فقه الامام جعفر الصادق: عرض و استدلال المجلد 1

اشارة

سرشناسه : مغنیه، محمدجواد، 1904 - 1979م.

عنوان و نام پديدآور : فقه الامام جعفر الصادق: عرض و استدلال/ محمدجواد مغنیه.

مشخصات نشر : قم: موسسه انصاریان للطباعه والنشر، 1421ق. = 1379.

مشخصات ظاهری : 6 ج. (در سه مجلد).

شابک : دوره 9644380541 : ؛ ج. 1 9644382374 : ؛ ج.2 9644382374 : ؛ ج. 3 9644382382 : ؛ ج.4 9644382382 : ؛ ج. 5 9644382390 : ؛ ج.6 9644382390 : ؛ ج.6،چاپ سوم: 964-8716-09-9

يادداشت : عربی.

يادداشت : مصحح چاپ قبلی کتاب حاضر دارالاعتصام بوده است.

يادداشت : کتاب حاضر در سالهای مختلف توسط ناشران مختلف منتشر شده است.

يادداشت : چاپ ششم: 1383.

يادداشت : ج.1-6 (چاپ هشتم: 1388) (فیپا).

يادداشت : ج. 1-2 و 3 - 4 (چاپ دوم: 1421ق. = 1379).

يادداشت : ج. 5 (چاپ پنجم: 1425ق. = 1383).

يادداشت : ج.5و6(چاپ دوم: 1421ق.=1379).

يادداشت : ج.5 و 6 (چاپ هفتم: 1385).

يادداشت : ج. 5 و 6 (چاپ هشتم: 1430ق. = 2009 م.= 1388).

يادداشت : ج.6(چاپ سوم: 1428ق.=1386).

یادداشت : کتابنامه.

مندرجات : ج. 4. فی احکام المعاملات.- 5. فی الغصب و احیاءالموات والوقف والحجر والاقرار والشهادات والزواج و غیر ذلک.- ج. 6. فی الطلاق والظهار والایلاء واللعان والقضاء والوصایا والمواریث والعتوبات.

موضوع : جعفر بن محمد (ع)، امام ششم، 83 - 148 ق. -- نقد و تفسیر

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

شناسه افزوده : دار الاعتصام للطباعة و النشر

رده بندی کنگره : BP183/5/م 6ف 7 1379

رده بندی دیویی : 297/342

شماره کتابشناسی ملی : م 80-4834

ص :1

اشارة

فقه الامام جعفر الصادق: عرض و استدلال

محمدجواد مغنیه

ص :2

المقدمة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و الحمد للّه ربّ العالمين و صلّى اللّه على محمّد و آله الطيبين الطاهرين، و بعد:

فان هذا الكتاب وضع لمن لا يعرف شيئا من فقه الامام الصادق عليه السّلام،و في الوقت نفسه يرغب في معرفته و الإلمام به،و لكنه لا يجد السبيل الى هذه المعرفة،لا لعدم المصادر،أو قلتها،و لا لأنّها تحوي من الدقائق و المصطلحات الأصولية و الفقهية ما يرتفع عن مستوي إدراكه-صحّ هذا بالقياس إلى كثير-بل للعبارة الغامضة،و الأسلوب المعقد،أو لعدم الترتيب و التبويب،و سوء الإخراج، أو للتطويل و الاطناب،و التبسّط في نقل الأقوال،و الاختلافات التي هي أبعد شيء عن تفكيره،و أسلوب ثقافته.إلى غير ذلك مما لم يألف و يعتد،و لا يجذب اليه القارئ«العصري»،و ان أحب و أراد (1)فحاولت جاهدا مستعينا باللّه وحده،أن أمهد و أيسر لهذا الراغب المريد طريق المعرفة و الإلمام،و اساعده على تتبّع فقه آل البيت الكرام عليهم السّلام فتوى و دليلا،بدون مشقة و عناء.و حرصت كل الحرص على أن يكون الأصل و مرجع الاستنباط النص عن الآل بالذات،لأنّه

ص:3


1- حتى الكثير ممن يحملون الكتب الفقهية،و يقتنونها و يتصدون لدراستها في النجف و غير النجف،و يزعمون أنّهم من أهلها،حتى الكثير من هؤلاء لا يعرفون منها إلاّ الاسم و الحجم، لأن فهمها وقف خاص على أرباب الملكات،و من يقرب منهم.

أقوم السبل إلى التعرف على أحكام اللّه سبحانه،و شريعة جدهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بشهادة حديث الثقلين،و الآية الكريمة 83 من سورة النساء وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ .

و إذا لم يسعفني النصّ الخاصّ من الكتاب،و آثار الآل لجأت إلى أصل أو قاعدة اعتمدها فقهاؤهم،حيث يردون كل أصل و قاعدة إلى القرآن الكريم، و الأئمة الأطهار.

و أعرضت عن ذكر الأسانيد المسلسلة المعنعنة،لأنّي قست ثبوت النصّ باعتماد الفقهاء عليه،و عملهم به،لا بالرواة و الرجال الثقات.ذلك أن اسم فقه الإمام الصادق،أو فقه آل البيت إنّما يصدق حقيقة على هذه المبادئ التي اهتموا بها،و نظروا إليها نظرة الجدّ فتوى و عملا،و تداولوها مئات السنين.و لا يصدق لا حقيقة،و لا مجازا على نصوص ميتة،و أن دونت في بطون الكتب،و رواها الصلحاء.أن النصوص ليست سوى حروف جامدة،لا حياة لها إلاّ بالتطبيق و العمل.أجل،لو افترض أن جيلا جديدا من الفقهاء عمل بالشاذ النادر الذي أهمله المشهور لصحت التسمية.

و أيضا لم أعرض-في الغالب-أقوال الفقهاء القدامى و الجدد،و أناقشها و أحاكمها على النهج المعروف بين المؤلفين الذين تعمقوا في الشريعة الإسلامية تعمقا ارتفع بها و بهم إلى أعلى القمم.لم أفعل ذلك على ما فيه من منافع و فوائد، خشية أن يقع القارئ في مأساة ذهنية،فيزهد في الكتاب،و في الفقه زهد العاجز،أو العابر.مع العلم بأن الهدف الأول لكتابي هذا هو أن يجذب إليه أكثر عدد ممكن من كل نوع،بخاصة الأجانب و الأباعد،و أن يساهم في انتشار هذا الفقه الثمين الأمين.

ص:4

و مهما شككت،فإني على يقين بأن فائدة الكتاب لا تقاس بما فيه من نظريات و جدال،و تكديس أقوال،بل بانتشاره و كثرة قرائه.ان الكتاب،أيّ كتاب،ان هو إلاّ قطعة من جماد،و حياته أن يتحرك،و ينتقل من يد إلى يد، و يدور ما فيه على الألسن،و ان تعيه القلوب و الآذان.و لا وسيلة اليوم لشيء من ذلك إلاّ التيسير و التوضيح.

دخلت مرّة كعادتي مكتبة العرفان ببيروت لصاحبها الحاج إبراهيم زين عاصي فرأيت فيها شابا طويلا أشقر،فقال له الحاج:هذا هو.فأقبل عليّ الشاب بشوق-و هو مستشرق ألماني-و قال لي فيما قال:ما كنا نعرف أن لدى الشيعة فقها،حتى قرأنا لك كتاب«الفقه على المذاهب الخمسة».قلت:ان ما كتبته ليس بشيء يذكر،بالقياس إلى فقه الشيعة.ان فقهاءنا قد استقصوا الشريعة الإسلامية بأصولها و فروعها،و أحاطوا بها و بكنوزها و إسرارها إحاطة دقيقة من شتى جهاتها،و تعمقوا بها تعمقا ارتفع بها فوق جميع الشرائع القديمة و الحديثة،و ان لهم من المؤلفات فيها ما لا يبلغه الإحصاء،و هي في متناول كل يد.

فقال:نحن نتعلم اللغة العربية،كلغة أجنبية عنا،فالأسلوب الحديث على سهولته لا نتفهمه إلاّ بصعوبة،فكيف بالقديم؟.و قد قرأنا ما كتبت ففهمناه،و منه عرفنا أن للشيعة فقها،كما لغيرهم من المذاهب (1).

فصممت منذ اللحظة التي سمعت فيها من هذا المستشرق ما سمعت ان أكتب دورة كاملة في فقه الإمام الصادق عليه السّلام،العبادات منه و المعاملات،و الأحوال

ص:5


1- و قد أوحى إلي قوله هذا ما ذكرته في باب«الخمس»من هذا الكتاب،و هو أن أفضل مورد يصرف فيه سهم الامام أن يعين به أستاذه قد يرون،لإلقاء الدروس و المحاضرات في فقه أهل البيت عليهم السّلام بالجامعات الزمنية الغربية و الشرقية.

الشخصية،و الجنايات على النهج الذي أشرت،و ان يخرج من المطبعة تباعا في أجزاء ربما بلغت الأربعة أو الخمسة.و قد وفق اللّه سبحانه للأول،و هذا هو.

و يليه الثاني ان شاء اللّه.

و قد بذلت جهدا غير قليل في مراجعة المصادر،و بحثها،و عرض ما فيها بأسلوب جلي يجعله قريب المنال قدر المستطاع.

و ربما يظن أن التأليف في الفقه سهل يسير،لأن مادته قائمة،و مصادره كثيرة،و متنوعة.

أجل،و قوى الطبيعة قائمة،و هي كثيرة أيضا.و لكن من الذي يكتشفها، و ينير السبيل إليها؟و إذا وجد العالم المتخصص بمعرفتها،فهل يستطيع أن يستخرجها،و يكفيها حسب الحاجات بدون آلة و أداة؟.و فقه آل البيت عليهم السّلام تماما كالطبيعة يزخر بالحياة و الهبات،و لكن من الذي يفهمه على وجهه،و يركّز المعاني على خطوطه العريضة الواضحة بطلاقة تجذب إليها القارئ،و تشبع شغفه و لهفته! و اللّه سبحانه المسؤول أن يجعل عملي هذا إسهاما في هذا السبيل،و هو المستعان،و له الحمد في الأولى و الآخرة،و الصلاة على محمّد و آله الأطهار.

ص:6

كتاب الطهارة

المياه

الماء المطلق:

اشارة

قال اللّه تعالى وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (1).

و عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام:«كل ماء طاهر إلاّ ما علمت أنّه قذر».و عنه أيضا:«ان أمير المؤمنين عليه السّلام كان يقول عند النظر إلى الماء:الحمد للّه الذي جعل الماء طهورا،و لم يجعله نجسا».

كل ماء جادت به الطبيعة نازلا من السماء،أو نابعا من الأرض،أو ذائبا من الثلج،عذبا كان أو مالحا،على أصل خلقته يسميه الفقهاء ماء مطلقا،أي يصدق عليه لفظ«ماء»فقط دون أن تضيف إليه آية لفظة أخرى تبين المراد منه،بل مجرد اسم الماء كاف في الإخبار عن حقيقته.

و من الماء المطلق المياه المعدنية،كعيون الكبريت،و ما إليه.و منه أيضا ماء النهر المتغير أيام الفيضان بما يجرفه من تراب و عشب،و ماء البرك و الغدران

ص:7


1- الفرقان:48. [1]

المتغير بطول المكث،أو بما تولد فيه من سمك،أو طحلب،و هو خضرة تعلو وجه الماء،أو تغير الماء بما تحمله الريح من ورق الأشجار و غيره مما يتعذر أو يتعسر التحرز منه.

طاهر مطهر:

قال تعالى وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ (1).

و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الماء يطهّر،و لا يطهّر».الماء المطلق يزيل النجاسة المادية كالدم و البول،و يرفع النجاسة المعنوية،أي يجوز الوضوء به،و الغسل من الجنابة و الحيض،و يغسل به الميت،و هذا معنى قول الفقهاء الماء المطلق طاهر بنفسه،مطهر لغيره من الخبث،و الحدث،و الخبث هو النجاسة المادية،و الحدث النجاسة المعنوية (2).

و مما يفرق به بين الخبث و الحدث أن الماء القليل يتأثر،و تزول عنه الطهارة بمماسة الخبث كالدم و البول و الميتة،و يبقى عليه الطهارة بمماسة الإنسان المحدث بالحدث الأصغر،كالذي خرج منه الريح أو البول،أو كان محدثا بالحدث الأكبر،كالجنب و الحائض.

و أيضا التطهير من الخبث كغسل الثوب لا يحتاج إلى قصد التقرب إلى اللّه، أمّا التطهير من الحدث،كغسل الجنابة و الوضوء،فلا بد فيه من هذا القصد.

ص:8


1- الأنفال:9. [1]
2- و قيل:ان الطهارة من الخبث متوجهة إلى الأبدان دون القلوب،و لذا لم تحتج إلى نية القربة التي هي من صفات القلوب،أمّا الطهارة من الحدث فمتوجهة إلى الأبدان و القلوب،و من هنا افتقرت إلى نية القربة.

الماء المضاف:

اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الوضوء باللبن؟فقال:«لا إنّما هو الماء و الصعيد».

ما عدا الماء المطلق من المائعات،كالخل و العصير و الشاي و الشراب، و ماء الورد يسمى ماء مضافا عند الفقهاء.فالمضاف إمّا ماء أضيف إليه ما أخرجه عن أصل الخلقة،و امّا ما اعتصر من جسم كالبرتقال و الجزر.

طاهر غير مطهر:

لك أن تشرب الماء المضاف،و تستعمله بما شئت.و ليس لك أن تتوضأ به،أو تغتسل من الجنابة،أو تطهر به متنجسا،كالإناء و الثوب و البدن إذا أصابته النجاسة.و هذا معنى قول الفقهاء:«الماء المضاف طاهر بنفسه،غير مطهر لغيره خبثا و حدثا».

قال صاحب المدارك:و الدليل على ذلك قوله تعالى فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا حيث أوجب التيمم عند فقد الماء المطلق،لأن الماء حقيقة فيه،و اللفظ انما يحمل على حقيقته،و لو كان الوضوء جائزا بغير الماء المطلق لم يجب التيمم عند فقده.

و هناك دليل آخر،و هو أن ما ثبتت نجاسته بالنص الشرعي،فلا نحكم بطهارته بزوال النجاسة عنه إلاّ بالنص.و قد ثبت شرعا أن الماء المطلق مطهر لغيره،و لم يثبت ذلك بالنسبة إلى الماء المضاف،فيجب-اذن-استمرار ما كان على ما كان،حتى بعد الغسل بالماء المضاف.

ص:9

بين المطلق و المضاف:

اشارة

إذا رأيت ماء،و لم تدر:هل هو مطلق يزيل الخبث،و يرفع الحدث،أو هو مضاف لا يزيل خبثا،و لا يرفع حدثا؟فما ذا تصنع؟و هل من سبيل يعين أحدهما بالذات؟

الجواب:

لا بد في مثل هذا الحال أن ترجع إلى نفسك،و تنظر:

فإن كنت على علم سابق بأن هذا الماء كان مطلقا على خلقته الأصلية ثم طرأ عليه التغير اليسير بشيء من الصابون،أو الحبر،أو العجين،أو غير ذلك مما يغير الماء تغييرا خفيفا،و بعد هذا التغير شككت:هل خرج الماء عن إطلاقه، و أصبح مضافا،أو بقي على ما كان من الإطلاق.إذا كان الأمر كذلك استمر حكم الإطلاق،و أبقيت ما كان على ما كان.ذلك أن الإنسان بفطرته إذا تأكد من وجود شيء أو عدمه فإنّه يبقى مستمرا في عمله على ما تأكد أولا،بانيا على علمه السابق،لا يعتني أبدا بالاحتمالات و الشكوك المضادة ليقينه و تأكيده،حتى يثبت خلافه بالعلم و اليقين.لأن اليقين لا يزيله إلاّ اليقين.و محال أن يزيله الشك،لأنّه واه و ضعيف.و لذا إذا سئل الإنسان:لما ذا تأخذ بيقينك السابق،مع أنّك تشك الآن؟أجاب بأنّه لم يثبت العكس.

و قد راعى الفقهاء هذا الأصل،و اعتبروه من أصول الشريعة،و فرعوا عليه أحكاما شتى في جميع أبواب الفقه،و أسموه:الاستصحاب.لأن الإنسان يبقى مصاحبا مع يقينه الأول،حتى يثبت اليقين المعاكس.قال الإمام الصادق عليه السّلام:«لا ينقض اليقين بالشك،و لكن ينقض باليقين».

و مثله تماما إذا تأكد بأنّ الماء كان مضافا،ثم طرأ عليه ما يوجب الشك بأنّه

ص:10

صار مطلقا،فيجب أن يبقى على ما كان عليه من اليقين السابق بأنّه باق على إضافته،عملا بالاستصحاب.و بكلمة أن الاستصحاب هو استفعال من الصحبة، و في الشرع استدامة إثبات ما كان ثابتا،أو نفي ما كان منفيا.

و إذا رأيت مائعا،و شككت في أنّه:هل هو ماء مطلق و طبيعي،أو مضاف تقاطر من جسم طري،بحيث كان الشك ابتداء،و دون علم سابق،لا بالإطلاق و لا بالإضافة.إذا كان الأمر كذلك لا تحكم بإطلاقه،و لا بإضافته،حيث لا دليل في النصوص الشرعية على أن الأصل في المياه الإطلاق،أو الإضافة.

الماء النابع و غير النابع:

عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:«لا بأس بأن يبول الرجل في الماء الجاري، و كره أن يبول في الماء الراكد».

الماء الجاري في اللغة ما يجري في الأرض،نابعا كان أو غير نابع،و الراكد هو الواقف المحصور في بئر أو بركة،أو غدير.

و قال صاحب المدارك:«المراد بالجاري النابع،لأن الجاري،لا عن مادة من أقسام الراكد اتفاقا».و معنى هذا أن للفقهاء اصطلاحا خاصا في معنى الماء الجاري و الراكد يخالف اللغة.فالجاري عندهم هو النابع،و ان لم يجر بالفعل، لأن فيه استعدادا لدوام الجريان.و الراكد هو غير النابع،و ان جرى بالفعل،إذ لا استعداد فيه لدوام الجريان.

الماء و ملاقاة النجاسة:

تواتر عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هذا الحديث:«خلق اللّه الماء طهورا لا

ص:11

ينجسه شيء إلاّ ما غيّر طعمه،أو لونه،أو رائحته».

و عن الإمام الصادق عليه السّلام:«ان كان الماء قد تغير ريحه أو طعمه فلا تشرب و لا تتوضأ منه،و ان لم يتغير ريحه و طعمه فاشرب و توضأ».

و عن الإمام الرضا عليه السّلام:«ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلاّ ان يتغير ريحه أو طعمه،فينزح،حتى يذهب الريح و يطيب الطعم،لأن له مادة».

إذا وقع في الماء نجاسة فلذلك حالات:

1-إن تقع النجاسة في ماء نابع و لا يتغير بسببها لونه،و لا طعمه،و لا ريحه،فيبقى الماء على طهارته،و ان كان قليلا،حيث دلّ قول الإمام:«لأنّ له مادة»على أن وجود النبع مانع من التنجيس بالملاقاة من غير فرق بين القليل و الكثير،ما دام لم يتغير بالنجاسة.

2-أن تقع النجاسة في الماء و يتغير طعمه أو لونه أو ريحه،فإنه ينجس بالاتفاق،و للرواية المتقدمة،من غير فرق بين الكثير و القليل،و لا بين النابع و غير النابع.

و اشترط الفقهاء أن يكون التغيير بنفس الملاقاة،فلو مات حيوان إلى جنب الماء،و تغير بواسطة الريح لا بالمماسة،يبقى الماء على طهارته.

و أيضا اشترطوا أن يكون التغيير بأوصاف النجس،لا بالمتنجس،فإذا وقع في الماء دبس متنجس،و صار الماء أحمر أو أصفر يبقى على الطهارة.

و أيضا اشترطوا أن يكون التغير ظاهرا للحس و العيان،فلو افترض ان كانت النجاسة من لون الماء،و لم يحصل التغير،و لكن لو خالفت لونه لتغير-لو فرض هذا-يبقى الماء على الطهارة،لأن العبرة بالتغيير الحسي،لا التقديري.

3-ان تقع النجاسة في ماء قليل غير نابع،فينجس و ان لم يتغير،للإجماع

ص:12

و الروايات عن أهل البيت عليهم السّلام التي بلغت 300 على ما قيل.

أمّا إذا كان الماء غير النابع بقدر كرّ فحكمه حكم النابع لا ينجس إلاّ إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه،لما ثبت عن الإمام بالتواتر:«إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء».

الماء القليل بين النابع و غيره:

اشارة

قدمنا أن النجاسة إذا لاقت الماء غير النابع ينجس،و ان لم يتغير،و إذا لاقت النابع لا ينجس إلا إذا تغير،فإذا حصلت الملاقاة لقليل من الماء،و شككنا هل هو نابع كي لا ينجس بمجرد الملاقاة،أو غير نابع كي ينجس،فما ذا نصنع؟

الجواب:

ان موضوع النجاسة مركب من أمرين:أحدهما ملاقاة النجاسة للماء القليل،و ثانيهما ان يكون الماء غير نابع.و الأول،و هو ملاقاة النجاسة للقليل ثابت بالوجدان.و الثاني،و هو عدم النبع نثبته بالاستصحاب.لأننا نعلم يقينا أنّه قبل وجود هذا الماء لم يكن هنا نبع،و بعده نشك،فنستصحب (1)عدم وجوده، و متى تم الأمران:الملاقاة للقليل،و عدم النبع،تحققت النجاسة.

ماء المطر:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:«كل شيء يراه المطر فقد طهر».

ص:13


1- هذا الموضوع و نظائره من باب الموضوعات المركبة التي يثبت أحد جزأيها بالوجدان،و الآخر بالاستصحاب،و الفقهاء يسمون هذا الاستصحاب بالأزلي تارة،و بالعدم الأصلي أخرى،و لهم فيه كلام طويل،و معقد يعسر فهمه إلاّ على أهل الاختصاص.

و لذا اتفقوا على أن حكم الغيث حال نزوله من السماء حكم النابع لا ينجس بملاقاة النجاسة،سواء أو ردت عليه،أو ورد عليها.

ملاقاة النجاسة للماء المضاف:

سئل الإمام الباقر عليه السّلام عن فأرة وقعت في السمن فماتت؟قال:ألقها و ما يليها ان كان جامدا،و كل ما بقي.و إن كان السمن ذائبا فلا تأكل،و استصبح به، و الزيت مثل ذلك.

قال الفقهاء:إذا لاقت النجاسة الماء المضاف فإنه ينجس بمجرد الملاقاة بالغا ما بلغ.و استدلوا بهذه الرواية رغم أنّها وردت في الزيت و السمن الذائب، و انهما ليسا من المضاف في شيء.و لكنهم قالوا:ان الزيت و السمن الذائب يشاركان الماء المضاف في بعض أوصافه،و هو سريان النجاسة و وصولها إلى الذائب.و هذا السريان و الوصول هو علة الحكم بالنجاسة،و عليه كما تدل رواية السمن و الزيت على النجاسة بالملاقاة تدلّ أيضا على نجاسة المضاف،و ربما بطريق أولى،لأن الزيت و السمن أثقل و أشد.

و يظهر من قول السيد الحكيم في المستمسك الفرق بين المضاف الكثير، و المضاف القليل،و ان الأول لا ينجس بملاقاة النجاسة لعدم السراية،و الثاني ينجس بها لوجود السراية و الوصول.و فرّع على ذلك عدم تنجيس عيون النفط بملاقاتها للنجاسة.

و نحن لا نشك بأن النفط يختلف في حقيقته و أوصافه عن الماء المضاف كما هو في أذهان الفقهاء،و عليه يكون قول السيد في محله.

ص:14

تطهير المياه النجسة:

اشارة

قال الإمام عليه السّلام:«كل شيء يراه ماء المطر فقد طهر».و قال:«ماء النهر يطهّر بعضه بعضا».

لتطهير الماء النجس حالات:

1-أن يكون الماء نابعا،و كان قد تغير لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة.

و يكفي في طهارته زوال التغير فقط،قليلا كان أو كثيرا،زوال التغير تلقائيا أو بالواسطة،لأن وجود النبع كاف،بدليل قول الإمام:«لأن له مادة»في الرواية التي ذكرناها في فقرة«الماء و ملاقاة النجاسة».

2-أن يكون الماء قليلا،و غير نابع،فان لم يكن قد تغير بالنجاسة كفى في تطهيره نزول الغيث عليه،أو اتصاله بكر،أو بماء نابع،بحيث يصير الماء ان واحدا و ان كان متغيرا بالنجاسة فلا بد أولا من زوال التغير،ثم التطهير بما ذكر،أو إلقائه بماء كثير،بحيث يستهلك،و لا يستبين له أي أثر.

3-أن يكون الماء كثيرا،و غير نابع،و ليس من ريب أن هذا لا ينجس إلا إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه،و لا يطهر إلاّ بزوال التغير،و نزول المطر،أو اتصاله بكر أو بنبع على شريطة أن يصير الماءان واحدا.

و لا يشترط الفقهاء أن يمتزج كل جزء من الماء المتنجس بكل جزء من الماء الطاهر،و لا مساواة سطحهما،بل يصح أن يكون المطهر أعلى،و المتنجس أسفل،دون العكس.

و كذا لا يشترطون زوال التغير أولا،ثم حصول الاتصال بعده،بل لو ذهب التغير و حصل الاتصال معا كفى في الطهارة.

ص:15

الشك و التردد:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:«الماء كله طاهر،حتى تعلم أنّه قذر».

إذا رأيت ماء،و لم تكن على علم سابق بطهارته،و لا نجاسته فهو طاهر، لهذه الرواية الخاصة بالماء،و الرواية العامة التي تشمله مع غيره،و هي كل شيء طاهر،حتى تعلم نجاسته،و بالأولى إذا كنت على يقين سابق بالطهارة.

أمّا إذا كنت على يقين سابق بنجاسته،ثم شككت بطرو الطهارة فتستصحب النجاسة.

اشتباه الطاهر بالنجس:

سئل الإمام عليه السّلام:عن رجل،معه إناءان،وقع في أحدهما قذرة،لا يدري أيهما،و ليس يقدر على ماء غيرهما؟قال:يهريقهما،و يتيمّم».

إذا وجد إناءان،أحدهما طاهر،و الآخر نجس،و لم تستطع التمييز بينهما، وجب اجتنابهما معا،لأن امتثال الأمر بترك النجس،لا يتحقق إلاّ باجتناب الإناءين.و إذا لم يكن ماء آخر غيرهما تعين التيمم للصلاة.

المكاثرة:

اشارة

إذا كان الماء قليلا،و في الوقت نفسه كان متنجسا،ثم طرأ عليه ماء آخر، و بهذه المكاثرة صار المجموع كرا،فهل يصير الماء طاهرا،أو يكون نجسا؟

الجواب:

بل يكون نجسا،لأن قول الإمام:إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء،معناه أن الكر لا بد أن يتحقق أولا،ثم تعرض عليه النجاسة،إذ لا بد في الموضوع أن

ص:16

يتقدم على الحكم،هذا إلى أن الماء الثاني إن كان نجسا فضم النجس إلى مثله لا يجعل المجموع طاهرا،و إن كان طاهرا فإنه ينجس بالملاقاة.

الماء المستعمل بالوضوء و الغسل:

قال الإمام عليه السّلام:«كان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إذا توضأ أخذ ما يسقط من وضوئه، فيتوضؤون به».

و قال أيضا عليه السّلام:«أمّا الماء الذي يتوضأ به الرجل،فيغسل به وجهه و يده، فلا بأس ان يأخذه غيره و يتوضأ به».

و أيضا سئل عن الجنب يغتسل بماء الحمام:هل يغتسل به غيره؟قال:لا بأس أن يغتسل من الجنب،و لقد اغتسلت فيه».

و نستفيد من هذا أن الماء لا يتنجس بمماسة بدن الجنب،بل و لا يسلب عنه صفة التطهير به،و لذا اتفق الفقهاء على أن الماء الذي يتوضأ به الإنسان،أو يغتسل غسلا مستحبا،كغسل الجمعة يجوز أن يطهر به الخبث،أي النجاسة المادية،و الحدث أيضا،أي يتوضأ أو يغتسل به ثانية.

أمّا الماء الذي اغتسل به غسلا واجبا كالجنابة فإنه مطهر للخبث بالاتفاق.

و للحدث على المشهور.

الكر:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:«إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء».

و مما قاله في تحديد الكر بالمساحة:«إذا كان ثلاثة أشبار و نصف في مثله ثلاثة أشبار و نصف في عمقه في الأرض فذاك الكر من الماء».

ص:17

و عنه في تحديده بالوزن:«الكر الذي لا ينجسه شيء ألف و مأتا رطل».

و هناك روايات أخرى.

و للرواية الأولى منطوق،و هو ما خصص بالذكر،و مفهوم من هذا المخصص بالذكر،و هو أن الماء الذي دون الكر ينجسه الشيء النجس،و حكم المفهوم دائما مخالف لحكم المنطوق،و لكن من بعض الجهات لا من جميعها، أي لا يشترط أن يكون الحكم في المفهوم مخالفا للحكم في المنطوق من شتى أنحائه و جهاته،فإذا كان المنطوق عاما كما نحن فيه،لأن الفكرة في سياق تفيد العموم،فلا يجب أن يكون المفهوم عاما أيضا بحيث يكون معناه هنا إذا لم يبلغ الماء قدر كر نجسه كل شيء،لذا قيل:ان المفهوم لا عموم له.

و مما قدمنا يعلم أن المراد من عدم تنجيس الكر بالملاقاة هو إذا لم يتغير بالنجاسة،و ان ما دون الكر ينجس بها،و ان لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه.

بقيت مسألة تحديد الكر،و كم يبلغ؟و قد جاءت فيه روايتان عن الإمام أحدهما بالمساحة،و الأخرى بالوزن،كما رأيت،و الأفضل الاعتماد على المساحة،أي الأشبار،لأمور:

1-أن الرطل مجمل لا يعرف تحديده بالضبط في عهد الإمام.

2-ان المياه تختلف في الوزن خفة و ثقلا.

3-ان الوزن متعذر على أكثر الناس،بخاصة في حال البعد عن العمران، بخلاف المساحة،حيث يمكن تقديرها،و لو بالنظر على سبيل التقريب الذي تركن إليه النفس.

ص:18

الشك و التردد:

إذا رأيت ماء،و لم تدر:هل هو بمقدار كر،أو دونه نظرت:فإن كنت على علم سابق بأنه كان كرا،ثم شككت:هل طرأ عليه النقصان استصحبت بقاء الكرية،و رتبت عليها جميع الآثار من عدم نجاسة الماء بالملاقاة و طهارة المتنجس الذي غسل فيه.

و ان كنت على علم سابق بأنه كان دون الكر،ثم شككت:هل طرأت عليه الزيادة،استصحبت عدم الكرية،و رتبت عليه جميع الآثار من نجاسته بالملاقاة، و عدم طهارة المتنجس الذي غسل فيه.

و ان شككت ابتداء،و لم تكن على علم سابق لا بالكثرة،و لا بالقلة فلا تحكم بثبوت الكرية،و لا بنفيها (1)و إذا غسلت فيه-و الحال هذه-جسما متنجسا يبقى الماء على طهارته ما لم يتغير بالنجاسة،لأن المفروض أنّه مشكوك الكرية،و الشك فيها يستدعي الشك في الطهارة،و بديهة أن مجرد الشك كاف للحكم بها،كما أن الجسم المتنجس الذي غسل فيه يبقى على نجاسته عملا بالاستصحاب،و لا منافاة بين طهارة الماء،و بقاء النجاسة في الجسم الذي لاقاه، لتعدد الموضوع،فإن موضوع أصل الطهارة هو الماء،و موضوع استصحاب النجاسة هو الجسم الذي لاقاه.

ص:19


1- و قيل:هنالك أصل يثبت نجاسة هذا الماء المشكوك،و هو استصحاب العدم الأزلي للكرية، فيقال هكذا ان الماء غير الكر ينجس بملاقاة النجاسة،و هذا ماء بالوجدان،و قد لاقته النجاسة،و قبل وجوده لم تكن الكرية متحققة،و بعده نشك،فنستصحب عدمها،و يكون المورد من باب الموضوعات المركبة من جزءين يثبت أحدهما بالوجدان،و الآخر بالأصل. و قيل غير ذلك.

ص:20

أعيان النجاسات

اشارة

قال تعالى وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ .و قال إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ.

تطلق النجاسة في اللغة على سوء السريرة،و قبح الأعمال،و عند الفقهاء هي القذارة المادية التي يجب إزالتها لأجل الصلاة أو الطواف الواجب،و هي أنواع:

البول:

1-سئل الإمام عليه السّلام عن الثوب أو الجسد يصيبه البول؟قال:«اغسله مرتين».

و هذا محل وفاق بين الفقهاء.

الغائط:

اشارة

2-سئل الإمام عليه السّلام عن الدقيق يصيب فيه خرء الفأر:هل يجوز أكله؟قال:

«إذا بقي منه شيء،فلا بأس،يؤخذ أعلاه».

و هذا محل وفاق أيضا على شريطة أن يكون البول و الغائط من انسان أو حيوان غير مأكول اللحم،و له دم سائل،و هو الدم الذي يجتمع في العروق،

ص:21

و يخرج عند قطعها بقوة و دفق.و قد ثبت عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:«اغسل ثوبك من بول ما لا يؤكل لحمه.و لا تغسل ثوبك من بول شيء يؤكل لحمه».

و قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه:«ان نجاسة البول و العذرة من الإنسان،و بعض صنوف الحيوانات،كالهرة و الكلب،و نحوهما كادت تكون ضرورية،كطهارة الماء،فلا ينبغي إطالة الكلام بذكر الأخبار الخاصة المتضافرة الدالة على نجاستهما».

الطيور:
اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:«كل شيء يطير لا بأس بخرئه و بوله».أي أن كل طائر،و ان كان غير مأكول اللحم فبوله و خرؤه طاهران.

و رب قائل:ان هذه الرواية الدالة على طهارة فضلات كل طائر،حتى و لو كان غير مأكول اللحم كالخفاش تتنافى مع الرواية المتقدمة الدالة على نجاسة فضلات غير مأكول اللحم،و لو كان طائرا كالخفاش،و مع هذا التعارض فبأي الروايتين نأخذ؟

الجواب:

نأخذ برواية الطهارة،دون رواية النجاسة،و نحكم بطهارة فضلات الطائر و لو كان غير مأكول،لأن رواية النجاسة منصرفة إلى الحيوان غير الطائر،و على هذا فلا تعارض،و مع افتراض عدم الانصراف،و تعارض الروايتين بالفعل، فنقدم رواية الطهارة،لأنها أقوى سندا،و مع افتراض التساوي و التكافؤ بالسند، فعلى القول بالتخيير بين المتعارضين نختار رواية الطهارة،و على القول بالتساقط بينهما نرجع إلى عموم كل شيء نظيف،حتى تعلم أنه قذر.

ص:22

الحيوان الجلاّل و الموطوء:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:«لا تأكلوا من لحوم الجلالات،و ان أصابك من عرقها فاغسله».و الحيوان الجلال هو الذي جل علفه العذرة.

و عنه أيضا:«أن أمير المؤمنين عليه السّلام سئل عن البهيمة التي تنكح؟فقال:

حرام لحمها و كذلك لبنها».

الحيوان الذي يؤكل لحمه شرعا،منه ما اعتاد الناس أكله،كالجمال و البقر و الجاموس و الغنم و الماعز،و منه ما لم يعتادوا أكله،مع العلم بأنه حلال كالخيل و الحمير و البغال،فقد ترك الناس في القديم أكلها،لأنها من أهم وسائل النقل، و خافوا أن يؤدي أكلها إلى إفنائها أو ندرتها،فتحدث الأزمة.

و أي حيوان جاز أكله شرعا من هذين القسمين إذا أكل العذرة،و اشتد لحمه منها حتى صار جلالا،يحرم أكله،إلى أن يترك أكلها،و يأكل علفا طيبا أمدا يبرأ فيه من الجلل و يذهب هذا الاسم عنه،لأن الأحكام تابعة للأسماء.و كذلك يحرم لحم الحيوان إذا وطأه إنسان،و متى حرم أكل الحيوان بسبب الجلل أو وطء الإنسان،ينجس بوله و خرؤه،و لا يحل شرب لبنه.

المني:

اشارة

3-سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن المني يصيب الثوب؟قال:«ان عرفت مكانه فاغسله،و ان خفي عليك مكانه فاغسله كله».

اتفق الفقهاء على نجاسة المني من كل ما له دم سائل،سواء أ كان مأكول اللحم أو غيره.أمّا ما لا دم سائل له فمنيه طاهر كدمه.

ص:23

المذي و الودي:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن المذي يصيب الثوب؟قال:«لا بأس به».

المذي ماء أبيض لزج،يخرج عند الملاعبة،أو التفكر في الجماع،و قد لا يشعر الإنسان بخروجه،أما الودي فيخرج بعد البول،و كلاهما طاهر.

الدم:

اشارة

4-قال الإمام عليه السّلام:«ان أصاب ثوب الرجل الدم،فيصلي فيه،و هو لا يعلم ،فلا إعادة،و ان هو علم قبل أن يصلي فنسي و صلى فيه،فعليه الإعادة».

و سئل عن دم البراغيث؟قال:ليس به بأس.قال السائل:إنه يكثر و يتفاحش.قال:و ان كثر.

كل حيوان له نفس سائلة فدمه نجس،سواء أ كان مأكول اللحم،أو غير مأكول،قليلا كان الدم،أو كثيرا،و بهذا و بما تقدم يتبين معنا أن مأكول اللحم بوله و خرؤه طاهران،أما دمه فنجس بالاتفاق.

و للفقهاء هنا كلام طويل،عريض،و يتلخص:هل هناك أصل شرعي يدل على أن الدم من حيث هو محكوم بالنجاسة إلا ما أخرجه الدليل،كدم ما لا نفس سائلة له.و الدم المتخلف في الذبيحة،بحيث نرجع إلى هذا الأصل،و نحكم بنجاسة كل دم شككنا في طهارته و نجاسته،أو لا وجود لهذا الأصل من الأساس؟ ذهب أكثر الفقهاء إلى نفيه،و عدم وجوده،و قال البعض بوجوده مستدلا بقول الإمام عليه السّلام:«كل شيء يتوضأ به مما يشرب منه الطير إلا أن ترى في منقاره دما»حيث حكم بنجاسة الدم،مع الجهل بحقيقته.

و أجيب بأن هذا ليس بيانا لحكم الدم من حيث هو،و انما هو بيان لحكم ما

ص:24

لاقاه الدم الذي علمت نجاسته مسبقا.

في الذبيحة:

ذهب أكثر الفقهاء،و قيل كلهم،إلى أن الدم الذي يبقى في الذبيحة بعد خروج المقدار المتعارف،ذهبوا إلى أن هذا الدم طاهر،و استدلوا بنفي الحرج، و لم اطلع على نص خاص في ذلك.

الميتة:

اشارة

5-قال الإمام عليه السّلام عن البئر تقع فيها الميتة:ان كان لها ريح نزح منها عشرون دلوا.

و سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة،و ما أشبه،يموت في البئر و الزيت و السمن؟قال:كل ما ليس له دم فلا بأس.و في رواية أخرى:«لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة».

اتفق الفقهاء على أن كل ميت له دم سائل فهو نجس،حيوانا كان،أو إنسانا قبل الغسل،و لجت الروح فيه،ثم خرجت منه،أو لم تلجه أصلا كالسقط.

و كلّ ما لا دم سائل له كالحية و الجراد و الذباب،فميتته طاهرة.و كذلك ما لا يخالطه الدم من اجزاء الميتة النجسة،كالشعر و القرن و الظفر و الريش و الصوف و العظم،فإنه طاهر إلاّ ما كان من نجس العين،كالكلب و الخنزير،فقد ثبت عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال:«لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة،ان الصوف ليس فيه روح»فان قوله:ليس فيه روح،تعليل و تبرير لطهارة كل ما لا تحله الحياة من اجزاء الميتة.

ص:25

أمّا العضو المقطوع من جسم حي،فللفقهاء فيه قولان:أحدهما الطهارة، للأصل،و الآخر النجاسة،للاحتياط.و بديهة أن الاحتياط ليس بدليل شرعي.

و لذا قال صاحب المدارك:ان غاية ما يستفاد من الأخبار نجاسة جسد الميت، و هو لا يصدق على الأجزاء قطعا.

الانفحة و فارة المسك:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الأنفحة تخرج من الجدي الميت؟قال:لا بأس.و عن اللبن يكون في ضرع الشاة،و قد ماتت؟قال:لا بأس.

و سئل ولده الكاظم عليه السّلام عن فارة المسك تكون مع المصلي،و هي في جيبه،أو ثيابه؟قال:لا بأس بذلك.

و الأنفحة معدة الجدي حال ارتضاعه،و تصير كرشا بعد أن يأكل العلف و النبات،و تصلح لعمل الجبن،و تسمى مجبنة عند العوام العراق،و مسوة في جبل عامل.أمّا فارة المسك فجلدة في الظبي،فيها دم طيب الرائحة.و لهاتين الروايتين و غيرهما قال الفقهاء بطهارة هذه الفارة،و طهارة الإنفحة،و ان استخرجتا من ميت،و بطهارة اللبن الموجود في ضرع حيوان ميت،رغم ملاصقته لأجزاء الميتة النجسة،على شريطة أن يكون الحيوان مأكول اللحم.

يد المسلم:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الخف يباع في السوق؟قال:اشتر و صلّ فيه، حتى تعلم أنّه ميتة بعينه.

و أيضا سئل عن الرجل يأتي السوق،فيشتري جبة فراء،لا يدري أ ذكي

ص:26

هي،أ يصلي فيها؟قال:نعم،ليس عليكم المسألة.ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم.ان الدين أوسع من ذلك.

و لذا أفتى الفقهاء بطهارة اللحوم و الجلود التي عليها يد مسلم،أو أخذت من سوق،الكل أو الجل فيه من المسلمين،و كذلك حكموا بطهارة ما وجد من اللحوم و الجلود مطروحا في أرض الإسلام و طرقهم،على شريطة أن يكون عليها أثر الاستعمال.

قال السيد الحكيم في الجزء الأول من المستمسك«مسألة نجاسة الميتة» قال:لك أن تأخذ الجلود من يد المسلم،حتى و لو علمت أنّه أخذها من غير المسلم،و هذه عبارته بالحرف:«و لو كانت يد المسلم مسبوقة بيد الكافر،كما في الجلود المجلوبة في هذه الأزمنة من بلاد الكفار فالظاهر كونها-أي يد المسلم- إمارة أيضا-أي على التذكية-قال كاشف الغطاء:و ما يؤتى به من بلاد الكفار كالبرتغال لا بأس به إذا أخذ من أيدي المسلمين.و قال صاحب الجواهر:يستفاد من النصوص طهارة ما يؤخذ من يد المسلم،و ان علم سبقها بيد الكافر».ثم قال السيد الحكيم:«و ما ذكره صاحب الجواهر من الاستفادة في محله».

القيح و القيء:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الدمل يكون بالرجل:فينفجر و هو في الصلاة؟ قال:يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض،و لا يقطع الصلاة.

و سئل عن الرجل يتقيأ في ثوبه،أ يجوز أن يصلي فيه و لا يغسله؟قال عليه السّلام:

لا بأس به.

و بهذا أفتى الفقهاء كافة.

ص:27

الكلب و الخنزير:

6 و 7-سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الكلب؟قال:رجس نجس لا يتوضأ بفضله،و أصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أول مرة،ثم بالماء.

و سئل ولده الإمام الكاظم عليه السّلام عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟قال :يغسل سبع مرات.

و بهذا أفتى الفقهاء،و لم يستثنوا من الحكم بالنجاسة ما لا تحله الحياة من أجزاء الكلب و الخنزير،كالشعر و العظم،و ما إليهما.

أجل،تختص النجاسة بالكلب و الخنزير البريين،دون البحريين، لانصراف الأدلة عنهما.

الخمر:

8-روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:إذا أصاب ثوبك خمر،أو نبيذ و مسكر،فاغسله ان عرفت موضعه،و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله،و ان صليت فيه فأعد صلاتك.

المسكر،منه مائع بحسب الأصل،كالخمر و النبيذ،و منه جامد كالأفيون و الحشيش،و ذهب جمهور الفقهاء إلى نجاسة الخمر،و جميعهم إلى طهارة المسكر الجامد كالأفيون،و اختلفوا في نجاسة المسكر المائع-غير الخمر- كالنبيذ،فمن قائل بأنه نجس،لأن اللّه لم يحرم الخمر لاسمها،و لكن حرمها لعاقبتها-كما جاء في بعض أقوال الإمام-و ما كانت عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر،و من قائل بأنه طاهر:مع قوله بنجاسة الخمر،لاختلاف الاسم،و الأحكام تتبع الأسماء،لا الأسباب المستنبطة و العواقب،و من القائلين بالطهارة نظريا

ص:28

السيد الخوئي بالتنقيح،حيث لا دليل على النجاسة،و القاعدة تقتضي الطهارة، و مع ذلك حكم عمليا بالنجاسة من باب الاحتياط لمكان المشهور.

و يلاحظ بأن الاحتياط و الشهرة ليسا من الأدلة الشرعية،حتى عند السيد.

و رحم اللّه الشهيد الثاني،حيث قال:العمل بخلاف ما عليه المشهور مشكل، و الأخذ بقولهم من دون دليل أشكل.

العنب إذا غلا:

اتفق الفقهاء على أن العنب إذا غلا يحرم شرب عصيرة المغلي،حتى و لو لم يشتد،و انه يصير حلالا بذهاب ثلثيه.

و قال صاحب المدارك:«الحكم بنجاسة العصير المغلي من العنب مشهور عند المتأخرين،و لا نعلم مأخذه-أي لا دليل على النجاسة-و قد اعترف الشهيد الثاني في الذكرى و البيان بأنه لم يقف على دليل يدل على نجاسته،و بأن القائل بالنجاسة قليل من الفقهاء.و مال الشهيد الثاني إلى الطهارة،و قواها شيخنا المعاصر،و هو المعتمد تمسكا بمقتضى الأصل السالم عن المعارض».

و نحن لا نشك في أنّ القائل بالنجاسة،ألحق هذا العصير بالخمر،و بديهة أن الإلحاق قياس،فتعينت الطهارة،لأنها الأصل في جميع الأشياء،حتى يثبت العكس.

الفقاع:

9-سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الفقاع؟فقال:لا تشربه،فإنه خمر مجهول،و ان أصاب ثوبك،فاغسله.

ص:29

الفقاع شراب يتخذ من الشعير،قال صاحب المدارك:الحكم بنجاسته مشهور بين الأصحاب-أي الفقهاء-و به رواية ضعيفة السند جدا.

عرق الجنب من الحرام:

10-قال صاحب المدارك:اختلف الأصحاب في عرق الجنب من الحرام،فذهب جماعة إلى نجاسته،و عامة المتأخرين قالوا بالطهارة،و هو المعتمد للأصل.

و قال السيد الحكيم في المستمسك:«المنسوب إلى أكثر المتأخرين،بل المشهور بينهم الطهارة،بل عن الحلي دعوى الإجماع عليها،و ان من قال بالنجاسة في كتاب رجع عنها في كتاب آخر».

و بديهة أن كل ما شك في نجاسته فهو طاهر،حتى يحصل اليقين بالنجاسة،و لم يحصل لنا هذا اليقين،و لا ما أشبه.

أهل الكتاب:

11-سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن مؤاكلة اليهود و النصارى؟قال:لا بأس إذا كان من طعامك.

و عن زكريا بن إبراهيم انه قال:كنت نصرانيا،فأسلمت،فقلت للإمام الصادق عليه السّلام:ان أهل بيتي على دين النصرانية،فأكون معهم في بيت واحد،و آكل من آنيتهم.فقال لي:أ يأكلون لحم الخنزير؟قلت:لا.قال:لا بأس.

و قيل للإمام الرضا عليه السّلام حفيد الإمام الصادق عليه السّلام:الجارية النصرانية تخدمك ،و أنت تعلم أنّها نصرانية لا تتوضأ و لا تغتسل من جنابة.قال:لا بأس تغسل يدها

ص:30

و هناك روايات أخرى.

أجمع الفقهاء على نجاسة من أنكر الخالق جل و علا،و ليس من شك أن الكلب و الخنزير أشرف و أكرم من هذا،و أن البول و العذرة أنقى منه و أطهر.

أمّا أهل الكتاب،و هم اليهود و النصارى،و من ألحق بهم كالمجوس، فللفقهاء قولان معروفان:أحدهما النجاسة،و عليها الأكثر،و الثاني الطهارة، و إليها ذهب بعض من تقدم،و جماعة ممن تأخر،منهم صاحب المدارك و السبزواري،و آخرون متسترون.

و أحدث القول بنجاسة أهل الكتاب مشكلة اجتماعية للشيعة،حيث أوجد هوة سحيقة عميقة بينهم و بين غيرهم،و أوقعهم في ضيق و شدة،بخاصة إذا سافروا إلى بلد مسيحي كالغرب،أو كان فيه مسيحيون كلبنان،و بوجه أخص في هذا العصر الذي أصبحت فيه الكرة الأرضية كالبيت الواحد،تسكنه الأسرة البشرية جمعاء.

و ليس من شك أنّ القول بالطهارة يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية السهلة السمحة،و ان القائل بها لا يحتاج إلى دليل،لأنّها وفق الأصل الشرعي و العقلي و العرفي و الطبيعي،أما القائل بالنجاسة فعليه الإثبات،و قد استدل بأمور:

الأول-الإجماع:

و جوابنا عنه أنّه لا إجماع في مورد الخلاف،و لو سلمنا وجوده مماشاة، و من باب المسايرة،فإن الإجماع انما يكون حجّة إذا كشف يقينا عن رأي المعصوم عليه السّلام،و نحن نعلم أو نحتمل أن المجمعين قد استندوا إلى بعض الأخبار،أو إلى الاحتياط.و بديهة أن العلم بالكشف عن رأي المعصوم لا يجتمع مع الاحتمال بأن المجمعين استندوا إلى الأخبار و الاحتياط،و متى انتفى العلم

ص:31

بهذا الكشف عن الإجماع يكون وجوده و عدمه سواء.

الدليل الثاني الذي استدل به المجمعون عن النجاسة-الاخبار،و هي صحيحة السند واضحة الدلالة.

و جوابنا عنها أنّه يوجد إلى جانبها أخبار مضادة أوضح دلالة،و أكثر عددا، و لا تقل عنها سندا.فالأخذ بأخبار النجاسة دون أخبار الطهارة تقديم للضعيف على الأقوى،و للأدنى على الأعلى.

و لو سلمنا بالتساوي و التكافؤ بين أخبار الطهارة،و أخبار النجاسة،رجعنا إلى أصل الطهارة،بناء على القول بسقوط المتعارضين معا،و اخترنا أخبار الطهارة،بناء على القول بالتخيير بينهما.

أمّا قول من قال:لا بد من الاحتياط،لذهاب المشهور إلى النجاسة.

فجوابنا هو الجواب المكرور من أن الاحتياط حسن،و الشهرة قد تدعم و تؤيد، و لكنهما ليسا من الأدلة الأربعة.

و عليه فلا دليل على النجاسة من نص و لا إجماع و لا عقل.

و ما زلت اذكر أن الأستاذ قال في الدرس ما نصه بالحرف:«ان أهل الكتاب طاهرون علميا-أي نظريا-نجسون عمليا».و اني أجبته بالحرف أيضا:«هذا اعتراف صريح بأن الحكم بالنجاسة عمل بلا علم».فضحك الأستاذ و رفاق الصف،و انتهى كل شيء.

و قد عاصرت ثلاثة مراجع كبار من أهل الفتيا و التقليد،الأول كان في النجف الأشرف،و هو الشيخ محمد رضا آل يس،و الثاني في قم،و هو السيد صدر الدين الصدر،و الثالث في لبنان،و هو السيد محسن الأمين،و قد أفتوا جميعا بالطهارة،و أسروا بذلك إلى من يثقون به،و لم يعلنوا خوفا من المهوّشين،

ص:32

على ان يس كان أجرأ الجميع.و أنا على يقين بأن كثيرا من فقهاء اليوم و الأمس يقولون بالطهارة،و لكنهم يخشون أهل الجهل،و اللّه أحق أن يخشوه.

أجل،من قال بالطهارة ذهب إلى النجاسة العرضية،أي أن أهل الكتاب يطهرون إذا تطهروا بالماء،تماما كالمسلم إذا تنجس بعض أعضاءه،و استند القائل بالنجاسة العرضية إلى الرواية المتقدمة عن الامام الرضا عليه السّلام أن النصرانية تغسل يدها،و إلى صحيحة إسماعيل بن جابر التي جاء فيها:«ان في آنيتهم الخمر،و لحم الخنزير»و هذا تعليل صريح بأن السبب للاجتناب عن أهل الكتاب انما هو لمباشرتهم لما نعده نحن نجسا،كالكلب و الخنزير و الخمر،و ما إلى ذاك.

و بالإجمال،ان دين اللّه أوسع من ذلك،و ان الخوارج ضيّقوا على أنفسهم، فضيّق اللّه عليهم-كما قال الامام-و ان الإسلام كما هو دين الخير و العدل،فإنه دين اليسر و العقل.أما وجود بعض الأخبار في النجاسة فإن الأحاديث التي ترك علماء السنة و الشيعة العمل بها لا يبلغها الإحصاء.و قد أجمع السنة على طهارة أهل الكتاب،مع العلم بأنهم رووا عن أبي ثعلبة الخشني أنه قال:قلت:«يا رسول اللّه إنا بأرض قوم أهل الكتاب أ فنأكل من آنيتهم؟قال:لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها،فاغسلوها و كلوا فيها».

فظاهر الحديث النجاسة حيث أمر بعدم الأكل في آنيتهم إلا لضرورة، و حتى مع وجود الضرورة أمرهم بغسلها،و مع ذلك حملوها على محمل آخر.

و قد يقال:ان نجاسة أهل الكتاب شيء،و نجاسة آنيتهم شيء آخر.

قلت:أجل،و لكن ربما يقال:ان نجاسة الآنية أشد،و لذا من قال بنجاسة أهل الكتاب من فقهاء الشيعة أفتى بطهارة آنيتهم .

ص:33

ص:34

مسائل متفرقة

منكر الضرورة:

ذهب أكثر العلماء إلى أن من أنكر حكما ثبت في الإسلام بالضرورة،دون أن يلتفت إلى أنّه ضروري فهو نجس،و قال السيد الخوئي في التنقيح،بل هو طاهر،لعدم الدليل على النجاسة.

و هو الحق ما دام ينطق بالشهادتين،و لم يتعمد تكذيب الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

ولد الكافر:

قال أكثر الفقهاء:ولد الكافر نجس تبعا لأبويه.

و قال صاحب المدارك:بل هو طاهر،لان اسم الكافر لا يصدق عليه، فالقول بنجاسته لا يعتمد على دليل.

و هو حق،لأن الأحكام تتبع الأسماء.

المغالي:

من اعتقد بأن عبدا من عباد اللّه يخلق،أو يرزق،أو يقدر على ما يقدر اللّه

ص:35

عليه،فهو مغال مشرك نجس،لا يؤاكل،و لا يزوج،و لا يورث بالاتفاق.

الناصبي:

من نصب العداء لأهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،أو لأحدهم فهو رجس نجس ،لأنّ عداء أهل الرسول عداء للرسول،و عداء الرسول عداء اللّه بالذات.

السؤر:

قال الفضل:سألت الامام الصادق عليه السّلام عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع،و لم أترك شيئا إلاّ سألته عنه؟فقال:

لا بأس به،حتى انتهيت إلى الكلب.فقال:رجس نجس.

و السؤر هو ما يتبقى من الماء بعد الشرب،و حكم هذا الماء الباقي حكم صاحب السؤر بالذات،ان نجسا فنجس،و ان طاهرا فطاهر.

الشك و التردد:

و هنا مسائل تتعلق بالشك:

1-إذا شككنا في أن هذا السؤر هو سؤر حيوان طاهر،أو حيوان نجس، فهو طاهر للأصل.

2-إذا شككنا في أن هذا الإنسان مسلم،أو غير مسلم بناء على نجاسة غير المسلم،فهو طاهر،للأصل،و لكن لا نرتب عليه الآثار الأخرى التي لا بد فيها من ثبوت الإسلام.

3-إذا شككنا في هذا الأحمر هل هو دم أو لا فهو طاهر.

ص:36

4-إذا علمنا ان هذا دم،و شككنا في أنّه من حيوان له دم سائل،كي يكون نجسا،أو من غيره،كي يكون طاهرا،فهو طاهر للأصل.

5-إذا شككنا في أنّ هذا الحيوان جلال أو لا فهو طاهر للأصل.

و لا يجب البحث و السؤال عن شيء من ذلك،كما أنه لا يجب على المسؤول ان يجيب:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:كل شيء نظيف،حتى تعلم أنّه قذر،فإذا علمت فقد قذر،و ما لم تعلم فليس عليك.

و عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام أنّه قال:ما أبالي أبول أصابني،أو ماء إذا لم أعلم.

و من طريف ما يروى في هذا الباب ان رجلين كانا يسيران معا في الطريق، فسقط شيء عليهما من ميزاب،فقال أحدهما:يا صاحب الميزاب،ماؤك طاهر أو نجس؟فقال الآخر:يا صاحب الميزاب لا تخبرنا.

ص:37

ص:38

أحكام النجاسات

طرق ثبوت النجاسة:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:«كل شيء لك حلال،حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك،و ذلك مثل الثوب عليك قد اشتريته،و لعله سرقة.و المرأة تحتك،و هي أختك،أو رضيعتك،و الأشياء كلها على هذا،حتى يستبين لك غير هذا،أو تقوم به البينة».

ان إثبات الطهارة لا يحتاج إلى دليل ما دام مجرد الشك في النجاسة كافيا للحكم بالطهارة،و هذا من الموارد التي يتغلب فيها الضعيف على القوي.فلو احتملت 90 بالمئة بأن هذا نجس،و 10 بالمئة بأنه طاهر كانت الغلبة للعشرة على التسعين.

أمّا النجاسة فلا تثبت إلاّ بدليل،كالحس،و الاستصحاب،و البينة الشرعية، تماما كغيرها من الموضوعات التي أشار إليها الإمام بقوله:«و الأشياء كلها على هذا،حتى يستبين لك غير هذا،أو تقوم به البينة»أي يظهر لك ذلك بالحس،أو يشهد شاهدان.

خبر الواحد:

اتفق الفقهاء على أن خبر الثقة الواحد يؤخذ به في الأحكام،فإذا روي عن

ص:39

المعصوم أن هذا حلال،و ذاك حرام،كان حجّة معتبرة،و اتفقوا أيضا على أن الحقّ لا يثبت بقوله وحده في باب التقاضي و التخاصم.و اختلفوا:هل تثبت الموضوعات الخارجية بقوله في غير باب التخاصم أو لا،فلو قال:هذا نجس و لم يخاصمه أحد في ذلك هل يكون حجّة؟ ذهب أكثر العلماء إلى عدم الاعتماد على الخبر الواحد في الموضوعات، حتى مع عدم التخاصم.

و قال الشيخ الهمداني في المصباح:الأقوى الاعتماد عليه،و الأخذ به مستدلا ببناء العقلاء،و بأنه ثبت شرعا الاعتماد على أذان الثقة في دخول الوقت.

و الحق أن خبر الواحد ليس بشيء في الموضوعات إلا إذا كان سببا للاطمئنان و ركون النفس،و عليه يكون المعوّل على الاطمئنان.

صاحب اليد:
اشارة

إذا أخبر صاحب اليد كالزوجة و الخادم و ما إليهما بأن هذا نجس،هل يؤخذ بقوله؟

الجواب:

أجل،و الدليل سيرة الفقهاء،و بناء العقلاء.

النجس و المتنجس:

اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الجرح:كيف يصنع به صاحبه؟قال:يغسل ما حوله.

و سئل عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء،فمسح ذكره بحجر،و قد

ص:40

عرق ذكره و فخذه؟قال:يغسل ذكره و فخذه.

و سئل الإمام الكاظم عليه السّلام عن الرجل يمشي في العذرة،و هي يابسة، فتصيب ثوبه و رجليه:هل يصلح أن يدخل المسجد،فيصلي و لا يغسل ما أصابه؟ قال:ان كان يابسا فلا بأس.

و هناك روايات أخرى.

و النجس ما كانت نجاسته بالذات،بحيث لا يمكن زوالها بحال،مثل الكلب و الخنزير،و البول و الدم،لذا قيل:ما بالذات لا يتغير،أما المتنجس فطاهر بالذات،متنجس بالعرض،كاليد يصيبها الدم أو البول.

و اتفق الفقهاء ان الطاهر إذا سرت إليه النجاسة بمماسة للنجس يصير متنجسا.

و أيضا اتفقوا على تحريم أكل النجس و المتنجس و شربه تحريما نفسيا، و على وجوب تطهير الثوب و البدن من النجاسة لأجل الصلاة أو الطواف الواجب وجوبا غيريا.

ما يعفى عنه بالصلاة:

سئل الإمام عليه السّلام عن الرجل تخرج منه القروح،فلا تزال تدمي،كيف يصلي؟ قال:يصلي،و ان كانت الدماء تسيل.

و قال:لا بأس بأن يصلي الرجل في ثوب فيه دم ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم.

لذا اتفق الفقهاء على أنه يعفى في الصلاة عن دم الجروح و الدمامل

ص:41

المنتشرة في الجسد،سواء أ كان الدم في الثوب أو البدن قليلا كان أو كثيرا،على شريطة بقاء الجرح و عدم برئه،و كذلك يعفى عن القيح المتنجس بالدم،و عما ينضح من البواسير.

و أيضا اتفقوا على العفو عن الدم الذي لا يزيد بمجموعه عن عقدة الإبهام العليا،و ان لم يكن في الجسم جروح و قروح،على شريطة أن لا يكون من دم الحيض،و لا الاستحاضة،و لا النفاس و لا من نجس العين كالكلب و الخنزير.

و الميتة،بل و لا من دم غير مأكول اللحم،و أيضا يشترط إذا كان هذا الدم في الثوب ان لا يقدر على غيره.

ما لا تتم به الصلاة:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:كل ما كان على الإنسان،أو معه مما لا تجوز-أي لا تتم-الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلي فيه،و ان كان فيه قذر،مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل،و ما أشبه ذلك.

و لذا اتفقوا على أن ما يحمله الإنسان مما لا يمكن ان يكون سائرا،و كان نجسا،تصح الصلاة فيه،على شريطة ان لا يكون من اجزاء الميتة،و لا من نجس العين كالكلب و الخنزير.

تطهير المساجد:

روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال:جنّبوا مساجدكم النجاسة.

اتفق الفقهاء على أن من رأى نجاسة في المسجد فعليه ان يزيلها وجوبا كفائيا.

ص:42

و أيضا تجب إزالة النجاسة عن المصحف و غلافه و ورقه،لأن بقاءها هتك لحرمات اللّه.

هل ينجس المتنجس؟

اشارة

سئل الإمام عليه السّلام عن الرجل يبول،و لا يكون عنده ماء،فيمسح ذكره بالحائط؟.

قال:«كل شيء يابس ذكي»أي لا ينجّس.

و سئل عن رجل يجد في إنائه فأرة،و قد توضأ من ذلك الماء مرارا،أو اغتسل أو غسل ثيابه،و قد كانت الفأرة متسلخة؟.فقال:«ان كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل،أو يتوضأ،أو يغسل ثيابه،ثم فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء، فعليه أن يغسل ثيابه،و يغسل كل ما أصابه ذلك الماء،و يعيد الوضوء و الصلاة».

اتفق الفقهاء على أن النجس ينجس،و اختلفوا في المتنجس:هل ينجس أولا؟ و معنى الجملة الأولى،و هي النجس ينجس أنّه لو حصلت المماسة بين الطاهر كبدنك-مثلا-و بين نجس العين كالكلب،و كان على أحدهما رطوبة، و انتقلت هذه الرطوبة من الكلب إلى البدن تنجس البدن بالاتفاق.أمّا إذا حصلت المماسة بينهما،و كان كل منهما جافا،و لم تنتقل الرطوبة من النجس إلى الطاهر، فيبقى على طهارته بالاتفاق أيضا.

و معنى الجملة الثانية،و هي:هل ينجس المتنجس؟أنه لو افترض ان الجسم سرت إليه النجاسة من العين النجسة،و أصبح متنجسا قطعا،ثم أن هذا الجسم الذي صار متنجسا لو لاقى جسما آخر برطوبة فهل ينجس أيضا هذا

ص:43

الجسم الآخر،أو يبقى على طهارته؟و بكلمة إن الطاهر يتنجس إذا لاقى النجس مباشرة بلا ريب،و لكن هل يتنجس أيضا إذا لاقاه بالواسطة أو لا؟

و الفقهاء في ذلك على ثلاثة أنواع:
الأول:أفتى بأن المتنجس ينجّس

،و استدل فيما استدل بما نقلناه عن الامام:«يغسل كل ما أصابه ذلك الماء،و يعيد الوضوء و الصلاة».

الثاني:أفتى بالطهارة،و عدم التنجيس

،قال السيد الخوئي في الجزء الثاني من التنقيح:«ذهب الحلي و نظراؤه إلى عدم تنجيس المتنجسات،بل ظاهر كلامه أن عدم التنجيس كان من الأمور المسلمة في ذلك الزمان.أما العلماء المتقدمون فلم يتعرضوا لهذه المسألة إطلاقا،و لم يفت أحد منهم بتنجيس المتنجس،مع كثرة الابتلاء به في اليوم و الليلة،و معه كيف يدعى الإجماع على تنجيس المتنجسات؟».ثم قال السيد الخوئي:ان الآقا رضا الأصفهاني قال:

و الحكم بالتنجيس احداث الخلف و لم نجد قائله من السلف.

النوع الثالث:سكت عن هذه المسألة

،و لم يفت بها سلبا و لا إيجابا.

و نحن هنا نسكت عن الفتوى مع الساكتين،مع العلم أنّا نجتنب المتنجس، و نطهر ما لاقاه برطوبة بدافع العادة و التربية.

ص:44

طهارة البدن و الثوب لأجل الصلاة

من شروط الصلاة:

ذكرنا في فصل النجاسات الروايات الدالة على وجوب إزالة النجاسة، و قال صاحب المدارك:

«انما تجب إزالة النجاسة عن الثوب و البدن لأجل الصلاة و الطواف إذا كانا واجبين.و كانت النجاسة مما لا يعفى عنها،و لم يكن عنده غير الثوب النجس.

و يدل على اعتبار الطهارة في الثوب و الجسد لأجل الصلاة إجماع العلماء، و الاخبار المستفيضة المتضمنة للأمر بغسل الثوب و الجسد من النجاسات،إذ من المعلوم ان الغسل لا يجب لنفسه،و انما هو لأجل العبادة».

و نعلق على هذا بأن الصلاة كما أنها صلة بين اللّه و الإنسان فإنها في الوقت نفسه مقابلة إلهية سامية،و لا بد لهذه المقابلة من أهبه و استعداد و تمهيد بإخلاص النية،و أخذ الزينة بنظافة الجسم و الثوب،و المحافظة التامة على الموعد المحدد.

الصلاة بالنجاسة جاهلا:

سئل الإمام عن رجل يرى في ثوب أخيه دما،و هو يصلي؟قال:لا يؤذيه، حتى ينصرف.

ص:45

من رأى إنسانا يصلي،و على ثوبه أو بدنه نجاسة،فلا يجب عليه أن يعلمه بها و ينبهه إليها بالاتفاق،بل اتفقوا على أن للرائي أن يأثم جماعة بهذا المصلي إذا تأكد أنّه جاهل بالنجاسة،لا أنّه كان عالما،ثم ذهل و نسي.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان أصاب ثوب الرجل الدم،فصلى فيه و هو لا يعلم،فلا اعادة عليه،و ان هو علم قبل أن يصلي،فنسي و صلى فيه فعليه الإعادة.

من صلّى بالنجاسة عالما متعمدا بطلت صلاته بالاتفاق،و من صلّى بها جاهلا بالحكم عالما بالموضوع بطلت صلاته أيضا بالاتفاق،و مثاله أن يعلم بأن هذا دم،و يجهل بوجوب إزالته عن الثوب و البدن لأجل الصلاة.و من صلّى بالنجاسة عالما بالحكم جاهلا بالموضوع صحت صلاته بالاتفاق،و مثاله ان يعلم بوجوب ازالة الدم و نحوه عن البدن و الثوب من أجل الصلاة،و يجهل بأن على بدنه أو ثوبه نجاسة،فصلى بها،ثم علم.و من كان عالما بالحكم و الموضوع معا، ثم نسي و صلّى،فصلاته باطلة بالاتفاق،و مثاله أن يرى دما على ثوبه،و يعلم بحكمه و وجوب إزالته،ثم ذهل عنه،و صلّى.

و السر لهذا التفصيل ان الناسي أحد أفراد العالم،فلا يكون معذورا،و ان الجاهل بالموضوع معذور،و لا يجب عليه البحث و الفحص،أما الجاهل بالحكم فغير معذور،و يجب عليه البحث و التعلم الا أن يكون قاصرا لا أهلية و لا قابلية له للتعلم و التفهم،بحيث يكون عاجزا كالحيوانات (1).

ص:46


1- من غريب ما قرأته في هذا الباب ما جاء في كتاب الفروق للقرافي ج 4 الفرق 93 ما نصه بالحرف:«من أقدم مع الجهل فقد أثم خصوصا في الاعتقادات.و لو بذل جهده و استفرغ وسعه في رفع الجهل فإنه آثم كافر.و يخلد في النار على المشهور من المذاهب-أي مذاهب السنة-مع أنّه قد أوصل الاجتهاد حده،و صار الجهل له ضرورة لا يمكنه دفعه عن نفسه، و مع ذلك فلم يعذر،حتى صارت هذه الصورة فيما يعتقد أنّها من باب تكليف ما لا يطاق».

المضطر:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يجنب في الثوب،أو يصيبه بول،و ليس معه ثوب غيره؟قال:يصلي فيه إذا اضطر إليه.

و سئل ولده الإمام الكاظم عليه السّلام عن رجل عريان،و حضرت الصلاة، فأصاب ثوبا نصفه دم،أو كله دم،يصلي فيه،أو يصلي عريانا؟قال:ان وجد ماء غسله،و إن لم يجد ماء صلى فيه،و لم يصل عريانا.

إذا كان عند المصلي ثوب نجس لا يملك سواه،و لا يستطيع تطهيره،و لا نزعه من البرد،صلى فيه و صحت صلاته،و لا يجب عليه الإعادة لا قضاء و لا أداء إذا ارتفع العذر،كما هو ظاهر الرواية الأولى.

و إذا لم يستطع تطهيره،و لكنه يستطيع ان ينزعه،و يصلي عاريا،صلى بالنجس و صحت الصلاة،كما هو ظاهر الرواية الثانية،و على هذا صاحب عروة الوثقى،و السيد الحكيم،و السيد الخوئي.

اشتباه الطاهر بالنجس:

سئل الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهما السّلام عن رجل معه ثوبان،فأصاب أحدهما بول،و لم ير أيهما هو،و حضرت الصلاة،و خاف فوتها،و ليس عنده ماء،كيف يصنع؟ قال:«يصلي فيهما جميعا».

أي يكرر الصلاة مرتين في كل واحد من الثوبين بالاتفاق،لأنه علم بوجوب الصلاة في الطهارة،و هو قادر على تأديتها بالاحتياط،فيجب أن يحتاط، لأن العلم بشغل الذمة يستدعي العلم بفراغها.

ص:47

هل يزيل النجاسة أو يتوضأ:

اشارة

إذا كان عنده من الماء بقدر ما يتوضأ به فقط،و كان على بدنه نجاسة،فهل يتوضأ و يصلي بالنجاسة،أو يزيل النجاسة،و يتيمم للصلاة؟

الجواب:

بل يزيل النجاسة،و يتيمم للصلاة،لأن للوضوء بدلا،و هو التيمم،و لا بدل لإزالة النجاسة.

ص:48

المطهرات

اشارة

المطهرات هي التي تطهر غيرها مع النجاسة،و هي على أنواع:

الماء:

اشارة

المطهر الأول الماء،و هو الأصل بضرورة الدين.

و يشترط للتطهير به زوال عين النجاسة أولا،و قبل كل شيء،و لا يضر بقاء لونها أو ريحها أو طعمها،حتى و لو قال العلم بأن بقاء شيء من هذه الأوصاف يدلّ على وجود ذرات من النجاسة،لأن المعول على العرف و تسامحه،لا على العلم و تجاربه.

و أيضا يشترط أن يكون الماء طاهرا لا متنجسا،لأن فاقد الشيء لا يعطيه، و ضمّ نجس إلى مثله لا يجعل المجموع طاهرا.و أيضا لا بد أن يكون الماء مطلقا لا مضافا،لأن المضاف،و ان كان طاهرا في نفسه،لكنه غير مطهر لغيره،كما أسلفنا.

التطهير من الكلب و الخنزير و الجرذ و البول:

سئل الإمام عليه السّلام عن خنزير يشرب من إناء؟قال:يغسل سبع مرات.

ص:49

و هذا متفق عليه بين الفقهاء.

و قال الإمام عليه السّلام:اغسل الإناء التي تصيب فيه الجرذ سبع مرات.

أيضا متفق عليه.

و قال عليه السّلام:الكلب رجس نجس لا يتوضأ بفضله،فاصبب ذلك الماء، و اغسله بالتراب أول مرة،ثم بالماء مرتين.

أيضا متفق عليه.

و سئل عن البول يصيب الجسد؟قال:صب عليه الماء مرتين.

أيضا متفق عليه.

و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن بول الصبي؟قال:تصب عليه الماء،فان كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا،و الغلام و الجارية شرع سواء.

أيضا متفق عليه على شريطة أن لا يكون الرضيع قد أكل الطعام بعد،و ان يكون للمربية ثوب واحد.

تطهير الإناء و الثوب و البدن:

روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال:إذا أصاب ثوبك خمر،أو نبيذ فاغسله و سئل عن الإبريق و غيره يكون فيه خمر،أ يصلح أن يكون فيه ماء؟قال:

إذا غسل فلا بأس.

إذا تنجس الإناء بغير ولوغ الكلب و الخنزير،و موت الجرذ يطهر بمجرد ملاقاته للماء الكثير،أو بصب الماء عليه مرة واحدة.و كذلك الثوب و البدن إذا تنجسا بغير البول.و قلنا:مرة واحدة،لأن الإمام لم يقيد الغسل بالمرتين أو

ص:50

الثلاث.و جاء في بعض الروايات عن الإمام عليه السّلام:«اغسله ثلاث مرات».

و قال صاحب المدارك:«المعتمد الإجزاء بالمرة المزيلة للعين مطلقا،لأن الشارع أمر بغسل ما أصابته النجاسة،و الامتثال يتحقق بالمرة،أما إجماع الفقهاء على النجاسة فهو منتف بعد الغسلة الواحدة».

الغسالة:

الغسالة هي الماء المنفصل عن المحل المغسول،سواء انفصل بنفسه،أم بواسطة العصر،و حكمها النجاسة إذا كانت هي السبب في زوال العين النجسة، و إلا فطاهرة.

التخلي:

روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:«إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة،و لا تستدبرها،و لكن شرقوا و غربوا».

و عن الإمام الباقر عليه السّلام والد الإمام الصادق عليه السّلام:يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار،بذلك جرت السنة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،أما البول فلا بد من غسله.

و عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال:نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن يستنجي الرجل بيمينه.

و عنه أيضا:«إذا اغتسل أحدكم في فضاء الأرض،فليحاذر على عورته، و لا يدخل أحدكم الحمام إلا بمئزر،و لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه،و من تأملها لعنه سبعون ألف ملك،و لا تنظر المرأة إلى عورة المرأة».

يجب ستر العورة عن الناظر المحترم في حال التخلي و غيره،كما يحرم

ص:51

النظر إلى عورة الغير مماثلا كان أو غير مماثل،مسلما كان أو غير مسلم،حتى المرأة يحرم عليها أن تنظر عورة ابنتها المميزة.

و يجب أن يعظم القبلة،فلا يستقبلها و لا يستدبرها ببول أو غائط،و يكره أن يستنجي بيمينه تنزيها لها عن مباشرة الأقذار،لأنه يباشر بها الأكل و ما إليه.

الماء المستعمل في تطهير محل البول و الغائط يسمى بالاستنجاء،و هو طاهر على شريطة أن لا يتغير بالنجاسة،و لا تصل إليه نجاسة من الخارج،و ان لا تتعدى النجاسة المخرج تعديا فاحشا،و ان لا يخرج مع البول،أو الغائط دم،و ان لا يكون مع الماء اجزاء من الغائط.

و إذا مسح مخرج الغائط بأحجار ثلاثة طاهرة،كفاه هذا المسح عن الماء، و كذا تكفي الخرق و الورق و الخزف و الأعواد،و غيرها من الأجسام المزيلة للنجاسة،على شريطة أن لا تكون من المأكولات المحترمة.

أما موضع البول و مخرجه فلا يطهر إلا بالماء كما مر.

الأرض:

المطهر الثاني الأرض،فعن الحلبي أنّه قال:قلت للإمام الصادق عليه السّلام:ان طريقي إلى المسجد زقاق يبال فيه،فربما مررت فيه،و ليس عليّ حذاء،فيلصق برجلي من نداوته؟فقال:أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟قلت:بلى.

قال:لا بأس،ان الأرض يطهر بعضها بعضا.

و لذا اتفق الفقهاء على أن الأرض تطهر باطن القدم،و النعل فقط بالمشي عليها،أو بالمسح بها،على شريطة أن تزول عين النجاسة.

ص:52

الشمس:

المطهر الثالث الشمس،قال الإمام الباقر والد الإمام الصادق عليهما السّلام:كل ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر.

و في رواية أخرى:إذا جففته الشمس،فصل عليه،فإنه طاهر.

و استنادا إلى هاتين الروايتين و غيرهما قال الفقهاء:ان الشمس تطهر الأبنية،و ما إليها من الأشياء الثابتة،كأبواب البيوت و أخشابها،و الأوتار و الأشجار،و ثمارها ما دامت على الشجر،و النبات،و ما عليه من خضار قبل اقتلاعه من الأرض،و كذلك الظروف المثبتة في الأرض،كالخوابي،و ألحقوا بها الحصر و السفن.

الانقلاب:

الرابع من المطهرات الانقلاب،كالخمر ينقلب خلا،فلقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الخمر العتيقة تجعل خلا؟قال:لا بأس.إذا تحول اسم الخمر فلا بأس به.

الاستحالة:

اشارة

المطهر الخامس الاستحالة،كالعذرة تستحيل ترابا أو رمادا،فتطهر بالاتفاق،لتغير الموضوع.

جسد الحيوان:
اشارة

قال الفقهاء:إذا أصاب جسد الحيوان نجاسة،فإنه يطهر بمجرد زوالها

ص:53

عنه،بدون آية حاجة إلى الماء،أو غير الماء.

و قال السيد الحكيم في المستمسك:«و العمدة فيه السيرة القطعية على مباشرة الحيوانات المعلوم تلوثها بالنجاسة،مع العلم بعدم ورود المطهر عليها، و كأنه لوضوح الحكم لم يقع موردا للسؤال من المسلمين،و للبيان من المعصومين عليهم السّلام».

و معنى هذا الكلام ان الحيوان إذا أصاب الميتة أو العذرة،أو ما إليها من النجاسات،ثم زالت عنه بغير التطهير بالماء.فانّا نعلم علم اليقين ان الفقهاء و الناس أجمعين يباشرون هذا الحيوان بدون تحفظ،و ما ذاك إلاّ لأنّه طاهر عندهم بالبديهة،و من أجل أن الطهارة في عقيدتهم من الواضحات لم يسأل سائل الإمام عنها،كما أن الإمام لم يبنها للناس من تلقائه.

الدباغ:

جلد الميتة لا يطهر بالدباغ بالاتفاق.

هذا ملخص لأهم المطهرات،أو جلها،و قد ذكر السيد صاحب العروة الوثقى أشياء أخرى يمكن النقاش فيها،أو في عدها من المطهرات،مثل غيبة المسلم المطهرة لبدنه و ثوبه و أدواته،و ذهاب ثلثي العصير العنبي،و التبعية،و ما إلى ذاك.

ص:54

الوضوء

اشارة

قال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (1).

و قال الإمام الباقر والد الإمام الصادق عليهما السّلام:«لا صلاة إلاّ بطهور».و قال:

«الوضوء فريضة».

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«افتتاح الصلاة الوضوء، و تحريمها التكبير،و تحليلها التسليم».

و قال الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهما السّلام:«انما بدئ بالوضوء ليكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبار عند مناجاته إياه،مطيعا له فيما امره،نقيا من الأدناس و النجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل و طرد النعاس،و تزكية الفؤاد،ثم قال:و انما جوزنا الصلاة على الميت بغير وضوء،لأنّه ليس فيها ركوع و سجود، و انما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها ركوع و سجود».

ص:55


1- المائدة:6. [1]

أسباب الوضوء:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا يوجب الوضوء إلا من غائط،أو بول،أو ريح تسمع صوته،أو تشم ريحه.

و قال:قد تنام العين،و لا ينام القلب و الأذن،فإذا نامت العين و الأذن و القلب وجب الوضوء.

و في رواية ثالثة أنه قال:ينقض الوضوء الغائط و البول و الريح و المني و النوم حتى يذهب العقل.

و في رواية رابعة:«لا ينقض الوضوء إلاّ حدث و نوم».و ليس من شك ان الجنابة و الحيض و الاستحاضة و النفاس من الأحداث.

و بالإجمال ان هذه الروايات و غيرها تدل على أن الوضوء يجب من الغائط و البول و الريح و الجنابة و الحيض و الاستحاضة و النفاس و النوم الغالب على السمع و العقل،أمّا زوال العقل بالسكر و الجنون و الإغماء فيوجب الوضوء بالإجماع،لا بالنص.و بعد ان نقل صاحب الوسائل أحاديث نواقض الوضوء قال:

«و أحاديث حصر النواقض تدل على عدم نقض الوضوء بزوال العقل،و لكنه موافق للاحتياط».

و نواقض الوضوء هي نفس الأسباب الموجبة له،لأنّها تبطله و تفسده.

و مما قدمنا يتبين معنا أن خروج الدود و الحصى و الدم و المذي و الودي و القيء و القبلة و اللمس،كل ذلك،و ما إليه لا يوجب الوضوء،و لا يفسده.

و بديهة أن الوضوء لا يصح إلاّ مع الإسلام و البلوغ و العقل و عدم الضرر، و قيل:يصح من الصبي المميز بناء على صحة عبادته،و يأتي الكلام عنها.

ص:56

الشك و التردد:

من كان على يقين من وضوئه،ثم شك:هل صدر منه ما يوجب نقضه و فساده،أو لا؟يبقى على يقينه،و لا يجب أن يتوضأ ثانية،لقول الإمام عليه السّلام:«انه على يقين من وضوئه،و لا ينقض اليقين أبدا بالشك،بل ينقضه بيقين مثله».

غايات الوضوء:

ان العبادة التي من أجلها يتوضأ الإنسان تسمى غاية الوضوء،و هي ما يلي:

1-يجب الوضوء للصلاة واجبة كانت أو مستحبة،أي لا تصح الصلاة بدونه إجماعا،و نصا.و هو قوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ .إلخ،و قول الإمام:«لا صلاة إلاّ بطهور».

2-الطواف أيضا إجماعا و نصا،و هو حديث:«الطواف في البيت صلاة»، و روى علي بن جعفر عن أخيه الإمام الكاظم بن الإمام الصادق عليهما السّلام:«عن رجل طاف في البيت،ثم ذكر أنّه على غير وضوء؟فقال:يقطع طوافه،و لا يعتد به».

3-مس كتابة القرآن،فلقد روي عن الإمام الصادق عليه السّلام:أنه قال لولده إسماعيل:«يا بني اقرأ المصحف.فقال:اني لست على وضوء.قال:لا تمس الكتابة،و مس الورقة و اقرأ».

و تجدر الإشارة هنا إلى أن مس كتابة القرآن ليس من غايات الوضوء حقيقة،بل تسامحا،ذلك ان هذا المس ليس واجبا و لا مستحبا.و إذا لم يكن كذلك،فبالأولى ان لا يكون الوضوء من أجله واجبا أو مستحبا،لأن الوسيلة لا تجب دون الغاية،و التابع لا يزيد على المتبوع،و على هذا يكون الوضوء لأجل المس غير مشروع البتة.

ص:57

اذن،المراد ان من كان على غير وضوء يحرم عليه أن يمس كتابة القرآن، و من كان متوضئا لغاية أخرى جاز له أن يمس الكتابة المقدّسة.

4-يجب الوضوء لإقامة الصلاة تماما كما يجب للصلاة نفسها إجماعا و نصا،و هو قول الإمام عليه السّلام:«لا بأس أن تؤذن،و أنت على غير طهور،و لا تقيم -أي للصلاة-إلاّ و أنت على وضوء».

و ذكرنا في أوّل هذا الفصل ما جاء على لسان الإمام الرضا عليه السّلام من أن صلاة الجنازة لا يجب الوضوء لها،إذ لا ركوع فيها،و لا سجود،فليست هي بصلاة حقيقة،بل دعاء للميت.

ص:58

استحباب الوضوء

جاء في كتاب وسائل الشيعة عن الشيخ المفيد ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:«يا أنس،أكثر من الطهور يزد اللّه في عمرك،و ان استطعت أن تكون في الليل و النهار على طهارة فافعل،فأنت تكون إذا متّ على طهارة شهيدا».

و عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«من أحدث و لم يتوضأ،فقد جفاني».

و عن الإمام الصادق عليه السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:قال اللّه تبارك و تعالى:«ان بيوتي في الأرض المساجد،تضيء لأهل السماء،كما تضيء النجوم لأهل الأرض،ألا طوبى لمن كانت المساجد بيوته،ألا طوبى لعبد توضأ في بيته،ثم زارني في بيتي».

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:الوضوء شطر الإيمان.

و تدل هذه الروايات،و ما إليها أن الوضوء كما يكون وسيلة إلى غيره،فإنّه أيضا غاية في نفسه،و راجح بطبيعته،و ان للإنسان أن يتوضأ لا لشيء إلاّ ليكون على طهارة في أي جزء من أجزاء الليل أو النهار.

و على هذا يكون الوضوء واجبا لغيره كالصلوات الخمس،و الطواف الواجب،و للنذر،و يكون مستحبا في نفسه،و لغيره كالصلوات المستحبة، و الطواف المستحب.و قال الفقهاء:يستحب أيضا للتهيّؤ للصلاة قبل دخول

ص:59

ص:60

شروط الوضوء و كيفيته

شروط الوضوء:

قال الإمام عليه السّلام:فرض اللّه تعالى الوضوء بالماء الطاهر.

و سئل عن رجل رعف،و هو يتوضأ،فتقطر قطرة في إنائه:هل يصلح الوضوء منه؟قال:لا.

و تقدم أنّه أمر بإراقة الإناءين اللذين وقعت النجاسة في أحدهما المردد، و وجوب التيمم.

يشترط في الماء الذي تتوضأ به أن يكون مطلقا و طاهرا،فإذا توضأت بأحدهما جهلا أو نسيانا بطل الوضوء.

و أيضا يشترط فيه ان يكون مباحا غير مغصوب،لأن التصرف بالمغصوب منهي عنه في الشريعة،و النهي في العبادة يدل على الفساد.و لكن إذا توضأ بالمغصوب جهلا أو نسيانا صح،و الفرق بين الغصب من جهة،و الإطلاق و النجاسة من جهة،هو الإجماع.

و أيضا يشترط أن تكون أعضاء الوضوء طاهرة،كي لا يتنجس الماء بمماسته للنجاسة.

و أيضا يشترط أن لا يكون الماء في آنية الذهب أو الفضة،و ان لا يكون

ص:61

مستعملا في رفع الخبث،و ان لا يمنعه الشرع من الوضوء،لضرر يلحقه من استعمال الماء،أو لوجوب صرفه فيما هو أهم على التفصيل الآتي في فصل التيمم.

و أيضا يشترط في صحة الوضوء أن يكون في الوقت فسحة تتسع له و للصلاة معا،بحيث إذا توضأ أمكنه أن يصلي الصلاة المطلوبة في وقتها المحدد، أما لو افترض ضيق الوقت،بحيث إذا توضأ وقعت الصلاة أو جزء منها خارج الوقت،و إذا تيمم وقعت الصلاة بكاملها داخل الوقت،وجب التيمم دون الوضوء،و ان توضأ،و الحال هذه،بطل.

و أيضا يشترط أن يباشر المتوضئ أفعال الوضوء بنفسه،و لا يستعين بأحد إلاّ عند العجز و الضرورة،لأن آية الوضوء و أحاديثه قد أمرت بغسل الوجه و اليدين،و مسح الرأس و الرجلين،و الأمر ظاهر بوجوب المباشرة،و ممارسة العمل بلا واسطة.

و أيضا يجب الترتيب بين أعضاء الوضوء،فيبدأ أولا بغسل الوجه،ثم اليد اليمنى،ثم اليد اليسرى،ثم بمسح الرأس،ثم الرجلين،فإذا أخل،و قدم المؤخر، أو أخر المقدم،جهلا أو نسيانا،أعاد الوضوء إلى أصله و وضعه الشرعي.

و أيضا تجب الفورية،بمعنى أن يباشر بالعضو اللاحق بعد الانتهاء من السابق فورا،و بلا فاصل.و هذه الفورية،هي المعبر عنها في لسان الفقهاء بالموالاة.و قالوا:يشترط فيها أن لا تجف الرطوبة عن أي عضو من أعضاء الوضوء قبل الانتهاء من المجموع،فلو جف الوجه قبل الشروع باليمنى،أو جفت اليمنى قبل الشروع باليسرى،أو جفت اليسرى قبل مسح الرأس،أو جف شيء من ذلك قبل المسح على القدمين،بطل الوضوء.

ص:62

و تجدر الإشارة إلى أن الجفاف المبطل للوضوء هو الجفاف الناشئ من الفصل الطويل بين عضو و عضو،فلو فرض أن الجفاف قد نشأ من الحرارة في بدن المتوضئ،أو من الهواء،و ما إليه لم يكن في ذلك بأس.

و في جميع هذه الشروط التي ذكرناها روايات عن أهل البيت عليهم السّلام معززة بإجماع الفقهاء.

كيفية الوضوء:
اشارة

قال الإمام جعفر الصادق عليه السّلام:ألا أحكي لكم وضوء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟ فقلنا:بلى.«فدعا بقعب فيه شيء من ماء،و وضعه بين يديه،ثم حسر عن ذراعيه،و غمس فيه كفه اليمنى،و قال:هكذا إذا كانت الكف طاهرة،ثم غرف ملأها ماء،فوضعها على جبهته،و قال: بسم اللّه ،و سدله على أطراف لحيته،ثم أمرّ يده على وجهه،و ظاهر جبينه مرّة واحدة،ثم غمس يده اليسرى،فغرف بها ملأها،و وضعه على مرفقه اليمنى،فأمرّ كفه على ساعده،حتى جرى على أطراف أصابعه،ثم غرف بيمينه ملأها،و وضعه على مرفقه اليسرى،فأمرّ كفه على ساعده،حتى جرى الماء على أطراف أصابعه،و مسح مقدم رأسه،و ظهر قدميه،ببلة يساره،و بقية بلة يمناه».

و قال:«ان اللّه وتر يحب الوتر،فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات:

واحدة للوجه،و اثنتان للذراعين،وضّح ببلة يمناك ناصيتك،و ما بقي من بلة يمناك ظهر قدمك اليمنى،و تمسح ببلة يسراك ظهر قدمك اليسرى».

للوضوء واجبات لا يتحقق،و لا يعتد به شرعا إلا بها،و مستحبات لا يجب فعلها،و لا ينكر على من تركها،و تهمنا الأولى قبل كل شيء،و هي ما يلي

ص:63

1-النية،و حقيقتها الدافع و الباعث على العمل ابتغاء مرضاة اللّه،و امتثال امره،و أي دافع آخر،و الدليل على وجوبها ان الوضوء عبادة،تماما كالصوم و الصلاة،و لا عبادة بلا نية إجماعا و نصا،و منه قوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (1)و قوله فَادْعُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (2).و ليس من شك أن الوضوء من الدين،فوجب ان لا يصح و لا يقبل بدون نية الإخلاص.

و بما أن الباعث و الإخلاص من عمل القلب فقط فلا يجب التلفظ بالنية، و لا قصد الوجوب أو الاستحباب،و لا قصد رفع الحدث أو استباحة الدخول في الصلاة،لا يجب شيء من ذلك،و لا من غيره إلاّ وجه اللّه و كفى.

و لو توضأ انسان لوجه اللّه تعالى،و لكن في الوقت نفسه أعجبه أن يراه الناس محسنا للوضوء فعّالا للخير،صح الوضوء بالاتفاق،لأن مثل هذا يجتمع مع فعل الخير لوجه الخير،و لقد سئل الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام عن رجل يعمل الشيء من الخير،فيراه انسان،فيسره ذلك؟قال:«لا بأس.ما من أحد إلاّ و هو يحب أن يظهر له في الناس الخير،إذا لم يصنع ذلك لذلك».أي لم يفعل من أجل الناس فقط.و بكلمة أن عمله من أجل الناس،لا من أجل اللّه شيء،و سروره بأن يكون من أهل الخير عند اللّه و الناس شيء آخر.

و لو شك في أنّه نوى الوضوء،أو لا؟فان كان لم يزل يتوضأ استأنف من جديد،و ان كان قد انتهى منه مضى،و لم يلتفت.

2-غسل الوجه مرّة واحدة،أي إسالة الماء عليه وحده،من منابت شعر الرأس إلى اللحيين طولا،و ما دارت عليه الإبهام و الوسطى عرضا،أي من الأذن

ص:64


1- غافر:14. [1]
2- البينة:5. [2]

إلى الأذن.

و ذهب أكثر الفقهاء إلى وجوب الابتداء في غسل الوجه من أعلاه،فلو ابتدأ من الأسفل أو الوسط لم يصح،و هذا ما قالوه بالحرف:«يجب أن يغسل من أعلى الوجه الى الذقن،و إذا غسل منكوسا لم يجز».

و يلاحظ بأن الأمر بغسل الوجه مطلق،و لا نصّ على وجوب الابتداء بالأعلى،فيحصل الامتثال بالغسل كيف اتفق،أما ابتداء الامام بالأعلى فغاية ما يدل عليه الجواز و المشروعية،لا الحصر و التعيين.

و مهما يكن،فلا يجب غسل ما تحت اللحية،و لا ما طال من شعرها،أو من شعر الشارب و الحاجب،و غير بعيد أن يكون السر لعدم وجوب إيصال الماء إلى البشرة مع كثافة اللحية،هو أن البشرة،و الحال هذه،تصير من البواطن،لا من الظواهر،و ربما أومأ إلى هذا قول الإمام الباقر عليه السّلام:«كلّ ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه،و لا أن يبحثوا عنه،و لكن يجري عليه الماء».

3-غسل اليدين مرّة واحدة،مقدما اليمنى على اليسرى وجوبا،و حدّهما من أطراف الأصابع إلى المرفقين،و المرفق هو المفصل بين العضد و الساعد، و يدخل فيما يجب غسله،و تجدر الإشارة هنا إلى أن الشيعة أوجبوا ابتداء الغسل من المرفق،و أبطلوا النكس،أي الابتداء من أطراف الأصابع،أمّا السنة بمذاهبهم الأربعة،فقد أجازوا الغسل كيف اتفق،و لم يوجبوا البداية من المرفق،و لا من الأصابع.

و على هذا يرد على الشيعة بأن اللّه سبحانه قال فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ و ظاهر الآية الانتهاء إلى المرفق،لا الابتداء به،و لا أقل من جواز الأمرين،فمن أين-اذن-جاء التعيين؟

ص:65

و أجاب عن هذا من أجاب بأن«إلى»هنا ليست للانتهاء،لأنّها لا تدل عليه إلاّ إذا وجدت«من»الدالة على الابتداء في الطرف الآخر،كقولك:سرت من البيت إلى السوق،و المفروض عدم وجود«من»في الآية الكريمة،فلا بد أن تكون«إلى»بمعنى مع،أي اغسلوا المرافق مع أيديكم.

و نحن لا نشك أن هذا لعب بالألفاظ،و كلام لا محصل له.و الصحيح أن «إلى»باقيه على ظاهرها،و أنّها تدل على الانتهاء،و لو لم تكن«من»الطرف الآخر،و انها تحديد للعضو المغسول،و هو اليد،لا تحديد للغسل،و لو كانت لتحديد الغسل لوجب تعيين الابتداء من الأصابع،و لا قائل به،حتى السنة،فإنهم ذهبوا جميعا إلى التخيير بين البداية من المرفق،أو من أطراف الأصابع.

و هنا سؤال يفرض نفسه،و هو إذا كانت«إلى»في الآية تحديدا للمغسول لا للغسل،و ان الذي دلت عليه الآية هو وجوب غسل هذا العضو الخاص كيف اتفق،فعلى أي شيء استند الشيعة لوجوب الابتداء من المرفق؟و بكلمة أن الاشكال السابق يبقى قائما ما دامت الآية لا تدل على وجوب البداية من الأصابع، و لا من المرفق.

الجواب:

أجل،ان الآية أجنبية عن ذلك.و لكن الشيعة قد استندوا إلى دليل آخر لوجوب البداية من المرفق،و هو الإجماع،و روايات عن أهل البيت عليهم السّلام.

مرة واحدة:
اشارة

و أوجبنا في كل من غسل الوجه و اليدين مرّة واحدة لقول الإمام الصادق عليه السّلام:

«الوضوء واحدة فرض،و اثنتان لا يؤجر،و الثالثة بدعة»،أي أن من يأتي بالثالثة

ص:66

بقصد أنّها من الوضوء فقد شرّع و أبدع،و كل بدعة ضلالة،و كل ضلالة في النار، و من يأتي بها دون هذا القصد فلا اثم عليه،و لكن يبطل وضوءه،و لا يسوغ له أن يمسح ببلة الثالثة رأسه و قدميه.

4-مسح الرأس،قال الإمام الصادق عليه السّلام:«مسح الرأس على مقدّمه».

و قال:«لا بأس بمسح الوضوء مقبلا و مدبرا»أي منكوسا و غير منكوس.

و قال:«ان نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلة وضوءك،فإن لم يكن بقي في يديك من نداوة وضوءك شيء،فخذ ما بقي في لحيتك،و امسح به رأسك،و رجليك،و ان لم يكن لك لحية فخذ من حاجبك و أشفار عينيك، و امسح به رأسك،و رجليك،فان لم يبق من بلة وضوءك شيء أعدت الوضوء».

و سئل عن الرجل يمسح رأسه بإصبعه أ يجزيه ذلك؟قال:نعم.

و لخّص الفقهاء هذه الروايات،و ما إليها بقولهم:يكفي من مسح الرأس ما يسمى به مسحا،و المندوب مقدار ثلاث أصابع عرضا،و يختص المسح بمقدم الرأس،و يجب أن يكون بنداوة الوضوء،لا بماء جديد،و لو جف ما على يديه، أخذ من لحيته و أشفار عينيه،فإن لم يبق أعاد،و يجوز المسح منكوسا.

5-مسح الرجلين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين،و هما قبتا القدم،أي العظمان الناتئان في وسطه،و الأفضل المسح إلى حد الساق المتصل بظهر القدم على النحو الشائع المعروف.

و الذي ثبت هنا بالنص و الإجماع هو ما ثبت في مسح الرأس من الاكتفاء بالأصابع إلى الكعبين،أو العكس.و بكلمة أن الشيعة يوجبون الابتداء من الأعلى في الغسل دون المسح،و الفرق أخبار أهل البيت عليهم السّلام و الأفضل البداية من الأعلى ،و مسح ظاهر قدم اليمنى بباطن اليد اليمنى،و ظاهر قدم اليسرى بباطن اليد

ص:67

اليسرى،و يجوز مسحهما معا و دفعة واحدة،و لا يجوز تقديم اليسرى على اليمنى.

بين الشيعة و السنة:

و هنا خلاف معروف بين الشيعة و السنة في تفسير الآية 6 من سورة المائدة:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ .

و الخلاف حصل في الأرجل هل يجب غسلها،أو مسحها؟و قد وردت فيهما قراءتان:إحداهما النصب،و الأخرى الخفض.

قال السنة:يجب غسل الأرجل،لأنها معطوفة على الأيدي،على القراءتين.

أمّا على قراءة النصب فواضح،إذ الأيدي منصوبة لفظا و محلا،و أمّا على قراءة الجر فللجوار و الاتباع،أي أن الرؤوس مجرورة،و الأرجل مجاورة لها،فجرت لعلاقة المجاورة،تماما كقول العرب:«حجر ضب خرب»مع العلم بأن خرب يجب رفعه،لأنّه صفة للحجر،لا للضب،و لكنه خفض لمجاورته للضب.

و قال الشيعة:يجب مسح الأرجل،لأنها معطوفة على الرؤوس،أمّا على قراءة الجر فواضح،إذ الرؤوس مجرورة بالباء،و أمّا على قراءة النصب فمعطوفة على محل الرؤوس،لأن كل مجرور لفظا منصوب محلا.

ثم قال الشيعة:ان العطف على الأيدي لا يجوز لأمرين:

الأول:انّه خلاف البلاغة،لوجود الفاصل بين الأيدي و الأرجل،و هو قوله تعالى وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ و لو كانت الأرجل معطوفة على الأيدي لقال:

«و أيديكم إلى المرافق و أرجلكم إلى الكعبين»،و لم يفصل بين الأيدي و الأرجل بالمسح.

ص:68

الثاني:ان العطف على الأيدي يستدعي أن يكون لكل قراءة معنى مغاير للآخر،إذ يكون المعنى على قراءة النصب الغسل،و على قراءة الجر المسح.

و هذا بخلاف العطف على الرؤوس فان المعنى يكون واحدا على كلتا القراءتين، هذا،إلى أن الجر للجوار و الاتباع رديء لم يرد في كلام اللّه إطلاقا.

سنن الوضوء:

ذكر الفقهاء سننا للوضوء استنادا إلى روايات أهل البيت عليهم السّلام،منها التسمية و قراءة الدعاء المأثور،و السواك،و المضمضة ثلاثا،و الاستنشاق ثلاثا،و ان يبدأ الرجل بظاهر اليد في الغسل،و المرأة بالباطن،إلى غير ذلك مما جاء في كتب الفقه فليراجعها من أراد.

ص:69

ص:70

أحكام الوضوء

قاعدة الفراغ،و قاعدة التجاوز:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا شككت في شيء من الوضوء،و قد دخلت في غيره-أي في غير الوضوء-فشكك ليس بشيء إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه.

و سئل عن الرجل يشك بعد ما يتوضأ قال:هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك.

و قال زرارة:سألت الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل شك في الأذان،و قد دخل في الإقامة؟ قال:يمضي.

قلت:شك في الأذان و الإقامة،و قد كبّر؟ قال:يمضي.

قلت:شك في التكبير،و قد قرأ؟ قال:يمضي.

قلت:شك في القراءة،و قد ركع؟ قال:يمضي.

ص:71

قلت:شك في الركوع،و قد سجد؟ قال:يمضي على صلاته،يا زرارة إذا خرجت من شيء،ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء.

ان في الفقه قواعد عامة استخرجها الفقهاء من النصوص الشرعية،أو من أصول الفقه اللفظية،أو من المقررات العقلية،و قد استنبطوا من النص المتقدم قاعدتين،أطلقوا على إحداهما قاعدة الفراغ،و على الثانية قاعدة التجاوز.

و كل من القاعدتين موردها الشك،و الفرق بينهما أن مورد قاعدة الفراغ الشك في صحة العمل بعد الفراغ منه،و الدخول في شيء آخر،كما لو شك الإنسان في صحة الوضوء بعد أن باشر بالصلاة،أو في صحة الصلاة بعد أن انتهى منها،و صرف النظر،أو في صحة الصيام بعد انتهاء رمضان،أو صحة الحج بعد الفراغ منه،أو عقد البيع أو الإجارة أو غيرها بعد إجرائه.و قاعدة الفراغ مسلمة عند الكل،معمول بها في جميع أبواب الفقه،و في أي عمل من الأعمال دون استثناء لوضوء أو غسل أو تيمم أو غير ذلك.

أمّا قاعدة التجاوز فيختص موردها بالشك في جزء من أجزاء العمل حين المباشرة،و قبل الانتهاء من مجموع العمل،كما لو شك في أنّه هل غسل ذراعيه، و هو ما زال قاعدا على وضوئه،أو شك في أنّه قرأ السورة أولا،و هو بعد في الصلاة و قبل أن يسلم.

و اتفق الفقهاء قولا واحدا على أن قاعدة التجاوز تجري في الصلاة عملا بخبر زرارة المتقدم«شك في التكبير و قد قرأ.إلخ».

و أيضا اتفقوا قولا واحدا على أنّها لا تجري في الوضوء عملا بما تقدم، و بقول الإمام جعفر الصادق عليه السّلام:«إذا كنت قاعدا على وضوئك،فلم تدر اغسلت

ص:72

ذراعيك أم لا؟فأعد عليهما،و على جميع ما شككت فيه».

و اختلفوا في قاعدة التجاوز:هل تجري في الغسل و التيمم أو لا؟ و لهم في ذلك قولان:أحدهما أنّها لا تجري فيهما،تماما كالوضوء، و بكلمة أن قاعدة التجاوز لا تجري إطلاقا في الطهارات الثلاث:الوضوء،و الغسل، و التيمم.

القول الثاني أنّها تجري في الغسل و التيمم،و يختص عدم العمل بها بالوضوء فقط،و نحن على هذا القول،أخذا بعموم«كل شيء شك فيه مما جاوزه،و دخل في غيره فليمض عليه»الشامل للشك في جزء العمل،و لصحة العمل بمجموعه،خرج الوضوء بالنص،فيبقى غيره مشمولا للعموم.

الشك و التردد:
اشارة

إذا كان على يقين من الوضوء،و بعد أمد شك في أنّه هل أحدث أو لا؟بنى على بقاء الوضوء إجماعا و نصا،و هو قول الإمام عليه السّلام:«ليس لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا».

و إذا شك في أنّه هل توضأ أو لا؟بنى على بقاء الحدث و عدم الوضوء، لنفس الدليل.

و لو افترض أنه بعد أن شك في الوضوء،و لم يتوضأ،ذهل عن نفسه و صلى،كانت صلاته فاسدة،لأنّها من غير وضوء.

و إذا لم يشك أبدا قبل الصلاة لا في الوضوء،و لا في الحدث،ثم صلى، و بعد أن أدى الصلاة حصل له الشك في ان صلاته هذه هل كانت على وضوء،أو لا؟فصلاته صحيحة لقاعدة الفراغ،و لكن عليه أن يتوضأ للصلاة الثانية،لأن

ص:73

الأصل بقاء الحدث و عدم الوضوء.

و ربّ قائل:كيف أمكن الجمع بين الحكم بصحة الصلاة،و بين الحكم بعدم الوضوء،مع العلم بأنه لا صلاة إلا بطهور،و أن صحة الصلاة تستدعي وجود الوضوء،كما أن عدم الوضوء يستدعي فساد الصلاة؟ و جوابنا على هذا أن التنافي و التضاد انما يحصل إذا توارد الإيجاب و السلب على موضوع واحد،أمّا مع تعدد الموضوع فلا.و موضوع قاعدة الفراغ هنا هو الشك في صحة الصلاة،و موضوع أصل الاستصحاب هو الشك في صدور الوضوء،و إذا اختلف الموضوع ارتفع التنافي.

هذا،إلى أنّا لم نحكم بصحة الصلاة و عدم الوضوء في الواقع،بل بحسب الظاهر فقط،و التفكيك بين الأحكام الظاهرية،أو بين آثارها غير عزيز-كما قيل.

و إذا علم أنّه قد توضأ قطعا،و أنّه قد أحدث قطعا،و لكنه لم يدر:هل كان الوضوء متأخرا،كي يكون الآن على وضوء،أو كان الحدث متأخرا عن الوضوء، كي يكون محدثا،فما ذا يصنع؟

الجواب:

قال أكثر الفقهاء،و خصوصا المتقدمين منهم:انّه في حكم المحدث،و ان عليه أن يتوضأ إذا أراد الصلاة-كما نقل صاحب المدارك-لأن اللّه سبحانه قد أمر بالوضوء،و لا بد من امتثال امره،و إحراز الوضوء،إمّا بالوجدان،و امّا باستصحاب الوضوء السالم عن معارضة استصحاب الحدث،و هنا يقينان أحدهما بالوضوء و الثاني بالحدث،فاستصحاب كل معارض باستصحاب الآخر،فيتساقطان،و إذا لم يثبت الوضوء بالأصل،و لا بالوجدان،كما هو المفروض،يكون هذا الشاك بحكم المحدث.

ص:74

كثرة الشك:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل يشك كثيرا في صلاته فقال فيما قال:«ان الشيطان خبيث معتاد لما عوّد،فليمض أحدكم في الوهم»أي لا يعتني بالوهم و الشك.و هو عام للشك في الصلاة و غيرها.و الأحاديث كثيرة عن النبي و أهل بيته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم«ان كثرة الشك من الشيطان».هذا،إلى أن العناية بكثرة الشك مشقة و حرج،و لا حرج في الشريعة.

و من هنا جاءت القاعدة الفقهية المعروفة:«لا شك لكثير الشك».و عليها إذا شك من يكثر شكه في جزء من أفعال الوضوء،و هو يتوضأ يمضي،و لا يلتفت.

ص:75

ص:76

الجبائر

اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل ينكسر ساعده،أو موضع من مواضع الوضوء،فلا يقدر أن يحله لحال الجبر،كيف يصنع؟قال:إذا أراد أن يتوضأ، فليضع إناء فيه ماء،و يضع موضع الجبر في الماء،حتى يصل الماء إلى جلده، و قد أجزأه ذلك من غير أن يحله.

و سئل عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه،أو نحو ذلك من موضع الوضوء،فيعصبها بالخرقة،و يتوضأ و يمسح عليها إذا توضأ،فقال:إذا كان يؤذيه الماء فليمسح على الخرقة،و ان كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة،ثم يغسلها-أي القرحة.

و سأله هذا الراوي عن الجرح:كيف يصنع به في غسله؟فقال له:اغسل ما حوله.

الجبيرة في عرف الناس رباط يشد على العظم المكسور،و عند الفقهاء ما يوضع على العضو المريض مكسورا كان،أو غير مكسور.

و جواز المسح على الجبيرة و عدمه يرتبط بخوف الضرر و عدمه،فإذا لم يخف الضرر من نزعها،نزعها عن الجرح،و غسل العضو ان كان واجب الغسل، و مسحه ان كان واجب المسح.و إذا خاف الضرر من نزعها وجب المسح عليها،

ص:77

على شريطة ان لا يتجاوز الرباط موضع الداء إلاّ بقدر الاستمساك على العضو،ثم يغسل أو يمسح بقية الأجزاء.و يتفرع على ذلك ما يلي:

1-إذا كانت الجبيرة على جميع بدنه أو أكثره أو على أعضاء الوضوء بكاملها تعين التيمم،لقوله تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً (1).و لأن أدلة المسح على الجبيرة منصرفة عن مثل هذا.و إذا كانت مستوعبة لعضو واحد فقط من أعضاء الغسل أو المسح،اكتفى بالمسح عليها،و لا يجب التيمم.

2-إذا كانت الجبيرة على العضو الذي يجب غسله،و أمكن وصول الماء إلى البشرة بتكرار الصب عليه،أو بغمس العضو في الماء،حتى يصل إلى البشرة دون أن يتضرر الجرح،و دون أن يتنجس الماء،إذا أمكن ذلك وجب،و إلاّ مسح على الجبيرة.

3-الجرح المكشوف إذا أضر به الماء يوضع عليه خرقة طاهرة،و يمسح عليها.

4-يجوز أن تكون الجبيرة من الحرير،و ما إليه مما لا تجوز الصلاة فيه، ما عدا المغصوب،على شريطة أن يكون ظاهرها طاهرا،ليجوز المسح عليه.

و استدل السيد الحكيم في المستمسك على ما جاء في هذه الفقرة بقوله:«هذا مما لا اشكال فيه،و إطلاق أدلة الجبيرة تقتضيه».

5-إذا كان العضو صحيحا،و عليه نجاسة لا يمكن إزالتها بحال،تعين التيمم،و لا يجري عليه حكم الجبيرة،لأنها تختص في العضو المريض.

و يجدر التنبيه إلى أن المراد بالعضو الصحيح المتنجس هنا هو العضو الذي

ص:78


1- النساء:43. [1]

يجب غسله أو مسحه،أما إذا كان في مكان آخر كساقه أو ظهره،و ما إليه،فيجب الوضوء،و لا يجوز التيمم.

6-إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة فلا يجب عليه أن يعيد الصلاة،حتى مع بقاء الوقت وسعته،بخاصة إذا صلى،و لا أمل له في شفاء الجرح و برئه قبل أن يذهب وقت الصلاة.

7-إذا توضأ،و مسح على الجبيرة،ثم طاب الجرح،و ارتفع العذر،و لم ينتقض هذا الوضوء بحدث من الأحداث،فهل له أن يدخل في الصلاة بهذا الوضوء الاضطراري،أو لا؟ الجواب:

لا،و عليه أن يتوضأ ثانية وضوءا تاما،لأن الذي يرفع الحدث هو الوضوء التام الكامل،أمّا الوضوء الناقص لضرورة ملحة فإنه مجرد عذر يبيح الدخول في الصلاة،و بديهة أن الضرورة تقدر بقدرها،و الاعذار يختصر فيها على موردها، و المفروض ارتفاع العذر،فيرتفع معه أثره.

8-إذا اعتقد صاحب الجبيرة أن الماء مضر،و جرى على وفق اعتقاده، و مسح على الجبيرة،ثم تبين أنّه لا ضرر أبدا في الواقع من نزع الجبيرة عن الجرح و غسله أو مسحه،فهل يكون الوضوء صحيحا أو فاسدا؟ مسألة ثانية عكس الأولى،و هي إذا اعتقد عدم الضرر من نزع الجبيرة، و وضع الماء على الجرح،فجرى على وفق الاعتقاد،و نزع الجبيرة،و غسل أو مسح،ثم تبين وجود الضرر واقعا،فهل يكون الوضوء صحيحا أو فاسدا؟ الجواب:

ذهب قوم إلى فساد الوضوء،في المسألتين،لأن المعول على الواقع،لا

ص:79

على الاعتقاد،و المفروض ان الأول مسح الجبيرة،مع عدم تضرر الجرح من الماء،و الثاني أوصل الماء للجرح،مع تضرره به.

و قال قائل:بل المعول على الاعتقاد،لا على الواقع.

و نحن ضد هذا القائل،و الصناعة العلمية مع الذين ذهبوا إلى فساد الوضوء،لأن التكاليف الشرعية تتجه إلى الموضوعات الواقعية بما هي،و التقييد بالاعتقاد،أو بغيره يحتاج إلى دليل،و لا دليل هنا.

و قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه:«ان المسألة في غاية الإشكال، تحتاج إلى مزيد تتبع و تأمل،و الاحتياط لا ينبغي تركه».

الشك في الحاجب:
اشارة

إذا شككت:هل على عضو من أعضاء الغسل أو المسح حاجب يمنع من وصول الماء فما ذا تصنع؟

الجواب:

يجب أن تبالغ في الاجتهاد،حتى تعلم علم اليقين بوصول الماء إلى المحل الواجب،لأن العلم بشغل الذمة يستدعي العلم بفراغها،أو كما عبر الفقهاء:الاشتغال اليقيني يوجب الفراغ اليقيني،و هذه قاعدة عامة تطرد في جميع أبواب الفقه دون استثناء،و معناها أنك إذا علمت يقينا بأن هذا الشيء قد وجب عليك،و أنت مسؤول عنه،تولد من علمك هذا إلزام عقلي،و هو أن تعلم يقينا أيضا انك قد أديته كاملا،و تحررت من المسؤولية بالفعل-مثلا-إذا علمت انك مطلوب لزيد بدرهم،ثم احتملت أو ظننت أنك قد وفيت،فظنك هذا ليس بشيء،بل عليك أن تعلم يقينا أنك قد وفيت تماما،كما علمت أنك قد

ص:80

استدنت،لأن العلم لا يزيله إلا العلم.

أجل،لو احتملت،أو ظننت أنك استدنت منه فلا شيء عليك.

المسلوس و المبطون:
اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يقطر منه البول،و لا يقدر على حبسه؟ قال:إذا لم يقدر على حبسه فاللّه أولى بالعذر،يجعل خريطة،أي وعاء من جلد، أو من غيره يشده على الذكر.

و سئل عن رجل وجد غمزا في بطنه،أو أذى،أو عصرا من بول،و هو في الصلاة المكتوبة في الركعة الأولى،أو الثانية،أو الثالثة،أو الرابعة؟فقال:إذا أصابه شيء من ذلك،فلا بأس أن يخرج لحاجته تلك،فيتوضأ،ثم ينصرف إلى الصلاة التي كان يصلي،فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته، ما لم ينقض الصلاة بكلام.

و قال الإمام الباقر أبو جعفر الصادق عليهما السّلام:صاحب البطن الغالب يتوضأ،ثم يرجع في صلاته،فيتمم ما بقي.

الفقهاء:

المسلوس من به داء السلس،و هو الذي لا يستمسك معه البول.و المبطون من به داء البطن،و هو الذي لا يستمسك معه الغائط.

و إذا أمكن ان تمر بكل من المسلوس و المبطون فترة من الزمن تتسع للوضوء و الصلاة معا وجب أن لا يفوّت هذه الفترة،بل يغتنمها لأداء الوضوء و الصلاة على وجهها.

ص:81

و إذا لم يمكن ذلك،و كان لا بد ان يفاجئه الحدث في أثناء الصلاة،فإن أمكن أن يضع الماء على جنبه،و هو يصلي،حتى إذا داهمه الحدث من البول أو الغائط استطاع أن يترك الصلاة،و يتوضأ،و هو مستقبل القبلة بدون حرج و مشقة، و دون أن يتكلم أو يأتي بما ينافي الصلاة،ثم يرجع إلى صلاته،و يبني على ما سبق منها،و يكمل.

و إذا لم يستطع ذلك لمكان العسر و الحرج توضأ وضوءا واحدا لكل صلاة،و سمح عما يفاجئه في أثنائها من الحدث،لأن اللّه سبحانه أولى بالعذر كما قال الإمام عليه السّلام.و لا يجوز له أن يجمع بين صلاتين في وضوء واحد.

و تساءل:من أين أتى الفقهاء بهذا الحكم،و هو عدم جواز صلاتين بوضوء واحد،و على أي شيء استندوا مع العلم بأنه لا عين و لا أثر له في كلام أهل البيت عليهم السّلام؟

الجواب:

من المعلوم بالبديهة ان العفو الذي دلت عليه النصوص انما يشمل العفو عن الحدث في أثناء الصلاة،أمّا الحدث الكائن بين الصلاتين،فلا يشمله العفو.

ص:82

الغسل

الأغسال الواجبة

غسل الجنابة
اشارة

الأغسال في الشريعة الإسلامية،منها واجبة و منها مستحبة،و الواجبة على ستة أقسام:غسل الجنابة،و الحيض،و الاستحاضة،و النفاس،و الميت،و مسّ الميت بعد برده و قبل تطهيره.

الجنابة:

قال تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا (1).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:غسل الجنابة واجب.و قال:من ترك شعرة متعمدا لم يغسلها من الجنابة فهو في النار.

و سئل:متى يجب الغسل على الرجل و المرأة؟قال:إذا أدخله وجب الغسل و المهر و الرجم.و عن حفيده الإمام الرضا عليه السّلام:إذا التقى الختانان وجب الغسل.

و سئل عن المفخذ:هل عليه غسل؟قال:نعم إذا أنزل.

و سئل عن المرأة ترى ما يرى الرجل؟قال:ان أنزلت فعليها الغسل،و ان

ص:83


1- المائدة:5. [1]

لم تنزل فليس عليها الغسل.

الفقهاء:

كل ذلك محل وفاق و إجماع،بل هو ضرورة دينية،حيث لم يختلف اثنان قديما و حديثا في أن الجنابة سبب للغسل،و انها تتحقق بأمرين:إدخال الحشفة، و إنزال المني المعلوم كيف اتفق،متدفقا أو متثاقلا،بشهوة أو بغيرها،في نوم أو في يقظة.و هنا صور كثيرا ما تقع:

صور:

منها:ان من رأى في المنام أنّه جامع،و حين استيقظ لم يجد أثرا،فلا غسل عليه،فلقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل يرى في المنام،حتى يجد الشهوة،و هو يرى أنّه قد احتلم،فإذا استيقظ لم ير في ثوبه الماء،و لا في جسده ؟قال:ليس عليه الغسل،ان عليا عليه السّلام كان يقول:انما الغسل من الماء الأكبر،فإذا رأى في منامه،و لم ير الماء فليس عليه غسل.

و منها:إذا خرج من الرجل منيّ،و اغتسل من الجنابة،و بعد الغسل رأى رطوبة لا يعلم هل هي مني أو لا؟فهل يجب عليه أن يعيد الغسل ثانية؟ الجواب:

إذا كان قد بال قبل أن يغتسل فلا شيء عليه،و إلاّ أعاد الغسل،هذا بالقياس إلى الرجل،أمّا المرأة فلا تعيد الغسل أبدا،سواء أ بالت قبل الغسل أو لا.

و الدليل ان سائلا سأل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول،فخرج منه شيء؟قال:يعيد الغسل.قال السائل:فالمرأة يخرج منها شيء

ص:84

بعد الغسل؟قال:لا تعيد.و حين استفسر السائل عن الفرق بينهما أجابه الإمام عليه السّلام بأن ما يخرج من المرأة انما هو من ماء الرجل.

و منها:إذا خرج من الرجل رطوبة دون أن يجامع،و لم يدر هل هي مني أم لا؟فما ذا عليه؟ الجواب:

إذا جمعت هذه الرطوبة الأوصاف الثلاثة:الشهوة و الدفع و الفتور،فعليه أن يغتسل،و إلاّ فلا.

و الدليل قول الإمام الصادق عليه السّلام:إذا جاءت الشهوة و دفع و فتر لخروجه، فعليه الغسل،و ان كان انما هو شيء لم يجد له فترة و لا شهوة فلا بأس.

و منها:إذا خرج المني من غير المكان المعتاد،وجب الغسل،لان ظاهر النص شامل له.

و منها:إذا رأى على ثوبه منيا،و شك هل هو منه أو من غيره؟فلا يجب الغسل استصحابا للطهارة.

و إذا اغتسل من الجنابة،و بعد ذلك بأمد رأى على ثوبه جنابة،و شك هل تجددت بعد الغسل،أو أنّها نفس الجنابة التي اغتسل منها،فلا يجب الغسل،لأنّ الأولى اغتسل منها قطعا و الثانية مشكوكة،فتنفى بالأصل،حتى يثبت العكس.

و منها:أن لباسا واحدا قد استعمله اثنان بالتناوب،ثم ظهر عليه المني هو من أحدهما قطعا،و لكن لا نعرفه بعينه،فهل يجب عليهما الغسل؟ الجواب:

لا،لأن لكل واحد أن يستصحب الطهارة في حقّ نفسه،ما دام لا يرتبط تكليف أحدهما الشرعي بتكليف الآخر،و لو حصل الارتباط بين التكليفين بنحو

ص:85

من الأنحاء ترتب عليه آثاره،و لذا أفتى الفقهاء بأنه لا يجوز لأحدهما أن يستأجر الآخر لكنس المسجد،لأنّه و الحال هذه،يكون واحدا من اثنين:امّا مباشرا لدخول المسجد،و امّا مسببا للدخول فيه،و كلّ من المباشرة و التسبيب محرم.

و أيضا لا يجوز أن يقتدي أحدهما في الصلاة بالآخر،للعلم بأن الجنب الإمام أو المأموم،و إذا ترددت الجنابة بين ثلاثة جاز أن يكون أحدهما إماما للاثنين،إذ من الجائز أن يكون الجنب هو المأموم الثالث،و حينئذ لا يحصل العلم لكل واحد بفساد صلاته.

غايات الغسل:

قال تعالى وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (1).و قال الإمام الصادق عليه السّلام:كانت المجوس لا تغتسل من الجنابة،و العرب تغتسل،و الأغسال من شرائع الحنفية.

و سئل عن الجنب يجنب،ثم يريد النوم؟قال:ان أحب أن يتوضأ فليفعل، و الغسل أحب إليّ.

تدلّ هذه النصوص،و ما إليها على أن الغسل راجح في نفسه،و ان للجنب أن يغتسل ابتغاء مرضاة اللّه متى شاء،و دون أن يقصد أيّة غاية من الغايات، و أيضا يكون الغسل مستحبا للغايات المستحبة،و واجبا لغاية واجبة،كالصلوات الخمس،و الطواف الواجب.

الصوم و الجنابة:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل احتلم أول الليل،أو أصاب من أهله،ثم

ص:86


1- التوبة:109. [1]

نام متعمدا في شهر رمضان،حتى أصبح؟قال:يتم صومه ثم يقضيه.

و أيضا سئل عن مثل ذلك؟فقال:يعتق رقبة،أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا.

و أيضا سئل عن رجل يقضي شهر رمضان،فيجنب من أول الليل،و لا يغتسل،حتى يجيء آخر الليل،و هو يرى أن الفجر قد طلع؟قال:لا يصوم ذلك اليوم،و يصوم غيره.

و أيضا سئل عن رجل أجنب في شهر رمضان،فنسي أن يغتسل،حتى خرج شهر رمضان؟قال:عليه أن يقضي الصلاة و الصيام.

الفقهاء:

و استنادا إلى هذه النصوص اجمع الفقهاء على وجوب الغسل من الجنابة لصيام شهر رمضان،و قضائه،و ان من تعمد البقاء على الجنابة في الشهر المبارك فعليه القضاء و الكفارة،و إذا تعمد البقاء فلا يقبل منه،أمّا الناسي فلا شيء عليه سوى القضاء،و مثله الجاهل.

أمّا من صام استحبابا فله أن يتعمد البقاء على الجنابة،لأن رجلا قال للإمام الصادق عليه السّلام:أخبرني عن التطوع،و عن صوم هذه الثلاثة أيّام إذا أجنبت من أوّل الليل و اعلم أني أجنبت،فأنام متعمدا،حتى يطلع الفجر،أصوم،أو لا أصوم؟ قال له:صم.

ما يحرم على الجنب:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام:عن الجنب و الحائض،هل يقرءان من القرآن

ص:87

شيئا؟قال:نعم،ما شاء إلاّ السجدة (1)و يذكران اللّه على كل حال.

و سئل الإمام الصادق عليه السّلام:عن النفساء و الحائض و الجنب،هل يقرؤون القرآن؟قال:يقرؤون ما شاءوا.و في رواية ثانية يقرؤون سبع آيات،و ثالثة و سبعين آية (2).

و قال عليه السّلام:لا يمس الجنب درهما و لا دينارا عليه اسم اللّه.

و قال عليه السّلام:الجنب لا يجلس في المسجد،و لكن يمر فيه إلاّ المسجد الحرام و مسجد المدينة.

و قال عليه السّلام:الجنب و الحائض يتناولان من المسجد المتاع يكون فيه،و لكن لا يضعان في المسجد شيئا.

الفقهاء:

هذه النصوص متفق على العمل بمضمونها بين الفقهاء،فلقد أجمعوا على أن الجنب لا يجوز له مس خط المصحف إطلاقا،سواء أ كان فيه اسم اللّه،أم لم يكن،و لا اسم اللّه و صفاته،و ان لم تكن في المصحف،و لا أن يقرأ سور العزائم الأربعة،و يكره أن يقرأ غيرها من القرآن،و تشتد الكراهة إذا زاد على السبع من آي الذكر الحكيم،و لا أن يمكث في المسجد،أيّ مسجد،و له أن يمر فيه مستطرقا إلاّ المسجد الحرام و مسجد الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فلا يجوز له المكث فيهما،و لا المرور.

ص:88


1- أراد الإمام عليه السّلام بالسجدة السور التي تحتوي على آية السجدة،و يجب السجود عند سماعها، و هي أربع سور:اقرأ باسم ربك،و النجم،و حم السجدة،و لقمان.
2- جمع بعض الفقهاء بين رواية السبع،و رواية السبعين بأن ما زاد على السبع مكروه،و تشتد الكراهة إذا بلغت القراءة سبعين آية.
تفريع على دخول المسجد:

و يتفرع على جواز الأخذ من المسجد دون الوضع فيه أن الجنب له ان يدخل المسجد،و يأخذ الماء منه ليغتسل به من الجنابة،و بما أن هذا يستدعي المكث فيه قليلا،فعليه أن يتيمم من أجل المكث،لا من أجل الدخول و المرور، و بعد أن يأخذ الماء من المسجد،و يخرج منه ينتقض التيمم،لوجدان الماء.

و تجدر الإشارة إلى أن هذا التيمم لا يبيح سوى المكث في المسجد بمقدار الضرورة،أمّا مس كتابة القرآن،و قراءة العزائم،و ما إليها فلا،تماما كالتيمم عند ضيق الوقت عن الغسل أو الوضوء،فإنه يبيح الدخول في الصلاة فقط.

صورة الغسل:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام:عن غسل الجنابة؟قال:تغسل كفيك،ثم تفرغ بيمينك على شمالك،فتغسل فرجك و مرافقك،ثم تمضمض و استنشق،ثم تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك،ليس قبله و لا بعده وضوء،و كل شيء مسته الماء فقد انقته،و لو أن رجلا جنبا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك،و ان لم يدلك جسده.

و سئل عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر، حتى يغسل رأسه و جسده،و هو يقدر على ما سوى ذلك؟ قال عليه السّلام:ان كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك.

الفقهاء:

بعد أن أوجب الفقهاء في غسل الجنابة ما أوجبوه في الوضوء من النية

ص:89

الخالصة من شوائب الرياء،و استدامتها إلى نهاية الغسل،و من إطلاق الماء و طهارته و إباحته،بعد أن أوجبوا ذلك قالوا:ان لغسل الجنابة صورتين:الترتيب و الارتماس.

الترتيب:

و الغسل الترتيبي أن تبدأ بغسل الرأس و الرقبة،ثم بالطرف الأيمن من البدن من الكتف إلى رؤوس الأصابع،ثم الطرف الأيسر كذلك.

و ذهب جماعة من كبار الفقهاء إلى عدم وجوب الترتيب،و جواز غسل البدن كيف اتفق،تماما كما قال السنة.قال صاحب المدارك بعد أن ذكر الروايات:

«و هذه الروايات-أي التي جاءت عن أهل البيت-هي كالصريحة في عدم وجوب الترتيب بين الجانبين-أي الأيمن و الأيسر-لورودها في مقام البيان المنافي للإجمال،و العمل بها متجه،إلاّ أن المصير إلى ما عليه أكثر الفقهاء أحوط».

و معنى هذا أن أقوال أهل البيت عليهم السّلام قد جاءت لتعليم و توضيح كل ما يجب في الغسل و لو وجب الترتيب لوجب ذكره،و لم يجز إهماله بحال،مع أنه لا عين له و لا أثر في أقوالهم،فدلّ على عدم وجوبه.

و قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه:«القول بعدم الترتيب بين الأيمن و الأيسر قوي جدا،لكن مخالفة المشهور مشكلة».

و نجيبه نحن بما هو مشهور أيضا من أن موافقة المشهور من غير دليل أشكل.و قال قائل:ان الامام الصادق عليه السّلام أمر في تغسيل الميت أن يبدأ الغاسل برأس الميت،ثم يضجعه على الأيسر و يغسل الأيمن،ثم يضجعه على الأيمن،

ص:90

و يغسل الأيسر،و يدل هذا أن جميع الأغسال كذلك.

و جوابنا على ذلك أن قياس الأحياء على الأموات تماما كقياس النبات على الجماد.ثم ان الذين أوجبوا الترتيب بين الأعضاء الثلاثة:الرأس مع الرقبة، و الجانب الأيمن،و الأيسر،قالوا:لا يجب الابتداء من كل عضو،كما هي الحال في الوضوء،بل يجوز الابتداء من أسفل الأيمن،و من أسفل الأيسر.

و أجمع الفقهاء على أن الموالاة و الفورية بين الأعضاء لا تجب،فلو غسل رأسه و بعد ساعات غسل جانبه الأيمن،و بعده بأمد غسل الأيسر صح،قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان عليا عليه السّلام لم ير بأسا أن يغسل الجنب رأسه غدوة،و سائر جسده عند الصلاة.

الارتماس:

الصورة الثانية لغسل الجنابة الارتماس،و هو أن يرمس الجنب جسده بالماء الطاهر بحيث يستوعب جميع أجزائه دفعة واحدة،و كذلك إذا وقف في المطر،و نوى الارتماس،و الأولى-كما أراه-أن ينوي الترتيب،و يمر بيده على جسده.

مسائل:

1-إذا بال،أو خرج منه ريح،و هو يغتسل،و قبل أن ينتهي،فما ذا يصنع؟ الجواب:

يتم الغسل و يتوضأ للصلاة،لأن المفروض ان ما خرج منه لا يوجب الغسل بل الوضوء،و هنالك رواية عن الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهما السّلام دلت

ص:91

على وجوب اعادة الغسل من أوله.و قال صاحب المدارك:اني لم أقف على سند.

هذه الرواية،فالواجب إتمام الغسل،و الوضوء بعده،و أقر السيد الحكيم فتوى صاحب المدارك،و ما قاله في شأن الرواية المزعومة.

2-كل غسل معه وضوء إلاّ غسل الجنابة إجماعا و نصا.

3-لا بد من طهارة جميع اجزاء البدن،امّا قبل الغسل،و امّا أن يباشر بتطهير العضو النجس أثناء الغسل،كأن يطهره أولا،ثم ينوي غسله من الجنابة، و ليس من شك ان التطهير أولا،و قبل المباشرة بالغسل أولى.

و إذا شك في وجود الحاجب الذي يمنع وصول الماء إلى البشرة وجب الاجتهاد،حتى يعلم بوصوله،لأن العلم بوجوب الغسل يستدعي العلم بالتأدية و الامتثال على الوجه المطلوب،كما تقدم في فصل الوضوء.

4-إذا شك في أنه غسل رأسه لأجل الجنابة أو لا؟فان كان قبل أن يباشر بالجانب الأيمن فعليه ان يغسل الرأس،لأنه شك قبل الدخول بالغير،و عليه فلا تجري قاعدة التجاوز التي أشرنا إليها في فصل الوضوء.

و ان شك بعد أن باشر بالجانب الأيمن فلا يلتفت،لأنّه قد دخل بالغير، فتجري القاعدة المذكورة.و كذلك الحكم إذا شك في الأيمن بالقياس إلى الأيسر، و ان شك بالأيسر فإن كان بعد أن بنى على إتيانه فلا يلتفت،و إلاّ فعليه أن يغسله.

5-إذا صلّى،و بعد الفراغ من الصلاة شك و تردد هل كان قد اغتسل للجنابة قبل أن يصلي،أو لا،فما ذا يصنع؟ الجواب:

ان صلاته صحيحة،و لا يجب عليه إعادتها،لأنّه شك في صحتها بعد فراغه منها،و على هذا تجري قاعدة الفراغ،و لكن يجب عليه الغسل للأعمال

ص:92

الآتية استصحابا لبقاء الجنابة.و لا منافاة هنا بين الأخذ بقاعدة الفراغ التي مؤداها صحة الصلاة،و بين الأخذ بالاستصحاب الذي يؤدي إلى بقاء الجنابة،لا منافاة لاختلاف الموضوع،فإن موضوع القاعدة صحة الصلاة،و موضوع الاستصحاب الجنابة و بديهة أن المنافاة ترتفع بتعدد الموضوع.

6-قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة و الجمعة و عرفة و النحر و الذبح و الزيارة،و إذا اجتمعت للّه عليك حقوق،أجزأك عنها غسل واحد.و كذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها و إحرامها و جمعتها و حيضها و عيدها.

و قول الإمام عليه السّلام-كما ترى-يشمل جميع الأغسال المجتمعة على المكلف في آن واحد،مهما كان نوعها واجبة بكاملها،أو مستحبة كذلك،أو واجبة و مستحبة،بينها غسل جنابة،أو لا.

أمّا قول من قال:الأقوى و الأحوط و الأظهر فهو أعرف بتكليفه.

ص:93

ص:94

الحيض و الاستحاضة و النفاس
اشارة

قال تعالى وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (1).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلاّ أن تكون المرأة من قريش.

و قال عليه السّلام في رواية أخرى:إذا أكمل لها تسع سنين أمكن حيضها.

و قال عليه السّلام:أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيام،و أكثره عشرة أيّام.

و قال عليه السّلام:لا يكون القرء-أي الطهر من الحيض-في أقل من عشرة أيّام من حين تطهر إلى أن ترى الدم.

الفقهاء:

قسم الفقهاء ما تراه المرأة من الدم إلى ثلاثة أقسام:دم حيض،و دم استحاضة،و دم نفاس.

ص:95


1- البقرة:222. [1]

و الحيض هو الدم الخارج من الفرج من غير علة و لا نفاس،و قد كتبه اللّه على النساء حفظا للأنساب،و علما ببراءة الأرحام.

و هذا الدم يتحادر من أعماق الجسم إلى الرحم،فيجمعه طوال مدّة الطهر.

و لذا سمي الطهر قرءا من قولهم قرئت الماء في الحوض إذا جمعته فيه.

و دم النفاس هو الدم الخارج من الفرج عن الولادة،و حكمه حكم الحيض، كما يأتي.

و دم الاستحاضة هو غير دم الحيض و النفاس،و هو بدم العلة و الفساد أشبه.

الحيض:

ان وقت الحيض لا يبدأ قبل بلوغ الأنثى تسع سنين قمرية،فإذا رأت الدم قبل أن تبلغ هذه السن لا يكون دم الحيض،بل دم علة و فساد،و كذلك ما تراه المرأة القرشية بعد الستين،و غير القرشية بعد الخمسين لا يكون حيضا،بل دم علة و فساد.

و مع الشك و عدم العلم بأنّها قرشية،و لا غير قرشية يكون حكمها حكم غير القرشية،لأن الأصل عدم الانتساب إلى قريش.

و مع الشك في أنّها بلغت التاسعة فهي غير بالغة،و مع الشك في أنّها تجاوزت الخمسين،أو الستين فهي غير آيسة عملا بالاستصحاب.

و أقل الحيض ثلاثة أيام،فإذا كان ثلاثة إلاّ ساعة فليس بحيض،و أكثره عشرة أيّام،فما زاد بعد العشرة فليس بحيض.

و أقل الطهر الذي يفصل بين حيضتين،و يعتبر في عدة المطلقة،هو عشرة

ص:96

أيّام،أمّا أكثر الطهر فلا حد له.

و دم الحيض يكون في الغالب حارا عبيطا أسود،له دفع و حرارة كما قال الإمام الصادق عليه السّلام.

سؤال و جواب:

و تساءل:ان الفقهاء قالوا بأن حيض الأنثى علامة على بلوغها،و لا يجتمع هذا مع قولهم بأن الدم الذي تراه قبل التسع يكون حيضا؟

الجواب:

ان الفرق كبيرا جدا بين العلم بأن سنها دون التسع،و بين الجهل و عدم المعرفة بالسن،و الدم الذي تراه في الحال الأولى ليس بحيض،و الدم الذي تراه في الحال الثانية يكون حيضا و علامة على البلوغ،شريطة أن يكون جامعا لأوصاف الحيض،و هذا ما أراده الفقهاء.

قاعدة الإمكان:

ذكر الفقهاء في باب الحيض قاعدة أسموها قاعدة الإمكان،و هي«أن كل ما أمكن أن يكون حيضا فهو حيض».و معنى هذا أن الأصل في الدم الذي يخرج من فرج المرأة أن يكون حيضا،حتى نعلم بأنه ليس بحيض.و نعلم ذلك بأمور هي أن ترى الدم قبل أن تبلغ التاسعة،أو تراه بعد سن الستين ان كانت قرشية،أو بعد الخمسين ان لم تكنها،أو قبل أن تمضي عشرة أيام من الطهر،أو يتجاوز العشرة،فإن ما زاد عنها لا يمكن أن يكون حيضا،أو لا يستمر ثلاثة أيّام متوالية، أو يعلم بأنه دم جرح أو بكارة.

ص:97

فإذا لم يثبت شيء من ذلك أمكن أن يكون حيضا،و مجرد الإمكان كاف في ثبوت الحيض،أي لو كان الدم تجانس أو اختلف،كما قال العلامة في التذكرة،و صاحب الشرائع،بل قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه:يكاد يلحق هذا بالبديهيات لملاحظة الأخبار المتضافرة المتكاثرة الآمرة بترتيب آثار الحيض برؤية الدم من دون اعتبار لسائر الاحتمالات.

أقسام الحائض:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الجارية البكر أول ما تحيض،فتقعد في الشهر يومين،و في الشهر ثلاثة أيام،يختلف عليها طمثها في الشهر عدة أيّام سواء؟ قال:فلها أن تجلس،و تدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم تجز العشرة، فإذا اتفق الشهران عدة أيّام سواء فتلك أيامها.

و في رواية أخرى أنّه قال:«ان انقطع الدم لوقته في الشهر الأول سواء، حتى توالى عليها حيضتان،أو ثلاث،فقد علم الآن أن ذلك قد صار لها وقتا معلوما،و خلقا معروفا،و تدع ما سواه».

و ينبغي الانتباه إلى قوله عليه السّلام:صار وقتا معلوما،و خلقا معروفا،فالحيضتان المتفقتان كما تتحقق بهما العادة،و متى تحققت العادة تعمل بها،و تدع ما سواها.

الفقهاء:

قسم الفقهاء الحائض إلى خمسة أقسام:

الأولى :أن تستقيم عادتها وقتا و عددا،كالتي ترى الدم مرتين أو أكثر في أوّل كل شهر خمسة أيّام دون زيادة أو نقصان،بحيث لا تراه مرة خمسة،و أخرى

ص:98

أربعة،و حينا ستة،و لا مرة في أول الشهر،و أخرى في آخره،و حينا في وسطه.

و هذه تترك الصلاة بمجرد رؤية الدم بالاتفاق،سواء أ كان بصفات الحيض أم لم يكن.

الثانية :أن تستقيم عادتها وقتا لا عددا،كالتي ترى الدم في أول كل شهر، لكن مرّة يستمر ثلاثة أيّام،و حينا أربعة أو أكثر،و تسمى مستقيمة الوقت، مضطربة العدد.

و هذه أيضا تترك الصلاة بمجرد رؤية الدم مطلقا كالأولى.

الثالثة :أن تستقيم عادتها عددا لا وقتا،كالتي ترى الدم كلّ مرّة خمسة أيام -مثلا-و لكن مرة ترى في أول الشهر،و أخرى في آخره،و حينا في وسطه، و تسمى مستقيمة العدد،مضطربة الوقت.

و هذه تترك الصلاة برؤية الدم على شريطة أن يكون بصفات الحيض، لقول الإمام عليه السّلام:«فإذا كان للدم حرارة،و دفع،و سواد،فلتدع الصلاة».و إذا لم يكن بصفات الحيض فعليها أن تترك ما تتركه الحائض من دخول المسجد،و ما إليه،و تفعل ما تفعله المستحاضة من الصوم و الصلاة.

الرابعة :أن لا تستقيم لها عادة أبدا لا وقتا و لا عددا،كالتي ترى الدم مرة أربعة أيّام في أوّل الشهر،و أخرى خمسة في آخره،و حينا ثلاثة في وسطه، و تسمى مضطربة الوقت و العدد،و حكمها حكم الثالثة،تترك الصلاة ان كان الدم بصفات الحيض،و إلاّ فعليها أن تحتاط.

الخامسة :أن ترى الدم لأول مرة،و تسمى مبتدأة،و حكمها كالثالثة و الرابعة تماما،لأن الثلاثة:المضطربة وقتا،و المضطربة وقتا و عددا،و المبتدأة يشملها و يعمّها قول الإمام عليه السّلام:«إذا كان للدم حرارة و دفع و سواد،فلتدع الصلاة».

ص:99

تجاوز العادة:

إذا كانت ذات عادة عددية،ثم صادف في إحدى الحيضات ان استمر الدم أكثر من عادتها المألوفة،فإن لم يتجاوز العشرة،كما لو كانت خمسة،و استمرت إلى السبعة،أو العشرة فقط،كان المجموع حيضا،و ان تجاوز العشرة،فالحيض أيام العادة فقط،و ما زاد عنها فاستحاضة بما في ذلك الأيام التي في ضمن العشرة -مثلا-إذا استمر أحد عشر يوما،و العادة خمسة فقط،فالحيض الخمسة الأولى، و الستة الأخيرة استحاضة.

الحيض و الدم:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الحبلى ترى الدم،أ تترك الصلاة؟قال:نعم.

ان الحبلى ربما قذفت بالدم.

و على ذلك أكثر الفقهاء،أي أن الحيض يجتمع مع الحمل.

هن مصدقات:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:العدة و الحيض للنساء إذا ادعت صدقت.و لا خلاف فيه بين الفقهاء.

ما يحرم على الحائض:

تشترك الحائض مع الجنب في جميع ما يحرم عليه،و تزيد بأن الصوم و الصلاة صحيحان من الجنب المعذور،و لا يصحان من الحائض بحال،و يصح طلاق المرأة اليائسة،و ان تكن في الجنابة،و لا يصح طلاق الحائض إلاّ في بعض

ص:100

الحالات التي نذكرها في باب الطلاق إن شاء اللّه،و يجوز وطء المرأة المجنبة، و لا يجوز وطء الحائض،لقوله تعالى فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ و للرجل أن يستمتع بها دون القبل و الدبر،و يكره فيما بين السرة و الركبة.

و إذا عصى الرجل و غلبته الشهوة،و وطء زوجته،و هي في الحيض،قال الإمام الصادق عليه السّلام:«عليه أن يتصدق بدينار أن كان الحيض بعد في أوله،و في وسطه بنصف دينار،و في آخره بربع دينار،فإن لم يكن عنده ما يتصدق به استغفر اللّه،و لا يعود،فان الاستغفار توبة و كفارة لكل من لم يجد السبيل إلى شيء من الكفارة».

غسل الحائض:

يجب على الحائض أن تغتسل بعد انتهاء الحيض،لأجل الصلاة و الصيام و الطواف،و ما إلى ذلك مما تقدم في غسل الجنابة.

أمّا صورة الغسل فهي كصورة غسل الجنابة ترتيبا و ارتماسا،لا يفترقان في شيء سوى أن غسل الجنابة لا وضوء معه،و لا بد في غسل الحائض من الوضوء لقول الإمام الصادق عليه السّلام:«في كل غسل وضوء إلاّ الجنابة».

و قال جماعة من كبار الفقهاء:لا وضوء مع جميع الأغسال،حتى المستحبة منها،و مال إلى هذا السيد الحكيم في المستمسك،و هذه عبارته بالحرف الواحد:

«ان الشارع شرع طهارتين وضوءا و غسلا،يجزي كل منهما في كل موضع يشرع فيه من دون حاجة إلى ضم الآخر».و حمل قول الإمام عليه السّلام:«في كل غسل وضوء إلاّ الجنابة»،حمله على«مجرد ثبوت المشروعية»أي على جواز الوضوء،لا وجوبه.

ص:101

القضاء:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:الحائض تقضي الصوم،و لا تقضي الصلاة.

متفق عليه.

الاستحاضة:

دخلت امرأة على الإمام الصادق عليه السّلام،و سألته عن امرأة يستمر بها الدم فلا تدري،أحيض هو،أو غيره؟قال:ان دم الحيض حار عبيط أسود،له دفع و حرارة،و دم الاستحاضة أصفر بارد،فإذا كان للدم حرارة و دفع و سواد،فلتدع الصلاة،فخرجت المرأة،و هي تقول:و اللّه لو كان امرأة ما زاد على هذا.

و قال عليه السّلام:المستحاضة تنظر أيامها،فلا تصلي فيها،و لا يقربها بعلها،فإذا جازت أيامها و رأت الدم يثقب الكرسف (1)اغتسلت للظهر و العصر،تؤخر هذه، و تعجل هذه،و للمغرب و العشاء غسل،تؤخر هذه،و تعجل هذه،و تغتسل للصبح،و تحتشي،و تستقر-أي تلبس حفاظا-و لا تنحني و تضم فخذيها في المسجد،و لا يأتيها بعلها أيام قرئها،و ان كان الدم لا يثقب الكرسف،توضأت و دخلت المسجد،و لا يأتيها بعلها إلاّ بعد أيام حيضها.

و قال في بعض الروايات:دم الاستحاضة فاسد.

الفقهاء:

قدمنا ان الدم الذي تراه المرأة-غير دم الجروح و القرح و البكارة-لا بد أن

ص:102


1- الكرسف هو القطن.

يكون واحدا من ثلاثة:امّا دم حيض،و امّا دم نفاس،و امّا دم استحاضة،فإذا انتفى الاثنان تعين الثالث.و أعبر بتعبير آخر،قلنا فيما تقدم:ان قاعدة الإمكان تقضي على أن ما تراه المرأة من الدم محمول على أنّه دم حيض،حتى يعلم أنه ليس بحيض،فإذا علمنا أنه ليس بحيض،و لا دم ولادة،و لا دم بكارة و ما إليها، تعين قهرا أن يكون دم علة و فساد المعبّر عنه بدم الاستحاضة.و عليه فما تراه الأنثى زيادة على عشرة أيّام،و دون ثلاثة أيّام متوالية،و في حال الصغر قبل التاسعة،و بعد اليأس،لا يكون دم حيض،مع العلم بأنه ليس بدم نفاس أيضا، فيكون استحاضة لا محالة.و بهذا يكون لدينا قاعدة ثانية،و هي«كل ما لا يمكن أن يكون حيضا و لا نفاسا،و لا دم بكارة و جرح،فهو دم استحاضة».

و دم الاستحاضة يكون-في الغالب-اصفر باردا رقيقا،يخرج بفتور على العكس من صفات دم الحيض،و قد يكون الأصفر حيضا إذا جاء أيام الحيض، و قد يكون الأسود دم الاستحاضة إذا جاء بعد الحيض أو قبله،كما لو زاد على عشرة أيام،أو نقص عن الثلاثة.

أقسام المستحاضة:

قسم الفقهاء المستحاضة إلى ثلاثة أقسام:صغرى،و وسطى،و كبرى.

و بنوا هذا التقسيم على أن عليها أن تختبر نفسها،و ذلك بأن تحشو فرجها بقطنة، ثم تنظر:فان ظهر الدم على القطنة،و لم يغمسها فهي صغرى،و ان غمسها من غير أن يسيل فهي وسطى،و ان سال فهي كبرى.

و لا يجب الغسل على الصغرى،و لكن عليها أن تغير القطنة،و تتوضأ لكل صلاة،و لا تجمع بين صلاتين في وضوء واحد،و يجب على الوسطى ان تغير

ص:103

القطنة،و تغتسل غسلا واحدا قبل صلاة الغداة،و ان تتوضأ لكل صلاة،و لا يجمع بين صلاتين بوضوء واحد،و يجب على الكبرى ثلاثة أغسال:الأول قبل صلاة الغداة،و الثاني لصلاة الظهرين تجمع بينهما،و الثالث لصلاة العشاءين تجمع بينهما أيضا على أن تتوضأ لكل صلاة بعد أن تغير القطنة.

و كل من الوسطى و الكبرى محدثة بالحدث الأكبر تماما كالحائض،فان لم تفعل ما وصفناه من واجباتها،حرم عليها كل ما يحرم على الحائض من دخول المسجد،و مس كتابة القرآن،و قراءة العزائم،و عدم جواز الوطء،و فساد الصلاة، أمّا الصوم فإن أخلت بالغسل بطل،و عليها أن تعيد،و ان أخلت بالوضوء فقط صح،لأنّ الوضوء ليس شرطا في صحة الصوم.

و ان فعلت ما وصفناه صحّ منها الصوم و الصلاة و الطواف،و حل وطؤها، و جاز لها كل ما يجوز للطاهر.

أمّا الصغرى فهي بحكم من أحدث بالحدث الأصغر،كالبول و الريح،لأن المفروض أن حدثها يوجب الوضوء دون الغسل،و على هذا يصح منها الصوم، و يحل وطؤها،لأنّهما غير مشروطين بالوضوء،أمّا الصلاة فتصح مع الوضوء على أن لا تجمع بين صلاتين بوضوء واحد،كما قدمنا (1).

و غسل الاستحاضة،تماما كالغسل من الحيض و الجنابة.

ص:104


1- يظهر من قول الإمام عليه السّلام:إذا لم يثقب الدم الكرسف،يأتيها بعلها إلاّ أيام حيضها.و من قول الفقهاء المكرور في كتبهم:و يحل وطؤها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة،و متى جازت الصلاة جاز الوطء،و متى امتنعت الصلاة امتنع الوطء،يظهر من ذلك كله أن الصغرى أيضا لا يحل وطؤها، حتى تغير القطنة،و تغسل فرجها،و تتوضأ،و لا ريب أن هذا أفضل و أحوط.
النفساء:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:النفساء تكف عن الصلاة أيامها التي كانت تمكث فيها-أي حين الحيض-ثم تغتسل،و تعمل عمل المستحاضة.

و قال عليه السّلام:تقعد النفساء أيامها التي كانت تقعد في الحيض.

و سئل أبوه الباقر عليه السّلام عن النفساء؟قال:تقعد قدر حيضها.

و في معنى هذه الرواية كثير غيرها.

الفقهاء:

قالوا:إذا ولدت،و لم تر دما فلا نفاس،للإجماع،و البراءة مما لا دليل على ثبوته،و إذا رأته مع الولادة،حتى مع السقط و المضغة،فهو نفاس.

و اتفقوا على أنه لا حد لأقل النفاس،لأن الشرع لم يحدده صراحة، فيتحقق بالقطرة،و اختلفوا في أكثره،و المشهور أنه لا يزيد عن عشرة أيّام،تماما كالحيض،لقول الإمام عليه السّلام في روايات كثيرة:«تقعد قدر حيضها».

و إذا خرج الولد بعملية جراحية من غير المكان المعتاد،لا تكون نفساء، و لكن تنقضي به عدة الطلاق.

و حكم النفساء و الحائض واحد في كل ما ذكرناه من تحريم مس كتابة القرآن،و قراءة العزائم،و المكوث في المسجد،و الوطء،و عدم صحة الطلاق، و الصوم و الصلاة،و أنها تقضي الصوم دون الصلاة،إلى غير ذلك.

و الغسل من النفاس،تماما كالغسل من الحيض و الاستحاضة و الجنابة.

ص:105

ص:106

الميت و مسه
اشارة

إذا مات الميت توجه على الأحياء واجبات على سبيل الكفاية،إذا قام بها البعض،سقطت عن الكل،و إذا تركوا جميعا كانوا مسئولين و محاسبين.و هي ما يلي:

الاحتضار:

1-قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا مات لأحدكم ميت فسجوه اتجاه القبلة.

و في رواية ثانية:استقبل بباطن قدميه القبلة.

و هذا هو الاحتضار ان يلقى الميت على ظهره حين النزع،و باطن قدميه إلى القبلة،بحيث إذا جلس استقبل القبلة بوجهه و مقاديم بدنه،و على وجوب ذلك أكثر الفقهاء.

و يستحب تغميض عيني الميت،و شد لحييه،و مد ساقيه،و يديه إلى جنبيه،و تليين مفاصله،و تجريده من ثيابه،و وضعه على لوح أو سرير،و تغطيته بثوب.

و أهم المستحبات جميعا،التعجيل بتجهيزه،فان كرامة الميت تعجيله، و عدم تأخيره،جاء في الحديث:«لا ألفين رجلا منكم مات له ميت ليلا،فانتظر

ص:107

به الصبح،و لا رجلا مات له ميت نهارا،فانتظر به الليل،لا تنتظروا بموتاكم طلوع الشمس،و لا غروبها،عجلوا بهم إلى مضاجعهم،رحمكم اللّه».

الغسل:

2-سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن السقط إذا استوت خلقته،يجب له الغسل و اللحد و الكفن؟قال:نعم.كل ذلك يجب إذا استوى.

و قال عليه السّلام:يغسل الميت ثلاثة أغسال:مرة بالسدر،و مرة بالماء يطرح فيه الكافور،و مرّة أخرى بالقراح،ثم يكفن.

كل من قال:لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه،يجب تغسيله إذا مات،حتى الفاسق المتظاهر بالفسق،و حتى ابن الزنا و السقط إذا تم له أربعة أشهر.و اللقيط من دار الإسلام بحكم المسلم.أجل،لا يجوز تغسيل المغالي و الناصبي و الخارجي.

و يجب تغسيل المسلم ثلاث مرات:الأولى بالماء مع قليل من السدر، و الثانية بالماء مع قليل من الكافور،إلاّ أن يكون الميت محرما فلا يجعل الكافور في ماء غسله،و الثالثة بالماء الخالص دون أن يضاف إليه شيء،و ينبغي أن لا يكثر من السدر و الكافور خشية أن يصير الماء مضافا،فلا يحصل به التطهير.

و كما يجب الترتيب بين الأغسال الثلاثة،كذلك يجب الترتيب بين الأعضاء الثلاثة،فيبدأ بالرأس مع الرقبة،و يثني بالجانب الأيمن،و يثلث بالأيسر،تماما كغسل الجنابة و الحيض و الاستحاضة و النفاس،بل غسل الميت أولى و آكد في الترتيب من سائر الأغسال،حيث ورد النص فيه،و لم يرد فيها، حتى أن بعض الفقهاء،أو الكثير منهم قاس جميع الأغسال على غسل الميت.

ص:108

فلقد ثبت عن الصادق عليه السّلام أنه قال في الميت:«اغسل رأسه بالرغوة و بالغ.ثم أضجعه على الجانب الأيمن،و صب الماء من نصف رأسه إلى قدميه.ثم أضجعه على الجانب الأيسر،و افعل به مثل ذلك».

و لا بد في تغسيل الميت من نية التقرب إلى اللّه،لأنّه من العبادات،و إطلاق الماء و طهارته و إباحته،و من إزالة النجاسة أولا عن بدن الميت،و من عدم وجود الحاجب المانع من وصول الماء إلى البشرة،و يكره التغسيل بالماء الساخن.

و الرجال يغسلهم الرجال،و النساء تغسلهن النساء،و لكل من الزوج و الزوجة أن يغسل الآخر،و المطلقة الرجعية زوجة ما دامت في العدة.

و أيضا للرجل أن يغسل بنت ثلاث سنين،و للمرأة ابن ثلاث أعوام، و الأولى الاختصار على حال الضرورة.

و أيضا للمحارم بنسب أو رضاع أن يغسل بعضهم بعضا عند الضرورة، و عدم وجود المماثل،على أن يكون الغسل من وراء الثياب (1).

و إذا لم يوجد مماثل و لا ذو رحم يسقط الغسل،لما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام:«ان المرأة تموت في السفر،و ليس معها ذو رحم و لا نساء.قال:

تدفن كما هي في ثيابها،و ان الرجل يموت،و ليس معه إلاّ النساء.قال:يدفن كما هو في ثيابه».

و ذهب أكثر الفقهاء إلى أن المسلم إذا مات،و لا مماثل من المسلمين، و وجد مماثل من أهل الكتاب،يغتسل الكتابي أولا،ثم يباشر بتغسيل الميت المسلم،و استندوا في ذلك إلى أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل مسلم،

ص:109


1- سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يخرج في السفر،و معه امرأته،يغسلها؟قال:نعم و أمته و أخته،يلقي على عورتها خرقة.

و ليس معه رجل مسلم،و لا امرأة مسلمة من ذوي قرابته،و معه رجل نصراني، و نساء مسلمات،ليس بينه و بينهن قرابة؟قال:يغتسل النصراني،ثم يغسله،فقد اضطر.و إذا ماتت المرأة المسلمة،و ليس معها مسلمة،و لا رجل مسلم من قرابتها،و معها نصرانية،تغتسل النصرانية،ثم تغسلها.

و حمل هؤلاء الفقهاء الرواية المتقدمة الآمرة بالدفن بلا غسل،حملوها على صورة عدم وجود المماثل إطلاقا،حتى من أهل الكتاب.

و تجدر الإشارة إلى أن رواية تغسيل الكتابي للمسلم تدل بصراحة على طهارة أهل الكتاب،و ان نجاستهم عرضية لا ذاتية.و بديهة أن الضرورة لا تجعل النجس طاهرا،و انما تسوغ الانتقال من حال إلى أخرى،فالواجب أولا المماثل المسلم مع وجوده،و مع عدمه فالمماثل الكتابي،تماما كما هي الحال بالقياس إلى أولياء الميت الذين يأتي الكلام عنهم.

الشهيد و المرجوم:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان الرجل الذي يقتل في سبيل اللّه،يدفن كما هو في ثيابه إلاّ أن يكون شهيدا،فإنه يغسل و يكفن و يصلّى عليه.

و قال المرجوم و المرجومة،يغسلان و يحنطان و يلبسان الكفن،ثم يرجمان،و يصلى عليهما،و المقتص منه بمنزلة ذلك.ثم يقاد و يصلّى عليه.

الفقهاء:

قالوا:كل من قتل دفاعا عن الإسلام فهو شهيد،و حكمه أن يدفن بثيابه، و دمائه بعد أن يصلى عليه،على شريطة أن تخرج روحه في المعركة أو خارجها،

ص:110

و الحرب قائمة لم تنته بعد،فإذا مات بعد انتهاء المعركة وجب تغسيله.

و من وجب قتله برجم أو قصاص يغتسل هو غسل الأموات،و يتحنط، و يلبس الكفن،ثم يرجم أو يقتل،ثم يصلى عليه،و يدفن.

الكفن:

3-قال الإمام الصادق عليه السّلام:يكفن الميت بثلاثة أثواب،و انما كفن رسول اللّه بثلاثة:ثوبين صحاريين،و ثوب حبرة.و الصحاربة نسبة إلى بلد باليمامة.

و قال أيضا:الميت يكفن في ثلاثة،سوى العمامة و الخرقة،يشد بها وركه، لكيلا يبدو منه شيء،و الخرقة و العمامة لا بد منهما،و ليستا من الكفن.

و قوله عليه السّلام:لا بد منهما،مع قوله:ليستا من الكفن،مبالغة في تأكيد استحباب العمامة و الخرقة.

الفقهاء:

قالوا:يجب تكفين الميت رجلا كان أو امرأة بثلاث قطع:الأولى المئزر يلفه من السرة إلى الركبة،و الأفضل من الصدر إلى القدم.الثانية القميص من المنكبين إلى نصف الساق،و الأفضل إلى القدم.الثالثة الإزار يغطي تمام البدن.

و تستحب العمامة للرجل تدار على رأسه،و يجعل طرفاها تحت حنكه، و أيضا يستحب أن يشد وسطه بخرقة،و لا يزاد على ذلك شيئا.

أمّا المرأة فتستحب لها المقنعة بدلا عن العمامة،و خرقة على وسطها، و ثانية للفخذين.

و يشترط في الكفن ما يشترط في الساتر الواجب حين الصلاة من كونه

ص:111

طاهرا و مباحا،لا حريرا و لا ذهبا،حتى للنساء،و لا من حيوان لا يؤكل لحمه، و ما إلى ذلك مما يأتي الكلام عنه في باب الصلاة ان شاء اللّه.

و حكم السقط كحكم الكبير إذا تم له أربعة أشهر في بطن أمه،و إلاّ يلف بخرقة و يدفن.

و كفن الزوجة على زوجها،و كفن غيرها يخرج من التركة مقدما على الدين و الميراث.

الحنوط:

4-سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الحنوط؟قال:اجعله في مساجده.

الفقهاء:

جاء ذكر الحنوط في كتب الفقه بعد الغسل،و سرنا نحن على طريق الفقهاء،و كان الأولى أن يذكر بعد التغسيل لأنه أيسر و أسهل،و لكن جاء ذكر الحنوط في بعض الروايات عن الامام الصادق عليه السّلام بعد الكفن،فكانت القدوة.

و مهما يكن،فان التحنيط واجب كالغسل،و هو مسح الكافور على الأعضاء السبعة التي يسجد عليها المصلي،و هي:الجبهة،و الكفان،و الركبتان، و إبهاما الرجلين،و يجب تحنيط السقط إذا أتمّ الأشهر الأربعة.

و بعد ان نقل صاحب الجواهر اتفاق الفقهاء على وجوب التحنيط بعد الغسل،و نقل أيضا خلافهم في أنّه قبل الكفن أو بعده أو في أثنائه،بعد هذا قال ما نصه بالحرف:«و لعل الأقوى جواز الكل للأصل و إطلاق كثير من الأدلة،و ان كان الأولى تقديمه على الكفن».

ص:112

و تجدر الإشارة إلى أن المحرم في الحج لا يجوز تحنيطه،لأن تطييبه حرام، سواء أ كان بالكافور أو بغيره.

الصلاة:

5-قال الإمام الصادق عليه السّلام:«كان رسول اللّه إذا صلى على ميت كبر و تشهد، و صلى على الأنبياء،و دعا،ثم كبر و دعا و استغفر للمؤمنين و المؤمنات،ثم كبر الرابعة،و دعا للميت،ثم كبر الخامسة و انصرف،فلما نهاه اللّه سبحانه عن الصلاة على المنافقين انصرف بعد الرابعة،و لم يدع للميت»،فقوله تعالى لنبيه الكريم:

وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ (1)أي لا تدعو له.

و قال:كان رسول اللّه يكبر على قوم خمسا،و على قوم آخرين أربعا،فإذا كبر على رجل أربعا اتهم بالنفاق (2).

و قال:فرض اللّه الصلوات خمسا،و جعل للميت من كل صلاة تكبيرة.

و قال:صلّ على من مات من أهل القبلة،و حسابه على اللّه.

الفقهاء:

قالوا:تجب الصلاة على كل مسلم عادلا كان،أو فاسقا،حتى و لو كان قد قتل نفسه،و تجب على الشهيد الذي لا يجوز غسله و تكفينه،لقول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«لا تدعوا أحدا من أمتي بلا صلاة».

و قال أكثر الفقهاء:لا تجب الصلاة على الطفل المتولد من مسلم إلاّ إذا أتم

ص:113


1- التوبة:84. [1]
2- ان السنة بمذاهبهم الأربعة يكبرون على الميت أربعا فقط.

سن السادسة،و فيه روايات عن أهل البيت عليهم السّلام.و قال البعض:لا تجب الصلاة على أحد إلاّ من وجبت عليه الصلاة.

صورة الصلاة:

ان يوضع الميت مستلقيا على ظهره،و يقف المصلي وراء الجنازة غير بعيد عنها،مستقبل القبلة،و رأس الميت على يمينه،و ان لا يوجد حائل بينه و بين الميت،و ان يكون المصلي واقفا،إلاّ لعذر مشروع،ثم ينوي و يكبر خمسا بعدد الفرائض اليومية،و يأتي بعد التكبيرة الأولى بالشهادتين،و بعد الثانية بالصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و بعد الثالثة بالدعاء للمؤمنين و المؤمنات،و بعد الرابعة بالدعاء للميت،و ان كان الميت دون البلوغ،دعا لأبويه،ثم يكبر الخامسة و ينصرف.

و ليست الطهارة شرطا في هذه الصلاة،لأنها مجرد دعاء للميت بان يتغمده اللّه في رحمته،و الدعاء لا يشترط فيه الطهارة من الحدث و لا من الخبث،و لسنا نعرف صلاة لا ركوع فيها،و لا سجود.

و تجوز هذه الصلاة جماعة و فرادى،و لكن الامام لا يتحمل عن المأموم شيئا على الإطلاق.

و من المعلوم بضرورة الدين أن الصلاة تكون قبل الدفن،فان دفن قبل أن يصلى عليه،فلا يجوز نبش القبر لأجل الصلاة،بل يصلى عليه في قبره.

ص:114

الدفن:

6-قال اللّه تعالى أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً. أَحْياءً وَ أَمْواتاً (1)،و قال:

مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ (2)و قال الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهما السّلام:إنما أمر بدفن الميت لئلا يظهر الناس على فساد جسده،و قبح منظره،و تغير رائحته، و لا يتأذى الأحياء بريحه،و بما يدخل عليه من الفساد،و ليكون مستورا عن الأولياء،و الأعداء،فلا يشمت عدوه،و لا يحزن صديقه.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:حد القبر إلى الترقوة.و عنه رواية أخرى أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى أن يعمق القبر فوق ثلاثة أذرع.

و سئل الإمام الكاظم ابن الإمام الصادق عليهما السّلام عن رجل يأكله السبع أو الطير، فتبقى عظامه بغير لحم،كيف يصنع به؟قال:يغسل و يكفن،و يصلّى عليه، و يدفن.

و في رواية عن الإمام الصادق عليه السّلام:إذا كان الميت نصفين صلّي على النصف الذي فيه القلب.

الفقهاء:

قالوا:يجب دفن الميت في الأرض بصورة تمنع الحفرة عنه السباع، و رائحته عن الناس،و لا يجوز وضعه على وجه الأرض و البناء عليه،حتى و ان تحقق الأمران:الحفظ و منع الرائحة.و يستحب تعميق القبر قدر قامة أو إلى الترقوة،و ان يحفر فيه لحد يسجى عليه الميت.

ص:115


1- المرسلات:25-26. [1]
2- طه:55. [2]

و يجب دفن الأجزاء المبانة من الميت،حتى السن و الشعر و الظفر،أمّا القطعة المنفصلة من الحي،أو من الميت فان كانت لحما بدون عظم،تلف بخرقة و تدفن،و ان كانت عظما غير الصدر،تغسل و تلف و تدفن،و ان كانت صدرا،أو بعض الصدر المشتمل على القلب،تغسل و تكفن و يصلى عليها و تدفن.

و إذا مات في سفينة يوضع في خابية،و يوكأ رأسها و تطرح في الماء.و فيه رواية صحيحة عن الامام الصادق عليه السّلام.

و في رواية أخرى عنه عليه السّلام أن يوثق برجله حجر،و يرمى به في الماء.و لكن قال صاحب المدارك:انها ضعيفة السند.

و إذا مات في بئر،و تعذر إخراجه،يسد و يكون قبرا له.

و يجب ان يوضع الميت على جنبه الأيمن مستقبل القبلة،و رأسه الى المغرب،و رجليه الى المشرق.قال صاحب المدارك:الأصل في هذا الحكم التأسي بالنبي و الأئمة الأطهار عليهم السّلام.

و المرأة يلحدها زوجها،أو أحد محارمها،أو النساء،و ان لم يكن زوج و لا محرم و لا نساء،فالرجال الصالحون.

و لا يجوز دفن الميت في مكان مغصوب،و لا في الأوقاف غير المقابر و يحرم نبش القبر إلاّ مع العلم بصيرورة الميت ترابا،أو كان النبش لمصلحة الميت،كما لو كان القبر في مجرى السيل،أو دفن في مكان مغصوب،و أبى المالك بقاءه بحال،أو كفن بما لا يجوز التكفين به،أو دفن معه مال له قيمة، سواء أ كان لوارثه،أو لغيره.

ص:116

الأولياء:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:يغسل الميت أولى الناس به.

و قال:يصلي على الجنازة أولى الناس بها،أو يأمر من يحب.

و قال:الزوج أحق بامرأته،حتى يضعها في قبرها.فقيل له:الزوج أحق من الأب و الولد؟.قال:نعم.

الفقهاء:

قالوا:لا بد ان يكون تغسيل الميت و الصلاة عليه بإذن الولي،فإذا غسّل أو كفّن دون الاستئذان منه،وقع العمل باطلا.

و تسأل:أي معنى لإذن الولي،مع العلم بان التكاليف الشرعية لا تناط بإرادة أحد؟

الجواب:

أجل،و لكن الولي هنا ليس شرطا لوجوب الغسل و الصلاة،بل لصحتهما و إيجادهما في الخارج على النحو المطلوب،تماما كالوضوء بالقياس إلى الصلاة التي تجب،و ان لم يكن المكلف متوضئا،و انما عليه أن يتوضأ حين الإطاعة و الامتثال.

و لأولياء الميت مراتب يتقدم بعضهم على بعض على الوصف التالي:

1-الزوج،يقدم حتى على الآباء و الأبناء.

2-الأب،يقدم على الأم و الأولاد.

3-الأم،تقدم مع عدم وجود الأب،على الأولاد و الذكور.

4-الذكور مقدمون على الإناث من طبقتهم و مرتبتهم،و كذا يقدم البالغ

ص:117

على غير البالغ.

5-البنات،يتقدمن على أولاد الأولاد و الأجداد و الأخوة.

6-أولاد الأولاد يقدمون على الجد.

7-الجد يقدم على الأخ.

8-الأخ يقدم على الأخت.

9-الأخت تقدم على أولاد الأخ.

10-الأعمام يتقدمون على الأخوال.

11-الأخوال يقدمون على الحاكم الشرعي.

12-الحاكم يقدم على عدول المسلمين.

و وجود الصبي و المجنون و الغائب بحكم العدم،و من انتسب إلى الميت بالأب و الأم معا أولى ممن انتسب إليه بأحدهما،و من انتسب إليه بالأب أولى ممن انتسب بالأم،و إذا كان أهل المرتبة الواحدة متعددين كالأولاد و الأخوة و الأعمام و الأخوال تكون الولاية مشتركة بين الجميع على السواء،لأن نسبة الدليل إلى الكل واحدة دون تفاوت،فما هو المعروف من استئذان الولد الأكبر فقط لا مستند له في الشريعة.

و إذا أوصى الميت إلى رجل بتجهيزه،لا يسقط إذن الولي،حيث لا مانع من الجمع،فيأذن الولي،و يجهز الموصى إليه،و به نجمع بين أمر الشرع،و ارادة الميت.

مس الميت:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام:هل يجب الغسل على من مس ميتا؟قال:أمّا

ص:118

بحرارة فلا بأس،إنما ذاك إذا برد.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:مس الميت بعد غسله،و القبلة ليس بها بأس.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا قطع من الرجل قطعة،فهي ميتة،فإذا مس انسان،فكل ما فيه عظم فقط وجب على من مسه الغسل،فان لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه.

الفقهاء:

قالوا:من مس ميتا بعد أن يبرد جسده،و قبل أن يغسّل،فعليه أن يغتسل من مسّ الميت.

و إذا مسه بعد موته بلا فاصل،و قبل أن يبرد جسده،فلا شيء عليه، و كذلك إذا مسه بعد ان تم غسله الشرعي.

و لا فرق بين أن يكون الميت مسلما أو غير مسلم،كبيرا أو صغيرا،حتى السقط.و إذا مس قطعة مبانة من انسان حي أو ميت،و فيها عظم،وجب عليه الغسل من المس،و ان لم يكن فيها عظم،فلا شيء عليه.

و صورة الغسل من الميت تماما كصورة الغسل من الجنابة و الحيض و الاستحاضة و النفاس.

ص:119

ص:120

الأغسال المستحبة

الأغسال المستحبة كثيرة،و قد أنهاها بعض الفقهاء إلى مائة تسامحا منه في أدلة السنن،و المشهور بين الفقهاء 28 غسلا،كما قال صاحب الشرائع.

منها:غسل الجمعة،و وقته ما بين طلوع الفجر إلى زوال الشمس.قال الإمام الصادق عليه السّلام:الغسل يوم الجمعة على الرجال و النساء في الحضر،و على الرجال في السفر،و ليس على النساء في السفر.و قال:ليتزين أحدكم يوم الجمعة،يغتسل و يتطيب.

و منها:أول ليلة من رمضان المبارك،و ليلة النصف،و السابعة عشرة، و التاسعة عشرة،و احدى و عشرين،و الثالثة و عشرين،و ليلة الفطر،و يوم العيدين،و عرفة،و ليلة النصف من رجب،و اليوم السابع و العشرين منه،و ليلة النصف من شعبان،و يوم المباهلة و هو 24 من ذي الحجة.

و منها:غسل الإحرام،و زيارة الرسول و آله الاطهار صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و غسل التوبة، و لدخول الكعبة،و غيره كثير.

و فيها جميعا روايات عن أهل البيت عليهم السّلام،و تقدم أنه إذا اجتمعت أغسال عديدة كفى عنها غسل واحد،أما صورة الغسل المستحب فهي تماما كصورة غسل الجنابة،مع اعتبار الشروط من طهارة الماء و إطلاقه و إباحته.

ص:121

و ذهب جماعة من فقهاء الشيعة إلى أن الغسل مستحب في نفسه دون أن يقصد المغتسل آية غاية من الغايات المنصوص عليها،لقوله تعالى وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (1).و قول الإمام عليه السّلام:ان استطعت ان تكون في الليل و النهار على الطهارة،فافعل.

ص:122


1- البقرة:222. [1]

التيمم

اشارة

قال تعالى وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً (1).

و قال الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:خلقت لي الأرض مسجدا و طهورا.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ،فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم و يصلّ.

و سئل عن رجل لا يكون معه ماء،و الماء عن يمين الطريق و يساره غلوتين،أو نحو ذلك؟قال:لا آمره أن يغرر بنفسه،فيعرض له لص أو سبع.

و أيضا سئل عن رجل يمر بالركية-أي البئر-و ليس معه دلو؟قال:ليس عليه أن يدخل الركية،لأن رب الماء هو رب الأرض،فليتيمم.و في رواية أخرى أن رب الماء هو ربّ الصعيد.ان اللّه جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا.

و أيضا سئل عن رجل تكون به القروح و الجراحات فيجنب؟قال:لا بأس بأن يتيمم و لا يغتسل.إلى غير ذلك كثير.

ص:123


1- النساء:43. [1]

الفقهاء:

قسموا الطهارة إلى قسمين:اختيارية،و اضطرارية،و الأولى الطهارة المائية،و الثانية الطهارة الترابية،و هذه بدل عن تلك تسوغها الأسباب الموجبة للتيمم عقلا أو شرعا،و هذه الأسباب ما يلي:

الأسباب الموجبة للتيمم

عدم الماء:
اشارة

1-عدم وجود الماء الكافي للوضوء أو الغسل في سفر أو حضر،إجماعا و نصا.

و تساءل:إذا لم يكن لديه ماء،لكنه يحتمل و لا يستبعد أن يصيب الماء إذا بحث عنه و سأل،فهل يجب عليه البحث و السؤال،بحيث إذا تيمم بدونه يبطل عمله؟

الجواب:

أجل،يجب-ان كان في الوقت سعة-لأن عدم الماء شرط في صحة التيمم،و بديهة أنّه لا بد من إحراز الشرط و العلم به،و لا يحصل هذا العلم إلاّ بعد البحث و الفحص الموجب لليأس،و بتعبير الفقهاء أن الشك في وجود الماء يستدعي الشك في مشروعية التيمم فلا يكون مجزءا في نظر العقل،هذا، بالإضافة إلى قول الإمام عليه السّلام:إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت.

و قالوا:يجب على المسافر أن يبحث عن الماء في البرية مقدار رمية سهم إذا كانت الأرض وعرة،و مقدار رمية سهمين إذا كانت سهلة،على أن يكون البحث إلى الجهات الأربعة يمينا و شمالا و أماما و وراء،مع عدم اليأس من عدم وجود الماء،و الأمان على النفس و المال،و استندوا لهذا الحكم برواية عن الامام

ص:124

الصادق عليه السّلام:«يطلب الماء في السفر ان كانت الحزونة-أي الأرض وعرة-فغلوة، و ان كانت سهولة فغلوتين».

و ليس من شك أن هذه الأحكام انما شرعت،حيث كان السفر على الأقدام و الجمال،أما اليوم،حيث السيارات و الطائرات،و لا سبع لا ضبع فلا موضوع لها من الأساس.

و لكن ينبغي أن نعلم أن قولهم-هنا-يجب البحث و الفحص انما هو تفريغ و تطبيق لقاعدة عامة من صميم الحياة،و هي أن كل ما يتوقف عليه وجود الواجب بعد وجوبه فهو واجب،و أنّه لا عذر أبدا للإنسان عند اللّه و العقل و الناس أن يعمل أمرا يعلم علم اليقين أن إهماله سيؤدي حتما إلى إهمال الواجب و تركه، و هذا الضابط لا يختص بباب دون باب من الفقه،و لا بجهة دون جهة من الحياة (1).

و من هذا الضابط يتبين معنا أن من كان لديه قليل من الماء يكفي لوضوئه أو غسله من الجنابة فقط تحتم عليه أن يحتفظ به لأجل الصلاة،و لا يجوز له التصرف فيه لغير ضرورة،و لو لم يدخل الوقت إذا علم أنّه لن يجد الماء عند الصلاة بعد دخول وقتها.

أمّا القول بأن حفظ الماء مقدمة و وسيلة من أجل الصلاة،و المفروض أنّها لا تجب قبل الوقت،و إذا لم تجب الغاية فكيف تجب الوسيلة؟و هل يزيد الفرع على الأصل،و التابع على المتبوع؟أمّا هذا القول فلعب بالألفاظ بعد العلم بأن

ص:125


1- و خرج جماعة من الفقهاء عن هذه القاعدة في صورة واحدة فقط،و هي أن للإنسان ان يجنب مختارا و بإرادته مع علمه بأنه لن يجد الماء إذا أجنب،و المسوغ لهذا الاستثناء وجود النص،قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان أبا ذر قال:يا رسول اللّه هلكت جامعت أهلي على غير ماء.فقال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين.لأن قول أبي ذر:هلكت يشعر بأنه جامع،و هو آيس من وجود الماء.

وقت الصلاة آت لا محالة،و انّها لا تصح بالتيمم مع القدرة على الوضوء،و ان هذا قادر عليه في نظر العقل و العرف،و لذا وجب السفر إلى الحج،و إلى كثير غيره قبل مجيء زمانه،و وجب التعلم قبل أوان العمل،و الغسل لصوم رمضان قبل الفجر،إلى غير ذلك.

الضرر:
اشارة

2-ان يتضرر صحيا من استعمال الماء،و يكفي مجرد الظن بالضرر، سواء أحصل له تلقائيا،أم من قول الطبيب،و إذا قال له الطبيب:ان استعمال الماء مضر،و كان يعلم هو أنّه غير مضر،و ان الطبيب مخطئ في تشخيصه،فالمعول على علمه،لا على قول الطبيب.و ان كان لا يعلم بالضرر و لا بعدمه،فان حصل له العلم أو الظن أخذ بقول الطبيب،و بالأصح بعلمه أو ظنه الناشئ من قول الطبيب.و ان لم يحصل له شيء أبدا،و بقي على شكه و تردده،أخذ بقول الطبيب بناء على أن الخبر الواجب حجة في الموضوعات،و إلاّ فلا يجوز له الاعتماد عليه.

و لو افترض أنه لا يتضرر صحيا من استعمال الماء،و لكنه يتألم من شدة البرد،و تصيبه مشقة فوق المعتاد و المألوف حين الغسل أو الوضوء،بحيث إذا انتهى منه عاد إلى طبيعته،و دون أن ينكب بصحته،فهل تتعين في حقه الطهارة المائية،أو تجوز له الطهارة الترابية،أو هو مخير بينهما؟

الجواب:

انه مخير بين الطهارة المائية،و بين الطهارة الترابية،فإن شاء اغتسل أو توضأ،و ان شاء تيمم،و في الحالين تصح عبادته.أمّا لو استعمل الماء مع وجود

ص:126

الضرر الصحي فعبادته فاسدة.و الفرق أن الضرر منهي عنه لقوله تعالى وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ،و النهي في العبادة يدل على الفساد،أمّا تحمل الألم و المشقة و الحرج فغير منهي عنه إطلاقا،فإذا تطهر و صلى صحت طهارته و صلاته.و من هنا قيل:ان نفي الحرج في الشريعة من باب الرخصة،و نفي الضرر من باب العزيمة.

و تسأل:كما أن الطهارة مع الحرج و المشقة غير منهي عنها فهي أيضا غير مأمور بها،و مع عدم الأمر لا تكون صحيحة بحال،لأن صحتها تتوقف على الإتيان بها بداعي امتثال الأمر،و المفروض عدم الأمر،فتكون النتيجة ان الغسل و الوضوء مع الحرج و المشقة تماما كالغسل و الوضوء مع الضرر الصحي.

الجواب:

ان العبادة راجحة بذاتها،و محبوبة مرغوبة للشارع بطبيعتها،و يكفي للتقرب بها إليه عدم النهي عنها،لا وجود الأمر بها فعلا،و الشارع لم ينه عن التعبد له مع وجود الحرج و المشقة،بل رفع الأمر و الإلزام عن العبد في مثل هذه الحال من باب التسهيل و المنة و التفضل.فإذا اختار لنفسه المشقة و الحرج و ألزم نفسه به كان ذاك إليه،بل يعد مطيعا و منقادا.أمّا مع وجود الضرر فإنه ملزم و مرغم على الترك،و لا خيار له إطلاقا،لأن الضرر محرم في ذاته،و مكروه و مبغوض للشارع بطبيعته،سواء ألبس ثوب التعبد،أو التمرد.

قلة الماء:

3-من مسوغات التيمم ان يكون معه قليل من الماء يحتاجه حالا أو مآلا لغاية أهم من الوضوء و الغسل،كشربه أو شرب غيره كائنا من كان،و ما كان إذا

ص:127

اضطر إليه،ما دام لكبده الحريّ أجر،و في صرفه خير و نفع،و دفع للضرر و الفساد.و قد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل يكون معه الماء في السفر، و يخاف قلته؟قال:يتيمم بالصعيد،و يستبقي الماء،فإذا احتفظ بالماء خوفا من العطش،و تيمم صح تيممه و صلاته و إذا خالف و توضأ أو اغتسل فقد عصى قطعا،و لكن وضوءه و غسله صحيحان،لأن الأمر بالتيمم لا يستدعي النهي عن الوضوء أو الغسل،إذ المفروض أنّه لا يتضرر،و لا يتمرض من استعمال الماء، و انما يخاف العطش فقط.و الخوف من العطش شيء،و الضرر الصحي الحاصل من استعمال الماء شيء آخر،و عليه يكون الوضوء و الغسل مع الخوف من العطش تماما كالصلاة مع عدم إنقاذ الغريق فإنها تصح،و لكن يأثم المصلي و يعاقب على ترك الأهم.

ضيق الوقت:

4-ان يتسع الوقت للوضوء و الصلاة معا،بحيث إذا توضأ وقعت الصلاة بكاملها في وقتها المحدد.و لو افترض أنّه إذا توضأ وقعت الصلاة أو ركعة منها خارج الوقت،و إذا تيمم وقعت بتمامها داخل الوقت،لو افترض ذلك وجب التيمم،و إذا توضأ بطل عمله،و عليه ان يقضي الصلاة،لأن المحافظة على الوقت أهم في نظر الشرع من المحافظة على الطهارة المائية،و ليس من شك أن المهم يسقط بالأهم،و ان الموقت يذهب بذهاب وقته،و يتفرع على هذا ما يلي:

الأول:ان الوضوء لا يصح منه في هذه الصورة إذا أراد به هذه الصلاة بعينها،إذ المفروض ان هذه الصورة تجب مع التيمم لا مع الوضوء،أما إذا قصد غاية أخرى و لو الكون على الطهارة صح وضوءه لان الوضوء راجح بنفسه،و ان

ص:128

الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده،فيكون حال الوضوء تماما كحال الصلاة قبل زوال النجاسة عن المسجد.

الثاني:إذا اغتسل أو توضأ جاهلا بأن الوقت لا يتسع للطهارة و الصلاة معا، ثم تبين له الضيق و عدم السعة صح عمله ان قصد غاية أخرى غير هذه الصلاة، و بطل ان قصدها بالذات.

الثالث:ان التيمم لضيق الوقت عن استعمال الماء انما يخول الدخول بهذه الصلاة فقط،أمّا الصلوات الأخرى،و ما إليها من الغايات فلا،لأنه واجد للماء بالنسبة إليها.

ما يصح به التيمم:

اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل دخل الأجمة-أي الغابة-ليس فيها ماء، و فيها طين،ما ذا يصنع؟قال يتيمم فإنه-أي الطين-الصعيد.قال السائل:انّه راكب،و لا يمكنه النزول من خوف،و ليس هو على وضوء؟قال:ان خاف على نفسه من سبع أو غيره،و خاف فوات الوقت:فليتيمم،يضرب بيده على اللبد،أو البرذعة،و يتيمّم و يصلي.

و قال:إذا كنت في حال لا تقدر إلاّ على الطين فتيمم به،فان اللّه أولى بالعذر،إذا لم يكن معك ثوب جاف،أو لبد تقدر ان تنفضه،و يتيمّم به.

و قال:إذا كانت الأرض مبتلة ليس فيها تراب،و لا ماء فانظر أجف موضع تجده فتيمم به.

ص:129

الفقهاء:
اشارة

قالوا:يجب التيمم بالصعيد،لقوله تعالى فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ، و الصعيد وجه الأرض ترابا كان أو رملا أو حجرا،على شريطة أن يكون مباحا غير مغصوب،و طاهرا غير نجس،و لا يجوز التيمم بشيء من المعادن،أو النبات،أو الرماد.

و قالوا:إذا عجز عن التيمم بما يصدق عليه وجه الأرض،فإن أمكن أن يجمع الغبار من الثياب و ما إليها فعل،و تيمم به،و إلاّ يتيمم بالغبار على الثوب،أو عرف الدابة،و نحوه،و ان تعذر كل ذلك تيمم بالطين،حيث لا يقدر إلاّ عليه.

و تسأل:إذا حبس،أو وجد في مكان لا ماء فيه،و لا ما يتيمّم به،حتى الطين،بحيث يصدق عليه أنه فاقد الطهورين،فما ذا يصنع؟هل يصلي بلا وضوء و لا تيمم،أو لا تجب عليه الصلاة،و إذا لم تجب عليه أداء فهل تجب عليه قضاء؟

الجواب:

ذهب أكثر الفقهاء إلى عدم وجود الصلاة أداء،و وجوبها قضاء،أمّا الدليل على عدم الأداء فهو الحديث المشهور:«لا صلاة إلا بطهور»و قد تعذرت،و أمّا وجوب الأداء فقد استدل عليه صاحب المدارك بقول الإمام:«متى ذكرت صلاة فاتتك فصلها» (1)،ثم قال صاحب المدارك:و ما قيل من ان سقوط الأداء يوجب سقوط القضاء فدعوى مجردة عن الدليل،مع انتقاضها بوجوب القضاء على الساهي و النائم،و وجوب قضاء الصوم على الحائض.

ص:130


1- و قد يقال:ان هذا يصدق على من فاتته صلاة واجبة،كان عليه أن يؤديها،و لا يشمل بحال من لم تجب عليه من الأساس كما نحن فيه،و عليه يكون الاستشهاد في غير محله.

صورة التيمم:

اشارة

جاء في الآية الكريمة 43 من سورة النساء فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً .

قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان عمارا أصابته جنابة،فتمعك-أي تمرغ-كما تتمعك الدابة،فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:تمعكت كما تتمعك الدابة؟فقال المستمعون:كيف التيمم؟فوضع الامام عليه السّلام يديه على الأرض،ثم رفعهما، فمسح وجهه و يديه فوق الكف قليلا.

و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن التيمم،فضرب بيديه على الأرض،ثم رفعهما فنفضهما،ثم مسح بهما جبينه و كفيه مرة واحدة.

الفقهاء:

قالوا:المراد من الوجه هنا بعضه،لا كله،لأن الباء في قوله تعالى:

فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ تفيد التبعيض،تماما كقوله وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ بالنسبة إلى الوضوء،لأنها إذا لم تكن للتبعيض تكون زائدة،لأن امسحوا تتعدى بنفسها، و حددوا القدر الواجب من مسح الوجه ان يبدأ المتيمم من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى،و يدخل فيه الجبهة و الجبينان.

و قالوا:المراد باليدين الكفان فقط،فإن اللّه تبارك و تعالى أطلق الأيدي في التيمم،و لم يقيدها بالحد إلى المرفقين،كما فعل في الوضوء،و عليه يكون تيمم الامام و مسحه الكفين دون التعدي عنهما تفسيرا و بيانا للآية،و مقيدا لإطلاقها، و يؤيد ذلك أنك إذا قلت:هذي يدي،و فعلته بيدي لا يفهم من اليد إلا الكف فقط.

ص:131

و بالتالي،فإن صورة التيمم عندهم هكذا:ان تضرب على الأرض بباطن الكفين،و تمسح وجهك من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى،ثم تمسح تمام ظاهر الكف اليمنى بباطن الكف اليسرى،و تمام ظاهر اليسرى بباطن اليمنى.

و بعد ان اتفق الفقهاء على ذلك اختلفوا فيما بينهم:هل يجب في التيمم ضربة واحدة على الأرض سواء أ كان بدلا عن الوضوء،أم بدلا عن غسل الجنابة و الحيض و النفاس،و مس الميت،أو يجب التفصيل بين التيمم الذي هو بدل عن الوضوء فتجب له ضربة واحدة،و بينما هو بدل عن الغسل،فتجب ضربتان، إحداهما للوجه،و الأخرى لليدين؟ ذهب المشهور إلى التفصيل،و أنه تكفي الضربة الواحدة لما هو بدل عن الوضوء،و لا بد من الضربتين لما هو بدل عن الغسل،أي غسل.

و قال كثير من المحققين:لا تجب الضربتان بحال،بل تكفي ضربة واحدة لكل تيمم،سواء أ كان بدلا عن الوضوء،أم بدلا عن الغسل،و استدلوا بأن الإمام عليه السّلام حين تيمم ضرب ضربة واحدة،و قد أراد أن يبين حقيقة التيمم و ماهيته،و يعلّم الناس الصورة الواجبة لما هو بدل الوضوء،و بدل الغسل،و لو كان هنالك من فرق لفصل و لم يسكت،فترك التفصيل دليل على الشمول و العموم،بل أن تيممه عليه السّلام أظهر فيما هو بدل عن غسل الجنابة،حيث أتى به، بعد أن حكى قصة عمار الذي كان جنبا.

و قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه:ان الاكتفاء بالضربة الواحدة فيما هو بدل الغسل أظهر و أقوى،نظرا إلى الاخبار الكثيرة الحاكية للضربة الواحدة، بحيث لا يبعد دعوى تواترها،و قد جاءت بكاملها جوابا عن السؤال عن كيفية

ص:132

التيمم على الإطلاق،و بهذا يتبين أن بعض الروايات الدالة على الضربتين لا تصلح بحال لمعارضة الدالة على الواحدة،فيتعين امّا طرحها،و امّا حملها على الاستحباب،و حملها على الاستحباب أشبه بالقواعد و أحوط.

و هنالك رواية أخرى دلت على أن الواجب ضربات ثلاث:واحدة للوجه، و ثانية للكف اليمنى،و ثالثة،للكف اليسرى،و لكنها رواية شاذة،و العمل بها متروك.

شروط التيمم و أحكامه:

1-لا يصح التيمم إلاّ بالنية إجماعا،لأنه من العبادات،و يكفي بها قصد التقرب إلى اللّه سبحانه،و لا يجب أن ينوي استباحة الدخول في الصلاة الواجبة أو المستحبة،و لا رفع الحدث،و لا البدل عن الوضوء أو الصلاة.

2-يجب أن يباشر التيمم بنفسه،لأن الأمر ظاهر بذلك،فإذا قيل:افعل.

أي أفعل أنت دون سواك،هذا،إلى أن الأصل عدم جواز النيابة في العبادات.

أجل،له أن يستعين بالغير عند العجز و الضرورة.

3-تجب الفورية و الموالاة بحيث يمسح ظاهر الكف اليمنى بعد مسح الوجه،و ظاهر الكف اليسرى بعد اليمنى بلا فاصل،حتى و لو كان التيمم بدلا عن الغسل الذي يجوز فيه الفصل و التراخي،و الدليل هو الإجماع.

4-أن لا يوجد حائل مع الاختيار لا على باطن الكف الماسحة،و لا على الوجه و ظاهر الكفين،إذ مع وجود الحاجب و الحائل لا يتحقق معنى المسح الذي أمر اللّه به في قوله تعالى فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ ،و إذا كانت جبيرة على بعض أعضاء التيمم كفى المسح بها،و عليها.

ص:133

5-يجب طهارة أعضاء التيمم،مع الاختيار.

6-أجمعوا على أن التيمم قبل دخول وقت الصلاة لا يصح،و أنّه واجب إذا ضاق،بحيث لا يتسع إلاّ للتيمم و الصلاة فقط،و اختلفوا فيما إذا دخل وقت الصلاة،و كان فيه سعة،بحيث إذا تيمم و صلى يبقى جزء منه:فهل له أن يبادر في مثل هذه الحال،أو لا؟أجل له ذلك،فلقد جاء عن الامام الصادق عليه السّلام في رجل تيمم و صلى،ثم أصاب الماء،و هو في الوقت،قال:قد مضت صلاته.و ليس من شك أن صحة الصلاة،و عدم وجوب إعادتها في الوقت،بخاصة مع وجود الماء، دليل واضح على جواز المبادرة إلى التيمم مع السعة،و عدم وجوب الانتظار إلى آخر الوقت،حتى لو احتمل زوال العذر و ارتفاعه،و لا يجب الصبر إلى اللحظة الأخيرة إلاّ مع العلم بزوال السبب الموجب للتيمم (1).

7-يجوز للمتيمم أن يصلي بتيمم واحد صلوات عديدة،فقد سئل الإمام عليه السّلام عن رجل يصلي بتيمم واحد صلاة الليل و النهار كلها؟قال:نعم.

و صرح الفقهاء بأن المتيمم يكون على الطهارة بعد التيمم،و يسوغ له أن يفعل جميع ما يفعله المتطهر من الصلاة و الطواف و قراءة العزائم و مس كتابة المصحف،و غير ذلك مما يستبيحه المتطهر بالماء،لقول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

يكفيك الصعيد عشر سنين،و قول الإمام الصادق عليه السّلام:التراب أحد الطهورين، و هو بمنزلة الماء،و ما إلى ذاك مما يدل على الشمول و عموم المنزلة.

و لم يستثن الفقهاء من هذا التعميم إلاّ من تيمم لضيق الوقت عن الطهارة المائية،و تعين عليه التيمم لأداء هذه الفريضة الخاصة التي لم يتسع الوقت لها،

ص:134


1- لفاقد الماء ثلاث حالات:1-أن يعلم أنه يقدر على الماء آخر الوقت.2-أن يعلم أنّه لا يقدر عليه.3-أن يشك،و لا يجب الانتظار إلاّ في الحالة الأولى.

و للغسل أو الوضوء،و متى أداها يرتفع الموضوع من الأساس،و يكون تماما كمن فقد الماء،ثم وجده.

8-ان يتيمم لعدم الماء،ثم يجده،و لذلك حالات:

الأولى:ان يجده بعد ان تيمم،و قبل أن يدخل الصلاة،فيبطل تيممه بالبديهة،لا لارتفاع العذر فقط،بل لأن التيمم كان وسيلة لغاية لم يؤدها بعد.و لو افترض أنّه فقد الماء بعد التمكن منه،و قبل الصلاة،أعاد التيمم بالاتفاق.

الثانية:ان يجده بعد الفراغ من الصلاة،و لا تجب الإعادة،و ان اتسع الوقت،لقول الإمام عليه السّلام:مضت صلاته،بل لا تجب الإعادة إذا رأى الماء بعد أن يركع،فبالأولى بعد الفراغ.

الثالثة:ان يجده،و هو في أثناء الصلاة،و قد فصّل الفقهاء في هذه الحال بين أن يرى الماء قبل أن يركع،فيرجع عن الصلاة،و يتوضأ و يصلّي،و بين أن يراه بعد الركوع،فيمضي في صلاته،و لا شيء عليه،فلقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل الذي لا يجد الماء،فيتيمم و يقوم في الصلاة،فجاء الغلام،و قال:هو ذا الماء.قال الإمام عليه السّلام:ان كان لم يركع فلينصرف،و ليتوضأ، و ان كان قد ركع فليمض في صلاته.

و تجدر الإشارة إلى أن هذا الحكم مختص بالصلاة فقط،و لا يشمل غيرها من العبادات التي يشترط فيها الطهارة المائية،فلو تيمم و طاف لعدم الماء،ثم وجده في الأثناء و لو في الشوط الأخير بطل الطواف،و وجبت الإعادة بالطهارة المائية،و كذلك إذا يتيمم الميت لعدم الماء،و صلي عليه،ثم وجد الماء قبل الدفن وجب تغسيله و تحنيطه و للصلاة عليه من جديد،و السر أن النص الذي دلّ على عدم الإعادة مختص بالصلاة فقط،و لا يجوز قياس غيرها عليها من

ص:135

العبادات،لأن القياس باطل بالاتفاق.

9-سئل الإمام الكاظم ابن الإمام الصادق عليهما السّلام:عن ثلاثة أنفار كانوا في سفر:أحدهم جنب،و الثاني ميت،و الثالث على غير وضوء،و حضرت الصلاة، و معهم من الماء ما يكفي أحدهم،من يأخذ الماء؟و كيف يصنعون؟قال:

يغتسل الجنب،و يدفن الميت بتيمم،و يتيمم الذي هو على غير وضوء.

و عمل المشهور بهذه الرواية،و أعرضوا عن الرواية الأخرى التي قدمت الميت لإرسالها و ضعف سندها،فلا تصلح لمعارضة النص الذي قدم الجنب- كما قال صاحب المدارك.

ص:136

كتاب الصلاة

الفرائض و نوافلها

معنى الصلاة:

أصل الصلاة في اللغة الدعاء،قال تعالى وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللّهِ وَ صَلَواتِ الرَّسُولِ (1)أي دعاء الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.و قال تعالى إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (2)أي دعاءك سكن لهم،إلى غير ذلك من الآيات،و منه الصلاة على الميت أي الدعاء له.

و هي في الدين و الشريعة هذه الصلاة المعهودة التي يشترط فيها الطهور، و تتضمن أقوالا و أفعالا خاصة،و تفتتح بالتكبير،و تختتم بالتسليم،و هي التي ذكرها اللّه جل و عز في العديد من آيات كتابه،و أمر بالمحافظة عليها،و توعد على تركها،من ذلك قوله تباركت أسماؤه ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (3)أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (4)و قال

ص:137


1- التوبة:100. [1]
2- التوبة:104. [2]
3- المدثر:42-43. [3]
4- مريم:59. [4]

سبحانه أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ (1)قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2)إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (3).

جاحد الصلاة و تاركها:

و الصلاة من معالم الإسلام و أركانه الخمسة التي أشار إليها الحديث الشريف:«بني الإسلام على خمس:شهادة ان لا إله إلا اللّه،و إقام الصلاة،و إيتاء الزكاة،و صيام شهر رمضان،و حج البيت من استطاع إليه سبيلا».

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:ما بين الكفر و الإيمان إلاّ ترك الصلاة.من تركها متعمدا فقد برئت منه ملة الإسلام.

و قال:ان الزاني و شارب الخمر تدعوه الشهوة،إمّا تارك الصلاة فلا يدعوه إلاّ الاستخفاف.

و اجمع الفقهاء كلمة واحدة على أن المسلم إذا جحد بعد إسلامه وجوب الصلاة فهو كافر مرتد يجب قتله،لأنه ابتدع دينا غير الإسلام،و إذا ترك الصلاة فسقا و تهاونا أدّبه الحاكم بما يراه من الشتم و الضرب أو السجن،فان ارتدع و إلاّ أدبه ثانية،فان تاب،و إلاّ شدد عليه،و ان استمر و لم يرتدع قتل في الرابعة.

الصلاة الواجبة:

الصلاة منها واجبة،و منها مستحبة،و الأولى هي الصلاة اليومية،و صلاة

ص:138


1- البقرة:43،و [1]النساء:77. [2]
2- المؤمنون:1 و 2. [3]
3- النساء:103. [4]

الآيات،و صلاة الطواف الواجب،و قضاء الولد الأكبر عن والديه ما فاتهما من الصلاة في مرض الموت.و اليومية خمس:الظهر أربع ركعات،و العصر مثلها، و المغرب ثلاث،و العشاء أربع،و الصبح ركعتان.و تنتصف الأربع في السفر، و تصير كل من الظهر و العصر و العشاء ركعتين،و يأتي التفصيل.و هذا ثابت بضرورة الدين،و ليس محلا للاجتهاد و التقليد،فلا داعي-اذن-لذكر النصوص.

نوافل الصلاة اليومية:

و الصلاة المستحبة ما عدا الصلاة الواجبة،و هي كثيرة،و نذكر منها هنا نوافل الصلاة اليومية،و هي أربع و ثلاثين ركعة:8 للظهر قبلها،و 8 للعصر قبلها كذلك،و 4 للمغرب بعدها،و 2 للعشاء كذلك،و لكنها من جلوس،و تعدان بركعة واحدة،و تسمى الوتيرة،و 8 صلاة الليل،و 2 الشفع،و ركعة الوتر واحدة، و 2 صلاة الفجر.و في ذلك روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السّلام تجدها في كتاب الوسائل.و قال السيد الحكيم في المستمسك:«بهذا الترتيب استفاضت النصوص لو لم تكن قد تواترت».

و على هذا يكون مجموع عدد ركعات الفريضة و النافلة 51 ركعة،قال الإمام الصادق عليه السّلام:الفريضة و النافلة 51 ركعة،منها ركعتان عن جلوس بعد العتمة-أي العشاء-تعدان بركعة،و هو قائم،الفريضة منها 17 ركعة، و النافلة 34.

و النوافل كلها تصلى ركعتين ركعتين بتشهد و تسليم،تماما كصلاة الصبح إلاّ الوتر،فإنها ركعة واحدة بتشهد و تسليم،و تسقط في السفر جميع النوافل إلاّ

ص:139

نافلة المغرب،لقول الإمام عليه السّلام:الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء إلاّ المغرب،فان بعدها أربع ركعات،لا تدعهن في حضر،و لا في سفر.

ص:140

حدود الأوقات

اشارة

قال اللّه تبارك و تعالى:في الآية 115 من سورة هود وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ .فالطرف الأول من النهار لصلاة الصبح،و الطرف الثاني منه لصلاة الظهر و العصر،و زلفا من الليل لصلاة المغرب و العشاء.

و في الآية 130 من سورة طه وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَ أَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى .

و في الآية 78 من الأسراء أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً .و دلوك الشمس زوالها،و هو وقت صلاة الظهر و العصر،و غسق الليل ظلمته،و هي وقت صلاة المغرب و العشاء، و قرآن الفجر يعني صلاة الصبح يشهدها الناس،و في كلام أهل البيت عليهم السّلام ان غسق الليل نصفه.

و معلوم أن هذا مجمل لم يحدد الأوقات تحديدا واضحا،لا يقع اللبس فيه و الاشتباه،فلا بد من الرجوع إلى السنة الكريمة،لأنّها تفسير و بيان لما أجمل اللّه في كتابه.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:من صلى في غير الوقت فلا صلاة له.

و قال عليه السّلام:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:من صلى الصلاة لغير وقتها رفعت له

ص:141

سوداء مظلمة،تقول:ضيعتني ضيعك اللّه،و أول ما يسأل العبد إذا وقف بين يدي اللّه تعالى عن الصلاة،فإن زكت صلاته زكا سائر عمله،و ان لم تزك صلاته لم يزك عمله.

و قال:لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على مواقيت الصلوات الخمس،فإذا ضيعهن اجترأ عليه،و أدخله في العظائم.

و قال:امتحنوا شيعتنا عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها.

و قال:إذا دخل وقت الصلاة فتحت أبواب السماء لصعود الأعمال،فما أحب أن يصعد عمل أوّل من عملي،و لا يكتب في الصحيفة أحد أوّل مني.

و قال حفيده الإمام الرضا عليه السّلام:إذا دخل الوقت عليك فصلّها،فإنك لا تدري ما يكون.إلى غير ذلك كثير.

وقت الظهرين:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر و العصر جميعا،إلاّ أن هذه قبل هذه،ثم أنت في وقت منهما جميعا،حتى تغيب الشمس.

و قال عليه السّلام:إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر،حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات،فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر و العصر، حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات،فإذا بقي مقدار ذلك،فقد خرج وقت الظهر،و بقي وقت العصر،حتى تغيب الشمس.

و قال:لكل صلاة وقتان،و أول الوقت أفضلهما.

و قال:إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر،و إذ كان ظلك مثليك فصل العصر.

ص:142

الفقهاء:

أجمعوا كلمة واحدة على أن لكل من الظهر و العصر وقتا مختصا بها،و آخر مشتركا مع أختها،فإذا زالت الشمس عن كبد السماء اختصت الظهر بمقدار أربع ركعات لا تشاركها فيه العصر،و إذا قربت الشمس من المغيب اختصت العصر من آخر الوقت بمقدار أربع ركعات لا تشاركها فيه الظهر،و ما بين هذين الوقتين المختصين مشترك بين الظهرين.

و أيضا أجمعوا على أن لكل صلاة وقتين:أحدهما أفضل من الآخر،و أن الأفضل هو التعجيل،و لكنهم اختلفوا في تحديد الوقت لكل من الظهر و العصر تبعا لاختلاف الروايات عن أهل البيت عليهم السّلام،و المشهور في المذهب هو العمل بالرواية المتقدمة،و مؤداها أن وقت الفضيلة أولا فضيلة للظهر أن يصير ظل كل شيء مثله،و وقت الفضل للعصر أن يصير ظل كل شيء مثليه.

و يجدر التنبيه إلى أن الفقهاء ابتدأوا في كتبهم بصلاة الظهر،لأنّها أوّل صلاة فرضت في الإسلام،ثم فرضت بعدها العصر،ثم المغرب،ثم العشاء،ثم الصبح.

وقت العشاءين:

اشارة

قال الامام الصادق عليه السّلام:«وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق.

ذلك أن المشرق مطل على المغرب هكذا،و رفع يمينه فوق يساره،-ثم قال- فإذا غابت ههنا ذهبت الحمرة من ههنا» (1).

ص:143


1- يتحقق الغروب بمجرد مغيب الشمس،و لكن هذا المغيب لا يعرف بمواراة القرص عن العيان،بل بارتفاع الحمرة من المشرق،لأن المشرق مطل على الغرب،و عليه تكون الحمرة المشرقية انعكاسا لنور الشمس،و كلما أو غلت الشمس في المغيب كلما تقلص هذا الانعكاس. أمّا ما نسب إلى الشيعة من أنّهم يؤخرون المغرب حتى تشتبك النجوم فكذب و افتراء فقد قيل للإمام الصادق عليه السّلام:ان أهل العراق يؤخرون المغرب،حتى تشتبك النجوم.قال:هذا من عمل عدو اللّه أبي الخطاب.

و قال:أوّل وقت المغرب ذهاب الحمرة،و آخر وقتها إلى غسق الليل،أي نصفه.

و قال:إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب،حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات،فاذ ما مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب و العشاء الآخرة،حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات،و إذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب،و بقي وقت العشاء إلى انتصاف الليل.

و قال:ان نام رجل،أو نسي أن يصلي المغرب و العشاء الآخرة،فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما،فليصلهما،و ان خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء،و ان استيقظ بعد الفجر،فليصل الصبح،ثم المغرب و العشاء.

الفقهاء:

قالوا:أوّل وقت المغرب غياب الشمس المعلوم بذهاب الحمرة المشرقية إلى أن يبقى لانتصاف الليل مقدار أربع ركعات،و وقت العشاء من حين الفراغ من المغرب إلى نصف الليل و تختص المغرب بمقدار ثلاث ركعات من أوّل الوقت، و العشاء بمقدار أربع من آخر الوقت،و ما بينهما مشترك،تماما كما تقدم في وقت الظهرين.

ص:144

و لكل من المغرب و العشاء وقتان:أحدهما للفضيلة،و الآخر للاجزاء، و يمتد وقت الفضيلة للمغرب من أوّل الوقت إلى ذهاب الحمرة المغربية،و وقت فضيلة العشاء من ذهاب هذه الحمرة إلى ثلث الليل.

و إذا نسي صلاة المغرب و العشاء،أو نام عنهما،حتى انتصف الليل أتى بهما بنية الأداء،لأن وقتهما مع الاضطرار يمتد إلى طلوع الفجر،و الأفضل أن يؤديهما بقصد التقرب إلى اللّه سبحانه دون نية الأداء،أو القضاء.

وقت الصبح:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:لكل صلاة وقتان،و أوّل الوقتين فضلهما،و وقت الفجر من حين الفجر إلى أن يتخلل الصبح السماء.

الفقهاء:

قالوا أوّل صلاة الصبح هو الفجر الصادق،أما الفجر الكاذب المشبه بذنب السرحان فلا تحل فيه الصلاة،و لا يحرم الأكل على الصائم،و آخر وقتها طلوع الشمس،و أوّل الوقت أفضل من غيره.

أوقات النوافل اليومية:

أجمع الفقهاء على أن وقت نافلة الظهر يدخل بالزوال،و وقت نافلة العصر يدخل بالفراغ من صلاة الظهر،و اختلفوا في وقت الانتهاء،قال صاحب الجواهر

ص:145

«و القول بأن وقت نافلة الظهر يمتد إلى أن يصير الفيء مقدار قدمين،و نافلة العصر إلى أن يصير أربعة أقدام هو المشهور فتوى و رواية نقلا و تحصيلا،بل ان بعض العبارات تشعر بالإجماع للنصوص المستفيضة،بل لعلها متواترة.منها صحيح ابن مسكان عن زرارة عن الإمام الباقر عليه السّلام:لك أن تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي الفيء ذراعا-أي مقدار قدمين-فإذا بلغ فيؤك ذراعا من الزوال بدأت بالفريضة،و تركت النافلة،و إذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة،و تركت النافلة».

و وقت نافلة المغرب من حين الفراغ من الفريضة إلى ذهاب الحمرة المغربية،و وقت نافلة العشاء يمتد بامتداد وقت العشاء،و وقت نافلة الصبح من الفجر إلى طلوع الحمرة المشرقية،و وقت نافلة الليل من نصفه إلى طلوع الفجر، و كلما قربت من الفجر كان أفضل.قال صاحب الجواهر بلا خلاف معتد به.

و فسر أهل البيت عليهم السّلام قوله تعالى وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (1)،و قوله:

وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (2)فسّروه بصلاة الليل.

مسائل:

1-قدمنا أن صلاة الظهر تختص بمقدار أربع ركعات من أوّل الزوال

،و أن العصر تختص بمقدار ركعاتها من آخر الوقت،و معنى هذا أن العصر لا تصح في الوقت المختص بالظهر،و لا الظهر تصح في الوقت المختص بالعصر،أمّا الصلوات الأخرى كالقضاء فلا بأس بوقوعها في الوقت المختص بالظهر

ص:146


1- الذاريات:18. [1]
2- آل عمران:17. [2]

و العصر،و كذلك الحكم بالقياس إلى المغرب و العشاء.

2-إذا باشر بصلاة العصر معتقدا أنّه قد صلّى الظهر،ثم تبين له،و هو في

أثناء الصلاة أنّه لم يأت بالظهر

،عدل بنيته إلى الظهر،و ان لم يذكر،حتى فرغ، صحت عصرا،و أتى بعدها بالظهر،على شريطة أن لا تكون قد وقعت بتمامها في الوقت المختص بالظهر،و إلاّ فهي لغو.

3-لا يجوز العدول من صلاة سابقة إلى صلاة لا حقة

لأن الأصل عدم صحة العدول،و يجوز العكس،لقول الإمام عليه السّلام:ان نسيت الظهر،حتى صليت العصر،فذكرتها،و أنت في الصلاة،أو بعد فراغك منها،فانوها الأولى،ثم صلّ العصر،فإنما هي أربع مكان أربع.

4-إذا أخر صلاة الظهرين

،حتى بقي من الوقت ما يتسع لأربع ركعات فقط،صلّى العصر أداء،و الظهر بعدها قضاء،و إذا بقي من الوقت ما يتسع لخمس ركعات صلى الظهر أولا،ثم صلّى العصر ثانية لقول الإمام عليه السّلام:من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله.و عليه يأتي بالصلاتين معا بنية الأداء،و لو صلّى العصر أولا،و أتى بعدها بالظهر،لكانت الأولى أداء،و الثانية قضاء،و ليس من شك أن الأداء أهم من القضاء،و مقدم عليه،و الحكم كذلك إلى العشاءين.

5-من فاتته فرائض متعددة فعليه قضاءها على الترتيب الذي فاتته مقدما

السابق على اللاحق

،لقول الإمام عليه السّلام:«يقضي ما فاته كما فاته».

6-إذا صلى و قد رأى أن الوقت قد دخل
اشارة

،ثم تبين له العكس،فما ذا يصنع؟

الجواب:

إذا كانت الصلاة قد وقعت بتمامها خارج الوقت فهو لغو،و عليه الإعادة

ص:147

إجماعا و نصا،و هو قول الإمام عليه السّلام في رجل صلّى الغداة بليل،غره من ذلك القمر.قال:يعيد صلاته.و إذا وقع بعضها خارج الوقت،و بعضها داخل الوقت، و لو السلام فقط،كفى،و لا اعادة عليه شهرة و نصا،و هو قول الإمام عليه السّلام:إذا صليت،و أنت ترى أنك في الوقت و لم يكن قد دخل،و لكن دخل الوقت، و أنت ترى في الصلاة فقد أجزأت عنك.

ص:148

القبلة:

اشارة

قال تعالى في الآية 144 من سورة البقرة فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ .

و في الآية 149 من السورة المذكورة وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ .

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان للّه عزّ و جلّ حرمات ثلاثا ليس مثلهن شيء:

كتابه،و هو حكمة و نور،و بيته الذي جعله قبلة للناس لا يقبل من أحد توجها إلى غيره،و عترة نبيكم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا صلاة إلاّ إلى القبلة.فقيل له:أين حد القبلة؟ قال:ما بين المشرق و المغرب قبلة كله.

الفقهاء:

قال صاحب المدارك:المراد بالكعبة محمل البناء من تخوم الأرض إلى عنان السماء،فلو زالت البنية و العياذ باللّه صلّى إلى جهتها،كما يصلي من هو أعلى موقفا،كجبل أبي قبيس،أو اخفض،كالمصلي في سرداب تحت الكعبة، و هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء،و يدل عليه ظاهر الآية الشريفة،و ما جاء عن الامام الصادق عليه السّلام من أن رجلا قال له:صليت العصر فوق أبي قبيس،فهل

ص:149

تجزي،و الكعبة تحتي؟قال:نعم،انها قبلة من موضعها إلى السماء.

و أجمعوا كلمة واحدة على أن الكعبة بالمعنى المذكور هي قبلة القريب الذي يتمكن من استقبالها.و يستطيع مشاهدة جدرانها،فإنّه-و الحال هذه- يستقبل أي جدار شاء.و كذلك من صلى وسط الكعبة و داخل البيت (1)،أما البعيد فيصلي إلى جهة الكعبة.

قال صاحب المدارك:ان فرض البعيد عن الكعبة أن يستقبل الجهة التي هي فيها،لقوله تعالى فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ،و الشطر لغة الجهة و الجانب و الناحية،و لقول الإمام عليه السّلام:«ما بين المشرق و المغرب قبلة كله».ثم قال:اعلم أن للفقهاء اختلافا كثيرا في تعريف الجهة،و لا يكاد يسلم تعريف منها من الخلل، و ليس لهم دليل نقلي يصلح للاعتماد،و لا عقلي يعول عليه،و المستفاد من الأدلة الشرعية هو الاكتفاء بالتوجه إلى ما يصدق عليه عرفا أنّه الجهة و الناحية،و الأخبار خالية عن التحديد مع شدة الحاجة إلى معرفة هذه العلامات،أما الإحالة على علم الهيئة فمستبعد جدا،لأنه علم دقيق كثير المقدمات،و التكليف به لعامة الناس بعيد عن قوانين الشرع.و بالجملة فالتكليف بذلك مما علم انتفاؤه ضرورة.

طريق المعرفة إلى القبلة:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:«يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم اين وجه القبلة»أي إذا جهل القبلة اجتهد و تحرى لمعرفتها،و أخذ مما أدى إليه اجتهاده مهما كان.

ص:150


1- يجوز للإنسان أن يصلي نافلة في جوف الكعبة بالإنفاق،و كذلك اتفقوا على أن له أن يصلي فريضة في حال الاضطرار،و اختلفوا في جواز الصلاة فريضة لمختار،فذهب أكثر الفقهاء إلى الجواز على كراهة،و قال البعض:بل تحرم و لا تجوز.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام في قوله تعالى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ :ان معناه نحوه ان كان مرئيا،و بالدلائل و الأعلام ان كان محجوبا،فلو علمت القبلة لوجب استقبالها و التولي و التوجه إليها،و إذا لم يكن الدليل عليها موجودا،حتى تستوي الجهات كلها،فله حينئذ أن يصلي باجتهاده،حيث أحب و اختار،حتى يكون على الدلائل المنصوبة و العلامات المثبوتة،فإن مال عن هذا التوجه،مع ما ذكرناه،حتى يجعل الشرق غربا،و الغرب شرقا،زال معنى اجتهاده،و فسد حال اعتقاده.

الفقهاء:
اشارة

قرروا في علم الأصول ما هو معلوم ببديهة العقل من أن المكلف إذا علم بأن شيئا ما مطلوب منه،و ملزم به فعليه أن يفحص و يبحث عنه،حتى يحصل له العلم به بالذات،و يؤديه كاملا على وجهه،و من ترك الفحص و البحث كان كمن ترك الواجب المعلوم،و ان عجز عن تحصيل العلم (1)أخذ بظنه،حيث لا طريق إلى العلم،و ان عجز عن تحصيل الظن قلد سواه،و ان لم يجد من هو أهل للتقليد،عمل بالاحتياط،مع الإمكان،و ان عجز عن الاحتياط،و إتيان جميع الأطراف،اختار الطرف الذي يتمكن منه،على شريطة أن لا يكون أضعف احتمالا من الطرف الآخر الذي تركه،مع قدرته عليه.

و على هذا،يجب على من أراد أن يصلي فريضة،أو نافلة (2)أو يعمل

ص:151


1- الظن الذي دل الدليل الشرعي على اعتباره يكون بمنزلة العلم،و لذا أسماه الفقهاء بالدليل العلمي،لأنه ينتهي إلى العلم،أي أن العلم قد أمر بالعمل بهذا الظن الخاص.
2- أجمع أهل الإسلام على أن القبلة شرط في صلاة الفريضة،و لذا سموا أهل القبلة،و اختلفوا في صلاة النافلة،و ذهب الأكثر إلى أنّها شرط أيضا حال الاختيار،و قال آخرون،و هم قليلون:ان القبلة ليست شرطا في النافلة إطلاقا.

عملا يشترط فيه الاستقبال،كالذبح و الصلاة على الميت و دفنه،يجب عليه أولا و قبل كل شيء أن يحصّل للعلم بها بأي طريق كان بالمعاينة،أو الشياع،أو بأنه قرينة من القرائن،بل لو حصل له العلم من رفيف الغراب وجب اتباعه،لأن العلم حجة بنفسه بصرف النظر عن أسبابه و بواعثه.

و إذا لم يحصل العلم بالقبلة عوّل على قبلة بلد المسلمين في مساجدهم و مقابرهم،فقد استمرت السيرة منذ القديم قولا و عملا على ذلك،و عليه تكون أمارة شرعية يجب اتباعها و العمل بها،و لا يجوز أن يجتهد و يأخذ بالظن المخالف لها،لأنه-و الحال هذه-اجتهاد في قبال النص،على شريطة أن لا يعلم بالخطإ و المخالفة للواقع،إذ لا عبرة بأمارة علم بمخالفتها للواقع،كما قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه.أجل،إذا كان لديه طريق للعلم و القطع بالقبلة جاز له حينئذ أن يدع قبلة البلد،و يسلك الطريق الذي يؤدي به إلى العلم و القطع.

و إذا تعذر عليه العلم،و لم يكن في بلد المسلمين اجتهد و تحرى ما استطاع بحثا عن القبلة،و عمل بالظن الحاصل من العلامات التي يراها،لقول الإمام:«يجزي التحري أبدا إذا لم يعلم أين وجه القبلة»مقدما العلامات المنصوصة في الشرع على غيرها كالجدي،و الظن القوي على الظن الضعيف.أمّا قول صاحب البيت فليس بشيء ما لم يحصل منه الاطمئنان و ركون النفس،لأنه مع عدم العلم يجب التحري،حتى في هذا الحال.

و تسأل:أ ليس هو صاحب يد،و قوله حجة بالنص و السيرة؟

الجواب:

انّه صاحب يد على بيته،و ما فيه من أدوات و أمتعة يتصرف فيها،و ليس

ص:152

بصاحب يد على القبلة،فإنّها فوق الأيدي و التصرفات.

و إذا عجز عن العلم و الظن بشتى طرقه وجب عليه تكرار كل صلاة إلى أربع جهات أو ثلاث أو اثنتين إذا انحصرت القبلة فيها أو فيهما امتثالا للأمر،و تحصيلا للواقع،و إذا لم يتسع الوقت لتكررها أربع مرات،أو عجز عن الأربع،كفاه ما يقدر عليه،و يتسع له الوقت،و لو مرة واحدة.قال صاحب الجواهر:هذا هو المشهور نقلا و تحصيلا بين القدماء و المتأخرين،شهرة عظيمة،بل في جملة من الكتب الإجماع عليه،ثم استشهد ببعض الروايات عن أهل البيت عليهم السّلام.

مسائل:

1-من وجب عليه الاجتهاد و التحري عن القبلة

،فتركه عمدا،و بعد الصلاة تبين له الخطأ،فان كان الانحراف عنها يسيرا،صحت صلاته للرواية الآتية،و إلاّ بطلت لأنّه تماما كمن ترك الاستقبال عامدا متعمدا.

و ان ترك القبلة عن خطأ أو غفلة،ثم تبين له الخطأ نظر:فان كان ما زال في الصلاة،و لم ينته منها بعد،صح ما تقدم منها،و اعتدل لما تبقى،و ان كان قد فرغ منها،صحت بتمامها،هذا،إذا كان الانحراف يسيرا،لقول الإمام الصادق عليه السّلام في رجل يقوم في الصلاة،ثم ينظر بعد ما فرغ،فيرى أنه انحرف يمينا أو شمالا؟ قال:قد مضت صلاته،ما بين المشرق و المغرب قبله.و قوله أيضا في رجل صلى على غير القبلة،فيعلم،و هو في الصلاة،و قبل أن يفرغ منها؟قال:ان كان متوجها فيما بين المشرق و المغرب فليحول وجهه إلى القبلة ساعة يعلم،و ان كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة.

و إذا تبين له بعد الصلاة أن الانحراف كان كثيرا،لا يسيرا،و انه صلى إلى

ص:153

المشرق،أو المغرب،أو مستدبرا،و كان الوقت ما زال باقيا،بحيث تمكنه إعادة الصلاة،و لو بإدراك ركعة منه،وجبت الإعادة،و إذا تبين الخطأ بعد ذهاب الوقت، صحت الصلاة،و لا قضاء،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:إذا صليت،و أنت على غير القبلة،و استبان لك أنك صليت،و أنت على غير القبلة،و أنت في الوقت،فأعد، و ان فاتك الوقت فلا تعد.

و هو شامل بإطلاقه للناسي و الجاهل و المخطئ،و للمستدبر و غيره، فالتفصيل-اذن-لا يبتني على أساس،و لا يخرج عن هذا الإطلاق إلاّ من ترك الاجتهاد و التحري مع الإمكان و القدرة عليه،لأنّه عامد،و الحال هذه.

2-يجب الاستقبال للصلاة اليومية

،و ركعات الاحتياط و الأجزاء المنسية و سجدتي السهو،و لكل صلاة واجبة بما في ذلك الصلاة على الميت،و عند احتضاره و دفنه،و تجب أيضا عند الذبح و النحر.

و قال صاحب المدارك:ان الاستقبال يسقط شرعا،مع العجز عنه، و الصلاة و غيرها في ذلك سواء،و الدليل إجماع العلماء،و الروايات المستفيضة عن أهل البيت عليهم السّلام.و قال بما يتلخص:«ان صلاة النافلة لا تجوز إلى غير القبلة في حال الاستقرار،لأنّها عبادة،و العبادة توفيقية،و لم ينقل فعل النافلة إلى غير القبلة مع الاستقرار،فيكون فعلها كذلك تشريعا محرما»أجل،ان الاستقرار ليس شرطا فيها،حيث سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن صلاة النافلة على البعير و الدابة؟ فقال:«نعم حيث كان متوجها».و لكن عدم شرط الاستقبال شيء،و شرط القبلة حال الاستقرار شيء آخر،و الفرق بينهما كالفرق بين قولك:اتجه إلى الجنوب، و أنت قاعد،و قولك:اتجه حيث شئت،و أنت واقف.

3-إذا اجتهد و تحرى،و حصل الظن و صلى

،جاز له أن يبني على ظنه

ص:154

لصلاة أخرى،و لا يجب التحري ثانية،إلاّ إذا احتمل تغيير اجتهاده إذا تحرى حيث يجب البحث و الفحص في مثل هذه الحال.

4-إذا شهد عدلان بالقبلة،فهل يعوّل على شهادتهما
اشارة

،أو عليه أن يجتهد و يتحرى و يأخذ باجتهاده؟

الجواب:

إذا حصل له الظن من شهادتهما،أخذ بظنه،و إلاّ فلا أثر لهما إطلاقا.

و تسأل:ان شهادة العدلين بينة شرعية،يجب العمل بها و الاعتماد عليها، سوى أحصل منها الظن،أم لم يحصل.

الجواب:

ان شهادة العدلين انما تكون بينة شرعية إذا أخبرت عن حس و عيان، كشهادتها بأن هذا ملك لزيد،أمّا إذا شهدت عن حدس و اجتهاد،كتشخيص القبلة أو الوقت،فينتفي عنها وصف البينة الشرعية،و تسقط عن الاعتبار.

و بهذا تتبين الحال لو عارض اجتهاده اجتهاد العارف،حيث يقدم الظن الأقوى،لأنه هو المدرك،و عليه المعول.

5-إذا تعارض اجتهاد اثنين في القبلة،لم يأتم أحدهما بالآخر

،و لكن يحل له أن يأكل من ذبيحته التي ذبحها إلى غير قبلة الآكل،لأن من ترك الاستقبال جهلا أو نسيانا تحل ذبيحته،و كذلك يجتزأ بصلاته على الميت،لأن العبرة بصحة الصلاة عند مصليها لا مطلقا.

ص:155

ص:156

لباس المصلي

الثوب الشفاف:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا تصلّ فيما شفّ أو وصف.أي خفيف يحكي ما تحته.

و قيل له:الرجل يصلي في قميص واحد؟قال:إذا كان كثيفا فلا بأس به.

و إذا لم تجز الصلاة بغير الكثيف فبالأولى أن لا تجوز بدون ثوب إطلاقا.

جلد الميتة:

و سئل عن جلد الميتة أ يلبس في الصلاة إذا دبغ؟قال:لا،و لو دبغ سبعين مرة.

غير المأكول اللحم:

و قال:ان الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله،فالصلاة في وبره و شعره و جلده و بوله و روثه،و كل شيء منه فاسد،لا تقبل تلك الصلاة،حتى يصلي في غيره مما أحل اللّه أكله.يا زرارة أحفظ هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه،و كل شيء منه جائز.إذا علمت أنه ذكي،و قد ذكاه الذبح،و ان كان غير ذلك مما قد نهيت عن أكله،و حرم

ص:157

عليك أكله،فالصلاة في كل شيء منه فاسد،ذكاه الذبح،أو لم يذكه.

الحرير:

و جاء في العديد من الروايات هذه الفقرات:«لا تحل الصلاة في حرير محض.لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير إلاّ في الحرب.للمرأة أن تلبس الحرير و الديباج إلاّ في الإحرام،و يجوز أن تتختم بالذهب و تصلي فيه».

الذهب:

و قال الامام الصادق عليه السّلام:لا يلبس الرجل الذهب،و لا يصلي فيه.

المرأة و الوجه و الكفان:

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عمّ تظهر المرأة من زينتها؟فقال:الوجه و الكفان.

و أيضا قيل له:ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم تكن محرما؟قال:

الوجه و الكفان و القدمان.

و أيضا سئل عن المرأة تصلي متنقبة؟قال:إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس.

و جاء في الحديث أن سلمان الفارسي نظر إلى كف الزهراء عليه السّلام دامية،و ان جابر الأنصاري رأى وجهها أصفر تارة،و أحمر أخرى.

المغصوب:

اشارة

قال علي أمير المؤمنين عليه السّلام لكميل:يا كميل،انظر،فيم تصلي،و على م

ص:158

تصلي:ان لم يكن من وجهه و حله فلا قبول.هذا إلى أن تحريم التصرف بالمغصوب ثابت بضرورة الدين.

إلى غير ذلك من روايات أهل البيت عليهم السّلام في لباس المصلي،و قد جمعها صاحب الوسائل فبلغت حوالي 200 صفحة في طبعه«الإسلامية و المحمدي بقم».

الفقهاء:

أجمعوا كلمة واحدة،السلف منهم و الخلف،على الفتوى بكل ما دلت عليه هذه الروايات،و استدلوا بها و بكثير غيرها على ما نلخصه فيما يلي:

يجب على الرجل أن يستر عورته في الصلاة إطلاقا،وجد ناظر محترم،أو لم يوجد،لأن سترها شرط في صحة الصلاة،فإذا تركه،مع القدرة عليه،بطلت صلاته،حتى و لو كان منفردا،و أيضا يجب عليه أن يسترها عن الناظر المحترم، و ان لم يكن في الصلاة.و عورة الرجل القبل،و هو القضيب و البيضتان،و الدبر، و هو الحلقة المعلومة،و يستحب مؤكدا أن يستر ما بين السرة و الركبة.

و يجب على المرأة أن تستر جميع بدنها إلاّ الوجه و الكفين و ظهر القدمين، في الصلاة و غير الصلاة،مع وجود الناظر المحترم،و في الصلاة إطلاقا،حتى و لو كانت منفردة.و لها أن تفعل في الخلوة و في غير الصلاة ما تشاء،و مع زوجها ما أراد و تريد.و يحل للمرأة أن تنظر من المرأة ما يحل للرجل أن ينظر من الرجل، أي كل شيء ما عدا السوأتين،و يحل للذكر من محارم المرأة أن ينظر إلى ما تنظره المرأة من المرأة،أي كل شيء ما عدا السوأتين،على شريطة الأمن و الوثوق من عدم الوقوع في المحرم.و الأفضل أن لا ينظر الرجل من الرجال،و لا النساء

ص:159

و محارمهن من آية امرأة،حتى و لو كانت أما أو بنتا،أن لا ينظروا إلى ما بين السرة و الركبة.

و من المفيد أن نشير هنا إلى هذه القاعدة المتفق عليها عند جميع المذاهب الإسلامية،و هي:كل ما جاز مسه جاز النظر إليه،و كل ما حرم النظر إليه حرم مسه.و لم يدّع فقيه من فقهاء المذاهب وجود الملازمة بين جواز النظر و جواز المس،فان الرجل يحل له أن ينظر إلى وجه الأجنبية و كفيها،كما أن المرأة يحل لها ذلك من الأجنبي،و لكن المس لا يجوز إلاّ لضرورة،كعلاج مريض،و إنقاذ غريق.أجل،لقد تساهل الإسلام مع العجائز و المسنات،قال صاحب الجواهر:

«يجوز لهن أن يبرزن وجوههن،و بعض شعورهن و أذرعهن،و نحو ذلك مما يعتاد في العجائز المسنة،و يدل عليه أحاديث أهل البيت عليهم السّلام بشرط أن لا يكون ذلك على وجه التبرج،بل للخروج في حوائجهن،و مع ذلك فان التستر خير لهن».و هذا بعينه ما نطقت به الآية 60 من سورة النور وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَ أَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ .

أوصاف الساتر:

و بعد هذا الاستطراد النافع إن شاء اللّه نعود إلى الساتر في الصلاة و أوصافه:

لا تجوز الصلاة في شيء من حيوان لا يؤكل لحمه،كالسبع و الضبع و ما إليهما، حتى و لو كان طاهرا،فإذا وقعت شعرة من قط على بدن إنسان أو ثوبه،فعليه أن يزيلها قبل الصلاة،مع العلم بأنّها طاهرة،بل حتى الحيوان البحري الذي لا يؤكل،لا تجوز الصلاة في شيء منه إطلاقا،و تجوز في الشمع و دم البق و القمل

ص:160

و البرغوث،و شعر الإنسان و لبنه و عرقه.

و أيضا لا تصح الصلاة في جلد الميتة،و ان كان لحيوان مأكول اللحم،سواء أ دبغ أم لا.و تجوز الصلاة في صوف و شعر و وبر و ريش الحيوان و الطير و الميت، مما يؤكل لحمه بالأصل.و قدمنا أن هذه الأشياء لا تجوز الصلاة فيها مما لا يؤكل لحمه،و ان كان مذكى،مع العلم بأن كلا منه و من صوف الميتة طاهر،و الفارق هو النص الصريح الذي لا يقبل التأويل،فقد ثبت عن الامام الصادق عليه السّلام انّه قال:«لا بأس بالصلاة مما كان من صوف الميتة،ان الصوف ليس فيه روح»و التعليل بعدم الروح يقتضي جواز الصلاة في كل ما لا روح فيه من اجزاء الميتة.و منذ قريب مر عليك قوله عليه السّلام:كل شيء من غير المأكول لا تجوز فيه الصلاة،ذكي أم لم يذكى.

أمّا ما ذكي من مأكول اللحم فتصح الصلاة بجلده و صوفه و شعره و وبره و ريشه (1).

و لا يجوز للرجال لبس الحرير الخالص المحض في الصلاة و غير الصلاة، و ان كان مما لا تتم به الصلاة كالقبعة و التكة،و يجوز لبسه إطلاقا إذا كان خليطا بغيره،حتى و لو كان الحرير أكثر،على شريطة أن لا يكون مستهلكا،بحيث يصدق عليه اسم الحرير بدون قيد،و يجوز لبس الحرير الخالص للرجل المحارب و المضطر،أمّا النساء فيجوز لهن في الصلاة و غير الصلاة صرفا

ص:161


1- ذكر الفقهاء في باب الساتر ثياب الخز،و أفتوا بجواز لبسها في الصلاة و غيرها تبعا لآل البيت عليهم السّلام،فقد جاء في الروايات عنهم:«إنّا معاشر آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نلبس الخز،و ان الحسين عليه السّلام أصيب و عليه جبة خز»و الخز الذي كان يلبسه الأئمة الأطهار،و افتى الفقهاء بجواز لبسه،كان يؤخذ من حيوان بحري ذي أربع،و هو من كلاب الماء كما جاء في الحديث، أمّا الخز المعروف الآن فحرام لبسه على الرجال في الصلاة و غيرها،لأنّه حرير محض.انظر مجمع البحرين.

و ممزوجا في حال الاختيار.أجل،للرجل أن يفترش الحرير،و يتدثر به، و يحمل قطعة منه كمحرمة أو محفظة،و الضابط أن لا يكون في نظر العرف لابسا للحرير.

و لا يجوز لبس الذهب للرجال إطلاقا و لا صرفا و لا ممزوجا في الصلاة و غير الصلاة،و بهذا يتبين الفرق بين الحرير و الذهب،حيث يجوز لبس الأول إذا كان خليطا،و لا يجوز الثاني بحال.أجل،يجوز حمل النقود و الساعة الذهبية، و تلبيس الأسنان به،أمّا النساء فقد أبيح لهن لبس الذهب و التزين به في الصلاة و غيرها،قال الإمام الصادق عليه السّلام:يجوز للمرأة أن تتختم بالذهب،و تصلي فيه، و حرم ذلك على الرجال.

و أيضا يشترط في الساتر أن يكون مباحا غير مغصوب،لأن التصرف في مال الغير بدون اذنه حرام،و لا يجوز التعبد و التقرب إلى اللّه سبحانه بما هو محرم و مكروه لديه،و ان صلى بالثوب ذهولا و نسيانا،صحت الصلاة،للحديث النبوي الشهير الذي جاء فيه«رفع عن أمتي النسيان»،و ان صلى فيه جاهلا بأنّه مغصوب، مع علمه بأن الغصب حرام قبلت الصلاة،و ان علم بأنّه مغصوب،و جهل بأن الغصب حرام نظر:فان كان الجهل عن قصور،جازت الصلاة،و ان كان عن تقصير فلا،و عليه الإعادة،لأن القصور عذر في نظر العقل،دون التقصير.

و إذا كان عالما بالموضوع و الحكم،كأن يعلم بأن هذا غصب،و ان الغصب حرام،و لكن اضطر إلى التصرف فيه،كالمسجون في مكان مغصوب،تقبل منه الصلاة،على شريطة أن لا تستدعي صلاته زيادة في التصرف عما سوغته الضرورة،كما هو الغالب.

و بعبارة أوفى و أجدى،أن الشرع لم ينه عن الصلاة في الثوب المغصوب

ص:162

بالذات،و انما نهى عن الغصب إطلاقا بشتى صوره و اشكاله،و العقل وحده استخرج من هذا النهي ان الغصب يفسد الصلاة،و يمنع من التقرب بها،و هذا الوصف و هو الغصب،و ان اتحد مع الصلاة،و صدق عليها إلاّ أنّه وصف عارض و خارج عن طبيعة الصلاة،لأنها راجحة بذاتها،و محبوبة بطبيعتها،و انما صار هذا الفرد منها غير مرغوب فيه،لأنه التقى مع الغصب المكروه لدى الشارع، فالكراهية-اذن-عرضية لا ذاتية.و بديهة أن مثل هذه الكراهية،المبغوضية لا تتحقق إلاّ مع العمد و القصد و الاختيار،فإذا لم يكن عمد و لا قصد و لا اختيار تنتفي الكراهية من الأساس،و متى زالت الكراهية،صحت الصلاة من الجاهل و الناسي و المضطر.

و هكذا يسقط كل شرط بسقوط التنجز و الامتثال للتكليف الذي انتزع منه الشرط،و اكرر المعنى بتعبير ثان،هو أن الفرق بعيد جدا بين أن يقول لك:لا تصل بالثوب المغصوب،و بين أن يقول لك:لا تلبس الثوب المغصوب،فإن النهي في الأول تعلق في الصلاة رأسا و أولا و بالذات،و النهي عن العبادة يدل على الفساد،و عليه فلا تصح الصلاة بالمغصوب،سواء ألبسه عمدا أو جهلا أو نسيانا أو اضطرارا،إلاّ أن يدل الدليل الخاص على الصحة.أمّا النهي في الثانية فقد تعلق أولا و بالذات باللبس،و ثانيا و بالعرض بالصلاة،و إذا لم يتنجز النهي الذاتي عن اللبس لجهل أو نسيان أو اضطرار،سقط النهي العرضي عن الصلاة قهرا،لأن الفرع لا يزيد عن الأصل.

أمّا وجوب طهارة الثوب و البدن لأجل الصلاة،فقد عقدنا لها فصلا مستقلا في باب الطهارة فراجع.

ص:163

مسائل:

1-سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يخرج عريانا،فتدركه الصلاة؟

قال:يصلي عريانا قائما ان لم يره أحد،فإن رآه أحد صلى جالسا.

و عمل الفقهاء بذلك،و قالوا:يومئ في الحالين للركوع و السجود برأسه إن أمكن،و إلاّ فبالعينين.

2-إذا صلى بالميتة جهلا

،فلا يجب عليه أن يعيد الصلاة،لأن طهارة الثوب و البدن في الصلاة شرط علمي لا واقعي،و إذا صلى بها نسيانا،أعاد في الوقت و خارجه،لأن نسيان النجاسة ليس عذرا،لمكان العلم بها أولا.أجل،إذا كانت مما لا نفس سائلة لها،صحت الصلاة،حتى مع النسيان،لأنّها ليست بنجسة.

3-قدمنا أن الصلاة لا تجوز في شيء ممّا لا يؤكل لحمه
اشارة

،فإذا شك في شيء أنّه من المأكول،أو من غيره،فهل تجوز الصلاة فيه؟

الجواب:

لا بد أولا أن نعرف:هل عدم كون الساتر من غير المأكول شرط في صحة الصلاة،أو أن غير المأكول مانع؟و على الأول لا تصح الصلاة في المشكوك،لان الشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط.و بكلمة،لا بد من إحراز الشرط.

و على الثاني تصح،لأن الأصل عدم المانع.و قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه:لا ينبغي التأمل في أن مفاد أخبار الباب بأسرها ليس إلاّ مانعية التلبس بغير المأكول حال الصلاة،لا شرطية عدمه.و قد يستدل له أيضا بحديث:«الناس في سعة ما لا يعلمون».

و مثله أو قريب منه ما جاء في المدارك،و هذا هو بالحرف:«يمكن أن

ص:164

يقال:ان الشرط ستر العورة،و النهي انما تعلق بالصلاة في غير المأكول،فلا يثبت إلاّ مع العلم بكون الساتر كذلك،و يؤيده ما ثبت عن الإمام الصادق عليه السّلام:«كل شيء فيه حلال و حرام فهو لك حلال أبدا،حتى تعلم الحرام بعينه».و عليه يكون الشك في المأكول و غيره شك في المانع لا في الشرط،فيجري الشاك أصل عدم المانع،و يصلي.

و على هذا الأساس نجري أصل عدم المانع من صحة الصلاة في المشكوك أنّه من الذهب،و في المشكوك أنّه من الحرير الصرف.

4-إذا انحصر الساتر بالحرير الصرف،أو المغصوب أو الميتة

،فإن كان مضطرا إلى لبسه للبرد أو المرض و ما إلى ذاك،صلى به،و صحت الصلاة،إذ لا مانع في هذه الحال من التقرب بالصلاة،لأن الضرورات تبيح المحظورات.

و إذا لم يضطر إلى لبس شيء منه،وجب تركه،و الصلاة عاريا،لأنه ممنوع عن لبسه شرعا،و الحال هذه.و الممتنع شرعا كالممتنع عقلا،و لو لا أن يدل النص على أن الساتر ليس بشرط في حال العجز عنه،و قيام الإجماع على ذلك، لكان القول بعدم وجوب الصلاة متجها،لأن العجز عن الشرط يستدعي العجز عن المشروط.

ص:165

ص:166

مكان المصلي

اشارة

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا.و في حديث آخر:جعلت لي الأرض مسجدا،و ترابها طهورا،أينما أدركتني الصلاة صليت.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:الأرض كلها مسجد إلاّ بئر غائط،أو مقبرة،أو حمام.و استثنى الإمام عليه السّلام هذه الثلاثة على سبيل الكراهة،لا التحريم.

الفقهاء:

قالوا:ان معنى المكان-هنا-هو ما يستقر عليه المصلي،و الفضاء الذي يشغله بدنه،و يعتبر فيه أمور:

1-أن يكون مباحا غير مغصوب،و ما ذكرناه في الساتر يجري هنا بلا تفاوت.

2-أن لا يكون نجسا نجاسة تتعدى إلى ثوبه أو بدنه،لأن الطهارة شرط في الصلاة كما تقدم،و معنى هذا أنّه يجوز للإنسان أن يصلي على ثوب أو مكان نجس،مع اليبوسة و عدم التعدي،إلاّ موضع الجبة،حيث يشترط السجود على الطاهر،كما يأتي.

3-أن يكون المكان ثابتا مستقرا،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:لا يصلي

ص:167

الرجل شيئا من المفروض راكبا إلاّ من الضرورة.

حيث استفاد الفقهاء من هذه الرواية وجوب الاستقرار مطلقا،لأن المورد، و هو الركوب على الدابة،لا يخصص الوارد،و هو الاستقرار،و الغوا هذا الشرط في حال الاضطرار فقط.

4-هل يجوز لكل من الرجل و المرأة أن يصلي إلى جانب الآخر،أو تتقدم المرأة على الرجل في الصلاة،دون أن يكون بينهما حائل،أو بعد عشرة أذرع؟ الجواب:

في هذه المسألة قولان:أحدهما عدم الجواز،و انهما إذا صليا معا و شرعا في آن واحد،جنبا إلى جنب،أو تقدمت المرأة،بطلت صلاتهما،و ان سبق أحدهما صحت صلاته،و بطلت صلاة اللاحق،إلاّ إذا كان بينهما حائل،أو بعد عشرة أذرع بذراع اليد،و على هذا أكثر الفقهاء المتقدمين.

القول الثاني الجواز،و صحة الصلاة على كراهية،دون أن يوجد الحائل أو المسافة المذكورة،فإن كان أحدهما ارتفعت الكراهية،و على هذا أكثر الفقهاء المتأخرين (1)و منهم صاحب الجواهر الذي قال:«الجواز على كراهة أشبه بأصول المذهب،و إطلاق الأدلة،مضافا إلى قول الإمام الصادق عليه السّلام:لا بأس بأن تصلي المرأة بحذاء الرجل،و هو يصلي.و أيضا سئل عن امرأة صلت مع الرجال، و خلفها صفوف،و قدامها صفوف؟قال:مضت صلاتها،و لم تفسد على أحد، و لا يعيد.أمّا الروايات الأخرى الدالة على الحائل و الفاصل،فلا تصلح إلاّ للحمل على الكراهة».ثم ذكر هذه الروايات،و ناقشها بكلام طويل،و استشهد

ص:168


1- اعتمدنا على كتاب المدارك،و الجواهر [1]لنسبة عدم الجواز إلى أكثر السلف،و نسبة الجواز إلى أكثر الخلف.

منها و فيها على وجوب الحمل على الكراهية لا التحريم،و انهى كلامه الطويل بهذه الجملة:«فظهر لك من ذلك كله أنّه لا محيص عن القول بالكراهية».

و الكلمة الجامعة لشروط مكان المصلي هي:ان كل مكان يجوز له التصرف فيه،ثابت غير متزلزل،و خال من نجاسة متعدية،تصح فيه الصلاة،بما في ذلك بيع اليهود،و كنائس النصارى،فلقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الصلاة في البيع و الكنائس؟فقال:صل فيها،قد رأيتها،و ما أنظفها.أما تقرأ القرآن:

قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (1).

مسجد الجبهة:

اشارة

قال رجل للإمام الصادق عليه السّلام:أخبرني عما يجوز السجود عليه،و عما لا يجوز.فقال:السجود لا يجوز إلاّ على الأرض،أو ما أنبتت الأرض إلاّ ما أكل،أو لبس.فقال له:جعلت فداك،ما العلة في ذلك؟قال:لأن السجود خضوع للّه عزّ و جلّ،فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل،و يلبس،لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون و يلبسون،و الساجد في سجوده في عبادة اللّه عزّ و جلّ،فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها.

و سئل عن الرجل يؤذيه حر الأرض،و هو في الصلاة،و لا يقدر على السجود،هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطنا أو كتانا؟قال:إذا كان مضطرا فليفعل.

و قال:السجود على طين قبر الحسين عليه السّلام ينوّر إلى الأرضين السبع،و من كانت معه سبحة من طين قبر الحسين عليه السّلام كتب مسبحا،و ان لم يسبح بها.

ص:169


1- الإسراء:84. [1]
الفقهاء:

قالوا-عملا بهذه الروايات-:يشترط في مسجد الجبهة،و هو المقدار الذي توضع عليه حال السجود،أن يكون من الأرض أو ما ينبت منها،على شريطة أن لا يكون مأكولا،و لا ملبوسا في العادة،فإذا استحال إلى شيء آخر، كالرماد و الجص،امتنع السجود عليه،و بالأولى الزجاج و البلور.

و أن لا يكون من المعادن كالعقيق و الفيروز و الذهب،و ما إلى ذلك،فان المعدن و ان خرج من الأرض،و خلق فيها،إلاّ أن ندرته و قيمته عند الناس تخرجه عن اسم الأرض.

و أن يكون طاهرا غير نجس،حتى و لو لم تتعد النجاسة إلى ثوبه،و بدنه و أن يكون مباحا غير مغصوب.

مسائل:

1-يجوز السجود على القرطاس

-أي الورق-حيث سئل الإمام عليه السّلام عن السجود على القراطيس و الكواغد؟فقال:يجوز.

و قال الشهيد الثاني في اللمعة:«يجوز السجود على القرطاس،للإجماع و النص الصحيح الدال عليه،و به خرج عن أصله المقتضي لعدم جواز السجود عليه،لأنه مركب من جزأين لا يصح السجود عليهما و هما النورة،و ما مازجها من القطن و الكتان و غيرهما».

2-هل يصح السجود على الخزف،أو لا؟

الجواب:

لم يرد نص بالخصوص في ذلك سلبا و لا إيجابا،و نقل صاحب مفتاح

ص:170

الكرامة عن كثير من الفقهاء الجواز،بل قال بعضهم:لا نعلم في ذلك خلافا.

و قال آخر:ان هذه المسألة تعم بها البلوى،و مع ذلك لم ينقل عن أحد ممن سلف القول بالمنع.

3-إذا سجد على شيء معتقدا جواز السجود عليه،ثم تبين العكس

، صحت الصلاة،لحديث:«لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة:الطهور،و الوقت، و القبلة،و الركوع،و السجود».و يأتي الكلام عن هذا الحديث مفصلا ان شاء اللّه.

4-إذا فقد،و هو في أثناء الصلاة،ما يصح السجود عليه،فما يفعل؟

الجواب:

إذا كان في الوقت سعة،وجب عليه أن يقطعها،و يستأنف الصلاة من جديد،لأن المفروض انّه قادر على صلاة كاملة،فتكون غيرها فاسدة،مأمورا بالإعراض عنها و عدم الاعتداد بها،لأنها لم تشرع من الأساس.

و إذا كان الوقت ضيقا لا يتسع إلاّ للصلاة التي هو فيها،وجب الإتمام، و السجود على طرف ثوبه القطن أو الكتان،و إلاّ فعلى المعادن،لأنهما قريبان من الأرض و ما أنبتت مما يصح السجود عليه،و إلاّ سجد على كفه،و في ذلك رواية عن الإمام الصادق عليه السّلام قال له رجل:أكون في السفر،فتحضرني الصلاة،و أخاف الرمضاء على وجهي،كيف أصنع؟.قال الإمام:تسجد على بعض ثوبك.قال الرجل:ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه،و لا في ذيله.قال له:

أسجد على كفك،فإنها أحد المساجد.

ص:171

ص:172

الأذان و الإقامة

حكمة الأذان:

الأذان في اللغة،الإعلام،و في الشريعة،أذكار مخصوصة تشير إلى دخول وقت الصلاة،و تعلن أهم شعار من شعائر الإسلام و المسلمين،و به يعرفون عن غيرهم،فأية طائفة تنسب نفسها إلى الإسلام،و لا تعلن من على المآذن نداء لا إله إلاّ اللّه،محمد رسول اللّه،فهي كاذبة في دعواها.

و عن جماعة من علماء المسلمين القدامى:أن الأذان على قلة ألفاظه يشتمل على مسائل العقيدة الإسلامية،لأنه بدأ باللّه أكبر،و هو يتضمن وجود اللّه و كماله،و ثنى بلا إله إلاّ اللّه،و هو إقرار بالتوحيد و نفي الشرك،ثم ثلّث بأن محمّدا رسول اللّه،و هو اعتراف له بالرسالة،ثم بحي على الصلاة،و هو دعوة إلى عامود الدين،ثم الدعوة إلى الهداية و الفلاح،ثم الحث على الأعمال الخيّرة،و أكد ذلك بالتكرار.

تشريع الأذان:

شرع الأذان في السنة الأولى من هجرة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و هو على قسمين:

أذان الإعلام بدخول الوقت،و أذان للصلاة اليومية المفروضة،و الأول لا يشترط

ص:173

فيه نية القربة و لا الطهارة أيضا،و لا بد في الثاني من نية القربة.و قد جرت السيرة،و استمر العمل على الإتيان به بعد الوضوء،و حين ارادة الشروع بالصلاة.

و جاء في سبب تشريعه طريقان:أحدهما للسنة،و هو أن عبد اللّه بن زيد رأى صورة الأذان في المنام،و نقلها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و أقرها الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما رآها عبد اللّه في منامه(فتح الباري بشرح البخاري لابن حجر العسقلاني:

ج 2،ص 218،طبعة 1959).

الطريق الثاني للشيعة،و هو أن اللّه أوحى الأذان و فصوله إلى نبيه بواسطة جبريل،تماما كما أوحى إليه بصورة الصلاة و غيرها من العبادات و الأحكام، و قالوا:أمّا أخذ الأذان من رؤيا عبد اللّه بن زيد فلا ريب في بطلانه،لأن الأمور الشرعية مستفادة من الوحي،بخاصة المهم منها،كالأذان.و قال الإمام الصادق عليه السّلام مستنكرا:ينزل الوحي على نبيكم،فتزعمون أنّه أخذ الأذان من عبد اللّه بن زيد!!

صورة الأذان:

ثبت بالإجماع أن الإمام الصادق عليه السّلام كان يؤذن هكذا:

اللّه أكبر،اللّه أكبر،اللّه أكبر،اللّه أكبر.

أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،أشهد أن لا إله إلاّ اللّه.

أشهد أن محمّدا رسول اللّه،أشهد أن محمّدا رسول اللّه.

حي على الصلاة،حي على الصلاة.

حي على الفلاح،حي على الفلاح.

حي على خير العمل،حي على خير العمل.

ص:174

اللّه أكبر،اللّه أكبر.

لا إله إلاّ اللّه،لا إله إلاّ اللّه.

و اتفقوا جميعا على أن قول:«أشهد أن عليا ولي اللّه»ليس من فصول الأذان،و أجزائه،و ان من أتى به بنية أنّه من الأذان فقد أبدع في الدين،و أدخل فيه ما هو خارج عنه،و من أحب أن يطلع على أقوال كبار العلماء،و إنكارهم ذلك،فعليه بالجزء الرابع من مستمسك الحكيم«فصل الأذان و الإقامة»فإنه نقل منها طرفا غير يسير،و نكتفي نحن بما جاء في اللمعة الدمشقية و شرحها للشهيدين،و هذا هو بنصه الحرفي:

«لا يجوز اعتقاد شرعية غير هذه الفصول في الأذان و الإقامة،كالشهادة بالولاية لعلي عليه السّلام،و ان محمدا و آله خير البرية،أو خير البشر،و ان كان الواقع كذلك،فما كل واقع حقا يجوز إدخاله في العبادات الموظفة شرعا المحدودة من اللّه تعالى،فيكون إدخال ذلك بدعة و تشريعا،كما لو زاد في الصلاة ركعة،أو تشهدا،و نحو ذلك من العبادات،و بالجملة فذلك من أحكام الايمان،لا من فصول الأذان،قال الصدوق:ان ذلك من وضع المفوضة،و هم طائفة من الغلاة».

صورة الإقامة:

أجمعوا على أن صورة الإقامة هكذا:

اللّه أكبر،اللّه أكبر.

أشهد أن لا إله إلاّ اللّه،أشهد أن لا إله إلاّ اللّه.

أشهد أن محمّدا رسول اللّه،أشهد أن محمّدا رسول اللّه.

حي على الصلاة،حي على الصلاة.

ص:175

حي على الفلاح،حي على الفلاح.

حي على خير العمل،حي على خير العمل.

قد قامت الصلاة،قد قامت الصلاة.

لا إله إلاّ اللّه (1).

و أجمعوا كلمة واحدة أن الأذان و الإقامة لا يجوزان و لا يشرعان إلاّ للفرائض اليومية الخمس،دون غيرها من الصلوات،واجبة كصلاة الآيات،أو مستحبة كأية صلاة يرجح فعلها و يجوز تركها،و انهما يستحبان مؤكدا بخاصة الإقامة،للمكتوبة اليومية،قضاء و أداء،للرجل و المرأة،و المنفرد و الجماعة،إلاّ للجماعة الثانية،ان لم تتفرق الاولى،و إلاّ للمنفرد إذا جاء،و صفوف الجماعة لم تنفض أيضا،فإنه يصلي بلا أذان و إقامة.

و لا يجوز الأذان إلاّ بعد دخول الوقت،سوى أذان الصبح،فقد رخص أهل البيت عليهم السّلام تقديمه على الوقت في رمضان و غير رمضان،و لكن يستحب إعادته عند الوقت.

و يصح الاعتماد في دخول الوقت على أذان المؤذن العارف،شيعيا كان أم سنيا،فقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن أذان السنة؟فقال:صل بأذانهم،فإنهم أشد شيء مواظبة على الوقت.و قال أمير المؤمنين علي عليه السّلام:المؤذن مؤتمن،و الإمام مؤتمن.

ص:176


1- هذه الصورة للإقامة لم ترد بالنص الحرفي في كلمات أهل البيت عليهم السّلام كما هي الحال في الأذان، و [1]لكن الفقهاء استخرجوها من روايات شتى بخاصة رواية الجعفي.

شروط الأذان و الإقامة:

و يشترط فيهما نية التقرب إلى اللّه سبحانه،لأنّهما عبادة ما عدا أذان الإعلام و العقل و الإسلام،و الفورية و الموالاة بين الفصول و الأجزاء،و تقديم الأذان على الإقامة،و اللغة العربية،و دخول الوقت ما عدا أذان الفجر،أما الوضوء فهو شرط في الإقامة دون الأذان،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:لا بأس أن يؤذن الرجل من غير وضوء،و لا يقيم إلاّ و هو على وضوء.

ص:177

ص:178

أفعال الصلاة

شرط الوجوب و الوجود:

اشارة

شروط التكاليف الشرعية نوعان:منها ما هو شرط للوجوب،بحيث لا يتجه التكليف بدونه من الأساس،كالعقل و البلوغ و القدرة،و منها ما هو شرط للوجود و الصحة،بحيث يكون التكليف موجودا،و لكن لا يوجد في الخارج صحيحا و على النحو المطلوب إلاّ به،كالطهارة بالقياس إلى الصلاة،و حفر القبر بالنسبة إلى الميت.

و تجب الصلاة بأربعة شروط،ترجع إلى أصل الوجوب،و توجه التكليف، و هي:العقل،و البلوغ،و دخول الوقت،و الخلو من الحيض و النفاس.و الدليل على أن هذه الأربعة قيد في الوجوب،لا في الوجود ضرورة الدين و المذهب، فضلا عن الإجماع،إذ لا قائل من فقهاء المذاهب،في السلف و الخلف،أن الصلاة تجب أو تجزئ قبل دخول وقتها،و ان الحائض و النفساء و المجنون و الصبي مسئولون عنها،بل الأخيران غير مسئولين عن شيء إطلاقا،لحديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم،و عن المجنون حتى يفيق.

أجل،ثبت عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه قال:مروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين،و في رواية:إذا بلغوا ثماني سنين.و من هنا ذهب جماعة من

ص:179

الفقهاء إلى أن الصلاة،و ان لم تجب على الصبي،و لكنها تصح منه إذا كان مميزا، و معنى صحتها أن اللّه يقبلها،و يصرف ثوابها لأبويه.و المميز هو الذي يعرف الصلاة و الصيام،و يفرق بين عبادة اللّه سبحانه و غيرها.

أمّا شروط الوجود و الصحة للصلاة فهي:الإسلام،و الطهارة من الحدث و الخبث،و ستر العورة،و استقبال القبلة.و قدمنا الكلام مفصلا عن الطهارة و الستر و القبلة،أمّا الإسلام فهو شرط في جميع العبادات وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (1).

و تجدر الإشارة إلى أن من جملة الفروق بين شرط الوجوب و شرط الوجود أن الأول لا يجب تحصيله و البحث عنه،فلا يجب أن تسعى و تعمل للحصول على المال،كي يجب عليك الخمس و الزكاة و الحج،بعكس الثاني فإنه يجب البحث عنه و الحصول عليه،حيث لا يتم الواجب بعد وجوبه إلاّ به،و ما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب بحكم العقل.

هذا مجمل القول في شروط الصلاة الوجوبية و الوجودية،أما حقيقتها و مادتها فإنها تتألف من أفعال واجبة و مستحبة،و الواجب منه ما هو ركن تبطل الصلاة بتركه أو زيادته عمدا و سهوا،و منه ما ليس بركن تبطل بدونه عمدا،لا سهوا،و فيما يلي البيان:

النية:
اشارة

1-قال تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ (2).و قال

ص:180


1- آل عمران:85. [1]
2- البينة:5. [2]

الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:ان الأعمال بالنيات،و لكل امرئ ما نوى.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:يا عبد اللّه،إذا صليت صلاة فريضة،فصلّها لوقتها صلاة مودع يخاف أن لا يعود إليها.و اعلم أنك بين يدي من يراك،و لا تراه.

و قال:ليس من عبد يقبل بقلبه إلى اللّه في صلاته إلاّ أقبل اللّه إليه بوجهه.

و إذا دلت هذه الأقوال،و ما إليها على طلب الخشوع من المصلي بدلالة المطابقة،فإنّها تدلّ على طلب النية منه بالالتزام.

الفقهاء:

قالوا:ان النية-هنا-هي الباعث على الصلاة طاعة للّه،و امتثالا لأمره،أمّا الاختلاف بأنّها جزء من الصلاة،أو شرط لها،فلا طائل تحته،ما دامت واجبة على كل حال،بل ركنا من أركانها تبطل الصلاة بدونها عمدا و سهوا،و كذلك لا داعي إلى التطويل في الاستدلال على وجوبها بعد أن كان الفعل لا ينفك عن النية، حتى قال فاضل محقق:لو كلف اللّه بالصلاة أو غيرها من العبادات بلا نية،لكان تكليفا بما لا يطاق.

و بما أن النية من أفعال القلب،لم يجب التلفظ بها،قال صاحب المدارك:

«فيكون التلفظ بها عبثا،بل إدخالا في الدين ما ليس منه،و لا يبعد أن يكون الإتيان به-الضمير يرجع إلى التلفظ-على وجه العبادة،تشريعا محرما».

و يجب قصد التعيين إذا كان عليه أكثر من فريضة،بحيث إذا لم يعين حصل الاشتباه،كما لو كان عليه الظهر و العصر،فلا يجوز له أن ينوي إحداهما المرددة،أو مطلق الصلاة من حيث هي،و لا يجب قصد الأداء أو القضاء،و لا القصر أو التمام،و لا الوجوب أو الندب،لعدم الدليل على وجوب شيء من ذلك.

ص:181

و إذا نوى شيئا من ذلك،أو تلفظ بالنية،لا بقصد الوجوب الشرعي،فلا بأس.

و من الفضول القول:ان الرياء مبطل للصلاة،لأن الرياء ينفي النية المطلوبة في الصلاة من الأساس،بعد أن فسرناها بالإخلاص للّه وحده.

مسائل:

«منها»:يجب استمرار النية إلى آخر الصلاة،و لا يجوز له أن ينوي قطعها و رفع اليد عنها،و لو نوى القطع و رفع اليد،و أتى بشيء منها بلا نية،أو فعل ما ينافيها،بطلت.و ان عاد إلى النية قبل أن يأتي بشيء من الصلاة بدون نية،أو بما يتنافى معها،صحت.

و«منها»:يجوز للمصلي أن يعدل من صلاة متأخرة و لا حقة إلى صلاة سابقة و متقدمة في الرتبة،دون العكس،فإذا نوى العصر،و في الأثناء تبين له أنّه لم يصلّ الظهر،عدل إليها،و أتى بعدها بالعصر،أمّا إذا نوى الظهر،ثم تبين له أنّه قد صلاها،و أنّه مطلوب بالعصر فقط،فلا يجوز العدول منها إلى العصر.و كذا يجوز أن يعدل من الفريضة إلى النافلة،لإدراك الجماعة،كما لو نوى الظهر منفردا،ثم أقيمت الجماعة،فله أن يعدل بها إلى النافلة ما لم يكن قد دخل في ركوع الركعة الثالثة،و له أيضا أن يعدل من الجماعة إلى الانفراد اختيارا.

و«منها»:إذا شرع بالصلاة بنية ما وجب عليه منها،و لكنه تخيل أن الواجب المطلوب منه هو الظهر،ثم تبين له أنه العصر،أو تخيل أنّه العصر،فتبين أنّه الظهر صحت الصلاة،لأن المعول على الواقع،و مجرد التخيل و التصور لا أثر له، و يسمى هذا النوع اشتباه في التطبيق،كما لو دفعت إلى الفقراء من فاضل مؤنتك السنوية بنية ما وجب عليك،و لكن تخيلت أنّه من الزكاة،و هو في واقعة من

ص:182

الخمس كفى،و فرغت الذمة.

تكبيرة الإحرام:

اشارة

2-قال الإمام الصادق عليه السّلام:ادنى ما يجزي من التكبير تكبيرة الإحرام.

و قال:لكل شيء أنف،و أنف الصلاة التكبير.ان مفتاح الصلاة التكبير.

و عنه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:افتتاح الصلاة الوضوء،و تحريمها التكبير، و تحليلها التسليم.

و سئل عن رجل نسي أن يكبر؟قال:يعيد.

الفقهاء:

قالوا:تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة تبطل بتركها أو زيادتها سهوا، فضلا عن العمد،و صورتها أن يقول المصلي:«اللّه أكبر»و إذا أخل بحرف منها لم تنعقد الصلاة.و يستحب أن يكبر في بدء الصلاة سبع تكبيرات،ينوي بإحداها الإحرام للصلاة،و بالباقيات الذكر و الدعاء،و هو بالخيار ان شاء جعل تكبيرة الإحرام الأولى،أو الأخيرة،أو الوسطى.و لا يجوز أن يقصد بواحدة منها من غير تعيين الإحرام و افتتاح الصلاة.

و لا بد من الإتيان بها حال القيام،و لو تركها نسيانا،أو كبّر مرتين بنية الإحرام،بطلت الصلاة،كما تقدم.

و يستحب رفع اليدين بالتكبير إلى الأذنين،أو حيال الوجه،قال الامام

ص:183

الصادق عليه السّلام في تفسير قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ (1):ان النحر هو رفع يديك حذاء وجهك.

القيام:

اشارة

3-قال تعالى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ (2)فقد فسر القيام هنا بالقيام للصلاة.

و عن الإمام الصادق عليه السّلام في تفسير قوله تعالى اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ (3)أنّه قال:الصحيح يصلي قائما و قاعدا،و المريض يصلي جالسا، «وَ عَلى جُنُوبِهِمْ» الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا.و عنه أيضا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:من لم يقم صلبه في الصلاة،فلا صلاة له.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:يصلي المريض قائما،فإن لم يقدر على ذلك صلى جالسا،فإن لم يقدر صلى مستلقيا،يكبر ثم يقرأ،فإذا أراد الركوع غمض عينيه،ثم سبح،فإذا سبح فتح عينيه،فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع،فإذا أراد ان يسجد غمض عينيه،ثم سبح،فإذا سبح فتح عينيه،فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود،ثم يتشهد،و ينصرف.

الفقهاء:

أجمعوا على أن القيام واجب حال الإحرام و القراءة الواجبة،و ان بعضه

ص:184


1- الكوثر:2. [1]
2- البقرة:238. [2]
3- آل عمران:191. [3]

ركن تبطل الصلاة بتركه سهوا،و بعضه الآخر ليس بركن لا تبطل الصلاة بدونه إلاّ عمدا،و الركن منه هو الجزء المقارن لتكبيرة الإحرام،و الجزء المتصل بالركوع، بحيث يكون الركوع عن قيام،و ما عدا هذين الجزأين يجب لا على سبيل الركنية،فلو افترض أنّه كبر للإحرام،و هو قائم،ثم هوى إلى الركوع سهوا دون ان يقرأ الفاتحة أو السورة أو هما معا صحت صلاته،مع العلم بأنه ترك الوقوف الواجب حال القراءة.و السر أن المتروك ليس بجزء.أمّا إذا كبر للإحرام جالسا، أو ركع لا عن قيام،كما لو كان جالسا،و نهض إلى حد الركوع فقط،فقد بطلت الصلاة،حتى و لو كان ذلك نسيانا لا قصدا:و السر ركنية هذا الجزء الخاص من القيام.

و يكون القيام مستحبا حين القنوت،و تكبير الركوع،و بكلمة ان حكم الركوع وجوبا و استحبابا تابع لحكم ما يأتي به المصلي،و هو قائم.و اجمع الفقهاء على أن صلاة النافلة تجوز عن قعود،مع القدرة على القيام،و لكن القيام أفضل.

و يشترط في القيام،الانتصاب و الاستقرار،و عدم الاعتماد على شيء حال الوقوف إلاّ لضرورة،فيجوز له أن يعتمد على الحائط أو العصا ان عجز عن الاستقلال،و ان عجز حتى عن الاعتماد صلى منحنيا إن أمكن،و إلاّ فقاعدا،و إلاّ فمضطجعا على جانبه الأيمن مستقبلا القبلة بمقاديم بدنه،تماما كالموضوع في اللحد،و إلاّ فمستلقيا على قفاه و رأسه إلى الشمال،و باطن رجليه إلى القبلة، كالمحتضر.و كل حال من هذه الحالات مقدم على ما يليه،فالقيام مقدم على الجلوس،و الجلوس مقدم على الاضطجاع،و الاضطجاع مقدم على الاستلقاء.

و كل من المضطجع و المستلقي يومئ إلى السجود و الركوع،و من استطاع

ص:185

الوقوف،و تعذر عليه الركوع و السجود وقف و أومأ إليهما.

و ان دل هذا الاهتمام بالصلاة على شيء،فإنما يدل على أن الإنسان في جميع حالاته يجب أن يكون مع اللّه سبحانه ذاكرا له غير ناس لأمره و نهيه،كي لا يبطر و يطغى،و يتجرأ على المعاصي و الموبقات،و لو اكتفى اللّه من الناس بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه محمد رسول اللّه لدرس الدين،و صار القرآن و تعاليم الرسول نسيا منسيا،و بالرغم من تكرار الصلوات نرى ما نرى من هذه المنكرات،فكيف بدونها.

قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان الناس لو تركوا بغير تذكير،و لا تنبيه بالنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لكانوا على ما كان عليه الأولون،فإنهم كانوا قد اتخذوا دينا،و وضعوا كتبا و دعوا أناسا إلى ما هم عليه،و قتلوهم،فدرس أمرهم،و ذهب حين ذهبوا،و أراد تعالى أن لا ينسيهم ذكر محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ففرض عليهم الصلوات يذكرونه كل يوم خمس مرات ينادون باسمه،و يعبدونه-أي يعظمونه-بالصلاة و ذكر اللّه،لكيلا يغفلوا عنه،فينسونه و يدرس ذكره.

القراءة:

اشارة

4-قال الإمام عليه السّلام:من ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة،و من نسي القراءة فقد تمت صلاته.

و سئل عن رجل نسي أم القرآن؟قال:ان لم يركع فليعد أم القرآن.لأنّه لا قراءة حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:لا صلاة إلاّ أن يقرأ بفاتحة الكتاب،في جهر أو إخفات.أي لا تغني عنها آية سورة مع الانتباه.

ص:186

و سئل:ما يجزئ من الركعتين الأخيرتين؟قال:تقول:سبحان اللّه، و الحمد للّه،و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر،و تكبر و تركع.

و سأل أحدهم الإمام الصادق عليه السّلام:ما أصنع في الركعتين الأخيرتين؟قال:

ان شئت فاقرأ فاتحة الكتاب،و ان شئت فاذكر اللّه،فهو سواء،فقال السائل:فأي ذلك أفضل؟قال:هما و اللّه سواء،ان شئت سبحت،و ان شئت قرأت.

الفقهاء:

أجمعوا لهذه الروايات و غيرها كثير،و لفعل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الذي قال:صلوا كما رأيتموني أصلي،و فعل آله الأطهار الأبرار،أجمع الفقهاء على وجوب القراءة في الصلاة،و لكنهم قالوا:انها ليست بركن،بل واجبة،و كفى،تبطل الصلاة بتركها عمدا لا سهوا،و ان الحمد تجب بالذات في صلاة الصبح، و الركعتين الأوليين من صلاة الظهرين و العشاءين،مع سورة كاملة يختارها من القرآن الكريم،و سورة الفيل،و لإيلاف تعدان بواحدة،و لا تجزي إحداهما عن الأخرى.و كذلك الحال في الضحى و أ لم نشرح،مع قراءة البسملة من أولهما و ما بينهما،لأنها جزء من السورة بالاتفاق،ما عدا سورة براءة.

و يجب تقديم الحمد على السورة،و لو قدم السورة عامدا،بطلت الصلاة، و ان قدمها سهوا،و تذكر قبل الركوع قرأ الحمد،و أعاد السورة،و سجد للسهو بعد الانتهاء من الصلاة.و له أن يترك السورة لمرض،كما لو صعب عليه قراءتها، أو داهمه أمر يستدعي الاستعجال،بحيث إذا لم يترك السورة وقع في الضرر.

و كذا يجوز تركها إذا ضاق الوقت عنها و عن الفاتحة معا،فإنه يقتصر،و الحال هذه،على الفاتحة فقط،و يجوز تركها في النافلة بشتى أقسامها،كما يجوز أن

ص:187

يقرأ فيها أكثر من سورة.

و يجب التبيين و الإفصاح في القراءة،و النطق بالحروف من مخارجها.

و على الرجل أن يجهر في الصبح،و الأوليين من الظهرين و العشاءين،و يخفت فيما عدا ذلك،و لا يعذر إذا ترك الجهر عمدا،و يعذر نسيانا و جهلا،و يستحب أن يجهر بالبسملة في الظهرين.و لا جهر على المرأة في شيء من الصلاة كافة، و لها أن تجهر فيما يجب على الرجل الجهر به،على شريطة ان لا يسمعها أجنبي.

و حد الجهر أن يسمع القريب،و حد الإخفات أن يسمع القارئ نفسه.

و يتخير المصلي في الركعة الثالثة من المغرب،و الأخيرتين من الظهرين و العشاء يتخير بين قراءة الحمد،و بين سبحان اللّه،و الحمد للّه،و لا إله إلا اللّه، و اللّه أكبر مرة واحدة،و يستحب ثلاثا.

الركوع:

اشارة

5-قال تعالى اِرْكَعُوا وَ اسْجُدُوا (1).و قال وَ إِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ (2).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان اللّه فرض الركوع و السجود.

و قال:الصلاة ثلاثة أثلاث:ثلث طهور،و ثلث ركوع،و ثلث سجود.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا ركعت فصف في ركوعك بين قدميك،تجعل بينهما قدر شبر،و تمكن راحتيك من ركبتيك،و تضع يدك اليمنى قبل اليسرى، و بلّغ أطراف أصابعك عين الركبة،و فرج أصابعك إذا وضعتها على ركبتيك،فان

ص:188


1- الحج:77. [1]
2- المرسلات:48. [2]

وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك،و أحب إليّ ان تمكن كفيك من ركبتيك،فتجعل أصابعك في عين الركبة،و تفرج بينهما،و أقم صلبك،و مد عنقك،و ليكن نظرك إلى بين قدميك.

و حين علّم الإمام الصادق عليه السّلام أحد أصحابه الصلاة،ركع و ملأ كفيه من ركبتيه منفرجات،ورد ركبتيه إلى خلفه،ثم سوى ظهره،حتى لو صب عليه قطرة من ماء أو دهن لم تنزل لاستواء ظهره،و مدّ عنقه،و غمض عينيه،ثم سبح ثلاثا بترتيل،فقال:سبحان ربي العظيم و بحمده.

قال صاحب المدارك:و هذان الخبران أحسن ما وصل إلينا في هذا الباب.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:تقول في الركوع:سبحان ربي العظيم و بحمده.

و في السجود:سبحان ربي الأعلى،الفريضة في ذلك تسبيحة،و السنة ثلاث، و الفضل في السبع.

و سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل نسي أن يركع؟قال:عليه الإعادة.

و قال:لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة:الطهور،و الوقت،و القبلة،و الركوع، و السجود.

الفقهاء:

قالوا:يجب الركوع في الصلاة،و انّه ركن منها تبطل بدونه أو زيادته سهوا كما تبطل عمدا.و ان يكون عن قيام.و حده ان تصل الراحتان إلى الركبتين، و يجب فيه الذكر،و هو سبحان ربي العظيم و بحمده،أو سبحان اللّه ثلاث مرات، و الطمأنينة بمقدار الذكر الواجب،و هي استقرار الأعضاء و سكونها،و أيضا يجب أن يرفع رأسه من الركوع و ينتصب واقفا مستقرا.و بكلمة إن للركوع في الصلاة

ص:189

حقيقة شرعية،و هي أن ينتقل إليه من القيام،ثم ينتقل منه إلى القيام،مع الاطمئنان فيه و في القيامين،فإذا انتقل إليه من الجلوس،أو هوي منه إلى الجلوس بطلب الصلاة،مع القدرة و الإمكان.

و يستحب ان يكبر قبل أن يهوي إلى الركوع،فإذا انتصب منه قال:سمع اللّه لمن حمده،ثم كبر،و هوى إلى السجود.

السجود:

اشارة

6-قال الإمام الصادق عليه السّلام:يسجد ابن آدم على سبعة أعظم:يديه، و رجليه،و ركبتيه،و جبهته.

و سئل عن السجود على المكان المرتفع؟قال:إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة فلا بأس.

و سئل عن رجل في جبهته قرحة لا يستطيع أن يسجد؟قال:يسجد ما بين طرف شعره،فإن لم يقدر،سجد على حاجبه الأيمن،فإن لم يقدر،فعلى حاجبه الأيسر،فإن لم يقدر،فعلى ذقنه.قال السائل:فعلى ذقنه؟!قال الإمام عليه السّلام:نعم، أما تقرأ كتاب اللّه عزّ و جلّ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (1).

و سئل عن رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية،حتى قام فذكر،و هو قائم؟ قال:فليسجد ما لم يركع،فإذا ركع فذكر بعد ركوعه،فليمض على صلاته،حتى يسلم،ثم يسجدها،فإنها قضاء.

و قال:ان شك في السجود بعد ما قام،فليمض،كل شيء شك فيه مما قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه.

و سئل عن رجل نهض من سجوده،فشك قبل أن يستوي قائما،فلم يدر

ص:190


1- الإسراء:107. [1]

أسجد أم لم يسجد؟قال:يسجد.

الفقهاء:

قالوا:تجب في كل ركعة سجدتان،و هما معا ركن،تبطل الصلاة بزيادتهما أو تركهما معا سهوا و عمدا،و لا تبطل بنقصان أو زيادة الواحدة فقط سهوا.

و الركن هو وضع الجبهة على الأرض،أما وضع باقي الأعضاء عليها، كالراحتين و الركبتين،و إبهامي الرجلين فواجب،و كفى،تماما كالذكر،و هو سبحان ربي الأعلى و بحمده،أو سبحان اللّه ثلاثا،و كالطمأنينة حال الذكر، و السجود على الأرض أو ما أنبتته مما لا يؤكل و لا يلبس،و مواساة موضع الجبهة للموقف،أو التفاوت يسيرا،و كالجلوس مطمئنا بين السجدتين،كل ذلك من واجبات السجود،و لا دخل له في الركنية.

و من كان في جبهته علة لا يستطيع السجود عليها،و لكنها لم تستغرق الجبهة بتمامها،احتال بكل وسيلة ليقع الجزء السليم من الجبهة على ما يصح السجود عليه،كأن يحفر حفرة صغيرة في الأرض،أو يتخذ آلة مجوفة من طين أو خشب،و يسجد عليها بشكل تقع العلة في الفراغ،و ان تعذر ذلك سجد على أحد حاجبيه،و ان تعذر أيضا سجد على ذقنه،و ان تعذر جميع ذلك أومأ إلى السجود.

و ان نسي سجدة واحدة،و تذكر بعد الفراغ من الصلاة،أو بعد الدخول في الركوع،أتى بها منفردة بعد الصلاة،و ان نسيها،و لكنه تذكر قبل أن يركع،أتى بها.و ان نسي السجدتين معا أتى بهما ما لم يركع،و ان كان قد ركع أو تذكر بعد الفراغ و الانتهاء من الصلاة بطلت،و عليه أن يستأنفها من جديد.

ص:191

هذا حكم النسيان،أما حكم الشك فيأتي بالسجدة أو السجدتين المشكوكتين قبل أن يكون قد دخل بالغير،و ان كان قد دخل صحت الصلاة،و لا يعتني بشكه،و يأتي التفصيل.

الأركان:

تبين مما قدمنا أن الأركان في الصلاة خمسة:النية،و تكبيرة الإحرام، و القيام حال هذه التكبيرة و الذي يركع عنه المصلي،و الركوع،و السجدتان من ركعة واحدة،و من المفيد أن ننقل ما جاء في كتاب مفتاح الكرامة بهذه المناسبة، قال صاحب هذا الكتاب عند كلامه عن وجوب القيام في الصلاة:«الأصل في أفعال الصلاة جميعا أن تكون ركنا،بمعنى أن تبطل الصلاة بزيادتها أو نقصانها، عمدا أو سهوا،لأن العبادة توقيفية و شغل الذمة يقيني،و يخرج من الأصل ما قام الدليل على خروجه و يبقى الباقي،و قد استقرأ الفقهاء أفعال الصلاة،فوجدوا فيها أفعالا كثيرة،قد دل الدليل على عدم البطلان بالسهو فيها زيادة و نقيصة،و وجدوا الباقي قد انحصر في الخمسة».

التشهد:

اشارة

7-قال الإمام الصادق عليه السّلام:يجزئ في التشهد ان تقول:أشهد ان لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له،و ان محمد عبده و رسوله.

و قال:ان من تمام الصوم إعطاء الزكاة،كما أن الصلاة على النبي من تمام الصلاة.

ص:192

الفقهاء:

قالوا:يجب التشهد في كل ثنائية مرة،و في الثلاثية و الرباعية مرتين،و من أخل به عامدا،بطلت صلاته،و هذه صورته:«أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و اشهد ان محمدا رسول اللّه،اللهم صل على محمد و آل محمّد».

و قال صاحب المدارك:«المشهور بين الفقهاء انحصار الواجب من التشهد في هذا القول،و انه لا يجب ما زاد عنه،و لا يجزي ما دونه».

التسليم:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:تحريم الصلاة التكبير،و تحليلها التسليم.

و قال عليه السّلام:إذا قلت:السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين فهو الانصراف.

الفقهاء:

قالوا:ان التسليم حقيقة شرعية في اللفظ الموضوع لتحليل المصلي في الصلاة،بمعنى أنّه يحل به ما كان محرما بتكبيرة الإحرام.

و صيغة التسليم:«السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين،السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته»و أفتى الكثير من الفقهاء بأن الواجب أحد السلامين،فإن شاء أتى بهما معا،و ان شاء اكتفى بأحدهما.و قال البعض:إذا قدم السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته،فلا يجوز له أن يقول بعدها:السلام علينا و على عباد اللّه الصالحين.أمّا السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته فهو مستحب و تابع للتشهد لا للتسليم بالاتفاق.

و منهم من قال:ان التسليم ليس بواجب من الأساس،بل هو مستحب يجوز تركه،ورد صاحب الجواهر على هؤلاء بما جاء عن أهل البيت عليهم السّلام«و بفعل

ص:193

النبي و آله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأصحاب،و التابعين و تابعي التابعين،و كل من دخل في هذا الدين».

الترتيب و الموالاة:

جميع أجزاء الصلاة مرتبة ترتيبا شرعيا،فلكل جزء مكانه الخاص،لا يجوز تقديم المؤخر،و لا تأخير المقدم،فيبدأ بالتكبير،ثم القراءة،ثم الركوع، ثم السجود.إلخ.

و أيضا تجب الموالاة بين الأجزاء،بحيث يباشر باللاحق فور الانتهاء من السابق بلا فاصل يعتد به.

من مستحبات الصلاة:

1-يستحب التكبير عند الهوي إلى الركوع،و عند الهوي إلى السجود، و بعد رفع الرأس منه،و عند القنوت،و التكبير ثلاثا بعد الانتهاء من التسليم،و رفع اليدين في جميع التكبيرات إلى حذاء شحمة الأذنين.

2-القنوت،و يتأكد استحبابه في جميع الفرائض اليومية و نوافلها،و مكانه بعد القراءة في الركعة الثانية،و قبل الركوع.

3-أن ينظر المصلي،و هو قائم إلى مسجد الجبهة،و إلى ما بين رجليه، و هو راكع،و إلى طرف أنفه،و هو ساجد،و إلى حجره،و هو يتشهد و يسلم.

4-ان يضع يديه على فخذيه بحذاء ركبتيه مضمومة الأصابع،و هو قائم، و على عيني ركبتيه،و هو راكع،و بحذاء أذنيه،و هو متشهد،و على فخذيه،و هو جالس.

ص:194

الخلل في الصلاة

مبطلات الصلاة

اشارة

و هي:

1-الحدث المبطل للطهارة،سواء أوقع عمدا،أم سهوا،سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل يكون في الصلاة،فيعلم أن ريحا قد خرجت،فلا يجد ريحها،و لا يسمع صوتها؟قال:يعيد الوضوء و الصلاة.

و سئل عن آخر يكون في صلاته،فيخرج منه حب القرع؟قال:ان كان ملطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء،و ان كان في الصلاة،قطعها،و أعاد الوضوء و الصلاة.

2-قالت المذاهب السنية الأربعة:ان التكفير أو التكتف،و هو وضع إحدى اليدين على الأخرى،قالت:هو مستحب،و تركه غير مبطل للصلاة.

و لفقهاء الشيعة ثلاثة أقوال:الأول:انّه حرام في الصلاة،و مبطل لها.

الثاني:انّه حرام غير مبطل.الثالث:انّه لا حرام و لا مبطل إلاّ إذا أتى به بقصد انّه مطلوب و محبوب في الشريعة،و ان فعله بغير هذا القصد فلا بأس.و من هؤلاء السيد الحكيم،فإنه قال في الجزء الرابع من المستمسك:«من ذلك تعرف ضعف القول بالبطلان،لعدم وفاء الأدلة بأكثر من تحريم التكتف بقصد أنّه جزء من الصلاة،أو بقصد أن الصلاة لا تصح بدونه،و إلاّ لم يكن وجه للبطلان.كما

ص:195

تعرف ضعف القول بأنّه حرام غير مبطل».و هذا صريح بأن من تكتف في الصلاة اختيارا دون أن يقصد أنّه مأمور به شرعا،فصلاته صحيحة،و لا اثم عليه أيضا.

و مهما يكن،فقد ذهب أكثر الفقهاء إلى أنّه حرام و مبطل للصلاة،حيث سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل صلى،و يده اليمنى على اليسرى؟فقال:ذلك التكفير،فلا تفعل.

3-تبطل الصلاة إذا التفت إلى الوراء،أو إلى اليمين،أو الشمال بجميع بدنه،أو بكامل وجهه بحيث يخرج عن حد الاستقبال،أمّا الالتفات يسيرا بالوجه دون البدن فلا بأس،ما دام الاستقبال باقيا،قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان تكلمت أو صرفت وجهك عن القبلة فأعد الصلاة.و قال أبوه الإمام الباقر عليه السّلام:ان استقبلت القبلة بوجهك فلا تقلب وجهك عن القبلة،فتفسد صلاتك،فان اللّه تعالى يقول لنبيه فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (1).

و قال صاحب المدارك:«هذا كله مع العمد،أمّا لو وقع سهوا،فان كان يسيرا لا يبلغ حد اليمين و اليسار لم يضر،و ان بلغه،و أتى بشيء من الأفعال في تلك الحال،أعاد في الوقت،و إلاّ فلا اعادة».

و معنى هذا أن المصلي إذا مال قليلا،ثم اعتدل قبل أن يأتي بشيء منها، صحت صلاته إطلاقا،و ان أتى بفعل منها في هذه الحال فعليه أن يعيد ان اتسع الوقت،و إلاّ فلا يقضي،و ان خرج عن الاستقبال كلية،فسدت الصلاة،سواء أ كان عن عمد أو سهو،و عليه أن يعيد في الوقت أداء،و في خارجه قضاء.

4-أن يتعمد الكلام،و لو بحرفين لا معنى لهما،أو بحرف واحد،له معنى،أما الكلام عن سهو فلا يبطل،بل يستدعي السجود للسهو،كما يأتي.قال

ص:196


1- البقرة:15. [1]

الإمام الصادق عليه السّلام:تنتقض الصلاة بالكلام متعمدا،و ان تكلمت ناسيا فلا شيء عليك.

أجل،إذا سلم انسان على المصلي،فيجب عليه أن يرد التحية بالمثل دون زيادة حرف واحد،أو تقديم أو تأخير،على شريطة أن تكون تحية الإسلام،أمّا غيرها فلا يجب ردها،بل لا يجوز في أثناء الصلاة.قال محمد بن مسلم:دخلت على الإمام الصادق عليه السّلام،و هو في الصلاة،فقلت:السلام عليك.فقال:السلام عليك.قلت:كيف أصبحت؟فسكت.و بعد أن انتهى قلت له:أ يرد السلام في أثناء الصلاة؟قال:نعم،مثل ما قيل له.

5-القهقهة،اختيارا كانت أو قهرا،أما التبسم فلا يضر.قال الإمام الصادق عليه السّلام:امّا التبسم فلا يقطع الصلاة،و أمّا القهقهة فهي تقطع الصلاة.

6-البكاء المشتمل على الصوت إلاّ إذا كان خوفا من اللّه،فقد روي أن سائلا سأل الإمام الصادق عليه السّلام عن البكاء في الصلاة؟.فقال:ان بكى لذكر الجنة و النار فذاك أفضل الأعمال في الصلاة،و ان ذكر ميتا له،فصلاته فاسدة.و قيل:ان هذه الرواية ضعيفة منجبرة بعمل الفقهاء.

7-كل فعل لا تبقى معه صورة الصلاة،و الدليل الإجماع،و العقل أيضا، لأنه إذا ذهبت صورة الصلاة،ذهبت الصلاة من الأساس،و ما جاء عن النبي و أهل بيته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من أنهم فعلوه،أو رخصوا بفعله أثناء الصلاة،فهو من النوع القليل الذي لا تمحي معه الصورة،كقتل البرغوث و العقرب،و ما إلى ذاك.

8-الأكل و الشرب،فإنهما ماحيان لصورة الصلاة،و روح الصلاة، و الهدف من الصلاة،قال صاحب المدارك:«ادعي الإجماع على ذلك.

و استغرب بعض الفقهاء عدم البطلان بالأكل و الشرب أثناء الصلاة إلاّ مع

ص:197

الكثرة،كسائر الأفعال الخارجية عن الصلاة،و هو حسن».بل لا حسن فيه إطلاقا،لما ذكرنا،و الحسن هو قول من قال:ان إبطال الأكل و الشرب للصلاة في غنى عن الدليل.و كفى بترك الرسول و آله الأكل و الشرب في الصلاة،و بخشوعهم و انصرافهم عن كل ما يمت إلى الدنيا بسبب دليلا على عظمة الصلاة و جلالها.

9-ذهب أكثر الفقهاء إلى أن من تعمد قول آمين بعد قراءة الحمد،بطلت صلاته،لقول الامام الصادق عليه السّلام:إذا كنت خلف إمام،فقرأ الحمد و فرغ من قراءتها،فقل أنت:الحمد للّه رب العالمين،و لا تقل آمين (1).

10-الشك في صلاة الصبح،أي عدد ركعاتها،و في المغرب،و الأوليين من الظهرين و العشاءين،و يأتي التفصيل في فصل الشك.

الخلاصة:

ان كل من أخل بجزء من أجزاء الصلاة،أو بشرط من شروطها،أو بوصف من أوصافها،فسدت صلاته بموجب القواعد الكلية و الأصول العامة،إلاّ ما قام الدليل على أنّه غير مفسد،كالجهر مكان الإخفات،و التصرف بمال الغير جهلا أو نسيانا،و كنجاسة الثوب أو البدن أو مكان السجود جهلا،لا نسيانا.

ص:198


1- ان مجرد النهي عن قول آمين،و عن التكلم بحرفين أو أكثر،لا يكفي للحكم بفساد الصلاة، [1]لأنّه ليس نهيا عنها بالذات،كي تكون فاسدة،فلا بد-اذن-من البحث عن دليل آخر يستدعي الفساد،و قد مرّ الكلام مفصلا في الساتر المغصوب،فراجع،و مهما يكن فنحن قد أخذنا على أنفسنا التقيد و الالتزام بقول المشهور،مع توخي الاختصار.

السهو

الصلاة توقيفيّة:

للصلاة نظام و ترتيب خاص،و واجبات معدودة و محدودة لا ينبغي أن نزيد عليها،أو ننقص منها،و لكل واجب من واجباتها مكان مقرر لا ينبغي أن نحيد به عنه،فادنى خلل يقع عمدا أو جهلا أو نسيانا في شرط من شروطها،أو جزء من أجزائها،أو وصف من أوصافها،يستدعي فسادها و عدم قبولها بحكم العقل و المنطق،لأن الإخلال بالشرط إخلال بالمشروط،و الإخلال بالجزء إخلال بالموصوف،اللهم إلاّ إذا ثبت بالدليل أن الشارع الذي أوجب الصلاة بهذا الشكل الخاص يقبلها،و يرضى بها فاقدة لشرط أو جزء أو وصف في حال من الحالات، لأنّها منه و له،و المعول على مرضاته و إرادته،فإذا كنا على يقين منها حصل الامتثال و الانقياد.و بكلمة ليس لنا أن نحيد قيد شعرة فما دونها في كل ما يمت إلى الصلاة إلا بإذن من الشارع،و هذا معنى قول الفقهاء،العبادة توقيفية لا بد من ثبوت النص.

أين الدليل الخاص؟
اشارة

و تسأل:هذا حق لا ريب فيه،و لكن هل وجد دليل خاص من الشارع على

ص:199

أنّه رضي و اكتفى بالصلاة من الإخلال بشرط منها،أو جزء،أو وصف في حال من الحالات؟و على افتراض وجوده،فما هي هذه الحال التي يعذر معها المصلي؟و ما هو الشيء الذي يغتفر الإخلال به؟

الجواب:

ان الحالات على أنواع:

الأول:العمد

،فيتعمد الإنسان أن يزيد أو ينقص فعلا من أفعال الصلاة،أو يخل بالترتيب و النظام،فيقدم السورة على الفاتحة،و السجود على الركوع،أو يخل بوصف من أوصافها،فيجهر عمدا مكان الإخفات،أو يخفت مكان الجهر، أو يترك الطهارة أو الساتر،أو يتعمد الكلام و القهقهة،أو الفعل الكثير.و الحكم في ذلك كله و ما إليه،فساد الصلاة و بطلانها بالإجماع و النص و الضرورة.و أي عاقل يحتمل صحة الصلاة،مع الإخلال بشيء منها عن قصد و عمد!

الثاني:الجهل

،فيزيد بالصلاة ما يجب عليه تركه،أو يترك ما يجب عليه فعله جاهلا بوجوب ذلك عليه،و حكم الجاهل كحكم العامد تماما،قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه:«بلا خلاف فيه على الظاهر،بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه من غير فرق بين أن يكون الجهل عن تقصير أو قصور».

لأن القصور انما يكون عذرا من حيث العقاب و المؤاخذة،أمّا من حيث الصحة و الفساد المعبر بالآثار الوضعية،فلا فرق فيها بين العالم و الجاهل،و لا بين القاصر و المقصر،فإذا اعتقد الجاهل المقصر أو القاصر أن الصلاة تجب على هذا النحو،و جرى على اعتقاده،لا يسقط عنه التكليف بالصلاة الصحيحة،و لم يخرج عن عهدته،لأنه لم يأت بالواقع،و لم يمتثل أمر الشارع،أجل،أن انقياده و إذعانه يدل على طيبته و حسن نيته،و لكن حسن النية شيء،و امتثال الواجب

ص:200

الواقعي شيء آخر.و هكذا الشأن في كل اعتقاد لا يتفق مع الواقع (1).إلاّ إذا دل الدليل على أنّه معذور في أمر من الأمور.و قد ثبت بالدليل أن الجاهل معذور في الجهر و الإخفات،و غصبية الماء الذي اغتسل أو توضأ به،و الثوب و المكان، و نجاستهما،و في حكم المسافر،و انه يجب عليه القصر دون التمام،و يأتي التفصيل.

الثالث:الشك

و يأتي الكلام عنه في الفصل التالي.

الرابع:السهو

،و الفرق بين الساهي و الشاك،ان الشاك متردد منذ البداية، لم يوقن بشيء إطلاقا،أمّا الساهي فيعلم و يتذكر جيدا أنّه قد فعل أو ترك أمرا عن ذهول،و يرادفه الناسي،و قد يطلق الشك على السهو،أو السهو على الشك تسامحا،و قد عقدنا هذا الفصل لحكم السهو و الساهي فقط.

السهو عن الأركان:

قدمنا أن أركان الصلاة خمسة:النية و تكبيرة الإحرام و القيام حال هذه التكبيرة،و ما كان منه قبل الركوع،و الركوع،و السجدتان.و معنى هذا أن ماهية الصلاة و حقيقتها من حيث هي هي،و بصرف النظر عن العلم و الجهل و التذكر و النسيان،تتقوم بهذه الخمسة.و من أخل بشيء منها سهوا،كمن أخل به عمدا، فمن ترك النية سهوا،و لم يتذكر،حتى كبّر،أو ترك التكبير،و لم يتذكر،حتى

ص:201


1- هذه الكلية لا تشمل المجتهد المخطئ إذا بحث و استفرغ الوسع،لأنه معذور بالنص و الإجماع، بل لنا أن نقول:ان التكاليف العامة لا تشمله فيما خالف اجتهاده،فإذا أدى اجتهاده إلى عدم وجوب السورة،و كان واجبة في الواقع،فلا تكون واجبة في حقه من حيث الطاعة و الامتثال.

قرأ،أو ترك الركوع،و لم يتذكر،حتى سجد،أو ترك السجود،و لم يتذكر،حتى ركع،بطلت صلاته،و وجبت عليه الإعادة.

أمّا ان الإخلال بالنية موجب للبطلان فلأنه لا صلاة شرعا و لا عرفا بدونها، و أمّا الإخلال بتكبيرة الإحرام فلأن الإمام عليه السّلام سئل عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة،حتى يكبر؟قال:يعيد الصلاة.و قال الإمام الصادق عليه السّلام بالنسبة إلى القيام :«ان من وجبت عليه الصلاة من قيام،فنسي،حتى افتتح الصلاة،و هو قاعد، فعليه أن يقطع صلاته،و يقوم،و يفتتح الصلاة،و هو قائم»و يدل على فساد الصلاة بترك الركوع و السجود الرواية الشهيرة:«لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة:

الطهور و الوقت و القبلة و الركوع و السجود»بالإضافة إلى كثير غيرها.

هذا حكم نقصان واحد من هذه الخمسة،أمّا الزيادة فهي غير متصورة في النية إطلاقا،و لكنها تتفاوت شدة و ضعفا،و أيضا لا يتصور زيادة القيام الركني، أو لا أثر لزيادته،لأنه بدون تكبيرة الإحرام و الركوع،لا يكون ركنا،و مع أحدهما يكون الأثر له،لا للقيام.و لذا قال صاحب الجواهر:لا يتصور زيادة القيام الركني بدون تكبيرة الإحرام،أو الركوع.

أمّا زيادة الركوع،أو السجدتين،فهي مبطلة بالإجماع،أمّا زيادة تكبيرة الإحرام فقال صاحب الجواهر:انّها تبطل الصلاة بلا خلاف أجده بين القدماء و المتأخرين.

و لكن تأمل بعض متأخري المتأخرين في ذلك،و اقتصر في البطلان على خصوص الترك و لو نسيانا دون الزيادة،و هو لا يخلو من وجه.

ص:202

السهو عن غير الأركان:

أمّا من أخل بشيء من واجبات الصلاة سهوا-غير الأركان-فله وجوه نذكرها تلخيصا من كتاب الجواهر:

1-لا يجب عليه التدارك،و لا سجدة السهو بعد الصلاة،و هو من نسي القراءة،حتى ركع،لقول الإمام عليه السّلام:«فمن ترك القراءة عمدا،أعاد الصلاة،و من نسي القراءة فقد تمت صلاته و لا شيء عليه.

و كذا من نسي الجهر مكان الإخفات،أو الإخفات مكان الجهر،للنص و الإجماع،حتى و لو تذكر قبل أن يركع،بل لا يتدارك،و يرجع لو تجاوز كلمة و دخل في أخرى،لأن الأدلة القائلة بأنه لا شيء عليه مطلقة غير مقيدة بشيء، و أيضا قال بهذا الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه.

و كذا ان نسي الحمد أو السورة،حتى ركع،أو نسي الذكر حال الركوع، لقول الإمام الصادق عليه السّلام في رجل نسي أم القرآن:«ان كان لم يركع فليعد أم القرآن»و قوله عليه السّلام:«ان عليا سئل عن رجل ركع،و لم يسبح؟قال:تمّت صلاته».

و كذا ان نسي الطمأنينة حال الركوع،حتى رفع رأسه،أو نسي رفع الرأس منه،أو الطمأنينة حال الرفع،حتى سجد بلا خلاف في ذلك،أو نسي الذكر حين السجود،أو الطمأنينة فيه،حتى رفع رأسه أو نسي وضع أحد المساجد السبعة.

ثم قال صاحب الجواهر:و العمدة في جميع ذلك واحد من أمرين:اما لأن التدارك يستدعي زيادة الركن،و امّا الإجماع.

2-يجب أن يتدارك ما نسي،و لا يجب عليه سجود السهو،و هو من نسي الحمد و قرأ السورة،ثم تذكر قبل أن يركع،للرواية المتقدمة:«ان كان لم يركع فليعد أم القرآن».و كذا ان نسي الركوع،ثم تذكر قبل أن يسجد،فعليه أن يقوم

ص:203

و يركع.و ان نسي السجدتين أو أحدهما،و تذكر قبل أن يركع،هوى و أتى بما نسي،ثم قام،و قرأ أو سبح حسب تكليفه الشرعي،بلا خلاف في ذلك، بالإضافة إلى أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية، حتى قام،فذكر،و هو قائم،أنّه لم يسجد؟قال:فليسجد ما لم يركع،فإذا ركع، و ذكر أنّه لم يسجد،فليمض على صلاته،حتى يسلم،فيسجدها قضاء.

3-يجب أن يتدارك ما نسي بعد الصلاة،و يسجد له سجدتي السهو،و هو من ترك سجدة واحدة،أو التشهد،أو الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و لم يتذكر،حتى ركع.و هذه الفتوى مشهورة«شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا».

4-يجب أن يسجد للسهو فقط بدون قضاء أو تدارك أي شيء،و ذلك إذا تكلم ساهيا،أو تشهد،أو سلم في غير موضع التشهد و التسليم،أو شك بين الأربع و الخمس،كما يأتي.قال صاحب الجواهر:«هذا هو المشهور بين الأصحاب-أي الفقهاء-قديما و حديثا،نقلا و تحصيلا.و في صحيح ابن الحجاج:سألت الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة،يقول:

أقيموا صفوفكم؟فقال:يتم صلاته،ثم يسجد سجدتين،و غير ذلك».

و قيل:ان سجدتي السهو تجبان لكل زيادة و نقيصة،على شريطة أن لا تكون مبطلة للصلاة.و علق صاحب الجواهر على هذا القول بما نصه بالحرف:

«لم نعرف من هو قائله صريحا قبل المصنف (1)بل أطلق في الدروس عدم معرفة قائله و مأخذه».و مثله في كتاب مصباح الفقيه للشيخ الهمداني.و قال هذان

ص:204


1- هو جعفر بن الحسن المعروف بالمحقق الحلي توفي سنة 676 ه،و هو صاحب كتاب الشرائع الذي شرحه العلماء،و أعظم الشروح إطلاقا،بل أعظم كتب الفقه عند الشيعة كتاب الجواهر للشيخ محمد حسن النجفي المتوفى 1266 ه.

المحققان الجليلان:و الروايات التي احتج بها هذا القائل،الصحيح منها قاصر الدلالة،و الدال منها ضعيف السند.و عليه فالحكم بوجوب سجود السهو لكل زيادة و نقيصة لا يبنى على أساس.

صورة سجود السهو:

من كان عليه سجدتا السهو انتظر حتى يفرغ من الصلاة،و يسلم،و قبل أن يأتي بالمنافي،ينوي السجدتين قربة إلى اللّه تعالى،و يكبر استحبابا،ثم يسجد، و يقول: بسم اللّه و باللّه اللهم صلّ على محمد و آل محمد ،ثم يرفع رأسه،ثم يسجد،و يقرأ هذا الذكر ثانية،ثم يرفع رأسه،و يتشهد،و يسلم.قال الإمام الصادق عليه السّلام: «تقول في سجدتي السهو:بسم اللّه و باللّه،اللهم صلّ على محمد و آل محمد،أو السلام عليك أيّها النبي و رحمة اللّه و بركاته» .و قيل:يجزي كل ذكر.

الخلاصة:

و الخلاصة لقد تبين مما قدمنا أن الزيادة و النقصان عمدا في الصلاة يوجبان البطلان،و اعادة الصلاة،و ان الخلل عن سهو و نسيان منه ما لا يوجب البطلان و فساد الصلاة،كزيادة بعض الأركان الخمسة،أو نقصانها،و منه ما لا يوجب شيئا على الإطلاق،لا التدارك،و لا سجود السهو،كنسيان القراءة،و عدم التذكر و الانتباه إلاّ بعد الركوع،و منه ما يوجب التدارك فقط دون السجود،كالسهو عن الحمد،ثم التذكر قبل الركوع،و منه ما يوجب السجود للسهو دون التدارك،كمن تكلم ساهيا،و منه ما يوجبهما معا،كمن نسي التشهد أو الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

ص:205

مسائل:
1-إذا سها عن شيء من واجبات الصلاة،ثم تذكر قبل أن يدخل بالركن

، أتى به و بما بعده،كما لو نسي السجود أو التشهد،و بعد أن قام،و باشر بالقراءة تذكر قبل أن يركع،أتى بما سها عنه،و بما بعده من الواجبات حسب الترتيب الشرعي،و إذا تذكر بعد أن دخل بالركن،فلا يتدارك ما فات كائنا ما كان الفائت، لأن التدارك يستدعي زيادة الركن المبطلة للصلاة.

2-إذا نسي الركوع،ثم تذكر بعد أن سجد السجدة الاولى،و قبل أن يأتي

بالثانية

،بطلت الصلاة عند المشهور.

3-إذا تيقن أنّه ترك سجدتين،و لم يعلم:هل هما من ركعة واحدة

،حتى تبطل الصلاة،و تجب الإعادة،أو أن كل سجدة من ركعة،كي تصح،و يجب قضاء السجدتين فقط؟إذا كان كذلك،وجب الاحتياط،و لكن بإعادة الصلاة فقط،لأنّه يعلم إجمالا انّه مكلف،امّا بإعادة الصلاة،و امّا بقضاء سجدتين،فإذا أعاد الصلاة فرغت ذمته،و انحل العلم الإجمالي،لأنه على افتراض أن تكون السجدتان من ركعة،فواجبة إعادة الصلاة،و قد فعل،و على افتراض أن تكون كل سجدة من ركعة،فواجبة قضاء سجدتين،و قد أتى بهما في ضمن الصلاة.

اذن،قد علم بفراغ ذمته على كل حال.

4-إذا ركع،ثم هوى للسجود قبل أن ينتصب

،فان تذكر بعد أن سجد السجدتين معا،صحت الصلاة،و سجد السهو،و ان تذكر بعد السجدة الأولى، و قبل الثانية،فعن الشيخ الأنصاري أنّه لا يرجع إلى الانتصاب باتفاق العلماء.

و ليس من شك أن الأفضل إعادة الصلاة.

5-إذا ترك الوضوء،أو الغسل،أو التيمم سهوا

،بطلت الصلاة.

ص:206

6-إذا سجد على النجس

،أو على ما يؤكل و يلبس،أو على شيء من المعادن سهوا،صحت صلاته.

7-جاء في الجزء الثاني من كتاب مفتاح الكرامة ص 290:ان زيادة الركن

تغتفر في مواضع:

«منها»:إذا ركع المأموم قبل الامام ظانا أنّه قد ركع،ثم تبين له أنّه لم يركع، فينتصب المأموم،و يعود إلى متابعة الإمام،و يركع ثانية،و تصح الصلاة.

و«منها»:إذا شك المصلي في الركوع قبل أن يدخل في السجود،و أتى به، ثم تبين له أنّه قد ركع قبل أن يرفع رأسه،فإنه يهوي إلى السجود،و تصح الصلاة عند الشهيد الأول و جماعة.

و«منها»:إذا شك المصلي في عدد الركعات في العشاء أو الظهرين،فبنى على الأقل،و أتى بركعة الاحتياط،و بعد الانتهاء تبين أن صلاته كانت ناقصة،و ان الاحتياط مكمل لها،صحت صلاته،و اغتفر ما زاد من النية و تكبيرة الإحرام.

و«منها»:إذا صلى المسافر تماما في مكان القصر،جاهلا بالوجوب،أو ناسيا،و لم يذكر،حتى خرج الوقت،صحت الصلاة،و اغتفرت الزيادة،و يأتي التفصيل.

و«منها»:إذا باشر في صلاة الكسوف،ثم تبين له أن الوقت قد ضاق عن الفريضة اليومية التي لم يؤدها بعد،قطع ما بيده،و أتى بالفريضة،و بعد الانتهاء منها يبني في الكسوف على ما سبق.

ص:207

ص:208

الشك

اشارة

قدمنا أن الشاك هو الحائر المتردد الذي لم يوقن بشيء منذ البداية،و نتكلم الآن عن حكم الشك و ما يترتب عليه في الصلاة و هو على وجوه:منها الشك في أصل حدوث الصلاة،و صدورها.و منها الشك في شروطها و اجزائها غير الركعات.و منها الشك في عدد الركعات،و بيان حكم الجميع فيما يلي:

الشك في أصل الصلاة:
اشارة

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة انك لم تصلّها،أو في وقت فوتها انّك لم تصلّها،صليتها،و ان شككت بعد ما خرج الوقت،و قد دخل حائلا،فلا اعادة عليك من شيء،حتى تستيقن،فان استيقنتها فعليك أن تصليها في آية حالة كنت.

الفقهاء:

قالوا:من شك،و لم يدر:هل أدّى الفريضة أو لا؟ينظر:فان كان الوقت باقيا فعليه أن يصلي،تماما كما لو تيقن بأنّه لم يأت بها من الأساس،و ان كان ذلك في خارج الوقت فلا شيء،حتى يحصل اليقين بأنه لم يصل.

ص:209

الشك بعد الفراغ:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا شك الرجل بعد ما ينصرف من صلاته لا يعيد، و لا شيء عليه.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:كلّ ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فامض و لا تعد.

و هذا محل وفاق بين الجميع.

الشك في شرط الصلاة:

إذا شك في شرط من شروط الصلاة،كالطهارة و الساتر،فإن كان الشك قبل الشروع بالصلاة،وجب عليه أن يحرزه،و يتثبت من وجوده،كما هو الشأن في كل شرط.

و ان كان ذلك في أثناء الصلاة،قطعها،و أوجد الشرط،لما تقدم، و لاستصحاب عدم وجود الشرط.و لا تجري قاعدة الفراغ بالقياس إلى الصلاة، لأنّه لم يفرغ منها،و لا بالقياس إلى الوضوء،أو غيره من الشروط،لأنه شاك في أصل حدوثه و صدوره.

و ان كان الشك بعد الفراغ من الصلاة فلا شيء عليه،لما تقدم في الفقرة السابقة.و لكن عليه أن يحرز بالقياس إلى غيرها من الصلاة.

الشك في أفعال الصلاة:
اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا لم يدر أسجد واحدة،أو اثنتين،فليسجد الأخرى.

ص:210

و سئل عن رجل يشك،و هو قائم،لا يدري أ ركع أو لم يركع؟قال:يركع و يسجد.

هذا،إذا شك في الشيء قبل أن يتجاوزه إلى غيره.

و سئل عن رجل شك في الأذان،و قد دخل في الإقامة؟قال:يمضي.فقيل له:شك في الإقامة،و قد كبر؟قال:يمضي.و في التكبير،و قد قرأ؟قال:يمضي.

و في القراءة،و قد ركع؟قال:يمضي.و في الركوع،و قد سجد؟قال:يمضي.إلى أن قال الإمام عليه السّلام:إذا خرجت من شيء،ثم دخلت في غيره،فشكّك ليس بشيء.

هذا،إذا شك في الشيء بعد أن تجاوزه إلى غيره.

الفقهاء:

قالوا:ان الشك في فعل من أفعال الصلاة غير الركعات ينقسم إلى نوعين:

الأول:أن يشك في الشيء قبل أن ينتقل من محله إلى غيره،كما لو شك في النية قبل أن يكبر،أو في التكبير قبل أن يقرأ،أو في القراءة قبل أن يركع،أو في الركوع قبل أن يسجد،و ما إلى ذاك مما لم يتجاوز محل المشكوك،و أفتوا بوجوب الإتيان بالمشكوك،و الحال هذه،للأصل المعزز و المؤيد بروايات أهل البيت عليهم السّلام.

الثاني:أن يشك في الشيء بعد التجاوز و الانتقال من محله،و الدخول في غيره،كما لو شك في التكبير،و هو في القراءة،أو في القراءة،و هو في الركوع، أو في الركوع،و هو في السجود،و ما إلى ذاك مما تجاوز محله،و دخل بالغير.

و أفتى الفقهاء هنا بالمضي،و إلغاء الشك،و عدم الإتيان بالمشكوك فيه،مع اعترافهم بأن ذلك خلاف ما يستدعيه الأصل عملا بالدليل الوارد على الأصل،

ص:211

الثابت عن أهل البيت عليهم السّلام.

و تجدر الإشارة إلى أن المراد بالتجاوز عن محل المشكوك فيه،أن يدخل و يتلبس بفعل من أفعال الصلاة بالذات،لا بشيء أجنبي عنها،و ان يكون مكانه في الترتيب متأخرا عما شك فيه،أمّا الغير الذي دخل و تلبس بفعله،فالمراد به مطلق الغير قراءة كان،أو فعلا.فمن شك في القراءة كلا أو بعضا،و هو في البعض الآخر الذي يليه،أو شك في أي فعل،و قد تلبس في آخر،كما لو شك في الركوع،و قد هوى إلى السجود،أو في السجود،و قد قام،كل ذلك،و ما إليه يلغى فيه الشك،و يمضي المصلي في الإتمام.قال صاحب الجواهر:«كما هو خيرة الأكثر،بل عن البعض دعوى الإجماع عليه،و هو الحجة،مضافا إلى قول الإمام عليه السّلام:و ان شك في السجود بعد ما قام فليمض.و قوله عليه السّلام:قد ركع.جوابا لمن سأله عن رجل هوى إلى السجود،و لم يدر:أ ركع أم لم يركع».

الشك في عدد الركعات:
اشارة

يقع الشك في عدد الركعات على وجوه:منها المبطل،و منها غير المبطل.

و المبطل أقسام:

1-الشك في المغرب و الصبح و صلاة السفر،يوجب البطلان و فساد الصلاة إطلاقا،للإجماع و النص،و منه قول الإمام الصادق عليه السّلام:«إذا شككت في المغرب فأعد،و إذا شككت في الفجر فأعد.و إذا لم تدر واحدة صليت أو اثنتين فأعد الصلاة من أولها،و الجمعة أيضا إذا سها فيها الامام فعليه أن يعيد الصلاة، لأنها ركعتان».

و كل نص خالف هذا النص فهو شاذ متروك،و قوله عليه السّلام:«لأنها ركعتان»

ص:212

نص على علة الحكم،فيكون بمنزلة قوله:كل شك في الصلاة الثنائية موجب لفساد الصلاة و بطلانها.

2-الشك بين الركعة،و الأكثر،فإنه مبطل للصلاة إجماعا و نصا،قال صاحب الجواهر:و النص على ذلك مستفيض ان لم يكن متواترا،و دالا على البطلان بأنواع الدلالات.و منه قول الإمام الصادق عليه السّلام:إذا شككت فلم تدر:أفي ثلاث أنت أم في اثنتين،أم في واحدة،أم في أربع،فأعد،و لا تمض على الشك.

3-الشك بين الركعتين و ما زاد،قبل إكمال السجدتين،لأن الشك في هذه الحال يرجع إلى الشك في الركعتين بالذات،و عليه فلا يكون المصلي على يقين من إتمامها،فيتحتم البطلان.قال الإمام الصادق عليه السّلام:من شك في الأوليين أعاد، حتى يحفظ،و يكون على يقين،أي متأكدا من إتمام الركعتين.

4-إذا شك المصلي،و هو في الرباعية،بين الاثنتين و الخمس،تبطل صلاته،حتى و لو كان الشك بعد إتمام السجدتين و احرازهما،لأن الصلاة باطلة على كل حال،فان تكن في الواقع ركعتين،بطلت للنقصان،و ان تكن خمسا، بطلت لمكان الزيادة.هذا،إلى أن الشك الموجب لصحة الصلاة هو الذي يبنى معه على الأكثر من أحد طرفي الشك،على شريطة أن لا يتنافى البناء على الأكثر مع صحة الصلاة.و ليس من شك ان البناء على الخمس يستدعي البطلان لمكان الزيادة.

5-الشك في عدد ركعات صلاة الجمعة و العيدين و الكسوف و الخسوف و الزلازل،مبطل،لأنها ثنائية.

6-من لم يدر كم صلى،بطلت صلاته،لقول الإمام عليه السّلام:ان كنت لا تدري كم صليت،و لم يقع و همك على شيء،فأعد الصلاة.

ص:213

الشك الصحيح:

و هنالك حالات من الشك في عدد الركعات لا توجب البطلان،بل تصح الصلاة و تجزي،مع العلاج،على شريطة أن يكون الشك في الرباعية فقط،منها:

1-إذا شك بين الاثنتين و الثلاث بعد أن أحرز السجدتين و إكمالهما،فإنه يبني على الثلاث،و يأتي بالركعة الرابعة،و يتشهد و يسلم،و قبل أن يأتي بالمنافي،يحتاط بركعة من قيام أو ركعتين من جلوس،و الواحدة قائما أفضل من الاثنتين جالسا في هذه الحال.قال الإمام الصادق عليه السّلام لأحد أصحابه:ألا أعلمك ما إذا فعلته ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء.إذا سهوت أي شككت،فابن على الأكثر،فإذا فرغت و سلمت،فقم فصل ما ظننت أنك نقصت،فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك شيء،و ان ذكرت أنك كنت نقصت كان ما صليت تمام ما نقصت.

و يتضح ما أراده الإمام بهذا المثال:رجل شك بين الثلاث و الأربع فبنى على الأربع،و بعد الانتهاء أتى بركعة الاحتياط،و حينئذ لا تخلو صلاته الأصلية، امّا أن تكون في الواقع ثلاثا،و امّا أن تكون أربعا.فإن كانت ثلاثا فقد أتمها بركعة الاحتياط،و ان كانت أربعا تقع ركعة الاحتياط نفلا،و تكون الحال أشبه بما لو كنت مديونا لإنسان بمبلغ لا تدري هل هو ثلاثة دراهم،أو أربعة؟فتعطيه أربعة، فإن كنت مطلوبا بها كاملة،فقد فرغت ذمتك قطعا،و كذلك ان كنت مطلوبا بثلاثة فقط،و يكون الدرهم الزائد إحسانا و تفضلا.

2-إذا شك بين الثلاث و الأربع في أي موضع كان،فإنه يبني على الثلاث، و يأتي بالرابعة،و يتشهد و يسلم،ثم يحتاط بركعة من قيام،أو ركعتين من جلوس،تماما كالصورة الأولى،سوى ان الأفضل هنا اختيار الركعتين من

ص:214

جلوس.فلقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل لا يدري أثلاثا صلى،أم أربعا، و وهمه في ذلك سواء؟فقال:إذا اعتدل الوهم في الثلاث و الأربع فهو بالخيار.ان شاء صلى ركعة،و هو قائم،و ان شاء صلى ركعتين،و أربع سجدات،و هو جالس.

3-إذا شك بين الاثنتين و الأربع بعد إكمال السجدتين،فإنه يبني على الأربع،و بعد الإتمام يحتاط بركعتين من قيام.قال الإمام عليه السّلام:إذا لم تدر اثنتين صليت أم أربع،و لم يذهب و همك إلى شيء،فتشهد و سلم،ثم صلّ ركعتين و أربع سجدات تقرأ فيهما بأم الكتاب،ثم تتشهد و تسلم،فان كنت انما صليت ركعتين،كانتا هاتان تمام الأربع،و ان كنت صليت أربعا،كانتا هاتان نافلة.

4-إذا شك بين الاثنين و الثلاث و الأربع بعد إتمام السجدتين،فإنه يبني على الأربع،و يتم صلاته،ثم يحتاط بركعتين من قيام،و ركعتين من جلوس، و الأفضل تقديم الركعتين من قيام،و تأخير الركعتين من جلوس.سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل صلى،فلم يدر اثنتين صلى،أم ثلاثا،أم أربعا؟قال:يقوم فيصلي ركعتين من قيام،و يسلم،ثم يصلي ركعتين من جلوس،و يسلم،فان كانت أربع ركعات كانت الركعتان نافلة،و إلاّ تمت الأربع.

5-إذا شك بين الأربع و الخمس نظر:فان حصل له الشك،و هو قائم، جلس،و بهذا يرجع شكه إلى الشك بين الثلاث و الأربع،فيبني على الأربع،و يتم الصلاة،و يأتي بركعتين من جلوس،أو ركعة من قيام.

و ان حصل له هذا الشك بعد أن سجد السجدتين،بنى على الأربع،و تشهد و سلّم،ثم سجد سجدتي السهو.

و إذا تبين له بعد الانتهاء ان صلاته كانت ناقصة،صحت و لا اعادة عليه.

و كذلك الحكم لو تبين النقصان،و هو في صلاة الاحتياط،لأن قول الإمام عليه السّلام:ان

ص:215

كانت ناقصة تممها الاحتياط،يشمل الحالين معا.

الشك في النافلة:

الشك في عدد ركعات النافلة لا يبطل،و المصلي بالخيار،ان شاء بنى على الأقل،و هو الأفضل،و ان شاء بنى على الأكثر،على شريطة أن لا يكون الأكثر مبطلا للصلاة.سئل الإمام عليه السّلام عن السهو في النافلة؟قال:ليس عليك شيء.

و قيل:للمصلي أن يقطع النافلة،ثم يستأنفها من جديد ان شاء.

كثير الشك:

كل من كثر شكه فعليه أن يمضي،و لا يعتني بشكه إطلاقا،سواء أ كان في عدد الركعات،أم في غيرها من الأفعال،أو في القراءة،و سواء أ كان الشك في أصل الحدوث و الصدور،أو في صحته.سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن الرجل الذي يشك كثيرا في صلاته،حتى لا يدري كم صلى،و لا ما بقي عليه؟قال:يعيد.قيل له:انّه يكثر عليه ذلك كلما أعاد شكه.قال:يمضي في شكه.لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة،فتطمعوه.فإن الشيطان خبيث معتاد لما عوّد،فليمض أحدكم في وهمه،و لا يكثرن نقض الصلاة،فإن فعل ذلك مرات لم يعد إليه الشك.انما يريد الخبيث أن يطاع،فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم.

صورة صلاة الاحتياط:

يجب في صلاة الاحتياط كل ما يجب في الصلاة المستقلة،من الطهارة و الستر و عدم الغصب و الاستقبال،و النية و تكبيرة الإحرام،و القراءة،و هي الحمد

ص:216

فقط دون السورة و دون القنوت،كما يجب فيها الركوع و السجود و التشهد و التسليم،و يجب فيها أيضا الإخفات،و لا يجوز الجهر.

و هذا دليل واضح على أنّها صلاة مستقلة،لا جزء من الصلاة،و الاكتفاء بها على تقدير نقص الصلاة،لا يستدعي أن تكون جزءا منها.قال صاحب الجواهر:

لا بد في صلاة الاحتياط من النية و تكبيرة الإحرام،و لا يكتفي بالنية الأولى و التكبيرة الأولى،لظهور النص و الفتاوى بأنها صلاة مستقلة عن الأولى واقعة بعد اختتامها بالتسليم مأمورا بها بأمر على حدة بتشهد و تسليم يختصان بها.و مثله في كتاب مصباح الفقيه للشيخ الهمداني.

مسائل:
1-إذا عرض له الشك،فلا يبني للوهلة الاولى على الأكثر

،و يتم،ثم يحتاط،بل الأولى و الأفضل أن يتأمل و يتروى قليلا عسى أن يزول الشك، و يحصل الاطمئنان.

2-إذا غلب على ظن المصلي،و ترجح في نظره أحد الطرفين

،عمل بظنه تماما،كما يعمل بالعلم،قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه:هذا هو المشهور،و يدل عليه الحديث النبوي:«إذا شك أحدكم فليتحرّ».و قال صاحب العروة الوثقى:ان الظن بالركعات بحكم اليقين،سواء أ كان في الركعتين الأوليين، أم الأخيرتين.

3-إذا سلم،ثم صدر منه ما يبطل الصلاة كالكلام عمدا

،و ما إلى ذاك من المبطلات قبل أن يأتي بصلاة الاحتياط،فعليه أن يصلي صلاة الاحتياط على وجهها،ثم يعيد الصلاة من جديد،لأنه على يقين من التكليف بالصلاة

ص:217

ص:218

قضاء الصلاة

تمهيدات:

1-ليس من شك في أن القضاء تابع للأداء،و فرع عنه

،فإذا لم يجب الأصل،فبالأولى ما يتفرع عنه،و أوضح مثال لذلك الصبي و المجنون،فإنهما غير مكلفين بشيء إطلاقا،و مثلهما من أغمي عليه إغماء استوعب وقت الصلاة بكامله،فلقد جاء عن أهل البيت عليهم السّلام:«انّه لا شيء عليه.و انه لا يقضي الصوم و لا الصلاة،و ان كلما غلب اللّه عليه،فاللّه أولى بالعذر» (1).

هذا هو مقتضى الأصل الذي يجب اتباعه،مع عدم وجود دليل على خلافه،فإذا ثبت الدليل على العكس،وجب إهمال الأصل،و اتباع الدليل.

و الأدلة الشرعية التي بين أيدينا منها ما جاء على وفق الأصل،أو لم تصرح بخلافه،و ذلك في الصبي و المجنون و فاقد الطهورين،حيث لا يجب على واحد منهم الأداء و لا القضاء،و كذلك الحائض و النفساء لا تجب الصلاة عليهما أداء و لا قضاء،و منها ما دل على وجوب القضاء دون الأداء،كقضاء الصوم على الحائض و النفساء.و منها ما دلّ على وجوب الأداء دون القضاء،كما هي الحال في الكافر

ص:219


1- قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه:و [1]ما دل من الاخبار على قضاء [2]المغمى عليه،يحمل على الاستحباب،كما عن الصدوق و الشيخ و غيرهما،بل في الحدائق نسبته إلى المشهور.

الأصلي،أي الذي ولد من أبوين كافرين،فإنه مكلف بالفروع تماما،كما هو مكلف بالأصول عند الفقهاء،و مع ذلك لا يجب عليه قضاء ما فاته من الصلاة بعد إسلامه،لقول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«الإسلام يجبّ-أي يهدم-ما قبله».

2-يسقط التكليف بواحد من ثلاثة:الامتثال و الإتيان بالمكلف به على

وجهه،و بالعصيان

،و بارتفاع الموضوع-مثلا-إذا قال لك من وجبت طاعته عليك:أكرم زيدا بتاريخ كذا.فإن أكرمته بنفس التاريخ،يسقط التكليف بالامتثال،و ان تركت إكرامه حتى مضى الوقت المحدد،يسقط التكليف عنك أيضا،لأن المؤقت يزول بزوال وقته،و لكن تكون عاصيا مستحقا للعقاب.و إذا ارتفع الموضوع،كما لو مات زيد قبل الوقت يسقط التكليف عنك،و لا تسأل عن شيء،و قد دلّ الدليل على أن العاصي يجب عليه أن يقضي ما فات كما فات، و يأتي قريبا إن شاء اللّه.

3-ان التكاليف الشرعية تشمل و تعم العالم و الجاهل،و الناسي و الذاكر،

و النائم و المستيقظ

،و لا فرق إلاّ بالعقاب،فان كلا من العالم و الذاكر و المستيقظ، يعاقب،مع الترك،و لا عقاب على النائم و الجاهل القاصر و الناسي ما دام العذر و الوصف،فإذا تعلم الجاهل،و تذكر الناسي،و استيقظ النائم،وجب التدارك أداء داخل الوقت،و قضاء بعد فواته.

4-من كان أحد أبويه مسلما،و ترك الصلاة مرة واحدة مستحلا للترك

موقنا بعدم الوجوب

،فقد خرج عن الإسلام،و ارتد عن فطرة،و حل قتله،لأنّه أنكر ما علم ثبوته من الدين بالضرورة،إلاّ أن يدعي شبهة محتملة في حقه،كما لو كان قد خلق و نشأ في بلد لا عين فيه،و لا أثر للإسلام و المسلمين،لأن الحدود تدرأ بالشبهات.

ص:220

و ان ولد من أبوين كافرين،و أسلم هو بعد البلوغ،ثم ارتد بتركه للصلاة مستحلا لها،كان مرتدا عن ملة،لا عن فطرة،و حكمه أن تعرض عليه التوبة،فإن امتنع و أصر،حل قتله إلاّ أن يدعي شبهة محتملة في حقه،كما لو كان قريب العهد بالإسلام.

أمّا من ترك الصلاة متهاونا،لا مستحلا،و مؤمنا بوجوبها،لا كافرا بها، عزّره الحاكم،فان عاد عزره ثانية،فان عاد عزره ثالثة،فان عاد حل قتله في الرابعة.

وجوب القضاء:

اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل صلى بغير طهور،أو نسي صلاة لم يصلها،أو نام عنها؟قال:يقضيها إذا ذكرها في آية ساعة ذكرها من ليل أو نهار، فإذا دخل وقت الصلاة،و لم يتم ما قد فاته،فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت،و هذه أحق بوقتها،فليصلها،فإذا قضاها،فليصل ما فاته مما قد مضى،و لا يتطوع بركعة،حتى يقضي الفريضة كلها.

و سئل عن رجل فاتته صلاة من صلاة السفر،فذكرها في الحضر؟قال:

يقضي ما فاته كما فاته.

الفقهاء:
اشارة

قالوا:من فاتته صلاة واجبة وجب عليه قضاؤها،سواء أ كان ذلك عن عمد أو نسيان،و النوم بحكم النسيان كما تقدم.

و من شرب ما يؤدي به إلى الجنون و زوال العقل،فعليه القضاء ان استيقظ،

ص:221

لأنه أوجد السبب بإرادته و اختياره،فيصدق عليه اسم الفوات،و لا يندرج في قول الإمام عليه السّلام:«كلما غلب اللّه عليه،فاللّه أولى بالعذر».

و من وجبت عليه صلاة الجمعة،فتركها حتى مضى الوقت،صلى الظهر أربعا،لقول الإمام عليه السّلام:من فاتته صلاة الجمعة فلم يدركها،فليصل أربعا.

و من لم يصل صلاة العيد،على تقديره وجوبها،فلا قضاء عليه،لقول الإمام عليه السّلام:من لم يصل يوم العيد مع الإمام في جماعة فلا صلاة له و لا قضاء عليه.

و من فاتته الفريضة في السفر،قضاها قصرا،حتى و لو كان حاضرا،و من فاتته الفريضة في الحضر،قضاها تماما،حتى و لو كان مسافرا،لقول الإمام عليه السّلام:

من فاتته صلاة فليصلها كما فاتته.اقض ما فات كما فات.يقضي في الحضر صلاة السفر،و في السفر صلاة الحضر.

و من كان مسافرا في أوّل وقت الصلاة،و حاضرا في آخر الوقت،بحيث إذا صلى في أوّل الوقت أداها قصرا،و إذا أداها في آخره كانت تماما،أو انعكس الأمر بحيث كان حاضرا في أول الوقت،و مسافرا في آخر الوقت،ثم فاتته الفريضة،فهل يقضي في الصورتين قصرا أو تماما؟

الجواب:

يجب على هذا أن ينظر ما ذا كان الواجب عليه لو صلاها أداء،فإن كان عليه ان يصلي قصرا في الوقت قضاها كذلك في خارجه،كما لو كان حاضرا في أوّل الوقت و مسافرا في آخره،و ان كان عليه ان يصلي تماما في الوقت،قضاها كذلك في خارجه،كما لو كان مسافرا في أوّل الوقت و حاضرا في آخره.قال الإمام الصادق عليه السّلام:من نسي أربع فليقض أربعا،مسافرا كان أو مقيما،و من نسي ركعتين،صلى ركعتين إذا ذكر،مسافرا كان أو مقيما.

ص:222

و اتفقوا كلمة واحدة على أن من فاتته فريضة فله أن يقضيها في وقت الصلاة الحاضرة،إن اتسع لهما معا،فيقضي أولا ما فات،ثم يؤدي ما عليه من الصلاة،و ان ضاق الوقت،و لم يتسع إلاّ للحاضرة فقط،تعين عليه أن يأتي بها، و يترك القضاء،لأن الحاضرة أحق بوقتها كما قال الإمام عليه السّلام.

و اختلفوا:هل يجب القضاء فورا،و في أوّل الوقت الذي يذكره فيه،أو يجوز التأخير،و لا تجب المبادرة،بحيث يسوغ لمن عليه صلوات فائتة أن يصلي الحاضرة في أوّل وقتها،و يتشاغل في غيرها من العبادات و الأفعال، و يؤجل القضاء إلى وقت آخر؟

الجواب:

لا يجب الفور في قضاء الفائتة،و يجوز التأخير،لأن الأمر لا يدل على الفور،و أصل البراءة ينفي وجوبه (1)،و على هذا المشهور قديما و حديثا.قال صاحب الجواهر:«كما هو المشهور بين المتأخرين،بل في كتاب الذخيرة أنّه مشهور بين المتقدمين أيضا،بل في كتاب المصابيح أن هذا القول مشهور في كل طبقة من طبقات فقهائنا المتقدمين منهم و المتأخرين-ثم قال صاحب الجواهر-:و يشهد لذلك التتبع لكلماتهم».ثم عدّ العشرات من أكابر الفقهاء.

و قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه:«الأقوى ما هو المشهور بين المتأخرين من القول بالمواسعة،و لعل هذا القول كان أشهر بين المتقدمين،و ان نسب إليهم في كلام غير واحد شهرة القول بالمضايقة،و على تقدير تحقيق

ص:223


1- لقد تقرر في علم الأصول أنّه كلما دار الأمر بين حمل اللفظ على معنى يحتاج إلى بيان زائد، و بين حمله إلى ما لا يحتاج إلى ذلك،تعين الأول،لأن الأصل عدم الزيادة،حتى يثبت العكس،و التعجيل أمر زائد على أصل الوجوب،و لا بيان فيه،فينفى بالأصل.

النسبة،فالشهرة المتأخرة أبلغ في إفادة الوثوق في مثل المقام كما لا يخفى وجهه».

و الوجه في أن شهرة المتأخرين أوثق،مع العلم بتقوى الجميع و إخلاصهم،أن المتأخر قد اطلع على قول المتقدم و دليله،و زاده في معرفة النظريات المتجددة،و الحركات الفكرية،هذا،إلى أن العلم لا يقف جامدا،بل هو حركة دائبة مستمرة،و العالم حقا من يفكر باستمرار،و يقلم و يطعم في أفكاره،و من هنا يكون اللاحق أوثق،لأنّه ان كان السابق على حقّ،فاللاحق يؤكد و يعزز،و ان كان على غير الحق،فاللاحق يقوّم و يصحح.

و قد تبين مما قدمنا أن وقت الفائتة موسع،و لا يضايق الحاضرة في شيء من وقتها إطلاقا،و هذا هو مراد الفقهاء من لفظة المواسعة عند إطلاقها.و مرادهم من لفظة المضايقة هو وجوب المسارعة و التعجيل بإتيان الفائتة،و تقديمها على الحاضرة،و مزاحمتها في زمانها المحدد لها،بحيث لا يجوز أن يؤدي فيه الحاضرة إلاّ إذا ضاق،و لم يبق منه إلاّ بمقدار فعلها فقط.و بكلمة أن الفائتة تأخذ من وقت الحاضرة كل ما تحتاج إليه أولا كان أو وسطا،و لا تبقى لها عند الاقتضاء إلاّ الوقت الأخير الذي لا يزيد عن فعلها لحظة.

هذا هو معنى القول بالمضايقة،و هو متروك كما قدمنا،حيث لا شيء يدل عليه،أمّا قول الإمام عليه السّلام:«يقضي الفائتة في آية ساعة ذكرها من ليل أو نهار»فإنما يدل على وجوب إتيانها،و عدم جواز تركها،لا على الفور و التعجيل،كيف و الحاضرة لا تجب المسارعة إليها في أول الوقت.أجل يستحب الفور و التعجيل في الأداء و القضاء بالاتفاق،و لو فرض وجود ما يدل على المسارعة،حمل على ذلك.

ص:224

الترتيب في القضاء:

اشارة

قيل للإمام الصادق عليه السّلام:يفوت الرجل الأولى و العصر و المغرب،و يذكر عند العشاء؟.قال:يبدأ بالوقت الذي هو فيه لا يأمن الموت،فيكون قد ترك الفريضة في وقت قد دخل،ثم يقضي ما فاته الأول فالأول.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا نسيت صلاة،أو صليتها بغير وضوء،و كان عليك قضاء صلوات،فابدأ بأولاهن.

الفقهاء:

أجمعوا على أن من فاتته صلوات عديدة،و علم الترتيب بينها،فعليه أن يقضي حسب الترتيب في الفوات،فيقدم السابقة على اللاحقة،فلو علم أنّه ترك الصلوات الخمس من يوم واحد ابتداء من الصبح،قدم الصبح على الظهر، و الظهر على العصر،و العصر على المغرب،و المغرب على العشاء.و لو علم أنّه قد ترك العصر من يوم الأحد في الأسبوع الفائت،و الظهر من يوم الاثنين، و العشاء من يوم الثلاثاء،و المغرب من الأربعاء،قدم في القضاء،العصر على الظهر،و العشاء على المغرب.قال صاحب الجواهر،بلا خلاف فيه.

و إذا جهل الترتيب بين الفوائت،وجب عليه التكرار،حتى يحصل له العلم به،فإذا فاته الظهر من يوم،و العصر من يوم آخر،و لم يعلم هل الفائت الأول هو الظهر أو العصر،صلى ظهرا و بعدها العصر،ثم صلى عصرا و بعدها الظهر.و لا يجب الترتيب،حتى و لو علم به في غير الصلوات الخمس،كصلاة الآيات و النوافل.

ص:225

الصلاة عن الميت:

اشارة

تقع الصلاة عن الميت على وجوه:

إهداء الثواب:

الأول:أن يصلي ركعتين تطوعا و استحبابا،و يهدي ثوابهما للميت،و ليس من شك أن هذا راجح شرعا،فلقد روي أن الإمام الصادق عليه السّلام كان يصلي عن ولده في كل ليلة ركعتين،و عن والده في كل يوم ركعتين.

و أيضا روي عنه عليه السّلام أنّه قال:ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين و ميتين،و يصلي عنهما،و يتصدق عنهما،و يحج عنهما،و يصوم عنهما،فيكون الذي صنع لهما،و له مثل ذلك،فيزيد اللّه ببره و صلاته خيرا كثيرا.

و عنه عليه السّلام أيضا:و قد سئل أ يصلي عن الميت؟قال:نعم،حتى أنّه ليكون في ضيق،فيوسع عليه ذلك الضيق،ثم يؤتى،فيقال له:خفف اللّه عنك ذلك الضيق لصلاة فلان أخيك عنك.

بل يجوز للإنسان أن يصلي و يحج و يتصدق تطوعا و استحبابا عن الأحياء فضلا عن الأموات،لما تقدم من قول الإمام عليه السّلام:ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين و ميتين.و قد سئل الإمام الكاظم ابن الإمام الصادق عليهما السّلام:أحج و أصلي و أتصدق عن الأحياء و الأموات من قرابتي و أصحابي؟قال:نعم،تصدق عنه،و صل عنه،و لك أجر لصلتك إياه.

القضاء عن الميت:
اشارة

الثاني:إذا كان على الميت صلاة واجبة،جاز لأي إنسان أن يقضيها عنه تبرعا،و له الأجر و الثواب،لإطلاق الروايات المتقدمة.

ص:226

و هل يجوز الاستئجار للصلاة عن الميت؟

الجواب:

أجل،يجوز،قال السيد الحكيم في المستمسك:«عليه مشهور المتأخرين شهرة كادت تكون إجماعا،بل حكى إجماع القدماء عليه الشهيد الأول في الذكرى،و شيخه في الإيضاح،و المحقق الثاني في جامع المقاصد».

و ليس من شك أن القواعد تساعد على ذلك،لأن النيابة عن الميت من الأمور الجائزة شرعا،و كلّ ما جاز فعله جاز الاستئجار عليه.

و يجب أن يكون الأجير أمينا و عارفا بأحكام الصلاة،و قادرا على الأفعال الواجبة كالقيام،و إذا عيّن المستأجر أن يعمل الأجير بموجب تكليف الميت،أو تكليف الأجير،أو بموجب نظر أحد من المجتهدين،تعين و تحتم على الأجير أن يوقع الصلاة على حسب ما استأجر عليها،و إلاّ عمل الأجير بمقتضى تكليفه الخاص،تماما كما لو و كله في البيع و ما إليه.

و يجوز أن تستأجر المرأة عن الرجل،و الرجل عن المرأة،و على الأجير، و كل من ينوب عن الميت في القضاء،أن يقصد النيابة عنه،تماما كالحج و الزيارة ،و لا يكفي مجرد إهداء الثواب للميت بدون قصد النيابة.

الولد الأكبر يقضي عن والديه:
اشارة

الثالث:قال الإمام عليه السّلام:يقضي الصوم و الصلاة عن الميت أولى الناس به، فقيل له:فان كان أولى الناس امرأة؟قال:لا،إلاّ الرجال.

و قال عليه السّلام:الصلاة الذي حصل وقتها قبل أن يموت الميت،يقضي عنه أولى الناس به.

ص:227

الفقهاء:

قال الشيخ و أكثر من تأخر عنه (1):ان الولد الأكبر يقضي عن أبويه ما فاتهما من الصلاة الواجبة.

ثم اختلف الفقهاء:هل يقضي الولد الأكبر جميع ما فات أبويه،سواء أ كان الفوات في مرض الموت،أم في غيره،أو أن عليه أن يقضي خصوص ما فاتهما في مرض؟ قال الشيخ الأنصاري في ملحقات المكاسب فصل القضاء عن الميت:

«المحكي عن المشهور،الأول،و هو الأقوى،لأن النصوص تشمل بإطلاقها كل ما فات».

إذا كان له ولدان متساويين في السن،قسط القضاء عليهما،و إذا تبرع متبرع بالقضاء عن الميت،سقط عن الولي،و كذا إذا أوصى بالاستئجار عنه،و للولي أن يستأجر على أداء ما عليه من القضاء عن الميت.

مسائل:

1-سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل نسي من الصلاة واحدة لا يدري أيتها

هي؟

قال:يصلي ثلاثا،و أربعا،و ركعتين،فان كانت الظهر،أو العصر،أو العشاء،فقد صلى أربعا،و إن كانت المغرب،أو الغداء،فقد صلى.

هذا محل وفاق عند الجميع.

2-إذا كانت الصلاة الفائتة اضطرارية
اشارة

،بحيث لو أتى بها في وقتها لأداها

ص:228


1- ان الشيعة يطلقون لفظ الشيخ بدون قيد على محمد بن الحسن بن علي الطوسي المتوفى سنة 460 ه،و له كتابان من الكتب الأربعة الشهيرة،و هما كتاب الاستبصار و التهذيب.

متيمما،أو جالسا،أو مضطجعا،أو ماشيا،ثم زال العذر حين القضاء،فهل يقضيها اضطرارية كما فاتت،أو يقضيها تامة جامعة لجميع الشروط و الاجزاء؟

الجواب:

بل يجب أن يقضيها كاملة وافية،لأن الواجب الأول حين القضاء و الأداء هي الصلاة بهيئتها الأصلية من حيث هي،و إذا سوغت الضرورة التيمم أو الجلوس و ما إليه حين الأداء،فلا يستمر حكمها و أثرها إلى وقت القضاء،مع العلم بأنّه لا ضرورة فيه،فإن المريض الذي لا يقدر على الصلاة إلاّ مستلقيا، يجب عليه أن يقضيها واقفا لو فاتته حين المرض.قال صاحب الجواهر:«و على هذا غير واحد من الأصحاب،بل في مفتاح الكرامة (1)عن إرشاد الجعفرية ان وجوب رعاية الهيئة وقت الفعل لا وقت الفوات أمر إجماعي لا خلاف لأحد فيه، بل هو من الواضحات التي لا تحتاج إلى تأمل».

3-يلاحظ حال النائب،لا حال المنوب عنه فيما يعود إلى الجهر

و الإخفات

،لأنهما صفتان للمصلي،لا لطبيعة الصلاة و حقيقتها،و على هذا يجهر الرجل في الصبح و الأوليين من العشاءين،و ان ناب عن المرأة.و تخير المرأة، و ان نابت عن الرجل.

4-إذا ادعى المستأجر أن الأجير لم يؤد الصلاة عن الميت،و قال هذا:بل

أديتها

،فالقول قول الأجير،لأنه أمين،تماما كالوصي و الوكيل،و ليس على الأمين إلاّ اليمين.

ص:229


1- مفتاح الكرامة كتاب كبير جدا و جليل و هو للسيد محمد جواد العاملي،و [1]كان استاذا لصاحب الجواهر، [2]ذكرت هذا التعليق لأنقل ما وصف به صاحب الجواهر [3]أستاذه المذكور في كتاب الصلاة مسألة وجوب الترتيب بين الفوائت،قال ما نصه بالحرف:«و جاء هذا في رسالة المولى المتبحر السيد العماد أستاذي السيد محمد جواد»توفي صاحب الجواهر [4]سنة 1266 ه.

ص:230

صلاة الجماعة

فضل الجماعة:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:أول جماعة كانت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كان يصلي و أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام معه،إذ مر أبو طالب و جعفر معه،فقال:

يا بني صل جناح ابن عمك.فلما أحس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تقدّمهما،و انصرف أبو طالب مسرورا.

و قيل للإمام الصادق عليه السّلام:ان الناس يقولون:ان الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس و عشرين صلاة.فقال:صدقوا.

و قال:من تركها رغبة عنها،و عن جماعة المؤمنين من غير علة،فلا صلاة له.أي لا صلاة كاملة له.

الفقهاء:

قال صاحب الجواهر:الجماعة مستحبة في الفرائض كلها كتابا و سنة، متواترة و إجماعا،بل ضرورة من الدين،يدخل منكرها في سبل الكافرين.

و أجمعوا على أن الجماعة لا تجوز إطلاقا في صلاة النوافل،قال الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهما السّلام:لا يجوز أن يصلى تطوعا في جماعة،لأن ذلك بدعة،و كل بدعة ضلالة،و كل ضلالة في النار.

ص:231

و لا تجب الجماعة بحسب الأصل إلاّ في الجمعة و العيدين مع اجتماع الشروط.و يأتي الكلام في ذلك ان شاء اللّه،و تجب بالعارض،كالنذر و العهد و اليمين،و على من جهل القراءة إذا أمكنه أن يؤدي الفريضة خلف الامام.

شروط الجماعة:

اشارة

يشترط في انعقاد الجماعة أمور:

العدد:

1-العدد،و أقله اثنان:رجلان،أو امرأتان،أو بالتفريق.سئل الإمام الصادق عليه السّلام:الرجلان يكونان جماعة؟قال:نعم.و قال الإمام الصادق عليه السّلام:

«الاثنان جماعة».هذا في غير الجمعة و العيدين،إذ لا بد فيهما من خمسة.

قصد الائتمام:

2-أن يقصد المأموم الائتمام بمن يصلي بصلاته.بديهة أن مجرد الصلاة وراءه أو إلى جانبه،بدون هذا القصد و نية الاقتداء،لا تتحقق الجماعة،كما لا تتحقق الصلاة بمجرد الركوع و السجود بدون قصد الصلاة و نيتها،و يشعر بذلك الحديث النبوي المشهور:«انما جعل الإمام إماما ليؤتم به».و قال صاحب الجواهر:بلا خلاف،إذ هو من أصول المذهب و قواعده.

الامام:

3-يشترط في إمام الجماعة أن يكون عاقلا بالبداهة،إذ لا صلاة و لا عبادة

ص:232

لمجنون،و ان يكون بالغا على المشهور،حتى و لو قلنا بصحة عبادة الصبي المميز،لأن لفظة إمام الجماعة تنصرف إلى المكلف البالغ،و ان يكون مواليا للأئمة الاثني عشر عليهم السّلام.قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه:بلا خلاف فيه عندنا،بل لعله من ضروريات المذهب،فلقد روي عن الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهما السّلام أنّه قال:لا يقتدى إلاّ بأهل الولاية.

و ان يكون عادلا،قال صاحب الجواهر:لا يجوز الائتمام بالفاسق إجماعا، محصلا و منقولا،مستفيضا و متواترا،كالنصوص،بل ربما حكي عن بعض السنة موافقتهم للشيعة في ذلك محتجا بإجماع أهل البيت عليهم السّلام.و مما روي عنهم عليهم السّلام:

«ان إمامك شفيعك إلى اللّه،فلا تجعل شفيعك سفيها و لا فاسقا.لا تصل إلاّ خلف من تثق بدينه.ثلاثة لا يصلى خلفهم:المجهول،و الغالي،و المجاهر بالفسق».إلى غير ذلك مما لا يبلغه الإحصاء.

و ان لا يصلي الامام جالسا،و المأموم واقفا،فلقد روي بطريق الشيعة و السنة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم صلى بأصحابه في مرضه جالسا،فلما فرغ قال:لا يؤمّن أحدكم بعدي جالسا.و لا بأس أن يكون القاعد إماما لمثله،و القائم إماما للقاعد.

و يجوز أن يكون الرجل إماما للرجال و النساء،أما المرأة فلها أن تؤم النساء دون الرجال.

و لا تجوز إمامة من لا يحسن القراءة لمن يحسنها،و تجوز لمثله،على أن يلتقيا و يتحدا في الشيء الذي لم يحسناه،كما لو جهل كل قراءة الحمد،أمّا إذا أحسنها أحدهما دون السورة،و أحسن الآخر السورة دون الحمد،فلا.

و لا يجوز لمن يصلي اليومية أن يقتدي بمن يصلي الآيات و العيد و على

ص:233

الجنازة،و لا العكس.

و يجوز لمن تيمم،أو لذي الجبيرة أن يكون إماما لمن توضأ،و للسليم، كما يجوز للمسافر أن يكون إماما للحاضر،و بالعكس،و من يقضي لمن يؤدي، و بالعكس.و من يجهر لمن يخفت،و من يصلي وجوبا لمن يعيد استحبابا،و من يصلي العصر لمن يصلي الظهر،كل ذلك مشهور بين الفقهاء،و فيه نصوص أيضا.

و لا بد للمأموم أن يعيّن الإمام في نفسه بالاسم،أو بالوصف،أو بالإشارة.

الحيلولة:

4-لا تجوز الحيلولة بين الإمام و المأموم بما يمنع المشاهدة،إلاّ إذا كان الإمام رجلا،و المأموم امرأة،على شريطة أن لا يمنعها الحائل من معرفة أحوال الإمام،لتتمكن من متابعته،و لا يضر تعدد الصفوف مهما كثرت،لأن كل صف يشاهد الصف الذي أمامه،حتى ينتهي إلى الصف الأول الذي يشاهد الإمام.

قال صاحب المدارك:هذا الحكم مجمع عليه بين الفقهاء،و المستند فيه قول الإمام الصادق عليه السّلام:ان صلى قوم،و بينهم و بين الإمام ما لا يتخطى (1)فليس ذلك الإمام لهم بإمام،و أي صف كان أهله يصلون بصلاة إمام،و بينهم و بين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى،فليس تلك لهم بصلاة،و ان كان بينهم سترة أو جدار،فليس تلك لهم بصلاة،إلاّ من كان بحيال الباب.أمّا جواز الحائل بالقياس إلى المرأة،فتدل عليه رواية عمار،قال:سألت أبا عبد اللّه-أي الإمام الصادق عليه السّلام-عن الرجل يصلي بالقوم،و خلفه دار فيها نساء،هل يجوز لهن أن

ص:234


1- أي لا يستطيع الإنسان أن يخطو من فوقه،و إذا استطاع ذلك فلا بأس.و من هنا قال الفقهاء:لا بأس بالحائل الذي لا يمنع من المشاهدة حين الجلوس.

يصلين خلفه؟قال:نعم،إذا كان الإمام أسفل منهن.قلت:ان بينهن و بينه حائطا أو طريقا.قال:لا بأس.

العلو:

5-إذا تساوى موقف الإمام مع موقف المأموم،أو تفاوت تفاوتا يسيرا لا يعتد به،صحت الجماعة.و ان تفاوت كثيرا ينظر:فإن كان المأموم أعلى،صحت الجامعة إطلاقا،سواء أ كان العلو عموديا،كما لو صلى المأموم على بناء،و الإمام على الأرض،أو كان العلو انحداريا قريبا من التقوس.و ان كان مكان الإمام هو الأعلى،بطلت الجماعة ان كان العلو عموديا،و صحت ان كان انحداريا.

قال صاحب مصباح الفقيه:هذا هو المشهور،بل عن أكثر من واحد دعوى الإجماع عليه،و يدل عليه قول الإمام الصادق عليه السّلام:ان قام الإمام في موضع أرفع من موضعهم-أي موضع المأمومين-لم تجز صلاته.و ان قام الإمام أسفل من موضع من يصلي خلفه،فلا بأس.

تقدم الامام:

6-أن لا يتقدم المأموم على الإمام في الموقف،و لا بأس بالمساواة فيه، بحيث تتساوى الأعقاب،و ان لم تتساوى الرؤوس حين الركوع و السجود،كما لو كان الامام قصيرا،و المأموم طويلا.و إذا تقدم المأموم،بطلت الجماعة،لأن المتبادر من لفظ المأموم هو تأخره عن الإمام،و لا أقل من عدم تقدمه عليه.

و على الإجمال ان المأموم امّا أن يتقدم،و امّا أن يتأخر،و امّا أن يساوي الإمام في الموقف.و قد أجمع الفقهاء على بطلان الجماعة في الأول،و على

ص:235

صحتها في الثاني.و اختلفوا في الثالث،و المشهور على الصحة،لقول الإمام عليه السّلام:

الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه،فان كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه.

و روي عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام أنّه قال:إذا جاء الرجل،و لم يمكنه الدخول في الصف،قام حذاء الإمام.

التباعد:

7-لا يجوز التباعد بين الإمام و المأموم في الموقف بأكثر من المعتاد، بحيث لا يصدق معه اسم الجماعة و الاقتداء،بديهة أن الأحكام تتبع العناوين و الأسماء،و لا يضر تعدد الصفوف و كثرتها بالغة ما بلغت ما دام اسم الجماعة ينطبق عليها.قال صاحب الجواهر:بلا خلاف في ذلك أجده.

ص:236

أحكام الجماعة

لو وجد الامام راكعا:
اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا أدركت الإمام و قد ركع،فكبرت و ركعت قبل أن يرفع رأسه،فقد أدركت الركعة،و ان رفع الإمام رأسه قبل أن تركع،فقد فاتتك الركعة.

الفقهاء:

عمل المشهور بهذه الرواية،و ما عداها فمتروك.و يستحب للإمام إذا أحس بداخل أن يطيل ركوعه،حتى يلحق به.

إذا كبر المأموم و ركع،ثم شك هل ركع هو قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع أو لا؟ينظر:فان كان الشك بعد ان انتهى هو من الركوع،يمضي و لا يعتني بشكه،لأنه شك بعد التجاوز،و ان حصل له هذا الشك،و هو بعد في الركوع، بطلت الصلاة و استأنفها من جديد.

و تسأل:لما ذا لا نجري استصحاب بقاء الإمام راكعا إلى حين ركوع المأموم،و نحكم بصحة الصلاة؟

ص:237

الجواب:

ان الاستصحاب إنما يكون حجّة متبعة إذا ترتب عليه ابتداء،و بلا واسطة أثر شرعي،كاستصحاب بقاء الطهارة الّذي يترتب عليه جواز الدخول بالصلاة شرعا،أمّا إذا ترتب عليه لازم عقلي لا أثر شرعي،فلا يكون الاستصحاب حجّة، كما هو الشأن فيما نحن فيه،فإن استصحاب بقاء ركوع الإمام يلزمه أن يكون ركوع المأموم مقارنا له،و بديهة ان المقارنة ليست من الآثار الشرعية،بل من اللوازم العقلية،و عليه فلا يكون الاستصحاب حجّة.

القراءة مع الإمام:
اشارة

سئل الإمام عليه السّلام عن الركعتين الأوليين بصمت-أي يخفت-فيهما الإمام:

أ يقرأ-أي المأموم-بالحمد؟قال:ان قرأت فلا بأس،و ان سكت فلا بأس.

و أيضا سئل:أ يقرأ الرجل في الأولى و العصر خلف الإمام،و هو لا يعلم أنّه يقرأ؟فقال:لا ينبغي له أن يقرأ،يكله إلى الإمام.

الفقهاء:

قالوا:ان الإمام لا يتحمل القراءة عن المأموم في الركعة الثالثة من المغرب، و الأخيرتين من العشاء و الظهرين.و ان المأموم مخير بين قراءة الفاتحة،أو التسبيحات،تماما كالمنفرد،لقول الإمام الصادق عليه السّلام:لا تقرأ خلفه في الأوليين، و يجزيك التسبيح في الأخيرتين.

و أيضا قالوا:ان الإمام يتحمل القراءة عن المأموم في الركعتين الأوليين، و لكنهم اختلفوا هل تحرم القراءة،و لا تجوز إطلاقا في الصلاة الجهرية

ص:238

و الإخفاتية،أو تجوز كذلك بلا كراهة،أو على كراهة،أو لا بد من التفصيل بين الصلاة الجهرية و الإخفاتية.قال صاحب مفتاح الكرامة:اختلف الفقهاء في هذه المسألة اختلافا شديدا،حتى أن الفقيه الواحد اختلف مع نفسه.و قال صاحب المدارك:«الأقوال في هذه المسألة منتشرة.و ليس للتعرض لها كثير فائدة».

و نكتفي نحن بذكر ما ذهب إليه صاحب الجواهر من جواز القراءة في الركعتين الأوليين على كراهة،جمعا بين الروايات الناهية و الروايات المجيزة، و الجامع بينها قول الإمام عليه السّلام:«ان قرأ فلا بأس،و ان سكت فلا بأس».و قوله:«لا ينبغي له أن يقرأ»لأن لفظ«لا ينبغي»يشعر بالكراهة (1).

و مهما يكن،فالأولى ترك القراءة ما دامت غير واجبة بالاتفاق.

المتابعة في الأفعال و الأقوال:
اشارة

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:انما جعل الإمام إماما ليؤتم به،فإذا ركع فاركعوا،و إذا سجد فاسجدوا.

ص:239


1- الجمع بين الأدلة المتضاربة ينحصر بأمرين:العرف و الشرع،و الجمع العرفي هو حمل العام على الخاص،و المطلق على المقيد،فإذا قال الإمام عليه السّلام:الماء ينجس بمماسته للنجاسة،ثم قال:الماء الكثير لا ينجس بذلك،قلنا:ان المراد بالتنجس من المماسة الماء القليل،و من عدم التنجس بها الماء الكثير،و العرف لا يأبى ذلك،بل يستحسنه،أمّا الجمع الشرعي هو أن يوجد دليل ثالث من الشرع يجمع بين الأدلة الشرعية المتنافية بظاهرها،كما لو ورد عن الشرع قوله:لا تقرأ خلف الإمام،و ورد قول آخر:تجوز القراءة خلف الإمام،و دليل ثالث يقول:لا تنبغي القراءة خلف الإمام،كان هذا الثالث هو الجامع بين الاثنين،و نقول:المراد جواز القراءة على كراهة.
الفقهاء:

أجمعوا على العمل بهذا الحديث الشريف.قال الشيخ الأنصاري في ملحقات المكاسب فضل صلاة الجماعة:«يجب متابعة الإمام في الأفعال بالإجماع المستفيض،و الأصل في هذا الإجماع ما رواه السنة عن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به».

و المراد بالمتابعة أن لا يسبق الإمام المأموم بشيء من أفعاله،بل يتأخر عنه يسيرا،و يجوز أن يقارنه ما دام قاصدا أن يربط فعله بفعل الإمام.

لو ركع قبل الإمام:

و إذا سبق المأموم الإمام إلى الركوع أو السجود،فلا يخلو امّا أن يفعل ذلك عمدا،و امّا سهوا،فان كان عن عمد بقي على حاله،حتى يلحقه الإمام و يتم الصلاة معه،و تقع صحيحة.و لكنه يكون آثما لمكان العمد و القصد،لأن المتابعة في الأفعال واجبة بنفسها وجوبا مستقلا،و ليست شرطا في صحة الجماعة،و لا في صحة الصلاة.و لا يجوز له أن يرجع و يركع أو يسجد ثانية مع الإمام،لأنه يستدعي الزيادة العمدية،و هي مبطلة بالإجماع،حتى في هذا الحال.

و ان سجد أو ركع سهوا قبل الإمام،عاد إلى الإمام و ركع أو سجد معه،لأن الإمام الرضا حفيد الإمام الصادق عليهما السّلام سئل عن الرجل يكون خلف إمام يأتم به، فركع قبل أن يركع الإمام،و هو يظن أن الإمام قد ركع،فلما رآه لم يرفع رأسه أعاد ركوعه مع الإمام،أ يفسد عليه صلاته،أم تجوز الركعة؟فقال:تتم صلاته بما صنع و لا تفسد.

و بما ان الأدلة الدالة على بطلان الصلاة بزيادة الركن سهوا مطلقة و شاملة

ص:240

لصلاة المنفرد و صلاة الجماعة،و هذه الرواية خاصة و مقيدة بصلاة الجماعة، فيجب تقييد الإطلاق و حمل تلك على هذه.و تكون النتيجة أن زيادة الركن سهوا مبطلة في المنفرد،دون الجماعة.

هذا هو حكم المتابعة في الأفعال،أمّا المتابعة في الأقوال فقد اتفق الفقهاء على وجوبها في تكبيرة الإحرام،و اختلفوا في غيرها من القراءات،فذهب الأكثرون إلى عدم وجوب المتابعة فيها،كما جاء في كتاب مفتاح الكرامة.

لو رفع رأسه قبل الإمام:
اشارة

الفرض السابق كان في ركوع أو سجود المأموم قبل الإمام،و الفرض هنا بالعكس،أي في رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام.

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل صلى مع إمام يأتم به،ثم رفع رأسه من السجود قبل أن يرفع الإمام رأسه من السجود؟قال:فليسجد.

و سئل حفيده الإمام الرضا عليهما السّلام عن رجل يركع مع إمام يقتدي به،ثم يرفع رأسه قبل الإمام؟قال:يعيد ركوعه معه.

و الحكم هنا هو الحكم في الفرض السابق،فإنهما من واد واحد على حد تعبير صاحب مفتاح الكرامة،فإن رفع رأسه عمدا،وجب أن ينتظر الإمام،ثم يسري معه،فان عاد إلى الركوع أو السجود،و الحال هذه،بطلت صلاته لمكان الزيادة العمدية.

و ان رفعه سهوا،عاد إلى الركوع أو السجود مع الإمام،و اغتفرت هذه الزيادة في صلاة الجماعة،لهاتين الروايتين المقيدتين للأدلة الدالة على أن زيادة الركوع و السجود سهوا مبطلة،و يختص البطلان في صلاة المنفرد فقط.

ص:241

و تقول:ان الروايتين المذكورتين أوجبتا العودة إلى الركوع و السجود إطلاقا،و بدون تفصيل بين العمد و السهو،فعلى أي شيء استند الفقهاء حين فصلوا و فرقوا بينهما؟

الجواب:

أجل،ان لفظ الروايتين بما هو يشمل العامد و الناسي،و لكن لما كان الغالب أن المأموم لا يرفع رأسه من الركوع و السجود قبل الإمام إلاّ سهوا،فقد أجرى الفقهاء اللفظ مجرى الغالب،هذا،إلى أن قيام الإجماع على أن العامد لا يعود إلى الركوع و السجود يخصص الروايتين في السهو فقط.

الإمام النجس:
اشارة

سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن قوم خرجوا من خراسان،أو بعض الجبال، و كان يؤمهم في الصلاة رجل،فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي؟قال:لا يعيدون.

و سئل أبوه الإمام الباقر عليه السّلام عن قوم صلى بهم إمامهم،و هو على غير طهر، أ تجوز صلاتهم أو يعيدونها؟قال:لا اعادة عليهم،تمت صلاتهم،و عليه هو الإعادة،و ليس عليه أن يعلمهم،هذا عنه موضوع.

الفقهاء:

اتفقوا على العمل بهاتين الروايتين،و قد ذكرنا في أوصاف الإمام ان الايمان و العدالة شرط في إمام الجماعة،و لا بد من التنبيه إلى أن هذا الشرط انما هو شرط علمي،لا واقعي،تماما كالنجاسة الخبيثة،فمن صلى بصلاة الفاسق

ص:242

عالما بفسقه،بطلت صلاته لمكان النهي عنها.و إذا صلى بصلاته واثقا من دينه و أمانته،ثم تبين العكس صحت صلاته.و لذا لا يجب على الإمام أن ينبه المأموم إذا تبين له أنّه كان قد صلى بغير طهارة،حتى و لو نبهه لا تجب الإعادة على المأموم،بل تجب على الإمام فقط.

لا مجتهد و لا مقلد:

لو أن معمما اعتقد بنفسه الاجتهاد،و هو في الواقع جاهل مركب،يكون عمله فاسدا،لأنه عمل بغير تقليد و لا اجتهاد،و على هذا،فمن صلى خلفه عالما بحاله،تبطل صلاته.اللهم إلاّ إذا كانت مطابقة للواقع و على وفقه،بحيث أتى الإمام بكل ما يحتمل وجوبه من الاجزاء و الشروط.

و لا فرق في ذلك بين الجاهل القاصر و المقصر،لأن الصحة و الفساد من الأحكام الوصفية التي لا فرق فيها بين الكبير و الصغير،و لا بين العاقل و المجنون إلاّ بالمؤاخذة و العقاب.

و بهذه المناسبة اذكر بعض ما جرى بيني و بين شيخ من الأحناف،و كنت أحاوره،فقد قلت له فيما قلت:

هل أنت مجتهد أو مقلد؟ قال:بل مقلد.

قلت:و لمن؟ قال:لأبي حنيفة.

قلت:ان أبا حنيفة لا يجيز التقليد،و على هذا فأنت غير مجتهد و لا مقلد.

فضحك،و كفى.

و لو علم هذا الشيخ بحالنا،لأجاب بأن هذا يرد على الكثيرين منكم ممن

ص:243

يدعون الاجتهاد،و هم ليسوا بأهل،لأن عملهم بلا اجتهاد و لا تقليد.

لو خاف فوات الركعة:
اشارة

إذا دخل المصلي موضعا تقام فيه الجماعة،فوجد الإمام راكعا،و خاف أن يفوته الركوع إذا لحق بالصف،فما ذا يصنع؟

الجواب:

ينوي و يكبر و يركع في موضعه،ثم يمشي في ركوعه،حتى يلحق بالصف.

فلقد سئل الإمام عليه السّلام عن الرجل يدخل المسجد،فيخاف أن يفوته الركوع؟قال:

يركع قبل أن يبلغ إلى القوم،و يمشي و هو راكع،حتى يبلغهم.

و الأفضل أن ينبه الإمام بقوله:«يا اللّه»و ما إلى ذلك،كي يطيل الإمام الركوع، اللهم إلاّ إذا كانت الصفوف كثيرة و تعذر التنبيه.

قطع الصلاة:
اشارة

قال الإمام عليه السّلام:ان كنت في صلاة نافلة،و أقيمت الصلاة،فاقطعها و صل الفريضة مع الإمام.

و سئل عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة،فبينما هو قائم يصلي أذن المؤذن و أقام الصلاة-أي الجماعة-؟قال:فليصل ركعتين،ثم يستأنف الصلاة مع الإمام،و لتكن الركعتان تطوعا.

الفقهاء:

قالوا:إذا شرع المأموم بالنافلة،فأحرم الإمام و أقيمت الجماعة،قطعها المأموم و استأنف مع الإمام الفريضة ان خشي الفوات،و ان كانت الصلاة التي

ص:244

شرع فيها فريضة،نقل نيته إلى النافلة،كل ذلك لأهمية الجماعة في نظر الشرعيّة.

و قال الفقهاء:لا يجوز العدول من نية الانفراد في الصلاة إلى نية الجماعة، و يجوز العكس،أي العدول من الجماعة إلى الانفراد.

لو سبقه الإمام:
اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا فاتك شيء مع الإمام،فاجعل أول صلاتك ما استقبلت منها-أي ما بقي منها-و لا تجعل أوّل صلاتك آخرها.

و قوله عليه السّلام:لا تجعل أوّل صلاتك آخرها،هو نهي عما عليه الحنفية و المالكية و الحنابلة الذين قالوا ان على المأموم في مثل هذه الحال أن يقدم المؤخر،و يؤخر المقدم،فيجعل ما يصليه مع الإمام الذي أدركه في الركعة الأخيرة آخر صلاته،و ما يصليه بعد الإمام أوّل صلاته.

و قال أبوه الإمام الباقر عليهما السّلام:إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام،جعل أوّل ما أدرك أوّل صلاته،فإن أدرك من الظهر أو العصر أو العشاء ركعتين و فاتته ركعتان،قرأ مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب و سورة-لأن الإمام لا يتحمل القراءة عن المأموم في ركعتيه الأخيرتين-فان لم يدرك السورة تامة،أجزأته أم الكتاب،فإذا سلم الإمام،قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما،لأن الصلاة انما يقرأ فيها في الأوليين في كل ركعة بأم الكتاب و سورة،و في الأخيرتين لا يقرأ فيهما،انما هو تسبيح و تهليل و دعاء،و ان أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام،فإذا سلم الإمام،قام فقرأ بأم الكتاب و سورة،ثم قعد فتشهد،ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة-أي لا يتعين عليه قراءة الفاتحة فيهما،بل هو مخير بينها و بين التسبيح،كما تدل على ذلك الروايات الأخر التي أشرنا إليها في القراءة.

ص:245

الفقهاء:

قالوا:إذا حضر المأموم الجماعة،و رأى أن الإمام قد سبقه بركعة أو أكثر، نوى و كبر و صلى مع الإمام ما يدركه،و جعله أول صلاته،و أتم ما بقي عليه حسب تكليفه الشرعي تماما كما لو كان منفردا من أول الصلاة.

و على هذا،فإن أدركه في الركعة الثانية،جعلها المأموم الركعة الأولى من صلاته،و لا يقرأ فيها شيئا،لأن الإمام يتحمل القراءة عن المأموم في الأولى و الثانية،و المفروض أنّها ثانية الإمام.و يقرأ المأموم في ثالثة الإمام التي هي ثانية للمأموم،لأن الإمام لا يتحمل القراءة في الثالثة و الرابعة.و ان أدركه في الثالثة أو في الرابعة،قرأ المأموم فيهما،هذا إذا أدركه قبل أن يركع،أمّا إذا أدركه و هو راكع، كبر و ركع معه،و سقطت القراءة.

و إذا ضاق الوقت عن قراءة الحمد و السورة،بحيث لو قرأهما المأموم سبقه الإمام إلى الركوع،اكتفى بالحمد خاصة.و يجب أن يخفت المأموم خلف الإمام، حتى و لو كانت الصلاة جهرية،كالمغرب و العشاء،لقول الإمام عليه السّلام:قرأ مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب.

الأولى بالإمامة:
اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:يتقدم القوم أقرأهم للقرآن،فان كانوا في القراءة سواء،فأقدمهم هجرة-أي اسبقهم إلى الإيمان-فإن كانوا في الهجرة سواء،فأكبرهم سنا،فان كانوا في السن سواء،فليؤمهم أعلمهم بالسنة، و أفقههم في الدين،و لا يتقدمن أحدكم الرجل في منزله،و صاحب السلطان في سلطانه.

ص:246

و عنه عليه السّلام:ان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى أن يؤم الرجل قوما إلاّ بإذنهم.

الفقهاء:

قالوا:إذا تعددت الأئمة،فإمام المسجد أولى من غيره في التقديم،و كذا صاحب المنزل و من يرتضيه المأمومون أولى ممن لا يرتضونه و ان كان أعلم، و الأقرأ يقدم على غير الأقرأ و ان كان أعلم.و الأسبق أيمانا على غيره،و الأسن، و الأصبح وجها،و كذا الهاشمي أولى إكراما لأجداده الكرام،و إلاّ فلا دليل عليه، كما قال صاحب المسالك و صاحب مصباح الفقيه.و نقل صاحب الجواهر عن كتاب الروض أن أكثر المتقدمين لم يذكروه إطلاقا.

يرجع الشاك إلى الحافظ:

إذا شك المأموم و حفظ الإمام،أو شك الإمام و حفظ المأموم،رجع الشاك منهما إلى الحافظ.قال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه:بلا خلاف في شيء منهما على الظاهر في الجملة،و يدل عليه قول الإمام عليه السّلام:ليس على الإمام سهو، و لا على من خلف الإمام سهو.

ص:247

ص:248

صلاة المسافر

قصر الصلاة:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء إلاّ المغرب ثلاثا،أي تبقى على حالها.

و قال عليه السّلام:المتمم في السفر كالمقصر في الحضر.

الفقهاء:

قالوا:ان الصلاة الرباعية في السفر تصير ثنائية،فيصلي كلا من الظهر و العصر و العشاء ركعتين،أمّا المغرب فتبقى على حالها.و قالوا:ان قصر الصلاة في السفر عزيمة لا رخصة،و معنى الرخصة أن يترك الخيار للمسافر،ان شاء قصر،و ان شاء أتم،و معنى العزيمة أن يتعين القصر،و لا يصح منه التمام بحال.

و من الخير أن نذكر هنا ما دار بين زرارة و محمد بن مسلم،و بين أستاذهما و إمامهما الإمام الباقر أبي الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام:

قالا له:ما تقول في الصلاة في السفر كيف هي؟و كم هي؟.

قال:ان اللّه عزّ و جلّ يقول وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ 1فصار التقصير في السفر واجبا،كوجوب التمام في الحضر.

ص:249

قال:ان اللّه عزّ و جلّ يقول وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ (1)فصار التقصير في السفر واجبا،كوجوب التمام في الحضر.

قالا:و لكن اللّه قال:ليس عليكم جناح،و لم يقل:افعلوا،فكيف وجب ذلك؟-أي كيف صار عزيمة لا رخصة.

قال:أ ليس قد قال اللّه عزّ و جلّ في الصفا و المروة فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما (2)ألا ترون أن الطواف بهما واجب مفروض،لأن اللّه قد ذكره في كتابه،و صنعه نبيه،و كذلك التقصير في السفر شيء ذكره في كتابه،و صنعه نبيه.

سقوط النافلة:
اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما و لا بعدهما شيء إلاّ المغرب،فان بعدها أربع ركعات،لا تدعهن في سفر و لا حضر،و ليس عليك قضاء صلاة النهار-أي نافلتها-و صل صلاة الليل و اقضها.

و سئل عن صلاة النافلة بالنهار في السفر؟فقال عليه السّلام:يا بني لو صلحت النافلة في السفر تمت الفريضة.

و قال عليه السّلام:كان أبي لا يدع ثلاث عشرة ركعة في الليل في سفر و لا حضر.

يريد بثلاث عشرة ركعة صلاة الليل مع صلاة الفجر.

ص:


1- النساء:101. [1]
2- البقرة:158. [2]
الفقهاء:

قالوا:تسقط في السفر نافلة الظهر و العصر،و لا تسقط نافلة المغرب و الفجر،و لا صلاة الليل،و اختلفوا:هل تسقط الوتيرة في السفر،و هي نافلة العشاء؟قال صاحب الجواهر:«المشهور كما حكاه غير واحد السقوط».و بعد أن ناقش القائلين بعدم سقوطها،و رد أدلتهم قال:«و بذلك كله ظهر لك ما في أدلة عدم السقوط،و ان الأولى خلافه»أي الأولى الثبوت،لا السقوط.

شروط القصر:

اشارة

لقصر الصلاة في السفر شروط،لا بد من وجودها،بحيث إذا انتفى أحدها انتفى القصر و وجب التمام،و هي:

المسافة:
اشارة

1-السفر،و ليس المراد من السفر هنا معناه العرفي،بحيث يكون المسافر عرفا هو نفس المسافر شرعا،كلا،و انما المراد منه معنى خاص يبينه و يحدده الشارع بالذات،و لذا من لم يقصد السفر مسافة خاصة،أو قصد المعصية من سفره،أو أقام عشرة أيّام في مكان خاص أثناء سفره،أو اتخذ السفر مهنة له،كل هؤلاء ليسوا في نظر الشارع مسافرين،كما يأتي،و اذن،للشارع حقيقة شرعية و اصطلاح خاص في معنى السفر.و من هنا يتبين الخلط و الجهل في قول من قال:

ان وجوب القصر و الإفطار في السفر كان يوم السفر قطعة من سقر كما عبر الأوائل، حيث لا وسيلة له إلاّ الاقدام و الدواب و الجمال،و أمّا اليوم،و بعد الطيارة و السيارة،فقد أصبح السفر نزهة ممتعة،و لم يبق من سبب موجب للقصر و الإفطار،لقد خلط هذا القائل بين الشرع و العرف«في باب العبادات»،و ذهل عن

ص:251

أن معنى السفر عند العرب و الناس شيء،و معناه عند الشرع المقدس،و في الصوم و الصلاة خاصة شيء آخر.

و مهما يكن،فان على من يتكلم في مسائل دينية و شرعية أن لا يعتمد على مجرد إدراكه و فهمه،لأن دين اللّه لا يصاب بالعقول،كما قال أهل البيت عليهم السّلام،بل عليه أن يرجع إلى مصادر الدين و الشريعة،و يستنطقها بمعرفة و روية،و قبل أن نرجع إلى هذه المصادر نمهد بما يلي:

لو افترض أن الشارع حدد السفر الموجب لقصر الصلاة و الإفطار بالمساحة و المكان،لا بالساعات و الزمان،و قال هكذا:إذا سافرت ثمانية فراسخ فقصر و أفطر.وجب،و الحال هذه،على من قطع و تجاوز هذه المسافة القصر و الإفطار،سواء استغرق قطعها ثانية،أم يوما و ليلة.

و لو افترض أنّه حدد السفر بالساعات و الزمان،لا بالمساحة و المكان، و قال هكذا:إذا سافرت يوما كاملا فقصر و أفطر.وجب على من استغرق سفره اليوم بكامله أن يقصر و يفطر،حتى و لو لم يقطع إلاّ فرسخا واحدا،و إذا لم يستغرق السفر اليوم من أوله إلى آخره،فلا يقصر و لا يفطر،و ان قطع ألف فرسخ.

و لو افترض أنّه حدد السفر بالزمان و المكان معا،و قال:على من قطع في اليوم الواحد ثمانية فراسخ أن يقصر و يفطر.وجب على من سافر يوما كاملا و قطع فيه هذه المسافة القصر و الإفطار،و إذا قطع ألف فرسخ،و لم يستغرق السفر تمام اليوم،أو استغرقه،و قطع ثمانية فراسخ إلاّ مترا،فلا يجوز القصر و لا الإفطار.

و لو افترض أنّه أوجب القصر و الإفطار بأحد الأمرين غير المعين،و قال:

إذا سافرت يوما كاملا،أو قطعت ثمانية فراسخ فقصر و أفطر.وجب القصر و الإفطار على من سافر اليوم بكامله،و ان لم يقطع الفراسخ الثمانية،و على من

ص:252

قطعها و ان لم يستغرق سفره اليوم،و لا يجوز القصر و الإفطار لمن قطع دون الثمانية في أقل من يوم.

و تسأل:و أي شيء اعتبر الشارع من هذه؟هل اعتبر الزمان فقط،أو المكان فقط،أو هما معا،أو أحدهما غير المعين؟

الجواب:

ان من تتبع أخبار أهل البيت عليهم السّلام و آثارهم وجد أن بعضها يحدد السفر بالمساحة و المكان،فقد روى الفضل بن شاذان أن الإمام الرضا عليه السّلام كتب إلى المأمون:«التقصير في ثمانية فراسخ و ما زاد،و إذا قصرت أفطرت».و روى محمد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السّلام أنّه قال:«يجب التقصير في بريدين».و البريد أربع فراسخ (1).

و منها ما يدل على التحديد بالزمان،فقد روى ابن يقطين عن الإمام الرضا عليه السّلام أنّه قال:«يجب التقصير في مسيرة يوم».

و منها ما يدل على التحديد بأحدهما،فقد روى أبو بصير أنّه سأل الإمام الصادق عليه السّلام:في كم يقصر الرجل؟قال:«في بياض يوم،أو بريدين».

و الرواية الأولى التي اعتبرت التحديد بالمكان تلازم هذه الرواية،و لا تنفك بحال،لأن من قطع ثمانية فراسخ وجب عليه القصر بمنطوق الروايتين.

و لا بد من حمل هذه الروايات و ما جرى مجراها على معنى واحد،بحيث يكون هو الأصل و الأساس،و ما عداه محمول عليه و مؤول به،و هذا المعنى الاساسي لا يخلو من واحد من ثلاثة:امّا المكان فقط،أي ثمانية فراسخ،و امّا

ص:253


1- الفرسخ 5760 مترا،و عليه تكون الأربعة فراسخ 23 كيلو مترا،و أربعين مترا،و الثمانية 46 كيلو مترا،و ثمانين مترا-معجم اللغة للشيخ أحمد رضا.

الزمان فقط،و هو بياض يوم،و امّا أحدهما غير المعين،و لكن الأدلة تعين الفراسخ الثمانية،و ما عداها كاليوم مفسر بها،و هذه الأدلة هي:

أولا:ان اليوم لا ضابط له،لأنّه يختلف طولا و قصرا باختلاف الفصول، بخلاف الفراسخ فإنها على وتيرة واحدة،و اذن،لا بد من تفسير اليوم بالفراسخ دون العكس،و قد تنبه عبد الرحمن بن الحجاج إلى اختلاف الأيام و تفاوتها، و سأل الإمام الصادق عليه السّلام عن ذلك،و فسر الإمام اليوم بالفراسخ.

قال عبد الرحمن:قلت للإمام عليه السّلام:كم أدنى ما يقصر فيه الصلاة؟قال:

جرت السنة ببياض يوم.قلت له:أن بياض يوم يختلف،يسير الرجل خمسة عشر فرسخا في يوم،و يسير الآخر أربعة فراسخ،و خمسة فراسخ في يوم.قال:

ليس إلى ذلك ينظر،أما رأيت سير هذه الأثقال بين مكة و المدينة،ثم أومأ بيده أربعة و عشرين ميلا تكون ثمانية فراسخ.

و مثلها رواية سماعة،قال:سألته عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟قال:

في مسيرة يوم،و ذلك بريدان،و هما ثمانية فراسخ.و بعد أن فسر الإمام اليوم بالفراسخ،فلا يبقى مجال لتحديد السفر بالزمان.

ثانيا:ان الإنسان قد يسير في اليوم ثمانية فراسخ،و قد يسير أكثر،و قد يسير أقل من ذلك،فمسير اليوم شامل للثمانية و غيرها،و لا بد من حمل المطلق على المقيد،هذا،إلى أن الروايات الدالة على المساحة و المكان أكثر بكثير مما دل على اليوم و الزمان.

ثالثا:إجماع الفقهاء على أن من سار ثمانية فراسخ وجب عليه القصر و الإفطار،و ان قطعها في أقل من يوم،قال صاحب الجواهر:«ان الإجماع بقسميه متحقق في قطع البريدين،و ان كان بعض اليوم».و قال صاحب مصباح الفقيه

ص:254

«فالعبرة ببلوغ هذا الحد،سواء أ قطعها في يوم،أم أقل،أم أكثر،و الحد الحقيقي بريدان،و هما ثمانية فراسخ».

و مما قدمنا تبين أن للشارع حقيقة شرعية،و اصطلاحا خاصا في معنى السفر و السير الموجب للقصر و الإفطار،و أنّه حدد هذا المعنى،و فسره في ثمانية فراسخ،و بديهة أنّه لا اجتهاد في قبال النص،بخاصة في العبادات،و لا وجه فيها للفلسفات،و التفسير بالأوقات،و التعليق على الاتعاب و المشقات.

التلفيق من الذهاب و الإياب:

قيل للإمام الصادق عليه السّلام:ما أدنى ما يقصر فيه المسافر الصلاة؟قال:بريد ذاهبا،و بريد جائيا.

و سئل عن التقصير؟قال:في أربعة فراسخ.

و سئل أبوه الإمام الباقر عليهما السّلام عن ذلك؟فقال:بريد.فتعجب السائل،و قال:

بريد!فقال له الإمام عليه السّلام:أنّه ذهب بريدا،و رجع بريدا،فقد شغل يومه.

الفقهاء:

اتفقوا على عدم الفرق في الفراسخ الثمانية بين أن تكون امتدادية،بحيث يقطعها المسافر في ذهابه فقط،و بين أن تكون ملفقة من أربعة أو أكثر ذهابا، و أربعة أو دونها إيابا،بحيث يكون المجموع من الذهاب و الإياب ثمانية فراسخ، على أن لا ينقص الذهاب عن الأربعة،و على أن يعود المسافر إلى بيته في ضمن ال 24 ساعة التي سافر فيها.

و أيضا اتفقوا على أن هذا السفر لا يقصر و لا يفطر إذا نوى الإقامة عشرة

ص:255

أيّام في البلد الذي قصده،و لم يرد الرجوع فيما دون العشرة،و اتفقوا أيضا على أن من تردد ذاهبا و عائدا في أقل من أربعة فراسخ يوما كاملا،لم يجز له القصر و الإفطار،لأن قول الإمام عليه السّلام:بريد ذاهبا و بريد جائيا يدل بصراحة على أن يكون المجموع من ذهاب واحد و إياب واحد ثمانية فراسخ،لا من ذهابات و ايابات متعددة،و اختلفوا في مسألتين:

الأولى:إذا كان طريق الذهاب أقل في أربعة فراسخ،و طريق الإياب أكثر من أربعة،و لكن المجموع ثمانية،فهل يقصر و يفطر أو لا؟قال السيد كاظم صاحب العروة الوثقى:يقصر و يفطر على الأقوى.

الثانية:إذا لم يرجع ليومه،بل بقي أياما و لكنها دون العشرة.قال صاحب الجواهر:«يقصر و يفطر،لأن العبرة في المسافة قصدها لا قطعها في يوم واحد»، و يبقى على الصوم و التمام لو نوى اقامة عشرة أيّام،لأنه بذلك ينقطع سفره،كما يأتي:

قصد المسافة:
اشارة

2-قصد المسافة،سئل الإمام الصادق عليه السّلام عمن خرج من بغداد يلحق رجلا،حتى بلغ النهروان؟قال:لا يقصر و لا يفطر،لأنه خرج من منزله،و ليس مريدا للسفر ثمانية فراسخ،و انما خرج ليلحق صاحبه في بعض الطريق،فتمادى به السير إلى الموضع الذي بلغه.

الفقهاء:

قالوا:الشرط الثاني من شروط القصر أن يقصد السير ثمانية فراسخ امتدادية أو ملفقة من أول الأمر،فمن خرج من بيته دون هذا القصد،كمن ذهب

ص:256

في طلب حاجة يرجع إلى مقره ساعة يجدها،فلا يقصر إلاّ إذا كان قد قطع ثمانية فراسخ،فإنه يقصر من حين شروعه بالرجوع،حيث تشمله،و الحال هذه،الأدلة الدالة على وجوب القصر.

و إذا قطع أقل من ثمانية فراسخ بدون قصدها،ثم تجدد له القصد بان يقطع فراسخ أخرى،و كان المجموع منها و من فراسخ العودة ثمانية فراسخ،قصر و أفطر،على شريطة أن يكون عازما على الرجوع حين تجدد القصد،و بكلمة أن الضابط للقصر هو أن يقصد السير ثمانية فراسخ من البدء،بحيث يجمعها بكاملها في قصد واحد،أما لو قصد أولا أربعة،ثم قصد خمسة،ثم قصد ستة،أو سبعة، فلا يقصر،مع العلم بأن المجموع ثمانية،أو أكثر.

و كما يجب قصد السفر يجب أيضا استمرار هذا القصد،فلو عدل،أو تردد،و هو في أثناء الطريق انتفى الشرط،و يكفي قصد كلي السفر من حيث هو بصرف النظر عن الافراد و المقاصيد،فلو قصد دمشق-مثلا-ثم عدل في الأثناء إلى القاهرة،فلا بأس ما دام أصل القصد متحققا،و بكلمة أن المراد من القصد و استمراره في قبال عدم القصد بالمرة.

و لا فرق في قصد المسافة الشرعية بين أن يكون بالأصالة،أو بالتتبع، كالزوجة تتبع الزوج،و الخادم يتبع المخدوم،و لا بين أن يحصل القصد بالإرادة و الاختيار،أو بالإكراه و الاضطرار،كالأسير ما دام على علم من قطع المسافة.

إقامة عشرة أيّام:
اشارة

3-الشرط الثالث أن لا يقطع سفره بنية الإقامة عشرة أيام،قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا دخلت بلدا،و أنت تريد المقام عشرة أيّام،فأقم الصلاة حين تقدم،و ان أردت المقام دون العشرة،فقصر،و ان أقمت تقول:غدا أخرج،أو

ص:257

بعد غد،و لم تجمع على عشرة،فقصر ما بينك و بين شهر،فإذا تم الشهر فأتم الصلاة.

الفقهاء:

اتفقوا كلمة واحدة على العمل بهذه الرواية،و قالوا:إذا قصد المسافة الشرعية،و لكنه في الوقت نفسه قصد أن يقيم في أثنائها،و قبل تجاوزها عشرة أيّام في مكان خاص.انقطع سفره،و وجب عليه التمام،و كذا إذا تجاوزها، و لكنه بعد أن وصل إلى رأسها نوى الإقامة عشرا،فإنه يتم،و لا يعود إلى القصر إلاّ إذا أنشأ سفرا جديدا مع سائر الشروط،تماما كما يخرج من بيته.

و من تجاوز المسافة،و وصل إلى البلد الذي يريد،و لم ينو الإقامة عشرة أيّام و بقي فيه مترددا،فإنه يقصر و يفطر شهرا كاملا،و عليه بعد انتهاء الشهر أن يتم،حتى و لو لم يبق له إلاّ ساعة واحدة.

الوطن:

ليس للشارع حقيقة شرعية و اصطلاح خاص في معنى الوطن،فإذا جاء لفظه موضوعا في الأدلة الشرعية رجعنا في تفسيره و تحديده إلى العرف،تماما كغيره من الموضوعات التي أو كل الشارع إدراكها و تفهمها إلى الناس،و إذا أعطى الشارع حكم الوطن لمكان ما فليس معنى ذلك أن الشارع قد اعتبره وطنا شرعيا، أو أعطاه هذا الحكم لأنه وطن في الواقع،كلا،فان من نوى الإقامة عشرة أيام،أو تردد ثلاثين يوما،بحكم المواطن عند الشارع،مع العلم بانتفاء الوصف عنهما، بخاصة بعد أن عرفنا أن من طريقة الشارع أن يجمع في حكم واحد بين

ص:258

المتفرقات،و يفرق في أحكامه بين المجتمعات.

و كل من اقام في مكان بنية الاستيطان الدائم،يصبح ذاك المكان وطنا له عرفا و لغة و شرعا،سواء أ كان له ملك فيه أم لم يكن،و سواء امضى عليه ستة أشهر أم لم يمض،و قد يكون للمرء وطنان أو أكثر،كما لو نوى أن يصيف في بلد،و يشتي في آخر مدى حياته،أو كانت له زوجتان في بلدين،و يقيم عند كل منهما أسبوعا أو شهرا ما دام حيا.و من اعرض عن بلد بعد أن اتخذه وطنا،يصير أجنبيا عنه،حتى و لو كان له فيه ملك،بل كان له بكامله أرضا و حجرا و شجرا.

و اتفق الفقهاء على أن من شرط التقصير أن لا يقطع المسافر سفره بالوصول إلى هذا الوطن،و لا بنية الإقامة عشرة أيام،و لا بالبقاء مترددا في بلد ثلاثين يوما،و اختلفوا فيمن وصل إلى بلد لم يتخذه وطنا،و لكن كان له فيه ملك، هل ينقطع سفره أو لا؟قال صاحب مفتاح الكرامة:«المشهور بين المتأخرين الاكتفاء بمجرد الملك،و لو نخلة واحدة،بشرط الاستيطان ستة أشهر،و هو خيرة العلامة و المحقق و من تأخر عنهما.و في التذكرة:لو كان له في أثناء المسافة ملك قد استوطنه ستة أشهر،انقطع سفره بوصوله إليه،و وجب عليه التمام عند علمائنا،سواء عزم على الإقامة فيه،أو لا،و في الروض دعوى الإجماع على هذه العبارة دون تفاوت في المعنى».

و على هذا يكون الوصول إلى الوطن قاطعا للسفر،و في حكمه واحد من ثلاثة:نية الإقامة عشرة أيام،و التردد ثلاثين يوما،و الوصول إلى بلد له فيه ملك، على شريطة أن يكون قد استوطن فيه ستة أشهر متواصلة،و ان استوطن الستة دون أن يملك،أو ملك دون أن يستوطن،فلا ينقطع السفر.

و مرة ثانية نكرر و نؤكد أن الشارع ليس له حقيقة شرعية و لا اصطلاح خاص

ص:259

في معنى الوطن،و ان الوطن شيء،و إعطاء حكم الوطن لمكان ما شيء آخر.

اباحة السفر:
اشارة

4-قال الإمام الصادق عليه السّلام:من سافر قصر و أفطر،إلاّ أن يكون رجلا سفره إلى صيد،أو في معصية اللّه،أو رسولا لمن يعصي اللّه،أو في طلب شحناء،أو سعاية،أو ضرر على قوم مسلمين.

و سئل عن الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين أو ثلاثة،هل يقصر،أو يتم؟قال:ان خرج لقوته و قوت عياله فليفطر و ليقصر،و ان خرج لطلب الفضول فلا و لا كرامة.

الفقهاء:

من شروط القصر و الإفطار في السفر أن لا يكون الدافع و الباعث الأول عليه المعصية و فعلها،كمن سافر لغاية الاتجار بالخمر،أو لقتل بريء،أو لشهادة زور، أو لإثارة الفتن و القلاقل،و ما إلى ذاك.فان كانت الغاية الأولى من السفر فعل الحرام،وجب الصوم و التمام،و ان كانت الغاية و الدافع أمرا محللا،و لكن فعل الحرام في أثناء السفر كما يفعله،و هو في بلده و في بيته،يقصر و يفطر،و الضابط أن لا يكون السفر محرما بذاته،كالهارب من وجه العدالة،أو يكون لغاية محرمة، كمن سافر للسلب و النهب،أمّا لو حصل فعل الحرام حال السفر و في أثنائه فلا ينقطع السفر.

و لو سافر منذ البداية بقصد الحرام،و في أثناء الطريق تاب و أناب،أنشأ سفرا جديدا،و قصر و أفطر،إذا توافرت الشروط،على أن يكون ما قطعه بحكم العدم.و إذا سافر لغاية محللة،و في الطريق عدل بقصده إلى الحرام من السفر،

ص:260

أتم و صام،حتى و لو كان الذي قطعه بقصد الطاعة ثمانية فراسخ،أو أكثر.

الصيد:

الصيد على أنواع ثلاثة:فتارة يصطاد الإنسان لقوته و قوت عياله،و أخرى يصطاد للاتجار،و حينا يصطاد للهو.و الأول حلال بالاتفاق،و من سافر له يقصر و يفطر،و الثاني محل خلاف بين الفقهاء القدامى و الجدد،فأكثر الأوائل على التحريم،و لكنهم فرقوا بين الصيام و الصلاة في السفر من أجله،و قالوا:ان المسافر لصيد التجارة يفطر و لا يقصر،و أكثر الأواخر على أنّه حلال،و المسافر له أن يفطر و يقصر.

و نحن دائما مع الجدد من الفقهاء العارفين المخلصين،لما بيناه في فصل «قضاء الصلاة»هذا،إلى أن التفكيك بين الصيام و الصلاة لا نفهم له وجها بعد ما ثبت عن الإمام:«إذا قصرت أفطرت و إذا أفطرت قصرت».

الثالث،أي صيد اللهو محرم عند أكثر القدامى و الجدد،و لكن الشيخ الهمداني بعد أن نقل هذه الفتوى في فصل صلاة المسافر قال ما نصه بالحرف:

«و لكن حكي عن المقدس البغدادي أنّه أنكر حرمته-أي حرمة صيد اللهو-أشد الإنكار،و جعله كالتنزه بالمناظر البهجة،و المراكب الحسنة،و مجامع الأنس و نظائرها مما قضت السيرة القطعية بإباحتها».

ثم أطال الشيخ الهمداني الكلام حول فتوى المقدس البغدادي،و يظهر منه الميل إليها،و يتلخص قوله مع التصرف باللفظ و التعبير فقط من التوضيح، يتلخص بأن أقوال أهل البيت عليهم السّلام لا تدل على تحريم الصيد،و انما دلت على وجوب إتمام الصلاة في السفر من أجله،و بديهة ان الإتمام شيء،و التحريم

ص:261

شيء آخر،فالإتمام واجب على من كان السفر مهنة له،و على من نوى الإقامة عشرة،و على المتردد،مع العلم بأن امتهان السفر و نية الإقامة و التردد كل ذلك حلال.

ظهور الخطأ:

و تسأل:إذا اعتقد أن سفره محرم فأتم الصلاة،ثم تبين له الخطأ في اعتقاده،و ان السفر كان مباحا،فهل يجب عليه أن يعيد قصرا،و لو افترض أنّه لم يصل في سفره،فهل يقضي قصرا أو تماما؟

الجواب:

ان جميع الأحكام الشرعية تتعلق بموضوعاتها الواقعية،من حيث هي، بصرف النظر عن العلم بها،إلاّ إذا ثبت بالدليل على تقييد موضوعها بالعلم،و لا دليل هنا،و اذن،تكون العبرة بالواقع،و يجب عليه أن يصلي بعد انكشاف الخلاف قصرا،سواء أ كان قد صلى تماما،أم لم يكن قد صلى إطلاقا،و يكون معذورا ما دام الواقع لم ينكشف لديه.

امتهان السفر:
اشارة

5-الشرط أن لا يكون السفر عملا له،قال الإمام الصادق عليه السّلام:الاعراب لا يقصرون،ذلك أن منازلهم معهم.

و قال:خمسة يتمون في سفر كانوا أو حضر:الكري،و الاشتقان، و الراعي،و الملاح،لأنه عملهم (1).

ص:262


1- قيل ان الكري أجير المكاري الذي يتبع دوابه،و الاشتقان ساعي البريد.
الفقهاء:

قالوا:من لم يتخذ وطنا على الإطلاق لا يقصر،و لا يفطر في شهر رمضان، كالسائح مدى حياته،و الأعرابي يطلب الماء و الكلأ أين وجدهما.

و كذا لا يقصر و لا يفطر من اتخذ السفر عملا له،كسائق سيارة للايجار،ان امتد سفره المستمر ثمانية فراسخ،و بالأولى ان كان دون ذلك،و كالملاح،و قائد الطائرة،و من اتخذ التجارة في السفر حرفة و صنعة،بحيث تكون تجارته معه أينما ذهب،و لا حانوت خاص له،تماما كالاعرابي الذي بيته معه،كما عبر الإمام عليه السّلام.

و إذا أقام أحد هؤلاء في بلدة عشرة أيّام،انقطعت مهنته،و قصر في السفرة الأولى،و أتم في الثانية،و لا فرق بين أن يكون قد نوى الإقامة عشرا في بلدة منذ البداية،أو لم ينو،أمّا المكوث عشرة في غير بلدة،فلا يقطع المهنة إلاّ مع نية الإقامة منذ البداية.و هذا التفريق بين البلد و غيره ذكره كثيرون من الفقهاء،و ادعى بعضهم عليه الإجماع.و لكن كلمات أهل البيت عليهم السّلام لا اشارة فيها من قريب و لا من بعيد إلى ذلك،و لا إلى التردد ثلاثين.و انما ذكر أهل البيت عليهم السّلام نية الإقامة و التردد في قواطع السفر،فإلحاق عمل السفر بها قياس باطل.

و الحق ان إقامة العشرة قاطعة لعمل السفر في البلد و غير البلد،و مع النية و بدونها،لأن الرواية التي وصفها الشيخ الهمداني و غيره بأنها الأصل في الحكم، خالية عن ذكر النية إطلاقا،و هذا هو نص الرواية:«سألت الإمام الصادق عليه السّلام عن حد المكاري الذي يصوم،و يتم؟قال:أي مكار أقام في منزله،أو في البلد الذي يدخله أقل من عشرة أيّام،وجب عليه الصيام و التمام أبدا،و ان كان مقامه في منزله،أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام-أي عشرة و ما فوق-فعليه

ص:263

التقصير و الإفطار».

قال صاحب مصباح الفقيه:ان هذه الرواية،و ان كانت ضعيفة السند، و لكن الفقهاء عملوا بها،و هي أقوى و أصح سندا من جميع الروايات في هذا الباب،و اذن،فالتشكيك فيها لضعف السند في غير محله بعد البناء على أن عمل الفقهاء يجبر هذا الضعف.

صاحب الوظيفة و العمل:

هنا مسألة كثر الكلام حولها،و التساؤل عن حكمها،لكثرة حدوثها و ابتلاء الناس بها،و هي ان الإنسان-بعد تيسير المواصلات،و قربها-قد يستوطن هو و أهله و عائلته في بلد غير البلد الذي فيه وظيفته و عمله،و يذهب كل أسبوع مرة أو أكثر إلى عمله،ثم يعود إلى بيته في نفس اليوم،أو في اليوم التالي،و قد يبقى على ذلك سنوات،أو مدى حياته كلها،فما ذا يصنع:هل يقصر و يفطر،أو يتم و يصوم؟مع العلم بأن بين وطنه و بين وظيفته أو عمله ثمانية فراسخ،أو تزيد، و انه لا يقيم في بيته أو في مقر عمله عشرة أيام متواليات.

الجواب:

و يتوقف الجواب عن هذا التساؤل على معرفة ان البقاء على التمام و عدم الإفطار في شهر الصيام هل هما متعلقان باتخاذ السفر حرفة و مهنة،بحيث يكون عمله السفر بالذات،كما هو الشأن في المكاري و شبهه،بصرف النظر عن كثرة الأسفار و قلتها،أو أن التمام و الصيام يتعلقان بوصف أن لا يقيم الإنسان في بلده عشرة أيام متواليات أبدا،بحيث تكون العبرة بكثرة الأسفار،لا باتخاذ السفر حرفة و مهنة.و على الأول يقصر هذا و يفطر،لأن المفروض أنّه لم يتخذ السفر

ص:264

حرفة و مهنة و هي التي أنيط بها حكم الصيام و التمام،بل وظيفته شيء آخر غير السفر و ان كانت بذاتها تستدعي كثرة الأسفار إلاّ أن كثرة السفر شيء،و امتهانه شيء آخر،و على الثاني لا يقصر و لا يفطر،لأن المفروض أنّه كثير السفر،و ان حكم الصيام و التمام قد أنيط بالكثرة،لا بالحرفة و المهنة.

و الحق الذي عليه الكل،و الجل من الفقهاء،و الذي يستفاد من كلمات أهل البيت عليهم السّلام هو الأول.و ان الصيام و التمام منوطان بالحرفة و الامتهان،لا بكثرة الأسفار،و عدم الإقامة في البلد عشرة أيّام،و يدل عليه بصراحة و وضوح قول الامام عليه السّلام:«لأن السفر عملهم».و على هذا يقصر و يفطر صاحب الوظيفة و العمل كأي إنسان لم يمتهن السفر،و لم يكثر منه.

تواري الجدران و الأذان:
اشارة

6-الشرط السادس و الأخير ان المسافر لا يجوز له أن يفطر و يقصر بمجرد العزم على السفر،أو بمجرد خروجه من بيته أو بلده،بل لا بد أن يبتعد عن البلد مسافة لا يسمع معها الأذان على تقدير وجوده،و لا يرى الجدران،و كذلك المسافر إذا عاد يصير حاضرا بمجرد الوصول إلى الحد الذي يسمع معه الأذان، و يرى الجدران،و يجب عليه التمام و الصيام،و ان لم يدخل البلد،فضلا عن بيته و منزله.

قال الإمام الصادق عليه السّلام:يقصر إذا توارى من البيوت.

و قال عليه السّلام:إذا كنت في الموضع الذي تسمع الأذان فأتم،و إذا كنت في الموضع الذي لا تسمع الأذان فيه فقصر،و إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك.

ص:265

الفقهاء:

بعد أن اتفقوا على العمل بهاتين الروايتين و ما في معناها،اختلفوا و أطالوا الكلام و الاختلاف في أن المراد هل هو خفاء الأذان و الجدران بحيث لا بد من اجتماعهما معا،أو يكفي خفاء أحدهما،و لو افترض أن أحدهما كان أبعد مدى من الآخر فما ذا نصنع؟هل نأخذ بالقريب أو البعيد،أو نحتاط.و على افتراض الأخذ بأحدهما هل نأخذ به مخيرين بدون الرجوع إلى المرجحات،أو لا بد من الترجيح،و على افتراض عدم وجود المرجح فما هو العمل؟و ذكروا هنا كلاما فيه علم و صناعة،كتقييد كل من المفهومين بمنطوق الآخر،و لكن لا فائدة كبيرة من ورائه.

و الذي نعتقده أن مراد الإمام الأول و الأخير ان الإنسان لا يصير مسافرا إلاّ إذا بعد قليلا عن البلد،بحيث يعدّ في نظر الناس أنّه ذهب و سافر،كما أن المسافر يصير حاضرا إذا دنا و قرب منه،و لذا يهنئونه بالعودة سالما متى أوشك على الدخول و الوصول،و ان لم يدخل بعد،و قد عبر الإمام عليه السّلام عن هذا المدى القريب بخفاء الأذان تارة،و الجدران أخرى على سبيل التقريب و التسامح الذي يغتفر فيه التفاوت اليسير،فهما-اذن-علامتان على هذا المدى،و ليسا من الأسباب الشرعية،و عليه يكتفي بإحداهما،و لا يشترط اجتماعهما معا،و لا داعي للاحتياط و التحفظ.

و إذا شك في بلوغه إلى حد الترخيص بقي على ما كان من التمام و الإمساك في الذهاب،و القصر و عدم الإمساك في الإياب،عملا بالاستصحاب.

ص:266

أحكام صلاة المسافر

التلازم بين القصر و الإفطار:

كل موضع يجب فيه قصر الصلاة حتما،يجب فيه الإفطار في شهر رمضان كذلك،و بالعكس (1)لقول الإمام:«إذا قصرت-أي وجوبا-أفطرت،و إذا أفطرت قصرت».و بكلمة:ان شروط قصر الصلاة و الإفطار واحدة.

و كما أن صوم رمضان لا يجوز في السفر كذلك قضاؤه أيضا،و يأتي التفصيل في باب الصوم ان شاء اللّه تعالى.

المواطن الأربعة:

يتخير المسافر بين القصر و التمام،و التمام أفضل من أربعة مواطن،و هي:

حرم اللّه عزّ و جلّ،و حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:و مسجد الكوفة،حيث قتل أمير المؤمنين عليه السّلام:و الحائر الحسيني.قال الإمام الصادق عليه السّلام:من مخزون علم اللّه

ص:267


1- إلاّ في ثلاثة موارد:الأول في الأماكن الأربعة:حرم اللّه،و حرم الرسول،و مسجد الكوفة، و الحائر الحسيني حيث يتخير المسافر بين الصلاة قصرا،و تماما،و يتعين عليه الإفطار،الثاني: المسافر إذا خرج من بيته بعد الزوال يبقى على الصيام و يقصر،الثالث:المسافر يصل إلى بيته بعد الزوال،فإنه يتم،و يفطر.

الإتمام في أربعة مواطن:حرم اللّه،و حرم الرسول،و حرم أمير المؤمنين،و حرم الحسين بن علي.و في هذا المعنى روايات تجاوزت حد التواتر.

و غير بعيد أن تكون الحكمة في ذلك الإشارة إلى أن هذه المواطن المقدسة هي وطن الروح و القلب للإنسان،بخاصة المؤمن المخلص.

التمام في موضع القصر:

من أتم الصلاة عالما عامدا،مع توافر شروط القصر،بطلت صلاته،و عليه الأداء داخل الوقت،و القضاء في خارجه،لأن ما أتى به غير ما أمر به.

و من أتم جاهلا بالحكم الشرعي،و أن المسافر يجب عليه القصر صحت صلاته،و لا يعيد إطلاقا،لا في الوقت،و لا في خارجه،و على هذا كل الفقهاء،أو جلهم.و دليلهم أن الإمام الصادق عليه السّلام سئل عن رجل صام في السفر؟فقال:«ان كان بلغه ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نهى عن ذلك فعليه القضاء،و ان لم يبلغه فلا شيء عليه».و في معنى هذه الرواية كثير غيرها،و هي و ان كانت مختصة بالصوم إلاّ أنّه لا قائل بالفصل بين الصوم و الصلاة،لما تقدم من قول الإمام:إذا أفطرت قصرت، و إذا قصرت أفطرت.

و تقول:كيف يعقل هذا،و يجتمع مع القول بأن الأحكام الشرعية تعم العالم و الجاهل على السواء،و أن من صلى صلاة لا يعرف أحكامها فهي باطلة، حتى و لو كان جاهلا عن قصور؟ الجواب:

ان الواجب الأول هو القصر في السفر،و لكن اكتشفنا من هذه الروايات الصحيحة أن الشارع قد أسقط هذا الواجب عن الجاهل إذا صلى تماما،تفضلا

ص:268

منه و كرما،و انّه أسقط أيضا وجوب قضاء الصوم كذلك على من صام في السفر جهلا،و لا محذور أبدا من المنة و التفضل،بل على العكس،و مثله إذا أخفت جهلا في مكان الجهر،أو جهر في مكان الإخفات،و بسقوط التكليف يسقط العقاب أيضا،و لا يلتفت إلى قول من قال من الفقهاء بأن هذا الجاهل معاقب و ان صح عمله،بخاصة ان الحديث عن العقاب لا يدخل باختصاص الفقهاء،و ان واجبهم منحصر بالكلام عن الحلال و الحرام،و الطاهر و النجس،و الصحيح و الفاسد فقط.

و من أتم الصلاة ناسيا،لا عامدا،و لا جاهلا فان تذكر قبل خروج وقت الصلاة،أعاد،و إلاّ فلا قضاء عليه،فلقد سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن رجل ينسى، فيصلي بالسفر أربع ركعات؟قال:إذا ذكر في ذلك اليوم-أي قبل خروج وقت الصلاة-فليعد،و ان كان الوقت قد مضى فلا.

السفر بعد الوقت:

إذا دخل الوقت،و هو حاضر،ثم سافر،و أخر الصلاة ليؤديها في سفره، فهل يأتي بها أربعا،معتبرا حال الوجوب،لأنّه لو أداها في أول الوقت لأتى بها تامة،أو يأتي بها ركعتين معتبرا حال فعلها و أدائها؟و إذا دخل الوقت،و هو مسافر،ثم صار حاضرا،فهل يأتي قصرا،أخذا بحال الوجوب،أو تماما،أخذا بحال الأداء؟ و اختلف الفقهاء على أقوال تبعا لاختلاف الروايات،فمن قائل بأن العبرة بحال الأداء،و من قائل بل بحال الوجوب،و قائل بالتخيير،و رابع مفصل بين من كان حاضرا فصار مسافرا،و بين من كان مسافرا فصار حاضرا.

ص:269

و الذي نختاره أن يلحظ المصلي الحال التي هو فيها عند الصلاة،بصرف النظر عما كان قبلها،فان كان مسافرا حين الصلاة،قصر،و ان كان حاضرا أتمّ، بديهة أن الأحكام تتبع الأسماء وجودا و عدما.

خروج ناوي الإقامة:

إذا نوى الإقامة عشرة أيّام في بلد ما،ثم خرج منه إلى ما دون أربعة فراسخ، و عاد إلى محل الإقامة،هل ينتقض العزم على الإقامة بذلك،و لا يصح التمام و الصيام،أو تبقى الإقامة على حالها،و يتم الصلاة،و يصوم؟ و قد تضاربت أقوال الفقهاء،و لم يأتوا بشيء تركن إليه النفس في هذه المسألة،إذ كل أدلتهم أو جلها استحسان.و خيرها جميعا ما ذكره صاحب العروة الوثقى من أنه إذا رجع في يومه و قبل المبيت يبقى على الإقامة،لأن العرف، و الحال هذه،لا يسلب عنه اسم المقيم،و بديهة أن الأحكام تتبع الأسماء،بل النائيني في حاشيته على العروة الوثقى قال:«بل و ان كان ناويا مبيت ليلة على الأظهر».

العدول عن الإقامة:

إذا نوى الإقامة عشرة أيام،و قبل أن يصلي صلاة تامة عدل عن نيته،فعليه أن يقصر و لا يتم،و إذا عدل بعد أن صلى صلاة تامة،يبقى على التمام.و يدل عليه أن أبا ولاد قال للإمام الصادق عليه السّلام:كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم عشرة أيام،فأتم الصلاة،ثم بدا لي بعد أن لا أقيم بها،فما ترى لي أتم،أم أقصر؟ فقال:«ان كنت دخلت المدينة و صليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام،فليس لك

ص:270

أن تقصر،حتى تخرج عنها،و ان كنت دخلتها على نيتك المقام فلم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام،حتى بدا لك أن لا تقيم،فأنت في تلك الحال بالخيار، ان شئت فانو المقام عشرة أيّام و أتم،و ان لم تنو المقام،فقصر ما بينك و بين شهر،فإذا مضى لك شهر-أي مع التردد و عدم نية الإقامة عشرة-فأتم الصلاة».

ص:271

ص:272

صلاة الجمعة

الحث على صلاة الجمعة:

قال اللّه تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (1).

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:من ترك الجمعة ثلاثا من غير علة طبع اللّه على قلبه.

و قال زرارة:حثنا الإمام الصادق عليه السّلام على صلاة الجمعة،حتى ظننت أنّه يريد أن نأتيه،فقلت:نغدوا عليك؟فقال:لا،انما عنيت عندكم.

صورة صلاة الجمعة:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:صلاة الجمعة مع الإمام ركعتان.انما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة،حتى ينزل الإمام.و قال يلبس الإمام البرد و العمامة،و يتوكأ على قوس أو عصا،و ليقعد قعدة بين الخطبتين، و يجهر بالقراءة الأولى منهما قبل الركوع.

ص:273


1- الجمعة:9. [1]

و سأله محمد بن مسلم عن صلاة الجمعة؟فقال:بأذان و إقامة،يخرج الإمام بعد الأذان،فيصعد المنبر،فيخطب،و لا يصلي الناس ما دام الإمام على المنبر،ثم يقعد الإمام على المنبر قدر ما تقرأ قل هو اللّه أحد،ثم يقوم،فيفتح خطبة،ثم ينزل،فيصلي بالناس،فيقرأ بهم في الركعة الأولى بالجمعة،و الثانية بالمنافقين.

الفقهاء:

قالوا:صلاة الجمعة ركعتان،و هي عوض الظهر،و يستحب فيهما الجهر، و ان يقرأ في الركعة الأولى بعد الحمد سورة الجمعة،و في الثانية سورة المنافقين.

و قيل:يستحب فيها قنوتان،قنوت في الركعة الأولى بعد القراءة،و قبل الركوع، و قنوت في الركعة الثانية بعد الركوع.قال صاحب المدارك:و مستند هذه الفتوى رواية ضعيفة،ثم نقل عن الشيخ الصدوق صاحب«من لا يحضره الفقيه»-أحد الكتب الأربعة المعروفة-،نقل عنه أنّه قال:«و الذي استعمله و افتى به،و مضى عليه مشايخي رحمهم اللّه هو أن القنوت في جميع الصلوات في الجمعة و غيرها هو في الركعة الثانية بعد القراءة،و قبل الركوع».

ثم قال صاحب المدارك:«و قال الشيخ المفيد و جمع من الأصحاب:في الجمعة قنوتا واحدا في الركعة الأولى،و هو المعتمد للأخبار الكثيرة الدالة عليه».

و نحن مع الصدوق الذي اكتفى باستحباب قنوت واحد بعد القراءة،قبل الركوع في الركعة الثانية،كما هو الشأن في جميع الصلوات،لأن هذا هو المعهود عندنا من طريقة الشارع،و لأنه قد ثبت في الصحيح عن معاوية بن عمار أن الإمام عليه السّلام قال:«ما أعرف قنوتا إلاّ قبل الركوع».و في مستمسك العروة للسيد

ص:274

الحكيم ج 4،ص 387،الطبعة الأولى نقلا عن كتاب السرائر:«القنوت الواحد هو الذي يقتضيه مذهبنا و إجماعنا».

الشروط:

اشارة

و تجب صلاة الجمعة بشروط:

الإمام المعصوم:

1-تجب صلاة الجمعة عينا مع وجود المعصوم،أو وجود من نصبه هو لهذه الصلاة خاصة،أو لها و لغيرها،و قال المقدس الأردبيلي في شرح الإرشاد:

لا دليل على هذا الشرط من طرق الشيعة إلاّ الإجماع،و اختلف الفقهاء:هل تجوز إقامتها في زمن غيبة الإمام عليه السّلام مثل هذا الزمان،أو لا؟قال جماعة:تجوز،و منهم الشيخ الطوسي.و قال آخرون:لا تجوز،و منهم الشريف المرتضى.

و الحق أن صلاة الجمعة تشرع في حال غيبة الإمام على سبيل التخيير بينها و بين الظهر،و المشهور على ذلك بشهادة العلامة الحلي في التذكرة،و لقول الإمام الصادق عليه السّلام في صلاة الجمعة:«و إذا اجتمع سبعة،و لم يخافوا،أمهم بعضهم»فإن الظاهر من قوله هذا،أن يؤمهم البعض غير المنصوب من قبل الإمام عليه السّلام،بخاصة أن أحدا لم ينقل عن الأئمة عليهم السّلام أنّهم كانوا ينصبون للناس إماما للجمعة بالخصوص،و قال الشيخ الهمداني في المصباح:«لا ينبغي الإشكال في ذلك، كما لا ينبغي الاستشكال في أن الجمعة متى جازت أجزأت عن الظهر».

و أطرف ما قرأت،و أنا أتتبع مصادر هذا الشرط و أقوال العلماء،ما ذكره الشيخ المعظم صاحب الجواهر،و هو يتكلم عن هذا الشرط،قال:ان بعض

ص:275

الشيوخ بالغ و شدد في وجوب صلاة الجمعة عينا في عصر الغيبة،حتى أنّه لا يحتاط في فعل الظهر معها،و لا مصدر لهذا التشدد و المبالغة إلاّ حبّ الرئاسة و السلطنة و الوظائف التي تجعل له في بلاد العجم،و هذا دأب أكثر الذاهبين إلى ذلك من أهل هذه النواحي،و قيل:ان بعضهم كان يبالغ في حرمتها حال قصور يده،و لما ظهرت له كلمة،بالغ في وجوبها.و لو لا خوف الملل لنقلنا أكثر كلماتهم في هذه الوسائل،و أوقفناك على ما فيها من الفضائح و الغرائب.

و لا أدري ما ذا كان يسجل صاحب الجواهر لو رأى قضاة الشرع اليوم، الذين أعرضوا عن كتاب اللّه،و سنة نبيه،و إجماع العلماء و العقل و الحياء، و اتخذوا من شهواتهم و أهوائهم مقياسا للدين و الشريعة،و استعاضوا عن مصادرها بالرشوات،و إغراء السيدات من ربات الحاجات،و بالشفاعات و الوساطات،و وجاهة الوجهاء و أبناء الدنيا.

الحمد للّه الذي نأى بي عن هذا المنصب،و شرفني بالكتاب و القلم،و اتجه بي إلى البحث و التنقيب عن آثار آل الرسول الأطهار صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و علمائهم الأبرار، كصاحب الجواهر،و من إليه.

العدد:

2-لا تنعقد صلاة الجماعة إلاّ بخمسة رجال،على الأقل،قال الإمام الصادق عليه السّلام:«يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زادوا،فان كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم».

و جاء في بعض الروايات سبعة،و في رواية ذكر السبعة و الخمسة معا،قال زرارة:قلت للإمام الصادق عليه السّلام:على من تجب الجمعة؟فقال:على سبعة نفر من

ص:276

المسلمين،و لا جمعة لأقل من خمسة،أحدهم الإمام.

و جمع كثير من الفقهاء بين رواية السبعة،و رواية الخمسة،بأن السبعة شرط للوجوب العيني بحضور الإمام المعصوم عليه السّلام،و الخمسة شرط للوجوب التخييري بينها و بين الظهر في زمن الغيبة،و استدلوا على هذا الجمع برواية زرارة المتقدّمة التي جمعت العددين،و بقول الإمام عليه السّلام في رواية أخرى:«إذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام،فلهم أن يجمعوا»لأن الظاهر من لفظ«لهم»عدم الإلزام بالجمعة،و ذلك إذا لم يحضر الإمام،و نائبه الخاص.

الخطبتان:
اشارة

3-قال الإمام الصادق عليه السّلام:يخطب إمام الجمعة،و هو قائم،يحمد اللّه، و يثني عليه،ثم يوصي بتقوى اللّه،ثم يقرأ سورة من القرآن قصيرة،ثم يجلس، ثم يقوم،فيحمد اللّه،و يثني عليه،و يصلي على محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و على أئمة المسلمين عليهم السّلام،و يستغفر للمؤمنين و المؤمنات،فإذا فرغ من هذا،أقام المؤذن، فصلى بالناس ركعتين،يقرأ في الأولى بسورة الجمعة،و في الثانية بسورة المنافقين.

الفقهاء:

عدوا الخطبتين من الشروط،مع انهما بحكم الصلاة و كيفيتها،و لذا حمل الشيخ الهمداني عدهما من الشروط على المسامحة،و مهما يكن،فان وقت الخطبتين زوال الشمس لا قبله،و يجب تقديمهما على الصلاة،و اشتمال كل منهما على الحمد للّه سبحانه،و الصلاة على النبي و آله،و قراءة سورة خفيفة،أو

ص:277

آية تامة مفيدة،و يجب أن يخطب الإمام قائما مع القدرة،و ان يفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة.

و يستحب أن يكون بليغا محافظا على أوقات الفرائض،و أن يتعمم شتاء و صيفا،و ان يرتدي بردة يمنية.

الجماعة:

4-لا بد أن تكون جماعة،و لا تصح فرادى،بإجماع المسلمين كافة.

الوحدة:

5-قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا كان بين الجماعتين ثلاثة أميال،فلا بأس أن يجمع هؤلاء و يجمع هؤلاء.

و قال الفقهاء استنادا إلى هذه الرواية و غيرها:إذا أقيمت جمعتان و كان بينهما فرسخ على الأقل صحتا معا-قدمنا أن الفرسخ حوالي ستة كيلو مترا على التقريب-و إذا كان بينهما أقل من فرسخ بطلتا معا،إلاّ إذا علمنا أن أحدهما سبقت الأولى،و لو بتكبيرة الإحرام.

الوقت:

6-تجب صلاة الجمعة في أول الزوال،حتى يصير ظل كل شيء مثله،و لا يجوز فعلها بعد هذا الوقت،بل تتعين الظهر.

ص:278

المكلف بصلاة الجمعة:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:انما فرض اللّه على الناس من الجمعة إلى الجمعة 35 صلاة،منها صلاة واحدة فرضها اللّه في جماعة،و هي الجمعة،و وضعها عن الصغير،و الكبير-أي الشيخ الهرم المتهدم-و المجنون،و المسافر،و العبد، و المرأة،و المريض،و الأعمى،و من كان على رأس فرسخين،أي من بعد مكانه عن صلاة الجمعة هذه المسافة.

و لا ذكر في روايات أهل البيت عليهم السّلام المعرج فيما لدي من المصادر،و لكن الفقهاء ذكروه،و اتفقوا كلمة على العمل بهذه الرواية،و على أن المريض و الأعرج و الأعمى و الهرم و المرأة و المسافر،و كل من لا تجب عليه صلاة الجمعة إذا حضر و صلاها صحت منه،و سقطت عنه الظهر،و لكن لا تنعقد به الجمعة،أي لا يكون مكملا للعدد المطلوب،بل لا بد أن يكون العدد متحققا بغير الأعرج و الأعمى و المرأة و العبد.

و تفوت الجمعة بفوات وقتها،و لا يقضيها من كانت قد وجبت عليه،لقول الإمام عليه السّلام:من لم يصل مع الإمام في جماعة فلا صلاة له،و لا قضاء عليه.

ص:279

ص:280

صلاة الفطر و الأضحى

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:صلاة العيدين فريضة،و صلاة الكسوف فريضة.

و قال:لا صلاة في العيدين إلاّ مع الإمام،و ان صليت وحدك فلا بأس.و سئل عن الصلاة يوم الفطر و الأضحى؟فقال:ليس صلاة إلاّ مع الإمام.

الفقهاء:

أجمعوا على وجوب صلاة العيدين:الفطر،و الأضحى في حضور الإمام المعصوم،أو نائبه الخاص،و قال أكثرهم باستحبابها جماعة و فرادى في زمن الغيبة.

و الشروط المعتبرة فيها هي عين الشروط المعتبرة بصلاة الجمعة،سوى أن وقتها يبتدئ من طلوع الشمس إلى الزوال.و من فاتته صلاة العيد فلا قضاء عليه، واجبة كانت،أو مستحبة،تركها عمدا،أو نسيانا،لقول الإمام عليه السّلام:من لم يصل مع الإمام في جماعة فلا صلاة له،و لا قضاء عليه.و اتفقوا جميعا على أن المراد من ذلك غير اليومية،كالعيدين.و اذن،لا معارضة واقعا،و لا ظاهرا بين هذه الرواية،و الرواية القائلة:من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته،لأن التي أوجبت القضاء مختصة باليومية،و التي نفته مختصة بغير اليومية،و مع اختلاف

ص:281

الموضوع،تنتفي المعارضة و المعاندة.

صورتها:

اشارة

قال الإمام الصادق عليه السّلام:ليس في صلاة العيدين أذان و لا إقامة،و لكن ينادى:الصلاة،ثلاث مرات.

و قال الإمام الباقر أبو الإمام جعفر الصادق عليهما السّلام في صلاة العيدين:يكبر واحدة يفتتح بها الصلاة،ثم يقرأ أم الكتاب،و سورة،ثم يكبر خمسا،يقنت بينهن،ثم يكبر واحدة،و يركع بها،ثم يقوم فيقرأ أم الكتاب،و سورة،يقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى،و في الثانية و الشمس و ضحاها،ثم يكبر أربعا، و يقنت بينهن،ثم يركع بالخامسة.

و قال الإمام الصادق عليه السّلام:الخطبة بعد الصلاة،و انما أحدث الخطبة قبل الصلاة عثمان لما أحدث أحداثه كان إذا فرغ من الصلاة قام الناس،فلما رأس ذلك قدم الخطبتين،و احتبس الناس للصلاة.و إذا خطب الإمام فليقعد بين الخطبتين قليلا.

الفقهاء:

قالوا:صلاة العيد لا أذان فيها و لا اقامة،بل ينادي المنادي:الصلاة، يكررها ثلاث مرات،و هي ركعتان،يقرأ في الركعة الأولى الحمد،و سورة من القرآن،و يستحب أن يختار سبح اسم ربك الأعلى،ثم يكبر،و يقنت بما شاء من الدعاء،و الأفضل الدعاء بالمأثور،و هو أن يقول:

«اللهم أهل الكبرياء و العظمة،و أهل الجود و الجبروت،و أهل العفو

ص:282

و الرحمة،و أهل التقوى و المغفرة،أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا،و لمحمد صلّى اللّه عليه و آله ذخرا و شرفا و كرامة و مزيدا،أن تصلي على محمّد و آل محمد،و ان تدخلني في كل خير أدخلت فيه محمّدا و آل محمد،و أن تخرجني من كل سوء أخرجت منه محمّدا و آل محمد صلواتك عليه و عليهم، اللهم إني أسألك خير ما سألك به عبادك الصالحون،و أعوذ بك مما استعاذ منه عبادك المخلصون».

ثم يكبر،و يكرر ذلك خمس مرات،أي يقنت خمس قنوتات متوالية، يفصل بين القنوت و القنوت بتكبيرة واحدة،ثم يكبر و يركع،و يسجد سجدتين، ثم يقوم،و يقرأ الحمد و سورة،و الأفضل سورة الشمس،ثم يكبر و يقنت عقب كل تكبيرة،يفعل ذلك و يكرره أربع مرات،ثم يكبر،و يركع،و يسجد سجدتين ،ثم يتشهد و يسلم،ثم يأتي بالخطبتين بعد الصلاة،بخلاف خطبتي الجمعة، فإنهما قبلها،لا بعدها،كما تقدم.

ص:283

ص:284

صلاة الآيات

اشارة

المراد بالآيات كسوف الشمس،و خسوف القمر،و الزلزال،و كل مخوف سماوي كالريح الهائلة،و الظلمة المفاجئة وسط النهار.و هذه الأربعة توجب الصلاة إطلاقا،في حضور المعصوم عليه السّلام،و غيابه،و لصلاتها صورة معينة، و أحكام خاصة.

دليل الوجوب:

قال الإمام الصادق عليه السّلام:صلاة الكسوف فريضة.

و سئل عن الزلزلة ما هي؟قال:آية.فقال السائل:إذا كان ذلك فما أصنع؟ قال:صل صلاة الكسوف.

و قال الإمام أبو جعفر عليه السّلام:كل أخاويف السماء من ظلمة،أو ريح،أو فزع، فصل له صلاة الكسوف.

و قال الإمام الكاظم ابن الإمام الصادق عليهما السّلام:لما قبض إبراهيم ابن الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم انكسفت الشمس،فقال الناس:انكسفت لفقد ابن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فصعد المنبر،فحمد اللّه،و أثنى عليه،ثم قال:أيّها الناس،ان الشمس و القمر آيتان من آيات اللّه يجريان بأمره،مطيعان له،لا ينكسفان لموت أحد،و لا

ص:285

لحياته،فإذا انكسفتا،أو واحدة منهما فصلوا،ثم نزل و صلى بالناس صلاة الكسوف.

اتفق الجمع على العمل بهذه الروايات،و ما إليها.

الوقت:

اشارة

صلاة الكسوف و الخسوف مؤقتة،و تذهب بذهاب وقتها،و حدّه من أول الكسوف إلى نهايته و تمام انجلاء القرص،و عليه تجوز المبادرة إلى الصلاة بابتداء الكسوف،و تتضايق كلما أو شك الانجلاء على التمام.و الدليل على أن وقتها يبتدئ بابتداء الكسوف قول الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«إذا رأيتم ذلك فصلوا».أمّا الدليل على استمرار الوقت إلى تمام الانجلاء فقول الإمام الصادق عليه السّلام:«ان صليت الكسوف إلى أن يذهب الكسوف عن الشمس و القمر، و تطول في صلاتك فإن ذلك أفضل،و ان أحببت أن تصلي فتفرغ من صلاتك قبل أن يذهب الكسوف فهو جائز».فقوله«إلى أن يذهب الكسوف»،معناه أن يتم الانجلاء.

و إذا احترق جزء يسير من القرص،بحيث لم يتسع الوقت لأقل ما يجب مع ما يتوقف عليه من الشروط،سقط التكليف من الأساس،لاستحالة امتثاله و العمل به.

و إذا اتسع الوقت للصلاة،و لم يصل،فهل يجب عليه القضاء،أو لا؟

الجواب:

ينظر:فإن كان قد احترق القرص بكامله،فعليه القضاء إطلاقا،سواء أعلم بذلك،و ترك متعمدا،أو لم يعلم إلاّ بعد حين.و إن لم يحترق القرص بتمامه

ص:286

يجب القضاء على من علم و ترك عمدا،أو نسيانا،و لا يجب على من لا يعلم، حتى يخرج الوقت.

قال الإمام الصادق عليه السّلام:إذا انكسف القمر،و لم تعلم به،حتى أصبحت، فإن كان احترق كله،فعليك القضاء،و ان لم يكن احترق كله،فلا قضاء عليك.

و بهذه الرواية المفصلة نجمع بين الروايات التي أثبتت القضاء إطلاقا، و الروايات التي نفته إطلاقا.

أمّا الزلزلة فليس لصلاتها في النصوص وقت محدد،و كل ما دلت عليه أن الصلاة تجب لها بمجرد الوجود،و عليه فأي وقت صلاها الإنسان يأتي بها بنية الأداء،لا بنية القضاء.

الصورة:

اشارة

قال الإمام الباقر،و ابنه الإمام الصادق عليهما السّلام:ان صلاة كسوف الشمس، و خسوف القمر،و الرجفة و الزلزلة عشر ركعات-أي ركوعات-و أربع سجدات،يركع خمسا،ثم يسجد في الخامسة،ثم يركع خمسا،ثم يسجد في الخامسة.و ان شئت قرأت سورة في كل ركعة،و ان شئت قرأت نصف سورة في كل ركعة،فإذا قرأت سورة،فاقرأ فاتحة الكتاب.و ان قرأت نصف سورة أجزأك أن لا تقرأ فاتحة الكتاب إلاّ في أول ركعة،حتى تستأنف أخرى،و لا تقل سمع اللّه لمن حمده في رفع رأسك من الركوع إلاّ في الركعة التي تسجد فيها.

الفقهاء:

أجمعوا على العمل بهذه الرواية،و قالوا في شرحها و شرح غيرها:إذا

ص:287

أردت أن تصلي صلاة الكسوف أو الخسوف أو الزلزلة نويت و كبرت للإحرام، ثم قرأت الحمد و سورة،ثم تركع،ثم ترفع رأسك،و تقرأ الحمد و سورة،ثم تركع،و هكذا،حتى تتم خمسا،فتسجد بعد الخامس سجدتين،ثم تقوم للركعة الثانية،فتقرأ الحمد و سورة،ثم تركع،و هكذا إلى العاشر تقنت قبل أن تركعه، و تسجد بعد الركوع العاشر سجدتين،ثم تتشهد و تسلم،و يستحب ان تقول:

سمع اللّه لمن حمده،و أنت تهوي إلى السجود.

و قالوا:يجوز تفريق سورة واحدة على الركعات الخمس الاولى،فتقرأ في القيام الأول من الركعة الأولى الفاتحة،ثم تقرأ بعدها آية من سورة،ثم تركع، و ترفع رأسك،و تقرأ الآية الثانية من تلك السورة و تركع،ثم ترفع رأسك و تقرأ الآية الثالثة،و هكذا إلى الخامس،على شريطة أن تتم السورة في الركعة الأولى التي تحتوي على خمس ركوعات،ثم يقوم إلى الركعة الثانية،و يصنع كما صنع في الأولى،و يكون قد قرأ في كل ركعة الحمد مرة،و السورة مرة،موزعة على الركوعات الخمسة.

و تجوز هذه الصلاة فرادى و جماعة،و لا يتحمل الإمام عن المأموم شيئا سوى القراءة،تماما كما هي الحال في اليومية.سئل الإمام عليه السّلام عن صلاة الكسوف،تصلى جماعة،أو فرادى؟قال:أي ذلك شئت.

مسائل:

1-إذا حصل الكسوف في وقت فريضة لم تؤدها
اشارة

،نظرت:فإن اتسع الوقت لهما معا فابدأ بأيهما شئت،و ان ضاق وقت الفريضة الحاضرة،قدمتها على صلاة الآية،لقول الإمامين الباقر و الصادق عليهما السّلام:إذا وقع الكسوف،أو بعض

ص:288

هذه الآيات فصلها ما لم تتخوف ان يذهب وقت الفريضة،فإن تخوفت فابدأ بالفريضة.

و لو افترض انه مع ضيق الوقت خالف و صلى الكسوف تاركا الفريضة المضيقة،فهل تصح صلاته هذه،أو تبطل.

الجواب:

تصح،لأن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده،أجل،يأثم لمكان العصيان.

2-يثبت الكسوف و الخسوف بالعلم و الوجدان،و بشهادة عدلين

و بقول ذوي الاختصاص

،على شريطة أن يحصل الاطمئنان و الوثوق بقولهم.

و قال قائل:لا يجوز الاعتماد على قولهم،لأنهم يخبرون عن الكسوف و الخسوف و تولد الهلال عن الحدس و التخمين،لا عن العيان و المشاهدة.

و نقول في جوابه:انهم يشاهدون و يعاينون السبب التام للكسوف و تولد الهلال،و بديهة ان العلم بالسبب التام علم بالسبب،و بالعكس، و عليه يكون قولهم عن حس،لا عن حدس.

3-لا تجب هذه الصلاة على الحائض و النفساء

،و بالأولى عدم القضاء لأنه فرع عن الأداء.

ص:289

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.