتين يقبل في العقوبة،لا في المال،لأنه ممنوع من التصرف المالي دون غيره.

و إذا أودع انسان عند السفيه وديعة،و هو يعلم بسفهه،و باشر السفيه إتلافها بنفسه عمدا أو خطأ ضمن السفيه،لقاعدة من أتلف مال غيره فهو له ضامن،أمّا إذا تلفت الوديعة من غير مباشرة السفيه،و لكن لتقصيره في حفظها فلا يضمن،لأن المفرط في هذه الحال هو صاحب الوديعة بالذات،حيث أودعه مع العلم بسفهه.و قال جماعة من الفقهاء:لا يضمن إطلاقا،حتى و لو باشر السفيه إتلاف الوديعة بنفسه،لأن التفريط من صاحب الوديعة حاصل في الحالين بإعطائها للسفيه،و قد نهى اللّه عن ذلك بقوله وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ فيكون بمنزلة من ألقى ماله في البحر.

ص:96

و لا يصح زواج السفيه إلاّ بإذن الولي،لأنه يستدعي التصرف المالي،و هو الصداق و النفقة،و يصح طلاقه،لأن الطلاق بيده لا بيد الولي،و إذا صح الطلاق منه مجانا فبالأولى أن يصح منه الخلع بعوض،و لكن لا يدفع إليه مال الخلع،بل إلى وليه،و تصح منه الرجعة بعد الطلاق،لأنها ليست زواجا ابتدائيا،و انما هي تمسك بعقد صحيح سابق.

ثبوت الرشد:

ان علمنا أن هذا سفيه رتبنا عليه آثاره،و ان علمنا بأنه راشد فكذلك،و ان جهلنا الحال فما ذا نصنع؟ الجواب:لقد جرت سيرة الناس،كل الناس،حتى الفقهاء منذ القديم ان يعاملوا مجهول الحال من البالغين معاملة الراشد،حتى يعرف السفه،فيتعامل بعضهم مع بعض دون سؤال بل دون التفات إلى السفه.أجل،من كان عنده مال ليتيم فلا يدفعه إليه،حتى يأنس منه الرشد،لأن المفروض أنّه كان غير رشيد، و ان دفع المال إليه مشروط بالرشد،و لا بد من إحراز الشرط،كما نطقت الآية الكريمة فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً .و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن قوله تعالى:

وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ .فقال:هم اليتامى لا تعطوهم،حتى تعلموا منهم الرشد.

و بكلمة فرق بين الرجل المجهول،و بين اليتيم،فالأول يعامل معاملة الرشيد،حتى يثبت العكس،و الثاني يمنع ماله عنه،حتى يثبت الرشد.و يثبت رشد الصبي و الصبية بالاختيار،و بالتواتر،و بشهادة رجلين عدلين في الذكر و الأنثى،لأن شهادة الرجلين هي الأصل،و بشهادة رجل و امرأتين،أو أربع نساء

ص:97

في الأنثى،أما رشد الذكر فلا يثبت إلاّ بشهادة الرجال.

و مثله السفه،فإذا أقيمت دعوى السفه على أنثى فيثبت بشهادة النساء منضمات و منفردات،و لا يثبت السفه على الذكر إلاّ بشهادة الرجال.

المريض:

المراد بالمريض هنا من اتصل مرضه بموته،على أن يكون المرض مخوفا،بحيث يظن الناس أن حياته في خطر،و ليس منه من مرض مرضا مخوفا، ثم عوفي منه،و مات بعد ذلك.

و لمن تمرّض مرض الموت أن يتصرف بمقدار الثلث من أمواله كيف شاء،و لا يحق لأحد معارضته،و ان تصرف فيما زاد عن الثلث ينظر:فإن كان التصرف مضرا بالوارث و مزاحما لحقه،كما إذا وهب،أو حابى:مثل ان يبيع بأقل من ثمن المثل،أو يشتري بأكثر منه-ان كان كذلك توقف نفوذ هذا التصرف على اجازة الوارث فيما زاد عن الثلث،فإن أجاز نفّذ،و إلاّ فلا،لحديث:«للرجل عند موته الثلث،و الثلث كثير».

و ان لم يكن التصرف مضرا بالوارث،و لا مزاحما لشيء من حقوقه،كما إذا باع،أو اشترى بثمن المثل صح تصرفه و لزم،حتى و لو عارض الوارث.و قد تكلمنا عن ذلك مفصلا في كتاب الأحوال الشخصية على المذاهب الخمسة بعنوان«تصرفات المريض»و سنعود إليه ثانية في باب الوصايا ان شاء اللّه تعالى.

ص:98

ولي الصغير و المجنون و السفيه

الصغير و المجنون:

تقدم الكلام عن الحجر على الصغير و المجنون و السفيه.و بديهة أنّه لا بد لكل محجر عليه في شيء من ولي أو قيم يرعى ذلك الشيء نيابة عن صاحبه، فمن هو هذا الولي و القيّم؟ تثبت الولاية أولا للأب و الجد له في مرتبة واحدة على الصغير و المجنون الذي اتصل جنونه بالصغر،بحيث يكون لكل من الأب و الجد أن يتصرف مستقلا عن الآخر،و أيهما سبق أخذ بقوله،مع مراعاة ما يجب.و إذا تشاحا يقدم تصرف الجد.و إذا تصرف كل منهما تصرفا يتنافى مع تصرف الآخر أخذ بالمتقدم،و ألغي المتأخر.و مع التقارن في الزمن يقدم الجد.و إذا فقدا معا كانت الولاية على الصغير و المجنون لوصي أحدهما،و الجد أولى من وصي الأب،فإن لم يكن جد،و لا أب،و لا وصي لأحدهما فالولاية للحاكم الشرعي.

قال السيد بحر العلوم في كتاب بلغة الفقيه:«الولاية ثابتة للأب و الجد له من النسب شرعا،فلا ولاية للأب رضاعا،و لا لمن أولده سفاحا،و ثبوت الولاية لهما بالاشتراك بينهما مورد اتفاق النص و الفتوى،و ان اختص الأب في أكثر

ص:99

النصوص إلاّ أن المراد منه ما يشمل الجد.بل يقدم عقده على عقد الأب مع المعارضة-ثم قال بعد فاصل طويل-أما الولاية للوصي المنصوب من الوصي قيما على أطفاله فهي ثابتة بالنص و الإجماع،و لكن بحسب ما هو مجعول له من الموصي من حيث الإطلاق و التقييد.فإن أطلق فلا إشكال في نفوذ ما يتولى من مصالحهم في حفظ نفوسهم و أموالهم،و أخذ الحقوق الراجعة إليهم،و غير ذلك من بيع و اجارة و مزارعة و مساقاة،و نحو ذلك-مما يتعلق بإصلاح أموالهم،كما لا إشكال في المنع عن فعل بعض ما كان للأب جوازه من حيث الأبوة.و لعل من ذلك-أي من المنع-تزويج الصغير و الصغيرة،و ان كان قيما».

و سنتعرض لهذه المسألة الهامة،و نبين ما هو الحق فيها في باب الزواج ان شاء اللّه.

الجنون المتجدد بعد الرشد:

فرّق جماعة من الفقهاء بين الجنون المتصل بالصغر،و بين الجنون المتجدد بعد البلوغ و الرشد،و قالوا:ان الولاية للأب و الجد تثبت على المجنون الأول،أمّا الثاني فإنها للحاكم،لأن ولايتهما قد سقطت و الساقط لا يعود إلاّ بدليل.و من طريف ما قرأته من الأدلة على ذلك ما نقله صاحب مفتاح الكرامة عن البعض من أن العلماء ورثة الأنبياء،و لا شك أن الولاية ثابتة للأنبياء فتكون للعلماء بمقتضي الوراثة.

و يلاحظ بأن العلماء يرثون الأنبياء في بيان الأحكام الشرعية،و الدعوة إلى الدين،و القيام بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،و فصل الخصومات و المحافظة على أموال القاصرين و الغائبين،أما نيابتهم عن الأنبياء في السلطة،

ص:100

و أنّهم أولى بالناس من أنفسهم فينبغي أن يقام ولي على مدعيها،تماما كما يقام على المجانين و الأيتام.

و قال صاحب الجواهر و صاحب مفتاح الكرامة:الأحوط توافق الجد و الأب مع الحاكم،أي ان التصرف بمال المجنون الذي فصل جنونه عن صغره يكون برأي الجميع،و قال السيد الأصفهاني في الوسيلة:لا يترك هذا الاحتياط.

و ليس من شك ان الاحتياط حسن لا ريب فيه،و لكنه هنا مندوب لا واجب،لأن الأدلة التي أثبتت الولاية للأب و الجد لم تفرق بين الحالين،و عليه يقدم الأب و الجد على الحاكم،لأن الحكم يدور مدار موضوعه وجودا و عدما.

هذا،إلى أن شفقة الأب لا توازيها شفقة الحاكم،و أي عاقل يستسيغ أن يعين الحاكم قيما أجنبيا على قاصر مع وجود أبيه الجامع لكل الشروط و المؤهلات؟

السفيه:

اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر،و مفتاح الكرامة على أن الصبي إذا بلغ رشيدا،ثم حدث السفه بعد الرشد تكون الولاية للحاكم دون الأب و الجد، و اختلفوا فيما إذا اتصل السفه بالصغر،أي بلغ سفيها منذ البداية،فمن قائل بأن الولاية عليه للحاكم أيضا،و قائل بأنّها للأب و الجد،و هو الحق،لاستصحاب بقاء ولاية الأب و الجد،و لقول الإمام الصادق عليه السّلام:«ان احتلم و لم يؤنس منه الرشد، و كان سفيها فليمسك عنه ماله وليه».و ليس من شك أن المراد بوليه هنا من كان وليا قبل البلوغ،و هو الأب و الجد.

ص:101

شروط الولي:

يشترط في الولي و الوصي البلوغ و الرشد،و الاتحاد في الدين،أما العدالة فهي شرط في الحاكم الشرعي،لأن الولاية العامة نيابة عن المعصوم.و لا تكون هذه،و لن تكون إلاّ لمن اتقى اللّه.أما غير الحاكم فقد ذهب المشهور بشهادة الشيخ الأنصاري في المكاسب إلى أنّها ليست شرطا للأصل،و لإطلاق أدلة الولاية،فإنها لم تقيد بالعدالة.و بديهة أن العدالة هنا وسيلة للحفظ و الغبطة، و ليست غاية في نفسها،فالمهم أن يكون التصرف في مال القاصر على أساس المصلحة،سواء أصدر من عادل،أو من فاسق.

و اتفقوا على أن تصرفات الولي التي تكون خيرا و نفعا للمولى عليه تنفذ، و ان الضارة منها لا تنفذ،لمنافاتها مع الغرض الذي شرعت الولاية من أجله، و اختلفوا فيما لا نفع فيه و لا ضرر من التصرفات.

فقال جماعة:تنفذ إذا كانت من الأب و الجد فقط،لأن الشرط في تصرفهما عدم المفسدة،لا وجود المصلحة،و يشعر به قول الإمام الباقر أبو الإمام الصادق عليهما السّلام:

«ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:أنت و مالك لأبيك،ثم قال-أي رسول اللّه-لا نحب أن يأخذ الأب من مال ابنه إلاّ ما يحتاج إليه مما لا بد منه،ان اللّه لا يحب المفسدين».

و المفهوم من هذا أن التصرف في مال الطفل مع الفساد لا يجوز إطلاقا، حتى من الأب.هذا بالقياس إلى الأب و الجد،أما الحاكم و الوصي فإن تصرفهما لا ينفذ إلاّ مع المصلحة.

و قال آخرون:لا فرق بين الأب و الجد و الوصي من أن تصرف الجميع لا ينفذ إلاّ فيما فيه المصلحة و الغبطة،بدليل قوله تعالى وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فإن إطلاقه يشمل الجميع.

ص:102

أما الشيخ الأنصاري في المكاسب فقد اختار التفصيل،و قال:ان تصرف الأب و الجد يكفي في صحته عدم المفسدة،أما تصرف غيرهما فلا بد فيه من المصلحة،و قال:«وفاقا لغير واحد من الأساطين الذين عاصرناهم»و استدل بإطلاق الأدلة التي أثبتت الولاية للأب و الجد إطلاقا يشمل التصرف الذي فيه المصلحة،و الذي لا مصلحة و لا مفسدة فيه،و الذي فيه المفسدة،خرج الأخير بالدليل فبقي الأولان على دلالة الإطلاق،أما الآية الكريمة،و هي لا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالتي هي أحسن فأجاب بأنّها مخصصة بما دل على أن للجد سلطة التصرف بمال الطفل فيما ليس فيه مفسدة.

و مهما يكن،فإن للولي و القيم أن يتجر بمال القاصر،أو يعطيه لمن يتجر به،و ان يشتري له عقارا،أو يبيع من ماله،أو يرهنه بشرط المصلحة و النصيحة، إمّا إقراض ماله فلا يجوز إلاّ مع الخوف عليه من الضياع.

و قال جماعة من الفقهاء:ليس لولي الصبي القصاص المستحق له،لأن الصبي ربما رغب في العفو عند البلوغ،كما أنّه ليس للولي أن يعفو،لأن الصبي قد يرغب في القصاص تشفيا بعد كبره.

و ذهب جماعة آخرون،منهم العلامة الحلي إلى أن للولي القصاص و العفو و الصلح ببعض مال الطفل مع المصلحة،و هو الحق.

و للأب و الجد أن يزوجا الطفل و المجنون،و ليس للوصي ذلك،أما الحاكم فيزوج المجنون فقط مع المصلحة.و يجوز للأب و الجد أن يطلقا عن المجنون لوجود النص،و ليس لهما و لا للحاكم و لا لأحد أن يطلق عن الصبي،لعموم:

الطلاق بيد من أخذ بالساق،و قد سئل الإمام عليه السّلام:هل يجوز طلاق الأب؟قال:

«لا».و إذا لم يجز أن يطلق الأب فبالأولى غيره.

ص:103

و للولي أن يأخذ للقاصر بالشفعة أو يدع حسبما تقتضيه المصلحة،قال صاحب مفتاح الكرامة:«ان للولي أن يرشي الظالم من مال القاصر لتخليصه و إطلاقه،بل لو طمع الظالم في ماله وجب عليه أن يعطيه ما لا يقدر على دفعه إلاّ به».

و يجب على الولي أن يخرج من مال المولى عليه الحقوق الواجبة، كالديون و عوض الجنايات و ان لم تطلب من الولي،أما نفقة الأقارب الواجبة على الطفل فلا يدفعها الولي لمستحق إلاّ مع المطالبة.

و على الولي و القيم الإنفاق على المولى عليه بالمعروف،و لا يجوز التقتير و لا الإسراف.

و له،إن كان فقيرا،أن يأكل من مال القاصر بالمعروف،و ليس له ذلك ان كان غنيا،لقوله تعالى وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ،وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ (1).

و كل من الولي و القيم أمين لا يضمن إلاّ بثبوت التعدي أو التفريط،و يقبل قوله في الإنفاق بالمعروف،و في البيع و الشراء و القرض و غيره لمصلحة،كما يقبل قوله في التلف من غير تفريط،فإذا بلغ الصبي و ادعى على الولي التعدي أو التفريط و عدم المصلحة فعلية البينة،و على الولي و القيم اليمين،لأنه أمين.

و يجوز للولي أن يشتري من مال المولى عليه لنفسه،و ان يبيعه من ماله، كل ذلك مع المصلحة،أو عدم المفسدة في البيع و الشراء على الخلاف الذي أشرنا إليه،و قد سئل الإمام عليه السّلام:هل للوصي أن يشتري من مال الميت إذا بيع، فمن زاد يزيد،و يأخذ لنفسه؟قال الإمام:يجوز إذا اشترى صحيحا.و إذا جاز

ص:104


1- النساء:6. [1]

ذلك للوصي فبالأولى للولي.بل قال صاحب الجواهر في باب الوصايا:«يجوز للأب أن يشتري من مال ولده الصغير بالإجماع».

و سنعود للحديث عن الولي و الحاكم الشرعي في باب الطلاق و الزواج، و عن الوصي و تصرفاته في باب الوصايا ان شاء اللّه تعالى.

ص:105

المفلس

معناه:

تقدم الكلام عن المجنون و الصغير و السفيه و المريض،و بقي المفلس- بكسر اللام-و هو في اللغة من لا مال،و لا عمل له يسد حاجته.و عند الفقهاء من حجر الحاكم عليه لديون تستغرق جميع أمواله،فالمديون لا يمنع من التصرف في أمواله بالغة ما بلغت ديونه إلاّ بعد أن يحجر عليه الحاكم،قال صاحب الجواهر:

«المفلس شرعا من حجّر عليه لقصور ماله عن ديونه.فقبل الحجر لا يسمى المديون مفلسا شرعا،و ان استغرقت ديونه أمواله،و زادت،و يشهد لذلك التأمل في كلمات الفقهاء».

الشروط:

لا يحجر الحاكم على المديون إلاّ بعد توافر الشروط التالية :

1-أن تثبت الديون عند الحاكم.بداهة،أن الحجر يقع من الحاكم،فلا بد من ثبوت الديون عنده بإقرار المديون،أو البينة،و ما إليها من طرق الإثبات.

2-ان تكون أمواله قاصرة عن وفاء الديون التي عليه،فإذا كانت زائدة على الديون أو مساوية لها فلا يحجر عليه بالإجماع،قال صاحب المسالك:«هذا

ص:106

هو الحكم عند علمائنا أجمع،و الدائن-في مثل هذه الحال-يطالب المديون فان لم يسدد ما عليه يرفع الدائن الأمر إلى الحاكم،و الحاكم بدوره مخير بين حبس المديون إلى أن يقضي ما عليه،و بين أن يبيع متاع المديون،و يقضي به الدين».

3-أن يكون الدين حالا غير مؤجل،لعدم الاستحقاق مع التأجيل.هذا، إلى أن اللّه سبحانه قد يسهل الوفاء عند حلول الأجل،و إذا كان بعض الدين حالا، و بعضه مؤجلا نظر:فان وفت أموال المديون بالدين الحال فلا حجر،و ان قصرت يحجر.و إذا حجر بالديون المعجلة تبقى المؤجلة إلى حينها.قال صاحب الجواهر:«لو كان بعضها حالا حجر عليه مع القصور و سؤال أربابها، فيقسم ماله حينئذ بينهم،و لا يدخر للمؤجلة شيء».

4-أن يكون الحجر بطلب الدائنين كلهم،أو بعضهم،لأن الحق للغرماء، فلا يتبرع الحاكم من تلقائه بالحجر لأجلهم،إلاّ أن تكون الديون لمن للحاكم الولاية عليه،كاليتيم و المجنون و السفيه.

بعد الحجر:

اتفقوا على أن المفلس يمنع من التصرف في أمواله التي كانت موجودة حين التحجير،و اختلفوا فيما إذا تجدد له مال بعده،فهل يمنع منه أيضا لمصلحة أرباب الدين،أو لا؟ و للفقهاء في ذلك قولان أصحهما أنّه لا يمنع من التصرف فيما يحصل له من المال بعد التحجير،لأن الحجر تعلق بأمواله الحاضرة حين الحجر فلا يشمل غيرها،و منعه عن التصرف بالمال المتجدد يحتاج إلى حكم الحاكم بالحجر ثانية، إذ لا حجر من غير حكم.

ص:107

و مهما يكن،فان المفلس لا يمنع من التصرفات غير المالية التي لا تضر بمصلحة الدائنين.قال صاحب الجواهر:«لا يمنع من الزواج و الطلاق و القصاص و العفو عنه،و الإقرار بالنسب،و ما إلى ذلك مما ليس من التصرفات المالية.كما لا يمنع من التصرفات المحصلة للمال،كالاحتطاب و الاصطياد،و قبول الهبة و الوصية،و الشراء في الذمة و القرض».

و يبيع الحاكم أموال المفلس،و يوزعها بين أرباب الدين لكل بنسبة ماله من حق.قال الإمام الصادق عليه السّلام:كان أمير المؤمنين عليه السّلام يحبس إذا التوى على غرمائه،ثم يأمر فيقسم ماله بينهم بالحصص.

أجل،من وجد من الغرماء عين ماله التي كان قد اشتراها منه المفلس نسيئة كان بها أولى دون الغرماء جميعا،حتى و لو لم يكن هناك غيرها،و له أن يدعها، و يشارك الغرماء في الاستيفاء حسب حصته،قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور،بل لا أجد فيه خلافا معتدا به،للحديث المروي في كتب الفقهاء عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا أفلس الرجل،و وجد سلعته فهو أحق بها.و سئل الإمام عليه السّلام عن رجل تركبه الديون،فيوجد متاع رجل آخر عنده بعينه؟قال:لا يحاصه الغرماء».

و الحقيقة ان هذا يدخل في خيار التفليس،أي أن صاحب العين له الخيار بين إمضاء البيع،و الضرب مع الغرماء بثمن المبيع،و بين الفسخ و الرجوع عن البيع،لفلس المشتري.

إقرار المفلس:

إذا أقر المفلس بدين لشخص بعد التحجير،فهل يقبل منه،و يشارك المقر

ص:108

له الغرماء في تقسيم المال الموجود؟ اتفقوا كلمة واحدة على أن الدّين يثبت في ذمة المفلس للمقر له،و اختلفوا في أن المقر له:هل يشارك الغرماء في المال الموجود؟قال الشهيد الثاني في المسالك:الأقوى عدم المشاركة.و قال صاحب الجواهر:«هو-أي عدم المشاركة-قوي جدا.لصدق كون الإقرار في حق الغير فيكون ممنوعا».يريد أن إقرار المفلس لا ينفذ على الغرماء الذين تعلق حقهم بالمال الموجود.و بتعبير ثان أن المفلس لا يملك التصرف في ماله فلا يملك الإقرار به لأحد،لا صراحة و لا ضمنا.

المستثنيات:

يستثني من الحجر على أموال المفلس دار سكناه،و كل ما تدعو إليه الضرورة كثيابه،و قوت يوم له،لمن يعول،و الكتب التي لا يستغني عنها أمثاله، و أدوات الصناعة التي يكتسب منها قوته،و أثاث البيت الضروري،كالفرشة و اللحاف،و القدر و الإبريق،و ما إلى ذلك مما لا غنى لأحد عنه في حالته الراهنة.

و الذي ثبت عن أهل البيت عليهم السّلام استثناء الدار و الخادم،قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا تباع الدار و لا الجارية في الدين،لأنه لا بد للرجل من ظل يسكنه، و خادم يخدمه.و قال:أيضا لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين.

و قد استكشف الفقهاء من استثناء البيت و الخادم استثناء كل ما تدعو إليه الضرورة الماسة،بل ان استثناء البيت و الخادم يدل على استثناء الثياب و ما في حكمها بطريق أولى،و هذه الأولية يعبر عنها الفقهاء بمفهوم الموافقة تارة، و بفحوى الخطاب أخرى.هذا،إلى أنّه قد ثبت بالنص استثناء الكفن و تقديمه

ص:109

على حقوق الغرماء،قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«أول ما يبدأ به من المال الكفن،ثم الدين،ثم الوصية،ثم الميراث».

قال صاحب الجواهر:و إذا استثنى الكفن الذي هو كسوة الميت فإن الحي أعظم حرمة منه.

حبس المديون:

اشارة

يقسم المديون بالنظر إلى ثبوت عسرة و يسره إلى الأقسام التالية :

1-ان يكون له مال ظاهر

،بحيث يعد عند عارفيه من أهل اليسار،و هذا ان امتنع عن الوفاء رفع الدائن أمره إلى الحاكم،و الحاكم بدوره مخير بين حبسه، حتى يوفي المديون بنفسه ما عليه من الدين،و بين ان يبيع الحاكم بعض أمواله، و يفي عنه،لحديث:«لي الواجد تحل عقوبته و عرضه»و اللي المطل،و الواجد الميسور،و العقوبة الحبس،و ما إليه من التعزير الذي يراه الحاكم،و العرض الاغلاظ للمديون بالقول،كأن يقول له:يا ظالم و نحوه.و قد ثبت أن عليا أمير المؤمنين عليه السّلام كان يحبس المديون،إذا ماطل أرباب الدين،ثم يأمر بقسمة أمواله بين الغرماء.و هذا الحكم يشمل كل من ثبت يسره و مقدرته على الوفاء بإقراره أو بالتواتر أو بالبينة.

2-ان لا يكون له مال ظاهر

،و لم يكن عنده مال معهود في السابق،و ان يقول:لا أملك شيئا فإن صدقه الغريم وجب عليه الانتظار و إلاّ فعلى الغريم البينة، و على المديون اليمين،لأن الغني و اليسر أمر حادث،و الأصل عدمه،و متى حلف يمهل إلى ميسرة،لقوله تعالى وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ .

3-أن لا يكون له الآن مال ظاهر

،و لكن كان غريمه قد أقرضه مالا،أو

ص:110

باعه سلعة،و لم يقبض ثمنها،و المدعي يدعي تلفها،و هذا يحبس،حتى يثبت الإعسار،لأن الأصل بقاء ذلك الدين الذي كان في يده حتى يثبت العكس.

4-أن لا يكون له مال ظاهر

،و لكن كان له مال معهود في السابق،و ادعى تلفه،و هذا يحبسه الحاكم حتى يثبت إعساره،لأن الأصل بقاء المال الذي كان عنده،حتى يثبت الإعسار،و على هذا تحمل الرواية القائلة:ان عليا عليه السّلام كان يحبس،حتى يثبت الإعسار.

و يثبت الإعسار بأن تشهد البينة أن المال الذي كان عنده قد تلف،و لم يبق منه شيء.و تقبل هذه الشهادة لأن مفادها الإثبات،و هو التلف.و ان لم تشهد البينة على التلف،بل شهدت بالإعسار دون أن تبين السبب فلا تقبل إلاّ إذا علمنا أن هذه البينة مطلعة على أحوال المديون بالمعاشرة الأكيدة،لأن الشهادة بالإعسار شهادة بالنفي و عدم المال.و بديهة أن الشهادة بالنفي غير مسموعة إلاّ أن ترجع إلى الإثبات،و لا يمكن أن تفيد الإثبات هنا إلاّ إذا اطلع الشهود على حال المديون،و عرفوا معرفة حسية بأنه لا يملك شيئا،و ان لم تكن البينة مطلعة على حقيقته كان للغرماء اليمين على المديون.هذا شرح لما جاء في كتاب الجواهر و المسالك دون الإشارة إلى الخلاف بين الفقهاء،بل نسبه صاحب الحدائق إليهم بلا استثناء.

مسائل:

1-إذا قسم الحاكم مال المفلس على الغرماء،ثم ظهر غريم لم يكن يعلم

به

،و ليس له عين مال كي يختار الفسخ و يسترجعها بسبب الفلس،فهل تنتقض القسمة،و تبطل من رأس،أو تبقى القسمة،و لكن يرجع الغريم الجديد على كل

ص:111

واحد من الغرماء بحصة يقتضيها الحساب؟ و للفقهاء في ذلك قولان أصحهما ما ذهب إليه صاحب الشرائع و الجواهر و المسالك،و غيرهم،و هو بطلان القسمة من رأس،و ذلك أن القسمة كانت مبنية على الظاهر من انحصار الحق بالغرماء المعروفين.و قد تبين خلافه،و المبني على الباطل باطل،تماما كما لو اقتسم الشركاء،ثم ظهر شريك آخر.

2-سبق أن من وجد عين ماله بين أموال المفلس فهو أولى بها من سائر

الغرماء

،لأن له،و الحال هذه خيار الفسخ،فهل يسري هذا الحكم على غرماء الميت،بحيث إذا مات انسان،و عليه ديون،و وجد أحد الدائنين عين ماله ما زالت قائمة في تركة الميت كان أولى بها من الجميع؟ ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر و الحدائق إلى أن تركة الميت ان كانت وافية كافة لسد الديون بكاملها كان لصاحب العين أخذها،و ان لم تف التركة بجميع الديون التي على الميت فليس له ذلك،بل يكون شأنه شأن سائر الغرماء على السواء.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل باع من رجل متاعا إلى سنة فمات المشتري قبل أن يحل المال،و أصاب البائع متاعه بعينه،إله أن يأخذه إذا حققه-أي عرفه بالذات-؟قال الإمام عليه السّلام:ان كان عليه دين،و ترك نحوا أي مثل ما عليه-فليأخذ المتاع ان حققه،فإن ذلك حلال له،و لو لم يترك-أي الميت-نحوا من دينه فإن صاحب المتاع كواحد ممن له عليه شيء،يأخذ بحصته،و لا سبيل له على المتاع.

3-ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر و الحدائق إلى أن من اشترى

أرضا فغرسها،أو بنى فيها،ثم أفلس كان صاحب الأرض أحق بأرضه

،و إذا اختار أخذها فليس له ازالة الغرس أو البناء،بل يجب بقاؤه لحساب المفلس من غير

ص:112

أجرة،لأن المفلس قد زرع و غرس بحق في ملكه،فيكون عمله محترما،قال صاحب الجواهر:«لم يذكر أحد استحقاق صاحب الأرض أجرة البناء و الغرس».

4-يرتفع الحجر عن المفلس بمجرد تقسيم أمواله بين الغرماء

،و لا يحتاج الرفع إلى اذن الحاكم،و كذا لو اتفق الغرماء على رفع الحجر عنه،لأن الحق لهم،و هم بالنسبة إلى أموال المفلس تماما كالمرتهن بالنسبة إلى العين المرهونة.

5-ليس من شك أن المديون القادر على الوفاء إذا جازت عقوبته بالحبس

مع المماطلة جاز منعه من السفر

،مع الخوف على الحق إذا سافر،كما إذا كان السفر بعيدا أو خطرا،أمّا إذا كان له وكيل أو ضامن،بحيث يكون الحق محفوظا فلا يجوز منعه بحال.

قال صاحب مفتاح الكرامة في باب الحجر:«ان وفاء الدين مع المطالبة و التمكن واجب على الفور فلصاحب الدين المنع من كل ما ينافي أداء حقه،و هذا الحكم لا ريب فيه،و ليس هو في الحقيقة منعا من السفر،كما يمنع السيد عبده، و الزوج زوجته،بل هو شغل له عن السفر يرفعه إلى الحاكم،و مطالبته،حتى يوفي الحق،و حبسه ان ماطل».

و بهذا يتبين أن القرارات التي تتخذها المحاكم الشرعية بلبنان لمنع سفر المدعى عليه قبل ان تفصل الدعوى،و يثبت عليه الحق،ان هذه القرارات لا تستند إلى أصل في الشريعة الإسلامية،بل إلى مادة قانونية وضعية.

و الحمد للّه على العافية و الإعفاء من هذه الأسواء.

ص:113

كتاب الإقرار

معناه:

معنى الإقرار لغة و عرفا و شرعا واحد،و هو الاعتراف بحق ثابت.و يندرج في لفظ الحق كل الحق،سواء أ كان للّه،كالإقرار بما يوجب الحدود و التعزيرات، أو للناس عينا كان أو منفعة أو قصاصا.و من الإقرار الاعتراف بالحق المعلق على شيء،مثل أن يقول لفلان عليّ مائة بندر إذا حصل الشيء الفلاني،أو دخل شهر كذا،فالحق ثابت الآن،و لكن ليس للمقر له المطالبة به إلاّ في المستقبل.قال صاحب الجواهر:«و إنكار صدق الإقرار عليه،أو عدم جريان حكم الإقرار من المنكرات التي لا تسمع من مدعيها».و مهما يكن فقد اجمع الفقهاء على أن الإقرار ليس من العقود و الإيقاعات في شيء،لأنه لا يمت إلى الإنشاء بسبب.

شرعية الإقرار و حجيته:

ليس من شك في شرعية الإقرار،و أنّه حجة نافذة بحق المقر،قال صاحب الجواهر:«الأصل في شرعية الإقرار إجماع المسلمين،أو الضرورة-أي البديهة- بل الكتاب و السنة المقطوع بها».

فمن الكتاب قوله تعالى أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا 1.و قوله سبحانه وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ 2.

ص:114

فمن الكتاب قوله تعالى أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا (1).و قوله سبحانه وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ (2).

و من السنة الحديث النبوي المتواتر:إقرار العقلاء على أنفسهم جائز،أي نافذ.و قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا أجيز شهادة الفاسق إلاّ على نفسه.و هناك روايات كثيرة منتشرة في أبواب الفقه حسب المناسبات،و قال الفقهاء:لو قامت البينة على المدعى عليه،ثم اعترف بالحق حكم عليه بإقراره لا بالبينة.

و يتقوم الإقرار بأربعة أركان:الصيغة،و المقر،و المقر له،و المقر به.

و التفصيل فيما يلي:

الصيغة:

هل الإقرار من مقولة اللفظ،بحيث لا يشمل الكتابة،و لا الإشارة،و لا الفعل،أو هو أعم و أشمل؟ قال صاحب الجواهر:«ان إيكال الإقرار إلى العرف في مفهومه و مصداقه أولى من التعرض لتحديده-و بعد فاصل طويل قال-فان العرف هو الذي يميز بين أفراد الإقرار،حتى انّه في القضية الواحدة يجعل-أي العرف-قائلها مدعيا من جهة،مقرا من جهة أخرى».

و هذا حق،لأن الشارع لا حقيقة له خاصة بمعنى الإقرار،و المرجع لمعرفة مفهومه،و تمييز افراده عن افراد غيره هو العرف.و العرف يرى تحقق الإقرار بكل ما يدل على مراد المقر،لفظا كان،أو فعلا،أو إشارة،أو كتابة.

فمن الإقرار باللفظ أن يقول المقر:لك عندي،أو عليّ،أو هذا لك،و ما

ص:


1- آل عمران:81. [1]
2- التوبة:102. [2]

إلى ذاك بأية لغة تكون،و من ذلك-نعم و أجل و بلى في جواب من قال:لي عليك كذا،و من الفعل أن تقول لشخص:لي عليك مائة،فيدفعها لك حالا.و كذا يتحقق الإقرار بكل من الإشارة و الكتابة المعبرة عن قصد المشير و الكاتب،سواء أحصلت من القادر على النطق،أو غيره،فالعبرة بالتعبير عن المراد.قال صاحب المسالك:«لما كان الغرض من الإقرار الإخبار عما في الذمة،أو في العهدة فلا يختص بلفظ معين،بل ما دل على المراد».

فاللفظ-اذن وسيلة للتعبير عن المراد،و ليس غاية في نفسه،و عليه فكل ما دل على المراد،حتى الفعل و الإشارة و الكتابة فهو إقرار،أو يعطى حكم الإقرار.

أجل،الفرق بين اللفظ و غيره من وسائل التعبير ان ظاهر اللفظ حجة معتبرة عند العقلاء و الفقهاء،و ان أفاد الظن دون العلم،أما غيره كالفعل و الإشارة و الكتابة فليس بحجة إلاّ إذا أفادت العلم بالقصد،و عليه يكون العلم هو الحجة،لا نفس الفعل و الكتابة و الإشارة.

و بالمناسبة ننقل ما ذكره صاحب الجواهر في أول باب الوصية،قال ما نصفه بالحرف:«ضرورة حجة ظواهر الأفعال كالأقوال،بل الكتابة أخت الألفاظ،و هي المرتبة الثانية للدلالة في الوضع على ما في النفس،فتكون أولى من الأفعال».

و مهما شككنا فلسنا نشك في أن فقهاء المسلمين و غيرهم من الذين اعتبروا الكتابة وسيلة من وسائل إثبات الحق قد رأوا أنّها تفيد العلم بالمراد، و الذين لم يعتبروها حجة و وسيلة للإثبات الحق يرون أنّها لا تفيد العلم به،و عليه فليس الخلاف بين هؤلاء جوهريا،بل صغرويا يرجع إلى التشخيص و التطبيق.

و يشترط في صيغة الإقرار التنجيز،و عدم التعليق،قال صاحب الجواهر:

«لا خلاف بين الفقهاء في اشتراط التنجيز،لأنه اخبار عن حق ثابت،و معنى

ص:116

التعليق أن الحق لم يثبت،و لا يثبت إلاّ بعد أن يوجد الشيء المعلق عليه».فإذا قال:هذا لك،ان شاء اللّه،أو ان شاء زيد فلا يكون إقرارا،و كذا لو قال:ان شهد فلان فحقك ثابت في ذمتي،أو هو صادق فلا يلزم المقر بشيء،إذ من الجائز أن يكون معتقدا بأن فلانا لا يشهد،قال صاحب المسالك:«ان هذا الاستعمال شائع في العرف،يقول الناس في محاوراتهم:ان شهد فلان بأني لست لأبي صدقته، و هو لا يريد سوى أنّه لا يشهد بذلك للقطع بأنّه لا يصدقه لو قال فلان ذلك».

هذا،إلى أن أمر الطريق الذي يثبت به الحق بيد الشارع،لا بيد المتداعيين، فإذا قال أحدهما:أرضى أن يثبت الحق عليّ بهذا الطريق فلا يلتفت إلى قوله، حتى و لو كان قد اتفق مع خصمه على ذلك.و بكلمة،هناك فرق بين الإقرار بالحق،و بين الإقرار أو الرضا بالطريق الذي يثبت به الحق،فإن الأول يلزم به المقر،أما الثاني فأمره بيد الشارع.

المقر:

يشترط في المقر:

1-العقل و البلوغ

،بديهة أن قول المجنون لا يلزمه بشيء،و كذا إقرار الصبي،و ان كان مميزا،و يؤخذ بإقراره بالوصية بالمعروف إذا بلغ عشرا،لأن له أن يوصي بذلك في هذا السن،و من ملك شيئا ملك الإقرار به.

و هل يؤخذ بإقرار الصبي إذا أذن له الولي بالإقرار؟ قال في الجواهر نقلا عن تذكرة العلامة الحلي:«لا يقبل إقراره عند علمائنا، حتى و لو اذن له الولي،و حتى و لو كان مراهقا و مميزا،لأنه مسلوب العبارة إقرارا و إنشاء».

ص:117

و استثنى الفقهاء من عدم الأخذ بإقرار الصبي،استثنوا إقراره بالبلوغ بسبب الاحتلام إذا صدر الإقرار في وقت يمكن أن يكون فيه بالغا كابن عشر سنين، قالوا:يؤخذ بإقراره من دون يمين،لأنها لا تصح إلاّ من البالغ فلا يعقل ثبوت البلوغ بها،و بتعبير ثان ان القول بأن البلوغ يتوقف على اليمين تماما كالقول بأن وجود القلم يتوقف على وجود الكتابة،بحيث لا يوجد القلم إلاّ بعد أن توجد الكتابة،مع العلم بأن الكتابة لا توجد إلاّ بعد وجود القلم فيلزم أن يتوقف الشيء على نفسه،و هو المعروف عند أهل المنطق بالدور الباطل (1).قال صاحب مفتاح الكرامة«ظاهر الفقهاء قبول دعواه بلا يمين،و لو كان في مقام الخصومة، و الجارية كالصبي إذا ادعت البلوغ بالاحتلام».

أمّا صاحب الجواهر فبعد أن نقل هذا القول عن عديد من الفقهاء،و أن أحدا منهم لم يحك الخلاف فيه،بعد هذا رد عليهم بقوله:ان مجرد إمكان البلوغ غير كاف في صحة أقوال الصبي.ضرورة عدم كون الإمكان من الأدلة.أما ظهور الصدق في أقوال المسلمين فإنما هو بعد ثبوت بلوغهم.و قال السيد أبو الحسن الأصفهاني في الوسيلة:ان قبول قوله بلا يمين أو مع اليمين محل تأمل و اشكال.

و نحن على هذا الرأي،إذ لا دليل على الأخذ بقوله من النقل،و لا من العقل،و الفقهاء الذين أخذوا بقوله قد استندوا إلى قاعدة القبول فيما لا يعلم إلاّ من قبله،و لا دليل على صحتها بنحو الإطلاق،بحيث يشمل ما نحن فيه.

و مهما يكن،فقد اتفقوا على أنّه لو ادعى البلوغ بالسن،أو بإنبات الشعر

ص:118


1- نظم بعض الشعراء الدور بقوله: مسألة الدور جرت بيني و بين من أحب لولا مشيبي ما جفى لولا جفاه لم أشب

فعليه البينة،و تغتفر-هنا-رؤية العورة،لمكان الحاجة،تماما كرؤية الطبيب.

2-القصد

،فلا عبرة بإقرار النائم و السكران،و لا الساهي و المغمى عليه، و لا الهازل مع القرائن الدالة على الهزل،و لا فرق في السكران بين من شرب المسكر اختيارا،أو اضطرارا،أو مكروها،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده في شيء من ذلك».

3-الاختيار

،فلا عبرة بإقرار المكره،و لا يختص الإكراه بالضرب و التهديد،بل يعم كل ما من شأنه أن يحمل الإنسان على الاعتراف بغير رضا و طيب نفس.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده في شيء من ذلك، ضرورة وضوح اعتبار الاختيار من النصوص المتفرقة في الأبواب و الفتاوى في جميع الأسباب الشرعية التي منها الأقدار إلاّ ما خرج بدليله كضمان المتلف».

4-ان يكون المقر عالما بمدلول الإقرار

،و إذا أقر،ثم قال:لم أفهم ما قلت فان احتمل الجهل بحقه صدّق بيمينه،و إلاّ ردت دعواه.قال صاحب المسالك:«إذا علم أن المقر عارف بمعنى ما أقر به لم تقبل دعواه خلافه،و ان احتمل الأمرين،و قال:لم أفهم معنى ما قلت،بل لقنت فتلقنت صدق بيمينه، لقيام الاحتمال،و أصل عدم العلم بغير لغته،و كذا القول في جميع العقود و الإيقاعات».

5-تقدم في باب الحجر،فقرة«إقرار السفيه و زواجه و طلاقه»ان إقراره

يقبل في غير التصرفات المالية،و يرفض فيها

.و تقدم في فصل المفلس،فقرة «إقرار المفلس»ان الفقهاء اختلفوا في إقرار المفلس بدين لشخص بعد التحجير.

و أيضا اختلفوا فيما إذا أقر المريض مرض الموت بدين أو عين،و لم نعلم:

هل الشيء الذي أقر به هو حق عليه واجب الأداء،أو أنّه مجرد تبرع،اختلفوا

ص:119

هل ينفذ هذا الإقرار من الأصل أو الثلث،و تكلمنا عن ذلك مفصلا في كتاب الفصول الشرعية،و كتاب الأحوال الشخصية على المذاهب الخمسة،و اخترنا أن المريض إذا كان متهما،بحيث دلت القرائن على أنّه يريد محاباة المقر له يكون حكم الإقرار حكم الوصية ينفذ من الثلث،و ان كان المريض مأمونا في إقراره، و لا قرينة تدل على المحاباة ينفذ الإقرار من الأصل.و سنتكلم عن ذلك مفصلا ان شاء اللّه في باب الوصايا.

دعوى المقر فساد الإقرار:

إذا قال المقر:انّه كان صغيرا أو مجنونا،أو مكرها،أو هازلا،أو سكرانا حين الإقرار،و قال المقر له:بل كنت عاقلا بالغا مختارا و جادا،فمن هو المدعي؟و من هو المنكر؟ قال الشهيد الثاني:«الأقوى عدم سماع قول المقر في جميع ذلك».

و الحق انّه إذا اختلف المقر و المقر له في أهلية المقر،و أنّه هل كان عاقلا بالغا حين الإقرار فالقول قول من ينفي العقل و البلوغ،لأن أصل الصحة لا يجري في الإقرار إلاّ بعد أن نحرز و نتأكد من أهلية المقر،و ان إقراره يمكن أن يكون صحيحا،و يمكن أن يكون غير صحيح،أما إذا لم نتأكد من أهلية المقر فإن معنى هذا أنّا لم نتأكد من وجود الإقرار،لأن الشك في أهلية المقر شك في الإقرار من رأس لا شك في صحته و فساده،و عليه فلا موضوع لأصل الصحة،و بالتالي يكون القول قول المقر بيمينه.

أمّا إذا اتفق المقر و المقر له على وجود الأهلية،و تحقق البلوغ و العقل حين الإقرار،و اختلفا في صحته بسبب غير فقدان الأهلية كالقصد و الاختيار،أما إذا كان

ص:120

الأمر كذلك فيجري أصل الصحة،لأن الإقرار موجود بالفعل،و يمكن أن يتصف بالصحة،و ان يتصف بالفساد،فنرجح حينئذ جانب الصحة على جانب الفساد، و بالتالي يكون القول قول المقر له بيمينه.

و بكلمة:ان الشك في وجود الأهلية شك في وجود الإقرار الحقيقي، و يكون هذا الذي صدر مع عدم إحراز الأهلية هو صورة إقرار،لا إقرارا في واقعة، أما مع إحراز الأهلية فإن الصادر يكون إقرارا حقيقة و واقعا،و لكنه يحتمل الصحة و الفساد،فنلغي احتمال الفساد بأصل الصحة.

المقر له:

اشارة

يشترط في المقر له أن تكون له أهلية التملك و ثبوت الحق له،فلو قال:

عليّ لهذا الحائط،أو لهذه الدابة كذا كان لغوا.و يصح الإقرار للمدرسة و المسجد و المصح،و ما إليه،لأنه إقرار لمن ينتفع بالمدرسة و المسجد،و المصح.و يصح الإقرار للمجهول جهالة غير فاحشة.كما لو قال:لأحدكما عليّ مبلغ كذا،لا أدري من هو بالذات،فيستخرج بالقرعة بينهما.

و اتفق الفقهاء على صحة الإقرار للحمل إذا ولد حيا لأقل من ستة أشهر، حيث يحصل العلم بأنه كان موجودا عند صدور الإقرار،لأن أقل الحمل ستة أشهر،و لا يولد حيا قبلها.و إذا سقط الحمل ميتا فان قال المقر:ان الشيء الذي أقر به هو إرث للحمل رجع إلى باقي الورثة،و ان قال:هو وصية رجع إلى ورثة الموصي،عملا بما يستدعيه الإقرار.و ان لم يعزه إلى الإرث و الوصية ترك المقر، و شأنه يعمل بتكليفه الذي هو أعرف به،و لا يحق لأحد معارضته،لأن أمر الأموال يرجع بها إلى من هي في يده،حتى يثبت العكس،و المال هنا ليس

ص:121

للحمل لأنه ولد ميتا،فيكون أمره لمن هو في يده.

و أيضا اتفقوا على بطلان الإقرار للحمل إذا ولد لأكثر من أقصى مدّة الحمل للعمل بعدم وجوده حال الإقرار،و معلوم أن الإقرار للمعدوم لا يصح.

و اختلفوا فيما إذا ولد في منتهى التسعة أشهر من حين الإقرار بناء على أنّها أقصى مدّة الحمل،فقال جماعة:يصح الإقرار عملا بالظاهر،أي الغالب،لأن أكثر النساء يلدن للتسعة،و عليه يكون الحمل موجودا عند الإقرار،و إذا صح الإقرار مع الولادة في منتهى التسعة فيصح مع الولادة قبلها و بعد الستة بطريق أولى.

و قال آخرون،و منهم صاحب الجواهر بعدم صحة الإقرار،لأن الحمل حادث،و الأصل تأخر الحادث،و عليه لا يكون الحمل موجودا حين الإقرار،أما الظاهر فلا يقدم على الأصل،و لا يصح الاعتماد عليه إلاّ إذا دل الدليل الشرعي عليه،أو أفاد العلم بالكشف عن الواقع.

و على كل حال،فإن استحق الحمل الشيء المقر به فهو له بكامله ان كان واحدا،و ان زاد عن الواحد اقتسم الذكر و الأنثى بالسوية إلاّ مع العلم بأن الاستحقاق ثابت بالتفاوت،كميراث الأولاد و الأخوة من الأب،لأن الأصل عدم التفاضل بين الذكر و الأنثى،حتى يثبت العكس،و من هنا اتفق الفقهاء على أنّه إذا وقف على أولاده،أو أوصى لهم اقتسم الذكر و الأنثى بالسوية.

عدم تكذيب المقر له:

هل يشترط في صحة الإقرار عدم تكذيب المقر له للمقر؟ قال صاحب الجواهر:ان تكذيب المقر له للمقر لا يبطل الإقرار،لأنّ قبول

ص:122

المقر له ليس شرطا في صحة الإقرار،بل في تنفيذه بحق المقر.

و عليه،فإذا أقر إنسان لآخر بدين أو عين،و نفى المقر له ذلك كان الشيء المقر به بحكم مجهول المالك ان بقي المقر على إصراره و إقراره،و ان رجع عنه ذاكرا وجها معقولا كالاشتباه و النسيان المحتملين في حقه قبل منه،و ان كان إنكارا بعد إقرار،لأن المفروض أنّه لا يزاحم حق الغير (1).و كذا يقبل من المقر له ان رجع عن إنكاره،و قال:أجل،انّه لي.و قد كنت مشتبها أو ناسيا.

المقر به:

يشترط في المقر به:

1-أن يكون في طبيعة الاستحقاق

،كدين،أو عين،أو زوجية،أو حق شفعة،أو ما يوجب الحد،أو القصاص،أو الدية،و ما إلى هذه.و لو أقر بما لا يصح تملكه،كإقرار المسلم لمثله بخمر أو خنزير يكون الإقرار لغوا،و لو أقر بهما لغيره فيصح.

2-أن يكون الشيء المقر به في يد المقر و تصرفه

،فلو قال:العين الموجودة في يد زيد هي لخالد يكون قوله هذا شهادة،و ليس إقرارا.أجل،لو اتفق أن حصلت تلك العين في يد المقر بطريق من الطرق ألزم بتسليمها للمقر له، كما لو قال:ان العين التي في يد أبي قد اغتصبها من عمرو،ثم توفي أبوه و انتقلت إليه تركته،فيجب عليه أن يرد العين التي اعترف له بها،لأن الاعتراف تام

ص:123


1- لا يجوز الإنكار بعد الإقرار إذا كان مزاحما لحق الغير،و إلاّ فلا آية و لا رواية على عدم جوازه من حيث هو.

الاقتضاء،لصدوره عن عاقل بالغ مختار.و قد زال المانع من تنفيذه،فيجب أن يأخذ مجراه.

و لو أقر بأن الدين الذي باسمه على زيد هو لفلان أخذ بإقراره،إذ من الجائز أن يكون المقر له قد استودع المقر مالا،و اذن له ان يقرضه لمن يشاء باسمه،لا باسم صاحب المال،لأن مصلحته الخاصة تستدعي التستر و الكتمان، و كثيرا ما يقع ذلك.

الإقرار بالمجهول:

اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على أنّه يصح الإقرار بالمجهول،كما لو قال له:لك علي شيء،من غير فرق بين أن يقع الإقرار في مجلس القضاء،و مع الخصومة،و بين أن يقع ابتداء.قال صاحب المسالك:«ربما كان في ذمة الإنسان شيء لا يعلم قدره فلا بد من الاخبار عنه،ليتواطأ هو و صاحبه على الصلح بما يتفقان عليه،فدعت الحاجة،و اقتضت الحكمة سماع الإقرار المجمل،كما سمع المفصل».

و يطالب المقر بالبيان،و التفسير،فإن فسر بتفسير صحيح كالدرهم و الرغيف قبل منه،و ان كان يسيرا،و ان فسره بما لا يصح كقشرة الجوز التي لا قيمة لها،أو كالخمر و الخنزير إذا كان الإقرار لمسلم فلا يقبل منه.

و ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى أنّه ان امتنع عن التفسير مع قدرته عليه يحبس،حتى يفسّر،لأن البيان واجب عليه،و قد امتنع عنه فتحل عقوبته،تماما كما تحل عقوبة الممتنع عن أداء الدين.أجل،إذا قال:نسيت فلا يتجه الحبس،بل يرجع إلى الصلح،أو يصبر عليه حتى يتذكر.

ص:124

تعقيب الإقرار بما ينافيه:

إذا أقر بشيء،و عقبه بما ينافيه،مثل ان يقول:له عليّ ألف و قد قضيته،أو هو دين من قمار،أو ثمن خمر أو خنزير،فهل يلغى الإقرار جملة،أو يكون مقرا من جهة،و مدعيا من جهة،فيؤخذ بإقراره،و عليه البينة لإثبات ما يدعيه؟ اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على أنّه مقر و مدع،فيلزم بالمال عملا بإقراره،و عليه إثبات دعواه،بل لو قال:اشتريت هذا منك بالخيار يؤخذ بإقراره، و عليه إثبات دعواه،بل لو قال:اشتريت هذا منك بالخيار يؤخذ بإقراره بالشراء، دون الخيار.أجل،لو قال.له عليّ دراهم ناقصة سمع منه،لأنّه كقوله:له عليّ ألف جنيه مصري أو ليرة سورية.

و قال الفقهاء:إذا كانت في يده عين،و اعترف لشخص،ثم لآخر،كما لو قال:هذي لزيد،بل لعمرو حكم عليه بإعطائها لزيد،و غرم قيمتها لعمرو،بل قالوا:لو استمر الإضراب إلى الألف،و قال:بل لخالد،بل لسعيد إلخ وجب أن يغرم البدل كاملا لكل واحد ما عدا الأول الذي يجب أن تسلّم إليه العين.

و استدلوا بأن إقراره للأسبق قد حال بين العين،و بين الثاني،فيكون كالمتلف، قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف معتد به،لعموم إقرار العقلاء،و للحيولة».

و يلاحظ بأن الإقرار انما يكون حجة على المقر ما لم نعلم كذبه و مخالفته للواقع.

و إذا اعترف شخص بالبيع و القبض و وقّع السند،ثم قال:لم أقبض الثمن، و انما اعترفت بالقبض ثقة مني بأن المشتري سيدفع لي بعد الاعتراف،و قد جرت العادة على ذلك-إذا ادعى المقر مثل هذه الدعوى تسمع منه،و له اليمين على خصمه بأنّه أقبضه الثمن كاملا.

ص:125

و لا مجال هنا للبينة بأنّه لم يقبض،لأنها على النفي المحض.و قال صاحب الجواهر:«تقبل دعواه بعدم قبض الثمن بعد اعترافه به،لأنه ادعى ما هو معتاد.و ليس لقائل أن يقول:لا تقبل دعواه،لأنه مكذب لنفسه فيكون إنكارا بعد إقرار،لأنا نقول:انّه لم يكذب نفسه،بل هو مدع لشيء آخر مع الإقرار،فتتجه اليمين على المشتري».ثم قال صاحب الجواهر:و هذا أشبه بأصول المذهب و قواعده.أجل،لو شهدت البينة بمشاهدة القبض لا بالاعتراف بالقبض ترد الدعوى رأسا،و لا تتجه اليمين على المشتري.

و اتفقوا كلمة واحدة على أن من أقر بما يوجب الرجم كالزنا،ثم أنكر يسمع منه الإنكار،و يسقط عنه الحد،لأن الحدود تدرأ بالشبهات،و للنص الخاص كما يأتي في باب الحدود.

اذن،فالإنكار لا يرد في جميع أنواعه،و شتى صوره،بل يقبل الإنكار إذا جاء بعد الإقرار الموجب للرجم،و فيما إذا لم يزاحم حق الغير،و يقبل إذا اقترن بدعوى ممكنة و معقولة كإنكار القبض بعد الاعتراف به،و للمقر على المقر له اليمين.و لا يقبل الإنكار بحال بعد الإقرار بالولد،و لو ذكر المقر لإنكاره بعد الإقرار ألف سبب و سبب،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:إذا أقر الرجل بالولد ساعة لم ينتف عنه أبدا.

تعقيب الإنكار بالإقرار:

إذا انعكس الأمر،فأقر بعد أن أنكر قبل منه،لأن الإقرار بعد الإنكار لا يزاحم حق المدعي.بل يتفق معه كل الاتفاق بعكس الإنكار بعد الإقرار فإنه يزاحمه و يضاده.بل قال صاحب العروة الوثقى في باب الزواج:لو ادعت امرأة

ص:126

على رجل بأنه زوجها فأنكر،و حلف اليمين الشرعية،ثم رجع عن إنكاره إلى الإقرار يسمع منه،و يحكم بالزوجية بينهما إذا أظهر عذرا لإنكاره.

ص:127

الإقرار بالنسب

الإقرار بالولد:
اشارة

ينقسم الإقرار بالولد إلى قسمين:إقرار ببنوة الصغير،و إقرار ببنوة الكبير، و يشترط في ثبوت نسب الصغير بالإقرار،و الحاقه بالمقر ما يلي:

1-ان يكون بين المولود،و بين المقر تفاوت في السن بحيث تجري العادة بولادته لمثله،و إلاّ كذبه الحس و الوجدان،و كذلك إذا كانت أم الولد في بلد بعيد لا نحتمل أن المقر خرج إليها،أو أن أم الولد أقدمت إليه.

2-أن يكون الصغير مجهول النسب،فمن أقر ببنوة صغير تنسبه الناس إلى غيره لا يسمع منه،حتى و لو صدقه الولد بعد بلوغه،لأن الأنساب لا تقبل النقل من انسان إلى آخر.

3-أن لا ينازع المقر في الصغير منازع،فإن وجد مدع ثان حكم بالولد لصاحب البينة،و مع عدمها يقرع بينهما،و يلحق الولد بمن يعينه الاقتراع.

و اجمع الفقهاء على اعتبار هذه الشروط بشهادة صاحب الجواهر و صاحب مفتاح الكرامة،و ثبت عن الإمام عليه السّلام أنّه قال:«إذا أقر الرجل بالولد ساعة لم ينتف عنه أبدا».و أيضا سئل الإمام عليه السّلام عن رجل ادعى ولد امرأة لا يعرف له أب،ثم نفاه بعد ذلك؟قال:ليس له ذلك.

ص:128

و اختلفوا فيما لو أقرت المرأة ببنوة الصغير:هل يلحق بها مع الشروط، تماما كما هي الحال في الرجل،أو لا؟ و الحق عدم الفرق في ذلك بين الرجل و المرأة،لاتحاد السبب،و لإقرار العقلاء على أنفسهم،و لأن الإمام عليه السّلام سئل عن المرأة تسبى من أرضها،و معها الولد الصغير،فتقول هي ابني،و الرجل يسبى،فيلقى أخاه،فيقول أخي، و يتعارفان،و ليس لهما بينة على قولهما؟.فقال الإمام عليه السّلام:إذا جاءت بابنها أو ابنتها،و لم تزل مقرة،و إذا عرف أخاه،و كان ذلك على صحة من عقلهما،و لم يزالا مقرين ورث بعضهم من بعض.

و متى توافرت الشروط يثبت النسب،و تترتب عليه جميع اثاره من التوارث،و تحريم الزواج،و وجوب الإنفاق،و المشاركة في الوقف و الوصية، و ما إلى ذاك.و تتعدى هذه الآثار إلى جميع الأقارب و الأرحام دون استثناء،و لا يعتبر تصديق الصغير بعد بلوغه و رشده،بل لا يلتفت إلى إنكاره إذا أنكر الأبوة و الأمومة،و إذا طلب اليمين من المقر فلا يحلف،لأن المقر ملزم بإقراره على كل حال،حتى و لو رجع عنه.اذن،فلا مورد لليمين.

و إذا أقر ببنوة كبير فلا بد من تصديقه بالإضافة إلى الشروط الثلاثة المتقدمة،فإذا أنكر الكبير لم يثبت النسب بينهما إلاّ إذا أقام المقر البينة،فان لم يكن له بينة حلف المنكر،و سقطت دعوى المقر،و ان نكل حلف المقر،و ثبت النسب.و إذا تصادق البالغان على ثبوت النسب،ثم رجع أحدهما أو كلاهما عنه لم يقبل منهما،لأنه تماما كالفراش متى ثبت دام.

و المجنون كالصغير،لاشتراكهما في عدم الأهلية.

ص:129

الإقرار بالولادة من الزنا:

لو قال:هذا ولدي من الزنا،فهل يؤخذ بقوله،و ينفى عنه الولد،أو يلحق به شرعا،و لا يلتفت إلى قوله من الزنا؟ ذكر هذا الفرع صاحب الجواهر استطرادا في المسألة الأولى من مسائل الإقرار بالنسب.و لم يحكم به سلبا و لا إيجابا،لأن قوله:«هذا ولدي»يستدعي إلحاقه به،و قوله:«من الزنا»يستلزم نفيه عنه.و في الترجيح لأحد الطرفين نظر.

و هذه عبارة صاحب الجواهر بالحرف:«لو قال:هذا ولدي من الزنا فهو من باب تعقب الإقرار بالمنافي،و هل يؤخذ بأول كلامه فيلحق به،أو بآخره فلا يثبت به حكم النسب؟نظر،كما في الدروس».

و الأقرب صحة الإلحاق به،و الحكم بأنّه ولده الشرعي،لأنه أشبه بقول من قال:له عليّ ألف من ثمن خمر،حيث أجمع الفقهاء على الحكم عليه بالمال.

و لا يسمع منه«من ثمن خمر»و لأنه بعد أن أقر به فلا يسمع نفيه عنه،لقول الإمام عليه السّلام:إذا اعترف بالولد فلا ينتفي عنه أبدا.و إذا قيل بأن هذا ليس باعتراف أجبنا بأن قوله:عليّ ألف من ثمن خمر ينبغي أن لا يكون اعترافا،لأن الاثنين من باب واحد.و الفرق تحكّم.و مهما يكن،فإن الأصل في كل مولود ان يلحق شرعا بمن أولده،حتى يثبت العكس.

بين النسب و الزوجية:

لا تلازم بين النسب و الزوجية،فإذا قال:هذا ابن زوجتي فلانة فلا يكون الإقرار بزوجية الأم إقرارا بالولد،إذ من الجائز أن يكون ولدها من غيره.و كذا إذا قال:هذا ولدي من فلانة فإن الاعتراف بالولد ليس اعترافا بزوجية الأم،حتى و لو

ص:130

كانت معروفة بالصون و العفاف،إذ من الجائز أن يكون قد وطأها بشبهة،أو أنّه أكره على وطئها،أو أن الولد انعقد من مائه بطريق غير الوطء.

و قال بعض الفقهاء:لا تثبت زوجية المرأة،و لكن يثبت لها المهر،لأنها ان كانت زوجة فلها المهر،و ان كانت موطوءة بشبهة فكذلك.

ورد صاحب الجواهر هذا القول:«بأن الولادة قد تكون بلا وطء،أو بوطء عن إكراه،و كلاهما لا يوجبان المهر».و هذا حق،لأن العام لا يدل على الخاص.

الإقرار بنسب الميت:

إذا مات انسان مجهول النسب،فقال شخص:هذا ابني،و لم ينازعه في ذلك أحد،و كان تولده منه ممكنا،إذا كان كذلك يثبت نسبه و يرثه ان كان له مال، سواء أ كان الميت صغيرا،أو كبيرا،لأن السبب لثبوت النسب في حياته هو الإقرار به،و الإقرار موجود بعد الموت فيثبت به النسب،تماما كما يثبت به في الحياة.

قال الشهيد الثاني في شرح اللمعة:«لا يعتبر تصديق الصغير و المجنون و الميت، بل يثبت نسبهم بمجرد الإقرار،لأن التصديق انما يعتبر مع إمكانه،و هو ممتنع منهم،ثم نسب هذه الفتوى إلى الفقهاء،و نقل صاحب الجواهر عن كتاب جامع المقاصد و الرياض عدم الخلاف في ذلك.

الإقرار بغير الولد:

قسم جملة من الفقهاء الإقرار بالنسب إلى قسمين:إقرار على نفس المقر خاصة،و إقرار على غيره،و قسمه آخرون إلى إقرار بالولد،و إقرار بغير الولد، و المعنى واحد في التقسيمين،و لا اختلاف إلاّ في التعبير،لأن الإقرار على النفس

ص:131

يختص بالولد فقط،لأنه من فعله،و الإقرار على الغير يشمل غير الولد أخا كان، أو ابن ابن،أو أبا،أو أما،فإذا قال:هذا أخي كان معناه أنّه ابن أبي،أو ابن أمي، و هو إقرار بحق الغير،و إلحاق بغير المقر،و كذلك إذا قال:هذا ابن ابني فإنه ادعاء على ابنه بأنّه أولد هذا،و أيضا إذا قال:هذا أبي،أو هذي أمي فإنه ادعاء على الرجل بأنه أولده،و على المرأة بأنّها أولدته.كل هذا و ما إليه-غير الإقرار بالنبوة- يدخل في الإقرار بحق الغير،و الإقرار بغير الولد،قال صاحب مفتاح الكرامة:«لا فرق في غير الولد بين الإقرار بالأب أو الأم أو الأخ و غيرهم».

و اتفق الفقهاء على أن الإقرار بغير الولد يشترط فيه:

أولا:تصادق الطرفين،و إذا كان الآخر صغيرا ينتظر به إلى ما بعد البلوغ، ثم يسأل فإن أنكر يكون الإقرار من الطرف المقابل لغوا بل قال صاحب الجواهر:

«لو تصادق الكبيران على نسب غير البنوة ثم رجعا يقبل منهما،أمّا لو رجع المتصادقان في البنوة فلا يقبل منهما،لأنه كالفراش،بل أشد».أي أن الإقرار بالبنوة يثبت به النسب،و متى ثبت فلا يرتفع،أمّا الإقرار بغير البنوة فلا يثبت به النسب،و أنما أخذ المقر بإقراره فيما يعود إلى الحقوق المادية.

ثانيا:أن لا يكون لأحد المتصادقين المتوافقين على الاخوة،و ما إليها وارث موجود حين الإقرار،لأنه إقرار بنسب الغير فلا يتعدى أثره إلى غير المقر.

و متى تحقق الشرطان جاز التوارث بينهما،لأن هذا الإقرار و التصادق من باب الدعوى بلا معارض.و قد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجلين جيء بهما من أرض الشرك.فقال أحدهما لصاحبه:أنت أخي،فعرفا بذلك،و مكثا و عرفا بالإخاء،ثم مات أحدهما:قال الإمام عليه السّلام:الميراث للأخ،يصدقان.و تقدم في فقرة«الإقرار بالولد»قول الإمام عليه السّلام:و لم يزالا مقرين ورث بعضهم من بعض.

ص:132

و لكن الميراث لا يتعدى إلى أولاد الطرفين،بل يقف على المتصادقين فقط،فإذا جاء لأحدهما أولاد بعد التعارف و التوافق يعامل أولاد أحدهما مع أولاد الآخر معاملة الأجانب.

و بهذا يتبين معنا أن الإقرار بالولد يفترق عن الإقرار بغيره من وجوه:

1-ان التصادق و التعارف بين الطرفين شرط في الإقرار بغير الولد، و بالولد إذا كان كبيرا و حيا.و ليس شرطا في الإقرار بالولد الصغير،و لا بالمجنون، و لا بالولد الميت كبيرا كان أو صغيرا.

2-ان الميراث و تحريم الزواج و غير ذلك من آثار النسب لا تتعدى إلى الأقارب و الأرحام،مع الإقرار بغير الولد،و تتعدى إليهم مع الإقرار بالولد،حتى و لو كان كبيرا.و بالاختصار أن النسب يثبت في الإقرار بالولد،و لا يثبت في الإقرار بغيره.

3-أن للمتصادقين في غير الولد أن يرجعا عن إقرارهما،لعدم ثبوت النسب،و ليس لهما ذلك في الإقرار بالولد،لثبوت النسب،و متى ثبت دام.

مسائل:
1-إذا أقر ولد الميت بآخر ثبت الميراث له دون النسب

،و تقاسما بالسوية،ان تساويا في الذكورية و الأنوثية،و بالتفاوت ان كان أحدهما ذكرا، و الآخر أنثى،و إذا كانا اثنين و اعترفا بثالث،فإن كانا عدلين يثبت نسب الثالث و الميراث،لقيام البينة.و ان لم يكونا عدلين يثبت الميراث دون النسب، و اقتسموا التركة أثلاثا،و إذا اعترف به أحدهما دون الآخر يأخذ المنكر نصف التركة،و المقر ثلثها،و للآخر الذي أقر له أحد الاثنين السدس فقط،لأن الإرث قد

ص:133

ثبت في حق المقر دون المنكر،فعلى المقر أن يدفع ما فضل عن ميراثه،و هو السدس يدفعه لمن أقر له،قال صاحب الجواهر:

«بلا خلاف أجده،و في التذكرة هو مذهب علمائنا.و جاء عن أهل البيت عليهم السّلام إذا أقر واحد من الورثة بدين،أو إرث جاز ذلك في حصته،و كذا إذا أقر اثنان،و كانا عدلين مضى ذلك على الورثة.و أوضح من هذه الرواية رواية أخرى،و هي أن عليا عليه السّلام قضى في رجل مات،و ترك ورثة،فأقر أحد الورثة بدين على أبيه أنّه يلزمه ذلك في حصته بقدر ما ورث،و لا يكون ذلك في ماله- أي وحده-و ان أقر اثنان من الورثة،و كانا عدلين أجيز ذلك على الورثة،و إذا لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما بقدر ما ورثا.و كذلك إذا أقر بعض الورثة بأخ أو أخت انما يلزم في حصته».

و نستنتج من هذه الرواية أن بعض الورثة إذا أقر بدين على الميت،و أنكر البعض الآخر أخذ من المقر وفاء للدين بنسبة نصيبه من التركة،و لم يؤخذ من المنكر شيء إلاّ إذا تمت البينة بشهادة الورثة أو غيرهم فان الدين ينفذ بكامله من أصل التركة.و الإجماع على ذلك.

2-إذا كان للميت زوجة و اخوة،و أقرت الزوجة بولد للميت

ينظر.فإن صدقها الأخوة و أقروا به أيضا كان للزوجة الثمن،و الباقي للولد و ليس للإخوة شيء و ان أنكروا أخذت هي الثمن،لاعترافها بوجود الولد للميت،و أخذ الإخوة ثلاثة أرباع،لأنهم ينكرون أن يكون للميت ولد،و أخذ الولد التي أقرت به الزوجة الثمن،أي باقي حصتها على تقدير عدم الولد.

3-تبين مما تقدم أن الميراث قد يثبت دون النسب

كما لو أقر الوارث بوارث آخر،فإنّه ينفذ الإقرار في المال خاصة،و يشارك المقر في التركة.و تبين

ص:134

أيضا أن النسب إذا ثبت فلا ينفيه شيء.أجل قد يثبت النسب دون الميراث،كما لو قتل الوارث مورثه عمدا،أو كان على غير دينه،و يأتي التفصيل ان شاء اللّه في باب الإرث.

ص:135

كتاب الشهادات

معنى الشهادات:

تأتي الشهادة بمعنى الحضور،و منه قوله تعالى فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (1).و تأتي بمعنى الاخبار عن يقين كقوله سبحانه وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ .و ليس للشارع حقيقة خاصة في معنى الشهادة،قال صاحب الجواهر:

«الأصوب إيكال معرفة الشهادة إلى العرف للقطع بعدم معنى شرعي مخصوص لها».أجل،ان الشارع لم يقبلها إلاّ بشروط نذكرها فيما يأتي:

و تعرض الكتاب و السنة للشهادة في كثير من الآيات و الروايات،فمن الكتاب قوله جل و علا وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ (2).و قوله تعالى وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ (3).و من السنة ما روي عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه سئل عن الشهادة؟ فقال للسائل:هل ترى الشمس؟قال:نعم.فقال:على مثلها فاشهد،أو دع.

ص:136


1- البقرة:185. [1]
2- البقرة:282. [2]
3- الطلاق:2. [3]

بين الشهادة و الرواية:

ان الفرق بين الشهادة و الرواية في اصطلاح المتشرعة-أي الفقهاء-هو الفرق بين الحكم و الفتوى،حيث يريدون من الرواية في أبواب الفقه ما يثبت به الأحكام الشرعية العامة،و يريدون بالشهادة ما يفصل بين المتخاصمين في حوادث خاصة،و يشترطون العدد في الشهادة،و الذكورية في أكثر مواردها،و لا يشترطون ذلك في الرواية.

تحمل الشهادة و أداؤها:

معنى تحمل الشهادة أن يدعوك انسان لتشهد له على شيء،فيجب عليك أن تلبي و لا يجوز لك الرفض من غير عذر،قال تعالى وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا (1).و قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا دعاك الرجل لتشهد على دين أو حق فلا يسعك أن تتقاعس عنه.و قال:إذا دعيت إلى الشهادة فأجب.لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة ليشهد عليها أن يقول:لا أشهد لكم.

و معنى أداء الشهادة أن تؤديها و تدلي بها أمام الحاكم إذا دعيت لذلك،و هذا الأدلاء واجب،تماما كالتحمل،قال تعالى وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ (2).و قال وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ (3).و قال الإمام عليه السّلام:من كان في عنقه شهادة فلا يأبى إذا دعي لإقامتها،و ليقمها،و لينصح فيها،و لا تأخذه فيها لومة لائم،و ليأمر بالمعروف،و لينه عن المنكر.

ص:137


1- البقرة:282. [1]
2- البقرة:283. [2]
3- البقرة:140. [3]

و اتفق الفقهاء على أن كلا من تحمل الشهادة و أدائها واجب على سبيل الكفاية،لا العين،فإذا قام به البعض سقط عن الكل،و ان امتنع الكل أثموا جميعا.

و يجوز للشاهد أن يتخلف عن أداء الشهادة مع خوف الضرر على نفسه، أو على غيره من الأبرياء،لأنه لا ضرر في الإسلام،قال الإمام عليه السّلام:أقم الشهادة للّه و لو على نفسك،أو الوالدين و الأقربين فيما بينك و بينهم،فإن خفت على أخيك ضيما فلا.

قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده».

الشهادة و شروطها:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا أردت أن تقيم الشهادة فغيّرها كيف شئت، و رتبها و صححها،بما استطعت،حتى يصح الشيء لصاحب الحق،بعد أن لا تكون تشهد إلاّ بحقه،و لا تزيد في نفس الحق ما ليس بحق،فإنما الشاهد يبطل غير الحق،و يحق الحق،و بالشاهدين يوجب الحق،و بالشاهد يعطى،و ان للشاهد في إقامة الشهادة بتصحيحها بكل ما يجد إليه السبيل من زيادة الألفاظ و المعاني،و التفسير في الشهادة ما به يثبت الحق،و لا يؤخذ به زيادة على الحق، و ان له بذلك مثل أجر الصائم المجاهد بسيفه في سبيل اللّه.

أما شروط الشهادة فهي:

1 الوضوح:

أن تكون صريحة واضحة،و يكفي كل لفظ يدل عليها كأشهد و أتيقن،

ص:138

و أعرف،و الذي أدين به،و ما إلى ذلك.

2 المطابقة:

أن تطابق شهادة كل من الشاهدين مع شهادة الآخر في المعنى،فإذا اختلفا فيها ردت شهادتهما،كما لو شهد أحدهما بالبيع،و الآخر بالإجارة.أو شهدا بالبيع،و لكن قال أحدهما:انّه حصل يوم الجمعة،و قال الآخر:يوم السبت،أو شهد أنّه حصل في السوق،و الآخر بأنه حصل في البيت.

و إذا شهد أحدهما بوقوع الشيء كالبيع،و الآخر بالإقرار فلا يثبت شيء، لعدم توارد الشاهدين على الشيء الواحد.

هذا ما قاله صاحب الشرائع و الجواهر و المسالك و غيرهم من الفقهاء، و كنت لا أرتضيه من قبل،و أرى أن يوكل الأمر إلى نظر الحاكم و اجتهاده،ثم عدلت،و رأيت الحق بجانب الفقهاء،و ان الحاكم لا يمكنه بحال أن يعتبر مثل هذه الشهادة بينة كاملة،إذ لا ملازمة بين الإقرار بالشيء،و بين وجوده واقعا،فمن الجائز ان يقر الإنسان بغير الواقع لمصلحة تستدعيها ظروفه الخاصة.و إذا لم يكن الإقرار بالشيء هو عين الشيء بالذات صح ما قاله الفقهاء من عدم توارد الشاهدين على شيء واحد،و لا على شيئين متلازمين في الواقع.أجل، للمشهود له أن يحلف اليمين مع أحد الشاهدين فيثبت ما شهد به إذا كان من الحقوق التي تثبت بشاهد و يمين.

و قال صاحب الجواهر:إذا شهد واحد بالإقرار بألف،و شهد الآخر بالإقرار بألفين يثبت الألف بالشهادة التامة.أما الألف الثانية فلا تثبت إلاّ بضم اليمين إلى شهادة من شهد بألفين،أما إذا شهد أحدهما بالبيع بألف،و شهد الآخر بالبيع

ص:139

بألفين فلا يثبت شيء،لأن العقد بألف غير العقد بألفين.

3 شهادة النفي:

ان لا تكون الشهادة على النفي المحض،لأن الشاهد يجب أن يكون عالما بما يشهد به.و بديهة أن النفي لا يعلم به إلاّ اللّه سبحانه،فمن شهد أن زيدا لم يستدن من عمرو كانت شهادته رجما بالغيب إذا كانت استدانة مثله منه ممكنة بحسب العادة،فإنّه يجوز أن يستدين منه دون أن يعلم أحد بذلك.و استثنى الفقهاء من ذلك الشهادة بالإعسار،على شريطة أن يكون الشاهد مطلعا على أحوال من شهد بفقره،و عارفا بأموره الخاصة لمعاشرته الأكيدة،و أشرنا إلى ذلك في فصل المفلس من هذا الجزء،فقرة«حبس المديون»رقم 4.و استثنوا أيضا الشهادة بأن الميت لا وارث له،مع الشرط المذكور.

أجل،لو رجعت شهادة النفي إلى الإثبات يؤخذ بها،كما لو ادعى شخص على آخر أنّه قتل أباه يوم كذا في مكان معين،فيقيم المدعى عليه بينة أنّه كان في ذلك اليوم غائبا بحيث لا يمكن صدور القتل منه بحال،أو ادعى رجل زوجية امرأة،و أنّه عقد عليها سنة ستين فتقيم البينة على كذبه،لأنه جرى عقد زواجها الشرعي على غيره سنة تسع و خمسين،و انها في عصمته حتى الآن.

4 العلم:

ان تكون الشهادة عن علم و يقين،فلا تقبل إذا كان سببها الظن،قال تعالى:

وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ .و قال الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«هل ترى الشمس على مثلها فاشهد أو دع».و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«لا تشهد بشهادة،حتى

ص:140

تعرفها كما تعرف كفك».

و المراد بالعلم-هنا-ما يشمل العلم الناشئ من المشاهدة و العيان،مثل أن ترى شخصا يضرب،أو يقتل،أو يسرق،أو يبيع،فتشهد بما ترى.و أيضا يشمل العلم الناشئ من التواتر و الاستفاضة،مثل أن يستفيض و يشاع بين الناس أن هذه القطعة وقف،و هذه المرأة زوجة فلان،و هذا الولد ابنه،فيحصل لك العلم بذلك،فتشهد به.و أيضا يشمل العلم المتولد من علم آخر بحسب العادة، مثل أن ترى رجلا يتصرف في دار بهدم و بناء و أجار دون معارض،فيحصل لك من العلم بذلك علم بأنّها ملكه،فتشهد له بالملك.فقد روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أن رجلا قال له:إذا رأيت شيئا في يد رجل،أ يجوز لي أن أشهد أنّه له؟قال الإمام:نعم.قال الرجل:أشهد أنّه في يده،و لا أشهد أنّه له،فلعله لغيره.

قال الإمام:أ يحل الشراء منه؟قال الرجل:نعم.قال الإمام:فلعله لغيره من أين جاز لك أن تشتريه،و يصير ملكا لك،ثم تقول:بعد ذلك هو لي،و تحلف عليه، و لا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك.ثم قال الإمام عليه السّلام:لو لم يجز هذا ما قام للمسلمين سوق.

و قال صاحب الجواهر:المراد من العلم المعتبر في الشهادة العلم الحاصل من الرؤية و غيرها.فنحن نشهد أن النبي نصب أمير المؤمنين إماما يوم غدير خم،و لم نكن حاضرين في ذاك الوقت.ثم قال:و لا يضر احتمال تخلف العلم عن الواقع إذا كان ناشئا من غير الرؤية،كما أنّه قد يتخلف عن الواقع العلم عن الرؤية و الحس.

ص:141

شروط الشاهد

اشارة

يشترط في الشاهد أمور:

1-العقل:

قال الشهيد الثاني في المسالك:«لما كان الشاهد من شرطه أن يميز المشهود به،و المشهود عليه،و المشهود له،و ان يكون متصفا بالعدالة و مرضيا، لما كان الشاهد كذلك لم تجز شهادة المجنون،سواء أ كان جنونه مطبقا،أو يقع أدوارا،و قد قال تعالى وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ،و قال مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ ،و المجنون بنوعيه غير مرض،و هذا محل وفاق بين المسلمين،و لكن غير المطبق إذا أكمل عقله في غير دوره،و استحكمت فطنته قبلت شهادته لزوال المانع».

و على هذا،فإذا شهد الأدواري حال إفاقته فعلى الحاكم أن يبحث و يدقق، حتى يستوثق من إدراكه التام قبل الأخذ بشهادته.

2 البلوغ:

اتفقوا قولا واحدا بشهادة صاحب الجواهر و المسالك على أن شهادة

ص:142

الصبي غير المميز لا تقبل في شيء على الإطلاق،و اختلفوا في قبول شهادة المميز،فذهب جماعة من الفقهاء إلى أنّها لا تقبل إطلاقا،تماما كغير المميز،لأن الصبي لا يقبل إقراره على نفسه فبالأولى على غيره،و لأن الشهادة يشترط فيها العدالة،و لا عدالة للصبي،و لقوله تعالى وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فإن لفظ رجال لا تقع على الصبيان.

و ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر و المسالك إلى أن شهادة المميز تقبل في القتل و الجرح فقط بشروط ثلاثة:الأول أن يبلغ الصبي العاشرة من العمر،الثاني أن يكون الصبيان قد اجتمعوا على أمر مباح،الثالث أن يشهد الصبي قبل أن يغيب عن الحادثة التي يشهد بها،بحيث لا يحتمل أن يلقن و يوعز إليه.

و استدلوا بهذه الروايات:«شهادة الصبيان جائزة بينهم ما لم يتفرقوا أو يرجعوا إلى أهلهم»،الرواية الثانية:«تجوز شهادة الغلام إذا بلغ عشر سنين»، الثالثة:«لا تجوز شهادة الصبي إلاّ في القتل،يؤخذ بأول كلامه،و لا يؤخذ بالثاني».و إذا جمعنا هذه الروايات في كلام واحد،و عطفنا بعضها على بعض كانت النتيجة أن الصبي تقبل شهادته في القتل إذا بلغ عشرا على أن يشهد قبل أن يرجع إلى أهله،و إذا جازت في القتل جازت في الجرح بطريق أولى.أجل، يبقى شرط اجتماع الصبيان على مباح فقد اعترف صاحب الجواهر و صاحب المسالك بأنّه لا دليل على هذا الشرط.

و لو لا قول صاحب الجواهر:«بأن المقطوع به من النصوص و الفتاوى قبول شهادة الصبيان في الجناية في الجملة»لكنا مع القائل بعدم شهادة الصبيان مطلقا في القتل و غيره للأدلة الناطقة صراحة باشتراط البلوغ و العدالة في الشاهد.هذا، إلى أنّه إذا لم تجز شهادة الصبي في التافه فبأولى أن لا تجوز في الدماء.

ص:143

3 الإسلام:

نقل صاحب الجواهر و صاحب المسالك عن الشيخ الطوسي الكبير و المعروف بشيخ الطائفة أنّه قال:تقبل شهادة أهل كل ملة على ملتهم مستندا إلى أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن شهادة أهل الذمة؟فقال:لا تجوز إلاّ على ملتهم.

ثم نقل صاحب الجواهر عن صاحب كتاب كشف اللثام أنّه قال معلقا على قول الشيخ:«هو قوي إلزاما لأهل كل ملة بما تعتقد».

و اتفقوا على أنّه إذا أوصى رجل مسلم في السفر،و لم يكن عنده أحد من المسلمين فله أن يشهد اثنين من أهل الكتاب على ان يستحلف بعد الصلاة بحضور جمع من الناس أنهما ما خانا،و لا كتما،و لا اشتريا به ثمنا قليلا،لقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى (1).

و ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر و المسالك إلى أنّه لا يشترط أن يكون ذلك في الغربة،بل تجوز شهادة غير المسلمين من أهل الكتاب في الوصية إذا لم يجد الموصي شاهدين مسلمين يشهدان على وصيته،و حملوا قيد السفر في الآية الكريمة على الغالب،فقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن شهادة أهل الملل:هل تجوز على رجل من غير أهل ملتهم؟فقال:لا،إلاّ أن لا يوجد في تلك الحال غيرهم،فان لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية،لأنه لا يصلح ذهاب حق امرئ مسلم،و لا تبطل وصيته.

ص:144


1- المائدة:109. [1]

4 العدالة:

يشترط في قبول شهادة الشاهد العدالة إجماعا و كتابا و سنة،فمن الكتاب:

وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ .و من السنة ما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام«لا أقبل شهادة الفاسق إلاّ على نفسه».و نشير هنا إلى أمرين:إلى معنى العدالة،و إلى طريق ثبوتها و المعرفة بها.

و قد اختلف الفقهاء في معنى العدالة،و أطالوا الكلام،فمنهم من قال:انّها الإسلام مع عدم ظهور الفسق،و قال آخر:هي ملكة راسخة في النفس تبعث على التقوى،و قال ثالث:انّها الستر و العفاف،و ذهب رابع إلى أن العدالة تتحقق بترك الكبائر،مع عدم الإصرار على الصغائر.و نحن في النتيجة على هذا الرأي، و الدليل عليه في الكلمات التالية.

و إذا دل اختلاف الفقهاء في معنى العدالة على شيء فإنما يدل على أن الشارع حين اعتبر العدالة شرطا في الشاهد و غيره قد أوكل معرفتها إلى فهم العرف،حيث لم يثبت عنه أنّه حددها بتحديد خاص،و ان ذهب جماعة إلى ذلك.أجل،لقد وردت الإشارة إلى معناها في بعض الأخبار،و لكنها إشارة إلى المعنى العرفي،و ليست تحديدا للحقيقة الشرعية فيما نعتقد.و لا أدل على ذلك من أن الفقهاء قد بحثوا و نقبوا عن معنى العدالة في كتب اللغة،و فيما يتبادر منها إلى افهام العرف،تماما كما يبحثون عنها في كتب الحديث،بل ان بعضهم قد استشهد بأقوال أفلاطون.و بديهة أن كل ما يرجع الفقهاء في معرفته إلى اللغة و العرف،أو أي مصدر غير الشرع فليس من الحقيقة الشرعية في شيء.

و الذي حصل لنا بعد التأمل و التتبع لسيرة العرف و الآيات و الروايات و أقوال الفقهاء أن العادل هو الأمين الملتزم بأحكام دينه عمليا لا نظريا،و لا يؤثر

ص:145

دنياه على دينه من أجل قريب أو صديق أو آية غاية من الغايات،من غير فرق بين أن يكون ذلك عن ملكة أو عن غير ملكة،فالمهم أن يكون مصداقا لقوله تعالى وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّما عِنْدَ اللّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ .

و يستأنس لذلك بما جاء في بعض الأخبار أو الآثار أن المؤمن المتدين هو الذي لا يرتكب كبيرة،و لا يداوم على صغيرة،و بقول الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام:

اشهدوا من ترضونه دينه و أمانته و صلاحه و عفته،و أيضا يستأنس له بقوله تعالى:

اَلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ .و الكبائر هي ترك الأركان،و ارتكاب الجنايات،كالقتل و السرقة،و أكل المال بالباطل،و ما إليه مما توعد اللّه عليه في كتابه العزيز.أما اللمم فهي صغائر الذنوب التي يتعذر الاجتناب عنها-في الغالب-و التي أشار إليها النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بقوله:

ان تغفر اللهم تغفر جما و أي عبد لك ما ألمّا

و لصاحب الجواهر في باب الشهادات كلام عن العدالة يدل على صفاء فطرته،و اعتدال ذوقه،نقطف منه ما يلي:

«لا شك ان الصغائر لا ينفك عنها انسان.و ان فعل الطاعات،و اجتناب الكبائر تكفير لارتكاب الصغائر.اذن لا حاجة إلى التوبة منها،نعم لا ينبغي ترك العزم على الإصرار،لحديث:«لا صغيرة مع إصرار،و لا كبيرة مع استغفار».و هذا الحديث يشعر بأنّه لا حاجة إلى الاستغفار من الصغيرة مع عدم الإصرار،كما هو واضح».

و من صغار الذنوب لبس الحرير،و خاتم الذهب،و الشرب من آنية الذهب و الفضة،و تناول لقمة أو جرعة متنجسة،و الجلوس على مائدة فيها مأكول أو مشروب محرم،و منها أيضا إشارة الطرف بصورة محرمة،و سقطات اللسان،

ص:146

و الزهو و الغرور إذا لم يكن وسيلة إلى الإساءة و الإضرار بالغير.

أمّا المروءة فقد ذهب جماعة،منهم الشيخ و المفيد و الحلبي و القاضي و الأردبيلي و المجلسي و النراقي و صاحب الشرائع و المدارك و الجواهر و غيرهم ذهبوا إلى أن المروءة ليست ركنا من أركان العدالة،و لا شرطا من شروطها.

و أجاد صاحب الجواهر بقوله في باب الشهادات:«لا إشكال في رد الشهادة بما يتنافى معها من فعل محرم،أو عمل ينبئ بالخبل،لأن الأول ضد التقوى، و الثاني لا يتفق مع كمال العقل،أما ما لا يرجع إلى ذلك فيشكل اعتباره في الشهادة أو العدالة»و إذا لم تكن المروءة ركنا و لا شرطا في العدالة،و لا في الشهادة فالحديث عنها-اذن-أجنبي عن مباحث الفقه و أبوابه.

أمّا طريق ثبوت العدالة،و معرفتها فهو التجربة و المخالطة،أو شهادة عدلين،أو الشياع المفيد للعلم.

5 الضبط:

لا تجوز شهادة من يكثر غلطه و سهوه،و لا شهادة المغفل الذي يغلب البله عليه،لعدم الوثوق بقولهما.و على الحاكم أن يتأكد من يقظة الشاهد قبل الاعتماد على شهادته،تماما كما يتأكد من عدالته،قال الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام:«أشهدوا من ترضون دينه و أمانته و خلقه و صلاحه و عفته و تيقظه فيما يشهد به و تحصيله و تمييزه،فما كل صالح مميز،و ما كل مميز صالح».قال بعض العلماء:نرد شهادة أقوام نرجو شفاعتهم يوم القيامة.و قال صاحب الجواهر:شاهدت بعض الأولياء يدخل عليه الغلط و التزوير من حيث لا يشعر.

ص:147

6 العداوة:

تقبل شهادة العدو لعدوه إذا كان عادلا بالاتفاق،و لا تقبل إذا كانت عليه.

قال صاحب الجواهر:أمّا العداوة الدنيويّة فإنها تمنع من قبول الشهادة إجماعا و نصا،و منه قول الإمام عليه السّلام:لا تقبل شهادة ذي شحناء،و قوله:يرد من الشهود الظنين و المتهم و الخصم،و قوله:لا تجوز شهادة خائن و لا خائنة و لا ذي غمز على أخيه.

و إذا كان جماعة في طريق،أو في فندق و ما إليه،فهل تقبل شهادة بعضهم لبعض على أن فلانا قطع عليهم الطريق،أو هجم على الفندق و سلب أموالهم؟ ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى عدم القبول،لمكان العداوة، و لأن الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهما السّلام سئل عن رفقة كانوا في طريق،فقطع عليهم الطريق،فأخذوا اللصوص،فشهد بعضهم لبعض؟قال:لا تقبل شهادتهم إلاّ بإقرار اللصوص،أو بشهادة من غيرهم عليهم.

و ينبغي حمل الرواية،و قول الفقهاء على أن الذي لا تقبل شهادته من هؤلاء إذا كان ممن قد اعتدي عليه بنهب أو إهانة،أمّا من لم يعتد عليه بشيء فتقبل شهادته مع اجتماع الشروط،لعدم التهمة.

7 القرابة:

اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على أن النسب و ان كان قريبا لا يمنع من قبول الشهادة،فتقبل شهادة الوالد لولده و عليه و الولد لوالده،و الأخ لأخيه و عليه، و أحد الزوجين للآخر و عليه،قال الإمام الصادق عليه السّلام:تجوز شهادة الوالد لولده، و الولد لوالده،و الأخ لأخيه إذا كان مرضيا.و قال:تجوز شهادة الرجل لامرأته،

ص:148

و المرأة لزوجها إذا كان معها غيرها.

و قال صاحب الشرائع و الجواهر:«لا خلاف بيننا في قبول شهادة الصديق لصديقه،و ان تأكدت بينهما الصحبة و الملاطفة و المهاداة و غيرها من أنواع الموادة و التحاب».

و استثنى المشهور بشهادة صاحب الجواهر و المسالك،استثنوا من شهادة القريب شهادة الولد على والده،و قالوا بعدم قبولها،لأنها عقوق للوالد.و قال جماعة من الفقهاء:انّها تقبل عليه كما تقبل له،لقوله تعالى وَ إِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى وَ بِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1).و قوله سبحانه كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَ لَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ (2).و قال الإمام الصادق عليه السّلام:أقيموا الشهادة على الوالدين و الولد.

8 جلب النفع،و دفع الضر:

لا تقبل آية شهادة تجر نفعا للشاهد،أو تدفع عنه ضرا،كشهادة الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه،أو شهد لشريكه في بيع سهمه،لأن شهادته تتضمن إثبات الشفعة لنفسه،فإن لم يكن فيه شفعة قبلت شهادته.قال الإمام عليه السّلام:لا تجوز شهادة الشريك لشريكه فيما هو بينهما،و تجوز في غير ذلك مما ليس فيه شركة.

و لا تقبل شهادة الغريم بمال لمديونه المفلس المحجر عليه،لأن حقه يتعلق بالمال الثابت،و تقبل شهادة الغريم لمديونه الموسر،و المعسر قبل

ص:149


1- الأنعام:152. [1]
2- النساء:134. [2]

الحجر،لأن الحق،و الحال هذي،متعلق بذمة المديون لا بعين ماله.و لا تقبل شهادة الوكيل للموكل فيما هو وكيل فيه،و لا شهادة الولي و الوصي في محل تصرفهما.و تقبل شهادة الوكيل على الموكل،و الولي على المولى،و الوصي كذلك.

و كذا لا تقبل الشهادة إذا دفعت ضررا عن الشاهد،و مثال ذلك أن تشهد البينة بأن فلانا قتل زيدا خطأ لا عمدا،فيشهد أحد أقرباء القاتل الذين يتحملون عنه دية الخطأ،يشهد بجرح البينة،و أنّها غير عادلة،فإن هذه الشهادة لا تقبل منه، لأنها تدفع عنه الغرم،إذ المفروض أن دية قتل الخطأ على العاقلة،لا على القاتل.

و بهذا يتبين معنا أن التهمة من حيث هي ليست مانعا من قبول الشهادة، و انما تمنع من قبولها إذا جرت نفعا للشاهد،أو دفعت عنه ضررا.

9 شهادة المتسول:

قال صاحب المسالك ما نصه بالحرف:«المشهور بين الفقهاء عدم قبول شهادة السائل في كفه،لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه الإمام الكاظم عليه السّلام عن أبيه الصادق عليه السّلام أنّه كان لا يقبل شهادة من يسأل في كفه،و روي عن الإمام الباقر عليه السّلام أنّه قال:رد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم شهادة السائل الذي يسأل بكفه،و ذلك أنّه إذا أعطي رضي،و إذا منع سخط و في التعليل إيماء إلى تهمته.و في حكم السائل بكفه الطفيلي».

10 شهادة مستحق الزكاة:

إذا شهد فقير يستحق الزكاة بأن على فلان زكاة قبلت شهادته،لأنه و ان جاز

ص:150

له أخذ الزكاة إلاّ أنّها ليست حقا مختصا به،و انما هي حق للفقراء عامة،تماما كما تقبل الشهادة بأن هذا الشيء وقف على المصالح العامة،مع العلم بأن الشاهد أحد الذين يجوز لهم الانتفاع بالمشهود به.

و كذا يجوز للحاكم إذا كان وليا على القاصر أن يحكم له على خصمه،لأن ولايته عامة،و ليست خاصة كما هي الحال في ولاية الأب و الجد،و أيضا يجوز له أن يحكم بأن هذا وقف على العلماء أو القضاة أو السادة و ان كان هو واحدا منهم للعلة نفسها.

11 شهادة الأعمى و الأخرس:

تجوز شهادة الأعمى و الأخرس فيما يمكنهما العلم به.فقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن الأعمى؟قال:تجوز شهادته إذا أثبت.أي تأكد.

و يشهد الأخرس بما رأى معبرا عنه بالإشارة،لأن الإشارة بالنسبة إلى الأخرس كاللفظ بالنسبة إلى غيره،فيكتفى بالظاهر من الإشارة،كما يكتفى بالظاهر من اللفظ على حد تعبير صاحب الجواهر،ثم أن فهم الحاكم إشارة الأخرس و مراده منها فذاك،و إلاّ ترجمها له عارفان عادلان،تماما كالترجمة من لغة أجنبية.

12 شهادة المتبرع:

المتبرع بالشهادة هو الذي يدلي بها في مجلس الحكم قبل سؤال الحاكم و استنطاقه له.و اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على أن المتبرع ترد شهادته إذا

ص:151

شهد بحق من حقوق الآدميين كالدين و الهبة و البيع و ما يوجب الدية و القصاص، ثم قال صاحب الجواهر:«و العمدة في دليل هذا الحكم هو الإجماع مؤيدا بحديث لم يثبت عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و هو أنّه ذم قوما يعطون الشهادة قبل أن يسألوها.إلاّ أن المتجه الاقتصار على ما علم أنّه مورد للإجماع».

و التبرع بالشهادة لا يوجب الفسق،لأنه ليس بمعصية،و عليه فإذا شهد المتبرع في غير تلك الواقعة بعد سؤال الحاكم و استنطاقه تقبل شهادته.

و اختلفوا:هل تقبل شهادة المتبرع في حقوق اللّه كشرب الخمر و الزنا، و في المصالح العامة كالمساجد و المدارس و المصحات؟ ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى قبولها،إذ لا مدع لها بالخصوص،كي تتأتى التهمة،و لإطلاق أدلة قبول الشهادة،خرج منه شهادة المتبرع في حقوق الآدميين بالإجماع،فبقيت شهادة التبرع بحقوق اللّه سبحانه مشمولة للإطلاق،قال الشهيد الثاني في المسالك:«تسمى الشهادة بحقوق اللّه على وجه المبادرة بشهادة الحسبة.و هي نوع من الأمر بالمعروف،و النهي عن المنكر،و هو واجب،و أداء الواجب لا يعد تبرعا،و هذا هو الأقوى».

اجرة الشهود:

سبق أن أداء الشهادة واجب كفاية إذا لم يكن في أدائها ضرر على الشاهد، أو أحد المؤمنين،و فرّع على ذلك صاحب المسالك أنّه إذا كان أداء الشهادة لا يحتاج إلى النفقة،و لا يكلّف الشاهد شيئا فلا أجرة له،و اما مع الحاجة إلى النفقة في السفر من المركوب و غيره فلا يجب على الشاهد أن يتحمل شيئا من ذلك، فإن قام بها المشهود له فذاك،و إلاّ سقط وجوب الأداء،لأن هذا الوجوب مقيد

ص:152

بعدم توجه ضرر مستحق (1)على الشاهد.

الشهادة على الشهادة:

معنى الشهادة على الشهادة أن يشهد عدلان عند الحاكم بأن فلانا شهد أمامهما بكذا،و تسمى الشهادة المنقولة بالأصل،و الناقلة بالفرع،و بالشهادة على الشهادة،و تثبت شهادة الأصل بالشروط التالية:

1-أن يتعذر حضور شاهد الأصل،لمرض أو غيبة،أو حبس و ما إليه، قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور بين الفقهاء شهرة عظيمة».و سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن الشهادة على شهادة الرجل،و هو في الحضرة بالبلد؟قال:نعم،و لو كان خلف سارية يجوز ذلك،إذا كان لا يمكنه أن يقيمها هو لعلة تمنعه عن أن يحضر و يقيمها.

2-ان تكون في غير حد،فتقبل في القصاص و النسب و جميع العقود، و في عيوب النساء و الولادة،و في الزكاة و الوقف،و لا تقبل فيما يستوجب الحد كالزنا و شرب الخمر و السرقة،لأن الحدود مبتنية على التخفيف،و الدرء بالشبهة، و لقول الإمام الصادق عليه السّلام:لا تجوز شهادة على شهادة في حد.

3-أن يشهد اثنان على شهادة الواحد،و يجوز أن يشهدا على شهادة اثنين،أو جماعة،قال الإمام الصادق عليه السّلام:كان علي عليه السّلام لا يجيز شهادة رجل على

ص:153


1- الضرر على نوعين:ضرر مستحق يجب عليك تحمله،كما لو كان عليك دين للمشهود عليه،فإذا شهدت عليه طالبك بحقه و ضايقك به،و في مثل هذه الحال عليك أن تشهد و تتحمل الضرر،لأنه مستحق عليك،و ضرر غير مستحق كما لو أديت الشهادة لآذاك المشهود عليه ظلما و عدوانا، و هنا لا يجب عليك أداء الشهادة.

رجل إلاّ شهادة رجلين على رجل.

4-على شاهدي الفرع أن يعينا و يسميا شاهد الأصل عند الحاكم،و لا يكفي أن يقولا:نشهد على شهادة عدل أو عدلين،لأن العبرة بعدالة الشاهد عند الحاكم،لا عند غيره،و لأن ذلك يسد على الخصم المشهود عليه باب الطعن بالشاهد.

ثم أن الشهادة الثالثة لا تسمع بحال،أي أن شهادة الفرع لا تكون أصلا لغيرها.

و ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى أن شهادة النساء على الشهادة لا تقبل إطلاقا،حتى فيما تقبل فيه شهادة النساء،لظهور النص في اعتبار الرجلين في الشهادة على الشهادة.

و إذا شهد الفرعان،و حكم الحاكم،ثم حضر شاهد الأصل ينفذ الحكم، حتى و لو خالف الأصل،و ان حضر قبل الحكم سقط الفرع،و يؤخذ بقول الأصل،لأن العمل بالفرع مشروط بعدم حضور الأصل.

ص:154

أقسام الحقوق و الحوادث

اشارة

ان الحادثة التي تثبت بشهادة الشهود تنقسم باعتبار تعدد الشاهد،و كونه ذكرا أو أنثى أقسام:

1-الزنا:

لا يثبت الزنا بشهادة النساء منفردات بالإجماع،و يثبت بشهادة أربعة رجال،قال تعالى وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً (1).و قال لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ (2).

قال صاحب الجواهر و المسالك و غيرهما:ليس في الآية الكريمة ما يدل على الحصر بأربعة رجال،بحيث لا تقبل النساء إطلاقا،حتى و لو منضمات إلى الرجال،و عليه فإذا ثبت الانضمام بدليل آخر عمل به.و قد جاء عن أهل البيت عليهم السّلام ان الزنا الموجب للرجم كما يثبت بأربعة رجال أيضا يثبت بثلاثة رجال،و امرأتين،و لا يثبت برجلين و ثماني نساء،و أيضا جاء عنهم أن الزنا

ص:155


1- النور:4. [1]
2- النور:13. [2]

الموجب للجلد (1)يثبت بأربعة رجال،و بثلاثة و امرأتين،و برجل و أربع نسوة.

قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا تجوز شهادة النساء في رؤية الهلال،و لا يجوز في الرجم شهادة رجلين و أربع نسوة،و يجوز في ذلك ثلاثة رجال،و امرأتان.

قال صاحب الجواهر:و قد يشعر التقييد بالرجم القبول في الجلد المصرح به في رواية ثانية عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:يجب الرجم بشهادة ثلاثة رجال و امرأتين،و ان شهد رجلان و أربع نسوة فلا تجوز شهادتهم،و لا يرجم،و لكن يضرب حد الزاني.

2-اللواط و السحق:

يثبت اللواط و السحق بأربعة رجال فقط،و لا تقبل شهادة النساء إطلاقا، لعدم الدليل على الأخذ بشهادتهن فيهما،و لكن لا دليل صريح على اعتبار أربعة رجال،قال صاحب الجواهر:«لم نعثر في النص على ما يدل على اعتبار الأربعة فيهما،نعم جاء في النص أن اللواط يثبت بالإقرار أربعا،و ان المساحقة في النساء كاللواط في الرجال».

و يلاحظ بأن ثبوت اللواط بالإقرار أربع مرات لا يستدعي حصر الشهادة لثبوته بأربعة رجال،و إذا افترض وجود الإجماع على الأربعة فإنه ليس بشيء،إذ من الجائز أن يكون مصدره ما أشار إليه صاحب الجواهر من ان اللواط يثبت بالإقرار أربعا فيلزم على هذا القياس أن لا يثبت إلاّ بأربعة رجال،و هذا استحسان لا تثبت به أحكام اللّه جل و عز.

ص:156


1- حد الزنا الرجم إن كان الزاني متزوجا و متمكنا من زوجته ساعة يشاء،و يحد بمئة جلدة إن كان أعزب،أو غير متمكن من زوجته،و كذلك المرأة و التفصيل في باب الحدود.

3-حق اللّه:

حق اللّه على نوعين:مالي،كالخمس و الزكاة و النذور و الكفارات،و غير مالي كحد الارتداد عن الإسلام،و حد القذف،و هو أن يرمي شخص آخر بالزنا أو اللواط،و حد السرقة،و الزنا و اللواط و السحق،و تقدمت الإشارة إلى الثلاثة الأخيرة،و لا يثبت حق اللّه بكلا نوعيه إلاّ بشهادة رجلين،و لا تقبل فيه النساء إطلاقا،لا منفردات و لا منضمات و لا الشاهد مع اليمين،قال صاحب المسالك:

«لا فرق في حقوق اللّه تعالى بين كونها مالية،كالزكاة و الخمس و الكفارة، و بين غيرها كالحدود،و قد دل على عدم قبول شهادة النساء في الحدود روايات- منها لا تجوز شهادة النساء في الحدود و القود-و استثنى ما تقدم-اي ثبوت الزنا بالنساء منضمات إلى الرجال-و أما حقوق اللّه المالية فليس عليها نص بخصوصها،لكن لما كان الأصل في الشهادة هو شهادة الرجلين،و كان مورد الشاهد و اليمين و الشاهد و امرأتين هو الديون و نحوها من حقوق الآدميين اقتصر على مورده،و بقي غيره على الأصل».

و نستفيد من هذا الكلام أن قوله سبحانه وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ .هو قاعدة عامة على أن الحادثة،آية حادثة،انما تثبت بشهادة رجلين إلاّ ما خرج بالدليل،و لا دليل على أن حقوق اللّه المالية تثبت بشهادة النساء أو اليمين فبقيت مشمولة للقاعدة،و موردا من مواردها.

4-حقوق الناس غير المالية:

أطلق جماعة من الفقهاء القول بأن كل حق من حقوق الناس ليس مالا،و لا المقصود منه المال،و يمكن اطلاع الرجال عليه-في الغالب-كالإسلام و تزكية

ص:157

الشهود و جرحهم،أن هذا الحق لا يثبت إلاّ بشاهدين ذكرين،و لا تقبل فيه شهادة النساء منفردات و لا منضمات.

و بعد أن نقل هذا صاحب الجواهر علق عليه بقوله:«و لكن لم أقف في النصوص على ما يفيده،بل فيها ما ينافيه».و من أحاط بما ذكرناه في هذا الفصل من النصوص تبين له وجه الصواب في قول صاحب الجواهر.

و مهما يكن،فقد ذهب المشهور،و منهم صاحب الشرائع و المسالك إلى أن كلا من الطلاق و الخلع و الوكالة و اقامة الوصي و النسب و رؤية الهلال لا يثبت إلاّ بشهادة رجلين.قال الإمام الصادق عليه السّلام:«لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، و لا في الهلال».و في رواية ثانية عنه:«لا يقبل في الهلال إلاّ رجلان عدلان،و لا في الطلاق إلاّ رجلان عدلان».و الخلع من أقسام الطلاق.أما النسب و الوكالة، و اقامة الوصي فلم اطلع على نص خاص بواحد منها فيما لدي من كتب الفقه و الحديث،و منها الوسائل و الجواهر،و قال صاحب المسالك:«لا تثبت هذه إلاّ بشاهدين،إذ لا تعلق لها بالمال أصلا».

و قال أيضا:«اختلف الفقهاء في قبول شهادة النساء في الزواج تبعا لاختلاف الأخبار،و ليس فيها خبر نقي،و أكثر الفقهاء على قبول شهادتين في الزواج،و اختلفوا أيضا في قبول شهادتين في الجنايات الموجبة للقصاص تبعا لاختلاف الاخبار أيضا إلاّ أن أصحها و أكثرها دال على القبول».

و من الروايات الدالة على قبول شهادتين في الزواج أن الإمام الباقر أبو الإمام الصادق عليهما السّلام سئل عن شهادة النساء،هل تجوز في الزواج؟قال:نعم،و لا تجوز في الطلاق.و مما دل على قبول شهادتين في القصاص ان الإمام الصادق عليه السّلام سئل:ا تجوز شهادة النساء في الحدود؟قال:في القتل وحده،ان عليا عليه السّلام كان يقول:لا يطل دم رجل مسلم.و التفصيل في باب الحدود و القصاص.

ص:158

5-حقوق الناس المالية:

أجمعوا بشهادة صاحب الجواهر على أنّه يثبت بشهادة رجلين،و برجل و امرأتين،و برجل و يمين حقوق الناس المالية،أو ما كان المقصود منها المال، كالديون و الغصب و عقود المعاوضات و الرهن و الوصية بالمال و الجناية التي توجب الدية فقط،كقتل الخطأ و شبه العمد،قال الإمام الصادق عليه السّلام:تجوز شهادة النساء مع الرجل في الدين.و قال أيضا:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقضي بشاهد و يمين.قال صاحب الجواهر:«إلى غير ذلك من الأدلة المعتضدة بفتوى الفقهاء قديما و حديثا».

و تسأل:هل يثبت الحق المالي للناس بشهادة امرأتين و يمين،كما يثبت بشهادة رجل و يمين؟ قال صاحب الجواهر:الظاهر ثبوت ذلك بهما وفاقا للمشهور شهرة عظيمة،بل عن الشيخ في كتاب الخلاف الإجماع عليه،لصحيح منصور بن حازم عن الإمام عليه السّلام أنّه قال:إذا شهد لصاحب الحق امرأتان و يمينه فهو جائز.و في رواية ثانية:أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب في الدين يحلف باللّه أن حقه لحق.ثم قال صاحب الجواهر:نعم لا تقبل شهادة النساء منفردات-أي من غير يمين معهن-في شيء من الحقوق المالية و ان كثرن بلا خلاف محقق أجده.

6-ما يعسر اطلاع الرجال عليه:

أجمعوا بشهادة صاحب الجواهر على أنّه يثبت بشهادة الرجال و النساء منضمات و منفردات عن الرجال ما يعسر اطلاع الرجال عليه في الغالب،كالولادة

ص:159

و البكارة و الثيبوبة و عيوب النساء الباطنة كالرتق و القرن و الحيض (1)و استهلال المولود،أي ولادته حيا ليرث،قال الإمام الصادق عليه السّلام:تجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه،و يشهدوا عليه.و في رواية ثانية:تجوز شهادة النساء في المنفوس و العذرة.و المنفوس هو المولود،و العذرة البكارة.و في رواية ثالثة:أنّه جيء إلى علي أمير المؤمنين عليه السّلام بامرأة زعموا أنّها زنت،فأمر النساء فنظرن إليها،فقلن هي عذراء،فقال:ما كنت لا ضرب من عليها خاتم اللّه.

قال صاحب الجواهر:«إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى القطع بها، أو تواترها،أما الثبوت بهن منضمات مع الرجال،أو بالرجال-فقط-فهو المشهور،كما في كشف اللثام للعمومات-الدالة على قبول شهادة الرجال- و معلومية كون الرجال هم الأصل في الشهادة».

و جاء في كتاب الجواهر نقلا عن أكثر الفقهاء أن شهادة النساء لا تقبل في الرضاع،و ان فلانة أرضعت فلانا،حتى صار ولدها من الرضاعة.و قال جماعة، منهم صاحب الشرائع و الجواهر و المسالك:انّها تقبل،و ان انفردن عن الرجال، لأن الرضاع من الأمور التي لا يطلع عليها إلاّ النساء غالبا،فمست الحاجة إلى قبول شهادتهن فيه،كغيره من الأمور الخفية،و قد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن امرأة تقول:انّها أرضعت غلاما و جارية؟قال الإمام:أ يعلم ذلك غيرها؟قال السائل:

لا.فقال الإمام عليه السّلام:لا تصدّق ان لم يكن غيرها.و المفهوم من هذا الجواب أنّها تصدق إذا علم بذلك غيرها منضما معها.

و ذهب المشهور،بشهادة صاحب الجواهر إلى أن كل موضع تقبل فيه شهادة

ص:160


1- الرتق بالتحريك،و هو أن يكون الفرج ملتحما ليس فيه للذكر مدخل،و القرن لحم في فم الفرج يمنع من النكاح.

النساء منفردات لا بد فيه من أربع نسوة،لأن كل امرأتين تقومان مقام الرجل الواحد في الشهادة بدليل قوله سبحانه أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى (1).

أجل،أجمع الفقهاء على استثناء أمرين من ذلك هما ولادة الولد حيا، و الوصية بالمال،فقبلوا شهادة المرأة الواحدة من غير يمين في ربع ميراث المستهل (2)أي ولادة المولود حيا،و في ربع الوصية بالمال للموصى له،و النصف بشهادة اثنين،و ثلاثة أرباع بشهادة الثلاث،و تمام المال بشهادة الأربع.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده فيه».و قد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل مات، و ترك امرأته،و هي حامل،فوضعت بعد موته غلاما،ثم مات الغلام بعد ما وقع على الأرض،فشهدت القابلة أنّه استهل و صاح حين وقع على الأرض،ثم مات؟ قال الإمام عليه السّلام:على الحاكم أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام.و في رواية ثانية:ان كانت امرأتان تجوز شهادتهما في النصف،و ان كن ثلاثا جازت شهادتهن في ثلاثة أرباع،و ان كن أربعا جازت شهادتهن في الميراث كله.

ص:161


1- البقرة:282. [1]
2- جاء في كتاب«الطرق الحكمية في السياسة الشرعية»لابن القيم الجوزية،ص 80،طبعة 1953 ما نصه بالحرف:«قال أحمد بن حنبل:قال أبو حنيفة:تجوز شهادة القابلة وحدها و ان كانت يهودية أو نصرانية».و في ص 129:«ما لا يطلع عليه الرجال غالبا من الولاد و الرضاع و العيوب تحت الثياب الحيض و العدة فيقبل فيه شهادة امرأة واحدة مع العدالة،و الأصل فيه حديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.»ثم ذكر الحديث.

في الطواري بعد الشهادة

الامتناع عن الشهادة:

إذا امتنع الشاهد عن الأدلاء بشهادته أمام الحاكم من غير عذر فإنه يأثم بلا ريب،لقوله تعالى وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ .و لكن إذا فات الحق فهل يضمنه الشاهد،لأنه السبب في التفويت؟ و لم يرد نص في الشريعة الإسلامية على ذلك سلبا و لا إيجابا،و لكن قواعد الشريعة و أصولها تستدعي عدم الضمان،لأن أسباب الضمان ثلاثة:

الأول:المباشرة،كمن باشر بنفسه إتلاف مال الغير.

الثاني:التسبيب،كمن حفر حفره في الطريق العامة،فتلف شيء بسببها.

الثالث:وضع اليد،كمن اغتصب عينا،ثم تلفت في يده،و لو بآفة سماوية.

و سبق الكلام مفصلا عن أسباب الضمان في باب الغصب من هذا الجزء.

و الامتناع عن الشهادة ليس في شيء من هذه الثلاثة،فإن الشاهد لم يباشر الإتلاف بنفسه،و لم يضع يده على العين،و لم يقم بأي عمل يستدعي الإتلاف،كالحفر و ما إليه،و انما وقف موقفا سلبيا،و بديهة أن السلب ليس بعلة تامة للضمان.

أجل،أن كاتم الشهادة يستحق العقاب من اللّه سبحانه،و اللوم من الناس،و لكن

ص:162

العقاب و اللوم شيء،و التغريم بالمال شيء آخر.هذا،إذا كتم الشهادة،أما إذا شهد،ثم طرأ شيء بعد الشهادة،كموته أو الرجوع عن شهادته أو العلم بكذبه فللفقهاء في ذلك تفصيل يتضح مما يلي:

الموت بعد أداء الشهادة:

إذا شهدا عند الحاكم،و قبل الحكم مات الشاهدان أو أحدهما،أو عرض عليه الجنون أو الإغماء فلا يضر ذلك بشهادتهما،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده،لأصالة بقاء صحتها»و لأن الحكم يستند إلى الأداء،و قد حصل.

و إذا كانا حين الشهادة مجهولي الحال،و ماتا بعدها،ثم زكيا بعد الموت كشفت التزكية عن صحة شهادتهما،و لزم الحكم بموجبها.

الفسق بعد الشهادة و قبل الحكم:

إذا طرأ على العدلين أو أحدهما بعد الشهادة،و قبل الحكم،هل يجوز الأخذ بشهادتهما و الحكم بموجبها؟ اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر و المسالك على عدم جواز الحكم إذا كان المشهود به حقا من حقوق اللّه،كحد الزنا و اللواط و شرب المسكر لوجود الشبهة الدارئة للحدود.

و اختلفوا فيما إذا كان المشهود به حقا من حقوق الناس،كالدّين و ما إليه، و نحن على رأي صاحب المسالك و الجواهر،حيث قال بعد جواز الحكم تماما كالحال السابقة،لأن الأدلة التي منعت من الحكم بموجب شهادة الفاسق تشمل هذا الفرض،و لو اعتمد الحاكم على شهادته لصدق عليه أنّه حكم بشهادة الفاسق.

ص:163

إذا صار الشاهد وارثا:

سبق أن الأقرباء يجوز أن يشهد بعضهم لبعض،فإذا شهد شاهد لقريبه بمال،و قبل الحكم مات المشهود له،و انتقل المال المشهود به للشاهد،إذا كان كذلك تسقط الشهادة،و لا يجوز الحكم إجماعا بشهادة صاحب الجواهر و المسالك،لأن من شرط قبول الشهادة أن لا تجر نفعا للشاهد،كما تقدم،و لو حكم له لكان معنى ذلك أن الإنسان يجوز أن يشهد بنفسه لنفسه.

و إذا كان للشاهد شريك فلا تثبت حصته،لأن الشهادة لا تتجزأ.

شهادة الزور:

لا يتحقق الزور في الشهادة إلاّ بتعمد الكذب،فمجرد بطلانها لا يستدعي أن تكون زورا،بل قد تكون باطلة،و لا تكون زورا،و لا يثبت زور الشهادة بالبينة،بل يكون ذلك من تعارض البينات،و يأتي الكلام عنه في باب القضاء ان شاء اللّه،و أيضا لا يثبت الكذب و الزور بإقرار الشاهدين،لأن إقرارهما بالكذب رجوع عن الشهادة،و سنذكر حكمه في الفقرة التالية،و انما يثبت الزور في الشهادة بالقرائن التي تفيد القطع،بحيث يعلم الحاكم على اليقين بكذب الشاهد، كما لو كشف بنفسه على الشيء المشهود به أو تيقن ذلك من تقرير الخبراء.

و متى ثبت الزور في الشهادة ينتقض الحكم،سواء أ كان ذلك قبل التنفيذ، أو بعده،لأن المبني على الفاسد فاسد مثله،و عليه فان كانت العين المحكوم بها قائمة استعيدت،و ان كانت تالفة ضمن كل شاهد بقدر ما كانت شهادته سببا لتلف المال،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن شاهد الزور؟فقال:ان كان الشيء قائما بعينه ردّ على صاحبه،و ان لم يكن قائما ضمن الشاهد بقدر ما أتلف من مال الرجل.

ص:164

هذا،إذا كان المشهود به مالا،أما إذا كان قتلا أو قطعا فيفعل بكل شاهد ما فعل بالمشهود عليه.

الرجوع عن الشهادة:

اشارة

إذا رجع الشاهدان أو أحدهما عن الشهادة بعد الأدلاء بها فلهذا الرجوع حالات:

1-أن يرجع الشاهد قبل الحكم

،و قد اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على إلغاء الشهادة،و عدم القضاء بها،مهما كان نوع المشهود به،كما أن الشاهد لا يضمن شيئا،ثم ان اعترف بأنه تعمد الكذب فهو فاسق،و ان قال:غلطت أو أخطأت فلا فسق،و ليس من شك أنّه لو عاد و شهد ثانية لا يقتضي بشهادته، لمكان التناقض.

2-أن يحصل الرجوع بعد الحكم

و قبل تنفيذه،و ان يكون المحكوم به حقا للّه سبحانه،كحد الزنا و اللواط و شرب المسكر،و اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على انتقاض الحكم،لأن الحدود تدرأ بالشبهات،حتى و لو كان حق اللّه سبحانه مشوبا بحق الناس،كحد القذف و السرقة.

3-أن يحصل الرجوع بعد الحكم و القضاء بالشهادة

،و لكن المحكوم به حق من حقوق الناس المالية كالدين و ما إليه،فيبقى الحكم على حاله،و لا ينتقض بمجرد الرجوع،لأن حق المشهود له قد ثبت بالقضاء،و ليس هو من الحقوق التي تسقط بالشبهة،حتى يتأثر بالرجوع على حد تعبير صاحب المسالك،و قال صاحب الجواهر:هذا هو الأقوى.

و رب قائل:ان رجوع الشهود عن شهادتهم،تماما كشهود الزور فإذا

ص:165

انتقض الحكم المبني على الزور فكذلك أيضا يجب أن ينتقض إذا رجع الشهود.

و ردّنا على ذلك بأن الفرق بعيد جدا بين الموردين،حيث نقطع بأن شهادة الزور مخالفة للواقع-كما هو الفرض-أما الرجوع عن الشهادة فلا يدل بحال على مخالفتها للواقع،إذ من الجائز ان تكون الشهادة صحيحة،و الرجوع كاذب،و كذا يجوز أن يكون الرجوع صحيحا،و الشهادة كاذبة،و لكن نرجح جانب الشهادة لوجود القضاء الذي يصان عن الإلغاء ما أمكن،و لأن الرجوع أشبه بالإنكار بعد الإقرار.

و لا فرق في ذلك بين أن يكون الرجوع عن الشهادة قبل التنفيذ و الاستيفاء، أو بعده،فإن كان الشيء المحكوم به قد تسلمه المحكوم له فذاك،و إلاّ وجب تسليمه إليه،و يضمن الشهود لمن شهدوا عليه عوض ما أخذ منه من المثل أو القيمة.قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا شهدوا على رجل،ثم رجعوا عن شهادتهم، و قد قضى القاضي على الرجل ضمنوا ما شهدوا به و غرموا،و ان لم يكن قضاء طرحت شهادتهم،و لم يغرموا شيئا.

4-أن يرجع الشهود بعد القضاء و تنفيذه

،و المشهود به قتل أو جرح أو قطع،و ما إليه،و عندئذ يسأل الشهود،لما ذا رجعوا عن شهادتهم؟فإن قالوا تعمدنا الكذب اقتص من كل واحد،و فعل به مثل ما فعل بالمشهود عليه من القتل أو القطع،و ان قالوا أخطأنا وزعت عليهم الدية،و ان قال بعضهم تعمدنا، و بعضهم أخطأنا فعلى المقر بالعمد القصاص،و على المقر بالخطإ نصيبه من الدية.

قال صاحب الجواهر:كل ذلك لا خلاف في شيء منه،لقاعدة قوة السبب على المباشر،و عمومات القصاص مضافا إلى نصوص المقام.و منها أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا،ثم رجع أحدهم بعد

ص:166

ما قتل الرجل؟فقال الإمام:ان قال الراجع:أوهمت ضرب حد القذف،و أغرم الدية،و ان قال:تعمدت،قتل.

الشهادة بالطلاق:

إذا شهد شاهدان بأن فلانا طلق زوجته،و قضى الحاكم بشهادتهما،ثم تبيّن للحاكم كذبهما ينتقض الحكم،و تبقى العلاقة الزوجية،حتى و لو تزوجت غيره، لما سبق من أن المبني على الباطل باطل،أما إذا رجعا عن الشهادة فلا تعود المرأة إلى زوجها،لأن رجوعهما عن الشهادة محتمل للصدق و الكذب،و لا يرد القضاء المبرم بقول محتمل على حد تعبير صاحب المسالك الذي نسب هذا القول إلى المشهور.و قال صاحب الجواهر:فلا إشكال في عدم انتقاض الحكم بالطلاق إذا رجع الشاهدان.

ثم ينظر:فان كان الزوج قد دخل بالمرأة فلا يضمن الشاهدان له شيئا،لأنه قد استوفى البضع،و ان لم يدخل ضمنا له نصف المهر الذي دفعه الزوج دون أن ينتفع بشيء،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده».

الشهادة بالوصية:

إذا شهد اثنان بأن فلانا أوصى لزيد بهذا الشيء الخاص من ماله،ثم شهد شاهد واحد بأنّه عدل عن وصيته،و أوصى به إلى خالد،فلخالد أن يحلف اليمين مع الشاهد،و يحكم له بالشيء الموصى به،و لا تعارض بين شهادة الشاهدين لزيد،و القضاء بشاهد و يمين لجواز العدول عن الوصية.

ص:167

كتاب الزواج

الخطبة:

اشارة

تستحب خطبتان:إحداهما عند طلب الزواج،و الثانية أمام العقد،قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان جماعة قالوا للإمام علي عليه السّلام:نريد أن نزوج فلانا من فلانة، و نريد أن نخطب له،فتكلم الإمام بخطبة-عند طلب المرأة للرجل-ابتدأها بحمد اللّه،و الثناء عليه،و الوصية بتقوى اللّه،ثم قال:ان فلان ابن فلان ذكر فلانة بنت فلان،و هو في الحسب من قد عرفتموه،و في النسب من لا تجهلونه،و بذل لها من الصداق ما قد عرفتم،فردوا خيرا تحمدوا عليه،و تنسبوا إليه،و صلّى اللّه على محمّد و آله و سلم.

و قال صاحب المسالك:تستحب الخطبة أمام العقد،و هي حمد اللّه تعالى، و الشهادتان،و الصلاة على النبي و آله،و الوصية بتقوى اللّه،و الدعاء للزوجين، و انما استحبت للتأسي بالنبي و الأئمة صلوات اللّه عليهم بعده.و كذا تستحب الخطبة أمام الخطبة من المرأة و وليها،كما تستحب للولي أن يخطب.و الأفضل الاختصار في الجميع على حمد اللّه،فإن الإمام زين العابدين عليه السّلام كان لا يزيد على قوله:الحمد للّه،و صلّى اللّه على محمد و آله،و استغفر اللّه،و قد زوجناك على شرط اللّه تعالى،بل قال الإمام زين العابدين عليه السّلام:من حمد اللّه فقد خطب.ثم

ص:168

قال الشهيد الثاني في المسالك:لو تركت الخطبة صح العقد عند جميع العلماء إلاّ داود الظاهري.

ثم أن للزواج ركنين:الصيغة و الزوجين،أما المهر فليس ركنا و لا شرطا في صحة العقد.

1-الصيغة:

و يشترط فيها:

لفظ الإيجاب و القبول من الخطوبة و الخاطب،أو من ينوب عنهما وكالة أو ولاية،و لا يتم الزواج بالمراضاة و المعاطاة،و لا بالإشارة و الكتابة مع القدرة على اللفظ.و بهذا يفترق عقد الزواج عن غيره من العقود.

و تقول:و لما ذا اللفظ؟و هل هو إلاّ وسيلة للكشف عن الرضا و الإرادة،فإذا تأكدنا من وجود الرضا كان اللفظ و عدمه سواء؟ و نجيب بأن الهدف من التلفظ بالزواج هو الالتزام بالزوجية و آثارها،بحيث لا يبقى مجال للتهرب منها بحال،تماما كتوقيع سند البيع من المتبايعين،و توقيع المعاهدة بين دولتين،بل أن الزوجية أهم و أخطر من المعاملات التجارية، و المعاهدات الدولية،لأنها ميثاق غليظ بين الزوجين،كما عبرت الآية 20 من سورة النساء وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً .فكما أن كلا من المتبايعين و الدولتين في حل من أقوالهما و و عودهما«رسميا»حتى يتم التوقيع كذلك المخطوبة و الخاطب لا يتحقق الميثاق بينهما و الالتزام إلاّ باللفظ الذي هو بمنزلة التوقيع، فمتى تلفظ كل منهما بالزواج فقد ألزم به نفسه،و قيدها بعهده و ميثاقه،و على

ص:169

الأصح بسلاسله و أغلاله.

2-لفظ خاص:

اتفقوا على أن الإيجاب في العقد الدائم يقع بلفظ«زوجت و أنكحت»بل قال جماعة من الفقهاء:لا يقع إلاّ بهذين اللفظين،و الأصل في ذلك قوله تعالى:

فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها ،و قوله وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ فان المراد من النكاح هنا العقد.

و اختلفوا في وقوع الزواج الدائم بلفظ«متعت»فذهب أكثر الفقهاء بشهادة صاحب المسالك إلى عدم وقوعه،لأن الأصل عصمة الفروج.خرج منه موضع اليقين،و هو العقد بلفظ«زوجت و أنكحت»فبقي غيره على أصل المنع.هذا، إلى أن في الزواج رائحة العبادة المتوقفة على أمر الشارع،قال صاحب المسالك:

«الزواج مبني على الاحتياط،و فيه شوب من العبادة المتلقاة من الشارع،و لأن الأصل تحريم الفرج،فيستصحب إلى أن يثبت سبب الحل شرعا».

أما القبول فيكفي اللفظ الدال على الرضا صراحة،مثل«قبلت و رضيت» قال صاحب الجواهر:«لا خلاف و لا إشكال في حصول الرضا بهذين اللفظين.

و إذا قالت له:زوجتك نفسي،و قال:قبلت النكاح،أو قالت:أنكحتك،و قال:

قبلت الزواج صح بداهة قيام الألفاظ المترادفة بعضها مقام بعض.كما لا خلاف و لا اشكال عندنا في أنّه يجوز الاقتصار على:قبلت،كغيره من العقود».

3-صيغة الماضي:

ذهب المشهور بشهادة صاحب المسالك إلى أن صيغة الزواج الدائم لا

ص:170

تنعقد إلاّ بلفظ الماضي:«زوجت،دون أتزوج».و قال كثير من المحققين،منهم صاحب المسالك و الجواهر و الشيخ الأنصاري في ملحقات المكاسب،و صاحب العروة الوثقى،و صاحب المستمسك و غيرهم،قالوا بانعقاد الزواج بغير صيغة الماضي.ورد صاحب المسالك على من اشترط صيغة الماضي بأقوال اعتمدها صاحب الجواهر و كثير غيره.قال الشهيد في المسالك:«ان المقصود من العقد لما كان هو الدلالة على القصد الباطني،و اللفظ كاشف عنه،فكل لفظ دل عليه ينبغي اعتباره،و قولهم ان الماضي صريح في الإنشاء دون غيره ممنوع،لأن الأصل في الماضي أن يكون اخبارا،لا إنشاء،و انما التزموا بجعله إنشاء بطريق النقل،و إلاّ فإن اللفظ لا يفيده،و انما يتعين بقرينة خارجة،و مع اقتران القرينة يمكن ذلك في غير صيغة الماضي».

و قال الشيخ الأنصاري في ملحقات المكاسب:«فقد جاء عن أهل البيت عليهم السّلام أن المتعة تجوز بلفظ أتزوجك متعة،و إذا جاز في المنقطع جاز في الدائم،لعدم الفرق،حيث ان كلا منهما عقد لازم».

و هذي هي الرواية التي أشار إليها الشيخ الأنصاري:فقد سئل الإمام عليه السّلام عن زواج المتعة كيف يقول لها؟قال الإمام:تقول:أتزوجك متعة على كتاب اللّه، و سنة نبيه بكذا إلى كذا،فإذا قالت:نعم،فقد رضيت،و هي امرأتك،و أنت أولى الناس بها.

4-غير العربية:

اتفقوا على أن عقد الزواج يتم بغير العربية مع العجز عنها،و اختلفوا في انعقاده مع القدرة عليها،فذهب المشهور بشهادة صاحب الحدائق إلى عدم

ص:171

الانعقاد إلاّ بالعربية،و قال جماعة،منهم الشيخ الأنصاري و السيد الحكيم، بالانعقاد،فقد جاء في الجزء التاسع من مستمسك العروة للحكيم:«البناء على جواز غير العربي كما عن ابن حمزة غير بعيد،بل هو المتعين».و قال الشيخ الأنصاري في ملحقات المكاسب:«لا دليل على اعتبار العربية.أما قول من قال:

ان العقد لا يصدق على العربي مع القدرة فمردود بأن القدرة لا مدخل لها في مدلول الألفاظ».

و اتفقوا على أن الزواج لا ينعقد بالكتابة (1)و ان الأخرس القادر على التوكيل يكتفى منه بالإشارة الدالة على قصد الزواج صراحة إذا لم يحسن الكتابة،و ان أحسنها فالأولى أن يجمع بينها و بين الإشارة المفهمة.و جاء عن الإمام عليه السّلام أنّه سئل عن الأخرس الذي لا يكتب و لا يسمع،كيف يطلقها؟قال:بالذي يعرف من أفعاله.

5-الموالاة:

ذهب المشهور إلى أن الموالاة بين الإيجاب و القبول شرط في انعقاد عقد الزواج،بحيث إذا وجد بينهما فاصل طويل لا يتحقق العقد،و قال السيد الحكيم في الجزء التاسع من المستمسك:«ان صدق العقد لا يتوقف على الفورية،و لا على اتحاد المجلس،و لو مع الفصل الطويل».و قال صاحب الجواهر:«لا دليل

ص:172


1- نقل السيد الحكيم في المستمسك [1]عن صاحب القواعد،و صاحب جامع المقاصد قولهما بأنّه لا ريب في أن الكتابة لا تكفي إجماعا،و ان الثاني علل ذلك بأن الكتابة كناية،و ان الزواج لا يقع بالكنايات،ورد السيد الحكيم هذا التعليل بقوله:ان الكتابة ليست من الكناية في شيء،و لا مانع من الكناية إذا كانت واضحة الدلالة.هذا قول السيد الحكيم،و الذي نفهمه منه أن الزواج عنده يقع بالكتابة إذا كانت واضحة الدلالة.

على اعتبار اتحاد المجلس في عقد الزواج،و لا في غيره من العقود».

و سبق قولنا في الجزء الثالث فصل شروط العقد فقرة«الموالاة»:ان الواجب هو بقاء ارادة الموجب قائمة إلى حين القبول،فالعبرة ببقاء الإيجاب،و عدم رجوع الموجب عنه قبل القبول،أما الفاصل فوجوده و عدمه سواء.

6-التعليق:

ذهب المشهور إلى أن التعليق مبطل لعقد الزواج،فإذا قالت:زوجتك ان رضي فلان،أو حدث كذا،بطل العقد و لا دليل للقائلين بهذا إلاّ الظن بأن العقد، أي عقد،يجب أن تترتب عليه آثاره بالحال،و لا يمكن أن تتراخى عنه إلى الاستقبال،و تكلمنا عن ذلك مفصلا في الجزء الثالث فصل شروط العقد،فقرة «التعليق»و أبطلنا هذا الظن،و مع ذلك نتحفظ بالنسبة إلى عقد الزواج،لأنه يفترق عن عقود المعاوضات في جهات تلحقه بالأمور التوقيفية.

7-التقديم و التأخير:

الأصل أن يكون الإيجاب من المخطوبة،و القبول من الخاطب،فتقول هي أو وكيلها:زوجت،و يقول هو أو وكيله:قبلت،و لكن المشهور أجازوا تقديم القبول على الإيجاب،و ان يقول:زوجتني نفسك بكذا،فتقول:زوجتك،أو قبلت.قال الشهيد الثاني في شرح اللمعة:«لأن العقد هو الإيجاب و القبول، و التركيب كيف اتفق غير مخل بالمقصود،و يزيد الزواج على غيره من العقود أن الإيجاب من المرأة،و هي تستحي غالبا من الابتداء به،فاغتفر هنا.و من ثم ادعى بعضهم الإجماع على جواز تقديم الإيجاب هنا».

ص:173

و يكفي أن يكون بلفظ نعم،لرواية أبان بن تغلب عن الإمام الصادق عليه السّلام:

إذا قالت المرأة:نعم،بعد قول الرجل:أتزوجك متعة بكذا إلى كذا فهي امرأتك و أنت أولى الناس بها.

بل يكفي من المتعاقدين النطق بما يحسنان مع العجز عن التلفظ بالزواج و النكاح،كأن يقول أحدهما:جوزت بدلا عن زوجت،على شريطة أن يكون كل منهما على يقين من مقصود الآخر.قال صاحب الشرائع و الجواهر:«إذا عجز أحد المتعاقدين عن النطق بلفظ الزواج و النكاح تكلم بما يحسنه بعد فرض علم كل منهما بمقصود الآخر».

8-شرط الخيار:

اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على أن الخيار لا يصح في الزواج دائما كان أو منقطعا،فإذا اشترط الزوج أو الزوجة في ضمن العقد فسخه و الرجوع عنه في مدة معينة فسد الشرط،لأن الزواج لا يقبل التقايل فلا يقبل الفسخ.

و اختلفوا:هل يفسد العقد أيضا،أو ان الفاسد الشرط دون العقد؟ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى فساد العقد أيضا.قال صاحب الجواهر:

«المشهور بين الفقهاء،بل لا أجد فيه خلافا في بطلان الشرط.للعلم بأن عقد الزواج لا يقبل الخيار،لأن فيه شائبة العبادة،و فسخه محصور بالعيوب المنصوص عليها-كما يأتي-و لذا لا تجري فيه الإقالة بخلاف غيره من عقود المعاوضات،فاشتراط الخيار فيه مناف لمقتضى العقد المستفاد من الأدلة الشرعية.و من هنا كان شرط الخيار مبطلا للعقد».

و قال جماعة من الفقهاء،منهم ابن إدريس،و السيد الأصفهاني في

ص:174

الوسيلة،و السيد اليزدي في العروة الوثقى،و السيد الحكيم في المستمسك، قالوا:«يبطل الشرط فقط،أما العقد فصحيح»و نحن على هذا الرأي،لأن لعقد الزواج حكما خاصا يخالف جميع العقود.

9 الشهود:

اتفقوا-ما عدا ابن أبي عقيل-على أن الإشهاد على الزواج الدائم مستحب، و ليس بواجب.قال صاحب الجواهر:«المعروف بين الفقهاء عدم وجوب الاشهاد،بل القول بالوجوب شاذ».

و ذلك ان الإشهاد شرط زائد،و الأصل عدمه،حتى يثبت الدليل،و لا دليل.

أجل،جاء نص من طريق السنة و الشيعة على أنّه لا زواج إلاّ بوليّ و شاهدين، و لكنه ضعيف بشهادة صاحب الجواهر و المسالك،قال الشهيد الثاني في المسالك:«لقد اعتبر الخيار من نقاد الحديث هذا النص فوجدوه ضعيف السند».

أهلية المتعاقدين:

اتفقوا على شرط العقل و البلوغ و الرشد في كل من المخطوبة و الخاطب إلاّ مع الولي،و يأتي الكلام عنه (1)،و من الطريف قول صاحب الجواهر ان ألفاظ المجنون و الصغير كأصوات البهائم بالنسبة إلى العقود».و المجنون الأدواري تنفذ جميع تصرفاته حين الإفاقة.و السكر و الإغماء و النوم بحكم الجنون،أما المزح فليس بشيء،كما قال الإمام الرضا عليه السّلام:

و أيضا اتفقوا على خلو الخاطب و المخطوبة من المحرمات السببية

ص:175


1- تكلمنا مفصلا عن حد البلوغ في الذكر و الأنثى في باب الحجر فقرة«الصغير و علامات البلوغ».

و النسبية التي سنعقد لها فصلا خاصا.

و أيضا اتفقوا على وجوب التعيين،فلا يصح زوجتك احدى هاتين البنتين،و لا زوجت أحد هذين الرجلين،لأن الأخذ بآثار الزوجية و أحكامها لا يمكن إلاّ بعد التشخيص و التمييز.

و أيضا اتفقوا على وجوب القصد و الرضا و الاختيار،و إذا وقع عقد الزواج عن إكراه،ثم رضي المكره،و أجاز العقد صح،قال صاحب الجواهر:«إذا ارتفع الإكراه،و حصل الرضا كفى ذلك في الصحة».و قال الشيخ الأنصاري في المكاسب:«المشهور بين المتأخرين أن المكره لو رضي بعد ذلك بما فعله صح العقد،بل نقل الاتفاق عليه لأنه عقد حقيقي فيؤثر أثره»أي أن العقد موجود، و لكنه اقترن بوجود المانع من نفاذه،فإذا ارتفع المانع،و هو الإكراه،أثر العقد أثره.

و لا يعتد برضا الهازل و الساهي و النائم و المغمى عليه بعد زوال المانع، لعدم الاتجاه من هؤلاء إلى آثار العقد حين التلفظ به.

و على هذا،لو ادعت امرأة أنّها أكرهت على العقد،أو ادعى هو ذلك،و كانا بعد العقد قد تعاشرا معاشرة الأزواج،و انبسطا انبساط العروسين،أو قبض المهر،و ما إلى ذلك مما يدل على الرضا ترد دعوى من يدعي بطلان العقد للإكراه.

و تقول رواية عن أهل البيت عليهم السّلام:«ان السكرى إذا زوجت نفسها،ثم أفاقت و رضيت،و أقرت الزواج كان ماضيا».و لكن المشهور بشهادة صاحب العروة الوثقى قد أعرض عنها،و قال صاحب المسالك:«قد عرفت أن شرط صحة العقد القصد إليه،فالسكران الذي بلغ به السكر حدا زال عقله معه و ارتفع قصده يكون زواجه باطلا كغيره من عقوده،سواء في ذلك الذكر و الأنثى،هذا هو

ص:176

الأقوى على ما تقتضيه القواعد الشرعية،و متى كان العقد باطلا فلا تنفعه أجازته بعد الإفاقة،لأن الإجازة لا تصحح ما وقع باطلا من أصله،و الرواية على خلاف ذلك.و حملها بعضهم على السكر الذي لا يبلغ حد عدم الإفاقة،و لعل الأولى طرحها».

و لا يجوز للسفيه أن يعقد لنفسه،لأن الزواج يستدعي التصرفات المالية من المهر و النفقة،و هو ممنوع عنها،و يجوز العقد لنفسه مع اجازة الولي،و ان يكون وكيلا عن غيره في إجراء صيغة العقد،حتى و لو لم يأذن الولي،قال صاحب المستمسك:«إجماعا،و يقتضيه إطلاق الأدلة».

الوكيل يزوج نفسه:

إذا وكلته ان يزوجها من شخص معين،فلا يجوز أن يزوجها من غيره،فإن فعل كان فضوليا (1)و ان أطلقت و لم تعين،بل قالت:زوجني من رجل،فقال الفقهاء أو أكثرهم بأن الوكيل لا يجوز له أن يزوجها من نفسه،لأن الحال تشهد بأنّها أرادت غيره.فالعبرة-اذن-بما يستفاد من قولها و يعبر عن ارادتها و لو بالقرائن المقالية أو الحالية.

و إذا أذنت له إذنا صريحا بأن يزوجها من نفسه،مثل أن تقول:زوجني من نفسك،أو إذنا عاما،مثل زوجني بمن شئت فهل له أن يتولى اجراء العقد إيجابا و قبولا،و يقول:زوجت فلانة من نفسي بكذا،قبلت الزواج لنفسي؟

ص:177


1- تقدم في باب الوكالة أن الإمام عليه السّلام سئل عن رجل قال لآخر:اخطب لي فلانة،فلما خطبها له أنكر ذلك؟.فقال الإمام:يغرم الوكيل نصف الصداق،ثم علل الحكم بأن الوكيل قصر في عدم الاشهاد عليه.و قد اعتمد المشهور هذه الرواية،و أفتوا بمضمونها.

ذهب جماعة من كبار الفقهاء،منهم صاحب الشرائع،و المسالك، و الجواهر،و العروة الوثقى،ذهبوا إلى الجواز و عدم المانع،و يكفي التغاير بين الموجب و القابل باللحاظ و الاعتبار،أما الرواية التي تشعر بعدم الجواز فهي ضعيفة السند،قاصرة الدلالة،كما قال صاحب المسالك،أو محمولة على الكراهة أو غيرها من المحامل،كما قال صاحب العروة.و قال صاحب الجواهر:

«الجواز أشبه بأصول المذهب و قواعده المستفادة من العمومات الشاملة للفرض التي لا تصلح الرواية لقطعها بعد ندرة القول بها،و الطعن في سندها».

و نحن على هذا الرأي،إذ المفروض أن الموكل حقق ارادة موكلته بكاملها، فكان أشبه بما إذا وكل اثنان رجلا ثالثا أن يجري المعاملة الشكلية بينهما بعد أن اتفقا على النقط الأساسية.

تزوجها و لا تسأل:

قال رجل للإمام الصادق عليه السّلام:ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد، فأقول:أ لك زوج؟فتقول:لا.فأتزوجها؟قال الإمام:نعم،هي المصدقة على نفسها.

و قال له آخر:إني أكون في الطرقات،فأرى المرأة الحسناء،و لا آمن أن تكون ذات بعل،أو من العواهر؟قال:ليس عليك هذا،انما عليك أن تصدقها في نفسها.

و قال له ثالث:اني تزوجت امرأة،فسألت عنها،فقيل فيها؟فقال:لم سألت؟ليس عليكم التفتيش.

و سأل رجل الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهما السّلام عن رجل تزوج امرأة،

ص:178

فيقع في قلبه أن لها زوجا؟فقال:و ما عليه؟أ رأيت لو سألها البينة أ كانت تجد من يشهد أن ليس لها زوج (1)؟ و قد عمل الفقهاء بهذه الروايات بالإضافة إلى أصل الصحة في فعل المسلم.

خطأ الوكيل في التسمية:

سئل الإمام عليه السّلام عن وكيل أخطأ باسم الجارية،فسماها بغير اسمها؟قال:

«لا بأس به»بداهة أن معرفة قصد الطرفين هو الأساس.

ص:179


1- لا يختص هذا بالفقه الجعفري، [1]فان بقية المذاهب تقول المرأة تصدق مع عدم المعارض،فقد جاء في كتاب الأشباه و النظائر للسيوطي أن المطلقة ثلاثا تقبل دعواها بأن المحلل أصابها،و تحل للزوج الأول،بل جاء في كتاب المغني طبعة ثالثة ص 274 ان المرأة إذا ادعت أن فلانا زوجها لا تسمع دعواها إذا أفردت دعوى الزواج دون أن تضيف إليه دعوى المهر أو النفقة.قال بهذا بعض فقهاء السنة.

الشروط

الشروط التي يشترطها الزوج أو الزوجة ضمن العقد على أقسام:

1-أن يشترط أحدهما وجود صفة في الآخر

،مثل أن يشترط هو أن تكون باكرا،لا ثيبا،أو تشترط هي أن يكون متدينا،لا متسامحا في دينه،فيصح الشرط،و يلزم العقد مع تحققه،و يثبت خيار الفسخ مع تخلفه.فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة،فيقول لها:أنا من بني فلان،فلا يكون كذلك؟ قال:تفسخ النكاح.

2-ان يشترط أحدهما فسخ الزواج و الرجوع عنه مدّة ثلاثة أيام أو أكثر أو

أقل

،فيفسد الشرط و العقد عند المشهور،لأن الزواج لا يقبل الإقالة،فلا يقبل الفسخ أيضا،و تقدم الكلام في ذلك فصل الزواج فقرة«شرط الخيار».

3-أن يكون الشرط منافيا لمقتضى العقد و طبيعته

،مثل أن تشترط عليه أن لا يمسها إطلاقا،و ان تكون تماما كالأجنبية،فيبطل الشرط،و يصح العقد،مع العلم بأن هذا الشرط يبطل العقد-غير الزواج-و لكن للزواج حكمه الخاص،لأن الهدف منه أسمى من المعاوضة.

4-أن يكون الشرط مخالفا للشرع

،مثل أن تشترط أن لا يتزوج عليها،أو لا يطلقها،أو لا يأتي ضرتها،أو لا يصل أرحامه،قال صاحب الجواهر:«يصح

ص:180

العقد،و يبطل الشرط اتفاقا،لقوله:من اشترط شرطا سوى كتاب اللّه فلا يجوز له و لا عليه».فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل تزوج على أن في يدها الجماع و الطلاق،قال:خالفت السنة،و وليت حقا ليس لها،ثم قضى أن عليه الصداق و في يده الجماع و الطلاق.

5-أن يشترط لها على نفسه ان سلمها المهر كاملا في أمد معين فهي

زوجته

،و ان أخلف فلا زواج،فيصح العقد و المهر،و يبطل الشرط،و لا خيار لها،لأن تخلف الشرط أو تعذره لا يوجب الخيار في الزواج بخلاف سائر العقود التجارية إلاّ إذا كان الشرط التزاما بصفة خاصة في أحد الزوجين،كما ذكرنا في الرقم الأول،و قد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن رجل تزوج امرأة إلى أجل مسمى،فإن جاء بصداقها إلى الأجل فهي امرأته،و ان لم يأت به فليس له عليها سبيل،و ذلك شرطهم بينهم حين أنكحوه؟فقضى الإمام للرجل أن في يده بضع امرأته،و حبط شرطهم.

6-إذا اشترطت عليه أن يترك نوعا خاصا من الاستمتاع كالجماع فقط

، و له دون ذلك ما يشاء،فهل يصح الشرط؟ ذهب جماعة من الفقهاء،منهم صاحب الشرائع و المسالك و الجواهر إلى صحة الشروط،و وجوب الوفاء به،سواء أ كان الزواج دائما أو منقطعا،لأن الزوجة لم تشترط عدم الاستمتاع بشتى أنواعه،و انما اشترطت شيئا خاصا،لغاية معقولة.هذا،إلى أن الوطء غاية من غايات الزواج،و أثر من آثاره،و ليس موضوعا له،و لذا يصح الزواج بامرأة يتعذر وطؤها،و يصح أيضا أن تتزوج هي من رجل عنين،و ترضى بعيب العنن،و قد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن امرأة قالت لرجل:أزوجك نفسي على أن تلمس مني ما شئت من نظر و التماس،و تنال ما

ص:181

ينال الرجل من أهله إلاّ أنك لا تدخل فرجك في فرجي،فإني أخاف الفضيحة؟ قال الإمام:ليس له منها إلاّ ما اشترطت.

و إذا أذنت بعد ذلك بالوطء جاز،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة على أن لا يفتضها،ثم أذنت له بعد ذلك؟قال:«إذا أذنت بعد ذلك فلا بأس».

و قال صاحب الجواهر:«ان الشرط كالمانع،و مع فرض الاذن يزول المانع،فيبقى المقتضي على مقتضاه-و هو عقد الزواج-بل لو عصى و خالف الشرط لم يكن زانيا،و يلحق به الولد،كما هو واضح».

و قال آخرون:يصح الشرط في الزواج الدائم،و يبطل في المنقطع.و نحن مع القائلين بصحة الشرط في الدائم و المنقطع،لأن النص مطلق،و التقييد تحكم، و المقاصد من الزواج عديدة،و يكفي ارادة بعضها.

7-إذا اشترط أن لا يخرجها من بلدها

،أو يسكنها في بلد أو مسكن معين وجب الوفاء بالشرط،لعموم«المؤمنون عند شروطهم»و لأن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل يتزوج امرأة،و يشترط لها أن لا يخرجها من بلدها؟قال:يلزمه ذلك.

مدعي الشرط:

إذا ادعت الزوجة،أو الزوج شرطا سائغا زائدا على العقد و أنكر الآخر فعلى المدعي البينة،و على من أنكر اليمين،لأن الأصل عدم الشرط،حتى يثبت العكس.

ص:182

دعوى الزواج

اشارة

إذا ادعى رجل زوجية امرأة فأنكرت،أو ادعت هي ذلك فأنكر،فعلى المدعي البينة،و على المنكر اليمين،و إذا حلف المنكر،و حكم القاضي بنفي الزوجية،أو أهملت الدعوى،و لم يحصل فيها البت سلبا و لا إيجابا فعلى المدعي أن يلتزم بأحكام الزوجية و آثارها التي قد استدعاها الإقرار و الاعتراف، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز،قال صاحب الجواهر:«ان كان المدعي الرجل فليس له التزويج بخامسة،و لا أمها و لا بنتها مع الدخول بها،و لا بأختها، تماما كأنها زوجة،و يجب عليه إيصال المهر إليها بحسب الإمكان».

أما النفقة فلا تجب عليه،لعدم التمكين الذي هو شرط في وجوبها،و ان كانت المدعية هي المرأة فلا يجوز لها التزويج بغيره،و لا فعل ما يتوقف على اذن الزوج-ثم قال صاحب الجواهر-و لو أوقع الرجل المنكر صورة الطلاق،كأن يقول:ان كانت زوجتي فهي طالق،فالظاهر انتفاء الزوجية عنها،و جاز لها التزويج بغيره،لا بأبيه و ابنه مطلقا،لاعترافها بما يوجب حرمة المصاهرة».

و لو افترض أن مدعي الزواج رجع عن دعواه،و قال:كنت مبطلا في دعواي،و ذكر سببا معقولا أخذ بقوله،حتى و لو كان إنكارا بعد إقرار،لأن الإنكار لا يجوز بعد الإقرار إذا كان مزاحما لحق الغير،أما إذا جاء على وفق ما يقوله الغير فهو جائز،بخاصة في الأشياء التي لا تعلم إلاّ من قبل المنكر،و لو انعكس الأمر

ص:183

فأقر منكر الزوجية بها صح و قبل منه،لأن الإقرار بعد الإنكار لا يزاحم حق المدعي،بل يتفق معه كل الاتفاق.بل قال صاحب العروة الوثقى في باب الزواج:

«لو ادعت امرأة على رجل بأنه زوجها فأنكر،و حلف اليمين الشرعية ثم رجع عن إنكاره إلى الإقرار يسمع منه،و يحكم بالزوجية بينهما إذا أظهر عذرا،لإنكاره».

هل يثبت الزواج بالمعاشرة:

اشارة

ترفع لدى المحاكم بين الحين و الحين دعوى الزواج،و كثيرا ما يدلي المدعي بأنهما تعاشرا و سكنا في محل واحد،كما يسكن الزوج و زوجته،و يأتي بشهود على ذلك،فهل يثبت،و الحال هذه،أم لا؟

الجواب:
اشارة

ان ظاهر الحال يقتضي الحكم بالزواج حتى يثبت العكس،أي ان المعاشرة،تدل بظاهرها على وجود الزواج،و هذا الظاهر يستلزم الأخذ بقول المدعي حتى نعلم أنّه كاذب،على أن الجزم بكذب مدعي الزواج صعب جدا بناء على قول الإمام من عدم شرط الشهادة في الزواج.

و لكن هذا الظاهر معارض بالأصل،و هو أصل عدم حدوث الزواج،لأن كل حادث شك في وجود فالأصل عدمه،حتى يقوم الدليل عليه،و على هذا يكون قول منكر الزوجية موافقا للأصل،فيطلب الإثبات من خصمه،فان عجز عن إقامة البينة يحلف المنكر،و ترد الدعوى.

و هذا هو الحق الذي تستدعيه القواعد الشرعية،حيث تسالم فقهاء الإمامية على أنّه إذا تعارض الظاهر مع الأصل يقدم الأصل،و لا يؤخذ بالظاهر إلاّ مع الاطمئنان أو قيام الدليل،و لا دليل في هذه المسألة.

ص:184

نعم إذا علم بوقوع صيغة العقد،ثم شك في أنّها وقعت على الوجه الصحيح أو الفاسد يحكم بالصحة بلا ريب،أما إذا كان الشك في أصل وقوع العقد فلا يمكن أن نستكشف وجوده من المعاشرة و المساكنة بحال.

و لسائل أن يسأل:ان حمل فعل المسلم على الصحة يوجب الأخذ بقول مدعي الزواج ترجيحا لجهة الحلال على الحرام،و الخير على الشر،فنحن مأمورون أن نحمل كل عمل يجوز فيه الصحة و الفساد،و أن نلغي جانب الفساد، و نرتب آثار الصحة.

الجواب:

ان الحمل على الصحة في مسألتنا هذه لا يثبت الزواج،و انما يثبت انهما لم يرتكبا محرما بالمعاشرة و المساكنة،و عدم التحريم أعم من أن يكون هناك زواج أو شبهة حصلت لهما،كما لو توهما الحلال،ثم تبين التحريم،و يأتي التفصيل في نكاح الشبهة.و بديهة أن العام لا يثبت الخاص،فإذا قلت في الدار حيوان فلا يثبت وجود الفرس أو الغزال.و كذلك هنا،فإذا قارب رجل امرأة و لم نعلم السبب فلا نقول هي زوجة،بل نقول لم يرتكبا محرما،و قد تكون المقاربة عن زواج،و قد تكون عن شبهة.و إليك هذا المثال زيادة في التوضيح:

لو مر بك شخص،و سمعته يتفوه بكلمة،و لم تدر هل كانت كلمته هذه شتما أم تحية؟فليس لك أن تفسرها بالشتم،كما أنّه لا يجب عليك رد التحية، و الحال هذه،لأنك لم تتأكد من وجودها،أما لو تيقنت بأنه تفوه بالتحية، و شككت هل كان ذلك بقصد التحية حقيقة أو بداعي السخرية؟فيجب الرد حملا على الصحة،و ترجيحا للخير على الشر.

و كذلك الحال فيما نحن فيه،فإن حمل المعاشرة على الصحة لا يثبت

ص:185

وجود العقد،و لكن لو علمنا بوجود العقد،و شككنا في صحته نحمله على الصحة من دون توقف.

و مهما يكن،فإن المعاشرة وحدها ليست بشيء،و لكنها إذا ضمت إلى سبب آخر تكون مؤيدة و مقوية،و الأمر في ذلك يناط بنظر القاضي و اطمئنانه و تقديره على شريطة أن لا يتخذ المعاشرة سندا مستقلا لحكمه (1).

هذا بالقياس إلى ثبوت الزواج،أما الأولاد فإن الحمل على الصحة يستلزم الحكم بأنهم شرعيون على كل حال،لأن المعاشرة اما عن زواج و اما عن شبهة، و أولاد الشبهة كأولاد الزواج في جميع الآثار الشرعية،و لذا لو ادعت امرأة على رجل بأنّه زوجها الشرعي،و أنّه أولدها،فأنكر الزواج،و اعترف بالولد يقبل منه، إذ من الممكن أن يكون عن شبهة.

و بالتالي،فإن هذه المسألة انما تتم بناء على عدم شرط الشهادة في العقد، كما تقول الإمامية،أما على قول سائر المذاهب فعلى من يدعي الزواج أن يسمي الشهود،و إذا ادعى تعذر حضورهما لموت أو غياب يتأتى القول المتقدم.

و لا بد من الإشارة إلى أن المعاشرة لا تثبت الزواج مع الخصومة و النزاع، أما مع عدم الخصومة فإننا نرتب آثار الزواج من الإرث و نحوه كما عليه العمل عند جميع المذاهب.

الدعوى على متزوجة:

إذا ادعى رجل على امرأة متزوجة بأنه عقد عليها قبل الثاني فلا تسمع

ص:186


1- هذا و لكن كلمات الفقهاء في البلغة مسألة اليد،و في الشرائع و الجواهر باب الزواج تدل على أن المعاشرة تكشف بظاهرها عن الزواج،و ليس هذا ببعيد.

دعواه إلاّ مع البينة،و مع عدمها ترد دعواه،و لا يؤخذ بإقرار الزوجية لو صدقته، و لا تتجه عليها اليمين لو أنكرت،لا يؤخذ بإقرارها،لأنه إقرار بحق الغير،و لا تتجه عليها اليمين،لأنها انما تتجه على المنكر الذي لو أقر بما أنكر لحكم عليه به،و حيث لا يجوز الحكم بالزوجية لو أقرت بها فلا تتجه اليمين.و قد اشتهر بين الفقهاء بشهادة صاحب ملحقات العروة أن كل موضع لا يلزم التسليم مع الإقرار لا يلزم اليمين مع الإنكار،و قد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة،بعد أن سألها:

أ لك زوج،فقالت:لا.ثم أتاه رجل،و قال:هي امرأتي،فأنكرت المرأة ذلك،ما يلزم الزوج؟قال:هي امرأته إلاّ أن يقيم-المدعي-البينة.

زواج المرأة قبل انتهاء الدعوى:

إذا ادعى رجل زوجية امرأة فأنكرت فهل يجوز لها الزواج من غيره قبل انتهاء الدعوى و الفصل فيها؟ قال السيد صاحب العروة الوثقى،و الحكيم في المستمسك ج 9:لها ذلك، لأنها خلية قبل الحكم عليها بالزوجية،و هي مسلطة على نفسها.

و تسأل:كيف؟و في زواجها تفويت لحق المدعي الذي في معرض الثبوت.

و أجاب السيد الحكيم بأن جواز الادعاء من الأحكام،و لم يثبت أنّه من الحقوق،فإنه لا يسقط بالإسقاط (1).هذا إلى أن الزواج من الغير ليس تصرفا في حق الغير،بل رافع لموضوعه.

ص:187


1- إسقاط الدعوى في المحاكم الشرعية،و الرجوع عنها نهائيا موجب للإسقاط،و يسد باب الادعاء ثانية،فعمل المحاكم الشرعية بلبنان على ذلك.و بمقتضى فتوى السيد الحكيم تكون هذه المحاكم غير شرعية بالقياس إلى من يقلد هذا السيد.

المحرمات

اشارة

قال سبحانه و تعالى وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ مَقْتاً وَ ساءَ سَبِيلاً، حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً، وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ (1).

و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عما حرم اللّه من الفروج في القرآن،و عما حرم رسول اللّه في سنته؟قال:

الذي حرم اللّه عز و جل من ذلك أربعة و ثلاثون وجها سبعة عشر في القرآن،و سبعة عشر في السنة.فأما التي في القرآن فالزنا.قال تعالى وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى ،و نكاح امرأة الأب.قال تعالى وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ .

ص:188


1- النساء:23. [1]

أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ .و الحائض حتى تطهر.قال اللّه عزّ و جل وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ ، و النكاح في الاعتكاف.قال تعالى وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ .

و أما التي في السنة فالمواقعة في شهر رمضان نهارا،و تزويج الملاعنة بعد اللعان، و التزويج في العدة،و المواقعة في الإحرام،و المحرم يتزوج أو يزوّج،و المظاهر قبل ان يكفّر،و تزويج المشركة،و تزويج الرجل امرأة قد طلقها للعدة تسع تطليقات،و تزويج الأمة على الحرة،و تزويج الذمية على المسلمة،و تزويج المرأة على عمتها،و تزويج الأمة من غير اذن مولاها،و تزويج الأمة على من يقدر على تزويج الحرة،و الجارية المشتراة قبل أن تستبرئها،و المكاتبة التي أدت بعض المكاتبة.

و المكاتبة هي الأمة التي تشترى نفسها من سيدها بمبلغ معين تؤديه أقساطا.و قد ذكر الإمام عليه السّلام في هذه الرواية ما يحرم وطؤها كالحائض و من إليها، و ما يحرم زواجها كالأم و نحوها.

الموانع:

اشارة

يشترط في المرأة التي يراد العقد عليها أن تكون محلا صالحا للعقد،أي جامعة للشروط الإيجابية،كالعقل و البلوغ و الرشد،خالية من الموانع،و الموانع قسمان:نسب و سبب،و السبب منه ما يوجب التحريم المؤبد،كزوجة الأب

ص:189

و الابن،و منه ما يوجب التحريم المؤقت،كأخت الزوجة.و إليك التفصيل.

النسب:

النسب،هو انتهاء الإنسان بالولادة إلى آخر،أو انتهاء اثنين إلى ثالث انتهاء قريبا،بحيث يعد في نظر العرف من أرحامه و أقاربه،و للنسب سبعة أصناف:

1-الأم،و تشمل الجدات لأب كن،أو لام.

2-البنات،و تشمل بنات الابن،و بنات البنت،و ان نزلن.

3-الأخوات لأب أو لأم،أو لهما.

4-العمات،و تشمل عمات الآباء و الأجداد.

5-الخالات،و تشمل خالات الآباء و الأجداد.

6-بنات الأخ،و ان نزلن.

7-بنات الأخت كذلك.

و الأصل في ذلك الآية السابقة 23 من النساء،أما أصناف المحرمات بالسبب فكثيرة،نذكر منها فيما يلي المحرمات التالية:

المصاهرة:

المصاهرة علاقة تحدث بسبب الزواج،و تستدعي تحريمه ببعض أقارب الزوجة أو الزوج عينا أو جمعا،على التفصيل التالي:

1-تحرم زوجة الأب على الابن مؤبدا،و ان نزل بمجرد العقد،سواء أدخل الأب،أم لم يدخل إجماعا و نصا،و منه قوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ .و النكاح حقيقة في العقد.

ص:190

2-تحرم زوجة الابن على الأب مؤبدا،و ان علا بمجرد العقد إجماعا و نصا،و منه قوله تعالى وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ .

3-أم الزوجة و ان علت تحرم على زوج ابنتها مؤبدا،و هل تحرم بمجرد العقد على بنتها،حتى و لو لم يدخل،أو أنّها لا تحرم إلاّ بالدخول،كما هو الشأن في بنت الزوجة؟ قال صاحب الجواهر:«فيه روايتان أشهرهما رواية و فتوى أنّها تحرم بمجرد العقد،بل في كتاب الغنية و كتاب الناصريات الإجماع على ذلك،لعموم قوله تعالى وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ،و للاخبار و للاحتياط.و جاء في كتاب المكاسب نقلا عن الشيخ الطوسي المعروف بشيخ الطائفة أن الرواية التي تقول بالتحريم ان لم يدخل موافقة لكتاب اللّه،و التي تقول بعدم التحريم مخالفة له،و القاعدة المتسالم عليها عند الجميع أن تطرح المخالفة،و يؤخذ بالموافقة مع تعارضهما، ثم قال صاحب المكاسب:«و كيف كان فالمذهب القول بالتحريم مطلقا».

4-تحرم بنت الزوجة إذا دخل بالأم،و لا تحرم بمجرد العقد،فيجوز للزوج إذا طلق الأم قبل أن يدخل بها أن يعقد على بنتها إجماعا لقوله تعالى:

وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ .و ذكر الحجور بيان للأغلب،قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان عليا عليه السّلام كان يقول:الربائب عليكم حرام اللاتي دخلتم بهن في الحجور و غير الحجور سواء،و الأمهات مبهمات-أي عامات للمدخول بهن و غير المدخول بهن-دخل أم لم يدخل،فحرّموا،و أبهموا ما أبهم اللّه،أي عمموا ما عمم.

ص:191

تحريم الجميع:

يحرم الجمع بين الأختين سواء أ كانتا لأب و أم،أم لأحدهما،لقوله تعالى:

وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ .

قال صاحب الجواهر:«كتابا و سنة و إجماعا».فإذا فارق الأخت بموت أو طلاق جاز له أن يعقد على أختها بعد انتهاء عدتها ان كان الطلاق رجعيا،و ان كان بائنا جاز العقد قبل انقضاء عدة الأخت المطلقة لأن الرجعية بحكم الزوجة،و لذا وجبت نفقتها،و جاز الرجوع إليها.

و ذهب أكثر الفقهاء إلى أنّه يجوز أن يدخل العمة و الخالة على بنت الأخ و الأخت إطلاقا،و لا يجوز أن يدخل بنت الأخ و الأخت على العمة و الخالة إلاّ بإذنهما،أي أنّه إذا تزوج أولا بنت الأخ،أو بنت الأخت فله أن يتزوج أيضا العمة أو الخالة،و ان لم تأذن بنت الأخ أو بنت الأخت،و إذا تزوج أولا العمة أو الخالة فلا يجوز له أن يعقد على بنت الأخ أو بنت الأخت إلاّ إذا أذنت العمة أو الخالة، و استدلوا بأن اللّه سبحانه بعد أن عدد المحرمات في الآية 23 من سورة النساء أباح غيرهن بقوله عزّ من قائل وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ فإن وراء ذلكم يشمل الجمع بين العمة و بنت الأخ،و بين الخالة و بنت الأخت،و لو كان هذا الجمع محرما لنص عليه القرآن تماما كما نص على تحريم الجمع بين الأختين.

أما شرط الاذن من العمة و الخالة فقد دلت عليه الرواية عن الإمام الباقر أبي جعفر الصادق عليهما السّلام:«لا تزوّج بنت الأخ،و لا بنت الأخت على العمة،و لا على الخالة إلاّ بإذنهما،و تزوّج العمة و الخالة على بنت الأخ و الأخت من غير إذنهما».

قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف معتد به أجده،بل عن التذكرة الإجماع عليه، و هو الحجة بعد أصل الجواز،و عموم قوله تعالى وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ .

ص:192

الزنا:

اشارة

و فيه مسائل :

1-لا يجوز للرجل أن يتزوج بنته من الزنا،و أخته،و لا بنت ابنه،و لا بنت

بنته،و لا بنت أخيه أو أخته

،لأنها،و ان تكن من الزنا،فإنها من ماء من تولدت منه حقيقة و واقعا فتكون بنته لغة و عرفا،و الأحكام تتبع الأسماء خرج منها بالدليل الإرث و الإنفاق،فبقي غيرها من نشر التحريم على إيجابية.

2-لا أثر للزنا الطارئ بعد العقد

،فإذا زنى بأم زوجته أو بنتها،أو زنى الأب بزوجة ابنه،أو الابن بزوجة أبيه فلا تحرم الزوجة على زوجها الشرعي، لقاعدة«لا يحرّم الحرام الحلال،و أنّه ما حرّم حرام حلالا قط»كما جاء عن أهل البيت عليهم السّلام بالإضافة الى النصوص الخاصة،منها إذا تزوّجها فوطأها،ثم زنى بها ابنه لم يضره،لأن الحرام لا يفسد الحلال.و منها ان كانت عنده امرأة،ثم فجر بأمها أو بنتها لم تحرم عليه امرأته،ان الحرام لا يفسد الحلال.

3-الزنا قبل العقد يوجب تحريم المصاهرة

،فمن زنا بامرأة فليس لأبيه و لا لابنه أن يعقد عليها.قال صاحب الجواهر:«وفاقا للأكثر،بل هو المشهور» لقول الإمام الصادق عليه السّلام:«إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحل له بنتها أبدا»أي لا يجوز له أن يعقد عليها بعد أن فجر بها أبوه،و سئل عن رجل زنى بامرأة،هل تحل لابنه؟قال:لا.

هذا،بالنسبة إلى تحريم المزني بها على أب الزاني و ابنه،أما بالنسبة إلى الزاني نفسه،فهل يجوز له أن يعقد عليها،و يتزوجها بعد أن كان قد زنى بها أولا؟ و فرّق الفقهاء بين أن تكون المزني بها متزوجة،أو معتدة من طلاق رجعي

ص:193

فتحرم مؤبدا،أي لا يجوز أن يعقد عليها من زنى بها،بانت من الأول بطلاق أو موت،و بين ما إذا كانت خلية حين الزنا،أو معتدة من وفاة أو طلاق بائن فلا تحرم عليه.

فقد جاء في كتاب الشرائع:«لو زنى بذات بعل أو في عدة رجعية حرمت عليه أبدا في قول مشهور».و قال صاحب الجواهر في شرح هذه العبارة:بل لا أجد فيه خلافا كما عن جماعة،بل عن كتاب الغنية و الحلي و فخر المحققين الإجماع عليه مطلقا،و في ذلك رواية و لكنها ضعيفة،لأنها من كتاب الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السّلام،و الإنصاف-ما زال الكلام لصاحب الجواهر-ان العمدة في ذلك الإجماع من غير فرق فيما قام عليه الإجماع بين العالم بالحكم و الجاهل،بل و لا بين علم الزاني بأنّها ذات بعل أو جهله،و لا بين الزواج الدائم و المنقطع».

و أيضا قال صاحب الجواهر:فإذا زنى بها،و هي خلية لم يحرم عليه زواجها،و ان لم تتب،وفاقا للمشهور شهرة عظيمة،بل عن كتاب الخلاف الإجماع عليه للعمومات التي منها أن الحرام لا يحرم الحلال،و خصوص صحيح الحلبي عن الإمام الصادق عليه السّلام:أيما رجل فجر بامرأة،ثم بدا له أن يتزوجها حلالا جاز،فإن أوله سفاح،و آخره نكاح،و مثله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراما،ثم اشتراها بعد ذلك،فكانت حلالا.

و قيد الفقهاء هذه الرواية،و ما في معناها بالخلية خاصة دون المتزوجة و دون المعتدة من طلاق رجعي،و لا دليل على التقييد سوى الإجماع،كما قال صاحب الجواهر.

و من الخير ان نشير بهذه المناسبة إلى أن أهل البيت عليهم السّلام أجازوا الزواج

ص:194

بالمعروفة بالزنا أملا في تحصينها و تركها الفجور،فقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام الصادق عليهما السّلام عن رجل أعجبته امرأة،فسأل عنها فإذا النساء تنبئ عنها بالفجور؟ فقال الإمام:لا بأس أن يتزوجها و يحصنها.

العقد على المعتدة:

اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر و الحدائق على أنّه إذا عقد على امرأة معتدة من وفاة أو طلاق بائن أو رجعي أو شبهة فسد العقد،و لا أثر له إطلاقا،سواء أ كان عالما أم جاهلا بالحكم و الموضوع معا،أو بأحدهما دون الآخر،و العلم بالموضوع هو أن يعلم أنّها في العدة،و العلم بالحكم هو أن يعلم أنّه يحرم عليه ذلك.

و هنا سؤال،و هو هل العقد عليها يوجب تحريم زواجه بها،بحيث إذا انتهت العدة لا يجوز له أن يعقد عليها،و يتزوجها ثانية،أو لا؟ و الجواب يستدعي التفصيل التالي:

1-أن يعقد عليها،و يدخل بها.و قد اتفقوا على أنّها تحرم عليه مؤبدا، سواء أ كان عالما بالحكم و الموضوع،أو بأحدهما.

2-أن يعلم أنّها في العدة،و أنّها تحرم عليه و مع ذلك عقد عليها،و اتفقوا على أنّها تحرم عليه مؤبدا.

و هنا سؤال يفرض نفسه،و هو إذا كان الزنا بالمعتدة من وفاة أو طلاق غير رجعي لا يوجب التحريم،كما سبق،فكيف أوجب العقد من غير دخول التحريم المؤبد؟و هل تأثير القول أعظم من تأثير الفعل؟ و الجواب ان الفارق هو النص الذي سنذكره في الرقم التالي،و لا شيء

ص:195

سواه.

3-ان يعقد عليها،و لم يدخل بها،و لكنه عقد،و هو جاهل بأنها في العدة،أو بأنه يحرم عليه ذلك.و قد اتفقوا على أنّها لا تحرم عليه مؤبدا،و ان له بعد انقضاء العدة أن يستأنف العقد،و يتزوجها.قال صاحب المسالك:«و في ذلك روايات كثيرة».

و قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده في شيء من ذلك،بل الإجماع عليه،و هو الحجة بعد الروايات المعتبرة المستفيضة.قال الإمام الصادق عليه السّلام:

الذي يتزوج المرأة في عدتها،و هو يعلم لا تحل له أبدا.و قال أيضا:إذا تزوج الرجل في عدتها،و دخل بها لم تحل له أبدا عالما كان أو جاهلا،و ان لم يدخل بها حلت للجاهل،و لم تحل للآخر».أي إذا اختص العلم بأحدهما دون الآخر اختص التحريم به،مع العلم بأنّه يحرم على الجاهل التزويج بها مع الدخول.

العقد على المتزوجة:

حكم العقد على المتزوجة حكم العقد على المعتدة في جميع الحالات، لمساواتها لها في المعنى و زيادة،و هي العلاقة الزوجية،فيثبت التحريم بطريق أولى،و من باب مفهوم الموافقة،كما قال صاحب المسالك.هذا،بالإضافة إلى قول الإمام الصادق عليه السّلام:المرأة التي تتزوج يفرق بينهما،ثم لا يعاودان أبدا.و أيضا سئل عن امرأة نعي إليها زوجها فتزوجت،ثم قدم زوجها بعد ذلك؟قال:تعتد منهما جميعا ثلاثة أشهر عدة واحدة،و ليس للأخير أن يتزوجها أبدا.

ص:196

عدد الزوجات:

اتفقوا على أن للرجل أن يجمع بين أربع نسوة،على شريطة عدم الخوف من الجور،و مجانبة العدل،كما هو صريح الآية الكريمة،و العدل المطلوب هنا هو القسم بين الزوجين-و يأتي الكلام عنه-و المساواة في الإنفاق المعاملة،أما العدل و المساواة في المحبة فغير مطلوب،لأنه تكليف بما لا يطاق.

و الأصل في ذلك قوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً (1).و الواو هنا للتخيير لا للجمع، و إلاّ جاز الجمع بين 18.و هو باطل بضرورة الدين.قال الإمام عليه السّلام:لا يجوز الجمع بين أكثر من أربع حرائر.و قال:لا يجمع الرجل ماءه في خمس.

و إذا خرجت إحداهن من عصمة الزواج بموت أو طلاق بائن جاز له الزواج من أخرى،و لا يجوز أن يتزوج الخامسة إذا كانت الرابعة معتدة من طلاق رجعي،لأن الرجعية بحكم الزوجة من حيث وجوب الإنفاق عليها،و جواز إرجاعها.قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا برئت عصمة المطلقة،و لم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها.و لم يفرق المشهور بين الأخت و الخامسة،لأن العلة في إباحة الزواج بكل منهما هي بينونة المطلقة من العصمة،و صيرورتها أجنبية أو كالأجنبية.و يؤيده قول الإمام عليه السّلام:لا يجمع الرجل ماءه في خمس.فان البائن لا يجوز نكاحها للمطلق.

قذف الخرساء و الصماء:

الخرس آفة تصيب اللسان فتمنعه عن الكلام،و النعت أخرس للذكر،

ص:197


1- النساء:3. [1]

و خرساء للأنثى،و الصمم آفة تذهب بحاسة السمع،و من كان عنده زوجة خرساء صماء لا تسمع و لا تستطيع الكلام،و رماها بالزنا ففيه التفصيل التالي:

1-أن يرميها بالزنا،دون أن يدعي المشاهدة و دون أن يقيم البينة،و هذه لا تحرم عليه،و لكن يحد حد القذف،و هو ثمانون جلدة،على شريطة أن يثبت القذف عند الحاكم.

2-أن يدعي المشاهدة،و يقيم البينة على ما قذفها به،و هذه أيضا لا تحرم عليه،و يسقط عند الحد،بل يجب الحد عليها،و هو الرجم لأنها محصن، على أن تثبت البينة عند الحاكم.

3-أن يدعي المشاهدة،و لا تثبت البينة عند الحاكم،فإنها تحرم عليه مؤبدا،و من غير ملاعنة،و لا يسقط عنه الحد بالتحريم.قال الشهيد الثاني في شرح اللمعة:«لا يسقط الحد بتحريمها عليه،بل يجمع بينهما ان ثبت القذف عند الحاكم،و إلاّ حرمت بينه و بين اللّه،و بقي الحد في ذمته على ما دلت عليه رواية أبي بصير التي هي الأصل في الحكم».

و قال صاحب الجواهر:«تحرم عليه و ان لم يكن بينهما لعان بلا خلاف أجده،بل الإجماع عليه مضافا إلى صحيح أبي بصير أو موثقة».فقذف الزوجة الخرساء الصماء انما يوجب التفريق بينهما بشرطين:الأول أن يدعي المشاهدة، الثاني ان لا تقوم البينة على الزنا عند الحاكم،فإن لم يدع المشاهدة فلا تحرم عليه،و ان ادعاها،و لم تثبت البينة لا يفرق بينهما في الظاهر،و لكن يجب عليه بينه و بين ربه أن لا يقربها إطلاقا.

ص:198

الملاعنة:

إذا قذف الرجل زوجته-غير الخرساء و الصماء-قذفها بالزنا،أو نفى عنه الولد الذي ولدته على فراشه،و كذّبته هي،و لا بينة له جاز له أن يلاعنها،أما كيفية الملاعنة و شروطها فيأتي الكلام عنهما في باب الظهار و الإيلاء و اللعان من هذا الجزء ان شاء اللّه،و متى تمت الملاعنة حرمت عليه مؤبدا،قال الإمام الصادق عليه السّلام لزوجين تلاعنا:لا تجتمعا بنكاح أبدا بعد ما تلاعنتما.و قال صاحب الجواهر:

«الإجماع على ذلك،و لكن بشروط اللعان الآتية في محله».

عدد الطلاق:

إذا طلق الرجل زوجته ثلاثا بينهما رجعتان حرمت عليه،و لا تحل له،حتى تنكح زوجا غيره،و ذلك أن تعتد بعد الطلاق الثالث،و عند انتهاء العدة من هذا الطلاق تتزوج زواجا شرعيا دائما،و يدخل بها الزوج الثاني،فإذا فارقها بموت أو طلاق،و انتهت عدتها جاز للأول ان يعقد عليها ثانية،فإذا عاد و طلقها ثلاثا حرمت عليه،حتى تنكح زوجا غيره،و هكذا تحرم عليه بعد كل طلاق ثالث، و تحل له بمحلل،قال تعالى اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ و قال سبحانه فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ (1).

قال الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهما السّلام:«ان اللّه عزّ و جلّ انما اذن في الطلاق مرتين،فقال: اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ،يعني في التطليقة الثالثة. فَلا تَحِلُّ لَهُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ،لئلا يوقع الناس الاستخفاف بالطلاق».

ص:199


1- البقرة:129. [1]

و على هذا،يكون الطلاق ثلاثا من أسباب التحريم المؤقت لا المؤبد أي أن المطلقة تحرم بالتطليقة الثالثة،و تحل بعد زواجها من المحلل و دخوله بها، و مفارقته لها بموت أو طلاق،و لكن الفقهاء الإمامية استثنوا صورة واحدة،و قالوا فيها بالتحريم المؤبد،و هي المرأة المطلقة تسعا طلاق العدة،و معنى طلاق العدة عندهم أن يطلقها،ثم يراجعها و يطأها،ثم يطلقها في طهر آخر،ثم يراجعها و يطأها،ثم يطلقها في طهر آخر،و حينئذ لا تحل له إلاّ بمحلل،فإذا عقد عليها ثانية بعد مفارقة المحلل،و طلقها ثلاثا طلاق العدة كما فعل أولا حلت له بمحلل، ثم عقد عليها،ثم طلقها طلاق العدّة،حتى أكملت التطليقات التسع حرمت عليه مؤبدا،أما إذا لم يكن الطلاق للعدة،كما لو ارجعها،ثم طلقها قبل الوطء،أو تزوجها بعقد بعد انتهاء العدة فلا تحرم عليه،و لو طلقت مائة مرة.

و جاء في اللمعة و شرحها:«طلاق العدة هو أن يطلق على الشروط ثم يرجع في العدة و يطأ،ثم يطلق في طهر آخر،و إطلاق العدة عليه من حيث الرجوع فيه في العدة.و تحرم المطلقة للعدة في التاسعة أبدا إذا كانت حرة.و ما عدا طلاق العدة من أقسام الطلاق الصحيح،و هو ما إذا رجع في العدة،و تجرد الرجوع عن الوطء،أو رجع بعد العدة بعقد جديد،و ان وطأ تحرم المطلقة في كل تطليقة ثالثة للحرة،و في كل ثانية للأمة».و قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك».ثم ذكر روايات عن الإمام الصادق عليه السّلام،و سنعود إلى الموضوع ثانية في باب الطلاق ان شاء اللّه.

اختلاف الدين:

اشارة

اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر و غيره على أنّه لا يجوز للمسلم و لا

ص:200

للمسلمة التزويج ممن لا كتاب سماوي لأهل ملته،و هم عبدة الأوثان و النيران و الشمس،و سائر الكواكب،و ما يستحسنونه من الصور،و بالأولى من لا يؤمن بشيء.

و كذا لا يجوز للمسلم أن يتزوج من مجوسية،و بالأولى أن لا تتزوج المسلمة من مجوسي،و ان قيل بأن للمجوس شبهة كتاب،أي كان لهم كتاب فتبدلوه،فأصبحوا و قد رفع عنهم.و قد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن المسلم يتزوج المجوسية؟قال:لا.و لكن إن كانت له أمة مجوسية فلا بأس.

و قال صاحب الجواهر:«المجوس إنما ألحقوا باليهود و النصارى في الجزية و الديات.لعدم العبرة عندنا بغير التوراة و الإنجيل من باقي الكتب التي هي على ما قيل نقل من الأنبياء بالمعنى،لا أن ألفاظها نزلت من رب العزة،أو أنّها مواعظ،لا أحكام،و لعله لذلك اختص أهل الكتابين ببعض الأحكام دون غيرهم،فالذي يقوى في النظر حرمة نكاح المجوس مطلقا إلاّ بملك اليمين».

و هل يجوز للمسلم أن يتزوج الكتابية اليهودية و النصرانية؟ و للفقهاء في ذلك أقوال أنهاها بعض الفقهاء إلى أكثر من ستة،منها عدم الجواز إطلاقا،و منها عدم الجواز دواما،و الجواز بالمتعة و ملك اليمين، و منها الجواز مع الاضطرار و عدم وجود المسلمة.و منها الجواز مطلقا على كراهية.و بهذا قال جماعة من الفقهاء،منهم صاحب الجواهر،و صاحب المسالك،و السيد أبو الحسن الأصفهاني في وسيلة النجاة،و نحن على هذا الرأي،و الدليل عليه:

أولا:الأدلة الدالة على اباحة الزواج بوجه عام،خرج منه زواج المسلم

ص:201

بالمشركة،و المسلمة بالمشرك و الكتابي،و بقي ما عدا ذلك مدلولا و مشمولا للعمومات و الإطلاقات.

ثانيا:قوله تعالى اَلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ (1).فإن هذه الآية ظاهرة في حل أهل الكتاب دواما و متعة و ملك اليمين، و المراد بالمحصنات العفيفات،أما قوله سبحانه وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ فإنه خاص بالمشركات،و هن غير الكتابيات،و أما آية وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ فليس صريحة في الزواج،لأن الإمساك بالعصم كما يكنى به عن الزواج يكنى به عن غير الزواج أيضا،بل قال صاحب المسالك:«ان الآية ليست صريحة في إرادة النكاح،و لا فيما هو أعم منه».

ثالثا:الروايات الكثيرة عن أهل البيت عليهم السّلام،و هي العمدة في ذلك،و قد ذكرها صاحب الوسائل و الجواهر،و وصفها هذا بالمستفيضة،أي أنّها بلغت حدا من الكثرة يقرب من التواتر،منها أن رجلا سأل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل مؤمن يتزوج اليهودية و النصرانية؟قال الإمام عليه السّلام:إذا أصاب المسلمة فما ذا يصنع باليهودية و النصرانيّة؟قال السائل:يكون له فيها الهوى.فقال الإمام:ان فعل فليمنعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير،و اعلم أن عليه في دينه غضاضة.

فلم يمنع الإمام عليه السّلام السائل من الزواج بالكتابية،بل أذن له بذلك،حيث قال:«ان فعل فليمنعها من شرب الخمر»هذا من حيث الدلالة أمّا من حيث السند فقال صاحب المسالك:«ان هذه الرواية أوضح ما في الباب سندا،لأن طريقها صحيح،و فيها إشارة إلى كراهية التزويج المذكور،فيمكن حمل النهي الوارد عنه

ص:202


1- النساء:5. [1]

على الكراهة جمعا بين الروايات-ثم قال-و قد انتهى الفقهاء في الخلاف و الأدلة إلى ما لا طائل تحته».

و بالإجمال انّه قد ورد عن أهل البيت عليهم السّلام روايات تمنع من الزواج بالكتابية،و روايات تجيز ذلك،و هذه الرواية التي قال فيها الإمام:«ان عليه في دينه غضاضة»تجمع بين الروايات،و ذلك بحمل الروايات المانعة على الكراهية،و حمل المجيزة على مجرد الإباحة،و تكون النتيجة أن زواج الكتابية مكروه لا محرم،و يسمى هذا الجمع شرعيا،لأن الدليل عليه من الشرع بالذات.

أما صاحب الجواهر فإنه بعد أن أطال في رد المناعين و المفصّلين قال:

«و من ذلك كله يظهر لك ضعف التفصيل بين الدائم و غيره،و أضعف منه اختصاص الجواز بملك اليمين،و كذا التفصيل بين الجواز و غيره،فان جميع ذلك مناف للعمومات،و لما سمعته من الكتاب و السنة».

و تجدر الإشارة إلى أنّه لا فرق في جواز نكاح الكتابية ذمية كانت أو حربية.

و من الطريف قول بعض المانعين:أن اليهودية و النصرانية تحاول حمل الولد على اعتناق دينها.و آية علاقة لذلك في صحة العقد و فساده؟و إلاّ حرم التزويج بالمسلمة مع الخوف منها على دين الولد و عقيدته.

الارتداد عن الإسلام:

من كان على دين الإسلام ثم ارتد عنه إلى غيره فلا يحل زواجه إطلاقا رجلا كان أو امرأة،فطريا أو مليا،و المرتد الفطري هو الذي يكون أحد أبويه أو كلاهما مسلما،و المرتد الملي من كان أبواه غير مسلمين،ثم يعتنق هو الإسلام، ثم يرتد عنه،و الارتداد بقسميه مانع من الزواج.قال صاحب المسالك:«ان

ص:203

الارتداد ضرب من ضروب الكفر الذي لا يباح التناكح معه».و نقل صاحب الجواهر عن الشهيد الأول أنّه قال في كتاب الدروس:«لا يصح تزويج المرتد و المرتدة على الإطلاق».

و عليه،فإذا كان الزوجان مسلمين،ثم ارتد أحدهما عن الإسلام،و بقي الآخر على إسلامه فيجري الحكم على التفصيل التالي:

1-ان يرتد أحد الزوجين قبل الدخول،و قد أجمعوا بشهادة صاحب الجواهر على أن الزواج يبطل ساعة الارتداد،سواء أ كان المرتد هو الزوج أو الزوجة،و سواء أ كان الارتداد عن فطرة أو عن ملة،لأن الارتداد بنفسه مانع من الزواج،و لذا يبطل الزواج إذا ارتدا معا.

ثم ان ارتد الزوج،و بقيت هي على إسلامها فعليه أن يدفع لها نصف المهر، لأن الفسخ جاء من جهته فكان كما لو طلق قبل الدخول.و ان ارتدت هي،و بقي هو على إسلامه أو ارتدا معا فلا شيء لها،لأن ارتدادها سبب من أسباب الفسخ.

2-ان يرتد الزوج عن فطرة بعد أن يدخل،فينفسخ الزواج في الحال أيضا،لأنه يقتل و ان تاب،و تقسم تركته،و تعتد زوجته عدة الوفاة.قال الإمام الصادق عليه السّلام:من ارتد عن الإسلام،و جحد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كذبه فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه،و امرأته بائنة يوم ارتد،و يقسم ماله على ورثته،و تعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها،و على الإمام أن يقتله،و لا يستتيبه.

و عليه أن يدفع لها المهر كاملا،لاستقراره بالدخول.

3-ان ترتد هي عن ملة أو عن فطرة لا فرق،أو يرتد هو عن ملة بعد الدخول،و حينئذ ينتظر انقضاء العدة،فإن رجع من ارتد عن ارتداده أثناء العدة ثبت الزواج،و إلاّ انفسخ.و في جميع الحالات عليه أن يدفع لها المهر كاملا،

ص:204

لاستقراره بالدخول.

إسلام أحد الزوجين:

إذا كان الزوجان غير مسلمين،ثم أسلم أحدهما ففيه التفصيل التالي:

1-أن تكون هي كتابية،و هو غير مسلم بصرف النظر عن كونه كتابيا أو و ثنيا،ثم يدخل هو في الإسلام،و تبقى هي على يهوديتها أو نصرانيتها،و قد أجمعوا بشهادة صاحب الجواهر و المسالك و الحدائق على بقاء الزواج بحاله، سواء أ كان الزوج قد دخل،أو لم يدخل بعد،حتى الذين قالوا بأن المسلم لا يجوز له أن يعقد على الكتابية ابتداء قالوا هنا ببقاء الزواج،لأن حكم الابتداء غير حكم البقاء و الاستمرار.

2-ان يكون هو كتابيا،و هي غير مسلمة بصرف النظر عن كونها كتابية أو و ثنية،ثم تدخل هي في الإسلام دونه،و حينئذ ينظر:فان كان لم يدخل بعد انفسخ الزواج في الحال،لعدم العدة،و لأن الكتابي لا يجوز له أن يتزوج المسلمة بضرورة الدين و المذهب،و بالأولى الوثني،و ليس لها من المهر شيء،لأنه لم يدخل،و الفسخ جاء من جهتها لا من جهته،و لا عدة لها لعدم الدخول،قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا أسلمت امرأة،و زوجها على غير الإسلام فرّق بينهما.و في رواية أخرى صحيحة بشهادة صاحب الجواهر:انقطعت عصمتها منه،و لا مهر لها،و لا عدّة له عليها.و ما خالف هذه الرواية من النصوص فهو متروك لا عامل به كما قال صاحب الجواهر.و قال صاحب الحدائق:ما دلت عليه الرواية من وجوب التفرقة و عدم المهر و العدة هو المعروف من مذهب الفقهاء.

و ان أسلمت بعد أن دخل بها فلا يفسخ النكاح في الحال،بل ينتظر حتى

ص:205

تنقضي العدة،فإن أسلم في أثنائها فهي زوجته،و إلاّ بانت منه،و عليه المهر،لأنه استقر بالدخول،قال صاحب الجواهر:هذا هو الحكم وفاقا للأكثر،بل هو المشهور،لأن اللّه لم يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا،مضافا إلى النصوص الخاصة،و قال الشهيد الثاني في شرح اللمعة:«هذا هو المشهور بين الفقهاء، و عليه الفتوى،و للشيخ قول بأن النكاح لا ينفسخ بانقضاء العدة إذا كان الزوج ذميا قائما بشروط الذمة،و لكن لا يمكّن من الدخول عليها ليلا،و لا من الخلوة بها، و لا من إخراجها إلى دار الحرب ما دام قائما بشروط الذمة استنادا إلى روايات ضعيفة مرسلة أو معارضة بما هو أقوى منها».

3-أن يكون الزوجان غير كتابيين،بل كانا وثنيين أو ناصبيين و ما إليهما، فإذا أسلما معا بقي النكاح،سواء أ كان قبل الدخول أو بعده،لعدم الموجب للفسخ،و ان أسلم أحدهما دون الآخر ينظر:فان كان ذلك قبل الدخول انفسخ العقد في الحال،لعدم العدة،و لان المسلم ان كان هو الزوجة فلا سبيل لغير المسلم عليها،و ان كان هو الزوج فان المسلم انما يجوز له الزواج بالكتابية لا بغيرها،و لا شيء لها من المهر إن أسلمت هي،لأن الفسخ جاء من قبلها،و ان أسلم هو فعليه نصف المهر،لأن الفسخ جاء من جهته.

و ان أسلم أحدهما بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة،فإن أسلم أو أسلمت قبل انقضائها بقي الزواج،و إلاّ فرّق بينهما،و عليه المهر لمكان الدخول،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف في ذلك و لا إشكال نصا و فتوى».

و قال صاحب المسالك:«هذا مما لا خلاف فيه».

و جاء في كتاب الوسائل عن منصور بن حازم أنّه قال:سألت الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل مجوسي أو مشرك من غير أهل الكتاب كانت تحته امرأته،

ص:206

فأسلم أو أسلمت؟قال:ينظر بذلك انقضاء عدتها،فان هو أسلم أو أسلمت قبل أن تنقضي عدتها فهما على نكاحهما الأول،و ان هو لم يسلم،حتى تنقضي العدة فقد بانت منه.

انكحة غير المسلمين:

أنكحة غير المسلمين كلها صحيحة،على شريطة أن تقع على الوجه الذي يعتقدونه في دينهم،و نحن المسلمين نرتب عليها جميع آثار الصحة من غير فرق بين أهل الكتاب و غيرهم،حتى الذين يجيزون نكاح المحارم.و قد ثبت عن أهل البيت عليهم السّلام:«من دان بدين قوم لزمته أحكامهم.ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم».و هذا المبدأ يطبق الآن و يعمل به في لبنان فيما يختص بالأحوال الشخصية،فإن لكل طائفة محاكمها في ذلك.

و إذا أسلم الزوجان أو أحدهما طبقنا أحكام الإسلام على من اعتنقه، و أمضينا من العادات و التقاليد ما يتفق مع شرعية الإسلام،و أبطلنا ما يخالفها.قال صاحب الجواهر في باب الزواج في المسألة الأولى من المقصد الثالث:«نحكم بصحة ما في أيديهم من النكاح و غيره،بمعنى ترتب الآثار عليه،و ان كان فاسدا عندنا،بل يقرون عليه بعد الإسلام».أي أن من أسلم نقر ما مضى من أفعاله، حتى و لو كان مخالفا للإسلام،أمّا ما يقع منها بعد الإسلام فنقر الموافق،و نبطل المخالف.

الإحرام:

المحرم للحج أو للعمرة وجوبا أو ندبا لا يحل له أن يتزوج أو يزوج رجلا

ص:207

كان أو امرأة،وكيلا كان أو أصيلا أو وليا،فان حصل عقد الزواج حين الإحرام بطل العقد،سواء أ كان العاقد عالما بالتحريم أو جاهلا.هذا،بالقياس إلى العقد.

أما بالقياس إلى التحريم فينظر:فان كان العاقد جاهلا بالتحريم حرمت المرأة المعقود عليها مؤقتا،فإذا أحلا،أو أحل الرجل أن تكن المرأة محرمة جاز له استئناف العقد عليها،و ان كان عالما بالتحريم فرق بينهما،و حرمت مؤبدا.قال الإمام الصادق عليه السّلام:المحرم لا ينكح و لا ينكح،و لا يخطب،و لا يشهد النكاح، و ان نكح فنكاحه باطل.

قال الشهيد الثاني في شرح اللمعة:هذا هو المشهور.و لا تحرم الزوجة بوطئها في الإحرام مطلقا،سواء أ كان الواطئ عالما بالتحريم أو جاهلا.و سبق الكلام على ذلك في الجزء الثاني فصل تروك الإحرام،فقرة«الزواج».

الكفاءة:

الكفاءة بين الزوجين عند الإمامية هي الإسلام،و كفى به جامعا من غير فرق بين المذاهب الإسلامية و فرقها جميعا.قال صاحب الجواهر في باب الزواج-المسألة الاولى من لواحق العبد ما نصه بالحرف:«المدار على الإسلام في النكاح،و ان جميع فرقه التي لم يثبت لها النصب و الغلو (1)أو نحو ذلك ملة واحدة يشتركون في التناكح بينهم و التوارث،و غيرهما من الأحكام و الحدود».

ص:208


1- الناصب هو الذي ينصب البغض و العداء لواحد من أهل البيت عليهم السّلام و قرابة الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و هو عند الإمامية كافر،و ان نطق بالشهادتين،لأنه مخالف لما ثبت بضرورة الدين،و القرآن الكريم،و هو قوله تعالى قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى و المغالي هو الذي يصف واحدا من أهل البيت عليهم السّلام أو غيرهم ببعض الصفات الإلهية،فإنه كافر و لو نطق بالشهادتين.

و نقل صاحب الجواهر روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السّلام في هذا المعنى، و وصفها بالمتواترة،نذكر منها ما يلي:

ان الإمام علي بن الحسين جد الإمام الصادق عليهم السّلام لما أنكر عليه بعضهم الزواج من بعض الناس و تزويجهم قال:«ان اللّه رفع بالإسلام كل خسيسة،و أتم به الناقصة،و أكرم به اللؤم،فلا لؤم على مسلم،و انما اللؤم لؤم الجاهلية».

و قال الإمام محمد الباقر أبو الإمام الصادق عليهما السّلام:«الإسلام ما ظهر من قول أو فعل،و هو الذي عليه جماعة من الناس من الفرق،و به حقنت الدماء،و عليه جرت المواريث،و جاز النكاح،و اجتمعوا على الصلاة و الزكاة،و الصوم و الحج، و خرجوا بذلك من الكفر».

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و التصديق برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و به حقنت الدماء،و عليه جرت المناكح».

هذا،بالنسبة إلى الفرق و المذاهب الإسلامية،أما بالنسبة إلى الطبقية و العنصرية فقال صاحب الشرائع و الجواهر،و غيرهما من فقهاء الإمامية:يجوز عندنا أن يتزوج العبد بالحرة،و العجمي بالعربية،و غير الهاشمي بالهاشمية، و بالعكس،و كذا أرباب الصنائع الدنيئة،كالكناس و الحجام و غيرهما أن يتزوجوا بذوات الدين و العلم و البيوتات.

و نقل صاحب الجواهر من جماعة من كبار الفقهاء،منهم الشيخ الطوسي و الشيخ المفيد و بنو زهرة و العلامة الحلي أن من شروط الكفاية و صحة الزواج أن يكون الزوج قادرا على النفقة،و لكن أكثر الفقهاء على خلاف ذلك لقوله تعالى:

إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ .

ص:209

نكاح الشغار:

نكاح الشغار هو أن يقول أحد الوليين للآخر:زوجتك ابنتي أو أختي على أن تزوجني ابنتك أو أختك،و يقبل الآخر،و بحيث يكون بضع كل واحدة مهرا للأخرى،و كان هذا النحو من الزواج معروفا في الجاهلية،و فحرمه الإسلام باتفاق جميع المذاهب،لقول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لا شغار في الإسلام.

التعريض بالخطبة:

لا يجوز التعريض للمتزوجة بالعقد عليها،و لا للمعتدة من طلاق رجعي، لأنها بحكم الزوجة،أما المعتدة البائنة فيجوز التعريض لها من مطلقها و غيره، على أن يتم العقد بعد انقضاء العدة إذا كان المتعرض غير الزوج الذي طلق،حيث يحل له الرجوع إليها،قال تعالى وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً (1).

ص:210


1- البقرة:135. [1]

الرضاع

اشارة

تكلمنا في الفصل السابق عن جملة من أسباب تحريم الزواج:النسب، و الزنا،و المصاهرة،و العقد على المعتدة،و على المتزوجة،و عدد الزوجات، و قذف الخرساء الصماء،و الملاعنة،و عدد الطلاق،و الاختلاف في الدين، و الارتداد عن الإسلام،و الإحرام للحج أو العمرة.تكلمنا عن كل سبب من هذه الأسباب بفقرة خاصة.

و من أسباب التحريم الرضاع،و عقدنا له فصلا مستقلا بالنظر إلى أهميته، و تعدد شروطه،و كثرة فروعه.و الأصل فيه قوله تعالى وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ و ما تواتر عن الرسول الأعظم و أهل بيته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».

و معنى الحديث الشريف أن كل امرأة حرمت عليك بسبب النسب فإنها تحرم عليك بسبب الرضاع.

الشروط:

اشارة

الرضاع لا يؤثر التحريم و ينشره إلاّ إذا توافرت الشروط التالية

ص:211

1-أن اللبن الذي يرضعه الطفل يجب أن يكون من امرأة متزوجة زوجا

شرعيا

،و اختلفوا إذا كان لبنها من وطء شبهة:هل ينشر التحريم تماما كالزواج؟ ذهب المشهور بشهادة صاحب الحدائق و الجواهر إلى إلحاق الشبهة بالزواج الشرعي في التحريم.قال صاحب الجواهر:«نكاح الشبهة كالعقد الصحيح،وفاقا للأكثر،بل لم نجد فيه خلافا محققا».و قال صاحب الحدائق:

«المشهور إلحاق اللبن الذي عن نكاح الشبهة باللبن الذي عن النكاح الصحيح، لأن نكاح الشبهة موجب للنسب،كالنكاح الصحيح،و اللبن تابع للنسب».

و هذا هو الصواب،فان من تتبع مصادر الشريعة،و أقوال الفقهاء يجد أن النكاح الصحيح اسم لمعنى عام يشمل الزواج،و وطء الشبهة.هذا إلى أن قوله تعالى وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ يشمل كل مرضعة،سواء أ كانت زوجة شرعية،أو موطوءة بشبهة،أو زانية،أو غير متزوجة،خرجت الزانية و غير المتزوجة بالدليل،فبقيت الزوجة و الموطوءة بشبهة على حكم العموم،و مهما يكن،فقد أجمعوا-إلاّ من شذ-على أنّه لا أثر للبن الذي تدره المرأة من غير نكاح ثيبا كانت أو بكرا،و لا للبن الذي تدره بسبب الزنا،إذ لا حرمة لماء الزاني، و لا للبن الذي تدره من غير حمل أو ولادة،حتى و لو كانت متزوجة زواجا شرعيا،و يدل عليه أن الامام الصادق عليه السّلام سئل عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة، فأرضعت ذكرانا و اناثا،أ يحرم من ذلك ما يحرم من الرضاع؟قال:لا.

و اختلفوا في اللبن الذي تدره الحامل قبل أن تلد:هل ينشر الحرمة؟و لهم في ذلك قولان،أصحهما أنّه لا أثر للبن الحمل،لان انتشار الحرمة على خلاف الأصل،فيقتصر فيه على موضع اليقين،و هو الوضع،و بهذا قال صاحب الجواهر،و نقل الإجماع عليه عن كتاب الخلاف للشيخ،و الغنية لابن زهرة،

ص:212

و السرائر لابن إدريس.و يومئ إليه قول الإمام الصادق عليه السّلام:«ما أرضعت امرأتك من لبن ولدك ولد امرأة أخرى».فقوله عليه السّلام لبن ولدك يصدق على ما بعد الوضع، لا قبله.

ثم أنّه لا يشترط بقاء المرضعة في عصمة صاحب اللبن،فلو طلقها،أو مات عنها،و هي حامل منه،أو مرضع،ثم أرضعت ولدا تثبت الحرمة مع توافر سائر الشروط،حتى و لو تزوجت،و دخل بها الثاني،قال صاحب الجواهر:

«لا يعتبر في نشر الحرمة بقاء المرأة في حبال الرجل قطعا و إجماعا،فلو طلق الزوج،و هي حامل منه،ثم وضعت بعد ذلك أو طلقها،و هي مرضع،أو مات عنها كذلك فأرضعت ولدا نشر هذا الرضاع الحرمة،كما لو كانت في حباله، و الإجماع على ذلك.و لا فرق بين أن يرتضع في العدة أو بعدها،و لا بين أن يستمر اللبن أو ينقطع ثم يعود.و كذا لو تزوجت و دخل بها الزوج الثاني،و لم تحمل منه،أو حملت منه،مع كون اللبن بحاله،و لم تحدث فيه زيادة فإنه للأول أيضا بلا خلاف».

2-الشرط الثاني للتحريم أن يمتص الرضيع اللبن من الثدي

،فلو وجر في حلقه،أو شربه بطريق غير الامتصاص مباشرة لم تثبت الحرمة،قال صاحب الشرائع و الجواهر:«لا بد من ارتضاعه من الثدي في قول مشهور،تحقيقا لمسمى الارتضاع،فلو وجر في حلقه،أو وصل إلى جوفه بحقنة،و ما شاكلها لم تنتشر الحرمة،لعدم صدق الارتضاع و لخبر زرارة عن الصادق عليه السّلام:«لا يحرم من الرضاع إلاّ ما ارتضع من ثدي واحد».و كذا لو جبّن فأكله جبنا بلا خلاف بيننا، و كذا لو مزج اللبن بغيره،كما لو ألقي في فم الصبي مائع فرضع فامتزج حتى خرج عن كونه لبنا،أما إذا لم يخرج اللبن عن الاسم بالامتزاج فيجري عليه حكم

ص:213

اللبن الذي يوجب التحريم».

3-أجمعوا بشهادة صاحب الجواهر و الحدائق و المسالك على أنّه يشترط

في نشر التحريم أن يستوفي المرتضع عدد الرضعات

المطلوبة بكاملها قبل أن يكمل الحولين من عمره،و لا أثر لرضاعه بعدهما قل أو كثر،حتى لو افترض أنّه بقي له رضعة واحدة من العدد المطلوب فأكملها بعد الحولين بلا فاصل،أو رضع بعدهما أشهرا لم تنتشر الحرمة،لقوله تعالى وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ ،و للحديث الشريف لا رضاع بعد فطام، و للرواية عن الامام الصادق عليه السّلام:الرضاع قبل الحولين.

و اختلفوا في سن ولد المرضعة الأصيل الذي حصل اللبن بسببه:هل يشترط أن يكون أيضا في الحولين تماما كالمرتضع أو لا؟ قال صاحب الشرائع و المسالك:لا يشترط ذلك،و لا تجب مراعاة الحولين في ولد المرضعة.

و نحن على رأي صاحب الجواهر الذي اشترط أن لا يتجاوز الحولين، و أوجب مراعاتهما في ولد المرضعة،لأن هذا الولد الأصيل إذا أتم الحولين،ثم أرضعت غيره بعدهما يصدق على إرضاعها لهذا الغير أنّه إرضاع بعد الفطام،أي بعد فطام الأصيل.و بديهة أنّه لإرضاع بعد فطام بالاتفاق.

و إذا حصلت الرضعات المطلوبة،و شككنا:هل كانت قبل أن يكمل المرتضع الحولين،أو بعدهما،إذا كان الأمر كذلك فلا تنتشر الحرمة،لأن الشك في الشرط شك في المشروط،فيبقى أصل الإباحة و عدم الحرمة.

4-اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر و المسالك و الحدائق و غيرهم على أن

الرضاع كيف اتفق لا ينشر الحرمة

،بل له نحو خاص.و قد جاء بيانه و تحديده

ص:214

بثلاثة أشياء:الأول بما يتركه الرضاع من التأثير في جسم الطفل،و هو أن ينبت اللحم،و يشتد العظم،الثاني بالعدد،و هو أن يرضع الطفل خمس عشرة رضعة من امرأة واحدة،لا يفصل بينها رضاع من امرأة أخرى،و هذا هو معنى قول الفقهاء:لا بد من التوالي بين الرضعات،الثالث التحديد بالزمان،و هو أن يرضع من امرأة واحدة يوما و ليلة،أي 24 ساعة.

و يدل على الأول الإجماع المعلوم على حد تعبير صاحب الجواهر، و الحديث المروي عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كتبنا:الرضاع ما أنبت اللحم، و شد العظم.و أيضا ما استفاض-ما زال الكلام لصاحب الجواهر-عن الإمام الصادق عليه السّلام:لا يحرم من الرضاع إلاّ ما أنبت اللحم،و شد العظم،و سئل:هل يحرم من الرضاع الرضعة و الرضعتان و الثلاث؟فقال:لا إلاّ ما أنبت اللحم،و شد العظم.

و يدل على الثاني و الثالث قول الإمام الصادق عليه السّلام:لا يحرم من الرضاع إلاّ رضاع يوم و ليلة،أو خمس عشرة رضعة.

و قال أبوه الإمام الباقر عليهما السّلام:لا يحرم الرضاع أقل من رضاع يوم و ليلة،أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد،لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها،فلو أن امرأة أرضعت غلاما،أو جارية عشر رضعات لم يحرم نكاحهما.

و لا بد أن يكون غذاء الطفل في اليوم و الليلة منحصرا بلبن امرأة واحدة لا يتخلله في هذه المدة طعام أو رضاع من امرأة أخرى،و أيضا لا بد أن تكون الرضعة في العدد كاملة تروي الطفل،و ان يرضع كلما احتاج إلى الرضاع.

و تسأل:ان قولك:«لا يتخلله طعام»لا يتفق مع قول صاحب المسالك:«لو

ص:215

فصل بين الرضعات بمأكول أو مشروب لم يضر في التوالي قطعا:و كذا لا يضر شربه اللبن بغير رضاع،و انما يضر و يقطع التوالي إرضاع امرأة أخرى».و أيضا لا يتفق مع قول صاحب الجواهر،«لا يضر الفصل بالأكل و نحوه،بل بوجود اللبن بفمه بلا خلاف أجده فيه».

و نجيب بأن صاحبي المسالك و الجواهر أرسلا هذا القول دون أن يستدلا عليه بنقل أو عقل.و دليلنا على أن الأكل يمنع من نشر الحرمة أنّه يؤثر في نبات اللحم و اشتداد العظم.و معه لا يستند النبات و الاشتداد إلى الرضاع وحده كما هو المطلوب شرعا،هذا بالنسبة إلى الإنبات و الاشتداد.و أمّا بالنسبة إلى العدد و اليوم و الليلة فلأن الأكل فاصل أجنبي.و قول الإمام عليه السّلام«لم يفصل بينهما رضعة غيرها»لا يدل على جواز الفصل بالأكل،بل هو على العكس أدل،لأنه إذا أضرت الرضعة من امرأة أخرى فبالأولى أن يضر الأكل و يمنع من التحريم،لأن كلا منهما فاصل، و كلا منهما يؤثر في إنبات اللحم،و اشتداد العظم،و الجمود على ظاهر اللفظ يخالف ما عليه أهل الاجتهاد و البصيرة النيرة.و قد وردت روايات شاذة و متروكة في باب الرضاع تردد بسببها بعض الفقهاء فرد عليه صاحب الجواهر بما نصه بالحرف الواحد:«لو ساغ للفقيه التردد بكل ما يجد،أو الجمود على كل ما يرد ما أخضر للفقه عود،و لا قام للدين عمود،نسأل اللّه تعالى تنوير البصيرة و صفاء السريرة» (1).

و قال كثير من الفقهاء:ان كل واحد من الثلاثة،أي نبات اللحم و اشتداد العظم،و خمس عشرة رضعة،و يوم و ليلة،كل منها أصل برأسه،فإذا أرضعته

ص:216


1- انظر الجزء الخامس من الجواهر، [1]باب الزواج،الشرط الثاني لنشر الحرمة بالرضاع عند شرح قول المصنف«يوم و ليلة».على أن تصبر و تصمد،و أنت تبحث عن هذه العبارة التي نقلناها.

يوما و ليلة دون أن يتم الخمس عشرة رضعة،و دون أن ينبت اللحم و يشتد العظم،أو رضع حتى نبت اللحم و اشتد العظم قبل إكمال العدد،و قبل انقضاء ال 24 ساعة كفى في ثبوت الحكم.

و الذي نراه أن الأصل هو نبات اللحم و اشتداد العظم،و ان العدد و الزمان علامتان شرعيتان على النبات و الاشتداد،و دليلنا صحيحة علي بن رئاب التي ذكرها صاحب الجواهر و الوسائل،و هي أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عما يحرم من الرضاع؟فقال:ما أنبت اللحم و شد العظم.قال السائل:فيحرم عشر رضعات؟ فقال الإمام:لا،لأنه لا ينبت اللحم،و لا يشد العظم عشر رضعات.

فقول الإمام،لأنّه لا ينبت اللحم و لا يشد العظم عشر رضعات واضح و صريح في أن المدار على النبات و الاشتداد.و مهما يكن فإن النتيجة واحدة،لأنه متى كنا على يقين من واحد من الثلاثة ثبت الحكم،و إذا شككنا في واحد منها نرجع إلى التقديرين الآخرين،و إذا شككنا فيها جميعا فلا حرمة،لأن الأصل هو العدم،حتى يثبت واحد منها.

5-الشرط الخامس حياة المرضعة عند جميع الرضعات

،فلو افترض أنّها ماتت قبل الرضعة الأخيرة،فدبّ إليها الطفل بعد الموت،و ارتضع من ثديها لم تثبت الحرمة،لأنه لا يصدق عليها بعد الموت اسم المرضعة.

و تسأل:هل تلحق النائمة و المغمى عليها بالميتة؟ قال صاحب الجواهر:لا،للاكتفاء بمجرد الحياة دون اعتبار القصد.

6-أن يكون اللبن لفحل واحد،و الفحل هو زوج المرضعة

،و يدل على هذا الشرط ما جاء في الرواية السابقة:«أو خمس عشرة رضعة من امرأة واحدة من لبن فحل واحد».و يتفرع عن هذا الشرط أحكام كثيرة

ص:217

«منها»إذا أرضعت طفلا بعض النصاب،كثماني رضعات بلبن رجل،ثم فارقها و تزوجت بغيره،و ولدت من الثاني،و صادف ان أكملت نصاب الرضعات للطفل،و أرضعته سبعا،و كان الطفل في خلال ذلك يتغذى بالطعام أو بلبن امرأة أخرى،إذا كان كذلك لم تنتشر الحرمة بين المرضعة و الرضيع،و لا بينه و بين الزوج الأول،و لا الثاني،أي لا تكون المرأة أما للرضيع،و لا الزوج أبا له.

و«منها»إذا أرضعت المرأة صبيا الرضعات المطلوبة من لبن فحل ثم طلقها هذا،و تزوجت بغيره،و أرضعت صبية تمام العدد من لبن الثاني فلا تثبت الحرمة بين الرضيعين الصبي و الصبية،لمكان تعدد الفحل و عدم اتحاده،قال صاحب الجواهر:«لو أرضعت اثنين مثلا بلبن فحلين الرضاع المحرم لم يحرم أحدهما على الآخر على المشهور بين الفقهاء شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا».

و بهذا يتبين أن الاخوة من الأم في الرضاعة لا تكفي في نشر الحرمة.

و«منها»إذا أرضعت صبيا و صبية بلبن زوج واحد ثبتت الحرمة بينهما، سواء أ كان رضاعهما في زمن واحد أو في وقتين مختلفين،و سواء أ كان بلبن ولد واحد أو ولدين.و لو افترض أن أرضعت مائة بلبن زوج واحد حرم بعضهم على بعض،لأنهم اخوة من الرضاعة لأب و أم.

و«منها»:ان الفقهاء قد أجمعوا بشهادة صاحب الجواهر على أنّه إذا كان للرجل أكثر من زوجة،و أرضعت إحدى الزوجات ذكرا الرضعات المطلوبة، و أرضعت الأخرى أنثى ثبتت الحرمة بين الذكر و الأنثى،و صارا أخوين من الأب، و بهذا يتبين أن الاخوة من الأب في الرضاعة تكفي لثبوت التحريم بين الرضيعين الأجنبيين،و لا تكفي الأخوة من الأم وحدها،و يدل على هذا ما جاء في صحيح الحلبي أنّه سأل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل يرضع من امرأة،و هو غلام،أ يحل له

ص:218

أن يتزوج أختها لأمها من الرضاعة؟فقال الإمام عليه السّلام:ان كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا تحل،و ان كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس بذلك.

و بهذا تخصص قاعدة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب،و يستثني منها الأخت من الأم،حيث تحرم الأخت النسبية منها،و لا تحرم الأخت الرضاعية.

النتيجة:

و متى توافرت جميع الشروط المتقدمة يصير الرضيع ابنا للمرضعة و لزوجها صاحب اللبن،و يكون حكمه بالنسبة إليهما حكم الولد النسبي في انتشار الحرمة،و يصير أصولهما كالآباء و الأجداد و الأمهات و الجدات أصولا له، و فروعهما كالأولاد اخوة له،و أبناء أولادهما أبناء اخوته من غير فرق بين أن يكون الأول و الفروع من جهة النسب أو من جهة الرضاعة.

و يصير أولاد الرضيع و أولادهم أولادا للمرضعة و لزوجها صاحب اللبن، أما آباء الرضيع و اخوته فهم أجانب بالنسبة للمرضعة و زوجها،و بالأولى بالنسبة لأصولهما و فروعهما و إخوتهما و أخواتهما.قال صاحب الجواهر:«ان موضوع المحرم بالرضاع هو موضوع المحرم بالنسب،فتقول بدل تحريم الأخت من النسب تحريم الأخت من الرضاع،و البنت كذلك،و هكذا في حليلة الابن و الأب،و الجمع بين الأختين و غير ذلك.

و إليك المثال:إبراهيم رضع من عاتكة المتزوجة من خليل فيصير إبراهيم بهذا الرضاع ولدا لعاتكة و زوجها خليل،و أم عاتكة تصير جدة لإبراهيم لأمه، و أبوها جدا له لأمه أيضا،و إخوتها أخوالا له،و أخواتها خالات،و تصير أم خليل

ص:219

جدة لإبراهيم لأبيه،و أبوه جدا له لأبيه،و إخوته أعماما، و أخواته عمات،أمّا أولاد خليل،و هو أبو الرضيع من الرضاعة فهم إخوة لإبراهيم،و أولادهم أولاد أخوة له سواء أ كانوا أولاد خليل من عاتكة أم من غيرها،لأن الأخوة من الأب الرضاعي تنشر الحرمة،أمّا أولادها الذين من خليل فهم إخوة لإبراهيم دون أولادها من غير خليل،لأن الأخوة من الأم في الرضاعة لا تثبت الحرمة كما تقدم.

و إذا كبر إبراهيم،و جاءه أولاد فيصير أولاده و أولادهم أولادا لعاتكة و خليل،أما آباء إبراهيم و اخوته فهم بحكم الأجانب عن عاتكة و زوجها.أجل، قد جاء النص بأن أبا الرضيع لا ينكح في أولاد صاحب اللبن،و نذكر ذلك في المسائل التالية التي تتفرع على ما قدمناه من الشروط:

الفحل و أخت الرضيع:

هل يجوز للفحل الذي هو زوج المرأة،و أبو الرضيع من الرضاعة،و يعبر عنه أيضا بصاحب اللبن،هل يجوز له أن يتزوج الأخت النسبية للرضيع؟ الجواب:يجوز له أن يتزوج بأخته و أمه أيضا،كما ذهب إليه المشهور بشهادة صاحب الحدائق،لأن المحرم على الرجل هي بنته النسبية أو الرضاعية، أو بنت زوجته المدخول بها،و المفروض أن أخت الرضيع ليست بنتا نسبية للفحل،و زوجته لم ترضعها إطلاقا،فلا تكون بنتا له من الرضاعة،و لا ربيبة، و مجرد كونها أختا لابنه من الرضاعة لا يجعلها بنتا لزوجته ما دامت أمها أجنبية عنه.قال صاحب الجواهر:«لا بأس أن ينكح الفحل أخت المرتضع نسبا،و ان كانت هي أخت ولده،لعدم كونها بنتا رضاعية،و لا ربيبة عرفا،و المحرم في

ص:220

النسب البنت و الربيبة».

أما الزواج بأم الرضيع فلأن للرجل أن يتزوج بأم ولده من النسب فبالأولى إذا كان من الرضاع.

أبو الرضيع و أم المرضعة:

هل يجوز لأبي الرضيع من النسب أن يتزوج بأم المرضعة التي أرضعت ولده؟ الجواب:يجوز،لأن أمها ليست أما لزوجته،و ان كانت أما لأم ولده من الرضاعة.فمجرد كون المرضعة أما لولده من الرضاعة لا يجعلها زوجة لأب الرضيع،حتى يصدق على أمها اسم أم الزوجة.و بتعبير ثان ان المصاهرة لا تتحقق إلاّ بأمرين العقد و القرابة،و القرابة موجودة بين البنت و أمها قبل العقد، و لكن المصاهرة لا توجد إلاّ بعد العقد على البنت،فإذا تم العقد وجدت المصاهرة بين العاقد و أم المعقود عليها،و الرضاع انما يقوم مقام القرابة و النسب و لا يقوم مقام عقد الزواج،بل ان عقد الزواج لا يغني عنه شيء.قال صاحب الجواهر:

«لا يشتبه عليك أن الرضاع يحدث مصاهرة بمعنى أن الأجنبية لو أرضعت ولدك صارت بمنزلة زوجتك،فتحرم أمها لأنها من أمهات نسائكم،كما توهمه جماعة،بل المراد من نشر الحرمة على حسب النشر في النسب،أي لا بد من وجود سبب المصاهرة،و هو النكاح لأن الرضاع يوجد المصاهرة كما اشتبه جملة من الأعاظم،و ارتطم عليهم الأمر،حتى وقع منهم تحريم جملة مما أحل اللّه غفلة عن حقيقة الحال».

ص:221

أبو الرضيع و أولاد صاحب اللبن:

هل يجوز لأب الرضيع من النسب أن يتزوج بنت صاحب اللبن،و هو الفحل،ولادة و رضاعا؟ ذهب جماعة من الفقهاء إلى الجواز عملا بعموم:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»و بنت الفحل هي أخت للرضيع،و ليست بنتا و لا ربيبة لأبيه، و المحرم هو البنت و الربيبة،لا أخت الابن.

و قال كثير من أهل التحقيق،منهم صاحب الجواهر و الشهيد الثاني و السيد أبو الحسن الأصفهاني،قالوا بعدم الجواز لوجود النص،ورد صاحب الجواهر على القائلين بالجواز«بأنه اجتهاد في قبال النص».

و قال الشهيد الثاني في شرح اللمعة:«تعليل القائلين بالجواز حسن لولا معارضته النصوص الصحيحة،فالقول بالتحريم أحسن».

و من النصوص المشار إليها أن الإمام عليه السّلام سأله سائل أن امرأة أرضعت لي صبيا،فهل يحل لي أن أتزوج ابنة زوجها؟فقال له الإمام:ما أجود ما سألت،من ههنا يؤتى أن يقول الناس حرمت عليه امرأة من قبل لبن الفحل،هذا هو لبن الفحل لا غير،فقال السائل:ان الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي،هي ابنة غيرها،فقال الإمام:لو كنّ عشرا متفرقات ما حل لك منهن شيء،و لكن في موضع بناتك.

و لم يفرق الفقهاء في التحريم على أبي الرضيع بين أن يكون أولاد الفحل من النسب،أو من الرضاع.

و يجوز لأبي الرضيع أن يتزوج بنت المرضعة من الرضاعة التي ليست بنتا للفحل،لأن هذه البنت لا تحرم على الولد الرضيع فبالأولى أن لا تحرم على أبيه،

ص:222

و لا يجوز لأبي الرضيع أن يتزوج بنت المرضعة من النسب التي ليست بنتا للفحل،لأن الإمام عليه السّلام سئل:هل يحل لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرضعة؟ فقال:لا تحل له.

و حمل الفقهاء هذه الرواية على خصوص البنت النسبية دون الرضاعة،لما أشرنا إليه.قال صاحب الجواهر:«ان الوجه في تخصيص ولد المرضعة بالنسبي دون الفحل هو عدم حرمة ولدها الرضاعي على ولده الذي هو المنشأ في التحريم عليه،لاعتبار اتحاد الفحل بخلاف صاحب اللبن،فان جميع أولاده يحرمون على المرتضع نسبا و رضاعا».

تحريم الزوجة:

قد تبين من الفقرة السابقة مسألتان:الأولى أن أب الرضيع لا يجوز له النكاح في أولاد صاحب اللبن لا نسبا و لا رضاعا،و سبق أن المراد بصاحب اللبن هو زوج المرضعة،المسألة الثانية ان أبا الرضيع لا يجوز له أيضا أن يتزوج في أولاد المرضعة نسبا لا رضاعا،و يترتب على هاتين المسألتين أنّه إذا كان لك ولد من زوجتك،فأرضعته أم الزوجة و هي جدته لأمه فإن زوجتك تحرم عليك بسبب هذا الرضاع،سواء أ كان صاحب اللبن-و هو زوج المرضعة التي هي أم زوجتك-أبا لزوجتك أو أجنبيا عنها،لأنه ان كان أبا لزوجتك تكون زوجتك بنتا له نسبا و رضاعا،و ان كان أجنبيا تكون بنتا له من الرضاعة،و المفروض بمقتضى المسألة الأولى أنّه لا يجوز لأبي الرضيع-و هو أنت-أن يتزوج في أولاد صاحب اللبن لا نسبا و لا رضاعا.هذا،بالإضافة إلى أن أم زوجتك تصير مرضعة لولدك، و زوجتك بنتها من النسب،و المفروض بمقتضى المسألة الثانية أنّه لا يجوز لأبي

ص:223

الرضيع أن ينكح في أولاد المرضعة من النسب،فيجتمع لتحريم زوجتك عليك أكثر من سبب.

الزواج بأخت الأخ:

إذا كان لزيد أخت من الرضاعة اسمها هند مثلا،و له أخ من النسب اسمه خالد،فهل يجوز لخالد أن يتزوج بهند،مع العلم بأنها أخت أخيه؟ الجواب:يجوز،لأن التي يحرم العقد عليها هي الأخت بالذات،لا أخت الأخت من حيث هي.و قد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل تزوج أخت أخيه؟ فقال:«لا أحب أن أتزوج أخت أخي من الرضاعة».و لفظ«لا أحب»ظاهر في الكراهة،كما قال صاحب الجواهر،و قال صاحب المسالك:

«لو كان لواحد من الناس أخ من أبيه،و أخت من أمه جاز لأخيه المذكور نكاح أخته،إذ لا نسب بينهما محرم،و انما تحرم أخت الأخ من أمه إذا كانت لمن يحرم عليه من الأب أو من الأم،و هنا ليس كذلك،إذ لا نسب بين أخوة الرضيع من النسب،و اخوته من الرضاع».

الرضاع بعد الزواج:

إذا حصل الرضاع بشروطه فإنه يبطل الزواج،تماما كما يمنع منه لو حصل من قبل،فمن كانت له زوجة صغيرة فأرضعتها ابنته،أو أمه،أو أخته،أو بنت أخيه،أو زوجة أخيه حرمت عليه الرضيعة الصغيرة،لأنها تصير،و الحال هذي، بنتا أو أختا أو بنت أخ،أو بنت أخت.و إذا كانت له زوجتان صغيرة و كبيرة، فأرضعت الكبرى الصغرى حرمت الكبرى،لأنها أم زوجته،و حرمت الصغرى،

ص:224

لأنها بنت زوجته المدخول بها.

ابن العم يصير عما:

إذا زوج ابنه الصغير ببنت أخيه الصغيرة،ثم أرضعت جدتهما أحد الزوجين الصغيرين بطل زواجهما،لأن الجدة ان كانت للأب،و كان الرضيع هو الذكر فإنه يصير عما لزوجته،لأنه صار أخ أبيها لأنه من الرضاع بعد أن كان ابن عمها،و ان كان الرضيع هي الأنثى فإنها تصير عمة لزوجها،لأنها أخت أبيه لأمه، و ان كانت الجدة المرضعة جدة للأم،كما لو كان الزوجان الصغيران ولدي خالة، كما أنهما ولدا عم فان الرضيع هو الذكر فإنه يصير خالا لزوجته،لأنه صار أخا لأمهما من الرضاع،و ان كان الرضيع هي الأنثى فإنها تصير خالة لزوجها،لأنها أخت أمه من الرضاعة،و الكل يحرم زواجه من النسب فيحرم من الرضاع أيضا.

الشهادة بالرضاع:

تكلمنا في باب الشهادات،فصل أقسام الحقوق و الحوادث،فقرة:«يعسر اطلاع الرجال عليه»تكلمنا عن شهادة النساء،و ان جماعة من الفقهاء قالوا:يثبت الرضاع بشهادتهن منضمات مع الرجال و منفردات عنهم،و نتكلم في هذه الفقرة في أن الشهادة بالرضاع لا تقبل مجملة،مثل أن يقول الشاهد:فلانة أرضعت فلانا و كفى،بل لا بد من التوضيح و التفصيل،مثل أن يقول:اشهد أن فلانا ارتضع من ثدي فلانة من لبن الولادة المستندة إلى نكاح صحيح خمس عشرة رضعة متواليات و تامات قبل أن يتم الرضيع الحولين من عمره،لا بد من هذا التفصيل حذرا من أن يستند الشاهد في شهادته إلى ما يعتقده هو بأنه موجب للتحريم،

ص:225

و هو عند الحاكم غير محرم.

اشتباه العلماء في الرضاع:

لاحظت و أنا أكتب دورة كاملة لفقه الإمام جعفر الصادق عليه السّلام أن مسألة الرضاع هي أشكل و أدق المسائل الفقهية على الإطلاق،بخاصة معرفة الأحكام المتفرعة عن قاعدة:«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»و تمييزها عن غيرها، و تطبيقها على مواردها،فبعضهم يعمم التنزيل،إلى حد يقوم معه الرضاع مقام عقد الزواج في ثبوت المصاهرة،و يجعل أم المرضعة بمنزلة أم الزوجة بالنسبة إلى ابي الرضيع،و أخت الأخ بمنزلة الأخت،و آخر يخص القاعدة بالنسب، و لكن يعممها إلى جميع موارده دون استثناء،و ثالث يستثني و يخرج من القاعدة النسب الثابت بوطء الشبهة،و لا يعتبره إطلاقا في الرضاع،و رابع يعتبر الزنا كالزواج الشرعي من حيث ثبوت الحرمة من الرضاع،و خامس يكتفي في ثبوت الحرمة برضاع الطفل مقدار ما يفطر الصائم،و سادس يقول:لا بد من رضاع حولين كاملين،إلى غير ذلك من التناقضات التي نقلها صاحب الجواهر و المسالك و غيرهما.

و قد استنكر ذلك صاحب الجواهر،فقال-عند الكلام عن الشرط الثاني من شروط تحريم الرضاع-«لقد أفتى البعض بما يمكن أن يكون مخالفا للضرورة من الدين».و قال في المسألة الأولى بعد الشرط الرابع:«وقع في الاشتباه جملة من الأعاظم،و ارتطم عليهم الأمر،حتى حرموا جملة مما أحله اللّه».و قال في المسألة الثانية:«وقفت على بعض الرسائل المعمولة في هذه المسألة فرأيت فيها أمورا عجيبة و أشياء غريبة يقطع من له أدنى نظر بخروجها عن

ص:226

المذهب أو الدين».و قال في المسألة الثالثة:«من لاحظ رسالة السيد الداماد قضى منها العجب،و علم انتهاء الوهم و الاشتباه في العلماء،بل و كذا رسالة جدي الآخند ملا«أبو الحسن الشريف»و ان كان بين الرسالتين بون عظيم.لأن ما ذكره السيد الداماد (1)في رسالته شيء لا ينبغي نسبته إلى أصاغر الطلبة فضلا عن العلماء».

و صلوات اللّه و سلامه على من قال:«الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة.و من وقع في الشبهات وقع في الحرام».و هو سبحانه الهادي إلى الصواب.

ص:227


1- السيد الداماد هو محمد باقر الأسترآبادي،توفي سنة 1040 ه،و قال القمي في كتاب الكنى و الألقاب ينعته:«المحقق المدقق العالم الحكيم المتبحر النقاد ذو الطبع الوقاد الذي حلي بعقود نظمه، و جواهر نثرة عواطل الأجياد»إلى غير ذلك مما كان على وزن«داماد».ثم نقل عن صاحب السلافة أنّه قال فيه:«ان الزمان بمثله لعقيم،و ان مكارمه لا يتسع لها صدر رقيم». و أبو الحسن الشريف هو الشيخ محمد طاهر بن معتوق الفتوني العاملي النباطي صاحب كتاب ضياء العالمين،و أحد أجداد صاحب الجواهر،توفي سنة 1138 ه.

الولاية

اشارة

الولاية في الزواج سلطة شرعية جعلت للكامل على المولى عليه لنقص فيه،و رجوع مصلحة إليه،و يقع الكلام في أمور،منها:

البالغة الراشدة:

اشارة

اتفقوا على أن الولي ينفرد بزواج الصغير و الصغيرة،و المجنون و المجنونة،و السفيه و السفيهة،و أيضا اتفقوا على أن البالغ الراشد يستقل في زواجه و لا ولاية لأحد عليه،و اختلفوا في البالغة الراشدة:هل يصح زواجها من غير ولي،و تستقل في اختيار من تشاء،أو يستقل الولي بزواجها و ليس لها من الأمر شيء،أو يشتركان معا في الاختيار،فلا تستقل من دونه،و لا يستقل من دونها،أو يفصّل بين الثيب و البكر (1)،أو بين الزواج الدائم و المنقطع؟ و للفقهاء في ذلك خمسة أقوال،و المشهور بين الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر و الشيخ الأنصاري في ملحقات المكاسب،المشهور بينهم على أنّه لا سلطان لأحد عليها إطلاقا،و أنّها تتزوج بمن تشاء دون قيد و شرط،قال صاحب

ص:228


1- قال صاحب الجواهر و المسالك:لا خلاف في سقوط الولاية عن الثيب إلاّ ما نقل عن ابن أبي عقيل و هو شاذ.

الجواهر ما نصه بالحرف:«المشهور في محل البحث نقلا و تحصيلا-أي أن غيره نقل له الشهرة،و هو أيضا اطلع عليها بنفسه-بين الفقهاء القدماء و المتأخرين سقوط الولاية عنها،بل عن الشريف المرتضى في كتاب الانتصار و الناصريات الإجماع عليه».

و هذا هو الصواب الذي لا نرتاب فيه،و إليك الأدلة:

أولا:ان الولاية على خلاف الأصل،فإن لكل انسان بالغ عاقل راشد أن يستقل في التصرف بجميع شؤونه،و لا يحق لأحد أن يعارضه في شيء ذكرا كان أو أنثى،ما دام لا يعارض حقا خاصا أو عاما،و المفروض أن البنت تتصرف في شأنها الخاص لا في شأن غيرها،و انها كاملة و تامة الأهلية من جميع الجهات.

و هذا الأصل يتفق على صدقه و صحته جميع المسلمين،بل جميع العقلاء،بل جميع الأديان و الشرائع السماوية و الوضعية.و لا يجوز الخروج عنه إلى بدليل قاطع،لأنّا نقطع و نؤمن ايمانا جازما بصحة هذا الأصل،فإذا أردنا مخالفته و الخروج عنه في مورد من الموارد يجب أن نقطع و نؤمن ايمانا جازما بوجود السبب الذي أوجب مخالفته و الخروج عنه،لأن اليقين لا ينقض بالشك،و لا بالظن،و على هذا،فمن نفى الولاية عن البنت الكاملة لا يطالب بالإثبات و الدليل على النفي،و انما عبء الإثبات على من يدعي ثبوت الولاية عملا بمبدإ البينة على من ادعى،و مبدأ لكل حكم دليله الخاص أو العام.

ثانيا:ان زواج الكاملة ينطبق عليه اسم العقد عرفا،فتشمله الآية الكريمة:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1)لأن الأحكام تتبع الأسماء،و يؤيد ذلك اتفاق الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر و الشيخ الأنصاري على أنّها لو رغبت في زواج الكفؤ يصح

ص:229


1- المائدة:1. [1]

عقدها عليه،حتى و لو كره الولي.

ثالثا:ان قوله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ و ما إليه من العمومات و الإطلاقات يدل بظاهره على اباحة الزواج و صحته من غير الرجوع إلى الولي و مشورته،خرج الزواج بالمجنونة و الصغيرة و السفيهة فبقي غيرها بحكم العموم.

رابعا:لقد جاء عن أهل البيت عليهم السّلام روايات كثيرة أطلقت الحرية في الزواج للبالغة الراشدة،و تركت لها أن تختار من تشاء من الأزواج:

«منها»قول الإمام الصادق عليه السّلام:لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن أبيها.

و هذه الرواية صريحة في استقلال البكر بالتزويج بمن تشاء،و بالأولى الثيب،قال الشيخ الأنصاري في ملحقات المكاسب:ان هذه الرواية لا تقبل التقييد.

و مثلها في الصراحة ما رواه الحلبي عن الإمام الصادق عليه السّلام،حيث سأله عن المتعة في البكر؟قال:لا بأس.

قال الشيخ الأنصاري:ان أخبار الجواز بالمتعة من غير ولي تدل على الجواز في الدائم بالأولية،و قال:«لقد استقر مذهب الفقهاء الإمامية على عدم القول بالفصل بين المتعة و الدوام».و عليه فإذا صح زواجها متعة بلا ولي صح دواما كذلك.

و قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع و تشتري،و تعطي مالها من تشاء-أي غير سفيهة-فإن أمرها جائز تتزوج ان شاءت بغير ولي،و ان لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلاّ بأمر وليها.

ص:230

و هذه الرواية صريحة في نفي الولاية عن الكاملة،و عامة للبكر و الثيب، و للزواج الدائم و المنقطع.

و تقول:لقد جاء عن أهل البيت عليهم السّلام روايات تدل بظاهرها أن للأب الولاية على البكر،و بعضها أن الولاية في الزواج الدائم،و بعضها يدل على التشريك بينه و بينها فلا يستقل هو من دونها،و لا تستقل هي من دونه؟

الجواب:

أولا:ان هذه الروايات ضعيفة السند بشهادة صاحب الجواهر،حيث قال:

«جميعها أو أكثرها قاصرة السند و لا جابر لها».و عليه فلا تكون أهلا للمعارضة، أما صاحب المسالك فقد ناقشها سندا و دلالة،و أطال الكلام في ذلك أكثر من صاحب الجواهر،و لم يعتمد على شيء منها.

ثانيا:على افتراض صحة هذه الروايات نحملها على الاستحباب،و ان الأفضل أن تستشير الولي،و ان صح زواجها من غير رأيه،نحملها على ذلك جمعا بينها و بين الروايات الدالة على نفي الولاية.و دليلنا على هذا الجمع ما رواه ابن عباس أن جارية جاءت إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و قالت له:ان أبي زوجني من ابن أخ له،و أنا له كارهة؟فقال:اجيزي ما صنع أبوك.فقالت:لا رغبة لي فيما صنع أبي.

فقال:اذهبي فانكحي من شئت.

فقد أمرها الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ان تجيز ما صنع أبوها،فلما أخبرته بعدم رغبتها ترك لها الخيار،و يدل هذا على أن أمره بالإجازة للاستحباب لا للوجوب.

ثالثا:و على افتراض عدم إمكان الجمع و الحمل على الاستحباب،و بقاء التعارض فان الروايات الدالة على استقلال البكر في الزواج مقدمة على التي أثبتت الولاية،لأن تلك أشهر.قال الشيخ الأنصاري:«ان الروايات الدالة على

ص:231

استقلال البكر معتضدة أو منجبرة بفتوى الأكثر،و دعوى الإجماع».هذا،إلى أنّها موافقة لظاهر الكتاب،و التي أثبتت الولاية مخالفة له،كما قال صاحب الجواهر.

و قد ثبت عن أهل البيت عليهم السّلام أنّه مع تعارض الروايتين يؤخذ بالأشهر،و مع التكافؤ بالشهرة يؤخذ بما وافق الكتاب،و يطرح المخالف.

رابعا:و على افتراض تكافؤ الروايات من جميع الجهات نرجع الى الأصل،و هو عدم الولاية،هذان ان قلنا بتساقط المتعارضين،و ان قلنا بالتخيير فانّا نختار الروايات النافية.

و نختم هذه المسألة بما ختمها به صاحب الجواهر،فإنه بعد أن أبطل أدلة القائلين بثبوت الولاية،و جزم بنفيها قال:«لا ينبغي لمن له أدنى معرفة بمذاق الفقه و ممارسته في خطاباتهم التوقف في هذه المسألة،ثم يستحب لها إيثار اختيار وليها على اختيارها،بل يكره لها الاستبداد،كما أنّه يكره لمن يريد نكاحها أن لا يستأذن وليها.بل ينبغي مراعاة الوالدة أيضا،بل يستحب أن تلقي أمرها إلى أخيها مع عدم الوالد و الوالدة،لأنه بمنزلتهما في الشفقة».

الصغير و الصغيرة:

اشارة

اتفقوا على أن للأب و الجد للأب أن يزوجا الصغير و الصغيرة،و ليس لأحدهما أن يطلّق عن الزوج الصغير،فقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن الصبي يتزوج الصبية،هل يتوارثان؟فقال:إذا كان أبواهما اللذين زوجاهما فنعم.قال السائل:هل يجوز طلاق الأب؟قال الإمام:لا.

فقول الإمام:«إذا كان أبوهما»يدل بمفهوم الشرط على أنّه لا ولاية في زواج الصبي و الصبية لغير الأب،و منه الحاكم و الوصي،و من هنا اتفقوا بشهادة

ص:232

صاحب الحدائق على أنّه لا ولاية للحاكم في زواج الصغير و الصغيرة،كما ذهب المشهور-على ما في الجواهر-إلى أنّه لا ولاية في الزواج لوصي الأب،و لا لوصي الجد،حتى و لو نصا على ذلك،و إذنا به للوصي،لأن الولاية كالأبوة لا تسقط بالإسقاط و لا يصح الإيصاء بها إلى الغير.

و بهذا يتبين أنّه لا ولاية في زواج الصبي و الصبية إلاّ للأب و الجد للأب فقط دون غيرهما،و يستقل كل منهما في الولاية عن الآخر،و إذا عقد الجد على انسان،و عقد الأب على آخر يصح العقد السابق،و يبطل اللاحق،و إذا وقعا في آن واحد صح عقد الجد،و بطل عقد الأب،قال الإمام عليه السّلام:إذا زوّج ابنة ابنه فهو جائز على ابنه،و إذا هوى أبوها رجلا،وجدها رجلا فالجد أولى بنكاحها.

و تسأل:إذا زوّج الأب أو الجد الصغير أو الصغيرة،ثم بلغا،فهل لهما الاعتراض على الزواج،أو انهما ملزمان به على كل حال،حتى و لو كان ضررا محضا؟

و الجواب عن ذلك يستدعي التفصيل التالي:

1-أن يقع الزواج في محله،و لا ضرر فيه إطلاقا،لا من حيث الزواج، و لا من حيث المهر كما لو كان بمقدار مهر المثل،إذا كان كذلك لزم عقد الولي، و لا يصح الاعتراض عليه بعد البلوغ و الرشد بالإجماع،و عليه تحمل الروايات الدالة على إلزام القاصر بعقد الولي،و منها ان الإمام عليه السّلام سئل عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها،إلها أمر إذا بلغت؟فقال:لا.

2-ان يتضرر المولى عليه من زواج الولي،و ليس من شك أن للقاصر الاعتراض على الزواج إذا بلغ،لأنه لا ولاية مع الضرر.قال صاحب الجواهر:«إذا كان في الزواج مفسدة و مضرة فإن لها الاعتراض قطعا،لعدم الولاية له في ذلك».

ص:233

و ذكرنا في باب الحجر فقرة«شرط الولي»أن تصرف الولي بمال القاصر مع الضرر لا ينفذ،فبالأولى أن لا ينفذ تصرفه بنفس القاصر مع الضرر.

3-أن لا يكون في الزواج مصلحة،و لا مفسدة،فيصح العقد،و يلزم به القاصر،و لا يحق له الاعتراض عليه بعد البلوغ،عملا بعموم النص الذي أثبت الولاية للأب و الجد،خرج عنه ما فيه مضرة و مفسدة،فبقي غيره على حكم العموم.

4-إذا لم يكن في الزواج من حيث هو مفسدة،و لكن كانت المفسدة و المضرة في المهر،كما إذا زوّج الصبية بأقل من مهر المثل،أو الصبي بأكثر منه، فهل للقاصر بعد البلوغ الاعتراض على العقد،و يحق له الفسخ،أو أن الزواج ماض عليه،و له أن يعترض على المهر فقط،و يرجعه إلى مهر المثل؟ و للفقهاء في ذلك قولان:ذهب جماعة،منهم صاحب الجواهر،و العروة الوثقى،و المستمسك إلى أن المولى عليه في الخيار بعد البلوغ،ان شاء أمضى، و ان شاء فسخ،لعدم التفكيك هنا بين العقد و المهر،قال صاحب الجواهر:«إذ من الواضح كون الواقع في الخارج أمرا واحدا مشخصا.هذا،إلى أن إلزام الصبية بمهر المثل على وجه القهر أيضا ضرر منفي».

و يلاحظ بأن صاحب الجواهر قد جزم من غير تردد بأن الولي إذا زوّج الصبية بمهر المثل مع عدم الضرر عليها في أصل الزواج،جزم بنفاذ العقد بحق الصبية،و إلزامها به قهرا عنها،فإذا كان الإلزام بمهر المثل ضرر فينبغي أن لا ينفذ هذا العقد من الولي إلاّ برضاها،بل ينبغي نفي الولاية من رأس في شتى الصور و الحالات،لأنها تلزم المولى عليه بالزواج قهرا عنه.

ص:234

المجنون:

الولاية في زواج المجنون للأب،و الجد للأب،ذكرا كان المجنون أو أنثى، و لا ولاية للحاكم مع وجودهما،سواء اتصل الجنون بالصغر،أو طرأ بعد البلوغ و الرشد،لأن الحاكم ولي من لا ولي له،و المفروض وجود الولي.هذا،إلى أن ولاية الحاكم في التزويج محل نظر.لأن وظيفته تنحصر في بيان الأحكام، و فصل الخصومات،و المحافظة على الأموال العامة كالأوقاف،و أموال الغائب و القاصر مع وجود الولي الخاص.أما الولاية على النفس فهي للمعصوم وحده.

أجل،لو افترض أن المجنون يحتاج إلى الزواج حاجة ملحة،بحيث لا تنتظم حياته من غير زواج،و لم يكن له أب و لا جد للأب جاز للحاكم أن يتولى تزويج المجنون من باب الحسبة،بل جاز ذلك لعدول المؤمنين أيضا مع عدم وجود الحاكم.قال صاحب الجواهر:«و تثبت ولاية الحاكم على من بلغ غير رشيد بجنون،و لم يكن له ولي من حيث القرابة،أو تجدد فساد عقله إذا كان النكاح صلاحا له بلا خلاف أجده فيه،بل الظاهر كونه مجمعا عليه».

أما وصي الأب و الجد فقد ذهب المشهور بشهادة صاحب الحدائق إلى أن له أن يزوج من بلغ فاسد العقل مع حاجته إلى الزواج،قال صاحب الجواهر:

«للوصي أن يزوج من بلغ فاسد العقل إذا كان به ضرورة إلى النكاح،بل نفى بعضهم الخلاف في ذلك،بل ظاهر الكفاية الإجماع عليه».و قال العلامة الحلي في التذكرة:«تثبت ولاية الوصي في صورة واحدة عند بعض علمائنا،و هي أن يبلغ الصبي فاسد العقل،و يكون به حاجة إلى النكاح و ضرورة إليه».

ص:235

السفيه:

إذا كان زواج السفيه لا يستدعي التصرف في ماله لا مهرا،و لا نفقة،كما لو تهيأت له امرأة غنية تعطيه و لا تأخذ منه،إذا كان كذلك صح زواجه من غير أن يأذن الولي،و إذا استدعى زواجه التصرف في المال ينظر:فان لم يكن محتاجا إلى الزواج فلا يصح زواجه إطلاقا،حتى و لو اذن الولي،قال صاحب الجواهر:

«أما المحجور عليه للتبذير فلا يجوز أن يتزوج غير مضطر إذا كان فيه إتلاف لماله بلا خلاف أجده فيه،و لا اشكال معتد به،بل لو أوقع العقد كان فاسدا،حتى و لو اذن له الولي به،لعدم جواز الاذن له،و حينئذ فلا يؤثر الإذن أثرا».

و ان اضطر السفيه إلى الزواج صح بإذن الولي،و إلاّ فلا.هذا ما قاله الفقهاء.مع اعترافهم بأنه لا نص عليه بالخصوص،و دليلهم الوحيد أن السفيه ممنوع من التصرفات المالية،و الزواج من جملتها،لأنه يستدعي المهر و النفقة و حيث لا نص يمنع من زواج السفيه فالذي نراه أنّه إذا اضطر إلى الزواج فله أن يستقل به،حتى و لو نهى الولي،على شريطة أن لا يتجاوز المألوف بالمهر دفعا لما يلحقه من الضرر.و بكلمة:ان على الولي أن يأذن له بالزواج إذا احتاج إليه،فإن امتنع عن الاذن سقطت ولايته.و يؤيد ما قلناه أن صاحب الشرائع و القواعد قالا:إذا اضطر السفيه إلى الزواج،و بادر إليه قبل اذن الولي صح العقد.

و الولاية على السفيه في الزواج و غيره للأب و الجد له إذا بلغ سفيها،و إذا بلغ راشدا،ثم عرض عليه السفه بعد الرشد تكون الولاية عليه للحاكم الشرعي، و تكلمنا عنه مفصلا في:باب الحجر،فقرة«السفيه».

ص:236

المتعة

وظيفة رجل الدين:

لقد كثر الكلام قديما و حديثا حول المتعة،و بالأصح كثر الخلاف و النقاش في حكمها،و هل هي حلال أم حرام في الشريعة الإسلامية؟و ان كثيرا من الناس يحسبونها ضربا من الزنا و الفجور جهلا بحقيقتها،و يعتقدون ان ابن المتعة عند الشيعة لا نصيب له من ميراث أبيه،و لا يشارك اخوته من الزواج الدائم في شيء.

و ان المتمتّع بها لا عدة لها،و انها تستطيع أن تنتقل من رجل إلى رجل ان شاءت بمجرد أن ينتهي أمد الاتفاق بينها و بينه.و من أجل هذا استقبحوا المتعة و استنكروها،و شنعوا على من أباحها.

و بما أن الواجب على رجل الدين أن يقوم بدور إيجابي في توعية الناس، بخاصة في المسائل الدينية،و إرشادهم إلى الحقيقة بعيدا عن التعصب و الطائفية التي يستنكرها العقل و الدين فقد رأيت أن أعرض المتعة،و اكشف عن حقيقتها كما هي عند الشيعة،دون أن ابدي رأيا أو أوحي بفكرة أو اقارن و اوازن.

من معاني المتعة:

للمتعة معان،منها المنفعة،قال تعالى مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا .و منها الزاد،

ص:237

قال سبحانه مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ .و منها البقاء،قال عزّ من قال فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً .

و منها العطاء،قال تباركت أسماؤه مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ .

أما الفقهاء فقد تكلموا عن المتعة بمعنى العطاء،و أوجبوه على الذي يتزوج امرأة دون أن يسمي لها مهرا حين العقد،ثم يطلقها قبل الدخول،أوجبوا عليه أن يهدي المطلقة شيئا يتناسب مع وضعه المادي من الثراء و العوز، و استدلوا على ذلك بالآية 236 من سورة البقرة لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ .و تكلم الفقهاء أيضا عن متعة الحج، و بحثناها مفصلا في الجزء الثاني من كتاب فقه الإمام جعفر الصادق عليه السّلام:فصل التقصير و الحلق،فقرة عمر و متعة الحج.

زواج المتعة:

و أيضا تكلم الفقهاء عن المتعة بمعنى الزواج الموقت،و أجمعوا قولا واحدا السنة منهم و الشيعة على أن الإسلام شرعها،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أباحها، و استدلوا بالآية 24 من سورة النساء فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً .

و ربما جاء في صحيح البخاري ج 9 كتاب النكاح أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لأصحابه في بعض حروبه:«قد اذن لكم أن تستمتعوا،فاستمتعوا.أيما رجل و امرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال،فإن أحبا أن يتزايدا،أو يتتاركا تركا».

و بما جاء في صحيح مسلم ج 2 باب نكاح المتعة ص 623 طبعة 1348 ه عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري أنّه قال:«استمتعنا على عهد رسول اللّه و أبي بكر

ص:238

و عمر».و في الصفحة نفسها حديث آخر عن جابر قال فيه:ثم نهانا عنها عمر.

و بعد أن اتفق المسلمون جميعا على شرعيتها و إباحتها في عهد الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اختلفوا في نسخها،و هل صارت حراما بعد أن أحلها اللّه سبحانه.

ذهب السنة إلى أنّها نسخت،و حرمت بعد الاذن بها.قال ابن حجر العسقلاني في كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج:11 ص 70 طبعة 1959:«وردت عدة أحاديث صحيحة صريحة بالنهي عن المتعة بعد الاذن بها».و جاء في الجزء السادس من كتاب المغني لابن قدامة ص 645 طبعة ثالثة ما نصه بالحرف:«قال الشافعي:لا أعلم شيئا أحله اللّه،ثم حرمه،ثم أحله،ثم حرمة إلاّ المتعة».

و قال الشيعة:أجمع المسلمون كافة على إباحة المتعة،و اختلفوا في نسخها،و ما ثبت باليقين لا ينفى و يزول بمجرد الشك و الظن،بل لا بد من ثبوت النسخ يقينا و أيضا استدلوا على عدم النسخ بروايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السّلام ذكرها الحر العاملي في كتاب الوسائل،منها أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل:هل نسخ آية المتعة شيء؟قال:لا لولا ما نهى عنها عمر ما زنى إلاّ شقي.

و ليس من شك أن النسخ لو ثبت عند السنة لقالوا بمقالة الشيعة،و لو لم يثبت عند الشيعة لقالوا بمقالة السنة،و ليست آية المتعة وحدها محلا للاختلاف من حيث النسخ و عدمه،فقد اختلف السنة و الشيعة في غيرها من هذه الحيثية، كما اختلف فقهاء السنة بعضهم مع بعض،و فقهاء الشيعة كذلك في نسخ جملة من الأحكام و الآيات.

و مهما يكن،فان الزواج المنقطع-أي المتعة-يجتمع مع الزواج الدائم في أشياء،و يفترق عنه في أشياء عند الشيعة،و فيما يلي نذكر ملخصا لما يجتمعان فيه،و يفترقان:

ص:239

المساواة بين الزواج الدائم و المنقطع:

أجمع فقهاء المذهب الجعفري على أن الزواج الدائم و المنقطع يشتركان في الأمور التالية:

1-لا بد في كل منهما أن تكون المرأة عاقلة بالغة راشدة خالية من جميع الموانع،فلا يجوز التمتع بالمتزوجة،و لا بالمعتدة من طلاق أو وفاة،و لا بالمحرّمة نسبا أو مصاهرة أو رضاعا،و لا بالمشركة،و ما إلى هذه مما ذكرناه مفصلا في فصل المحرمات.و أيضا لا يجوز لها هي أن تتمتع إلاّ بالمسلم الخالي من جميع الموانع.

2-لا يصح الزواج المنقطع بالمعاطاة و مجرد المرضاة،بل لا بد فيه من العقد اللفظي الدال صراحة على قصد الزواج،تماما كالزواج الدائم،و لا يقع عقد المتعة بلفظ وهبت و أبحت و أجرت و نحوه،بل ينحصر لفظ العقد بخصوص أنكحت و زوجت و متعت،قال صاحب الجواهر:«أما صيغة زواج المتعة فهي اللفظ الذي وضعه الشرع للإيجاب كزوجتك و أنكحتك و متعتك،أيّها حصل وقع الإيجاب به،و لا ينعقد بغيرها،كلفظ التمليك و الهبة و الإجارة،و يقع القبول باللفظ الدال على الإنشاء كقبلت و رضيت».

3-عقد الزواج المنقطع كالدائم لازم في حق الرجل و المرأة.أجل، للزوج أن يهب المدّة المتفق عليها للمتمتع بها،كما له أن يطلق الزوجة الدائمة.

4-الزواج المنقطع ينشر الحرمة،تماما كالدائم،فإن المتمتع بها تحرم على الزوج مؤبدا،و بنتها ربيبته،و لا يجمع بين الأختين متعة كما لا يجمع بينهما دواما،و الرضاع من الزانية فلا أثر له إطلاقا،و الفرق أن المتمتع بها زوجة شرعية، و فراش صحيح،أما الزانية فلها الحجر.

ص:240

5-الولد من الزوجة المنقطعة كالولد من الدائمة في وجوب التوارث و الإنفاق،و سائر الحقوق المادية و الأدبية.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن المرأة المتمتع بها إذا حملت؟فقال:هو ولده.

6-يلحق الولد بالزوج بمجرد الجماع،حتى و لو عزل،و أراق ماءه في الخارج،لأن المتمتع بها فراش شرعي كالدائمة،و الولد للفراش إجماعا و نصا.

7-المهر في الزواج المنقطع كالمهر في الزواج الدائم،من حيث عدم تقديره قلة أو كثرة،فيصح بكل ما يقع عليه التراضي واحدا كان أو مليونا عملا بالآية الكريمة وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً .

8-إذا طلق الزوجة قبل الدخول يثبت لها نصف المهر المسمى،و كذا إذا وهب المدّة للزوجة المؤقتة قبل أن يدخل،أما إذا انقضت المدّة دون أن يدخل لسبب فلها المهر كاملا.و قيل:نصف المهر.

9-لا أثر للخلوة من غير الدخول في الزواج الدائم و المنقطع بالنسبة إلى المهر و العدة.

10-على المتمتع بها أن تعتد مع الدخول بها بعد الأجل،و لا عدة عليها إذا لم يدخل،تماما كالزوجة الدائمة إذا طلقت من غير تفاوت،و عليهما معا العدة الكاملة من وفاة الزوج،سواء أدخل أو لم يدخل.

11-كل شرط سائغ في الشريعة الإسلامية تشترطه المرأة أو الرجل في متن العقد فهو نافذ كالشرط في الزواج الدائم،لحديث:«المؤمنون عند شروطهم».

12-تحريم مقاربة الزوجة،و هي في الحيض منقطعة كانت أو دائمة.

13-إذا عقد عليها متعة،ثم تبين فساد العقد،لسبب موجب للتحريم

ص:241

فسد العقد،و لا شيء لها من المهران لم يدخل.أما إذا تبين فساد العقد بعد الدخول فينظر:فان كانت عالمة بالتحريم،و مع ذلك أقدمت و مكنت من نفسها فلا شيء لها،لأنها بغي.و قد جاء في الحديث:«لا مهر لبغي»و ان كانت جاهلة فلها المهر، كما هو الحكم في الدائمة.

14-لا يجوز أن يدخل على المتمتع بها بنت أختها،أو بنت أخيها إلاّ بإذنها،كما هو الحكم في الدائم.

التباين بين الزواج الدائم و المنقطع:

و يفترق الزواج الدائم عن الزواج المنقطع في الأمور التالية:

1-لا بد في الزواج المنقطع أن يذكر في متن العقد أجل معين لا يقبل الزيادة و النقصان،أما الزواج الدائم فلا يصح ذكر الأجل فيه بحال،و هذه الحقيقة تدل على نفسها بنفسها،و تحمل قياسها معها.

و إذا قصد كل من الرجل و المرأة الزواج المنقطع،و تركا ذكر الأجل في متن العقد نسيانا،فهل يقع الزواج دواما،أو متعة،أو يكون العقد لغوا،لا يقع هذا، و لا ذاك؟ ذهب المشهور بشهادة صاحب المسالك إلى أن الزواج،و الحال هذي، يقع دائما،بل قال صاحب الجواهر:«لعله مجمع على ذلك،لصلاحية اللفظ للدوام،و لقول الإمام الصادق عليه السّلام:إذا سمى الأجل فهو متعة،و ان لم يسم فهو نكاح ثابت.

و قال بعض الفقهاء:بل يقع لغوا لا دائما و لا منقطعا،لأن ما قصد لم يقع، و ما وقع لم يقصد.

ص:242

2-المهر ركن من أركان العقد في الزواج المنقطع،فلو أخل بذكره في متن العقد بطل من رأس،قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا تكون متعة إلاّ بأمرين:أجل مسمى،و أجر مسمى،و عنه في الرواية ثانية:أجل معلوم،و مهر معلوم.

أما الزواج الدائم فالمهر ليس ركنا له،بل يصح مع المهر و دونه،فمن تزوج امرأة و لم يذكر لها مهرا في متن العقد،و دخل بها فعليه مهر المثل.

3-إذا طلّقت الزوجة الدائمة قبل الدخول فلا عدة لها،و مثلها المتقطعة إذا انتهى الأجل قبل الدخول،و إذا طلّقت الدائمة بعد الدخول و كانت غير حامل فعدتها ثلاث حيضات،أو ثلاث أشهر،و ان كانت حاملا فعدتها وضع الحمل، إما المنقطعة فعدتها بعد الدخول و انقضاء الأجل حيضتان أو خمسة و أربعون يوما ان كانت غير حامل،و ان كانت حاملا فعدتها وضع الحمل.هذا بالقياس إلى طلاق الدائمة،و انتهاء أجل المنقطعة،أما بالنسبة إلى عدّة الوفاة فلا فرق بينهما إطلاقا أم لم يدخل،هذا مع عدم الحمل،أما معه فتعتدان بأبعد الأجلين من وضع الحمل و هو أربعة أشهر و عشرة أيام.

4-اختلف فقهاء المذهب الجعفري في توارث الزوجين في الزواج المنقطع،فذهب جماعة،منهم الشهيد الأول محمد بن مكي(ت 786 ه) و الشهيد الثاني زين الدين العاملي الجبعي(ت 965 ه)ذهبوا إلى أنّه لا يورث إلاّ مع الشرط،لأن عقد الزواج بطبيعته لا يقتضي التوارث،و لا عدمه،و متى حصل الشرط وجب العمل به،لحديث:«المؤمنون عند شروطهم».و لقول الإمام الصادق عليه السّلام:«ان اشترطا الميراث فهما على شرطهما».

5-لا نفقة للمنقطعة إلاّ مع الشرط،أما الدائمة فلها النفقة،حتى و لو اشترط عليها عدم الإنفاق.

ص:243

6-يكره التمتع بالأبكار،أما الزواج بهن دواما فمندوب،قال صاحب الحدائق:«سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن المتعة؟فقال:ان أمرها شديد،فاتقوا الأبكار».

7-قال الفقهاء:للزوجة الدائمة حق على الزوج أن ينام في فراش قريب من فراشها ليلة واحدة من كل أربع ليالي معطيا لها وجهه،و ان لم يتلاصق الجسدان،و المهم أن لا يعدّ هاجرا،أما المواقعة فتجب عليه في كل أربعة أشهر مرة،و لها أن تطالب ان امتنع عن المبيت،أو المواقعة.

و لا يجب شيء من ذلك للمنقطعة،بل يترك له الخيار،و ليس لها أن تطالبه،لا بالمبيت و لا بالمواقعة.

8-إذا طلّقت الزوجة الدائمة طلاقا رجعيا بعد الدخول فللمطلق أن يرجع إليها قبل انقضاء العدة.و إذا كان الطلاق خلعيا،و عن كره و بذل منها له،فلها الحق أن ترجع بالبذل ما دامت في العدة.

أمّا المنقطعة فإنّها تبين منه بمجرد انتهاء المدّة أو هبتها،و لا يحق له و لا لها الرجوع أثناء العدة،و بالأولى بعد انتهائها.أجل،يجوز له أن يجدد العقد عليها دواما أو انقطاعا،و هي في العدة منه،و لا يجوز ذلك لغيره إلاّ بعد انقضاء العدّة.

9-إذا دخل بالزوجة الدائمة فقد استقر عليه تمام المهر،فان امتنعت بعد ذلك و لم تمكنه من نفسها نشوزا منها و عصيانا فلا يسقط من مهرها شيء،و انما تسقط نفقتها،لأنها في مقابل الطاعة.

أما إذا دخل بالمنقطعة،ثم امتنعت من غير عذر فللزوج أن يضع من مهرها بنسبة الوقت الذي امتنعت فيه.قال صاحب الجواهر:«لو أخلت هي ببعض المدّة كان له أن يضع من المهر بنسبتها،ان نصفا فنصف،و ان ثلثا فثلث بلا خلاف

ص:244

أجده،بل و لا اشكال للروايات المعتبرة المستفيضة التي منها رواية ابن حنظلة، قال:سألت الإمام الصادق عليه السّلام أتزوج امرأة شهرا بشيء مسمى،فتأتي بعض الشهر،و لا تفي ببعض؟قال:تحبس عنها من صداقها بقدر ما احتبست عنك إلاّ أيّام حيضها،فإنها لها.

10-يجوز أن يتمتع الرجل بأكثر من اربع نساء،و لا يجوز له في الدائم الزيادة على الأربع.و قد ذكر الحر العاملي في كتاب وسائل الشيعة روايات عن أهل البيت تدل على ذلك.و لكنه ذكر إلى جانبها روايات أخرى تدل على عدم جواز الزيادة على الأربع في المتعة،كما هو الحكم في الدائم،منها ما رواه عمار الساباطي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه سئل عن المتعة؟فقال:هي أحد الأربعة، و منها ما رواه زرارة عن الإمام الباقر أبو الإمام الصادق عليهما السّلام أنّه سئل:هل المتعة مثل الإماء،يتزوج ما شاء؟فقال:لا.هي من الأربع.

و بالجملة ان كل ما يثبت للزوجة الدائمة يثبت للمنقطعة إلاّ ما خرج بالدليل.و قد دل الدليل على ما ذكرناه من الفروق،فيبقى غيرها من الآثار و الأحكام على حكم العموم.قال صاحب الجواهر:«الأصل اشتراك الدائم و المنقطع في الأحكام التي موضوعها النكاح و التزويج ما يشغل المنقطع إلاّ ما خرج بالدليل»و جاء في كتاب اللمعة و شرحها ما نصه بالحرف:«حكم الزواج المنقطع كالدائم في جميع ما سلف من الأحكام شرطا و ولاية و تحريما إلاّ ما استثني».

و من هنا قال كثير من الفقهاء:ان حقيقة المنقطع و الدائم واحدة،و ان لفظ الزواج موضوع لمعنى له فردان:أحدهما الزواج الدائم،و الآخر الزواج المنقطع، تماما كالإنسان الشامل للذكر و الأنثى.

ص:245

التمتع بالعفيفة:

و من الخير أن نختم الكلام عن المتعة ببعض ما جاء فيها عن أهل البيت عليهم السّلام فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن المتعة؟فقال:هي حلال،و لا تتزوج إلاّ عفيفة،ان اللّه سبحانه يقول وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ و في رواية أخرى أنّه قال:ان اللّه عزّ و جلّ يقول اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ .

و من هنا قال الشيخ الصدوق:«ان من تمتع بزانية فهو زان»كما جاء في كتاب الحدائق.

و جاء في كتاب وسائل الشيعة مجلد 3 ص 74 طبعة 1324 ه أن علي بن يقطين سأل الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهما السّلام عن المتعة؟ فقال له:ما أنت و ذاك قد أغناك اللّه عنها.

و سأله آخر،فقال:هي حلال مباح مطلق لمن لم يغنه اللّه بالتزويج، فليستعفف بالمتعة،فإن استغنى عنها بالتزويج فهي مباح له إذا غاب عنها.أي الزوجة.

ص:246

العيوب

اشارة

العيوب التي يكتشفها أحد الزوجين في الآخر على نوعين:الأول يوجب الخيار بين فسخ الزواج أو إمضائه،و الثاني لا تأثير له على الإطلاق،فوجوده و عدمه سواء.و النوع الأول قد يوجد في الرجل فيثبت الخيار للمرأة،و قد يوجد في المرأة فيثبت الخيار للرجل.هذا،إذا لم يعلم أحد الزوجين بوجود العيب في صاحبه قبل العقد،أما إذا علم به،و أقدم عليه عن رضا و طيب نفس فلا خيار له، و فيما يلي التفصيل:

الجنون:

الجنون من العيوب المشتركة بين الرجل و المرأة.فأية امرأة تزوجت رجلا،ثم تبين لها جنونه قبل العقد،و استمراره إلى حين العقد فلها و الحال هذي،أن ترد الزواج،و أيضا لها أن ترد و تفسخ إذا تجدد الجنون بعد العقد،حتى و لو دخل و رزق منها العديد من الأولاد.و لا فرق في الحالتين بين أن يكون الجنون دائما أو أدوارا،أي تأتيه نوبات متقاطعة،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن امرأة يكون لها زوج قد أصيب في عقله بعد أن تزوجها؟فقال:لها أن تنزع نفسها منه ان شاءت.

ص:247

و أي رجل تزوج امرأة،ثم تبين أنّها مجنونة قبل العقد فله أن يرد الزواج، سواء أ كان الجنون دائما أو أدوارا،لصدق اسم الجنون عليها،قال الإمام الصادق عليه السّلام:ترد البرصاء و المجنونة و المجذومة.

و إذا تجدد جنون المرأة بعد العقد فلا خيار له،بل كل عيب يحدث في المرأة جنونا كان أو غيره فإنّه لا يوجب الفسخ،سواء أحدث قبل الدخول أو بعده،قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا.لاستصحاب اللزوم الذي هو مقتضى الأصل في العقود،أما الضرر فينجبر بإمكان الطلاق منه»أي أن الزوج يمكنه التخلص من الضرر بطلاق المرأة التي حدث لها العيب.هذا،إلى أن أكثر النصوص التي أثبتت الخيار للرجل مختصة بما إذا دلست المرأة،و أخفت عنه ما فيها من عيوب قبل العقد.

و الخلاصة ان المرأة تتسلط على الفسخ بالجنون السابق و اللاحق،أما الرجل فيفسخ بالجنون السابق دون اللاحق.

و إذا تم الفسخ قبل الدخول فلا مهر و لا عدة للمرأة،و ان كان بعده فلها المهر،و عليها أن تعتد،و لا فرق في ذلك بين أن يكون الفاسخ الزوج أو الزوجة.

و تجدر الإشارة إلى أنّه إذا رضي أحد الزوجين بالعيب قولا أو فعلا فليس له أن يعدل و يفسخ بعد الرضا.

الخصاء:

الخصاء سلّ الأنثيين أو رضّهما،قال صاحب المسالك:ان الخصي يولج و يبالغ،و حالته في ذلك أكثر من الفحل،و لكنه له ينزل،فإذا تزوجت امرأة من رجل خصي جاهلة بحاله،ثم تبين لها ذلك فلها الخيار في فسخ الزواج أو إمضائه

ص:248

إجماعا و نصا معتبرا و مستفيضا على حد تعبير صاحب الجواهر،و منه أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن خصي دلّس نفسه لامرأة مسلمة،فتزوجها؟فقال:يفرق بينهما ان شاءت المرأة،و يوجع رأسه.و ان رضيت به،و أقامت معه لم يكن لها بعد رضاها به أن تأباه.و في رواية ثانية:«و لها المهر بدخوله عليها».

و إذا لم يدخل فلا شيء لها.هذا إذا كان الخصاء سابقا على العقد،أما إذا تجدد فلا خيار لها،و عليها أن تصبر،سواء أدخل،أم لم يدخل عند كثير من الفقهاء.قال صاحب الجواهر:«للأصل و اختصاص النصوص بالخصاء السابق».

و سنثبت في الفقرة التالية«الجب»إذ الخصاء اللاحق يوجب الخيار السابق.

الجب:

إذا قطع ذكر الرجل من الأساس،و لم يبق منه شيء فللمرأة الخيار مع سبق الجب على العقد،و جهلها به،و إذا قطع بعضه،و بقي منه ما يمكن معه الوطء، و لو بمقدار الحشفة فلا خيار لها.

و إذا تجدد الجب بعد العقد فللفقهاء قولان ثبوت الخيار لها،و عدمه، و مهما يكن فقد اعترف كل من تعرض للجب بأنه لا نص عليه بالخصوص،و انما ألحق الفقهاء الجب بالخصاء.قال صاحب المسالك:«لأنه أقوى عيبا من الخصاء،لقدرة الخصي على الجماع بالجملة،بل قيل انّه يصير أقوى من الفحل بواسطة عدم خروج المني منه».

و الصواب ان الخصاء و الجب إذا تجددا بعد العقد يثبت الخيار للمرأة، تماما كما لو كانا قبل العقد،لصحيح أبي بصير،قال:سألت الإمام الصادق عليه السّلام عن امرأة ابتلي زوجها،فلم يقدر على الجماع،أ تفارقه؟فقال:نعم،ان شاءت.

ص:249

و روى مثله أبو الصباح الكناني.و قد نعت صاحب الجواهر هاتين الروايتين بالصحة،و قول السائل«ابتلي زوجها»ظاهر في أن البلاء حاصل بعد العقد بالخصوص،أو شامل للبلاء السابق و اللاحق-على الأقل.

العنن:

العنن داء يعجز معه الرجل عن عملية الجنس،و أجمعوا بشهادة صاحب الجواهر و الحدائق على أنّه عيب تتسلط المرأة بسببه على فسخ الزواج،سواء أ كان سابقا على العقد،أم حدث بعده،و قبل الدخول.

و تسأل:إذا حدث العنن و تجدد بعد الوطء و لو مرة واحدة:فهل لها الخيار؟ نقل صاحب الجواهر عن ابن زهرة و الشيخ المفيد أن لها الفسخ،و قال صاحب المسالك ما نصه بالحرف:«ذهب المفيد و جماعة إلى أن لها الفسخ أيضا،للاشتراك في الضرر الحاصل باليأس من الوطء،و إطلاق الروايات بثبوت الخيار للمرأة من غير تفصيل-بين الدخول و عدمه-كصحيحة محمد بن مسلم، و رواية الكناني،قال:سألت الإمام الصادق عليه السّلام عن امرأة ابتلي زوجها،فلا يقدر على الجماع أبدا،أ تفارقه؟قال:نعم،ان شاءت،و غيرهما من الروايات الكثيرة المعتبرة الاسناد».

و يظهر من صاحب المسالك الميل إلى هذا القول،و لكن القول الأشهر بشهادة صاحب الجواهر أنّه لا خيار لها،لأن الإمام الصادق عليه السّلام قال في العنين:إذا علم أنّه لا يأتي النساء فرق بينهما-أي بينه و بين زوجته-فإذا وقع عليها دفعة واحدة لم يفرق بينهما.و في رواية أخرى أنّه قال:كان علي عليه السّلام يقول:إذا تزوج

ص:250

الرجل امرأة فوقع عليها مرة،ثم أعرض عنها فليس لها الخيار،لتصبر فقد ابتليت.

و عليه تكون هذه الرواية و ما إليها مقيدة لرواية الكناني و ما في معناها.

سؤال ثان:إذا عجز عن وطئها دون غيرها،مع العلم بأنّه لا مانع من جهتها فهل يثبت لها خيار الفسخ؟ ذهب صاحب الجواهر،و كثير من الفقهاء إلى أنّه لا خيار لها.

و الذي نراه أنّه لها تمام الحق في فسخ الزواج،لأنه إذا واقع غيرها فلا يجب عليها أن تغتسل هي من الجنابة،و ضررها لا يرتفع بانتفاع غيرها.هذا إلى أن قول الإمام في رواية ابن مسكان:«فإن أتاها و إلاّ فارقته»و قوله في رواية البختري:«فإن خلص إليها و إلاّ فرق بينهما»ظاهر في وطئها هي بالذات،لا في وطء غيرها.و لعل هذا ما دعا الشيخ المفيد إلى القول بأن لها الخيار،قال صاحب المسالك:«و يظهر من المفيد أن المعتبر قدرته عليها،و لا عبرة بقدرته على غيرها،لأنه قال:لو وصل إليها و لو مرّة واحدة فهو أملك بها،و ان لم يصل إليها في السنة كان لها الخيار».و من تأمل بألفاظ المفيد هذه،و قارن بينها و بين الروايات عن أهل البيت عليهم السّلام يجد أن الشيخ المفيد قد اقتبسها من الروايات بالذات.

و إذا علمت بالعنن و رضيت به سقط حقها في الخيار،و لا يجوز لها العدول بحال،قال صاحب الجواهر:«إذا ثبت العنن فان صبرت عالمة بالعنن و بأن لها الخيار فلا خلاف في عدم الخيار لها بعد ذلك إذا إرادته،لأنه حق يسقط بالإسقاط،و لقول الإمام عليه السّلام:متى أقامت المرأة مع زوجها بعد ما علمت أنّه عنين، و رضيت به لم يكن لها خيار بعد الرضا».

و إذا علمت بالعنن،و لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم،و يؤجله الحاكم

ص:251

بدوره سنة كاملة من حين المرافعة على أن تساكن الزوج طوال فصول السنة،و لا تمتنع عنه أبدا،فان واقعها فلا خيار لها،و إلاّ كان لها الفسخ إجماعا و نصا،و منه قول الإمام الباقر أبي الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:العنين يؤخر سنة من يوم مرافعة امرأته،فإن خلص إليها،و إلاّ فرق بينهما،و ان رضيت أن تقيم معه،ثم طلبت الخيار بعد ذلك يرد طلبها.

و قال بعض الفقهاء:ان السر في تحديد مدّة التأجيل بسنة هو أن يمر الرجل في الفصول الأربعة،إذ من الجائز أن يتعذر الجماع عليه لحرارة في جسمه فتزول في الشتاء،أو برودة فتزول في الصيف،أو يبوسة فتزول في الربيع،أو رطوبة فتزول في الخريف.

و ذا فسخت حيث يجوز لها الفسخ فلها نصف المهر،و لا عدّة عليها،فقد جاء في الصحيح بشهادة صاحب المسالك عن الإمام الباقر أبي الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:«فان وصل إليها و إلاّ فرق بينهما،و أعطيت نصف الصداق،و لا عدة عليها».

و لها أن تفسخ دون أن تستأذن الحاكم،و انما ترجع إليه لضرب الأجل فقط،لأنه من وظائفه،أما الفسخ فهو حق خاص بها لا يتصل بالحقوق العامة من قريب أو بعيد،تماما كغيره من الخيارات.

الطريق لإثبات العنن:

يثبت العنن بإقرار الزوج نفسه،فان لم يعترف و يقر تسأل هي ان كان لها بينة بإقراره بالعنن،و لا تقبل منها البينة بالعنن،لأنه من الأمور الخفية،فان لم تكن لها بينة بإقراره ينظر:فان كانت بكرا عرضت على النساء الخبيرات،و أخذ

ص:252

بقولهن،و ان كانت ثيبا عرض عليه اليمين،لأنه منكر،لأنها تدعي هي وجود عيب فيه موجب للخيار،و الأصل كونه تام الخلقة سالما من النقص الجسدي و عيوبه،حتى يثبت العكس.فان حلف ردت دعواها،و ان نكل حكم بالعنن بناء على القضاء بمجرد النكول،أو ردت اليمين عليها بناء على القضاء بعد الرد،ثم يؤجله الحاكم سنة على التفصيل المتقدم.قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:إذا تزوج الرجل المرأة الثيب التي قد تزوجت غيره،و زعمت أنّه لم يقربها منذ دخل بها-أي اختلى بها-فان القول في ذلك قول الرجل،و عليه أن يحلف بأنه قد جامعها،لأنها مدعية.و ان تزوجها،و هي بكر فزعمت أنّه لم يصل إليها،فإن مثل هذا يعرفه النساء،فلينظر إليها من يوثق به منهن،فإذا ثبت أنّها عذراء فعلى الإمام أن يؤجله سنة،فإن وصل إليها،و إلاّ فرّق بينهما،و أعطيت نصف المهر،و لا عدة عليها.

و إذا أقر الزوج بالعجز عن إتيان الزوجة،و أجله الحاكم سنة،و بعد انتهائها قال هو:دخلت،و قالت هي:لم يدخل فهل يؤخذ بقول الزوج أو بقولها؟ قال صاحب الجواهر:يؤخذ بقول الزوج مع يمينه كما لو لم يقر بالعجز منذ البداية،و استدل بأدلة دقيقة محكمة قلّ من يتنبه إليها،إذ قد يتوهم أن دعوى الزوج القدرة على الوطء بعد الإقرار بالعجز عنه،قد يتوهم أنّه مدع لشيء جديد، أو أنّه إنكار بعد إقرار،و لكن شيخ الجواهر أبعد نظرا ممن لا يدركون إلاّ الظواهر، و إليك ما قاله بتصرف في التعبير،لغاية التوضيح:

أولا:ان إقراره بالعجز قبل ضرب الأجل لا يثبت العنن،لأن العجز في حين الإقرار قد يكون عجزا مؤقتا،و قد يكون دائما،و بداهة أن وجود العام لا يثبت وجود الخاص،فإذا قلت:كتبت بالقلم فلا يدل قولك هذا على أن القلم

ص:253

الذي كتبت به قلم رصاص،أو قلم حبر،كذلك العجز لا يدل على العنن أو غيره، بل قد يكون لنقص في الخلقة،و قد يكون لسبب خارج عنها،و استصحاب العجز لا يثبت العنن إلاّ على القول بالأصل المثبت (1).

ثانيا:ان المنكر هو الذي لو سكت عنه لسكت،و المدعي هو الذي لو سكت عنه لم يسكت.و ليس من شك أن الزوجة لو سكتت عن دعوى العنن لسكت عنها الزوج،و لو سكت الزوج لم تسكت هي.فتكون،و الحال هذي، مدعية عليها البينة،و يكون هو منكرا عليه اليمين.

ثالثا:ما جاء في الرواية المتقدمة عن الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:«و عليه أن يحلف بأنّه قد جامعها لأنها مدعية».فلم يفرق الإمام في ذلك بين من سبق منه الإقرار بالعجز و غيره.

البرص و الجذام:

العيوب التي سبق الكلام عنها ثلاثة منها تختص بالرجل،و هي:الخصاء و الجب و العنن،و واحد منها مشترك بينه و بين المرأة،و هو الجنون،أما المرأة فترد بالجنون على النحو المتقدم،و بمرض البرص و الجذام على شريطة أن يحدث أحدهما قبل العقد،و ان يكون الرجل جاهلا به،و لا يحق للمرأة ان تفسخ إذا كان أحد هذين العيبين في الرجل،قال الإمام الصادق عليه السّلام:ترد البرصاء

ص:254


1- من الأصول الباطلة عند الفقهاء الجعفريين الأصل المثبت،و هو الذي يثبت أثرا من آثار الموضوع باللزوم العقلي لا بالأصل الشرعي،فالاستصحاب حجة بالقياس إلى ما يترتب على الشيء المستصحب من أحكام شرعية دون لوازم العقل،مثلا،استصحاب بقاء الليل في رمضان يبيح تناول الطعام فقط،و لكنه لا يثبت أن الساعة لم تبلغ الخامسة باعتبار أنّها وقت لطلوع الفجر.

و المجنونة و المجذومة،فقيل له:و العوراء؟قال:لا.و أيضا قيل له:أ رأيت ان كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟قال:لها المهر بما استحل من فرجها.

العمى و العرج:

اتفقوا على أن العمى و العرج ليسا من عيوب الرجل في شيء،أي ان المرأة لا يحق لها أن تفسخ بأحدهما،حتى و لو لم تعلم بالحال حين العقد إلاّ إذا دلّس الرجل،و ظهر لها على خلاف حقيقته،و يأتي الكلام عن التدليس في الفصل التالي.و اختلفوا:هل العمى و العرج من عيوب المرأة التي يرد بها الرجل أو لا؟ و للفقهاء في ذلك أقوال ذكرها بالتفصيل مع أدلتها صاحب الحدائق في الجزء السادس،فصل عيوب المرأة،و أطال الكلام في العرج صاحب الجواهر و المسالك أقوالا و أدلة.و قال صاحب الحدائق:«يظهر من شيخ الطائفة في كتاب المبسوط أن العمى ليس بعيب،لأنه عد العيوب ستة،ثم قال-الكلام ما زال لصاحب الحدائق-:و في أصحابنا من ألحق بها العمى».

و لكن صاحب الجواهر قال:«العمى موجب للخيار بلا خلاف أجده فيه، بل عن المرتضى و ابن زهرة الإجماع عليه،و هو الحجة مضافا إلى النص الصحيح».

أمّا العرج فقد ذهب أكثر الفقهاء بشهادة صاحب المسالك و الحدائق إلى أنّه عيب في المرأة يوجب تسلطه على فسخ الزواج،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يتزوج المرأة،فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء؟قال:ترد على وليها.

و قال أبوه الإمام الباقر عليه السّلام:ترد البرصاء و العمياء و العرجاء.

ص:255

القرن و العفل و الإفضاء و الرتق:

القرن شيء يبرز في الفرج كقرن الشاة،و العفل لحم فيه لا يخلو من رشح على ما قيل،و في بعض روايات أهل البيت عليهم السّلام أن القرن و العفل شيء واحد، و الإفضاء اختلاط المسلكين،و الرتق انسداد مدخل الذكر من الفرج،بحيث يتعسر معه الجماع.

و هذه العيوب الأربعة-كما ترى-مختصة بالمرأة،و قد ورد النص على القرن و العفل و الإفضاء،و لا نص على الرتق بالذات،و لكن أكثر الفقهاء ألحقوه بالقرن،لأنه مثله يمنع من الوطء،قال صاحب الجواهر:«المشهور أن الرتق من العيوب».و قال الشهيد الثاني في اللمعة:«و فيه قوة».

و الخلاصة ان أكثر الفقهاء عدوا عيوب النساء سبعة و بعضهم ثمانية،و آخر ستة،و عدها الشهيد الأول في الروضة تسعة:الجنون،و الجذام و البرص، و العمى،و العرج،و القرن،و الإفضاء،و العفل،و الرتق.و قد تعرضنا لكل واحد من هذه التسعة.و لا ترد المرأة بواحد من هذه العيوب إذا حدث بعد العقد،سواء أ كان قد دخل،أو لم يدخل بعد،و أيضا لا ترد بشيء منها إذا كانت سابقة على العقد،و أقدم مع علمه بالحال،أو كان جاهلا و لكن رضي بالزواج بعد الاطلاع على العيب و علمه به.و إذا فسخ الزوج حيث يجوز له فلا شيء لها من المهر ان لم يكن قد دخل بها.و إذا فسخه بعد الدخول فلها تمام المهر المسمى ان كان قد ذكر لها مهرا في متن العقد،و مهر المثل ان أجر العقد بلا مهر.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة فوجد بها قرنا؟قال:هذه لا تحبل،و ينقبض زوجها عن مجامعتها،و ترد على أهلها.قال السائل:فإن كان دخل بها؟قال:ان علم بها قبل أن يجامعها فقد رضي بها،و ان لم يعلم بها إلاّ بعد ما جامعها فان شاء

ص:256

أمسك،و ان شاء سرحها إلى أهلها،و لها ما أخذت-أي المهر-بما استحل من فرجها.

الفور:

اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على أن خيار الفسخ يثبت على الفور،فلو علم الرجل،أو المرأة بالعيب،و علم أيضا أن له الخيار،و أنّه واجب على الفور، و مع ذلك لم يبادر إلى الفسخ لزم العقد،و إذا جهل بالعيب،أو علم به و جهل بأن له الخيار،أو علم بهما و جهل بأن الفسخ على الفور فإنه يكون معذورا في التأخير،على أن يبادر إلى الفسخ حين العلم بذلك.

لا يعتبر اذن الحاكم:

لا يحتاج الفسخ إلى اذن الحاكم،سواء أحصل من الرجل أم المرأة.أجل، انما يرجع إلى الحاكم ليضرب الأجل العنين،كما أشرنا،لأن الأدلة التي دلت على جواز الفسخ مطلقة و غير مقيدة بإذن الحاكم،قال صاحب الجواهر:«و من هنا أفتى الفقهاء بذلك من غير اشكال و لا تردد».

البينة على مدعي العيب:

العيب الموجب للفسخ منه جلي كالجنون و العمى و العرج،و منه خفي كالعنن و الرتق،فان كان العيب جليا فلا حاجة إلى البينة،و لا إلى اليمين،و ان كان خفيا،و اختلفا في وجوده فعلى مدعيه البينة،لأن الأصل السلامة من العيوب، حتى يثبت العكس،و على منكره اليمين.

ص:257

بين الفسخ و الطلاق:

يفترق الفسخ عن الطلاق بما يلي:

1-لا يصح الطلاق إلاّ بحضور شاهدي عدل،و يصح الفسخ من غير شهود.

2-يشترط في المطلقة المدخول بها أن تكون في طهر لم يواقعها فيه، كما يأتي في باب الطلاق،و لا يشترط ذلك في المرأة التي ترد بالعيب.

3-لا يحسب الفسخ من التطليقات الثلاث التي تحرم المطلقة معها على المطلق،حين تنكح زوجا غيره.

4-للمطلقة قبل الدخول نصف المهر،و لا شيء لمن ترد بالفسخ قبل الدخول إلاّ في العنن.

ص:258

التدليس

الخيار بالعيب و الخيار بالتدليس:

العيوب التي ذكرناها في الفصل السابق هي التي نص الشارع عليها بالذات، و أوجب الخيار بسببها على كل حال،سواء أ كان معها تدليس،أو لم يكن.أجل، إذا كان مع العيب الموجب للخيار تدليس أيضا.و كان الزوج قد دخل بالمرأة، و دفع لها المهر رجع به على المدلّس،سواء أ كانت هي المدلسة (1)،أو الذي زوجها،لأن المغرور يرجع على من غيره.

أما العيوب الأخرى كالمرض-غير الجذام و البرص-و القبح،و ما إليه مما لم ينص عليه الشارع فإنها لا توجب الخيار بنفسها،و على كل حال،و انما توجبه مع الشرط أو الضرر،و يأتي التفصيل.

معنى التدليس:

التدليس هو التغرير و التمويه بإخفاء نقص موجود،و ادعاء كمال غير موجود،و قد يكون الخادع هو الرجل،و المرأة هي المخدوعة و قد تكون هي

ص:259


1- إذا كانت هي المدلسة فلا تستحق شيئا من المهر إلاّ أقل ما ينطبق عليه اسم التمول كرمز لعوض البضع.هذا ما عليه المشهور بشهادة الشهيد الثاني في كتاب اللمعة.

الخادعة،و هو المخدوع،و مثال إخفاء النقص أن يكون أحدهما أعور أو مسلولا فيخفي النقص عن صاحبه عند العقد،ثم تظهر الحقيقة بعده،أما ادعاء الكمال فهو أن تدعي المرأة أنّها بكر و شابة،أو يدعي هو أنّه ذو مكانة و شرف،ثم يتبين كذب الدعوى.

و تسأل:إذا كان في أحد الطرفين نقص-غير العيوب الموجبة للخيار- و سكت عنه،و لم يتعرض له سلبا و لا إيجابا،و لم يظهر نفسه بمظهر السالم منه، و المفروض أن الطرف الآخر لا يعلم به فهل يعد هذا من التدليس؟ الجواب:إذا كان النقص من النوع الذي لا يتسامح به عادة،و لا يقدم على الزواج بصاحبه غالبا فهو تدليس.قال صاحب الجواهر:«الذي يظهر من نصوص المقام،بل هو صريح جماعة من الفقهاء تحققه هنا بالسكوت عن العيب مع العلم به فضلا عن الاخبار بضده من السلامة»و بعد أن قال هذا في أول كلامه عن التدليس قال في المسألة الثانية عشرة من مسائله:«قد تكرر منا غير مرة قوة ثبوت الخيار بالتدليس بصفة من صفات الكمال على وجه يتزوجها على أنّها كذلك فبان الخلاف».

و نحن نوافق على أن السكوت عن النقص مع عدم علم الطرف الآخر به يعد تدليسا،و لكنا لم نجد دليلا شرعيا على أن كل تدليس يوجب الفسخ،أو يوجب سقوط المهر،أو سقوط شيء منه على سبيل القاعدة الكلية،و عليه فلا أثر للتدليس إطلاقا لا بالقياس إلى المهر،و لا بالقياس إلى الفسخ إلاّ ما قام عليه الدليل بالخصوص من آية أو رواية أو إجماع أو بالعموم كقاعدة:لا ضرر،و فيما يلي التفصيل.

ص:260

التدليس و جواز الفسخ:

لا يجوز الفسخ مع التدليس إلاّ في الحالات الثلاث التالية:

1-الأول أن تؤخذ صفة الكمال أو عدم النقص شرطا في متن العقد،مثل أن يقول الرجل:تزوجتك بشرط أن تكوني بكرا،أو سليمة الجسم من الأمراض،أو تقول هي:زوجتك نفسي بشرط أن تكون عالما بكذا،أو سليما من الأدواء.

2-أن يؤخذ الكمال أو عدم النقص وصفا لا شرطا مثل أن يقول وكيل الزوجة:زوجتك فلانة البكر السالمة من الأمراض.

3-أن يذكر الكمال أو عدم النقص عند حديث الزواج ثم يقع العقد مبنيا على هذا الأساس.

و متى تحقق واحد من هذه الثلاثة كان للمخدوع الخيار إذا تبين العكس، و لكن لا للتدليس بالذات،بل لتخلف الشرط الذي اتفق عليه الطرفان صراحة أو ضمنا.و لا بد أن يحصل الفسخ فورا،و عند العلم بالتخلف،فإذا علم،و سكت لم يكن له الفسخ بعد ذلك إلاّ إذا كان جاهلا بأن له الفسخ،أو بوجوب الفور و المبادرة.و إذا جرى العقد دون أن يذكر شيء في متنه،و دون أن يبنى على شيء سابق،ثم وجد في أحد الزوجين عيبا فهل للثاني أن يفسخ الزواج،أو لا؟ و يعرف الجواب مما يلي:

الرجل المدلس:

إذا تزوجت المرأة رجلا باعتقاد أنّه خال من العيوب،لأنه دلس عليها

ص:261

بسكوته،و عدم إظهار ما فيه،ثم تبين أن فيه عيبا كبيرا،مثل أن تعتقد أنه بصير، فيتبين إنّه أعمى أو ما إلى ذلك مما تتفاوت الرغبات بسببه،إذا كان كذلك فهل لها أن تفسخ الزواج؟ و الذي رأيته في كلمات كثير من الفقهاء أن المرأة لا يجوز لها أن تفسخ إلاّ إذا كان الزوج مجنونا،أو عنينا،أو خصيا،أو مجبوبا على التفصيل المتقدم في فصل العيوب،و أيضا يجوز لها أن تفسخ،إذا أخذ وصف الكمال،أو عدم النقص شرطا أو وصفا في متن العقد،أو بني العقد على أحدهما،كما تقدم في الفقرة السابقة.أجل،يظهر من عبارة الجواهر في باب الزواج المقصد الثالث في التدليس،يظهر من العبارة-أن التدليس بما هو سبب للخيار-فقد جاء في المسألة الثانية من هذا المقصد:«أن المرأة إذا تزوجت برجل على أنّه حر فبان مملوكا كان لها الفسخ،لصحيح محمد بن مسلم،قال:سألت الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن امرأة حرة تزوجت مملوكا على أنّه حر،فعلمت بعد أنّه مملوك؟قال:هي أملك بنفسها ان شاءت أقامت معه،و ان شاءت فلا».

و علق صاحب الجواهر على هذه الرواية بأنّها«ظاهرة في عدم الفرق بين شرط الحرية في متن العقد و عدمها بعد صدق التدليس و الغرر و الخديعة».و قال في الثانية عشرة:«صورة التدليس تلحق بصورة الشرط في إثبات الخيار».

و الذي نراه أن التدليس بما هو لا يثبت الخيار للزوجة،و انما يثبت لها الخيار إذا اشترطت شرطا صريحا أو ضمنيا أثناء العقد،أو بني العقد على الوصف.أو إذا كان في التدليس ضرر عليها لا يتسامح به عادة،كالعمى و الأمراض السارية،لأن: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،لا تنطبق على العقد الذي يتولد منه ضرر،إذ لا ضرر و لا ضرار في الإسلام،بخاصة ان الطلاق بيد الزوج لا بيدها.

ص:262

و إذا قال قائل:ان في الزواج رائحة العبادة قلنا في جوابه:ان قاعدة:لا ضرر،تشمل المعاملات و العبادات،حتى الصلاة التي هي عامود الدين.

و تجدر الإشارة إلى أنّه إذا حدث العيب في الرجل بعد العقد فلا يحق لها فسخ الزواج بعد ثبوته.

المرأة المدلسة:

إذا حصل التدليس على الرجل فلا يفسخ الزواج (1)بل يرجع بتمام المهر على المدلس الذي زوجه إياها،لأن المغرور يرجع على من غره و ان كانت هي المدلسة فتستحق من المهر أقل ما ينطبق عليه اسم التمول،قال الشهيد في اللمعة:«يرجع الزوج بالمهر على المدلس،و لو كانت هي المدلسة رجع عليها بأقل ما يمكن أن يكون مهرا،و هو أقل ما يتمول على المشهور».

و قد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل ولته امرأة أمرها،أو ذات قرابة،أو جارة له،لا يعرف دخيلة أمرها،فوجدها قد دلست عيبا هو فيها؟فقال الإمام عليه السّلام:يؤخذ المهر منها،و لا يكون على الذي زوّجها شيء.

و قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:من زوج امرأة فيها عيب دلسه،و لم يبين ذلك لزوجها،فإنه يكون لها الصداق بما استحل من فرجها، و يكون المهر على الذي زوجها و لم يبين.

و أيضا سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل الذي يتزوج إلى قوم،فإذا امرأته عوراء،و لم يبينوا له؟قال:لا ترد،انما يرد النكاح من البرص و الجذام و الجنون

ص:263


1- قالوا:إذا دلست امرأة غير الحرة،و تزوج باعتقاد أنّها حرة فله فسخ الزواج،و لا مورد اليوم لهذه المسألة،حيث لا إماء و لا عبيد.

و العقل.قال السائل:أ رأيت ان كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟قال:لها المهر بما استحل من فرجها،و يغرم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها.

و هذه الروايات،و ما إليها صريحة في أن الزوج يرجع على المدلس بالمهر،و لا يحق له الفسخ.

البكر و الثيب:

إذا تزوج فتاة،و أخذ البكارة شرطا أو وصفا في متن العقد،أو بني العقد عليها،ثم تبين أنّها كانت ثيبا قبل العقد فله الفسخ،لتخلف الشرط،قال صاحب الجواهر:«و لعله لا خلاف في ذلك».

و إذا لم يكن شيء من هذه الثلاث،و انما تزوجها باعتقاد أنّها باكر،لأنها لم تتزوج بغيره من قبل،و بعد العقد ادعى الزوج أنّها ثيب فان ثبت ذلك بإقرارها،أو بغيره لم يكن له فسخ الزواج،و له أن ينقص من مهرها بنسبة التفاوت بين مهرها بكرا،و مهرها ثيبا،فان كان النصف أعطيت نصف المسمى،و ان كان الثلث أعطيت الثلثين،هذا ما قاله كثير من الفقهاء،و النص الذي جاء عن أهل البيت عليهم السّلام قال:ينقص من المهر دون أن يتعرض للتفاوت،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل تزوج جارية بكرا،فوجدها ثيبا،هل يجب لها الصداق وافيا،أو ينقص؟قال:ينقص.

و ان عجز الزوج عن إثبات سبق الثيبوبة على العقد فله عليها اليمين على أنّها كانت بكرا عند العقد،لأن الأصل بقاؤها على الخلقة الأصلية حتى يثبت العكس.

ص:264

مسائل:

1-كل من ادعى وجود عيب في صاحبه فعليه البينة،و على المنكر

اليمين

،لأن الأصل السلامة من العيوب،حتى يثبت العكس.

2-كل من ادعى شيئا زائدا على صيغة العقد فعليه البينة،و على المنكر

اليمين

،لأن الأصل عدم الشرط و الزيادة،حتى يثبت العكس.

3-كل موضع يحكم فيه ببطلان العقد فللمرأة مهر المثل مع الوطء لا

المسمى

،لأن بطلان العقد يستدعي بطلان المسمى،و يثبت مهر المثل لمكان الشبهة.

و كل موضع يحكم فيه بصحة العقد فلها المهر المسمى مع الوطء،و ان تعقبه الفسخ،لأن الفسخ يرفع العقد من حين الفسخ،و لا يبطله من الأصل.

ص:265

المهر

اشارة

المهر،و يسمى الصداق و الفريضة،و هو حق للزوجة بحكم الكتاب و السنة و الإجماع،و هو على ثلاثة أنواع:المهر المسمى،و مهر المثل،و المهر الذي يعينه أحد الزوجين بسبب التفويض.

المهر المسمى:

و هو كل ما تراضى عليه الزوجان مما يصح أن يملكه المسلم،و سمياه في متن العقد،و لا حد لأكثره بالاتفاق،لقوله تعالى وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً (1).

و أيضا لا حد لأقله بالاتفاق،لقول الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام الصداق كل شيء تراضى عليه الناس قلّ أو كثر.و يستحب أن لا يزيد المهر عن مهر السنة،و هو خمسمائة درهم،حيث تواتر أن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تزوج هو و زوج بناته عليها،و قيل:انّها تبلغ 25 ليرة عثمانية ذهبا، و مهما يكن فان المندوب شرعا قلة المهر.قال الإمام الصادق عليه السّلام:قال رسول

ص:266


1- النساء:19 [1]

اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أفضل نساء أمتي أصبحهن وجها،و أقلهن مهرا،و قال ما معناه:شؤم المرأة غلاء مهرها.

شروط المهر:

اشارة

يشترط في المهر:

1-أن يكون حلالا،و متقوما بمال عرفا و شرعا

،فإذا سمى لها خمرا أو خنزيرا أو ميتة،أو ما إليها مما لا يصح ملكه بطل المهر،و صح العقد،و ثبت لها مهر المثل مع الدخول،هذا هو المشهور بين الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر، لأن المقتضي لصحة العقد موجود،و هو الإيجاب و القبول،و المانع من الصحة مفقود،لأن فساد المهر لا يستدعي فساد العقد،حيث يصح معه و دونه،بل يصح العقد،حتى و لو اشترط عدم المهر.

2-أن يكون معلوما بجهة من الجهات

،كهذه القطعة من القماش أو الأرض أو الذهب و الفضة،و لا يشترط أن يكون معلوما بالتفصيل فقد زوّج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم رجلا من أصحابه بامرأة،و جعل مهرها تعليم ما يحسن من القرآن الكريم دون أن تعلم الشيء الذي يحسنه بالتفصيل،بل يصح أن يتزوجها على بيت أو فرس دون أن يذكر الأوصاف التي تميز الفرس عن سائر الأفراس،و البيت عن سائر البيوت،و يتعين عليه و الحال هذه،أن يدفع الوسط من الخيل و البيوت، فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة على خادم؟فقال:«وسط من الخدام.

قال السائل:على بيت؟قال الإمام عليه السّلام:وسط من البيوت»و ممن أفتى بهذه الرواية السيد الحكيم،كما جاء في رسالته منهاج الصالحين،بل قال صاحب

ص:267

الجواهر ما نصه بالحرف:يصح جعل المهر شيئا و نحوه،و يتعين على الزوج أقل ما يتمول»تماما كما يصح للموصي أن يوصي لآخر بلفظ«شيء»و على الوارث أن يدفع له ما ينطبق عليه اسم المال قليلا كان أو كثيرا.و السر أن عقد الزواج لا يقصد منه المعاوضة التي لا بد فيها من العلم الرافع للغرر.

3-يصح أن يكون المهر نقدا و مصاغا و ثوبا و عقارا و حيوانا و منفعة

و غير ذلك مما له قيمة.

إذا سمى لها مهرا مغصوبا،كما لو تزوجها بعقار ظهر أنّه لأبيه أو لغيره فإن أجاز المالك فلها المسمى بالذات،و إلاّ ثبت لها عوض المسمى من المثل أو القيمة،لأن المسمى،و الحال هذي،يصح تملكه في نفسه،بخلاف الخمر و الخنزير.

و إذا تزوجها بمهر سرا،و بآخر جهرا كان لها الأول،سواء أ كان هو الزائد، أو الناقص.قال صاحب الجواهر«بلا خلاف و لا إشكال بداهة كون الثاني لغوا، فلا يفيد شيئا».

مهر المثل:

اشارة

الثاني مهر المثل،و يعتبر في حالات:

1-اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر على أن المهر ليس ركنا من أركان عقد

الزواج،و لا شرطا في صحته

،فيصح العقد مع المهر،و دونه،بل يصح مع اشتراط عدم المهر،و على الزوج في مثل هذه الحال أن يعوضها شيئا قلّ أو كثر.

فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن المرأة تهب نفسها للرجل ينكحها من غير مهر؟

ص:268

فقال:انما كان هذا للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فأما لغيره فلا يصح هذا،حتى يعوضها شيئا يقدم إليها قبل أن يدخل بها قلّ أو كثر،و لو ثوبا أو درهما.

و يسمى العقد بلا ذكر المهر،و دون اشتراط عدمه،يسمى بتفويض البضع،و يثبت لها مع الدخول مهر المثل،و إذا طلقها قبل الدخول فلا تستحق مهرا،و لها على المطلّق المتعة،و هي هدية يقدمها الرجل للمرأة بحسب وضعه من الغنى و الفقر،كخاتم و ثوب و سوار،و ما إليه،و ان تراضيا عليها فذاك،و إلاّ فرضها الحاكم.

و الدليل قوله تعالى لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (1).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف المهر،و ان لم يكن سمى لها مهرا فمتاع بالمعروف،على الموسع قدره، و على المقتر قدره،و ليس لها عدة،تتزوج ان شاءت من ساعتها.

و إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول،و قبل أن يفرض لها فلا مهر لها و لا متعة،و لها الميراث،و عليها العدة،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن امرأة توفيت قبل أن يدخل بها،ما لها من المهر؟و كيف ميراثها؟فقال:ان كان قد فرض لها صداقا فلها نصف المهر،و هو يرثها،و ان لم يكن فرض لها صداقا فلا صداق لها.و هي ترثه،و عليها العدة.

و إذا تزوجها على كتاب اللّه و سنة نبيه،و لم يسم لها مهرا فلا تستحق مهر المثل،بل يكون لها مهر السنة،و هو كما تقدم ما يعادل خمسمائة درهم،قال

ص:269


1- البقرة:236. [1]

صاحب الجواهر:الإجماع على ذلك،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة، و لم يسم لها مهرا،و كان الكلام أتزوجك على كتاب اللّه و سنة نبيه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فمات عنها،أو أراد أن يدخل،فما لها من المهر؟قال مهر السنة.فقال السائل:يقول لها:مهر نسائها.قال الإمام:هو مهر السنة.

2-يثبت مهر المثل أيضا إذا جرى العقد على ما لا يملك شرعا

،كالخمر و الخنزير،و قد تقدم.

3-من عقد على امرأة،و دخل بها،ثم تبين فساد العقد

،لأنها أخته من الرضاعة،أو لغير ذلك من أسباب التحريم،ان كان كذلك فسد العقد بالاتفاق، و حينئذ ينظر:فان لم يكن قد سمى لها مهرا في متن العقد استحقت مهر المثل، و ان كان قد سماه،و كان دون مهر المثل فلها المسمى فقط،لأنّها رضيت به،و إن كان أكثر من مهر المثل فلها مهر المثل الذي استحقته بالوطء،لا بالعقد،و يسمى هذا النوع بوطء الشبهة،و منه وطء السكران،و النائم و المجنون (1)و يأتي الكلام عن وطء الشبهة في فصل النسب.

4-من أكره امرأة على الزنا فعليه مهر المثل

،و ان طاوعته لم يجب عليه شيء لأنها بغي.

و يقاس مهر المثل بمهر مثيلاتها،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة،و لم يفرض لها صداقا،ثم دخل بها؟قال:صداق نسائها.

قال صاحب الجواهر:«المعتبر في مهر المثل حال المرأة في الشرف

ص:270


1- إذا واقع مجنون امرأة قهرا عنها،و كان له مال فلها أن تطالب ولي المجنون بمهر المثل يدفعه من مال المولى عليه،و على القاضي أن يلزم الولي بذلك،و لا سبيل لها على الولي إذا كان المجنون فقيرا،بل تنتظر إلى حين الميسرة.

و الجمال و السن و البكارة و اليسار و العقل و العفة و الأدب،و ما إلى ذلك مما يختلف به الغرض و الرغبة اختلافا بينا».

و ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر و الحدائق إلى أن لها مهر أمثالها على شريطة أن لا يتجاوز مهر السنة،و هو ما يعادل خمسمائة درهم،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة،فوهم-أي نسي-أن يذكر لها صداقها، حتى دخل بها؟قال:السنة خمسمائة درهم.

و حمل الفقهاء هذه الرواية،و ما إليها على ما إذا زاد مهر أمثالها عن مهر السنة،جمعا بينها و بين الرواية التي قالت:صداق نسائها.

و إذا اتفقا بعد العقد على مبلغ معين كان كالمهر المذكور في متن العقد،لا يجوز لأحدهما العدول عنه،لأن فرض المهر إليهما ابتداء فجاز انتهاء على حد تعبير صاحب الشرائع.

تفويض المهر:

قسّم الفقهاء التفويض إلى قسمين:الأول تفويض البضع،و هو أن يجري العقد من غير ذكر المهر،و تقدم أن لها مهر المثل مع الدخول.الثاني تفويض المهر،و هو أن يجري العقد،و يفوض تعيين المهر للزوج أو الزوجة.و هذا هو القسم الثالث من المهر.

و أجمعوا بشهادة صاحب الحدائق على أن تفويض المهر جائز،و أنّه إذا ترك التعيين إلى الزوج فعلى الزوجة أن تقبل بحكمه قليلا كان المهر الذي فرضه على نفسه،أو كثيرا،لأنها هي التي رضيت بذلك بملء ارادتها و اختيارها،و ان ترك التعيين إليها فعليها أن لا تتجاوز مهر السنة،أي ما يعادل خمسمائة درهم.

ص:271

فقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن رجل تزوج امرأة على حكمها؟قال الإمام:لا تتجاوز بحكمها مهر نساء محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو وزن خمسمائة درهم فضة.قال السائل:أ رأيت لو تزوجها على حكمه،و رضيت بذلك.قال الإمام:ما حكم من شيء فهو جائز عليها قليلا كان أو كثيرا.قال السائل للإمام:كيف لم تجز حكمها عليه،و أجزت حكمه عليها؟قال الإمام:لأنه حكّمها،فلم يكن لها أن تجاوز ما سن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و زوّج عليه نساءه، فرددتها إلى السنة،و لأنها هي حكّمته،و جعلت الأمر إليه،و رضيت بحكمه في ذلك،فعليها أن تقبل حكمه قليلا كان أو كثيرا.

و إذا طلقها قبل الدخول ألزم من فوّض إليه تعيين المهر أن يبين إذا لم يكن قد بيّن بعد،ليمكن إيصال الحق إلى أهله،و لها منه النصف.

و إذا مات الزوج قبل البيان،و بعد الدخول فلها مهر المثل،و إذا مات قبل الدخول و البيان معا سقط المهر،و لها المتعة،فقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن رجل تزوج امرأة على حكمه،أو حكمها،فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها؟قال:لها المتعة و الميراث،و لا مهر لها.

تعجيل المهر و تأجيله:

يجوز تأجيل المهر و تعجيله كلا أو بعضا،و قد يكون الأجل معينا ظاهرا و واقعا،كسنة أو أكثر،أو أقل،و قد يكون معينا واقعا لا ظاهرا،كأحد الأجلين:

الموت أو الطلاق،و كلاهما جائز،لأن أحدهما واقع لا محالة،و لأن المهر يحتمل من الجهالة ما لا يحتمله الثمن في البيع،فليس هو عوضا حقيقة.بل قال السيد الحكيم في الجزء الثاني من منهاج الصالحين فصل المهر:«لو أجل المهر وجب

ص:272

التعيين و لو في الجملة مثل ورود المسافر و وضع الحمل و نحو ذلك»يريد يجوز تأجيل المهر إلى ورود مسافر معين أو وضع حمل معين،لا مطلق الحمل و المسافر.

و تسأل:إذا أجّل،و لم يعين الأجل كما لو قال:تزوجتك بألفين منها ألف معجل،و ألف مؤجل،فهل يكون حالا بتمامه،أو يبطل المهر المسمى،و يثبت بالدخول مهر المثل،تماما كما لو لم يذكر المهر من الأساس؟ قال السيد الحكيم في منهاج الصالحين:«يبطل المهر و يصح العقد، و يكون لها مع الدخول مهر المثل».

و يلاحظ بأنه بعد أن اتفق جميع الفقهاء،و منهم السيد الحكيم على أن عقد الزواج ليس من عقود المعاوضة،و أنّه لذلك يتحمل المهر من الجهالة ما لا يتحمله الثمن،حتى أن صاحب الجواهر أجاز أن يقع المهر بلفظ شيء،كما قدمنا في فقرة«شروط المهر رقم 2»من هذا الفصل.بعد هذا لا يبقى وجه للقول ببطلان المهر،بل يتعين القول بصحته،و حمل لفظ الأجل على التأخير أياما بحيث ينطبق عليه اسم الأجل،و عليه يجوز للمرأة المطالبة بالمؤجل بعد يوم أو يومين،و تكون النتيجة كالتعجيل.هذا،إلى أن اللازم على قول السيد الحكيم أن المرأة يجوز لها أن تطالب بمهر المثل مع الدخول،في هذه الحال حتى و لو كان المسمى الذي رضيت به أقل من مهر المثل.و أحسب أن هذا لا ينطبق على أصل من أصول المذهب.

تأجيل المعجل و تعجيل المؤجل:

إذا كان المهر المسمى معجلا،ثم رضيت الزوجة بتأجيله إلى أمد،فهل

ص:273

يلزمها ذلك،بحيث لا يجوز لها العدول،و المطالبة قبل الأجل؟ الجواب:إذا لم يؤخذ الرضا بالتأجيل شرطا في ضمن عقد لازم يجوز لها العدول،لأنه تماما كالوعد الابتدائي الذي يستحب الوفاء به،قال صاحب مفتاح الكرامة:ج 55/5 باب-الدّين:«إذا أجّل الحال فلا يلزم،كما في المبسوط و الخلاف و السرائر و الشرائع و النافع و التذكرة و التبصرة و التحرير و الإرشاد و الدروس و الميسية و المسالك و الكفاية،و في هذا الكتاب أنّه المشهور بين الفقهاء.إذ ليس ذلك بعقد يجب الوفاء،بل وعد يستحب الوفاء به،و لا فرق بين أن يكون مهرا أو غيره»و مثله في كتاب الجواهر آخر باب البيع.

سؤال ثان:إذا كان المهر المسمى مؤجلا،ثم رضي الزوج بالتعجيل،فهل يلزمه ذلك؟بحيث لا يجوز له العدول،و يحق لها أن تطالب به قبل حلول الأجل؟ و الجواب:قال العلامة في القواعد باب-الدين:«لو أسقط المديون أجل الدين الذي عليه لم يسقط،و ليس لصاحبه المطالبة في الحال».

نعم يجوز تعجيل الدين المؤجل بإسقاط بعضه بالاتفاق.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل يكون له دين على آخر فيقول له قبل أن يحل الأجل:عجّل النصف من حقي على أن أضع عنك النصف،أ يحل ذلك؟قال:نعم.

و تكلمنا عن المسألتين مفصلا في الجزء الرابع باب الدين،فقرة:«تعجيل الدين بإسقاط بعضه».

أبو الزوجة و المهر:

إذا عيّن الزوج مبلغا لأب الزوجة فهل يملكه الأب؟و يحل له أخذه؟

ص:274

و الجواب يستدعي التفصيل التالي:

1-أن يجعل المهر مبلغا معينا،ثم لأبيها شيئا،بحيث يكون المجعول للأب خارجا عن المهر،إذا كان كذلك لزم ما جعله مهرا،و سقط ما سماه لأبيها.

قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف،بل عن الغنية الإجماع عليه،و الأصل في ذلك صحيح الوشاء عن الإمام الرضا عليه السّلام:لو أن رجلا تزوج امرأة،و جعل مهرها عشرين ألفا،و جعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزا،و الذي جعله لأبيها فاسدا».

2-أن يشترط الزوج على نفسه في ضمن العقد شيئا للأب،بحيث يكون المجعول جزءا من المهر،و قد ذهب المشهور بشهادة صاحب المسالك إلى فساد هذا الشرط،لأن الشرط انما يصح إذا كان لمن له العقد،لا لغيره.

3-أن تشترط الزوجة على الزوج شيئا يدفعه لأبيها زائدا على المهر، و يرضى هو بالشرط،إذا كان كذلك لزم الشرط،لأن المؤمنين عند شروطهم ما لم تحلل حراما،أو تحرم حلالا،و هذا الشرط لا يتنافى مع مقتضى العقد،و لا يخالف الكتاب و السنة.

4-أن يجعل جعالة للأب أو لغيره على عمل محلل،كالتوسط بين الخاطب و المخطوبة،و ازالة الموانع و الحواجز،و هذا جائز شرعا إذا لم تذكر الجعالة في متن العقد،و إلاّ كانت من الصورة الأولى.

و من الخير أن نختم هذه الفقرة بما روي عن الإمام عليه السّلام،فقد سئل عن الرجل يزوج ابنته،إله أن يأكل صداقها؟قال:لا،ليس له ذلك.

ص:275

امتناع الزوجة حتى تقبض المهر:

هل تملك الزوجة المهر المسمى بمجرد العقد،أو يتوقف ملكها له على الدخول؟ ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر و الحدائق إلى أنّها تملكه بالعقد و ان لم يدخل،لقوله تعالى وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً (1).حيث أوجب تعالى إعطاء الصداق لهن دون أن يقيده بالدخول.هذا،إلى أن الرجل يملك التصرف بالمرأة فيما يعود إلى الدخول بمجرد العقد فوجب أن تملك هي المهر أيضا بمجرد العقد.

و تسأل:لقد ثبت عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:لا يوجب المهر إلاّ الوقاع.

و الجواب:ان هذا القول من الامام لا ينفي الملك قبل الوقاع،بل الملك موجود،و لكن لا يستقر إلاّ بالوقاع.و بكلمة ان الملك على نوعين:ملك متزلزل،و ملك ثابت،و الزوجة تملك نصف المهر قبل الدخول ملكا متزلزلا، فإذا ما دخل الزوج صار الملك ثابتا.هذا،إلى ان صاحب الجواهر قال:ان هذه الرواية،و هي«لا يوجب المهر إلاّ الوقاع»يراد بها نفي احتمال ثبوت المهر كاملا بالخلوة،و هو غير بعيد،لأن سياقها يدل على ذلك،و تأتي الإشارة إلى ذلك في فقرة الخلوة.

و يترتب على ملك الزوجة للمهر بمجرد العقد أحكام،منها ان لها التصرف في المهر قبل قبضه و من غير اذن الزوج إذا كان عينا خارجية و منها ان نماءه لها من تاريخ العقد،و منها يجوز أن تمتنع عن الزوج حتى تقبض المهر المعجل كاملا.

و متى قبضت المهر فلا يحق لها الامتناع،و إذا امتنعت تعد ناشزا تسقط

ص:276


1- النساء:4. [1]

نفقتها،و تستحق النفقة على الزوج إذا امتنعت قبل أن تقبض المهر،لأن امتناعها لمبرر شرعي،على شريطة أن لا تكون قد مكنته من نفسها،فإذا مكنته و لو مرة واحدة قبل أن تقبض المهر فليس لها أن تمتنع بعد ذلك محتجة بعدم قبض المهر.قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور،و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده،لأن للزوج أن يستمتع بها بمجرد العقد-سواء ادفع المهر أو لم يدفعه- خرج من ذلك الاستمتاع قبل القبض بالإجماع،فيبقى الباقي على أصله،و لأن حقها قد سقط برضاها،و لا دليل على عودته».

و إذا كانت الزوجة صغيرة لا تصلح للفراش،و الزوج كبيرا فلولي الزوجة أن يطالب بالمهر،و لا يجب الانتظار إلى بلوغ الزوجة،لأن المفروض أنّها تملك المهر بمجرد العقد،و إذا كانت الزوجة كبيرة،و الزوج صغيرا فلها أن تطالب ولي الزوج بالمهر،و لا يجب عليها الانتظار إلى أن يبلغ،للسبب نفسه.

و إذا تشاح الزوج و الزوجة فقالت هي:لا أطيع،حتى أقبض المهر.و قال هو:لا أعطي المهر،حتى تطيع أجبر الزوج على تسليم المهر إلى أمين،و ألزمت هي بالطاعة،فان أطاعت سلّم المهر إليها،و استحقت النفقة،و ان امتنعت فلا تعطى المهر،و تسقط نفقتها،و ان امتنع هو عن تسليم المهر إلى الأمين حكم عليه بالنفقة ان طلبتها،لأن النشوز من جهته لا من جهتها.

عجز الزوج عن المهر:

إذا عجز الزوج عن المهر فلا يسقط حقها في النفقة،و لا في الامتناع عنه إذا لم يكن قد دخل،لأن العجز عن الحق لا يسقطه،و انما يوجب العذر و رفع الإثم بالتأخير،و على صاحبه أن ينتظر إلى الميسرة،و ليس للزوجة أن تفسخ الزواج

ص:277

و لا للقاضي أن يطلقها بسبب العجز.

الأب و مهر زوجة الابن:

لا يلزم الأب بمهر زوجة ولده الكبير إلاّ إذا ضمنه لها.و إذا زوّج الأب ولده الصغير ينظر:فان كان للولد مال ورثه من أمّه أو تملكه بسبب من الأسباب فالمهر في ماله،و ليس على الأب شيء،و إذا لم يكن للصغير مال حين العقد فالمهر على الأب،و ليس على الولد شيء،و ان صار غنيا بعد ذلك،إجماعا و نصا،و منه أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن الرجل يزوج ابنه،و هو صغير؟قال:ان كان لابنه مال فعليه المهر،و ان لم يكن للابن مال فالأب ضامن،ضمن-أي صراحة-أو لم يضمن.

الطلاق قبل الدخول:

إذا ذكر لها مهرا معينا في العقد،ثم طلقها قبل الدخول سقط نصف المهر، و إذا جرى العقد من غير ذكر المهر فلا شيء لها إلاّ المتعة إجماعا و نصا،و منه الآية 236 من سورة البقرة لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ .

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فقد بانت، و تتزوج ان شاءت من ساعتها،و ان كان فرض لها مهرا فلها نصف المهر،و ان لم يكن فرض لها فليمتعها.

ص:278

و على هذا،فإذا لم يكن الزوج قد دفع لها شيئا من المهر المسمى،و طلقها قبل الدخول فعليه أن يدفع لها نصف المهر،و ان كان قد دفعه كاملا استعاد نصفه ان كان قائما بعينه،و نصف بدله من المثل أو القيمة ان تلف.

و لو ترك ذكر المهر في العقد،ثم تراضيا على شيء،و بعد التراضي طلقها قبل الدخول فلها نصف ما تراضيا عليه،لأنه تماما كالمهر المسمى في العقد،كما قدمنا في فقرة«مهر المثل».

و ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى أنّها ان أبرأته من المهر ثم طلقها جاز له أن يطالبها بنصف المهر.فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل تزوج جارية،أو تمتع بها،ثم جعلته في حل؟قال:إذا جعلته في حل فقد قبضته،فان خلاّها-أي طلقها-قبل أن يدخل بها ردت المرأة على الزوج نصف الصداق.

الموت قبل الدخول:

اتفقوا على أنّه إذا مات أحد الزوجين قبل أن يدخل،و قبل أن يفرض المهر فلا مهر للزوجة،و لها الميراث،و عليها العدة،كما قدمنا في فقرة«مهر المثل» و اختلفوا الاختلاف الروايات،فيما إذا مات أحدهما قبل الدخول و بعد الفريضة.

فمن قائل بأن لها تمام المهر،سواء أمات الزوج قبلها أم ماتت هي قبله،و قائل بأن لها نصف كذلك،و فصّل ثالث بين موت الزوجة قبله فأوجب لها النصف، و بين موته قبلها فأوجب لها الكل.

و الصواب انّها لا تستحق أكثر من النصف،سواء أماتت قبله أو بعده،لأن الروايات التي دلت على ذلك صحيحة و صريحة،و أكثر من غيرها،و قد عمل بها و اعتمد عليها جمع من الكبار،منهم السيد أبو الحسن الأصفهاني في كتاب

ص:279

الوسيلة و الشيخ أحمد كاشف الغطاء في سفينة النجاة و الشيخ الصدوق في المقنع و نقل عنه أنّه قال بالحرف:«هذا الذي أعتمده و أفتي به»و أيضا منهم الحر العاملي،فإنّه بعد أن ذكر جميع الروايات الواردة في هذه المسألة و عددها 25، بعد هذا قال ما نصه بالحرف الواحد:

«لا يخفى قوة الأحاديث الدالة،على النصف،أولا لكثرتها و قلة ما عارضها.ثانيا ان رواتها أروع و أوثق و أكثر،ثالثا اعتضادها بروايات كثيرة.رابعا قوة دلالتها و وضوحها و صراحتها و ضعف دلالة ما عارضها،و قبوله للتأويل و الحمل على الاستحباب،و يحمل المهر على النصف،لأن نصف المسمى إذا كان هو الثابت شرعا يجوز أن يطلق عليه لفظ مهرها».

و نختم الفقرة ببعض تلك الروايات الكثيرة الصحيحة الصريحة الدالة على النصف،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن المرأة تموت قبل أن يدخل بها،أو يموت الزوج قبل أن يدخل بها؟قال:أيهما مات فللمرأة نصف ما فرض لها،و ان لم يكن فرض لها فلا مهر لها.

أما سند هذه الرواية فزرارة بن أعين،و أما متنها،و هو قول الإمام:«أيهما مات»فلا يقبل التأويل.

و مثلها سندا و متنا ما رواه ابن بكير عن عبيد بن زرارة قال:سألت الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة،و لم يدخل بها،فقال:ان هلك أو هلكت فلها النصف،و عليها العدة كاملة،و لها الميراث.

فقد ساوى الإمام بين الموت و الطلاق.

ص:280

افتضاض البكارة بغير المعتاد:

إذا افتض الزوج بكارة زوجته بإصبعه،أو بآلة فهل يكون ذلك بحكم الدخول بالقياس إلى استقرار المهر و وجوب العدّة لو طلقت بعد ذلك؟ أما المهر فيجب لما جاء في كتب الحديث من أن عبد اللّه بن سنان قال للإمام الصادق عليه السّلام:ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها؟قال الإمام عليه السّلام:

يضرب و يحبس-أي للتعزير-فان نبت الشعر أخذ منه مهر نسائها،و ان لم ينبت أخذ منه الدية كاملة.قال ابن سنان:فكيف صار مهر نسائها ان نبت شعرها؟قال الإمام:ان شعر المرأة و عذرتها-أي بكارتها-شريكان في الجمال،فان ذهب أحدهما وجب المهر كاملا.

فقول الإمام:فإن ذهب أحدهما وجب المهر يشمل ذهاب البكارة بالإصبع و الآلة،و أيضا سئل أبوه الإمام الباقر عليهما السّلام عن رجل تزوج جارية لم تدرك لا تجامع مثلها،أو تزوج رتقاء،فطلقها ساعة دخلت عليه؟قال:هاتان ينظر إليهن من يثق به من النساء،فان كن كما دخلن عليه فان لها نصف الصداق الذي فرض لها.

و معنى هذا أن الزوجة إذا دخلت على الزوج بالبكارة،ثم خرجت بها من عنده فلها نصف المهر،و ان خرجت بلا بكارة،بحيث هو الذي أزالها بأي سبب من الأسباب فلها المهر كاملا.

أما احتمال وجوب العدة فغير وارد إطلاقا،لأن العدة انما تكون من ماء الرجل أو الدخول،و المفروض أنّه لا دخول و لا ماء.قال الإمام الصادق عليه السّلام:إنما العدة من الماء.فقيل له.فان واقعها و لم ينزل؟فقال:ان ادخله وجب الغسل و المهر و العدة.و في رواية ثانية:إذا التقى الختانان وجب المهر و العدة و الغسل.

ص:281

و في ثالثة:إذا أولجه فقد وجب الغسل و الجلد و الرجم و وجب المهر.

الخلوة:

إذا اختلى الرجل بزوجته خلوة تامة،بحيث لا شيء يمنعه إطلاقا من الدخول،و مع ذلك لم يدخل،فهل لهذه الخلوة تأثير بالنسبة إلى المهر،أو العدة؟ ذهب أكثر الفقهاء بشهادة صاحب المسالك إلى أن المعول على الدخول حقيقة و واقعا،و أنّه لا أثر للخلوة إطلاقا،لقوله تعالى لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ فقد أجمع المفسرون على أن المراد من المس هو الوطء، و عليه فلا أثر للخلوة،و ان حصل معها المس من غير وطء.

و في ذلك روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السّلام،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل تزوج،فأغلق بابا أو أرخى ستارا،و لمس و قبّل،ثم طلقها،أ يجب الصداق؟ قال:لا يوجب الصداق إلاّ الوقاع.و في رواية ثانية أنّه قال:ليس عليه إلاّ نصف المهر.

و قد حمل الفقهاء الروايات التي دلت بظاهرها على أن الخلوة توجب المهر،حملوها على ما إذا كان مع الخلوة دخول جمعا بينها و بين ما دلّ على أن الخلوة لا تأثير لها.

التنازع:

1-إذا اختلف الزوجان في استحقاق المهر

،فقال هو:لا تستحق المهر من الأساس.و قالت هي:بل استحقه،ينظر:فان كان لم يدخل بعد فالقول قوله

ص:282

بيمينه.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف لاحتمال تجرد العقد عن المهر الذي عرفت عدم اعتباره في صحة العقد».أي من الجائز أن يكون العقد من غير ذكر المهر و يجوز أيضا أن يكون قد جرى مع ذكر المهر.و على التقدير الأول يكون الزوج غير مسؤول عن المهر،كما تقدم،و على الثاني يكون مسؤولا عنه،فيرجع الشك-اذن-إلى الشك في أن الزوج:هل هو مطلوب بالمهر أو غير مطلوب، و الأصل براءة الذمة.

و إذا كان الزوج قد دخل،و ادعت مبلغا لا يزيد على مهر المثل حكم لها به، و لا يلتفت إلى إنكاره،لأن المهر ثابت على كل حال بسبب الدخول،سواء أ سمّى لها أو لم يسم.

2-إذا اختلف الزوجان في الدخول،فقالت هي:لم يدخل

،لتثبت أن لها حق الامتناع عنه،حتى تقبض معجل المهر،و قال هو:دخلت،ليثبت أن امتناعها بغير مبرر شرعي،أو قال هو:لم أدخل،كي يسقط عنه نصف المهر بالطلاق، و قالت هي:دخل،لتثبت المهر كاملا،و نفقة العدة فإن القول قول من ينكر الدخول،سواء أ كان هو الزوج أو المرأة،عملا بقاعدة على المدعي البينة،و على من أنكر اليمين إلاّ إذا ادعت هي،أو هو الدخول،و كانت بكرا،فان كشف الخبيرات،أو الطبيب المختص بقطع النزاع،فإذا قرر انّها ما زالت بكرا،و حصل الاطمئنان من قوله ترد دعوى من ادعى الدخول من غير يمين.

3-إذا اختلفا في تسمية المهر في متن العقد

،فقال أحدهما:اقترن العقد بذكر المهر الصحيح.و قال الآخر:بل وقع مجردا عن التسمية فالبينة على مدعي التسمية،و اليمين على من أنكرها،و لكن إذا كانت الزوجة هي التي ادعت التسمية،و الزوج هو المنكر،و حلف على عدم التسمية بعد عجزها عن الإثبات

ص:283

تعطى مهر المثل بعد الدخول على شريطة أن لا يزيد مهر المثل عما تدعيه،فلو قالت جرى العقد بعشرة و أنكر هو،و كان مهر المثل عشرين تعطى عشرة فقط عملا باعترافها بأنّها لا تستحق الزيادة.و لو كان مهر المثل عشرة،و قالت:جرى العقد على عشرين تعطى عشرة.

4-إذا اتفقا على أصل التسمية،و اختلفا في قدر المسمى

،فقالت:هي عشرة،و قال هو:بل خمسة فقد ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى أن القول قول من ينكر الزيادة،لأن الأصل عدمها حتى يثبت العكس،و لأن الإمام الباقر أبا الإمام الصادق عليهما السّلام سئل عن رجل تزوج امرأة،فلم يدخل بها،فادعت أن صداقها مائة دينار.و ذكر الزوج أن صداقها خمسون،و ليس لها بينة على ذلك؟ فقال:القول قول الزوج مع يمينه.

5-إذا اختلفا في قبض المهر

،فقالت هي:لم أقبض.و قال هو:بل قبضت فان القول قول الزوجة،لأن الأصل عدم القبض،حتى يثبت العكس، و على الزوج البينة،لأنه مدع،و لا فرق في ذلك بين أن يحصل النزاع قبل الدخول أو بعده.

و تسأل:ان الإمام عليه السّلام قد سئل عن ذلك فقال:«إذا أهديت إليه،و دخلت بيته،و طلبت بعد ذلك فلا شيء لها،انّه كثير لها أن يستحلف باللّه مالها من قبله صداق قليل أو كثير»فقد دلت هذه الرواية بالمنطوق على أن القول قوله إذا كان قد دخل و دلت بالمفهوم أن القول قولها ان لم يكن قد دخل بعد.

الجواب:قال جماعة من الفقهاء منهم صاحب الجواهر:كانت العادة في القديم ان الزوجة لا تنتقل إلى بيت زوجها إلاّ بعد أن تقبض المهر المعجل،و هذه الرواية،و ما إليها منزلة على المعتاد أما اليوم فلا أثر لهذه العادة فيتعين العمل

ص:284

بالأصل،و هو عدم القبض،حتى يثبت العكس.

6-إذا اتفقا على أن الزوجة أخذت شيئا من الزوج،ثم اختلفا

،فقالت هي أنّه هدية،و قال هو:بل من المهر فالقول قول الزوج،حتى يثبت العكس،لأنه أعرف بنيّته.

هذا،إذا لم تكن قرائن حالية من عادة العرف توجب الاطمئنان،أو من أوضاع الزوج الخاصة التي تدل على أنّه هدية،كما لو كان مأكولا،أو ثوبا أو ما يسميه اللبنانيون بالعلامة،و المصريون بالشبكة،و هو خاتم و ما أشبه مما يهديه الخاطب للمخطوبة،فان كان شيء من ذلك يكون القول قول الزوجة،لا قول الزوج.

و عليه فيأخذ الشيء المتنازع فيه حكم الهبة،و لا يجوز الرجوع بها بعد القبض إذا كانت بعد قيام الزوجية،كما تقدم في«الجزء الرابع باب الهبة،فقرة هل عقد الهبة جائز».و ان كان قد وهب قبل عقد الزواج فله الرجوع بها ما دامت عينها قائمة،و لم تتصرف المرأة فيها ببيع أو هبة أو تغييرها من هيئة إلى هيئة أخرى، و إلاّ تكون لازمة لا يجوز الرجوع بها.

ص:285

الزوجان و أثاث البيت

اشارة

إذا أقام اثنان في محل واحد،فيه بعض الأمتعة و الأدوات،ثم اختلفا في شيء منها،و ادعى كل واحد أنّه له،و ذلك مثل الزوجين يختلفان في أثاث البيت كله،أو بعضه،و مثل نجار و خياط يقيمان في حانوت واحد،ثم يختلفان في بعض محتوياته،إذا كان الأمر كذلك فهل تكون الدعوى بينهما من باب المدعي و المنكر،فيكلف الأول بالبينة و الثاني باليمين،أو من باب المتداعيين،أي أن كلا منهما مدع و منكر و على كل واحد البينة و اليمين معا،كما هو الشأن في المتداعيين؟

و الجواب:

إذا رجعنا إلى القواعد المتسالم عليها نجد ان المنكر هو واحد من اثنين:اما من وافق قوله الأصل،و امّا أن يكون صاحب يد،و المدعي بعكس الاثنين،أي لا هو صاحب يد،و لا قوله يتفق مع الأصل.أما ظاهر العرف و العادة فليس بشيء يعتمد عليه إلاّ إذا قام الدليل الخاص على اعتباره،و مع وجوده يختصر على مورده،لأن الأحكام الشرعية لا تؤخذ من عرف الناس و عاداتهم (1).أجل،يرجع

ص:286


1- قد يستفاد الحكم الشرعي من العرف العام،إذا كان في عهد المعصوم،و بمرأى منه،و مسمع و لم ينه عنه،و بكلمة ان العرف لا يكون حجة إلاّ بإمضاء الشارع ضمنا أو صراحة.

إليهم في معرفة الموضوع الخارجي الذي تعلق به الحكم الشرعي-مثلا-تحريم الخمر يؤخذ من نص الشارع،أمّا تشخيص الخمر في الخارج،و تمييزه عن سائر المائعات فيرجع فيه إلى العرف،و أصحاب الخبرة،و عليه فقد يكون الظاهر مع المدعي دون المنكر،و قد يكون مع المنكر دون المدعي.

و ليس من شك أنّه لا أصل-هنا-يتفق مع أحد الطرفين دون الآخر،حتى يكون الذي معه الأصل منكرا،و الذي يخالفه مدعيا،إذ لو قلنا بأن الأصل أن لا يكون هذا المتاع ملكا للزوج معارض بأصل أن لا يكون ملكا للزوجة،و لا مرجح لأحد الأصلين على الآخر،بدون فرق بين ما يصلح لأحدهما فقط،و بين ما يصلح لهما معا بعد أن قلنا:ان الظاهر لا يعول عليه،و كذلك الحال بالقياس إلى النجار و الخياط.

و لو قلنا بما ذهب إليه من ذهب من أن ما يصلح للنساء خاصة فهو للزوجة، و ما يصلح للرجل فقط فهو للزوج،و ما يصلح لهما معا فهما فيه سواء أخذا بظاهر الحال،لو قلنا بهذا للزم أن نقول به أيضا فيما لو تنازع رجل مع امرأة أجنبية في شيء لا يد لأحدهما عليه،و لا يقيمان معا في محل واحد،بحيث إذا كان المتنازع فيه يصلح للنساء فقط تكون المرأة منكرة،و الرجل مدعيا.و إذا صلح للرجل فقط يكون هو المنكر،و هي المدعية أخذا بالظاهر،و كذا لو تنازع اثنان في منشار- مثلا-و كان أحدهما نجارا،و الآخر خياطا،و لا يد لأحدهما عليه،و لا يقيمان في محل واحد.ان يكون النجار منكرا،و الثاني مدعيا،مع أنّه لا قائل بذلك من الإمامية (1).

ص:287


1- في الجزء الرابع من كتاب الفروق«الفرق 232»لو تنازع قاض و جندي رمحا،فالقاضي مدع، و الجندي مدعى عليه،ثم أشكل على من زعم هذا بأنه لو ادعى أبو بكر على أفسق الناس ينبغي أن يكون أبو بكر منكرا.

فلم يبق-إذن-إلاّ اليد،فإن كان لأحد الزوجين يد-دائمة أو غالبة-على شيء من أثاث البيت كان صاحب اليد منكرا،و الآخر مدعيا،فإذا تنازعا في الحلي و الملابس التي لبستها الزوجة،و استعملتها كان القول قولها مع اليمين، لليد لا لأنها تصلح للنساء فقط.و إذا تنازعا في العمامة و الأسلحة التي استعملها و يستعملها الرجل كان القول قوله مع اليمين.لليد أيضا،لا لصلاحها للرجال فحسب (1).و من هنا نقول:إذا حصل الخلاف بينهما في قطعة حلي لم تستعملها الزوجة أبدا،و كانت يد الاثنين عليها فهما فيها سواء،بل لو وجدت هذه القطعة في صندوق الزوج الذي يحمل مفتاحه،و لا يستعمله أحد سواه يكون هو صاحب اليد،و يؤخذ بقوله دونها.و كذا لو وجدت قطعة سلاح في الصندوق الخاص بها يكون القول قولها،لأنها صاحبة اليد.فالعبرة اذن باليد لا بما يصلح، أو لا يصلح.

أما ما لا يد لأحدهما عليه دون الآخر،كالراديو يستمعان إليه معا،و الساعة في الحائط ينتفعان بها،و«طاولة»الطعام يأكلان عليها.أما هذه و ما إليها فهما فيه سواء.

و منه تعرف مسألة النجار و الخياط اللذين يقيمان في حانوت واحد،حيث يحكم للنجار بالمنشار،و للخياط بالإبرة،لمكان اليد،دون أن يكون للصلاحية أي تأثير.و لو افترض أن في الحانوت منشارا لا يد دائمة أو غالبة عليه لأحدهما

ص:288


1- و على هذا نحمل الأحاديث التي فصلت بين ما للنساء،و بين ما للرجال،بل ان موثق يونس يشعر بذلك،حيث جاء فيه:«ما كان من متاع للنساء فهو للمرأة،و ما كان من متاع النساء و الرجال فهو بينهما،و من استولى على شيء منه له»فقول الإمام من استولى إلخ.إشارة إلى وضع اليد.

دون الآخر لكانا فيه سواء لدى التخاصم و التنازع.

إذا تمهد هذا عرفنا أنّه إذا تنازع المقيمان في محل واحد على شيء من محتوياته،فإن كانت يد أحدهما دون الآخر فهو له مع يمينه،و إلاّ فهما متداعيان، فإن أقام أحدهما البينة دون الآخر فهو له،و ان أقاما معا البينة قسم بينهما،و ان لم يكن لهما و لا لأحدهما يحلفان و يقتسمان،و ان حلف أحدهما،و نكل الآخر فالشيء لمن حلف.

هذا ما توصلت إليه بعد البحث و التأمل،و كنت قبلا أعتقد بالتفصيل بين ما يصلح،و ما لا يصلح بصرف النظر عن اليد،ثم رجعت إلى اليد بصرف النظر عما يصلح و ما لا يصلح.

و قال الحنابلة و أكثر الإمامية:ان ما يصلح للرجال من العمائم،و قمصانهم، و جبابهم،و الأقبية و السلاح فهو للزوج مع يمينه،و ما يصلح للنساء،كحليهن، و قمصهن و مغازلهن فهو للزوجة مع يمينها،و ما يصلح لهما،كالفراش و الأواني فهو بينهما.

و قال الحنفية:ما كان في يد أحدهما فعلا فهو له مع اليمين،و ما كان في يدهما معا فهو للزوج وحده مع يمينه.

و قال الشافعية:كل ما في البيت فهو بينهما مناصفة.

و قال المالكية:ما يصلح للنساء فقط،فللزوجة،و ما يصلح للرجال و النساء فللزوج،لأن يده أقوى من يدها.(المغني باب الأقضية).

ص:289

النسب

اشارة

يلحق الولد بالرجل بسبب الزواج،أو بوطء الشبهة مع مراعاة الشروط التالية:

الدخول و الفراش و قاعدة الإمكان:

ان عقد الزواج يرفع الموانع و الحواجز التي كانت بين الرجل و المرأة قبل العقد،و يبيح لكل منهما عملية الجنس و توابعها،و لكن العقد بمجرده،و من حيث هو ليس سببا تاما لا لحاق الولد بالزوج،بل لا بد معه من الدخول،فان المراد من الفراش في حديث:«الولد للفراش،و للعاهر الحجر»المراد منه الافتراش،لا مجرد العقد كما يقول السنة،و بتعبير ثان ان هذا الحديث تفسير و بيان لقوله تعالى هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ (1).

و على هذا،فلا يلحق الولد بالزوج لمجرد أنّه زوج و كفى،بل لأنه قد افترش زوجته افتراشا حقيقيا.

و لا يحتاج الوقاع و الجماع إلى بيان و تفسير،و لكن هل كل وقاع يستدعي

ص:290


1- البقرة:187. [1]

إلحاق الولد بالزوج،أو لا يلحق به إلاّ مع وقاع خاص؟و الجواب في التفصيل التالي:

أولا:أن يدخله،و ينزل في داخل الفرج،و ليس من شك أن الولد يلحق به،و الحال هذه.

ثانيا:أن لا يحصل الدخول،و لكن يريق ماءه على الفرج،و يلحق به الولد كما لو أراق داخل الفرج،إذ من الجائز أن يسبق الماء إلى الداخل دون أن يشعر الزوجان بذلك،و قد تسالم الفقهاء على قاعدة عامة أسموها قاعدة إمكان الإلحاق و هي:كل ما أمكن أن يلحق الولد بالزوج يجب أن يلحق به في ظاهر الشرع، فمتى علم الحاكم بهذا الإمكان قضى به من غير حاجة إلى الإثبات،أما مستند هذه القاعدة فحديث«الولد للفراش»فإنّه يدل على أن كل ولد للفراش،حتى يثبت العكس.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان رجلا أتى الإمام عليا عليه السّلام،فقال له:ان امرأتي هذه حامل،و هي جارية حدثة،و هي عذراء،و حامل في تسعة أشهر،و لا أعلم إلاّ خيرا،و أنا شيخ كبير ما اقترعتها،و انّها لعلى حالها؟فقال له الإمام:نشدتك اللّه هل كنت تهريق على فرجها؟قال الشيخ:نعم.قال الإمام:قد ألحقت بك ولدها.

و بالأولى إذا أدخله،ثم انزل خارج الفرج،قال الإمام الصادق عليه السّلام:جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و قال:كنت أعزل عن جارية لي،فجاءت بولد؟فقال الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:الوكاء قد ينفلت،و الحق به الولد.

ثالثا:أن يدخله،أو يدخل بعضه،بحيث يلتقي ختانان،و لكنه لم ينزل، و في هذه الحال يلحق الولد به أيضا لأن معنى الفراش،كما قلنا،هو الافتراش،

ص:291

و المفروض أن الزوج قد افترش الزوجة.قال صاحب الجواهر:«يمكن التولد من الرجل بالدخول،و ان لم ينزل،و لعله لتحرك نطفة المرأة،و اكتسابها العلوق من نطفة الرجل في محلها،أو غير ذلك من الحكم التي لا يحيط بها إلاّ ربّ العزّة، و لذا أطلق أن الولد للفراش المراد به الافتراش فعلا».

و بالجملة ان مجرد عقد الزواج لا يوجب إلحاق الولد بالزوج ما لم يكن معه واحد من اثنين:اما الدخول،و ان لم ينزل،و امّا الإنزال على الفرج،و ان لم يدخل،و متى تحقق واحد منهما فلا ينتفي الولد على الزوج إلاّ باللعان الذي سنتعرض له في الجزء السادس ان شاء اللّه.

أقل مدّة:

الشرط الثاني لا لحاق الولد بالزوج أن يمضي ستة أشهر من حين الوطء أو الإنزال على الفرج،لأن هذه المدّة هي أقل مدّة الحمل إجماعا و نصا،و منه قوله تعالى في الآية 15 من سورة الأحقاف التي نصت على أن حمل الولد و رضاعه ثلاثون شهرا وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً و الفصال هو الرضاع،و نصت الآية 14 من سورة لقمان على أن الرضاع يكون في حولين كاملين وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ و الدليل مركب من الآيتين معا،فإذا أسقطنا العامين من الثلاثين شهرا يبقى ستة أشهر،و هي أقل مدّة الحمل بالإجماع،فيتعين أن تكون أقل مدّته،و الطب الحديث أقر ذلك و أيده.

و ثبت عن أهل البيت عليهم السّلام أن أدنى ما تحمل المرأة ستة أشهر،و أكثر ما تحمل سنة.

ص:292

أقصى مدّة الحمل:

الشرط الثالث لإلحاق الولد أن لا يتجاوز الحمل أقصى مدّته،و اتفقوا على أنّها لا تزيد ساعة عن السنة،فإذا طلق الزوج أو مات عنها،ثم ولدت بعد سنة، و لو ساعة لم يلحقه الولد.

و اختلفوا في تحديدها،فذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر إلى أنّها تسعة أشهر،و قال آخرون:انّها عشرة،أما الشريف المرتضى و أبو الصلاح و الشهيد الثاني فقد اختاروا أنّها سنة كاملة،و حملوا الروايات الدالة على التسعة على الغالب.قال الشهيد الثاني في المسالك:«روى ابن حكيم عن الإمام عليه السّلام أنّه قال في المطلقة يطلقها زوجها،فتقول:أنا حبلى،فتمكث سنة؟قال الإمام:ان جاءت به لأكثر من سنة لم تصدق،و لو ساعة واحدة في دعواها».ثم قال الشهيد:

و هذا القول أقرب إلى الصواب،إذ لم يرد دليل معتبر على أن أقصاه أقل من سنة، فاستصحاب حكمه و حكم الفراش أنسب،و ان كان خلاف الغالب،و قد وقع في زماننا ما يدل عليه.

ولد الشبهة:

وطء الشبهة أن يقع الرجل على امرأة تحرم عليه،مع جهله بالتحريم، و الشبهة على قسمين:شبهة العقد مع الوطء،و شبهة الوطء من غير عقد.و معنى شبهة العقد أن يجري عقد زواجه على امرأة،ثم يتبين فساد العقد،لسبب من الأسباب الموجبة للفساد.و معنى شبهة الوطء من غير عقد أن يقع على امرأة من غير أن يكون بينهما عقد صحيح و لا فاسد،بل يقاربها معتقدا أنّها تحل له،ثم يتبين العكس،و يدخل في ذلك وطء المجنون و السكران و النائم لأجنبية.

ص:293

و ولد الشبهة شرعي تماما كمن تولد من الزواج الصحيح من دون تفاوت، سواء أ كانت الشبهة شبهة عقد أم شبهة فعل،و لو نفى المشتبه الولد عنه لا ينتفي، و يلزم به إذا تحققت الشروط الثلاثة المتقدمة،و هي الدخول أو الإنزال على الفرج،و مضي ستة أشهر على الحمل-على الأقل-و عدم تجاوزه عن أقصى المدّة،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها؟قال:يفرق بينهما،و تعتد عدة واحدة منهما،فإن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر-أي من حين وطء الأخير-فهو للأخير،و ان جاءت بولد في أقل من ستة أشهر فهو للأول.

و قال صاحب الشرائع و الجواهر:«لو تزوج امرأة لظنها خالية،أو لظنها موت الزوج،أو طلاقه فبان أنّه لم يمت،و لم يطلق ردت على الأول قطعا بعد الاعتداد مع الثاني الذي قد فرض اشتباهه،و اختص الثاني بالأولاد،مع حصول الشروط لإلحاق الولد».

ثم أن الشبهة قد تكون من الرجل و المرأة،كما لو كان كل منهما غير عالم، و لا ملتفت،و قد تكون الشبهة من الرجل فقط،كما لو كانت هي عالمة بأن لها زوجا،و دلست على الرجل،و قد تكون الشبهة منها فقط،كما لو كان هو على علم بأنّها ربيبته أو أخته من الرضاع،و ما إلى ذاك من أسباب التحريم،و دلس عليها.و إذا كانت الشبهة من الطرفين لحق الولد بهما معا،و إذا كانت من طرف واحد لحق بالشبهة فقط.

و من قارب امرأة تحرم عليه،و ادعى الجهل بالتحريم قبل قوله بلا بينة أو يمين،و كذا يقبل قول المرأة بلا بينة أو يمين إذا ادعت الاشتباه،لأن الحدود تدرأ بالشبهات،فإذا أمكن حمل الولد على أنّه ابن شبهة،و لو لاحتمال واحد من مائة

ص:294

فلا يجوز الحكم بأنه ابن زنا،و هذا من الموارد التي يتغلب فيها الضعيف على القوي،و الأقل على الأكثر.

اللقيط:

ليس اللقيط من النسب في شيء،لأنه يفقد الشروط الثلاثة التي لا بد منها في إلحاق الولد،و انما أشرنا إليه بهذه الفقرة للتوضيح،و تبعا للفقهاء،و كذا الحال بالنسبة إلى التبني.

و اللقيط أن يجد الإنسان طفلا لا يستطيع أن يجلب لنفسه نفعا،و لا يدفع عنها ضرا،فيضمه إليه،و يكفله مع سائر عياله،و قد أجمعت كلمة المذاهب الإسلامية على أنّه لا توارث بين اللقيط و الملتقط،لأنه عمل متمحض للخير و الإحسان،و التعاون على البر و التقوى،فمثله مثل انسان وهب آخر مبلغا كبيرا من المال تقربا إلى اللّه،فجعله غنيا بعد الفقر،و عزيزا بعد الذل،فكما ان هذا الإحسان لا يكون سببا للتوارث،كذلك الالتقاط.

التبني:

التبني أن يقصد إنسان إلى ولد معروف النسب،فينسبه إلى نفسه، و الشريعة الإسلامية لا تعتبر التبني سببا من أسباب الإرث،لأنه لا يغير الواقع عن حقيقته،بعد أن كان نسب الولد ثابتا و معروفا.و النسب لا يقبل الفسخ،و لا يسقط بالإسقاط،و بذلك صرحت الآية(4)من سورة الأحزاب وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَ اللّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ .و ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية قصة طريفة:سبي

ص:295

زيد بن حارثة في الجاهلية،فاشتراه رسول اللّه،و بعد الإسلام جاء حارثة إلى مكة،و طلب من الرسول أن يبيعه ابنه زيدا أو يعتقه،فقال الرسول:هو حر، فليذهب حيث شاء،فأبى زيد أن يفارق رسول اللّه،فغضب أبوه حارثة،و قال:

يا معشر قريش اشهدوا أن زيدا ليس ابني،فقال رسول اللّه:اشهدوا أن زيدا هو ابني (1).

رجلان وقعا على امرأة:

إذا زنى بامرأة متزوجة فحملت،و أمكن أن يكون الحمل من الزاني و من الزوج ألحق بالزوج،و ان كان الولد شبيها بالزاني،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد،لمن يكون الولد؟قال:للذي عنده،لقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:الولد للفراش و العاهر للحجر.

و أيضا سئل عن رجل تزوج امرأة ليست بمأمونة تدعي الحمل؟قال:

يصبر،لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:الولد للفراش،و للعاهر الحجر.

و إذا وطأ متزوجة بشبهة،و حملت،و أمكن أن يكون الحمل من الزوج، و من المشتبه تعين العمل بالقرعة،فمن خرج اسمه ألحق به الولد.قال صاحب الجواهر:«لو وطأ شبهة على وجه يمكن تولده من الزوج و المشتبه فإنه يقرع بينهما،و يلحق بمن تقع عليه القرعة،لأن المرأة حينئذ فراش لهما من غير فرق بين وقوع الوطئين في طهر واحد و عدمه،مع إمكان الإلحاق بهما.نعم لو أمكن الإلحاق بأحدهما دون الآخر تعين الإلحاق به دون عملية القرعة،كما أنّه ينتفي عنهما معا،لعدم إمكان تولده منهما،و هو واضح».

ص:296


1- مجمع البيان في تفسير القرآن.

و إذا طلق الرجل زوجته بعد أن قاربها فاعتدت،ثم تزوجت،و أتت بولد، لدون ستة أشهر على زواجها من الثاني،و لكن مضى على مقاربة الزوج الأول لها ستة أشهر فأكثر على أن لا تزيد مدّة المقاربة عن أقصى زمن الحمل،إذا كان كذلك لحق الولد بالأول،و إذا مضى على زواجها من الثاني ستة أشهر لحق بالثاني.

و إذا طلقها و تزوجت،ثم ولدت لأقل من ستة أشهر من مقاربة الثاني، و لأقصى زمن الحمل من مقاربة الأول ينفى عنهما معا-مثلا-إذا مضى على الطلاق ثمانية أشهر،و بعدها تزوجت بآخر،فمكثت عنده خمسة أشهر، و ولدت،و افترضنا أن أقصى مدّة الحمل سنة فلا يلحق بالأول،لأنه قد مضى على المقاربة أكثر من سنة،و لا يلحق بالثاني حيث لم تمض ستة أشهر على مقاربته.

الشك:

إذا علمنا أنّه لم يدخل،و لم ينزل على الفرج،أو أنّه دخل،و ولدت لأقل من ستة أشهر من تاريخ الدخول،أو لأكثر من مدّة الحمل،كما لو غاب عنها مدّة تزيد عن أقصى مدّة الحمل-إذا علمنا ذلك فلا يجوز إلحاق الولد به،و إذا اعترف به فلا يلتفت إلى اعترافه.

و إذا علمنا أنّه دخل،و مضى ستة أشهر على الحمل،و لم يتجاوز أقصى المدّة فلا ينتفي عنه إلاّ باللعان،حتى و لو اتفق هو و الزوجة على نفيه.

و إذا علمنا بالدخول،و شككنا في مضي ستة أشهر،أو في تجاوز أقصى مدّة الحمل يلحق به الولد،و لو نفاه لا يلتفت إلى نفيه تغليبا لحكم الفراش، و عملا بقاعدة كل ما أمكن أن يكون منه فهو ولده المستفادة من حديث:«الولد

ص:297

للفراش»خرج منه ما علم بأنه ليس ولده قطعا فيبقى المعلوم و المشكوك على حكم الفراش.و بهذا يتبين معنا أن هذه القاعدة رافعة لموضوع الأصل القائل:

الشك في الشرط يستدعي الشك في المشروط.

التنازع:

1-إذا نفى الولد عنه محتجا بأنّه لم يدخل

،و قالت هي:بل دخل،لتلحق الولد به فالقول قوله،لأن الأصل عدم الدخول.

و تسأل:و قاعدة الفراش و إمكان الإلحاق،أ ليست رافعة لموضوع الأصل كما قلت؟ الجواب:لقد سبق أن معنى الفراش هو الافتراش،فإذا شككنا في أنّه افترشها أو لا فقد شككنا في موضوع القاعدة.و بديهة أنّه لا يمكن التمسك بإطلاق الشيء أو عمومه إلاّ بعد التثبت من وجود موضوعه (1).

2-إذا اتفقا على الدخول،و اختلفا في المدّة

،فقالت هي وضعته بعد مضي ستة أشهر،أو قبل تجاوز أقصى مدّة الحمل.و قال هو:بل قبل الستة،أو قال بعد تجاوز أقصى المدّة فالقول قول المرأة،لأن الأصل إلحاق الولد بالوطء أي بالفراش،حتى يثبت العكس.قال صاحب الجواهر:«المرأة منكرة على كل حال باعتبار موافقة دعواها للأصل من غير فرق بين دعوى الزوج الأكثر من أقصى الحمل،أو الأقل من أدناه،إذ هو على كل حال مدع لما ينافي أصل لحوق الولد بالوطء».

ص:298


1- الغريب أن صاحب الجواهر قد أخذ بإطلاق القاعدة إذا شككنا في الدخول ذاهلا عن ان ذلك تمسك في العام أو الإطلاق في الشبهة المصداقية.

طرق ثبوت النسب:

يثبت النسب بالإقرار،و تكلمنا عنه مفصلا و مطولا في باب الإقرار فصل:

«الإقرار بالنسب».و أيضا يثبت بشهادة عدلين،و لا تقبل فيه شهادة النساء لا منفردات و لا منضمات،و أيضا يثبت النسب بالاستفاضة،و هي أن يشتهر الإنسان عند جماعة يقيم بينهم بأنّه ابن فلان،بحيث إذا سئل عنه منسوبا إليه دلّ عليه، و ان يسجل اسمه بهذا النسب في دائرة العقارات،و الإحصاء و المحاكم.و في دفتر التاجر و القصاب،و ما إليه.

و قد بحثنا أدلة ثبوت النسب من سائر جهاتها،و استوفينا البحث فيها كاملا في كتاب«الفصول الشرعية».

ص:299

الرضاع و الحضانة

لبن الأم:

ان أفضل ما يرضع به الصبي هو لبن أمّه،لأنه أكثر ملاءمة لمزاجه،و أنسب بطبعه،حيث كان غذاء له،و هو في بطن أمّه.قال الإمام الصادق عليه السّلام:قال علي أمير المؤمنين عليه السّلام:ما من لبن يرضع به الصبي أعظم عليه بركة من لبن أمّه.

مدّة الرضاعة:

لقد حدد الشرع المدّة التي يجب أن يرضع فيها الطفل،حددها بحولين، و أجاز أن تنقص إلى أحد و عشرين شهرا،و ان تزيد شهرا،أو شهرين.قال تعالى وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ (1).

أمّا جواز الاقتصار على واحد و عشرين شهرا فتدل عليه الآية 15 من سورة الأحقاف وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً فإذا حملت به تسعة كما هو الغالب كان

ص:300


1- البقرة:233. [1]

الباقي للرضاع 21 شهرا.و قال الإمام الصادق عليه السّلام:الرضاع واحد و عشرون شهرا فما نقص فهو جور على الصبي.

أما جواز الزيادة شهرا و شهرين فقد استدل عليه صاحب الجواهر برواية لا تدل صراحة على الجواز،و لكن يكفي في الإباحة و الجواز عدم النص عليه، و على هذا فيجوز أن ترضعه سنين بخاصة إذا احتاج إلى ذلك،و لكنها لا تستحق اجرة على الرضاع الزائد على الحولين.

أجرة الرضاعة:

اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر و الحدائق على أن الأم لا تجبر على إرضاع ولدها،لقوله تعالى فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ و قول الإمام الصادق عليه السّلام:لا تجبر المرأة على إرضاع الولد.

أجل،إذا انحصر إرضاع الولد بالأم،بحيث يتضرر بتركها إرضاعه فيجب عليها أن ترضعه.

و للأم أن تطالب بإرضاع ولدها،لقوله تعالى فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ .و إذا كان للطفل مال فأجرتها من ماله،و إلاّ فعلى الأب الموسر،و ان علا،و ان لم يكن للأب مال وجب عليها أن ترضعه مجانا.و ذلك أن الرضاع طعام و غذاء،فيكون حكمه،تماما كحكم النفقة،و هي في مال الإنسان نفسه، فإن لم يكن له مال فعلى أبيه الموسر،و ان علا،فإن لم يكن فعلى الأم،و يأتي التفصيل في باب النفقة.

و إذا طلبت الأم أجرة أكثر من غيرها كان للأب انتزاع الطفل منها،و تسليمه إلى غيرها،و كذا إذا وجدت من ترضعه مجانا،و أبت الأم إلاّ الأجرة،أمّا إذا

ص:301

رضيت بما ترضى به غيرها من الأجرة أو التبرع فالأم أولى.قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا طلق الرجل المرأة،و هي حبلى أنفق عليها،حتى تضع حملها، فإذا وضعته أعطاها أجرها،و لا يضارها إلاّ أن يجد من هو أرخص منها،فإن رضيت بذلك الأجر فهي أحق بابنها،حتى تفطمه.

و في جميع الحالات فإن على القاضي أن يراعي مصلحة الطفل و عدم الضرر بالأم،و ان يثبت،و لا يأخذ بالظواهر للوهلة الأولى،فإن كثيرا من الآباء يموهون و يحتالون و يوجدون المتبرعة زورا بقصد الإضرار بالأم عن طريق ولدها.و اللّه سبحانه يقول «لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها» .

الحضانة:

الحضانة،بفتح الحاء،و أصلها من حضن الطير بيضه،أي ضمه تحت جناحه،و الغاية منها المحافظة على الطفل،و تربيته،و رعايته مصلحته.قال الشهيد الثاني في المسالك:و هي بالأنثى أليق منها بالرجل لمزيد شفقتها،و خلقها المعد لذلك.

لمن الحضانة:

الحضانة للأم و الأب ما لم يقع الطلاق،فإن طلقها فالأم أحق بالذكر حتى يكمل الحولين من عمره،و أحق بالأنثى حتى تكمل سبع سنين.هذا هو المشهور بين الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر،و هذا التفصيل لا دليل عليه صراحة في النصوص.قال صاحب المسالك:«اختلف الفقهاء في مستحق الحضانة من الأبوين،لاختلاف الاخبار-أي النصوص-ففي بعضها أن الأم أحق

ص:302

بالولد مطلقا ما لم تتزوج،و في بعضها أنّها أحق به إلى سبع سنين،و في آخر إلى تسع،و في بعضها أن الأب أحق به،و ليس في الجميع فرق بين الذكر و الأنثى.

و ليس في الباب خبر صحيح،بل هي بين ضعيف و مرسل و موقوف (1)».

و الذي دعا المشهور إلى التفصيل و الفرق بين الذكر و الأنثى اعتقادهم بأنّه يجمع بين نصين روى أحدهما أيوب بن نوح أن الإمام الصادق عليه السّلام قال:«المرأة أحق بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين».و ثانيهما رواه داود بن الحصين عن الإمام الصادق عليه السّلام:«أن الولد ما دام في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية،فإذا فطم فالأب أحق به من الأم،فإذا مات الأب فالأم أحق به من العصبة».

و يلاحظ بأن هذا الجمع اعتباطي لا دليل عليه من الشرع أو العرف.ثانيا ان الولد في الروايتين يشمل الذكر و الأنثى.ثالثا ان هناك رواية أخرى تقول:

المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج،و رواية رابعة قالت إلى تسع سنوات.

أما عمل المشهور فليس له أي تأثير في الجمع بين النصوص إذا لم يقم على أساس من الشرع أو العرف،حتى و لو قلنا بأن عملهم يرجح أحد النصين المتعارضين على الآخر.

و غير بعيد أن تختص الأم بحضانة الطفل سنتين ذكرا كان أو أنثى،و بعدها يترك الأمر إلى اجتهاد القاضي و نظره فهو الذي يقرر انضمام الطفل إلى الأم أو الأب بعد السنتين على أساس مصلحة الطفل دينا و دنيا.نقول هذا من الوجهة النظرية.أما من الوجهة العملية فنحن مع الأكثرية من أنّها أحق بالذكر إلى السنتين،و بالأنثى إلى السبع ما لم تتزوج،فإذا تزوجت قبل ذلك سقطت

ص:303


1- المرسل أن يسند الحديث إلى المعصوم مع حذف الرواة كلا أو بعضا،و الموقوف أن لا يسند إلى المعصوم،بل يقف عند أحد الرواة.

حضانتها.

و اتفقوا على أن الطفل إذا بلغ يكون له الخيار في الانضمام إلى من شاء من أبويه.

الشروط:

قال صاحب الجواهر:«يشترط في الحاضنة أن تكون حرة مسلمة عاقلة غير متزوجة بلا خلاف في هذه الشروط الأربعة».

أما الإسلام إذا كان الولد بحكم المسلم فلان غير المسلم لا سبيل له على المسلم،و أمّا العقل فلأن المجنونة في حاجة إلى من يحضنها،و أمّا الخلو من الزوج فلقول الإمام عليه السّلام:المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج.

و أيضا يشترط أن تكون سليمة من الأمراض السارية،و لا فاجرة متهتكة، و لا مهملة لرعاية الطفل و مصالحه.كل ذلك للاحتفاظ بالطفل صحيا و خلقيا.

السفر بالطفل:

ليس للأم المطلقة أن تسافر بالولد إلى بلد بعيد بغير رضا أبيه،و ليس له أن ينتزعه منها،و يسافر به حال حضانتها له.و ذلك أن للأب الولاية على ابنه فيجب أن لا يبتعد عنه،و ان للام حضانته فيجب أن لا ينتزع منها،و لا يمكن مراعاة الحقين معا إلاّ بما ذكرنا.

اجرة الحضانة:

هل للام اجرة على الحضانة غير أجرة الرضاع؟

ص:304

مال صاحب المسالك إلى نفيها،و مال صاحب الجواهر إلى ثبوتها.و حيث لم يرد نص في الشرع على الوجوب،و لم تجر العادة على الأجرة،و لم تكن الحضانة من النفقة في شيء،كي تجب على الأب كما وجب عليه أجرة الرضاع، و لم تكن الحضانة عملا للأب بالذات،لذلك كله يكون الحق في جانب صاحب المسالك من عدم وجوب الأجرة على الحضانة،بخاصة إذا كانت واجبة على الأم.

إذا فقد الأبوان:

الحضانة للأم،ثم للأب،كما قدمنا،و إذا ماتت الأم قبل انتهاء حضانتها فالأب أولى من جميع الأقارب،حتى أم الأم،و إذا مات الأب أو جن بعد أن انتقلت إليه الحضانة،و كانت الأم في قيد الحياة عادت الحضانة إليها،و كانت أحق من جميع الأقارب بما فيهم الجد لأب،حتى و لو تزوجت بأجنبي.

و إذا فقد الأبوان معا انتقلت الحضانة إلى الجد لأب،و إذا فقد و لم يكن له وصي فالحضانة لأقارب الولد على ترتيب الميراث،الأقرب منهم يمنع الأبعد، و مع التعدد و التساوي كجدة لأم،و جدة لأب،و كالعمة و الخالة يقرع بينهما مع التزاحم و التشاح،فمن خرجت القرعة باسمه كان أحق بالحضانة إلى أن يموت أو يعرض عن حقه.

تسقط الحضانة بالإسقاط:

هل الحضانة حق يجوز لمن هي له أن يسقطها،أو هي حكم لا تسقط بالإسقاط؟

ص:305

الجواب:ان قول الإمام عليه السّلام:«المرأة أحق بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلاّ أن تشاء المرأة»ان قوله هذا ظاهر في ان الحضانة حق لا حكم.قال صاحب الجواهر:«ان التعليق على مشيئتها و التعبير بالأحقية ظاهر على أن الحضانة كالرضاع،و حينئذ لا تكون واجبة عليها،و لها أن تسقط هذا الحق».ثم نقل عن صاحب الرياض أنّه قال:«لا شبهة في كون الحضانة حقا»أي يجوز إسقاطها.

ص:306

النفقة

نفقة الزوجة:

تجب نفقة الزوجة على زوجها،حتى و لو كانت غنية،إجماعا و نصا،و منه قوله تعالى وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ (1)،و المولود له هو الزوج، و ضمير«هن»عائد إلى الزوجات.

و قوله سبحانه اَلرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ (2).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«حق المرأة على زوجها أن يشبع بطنها،و يكسو جلدها،و ان جهلت غفر لها».

النشوز و الطاعة:

اتفقوا على أن الزوجة الدائمة تجب نفقتها على الزوج،و ان المتمتع بها لا نفقة لها،و اختلفوا:هل تجب النفقة بمجرد العقد،أو أنّها لا تجب إلاّ بالعقد و الطاعة معا.

ص:307


1- البقرة:232. [1]
2- النساء:33. [2]

و يظهر الفرق بين القولين في موارد:

«منها»إذا اختلفا في الطاعة،فقالت هي:لم امنع عنك نفسي فأنا مطيعة مستحقة للنفقة.و قال هو:بل أنت ناشزة،فلا تستحقين النفقة،فعلى القول الأول،و هو ان العقد لوحدة موجب للنفقة يكون الزوج مدعيا،عليه البينة،و هي منكرة عليها اليمين،و على القول الثاني،و هو ان الموجب للنفقة العقد و الطاعة تنعكس الآية،و يكون هو منكرا،و هي مدعية.و بتعبير الفقهاء انّه على الأول يكون العقد مقتضيا للنفقة،و النشوز مانعا،و الأصل عدم المانع،حتى يثبت العكس،و على القول الثاني تكون الطاعة شرطا لوجوب النفقة،و الأصل عدم وجود الشرط،حتى يثبت العكس.

و«منها»إذا عقد عليها،و بقيت أمدا عند أهلها،فتجب نفقتها على القول الأول طوال تلك المدّة،لمكان العقد الذي افترضنا أنّه مقتض للنفقة،و لا تستحقها على القول الثاني.

و على آية حال،فقد ذهب أكثر الفقهاء بشهادة صاحب الشرائع و الحدائق إلى أن العقد بمجرده لا يوجب النفقة،بل لا بد من ثبوت الطاعة معه.قال صاحب الحدائق:«لم أقف على مصرح بأن العقد بمجرده موجب للنفقة».

و الصواب ان العقد بمجرده لا يقتضي النفقة،و لا عدمها،و ان ما دلّ من الروايات على وجوب طاعة الزوجة للزوج انما ورد لبيان حقه عليها،و لا دليل فيه من قريب أو بعيد على أن الطاعة شرط للنفقة أو ليست بشرط،كما ان ما دل على وجوب النفقة انما ورد لبيان أصل الوجوب من حيث الفكرة،بصرف النظر عن الطاعة و النشوز.

و ربما انّا نعلم أن الزوجة المطيعة لها النفقة،و ان الناشزة لا تستحقها،و إنّا

ص:308

نشك أن هذه المرأة مطيعة أو غير مطيعة،و لا دليل أو أصل يثبت أحد الأمرين فيكون الأصل عدم وجوب النفقة،حتى يثبت العكس،و على هذا،إذا طلبت النفقة فعليها أن تثبت أنّها مطيعة،فإذا عجزت عن الإثبات حلف الزوج،وردت دعواها.

أجل،إذا علمنا الحال السابقة،و أنّها كانت مطيعة استصحبنا وجود الطاعة، و حكمنا بالنفقة،حتى يثبت العكس،و إذا علمنا بأنها كانت ناشزة استصحبنا النشوز،حتى يثبت العكس،مع العلم بأن مجرد الشك في النشوز كاف بإسقاط النفقة.

الزوجة الصغيرة:

لا نفقة للزوجة الصغيرة التي لا تطيق الفراش،حتى و لو كان الزوج كبيرا، لأن العقد بمجرده لا يوجب النفقة،كما تقدم،و ليست هي قابلة للطاعة و المتابعة،لصغرها و نقصها على حد تعبير صاحب الجواهر.

الزوج الصغير:

اختلفوا:هل تجب النفقة للزوجة إذا كانت كبيرة تطيق الفراش،و كان هو صغيرا لا يحسن عملية الجنس؟ قيل:تجب لها النفقة،لأن المانع من جهته،لا من جهتها.و قال جماعة، منهم الشيخ الطوسي،و صاحب الجواهر:لا تجب،و هو الصواب ما دام العجز الطبيعي متحققا من الزوج،و الصغير غير مكلف،و تكليف الولي لا دليل عليه.

و لا أقل من الشك في الوجوب،و معه فالأصل العدم،قال صاحب الجواهر:«لو

ص:309

سلم عدم المانع من قبلها فقد يقال:يشك في شمول الأدلة لأنها خطابات و تكاليف لغير الصغار،و صرفها إلى الولي مدفوع بالأصل.لذا كان قول الشيخ بعدم النفقة هو المتجه،كما اعترف به في كشف اللثام و الرياض و نهاية المراد».

الزوجة المريضة:

المرض و الحيض يمنعان من الفراش،و لكن لا تسقط النفقة بهما،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف،لمكان العذر الشرعي أو العقلي».

و إذا سافرت الزوجة بإذن الزوج فلا تسقط نفقتها،لأن إذنه إسقاط منه لحقه،فيبقى حقها على ما هو،سواء أ سافرت لمصلحته أو مصلحتها،لواجب أو مندوب أو مباح.و إذا سافرت من غير اذنه ينظر:فإن كان السفر لواجب كالحج فلا تسقط نفقتها،حيث لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق،و ان لم يكن لواجب فلا نفقة لها.

نفقة المعتدة:

اشارة

هل للمعتدة نفقة أو لا نفقة لها بوجه العموم،أو فيه تفصيل بين المعتدات؟ الجواب:فيه تفصيل على الوجه التالي:

1-أن تكون معتدة من طلاق رجعي

،و تثبت لها النفقة حاملا كانت أم حائلا،كما تثبت للزوجة،لأنها بحكمها إجماعا و نصا،و منه قول الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:ان المطلقة ثلاثا ليس لها نفقة على زوجها،انما ذلك للتي لزوجها عليها رجعة.

2-أن تعتد من طلاق بائن،و تثبت لها النفقة ان كانت حاملا

،و لا نفقة مع

ص:310

عدم الحمل إجماعا و نصا،و منه قوله تعالى وَ إِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (1).

و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل يطلق امرأته،و هي حبلى؟قال:أجلها أن تضع حملها،و عليه نفقتها،حتى تضع حملها.

و الطلاق في كل من الآية و الرواية لم يخصص بالرجعي،و لا بالبائن، فيشملهما معا.

و اختلفوا:هل النفقة للحامل،أو للحمل؟و يتفرع على هذا الخلاف أنّه لو كانت النفقة للحامل لوجب قضاؤها،تماما كالدين،أما إذا كانت للحمل فلا يجب القضاء،للاتفاق على عدم وجوب القضاء لنفقة القريب،كما يأتي:

و الصواب ان النفقة للحامل لا للحمل،لأن قوله تعالى فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ و قول الإمام«عليه نفقتها»ظاهران في أن النفقة لها،لا له.هذا،إلى أن الحمل في نظر العرف ليس موضوعا للإنفاق،و عليه فليس لهذا الخلاف من موضوع.

و حاول بعض الفقهاء أن يوجه الإنفاق على الحمل بقوله:«ان الإنفاق عليه انما يكون بالإنفاق على امه».و علّق صاحب الجواهر على ذلك قائلا:«و هو كما ترى من المضحكات».

3-أن تعتد عدّة الوفاة،و لا نفقة لها حاملا كانت،أو غير حامل

.قال صاحب المسالك:«ورد بعدم الإنفاق عليها أربع روايات معتبرات الاسناد.

و على ذلك سائر المتأخرين،و هو الأقوى».و قال صاحب الجواهر:«لا محيص عن القول بذلك».

و من هذه الروايات الصحيحة ما رواه زرارة عن الإمام الصادق عليه السّلام،قال:

ص:311


1- الطلاق:6. [1]

سألته عن المرأة المتوفى عنها زوجها،هل لها نفقة؟قال:لا.

و في رواية ثانية صحيحة أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن الحبلى المتوفى عنها زوجها،هل لها نفقة؟قال:لا.

المرأة الموظفة:

انظر الجزء الرابع باب الإجارة،فقرة«المرأة الموظفة».

مسائل:

1-تجب النفقة للزوجة الكتابية،تماما كما تجب للمسلمة

.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف و لا إشكال».

2-إذا خرجت من بيته من غير اذنه

،أو امتنعت عن سكنى البيت اللائق بها تعد ناشزا بالاتفاق.

3-إذا كانت الزوجة مطيعة لزوجها في الفراش

،و تساكنه حيث يشاء، و لكنها تخاشنه في الكلام،و تقطب في وجهه،و تعانده في أمور كثيرة،إذا كان كذلك،و كان من طبعها و فطرتها،حتى مع أمّها و أبيها فلا تعد،و الحال هذي، ناشزا،أما إذا لم يكن ذلك من طبعها،و كانت حسنة المعشر مع الجميع إلاّ مع زوجها فتكون ناشزا لا تستحق النفقة.

4-إذا امتنعت الزوجة عن متابعة الزوج،حتى تقبض مهرها

ينظر:فإن كانت قد مكّنته من نفسها،و لو مرّة واحدة فلا يحق لها أن تمتنع بعد ذلك،و ان امتنعت تعد ناشزا،و ان لم تكن قد مكّنته إطلاقا فلا تعد ناشزا،و تستحق النفقة.

5-إذا حبست زوجها من أجل النفقة،أو الصداق

،فإن كان معسرا يعجز

ص:312

عن الوفاء تسقط نفقتها،لأنها ظالمة له،و ان كان موسرا مماطلا يكون هو الظالم، و تبقى النفقة.

6-إذا طلقت الزوجة في حال نشوزها فلا تستحق النفقة

،و إذا كانت معتدة من طلاق رجعي و نشزت في أثناء العدّة تسقط نفقتها،و ان عادت إلى الطاعة تعود النفقة،تماما كالزوجة.

العرف و نفقة الزوجة:

لا حقيقة شرعية لنفقة الزوجة،بل أوكل الشرع تحديدها إلى العرف،فكل ما يعده الناس لازما للنفقة فهو منها،و إذا جاء في بعض الروايات ما يشعر بالتحديد فإن القصد منه بيان ما عليه الناس،فان الشارع كثيرا ما يتكلم عن الشيء باعتباره أحد أفراد المجتمع،لا بصفته الشرعية،كقوله:«فليطعم يوم العيد أفضل الطعام».و الذي عليه أهل العرف أن نفقة الزوجة تشمل المأكل و الملبس و المسكن،و ما يتبع ذلك من الاخدام و الأدوات تبعا لعادة أمثالها.

و لا بد أن نأخذ الوضع المادي للزوج بعين الاعتبار،كما صرح بذلك القرآن الكريم لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ،وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللّهُ لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (1).

و قال تعالى أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ (2).

و للزوجة تمام الحق في الاستقلال بالسكن مع زوجها،دون أن يكون معها أحد من أقارب الزوج فضلا عن الضرة،لقوله تعالى وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ .

ص:313


1- الطلاق:6. [1]
2- الطلاق:5. [2]

وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ .

ثمن الدواء:

قدمنا أن المرجع في تحديد النفقة هو العرف،و ليس من شك أن كل ما تحتاج إليه الزوجة فهو من النفقة في نظر العرف،و الحاجة إلى الدواء و التطبيب أشد من الحاجة إلى المأكل و الملبس و المسكن و الاخدام،و الأحمر و الأبيض، فإذا وجب هذا وجب ذلك بالأولية.

نفقة النفاس:

نفقة النفاس،و أجرة التوليد على الزوج إذا دعت الحاجة إليه.

ضمان نفقة الزوجة:

هل للزوجة أن تطالب الزوج بضامن يضمن نفقتها المستقبلية إذا عزم على السفر،و لم يصحبها معه،و لم يترك لها شيئا؟ قال أكثر الفقهاء:ليس لها ذلك،لأن النفقة لم تثبت بعد في ذمة الزوج، فيكون من باب ضمان ما لا يجب،و هو غير جائز.

و الذي نراه أن لها الحق بطلب الضمان،لأن سبب الضمان متحقق،كما هو الفرض،و هو الزوجية مع عدم النشوز.هذا،إلى أنّه لا دليل على عدم الجواز لضمان ما لم يجب.قال السيد اليزدي في العروة الوثقى،باب الضمان مسألة 38:

«لا مانع من ضمان ما لم يجب بعد ثبوت المقتضي،و لا دليل على عدم صحته من نص أو إجماع،و ان اشتهر في الألسن،بل في جملة من الموارد حكموا بصحته».

ص:314

و قال في مسألة 35:«لا يبعد صحة ضمان النفقة المستقبلية للزوجة، لكفاية وجود المقتضي،و هو الزوجية».

و قال السيد الحكيم في منهاج الصالحين ج 2 الفصل-الناشز في النفقات-:

«الأظهر جواز إسقاط النفقة في جميع الأزمنة المستقبلية».و ليس من شك أنّه إذا جاز الاسقاط جاز الضمان.

و قال الشيخ أحمد كاشف الغطاء في سفينة النجاة باب الضمان:«القول بالصحة ليس ببعيد ان لم يكن إجماعا،فتضمن نفقة الزوجة للمستقبل كالماضي و الحال».

و إذا وصل الأمر إلى الإجماع هان،لأن كل إجماع ينعقد بعد عهد الأئمة الأطهار يمكن الطعن فيه،فإذا احتملنا أن مستند الإجماع هنا هو اعتقاد المجمعين بأن النفقة المستقبلة لا يجوز ضمانها،لأنها ضمان ما لم يجب-إذا احتملنا هذا سقط الاستدلال بالإجماع،لأنه انما يكون حجة إذا كشف يقينا عن رأي المعصوم،و بديهة أن الاحتمال يتنافى مع اليقين.

و قد تكلمنا مفصلا عن ضمان ما لم يجب و نفقة الزوجة المستقبلة في «الجزء الرابع،باب الضمان فقرة-الحق المضمون».

التلف و الهبة و المصالحة:

كما يجوز ضمان النفقة المستقبلية و إسقاطها تجوز المصالحة عليها أيضا بمبلغ معين يتفق عليه الطرفان،و تجوز على إسقاطها بالمرة،و تملك الزوجة النفقة بالقبض،لرواية شهاب بن عبد ربه عن الإمام الصادق التي قال فيها عن نفقة الأقارب:«و ليقدر-رب العائلة-لكل من افراد عائلته قوته،فان شاء أكل،و ان

ص:315

شاء وهبه،و ان شاء تصدق به».قال صاحب الجواهر:«يدل صحيح شهاب على ملك النفقة قبل التمكين مثل غسل الجمعة يوم الخميس،و تقديم الفطرة قبل الهلال».و قال صاحب الحدائق:«ان استحقاق الزوجة للنفقة على وجه التمليك لا الانتفاع،لأن الانتفاع به لا يتم إلاّ مع ذهاب عينه».

و على هذا إذا دفع الزوج لزوجته نفقة الأيام المقبلة،ثم تلفت في يدها فلا يجب على الزوج الدفع ثانية،سواء أ كان ذلك لسبب قهري،أو للتهاون و التفريط،قال صاحب المسالك:«و حيث كان أخذها على سبيل الملك فلو سرقت منها أو تلفت لم يلزم الزوج مرة أخرى،حتى و لو لم يكن ذلك بتفريط».

و تسأل:إذا سلمها نفقة مدّة معينة،ثم طلقها أو نشزت قبل انتهاء المدّة فهل تعود النفقة إلى الزوج؟ الجواب:أجل،تعود إليه،و لا يتنافى هذا مع تملّك النفقة،لأن موضوع هذا التملك هو الزوجية و الطاعة،فإذا انتفى أحدهما انتفى الموضوع،و انتقلت النفقة إلى غيرها،تماما كتملك الإنسان لماله ما دام حيا،فإذا مات انتقل المال إلى الغير،و بالجملة ان أسباب انتقال المال من شخص إلى آخر كثيرة لا تنحصر بما ذكره الفقهاء ما دام لم يرد بالحصر آية و لا رواية.نقول هذا مع العلم بأنّا في غنى عن كل توجيه،مع وجود النص الذي هو معيار الأحكام و مصدرها.

قضاء نفقة الزوجة:

نفقة الزوجة تقضى كالدين بالإجماع،و إذا كان للزوج دين على زوجته جاز له أن يحتسبه من نفقتها الماضية و الحاضرة و المستقبلة على شريطة أن تكون موسرة،أما إذا كانت معسرة فلا،لأن وفاء الدين يجب مع اليسر لا مع العسر.

ص:316

البائن تدعي الحمل:

تقدم أن المطلقة بائنا تستحق النفقة مع الحمل،و لا نفقة لها بدونه،فإن علم أنّها حامل فعلى المطلق أن يسلمها النفقة،و مع عدم العلم بالحمل،و دعواها إياه،فهل تصدّق أو لا؟ الجواب:تصدق،لقول الإمام عليه السّلام:«فوض اللّه إلى النساء ثلاثة أشياء:

الحيض و الطهر و الحمل».

و عليه،فإذا تبين الحمل فذاك،و إلاّ كان للمطلّق الرجوع عليها بما دفعه لها،لحديث:«على اليد ما أخذت،حتى تؤدي».و:من أتلف مال غيره فهو له ضامن.

التنازع:

1-إذا اختلف الزوجان في الإنفاق

،مع اعتراف الزوج بأنّها تستحق النفقة،فقالت هي:لم ينفق.و قال هو:أنفقت،ينظر:فإن كانت تقيم معه في بيت واحد،فالقول قوله،و ان كان كل منهما في مكان فالقول قولها.

2-إذا اعترف الزوج بعدم الإنفاق محتجا بنشوزها

،و لم تعلم بحالها السابقة،و أنّها هل كانت مطيعة أو ناشزة،إذا كان كذلك تكلف هي بإثبات أنّها مطيعة،و يكفي في الدلالة على اطاعتها أن تقيم البينة على أنّها سكنت في البيت الذي أسكنها فيه،أو أنّها طلبت منه بيتا صالحا فلم يهيئه،و ما إلى ذلك مما يستكشف منه المتابعة و الانقياد،و لا تقبل هنا شهادة النساء منفردات و لا منضمات.

3-إذا تركت بيت الزوج محتجة بأنه طردها

،أو اذن لها بالخروج،و أنكر

ص:317

هو فعليها البينة،و عليه اليمين.

4-إذا بقيت الزوجة بعد اجراء العقد مدّة في بيت أبيها

،ثم طالبته بنفقة تلك المدّة تثبت لها النفقة إذا كان قد دخل بها و تصرف،أو أظهرت له الطاعة و المتابعة صراحة إذا دفع المهر المعجل.

5-إذا اتفقا على أنّه قد طلقها،و أنّها قد وضعت حملها

،و لكن قالت هي:

وضعت حملي أولا،ثم طلقني فأنا الآن في العدّة،ولي عليك نفقة العدّة.و قال هو:بل طلقتك أولا،ثم وضعت و أنت الآن غير معتدة،فلا تستحقين النفقة، فمن هو المدعي؟و من المنكر؟ و قد تقول هي:طلقتني أولا،ثم وضعت فلا رجعة لك عليّ،لأني غير معتدة،و يقول هو:بل وضعت أولا،ثم طلقتك فيحق لي الرجوع إليك،فمن هو المدعي؟و من المنكر؟ و للفقهاء أقوال،أصحها ان القول قولها بيمينها في الحالين،و عليه البينة، لأن أمر العدة بيدها نفيا و إثباتا،لقول الإمام عليه السّلام:«فوض اللّه إلى النساء ثلاثة أشياء:

الحيض و الطهر و الحمل».و في رواية ثانية:«و العدة».

قال السيد اليزدي في ملحقات العروة:«ان في المسألة ثلاثة أقوال و ان الأقوى تقديم قولها،لأن أمر العدة إليها نفيا و إثباتا».

و على هذا،إذا ادعى هو أن الطلاق وقع قبل الوضع،و أنّها قد خرجت من العدّة،و عجز عن البينة حلفت هي اليمين،و حكم لها بالنفقة،و لكن لا يجوز له الرجوع إليها إلزاما بإقراره،كما أنّه لا يجوز لها أن تتزوج إلاّ بعد انقضاء العدّة إلزاما لها بإقرارها.

ص:318

نفقة الأقارب:

تجب على الآباء نفقة الأبناء،و ان نزلوا ذكورا و اناثا،و تجب على الأبناء نفقة الآباء و ان علوا ذكورا و اناثا،و لا تجب نفقة الاخوة و الأعمام و الأخوال،فقد سأل سائل الإمام الصادق عليه السّلام:من الذي أجبر عليه،و تلزمني نفقته؟قال:الوالدان و الولد و الزوجة.

و لفظ الوالدين يشمل الأجداد و الجدات،و لفظ الولد يشمل أولاد الأولاد باتفاق الفقهاء.

الشرط:

لا يشترط في وجوب هذه النفقة أن يكون القريب المنفق عليه عادلا أو مسلما.قال صاحب الجواهر:«تجب نفقة الأصول و الفروع،حتى و لو كان الأصل فاسقا أو كافرا بلا خلاف،لإطلاق الأدلة التي أوجبت النفقة على القريب خصوصا في الوالدين المأمور بمصاحبتهما بالمعروف مع كفرهما».يشير إلى الآية 15 من سورة لقمان وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً فإن الآية قد أوجبت على الإنسان أن يصحب والديه المشركين بالمعروف،و النفقة عليهما من الصحبة بالمعروف،بل من أظهر معانيها.

و الشرط الأساسي لوجوب الإنفاق أن يكون القريب المنفق عليه فقيرا عاجزا عن القيام بقوته و مؤنته،و المنفق غنيا قادرا على الإنفاق على غيره،بداهة أن القدرة شرط في التكليف كتابا و سنة و إجماعا.

و تسأل:هل يشترط في وجوب الإنفاق أن يكون القريب المنفق عليه

ص:319

عاجزا عن الاكتساب،بحيث لا يقدر على العمل،أو لا يجد العمل الذي يدرّ عليه القوت؟ الجواب:كل قادر على الاكتساب و العمل بما يليق بحاله فلا تجب نفقته على أحد والدا كان أو ولدا،لقول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«لاحظ في الصدقة لغني و لا لقوي مكتسب».قال صاحب الشرائع و الجواهر:«لأن النفقة معونة على سد الخلة-أي الحاجة-و المكتسب قادر كالغني،و لذا لا يعطى من الزكاة و الكفارات المشروطة بالفقر».و تكلمنا عن ذلك مفصلا في الجزء الثاني«فصل:

المستحقون للزكاة،فقرة-مدعي الفقر».

و معنى قدرة المنفق على نفقة قريبة أن يفضل من ناتجه ما يزيد على نفقته و نفقة زوجته،حيث يجب توزيع الزائد عنهما على الآباء و الأبناء.

نفقة القريب و التزويج:

الواجب في نفقة القريب هو سد الحاجة الضرورية من الخبز و الإدام، و الكسوة و المسكن،لأنها وجبت لحفظ الحياة،و دفع الضرورة،و بديهة أن الضرورة تقدر بقدرها.

و لا يجب على الابن ان يزوج أباه،و لا على الأب أن يزوج ابنه،حتى و لو احتاجا إلى التزويج،لأنه ليس من النفقة في شيء،و الأصل عدم الوجوب.قال صاحب الجواهر:«لا يجب إعفاف من تجب النفقة له ولدا كان أو والدا.بلا خلاف معتد به».

ص:320

قضاء نفقة الأقارب:

تقضى نفقة الزوجة مطلقا،سواء قدّرها الحاكم و حكم بها أو لا،و سواء أمر الزوجة بالاستدانة أو لم يأمر،أما نفقة الأقارب فإنها لا تقضى،حتى و لو قدرها الحاكم و أمر بها،لأن تقديره لها،و حكمه بها لا يزيد عن أصل وجوبها.أجل، إذا أمر الحاكم بالاستدانة،و استدان القريب فيجب القضاء،لأن أمره بمنزلة أمر صاحب العلاقة.قال صاحب الجواهر:«لا تقضى نفقة القريب،لأنها مواساة لسد الخلة فلا تستقر بالذمة،و ان قدّرها الحاكم.نعم لو أمر الحاكم المنفق عليه بالاستدانة فاستدان وجب القضاء تنزيلا لأمر الحاكم منزلة أمره لكونه وليا بالنسبة إلى ذلك».

و قال صاحب المسالك،و هو يفرق بين نفقة الزوجة،و بين نفقة القريب:

«ان الغرض من نفقة القريب مواساته وسد خلته،فوجوبها لدفع الخلة، لا لعوض،فإذا أخل بها أثم،و لم تستقر في ذمته،فلا يجب قضاؤها،كما لو أخل بقضاء حاجة المحتاج الذي تجب عليه إعانته،بخلاف نفقة الزوجة فإنها تجب عوض الاستمتاع،فكانت كالمعاوضة المالية،فإذا لم يؤدها استقرت في ذمته، و وجب قضاؤها».

و ينبغي التنبيه إلى أن القريب لو حصل على نفقة يوم أو أكثر بطريق الدعوة إلى وليمة،أو الهدية،أو من الزكاة و الحقوق،و غير ذلك يسقط من النفقة بمقدار ما حصل له،حتى و لو كان الحاكم قد أمر بها أو باستدانتها.

النفس أولا ثم الزوجة ثم الأقارب:

إذا اجتمع على الواحد عيال كلهم محتاجون إلى النفقة و عجز عن الإنفاق

ص:321

عليهم جميعا،و استطاع ان ينفق على بعض دون بعض فمن يقدم؟و من يؤخر؟ و ليس من شك أنّه إذا قدر على نفقة الجميع فعليه نفقة الجميع،و إلاّ ابتدأ قبل كل الناس بنفسه،لأنها مقدّمة على جميع الحقوق من الديون و غيرها.قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف و لا اشكال،لاهمية النفس عند الشارع».فإن فضل عنه شيء ابتدأ بزوجته،لأن نفقتها تثبت على سبيل المعاوضة،لا على سبيل سد الخلة و المساواة،و لا شيء للقريب ان لم يفضل شيء عن الزوجة،و ان فضل عنها شيء فهو بين الأقارب بالسوية،لا فضل لوالد على ولد،و لا لولد على والد.

هذا هو حكم الدين،و ان جرت العادة على خلافه.

قال صاحب الجواهر:«إذا فضل ما يكفي الأب أو الابن كانا فيه سواء مع فرض انتفاعهما به،لأنهم مستوون في الدرجة،و متحدون من حيث القرابة القريبة،و إذا فرض أن الفاضل لا ينتفع به إلاّ واحد،و الأقارب اثنان أو أكثر فالمتجه القرعة،حيث لا يمكن الترجيح إلاّ بها بعد فرض التساوي في الدرجة.

و من هنا كان الأب أولى من الجد،لأنه أقرب درجة،و كذا الأم فإنّها أولى من الجدة لنفس السبب» (1).

المنفقون و تربيتهم:

اتفقوا بشهادة صاحب الجواهر و المسالك على أن نفقة الولد تجب على الأب،و ان فقد أو كان معسرا فعلى الجد من جهة الأب،و ان فقد أو كان معسرا فعلى الأم،ثم على أبيها و أمها و أم الأب بالسوية،و هؤلاء الثلاثة،أي الجدة و الجد

ص:322


1- نقلنا عبارة صاحب الجواهر مع التصرف باللفظ،و الاحتفاظ بالمعنى،لغاية الاختصار و التوضيح.

و الأم يشتركون جميعا في الإنفاق على الولد بالسوية ان كانوا موسرين،و إلاّ فعلى الموسر منهم خاصة.

و إذا كان للقريب أب و ابن،أو أب مع بنت وزعت النفقة عليهما بالسوية، و كذا إذا كان له أبناء متعددون توزع النفقة عليهم بالسوية،لا فرق بين الذكور و الإناث،و بالجملة لا بد من مراعاة الترتيب الأقرب فالأقرب فيما عدا الأب و الجد له حيث يقدمان على الأم،و مع التساوي في درجة الأقارب-غير الأم و الأب-توزع عليهم النفقة بالسوية من غير فرق بين الذكور و الإناث،و لا بين الفروع و الأصول إلاّ في تقديم الأب و الجد له على الأم،كما تقدم.

مدعي الفقر:

سبق أن النفقة لا تجب للقريب إلاّ إذا كان فقيرا معدما،و على هذا فان ادعى الفقر،و كان له مال ظاهر ردت دعواه،و إلاّ فان صدّقه القريب الغني وجبت عليه النفقة،و ان كذّبه فعليه أن يقيم البينة بأنّه غني،و ان عجز عنها حلف طالب النفقة، لأن الغني و اليسر أمر حادث،و الأصل عدمه،و متى حلف يحكم على قريبه بالنفقة بعد التثبت من مقدرته،و إذا قال:أنا أيضا فقير،و لم يكن له مال ظاهر فعلى طالب النفقة أن يثبت غنى المطلوب منه.و فصلنا الكلام عن مدعي الفقر في «فصل المفلس:فقرة حبس المديون ج 5».

و إذا وجبت نفقة القريب على قريبه،و امتنع عن القيام بها أجبره الحاكم عليها،فإن أصر على الامتناع تخير الحاكم بين حبسه،حتى ينفق،و بين أن يبيع من أمواله،و ينفق على القريب حسبما يراه ملائما،لأن النفقة بحكم الدّين، و الحاكم ولي الممتنع.

ص:323

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.