فقه الامام جعفر الصادق: عرض و استدلال المجلد 2

اشارة

سرشناسه : مغنیه، محمدجواد، 1904 - 1979م.

عنوان و نام پديدآور : فقه الامام جعفر الصادق: عرض و استدلال/ محمدجواد مغنیه.

مشخصات نشر : قم: موسسه انصاریان للطباعه والنشر، 1421ق. = 1379.

مشخصات ظاهری : 6 ج. (در سه مجلد).

شابک : دوره 9644380541 : ؛ ج. 1 9644382374 : ؛ ج.2 9644382374 : ؛ ج. 3 9644382382 : ؛ ج.4 9644382382 : ؛ ج. 5 9644382390 : ؛ ج.6 9644382390 : ؛ ج.6،چاپ سوم: 964-8716-09-9

يادداشت : عربی.

يادداشت : مصحح چاپ قبلی کتاب حاضر دارالاعتصام بوده است.

يادداشت : کتاب حاضر در سالهای مختلف توسط ناشران مختلف منتشر شده است.

يادداشت : چاپ ششم: 1383.

يادداشت : ج.1-6 (چاپ هشتم: 1388) (فیپا).

يادداشت : ج. 1-2 و 3 - 4 (چاپ دوم: 1421ق. = 1379).

يادداشت : ج. 5 (چاپ پنجم: 1425ق. = 1383).

يادداشت : ج.5و6(چاپ دوم: 1421ق.=1379).

يادداشت : ج.5 و 6 (چاپ هفتم: 1385).

يادداشت : ج. 5 و 6 (چاپ هشتم: 1430ق. = 2009 م.= 1388).

يادداشت : ج.6(چاپ سوم: 1428ق.=1386).

یادداشت : کتابنامه.

مندرجات : ج. 4. فی احکام المعاملات.- 5. فی الغصب و احیاءالموات والوقف والحجر والاقرار والشهادات والزواج و غیر ذلک.- ج. 6. فی الطلاق والظهار والایلاء واللعان والقضاء والوصایا والمواریث والعتوبات.

موضوع : جعفر بن محمد (ع)، امام ششم، 83 - 148 ق. -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

شناسه افزوده : دار الاعتصام للطباعة و النشر

رده بندی کنگره : BP183/5/م 6ف 7 1379

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 80-4834

ص :1

اشارة

فقه الامام جعفر الصادق: عرض و استدلال

محمدجواد مغنیه

ص :2

كتاب الصوم

معنى الصوم:

الصوم في اللغة هو الإمساك و الكف و الترك،فمن أمسك عن شيء،و كف عنه فقد صام عنه،و منه الآية 26 من سورة مريم فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا .

و في الشرع هو الإمساك عن أشياء خاصة،نهى عنها الشرع،كالأكل و الشرب و الجماع في زمن مخصوص،يبتدئ بطلوع الفجر،و ينتهي بالغروب، على أن يكون الإمساك بنية التقرب الى اللّه و طاعته و امتثال أمره.

أقسام الصوم:

ينقسم الصوم الشرعي إلى أربعة أقسام:واجب،كصوم رمضان و قضائه، و محرم،كصوم العيدين،و مندوب،كصوم الأيام البيض من كل شهر و هي 13 و 14 و 15،و مكروه بمعنى قلة الثواب،كصوم ثلاثة أيّام بعد العيد،لأنّها أيام أكل و شرب،كما قال الامام عليه السّلام.

نية الصوم:

ان نية التقرب الى اللّه هي روح العبادة و قوامها،سواء أ كانت صوما و صلاة، أو حجا و زكاة،و قدمنا أن معنى النية الدافع و الباعث على العمل.و المهم هنا هو

ص:3

معرفة أول وقتها،و من آية لحظة يجب أن تبدأ،و بما أن الصوم يبدأ من أول الفجر،و ان النية شرط في صحته وجب قهرا أن تكون من أول الفجر أو متقدمة عليه،مستمرة إلى آخر النهار،حيث ينتهي الصوم،و قد اشتهر عن النبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل».هذا هو مقتضى القاعدة من غير فرق بين الصوم الواجب،و غير الواجب،و لا بين العامد و الناسي،و لكن الفقهاء خرجوا عن هذه القاعدة بعد أن ثبت عن أهل البيت عليهم السّلام صحة الصوم في مواضع،مع تأخر النية فيها عن الفجر،و هذه المواضع هي:

1-إذا وصل المسافر الى حد الترخيص قبل الزوال،و لم يكن قد تناول المفطر،و لا من نيته أن يصوم،فله أن ينوي الصوم،و يصح منه،بل يتعين عليه، ان كان ذلك في شهر الصيام.سئل الإمام عليه السّلام عن رجل قدم من سفر في شهر رمضان،و لم يطعم شيئا قبل الزوال؟قال:يصوم.و في رواية أخرى عن أبي بصير عن الامام عليه السّلام:ان قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم،و يعتد به.

و مثله تماما إذا شفي المريض من علته قبل الزوال،و لم يكن قد تناول المفطر.

2-إذا جهل ان غدا من رمضان،أو نسي كلية أنّه منه فإنه ينوي الصوم قبل الزوال،و يصح صومه،و لا شيء عليه.و استدلوا على ذلك بالإجماع،و بما روي من«ان أعرابيا جاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يوم الشك،و شهد برؤية الهلال،فأمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منادي ينادي كل من لم يأكل فليصم،و من أكل فليمسك».و هذه الرواية على تقدير صحتها مختصة بالجاهل،و إلحاق الناسي به قياس.و المعتمد هو الإجماع.

3-له ان ينوي الصوم اختيارا قبل الزوال لقضاء شهر رمضان.فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل يكون عليه أيام من شهر رمضان،و يريد أن يقضيها،

ص:4

متى ينوي الصيام؟قال:هو بالخيار الى أن تزول الشمس،فإذا زالت فان كان نوى الصوم فليصم،و ان كان نوى الإفطار فليفطر،قال له السائل:فإن نوى الإفطار أ يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس؟قال:لا.

و في رواية أخرى انّه قال:«نعم،فليصمه،و يعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا»أي شيئا يوجب الإفطار.و ربما تحمل هذه الرواية على الاضطرار.

و مثله أيضا من وجب عليه الصوم بنذر،أو يمين،أو كفارة،فإن له أن ينوي الصوم اختيارا قبل الزوال،على شريطة عدم تناوله المفطر.

4-لمن أراد أن يصوم تطوعا و استحبابا أن ينوي الصوم ما دام النهار، حتى و لو بعد الزوال،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الصائم المتطوع،تعرض له الحاجة؟قال:هو بالخيار ما بينه و بين العصر،و ان مكث،حتى العصر،ثم بدا له أن يصوم،و ان لم يكن نوى ذلك فله أن يصوم ان شاء.

و قال:كان أمير المؤمنين عليه السّلام يدخل على اهله،فيقول:عندكم شيء و الا صمت،فان كان عندهم شيء أتوه به،و الاصام.

و قد تبين معنا مما تقدم أن من عليه صيام شهر رمضان أن يأتي بالنية مقارنة للفجر أو قبله،و ان من أخرها عنه عامدا متعمدا بطل صومه،و انه يغتفر للمضطر،كالجاهل و الناسي أن ينوي قبل الزوال،و ان لمن وجب عليه الصوم في غير رمضان ان يؤخر النية مختارا الى ما قبل الزوال،على شريطة أن لا يكون الصوم الواجب مضيقا في وقته،و إلا فحكمه حكم رمضان تماما،و ان لمن أحب الصوم تطوعا أن ينوي ما دام النهار باقيا.و يتفرع على ذلك مسائل:

منها:تكفي نية واحدة لشهر رمضان بكامله،و لا تجب لكل يوم على حدة،بخاصة بعد ما فسرنا النية بالباعث و الداعي.

ص:5

و منها:لو ترك نية صوم رمضان عمدا،بحيث عزم منذ ليلته أن لا يصوم غدا،و لما أصبح على هذه النية تاب و أناب،و رجع إلى ربّه،و لم يكن قد تناول المفطر بعد فان صومه يفسد،و لا يجديه أن يحدث نية الصوم لا قبل الزوال و لا بعده بطريق أولى إجماعا محصلا،و لكن اختلف الفقهاء:هل تجب عليه الكفارة مع القضاء أو ان عليه القضاء،و كفى،و الصحيح أنّه يقضي و لا يكفر، لأصل البراءة من وجوب التكفير،و لأن الأدلة قد أناطت وجوب التكفير بالأكل و الشرب و الجماع،و ما إلى ذاك من المفطرات.

و منها:من صام يوم الشك بنية أنه من شعبان،و أراد من صومه مجرد التطوع و الاستحباب،أو القضاء عما في ذمته،ثم تبين انه من رمضان صح عن رمضان دون غيره،لأنه هو الواجب واقعا و قد تحققت نية التقرب،أما نية الاستحباب و القضاء فلغو زائد لا أثر له في أصل النية،و تمحضها للّه سبحانه،و قد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل صام اليوم الذي يشك فيه،فكان من شهر رمضان،أ فيقضيه؟فقال للسائل:لا،هو يوم وفقت له.

و ان قصد الأمر المتعلق بهذا اليوم كائنا ما كان صح بلا ريب،لأن الأمر و المأمور به موجودان واقعا،و القصد تعلق بامتثال الأمر على ما هو عليه،و لا يضر الترديد في تصوره و خياله ما دام القصد متجها الى الأمر الواقعي بالذات.

و ان تردد في التعيين،و قصد الوجوب ان كان من رمضان،و الاستحباب ان كان من شعبان،قال أكثر الفقهاء المتأخرين:يبطل صومه،حيث يشترط في العبادة قصد التعيين،و قال السيد الحكيم في المستمسك:بل يصح،لأنه ان تبين أنّه من شعبان فقد نواه،و ان تبين من رمضان فكذلك،و الجزم بأحدهما خاصة لا دليل عليه،بل قام الدليل على عدمه،حيث سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن صوم

ص:6

الشك؟فقال:صمه،فإن يك من شعبان كان تطوعا،و ان يك من رمضان فيوم وفقت له.

و هو الحق،لأن المطلوب هو قصد التقرب الى اللّه سبحانه،و المفروض وجوده،و مجرد التردد لا يضر بأصل القصد ما دام المنوي واحدا لا غير،و قصد التعيين في العبادة انما يجب لو كان المطلوب متعددا في الواقع،كمن عليه أكثر من واجب،أو كمن أراد أن يأتي بعبادتين أحدهما مستحبة،كصلاة الفجر، و الأخرى واجبة،كصلاة الصبح.

وقت الصوم:

حدد اللّه سبحانه أوّل الصوم و آخره بقوله تعالى وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ (1)و لم يختلف في هذا التحديد اثنان من المسلمين،بل هو من ضرورات الدين،و لذا لم يتعرض أكثر الفقهاء لتحديده،و اكتفوا بقولهم:يحرم الصوم في الليل،و العيدين،و أيام التشريق لمن كان في منى،و هي الحادي عشر،و الثاني عشر،و الثالث عشر من ذي الحجة.

الشروط:

الشروط في الصوم منها ما هو شرط للوجوب و الوجود معا،كالعقل، و الخلو من الحيض و النفاس،و المرض و السفر.

ص:7


1- البقرة:187. [1]

فلا يصح الصوم و لا يجب من المجنون،حتى و لو عرض الجنون على الصائم ساعة من النهار،ثم زال،و لا من الحائض و النفساء،حتى و لو عرض الحيض أو النفاس قبل انتهاء النهار بلحظة،أو انقطعا بعد الفجر بلحظة،و لا من المريض الذي يضره الصوم،و لا من المسافر إلا إذا سافر لمعصية،أو كانت مهنته السفر،أو نوى الإقامة عشرة أيام،أو بعد أن تردد ثلاثين يوما في مكان واحد،أو صام ثلاثة أيام بدل هدي التمتع،حيث لا يجد الهدي،أو ثمانية عشر يوما بدل البدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا،أو نذر الصوم في يوم خاص و لو في السفر،و هل للمسافر أن يصوم في سفره تطوعا و استحبابا؟نقل صاحب الجواهر الجواز على كراهية عند الأكثر جمعا بين ما دل من الروايات على المنع مطلقا،و بين ما أجازه استحبابا،و منعه فريضة.

و من الشروط ما هو شرط في الوجود فقط،أي في الصحة،لا الوجوب كالإسلام،فإن غير المسلم لا يصح منه الصوم،مع الاتفاق بأنه واجب عليه.

و منها ما هو شرط في الوجوب لا في الوجود،كصوم الصبي المميز،فقد ذهب جمع من الفقهاء إلى صحة عبادته،مع أنّها غير واجبة عليه،و معنى صحتها أنّها ليست تمرينية،بل شرعية يترتب عليها الثواب،و يحسب لأبويه،و بديهة الصحة لا تتوقف على وجود الأمر،كي يقال:كيف تصح و هي غير مأمور بها؟إذ لا ملازمة بين الأحكام الوضعية و التكليفية.

النائم و المغمى عليه:

بقيت الإشارة إلى النائم و المغمى عليه،أما النائم فإن سبقت نية الصوم و استمر في نومه الى الليل صح،و لا قضاء عليه،قال صاحب الجواهر:بالإجماع

ص:8

و الروايات،و ان لم ينو الصوم إطلاقا،فإن انتبه قبل الزوال نوى و لا قضاء عليه.

و ان استمر نائما حتى زالت الشمس فعليه القضاء،قال صاحب الجواهر:بلا خلاف و لا اشكال،لفساد الأداء بفوات النية التي هي شرط فيه.

اما المغمى عليه فقد ألحقه بعضهم بالنائم،و أوجب عليه القضاء،حتى و لو استغرق الإغماء أياما،و ذهب المشهور الى عدم القضاء،حتى و لو عرض الإغماء في جزء من اجزاء النهار،لأن الإغماء يزيل العقل،و زواله يسقط التكليف الواجب و المستحب،قال صاحب الجواهر:و هذا هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده،حيث يصدق اسم الصائم على النائم،و لا يصدق على المجنون و المغمى عليه.

و هو الحق،لأن النائم لم يسلب العقل منه كلية،و لذا إذا أيقظته استيقظ عاقلا،بخلاف المغمى عليه،فان العقل مسلوب منه بالمرة،و إذا أيقظته لا يستيقظ و لا ينتبه،و من هنا صح تكليف النائم،غاية الأمر ان التكليف لم يصل الى مرتبة الفعلية،لمكان العذر ما دام غافلا،فإذا انتبه زال العذر،و وجب العمل، تماما كالجاهل فإنه مكلف بلا ريب،و يعذر ما دام الجهل،فإذا علم انتفى العذر، و وجب العمل.

ص:9

ص:10

المفطرات

اشارة

يجب أن يمسك الصائم عن الأشياء التالية:

1 و 2-الأكل و الشرب

،حتى و لو كانا غير معتادين،كابتلاع الحصى، و شرب الكاز.

3-الجماع

قبلا أو دبرا،فإنه يفسد صوم الفاعل و المفعول،و لا نطيل الكلام في الاستدلال على هذه الثلاثة،لأنها ثابتة و معلومة بضرورة الدين.

4-الاستمناء

اشارة

،سواء أ كان بيده أو بآلة،فإنه محرم بذاته،و مفسد للصوم، و من داعب امرأته فسبقه المني،فهل يفسد صومه؟

الجواب:

ان تعمد،أو كان من عادته أن يمني إذا داعب فسد الصوم،و عليه كفارة أيضا،و ان لم يقصد،و لا كان ذلك من عادته فلا شيء عليه،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يلصق بأهله في شهر رمضان؟فقال:ما لم يخف على نفسه فلا بأس.و سئل أبوه الإمام الباقر عليه السّلام عن ذلك؟فقال:اني أخاف عليه فليتنزّه من ذلك الا أن يثق أن لا يسبقه منيه.و على هاتين الروايتين تحمل الروايات الأخر التي أوجبت الكفارة مطلقا و بدون تفصيل.

و إذا نام،و حين استيقظ نهارا رأى نفسه محتلما صح صومه،و لا شيء عليه.

ص:11

5-قال جمع من الفقهاء:ان تعمد الكذب على اللّه و رسوله يفسد الصوم

، و يوجب الكفارة أيضا،و استدلوا بقول الامام الصادق عليه السّلام:«من كذب على اللّه و رسوله و هو صائم،نقض صومه و وضوءه إذا تعمد».

و الحق ان هذا التعمد حرام يجب الإمساك عنه،بل هو من أعظم الكبائر، و لكن وجوب الإمساك عن الكذب شيء،و انه من المفطرات شيء،و انه من المفطرات شيء آخر،أمّا قول الإمام عليه السّلام ان الكذب على اللّه و رسوله ينقض الصوم و الوضوء فهو تمام كقوله:«من اغتاب أخاه المسلم بطل صومه،و انتقض وضوءه»و قوله:«الغيبة تفطر الصائم و عليه القضاء»مع العلم أنّه لا قائل بأن الغيبة من المفطرات،و لا من نواقض الوضوء،و المراد من هذه الرواية و ما إليها،هو المبالغة و التشدد و الحث على ترك الكذب و الغيبة،و ان الذي يأتي بهما أو بأحدهما كمن صلى بدون وضوء،و أفطر في شهر رمضان،و ان المطلوب من الإمساك في شهر الطاعة و الغفران ليس مجرد الأكل و الشرب،بل الصوم عن جميع المحرمات،بخاصة الكذب على اللّه و الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و ما أكثر استعمال ذلك في كتاب اللّه،و كلمات الرسول و آله،و العرب قديما و حديثا.

و قد ذهب الى عدم فساد الصوم بالكذب على اللّه و رسوله كثير من المحققين منهم صاحب الجواهر و صاحب مصباح الفقيه،و أكثر الفقهاء المتأخرين بشهادة صاحب الجواهر و صاحب الحدائق.

6-المشهور بين الفقهاء شهرة عظيمة،كما قال صاحب الجواهر ان غمس

الرأس في الماء مفسد للصوم

(1)

،سواء أ غمس وحده،أم مع البدن،و استدلوا بقول الامام الصادق عليه السّلام:لا يرمس الصائم و لا المحرم رأسه في الماء.و قالوا:ان

ص:12


1- أمّا غسل الرأس بصب الماء عليه من الإبريق و نحوه،فلا يفسد الصوم بالاتفاق.

المتبادر من هذا النهي هو الحكم الوضعي،أي فساد الصوم،لا مجرد الحكم التكليفي،و هو التحريم فقط،و لذا اتفق الجميع على ان النهي هو الحكم في العبادة يدل على الفساد.

و قال آخرون:ان هذا الارتماس و الغمس غير محرم،و لا مفسد للصوم، و انما هو مكروه،و حملوا الروايات الناهية عنه على ذلك،و ردّ عليهم صاحب الجواهر بأنه«لا محيص للفقيه عن القول بأن الارتماس مفسد للصوم بعد أن ثبت في الصحيح قول الامام عليه السّلام:لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب الطعام و الشراب و النساء و الارتماس في الماء».و هو حق.

7-إيصال الغبار الغليظ الى الفم

،مهما كان نوع الغبار،و لم أجد دليلا تركن إليه النفس يدل على أنّه مفسد للصوم،و لكن صاحب الجواهر قال:

«المشهور على ذلك،بل لم أجد فيه خلافا».و ألحقوا شرب التبغ بالغبار الغليظ، و ليس من شك بأن الترك أفضل و أكمل،بخاصة بعد ان ارتكز في الافهام ان من يشرب الدخان لا يعد صائما،نقول هذا،مع العلم بأن الأحكام الشرعية لا تؤخذ من العرف،و لا من طريقة الناس إلاّ إذا أقرها المعصوم،و نحن نعلم علم اليقين أن التبغ لم يكن معروفا و لا مألوفا في عهده.

و لمن يعتمد على الاستحسان و الأدلة الخطابية أن يقول:ان شرب الدخان يتنافى مع الآداب،و لذا نتركه عند تلاوة القرآن الكريم،و في المساجد و المشاهد المشرفة،و في الصلاة،و في حضور الكبار،فبالأولى التأدب في شهر اللّه المعظم.

8-من المفطرات الحقنة

،و قد ورد في ذلك عن أهل البيت عليهم السّلام روايات:

إحداها تنفي البأس عن الاحتقان مطلقا،دون أن تفرق بين أن يكون بالجامد،أو بالمائع،و الثانية تقول:لا يجوز للصائم ان يحتقن،دون أن تفرق بينهما أيضا،

ص:13

و الثالثة تقول:لا بأس بالجامد أي أن الاحتقان بالمائع يفسد الصوم،و بالجامد لا يفسده،و حيث فصلت هذه الرواية و فرقت بين النوعين تكون-لا محالة- جامعة بين الروايتين المتعارضتين بظاهرهما،و قرينة شرعية على أن المراد من الرواية الأولى التي نفت البأس خصوص الاحتقان بالجامد،و من الثانية التي أثبتت البأس خصوص الاحتقان بالمائع،و بذلك ينتفي التعارض و التضاد.

9-تعمد القيء

،قال الامام الصادق عليه السّلام:من تقيأ متعمدا،و هو صائم فقد أفطر،و عليه الإعادة.و قال ولده الامام الكاظم عليه السّلام:ان كان تقيأ متعمدا فعليه قضاؤه،و ان لم يكن تعمد ذلك فليس عليه شيء.

البقاء على الجنابة:

اشارة

10-العاشر و الأخير مما يفسد الصوم أن يتعمد الصائم البقاء على الجنابة حتى مطلع الفجر،في غير ضرورة تدعوه الى ذلك،و المفروض ان الصوم واجب عليه،لا مندوب،هذا ما قاله المشهور شهرة عظيمة بشهادة صاحب الحدائق و الجواهر.و استدلوا بأن الامام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل أجنب في شهر رمضان بالليل،ثم ترك الغسل متعمدا،حتى أصبح؟قال:«يعتق رقبة،أو يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستين مسكينا».و كل ما جاء عن أهل البيت عليهم السّلام غير هذه الرواية فإن كان في معناه فهو مؤيد و معزز،و ان كان مطلقا و شاملا للعامد و غيره وجب حمله و تقييده بهذه الرواية،و ان ابى الحمل عليها و التقييد بها فهو شاذ بشهادة ما نقله صاحب الحدائق عن المحقق في كتاب المعتبر.

ص:14

و يتفرع على ذلك مسائل:
1-لمن تعمد البقاء على الجنابة ان يصوم تطوعا و استحبابا

،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن التطوع و صوم الأيام الثلاثة 13 و 14 و 15 من الشهر الهلالي إذا أجنب الرجل في أول الليل و هو يعلم أنّه أجنب فينام متعمدا حتى يطلع الفجر،أ يصوم أو لا يصوم؟قال الامام عليه السّلام:يصوم.

2-من أصبح في شهر رمضان جنبا من غير عمد صح صومه و لا شيء

عليه

.سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل،فنام حتى أصبح؟قال:«لا بأس يغتسل و يصلي و يصوم».

و ان صادف معه ذلك في قضاء شهر رمضان فلا يصح منه الصوم،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل أصابته جنابة،فلم يغتسل،حتى طلع الفجر؟قال:

«لا يصوم هذا اليوم،و يصوم غدا».هذا إذا كان وقت القضاء موسعا،أمّا إذا كان مضيقا فحكمه حكم رمضان تماما.

و اتفق الجميع على أن الاحتلام في النهار لا يفسد الصوم إطلاقا،واجبا كان أو مندوبا،لقول الامام الصادق عليه السّلام:ثلاثة لا يفطرون الصائم:القيء-أي القهري- و الاحتلام،و الحجامة.

3-إذا نام دون أن ينوي الاغتسال فسد صومه

،و عليه القضاء،و بالأولى إذا نوى العدم.

4-من أجنب في ليل رمضان،ثم نام و من نيته أن يغتسل قبل الفجر

، و لكن استمر به النوم حتى أصبح،صح صومه،و لا قضاء عليه،و إذا انتبه،ثم نام ثانية على نيته حتى أصبح،فعليه أن يصوم ذلك اليوم و يعيد،و إذا انتبه و نام للمرة الثالثة حتى الصباح،فعليه القضاء و الكفارة،و الدليل على هذا التفصيل قول

ص:15

الامام عليه السّلام:إذا اصابتك جنابة في أوّل الليل فلا بأس أن تنام متعمدا و في نيتك أن تقوم و تغتسل قبل الفجر،فإن غلبك النوم حتى تصبح،فليس عليك شيء إلاّ أن تكون انتبهت في بعض الليل،ثم نمت و توانيت و لم تغتسل و كسلت،فعليك صوم ذلك و اعادة يوم آخر مكانه.و ان تعمدت النوم إلى أن تصبح فعليك قضاء ذلك اليوم و الكفارة،و هي صوم شهرين متتابعين،أو عتق رقبة،أو إطعام ستين مسكينا.

5-إذا لم يتمكن المجنب من الاغتسال لفقد الماء،أو لمرض

تعين عليه التيمم قبل الفجر،و إذا تركه عامدا بطل صومه،تماما كما هو الشأن بالقياس الى الغسل،لعموم التراب بمنزلة الماء،و جعل اللّه التراب طهورا،كما جعل الماء طهورا،و ما إلى ذاك.

6-إذا طهرت كل من الحائض من دم حيضها،و النفساء من دم نفاسها

ليلا

،في شهر رمضان،و تركت الغسل،حتى أصبحت من غير عذر فسد صومها، و وجب عليها القضاء،تماما كالجنب،و يدل عليه قول الامام عليه السّلام:«ان طهرت بليل من حيضها،ثم توانت و لم تغتسل في رمضان حتى أصبحت،فعليها قضاء ذلك اليوم».و يسري حكم الحائض الذي دلت عليه هذه الرواية إلى النفساء،إذ لا قائل بالفرق بينهما،و إذا تعذر عليهما الغسل تيممت،لأن التيمم بدل عنه.

و هل تلحق الحائض و النفساء بالجنب في حكم النوم من انهما إذا نامتا على نية الغسل و لم تنتبها حتى الصباح،فلا شيء عليهما،و ان انتبهتا ثم نامتا فعليهما القضاء فقط،و ان انتبهتا ثم نامتا للمرة الثالثة،فعليهما القضاء و الكفارة؟

ص:16

الجواب:

كلا،لأن النص في ذلك مختص بالجنب،و القياس باطل عندنا،أما قول صاحب الجواهر بأن حدث الحيض أشد من حدث الجنابة فإنما يتم لو نص الشارع على ذلك صراحة،بحيث يكون من العلل المنصوصة،و ليس لأحد كائنا من كان ان يستنبط علل الأحكام من عندياته.

أما المستحاضة فيتوقف صحة صومها على الإتيان بما يلزمها من الأغسال في الليل و النهار على النحو الذي ذكرناه في باب الطهارة عند الكلام عن المستحاضة و أقسامها و أحكامها،و على هذا،فإن أخلت بوظيفتها فعليها القضاء.

قال صاحب الحدائق:«و حيث كان هذا الحكم متفقا عليه بين الأصحاب،و هو الأوفق بالاحتياط فلا بأس بالمصير إليه».

ص:17

ص:18

المكروه و غير المكروه

اشارة

جميع الأشياء التي ذكرناها في الفصل السابق يجب أن يمسك الصائم عنها حتما،و هنالك أشياء أخرى أجاز الفقهاء أن يباشرها الصائم بلا كراهة،و أشياء يباشرها على كراهة.

الأشياء المكروهة:

1-يكره للصائم مداعبة النساء،بخاصة للشاب،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن الصائم يقبل امرأته؟قال:أما الشيخ فلا بأس،و أما الشاب الشبق فلا،لأنه لا يؤمن.قال الفقهاء:المراد بهذا النهي الكراهة،لا التحريم.

2-سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن المرأة الصائمة تكتحل؟قال:«إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في حلقها فلا بأس».و نفي البأس،و ان كان أعم من الكراهة، الا أن الفقهاء فهموا منه هنا نفي المؤاخذة مع رجحان ترك الاكتحال.

3-دخول الحمام،مع خوف الضعف.

4-إخراج الدم المضعف بحجامة،و ما إليها.

5-السعوط،مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق،لقول الامام عليه السّلام يكره السعوط للصائم.

ص:19

6-شم الرياحين،بخاصة النرجس،لقول الامام عليه السّلام:الصائم لا يشم الرياحين،و في رواية ثانية نهى عن النرجس بالذات.

7-الحقنة بالجامد.

8-جلوس المرأة في الماء.

9-قلع الضرس.

10-السواك بالعود الرطب.

11-المضمضة.

12-الجدال و المراء،لقول الامام عليه السّلام:إذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم عن الكذب،و غضوا أبصاركم،و لا تنازعوا،و لا تحاسدوا،و لا تغتابوا،و لا تماروا، و لا تكذبوا،و لا تخالفوا.إلخ.

الأشياء غير المكروهة:

سئل الإمام عليه السّلام عن الرجل يعطش في رمضان؟قال:لا بأس أن يمص الخاتم.

و سئل عن المرأة يكون لها الصبي،و هي صائمة،فتمضغ له الخبز، و تطعمه؟قال:لا بأس.

و سئل عن الدواء يصب في أذن الصائم؟قال:نعم،و له أن يذوق المرق، و يزق الفرخ.

و سئل عن الصائم يستنقع في الماء؟قال:نعم،و لكن لا يغمس رأسه.

و سئل عن القبلة في شهر رمضان للصائم،أ تفطر؟قال:لا.

ص:20

فساد الصوم و وجوب الكفارة

اشارة

إذا تناول الصائم شيئا من المفطرات،فقد يفعله عالما مختارا،ذاكرا لصومه،أو ساهيا عنه،أو مكرها عليه،أو جاهلا له،و ليس من شك ان العلم مع التذكر مفسد للصوم،و موجب للإثم و القضاء،أما التكفير فيأتي التفصيل.

السهو:

و لا شيء على من أكل،أو شرب،أو جامع،و ما إلى ذاك من المفطرات ذاهلا عن صومه،إجماعا و نصا،و منه قول الامام عليه السّلام:إذا نسي فأكل و شرب،ثم تذكر فلا يفطر،انما هو شيء رزقه اللّه،فليتم صومه.و في معناه كثير من الروايات.

الإكراه:

إذا تغلب عليه انسان،و ادخل في حلقه طعاما أو شرابا دون أن يباشر الصائم ذلك بنفسه،فلا شيء عليه بالإجماع،لأنه كالاداة المسيرة،و إذا توعده متوعد قوي إذا لم يأكل أو لم يشرب،و خاف الضرر،فأكل أو شرب دفعا للضرر عن نفسه فقد ذهب أكثر الفقهاء إلى صحة صومه،بداهة أن وجوب الإمساك عن المفطرات لا يتناول مثل هذه الحال،بل منصرف الى حال الإرادة و الاختيار،إذ لا

ص:21

نهي مع الإكراه و الاضطرار،قال الامام الصادق عليه السّلام:أفطر يوما من شهر رمضان أحب اليّ من أن تضرب عنقي.

و قال صاحب العروة الوثقى:أن مباشرة الأكل للإكراه و الفرار من الضرر يبطل الصوم.و وافقه السيد الحكيم في المستمسك،و قال:«ان حديث الرفع لا يصلح لإثبات الصحة،لأنه ناف لا مثبت».و يريد بقوله هذا ان حديث رفع عن أمتي ما استكرهوا عليه ينفي التحريم و البأس عن الأكل،و لكن نفي التحريم شيء و صحة الصوم شيء آخر،و اذن،فالحديث أجنبي عن التعرض لصحة الصوم، و ان دل على نفي الإثم و العقاب.

و نقول في جوابه:ان الذي يفهمه العرف من الأدلة الدالة على وجوب الإمساك عن المفطرات انما هو الإمساك عن اختيار و ارادة،أما المكروه المضطر فالأدلة منصرفة عنه،و يؤيد ذلك ما جاء في حق الناسي،و انه غير مسؤول.أمّا دعوى عدم هذا الفهم،و عدم هذا الانصراف الى غير المكره،فهي حجة لمدعيها فقط دون غيره تماما كدعوى الانصراف.و بتعبير أخصر و أوضح أن المكره غير مؤاخذ و لا معاقب بالاتفاق،و انه لا كفارة عليه أيضا بالاتفاق،لأن التكفير انما يكون عن الذنب،و لا ذنب،و اذن،لا يبقى لدينا سوى القضاء،و ليس من شك ان القضاء يحتاج إلى دليل،أمّا نفيه فلا حاجة به إلى الدليل،لأنه على وفق الأصل.

الجهل:

المشهور عند الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر أن الصائم إذا تناول شيئا من المفطرات جاهلا بأنه مفسد للصوم فعليه القضاء و الكفارة،لأن الأدلة القائلة بأن من أفطر يجب عليه القضاء و الكفارة تصدق على الجاهل المقصر و القاصر،تماما

ص:22

كما تصدق على العالم،لأن كلا منهما فعل عن عمد و قصد.

و ذهب جمع من الفقهاء،منهم السيد الحكيم في المستمسك الى ان الجاهل بقسميه لا شيء عليه إطلاقا خلافا للمشهور و لصاحب العروة،و استدلوا بأن الإمامين الباقر و الصادق عليهما السّلام سئلا عن رجل أتى أهله،و هو في شهر رمضان، أو و هو محرم،و كان يرى أن ذلك حلال له؟فقالا:ليس عليه شيء.و أيضا قال الامام الصادق عليه السّلام:أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه.

و إذا اختلفنا نحن مع السيد الحكيم في مسألة المكره،فإنّا معه على وفاق في مسألة الجاهل.

العطش الشديد:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يصيبه العطش،حتى يخاف على نفسه؟قال:يشرب ما يمسك رمقه،و لا يشرب حتى يرتوي.

و قال له بعض أصحابه:ان لنا فتيات و شبانا لا يقدرون على الصيام من شدة ما يصيبهم من العطش؟قال:فليشربوا بقدر ما تروى به نفوسهم.

و هذا متفق عليه،بالإضافة إلى أدلة نفي الضرر و الحرج.

الكفارة:

تارة يكون الصوم ندبا،و تارة واجبا،و الواجب هو صوم شهر رمضان، و قضاؤه،و صوم النذر،و صوم الاعتكاف،و صوم الكفارات،أي يكفر عن الإفطار أو غيره بالصوم،و لا شيء إطلاقا على الصائم ندبا،سواء أ تناول المفطر قبل الزوال،أو بعده،و يعرف حكم غيره مما يلي:

ص:23

كفارة رمضان:

يجب القضاء و التكفير مخيرا بين صيام شهرين متتابعين (1)أو عتق نسمة، أو إطعام ستين مسكينا.يجب القضاء و التكفير معا على من تعمد الإفطار في شهر رمضان بالأشياء التالية:

1 و 2 و 3-الأكل و الشرب و الجماع،إجماعا و نصا،بل بضرورة الدين.

و من أفطر في شهر رمضان على محرم،كمن شرب الخمر،أو زنا،أو لاط،أو أكل أو شرب من أموال الناس ظلما و عدوانا،من فعل شيئا من هذه، فعليه أن يكفر بالجمع بين الخصال الثلاث،أي يصوم شهرين متتابعين،و يعتق نسمة،و يطعم ستين مسكينا،فقد روي عن الامام الرضا حفيد الامام الصادق عليهما السّلام أن سائلا قال له:يا بن رسول اللّه قد روي عن آبائك فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر،أن فيه ثلاث كفارات،و أيضا روي عنهم كفارة واحدة، فأيهما نأخذ؟ قال الامام عليه السّلام:خذ بهما جميعا،ذلك متى جامع الرجل حراما،أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات:عتق رقبة،و صيام شهرين متتابعين،و إطعام ستين مسكينا،و قضاء ذلك اليوم،و ان نكح حلالا،أو أفطر حلالا فعليه كفارة واحدة،و ان كان ناسيا فلا شيء عليه.

هذا،إذا أفطر على الحرام في النهار،أما إذا تناوله أول ما تناول بعد الغروب فلا كفارة عليه.

ص:24


1- يكفي في تحقيق التتابع بين الشهرين ان يصوم شهرا كاملا،و يوما من الشهر الثاني،فإذا أفطر بعد الشهر و اليوم قضى ما بقي عليه،و إذا صام شهرا كاملا دون ان يتبعه و يوصله بيوم من الشهر الذي يليه،استأنف و أعاد من جديد،كأن لم يصم شيئا.و في ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السّلام.

4-من الأسباب الموجبة للقضاء و الكفارة في شهر رمضان الاستمناء،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان،حتى يمني؟ قال:عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع،حيث فهم الفقهاء من هذا ان العابث كان قاصدا و مريدا للاستمناء.

5-تعمد البقاء على الجنابة حتى يصبح،حيث سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان بالليل،ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح؟قال:

يعتق رقبة،أو يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستين مسكينا.

6-إذا نام على نية عدم الاغتسال من الجنابة حتى أصبح،أو نام ناويا الاغتسال،ثم انتبه،ثم نام للمرة الثالثة على التفصيل المتقدم في المفطرات.

7-لكل من الحامل في أشهرها الأخيرة،و المرضعة القليلة اللبن التي يضر الصوم بولدها أن تفطر،و تكفر بمد و عليها القضاء.قال الامام الباقر عليه السّلام:الحامل المقرب و المرضعة القليلة اللبن لا حرج عليهما أن تفطرا في شهر رمضان،لأنّهما لا تطيقان،و عليهما أن تتصدق كل واحدة منهما عن كل يوم بمد،و عليهما قضاء كل يوم أفطرتا فيه.

8-إيصال الغبار الغليظ الى الحلق،قال صاحب الشرائع و الجواهر:انه موجب للقضاء و الكفارة،و قال آخرون:يوجب القضاء دون الكفارة.

و قال صاحب الشرائع و المدارك:ان الكذب على اللّه و رسوله،و الارتماس بالماء لا يوجب شيء منهما القضاء و لا الكفارة،و قال صاحب الشرائع:الحقنة بالمائع توجب القضاء فقط،و قال صاحب المدارك:لا توجب القضاء و لا الكفارة.

أمّا تعمد القيء فقال صاحب الجواهر:انه يوجب القضاء فقط عند المشهور.

ص:25

كفارة قضاء رمضان:

إذا أفطر الصائم لقضاء شهر رمضان ينظر:فإن كان قد أفطر قبل الزوال فلا شيء عليه،لأن الإفطار،و الحال هذه،غير محرم من الأساس إلا مع تضييق الوقت.و ان كان قد أفطر بعد الزوال فعليه أن يكفّر بإطعام عشرة مساكين،و مع العجز عن الإطعام صام ثلاثة أيام.فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان؟قال:ان اتى أهله قبل الزوال فلا شيء عليه الا يوما مكان يوم و ان كان أتى أهله بعد الزوال فإن عليه أن يتصدق على عشرة مساكين،فإن لم يقدر صام يوما مكان يوم،و صام ثلاثة أيام كفارة لما صنع،و هذه تسمى كفارة صغرى.

كفارة النذر المعين:

إذا نذر ان يصوم يوما معينا بالذات،لا مطلق يوم من الأيام،فأفطر،و لم يف بالنذر فعليه كفارة كبرى،و هي صيام شهرين متتابعين،أو عتق رقبة،أو إطعام ستين مسكينا.قال صاحب الجواهر:هذا هو المشهور،بل عن الانتصار الإجماع عليه،لقول الامام الصادق عليه السّلام في رجل جعل للّه عليه أن لا يركب محرما سماه فركبه:ان عليه أن يعتق رقبة،أو يصوم شهرين متتابعين،أو يطعم ستين مسكينا.

كفارة صوم الاعتكاف:

قال الفقهاء:من اعتكف متعبدا للّه سبحانه،و صام للاعتكاف،و جامع أيام الصوم،فعليه كفارة كبرى،حتى و لو كان الجماع ليلا،لا نهارا،لأن التكفير انما

ص:26

هو من أجل الاعتكاف،لا من أجل الصوم،و لا تجب الكفارة بغير الجماع إطلاقا،و استدلوا بأن الامام الصادق عليه السّلام سئل عن معتكف واقع أهله؟قال:هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان.و يأتي الكلام عن الاعتكاف.

و اتفق الفقهاء كلمة واحدة على أن الكفارة لا تجب في غير هذه الأربعة، كصوم النذر غير المعين،أي في يوم من الأيام،و صوم الكفارات،و الصوم المستحب،و قال صاحب الجواهر:بل لا يبعد جواز الإفطار قبل الزوال و بعده في صوم هذه الأشياء غير الأربعة المتقدمة،حيث لا دليل يدل على إبطال العمل بوجه العموم.

تعدد الكفارة:

اشارة

إذا أتى بالمفطر الموجب للكفارة،أكثر من مرة،كما لو أكل و شرب و جامع،أو أكل مرات،و شرب و جامع كذلك،فهل تتعدد الكفارة بتعدد الموجب للإفطار،أو تكفي كفارة واحدة؟

الجواب:

إذا تناول المفطر في أكثر من يوم تعددت الكفارة بتعدد الأيام التي أفطر فيها بالاتفاق،و اختلفوا فيما إذا تكرر ذلك منه في يوم واحد،فقال جماعة من الفقهاء،منهم صاحب الشرائع،و صاحب المدارك،و صاحب المستمسك:ان عليه كفارة واحدة بدون فرق بين أن يكون المفطر الذي تعدد من نوع واحد،كما لو أكل مرات عديدة،أو شرب كذلك،و بين أن يكون من أنواع عديدة،كما لو أكل،ثم جامع،و لا بين الوطء و غير الوطء.

و هو الحق،لأن الشارع قد أناط وجوب التكفير بتناول المفطر،و ليس من

ص:27

شك أن هذا التناول انما يصدق في نظر العرف على من أكل أو شرب للمرة الأولى،و لا يصدق عليه لو كرر ثانية،إذ لا معنى لافطار المفطر.أما تحريم الأكل ثانية عليه فلأن الإمساك واجب بذاته،لا لأنه وسيلة.و بكلمة ان الأكل الموجب للكفارة هو الأكل المفسد للصوم،لا مطلق الأكل المحرم،فالأكلة الثانية،و ان كانت محرمة،و لكنها غير مفسدة،بخلاف الأولى فإنها محرمة و مفسدة في وقت واحد،هذا بالإضافة إلى أصل البراءة من وجوب ما زاد على كفارة واحدة.

أفطر ثم سقط الصوم:

اشارة

إذا أفطر عامدا في شهر رمضان،ثم سافر،أو تبين ان الصوم غير واجب عليه،لمرض أصابه،أو جنون،أو إغماء،أو طرأ الحيض على المرأة في آخر النهار،فهل تجب الكفارة،و الحال هذه،أو لا؟

الجواب:

قال صاحب المدارك:ذهب أكثر الفقهاء الى وجوب الكفارة عليه،و انها لا تسقط عنه،و استدلوا بأنه أفسد صوما واجبا من رمضان،فاستقرت عليه الكفارة، كما لو لم يطرأ العذر من الأساس.

و الحق عندنا يستدعي التفصيل بين ان يتبين و ينكشف وجود العذر واقعا و حقيقة،كما لو عرض على الصائم المرض،أو الجنون،أو الإغماء،أو الحيض، و بين العذر الذي يريد أن يفتعله الصائم المفطر من تلقائه كالسفر،و على الأول فلا قضاء عليه و لا كفارة،حيث لا تكليف من الأساس،و على الثاني يلزمه القضاء و الكفارة،معاملة له بخلاف قصده.

ص:28

كفارة و ضرب:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل أتى زوجته،و هو صائم،و هي صائمة؟ فقال:ان استكرهها فعليه كفارتان،و ان طاوعته فعليه كفارة،و عليها كفارة،و ان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا،نصف الحد،و ان كانت طاوعته ضرب خمسة و عشرين سوطا،و ضربت خمسة و عشرين سوطا.

و في الحالين لا بد من اضافة الضرب و التعزير بالقياس اليه.و إذا أكرهت الزوجة زوجها فلا تتحمل عنه شيئا وقوفا على محل النص.

قتل المفطر المعاند و المتهاون:

من أنكر وجوب الصوم من الأساس فهو مرتد،و راد على اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يجب قتله بالاتفاق،و من آمن بوجوبه،و لكن تركه تهاونا و استخفافا،عزر بما يراه الحاكم،و قيل بخمسة و عشرين سوطا،فان عاد عزر ثانية،فان عاد قتل،حيث ثبت عن أهل البيت عليهم السّلام أن أهل الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة.و قيل:يقتلون في الرابعة.

العجز عن الكفارة:

اشارة

إذا فعل الصائم ما يوجب التكفير،و عجز عن الكفارة،و لم يستطع ان يصوم شهرين،و لا ان يعتق رقبة،و لا ان يطعم ستين مسكينا فما ذا يصنع؟

الجواب:

إذا عجز عن ذلك كله كفاه صيام ثمانية عشر يوما متتابعة،و ان عجز عنها تصدق بما يطيق،و ان عجز عن الصدقة استغفر ربه،و في ذلك روايات عن أهل

ص:29

البيت عليهم السّلام عمل بها الفقهاء،منها قول الامام الصادق عليه السّلام:كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه في صوم،أو عتق،أو صدقة،أو يمين،أو نذر،أو قتل،أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار.

مصرف الكفارة:

من أراد أن يكفر بإطعام ستين مسكينا دعا هذا العدد من الفقراء الى بيته دفعة واحدة،أو بالتتابع،و أطعمهم حتى يشبعهم،و له أن يعطي كل نسمة مدا من القمح و ما إليه،على أن لا يزيد للنفر الواحد عن المد،و ان زاد عليه حسب له إطعام مسكين واحد،أجل،لمن كان يعول أكثر من واحد أعطاه من الأمداد بعدد ما يعول،و المد الشرعي أكثر من 800 غرام بقليل.

ص:30

الصوم و القضاء

اشارة

من تتبع آثار أهل البيت عليهم السّلام،و أقوال الفقهاء في الصوم،و توابعه يجد أن لتناول المفطر في رمضان حالات:منها ما لا يوجب قضاء و لا كفارة،كمن أكل ذاهلا عن صيامه،و منها ما يوجب القضاء و الكفارة معا كمن أكل عالما عامدا، و تقدم الكلام مفصلا في فصل«الكفارة»،و منها ما يوجب الكفارة دون القضاء، و منها ما يوجب القضاء دون الكفارة.و يتعرض هذا الفصل للأخيرين،و ما يتصل بهما،و يناسبهما.

كفارة بلا قضاء:

تجب الكفارة دون القضاء في الموارد التالية:

1-الشيخ و الشيخة الطاعنان في السن،إذا كان في الصوم مشقة زائدة عليهما،و انهيار في قواهما فلهما،و الحال هذه،أن يصوما،و يضاعف لهما الأجر،و لهما أن يفطرا و يكفّرا عن كل يوم بإطعام مسكين،و لا قضاء عليهما.قال الامام الباقر أبو الامام الصادق عليهما السّلام:الشيخ الكبير،و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان،و يتصدق كل منهما عن كل يوم بمد من طعام، و لا قضاء عليهما.و قيل،ان الآية 184 من سورة البقرة نزلت في ذلك،و هي قوله

ص:31

تعالى وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ .و معنى من تطوع خيرا من زاد على إطعام المسكين.

2-من به داء العطاش،و هو داء لا يروى صاحبه من الماء،فإنه يفطر، و يكفّر بمد،و لا يقضي،تماما كالشيخ و الشيخة.و قيل:إذا شفي يقضي،لأن الأدلة الدالة على وجوب القضاء تشمله.و نجيب بأنّها إذا شملته بحسب الظاهر فإنها مقيدة بقول الامام عليه السّلام:«لا قضاء على الشيخ الكبير،و من به العطاش».

3-إذا تمرض في شهر رمضان،و استمر المرض في شهر رمضان لآخر فلا قضاء عليه،و لكن يكفّر بمد عن كل يوم،فقد سئل الإمام الباقر عليه السّلام عن الرجل يمرض فيدركه شهر رمضان،و يخرج عنه،و هو مريض،و لا يصح،حتى يدركه شهر رمضان آخر؟قال:يتصدق عن الأول،و يصوم الثاني.

4-إذا نسي غسل الجنابة أيام شهر رمضان كله أو بعضه،ثم تذكر فإن الذي يقتضيه الأصل ان يقضي الصلاة دون الصوم،لأن الطهارة من الحدث الأكبر شرط واقعي في الصلاة،و ليست شرطا في الصوم الا مع العلم بالحدث قبل طلوع الفجر،و لذا من نام،ثم أصبح جنبا صح صومه،حتى و لو تعمد ترك الغسل طوال النهار،و بهذا قال ابن إدريس و المحقق الحلي في الشرائع.و لكن أكثر الفقهاء ذهبوا الى وجوب قضاء الصوم و الصلاة،مع اعترافهم جميعا بأن الأوفق بأصول المذهب و قواعده هو قضاء الصلاة دون الصوم،و لكن وجب الخروج عن هذا الأصل،و الحكم بوجوبهما معا لوجود النص،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل أجنب في شهر رمضان،فنسي أن يغتسل،حتى خرج رمضان؟قال:عليه أن يقضي الصلاة و الصيام.

ص:32

قضاء بلا كفارة:

يجب القضاء دون الكفارة بهذه الأشياء،و هي:

1-تقدم ان من أجنب في ليلة من رمضان،و نام على نية الغسل،ثم انتبه قبل الفجر،و نام للمرة الثانية،قدمنا ان هذا عليه القضاء دون الكفارة.

2-من نسي غسل الجنابة على المشهور،و ذكرناه قريبا في الفقرة السابقة رقم 4.

3-من أبطل صومه بنية الإفطار،و لم يتناول شيئا من المفطرات،و مثله المرائي بصيامه،و لو ساعة من نهار.

4-من أكل و شرب ليلة الصيام دون ان يبحث و ينظر هل طلع الفجر،ثم تبين تقدم الطلوع على الأكل و الشرب،قال صاحب الجواهر:لا أجد خلافا في أن عليه القضاء دون الكفارة،و يدل عليه أن سائلا سأل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل أكل و شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان؟قال:ان كان قد قام،فنظر، فلم ير الفجر،فأكل ثم عاد فرأى الفجر فليتم صومه،و لا اعادة عليه،و ان قام فأكل و شرب،ثم نظر الى الفجر فرأى أنه قد طلع،فليتم صومه،و يقضي يوما آخر، لأنه بدأ بالأكل قبل النظر،فعليه القضاء.

و إذا ثبت القضاء بهذه الرواية،و ما إليها فإن الكفارة تنفى بالأصل،بخاصة أن تناول المفطر لم يكن عن عمد،و قصد.

و كذلك يجب القضاء دون الكفارة إذا أكل و شرب ليلا اعتمادا على قول مخبر ببقاء الليل.قال أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السّلام:قلت له:آمر الجارية أن تنظر:أطلع الفجر أم لا؟فتقول:لم يطلع بعد،فآكل،ثم انظر،فأجده قد كان طلع حين نظرت.فقال:«تتم يومك،و تقضيه،أما انك لو كنت أنت الذي نظرت،ما

ص:33

كان عليك قضاؤه».و هذه الرواية صريحة في أن السبب لسقوط القضاء هو أن يبحث الإنسان و ينظر بنفسه،و لا أثر للتعويل و الاعتماد على الغير.

و تسأل:لو قامت بينة شرعية مؤلفة من عدلين على بقاء الليل،فأكل و شرب معتمدا عليها،فهل يقضي إذا تبين الخلاف؟ الجواب:

أجل،انه يقضي لأن البينة انما هي سبيل لمعرفة الواقع،و قد انكشف العكس،كما هو الفرض،و مجرد اعتبارها،و انها حجة متبعة لا تستدعي سقوط القضاء،و انما تسوّغ الأكل و الشرب،و فائدتها العذر في تناول المفطر فقط،لا في سقوط القضاء.فشأنها في ذلك تماما كشأن الاستصحاب،و الدليل الشرعي قد أناط سقوط القضاء بمباشرة الصائم للبحث و النظر بنفسه،لا بتوسط غيره.

5-إذا أخبره مخبر بطلوع الفجر،و مع ذلك أكل و شرب ظانا بأنّه غير جاد فتبين أنه صادق بقوله،فينفي عنه وجوب الكفارة بالأصل،و يثبت عليه القضاء بالإجماع و النص،حيث سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل خرج في شهر رمضان،و أصحابه يتسحرون في بيت،فنظر إلى الفجر فناداهم،فكف بعضهم، و ظن بعضهم أنه يسخر،فأكل؟قال:يتم صومه،و يقضي.

6-من الصور التي يقضي فيها و لا يكفر أن يخبره مخبر بدخول الليل، فيأكل أو يشرب،أو ما إلى ذاك اعتمادا على خبره،ثم يتبين بقاء الليل و لا فرق في ذلك بين أن يكون المخبر واحدا،أو أكثر،و لا بين البينة الشرعية و غيرها بعد أن تبين الخلاف،بل لا فرق بين من يجوز له التقليد كالعمي،و بين من لا يجوز له ذلك،لأنه لا منافاة بين جواز الإفطار،و بين ثبوت القضاء،بل و لا بين ثبوت الكفارة أيضا،كما مر في مسألة الشيخ،و من استمر مرضه عاما كاملا.

ص:34

و تسأل،إذا لم يخبره أو يشهد أحد بدخول الليل،و انما تناول المفطر،لأنه هو بنفسه توهم و تخيل دخول الليل،فهل يجب عليه القضاء أو لا؟ الجواب:

انه يقضي في حالة،و لا يقضي في حالة أخرى،و إليك البيان:

إذا لم يعلم الصائم ان في السماء غيما،و لا آية علة،ثم عرضت غمامة سوداء أوقعت الصائم في الخطأ و الاشتباه،و ظن معها أن الليل قد دخل،و بعد أن تناول المفطر انجلت الغمامة،و بانت الشمس،إذا كان الأمر كذلك وجب عليه القضاء.و الدليل على ذلك ان الامام الصادق عليه السّلام سئل عن قوم صاموا شهر رمضان،فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس،فظن أنه ليل،فأفطروا،ثم انجلى السحاب،فإذا الشمس؟فقال:على الذي أفطر صيام ذلك اليوم،ان اللّه يقول أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه،لأنه أكل متعمدا.

فقوله:«فغشيهم سحاب أسود فظن أن السحاب ليل»نص خاص في نفس الغرض الذي افترضناه.

و إذا علم الصائم أن في السماء علة من غيم و ما إليه،و ظن دخول الليل فلا قضاء عليه،و يدل على ذلك ان الامام الصادق عليه السّلام قد سئل عن رجل صام،ثم ظن أن الشمس قد غابت،و في السماء غيم،فأفطر،ثم أن السحاب انجلى،فإذا الشمس لم تغب؟قال:قد تم صومه،و لا يقضيه (1).

ص:35


1- اختلف الفقهاء في هذه المسألة و تعددت أقوالهم تبعا لتعدد الروايات و اختلافها،و الذي ذكرناه هو ما ذهب اليه صاحب الجواهر [1]فتوى و دليلا،و قسم الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه [2]هذا الصائم إلى أقسام:الأول أن يكون قد أقدم بعد أن بحث و تحرى،و حصل له العلم و الجزم،و هذا لا قضاء عليه،و لا كفارة.الثاني ان يقدم على الإفطار بمجرد توهم دخول الليل دون أن يعتمد على أمر معقول بحيث يعد في نظر العرف غير مبال و لا مكترث،و هذا عليه القضاء و الكفارة. الثالث أن يقدم لوجود أمارة موهمة بحيث يظن معها كل انسان بدخول الليل.و هذا عليه القضاء دون الكفارة.بل إذا تحرى هذا و كان في السماء علة فلا قضاء عليه و ان لم يحصل القطع و العلم،بل يكفي مجرد الظن في هذه الحال،و ما إليها.

7-إذا تمضمض للتبريد،لا للوضوء فسبقه الماء،و دخل في جوفه،فإنه يقضي و لا يكفّر،حيث سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل عبث بالماء يتمضمض به من العطش،فدخل في حلقه؟قال:عليه القضاء،و ان كان في وضوء فلا بأس.

8-أن يتعمد الصائم القيء،فإنه موجب للقضاء دون الكفارة،و إذا سبقه القيء قهرا فلا شيء عليه،لقول الامام الصادق عليه السّلام:إذا تقيأ الصائم فعليه قضاء ذلك اليوم،و ان ذرعه من غير أن يتقيأ فليتم صومه،أي إذا سبقه القيء قهرا عنه صح صومه،و لا شيء عليه.

9-تقدم في مطاوي الأبحاث السابقة أن الحائض و النفساء تقضيان الصوم دون الصلاة،و ان المستحاضة يجب عليها أن تؤديهما في الوقت المعين،و إذا أخلت بالأداء وجب القضاء عليها بالاتفاق.

المرض:

المرض المسوغ للإفطار هو أن يكون الإنسان مريضا بالفعل،و إذا صام في مرضه ازداد كما أو كيفا،بحيث تشتد آلامه،أو تزيد أيامه،أو يكون صحيحا، و لكن يخشى إذا هو صام أن يحدث له الصوم مرضا جديدا،أما مجرد الضعف الهزال فلا يسوّغ الإفطار ما دام متحملا،و الجسم سالما،و يدل على هذا الأدلة أربعة:الكتاب و السنة و الإجماع و العقل،قال تعالى:

ص:36

وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ (1).و من السنة:«كل شيء من المرض أضر به الصوم فهو يسعه ترك الصوم».و قال الإمام الصادق عليه السّلام:«إذا خاف الصائم على عينيه من الرمد أفطر».و هو ظاهر في الخوف من حدوث المرض و تجدده.

و المعول في معرفة الضرر على علم الإنسان،أو ظنه ظنا معقولا ناشئا من التجارب التي يمر بها،أو من قول خبير،لقول الامام الصادق عليه السّلام،و قد سئل عن حد المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار:«هو مؤتمن عليه مفوض إليه، فإن وجد ضعفا فليفطر،و ان وجد قوة فليصمه كائنا المرض ما كان».هذا، بالإضافة الى أن الضرر المظنون يجب دفعه شرعا و عقلا.

و لو قال له الطبيب:يضرك الصوم،و علم الصائم بعدم الضرر،أو قال له:لا يضرك،و علم هو بالضرر،عوّل على علمه لا على قول الطبيب،حيث لا دليل على أن قول الطبيب حجة متبعة،حتى مع العلم أو الظن بخطئه.و انما يرجع إلى الطبيب إذا حصل الظن بالضرر من قوله،لا مطلقا،و عليه تكون العبرة بالظن الذي يجب دفعه عقلا و شرعا،لا بقول الطبيب.

و إذا صام المريض معتقدا عدم الضرر فبان العكس،فسد صومه و عليه القضاء،لقوله تعالى وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً .و قول الامام عليه السّلام:«فان صام في السفر، أو في حال المرض فعليه القضاء».فان الحكم في هذه الأدلة و ما إليها،قد تعلق بالمرض الواقعي،لا بعدم العلم بالمرض،اما ما ذهب اليه السيد الحكيم في المستمسك من صحة الصوم في مثل هذه الحال،لأن الصوم محبوب في الواقع، و انما سقط الأمر به،لأنه مزاحم بواجب أهم،و هو الأمر بحفظ النفس،فإذا صام المريض بداعي المحبوبية،صح صومه،أما هذا التعليل فهو نظرية مجردة لا

ص:37


1- النساء:42. [1]

تمت الى الواقع بسبب.

و مهما يكن،فإذا أفطر المريض أياما من رمضان،و استمر المرض الى رمضان ثان،كفّر عن كل يوم بإطعام مسكين،و لا قضاء عليه،كما تقدم،و إذا عوفي من مرضه قبل نهاية السنة،بحيث يستطيع القضاء قبل أن يدخل رمضان آخر،وجب عليه القضاء بلا كفارة.

السفر:

لقد اشتهر عن الرسول و آل بيته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«ليس من البر الصيام في السفر».

و أيضا اشتهر عنهم عليهم السّلام:«إذا قصرت أفطرت».

و قد تكرر في كتب الفقهاء:«أن كل سفر يوجب قصر الصلاة فإنه يوجب الإفطار و بالعكس»و لم يستثنوا من هذه القاعدة إلاّ أربعة موارد:

1-من سافر بقصد الصيد للتجارة،فإنه يتم الصلاة،و يصوم.

2-من خرج من بيته مسافرا بعد الزوال،يبقى على الصيام،و يؤدي الصلاة قصرا،ان لم يكن قد صلاها قبل سفره.

3-من دخل الى بيته بعد الزوال،فإنه يتم الصلاة،ان لم يكن قد أداها في سفره،مع العلم بأنه مفطر.

4-من كان في حرم اللّه،أو حرم الرسول،أو مسجد الكوفة،أو الحائر الحسيني،فإنه مخير بين القصر و التمام،و يتعين عليه الإفطار،و تقدم التنبيه على ذلك.

و مهما يكن،فإن شروط القصر للصلاة هي شروط الإفطار في السفر،من نية قطع ثمانية فراسخ امتدادية،أو ملفقة،و ان يكون السفر سائغا لا محرما،و ان

ص:38

لا يتخذ السفر حرفة و مهنة،و لا يقيم عشرة أيام،و لا يتردد ثلاثين يوما،و إذا خرج المسافر من بيته قبل الزوال أفطر،و إذا خرج بعده بقي على صومه،و إذا عاد و دخل بيته قبل الزوال و لم يكن قد تناول المفطر،تعين عليه الصوم،و ان كان قد تناوله أفطر و قضى،و لكن يستحب له الإمساك ظاهرا،بحيث لا يتناول المفطر أمام الناس.

و قال صاحب الشرائع،و العروة الوثقى:إذا أفطر المسافر قبل أن يصل الى حد الترخيص وجب عليه القضاء و الكفارة،و نقول:و إذا تم هذا فإنما يتم في حق العالم بالتحريم،لأنه أفسد صوما واجبا في شهر رمضان،أما الجاهل فلا شيء عليه،تماما كمن تناول شيئا من المفطرات غير عالم بوجوب الإمساك عنها،و قد بينا ذلك مع الدليل في فصل«فساد الصوم و وجوب الكفارة»فقرة«الجهل».

فراجع.

و نقل السيد الحكيم عن المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ان للإنسان أن يسافر في شهر رمضان اختيارا،و لو كان السفر فرارا من الصوم،لأن الإمام الباقر أبا جعفر الصادق عليهما السّلام سئل عن الصائم يعرض له السفر في شهر رمضان،و هو مقيم،و قد مضى منه أيام؟فقال:لا بأس بأن يسافر و يفطر.

قضاء الولي عن الميت:

إذا وجب الصوم على انسان لقضاء رمضان،أو غيره،و مضى أمد تمكن فيه من إتيان ما وجب عليه،و لكنه أهمل و تهاون حتى مات،كان على وليه أن يقضي عنه ما فاته،سواء أ كان الفوات بسبب المرض أو السفر أو غيره،قال صاحب الجواهر:بلا خلاف أجده إلا ما نقل عن ابن أبي عقيل،و قد سئل الإمام

ص:39

الصادق عليه السّلام عن الرجل يموت،و عليه صلاة أو صيام؟قال:يقضي عنه أولى الناس بميراثه.قال السائل:فإن كان أولى الناس بميراثه امرأة؟قال الإمام عليه السّلام:لا، إلاّ الرجال.

و قد بينا من هو المراد بأولى الناس،بميراث الميت،و ما يتصل بهذه المسألة في باب الصلاة فصل«قضاء الصلاة»فقرة«الولد الأكبر يقضي عن والديه».فراجع إن شئت.

ص:40

ثبوت الهلال

اشارة

يثبت هلال رمضان و غيره بالطرق التالية:

الرؤية:

1-قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا رأيت الهلال فصم،و إذا رأيته فأفطر،أما حديث:«صوموا للرؤية،و أفطروا للرؤية»فقد تواتر و دار على كل لسان.

و أجمع الفقهاء على كلمة واحدة على أن من تفرد برؤية هلال رمضان وجب عليه الصوم،حتى و لو أفطر الناس جميعا،و إذا أفطر فعليه القضاء و الكفارة،و إذا تفرد برؤية هلال شوال حرم عليه الصوم،حتى و لو صام الناس جميعا،فإذا صام فعل محرما،الا ان يمسك لا بنية الصيام،بل بنية المجاراة،أو ما إليها.

الشياع:

2-ليس معنى الشياع الذي يثبت به الهلال ان تصوم طائفة،أو أهل قطر أو بلد،اعتمادا على حكم متطفل بان غدا من رمضان،أو يفطروا لحكمه بان غدا من شوال،كلا،فإن هذا إفطار بالرأي،لا بالرؤية،و بالوهم،لا بالعلم.ان معنى

ص:41

الشياع الذي يثبت به الهلال هو أن تكون رؤية الهلال عامة،لا خاصة،هو أن يراه العدد الكثير،و الجمّ الغفير،بحيث يمتنع بحسب العادة أن يتواطؤوا على الكذب،و من أجل هذا تطمئن النفس و تركن الى هذا الشياع،و من أجله أيضا لا يشترط الايمان فضلا عن العدالة في افراد الشياع.

و على هذا المعنى،أي شياع الرؤية،لا الرأي و لا شياع الإفطار أو الصيام يحمل قول الإمام عليه السّلام:«الفطر يوم يفطر الناس،و الأضحى يوم يضحي الناس، و الصوم يوم يصوم الناس»،يجب ان يحمل هذا القول،و ما في معناه من كلمات أهل البيت عليهم السّلام على رؤية الهلال العامة،أو على أي مسوغ شرعي،كما لو رأيت بين الناس الذين ضحوا،و أفطروا من تثق بدينه و معرفته و تحفّظه،تماما كما لو رأيت اماما مجهولا لديك يصلي خلفه الجمّ الغفير،و تعرف منهم من تثق به، فتقتدي بالإمام من أجل من تثق به،لا من أجل الجمع الكثير.

إكمال العدد:

3-من طرق ثبوت الهلال إكمال العدد،فأي شهر قمري ثبت أوّله،ينتهي حتما بمضي ثلاثين يوما،و يدخل الذي يليه،لأنه لا يزيد عن 30،و لا ينقص عن 29،فإذا ثبت أول شعبان كان اليوم الواحد و الثلاثون من رمضان قطعا،و إذا عرفنا أوّل رمضان فالواحد و الثلاثون من شوال،قال الإمام الصادق عليه السّلام:فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة،ثم أفطروا.و قال:إذا خفي الشهر فأتموا عدة شعبان ثلاثين يوما،و صوموا الواحد و الثلاثين.

ص:42

البينة الشرعية:

4-يثبت الهلال بشهادة رجلين عدلين،و لا أثر للواحد،و لا لشهادة النساء منفردات عن الرجال،أو منضمّات إليهم،و ان كثرن.قال الإمام الصادق عليه السّلام:صم لرؤية الهلال،و أفطر لرؤيته،و ان شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه.و قال أيضا:لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلاّ شهادة رجلين عدلين.و ما عدا هذه الرواية مما يخالف معناها فشاذ متروك.

و على كل من يثق بعدالة الشاهدين أن يعمل بقولهما و لا يجوز له ان يخالف شهادتهما،حتى و لو ردها الحاكم.

حكم الحاكم الشرعي:

اشارة

5-إذا حكم الحاكم الشرعي بأن غدا من رمضان،أو من شوال،فلمن علم أنه قد استند في حكمه هذا الى ما لا يجوز الاستناد اليه شرعا يحرم عليه العمل به بالاتفاق،و لمن علم أنه قد استند الى ما يجوز الاعتماد عليه شرعا وجب العمل به بالاتفاق ايضا،و لكن لمكان العلم،لا لحكم الحاكم،و إذا لم يعلم خطأه و لا صوابه،فهل يجوز العمل به أو لا؟

الجواب:

قال صاحب الحدائق:ان الظاهر من أقوال الفقهاء وجوب العمل بحكم الحاكم الشرعي متى ثبت ذلك عنده و حكم به،ثم نقل عن عالم فاضل لم يذكر اسمه ان الحاكم الشرعي انما يرجع إليه في الدعاوي و الفصل في الخصومات، و في الفتوى بالأحكام الشرعية،أما حكمه بالموضوعات الخارجية،و ان هذا غصب،أو ان الوقت قد دخل،و ما إلى ذلك فلا دليل على وجوب اتباعه و العمل

ص:43

بأقواله،ثم قال صاحب الحدائق:و المسألة عندي موضع توقف و اشكال،لعدم الدليل الواضح على وجوب الأخذ بحكم الحاكم في الموضوعات.

و نحن نعتقد أن المعصوم وحده هو الذي يجب اتباعه في جميع أقواله و أفعاله،سواء أ كانت من الموضوعات،أم من غيرها،أما النائب و الوكيل فلا، بداهة أن النائب غير المنوب عنه،و الوكيل غير الأصيل،و ليس من الضرورة ان يكون النائب في شيء نائبا في كل شيء،و أيضا نعتقد أن من قال و ادعى ان للمجتهد العادل كل ما للمعصوم هو واحد من اثنين،لا ثالث لهما،اما ذاهل مغفل،و اما أنه يجر النار لقرصه،و يزعم لنفسه ما خص اللّه به صفوة الصفوة من خلقه،و هم النبي و أهل بيته عليهم السّلام.و أعوذ باللّه من هذه الدعوى و صاحبها.

أقوال الفلكيين:

6-إذا عطفنا حديث«صوموا للرؤية،و أفطروا للرؤية»المتفق عليه عند المسلمين جميعا،و أيضا عطفنا اتفاقهم ان المتعين هو صوم شهر رمضان الذي يختلف مع الشهرين الحافّين به شعبان و شوال نقصانا و تماما بين 29 و 30 يوما، إذا عطفنا هذين المبدأين على اختلاف المسلمين و تفاوتهم في صدق من يدعي رؤية الهلال،و ان بعضهم يثق بدعواه دون بعض،إذا عطفنا هذه بعضها على بعض،و جمعناها في جملة واحدة جاءت النتيجة الحتمية القهرية ان تصوم فئة، و تفطر اخرى،و قد يكون الصائم من طائفة و المفطر من طائفة ثانية،و قد يكونان من طائفة واحدة تبعا للوثوق و عدمه،كما حدث في العام الماضي 1964،حيث أفطر مرجع من مراجع النجف الأشرف هو و مقلدوه يوم الجمعة،و أفطر المرجع الآخر في النجف بالذات هو و مقلدوه يوم السبت،و كما حدث أيضا سنة 1939،

ص:44

حيث كان عيد الأضحى في مصر يوم الاثنين،و في السعودية يوم الثلاثاء،و في بومباي يوم الأربعاء،مع العلم بأن الجميع من السنة.و اذن،ليست المسألة مسألة اختلاف بين الطوائف و المذاهب،بل مسألة ثقة و عدم الثقة بمدعي الرؤية.

و غفلة عن هذه الحقيقة شاع،و تردد على ألسن كثيرين هذا التساؤل:لما ذا لا يتفادى المسلمون هذه الفوضى،و هذا الاختلاف-و ان لم يكن طائفيا- يتفادونه بالرجوع الى العلم،و أقوال الفلكيين الذين يولدون الهلال؟.و أيضا شاع الجواب عن هذا التساؤل بين الشيوخ أو بعضهم بأن الشرع الذي أمرنا بالصوم قد أمرنا أيضا أن نفطر للرؤية،و الذي يفهمه الناس من الرؤية،بخاصة في عهد الرسالة،هي البصرية لا الرؤية العلمية،و مقتضى ذلك أن لا نعتني بغيرها مهما كان،و يكون.

و عندي أن هذا السؤال لا يتجه من الأساس،و كذلك الجواب الذي بني عليه،لأن المبني على الفاسد فاسد مثله،و إليك البيان:

لقد اتفق المسلمون كافة على أن أحكام اللّه سبحانه يجب امتثالها و طاعتها بطريق العلم،و لا يجوز الركون الى الظن،ما وجدنا الى العلم سبيلا،لأن الظن لا يغني عن الحق شيئا،أجل،نلجأ الى الظن المعتبر الذي نص الشرع عليه، كالظن الحاصل من البينة و ما إليها،نلجأ الى هذا الظن حيث لا طريق الى العلم إطلاقا،و إذا جاز الركون الى البينة المفيدة للظن فبالأولى أن يجوز العمل بالعلم، بل هو المتعين مع إمكانه.

و عليه،فمتى حصل العلم من أقوال الفلكيين وجب على كل من علم بصدقهم ان يعمل بأقوالهم،و لا يجوز له إطلاقا الأخذ بشهادة الشهود،و لا بحكم الحاكم،و لا بشيء يخالف علمه.

ص:45

و تقول:ان قول الشارع:«صوموا للرؤية،و أفطروا للرؤية»يدل على ان العلم الذي يجب اتباعه في ثبوت الهلال هو خصوص العلم الناشئ من الرؤية البصرية لا العلم من أي سبب حصل.

و نقول في الجواب:ان العلم حجة من أي سبب تولد،و ليس للشارع،و لا لغير الشارع أن يفرق بين أسبابه،لأن حجّية العلم ذاتية،و غير مكتسبة،و ليس لأحد أيا كان أن يلغيها،أو يتصرف بها بالتقليم و التعديل.أجل،للشارع أن يعتبر العلم جزءا من موضوعات أحكامه-كما تقرر في الأصول-و لكن الذي نحن فيه أجنبي عن ذلك،لأن الشارع انما اعتبر الرؤية كوسيلة للعلم بالهلال،لا كغاية في نفسها،كما هو الشأن في كل طريق مجهول لمعرفة الأحكام،و بكلمة أن اسم الطريق يدل عليه.

بقي شيء واحد،و هو أن أقوال الفلكيين،هل تفيد العلم القاطع لكل شبهة،تماما كما تفيد الرؤية البصرية،أو لا؟ و يعرف الجواب عن ذلك مما قدمنا من ان المسألة تختلف باختلاف الأشخاص،تماما كمسألة الثقة بمن يدعي الرؤية،و بقول الطبيب إذا أخبر بالضرر، أو عدمه،فمن حصل له العلم من أقوال الفلكيين وجب عليه اتباعهم،و لا يجوز له الأخذ بالبينة،و لا بحكم الحاكم،و لا بغيرهما مما يخالف علمه و يقينه،و الا فلا طريق إلاّ الطرق الشرعية الأخرى التي ذكرناها من البينة و ما إليها.و مهما يكن، فإن لنا و لغيرنا أن نقول:ان كلام الفلكيين حتى الآن مبني على التقريب،لا على التحقيق بدليل اختلافهم،و تضارب أقوالهم في تعيين الليلة التي يتولد فيها الهلال، و في ساعة ميلاده،و في مدة بقائه.و متى جاء الزمن الذي تتوافر فيه للعلماء أسباب المعرفة الدقيقة الكافية،بحيث تصبح كلمتهم واحدة في التوليد،و يتكرر

ص:46

صدقهم المرة تلو المرة،حتى تعد أقوالهم من القطعيات،تماما كأيام الأسبوع، فيمكن،و الحال هذه،الاعتماد عليهم و الرجوع إليهم في أمر الهلال و ثبوته، حيث يحصل العلم للجميع من أقوالهم لا لفرد دون فرد،أو فئة دون فئة.

ص:47

ص:48

الاعتكاف

معنى الاعتكاف

الاعتكاف و العكوف في كلام العرب هو الإقامة على الشيء بالمكان،يقال عكف،أو اعتكف فلان مكان كذا إذا أقام فيه،و لم يخرج منه،قال تعالى ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ (1).و في الشرع الإقامة على شيء خاص،في مكان خاص،بشروط معينة،و يأتي بيانها جميعا.

استحباب الاعتكاف:

و الاعتكاف مشروع و مستحب بالكتاب و السنة و الإجماع،فمن الكتاب قوله عز و جل أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (2)و من السنة قول الإمام الصادق عليه السّلام:«اعتكف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في شهر رمضان في العشرة الأولى،ثم اعتكف في الثانية في العشرة الوسطى،ثم اعتكف في الثالثة في العشرة الأخيرة،ثم لم يزل يعتكف في هذه الأخيرة.»الى غير ذلك من الروايات.

ص:49


1- الأنبياء:52. [1]
2- البقرة:125. [2]

الشروط:

1 و 2 و 3-الايمان،و العقل،و نية التقرب الى اللّه،لأن الاعتكاف عبادة، و لا تصح العبادة إلا بهذه الأوصاف.

4-الصوم،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:«لا اعتكاف الا بصوم».و عليه فلا يصح الاعتكاف في العيدين،حيث يحرم الصوم فيهما،و لا من الحائض و النفساء،حيث يحرم الصوم عليهما،كما يحرم المكث في المساجد.

5-أن يكون الاعتكاف في المسجد الجامع،أي في مسجد البلد العام،لا مسجد الحي،أو الأسرة،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:يعتكف في المسجد الجامع، و أفضلها جميعا المساجد الأربعة،و هي مسجد حرم اللّه،و مسجد حرم الرسول، و مسجد الكوفة،و مسجد البصرة.

6-ان لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام بليلتين،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:«لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام».

7-استدامة اللبث في المسجد،بمعنى أن لا يخرج منه بغير سبب موجب، لقول الامام الصادق عليه السّلام:لا ينبغي ان يخرج معتكف من المسجد إلاّ لحاجة لا بد منها،ثم لا يجلس،حتى يرجع-أي لا يتأخر مهما أمكن-و لا يخرج لشيء إلاّ لجنازة،أو يعود مريضا،و لا يجلس،حتى يرجع.

مسائل:

1-ينقسم الاعتكاف الى واجب،و مندوب

،و الأول ما وجب بنذر،أو عهد،أو يمين.و الثاني ما يتبرع به الإنسان بدافع العبادة المقربة من اللّه سبحانه.

و الواجب إذا كان معينا في زمان خاص،كمن نذر أن يعتكف الأيام البيض من

ص:50

شعبان،فمتى باشر لا يجوز له العدول عنه،لا في اليوم الأول،و لا في الذي يليه.

اما المندوب فله ان يعدل عنه قبل انقضاء اليومين الأول و الثاني،فإذا مضيا وجب الثالث حتما.قال الإمام الباقر أبو الإمام الصادق عليهما السّلام:من اعتكف ثلاثة أيام فهو في الرابع بالخيار،ان شاء زاد ثلاثة أيام أخر،و ان شاء خرج من المسجد،فإن أقام يومين بعد الثلاثة،فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر.

2-لا يجب أن يكون الصوم خاصا بالاعتكاف

،بل يكفي مطلق الصوم، حتى و لو كان لغاية أخرى.قال صاحب الجواهر:ان شرط الصوم للاعتكاف كشرط الطهارة للصلاة،لا يعتبر فيه الوقوع له،بل يكفي في صحة الاعتكاف وقوعه معه،و ان لم يكن له،سواء أ كان الصوم واجبا،أم ندبا،و سواء أ كان الواجب لرمضان،أم لغيره،بلا خلاف فيه.

3-يحرم على المعتكف مباشرة النساء،و على المعتكفة مباشرة الرجال

، ليلا و نهارا،حتى اللمس و التقبيل بشهوة،قال الإمام الصادق عليه السّلام:«لا يأتي امرأته ليلا و لا نهارا،و هو معتكف»و إذا جامع امرأته ليلا،أو نهارا في غير شهر رمضان فعليه كفارة،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن معتكف واقع اهله؟قال:عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا،عتق رقبة،أو صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستين مسكينا.و أيضا سئل عن معتكف وطأ امرأته ليلا في شهر رمضان؟قال:عليه كفارة.قال السائل فإن وطأها نهارا؟قال:عليه كفارتان- واحدة للاعتكاف،و الثانية للإفطار في شهر رمضان.

و أيضا يحرم على المعتكف الاستمناء على ما قاله صاحب الشرائع.و قال صاحب الجواهر و المدارك:لم نقف فيه على نص بالخصوص.

و أيضا يحرم عليه البيع و الشراء،و شم الطيب،و الرياحين،و المماراة،

ص:51

لقول الإمام الصادق عليه السّلام:المعتكف لا يشم الطيب،و لا يتلذذ بالرياحين،و لا يماري،و لا يشتري،و لا يبيع.

و المراد بالمماراة،المجادلة و المنازعة في شيء من أشياء الدنيا،أو في مسألة دينية حبا بالغلبة و الظهور.و لا فرق في تحريم المذكورات،و ما إليها بين وقوعها ليلا و نهارا،لأن الاعتكاف واقع فيهما.و بما ان الصوم شرط في الاعتكاف،فكل ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف،بداهة ان المشروط عدم عند عدم شرطه،على تعبير الفقهاء و الأصوليين.

4-إذا فسد الاعتكاف بشيء مما ذكرنا،فهل يجب إعادته ثانية أو لا
اشارة

؟

الجواب:

ينظر:فان كان واجبا فلا بد من الإعادة بنية القضاء،ان كان وقته معينا،و قد مضى،و بنية الأداء ان لم يمض الوقت،لوجوب الطاعة و الامتثال في الأداء، و للأمر بقضاء ما فات في غيره،و إذا كان الاعتكاف مستحبا،و بطل قبل مضي اليومين فلا شيء عليه،لعدم الوجوب من الأساس،و الفرع لا يزيد على الأصل، و ان كان بعد مضيهما وجبت الإعادة،لمكان الوجوب،كما تقدم.

ص:52

كتاب الزكاة

معنى الزكاة:

معنى الزكاة في اللغة النمو،و منه قول العرب زكا الزرع،أي نما و طاب، و منه أيضا قوله تعالى أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ (1).

و في الشرع اسم للصدقة الواجبة من المال،لأن فاعلها،يزكو بفعلها عند اللّه سبحانه،و يصير من الطاهرين المطهرين،و تومئ الى هذا المعنى الآية الكريمة خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها (2).

الوجوب:

و الزكاة واجبة بضرورة الدين،تماما كالصلاة،و يخرج منكرها من الإسلام،و لذا قرنها اللّه سبحانه بالصلاة في أكثر من آية في كتابه،من ذلك قوله تعالى وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ . فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ . فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ . وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ .

ص:53


1- الكهف:75. [1]
2- التوبة:104. [2]

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى إلى غير ذلك.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان اللّه عز و جل فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم،و لو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم.انهم لم يؤتوا من قبل فريضة اللّه عزّ و جل،و لكن أوتوا من منع من منعهم حقهم،لا مما فرض اللّه لهم،و لو أن الناس أدوا حقوقهم كانوا عائشين بخير.

و هذه الرواية تدل بصراحة و وضوح على أن الفقر من الأرض لا من السماء،و من ظلم الناس بعضهم بعضا،لا من اللّه جل شأنه،و عظمت حكمته.

و قال أبوه الإمام الباقر عليهما السّلام:لا يسأل اللّه عز و جل عبدا عن صلاة بعد الفريضة،و لا عن صدقة بعد الزكاة،و لا عن صوم بعد شهر رمضان.

و الكلام في الزكاة يكون أولا فيمن تجب عليه،و ثانيا فيما تجب فيه من الأموال،و ثالثا إلى من تصرف من المستحقين.

من تجب عليه الزكاة:

يشترط فيمن تجب عليه الزكاة هذه الشروط:

1-البلوغ

،فلا تجب على غير البالغ،قال يونس بن يعقوب:أرسلت للإمام الصادق عليه السّلام أن لي إخوة صغارا،فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟قال:إذا وجبت عليهم الصلاة،وجبت عليهم الزكاة.و قال:ليس في مال اليتيم زكاة، و ليس عليه صلاة،و ليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلة زكاة،و ان بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة،و لا عليه لما يستقبل،حتى يدرك،فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة،و كان عليه مثل ما على غيره من الناس.

ص:54

و قد عمل مشهور الفقهاء بهذه الرواية و ما إليها،و هي حجة على من قال بوجوب الزكاة في غير النقدين من أموال غير البالغين.أجل يستحب للولي أبا كان أو جدا أو حاكما شرعيا أن يزكي أموال الطفل.

2-العقل

،قال صاحب الجواهر:ذهب المشهور الى أن حكم المجنون حكم الطفل في جميع ما تقدم-يريد عدم وجوب الزكاة على الطفل-ثم قال:

و هذا مشكل،حيث لا دليل يعتد به على هذه التسوية الاّ مصادرات لا ينبغي للفقيه الركون إليها (1).

3-ان يكون المال ملكا تاما لصاحبه،متمكنا من التصرف فيه
اشارة

،فلا زكاة في المال الموهوب قبل ان يقبضه الموهوب له،و لا في الموصى له،و لا في الدّين،و لا المغصوب،و المرهون،و لا المحجور،و لا الغائب إلاّ بعد التسلط عليه،و إمكان التصرف فيه،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك،حتى يقع في يدك.و سأله زرارة عن رجل،ماله غائب عنه،و لا يقدر على أخذه؟فقال:لا زكاة عليه،حتى يخرج،فإذا خرج زكاه لعام واحد.

و لا فرق في عدم تعلق الزكاة في الدّين بين أن يكون صاحبه قادرا على أخذه و تحصيله متى شاء،و بين أن لا يقدر على ذلك على ما هو المشهور بين الفقهاء المتأخرين بشهادة صاحب الحدائق.

ص:55


1- و لا يصح الاستدلال على نفي الزكاة في مال الطفل و المجنون بحديث:«رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم،و عن المجنون حتى يفيق»لأن هذا الحديث إنما ينفي المؤاخذة،و الحكم التكليفي دون الحكم الوضعي،و هو هنا ثبوت الزكاة في مال المجنون و الطفل،و تكون فائدة هذا الثبوت أن نعتبر ابتداء الحول الذي يأتي الكلام عنه من حين أن يبلغ المال النصاب،لا من حين البلوغ بالنسبة إلى الصبي،و لا من حين الإفاقة بالنسبة إلى المجنون.

و إذا استقرض انسان من آخر مالا بمقدار النصاب،كعشرين دينارا مثلا، فهل تجب زكاتها على المقرض،و هو صاحب المال،أو على المستقرض الذي استدانه؟

الجواب:

ينظر:فإن تصرف المستقرض بالمال قبل أن يحول عليه الحول فلا شيء عليه،و ان أبقاه عنده،و لم يتصرف فيه كلا أو بعضا،حتى مضى عليه الحول وجبت الزكاة على المستقرض،لأنه تحت تصرفه،و يستطيع الانتفاع به متى شاء،و قد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل دفع إلى رجل مالا قرضا،فعلى من زكاته؟أعلى المقرض،أو المقترض؟قال:لا،بل زكاتها على المقترض،ان كانت موضوعة عنده حولا.

غير المسلم:

اتفق الفقهاء على أن غير المسلم مسؤول و مكلف بالفروع،كما هو مكلف بالأصول،و من أهمها الزكاة،قال تعالى وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ اَلَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ (1)و أيضا اتفقوا على أن العبادة بشتى أقسامها لا تصح منه،لأن نية القربة شرط في صحتها،و اللّه سبحانه لا يقبل الا ممن آمن به و بجميع كتبه و رسله،و لم يفرقوا بين كتاب و كتاب،و لا بين رسول و رسول.

و لا منافاة إطلاقا بين تكليفه بالعبادة،و بين عدم صحتها منه إلاّ بهذا الايمان،لأن الإيمان شرط في الوجود،لا في الوجوب،و مقدمة لإيجاد الواجب في الخارج،و بإمكانه أن يؤمن،و يصلي و يزكي،فإذا أصر على الكفر و الجحود

ص:56


1- فصلت:7. [1]

فقد عصى بإرادته و سوء اختياره،و صحّت مؤاخذته و معاقبته.

و أيضا اتفق الفقهاء كما قال صاحب مصباح الفقيه على أنّه إذا أسلم تسقط عنه الزكاة،كما تسقط عنه الصلاة،عملا بعموم حديث«الإسلام يجبّ ما قبله».

و قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه و السيد الحكيم في المستمسك:«ان الزكاة تسقط عن الكافر بمجرد إسلامه،تماما كالصلاة،لتسالم الفقهاء على ذلك، و انه معلوم و مقطوع به من سيرة النبي و آله الكرام صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فما عرف عنهم أنهم أوجبوا شيئا من هذه الحقوق على من دخل في الإسلام.

الأعيان التي تجب فيها الزكاة:

اشارة

قال الإمامان الباقر و الصادق عليهما السّلام:فرض اللّه الزكاة مع الصلاة في الأموال، و سنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في تسعة أشياء،و عفا عما سواهن،و التسعة هي:الذهب، و الفضة،و الإبل،و البقر،و الغنم،و الحنطة،و الشعير،و التمر،و الزبيب،و عفا رسول اللّه عما سوى ذلك.

و قال الإمام الباقر أبو الإمام الصادق عليهما السّلام:ليس في شيء مما أنبتت الأرض من الأرز و الذرة و الحمص و العدس،و سائر الحبوب و الفواكه شيء غير هذه الأربعة الأصناف،و ان كثر ثمنه إلاّ ان يصير ما لا يباع بذهب أو فضة تكنزه،ثم يحول عليه الحول.

و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الزكاة؟فقال:وضع رسول اللّه الزكاة على تسعة،و عفا عما سوى ذلك:الحنطة و الشعير،و التمر و الزبيب،و الذهب و الفضة،و الإبل و البقر و الغنم.فقال السائل:و الذرة؟فغضب الإمام و قال:كان و اللّه على عهد رسول اللّه السمسم و الذرة و الدخن و جميع ذلك.فقال السائل

ص:57

يقولون:لم يكن على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم غير التسعة،فغضب و قال:كذبوا، فهل يكون العفو إلاّ عن شيء قد كان.لا و اللّه،لا أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا، فمن شاء فليؤمن،و من شاء فليكفر.

الفقهاء:

قالوا:تجب الزكاة في نوع خاص من الأنعام و من الزرع،و من النقد، و يجمعها جميعا التسعة المذكورة في كلام الإمامين،و هي الإبل و البقر و الغنم من الانعام،و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب من الزرع،و الذهب و الفضة من النقد، و ما عداها تستحب فيه الزكاة،و لا تجب،و استدلوا بما ذكرنا من الروايات، و غيرها مما جاء في معناها.

أمّا غير هذه التسعة فتستحب فيها الزكاة،و لا تجب،و هي كل ما يكال و يوزن من الحبوب عدا الحنطة و الشعير،كالحمص و الأرز و العدس،و الثمار كالتفاح و المشمش،دون الخضار و البقول،و تستحب أيضا في مال التجارة،و في الإناث من الخيل دون المذكور،و دون البغال و الحمير،و في الأملاك العقارية التي تستثمر و تؤجر،كالبساتين و الحوانيت و البنايات المعدة للايجار،لأنّها تدخل في مال التجارة،كما قال صاحب الجواهر.

أمّا الدليل على استحباب الزكاة في هذه الأشياء فهو وجود روايات عن أهل البيت عليهم السّلام تدل بظاهر على وجوب الزكاة فيها،و لكن الفقهاء حملوها على الاستحباب،و قالوا:ان المراد ثبوت الزكاة فيها على سبيل الندب،لا على سبيل الوجوب،جمعا بينها و بين الروايات التي أكدت وجوب الزكاة في التسعة،و نفته عن غيرها.و قد تسالم الفقهاء،و اشتهر بينهم أنه إذا ورد دليلان أحدهما يثبت

ص:58

الوجوب و الإلزام،و الآخر ينفيه أن يحملوا المثبت على الوجوب،و بالأصح يبقوه على ظاهره،و يحملوا النافي على الاستحباب،حتى أصبح ذلك عندهم قاعدة كلية في جميع أبواب الفقه كما قال صاحب الحدائق في أول المجلد الخامس باب الزكاة،و على هذا يكون الحمل أشبه بالجمع العرفي مثل حمل العام على الخاص،و المطلق على المقيد،لا بالجمع الشرعي الذي يحتاج إلى دليل ثالث يفصل و يفرق بين الموارد،فيخصص المثبت في مورد،و النافي في مورد آخر،و كذلك إذا ورد دليل يحرم هذا الشيء،و آخر ينفي التحريم عنه،فيبقى الدال على التحريم كما هو،و يحمل النافي على الكراهة.

و حيث يشترط شروط خاصة في كل من الأنعام الثلاثة،و المزروعات الأربعة و النقدين،بالإضافة إلى الشروط التي ذكرناها فيمن تجب عليه الزكاة كان لزاما أن نفرد لكل نوع فصلا مستقلا.

ص:59

ص:60

زكاة الأنعام

الإبل:
اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:ليس فيما دون الخمس من الإبل شيء،فإذا كانت خمسا ففيها شاة إلى العشرة،فإذا كانت عشرا ففيها شاتان،فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم،فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم،فإذا بلغت خمسا و عشرين ففيها خمس من الغنم،فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض الى خمس و ثلاثين،فإذا لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر،فإن زادت على خمس و ثلاثين بواحدة ففيها بنت لبون إلى خمس و أربعين،فإن زادت واحدة ففيها حقة،و انما سمّيت حقة،لأنها استحقت ان يركب ظهرها الى ستين،فإن زادت واحدة ففيها جذعة الى خمس و سبعين،فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون الى تسعين،فإن زادت واحدة فحقتان الى عشرين و مائة،فإن زادت على العشرين و المائة واحدة ففي كل خمسين حقة،و في كل أربعين بنت لبون.

الفقهاء:

قالوا:نصاب الإبل اثنا عشر و هي:

1-خمس،و فيها شاة،و ليس فيما نقص عنها شيء.

ص:61

2-فإذا بلغت العشرة ففيها شاتان،و ليس في الزائدة عليها شيء،حتى تبلغ خمس عشرة.

3-فإذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه،و ليس عليها شيء،حتى تبلغ العشرين.

4-فإذا بلغت العشرين ففيها أربع شياه.

5-ان تبلغ خمسا و عشرين،و فيها خمس شياه،و هذه الأنصبة الخمسة في كل واحد منها شاة،كما رأيت.

6-ان تبلغ ستا و عشرين،و فيها بنت مخاض،و هي من الإبل التي دخلت في السنة الثانية.

7-ان تبلغ ستا و ثلاثين،و فيها بنت لبون،و هي التي دخلت في السنة الثالثة.

8-ان تبلغ ستا و أربعين،و فيها حقة،و هي التي دخلت في الرابعة.

9-ان تبلغ احدى و ستين،و فيها جذعة،و هي التي دخلت في الخامسة.

10-ان تبلغ ستا و سبعين،و فيها بنتا لبون.

11-ان تبلغ احدى و تسعين،و فيها حقتان.

12-ان تبلغ مائة و احدى و عشرين،ففي كل خمسين حقة،و في كل أربعين بنت لبون،و معنى في كل 50 حقة،و في كل 40 بنت لبون أن المزكي يختار ما هو الأرجح للفقراء،فإن كانت الإبل 121 فقط عدّها بالأربعين،و دفع ثلاثة من بنات اللبون،و ان كانت 150 عدها بالخمسين و دفع ثلاثا من الحقق التي هي أكبر من بنات اللبون،و ان كان العدد بهما معا على حد سواء بالقياس الى الفقراء،كما لو بلغت 200 فهو مخير بين أن يكون بالأربعين،و يدفع خمسا من بنات اللبون،و بين أن يعد بالخمسين،و يدفع أربعا من الحقق،هذا،ان كان ثمن

ص:62

الخمس يعادل ثمن الأربع،و الا قدم الأرجح و الأصلح للفقير.

البقر:
اشارة

قال الإمامان الباقر و الصادق عليهما السّلام:البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي-أي ما دخل في السنة الثانية-و ليس في أقل من ذلك شيء،و في أربعين بقرة مسنة- أي ما دخلت في الثالثة-و ليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شيء،حتى تبلغ الأربعين،فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة،و ليس فيها بين الأربعين إلى الستين شيء،فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان الى السبعين،فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع و مسنة إلى الثمانين،فإذا بلغت ثمانين ففي كل أربعين مسنة إلى تسعين فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات،فإذا بلغت عشرين و مائة ففي كل أربعين مسنة.

الفقهاء:

هذه الرواية متفق على العمل بها،و هي أوضح من كلمات الفقهاء،و هذا مثال واحد منها:«للبقر نصابان:ثلاثون،و فيها تبيع أو تبيعة،و فيه مسنة،و هكذا دائما».

و من أحب زيادة في التوضيح قلنا:

يؤخذ من البقر من كل ثلاثين واحد دخل في السنة الثانية،و لا شيء فيما دونها،فلو افترض ان إنسانا يملك ثلاثين بقرة إلاّ ربعا،أو إلاّ قيراطا فلا شيء عليه،و لا عليها.و من كل أربعين واحد دخل في السنة الثالثة،و من الستين تبيعان،و من السبعين مسنة عن أربعين،و تبيع عن ثلاثين،و من الثمانين مسنتان، عن كل أربعين منها مسنة،و من التسعين ثلاثة تبيعات،عن كل ثلاثين تبيع،و من

ص:63

المائة مسنة عن أربعين،و تبيعان عن ستين،و من المائة و عشرة مسنتان عن ثمانين،و تبيع عن ثلاثين،و من المائة و العشرين يتخير المالك بين ثلاث مسنات أي عن كل أربعين مسنة،و بين أربع تبيعات،عن كل ثلاثين تبيع.و هكذا،و ليس بين الفريضتين شيء.

و الجاموس كالبقر،و حكمهما واحد،لأنهما من فصيلة واحدة،و قد سئل الإمام الباقر عليه السّلام عن الجواميس،هل فيها شيء؟قال:مثل ما في البقر.

الغنم:
اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:في كل أربعين شاة شاة،و ليس فيما دون الأربعين شيء،ثم ليس فيها شيء،حتى تبلغ عشرين و مائة،فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة،فإذا زادت على مائة و عشرين ففيها شاتان،و ليس فيها أكثر من شاتين،حتى تبلغ مائتين،فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك،فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه،ثم ليس فيها شيء أكثر من ذلك،حتى تبلغ ثلاثمائة،فإذا بلغت ثلاثمائة شاة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه،فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه،حتى تبلغ أربعمائة،فإذا تمت أربعمائة كان على كل مائة شاة، و سقط الأمر الأول-أي زيادة الشاة على المائة.

الفقهاء:

و هذه عبارتهم:للغنم خمسة نصب:

1-أربعون،و فيها شاة.

2-مائة و إحدى و عشرون،و فيها شاتان.

ص:64

3-مائتان و واحدة،و فيها ثلاث شياه.

4-ثلاثمائة و واحدة،و فيها أربع شياه.

5-أربعمائة فما زاد،ففي كل مائة شاة،و ليس ما بين النصابين شيء.

و حكم الماعز و الغنم واحد،لأنهما من فصيلة واحدة،سوى أن الجذع من الغنم،و هو الذي أكمل سنة و دخل في الثانية يعادل الثني من المعز و هو الذي أكمل سنتين،و دخل في الثالثة،فمن كان عنده خمس من الإبل،و أراد أن يدفع زكاتها كفاه الجذع من الغنم،أما من المعز فلا يكفيه إلاّ الثني.

و لا يتعين على المزكي أن يدفع الزكاة من النصاب الذي عنده بالذات،بل هو مخير بين أن يدفعه منه،أو يشتريه من الغير،و يحتسبه من الزكاة،أو يدفع ثمنه نقدا للفقراء على شريطة أن لا ينقص عن الحد الأوسط إلى الأدنى منه،و ان تطوع بالأعلى فخير.و استدل الفقهاء على هذا التخيير بأن رجلا سأل الإمام عليه السّلام:

هل يجوز أن اخرج عما يجب في الحرث من الحنطة و الشعير،و ما يجب على الذهب،أن اخرج عن كل ذلك دراهم قيمة ما يسوى،أو لا يجوز إلاّ أن اخرج من كل شيء ما فيه؟قال:أيما أخرجت تيسر.

و قال له آخر:اعطي عيال المسلمين من الزكاة،فاشتري لهم منها ثيابا و طعاما،و أرى أن ذلك خير لهم؟قال:لا بأس.

بقية الشروط في الانعام:
اشارة

و لا تجب الزكاة في هذه الانعام الثلاث بمجرد بلوغ النصاب،و إكمال العدد الذي ذكرناه،بل لا بد من شروط أخر،و هي ثلاثة بالإضافة إلى شرط النصاب:

الأول:السوم

،و هو أن تعيش كل واحدة من الأنعام التي تحسب من أفراد

ص:65

النصاب،أن تعيش على المرعى الطبيعي،لا على العلف،فإذا صدق عليها اسم المعلوفة لا تتعلق بها الزكاة إجماعا و نصا،و منه قول الإمام عليه السّلام:ليس على ما يعلف شيء،إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها-أي مرعاها-عامها الذي يقتنيها فيه الرجل،فاما ما سوى ذلك،فليس فيه شيء.

الثاني:ان لا تكون من العوامل

،أي لا يعمل عليها،فلو استعملت للركوب أو الحرث أو الحمل تسقط عنها الزكاة إجماعا و نصا،و منه قول الإمام عليه السّلام:«ليس على العوامل شيء»و ما خالف هذا من الروايات فشاذ متروك.

الثالث:أن يمضي عليها حول ابتداء من اليوم الذي تستغني به عن حليب

أمها بالمرعى

،و لا عبرة باليوم الذي تولد فيه على المشهور.

هذا ملخص الشروط في زكاة الانعام،و هي بلوغ النصاب،و الرعي،و عدم العمل،و الحول،و لا شيء غيرها،فإذا اختل واحد من هذه الشروط في فرد من أفراد النصاب أثناء الحول،بطل الحول و انتفت الزكاة،كما لو نقصت عن النصاب،أو استبدل المالك بعض أفرادها،أو استعمله للركوب،أو الحرث أو الحمل،أو علف في بعض الشهور أو الأسابيع،حتى انتفى عنه اسم السوم.

و إذا اشترك اثنان أو أكثر على قطيع يبلغ بمجموعه النصاب فلا زكاة إلاّ إذا بلغ سهم كل النصاب على حدة،حتى و لو كان المرعى و المشرب و المحلب و الفحل واحد بالإجماع،و إذا كان للإنسان إنعام متفرقة هنا و هناك يعتبر النصاب في مجموعها،و ان تباعدت و لم يبلغ كل منها النصاب على حدة،و بكلمة ان العبرة بوحدة المالك للنصاب،و ان تعدد محل النصاب،لا بوحدة النصاب،و ان تعدد المالك،و بهذا نجد تفسير قول الإمام الصادق عليه السّلام:«لا يجمع بين المتفرق،و لا يفرق بين المجتمع».

ص:66

زكاة النقدين

الذهب:
اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:في كل عشرين دينارا من الذهب نصف دينار،و ان نقص فليس عليك شيء.

و قال الإمامان الباقر و الصادق عليهما السّلام:ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شيء،فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال،إلى أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس الدينار،إلى ثمانية و عشرين،فعلى هذا الحساب،كلما زاد أربعة.

الفقهاء:

قالوا:ان الروايات عن أهل البيت عليهم السّلام تعبر تارة بالدينار،و تارة بالمثقال، و يكشف هذا عن أن الدينار كان يوزن مثقالا في عهدهم،و قال أكثر من واحد من فقهاء هذا العصر:ان الدينار يعادل نصف ليرة عثمانية ذهبا.

و مهما يكن،فإن للنقد الذهبي نصابين،الأول:عشرون دينارا،و فيه نصف دينار،أي على حساب اثنين و نصف بالمائة،و ليس فيما دون العشرين زكاة،حتى،و لو مضى عليه حول كامل.النصاب الثاني:أربعة و عشرين دينار،

ص:67

و معنى هذا انه ليس فيما دون الأربعة زكاة بعد العشرين،فإذا بلغت أربعة و عشرين أخرجت زكاتها على حساب اثنين و نصف بالمائة،و هي ثلاثة أخماس الدينار كما قال الإمام عليه السّلام،و إذا زادت عن ال 24 فليس في الزائد زكاة،حتى يبلغ المجموع 28،فإذا بلغ هذا أخرجت الزكاة على الحساب المذكور،و هكذا يعتبر الزائد أربعة أربعة ابدا.

الفضة:
اشارة

قال الإمام عليه السّلام:ليس في أقل من مائتي درهم شيء،و ليس في النيف-أي الزائد عن المائتين-شيء حتى يتم أربعون،فيكون فيه واحد.

الفقهاء:

قالوا:ان للنقد الفضي نصابين،الأول:مائتا درهم (1)،و فيها خمسة دراهم، أي على حساب اثنين و نصف بالمائة،و ليس فيما دون المائتين زكاة.النصاب الثاني:أربعون درهما،و معنى هذا انه ليس فيما دون الأربعين بعد المائتين شيء، فإذا بلغت الدراهم مائتين و أربعين أخرجت زكاتها على حساب اثنين و نصف بالمائة،و هكذا يعتبر الزائد أربعين أربعين أبدا،و يكون الإخراج على الحساب المذكور.

ص:68


1- قال السيد سابق في الجزء الثالث من«فقه السنة»:ان المأتي درهم تبلغ 1/2 555 قرشا مصريا، و قال محمد محمد إسماعيل:في«العبادات في الإسلام»:ان الدراهم ثلاثة جرامات و شيء.و نحن إذا اعطفنا قول الإمام عليه السّلام:في المأتي درهم خمسة دراهم على قوله:في العشرين دينارا نصف دينار جاءت النتيجة ان كل عشرة دراهم تساوي دينارا،هذا،إذا أخذ بعين الاعتبار ان العشرين دينارا هي النصاب الأول في الذهب،و المأتي درهم هي النصاب الأول في الفضة،و ان الجامع بينهما واحد،و هو التبر المسكوك الذي يؤدي إلى نتيجة واحدة،و يرمي إلى هدف واحد.
الشروط:
اشارة

و لا بد من اضافة شرطين آخرين الى بلوغ النصاب في زكاة النقدين:

أولهما أن يكونا عملة مسكوكة

،كما يدل عليه لفظ النقدين،فلا تجب في السبائك،و لا في الحلي و الخاتم،و ما زين به من سيف أو مصحف،و ما إليهما، فقد روي ان قائلا قال للإمام الصادق عليه السّلام:يجتمع عندي الكثير قيمته،فيبقى نحوا من سنة أ نزكيه؟قال:كل ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة،و كل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شيء.قال السائل:و ما الركاز؟قال الإمام عليه السّلام:هو الصامت المنقوش.إذا أردت ذلك فاسبكه،فإنه ليس في سبائك الذهب،و نقار الفضة زكاة.و الصامت من المال هو الذهب و الفضة.

ثانيهما ان يحول الحول على النقود الذهبية و الفضية

،لا ينقص منها شيء، و لا يتبدل منها شيء بشيء،و لا تغير إلى سبائك،و تتم السنة بدخول الشهر الثاني عشر،سئل الإمام عليه السّلام عن رجل كان عنده مائتا درهم إلاّ درهما،بقيت عنده أحد عشر شهرا،ثم أصاب درهما بعد ذلك في الشهر الثاني عشر،و كملت عنده مائتا درهم،أ عليه زكاة؟قال:لا،حتى يحول عليها الحول،و هي مائتا درهم.

مسائل:
1-إذا كان عنده نقود ذهبية،و أخرى فضية لا يبلغ كل واحد منها النصاب

بذاته

،و لكن إذا ضم بعضها إلى بعضهم بلغ المجموع قيمة النصاب،فلا يجبر بعضها ببعض،بل يعتبر كل على حدة.

2-العبرة بالنصاب الخالص من الغش،لا بمجرد اسم النقد الذهبي،أو

النقد الفضي

،فإذا كان عنده نقود ذهبية و فضية يبلغ كل منها النصاب أو يزيد،

ص:69

و لكنها ممزوجة بغير الذهب و الفضة،إذا كان كذلك قدرت خالصة من كل شائبة، فإن بلغ الصافي النصاب وجبت الزكاة،و إلاّ فلا.

3-إذا شك في أن ما يملكه من النقود:هل بلغ النصاب،حتى تجب

الزكاة،أو لا

،جرى أصل البراءة،و لا يجب البحث،لأنه من الشبهات الموضوعية،دون الحكمية،أجل،لو علم ببلوغ النصاب،و شك في المبلغ و المقدار،بحث و نقب إن أمكن،و إلاّ وجب الاحتياط،لأن العلم بشغل الذمة يستدعي العمل بتفريغها،حتى يحصل اليقين بالخروج عن عهدة التكليف.

4-قال فقهاء هذا العصر كلهم أو جلهم:أن الأموال إذا كانت من نوع

الورق،كما هي اليوم،فلا زكاة فيها

وقوفا عند حرفية النص الذي نطق بالنقدين الذهب و الفضة،و نحن على خلاف معهم،و نقول بالتعميم لكل ما يصدق عليه اسم المال و«العملة»و ان النقدين في كلام أهل البيت عليهم السّلام أخذا وسيلة،لا غاية، حيث كانا العملة الوحيدة في ذلك العهد،و ليس هذا من باب القياس المحرم، لأن القياس مأخوذ في مفهومه و حقيقته ان تكون العلة المستنبطة مظنونة لا معلومة،لأن الظن لا يغني عن الحق شيئا،و نحن هنا نعلم علم اليقين ان علة الزكاة في النقدين موجودة بالذات في الورق،لا مظنونة،فتكون كالعلة المنصوصة أو أقوى،و اذن،هي من باب تنقيح المناط المعلوم،لا من باب القياس المظنون المجمع على تحريم العمل به.

ص:70

زكاة الغلات

اشارة

قدمنا ان الزكاة تجب في الحنطة و الشعير،و التمر و الزبيب،و تستحب في غيرها مما أنبتته الأرض،ما عدا الخضار و البقول،و لا بد لوجوب الزكاة في الأصناف الأربعة من وجود أمرين،بلوغ النصاب،و التملك.

النصاب:

قال الإمام الباقر أبو الإمام الصادق عليهما السّلام:ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير،و التمر و الزبيب ما بلغ خمسة أسوق،و الوسق ستون صاعا،فذلك ثلاثمائة صاع،ففيه العشر،و ما كان يسقى بالرشا و الدلاء و النواضح ففيه نصف العشر،و ما سقت السماء و السيح،أو كان بعلا ففيه العشر تماما،و ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شيء،و ليس فيما أنبتت الأرض شيء إلاّ في هذه الأربعة أشياء.

و يبلغ النصاب الكامل بالكيلو جرام حوالي تسعمائة و عشرا على التقريب، و ما نقص عنها لا زكاة فيها،و ما بلغ النصاب فأكثر،ففيه الزكاة.

التملك:

قال الفقهاء:انما يجب على الإنسان ان يؤدي زكاة هذه الأربع إذا بلغت النصاب،و كانت في نفس الوقت أصولها مملوكة له قبل تعلق الزكاة بناتجها،كما

ص:71

لو كان هو الزارع و الغارس،أو انتقل اليه الزرع قبل انعقاد الحب،و الشجر قبل أن يحمل الثمر.أما من ابتاع،أو اتهب الزرع،أو الكرم بعد بدو الناتج،بحيث حصل ذلك في ملك غيره لا في ملكه،فلا تجب عليه الزكاة،تماما كما لا تجب على من اشترى عنبا،و جففه،حتى صار زبيبا بالاتفاق.

و ذهب مشهور الفقهاء الى ان الزكاة تتعلق بالغلات عند بدو الصلاح، و ذلك ان يشتد الحب في الحنطة و الشعير،و يحمر أو يصفر ثمر النخيل،و ينعقد زهر الكرم حصرما،هذا مع العلم بأنه لا يجب إخراج الزكاة إلاّ بعد اليباس و الجفاف و بلوغ النهاية.و الذي نراه ان الزكاة لا تتعلق بشيء من الغلات،حتى يسمى الحب حنطة و شعيرا،و الثمر تمرا و زبيبا،لأن هذه الأسماء قد وردت في أدلة الأحكام،و بديهة ان الأحكام الشرعية تدور مدار عناوين موضوعاتها وجودا و عدما.و مهما يكن فان النصاب انما يعتبر حال الجفاف،لا قبله،فلو افترض ان شيئا من هذه الأصناف يبلغ النصاب،و هو رطب،و لا يبلغه،و هو جاف فلا زكاة فيه بالاتفاق.

و تظهر الثمرة بين القولين فيما لو تصرف المالك بثمر الكرم قبل أن يصير زبيبا،و بثمر النخل قبل أن يصير تمرا،و بناتج الزرع قبل أن يأتي أو ان حصاده، فعلى القول المشهور يكون المالك ضامنا للفقراء المستحقين،و على القول الثاني لا ضمان عليه.

مقدار الزكاة:
اشارة

قال الإمام عليه السّلام:ما كان يعالج بالرشا و الدلاء و النضح (1)ففيه نصف العشر، و ما كان يسقى من غير علاج بنهر،أو عين،أو سماء،أو كان بعلا ففيه العشر كاملا.

ص:72


1- الرشاء الحبل،و الدلاء جمع دلو،و النضح الرش.
الفقهاء:

قالوا:ان المقدار الواجب من الزكاة يختلف باختلاف السقي،فما سقته الطبيعة،فيه عشر المحصول،و ما سقي بآلة،فيه نصف العشر،و ان سقي بآلة تارة،و بالسماء أخرى ينظر:فإن غلب الاستغناء عن الآلة فالعشر،و ان غلب استعمال الآلة فنصف العشر،و ان تساويا فثلاثة أرباع العشر،أي العشر في نصفه،و نصف العشر في النصف الآخر،و مع الشك في أيهما الغالب الآلة،أو الطبيعة،نختصر على القدر المتيقن،و هو الأقل،أي نصف العشر،لأنه الواجب على كل حال.

المؤن و حصة السلطان:

و إنما يجب إخراج الزكاة بعد تصفية الحب،و تجفيف الثمر،بحيث يضبط بالكيل،و الوزن،و بعد إخراج ما يأخذ السلطان منها،و بعد إخراج المؤن و التكاليف بكاملها،أي ان ما يأخذه السلطان،و ما يصرف على المحصول من النفقات لا يتحمله المالك وحده،و لا يدفع زكاته من ماله،و انما هو على مجموع الناتج و المحصول.

و لا يحتاج هذا الى البحث الطويل،و لا الى القال و القيل،و تسويد الصفحات،كما فعل أكثر من واحد،و انما الكلام:هل يعتبر النصاب بعد المؤن، و ما يأخذه السلطان،بحيث لو نقص الباقي بعدهما فلا زكاة فيه؟أو يعتبر النصاب قبلهما،فإذا بلغ المجموع النصاب وجبت الزكاة في الباقي،و ان قل عن النصاب، ما دام المجموع نصابا؟ قال صاحب الجواهر:المشهور بين الفقهاء انه لا بد من اعتبار النصاب بعد

ص:73

المؤنة،فإذا لم يكن الباقي نصابا فلا زكاة فيه،و ان كان المجموع بمقدار النصاب، و قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه:و هو الأشبه،لأصالة براءة الذمة عن وجوب الزكاة فيما نقص بعد إخراج المؤنة عن النصاب.

هل الزكاة حق على الإنسان،أو شراكة في الأعيان:
اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان اللّه تبارك و تعالى شرك بين الفقراء و الأغنياء في الأموال،فليس لهم ان يصرفوا الى غير شركائهم.

و سئل أبوه الإمام الباقر عليهما السّلام عن الزكاة تجب في مواضع لا يمكنني أن أؤديها؟قال الإمام عليه السّلام للسائل:اعزلها،فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن،و لها الربح،و ان توليت في حال ما عزلتها من غير ان تشغلها في تجارة فليس عليك شيء،فان لم تعزلها فاتجر بها في جملة مالك،و لها بقسطها من الربح،و لا وضيعة عليها.

الفقهاء:

اختلفوا في ان الفقير هل هو شريك للغني في العين و يملك فيها بمقدار حصته،تماما كما يملك الغني،أو ان الفقير صاحب حق في العين دون ان يملك شيئا منها،تماما كصاحب الرهن الذي تعلق حقه بالعين المرهونة دون أن يكون مالكا لها،و ان الغني مسؤول عن الزكاة تجاه الفقير كما ان صاحب العين مسؤول عن صاحب الرهن؟ قال صاحب الجواهر:ذهب المشهور نقلا و تحصيلا-اي نقل له قول المشهور،و تأكد هو منه و حصله بذاته-الى ان الزكاة تتعلق بالعين،و ان الفقير

ص:74

شريك للغني في العين،و يملك منها بمقدار حصته على النحو الذي يملكه الغني،و استدلوا فيما استدلوا بالروايتين السابقتين عن الإمامين عليهما السّلام.

و نحن مع الشيخ الهمداني صاحب مصباح الفقيه الذي نفى شراكة الفقراء مع الأغنياء في العين،و أثبت الحق في أموالهم،تماما كحق غرماء الميت المتعلق بتركته،نحن مع هذا الشيخ الجليل بعد ان أطلعنا و اقتنعنا بأدلته التي استدل بها على رأيه،و تتلخص هذه الأدلة بما يأتي:

أولا:لو كان الفقير شريكا حقيقيا للغني في العين لما جاز للغني ان يتصرف بها إلاّ بإذن الفقير،كما هو الشأن في كل شريكين،و ايضا لما جاز له أن يدفع الزكاة من غير العين إلاّ برضا الفقير،و ايضا يجب أن يكون النماء كاللبن و الصوف شراكة بين الاثنين،لأنه تابع للملك،و لا قائل بذلك،و من ادعى شيئا منه فهو محجوج بالنص و السيرة القطعية.

ثانيا:ان لسان الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام في الزكاة الواجبة، تماما كلسان الروايات الواردة عنهم في الزكاة المستحبة،مع العلم بأنه لا شراكة حقيقية في المستحب،و اذن،فالمقصود منها ان اللّه سبحانه قد جعل للفقراء حقا في أموال الأغنياء كحق غرماء الميت المتعلق بتركته،بحيث إذا امتنع الأغنياء عن أداء هذا الحق كان للحاكم الشرعي،أو للجابي الذي يعينه،أو لعدول المسلمين من باب الحسبة،أو للفقير نفسه،مع عدم هؤلاء جميعا،كان له ان يستوفي هذا الحق قهرا عن الأغنياء،و هذا شيء،و ان الفقير شريك للغني في الحقيقة، و الواقع شيء آخر.

ص:75

أموال التجارة:
اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل توضع عنده الأموال يتجر بها؟قال:إذا حال عليها الحول فليزكها.

و قال:كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة ان حال عليه الحول.

الفقهاء:

قالوا:كل مال يعمل به بقصد الربح و الاتجار،فتستحب فيه الزكاة،سواء أ كان الاتجار بالحيوان،أم بالحبوب،أم بالمعادن،أم بالقماش،أم بالخضار و البقول،و ما إلى ذلك.

و لا تستحب الزكاة في التجارة إلاّ بشروط،فإذا انتفى أحدها فلا استحباب، و هي قصد الاتجار و الاكتساب،و ان تبلغ قيمة التجارة أحد نصابي النقدين،و ان يمضي على الاكتساب الحول،و ان يستمر قصد الاكتساب طوال الحول،و ان لا يبيع بأقل من رأس المال،و ان لا ينقص رأس المال قرش واحد طوال أيام الحول،و لو افترض انه نقص،ثم عاد إلى التمام،استأنف رأس السنة من هذا الحين.

و ايضا تستحب الزكاة في كل ما يكال و يوزن مما أنبتته الأرض،ما عدا الغلات الأربع،و في إناث الخيل،على شريطة ان تكون سائمة غير معلوفة،و ان استعملت للركوب و ما إليه.و أيضا تستحب الزكاة في ناتج العقار المعد للاستثمار،كالدكان و البستان و ما إليه،و تقدمت الإشارة إلى ذلك.

ص:76

المستحقون للزكاة

اشارة

قدمنا في أول باب الزكاة ان الكلام عنها يكون فيمن تجب عليه،و فيما تجب فيه من الأموال،و الى من تجب من المستحقين،و سبق الكلام عن الأولين، و نتكلم الآن عن الثالث.

المستحقون:

اشارة

قال اللّه تبارك و تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (1).

و قال الإمام عليه السّلام:الفقراء هم الذين لا يسألون،و عليهم مؤمنات من عيالهم، و الدليل على انهم هم الذين لا يسألون قول اللّه تعالى لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النّاسَ إِلْحافاً (2).و المساكين هم أهل الزمانات،و قد دخل فيهم الرجال و النساء و الصبيان،و العاملون عليها هم السعاة و الجباة في أخذها

ص:77


1- التوبة:60. [1]
2- البقرة:273. [2]

و جمعها و حفظها،حتى يؤدوها الى من يقسمها،و اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ هم الذين وحدوا اللّه،و خلعوا عبادة من دون اللّه،و لم تدخل في قلوبهم معرفة ان محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يتألفهم و يعلمهم و يعرفهم،كيما يعرفوا،فجعل لهم نصيبا في الصدقات،لكي يعرفوا و يرغبوا، وَ فِي الرِّقابِ قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ، و في الظهار،و في الايمان،و في قتل الصيد في الحرم،و ليس عندهم ما يكفرون، و هم مؤمنون،فجعل اللّه لهم نصيبا في الصدقات،ليكفر بها عنهم،و الغارمون قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف،فيجب على الامام ان يقضي عنهم،و يكفهم من مال الصدقات، وَ فِي سَبِيلِ اللّهِ قوم يخرجون في الجهاد و ليس عندهم ما يتقوون به،أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به،أو في جميع سبل الخير،فعلى الامام ان يعطيهم من مال الصدقات، حتى يقووا على الحج و الجهاد،و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه،فيقطع عليهم،و يذهب مالهم،فعلى الامام ان يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات.

الفقهاء:

قالوا:ان المستحقين للزكاة ثمانية أصناف(1)الفقراء(2)المساكين (3)العاملون عليها(4)المؤلفة قلوبهم(5) فِي الرِّقابِ (6)الغارمون(7) فِي سَبِيلِ اللّهِ (8)ابن السبيل.

الفقراء و المساكين:
اشارة

1 و 2-قال جماعة:ان لفظ فقير،و لفظ مسكين إذا اجتمعا عبر كل منهما

ص:78

عن معنى،و إذا افترقا عبرا عن معنى واحد،و قالوا:ان الفرق عند الاجتماع هو ان الفقير لا يسأل،و المسكين يسأل،و مهما يكن،فلا جدوى من وراء الكلام في ذلك بعد العلم بأن كلا منهما يستحق الزكاة لحاجته إليها.

و الفقير،أو المسكين الذي يجوز ان يعطى من الزكاة شرعا هو الذي لا يملك مؤنة السنة له و لعياله،و الغني الشرعي من يملكها بالفعل،أو بالقوة،أي يكون له عمل يكفيه و يسد حاجته يوما فيوما.قال الإمام الصادق عليه السّلام:تحرم الزكاة على من عنده قوت سنة،و تجب الفطرة على من عنده قوت سنة.و سئل عمن عنده قوت يوم إله أن يقبل الزكاة؟قال:يأخذ،و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنة من الزكاة،لأنها انما هي من سنة الى سنة.

إغناء الفقير:

و نقل صاحب الحدائق و الجواهر عن المشهور انه يجوز ان يعطى الفقير من الزكاة مبلغا يغنيه و يكفيه سنوات،لا سنة واحدة،على شريطة ان يعطى المبلغ دفعة واحدة،لا على دفعات،لانه بالدفعة يملك مؤنة السنة،و يصير غنيا في نظر الشرع،و يمتنع إعطاؤه ثانية،و استند القائلون بذلك الى روايات عن أهل البيت عليهم السّلام.

و لست أدري:هل تلك الروايات صحيحة،أو وضعها على لسان الثقات من وضعها ليجر النار الى قرصه،و يكنز أموال الزكاة على حساب غيره.و لكني أعلم علم اليقين ان التفرقة بين الدفعة و الدفعات محل النظر،لأنه إذا كانت العلة لعدم جواز الدفعات هي الزيادة عن مؤنة السنة،فهذه العلة بعينها موجودة في الدفعة الواحدة الزائدة عن المؤنة المذكورة،فالفرق اذن تحكم،و أيضا أعلم علم

ص:79

اليقين ان الهدف الأول و الأخير من الزكاة هو سد حاجات الفقير من المأكل و المشرب و الملبس و المسكن،و ان أهل البيت عليهم السّلام قالوا:لو وزعت الصدقات على وجهها لما وجد فقير،مع العلم أيضا بأن جعل الفقير غنيا يستدعي ان يزيد المثرون عددا،و الفقراء فقرا.و لأجل هذا و غير هذا نرى ان لا يعطى الفقير أكثر من مؤنة سنة،حتى و لو كان ابن المرجع الأكبر،أو المرجع بالذات.

مدعي الفقر:

كل من ادعى الفقر يصدق إذا لم يعلم كذبه،و يعطى من الزكاة حاجته،قال صاحب الجواهر:بلا خلاف معتد به،و في المدارك هو المعروف من مذهب الأصحاب.

و ايضا المعروف من سيرة العلماء قديما و حديثا انهم يعطون الزكاة لمن يطلبها ما لم يعلم كذبه،اما الحديث المشهور:«على المدعي البينة،و على من أنكر اليمين»فلا يشمل ما نحن فيه،لاختصاصه في مورد الخصومات و المنازعات.

و لا يجب اعلام الفقير بالزكاة حين الدفع اليه و لا بعده،قال أبو بصير:قلت للإمام الباقر أبي الإمام الصادق عليهما السّلام:الرجل من أصحابنا يستحي أن يأخذ الزكاة، فأعطه منها،و لا اسمي انها من الزكاة؟قال:أعطه و لا تسم،و لا تذل المؤمن.

و ذهب المشهور الى أن من يقدر على الاكتساب لا يعطى من الزكاة،لأنه بحكم الغني،و قد روى زرارة عن الإمام الباقر عليه السّلام انه قال:ان الصدقة لا تحل لمحترف،و لا لذي مرة سوي-أي سليم البدن،يتحمل الكد و التعب.

و إذا قال قائل بأن هذا يصدق عليه اسم الفقير قلنا في جوابه:انه غني في

ص:80

الواقع،ما دام قادرا أن يكفي نفسه،و أي فرق بينه و بين من يملك المال،و لم ينفق على نفسه شحا،حتى مات جوعا.

قال صاحب مصباح الفقيه،يرد على صاحب الجواهر،و نعم ما قال:ان المراد بالغني الذي لا تعطى له الزكاة هو الغني بالفعل و القادر على الاكتساب،و مع ذلك ترك تبعا لكثير من البطالين،و أهل السؤال و أشباههم ممن لهم قدرة و قوة على كثير من الصنائع و الحرف اللائقة بحالهم،و لكنهم تعودوا التعيش بأخذ الصدقات،و الصبر على الفقر و الفاقة،و تحمل ذل السؤال،و ترك الاكتساب،فإنه يصدق على أحدهم عرفا اسم الفقير،و لكنه هو في الواقع غني،أي قادر على ان يكفي نفسه فالقول بعدم إعطاء الزكاة لمثله كما نسب الى المشهور هو الأقوى، و ما في الجواهر من دعوى السيرة على دفعها لمثل هؤلاء الأشخاص محل نظر، بل منع.

العاملون:

3-العاملون على الزكاة،هم الجباة الذين يعينهم الإمام،أو نائبه للقيام بتحصيلها من أهلها،و حفظها،ثم تأديتها الى من يقسمها على المستحقين،و ما يأخذ الجباة من الزكاة يعتبر أجرا لهم على عملهم لا صدقة و لذا تعطى لهم،و ان كانوا من الأغنياء.

و يشترط في الجابي ان يكون بالغا عاقلا مؤمنا عادلا أو أمينا موثوقا على الأقل،لقول علي أمير المؤمنين عليه السّلام للجابي:«إذا قبضت مال للصدقة فلا توكل به إلاّ ناصحا شفيقا أمينا حافظا».و ان لا يكون هاشميا،لان زكاة غير الهاشمي محرمة على بني هاشم،قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان أناسا من بني هاشم أتوا رسول

ص:81

اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي،و قالوا:يكون لنا هذا السهم الذي جعله اللّه للعاملين عليها،فنحن اولى به،فقال:يا بني عبد المطلب ان الصدقة لا تحل لي و لا لكم،و لكن قد وعدت الشفاعة أي لا تحل لهم حتى و لو كانت بدل أتعابهم.

المؤلفة قلوبهم:

4-من أصناف المستحقين للزكاة اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ،و هم الجماعة الذين يراد تأليف قلوبهم و جمعها على الإسلام،لدفع شرهم،أو ليستعين بهم المسلمون في الدفاع عنهم و عن الإسلام،و يعطي هؤلاء من الزكاة،و ان كانوا أغنياء.

و اختلف فقهاؤنا فيما بينهم:هل يختص لفظ المؤلفة في باب الزكاة بمن لم يظهر الإسلام،أو يعم من أظهره على شك منه؟و الثابت ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد تألف المشركين،و منهم صفوان بن أمية،و تألف المنافقين و منهم أبو سفيان، و في ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السّلام،و اذن،يكون اللفظ عاما للاثنين.

و في بعض المذاهب الإسلامية ان هذا السهم قد سقط،و لم يبق له من موضوع بعد ان انتشر الإسلام،و أعز اللّه دينه بقوة المسلمين و كثرتهم،و قال فقهاء الشيعة:انه باق ما دام على وجه الأرض غير مسلم،و مناوئ للإسلام،إذ محال ان يسقط المسبب،مع بقاء سببه،و يرتفع المعلول،مع وجود علته (1).

ص:82


1- اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ أشبه بالدعايات التي تستعملها الدول لتبرير موقفها،و بث مبادئها،و قد تخصص لها وزارة بالذات.
فِي الرِّقابِ :

5-المراد بالرقاب العبيد،و جاءت«في»هنا للدلالة على ان الزكاة لا تعطى لهم،و انما تبذل في سبيل تحريرهم،و فكاك رقابهم،و هذا من الأبواب التي فتحها الإسلام لإلغاء الرق شيئا فشيئا.و لم يبق اليوم من موضوع لهذا الصنف الذي تصرف فيه الزكاة.

الغارمون:

6-و هم الذين تحملوا ديونا عجزوا عن وفائها،فتؤدى عنهم من الزكاة، على شريطة ان لا يكونوا قد صرفوها في الإثم و المعصية.

قال الإمام عليه السّلام:الغارمون من وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف،فيجب على الإمام ان يقضي عنهم،و يفكهم من مال الصدقات.

و الذي نراه ان الوفاء عن الغارمين يدخل في الفقرة التالية،و هي سبيل اللّه، و انما أفرد الغارم بالذكر للتنبيه على انه منه،أو لزيادة اختصاص،كقوله تعالى:

حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى (1).

و إذا كان لإنسان دين على من عجز عن وفائه فلصاحب الدين ان يحتسبه من الزكاة،و بهذا يتحقق وفاء الدين و الزكاة معا،و تفرغ ذمة المديون من الدين، و ذمة صاحبه من الزكاة،فقد سأل رجل الامام عليه السّلام قائلا:لي دين على قوم قد طال حبسه عندهم،لا يقدرون على قضائه،و هم مستوجبون للزكاة،هل لي أن أدعه، فأحتسب به عليهم من الزكاة؟قال:نعم.

و لا فرق في جواز احتساب الدين من الزكاة بين ان يكون المديون حيا أو

ص:83


1- البقرة:238. [1]

ميتا،قال الإمام الصادق عليه السّلام:قرض المؤمن غنيمة،إن أيسر قضاك،و ان مات قبل ذلك احتسب به من الزكاة.

سبيل اللّه:

7-سبيل اللّه كل ما يرضي اللّه،و يتقرب به إليه كائنا ما كان،كشق طريق، أو بناء معهد،أو مصح،أو جر مياه،أو تشييد مسجد،و ما إلى ذلك مما ينفع الناس،مسلمين كانوا أو غير مسلمين.

قال الشيخ الهمداني في الجزء الثالث من مصباح الفقيه ص 101:«و سبيل اللّه لا ينحصر فيما يصرف إلى الشيعة».

و قال صاحب الجواهر في باب الزكاة،و هو يتكلم عن سبيل اللّه ما نصه بالحرف:«سبيل اللّه يشمل تعمير روضة،و مدرسة و مسجد،و وقف الكتب العلمية و الأدعية،و تزويج الأعزب،و تسبيل نحل أو شجرة أو ماء،و الإحجاج، و الإعانة على الزيارة،و التعزية و تكريم العلماء و الصلحاء،و تخليص المظلوم من الظالم،و شراء السلاح للدفاع عن المسلمين،و غير ذلك،و من هنا قال الأستاذ- هو الشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير-:«لا يعتبر في المدفوع إليه إسلام،و لا ايمان،و لا عدالة،و لا فقر،و لا غير ذلك»،أي لا يشترط الإسلام فيما إذا كان في إعطاء غير المسلم مصلحة عامة،كما أشرنا.

ابن السبيل:

8-ابن السبيل،قال الإمام عليه السّلام:ابن السبيل-المراد به-أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّه-أي في غير معصية-فينقطع بهم،و يذهب

ص:84

مالهم،فعلى الإمام ان يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات.

أوصاف المستحقين:

اشارة

قال الفقهاء:يجب ان تتوافر فيمن يعطى من الزكاة صفات:

منها:ان يكون من الشيعة الاثني عشرية

،لقول الإمام عليه السّلام:«لا تعط الصدقة و الزكاة إلاّ لأصحابك».

و لا أحسب ان أحد يخفى عليه السر لذلك،بعد ما جرى في العادة منذ القديم ان تخصص كل طائفة خيراتها بأبناء طائفتها،هذا،الى ان التشريعات الحديثة اليوم في الغرب و الشرق تنص على ان الأجنبي لا يرث من المواطن،و ان كان أقرب المقربين له نسبا و سببا إلاّ إذا نصف قوانين كل من دولة القريبين على ان الأجنبي يرث،فلو افترض ان رجلا مجنس بالجنسية الانكليزية،و له أملاك في انكلترا،و ولد مجنسا بالجنسية الفرنسية،فلا يحق للولد الفرنسي ان يرث أباه الانكليزي،أو من أملاكه الموجودة في انكلترا على الأصح إلاّ إذا نص القانون الفرنسي على ان للأجنبي ان يرث من الفرنسي.

و تنبغي الإشارة إلى أنه يستثني من هذا الشرط اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ،لان المفروض بهم الكفر،أو النفاق،و أيضا يستثني من تعطى له الزكاة بدافع المصلحة العامة،لا لسد خلته،و حاجته الخاصة.

و تنبغي الإشارة ايضا الى ان هذا الشرط خاص في الزكاة فقط،اما الصدقات المستحبة فلا،بل يجوز اعطاءها لكل محتاج جاحدا كان،أو مؤمنا، لأن لكل كبد حرى أجر،كما جاء في الحديث.

و منها:ان من الأوصاف التي لا بد منها فيمن يعطى الزكاة ان لا يكون

إعطاؤه إعانة على الإثم

ص:85

،كمن يصرفها في المعاصي و الموبقات،و هذا الشرط لا يحتاج الى دليل،لانه من القضايا التي تحمل أدلتها معها،هذا،بالإضافة الى ما قدمنا في ابن السبيل،و الغارمين من الدليل على ان السفر و الدين يجب ان لا يكونا في معصية،و تشدد بعض الفقهاء حيث اشترط العدالة فيمن يعطى الزكاة، و لكن في هذا سد لباب الزكاة بالحجر و الطين.

و منها:ان لا يكون ممن تجب نفقته على المالك

،كالآباء،و ان علوا، و الأبناء و ان نزلوا،و الزوجة،قال الإمام الصادق عليه السّلام:خمسة لا يعطوا من الزكاة شيئا:الأب،و الام،و الولد،و الزوجة،و المملوك،لأنهم عياله و لازمون له.

اما سائر الأقارب كالأخ و العم و الخال فيجوز،بل يستحب،و هم أولى من الأباعد،قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا صدقة،و ذو رحم محتاج.

و يجوز ان تدفع الزوجة زكاة أموالها إلى الزوج إذا كان محتاجا،لأنه غير واجب النفقة عليها،و قال بعض الفقهاء:لا يجوز للزوج ان ينفق على زوجته من هذه الزكاة التي أخذها منها بالذات،و لكن لا دليل على هذا القول سوى الاستحسان الذي لا يركن إليه في استنباط الأحكام.

و يجوز لكل من الوالد و الولد ان يفي دين الآخر،و يزوجه من الزكاة،لأن التزويج،و وفاء الدين لا يجبان على القريب،و الواجب انما الإسكان و الإطعام و الكسوة فقط،و يجوز لكل منهما ان يدفع الزكاة للآخر من سهم العاملين عليها، لأن هؤلاء يأخذون من الزكاة أجرة عملهم،و ان كانوا أغنياء.

و منها:ان لا يكون هاشميا

أي لا يجوز ان يعطى الهاشمي من زكاة غيره، و يجوز ان يعطى من زكاة مثله،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم،ما هي؟.قال:هي الزكاة.فقال السائل:هل تحل صدقة

ص:86

بعضهم على بعض؟قال:نعم.

أجل،إذا اضطر الهاشمي إلى زكاة غيره،بحيث لا يجد الخمس،و لا زكاة مثله جاز ان يعطى،و ان يأخذ الزكاة من غيره بالاتفاق،و تجوز عليه أيضا الزكاة المستحبة إطلاقا،من مثله و من غيره،و مع الضرورة القاهرة،و بدونها،سئل الإمام الصادق عليه السّلام أ تحل الصدقة على بني هاشم؟فقال:الصدقة الواجبة لا تحل لنا،فأما غير ذلك فليس به بأس.

ص:87

ص:88

أحكام الزكاة

النية:

لا تصح الزكاة إلاّ بنية التقرب الى اللّه سبحانه،لأنها عبادة،فمن أداها لمجرد الجاه و الرياء فقد أبطلها،و لا بأس بإعلانها،بخاصة إذا كان القصد التشجيع عليها،و اقتداء الغير به،قال الإمام الصادق عليه السّلام:لو ان رجلا حمل الزكاة فأعطاها علانية لم يكن عليه في ذلك عيب.و قال في رواية:الإعلان أفضل من الإسرار.و قال تعالى إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (1).

لا واسطة بين اللّه و الإنسان:

يمتاز الإسلام عن كثير من الأديان بأنه لم يجعل واسطة بين الخالق و المخلوق،فكل انسان يستطيع الاتصال باللّه عن طريق الإخلاص بنواياه و اعماله بدون توسط عالم من العلماء،و لا ولي من الأولياء،فكما ان اللّه سبحانه يقبل من العبد الصوم و الصلاة و الحج دون ان يقرها،و يرتضيها أحد من الناس،

ص:89


1- البقرة:271. [1]

كذلك يقبل منه الزكاة دون ان يدفعها الى الفقيه الجامع للشروط،و من أوجب ذلك وضعنا أمامه علامة استفهام.

قال صاحب الحدائق:«ذهب المشهور،و لا سيما المتأخرين إلى جواز تولي المالك،أو وكيله لتفريق الزكاة،للأخبار المستفيضة عن أهل البيت عليهم السّلام في جملة من المواضع التي مرت،و ما يأتي منها،و الأخبار الدالة على الأمر بإيصال الزكاة إلى المستحقين،و الأخبار الدالة على نقل الزكاة من بلد الى بلد،مع عدم المستحق،و الاخبار الدالة على شراء العبيد منها،الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة المتكررة».

ثم قال صاحب الحدائق:و يعضد ما قلناه ان رجلا جاء الى الإمام الباقر أبي الإمام الصادق عليهما السّلام و قال:رحمك اللّه،اقبض مني هذه الخمسمائة درهم،فضعها في مواضعها،فإنها زكاة مالي.قال الإمام عليه السّلام:بل خذها أنت،وضعها في جيرانك و الأيتام و المساكين،و في إخوتك من المسلمين.

كيفية توزيع الزكاة:

اشارة

قدمنا أن أصناف المستحقين للزكاة ثمانية:الفقراء و المساكين،و العاملون عليها،و المؤلفة قلوبهم،و الأرقاء،و الغارمون،و أبناء السبيل،و سبيل اللّه.و هنا سؤال يفرض نفسه:هل يجب على مالك الزكاة،أو وكيله ان يوزع الزكاة، و يبسطها على جميع الأصناف إن وجدوا،و إلاّ فعلى من يوجد منهم،بحيث لا يجوز ترك صنف مع وجوده،أو يجوز التخصيص،حتى مع إمكان البسط و التعميم؟

الجواب:

أجمع الفقهاء بشهادة صاحب الجواهر على عدم وجوب البسط و التعميم،

ص:90

و جواز ان يخصص صنفا دون صنف،و جماعة من صنف،بل واحدا من بعض الأصناف،و يدل على هذا قول الإمام الصادق عليه السّلام:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي،و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر،و لا يقسمها بينهم بالسوية،و انما يقسمها على قدر من يحضرها منهم.

و سئل عن رجل حلت عليه الزكاة،و مات أبوه،و عليه دين،أ يؤدي زكاته في دين أبيه؟قال:لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه،فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال-أي لم يكن لأبيه تركة-أجزأت عنه.

و قال في رواية أخرى:ان جعلتها فيهم جميعا،و ان جعلتها لواحد أجزأك.

أجل،يستحب ترجيح الأقارب،و أهل العلم و الصلاح،فقد قال الإمام الصادق عليه السّلام لمن سأله:كيف اعطي المستحقين:«أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و العقل».و في رواية يفضل من لا يسأل على من يسأل.

صاحب المال مصدق:

إذا قال صاحب المال:أخرجت زكاة أموالي،أو قال:لم تجب الزكاة في مالي إطلاقا قبل قوله بلا بينة،و لا يمين ما لم يعلم كذبه،و هذا من الموارد التي تقبل فيها دعوى المدعي بمجردها،و مصدر هذا الحكم ان عليا أمير المؤمنين عليه السّلام كان إذا بعث الجابي قال له:إذا أتيت رب المال فقل:تصدق رحمك اللّه مما أعطاك اللّه،فإن ولّى عنك فلا تراجعه.

و يصلح قول الإمام عليه السّلام دليلا على ما قدمنا من أنه لا واسطة بين اللّه و الإنسان،و انه لا يحق لأحد أن ينصب نفسه وكيلا عن اللّه جل و علا،فيحاج في مثل ذلك عنه و يخاصم.

ص:91

نقل الزكاة:

قال الفقهاء:يجوز نقل الزكاة من بلد إلى آخر،مع عدم وجود المستحق فيه.

و ذكرنا هذا،مع العلم بأن المهتمين به قليلون جدا،أو لا وجود لهم إطلاقا،و لكن القصد أن ننبه إلى أن أهل زمان كانوا يشعرون بوجوب الزكاة، و يهتمون كثيرا بأدائها،و ان الفقير كان يأباها،حتى أن صاحب الزكاة كان يضطر إلى التنقل بها من بلد إلى بلد على عكس اليوم،حيث يقل العرض،و يكثر الطلب،مع العلم بأن المال بالأمس كان أعز و أندر منه اليوم،و هو اليوم أكثر و أوفر.

أقل ما يعطى الفقير:

روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال:لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم-أي لا ينقص العطاء عن النصيب الأول في الفضة-و هو أقل ما فرض اللّه عز و جل من الزكاة في أموال المسلمين،فلا تعطوا أحدا من الزكاة أقل من خمسة دراهم.

و في رواية أخرى أنه سئل:هل يجوز أن يعطى الرجل من الزكاة الدرهمين و الثلاثة؟فقال:ذلك جائز.

قال جماعة من الفقهاء:ان المراد من قوله«جائز»ان للمالك ان يدفع دون الخمسة،و يقبل الشرع منه ذلك،و ان المراد من قوله لا يعطى و لا يجوز أقل من خمسة أن العطاء دون هذا المبلغ مكروه،و بهذا الجمع يرتفع التنافي،و هو جمع عرفي يحمل قرينته معه،و لا يحتاج إلى قرينة من الخارج،تماما كالجمع بين الخاص و العام،و المطلق و المقيد.و قدمنا الإشارة إلى ذلك فيما سبق،و أعدناه للتذكير بهذه القاعدة.

ص:92

الاحتيال على اللّه و الناس:

قال السيد كاظم في العروة الوثقى:لا يجوز للفقير،و لا للحاكم الشرعي أخذ الزكاة من المالك،ثم الرد عليه،أو المصالحة معه بشيء يسير،أو قبول شيء منه بأكثر من قيمته،أو نحو ذلك،فإن كل هذه حيل في تفويت حق الفقراء، و كذا بالنسبة إلى الخمس و المظالم،و نحوهما.

و قال السيد الحكيم في المستمسك معلقا على هذا بما نصه بالحرف الواحد:«الظاهر أنه لا إشكال في الأخذ إذا كان الدفع غير مقيد بالرد،بل كان مطلقا،أو بداعي الرد،لأنه جار على القواعد الأولية».

و معنى هذا التعليق ان المالك إذا قال للفقير،و تلفظ صراحة بأني أعطيك هذا المبلغ من الزكاة بشرط ان ترده إليّ بعد ان أدفعه لك،و قبل الفقير،فلا يصح و لا تسقط الزكاة عن المالك،اما إذا لم يتلفظ المالك بالشرط،و انما دفع المال للفقير بنية أن يرجعه الفقير إليه،و يرده عليه ساعة قبضه،و أخذه الفقير بهذه النية، و هذا الباعث،ثم رده على المالك،بحيث لم يبق مع الفقير شيء من الزكاة،أو بقي منها بعض الشيء،أمّا إذا كان كذلك،فيصح و تسقط الزكاة.

و هنا تساؤلات كثيرة تتزاحم،و تتدافع،و كل منها يطلب الجواب قبل الآخر،و هي هل هذه النية من المالك تتفق مع نية القربة التي هي شرط في الزكاة، أو تتنافى معها؟و هل من فرق بحسب الواقع و النتيجة بين أخذ الشيء بنحو القيدية،و بين أخذه بنحو الداعي؟و لو افترض نقاشا وجود الفرق بينهما في الواقع،فهل يفهم هذا الفرق عامة الناس،أو الخاصة كالسيد الحكيم و من إليه، و على افتراض انه وقف على افهام الخاصة،فهل الأحكام الشرعية تنزل على الدقة العقلية،أو الافهام العرفية؟ثم إذا كانت الأحكام الشرعية تتبع المصالح

ص:93

و المفاسد الواقعية،كما هو مذهب الشيعة الإمامية،فكيف تغيرت الواقعة الواحدة من التحليل الى التحريم،أو بالعكس لا لشيء بل لمجرد تغيير هيئة اللفظ فقط لا غير،ثم لو جاز هذا فما معنى قول الرسول و آله الأطهار صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لو أنفقت الحقوق على مستحقيها لما بقي فقير؟و هل معنى الجواز إلاّ ان يزداد الفقير بؤسا و عناء، و يزداد الغني مالا و ثراء؟ثم هل في الحيل حلال و حرام،و حق و باطل،و خطأ و صواب،أو ان كل الحيل حرام،لأن لفظها يدل عليها،و ان اللّه سبحانه ينظر الى الواقع و الأعمال،لا إلى الألفاظ و الاشكال.

ص:94

زكاة الفطر

وجوبها:

زكاة الفطر،و تسمى زكاة الأبدان،و زكاة الرقاب،و هي التي تجب بالفطر من رمضان،و وجوبها ثابت بضرورة الدين،تماما كوجوب الصلاة و زكاة الأموال.قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان من تمام الصوم إعطاء زكاة الفطر،كما أن الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من تمام الصلاة،لأنه من صام و لم يؤد الزكاة،فلا صوم له،إذا ترك متعمدا،و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،ان اللّه قد بدأ بها قبل الصلاة،حيث قال قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى. وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى (1).

على من تجب؟

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:تحرم الزكاة على من عنده قوت سنة،و تجب الفطرة على من عنده قوت السنة.و قال:لا زكاة على يتيم.

و سئل لمن تحل الفطرة؟قال:لمن لا يجد،و من حلت له لم تحل عليه، و من حلت عليه لم تحل له.

ص:95


1- الأعلى:14 و 15. [1]
الفقهاء:

اتفقوا على ان زكاة الفطر تجب على من غربت عليه الشمس ليلة العيد،أي شمس آخر يوم من رمضان،و هو بالغ عاقل غني غير مغمى عليه،فإذا انتفت احدى هذه الصفات فلا شيء عليه،كما لو غابت عليه هذه الشمس قبل أن يبلغ، أو و هو مجنون،أو مغمى عليه،أو لا يملك قوته و قوت عياله بالفعل أو بالقوة سنة كاملة.

عمن تجب:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:تجب الفطرة عن الصغير و الكبير،و الحر و العبد، عن كل انسان منهم صاع من حنطة،أو صاع من تمر،أو صاع من زبيب.

و سئل عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه،فيحضر يوم الفطر، أ يؤدي عنه الفطرة؟قال:نعم الفطرة واجبة على كل من يعول من ذكر أو أنثى، صغير أو كبير،حر أو مملوك.

الفقهاء:

قالوا:يجب ان يدفع زكاة الفطر عن نفسه،و عن كل من يعول سواء أعاله وجوبا،أم استحبابا،حتى الضيف و المولود إذا وجدا قبل غروب آخر يوم من رمضان،و لو بلحظة واحدة.

و تسقط زكاة الفطر عن كل من كان في عيال غيره ليلة الفطر،و لو على سبيل الضيافة.

قدرها و جنسها:

اشارة

سئل الإمام عليه السّلام ممّ تخرج زكاة الفطر؟فقال:تخرج من كل شيء:التمر

ص:96

و الزبيب و غيره صاعا.

و قال:زكاة الفطر واجبة على كل رأس أربعة أمداد من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب،و هي صاع تام.

و قال:الفطرة على كل قوم مما يغذون عيالهم من لبن أو زبيب،أو غيره.

و قال ايضا:على كل من اقتات قوتا ان يؤدي من ذلك القوت.

و سئل عن الفطرة،يجوز ان يؤديها فضة بقيمة هذه الأشياء التي سماها؟ قال:نعم،ان ذلك أنفع له،يشتري ما يريد.

الفقهاء:

الواجب في صدقة الفطر صاع من الحنطة،أو الشعير،أو التمر،أو الزبيب، أو الأقط-هو لبن مجفف لم تنزع زبدته-أو الأرز،أو الذرة،أو غير ذلك مما يصدق عليه القوت.و قال الفقهاء:الأفضل أن تكون من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب،لأن هذه الأربعة ذكرت في النص أكثر من مرة،و غير بعيد انها كانت القوت الغالب في ذلك العهد،و عليه يكون الأفضل صرف الفطرة من كل ما يغلب في أي عصر من العصور،و يشعر به قول الإمام عليه السّلام:«من كل من اقتات قوتا».

و الصاع حوالي ثلاثة كيلو غرامات،و يجزي ان يدفع بدلا عنها نقدا بمقدار قيمتها السوقية،بل هو أفضل،لأنه أنفع،و يشتري الفقير به ما يريد،كما قال الإمام عليه السّلام.

وقتها:

اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الفطرة متى هي؟قال:قبل الصلاة يوم الفطر.

ص:97

و سئل عن المولود يولد ليلة الفطر؟قال:ليس عليه فطرة،و ليست الفطرة إلاّ على من أدرك الشهر.

الفقهاء:

قالوا:لزكاة الفطر وقتان:الأول وقت وجوبها و شغل الذمة بها،و الثاني وقت إخراجها و أدائها،و يتحقق الأول بمجرد دخول هلال شوال،فمن هلّ عليه هذا الهلال مستكملا لبقية الشروط فقد وجبت عليه،و أصبح مسؤولا عنها،أما وقت الإخراج فيمتد من أول وقت الوجوب إلى الزوال،و الأفضل أداؤها قبل صلاة العيد،و فيه العديد من الروايات.

و إذا لم يخرجها أو يعزلها على حدة قبل الزوال،أداها بعد الزوال من يوم العيد بقصد التقرب إلى اللّه سبحانه دون ان يقصد بها القضاء أو الأداء،لأن جماعة من كبار العلماء كالصدوق و المفيد و المحقق الحلي قالوا بسقوطها بعد الزوال، لأنها مؤقتة،و المؤقت يذهب بذهاب وقته،و يشعر بذلك قول الإمام الصادق عليه السّلام:

ان أعطيت قبل ان تخرج الى العيد فهي فطرة،و ان كان بعد ان تخرج الى العيد فهي صدقة.

و لا يجوز تعجيلها قبل هلال شوال،لأنه أداء لما لا يجب بعد ان كان الوجوب مقيدا بالهلال،فتكون تماما كأداء الصلاة قبل وقتها،أجل،يجوز أن تعطى للفقير بعنوان القرض،ثم تحسب عليه من الزكاة بعد الوجوب.

مصرفها:

اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام لمن تحل الفطرة؟قال:لمن لا يجد شيئا.

ص:98

و قال:زكاة الفطر لأهلها إلاّ أن لا تجدهم،فان لم تجدهم فلمن لا ينصب- أي العداء لأهل البيت عليهم السّلام.

الفقهاء:

قالوا:ان مصرف زكاة الفطر هو بعينه مصرف الزكاة المالية،لروايات أهل البيت عليهم السّلام،و لأن صدقة الفطر من جملة الصدقات التي تشملها الآية الكريمة:

إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ (1).و لم يستثنوا من الأصناف الثمانية إلاّ اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ، وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها ،كما أنهم أجازوا ان تعطى زكاة الفطر للمستضعفين المسلمين من غير الشيعة الاثني عشرية،إذا لم يوجد أحد من هؤلاء.

مسائل:

1-لا يعطى الفقير أقل من صاع

-أي ثلاث كيلو غرامات-لقول الإمام الصادق عليه السّلام:لا تعط أحدا أقل من رأس.

2-تجب في هذه الزكاة نية التقرب إلى اللّه

،لأنها عبادة.

3-قال صاحب الجواهر:يستحب اختصاص ذوي القرابة

،لقول الإمام عليه السّلام:لا صدقة،و ذو رحم محتاج،ثم الجيران،لقوله:جيران الصدقة أحق بها.و ينبغي ترجيح أهل الفضل في الدين و العلم،لقوله:أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و العقل.ثم قال صاحب الجواهر:و المقصود من ذلك أن القرابة و الجوار و الدين و الفقه و العقل من المرجحات.

ص:99


1- التوبة:60. [1]

ص:100

كتاب الخمس

وجوبه:

قال اللّه تبارك و تعالى، وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ (1).

و قال الإمام الكاظم ابن الإمام الصادق عليهما السّلام في تفسير هذه الآية،ما كان للّه فهو لرسوله،و ما كان لرسوله فهو لنا،و اللّه لقد يسر اللّه على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم،جعلوا لربهم واحدا،و أكلوا أربعة أحلاء.

و قال أبوه الإمام الصادق عليه السّلام،ان اللّه لما حرم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس،فالصدقة علينا حرام،و الخمس لنا فريضة.

و يقع الكلام في جهات أربع،الأولى في الأموال التي يجب فيها الخمس، الثانية في نصاب الخمس،الثالثة في مصرف الخمس،الرابعة في الأنفال.

الأموال التي يجب فيها الخمس:

اشارة

الأموال التي يجب فيها الخمس سبعة،و هي،غنائم دار الحرب، و المعادن،و الكنوز،و الغوص،و المكاسب،و الأرض التي اشتراها الذمي من مسلم،و الحلال المختلط بالحرام،و الحصر بهذه السبعة استقرائي مستفاد من

ص:101


1- الأنفال:41. [1]

الأدلة الشرعية،و ليس حصرا عقليا مرددا بين السلب و الإيجاب.

غنائم دار الحرب:

1-ما يؤخذ من دار الحرب،سواء أحواه العسكر،أم لم يحوه،و سواء أ كان منقولا كالدواب،و الأثاث،و النقود،أم غير منقول،كالأراضي و الأشجار و البناء،قليلا كان أم غير قليل،على شريطة ان يصح تملكه للمسلمين،كغير الخمر و الخنزير،و ان يكون غير مغتصب من مسلم،أو ذمي أو معاهد،قال الإمام الباقر عليه السّلام:كل شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و ان محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فان لنا خمسه،و لا يحل لأحد ان يشتري من الخمس شيئا،حتى يصل إلينا حقنا.

و تنبغي الإشارة الى أن المراد بالحرب هنا التي يملك المسلمون غنائمها، و هي الحرب مع غير المسلمين من أجل الإسلام،بحيث يصدق عليها اسم الجهاد من أجل الدين،لا كل حرب بين المسلمين و غيرهم،حتى و لو كانت للدنيا لا للدين،و يدل على ذلك صراحة قول الإمام،«قوتل على شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و ان محمّدا رسول اللّه».و بكلمة،أن مال غير المسلم انما يحل للمسلم في صورة واحدة فقط،و هي ان يصدق على غير المسلم انه حرب على اللّه و رسوله، و يصدق على حرب المسلم انه انتصار للّه و رسوله،و من أجل هذا حل دم الأول، و استبيحت أمواله،فهو بنفسه و بسوء اختياره قد أهدر دمه و ماله،حيث كان بإمكانه أن يدع هذه الحرب،و يبقي لدمه و ماله احترامهما،و ليس هذا المعنى الذي ذكرنا مجرد تأويل و تبرير،بل هو المفهوم الواضح للآيات القرآنية، و الأحاديث النبوية،و أقوال المذاهب الإسلامية كافة من غير استثناء.

ص:102

المعادن:

2-المعادن،و هي كل ما خرج من الأرض مما خلق فيها،و ليس جزءا من كنهها و حقيقتها على أن يكون له قيمة و ثمن،كالذهب و الفضة،و الرصاص و الحديد و النحاس،و الياقوت و الفيروزج،و الملح و الكحل،و النفط و الكبريت، و ما إلى ذلك.و العبرة أن يصدق عليه اسم المعدن،و ما شك في صدق الاسم عليه فلا يلحق به.و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن معادن الذهب و الفضة و الصفر و الحديد و الرصاص؟فقال:عليها الخمس جميعا.و عن الكنز و المعادن؟قال:

الخمس.و سئل أبوه الإمام الباقر عليه السّلام عن الملح و النفط و الكبريت؟قال:هذا و أشباهه فيه الخمس.

و انما يجب الخمس في المعدن إذا بلغت قيمته عشرين دينارا فما فوق، و ليس فيما دون العشرين شيء،و متى بلغها استثنى منه نفقات الإخراج و التصفية،و أخرج خمس ما بقي،و لو كان دينارا.قال الإمام عليه السّلام:ليس في المعدن شيء،حتى ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا،و على هذه الرواية تحمل بقية الروايات التي أوجبت الخمس في المعادن دون ان تقيدها و تحددها ببلوغ العشرين دينارا.

و إذا استخرج المعدن على دفعات ضم بعضها الى بعض،و اعتبر النصاب في المجموع،و وجب فيه الخمس،حتى و لو اختلف الصنف كالذهب و الفضة، و النحاس و الحديد.

و إذا اشترك جماعة في الإخراج ينظر،فان بلغ نصيب كل واحد النصاب وجب فيه الخمس،و إلاّ فلا.

و إذا أخرج المعدن من ارض مملوكة فهو لصاحب الأرض،لأن ما في

ص:103

الأرض يتبعها،و حكمه حكمها،و ان أخرجه من أرض مباحة فهو لمخرجه، حيث تملكه بالحيازة،و عليه الخمس،ان بلغ النصاب.

الكنز:

اشارة

3-الكنز،و يسمى ركازا،من ركز إذا خفي،و منه قوله تعالى، أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (1)أي صوتا خفيا،و المراد به هنا المال المدفون في الأرض نقدا كان أو جوهرا،عليه أثر الإسلام،أو الجاهلية،وجد في أرض أهل الحرب،أو السلم، فإن كل من وجد شيئا من ذلك فهو ملك له،و عليه خمسه إذا بلغ النصاب،و هو عشرون دينارا،و لا شيء فيما دون ذلك.سئل الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهما السّلام عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس؟فقال:ما تجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس،و ما لم يبلغ حد ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه- أي ما قيمته عشرون دينارا،أو مائتا درهم.

و لو افترض ضعف هذه الرواية سندا فعمل المشهور بها يقويه و يجبره، هذا بالإضافة إلى ان الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه وصف رواية البزنطي بالصحة،و هي تلتقي مع الرواية التي ذكرناها،و هذا لفظ رواية البزنطي بالحرف:

«قال:سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز؟فقال:ما يجب في مثله الزكاة ففيه الخمس».

من وجد كنزا في ملك غيره:

و من وجد كنزا في أرض غير مملوكة فهو لواجده،و لا شيء عليه سوى

ص:104


1- مريم:98. [1]

الخمس،سواء أ كان عليه أثر الإسلام،أم لم يكن،و سواء أ كان في أرض الحرب أو السلم،أو الإسلام،أو الكفر،و على هذا الإجماع بشهادة صاحب الجواهر و المدارك و الحدائق.

و من اشترى قطعة أرض من غيره،و وجد فيها كنزا عرضه على المالك الأول و سأله عنه ان احتمل أنّه له،و متى ادعاه المالك البائع وجب تسليمه له بلا بينة لمكان اليد السابقة،و ان لم يحتمل انه له و لا لغيره من أبناء هذا العصر تملكه الواجد،و دفع خمسه للمستحقين.

و إذا وجده في أرض مملوكة،فلا يجوز التصرف به،حتى يعرضه على صاحب الأرض،فإن ادعاه فهو أحق،و إلاّ فهو لواجده،هذا هو المنسوب إلى المشهور،أو إلى كثير من العلماء،و لكنه كما ترى يحتاج إلى توضيح،بل إلى تحديد أيضا.

و مهما يكن،فإن الذي ينظر إلى الواقع نظرة سليمة يرى أن هذا الذي نقلناه عن الفقهاء ليس عمليا.فأي انسان يرى كنزا في أرض غيره،فيعرفه به؟و من الذي ينكره إذا عرض عليه؟ثم كيف يدعيه،و هو مجهول له من قبل،و من بعد، و لو علم به لما تركه لحظة واحدة؟و هل يبيع الأرض مع علمه بأن فيها كنزا؟أمّا افتراض بعض الفقهاء من أنه علم،ثم ذهل و نسي فأبعد من بعيد،نقول هذا، و نحن نعلم علم اليقين ان عدم تنفيذ الأحكام الشرعية لا يستدعي نفيها،و عدم تشريعها،و لكن لمجرد التقريب فقط،و الذي ينبغي ان يقال:ان كل ما في الأرض فهو تابع لها،و يدخل في ملك مالكها في نظر العرف،و ان لم يكن جزءا منها، سواء أ كان شجرا،أو حجرا،أو معدنا،أو كنزا،و سواء أملك الأرض بالحيازة،أو الهبة،أو البيع.

ص:105

و عليه،فمن وجد كنزا في أرض غيره فلا يجوز له التعرض له بحال،حيث يحرم التصرف بملك الغير إلاّ بإذنه و رضاه،و إذا عصى و تعرض و تصرف بدون اذن المالك،و أخرج الكنز فعليه ان يسلمه لصاحب الأرض،حتى و لو لم يعلم به المالك،كما ان من انتقلت الأرض إليه بسبب من الأسباب الشرعية فقد انتقل إليه كل ما فيها من كنز و معدن و ما إليهما،و لا يجب عليه التعريف لا لصاحب الأرض الأول،و لا لغيره إطلاقا إلاّ إذا احتمل أنّه هو أو وارثه الذي أودعه و خبأه،و يدل على ما اخترناه،رواية محمد بن مسلم،فقد سأل الإمام عليه السّلام عن الورق-أي الدراهم-يوجد في دار؟فقال:ان كانت معمورة فهي لأهلها،و ان كانت خربة فأنت أحق بها.هذا،إذا أراد بقوله عليه السّلام معمورة،المملوكة كما هو الظاهر.و أيضا يستأنس لما قلناه بما جاء في باب اللقطة من ان من وجد في بيت غيره شيئا عرضه عليه،و عرفه به.

و إذا اشترى حيوانا،و لما ذبحه وجد في جوفه دراهم،أو جوهرة،و ما إليها وجب ان يعرفها البائع،فإن عرفها فهي له،و إلاّ فهي لمن وجدها بعد إخراج الخمس،و الدليل على هذا الحكم الخاص ان الإمام عليه السّلام سئل عن رجل اشترى جزورا،أو بقرة للأضاحي،فلما ذبحها وجد في جوفها صرة دراهم،أو دنانير،أو جوهرة،لمن يكون ذلك؟فقال:عرفها البائع،فإن لم يعرفها فالشيء لك،رزقك اللّه تعالى إياه.

و هذه الرواية أجنبية عن الكنز،لأن الكنز هو المدفون في جوف الأرض، لا في بطون الحيوانات.

و إذا اشترى سمكة،و وجد في جوفها شيئا اخرج خمسه كائنا ما كان، و تملك الباقي،و لا يجب تعريف البائع عند المشهور،و الفرق بين الدابة

ص:106

و السمكة وجود النص في الأولى دون الثانية،فيبقى أصل الإباحة في تملك ما في جوف السمكة على ما هو.

و تجدر الإشارة إلى أن ما يجده في جوف الدابة و السمكة لا يشترط فيه النصاب،لأنه ليس بكنز،أما ما يوجد في بطن الأرض فيشترط فيه النصاب،و هو عشرون دينارا،أو مائتا درهم،تماما كما هي الحال في المعادن.

الغوص:

4-الغوص،و هو ما يخرج من البحر-عن طريق الغوص-كالجواهر و اللؤلؤ و المرجان،و ما إليهما من المعادن،و النباتات التي لها قيمة دون الأسماك و الحيوانات،و يجب فيه الخمس إذا بلغت قيمته دينارا،أو أكثر،و لا شيء فيما دون ذلك.سئل الإمام عليه السّلام عما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت،و الزبرجد، و معادن الذهب و الفضة؟فقال:ان بلغت قيمته دينارا ففيه الخمس.

و إذا غرق شيء في البحر،كالسفينة و ما إليها فهو لمن أخرجه،و لا خمس فيه،قال الإمام الصادق عليه السّلام:قال أمير المؤمنين علي عليه السّلام:إذا غرقت السفينة،و ما فيها،فأصابه الناس،فما قذف به البحر على ساحله،فهو لأهله،و هم به أحق،و ما غاص عليه الناس و تركه صاحبه فهو لهم.

الزائد على مؤنة السنة:

اشارة

5-ما يفضل عن مؤنة السنة له و لعياله،مما يكتسبه من أرباح التجارة و الصناعة و الزراعة،أو أي عمل من الأعمال،قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف معتد به،بل عن جماعة الإجماع عليه-ثم قال-:و هو الذي استقر عليه المذهب

ص:107

و العمل في زماننا هذا،بل و غيره،من الأزمنة السابقة التي يمكن دعوى اتصالها بزمان أهل العصمة عليهم السّلام».

و في ذلك روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السّلام،منها ان رجلا كتب للإمام الباقر عليه السّلام:أخبرني عن الخمس،أ هو على جميع ما يستفيده الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب،و على الضياع؟و كيف ذلك؟فكتب بخطه:الخمس بعد المؤنة.

و سئل الإمام الكاظم عليه السّلام عن الخمس؟فقال:في ما أفاد الناس من قليل أو كثير.

و إذن،على من يفضل عن مؤنة سنته شيء فعليه خمسه،حتى و لو كان درهما،أو كيلوا من حب،و ما إليه.و أوّل السنة يجب إخراج الخمس فيما يزيد انما يختلف باختلاف الأشخاص،فالتجارة من حين الشروع بالتجارة،و الزارع من حين حصول الناتج،و الموظف منذ اليوم الذي يقبض اجاره.

و المشهور بين الفقهاء بشهادة صاحب الحدائق و المدارك انه لا خمس في الميراث و المهر و الهبة،و ان زادت عن مؤنة السنة،و ألحق صاحب كاشف الغطاء و العروة الوثقى بهذه الثلاثة ما يؤخذ بالخمس أو الزكاة،للشك في صدق اسم الفائدة عليه.

أما نحن فنشك،حتى فيما ذهب إليه المشهور من نفي الخمس عن الثلاثة، إذ لا دليل عندهم إلاّ رواية ابن مهزيار،و هي قاصرة الدلالة عما يدعون (1)،فيبقى

ص:108


1- ارتاب في هذه الرواية أكثر من فقيه،و أوردوا عليها العديد من الإشكالات نقلها صاحب الحدائق،و جاء في شرح الإرشاد ما نصه بالحرف:«فيها أحكام كثيرة مخالفة للمذهب مع الاضطراب».

قول الإمام عليه السّلام:«الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير».و قوله عليه السّلام أيضا:«الخمس على جميع ما يستفيد الرجل من قليل أو كثير من جميع الضروب»يبقى هذا على إطلاقه،و يجب تعميمه لكل فائدة بدون استثناء.

تحديد المؤنة:
اشارة

ليس للمؤنة و النفقة المستثناة طوال السنة معنى خاص في الشريعة، و المرجع في تحديدها هو العرف،و المؤنة في نظر العرف تختلف باختلاف الأشخاص،و الضابط الجامع أن ما لا يعد إنفاقه سفها و تبذيرا فهو من المؤنة، و يدخل فيها المأكل و الملبس و المسكن و المركب و الأثاث و المشرب الحلال، و ما يحتاجه في أسفاره،و لخدمته و أضيافه،و للإهداء،و لدفع الشر عن نفسه،أو عن مؤمن،و لتزويج أولاده،أو تزويجه ثانية،مع عدم السفه،و ما إلى ذاك مما يتعسر حصره،قال صاحب الجواهر:«لا يمكن الإحاطة ببيان ذلك جميعه، خصوصا مع ملاحظة الأشخاص،و الأزمنة و الأمكنة،و غيرها،فالأولى إيكال معرفة النفقة إلى العرف،كإيكال معرفة العيال إليه،إذ ما من أحد إلاّ و عنده عيال، و له مؤنة».

و تسأل:هل يحتسب الدّين من المؤنة،بحيث يعد وفاؤه تماما كالمأكل و الملبس،أو لا؟

الجواب:

ان الفقهاء اتفقوا على ان الدين الكائن في سنة الربح،لأجل النفقة،أو التجارة فهو من المؤنة،و ان الدين الذي يحدث بعد مضي سنة الربح لا يزاحم الخمس في ربح السنة الماضية،لأن الدين الأول حصل في أثناء السنة فيحسب

ص:109

منها،و الدين الثاني حصل بعدها فيكون أجنبيا عنها،و اختلفوا في الدين السابق على سنة الربح،فمنهم من لا يحتسبه من نفقتها،و منهم من يراه منها في الصميم، و نحن مع هؤلاء،لأن السر الأول و الأخير في عد الشيء من المؤنة هو الحاجة إليه،و وفاء الدين بخاصة السابق من أحوج الحاجات.و قال صاحب الجواهر:«ان الدين السابق يكون من النفقة،حتى مع عدم الحاجة إليه عند استدانته،و لكن بعد ان اشتغلت الذمة به أصبح من الحاجة».

و إذا اشترى لحاجة السنة ما يبقى سنوات،كالسجاد،و المقاعد و الأسرة، و أدوات السفرة،و حلي النساء و السيارة،و ما إليها،فهل يجب تقويمها بعد انتهاء السنة،و دفع الخمس،أولا؟

الجواب:

لا خمس فيها ما دامت الحاجة إليها باقية،هذا،إلى انها قد خرجت عن أدلة وجوب الخمس قطعا في سنة الربح،فلا تدخل فيها ثانية و تكون مشمولة لها إلاّ بدليل،و لا دليل.

الذمي و شراء الأرض:

6-السادس من الأموال التي يجب فيها الخمس هي الأرض التي يشتريها الذمي من مسلم،أي ان على الذمي ان يخرج خمس ما اشتراه من المسلم،لقول الإمام عليه السّلام:أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس.

و إذا علمت ان الذمي هو الكتابي الذي يدفع الجزية لبيت مال المسلمين علمت أنّه لا مصداق اليوم لهذا المبدأ،و ما إليه.

ص:110

اختلاط الحلال بالحرام:

7-المال الحرام إذا اختلط بالحلال،و لم يتميز،و لا عرف مقدار الحرام منه،و لا صاحبه و مستحقه،إذا كان الأمر كذلك اخرج خمس المجموع،و حل الباقي،قال العلامة الحلي في التذكرة:لأن منعه من التصرف ينافي مالية المالك- لأن الناس مسلطون على أموالهم-و يستدعي ضررا عظيما بترك الانتفاع بالمال وقت الحاجة،و تسويغ التصرف بالجميع اباحة للحرام-إذ المفروض ان بعضه ملك للغير-و كلاهما منفيان،و لا مخلص إلاّ إخراج الخمس،و قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان رجلا أتى عليا أمير المؤمنين عليه السّلام،فقال:يا أمير المؤمنين اني أصبت مالا،لا أعرف حلاله من حرامه.فقال له:اخرج الخمس من ذلك المال، فإن اللّه تعالى قد رضي من المال الخمس.

و لو عرف مقدار الحرام وجب إخراجه،سواء أ كان أقل من الخمس أو أكثر،و لو عرف الحرام بعينه أخرجه بالذات،و إذا لم يعلم المبلغ على التحقيق، و لكنه علم أنه أكثر من الخمس يقينا،اخرج الخمس و ما يغلب على الظن في الزائد،و لو عرف صاحب المال،و جهل المبلغ صالحه عليه،أو أعطاه ما يغلب على ظنه،فإن رفض المالك مصالحته اخرج إليه الخمس فقط،لأن هذا القدر جعله اللّه مطهرا للمال.

النصاب:

قدمنا ان الكلام في الخمس يقع في أربع جهات،الأولى في بيان الأموال التي يجب فيها الخمس و ذكرناها كاملة،و الجهة الثانية في النصاب،و هو معتبر في المعدن،و الكنز و الغوص فقط،و نصاب كل من المعدن و الكنز عشرون

ص:111

دينارا،و يجب الخمس في الزائد عنها مطلقا،و لا خمس فيما دون العشرين.

و متى بلغ المعدن أو الكنز عشرين دينارا لم يؤخذ الخمس من المجموع، بل بعد وضع نفقات الإخراج و التصفية،لأن النفقات وسيلة إلى تناوله،و الحصول عليه.

و نصاب الغوص دينار واحد،و لا شيء فيما نقص عنه،و إذا كان النصاب في أكثر من دفعة واحدة،فإن أتى بالأولى،ثم أعرض عن الغوص،و أهمل،ثم بدا له أن يستأنف فلا يضم الأولى إلى الثانية،و إلاّ وجب الضم،و اعتبر النصاب في المجموع.

و لا يشترط النصاب في غنائم دار الحرب،و لا فيما يفضل عن مؤنة السنة، و لا في المال الحلال المختلط بالحرام،و لا في الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم.

و تنبغي الإشارة إلى ان البلوغ ليس شرطا فيمن يخرج الكنز و المعدن،و لا في الغائص،و لا بمن اختلط الحلال من ماله بالحرام،و لا بالذمي الذي اشترى أرضا من مسلم،و لا في أرباح المكاسب الفاضلة عن مؤنة السنة،فيجب على الولي أن يؤدي الخمس من ذلك كله،و علق السيد الحكيم في المستمسك على هذا بقوله:«لإطلاق النصوص و الفتاوى،و معاقد الإجماعات».

مصرف الخمس:

اشارة

الجهة الثالثة من الأربع التي يقع عنها الكلام في باب الخمس هي مصرفه.

قال الإمام الصادق عليه السّلام في تفسير هذه الآية الكريمة وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ 1،قال:ان خمس اللّه للرسول،و خمس الرسول للإمام،و خمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام،و اليتامى-هم-يتامى الرسول،و المساكين منهم، و أبناء السبيل منهم،فلا يخرج منهم إلى غيرهم.إلى كثير مما هو بهذا المعنى.

ص:112

قال الإمام الصادق عليه السّلام في تفسير هذه الآية الكريمة وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ (1)،قال:ان خمس اللّه للرسول،و خمس الرسول للإمام،و خمس ذوي القربى لقرابة الرسول الإمام،و اليتامى-هم-يتامى الرسول،و المساكين منهم، و أبناء السبيل منهم،فلا يخرج منهم إلى غيرهم.إلى كثير مما هو بهذا المعنى.

الفقهاء:

قالوا:ان الخمس يقسم على ستة أسهم،و هي التي نطقت بها الآية:سهم اللّه،و سهم الرسول،و سهم الإمام،لأنه هو المراد من ذي القربى بالإجماع،و سهم اليتامى،و سهم المساكين،و سهم ابن السبيل من أقارب الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خاصة الذين حرم اللّه عليهم الصدقة،دون غيرهم،و ما كان للّه فهو لرسوله،و ما كان للرسول فهو للإمام،و اذن،يكون للإمام من الخمس ثلاثة أسهم،و هي نصف الخمس،أما الأسهم الثلاثة الباقية فإنها تقسم على يتامى آل الرسول،و مساكينهم و أبناء سبيلهم،لا يشاركهم فيها غيرهم.

قال الإمام عليه السّلام:انما جعل اللّه هذا الخمس لهم دون مساكين الناس و أبناء سبيلهم عوضا لهم من صدقات الناس،تنزيها من اللّه لهم،لقرابتهم برسول اللّه.

و لا بأس بصدقات بعضهم على بعض،و هؤلاء الذين جعل اللّه لهم الخمس هم قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذين ذكرهم اللّه،فقال وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (2)و هم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم و الأنثى،ليس فيهم من بيوتات قريش، و لا من العرب أحد.و من كانت أمه من بني هاشم،و أبوه من سائر قريش فان الصدقات تحل له،و ليس له من الخمس شيء.

ص:


1- الأنفال:41. [1]
2- الشعراء:214. [2]

و يدخل في بني عبد المطلب كل من انتسب إليه بالأب،كأبناء علي أمير المؤمنين عليه السّلام،و أبناء عقيل،و أبناء الحارث،و أبي لهب،و العباسيين،و ينبغي أن يرجح من هو أشد اتصالا بالرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،كالفاطميين.

طرق ثبوت النسب:

و لا يثبت النسب إلاّ بالبينة الشرعية،أو حكم الحاكم،أو الشياع الموجب للاطمئنان.و قال قائل:يؤخذ بقول مدعي النسب بمجرد الدعوى،لأن الأصل هو الصحة في فعل المسلم و أقواله.و نقول في جوابه:ان هذا الأصل ينفي عنه تعمد الكذب،و استحقاق العقاب و المؤاخذة،و هذا شيء،و جواز دفع الخمس له، و فراغ ذمة الدافع شيء آخر.

سهم الإمام،و سهم السادة:

اشارة

قدمنا أن الأسهم الستة ترجع إلى سهمين،ثلاثة منها للإمام،و هي سهم اللّه و الرسول و ذي القربى،و ثلاثة إلى قرابة الرسول،و هي سهم اليتامى و الفقراء، و أبناء السبيل.و الذي تقتضيه القواعد،و أصول المذهب،و دلت عليه النصوص ان في زمن الحضور،و التمكن من الوصول إلى الإمام عليه السّلام يعطى له جميع الخمس بدون استثناء،و لا يجوز التصرف في شيء منه إلاّ بإذنه.أما كيف يصنع به الإمام،و انه يوزع القسم الثاني منه على الطوائف الثلاث مقتصدا في كل طائفة على قدر كفايتها،و ما زاد فهو له،و ان أعوزهم شيء أتمه من نصيبه،أما التعرض و الحديث عن هذا فلا جدوى منه،بخاصة في زماننا.

و أما في زمن الغيبة،و هو عصرنا الذي نحن فيه فالمشهور بين العلماء

ص:114

قديما و حديثا أن سهم القرابة،و هم اليتامى و المساكين و أبناء السبيل يعطى لهم ابتداء بدون توسط الحاكم الشرعي و الترخيص منه،على شريطة أن يكونوا من أهل الولاية الاثني عشرية،و ان يكون كل من اليتيم و المسكين من أهل الحاجة الذي لا يملك مؤنة سنته،و ان يكون ابن السبيل منقطعا في غير بلده،و فقيرا في غربته،و ان كان غنيا في بلده،و ان يكون سفره في غير معصية.و لا يجب البسط و توزيع القسم الثاني على الطوائف الثلاث:اليتامى و المساكين و أبناء السبيل،بل يجوز لك أن تعطي جميع ما عليك من الخمس لسيد واحد محتاج،على أن لا تزيد شيئا على ما يكفيه لمدة سنة،و لو كان العطاء في دفعة واحدة،و من أجاز ذلك في الزكاة منعه في الخمس.و قال صاحب الجواهر:لا أجد فيه خلافا،أما نحن فنمنعه فيهما معا،و ذكرنا الدليل في باب الزكاة.

و لا يجوز لمن عليه الخمس ان يعطي شيئا منه لمن تجب نفقته عليه،تماما كما هي الحال في الزكاة.

و نكرر أن هذا الذي قلناه عليه عمل المشهور قديما و حديثا،و تقتضيه الأدلة كتابا و سنة و إجماعا،حتى أصبح وجوب هذا النوع من الخمس من ضرورات الدين و الإسلام،و قيل:انه سقط في زمن الغيبة بعد وجوبه،و أبيح للشيعة أكله بعد تحريمه عليهم،و نقول:لقد ثبت وجوبه بالقطع و اليقين، و سقوطه مشكوك،و إطلاق الأدلة و شمولها لزمن الغيبة و الحضور محكم،أما الروايات التي استدل من استدل بها على السقوط ففيها أكثر من علة،و قد نقلها و تبسط في درسها و تمحيصها الشيخ الهمداني في الجزء الثالث من مصباح الفقيه،فليراجع.

أما سهم الإمام عليه السّلام،و هو نصف الخمس و حكمه في زمن الغيبة فقد

ص:115

تعددت فيه الأقوال،و تضاربت،و أنهاها صاحب الحدائق إلى أربعة عشر قولا، و المهم منها القول ببقاء سهم الإمام،و عدم سقوطه في زمن الغيبة،و وجوب صرفه في تأييد الدين و دعمه،و على العارفين بتعاليمه و مبادئه،و على الفقراء الصالحين المخلصين من أهل الولاية.و القول الثاني بقاؤه،و لكن يضاف إلى سهم السادة،و يعطى لليتامى و المساكين من قرابة الرسول.القول الثالث يسقط في الأرباح،و فاضل مؤنة السنة فقط،دون سائر الأصناف الستة الباقية.القول الرابع يسقط إطلاقا،و يباح للشيعة أكله،و لا يجب عليهم دفع شيء منه.

هذي هي أهم الأقوال،أما الأدلة فهي على أنواع ثلاثة:

الأول:ما دل على وجوب إخراج الخمس إطلاقا في زمن الغيبة و زمن الحضور بدون فرق بين سهم الإمام،و سهم السادة،و هي الآية الكريمة وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ (1).و الروايات الكثيرة عن أهل البيت عليهم السّلام،و ذكرنا طرفا منها فيما تقدم،و منها قول الإمام عليه السّلام:الخمس في كل ما أفاد الناس من قليل،أو كثير.

الثاني:ما يدل على التشديد في إخراج الخمس،و عدم سقوطه إطلاقا في حضور الإمام و غيبته،كقوله عليه السّلام:«لا يحل لأحد ان يشتري من الخمس شيئا، حتى يصل إلينا حقنا».و قوله عليه السّلام:«أما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام».و هذا النوع يعزز النوع الأول و يدعمه.

الثالث من الأدلة:ما يدل على التحليل و الإباحة،و سقوط الخمس مطلقا أيضا في الحضور و الغيبة،كقول الإمام عليه السّلام:«و كل من والى آبائي فهم في حل مما في أيديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب».و قوله:«الا و ان شيعتنا من ذلك -أي الخمس-و أبناءهم في حل».

ص:116


1- الأنفال:41. [1]

و لا يمكن الجمع بين النوع الثاني الذي أثبت الوجوب و عدم السقوط مطلقا في الحضور و الغياب،و بين النوع الثالث الذي نفاه و اباحه للشيعة مطلقا أيضا-لا يمكن الجمع بينهما بحمل الإثبات على زمن الحضور،و النفي على زمن الغياب،لأنه جمع اعتباطي صرف،لا دليل عليه من الشرع،و لا من العرف.

و أيضا لا يمكن الجمع بينهما بحمل الإثبات على الاستحباب،و حمل النفي على الوجوب،لأن مقتضى ذلك هو عدم وجوب الخمس من الأساس،حتى في زمن الحضور،و هذا تماما كنفي وجوب الصوم و الصلاة،و الحج و الزكاة.أما الوجوه الأخرى التي ذكرت،أو تذكر للجمع بين النوعين فليست بأفضل من هذين المحملين،و اذن،فالتعارض بين ما دل على عدم السقوط في زمن الغيبة،و بين ما دل على السقوط لا مفر منه (1)،و عليه فلا خلاص من أحد أمرين:امّا ان نلتزم ببقاء وجوب الخمس بما فيه سهم الإمام في زمن الحضور و الغياب معا،و امّا أن نلتزم بعدم وجوبه كذلك،و لا سبيل إلى قول ثالث.و من التزم بالثاني يخرج عن الإسلام،لأنه ينكر ما ثبت بضرورة الدين،فيتعين الأول حتما،و هو بقاء الوجوب و عدم السقوط في الغياب،تماما كالحضور بلا أدنى تفاوت.

و على هذا يصرف سهم الإمام في زمن الغيبة في السبيل الذي نعلم برضا الإمام به،كتأييد الدين،و ترويج الشريعة،و من أظهر مصاديق هذا الترويج في عصرنا الحاضر تعيين أساتذة قديرين،لإلقاء الدروس و المحاضرات في فقه آل البيت بالجامعات الزمنية الغربية منها و الشرقية.أمّا الإنفاق من سهم الإمام عليه السّلام

ص:117


1- و يمكن القول بأنّه لا تعارض أصلا بين الروايات المثبتة للخمس،و الروايات النافية،لاختلاف الموضوع،و تعدده،حيث نحمل الروايات المثبتة على ارادة الخمس في الأصناف السبعة و بقاءه في زمن الغيبة و الحضور،و الروايات النافية على الأنفال التي يأتي الكلام عنها في آخر الفصل، فلاحظ فقرة«الأنفال».

على المتطفلين و المرتزقة،و على الذين يتاجرون بالدين فإنه من أعظم المحرمات،و أكبر الكبائر و الموبقات،و في عقيدتي ان إلغاء سهم الإمام أفضل ألف مرة من أن يأخذه أحد هؤلاء،و من إليهم،لأنه تشجيع للجاهل على جهله، و للمغرور على غروره،و للضال على ضلاله.

و قد اطلعت،و أنا ابحث و انقب عن مصادر هذه المسألة و أقوال الفقهاء القدامى و الجدد،و آرائهم في سهم الإمام حال غيابه،اطلعت على كلمات لصاحب الجواهر،تدل على قداسته و عظمته في الإخلاص و التقوى،و بعد النظر،قال:«ان مثلنا ممن لم تزهد نفسه بالدنيا لا يمكنه الإحاطة بالمصالح و المفاسد،كما هي في نظر الإمام،فكيف يقطع برضاه،مع عدم خلوص النفس من الملكات الرديئة،كالصداقة و القرابة،و نحوهما من المصالح الدنيوية،فقد يفضل البعض لذلك،و يترك الباقي في شدة الجوع و الحيرة».

و سر العظمة في هذا الكلام أنّه جعل«خلوص النفس من الملكات الرديئة» هو السبيل الصحيح إلى معرفة المصالح و المفاسد كما هي في واقعها،و عند الإمام عليه السّلام،أمّا مجرد التحقيق و التدقيق و التفريع فما هو بشيء عند صاحب الجواهر،لأنه ليس بطريق و لا وسيلة إلى معرفة المصالح و المفاسد التي شرعت على أساسها الشرائع،و أنزلت لبيانها الأديان و أرسلت الرسل،و أداها عنهم الأئمة الأطهار،و العلماء الأبرار.

و تسأل:لو افترض ان من عليه الخمس يعلم مواقع الخير التي ترضي اللّه و الرسول من مصرف سهم الإمام،أو أنّه يستطيع أن يعلم ذلك من خبير به،و لكنه غير الحاكم الشرعي،فهل له أن يعمل بعلمه،و ينفق سهم الإمام فيما اعتقد أنه يرضي اللّه و الرسول دون أن يرجع إلى الحاكم الشرعي،أو لا بد من الرجوع إليه،

ص:118

بحيث إذا أنفق شيئا من سهم الإمام بدون الترخيص منه لم يفرغ ذمته،حتى و لو صادف الواقع؟

الجواب:

المشهور على وجوب الرجوع إلى الحاكم،و لكن هذا من المشهورات التي لا أصل لها،و لا دليل عليها من كتاب،أو سنة،أو عقل،بخاصة إذا صادف الإنفاق كله الواقعي،مع نية القربة المفروض تحققها،بل قام الدليل على ضد و عكس هذه الشهرة.ذلك أن الواجب هو الأداء و الوفاء بسهم الإمام،و اشتراط الرجوع إلى الحاكم قيد زائد،فينفى بالأصل.هذا،إلى أنّه لا واسطة في الإسلام بين اللّه و الإنسان،و ان اللّه جل و علا يتقبل من العبد عباداته و أعماله بدون شفيع،ما دام مخلصا في قصده،مؤديا لحقه،مطيعا لأوامره.

و حيث لا دليل على وجوب الرجوع إلى الحاكم في سهم الإمام و مصرفه، فقد ذهب جماعة من الفقهاء إلى ما قلناه،منهم الشيخ المفيد،و صاحب الحدائق، و السيد الحكيم،فقد جاء في المستمسك لهذا السيد ما ننقله بالنص و الحرف:

«و من ذلك يظهر أن الأحوط ان لم يكن الأقوى إحراز رضاه عليه السّلام-أي رضا الإمام-في جواز التصرف،فإذا أحرز رضاه بصرفه في جهة معينة جاز للمالك تولي ذلك بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي».

و قال صاحب الحدائق:لم نقف له-أي لوجوب الرجوع إلى الحاكم-على دليل،و غاية ما يستفاد من أخبار أهل البيت عليهم السّلام نيابة الحاكم في القضاء و المرافعات،و الأخذ بحكمه و فتواه،أما دفع الأموال إليه فلم أقف له على دليل لا عموما،و لا خصوصا».

و الأمر كما قال صاحب الحدائق:ان نيابة الفقيه عن الإمام انما هي في

ص:119

القضاء و الإفتاء،لا في قبض الأموال،و للفقيه أيضا الولاية في كل ما تدعو إليه الحاجة و الضرورة،كالولاية على الأوقاف التي لا ولي خاص لها،و على الأيتام الذين لا ولي خبري لهم،و ما إلى ذاك مما لا بد منه،و لكن هذا شيء،و عدم فراغ الذمة من دين الخمس بعامة،أو سهم الإمام بخاصة إلاّ بالرجوع إلى الحاكم شيء آخر.

أمّا من قال:ان الحاكم الشرعي اعرف بالمواضع التي يجب ان يصرف فيها سهم الإمام فنجيبه بأن هذا تسليم و اعتراف بأن العبرة بمعرفة المواضع و المواقع المطلوبة،لا بالرجوع إلى الحاكم.

الأنفال:

اشارة

الجهة الرابعة من مباحث الخمس الأنفال،جمع نفل،و له في اللغة معان شتى،منها الغنيمة،و الهبة،و الزيادة.يقال هذا نفل على ذاك،أي زيادة عليه،و في الشرع ما يختص بالإمام منتقلا إليه من الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

قال اللّه جل و علا يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ (1).

و قال الإمام عليه السّلام:الأنفال كل أرض خربة باد أهلها،و كل أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب،و لكن صالحوا صلحا،و أعطوا بأيديهم على غير قتال،و له -أي للإمام-رؤوس الجبال،و بطون الأودية،و الآجام،و كل أرض ميتة لا رب لها، و له صوافي الملوك،ما كان في أيديهم من غير غصب،لأن الغصب كله مردود.

و قال:الأنفال للّه،و للرسول،فما كان للّه فهو للرسول،يضعه حيث يشاء،

ص:120


1- الأنفال:1. [1]

و ما كان للرسول فهو للإمام.

الفقهاء:

قالوا:الأنفال كلها للإمام منتقلة إليه من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،لأنه خليفته،و وارثه، و هي على أنواع:

1-الأرض التي تملك من غير المسلمين بدون قتال،سواء انجلى عنها أهلها و تركوها للمسلمين،أو مكنوهم منها طوعا مع بقائهم فيها.

2-الأرض الموات،سواء أملكت،ثم باد أهلها،أم لم تملك من الأساس، كالمفاوز و سواحل البحار.

3-رؤوس الجبال،و بطون الأودية،و الآجام-أي الإخراج.

4-كل ما اختص به سلطان الحرب،منقولا،أو غير منقول،على شريطة أن لا يكون مغتصبا من مسلم،أو معاهد.

5-ما يصطفيه لنفسه من غنائم الحرب قبل القسمة،فإذا اختار منها الفرس أو الثوب أو الجارية فهو له من الأنفال.

6-ميراث من لا ميراث له.

و الأنفال بشتى أقسامها و أنواعها تعطى للإمام،و لا يجوز التصرف بشيء منها إلاّ باذنه و رضاه في حال حضوره.أمّا في حال الغياب،كهذا العصر فقد أحلها للشيعة،و جعلها لهم،و لما يعود على الإسلام بالخير و الصالح العام.و يدل على ذلك قول الإمام عليه السّلام:«ما كان لنا فهو لشيعتنا».و قوله:«كل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون،و محلل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا».

و قال الشهيد الثاني في آخر الخمس ما نصه بالحرف:«الأصح إباحة الأنفال

ص:121

حالة الغيبة».و يأتي في باب احياء الموات قول الإمام:«من أحيا أرضا ميتة فهي له».و قوله:«الأرض للّه،و لمن عمرها».و يأتي أيضا ان ميراث من لا وارث له يعود لبيت مال المسلمين.قال صاحب الحدائق في آخر باب الخمس:«و ظاهر جملة من متأخري المتأخرين القول بالتحليل مطلقا،و هو الظاهر من أخبار أهل البيت عليهم السّلام،و يدل عليه جملة من الروايات،كرواية يونس بن ظبيان،و معلى بن خنيس،و صحيحة أبي خالد الكابلي،و صحيحة عمر بن يزيد،و منها الأخبار الكثيرة الواردة في إحياء الموات،و ميراث من لا وارث له،و نحو ذلك».

و قال السيد الحكيم في المستمسك:«لا يبعد استمرار السيرة على التصرف فيما للإمام من الأرض بأقسامها المتقدمة،بل عموم الابتلاء بها من غير نكير،بل لو لا الحل لوقع أكثر الناس في الحرام».

و غير بعيد أن يكون المراد من الروايات الدالة بظاهرها على سقوط الخمس مطلقا هو سقوط الأنفال خاصة،دون الأصناف السبعة التي سبق الكلام عنها،و على هذا يرتفع التعارض و التضاد بين الروايات المثبتة للخمس إطلاقا في زمن الغياب و الحضور،و الروايات النافية له كذلك،فنحمل روايات النفي على تحليل الأنفال،و روايات الإثبات على وجوب الخمس و بقائه في الأصناف السبعة،و متى اختلف الموضوع و تعدد زال التعارض حتما.

ص:122

كتاب الحج

اشارة

(1)

للحج في اللغة معان،منها القصد،و التردد في المكان،و في الشريعة قصد بيت اللّه الحرام،لأداء المناسك المخصوصة عنده و يأتي بيانها مفصلا.

الوجوب:

اشارة

الحج ركن من أركان الإسلام،تماما كالصلاة و الصوم و الزكاة،و من أنكره فقد خرج عن الإسلام بالكتاب،و السنة،و الإجماع،و اذن،وجوب الحج ليس محلا للاجتهاد،أو التقليد،لأنه من البديهات،و مع ذلك نذكر طرفا من الآيات و الروايات التي حثت عليه و ألزمت به،نذكرها في حلقة الدرس حين يستدل بآية أو رواية على مثل ما نحن فيه من الوضوح.فمن الآيات:

وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ (2).

ص:123


1- لا يفهم الحج على حقيقته بالدرس و المطالعة إلاّ بعد أداء فريضته،لأنه عملي لا نظري،و في القديم قال عالم كبير بعد أن حج:الآن فهمنا الحج،و لا نفهم مسائل الحيض،حتى نحيض،و في سنة 1383 ه،ألفت كتاب الحج على المذاهب الخمسة،ثم أديت الفريضة في السنة ذاتها،و ألفت كتابي هذا سنة 1384 ه،فجاء بعد دراستي الحج نظريا،و تطبيقه عمليا،و الحمد للّه وحده،و هو المسؤول أن يوفقني و إياك أيها القارئ للعلم و العمل.
2- الحج:26. [1]

وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (1).

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (2).

وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (3).

و سأل رجل الإمام الصادق عليه السّلام عن قوله تعالى «وَ مَنْ كَفَرَ» مستفهما:من لم يحج منا فقد كفر؟قال له الإمام:لا،و لكن من قال:ليس هذا كهذا فقد كفر أي- من أنكر وجوب الحج من الأساس فهو كافر-و قال كثير من الفقهاء و المفسرين:

ان معنى الكفر من ترك،لأن الكفر في اللغة يأتي بمعنى الترك.

ثم قال السائل للإمام عليه السّلام:ما معنى قوله تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ ؟ قال الإمام عليه السّلام:يعني بتمامهما أداءهما،و اتقاء ما يتقي المحرم فيهما.

ثم قال السائل:ما معنى الحج الأكبر في قوله تعالى وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ -أول سورة التوبة.

قال الإمام عليه السّلام:الحج الأكبر الوقوف بعرفة،و رمي الجمار،و الحج الأصغر.

الفور:

اشارة

ليس من شك أن الحج يجب في العمر مرة واحدة،و لكن هل يجب على

ص:124


1- الحج:27. [1]
2- البقرة:196. [2]
3- آل عمران:97. [3]

الفور،أو على التراخي؟بمعنى أنه إذا تحققت شروط الحج،و وجدت الاستطاعة،فهل على المستطيع ان يبادر الى الحج في نفس السنة التي استطاع فيها،و لا يجوز له أن يؤخر و يماطل إلى السنة القادمة،بحيث إذا أخر عصى و أثم، و وجب عليه أن يبادر إلى الأداء و الوفاء في السنة القادمة،فإذا أهمل إلى الثالثة عصى و أثم،و بادر أيضا إلى العمل في الرابعة،و هكذا،أو لا عصيان بالتأخير و التأجيل ما دام يظن البقاء و السلامة،بل هو مخير بين الأداء في السنة الأولى،و ما يليها،تماما كالصلاة يؤديها في أوّل الوقت و آخره؟

الجواب:

اجمع العلماء على أن حجة الإسلام تجب على الفور لا على التراخي، حتى أن كثيرا منهم قالوا:ان التأخير كبيرة موبقة و مهلكة،و ليس لنا،و لا لأحد غيرنا ان يناقش في انعقاد هذا الإجماع،و قيامه في كل عصر،و لكن مع اعترافنا به نقول:انه ليس بحجة يركن إليها،لأن المعروف من أصول المذهب أن الإجماع انما يكون دليلا يركن إليه إذا علم بأنه يكشف عن رأي المعصوم،فإذا علم أو احتمل أنه استند إلى آية أو رواية،أو أصل أو احتياط،سقط عن الدلالة و الاعتبار، بداهة ان العلم لا يناقض العلم،و الاحتمال لا يجتمع مع العلم بحال.

و نحن نعلم أن الفقهاء قد استدلوا و اعتمدوا لوجوب الفور بروايات لا تدل على وجوبه،و أظهر هذه الروايات قول الإمام الصادق عليه السّلام:«إذا قدر الرجل على ما يحج به،ثم دفع ذلك،و ليس له شغل يعذر به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام».

و هذا القول من الإمام عليه السّلام أجنبي عن الفور،لأن المفهوم منه أن سوّف، حتى أدى به التسويف إلى ترك الحج كلية فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام،لا

ص:125

أن من أخر إلى السنة الثانية أو الثالثة،مع ظن السلامة.و تدل على ما قلناه لفظة «ترك»و لو أراد التراخي لقال«أخر أو تراخي»،و لا أقل من احتمال إرادة أحد المعنيين،الفور أو التراخي،و لا ترجيح لأحدهما،بعد البناء على أن الأمر لا يدل على الفور،و لا على التراخي،بل على مجرد وجود الفعل،و كفى.هذا،إلى أن أكثر الناس،حتى العلماء و قادة الدين يؤخرون الحج إلى الخامسة و السادسة،لا إلى الثانية فقط،و لا يرون أنفسهم،أو يراهم أحد أنهم تاركون لشريعة من شرائع الإسلام.

و مهما يكن،فإن المبادرة في السنة الأولى أفضل،و أحفظ للدين،لقوله تعالى فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ (1)،و لأن التأخير عرضة للفوات،و حوادث الزمان.

الشروط:

اشارة

و يجب الحج بشروط:

1-العقل

،لأنه متى أخذ ما وهب سقط ما وجب،و لو أفاق المجنون مدة تتسع لأداء الحج بتمامه وجب عليه ان كان مستطيعا،و إذا لم يتسع وقت الإفاقة لجميع الأعمال سقط عنه الوجوب.

2-البلوغ

،قال الإمام الصادق عليه السّلام:«لو أن غلاما ما حج عشر حجج،ثم احتلم كان عليه فريضة الإسلام».بداهة ان الإتيان بغير الواجب لا يسقط الواجب، حتى و لو كان مستحبا لذاته،فكيف به إذا كان لمجرد التمرين (2)!و مهما يكن،

ص:126


1- البقرة:148. [1]
2- يرى كثير من الفقهاء،أو الأكثر ان عبادة الصبي المميز صحيحة بمعنى أنه مأمور بها استحبابا حقيقيا،و انه مأجور عليها،أما نحن فنرى أنّها صحيحة لمجرد التمرين فقط،و ان الأجر و الثواب يعود لوليه الممرن،و يدل على ذلك أولا ما جاء في صوم الصبي من«أن فيه تمرينا،و منعا عن الفساد»كما قال الإمام عليه السّلام،و ثانيا ان التكليف لا يتجزأ،فإذا صح تكليفه استحبابا حقيقيا فينبغي أن يصح تكليفه على سبيل الوجوب و التحريم ايضا،و لا قائل بذلك.

فقد ذهب المشهور إلى أن حج الصبي المميز يتوقف على اذن الولي.

و يستحب للولي أن يحرم بالصبي غير المميز،و يطوف به و يرمي عنه، و يحلق رأسه،و ما إلى ذاك من أفعال الحج.قال الإمام الصادق عليه السّلام:انظروا من كان معكم من الصبيان،فقدموه الجحفة،أو إلى بطن مر،يصنع بهم ما يصنع بالمحرم،و يطاف بهم و يرمى عنهم،و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه.

و نقل صاحب الجواهر عن المشهور ان الصبي المميز إذا باشر بالحج،ثم بلغ قبل الوقوف بالمشعر،و فعل باقي الأركان أجزأه ذلك حجة الإسلام،حيث ثبت عن أهل البيت«من أدرك المشعر فقد أدرك الحج».

3-الاستطاعة

اشارة

،و سنعقد لها فصلا مستقلا،أما الاختتان فقد ذهب جماعة من الفقهاء إلى أنه شرط في وجود الحج و صحته،لا في أصل وجوبه،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن نصراني أسلم و حضر الحج،و لم يكن قد اختتن،أ يحج قبل أن يختتن؟قال:لا،و لكن يبدأ بالسنة.

و على افتراض اعتبار التطهير فإنه يعتبر مع التمكن منه،و إلاّ صح الحج و الطواف.

ص:127

ص:128

توضيح حول الاستطاعة
اشارة

أهم شروط الحج الاستطاعة،و لذا عقدنا لها فصلا خاصا،و غير المستطيع لا يجب عليه الحج لقوله تعالى وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (1)و ليس هذا بحاجة إلى البيان،و انما الذي ينبغي بيانه و تحديده هو معنى الاستطاعة،فهل المراد منها مجرد القدرة على الوصول إلى مكة المكرمة بأي سبيل،و لو بالمشي،أو الدين،أو بيع ما يحتاج إليه،و إلى عياله،أو بالتقتير عليه و عليهم،و ما إلى ذلك.أو ان المراد بالاستطاعة معنى شرعي خاص؟

الجواب:

روي عن أهل البيت عليهم السّلام ان المراد بالاستطاعة هنا الاستطاعة العقلية، و هي مجرد القدرة على الوصول إلى مكة،و روي عنهم أيضا انها الاستطاعة الشرعية المحددة بتحديد خاص،و قد أعرض الفقهاء عن تلك الروايات التي أوجبت الحج إطلاقا،و لو بالدين أو المشي على الأقدام،و عملوا بالروايات الثانية،و منها ان سائلا سأل الإمام الصادق عليه السّلام عن معنى السبيل في قوله تعالى:

مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً فقال الإمام عليه السّلام:من كان صحيحا في بدنه مخلى في سربه،له زاد و راحلة فهو يستطيع الحج.

ص:129


1- آل عمران:97. [1]

و سئل أبوه الإمام الباقر عليهما السّلام نفس السؤال،فقال:الاستطاعة ان يكون له ما يحج به.

و فهم الفقهاء من هاتين الروايتين،و ما إليهما ان الراحلة تعبير عن اجرة السفر،و الانتقال إلى مكة،ثم العودة منها إلى بلده،و ان الزاد عبارة عما يحتاج إليه من مال للمأكل و المشرب،و أجرة السكن،و نفقات جواز السفر،و ما إلى ذلك من الأشياء اللائقة بحاله و وضعه،على أن يكون جميع ما يحتاج إليه زائدا عن ديونه و مؤنة عياله و أثاثه و كتبه و خادمه،و ما يضطر إليه من مصدر معاشه،كالأرض للفلاح و الأدوات لصاحب المهنة و الصنعة،و رأس المال للتاجر،بحيث يبقى بعد الحج على ما كان عليه قبل الحج،هذا مع الأمن على نفسه و ماله،و عرضه.

الحج قبل الاستطاعة:

لو ان شخصا لم يجب عليه الحج،لعجزه،و عدم استطاعته الشرعية،و مع ذلك تجشم و تكلف و حج حجا صحيحا كاملا،ثم استطاع،فهل تجب عليه الإعادة ثانية،أو تكفيه الأولى؟

الجواب:

المشهور بين الفقهاء أنّه لا بد من الإعادة بعد الاستطاعة الشرعية،لأن الأولى وقعت مستحبة،و المستحب لا يجزي عن الواجب،و هو حجة الإسلام التي لا بد من اتصافها بالوجوب.

و يلاحظ بأن كل حجة صحيحة كاملة فهي حجة إسلامية مستحبة كانت،أو واجبة،ما دامت الأركان واحدة و الاجزاء و الشروط واحدة في كل من الواجبة و المستحبة.هذا،إلى أنه لا مستند للمشهور سوى الاستحسان،أما النص فإنه

ص:130

يدل على الأجزاء و الكفاية،كالروايات الدالة على أن من يقدر على المشي يجب أن يحج ماشيا،نقول هذا مع العلم بأن حجة الإسلام إنما سميت بهذا الاسم للحديث المشهور«بني الإسلام على خمسة:الشهادتان و الصلاة و الصوم و الحج و الزكاة»،ذلك أن المراد بالحج في الحديث الحج من حيث هو بصرف النظر عن الوجوب و الاستحباب.

البذل:

إذا وهب رجل آخر مالا يكفيه للحج،و لكن لم يشترط عليه أن يحج بالمال فلا يجب أن يقبل الهبة،لأن تحصيل الاستطاعة ليس بواجب على أحد، و بكلمة ان الحج يجب على الإنسان المستطيع،و لا يجب على الإنسان أن يحصل الاستطاعة.

و إذا بذل المال مشترطا عليه الحج به فيجب عليه القبول،و لا يجوز له الرفض،و يتحتم عليه الحج،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:«من عرض عليه الحج، و لو على حمار أجذع مقطوع الذنب،فأبى فهو مستطيع».

و ليس من شك أن الاستطاعة لن تتحقق إلاّ إذا كانت النفقة ملائمة لوضع المبذول له و مكانته،و إلاّ فلا يلزم القبول و الإجابة،و الحمار الأجذع المقطوع الذنب قد يناسب و يلائم أكثر من واحد في ذلك العصر.

الحج و الخمس:

إذا كان عنده مبلغ من المال،و قد تعلق فيه الخمس،و كان بمجموعه كافيا لنفقات الحجّ فقط،و لا يزيد عنها شيئا،إذا أخرج الخمس تعذر عليه

ص:131

الذهاب إلى مكة و أداء الحج،إذا كان الأمر كذلك قدم الخمس و الزكاة،لأنهما دين،و لا استطاعة إلاّ بعد وفائه من أي نوع كان،و إذا حج،و لم يكترث بقي الخمس في ذمته،و بطل حجه إذا انحصر أداء الخمس على إخراجه من المال الذي حجّ به،إذ يكون،و الحال هذه،حاجا بمال الغير.

و إذا كان عليه حقوق مالية كالخمس و الزكاة،و عليه أيضا الحج،وجب أن يؤدي الخمس و الزكاة،و لا تجوز له المماطلة و التأخير بحال.و إذا تأخر عن الأداء فقد عصى اللّه،و استحق العقاب،سواء أ كان عازما على أداء الحج،أو لم يكن.

و إذا حج،و الحال هذه،يصح منه الحج،و لا يبطل إلاّ في صورة واحدة،و هي أن ينحصر أداء الخمس و الزكاة بنفس المال الذي حج به،بحيث يصدق عليه أنه حج بمال الغير،و قيل:إذا حج بهذا المال ناويا منذ البداية أن يؤدي الخمس من ماله الآخر،و أداه،أو أدى عنه،أمكن القول بصحة الحج.

و نقول في الجواب:ان الخمس متعلق بالعين،و عليه يكون التصرف في هذا المال تصرفا في مال الغير،و مهما كان الوجوب هاما فلا يستدعي تحليل هذا التصرف.و قد اتفق الجميع على أن المزاحمة إذا وقعت بين وجوب و حرمة قدمت الحرمة.

الزواج:

لو كان عنده من المال ما يكفيه للزواج فقط،أو الحج فقط،فأيهما يقدم؟ الجواب:

ليس من شك ان الزواج من حيث هو ضرورة من ضرورات الحياة،تماما كالملبس و المسكن،فمن احتاج إليه،أو كان من أمثاله يتزوجون،و يسأله الناس

ص:132

متى تتزوج؟قدم الزواج،حتى و لو لم يخف العنت و المرض،أو الوقوع في الزنا-كما قيده بعض الفقهاء-و ان لم يكن بحاجة إلى الزواج،لأن عنده زوجة كافية وافية،و لا يراه الناس مضطرا إلى المرأة قدم الحج.

بل،إذا احتاج أولاده إلى الزواج جاز له أن يصرف ما لديه من المال في تزويجهم و جهازهم،على شريطة ان ينفق المال في هذا السبيل قبل دخول وقت السفر للحج،أما بعده فلا،حيث يكون قد توجه إليه الخطاب و الأمر بالحج،كما ان الاستطاعة لا يجب تحصيلها،فلا يجب أيضا إبقاؤها و الاحتفاظ بها ما دام الحج لم يجب بعد،أما إذا وجدت و وجب الحج فيجب الاحتفاظ بها و بكل ما يتوقف عليه وجود الواجب.

الزوجة:

إذا استطاعت الزوجة وجب عليها أن تحج،سواء أذن لها الزوج،أم لم يأذن،تماما كما هي الحال بالقياس إلى الصوم و الصلاة و الزكاة،فلقد سئل الإمام عليه السّلام عن امرأة،و هي صرورة-أي لم تحج بعد-و لا يأذن لها زوجها بالحج؟قال:تحج،و ان لم يأذن لها،و قال الإمام عليه السّلام في رواية أخرى عنه:لا طاعة له عليها في حجة الإسلام.و كفى بقول علي أمير المؤمنين عليه السّلام:لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق شاهدا و دليلا.أجل،له أن يمنعها من الحج المندوب،لأن الإمام عليه السّلام سئل عن امرأة موسرة حجت حجة الإسلام،تقول لزوجها:حجني مرة أخرى،إله أن يمنعها؟قال:نعم.مضافا إلى العمومات الثابتة الناطقة بأنه لا يحق للزوجة أن تخرج من بيت الزوج إلاّ بإذنه.

و كل امرأة مأمونة لها أن تسافر إلى الحج و غير الحج دون أن يكون معها

ص:133

أحد من أقاربها و محارمها،فلقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن امرأة تريد الحج، و ليس معها محرم،هل يصلح لها الحج؟قال:«نعم،إذا كانت مأمونة».و قال قائل:بل يجب أن يسافر معها محرم،فإن لم يوجد حرم عليها السفر،حتى إلى الحج الواجب.

و ربما كان لهذا القول وجه يوم كان السفر طويلا،و الطريق مخوفا،أما اليوم حيث الأمن و الأمان،و التيسير و التسهيل في المواصلات فلا وجه له.

الدّين:

الدين تارة يكون للإنسان،و أخرى يكون عليه،فإن كان عليه،و استغرق جميع ما يفضل عن حاجته و حاجة عياله،بحيث إذا أداه لا يزيد شيئا عن حاجته، قدم الدين على الحج،و ان لم يستغرقه بكامله،بحيث يستطيع وفاء الدين و الحج دون أن ينقصه شيء أو يضر بحاله،وجب عليه أن يفي بهما معا،لعدم التضاد و المعارضة.

و إذا كان الدين له،لا عليه،و كان في غنى عنه،غير محتاج إلى صرفه في مؤنته و مؤنة عياله،فهل يجب عليه الحج،و الحال هذه،أو لا؟

الجواب:

إذا كان الدين مؤجلا لم يأت زمن وفائه بعد فلا يجب الحج،لعدم الاستطاعة،و إذا كان حالا فقيل:يجب الحج،حتى و لو كان المديون مماطلا، و احتاج تحصيله إلى الخصومات و المرافعات،و قيل لا يجب،و الحق ان هذا الدين إذا أمكن الحصول عليه بسهولة،بحيث لا يحتاج إلاّ لمجرد المطالبة، وجب الحج،لأن صاحب الدين يعد مستطيعا بالفعل،و إذا احتاج التحصيل إلى

ص:134

العناء و الخصومات فلا يجب،حتى و لو أمكن الحصول على الدين و لكن بعد لأي،حيث لا يعد من المستطيعين بالفعل.بداهة أن الاستطاعة لا يجب تحصيلها،و انما يجب الحج بعد الاستطاعة و بكلمة،ان العبرة بوجود الاستطاعة بالفعل،لا بالقوة.و من هنا يعلم أنه لا يجب الاستدانة للحج،حتى و لو كان قادرا على الوفاء بعد عودته بيسر و سهولة.

الحج و نذر الزيارة يوم عرفة:

تدارس فقهاء عصرنا هذه المسألة،و كثر كلامهم حولها،و هي إذا نذر الإنسان ان يزور الحسين عليه السّلام في كل سنة يوم عرفة،أو في السنة القادمة بالذات، و لم يكن مستطيعا حين النذر،و بعده حدثت الاستطاعة،فهل يقدم الوفاء بالنذر، أو يقدم الحج؟ قال السيد صاحب العروة الوثقى،و شارحها السيد صاحب المستمسك:

يقدم الوفاء بالنذر،«لأن العذر الشرعي كالعقلي في المنع من الوجوب»،أي أن الشرع أوجب على هذا الناذر الكون في كربلاء يوم عرفة،و هذا يستدعي أن الشرع قد منعه عن الكون في عرفة هذا اليوم،و عليه فلا يكون مستطيعا لأداء الحج،فيتعين الوفاء بالنذر،و إذا استطاع للحج،ثم أنشأ هذا النذر قدم الحج بلا ريب،لنفس السبب،و بكلمة ان السابق يرفع موضوع اللاحق.

الشك في الاستطاعة:

إذا شك في أنه مستطيع ماديا،أو لا؟فهل يجب عليه أن يجري حسابا على أمواله،ليتأكد من الحقيقة؟

ص:135

الجواب:

ان القواعد العامة لا تستدعي هذا الحساب،و لا توجبه،ذلك ان البحث و الفحص انما يجب إذا كان الشك في حكم الشيء لا في موضوعه،لأن قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا تصدق إلاّ بعد البحث عن الحكم في مظانه،و اليأس من العثور عليه حيث يكون خفاء الحكم الشرعي و عدم وصوله إلى المكلف-على فرض وجوده-خارجا عن قدرة المكلف و إرادته،أما إذا لم يبحث و يسأل إطلاقا فيصح عقابه،و الحال هذه،لأن عدم وصول الحكم إليه ناشىء عن إهماله و تقصيره.

و هنا الحكم معلوم،و هو أن الاستطاعة شرط في وجوب الحج ما في ذلك ريب،و الشك انما حصل في الاستطاعة نفسها،لا في حكمها،و عليه فلا يجب البحث عنها.

ص:136

النيابة

صحة النيابة:

اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل يحج عن آخر:ما له من الثواب؟قال:

للذي يحج عن رجل أجر و ثواب عشر حجج.

الفقهاء:

أجمعوا قولا واحدا لهذه الرواية و غيرها على ان الحج يقبل النيابة،و تقع صحيحة إذا توافرت الشروط في النائب و المنوب عنه.

و بالمناسبة نشير إلى ان الواجب،منه ما هو بدني محض كالصوم و الصلاة، و منه ما هو مالي محض كالخمس و الزكاة،و منه ما يجمع بين الوصفين كالحج، فهو مالي لأن الاستطاعة المالية شرط في الوجوب،و هو بدني لاشتماله على الأفعال،كالإحرام و الطواف و السعي و الرمي،و ما إلى ذاك.و كل هذه تقبل النيابة.

المنوب عنه:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان عليا أمير المؤمنين أمر شيخا كبيرا لم يحج قط، و لم يطق الحج لكبره،أن يجهز رجلا يحج عنه.

ص:137

و سئل عن رجل يموت،و لم يحج حجة الإسلام،و لم يوص بها أ يقضى عنه؟قال:نعم.

الفقهاء:

أجمعوا على أن غير المسلم لا تصح العبادة منه و لا عنه،حجا كانت،أو غير حج،و أيضا أجمعوا على أن من استقر الحج في ذمته فعليه أن يؤديه و يباشره بنفسه،و لا يسقط عنه بفعل الغير ما دام قادرا على المباشرة،كما هي الحال في جميع العبادات،لأن الأمر بطبعه ينصرف إلى وجوب المباشرة.و أيضا أجمعوا على أن من وجب الحج عليه،ثم أهمل حتى مات،وجب أن يستناب عنه،ان ترك مالا يفي بذلك،سواء أوصى به،أو لم يوص.

النيابة عن الحي:

اشارة

أجمع الفقهاء على جواز الحج و الطواف عن الحي استحبابا،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن الرجل يحج،فيجعل حجته و عمرته،أو بعض طوافه لبعض أهله، و هو عنه غائب ببلد آخر:هل ينقص ذلك من أجره؟قال:لا،هي له و لصاحبه، و له سوى ذلك بما وصل.

و روي أن الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهما السّلام أنه أعطى بعض المؤمنين،و أمرهم أن يحجوا عنه.

و أيضا أجمع الفقهاء على أن من استطاع،و ثبت الحج في ذمته،و لكنه أهمل،و لم يبادر،ثم طرأ عليه العجز عن الأداء و المباشرة بنفسه،و يئس من زوال العذر و الشفاء،إذا كان الأمر كذلك وجب عليه أن يستأجر من يحج عنه،و إذا

ص:138

صادف زوال العذر،فعليه أن يحج و يؤدي بنفسه ثانية.

و تسأل:إذا لم يستقر عليه الحج،كما لو كان فقيرا،و بعد أن عجز صار غنيا،فهل يجب عليه أن يستأجر من يحج عنه؟

الجواب:

ذهب المشهور إلى وجوب الاستنابة عنه،للرواية المتقدمة:أن أمير المؤمنين عليه السّلام أمر شيخا أن يجهز من يحج عنه،و لما روي أيضا من أن امرأة قالت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ان أبي أدركته فريضة الحج،و هو شيخ كبير لا يستطيع أن يلبث على دابته،فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:حجي عن أبيك.

الصبي و المجنون:

اشارة

هل تجوز النيابة عن الصبي المميز و المجنون؟

الجواب:

ان النائب يمتثل و يطيع،و ينوي التقرب بالأمر الذي توجه إلى الأصيل المنوب عنه بالذات،فإذا افترض عدم توجه الأمر إلى الأصيل ينتفي موضوع النيابة من الأساس،و كل من المجنون و الصبي المميز غير مكلف بشيء،لا وجوبا و لا استحبابا،بناء على أن عبادة المميز تمرينية لا شرعية،كما نختار.

أجل،إذا استقر الحج في ذمة البالغ العاقل،و أهمل،ثم طرأ عليه الجنون وجب الاستئجار عنه،تماما كما لو مات.

و الخلاصة ان المنوب عنه يشترط فيه الإسلام،و البلوغ و العقل إلاّ إذا عرض عليه الجنون بعد أن استقر الحج في ذمته،و أيضا يشترط فيه عدم الحياة إلاّ في الحج المندوب،و الواجب إذا عجز عن مباشرته بنفسه.

ص:139

النائب:

يشترط في النائب شروط:

1 و 2-البلوغ و العقل بالإجماع.

3-الإسلام و الايمان،أي ولاية آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،حيث سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يكون عليه صلاة أو صوم:هل يجوز أن يقضي عنه غير عارف؟-أي غير عارف بالولاية-قال:لا يقضيه إلاّ مسلم عارف.و تخصيص المورد،و هو الصوم و الصلاة لا يخصص الحكم فيهما بعد العلم بأن كلا من الصوم و الصلاة و الحج عبادة.

4-الوثوق بدين النائب و أمانته.ذكر هذا الشرط أكثر من فقيه،بل اشترط الكثيرون العدالة،و ليس من شك ان العدالة أو الثقة ليست شرطا لصحة عمل النائب و عبادته،و انما الغاية منها حصول الاطمئنان بأنه قد أدى ما استؤجر عليه، و على هذا تكون العدالة أو الثقة وسيلة لا غاية.

و قال السيد الحكيم في المستمسك:«هذا الشرط غير ظاهر،فإن أصالة الصحة جارية مع عدم الوثوق.نظير اخبار ذي اليد عما في يده،و نظير قاعدة من ملك شيئا ملك الإقرار به.فإن الجميع من باب واحد».

و يلاحظ بأن اخبار ذي اليد،و من ملك«لشيء»،و جواز استئجار من لا نثق بدينه و أمانته شيء آخر،إذ المفروض في مسألتنا هذه:هل يجوز لنا أن نستأجر من لا نثق به و نجعله نحن صاحب يد،أو لا؟فالكلام-اذن-في جعله صاحب يد،لا في الأخذ بقول صاحب اليد.و الفرق بعيد جدا.و لذا قال السيد صاحب العروة ما نصه بالحرف:«و هذا الشرط انما يعتبر في جواز الاستنابة لا في صحة عمله».و عليه يكون تعليق السيد الحكيم بما نقلناه غير ظاهر.

ص:140

5-المعرفة بأفعال الحج و أحكامه،و لو بمعونة مرشد،و هذا الشرط عام لجميع المكلفين و يجب مقدمة للطاعة و امتثال الأحكام الشرعية بكاملها.

6-ان لا تكون ذمة النائب مشغولة بحج واجب عليه أداؤه على الفور،و في نفس عام الإجارة،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل صرورة مات و لم يحج حجة الإسلام،و له مال؟قال:يحج عنه صرورة لا مال له.

المماثلة:

لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يحج عن المرأة،و المرأة تحج عن الرجل؟قال:لا بأس.

و بموجب إطلاق هذه الرواية يجوز أن يحج الصرورة عن الصرورة رجلا كان النائب أو امرأة،قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة،لإطلاق دليل النيابة».و سبق أن معنى الصرورة هو الذي لم يكن قد حج من قبل.

الموت قبل الإتمام:

اشارة

سئل الإمام الباقر أو الإمام الصادق عليهما السّلام عن رجل خرج حاجا حجة الإسلام،فمات في الطريق؟ قال:ان مات في الحرم فقد أجزأت عن حجة الإسلام،و ان مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام.

ص:141

الفقهاء:
اشارة

قالوا:من استقر عليه الحج باستطاعة،أو نذر،أو نيابة،ثم مات قبل أن يتم الأفعال المطلوبة ينظر:فإن كان قد مات بعد الإحرام و دخول الحرم،أجزأه ذلك و لا يجب القضاء عنه،و ان مات قبل دخول الحرم فلا يجزيه و يجب القضاء عنه، حتى و لو مات بعد الإحرام.

و تسأل:ان الرواية عن الإمام مختصة فيمن حج عن نفسه،و لا تشمل النائب.

الجواب:

ان الفقهاء فهموا من هذه الرواية أن العبرة بنفس الحج بوصف الفعل من حيث هو لا بالحاج بوصف الفاعل.قال صاحب الجواهر:«من استؤجر،و مات في الطريق فإن أحرم و دخل الحرم فقد أجزأت الحجة عمن حج عنه بلا خلاف أجده فيه،بل الإجماع بقسميه.و الرواية و ان كان موردها الحج عن نفسه إلاّ أن الظاهر و لو بمعونة فهم الأصحاب كون ذلك كيفية خاصة في الحج نفسه،سواء أ كان الحج عن نفسه،أو عن غيره،و سواء أ كان واجبا بالنذر،أو بغيره».

الأجرة:

قال الفقهاء:إذا مات النائب بعد الإحرام و دخول الحرم،استحق تمام الأجرة،و إذا مات قبل ذلك أعطي من الأجرة بنسبة ما أتى به من عمل،كما تستدعيه قاعدة الإجارة من العمل الذي لم يقصد به التبرع.

ص:142

النيابة عن اثنين:

من أجر نفسه للحج عن شخص وجب عليه أن يباشر ذلك،و لا يجوز له أن يستنيب سواه إلاّ مع اذن المؤجر صراحة،لأن الإطلاق يستدعي المباشرة بالذات.و على هذا،فلا يجوز لأحد ان يؤجر نفسه للحج عن اثنين في سنة واحدة،فإذا فعل صحت الأولى،و بطلت الثانية،لعدم القدرة على العمل بها،و لو افترض اقتران عقدي الإجارة،كأن يؤجر هو نفسه لزيد،و يؤجره وكيله لعمرو في آن واحد،بطل العقدان معا.

الميقاتية و البلدية:

تنقسم الحجة إلى بلدية،و هي التي تكون من بلد الميت،و ميقاتية،و هي من الميقات،فإذا عيّن الموصي،أو المستأجر أحدهما تعينت،و إذا أطلق و لم يبين،فان كان هناك انصراف إلى أحدهما بسبب العرف أو قرينة أخرى،وجب العمل بها،و إلاّ تكون الحجة ميقاتية،لأن السفر من البلد ليس جزءا من الحج،و لا شرطا له،و انما هو مقدمة و وسيلة.و لذا لو سار المستطيع من بلده إلى أحد المواقيت لا بنية الحج،ثم عزم و أحرم من الميقات صح و كفى.

و على هذا،فمع عدم ما يدل على ارادة الحج من البلد يحج النائب عن المنوب عنه من أقرب ميقات إلى مكة عند المشهور بشهادة صاحب العروة الوثقى.

و لا بد من الإشارة إلى أن اجرة الميقاتية من أصل التركة،لأن بها يحصل الابتداء بمناسك الحج،و ما زاد عن الميقاتية فمن الثلث.

ص:143

العدول:

اشارة

سئل الإمام عليه السّلام عن رجل أعطى رجلا دراهم،يحج بها عنه حجة مفردة؟ قال:ليس له أن يتمتع بالعمرة إلى الحج،لا يخالف صاحب الدراهم.

الفقهاء:
اشارة

يأتي أن الحج على أنواع ثلاثة:تمتع،و قران،و أفراد،فمن استؤجر على نوع منها تحتم عليه الإتيان به،و لا يجوز له العدول عنه إلى غيره،حتى و لو كان الغير أفضل و أكمل،بل نقل صاحب الجواهر عن المشهور أنّه إذا اشترط على النائب سلوك طريق معين لم يجز له العدول إلى غيره،ان كان هناك غرض في هذا الطريق الخاص،لعموم: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ،و المؤمنون عند شروطهم.

و تسأل:و أي أثر لسلوك الطريق إذا أدى النائب المناسك صحيحة و على وجهها؟

الجواب:

ان الكلام هنا في صحة الإجارة،لا في صحة الحج،و بديهة أحدهما غير الأخرى.

الوصية بالحج:

اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل مات و أوصى أن يحج عنه؟قال:ان كان صرورة-أي لم يحج من قبل-فمن جميع المال،و ان كان تطوعا فمن الثلث.

ص:144

الفقهاء:

قالوا:من أوصى بمبلغ معين من المال للحج عنه نظر:فان كان الحج واجبا للاستطاعة أو النذر،و المال الذي عينه بمقدار اجرة المثل،أخرجت الوصية بكاملها من أصل التركة،و ان كان المبلغ أكثر من اجرة المثل،أخرج الزائد من الثلث،و ان كان الحج ندبا لا واجبا،فالجميع من الثلث.

ص:145

ص:146

العمرة

معناها:

العمرة في اللغة الزيارة بوجه العموم،و في الشرع زيارة بيت اللّه الحرام، لأداء مناسك خاصة،كالطواف و السعي و التقصير.

نوعان:

و العمرة على نوعين:مفردة مستقلة عن الحج،و متمتع بها إلى الحج،أي أن الحج يتألف منها،و من غيرها،و تعرف حقيقة هذه العمرة عند الكلام على حج التمتع.

و تفترق عمرة التمتع عن العمرة المفردة من جهات:

1-ان طواف النساء-يأتي معناه-واجب في العمرة المفردة،و لا يجب في عمرة التمتع.و قال البعض لا يشرع فيها إطلاقا.

2-ان وقت عمرة التمتع يبتدئ من أول شوال إلى اليوم التاسع من ذي الحجة،أما العمرة المفردة فوقتها طوال أيام السنة.

3-ان المعتمر بعمرة التمتع يحل بالتقصير فقط،أمّا المعتمر بعمرة مفردة فهو مخير بين التقصير و الحلق.و يأتي التوضيح.

ص:147

حكم المفردة:

اشارة

قال تعالى وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ (1).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام في تفسير هذه الآية:الحج و العمرة مفروضان.

و قيل له:فمن تمتع بالعمرة إلى الحج،أ يجزي عنه؟قال:نعم،أي أن عمرة التمتع تجزي عن العمرة المفردة على فرض وجوبها.

و قال أبوه الإمام الباقر عليهما السّلام:العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج،لأن اللّه تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ .و انما نزلت العمرة بالمدينة.

الفقهاء:
اشارة

ستعرف عمرة التمتع مفصلا عند الكلام على حج التمتع،و عقدنا هذا الفصل للعمرة المفردة،و بصفة أهم لحكمها،و ليس من شك أنّها راجحة في ذاتها،بل يستحب تكرارها مرات،و مرات،و لكن هل تجب وجوبا ذاتا مستقلا عن الحج،بحيث إذا استطاع الإنسان لها وحدها دون الحج،كما لو تمكن من السفر إلى البيت الحرام في شهر ربيع دون أشهر الحج،فيجب أن يسافر في ربيع، و يعتمر،أو لا تجب كذلك،و انما تجب تبعا للحج،فإذا استطاع الإنسان له أداهما معا،و ان لم يستطع للحج فلا يجب الحج و لا العمرة.

الجواب:

لا خلاف بين الفقهاء في وجوب العمرة بأصل الشرع،و ان على حاضري المسجد الحرام،و هم الذين لم يبعدوا عن مكة 12 ميلا (2)،ان يعتمروا عمرة

ص:148


1- البقرة:196. [1]
2- هذا رأي صاحب الجواهر،و قيل:هم الذين يبعدون عن مكة ثمانية و أربعين ميلا.و نسب هذا إلى المشهور،و لكن صاحب الجواهر قال:لم نتحقق صحة هذه النسبة.

مفردة،و انها تسقط عمن بعد هذه المساحة،أو أكثر إذا حج حجة التمتع.

أمّا وجوب العمرة على بعد 12 ميلا عن مكة ان استطاع لها وحدها فقال صاحب الجواهر:لم أجد للأصحاب في ذلك كلاما منقحا.و قال أيضا:يظهر التشويش في كلامهم.بل كرر لفظة التشويش ثلاث مرات،و هو يتكلم عن هذه المسألة بالذات.

ثم قال:«و يقوى في النظر سقوطها عن النائي الذي يجب عليه أن يتمتع بها الى الحج و لا عمرة مفردة عليه».أي أن العمرة المفردة لا تجب على من كانت وظيفته حج التمتع على تقدير استطاعته و وجوب الحج عليه.

و على رأيه هذا أكثر العلماء،و منهم صاحب الشرائع و السيد الحكيم و السيد الخوئي بل عليه سيرة الفقهاء منذ القديم،فلم نر فقيها واحدا قال:ان النائي عن المسجد الحرام إذا استطاع للعمرة المفردة وحدها قبل أشهر الحج،و لم يفعل فقد ترك واجبا،و انّه إذا مات قبل أدائها وجب الاستئجار عنه من تركته.

و عليه فالعمرة المفردة تجب على من حضر المسجد الحرام فقط،و هو من بعد عن أحد جوانبه الأربعة 12 ميلا.

العمرة لدخول مكة:

اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام:هل يدخل الحرم أحد إلاّ محرما؟قال:إلاّ مريض أو مبطون.

الفقهاء:

قالوا:لا يجوز لمن أراد دخول مكة أن يتجاوز الميقات،و لا دخول حرمها إلاّ محرما بنسك،حتى و لو كان قد حج و اعتمر مرات إلاّ إذا تكرر الدخول

ص:149

و الخروج في ضمن شهر،أي لو دخلها محرما،ثم خرج،ثم دخل ثانية قبل مضي ثلاثين يوما فلا يجب عليه الإحرام،و إلاّ وجب،فالإحرام بالقياس إلى من يدخل مكة تماما كالوضوء بالقياس إلى مس كتابة القرآن،و الغسل من الجنابة إلى دخول المسجد.

و يستثني من هذا الحكم العذر كالمريض الذي لا يمكنه الإحرام، و الحطاب و من إليه ممن تقتضي مهنته التردد و التكرار.

زمان العمرة:

تصح العمرة المفردة في جميع أيام السنة،و أفضلها ما وقع في رجب،قال الإمام الصادق عليه السّلام:يعتمر المعتمر في أي شهور السنة شاء،و أفضل العمرة عمرة رجب.

أفعال العمرة:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع-أي من غير حجة التمتع-و طاف بالكعبة و صلى ركعتين عند مقام إبراهيم،و سعى بين الصفا و المروة فليلحق بأهله متى شاء.

و في رواية ثانية«و حلق و من شاء أن يقصر قصر».أي أخذ من شعره،أو قلّم ظفره.

الفقهاء:

قال صاحب الجواهر:«ان أفعال العمرة المفردة ثمانية:النية،و الإحرام من

ص:150

الميقات،و الطواف،و ركعتاه،و السعي،و التقصير أو الحلق،و طواف النساء و ركعتاه بلا خلاف أجده في شيء من ذلك فتوى و نصا إلاّ في وجوب طواف النساء.و الأصح ما هو المشهور من وجوبه».

و الخلاصة ان المعتمر بعمرة مفردة يحرم من الميقات،ثم يطوف سبعا بالبيت الحرام،و يصلي ركعتين.ثم يسعى سبعا بين الصفا و المروة،ثم يقصر أو يحلق،و يحل له كل شيء إلاّ النساء،و الصيد (1)ثم يطوف ثانية طواف النساء، و يصلي ركعتين،و يحل له كل شيء،حتى النساء.

و فيما يأتي نعقد لكل موضوع من هذه الموضوعات فصلا مستقلا، و نتحدث عنه مفصلا.

ص:151


1- يحرم الصيد في الحرم إطلاقا على الحاج و غيره محرما كان أو غير محرم،و يسمى هذا«صيد حرمي»أمّا الصيد الإحرامي فهو حرام في الحرم الشريف و خارجه،لان حرمته لأجل الإحرام، لا من أجل الحرم.

ص:152

أصناف الحج

ثلاثة أصناف:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:الحج ثلاثة أصناف:حج مفرد،و قران،و تمتع بالعمرة إلى الحج،و بها أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و لا نأمر إلاّ بها.

و قال أبوه الإمام الباقر عليهما السّلام:الحاج على ثلاثة وجوه:رجل أفرد الحج و ساق الهدي،و رجل أفرد الحج و لم يسق الهدي،و رجل تمتع بالعمرة إلى الحج.

الفقهاء:

و استنادا إلى هاتين الروايتين و غيرهما،قسم الفقهاء الحج إلى تمتع، و افراد،و قران.

حج التمتع:

اشارة

يتألف حج التمتع من العمرة و الحج معا،و هذه صورته:

1 و 2-النية و الإحرام من أحد المواقيت التي يأتي بيانها.

3-الطواف حول البيت سبعا.

4-صلاة ركعتي الطواف.

ص:153

5-السعي بين الصفا و المروة سبعا.

6-التقصير،و هو أخذ شيء من الشعر أو الأظفار.

و متى أتى بذلك كله حل له كل شيء،حتى النساء،و هذه الأعمال بمجموعها هي العمرة التي يتمتع بها إلى الحج،و حج التمتع يتألف منها،و مما يلي:

1-ينشئ الحاج المتمتع إحراما آخر من مكة في وقت يمكنه فيه أن يدرك الوقوف بعرفات حين الزوال من اليوم التاسع من ذي الحجة،و الأفضل ان يحرم يوم التروية،و هو اليوم الثامن من ذي الحجة،و أن يكون الإحرام تحت ميزاب الكعبة.

2-الوقوف في عرفات من ظهر اليوم التاسع من ذي الحجة إلى المغرب، و تبعد عرفات أربعة فراسخ عن مكة.

3-الوقوف في المزدلفة يوم العيد الأضحى من الفجر إلى طلوع الشمس.

4-رمي الجمار في منى.

5-النحر أو الذبح في منى يوم العيد.

6-الحلق أو أخذ شيء من الشعر أو الظفر في منى.

7-الرجوع إلى مكة،و طواف الحج.

8-صلاة ركعتي الطواف.

9-السعي بين الصفا و المروة.

10-طواف النساء.

11-صلاة ركعتي الطواف.

12-الرجوع إلى منى،و المبيت فيها ليلة الحادي عشر،و الثاني عشر.

ص:154

13-رمي الجمار الثلاث في اليومين المذكورين.

و بهذا يتبين معنى أن حج التمتع فيه احرامان،و سعيان،و ثلاثة أطوفة:

الأول للعمرة،و الثاني للحج،و الثالث للنساء.

التمتع للبعيد عن مكة:
اشارة

قال تعالى فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (1).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:من حج فليتمتع،إنا لا نعدل بكتاب اللّه و سنة نبيه.و قال:ما نعلم حجا للّه غير المتعة،إنا إذا لقينا ربنا قلنا:عملنا بكتابك،و سنة نبيك،و قال القوم:عملنا برأينا،فليجعلنا اللّه و إياهم،حيث يشاء.أشار الإمام عليه السّلام بالقوم إلى السنة الذين قالوا:يجوز للبعيد عن مكة النسك و الحج بأي الأنواع الثلاثة،و هو مخالفة صريحة لنص القرآن الذي جعل التمتع بالحج فرضا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي أهل مكة و ضواحيها.

الفقهاء:

أجمعوا قولا واحدا على أن فرض من بعد عن مكة هو حج التمتع،و لا يجوز له الافراد و القران إلاّ لضرورة،قال صاحب الجواهر:«بإجماع علمائنا، و المتواتر من نصوصنا،بل لعله من ضرورات مذهبنا،نعم في تحديد البعد خلاف بيننا،فمن قائل:ان البعد عن مكة يحدد ب 12 ميلا،و قائل ب 48 ميلا».

ص:155


1- البقرة:196. [1]

الافراد و القران:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:المفرد للحج عليه طواف بالبيت،و ركعتان عند مقام إبراهيم،و سعي بين الصفا و المروة،و طواف الزيارة،و هو طواف النساء، و ليس عليه هدي،و لا أضحية.

و قال:انما نسك الذي يقرن مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلاّ بسياق الهدي.

الفقهاء:

قالوا:حج الافراد ان يحرم من منزله،ان كان منزله أقرب إلى مكة من الميقات،و من الميقات ان كان الميقات أقرب إلى مكة من منزله،ثم يمضي توا إلى عرفات،فيقف فيها،و منها إلى المشعر،فيقف فيه،ثم إلى منى،فيقضي مناسكه،و منها إلى مكة،فيطوف بالبيت،و يصلي ركعتين،ثم يسعى بين الصفا و المروة،ثم يطوف طواف النساء،و يصلي ركعتين.

قال صاحب الجواهر:«بلا خلاف أجده في شيء من ذلك نصا و فتوى».

و عليه بعد هذا الحج أن يأتي بعمرة مفردة،و له أن يوقعها بعد الحج بلا فاصل،و أن يؤخرها إلى غير أشهر الحج.

أمّا حج القران فهو و حج الإفراد شيء واحد لا يفترقان إلاّ في أن القارن يسوق الهدي عند إحرامه،و يلزمه ان يهدي ما ساقه،أما حج الافراد فليس فيه هدي،كما قال الإمام عليه السّلام.

ص:156

الإفراد و القران لأهل مكة و ضواحيها:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:ليس لأهل مكة،و لا لأهل مر،و لا أهل سرف متعة،و ذلك لقول اللّه عز و جل ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (1).

و قال ولده الإمام موسى الكاظم عليهما السّلام:لا يصلح لأهل مكة أن يتمتعوا بالعمرة إلى الحج،لقول اللّه عز و جل ذلِكَ -أي التمتع- لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ .

و كتب حفيده الإمام الرضا عليهما السّلام إلى المأمون:لا يجوز الحج إلاّ متمتعا- أي للبعيد عن مكة-و لا يجوز القران و الافراد الذي تستعمله العامة إلاّ لأهل مكة و حاضرها.

و المشهور على هذا بشهادة صاحب الجواهر.

مسائل:

1-يجوز لمن نوى حجة الافراد أن يعدل عنها اختيارا إلى التمتع بعد

دخوله إلى مكة

،بلا خلاف للنصوص المتظافرة،كما قال صاحب الجواهر،و لا يجوز ذلك للقارن،لأن حج القران تعين عليه بسياق الهدي.

2-إذا بعد المكي عن أهله،و لدى عودته صادف وقت الحج

،فعليه أن يحرم من الميقات،و له أن يحج بهذا الإحرام حج التمتع عند المشهور بشهادة صاحب الجواهر و الحدائق.

ص:157


1- البقرة:196. [1]
3-إذا أقام الغريب البعيد في مكة سنتين يبقى فرضه التمتع

،و لا ينتقل إلى غيره،و عليه أن يحرم من الميقات إذا أراد حج الإسلام،و لا ينتقل فرضه إلى القران أو التمتع إلاّ إذا دخل في السنة الثالثة.

4-و من كان له منزل في مكة أو ضواحيها،و منزل آخر ناء عنها

ينظر:فإن كانت إقامته في أحدهما أكثر من الآخر لزمه حكم الأكثر الأغلب،و ان تساوت الإقامة بين المنزلين اختار أي الأنواع يشاء.

ص:158

المواقيت

معنى الميقات:

المواقيت جمع ميقات،و هو الوقت المضروب للموعد،و منه قوله تعالى:

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (1)يعني اليوم الذي يفصل فيه بين الحق و الباطل،و هو يوم القيامة.

و قد يستعمل الميقات للمكان الذي جعل له وقت معين،و منه قوله تعالى:

وَ لَمّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا (2)أي المكان الذي وقتناه له،و أمرناه بالمصير إليه.

و للحج مواقيت زمانية،و مكانية،و الأولى ما أشارت إليه الآية 197 من سورة البقرة اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ و هذه الأشهر هي شوال،و ذو القعدة،و ذو الحجة،و الثانية تبتدئ بالحدود التي لا يجوز للحاج ان يتعداها إلاّ محرما منها، أو مما يحاذيها،و هي مفصلة في الفقرة التالية:

المواقيت:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي

ص:159


1- الدخان:40. [1]
2- الأعراف:143. [2]

وقتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا تجاوزها إلاّ و أنت محرم،فإنه وقت لأهل العراق،و لم يكن يومئذ عراق-أي لم يكن فيه مسلم بعد-بطن عرق من قبل العراق،و وقت لأهل اليمن يلملم،و وقت لأهل الطائف قرن المنازل،و وقت لأهل المغرب الجحفة،و هي مهيعة،و وقت لأهل المدينة ذو الحليفة،و من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فميقاته منزله،أي ان من كان منزله أقرب إلى مكة من هذه المواقيت أحرم من منزله.

الفقهاء:

قالوا:لا يجوز للحاج أن يحرم للحج قبل أشهره،و هي،كما قدمنا شوال، و ذو القعدة،إلى نهاية اليوم الثالث عشر من ذي الحجة،و أيضا لا يجوز له أن يتعدى المواقيت التي ذكرها الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلاّ محرما،و هي:

1-وادي العقيق،و يبعد عن مكة مائة كيلو متر على التقريب،و هو ميقات أهل العراق،و نجد،و كل من كان طريقه به إلى مكة.

2-يلملم،و يبعد عن مكة 94 كيلو مترا،و هو ميقات أهل اليمن،و من مر به.

3-قرن المنازل،و يبعد عن مكة 94 كيلو مترا،و هو ميقات أهل الطائف، و من مر به.

4-الجحفة،و يبعد عن مكة 187 كيلو مترا،و هي ميقات أهل مصر و الشام بما فيهم اللبنانيون و الأردنيون و الفلسطينيون،و لمن مر به.

5-ذو الحليفة،و هو مسجد الشجرة،و يبعد عن مكة 492 كيلو مترا،و هو ميقات أهل المدينة،و لمن مر به.

6-من كان من مكة،أو من مكان بين الميقات و بين مكة،فميقاته من منزله.

ص:160

المحاذاة:

من حج على طريق لا يفضي إلى أحد المواقيت المتقدمة فإنه يحرم إذا غلب على ظنه المحاذاة لأحدها،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:من أقام بالمدينة شهرا،و هو يريد الحج،ثم بدا له أن يخرج من غير طريق أهل المدينة التي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال،فيكون حذاء الشجرة من البيداء.

و الذي ليس فيه شك ان اقامة ستة أشهر،و الشجرة،و ستة أميال،و ما إليها لا خصوصية لها،و لا فرق في المحاذاة بين أن يكون السفر في البر أو البحر،أما السفر في الجو فلا تحقق المحاذاة فيه إطلاقا،لأن معنى محاذاتك للشيء أن يكون على يمينك أو يسارك،لا تحتك أو فوقك.

الإحرام قبل الميقات:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:الإحرام من المواقيت التي وقتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا ينبغي لحاج و لا معتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها.

و قال:من أحرم بالحج في غير أشهر الحاج فلا حج له،و من أحرم دون الميقات فلا إحرام له.و في بعض الروايات من أحرم قبل الميقات كان كمن صلى صلاة العصر ستا.

الفقهاء:

اتفقوا على أنّه لا يجوز الإحرام قبل الميقات إلاّ في صورتين:

1-أن يريد العمرة المفردة لرجب،و لكنه يخاف ان أخر الإحرام إلى الميقات أن ينتهي رجب،و يدخل شعبان،فيجوز له،و الحال هذه،أن يحرم قبل

ص:161

الميقات،و ينوي عمرة رجب ما بقي منه يوم أو بعض يوم،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن الرجل يجيء معتمرا،ينوي عمرة رجب،فيدخل عليه هلال شعبان قبل أن يبلغ الميقات،أ يحرم قبله،و يجعلها لرجب،أو يؤخر و يجعلها لشعبان؟قال:

يحرم قبل الميقات،و تكون العمرة لرجب،و له فضله،و هو الذي نوى.

2-ان ينذر الإحرام قبل الميقات،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل جعل للّه شكرا ان يحرم من الكوفة؟فقال:فليحرم من الكوفة،و ليف للّه بما قال.

و بديهة أن تخصيص المورد لا يخص الوارد،أي لا خصوصية للكوفة بالذات.

الإحرام بعد الميقات:

اشارة

قدمنا أن كل من حجّ أو اعتمر على ميقات يلزمه الإحرام منه،سواء أ كان من أهله،أم من غير أهله،و لكنه مر به صدفة،أو لضرورة،فإذا تعداه دون أن يحرم عامدا قال صاحب الجواهر:«لم يصح إحرامه،حتى يعود إلى الميقات و يحرم منه،و لو افترض أن تعذر عليه الرجوع و الإحرام من الميقات بعد أن تركه عمدا لم يصح إحرامه وفاقا للمشهور،بل ربما يفهم من غير واحد عدم الخلاف فيه بيننا مؤاخذة له بسوء فعله».

و إذا كان قد ترك الإحرام من الميقات ناسيا أو جاهلا،و أمكن الرجوع إليه، و الإحرام منه وجب،و إلاّ فمن الميقات الذي أمامه إن أمكن،و إلاّ فالقدر الممكن من مكة أو خارجها مقدما الثاني على الأول،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل مر على الميقات الذي يحرم الناس منه،فنسي أو جهل،فلم يحرم،حتى أتى مكة، فخاف ان رجع إلى المواقيت ان يفوته الحج؟قال:يخرج من الحرم،و يحرم، و يجزيه ذلك.

ص:162

و سئل عن رجل نسي أن يحرم،حتى دخل الحرم؟قال:يخرج إلى ميقات أهل أرضه،فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه،فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج.

و لو نسي الإحرام كلية،و لم يذكر،حتى أكمل مناسكه فهل يجزيه الحج، أو يجب عليه القضاء؟

الجواب:

قال صاحب الجواهر:«بل يجزيه على المشهور شهرة عظيمة،و هو مروي في مرسل جميل».

ص:163

ص:164

الإحرام

اشارة

للحج أفعال،منها واجبة،و منها مستحبة،و الواجبة اثنا عشر:الإحرام، و الوقوف بعرفات،و الوقوف بالمشعر،و النزول في منى،و رمي الجمار،و الذبح، و الحلق أو التقصير،و طواف الحج و ركعتاه،و طواف النساء و ركعتاه.و بعض هذه الواجبات ركن،و بعضها غير ركن،و يعرف ذلك من التفصيل الآتي،و نبدأ بالإحرام.

تعريف الإحرام:

اختلف الفقهاء في تعريف الإحرام،فقال قائل:انه مجرد النية فقط،و قال آخر:هو النية و التلبية،و ذهب ثالث إلى أنه النية و التلبية و لبس ثوبي الإحرام، و الذي ليس فيه شك أنه يتحقق بوجود هذه الثلاث،و انه ينتفي بانتفاء النية،لأن الأعمال بالنيات-كما جاء في الحديث-أما انتفاء الإحرام بانتفاء التلبية فقط،أو لبس الثوبين فقط،أو هما معا مع وجود النية،و توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة،أما هذا فسنشير إليه في الفقرة الثانية (1)،ثم أن للإحرام مستحبات،

ص:165


1- قال السيد الخوئي في مناسك الحج:«معنى الإحرام ان يلبي بقصد أداء فريضة حج التمتع،و التلبية شروع في الإحرام،و بدونها لا يكون إحرام،كما أن التكبيرة شروع في الصلاة،و بدونها لا تكون صلاة».و على هذا ينتفي الإحرام بانتفاء التلبية أيضا تماما كالنية،و لا ينتفي بانتفاء لبس الثوبين،و في الجواهر [1]الإجماع على أن الإحرام لا يتحقق بدون التلبية.

و واجبات،مع العلم بأن حقيقته واحدة،سواء أ كان جزءا من العمرة المفردة،أو من الحج بشتى أنواعه.

مستحبات الإحرام:

يستحب لمن يريد الإحرام ان ينظف جسده،و يزيل الشعر عنه،و ان يقلم أظافره،و يأخذ من شاربه،و ان يغتسل،حتى و لو كانت امرأة في الحيض أو النفاس،لأن الغرض هو النظافة،و ان يوفر شعر رأسه من أول ذي القعدة إذا أراد حج التمتع،و إذا اغتسل،ثم أكل أو لبس ما لا يحل للمحرم أكله و لبسه،أعاد الغسل استحبابا،و في كل ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السّلام.

و ايضا روي عنهم أنه يستحب أن يكون الإحرام بعد صلاة الظهر،أو آية فريضة غيرها،و ان لم يصادف ذلك استحب ان يصلي ست ركعات للإحرام يأتي بها ركعتين ركعتين كصلاة الصبح،أو يصلي أربعا،أو اثنتين على الأقل.

و أيضا يستحب للمحرم أن يشترط على ربه عند عقد الإحرام،كأن يقول:

«اللهم اني أريد ما أمرتني به،فإن منعني مانع من إتمامه،و حبسني عنه حابس، فاجعلني في حل».

واجبات الإحرام

اشارة

واجبات الإحرام ثلاثة:

1-النية
اشارة

،قال رجل للإمام عليه السّلام:اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج،كيف

ص:166

أقول؟قال:تقول:اللهم اني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك،و سنة نبيك،و ان شئت أضمرت الذي تريد.

و سئل عن رجل يحج حجة التمتع،كيف يصنع؟قال:ينوي العمرة، و يحرم بالحج.

و سبق أكثر من مرة أنّه لا عبادة بلا نية القربة،و ان معناها الداعي و الباعث على العمل للّه وحده،و حيث ان الإحرام قد يكون لعمرة مفردة،و للعمرة التي هي جزء من حج التمتع،أو لحج التمتع،أو الافراد،أو القران فلا بد-اذن-من تعيين المأتي به،و ان الإحرام لهذه الغاية دون غيرها.أجل،لا تجب نية الوجه من الوجوب و الاستحباب،بل التقرب إلى اللّه،و كفى،كما لا يجب التلفظ بالنية، و هذا معنى قول الإمام عليه السّلام:«و ان شئت أضمرت».

و تسأل:تقدم ان النائي عن مكة فرضه التمتع،و ان التمتع يتألف من العمرة،و الحج،و ان لا بد لكل منهما من إحرام،و ان إحرام العمرة يكون من الميقات،و إحرام الحج من مكة،فهل يصح للمتمتع ان ينوي بإحرام واحد العمرة و الحج معا؟

الجواب:

حيث ان لكل من الحج و العمرة إحراما مستقلا،فإذا نوى بإحرام واحد الحج و العمرة للحج معا فقد نوى ما لم يشرع،و عليه يقع الإحرام باطلا،قال صاحب الجواهر:«ان الحج و العمرة لا يقعان بنية واحدة،و في إحرام واحد،بل عن الشيخ الإجماع على عدم جواز القران بينهما بإحرام واحد».

2-التلبيات الأربع

،قال الإمام الصادق عليه السّلام:التلبية هي«لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك،ان الحمد و النعمة لك و الملك،لا شريك لك».

ص:167

و قال:ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لبى بالأربع.

لا بد من الإشارة إلى ان التلبية لا بد منها في حج التمتع،و العمرة له، و العمرة المفردة،و حج الافراد،بحيث لا ينعقد الإحرام في واحد من هذه الأمور إلاّ بالتلبية إجماعا محصلا و منقولا بشهادة صاحب الجواهر،فإذا نوى الإحرام، و لبس ثوبيه،و لم يلب،ثم أتى بما نهي عنه المحرم فلا شيء عليه،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد الإحرام،و لم يلب؟قال:ليس عليه شيء.

اما الإحرام لحج القران فيتخير القارن بين التلبية،و بين الإشعار أو التقليد، و الإشعار مختص بالإبل،و التقليد مشترك بينها و بين غيرها من أنواع الهدي، و معنى الإشعار أن يشق الجانب الأيمن من سنام الناقة،و معنى التقليد أن يجعل في عنق الهدي نعلا بالية،ليعرف بها أنه هدي.قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور،و فيه روايات مستفيضة،منها قول الإمام الصادق عليه السّلام:يوجب الإحرام ثلاثة أشياء:التلبية،و الاشعار،و التقليد،فإذا فعل شيئا من هذه الثلاث فقد أحرم».

و يبتدئ بالتلبية عند الإحرام،و يستحب الاستمرار بها إلى رمي جمرة العقبة،و يقطعها إذا شاهد بيوت مكة،و أيضا يستحب الجهر بها لغير المرأة إلاّ في مسجد الجماعات.

3-لبس ثوبي الإحرام للرجل يأتزر بأحدهما،و يرتدي بالآخر
اشارة

،قال الإمام عليه السّلام:إذا انتهيت إلى ميقات من هذه المواقيت،و أنت تريد الإحرام فاغتسل،و البس ثوبيك،و في رواية أخرى تفيض عليك الماء،و تلبس ثوبيك ان شاء اللّه.

اتفق الفقهاء على أن المحرم يجب عليه أن يلبس إزارا،و رداء،و الإزار هو

ص:168

ما يستتر به من سرته إلى ركبتيه-أي الوزرة-و الرداء هو ما يكون على الظهر و الصدر و الكتفين،و يجوز للمحرم ان يلبس أكثر من ثوبين على شريطة ان لا يكون مخيطا،كما يجوز له ان يبدل ثياب الإحرام،و لكن الأفضل أن يطوف بالثوبين اللذين أحرم بهما.

و اشترطوا في لباس المحرم كل ما اشترطوه في لباس المصلي من الطهارة، و عدم كونه حريرا للرجال،أو جلدا مما لا يؤكل لحمه،بل قال جماعة من الفقهاء:لا يجوز أن يكون من نوع الجلد إطلاقا.

و أيضا اتفقوا على أن المحرم لا يجوز له أن يلبس قميصا و لا سراويل،و لا ثوبا يزرره،و لا أن يغطي رأسه و وجهه،أما المرأة فتغطي رأسها،و تكشف وجهها إلاّ إذا خافت ان ينظر الرجال إليها بريبة،و ليس لها أن تلبس القفاز،أي الكفوف، و لها أن تلبس الحرير و الخفين.

و تسأل:هل لبس ثوبي الإحرام شرط لصحة الإحرام،بمعنى انه لو أحرم عاريا،أو لابسا مخيطا لم ينعقد الإحرام من الأساس،أو انه ينعقد،و لكن يأثم تارك الثوبين،و يستحق العقاب؟

الجواب:

ان الإحرام يتحقق بدون لبس الثوبين،و يدل على ذلك قول الإمام الصادق عليه السّلام:«يوجب الإحرام ثلاثة أشياء:التلبية،و الاشعار،و التقليد،فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم».فإن تحقق الإحرام بهذه الثلاثة ظاهر في أن لبس الثوبين ليس شرطا و لا جزءا من الإحرام،و الا وجب ذكره و بيانه.

ص:169

مكروهات الإحرام:

يكره للمحرم أمور،منها أن يحرم في غير الثياب البيض،و ان يكون ثوب الإحرام قذرا،و ان يروي الشعر،و ان يخضب بالحناء،و ان يشم الرياحين.

ص:170

تروك الإحرام

اشارة

يجب على المحرم ان يترك الأشياء التالية:

صيد البر:
اشارة

قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ (1).

و قال أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً (2).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا تستحلّن شيئا من الصيد،و أنت حرام،و لا أنت حلال في الحرم،و لا تدلن عليه محلا و لا محرما،فيصطاده،و لا تشر إليه، فيستحل من أجلك،فإن فيه فداء لمن تعمده.

الفقهاء:

اتفقوا على أن صيد البحر حلال للمحرم،و ان صيد البر حرام اصطيادا، و أكلا،و اشارة،و دلالة،و ذبحا.

ص:171


1- المائدة:95. [1]
2- المائدة:96. [2]

و إذا ذبح المحرم الصيد كان ميتة لا يحل أكله،قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله المحل و المحرم،و هو كالميتة.

و يجوز للمحرم أن يقتل المؤذيات،كالحية و العقرب،و الفأرة و الذئب، و الكلب العقور،و كل ما يخاف منه على نفسه،و لا فدية عليه.قال الإمام الصادق عليه السّلام:يقتل المحرم كلما خشيه على نفسه.قال:يقتل الأسود-أي الحيوانات و الطيور الكاسرة-و يقتل الأفعى و الفأرة و العقرب،و كل حية،و ان أرادك السبع فاقتله،و ان لم يردك فلا تقتله،و الكلب العقور إذا أرادك فاقتله.

كفارة الصيد:

قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً (1).

قال صاحب مجمع البيان:المراد بالصيد صيد البر مأكولا كان أو غير مأكول عند أصحابنا،و المراد بالمماثلة في قوله تعالى مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ المماثلة في الخلقة،ففي النعامة بدنة،و في حمار الوحش و شبهه بقرة،و في الظبي و الأرنب شاة،و هو المروي عن أهل البيت عليهم السّلام،و معنى قوله يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ان ينظر عدلان عارفان من أهل دينكم و ملتكم،و يقارنا بين الصيد و بين أشبه الأشياء به من النعم فيحكما به،فيذبحه و يتصدق به،و معنى قوله:

هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ عند أصحابنا ان يذبح المحرم الحيوان الأهلي المماثل بمكة قبالة الكعبة ان كان محرما بالعمرة،و ان كان محرما للحج ذبحه بمنى.و معنى

ص:172


1- المائدة:95. [1]

قوله أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أن يقوّم المماثل بدراهم،و يشتري بها طعاما،ثم يتصدق به على المساكين،لكل مسكين مدّان،أو يصوم عن كل مدّين يوما،و هذا معنى أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً و هو المروي عن أهل البيت عليهم السّلام.

و الخلاصة ان الفقهاء قالوا:من اصطاد شيئا فعليه ان يفدي بمثله من النعم الأهلية،و مع العجز يقوّمه و يشتري بالثمن طعاما،يتصدق به على المساكين، لكل واحد منهم مدّان،و لا يلزمه ما زاد على ستين مسكينا،و مع العجز يصوم عن كل مدّين يوما،و مع العجز يصوم ثمانية عشر يوما.

و قد أطال الفقهاء الكلام في الصيد و كفارته،و ابتدأوا من صيد النعامة التي تشبه الناقة إلى صيد الجرادة،و فرعوا فروعا،و افترضوا صورا شتى.و من أراد التفصيل و التطويل فليرجع إلى الجواهر و الحدائق (1).و قد اكتفينا نحن بهذه الإشارة،لعدم الجدوى من الإطناب،فإن من يذهب إلى الحرمين الشريفين يذهب ناسكا زاهدا،لا متنزها صائدا.

القمل:

قال بعض الفقهاء:لا يجوز للمحرم قتل هوام الجسد،كالقمل و القراد،و يجوز نقله،و قال آخر:يجوز قتل البق و البرغوث،ليدفعه عن نفسه.أما نحن فلا نشك أبدا في جواز ازالة كل مؤذ،و ان توقف ذلك على قتله جاز،جاء رجل إلى الإمام الصادق عليه السّلام و سأله عن محرم قتل زنبورا؟قال الإمام:ان كان خطأ فليس عليه شيء.قال السائل:بل متعمدا.قال الإمام:يطعم شيئا من طعام،قال السائل:انه

ص:173


1- و قد أطال صاحب الحدائق في كفارة الصيد و توابعها اطالة تستغرق مائة صفحة من صفحات هذا الكتاب.

أرادني.قال الإمام:ان أرادك فاقتله.

الزواج:
اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام المحرم لا يتزوج،و لا يزوج فان نكاحه باطل.

و قال:إذا تزوج المحرم،و هو يعلم أنه حرام لم تحل له أبدا.

و قال:المحرم لا ينكح،و لا ينكح،و لا يخطب و لا يشهد النكاح،و ان نكح فنكاحه باطل.

الفقهاء:

قالوا:لا يجوز للمحرم ان يعقد الزواج لنفسه،و لا لغيره،و لا أن يوكل فيه، و لو فعل شيئا من ذلك لم ينعقد الزواج،و كذا لا يجوز له أن يشهد عليه.و إذا أجرى العقد،و هو عالم بالتحريم حرمت عليه المرأة أبدا بمجرد العقد،حتى و لو لم يدخل،أما إذا كان جاهلا بالتحريم فلا تحرم عليه،حتى و لو دخل.و يجوز للمحرم أن يطلّق لقول الإمام عليه السّلام:المحرم يطلّق،و لا يتزوج.

الجماع و الاستمتاع:
اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل محرم وقع على أهله؟فقال:ان كان جاهلا فليس عليه شيء،و ان لم يكن جاهلا فان عليه أن يسوق بدنة،و يفرق بينهما،حتى يقضيا المناسك،و يرجعا إلى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا، و عليهما الحج من قابل.

و سئل عن الرجل يعبث بامرأته حتى يمني،و هو محرم من غير جماع،أو

ص:174

يفعل ذلك في شهر رمضان؟فقال:عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع.

و قال:من قبل امرأته على غير شهوة،و هو محرم فعليه دم شاة،و من قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور،و يستغفر ربه.

الفقهاء:

اتفقوا على أنه لا يجوز للمحرم أن يجامع زوجته،أو يستمتع بها بشتى أنواع الاستمتاع،و إذا جامع فسد حجه،و لكن عليه المضي في حجه و إتمامه،ثم القضاء في العام القادم،على أن يفرق بين الزوجين وجوبا في حج القضاء من المكان الذي أحدثا فيه ما أحدثا،قال العلامة في التذكرة:و معنى التفريق أن لا يخلوا بأنفسهما،و متى اجتمعا كان معهما ثالث محرم،لأن وجوده يمنع من الاقدام على المواقعة.

و إذا كانت المرأة مطاوعة فسد حجها،و عليها أن تكفّر ببدنة،و أن تقضي في العام القادم،و ان تكن مكرهة فلا شيء عليها،و على الزوج أن يكفر ببدنتين:

إحداهما عنه،و الثانية عنها،و ان كانت محلة،و هو محرم،فلا تسأل عن شيء، و لا تجب عليها الكفارة،و لا على الرجل بسببها.

و لو قبّل زوجته بشهوة كفّر بجزور،و بدون شهوة بشاة،و لو نظر إلى أجنبية فأمنى لم يفسد حجه،و عليه بدنة،ان كان موسرا،و بقرة ان كان متوسطا،و شاة ان كان معسرا.قال صاحب الحدائق:«هذا هو المشهور لرواية أبي بصير عن الإمام الصادق قال:قلت له:رجل محرم نظر إلى ساق امرأة،فأمنى.قال:ان كان موسرا فعليه بدنة،و ان كان وسطا فعليه بقرة،و ان كان فقيرا فعليه شاة.

ص:175

الطيب:
اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا يمس المحرم شيئا من الطيب،و لا الريحان،و لا يتلذذ به.و من أكل زعفرانا متعمدا،أو طعاما فيه طيب فعليه دم،و ان كان ناسيا فلا شيء عليه،و يتوب إلى اللّه.

و قال أبوه الإمام الباقر عليهما السّلام:من نتف إبطه-أي المحرم-أو قلّم ظفره،أو حلق رأسه،أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه،أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله،و هو محرم،ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شيء،و من فعله متعمدا فعليه دم شاة.

و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن خلوق الكعبة-نوع من الطيب-يصيب ثوب المحرم؟قال:لا بأس به.

الفقهاء:

اتفقوا على أن المحرم رجلا كان أو امرأة،يحرم عليه الطيب شما،و تطيبا، و أكلا،و ان المحرم إذا مات لا يجوز تغسيله،و لا تحنيطه بالكافور،و لا بغيره من أنواع الطيب،و إذا تطيب المحرم أو أكل الطيب ناسيا أو جاهلا فلا كفارة عليه، و كذا إذا اضطر إلى استعماله لمرض.و إذا استعمله عامدا فعليه شاة،سواء استعمله أكلا أو صبغا أو شما،و لا بأس بخلوق الكعبة،و أكل الفاكهة،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن التفاح و الأترج؟قال:يمسك عن شمه،و يأكله.

الاكتحال:
اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا بأس ان يكتحل،و هو محرم بما لم يكن فيه

ص:176

طيب يوجد ريحه،فأما للزينة فلا.

و قال عليه السّلام:لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود إلاّ من علة.

الفقهاء:

أجمعوا بشهادة العلامة الحلي على أنه لا يجوز الاكتحال بالسواد،و لا بكحل فيه طيب،سواء أ كان المحرم رجلا أو امرأة،و يجوز فيما عدا ذلك.

الحناء:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الحناء للمحرم؟قال:ما هو بطيب،و ما به بأس.و قال صاحب اللمعة:المشهور أن الخضاب مكروه،و ليس بمحرم.

الأظافر و الشعر:
اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل قلّم ظفرا من أظافره،و هو محرم؟قال:

عليه مد من طعام،حتى يبلغ عشر أظافر،فإن قلّم أصابع يديه كلها فعليه دم شاة.

قال السائل:فإن قلّم اظافر يديه و رجليه جميعا؟قال:إذا فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم شاة،و ان كان فعله متفرقا في مجلسين فعليه دمان.

و قال:من قلّم ظفره،أو حلق رأسه متعمدا فعليه دم شاة.

و قال:مر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بكعب بن عجرة الأنصاري،و القمل يتناثر من رأسه،فقال له:أ تؤذيك هوامك؟قال:نعم،فأنزل اللّه سبحانه فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ 1.فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يحلق رأسه،و جعل عليه كفارة مخيرا بين صيام ثلاثة أيام،أو إطعام ستة مساكين،لكل مسكين مدّان-المد 800 غرام-أو ذبح شاة،و هو معنى النسك في الآية الكريمة.

ص:177

و قال:مر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بكعب بن عجرة الأنصاري،و القمل يتناثر من رأسه،فقال له:أ تؤذيك هوامك؟قال:نعم،فأنزل اللّه سبحانه فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (1).فأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يحلق رأسه،و جعل عليه كفارة مخيرا بين صيام ثلاثة أيام،أو إطعام ستة مساكين،لكل مسكين مدّان-المد 800 غرام-أو ذبح شاة،و هو معنى النسك في الآية الكريمة.

الفقهاء:

قالوا ليس للمحرم أن يقص أظافره،و لا يزيل شعره من رأسه،و سائر بدنه بحلق أو نتف أو غيرهما،و ان فعل شيئا من ذلك جهلا أو نسيانا فلا شيء عليه، لقول الإمام الباقر عليه السّلام:«من حلق رأسه،أو نتف إبطه ناسيا أو جاهلا فلا شيء عليه».

و من أزال شعره متعمدا،و لو لأذى فيه فعليه كفارة،و هي شاة،أو إطعام ستة مساكين-و قيل عشرة-أو صيام ثلاثة أيام.

و في تقليم كل ظفر مد من طعام،و ان قلّم يديه و رجليه في مجلس فعليه شاة،و ان تعدد المجلس فشاتان.

الشجرة و الحشيش:
اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:كل شيء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلاّ ما أنبته أنت،أو غرسته.

و سئل عن المحرم ينزع الحشيش من الحرم؟قال:لا.

ص:


1- البقرة:196. [1]
الفقهاء:

قالوا:لا يجوز للمحرم أن يقطع أو يقلع شجر الحرم و الحشيش مما أنبته اللّه دون توسط آدمي،حتى و لو كان شوكا إلاّ نوعا يسمى الإذخر،و يجوز قطع و قلع ما أنبته الآدمي،و لا شيء فيه،و لا كفارة في قلع الحشيش الذي أنبته اللّه، و لكن فاعله آثم و معاقب.

أما كفارة قلع الشجرة النابة بدون توسط آدمي ففي الكبيرة منها بقرة،و لو كان الفاعل غير محرم،و في الصغيرة شاة،و في أبعاضها قيمته،هذا هو المشهور بين المتأخرين بشهادة صاحب الحدائق.

النظر في المرآة:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا تنظر في المرآة،و أنت محرم،فإنه من الزينة.

متفق عليه،و لا بأس بالنظر في الماء.

الحجامة:

اتفقوا على جواز الحجامة عند الحاجة و الضرورة،و اختلفوا مع عدمها، فمنهم من منع،لرواية عن الإمام عليه السّلام تقول:لا يحتجم المحرم إلاّ أن يخاف على نفسه،و منهم من منع،لرواية ثانية تقول:لا بأس ان يحتجم المحرم ما لم يحلق، أو يقطع الشعر.

و نختار نحن الجواز على كراهية جمعا بين الروايتين بحمل التي نفت البأس على مجرد الإباحة،و جواز الفعل،و حمل التي نهت عن الحجامة على الكراهية،دون التحريم،و هذا الجمع لا يحتاج إلى رواية ثالثة تدل على الكراهية

ص:179

صراحة،لأنه معروف و مألوف كثيرا في الاستعمال عند العرف و الشرع.و على افتراض التحريم،فلا كفارة عليه،بل الإثم،و كفى.

الاستظلال و تغطية الرأس:
اشارة

قال رجل للإمام عليه السّلام:أظلل،و أنا محرم؟قال:لا.قال الرجل:أظلل، و أكفّر.قال الإمام:لا.قال الرجل:فان مرضت؟قال الإمام:ظلل و كفر.

و سئل الإمام عليه السّلام عن المحرم،يظلل على نفسه؟فقال:أمن علة؟قيل:

يؤذيه حر الشمس،و هو محرم.فقال:هي علة،يظلل و يفدي.

و سئل الإمام الباقر أبو الإمام الصادق عليهما السّلام عن الرجل المحرم يريد أن ينام أ يغطي وجهه من الذباب؟قال:نعم،و لا يخمر رأسه.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم.

و سئل عن المحرم يغطي رأسه ناسيا؟قال:يلقي القناع،و يلبي،و لا شيء عليه.

الفقهاء:

قالوا:لا يجوز للرجل المحرم أن يستظل حال السير،و يحرم عليه الركوب فيما يوجب ذلك،كالطائرة،و السيارة،ان كان لها سقف،أما إذا كان ماشيا فيجوز له أن يمر تحت الظل عابرا،و له ان يستظل بالسقف و الحائط و الشجرة و الخيمة حال الاستقرار،و عدم السير،أما المرأة فلها ان تستظل إطلاقا،و لو كانت سائرة.

و أيضا لا يجوز للمحرم ان يرتمس في الماء،بحيث يعلو فوق رأسه،و له أن يفيض عليه الماء،و إذا استظل أو غطى رأسه،أو ارتمس نسيانا فلا شيء.

و إذا اضطر الى الظل جاز له،و عليه أن يفدي دم شاة،فقد سئل الإمام عليه السّلام

ص:180

عن فداء الظل؟فقال:شاة.

الضرس:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن المحرم يؤذيه ضرسه،أ يقلعه؟قال:نعم.

المخيط و الخف:
اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا تلبس ثوبا له أزرار،و أنت محرم إلاّ ان تنكسه، و لا ثوبا تدرعه،و لا سراويل إلاّ أن لا يكون إزارا،و لا خفين إلاّ أن لا يكون نعل.

الفقهاء:

قال صاحب الحدائق:«لا شيء من الروايات يدل على تحريم لبس المخيط،و لا تعرض له بالكلية،و انما دلت على النهي عن أثواب مخصوصة، و بذلك اعترف الشهيد الأول في الدروس،حيث قال:لم أقف إلى الآن على رواية بتحريم عين المخيط،و انما نهي عن القميص و القباء و السراويل،و يعضده ما عن شيخ المفيد في المقنعة من أنه لم يذكر إلاّ المنع عن أشياء معينة،و لم يتعرض لذكر المخيط».

و الذي ليس فيه شك أن الإجماع قائم و متحقق على أن الرجل المحرم ممنوع من لبس المخيط و المحيط أيضا،كالعمامة و الطربوش و القلنسوة،و ان المرأة يجوز لها ذلك إلاّ القفاز و ثوبا مسه طيب،قال صاحب الجواهر:«لبس المخيط حرام على المحرم،فلو لبسه عالما عامدا مختارا كان عليه دم شاة،و لو اضطر إلى لبسه يتقي به الحر أو البرد جاز،و عليه دم شاة بلا خلاف أجده،بل

ص:181

الإجماع على ذلك بقسميه-أي المحصل و المنقول-و هو الحجة».

و رغم احتمالنا بأن سبب الإجماع هو الاحتياط،أو فهم المجمعين من القميص و القباء و السراويل مطلق المخيط،على الرغم من ذلك فنحن لا نجرأ هنا على مخالفة الإجماع،و السيرة المستمرة منذ أقدم العصور.و على هذا إذا لبس الرجل المحرم المخيط ضحى بشاة،حتى و لو كان ذلك لضرورة و اتقاء للحر أو البرد،و إذا لبسه ناسيا أو جاهلا فلا شيء.

و لا يجوز للمحرم أن يلبس الخفين إلاّ إذا لم يجد نعلا،فيلبسهما بعد أن يقطع أسفل الكعبين (1).

الخاتم:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن المحرم،أ يلبس الخاتم؟قال:لا يلبسه للزينة.

قال الفقهاء:يحرم على المحرم لبس الخاتم مع قصد الزينة،و ان قصد به السنة النبوية فلا بأس،كما أنه لا يجوز للمرأة لبس الحلي للزينة.

السلاح:

قال صاحب الحدائق:«ذهب المشهور إلى تحريم لبس السلاح للمحرم إلاّ لضرورة،و يدل عليه قول الإمام الصادق عليه السّلام:ان المحرم إذا خاف العدو فلبس السلاح فلا كفارة عليه.و دلالة هذه الرواية و غيرها على التحريم،و ان كان

ص:182


1- النعل له أسفل،و ليس له كعب و جوانب،و لا ما يستر ظهر القدم،و الخف حذاء تام في كعبة و جوانبه،و يسمى كندرة أو صباط،و ما إلى ذلك.

بالمفهوم إلاّ أنه مفهوم الشرط،و هو حجة عند محققي الأصول».

و الكلام عن حمل السلاح دفاعا عن النفس،تماما كالكلام عن الاحتشاش لعلف الناقة مما لا مجال للحديث عنهما في هذا العصر،عصر السرعة و الأمان.

الفسوق و الجدال:
اشارة

قال تعالى فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى وَ اتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ (1).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه،و ذكر اللّه كثيرا، و قلة الكلام إلاّ بخير،فإن من تمام الحج و العمرة أن يحفظ المرء لسانه إلاّ من خير،كما قال تعالى فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ (2)،و الرفث الجماع،و الفسوق الكذب و السباب،و الجدال قول الرجل:

لا و اللّه،و بلى و اللّه.

الفقهاء:

اتفقوا على تحريم الجدال في الحج،و ان المحرمات و المعاصي تتأكد في حق المحرم أكثر من سواه.و ذهب المشهور بشهادة صاحب الحدائق و الجواهر إلى أن المحرم إذا كذب مرة فعليه شاة،و مرتين فبقرة،و ثلاثا فبدنة،و إذا حلف صادقا فلا شيء عليه إلاّ إذا تكرر الحلف ثلاث مرات فعليه شاة.

و قد تتبعت روايات أهل البيت عليهم السّلام في الوسائل و غيرها فلم أجد هذا

ص:183


1- البقرة:197. [1]
2- البقرة:197. [2]

التفصيل في رواية واحدة،و ان أمكن استخراجه من العديد من الروايات،حيث جاء في بعضها:«الذي يجادل،و هو صادق،عليه شاة،و الكاذب عليه بقرة».و في رواية ثانية:«إذا حلف ثلاث ايمان متتابعات صادقا فقد جادل،و عليه دم شاة، و إذا حلف بيمين واحدة كاذبا فقد جادل،و عليه دم».و في الثالثة:«إذا جادل مرتين فعلى المصيب دم يهريقه شاة،و على المخطئ بقرة».

و مهما يكن،فان طريقتنا في هذا الكتاب ان نعرض رأي المشهور،مع الإشارة إلى دليله،و قد نقلنا ما ذهب إليه المشهور عن صاحب الجواهر و الحدائق و أشرنا إلى الآية الكريمة،و بعض الروايات.

مسائل:
1-قال صاحب الجواهر:إذا اجتمعت أسباب الكفارة،و اختلفت في

حقيقتها،كالصيد،و اللبس

،و تقليم الأظافر،و الطيب،وجب تعدد الكفارة بتعدد السبب بلا خلاف و لا إشكال،لقاعدة تعدد المسببات بتعدد أسبابها،سواء أفعل ذلك في وقت واحد،أو في أكثر،و سواء أ كان قد كفّر عن الأول،أم لم يكفّر، لوجود المقتضي،و انتفاء المسقط.

2-إذا تكرر السبب الواحد،دون ان تختلف حقيقته

،كما لو وطأ،أو اصطاد،أو تطيب أكثر من مرة لم يتداخل،و وجب لكل مرة كفارة.قال صاحب الجواهر:هذا هو المشهور بين الفقهاء قديما و حديثا،بل عن المرتضى و ابن زهرة الإجماع عليه.

3-كل محرم لبس أو أكل عالما عامدا ما لا يحل له أكله أو لبسه

،و لم يكن له مقدر شرعي بخصوصه كأكل النعامة كان عليه دم شاة.قال صاحب الجواهر:لا

ص:184

أجد في ذلك خلافا،لقول الإمام الباقر عليه السّلام:من نتف إبطه،أو قلّم ظفره،أو حلق رأسه،أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه،أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله،و هو محرم، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شيء،و من فعله متعمدا فعليه دم شاة.

4-قال صاحب الجواهر:تسقط الكفارة عن الناسي و الجاهل و المجنون

إلاّ في الصيد

فإن الكفارة لازمة على كل حال،و لو كان سهوا،أو جهلا على المشهور،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه.

و قوله:ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلاّ الصيد،فإن عليك فيه الفداء بجهل كان، أو بعمد.

5-يجوز للمحرم أن يلبس الهميان-الكمر-يشده على وسطه

،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن المحرم يشد الهميان في وسطه؟قال:لا بأس.أو ليس هي نفقتك،و عليها بعد اللّه عز و جل اعتمادك؟

حدود الحرمين:

لا فرق في تحريم الصيد،و قطع الشجر بين حرم مكة،و حرم المدينة، و لكل من الحرمين الشريفين حدود،و حد الحرم المكي من جهة الشمال مكان يدعى«التنعيم»و بينه و بين مكة 6 كيلو مترات،و من جهة الجنوب«اضاه»و بينه و بين مكة 12 كيلو مترا،و من جهة الشرق«الجعرانة»و بينها و بين مكة 16 كيلو مترا،و من جهة الغرب«الشميسى»و بينه و بين مكة 15 كيلو مترا.

و قد نصبت على هذه الحدود أعلام،و هي أحجار مرتفعة قدر متر.

أما حد الحرم النبوي الشريف فقدره 12 ميلا،يمتد من عير إلى ثور،و عير جبل عند الميقات،و ثور جبل عند أحد.

ص:185

ص:186

الطواف

الطواف واحد في جميع المناسك:

ان المناسك التي تؤدي عند بيت الحرام هي أعمال منظمة مرتبة،و على الناسك أن يأتي بها على وجهها و أصولها المقررة في كتاب اللّه،و سنة نبيه،و سبق ان من هذه المناسك ما يسمى عمرة مفردة،و منها حج تمتع،و منها حج افراد، و منها حج قران-انظر فصل أصناف الحج-و رغم اختلاف الأسماء فإن الأعمال واحدة،و قد تختلف يسيرا بزيادة جزء أو شرط،كالأضحية فإنها واجبة في القران و التمتع دون الإفراد،أو تختلف في تقديم فعل على فعل،كالعمرة،حيث يجب تقديمها في التمتع،و تأخيرها في غيره.فالعمرة المفردة و الحج بأنواعه الثلاثة يشتركان جميعا في وجوب الإحرام و الطواف و ركعتيه،و السعي و الحلق أو التقصير،و حقيقتها واحدة في الجميع بلا تفاوت،و يفترق الحج بأنواعه في أنه يجب به الوقوف بعرفات،و بالمشعر،و النزول بمنى و الرمي و الذبح،و لا يجب شيء من ذلك في العمرة المفردة.

و قد عقدنا لكل واحد من هذه الأفعال فصلا مستقلا،و الناسك مهما كانت وظيفته يستطيع الاستفادة منها،معتمرا كان،أو مفردا،أو قارنا،لأن المفروض ان حقيقتها واحدة في الجميع،سواء أ كانت جزءا من العمرة،أو الحج بشتى أنواعه.

ص:187

و الإحرام هو العمل الأول الذي يجب ان يبتدئ به الناسك،مهما كانت وظيفته، أما العمل الثاني الذي يلي الإحرام فيختلف باختلاف قصد الناسك،فان كان قد أحرم للعمرة ثنى بالطواف،سواء أ كان مريدا لعمرة مفردة،أو لعمرة التمتع،و ان أراد بإحرامه الحج فقط ثنى بالوقوف في عرفات،و نحن نعقد لكل فعل فصلا مستقلا على ترتيب من يريد أن يؤدي حج التمتع الذي هو وظيفة النائي عن مكة، و العمل الثاني لهذا الحاج هو الطواف،و لذا عقدنا له هذا الفصل بعد الإحرام مباشرة.

عدد الأطوفة:

على من يحج حج التمتع ثلاثة أطوفة:الأول للعمرة،و هو ركن منها، و الثاني للحج،ركن منه،و الثالث للنساء،و هو جزء واجب،و ليس بركن،أما المفرد و القارن فعلى كل منهما طوافان،واحد للحج،و آخر طواف النساء.قال الإمام الصادق عليه السّلام:المتمتع عليه ثلاثة أطواف بالبيت.و المفرد للحج عليه طواف بالبيت،و طواف النساء،و ليس عليه هدي،و لا أضحية.و تقدم ان القارن كالمفرد تماما إلاّ في وجوب الهدي.

الطواف راجح بذاته:

قال تعالى في الآية 26 من سورة الحج وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ ،و الآية 29 وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ .

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:يستحب ان يطوف ثلاثمائة و ستين أسبوعا-أي مرة،كل مرة سبعة أشواط-على عدد أيام السنة،فإن لم تستطع فثلاثمائة و ستين

ص:188

شوطا،فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف.

و لهذه الرواية،و كثير غيرها أجمع الفقهاء على استحباب الطواف بالبيت و رجحانه بذاته مستقلا عن أي نسك.

عند دخول مكة المكرمة:

اشارة

قال ابان:كنت مع الإمام الصادق عليه السّلام،فلما انتهى إلى الحرم نزل، و اغتسل،و أخذ نعليه بيديه،ثم دخل الحرم حافيا.و قال الإمام عليه السّلام:إذا دخلت الحرم فخذ من الإذخر فامضغه-الإذخر نبات يطيب الفم-و قال:من دخل مكة بسكينة غفر له ذنبه.فقيل له:و ما السكينة؟قال:يدخلها غير متكبر و لا متجبر.

و قال:الدخول من باب بني شيبة سنة.

الفقهاء:

قالوا:يستحب لمن دخل مكة ان يغتسل،و ان يدخل المسجد من باب شيبة،و ان يرفع يديه عند رؤية البيت،و يكبر و يهلل،و يدعو بالمأثور،و ان يمضغ الإذخر،و إلاّ نظف فمه،و اجتهد في زوال رائحته.

شروط الطواف:

اشارة

و للطواف شروط:

1-النية

،لأن الدوران حول بيت اللّه الحرام،دون قصد الطواف المأمور به

ص:189

شرعا،تماما كالمشي على الطريق (1).

2-الطهارة من الحدث الأكبر و الأصغر للطواف الواجب
اشارة

،دون المستحب و تقدم في باب الطهارة ان الحدث الأكبر هو ما يوجب الغسل،و الأصغر هو الذي يوجب الوضوء.و الدليل على هذا الشرط بعد الإجماع قول الإمام الصادق عليه السّلام:

لا بأس ان يقضي المناسك كلها على غير وضوء إلاّ الطواف،فإن فيه صلاة، و الوضوء أفضل،أي ان الطواف مع الوضوء أفضل منه بدون وضوء.

و سئل عن رجل طاف تطوعا-أي استحبابا-و صلى ركعتين،و هو على غير وضوء؟قال:يعيد الركعتين،و لا يعيد الطواف.و قال:لا بأس بأن يطوف الرجل النافلة على غير وضوء،ثم يتوضأ،و يصلي.

و من أجل هاتين الروايتين و غيرهما قال جماعة من الفقهاء،منهم صاحب الجواهر:ان الطهارة من الحدث شرط للطواف الواجب دون المستحب.

و تسأل:هل يستباح الطواف بالتيمم مع تعذر الماء؟

الجواب:

أجل،قال صاحب المدارك:ان المعروف من مذهب الأصحاب-أي الفقهاء-استباحة الطواف بالطهارة الترابية،كما يستباح بالمائية،و يدل عليه عموم قول الإمام عليه السّلام:جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا.و قوله:

التراب بمنزلة الماء.

ص:190


1- النية شرط لوجود المأمور به شرعا في الخارج،و عدها بعضهم من اجزاء المأمور به،و هو اشتباه و خطأ،لأنها إذا كانت جزءا منه يلزم ان تكون متقدمة على الأمر تقدم الموضوع على الحكم،مع العلم بأنها متأخرة عن الأمر:لأن معناها هو الإتيان بالفعل بداعي الأمر،و على هذا لو كانت جزءا لزم الدور.
3-الطهارة من الخبث

أي طهارة الثوب و البدن من النجاسة،سواء أ كان الطواف واجبا،أو ندبا،ذهب أكثر الفقهاء إلى ذلك بشهادة صاحب الجواهر، و يدل عليه الحديث النبوي المشهور:«الطواف بالبيت صلاة»،و جاء عن الإمام الصادق عليه السّلام أن رجلا رأى الدم في ثوبه،و هو يطوف.قال:ينظر إلى الموضع الذي رأى فيه الدم،فيعرفه،ثم يخرج،فيغسله،ثم يعود،فيتم طوافه.

4-ستر العورة في الطواف الواجب و المستحب

،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:

ان عليا عليه السّلام قال بأمر من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لا يطوف بالبيت عريان،و لا عريانة، و لا مشرك.

5-الختان للذكر

،قال صاحب الجواهر:بلا خلاف أجده فيه،بل عن الحلبي ان إجماع آل محمد عليهم السّلام عليه،بالإضافة إلى قول الإمام الصادق عليه السّلام:

الأغلف لا يطوف بالبيت،و لا بأس ان تطوف المرأة.

6-ان يكون الثوب غير مغصوب،و لا من حيوان لا يؤكل لحمه،و لا من

الحرير،و لا من الذهب

،تماما كالساتر في الصلاة عند كثير من الفقهاء،بل تشدد بعضهم في أمر الطواف أكثر من الصلاة،حيث قال بالعفو عن الدم-غير الدماء الثلاثة-إذا كان بمقدار الدرهم في الصلاة،و عدم العفو عنه في الطواف،و بعدم جواز لبس الحرير و الذهب للنساء فيه.

صورة الطواف:

للطواف واجبات غير الشروط المتقدمة،و عبر عنها ان شئت بالأجزاء، و هي:

1-الابتداء بالحجر الأسود،و الاختتام به،أي منه و إليه،قال الإمام

ص:191

الصادق عليه السّلام:الطواف من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود،و قال صاحب الجواهر:«و لا بأس بإدخال جزء من باب المقدمة مع استصحاب النية محتسبا الابتداء من المحاذاة للحجر الأسود،و لا يلزم من ذلك الزيادة،لأنه تماما كإدخال جزء من الرأس في غسل الوجه للوضوء».

و المراد بالمحاذاة هنا هي المحاذاة العرفية،لا الدقة العقلية،لأن الأحكام منزلة على افهام العرف،و مبتنية على اليسر.و قال من قال:يجب جعل أول جزء من الحجر محاذيا لأول جزء من مقاديم البدن،بحيث يمر عليه بجميع بدنه دون زيادة أو نقصان خطوة واحدة أو بعضها.

و قد سخر من هذا القول صاحب الحدائق و الجواهر،قال الأول ما نصه بالحرف:«لا دليل«للذين اعتبروا هذه الدقة»سوى ما يدعونه من الاحتياط، و الاحتياط انما يكون مع اختلاف الأدلة،لا مجرد القول من غير دليل،بل ظهور الدليل على خلافه.بل هو إلى الوسوسة أقرب».

أما صاحب الجواهر فقد أطنب في الاستنكار و الاستهجان،و مما قاله:«ان هذا شك في شك.لا دليل عليه،بل الدليل على خلافه.و لا يخفى حصول المشقة،و شدة الحرج و الضيق،بخاصة في هذه الأزمنة التي يكثر فيها زحام الحجاج.و ان اعتباره مثار للوسواس،كما أنه من المستهجنات القبيحة التي تشبه أحوال المجانين.و قد روي أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم طاف على راحلته،و يتعذر هذا التدقيق و تحققه على الراكب».

2-ان يجعل البيت على يساره حال الطواف،لا على يمينه غير مستقبل أو مستدبر،و لو في خطوة واحدة.قال صاحب الجواهر:بلا خلاف أجده،بل الإجماع عليه مضافا إلى التأسي.و يشير بلفظ التأسي إلى ما روي من أن

ص:192

النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم طاف كذلك،و قال:خذوا عني مناسككم.

3-أن يدخل في الطواف حجر إسماعيل-هو مدفن إسماعيل و امه و بعض الأنبياء-فإذا لم يطف حول الحجر،بحيث جعل البيت الحرام على يساره،و الحجر على يمينه أعاد الشوط.قال صاحب الجواهر:بلا خلاف أجده فيه،بل الإجماع عليه،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:من اختصر في الحجر الطواف- أي من تركه في طوافه-فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود.

4-ان يكون خارج البيت،و خارج حجر إسماعيل بتمام بدنه،فمن طاف في داخل البيت،أو في حجر إسماعيل،أو حائطه بطل طوافه،لأن اللّه سبحانه قال وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (1)،أي حوله لا فيه،تقول مررت بزيد،و لا تقول مررت في زيد.

5-ان يتم سبعة أشواط بلا زيادة أو نقصان،قال صاحب الجواهر«بلا خلاف أجده فيه،بل الإجماع عليه مضافا إلى النصوص المستفيضة،بل المتواترة».

6-ان يكون الطواف بين البيت،و مقام إبراهيم عليه السّلام،و هو مقام معروف.

قال صاحب الحدائق:هذا هو الأشهر الأظهر بين علمائنا الأعلام.

7-جاء في كتاب منهاج الناسكين للسيد الحكيم ص 61 الطبعة الرابعة «ان الموالاة بين الأشواط شرط للطواف الواجب على الأحوط،و ليست شرطا في النافلة».

و لم أجد ذكرا للموالاة فيما لدي من كتب الفقه،أما كتب الحديث فقد وجدت في الوسائل روايات عن أهل البيت عليهم السّلام تدل صراحة على عدم وجوب

ص:193


1- الحج:29. [1]

الموالاة في الطواف الواجب،منها عن صفوان الجمال قال:قلت للإمام الصادق عليه السّلام:الرجل يأتي أخاه،و هو في الطواف؟قال:يخرج معه في حاجته، ثم يرجع،و يبني على طوافه.و منها أن ابان بن تغلب كان يطوف مع الإمام الصادق عليه السّلام فعرض له رجل في حاجة.فقال له الإمام عليه السّلام:اذهب إليه.قال ابان:

اقطع الطواف؟قال:نعم.قال ابان:و ان كان طواف الفريضة؟قال الإمام عليه السّلام:

نعم.و عنه أنه أمر رجلا كان يطوف ان يقطع طوافه،و يذهب معه،فقال الرجل:

و ان كنت في المفروض؟قال الإمام عليه السّلام:نعم،و ان كنت في المفروض.فإن من مشى مع أخيه المسلم في حاجته كتب اللّه له ألف ألف حسنة،و محا عنه ألف ألف سيئة،و رفع له ألف ألف درجة (1).

و بالمناسبة أذكرك أيها القارئ بمن يحافظ على الصوم و الصلاة، و يتجاهل حقوق البلاد و العباد.

ركعتا الطواف:

اشارة

قال تعالى وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى (2).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا ينبغي ان تصلي ركعتي طواف الفريضة إلاّ عند مقام إبراهيم عليه السّلام،أما التطوع فحيث شئت من المسجد.

و سئل الإمام الكاظم ابن الإمام الصادق عليهما السّلام عن رجل يطوف بعد الفجر، فيصلي الركعتين خارج المسجد؟قال:يصلي بمكة لا يخرج منها إلاّ أن ينسى،

ص:194


1- و لكن المعروف من فعل الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:و الأئمة الأطهار عليهم السّلام و الفقهاء الاعلام [1]هو التتابع و الموالاة.و ليس من شك أن بها تفرغ الذمة،و يحصل العلم و الجزم بالطاعة و الامتثال.
2- البقرة:125. [2]

فيصلي إذا رجع في المسجد آية ساعة أحب ركعتي ذلك الطواف.

و قال أبوه الإمام الصادق عليهما السّلام:إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم عليه السّلام فصل ركعتين،و اجعله أمامك،و اقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد،قل هو اللّه أحد،و في الثانية قل يا أيها الكافرون،ثم تشهد و احمد اللّه تعالى،و أثن عليه،و صلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و اسأله أن يتقبل منك.

الفقهاء:

قالوا:متى انتهى من طوافه يصلي ركعتين للطواف خلف مقام إبراهيم المعروف،و ان كان زحام،و لم يمكن فحيال المقام،و إلاّ فحيث أمكن من المسجد،و لو نسيهما وجب عليه الرجوع و الإتيان بهما،فان تعذر الرجوع قضاهما حيث كان،هذا،إذا كان الطواف واجبا،و ان يك مستحبا صلاهما،حيث شاء.

مستحبات الطواف:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك،و احمد اللّه،ثم استلم الحجر و قبله،فإن لم تستطع فاستلمه بيدك،فإن لم تستطع فأشر إليه بيدك.

قال الفقهاء:يستحب الوقوف عند الحجر،و حمد اللّه و الثناء عليه، و الصلاة على النبي و آله،و رفع اليدين بالدعاء،و ان يكون في طوافه على سكينة و وقار،مقتصدا في مشيه،و ان يلزم المستجار في الشوط السابع،و يبسط يديه على الحائط،و يلصق به بطنه.

ص:195

مكروهات الطواف:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا تطوفن بالبيت و عليك برطلة.و قال:لا تطوف المرأة بالبيت و هي متنقبة،قال صاحب الوسائل:هذا اما مكروه،و اما مخصوص بالمحرمة.

و قال الفقهاء:يكره الكلام بغير ذكر اللّه،و الضحك و التمطي و التثاؤب، و فرقعة الأصابع،و مدافعة الأخبثين البول و الغائط كما يكره الأكل و الشرب،و كل ما يكره في الصلاة.

زيادة الأشواط في الطواف:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:من طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض-أي الواجب-يعيد،حتى يستتمه.

و سئل عن رجل طاف،و هو متطوع ثمانية أشواط،و هو ناس؟قال:فليتم طوافين،ثم يصلي أربع ركعات،فأما الفريضة فليعد،حتى يتم سبعة أشواط.

و في رواية أخرى أنه سئل عن رجل نسي،فطاف ثمانية أشواط؟قال:ان ذكر قبل أن يبلغ الركن فليقطعه،و ان لم يذكر حتى بلغه،فليتم أربعة عشر شوطا، و ليصل أربع ركعات.

الفقهاء:

قالوا:إذا زاد في الطواف عن عمد عاملا كان أو جاهلا-الجاهل عامد قطعا-ينظر:فإن كان الطواف واجبا فقد عصى و أثم،و بطل طوافه،و عليه الإعادة، و ان كان الطواف مستحبا لم يبطل،و لكن تكون الزيادة مكروهة،قال صاحب

ص:196

الحدائق:«المعروف من مذهب الأصحاب أنه تحرم الزيادة على السبعة في الواجب،و تكره في المندوب».

و إذا زاد في الطواف عن سهو لا عن عمد فإن تذكر قبل نهاية الشوط الزائد قطعه،و انصرف،و إلاّ أكمل الطواف الثاني سبعا،و نوى به الاستحباب،و صلى ركعتين للطواف الأول،ثم سعى بين الصفا و المرة،و بعد انتهاء السعي صلى ركعتين للطواف الثاني المستحب.فقد روي أن عليا عليه السّلام طاف طواف الفريضة ثمان،فترك سبعا-أي احتسب السبعة الأول للطواف الواجب-و أضاف إلى الشوط الزائد ستا،ثم صلى ركعتين خلف المقام،ثم خرج إلى الصفا و المروة، فلما فرغ من السعي رجع فصلى الركعتين اللتين ترك في المقام،أي صلاهما للطواف الثاني المستحب.

و تجدر الإشارة إلى أن أكثر الفقهاء-كما قال صاحب الجواهر-لا يجيزون القران بين طوافين واجبين،بحيث يأتي بهما دون أن يفصل بينهما،أي فاصل، و يجيزون ذلك في الطواف المستحب.

ترك بعض الأشواط:

من نقص من طوافه شوطا،أو أكثر،دون أن يأتي بالمنافي،أو يحصل الفاصل الطويل-بناء على وجوب الموالاة-أتم الطواف سبعا،و امتثل و أطاع، سواء أ كان النقص عن عمد،أو سهو،أو كان الطواف واجبا،أو مستحبا.

و ان كان قد أتى بالمنافي،أو الفصل الطويل بطل الطواف ان كان النقصان عن عمد،و دون مسوغ شرعي.و ان كان عن سهو،أو مسوغ شرعي ينظر:فان تذكر قبل أن يأتي بأربعة أشواط استأنف،و أعاد الطواف من جديد،و ان كان قد

ص:197

أكمل الأربعة رجع و أتمها سبعا،و لو تذكر بعد أن عاد إلى أهله استناب من يؤديها عنه.

هذا هو المشهور بين الفقهاء بشهادة صاحب الحدائق و الجواهر،و الدليل عليه أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط،و هي معتمرة،ثم طمثت؟قال:«تتم طوافها،فليس عليها غيره،و متعتها تامة و لها أن تطوف بين الصفا و المروة،و ذلك لأنها زادت على النصف».و خصوص المورد، و هو المرأة الحائض لا يضر في عموم التعليل الشامل لما نحن فيه،و نعني بالتعليل قول الإمام عليه السّلام:«لأنها زادت على النصف».

الحائض و المستحاضة:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا حاضت المرأة،و هي في الطواف بالبيت، فجاوزت النصف علّمت ذلك الموضع،فإذا طهرت رجعت،و أتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمت،و ان هي قطعت طوافها في أقل من النصف،فعليها أن تستأنف الطواف من أوله.

و سئل عن امرأة متمتعة-أي حجت حج التمتع-قدمت مكة،فرأت الدم؟قال:تطوف بين الصفا و المروة،ثم تجلس في بيتها،فان طهرت طافت بالبيت،و ان لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء،و أهلت-أي أحرمت-بالحج من بيتها،و خرجت إلى منى،و قضت المناسك كلها،فإذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين،ثم سعت بين الصفا و المروة،فإذا فعلت ذلك فقد حل لها كل شيء ما خلا فراش زوجها.

ص:198

الفقهاء:

قالوا:إذا حاضت المرأة أثناء الطواف،فان حدث ذلك بعد أربعة أشواط قطعت الطواف،و سعت،فإذا فرغت من السعي أتمت الطواف بعد طهرها،و لا يجب عليها إعادة السعي،و ان حدث قبل إتمام الأربعة انتظرت عرفات،فان طهرت و تمكنت من جميع الأفعال قبل يوم التروية فعلت،و بقيت على حج التمتع،و ان لم تطهر قبل الموقف بعرفات انقلب حجها إلى الافراد،فتطهر، و تحرم يوم التروية من بيتها،و تمضي إلى عرفات،ثم المشعر،ثم منى،و بعد إتمام المناسك بكاملها تأتي بعمرة مفردة.

أما المستحاضة فإن فعلت الأعمال التي تجب عليها للصلاة حسب التفصيل الذي تقدم في الجزء الأول«فصل المستحاضة»جاز لها كل ما يجوز للطاهر،و إلاّ فلا،حيث سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن المستحاضة،أ يطأها زوجها؟و هل تطوف بالبيت؟قال:تصلي كل صلاتين بغسل واحد،و كل شيء استحلت به الصلاة فليأتها زوجها،و لتطف بالبيت.

ترك الطواف:

اشارة

سئل الإمام عليه السّلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة؟قال:

ان كان على وجه جهالة في الحج أعاد،و عليه بدنة.

و سئل عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده،و واقع النساء،كيف يصنع؟قال:يبعث بهدي،ان كان تركه في حج يبعث به في حج،و ان كان تركه في عمرة يبعث به في عمرة و يوكل من يطوف عنه.

ص:199

الفقهاء:

قالوا:من ترك الطواف من الأساس عن عمد بطل نسكه،سواء أ كان عمرة، أم حجا،و سواء أ كان عالما،أو جاهلا-لأن الجاهل عامد-و عليه ان يكفر ببدنة.

و ان تركه عن سهو،و لم يذكر،حتى وصل إلى بلاده وجب عليه أن يعود، و يؤدي ما فاته بنفسه،و ان تعذرت عليه العودة،و كلّ من يقوم عنه بذلك.

الشك و التردد:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا خرجت من شيء،ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء.

و سئل عن رجل طاف الفريضة،فلم يدر ستا طاف،أو سبعا؟قال:فليعد طوافه.قال السائل:ففاته-اي شك بعد الفراغ-قال:ما أدري عليه شيئا.

و أيضا سئل عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة،فلم يدر سبعا طاف، أو ثمان؟قال:أما السبع فقد استيقن،و انما وقع وهمه-أي شك-على الثامن، فليصل ركعتين.

و أيضا سئل عن رجل شك في طوافه،فلم يدر ستا طاف أو سبعا؟فقال:

ان كان في فريضة أعاد كل ما شك فيه،و ان كان في نافلة بنى على الأقل.

الفقهاء:

قالوا:إذا انتهى من الطواف،ثم شك:هل أوقعه صحيحا على وجهه المطلوب شرعا،و بدون زيادة أو نقصان،أو أنه أخل و زاد أو نقص،إذا كان ذلك هكذا فلا أثر لشكه،فيمضي،و لا شيء عليه،لأنه شك في العمل بعد الفراغ

ص:200

و الانتهاء منه.

و إذا حصل الشك في الأثناء،و قبل الفراغ،فان كان قد أحرز الأشواط السبعة،كما لو شك بين السبعة و الثمانية،بنى على الصحة،و مضى،لأن السبعة المطلوبة قد أتى بها يقينا،و الزائد مشكوك،و الأصل عدمه.

و إذا لم يحرز السبعة كما لو شك بين الستة و السبعة،أو الخمسة و الستة يبطل الطواف من الأساس،و عليه الإعادة،و الأفضل ان يتم،ثم يستأنف،هذا،إذا كان الطواف واجبا،أما إذا كان مستحبا فإنه يبني على الأقل.

معنى الركن في الحج و العمرة:

الركن في الحج و العمرة هو الذي يبطل الحج أو العمرة بتركه عمدا،لا سهوا.قال صاحب الحدائق:قد صرح الأصحاب بأن الطواف ركن،من تركه عامدا بطل حجه،و من تركه ناسيا قضاه،و لو بعد المناسك،و مرادهم بالركن ما يبطل الحج بتركه عمدا،لا سهوا.

و الأركان في الحج عند الفقهاء هي النية،و الإحرام،و الوقوف بعرفات، و الوقوف بالمشعر،و طواف الزيارة-و يسمى طواف الحج-و السعي بين الصفا و المروة.

إما فرائض الحج التي ليست بأركان فهي التلبية،و ركعات الطواف و طواف النساء و ركعتاه.

و الأركان في العمرة هي النية و الإحرام،و طواف الزيارة.إما فرائض العمرة التي ليست بركن فهي التلبية،و ركعتا الطواف،و طواف النساء،و ركعتاه.

ص:201

ص:202

السعي

مرتبة السعي:

قدمنا ان فصول هذا الكتاب تأتي في الترتيب و التبويب حسب ترتيب الأعمال المطلوبة من النائي عن مكة الذي وظيفته حج التمتع.و ان العمل الأول لكل ناسك مهما كانت وظيفته هو الإحرام،و ان العمل الثاني للمعتمر بعمرة مفردة،أو لحج التمتع هو الطواف،ثم ركعتاه.أما السعي بين الصفا و المروة فمحله بعد الطواف و ركعتيه في العمرة و الحج بشتى أنواعه،فهو تبع للطواف، و متأخر عنه،و لا يجوز تقديمه عليه،و من سعى قبل أن يطوف فعليه أن يرجع، فيطوف،ثم يسعى.أما الموالاة،و الانتقال من الطواف و ركعتيه إلى السعي مباشرة،و بلا فاصل فهو أفضل بدون ريب،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حين فرغ من طوافه و ركعتيه قال:ابدأوا بما بدأ اللّه به إتيان الصفا،و من هنا ذهب كثير من العلماء إلى عدم جواز التأخير إلى اليوم الثاني اختيارا.

و مهما يكن،فإن حقيقة السعي واحدة في العمرة و الحج بأنواعه الثلاثة، كما أنّه ركن منهما يبطلان بتركه عمدا،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل ترك السعي متعمدا؟قال:لا حج له.

ص:203

المستحبات:

و للسعي مستحبات:

منها:الطهارة من الحدث و الخبث،فقد اتفق الفقهاء على أنّها مستحبة في السعي لا واجبة،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:لا بأس أن تقضي المناسك كلها على غير وضوء إلاّ الطواف،فان فيه صلاة،و الوضوء أفضل على كل حال.و سئل الإمام عليه السّلام عن رجل يسعى بين الصفا و المروة ثلاثة أشواط،أو أربعة،ثم يبول، أ يتم سعيه بغير وضوء؟قال:لا بأس،و لو أتم نسكه بوضوء لكان أحب إليّ.

و منها:استلام الحجر،و الشرب من ماء زمزم،و الصب على الجسد منه، و الخروج إلى الصفا من الباب المقابل للحجر على سكينة و وقار،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:إذا فرغت من الركعتين-أي ركعتي الطواف-فأت الحجر الأسود، فقبله و استلمه و أشر إليه،و اشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج إلى الصفا و المروة.

و صب منه على رأسك و ظهرك و بطنك،و قل:اللهم اجعله علما نافعا و رزقا واسعا.إلى آخر الدعاء المأثور.و قال:ثم اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو الباب الذي يقابل الحجر الأسود،و عليك السكينة و الوقار.

و منها:الصعود على الصفا،حتى ترى البيت،و استقبال الركن الذي فيه الحجر،و الدعاء المأثور،و التكبير و التهليل و التحميد و التسبيح مائة مائة، و الوقوف بقدر قراءة سورة البقرة.و في ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السّلام.

صور السعي:

و الواجب في السعي أربعة

ص:204

1-النية،و الأمر فيها أوضح من أن يبين،لأن السعي بين الصفا و المروة بلا نية التقرب للّه سبحانه،و امتثال أمره تماما كالمشي على الطريق.

2 و 3-الابتداء بالصفا،و الاختتام بالمروة إجماعا،و نصا،و منه قول الإمام الصادق عليه السّلام:تبتدئ بالصفا،و تختم بالمروة.

4-السعي سبعة أشواط،على أن يحسب ذهابه شوطا،و عوده شوطا آخر،إجماعا و نصا،و منه قول الإمام الصادق عليه السّلام:طف بين الصفا و المروة سبعة أشواط،تبتدئ بالصفا،و تختم بالمروة.

و يتحصل من هذه العملية أن تكون أربعة أشواط من السبعة ذهابا من الصفا إلى المروة،و ثلاثة منها إيابا من المروة إلى الصفا.و عليه يكون الختام بالسابع في المروة.

و يجوز السعي ماشيا و راكبا،و المشي أفضل،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن السعي راكبا؟قال:لا بأس،و المشي أفضل.و قيل له:الرجل يسعى على الدابة؟قال:نعم،و على الجمل.و تواتر عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه طاف و سعى على راحلته.

و تستحب الهرولة في السعي ما بين المنارتين المعلمتين الآن باللون الأخضر،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:ثم انحدر ماشيا،و عليك السكينة و الوقار، حتى تأتي المنارة،و هي طرف المسعى،فاسع ملء فروجك.و الهرولة ضرب من المشي يشبه مشي البعير حين يريد الإسراع.و إذا كان الساعي راكبا حرك دابته.

و لا تستحب الهرولة للنساء،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:لا أذان و لا هرولة على النساء بين الصفا و المروة،و في رواية أخرى«ليس على النساء سعي بين الصفا و المروة»و المراد بالسعي هنا الهرولة.

ص:205

مسائل:

1-من ترك السعي عامدا بطل حجه و عمرته

،قال صاحب الجواهر:بلا خلاف أجده فيه،بل الإجماع عليه،و النصوص مستفيضة،منها قول الإمام الصادق عليه السّلام:من ترك السعي متعمدا فعليه الحج من قابل.مضافا إلى قاعدة عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.

و من ترك السعي ناسيا لم يبطل حجه،و لا عمرته،و وجب عليه أن يأتي به بنفسه،حتى و لو خرج ذو الحجة،فإن تعذرت المباشرة،أو تعسرت استناب من يؤديه عنه،قال صاحب الجواهر:بلا خلاف أجده في شيء من ذلك،و يدل عليه قول الإمام الصادق عليه السّلام:في رجل نسي السعي بين الصفا و المروة:عليه أن يعيد، و في رواية أخرى:يطاف عنه.و هذه الرواية صريحة بأن السعي يقبل النيابة عند تعذر المباشرة جمعا بينها و بين الأولى التي قالت:يعيد،أي يعيد السعي مع الإمكان،و يستنيب مع عدمه.

2-من زاد على السبعة عالما عامدا،بطل سعيه،و عليه الاستئناف

،لأنه لم يأت بما أمر،و لقول الإمام عليه السّلام:الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة إذا زدت عليها،فعليك الإعادة،و كذلك السعي.

و من زاد عن سهو فهو مخير بين إلغاء الزائد،و الاعتداد بالسبعة فقط،و بين أن يكمل الزائد سبعا،و يكون لديه سعيان:الأول واجب و الثاني مستحب،و يدل على ذلك أن الإمام سئل عن رجل سعى بين الصفا و المروة ثمانية أشواط؟قال:

ان كان خطأ طرح واحد،و اعتد بسبعة.و روي عنه أيضا:إذا استيقن انه سعى ثمانية أضاف إليها ستا.و إذا عطفنا احدى الروايتين على الأخرى نتج ما قاله الفقهاء من التخيير المذكور.

ص:206

3-إذا شك في عدد الأشواط،أو في صحتها بعد الانتهاء و الفراغ من

السعي

بنى على الصحة،و لا شيء عليه،لأنه شك بعد الفراغ.

و إذا شك في عدد الأشواط قبل إكمالها قال صاحب الجواهر:لا خلاف و لا إشكال في البطلان لتردده بين محذوري الزيادة و النقصان،و كل منهما مبطل، هذا،إلى أن العلم بتوجه التكليف يقينا يستدعي العلم بامتثاله،و الخروج عن عهدته يقينا.

و إذا شك أنّه:هل ابتدأ من الصفا،حتى يكون السعي صحيحا،أو من غيره،حتى يكون فاسدا،ينظر:فان كان شاكا في العدد ايضا بطل السعي.و ان كان ضابطا للعدد،و شك في الابتداء فقط،و انه من الصفا،أو المروة فإن كان الشوط الذي في يده مزدوجا كما لو كان ثانيا،أو رابعا،أو سادسا و كان على الصفا،أو متجها إليه صح السعي،لأنه يعلم،و الحال هذه،أن الابتداء كان من الصفا،و مثله في الصحة إذا كان الشوط مفردا كما لو كان ثالثا،أو خامسا،و كان على المروة،أو متجها إليها،و لو انعكس الأمر،بحيث كان الشوط مفردا،و هو على الصفا،أو مزدوجا،و هو على المروة،بطل السعي،و وجب الاستئناف.

4-لا تجب الموالاة بين الأشواط

،فيجوز له الجلوس للاستراحة قبل التمام،كما تجوز له الصلاة الواجبة،و قضاء حاجة له،أو لغيره ثم البناء على ما سبق،وفاقا للمشهور بشهادة صاحب الجواهر.

ص:207

ص:208

التقصير و الحلق

اشارة

من واجبات العمرة المفردة و الحج التقصير،أو الحلق،و لكنه ليس بركن، و قد يجب على الناسك مرة واحدة،و قد يجب عليه مرتين،كما أن محله قد يكون بعد السعي،و قد يكون بعد الذبح في منى،و أيضا قد يتعين عليه التقصير فقط،و قد يكون مخيرا بينه و بين الحلق،و يأتي هذا الاختلاف حسب وظيفة الناسك و صفته،حيث يكون معتمرا بعمرة مفردة تارة،و متمتعا أخرى،و قارنا أو مفردا حينا،و التفصيل فيما يلي:

العمرة المفردة:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفريضة، و صلاة الركعتين خلف المقام،و السعي بين الصفا و المروة حلق أو قصر.و ليس على النساء حلق،و عليهن التقصير.

و استنادا إلى هذه الرواية و غيرها اتفق الفقهاء على أن المعتمر بعمرة مفردة مخير بين الحلق،و التقصير،و لا يتعين عليه أحدهما،على شريطة أن يأتي به بعد السعي،لا قبله.

ص:209

حج التمتع:

قدمنا ان حج التمتع مركب من العمرة،و الحج،و لذا تحتم على المتمتع واجبان:الأول تعيين التقصير بعد السعي بين الصفا و المروة،الثاني التخيير بين التقصير و الحلق بعد الذبح بمنى،و الحلق أفضل.و يدل على الأول،أي تعيين التقصير بعد السعي قول الإمام الصادق عليه السّلام:إذا فرغت من سعيك،و أنت متمتع، فقصر من شعرك.و قلم من اظافرك.و قوله:ليس في المتعة إلاّ التقصير.

أما الواجب الثاني،و هو التخيير بين التقصير و الحلق بعد الذبح فقال صاحب الحدائق:هو المشهور بين الأصحاب.و قال صاحب الجواهر:لا أجد فيه خلافا إلاّ في الصرورة،و الذي تلبد شعره،أو عقصه،أي شدة و فتله،و يدل عليه قول الصادق عليه السّلام:ينبغي للصرورة أن يحلق،و ان كان قد حج فان شاء قصر،و ان شاء حلق،و إذا تلبد شعره،أو عقصه فان عليه الحلق و ليس عليه التقصير.

و فهم أكثر الفقهاء هذه الرواية،و ما إليها على أن الصرورة،و من تلبد شعره يتأكد الحلق في حقهما،و لا يتعين،و ذهب البعض إلى أن الحلق متعين عليهما.

و مهما يكن،فان الحلق بالنسبة للصرورة و الملبد موجب للعلم و الجزم بفراغ الذمة و امتثال التكليف،سواء أ كان المطلوب هو التعيين أو التخيير.أما التقصير فلا يوجب هذا الحزم و القطع،لاحتمال أن يكون المطلوب هو الحلق بالذات على سبيل التعيين.و من أجل هذا نميل إلى تعيين الحلق على الصرورة و الملبد، و الى التخيير بالقياس إلى غيرهما.بل جاء في الرواية الصحيحة أن الامام الصادق عليه السّلام قال:يجب الحلق على ثلاثة:رجل لبد،و رجل حج بداية،و لم يحج قبلها،و رجل عقص شعره.

و حكم القارن و المفرد حكم المتمتّع في التخيير بين الحلق و التقصير بعد الذبح بمنى.

ص:210

مسائل:

1-ليس على المرأة التقصير إطلاقا

،سواء أ كانت معتمرة،أو متمتعة،أو قارنة،أو مفردة.لقول الإمام الصادق عليه السّلام:ليس على النساء أذان و لا حلق،و انما يقصرن من شعورهن.

2-قدمنا ان المعتمر لحج التمتع يتعين عليه التقصير بعد السعي

،فإذا حلق مكان التقصير وجب ان يكفر بشاة على ما هو المشهور بين الفقهاء بشهادة صاحب الحدائق و الجواهر.

3-ذهب المشهور بشهادة صاحب الحدائق إلى أن المتمتع إذا ترك

التقصير عامدا

،و أحرم بالحج بعد السعي تبطل عمرته و وجب عليه أن يحج حجة الافراد،أي يأتي بأعمال الحج،ثم يعتمر بعدها بعمرة مفردة.

4-من اعتمر بعمرة مفردة يحل له كل شيء إذا حلق،أو قصر إلاّ النساء

، فإنها تحرم عليه،حتى يطوف ثانية طواف النساء.

و من اعتمر لحج التمتع يحل له كل شيء،حتى النساء بعد التقصير،ما عدا الصيد الحرمي.سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن متمتع وقع على امرأته قبل أن يقصر؟قال:عليه دم شاة،ان كان عالما،و ان كان جاهلا فلا شيء عليه.و سئل عن امرأة واقعها زوجها بعد أن سعت و قرضت أظافرها بأسنانها:هل عليها شيء؟قال:لا.

و من قصر أو حلق بعد الذبح بمنى يحل له كل شيء إلاّ الطيب و النساء فإنهما لا يحلان إلاّ بعد العود إلى مكة و طواف النساء.قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا ذبح الرجل و حلق،فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء و الطيب.

5-سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل نسي أن يقصر من شعر رأسه و يحلقه،حتى ارتحل من منى

،

ص:211

و يحلقه،حتى ارتحل من منى؟قال:يرجع إلى منى،حتى يلقي شعره بها.

و في رواية ثانية أجاب عن هذا السؤال بقوله:يحلق في الطريق،أو أين كان.و في ثالثة أنّه قال:و ليحمل الشعر إذا حلق بمكة إلى منى.

و إذا عطفنا هذه الروايات بعضها على بعض مجموعة في كلام واحد جاءت النتيجة ان الواجب ان يحلق أو يقصر في منى،فإذا رحل منها قبل الحلق أو التقصير رجع إلى منى،و حلق أو قصر فيها،سواء أ كان عالما،أو جاهلا، أو ناسيا،و إذا تعذر،أو تعسر الرجوع عليه حلق أو قصر حيث كان،و أرسل شعره إلى منى،يدفن في أرضها.

و بما ذكرناه في الفصول السابقة من الإحرام،و الطواف،و ركعتيه،و السعي، و الحلق أو التقصير تعرف الأعمال المطلوبة من المعتمر بعمرة مفردة،و المعتمر لحج التمتع،فان هذه الأعمال واجبة على الاثنين،و الفرق ان الأول يجب عليه طوافان،الثاني منهما طواف النساء،و يتخير بين الحلق و التقصير،و تصح العمرة منه في أي وقت،أما الثاني،أي المعتمر لحج التمتع،فيجب عليه طواف واحد، و يتعين عليه التقصير،و لا تصح منه إلاّ في أشهر الحج،أي من أول شوال إلى اليوم التاسع من ذي الحجة.

عمر و متعة الحج:

و بهذه المناسبة نشير إلى متعة الحج التي جاءت الرواية ان عمر قال:

«متعتان كانتا على عهد رسول اللّه،و انا محرمهما،و معاقب عليهما».فالمتعة الأولى هي متعة النساء،أي الزواج المنقطع،و الثانية هي متعة الحج.و لكي يتضح المراد منها علينا أن نعرف أن فقهاء السنّة أجازوا أن يجمع الناسك في إحرام

ص:212

واحد،و بنيّة واحدة بين الحج و العمرة،كما هي الحال في حج القران،و ان الشيعة قد منعوا من ذلك منعا باتا،و أوجبوا لكل نسك إحراما مستقلا،و أشرنا إلى ذلك في فصل سابق بعنوان«أنواع الحج».

و بعد أن عرفت هذا نتساءل إذا كان الناسك مريدا للحج و العمرة معا، و أحرم لهما معا بإحرام واحد من الميقات،ثم دخل مكة،فهل له-قبل أن يباشر بأعمال الحج-ان يفسخ و يعدل عن نية الحج الذي كان قد قرنه بالعمرة، و يصرف قصده إلى العمرة فقط،حتى إذا أداها عقب بالحج،و عندها ينقلب حجه من القران إلى التمتع،لأن معنى حج التمتع ان يعتمر أولا،ثم يحج،كما سبقت الإشارة؟.هذا،مع العلم بأنه إذا جاز له ذلك ساغ له أن يأتي بعد الانتهاء من أعمال العمرة،بكل ما كان محرما عليه حتى النساء،ثم يعقد إحراما جديدا لحج التمتع و يرجع التحريم،و في الفترة التي وقعت بين العمرة و الحج يحل له ما كان محرما عليه،و هذي هي بالذات متعة الحج،التي حرمها عمر،أي أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أجاز فسخ الحج و الرجوع إلى العمرة و بذلك يستطيع الحاج ان يحل و يتمتع بما حرم عليه بهذه الفترة،و حرم عمر ذلك،و أوجب البقاء على ما كان، و عليه فلا يحل للحاج شيء مما حرم عليه إلاّ بعد طواف الزيارة الذي أشرنا إليه.

و قد اختلف السنة فيما بينهم،فمنهم من حرم متعة الحج بقول عمر،و منهم أباحها.

و هذه المتعة لا تعني الشيعة في كثير و لا قليل لأنهم لا يجيزون الجمع بين الحج و العمرة في إحرام واحد،و لا بنيّة واحدة.(تفسير الرازي الآية 186 من سورة البقرة،و المغني ج 3،و فتح الباري في شرح صحيح البخاري ج 4).

ص:213

ص:214

الوقوف في عرفات

تمهيد:

ذكرنا في فصل العمرة،و في مطاوي الفصول السابقة وظيفة المعتمر مفردا، و المعتمر متمتعا،ثم أشرنا إليها ملخصا في آخر الفصل السابق-التقصير أو الحلق-و نشير في هذا التمهيد إلى أن كلا منهما لا يطلب منه الوقوف في عرفات، و لا في المزدلفة،و لا في منى و أعمالها،لأنها من وظيفة الحاج بشتى أنواعه.

و البيان في هذا الفصل،و ما يليه:

العمل الثاني في الحج:

ان الحاج،كل حاج،متمتعا كان،أو قارنا،أو مفردا يجب أن يبتدئ بالإحرام من مكة،و يثني بالوقوف في عرفات،و لهذا الوقوف مستحبات، و واجبات.

المستحبات:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا كان يوم التروية-أي اليوم الثامن من ذي الحجة-فاغتسل،ثم البس ثوبيك-أي ثوبي الإحرام-و ادخل المسجد حافيا،

ص:215

و عليك السكينة و الوقار،ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السّلام،أو في الحجر،ثم اقعد،حتى تزول الشمس،فصلّ المكتوبة،ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة،و أحرم بالحج،و عليك السكينة و الوقار.

و سئل الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهما السّلام عن رجل يكون شيخا كبيرا، أو مريضا يخاف ضغاط الناس،و زحامهم يحرم بالحج،و يخرج إلى منى قبل يوم التروية؟قال:نعم.فقال السائل:يخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا؟قال:لا.

قال السائل:يعجل بيوم؟قال:نعم.قال السائل:بيومين؟قال:نعم.قال:بثلاثة؟ قال:نعم.قال:أكثر من ذلك؟قال الإمام عليه السّلام:لا.

الفقهاء:

قالوا:يستحب للحاج ان يغتسل في مكة يوم التروية،و يلبس ثوبي الإحرام،و يتجه إلى المسجد حافيا،عليه السكينة و الوقار،و يصلي عند المقام،أو في غيره من اجزاء المسجد الحرام صلاة الظهر،أو العصر،أو هما،أو صلاة نافلة،و أقلها ركعتان،ثم يعقد إحرامه قائلا:اني أريد الحج على كتابك و سنة نبيك،و يجوز لذوي الأعذار،كالمريض و الشيخ الكبير،و غيرهما ممن يخاف الزحام ان يعجل قبل يوم التروية بيوم،أو يومين،أو ثلاثة.

و أيضا يستحب الدعاء بالمأثور و التلبية عند كل صعود و هبوط،حتى يصل إلى عرفات،قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا غدوت إلى عرفات فقل و أنت متوجه إليها:«اللهم إليك صمدت،و إياك اعتمدت،و وجهك أردت،فأسألك أن تبارك لي في رحلتي،و ان تقضي لي حاجتي،و تجعلني ممن تباهي به اليوم من هو أفضل مني،ثم تلبي،و أنت غاد إلى عرفات».

ص:216

ما ذا يجب في عرفات:

اشارة

لو سأل سائل:ما هي الأعمال الواجبة في عرفات؟ لجاء الجواب:لا شيء بالإجماع،سوى مجرد الوجود و الكون فيها مع نية القربة بأية صورة تكون قياما أو قعودا،أو مشيا،أو ركوبا،و المسمى من هذا الكون و الوجود-أي ما يصدق عليه اسم الوجود-هو الركن،بحيث من ترك الكون إطلاقا عن عمد بطل حجه،و من تركه عن سهو و نسيان تداركه ما دام وقته الاختياري،أو الاضطراري باقيا.و لو فاته التدارك صح بالإجماع بشهادة صاحب الجواهر.

و تسأل:إذا كان الواجب مجرد الكون في عرفات كيف اتفق،فلما ذا سمي ذلك وقوفا؟

الجواب:

ان للكون في عرفات حالات،و أفضلها شرعا الوقوف،فسمي الكلي باسم أفضل افراده،و أكملها.

وقت الوقوف في عرفات:

للوقوف الواجب بعرفات وقتان:اختياري،و هو من زوال اليوم التاسع من ذي الحجة إلى المغرب،و يجب الكون في عرفات كل هذه المدة،و الركن منها ما يتحقق به مسمى الوقوف،كما قدمنا.و يدل على هذا الوقت بالإضافة إلى الإجماع،قول الإمام الصادق عليه السّلام:إذا زالت الشمس يوم عرفة،أي التاسع من ذي الحجة،فاغتسل و صلّ الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين.و سئل متى تفيض- أي تخرج-من عرفات؟قال:إذا ذهبت الحمرة من ههنا،و أشار بيده إلى المشرق.

ص:217

و الوقت الثاني اضطراري،و يمتد إلى طلوع الفجر من اليوم العاشر إجماعا و نصا،و منه أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل أدرك الناس بجمع-أي بالمزدلفة-و خشي ان مضى إلى عرفات ان يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها؟قال:ان ظن أنه يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات، و ان ظن أنه لا يدرك جمعا-قبل طلوع الشمس-فليقف بجمع،ثم يفيض مع الناس،فقد تم حجه.

و المعنى المتحصل من هذه الرواية أن من اضطر إلى ترك الوقوف بعرفات من الزوال إلى الغروب ينظر في امره:فإن علم أنه إذا ذهب إلى عرفات،و وقف بها قليلا يمكنه الرجوع إلى المزدلفة قبل طلوع الشمس،لأن المفروض ان يكون فيها في هذا الوقت كما يأتي في الفصل التالي،إذا كان كذلك وجب عليه الذهاب إلى عرفات،ثم العودة إلى المزدلفة،و إذا تأكد إن ذهابه إلى عرفات يفوت عليه الوقوف في المزدلفة قبل طلوع الشمس ترك عرفات،و اكتفى بالمزدلفة.

حدود عرفات:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:حد عرفات من بطن عرنة و ثوية و نمرة إلى ذي المجاز-أسماء أماكن-و قال:ان أصحاب الأراك الذين ينزلون تحت الأراك لا حج لهم.

و سئل ولده الإمام الكاظم عليهما السّلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب إليك،أم على الأرض؟قال:على الأرض.

و عرفات بحدودها المذكورة كلها موقف،ففي أي مكان وقف منها أجزأ، و كفى بالاتفاق.قال الإمام الصادق عليه السّلام:وقف رسول اللّه بعرفات،فازدحم الناس

ص:218

عليه،و بادروا إلى خفاف ناقته،يقفون إلى جانبها،فنحى الناقة عنهم ففعلوا مثل ذلك،فقال:أيها الناس ليس الموقف هو خفاف ناقتي فقط،و لكن هذا،مشيرا إلى عرفات،موقف،و لو لم يكن إلاّ خفاف ناقتي لم يسع الناس.

مسألتان:

1-الطهارة من الحدث و الخبث ليست شرطا للوقوف بعرفات

،و لكنها تستحب،كما يستحب استقبال القبلة،و الإكثار من الدعاء و الاستغفار مع الخشوع و الخضوع،و حضور القلب.

2-سئل الإمام الباقر أبو الإمام الصادق عليهما السّلام عن رجل أفاض من عرفات

قبل أن تغيب الشمس

؟قال:عليه بدنة ينحرها يوم النحر-أي يوم العيد-فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة،أو في الطريق،أو في أهله.

و استنادا إلى ذلك قال الفقهاء:إذا خرج من عرفات قبل الزوال عامدا فعليه ان يعود إليها،فإن عاد فلا شيء عليه،و إلاّ كفّر ببدنة ينحرها يوم العاشر من ذي الحجة،فإن عجز صام 18 يوما بالتوالي،و ان خرج منها عن سهو لا عن عمد، و لم يتذكر،حتى فات الوقت فلا شيء عليه،على شريطة أن يدرك الوقوف بالمزدلفة في وقته،و ان تذكر قبل فوات الوقت،و تمكن من الرجوع فعليه أن يرجع،و ان أهمل،و الحال هذه،كفر ببدنة.

و تجدر الإشارة إلى أنه إذا خرج عن جهل فلا شيء عليه،سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس؟قال:ان كان جاهلا فلا شيء عليه،و ان كان متعمدا-أي عالما-فعليه بدنة.

ص:219

ص:220

الوقوف في المزدلفة

أسماء المكان:

و الموقف الثاني بعد عرفات هو المزدلفة،سمي بذلك،لأنه محل الزلفى و التقرب إلى اللّه،أو لأن الحجاج يزدلفون من عرفات إليه،و أيضا يسمى المشعر الحرام،حيث فيه تقع العبادة،و وصف بالحرام لحرمته،أو لأنه من الحرم،و أيضا يسمى جمعا بالفتح و سكون الميم،لأن الناس يجتمعون فيه و يزدلفون إلى اللّه بالطاعة،و هو أقرب الموقفين إلى مكة.

حدود المزدلفة:

سئل الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهما السّلام عن حدود المزدلفة؟قال:ما بين المأزمين إلى وادي محسر.

و المزدلفة كلها موقف،تماما كعرفات،ففي أي جزء وقف منها أجزأ و كفى.

واجبات الوقوف و مستحباته:

اشارة

قال تعالى فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَ اذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضّالِّينَ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ وَ اسْتَغْفِرُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 1.

ص:221

قال تعالى فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَ اذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضّالِّينَ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ وَ اسْتَغْفِرُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:الوقوف بعرفات سنة،و بالمشعر فريضة،و ما سوى ذلك من المناسك سنة-ما ثبت وجوبه بكتاب اللّه يسمى فريضة،و ما ثبت في سنة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يسمى سنة- (2).

و قال:إذا غربت الشمس فأفض مع الناس،و عليك السكينة و الوقار.

و أصبح بعد ما تصلي الفجر على طهر،وقف إن شئت قريبا من الجبل،و ان شئت حيث شئت.و قال:يستحب للصرورة أن يقف على المشعر الحرام،و يطأه برجله-و المشعر الحرام جبل هناك يسمى قزح.

و قال:صل المغرب و العشاء بأذان واحد و إقامتين،و لا تصل بينهما شيئا، هكذا فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و قال:خذ حصى الجمار من جمع-أي المشعر الحرام-و ان أخذتها من رحلك بمنى أجزأك.و تكون مثل الأنملة،و لا تأخذها سوداء،و لا بيضاء،و لا حمراء.

الفقهاء:

أجمعوا على وجوب الوقوف بالمشعر الحرام،و انه الموقف الثاني بعد عرفات،و أعظم و أفضل من الوقوف فيها،و لذا قالوا:من فاته الوقوف بعرفات، و أدرك الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس تم حجه.

و الواجب من الوقوف بالمشعر هو مجرد الكون و الوجود مع نية القربة على

ص:


1- البقرة:198. [1]
2- تستعمل كلمة السنة بالمستحب تارة،و بما وجب بدليل من السنة النبوية أخرى،و هذا الاستعمال كثير جدا في كلام الفقهاء،و يعرف أحد المعنيين بالسياق،أو بقرينة من خارج.

آية صورة يكون من القعود أو المشي أو الركوب،تماما كما هي الحال في عرفات.و لا يجب المبيت ليلة النحر في المشعر و لكنه أفضل.

و يستحب الكون على الطهارة عند الصباح،و التهليل و التكبير،و الدعاء بالمأثور و غير المأثور،و للصرورة أن يصعد على جبل هناك يسمى قزحا،و أيضا يستحب التقاط حصى الجمار من المشعر،و الاحتفاظ بها إلى منى الرمي-كما يأتي-و عددها سبعون،و ان تكون بلون الكحل،و بقدر رأس الأنملة.أما كونها أبكارا لم يرم بها من قبل فيأتي الكلام.و أجمع الشيعة و السنة على استحباب الجمع بين صلاة المغرب و العشاء في المشعر،قال ابن قدامي في المغني نقلا عن ابن المنذر:«أجمع أهل العلم لا اختلاف بينهم أن السنة أن يجمع الحاج بين المغرب و العشاء،و الأصل في ذلك أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جمع بينهما».

و استدل الشيعة بفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على جواز الجمع بين الظهرين و العشاءين مطلقا في كل مكان و زمان،حيث قال:صلوا كما رأيتموني أصلي، و الجمع مرة،أو في مكان خاص يستدعي جوازه في كل مكان و كل مرة،إلاّ أن يرد نص على التخصيص و عدم الشمول،و لا نص بالاتفاق،فيكون الجمع جائزا إطلاقا في كل زمان و مكان.

وقت الوقوف بالمشعر:

اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل وقف مع الناس بجمع،ثم أفاض قبل ان يفيضوا؟قال:ان كان جاهلا فلا شيء عليه،و ان كان قد أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة.

و قال:رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للنساء و الصبيان ان يفيضوا بليل.و آية

ص:223

امرأة،أو أي رجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلا فلا بأس.

الفقهاء:

قالوا:للوقوف بالمشعر وقتان أولهما لغير النساء و الصبيان،ممن لا عذر له في التأخير،و قد اسموه الوقت الاختياري،و هو ما بين الطلوعين من يوم العيد، أي طلوع الفجر،و طلوع الشمس،على أن يستوعب الوقوف هذه الفترة بكاملها، و من أفاض من المشعر الحرام عالما عامدا قبل طلوع الفجر بعد أن كان فيه ليلا، و لو قليلا لم يبطل حجه،ان كان قد وقف بعرفات،و لكن عليه دم شاة،و ان تركه جهلا فلا شيء عليه،كما هو صريح الرواية عن الإمام عليه السّلام.

و ثاني الوقتين للنساء و الصبيان،و لمن له عذر يمنعه من الوقوف بين الطلوعين،و يمتد من طلوع الفجر إلى زوال الشمس من يوم العيد.و الركن من كلا الوقوفين هو ادنى ما يصدق عليه اسم الوقوف،مع العلم بوجوب الوقوف في جميع الوقت المحدد،فمن ترك الوقوف كلية بدون عذر في الوقت الاختياري و الاضطراري،و لم يكن قد وقف ليلا بطل حجه،و لو تركه لعذر مشروع لم يبطل،على شريطة ان يكون قد وقف بعرفات،و من فاته الوقوف بعرفات و بالمشعر،و لم يقف فيهما إطلاقا،لا في الوقت الاختياري و لا الاضطراري،بطل حجه،حتى و لو ترك لعذر مشروع،و عليه أن يحج في العام المقبل وجوبا ان كان الحج الذي فاته واجبا،و استحبابا ان كان الفائت كذلك.

مسائل:

1-تبين لك في هذا الفصل ان للوقوف بالمشعر وقتين:

اختياريا،و هو من

ص:224

طلوع فجر اليوم العاشر من ذي الحجة إلى طلوع شمسه،و اضطراريّا يمتد من طلوع هذا الفجر إلى الزوال.

و قدمنا في فصل عرفات ان للوقوف فيها وقتين ايضا:اختياريا،و هو من زوال اليوم التاسع إلى غروب شمسه،و اضطراريا يمتد من الزوال إلى فجر اليوم العاشر.

إذا تمهد هذا،فمن أدرك الوقتين الاختياريين للوقوف بعرفات و المشعر، أو اختياريي أحدهما،و اضطراريي الآخر،أو اضطرارييهما معا،أو اختياريي أحدهما فقط صح حجه عند المشهور،و في ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السّلام، و من أدرك اضطراري عرفات فقط فلا حج له بالإجماع،و عليه ان يأتي بعمرة مفردة و يحج في قابل لقول الإمام عليه السّلام:من لم يدرك المشعر فقد فاته الحج و ليجعلها عمرة مفردة،و عليه الحج من قابل،أمّا من أدرك اضطراري المشعر فقد ذهب جماعة إلى صحة الحج و الاجتزاء به.و قال أكثر الفقهاء،و منهم صاحب الجواهر:يبطل حجه و لا يكفيه،و قد جاء في كل من القولين روايات عن أهل البيت عليهم السّلام،و لكن الدالة على البطلان أكثر و أصرح من الدالة على الصحة،بل قال الشيخ المفيد ان هذه نادرة،و تلك متواترة.فلا ريب ان الرجحان بجانبها من وجوه لا من وجه واحد،كما قال صاحب الجواهر.

2-سبق ان الواجب في الوقوف بالمشعر و عرفات هو مجرد الكون
اشارة

و الوجود

فقط،كيف اتفق،فلو افترض ان شخصا وجد هناك،و لكنه نام طوال المدة المحددة،فهل يصح وقوفه،و الحال هذه؟

الجواب:

ان المطلوب هو الوجود من حيث انه عبادة،و ليس من شك أن العبادة

ص:225

تفتقر إلى نية القربة،فإذا وصل إلى الموقف متنبها،و نوى،ثم نام،أو عرض له الجنون،أو الإغماء صح وقوفه،أما إذا دخله نائما،و خرج منه كذلك فلا يكون هذا وقوفا.

3-كل من بطل حجه لسبب من الأسباب المبطلة فعليه أن ينتقل بنيته من

الحج إلى العمرة المفردة

،و يأتي بأفعالها،ثم يقضي الحج على الصفة التي وجبت عليه من التمتع،أو القران،أو الافراد.قال صاحب الجواهر:للإجماع،و الروايات المستفيضة،منها قول الإمام عليه السّلام:أيما حاج سائق للهدي،أو مفرد،أو متمتع بالعمرة للحج قدم،و قد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة،و عليه الحج من قابل.

و سئل الإمام عليه السّلام عن رجل جاء حاجا ففاته الحج،و لم يكن قد طاف؟ قال:يقيم مع الناس حراما-أي محرما-أيام التشريق،و لا عمرة فيها،فإذا انقضت طاف بالبيت،و سعى بين الصفا و المروة،و أحل،و عليه الحج من قابل، و يحرم من حيث أحرم الناس.

ص:226

منى و أعمالها

تمهيد:

قدمنا ان الحاج ينتقل من عرفات إلى المشعر الحرام،و ان عليه ان يمكث فيه من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس مختارا.فإذا طلعت الشمس من يوم العيد انتقل من المشعر إلى منى،و بينهما واد يسمى وادي محسر،و ليس للحاج ان يتجاوزه إلاّ بعد طلوع الشمس،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:لا يجوز-أي لا يتجاوز-وادي محسر،حتى تطلع الشمس.

و لمنى مناسك شتى،تستمر من يوم النحر،و هو يوم العيد إلى صبيحة اليوم الثالث عشر،أو مساء اليوم الثاني عشر،و في منى تنتهي واجبات الحج، و تسمى الأيام الثلاثة،و هي 11 و 12 و 13 من ذي الحجة أيام التشريق.و يجب في منى يوم العيد ثلاثة مناسك:1-رمي جمرة العقبة 2-الذبح 3-الحلق أو التقصير،و فيما يلي البيان:

جمرة العقبة:

يصل الحاج إلى منى صباح يوم العيد،و أول عمل يؤديه فيها هو رمي جمرة العقبة،و عليه أن يراعي فيها الأمور التالية

ص:227

1-يبتدئ وقتها من طلوع الشمس إلى غروبها من اليوم العاشر لذي الحجة،و لا يجوز الرمي قبل طلوع الشمس إلاّ لعذر مشروع،قال الإمام الصادق عليه السّلام:رمي الجمار من ارتفاع النهار إلى غروب الشمس.و في رواية ثانية:

ما بين طلوع الشمس إلى غروبها.

2-نية التقرب إلى اللّه سبحانه،لأن هذا الرمي عبادة،تماما كالصوم و الصلاة،و لا تصح العبادة إلاّ بنية الإخلاص للّه،و امتثال امره تعالى.

3-ان يكون الرمي بسبع حصوات إجماعا،و نصا،و منه ان الامام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل أخذ احدى و عشرين حصاة،فرمى بها-أي ثلاث مرات-فزاد واحدة،و لم يدر-أي الثلاث نقصت واحدة-؟قال:يرجع،فليرم كل واحدة بحصاة.

4-ان يرمي الحصاة رميا و قذفا،فلا يكفي مجرد الوضع و الطرح،لقول الإمام:ارمها من قبل وجهها،و الوضع و الطرح لا يدخل في مفهوم الرمي،فلا يكون مجزيا.

5-أن يرميها متفرقة متلاحقة الواحدة بعد الأخرى،و لا يكفي رميها دفعة واحدة،لأن الرمي عبادة،و العبادة تتوقف على النص و لا نص في التفريق، و المعروف من عمل الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذي قال:خذوا عني مناسككم، و عمل الأئمة الأطهار عليهم السّلام،و الفقهاء جميعا هو التفريق في الرمي،فيتعين.

6-مباشرة الرمي بنفسه،و لا تجزي الاستنابة إلاّ مع الضرورة،لأن الأمر يقتضي المباشرة.

7-ان يكون الرمي بالحجر،فلا يكفي الملح و الحديد و النحاس و الخشب و الخزف،و ما إلى ذاك،لقول الإمام عليه السّلام:لا ترم الجمار إلاّ بالحصى.

ص:228

8-قال البعض:يجب أن تكون أبكارا لم يرم بها من قبل،لقول الإمام عليه السّلام:لا تأخذ من موضعين:من خارج الحرم،و من حصى الجمار-أي التي قد رمي بها.

مستحبات الرمي:

لا تشترط الطهارة في الرمي،و لكنها أفضل،قال الإمام عليه السّلام:و يستحب ان ترمى الجمار على طهر.

و يستحب البعد عن الجمرة التي ترمى بعشر خطوات،أو خمس عشرة خطوة،قال الإمام عليه السّلام:و ليكن بينك و بين جمرة العقبة مقدار عشرة أذرع،أو خمسة عشر ذراعا.

و يستحب أن تكون الحصاة بقدر رأس الأنملة،و بلون الكحل لا سودا،و لا بيضا،و لا حمرا،و ان يكون الرامي ماشيا لا راكبا،و على سكينة و وقار،و ان يضع الحصاة بيده اليسرى،و يرمي باليمنى،و ان يهلل و يكبر،و يدعو بالمأثور و غير المأثور.

الشك:

إذا شك:هل أصاب الهدف،أو لا؟بنى على عدم الإصابة،لأن الأصل العدم،و إذا شك في العدد بنى على الأقل،لأنه القدر المتيقن،و الأصل عدم الزيادة.

و بالتالي،فان جمرة العقبة أول عمل يؤديه الحاج في منى يوم العيد، و الثاني فيها هو الهدي،أي الذبح،و الثالث الحلق و التقصير،ثم يمضي في نفس

ص:229

اليوم إلى مكة،لأجل الطواف،و السعي و لا رمي في اليوم العاشر إلاّ جمرة العقبة، و إلى الكلام عن ذلك كله في الفقرات التالية:

الهدي:

العمل الثاني الذي يجب في منى هو الهدي،و يقع الكلام أولا في تقسيمه إلى مستحب،و واجب.ثانيا فيمن يجب عليه الهدي.ثالثا في صفات الهدي.

رابعا في وقت الذبح أو النحر.خامسا في حكم اللحم.سادسا في البدل عنه لمن لم يجد الهدي،و لا ثمنه.

استحباب الأضحية:

الأضحية مستحبة بذاتها بصرف النظر عن الحج،و اعماله،فقد جاء في تفسير قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (1)ان اللّه أمر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالنحر بعد صلاة العيد.و في الحديث:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يضحي بكبشين.و قال الإمام الصادق عليه السّلام:كان عليا أمير المؤمنين عليه السّلام يضحي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كل عيد بكبش،يذبحه،و يقول:اللهم هذا عن نبيك،و يذبح كبشا آخر عن نفسه.

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال:لو علم الناس ما في الأضحية لاستدانوا، وضحوا،أنه يغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة تقطر من دمها.و قال الإمام الصادق عليه السّلام:هي واجبة على كل مسلم إلاّ من لم يجد.

و التعبير بالوجوب إشارة إلى تأكيد الاستحباب،و الاهتمام بالأضحية،قال صاحب الحدائق:انها مستحبة استحبابا مؤكدا بإجماع علمائنا،و نقل عن ابن

ص:230


1- الكوثر:2. [1]

الجنيد القول بوجوبها.و من تتبع آثار أهل البيت عليهم السّلام و أقوالهم يرى أنهم يستعملون لفظ الوجوب كثيرا في تأكيد الاستحباب و المبالغة في رجحانه، و يستعملون لفظ الحرمة في تأكيد الكراهية،و المبالغة فيها.

و أيام الأضحية المستحبة أربعة لمن كان في منى:و هي يوم العيد،و الأيام الثلاثة التي تليه،أي أيام التشريق.و لمن كان في غير منى فأيامها ثلاثة:يوم العيد، و الحادي عشر،و الثاني عشر.و أفضل ساعات الأضحية من يوم الأضحى أن تكون بعد طلوع الشمس،و مضي ما يتسع لصلاة العيد و الخطبتين.

و يستحب تقسيم الأضحية أثلاثا:يأكل المضحي و أهل بيته ثلثا،و يهدي على أخوانه و جيرانه ثلثا،و يتصدق على المحتاجين بالثلث الباقي،قال الإمام الصادق عليه السّلام:كان الإمام زين العابدين و ولده الإمام الباقر عليهما السّلام يتصدقان بالثلث على الجيران،و الثلث على من يسأل و يطلب،و يمسكان الثلث لأهل البيت.

وجوب الأضحية:

إن الدماء الواجبة بنص القرآن الكريم أربعة:

1-تجب على من حج متمتعا،قال تعالى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (1).

2-قدمنا في فصل«تروك الإحرام»أن المحرم إذا حلق رأسه لضرورة فعليه كفّارة مخيرا بين صيام ثلاثة أيام،و إطعام ستة مساكين،أو التضحية بشاة، قال تعالى فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ

ص:231


1- البقرة:196. [1]

(1).3-و قدمنا أيضا ان المحرم إذا اصطاد فعليه كفارة مثل ما قتل من النعم،قال تعالى وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ (2).

4-هدي الحصار،قال جل و عز فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ (3).

و نتكلم في هذا الفصل عن الهدي الواجب على الحاج يوم العيد بمنى،أما غيره فقد سبق الكلام عنه في مطاوي الفصول السابقة حسب المناسبات و المقتضيات.

من وجب عليه الهدي في منى:

لا يجب الهدي على من اعتمر بعمرة مفردة،بل لا يجب عليه الذهاب إلى منى إطلاقا،كما تقدم.

و لا يجب الهدي على الحاج المفرد،و لا على القارن إلاّ إذا ساق القارن معه الهدي من الإحرام.

إما الحاج المتمتع فيجب عليه الهدي قطعا،قال صاحب الجواهر:بلا خلاف أجده فيه،بل الإجماع عليه بعد الكتاب فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ (4)و الروايات المستفيضة،منها قول الإمام الصادق عليه السّلام في خبر سعيد الأعرج:من تمتع في أشهر الحج،ثم أقام بمكة،حتى يحضر الحج فعليه شاة،و ان تمتع في

ص:232


1- البقرة:196. [1]
2- المائدة:95. [2]
3- البقرة:196. [3]
4- البقرة:196. [4]

غير أشهر الحج،ثم جاور بمكة حتى يحضر الحج،فليس عليه دم،انما هي حجة مفردة (1).

فقول الإمام عليه السّلام:«ثم جاور بمكة حتى يحضر الحج فليس عليه دم»ظاهر في نفي وجوب الهدي عن المفرد و القارن،لأن هذا المجاور فرضه الافراد أو القران،لا التمتع كما تقدم.

و سبق أن المكي فرضه الافراد أو القران،فإذا حج متمتعا وجب عليه الهدي كغيره،قال صاحب الجواهر:«على المشهور شهرة عظيمة».أما سبب هذه الشهرة فهو إطلاق الأدلة الدالة على وجوب الهدي في حج التمتع.

صفات الهدي:

يشترط في الهدي الواجب بمنى أمور:

1-ان يكون من الأنعام الثلاثة:الإبل،و البقر،و الغنم،قال تعالى:

وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ (2)و قال الإمام الصادق عليه السّلام:على المتمتع الهدي.فقيل له:و ما الهدي؟قال:أفضله بدنة،و أوسطه بقرة،و أخسه شاة.

2-لا يجزي من الإبل إلاّ الثني،و هو الذي له خمس سنوات و دخل السادسة،و الثنية من البقر و المعز،و هو ما له سنة و دخل في الثانية،و من الغنم الجذع و هو الذي مضى عليه ستة أشهر.قال صاحب الجواهر:بلا خلاف أجده

ص:233


1- هذه الرواية موجودة في الجواهر و [1]الحدائق،و فيهما«تجاوز مكة»،و بعد مراجعة الوسائل [2]تبين أن الصحيح«جاور بمكة»،و لا يستقيم المعنى إلاّ بذلك،و عليه يكون الخطأ من الناسخ.
2- الحج:28. [3]

فيه،مضافا إلى صحيح العيص عن الصادق عليه السّلام أن عليا أمير المؤمنين كان يقول:

يجزي الثني من الإبل،و الثنية من البقر و المعز،و الجذعة من الضأن.

3-ان يكون تام الخلقة،فلا تجزي العوراء،و لا العرجاء البيّن عرجها،و لا المريضة البين مرضها،و لا الكبيرة التي لا تنضج،و لا مكسورة القرن،و لا مقطوعة الاذن،و لا الجماء التي لا قرن لها،و لا الصماء التي لا اذن لها،أو لها أذن صغيرة، و لا الخصي و لا الهزيل الذي ليس على كليتيه شحم.

و في ذلك روايات عن أهل البيت عليهم السّلام نذكر منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه الإمام الكاظم في رجل اشترى أضحية عوراء،فلم يعلم إلاّ بعد شرائها، هل تجزي عنه؟قال:نعم.إلاّ أن يكون هديا واجبا،فإنه لا يجوز أن يكون ناقصا.و ما رواه الإمام الباقر عليه السّلام عن جده الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال:

لا تضحي بالعرجاء،و لا العجفاء،و لا الخرقاء،و لا الجذاء،و لا العضباء و العجفاء الهزيلة،و الخرقاء لا اذن لها،أو مخروقة الاذن،و الجذاء مقطوعتها،و العضباء مكسورة القرن.

و أفضل الهدي من الإبل و البقر الإناث،و من الضأن الذكران،قال الإمام الصادق عليه السّلام:أفضل البدن ذوات الأرحام من الإبل و البقر،و قد تجزي الذكور، و من الغنم الفحولة،و يستحب أن يتولى الحاج الذبح بنفسه،و ان لم يفعل،وضع يده فوق يد الذابح،كما يستحب عند الذبح الدعاء بالمأثور.

وقت الهدي و مكانه:

اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل قدم بهديه مكة في العشر؟قال:ان كان هديا واجبا فلا يجزيه إلاّ بمنى،و ان كان ليس بواجب فلينحره بمكة ان شاء.

ص:234

و قال:لا تخرجن شيئا من لحم الهدي.

و سئل عن الأضحى بمنى؟فقال:أربعة أيام،و في سائر البلدان ثلاثة أيام.

الفقهاء:

قالوا:مكان الذبح،و النحر منى بالاتفاق،و قال الشيخ الأردبيلي في شرح الإرشاد ما نصه بالحرف:«أما زمان الذبح فظاهر الأصحاب أنّه لمن كان بمنى يوم النحر-أي العيد-و ثلاثة أيام بعده،و زمان الأضحية في غير منى يوم النحر، و يومان بعده».ثم ذكر الرواية المتقدمة.

و الذي لا شك فيه أن نية القربة واجبة في الذبح،لأنه عبادة،بل التنبيه على ذلك من نافلة القول.

لحم الهدي:

اشارة

ليس من شك أنه يستحب أن يتصدق صاحب الهدي بثلثه،و يهدي الثلث الآخر،و يأكل من الثلث الباقي،لوجود الروايات عن أهل البيت عليهم السّلام،و لكن هل يجب على صاحبه أن يأكل منه؟

الجواب:

قال بعض الفقهاء:يجب الأكل،و قال آخرون:لا يجب،و منهم صاحب الجواهر،و هو الحق،أما قوله تعالى فَكُلُوا مِنْها (1)فقد جاء لرفع توهم التحريم و الحظر،حيث كان أهل الجاهلية لا يأكلون من نسائهم معتقدين أن

ص:235


1- الحج:28. [1]

ذلك محرم عليهم،فأراد اللّه سبحانه أن ينبه إلى خطأهم،و عليه يكون الأمر لمجرد الإباحة فقط.و قال صاحب الجواهر:و يجوز أن يكون الأمر ندبا لما في الأكل منه من مواساة الفقراء،و استعمال التواضع.

بدل الهدي:

اشارة

قال تعالى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ (1).

و قال الإمام عليه السّلام:ان المتمتع إذا وجد الهدي،و لم يجد الثمن صام ثلاثة أيام في الحج،يوما قبل التروية-اي السابع من ذي الحجة-و يوم التروية -الثامن-،-و يوم عرفات-التاسع-،و سبعة إذا رجع إلى أهله،تلك عشرة كاملة لجزاء الهدي.

الفقهاء:

قالوا:إذا لم يجد الحاج الهدي،و لا ثمنه انتقل إلى البدل عنه،و هو صوم عشرة أيام:ثلاثة منها متتابعات في أيام الحج،و سبعة إذا رجع إلى أهله.

و إذا علم الحاج،و تأكد أنه سوف لا يجد الهدي،و لا ثمنه في حينه صام يوم السابع و الثامن و التاسع من ذي الحجة،و لا يشترط فيها نية الإقامة،و إذا لم يعلم صام بعد أيام التشريق،أي بعد اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.و إذا مضت أيام الحج،و لم يصم الثلاثة،تعين عليه أن يستنيب من يذبح عنه بمنى في قابل.

ص:236


1- البقرة:196. [1]

و إذا وجد ثمن الهدي و لم يجد الهدي يعطي الثمن لمن يثق به،و يوكله بالذبح في غيابه في شهر ذي الحجة من سنته التي حج فيها،فان لم يجد طوال الشهر المذكور ففي العام المقبل.قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور،بل عن ظاهر كتاب الغنية الإجماع عليه،بل قد يشهد له التتبع،لانحصار المخالف بابن إدريس».

حرق الهدي و طمره:

من عادة الحجاج-اليوم-ان يدفعوا نقودا لمن يتقبل الهدي ظاهرا،ثم يدفنه أو يطمره أو يتركه للهواء و الشمس،بالنظر لعدم وجود الآكلين و المستهلكين.

و لم أر أحدا فيما قرأت تعرض لجواز ذلك،أو منعه رغم الحاجة الماسة إلى معرفة حكمه و دليله،و في سنة 1949 استفتى الحجاج المصريون جامع الأزهر في ذلك،و طلبوا الاذن بدفع ثمن الهدي إلى المحتاجين،فنشر الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر كلمة في العدد الرابع من المجلد الأول من رسالة الإسلام التي تصدرها دار التقريب بالقاهرة أوجب فيها الذبح على كل حال.

و رددت عليه بمقال مطول نشر القسم الأول منه في عدد كانون الثاني، و القسم الثاني في عدد نيسان من سنة 1950 من المجلة المذكورة،و حين أعادت دار العلم للملايين ببيروت نشر كتابي«الإسلام مع الحياة»أدرجته فيه بعنوان:هل تعبدنا الشرع بالهدي في حال يترك فيها للفساد؟و كان قد انتهى بي القول إلى أن الهدي انما يجب،حيث يوجد الآكل،أو يمكن الانتفاع به بتجفيف اللحم،أو تعليبه،أما إذا انحصر أمره بالإتلاف،كالحرق و الطمر فلا يجوز،و من أراد

ص:237

التفصيل و معرفة الدليل فليرجع إلى كتاب«الإسلام مع الحياة»الطبعة الثانية صفحة 195.

و الآن،و انا اكتب هذا الفصل،و ابحث و انقب عن مصادره اطلعت على حديث في كتاب«وسائل الشيعة»يؤيد ما قلت،و قد ذكر صاحب الكتاب في الأضحية بعنوان«تأكيد استحباب الأضحية»،و هو أن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام روى عن آبائه عن جدهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال:«انما جعل هذا الأضحى لتشبع مساكينكم من اللحم فأطعموهم».

و أعطف هذا الحديث الشريف على آخر استندت إليه هنالك،و هو ان كان خاصا في الأضحية المستحبة إلاّ أنه يلقي ضوءا على الأضحية الواجبة بمنى.

الحلق أو التقصير:

تبين مما قدمنا في هذا الفصل أن العمل الأول الواجب على الحاج بمنى في اليوم العاشر من ذي الحجة هو رمي جمرة العقبة،و ان الثاني هو الهدي،أما الثالث فهو الحلق أو التقصير مخيرا بينهما،و الحلق أفضل بخاصة للصرورة،و من لبد شعره،أو عقص،بل يرجح الوجوب.و تكلمنا عن ذلك مفصلا في فصل«الحلق أو التقصير»فراجع.

و يجب الترتيب بين هذه الأعمال الثلاثة بمنى،فيرمي أولا،و يهدي بعد الرمي،و يحلق بعد الهدي،قال تعالى وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ (1).و في رواية عن الإمام الصادق عليه السّلام إذا رميت الجمرة فاشتر هديك.

و في ثانية إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك.و إذا عطفنا هذه على تلك نتج

ص:238


1- البقرة:196. [1]

الترتيب الذي ذكرناه.

و إذا عكس الترتيب،فحلق قبل ان يهدي،أو اهدى قبل أن يرمي عالما عامدا صح،و لا يجب ان يعيد،و لكنه يأثم،و يستحق اللوم و العقاب.قال صاحب الجواهر:«هذا مما لا خلاف فيه،بل في المدارك ان الأصحاب قاطعون به».

و في أقوال أهل البيت عليهم السّلام الأمر بإمرار الموسى على الرأس إذا قدم الحلق على الذبح.

إلى مكة للطواف و السعي ثانية:

إذا انهى الحاج المناسك الثلاثة يوم العيد،أي الرمي و الذبح و الحلق،مضى إلى مكة في نفس اليوم ان كان متمتعا،و له أن يتأخر عنه،ان كان قارنا،أو مفردا.

قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا يبيت المتمتع في منى يوم النحر،حتى يزور البيت.

أما القارن و المفرد فموسع عليهما.

و في رواية عنه:أنّه يجوز التأخير عن يوم العيد للمتمتع على كراهة،و هي:

«زر البيت يوم النحر،فان شغلت فلا يضرك ان تزور البيت من الغد،و لا تؤخر أن تزوره من يومك،فإنه يكره للمتمتع أن يؤخر،و موسع على المفرد».

و من هنا ذهب جماعة،منهم صاحب الجواهر إلى جواز التأخير للمتمتّع على كراهة.و هو غير بعيد،لوجود روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السّلام تدل على جواز التأخير.و مهما يكن،فإن وظيفة الحاج،أي حاج متمتعا كان أو قارنا أو مفردا واحدة في البيت الحرام،لا تختلف المناسك فيه إطلاقا،و هي أن يمضي من منى إلى البيت الحرام،فيطوف به سبعا،ثم يصلي ركعتي الطواف،و يسمى هذا الطواف بطواف الزيارة و طواف الحج،ثم يسعى بين الصفا و المروة سبعا،ثم

ص:239

يطوف ثانية طواف النساء،و يصلي ركعتي الطواف،رجلا كان الحاج أو امرأة.

و بطواف النساء يحل للرجل كل شيء حتى النساء،و للمرأة حتى زوجها.و ذكرنا ما يتعلق بذلك في فصل«الطواف».و فصل«السعي»فراجع.

اشارة:

و تجدر الإشارة هنا إلى أن المشهور بشهادة صاحب الحدائق قسموا الموارد التي يحل فيها للمحرم ما كان قد حرم عليه،قسموها إلى ثلاثة أقسام:

الأول:بعد الحلق الذي هو ثالث المناسك بمنى،حيث يحل الحاج المتمتع من كل شيء إلاّ الطيب و النساء،و يحل للمفرد و القارن الطيب و لا تحل له النساء.

الثاني:بعد طواف الزيارة بالبيت،و ركعتيه و السعي حيث يحل الطيب ايضا،و لا تحل النساء.

الثالث:بعد طواف النساء،و ركعتيه،حيث يتحلل بعده من كل شيء،و لا يبقى بعده شيء من حكم الإحرام،حتى النساء.

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا ذبح الرجل و حلق،فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء و الطيب،فإذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة،فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء،فإذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلاّ الصيد-اي الصيد الحرمي،لا الإحرامي-،إذ المفروض انه قد تحلل من الإحرام إطلاقا.

ص:240

فائدة:

و من فوائد هذا الفصل،و ما تقدمه من فصول،التوضيح بأن على المتمتع إحرامين:أحدهما من الميقات،لعمرة التمتع،و الثاني من مكة للحج،و سعيين:

أحدهما لعمرة التمتع،و الآخر للحج،و ثلاثة اطوفة:أحدها لعمرة التمتع،و الثاني للحج،و الثالث طواف النساء.

و ان على المفرد و القارن إحراما واحدا للحج،و سعيا واحدا له،و طوافين:

أحدهما للحج،و الثاني طواف النساء.

و ان على المعتمر عمرة مفردة إحراما واحدا،و سعيا واحدا،و طوافين:

أحدهما للعمرة،و الآخر طواف النساء.

و على المتمتع هدي،و لا هدي على المعتمر بعمرة مفردة،و لا على المفرد،و لا على القارن إلاّ إذا ساق معه الهدي من الإحرام.راجع فصل«أصناف الحج».

ص:241

ص:242

في منى

المبيت في منى:

اشارة

قال تعالى وَ اذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (1).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا تبت ليالي التشريق-الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر من ذي الحجة-إلاّ بمنى،فان بت في غيرها فعليك دم،فان خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلاّ و أنت في منى إلاّ أن يكون شغلك نسك، أو قد خرجت من مكة،و ان خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك أن تصبح في غيرها.و سئل عن رجل زار عشيا-أي زار البيت الحرام-فلم يزل في طوافه و دعائه،و في السعي بين الصفا و المروة،حتى يطلع الفجر؟قال:ليس عليه شيء كان في طاعة اللّه.

و قال:من تعجل في يومين فلا ينفر-أي من منى-حتى تزول الشمس، فإن أدركه المساء بات،و لم ينفر.

و سئل عن الرجل ينفر في النفر الأول-أي اليوم الثاني عشر-؟قال:له ان

ص:243


1- البقرة:203. [1]

ينفر ما بينه و بين ان تسفر الشمس،فان هو لم ينفر،حتى يكون عند غروبها فلا ينفر،و ليبت بمنى،حتى إذا أصبح،و طلعت الشمس فلينفر متى شاء.أي أن للحاج أن يخرج من منى في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة بعد زوال الشمس و قبل غروبها،و إذا بقي في منى إلى المغيب وجب عليه المبيت في منى ليلة الثالث عشر،و لا ينفر منها،إلاّ بعد طلوع الشمس.

و قال في رواية ثانية،من اتى النساء و الصيد في إحرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الأول.و إذا عطفنا هذه الرواية على الرواية المتقدمة كانت النتيجة ان من غربت عليه الشمس،و هو في منى يوم 12،و من لم يلق النساء و الصيد في إحرامه،وجب عليه حتما أن يبيت بمنى ليلة الثالث عشر من ذي الحجة.

الفقهاء:

لا خلاف بينهم في أن الحاج إذا قضى مناسكه بمكة يوم العيد من طواف الحج،و السعي،و طواف النساء،لا خلاف في أنّه تجب عليه،و الحال هذه،العودة يوم العيد بالذات إلى منى،و المبيت فيها بنية التقرب إلى اللّه ليلة الحادي عشر و الثاني عشر من ذي الحجة،و لا يجب عليه المبيت بمنى ليلة الثالث عشر،على شريطة أن يخرج من منى في اليوم الثاني عشر بعد الزوال،و قبل المغيب،و ان يكون قد اتقى،و هو محرم،الصيد و النساء.و في هذا تجد تفسير قوله تعالى:

فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى (1)أي اتقى الصيد و النساء في إحرامه.و إذا كان قد أتى النساء و الصيد،أو غابت الشمس من اليوم الثاني عشر و هو في منى،وجب عليه المبيت فيها حتما ليلة الثالث عشر،

ص:244


1- البقرة:203. [1]

و رمي الجمار الثلاث في صبيحته.

و قالوا:إذا بات في غير منى ينظر:فان كان بمكة مشتغلا بالعبادة،حتى الصباح،جاز و لا شيء عليه،و ان بات فيها غير متعبد،أو في غيرها،و ان تعبد فعليه عن كل ليلة شاة،حتى و لو كان ناسيا،أو جاهلا.فان بات الليالي الثلاث في غيرها فعليه ثلاث شياه،و الواجب في ليالي منى هو المبيت بنية القربة،و يستحب التهجد و العبادة.و تستحب الصلاة بمسجد الخيف،و في سفح كل جبل بمنى يسمّى خيفا.

أيام التشريق:

أيام التشريق هي الحادي عشر،و الثاني عشر،و الثالث عشر من ذي الحجة،و قيل:ان سبب تسميتها بذلك،انهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي، أي يقددونها،و يبرزونها للشمس.

الجمار أيام التشريق:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:الحج الأكبر الوقوف بعرفات،و رمي الجمار- يريد رميها بمنى.

و قال:ارم في كل يوم عند زوال الشمس،و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة،فابدأ بالجمرة الأولى عن يسارها في بطن المسيل،و قل كما قلت يوم النحر،ثم قم عن يسار الطريق،فاستقبل القبلة،و احمد اللّه،و أثن عليه،و صلّ على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،ثم افعل ذلك عند الثانية،و اصنع كما صنعت بالأولى،و تقف و تدعو اللّه كما دعوت،ثم امض إلى الثالثة،و عليك السكينة و الوقار،فارم،و لا

ص:245

تقف عندها.

و سئل عن الرجل يرمي الجمار منكوسة-أي بغير الترتيب الشرعي.

قال:يعيدها على الوسطى،و جمرة العقبة.

و قال:رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها.و رخص للعبد و الخائف و الراعي بالرمي ليلا.

الفقهاء:

أوجبوا على كل حاج،متمتعا كان أو قارنا،أن يرمي في كل من اليوم الحادي عشر،و اليوم الثاني عشر ثلاث جمرات،كل جمرة بسبع حصيات،و إذا بات ليلة الثالث عشر بمنى وجب عليه ان يرمي في يومه ثلاث جمرات ايضا، و صورة الرمي واحدة في جميع الجمرات،و تقدم بيانها مفصلا في فصل«منى و أعمالها».

و أوجبوا ان يكون الرمي على الترتيب الشرعي،بحيث يبدأ بالجمرة الاولى،ثم الوسطى،ثم جمرة العقبة،و إذا خالف الترتيب عن عمد أو سهو أو جهل أعاد على الوسطى و جمرة العقبة-لا بد من مرشد يدله على هذه الجمرات الثلاث.

أما وقت الرمي مختارا فهو ما بين طلوع الشمس إلى غروبها،و يجوز للمضطر كالخائف و المريض و الراعي أن يرمي ليلا.و عقّب صاحب الجواهر على كل ما ذكرناه بكلمته المكرورة،و هي:«بلا خلاف أجده فيه».

و إذا نسي رمي جمرة أو بعضها،أعاد من الغد ما دامت أيام التشريق،و ان نسي الجمار بكاملها،حتى خرج من منى وجب عليه الرجوع إليها،و الرمي،ان كانت أيام التشريق باقية،و إلاّ قضى الرمي في السنة القادمة بنفسه،أو استناب

ص:246

عنه،و لا كفارة عليه.

و من المفيد ان ننقل ما ذكره العلامة الحلي في كتاب التذكرة:«يرمي في كل يوم احدى و عشرين حصاة،على ثلاث دفعات،كل واحدة منها سبع حصيات، يبتدئ بالأولى،و هي أبعد الجمرات من مكة،و تلي مسجد الخيف،و يستحب ان يرميها حذفا-أي يضع الحصاة على باطن الإبهام،و يدفعها بظاهر السبابة- عن يسار الجمرة من بطن المسيل بسبع حصيات،و يكبر عند كل حصاة، و يدعو،ثم يتقدم إلى الجمرة الثانية،و تسمى الوسطى،و يقف عن يسار الطريق، و يستقبل القبلة،و يحمد اللّه،و يثني عليه،و يصلي على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثم يتقدم قليلا،و يدعو،ثم يرمي الجمرة،و يصنع كما صنع عند الأولى،و يقف و يدعو أيضا بعد الحصاة الأخيرة،ثم يمضي إلى الجمرة الثالثة،و تسمى بجمرة العقبة، و يرميها كالسابقة،و لا يقف بعدها،و بها يختم الرمي،فمجموع ما يرميه في الأيام الثلاثة بمنى 63 حصاة-هذا،ان بات بمنى ليلة الثالث عشر-كل يوم 21، تضاف إلى السبع التي رماها يوم العيد،فتتم على السبعين».

و بعد أن ذكر هذا العلامة قال:لا نعلم فيه خلافا.

الوداع:

و متى انهى الحاج عملية الجمار بمنى جاز له أن يقفل منها عائدا إلى وطنه دون أن يهبط إلى مكة المكرمة.و لكن الأفضل الأكمل أن يعود إلى بيت اللّه الحرام،و يطوف طواف الوداع،كما جرت عليه عادة الحجاج كافة منذ القديم.

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا أردت أن تخرج من مكة،و تأتي أهلك،فودع البيت و طف به سبعا.

و الحمد للّه رب العالمين و الصلاة على النبي و آله الأكرمين.

ص:247

ص:248

زيارة الرسول و آله الأطهار

تستحب زيارة الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم استحبابا مؤكدا،بخاصة في حق الحاج،قال الإمام الصادق عليه السّلام:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:من أتى مكة حاجا،و لم يزرني في المدينة جفوته يوم القيامة،و من أتاني زائرا وجبت له شفاعتي،و من وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة.

و ثبت عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال:من زار قبري بعد موتي كمن هاجر إليّ في حياتي.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان زيارة قبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و زيارة قبور الشهداء،و زيارة قبر الحسين عليه السّلام تعدل حجة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و قال:من زار جدي أمير المؤمنين عارفا بحقه كتب اللّه له بكل خطوة حجة مقبولة،و عمرة مبرورة.

و يستحب إتيان المساجد كلها في المدينة،مثل مسجد قبا،و مشربة أم إبراهيم،و مسجد الأحزاب،و مسجد القبلتين،و مسجد أمير المؤمنين عليه السّلام، و مساجد أحد،و قبور الشهداء،بخاصة قبر حمزة عليه السّلام.

أما زيارة قبور أئمة البقيع عليهم أفضل الصلوات الذين ظلموا أحياء و أمواتا فهي من أفضل الطاعات،و أبر الصلات،بخاصة في هذا العصر،و أئمة

ص:249

البقيع هم:الإمام الحسن،و الإمام زين العابدين،و الإمام الباقر،و الإمام الصادق عليهم أفضل الصلاة و السلام.

أمّا زيارة فاطمة أم الحسنين فهي تماما كزيارة أبيها،لأنها بضعة منه،و قد تعددت الأقوال في مكان قبرها الشريف،و الأقرب الأصوب انها دفنت في بيتها المجاور لمسجد أبيها،و حين زاد الأمويون في المسجد صار القبر من جملته، و إلى هذا ذهب ابن بابويه.و انما قلنا أقرب و أصوب للحديث المشهور عن أبيها الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:بين قبري و منبري روضة من رياض الجنة.و اللّه وحده العالم، و هو ولي التوفيق.

ص:250

الجهاد و الأمر بالمعروف

الجهاد

من آيات الجهاد:

حث القرآن على الجهاد في العديد من الآيات:

منها إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (1).

و منها لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً (2).

و منها:

ص:251


1- التوبة:112. [1]
2- النساء:94. [2]

وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ وَ آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ (1).

إلى كثير من الآيات.

من أحاديث الجهاد:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:من ترك الجهاد ألبسه اللّه ذلا و فقرا في معيشته، و محقا في دينه.

و قال أمير المؤمنين عليه السّلام:الجهاد عز للإسلام.

و قال:الجهاد باب من أبواب الجنة،فتحه اللّه لخاصة أوليائه.و هو لباس التقوى،و درع اللّه الحصينة،و جنته الوثيقة،فمن تركه ألبسه اللّه ثوب الذل، و شمله البلاء،و ديث بالصّغار،و القماة-أي الذل-و ضرب على قلبه بالأسداد، و أديل الحق منه بتضييع الجهاد،و سيم الخسف،و منع النّصف.

وجوب الجهاد:

يجب الجهاد بإجماع المسلمين،و ضرورة الدين،تماما كالصوم و الصلاة، و الحج و الزكاة،و قد دأب الشيعة منذ القديم أن يلقنوا أولادهم و أطفالهم أصول الدين و فروعه مرددين عليهم،حتى يحفظوا عن ظهر قلب:أصول الدين خمسة:

التوحيد،و العدل،و النبوة،و الإمامة،و المعاد في يوم القيامة.و فروع الدين خمسة:الصوم و الصلاة و الحج و الزكاة،و الجهاد في سبيل اللّه.و الجهاد نوعان:

أحدهما للدعوة إلى الإسلام،و ثانيهما للدفاع عنه و عن المسلمين،و التفصيل في الفقرة التالية.

ص:252


1- الأنفال:61. [1]

الشروط:

لوجوب الجهاد من أجل الدعوة إلى الإسلام و انتشاره شروط:

1 و 2-البلوغ و العقل،لأنهما من الشروط العامة للتكليف.

3-الذكورية بالإجماع،و لأن الجهاد يحتاج إلى بطولة و رجولة،لا إلى غنج و دلال و صبغ الخدود و الشفاه،و إلى حمل السلاح،لا إلى لبس الأساور و الاقراط، و إلى المبيت في الخنادق،لا إلى النوم في الأسرة و المخادع،و رغم هذا كله لو أحوج الأمر إليهنّ وجب،كما قال العلامة في التذكرة.

4-السلامة من الضرر،قال تعالى في الآية 61 من النور لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ .و الآية 91 و 92 التوبة لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ .

5-وجود النفقة له،و لعياله مدة غيابه عنهم،و يدل على هذا الشرط قوله تعالى في الآية السابقة وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ . وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ .

اذن الإمام أو نائبه:

اشارة

هل يشترط لوجوب الجهاد اذن الإمام عليه السّلام،أو نائبه الخاص الذي نص عليه و اسماه بالذات،نقول هذا العلم بأنه مجرد فرض في عصرنا،أو نائبه العام، و هو الذي جمع بين وصفي العدالة و الاجتهاد المطلق؟

ص:253

الجواب:
اشارة

قسم الفقهاء الجهاد إلى نوعين:

الأول:جهاد الغزو في سبيل اللّه و انتشار الإسلام،و إعلاء كلمته في بلاد اللّه

و عباده

.و هذا النوع من الجهاد لا بد فيه من اذن الإمام،قال علي أمير المؤمنين عليه السّلام:لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم،و لا ينفذ في الفيء أمر اللّه عزّ و جل.و قال حفيده الإمام الصادق عليهما السّلام لعبد الملك بن عمرو:لم لا تخرج إلى هذه المواضع التي يخرج إليها أهل بلادك-أي تجاهد مع الحاكم-؟قال عبد الملك:انتظر أمركم،و الاقتداء بكم.قال الإمام:اي و اللّه،لو كان خيرا ما سبقونا إليه.قال عبد الملك:ان الزيدية يقولون:ليس بيننا و بين جعفر خلاف إلاّ أنّه لا يرى الجهاد.قال الإمام:أنا لا أرى الجهاد!!بلى،و اللّه اني أراه، و لكني أكره أن ادع علمي إلى جهلهم.

و تجدر الإشارة إلى أن هذا الجهاد هو الذي يجب وجوبا كفائيا لا عينيا، و هو الذي يشترط فيه الشروط الخمسة السابقة،بالإضافة إلى إذن الإمام،أو نائبه.

و أيضا تجدر الإشارة إلى أن كل من أعان جائرا فقد عصى اللّه سبحانه، و استحق العقاب،و ضمن كل ما يتلفه،و يجني عليه،حتى في حال حربه مع الجائر باسم الدعوة إلى الإسلام،بعد أن بينّا أن الحرب و جهاد الغزو لا بد فيه من اذن الإمام،أو نائبه،أجل،إذا كان التطوع في جيش الجائر دفاعا عن الإسلام، و قوة له جاز،بل يجب بدون ريب.

النوع الثاني:جهاد الدفاع عن الإسلام،و بلاد المسلمين،و الدفاع عن

النفس و المال و العرض

،بل الدفاع عن الحق إطلاقا،سواء أ كان له،أم لغيره،على شريطة أن يكون القصد خالصا لوجه اللّه و الحق.

ص:254

و هذا الدفاع لا يشترط فيه اذن الامام،و لا نائبه الخاص،أو العام،و لا شيء من الشروط السابقة.و يجب عينا،لا كفاية-بالنسبة إلى الدفاع عن الإسلام و بلاد المسلمين-على كل من كان في دفاعه ادنى نفع لصد العدوان عن الإسلام و أهله، دون فرق بين الرجل و المرأة،و لا بين الأعرج و الصحيح،و لا بين الأعمى و البصير،و لا بين المريض و السليم،قال صاحب الجواهر:«إذا داهم المسلمين عدو من الكفار يخشى منه على بيضة الإسلام-مأخوذة من الخوذة التي يضعها المحارب على رأسه يتقي بها الضربات-أو يريد الكافر الاستيلاء على بلاد المسلمين،و أسرهم و سبيهم،و أخذ أموالهم،إذا كان كذلك وجب الدفاع على الحر و العبد،و الذكر و الأنثى،و السليم و المريض،و الأعمى و الأعرج،و غيرهم ان احتيج إليهم،و لا يتوقف الوجوب على حضور الإمام،و لا اذنه،و لا يختص بالمعتدى عليهم و المقصودين بالخصوص،بل يجب النهوض على كل من علم بالحال،و ان لم يكن الاعتداء موجها إليه،هذا،إذا لم يعلم بأن من يراد الاعتداء عليهم قادرين على صد العدو،و مقاومته،و يتأكد الوجوب على الأقرب من مكان الهجوم فالأقرب».

و يدل على أن الجهاد في سبيل الدعوة إلى الإسلام لا بد فيه من اذن الامام، دون الدفاع عن النفس و المال،يدل عليه قول الإمام الصادق عليه السّلام:الجهاد واجب مع امام عادل،و من قتل دون ماله فهو شهيد،أي و ان لم يأذن له الإمام،أو نائبه إذنا خاصا.

الزمان و المكان:

يجوز القتال في زمان دون زمان،و في مكان دون مكان،أما المكان الذي لا

ص:255

يجوز القتال فيه فهو المسجد الحرام إلاّ إذا ابتدأ المعتدي بالقتال،قال تعالى وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (1).و المكان الذي يجوز القتال فيه ابتداء للدعوة إلى الإسلام هو ما عدا المسجد الحرام.

أما الزمان الذي لا يجوز القتال فيه الأشهر الحرم،و عددها أربعة:ذو القعدة،و ذو الحجة،و المحرم،و رجب إلاّ إذا ابتدأ المعتدي فيها بالقتال،فيجوز الدفاع حينئذ،قال تعالى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (2).

و في الآية 193 البقرة اَلشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ أي ان الذي يستحل قتالكم في الشهر الحرام استحلوا أنتم أيضا قتاله في هذا الشهر قصاصا له على اعتدائه.و يجوز القتال في غير هذه الأشهر.

إذن الأبوين:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فقال له:اني راغب في الجهاد نشيط،فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فجاهد في سبيل اللّه.قال الرجل:

ان لي والدين كبيرين يزعمان أنهما يأنسان بي،و يكرهان خروجي.قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أقم مع والديك،و الذي نفسي بيده لأنسك بهما يوما و ليلة خير من جهاد سنة.

ص:256


1- البقرة:190. [1]
2- التوبة:6. [2]
الفقهاء:

قالوا:للوالدين أن يمنعا ولدهما من جهاد الغزو،على شريطة أن لا يأمره الإمام أو نائبه بذلك،أو يحتاج المسلمون إليه شخصيا لكفاءته العسكرية،بحيث لا يستطيعون المقاومة بدونه،إذ يجب الجهاد عليه في هذه الحال عينا،دون أن يتوقف على إذن أحد إطلاقا،تماما كالصلاة و الصيام،سواء أرضي الأبوين،أم غضبا،إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

المرابطة:

اشارة

قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (1).

قال الإمام الصادق عليه السّلام:الرباط ثلاثة أيام،و أكثره أربعون يوما،فإذا كان ذلك فهو جهاد.

و سئل حفيده الإمام الرضا عليهما السّلام عن الرجل يرابط،فجاء العدو إلى الموضع الذي هو فيه مرابط،كيف يصنع؟قال:يقاتل عن بيضة الإسلام،لا عن هؤلاء،أي لا عن الحاكم الجائر.

الفقهاء:

قالوا:معنى المرابطة الإقامة على الحدود،و هي على نوعين:تارة تكون لمجرد الاستطلاع و التعرف على نوايا العدو،و أنه هل يريد الهجوم و العدوان،أو

ص:257


1- آل عمران:200. [1]

لا؟و اخرى يعلم أن العدو ينوي العدوان قطعا،و يعبأ قواه للهجوم،و المرابطة الأولى مستحبة استحبابا مؤكدا.و يرابط الإنسان من ثلاثة أيام إلى أربعين،ثم يعود إلى أهله،و يحل مكانه غيره،و الثانية واجبة،لأنها تدخل في جهاد الدفاع عن الإسلام و المسلمين.

وجوب الهجرة:

قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِيراً (1).

و استنادا إلى هذه الآية الكريمة أفتى الفقهاء بتحريم المقام على المستضعف في بلد الكفر الذي لا يستطيع فيه من أداء الفرائض و شعائر الإسلام، و أوجبوا عليه الهجرة و الرحيل منه إلى بلد مسلم يؤدي فيه ما أوجبه اللّه عليه إلاّ إذا عجز،و لم يتمكن من الهجرة.و من المؤلم المؤسف أن الكثير من شبابنا «المسلم»اليوم قد عكس الآية إلى نقيضها،فيهاجر من بلده المسلم إلى اميركا و اوروبا،لا لشيء إلاّ للفسق و الفجور،و الزنا و الخمور.

من يجب جهاده:

اشارة

قدمنا ان الجهاد تارة يكون للدعوة إلى الإسلام،و اخرى للدفاع عن الإسلام و المسلمين،و عن النفس و المال،و كل حق أينما كان و يكون،و فيما يلي ثلاثة أمثلة:اثنان منها للنوع الأول من الجهاد،و واحد للنوع الثاني،و ذكرناها هنا

ص:258


1- النساء:97. [1]

تبعا لما جاء في كتب الفقه.

1-جهاد المشركين من الملحدين و عبدة الأصنام

،قال تعالى فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ (1).

و يجب قتالهم من أجل الدين،و ترك الإلحاد و الشرك،لا من أجل الغلبة، و استعبادهم و الاستيلاء على بلادهم،و لا يجوز قتالهم بأمرين:الأول ان يكون للمسلمين القدرة على مقاومتهم و ارغامهم،قال الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهما السّلام:لقد ترك رسول اللّه جهاد المشركين بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة،و بالمدينة تسعة عشر شهرا،ذلك لقلة أعوانه عليهم.الأمر الثاني أن يدعى هؤلاء المشركون إلى الإسلام،فإن أظهروا قبوله و لو باللسان،وجب الكف عنهم و إلاّ وجب قتالهم،و لا تقبل منهم الجزية بحال،قال الإمام الصادق عليه السّلام:بعث رسول اللّه عليا أمير المؤمنين عليه السّلام إلى اليمن،و قال له:يا علي لا تقاتل أحدا حتى تدعوه إلى الإسلام،و أيم اللّه،لأن يهدي اللّه على يديك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس،و غربت،و لك ولاؤه يا علي.

2-قتال أهل الكتاب

،و هم اليهود و النصارى و المجوس (2)،و هؤلاء يخيرون بين قبول الإسلام،و دفع الجزية مع الالتزام بشرائط أهل الذمة،فإن أسلموا،أو بذلوا الجزية حرم قتالهم،و ان رفضوا الأمرين معا قوتلوا.قال اللّه تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ (3).

ص:259


1- التوبة:5. [1]
2- جاء في بعض الأحاديث ان المجوس كان لهم نبي فقتلوه،و كتاب فأحرقوه.
3- التوبة:30. [2]
3-قتال الفئة الباغية من المسلمين على العادلة منهم

،فإذا اقتتلت طائفتان مسلمتان فعلى الوجوه و العقلاء ان يصلحوا ذات البين بالعدل،فان رجعت الفئة الباغية إلى طاعة اللّه،و ترك القتال كان خيرا،و ان أبت إلاّ القتال ظالمة للأخرى، و معتدية عليها،وجب قتال الظالم،و مناصرة المظلوم.قال تعالى وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (1).

و قد وضعت هذه الآية الكريمة الأساس الصحيح للفصل بين الفئتين أو الدولتين المتقاتلتين.و ذلك أن تعمل فئة ثالثة غير منحازة لجمع الشمل و حقن الدماء بالمفاوضات السليمة بين الطرفين،و إنهاء النزاع بالحق و العدل،فإذا أصرت إحداهما على البغي و العدوان وجب ردعها بقوة السلاح.

و لم تصل الأمم المتحدة بعد إلى هذا رغم أنّها في عصر الحضارة و التقدم، و ما زال المفكرون المنصفون يطالبون أن تكون لهذه الأمم قوة مانعة رادعة عن الظلم و العدوان،و لكنها،حتى الآن مجرد حلم و أمنية.و نحن الآن في سنة 1965 ،و الحرب تقوم،و لا تقعد في فيتنام الشمالية،و قد كتبت هذه الكلمات بعد أن قرأت في الصحف أن 200 طائرة أمريكية تواصل غاراتها العدوانية على فيتنام ليل نهار،و تدمر المنشآت و المقدرات،و تقتل النساء و الأطفال بمرأى و مسمع الأمم المتحدة دون أن تحرك ساكنا،حتى كأن شيء لم يكن.

و سنعقد فصلا خاصا لقتال أهل البغي و قطاع الطريق.

ص:260


1- الحجرات:9 و 10. [1]

الاستعانة بأهل الذمة و الشرك:

قال العلامة الحلي في التذكرة:«تجوز الاستعانة بأهل الذمة و الشرك،على شريطة أن يكون في المسلمين قلة و حاجة الى الاستعانة بالكتابي،أو المشرك، و أن يأمن المسلمون شر من يستعينون به من غيرهم،و يركنون إلى أمانته و عدم غدرة،فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد استعان بصفوان بن أمية قبل إسلامه على حرب هوازن،و استعان بيهود بني قينقاع،و خصهم بشيء من المال،و إذا لم يكن الكتابي أو المشرك مأمونا،أو كان المسلمون في غنى عنه فلا يجوز الاستعانة به إطلاقا،قال تعالى وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (1).و قال الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لا أستعين بالمشركين على المشركين،أي مع فقد الشرطين، و لأنهم من المغضوب عليهم فلا تحصل النصرة بهم».

و يؤيد ما قاله العلامة الحديث المعروف:ان اللّه ينصر هذا الدين بقوم لا خلاق لهم.

الحربي و الذمي:

و ليس معنى الحربي في اصطلاح الفقهاء من أعلن الحرب على المسلمين، فكل من لا كتاب له،و لا شبهة كتاب من أصناف الكفار فهو حربي عندهم،و هذا لا تقبل منه الجزية بالاتفاق.أما من له كتاب،كاليهودي و النصراني،أو شبهة كتاب،كالمجوسي فهو على قسمين:ذمي،و هو الذي يقبل شروط الذمة،و يلتزم بها،و غير ذمي و هو الذي يمتنع عن قبول هذه الشروط،و حكمه حكم الحربي بإجماع الفقهاء.

ص:261


1- الكهف:51. [1]

و الذمي يدخل في ذمة المسلمين و عهدتهم،و عليهم أن لا يتعرضوا له بسوء،بل،و يدفعوا عنه الاعتداء،ما و في بشروط الذمة،و هي أن يدفع الجزية، و يتقاضى في المرافعات عند المسلمين،و يقبل أحكامهم،و يترك التعرض للمسلمات بالنكاح،و لا يبشر،و يبث الدعوة ضد الإسلام،و لا ينكح المحارم، و يتظاهر بارتكاب المنكرات،كأكل الخنزير،و الربا،و شرب الخمر،و لا يأوي إليه أعداء الإسلام،و يتجسس على المسلمين،قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قبل الجزية من أهل الذمة على أن لا يأكلوا الربا،و لا لحم الخنزير،و لا ينكحوا الأخوات و بنات الأخ و بنات الأخت،فمن فعل ذلك منهم برئت منه ذمة اللّه،و ذمة رسوله.

ص:262

صورة القتال

الاستعداد:
اشارة

قال تعالى وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ (1).و في الآية 4 من سورة الصف إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ .

و قال الإمام عليه السّلام:خير الرفاق أربعة،و خير السرايا أربعمائة،و خير العساكر أربعة آلاف،و لن تغلب عشرة آلاف من قلة.أراد بكثرة القوة.

و قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:اركبوا و ارموا،و ان ترموا أحب إليّ من أن تركبوا.

الفقهاء:

قالوا:يجب في الحرب أولا،و قبل كل شيء الاستعداد لها بقيادة مؤمن غير مستهتر،و شجاع غير متهور،فإذا رأى العدو أكثر عدة و عددا تربص،حتى تمكنه الفرصة من المبادرة،و ان يصف المقاتلون أنفسهم في الميدان صفا ثابتين

ص:263


1- الأنفال:61. [1]

كالبنيان.و ان لا يبدأوا بالقتال إلاّ بعد الدعوة إلى الإسلام،و امتناع العدو عن قبوله- كما تقدم-و ان يكون الداعي إليه الإمام،أو من يختاره لذلك.

الفرار:
اشارة

قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ (1).

و في الآية 66 من السورة المذكورة اَلْآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَ اللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ .

و قال الإمام الرضا عليه السّلام:حرم اللّه الفرار من الزحف لما فيه من وهن في الدين.و من الجرأة على المسلمين،و من السبي و القتال،و إبطال دين اللّه،و غير ذلك من الفساد.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:من فر من رجلين في القتال فقد فر و من فر من ثلاثة فلم يفر.

الفقهاء:

قالوا:إذا التقى الصفان وجب الثبات،و حرم الفرار إلاّ إذا زاد العدو على عدد المسلمين بأكثر من مرتين،أو انحرف المقاتل إلى فئة من جماعته تحتاج إلى

ص:264


1- الأنفال:16. [1]

النجدة،أو لإصلاح سلاحه،أو ليستدبر الشمس،و ما إلى ذلك مما تستدعيه الضرورة،و هذا بالحقيقة ليس من الفرار في شيء ما دام الانصراف لغاية مشروعة.

عدل الإسلام و سماحته:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ان يلقى السم في بلاد المشركين.و عن قتل النساء و الولدان في دار الحرب،و عن الأعمى و الشيخ الفاني.و ما بيت عدوا قط في ليل.

و قال:مر أمير المؤمنين عليه السّلام بشيخ مكفوف يسأل الناس،فقال:من هذا؟ قالوا:نصراني.قال:استعملتموه،حتى إذا كبر و عجز منعتموه!!أنفقوا عليه من بيت المال.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:يجيء كل غادر بإمام يوم القيامة مائلا شدقيه، حتى يدخل النار.

و قال:لا يقتل الرسل،و لا الرهن.

و قال:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا بعث سرية دعا أميرها فأجلسه إلى جنبه، و أجلس أصحابه بين يديه،ثم قال: سيروابسم اللّه،و في سبيل اللّه،و على ملة رسول اللّه،لا تغدروا،و لا تغلوا،و لا تمثلوا،و لا تقطعوا شجرة إلاّ أن تضطروا إليها،و لا تقتلوا شيخا فانيا،و لا صبيا و لا امرأة.

و لا شيء في هذه الأقوال يحتاج إلى الشرح و التوضيح،و قد أفتى بها الفقهاء،و أجمعوا كلمة واحدة على صحتها و وجوب العمل بها.و لو قارنا بينها و بين ما عليه الدول الكبرى من تسميم الجو بتفجير القنابل،و إلقائها على الولدان و النساء و العجز و تدميرها العمران و مصادر الحياة،لعرفنا إنسانية الإسلام و عدله

ص:265

و رحمته،و تمدنه و حضارته،و وقاحة الغرب و صفاقته،و جهله و توحشه، و افراطه بالشر و الخبث،و التسلط و الاغتصاب،و ما إلى ذاك مما يعجز القلم عن تصوير قبحه و بشاعته.

الإسراء:
اشارة

قال تعالى فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها (1).

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا أخذت أسيرا فعجز عن المشي و لم يكن معك محمل فأرسله،و لا تقتله.

و جاءوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام بأسير يوم صفين فبايعه،فقال أمير المؤمنين:لا أقتلك اني أخاف اللّه رب العالمين،و خلى سبيله،و أعطاه سلبه الذي جاء به.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:إطعام الأسير حق على من أسره،و ان كان يراد من الغد قتله،فإنه ينبغي أن يطعم و يسقى،و يرفق به كافرا كان أو غيره.

و سئل عن قوله تعالى وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً (2)قال:هو الأسير.و قال:طعام الأسير و الإحسان إليه حق واجب.

الفقهاء:

قالوا:الأسارى الإناث و الولدان لا يجوز قتلهم بحال،لأن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى

ص:266


1- محمّد:4. [1]
2- الإنسان:8. [2]

عن قتلهم،أما الرجال فينظر:فإذا أسروا بعد أن وضعت اَلْحَرْبُ أَوْزارَها فلا يجوز قتلهم،و يتخير الإمام أو نائبه بين إطلاق سبيلهم بدون عوض،و بين ان يفدوا أنفسهم بمال.و إذا أسروا،و الحرب قائمة،فإن أسلموا حرم قتلهم،لقول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:أمرت أن أ قاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلاّ اللّه،فإذا قالوا عصمت دماؤهم.و قال الإمام عليه السّلام:الأسير إذا أسلم حقن دمه.و ان أبى الأسرى عن الإسلام،و لم يقبلوه فقد ذهب المشهور إلى وجوب قتلهم.

و الذي نراه هو العمل بما تستدعيه المصلحة،فان لم يؤمن غائلة الأسير إذا أطلق قتل و مع الأمن منه و من غائلته و نكايته في المسلمين جاز إطلاقه على أن عليا أمير المؤمنين عليه السّلام منّ على ابن العاص،و ابن ارطاة،و ابن الحكم،مع عدم الأمن من غائلتهم و غدرهم،و الثابت قطعا أنه منّ على الأولين،و الحرب قائمة.

و مهما يكن،فإن الأسير يجب أن يطعم،و يسقى،و يداوي،و يرفق به، و يحسن إليه حتى مع عناده و إصراره على عدم قبول الإسلام.

ص:267

ص:268

الغنائم

الغنيمة و الفيء و الأنفال:

وردت هذه الألفاظ الثلاثة في القرآن الكريم،قال تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ (1).

و في الآية الأولى من هذه السورة يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ .

و في الآية 7 من سورة الحشر ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ .

و ينبغي التنبه إلى هذه الآية و الآية الأولى قد ساوتا في الحكم بين الفيء و الغنيمة،و جعلتهما للّه و الرسول و القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل.

و الغنيمة هي الفائدة المكتسبة من أي سبيل كان،من التجارة و الصناعة و الزراعة،و من الحرب و القتال.و الغنيمة المقصودة في هذا الفصل هي ما أخذت

ص:269


1- الأنفال:41. [1]

بالحرب و الغلبة،و إيجاف الخيل و الركاب.

و معنى الفيء في اللغة الرجوع،و في اصطلاح الفقهاء ما أخذ من الكفار من غير قتال،قال تعالى وَ ما أَفاءَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ (1)أي لم تسيروا إليها على الخيل و لا الإبل،و عليه،يكون الفيء مختصا بما أخذ من دون قتال،و الغنيمة تعمّ ما يؤخذ بالحرب و القتال.

و الأنفال جمع نفل،و هو في اللغة الزيادة،و منه قوله تعالى وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً (2)و في اصطلاح الفقهاء ما أخذ من الكفار بغير حرب، و هو للرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من بعد للإمام،و قد تكلمنا عن سهم الإمام في باب الخمس،و المقصود هنا في البحث الغنائم التي يحصل عليها المجاهدون بالحرب و الغلبة.

تقسيم الغنائم:
اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام:السرية يبعثها الإمام،فيصيبون غنائم كيف تقسم؟قال:ان قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم،أخرج منها الخمس للّه و للرسول،و قسم بينهم أربعة أخماس،و ان لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام،يجعله حيث أحب.

و قال:انما تصرف السهام على ما حوى العسكر،أي من كان مع العسكر يسهم له،و ان لم يقاتل،حتى الطفل إذا ولد مع العسكر أسهم له،فقد روى الإمام الصادق عليه السّلام عن أبيه عن جده أن عليا أمير المؤمنين عليه السّلام قال:إذا ولد المولود في

ص:270


1- الحشر:6. [1]
2- الأنبياء:72. [2]

أرض أسهم له.و إذا كان مع الرجل أفراس في الغزو لم يسهم إلاّ لفرسين منها.

و أنّه ساوى في القسمة بين الناس.

و سئل عن رجل كان معه فرس،و لكن لم يقاتل عليه،بل قاتل و هو في السفينة؟قال:للفرسان سهمان،و للراجل سهم.و المراد بالفارس هنا الراكب في السفينة.

الفقهاء:

قسموا غنيمة الحرب إلى ثلاثة أقسام:

1-ما ينقل،كالنقود و الحيوانات و الأمتعة،و الذي يصلح تملكه من هذا النوع يخرج الإمام أو نائبه منه أولا و قبل كل ما يخص به من أسدى خدمة للإسلام و المسلمين،ثم يخرج الخمس له خاصة،و الأربعة أخماس الباقية يقسمها بالسوية بين المقاتلين،و من حضر،حتى و لو لم يقاتل،بل حتى الطفل إذا ولد بعد الحيازة،و قبل القسمة.و يعطى الراجل سهما واحدا،و الفارس سهمين، واحدا له،و الثاني لفرسه،و من كان معه فرسان،أو أكثر أخذ ثلاثة أسهم،و لا يسهم للإبل و البغال و الحمير.و لمن قاتل في سفينة سهمان،لأنها بحكم الفرس.

2-الأسرى من النساء و الأطفال،و حكمها حكم القسم السابق،قال صاحب الجواهر:بلا خلاف و لا اشكال نصا و فتوى.

3-الأرض،و قد اجمع الفقهاء كلمة واحدة على أن كل أرض فتحت عنوة فهي لجميع المسلمين المجاهدين و غير المجاهدين،من وجد،و من سيوجد، و تقدم التفصيل في باب الخمس فراجع.

ص:271

ص:272

أهل البغي

وجوب القتال:
اشارة

قال تعالى في الآية 10 من سورة الحجرات وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي .

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:قال علي أمير المؤمنين عليه السّلام:القتال قتالان:قتال الفئة الباغية حتى تفيء،و قتال الفئة الكافرة حتى تسلم.

و قال عن الخوارج:ان خرجوا على إمام عادل،أو جماعة فقاتلوهم،و ان خرجوا على إمام جائر فلا تقاتلوهم.لا يقاتلهم بعدي إلاّ من هو أولى بالحق منهم.

الفقهاء:

معنى البغي في اللغة الظلم و الاعتداء،و في الشرع الخروج بالسيف على إمام عادل،و اجمع الفقهاء على أن قتال أهل البغي إذا ندب إليه الإمام أو نائبه يجب كفاية على الكل،و يسقط بفعل البعض،و إذا استنهض الإمام شخصا بعينه تعين،و الفرار من حربهم،تماما كالفرار من حرب المشركين،و أول فئة بغت في الإسلام هم أهل الشام بقيادة معاوية،للحديث المتواتر عند جميع الفرق

ص:273

الإسلامية:«يا عمار تقتلك الفئة الباغية».و قتل جيش معاوية عمارا بصفين،و هو مع إمام المتقين علي،و من أجل هذا الحديث كان عمار لا يسلك واديا إلاّ سلكه جماعة من أصحاب الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

الأسير و الجريح:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عما إذا هزم أهل العدل أهل البغي؟قال:ليس لأهل العدل ان يتبعوا مدبرا،و لا يقتلوا،و لا يجهزوا على جريح،هذا،إذا لم يبق من أهل البغي أحد،و لم يكن لهم فئة يرجعون إليها،فإن كانت لهم فئة يرجعون إليها فإن أسيرهم يقتل،و مدبرهم يتبع،و جريحهم يجهز عليه.

و سئل الإمام الرضا عليه السّلام:لما ذا جدك أمير المؤمنين عليه السّلام قتل أهل صفين مقبلين و مدبرين و أجهز على جريحهم،أما أهل الجمل فترك مدبرهم و جريحهم،بل قال:من ألقى سلاحه فهو آمن،و من دخل داره فهو آمن؟ قال الإمام عليه السّلام:ان أهل الجمل قتل إمامهم-أي طلحة و الزبير-و لم يكن لهم فئة يرجعون إليها،و انما رجع الذين كانوا يحاربون إلى منازلهم غير محاربين، و لا مخالفين،و رضوا أن يكف الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام عنهم،و ليس كذلك أهل صفين فقد كانوا يرجعون إلى فئة مستعدة،و إمام-اي معاوية-يجمع لهم السلاح و الدروع و السيوف،و يسدي لهم العطاء،و يهيئ لهم الانزال،و يعود مريضهم،و يجبر كسيرهم،و يداوي جريحهم،و يحمل راجلهم،و يكسو حاسرهم،و يردهم فيرجعون إلى الحرب و القتال،و من أجل هذا لم يساو أمير المؤمنين عليه السّلام بين الفريقين في الحكم.

و هذا محل وفاق عند الفقهاء كافة.

ص:274

الغنائم:

لا يجوز سبي نساء و أطفال الفريقين من أهل البغي،و لا تملك أموالهم التي لم يحوها العسكر منقولة كانت أو غير منقولة،قال صاحب الجواهر:بلا خلاف أجده في شيء من ذلك.و قال الناس يوم الجمل لأمير المؤمنين عليه السّلام:أقسم بيننا، فقال:أيكم يأخذ أم المؤمنين-أي عائشة-في سهمه.

أما الأشياء المنقولة التي حواها العسكر،كالسلاح و الدواب فللفقهاء قولان:أحدهما أنه غنيمة تقسم على المقاتلة،و ثانيهما أنه لأربابه.و الذي يساعد عليه الاعتبار التفصيل بين الفئة التي ترجع إلى رئيس كأهل الشام،فتكون غنيمة، و لذا جاز قتل أسيرهم،و الإجهاز على جريحهم،و بين الفئة التي لا ترجع إلى رئيس يجمعها كأهل البصرة،فتكون لأربابها،بخاصة إذا أظهروا الطاعة و الاستسلام.و روي أن أمير المؤمنين عليه السّلام رد على أهل البصرة أموالهم،و أنه اكتفى من المدعين بيمينه في هذا المورد الخاص.

ص:275

ص:276

الأمر بالمعروف

وجوب الأمر بالمعروف:

اشارة

قال العلامة الحلي في التذكرة:«المعروف قسمان:واجب،و ندب،و الأمر بالواجب واجب،و بالندب ندب،أما المنكر فكله حرام فالنهي عنه واجب،و لا خلاف في ذلك».

و من الآيات القرآنية في هذا الباب قوله تعالى وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (1).

و قوله كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ (2).

و قوله اَلَّذِينَ إِنْ مَكَّنّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ وَ أَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَ نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ (3).

و قال الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:لا يزال الناس بخير ما أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر،و تعاونوا على البر،فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت عنهم البركات،و سلط

ص:277


1- آل عمران:104. [1]
2- آل عمران:110. [2]
3- الحج:41. [3]

بعضهم على بعض،و لم يكن لهم ناصر في الأرض و لا في السماء.

و قال أهل بيته الأطهار بلسان الإمام الباقر أبي الإمام الصادق عليهما السّلام:«يكون في آخر الزمان قوم مراءون يتعرون،و ينكسون حدباء سفهاء،لا يوجبون أمرا بمعروف،و لا نهيا عن منكر إلاّ إذا أمنوا الضرر،يطلبون لأنفسهم الرخص و المعاذير،يتبعون زلات العلماء،و فساد عملهم،يقبلون على الصلاة و الصيام، و ما لا يكلفهم في نفس،و لا مال،و لو أضرّت الصلاة بأموالهم و أبنائهم لرفضوها، كما رفضوا أتم الفرائض و أشرفها.ان الأمر بالمعروف،و النهي عن المنكر فريضة عظيمة،بها تقام الفرائض،هنالك يتم غضب اللّه عليهم،فيعمّهم بعقابه،فيهلك الأبرار في دار الفجار،و الصغار في دار الكبار.ان الأمر بالمعروف،و النهي عن المنكر سبيل الأنبياء،و منهاج الصالحين،و فريضة عظيمة،بها تؤمن المذاهب، و تحل المكاسب،و ترد المظالم،و تعمر الأرض،و ينتصف من الأعداء، و يستقيم الأمر،فأنكروا بقلوبكم،و الفظوا بألسنتكم،و صكوا جباهكم،و لا تخافوا في اللّه لومة لائم».

فمن اتعظ و رجع إلى الحق فلا سبيل عليه،انما السبيل على الذين يظلمون الناس،و يبغون في الأرض بغير الحق،أولئك لهم عذاب أليم،فجاهدوهم بأبدانكم،و أبغضوهم بقلوبكم،غير طالبين سلطانا،و لا مالا،و لا مريدين بالظلم ظفرا.لقد أوصى اللّه سبحانه إلى شعيب النبي اني لمعذب من قومك مائة و أربعين ألفا من شرارهم،و ستين ألفا من خيارهم،فقال شعيب:يا رب هؤلاء الأشرار،فما بال الأخيار؟فأوحى اللّه إليه:داهنوا أهل المعاصي،و لم يغضبوا لغضبي.

ص:278

الفقهاء:

اهتموا اهتماما بالغا بالأمر بالمعروف،و النهي عن المنكر،و عقدوا له بابا خاصا في كتبهم،و استدلوا على وجوبه بالنص القطعي كتابا و سنة،و بإجماع المسلمين،و ضرورة الدين،تماما كالصوم و الصلاة،بل قال جماعة من فقهاء الإمامية:ان وجوبه ثابت بالعقل،لا بالسمع،و ان النص الثابت في الكتاب يرشد إلى حكم العقل،و يؤكده،بحيث نحكم بالوجوب،حتى و لو لم يرد نص به من الشارع.أجل،اختلفوا:في أنه يجب عينا،أو كفاية،يسقط عن الجميع بفعل البعض،و الحق الثاني،لقوله تعالى وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ (1)، «من»للتبعيض،لأن الغاية منه وجود المعروف،و دفع المنكر،أو إلقاء الحجة، و متى حصلت الغاية ارتفع المغيا،تماما كالصلاة على الميت،و دفنه.

الشروط:

و يشترط لوجوب الأمر بالمعروف أربعة شروط:

1-العلم بالمعروف و المنكر،لأن الجاهل بحاجة إلى من يرشده،و على أمير المؤمنين أفضل الصلوات،حيث قال:لا تقل ما لا تعلم،بل لا تقل كل ما تعلم،فان اللّه فرض على جوارحك فرائض يحتج بها عليك يوم القيامة.

2-ان يحتمل التأثير،فلو علم و جزم بعدم الجدوى من الأمر و النهي لم يجب،و هذا الشرط تدعمه الفطرة و البديهة،و لكن اسيء استعماله،و تذرع به الكسالى و المرتزقة.

و مهما يكن،و على آية حال فان على المرء ان يبين الحلال و الحرام لأهله

ص:279


1- آل عمران:101. [1]

و ولده،سواء احتمل التأثير،أم لم يحتمل.قال الإمام الصادق عليه السّلام:لما نزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ (1).جلس رجل من المسلمين يبكي،و يقول:عجزت عن نفسي،فكيف أكلف بأهلي؟قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك،و تنهاهم عما تنهى عنه نفسك.قال:كيف آتيهم؟قال الرسول:

تأمرهم بما أمر به اللّه،و تنهاهم عما نهى عنه اللّه،فإن أطاعوك فقد وقيتهم،و ان عصوك كنت قد قضيت ما عليك.

3-ان لا تظهر القرائن و الدلائل أن«الفاعل التارك»غير مصر،و لا مستمر، فلو علم منه الإقلاع و الندم سقط الوجوب،لأن الأمر هنا للتوبيخ و التقريع،و ليس على سبيل الحقيقة،بل يحرم الأمر و النهي-هنا-إذا كان فيه أذى لمؤمن.

4-ان لا يستدعي الأمر و النهي ضررا على الآمر الناهي،أو غيره،و إلاّ سقط التكليف،لقاعدة«لا ضرر و لا ضرار».

و تجدر الإشارة إلى ان هذا الشرط يختص في مخالفة فروع الدين فقط،أما مع الخوف على الدين و أصوله فيجب الجهاد،و بذل النفس و المال،لأن الوجوب هنا متعلق بنفس الضرر،أو بالفعل الذي يتولد منه الضرر،لا بالفعل الذي لا يستدعي شيئا من الحرج و الضرر.

مراتب الأمر بالمعروف:

للأمر بالمعروف مراتب و درجات،عند الفقهاء،تختلف باختلاف الظروف و المقامات،و هي:

ص:280


1- التحريم:6. [1]

1-الوعظ و الإرشاد باللسان،على ان يتدرج الواعظ من الهين اللين إلى ما فوقه بمرتبة،و منها إلى الحد الذي يراه من التقريع،قال تعالى مخاطبا موسى و هارون عليهما السّلام اِذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (1).

2-دفع المنكر باليد إذا لم يجد القول و الوعظ،و أحسب ان هذا الشرط مختص بالأهل و الولد قبل أن يصيروا رجالا،أو قدر عليهم بعد البلوغ،أما بالنسبة إلى الأجانب فمحل نظر.و مهما يكن،فقد ذكره الفقهاء من جملة الشروط، و ذكرناه نحن تبعا لهم،و قيده بعضهم بإذن الإمام.

3-الإنكار بالقلب،و هو أضعف الايمان،و يجب إطلاقا،لأنه لا يستدعي الضرر.و قد وردت روايات كثر في ذلك عن أهل البيت عليهم السّلام.

منها:قول الإمام الصادق عليه السّلام:حسب المؤمن غيرة إذا رأى منكرا ان يعلم اللّه من قلبه إنكارا.

و منها:قول حفيده الإمام الرضا عليهما السّلام:لو أن رجلا قتل بالمشرق فرضي بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند اللّه شريك القاتل.

و منها:من رضي أمرا فقد دخل فيه،و من سخطه فقد خرج منه.

و منها:قول أمير المؤمنين عليه السّلام:أمرنا رسول اللّه أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة.

و اللّه سبحانه المسؤول أن يمن علينا بعداوة الأشرار،و صداقة الأبرار بالنبي و آله الاطهار،عليه و عليهم أفضل الصلوات،و ازكى التحيات.

ص:281


1- طه:43 و 44. [1]

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.