فقه الامام جعفر الصادق: عرض و استدلال المجلد 3

اشارة

سرشناسه : مغنیه، محمدجواد، 1904 - 1979م.

عنوان و نام پديدآور : فقه الامام جعفر الصادق: عرض و استدلال/ محمدجواد مغنیه.

مشخصات نشر : قم: موسسه انصاریان للطباعه والنشر، 1421ق. = 1379.

مشخصات ظاهری : 6 ج. (در سه مجلد).

شابک : دوره 9644380541 : ؛ ج. 1 9644382374 : ؛ ج.2 9644382374 : ؛ ج. 3 9644382382 : ؛ ج.4 9644382382 : ؛ ج. 5 9644382390 : ؛ ج.6 9644382390 : ؛ ج.6،چاپ سوم: 964-8716-09-9

يادداشت : عربی.

يادداشت : مصحح چاپ قبلی کتاب حاضر دارالاعتصام بوده است.

يادداشت : کتاب حاضر در سالهای مختلف توسط ناشران مختلف منتشر شده است.

يادداشت : چاپ ششم: 1383.

يادداشت : ج.1-6 (چاپ هشتم: 1388) (فیپا).

يادداشت : ج. 1-2 و 3 - 4 (چاپ دوم: 1421ق. = 1379).

يادداشت : ج. 5 (چاپ پنجم: 1425ق. = 1383).

يادداشت : ج.5و6(چاپ دوم: 1421ق.=1379).

يادداشت : ج.5 و 6 (چاپ هفتم: 1385).

يادداشت : ج. 5 و 6 (چاپ هشتم: 1430ق. = 2009 م.= 1388).

يادداشت : ج.6(چاپ سوم: 1428ق.=1386).

یادداشت : کتابنامه.

مندرجات : ج. 4. فی احکام المعاملات.- 5. فی الغصب و احیاءالموات والوقف والحجر والاقرار والشهادات والزواج و غیر ذلک.- ج. 6. فی الطلاق والظهار والایلاء واللعان والقضاء والوصایا والمواریث والعتوبات.

موضوع : جعفر بن محمد (ع)، امام ششم، 83 - 148 ق. -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

شناسه افزوده : دار الاعتصام للطباعة و النشر

رده بندی کنگره : BP183/5/م 6ف 7 1379

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 80-4834

ص :1

اشارة

فقه الامام جعفر الصادق: عرض و استدلال

محمدجواد مغنیه

ص :2

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

المقدّمة

اشارة

الحمد للّه ربّ العالمين،و الصلاة و السلام على سيد الكونين محمّد و آله الطيبين الطاهرين.

و بعد:

فان الجزء الأول و الثاني من كتاب فقه الإمام جعفر الصادق عليه السّلام يحتويان على العبادات بكاملها:الطهارة،و الصلاة،و الصوم،و الزكاة،و الخمس،و الحج، و الجهاد،و الأمر بالمعروف،و قد استقصيت فيهما جميع الفروع و المسائل التي تتصل بهذه الأبواب،و عرضتها باختصار و وضوح مع الدليل عليها من أقوال الإمام الصادق عليه السّلام،و إجماع فقهاء المذهب.

و يبحث هذا الجزء بوجه عام في العقد و محله،و في المتعاقدين و شروطهما،و في القواعد العامة التي هي أصل العمل و التطبيق للعقود و المعاملات الخاصة.

و يبحث بوجه خاص في البيع بشتى اقسامه و فروعه،و ما يتصل به من بحوث،كالفضالة و الخيارات و الربا،و ما إلى ذلك.

ص:3

و يعز و كل مسألة إلى مصدرها من أقوال الإمام الصادق عليه السّلام،و إجماع فقهاء المذهب الجعفري،و ما تسالموا عليه من الأصول و المبادئ.

و بالتالي،فان القصد من هذا الكتاب ان تحتوي اجزاؤه على فقه الإمام الصادق عليه السّلام من ألفه إلى يائه،و ان يكون جديدا على التأليف فيه من حيث الترتيب و التنسيق،و الوضوح و التيسير على الراغبين في معرفته.

و قلت في مقدمة الجزء الأول:«ربما بلغت الأجزاء أربعة أو خمسة».

و أقول الآن في مقدمة الجزء الثالث:«ربما بلغت ستة أو سبعة».و لا أدري:هل سأقول في مقدمة الرابع و الخامس:«ربما سبعة أو ثمانية».اللّه أعلم.و الذي أعلمه أني كلما توغلت في هذا البحر كلما تكشف لي أنّه أعمق و أعظم من أن يقاس بالمساحات،و يقدر بالصفحات و المجلدات،و ان تقديري لم يكن إلاّ مجرد لمحات و تخيلات.على أن هذا ليس بالشيء المهم،و كل امنيتي أن يوفقني اللّه سبحانه في المضي،حتى النهاية.

كتاب المكاسب:

لم أجد لهذا الجزء مصدرا في كل ما ألفه فقهاء المذهب الجعفري قديما و حديثا أغنى علما،و أغزر مادة من كتاب المتاجر المعروف بالمكاسب للشيخ مرتضى الأنصاري(ت 1281 ه)،فلقد اتاحت له طاقته التي لا تحد،و زمانه المتأخر عن كبار المتشرعة أن يحيط بآرائهم،و يحاكمها،و يقيسها في اعدل المقاييس و أدقها،و ان يضيف إليها الكثير مما لم يسبق إليه،ثم يخرجها في كتاب الرسائل في الأصول،و كتاب المكاسب في الفقه الذي لا يعرف تاريخ هذا العلم له مثيلا في موضوعه استقصاء للقواعد الرئيسية،و إحاطة بآراء الأقطاب،مع

ص:4

التحقيق و التدقيق.

هذا هو السر الذي حمل المراجع و الاساتذة الكبار في جامعة النجف الأشرف ان يقرروا تدريسه منذ أن برز للوجود،و به تنتهي سلسلة الكتب المقررة للتدريس ليكون الطالب على مؤهلات كافية لتفهّم ما فيه من النظريات الرئيسية في مباني الأحكام،و القواعد التي هي الركيزة الأولى للاجتهاد و الاستنباط.

فلا بدع إذا اهتم العلماء بكتاب المكاسب،و أكثروا من شرحه و التعليق عليه،و وضعوا حوله العديد من المجلدات،و من هذه حاشية السيد كاظم الخراساني صاحب كفاية الأصول المقررة للتدريس،و حاشية للميرزا حسين النائيني المعروفة بتقريرات الخوانساري تلميذ المؤلف الذي كتب الحاشية بقلمه،و تعليق للسيد محسن الحكيم صاحب المستمسك،و حاشية للشيخ محمد حسين الأصفهاني.و كل هؤلاء من المراجع الكبار في زمانهم.و قد رجعت إلى هذه الشروح و التعليقات،و استعنت بها على تفهم مطالب الشيخ الأنصاري التي قال عنها أحد الأقطاب:ان مهمتنا أن نبذل الجهد لنفهم أقوال هذا العظيم.

و قد بذلت كل ما لدي من جهود لإدراك أقواله و مراميها،ثم تلخيص الكثير منها و تهذيبه و تنقيحه،ليسهل على الراغب تفهمه و تناوله.و ان جهودي أيام الدراسة،و استمراري في المراجعة و التذاكر و التأليف عشرات السنين،كل ذلك مهد السبيل للتعرف على مقاصد الشيخ،و سلط الاضواء على ما في مكاسبه من اسرار.و لو لا تلك الجهود لكنت في رجوعي إلى هذا الكتاب كمن ضل في التيه لا يدري أين شاطئ السلام.

على أني-برغم جهدي السابق و اللاحق-لا ادعي المعرفة بآراء هذا الشيخ

ص:5

معرفة حقيقية،و انما الذي عرضته و نسبته إليه صورة مطابقة لمعرفتي بها و تصوري لها،لا لمعرفتها بالذات كما هي في حقيقتها و واقعها.

بيت القصيد:

فمكاسب الشيخ الأنصاري هي بيت القصيد من مصادر هذا الكتاب ما عدا فصل ضابط التعبير عن القصد،و المرابحة و توابعها،و السلم،و الصرف،و الربا، و بيع الثمار،و الإقالة،لأن الشيخ ترك التعرض لهذه،فاعتمدت فيها على كتاب الجواهر،و الحدائق،و المسالك،و مفتاح الكرامة و غيرها بخاصة الكتاب الأول، لمكانته العلمية،و ثقة الفقهاء كافة به و بصاحبه،و من يتابعني في هذه الصفحات يجد أني أسند أكثر المسائل إلى مصادرها.

الحديث و الرواية:

الحديث في عرف المتشرعة خاص بقول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و لذا لم أعبر به عن أقوال الإمام الصادق عليه السّلام،و غيره من أئمة أهل البيت الأطهار عليهم السّلام، و أطلقت عليها لفظ الرواية،لأن الأئمة في عقيدتنا رواة عن جدهم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و ليسوا بأصحاب رأي.و يطلق الفقهاء في الغالب لفظ الخبر على قول الإمام للعلة نفسها.أجل،ان الفرق عندنا بين أئمة الآل حين يروون عن جدهم،و بين غيرهم،ان الكذب و الخطأ في الرواية يجوزان على غيرهم،و لا يجوزان عليهم، و هذا معنى عصمة الإمام عند الشيعة الإمامية (1).

ص:6


1- شرحت في كتاب«الشيعة و التشيع»معنى العصمة و علوم الإمام،و كل ما يتعلق بعقيدة الشيعة مع الإشارة إلى دولهم في التاريخ و عددهم الآن،و بلدانهم و إلى الفرق بينهم و بين سائر الطوائف الإسلامية إلى غير ذلك.

بقي شيء:

كثيرا ما أقول:قال صاحب الجواهر،أو غيره من المؤلفين،دون أن أشير إلى رقم الصفحة،و تاريخ الطبع،و السر أن الكتاب الذي أنقل عنه كذلك لا أرقام لصفحاته،و لا تاريخ لطبعه،على الرغم من أنه طبع أكثر من مرة.بل أن بعض الكتب على ضخامتها،و عظمتها لا تحمل اسم الكتاب،و لا اسم المؤلف،منها كتاب المستند للنراقي في بعض طبعاته،و كتاب شرح الإرشاد للأردبيلي أيضا في بعض طبعاته.أما السبب-حسبما أظن-فهو أن المؤلف حين كتب لم يذكر اسمه و لا اسم الكتاب في الأول و الآخر،و لم يكن في حسبانه أن يطبع كتابه، و ينتشر،و جاء بعده الناسخ فنسخ كما رأى طبق الأصل،و طبع صاحب المطبعة على وفق النسخ،دون أن يتنبه هذا و لا ذاك.

و مهما يكن،فان ترتيب أبواب الفقه معروفة عند أهله،و مسائل كل باب مندرجة فيه،فإذا أراد القارئ الخبير الرجوع إلى الكتاب الذي نقلت عنه فلا يقف إهمال الأرقام دون ما أراد إذا صبر و ثابر.

و اللّه سبحانه المسؤول أن يجعل هذا المجهود وسيلة لمرضاته،و هو حسبي و نعم الوكيل،و صلى اللّه على محمّد و آله الاطهار.

ص:7

ص:8

البيع

(في العقد)

أقسام الفقه:

ينقسم الفقه إلى أربعة أقسام:عبادات،و عقود،و إيقاعات-أي موجبات- و أحكام،و تسمى سياسات،و العبادة هي التي يعتبر فيها قصد التقرب الى اللّه تعالى،لأنها طاعة خالصة له،و لا يتحقق هذا الوصف إلاّ بنية التقرب إليه،و طلب ثوابه و رضاه،فكل ما يشترط في صحته هذه النية فهو عبادة،كالصوم و الصلاة، و الحج و الزكاة،و كل ما يصح بدونها فليس من العبادة في شيء،و على هذا تخرج عن العبادة مباحث المياه و التراب التي أدرجها الفقهاء في باب الطهارة،و الأذان و الإقامة التي ذكروها في مقدمات الصلاة،و باب الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر الذي ألحقوه بالعبادات.تخرج هذه المباحث عن العبادة،لأن النية ليست شرطا في صحتها،و انما هي شرط في استحقاق الثواب عليها،تماما كالكف عن المحرمات.و بديهة ان صحة العمل شيء،و الثواب عليه شيء آخر.

أمّا العقود فهي التي تحتاج إلى طرفين،موجب و قابل،كالبيع و الإجارة و الزواج،و الإيقاعات إنشاء و إيجاب من طرف واحد،كالطلاق و العتق.

ص:9

و الأحكام تشمل الصيد و الذباحة،و الأطعمة و الأشربة،و الأخذ بالشفعة،و الجهاد و الأمر بالمعروف،و الحدود و القصاص و الديات،و الإرث و الغصب،و القضاء و الشهادة،و الإقرار،و ما إلى ذلك.

العهد و الوعد و العقد:

للعهد في اللغة معان،منها الأمر و الوصية،قال تعالى أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ أي أمرناكم و أوصيناكم،و منها التحالف و الميثاق الذي يعطيه الإنسان على نفسه،قال تعالى وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً و منها المعرفة،كقولك:عهدتك صادقا،أي عرفتك،إلى غير ذلك.

و العهد في اصطلاح الفقهاء ان يلتزم بفعل غير محرم،و لا مكروه،أو بترك فعل غير واجب و لا مستحب،و لا ينعقد إلاّ بالصيغة اللفظية مقترنة باسم الجلالة، كقولك:عاهدت اللّه،أو عليّ عهد اللّه،و يجب الوفاء بهذا العهد،و من عاهد،ثم خالف يأثم،و عليه أن يكفّر،و يأتي التفصيل في بابه ان شاء اللّه.

أما الوعد فمعناه ظاهر،و هو واحد شرعا و لغة،و يستحب الوفاء به شرعا، و يجب أخلاقيا،قال الإمام الرضا عليه السّلام:«إنّا أهل البيت نرى ما وعدنا دينا علينا، كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم».أجل،إذا كان الفعل الموعود به واجبا وجب الوفاء من أجله،لا من أجل الوعد،و عليه يحمل قول الإمام الصادق عليه السّلام:«ثلاثة لا عذر لأحد فيها:أداء الأمانة إلى البرّ و الفاجر،و الوفاء بالوعد،و بر الوالدين برّين كانا أو فاجرين».و قوله:«المؤمن إذا وعد وفى،و إذا حدث صدق،و إذا ائتمن لم يخن».

قال صاحب الجواهر:«و الفقهاء لم يقولوا بوجوب الوفاء بالوعد على ما يظهر».

ص:10

و العقد في اللغة الربط الذي هو ضد الحل،و عند أكثر الفقهاء مجموع الإيجاب و القبول،و ارتباطهما على وجه يتحقق بإنشائهما معنى له آثاره الخارجية،كتمليك العين بعوض في البيع،و بلا عوض في الهبة،و كتمليك المنفعة بعوض في الإجارة،و بلا عوض في العارية:و على هذا يكون العقد اسما لإنشاء ما قصده الموجب و القابل،لا نفس المعنى المقصود لهما،و المسبب عن إنشائهما،و بكلمة ان العقد اسم للسبب الذي أنشأ التمليك و التملك،لا المسبّب الذي هو التمليك و التملك.

القول و الفعل:

يتم العقد بالقول بالاتفاق،و هل يتم بالفعل أو لا؟.

لعلماء الفقه الجعفري قولان:الأول ان العقد لا يكون بدون اللفظ،و هو المشهور،قال صاحب الجواهر عند تعريف العقد في أول الفصل الثاني من كتاب المتاجر:«لا يكفي في حصول العقد التقابض،و غيره من الأفعال بدون لفظ».

و قال الشيخ الأنصاري في المكاسب عند كلامه عن ألفاظ عقد البيع:«يعتبر اللفظ في جميع العقود على المشهور شهرة عظيمة».

القول الثاني ان كل ما يدل على التراضي فهو عقد عرفا و شرعا،سواء أ كان قولا،أم فعلا،لقوله تعالى إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ .

و نسب هذا القول كما في بلغة الفقيه إلى المفيد،و الأردبيلي،و الكاشاني و السبزواري.بل قد استدل عليه الأردبيلي في شرح الإرشاد بأربعة عشر دليلا.

و قال صاحب العروة الوثقى في حاشيته على المكاسب ص 82 طبعة 1324 ه:ان عناوين العقود تصدق على المنشأ بالفعل،كما تصدق على المنشأ

ص:11

بالقول».

و نحن مع هؤلاء،و دليلنا أولا:أنه ليس للشارع حقيقة و اصطلاح خاص في العقد،لأنه موجود قبل التشريع و المشرع،و لم يزد شيئا،و انما أقرّه و أمضاه بعد أن قلم و طعم بما يتفق مع مبدأ العدالة-مثلا-نهى عن بيع المجهول للغرر، و نهى عما فيه شائبة الربا،لأنه من الكبائر،و ما إلى ذلك مما ثبت النهي عنه،أمّا المسكوت عنه فهو جائز عرفا و شرعا،إذ لا يليق بالشارع أن يهمل و لا يبين ما لا يريده،و لا يرضى عنه.

و بكلمة أن ما للشارع فيه حقيقة شرعية كالعبادات لا بد فيه من النص الشرعي،و يعبر عنه بالأمور التوقيفية،أي تتوقف على نص الشارع،و ما لا حقيقة فيه للشارع كالعقود يكفي عدم النهي عنه شرعا،سواء أ كان موجودا في زمن الشارع،أو لم يكن.

أما قول الفقهاء:هذا العقد شرعي،و ذاك غير شرعي فإنهم لا يريدون أن الشارع قد اخترع الأول و أوجده دون الثاني،بل مرادهم أنه جامع للشروط،و أن الأحكام الشرعية تترتب عليه بكاملها دون الثاني.

ثانيا:ان السبب المسوغ لجعل نوع من اللفظ عقدا انما هو الدلالة الواضحة على الإنشاء و الربط المؤكد بين اثنين،و العلم بالرضا الذي يصدق عليه «إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» .فإذا وجدت هذه الدلالة في فعل من الأفعال،نرتب آثار العقد حتى يرد النهي من الشرع.

و على هذا نكتفي بالكتابة و بالإشارة من الأخرس،و غير الأخرس،على شريطة أن نكون على يقين من صدق اسم العقد عرفا على ذلك،و مع عدم العلم بهذا الصدق يكون الفعل لغوا.و كذلك إذا علمنا بصدق الاسم،مع النهي عنه

ص:12

شرعا.

أما قول الإمام الصادق عليه السّلام:انما يحرم الكلام،و يحلل الكلام فالمراد به أن النية وحدها لا تكفي ما لم يدل عليها دليل ظاهر من قول (1)،أو فعل،و إذا وجد الدليل الفعلي كفى،و ربما كان أقوى في الدلالة من القول،كوطء الرجل مطلقته الرجعية في أثناء العدة،فإنه يدل على الرجوع عن الطلاق،و كبيع الوصي الشيء الموصي به الدال على عدوله عن الوصية،و بكلمة:ان اللفظ وسيلة لا غاية،و غير مقصود لذاته إلاّ في الزواج و الطلاق،و يأتي التفصيل عند الكلام عند المعاطاة.

العقد الجديد:

قبل كل شيء ينبغي التفرقة بين أمرين:الأول اختلف الفقهاء في أن العقود المسماة التي كانت معروفة بمعناها و طبيعتها في زمن الشارع،كالبيع و الإجارة:

هل يجب إنشاؤها بصيغة مخصوصة،و بنفس اللفظ الذي كان معروفا في ذلك العهد،بحيث لا يسوغ إنشاؤها بغيره إطلاقا،فنوجد البيع بصيغة بعت،و الإجارة بلفظ أجرت،أو يجوز الإنشاء بكل ما دلّ على المعنى،حتى و لو كان غير مألوف و لا معروف؟.و قد ذهب إلى كل فريق،و يأتي التفصيل.

الثاني:ان العقود الجديدة غير المسماة من قبل،و التي تختلف عن العقود المسماة بمعناها و طبيعتها،و لا ينطبق عليها أي اسم من أسمائها،كاتفاق المؤلف مع الناشر أن يطبع كتابه،و ينشره و يوزعه لقاء شيء معين للمؤلف،أو نسبة مئوية من السعر المحدد،أو من الأرباح،.هذه العقود:هل هي صحيحة،تماما

ص:13


1- و إلى هذا يومئ قول الإمام علي عليه السّلام:الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به،فإذا تكلمت به صرت في وثاقه.

كالعقود المسماة أم لا؟.و هذا النوع هو المقصود من هذه الفقرة.

و أيضا ينبغي التنبيه إلى أنّه إذا نفّذ العقد كل من الطرفين،و التزم به بملء إرادته و اختياره كان لهما ذلك بالاتفاق،و ليس لأحد أن يعترض،ما دام العقد لا يحلل حراما،و لا يحرم حلالا،و انما الكلام فيما إذا فسخ أحدهما و عدل،و امتنع عن التنفيذ،فهل للطرف الآخر أن يلزمه به أو لا؟.

و الذي تقتضيه أصول الفقه الجعفري و قواعده أن مثل هذا العقد صحيح و لازم إذا توافرت فيه جميع الشروط المعتبرة و لم يتناف مع مبدأ من مبادئ الشرع المقدس،للآية 28 من سورة النساء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ .و أيضا هو لازم يجب الوفاء به لقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .

قال الميرزا النائيني في تقريرات الخوانساري ص 104 طبعة 1358 ه:ان أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لا تختص بالعقود المتعارفة،و المتعاملات المتداولة،بل تشمل كل عقد، لأن الظاهر هو اللام في العقود أنّها للعموم و الشمول،لا لخصوص العقود المعهودة.

هذا،إلى أن المعاملات لا تحتاج في صحتها و لزومها إلى النص،بل يكفي عدم ثبوت النهي عنها،و بكلمة:ان المعاملات و المعاوضات التي تستدعيها الحياة الاجتماعية لا تدخل في عد و لا حصر،و هي تتسع و تزداد كلما تقدمت الحياة و تطورت،و كل معاملة عرفية قديمة كانت أو حديثة،فيجب تنفيذها على حسب ما قصد المتعاملان،ما دامت لا تتنافى و شيئا مع مبادئ الشريعة الغراء.

ص:14

النظرية العامة:

اشارة

في الفقه قواعد عامة تجري في جميع أبوابه،و لا تختص بباب دون باب.

كالاستصحاب،و أصل الصحة في عمل الغير،و قاعدة عدم الدليل دليل العدم عند المجتهد الباحث،و هذه تشمل عدم الوجوب،و عدم التحريم،و تدخل في باب العمومات و المطلقات،و بها يثبت عدم اشتراط المشكوك في شرطيته،و غير ذلك من القواعد التي تعم العبادات و المعاملات و الإيقاعات و الأحكام.

و أيضا في الفقه قواعد خاصة،كقاعدة الولد للفراش التي تختص بالأنساب ،و قاعدة الإمكان في الحيض،و هي كل دم أمكن أن يكون حيضا فهو حيض، و قاعدة الحدود تدرأ بالشبهات،و غير هذه.

و يتجه هذا السؤال:هل هناك قاعدة فقهية تختص بالعقد من حيث هو،و لا تشمل سواه،فتكون خاصة من حيث ان موضوعها العقد فقط،و عامة من حيث انها تشمل جميع العقود بدون استثناء؟.

الجواب:

أجل،أن علماء الفقه الجعفري اتفقوا قولا واحدا على أن الأصل في العقد اللزوم،و بيان ذلك أن العقد إذا جرى برضا الطرفين،و بقي كل منهما على التزامه فلا حاجة إلى الأصل أو النص،و كذلك إذا فسخاه و تقايلا بالاتفاق،أمّا إذا فسخ أحدهما،و عدل دون الآخر فان للذي لم يفسخ أن يطالب الطرف الثاني بالتنفيذ، و للحاكم أن يلزمه به إذا رفعت الدعوى إليه.و الدليل على ذلك الإجماع و النص، و هو الآية الأولى من سورة المائدة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .و قد جاءت هذه الآية على وفق العرف و إجماع الفقهاء،و الأصل أيضا،و ذكر الشيخ الأنصاري في أول الخيارات لهذا الأصل أربعة معان،منها أن العقد كان نافذا قبل

ص:15

أن يفسخه أحد الطرفين،و بعد فسخه و عدوله نشك:هل بقي العقد نافذا أو لا؟ فنجري الاستصحاب و نبقي ما كان على ما كان،لأن اليقين لا ينقض بالشك.

و تجدر الإشارة إلى أنّه ليس المراد من «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» مجرد الحكم التكليفي،و هو الوجوب فقط،بحيث إذا خالف يكون عاصيا مستحقا للعقاب، كما هي الحال لو أجرى عقدا حين النداء لصلاة الجمعة،فإنه يعصي و يأثم، و لكن العقد يكون صحيحا،ليس هذا هو المراد،بل المراد من وجوب الوفاء الالتزام بجميع ما قصده المتعاقدان من العقد،و العمل بكل ما يستدعيه من الآثار.

و بكلمة:ان الآية تدل على الحكم التكليفي،و الحكم التكليفي يستدعي الحكم الوضعي،و يأتي التوضيح بصورة أوفى في أول خيار المجلس فقرة«لزوم البيع» فانظرها.

أقسام العقد:

ينقسم العقد إلى أقسام وفقا للخصائص و الاعتبارات،فهو بالنظر إلى اللزوم و عدمه ينقسم إلى لازم،كالبيع و الإجارة و الزواج،و غير لازم،كالهبة و الوديعة و الوكالة،و تسمى هذه عقود إذنية،لأنها تتقوم بالاذن وجودا و عدما.ثم ان العقد الجائز منه ما هو جائز من الطرفين،كعقد العارية،حيث يجوز لكل من المعير و المستعير العدول و هدم العقد متى شاء،و منه ما هو جائز من طرف، و لازم من طرف،كالرهن فإنه جائز من قبل المرتهن،لازم من قبل الراهن.

و أيضا ينقسم العقد-بالنظر إلى الصراحة و عدمها-إلى عقد صريح كالإجارة و الرهن،و عقد ضمني كالأمانة المستلزمة للعقدين المذكورين،لان العين أمانة في يد كل من المستأجر و المرتهن لا يضمن شيئا منها إلاّ بالتعدي،أو

ص:16

التفريط.

و أيضا ينقسم العقد إلى ما يقتضي التعليق بطبعه و وضعه،كعقد السبق و الرماية،و هو أن يتفق اثنان على أن من يصيب الهدف له كذا،أو من يسبق فله كذا،فان هذا لا يتحقق بدون تعليق،و إلى ما لا يستدعي ذلك كعقد الزواج و البيع، و ما إليه.

و أيضا ينقسم إلى عقد نافذ إذا صدر من الأصل و الوكيل،و إلى عقد موقوف على الإجازة إذا صدر من الفضولي،هذه أمثلة من أقسام العقد،و هناك اعتبارات أخرى يمكن تقسيم العقد على أساسها،و كل العقود تقبل الفسخ لسبب مشروع، حتى الزواج،و أيضا تقبل التقايل إلاّ الزواج.

أما تقسيم العقد إلى صحيح و فاسد (1)فيتوقف على أن العقد موضوع للصحيح و الفاسد،إذ لو كان للصحيح فقط لم يصح التقسيم بداهة أن الشيء لا ينقسم إلى نفسه،و إلى غيره.و الحق أن العقد موضوع لما يشتمل الصحيح و الفاسد بدليل صحة تقسيمه إليهما،و معنى صحة العقد ترتب الأثر عليه،و معنى الفساد عدم ترتّب الأثر،و القاسم المشترك بينهما،و الجامع لهما هو مطلق الإيجاب و القبول الصالحين لترتب الأثر عليهما،سواء أ ترتب فعلا،كما لو استجمعا شروط الصحة،أم لم يترتب لفقدان بعض الشروط.

و ينبغي التنبيه إلى أن شمول العقد بذاته للصحيح و الفاسد لا يتنافى مع

ص:17


1- يفرق الحنفية بين العقد الفاسد و العقد الباطل،فالباطل عندهم لا ينعقد إطلاقا،كعقد المجنون، و الفاسد ينعقد و لكنه يستوجب الفسخ،كالعقد على الشيء المجهول،و لم يفرق علماء الفقه الجعفري بين البطلان و الفساد،لان العقد في الحالين لا ينعقد من الأساس،و يتفق معهم معظم المذاهب الإسلامية الأخرى.

حمل العقود في الخطابات الشرعية على خصوص الصحيح،كقوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و ما إليه،لأن الدلالة على الصحة هنا جاءت من القرينة و سياق الكلام، و كذلك إذا حلف يمينا بأن لا يجري عقدا خاصا،فإنه يحمل على الصحيح،لا لأن العقد موضوع له بالخصوص،بل لأن الذهن يتجه إلى أن الحالف انما قصد العقد الصحيح دون الفاسد،و بالإيجاز ان وضع العقد للأعم من الصحيح و الفاسد شيء،و استعماله في الفرد الصحيح شيء آخر.

و قال صاحب مفتاح الكرامة في كتاب المتاجر:«ان البيع لغة و عرفا يعم الصحيح و الفاسد،و هو كذلك شرعا،لأصالة عدم النقل،و صحة التقسيم إليهما في الشرع،و الاتفاق على اتحاد معنى البيع،و انتفاء الحقيقة الشرعية فيه».

و يريد بقوله:«و الاتفاق على اتحاد معنى البيع»أن معنى البيع واحد شرعا و عرفا،و لو كان موضوعا في الشريعة للصحيح فقط،و في العرف للأعم من الصحيح و الفاسد لكان للشارع حقيقة خاصة فيه،و المفروض خلاف ذلك.

معنى البيع:

و مرادنا بالبيع هنا المعنى الذي دلت عليه صيغة البيع،لا نفس الصيغة،أي ان المقصود هو المسبب لا السبب،و ليس في الشريعة نص على تحديد معنى البيع،و لا للفقهاء عرف خاص فيه،بل ان الشارع أقرّ،و امضى ما عليه العرف، اذن،فتعريف الفقهاء له تعريف للمعنى العرفي،و قد تعددت فيه أقوالهم، و أشهرها أنّه مبادلة مال بمال.

و الشأن في التعريف هين يسير،بخاصة في الفقه و اللغة،لأنه ليس تحديدا للماهية بالجنس و الفصل،و لا تعريفا بالمساوي للمعرف من جميع الجهات،

ص:18

و انما هو تعريف لفظي،أريد به الإشارة إلى المعنى و تقريبه إلى الأذهان.

و مهما يكن،فان البيع الوارد في الخطابات الشرعية منزل على أفهام العرف،فمتى انطبق اسم البيع عرفا على نحو من النقل و التمليك و التبديل وجب أن نرتب عليه جميع الآثار الشرعية،حتى يثبت العكس و إذا شككنا:هل اعتبر الشارع أمرا زائدا على ما هو المعروف فالأصل العدم إلى أن يقوم عليه الدليل الشرعي،لأنه لو أراد خلاف ما عليه العرف لبين،و أرشد إليه،و حيث لم يبين فلم يرد الخلاف.

أقسام البيع:

ينقسم البيع إلى أقسام،منها بيع الفضولي،و هو أن يتولى الإيجاب أو القبول غير الأصيل و الوكيل،و بيع النسيئة،و هو أن يكون المثمن معجلا،و الثمن مؤجلا،و السلم بعكسه حيث يعجل الثمن و يؤجل المثمن،و بيع الصرف و هو خاص بالذهب و الفضة،و بيع المرابحة و المواضعة و التولية،و الأول مع ربح معين،و الثاني مع خسارة معينة،و الثالث برأس المال،و يأتي الكلام عن جميع أقسام البيع مفصلا.

ص:19

ص:20

المعاطاة

الأقوال:

اشارة

اتفق فقهاء المذهب الجعفري على أن مجرد التراضي بدون التعبير عنه بقول أو فعل لا يتم به البيع،و لا غيره من العقود،أي ان السبب الموجب لترتيب الآثار هو إنشاء التراضي و التعبير عنه،لا نفس التراضي من حيث هو (1).

قال السيد صاحب العروة الوثقى في حاشية المكاسب ص 64 طبعة 1324 ه:«يعتبر في حقيقة البيع أن يكون بإيجاب خارجي من لفظ،أو إشارة،أو كتابة،أو تعاط من الطرفين،أو أحدهما،فلو أنشأ التمليك في قلبه،و قبل المشتري لا يكون بيعا حقيقيا.بل الظاهر أن الأمر كذلك في جميع العقود و الإيقاعات».و على هذا يحمل قول الإمام الصادق عليه السّلام انما يحلل الكلام،و يحرم الكلام.

و أيضا اتفقوا على أن الصيغة اللفظية الكاشفة عن التراضي يتم بها البيع و غيره من المعاملات،بل هي أفضل الطرق و أكملها للكشف و التعبير.

ص:21


1- قد يكون مجرد الرضا سببا للإباحة،كتصرف الإنسان في بعض أموال قريبه و صديقه بما جرت عليه العادة،و الفقهاء يعبرون عن مثله باذن الفحوى.و نقل عن الشيخ الطوسي الكبير أن النذر و العهد ينعقدان بمجرد النية.و التفصيل يرجأ إلى محله إن شاء اللّه.

و اختلفوا في ان البيع:هل يتحقق إذا عبر عنه بالفعل الكاشف،لا بالقول المؤلف من الإيجاب و القبول،و مثال ذلك أن يحصل السوم بين اثنين،و بعد الاتفاق على الثمن دفعه المشتري لصاحب السلعة،فقبضه راضيا،و أعطاه السلعة بدون تلفظ بإيجاب و قبول،و الفقهاء يسمون هذا النوع بيع المعاطاة،لأنها مبادلة بالأخذ و الإعطاء من الطرفين بقصد التمليك و التملك،مع استجماع هذه المبادلة لكل ما يشترط في البيع ما عدا التلفظ بالإيجاب و القبول.هذا إذا صدق على كل من الطرفين أنّه آخذ و معط في آن واحد،أما الإعطاء أو الأخذ من جانب واحد، كقبض الثمن دون المثمن،و العكس فيأتي الكلام عنه.

ثم ان بيع المعاطاة من صغريات المسألة التي تكلمنا عنها في الفصل السابق فقرة«العقد و الفعل»حيث كان الكلام هناك عن مطلق العقد و المعاملات بيعا كانت أو غيرها،و هنا عن البيع فقط.و على آية حال،فان علماء الفقه الجعفري اختلفوا في المعاطاة على أقوال،أنهاها الشيخ الأنصاري في كتاب المكاسب إلى ستة،و عمدتها أربعة كما قال الميرزا النائيني في تقريرات الخوانساري:

القول الأول:انها تفيد الملك اللازم

،و إليه ذهب المفيد و شيخ الطائفة، و جماعة آخرون.

القول الثاني:انها تفيد الملك الجائز

،و به قال الشيخ علي الكركي المعروف بالمحقق الثاني،و كثيرون ممن تأخروا عنه،و بلغوا المراتب العليا من العلم و الشهرة،كالسيد«أبو الحسن الأصفهاني»و الميرزا حسين النائيني،و السيد محمد بحر العلوم،و غيرهم حتى قيل:انّه المشهور بين المتأخرين.قال السيد الأصفهاني في وسيلة النجاة الكبرى:«الأقوى ان المعاطاة تفيد الملك،و لكنها

ص:22

جائزة من الطرفين،و لا تلزم إلاّ بتلف أحد العوضين،أو التصرف المغيّر للعين، و الناقل لها،أو موت أحد المتعاقدين».

و قال السيد بحر العلوم في البلغة:«القول بإفادة المعاطاة الملك المتزلزل دون الإباحة المجردة هو الأقوى».

و قال النائيني في تقريرات الخوانساري ص 49:«الأقوى أن يقال:ان التعاطي بقصد التمليك يفيد الملك الجائز،لأن هذا هو مقتضى القواعد الشرعية، و الأدلة المأثورة».

القول الثالث:ان المعاطاة تفيد الإباحة المطلقة الشاملة لجميع التصرفات

، حتى التصرف المتوقف على الملك،كالبيع،و العتق،و وطء الجارية،حيث لا بيع،و لا عتق،و لا وطء إلاّ في الملك.و قد نسب هذا القول إلى المشهور عند الفقهاء المتقدمين.

القول الرابع:انّها تفيد إباحة نوع خاص من التصرف

،و هو الذي لا يتوقف على الملك،فإذا اشترى عبدا أو جارية بالمعاطاة،جاز استخدامهما،و لا يجوز له بيعهما،و لا وطء الجارية.

و اتّفق القائلون بالملك الجائز و الإباحة على أنّه مع تلف الثمن و المثمن تصبح المعاطاة لازمة،تماما كالبيع المنشأ بالصيغة.قال صاحب مفتاح الكرامة في كتاب المتاجر ص 157:«و لا خلاف عندهم-أي عند الفقهاء-في أنّه لو تلفت العين من الجانبين صار البيع لازما،و انما الكلام في تلف أحدهما».و قال صاحب الجواهر:«لا ريب و لا خلاف في أن المعاطاة تنتهي إلى اللزوم،و ان التلف الحقيقي أو الشرعي للعوضين معا باعث على اللزوم».

و قد ذكرت هذه الأقوال الأربعة في المعاطاة مفصلة مع أدلتها في أكثر كتب

ص:23

الفقه الجعفري،كالحدائق،و الجواهر،و بلغة الفقيه،و المكاسب،و تقريرات الخوانساري،و مفتاح الكرامة،و غيرها،و بالرغم من هذا كله نسب العلامة السنهوري إلى المذهب الجعفري القول بعدم جواز المعاطاة،و نقل كلمات متقطعة اقتطفها من صفحة 151 و 154 و 163 و من ج 4 مفتاح الكرامة،مع أن الأقوال التي نقلناها موجودة في هذه الصفحات بالذات،و فيما بينها من صفحات،فقد ذكرها صاحب المفتاح صراحة مع أدلتها،كما ذكر هو و صاحب الجواهر أن القائلين بالإباحة قالوا بأن المعاطاة تنتهي إلى اللزوم قهرا بتلف العوضين،كما أشرنا.و بهذا يتبين أن قول العلامة السنهوري:«المذهب الجعفري لا يجيز المعاطاة»يبعد أقصى البعد عن التعبير العلمي الأمين الذي يجب فيه مراعاة الدقة و الحذر في كل لفظة من ألفاظه بخاصة في مقام النقل.و قد يوجه قول الدكتور بأنه لما رأى أن أكثر المتقدمين من فقهاء هذا المذهب يقولون بأن المعاطاة تفيد الإباحة نسب إليهم القول بعدم الجواز من الأساس و لكن هذا التوجيه-كما ترى-لا يتفق و أسلوب أهل التحقيق و التدقيق،بخاصة الكبار منهم،كالسنهوري.و العصمة للّه.

أصح الأقوال:

و أصح الأقوال الأربعة القول بأن المعاطاة تفيد الملك اللازم،و قد ذهب إليه من القدماء المفيد شيخ الطائفة(ت 413 ه)و من المتأخرين السيد صاحب العروة الوثقى(1337 ه)و استدل هذا السيد في حاشية المكاسب بأربعة أدلة، ننقلها فيما يلي بشيء من التصرف في الشكل و الصورة مع الاحتفاظ بالمحتوى و المضمون

ص:24

1-ان المعروف من سيرة أهل الدين و الدنيا خلفا عن سلف منذ عهد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى زمننا انهم يعاملون المأخوذ بالمعاطاة معاملة المأخوذ بالصيغة اللفظية بدون ادنى تفاوت،و ان النبي و الأصحاب،و الأئمة و العلماء،و الناس كافة يتصرفون بالهدايا و العطايا تصرف الملاك بأملاكهم دون إجراء الصيغة،مع العلم بأنّه لا فرق بينها و بين البيع.

2-ان فقهاء المذهب الجعفري قد أجمعوا على أن المأخوذ بالمعاطاة تجوز فيه جميع التصرفات،و ليس من شك ان القول بجواز التصرفات بكاملها لا يجتمع مع القول بعدم الملك إلاّ ببعض التوجيهات الباطلة التي لا ينبغي ان تصدر من فقيه.

3-ان مسألة المعاطاة ترجع في الحقيقة إلى الشك في أن الصيغة اللفظية:

هل هي شرط في انعقاد البيع أو لا؟.و لا دليل على هذا الشرط،و عدم الدليل في مثل هذه المسألة دليل على العدم،لأنه لو كان لوجب على الشارع البيان،مع أنّه لم يصل إلينا لا من طريق السنة و لا من طريق الشيعة،مع توافر الدواعي و البواعث على النقل،بخاصة في هذه المسألة،و ما إليها.

4-ان المأخوذ بالمعاطاة يصدق عليه اسم البيع عرفا و لغة،و لم تثبت الحقيقة الشرعية للبيع،و إذا صدق اسم البيع على المعاطاة شملها جميع ما دل على الصحة من الآيات و الروايات،مثل قوله تعالى أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ .و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ .و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .و مثل قول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:المؤمنون عند شروطهم.و الناس مسلطون على أموالهم.و غير ذلك من الأدلة على صحة البيع،بل و لزومه أيضا.

و ملخص هذا الدليل الرابع الذي وصفه السيد بأنّه العمدة و الأصل في هذا

ص:25

الباب،ملخصه أنّا نعلم علم اليقين بأن الشارع قد أمضى البيع العرفي،و نعلم أيضا أن للبيع العرفي فردين:بيع بالصيغة اللفظية،و آخر بالمعاطاة،و ان الفرد الأول مراد للشارع قطعا،لأنه محل وفاق،أما الفرد الثاني فنشك:هل هو مراد له أو لا؟لمكان الاختلاف فيه بين الفقهاء،و لكن قول الشارع:أحل اللّه البيع،و ما إليه الظاهر بكلا الفردين على السواء يثبت أن البيع بالمعاطاة مراد له تماما كالبيع بالصيغة،و لو أراد البيع بالصيغة فقط لم يتكلم بما هو ظاهر بالفردين معا،لأنه، و الحال هذه،قد أراد شيئا خاصا،و تكلم بما هو أعم منه،و هذا عين الإغراء بالجهل الذي يتنزه عنه الحكماء.

هذا،إلى أن المعاطاة في هذا العصر قد انتشرت و عمت أكثر نواحي الحياة،فيها يشتري الناس ما يحتاجون من مأكل و ملبس و أثاث،لا يفرقون في ذلك بين الحقير و الخطير،و بها ينزلون في الفنادق،و يشتركون بالماء و الكهرباء و الهاتف،و يركبون الطائرات و السيارات،و ما إلى ذلك مما يتعاطون به على سبيل اللزوم،و عدم جواز الرجوع،حتى قبل التلف و التصرف الناقل،و كل ما تبانى عليه العرف فهو صحيح،و نافذ،بخاصة إذا عمت به البلوى إلاّ أن يرد فيه نهي خاص،أو يحلل حراما،أو يحرم حلالا،و لا آية أو رواية تشعر من قريب أو بعيد بالنهي عن المعاطاة،أو عن إحداث معاملة جديدة،بل ان مثل هذه المعاملة يتفق كل الاتفاق مع مبادئ الشريعة السهلة السمحة.

و ما دامت الأدلة تدل على أن المعاطاة تفيد الملك اللازم يتحتم أن تترتب جميع آثار الملك على العين المأخوذ بالتعاطي من جواز البيع و الهبة و العتق، و الانتقال إلى الوارث،و عليه فلا يبقى موضوع للثمرات التي فرعها الفقهاء على الفرق بين القول بإفادة المعاطاة للإباحة،و بين القول بإفادتها للملك.

ص:26

تنبيهات

اشارة

و بعد ان ذكر الفقهاء الأقوال في المعاطاة،و أدلتها،و ما قيل حولها،و ما يمكن أن يقال،و ما يتفرع على ذلك مما يكشف عن شدة مراسهم في الجدال و النقاش،و تمرن افكارهم،حتى أصبح لهم طبيعة ثانية،بعد هذا كله ذكروا تنبيهات ضمنوها فوائد تتصل بالموضوع،و نلخصها فيما يلي:

الإعطاء من جانب واحد:
اشارة

ليس من شك في أن المعاطاة تصدق بأوضح معانيها على الأخذ و الإعطاء من الجانبين،بحيث يكون كل منهما آخذا و معطيا في آن واحد.و هل تصدق المعاطاة على الإعطاء من جانب واحد فقط،كما لو كان المثمن حالا،و الثمن مؤجلا،أو بالعكس،ثم لو افترض ان هذا النوع لا يصدق عليه اسم المعاطاة لأنه فعل من جانب واحد،و هي مفاعلة من جانبين،فهل نعطيه حكم المعاطاة الحقيقية،و نرتب عليه جميع أحكامها،بحيث يكون خارجا عنها موضوعا، و داخلا فيها حكما؟.

الجواب:

ان هذا النوع من المعاملة لا يدخل في المعاطاة موضوعا،و لا يصدق عليه اسمها و عنوانها حقيقة و واقعا،لأن المعاطاة مفاعلة من الجانبين،و ليست فعلا من جانب،و لكن لفظ المعاطاة و تحديد معناها لا يهم الفقهاء،لأنّهم يهتمون بخصوص الألفاظ التي جاءت على لسان الشارع،و المفروض ان المعاطاة لم ترد في آية و لا رواية،و انما الذي جاء في دليل الشرع هو لفظ البيع،و تكلم الفقهاء عن المعاطاة،لأن اسم البيع يصدق عليها،لذا أعطاها البعض اسم البيع و حكمه، لعموم الدليل،و البعض الآخر اسم البيع دون حكمه مدعيا تخصيص الدليل،

ص:27

فالعبرة اذن،بالدليل عند الجميع،لا باسم المعاطاة.و الدليل الشرعي لم يفرق في الحكم بين الإعطاء من جانب،أو من جانبين بعد صدق اسم البيع على الاثنين.

اذن،فحكم الإعطاء من جانب هو حكم الإعطاء من الجانبين،و ان لم يصدق عليه اسم المعاطاة حقيقة،و ان شئت قلت:انّه خارج عن المعاطاة موضوعا، داخل فيها حكما.

و بهذا نجد تفسير قول الشيخ الأنصاري في المكاسب:«لا ريب أنّه لا يصدق على الإعطاء من جانب واحد معنى المعاطاة،و لكن هذا لا يمنع من اجراء حكمها عليه بناء على عموم الحكم لكل بيع فعلي،فيكون اقباض أحد العوضين تمليكا،أو مبيحا بعوض،و أخذ الآخر تملكا أو اباحة».

و علق السيد اليزدي في حاشيته ص 47 على ما قاله الأنصاري حول هذه المسألة،علق بقوله:«لا حاجة إلى هذا التطويل بعد أن كان المناط هو شمول الدليل الشرعي،لا صدق عنوان المعاطاة،و من المعلوم عدم الفرق في شمول الدليل لما يكون من طرفين،أو من طرف واحد».

و قال صاحب الجواهر:«لا يخفى عليك أن لفظ المعاطاة لم يرد في النص، حتى يكون الحكم تابعا له،و حينئذ فلا يشترط قبض العوضين،بل يكفي قبض أحدهما،كما نص عليه الشهيد الكركي».

و هذه الأقوال،و كثير غيرها للفقهاء صريحة في أن حكم الإعطاء من جانب كحكمه من الجانبين،على الرغم من اختلافهم في أن المعاطاة تفيد الملك،أو الإباحة.

الشروط:

هل يجب ان تتوافر في المعاطاة جميع الشروط المعتبرة في العقد،ما عدا

ص:28

الإيجاب و القبول اللفظيين،بحيث يشترط في معاطاة البيع ما يشترط في عقده، و في معاطاة الإجارة ما يشترط في عقدها،و هكذا كل معاملة تقع فيها المعاطاة، فإذا فقد شرط تفسد المعاطاة،و لا تصح،أو لا يجب اجتماع الشروط بكاملها، بل يكفي التراضي.و تظهر الثمرة فيما لو كان العوضان،أو أحدهما غير معلوم في البيع،مثل أن يقول المشتري للخباز:أعطني بهذه الليرة خبزا،و هو لا يعلم بكم الرغيف،أو يقول له:بعني ما عندك من الخبز بما في جيبي من الدراهم،أو يشتري بثمن إلى أجل غير مسمى،فإذا قلنا بأن المعاطاة لا بد فيها من توافر الشروط كاملة تكون هذه المعاملة فاسدة،حيث اتفق الفقهاء على أن العلم شرط في العوضين بالبيع،و ان قلنا بالعدم،لأن المعاطاة معاملة مستقلة برأسها عن البيع،و سائر العقود أمكن القول بصحة هذه المعاملة.

قال صاحب مفتاح الكرامة:في المسألة قولان.ثم اختار بأن المعاطاة لا يشترط فيها ما يشترط في العقد،و استشهد بأقوال جماعة من الفقهاء.

أما نحن فبعد أن اخترنا،و قلنا:ان المعاطاة فرد من البيع،و أعطيناها جميع أحكامه تحتم أن نعطيها جميع شروطه،و كذلك الشأن في سائر العقود،بدون فرق بين العلم بالعوضين و غيره،لأن الدليل الذي دل على اعتبار الشرط لم يفرق بين وقوع المعاملة بالصيغة اللفظية،أو بالفعل،و على هذا تكون المعاطاة باطلة إذا لم تتوافر فيها جميع الشروط التي لا بد منها في العقد.

المقايضة:

من باع سلعة بنقد،فصاحب السلعة هو البائع،و دافع النقد هو المشتري، و كذلك إذا باع سلعة بثمن معين،ثم أخذ من المشتري بدلا عنه سلعة بمقدار

ص:29

الثمن.و إذا بادل سلعة بسلعة،لا بقصد الثمن و المثمن،بل بقصد المعاوضة و المقايضة،فهل تصح هذه المعاملة،أو لا؟و على افتراض صحتها،فهل تقع بيعا،أو صلحا،أو معاملة مستقلة برأسها؟.و على افتراض صحتها بيعا،فأيهما البائع؟.و أيهما المشتري؟.أو أن كلا منهما بائع من جهة،و مشتر من جهة.

و قد تعددت في ذلك الاحتمالات و الأقوال،و مال الشيخ الأنصاري إلى صحة هذه المعاملة بيعا،و ان البائع من اعطى سلعته أولا،لأنه بهذا الإعطاء يكون موجبا،و آخذها يكون مشتريا،لأنه بهذا الأخذ يصير قابلا.و قال السيد اليزدي في حاشيته على المكاسب:تقع صلحا،لأن فيها معنى المسالمة.و قال الشيخ النائيني:هي باطلة من الأساس،لأن المتبادلين قصدا البيع دون سواه،و لا يمكن أن تتصف هذه المعاملة بالبيع بحال،لعدم معرفة البائع و تمييزه من المشتري، كما أنه لا يمكن أن يكون كل من الطرفين بائعا من جهة،و مشتريا من جهة،لأنه متى حصل الإيجاب و القبول مرة واحدة،لا يبقى لهما محل ثانية،إذ هو تحصيل للحاصل،و أما عدم الاتصاف بغير البيع من المعاملات فلان غير البيع لم يقصد إطلاقا،فالقول بوقوعه مع عدم القصد معناه أن ما يقصد لم يقع،و ما وقع لم يقصد،و لا ملتزم بذلك.

هذا ملخص الأقوال في هذه المسألة.و الحق انها صحيحة و لازمة إذا صدرت من ذوي الأهلية،و كان العوضان قابلين للتمليك و التملك،و معلومين عند الطرفين،أما التسمية فإنها وسيلة لا غاية،فليسمها من شاء بما شاء بيعا أو صلحا أو تقايضا،أو نحو ذلك،ما دامت لا تحلل حراما،و لا تحرم حلالا.

ص:30

المعاطاة في غير البيع:

يجب ان لا ننسى ان السبب الموجب لصحة المعاطاة في البيع ليس المعاطاة بذاتها،و بما هي،و انما السبب هو صدق اسم البيع و عنوانه على المعاطاة فيه،و شمول أدلته لها،و عمل العقلاء بها،و المضي عليها،اذن،فكل معاطاة يصدق عليها اسم عقد من العقود،كالإجازة و الهبة،أو اسم إيقاع من الإيقاعات،كل هذه تصح،و تكون فردا للعقد أو الإيقاع الذي صدق عليها، و تشمله أدلته،حتى يثبت العكس،تماما كما هي الحال في البيع،و إذا لم يصدق عليها اسم عقد أو إيقاع تكون المعاطاة باطلة،لأنّا نشك في صحتها،و الأصل عدم ترتب الأثر.هذا هو الضابط المبدأ العام الذي اتخذه الفقهاء،أو أكثرهم لصحة المعاطاة في غير البيع.و لنا مسلك آخر نشير إليه قريبا.

و على أساس هذا الضابط قالوا:ان المعاطاة تجري في الإجارة و الهبة و القرض العارية و الوديعة و المزارعة و المساقاة،لصدق اسم الإجارة على المعاطاة في الإجارة،و القرض على المعاطاة،في القرض،و الهبة على المعاطاة فيها إلخ،فتشملها أدلة هذه العناوين،كما أن سيرة العقلاء مستمرة على ذلك منذ القديم،أما الزواج فلا تجري فيه المعاطاة،لعدم صدق اسم الزواج على المعاطاة فيه من الأساس،أو لأنه لا أثر لهذا الصدق على تقرير وجوده،لمكان الإجماع، و نص الكتاب و السنة،بل و ضرورة الدين،و مثله الوصية و الإيصاء و الطلاق و الظهار و اللعان و الإيلاء و العتق و الضمان و الكفالة،لأن هذه تتقوم بالقول و الصيغة اللفظية،و لا توجد بدونها تماما كالزواج.

أما الوقف فتصح المعاطاة فيه إذا كان على جهة عامة،كالمساجد و المقابر و المصحات،و لا تصح إذا كان على جهة خاصة،كالوقف على الذرية،و ما إليها.

ص:31

و اختلفوا في الرهن،فبعضهم اشترط الصيغة،و اكتفى آخرون بالمعاطاة فيه.

و باقي الكلام على كل في بابه إن شاء اللّه.

و هذا التفصيل-كما ترى-يرتكز على مبدأ حصر العقود بالمسماة فقط، أما على مبدأنا نحن من أن جميع المعاملات ما حدث و ما سيحدث جائزة ما لم تحلل حراما،أو تحرم حلالا-أما على هذا المبدإ فإن المعاطاة تجوز في كل شيء،و ان لم يصدق عليها عقد أو إيقاع معهود و معروف،على شريطة أن يتحقق التراضي،و أهلية العاقدين و العوضين،و ان لا تتنافى المعاملة مع شيء من مبادئ الشريعة الغراء.

ص:32

شروط العقد

اشارة

أشرنا فيما سبق إلى أن البيع هو«مبادلة مال بمال».و لا بد لهذه المبادلة من قول أو فعل يدل عليها،و هو العقد،و من طرفين يجريان المبادلة،و يقومان بها، و هما المتعاقدان،و من محل تقع عليه المبادلة،و هما العوضان المعقود عليهما، و نتكلم عن كل واحد من هذه العناوين الثلاثة بفصل مستقل،كما فعل الشيخ الأنصاري في المكاسب و غيره من الفقهاء.

ركنا العقد:

للعقد ركنان،هما الإيجاب و القبول،و لهما صور:

1-ان يكون كل منهما فعلا.

2-ان يكونا قولا.

3-ان يكون أحدهما قولا،و الآخر فعلا،مثل أن يقول زيد لعمرو بعتك هذا بعشرة،فيدفع عمرو العشرة،و يأخذ المبيع دون أن يتلفظ بشيء،و بديهة ان هذا بمنزلة قوله قبلت،بل أدل و أوضح.

4-أن يكونا بالكتابة و الإشارة.

و تقدم الكلام عن الصورة الاولى في الفصل السابق بعنوان المعاطاة،و أما

ص:33

إذا أراد المتعاقدان أن ينشئا الإيجاب و القبول باللفظ،لا بالإعطاء و الأخذ،فهل يجب عليهما الإنشاء بألفاظ خاصة،أو يجوز لهما أن ينشئا العقد،بكل ما دل على التراضي،و عده الناس عقدا؟.

نسب الأول إلى المشهور،و فرع على ذلك كثير من الفقهاء بحوثا استغرقت العديد من الصفحات،منها التحقيق و التدقيق في أن العقد هل يتم و ينعقد بالمجازات و الكنايات؟.و أيضا هل ينعقد بالجملة الفعلية فقط،أو بها و بالاسمية؟.و على الأول هل يجب أن يكون الفعل بصيغة الماضي؟.و ايضا هل يجب تقديم الإيجاب على القبول،و الموالاة بينهما،إلى غير ذلك من التطويل الذي لا طائل تحته،كما قال السيد كاظم اليزدي.و على آية حال،فسنعرض الصفوة من أقوالهم في ذلك،معرضين عن الحشو و الزوائد ما أمكن.

الحقيقة و المجاز:

نسب الشيخ الأنصاري إلى كثير من العلماء القول بوقوع العقد بالمجازات و الكنايات،و نقل كلماتهم الدالة على جواز البيع بلفظ ملكت،و عاوضت، و أسلمت إليك،و نقلته إلى ملكك،و نحو ذلك،ثم أتبعها بقوله:«و مع هذه الكلمات كيف يجوز أن يسند إلى العلماء أو أكثرهم وجوب إيقاع العقد باللفظ الموضوع له،و لا يجوز بالألفاظ المجازية».

و قال السيد اليزدي تعليقا على ذلك:«هل يجب أن يكون اللفظ المذكور في الصيغة دالا على المعنى بالحقيقة لا بالمجاز؟.و التحقيق جواز الاكتفاء بكل ما له ظهور عرفي بحيث يصدق عليه العقد و العهد،للعمومات العامة و الخاصة» و يريد بالعمومات العامة قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .و قوله وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً و بالعمومات الخاصة قوله أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ و حديث «البيع بالخيار».

ص:34

و قال السيد اليزدي تعليقا على ذلك:«هل يجب أن يكون اللفظ المذكور في الصيغة دالا على المعنى بالحقيقة لا بالمجاز؟.و التحقيق جواز الاكتفاء بكل ما له ظهور عرفي بحيث يصدق عليه العقد و العهد،للعمومات العامة و الخاصة» و يريد بالعمومات العامة قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .و قوله وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً و بالعمومات الخاصة قوله أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ و حديث «البيع بالخيار».

و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يشتري المتاع،فيبدو له أن يرده هل ينبغي له ذلك؟.

قال:لا،إلاّ أن تطيب نفس صاحبه.و ترك التفصيل بين طرق البيع و ألفاظه في هذه النصوص و غيرها يدل على التعميم و الشمول لكل لفظ و استعمال، حقيقة كان أو مجازا.و بالإيجاز ان الكلام يحمل على المعنى الظاهر منه بصرف النظر عن سبب الظهور.

العربية:

اشارة

هل يتوقف انعقاد العقد باللغة العربية،أو أنّه ينعقد بها و بغيرها؟.

قال الشيخ الأنصاري في كتاب المكاسب:«الأقوى صحة العقد بغير العربي».و قال السيد اليزدي و الشيخ النائيني:كل ما يصدق عليه عنوان العقد يصح إنشاؤه به،سواء أ كان عربيا،أو أعجميا،فصيحا،أو ملحونا،و لو انحصرت العقود باللغة العربية فقط للزم العسر و الحرج،و انسد باب المعاش، و لوجب على كل مسلم-غير عربي-ان يتعلم صيغ العقود بالعربية،تماما كما يتعلم الحمد و السورة من أجل الصلاة،مع العلم بأن ذلك لم يرد في خبر و لا أثر.

صيغة الماضي:

قال كثيرون:يجب أن يكون لفظ العقد بصيغة الماضي،كبعت و قبلت،و لا يكفي أبيع و أقبل،لأن المضارع يحتمل الحال و الاستقبال،أمّا الأمر فهو بطلب

ص:

المفاوضة و المساومة أشبه،و كل ذلك،و ما إليه يتنافى مع الجزم الذي لا بد منه في العقد،أما الماضي فمتمحض للحال،و صريح في التحقق و الثبوت فيتعين.

و قال آخرون:ان الصيغة وسيلة للتعبير عن الرضا و الإرادة،و ليست غاية في نفسها،فكل ما دل على إنشاء العقد بذاته،أو بمعونة قرينة لفظية يتم،و ينعقد به العقد،سواء أ كان بالجملة الاسمية،أو بالفعلية بصيغة الماضي أو المضارع.

و قال الشيخ الأنصاري معلقا على هذا القول:«لا يخلو من قوة لو فرض صراحة المضارع في الإنشاء على وجه لا يحتاج إلى قرينة المقام» (1).

و قال:«ثم اعلم أن في صحة تقديم القبول بلفظ الأمر،كبعني،اختلافا كثيرا بين الفقهاء».

و الحق جواز ذلك إذا قصد به إنشاء العقد،دون الطلب و الاستدعاء،فلقد روى سهل الساعدي ان امرأة أتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قالت له:اني وهبتك نفسي، و قامت قياما طويلا،فقام رجلا،و قال:زوجنيها يا رسول اللّه ان لم يكن لك بها حاجة.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:هل عندك من شيء تصدقها إياه؟.فقال:ما عندي إلاّ إزاري هذه.فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ان أعطيتها إزارك بقيت بلا إزار،التمس و لو خاتما من حديد.قال:لا شيء لدي.قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:هل معك شيء من القرآن؟قال:نعم.قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن فعلمها إياه.

و إذا تم عقد الزواج بصيغة الأمر،و هو قول الرجل زوجنيها فبالأولى غيره

ص:36


1- تنقسم القرينة إلى لفظية،كقولك:رأيت قمرا يمشي،فلفظة يمشي تدل على أنك أردت امرأة حسناء،و إلى قرينة حالية،كقول الأدنى للأعلى:أعطني،فإن حال الأدنى تدل على أنه أراد من الأمر،و هو أعطني الرجاء،لا الوجوب،و الشيخ الأنصاري أراد من قوله هذا ان التعبير عن الرضا يجب أن يكون بقرينة المقال،لا بقرينة الحال.

من العقود.

تقديم الإيجاب:

اشارة

ذهب المشهور إلى أن الإيجاب يجب أن يتقدم على القبول إطلاقا.و قال آخرون:بل يجوز تأخيره،و تقديم القبول عليه،لأنه في حقيقته إنشاء الرضا بالإيجاب،فإن تحقق ذلك صح،تقدم أو تأخر.و فصّل الشيخ الأنصاري بين أن يقع القبول بلفظ قبلت و رضيت و نحوه فلا يصح،لأنه غير متعارف من العقد، و بين أن يقع القبول بلفظ اشتريت و ابتعت،و ما إليه فيصح،لأنه يدل على إنشاء المعاوضة،و الرضا بتمليك الثمن بدلا عن المثمن.

اذن،فالكبرى محل وفاق،و هي أن السبب الأول هو ظهور اللفظ،لا مجرد تقديم الإيجاب،و اختلاف الفقهاء،انما وقع في الصغرى،أي في التطبيق و معرفة الفرد و المصداق،و على ذلك فكل ما صدق عليه اسم العقد فهو صحيح.

و يدل على جواز تقديم الإيجاب رواية سهل في زواج المرأة،مع العلم بأن الاحتياط في الزواج أشد و اولى منه في سائر العقود.

و تقول:إنما أجاز الفقهاء تقديم القبول في الزواج،لحديث خاص، فيجب الاختصار عليه،و إلحاق البيع و غيره بالزواج قياس.

الجواب:

إنّا نعلم علم اليقين بأن صحة التقديم في الزواج لم تكن لميزة خاصة به، بل لأن القبول حال تقديمه على الإيجاب معبر عن الرضا،تماما كما لو كان متأخرا،و العبرة بالتعبير و الوضوح،لا بالتقديم و التأخير،و بأسلوب ثان ان الزواج فرد و مورد للقاعدة الكلية التي استفدناها من طريقة العرف،هذا،إلى أن كثيرا من القواعد العامة تستخرج من بعض مواردها و إفرادها،و قد تكرر قول الفقهاء

ص:37

«الأصل في هذه القاعدة هذا المورد»حتى اشتهر بينهم ان خصوصية المورد لا توجب تخصص الوارد،و أوضح مثال على ذلك قول الإمام الصادق عليه السّلام:

«اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»حيث عمم الفقهاء وجوب الغسل من مماسة البول للثوب و الإناء و البدن و غيره،و كذلك قاعدة،«من أتلف مال غيره فهو له ضامن»فإنها مأخوذة من قول الإمام عليه السّلام:من أضر بطريق المسلمين فهو له ضامن.

الموالاة:

اتفقوا بشهادة السيد اليزدي ان العقود الجائزة،كالعارية و الوديعة و الوكالة لا تشترط فيها الموالاة بين الإيجاب و القبول،و ان الفاصل الطويل بينهما لا يمنع من الصحة،و اختلفوا في العقود اللازمة،كالبيع،و ما إليه،فذهب البعض إلى أن الموالاة شرط.و قال آخرون:انها ليست بشرط،و ان الواجب ان تبقى ارادة الموجب قائمة إلى حين القبول،فالعبرة ببقاء الإيجاب،و عدم رجوع الموجب عنه قبل القبول،أما الفاصل فوجوده و عدمه سواء،قال السيد الحكيم في نهج الفقاهة ص 105 طبعة 1371 ه:

«الظاهر الاكتفاء في تحقق العهد النفساني في نفس الموجب-أي الرضا و الإرادة-فإذا كان باقيا إلى زمن القبول كفى ذلك عند العرف،حتى مع الفصل الطويل،فإذا قال الموجب:بعتك الفرس بدرهم،فلم يقبل المشتري،فوعظه و نصحه و بيّن له الفوائد،حتى اقتنع و قبل صدق العقد،و ان كان مع الفصل بكلام أجنبي،كما أنه إذا لم يبادر المشتري إلى القبول،حتى اعرض الموجب عن الإيجاب،و بعد الاعراض قبل الموجب له لم يتحقق العقد،و هذا هو السر في

ص:38

عدم صدق العقد مع الفصل المفرط كسنة،أو أكثر».

و بهذا يتبين ان بقاء المجلس،أو انفضاضه ليس له أدنى تأثير بالنسبة إلى الإيجاب و القبول في الفقه الجعفري،و انما تأثيره بالقياس إلى ثبوت الخيار للمتبايعين بعد تمام الإيجاب و القبول،و انعقاد العقد،و بكلمة ان العبرة باتحاد شطري العقد،بحيث لا ينعدم أحدهما عند وجود الآخر،و هذا لا يرتبط باتحاد المجلس،إذ يمكن التفاهم و التخاطب،و عدم التراخي بينهما مع تعدد المجلس، كما يمكن ذلك مع اتحاده.

التعليق:

ليس من شك ان الإنشاء يتحقق منجزا و معلقا،و ان كل انسان يستطيع ان يتلفظ بالعقد مع القيد و بدونه،فيقول بعتك هذا،أو بعتك ان رضي زيد.

و لا يختلف في ذلك اثنان،و انما اختلف الفقهاء ان نفس المعنى المنشأ بالعقد:

هل يصح أن يكون معلقا على وجود غيره،بحيث يكون حصوله محتملا، لا متيقنا على كل حال،بل على تقدير دون تقدير؟.و بتعبير ثان ان للعقد وجودا حسيا،و هو إنشاء المتكلم له،و وجودا اعتباريا،و هو اعتبار الشارع له بترتب الآثار عليه،و العقد يوجد منجزا بكلا المعنيين و معلقا بالمعنى الأول إجماعا،أما وجوده معلقا بالمعنى الثاني فمحل النزاع و الاختلاف.

و ذهب المشهور إلى أن التعليق باطل،حيث يشترط ان يكون المتعاقدان على يقين من ترتب الأثر على العقد و التعليق مناف للجزم و اليقين.

و قال جماعة من الفقهاء:بل يصح التعليق إطلاقا،سواء أ كان الشرط المعلق عليه معلوم الحدوث عند العقد،كبعتك هذا،ان كان ملكي،أو معلوم

ص:39

الحدوث في المستقبل،كبعتك إياه ان جاء رأس الشهر،أو مشكوك الحدوث، كبعتك ان قدم زيد من سفره،و إلى هذا ذهب السيد اليزدي،و الشيخ النائيني، و السيد الحكيم.

قال الأول في حاشيته على مكاسب الأنصاري:لا يشترط الجزم بترتب الأثر على العقد حين إنشائه،و إلاّ بطل البيع بلا تعليق إذا لم يكن البائع أو المشتري على يقين من توافر الشروط الشرعية-ثم قال-و على افتراض وجود الإجماع على عدم صحة التعليق فإنه ليس بحجة في هذه المسألة،و ذلك أن الإجماع يعتمد عليه،و يؤخذ به إذا علمنا بأنه كاشف عن رأي المعصوم،و بدون هذا العلم يسقط عن الحجة و الاعتبار،و نحن نعلم أو نحتمل على الأقل ان المجمعين قد تخيلوا وجوب الجزم،و هو تخيل لا يقوم على أساس،كما بينا.

و قال الشيخ النائيني في تقريرات الخوانساري:«ان صحة تعليق المنشأ لا تخفى عليه أحد،بل وقوعه في الأحكام الشرعية لا يبلغه الإحصاء،فإن أغلب الأحكام الشرعية،بل جميعها إلاّ ما شذ قضايا حقيقية (1)و أحكام مشروطة على تقدير وجود موضوعاتها،و وقوعه بالجملة في العقود و الإيقاعات،كالوصية و التدبير،و النذر و العهد و اليمين مما لا اشكال فيه».

و قال السيد الحكيم في نهج الفقاهة:«لا دليل على اعتبار الجزم بأي معنى

ص:40


1- للقضية أقسام،منها القضية الطبيعية،و هي ما يكون الحكم فيها على الطبيعة من حيث هي،مثل الإنسان نوع،و القضية الحقيقية ما يكون الحكم فيها على الطبيعة من حيث إفرادها،مثل الإنسان ضاحك،فتشمل كل فرد من الإنسان ما كان منه،و ما يكون،و قضية خارجية،و هي ما حكم فيها ابتداء على الافراد الموجودة في الخارج بالفعل مثل غرق من في المركب،و قتل من في المعركة، و الأحكام الشرعية كلها من نوع القضية الحقيقية،فإن قوله تعالى أَقِيمُوا الصَّلاةَ خطاب لمن وجد،و من سيوجد من المكلفين دون استثناء.

فرض.و ان الرضا بشيء لا يتوقف على إمكان حصوله فضلا عن الجزم بوقوعه، فكما أن المنشأ يتعلق به الرضا كذلك المنشأ المعلق».

و هذه بديهة لا تقبل الجدال،فكلنا يرغب في وقوع أشياء لم تقع،مع الجزم بعدم وقوعها،و إذا لم يكن الجزم بترتب الأثر شرطا لانعقاد العقد جاز أن ينعقد معلقا على احتمال ترتب الأثر في المستقبل.

التوافق بين الإيجاب و القبول:

لا يتم العقد إلاّ بتوارد الإيجاب و القبول على شيء واحد،لأن اختلاف القبول و مغايرته للإيجاب يعتبر رفضا له،قال الشيخ الأنصاري:«لو اختلف الإيجاب و القبول في المضمون،فأوجب البائع البيع على وجه،و قبل المشتري على وجه آخر لم ينعقد،لأن الرضا يجب أن يتعلق بنفس الإيجاب.و مثال عدم التوافق أن يقول البائع:بعتك هذا بمئة،فيقول المشتري:اشتريت بعشرة،أو يقول:اشتريت نصفه بخمسين،و نحو ذلك».

فقد الأهلية قبل تمام العقد:

اشارة

كما يعتبر الإيجاب إلى حين القبول،و توافقهما على شيء واحد كذلك يشترط ان يبقى كل من المتعاقدين على صفات الأهلية إلى تمام العقد،فإذا خرج أحدهما عن الأهلية قبل الإيجاب لم ينعقد،قال الشيخ الأنصاري:«من جملة الشروط في العقد ان يقع كل من إيجابه و قبوله في حال يجوز لكل واحد من المتعاقدين الإنشاء،فلو كان المشتري في حال إيجاب البائع غير أهل للقبول،أو خرج البائع حال القبول عن أهلية الإيجاب لم ينعقد».

ص:41

أما السيد كاظم اليزدي فقد فرق بين فقد القابل للاهلية عند انعقاد العقد في الصورة الأولى،و انعقاده في الصورة الثانية،فإذا قال زيد لعمرو:بعتك هذا، و كان عمرو نائما عند الإيجاب،ثم استيقظ،و بعد أن أعلموه بالإيجاب قال:

قبلت لم يصح،أما إذا نام زيد بعد ان أوجب البيع،و قبل عمرو نام زيد صح و تم العقد.

فوائد:

جاء في مطاوي كلمات الأنصاري فوائد،و هو يتكلم عن بقاء أهلية كل من الموجب و القابل إلى أن يتم العقد.

من هذه الفوائد،إذا أوصى شخص آخر،ثم مات قبل أن يقبل الموصى له تمت الوصية،لأنها ليست من العقود،كي يكون القبول ركنا لها،و انما هو شرط لتنفيذ الوصية فقط لا لصحتها،قال الشيخ محمد حسين الأصفهاني في حاشيته على المكاسب:الوصية ليست عقدا،و لا إيقاعا،و انما هي برزخ بين الاثنين.

و منها:إذا صدر الإيجاب من الموجب فللطرف الثاني،و هو الموجب له أن يقبل الإيجاب أو يرفضه،و كذلك للموجب أن يرجع عن إيجابه طالما لم يقترن بعد بالقبول،و متى تم العقد فليس لأحد الفسخ و العدول إلاّ برضا الآخر.

و منها:إذا أنشأ شخص الإيجاب مكرها،و قبل الآخر لا يتم العقد بالبداهة، و لكن إذا رضي و طابت نفسه بعد الإكراه صح العقد بالإجماع،و يأتي التفصيل إن شاء اللّه عند الكلام في شروط المتعاقدين.

الإشارة و الكتابة:

ص:42

ذهب المشهور إلى أن صيغة العقد لا يصح إنشاؤها بالإشارة و الكتابة إلاّ مع العجز عن النطق،و خالف النراقي في ذلك،قال في كتاب المستند:«تكفي الإشارة المفهمة،و كذا الكتابة،سواء تيسر التكلم أو تعذر خلافا للمشهور».

و الذي ليس فيه شك أن العرف يرى انعقاد العقد بالكتابة و الإشارة،و قد رأينا الناس،و منهم الفقهاء يرتبون الآثار عليهما كما يرتبونها على الأقوال بلا تفاوت،و إذا تم العقد بهما في نظر العرف شملها قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ، و ما إليه من العموم.

الخلاصة:

و الخلاصة ان الشارع قد نص على أحكام البيع و الإجازة و الهبة،و ما إلى ذلك،و لم ينص على تحديد معانيها،فيتعين الرجوع في معرفتها الى العرف العام،فكل ما صدق عليه اسم من هذه الأسماء التي نص الشارع على أحكامها وجب ترتيب الآثار عليه،حتى يثبت العكس بدون فرق بين أن يكون فعلا أو قولا أو إشارة أو كتابة،و لا بين إجراء الصيغة بالعربية أو غيرها،و لا بين الجملة الاسمية أو الفعلية،و لا بين تأخر القبول و تقدمه،و لا بين الموالاة و عدمها،و لا بين التنجيز و التعليق،أجل لا بد من توارد الإيجاب و القبول على شيء واحد، و أيضا يجب أن يكون القابل على تمام الأهلية عند إيجاب الموجب،و لا يجب العكس،أي استمرار أهلية الموجب إلى حين القبول،بل يكفي وجودها حين الإيجاب فقط.

و من الخير أن نختم هذا الفصل بما جاء في كتاب الحدائق مجلد 5 ص 66 و 194 طبعة 1317 ه«من الفقهاء من أوجب ان يكون لفظ الإيجاب و القبول

ص:43

بصيغة الماضي،و منهم من أوجب قصد الإنشاء،و منهم من أوجب تقديم الإيجاب على القبول،و منهم من أوجب فورية القبول،مع عدم الضرر بفصل النفس و السعال،و منهم من أوجب العربية مع عدم المشقة،إلى غير ذلك و لا دليل على شيء مما زعموا بأن الشارع عين كيفية خاصة،بل المفهوم من كلمات أهل البيت عليهم السّلام ان كل ما دلّ على التراضي من الألفاظ فهو كاف في الصحة.

و على هذا جملة من محققي متأخري المتأخرين،و به جزم المحقق الأردبيلي، و المحقق الكاشاني،و الفاضل الخراساني،و الشيخ عبد اللّه بن صالح البحراني، و العلامة الشيخ سليمان،و هو الظاهر عندي من اخبار العترة الأطهار.أما القول المشهور بين الفقهاء فهو ليس بدليل شرعي في هذا الباب،و لا في غيره من الأبواب».

ص:44

خاتمة في المقبوض بالعقد الفاسد

اشارة

اعتاد فقهاء المذاهب ان يتعرضوا لحكم المقبوض بالعقد الفاسد بعد ان ينتهوا من الكلام عن صيغة العقد،و كان الأولى ان يأتي متأخرا في الترتيب عن شروط المتعاقدين،و المحل المعقود عليه،لأن الفساد قد يكون من جهة الصيغة نفسها،و قد يكون لفوات الأهلية في المتعاقدين،أو المحل.و لكن قد أخذنا على أنفسنا أن نرتب فصول هذا الكتاب و بحوثه على منهج الفقهاء،بخاصة كتاب المكاسب للشيخ الأنصاري،لاهتمام العلماء به تدريسا و شرحا و تعليقا،و مهما يكن،فان الفقهاء تكلموا عن حكم المقبوض بالعقد الفاسد بعنوان«قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده».و يتكفل هذا الفصل بيان معنى،القاعدة، و عكسها،و الدليل عليها،و المهم من أحكامها.

معناها:

العقد الصحيح هو الذي استجمع كل الشروط المعتبرة فيه،كتوارد الإيجاب و القبول على معنى واحد،و بلوغ المتعاقد و رشده،و أهلية العوضين للتمليك و التملك،و متى توافرت الشروط بشتى أنواعها تم العقد،و ترتبت عليه الأحكام و النتائج التي قررها الشارع لانعقاده،فإذا تبايع اثنان بالعقد الصحيح،

ص:45

و تقابضا الثمن و المثمن،فلكل منهما أن يتصرف في المقبوض كيف شاء،و تنفذ فيه تصرفاته دون استثناء،و إذا تلف في يده فعليه وحده النقص و الخسارة،حيث تنتقل إليه ملكية المقبوض،كسائر أملاكه.

و إذا عرفنا العقد الصحيح فقد عرفنا العقد الفاسد،و أنّه الذي لا تتوافر فيه الشروط المطلوبة،و لا يترتب عليه أي أثر من الآثار الشرعية (1)فإذا تبايعا و تقابضا بالعقد الفاسد بقي المقبوض على ملك مالكه الأول،و لا ينفذ شيء من تصرفات الثاني فيه إطلاقا،كما لو لم يكن هنالك عقد من الأساس.

و بتعبير ثان ان المشتري إذا قبض المبيع بعقد صحيح-مثلا-ثم تلف في يده بآفة سماوية،أو غيرها يكون هو الضامن له،أي يذهب من ماله،و لا يحق له الرجوع بشيء على البائع،لأنه انتقل منه إلى ملك المشتري،و كذلك إذا تلف في يده،و كان قد اشتراه بعقد فاسد،فإنه يكون ضامنا له،و يذهب من ماله هو لا من مال البائع مع التلف،سواء أتلف بسبب منه،أو من غيره،لما سنذكره من الأدلة على الضمان في فقرة:«الدليل»و حيث ان العين مضمونة عليه،و قد تعذر ردها بالذات لمكان التلف وجب رد بدلها و عوضها من المثل أو القيمة،حتى مع عدم التعدي و التفريط،تماما كالغاصب إلاّ في الإثم و المؤاخذة،و كذا يجب على البائع أن يرد الثمن المسمى للمشتري،ان كان قائما،أو بدله ان كان قد تلف،و هذا هو المعنى المراد من قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

و تقول:ما ذا تصنع بالاذن المقارن للعقد الفاسد؟فان مقتضاه عدم ضمان القابض إلاّ مع التعدي و التفريط.

ص:46


1- ان ثبوت المهر و النسب و العدة،مع الزواج الفاسد ليس من آثار عقد هذا الزواج،بل من آثار الواقعة المادية،و هي الوطء بشبهة،لأن النكاح الشرعي يشمل الشبهة و الزواج الصحيح.

و لنا أن نجيب أن الاذن و الرضا لم يحصلا على كل تقدير،بل بناء على صحة العقد،فإذا فسد الأساس كان الفرع مثله.

و لم يفرق الشيخ الأنصاري في وجوب الضمان بين أن يكون كل من القابض و الدافع عالمين بالفساد،أو جاهلين،أو جهل أحدهما دون الآخر، لعموم النص و الفتوى.و مراده بالنص احترام مال المسلم،كما يأتي،و بالفتوى قول الفقهاء بالضمان بدون تفصيل و تقييد.

عكس القاعدة:

و مما ذكرناه في بيان معنى ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده يتضح معنى العكس،و هو ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده،و لذا قال السيد اليزدي:

«و قد علم من بيان معنى الأصل معنى العكس،فلا حاجة إلى التكرار».و مع ذلك نقول بإيجاز:ان كل عقد صحيح لا يوجب ضمانا فان الفرد الفاسد منه لا يوجبه أيضا،كالهبة،فكما أن العين الموهوبة بهبة صحيحة لا يضمن الموهوب له شيئا للواهب فكذلك أيضا لا يضمن له شيئا إذا قبضها بهبة فاسدة.و ذلك أن الواهب قد سلط الموهوب له على ماله مجانا،فيكون،و الحال هذه،غير مسؤول عن شيء على تقدير الصحة،فلا يكون مسؤولا أيضا على تقدير الفساد.

و بديهة أن هذا يتم إذا كان الواهب أهلا للتصرف،و مالكا للعين الموهوبة، لأن البحث انما هو في المعاملة التي لها فردان:أحدهما صحيح،و الآخر فاسد، أما التي ليس لها إلاّ فرد فاسد فقط،كهبة القاصر،أو غير المالك فهي أجنبية عن البحث،و الضمان فيها مؤكد بالاتفاق.

ص:47

الدليل:

و استدل الفقهاء على قاعدة«ما يضمن»بأدلة:

أولا:بقاء كل من العوضين على ملك صاحبه الأول،إذ المفروض أن سبب التمليك و التملك و هو العقد،فاسد،فيكون المسبب مثله.

ثانيا:الإجماع بشهادة صاحب مفتاح الكرامة،و الجواهر،و بلغة الفقيه، و غيرهم،قال الأول:طفحت بذلك عبارات الفقهاء.و قال الثاني:بلا خلاف أجده،بل الإجماع على ذلك بقسميه.و قال الثالث:الإجماع على القاعدة مستفيض.

ثالثا:الحديث النبوي المشهور:«على اليد ما أخذت،حتى تؤدي».و هو عام لكل يد يصدق عليها أنّها قد أخذت،سواء أ كان ما أخذت عينا أو منفعة.

رابعا:قول الإمام الصادق عليه السّلام:احترام مال المسلم كاحترام دمه.و قوله:لا يحل مال امرئ إلاّ عن طيب نفس.و قوله:لا يذهب حق أحد باطلا.

خامسا:قاعدة من أتلف مال غيره فهو له ضامن،التي استنبطها الفقهاء من قول الإمام الصادق عليه السّلام:من أضر بطريق المسلمين فهو له ضامن.

المنافع:
اشارة

إذا كان للعين المقبوضة بالعقد الفاسد منافع استوفاها القابض فعليه ضمانها عند المشهور،تماما كالعين،لأنها تبع لها،و تشملها جميع الأدلة المتقدمة في ضمان العين.

و تقول:ان ضمان المنفعة لا يجتمع مع ضمان العين،لحديث:«الخراج بالضمان»أي ان استحقاق الخراج-و هو المنفعة-يكون في مقابل تحمل الخسارة.

ص:48

الجواب:

أولا:ان الحديث ضعيف للجهل بحال الراوي.

ثانيا:انّه خاص فيما إذا كان الضمان بسبب مشروع،و يدل على ذلك مورد الحديث،و هو أن شخصا اشترى عبدا من آخر،و بعد أن استخدمه وجد فيه عيبا قديما،فخاصم البائع إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فقضى برده على البائع،فقال:يا رسول اللّه قد اشتغل غلامي.قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«الخراج بالضمان»أي لو هلك العبد في يد المشتري تحمل تبعة هلاكه،هذا،إلى أن الأخذ بعموم الحديث يستدعي أن تكون منافع المغصوب للغاصب،لأنه ضامن للعين المغصوبة فيكون خراجها له، و لا قائل بذلك.

المثلي و القيمي:
اشارة

لقد أطال الشيخ الأنصاري الكلام في المثلي و القيمي،مع العلم بأن هذين اللفظين لم يردا في آية أو رواية.

و تسأل:ان الفقيه لا يهتم إلاّ بالأحكام الشرعية و موضوعاتها،و إذا لم يكن للفظ المثل و القيمة عين و لا أثر في كلام الشارع فلما ذا اهتم الفقهاء بهما، و بتفسيرهما هذا الاهتمام.

الجواب:

أجل،و لكن ورد في كلام الشارع لفظ الضمان و الأداء و الوفاء،و معنى ضمان الشيء و وفائه هو الخروج عن المسؤولية بإرجاعه،بالذات،ان كان قائما، أو إرجاع بدله،ان كان تالفا،و البدل في نظر العرف هو المثل أو القيمة،فهما و ان لم يردا في كلام الشارع إلاّ أنهما يتصلان وثيقا بما جاء في كلامه.

ص:49

و معنى المثلي أن تتساوى أفراده في الصفات،و الآثار،و الثمن،بحيث إذا اختلط فردان منه،أو أكثر لا يمكن التمييز بينهما،كالحبوب و النقود من صنف واحد،و نسخ الكتاب من طبعة واحدة،و الأقلام و اذرع القماش من معدن واحد، و معمل واحد.أما القيمي فبالعكس،فلا تتساوى أفراده في الصفات و الآثار و الثمن-في الغالب-كالحيوانات و الدور و الأشجار.

و للسيد كاظم اليزدي في حاشيته على المكاسب تعليقا على المثلي و القيمي عظيم الفائدة،حيث نبه إلى أن المثلي قد يصير قيميا،و القيمي مثليا، و ننقله بالحرف لوضوحه،قال:«المثلي ما له مماثل في الأوصاف و الخصوصيات،و القيمي ليس كذلك،و هما يختلفان بحسب الأزمان و البلدان و الكيفيات،فان الثوب،و ان كان معدودا من القيمي إلاّ أنّه في مثل هذا الزمان يوجد الكثير من أصنافه التي تأتي من بلاد الإفرنج فيكون مثليا،و هكذا الكتاب المطبوع،و ما عده العلماء مثليا أو قيميا انما هو بالنسبة إلى الموجود في بلادهم و زمانهم.و من ذلك يظهر ان لا اعتبار بإجماعهم على كون الشيء الفلاني مثليا أو قيميا،لأنهم لم يستندوا في أقوالهم إلى دليل شرعي،فلو كان الموجود في زماننا على خلاف ما ذكروه لا تجب متابعتهم».

و تجدر الإشارة بهذه المناسبة إلى أن القول بتبدل الأحكام بتبدل الأزمان انما يصح بالقياس إلى الموضوعات التي علق الشارع أحكامه بها،و ترك أمر تحديدها إلى العرف،كما هي الحال في المثلي و القيمي،و لا تمس الأحكام الشرعية،و مبادءها الاساسية من حيث هي لا من قريب و لا من بعيد،و عقدنا فصلا خاصا لهذا الموضوع في كتابنا«أصول الإثبات في الفقه الجعفري».

ص:50

شروط المتعاقدين

الأهلية:

تكلم فقهاء المذهب عن الأهلية،و أطالوا،حتى شغل كلامهم عنها حيزا كبيرا في كتب الفقه،و لكنهم،يا للاسف،لم يفردوها بفصل مستقل يدرجون فيه جميع مسائلها و أحكامها،كما فعل الحقوقيون الجدد،و انما تكلموا عنها حسب المناسبات في باب العبادات،و المعاملات،و الأحكام،و الجنايات،فتعرضوا في العبادات لصحة صوم الصبي و صلاته و حجه،و وجوب الزكاة في أمواله، و نيابته عن غيره،و في باب المعاملات لتصرفاته،و ما يتبعها،و في باب الأحكام لطهارته و نجاسته،و شهادته و لقطته،و حيازته للمباحات،و الولاية عليه و على أمواله،و الوصية له،و الوقف عليه،و ما يتحمله من نفقة الأقارب،و في باب الجنايات لتأديبه،و ضمان ما يتلفه،و ما إلى ذاك مما يحتاج إحصاؤه إلى بذل الجهد،و سعة الوقت.

و قسم الحقوقيون الجدد،و بعض الفقهاء القدامى الأهلية إلى أهلية الوجوب،و أهلية الأداء،و أرادوا بالأولى صلاحية الإنسان للتمتع بالحقوق التي جعلها الشارع له،و عليه دون حق استعمالها،و التصرف فيها،و أرادوا بالثانية صلاحيته لاستعمال ما له من حق،و نفاذ تصرفه فيه.

ص:51

و نوجز نحن الكلام عن الأهلية،كما أرادها الفقهاء من أقوالهم العديدة المتفرقة في شتى أبواب الفقه،و قد رأيناها تختلف عندهم باختلاف المراحل و الأطوار التي يمر بها الإنسان في حياته منذ تكوينه جنينا تاما في بطن امه،ثم انفصاله حيا،حتى يصبح مميزا،ثم عاقلا بالغا.و كذا تختلف أهلية العاقل البالغ باختلاف أحواله من الرشد و السفه،و الصحة و المرض،و العلم و العدالة،و القرابة و غيرها،و فيما يلي نشير إلى هذه الحالات كلها أو جلها:

1-الجنين،فإنه أهل لما يوصى له به،و يوقف عليه،كما يجب ان يحجز له من تركة أبيه أكبر نصيب،على أن لا ينفذ شيء من ذلك إلاّ بعد انفصاله حيا.

و هذا الحق يثبت لابن آدم بما هو حي،و لو كان جنينا في بطن أمه.

2-و بمجرد انفصاله حيا،و قبل أن يبلغ دون التمييز يصير أهلا لتحمل الديون،و منها ديون مورثة،على القول بانتقالها من ذمة الميت إلى ذمة الورثة، لا إلى أعيان التركة.

و يضمن الصبي و المجنون ما يحدثان من إتلاف أو عيب في مال الغير، و على الولي السداد من مالهما ان وجد،و إلاّ انتظر صاحب الحق قدرة القاصر على الوفاء.

و أيضا يملك الصبي ما يشترى و يوهب له،و تصح الشركة معه،و الصلح عنه،و البيع و الشراء و الزواج له،و ما إلى ذلك من العقود التي يجريها الولي لحسابه على الأصول الشرعية.و هذا الحق يثبت للإنسان بما هو حي غير أجنبي.

أما أقوال غير المميز و أفعاله فهباء،لا أثر لها إطلاقا،حتى و لو تمحضت لمنفعته (1).

ص:52


1- جاء في وسيلة النجاة للسيد أبو الحسن الأصفهاني ان المجنون و الصبي إذا التقطا ما دون الدرهم ملكاه،سواء أ قصدا التملك،أو قصده وليهما،و لم أر فقيها رتب أثرا شرعيا على قصد المجنون و الصبي غير المميز في اللقطة،و لا في غيرها،بل قال صاحب الجواهر،لا حكم لالتقاط الصبي، و ان كان مميزا مراهقا.

3-إذا دخل دور التمييز يصبح أهلا للصدقة عند المشهور،و صحة الوصية في الخير،و حيازة المباحات،و استحقاق الكون في الأمكنة العامة إذا سبق إليها،و امتلاك اللقطة إذا كانت دون الدرهم،كما أنّه يصير أهلا للتأديب على السرقة و اللواط،و ما إليه.

4-إذا بلغ عاقلا راشدا استقل في جميع تصرفاته المالية،و غير المالية، و إذا بلغ سفيها منع عن التصرف المالي إلاّ بإذن الولي.

5-من كان سليما من مرض الموت حقّ له أن يتصرف في جميع أمواله، و إلاّ منع من التصرف عما يزيد على الثلث.

6-العادل أهل للشهادة المثبتة للحق،و امامة الجماعة،و ولاية الحسبة.

7-المجتهد أهل للإفتاء و القضاء،و الولاية على الأيتام و المجانين و الغائبين.و الأب أهل للولاية على أولاده الصغار.

و المتحصل من كل ذلك أن أهلية كل شيء بحسبه،و لم اهتد إلى تعريف لها غير هذه الايماءة،إذ يستحيل فهمها مجردة عن مواردها،أما تقسيمها إلى أهلية الوجوب،و أهلية الأداء فتقسيم ناقص،لا يشمل جميع الموارد إلاّ بضرب من التكليف و التعسف،فان أهلية العادل للشهادة-مثلا-لا تثبت حقا له،و لا عليه،كي تدخل في أهلية الوجوب،كما أن الأدلاء بالشهادة ليست من آثار العدالة في شيء،كي تدخل في أهلية الأداء،و انما هي أثر من آثار العلم بالحق، و لذا جاز لكل عالم به أن يشهد عادلا كان،أو غير عادل.هذا مجمل القول في الأهلية،كما هي عند الفقهاء،و قد مهدنا به للكلام عن شروط المتعاقدين.

ص:53

ص:54

البلوغ

اشارة

للبيع أركان ثلاثة:العقد،و المتعاقدان،و المحل المعقود عليه.و تقدم الكلام عن العقد و شروطه،أما شروط المتعاقدين فهي العقل،و البلوغ،و القصد، و الاختبار،و السلطة على المعقود عليه،و عدم التحجير،لسفه،أو فلس،أو مرض موت،و ننتقل إلى التفصيل بعد هذا الإجمال.

المجنون:

يدل على اشتراط العقل العقل نفسه،و النقل،و الإجماع على أن بيع المجنون و شراءه باطل،و ان اذن له الولي،لعدم شعوره و الاعتبار لا بقصده،بل و لا ببلوغه،و يلحق به السكران،و المغمى عليه،و الغضبان الذي استولى الغضب على عقله،لتساوي الجميع في عدم الشعور و القصد.قال صاحب المستند:لا يصح البيع حال الغضب المستولي على العقل.

و لا فرق بين المجنون المطبق:و بين من يعتوره الجنون أدوارا إذا صادف الجنون حين العقد،و ان وقع حال الإفاقة صح بالإجماع.

ص:55

الصغير:

قال تعالى وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ (1).

و قال الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي،حتى يحتلم، و عن المجنون،حتى يفيق،و عن النائم،حتى يستيقظ.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:يدفع للغلام ما له إذا بلغ و انس منه الرشد،و لم يكن سفيها و لا ضعيفا.

و سئل أبوه الإمام الباقر عليهما السّلام:متى يؤخذ الغلام بالحدود التامة؟.قال:إذا احتلم،أو بلغ خمس عشرة سنة،أو يحتلم،أو أنبت و أشعر قبل ذلك أقيمت عليه الحدود،و أخذ بها.قال السائل:فالجارية متى تجب عليها الحدود؟.قال:ان الجارية ليست مثل الغلام،انها متى تزوجت و دخل بها،و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم،و دفع إليها مالها،و جاز أمرها في البيع و الشراء،و أقيمت عليها الحدود،و أخذ لها بها،و لا يجوز أمر الغلام في البيع و الشراء،و لا يخرج من اليتم،حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم،أو يشعر قبل ذلك،اي ينبت الشعر في وجهه.

اتفق الفقهاء على أن غير المميز لا تصح تصرفاته إطلاقا،و اختلفوا في تصرفات المميز على التفصيل التالي:

إسلامه:

إذا كان المميز قد تولد من أبوين غير مسلمين فحكمه حكمهما،فإذا أسلم

ص:56


1- النساء:6. [1]

قبل البلوغ يحكم بصحة إسلامه عند جماعة من الفقهاء،منهم الشيخ الطوسي- كما نقل عنه-و السيد اليزدي،و الشيخ النائيني،لأن السبب الموجب للصحة هو الإدراك،فإذا أدرك المراهق أن محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صادق في دعوته أصبح مسلما.و قال كثيرون منهم صاحب الجواهر:لا يصح إسلامه،لرفع القلم عنه.

و الذي ليس فيه شك ان الإسلام حسن بذاته،و إذا لم يكن حسنه ملزما و واجبا بالقياس إلى الصبي المميز فلا أقل من الرجحان و الاستحباب،بخاصة على مبدأ من قال:ان كل واجب في حق البالغ فهو مستحب في حق الصبي.

عبادته:

ذهب المشهور إلى أن عبادة الصبي من الصوم و الصلاة و الحج شرعية لا تمرينية،و على هذا الشيخ الأنصاري،و السيد اليزدي،و الشيخ محمد حسين الأصفهاني،قال هذا الشيخ في حاشيته على المكاسب:«ان أدلة التكليف غير الملزمة لا مانع من شمولها للصبي».

و قول المشهور غير بعيد عن الأصول و القواعد،لأن العبادة حسنة بذاتها، و محبوبة للّه سبحانه بطبيعتها،و المميز يدرك ذلك،و يمكنه أن يتقرب بها إلى خالقه جل و عز،أمّا حديث رفع القلم فالمراد به رفع المؤاخذة التي تستدعي رفع الإلزام و الوجوب حتما،كما أن رفع الوجوب يستدعي رفع المؤاخذة كذلك.

و بكلمة أن معنى رفع القلم عن المجنون و الصبي و النائم أنهم غير مكلفين بما يستدعي تركه المؤاخذة و العقاب.و بديهة أن المستحبات لا مؤاخذة و لا عقاب على تركها،فالحديث-اذن-غير متعرض للمستحبات نفيا و لا إثباتا،و على هذا فلا يصح الاستدلال به على نفي التكاليف المستحبة،أو إثباتها.فتبقى الأدلة

ص:57

المثبتة للأحكام المستحبة على عمومها أو شمولها لكل مدرك مميز بالغا كان،أو غير بالغ.

وصيته و صدقته:

المشهور بين الفقهاء ان الصبي المميز إذا بلغ عشرا جازت وصيته و صدقته في وجوه المعروف،و فيه روايات كثيرة و صحيحة عن أهل البيت عليهم السّلام،منها قول الإمام الصادق عليه السّلام:إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته.إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز له فيما أعتق،أو تصدق،أو أوصى على المعروف.

قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور نقلا و تحصيلا،بل نسبه بعضهم إلى الفقهاء مشعرا بدعوى الإجماع».

و ألحق بعض الفقهاء وقف الصبي بوصيته في وجه البر استنادا إلى رواية تقول:ان الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن صدقة الغلام؟.فقال:نعم إذا وضعها في موضع الصدقة.

و المشهور بين الفقهاء عدم جواز الوقف منه،لأن الصدقة شيء،و الوقف شيء آخر،و لذا خصص لكل منهما باب مستقل في الفقه.

طلاقه:

نسب إلى ابن الجنيد القول بصحة طلاق الصبي إذا بلغ عشرا استنادا إلى رواية متروكة،لمخالفتها للعمومات،و لقول الإمام الصادق عليه السّلام:«لا يجوز طلاق الغلام،حتى يحتلم».

و قال صاحب الجواهر:ان الرواية الدالة على صحة طلاق البالغ عشرا

ص:58

محمولة«على بعض الأمزجة في بعض البلدان الحارة التي ينبت فيها الشعر،أو يحصل الاحتلام مبكرا».

و قال الشيخ أسد اللّه التستري في كتاب المقاييس:لم أقف على رواية عن أهل البيت عليهم السّلام في غير الصدقة و الوصية سالمة من القدح في السند أو الدلالة.

تغريمه:

اتفقوا على أن الصبي و المجنون يغرمان في أموالهما ما يحدثانه في مال الغير من تلف أو عيب،لأن الضمان يستند إلى نفس الحادثة بصرف النظر عن القصد و الإرادة و العقل،و لذا اشتهر على السنة الطلاب و التلاميذ ان الأحكام الوضعية لا تختص بالبالغين و لا العاقلين،و منه تتضح عدم الملازمة بين الأحكام الوضعية و الأحكام التكليفية (1).

تأديبه:

أجمعوا على أن الصبي المميز يؤدب على ما يرتكبه من الكبائر،قال الإمام الصادق عليه السّلام:جيء برجل إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قد لاط بغلام،و شهد عليه الشهود،فأمر به،فضرب بالسيف،حتى قتل،و ضرب الغلام دون الحد،و قال له،:لو كنت مدركا-أي بالغا-لقتلتك لإمكانك إياه من نفسك.

ص:59


1- الأحكام التكليفية فيها نحو من البعث و الحث على الفعل كالوجوب و الزجر و الردع عنه كالتحريم،و ليس من شك أن هذا يحتاج إلى العقل و القصد و الاختيار،و إلى نية للقربة أحيانا،كما هي الحال في العبادة،أمّا الأحكام الوضعية فلا تتضمن شيئا من ذلك،و انما تتجه إلى صحة العمل و فساده،أو الضمان و ما إلى ذلك.

و قال صاحب الجواهر:و لو لاط الصبي و المجنون بمثلهما أدبا معا.

تملكه بالحيازة:

يملك المميز ما يحوزه من المباحات،كالمياه و الأعشاب و الحطب،و ما إليه،و كذا يملك ما يلتقطه إذا كان دون الدرهم،على قول،و له الحق فيما يحييه من أرض الموات،و الأولية فيما يسبق إليه من الأمكنة العامة،كالمساجد و الساحات و الأندية.

عقده:

المشهور بين فقهاء المذهب أن عقد المميز-غير البالغ-باطل،حتى و لو اذن الولي،سواء أوقعه أصالة عن نفسه،أو نيابة عن غيره،و سواء أ كان في الأشياء الحقيرة،أم الخطيرة إلاّ ما استثني من الصدقة و الوصية في الخير.لقول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:رفع القلم عن الصبي،حتى يحتلم.و قول الإمام الصادق عليه السّلام:عمد الصبي و خطأه واحد.و معنى هذا أن ما يفعله الصبي متعمدا تماما كالذي يفعله الكبير مخطئا،و عقد الكبير عن الخطأ لا أثر له فكذلك عقد الصبي عن عمد.قال الشيخ الأنصاري في المكاسب:«إذ جمعنا الأدلة بعضها إلى بعض فمقتضاها عدم الاعتبار مما يصدر عن الصبي-أي المميز و غيره-من الأفعال التي يعتبر فيها القصد،كإنشاء العقود أصالة و وكالة،و القبض و الإقباض، و كل التزام على نفسه من ضمان أو إقرار أو نذر أو إيجاز».

و خالف المشهور جماعة من الفقهاء،و قالوا بجواز معاملة الصبي المميز و صحتها مع اذن الولي،و من هؤلاء فخر المحققين ابن العلامة الحلي،و السيد

ص:60

كاظم اليزدي،و الشيخ الأردبيلي،و السيد الحكيم،قال هذا السيد في نهج الفقاهة:ص 183 طبعة 1371 ه:

«لا ينبغي التأمل في ثبوت سيرة العقلاء على ذلك في جميع الأعصار،و لم يثبت الردع عنها و الظاهر ان سيرة المتشرعة (1)كذلك،فلا ينبغي التأمل في حجيتها.اذن لا يبعد القول بصحة عقد الصبي إذا كان بإذن الولي،كما اختاره جماعة،منهم المحقق الأردبيلي،و قبله فخر المحققين في الإيضاح».

و قال آخرون:تجوز معاملة المميز في الأشياء الحقيرة فقط،كشراء باقة البقل،و البيضة،و الرغيف،و ما إلى ذاك،و لا تصح في غيرها.

و الحق الذي نؤمن به أن الصبي الفطن المأمون يملك جميع التصرفات التي تعود عليه بالنفع و الصلاح،لأن البلوغ وسيلة لا غاية،و لذا لو بلغ غير راشد يحجر عليه،فالعبرة-اذن-بالرشد،لا بالبلوغ،و نقول لمن لا يؤمن إلاّ«بالقيل و القال»:لم نتفرد نحن بذلك،فقد جاء في كتاب المقاييس للتستري ج:2 ص 4 طبعة 1322 ه ما نصه بالحرف:«بيع من بلغ عشرا و شراؤه حكي فيه قول بالجواز،و عزاه بعضهم إلى الشيخ-أي الطوسي شيخ الطائفة-و ذكره العلامة في التذكرة وجه لأصحابنا.و قال في التحرير:و في رواية صحة بيع الصبي إذا بلغ عشر سنين رشيدا،و ذكر الصيمري نحو ذلك».

و جاء في مفتاح الكرامة كتاب المتاجر ص 170:«و نسب إلى الشيخ تارة، و بعض الأصحاب أخرى جواز بيعه إذا بلغ عشرا عاقلا.و الموجود في كتاب

ص:61


1- الفرق بين سيرة العقلاء،و بين سيرة المتشرعة أن الأولى عبارة عن استمرار عمل العقلاء على شيء بما هم عقلاء،بصرف النظر عن الدين و التدين،حتى ان الملحدين يدخلون فيها،و هي المعبر عنها بالعرف،أما الثانية فهي استمرار الفقهاء المسلمين على العمل بما هم فقهاء ملتزمون بأحكام الشريعة.

المبسوط روي أنّه إذا بلغ عشر سنين و كان رشيدا كان جائز التصرف».

و هذه الرواية تخصص الروايات الأخر،و يكون معناها مجتمعة أن أمر الصبي لا يجوز في الشراء و البيع،حتى يبلغ 15 سنة (1)أو يحتلم،أو يشعر،أو يبلغ العشر راشدا.

و يؤيد ذلك قول المحقق الأردبيلي في شرح الإرشاد:«إذا جاز عتق الصبي و وصيته بالمعروف،و غيرها كما هو ظاهر الكثير من الروايات فلا يبعد جواز بيعه و شرائه،و سائر معاملاته إذا كان بصيرا رشيدا مميزا،يعرف نفعه و ضره في المال،و طريق الحفظ و التصرف،كما نجده في كثير من الصبيان،فإنه قد يوجد بينهم من هو أعظم في هذه الأمور من آبائهم،فلا مانع أن يوقع الصغير العقد خصوصا مع اذن الولي،و حضوره بعد تعيين الثمن».

فقوله خصوصا اذن الولي صريح في أن معاملة الصبي جائزة بدون اذن الولي،و لكنها تتأكد معه.و كلنا يعلم مكانة الأردبيلي الدينية و العلمية،حتى اشتهر بالمقدس،و وصف بالمحقق عند الجميع(ت سنة 993 ه).

إجازة الصبي و المجنون:

إذا صدرت صيغة العقد من الصبي الذي لا تصح تصرفاته،ثم أجاز بعد أن يبلغ،أو أجاز المجنون بعد أن يفيق،أو النائم بعد أن يستيقظ،أو السكران بعد زوال أثر السكر،و المغمى عليه بعد ذهاب الإغماء،كل هؤلاء لا أثر لاجازتهم،إذ لا يعتد بعقودهم،و لا بشيء من تصرفاتهم من الأساس،و إذا لم يوجد العقد فلا يبقى للإجازة من موضوع تتعلق به،و ترد عليه.

ص:62


1- و في بعض الروايات ثلاث عشرة سنة،و هي تعزز ما قلناه.

و بكلمة ان العقل و البلوغ شرطان في أصل العقد و وجوده،لا أنّ العقد موجود بالفعل،و لكن الجنون و الصغر مانعان من نفاذه،حتى إذا زالا أثر العقد أثره.

ص:63

ص:64

القصد و الاختيار

العبرة بالقصد:

اتفقوا قولا واحدا على أن الألفاظ و الأفعال بما هي لا اثر لها إطلاقا في المعاملات و الإيقاعات و الإقرارات و الشهادات و غيرها،و انما تكون حجة يترتب عليها الأثر الشرعي من حيث تعبيرها عن القصد،فهو الأصل و الأساس، قال الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:إنما الأعمال بالنيات.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا طلاق إلاّ لمن أراد الطلاق.إلى غير ذلك من أحاديث الرسول،و روايات أهل البيت عن جدهم.فإذا علمنا بطريق من الطرق عدم قصد المعنى من اللفظ يكون وجوده و عدمه سواء.

و تكرر ذلك في كتب الفقه،بخاصة المعاملات،قال السيد اليزدي في حاشية المكاسب:«لو علم من المتكلم عدم القصد إلى اللفظ،أو مدلوله،أو عدم قصد الإنشاء بطل».

و قال الشيخ التستري في المقاييس:«ان العقد غير المقصود ليس عقدا في الحقيقة،لأن تأثير الصيغة ليس تعبدا محضا،كما هي الحال في أذكار الصلاة، و انما تسمى الصيغة عقدا بضميمة المقصود منها إيجابا و قبولا».و قال الشيخ الأصفهاني في حاشيته على المكاسب:«لا صيغة بلا قصد»إلى غير ذلك من

ص:65

العبارات التي لا يبلغها الإحصاء،و كلها تدل على أن العقد يستمد وجوده من القصد،لا من شكل العقد،و وجوده كيف اتفق،و إلاّ لم يجز الطعن فيه بعدم القصد،أو الإكراه،و قد اشتهر أن العقود تتبع القصود.

و تقول:إذا كان القصد من مقومات العقد،فلما ذا ذكره الفقهاء مع شروط المتعاقدين،لا مع شروط العقد؟.

و الجواب،أجل هو من مقدمات العقد،و انما ذكره الفقهاء مع شروط المتعاقدين،لشدة ارتباطه بهما،و عدم انفصاله عنهما،تماما كالعقل و البلوغ.

القصد بلا إكراه:

معنى القصد بلا إكراه الذي يترتب عليه الأثر الشرعي أن يريد المتعاقدان إنشاء العقد طلبا لآثاره،و الأخذ بها،دون ضغط و إكراه من أحد-مثلا-إذا قال:

بعتك داري بكذا،و كان قاصدا الإنشاء،و ما يترتب عليه من انتقال الدار من ملكه إلى ملك القابل بلا إكراه كان الإيجاب صحيحا،و إذا علمنا أنّه تلفظ به من غير قصد،أو كان قاصدا للإنشاء،و لكنه غير قاصد لآثاره،أو قصدها،و لكن هذا القصد نشأ و تسبب عن الإكراه بطل العقد،و يتفرع على ذلك الكثير من الفروع و الثمرات،نشير فيما يلي إلى طرف منها.

النائم و اخوته:

لا أثر للإيجاب أو القبول إذا صدر من الناسي،أو النائم،أو المغمى عليه، أو السكران،أو من استولى الغضب على عقله،لعدم القصد من الأساس،و كذلك إذا قصد الاخبار أو الاستفهام،دون الإنشاء،أما قصد الإنشاء من الهازل فلا يعتد

ص:66

به ما دام لم يتجه اتجاها جديا لآثار العقد،و الأخذ بها،و مثله تماما العقد الصوري الذي بني على التواطؤ.

الإكراه:

إذا قصد الإنشاء طلبا لآثاره،و العمل عليها،و لكن تولد هذا القصد من الضغط و الإكراه،فلا أثر،لقصده هذا بالإجماع،لقول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:رفع عن أمتي الخطأ و النسيان،و ما استكرهوا عليه،و قول الإمام الصادق عليه السّلام:لا يقع الطلاق بإكراه،و لا سكر،و لا على غضب.

و تقول:كيف يجتمع الإكراه و القصد،مع العلم بأن الإكراه هو عدم القصد، أو مستلزم له؟.

و نجيب بأن الظالم القوي لو هددك و توعدك إذا امتنعت عن بيع دارك تولد في نفسك خوف الضرر و من هذا الخوف تتولد الرغبة في البيع دفعا لما هو أكثر ضررا،و أعظم خطرا،فاجتمع،و الحال هذه،قصد البيع مع السبب الباعث عليه، و هو الإكراه،قال السيد اليزدي:«ان المكره مريد للفعل في الخارج.و الحامل له على الفعل ليس إلاّ عقله الحاكم بوجوب دفع المفاسد،و ارتكاب ما هو أقل ضررا».و قال الشيخ الأنصاري:«ان المكره يختار الفعل لاستقلال العقل بوجوب اختياره دفعا للضرر،أو ترجيحا لأقل الضررين».

هذا،و ليس من الضروري أن يقصد المكره(بالفتح)البيع،و ينوي انتقال العين من ملكه،بل قد يتلفظ بالإيجاب غير قاصد لمدلوله فيقع باطلا لعدم القصد،لا للإكراه،و لكن لو افترض أنّه قصد و نوى البيع و التمليك يكون قصده هدرا لا أثر له،ما دام ناشئا عن الإكراه،و بكلمة ان الإكراه يتعلق بالمقدور،

ص:67

و القصد غير مقدور،فلا إكراه عليه بالذات،و انما الإكراه على نفس الفعل،و مع ذلك لو حدث الفعل المكره عليه عن قصد لا يترتب عليه أثر إذا كان القصد موافقا لغرض الظالم المكره.

إسلام الخائف:
اشارة

و تسأل:لقد ثبت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال:أمرت أن أ قاتل الناس،حتى يقولوا لا إله إلاّ اللّه،و قبل إسلام من نطق بالشهادتين خوفا من السيف،و عامله معاملة المسلمين،و على هذا ينبغي ان تصح المعاملة مع الإكراه،بل أن صحتها أولى،لأن الإسلام أصل،و المعاملات فرع.

الجواب:

ان آثار الإسلام،كحقن الدماء و الأموال،و المناكحة و التوارث انما تترتب على الشكل فقط،و هو مجرد النطق بالشهادة،لا على الإسلام واقعا،فالمطلوب هو التسليم بأي دافع كان،و من تتبع تاريخ الإسلام و نبيه الكريم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يجد أن هذا الباب أوسع بكثير من باب العقود و الإيقاعات،و الغاية من ذلك الرغبة في انتشار كلمة لا إله إلاّ اللّه،محمّد رسول اللّه،و إعلانها في كل قطر و جيل.

المضطر:
اشارة

إذا اضطر إنسان إلى بيع داره-مثلا-مع حاجته إليها،و لكن دعت الضرورة إلى حاجة أشد،كوفاء الدين،أو الإنفاق على العيال،أو التطبيب،إلى غير ذلك مما تستدعيه الظروف الخاصة،إذا كان الأمر كذلك يتم البيع و يصح.

و تقول:ان المضطر تماما كالمكره كلاهما أوقع البيع دافعا للضرر الأشد،

ص:68

فكيف صح بيع المضطر،دون المكره؟.

الجواب:

أولا:أجل،ان كلا من المضطر و المكره لم يقصد البيع إلاّ دفعا لأشد الضررين،و لكن الفرق أن المضطر قد ألجأته ظروفه الخاصة إلى البيع،دون أن تتوسط ارادة الظالم في هذا الاضطرار،أمّا المكره فإنه في سعة من ظروفه،و ربما في غنى عن بيع داره،و انما ألجأه إليه ضغط الظالم و إكراهه عليه،لذا صح في الأول دون الثاني،و بكلمة ان الذي يفسد البيع هو الإكراه،لا مجرد الكراهية.

ثانيا:ان أحكام الشريعة الإسلامية ترتكز على التوسعة،و عدم الحرج و الضيق،و لو قلنا بفساد بيع المضطر الذي ألجأته ظروفه إليه للزم بقاؤه فيما هو أشد ضيقا و حرجا،و يتنافى هذا مع مقاصد الشريعة السمحة،فبيع المضطر أشبه بمن اختار قطع عضو من أعضائه لحفظ حياته،كما قال السيد اليزدي.

و هذا بعكس من أكرهه الظالم على البيع،حيث يلزم من القول بصحة بيعه تبرير الظلم،و إقرار الظالم على ظلمه.و بالاختصار ان مصلحة كل من المضطر و المكره،و الاحتفاظ بحريته و كرامته يستدعي صحة معاملة المضطر دون المكره.

ثالثا:ان العرف يفرقون بين المضطر و المكره،و يرون صحة بيع الأول دون الثاني،و تجدر الإشارة إلى أن المضطر و المكره يشتركان معا في رفع الحكم التكليفي كالوجوب و الحرمة،فمن اضطر إلى أكل لحم الميتة-مثلا-لا يؤاخذ بشيء،تماما كمن أكره عليه،ذلك أن السبب لرفع التكليف و المؤاخذة هو دفع الضرر المتحقق في المكره و المضطر.و يفترقان في الحكم الوضعي،كالصحة و الفساد،حيث نحكم بصحة معاملة المضطر دون المكره،و السر أن الإكراه يرفع

ص:69

التكليف و الوضع معا،لا التكليف فقط،كما هي الحال في الاضطرار.

معنى الإكراه:

1-لم يحدد الشارع معنى الإكراه،فيتعين الرجوع إلى العرف،و يتحقق عندهم بخوف الضرر على النفس و المال و العرض،و قال بعض الفقهاء:يختلف الخوف باختلاف الأشخاص،و مكانتهم الاجتماعية-ما عدا الخوف على النفس- فقد يكون التهديد بالشتم ضررا بالنسبة إلى شخص،و ليس بشيء بالنسبة إلى آخر.و الاولى أن يحدد الإكراه بما يستند إليه الفعل،بحيث لولاه لم يحصل، سواء أ كان الخائف عظيما،أم حقيرا،هدد بالشتم،أم بالضرب.

الإكراه بحق:

استثنى الفقهاء من الإكراه ما كان بحق،كإكراه الحاكم المحتكر على بيع الطعام أيام المجاعة،و بيع مال لوفاء الدين،أو نفقة عيال،أو بيع الحيوان إذا امتنع أو عجز صاحبه عن نفقته،أو طلاق الزوجة لسبب مبرر،إلى غير ذلك من الإكراه الذي أمر اللّه به.

اجازة المكره:

قال الشيخ الأنصاري:«المشهور بين المتأخرين ان المكره لو رضي بعد ذلك بما فعله صح العقد،بل نقل الاتفاق عليه،لأنه عقد حقيقي،فيؤثر أثره».

ذلك ان المانع من صحة العقد الإكراه و عدم الرضا،فإذا ارتفع الإكراه، و وجد الرضا بالعقد كان شأنه شأن العقود الصحيحة التي يجب الوفاء بها،أما

ص:70

اقتران العقد بعدم الإكراه فلا دليل عليه،فيكفي-اذن-مطلق الرضا تقدم أو تأخر.

و بكلمة ان العقد موجود،و لكنه اقترن بوجود المانع من نفاذه،فإذا ارتفع المانع،و هو الإكراه أثر العقد أثره.

و لا يعتد برضا الهازل و الساهي و النائم و من إليه،لعدم الاتجاه إلى آثار العقد حين التلفظ به،بل ان النائم و السكران و المغمى عليه مسلوبو العبارة.و إذا رضي المكره بعد العقد،فهل يكون رضاه كاشفا عن ترتب آثار العقد من حين إنشائه،أو ناقلا الملكية حين الرضا به؟.و على الأول يكون النماء المتخلل بين العقد و الرضا للقابل،و على الثاني يكون للموجب.

و قال الشيخ الأنصاري:«الأقوى بحسب الأدلة النقلية هو الكشف،لا النقل، كما سيجيء في مسألة الفضولي».و يأتي الكلام عنه في الفصل التالي.

الإكراه على المال:

إذا طلب الظالم من شخص مبلغا من المال،و هو لا يملك شيئا منه فاضطر إلى بيع داره،ليدفع الظلم بثمنه عن نفسه،فهل يقع البيع صحيحا أو يبطل؟.

و لا بد في الجواب من التفصيل،فإذا كان قصد الظالم متجها منذ البداية إلى حمل المظلوم على بيع داره،و جاء طلب المال وسيلة لهذه الغاية،لعلم الظالم بأن المظلوم يعجز عن الدفع إلاّ بالبيع،إذا كان الأمر كذلك بطل البيع،لأن الإكراه متجه إلى البيع أولا و بالذات،و إذا لم يقصد الظالم إلاّ أخذ المال من أي سبيل اتفق،قال الفقهاء:يصح البيع،لأن الإكراه قد تعلق بدفع المال،لا بالبيع،قال الشيخ الأنصاري:«من اكره على دفع مال،و توقف على بيع بعض أمواله فالبيع الواقع منه صحيح،و ان كان لدفع الضرر المتوعد به إلاّ أنّه ليس مكرها».

ص:71

و الحق أن البيع يصح إذا استطاع المظلوم ان يدفع المال بغير البيع و لو بالدين،و مع ذلك اختار البيع،و يبطل إذا انحصر الدفع بالبيع فقط،بخاصة إذا باع على الظالم نفسه،لأن الفعل يستند و الحال هذه،إلى الإكراه،بحيث لولاه لم يقع.

تعيين المالك:

تعرض فقهاء المذهب الجعفري-أثناء كلامهم عن القصد-لمسألتين هامتين:

1-ان كلا من المثمّن و الثمن تارة يكون محسوسا و موجودا في الخارج، كالدار و البستان،و ما إليهما،فيقول البائع:بعتك هذه الدار بهذا البستان،و أخرى لا يكون له وجود خارجي،بل كليا في الذمة،كبعتك طنا من الحنطة بألف ليرة، فإن مثل هذا يصح،حتى و لو لم يملك البائع حبة واحدة من الحنطة و المشتري ليرة حين البيع.

فان كان العوضان من الموجودات الخارجية فلا يعتبر قصد من يملكهما على سبيل التعيين،بل يكفي قصد العوضين الموجودين بالفعل المرئيين للعيان، و قصدهما بالذات،هو قصد إجمالي لمن له الملك.و بتعبير ثان ان الغرض من البيع،و سائر المعوضات المالية هو مبادلة مال بمال،و هذه المبادلة تستدعي معرفة المالين،لا معرفة المالكين لهما،قال الشيخ الأنصاري:«مقتضي المعاوضة و المبادلة دخول كل من العوضين في ملك الآخر.و على هذا فقصد العوض و تعيينه يغني عن قصد المالك و تعيينه».و متى تم الإيجاب و القبول على العوضين الخارجيين ينظر:فان كان المتعاقد أصيلا أو مأذونا لزمت المعاملة دون أن تتوقف على شيء،و ان كان فضوليا توقف نفاذها على الإجازة.

ص:72

و ان كان العوضان في الذمة لا في الخارج فلا بد من تعيين صاحبها،إذ لا يعقل مطالبة شخص غير معين،و لأن الذمة من حيث هي لا تصلح موضوعا للمعاوضة إلاّ مع التعيين و التشخيص،لأن الذمة أمر اعتباري لا توجد إلاّ بوجود صاحبها،و إذا لم يكن لها وجود مستقل فكيف يتعلق بها الشيء الموجود؟.قال السيد الحكيم في نهج الفقاهة:«إذا لم يكن العوضان خارجيين اعتبر القصد إلى من له العقد،لأن الذميات لا يصح أن تكون موضوعا للمعاوضات إلاّ بإضافتها إلى ذمة معينة».

شخصية المتعاقد:

2-هل لشخصية المتعاقد تأثير في لزوم العقد-مثلا-إذا أوقع معاملة مع شخص معتقدا أنّه زيد،فتبين أنه عمرو،فهل يحق للمشتبه أن يفسخ؟ قال الفقهاء:يختلف الحكم في ذلك باختلاف الرغبات،فان كان الغرض من العقد هو نفس المعقود عليه،و تبديل كل من العوضين بالآخر بغض الطرف عن شخصية المتعاقد،و عن كونه أصيلا،أو وكيلا،أو فضوليا،فان كان الأمر كذلك تلزم المعاملة،و ليس لأحد المتعاقدين الرجوع و الفسخ إلاّ مع شرط التعيين،و ان كان الغرض من العقد نفس المتعاقد لا المعقود عليه،كعقد الزواج و الهبة و الوصية و الوقف و الوكالة فتجب معرفة كل من المتعاقدين للآخر،بحيث إذا انكشف الخلاف يثبت للطرف الآخر حق الفسخ.

قال السيد اليزدي في حاشية المكاسب:«يجب تعيين كل من الطرف، و علم الآخر به إذا كان ركنا في المعاملة،بحيث تختلف الرغبات نوعا باختلافه، كما في الزواج،فان الزوجين فيه بمنزلة العوضين،تختلف الأغراض

ص:73

باختلافهما،و كذا في الوقف بالنسبة إلى الموقوف عليه،فان الغرض متعلق بالموقوف عليه،أما الواقع فلا،و كذا في الهبة،فإن الواهب يختلف غرضه في هبة ماله بالنسبة إلى الأشخاص،و كذا في الوكالة،و أمثالها.بخلاف البيع،فان الركن فيه هو العوضان،و لا يتعلق الغرض غالبا بالمالك.فتعيينه غير لازم، و تخلفه مع عدم اشتراطه لا يوجب البطلان و لا الخيار».

و بالإجمال ان المعنى المراد من أقوال الفقهاء على طولها في هذه المسألة تتلخص في هذه الجملة،و هي أن الشخص المخاطب بالإيجاب ان كان قد اعتبر وسيلة،لا غاية فليس للموجب ان يختار الفسخ،ان استبان خلاف القصد،كما هي الحال في البيع،و غيره من العقود التي لا يقصد منها إلاّ مجرد المعاوضة، و بالأولى العقد الذي يراد به مجرد وقوع الفعل من أي كان،كجعل جائزة معينة ممن يفقد شيئا لمن يأتي به،و كتنفيل الإمام عليه السّلام بقوله:من قتل فلانا فله كذا،و من أحيا أرضا ميتة فهي له.فان الملتزم له مجهول من الأساس،و مع ذلك أجمع الفقهاء على صحة الالتزام.

و ان كان الشخص المخاطب قد اعتبر غاية،لا وسيلة يثبت له حق الفسخ إذا تبين أنّه غير المقصود،كما هو الشأن في الزواج و الوقف و الوصية و الهبة و الوكالة.

مخاطبة الوكيل:

إذا علم الموجب ان القابل وكيل،فهل يصح أن يوجه إليه الخطاب،و يقول له:زوّجتك،و بعتك،أو يجب أن يقول:زوّجت موكلك،و بعت موكلك؟.

قال أكثر الفقهاء:لا بد من التفصيل بين العقد الذي اعتبر فيه المتعاقد

ص:74

وسيلة لا غاية،كالبيع و الإجارة،و بين العقد الذي اعتبر فيه المتعاقد ركنا و غاية، لا وسيلة كالزواج،و في الأول يصح أن يخاطب الوكيل بخطاب الأصيل دون الثاني،و يقول للوكيل:بعتك أو بعت موكلك،و لا يقول له:زوّجتك،بل يجب أن يقول:زوّجت موكلك.

و قال السيد اليزدي في حاشية المكاسب:«التحقيق الجواز في الكل مع نصب القرينة،لعدم المانع من مثل هذا الاستعمال».

و هو الحق،لأن العبرة بظهور القصد،و معرفة المراد من اللفظ،لا باللفظ من حيث هو،و عليه يصح أن يقول للوكيل:زوّجتك إذا علم يقينا أن المقصود و المراد هو الموكل لا الوكيل،فلقد قرر علماء اللغة أن النسبة تصح لأدنى ملابسة، كهذا مكانك،و من هنا طريقك،يريدون المكان اللائق بالمخاطب،و الطريق المؤدي إلى بيته،أو بلده.

الوكيل و حكم العقد:
اشارة

للعقد أحكام و آثار خاصة تترتب عليه،سنذكرها إن شاء اللّه بعد الانتهاء من شروط المتعاقدين،و شروط المعقود عليه،و من هذه الأحكام حق البائع بمطالبة المشتري بالثمن،و حق المشتري بمطالبة البائع بالمثمن،و رجوع كل على الآخر عند ظهور العيب في العوض الذي انتقل إليه.

و موضوع الكلام في هذه الفقرة أن المتعاقد إذا باع،أو اشترى لغيره لا لنفسه،كما لو كان وكيلا،فهل للطرف الآخر الذي باشر معه العقد أن يطالب الوكيل بالعمل على أحكام العقد و آثاره،أو يطالب الموكل،أو له الرجوع على أيهما شاء؟.مثلا-أجرى زيد معاملة بيع داره مع عمرو،و لكن عمرا اشتراها

ص:75

لموكله خالد،لا لنفسه،فهل المسؤول عن الثمن عمرو،أو خالد،أو هما معا؟.

و لو انعكس الأمر،و افترضنا ان زيدا باشر بيع الدار بالوكالة عن غيره،و عمرا اشترى لنفسه،ثم ظهر عيب في الدار،فهل يرجع عمرو على الوكيل،أو على موكله؟.

الجواب:

اتفق الفقهاء جميعا على أن الوكيل إذا لم يفوض إليه أمر البيع و الشراء، و انما كان وكيلا في مجرد إجراء الصيغة،و المعاملة الشكلية فقط،إذا كانت كذلك فلا يجوز الرجوع على الوكيل بشيء،إذ يكون و الحال هذه،أشبه بالأجنبي،أو بالآلة لوقوع الصيغة و إجرائها.

و اختلفوا فيما إذا كان وكيلا في المعاملة نفسها،لا في إجراء صيغتها فحسب،و أصح الأقوال ما ذهب إليه الشيخ النائيني في تقريرات الخوانساري، و هو أن الطرف الآخر إذا علم ان الذي أجرى معه المعاملة وكيل لا أصيل كان الموكل وحده هو المسؤول،دون الوكيل،و ان كان جاهلا بأنه باشر المعاملة معه وكالة لا أصالة تخير بين الرجوع على الموكل،لأن العقد له في الواقع،و بين الرجوع على الوكيل،لأنه أنشأ الالتزام و باشره مع الوكيل،قال الشيخ النائيني:«لو علم كونه وكيلا فالملتزم هو الموكل بلا شبهة،لأن الخطاب،و ان كان متوجها إلى الوكيل إلاّ أنّه لم يتوجه إليه بما هو هو،بل بما هو نائب عن موكله،أي أن العلم بالوكالة يجعل الالتزامات العقدية على الموكل،و اما إذا جهل الوكالة فالملزم هو الوكيل،لأن الجهل بها يجعل الالتزامات الصريحة و الضمينة مع الوكيل،بل لعله لو كان عالما بالوكالة لما أوقع المعاملة مع الموكل،لأن الناس في السهولة و الصعوبة،و العسر و اليسر،و المماشاة و المماطلة مختلفون».

ص:76

ضابط التعبير عن القصد
الضابط:

اعتاد الفقهاء ان يذكروا في آخر البيع فصلا بعنوان«ما يندرج في المبيع» تعرضوا فيه لدلالة لفظ الأشياء التي كانت-في الغالب-تباع و تشتري في زمانهم أكثر من غيرها من الثوابت،كالدار و الأرض و البستان،و ما إليه،و حددوا الضابط الذي يجب الرجوع إليه عند الشك في قصد المتعاقدين،و ما يندرج في لفظ المبيع،و ما يخرج منه.و هذا البحث من البحوث الهامة،لأنه يتعلق بتفسير العقد،و الإرادة المشتركة بين المتعاقدين،لذا آثرنا ان يكون العنوان«ضابط التعبير عن القصد»لا ما يندرج أو يدخل في المبيع،كما فعل الفقهاء،و أيضا آثرنا ذكر هذا الفصل هنا،لا في آخر البيع،كما فعلوا،لأنه أنسب في الترتيب و التبويب.هذا إلى أن وضعه في آخر البيع أوقع الكثير في الاشتباه،و ظنوا أن المسألة مجرد تفسير للفظ الأرض و البستان،حتى كأن ألفاظ العقد منفصل بعضها عن بعض لا اتصال بينها و لا تكامل.

و مهما يكن،فان الفقهاء قالوا في علم الأصول:ان كل لفظ جاء في كلام الشارع يحمل على ما علم إرادته منه،سواء أ كان المعنى شرعيا أو عرفيا حقيقيا أو مجازيا،و ان لم يعلم ما أراد فيحمل اللفظ على الحقيقة الشرعية ان كانت،و إلاّ

ص:77

فعلى ما هو المعروف في زمانه،و ان جهل فعلى المعنى المرتكز في أذهان أهل هذا الزمان،فان لم يكن فعلى المعنى اللغوي،فإن تعدد و لم يترجح معنى على معنى كان اللفظ مجملا،و بالتالي،تكون الواقعة في حكم ما لا نص عليه من الشارع.

و طبق بعض الفقهاء هذا الضابط على ألفاظ المتعاقدين،و قال:يحمل لفظهما على المعنى الشرعي،ثم العرفي،ثم اللغوي.و هذا اشتباه بين ألفاظ الشارع،و ألفاظ غيره،و بعيد عما نحن فيه كل البعد،و لذا علق عليه صاحب الجواهر بقوله:«و هذا من غرائب الكلام،لأن العقد يتبع القصد،فان علم قصد المتعاقدين عمل به،و إلاّ حمل اللفظ على ما يفهمه العرف العام،حتى و لو خالف الحقيقة الشرعية.نعم،قد يقال بتقديم المعنى الشرعي على العرفي في دخول ثمرة النخل قبل التأبير (1)في ملك المشتري،و لكن هذا غير محل البحث».لأن البحث فيما يندرج في المبيع من حيث هو بصرف النظر عما ورد من النص في واقعة خاصة،لا يتعدى إلى غيرها.

و خير ما قرأته في هذه المسألة ما قاله صاحب مفتاح الكرامة في مجلد المتاجر ص 669،و هذا نصه:

«و تنقيح المسألة ان يقال:ان المدار انما هو على عرف المتابعين،لأنّ البائع ما باع إلاّ ما هو مقصود له،و المشتري كذلك،و ليس المقصود بإطلاقهما اللفظ إلاّ ما استقر عليه عرفهما،و استمر عليه اصطلاحهما.فلو صرف ذلك إلى عرف الشارع،أو العرف العام،أو اللغة،على تقدير أن شيئا من ذلك مخالف لعرفهما لكان البيع باطلا،للجهل بالمبيع حال العقد،نعم،إذا عرفا اصطلاح

ص:78


1- حتى في التأبير لا يتقدم المعنى الشرعي على العرفي،كما أوضحناه في آخر هذا الفصل.

الشارع مثلا،و أوقعا العقد عليه كان هو المرجع،لا لأنه متقدم على اصطلاح المتعاقدين،بل لأنه مراد لهما،تماما كما لو أوقعا العقد على اصطلاح قوم آخرين،و كذلك إذا أوقعاه على اصطلاح العرف إذا كان مخالفا لعرف بلدهما، و كذلك الحال في اللغة».

«فالضابط الذي لا غبار عليه هو الرجوع إلى عرف المتبايعين ان علم،و إلاّ فإلى العرف العام،و إلاّ فإلى اللغة».و نذكر فيما يلي طرفا من ألفاظ المبيع التي تعرض لها الفقهاء،كأمثلة على هذا الضابط.

الأرض:

إذا كان في الأرض بناء،أو شجر،أو زرع،و باع الأرض مالكها،بحيث كان المعقود عليه لفظ الأرض المعلومة بين الطرفين،و لم يذكرا شيئا مما فيها،فهل يدخل في المبيع البناء و الشجر و الزرع؟.و على افتراض عدم الدخول،فهل للمشتري الخيار بين الفسخ أو الإمضاء مجانا؟.

قال الفقهاء:لا يدخل شيء من ذلك في لفظ الأرض إلاّ مع القرينة الصريحة،كما لو قال:بعتك هذه الأرض بما فيها،أو بما دار عليه حائطها ان كان لها حائط.أجل،تدخل فيها الصخور الثابتة،و الأحجار المخلوقة بطبيعتها.

و لا خيار للمشتري مع العلم،و يثبت له الخيار بين الفسخ،أو الإمضاء مجانا ان كان جاهلا بوجود شيء من ذلك.و يبقى الزرع للبائع إلى أوانه، و الشجرة،حتى نهايتها أو قلعها،و لا يستحق المشتري أجرة على ذلك،لأن الإبقاء من مقتضيات العقد،و قال صاحب الجواهر:«و ليس لصاحب الشجرة غرس غيرها مكانها إذا سقطت».و إذا تجدد لها فهي لصاحب الشجرة،لأنها نماء

ص:79

ملكه.أجل،لا يجب على مشتري الأرض بقاؤها في ملكه،بل يجوز له قلعها، لأن العقد اقتضى بقاء الشجرة الأم فقط.

الدار:

يدخل في لفظ الدار البناء الأعلى و الأسفل،و ما قام عليه من الأرض مع العرصة و البئر و الطريق و السلم و الرفوف و الأبواب و المفاتيح،و كل مثبت فيها.

البستان:

يدخل في لفظ البستان الشجر و الأرض،و الجدار المحيط به،و الماء و الطريق و كل ما يتصل بالبستان،و لا يتم الانتفاع إلاّ به،و اختلف الفقهاء في البناء المعد للسكن الموجود في البستان،فمن قائل بالدخول،و آخر بالعدم.و الحق الرجوع فيه إلى العادة التي تختلف بحسب البلدان،فان لم تكن فلا يدخل،لأن البستان غير الدور و البيوت.

و إذا كانت الثمرة موجودة على الشجر حين البيع فهي للبائع إلاّ مع الشرط، و ان تجددت بعد العقد فهي للمشتري إطلاقا إلاّ في النخل،حيث قال الفقهاء:من باع نخلا قد أبره (1)فثمره للبائع،و ان لم يوجد حين البيع إلاّ مع الشرط،و ان باعه قبل التأبير فللمشتري،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ان ثمرة النخل للذي أبرها إلاّ أن يشترط المبتاع.

و لو انتقل النخل بغير البيع كالهبة كانت الثمرة لمن انتقلت إليه العين،حتى

ص:80


1- تأبير النخل تلقيحه بما هو معروف عند أهله،و لا يحمل النخل إلاّ بعد التلقيح.

بعد التأبير اقتصارا لما خالف الأصل على موضع النص.قال صاحب الجواهر:

«لا أجد فيه خلافا».

و الحق ان العادة وحدها هي المحكّمة في كل ذلك،حتى في دخول الدار في البستان،و حتى تأبير النخل المنصوص عليه،لأن النص هنا يحمل على أن العادة كانت قائمة على ذلك في عهد الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.و ليس هذا اجتهادا منا في قبال النص،بل هو اجتهاد في استخراج المعنى من النص،تماما كالاجتهاد في المراد من يد اللّه قوة اللّه سبحانه،لا هذه اليد المادية المحسوسة.

ص:81

ص:82

في بيع الفضولي

بيع الفضولي
اشارة

يشترط في البائع أن يكون عاقلا بالغا رشيدا،و قاصدا بلا إكراه،و مالكا، أو وليا،أو وصيا،أو وكيلا،و تقدم الكلام عن شرط البلوغ و العقل و القصد بلا إكراه،و يأتي الكلام عن الرشد و الولاية في باب الحجر،و عن الوصي في باب الوصية (1)و عن الوكيل في باب الوكالة،و خصصنا هذا الفصل للكلام عن الفضولي،و ما يتعلق به،و قد فرع عليه الفقهاء فروعا شتى،و أطالوا في التفريع و التفصيل،و لو حاول فقيه أن يجري عملية الإحصاء لمسائله المتراكمة،كما جاءت في مكاسب الشيخ الأنصاري،و حواشيها و التعليقات عليها لبلغت العشرات،و يتلخص أكثرها بخاصة المهم منها في الفقرات التالية:

معنى الفضولي:

الفضولي مأخوذ من الفضول،و لفظه جمع لفضل،كفلوس جمع لفلس، و لكنه استعمل استعمال المفرد،ثم نسب إليه على اعتباره مفردا،لا جمعا.

ص:83


1- تكلمنا عن الوصاية و الولاية و السفه عند فقهاء الإمامية في كتاب الفصول الشرعية،و كتاب الأحوال الشخصية على المذاهب الخمسة،و لم نشر إلى الدليل،و سنتعرض لها مع الدليل في الأجزاء الآتية من هذا الكتاب ان شاء اللّه.

و الفضولي في اللغة هو الذي يتعرض لما لا يعنيه،و هذا المعنى أساس للمعنى الذي اصطلح عليه الفقهاء،حيث أرادوا به«الكامل الذي يتصرف تصرفا غير مالك له».و المراد بالكامل أن يكون الفضولي عاقلا بالغا،لأن كلا من المجنون و الصبي لا تجوز تصرفاته عن نفسه،فبالأولى عن غيره،قال الشيخ الأنصاري:

«الفضولي أن يكون العاقد أهلا للعقد،من حيث انّه بالغ عاقل،و ان يكون المبيع قابلا للبيع،و لا يفقد العقد شيئا إلاّ خلوه عن مقارنة اذن المالك».و مثال ذلك أن يبيع العاقل البالغ ملك غيره دون اذنه،أو إذن وليه،أو وكيله،أو وصيه،أو يبيع مال نفسه الذي لا يملك التصرف فيه لرهن،أو تحجير عليه لسفه،أو فلس،فإذا باع الراهن العين التي رهنها توقف النفاذ على الإجازة من المرتهن،و كذا السفيه لا تنفذ تصرفاته المالية إلاّ بإذن الولي،و مثله المفلس الذي حجزت أمواله لحساب الغرماء،و المريض مرض الموت،إذا تبرع بأكثر من الثلث.

نية الفضالة:

لا يشترط في الفضولي ان تنصرف نيته إلى العمل لمصلحة الغير،بل إذا اتجهت إلى العمل لمصلحته،ثم تبين أن عمله لمصلحة غيره يكون فضوليا، فالعبرة في الفضولي أن لا يملك التصرف الذي قام به،مهما كان الدافع،و سيتّضح ذلك من الأمثلة الآتية.قال صاحب الجواهر:«لا يعتبر في الفضولي قصد الفضولية قطعا،فمن باع شيئا بعنوان أنّه ماله،فبان أنّه مال غيره كان فضوليا».

الراهن الواقعي:

إذا تصرف إنسان في مال الغير،دون اذن سابق،و لكن صادف تصرفه هوى

ص:84

في نفس المالك،فهل يجب على المالك،و الحال هذي،أن يجيز المعاملة التي طابت لها نفسه،بحيث يعد مسؤولا أمام اللّه سبحانه ان امتنع عن الإجازة،أو ان الخيار له ان شاء أجاز،و ان شاء رفض؟.و بالإيجاز:هل الرضا الباطني تماما كالاذن الصريح؟.

قال الشيخ الأنصاري:«الذي يقوى في النفس لو لا الخروج عن ظاهر الفقهاء-أي أن الفقهاء لا يعتدون بهذا الرضا-عدم التوقف على الإجازة اللاحقة، بل يكفي الرضا المقرون بالعقد،سواء انكشف الرضا بعد العقد،أم لم ينكشف أصلا،فيجب على المالك فيما بينه و بين اللّه إمضاء ما رضي به،و ترتب الآثار عليه،لعموم وجوب الوفاء بالعقود،و قوله تعالى إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ،و قول الإمام عليه السّلام:لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس».

و الحق مع الفقهاء الذين لم يكتفوا بمجرد الرضا دون التعبير عنه،قال الشيخ النائيني:«لا بد من الإنشاء باللفظ أو الفعل،فلا الكراهية الباطنية رد،و لا الرضا الباطني إجازة،بل كل منهما يحتاج إلى كاشف».أمّا قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،و قوله عز من قائل إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ،و قول الإمام عليه السّلام:

إلاّ عن طيب نفس:فإنه خطاب موجه إلى من له التصرف،و لا يمت إلى الفضولي بسبب قريب أو بعيد.

محل الفضالة:

كل ما تصح فيه الوكالة تصح فيه الفضالة،و لذا اتفق الفقهاء على أنّها تجري في جميع العقود،حتى الزواج و الوقف،بناء على أن نية القربة ليست شرطا في صحته،كما هو الحق.و أيضا تجري في الإيقاعات ما عدا العتق و الطلاق،حيث

ص:85

ادعى كثير من الفقهاء وجود الإجماع على عدم جواز الفضالة فيهما،و أنكر الشيخ محمد حسين الأصفهاني وجود الإجماع،و أجاز الفضالة في العتق و الطلاق، و استدل بأن كل الفقهاء أو جلهم قالوا بصحة عتق الراهن للعبد المرهون متوقعا فكه،أو اجازة المرتهن،و إذا جازت الفضالة في العتق جازت في غيره بطريق أولى.

و الحق أن البحث فيما تصح فيه الفضالة،و ما لا تصح يتفرع عن البحث الآتي و هو أن الفضالة:هل هي على مقتضى القاعدة،أو على خلافها،فان كانت على القواعد تحتم القول بأنها تصح في جميع العقود و الإيقاعات إلاّ ما خرج بالدليل،و ان كانت على غير القاعدة تحتم القول بعدم صحتها إلاّ ما خرج بالدليل، و يأتي الكلام عن ذلك مفصلا.

العين و الذمة:

كما تجري الفضالة على العين الخارجية،مثل بعتك دار زيد،أو اشتريت دارك لزيد تجري أيضا على ما في الذمة مثمنا كان مثل بعتك طنا من الحنطة في ذمة زيد بدارك هذي،أو ثمنا مثل اشتريت دارك لزيد بألف ليرة في ذمته.فإذا أجاز زيد البيع له في المثال الأول يثبت في ذمته طن الحنطة للمشتري،كما انه إذا أجاز شراء الدار له يثبت في ذمته ألف ليرة للبائع،و إذا رد و رفض بطل البيع و الشراء من الأساس،و لا يحق للطرف الثاني مطالبة الفضولي بشيء،لأن عقد الفضولي لا أثر له إطلاقا مع عدم الإجازة.

الجهل بالفضالة:

إذا وقع العقد بين اثنين،و كان أحدهما فضوليا،و لكن الطرف الآخر كان

ص:86

يجهل الفضالة،حيث لا قرينة تدل عليها،كما لو قال المشتري:اشتريت هذه الدار بألف،و هو يقصد الشراء لزيد،و لكنه لم يصرح به،فإن أجاز زيد تم البيع بلا ريب،و ان رفض فهل يبطل البيع من الأساس،بحيث لا يحق للبائع أن يطالب المتعاقد بشيء،أو أن له الحق أن يلزمه بتسليم الثمن و استلام المثمن؟.

نقل العلامة في التذكرة أن فقهاء المذهب أوجبوا الأخذ بظاهر العقد،و ان المسؤول هو المشتري الذي أجرى العقد،مع البائع،و ايضا نسب الشيخ الأنصاري هذا القول إلى جماعة من المحققين،و هو الحق،لأن قصد الشراء للغير لا أثر له إذا لم يعبر عنه بقول أو فعل،بل يلغى قصد الغير،و يقع العقد للمتعاقد بالذات،لأن أثر العقد ينحصر بالمتعاقدين،و لا ينصرف إلى غيرهما إلاّ مع القرينة.

و تقول:على هذا يلزم أن يوجد العقد بلا قصد،لأن من قصد له الشراء لم يرض به،و من باشر العقد لم يقصد الشراء لنفسه،مع العلم بأن العقود تتبع القصود؟.

و نقول في الجواب:ان ظاهر العقد يدل على أن المتعاقد قصد الشراء لنفسه،و هو مأخوذ بهذا الظاهر،حتى يثبت العكس،أما قوله:اني قصدت الشراء لزيد فلا يلتفت إليه ما دام لم يعلم به أحد غيره،فهو أشبه بمن أقر بحقه لغيره،ثم ادعى عدم قصد الإقرار،و بكلمة ان جميع الدوافع النفسية التي لا يعلم بها إلاّ صاحبها لا أثر لها إطلاقا في جميع المعاملات.

من له المثمن فعليه الثمن:

قدمنا أن أثر العقد لا يتناول غير المتعاقدين إلاّ مع القرينة،و هنا سؤال،

ص:87

و هو:هل يؤخذ بالقرينة إذا دلت على أن المثمن لشخص،و الثمن على شخص آخر،كما لو قال:اشتريت هذا لزيد بدرهم في ذمتي،أو قال:اشتريت هذا لنفسي بدرهم في ذمة زيد؟.

قال الشيخ الأنصاري:«المسألة تحتاج إلى تأمل».و علق السيد اليزدي على ذلك بقوله:«و الإنصاف ان البطلان في الصورتين مقطوع به.من حيث كونهما من الجمع بين المتنافيين».و معنى قوله هذا أن طبيعة العقد تستدعي أن يكون الثمن على من له المثمن،فإذا جعل المثمن لشخص،و الثمن على غيره حصل التهافت و التناقض في كلام واحد،و أصبح لغوا لا أثر له.

النهي عن البيع:

إذا نهى صاحب المال عن بيع ماله،و مع ذلك لم يعبأ الفضولي بالنهي، و اجرى البيع،فهل يقع صحيحا،بحيث إذا رضي المالك و أجاز نفذ العقد،و أثر أثره،أو يقع العقد باطلا،و الإجازة لغوا،لأنها بلا موضوع؟.

ذهب المشهور بشهادة الشيخ الأنصاري إلى أن النهي لا أثر له،و ان العقد صحيح ينفذ بالإجازة،لأن الدليل الذي دل على صحة معاملة الفضولي لم يفرق بين سبق النهي و عدمه،و مهما يكن،فإن النهي شيء عارض يذهب أثره بمجرد حصول الرضا و الإجازة.

بيع الغاصب:

إذا افترض ان الغاصب باع العين التي اغتصبها قاصدا النيابة عن مالكها كان،و الحال هذه فضوليا يصح بيعه،و ينفذ بالإجازة،و هل يكون ايضا فضوليا

ص:88

إذا لم يقصد المالك إطلاقا،بل قصد نفسه بالذات،حتى كأنه هو المالك الحقيقي؟.

ذهب المشهور إلى أن بيع الغاصب من أقسام بيع الفضولي،فإذا أجازه المالك انتقلت العين المغصوبة إلى المشتري،و ثمنها إلى المجيز.و قال البعض:

كلا،ان عقد الغاصب باطل من الأساس،و لا تجدي الإجازة شيئا،لانتفاء موضوعها،و استدل هذا البعض بأدلة:

منها:قول الإمام عليه السّلام:لا تبع ما ليس عندك،و قوله عليه السّلام:لا بيع إلاّ في ملك.

و أجاب المشهور القائلون بالصحة ان هذا ينفي وقوع البيع لغير مالك العين،و لا ينفي وقوعه لمالك العين إذا رضي و أجاز،كما هو الغرض.

و منها:ان الغاصب أنشأ البيع قاصدا به نفسه،دون المالك،و بديهة أن المالك إذا أجاز فإنما يجيز البيع لنفسه،لا للغاصب،و على هذا يكون الذي اجازه المالك-و هو البيع لنفسه-غير مقصود،و المقصود-و هو البيع للغاصب-لم تتعلق به الإجازة.

و أجاب عنه القائلون بالصحة ان حقيقة البيع هي مبادلة مال بمال،كائنا من كان صاحب المال،فمتى تحقق قصد المبادلة تم العقد،سواء أقصد المالك الحقيقي،أو قصد غيره،أو لم يقصد أحد على الإطلاق،لأن هذا القصد ليس من حقيقة البيع،و لا من شروطه في شيء،و على هذا فلا أثر لقصد الغاصب تملك العين المغصوبة،و لا لتنزيل نفسه منزلة المالك،و انما الأثر لقصد المعاوضة و المبادلة بين المالين،و الإجازة تتعلق بهذا القصد،لا بما اراده الغاصب،و هدف إليه من المبادلة،و هذا معنى قول السيد اليزدي:«ان حقيقة البيع ليس إلاّ مبادلة مال بمال من غير نظر إلى أنه لنفسه أو لغيره،و هذا المعنى موجود في بيع

ص:89

الغاصب،و قصد انه لنفسه خارج عن حقيقة البيع».

و ليس من شك أن الغاصب إذا سلط غيره بالبيع،أو بغيره على العين التي اغتصبها فان لمالكها تمام الحق أن يدعها في يد من أخذها من الغاصب بأية وسيلة أراد،و لكن الغاصب في الحقيقة لا يقصد البيع لنفسه،و لا لغيره،و لا يهمه شيء إلاّ الحصول على المال بكل سبيل،كما هو شأن اللصوص إلاّ أن الفقهاء افترضوا بالغاصب أنّه يقصد البيع لنفسه،ثم أخذوا بالتأويل و التفريع على شيء لا وجود له،و مهما يكن،فان الكثير من مسائل الفقه افتراضية.

عقد الفضولي وفق القاعدة:

سبق أن عرّفنا الفضولي،و أشرنا إلى بعض ما خفي من أفراده و مصاديقه، و نذكر الآن ما ذهب إليه المشهور من صحة معاملته،و منها يتبين الضعف في قول من قال بعدم صحتها.

و قبل أن نستعرض النصوص الخاصة بالفضولي ينبغي أن نحقق:هل القاعدة تستدعي صحة الفضالة بما هي بحيث يكون تصرف الفضولي صحيحا في كل شيء،و يترتب الأثر عليه بمجرد الإجازة،سواء أ كان بيعا،أو هبة،أو زواجا،أو طلاقا،و ما إلى ذاك إلاّ ما خرج بالدليل،أو أن القاعدة تقتضي بطلان الفضالة،بحيث لا تجدي الإجازة نفعا إلاّ ما خرج بالدليل.و بتقريب ثان:هل يمكن أن يصدر عقد إنشائي صحيح ممن لا يملك حق التصرف،بحيث لا يحتاج العمل بموجبه إلاّ إلى الإجازة،أو أن هذا العقد لا يمكن صدوره إلاّ من المالك،أو المأذون،كالولي و الوصي و الوكيل؟.

و على الأول،و هو إمكان إنشاء العقد من غير مالك التصرف يجب أن

ص:90

نحكم بصحة المعاملات التي يجريها الفضولي بشتى أنواعها إلاّ إذا ثبت بآية أو رواية،أو إجماع بطلان معاملته في مورد خاص،كالعتق و الطلاق،أما إذا كان العقد الإنشائي مختص بمالك التصرف فقط فيجب الحكم ببطلان معاملة الفضولي إطلاقا إلاّ إذا ثبت بالدليل صحتها في مورد خاص،كالبيع.

و الحق ما ذهب إليه المشهور من أن عقد الفضولي على وفق القاعدة،لأن العاقد عاقل بالغ،و المحل قابل للتمليك و التملك،أما خلو العقد عن اذن المالك فلا يوجب نفي اسم العقد و البيع عنه،أجل،ان الرضا شرط لنفاذ العقد لا لإنشائه.

جاء في المجلد الخامس من كتاب الحدائق:«احتج الفقهاء لصحة الفضولي بأنه بيع صدر من أهله في محله فكان صحيحا،أما أنه من أهله فلصدوره من بالغ عاقل مختار،و من جمع هذه الصفات كان أهلا للإيقاعات،و أما صدوره في محله فلانه وقع على عين يصح تملكها،و ينتفع بها،و تقبل النقل من البائع إلى آخر، و أما الصحة فلثبوت المقتضي السالم عن المعارضة،أما كون الشيء غير مملوك للعاقد فلا يمنع من صحة العقد،فان المالك لو أذن قبل البيع لصح،فكذلك بعده،لعدم الفرق بينهما».

و قال صاحب الجواهر:«المنسوب إلى علمائنا أن عقد الفضولي صحيح، لاندراجه بعد الرضا بالبيع مثلا،و العقد،و التجارة عن تراض،فيشمله ما دل على الصحة و اللزوم من الكتاب و السنة و الإجماع ضرورة عدم توقف صدق أسمائها- أي أسماء البيع و العقد و التجارة-على صدور اللفظ من غير الفضولي.و لا شيء في الأدلة ما يدل على اعتبار سبق الرضا،أو مقارنته».

و إذا كان عقد الفضولي على وفق القواعد الكلية و الأدلة العامة فلا يحتاج القائل بصحته إلى دليل خاص،و مع ذلك استدل المشهور بأدلة نذكر منها رواية

ص:91

عروة البارقي لاشتهارها،و استدلال الفقهاء بها منذ عهد الشيخ الطوسي (ت 460 ه)إلى اليوم.

روي أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعطى عروة البارقي دينارا،ليشتري شاة،فاشترى به شاتين،ثم باع في الطريق إحداهما بدينار،و لما أتى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أخبره قال له:

بارك اللّه تعالى لك في صفقة يمينك.

و وجه الاستدلال أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اذن لعروة بشراء شاة،و لم يأذن له ببيع ما يشتريه،فيكون بيعه الشاه،و الحال هذه،فضوليا،أما شراء الشاتين بالدينار فليس من الفضالة في شيء،لأن الرضا بشراء شاة واحدة بدينار يدل بالفحوى و طريق أولى على الرضا بشراء شاتين به،و عليه يكون العقد مقترنا بالرضا، و يختص محل الشاهد في الرواية ببيع الشاة بدينار،فإنه من أوضح أفراد الفضولي،و تبريك النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للصفة اجازة صريحة،تكشف عن الرضا و الموافقة.

شروط المجيز:

المراد من المجيز في كلمات الفقهاء مالك التصرف الذي وقع العمل نيابة عنه،سواء أ كان مالكا حقيقيا،أو وليا،أو وصيا،أو وكيلا،أو حاكما،أو عدول المسلمين الذين هم أولياء الحسبة،و ليس من شك و لا اختلاف في أن المجيز يجب أن تتوافر فيه حين الإجازة جميع الشروط المعتبرة لابرام العقد و البلوغ و الرشد،و الصحة في التصرفات التي يشترط فيها الخلو من مرض الموت،و هذه الحقيقة لا تحتاج إلى دليل،و لا يعقل أن تكون محلا للاختلاف،لأنها تحمل قياسها معها.

ص:92

و اختلف الفقهاء:هل يجب أيضا أن يكون المجيز أهلا لابرام العقد حين إنشائه و صدوره من الفضولي،تماما كما يجب أن يكون حين الإجازة،أو يكفي أن يكون تام الأهلية حين الإجازة فقط،أما حين إنشاء العقد فلا يشترط ذلك.

و تظهر النتيجة فيما إذا باع الفضولي مال المجنون،أو الصغير،أو السفيه،أو مات المالك قبل أن يجيز البيع أو يرفضه.فعلى الأول يقع عقد الفضولي لغوا إذا كان المجيز على وصف من هذه الأوصاف حين إنشاء العقد،و لا تجدي إجازة الصبي شيئا بعد بلوغه،و المجنون بعد إفاقته،و السفيه بعد رشده،و الوارث بعد موت مورثه،و على الثاني يصح العقد و الإجازة بعد زوال المانع،و تترتب على العقد جميع آثاره الشرعية.

و للفقهاء في ذلك قولان أقواهما الاكتفاء بتوافر الشروط حين الإجازة، سواء توافرت أيضا حين إنشاء العقد،أو لم تتوافر،لأن الدليل الذي دل على صحة عقد الفضولي مطلق و غير مقيد بوجود مجيز كامل الأهلية،هذا،إلى أن العبرة في ترتيب الآثار بالإجازة،و سبق أن المجيز لا بد أن يكون أهلا للإبرام و الالتزام في حين الإجازة.و على هذا إذا وقع العقد فضالة عن المجنون و الصغير يصح و يتوقف النفاذ على اجازة الولي،أو إجازتهما بعد العقل و البلوغ،قال الشيخ الأصفهاني في حاشية المكاسب:ان العقد صدر من العاقل و البالغ،و لكن صادف صدوره حال صغر المالك،أو جنونه،و هذه المصادفة لا تمنع العقد بما هو عقد عن الصحة ما دام صادرا عن عاقل بالغ،ثم ذكر الفقهاء

هنا مسائل

،منها:

بيع الراهن:

1-ان يبيع الراهن العين التي رهنها،ثم يفك الرهن من المرتهن،و قد

ص:93

أفتوا بصحة البيع،و نفاذه بلا اجازة،لأن الإجازة انما تعتبر إذا كان المانع من النفاذ عدم التعبير عن الرضا و طيب النفس،و المفروض أن الراهن عبّر عن رضاه بإنشاء العقد،فينحصر المانع-اذن-بوجود الرهن،و تعلق حق المرتهن بالعين المرهونة،فإذا فك الرهن زال المانع،و نفذ العقد،و بالإيجاز أن تصرفات الراهن في العين المرهونة تكون صحيحة و نافذة إذا أعقبها فك الرهن،بحيث لم يبق للمرتهن آية سلطة على العين.

بيع السفيه:

2-ان يبيع السفيه بعض ما يملك بلا اذن الولي،ثم يزول السفه،و يرتفع الحجر،و قد أفتوا بصحة البيع،و لكن مع الإجازة من نفس المالك الذي أجرى العقد بعد أن صار رشيدا،و الفرق بين عقد الراهن الذي لا يحتاج إلى اجازة، و بين عقد السفيه الذي يحتاج إليها أن المانع من الأخذ بعقد السفيه هو عدم الإجازة،إذ لا يعتد برضاه إطلاقا،بل ينفذ العقد،حتى و لو كان له كارها،بخلاف عقد الراهن فان المانع من الأخذ به وجود الرهن،أما رضاه لا بد منه،و له كل الأثر في نفاذ العقد،و ترتب أحكامه عليه.

من باع شيئا ثم ملكه:

3-ان يبيع مال الغير،ثم يملكه بإرث أو شراء،فيصح البيع،و لكن يتوقف على أجازته بعد تملكه للعين المبيعة،أما الصحة فلأن الدليل الذي دل على صحة عقد الفضولي غير مقيد باتحاد المالك و لا بتعدده،و اما الاحتياج إلى الإجازة فلان البائع لم يكن أهلا لابرام العقد حين إنشائه.

ص:94

الاعتقاد و الواقع:

4-ان يبيع العين معتقدا أنّه لا يملك التصرف بها،فيتبين العكس،كالولي يبيع مال الطفل أو المجنون أو السفيه،و هو جاهل بالولاية،أو الوكيل يبيع العين عن الموكل ناسيا الوكالة،أو الابن يبيع مال أبيه بظن أنه حي،فتبين أنه ميت، و يصح البيع،و يلزم في الجميع دون الاحتياج إلى الإجازة،لأن صحة العقد و لزومه لا بد فيه من أمرين:القصد إلى معناه،و الرضا به من المالك،و الأول شرط للصحة،و الثاني للزوم،و كلاهما متحقق في الجميع،هذا،إلى أن الاعتقاد بعدم الملك أو الولاية أو الوكالة لا يغير الواقع عن واقعه،و لا يخرج الأدلة المطلقة عن إطلاقها،فسلطنة المالك و الولي و الوكيل تبقى على ما هي،و تنطبق عليها أدلة السلطنة،حتى مع الذهول عنها،أو اعتقاد عدمها،و تقدم أن قصد من له البيع أو الشراء أجنبي عن حقيقة العقد.

المجاز:

سبق أن المجيز-و هو مالك التصرف-لا يشترط أن يكون تام الأهلية حين إنشاء العقد،و صدوره من الفضولي،و انما يشترط أن يكون أهلا لابرام العقد حين الإجازة فقط،و الآن نتكلم عن محل الإجازة،و هو العقد الذي تعلقت به.

و بديهة أن الإجازة ليست جزءا من العقد،و لا شرطا لإنشائه،و انما هي شرط لتأثيره،و بلفظ آخر أن الشروط على نوعين،منها شرط لصحة العقد،و منها شرط للزوم العقد،و العمل بمستلزماته،و الإجازة شرط للّزوم لا للصحة.

و الشروط التي يجب توافرها في عقد الفضولي الذي تتعلق به الإجازة، و الذي عبرنا عنه بالمجاز هي نفس الشروط التي يجب توافرها في صحة عقد

ص:95

الأصيل من تطابق الإيجاب و القبول على شيء واحد،و صراحتها في التعبير عن الإرادة،و من أهلية المتعاقد بالعقل و البلوغ و الرشد،و من قابلية العوضين للتمليك،و علم المتعاقدين بهما،و ما إلى ذلك ما عدا رضا المالك.أجل،هناك شروط لا تتصل بإنشاء العقد بما هو عقد،بل تأتي في مرتبة متأخرة عنه،و ذلك مثل القدرة الفعلية على تسليم المبيع،فإنها ليست شرطا في إنشاء العقد،و لا في صحة الإجازة،فلو باع زيد-مثلا-طنا من الحنطة في ذمة زيد،على أن يكون القبض بعد ثلاثة أشهر يصح البيع،و ينفذ إذا أجاز زيد،حتى مع العجز عن التسليم عند الإجازة،حيث يكتفى بوجود القدرة حين القبض،أي ان الشرط إمكان التسليم في حينه.

ص:96

الإجازة و أحكامها
معناها:

بعد أن تكلمنا عن المجيز و المجاز نتكلم الآن عن الإجازة،و هي التعبير عن الرضا بعقد الفضولي و إمضائه بقول أو كتابة أو فعل،فلا يعتد بالرضا الواقعي ما لم يعبر عنه،قال صاحب الجواهر:«أما الإجازة ممن هي له فلا يكفي فيها السكوت مع العلم فضلا عن الجهل،بل و لا مع حضور العقد عند علمائنا،و أكثر أهل العلم،أما الاكتفاء من البكر بالسكوت في الزواج فللقرينة»أي ان سكوت البكر يعد اجازة منها للعقد،عند العرف،لأن الحياء يمنعها من النطق.

و بديهة أن القول أوضح أساليب التعبير عن القصد و أفضلها،و الكتابة أسلوب من أساليبه المتبعة عرفا،و كذلك الفعل،كقبض المالك الثمن و التصرف فيه،و نحو ذلك.

الإجازة و السلطة:

قال الشيخ الأنصاري:«الإجازة من آثار سلطنة المالك على ماله.فقولنا:له أن يجيز مثل قولنا له أن يبيع،كلاهما راجع إلى أن له أن يتصرف،و لو مات المالك لم يورث الإجازة،و انما يورث المال الذي عقد عليه الفضولي،فله أن

ص:97

يجيز بناء على جواز مغايرة المجيز و المالك حين العقد».

و قال السيد اليزدي معلقا على ذلك:«يعني أن جواز الإجازة ليس من الحقوق-حتى تورث-بل هو من الأحكام الشرعية،فلا يتعلق به الإرث،لأن الحكم لا يورث-ثم قال-ان معنى كل من الحق و الحكم معلوم،و لكن تشخيص افرادهما و تمييز مواردهما في غاية الاشكال،و لذا حكي عن بعض الفقهاء أن ذلك يميزه النبيه بذوقه،و ليس له معيار كلي».

شروط تأثير الإجازة:

إذا تحققت الإجازة بشروطها المطلوبة أخذ العقد آثاره،تماما كما لو صدر عن الأصيل،و هذه الشروط،منها متفق عليه بين الفقهاء،و منها مختلف فيه، و فيما يلي التفصيل:

1-اتفقت كلمة فقهاء المذهب على أن الإجازة لا تصح إلاّ ممن هو أهل

لابرام العقد

.و تقدمت الإشارة إلى ذلك.

2-اتفقوا ايضا على انه يعتبر في تأثير الإجازة علم المجيز بركني العقد

مفصلا،تماما كما يشترط علم المتعاقدين بهما،و بكلمة:ان حكم الإجازة هو حكم البيع ابتداء.

3-اتفقوا على أن الإجازة يجب أن تكون موافقة للعقد المجاز في المثمن

و الثمن

،لأنهما ركنا العقد،فإذا باع الفضولي دار زيد فلا معنى لإجازة بيع البستان،و إذا باع بألف فلا معنى لإجازة البيع بألفين،أما إذا باع الفضولي دار زيد و بستانه معا بألفين فأجاز زيد بيع الدار فقط بألف قال الشيخ الأنصاري:«الأقوى الجواز،و للمشتري خيار تبعيض الصفقة-يأتي الكلام عن هذا الخيار في بابه ان

ص:98

شاء اللّه-و مثله أيضا إذا باع لزيد و عمرو،فأجاز بيع أحدهما دون الآخر».

و لو باع الفضولي بشرط،فأجاز المالك البيع مجردا عن الشرط ينظر فان كان الشرط قيدا للمبيع و من صفاته،كما لو باعه ثوبا بشرط أن يكون من صنع الوطن،و أجاز المالك البيع دون هذا الشرط.ان كان كذلك سقطت الإجازة،لأن المبيع شيء،و تعلقت الإجازة بشيء آخر.و خيار التبعيض هنا غير ممكن، لوحدة الموضوع،و ان لم يكن الشرط قيدا للمبيع،بل كان خارجا عنه،كما لو باع الفضولي هذا الثوب بشرط أن يخيطه المالك،فأجاز المالك البيع دون الخياطة.ان كان كذلك صح البيع و الإجازة،و قسط الثمن بالنسبة،و ثبت للمشتري خيار التبعيض،لتعدد الموضوع،و يعبر الفقهاء عن هذا النوع بأنه التزام في ضمن التزام،كما يعبرون عنه أيضا بتعدد المطلوب.

4-اختلفوا:هل يشترط في تأثير الإجازة أن لا يسبقها الرد من المالك،

بحيث إذا رد،ثم أجاز تقع الإجازة لغوا؟.

ذهب الشيخ الأنصاري إلى وجوب هذا الشرط،لأن الرد في نظره إبطال للعقد،و الباطل لا يقبل الإجازة،و ادعى صاحب«بلغة الفقيه»الإجماع على ذلك.

و قال جماعة من الفقهاء،منهم السيد اليزدي،و الشيخ الأصفهاني في حاشيتيهما على المكاسب،و السيد الحكيم في نهج الفقاهة،قالوا:ان الرد من المالك لا يبطل عقد الفضولي،و لا يمنع من الإجازة و تأثيرها،و ذلك ان الذي يبطل العقد هو عدول الموجب عن إيجابه قبل قبول القابل،أما القابل فله أن يرد، ثم يقبل بعد الرد،ما دام الإيجاب قائما،و إذا صح هذا بالقياس إلى القابل صح بالنسبة إلى المجيز بطريق أولى.

و استدلوا بما رواه محمد بن قيس عن الإمام الباقر عليه السّلام أن أمير المؤمنين

ص:99

عليا عليه السّلام قضى في وليدة باعها ابن سيدها،و أبوه غائب،فاستولدها الذي اشتراها، فولدت منه،و لما جاء سيدها الأول خاصم الثاني إلى أمير المؤمنين،و قال:

وليدتي باعها ابني بغير اذني،فقال الإمام عليه السّلام:الحكم أن يأخذ الأول وليدته و ابنها ،فناشده الثاني،فقال له الإمام عليه السّلام:خذ ابنه الذي باعك الوليدة،حتى ينفذ البيع لك،فلما رآه أبوه قال:أرسل ابني.قال:لا و اللّه لا أرسل ابنك،حتى ترسل ابني، فلما رأى ذلك أجاز البيع.

و قد اعترف الشيخ الأنصاري بصحة هذه الرواية،و ظهورها بصحة الإجازة بعد البيع،و لكنه قال:«ان هذا الظاهر مطروح،أو مؤول».و لم أر وجها للطرح أو التأويل إلاّ قيام الإجماع على أن الإجازة لا أثر لها ما بعد الرد،و هو غير قائم،و لا موجود،و على افتراض وجوده فليس بحجة،لأن الإجماع عند الإمامية انما يكون حجة متبعة إذا كشف يقينا عن رأي المعصوم،و معنى هذا أنّه إذا احتملنا أن المجمعين استندوا إلى آية أو رواية،أو قاعدة يسقط إجماعهم عن الاعتبار.

بداهة أن العلم بالكشف عن رأي المعصوم لا يجتمع مع احتمال العكس،و نحن نظن أو نحتمل-ان لم نعلم-أن المجمعين استندوا في حكمهم بعدم صحة الإجازة إلى الظن بأن عقد الفضولي يبطل مع الرد،و بكلمة:ان مجرد الشك في أن الإجماع يكشف عن رأي المعصوم يسقطه من الأساس،و يجعل وجوده و عدمه سواء،و من هنا لم يبق للإجماع عند الشيعة الإمامية من مورد،اللهم إلاّ إذا بلغ الحكم المجمع عليه من البداهة حد الضرورة الدينية،كوجوب الصوم و الصلاة،و معها لا حاجة إليه،و لا إلى غيره من الأدلة،لأن الدليل تفتقر إليه النظريات لا البديهيات.

5-هل يجب على من له حق الإجازة ان يجيز أو يرد فورا

،و لا يجوز له

ص:100

التأخير إذا علم بعقد الفضولي؟.ثم إذا ماطل،و لم يجز أو يرد،حتى تضرر الأصيل الذي أجرى العقد مع الفضولي فما هو الحكم؟.

الجواب:

لا دليل على وجوب الفور و سرعة المبادرة إلى الإجازة أو الرد،بل الدليل الموجود يدل على العكس،فان الظاهر من رواية محمد بن قيس المتقدمة أن الإجازة جاءت بعد الخصومة و المرافعة،بل لا دليل على وجوب الإجازة أو الرد من الأساس،لأن عقد الفضولي لا يوجب حقا للأصيل على المالك،و لا يلزمه بشيء-نريد بالأصيل الطرف الذي أجرى العقد مع الفضولي-بل له العدول عن العقد قبل أن يجيز المالك،كما قال السيد اليزدي،و الشيخ الأصفهاني،و على افتراض لزوم العقد على الأصيل،كما يظهر من عبارة الشيخ الأنصاري،فإن له حق الخيار في الفسخ دفعا للضرر.

القبض و اجازة العقد:

ليس من شك أن اجازة العقد شيء،و الاذن بقبض الثمن أو المثمن شيء آخر،فإذا باع الفضولي مال الغير،و أجاز المالك،فان هذه الإجازة لا تستدعي الاذن للفضولي بقبض الثمن،بل يحتاج القبض إلى إذن مستقل عن الإجازة.و لو دفع المشتري الثمن للفضولي تبقى ذمته مشغولة به،و يكون هو مسؤولا عنه أمام المالك.و كذا لو اشترى الفضولي لغيره،و أجاز من له الشراء،فإنه لا يجوز للبائع أن يسلم المبيع للفضولي إلاّ بإذن المجيز،و بالإجمال ان اجازة العقد لا تدل على الاذن بالقبض من قريب و لا بعيد.

ص:101

هل الإجازة كاشفة أو ناقلة؟

سبق أن محل الإجازة هو العقد،و ان العقد معها تتبعه جميع آثاره و مستلزماته بإجماع القائلين بصحة عقد الفضولي،و اختلفوا في زمن هذه الآثار و مبدأ حدوثها و إسنادها إلى العقد:هل تترتب عليه،و تسند إليه من حين إنشائه و صدوره من الفضولي،بحيث تكون الإجازة اللاحقة تماما كالوكالة السابقة، و تسمى الإجازة في هذه الحال كاشفة،لأنها تكشف عن ملك سابق الثبوت و التحقق،أو أن الإجازة ناقلة للملك من حينها لا من حين العقد،تماما كما لو جرى العقد في ظرفها؟.

ذهب المشهور إلى أن الإجازة كاشفة لا ناقلة،و قال جماعة منهم السيد اليزدي:بل هي ناقلة لا كاشفة.

و لا بأس بالإشارة إلى معاني الكشف،كما جاءت في كتاب المكاسب و حواشيه.المعنى الأول:أن الإجازة تكشف عن أن العقد المجاز كان سببا تاما لترتب الآثار عليه.الثاني:الكشف التقديري،أي أن الإجازة تكشف أن المالك لو علم بعقد الفضولي لرضي به«فلو»هذه مقارنة للعقد منذ وجوده.الثالث:

الكشف الانقلابي،على حد تعبيرهم،و فسروه بأن الإجازة تكشف عن أن العقد تحول و صار مؤثرا من الأول.الرابع:الكشف الحكمي أو التنزيلي بمعنى أن الإجازة تكشف عن وجود الملك حين العقد حكما أو تنزيلا لا حقيقة و واقعا، فالملك الحقيقي يحدث عند الإجازة،و لكن آثاره تحدث عند العقد بالنظر إلى وجوده آنذاك حكما.الخامس:ان تكون الإجازة شرطا متأخرا يؤثر فيما قبله،أما نوع هذا التأثير فهو الالتزام بآثار العقد منذ صدوره.و قال السيد اليزدي:«و هذا ظاهر المشهور،و اختاره في الجواهر صريحا».

ص:102

أمّا الدليل على الكشف فهو أن اجازة العقد ليس معناها اجازة اللفظ مجردا عن آثاره،و إلاّ لم يجب الوفاء بالعقد،لأن ما لا أثر له لا وفاء له،و عقد الفضولي له آثاره،و لكن لا يجب الوفاء بها لعدم الرضا،فإذا رضي المالك و أجاز تصبح لازمة له من حين صدوره،فيكون الرضا شرطا متأخرا،و تأخره لا يضر إطلاقا،لأن امتناع تأخر الشرط عن المشروط،و العلة عن المعلول.انما هو في الأشياء الطبيعية،و العلل الحقيقية،أما في الاعتبارات الشرعية و العرفية فلا مانع من ذلك.

و بتعبير آخر:«ان معنى الإجازة هو الرضا بمضمون العقد،و ليس مضمونه إلاّ إنشاء نقل العوضين من حينه».

الثمرة بين الكشف و النقل:

ذكر الفقهاء ثمرات للفرق بين النقل،و بين الكشف بالمعنى الذي ذهب إليه المشهور،منها:

1-أن النماء المنفصل لكل من المثمن و الثمن،و الحاصل بين العقد و الإجازة يكون للمنتقل إليه دون المنتقل عنه،على القول بالكشف،و بالعكس على القول بالنقل.أجل،هناك آثار تترتب على نوع خاص من الملك،كما لو كان المشتري قد نذر أنّه إذا ملك هذه العين يفعل كذا،فان النذر ينصرف إلى غير ما ملكه بالعقد الفضولي قبل الإجازة،و كذا النظر إلى المرأة المعقود عليها فضالة فإنه أثر لغير العقد الفضولي،حتى و لو حصل العلم بأن الإجازة ستقع حتما.

2-على القول بالكشف يجوز للطرف الأصيل الذي انتقلت إليه العين أن يتصرف بها إذا علم بأن الإجازة ستقع حتما،و ان كان على شك منها فيمنع من التصرف بها،لأن الأصل عدم وقوع الإجازة،أما على القول بالنقل فلا يجوز له

ص:103

التصرف بالعين إطلاقا،حتى مع العلم بأن المالك سيجيز.

3-على الكشف لا يجوز للأصيل الذي أجرى العقد مع الفضولي أن يفسخ العقد،و يعدل عنه قبل الإجازة،و على النقل يجوز له ذلك.

4-لو عقد الفضولي زواج امرأة على رجل حرمت على هذا الرجل أخت المعقود عليها على القول بالكشف،لثبوت المصاهرة من طرفه،و لا تحرم على القول بالنقل،و يكون عقد الرجل على الأخت عدولا عن عقده الذي أجراه مع الفضولي.

5-لو مات الأصيل الذي أجرى العقد مع الفضولي قبل الإجازة تنتقل العين التي جرى عليها العقد إلى الورثة بإجازة المالك،على القول بالكشف، و يبطل العقد على القول بالنقل،و لا يبقى للإجازة من موضوع.

6-إذا تعلقت الزكاة بالعين في الزمن المتخلل بين العقد و الإجازة فيجب إخراجها على من انتقلت إليه،على القول بالكشف،و على من انتقلت منه،على التنقل.

7-إذا حدث عيب بالعين في الفترة بين العقد و الإجازة فلا يثبت خيار الرد بالعيب لمن انتقلت إليه،ان قلنا بالكشف،لأن العيب حدث في ملكه، و يثبت له الخيار،ان قلنا بالنقل،لأنه حدث في ملك من انتقلت عنه.

8-تحسب الأيام الثلاثة في خيار الحيوان من حين العقد،على الكشف، و من حين الإجازة على النقل.

9-إذا كانت عين شراكة بين زيد و عمرو،و باع الفضولي سهم زيد،ثم باع عمرو سهمه لآخر،ثم أجاز زيد بيع الفضولي تكون الشفعة حقا لمن اشترى من الفضولي،على الكشف،و لزيد على النقل.

10-إذا اشترى الأصيل عينا من الفضولي،ثم باعها قبل الإجازة من آخر يصح هذا البيع على الكشف،لأنه،و الحال هذه،بيع في ملك،و لا يصح على النقل،لأنه بيع في غير الملك.

ص:104

الرد و أحكامه
معنى الرد:

الرد هو التعبير عن عدم الرضا بعقد الفضولي،على عكس الإجازة تماما، و ليس السكوت و التردد بشيء هنا و هناك.و بديهة أن الراد يعتبر فيه ما يعتبر في المجيز،لأن كل من له الإجازة له الرد،و بالعكس،كما يعتبر أن يكون العقد قابلا للتأثير،و إلاّ كان أشبه بالمولود ميتا.

و يتحقق الرد بكل ما دل عليه من قول أو كتابة أو فعل،و قد أطال الشيخ الأنصاري الكلام في الفعل و التصرف الحادث بعد عقد الفضولي،و قبل الإجازة، و قسمه إلى تصرف مناف لتأثير العقد،بحيث لا يبقى معه موضوع للإجازة و لا للرد،و تصرف غير مناف للتأثير،بل يمكن معه الإجازة و الرد،و فيما يلي التلخيص و العرض:

التصرف المنافي:

إذا باع الفضولي شاة لغيره-مثلا-فذبحها المالك و أكلها،أو تلفت بآفة سماوية قبل الإجازة،إذا كان كذلك،ذهب العقد بذهاب موضوعه،لأن الإجازة و الرد انما يردان على شيء موجود،أما المعدوم فلا يعقل رده و لا أجازته،سواء

ص:105

أ قلنا بالكشف أو النقل،و مثله تماما من حيث الحكم لو نقلها المالك عن ملكه ببيع أو هبة عند الشيخ الأنصاري،و الشيخ النائيني،و السيد الحكيم،لأن المالك، و الحال هذه،يصير أجنبيا عن العين المباعة،و لا تنتقل الإجازة من المالك إلى من اشترى من الفضولي،لأن هذا التصرف يبطل العقد بطلانا مطلقا،فلا يبقى محل للإجازة أو الرد.قال الشيخ الأنصاري:«و كذا يحصل الرد بكل فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو الإتلاف،و شبههما (1)كالعتق و البيع و الهبة و التزويج،و نحو ذلك، و الوجه أن تصرّفه بعد فرض صحته مفوت لمحل الإجازة لغرض خروجه عن ملكه».

التصرف غير المزيل للملك:

إذا تصرف المالك قبل الإجازة تصرفا غير مزيل للملك،كما لو رهن،أو أجر،أو عرض للبيع العين التي باعها الفضولي،فهل يكون هذا التصرف منافيا للعقد،و مبطلا له،بحيث لا تصح معه الإجازة،و لا يكون للرد من معنى،لأنه من باب رد المردود،و إبطال الباطل؟.

الجواب:

ان المعيار الكلي لمحل الإجازة و الرد هو أن كل مورد يصح فيه البيع يكون محلا للإجازة و الرد،و كل مورد لا يصح البيع فيه لا يكون محلا لهما.و العين المرهونة لا يصح بيعها،لأن المبيع يجب أن يكون ملكا طلقا،كما يأتي في شروط المبيع،و عليه يكون الرهن مبطلا لعقد الفضولي،تماما كالبيع.

ص:106


1- شبه النقل و الإتلاف هو التزويج،كما لو زوج الفضولي امرأة من رجل،فزوجت هي نفسها من آخر.

أمّا لو أجر المالك العين فإن الإجازة لا تبطل عقد الفضولي،بل يبقى محلا للإجازة و الرد،لأن الإيجار لا يخرج العين عن ملك صاحبها،كما هو شأن البيع، و لا يجعل الملك مقيدا،كما هي الحال في الرهن.فإذا أجر المالك العين،ثم أجاز عقد الفضولي صحت الإجازة،و تم البيع،و للمشتري الحق في أن يمضي الإيجار لحسابه،أو يفسخه،لأن إجازة العقد قد كشفت أن الإجارة وقعت في ملكه فضالة عنه.

أما إذا عرض المالك العين للبيع قبل الإجازة أو الرد بالقول الصريح فينظر:

فان كان المالك عالما بعقد الفضولي و متنبها له حين العرض كان ذلك ردا للعقد، و إلا فلا اثر للعرض إطلاقا،لأنه بلا التفات لا يعبر عن الرد.

المالك و المشتري:

الفضولي معلوم،و هو الذي يتدخل في شؤون الغير تطفلا،و المراد منه هنا من باع مال غيره بلا اذن،و المشتري هو الطرف الذي اشترى العين منه،و المالك هو صاحبها،فإذا رد المالك العقد أصبح وجوده كعدمه،و بطلت جميع التصرفات المتفرعة عنه،فان كان المشتري قبض المبيع بعقد الفضولي وجب عليه إعادته بجميع فوائده و منافعه،و ان لم يفعل فللمالك انتزاعه منه،و تغريمه جميع ما استوفاه من المنافع،لأن المفروض بقاء العين على ملك مالكها الأول.

و قد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل اشترى جارية من السوق،فأولدها،ثم يجيء مستحق الجارية-أي صاحبها-فقال الإمام عليه السّلام:يأخذ الجارية المستحق، و يدفع إليه المبتاع-أي المشتري-قيمة الولد،و يرجع على من باعه بثمن الجارية،و قيمة الولد التي أخذت منه.

ص:107

المشتري و الفضولي:

إذا رجع المالك على المشتري،و استرد العين منه،ان كانت قائمة أو عوضها ان كانت هالكة،فهل للمشتري الحق في الرجوع على الفضولي بما دفعه له من الثمن؟.و على افتراض أن له ذلك،فهل يرجع إليه أيضا بما دفع و أنفق زيادة عن الثمن؟.

المطالبة بالثمن فقط:

أما السؤال الأول،و هو:«هل يرجع المشتري على الفضولي بالثمن فقط» فالجواب عنه يستدعي التفصيل على الوجه التالي:

1-أن يكون المشتري جاهلا بأن البائع فضولي،و الحكم فيه أن للمشتري الحق في أن يسترد الثمن الذي دفعه للبائع،ان كانت عينه قائمة،و ان يأخذ عوضها من المثل أو القيمة،ان كانت هالكة،لأن بطلان العقد يستدعي بقاء كل من الثمن و المثمن على ملك صاحبه،و قد وضع الفضولي يده على الثمن، فتشمله قاعدة:على اليد ما أخذت،حتى تؤدي.

2-أن يشتري من الفضولي،و هو عالم بحقيقته،و قد ذهب المشهور إلى أن المشتري في هذه الحال لا يحق له الرجوع على الفضولي بشيء،سواء أ كان الثمن باقيا،أم هالكا،لأن المشتري هو الذي أضاع حقه،و أسقط احترام ماله بدفعه دون مقابل،لعلمه أن العين التي تسلمها من الفضولي هي ملك لغيره، فيكون،و الحال هذه،كمن سلم ماله للمجنون،و هو عالم بجنونه،و لا تتأتى هنا قاعدة«على اليد ما أخذت،حتى تؤدي»،لأن الفضولي تسلم الثمن و أخذه بإذن المشتري،فتكون يده غير ضامنة.

ص:108

و الحق أن للمشتري الرجوع بالثمن على البائع الفضولي،ان كانت عينه باقية،و بعوضها،ان كانت تالفة،حتى و لو كان عالما بحقيقة البائع،إذ المفروض أن العقد قد بطل برد المالك،و معنى بطلانه أن كلا من العوضين قد بقي بعد العقد على ملك صاحبه،تماما كما كان قبل العقد،و من هنا جاز للمالك الرجوع على المشتري،فينبغي أيضا أن يجوز للمشتري الرجوع على الفضولي.و بكلمة:انّه بعد أن بطل العقد جاز لكل من المالك و المشتري أن يطالب من استولى على ماله.هذا،إلى أنّه لو قلنا:ان المشتري لا يجوز له الرجوع على البائع،مع علمه بحقيقته لتحتم علينا أن نقول أيضا:ان الثمن الذي قبضه الفضولي من المشتري أصبح ملكا حلالا له،يتصرف به كيف يشاء.و لا أحسب أن فقيها واحدا يقول بذلك،مع العلم بأن الفضولي إذا سلم العين التي باعها للمشتري دون اذن المالك يصبح غاصبا.

أما القول بأن المشتري أقدم على إتلاف ماله بلا عوض فلا يبتني على أساس،بل دفعه للبائع بقصد المعاوضة،تماما كما هي الحال في البيع الصحيح، فكأنّ المشتري قد اشترط على البائع شرطا ضمنيا بأن يرجع عليه بالثمن إذا أخذ العين صاحبها،قال السيد اليزدي:«المفروض أن المشتري إنما يدفع الثمن عوضا عن هذا المال،لا عن رفع يد البائع عنه،فليس من قصد المشتري الاستفادة،بل المعاملة الحقيقية،و كذلك البائع،فلا يكون هتكا لحرمة ماله عرفا، و تسلط البائع عليه مجانا.و يتفق السيد الحكيم في نهج الفقاهة مع السيد اليزدي، و استدلا بقاعدة من وضع يده على مال غيره بعقد باطل فعليه الضمان.أما الشيخ الأنصاري فبعد التردد و الاحتمالات على عادته قال:«مستند المشهور في مسألتنا لا يخلو من غموض.و صرح بعضهم بضمان المرتشي مع تلف الرشوة التي هي

ص:109

من قبيل الثمن فيما نحن فيه»أي إذا كان المرتشي مسؤولا عن الرشوة التي أكلها، مع العلم بأن الراشي قد دفع الرشوة لغير المستحق فكذلك يكون البائع مسؤولا عن الثمن،و ان دفعه لغير المستحق.

و صفوة القول ان المعيار في رجوع المشتري بالثمن على البائع هو وضع يده عليه بعقد باطل.

المطالبة بأكثر من الثمن:

أمّا السؤال الثاني.و هو:«هل للمشتري الرجوع على البائع بما زاد عن الثمن»فينبغي-للتوضيح-إبرازه بهذه الصورة:

تقدم ان المشتري يرجع على البائع بالثمن الذي دفعه له،سواء أ كان جاهلا بحقيقته أو عالما،خلافا للمشهور الذين حصروا جواز الرجوع بصورة الجهل فقط.و هذا واضح إذا كان المال الذي دفعه المشتري للمالك بمقدار الثمن المسمى بعقد بيع الفضولي،أما إذا دفع المشتري للمالك أكثر مما كان قد أعطاه للفضولي ثمنا للمبيع فهل يرجع المشتري أيضا على البائع الفضولي بالزيادة بعد أن يسترد الثمن منه؟.و قد

فصل الشيخ الأنصاري في الجواب على الوجه التالي:
1-أن تكون الزيادة ناشئة من زيادة قيمة العين على الثمن المسمى

الذي دفعه للبائع،و صورته أن يشتري زيد فرس عمرو من الفضولي بعشرة دراهم،ثم تهلك الفرس في يد المشتري،و لا يجيز المالك هذا البيع،فللمالك أن يرجع على المشتري بقيمة الفرس،لا بالمسمى،فإذا افترض ان قيمتها عشرون درهما فعلى المشتري أن يدفعها كاملة للمالك،و لكن هل للمشتري أن يرجع بالعشرين على البائع-بعد أن يأخذ منه الثمن الذي كان قد دفعه له-أو يرجع عليه بما زاد

ص:110

على مقدار الثمن؟.

و الجواب:

لا يحق للمشتري أن يرجع بالعشرين كاملة على البائع،و انما يرجع عليه بما زاد على الثمن المسمى،أما ما يقابل الثمن،و هو العشرة فلا يرجع بها على البائع،لأن المشتري أقدم على دفعها حتى على تقدير هلاك الفرس،تماما كما لو اشتراها من المالك نفسه،فالتغرير-اذن-لم يتحقق بالنسبة إلى العشرة المقابلة للثمن،أما الزائد عنه فلم يقدم عليه،فيكون البائع،و الحال هذه،هو الغار الضار، و عليه أن يتحمل مسؤولية الضرر و التغرير.

و زيادة في التوضيح نشير إلى أن كلام الشيخ الأنصاري لا يتناول العشرة التي دفعها المشتري للبائع ثمنا للفرس،و إلاّ لزم أن يدفع المشتري الثمن مرتين:

مرة للبائع،و الأخرى للمشتري.ان الثمن المسمى يرجع إلى المشتري بلا بحث،و انما ذكرنا«لفظ المسمى»لبيان أن ما يقابله لا يرجع به المشتري على البائع،بل يرجع بما يزيد عن المقابل للثمن،و تكون النتيجة أن المشتري إذا دفع عشرين بدلا عن الفرس يخسر عشرة فقط،و هي التي لم يغرره بها البائع، و يخسر البائع عشرة،لأنه غرر بالمشتري بها زيادة عن الثمن.

2-ان يدفع المشتري للمالك عوض المنافع

التي استوفاها من العين التي اشتراها من البائع،قال الشيخ الأنصاري،و جماعة من الكبار:ان للمشتري أن يرجع على البائع بما دفعه للمالك،لقاعدة المغرور يرجع على من غره.

3-أن ينفق المشتري على العين التي تسلمها من البائع

،كعلف الفرس، و قد أجمعت كلمة الفقهاء على أن له الرجوع بها على البائع،لقاعدة الغرر أيضا.

ص:111

تداول الأيدي:

هذه المسألة تتصل اتصالا وثيقا بمبحث الغاصب و الفضولي،و يسميها الفقهاء مسألة تعاقب الأيدي،و صورتها أن ينقل الغاصب العين المغصوبة منه إلى غيره،أو يسلم الفضولي المبيع إلى المشتري بلا اذن المالك،فيصبح بهذا التصرف غاصبا،ثم يبيع المشتري العين إلى مشتر ثان.و الفقهاء تكلموا في مطالبة المالك أصحاب الأيدي المتداولة على ماله،ثم في رجوع أصحاب الأيدي بعضهم على بعض بعد رجوع المالك عليهم كلا أو بعضا.ثم قد تكون العين قائمة عند مطالبة المالك،و قد تكون هالكة.و قبل كل شيء نود التذكير بهاتين القاعدتين اللتين تسالم عليهما الفقهاء،و هما:قاعدة المغرور يرجع على من غره،و قاعدة ان كل من استولى على مال غيره فعليه أن يرده ما دام قائما،أو يرد بدله من المثل أو القيمة ان هلك إلاّ أن تكون يده امانة على المال،و هلك دون تعد أو تفريط.

المالك و أصحاب الأيدي:

إذا تداولت العين المغصوبة أيد عديدة،و كانت ما تزال قائمة فالمالك بالخيار،ان شاء رجع على من هي في يده،و متى تسلمها ارتفعت المسؤولية عن الجميع،و ان شاء تركها مع ذي اليد-ان طالبه المالك،أن يلاحق بدوره من هي في يده،و ينتزعها منه،و لو بإقامة الدعوى عليه،لأنه صاحب علاقة،أي ان المسؤولية التي تحملها هذا الغاصب الذي انتقلت العين المغصوبة من يده تخوله أن يتتبع العين أينما كانت ليردها إلى ملكها.

و تسأل:ان حق المالك يتعلق بالعين لا بالذمة،ما دامت العين قائمة،فإذا

ص:112

هلكت تعلق حقه بالذمة لا بالعين،و بديهة ان إعطاء الحق للمالك بالرجوع على من وجدت العين في يده يستدعي أن حقه متعلق بالعين لا بالذمة،و ان أعطاه الحق له بالرجوع على غير من هي في يده من الغاصبين يستدعي أن تكون العين تالفة،و ان حقه متعلق بالذمة لا بالعين،و هذا هو التنافي بعينه.بالإضافة إلى أنه جمع بين العوض و المعوض عنه.

و الجواب:

فرق بين الضمان في العهدة،و الضمان في الذمة،فإن ضمان العهدة يتعلق -في الغالب-بالأعيان كضمان العارية العادية،و ضمان المبيع إذا ظهر مستحقا للغير،بحيث يرجع المضمون له على الضامن بالعوض إذا هلكت العين المضمونة،أو امتنع الاستيلاء عليها لسبب من الأسباب،أما ضمان الذمة فيتعلق بالأموال التي تستقر في الذمم،و الضمان الذي لا يجتمع مع تعلق حق المالك بالعين هو ضمان الذمة،أما ضمان العهدة فهو معه على وفاق.

و كل من استولى على ملك الغير استيلاء يمكنه من التحكم فيه،و لو آنا ما فقد دخل في عهدته،و أصبح مسؤولا عنه،و عليه إرجاعه أينما كان،ما دام قائما، فإن هلك فعليه عوضه،حتى و لو كان قد خرج من يده إلى غير يده.أجل،إذا تداولته أيد عديدة كان أصحاب الأيدي بأجمعهم مسؤولين،و لكن على سبيل البدلية و الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل.

2-إذا تلفت العين في يد أحدهم تخير المالك في الرجوع بالعوض كاملا على من شاء منهم،و ان شاء وزعه على الجميع بالتساوي أو التفاوت،لأن الرجوع على أحدهم بالكل يقتضي الرجوع عليه بالبعض بطريق أولى،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف و لا اشكال،بل يمكن تحصيل الإجماع عليه،لأن

ص:113

كلا منهم غاصب مخاطب برد العين،أو البدل،لقول الإمام عليه السّلام:كل مغصوب مردود،و حديث:على اليد ما أخذت،حتى تؤدي.و لا فرق في تعاقب الأيدي بين الضمان بعقد فاسد،أو غيره».

أصحاب الأيدي بعضهم مع بعض:

تكلمنا في الفقرة السابقة عن حكم المالك مع أصحاب الأيدي،و في هذه الفقرة نتكلم عن حكم أصحاب الأيدي بعضهم مع بعض،و لنفترض أن العين تداولتها ثلاث أيد،كما لو كانت في يد زيد،ثم انتقلت منه إلى عمرو،و منه إلى خالد،و هلكت في يده.و على هذا الافتراض،اما أن يكون واحد من هؤلاء مغرورا من غيره،و اما أن لا يكون بينهم مغرور،بل كانوا كلهم غاصبين،فان كان بينهم مغرور،و رجع المالك عليه كان له تمام الحق في أن يرجع هو بدوره على من غرّه بالاتفاق،فلو أن عمرا اشترى العين من زيد على أنّها ملك له،و رجع الملك إلى عمرو،كان لعمرو أن يرجع إلى زيد،لأن المغرور يرجع على من غرّه بالإجماع.و كذا إذا رجع المالك على خالد،و كان خالد مغرورا بعمرو،فيحق له، و الحال هذه،أن يرجع على عمرو.

اذن،في حال وجود التغرير يمكن أن يرجع الثالث على الثاني،و الثاني على الثالث،لأن الغار هو الذي انتقلت العين منه،فيكون سابقا،و المغرور هو الذي انتقلت العين إليه،فيكون لاحقا،و هذا معنى قول الفقهاء:«اللاحق يرجع على السابق إذا كان السابق غارا له».

أما إذا لم يكن بين أصحاب الأيدي مغرور،بل كانوا جميعا غاصبين فيكون الأمر بالعكس تماما،أي ان السابق يرجع على اللاحق،و لا يرجع اللاحق على

ص:114

السابق.فإذا رجع المالك على زيد-و هو الأول السابق على عمرو-و دفع زيد للمالك بدل العين يحق لزيد،و الحال هذه،أن يرجع على عمرو-و هو الثاني اللاحق لزيد-و يطالبه بما دفع للمالك قائلا له:لقد تسلمت العين من يدي فأرجعها،أو أرجع بدلها.يحق ذلك لزيد،لأنه لما دفع للمالك حقه قام مقامه، و أخذ صفته.و إذا رجع المالك على الثاني،و هو عمرو يحق لعمرو أن يطالب خالدا،تماما كما جاز لزيد أن يطالب عمرا،و لا يجوز لعمرو أن يطالب زيدا، لأن زيدا لم يأخذ العين من عمرو،بل على العكس،فان عمرا أخذ من زيد، و زيد أخذ من المالك.و كذا لو رجع المالك على الثالث،أي على خالد في المثال المتقدم،فلا يحق لخالد أن يطالب عمرا،لأن خالدا تسلم من عمرو،و لم يتسلم عمرو من خالد-ينبغي الانتباه أنّه لا مغرور هنا-و بكلمة:ان نسبة الأول إلى الثاني،و نسبة الثاني إلى الثالث،تماما كنسبة المالك إلى الأول،فإن الأول اغتصب من المالك،و الثاني اغتصب من الأول،و الثالث اغتصب من الثاني،لأن الغاصب من الغاصب غاصب،و النتيجة الحتمية لذلك أن الضمان يستقر في النهاية على من تلفت العين في يده.

الخلاصة:

و الخلاصة إذا كان في أصحاب الأيدي المتعاقبة مغرور فلا يستقر الضمان عليه بحال،و ان رجع عليه المالك رجع هو بدوره على من غرّه،و إذا لم يكن فيهم مغرور يستقر الضمان على من تلفت العين في يده،بحيث إذا رجع المالك عليه لم يبق من شيء،و إذا رجع على من تقدم عليه جاز للمتقدم أن يرجع على المتأخر،حتى تنتهي السلسلة إلى الأخير الذي تلفت العين في يده.و ليس من

ص:115

شك أن تلف العين تحت اليد سبب لضمان صاحبها البدل من المثل أو القيمة (1)فإن استوفى المالك حقه ممن تلفت العين في يده لم يرجع بعض أصحاب الأيدي على بعض،لعدم الموجب،و ان استوفى حقه من غير الذي تلفت العين في يده قام هذا الغير مقام المالك في المطالبة بالبدل،لأن المفروض ان ضمان البدل قد استقر على من تلفت العين في يده،و لا بد لهذا البدل من صاحب،و لا يعقل أن يكون صاحبه مالك العين،لأنه قد استوفى حقه،و الحق لا يتعدد،فلم يبق لهذا البدل من صاحب إلاّ من استوفى المالك حقه منه.و بكلمة موجزة و جامعة مانعة:ان الضمان يستقر على من تلفت العين في يده إلاّ إذا كان مغرورا، و إلى هذا المعنى تومي،العبارة الشائعة في كتب الفقه،و هي:«يرجع كل سابق على كل لاحق،و لا يرجع السابق على اللاحق إطلاقا».

القيمة:

سبق أن العين إذا تلفت كان للمالك الحق بالتعويض من المثل أو القيمة، فلو افترض أن العين كانت قيمية،فهل للمالك المطالبة بقيمتها السوقية حين الغصب،أو حين التلف،أو أعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف؟.

أقوال،أصحها القيمة حين التلف،لأن حق المالك يتعلق بالعين ما دامت قائمة،فان هلكت تعلق بالبدل حين هلاكها.اذن،تتعين القيمة من هذا الحين.

و قد تكلمنا عن ذلك في كتاب«أصول الإثبات»فصل اليد و الضمان،و سنتعرض له مفصلا إن شاء اللّه مع منافع المغصوب،و مؤنة رده في الاجزاء الآتية باب الغصب.

ص:116


1- أسباب الضمان ثلاثة:مباشرة الإتلاف،كمن كسر إناء غيره بنفسه،و التسبيب،كمن حفر حفره في الطريق العام،فسقط فيها أحد المارة،و منه التغرير،و اليد كمن استولى على مال الغير فتلف بآفة سماوية أو بغيرها.

شروط العوضين

اشارة

سبق أن البيع يتم بالصيغة المعبرة عن القصد مع تراضي المتعاقدين اللذين هما طرفا الالتزام،و بالعوضين،و هما محل العقد،و فيهما يظهر أثره.و تقدم الكلام عن الصيغة و شروطها،و المتعاقدين،و ما يعتبر فيهما.و ننتقل الآن إلى شروط العوضين،أي الثمن و المثمن،و هي،كما جاءت في كتاب المكاسب أربعة شروط:

1-المالية مع جواز الانتفاع بما وقع ثمنا أو مثمنا.

2-السلطة على العين مع إطلاقها،و عدم حبسها،و عبّر كثيرون عن هذا الشرط بالملكية المطلقة.

3-القدرة على تسليمها.

4-العلم بها صنفا و كما و وصفا.

المالية و المنفعة المباحة:

الشرط الأول أن يكون كل من العوضين مالا ذا قيمة يجري فيه البذل و المنع عند العرف،و يجوز الانتفاع به في نظر الشرع،و يتفرع على هذا الشرط ما يلي:

1-ان البيع يقع على الأعيان دون المنافع،و ان جاز أن تكون محلا للإجازة و الهبة و الصلح،قال:صاحب الحدائق:«المشهور بين الفقهاء أنّه يشترط

ص:117

في كل من العوضين أن يكون عينا،فلا يصح بيع المنافع».و يصح بيع بعض الحقوق،كحيازة الأرض،و التحجير على المفلس.

أمّا العين التي لا يجري فيها البذل و المنع،كحبة الحنطة،و حفنة التراب فلا تعد مالا،و بالتالي لا يصح أن تكون ثمنا أو مثمنا في البيع،لأن البيع مبادلة مال بمال.و لا يستلزم ذلك جواز أخذ حبة الحنطة و الحبتين مع ملك الغير،لأن عدم المالية شيء،و الملك شيء آخر،و النسبة بينهما عموم من وجه يجتمعان معا في مثل الدار،فإنها مال و ملك،و يفترق المال في المعادن تحت الأرض،فإنها مال لا ملك،و يفترق الملك في حبة الحنطة فإنها ملك لا مال.

و تسأل:كيف تقول:ان البيع يقع على الأعيان،مع العلم بأن كلا من الثمن و المثمن يجوز أن يكون في الذمة بالاتفاق؟.

و نجيب بأن مرادنا من الأعيان هنا في قبال المنافع،و ان البيع يجب أن يتجه إلى العين دون المنفعة،سواء أ كان العوضان خارجيين،أو ذميين.

2-ذكر الشيخ الأنصاري في أول المكاسب بعنوان«الاكتساب المحرم» صفحات طوالا عدد فيها الأعيان التي يحرم التكسب بها،و أطنب في ذكر الأقوال و أدلتها،و الرد عليها،نذكر منها هذه المقتطفات:

«تحرم المعاوضة على بول ما لا يؤكل لحمه بلا خلاف،لحرمته و نجاسته، و عدم الانتفاع به منفعة محللة مقصودة.و الأقوى جواز بيع الأرواث الطاهرة التي ينتفع بها منفعة محللة.و أيضا تحرم المعاوضة على الدم النجس بلا خلاف.أمّا الدم الطاهر فالأقوى الجواز إذا كانت له منفعة محللة.و تحرم المعاوضة على الميتة منفردة،و منظمة مع المذكى،و تحرم أيضا على أجزائها التي تحلها الحياة من ذي نفس سائلة على المعروف من مذهب الفقهاء.و أيضا تحرم المعاوضة

ص:118

على كلب الهراش،و تجوز على كلب الماشية و الصيد و الزرع و الحائط-أي البستان-فعن الامام الصادق عليه السّلام ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:ثمن الخمر،و مهر البغي،و ثمن الكلب الذي لا يصطاد سحت،و لا بأس بثمن الهرة-و ليس من شك أن كلب السيدات و الآنسات لا يصطاد بالمعنى المعروف للصيد فيكون ثمنه سحتا،تماما كمهر البغي.و تجوز المعاوضة على الدهن المتنجس على المعروف من مذهب الفقهاء،مع وجوب إعلام المشتري-ان كان مسلما لا يستحل الميتة-حيث يمكن الانتفاع به في غير الأكل،كصناعة الصابون و ما إليه.

و تحرم على ما لا يقصد منه إلاّ الحرام،كالأصنام إجماعا و نصا.أمّا بيع العنب ممن يعلم المشتري أنّه يعمله خمرا فينظر:فان باعه بقصد أن يصنع خمرا فلا يجوز بلا خلاف،و ان باعه بغير هذا القصد فأكثر الفقهاء على الجواز للروايات المستفيضة عن أهل البيت عليهم السّلام،منها أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل،له كرم،يبيع العنب ممن يجعله خمرا،أو مسكرا؟.قال:انما باعه حلالا في الزمان الذي يحل شربه و أكله،فلا بأس ببيعه.و يحرم بيع السلاح من أعداء الدين إجماعا و نصا،و منه قول الإمام عليه السّلام:إذا كانت الحرب فمن حمل الى عدونا سلاحا يستعين به علينا فهو مشرك.و تحرم المعاوضة على الخمر و الخنزير، و آلات اللهو و القمار.أما التماثيل المجسمة فإن كانت لغير ذوات الأرواح، كالشمس و القمر و الأشجار جاز عملها و بيعها و اقتناؤها،و ان كانت لذوات الأرواح،كالإنسان و الحيوان و الطيور حرم عملها،و حلّ اقتناؤها بالإجماع، و اختلفوا في بيعها،فمن قائل بالمنع،و قائل بالجواز.أمّا التصوير الشائع غير المجسم فيجوز عمله إطلاقا لذوي الأرواح،و غير ذوي الأرواح و كذا يجوز بيعه و اقتناؤه».

ص:119

و من تتبع كلمات أهل البيت عليهم السّلام،و أقوال الفقهاء و أدلتهم،و أنعم فيها الفكر لا بد له أن ينتهي إلى الجزم و اليقين بأن السبب الموجب لتحريم المعاوضة على الأعيان النجسة و المتنجسة هو أخذ العوض على المنفعة المحرمة،لأن أكل العروض عنها أكل للمال بالباطل،و يصدق عليه قول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«إذا حرم اللّه شيئا حرم ثمنه».أما إذا استعمل في الجهة المحللة فلا يكون حراما،و لا أكلا للمال بالباطل،فكلب الهراش يحرم بيعه بالنص،حيث لا منفعة منه،و يجوز بيع كلب الصيد و الماشية و الزرع و البستان،لمكان الانتفاع به.و كذا جلد الميتة يجوز بيعه،ليجعل قرابا،أو سرجا،أو غربالا،بل يجوز بيع الميتة بالذات لو افترض صلاحها لجهة مباحة،و يدل على ذلك أن الامام عليه السّلام سئل عن بيع الميتة؟ فقال:«لا ينتفع بها»و معنى هذا أنه لو أمكن الانتفاع بها لساغ بيعها.

و يجوز بيع العذرة للتسميد،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:لا بأس ببيع العذرة، حيث يحمل على استعمالها في جهة محللة.و يحمل قوله عليه السّلام:«ثمن العذرة سحت»على استعمالها في الجهة المحرمة.

و لو أن إنسانا أراد أن يبيع من دمه دون أن يتضرر،يبيعه لمريض يحتاج إليه يصح البيع،و يحل الثمن،كما تصح هبة الدم بلا عوض.

و من الشواهد على ما قلنا ان جماعة سألوا الإمام عليه السّلام عن جلود الميتة يعملون منها غلافات للسيوف؟.فأجابهم اجعلوا ثوبا للصلاة.و سئل عن رجل يعمل الحمائل من شعر الخنزير؟.قال:فليغسل يده.و سئل عن العجين النجس،و الحيوان الذكي يختلط بالميتة؟.قال:يباع ممن يستحله.و إذا كان ثمن الميتة و العجين النجس حلالا فيحل ثمن غيرهما من أعيان النجاسات و المتنجسات،حيث لا خصوصية للمورد المسؤول عنه،على شريطة أن يقصد

ص:120

استعمالها في المباحات لا في المحرمات.

و مما قاله الشيخ الأنصاري في ذلك:«إذا قام الدليل على جواز الانتفاع منفعة مقصودة بشيء من النجاسات فلا مانع من صحة بيعه،لأن ما دل على المنع من بيع النجس من النصوص و الإجماع ظاهر في كون المانع حرمة الانتفاع».

و قال السيد اليزدي في حاشية المكاسب:«ان المناط أن تكون المنفعة المحللة مقومة لماليته،بحيث لو أغمض عن المنفعة المحرمة يعد مالا،و ان كانت المنفعة نادرة،لأن المتيقن من أدلة المنع انما هو بيعها بلحاظ الوجه المحرم،بل لو فرض أن للنجس منفعة نادرة غير مقومة لماليته،و قصد من البيع تلك المنفعة النادرة كفى في الصحة.فهو نظير ما لو باع مالا محللا بقصد منفعة نادرة لا يعد الشيء مالا بلحاظها،فإنه لا ينبغي الإشكال في صحته».

و هذا معناه أن جميع الأعيان النجسة يجوز بيعها لمجرد وجود منفعة محللة،حتى و لو كانت هذه المنفعة نادرة،و كانت المنفعة المحرمة هي الغالبة، و بديهة أن كل شيء من المحرمات لا يخلو من المنفعة النادرة.

و أصرح في الدلالة على ذلك قول الشيخ النائيني في تقريرات الخوانساري،حيث صرح ببيع الخمر للغاية نفسها،قال تحت عنوان«في المكاسب المحرمة»:لا يستفاد من أخبار أهل البيت عليهم السّلام مجرد التعبد بحرمة النجاسات و المحرمات.فإذا فرض أن جلد الميتة لا يتوقف استيفاء المنافع المهمة على طهارته فلا بأس ببيعه.و كذا الخمر و النبيذ و نحو ذلك فان المقصود أنّه إذا فرض هناك منفعة مهمة عقلانية،و لم يتوقف استيفاؤها على الطهارة، كالاستقاء بجلد الميتة للزرع جاز البيع،و على هذا فبيع العذرة في البلاد التي تنتفع بها لا بأس به،و هكذا نفس الميتة و الخمر».

ص:121

السلطة على العين:

اشارة

الشرط الثاني أن يكون للبائع سلطة مطلقة تامة على المثمن،و للمشتري سلطة مثلها على الثمن،و أي عاقل يجعل البحار و الأنهار ثمنا أو مثمنا.و كذا الأسماك و الطيور و الوحوش،و ما إليها من المباحات قبل حيازتها و الاستيلاء عليها.

و بإطلاق العين تخرج المحبوسة بالوقف و الرهن،فان حبس العين بأحدهما يمنع كلا من الموقوف عليه و الراهن من التصرف في العين تصرفا ناقلا،قال الشيخ الأنصاري:«ذكر الفاضلان-هما العلامة و المحقق الحلّيان- و جميع من تأخر عنهما في شروط العوضين بعد الملكية كون العين طلقا، و فرعوا على ذلك عدم جواز بيع الوقف إلاّ ما استثني،و لا الرهن إلاّ بإذن المرتهن».

الشراء بالمال المغصوب:
اشارة

و الحقيقة ان هذا الشرط تفرضه البديهة،فالتبسط فيه تبسط بالواضحات.

أجل،هنا مسألة تتصل بهذا الشرط تجدر الإشارة إليها،و هي أن من اغتصب مال الغير،و اشترى به شيئا،فهل يملك المبيع،و يحل له،غاية الأمر أن المشتري يكون آثما،و ضامنا للمال المغصوب،و إلاّ فالبيع صحيح أو أن البيع يقع باطلا من رأس،و يحرم على المشتري التصرف في المبيع،أو أن الشراء يقع فضالة عن صاحب المال،و يصير لازما بالإجازة؟.

الجواب:

إن وقع الشراء على عين المغصوب بالذات،كما لو قال الغاصب:اشتريت

ص:122

كذا بهذا المال،فإن أجاز صح البيع للغاصب،و إلاّ بطل البيع من الأساس.

و على هذا المعنى تحمل هذه الرواية عن الإمام الصادق عليه السّلام،فلقد سئل عن رجل اشترى ضيعة أو خادما بمال أخذه من قطع الطريق،أو السرقة:هل يحل له ما يدخل عليه من ثمر الضيعة و الخادم؟.فأجاب الإمام عليه السّلام:لا خير في شيء أصله الحرام،و لا يحل له استعماله.

و ان وقع الشراء على أن يكون الثمن كليا في الذمة،لا على العين المغصوبة،و عند الوفاء سدد المشتري من مال الغير،ان كان كذلك صح البيع، و حل المبيع،و على المشتري الإثم و الضمان.و على هذا المعنى يحمل قول الإمام عليه السّلام:لو أن رجلا سرق الف درهم،فاشترى بها جارية،و أصدقها المهر كان الفرج له حلالا،و عليه تبعة المال-أي ضمانه.

القدرة على التسليم:

اشارة

الشرط الثالث ان يكون البائع قادرا على تسليم المثمن للمشتري، و المشتري قادرا على تسليم الثمن للبائع.و جاء في كتاب«المكاسب»خمسة أدلة على هذا الشرط:الأول:أن البيع مع عدم الوثوق بوقوع مضمونه و مؤداه يكون بيعا غرريا،و قد نهى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع الغرر،و النهي هنا يستدعي الفساد بالإجماع.الثاني:الحديث المشهور عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«لا تبع ما ليس عندك».إذا فسرناه بما لا تقدر على تسليمه،و قريبا يأتي الكلام حول هذا الحديث.الثالث:أن العقد بطبعه يستدعي وجوب تسليم كل من العوضين إلى صاحبه،فيجب أن يكون التسليم مقدورا،و إلاّ كان تكليفا بالمحال.الرابع:أن الغرض من البيع انتفاع البائع بالثمن،و المشتري بالمثمن،و لا يتم ذلك إلاّ

ص:123

بالتسليم،فإذا تعذر التسليم تعذر البيع.الخامس:أن بذل الثمن لقاء شيء غير مقدور سفه،و أكل للمال الباطل.

و سواء أ كان كل دليل من هذه الأدلة بمفرده صحيحا أو أنّها بمجموعها تستدعي الركون و الاطمئنان فإن الذي ليس فيه شك أن الفقهاء قد أجمعوا على هذا الشرط،و ان العرف يرى المعاملة،مع العجز عن التسليم و التسليم لغوا لا أثر لها،تماما كبيع السمك في الماء،و الطير في الهواء.

و تتفرع على هذا الشرط
اشارة

مسائل هامة نعرض طرفا منها فيما يلي:

القدرة عن الاستحقاق:

تعتبر القدرة على التسليم و التسليم حين نفاذ العقد و الاستحقاق، و لا تجدي القدرة شيئا عند العقد،مع العجز عن التسليم حين الاستحقاق،كما لا يضر العجز حين العقد،مع القدرة حين الاستحقاق،و على هذا يجوز بيع الدقيق في الحنطة،و الزيت و الزيتون،و التبن في الزرع قبل حصاده،و اللحم في الشاة قبل ذبحها،لأنه موجود مآلا،و ان لم يوجد حالا،فلا يكون الاقدام عليه غررا، و لا سفها،و لا تكليفا بالمحال.

قدرة المشتري فقط:

إذا عجز البائع عن التسليم،و قدر المشتري عليه،فهل يصح البيع؟.و مثال ذلك أن يغصب دارك من هو أقوى منك،فتبيعها أنت ممن هو أقوى من الغاصب القادر على تخليصها منه.

ص:124

الجواب:

أجل،يصح،لأن الهدف من اشتراط القدرة هو وصول المبيع إلى من انتقل إليه،و قد تحقق،قال الشيخ الأنصاري نقلا عن كتاب الإيضاح:«و هذا مما انفردت به الإمامية،و هو المتجه».و استدل عليه بأنه لا غرر فيه و لا سفه.

لا تبع ما ليس عندك:

سبق في فصل الفضولي أن من باع مال الغير يقع فضالة عنه،فإن أجاز صاحب المال نفذ البيع و إلاّ بطل من الأساس،و نشير-هنا-إلى أن الفقهاء قد اتفقوا على أن من يبيع مال الغير بيعا باتا،ثم يمضي إلى صاحب المال،فيشتريه منه،و يسلمه إلى المشتري،اتفقوا جميعا على عدم صحة البيع،لأن الناس مسلطون على أموالهم،لا على أموال غيرهم،و الحديث«لا بيع إلاّ ما يملك»فإنه يدل على نفي البيع قبل تملك العين،و أيضا الحديث«لا تبع ما ليس عندك»الدال صراحة على المنع عن بيع ما لا سلطان للبائع عليه،سواء أ كان غير مملوك لأحد، كالسمك في الماء،أو كان ملكا لغير البائع،أو كان ملكا للبائع،مع عجزه عن السيطرة عليه،كالجمل الشارد،و العبد الآبق.

أجل،يجوز للسمسار أن يتفق مع زيد-مثلا-على أن يشتري السمسار مال الغير لنفسه،ثم يبيعه لزيد بثمن معين،و لكن هذا الاتفاق لا يلزم زيدا بالبيع، بل يبقى على إرادته،ان شاء أخذ،و ان شاء ترك.قال عبد الرحمن بن الحجاج:

قلت للإمام الصادق عليه السّلام:يجيء الرجل،فيطلب المتاع،فاشتريه،ثم أبيعه منه؟.

فقال:أ ليس ان شاء ترك،و ان شاء أخذ؟.قلت:بلى.قال:لا بأس به.

و كذا يجوز أن يبيع شيئا في الذمة،كطن من حنطة،و ليس عنده شيء منه،

ص:125

ثم يشتريه،و يسلمه للمشتري،لأن القدرة عند التسليم كافية لصحة البيع،فلقد سئل الإمام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل،و ليس عنده؟.فقال:لا بأس به.

فان المراد بهذه الرواية التي نفت البأس البيع في الذمة،و بالرواية السابقة التي أثبتت البأس بيع العين الخارجية المملوكة للغير.

الضميمة لا تصحح البيع:

إذا باع شيئين معا،و في صفقة واحدة،أحدهما يمكن تسليمه،و الآخر يتعذر،كما لو باع بعيرا شاردا مع الثوب بعشرة،فهل يصح البيع؟.

كلا،لأن ضم مقدور إلى غير مقدور لا يجعل المجموع مقدورا،و لا يخرج ما لا يستطاع إلى ما يستطاع.

و تقول:لقد ثبت عن أهل البيت عليهم السّلام أن العبد الآبق يجوز بيعه مع الضميمة.

و الجواب:

أجل،و لكن هذا البيع يخالف الأصول و القواعد،فيقتصر فيه على مورد الرواية فقط،و هو بيع العبد الآبق،على أنّه لا مكان اليوم للعبيد و الإماء.

و بالتالي،فان كل ما لا يصح بيع منفردا لا يصح بيعه منظما إلى ما يصح بيعه (1).

معنى الغرر:

سبق أن البيع مع عدم القدرة على التسليم باطل لمكان الغرر،و يأتي أيضا

ص:126


1- هذه الجملة،أو هذا الضابط العام جاء بالحرف في كتاب مفتاح الكرامة الجزء السادس [1]متاجر ص 287.

في الشرط الرابع أن البيع مع الجهل بالعوضين كذلك،و هذا يستدعي الإشارة إلى معنى الغرر،و قد جاء عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«أن الغرر عمل لا يؤمن معه الضرر» قال صاحب الجواهر:و هذا المعنى جامع لجميع ما قاله أهل اللغة و الفقه،و عليه فأية معاملة ينطبق عليها أنّها عمل لا يؤمن معه من الضرر تكون باطلة،لمكان الغرر.

و فسر الشيخ الأنصاري الغرر بالمخاطرة التي قد تفضي إلى التنازع و المشاجرة بسبب المعاملات،و يرجع هذا التفسير إلى ما نقلناه عن الإمام عليه السّلام، و اختاره صاحب الجواهر من أنه«عمل لا يؤمن معه من الضرر».ثم أنه ليس من الضروري أن يكون الغرر مساوقا للجهل،بل قد يوجد الجهل،حيث لا غرر، فان كثيرا من العقلاء يقدمون على شراء أشياء يجهلون حقيقتها،و لا يعدون الاقدام عليها ضررا و خطرا،بل قد يرون الإحجام عنها سفها أو أشبه بالسفه.قال الشيخ الأنصاري:ان العقلاء يقدمون على الضرر القليل رجاء النفع الكثير، و يشترون الشيء المجهول بثمن لا يتضررون به،كالمردد بين النحاس و الذهب.

فان ذلك مرغوب فيه عند العقلاء،بل يوبخون من عدل عنه،و لا يقبلون منه الاعتذار بأنه مخاطرة».اذن،فالغرر لا يلازم الجهل ابدا و دائما،بل قد و قد.

العلم بالعوضين:

اشارة

الشرط الرابع أن يكون كل من العوضين معينا عند المتعاقدين تعيينا ينتفي عنه الغرر،و لا يصدق عليه الاقدام على المخاطرة،فلا يصح بيع المجهول الذي فيه غرر،كبعتك ثوبا،و بالمجهول،كاشتريت هذا بثوب،بل لا بد من العلم مسبقا بالقدر و الصنف و الوصف.و أيضا لا يصح جعل الثمن بحكم أحد

ص:127

المتعاقدين،و لا بحكم ثالث،أما طريق المعرفة إلى كل من الثمن و المثمن فيختلف باختلافه كنها و حقيقة،جاء في كتاب الجواهر أوّل باب التجارة:«معرفة كل شيء بحسبه،و ما جرت فيه العادة بتقدير مخصوص فالعلم يتبع حصول ذلك التقدير،و بيعه،بدونه تخرص و تخمين،و ليس من العلم في شيء».فبعض الأشياء يكون سبيل العلم إليه المشاهدة،و بعضها الوصف،و بعضها الكيل،أو الوزن،أو العد،أو المساحة،و بعضها لا طريق إلى معرفته إلاّ الشم أو الذوق،أو الكسر،و الآن ننتقل إلى الكلام عن هذه الطرق.

المشاهدة:

ليس من شك أن المشاهدة العادية-أي الرؤية البصرية-لا تكون طريقا لمعرفة كل شيء،بل لبعض الأشياء،كالأثاث،و الملابس،و الكتب، و القرطاسية،و ما إلى ذاك مما تكفي فيه رؤية العين عند العقلاء،و لا يضر الجهل ببعض الصفات التي يتسامح بها العرف،و لا يعد في نظرهم غررا و لا ضررا،قال الشيخ الأنصاري:«المعيار في الاكتفاء بالمشاهدة هو رفع الغرر الشخصي».

و تجدر الإشارة إلى أن قول الفقهاء انما يكون حجة متبعة إذا أجمعوا على حكم شرعي،كالإجماع على أن بيع الغرر باطل،أما التطبيقات الخارجية، و تشخيص الموضوعات.أما ان هذا البيع فيه غرر،أو لا غرر فيه،فيرجع إلى نظر الشخص صاحب العلاقة،لا إلى نظر الفقهاء و المجتهدين،مهّدنا بهذه الإشارة لنبين أنه لا وزن للإجماع الذي نقله صاحب التذكرة و غيره على أن المشاهدة تكفي في بيع الثوب و الأرض،لأنه إجماع على تشخيص الموضوع و المصداق،لا على حكم شرعي كلي،كي يكون حجة.فلو افترض أن مشاهدة

ص:128

هذه القطعة الخاصة من الأرض لا ينتفي معها الغرر لا يصح البيع،و بالاختصار ان المشاهدة ليست بقاعدة كلية لصحة البيع،و ان قام عليها الإجماع،لأن سر الصحة هو عدم الغرر،فمتى تحقق بأية وسيلة صح البيع،و إلاّ فهو باطل.

الوصف:

ان معرفة الشيء بنوعه،أو صنفه فقط لا يرفع الغرر،فلا يصح أن يشتري فرسا،أو ثوبا في الذمة دون أن يذكر الوصف الذي تختلف بسببه القيمة و الرغبات،و كذا لا يصح أن تشتري فرس زيد الموجود في غير مجلس العقد دون أن تراه.و يصح أن تشتريه،و هو غائب عنك اعتمادا على وصف صاحبه بصفات تتفاوت معها الرغبات،كالسن و الهزال و السمن،و أنه أصيل أو برذون، و ما إلى ذاك مما ينتفي معه الغرر،فإذا وجدت المبيع على الوصف حين القبض لزم البيع و إلاّ فلك حق الخيار في الفسخ،لتخلف الوصف،أو الشرط الضمني- و يأتي التفصيل في فصل الخيارات.

و إذا كنت قد شاهدت الفرس قبل البيع،ثم غبت عنه أمدا لا تظن التغير فيه،لاقتضاء العادة بقاءه على صفاته في هذا الأمد،و اشتريته اعتمادا على ذلك، فإن رأيته عند القبض على ما كان لزم البيع،و ان رأيته خلاف ما عهدت،و أنّه قد تغير بما لا يتسامح به عادة فلك حق الخيار في الفسخ دفعا للضرر.و كذلك الحال بالقياس إلى البائع فإن هذا الخيار يثبت له ان كان قد باع ملكه الغائب اعتمادا على ما وصف له،أو على مشاهدة سابقة،ثم تبين أن المبيع قد زاد زيادة تستدعي ارتفاع الثمن ارتفاعا لا يتسامح به.

ص:129

الاختلاف في التغير:

إذا وقع البيع اعتمادا على المشاهدة السابقة،و بعد البيع اختلف المتبايعان في حدود التغير،فقال المشتري:قد تغيرت العين عما كنت رأيتها،فلي حق الخيار في الفسخ،و قال البائع:كلا ما زالت كما كانت عند المشاهدة،فمن هو المدعي الذي عليه عبء الإثبات؟و من هو المنكر الذي عليه اليمين فقط؟و مثال ذلك أن يشاهد زيد فرس عمرو،و بعد أمد يشتريه منه بثمن معين على تلك الصفات التي رآه عليها،و لدى التسليم و التسلّم قال المشتري اشتريته سمينا، و هو الآن هزيل،و قال البائع:بل اشتريته هزيلا،كما هو الآن.

و ليس من شك أن تمييز المدعي من المنكر من أدق المسائل و أهمها على الرغم من أن الضابط و المعيار لكل منهما معلوم لا ريب فيه،و هو موافقة قول المنكر للأصل،و مخالفة قول المدعي له،و لكن الدقة في التطبيق،و تشخيص الموارد و الافراد،و مهما يكن،فان في ذلك قولين:

و أصحهما ما ذهب إليه المشهور من أن البائع هو المدعي،و المشتري هو المنكر،فيقبل قوله بيمينه،و ذلك أن النزاع في أن هذا التعاقد جائز،أو لازم يرجع في حقيقته إلى أن التعاقد وقع على هذا الفرس بوصفه هزيلا،حتى يلزم العقد،أو بوصفه سمينا،حتى يكون جائزا،فإذا أجرينا أصل عدم العقد على الهزيل كان العقد جائزا بحكم البديهة،لأن جواز العقد يستند ابتداء،و بلا واسطة إلى عدم العقد على الهزيل،و على هذا يكون قول المشتري موافقا للأصل،فيقبل مع يمينه إذا لم يكن للبائع بينة تثبت دعواه.

و تقول:ان الأصل عدم العقد على الفرس السمين أيضا،فيثبت ان العقد لازم،لا جائز،و يكون قول البائع موافقا للأصل،فيقبل بيمينه.

ص:130

و نجيب بان لزوم العقد اثر لوقوعه على الهزيل،و ليس أثرا لعدم وقوعه على السمين،حتى يكون هذا الأصيل مجديا،بخلاف جواز العقد،فإنه أثر شرعي لعدم وقوعه على الهزيل،أي على الفرس الموجود بالفعل،و بديهة أن نفي السمين بالأصل يثبت وجود الهزيل بالملازمة العقلية،لا بالملازمة الشرعية، أي ان نفي الضد بالأصل،لا بالوجدان،و لا بالبينة يلزمه وجود الضد الآخر بحكم العقل،لا بحكم الشرع الذي يعتمد لإثبات موضوعات أحكامه و تشريعاته على المشاهدات و البينات،لا على حكم العقل بالتوافق،أو التناقض بين الطبيعيات و الخارجيات.

و بتعبير ثان لو افترض أن العقد في الواقع قد جرى على الفرس الهزيل لكان لازما يجب الوفاء به،و هذا معناه أنّه لو لم يقع على الهزيل يكون جائزا بذاته،و بغض النظر عن وقوعه على السمين.و عليه فإذا أردنا أن نثبت جواز العقد فلا نحتاج إطلاقا أن نثبت وقوعه على السمين،بل يكفي أن نثبت عدم وقوعه على الهزيل.مع العلم بأن عدم التعاقد على الهزيل يلزمه عقلا ثبوت التعاقد على السمين،غير أنّا لسنا بحاجة إلى ذلك،ما دام عدم التعاقد على الهزيل بذاته كاف واف لجواز العقد بدون آية واسطة.

و لو افترض أن العقد جرى على السمين يكون العقد-في مسألتنا-جائزا، و لكن عدم وقوعه على السمين لا يثبت لزوم العقد،لأن لزومه أثر لوقوعه على الهزيل،و وقوعه على الهزيل لا يثبت بأصل عدم وقوعه على السمين إلاّ إذا أدخلنا في حسابنا أن عدم الضد ملتزم لوجود الضد الآخر،و لا يمكن بحال أن ندخل ذلك في الحساب بصفتنا فقهاء متشرعين،لأن هذه الملازمة من شؤون العقل،لا من شؤون الشرع.

ص:131

هذا أقصى ما لدي من التوضيح لما اراده الشيخ الأنصاري بقوله:«يرجع النزاع إلى وقوع العقد على ما ينطبق على الشيء الموجود،حتى يلزم الوفاء و عدمه،و الأصل عدمه،و دعوى معارضته بعدم وقوع العقد على العين غير المقيدة بأصالة عدم وقوع العقد على المقيدة،و هو غير جائز،كما حقق في الأصول» (1).

المكيل و الموزون و المعدود:

سبق البيان أن كلا من الثمن و المثمن لا بد أن يكون معلوما للمتعاقدين، و ان طريق العلم به قد يكون المشاهدة،أو الوصف،أو الوزن،أو الكيل،أو العد، أو المساحة.و قد أطال الفقهاء في المكيل و الموزون،و سودوا الصفحات الطوال العراض،و أنّه هل المراد منهما ما كان مكيلا و موزونا في زمان الشارع فقط،أو أن لكل بلد عاداته و تقاليده في ذلك،سواء اتفقت مع زمن الشرع أو اختلفت؟.

و تكلموا و أطالوا أيضا في أن المكيل هل يجوز بيعه وزنا،و الموزون كيلا، و المعدود بأحدهما،أو المشاهدة؟و تكلموا فيما تفتقر معرفته إلى الاختبار بالذوق أو الشم،الى غير ذلك.

و بديهة ان الوزن و الكيل و العد،كل هذه و ما إليها وسائل لمعرفة الكم،لا

ص:132


1- إذا بقي شيء من الغموض بعد التوضيح و البيان فلأن المطلب غامض و دقيق في نفسه،و هو من صغريات المسألة المعروفة«بالأصل المثبت»عند علماء الجامعة النجفية،و قد أمضيت أشهرا في دراستها عند الاساتذة،و اعتقد أنها من المسألة المعروفة«بالشبهة المصداقية»و مسألة«قاعدة اليقين»من جملة ما انفردت به جامعة النجف الأشرف،و قد كتبت عن هذه الثلاثة مقالا مطولا بعنوان-أصول الفقه بين القديم و الجديد-في مجلة رسالة الإسلام المصرية لدار التقريب عدد رمضان 1369 ه.

غاية في نفسها،كما أن المشاهدة و الوصف،و اختبار اللون و الطعم و الرائحة وسيلة لمعرفة الكيف،فالعبرة برفع الغرر،فكل ما لا غرر فيه فهو صحيح،و كل ما فيه غرر لا يتسامح به عرفا فهو باطل،و يؤيده تعليل الفقهاء للبيع الباطل بأنّه غرر،و للبيع الصحيح بعدم الغرر،قال الشيخ الأنصاري في المكاسب ما نصه بالحرف:«لو فرض اندفاع الغرر بغير التقدير كفى،كما إذا كان للمتبايعين حدس قوي بالمقدار يندر تخلفه عن الواقع،و كما إذا كان المبيع قليلا لم يتعارف وضع الميزان لمثله،كما لو دفع فلسا،و أراد به دهنا،فان الميزان لا يوضع لمثله، فيجوز بما تراضيا عليه من التخمين».

فالمهم-اذن-هو رفع الغرر،حتى و لو كان عن طريق الحدس و التخمين، أمّا الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام في هذا الباب فإنها لم ترد لتأسيس أصل شرعي في أن هذا النوع يباع كيلا،و ذاك يباع عدا،و بان الذوق و الشم في أشياء دون أشياء،فإن جميع روايات هذا الباب قد جاءت لبيان أصل واحد لا غير،و هو أن بيع الغرر محظور،و ان ما لا غرر فيه لا بأس به،سواء ارتفع الغرر بالمشاهدة، أو الوزن أو الكيل،أو الوصف،بل حتى بالحدس و التخمين-كما قال الشيخ الأنصاري-و لا أدل على ذلك من قول الإمام الصادق عليه السّلام:«لا يحل للرجل أن يبيع بصاع غير صاع أهل المصر»فإنه إرشاد إلى رفع الغرر،لأن صاع أهل المصر معروف،و صاع غيرهم مجهول،و لو عرف صاع الغير لصح البيع به،و أي فقيه يمنع من البيع بغير صاع أهل المصر إذا علم المتبايعان بمقداره،و تراضيا عليه؟.

و بالاختصار ان المحظور هو بيع الغرر،فإذا ارتفع بوسيلة من الوسائل فلا حظر.

ص:133

البيض و البطيخ و الجوز:

إذا تعذرت معرفة العين على حقيقتها إلاّ بالكسر،كالبيض و البطيخ و الجوز،فهل يجوز جعلها ثمنا مع الجهالة،و تكون مستثناة من قاعدة«كل بيع غرري فهو غير جائز»؟.

اتفق الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر و المكاسب على أن الجهالة تغتفر في ذلك،و يصح معها البيع،قال صاحب الجواهر:«لا إشكال في تحقيق الجهالة في هذا البيع،و لكن للسيرة المستمرة في الأعصار و الأمصار على بيعه قلنا بجوازه و استثنائه من دليل الجهالة و الغرر»و قال صاحب المكاسب:«يجوز ابتياع ما يفسده الاختبار من دون اختبار إجماعا».

و الوجه في ذلك عند كثير من الفقهاء هو بناء العرف على أن الأشياء توجد سليمة بطبعها في الأعم الأغلب و الفرد الفاسد نادر،و النادر لا يقاس عليه، و المتعاقدان يجريان البيع على هذا البناء.و سواء اعتمد المتعاقدان على ظن السلامة أو غيره،فان الناس منذ القديم قد تبانوا على التسامح في هذه الجهالة، حيث لا طريق إلى رفعها-عندهم-و حيث لا تقوم المصلحة إلاّ كذلك،و اللّه سبحانه لا يكلف الناس بما يشق عليهم.

و لكن صحة هذا البيع مع الجهالة لا تنفي الخيار لمن انتقلت إليه العين إذا تبين فسادها،بل يثبت له خيار الأرش،دون الرد،أمّا ثبوت الأرش،فلأن به يتدارك الضرر،و أمّا عدم الرد فلأن التصرف بالكسر يمنع من إرجاع العين إلى صاحبها،أجل لو عرف العيب قبل الكسر بطريق من الطرق جاز الرد،لأن العين، و الحال هذه،ترجع إلى صاحبها كما تسلمها منه المشتري.و المراد بالأرش هو أن يدفع صاحب العين لمن انتقلت إليه التفاوت ما بين قيمتها صحيحة،

ص:134

و قيمتها فاسدة.

و إذا اشترط المشتري على البائع الرجوع عليه بالثمن لو تبين الفساد، و رضي البائع بالشرط جاز،كما أن البائع لو تبرأ من العيب،و قبل المشتري صح، لأن شراء المعيب جائز،و الإقدام عليه مع العلم به يسقط الخيار،و لكن جماعة من الفقهاء المحققين،و منهم صاحب الجواهر و المكاسب قالوا:إنما تجدي براءة البائع من العيب و الفساد إذا كان لمكسور العين قيمة،و لو زهيدة،أما إذا لم يكن لها قيمة من رأس،و كان مآلها إلى القمامة،كالبيضة الفاسدة بعد كسرها،أما هذه فلا تجدي البراءة منها نفعا،بل يقع البيع باطلا،و يحق للمشتري أن يرجع على البائع بالثمن كاملا،قال صاحب المكاسب:«و لو لم يكن للمكسور قيمة لخروجه بالكسر عن التمول بطل البيع وفاقا لجماعة من كبار الفقهاء،كشيخ الطائفة الطوسي،و المحقق الحلي،و العلامة و غيرهم».و قال صاحب الجواهر:

«ان البراءة من العيب تفيد إذا كان للمكسور قيمة،و إلاّ فله الرجوع بالثمن،و ان تبرأ البائع من العيب،لبطلان البيع المقتضي لرجوع الثمن إلى مالكه،و إلاّ كان أكلا للمال بالباطل،و للثمن بلا مقابل».

و تقول:انما يتحقق أكل المال بالباطل إذا كان بلا رضى من صاحبه، و المفروض أن المشتري أقدم باختياره و ملء إرادته على شرط البراءة من العيب، و رضي بالبدل على تقدير الفساد.

و نجيب أن للإنسان أن يهب أمواله لمن يشاء،و لكن هذا شيء،و بيع ما لا قيمة له شيء آخر،و سبق أن من شروط العوضين أن يكون كل منهما ذا قيمة، و ان ما لا قيمة له لا يجوز بيعه،و مفروض مسألتنا أن المبيع لا قيمة له،فلا يصح بيعه،حتى مع التراضي و الاختيار.

ص:135

الحمل و الصوف و الظرف:

اجمع الفقهاء على أن الحمل منفردا لا يصح جعله ثمنا و لا مثمنا،لمكان الغرر،و يجوز بيعه مع أمه،و على الأصح بيع أمه الحامل.

أمّا بيع الصوف و الشعر على ظهور الأنعام فإن المشهور بين الفقهاء عدم الجواز.

و قال جماعة من كبار المحققين،منهم المفيد و العلامة و الشهيد الثاني و ابن إدريس و المحقق،قالوا:يصح بيع الصوف و الشعر قبل جزه،و ان جهل الوزن، تماما كما يجوز بيع الثمرة على الشجرة،و مما قاله الشهيد:لكن ينبغي الجز في الحال،أو شرط البقاء إلى مدة معلومة.

و ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر و المكاسب إلى أنه يجوز بيع الزيت،و السمن مع ظرفه كل رطل بثمن معلوم،على أن يطرح للظرف رطل أو أكثر،حسبما يتفق عليه الطرفان،و تغتفر هنا الزيادة و النقيصة في الظروف،قال رجل للإمام الصادق عليه السّلام:جعلت فداك نطرح من طرف السمن و الزيت لكل ظرف كذا رطلا،فربما زاد،و ربما نقص؟.قال:«إذا كان عن رضى منكم فلا بأس».و يعرف هذا عند الفقهاء ببيع الإندار،أي الاسقاط،و المراد به قدر معين للظرف.

و أيضا أجاز المشهور أن يباع المظروف و الظرف معا عن كل رطل ثمن معلوم،كما هو المعروف و المألوف اليوم من بيع الفواكه و الخضار بصناديقها،أو بعض السلع المائعة و الجافة بغلافها،قال صاحب الجواهر:«و العلم بالجملة كاف عن معرفة الأبعاض-أي الأجزاء-و ان لم يكن المنضم-يريد الظرف-من الموزونات».

ص:136

و الذي يستفاد من هذه الأقوال،و مثلها كثير للفقهاء،ان كل ما جرى عليه العرف من طرق المعرفة بالعوضين،و تسامح الناس بالجهل به جائز غير محظور، حتى و لو بيع لوحدة جزافا مع إمكان العلم بمقداره تفصيلا من غير كسر و لا خراب،كبيع الصوف على ظهور الغنم،و لا شيء أدل و أصدق على هذه الحقيقة من قول الإمام الصادق عليه السّلام:«إذا كان ذلك عن رضى منكم فلا بأس».

شروط الانعقاد و شروط اللزوم:

يتحصل مما قدمنا أن الصيغة لا بد أن تكون واضحة الدلالة،و ان يتوافق الإيجاب و القبول على محل واحد،و ان المتعاقدين يعتبر فيهما العقل و البلوغ، و القصد مع الاختيار،و الخلو من السفه و مرض الموت لو تصرف المريض فيما زاد عن الثلث،و ان العوضين يشترط فيهما المالية و الملك المطلق،و القدرة عليهما،و العلم بهما.

و نشير الآن إلى أن الاختيار و الرشد و الصحة في المتعاقد ليست شروطا لانعقاد العقد،و أصل وجوده،و انما هي شروط للزوم العقد و نفاذه،فان المكره يتم منه العقد،و لكنه لا يصير لازما إلاّ إذا رضي بعد الإكراه.و كذا السفيه يصح منه العقد،و لا يلزم إلاّ بإجازة الولي.و مثله عقد المريض مرض الموت فان نفاذه يتوقف على اجازة الورثة لو تصرف فيما زاد عن الثلث.و أيضا الملك المطلق في الثمن و المثمن شرط للزوم العقد،لانعقاده-في بعض الحالات-فالفضولي يصح منه العقد،و لا يلزم إلاّ بإجازة المالك.و كذا الراهن يصح عقده و ينفذ بإجازة المرتهن،أمّا بيع الوقف،مع عدم المسوغ فإنه باطل من الأساس.

و ما عدا الإرادة و الرشد و الصحة و الملك المطلق من الشروط فهو شرط

ص:137

لانعقاد العقد،سواء أ كان من شروط الصيغة،أو المتعاقدين،أو العوضين،فإذا انتفى واحد منها بطل العقد من الأساس،و تخلفت عنه جميع الأحكام.و إذا تمت الشروط بكاملها كان عقد البيع لازما إلاّ إذا اقترن بأحد الخيارات التي سنتكلم عنها في الفصل التالي.

النهي عن المعاملات:

اشتهر على الألسن ان النهي عن العبادات يدل على الفساد،دون المعاملات،و الحق أن النهي يدل بالمطابقة على التحريم فقط،و لا يدل بنفسه على الفساد،لا في العبادات،و لا في المعاملات،فإذا قال لك الشارع:لا تزل النجاسة بالماء المغصوب،و لا تذبح شاة الغير،و لا تقطع رأس الذبيحة حين الذبح،ثم خالفت،فغسلت النجاسة بالمغصوب،و ذبحت شاة الغير،و قطعت رأس الذبيحة عند الذبح،فان الثوب يطهر،و لحم الشاة لا يحرم،و ان كنت آثما بالعصيان،و تعرضت لغضب اللّه و عقابه،و إذا لم يدل النهي على الفساد من غير قرينة في مورد واحد فلا يدل عليه في كل مورد بلا قرينة،عبادة كان أو غيرها.

أجل،ان تحريم الشيء،أي شيء يستدعي أن يكون مكروها و مرغوبا عنه،و لا يصح عقلا التعبد للّه سبحانه بما يكره و يبغض،لأنه جل و عز لا يطاع من حيث يعصى و عليه فلا تكن العبادة المنهي عنها مقبولة لديه تعالى،و لا معنى لفساد العبادة إلاّ هذا.و منه يتضح ان دلالة النهي على فساد العبادة جاءت بتوسط العقل،و حكمه بأن المبغوض لا يمكن التقرب به إلى اللّه،أمّا النهي عن المعاملة فلا يدل على الفساد لا بنفسه و لا بالواسطة،و لعل هذا مراد من قال:ان النهي عن العبادات يدل على الفساد،دون المعاملات.

ص:138

غير أن الشارع كثيرا ما ينهى عن المعاملة إرشادا إلى أنّها غير مشروعة من الأساس،كبيع الحصاة (1)أو إلى أنّها تفقد شرطا من الشروط،كبيع المجنون، و الصبي غير المميز،أو إلى أن العين ليست أهلا للتمليك و التملك،كالخمر و الخنزير،و ما إلى ذاك مما لا يترتب عليه الأثر،لعدم استيفاء الشروط و توافرها.

و بتعبير ثان ان الشارع قد ينهى عن المعاملة الفاسدة التي نشأ فسادها من أمر آخر غير النهي،و لذا اتفق الفقهاء كلمة واحدة على أن المعاملة التي تتوافر فيها جميع الشروط تؤثر أثرها،و لا يتخلف عنها حكم من أحكامها،حتى و لو نهى عنها الشارع لسبب خارجي،كالنهي عن البيع حين النداء لصلاة الجمعة،أجل،يكون المباشر عاصيا مستحقّا للوم و العقاب،لمخالفة النهي.

و بالاختصار ان صيغة النهي من حيث هي لا تدل إلاّ على التحريم و القبح و معصية من خالف،و لم يمتثل،و هذا شيء،و سلب التأثير عن الفعل أو القول شيء آخر،و لكن لما كان تحريم الشيء يمنع من التقرب به إلى اللّه سبحانه بطلت العبادة المنهي عنها لذلك،لا لأن النهي عنها دل على بطلانها بالذات،أما المعاملة فليس الغرض منها التقرب إلى اللّه،و لذا تبقى سببا للتأثير و الإفادة حين النهي، كما كانت قبله.

النجش:

النجش لغة الزيادة،و المراد به هنا أن يتواطأ صاحب السلعة مع آخر على أن يزيد أمام الناس،و يدفع ثمنا كثيرا يوهم الناظر أنّه يريد الشراء،ليرغب

ص:139


1- و هو أن يقول المشتري:أي ثوب وقعت عليه الحصاة التي أرمي فهي لي،كما كان يفعل أهل الجاهلية.

و يزيد،و اتفق الفقهاء على تحريم ذلك،و قال صاحب الجواهر:انّها غش و خديعة و تدليس،و إغراء بالجهل،و إضرار،و جاء في الحديث لعن الناخش و المنخوش،أي الكذوب و المفتعل.

و قال الفقهاء:لو اشترى الناظر صح البيع،لأن النهي تعلق بأمر خارج عن حقيقة المعاملة،و لكن له الخيار مع الغبن،و قال ابن الجنيد:المعاملة باطلة من رأس.

ص:140

الاحتكار

تحريمه عقلا و شرعا:

اتفق المسلمون كافة على تحريم الاحتكار،كفكرة للنص،و«القبح العقلي المستفاد من ترتب الضرر على المسلمين،و كون الحرص مذموما عقلا، و منافاته للمروءة،و رقة القلب المأمور بهما»كما قال صاحب الجواهر.

لقد فرّع شيخ الطائفة في عصره مبادئ دينية،و أحكاما شرعية،على المروءة و رقة القلب كتحريم الاحتكار،و توفي هذا الشيخ العظيم سنة 1266 ه، حيث لا قنبلة ذرية و لا هيدروجينية،و لا أسلحة جهنمية.و وددت لو يعيش في هذا العصر ليرى«المروءة و رقّة القلب»عند الغرب المستعمر.

و بغض النظر عن المروءة و رقة القلب فان لدينا أكثر من قاعدة شرعية توجب تحريم الاحتكار،منها:«لا ضرر و لا ضرار،و دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة،بخاصة إذا كانت المفسدة عامة،و المصلحة فردية،و الأهم مقدّم على المهم،ان كان هناك مهم،و وجوب الاحتفاظ بالنفس المحترمة،قال صاحب المسالك المعروف بالشهيد الثاني،باب الأطعمة و الأشربة:«ان كان المضطر إلى الطعام قادرا على المحتكر قاتله،فان قتل المضطر كان مظلوما،و ان قتل صاحب الطعام فدمه هدر».و منها كل ما كان سببا تاما للحرام فهو حرام،و قد أثبتت

ص:141

التجارب و الأيام ان الاحتكار سبب تام للاستعمار و الحروب،و استعباد الشعوب، و إزهاق الأرواح بالملايين،و إشاعة الرعب و الخوف في النفوس (1)و اختلال الأمن و النظام،و للكذب و التزوير،و الافتراء على الأبرياء،و إيقاظ الفتن،و بث النعرات الطائفية،و التفرقة العنصرية،و لسيطرة السفلة و الخونة،و تحكمهم بالبلاد و العباد،و لتحريف الشرعية،و إدخال البدع في الدين،و إظهار الإسلام و المسلمين بأقبح الصور عن طريق المستأجرين و الانتهازيين الذين اندسوا بين المعمّمين.و ايضا الاحتكار سبب لانفاق المقدرات و الأقوات على آلات الخراب و الدمار،و حرمان المعوزين من أشياء الحياة و أسبابها،إلى غير ذلك كثير مما شاهدنا و قاسينا من عناية و ويلاته.

أمّا النصوص الشرعية فقد تجاوزت حد التواتر من طريق السنة و الشيعة، منها ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم أنّه نهى عن أن يحتكر الطعام.و أن من احتكر لم يمت حتى يضربه اللّه بالجذام،أو الإفلاس.و ان في جهنم واد خاص بالمحتكرين،و مدمني الخمر،و القوادين.و منها قول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ان جالب الطعام مرزوق،و المحتكر ملعون.و في هذا الحديث دلالة واضحة على أن من يستورد ما تحتاجه الناس،للتيسير عليهم فهو الغني عند اللّه حقا،و أمّا المحتكر فهو الخسيس اللئيم.

و منها قول الإمام الباقر أبي الإمام الصادق عليهما السّلام:ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:

أيما رجل اشترى طعاما،فحبسه أربعين صباحا،يريد الغلاء،ثم باعه،و تصدق

ص:142


1- قرأت اليوم في جريدة الاخبار المصرية تاريخ:1965/6/9 ان رصيد المخزون النووي يكفي لتدمير كوكبنا،و ان المخصص من هذا المخزون لكل انسان على وجه الأرض أكثر من 80 طنا من المواد المتفجرة.مع العلم بأن ثلثي البشرية الآن فريسة الجوع و المرض و التخلف.

بثمنه لم يكن كفارة لما صنع.و بهذا يتضح أن حكم المحتكرين الذين يغطون سوءاتهم بالبذل على الجهات العامة،ان حكم هؤلاء عند اللّه،تماما كحكم مربية الأيتام.و جاء في نهج البلاغة ان الإمام قال في عهده للأشتر:فمن قارف حكرة بعد نهيك إياه فنكل به في غير إسراف.إلى غير ذلك مما لا يبلغه الإحصاء.

كل ما تحتاجه الناس:

هل يحرم احتكار جميع ما تحتاجه الناس من مأكل و ملبس و مشرب و أدوات،أو يختص التحريم بالطعام فقط،أو بنوع خاص منه،كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب-كما قيل-؟ و الذي يظهر من صاحب الجواهر في كتاب التجارة:ان الفقهاء متفقون على تحريم احتكار كل شيء يضطر إليه الناس،مهما كان نوعه،دون استثناء، و انهم اختلفوا فيما لم تبلغ الحاجة إليه حد الاضطرار،و هذه عبارته بالحرف:

«الاحتكار محرم في كل جنس لكل ما تحتاجه النفوس المحترمة،و يضطرون إليه،و لا مندوحة لهم عنه من مأكول،أو مشروب،أو ملبوس أو غيره،من غير تقييد بزمان دون زمان،و لا أعيان دون أعيان،و لا انتقال بعقد،و لا تحديد بحد بعد فرض حصول الاضطرار،بل الظاهر تسعيره حينئذ بما يكون مقدورا للطالبين-يريد المستهلكين-إذا تجاوز المحتكر الحد في الثمن،بل لا يبعد حرمة قصد الإضرار بحصول الغلاء،و لو مع عدم حاجة الناس،و وفور الأشياء، بل قد يقال بالتحريم بمجرد قصد الغلاء،و حبه و ان لم يقصد الإضرار-انتبه لقوله بمجرد قصد الغلاء و حبه الذي يقتضي أن كل من لديه شيء،و أحب ارتفاع ثمنه فقد ارتكب محرما.ثم قال صاحب الجواهر-و انما الكلام،أي الاختلاف بين

ص:143

الفقهاء،في حبس الطعام انتظارا به غلو السعر من أجناس التجارة،مع حاجة الناس،و عدم وصولهم إلى حد الاضطرار».

و معنى هذا أنّه متى بلغت الحاجة حد الاضطرار إلى الشيء حرم احتكاره، مهما كان نوع ذلك الشيء،أمّا إذا لم تبلغ الحاجة حد الإضرار فقد اختلف الفقهاء في أنّه هل يحرم احتكار كل شيء تحتاجه الناس،أو أن المحرم هو احتكار الطعام فقط،أو نوع خاص منه كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب،كما قيل بأن هذه يحرم احتكارها إطلاقا،حتى مع عدم الاضطرار إليها،أمّا غيرها فيحرم احتكاره مع الاضطرار.

و الحق أن الاحتكار حرام من حيث هو،كمبدأ عام،و قاعدة كلية،تماما كالربا،لا لشيء إلاّ لمجرد حاجة الناس إلى الشيء المحتكر،سواء أ بلغت الحاجة حد الضرورة،أم لم تبلغ هذا الحد،أما ذكر الحنطة و الشعير،و التمر و الزبيب، و الزيت في بعض روايات أهل البيت عليهم السّلام فإنه منزل على الغالب،و شدة الحاجة إلى هذه في ذلك العصر،و لا يصلح ذكرها ابدا لتقييد القاعدة العامة التي ثبتت بالأدلة القطعية المشار إلى طرف منها آنفا.بل ان بعض الروايات صريحة في ذلك،فقد روى الحلبي عن الامام الصادق عليه السّلام أنّه قال:ان كان في المصر طعام غيره فلا بأس.و في رواية صحيحة أخرى أنّه قال:انّه كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس.و معنى هذا أنّه إذا تضايق الناس ففي الاحتكار بأس.و جاء في كتاب المكاسب أن الشيخ الطوسي المعروف بشيخ الطائفة،و القاضي و صاحب الوسيلة،و صاحب الدروس قالوا:إن الأظهر أن تحريم الاحتكار،مع حاجة الناس،أي أن علة التحريم هي حاجة الناس من حيث هي،ثم قال صاحب المكاسب معلقا على ذلك:«فهو جيد».

ص:144

و نقول نحن للفقهاء الذين خصصوا تحريم الاحتكار بالحنطة و الشعير، و التمر و الزبيب،نقول لهم:يلزمكم على هذا أن احتكار النفط و الكهرباء غير محرم،مع العلم بأن الحياة اليوم تستحيل بدونهما.و أيضا يلزمكم أن يكون احتكار السلاح و منعه عمن يريد الدفاع عن نفسه حلال لا بأس به.ثم أي ضرر اليوم في احتكار التمر و الزبيب؟.و اعتقد ان المستعمر لو اطلع على هذه الفتوى لركع و سجد،و كتبها بأحرف من نور،و اشاعها و أذاعها في كل قطر،ما دامت تحرم عليه احتكار التمر و الزبيب،و تبيح له احتكار الحديد و الفولاذ،و الذهب الأسود و الأصفر.و بالتالي،فان الجمود على حرفية النص في مثل هذه الموارد هو طعن في الدين،و شريعة سيد المرسلين.

الإجبار و التسعير:

اتفق الفقهاء كلمة واحدة على أن للحاكم و نائبه و عدول المسلمين،مع تعذر الوصول إلى الحاكم،ان يجبر المحتكر على عرض سلعته في الأسواق.

و يشهد له ما جاء عن الإمام الصادق عليه السّلام أن الطعام نفذ في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فأتاه المسلمون،و قالوا:يا رسول اللّه قد نفذ الطعام،و لم يبق منه إلاّ شيء عند فلان،فمره يبع الناس،فصعد المنبر،و حمد اللّه،و أثنى عليه،ثم قال:يا فلان ان المسلمين ذكروا أن الطعام قد نفذ إلاّ شيئا عندك،فأخرجه و بعه.

أما تسعير السلعة بما يراه الحاكم فقد نقل الشيخ الأنصاري في المكاسب عن كتاب المقنعة أن للحاكم أن يسعر بما يراه من المصلحة،و أيضا نقل صاحب كتاب المكاسب عن العلامة و ولده فخر المحققين و الشهيد ان الحاكم يسعر على المحتكر،إن أجحف في الثمن،لنفي الضرر.و قال صاحب الجواهر ما نصه

ص:145

بالحرف:«نعم،لا يبعد رد المحتكر مع الإجحاف في الثمن،كما عن ابن حمزة، و الفاضل،و الشهيد الثاني،و غيرهم،لنفي الضرر،لأنه لو لا ذلك لانتفت فائدة الإجبار،إذ يجوز أن يطلب المحتكر ما لا يقدر الناس على بذله،و يضر بحالهم، و الغرض رفع الضرر».

و نحن لا نشك أن ولاية الحاكم العادل على حماية المصالح العامة، و رعايتها تشمل التسعير بما فيه مصلحة الجميع البائع و المستهلك،تماما كما تشمل إجبار المحتكر على العرض،و القول بأنّها تشمل الولاية على الإجبار دون التسعير تحكم،ما دام الهدف واحدا،و هو دفع المفسدة،و قد يستأنس لذلك بهذا الحديث:«مجاري الأمور و الأحكام بأيدي العلماء».

و نختم هذا الفصل بما جاء في كتاب الوسائل من أنّه في إحدى السنين انقطع الطعام عن المدينة المنورة،و كان الناس يشترون طعامهم يوما بيوم،فقال الصادق عليه السّلام لبعض خدمه:كم عندنا من الطعام؟.قال:ما يكفينا أشهرا.قال:

أخرجه،و بعه.فقال الخادم:ليس في المدينة طعام.قال الإمام عليه السّلام:بعه.فلما باعه قال له:اشتر مع الناس يوما بيوم.و أيضا جاء في الوسائل أن أهل المدينة أصابهم قحط،حتى ان الرجل الموسر كان يخلط الحنطة بالشعير،و يأكله،و كان عند الإمام الصادق عليه السّلام طعام جيد،فقال لخادمه:اشتر لنا شعيرا،فاخلط بهذا الطعام،و بع القمح،فإنّا نكره أن نأكل جيدا،و يأكل الناس رديئا.اللّه اعلم حيث يجعل رسالته،و صلى اللّه على النبي و آله الأبرار الأطهار.

ص:146

الخيارات

أقسام الخيار

خيار المجلس
معنى الخيار:

معنى الخيار في اللغة،إذا قلت لآخر:لك الخيار فان معناه اختر لنفسك ما تحب،و هذا المعنى هو الأصل لقول الفقهاء:ان الخيار ملك إمضاء العقد، و فسخه بالقول أو بالفعل.و الحكمة من الخيار افساح المجال للمتعاقد ليتروى و يتدبر مدة الخيار،و يفعل ما يراه خيرا له،و من الخيار ما يثبت باشتراط المتعاقدين،كخيار الشرط،و منها ما يثبت بحكم الشارع،كخيار الحيوان و العيب.

و الخيارات كثيرة و متنوعة،و قد أنهاها بعض الفقهاء إلى أربعة عشر خيارا، و قال الشيخ الأنصاري:«و المجتمع في كل كتاب سبعة،و نحن نقتفي أثر المقتصر على السبعة،لأن ما عداها لا يستحق عنوانا مستقلا،إذ ليس له أحكام مغايرة لسائر أنواع الخيار».

و كذلك نحن نقتفي اثر هذا الشيخ الجليل،و السبعة التي ذكرها هي:خيار المجلس،و الحيوان،و الشرط،و الغبن،و التأخير،و الرؤية،و العيب.

ص:147

لزوم البيع لو لا الخيار:

من تتبع الأدلة الشرعية،و أقوال الفقهاء يتضح له أن العقد على أنواع ثلاثة:

الأول:لا يقبل الخيار و الإقالة بحال،كعقد الزواج.

الثاني:جائز من غير خيار،و لو اشترط فيه اللزوم لكان الشرط لغوا، كالعارية.

الثالث:بين الاثنين يقبل الجواز و اللزوم معا،و لكن الأصل فيه اللزوم، و لا يخرج عن هذا الأصل إلى الجواز إلاّ بدليل،كعقد البيع.

و ذكر الشيخ الأنصاري للزوم أربعة معان،منها«أن وضع البيع و بناءه شرعا و عرفا على اللزوم،و صيرورة المالك كالأجنبي».و قال السيد اليزدي معلقا على ذلك:«الإنصاف أن هذا الوجه أحسن الوجوه و أتمها،و محصله أن بناء البيع على اللزوم،فإذا ورد دليل الإمضاء كفى».

و المراد بدليل الإمضاء الذي أشار إليه السيد قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ حيث دل على وجوب الوفاء بجميع العقود،و منها عقد البيع و هذا الوجوب،و ان كان حكما تكليفيا فإنه يستدعي الحكم الوضعي،و هو فساد الفسخ من أحد المتعاقدين دون رضا الآخر.

و قال قائل:ان آية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لا تدل على اللزوم،و انما هي توجب العمل بما يقتضيه العقد ان لازما فلازم،و ان جائزا فجائز،تماما كما إذا قيل:أطع الأحكام الشرعية،أي يجب أن تعمل بما تستدعيه الأحكام وجوبا أو استحبابا.

الجواب:

ان الذي يدل عليه عقد البيع-مثلا-هو انتقال المثمن إلى المشتري، و الثمن إلى البائع لا غير،أمّا ان هذا الانتقال قد حصل على نحو اللزوم،أو على

ص:148

نحو الجواز فأجنبي عن دلالة العقد و اقتضائه،و انما يتعين أحدهما،و يستفاد من دليل خارج عن العقد،و اعني بالدليل الخارج عن العقد تباني العرف،و إقرار الشرع لهذا التباني،و الذي لا شك فيه أن العرف قد تبانى على أن أحكام عقد البيع لازمة له،و أحكام عقد العارية-مثلا-جائزة،و أيضا ليس من شك أن الشارع قد أمضى هذا التباني،و إذا كان العقد لا يقتضي جوازا و لا لزوما فلا يبقى موضوع للقول بأن أَوْفُوا بِالْعُقُودِ معناه اعملوا بما يقتضيه العقد من اللزوم و الجواز،بل معناه التزم و ف بمدلول العقد،و فرق كبير بين قولنا:اللزوم بنفسه منشأ بالعقد، و بين قولنا:التزم بالمعنى المنشأ بالعقد.

اتحاد المجلس:

يطلق اتحاد المجلس على معنيين:أحدهما أن يكون الإيجاب و القبول في مجلس واحد،بحيث لا يكون الموجب في مكان،و القابل في مكان آخر.الثاني:

أن المجلس الذي تم فيه التعاقد بين المتعاقدين لم ينفض بعد بمفارقة أحدهما للآخر،و هذا المعنى هو المقصود بالبحث هنا،أما المعنى الأول فلا شأن لفقهاء المذهب الجعفري به إلاّ من حيث اتصال القبول بالإيجاب،و وجوب الموالاة بينهما باعتبارهما شطري العقد تحفظا من عدم وجود أحدهما عند وجود الآخر، و هذا يدخل في شروط العقد التي سبق الكلام عنها،و لا علاقة له بالخيارات.

و ليس المراد باتحاد المجلس حصول الإيجاب و القبول في مكان واحد فقط،و ان كان هذا هو الغالب،بل المراد به ما يعم ذلك،و هو بقاء كل من الموجب و القابل في نفس المكان الذي جرى فيه العقد،فلو افترض أن كلا منهما في مكان،و تفاهما تفاهما تاما بالهاتف أو بغيره كان اتحاد المجلس هنا بقاء كل

ص:149

في مكانه،فان تركه إلى غيره حصل التعدد،و لم يبق للخيار من موضوع.

و إذا أكرها،أو أحدهما على التفريق يبقى الخيار،لأنهما فرّقا،و لم يفترقا، أجل،إذا طال أمد الفرقة الجبرية،بحيث يعلم أنهما لا يمكثان عادة في مجلس العقد أكثر من الأمد المنصرم يبطل الاتحاد بعد هذا الأمد التقديري.

الدليل:

الأصل لهذا الخيار المشهور:«البيعان بالخيار ما لم يفترقا».قال الشهيد الثاني في المسالك:«هذا الحديث أوضح دلالة من عبارة الفقهاء».

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:أيما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار،ما لم يفترقا،فان افترقا فقد وجب البيع.

و قال صاحب الجواهر:«الإجماع على ذلك متحقق،و النصوص مستفيضة أو متواترة» (1).

الوكيل:

لا ريب أن خيار المجلس يثبت للأصيل و الولي،و هل يثبت للوكيل أيضا؟.

الجواب:

لا بد قبل الحكم من النظر إلى محل الوكالة،فإن كان قد جرى التفاوض، و تم الاتفاق مبدئيا بين البائع و المشتري على كل شيء،و لم تبق إلاّ الشكليات فقط من إجراء الصيغة،و ما إليه،فوكل كل منهما،أو أحدهما من أن يقوم بهذه

ص:150


1- النص المتواتر هو الذي ترويه جماعة يمتنع اتفاقهم على الكذب عادة،أمّا النص المستفيض فهو الذي تكثر رواته،و لا يبلغ حد التواتر،بل يبقى من أقسام الخبر الواحد.

الشكليات،ان كان كذلك فلا يثبت الخيار للوكيل،إذ لا يصدق عليه أنّه بائع و مشتر،بل هو آلة أو شبيه بها.

و ان كان محل الوكالة التصرفات الأساسية،كالتفاوض،و تحديد الثمن و تعيين الشروط،و ما إلى هذا مما تختلف فيه الرغبات،ان كان كذلك يثبت الخيار للوكيل،لأنه،و الحال هذه،تماما كالأصيل،و يصدق عليه حقيقة حديث «البيعان».و بالإيجاز أن المعيار الأساسي لمن يثبت له هذا الخيار أن يكون مصداقا لهذا الحديث،أصيلا كان،أو وكيلا.

بقية العقود:

قال الشيخ الأنصاري:«لا يثبت خيار المجلس في شيء من العقود سوى البيع عند علمائنا،كما في كتاب التذكرة».

أمّا العقود الجائزة فلا معنى لخيار المجلس فيها،و لا لغيره،ما دام لكل من المتعاقدين عدم الالتزام بحكم العقد،فالخيار-اذن-لا يزيدها شيئا عن أصلها، و بكلمة ان محل الخيار هو العقد الذي من شأنه اللزوم لو لا الخيار.

و أمّا العقود اللازمة-غير البيع-فلأن خيار المجلس خلاف الأصل،و قد خرجنا عن هذا الأصل لوجود الدليل،و حديث«البيعان»يقتصر على البيع،لأنه المتيقن،أجل،أنّه يعم جميع أقسام البيع من الصرف و السلم،و المرابحة و التولية و المواضعة،و النسيئة،و يأتي الكلام عن كل هذه العناوين في محلها.

موجبات السقوط:

و يسقط هذا الخيار بالموجبات التالية

ص:151

1-افتراق أحد المتبايعين عن صاحبه،و لو بخطوة واحدة،بحيث ينتفي معها اتحاد المجلس.بداهة أن الأحكام تتبع الأسماء،و الأسماء تتبع معانيها المعروفة بين الناس،و قد روي عن الإمام الباقر أبي جعفر الصادق عليهما السّلام انه قال:

بايعت رجلا،فلما بعته قمت،و مشيت خطى،ثم رجعت إلى المجلس،ليجب البيع حيث افترقنا.

2-اشتراط سقوطه في ضمن العقد نحو أن يقول البائع للمشتري:بعتك على أن لا يكون لك خيار المجلس،أو يقوله المشتري للبائع،أو ما يجري مجرى هذا القول،مما يدل على الاشتراط بصراحة و وضوح،و حينئذ يسقط هذا الخيار،لأنه من الحقوق التي تسقط بالإسقاط،و الإجماع على ذلك،و النص، و هو حديث:«المؤمنون عند شروطهم».

و قال قائل:ان هذا الشرط باطل،لأنه يتنافى مع طبيعة العقد المقتضية للخيار،و مع السنة الموجبة له،و هي حديث«البيعان».و معلوم أن كل شرط خالف طبيعة العقد،أو كتاب اللّه،و سنة نبيه فهو لغو.

و نجيب بأن اشتراط سقوط هذا الخيار لا يتنافى مع طبيعة العقد،كما أنه على وفق السنة،و ذلك أن العقد من حيث هو لا يستدعي خيار المجلس،و لا غيره من الخيارات،لأن الخيار حكم شرعي يستخرج من الأدلة الشرعية،و قد استخرجنا خيار المجلس من حديث«البيعان»و إذا عطفنا عليه حديث«المؤمنون عند شروطهم»و جمعناهما في كلام واحد كان المعنى هكذا:«البيعان بالخيار إلاّ إذا تراضيا على عدم الخيار»تماما كما لو قال الشارع:صم،ثم قال:لا ضرر و لا إضرار،فإن معنى الجملتين معا يجب عليك الصوم حيث لا يضر بك،و بهذا نجد تفسير قول الفقهاء:أدلة الشروط حاكمة و مقدمة على أدلة الأحكام.

ص:152

و بتعبير غامض إلاّ عند أهل الفن أن هذا الشرط يتنافى مع العقد المطلق، لا مع مطلق العقد (1).

و اتفقوا قولا واحدا بشهادة صاحب الجواهر و المكاسب على أن المتبايعين إذا أنشأ العقد مطلقا من غير قيد،و بعد انعقاده و تمامه تراضيا على إسقاط خيار المجلس،صح،و سقط الخيار،لأنه حق لهما،و لكل ذي حق إسقاط حقه،و لو أسقطه أحدهما دون الآخر سقط حق من أسقط،و بقي حق من لم يسقط،لعدم ارتباط أحد الحقين بالآخر.

و اختلف الفقهاء فيما إذا أسقط كل منهما أو أحدهما حقه في هذا الخيار عند المفاوضة،و قبل إنشاء العقد ثم أنشأه مجردا عن الشرط.

فذهب المشهور بشهادة الشيخ الأنصاري إلى أن هذا الاتفاق لا يجب العمل به«لأنه وعد بالتزام،و التزام تبرعي لا يجب الوفاء به».

و ذهب جماعة،منهم الشيخ الطوسي،و القاضي-على ما نقل عنهما- و السيد اليزدي إلى وجوب الوفاء،تماما كما لو كان في ضمن العقد،قال هذا السيد في حاشيته على المكاسب:«أمّا كونه وعدا فممنوع،لأن المتعاقدين لم يقصدا الوعد،كما هو الفرض،و انما قصدا إنشاء سقوط هذا الخيار،و أمّا كونه إلزاما تبرعيا فممنوع كذلك،و نحن نقول:يجب الوفاء،لعموم المؤمنون عند شروطهم».

ص:153


1- مطلق العقد هو القاسم المشترك الشامل لجميع أنواع العقود و أقسامها،و منها العقد المجرد عن كل قيد-العقد المطلق-و منها العقد المقيد،فالمقيد قسيم للمطلق،و كل منهما قسم و فرد لمطلق العقد، و من هنا صح أن نقول:العقد المقيد لا يتنافى مع مطلق المقيد،لأنه من اقسامه و افراده،و يتنافى مع العقد المطلق،لأنه قسيم له.

و هو الحق،لأن العبرة بإنشاء القصد،أي قصد عدم الخيار هنا،و قد عبرا عن ذلك بصراحة،أمّا أن يكون هذا التعبير مقارنا للعقد فليس بشرط،بل يؤثر أثره مع التقديم،كما يؤثر مع التأخير و المقارنة،و يأتي مزيد من التوضيح عند الكلام عن الشروط و أحكامها،و بناء العقد عليها.

3-إذا تصرف البائع بالثمن،أو المشتري بالمثمن تصرفا يدل في نظر العرف على الرضا فلا يحق للمتصرف أن يفسخ،و ان لم يفترقا،لأن معنى الخيار ان يختار إمضاء العقد،أو فسخه-كما قدمنا-و لا فرق بين أن يختار ذلك بالقول، أو يختاره بالفعل،قال الإمام الصادق عليه السّلام:خيار الحيوان ثلاثة أيام للمشتري، اشترط ذلك،أو لم يشترط،فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل ثلاثة أيام فذلك رضا منه.

فقوله:«فذلك رضا منه»دليل عام،و قاعدة كلية ان كل تصرف يدل على الرضا بالعقد فهو مسقط للخيار،سواء أ كان خيار الحيوان،أو المجلس أو غيرهما،و للحديث عن التصرف بقية،تأتي في أثناء الكلام عن سائر الخيارات.

ص:154

خيار الحيوان
الحيوان:

المراد بالحيوان كل ما يصدق عليه هذا الاسم عند العرف،فيعم الحيوانات التي تمشي على أربع،و الطيور بشتى أنواعها،و لا تشمل السمك،و ما إليه، لانصراف لفظ الحيوان عنه،و لأن المقصود من شرائه هو لحمه،لا اقتناؤه، و أيضا لا يشمل الحيوان الكلي،بل يختص بالحيوان المعين في الخارج،فمن اشترى حيوانا في ذمة غيره بأوصاف معينة لا يدخل في هذا الخيار.

الدليل:

اتفقوا كلمة واحدة على أن خيار الحيوان ثلاثة أيام،و لا خيار بعدها، و ذهب المشهور بشهادة صاحب المقاييس إلى أن زمن الخيار يبتدئ من حين العقد،لا من افتراق المتبايعين،و على هذا يجتمع في بيع الحيوان سببان:

أحدهما خيار الحيوان،و الثاني خيار المجلس،و لا محذور فيه.

و إذا مات الحيوان أثناء مدة الخيار فمن مال البائع،حتى و لو كان في يد المشتري،لقاعدة«تلف المبيع في مدة الخيار من مال من لا خيار له».

أمّا الأصل لهذا الخيار فروايات كثر من أهل البيت عليهم السّلام

ص:155

منها:في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري،و هو فيها بالخيار، اشترط،أو لم يشترط.

و منها:صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام.

و منها:أن رجلا سأل الإمام عليه السّلام عمن يشتري الدابة،فتموت،أو يحدث فيها حدث.على من ضمان ذلك؟قال:على البائع،حتى تنقضي ثلاثة أيام.

و منها:المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان.

و منها:أن رجلا سأله عمن اشترى جارية لمن الخيار،للمشتري،أو للبائع،أو لهما؟.قال:الخيار لمن اشترى،ثلاثة أيام نظرة،فإذا مضت فقد وجب البيع.قال السائل:أ رأيت ان قبلها المشتري،أو لامس،أو نظر فيها إلى ما يحرم على غيره؟.قال الإمام عليه السّلام:إذا قبل أو لامس فقد انقضى الشرط و لزمه.

صاحب الخيار:

ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر و المكاسب إلى أن هذا الخيار يختص بالمشتري فقط،و إذا كان كل من الثمن و المثمن حيوانا فالمشتري هو القابل،و البائع هو الموجب.و قال الشيخ الأنصاري:«لا محيص عن قول المشتري»أي عن اختصاص خيار الحيوان بالمشتري دون البائع،لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،و لأن الأصل عدم تأثير فسخ البائع،و لأن الروايات التي ذكرت المشتري من الروايات التي يوهم ظاهرها ثبوت الخيار للبائع أيضا.

و الحق أن الخيار يثبت لمن انتقل إليه الحيوان مثمنا كان أو ثمنا،لأن المعاملات لا تعبد فيها،و مصلحتها ظاهرة-في الغالب-و هي هنا اختيار الحيوان،و التعرف على عيوبه مدة الخيار،فإن أكثر عيوب الحيوانات تخفى،و لا

ص:156

تظهر إلاّ بعد التجربة،و قول الإمام الصادق عليه السّلام المتقدم:«ثلاثة أيام نظرة»يومئ إلى ذلك،بل ان قوله:«صاحب الحيوان بالخيار»ظاهر في الشمول للبائع و المشتري،أما تخصيص المشتري بالذكر في كثير من الروايات فمنزل على الغالب،لأن الغالب أن يكون الحيوان مثمنا لا ثمنا.

و بالتالي،فان الجمود على حرفية النص يجب في العبادات،سواء أعرفنا المصلحة منها،أم لم نعرف،أما في المعاملات فينبغي التوفيق القريب بين النص و المصلحة المعلومة.

موجبات السقوط:

يسقط هذا الخيار بالموجبات التالية:

1-اشتراط سقوطه في العقد،لعموم:«المؤمنون عند شروطهم».

2-إذا أسقط كل منهما أو أحدهما هذا الخيار بعد العقد،لأنه حق لصاحبه،فمتى أسقطه سقط.

3-التصرف الدال على الرضا بالعقد و إمضائه،حسبما تقدم في خيار المجلس،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل اشترى من آخر دابة،فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر،أو نقلها،أو ركبها فراسخ،فهل له أن يردها في الثلاثة أيام التي فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها،أو الركوب الذي ركبها؟.قال الإمام:إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء.و تقدم معنا أنّه قال:«إذا لمس الجارية أو نظر فقد انقضى الشرط».«و ذلك رضا منه».و كل ما خالف هذا النص فهو شاذ متروك.

ص:157

مسائل:
1-إذا استوفى المشتري نماء الحيوان مدة الخيار،ثم فسخ

،فعليه أن يرجع معه بدل ما استوفاه من النماء،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل اشترى شاة،فأمسكها ثلاثة أيام،ثم ردها؟قال:ان كان في تلك الثلاثة أيام يشرب لبنها رد معها ثلاثة أمداد،و ان لم يكن لها لبن فليس عليه شيء.

2-ان خيار الحيوان يجري في البيع فقط،دون غيره

،فلو كان الحيوان محلا لعقد المصالحة،أو بدلا عن الإجازة فلا خيار له،لأن الخيار على خلاف القاعدة،فيختصر فيه على مورد النص،و هو البيع فقط.

3-إذا باع ثوبا و حيوانا بثمن واحد يثبت الخيار بخصوص الحيوان

،و إذا فسخ المشتري كان للبائع حق الخيار في الفسخ،لتبعيض الصفقة.

4-يثبت هذا الخيار في بيع الحيوان كله أو بعضه

،كالنصف و الثلث،أو الأقل أو الأكثر،لأن الروايات مطلقة تشمل الكل و البعض.

و هذا المقدار كاف واف في الحديث عن الحيوانات و أحكامها في عصرنا، عصر الآلة و الصناعة،حيث لم تبق من حاجة إليها الآن كما كانت في السابق، و عهد الفقهاء القدامى يوم كانت الحيوانات هي الوسيلة إلى المواصلات،و حرث الأرض،و الطحن و الحصاد،و ما إليه.

ص:158

خيار الشرط
معناه:

معنى خيار الشرط ان يشترط أحد المتعاقدين،أو كلاهما الخيار في فسخ العقد أو إمضائه أمدا معينا،و بتعبير الشيخ الأنصاري أن يثبت الخيار بسبب اشتراطه في العقد،و من هنا كان التعبير بشرط الخيار اولى من التعبير بخيار الشرط.

و مبدأ هذا الخيار من حين العقد،لا حين افتراق المتبايعين،و يجوز تأخيره عن العقد،و لو بأيام.فلو قال أحدهما لصاحبه بعد البيع و لزومه:جعلتك بالخيار مدة كذا،و قال صاحبه:قبلت أو ما في معنى ذلك يصح و يصير العقد جائزا بعد أن كان لازما أجل،لا بد من تحديد مدة الخيار تحديدا يرفع الغرر، و يبعد الاشتباه المفضي إلى التنازع و التشاجر.

و أطلق الفقهاء القول بأنه لا تحديد لمدة الخيار قلة و لا كثرة،فيجوز جعلها سنة و ساعة،و المهم هو الضبط و التعيين،فلو جعلها مدة العمر،أو إلى قدوم المسافر فلا يصح،و يبطل البيع من الأساس.

و هذا بالقياس إلى القلة صحيح،أمّا بالقياس إلى الكثرة فينبغي تحديدها بما تتحمله طبيعة المبيعات،و لا يعد في نظر العرف لغوا،و عبثا،فالمدة التي

ص:159

ينبغي أن تحدد في شراء الفاكهة و البيض و الخضار غير المدة التي تحدد في شراء الأرض و الدار بالبداهة.

الدليل:

و أصل هذا الخيار إجماع الفقهاء،و النص،قال الشيخ الأنصاري:«لا خلاف في صحة هذا الشرط،و لا في أنّه لا يتقدر بحد عندنا،و نقل الإجماع عليه مستفيض».و قال صاحب الجواهر:«خيار الشرط ثابت بالضرورة بين علماء المذهب،و بالكتاب و السنة عموما و خصوصا».

و من النصوص العامة الشاملة لجميع موارد الشرط قول الإمام الصادق عليه السّلام:

«من اشترط شرطا مخالفا لكتاب اللّه عزّ و جل فلا يجوز على الذي اشترط عليه، و المسلمون عند شروطهم فيما وافق كتاب اللّه».

و موارده موافقة كتاب اللّه عدم مخالفته،سواء أوافق،أو لم يخالف، و القرينة على ارادة هذا المعنى قوله عليه السّلام في صدر الرواية:«من اشترط شرطا مخالفا فلا يجوز».و هذا معناه ان من اشترط شرطا غير مخالف يجوز.

و قال:المؤمنون عند شروطهم إلاّ شرطا حرم حلالا،أو حلل حراما.

أمّا النصوص الخاصة فكثيرة،منها أن سائلا سأل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل احتاج إلى بيع داره،فمشى إلى أخيه،و قال له:أبيعك داري هذه،على أن تشترط لي إذا جئتك بثمنها إلى سنة تردها عليّ؟قال الإمام عليه السّلام:لا بأس بهذا،ان جاء بثمنها ردها عليه.قال السائل:فإن كان فيها غلة كثيرة،فلمن تكون الغلة؟ قال:للمشتري،ألا ترى لو احترقت كانت من ماله؟.

و بالتالي،فان من تتبع مصادر الشريعة يؤمن ايمانا لا يشوبه ريب بأن كل ما

ص:160

يوافق اهداف الإنسان و أغراضه،و لا يتعارض مع مبادئ الشريعة و مقاصدها فهو جائز عقدا كان أو شرطا،أو غيرهما.و هذي قاعدة شرعية عامة تصلح معيارا كليا لمعرفة الأحكام الشرعية،و حل المعضلات في ضوئها.

صاحب الخيار:

صاحب الخيار هو من اشترط هذا الخيار بائعا كان أو مشتريا،أو أجنبيا عن العقد،لأن المؤمنون عند شروطهم تعم الجميع.و خير ما قرأته في هذا الباب من أقوال العلماء ما جاء في كتاب مفتاح الكرامة:«ان الخيار شرّع للإرفاق بالطرفين، فكل ما تراضيا به جاز».

و إذا جعل الخيار لاثنين أجنبيين فأجاز أحدهما،و فسخ الآخر،قال الشيخ الأنصاري،و صاحب الجواهر،و صاحب مفتاح الكرامة:يقدم الفاسخ،لأن المجيز،أي مجيز كان،بعد أن اختار اللزوم فقد أسقط حقه في الخيار،حتى كأن العقد وقع مجردا عن الشرط،فيبقى حق الطرف الآخر،و قد فسخ،فيؤخذ بقوله،لأنه بلا معارض في الحقيقة،و هذا ما اراده صاحب الجواهر بقوله:«لعدم معارضة اختيار أحدهما اللزوم».

و اولى من هذا التكليف و التعقيد أن نقول:حيث أراد أحدهما الإمضاء، و أراد الآخر الفسخ فقد تعذر العمل بالإرادتين معا،و بديهة أنّه إذا استحال تنفيذ العقد و العمل بموجبه ينفسخ حتما،و على هذا يكون انحلال العقد من باب الانفساخ،لا من باب الفسخ.

و مهما يكن،فعلى الأجنبي الذي جعل الإمضاء و الفسخ بيده أن يراعي مصلحة من انتخبه لذلك،فان تبين عدم المصلحة فيما اختار كان لغوا لا تأثير له،

ص:161

قال الشيخ الأنصاري:«ذكر غير واحد أن الأجنبي يراعي مصلحة الجاعل».و قال صاحب الجواهر:«الظاهر وجوب اعتماد المصلحة،لأنه أمين».

الفسخ برد الثمن:

اتفقوا على أن البائع إذا اشترط لنفسه ارتجاع الثمن في مدة معينة،و قبل المشتري صح البيع و الشرط،و يسمى هذا النوع عند الفقهاء ببيع الخيار تارة، و بيع الشرط أخرى.

و الأصل في جوازه و صحته الإجماع و النص،و منه عموم«المؤمنون عند شروطهم»و الرواية المتقدمة في فقرة«الدليل»التي تضمنت السؤال عمن باع داره،و اشترط ارتجاعها،إن رد الثمن إلى سنة،و في رواية أخرى أن رجلا سأل الإمام الصادق عليه السّلام عن ذلك؟فقال:أرى أن المبيع لك،ان لم يرد المال،و ان جاء به للوقت فرد عليه.

و إذا رد الثمن في المدة المعينة فهل ينفسخ البيع تلقائيا،أو أن رد الثمن بمجرده لا يوجب انفساخ العقد،بل لا بد أن يتعقبه الفسخ من البائع،بحيث إذا لم يفسخ بعد رد الثمن يكون البيع لازما بانقضاء المدة،و يكون الثمن امانة في يد المشتري؟.

ذهب المشهور إلى الثاني و أنّه لا بد من الفسخ مع رد الثمن،و لا تأثير لأحدهما دون الآخر،لأن المبيع انتقل إلى المشتري بسبب شرعي،و هو البيع، فلا ينتقل عنه إلاّ بسبب شرعي،و هو هنا الفسخ،و الرد من حيث هو ليس بفسخ، بل مقدمة للفسخ.

و الحق أن إرجاع الثمن بقصد الفسخ إنشاء فعلي للفسخ،و إلاّ فبأي شيء

ص:162

نفسر رد الثمن ضمن المدة؟و أي فقيه إذا قال له:ان زيدا باع داره من عمرو، و قال له عند البيع:إذا أرجعت المال كاملا إلى سنة كان هذا فسخا مني للبيع،حتى و لو لم اتلفظ بالفسخ،أي فقيه يزعم بأن هذا ليس بفسخ،و لا معنى لشرط الخيار الذي نتحدث عنه إلاّ ذلك.

شرط الخيار في غير البيع:

هل يصح شرط الخيار في غير البيع من العقود و الإيقاعات؟

الجواب:

أمّا الإيقاعات،كالطلاق و العتق و الإبراء فقد أجمعوا-إلاّ من شذ-على عدم صحة الشرط فيها و الشيخ الأنصاري يتفق في النتيجة مع الفقهاء،و يقول بعدم صحة الشرط في الإيقاعات،و لكنه يخالفهم في المقدمات،و الطريق المؤدية إلى هذه النتيجة.و يتلخص دليل الفقهاء بأن الشرط لا بد له من اثنين:أحدهما من له الشرط،و الثاني من عليه الشرط،أما الإيقاعات فلا يحتاج إلى طرفين،بل يتم بشخص واحد فقط،فالايقاعات-اذن-بطبعها لا تقبل الشرط.

و يتلخص دليل الشيخ الأنصاري بأن الشرط و الفسخ ممكنان بذاتهما الإيقاعات،تماما كما هو الشأن في العقود،فإن للإنسان أن يقطع العهود على نفسه،و ان يفسخ ما كان صدر منه عقدا كان أو إيقاعا،و لكن العبرة بالدليل الشرعي على جواز ذلك.و معلوم أن حق الخيار في الفسخ على خلاف الأصل في العقود و الإيقاعات،و لا يثبت إلاّ بدليل،و قد ثبت في الشريعة جواز الفسخ في العقد،كالإقالة،و خيار المجلس و الحيوان،و لم يثبت في الإيقاع،و عليه يكون القول بجواز الفسخ قولا بلا دليل،و هذه عبارة الأنصاري،«ان مشروعية

ص:163

الفسخ لا بد لها من دليل،و قد وجد في العقود من جهة مشروعية الإقالة،و ثبوت خيار المجلس و الحيوان و غيرهما،بخلاف الإيقاعات،فإنه لم يعهد من الشرع تجويز نقض أثرها بعد وقوعها،حتى يصح اشتراط ذلك فيها».

ثم قسم الأنصاري العقود من حيث قبولها للخيار،و عدم قبولها له عند الفقهاء إلى ثلاثة أقسام:

الأول:لا يقبل الخيار بالاتفاق،و هو عقد الزواج،فإنه لا ينتهي إلاّ بالموت أو الطلاق،و لا ينحل إلاّ بالفسخ بسبب العيوب المنصوص عليها شرعا.

الثاني:يقبل الخيار بالاتفاق،كالإجارة،و المزارعة،و المساقاة،و الكفالة، و البيع ما عدا الصرف،فان فيه خلافا.

الثالث:اختلف فيه الفقهاء،و منه الوقف،فقد ذهب المشهور إلى عدم قبول الخيار،و قال أكثر من واحد من المحققين:انه يقبله،و يأتي الدليل في باب الوقف،و تكلمنا عنه مفصلا في كتاب«الأحوال الشخصية على المذاهب الخمسة».و مما اختلف فيه الصلح،قال أكثر الفقهاء:انه يقبل الخيار،و قال بعضهم:لا يقبله فيما يفيد الإبراء،و منه ضمان الدين الثابت في ذمة المدين للدائن،و منه بيع الصرف،فان كثيرا من الفقهاء قالوا:انّه لا يقبل الخيار،حيث يشترط فيه القبض،و لا يجتمع شرط القبض مع شرط الخيار،لأنه بالقبض و افتراق المتبايعين تنقطع الصلة و العلاقة بينهما كلية،و الخيار معناه بقاء الصلة.

و هو التناقض بعينه.

ثم أعطى الأنصاري معيارا كليا لما يقبل الخيار من العقود،و ما لا يقبلها، فقال:ان كل عقد يقبل التقايل فهو يقبل الخيار،و كل عقد لا يقبل التقايل فهو لا يقبل الخيار.

ص:164

هذا ملخص الكلام عن العقود اللازمة،و حكمها مع شرط الخيار،أمّا العقود الجائزة فقد سبقت الإشارة إلى أنّه لا معنى للخيار فيها ما دام الخيار قائما دون شرط،فان عقد الوكالة و العارية و الوديعة يفسخ و ينحل بإرادة أحد الطرفين منفردا،دون حاجة إلى اتفاق حين العقد أو بعده،أجل،ربما صح شرط الخيار في العقد الذي هو جائز من طرف،و لازم من طرف،فيشترط الخيار لنفسه من كان العقد لازما بالقياس إليه،كعقد الرهن،فإنه جائز بالنظر إلى المرتهن،لازم بالنظر إلى الراهن،فإن اشترط هذا الخيار لنفسه يصير العقد جائزا من الطرفين.

مسائل:
1-إذا انقضت المدة المعينة للخيار،و لم يرد البائع الثمن

يبطل الخيار، و يصير المبيع ملكا للمشتري.

2-ليس للمشتري إتلاف المبيع

،و لا أن يتصرف فيه تصرفا يمنع من استرجاعه إلى البائع،بل يجب عليه الاحتفاظ،به،و الإبقاء،ليفي بالتزامه من إرجاع المبيع للبائع عند رد الثمن.

3-إذا هلك المبيع في يد المشتري مدة الخيار يذهب من مال البائع

،لأن التلف بعد القبض،في مدة الخيار يكون من مال من لا خيار له.و لا يسقط الخيار بتلف العين المبيعة،فإذا رد البائع الثمن،و الحال هذه،فعلى المشتري أن يرد بدل العين الهالكة من المثل أو القيمة.

4-إذا رد البائع بعض الثمن فلا يحق له الفسخ

،و إذا كان قد اشترط أن يفسخ في كل جزء من العين برد ما يقابلها من الثمن جاز،كما يجوز أن يشترط الفسخ في جميع العين برد مقدار معين من الثمن،و ما تبقى منه يكون دينا في ذمة

ص:165

البائع بعد الفسخ،و الدليل على ذلك:«المؤمنون عند شروطهم».

5-إذا جعل المشتري لنفسه الخيار مشترطا رد الثمن إليه إذا رد الثمن في

مدة معينة جاز

،تماما كما يجوز ذلك للبائع،لاتحاد المدارك و المسوغ،و هو عموم:«المؤمنون عند شروطهم».

و إذا هلك المبيع في يد المشتري أثناء المدة ذهب من مال البائع لقاعدة، «التلف مدة الخيار من مال من لا خيار له».قال صاحب مفتاح الكرامة،«ان كان الخيار للبائع فالتلف من المشتري،و ان كان للمشتري فالتلف من البائع،و لا أجد في ذلك خلافا،بل إطلاق إجماع».و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يشتري الدابة،و يشترط إلى يوم أو يومين،فتموت الدابة،على من ضمان ذلك؟قال:

«على البائع».مع العلم بأن البائع في هذه الحال لا خيار له.

و إذا كان للعين المبيعة بهذا الخيار نماء،فهل يكون النماء للمشتري،لأن العين انتقلت الى ملكه بالشراء،أو هو للبائع بالنظر إلى أن العين لو تلفت تذهب من ماله؟

و الجواب:

إذا استوفى المشتري النماء ثم فسخ،رد العين دون بدل النماء،و لا منافاة بين أن يكون النماء لشخص،و ضمان العين على غيره،كما هو الشأن في المغصوب فان نماءه لمالكه،و ضمانه على غاصبه (1)و باقي التفصيل في أحكام الخيارات فقرة«المبيع يملك بالعقد»و التي بعدها.

ص:166


1- الغرض من التمثيل بالغاصب هو مجرد الإشارة إلى عدم التلازم بين ملك نماء العين و ضمانها من حيث الفكرة و المبدأ،مع العلم بأن الغاصب أجنبي عما نحن فيه،لأنه يضمن بسبب اليد،لا بسبب العقد.
6-يصح أن يكون الخيار لكل من البائع و المشتري في عقد واحد

،كان يشترط البائع ارتجاع المثمن له إذا رد الثمن في مدة الخيار،و في الوقت نفسه يشترط المشتري ارتجاع الثمن إذا رد المثمن في المدة المعينة.و إذا هلك الثمن أو المثمن أو كلاهما مع هذا الشرط يكون هلاك المثمن من مال المشتري،لأنه انتقل إليه بالبيع،و هلاك الثمن من مال البائع،لسبب نفسه،و يأتي التحقيق في فصل أحكام الخيارات إن شاء اللّه.

7-يسقط هذا الخيار إذا تنازل عنه من هو له،بائعا كان،أو مشتريا

،لأنه حق يسقط بالإسقاط.

8-تصرف البائع بالثمن لا يسقط خياره في رد الثمن

،كما أن تصرف المشتري بالمثمن تصرفا غير متلف و لا ناقل لا يسقط خياره في رد الثمن،لأن هذا الخيار شرّع لانتفاع البائع بالثمن،و المشتري بالمثمن،فلو سقط الخيار بالتصرف سقطت الفائدة من وضعه»كما قال صاحب الجواهر،و هذا واضح بالبداهة،و انما ذكرناه تبعا للشيخ الأنصاري،و غيره من الفقهاء.

ص:167

ص:168

الشروط
خيار الاشتراط:

ذكر الشهيد الأول في اللمعة الدمشقية مع الخيارات خيار الشرط،و خيار الاشتراط،و أراد بالأول أن يكون الخيار بعينه هو الشرط،كما لو قال:اشتريت، أو بعت على أن يكون لي الخيار في فسخ البيع و إمضائه مدة كذا،و أراد بالثاني، أي خيار الاشتراط أن يشترط المشتري،أو البائع أمرا معينا غير الخيار،و لكن تخلفه يؤدي إلى ثبوت الخيار،كما لو اشترط البائع على المشتري أن يفعل كذا، أو اشترط المشتري على البائع أن يكون المبيع متصفا بكذا،فإذا تخلف ثبت للمشروط له حق الخيار في فسخ العقد.

أما الشيخ الأنصاري و غيره كثير من الفقهاء فقد تكلموا في باب الخيارات عن الأول فقط،أي خيار الشرط،ثم عقدوا فصلا مستقلا للكلام عن الشروط التي ابتنى عليها العقد بوجه عام،يشمل خيار الاشتراط الذي أراده الشهيد.و من الفقهاء من تكلم عن خيار الاشتراط ضمن خيار الشرط،حيث أراد بالشرط الشيء الذي اشترط في العقد خيارا كان،أو غيره.

و قد اتبعنا نحن طريقة الشيخ الأنصاري،لأن أكثر ما في كتابنا هذا،أو الكثير منه تلخيص و عرض لكتابة المعروف بالمكاسب،أجل،ان الشيخ ذكر هذا

ص:169

الفصل بعد خيار العيب الذي ختم الكلام به عن الخيارات و ذكرناه نحن بعد خيارات الشرط مباشرة لمكان المناسبة.

أقسام الشروط:

تنقسم الشروط بالنظر إلى الصراحة و عدمها إلى شروط ضمنية يقتضيها العقد مثل التسليم،و تعجيل الثمن،و سلامة المبيع من العيب،و رد العوض عند فساد العقد،و خيار المجلس و الحيوان،مع ملاحظة الدليل الشرعي عليهما.

و إلى شروط صريحة،و هي التي ذكرت صراحة في متن العقد،أو قبله،مع ابتنائه عليها.و يعرف الشرط الصريح من هذا الفصل،و الذي قبله.أمّا الشرط الضمني فيعرف في الكثير من فصول هذا الكتاب،بخاصة الخيارات،و بصورة أخص خيار الغبن و العيب.

و أيضا تنقسم الشروط بالنظر إلى الصحة و الفساد،إلى شروط صحيحة، و فاسدة،و لكل منها أحكامه الخاصة التي نتعرض لها في هذا الفصل.

الشرط الصحيح:

ذكر الشيخ الأنصاري ثمانية شروط لصحة الشرط،و لكنها في الحقيقة ترجع إلى سبعة،و هي على وجه العموم و الإجمال:

1-أن يكون الشرط مقدورا.

2-أن يكون سائغا شرعا.

3-أن يكون معقولا.

4-أن لا يتنافى مع مقتضى العقد.

ص:170

5-أن لا يكون مجهولا.

6-أن لا يكون محالا أو مستلزما للمحال.

7-أن يذكر في متن العقد كما قيل،و البيان على وجه فيما يلي:

القدرة:

1-كل شرط تعلق بصفة يمكن أن يكون المعقود عليه متصفا بها بالفعل فهو شرط صحيح،فان وجد الوصف لزم العقد،و ان تخلف ثبت الخيار بين الرد و الإمساك مجانا،و مثال ذلك أن يشتري فرسا بشرط أن يكون أصيلا،و الثوب صوفا،و الدابة حاملا.

و تقول:ان هذا الوصف غير مقدور للمتعاقد،فكيف يصح جعله شرطا، مع العلم بأن الشرط يجب أن يكون مقدورا؟.

و نجيب بأن هذا الوصف ليس فعلا من أفعال المتعاقد،و انما هو وصف للمعقود عليه،و ما من شك أن المتعاقد يملك العين التي وقعت محلا للعقد، فيملك أيضا أوصافها بالتبع،تماما كما يملك منافعها،و بكلمة إن المتعاقد قد تعهد بتسليم العين الموصوفة بكذا،و لم يتعهد بخلق الصفة و إيجادها في العين، و الفرق بين التعهدين واضح.

و كل شرط تعلق بفعل غير مقدور فهو باطل،لأن الوفاء بالمحال محال، و مثال ذلك أن يشتري دابة،و يشترط أن تحمل في المستقبل،أو بستانا على أن يحمل عشرة أطنان في العام المقبل،أو زرعا بشرط أن يسلم من الأمراض و العاهات،قال صاحب الجواهر:«لا يجوز اشتراط ما لا يدخل في المقدور، كبيع الزرع على أن يجعله اللّه سنبلا».و قال الشيخ النائيني في تقريرات

ص:171

الخوانساري:«لا بد أن يكون الوصف حاليا،بحيث يقدر المتعاقد على تسليمه تبعا للعين،فان لم يكن حاليا،مثل الأوصاف التي يمكن أن تتحقق،و ان لا تتحقق ككون الزرع سنبلا فلا يجوز اشتراطه».

عدم العبث:

2-أن لا يكون للشرط غرض يعتد به العقلاء،فلو كان عبثا،كما إذا اشترط أن يأخذ من ماء البحر ثم يرده إليه،يكون الشرط باطلا،و لكنه لا يوجب بطلان العقد.

غير مخالف للكتاب:

3-ان لا يكون الشرط مخالفا لكتاب اللّه،و سنة نبيه،فإذا باع الخشب بشرط أن يجعله صنما،و العنب على أن يجعله خمرا كان الشرط فاسدا،و يدل عليه قول علي أمير المؤمنين عليه السّلام:من شرط لامرأته شرطا فليف به،ان المسلمين عند شروطهم إلاّ شرطا حلل حراما،أو حرم حلالا.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:من اشترط شرطا سوى كتاب اللّه فلا يجوز له، و لا عليه.

و قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهم السّلام عن رجل تزوج امرأة، و اشترطت عليه أن في يدها الجماع و الطلاق؟.قال:خالفت السنة،و وليت حقا ليست له أهلا،ثم قضى الإمام أن عليه الصداق،و في يده الجماع و الطلاق (1).

ص:172


1- إذا اشترطت المرأة [1]أن لا يستمتع بها الزوج إطلاقا،و بشتى أنواع الاستمتاع يبطل الشرط بالاتفاق،أمّا إذا اشترطت عليه أن يترك نوعا من الاستمتاع كالجماع فقط فقد ذهب المشهور إلى الجواز،لأن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل سأل امرأة أن تزوجه نفسها،فقالت:أزوجك نفسي على أن تلمس مني ما شئت من نظر و التماس،و تنال مني ما ينال الرجل من أهله إلاّ أنك لا تدخل فرجك في فرجي،فإني أخاف الفضيحة؟فقال الإمام عليه السّلام ليس له منها إلاّ ما اشترطت.

و سئل عن رجل اشترط لامرأته أن لا يتزوج عليها؟.قال:إن شاء تزوج و تسرى.

بقي إن نعرف ما هو المعيار الجلي للحلال و الحرام،حتى نميز به الشرط المخالف لهما عن غيره.و قد أطال الفقهاء الكلام في ذلك،بخاصة الشيخ الأنصاري فإنه ذكر أوجها كثيرة،ثم تنظر فيها على عادته.و الحق أن كل ما يحرم على الإنسان أن يفعله فلا يجوز له اشتراطه،كالزنا و السرقة،و توريث الأجنبي و حرمان الوارث،و كل ما يجب فعله فلا يجوز اشتراط تركه،كالصوم و الصلاة و بر الوالدين،و كل ما يباح فعله و تركه في أصل الشرع من غير توسط العقد،أو أي شيء آخر يجوز أن يشترط فعله و تركه إلاّ أن يثبت العكس،فإن للإنسان أن يتزوج و ان يترك الزواج،و ان يطلق و ان يترك الطلاق،و لكن لما دل الدليل الشرعي التعبدي على أن اشتراط ترك الزواج أو إطلاق لا يجب الوفاء به قلنا ببطلانه،و لو لا هذا الدليل لقلنا بصحته.

هذا هو المعيار الصحيح الذي نرجع إليه عند الشك و التردد.و تجدر الإشارة إلى أن فساد هذا الشرط لا يستدعي فساد العقد إلاّ إذا رجع إلى أحد العوضين،كبيع الخشب بشرط جعله صنما،و العنب خمرا،أمّا إذا لم يرجع إلى أحدهما فيفسد الشرط دون العقد،كما لو قال:بعتك الكتاب على أن تشرب الخمر.

ص:173

خلاف مقتضى العقد:

4-كل أثر يترتب على العقد من حيث هو لا يجوز اشتراط عدمه في العقد،كما لو باع بشرط أن لا يتصرف بالمبيع،و هذا معنى قول الفقهاء:يعتبر في الشرط أن لا يكون منافيا لمقتضى العقد.

و استدل الشيخ الأنصاري على فساد هذا الشرط بدليلين:الأول لزوم التناقض،لأن العقد يثبت الأثر،و الشرط ينفيه،و هذا هو التناقض بالذات،و معه يستحيل الوفاء بالعقد،و كل عقد يستحيل الوفاء به فهو باطل.الدليل الثاني ان الكتاب و السنة قد أثبتا أثر العقد،فاشتراط عدمه مخالف لهما،و هذا الدليل عن الأول،و لكن بتعبير آخر.

و مهما يكن،فان هذا الشرط من صغريات الكلية البديهية،و هي كل شرط يجب الوفاء به إلاّ إذا علم فساده و عدم جوازه بالعقل أو النقل.أما المعيار لدلالة العقل على الفساد فهو أن يتنافى الشرط مع طبيعة العقد،أو يستلزم المحال،كما تأتي الإشارة قريبا.و أمّا معيار دلالة الشرع فتابع لثبوتها بالمقاييس المقررة.

و قد اختلف الفقهاء في بعض الشروط،و انها مخالفة للعقل أو النقل،أو غير مخالفة.

منها:إذا باع شيئا بشرط أن لا يبيعه و لا يهبه،فذهب المشهور بشهادة الشيخ الأنصاري إلى عدم الجواز،لمنافاة الشرط لمقتضي العقد (1).

منها:اشتراط ضمان العارية،مع عدم التفريط،و ذهب المشهور إلى

ص:174


1- سئل الإمام عليه السّلام عن رجل يشتري الجارية،و يشترط لأهلها أن لا يبيع و لا يهب و لا يورث؟. قال:يفي لهم إلاّ الميراث.و هذه الرواية من الشاذ المتروك،فقد نقل الشيخ الأنصاري عن صاحب كاشف الرموز أنّه لم يجد عاملا بها.

الصحة،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:لا تضمن العارية إلاّ أن يكون قد اشترط فيها ضمان.

و منها:اشتراط ضمان العين المستأجرة،مع عدم التفريط،و قد ذهب المشهور إلى عدم صحة الشرط،بزعم أنّه مناف لمقتضى العقد،و الحق عدم الفرق بين المستعير و المستأجر،فان كلا منهما أمين على ما فيه يده،فان جاز تضمين أحدهما بالشرط جاز تضمين الآخر،و العكس بالعكس.أمّا ما ذكره الشيخ النائيني من الفرق بينهما بأن يد المستأجر على العين يد استحقاق،و يد الاستحقاق تقتضي عدم الضمان،فتضمينها و لو مع الشرط خلاف الأصل،أمّا يد المستعير فإنها يد اباحة و تحليل،و لا تقتضي عدم الضمان،فتضمينها لا يخالف الأصل.أمّا هذا الفرق فمجرد استحسان،و من تأمل لا يجد فرقا بين المستعير و المستأجر،و لا مانعا من اشتراط الضمان بينهما فيشملهما عموم«المؤمنون عند شروطهم»و قد تأكد هذا العموم بديل خاص في المستعير،فان ثبت النهي عن اشتراط ضمان المستأجر فهو الدليل على عدم الجواز،و إلاّ صح الشرط،و وجب الوفاء به.

و منها:ان يشترط الزوج لزوجته أن لا يخرجها من بلدها،و ذهب المشهور إلى صحة الشرط،و قال البعض:لا يصح،لأنه ينافي العقد الذي يقتضي أن يكون الرجل مسلطا على المرأة استمتاعا و إسكانا.

و قال السيد اليزدي يرد هذا الفقيه:ان هذا التعليل عليل،لأن الشرط المذكور لا يتنافى مع بقاء الرجل قواما على المرأة،هذا،إلى ثبوت النص الخاص على الجواز.

و أي شرط ثبت أنّه مناف لمقتضى العقد فهو فاسد و مفسد بالاتفاق.

ص:175

غير مجهول:

5-أن لا يكون الشرط مجهولا جهالة توجب الغرر،كاشتراط تأجيل الثمن،أو تسليم المثمن أمدا غير معلوم،و قد تقدم الكلام في ذلك في فصل شروط العوضين،فقرة«العلم بالعوضين».

و كل شرط مجهول فهو فاسد،و لكن لا يكون مفسدا للعقد إلاّ إذا رجعت الجهالة إلى أحد العوضين.

غير محال:

6-ان لا يكون الشرط مستلزما للمحال،و مثلوا له بأن يبيع زيد الكتاب من عمرو بشرط أن يبيعه عمرو من زيد،أمّا وجه المحال فواضح،لأن هذا معناه أن زيدا لا يملّك الكتاب لعمرو،حتى يملّك عمرو الكتاب لزيد،و عمرو لا يملكه لزيد،حتى يملكه إياه زيد،و بتعبير أخصر و أوضح أن مؤدى هذا الشرط تماما كقول القائل:لا أعطيك هذا،حتى أنت تعطيني إياه.

و يجوز أن يشترط البيع،أو الهبة لشخص آخر،لأنه لا يستلزم أي محذور.

و فساد هذا الشرط أي المحال موجب لفساد العقد،و هدمه من الأساس.

تقدم الشرط:

7-اتفق الفقهاء بشهادة صاحب الرياض و الشيخ النائيني على أن أي شرط لم يكن التزاما في ضمن التزام،و لم يتعقبه التزام،و انما يشترطه الإنسان على نفسه ابتداء دون أن يكون هناك طرف مقابل،اتّفقوا على أن مثل هذا الشرط لا

ص:176

يجب الوفاء به إلاّ مع العهد و النذر و اليمين (1)،و أيضا اتفقوا على أن الشرط المذكور صراحة في متن العقد يجب الوفاء به،تماما كما يجب الوفاء بالعقد، و اختلفوا في الشرط الذي يذكر قبل العقد،و يتواطأ عليه المتعاقدان،دون التصريح به ثانية في متن العقد،و قد ذهب المشهور بشهادة الشيخ الأنصاري إلى عدم وجوب الوفاء به.

و الحق وفاقا لجماعة،منهم صاحب الجواهر،و السيد اليزدي أن كل شرط أنيط به العقد يجب الوفاء به،و ان تخلفه يوجب الخيار،سواء أ كان مقترنا بالعقد، أو ذكر أولا،ثم بني عليه العقد،لأن هذا العقد،و ان جاء لفظه مطلقا،دون شرط إلاّ أنّه ينصرف بشهادة الحال إلى ما تبانى عليه المتعاقدان،و لأن العرف لا يفرق بين الشرط المتقدم و المقارن ما دام العقد منوطا به،و لأن التراضي مقيد بالشرط، فإن أوجبنا العقد دون الشرط فقد أوجبنا التجارة من غير تراض،و أكل المال بالباطل.قال صاحب الجواهر في كتاب المتاجر عند كلامه عن الشرط الفاسد:«لا أثر للشرط المذكور بعد العقد،و لا الذي قبله إذا لم يكن بناء العقد عليه و إلاّ فإن الصحة فيه قوية جدا».

حكم الشرط الصحيح:

إذا تمت هذه الشروط صح الشرط،و وجب الوفاء به،و حرم على من التزم به،و اشترطه على نفسه أن يخالف،و ان خالف و امتنع عن الوفاء من غير

ص:177


1- العهد أن يقول الإنسان:عهد علي للّه أن أفعل كذا،و النذر أن يقول:نذر علي للّه أن أفعل كذا، و اليمين هو القسم باللّه جل و عز،فالتعهد في هذه العناوين وقع للّه و مع اللّه سبحانه فلا يكون من نوع الالتزام الابتدائي،و يأتي الكلام عن كل واحد في بابه ان شاء اللّه.

عذر فان للحاكم أن يجبره عليه،لأنه ولي الممتنع،تماما كما يلزمه بالعقد،لأن الشرط كالجزء من أحد العوضين على حد تعبير الفقهاء.و إذا تخلف الشرط لعذر أو غير عذر كان للطرف الآخر،و هو المشروط له أن يختار فسخ العقد،أو إمضاءه مجانا،و لا يحق له الإمضاء مع المطالبة بالأرش،لأن الأرش على خلاف الأصل،و لا يجوز القول به في مورد إلاّ بدليل خاص،و لا دليل على الأرش إلاّ في خيار العيب،و يأتي البيان ان شاء اللّه تعالى.

و يثبت خيار الشرط في جميع العقود،لا في عقد البيع فقط،سواء أ كان الشرط من الأفعال،أو من صفات المعقود عليه،لأن الفائدة من ذكره ثبوت الخيار عند تخلفه،و إلاّ كان ذكره لغوا.أجل،للزوج خصائص و مميزات يختلف بها عن سائر العقود،منها أن الشرط إذا كان من نوع الأفعال فتخلفه لا يوجب الخيار في الزواج،و يوجبه في سائر العقود،و إذا كان الشرط من صفات المعقود عليه فتخلفه يستدعي الخيار في الزواج و غيره،فإذا اشترطت الزوجة على الزوج أن يبني لها قصرا،أو يسكنها في المدن،لا في الأرياف،و لم يفعل فليس لها خيار الفسخ،و ان اشترطت أن يكون تاجرا،لا مزارعا،أو من قبيلة معينة،ثم تبين العكس فلها خيار الفسخ.فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة،و قال:أنا من بني فلان،و لا يكون كذلك؟.قال الإمام عليه السّلام:يفسخ النكاح.

و كذا إذا اشترط هو أن تلبس نوعا خاصا من الثياب،و لم تفعل فلا خيار له في الفسخ،أمّا إذا اشترط أن تكون بكرا فله الخيار،ان تبين العكس.

قال صاحب الجواهر في باب الزواج آخر فصل التدليس:«يمكن دعوى الإجماع هنا على أن شرطية الصفات توجب الخيار إذا بان الخلاف،حتى مع اشتراط الناقص فبان الكمال-كما لو اشترط ان تكون ثيبا فبانت بكرا-لاختلاف

ص:178

الأغراض،و لانحصار فائدة الشرط بذلك،نعم لو كان الشرط من الأفعال أمكن القول بعدم الخيار للفرق بين النكاح و البيع».و مثله تماما في حاشية السيد كاظم اليزدي على مكاسب الشيخ الأنصاري:ص 316 طبعة 1324 ه.

و تجدر الإشارة إلى أن الخيار المتولد من تخلف الشرط يقبل الاسقاط كغيره من الخيارات،لأنه حق،و لكل ذي حق أن يتنازل عنه،كما أن هذا الخيار مؤقت بزمن يتمكن فيه من الفسخ،فإذا تخلف الشرط و كان عالما بأن له الخيار،و تمكن من الفسخ،و لم يبادر إليه بطل الخيار،لأنه شرّع لرفع الضرر،و يرتفع الضرر بالفور،و سرعة المبادرة،فيقتصر عليها،و التفصيل في فقرة«الخيار مضيق لا موسع».من فصل خيار العيب.

حكم الشرط الفاسد:

إذا لم تتوافر الشروط المتقدمة لصحة الشرط يكون فاسدا لا يجب الوفاء به بالاتفاق،و لكن هل يفسد العقد لفساد الشرط؟.و بكلمة:هل الشرط الفاسد يكون مفسدا للعقد أيضا،أو ان فساده لا يستدعي فساد العقد؟.

قال جماعة كثر من كبار الفقهاء المتقدمين و المتأخرين:ان فساد الشرط يوجب فساد العقد،كقاعدة كلية،لا نخرج عنها إلاّ بدليل تعبدي خاص (1).

و الحق بعكس ما قالوه تماما،و ان الشرط الفاسد من حيث هو لا يستدعي

ص:179


1- يظهر من أقوال الشيخ الأنصاري أن الفقهاء اتفقوا قولا واحدا على أن الشرط الذي يكون منافيا لمقتضى العقد و المستلزم للمحال،و للجهل بأحد العوضين،أو كان من قبيل بيع الخشب بشرط أن يجعله صنما،كل هذه الشروط يفسد معها العقد و انما اختلف الفقهاء فيما عدا ذلك من الشروط.

فساد العقد،و ان الحكم بفساد العقد مع فساد الشرط لا يكون إلاّ بدليل خاص،إذ لا تلازم عقلا و لا عرفا و لا شرعا بين الفسادين بما هما،بل لقد ثبت في الشريعة في العديد من الموارد أن فساد الشرط لا يستدعي فساد العقد،و من ذلك الروايات الواردة في باب الزواج،و قد ذكرنا بعضها في فقرة«غير مخالف للكتاب»من هذا الفصل.و منها ما جاء في غير الزواج أيضا فقد روى الحلبي عن الإمام عليه السّلام أن عائشة اشترت بريدة،و هي مملوكة،فأعتقتها،و كان مواليها الذين باعوها اشترطوا على عائشة أن لهم الولاء،و لكن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قضى بأن الولاء لمن أعتق،أي لعائشة،و معنى هذا أن البيع صحيح و الشرط فاسد.و قد اعترف الشيخ الأنصاري بصحة هذه الرواية سندا،و ظهورها في عدم الإفساد متنا،و قال ما نصه بالحرف الواحد:«الإنصاف ان الرواية في غاية الظهور».و لكنه مع ذلك قال:«الإنصاف ان المسألة في غاية الاشكال.و وجه الاشكال-على ما يظهر من عبارته-هو قول جماعة من الكبار بأن الفاسد مفسد أيضا.

أمّا نحن فننكر ذلك كقاعدة عامة،و نقول بأن الفاسد قد يفسد و قد لا يفسد.

انّه يفسد إذا كان منافيا لمقتضى العقد،أو مستلزما للمحال،أو لجهالة أحد العوضين،و قد لا يفسد إذا لم يوجب شيئا من ذلك،و نعرض التفصيل كما يلي:

1-يكون الشرط فاسدا و مفسدا إذا كان منافيا لمقتضى العقد،كاشتراط عدم التملك في عقد البيع،أو عدم التصرف إطلاقا في البيع،أو عدم الاستمتاع بالزوجة بشتى ألوان الاستمتاع.

2-أيضا يكون فاسدا و مفسدا إذا كان مستلزما للمحال،كاشتراط بيع المبيع من البائع،و بيّنا وجه المحال و سببه في فقرة«غير محال»من هذا الفصل.

3-أيضا يكون مفسدا إذا كان الشرط مجهولا،على أن تستدعي جهالة

ص:180

الشرط الجهل بأحد العوضين،كما لو قال:اشتريت منك الفرس بشرط أن يكون له العديد من الصفات الحسنة.و لم يبين ما أراد بالصفات الحسنة،أمّا إذا كانت جهالة الشرط لا تستدعي الجهل بأحد العوضين فيفسد الشرط دون العقد،كما لو قال:اشتريت هذا الفرس على أن تفعل شيئا،فالفرس معلوم بالعيان،و العقد عليه لا يوجب غررا،فيقع صحيحا،أمّا جهالة الشرط فتفسده وحده،ما دامت لم تسر إلى المعقود عليه.

4-أمّا إذا كان الشرط مخالفا لكتاب اللّه،و سنة نبيه فينظر:فان تعلقت المخالفة في المعقود عليه نفسه،كبيع الخشب بشرط جعله صنما،و العنب خمرا فسد العقد بالاتفاق،و فيه روايات عن أهل البيت عليهم السّلام،و ان اقتصرت المخالفة على الشرط،كبعتك هذا بشرط أن تشرب الخمر،أو تترك الصلاة فسد الشرط فقط دون العقد.

5-و إذا كان الشرط غير مقدور ينظر:فان رجع العجز إلى المعقود عليه نفسه،كبيع الزرع بشرط أن يجعله سنبلا،و الدابة بشرط أن يجعلها تحمل في المستقبل فسد الشرط و العقد.أمّا إذا تعلق العجز بالشرط وحده،كما لو باعه الدار بشرط أن يخيط له الثوب بساعة،أو يجعله من الأعلام المبرزين فسد الشرط دون العقد.

6-أن لا يكون للشرط آية منفعة لأحد،و لا غرض مقصود للعقلاء،كالبيع بشرط أن يأخذ من ماء البحر،ثم يرده إليه،فإذا اشترط هذا،و ما إليه من اللغو و العبث سقط الشرط و بقي العقد على الصحة بالاتفاق.

و تقدم هذا التفصيل استطرادا في تعداد الشروط لصحة الشرط،و جمعنا الشتات في هذه الفقرة زيادة في التوضيح،لأن الكثير من متفقهي العصر يذهلون

ص:181

عن هذا التفصيل الذي تحتمه الأصول و القواعد،فيستخرجون القاعدة العامة من مورد،أو موردين،دون أن يستقرأوا و يتتبعوا جميع الموارد،فترى أحدهم إذا وقف على شرط يتنافى مع مقتضى العقد قال:ان فساد الشرط يوجب فساد العقد إطلاقا،و يعارضه آخر قائلا:بل ان فساده لا يقتضي الفساد إطلاقا،يعارض لا لشيء إلاّ لأنه اطلع على شرط لا يقتضي ذلك.

لذا نكرر للمرة الثالثة أن الشرط المنافي لمقتضى العقد،و المستلزم للمحال فاسد و مفسد،و ان الشرط الذي لا فائدة منه فاسد غير مفسد،و ان الجهالة و العجز و المخالفة للمبادئ الشرعية ان رجع شيء منها إلى المعقود عليه بالذات فسد الشرط و أفسد العقد،و ان اقتصرت الجهالة و العجز و المخالفة على الشرط فقط سقط الشرط دون العقد،و ما عدا ذلك من الشروط التي توافرت فيها جميع عناصر الصحة فهي غير فاسدة و لا مفسدة،فإن تحقق الشرط لزم العقد،و ان تخلف ثبت الخيار بين الفسخ و الإمضاء مجانا.

الخيار و الشرط الفاسد:

تبين مما قدمنا أن الشرط الصحيح يجب الوفاء به،و ان تخلفه موجب للخيار،و ان الشرط الفاسد لا يجب الوفاء به.و بقي شيء،و هو أن الشرط الفاسد الذي لا يوجب فساد العقد:هل يوجب الخيار،كما يوجبه تخلف الشرط الصحيح،أو أن تخلف الشرط الفاسد لا يوجب شيئا على الإطلاق،بل وجوده و عدمه سواء؟.

و ليس للجواب عن هذا التساؤل عين و لا أثر في أقوال الفقهاء،قبل الأنصاري و لا في كلمات أهل البيت عليهم السّلام كما قال الخوانساري في تقريرات الشيخ

ص:182

النائيني،أمّا الشيخ الأنصاري فقال:«الأقوى في المقام عدم الخيار».

و الذي تفرضه الأصول و القواعد أن تخلف الشرط الفاسد،مع صحة العقد يوجب الخيار،تماما كتخلف الشرط الصحيح،سواء أ كان المشروط له عالما بفساد الشرط قبل أن يقدم على العقد،أو جاهلا،و ذلك ان خيار تخلف الشرط ثابت كقاعدة عامة تشمل جميع افراد التخلف و موارده بصرف النظر عن الصحة و الفساد،بحيث لا نحتاج إلى الدليل التعبدي الخاص إذا أردنا أن نثبت الخيار لفرد من افراد التخلف،و إلاّ احتجنا إلى الدليل لكل فرد و كل مورد تخلف فيه الشرط الصحيح،و المفروض غير ذلك.هذا،إلى أن القول بعدم الخيار في صورة فساد الشرط مع صحة العقد يستدعي القول بصحة العقد من غير رضا،لأن الرضا بالعقد قد أنيط بالشرط،و ان كان فاسدا،فان انتفى الشرط انتفى الرضا بالعقد،و لا سبيل لدفع هذا المحذور إلاّ الخيار،فبه وحده يستدرك فوات الشرط صحيحا كان أو فاسدا.

تنبيه:

اتفق الفقهاء على أن الشرط الفاسد مهما كان نوعه لا يفسد عقد الزواج الدائم،و ان أفسد غيره من العقود إلاّ شرطا واحدا فقط،و هو ما كان مناقضا لمقتضى العقد،كاشتراط أن لا يستمتع الزوج بالزوجة إطلاقا،أو شرط الخيار في الفسخ،لأن عقد الزواج يأبى شرط الخيار بطبيعته،و استدلوا على ذلك:

أولا:ان عقد الزواج الدائم ليس من عقود المعاوضات،حتى يبطل بفوات شيء من العوض،بل هو اسمى من ذلك،و لذا قيل:ان فيه شائبة العبادة.

ثانيا:الروايات الكثيرة من أهل البيت الدالة على أن كثيرا من الشروط

ص:183

الفاسدة لا توجب فساد العقد،منها اشتراط عدم الطلاق،و عدم الزواج على الزوجة،و تقدمت الإشارة إلى ذلك.

و منها أن الإمام الباقر أبا الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام سئل عن رجل تزوج امرأة إلى أجل مسمى،فان جاء بصداقها في الأجل فهي امرأته،و ان لم يأت بصداقها فليس له عليها سبيل؟فقال:ان في يده بضع امرأته،و حبط الشرط.

و منها أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن امرأة تهب نفسها للرجل ينكحها بغير مهر؟فقال:انما هذا للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أما لغيره فلا.

مسائل:
1-إذا وقع البيع بين اثنين،و اشترطا شرطا مفسدا للعقد،و قبض

المشتري المثمن،و البائع الثمن

فعلى كل منهما ضمان ما في يده،لأن ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

2-إذا اختلف المتعاقدان في أصل الشرط و وقوعه

،فقال أحدهما:جرى العقد مع الشرط،و قال الآخر،بل مجردا عن كل شرط،فالقول قول المنكر بيمينه،سواء أ كان الشرط المختلف فيه من نوع الصحيح،أو الفاسد،لأن الأصل عدم الشرط.

3-قال السيد كاظم اليزدي في حاشية المكاسب:ربما يتوهم أن الشرط

الفاسد في العقود الإذنية،كالوكالة و المضاربة و الإعارة،و نحوها يوجب فساد

العقد

،حتى و لو لم يكن نقل ذلك في غيرها من العقود اللازمة،و وجه التوهم ان الاذن منوط بالشرط الفاسد،فإذا انتفى الشرط انتفى معه الاذن.و بديهة أن قوام هذه العقود بالاذن،كما هو المفروض.

ص:184

و دفع هذا التوهم بما يتلخص أنّه لا بد من النظر في الشرط،فان رجع إلى المعقود عليه فسد العقد من غير ريب،و مثاله أن يقول:وكلتك في أن تؤجر داري لبيع الخمر،و أعيرك انائي على أن تشرب فيه الخمر،أمّا إذا لم يرجع إلى المعقود عليه،كما لو قال:وكلتك في إيجار الدار على ان تشرب الخمر فسد الشرط دون العقد.

ص:185

ص:186

خيار الغبن
معنى الغبن:

الغبن-بفتح الغين،و سكون الباء و فتحها-معناه في اللغة الخديعة،أمّا الفقهاء فيريدون به الشراء بأكثر من قيمة السوق،أو البيع بأقل منها حين العقد، و التعامل بما لا يتسامح به عادة مع جهل المشتري بالزيادة و البائع بالنقصان، بحيث لو علم المتعاقد القيمة على حقيقتها لما أقدم على التعاقد،و رضي به.

و بقولنا«الشراء»يدخل المشتري إذا اشترى بأكثر من القيمة،و«البيع» يدخل البائع إذا باع بأقل منها.

و بقولنا«حين العقد»تخرج الزيادة و النقيصة المتجددة بعد العقد.

و بقولنا«بما لا يتسامح به عادة»يخرج البيع و الشراء،مع التفاوت اليسير الذي يعد غبنا،لأن المعاملة لا تنفك-في الغالب-عن هذا التفاوت،و لا حد لهذا اليسير في الشرع،فيتعين رده إلى العرف.

و بقولنا«مع الجهل»يخرج من باع بالأقل،و من اشترى بالأكثر،مع علمهما بذلك،إذ قد يقدم الإنسان على الشراء بأكثر من قيمة السوق لنفع يعود عليه بالخصوص،كمن يشتري عقارا مجاورا لعقاره،و يضمه إليه،لترتفع قيمته أضعافا،و كذا البائع قد يقدم على البيع بالأقل،ليستغل الثمن فيما هو أنفع و أعود.

ص:187

ركنا الغبن:

استخلص من هذا التعريف،و كل تعريف ذكره الفقهاء للغبن أنّه يتقوم بأمرين:

الأول:جهل المغبون بالقيمة حين العقد

،فمن أقدم على الزيادة أو النقيصة،مع العلم بها فلا خيار له،لعدم الضرر،و لأن لكل إنسان أن يتصرف في ماله كيف شاء ما دام عاقلا راشدا،لحديث«الناس مسلطون على أموالهم»و لقول الإمام الصادق عليه السّلام:«صاحب المال أحق بماله ما دام فيه شيء من الروح،يضعه حيث يشاء».

الأمر الثاني:عدم التسامح عادة بما زاد أو نقص

،لأن التغابن اليسير الذي يتسامح العرف بمثله لا يخرج الشيء عن قيمته السوقية،لأن القيمة الحقيقية تصعب معرفتها على الكثير من الناس.

الدليل:

قال صاحب الحدائق:104/5 طبعة 1317 ه:«لم يذكر هذا الخيار كثير من المتقدمين،و القول به انما ثبت عن الشيخ و اتباعه»،يريد الشيخ الطوسي المعروف بشيخ الطائفة(ت 460).ثم قال صاحب الحدائق:«و المشهور بين المتأخرين ثبوت هذا الخيار».أمّا صاحب الجواهر فقال في كتاب المتاجر، «خيار المغبون ثابت بلا خلاف».و قال صاحب المكاسب،«هذا الخيار هو المعروف بين الفقهاء،و نسبه في كتاب التذكرة إلى علمائنا».

و مهما يكن،فان خيار الغبن أصبح من ضرورات مذهب الإمامية،بحيث يعدون القول بنفيه بدعة في الشريعة،و تتلخص الأدلة التي جاءت في كتب الفقه

ص:188

الجعفري،مع ملاحظة الشيخ الأنصاري عليها،و غيره تتلخص بما يلي:

الدليل الأول:قوله تعالى إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ

.و بديهة أن المغبون لو علم بالتفاوت الفاحش لم يرض بالتعامل،فأكل ماله-اذن-يكون أكلا للمال بالباطل.

و يلاحظ بأن هذا لو تم لكان دليلا على بطلان البيع من الرأس،لا على صحة البيع،مع ثبوت الخيار للمغبون.

الدليل الثاني:أن الغبن ضرر،و لا ضرر و لا ضرار في الإسلام

.

و يلاحظ بأن هذا لا يثبت الخيار،حيث يمكن تدارك الضرر بطريق آخر، و هو أن يرجع البائع الزيادة للمشتري،ان كان المغبون هو المشتري،و ان يرجع المشتري بمقدار النقيصة إلى البائع،ان كان المغبون هو البائع.

الدليل الثالث:قول الإمام الصادق عليه السّلام:غبن المؤمن حرام

،و في رواية أخرى:لا تغبن المسترسل،و المسترسل هو الذي يثق بك،و يطمئن إليك.

و يلاحظ بأن هذا دليل على تحريم الخيانة،لا على ثبوت الخيار للمغبون، هذا،إلى أن كلا من البائع و المشتري قد يكونان جاهلين بالقيمة،فلا يبقى للتحريم من موضوع.

الدليل الرابع:ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن من تلقى الركبان

-و هم الذين كانوا يجلبون الطعام من بلد إلى بلد-و اشترى منهم بأقل من قيمة السوق،مع جهلهم بذلك فصاحب السلعة بالخيار.

و يلاحظ بأن هذه الرواية مجهولة السند،بل لم تدون في كتب الحديث المعروفة إطلاقا،لا بسند ضعيف،و لا بسند صحيح (1).

ص:189


1- المعروف بين الفقهاء أن ضعف السند ينجبر و يقوى بعمل المشهور،و لاحظت من طرف خفي و بعيد،و أنا أبحث و انقب أن القائلين بذلك يشترطون أن يكون الضعيف مدونا في أحد الكتب الأربعة:الكافي و الاستبصار و التهذيب و من لا يحضره الفقيه،و انه إذا لم يوجد في أحدها فليس لعمل المشهور أي تأثير في جبر الضعيف و تقويته.
الدليل الخامس:قول الإمام الصادق عليه السّلام غبن المسترسل سحت

.

و يلاحظ بأن معنى هذا أن من أخذ مال غيره بالغش و الخديعة فقد أكل حراما،و استحق العقاب،ان لم يرجعه إلى صاحبه و يسترضيه،اذن،فلا دلالة فيه على الخيار من قريب أو بعيد.

الدليل السادس:أن المغبون إنما أقدم باعتقاد أن قيمة المبيع تساوي ما دفع

أو قبض من المال

،و معنى هذا في واقعة أنّه قد اشترط على الطرف الآخر الذي أجرى معه المعاملة شرطا ضمنيا أن البيع أو الشراء يبتني على أساس القيمة السوقية،فإذا تبين العكس فله خيار تخلف الشرط،و ما من شك أن الشرط الضمني يؤثر أثر الشرط الصريح.

و يلاحظ بأن هذا يرجع إلى خيار الشرط،غاية الأمر يكون الشرط على قسمين:أحدهما صريح،و الآخر ضمني،و على هذا يكون خيار الغبن قسما من خيار الشرط،و ليس قسما له،و في قبالة.

و بعد ان ذكر الشيخ الأنصاري الأدلة،و ما لاحظه عليها قال:«فالعمدة في المسألة-أي في خيار الغبن الإجماع المحكيّ المعضّد بالشهرة المحققة».و قال السيد اليزدي معلقا على ذلك:«و كيف كان،فيكفي في إثبات هذا الخيار مجموع ما ذكره من الإجماع المحكي،و خبر تلقي الركبان،و قاعدة لا ضرر،و خبر السحت-أي الدليل الرابع المتقدم-و خبر غبن المسترسل»و هو الدليل الثالث.

و ان شككنا في شيء فلسنا نشك في ثبوت هذا الخيار،لما ذكره هذا

ص:190

السيد،و لأنه يتفق كل الاتفاق مع مقاصد الشريعة السمحة الغراء،و مبدأ العدالة، و لذا أقرته الشرائع الوضعية.

لا أرش:

إذا تبين الغبن تخير المغبون بائعا كان أو مشتريا بين رد ما غبن فيه أو إمساكه،و ليس له أن يطالب الغابن بالأرش،أعني التفاوت بين قيمة السوق و الثمن المسمى.كما أن الغابن إذا بذل التفاوت إلى المغبون لا يجب عليه القبول و الإمساك،بل يبقى على خياره،لأنه بعد أن ثبت بالدليل لا يسقط إلاّ برضاه و إرادته.

الخيار و الجهل بالغبن:

قال الشيخ الأنصاري:«هل ظهور الغبن شرط شرعي لحدوث الخيار،أو كاشف عقلي عن ثبوته حين العقد».

اي أن حق المغبون في فسخ العقد:هل هو ثابت من حين العقد و في زمن الجهل بالغبن،و العلم به انما يكشف عن وجوده في السابق،أو أن هذا الحق لا وجود له إطلاقا حين العقد،و انما يوجد من حين العلم بالغبن،بحيث يكون هذا العلم شرطا شرعيا لوجوده؟.

و تظهر الثمرة بين الوجهين فيما لو هلكت العين في زمن الجهل بالغبن، فإنها على الوجه الأول تهلك من مال الغابن،لأن المفروض أن المغبون في هذي الحال له الخيار،و الغابن لا خيار له،و قد ذهب كثير من الفقهاء على أن«التلف يكون من مال من لا خيار له».و على الوجه الثاني تهلك العين من مال المغبون،

ص:191

إذ لا خيار له في حال جهله بالغبن،فتنطبق عليه قاعدة«التلف من مال من لا خيار له».

و ليس من شك أن الخيار حق و ليس بحكم،و ان الآثار تترتب على الحق الواقعي من حيث هو بغض النظر عن العلم به.أجل،ان العلم به كاشف عن وجوده،و ليس شرطا له،كما أن استعمال الحق يتوقف على العلم به أيضا، و لكن استعمال الحق شيء،و ثبوته واقعا شيء آخر.و على هذا يكون الخيار ثابتا للمغبون من حين العقد،و ان كان جاهلا بالغبن،و بالتالي يكون تلف المبيع من مال الغابن الذي لا خيار له.

الخيار مضيق لا موسع:

هل الخيار في فسخ العقد ثابت للمغبون على سبيل الفور،بمعنى أن المغبون إذا اختار الفسخ فعليه أن يبادر إليه بمجرد علمه بالغبن،و اطلاعه عليه، بحيث إذا تأخر في غير عذر (1)يسقط حقه في الخيار.و يصبح العقد لازما،أو أن هذا الحق ثابت على سبيل التراخي،لا على الفور،بحيث يجوز للمغبون أن يؤخر الفسخ إلى الوقت الذي يشاء،و لا تجب المبادرة إليه حين الاطلاع على الغبن؟.

للفقهاء قولان:الأول التراخي،لأن الخيار ثابت قطعا،و بالاتفاق حين الاطلاع على الغبن،و في الزمن التالي نشك هل ارتفع الخيار،أو هو باق كما كان،

ص:192


1- و العذر هنا هو الجهل بالخيار،و قيل:لا أثر للجهل لأن الخيار من الأحكام الوضعية التي لا فرق فيها بين العلم و الجهل،و جوابه أن الحكم الوضعي يثبت حال الجهل إذا يكن ثبوته موجبا للضرر، و ما من شك أن لزوم العقد مع الجهل بالخيار ضرر ظاهر،مع العلم بأن هذا الخيار انما شرع لنفي الضرر.

فنستصحب بقاءه.

القول الثاني:الفور و وجوب المبادرة إلى الفسخ حين الاطلاع على الغبن، و إذا أخره بلا عذر يسقط الخيار،و أكثر الفقهاء على هذا،لأن التراخي يستدعي الضرر بمن تردّ عليه العين،و لأن الوفاء واجب في كل حين،و قد دل الدليل على عدم وجوب الوفاء به حين الاطلاع،فيقتصر على هذا الحين فقط وقوفا عند موضع اليقين،و يبقى الزمن المتأخر داخلا و مشمولا لعموم وجوب الوفاء بالعقد.

و للشيخ الأنصاري-هنا-و المعلقين على أقواله كلام طويل و غامض.و من جملة أقوالهم ان العموم على نوعين:الأول عموم أعيان،كأكرم العلماء،أي كل فرد منهم.و الثاني عموم أزمان،كأكرم زيدا في آن،فإنه يشمل آنات عديدة، و عبّر الفقهاء عن هذا بالعموم الزماني،و عن الأول بالعموم الأفرادي،و قد يجتمع العمومان في صيغة واحدة،مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،فإنه عموم أفرادي،بالنظر إلى أنّه يعم كل فرد من افراد العقود،كالبيع و الإجارة و المزارعة،و ما إليها من العقود اللازمة،و هو أيضا عموم أزمان بالنظر إلى أن كل عقد يجب الوفاء به في كل آن و زمان.

و معلوم أن ظهور العام هو المناط لدخول المشكوك في حكم العام،سواء أ كان عموم أعيان،أم عموم أزمان.فإذا شككنا أن عقد المزارعة-مثلا-خارج عن عموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ -نتمسك بظهور لفظ العقود لإدخاله.و كذلك إذا شككنا في أن هذا العقد يجب الوفاء به في هذا الزمان الخاص،أولا نتمسك بعموم أوفوا لإدخال الزمان المشكوك في حكم العام،أمّا انطباقه على ما نحن فيه فظاهر،لأن أوفوا معناه-كما أشرنا-أوفوا بكل عقد في كل آن،و منه عقد البيع،و لكن لما دل الدليل على أن الآن الأول الذي علم فيه بالغبن لا يجب الوفاء به أخرجناه عن العموم،أمّا الآن الثاني الذي يليه فإنّا نشك:هل خرج عن العموم،و صار حكمه

ص:193

حكم الآن الذي قبله من عدم وجوب الوفاء،أو هو باق تحت العموم،و يجب الوفاء به،و ليس من شك أن العموم ظاهر فيه،فنتمسك بهذا الظهور لإعطاء حكم العام لهذا الآن المشكوك.

أمّا استصحاب الخيار من الزمن الأول إلى الزمن الثاني فلا يصلح لمقاومة العموم،لأنه حاكم و مقدم على الاستصحاب،و هذا الكلام بطوله شرح لهذه الجملة:«خيار الغبن فوري،لأدلة لزوم كل بيع في كل زمان،خرج الوقت المعلوم بالدليل،فيبقى الباقي،و الاستصحاب لا يقاوم العموم»،شرح لهذه الجملة التي قالها الفقهاء فيما قالوه في هذه المسألة.

بقية العقود:

هل يثبت خيار الغبن في كل معاوضة مالية،أو هو مختص بالبيع فقط؟ لقد أثبت الفقهاء خيار الغبن في الإجارة و المزارعة و المساقاة،و ما إليها من المعاوضات المالية لأن الغبن منفي في الشريعة الإسلامية من حيث هو، و الأحكام تتبع الأسماء،و الأسماء تبع لمعانيها العرفية.أجل،استثنوا المعاملة التي يقصد بها التساوي و المعادلة بين العوضين،بل قصد بها شيء آخر، كالاحتراز من التخاصم و التشاجر،و ذلك مثل الصلح على إسقاط الدعوى قبل ثبوتها،أو على إبراء ما في الذمة بالغا ما بلغ،و هذا بديهي لا يحتاج إلى إثبات.

و قد ذكر الشيخ الأنصاري قاعدة عامة،نقل القول بها عن بعض الفقهاء،و هي:

«ان كل عقد بني على التسامح بالتفاوت لا يصدق عليه اسم الغبن،و كل عقد بني على المعاوضة المتعادلة،و عدم التسامح بالتفاوت يصدق اسم الغبن عليه»و أيد ذلك السيد اليزدي في حاشيته،و الشيخ النائيني في تقريرات الخوانساري.

ص:194

موجبات السقوط:

يسقط هذا الخيار بالأمور التالية:

1-اشتراط سقوطه في متن العقد،لأن الخيار حق،و لكل ذي حق أن يسقط حقه،و تقدمت الإشارة إلى ذلك أكثر من مرة.

و تقول:لقد سبق في شروط العوضين أن الجهل بأوصاف المبيع موجب للغرر،و ان الغرر مبطل للتعامل من الأساس بحكم الشرع،حتى و لو اتفق المتعاملان على الالتزام به،و لم يقل فقيه بصحة العقد الغرري،و ثبوت الخيار للمغرور.و بديهة أن الجهل بقيمة السوق يستدعي الغرر،فينبغي بطلان المعاملة من رأس مع الغبن،و لا وجه للقول بصحتها مع ثبوت الخيار للمغبون.

و نجيب بأن الغرر المبطل للبيع هو الذي ينشأ في الغالب من الجهل بالأوصاف الذاتية للعين،كالسمن و الهزال في الحيوان،و السعة و الضيق في الدار، بحيث يكون الجهل بالوصف جهلا بالعين نفسها،أمّا الجهل بالقيمة السوقية فلا يستدعي الجهل بالذات المبيعة،و لذا صح البيع مع الجهل بالقيمة،و لم يصح مع الجهل بأوصاف العين الذاتية.و لو تم ما تقول للزم بطلان البيع مع الجهل بالقيمة، حتى و لو صادف التساوي و عدم الغبن،تماما كما يبطل البيع،مع الجهل بأوصاف العين،حتى و لو تبين أنّها ملائمة لغرض المشتري.و بكلمة:ان الجهل بأوصاف العين شيء،و الجهل بقيمتها شيء آخر،فإن الأول يبطل المعاملة من رأس،حتى كأنها لم تكن،و الثاني لا يبطلها،بل يوجب الخيار فقط.

2-أن يسقط المغبون حقه بالخيار بعد العقد،سواء أ كان ذلك قبل الاطلاع على الغبن أو بعده،و سواء أسقطه بعوض أو بغير عوض،لأن الرضا مسقط للخيار،أجل،استثنى الفقهاء ما لو أسقط الخيار باعتقاد أنه غير مغبون،

ص:195

فتبين العكس،أو باعتقاد أن التفاوت عشرة-مثلا-فتبين أنه مائة،و اثبت ذلك بطريق من طرق الإثبات.

3-إذا تصرف المغبون في العين التي غبن فيها تصرفا ناقلا و ملزما،كالبيع و الوقف فقد ذهب المشهور بشهادة صاحب المكاسب إلى أن المغبون يسقط حقه في خيار الفسخ مشتريا كان أو بائعا.

أمّا إذا تصرف المغبون فيما غبن فيه تصرفا غير ناقل،كالدار يسكنها، و الدابة يركبها،و الشاة يحلبها فينظر:فان كان هذا التصرف قبل الاطلاع على الغبن فإنه لا يسقط الخيار بالإجماع،و ان كان بعد الاطلاع عليه سقط الخيار،لأن التصرف مع العلم بالغبن إنشاء فعلي لإجازة البيع و الرضا به،و قد سبق بيان ذلك مفصلا في مسقطات خيار الحيوان.و نقل الشيخ الأنصاري الإجماع على هذه القاعدة،و هي:«أن تصرف ذي الخيار فيما انتقل إليه اجازة،و فيما انتقل عنه فسخ»،و مثال الفقرة الأولى أن يشتري عينا يكون له الخيار في ردها،فإذا تصرف فيها مدة الخيار كان تصرفه إسقاطا لخياره،و اجازة للشراء،و مثال الفقرة الثانية أن يبيع عينا،و يجعل الخيار لنفسه في إرجاعها أمدا معلوما،فإذا تصرف فيها في هذا الأمد كان تصرفه فسخا للبيع،و رد العين إلى ملكه.

و تسأل:لقد بينت أن التصرف الناقل على وجه اللزوم مسقط للخيار،سواء أحصل ذلك قبل الاطلاع على الغبن أو بعده،و لم تبين حكم التصرف الذي يغير العين،كطحن الحنطة،و لا حكم التصرف الناقل على وجه الجواز دون اللزوم، كالبيع بالخيار و الوصية و الهبة قبل لزومها،فما هو الحكم في ذلك؟.

و الجواب:أن المغبون إذا نقل العين عن ملكه نقلا جائزا قبل اطلاعه على الغبن لا يسقط حقه في الخيار،لأن له،و الحال هذي،أن يعدل عن المعاملة

ص:196

الجائزة،و يرد العين إلى مالكها الأول.

و ان تصرف بالعين تصرفا موجبا للنقصان،كالدار يهدم بعضها سقط حقه في الخيار،لأن النقصان عدم أو بمنزلته.

و ان كان التصرف موجبا للزيادة يسيرا،كالحنطة يطحنها،و الثوب يصبغه فلا يسقط الخيار،و له المطالبة بأجرة عمله.

و ان كانت الزيادة كثيرة و يعتد بها،كإصلاح البستان و تحسينه فقال البعض انّه يرد العين و يصير المغبون شريكا بنسبة زيادة القيمة.و لا أرى وجها لهذه الشراكة،و الأولى جواز الرد،مع المطالبة بأجرة العمل.

و أيضا تسأل:هذا حكم المغبون إذا تصرف هو فيما غبن فيه فما الحكم إذا تصرف الغابن في العين الذي انتقلت إليه ثمنا و بدلا عن المبيع هل يبقى للمغبون الحق في الفسخ،أو لا؟.و إليك المثال:باع زيد داره بعقار عمرو،و بعد أن تسلم زيد العقار نقله عنه نقلا لازما،ثم تبين لعمرو أنه مغبون،و ان عقاره أغلى و اثمن.

و اتفق الفقهاء كلمة واحدة على أن تصرف المغابن بالغبن التي انتقلت إليه من المغبون لا تسقط خيار المذكور بحال،إذ لا صلة بين تصرف الغابن،و بين خيار المغبون،و انما الصلة بين تصرف المغبون،و بين حقه في الخيار.

و اختلفوا فيما إذا كان الغابن قد نقل العين عن ملكه نقلا لازما،ثم فسخ المغبون،فهل للمغبون ان يسترجع العين،و ينتزعها ممن انتقلت إليه من الغابن، أو يرجع على الغابن بالبدل،و لا سلطة له على العين إلاّ إذا وجدها باقية على ملك الغابن،و يأتي التحقيق في فصل أحكام الخيار إن شاء اللّه.

ص:197

ص:198

خيار التأخير
الشروط:

من باع شيئا،و لم يسلمه إلى المشتري،و لم يقبض منه الثمن كاملا،و لم يشترط المشتري تأجيل الثمن،فليس للبائع أن يعدل،و يفسخ البيع بحجة أنّه لم يقبض الثمن إلاّ بعد مضي ثلاثة أيام،فإن جاء به المشتري في هذه المدة فهو أحق بالبيع،و ان مضت الثلاثة،و لم يأت بالثمن تخير البائع بين فسخ العقد،و بين إمضائه،فإن أمضاه يكون الثمن دينا في ذمة المشتري.

و إذا طالب البائع بالثمن،و لم يدفع المشتري فلا يسقط حق البائع في الفسخ،لأن مجرد المطالبة لا تدل على الرضا بالبيع على كل حال،حتى مع قبض الثمن،و بهذا يتبين أن الشروط التي لا بد من توافرها لهذا الخيار أربعة:

الأول:ان يقع البيع على الشيء المعين الموجود في الخارج

،فلو باع شيئا في الذمة و لم يقبض الثمن فلا خيار،إذ المفروض عدم وجود المبيع في الخارج حين العقد،و عليه فلا يتأتى القول بأن تأخير الثمن مع منع البائع عن التصرف في المثمن يستدعي الإضرار به و انه لو تلف لذهب من ماله،و من هنا قال الشيخ الأنصاري:و من تأمل في أدلة هذا الخيار،و فتاوى الفقهاء يشرف على القطع باختصاصه بغير الكلي.

ص:199

الثاني:أن لا يستلم المشتري المبيع برضا البائع

،فإن استلمه برضاه فلا خيار،بل يكون الثمن دينا في ذمة المشتري،حكمه حكم سائر الديون.و إذا أخذ المشتري المبيع دون اذن الحاكم،و دون أن يدفع الثمن جاز للبائع انتزاعه منه،و إذا بذل المشتري الثمن،و امتنع البائع من قبضه سقط خياره،لأن هذا الخيار شرّع للارتفاق بالبائع،و دفع الضرر عنه الناشئ من تأخير الثمن،و مع بذله يرتفع الضرر.

الثالث:أن لا يقبض الثمن كاملا

،أمّا قبض البعض فإنه كالقبض على حد تعبير الفقهاء،لأن الضرر لا يرتفع إلاّ بدفع الجميع،و كذا لو قبض جميع الثمن، فتبين أنّه مستحق للغير كلا،أو بعضا،إذ لا عبرة بالقبض الفاسد.

الرابع:ان لا يشترط المشتري تأخير الثمن

،فان اشترطه فلا خيار للبائع مراعاة للشرط،و كذا إذا اشترط البائع تأجيل تسليم المبيع،حيث لا يجب، و الحال هذي،على المشتري المبادرة إلى دفع الثمن إلاّ مع الشرط.

و تبتدئ الأيام الثلاثة من حين العقد،لا من حين افتراق المتبايعين، و يبتدئ زمن الخيار من انتهاء الثلاثة.

و لا مانع أن يجتمع هذا الخيار مع غيره من الخيارات،كخيار المجلس و الحيوان،و الغبن.و ايضا كما لو باع بأقل من قيمة السوق،و لم يقبض الثمن، و لم يتبين له الغبن إلاّ بعد مضي ثلاثة أيام،فله،و الحال هذه،ان يفسخ بسبب الغبن،كما له أن يفسخ بسبب تأخير الثمن.

مضيق لا موسع:

ذهب المشهور إلى وجوب المبادرة فورا إلى هذا الخيار عند انتهاء الأيام

ص:200

الثلاثة،تماما كما هي الحال في خيار الغبن،فلو مضت الثلاثة،و تأخر البائع عن الفسخ في غير عذر يكون البيع لازما،و لا يحق له الفسخ اقتصارا فيما خالف أدلة اللزوم على موضع اليقين،أعني أقل أمد يندفع به الضرر،و سبق البيان مفصلا و مطولا في خيار الغبن فقرة«الخيار مضيق لا موسع».

الدليل:

استدل الفقهاء على ثبوت هذا الخيار بدليلين:

الأول:أن الصبر طويلا يستدعي الضرر،و لا ضر و لا ضرار في الإسلام، بل هو أشد من ضرر الغبن،لأن البائع ممنوع من التصرف في المبيع بعد أن نقله عن ملك الغير،و لأنه لو هلك يذهب من مال البائع.

الثاني:قول الإمام الصادق عليه السّلام:من اشترى بيعا،فمضت ثلاثة أيام فلا بيع له.

و أيضا سئل عن الرجل يشتري من الرجل المتاع،ثم يدعه عنده،فيقول:

أجيئك بثمنه؟فقال الإمام عليه السّلام:ان جاء ما بينه و بين ثلاثة أيام،و إلاّ فلا بيع له.

و تقول:ان الظاهر من قول الإمام عليه السّلام:«فلا بيع له»هو نفي البيع،و بطلانه من رأس،لا صحة البيع مع ثبوت الخيار للبائع،و عليه فلا مستند للقول بهذا الخيار.

و نجيب بأن قوله:«لا بيع له»ظاهر في نفي البيع للمشتري فقط،لا نفي البيع من رأس،لأن الضمير في«له»يعود إلى المشتري،هذا،إلى أن الغرض الأول من هذا البيع هو الإرفاق بالبائع،و عدم تضرره بالتأخير،و ليس من شك ان الإرفاق و عدم الضرر يتحقق بجعل إمضاء البيع و فسخه في يد البائع،بل ان بطلان

ص:201

البيع يتنافى مع الإرفاق،إذ من الجائز ان تكون مصلحة البائع في الإمضاء،و لو مع تأجيل الثمن،و لهذا و غيره فهم الفقهاء من النفي في قول الإمام عليه السّلام نفي اللزوم،لا نفي الصحة.

و قد اتضح من الدليل و الشروط أن هذا الخيار مختص بالبيع فقط،دون سائر العقود.

موجبات السقوط:

يسقط هذا الخيار بأمور:

1-أجمع الفقهاء ان هذا الخيار يسقط بإسقاط البائع له بعد مضي الأيام

الثلاثة

،و اختلفوا إذا أسقطه بعد العقد،و قبل مضي الثلاثة،فمنهم من قال:لا يصح،لأنه إسقاط لما لم يجب،إذ المفروض ان الخيار يثبت بعد الثلاثة لا قبلها، و منهم من قال:بل يصح،و هو الحق،لأن السبب لثبوت هذا الخيار بعد الثلاثة هو العقد الموجود بالفعل،فلا يكون إسقاطا لما لم يجب،بل لما وجب بوجود سببه.

2-ان يشترط المشتري على البائع إسقاط هذا الخيار في متن العقد

.

و لا مانع من ذلك ما دام ممكنا عقلا،غير منهي عنه شرعا،و أي مانع أن ينشئ الإنسان-الآن-سقوط حقه الذي سيوجد حتما بعد ثلاثة أيّام أو أقل أو أكثر،مع العلم بأن السبب متحقق و موجود بالفعل،و سبق في فصل«شروط العقد»أنّه لا دليل على بطلان مثل هذا التعليق.

3-إذا قبض البائع الثمن من المشتري بعد الثلاثة سقط خياره

،لأن الأخذ منه إمضاء فعلي للبيع،تماما كما لو قال شخص آخر:اشتريت منك هذا المتاع

ص:202

بكذا،و أعطاه الثمن،فأخذه منه صاحب المتاع.

أمّا قول من قال:انما يكون الأخذ إمضاء للبيع إذا حصل منه العلم أو الظن بالرضا،و إلاّ فلا أثر للأخذ-أمّا هذا القول فأجاب عنه الشيخ الأنصاري بقوله:

الأقوى عدم اعتبار الظن الشخصي في دلالة التصرفات على الرضا،كما هو الشأن في سقوط خيار الحيوان و غيره بالتصرف،و سبق ذلك مفصلا.

ما يسرع إليه الفساد:

التحديد بالأيام الثلاثة انما هو للمبيع الذي لا يسرع إليه الفساد،كالعقار و الثوب و الحيوان،أمّا الذي يسرع إليه الفساد،كالخضار و الفواكه،و اللبن و اللحم،و ما إليه فيثبت الخيار فيه للبائع في الزمان الذي يكون التأخير عنه ضررا عليه،لأن الغرض من هذا الخيار هو تلافي الضرر.و قد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يشتري الشيء الذي يفسد من يومه،و يتركه،حتى يأتي بالثمن؟قال:

ان جاء فيما بينه و بين الليل،و إلاّ فلا بيع له.

و الانتظار إلى الليل،أو يوما كاملا ليس بشرط في كل ما يسرع إليه الفساد، و ان كان ظاهر الرواية ذلك،لأن من الأشياء ما يسرع إليه الفساد في نصف يوم،أو دونه،فينبغي-اذن-تحديد الانتظار بالوقت الذي يخشى فيه الفساد،بحيث إذا تأخر عنه فسد المبيع،و تضرر البائع،فينتظر ساعة فقط فيما لا ينبغي الانتظار فيه أكثر من ذلك،و ساعتين إذا اقتضى الأمر الصبر ساعتين،و هكذا.أمّا النص الذي دل بظاهره على الانتظار إلى الليل فمنزل على ما يفسده،أو ينقص من ثمنه المبيت و البقاء إلى اليوم التالي،كالخضار و الفواكه و اللحم،لأن هذه و ما إليها مما يفسده المبيت هي السلعة الغالبة فيحمل النص عليها.

ص:203

هذا ما قاله الفقهاء أيام زمان،و قد كان ملائما لظروفهم و عاداتهم،و علينا نحن اليوم أن نفتي بما يتفق مع أهل هذا العصر،و عاداتهم إذا لم تحلل حراما، و لم تحرم حلالا.

تلف المبيع:

إذا تم البيع،و لم يدفع المشتري الثمن،و لا قبض المبيع،ثم هلك في يد البائع،فهل يهلك من مال المشتري،أو من مال البائع؟ لقد اتفق الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر و المسالك ان المبيع إذا تلف بعد الأيام الثلاثة ذهب من مال البائع،و اختلفوا إذا هلك في أثنائها،و قبل مضيها، فذهب المشهور إلى أنّه من مال البائع أيضا،و قيل:بل من مال المشتري.

و قبل أن نذكر الدليل على الحق الذي ذهب إليه المشهور نمهد بالإشارة إلى قواعد ثلاث:

القاعدة الأولى:«كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه».و أصل هذه القاعدة حديث نبوي مشهور.

القاعدة الثانية:و أصلها حديث نبوي مشهور أيضا،و هي:«الخراج بالضمان»أي أن من له ثمرة الشيء و نتيجته فعليه ضمانه و خسارته،فاستحقاق الثمرة في مقابل تحمل الخسارة.

القاعدة الثالثة:«تلف المبيع بعد قبضه من مال من لا خيار له».و أصل هذه القاعدة الإجماع على ما قيل.

و إذا قارنا بين القاعدة الثالثة،و بين القاعدة الأولى ظهر لأول وهلة وجود التنافي بين القاعدتين إذا أردنا تطبيقهما على ما نحن فيه،لأن الأولى تستدعي أن

ص:204

يكون تلف المبيع بعد الثلاثة من مال البائع،لا من مال المشتري،سواء أ كان هناك خيار لأحدهما،أو لهما،أو لا خيار من الأساس،و القاعدة الثالثة تستدعي أن يكون التلف بعد الثلاثة من مال المشتري،لا من مال البائع،لأنها تقول:ان تلف المبيع فهو من مال من لا خيار له،سواء أ كان بائعا أو مشتريا،و معلوم أن الذي لا خيار له في مسألتنا هو المشتري،أمّا البائع فله الخيار،و عليه ينبغي أن يكون التلف من مال المشتري،لا من مال البائع.

و لكن بالنظر و الرؤية يرتفع هذا التنافي،و ذلك أن القاعدة الأولى مختصة بغير المقبوض،و الثالثة مختصة بالمقبوض،فأين المنافاة؟هذا،إلى أن الثالثة لا تشمل جميع افراد الخيار،بل هي مختصة بخيار المجلس و الشرط و الحيوان، عند الشيخ الأنصاري،و يأتي الكلام و التحقيق في فصل أحكام الخيار.

و إذا قارنا بين القاعدة الاولى،و هي كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه،و القاعدة الثانية،و هي الخراج بالضمان-بدا لأول وهلة التنافي بين القاعدتين،لأن الثانية تقول:من كانت له ثمرة الشيء فعليه ضمانه،سواء أ كان مقبوضا في يده أو لم يكن مقبوضا،و على هذا يكون تلف المبيع قبل قبض المشتري من ماله،لا من مال البائع،لأن خراجه للمشتري،لا للبائع،و الأولى تقول:ان تلف المبيع قبل قبضه من مال البائع،لا من مال المشتري،حتى و لو كان الخراج له،و هذا هو التنافي بعينه.

و لكن لما كانت الأولى مختصة بالتلف قبل القبض،و الثانية تعم التلف قبل القبض و بعده،و الخاص مقدم على العام ترتفع المنافاة،و لا يبقى لها من أثر، و تكون نتيجة الجمع بين القاعدتين،و عطف أحدهما على الأخرى هكذا:

الخراج بالضمان إلاّ إذا تلف المبيع الذي خراجه للمشتري،و هو ما زال في يد

ص:205

البائع فإنه يتلف و الحال هذي،من مال البائع،لا من مال المشتري.

فتحصل مما قدمنا أن المبيع إذا تلف في الأيام الثلاثة،أو بعدها يكون التلف من مال البائع،للقاعدة السالمة عن كل معاوض،و الدالة بنحو الشمول و العموم على أن كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه سواء أ كان هناك خيار، أو لم يكن،و سواء أتلف المبيع في زمن الخيار،أو قبله أو بعده،و سواء أ كان الخيار للبائع أو للمشتري.

و مما يدل على أن التلف من مال البائع قبل القبض ما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه سئل عن رجل اشترى من آخر متاعا،و أوجبه له،غير أنّه ترك المتاع عنده،و لم يقبضه،و قال:آتيك غدا إن شاء اللّه تعالى،فسرق المتاع،من مال من يكون؟قال الإمام:من مال الذي هو في بيته،حتى يقبض المتاع، و يخرجه من بيته.

ص:206

خيار الرؤية
العين الغائية:

سبق في فصل شروط العوضين أنّه لا بد من معرفة الثمن و المثمن،و ان الطريق إلى معرفتهما قد تكون المشاهدة الحالية،و قد تكون المشاهدة السابقة، و قد يكون الوصف.

و خيار الرؤية يتصل اتصالا وثيقا بهذا الشرط،لأن محله الشيء الخارجي الذي يشتريه المتعاقد،أو بيعه على الوصف دون الرؤية،و لدى التسليم و التسلم ينظر و يقارن بين الوصف و الموصوف،فان حصل التطابق لزم البيع،و لا خيار، و ان كان المعقود عليه دون الوصف ثبت الخيار للمشتري،و ان زاد عن الوصف كان الخيار للبائع،كمن باع ماله الغائب على ما وصف له،أو باع ماله الحاضر بمال غائب،و بهذا يتضح أن خيار الرؤية يشمل البائع و المشتري.

و تسأل:لما ذا سمي هذا الخيار بخيار الرؤية،مع العلم بأن الرؤية لم تحصل قبل التعاقد،كما هو المفروض،فكان الأليق أن يسمى خيار تخلف الوصف.

الجواب:لما كان المفروض أن رؤية المبيع بعد التعاقد على غير الوصف هي السبب لهذا الخيار سمي باسمها،و جاءت التسمية في محلها.

ص:207

التجارة و هذا الخيار:

و خيار الرؤية أكثر اتصالا من سائر الخيارات بالتجارة بخاصته الواسعة منها،حيث يضع التجار الكبار نماذج للاثواب المشدودة في رزماتها،و للفاكهة في صناديقها،و السكر و الحبوب في أكياسها،و السمن و الزيت،و سائر الدهون في ظروفها،ثم يقع البيع و الشراء قياسا على صفة النماذج المعروضة،لأن فتح الجميع،و مشاهدة أجزائها بكاملها صعب عسير،و ربما أضر بصاحب السلعة.

و البيع على هذا الوجه صحيح،و للمشتري الفسخ إذا تخلف الوصف عن صفة المثال و الأنموذج.

شرطان:

يعتبر في هذا الخيار شرطان:

1-أن يكون محل العقد عينا موجودة في الخارج بالفعل

،بحيث يمكن رؤيتها و الإشارة إليها حين العقد،و لكنها غائبة عن محلها،كأن يقول البائع للمشتري:بعتك داري الموجودة في بلد كذا،و التي صفتها كذا،فيكون المبيع هذا الدار بالذات،أمّا الصفات فمن توابع المبيع و عوارضه،و بتخلفها عنه يوجد سبب الخيار،أمّا لو باعه كليا موصوفا في الذمة فلا يكون محلا لهذا الخيار:

أولا:لتعذر رؤيته و الإشارة إليه.

ثانيا:للفرق بين وصف المبيع الموجود في الخارج،و بين وصف المبيع الموجود في الذمة،فإن الوصف الأول من عوارض المبيع،لا من مقوماته، و الوصف الثاني من مقوماته،لا من عوارضه.و تظهر نتيجة الفرق بينهما حين الوفاء بالعقد،حيث يصح البيع مع الخيار في المبيع الموجود خارجا،و يلزم

ص:208

البائع-في المبيع بالذمة-بإبدال العين بما يحقق الوفاء بالعقد.

2-ان يذكر العين المبيعة بلفظ يدل بوضوح و صراحة على جنسها

و صفاتها

التي تختلف فيها الرغبات،بحيث يقوم الوصف مقام الرؤية و المشاهدة،و ترتفع به الجهالة الموجبة للغرر،و إذا انتفى الوصف الرافع لهذه الجهالة بطل البيع من أساسه،لمكان الغرر،كما تقدم في فصل شروط العوضين.

ثم ان المعيار لتطابق الوصف مع المبيع الموجب لسقوط الخيار،و عدم هذا التطابق الموجب لثبوت الخيار،ان المعيار هو فهم العرف،و لا ضابط سواه.

الرؤية السابقة:

إذا شاهد المشتري عينا في زمن سابق على العقد،أو شاهد البائع العين التي يملكها،ثم غاب عنها أمدا،فباع المالك،أو اشترى المشتري اعتمادا على الرؤية السابقة،إذا كان كذلك يبطل البيع و الشراء ان اقتضت العادة تغير المبيع في الأمد المتخلل بين الرؤية و العقد،و لا يصح إلاّ بذكر الصفات من جديد،بحيث يكون من صغريات خيار الرؤية،و ان اقتضت العادة بقاء الصفات صح البيع و الشراء،فإن انكشف البقاء على ما كان،و عدم التغير لزم العقد،و لا خيار،و إلاّ تخير البائع ان زادت الصفات في مالية المبيع،و تخير المشتري ان نقصت،قال صاحب الحدائق في المجلد الخامس فصل خيار الرؤية:

«لو اشترى برؤية قديمة تخير أيضا-أي كما يتخير عند تخلف الوصف- لو ظهر بخلاف ما رآه،و كذا من طرف البائع إلاّ أن هذا ليس من افراد هذا الخيار الذي هو محل البحث،لأنه مقصور على ما لم ير،حيث اشترط فيه الوصف عوضا عن الرؤية،و لا يشترط وصف ما سبقت رؤيته،و انما يباع و يشترى

ص:209

بالرؤية السابقة،غاية الأمر أنّه إذا ظهر خلاف ذلك،لطول المدة،أو عروض عارض،أو نحو ذلك تخير بائعا كان أو مشتريا».

لا أرش:

ذهب المشهور بشهادة الشيخ الأنصاري إلى أن الخيار-هنا-انما هو بين الرد و الإمساك مجانا،كما هو الشأن في خيار الغبن،فلا يحق للمشتري أن يمسك المبيع مع المطالبة بالأرش-أي عوض الصفة الفائتة-بل امّا أن يرد،و امّا أن يمسك بالثمن المسمى،و ليس للبائع-ان زادت الصفة-أن يبذل العين،مع المطالبة بعوض الصفة الزائدة،بل امّا أن يفسخ البيع،و امّا أن يسلم المبيع بالثمن المسمى.و رد الشيخ الأنصاري على من قال بالتخيير بين الرد و الإمساك بالأرش، رد بقوله:«لا دليل على الأرش».

الدليل:

من الخطأ التدليل على هذا الخيار بالغرر،لأن الغرر ما دخل عقدا إلاّ نقضه من أساسه بيعا كان أو غير بيع،و من هنا يصح أن نقول:الغرر مبطل للعقد، و الضرر موجب للخيار مع صحة العقد،و الأدلة على هذا الخيار ثلاثة:

الأول:أن الإلزام بالتعاقد،مع تخلف الوصف ضرر

،و لا ضرر و لا ضرار في الإسلام.

و قد يلاحظ بأن الضرر يرتفع بأخذ الأرش،و لكن الأرش لا دليل عليه كما قال الشيخ الأنصاري،فيتلافى الضرر بالفسخ و جواز الرد.

الثاني:أن الصفات التي ابتنى عليها العقد بمثابة الشرط

الذي أخذ في

ص:210

ضمن العقد،و ما من شك أن تخلف الشرط موجب للخيار.

أمّا قول من قال بأن لا عبرة بالشرط إذا لم يذكر في متن العقد فجوابه ان الغاية الأولى من ذكر الشرط في متن العقد هو التعبير عن التراضي،و ارادة المتعاقدين،و بديهة أن التعبير السابق الذي ابتنى عليه العقد،تماما كالتعبير في متن العقد عند أهل العرف،دون ادنى تفاوت.

الثالث:أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل اشترى ضيعة كان يدخلها،

و يخرج منها

،و لما نقد المال،و صار إلى الضيعة،و قلّبها رجع و استقال صاحبه، فلم يقله؟قال الإمام عليه السّلام:لو أنّه قلّب منها،و نظر إلى 99 قطعة،ثم بقي منها قطعة لكان له في ذلك الخيار.

و الرواية هذه،و ان كان موردها المشتري غير انّها على اليقين أن سبب الخيار هو تخلف الوصف عن الموصوف،فيعم المشتري و البائع.

الخيار مضيق لا موسع:

يثبت هذا الخيار على الفور عند المشهور،أي أنّه موقت بزمن الرؤية،فإذا انكشف للمتعاقد الخلاف عند الرؤية،و تمكن من الفسخ،و لم يفسخ بطل خياره،تماما كما هو الشأن في خيار الغبن،و التأخير،و الدليل هو الدليل.

سائر العقود:

لا يختص هذا الخيار بالبيع،بل يثبت في كل عقد يقبل الفسخ و التقايل، على شريطة أن يقع على عين خارجية يمكن الإشارة إليها،و لكنها غائبة و موصوفة بما يرفع الجهالة و الالتباس،كما تقدم،فلا يثبت خيار الرؤية في

ص:211

الزواج،لأنه لا يقبل الفسخ،و لا في الصلح على ما في الذمة،و يثبت في الإجارة، و الصلح على عين خارجية.

و خلاصة الدليل على ثبوت هذا الخيار في غير البيع أن السبب الموجب له في البيع متحقق بذاته في غير البيع،و أعني به تخلف الوصف الذي هو بمثابة الشرط في متن العقد.

المطابقة للبعض:

إذا اشترى على الوصف عددا معينا من أكياس الحنطة و السكر،أو صناديق الفاكهة،و ما إلى ذلك،و لدى التسليم و التسلّم رأي بعضها على الوصف،و بعضها على غيره،إذا كان الأمر كذلك تخير بين إمضاء البيع في الجميع،و بين الفسخ في الجميع،و ليس له الاقتصار على الإمضاء في المطابق،و الفسخ في المخالف،لأن الصفقة واحدة و تبعيضها ضرر على البائع.

موجبات السقوط:

يسقط هذا الخيار بأمور:

1-إذا رأى المشتري العين التي اشتراها

،أو رأى البائع العين التي باعها كذلك،و رضي بالتعاقد و إمضائه،مع تخلف الوصف عن الموصوف،إذا كان كذلك سقط حقه في الخيار،و ليس له بعد الرضا العدول و الفسخ.

2-إذا تصرف بالعين تصرفا دالا على الرضا

،بحيث يعد التصرف إمضاء فعليا في نظر العرف يسقط الخيار دون فرق بين أن يكون التصرف بعد الرؤية،أو قبلها،كما لو باع المشتري،أو وقف العين التي اشتراها على الوصف قبل أن

ص:212

يراها.

3-يسقط بإسقاطه بعد العقد،و قبل الرؤية

،لأن الخيار حق ثابت بالعقد، و من حينه،لا بالرؤية و من حينها،و لكل ذي حق أن يسقط حقه،أجل،أن الرؤية كاشفة عن وجود الخيار،و ليست سببا،و لا شرطا لثبوته،و سبق البيان في خيار الغبن.

4-هل يسقط هذا الخيار باشتراط سقوطه في متن العقد؟

قيل:إذا اشترط ذلك في متن العقد فسد الشرط،و أفسد العقد،و اختاره الشيخ الأنصاري.

و قيل:بل يصح الشرط و العقد معا،و هو الحق،لعموم:«المؤمنون عند شروطهم»،إذ لا مانع من هذا الشرط،لأن سبب الخيار هو العقد،و العقد موجود، فلا يكون إسقاطا لما لم يجب،بل لما وجب بوجوب سببه.

أمّا استدلال الشيخ الأنصاري على الفساد و الإفساد بأن تخلف الوصف موجب لثبوت الخيار،و اشتراط سقوط الخيار معناه عدم ثبوت الخيار،و هو عين التنافي و التناقض فيرده أولا بأنّه لو تم لما صح الاسقاط إطلاقا،حتى بعد الرؤية.

ثانيا أن تخلف الوصف انما يوجب الخيار إذا تجرد العقد عن اشتراط سقوطه،أمّا معه فلا يكون موجبا له،فأين التنافي و التناقض؟.

ص:213

ص:214

خيار العيب
أصل السلامة:

كل فقيه تعرض لخيار العيب قال:إطلاق العقد يقتضي سلامة العين،لأن الأصل في المبيع من الأعيان أن يكون سالما من العيوب.و ما من عاقل يقدم على بذل ماله في مقام التعاقد المجرد عن القيد إلاّ بهذا القصد،قال الشيخ الأنصاري:

«إنما يترك الناس اشتراط السلامة في متن العقد اعتمادا على هذا الأصل».و قال غيره:إذا افترض أن شخصا اشترط السلامة في متن العقد فان شرطه هذا يكون توضيحا للمعنى الذي اقتضاه العقد،لا تأسيا لمعنى جديد.

اذن،اقتضاء العقد للسلامة ضابط كلي يصح الاعتماد عليه لإثبات أن الاتفاق بين المتعاقدين وقع على السليم دون المعيب إذا شككنا في ذلك، و لا بينة.

معنى العيب:

الغبن،و تخلف الوصف عن الموصوف،و التدليس،و العيب الموجب للخيار،كل أولاء،و ما إليها لا ترد معرفتها إلى الشارع،لأنها ليست من الحقائق الشرعية في شيء،و انما هي موضوعات خارجية يرجع في تحديد معانيها و المفهوم منها إلى العرف،و إذا تعرض لها الشارع أحيانا فإنما يتعرض لها إرشادا إلى ما عليه العرف،و إذا بحثنا نحن عنها في كلماته فإنما نبحث عنها طلبا لهذا

ص:215

الإرشاد،و هذه الهداية،لأنه أكمل أهل العرف و أعلمهم.أمّا الرجوع إلى أقوال الفقهاء،فإنه لا يجدي نفعا في معرفة معاني الأسماء،بل قد يحدث الرجوع إليهم ردة فهم،و يوقع في التشويش و الاضطراب،لأنهم أقل الناس معرفة للناس، و أذواقهم و عادتهم.فعلى الفقهاء أنفسهم أن يرجعوا في فهم معاني الأسماء إلى العرف،و لا يرجع أحد إليهم في ذلك،فإنهم منذ عهد الطفولة إلى عهد الشيخوخة غارقين إلى الآذان في الكتب و حل الطلاسم،و حفظ المتون و الشروح،و النظريات و الإشكالات،فمن التعليلات النحوية إلى القياسات المنطقية،إلى الاحتمالات الأصولية،و لا يصل أحدهم إلى الفقه-في الغالب-إلاّ و قد استحال ذهنه و عقله إلى كتلة من التوجيهات و التأويلات،و التشكيك و التردد و إلاّ في قوله يحتمل و يحتمل«و إذا طرأ الاحتمال بطل الاستدلال».و هذا هو السر في توقفهم و عدم جزمهم في أكثر الفتاوي،أو الكثير منها،و تكرار لفظ الأحوط و الأولى،حتى في الرسائل و أجوبة المسائل.

فالمعيار الوحيد-اذن-للعيب الموجب للخيار هو أن يرى العرف أن إلزام المتملك بالعين المعيبة قهرا عنه يستدعي إلحاق الضرر به ضررا لا يتسامح بمثله عادة.أمّا رواية الإمام الباقر أبي الإمام الصادق عليهما السّلام عن آبائه عن جده الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:كل ما كان في أصل الخلقة،فزاد أو نقص فهو عيب،أمّا هذا الحديث الشريف،و ما إليه فهو إرشاد إلى المعنى العرفي في ذاك العهد، و ليس تحديدا للمعنى الشرعي الثابت إلى يوم القيامة.هذا،إلى أن الحديث خاص في الطبيعيات،و لا يشمل الأشياء الصناعية التي هي محل البلوى أكثر من غيرها،بخاصة في هذا العصر.

و بالتالي،فان العيب الذي يختلف باختلاف الأعيان لا ضابط له إلاّ فهم

ص:216

العرف الذي يختلف ايضا باختلاف الأزمان و البلدان،و إثبات غير هذا الضابط دونه أكثر من محال.

شرطان:

يشترط لثبوت هذا الخيار شرطان

الأول أن يكون العيب موجودا في

العين قبل قبضها

،سواء أحدث قبل العقد،أو قبل القبض و بعد العقد،لأن حكم العيب الحادث قبل القبض تماما كحكم الحادث قبل العقد،فإذا حدث العيب عند المتملك،و بعد أن قبض العين فلا خيار.

الثاني:أن لا يقدم على التعاقد

،و هو على علم بالعيب،فإذا أقدم مع علمه هذا فلا خيار.

و متى توافر هذان الشرطان تخير المتملك بين رد العين،و بين إمساكها بالأرش،و خيار العيب هو الوحيد من بين الخيارات التي يثبت فيه الأرش.

الدليل:

ان أدلة الخيارات واحدة،أو متشابهة،لأن المناط فيها،أو في أكثرها واحد،و من هنا استدلوا على هذا الخيار بالأدلة على غيره،و هي:

1-ان الإلزام بالمبيع المعيب ضرر

،و لا ضرر و لا ضرار في الإسلام.

2-ان العقد يقتضي السلامة

،لأنه عقد معاوضة،و المعاوضة مبناها على المساواة عادة،و على هذا تكون سلامة المبيع شرطا ضمنيا في العقد،بحيث لو اشترط الصحة في متن العقد لما أفاد هذا الشرط سوى التأكيد و التوضيح،كما تقدم،و بديهة أن الشرط الضمني يجب الوفاء به،تماما كما يجب الوفاء بالشرط

ص:217

الصريح.

جاء في مفتاح الكرامة:«قال جماعة:ان اشتراط الصحة مجرد تأكيد،لأن إطلاق العقد يقتضي السلامة،لأن الأصل في المبيع من الأعيان السلامة من العيوب،فإذا أقدم المشتري على بذل ماله في مقابل فإنما بنى إقدامه على غالب ظنه المستند إلى أصل السلامة،فإذا وجد عيب سابق على العقد وجب أن يتمكن من التدارك،و ذلك بثبوت الخيار».

3-النص

،و منه قوله تعالى لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ .

و قول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفس.

و من غشنا ليس منا.و لا يحل لمسلم أن يبيع سلعة من السلع،و هو يعلم أن فيها عيبا قل،أو كثر،حتى يبين ذلك لمبتاعه،و يقفه عليه وقفا يكون علمه به كعلمه، فان لم يفعل ذلك،و كتمه العيب،و غشه لم يزل في مقت اللّه،و لعنة ملائكته.

و سبقت الإشارة إلى أن مثل هذه النصوص لا تدل على ثبوت الخيار،و ان أقصى ما تدل عليه أن الغش محرم،تماما كالكذب و الغيبة و الرياء،أجل،لقد جاء عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه أجاز للمشتري أن يرد عبدا من عيب وجده فيه،و أيضا أجاز لمن اشترى شاة مصراة أن يردها مع صاع من تمر.و معنى تصرية الشاة أن يترك الحليب في ضرعها أمدا،حتى يكثر،فيرغب الجاهل بحالها في الشراء بزيادة.

و روي عن الإمام عليه السّلام أنّه قال:ان خرج في السلعة عيب،و علم المشتري، فالخيار إليه،ان شاء رد،و ان شاء أخذ،و رد بالقيمة أرش المعيب.

قال صاحب الحدائق:هذه الرواية هي المستند في ذلك لكلام المتقدمين، و تبعهم جملة من المتأخرين.

ص:218

و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل يشتري الثوب،أو المتاع،فيجد فيه عيبا؟قال:ان كان الثوب قائما بعينه رده على صاحبه،و أخذ الثمن،و ان كان الثوب قد قطع،أو خيط،أو صبغ رجع بنقصان العيب.

4-الإجماع

.و ما رأيت فقيها تردد في ثبوت هذا الإجماع،حتى الشيخ الأنصاري المعروف بالتشديد،و كثرة التحفظ قال:«ظهور العيب في المبيع يوجب تسلط المشتري على الرد،و أخذ الأرش بلا خلاف».و قال صاحب الجواهر:«الخيار بين فسخ العقد،و أخذ الأرش عليه الإجماع المحصل و المحكي المستفيض صريحا و ظاهرا،و هو الحجة».

و إذا عطفنا الإجماع على النص السابق،حصل لنا الاطمئنان الكافي الوافي بثبوت خيار العيب بين الرد،و الإمساك بالأرش.

حكم الأرش:

معنى الأرش في اللغة الدية،و هذا المعنى هو الأصل لقول الفقهاء:الأرش هو المال المأخوذ عوضا عن نقص مضمون ماديا،فمن اشترى شيئا،فوجده غير تام،و أخذ عوض النقص الفائت فهذا العوض يسمى أرشا.

و قد اتفق الفقهاء-كما قلنا-أن من اشترى شيئا،و وجد فيه عيبا فهو مخير بين رده إلى البائع و استرجاع الثمن،و بين إمساكه و المطالبة بالأرش،و اختلفوا فيما بينهم:هل الأرش على وفق الأصل بحيث يصح القول به،حتى و لو لم يكن إجماع،أو هو على خلاف الأصل،و انما خرجنا عن الأصل لمكان الإجماع الحاكم على الأصول و القواعد؟ و قد حاول بعض الفقهاء ان يجعل الأرش على وفق الأصل بهذا التقريب

ص:219

ان الوصف الفائت بمنزلة الجزء من المبيع،و الجزء الفائت له عوض يقابله، فكذلك الوصف إذا فات.

و يلاحظ أولا:أن الجزء شيء،و الوصف شيء آخر،و بتعبير الشيخ الأنصاري«ان تنزيل الوصف منزلة الجزء لا دليل عليه عرفا و لا شرعا».

ثانيا:ان هذا لو تم لثبت الأرش في كل وصف تخلف عن المبيع،حتى في خيار الرؤية،و لا قائل بذلك.

و الحق أن الأرش على خلاف الأصل إذا أمكن رد العين،و لو لا الإجماع لما صح القول به،و ذلك أن البائع لم يرض بانتقال العين عن ملكه إلاّ بالثمن المسمى،فإلزامه قهرا عنه بما دون الثمن الذي رضي به ضرر و تحكم،كما أن إلزام المشتري قهرا عنه بالمعيب ضرر و تحكم.و ليس من شك أن ضرر المشتري يرتفع برد المبيع،و إرجاع كل شيء إلى أصله،كما هو الشأن في سائر الخيارات التي أثبتوها بقاعدة لا ضرر،و حكموا فيها بجواز الرد،لا بأخذ الأرش.

هذا،إلى أن جعل خيار الأرش للمشتري ليس بأولى من جعله للبائع، بحيث إذا أراد المشتري الرد بالعيب ألزمه البائع بالإمساك مع التعويض عليه، و كما يرتفع الضرر عن المشتري إذا خيرناه بين الرد و بين الإمساك بالأرش يرتفع أيضا إذا خيرنا البائع بين أن يرد الثمن و يسترجع المثمن،و بين أن يدفع عوض العيب و النقص.

و الناس،كل الناس،يرون البائع منصفا أو محقا إذا قال للمشتري:لا أرد عليك قرشا واحدا من الثمن،بل ادع لك الخيار بين أن تقبل المبيع على عيوبه و علاته دون تعويض،و بين أن ترده،و تأخذ ما دفعته كاملا غير منقوص.

أجل،إذا تعذر رد المبيع إلى البائع جازت المطالبة بالأرش،إذ لا وسيلة

ص:220

لرفع الضرر إلاّ به،و مثال ذلك أن يشتري الطعام فيأكله،أو الثوب فيخيطه،ثم يعلم بالعيب،فهنا يمتنع الرد فيتلافى الضرر بالأرش،و من هنا قال الشيخ الطوسي و السيد اليزدي بالخيار بين الرد و الإمساك مجانا مع إمكان الرد،كسائر الخيارات،و إذا تعذر الرد جازت المطالبة بالأرش.

و لهذا القول وجه وجيه لو لا الإجماع على أخذ الأرش مع التمكن من الرد، و به خرجنا عن الأصل.

حساب الأرش:

إذا اختار المشتري إمساك المعيب بالأرش،فيحسب الأرش هكذا:يقوم المبيع صحيحا،ثم يقوم معيبا،و ينظر إلى النسبة بين القيمتين،و يدفع البائع للمشتري عوضا عن الوصف الفائت مبلغا يعادل النسبة بين قيمة الصحيح، و قيمة المعيب،مع صرف النظر عن القيمة السوقية للوصف الفائت،فإذا كانت قيمة المبيع صحيحا مائة،و قيمته معيبا ثمانين تكون نسبة التفاوت الخمس، فيرجع المشتري بخمس الثمن المسمى،فإن كان هذا الثمن مساويا للقيمة السوقية رجع عليه بعشرين،و ان كان أقل كما لو اشترى المبيع بخمسين رجع عليه بعشرة،و ان كان أكثر كما لو اشترى بمئة و خمسين رجع بثلاثين،فليس المعيار لتقدير الأرش القيمة الحقيقية للوصف الفائت بالغة ما بلغت،و انما المعيار هو النسبة إلى الثمن المسمى،لأن كلا من المتعاقدين أقدم على التعاقد بالثمن المسمى،و التزم به،لا بالقيمة السوقية،و معنى هذا أن البائع قد تعهد للمشتري تعهدا ضمنيا بأنه إذا تخلف وصف الصحة عوّض قيمة الفائت التي تتفق مع الثمن المسمى،لا مع القيمة السوقية،لأن هذه قد تحيط بالثمن

ص:221

المسمى،أو تزيد عليه،كما إذا اشترى بعشرة،و كان قيمة الفائت تساوي عشرين،فلو أجزنا للمشتري أن يرجع بالعشرين للزم أن يجمع بين العوض و المعوض مع زيادة عشرة.

اختلاف الخبراء:

إذا اختلف الخبراء في تقويم المبيع،فقومه أحدهم بعشرة صحيحا، و ثمانية معيبا،و قومه الآخر صحيحا باثني عشر دينارا،و معيبا بعشرة أخذنا النصف من كل من القيمتين للصحيح،و النصف من القيمتين للمعيب،فتكون القيمة الصحيحة أحد عشر،و المعيبة عشرة،و ان كان المقومون ثلاثة أخذنا الثلث،أو أربعة الربع،و هكذا.قال الشيخ الأنصاري«هذا هو الأقوى،و عليه معظم الفقهاء»لأن العمل بقول خبير دون خبير ترجيح بلا مرجح،و العمل بالكل متعذر،و طرح الجميع لا يحل المشكلة،فتعين العمل بالبعض من كل قول.

تبعيض الصفقة:

اتفق الفقهاء كلمة واحدة بشهادة صاحب الجواهر،و صاحب مفتاح الكرامة على أن من اشترى شيئين صفقة واحدة،و بثمن واحد،ثم وجد أحدهما صحيحا،و الآخر معيبا تخير المشتري بين أن يردهما معا،أو يمسكهما معا، و يطالب بالأرش بدلا عن الوصف الفائت في العين،و ليس له أن يمسك الصحيح،و يرد المعيب.

و لو تبين أن أحد الشيئين مملوك لغير البائع تخير المشتري أيضا بين فسخ البيع،و استرجاع الثمن،و بين أن يمسك الشيء الذي يملكه البائع بقسطه من

ص:222

الثمن،و يسمى هذا بخيار تبعيض الصفقة،و بتفريق الصفقة،و كذا لو كان المبيع شيئا واحدا،و ظهر بعضه لغير البائع،فإن المشتري بالخيار بين الفسخ من الأساس،و بين إمساك حصة البائع.

الخيار للمشتري و البائع:

يثبت هذا الخيار للبائع إذا ظهر العيب في الثمن،تماما كما يثبت للمشتري،فمن باع بقرته بفرس غيره،و بعد أن قبضها وجد فيها عيبا تخير بين رد الفرس،و بين إمساكه بالأرش،قال الشيخ الأنصاري:«لا فرق في الخيار بين الثمن و المثمن،و الظاهر أنّه مما لا خلاف فيه،و ان كان مورد الروايات-أي التي جاءت عن أهل البيت عليهم السّلام-ظهوره في المبيع،لأن الغالب كون الثمن نقدا غالبا، و المثمن متاعا،فيكثر فيه العيب بخلاف النقد».

بقية العقود:

هل تختص المطالبة بالأرش بالبائع و المشتري فقط مع وجود العيب، بحيث لا يثبت الأرش إطلاقا في غير البيع من العقود،أو أنّه يثبت،و تجوز المطالبة به لكل من تملك عينا بعوض،و ثبت أنّها كانت معيبة قبل القبض،سواء أ كانت مهرا في عقد الزواج،أو عوضا في عقد الصلح،أو عقد الإجارة؟ و ليس من شك أن الأصل يقتضي عدم جواز المطالبة بالأرش،و عدم إلزام المملك به في جميع العقود من غير استثناء،و لو خرجنا عن هذا الأصل و قلنا بالأرش في عقد البيع لمكان الدليل،فينبغي عدم التعدي عنه اقتصارا على موضع اليقين،أجل،ان جواز الرد مع ظهور العيب ينبغي ثبوته في كل عقد دون استثناء،

ص:223

لقاعدة لا ضرر،و تخلف الشرط الضمني الذي هو بمثابة الشرط الصريح.هذا ما تستدعيه الأصول و القواعد،و لكن صاحب الجواهر قال:«ان المؤجر لو وجد عيبا في الأجرة فهو خير بين الرد،و الإمساك بالأرش بلا خلاف».و قال أيضا:«ان المرأة لو وجدت عيبا سابقا في المهر كان لها الرد بالعيب،و الرجوع إلى القيمة، و لها أيضا الإمساك بالأرش بلا خلاف».و على هذا يكون الأرش ثابتا في غير البيع.

مضيق أو موسع؟

نقل صاحب المسالك،و صاحب الحدائق،و صاحب مفتاح الكرامة إجماع الفقهاء على أن خيار العيب يثبت للمتملك على سبيل التراخي،لا على الفور، فمن علم بالعيب،و علم أيضا أن له الحق في الخيار،و مع ذلك لم يبادر إلى الفسخ،أو الإمساك بالأرش فورا فلا يسقط خياره،بل يبقى مهما طال الأمد.

و تسأل:لما ذا قال الفقهاء:خيار الغبن و التأخير و الرؤية على الفور لا على التراخي،و خيار العيب على التراخي،لا على الفور،مع العلم بأن المناط واحد في الجميع،و هو الذي بيناه هناك من أدلة لزوم العقد تستدعي الاقتصار على أقل ما يرتفع به الضرر،و يرتفع الضرر بالفور،فيجب الاقتصار عليه.

و الجواب:لست أرى وجها للفرق إلاّ النص الخاص بخيار العيب،و هو ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن رجلا اشترى عبدا،و بقي عنده ما شاء اللّه،ثم رده من عيب وجده فيه.

و قول الإمام الصادق عليه السّلام المتقدم في فقره«الدليل»من هذا الفصل:«ان كان الثوب قائما بعينه رده على صاحبه»حيث دل على ثبوت الخيار ما دامت العين

ص:224

قائمة،سواء أطال زمن قيامها،أو قصر،و سواء أعلم بالعيب،و حقه بالخيار،أو لم يعلم.

و من لا يرى العلم بهذا الحديث،و هذه الرواية يلزمه القول بالفور في خيار العيب،تماما كخيار الغبن و الرؤية و التأخير،و الغريب أن الشيخ الأنصاري قال في المكاسب:«ان القول بالفور لا يخلو من قوة»،و مع ذلك لم يشر من قريب أو بعيد إلى الحديث و الرواية.

و مهما يكن،فنحن مع القائلين بالتراخي في هذا الخيار،على شريطة أن لا يمتد التراخي إلى أمد يتضرر المملك من التأخير إذا اختار المتملك رد العين، أمّا إذا اختار إمساكها مع الأرش فله أن يتأخر ما شاء،حيث لا ضرر على المملك في ذلك.و دليلنا على التراخي هو عمل الفقهاء بالحديث و الرواية،و قد ذكرنا في مقدمة الجزء الأول من هذا الكتاب أنّا نقيس ثبوت النص باعتماد الفقهاء عليه، و عملهم به،لا بصدق الرواة،و الرجال الثقات.

التنازع في وجوب العيب:

إذا تم البيع،و استلم المشتري العين،و تصرف بها تصرفا مغيرا،أو تلفت في يده،بحيث يتعذر ملاحظتها،و التعرف على أنّها صحيحة أو معيبة،ثم اختلف البائع و المشتري في وجود العيب في المبيع،فقال المشتري:كان فيه عيب قديم،و عليك الأرش و التعويض.و قال البائع:كلا،لقد كان سليما من كل عيب،فمن هو المدعي؟و من هو المنكر؟ و لا بد من النظر و التفضيل:فان علمنا بالبينة أو بالإقرار أو بالعيان أن المبيع كان معيبا عند البائع،و ادعى زواله قبل القبض فنستصحب بقاء العيب،و يكون

ص:225

المدعي هو البائع،يكلف بالبينة على ذهاب العيب قبل القبض،و يكون المنكر هو المشتري تلزمه اليمين.

و ان علمنا أن المبيع كان سليما من العيوب،فنستصحب بقاء السلامة، و على المشتري البينة على حدوث العيب قبل القبض،فان عجز عنها حلف البائع،و ردت دعوى المشتري.

و كذا يكون البائع منكرا،و المشتري مدعيا ان كانت الحال السابقة مجهولة،لأن الأصل سلامة المبيع،حتى يثبت العكس،و هذا الأصل يثبت الموضوع في الخارج من حيث ترتبت الآثار الشرعية،تماما كما يثبت بالإقرار و البينة و العيان،و لو صرفنا النظر عن هذا الأصل الموضوعي لكان الأصل الحكمي كافيا وافيا لاعتبار المشتري مدعيا،و أعني بالأصل الحكمي-هنا-هو الذي ينفي الخيار،و يثبت براءة ذمة البائع من الأرش،إذ الأصل عدم الخيار،و براءة الذمة.

التنازع في تقدم العيب:

إذا كان العيب موجودا بالفعل،و ظاهرا للعيان،و قال المشتري:حدث هذا العيب عند البائع.و قال البائع:بل حدث عند المشتري،فمن المدعي؟و من المنكر؟ و لا بد أن ينظر:فان شهدت الحال شهادة تفيد القطع و الجزم بان العيب قديم،و لا يمكن أن يحدث عند المشتري،كمن اشترى دارا،ثم تبين أنّها قائمة على غير أساسها المعتاد،ان كان كذلك ترد دعوى البائع،و يحكم للمشتري بحق الخيار من غير يمين.

و ان شهدت الحال شهادة قطعية بأن العيب حادث و ابن يومه،و لا يمكن

ص:226

بحال أن يكون حادثا قبل القبض،كالجرح في الدابة الذي لا يزال طريا،ان كان كذلك يرد قول المشتري من غير أن يحلف البائع،لأن اليمين انما نحتاج إليها مع عدم العلم بالواقع،و الواقع هنا معلوم فلا داعي لليمين.

و ان كان من العيوب التي يمكن حدوثها عند البائع،و عند المشتري،أي قبل القبض،و بعده فالقول قول البائع مع يمينه إذا لم يكن للمشتري بينة،لأن الأصل سلامة العين من العيوب،حتى يثبت العكس،و لم يثبت العيب قبل القبض،فيكون الأصل مع البائع،و ضد المشتري.

و بالإيجاز ان كل من قبض عينا فعليه ضمانها،و ضمان عيوبها إلاّ أن يثبت بالإقرار،أو بالبينة،أو بالعيان أن العيب حدث قبل القبض.

التنازع في البراءة من العيب:

إذا اتفقا على أن العيب كان موجودا قبل القبض،و لكن ادعى البائع البراءة من العيب،و أنكر المشتري ذلك فالقول قول المشتري بيمينه إذا لم يكن للبائع بينة،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف يعرف».

و تقول:لما ذا لا تجري هنا أصل عدم الخيار،و براءة ذمة البائع،كما أجريته في حال الجهل و الشك بوجود العيب،و نتيجة العمل بهذا الأصل و إجرائه يكون القول قول البائع،لا قول المشتري.

و الجواب:المفروض أنّا نعلم بأن العيب كان قبل القبض،و يقتضي هذا العلم أن يكون الخيار للمشتري،حتى يثبت العكس،أي حتى يقيم البائع البينة على ثبوت دعواه،و بديهة أن العلم بوجود العيب قبل القبض ينفي موضوع أصل براءة الذمة،و أصل عدم الخيار،لأن الأصول،كل الأصول،إنما تجري في

ص:227

المجهول،لا في المعلوم.

موجبات السقوط:

يسقط هذا الخيار بأمور:

1-لا خيار إطلاقا لمن علم بالعيب قبل التعاقد

،قال صاحب الجواهر:

«بلا خلاف،لأنه اقدام معه رضا».

2-أيضا لا خيار في الرد،و لا في الأرش إذا حدث العيب بعد العقد

،ثم زال كلية قبل القبض،أو حدث بعد القبض،لأنه حدث في ملك المتملك إلاّ إذا كان المبيع حيوانا،و حدث العيب في الأيام الثلاثة.

و إذا حدث عيب بعد القبض،ثم تبين أن في العين عيبا سابقا على القبض ثبت الأرش دون الرد،لأن العيب الحادث عند المتملك يمنع من رد العين الى المملك،فينحصر تلافي الضرر بالأرش.

3-يسقط خيار العيب بكلا شقيه الرد و الأرش بإسقاطه بعد العقد

، و باشتراط سقوطه في متن العقد،و منه البراءة من جميع العيوب،و يجوز أن يشترط سقوط الرد فقط،دون الأرش.

4-إذا تصرف تصرفا دالا على الرضا،و الالتزام بالعقد يسقط الرد فقط،

دون الأرش

،سواء أ كان التصرف قبل العلم بالعيب،أو بعده،و تدل عليه الرواية المتقدمة في فقرة«الدليل»حيث جاء فيها:«ان كان الثوب قائما بعينه رده على صاحبه،و أخذ الثمن،و ان كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب».فإن الإمام قد ترك التفصيل بين حال العلم بالعيب،و بين حال الجهل، و ما من شك أن ترك التفصيل دليل على العموم و الشمول.

ص:228

و قال الإمام الباقر أبو جعفر الصادق عليهما السّلام:«أيما رجل اشترى شيئا،و به عيب و عوار،و لم يتبرأ إليه،و لم ينبه،و أحدث فيه حدثا بعد ما قبضه،و علم بذلك العوار،و بذلك العيب فإنه يمضي عليه العيب،و يرد عليه بقدر ما ينقص».

أي يأخذ الأرش،و لا يرد المبيع.و قول الإمام عليه السّلام«أحدث حدثا،و علم بالعوار و العيب»ظاهر في أن التصرف كان قبل العلم بالعيب،و مع ذلك سقط خيار الرد، و بالأولى أن يسقط الرد إذا كان التصرف بعد العلم بالعيب.

و من التصرفات المانعة من الرد،دون الأرش وقف العين،و تأجيرها، و هبتها،و بيعها،حتى و لو كان مع الخيار،لأن ذلك كله من التصرفات الدالة على الرضا بالبيع،و لكن الرضا به لا يدل على إسقاط الأرش،لأن الرضا بالبيع أعم من الرضا به مع الأرش،و الرضا به من غير أرش،و بديهة أن العام لا يثبت به الخاص.

و لو رجعت العين إلى من كان قد تملكها،ثم أخرجها عن ملكه لا يجوز له أن يردها بالعيب استصحابا للحال السابقة،قال الشيخ الأنصاري:«لو عاد الملك إلى المشتري لم يجز رده للأصل»يريد بالأصل الاستصحاب،و تقريره أن المشتري سقط خياره بالرد قطعا بعد أن خرجت العين عن ملكه،و لما عادت إليه نشك:هل له خيار الرد أو لا؟فنبقي ما كان على ما كان.

5-التلف

،و لو بآفة سماوية يمنع من الرد،لفوات موضوعه،و لكن حق المطالبة بالأرش باق كما كان،لعدم المانع منه.

تنبيه:

ذكر محمد بن مكي المعروف بالشهيد الأول في كتاب اللمعة الدمشقية،

ص:229

أربعة عشر قسما للخيار،و هي خيار المجلس،و الحيوان،و الشرط،و التأخير، و ما يفسد ليومه،و الرؤية،و الغبن،و العيب،و التدليس،و الاشتراط،و الشركة، و تعذر التسليم،و تبعيض الصفقة،و التفليس.

و من هذه الخيارات ما يتداخل بعضها في بعض،و منها ما يدخل في باب آخر من أبواب الفقه،فما يفسد ليومه ذكرناه في خيار التأخير،لأنه قسم منه، و خيار الاشتراط،أن تخلف الشرط ذكرناه في فصل الشروط،أمّا خيار التدليس فيدخل في خيار العيب،و خيار تبعيض الصفقة خصصنا له فقرة في خيار العيب، و منه خيار الشركة،و هو إذا اشترى شيئا،و ظهر بعضه مستحقا للغير،أمّا التسليم فان استحال كما لو هلك المبيع قبل قبضه بطل البيع من رأس،و يأتي البيان عنه في فصل القبض،و ان لم يهلك المبيع قبل القبض،و لكن تعذر التسليم كالجمل الشارد الذي يظن عودته،و إمكان قبضه في المستقبل يدخل في خيار تخلف الشرط الضمني،لأن إطلاق العقد يقتضي تسليم كل من المثمن و الثمن،أو يدخل في خيار العيب،و أمّا خيار التفليس،و هو إذا وجد غريم المفلس متاعه قائما بعينه عند التحجير يتخير صاحبه بين أخذه،مقدما على الغرماء،و بين الضرب معهم بثمنه،أمّا هذا فيأتي الكلام عنه في باب التحجير على المفلس.

ص:230

أحكام الخيار

لا يسقط الخيار بالموت:

أجمع الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر،و صاحب المكاسب على أن الخيار بشتى اقسامه و أنواعه ينتقل بعد موت صاحبه الى ورثته،لأنه حق،و الحق يقبل النقل من ملك إلى ملك.

و خيار الشرط ينتهي بانتهاء أمده،سواء أعلم به الوارث،أو لم يعلم،أمّا الجهل بالغبن،أو بأنه موجب للخيار فلا يسقط حق الوارث بالفسخ،أجل،يثبت له على الفور،فإذا علم،و مضى أمد يتمكن فيه من الفسخ،و لم يبادر سقط الخيار،تماما كما هي الحال بالقياس إلى المورث نفسه،أمّا إذا مات أحد المتعاقدين في المجلس بعد انعقاد العقد،و كان لم يسقط خياره عند التعاقد،أمّا هذا الخيار فمن قائل بأنه يبقى إلى أن ينقل الجثمان،أو ينتقل الطرف الثاني من المجلس،و من قائل بأنه يستمر إلى وصول الخبر إلى الوارث،و قال ثالث:بل يبقى إلى الأبد،و هذا القائل هو صاحب الجواهر،و هذه عبارته بالحرف:

«الأقرب ثبوته للوارث مطلقا».أمّا نحن فلا نعقل توريث هذا الخيار بحال.

ثم إذا كان للوارث الخيار،أي خيار،أكثر من واحد،و اختار أحدهما الفسخ،و الأخر الإمساك قدم الفاسخ،لأن من اختار الإمساك قد أسقط حقه في

ص:231

الخيار في حقيقة الأمر و الواقع،فينحصر الحق في الآخر،هذا،إلى أن رد بعض المبيع دون بعضه ضرر على البائع.

و إذا جعل أحد المتعاقدين الخيار لأجنبي،و مات هذا الأجنبي فلا ينقل الخيار إلى ورثته،و لا يعود إلى من اختاره لذلك،لأن الخيار منذ البداية تعلق بالأجنبي خاصة،فلا يتعداه إلى غيره.

أمّا من فصّل بين أن يكون الأجنبي محلا للخيار على سبيل الظرفية،فينتقل الخيار إلى الورثة،و بين أن يكون الخيار وصفا له على سبيل القيد،فلا ينتقل إلى الورثة،أمّا هذا التفصيل فهو بعيد عن أفهام العرف التي يناط بها معرفة موضوعات الأحكام و تشخيصها.

ثم ان إرث الخيار لا يرتبط بإرث المال الذي تعلق به الخيار،بل قد يكون الخيار للوارث،و المال لغيره،و مثال ذلك أن يكون على زيد ديون تستغرق جميع ما يملك،بحيث إذا توفي تسلط الدائنون على تركته بكاملها،و لا يبقى منها للورثة شيء،و كان قد اشترى قبل وفاته عقارا،و جعل الخيار لنفسه أمدا معينا، و صادف موته في زمن الخيار،فينتقل حق الخيار إلى ورثته،مع العلم بأنهم إذا امضوا البيع تسلط الدائنون على العين،و منعوا الورثة من التصرف بها.

المبيع يملك بالعقد:

ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر،و الشيخ الأنصاري إلى أن المبيع يملكه المشتري في زمن الخيار بمجرد انعقاد العقد،و ان وجود الخيار،أي خيار،لا يمنع من التملك و انتقال المعقود عليه إلى المشتري،لأن العقد متى تم بالإيجاب و القبول أثر أثره،و ترتبت عليه جميع أحكامه،و منها انتقال المثمن إلى

ص:232

المشتري،و الثمن إلى البائع،و إلاّ كان وجوده كعدمه،قال صاحب الجواهر:

«المقتضي للملك موجود،و المانع مفقود»يريد بالمقتضي ان اسم البيع ينطبق على العقد بالخيار،و يريد بعدم المانع أن الخيار لا يمنع من تأثير العقد،و ترتب أحكامه عليه.و قال الشيخ الأنصاري:«الأقوى ما هو المشهور،لعموم أحل اللّه البيع،و تجارة عن تراض».و ما من شك أن المعاملة مع الخيار هي بيع و تجارة عن تراض،و عليه ينتقل المبيع إلى من اشترى بالخيار،و يتصرف فيه تصرف المالك في أملاكه.

و أيضا يدل على ذلك ما نقلناه عن الإمام عليه السّلام في فصل خيار الشرط فقرة «الدليل»من أن من باع و اشترط لنفسه إن رد الثمن فنماء المبيع للمشتري، و ضمانه عليه.و يثبت النماء للمشتري،حتى و لو كان الخيار له،لا للبائع،فإذا فسخ رد العين،و استرد الثمن،و لا يرجع البائع عليه بالنماء.

و تسأل:لقد ثبت عن الإمام الصادق عليه السّلام أن المبيع إذا تلف في الزمن الذي يكون فيه الخيار للمشتري فهو من مال البائع،قال عبد الرحمن بن عبد اللّه سألت الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل اشترى أمة بشرط يوم أو يومين،فماتت عنده على من يكون الضمان؟.فقال:ليس على الذي اشترى ضمان،حتى يمضي شرط.

و ايضا قال الإمام عليه السّلام:ان حدث في الحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع،و ما إلى ذلك مما يتفق و القاعدة المعروفة،و هي:«التلف بعد القبض في زمن الخيار ممن لا خيار له».و إذا كان التلف من مال البائع،فيجب أن تكون المنفعة له،لا للمشتري،لأن الخراج بالضمان،أجل،إذا كان الخيار للبائع تكون المنفعة للمشتري على وفق القاعدة.

و نجيب بأنه لا منافاة،من حيث المبدأ،بين أن تكون المنفعة تابعة لملك

ص:233

العين،و بين أن يكون ضمان تلفها على غير مالكها،فان المغصوب نماؤه لمالكه،و ضمانه على غاصبه.و من اشترى عينا،و اشترط الخيار لنفسه يملكها بانعقاد العقد،و يملك منفعتها تبعا لملكه لها،و مع ذلك يكون ضمان تلفها على بائعها لوجود الدليل الذي سنعرضه في الفقرة التالية،أمّا حديث«الخراج بالضمان»فلا يطرد في كل مورد،بل يختص العمل به فيما إذا كان التلف بعد القبض مع عدم الخيار للمشتري،أما إذا اشترى و قبض و الخيار له لا للبائع فإن الخراج يكون له،و الضمان على البائع للدليل الآتي.و بكلمة ان فقهاء الإماميّة لا يعملون بحديث الخراج بالضمان إلاّ في موارد خاصة.

المنع من التصرف:

إذا كان الخيار لأحد المتعاقدين دون الآخر،فهل يجوز لمن ليس له الخيار أن يتصرف في العين تصرفا يمنع من ردها على صاحب الخيار-مثلا-اشترى زيد كتابا من عمرو،و اشترط صاحب الكتاب أن يسترجعه إذا أرجع الثمن في ثلاثة أيّام،فهل لزيد الذي اشترى الكتاب أن يتلفه،أو ينقله إلى من يشاء قبل مضي الأيام الثلاثة.

و للفقهاء في ذلك أقوال،أصحها ما نعته الشيخ الأنصاري بقوله:«لا يخلو من قوة»و هو أن الخيار إذا ثبت بالشرط الصريح المتفق عليه بين المتعاقدين كالمثال المذكور فلا يجوز لمن لا خيار له أن يتصرف تصرفا يمنع من استرداد العين،لأن الغاية من هذا الشرط في نظر العرف هي سلامة العين،و بقاؤها على ما هي،ليتمكن صاحب الخيار من استرجاعها.

و إذا لم يثبت الخيار بشرط صريح من المتعاقدين،كخيار المجلس

ص:234

و الحيوان،و الغبن و الرؤية،و ما إلى ذلك مما ثبت بجعل من الشارع فيجوز لغير ذي الخيار أن يتصرف ما شاء،حتى و لو كان التصرف مانعا من رد العين،فان فسخ صاحب الخيار الذي له الحق في استرجاع العين،و وجدها هالكة،أو منتقلة عن ملك الطرف الآخر طالبه بالبدل من المثل أو القيمة.

و الدليل على جواز هذا التصرف ما أشرنا إليه من أن التمليك و التملك يتحقق بانعقاد العقد،فيشمله حديث:«الناس مسلطون على أموالهم».

ضمان البيع:

يرتكز في كل فهم ان المال إذا كان في يد صاحبه،يتصرف فيه دون مانع، ثم هلك يكون هلاكه و خسارته عليه وحده،سواء تملكه بالشراء،أو بغيره، و سواء اشتراه بالخيار،أو من غير خيار،و إذا غصب المال ظالم و استولى عليه كانت الخسارة على الظالم جزاء وفاقا لظلمة و تعديه،أمّا المالك فلا خسارة عليه بعد أن حال الغاصب بينه و بين ما يملك،و كذا الأمين،فإنه يضمن ما في يده من مال الغير إذا قصر و فرط جزاء لتقصيره.فهلاك المال-اذن-لا يكون على صاحبه إلاّ إذا كان في يده،لا في يد غاصبة و لا مفرطة.

و قد استثنى الفقهاء من ذلك موردين:الأول فيما إذا هلك المبيع بآفة سماوية قبل أن يقبضه المشتري و يتسلمه،المورد الثاني فيما إذا هلك المبيع في يد المشتري في زمن خياره لا خيار البائع،هذا،مع العلم بأن المشتري هو المالك في الحالين،أمّا السبب الموجب لاستثناء المورد الأول فحديث:«كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه»و يأتي الكلام عنه في الفصل التالي،و أمّا السبب لاستثناء المورد الثاني فهو قول الإمام الصادق عليه السّلام:ان حدث في الحيوان حدث

ص:235

قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع،و قوله:ان كان بين المتبايعين شرط أياما معدودة فهلك المبيع في يد المشتري فهو من مال البائع،إلى غير ذلك مما ثبت عن الإمام،و دل بصراحة على أن هلاك المبيع في يد المشتري أثناء خياره يكون من مال البائع،على شريطة أن يكون المبيع حيوانا،أو غيره بشرط الخيار للمشتري.

و على الرغم من أن مورد هذا الروايات لا يتعدى خيار الحيوان و الشرط فقد استخرج منها كثير من الفقهاء قاعدة أجروها في جميع الخيارات،و هذه القاعدة هي:«أن التلف بعد القبض في زمن الخيار يكون من مال من لا خيار له» (1).

فان كان الخيار للبائع فالتلف من المشتري،و ان كان للمشتري فالتلف من البائع، و بديهة أن المشتري هو المالك في الحالين،لأنه يملك المبيع بمجرد انعقاد العقد،كما تقدم،و على هذا يكون الحكم على وفق الأصل ان كان الخيار للبائع، و على خلاف الأصل ان كان للمشتري.

و من أجل هذا قال صاحب الجواهر:ان هذا الحكم،و هو التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له،مختص بخيار الحيوان و الشرط فقط،دون غيرهما اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع اليقين الذي دل عليه النص،أمّا الشيخ الأنصاري فقد عطف على هذين الخيارين خيار المجلس،على شريطة أن يسقط البائع خياره،و يبقى خيار المشتري،لأن هذا الحكم لا يثبت فيما إذا كان الخيار لكل من المتبايعين بالإجماع،مضافا إلى أن لفظ«من مال من لا خيار له»لا ينطبق

ص:236


1- قال السيد اليزدي:«قد اشتهرت هذه القاعدة في ألسنة متأخري المتأخرين»يريد الفقهاء الذين لا يبعد زمانهم كثيرا عن زمانه:و توفي هذا السيد سنة 1337 ه و قال صاحب الجواهر:«لم أجدها في كتب المتقدمين،و لا في كلام الأساطين من المتأخرين».

على التعاقد الذي يكون الخيار فيه للمتعاقدين،و لا على ما لا خيار فيه لأحدهما، و يختص بالتعاقد الذي يكون فيه الخيار لأحدهما دون الآخر.

هل يسقط الخيار بهلاك العين؟

اتفقوا على أن صاحب الخيار يسقط خياره،و يصير العقد لازما إذا أتلف العين بنفسه في مدة خياره،و ان أتلفها المتعاقد الثاني الذي لا خيار له،و أمضى صاحب الخيار البيع رجع على من أتلف بالمثل أو القيمة،و كذلك إذا أتلفها أجنبي.و سبقت الإشارة إلى ذلك في الكلام على الخيارات،و أيضا اتفقوا على أن من باع أو اشترى بالخيار،أي خيار،ثم تلفت العين بآفة سماوية قبل قبضها يسقط الخيار،و يعود كل من الثمن و المثمن إلى مالكه الأول،كأن لم يكن شيء، و قال جماعة من كبار الفقهاء،منهم العلامة الحلي،و صاحب الجواهر،و صاحب المكاسب،قالوا في توجيه ذلك:ان العقد ينفسخ تلقائيا قبل تلف المعقود عليه آنا ما،و يكون التلف كاشفا عن هذا الانفساخ.و لا مصدر لهذا التوجيه و التعليل إلاّ الاستحسان.و نحن،و ان كنا نقول:لا تعبد في المعاملات غير أنّا نتخذ من المصلحة معيارا لآراء الفقهاء في كل معاملة و تعاقد،و نرفض الفروض و الاحتمالات،و ان انسجمت بظاهرها مع المنطق ما دامت لا تمت إلى المصلحة و العمل الملموس بسبب (1).

و على آية حال،فان الغرض أن نعرف:هل تلف العين بآفة سماوية بعد

ص:237


1- و ان كان لا بد من التوجيه فالأولى أن يقال:ان البائع حين اجرى عقد البيع فقد التزم بتسليم المبيع بجميع مقوماته و صفاته للمشتري،إذ لا تخلص الملكية له إلاّ بذلك،و يؤيد هذا التوجيه قول الفقهاء:ان إطلاق العقد يقتضي تسليم المثمن و الثمن،فلا بد-اذن-ان يكون تلف المبيع قبل القبض على البائع.و قد نتعرض لذلك في الفصل الآتي.

قبضها،و في زمن الخيار يسقط معه الخيار،و يعود كل من العوضين إلى مالكه، تماما كما هي حال التلف قبل القبض،أو أن التلف بالآفة لا يسقط الخيار،و يحق لصاحبه بعد هلاك العين أن يطالب بمثلها ان كانت مثلية،و بقيمتها ان كانت قيمية؟.

و ليس من شك أن بقاء الخيار لا يرتبط ببقاء العين،لأن معنى الخيار هو الحق في فسخ العقد،أو إمضائه،و لا يسقط هذا الحق بهلاك العين المالية،ما دام لها بدل من المثل أو القيمة.فإن اشترى زيد من عمرو متاعا-مثلا-و اشترط الخيار لنفسه،و قبض المتاع،ثم هلك في زمن الخيار،فان فسخ زيد رجع على عمرو بالثمن،و انتهى كل شيء،و ان امضى البيع رجع عليه ببدل المتاع التالف من المثل أو القيمة،و ان كان الخيار لعمرو،أي للبائع،فإن أمضى البيع فلا شيء له،و ان فسخ رد الثمن،و طالب بمثل المتاع أو قيمته،تماما كما لو أمضى المشتري.

و لكن بعض الخيارات لا يعقل فيها الفسخ مع هلاك العين،كخيار العيب، فان الغرض من تشريعه هو رد العين المعيبة إلى صاحبها،كما هي،حتى لا يتضرر الذي انتقلت إليه بإمساكها و بقائها عنده،و بديهة أنّه مع التلف لا يمكن الرد و الإمساك،فلا يبقى-اذن-موضوع للخيار بين الرد أو الإمساك،قال الشيخ النائيني في تقريرات الخوانساري:«النزاع في سقوط خيار العيب،أو بقائه لغو، لأن إعمال الخيار يتوقف على بقاء العين بحالها،فلو تغيرت عما وقع عليه العقد، و لم تكن العين قائمة بعينها سقط الخيار فضلا عما لو تلفت».و إذا سقط خيار العيب لعدم تعقله و إمكانه تعين الرجوع على صاحب العين المعيبة بالأرش، و أخذ العوض منه عما فات من صحة الصفات.

ص:238

و ألحق الشيخ الأنصاري خيار الشرط بخيار العيب،و قال بسقوط الخيار فيه مع التلف،لأن الغاية منه استرجاع المعقود عليه بعينه و شخصه،و المفروض هلاكه،قال هذا الشيخ الجليل:«يمكن القول بعدم بقاء الخيار المشروط بردّ الثمن في البيع الخياري إذا تلف المبيع عند المشتري،لأن الثابت من اشتراط المتعاقدين هو التمكن من استرداد المبيع بالفسخ عند رد الثمن».و ليس من شك أن استرداد المبيع بالذات متعذر،فينتفي موضوع الخيار،ثم اعترف الشيخ الأنصاري بأن إلحاق خيار الشرط بخيار العيب مخالف للمشهور،و أنّه لم يجد أحد التزم بذلك،أو تعرض له.

أمّا بقية الخيارات،كخيار المجلس و الحيوان و الرؤية و الغبن فليس الغرض منها رد المعقود عليه بالذات،و انما الغرض الأول هو ماليته،و كفى، و معلوم أن للمالية فردين:أحدهما شخصية العين،و الآخر بدلها من المثل أو القيمة،فإذا انتفى الفرد الأول بقي الثاني،و على هذا يكون الخيار بعد التلف باقيا كما كان قبله في غير خيار العيب عند المشهور،و غير خيار الشرط ايضا عند الشيخ الأنصاري.فإن فسخ المشتري الذي له الخيار رجع بالثمن و كفى،و ان أمضى رجع ببدل المبيع من المثل أو القيمة،و ان كان الخيار للبائع و امضى اكتفى بأخذ الثمن،و ان فسخ ارجع الثمن،و طالب ببدل التالف.

ص:239

ص:240

النقد و النسيئة

النسيئة:

من معاني النسيئة التأخير،و منه أنسا اللّه أجلك،أي أخره،و منه قوله تعالى إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ فإنه إشارة إلى ما كان يفعله العرب من تأخير بعض الأشهر الحرم إلى غيرها من الشهور،و الأشهر الحرم أربعة:ذو القعدة،و ذو الحجة،و المحرم،و رجب.و معنى أنسا البيع أخر ثمنه.

و سبق في فصل شرط العوضين أن الثمن و المثمن ركنان لعقد البيع،و ان أحدهما إذا كان مجهولا بطل العقد،و نتكلم في هذا الفصل عن الثمن باعتبار التعجيل و التأخير،و ان التأجيل مع عدم ضبطه يستدعي الجهل و الغرر.

الأقسام:

قسم كثير من الفقهاء البيع باعتبار تأجيل كل من المثمن و الثمن و تعجيله إلى أربعة أقسام:

الأول:أن يكون كل منهما معجلا.و يصح بالاتفاق.

الثاني:أن يكون كل منهما مؤجلا،كبيع الدين بالدين،و يسمى أيضا بيع الكالي بالكالي،و معناه لغة المراقبة،و المناسبة هنا أن كلا من الغريمين يرتقب

ص:241

صاحبه من أجل دينه،و هذا القسم باطل إجماعا و نصا،و منه قول الإمام عليه السّلام:

لا يبيع الدين نسيئا،و اما نقدا فليبعه بما شاء.

الثالث:أن يكون المثمن حالا،و الثمن مؤجلا،و هو بيع النسيئة الذي نحن بصدده،و لا ريب في صحته.

الرابع:أن يكون المثمن مؤجلا و الثمن حالا،و هو بيع السلف،و هو جائز بالاتفاق،و يأتي الكلام عنه.

إطلاق العقد:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل اشترى جارية بثمن مسمى،ثم افترقا؟.

قال:وجب البيع،و الثمن إذا لم يكونا شرطا فهو نقد.

و قد جاء هذا على وفق العرف،و عليه يكون قول الإمام عليه السّلام إرشادا لما عليه الناس،لا تأسيسا لشيء جديد،و لم يختلف اثنان من الفقهاء في أن العقد إذا تجرد من قيد التأجيل جاز للبائع أن يطالب المشتري بالثمن إذا بذل له المثمن، و للمشتري أن يطالب بالمثمن إذا بذل له الثمن.

و إذا قال:بعتك بشرط أن تعجل الثمن،و لم يعين أمدا خاصا كان قيد التعجيل تأكيدا و توضيحا لإطلاق العقد عند المشهور،فإذا عجل المشتري الثمن فذاك،و إلاّ انتظر البائع ثلاثة أيام فيما لا يسرع إليه الفساد،و بعدها يتخير بين الفسخ،و الإمضاء،كما سبق في خيار التأخير.

التأجيل:

قال صاحب مفتاح الكرامة ص 427 من مجلد المتاجر:«قد تدعو الحاجة

ص:242

إلى الانتفاع بالمبيع معجلا،و استغناء مالكه عنه،و حاجته إلى الثمن مؤجلا، فوجب أن يكون-الثمن مؤجلا-مشروعا تحصيلا لهذه المصلحة الخالية من المبطلات،و لا نعلم فيه خلافا،و عليه دلت الروايات».

و يشترط في الأجل:

1-أن ينص عليه صراحة،لأنه على خلاف ما يقتضيه إطلاق العقد.

2-ان يذكر التأجيل في متن العقد،أو قبله،على شريطة أن يتفق عليه المتعاقدان،ثم ينشئا العقد على أساسه،و لا أثر لذكر الأجل بعد انعقاد العقد و تمامه،لأن وقوع العقد مجردا عن قيد التأجيل يستدعي تعجيل الثمن،فذكر الأجل بعده يكون وعدا بتأجيل المعجل،و لا يجب الوفاء بالوعد عند الفقهاء، قال صاحب الجواهر في آخر باب البيع،و هو يتكلم عن الدين،قال:«لو أجل الحال بعد العقد لم يتأجل.و لكن يستحب الوفاء به،لأنه وعد.و لا فرق عندنا- أي عند فقهاء الإمامية-في عدم لزوم تأجيل الحال بين أن يكون مهرا أو ثمن مبيع أو غيره».و نقلنا عنه مثل ذلك في فصل الشروط،فقرة«تقدم الشرط».

3-أن يضبط الأجل بما لا يقبل الزيادة و النقصان،كاسبوع أو شهر،أو سنة،و إذا كان مجهولا كأيام،أو حتى ينزل المطر بطل الشرط و العقد،لأن للأجل قسطا من الثمن في نظر العرف،فالجهل به جهل بالثمن يستدعي الغرر في البيع.

و يجوز التنجيم،و هو أن يقسط الثمن أجزاء معلومة على أوقات معينة، فيبيع بعشرة-مثلا-على أن يدفع 5 أول تموز من هذه السنة،و 13 أول آب، و الباقي أول أيار،و إذا تأخر المشتري عن دفع قسط في وقته فلا تحل بقية الاقساط (1)و إذا اشترط البائع ذلك على المشتري،كما هو المعروف اليوم،بطل

ص:243


1- ذهب المشهور إلى أن شرط التأجيل في الدين لا يجب الوفاء به،و عليه فلا موضوع للتنجيم من الأساس،و تكلمنا عن ذلك مفصلا في الجزء الرابع فصل الدين،فقرة«العقد»و اخترنا وجوب الوفاء بشرط التأجيل.

البيع من رأس،لأن الثمن،و الحال هذه،يصير مجهولا،و لا يعلم:هل هو قسط واحد،أو أقساط،و الجهل و الترديد يستدعي الغرر المبطل للبيع،تماما كالثمن المردد بين المؤجل بكذا أو المعجل بكذا،و يأتي البيان عنه في الفقرة التالية.

و لا تحديد لطول الأجل و قصره،فيجوز إلى الساعة،و إلى عشرين سنة، و لا يجوز إلى دقيقة،أو ألف سنة،لأنه أشبه بالسفه و اللغو في نظر العرف،و لأن الدين يصير حالا بموت المدين.

و تسأل:لقد روي عن الإمام عليه السّلام أن رجلا قال له:اني أبيع أهل الجبل بتأخير سنة؟.قال:بعهم.قال الرجل:إلى سنتين؟.قال:بعهم.قال:ثلاث سنين؟قال الإمام عليه السّلام:لا يكون لك شيء أكثر من ثلاث سنين.و هذا صريح بأن الأجل في الثمن لا يمتد أكثر من سنين ثلاث.

و أجاب الفقهاء عن هذه الرواية،و نظائرها بأن الغرض منها الإرشاد و النصيحة خشية أن يضيع المال بطول الأمد،و ليس المراد بها التحريم و فساد المعاملة.

و هذا الحمل غير بعيد،لأن الظاهر من قوله عليه السّلام:«لا يكون لك»أن المال يذهب و يضيع بالتأجيل الطويل.

و قال الشيخ الأنصاري و غيره من الفقهاء:إذا كان الوقت معينا في الواقع، و مجهولا لدى المتعاقدين يبطل العقد،و مثال ذلك أن يؤجله إلى عيد المولد النبوي الشريف من هذه السنة،مع جهل الاثنين بضبطه و معرفته على التعيين.

و الحق أنّه يصح ما دام ذلك معلوما لدى الناس،و يمكن معرفته بسهولة،

ص:244

فهو أشبه بمن يشتري على عيار البلد،و نقده،أو على ما اشترى فلان،لأن المعيار للبطلان،و عدم الجواز هو وجود الغرر،و لا غرر في شيء من ذلك في نظر العرف.

ثمنان لمبيع واحد:

ذهب المشهور بشهادة صاحب الحدائق إلى أن من باع بثمن حالا،و بأكثر مؤجلا بطل البيع،و مثاله أن يقول:بعتك هذا بعشرة نقدا،و بعشرين إلى أجل معين،و كذا لو فاوت بين أجلين،فقال:بعتك بعشرة إلى شهر،و بعشرين إلى شهرين،لأن الترديد بين صفقتين:أحدهما نقد،و الأخرى دين يستدعي الغرر و الإبهام،بل هو الإبهام بالذات،تماما كما لو قال:بعتك هذا الكتاب،أو ذاك.

البيع قبل أجل انتهاء الدين:

اتفقوا كلمة واحدة بشهادة صاحب الجواهر،و صاحب مفتاح الكرامة على أن من ابتاع شيئا بثمن مؤجل،و قبضه من البائع جاز له أن يبيعه قبل حلول الأجل من بائعه الأول و غيره بجنس الثمن و بغيره مساويا،أو زائدا،أو ناقصا،حالا أو مؤجلا،على شريطة أن لا يكون البائع الأول قد اشترط في نفس العقد على المشتري أن يبيعه إياه،لأنه يستلزم المحال،و قد بيّنا وجه الاستحالة في فصل الشروط فقرة«غير محال»و ان قول من قال:أبيعك هذا بشرط أن تبيعني إياه تماما كقوله:أعطيك هذا بشرط أن تعطيني إياه.

و يدل على ذلك أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل يبيع المتاع نسيئة، فيشتريه من صاحبه الذي باعه منه؟.قال:نعم لا بأس.

ص:245

و سئل ولده الإمام الكاظم عليهما السّلام عن رجل باع ثوبا بعشرة دراهم،ثم اشتراه بخمسة دراهم،أ يحل؟.قال:إذا لم يشترط،و رضيا فلا بأس.

و من طريف ما قرأت،و أنا أتتبع مصادر هذه المسألة ان صاحب الحدائق بعد أن نقل هذه الرواية،و ثانية في مضمونها،قال:ان هاتين الروايتين تدلان على فساد شرط البائع على المشتري أن يبيعه الشيء الذي باعه له،و لا حاجة إلى التعليل بأن هذا الشرط يلزم منه المحال،ثم قال صاحب الحدائق:و السبب في هذه التعليلات ان الفقهاء الذين ذكروها قاصرو النظر عن تتبع الروايات و اخبار أهل البيت عليهم السّلام.

فرد عليه صاحب مفتاح الكرامة بقوله:ان صاحب الكفاية ذكر الروايتين، فما ذكرته غير لائق.

بيع المثمن قبل قبضه:

سبق أن من اشترى بثمن مؤجل،و تسلم المبيع فله أن يبيعه ممن شاء، و كيف شاء،و نتكلم الآن عمن ابتاع شيئا،و لم يقبضه،فهل له أن يبيعه قبل قبضه،أو لا؟.

و ما من شك أن الأصل يقضي بأن للمشتري حق التصرف في المبيع،حتى و لو لم يتسلمه من البائع،لأنه ينتقل إلى ملكه بمجرد انعقاد العقد،سواء في ذلك المكيل و الموزون و غيرهما،و سواء أ كان البيع بربح،أو بخسارة،أو تولية،أي كما اشتراه.و لكن جماعة من الفقهاء منهم الشيخ الأنصاري قالوا:يجوز ذلك في غير المكيل و الموزون من الطعام،أمّا فيهما فلا يجوز إلاّ أن يبيعها تولية،تماما كما اشترى من غير ربح و لا خسران،و على هذا فما عليه تجار هذا العصر من بيع

ص:246

الحبوب و الدقيق و السكر و القهوة و الشاي قبل قبضها باطل و أكل للمال بالحرام إلاّ إذا باعوا كما اشتروا من غير زيادة و نقيصة.و استدل هؤلاء المانعون بقول الإمام عليه السّلام:إذا اشتريت متاعا،فيه كيل،أو وزن فلا تبعه،حتى تقبضه إلاّ تولية، فان لم يكن فيه كيل أو وزن فبعه.

و ذهب المشهور من متأخري الفقهاء،و الشيخ المفيد و صاحب الشرائع من المتقدمين (1)إلى جواز البيع و صحته إطلاقا مكيلا كان أو موزونا،و أجابوا عن الرواية بأن المراد منها الكراهة،دون التحريم و بطلان البيع،جمعا بينها و بين ما دل على الجواز.فقد روى جميل بن دراج عن الإمام عليه السّلام في الرجل يشتري الطعام،ثم يبيعه قبل أن يقبضه؟.قال:لا بأس.و يدل على هذا الجمع رواية ثالثة لأبي بصير،قال:سألت الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل اشترى طعاما،ثم باعه قبل أن يكيله؟.قال:لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه إلاّ أن يوليه،فلا بأس.

فإن لفظ لا يعجبني ظاهر في الكراهة،و كل مكروه جائز.

ص:247


1- جرت عادت المؤلفين أن يقسموا الفقهاء إلى متقدمين و متأخرين بحسب العصر و الزمن، و يريدون بالمتقدمين من تقدم على عصر العلامة الحلي المتوفى سنة 726 ه،أمّا المتأخرون فيبدأون بالعلامة.

ص:248

القبض

معناه:

ذكر الشيخ الأنصاري ثمانية أقوال في معنى القبض،و بعضها تعمق في البديهات،و البعض منها تعقيد للواضحات.و لكن الفقهاء كلهم،أو جلهم على وفاق أن ليس للشارع اصطلاح خاص في معنى القبض،و إذا جاء في كلامه ما يشعر بالتحديد فهو إرشاد إلى المعنى العرفي الذي يرجع في حقيقته إلى تنفيذ العقد،و في الكثير من كتب فقه الإمامية،و القوانين الوضعية تعاريف صحيحة صريحة بهذا المعنى،فقد جاء في كتاب مفتاح الكرامة مجلد المتاجر ص 696:

«القبض في حقيقته التخلية،و التخلية هي رفع يد البائع عن المبيع،و الاذن للمشتري بالقبض،مع عدم المانع،بحيث يسهل عليه قبضه بسرعة عرفا».و في كتاب البيع للسنهوري المجلد الأول ص 588 طبعة 1960:«أن يوضع المبيع تحت تصرف المشتري،بحيث يتمكن من حيازته و الانتفاع به دون مانع».و هذا عين ما جاء في مفتاح الكرامة.

و قال الشيخ الأنصاري:«قبض كل شيء بحسبه»أي أن القبض يختلف بحسب طبيعة المقبوض،فإذا كان المبيع أرضا تركها البائع للمشتري يفعل بها ما يشاء،و إذا كان دارا أخلاها من أمتعته،و سلمه مفاتيحها،على شريطة أن لا يكون

ص:249

مانع يمنعه من التصرف بالعين المقبوضة حين القبض،و ان كان المبيع منقولا كالحيوان و الثوب و الطعام يتحقق القبض برفع يد البائع عن المبيع،و استيلاء المشتري عليه،أمّا العد في المعدود،و الكيل في المكيل،و الوزن في الموزون فإنها وسيلة لتعيين المبيع و معرفته،و ليست من معنى القبض و التسليم في شيء.

ثم ان كان المبيع في حيازة المشتري قبل البيع فان دفع الثمن للبائع فلا حاجة لإذنه بالقبض،سواء أ حازه بإذن البائع من قبل،أو من غير إذنه،لأن البيع مع قبض الثمن اذن بقبض المبيع،و مع عدم دفع الثمن لا بد من الاذن بالقبض، و يحق للبائع انتزاع المبيع منه إذا لم يأذن.

الامتناع عن التسليم و التسلم:

إذا اشترط البائع تأخير التسليم إلى أمد معين فلا يحق للمشتري أن يطالبه بالمبيع قبل مضي الأوان،و كذا إذا اشترط المشتري تأجيل الثمن،و إذا لم يؤقت التسليم بأمد معين وجب على البائع أن يبادر إلى تسليم المبيع إذا كان المشتري قد دفع الثمن أو باذلا له،و يتم التسليم بالتخلية في غير المنقول،و في المنقول برفع يد البائع عنه،و استيلاء المشتري عليه،سواء أنقله من مكانه أو لم ينقله،و متى تم ذلك خرج المبيع من عهدة البائع،و صار في عهدة المشتري،و كذا حال البائع بالنسبة إلى الثمن.

و تقول:لقد روي أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل اشترى متاعا من آخر،و تركه عنده فسرق المتاع من مال من يكون؟.قال الإمام عليه السّلام من مال صاحب المتاع،حتى يقبض المبتاع،و يخرجه من بيته،أي من بيت البائع،و هذه الرواية صريحة بأنه لا بد من النقل في المنقول،و ان مجرد الاستيلاء غير كاف.

ص:250

و قد أجاب الشيخ الأنصاري عن ذلك بقوله:«ان الإخراج من البيت كناية عن الإخراج من سلطة البائع،و رفع يده عن المبيع،و لا ينبغي خفاء ذلك على المتأمل في الاستعمال العرفي».

و إذا تشاحا،فحبس البائع المثمن،حتى يقبض الثمن،و حبس المشتري الثمن،حتى يقبض المثمن،إذا كان كذلك أو دعا الثمن عند أمين يثقان به،أو يثق به الحاكم الشرعي،فإن تسلم المثمن دفع الأمين الثمن إلى البائع،و ان امتنع البائع عن التسليم،مع بذل المشتري للثمن أجبره الحاكم،و مع تعذر التنفيذ بالقوة يرد الثمن إلى المشتري،و يتخير بين الفسخ و الإمضاء،و ان حبس المشتري الثمن، و بذل البائع المثمن نفذ الحاكم على المشتري بالقوة،و مع تعذر التنفيذ كان البائع بالخيار،ان شاء فسخ،و ان شاء انتظر مترقبا الفرص.

و إذا قبض المشتري المبيع قبل أن يدفع الثمن،فان كان بإذن البائع صح القبض،و إلاّ فللبائع انتزاعه منه،لأن له تمام الحق في حبس المبيع في قبالة حبس الثمن صح القبض،حتى و لو كان قهرا عن البائع،و كذلك الحال بالقياس إلى البائع،له أن يستولي على الثمن من غير رضا المشتري ان كان قد سلم المثمن،و إلاّ فلا بد من رضا المشتري.و بالإيجاز أن من نفذ الالتزام يجوز له أن ينفذه على الطرف الآخر دون رضاه،و من لم ينفذ الالتزام عن نفسه فبالأولى أن لا ينفذه على غيره قال الشيخ الأنصاري:«ان صحة القبض تكون بأحد أمرين:امّا أن يسلم ما في يده لصاحبه،فله حينئذ أن يأخذ ما في يد صاحبه،و لو من غير اذنه،و امّا أن يأذن صاحبه بالقبض،سواء أسلّم هو،أو لا».

ثم ان للقبض أحكاما كثيرة تترتب عليه نعرض طرفا منها فيما يلي ملخصا عن كتاب المكاسب،و كتاب الجواهر،مع إبداء الملاحظات،ان كان لها من موجب.

ص:251

الهلاك قبل القبض و بعده:

تقدم أكثر من مرة،بخاصة في الفصل السابق أنّه قد ثبت بالنص و الإجماع أن المبيع إذا تلف،أو حدث فيه حدث قبل قبضه فهو من مال البائع،غير أن الفصل السابق خاص بأحكام الخيار،و تلف المبيع في زمن الخيار،و في هذا الفصل نتكلم عن القبض و أحكامه بوجه عام،و أظهر مسائله النتائج المترتبة على هلاك المعقود عليه قبل القبض و بعده.

أمّا الهلاك بعد القبض فإنه من مال المشتري،سواء أ كان الهلاك بقوة قاهرة أو بغيرها،لا باعتباره مالكا فحسب،بل لأنه المالك المسيطر على العين،إلاّ إذا كانت حيوانا،أو غيره بشرط الخيار للمشتري،و تلفت في يده قبل انتهاء أمد الخيار،إذ يكون التلف،و الحال هذه،من مال البائع الذي لا خيار له،كما تقدم في الفصل السابق فقرة«ضمان البيع».

أمّا إذا كان الهلاك قبل القبض و التسليم لسبب لا بد للمشتري فيه فهو من مال البائع،لحديث:«كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه».و ليس السر في ذلك ما قاله الفقهاء القدامى و الجدد:العقد ينفسخ قبل الهلاك آنا ما،و انما السر- على ما نحسب-ان البائع قد تعهد،أثناء العقد أن يسلم المبيع للمشتري بجميع مقوماته و صفاته،تماما كما كان حين العقد،و بهذا يكون المبيع في عهدة البائع، حتى يسلمه إلى المشتري،و عليه يمكن القول:ان تلف المبيع قبل القبض كان الحكم على وفق الأصل،يعمل به،حتى و لو لم يرد فيه نص.

على أن التوجيه الذي ذكرناه يلتقي مع توجيه الفقهاء،لأن الالتزام بتسليم المبيع يصبح مستحيل التنفيذ بعد التلف،و متى استحال تنفيذ العقد انفسخ قهرا، و لكن لا قبل التلف آنا ما،كما قال الفقهاء،و لا حين التلف بل يكشف التلف عن

ص:252

بطلان العقد من الأساس،لعدم القدرة على التسليم،و قد ذكرنا في فصل شروط العوضين فقرة«القدرة عند الاستحقاق»أن القدرة عند العقد مع العجز عن التسليم حين الاستحقاق لا تجدي شيئا في صحة العقد.

ضمان المعاوضة،و ضمان اليد:

قسم الفقهاء الضمان إلى قسمين:ضمان معاوضة،و ضمان يد،و يريدون بضمان اليد الضمان بالمثل و القيمة،فالغاصب و المستام (1)و المستعير المفرط، كل هؤلاء ضمانهم ضمان يد،أي أن العين إذا تلفت في يد أحدهم فعليه بدلها الواقعي من المثل أو القيمة.

أمّا ضمان المعاوضة فيريدون به أن العوضين اللذين كانا محلا للتعاقد إذا تلف أحدهما عند مالكه الأول،و قبل أن يسلمه للمتعاقد الثاني يكون ضامنا له، و لكن بعوضه المسمى،لا ببدله الواقعي من المثل أو القيمة-مثلا-إذا اشترى زيد كتابا من عمرو بقلم،فبمجرد انعقاد العقد ينتقل الكتاب إلى زيد،و القلم إلى عمرو،فلو افترض أن الكتاب تلف بعد العقد،و قبل تسليمه لزيد يكون ضمانه على عمرو،و لكن لا بمثله أو قيمته،بل بالقلم الذي وقع عوضا عن الكتاب، و كذلك إذا تلف القلم قبل أن يستلمه عمرو،و معنى هذا بحسب النتيجة أن وجود العقد و عدمه سواء.

ص:253


1- المستام هو الذي يأخذ الشيء المعروض للبيع بقصد الاختبار،ليشتريه:فإذا تلف في يده ضمنه لصاحبه بالمثل أو القيمة،حتى مع عدم التفريط،لقاعدة على اليد ما أخذت حتى تؤدي،أمّا اذن البائع له بالقبض فهو مشروط ضمنا بأن التلف على القابض إطلاقا،و يأتي الكلام عنه في باب الغصب ان شاء اللّه،و أشرنا إليه في كتاب أصول الإثبات في الفقه الجعفري فصل اليد و الضمان، فقرة«المقبوض بالسوم».

و بهذا يتضح أن ضمان البائع للمبيع التالف قبل قبضه انما هو ضمان معاوضة،لا ضمان يد،و انه ليس للمشتري أن يرجع على البائع،و يطالبه بعوض المبيع من المثل أو القيمة،كما أنه لا يعقل أن يسقط الضمان عنه،لأنه إسقاط للساقط،أو إيجاب لما لم يجب على حد تعبير الفقهاء.

الهلاك الجزئي:

إذا نقصت قيمة المبيع السوقية قبل قبضه،كما إذا اشتراه بعشرة،و كانت هذه قيمته حين التعاقد،و قبل القبض هبطت بما لا يتسامح به عرفا،بحيث لو كان الهبوط قبل العقد لما تم البيع بالثمن المسمى،إذا كان كذلك يبقى الالتزام على ما كان،و لا يحق للمشتري أن يفسخ،و لا أن ينقص من الثمن،كما أن البائع لا يحق له أن يفسخ أو يزيد على الثمن ان ارجحت القيمة قبل القبض.

و إذا تلف بعض المبيع ينظر:فان كان التالف يمكن بيعه منفردا،كما لو اشترى قطيعا من الغنم فتلف بعضه انفسخ العقد بالنسبة إلى التالف،مع ما يقابله من الثمن،لانه مبيع تلف قبل قبضه،و يثبت الخيار للمشتري بين فسخ العقد، لتبعيض الصفقة،و بين إمضاء البيع بالقياس إلى الباقي بحصته من الثمن،قال الشيخ الأنصاري:«لا اشكال و لا خلاف في ذلك».

و ان كان الهالك وصفا للمبيع،بحيث لا يمكن بيعه منفردا،كعين الدابة، و لون الثوب تخير المشتري بين الفسخ،أو الإمضاء مع المطالبة بالأرش على ما هو المشهور بين الفقهاء بشهادة صاحب المسالك.و بعد ان أبدى الشيخ الأنصاري ملاحظاته على القائلين بالأرش قال:«و مع ذلك فقول المشهور لا يخلو من قوة».

ص:254

نماء المبيع التالف:

إذا تجدد للمبيع نماء بعد العقد،و قبل التلف،فهل يكون للمشتري،أو للبائع؟.

قال صاحب الجواهر:«لا خلاف بناء على حصول الملك بمجرد العقد في أنّه إذا حصل نماء للمبيع كان ذلك للمشتري،لأنه من التوابع لملكه،فان تلف الأصل قبل قبضه سقط الثمن عن المشتري،و له النماء،لأن التحقيق أن العقد ينفسخ من حين التلف،لا من أصله».

و تكرر مضمون هذه العبارة في كتب الفقه،و منها المكاسب و المسالك و مفتاح الكرامة.

و الحق أن النماء للبائع،لا للمشتري،لما سبق من أن القدرة على التسليم شرط لصحة العقد،و المفروض عدمها،فيكون العقد باطلا من أصله،و الغريب أن جميع الفقهاء،و منهم صاحب الجواهر و المكاسب و المسالك ذكروا أن القدرة على التسليم شرط لصحة العقد،و لكنهم ذهلوا هنا عما قالوه هناك،و لم يتذكروا إلاّ تبعية النماء للملك.و العصمة للّه (1).

هلاك الثمن قبل قبضه:

إذا كان كل من العوضين من غير النقود،كما لو تبادلا عينا بعين شخصية على سبيل المقايضة،أو وقعت العين مهرا أو عوضا عن خلع،أو منفعة،أو على

ص:255


1- ذاكرت أخا فاضلا بهذا فقال مدافعا عن الفقهاء:ان مرادهم من شرط القدرة على التسليم القدرة حين العقد و بعده بأمد يمكن فيه التسليم،و الفرض هنا أنّه مضى من الوقت أكثر من ذلك، و جوابنا أنّهم أطلقوا القول بأن القدرة تعتبر عند التسليم،و لم يفصلوا بين الوقت القصير و الطويل.

صلح عما في الذمة،و ما إلى ذلك،ثم تلفت قبل قبضها فحكمها حكم تلف المبيع قبل قبضه تذهب من مال مالكها الأول،قال الشيخ الأنصاري:«تلف الثمن المعين قبل القبض،كتلف المبيع المعين في جميع ما ذكر-ثم قال-،و هل تلحق العوضات في غير البيع بالبيع في هذا الحكم؟.نعم ذكر الفقهاء في الإجارة و المهر و عوض الخلع ضمان العين لو تلفت قبل القبض.و يظهر من كتاب التذكرة عموم الحكم لجميع المعاوضات،على وجه يظهر أنّه من المسلمات».

مكان التسليم:

إذا لم يشترط تأجيل الثمن أو المثمن وجب التسليم في الوقت الذي يتم فيه العقد،و إذا لم يعين مكان التسليم،و كان المعقود عليه من الأعيان المنقولة فمكان التسليم هو مكان العقد،فإذا وجد فيه فذاك،و إلاّ فعلى مالكه الأول نقله إليه مثمنا كان أو ثمنا،و إذا كان المكيل و الموزون مثمنا فاجرة الكيل و الوزن على البائع،و ان كان ثمنا فعلى المشتري،و المعيار أن كل ما يعود إلى المثمن فنفقته على البائع،و كل ما يعود إلى الثمن فعلى المشتري.

أمّا أجرة السمسار فعلى من يأمره،فإن أمره المشتري فأجرته عليه،لا على البائع،و كذلك البائع.

التنازع:

1-إذا كان المبيع مما يكال أو يوزن أو يعد

،أو ما أشبه كصفحات الكتاب،و ما إلى ذلك مما يقبل النقصان،و بعد أن قبضه المشتري رجع على البائع،و قال:وجدته ناقصا،و أنكر البائع ذلك،فان كان قد حضر المشتري الكيل

ص:256

و الوزن،و رأى المبيع و تسلمه بنفسه من البائع فالقول قول البائع إذا لم يكن للمشتري بينة،لأنه لما شاهد و قبض بنفسه كان ذلك منه بمنزلة الاعتراف بوصول حقه إليه كاملا،فإذا ادعى النقصان بعد ذلك كان أشبه بمن أنكر بعد أن أقر.

و إذا لم يحضر المشتري الكيل و الوزن،و لم يقبض بنفسه،كما لو أرسل البائع المبيع مع أحد المستخدمين عنده فالقول قول المشتري بيمينه إذا لم يكن للبائع بينة،لأن الأصل عدم وصول حقه إليه،و هذا التفصيل هو المشهور بين الفقهاء،و عن كتاب الرياض أنهم مجمعون عليه.

2-اختلفا في قدر الثمن

،فقال المشتري:بعتني بثمانية،و قال البائع:

بعشرة،فإن كان المبيع قائما فالقول قول البائع بيمينه،إذا لم يكن للمشتري بينة، و ان كان المبيع هالكا فالقول قول المشتري مع عدم البينة للبائع،قال صاحب الجواهر:هذا هو المشهور بين الفقهاء شهرة عظيمة،و الدليل أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل يبيع الشيء،فيقول المشتري هو بكذا بأقل مما يقول البائع؟.قال الإمام:القول قول البائع،مع يمينه إذا كان الشيء قائما بعينه.

و لو لا عمل الفقهاء بهذه الرواية و اعتمادهم عليها لكان القول قول المشتري إطلاقا،لأن الأصل عدم الزيادة في الحالين.

3-إذا قال المشتري للبائع:اشتريت منك ثوبين بدرهم،و قال البائع:بل

ثوبا واحدا بدرهم

،فالقول قول البائع،لأن أحد الثوبين متفق على أنّه محل البيع و الثاني مختلف فيه،و الأصل بقاؤه على ملك مالكه الأول،حتى يثبت العكس، و هكذا كل اختلاف وقع على الأقل أو الأكثر يؤخذ بقول من يقول بالأقل إلاّ ما خرج بالدليل،لأنه موضع اليقين من اتفاقهما،و الزائد مشكوك،فلا يثبت إلاّ بالبينة.

ص:257

و إذا اختلفا في تعيين المبيع،فقال البائع:بعتك هذا الثوب،و قال المشتري:بل ذاك الثوب كانا متداعيين،أي أن كل منهما مدع و منكر في آن واحد،يدعي ما ينفيه خصمه،و ينكر ما يثبته،فان لم تكن بينة تفصل بين الطرفين حلف كل على نفي ما يدعيه الآخر،لا على إثبات ما يدعيه هو،لأن المدعي يكلف بالبينة،لا باليمين،و متى تحالفا سقطت دعوى كل منهما على الآخر،تماما كما تسقط إذا دعي ابتداء على شخص أنّه باعه،أو اشترى منه فأنكر المدعى عليه،و حلف،فتسقط الدعوى،و إذا سقطت دعوى الاثنين ينفسخ العقد حتما،لاستحالة تنفيذه.

و كذا إذا اتفقا أن البيع كان بالنقد الأجنبي،لا بنقد البلد،و اختلفا في تعيينه، فقال البائع:بعتك بالجنيه،و قال المشتري:بالدولار،فإنهما يتحالفان،و يبطل البيع من رأس،أمّا إذا قال أحدهما:كان البيع بنقد البلد،و قال الآخر:بالنقد الأجنبي فالقول قول الأول.

ص:258

المرابحة و توابعها

اشارة

ينقسم البيع بالنظر إلى الإخبار بالثمن و عدمه إلى أربعة أقسام،و هي:

المساومة:

1-المساومة،و هي أن يساوم المشتري البائع على السلعة بما يتفقان عليه من الثمن من غير تعرض لذكر الثمن الذي اشترى به البائع،سواء أعلمه المشتري،أو لم يعلمه.

و عن أهل البيت عليهم السّلام أن بيع المساومة أفضل من غيره،قال الإمام الصادق عليه السّلام:أكره أن أبيع عشرة بأحد عشر،و نحو ذلك من البيع،و لكن أبيع كذا و كذا مساومة.

و نهى عن الربح الكثير،من ذلك قوله:ربح المؤمن على المؤمن ربا إلاّ أن يشتري بأكثر من مائة درهم،فاربح عليه قوت يومك،أو يشتريه للتجارة،فاربح عليه،و ارفق به.

قال الفقهاء:المراد بالربا-هنا-تأكيد الكراهة و شدتها.و في هذه الرواية إشارة إلى كراهية الربح الكثير،و ان الأفضل أن لا يزيد عن قوت اليوم الواحد،إذا كانت الصفقة مما يعتد بها،و إلاّ فإن الأفضل أن يكون الربح دون قوت اليوم،

ص:259

بخاصة إذا كان الشراء لسد الحاجة،لا للربح.

و من الخير أن نذكر بهذه المناسبة ما جاء في كتاب وسائل الشيعة ج 1 باب «كراهة البيع بربح الدينار دينارا».فان فيه درسا و عظة.

دعا الإمام الصادق عليه السّلام مولى له،اسمه مصارف،و أعطاه ألف دينار،و قال له:تجهز،حتى تخرج إلى مصر،فإن عيالي قد كثروا،فاشترى مصارف بالمال بضاعة،و خرج بها مع التجار إلى مصر،فلما قربوا منها و إذا بقافلة خارجة من مصر،فسألوهم عن المتاع الذي معهم:ما حاله في المدينة؟فقالوا:ليس بمصر منه شيء،فتحالفوا،و تعاقدوا على أن لا يبيعوا إلى بربح الدينار دينارا،و هكذا كان،و لما رجع مصارف إلى المدينة دخل على الإمام،و معه كيسان،في كل واحد ألف دينار،و قال:هذا رأس المال،و هذا الربح.فقال الإمام:انّه ربح كثير.

ما ذا صنعتم؟فحدثه كيف تحالفوا.فقال الإمام:سبحانه اللّه.تحلفون على قوم مسلمون أن لا تبيعوهم إلاّ بربح الدينار دينارا.ثم أخذ كيسا واحدا،و قال:هذا رأس المال،و لا حاجة لي بهذا الربح.ثم قال:يا مصارف،مجالدة السيوف أهون من طلب الحلال.

التولية:

2-التولية،و هي أن يخبر البائع المشتري برأس المال،ثم يتفقان على البيع مع جميع النفقات و المؤن التي أنفقها عليه من غير زيادة أو نقيصة.

و إذا ظهر كذب البائع فلا يبطل البيع،لأنه عقد على شيء معلوم بثمن معلوم مع التراضي،أمّا الكذب بالثمن فيتلافى و يستدرك بالخيار،تماما كاشتراء المعيب،مع الجهل بالعيب.و الخيار-هنا-بين الفسخ أو الإمضاء بالثمن

ص:260

المسمى،و ليس للمشتري أن يمسك المبيع،و يحط من الثمن الزيادة التي كذب بها البائع،لأن البيع وقع على الثمن الذي أخبره به البائع،و هو المذكور صراحة في صلب العقد دون الثمن الواقعي،فأمّا أن يرضى بالمسمى،و أمّا أن يرد، و لا شيء على البائع سوى الإثم.و لو قال البائع للمشتري:لا تفسخ،و أحط عنك الزيادة سقط الخيار،لارتفاع سببه.

الوضيعة:

3-الوضيعة،و هي أن يخبر البائع المشتري برأس المال،ثم يتفقان على البيع بحط مقدار معين من الثمن الذي اشترى به البائع،و إذا تبين كذبه بالإقرار أو بالبينة فللمشتري الخيار على الوجه المتقدم في التولية.

المرابحة:

4-المرابحة عكس الوضيعة،أي البيع برأس المال مع ربح معين،و إذا تبين كذب البائع فللمشتري الخيار،كما تقدم.

و لا بد في الأقسام الثلاثة الأخيرة من علم المشتري برأس المال،و المؤن، و بجميع ما طرأ على المبيع من زيادة أو نقيصة،فقد جاء في مفتاح الكرامة:

«لا يكفي تجدد العلم بعد العقد،و ان اقتضاه الحساب المنضبط».و سبق في فصل النقد و النسيئة،فقرة«التأجيل»أن التعيين الواقعي الذي يمكن الاطلاع عليه بسهولة كاف لصحة التعاقد،و ان جهل المتعاقدان بالشيء المعين واقعا،على شريطة أن ينشئا العقد على أساسه.

و إذا كان البائع قد اشترى السلعة إلى أجل فعليه أن يخبر المشتري بذلك،

ص:261

فان كتمه و أخفى عنه و كان قد باع بمثل ما اشترى،مع ربح معلوم يكون للمشتري مثل ما كان للبائع من الأجل،قال رجل للإمام الصادق عليه السّلام:إنما نشتري المتاع بنظرة،فيجيء الرجل،فيقول:بكم تقوّم عليك؟فأقول بكذا و كذا،فأبيعه بربح؟ قال الإمام عليه السّلام:إذا بعته مرابحة كان له من النظرة مثل ما لك.

و الأقسام الأربعة كلها صحيحة و جائزة شرعا،أمّا بيع المزايدة،و هي أن ينادي الرجل على السلعة طلبا للزيادة فيها،ثم يستقر البيع على من لم يزد عليه، أمّا هذا النوع من البيع فيدخل في بيع المساومة،و ليس قسما مستقلا برأسه.

إذا أكذب البائع نفسه:

إذا أخبر البائع برأس المال،و تم البيع على أساسه،ثم ادعى أنّه كان أكثر مما أخبره به،و أنّه كان مشتبها في إخباره،إذا كان كذلك ردت دعواه بمجرد سماعها من غير بينة و لا يمين،حتى و لو كان معروفا بالصدق،لأنه إنكار بعد إقرار،و لو استمع منه لا نسد باب العمل بالإقرار،أجل،إذا ادعى أن المشتري يعلم بالواقع كما هو،و انه قد غلط و اشتبه فتسمع دعواه،و يحلف المشتري على نفي علمه بمقدار رأس المال.

ص:262

السلم

معناه:

السلم بفتح السين و اللام،و مثله السلف و في بعض كتب اللغة أن السلم و السلف واحد وزنا و معنى،و السلم نوع من أنواع البيع الذي هو مبادلة مال بمال، لأن المال الذي يقع محلا للمبادلة تارة يكون عينا خارجية حاضرة،فتباع بالمشاهدة،و أخرى غائبة،فيجوز بيعها بالوصف،و ثالثا يكون في الذمة،و منه بيع السلم بالشروط الآتية،و يجوز أن يكون المبيع في الذمة حيوانا،و طعاما، و فاكهة،و غيرها من العروض،و عرفه الفقهاء بأنّه ابتياع مال غير موجود بالفعل، و لكنه ممكن الوجود بثمن مقبوض حالا على أن يسلم البائع للمشتري المبيع في أجل معلوم،أمّا وجه التسمية بالسلم و السلف فلأن المشتري يسلم البائع، و يسلفه مبلغا معينا من المال مقابل أن يسلمه المعقود عليه في موعد يتفقان عليه.

شرعية السلم:

و هذا النوع من البيع جائز شرعا بالرغم من أن المبيع معدوم حين البيع، و الدليل على شرعية النص،قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا بأس بالسلم في المبتاع إذا وصفت الطول و العرض،و في الحيوان إذا وصفت أسنانها.

ص:263

و سئل عن الرجل يسلف في الغنم الثنيان و الجذعان،و غير ذلك إلى أجل مسمى؟قال:لا بأس به.

و قال لا بأس بالسلم في الفاكهة.

و سئل عن السلف في الحرير و المتاع؟قال:نعم،إذا كان إلى أجل معلوم.

و قال:قال علي أمير المؤمنين:لا بأس بالسلم كيلا معلوما إلى أجل معلوم، و لا تسلم إلى دياس،و إلى حصاد،أي إدراك الغلة،لأن وقتها يتقدم و يتأخر،إلى غير ذلك من الروايات.

الشروط:

اشارة

يشترط في بيع السلم أمور :

1-ذكر الجنس و الوصف بلفظ يدل عليهما صراحة

،بحيث يمكن أن يرجع إليه المتعاقدان عند الاختلاف،و المراد بالجنس-هنا-حقيقة المبيع من الحنطة أو الشعير،أو الغنم أو الثياب،و ما إليها،أمّا الوصف فهو كل ما يختلف الثمن من أجله اختلافا لا يتسامح عرفا بمثله،و الدليل على هذا الشرط الاحتراز من الغرر المبطل،و قول الإمام عليه السّلام:«لا بأس إذا وصفت الطول و العرض».

و قال الفقهاء:يصح السلم في الفواكه،و الخضار،و البيض،و الجوز، و اللوز،و الألبان،و الاسمان،و الأطياب،و الملابس،و الأشربة،و الأدوية، لإمكان ضبطها بالوصف الذي تتفاوت فيه الرغبات.

و قالوا:لا يصح السلم في الجواهر و اللآلئ،لتعذر ضبط أوصافها التي يتفاوت الثمن بها تفاوتا فاحشا،و كذا لا يجوز في العقارات و الأرضين،و لا في الخبز و الجلود،لعين السبب.

ص:264

و قالوا:لو اشترط الفرد الأجود لم يصح لتعذره،إذ ما من جيد إلاّ و يمكن أن يكون غيره أجود منه.و قال جماعة منهم:و كذا لا يصح اشتراط الأردى،لعين السبب.

و بديهة أن أقوال الفقهاء في مثل هذه البحوث و المسائل ليست بحجة، لأنّها ليست من اختصاصهم في شيء،ما دامت في تشخيص الموضوعات الخارجية،لا في معرفة الأحكام الشرعية.ان وظيفة الفقيه أن يبين الحكم الشرعي الكلي،مثل الغرر مبطل للبيع،أمّا بيان موضوعات الأحكام،و ان هذا غرر،أو ليس بغرر فليس من شأنه،و لا أدل على ذلك من قول الفقهاء:هذا يصح،لإمكان ضبطه بالوصف،و ذاك لا يصح،لعدم إمكان الضبط،فالمعول- اذن-على إمكان الضبط،و ليس من شك أن المرجع فيه هو العرف،قال صاحب الجواهر في مجلد المتاجر،مبحث السلم:«لقد أكثر الفقهاء من الأمثلة للجائز و الممتنع في السلم،كما أكثروا في بيان الأوصاف للموصوفات،مع أنّه أطلق في النصوص أنّه لا بأس بالسلم في المبتاع إذا وصف الطول و العرض،و لا بأس به في الحيوان إذا وصفت الأسنان اتكالا على العرف،فكان الاولى بالفقهاء أن يتركوا ذلك إلى العرف-و قال-ان العامي ربما يكون أعرف من الفقيه في ذلك».

و مهما يكن،فالمهم أن نعرف أن كل ما يمكن ضبطه بأوصافه المطلوبة يصح فيه السلم،و ما عدا ذلك يبطل،لأن ما لا يضبطه الوصف غرر،و كل غرر باطل،أمّا تمييز الفرد الذي يضبطه الوصف عن غيره من الافراد التي لا تضبط بالوصف فالمرجع فيه العرف،كما قال صاحب الجواهر.

2-أن يقبض الثمن في مجلس العقد

،فإذا افترقا من غير أن يحصل القبض بطل السلم،و لا دليل على هذا الشرط سوى الإجماع على ما قيل.

ص:265

و إذا قبض بعض الثمن قبل التفريق صح في المقبوض فقط،لوجود المقتضى،و هو العقد و القبض،و بطل في الباقي للافتراق قبل القبض،و يثبت للبائع خيار تبعيض الصفقة،إذا لم يكن هو السبب في عدم القبض،كما لو بذل المشتري الثمن،و امتنع البائع عن أخذ البعض دون البعض،أمّا المشتري فلا خيار له،لأن الامتناع منه إذا لم يدفع الكل.

و لو كان للمشتري دين في ذمة البائع فهل يجوز جعله ثمنا للمسلم فيه،أي للمبيع المؤجل؟.

ذهب المشهور إلى عدم الجواز،لأنه بيع دين بدين،و قد ثبت عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لا يباع الدين بالدين.

3-أن يكون المسلم فيه معلوم الكمية كيلا فيما يكال،و وزنا فيما يوزن،

و عدّا فيما يعد

،أو ما يقوم مقام ذلك مما تنتفي معه الجهالة و الغرر.و كما يجب تعيين المبيع يجب تعيين الثمن أيضا.

4-أن يكون الأجل معلوما،للاحتراز من الغرر

،و للإجماع،و لقول الإمام عليه السّلام:«إذا كان إلى أجل معلوم».

و لا حد لطول الأجل و قصره،ما لم يعد سفها،كدقيقة في جانب القلة، و كألف سنة في جانب الكثرة،و تقدم البيان عنه في فصل النقد و النسيئة فقرة «التأجيل».

5-أن يكون المسلم فيه موجودا في الغالب عادة عند حلول أجل

التسليم

،فإذا ندر وجوده كفاكهة الشتاء يؤجل تسليمها إلى الصيف،و فاكهة الصيف إلى الشتاء يبطل السلم.

و الغرض من هذا الشرط عند المشترطين له هو قدرة البائع على تسليم

ص:266

المبيع عند الاستحقاق،و سبق في فصل شروط العوضين أن القدرة شرط لصحة البيع من حيث هو سلما كان أو غيره،و على هذا لو قدر البائع على التسليم في الوقت المعين صح السلم،حتى و لو لم يكن إلاّ الفرد المسلم فيه،فلا جدوى- اذن-من ذكر هذا الشرط هنا،و لذا قال صاحب الجواهر:«إذا أريد من هذا الشرط أمر زائد على ما في البيع فلا أجد دليلا عليه».

موضع التسليم:

لا يشترط ذكر موضع التسليم في العقد،و لكن إن ذكراه تعين العمل به، و إلاّ وجب التسليم في موضع العقد،و سبق البيان في ذلك فصل القبض فقرة «مكان التسليم».

تعذر التسليم:

إذا حل الأجل،و تعذر تسليم البيع،لقوة قاهرة،كما لو تلف الزرع أو هلكت الماشية فلا يبطل العقد،و لا يجب على البائع أن يدفع عوض المبيع من المثل أو القيمة على ما هو المشهور بين الفقهاء،لأن محل العقد الذمة،و ليست العين الخارجية،و المتعذر أجل التسليم،و الذي يوجبه الحكم أن يتخير المشتري بين الفسخ و استرجاع الثمن،و بين الصبر إلى أمد ممكن فيه وجود المبيع،و يدل عليه الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل أسلف في شيء تسلف فيه الناس من الثمار،فذهب زمانها،و لم يستوف سلفه؟قال فليأخذ رأس ماله،أو لينتظر.

ص:267

ص:268

الصرف

اشارة

يدخل الصرف في فصل الربا،و لكن الكثير من الفقهاء تكلموا عنه في فصل مستقل بالنظر لأهميته في عهدهم،حيث كانت النقود ذهبا و فضة،و آثرنا نحن ذكره على حدة تمشيا مع الأكثرية،و أوجزنا القول فيه،لأن دراسته اليوم لا تتعدى النظريات المجردة،و ليس لها من النفع ما كان لها بالأمس.

و قد عرف الفقهاء الصرف ببيع الأثمان بمثلها،مع شرط التقابض في المجلس،فان لم يحصل التقابض إطلاقا،أو حصل مع تعدد المجلس بطل الصرف،على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا،على حد تعبير صاحب الجواهر.و التقابض في المجلس في الصرف شرط زائد على سائر الأعيان الربوبية التي يأتي البيان فيها في الفصل التالي.

و يريد الفقهاء بالأثمان خصوص الذهب و الفضة دون الأوراق النقدية.

و يلاحظ بأنهم قالوا في سبب الاختصاص بالذهب و الفضة انهما يقعان ثمنا عن الأشياء،و معلوم أن أوراق النقد تقع أيضا ثمنا عن الأشياء،فينبغي تعميم الحكم إليها.بل ان تعبيرهم بلفظ الأثمان يشمل كل نقد مهما كان نوعه،ما دام من شأنه أن يكون ثمنا لا مثمنا.و لكن الجمود على حرفية النص يستدعي الوقوف عند الذهب و الفضة،و عدم التجاوز إلى غيرهما.

ص:269

النص:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:نهى رسول اللّه عن بيع الذهب بالذهب زيادة إلاّ وزنا بوزن.

و قال:الذهب بالذهب،و الفضة بالفضة،و الفضل بينهما هو الربا المنكر.

و سئل عن الرصاص؟فقال:الرصاص باطل،ي لا يصح به الصرف.

و سئل عن الرجل يبتاع الذهب بالفضة مثلين بمثل؟قال:لا بأس به يدا بيد.إلى غير ذلك من الروايات.

التفاضل:

لا يجوز بيع الذهب بالذهب،و الفضة بالفضة إلاّ مثلا بلا زيادة و لا نقصان، و يستوي في ذلك بيع المسكوك،و غير المسكوك،و الصحيح و المكسور، و الجيد و الرديء،ما دام كل منهما من جنس واحد،قال صاحب الجواهر:«جيد الجوهر و رديئه واحد بلا خلاف و لا اشكال،لصدق اتحاد الجنس فيه».

و إذا كان الذهب مغشوشا فيه مادة ثانية غير الذهب فلا يباع بالذهب،بل يباع بالفضة،أو بغيرها إلاّ أن يعلم مقدار الصافي من الذهب فيباع بمثله،مع إسقاط مقدار الغش،و كذا الحكم بالنسبة إلى الفضة.و يجوز بيع الذهب بالفضة، مع التفاضل لاختلاف الجنس.

مسائل:

1-إذا اشترى شيئا بنوع خاص من النقد تعين

،و لا يجبر المشتري على أخذ غيره،و ان كان ساواه في القيمة أو زاد عنه،كما أن المشتري لا يجوز له دفع

ص:270

غيره،و ان كان أفضل إلاّ برضا البائع.

2-إذا اشترى دراهم معينة بدراهم كذلك،ثم تبين أن جميع ما صار إليه

من غير جنس الدراهم بطل العقد

-مثلا-إذا كان مع شخص قطعة نقد فضية معينة من ذوات العشرة دراهم،و مع آخر قطعتان معينتان،كل منهما من ذوات الخمسة،و اتفقا على صرف الواحدة،بالقطعتين،و بعد أن تم التقابض تبين أن الواحدة من الرصاص،و القطعتين من الفضة،أو بالعكس بطل العقد،لأنه وقع على عين شخصية بقصد أنّها فضة،و حيث تخلف القصد بطل العقد،تماما كما لو اشترى هذا الثوب بالذات بقصد أنّه صوف،فتبين أنّه قطن،و إذا بطل العقد فلا سبيل للقول بجواز المطالبة بالإبدال أو الأرش.

أجل،إذا كانت القطعتان من الفضة،لا من الرصاص،و من جنس القطعة ذات العشرة،و لكن تبين أن فيهما عيبا كان لصاحب القطعة غير المعيبة حق الخيار في الرد أو الإمساك من غير أرش،لأن أخذ الأرش مستلزم للزيادة في الوزن،فيكون ربا،و قد بينا أن التفاضل غير جائز في بيع الذهب بالذهب،و في بيع الفضة بالفضة،و ان المساواة فيهما لا بد منهما،حتى بين الجيد و الرديء.

3-إذا اشترى دارهم بدراهم مثلها في الذمة،لا بدراهم خارجية معينة

، و لدى التقابض تبين أن جميع ما صار إليه من غير جنس الدراهم لا يبطل الصرف كما هي الحال لو وقع العقد على عين خارجية-مثلا-إذا قال له أعطيك قطعة من ذوات العشرة بقطعتين من ذوات الخمسة،من غير أن يقول:هذي بهاتين،بل جرى العقد على ما في الذمة،و بعد القبض تبين أن القطعتين من الرصاص يجوز للآخر،و الحال هذي،أن يطالبه بالإبدال،لعدم تحقق قبض الشيء المعقود عليه،تماما كما لو اشترى ثوبا من الصوف في الذمة،و أعطاه البائع ثوبا من قطن،

ص:271

فان العقد لا يبطل بذلك،بل للمشتري أن يطالب بالإبدال.

و إذا تبين أن القطعتين من جنس الفضة،و لكن فيهما عيبا كان الطرف الثاني مخيرا بين الرد و الإمساك من غير أرش،لما قدمنا من أن الأرش يستدعي الزيادة في الوزن،و الزيادة ربا محرم و مبطل.

ص:272

الربا

التحريم:

يحرم الربا بنص الكتاب و السنة،و إجماع المسلمين كافة من يوم الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى اليوم،بل لا يحتاج التحريم إلى دليل،لأن الدليل انما يستدل به على النظريات الاجتهادية،و المسائل الظنية،أمّا الواضحات البديهية فيستوي في معرفتها العالم و الجاهل،و المجتهد و المقلد،فلا حاجة بها-أذن-إلى دليل.و من هنا حكم الفقهاء بكفر من أنكر تحريم الربا،لأنه ينكر ما ثبت بضرورة الدين، تماما كما ينكر وجوب الصوم و الصلاة،و الحج و الزكاة،قيل للإمام الصادق عليه السّلام:

ان فلانا يأكل الربا،و يسميه اللبأ؟قال:لأن أمكنني اللّه منه لأضربن عنقه.

و كما يحرم أخذ الربا كذلك يحرم إعطاؤه،فعن علي أمير المؤمنين عليه السّلام أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم«لعن الربا و آكله و بايعه و مشتريه و كاتبه و الشاهد عليه»و لا فرق في التحريم بين الدافع و القابض،حتى و لو كان لضرورة ملحة،لأن الشارع لعن الجميع،و هددهم بقوله «فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ» و لم يستثن أحدا.

و تقول:لقد تسالم الفقهاء على أن الضروريات تبيح المحذورات.و انه سبحانه إذا قال يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ فقال أيضا إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 1.و تحريم الربا تماما كتحريم الميتة،فإن حلت الميتة من أجل الضرورة فيجب أن يحل الربا للغاية نفسها.

ص:273

و تقول:لقد تسالم الفقهاء على أن الضروريات تبيح المحذورات.و انه سبحانه إذا قال يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ فقال أيضا إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1).و تحريم الربا تماما كتحريم الميتة،فإن حلت الميتة من أجل الضرورة فيجب أن يحل الربا للغاية نفسها.

و نجيب أولا:ان الضرورة المسوغة غير موجودة هنا إطلاقا،لا بالقياس إلى القابض،و لا بالقياس إلى الدافع،أمّا القابض فلأن المفروض أن لديه من المال ما يقيم به الأود،و لو يوما واحدا،و الآية الكريمة أحلت الميتة و الدم و لحم الخنزير لمن أشرف على الهلاك من الجوع،لا لمن يرابي لتربو أمواله،و أمّا الدافع فلأن الضرورة إذا سوغت له أخذ المال فإنها لا تسوغ له دفع الزيادة التي اشترطت عليه،و إذا أخذت قهرا عنه فلا تحل للآخذ،بل تكون أكلا للمال بالباطل.

ثانيا:لا تلازم بين تحليل الميتة للمضطر،و بين تحليل أموال الغير.أجل، قال الفقهاء:إذا انحصر حفظ الحياة بأكل مال الغير جاز أن يأكل منه بمقدار ما يرفع الضرر،على شريطة أن يضمن الآكل بدل المال من المثل و القيمة،و يسدد عند الإمكان،و بديهة أن هذا شيء،و تحليل الربا شيء آخر.و بكلمة ان الاضطرار ليس سببا من أسباب الملك،و لا لصحة المعاملة،بل يرتفع التحريم و العقاب فقط،و لا تلازم بين الحكم التكليفي و هو التحليل،و بين الحكم الوضعي،أي الفساد،فقد تكون المعاملة محرمة،و غير فاسدة،كالبيع وقت النداء،و قد تكون فاسدة،و غير محرمة،كبيع الصغير و السفيه.

و بهذا يتضح أن الربا لا يحل أكله بشتى صوره و إشكاله،أمّا الاضطرار و خوف الهلاك فإنه يرفع الإثم فقط،و لا يكون سببا للتمليك و صحة المعاملة.

ص:


1- البقرة:173. [1]

فساد المعاملة الربوية:

اشارة

هل فساد الربا موجب لفساد المعاملة من الأساس،أو يختص الفساد بالزيادة فقط،أمّا المعاملة فصحيحة،و بكلمة:هل الربا فاسد و مفسد للعقد،أو فاسد غير مفسد-مثلا-إذا أقرضه عشرة دراهم بشرط أن يردها اثني عشر،أو باعه مدا من الحنطة بواحد و نصف فالزيادة محرمة و فاسدة بلا ريب،و لكن هل تفسد المعاملة أيضا؟.فلا يصح للمستقرض أن يتصرف برأس المال،و هو ال 10 دراهم،و لا للمشتري بمد الحنطة،أو أن المعاملة تكون صحيحة و يجوز للمستقرض أن يتصرف بالمال،و للمشتري بالمبيع؟

و الجواب:ان كل ما فيه شائبة الربا فهو فاسد و مفسد

،حتى و لو قلنا:ان الشرط الفاسد-غير الربا-لا يفسد،لأن الأدلة التي دلت على تحريم الربا صريحة بأن كل معاملة تتصل بالربا من قريب أو بعيد فهي باطلة،تماما كبيع الحصاة.(مر تفسيره في فصل شروط العوضين فقرة النهي عن المعاملة).

و على هذا،فمن اشترى جنسا بجنس مع الزيادة،أو اقترض كذلك يجب أن يرد المال الذي اقترض،و المبيع الذي قبض،و يحرم عليه التصرف فيه،مع العلم بالربا و فساد المعاملة،و ان أبقاه في يده جرى عليه حكم المقبوض بالعقد الفاسد.

و تقول:إذا باع شاة و خنزيرا في صفقة واحدة يصح البيع بالنسبة إلى الشاة بما يقابلها من الثمن،و يفسد بالنسبة إلى الخنزير كذلك بإجماع الفقهاء،فليكن الحال هنا كذلك،تبطل الزيادة،و تكون المعاملة صحيحة بالقياس إلى رأس المال؟ و نجيب بان بيع الشاة مع ما يقابلها من الثمن مقصود منذ البداية،و لو مع الخنزير،أمّا البيع و الدين من غير زيادة فغير مقصود إطلاقا فإذا قلنا بصحة

ص:275

المعاملة في رأس المال يلزم أن يكون الذي وقع لم يقصد،و الذي قصد لم يقع.

الزيادة المقبوضة:

أوضحنا في الفقرة السابقة أن العين بيد المستقرض في ربا القرض،و بيد المشتري في ربا البيع هي بحكم المقبوض بالعقد بالفاسد،و نتكلم الآن عن حكم الزيادة التي قبضها المقرض من المستقرض،و البائع من المشتري:هل يجب عليه أن يردها على مالكها ان كانت قائمة،و ان يرد بدلها من المثل أو القيمة ان كانت تالفة،أو لا يجب عليه شيء من ذلك؟ و حيث ان الزيادة التي قبضها المرابي باقية على ملك مالكها الأول،لفسد المعاملة من رأس،و هي في يده بحكم المقبوض بالعقد الفاسد فيجب عليه ردها،سواء أعلم بأن الربا محرم أو لم يعلم،و سواء أ كانت الزيادة ربا القرض،أو ربا البيع،لقوله تعالى وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ الذي يعم الجاهل و العالم ،أجل إذا كان قد قبض الربا جاهلا به أو بتحريمه يرتفع عنه الإثم و العقاب،أما الضمان و وجوب الرد فلا،لأن الحكم الوضعي يثبت مع الجهل كما يثبت مع العلم،قال صاحب الجواهر:«المعروف بين المتأخرين أن الجاهل بالربا كالعالم به في وجوب الرد من غير فرق بين تلف العين أو بقائها،لإطلاق ما دل على تحريم الربا،لعدم انتقاله عن المالك،و العذر في الحكم التكليفي لا ينافي الفساد الذي هو الحكم الوضعي».

و قال جماعة من الفقهاء:يجب رد الربا إذا كان القابض قد قبضه عن علم به و بحكمه،أمّا الجاهل فلا يجب عليه شيء،لقوله تعالى فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ .و المراد بمجيء الموعظة العلم بعد الجهل.

ص:276

و أجاب صاحب الجواهر بأن المراد بالآية الكريمة العفو عما سلف في حال الجاهلية،و قبل نزول الآية،كما هو الشأن في قوله تعالى وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ كما أن الآية تشمل المرابي الذي قد أسلم الآن،فان كان قد قبض الربا قبل إسلامه فلا يجب عليه رده بعد الإسلام،و ان لم يكن قد قبضه فلا يحل له أخذه،قال الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:من أسلم على شيء فهو له.

و تقول:لقد روى الرواة عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه سئل عن رجل أربا بجهالة،ثم أراد أن يتركه؟فقال:أمّا ما مضى فله،و ليتركه فيما يستقبل.

و أجاب صاحب الجواهر عن هذه الرواية،و ما إليها بأن مراد الإمام عليه السّلام أن الجاهل معذور في أكل الربا من حيث العقاب و الإثم،لا من حيث الضمان، و وجوب الرد،ثم قال:«ان التفصيل بين الجاهل و العالم يلزم منه أمور عظيمة من تحليل مال الغير،و ان صاحب المال لا يجوز له أخذه،و غير ذلك مما يصعب الالتزام به».

و نحن مع صاحب الجواهر،من عدم الفرق بين الجاهل و العالم،لأنه المشهور بين الفقهاء المتأخرين،و يتفق مع الأصول و القواعد القاضية بان من أتلف مال غيره فهو له ضامن،و كيف يمكن الجمع بين بقاء الربا على ملك مالكه الأول،و بين جواز أكله للجاهل،و ضمانه له؟ ثم ان المرابي ان وجد من قبض منه الربا رده إليه بالذات،و ان وجده ميتا رده إلى الورثة،فان لم يعلم له وارثا تصدق به عنه.

ص:277

معنى الربا:

الربا معناه الزيادة و الإضافة،يقال:ربا الشيء يربو إذا زاد،و منه قوله تعالى وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللّهِ .و ما من شك أن الزيادة من حيث هي ليست حراما،و إلاّ انسد باب الربح و التجارة،اذن،لا بد من نص شرعي يبين و يفسر ما أجمل اللّه في كتابه من ذكر الربا،و بتعبير ثان ان للشارع حقيقة شرعية،و اصطلاحا خاصا في معنى الربا،و قد دلت الأحاديث النبوية،و الروايات عن أهل بيت الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن الربا يثبت في موردين:

الأول في القرض مطلقا،من غير شرط سوى شرط الزيادة و المنفعة من ورائه، الثاني في غيره من المعاملات.

ربا القرض:

ربا القرض أن يقرض الإنسان شيئا،أي شيء كان،و يشترط على المستقرض المنفعة من وراء القرض،سواء أ كانت المنفعة من جنس المال،كمن أقرض عشرة دراهم بشرط أن يردها أحد عشر،أو من غير جنسه،كما لو اشترط أن يعمل المستقرض له عملا أو يعيره شيئا،قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«كل قرض حر نفعا فهو حرام».و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل اعطى رجلا مائة درهم على أن يزيده خمسة دراهم،أو أقل،أو أكثر؟فقال الإمام عليه السّلام:هذا هو الربا المحض.

و لو تبرع المستقرض بالزيادة من تلقائه،و من غير شرط كان له ذلك،فقد سئل الإمام عنه؟فقال:لا بأس ما لم يشترط.الربا يأتي من قبل الشرط،و انما تفسده الشروط.ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم اقترض بكرا،فرده بازلا رباعيا،ان خير الناس أحسنهم قضاء.

ص:278

و لأجل هذا النص،و كثير غيره اتفق الفقهاء كلمة واحدة على أن الربا يثبت في الدين بشرط الزيادة و المنفعة إطلاقا،سواء أ كانت العين من نوع المكيل أو الموزون أو المعدود أو المذروع،و سواء أ كانت المنفعة من نوع المال،أو من غيره.و بكلمة إن ربا القرض لا فرق فيه بين عين و عين،و لا بين منفعة و منفعة، فإذا قال الفقيه:هذا الشيء من الأعيان الربوبية،دون ذاك،أو قال:يحرم التفاضل بين مكيلين أو موزونين،و لا يحرم بين معدودين و مذروعين فإنما يريد تحديد ربا غير القرض،لان ربا القرض حده الزيادة فقط،آية زيادة تكون على آية عين من الأعيان.

ربا غير الدين:

اشارة

اتفق الفقهاء على أن الربا يثبت أيضا في البيع بالشرطين الآتيين،و اختلفوا في غير البيع،و ذهب المشهور بشهادة صاحب الجواهر،و السيد اليزدي في الملحقات إلى أن الربا يثبت في الصلح،و في كل معاوضة يمكن التفاضل فيها بين العوضين،و استدلوا على ذلك بالأدلة الدالة على تحريم الربا بوجه عام الشامل لكل زيادة،و أيضا استدلوا بنصوص خاصة دلت على اشتراط المماثلة، و عدم الزيادة،مع اتحاد الجنس،منها قول الإمام عليه السّلام:الفضة مثلا بمثل،و ليس فيها زيادة و لا نقصان،و المستزيد في النار،و هو شامل للبيع و غير البيع،و منها أن الإمام سئل عن الرجل يدفع إلى الطحان الطعام،فيقاطعه على أن يعطي صاحبه لكل عشرة أرطال اثني عشر رطلا دقيقا؟قال:لا.و المقاطعة غير البيع،فدل على أن الربا يثبت في غير البيع من المعاوضات،تماما كما يثبت بالبيع.و يشترط لثبوته في غير الدين شرطان:الأول أن يكون العوضان من جنس واحد،الثاني أن

ص:279

يكونا مما يكال أو يوزن.و فيما يلي البيان:

اتحاد الجنس:

1-هذا هو الشرط الأول،و ضابطه أن يصدق على كل من العوضين اسم الحقيقة النوعية التي توجد فيهما بجميع مقوماتها،كبيع الحنطة بالحنطة،أو بيع الحنطة بالدقيق،لأن الثاني متفرع عن الأول،أو بيع النشا بالدقيق،لأن الاثنين متفرعان عن أصل واحد،و هو الحنطة،و الدليل على هذا الشرط قول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم»و قول الإمام الصادق عليه السّلام:

«كل شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثيلين بمثل إذا كانا من جنس واحد».

و بهذا الشرط يخرج العوضان اللذان يصدق عليهما اسم واحد،و لكن حقيقة كل منهما غير حقيقة الآخر،كالأرز بالزيت،حيث يصدق عليهما معا اسم الطعام،فالمعيار انما هو الاتحاد في الحقيقة النوعية،لا مجرد الاتحاد و الاشتراك بالاسم.

و اجمع الفقهاء إلاّ من شذ على أن الحنطة و الشعير جنس واحد،لا يجوز التفاضل بينهما،لقول الإمام عليه السّلام:«الحنطة و الشعير رأسا برأس،لا يزداد واحد منهما على الآخر.ان أصل الشعير من الحنطة».و أيضا أجمعوا على أن الغنم و المعز جنس واحد.

و نتيجة هذا الشرط أن غير المتجانسين،كالتمر و الحنطة فيجوز بيع أحدهما بالآخر،مع التساوي و التفاوت نقدا و نسيئة على المشهور بين الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر،و صاحب مفتاح الكرامة.

ص:280

الكيل و الوزن:

2-الشرط الثاني أن يكون العوضان مما يكال أو يوزن،فلا ربا فيما يباع عدا كالبيض،و لا مشاهدة كالثوب و الحيوان،فيجوز بيع بيضة ببيضتين،و ثوب بثوبين نقدا و نسيئة على المشهور بشهادة صاحب ملحقات العروة الوثقى،قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا يكون الربا إلاّ فيما يكال أو يوزن.و قال:لا بأس الثوب بثوبين،و البيضة ببيضتين،و الفرس بفرسين،ثم قال:كل شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد،فإذا كان لا يكال و لا يوزن فليس به بأس اثنان بواحد.

و قال الفقهاء في تحديد المكيل و الموزون:ان ما علم أنّه كان مكيلا أو موزونا في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يحرم التفاضل بينهما،حتى لو ترك الناس الكيل و الوزن فيه،و كل ما علم أنّه كان غير مكيل أو موزون في عهده جاز فيه التفاضل، حتى و لو صار مكيلا أو موزونا عند الناس بعده،و ان جهل الحال ينظر:فان اتفقت البلدان بكاملها على كيله أو وزنه فهو من الأعيان الربوية،و ان اختلفت بحيث يكون الشيء الواحد موزونا في بلد،و معدودا في بلد فلكل بلد حكم نفسه على ما هو المشهور بين الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر،لأن الموضوعات يحكّم فيها عرف الناس و عاداتهم.

و تقول:لقد قرر العلماء ان الألفاظ تحمل على العرف العام،حتى و لو كان المخاطب بها من أهل العرف الخاص،لأن العرف الخاص متعدد و متفاوت فيتعذر ضبطه،و عليه فلا يجوز أن يكون لكل بلد حكم نفسه.

و الجواب:ان الاختلاف هنا في المصاديق و الافراد،أمّا المفهوم الكلي المراد من اللفظ فواحد عند الجميع،فان معنى المكيل هو الذي يكال بوعاء

ص:281

مقدر،و الموزون ما يوزن بعيار كذلك،و هذا لا تبدل فيه في كل عصر و مصر، و الاختلاف انما هو بالإفراد كما قلنا،و بديهة أن الأحكام الشرعية بالكليات التي يمكن ضبطها و تحديدها،لا بالجزئيات التي تختلف بحسب البلدان و الزمان.

فتحصل مما قدمنا أن الأعيان الربوبية هي كل ما كان من نوع المكيل و الموزون حبا كان،أو معدنا،أو دهنا،أو طيبا،أو فاكهة،أو نباتا،أو غير ذلك، فان كان العوضان من غير المكيل و الموزون جاز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا و متساويا،حتى و لو كانا من جنس واحد كثوب بثوبين نقدا و نسيئة،أمّا في القرض فلا تجوز الزيادة إطلاقا.

و ان كان أحدهما يكال أو يوزن دون الآخر جاز البيع إطلاقا مهما كان التفاوت نقدا،و نسيئة،كبيع الثوب بالحنطة.

و ان كان كل منهما يكال أو يوزن إلاّ أن أحدهما من غير جنس الآخر، كالأرز و السكر جاز البيع متساويا و متفاضلا نقدا،و نسيئة.

و ان كانا من جنس واحد فلا يجوز التفاضل بينهما لا نقدا و لا نسيئة، كالسكر بالسكر،و الأرز بالأرز،و يجوز بالتساوي نقدا،لا نسيئة بالإجماع،لأن للزمان قسطا من الثمن،كما قال أكثر من واحد.

لا ربا بين الوالد و الولد:

المشهور بين الفقهاء أنه لا ربا بين الوالد و ولده،و لا بين الزوج و زوجته، فيجوز لكل منهما أن يأخذ الفضل و الزيادة من الآخر.و أيضا لا ربا بين المسلم و بين الحربي،على أن يأخذ المسلم الفضل دون العكس،أي أن المسلم يأخذ الربا من الحربي،و لا يعطيه،فقد روي عن الإمام أبي جعفر الصادق عليه السّلام أنه قال

ص:282

ليس بين الرجل و ولده،و لا بينه و بين عبده،و لا بينه و بين أهله-أي زوجته-ربا.

و قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ليس بيننا و بين أهل حربنا ربا،نأخذ منهم ألف درهم بدرهم،و لا نعطيهم (1).

و المشهور أيضا بين الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر أنّه لا يجوز أخذ الربا من الذمي،و ان حكمه في ذلك حكم المسلم،أمّا ما جاء عن أهل البيت عليهم السّلام من أخذ الربا منه فشاذ متروك.و قال صاحب مفتاح الكرامة في مجلد المتاجر ص 332 ما نصه بالحرف:«ان أهل الكتاب في زماننا حربيون،لكنهم لا يغتالون، لشبهة الأمان،فلا إشكال في جواز أخذ الربا منهم».

و قال جماعة من الفقهاء:ان الحكم بعدم الربا بين الأب و الابن لا يتعدى الى الأم جمودا على حرفية النص،و اقتصارا لما خالف الأصل على موضع اليقين،كما أن الأب-هنا-لا يشمل الأب الرضاعي،للعلة نفسها.

و نحن على علم اليقين بأن نفي الربا بين الأب و الابن لا علة له إلاّ الأبوة، و هي بين الابن و الام أقوى منها بين الأب و ابنه،و بديهة أن العلم بعلة الحكم تماما كالعلة المنصوصة و أقوى،و عليه يتعدى الحكم إلى الأم.أجل،الأب الرضاعي غير الأب النسبي.

ص:283


1- عمل أبو حنيفة بهذا الحديث،فأباح للمسلم أن يأخذ الربا من الحربي،فتح القدير:300/5.

ص:284

بيع الثمار و الخضار و الزرع

بيع الثمار:

اشارة

هل يجوز بيع ثمار الشجر وحدها دون الأصل؟.فيه تفصيل:

1-أن يبيع الثمر قبل أن يظهر،و يبرز إلى الوجود

،و لا ريب في بطلان هذا البيع إطلاقا،مع الضميمة و دونها سنة واحدة،أو أكثر،لأن التعاقد على المعدوم لا يصح،حتى و لو وجد فيما بعد،و ما خالف ذلك من النص فهو شاذ متروك عند الفقهاء.

و يظهر من صاحب الجواهر أن بيع المعدوم باطل،من حيث هو بصرف النظر عن الغرر و الجهالة،قال ما نصه بالحرف:«يبطل للإجماع،و للانعدام فضلا عن الغرر و الجهالة».ثم قال بعد أسطر:«لا يجوز البيع لقاعدتي المعدوم و الغرر».

و يلاحظ بأن سبب البطلان هو الغرر،لا العدم،إذ لا مانع من بيع المعدوم- لو لا الغرر-إذا كان التسليم ممكنا عند الاستحقاق.و مهما يكن،فإن العبرة بالنتيجة لا بالمقدمات،و هي واحدة على كلا التقديرين،أعني عدم جواز بيع الثمر قبل وجوده.

2-بيع الثمار عند بروزها في مرحلتها الأولى،و قبل بدو صلاحها

،و قد ذهب المشهور إلى البطلان للجهالة و الغرر،و لقول الإمام عليه السّلام:«لا تباع الثمرة،

ص:285

حتى يبدو صلاحها».

و قيل:يجوز بيعها مع الضميمة عاما واحدا.و قال ثالث:يجوز البيع منفردة بشرط السلامة.

3-بيعها بعد بدو صلاحها،و قبل نضوجها

،و قد أجمع الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر على جواز بيعها عاما واحدا،أو أكثر منفردة و منضمة،فقد جاء الحديث عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لا تبتاعوا الثمرة،حتى يبدو صلاحها.و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن النخل و الثمر يبتاعهما الرجل قبل أن تثمر؟.قال:لا،حتى تثمر،و تأمن ثمرتها من الآفة،فإذا أثمرت فابتعها أربعة أعوام مع ذلك العام،أو أكثر أو أقل.و قال:إذا كانت فاكهة في موضع واحد فأطعم بعضها فقد حل بيع الفاكهة كلها،و إذا كان نوعا واحدا-أي لم يطعم بعضها-فلا يحل بيعه،حتى يطعم،فان كان أنواعا متفرقة فلا يباع منها شيء،حتى يطعم كل منها وحده،ثم تباع تلك الأنواع.

و يجوز بيع الثمر مع أصولها قبل بدو الصلاح و بعده.و المراد ببدو الصلاح أن تبلغ الثمرة مبلغا يؤمن عليها من الآفة،كثمر النخل يصفر أو يحمر،و الحب ينعقد،و ما إلى ذاك مما يعرفه أهل الخبرة و الاختصاص.

بيع الخضار:

يجوز بيع أصول الخضار و البقول مطلقا،كأصل الباذنجان و الطماطم و الخيار و الباقلاء-أي الفول-يجوز بيعها بالذات قبل ان يظهر ثمرها،لأنها من الأعيان التي لها مالية في نظر العرف،فتكون،و الحال هذه،لها قابلية التملك و التمليك،أمّا بيع ثمرها من غير أصولها،كبيع لقطة منها،أو أكثر فلا يجوز إلاّ

ص:286

بعد الظهور و الانعقاد،فإذا ظهر جاز البيع لقطة أو لقطتين أو ثلاثا إجماعا بشهادة صاحب الجواهر،حيث لا جهالة و لا غرر بعد الظهور و الانعقاد.و سئل الإمام عليه السّلام عن ورق الشجر:هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات،أو أربعا؟.قال:إذا رأيت الورق في شجرة فاشتر منه ما شئت من خرطات.

و قال الفقهاء:ان ظهور اللقطة الاولى بمنزلة الضميمة إلى الثانية،و من هنا صح البيع،و الذي نراه أن سبب الصحة ليس انضمام الموجود إلى المعدوم،بل لأن ما ظهر من الاولى يدل على ما لم سيظهر من الثانية-في الغالب-و المرجع في معرفة اللقطة إلى العرف،فما دل على صلاحيته للقطع يقطع،و ما دل على عدمه لصغره فلا يقطع.

و استثنى الفقهاء من ذلك الخضار المستورة في الأرض،كالبطاطس و الثوم و الجزر،و قالوا:لا يجوز بيعها،و لا الصلح عليها،و لا يحكّم العرف فيها،و ان كانت موجودة،لأنها غير مرئية و لا موصوفة،فيبطل بيعها للجهالة و الغرر.

و يلاحظ بأن التعليل بالجهالة و الغرر معناه أن الاستتار في الأرض من حيث هو لا يوجب البطلان،و انما الموجب هو نفس الجهالة،و هذا اعتراف صريح بأن الجهالة إذا ارتفعت صح البيع،و ان كان المبيع مستورا،و ما من شك أن التعرف على الخضار المستورة في الأرض غير محال،فإذا أمكنت معرفتها بطريق من الطرق صح بيعها.

بيع الزرع:

لا يجوز بيع ناتج الزرع قبل انعقاده،بحيث يكون الزرع للبائع،و ناتجه للمشتري،لأن الناتج،و الحال هذه،معدوم،و بيعه يستلزم الغرر،كما تقدم،

ص:287

أجل،يجوز بيع الزرع نفسه مطلقا،سواء انعقد الحب،أو لم ينعقد،لأنه من الأعيان المملوكة،و لقول الإمام الصادق عليه السّلام:لا بأس بأن تشتري زرعا أخضر،ثم تتركه،حتى تحصده إن شئت،أو تعلفه قبل أن يسنبل،و هو حشيش.

المزابنة و المحاقلة:

المراد بالمزابنة-هنا-أن تبيع ثمر النخل،و هو على أصله بمقدار معلوم من التمر،أمّا المحاقلة فهي بيع السنبل بمقدار معين من حبه.

و أجمع الفقهاء على عدم جواز بيع ثمار النخل بتمر منها،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع المزابنة و المحاقلة،و لأنه يستلزم اتحاد الثمن و المثمن،و اختلفوا في بيعها بتمر من غيرها،و المشهور المنع و عدم الجواز،لأنه لا يؤمن أن يؤدي إلى الربا،إذ المفروض أن بيع الجنس بجنسه،مع التفاضل ربا محرم إذا كان من المكيل أو الموزون،كما تقدم في الفصل السابق.

أمّا الفواكه الأخر غير التمر إذا كانت موزونة فحكمها عند المشهور حكم التمر،لا يجوز بيعها بمقدار منها،و لا من غيرها إذا كان من جنسها،كبيع العنب بالعنب،و التفاح بالتفاح،و يجوز بغير جنسها.

و اتفقوا على أن بيع السنبل بحب منه لا يجوز،و اختلفوا في بيعه بحب من غيره،و لكنه من جنسه،كبيع سنبل الحنطة بحنطة أخرى،و ذهب المشهور إلى عدم الجواز.

و يصح بيع الزرع قبل أن يصير سنبلا،يصح بيعه بحب من جنس ما يؤول إليه،أو من جنس آخر،لأنه حشيش غير مطعوم،و لا مكيل و لا موزون،فلا يتحقق الربا.

ص:288

و خير الوسائل لمن أراد أن يبيع الثمرة على أصلها بمقدار من جنسها،أو يبيع السنبل كذلك،خير الوسائل أن يبيعها بثمن معين نقدا،ثم يشتري من المبتاع مقدارا معينا من الثمرة،أو الحب بالثمن الذي باعه فيه،و يعين وقت التسليم،فيدخل في باب السلم.

العرية:

العرية هي النخلة الواحدة يملكها الرجل في دار رجل آخر،أو أرضه،و قد استثنى الفقهاء من عدم جواز بيع ثمر النخل بالتمر،استثنوا العرية،و قالوا:يجوز أن يشتري ثمرها بمقدار معين من التمر يدفعه حالا،و لا يجوز تأجيله،و لا يشترط القبض في المجلس،بل التعجيل بآية صورة تكون،كما جاء في الحدائق و الجواهر،قال الإمام الصادق عليه السّلام:رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن تشتري العرايا بخرصها تمرا (1).

و هذا الحكم يختص بالنخلة الواحدة فقط،و لا يتعدى إلى النخلتين فأكثر، و لا إلى شجرة من غير النخل،اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع اليقين من حرفية النص.

مسائل:

1-إذا اشترى الثمرة على الشجرة

،أو اشترى الزرع،و لم يحدد المتعاقدان وقتا للقطف أو الحصاد حين التعاقد وجب أن يبقى كل شيء إلى أوانه،فلا يتعجل البائع على المشتري،و لا يؤجل هذا عن الأوان،و المرجع في

ص:289


1- من معاني الخرص التقدير،يقال خرص النخلة إذا قدر ما عليها من الثمر.

ذلك العرف وحده.

2-يجوز للبائع أن يستثني ثمرة شجرة بعينها أو أكثر

إجماعا و نصا،و منه أن الإمام عليه السّلام سئل عن رجل يبيع الثمر،و يستثني كيلا،أو ثمرا؟قال:لا بأس به.

3-إذا قبض المشتري الثمرة

،أي أن البائع خلى بينه و بينها،ثم تلفت كان التلف من مال المشتري لا من مال البائع،قال صاحب الجواهر:«هذا هو الأشبه بالأصول و القواعد،لخروجه عن الضمان بالقبض،فلا انفساخ و لا فسخ».

و إذا كان الهلاك قبل القبض فهو من مال البيع،لقاعدة:«كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه».

و إذا هلك البعض دون البعض انفسخ العقد بالنسبة إلى الهالك بحصته من الثمن،و صح بالنسبة إلى الباقي السليم بحصته من الثمن أيضا،و للمشتري حق الخيار في الفسخ،لتبعيض الصفقة،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف فيه عندنا».

و إذا أتلف الثمار و الزرع أجنبي قبل القبض فالمشتري بالخيار بين الفسخ، و بين مطالبة المتلف بالبدل من المثل أو القيمة.

4-يجوز أن يبيع ما اشتراه من الثمار و الخضار و الزرع قبل القبض و بعده

بزيادة أو نقيصة

،لأنه مالك،و سئل الإمام عليه السّلام عن رجل اشترى الثمرة،ثم باعها قبل القبض؟.قال:لا بأس به.إذا وجد ربحا فليبع.

5-إذا مر الإنسان صدفة و من غير قصد بشجرة الفاكهة،أو الخضار

جاز له أن يأكل منها قدر حاجته،على شريطة ان لا يحمل منها شيئا،و ان لا يعلم أو يظن بعدم رضا المالك.قال صاحب الجواهر:«هذا ما رواه أصحابنا،و أجمعوا عليه، لأن الأخبار بذلك متواترة،و الإجماع منعقد،و لا عبرة بخبر أو قول شاذ متروك.

قال الإمام الصادق عليه السّلام:«لا بأس بالرجل يمر بالثمرة،و يأكل منها،و لا يفسد، و لا يحمل شيئا فقد نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يبنى الحيطان في المدينة،لمكان المارة».

ص:290

الإقالة

معناها:

المراد بالإقالة-هنا-اتفاق المتعاقدين على نقض العقد و فسخه بعد إبرامه، و ترد الإقالة كل شيء إلى ما كان قبل العقد،و يتضح بهذا انها ليست بيعا،و ان لا أثر رجعي لها إلاّ باتفاق المتعاقدين،كما أنّها لا تختص بالبيع،بل تشمل جميع العقود،ما عدا الزواج و الوقف،و تصح قبل القبض و بعده،و بكل ما يدل عليها من قول أو فعل.

و أيضا تصح في جميع المعقود عليه،و في بعضه دون بعض،قال صاحب الجواهر:«لإطلاق الأدلة معتضدا بعدم الخلاف».

النص:

جاء في الحديث الشريف أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لم يأذن لحكيم بن حزام في تجارته،حتى ضمن له اقالة النادم،و انظار المعسر،و أخذ الحق وافيا و غير واف.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:أيما رجل أقال مسلما في بيع أقال اللّه عثرته يوم القيامة.إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة.

ص:291

الشرط:

يشترط في الإقالة أن تكون بنفس الثمن المسمى،دون زيادة أو نقصان، و إلاّ بطلت إجماعا و نصا،و منه أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل اشترى ثوبا، و لم يشترط على صاحبه شيئا،فكرهه،ثم رده على صاحبه،فأبى أن يقبله إلاّ بوضيعة؟.قال:«لا يصلح أن يأخذ بوضيعة،فإن جهل فأخذه و باعه بأكثر من ثمنه رد على صاحبه الأول».أي يرد الثوب،لأنه باق على ملك المشتري.و مثل هذا كثيرا ما يقع،و لكن قل من ينتبه إليه.

و لا يشترط في الإقالة اتحاد المجلس،و لا بقاء العين قائمة حين الإقالة، فإن كانت موجودة أخذها صاحبها،و إلاّ أخذ البدل من المثل و القيمة،و هذا الحكم يقتضيه الفسخ بطبعه،حيث يعود كل شيء إلى ما كان،و على صاحب اليد أن يرد مال الغير ما دام قائما،فإن هلك فعليه أن يرد البدل.

و لو اختلف المتقايلان في مقدار الثمن فالقول قول البائع بيمينه،لأن الثمن كالدين في ذمته،أو أمانة في يده،فيقبل قوله في قدره،لأصل عدم الزيادة.و لو اختلفا في قيمة التالف أخذ بقول من ينكر الزيادة.

ص:292

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.